شذرات الذهب في أخبار من ذهب: ج7
شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد.
http://www.shamela.ws تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة
الكتاب : شذرات الذهب - ابن العماد موافق للمطبوع ودمشق ثم ولي كتابة 201 السر بحلب ثم وكالة بيت المال بالشام وتصدى للإفادة بالجامع الأموي وحدث بدمشق وحلب وغيرهما ذكره شيخه الذهبي في المعجم المختص فقال الإمام العالم الأديب البليغ إلا كمل طلب العلم وشارك في الفضائل وساد في علم الرسايل وقرأ الحديث وكتب المنسوب وجمع وصنف والله يمده بتوفيقه سمع مني وسمعت منه وله تآليف وكتب وبلاغة انتهى وذكر له السبكي في الطبقات الكبرى ترجمة مبسوطة مشتملة على فوايد ووقفت على ترجمة كتبها لنفسه نحو كراسين ذحكر فيها أحواله ومشايخه وأسماء مصنفاته وهي نحو الخمسين مصنفا منها ما أكمله ومنها ما لم يكمله قال وكتبت بيدي ما يقارب خمسمائة مجلد قال ولعل الذي كتبت في ديوان الإنشاء ضعفا ذلك وذكر جملة من شعره توفي بدمشق في شوال ودفن بالصوفية قاله ابن قاضي شهبة وفيها بهاء الدين عبد الوهاب بن عبد الولي بن عبد السلام المراغي المصري الأخميمي ثم الدمشقي الشافعي الزاهد القدوة مولده في حدود سنة سبعمائة اشتغل بالعلم وأشغل به وحفظ الحاوي الصغير وسمع الحديث قال ابن رافع وجمع كتابا في أصول الفقه والدين وقال ابن كثير كان له يد في أصول الدين والفقه وصنف في الكلام كتابا مشتملا على أشياء مقبولة وغير مقبولة وقال السبكي أخذ بالقاهرة عن الشيخ تقي الدين السبكي ولازم الشيخ علاء الدين القونوي ثم خرج إلى الشام واستوطنها وكان إماما بارعا في علم الكلام والأصول ذا قريحة صحيحة وذهن صحيح وذكاء مفرط وعنده دين كثير وتأله وعبادة ومراقبة وصبر على خشونة العيش وكان بيني وبينه صداقة وصحبة ومحبة ومراسلات كثيرة في مباحث جرت بيننا أصولا وكلاما وفقها وصنف في علم الكلام كتابا سماه المنقذ من الزلل في العلم والعمل وأحضره إلي لأقف عليه فوجدته قد سلك طريقا انفرد بها وفي كتابه مويضعات يسيرة لم أرتضها توفي في ذي القعدة مطعونا ودفن بتربته داخل البلد ومراغة بفتح الميم وكسرها قرية من الصعيد إليها ينسب (6/201) ________________________________________ المترجم ومراغة أيضا بلدة من بلاد أذربيجان خرج منها جماعة من الأئمة 202 والمحدثين وهي بفتح الميم ليس إلا وفيها زين الدين أبو حفص عمر بن عيسى بن عمر الباريني الشافعي أحد مشايخ العلم بحلب ولد ببارين قرة من حماة سنة إحدى وسبعمائة وأخذ عن الشيخ شرف الدين البارزي وسمع من الحجار وغيره وسكن حلب وكان إماما عالما فاضلا فقيها فرضيا نحويا أديبا شاعرا بارعا ورعا زاهدا أمارا بالمعروف نهاءا عن المنكر درس بعدة مدارس وأخذ عنه الشيخ شمس الدين بن الركن وشمس الدين الببائي وشرف الدين الداديخي وغيرهم وألف في الفرائض والعربية وكتب المنسوب توفي بحلب في شوال ودفن خارج باب المقام وقال فيه ابن حبيب ( حلب تغير حالها لما اختفى * من فضل زين الدين عنها ما ظهر ) ( ومدارس الفقها بها قد أقفرت * من بعد عامرها أبي حفص عمر ) وفيها زين الدين أبو حفص عمر بن محمد بن عمر بن محمد بن أبي بكر الحراني الأصل ثم الدمشقي الحنبلي الشيخ الصالح سمع من ابن القواس والشرف بن عساكر وعيسى المطعم وغيرهم وسمع صحيح البخاري على اليونيني وحدث وسمع منه الحسيني وشهاب الدين بن رجب وذكراه في معجميها توفي في هذه السنة بدمشق ودفن بمقبرة السالف ظاهر دمشق وفيها عماد الدين محمد بن الحسن بن علي بن عمر القرشي الأموي الأسنائي المصري الشافعي ولد بأسنا في حدود سنة خمس وتسعين وسبعمائة واشتغل بها على والده في الفقه والفرائض والحساب إلى أن مهر في ذلك ثم ارتحل إلى القاهرة وأخذ عن مشايخها وأخذ بحماة عن القاضي شرف الدين البارزي وسمع من جماعة ذكره أخوه في طبقاته فقال كان فقيها إماما في علم الأصلين والخلاف والجدل وعلم التصوف نظارا بحاثا فصيحا حسن التعبير عن الأشياء الدقيقة بالألفاظ الرشيقة دينا خيرا كثير البر والصدقة رقيق القلب طارحا للتكلف مؤثرا للتقشف برع في العلوم ولم يبق له في الأصلين والخلاف والجدل نظير ولا من يقاربه في ذلك (6/202) ________________________________________ 203 من أشياخه وغيرهم صنف مختصرا في علم الجدل سماه المعتبر في علم النظر ثم وضع عليه شرحا جيدا وصنف في التصوف كتابا سماه حياة القلوب وتصنيفا في الرد على النصارى وناب في الحكم في القاهرة وأضيف إليه نظر الأوقاف بها وأوصى أن يعاد إلى من بعده قدر ما تناوله من المعلوم توفي في شهر رجب ودفن بتربة أخيه بمقبرة الصوفية وفيها صلاح الدين محمد بن شاكر بن أحمد بن عبد الرحمن بن شاكر بن هرون بن شاكر الكتبي الداراني ثم الدمشقي المؤرخ سمع من ابن الشحنة والمزي وغيرهما وكان فقيرا جدا ثم تعاني التجارة في الكتب فرزق منها مالا طائلا توفي في رمضان قاله في الدرر وفيها جمال الدين أبو الثناء محمود بن محمد بن إبراهيم بن جملة بن مسلم بن تمام بن حسين بن يوسف الدمشقي الشافعي الخطيب ولد سنة سبع وسبعمائة وسمع من جماعة وحفظ التعجيز لابن يونس وتفقه على عمه القاضي جمال الدين وتصدر بالجامع الأموي وأفتى ودرس بالظاهرية البرانية وناب في الحكم عن عمه يوما واحدا ثم ولي خطابة دمشق سنة تسع وأربعين وأعرض عن الجهات التي في يده واستمر في الخطابة إلى حين وفاته مواظبا على الأشغال والإفتاء والعبادة وكان معظما جاء إليه السلطان ويلبغا فلم يعبأ بهما وسلم عليهما وهو بالمحراب ذكره الذهبي في المعجم المختص فقال شارك في الفضايل وعنى بالرجال ودرس وأشغل وتقدم مع الدين والتصوف وقال السبكي في الطبقات بعد ترجمة حسنة قل أن رأيت نظيره توفي في شهر رمضان ودفن بسفح قاسيون سنة خمس وستين وسبعمائة فيها توفي أبو جعفر أحمد بن عبد الحق بن محمد بن عبد الحق المالكي المالقي الجدلي النحوي يعرف بابن عبد الحق قال في تاريخ غرناطة من صدور أهل العلم متضلع من صناعة العربية حائز قصب السبق فيها عارف بالفروع مشارك في الأصول والأدب والطب قائم على القراآت تصدر للأقراء ببلده وقضى ببلش (6/203) ________________________________________ 204 وغيرها فحسنت سيرته قرأ على أبي عبد الله بن بكر ولازمه وتلا على أبي محمد بن أيوب وروى عن أبي عبد الله الطلجاني وغيره مولده ثامن شوال سنة ثمان وتسعين وستمائة ومات يوم الجمعة سابع عشرى رجب وفيها شهاب الدين أبو عبد الله أحمد بن محمد بن سليمان السرحي البغدادي الحنبلي الشيخ الصالح العالم سمع من الشيخ عفيف الدين الدواليبي مسند الإمام أحمد ومن علي بن حصين وقرأ بالروايات واشتغل بالفقه وأعاد بالمستنصرية وكان فيه ديانة وزهد وخير وله شعر مدح به النبي توفي ببغداد ودفن بمقبرة الإمام أحمد وفيها شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي التتري لأن التتار أسروه وقال الحسيني لأن الفرنج أسروه سنة قازان سمع من سليمان بن حمزة وتفقه في مذهب الإمام أحمد وله مشايخ كثيرة وحدث وسمع منه الحسيني والمقري ابن رجب وذكراه في معجميهما وكان فاضلا متعبدا حسن الأخلاق والملتقى توفي بالصالحية يوم الخميس ثاني جمادى الآخرة ودفن عند جده الشيخ أبي عمر وفيها القاضي جمال الدين أبو حفص عمر بن إدريس الأنباري ثم البغدادي الحنبلي الشهيد الإمام الفاضل قرأ على البابصري وغيره وتفقه حتى مهر في المذهب ونصره وأقام السنة وقمع البدعة ببغداد وأزال المنكرات وكان إماما في الترسل والنظم وله نظم في مسائل الفرائض وارتفع حتى لم يكن في المذهب أجمل منه في زمانه فغضب عليه جماعة من الرافضة فظفروا به فعاقبوه مدة فصبر إلى أن مات شهيدا وتأسف عليه أهل بغداد ودفن بمقبرة الإمام أحمد بالمدرسة التي عمرها ثم أن أعداءه أهلكهم الله تعالى وانتقم منهم جميعا سريعا وفرح أهل بغداد بهلاكهم وفيها القاضي جمال الدين عبد الصمد بن خليل الخضري الحنبلي محدث بغداد المدرس بالبشيرية كان يحدث ويملي التفسير الرسعني من حفظه ويحضره الخلق منهم المدرسون والأكابر وله ديوان شعر حسن وخطب ووعظ وقد مدح الشيخ تقي الدين الزريراتي (6/204) ________________________________________ ورثاه ورثى الشيخ تقي الدين بن تيمية أيضا توفي ببغداد ودفن بمقام 205 الإمام أحمد وفيها نور الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمر بن الشيخ الكبير أبي بكر بن قوام البالسي الأصل الدمشقي الأصيل الفقيه الشافعي ولد في رمضان سنة سبع عشرة وسبعمائة وسمع من جماعة وتفقه ودرس وحدث قال ابن كثير كان من العلماء الفضلاء ودرس بالناصرية البرانية مدة سنين بعد أبيه وبغيرها وتوفي في ربيع الآخر ودفن بسفح قاسيون بزاويتهم وفيها القاضي تقي الدين أبو اليمن محمد بن أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن بن أبي بكر العمري المكي الشافعي الحوازي ولد بمكة سنة ست وسبعمائة وسمع بها كثيرا وتفقه على والده ورحل إلى القاضي شرف الدين البارزي وأجازه بالفتوى والتدريس وكان من الفضلاء وصار إليه أمر الفتيا والتدويس بمكة ثم ولي القضاء في سنة ستين ثم أضيف إليه الخطابة فباشرها نحو سنتين ثم عزل عن ذلك كله في سنة ثلاث وستين بأبي الفضل النويري فلزم بيته حتى مات لا يخرج منه إلا لحج أو صلاة غالبا وكان في قضائه عفيفا نزها وإنما عزل بسبب حكم نقم عليه أنه أخطأ فيه توفي بمكة في جمادى الأولى وفيها القاضي تاج الدين أبو عبد الله محمد بن إسحق بن إبرهيم بن عبد الرحمن السلمي المصري المناوي الشافعي سمع من جماعة وتفقه على عمه ضياء الدين المناوي وطبقته ودرس وأفتى وحدث وناب في الحكم عن القاضي عز الدين بن جماعة وكان إليه الأمر في غيبته وحضوره وولي قضاء العسكر ودرس بالمشهد الحسيني وجامع الأزهر وخطب بالجامع الحاكمي ذكره الأسنوي في طبقاته وقال كان محمود الخصال مشكور السيرة وقال غيره كان مهابا صارما لكنه قليل البضاعة في العلوم مع صرامته في القضاء والعمل بالحق والنصرة للعدل والدربة بالأحكام والاعتناء بالمستحقين من أهل العلم وغيرهم وكان القاضي عز الدين قد ألقى إليه مقاليد الأمور كلها حتى الأقاليم توفي في ربيع الآخر ودفن بتربته بظاهر باب تربة (6/205) ________________________________________ الشافعي وفيها السيد شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الحسن بن عبد الله الحسيني الواسطي نزيل الشامية الجوانية الشافعي المؤرخ ولد سنة سبع 206 عشرة وسبعمائة واشتغل وفضل ودرس بالصارمية وأعاد بالشامية البرانية وكتب الكثير نسخا وتصنيفا بخطه الحسن فمن تصنيفه مختصر الحلية لأبي نعيم في مجلدات سماه مجمع الأحباب وتفسير كبير وشرح مختصر ابن الحاجب في ثلاث مجلدات وكتاب في أصول الدين مجلد وكتاب في الرد على الأسنوي في تناقضه وكان منجمعا عن الناس وعن الفقهاء خصوصا توفي في ربيع الأول ودفن عند مسجد القدم وفيها العارف بالله المحقق محمد بن محمد بن محمد المعروف بسيدي محمد وفا والد بني وفا المشهورين الأسكندري الأصل المالكي المذهب الشاذلة طريقة ولد بثغر الأسكندرية سنة اثنتين وسبعمائة ونشأ بها وسلك طريقة الشيخ أبي الحسن الشاذلي وتخرج على يد الأستاذ ابن باخل ثم رحل إلى أخميم وتزوج بها واشتهر هناك وصار له سمعة ومريدون وأتباعه كثيرة ثم قدم مصر وسكن الروضة على شاطىء النيل وحصل له قبول من أعيان الدولة وغيرهم وكان له فضيلة ومشاركة حسنة ونظم ونثر ومعرفة بالأدب وكثر أصحابه وصاروا يبالغون في تعظيمه وكان لوعظه تأثير في القلوب ثم سكن القاهرة ولم يزل أمره يشتهر وذكره ينتشر مع جميل الطريقة وحسن السيرة إلى أن توفي يوم الثلاثاء حادي عشر ربيع الآخر ودفن بالقرافة وقبره مشهور يزال قاله في المنهل الصافي وفيها محب الدين محمد بن علي بن مسعود الطرابلسي المعروف بابن الملاح النحوي قال في الدرر كان عارفا بالعربية وافر الديانة جيد النظم والكتابة مات بطرابلس وفيها فتح الدين أبو الحرم محمد بن محمد بن محمد بن أبي الحرم بن أبي الفتح القلانسي الحنبلي المسند ولد في ثالث عشر ذي الحجة سنة ثلاث وثمانين وستمائة وسمع الكثير من ابن حمدان والأبرقوهي وغيرهما وحدث فسمع منه المقرىء ابن رجب وذكره في مشيخته وقال فيه صبر وتودد على التحدث سمعت (6/206) ________________________________________ عليه بالقاهرة أجزاء منها السباعيات والثمانيات توفي بالقاهرة في جمادى الأولى وفيها تقي الدين محمد بن الشيخ الإمام المؤرخ قطب الدين موسى بن محمد بن 207 أبي الحسين أحمد بن عبد الله بن عيسى بن أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين بن إسحق بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه هكذا نقل هذا النسب والده المؤرخ قطب الدين الحنبلي سمع من أولاد عمه وأمة العزيز وفاطمة وزينب أولاد الشيخ شرف الدين اليونيني وكان رضي النفس قليل الكلام حسن الخلق كثير الأدب يحمل حاجته بنفسه توفي يوم الأحد ثالث ذي الحجة سنة ست وستين وسبعمائة فيها حصل بمكة والشام غلاء شديد وفيها توفي قطب الدين محمد وقيل محمود بن محمد الرازي القطب المعروف بالتحتاني تمييزا له عن قطب آخر كان ساكنا معه بأعلى المدرسة الظاهرية كان شافعيا إماما ماهرا في علوم المعقول أحد أئمتها اشتغل في بلاده بها فأتقنها وشارك في العلوم الشرعية وأخذ عن العضد وغيره بدمشق وشرح الحاوي والمطالع والإشارات وكتب على الكشاف حاشية وشرح الشمسية في المنطق قال السيوطي قال شيخنا الكافيجي السيد والقطب التحتاتي لم يذوقا علم العربية بل كانا حكيمين وقال السبكي في الطبقات الكبرى إمام مبرز في المعقولات اشتهر اسمه وبعد صيته ورد إلى دمشق سنة ثلاث وستين وسبعمائة وبحثنا معه فوجدناه إماما في المنطق والحكمة عارفا بالتفسير والمعاني والبيان مشاركا في النحو يتوقد ذكاءا وقال ابن كثير كان أحمد المتكلمين العالمين بالمنطق وعلم الأوائل وله مال وثروة توفي في ذي القعدة ودفن بسفح قاسيون وفيها الشيخ نور الدين محمد بن محمود الإمام الفقيه الحنبلي المقرىء البغدادي سمع وخرج وقرأ وأقرأ وتميز وولي الحديث بمسجد يانس بعد القاضي جمال الدين عبد الصمد المذكور قريبا توفي ببغداد ودفن بمقبرة الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه (6/207) ________________________________________ 208 سنة سبع وستين وسبعمائة في يوم الأربعاء ثاني عشر محرمها وصل فرنج أهل قبرس إلى الأسكندرية في سبعين قطعة فعاثوا ونهبوا وأفسدوا وقتلوا وأسروا ورجعوا إلى بلادهم فعندها شرعت الدولة في عمل مراكب وعمارة بقصد قبرس وفيها توفي برهان الدين إبرهيم بن العلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية الحنبلي سمع من ابن الشحنة وغيره واشتغل في أنواع العلوم وأفتى ودرس وناظر ذكره الذهبي في معجمه المختص فقال تفقه بأبيه وشارك في العربية وسمع وقرأ وتنبيه وأسمعه أبوه بالحجاز وطلب نفسه ودرس بالصدرية والتدمرية وله تصدير بجامع الأموي وشرح ألفية ابن مالك وسماه إرشاد السالك إلى حل ألفية ابن مالك وكان له أجوية مسكتة انتهى توفي ببستانه بالمزة يوم الجمعة مستهل صفر وصلى عليه بجامعها ثم بجامع جراح ودفن عند والده بباب الصغير وبلغ من العمر ثمانيا وأربعين سنة وترك مالا كثيرا وفيها ست العرب بنت محمد بن الفخر علي بن أحمد بن عبد الواحد بن البخاري الشيخة الصالحة الحنبلية المسندة المكثرة حضرت على جدها كثيرا وعلى عبد الرحمن بن الزين وغيرهما وحدثت وانتشر عنها حديث كثير وسمع منها الحافظان العراقي والهيثمي والمقري ابن رجب وذكرها في معجمه قال ابن قانع طال عمرها وانتفع بها توفيت بدمشق ليلة الأربعاء مستهل جمادى الأولى ودفنت بسفح قاسيون وتقدم ذكر ولدها شمس الدين محمد وفيها قاضي القضاة عز الدين أبو عمر عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني الحموي الأصل الدمشقي المولد المصري الشافعي ولد بدمشق في المحرم سنة أربع وتسعين وستمائة نشأ في طلب العلم وسمع الكثير وشيوخه سماعا وإجازة يزيدون على ألف وثلاثمائة قاله ابن قاضي شهبة وتفقه على والده (6/208) ________________________________________ 209 والوجيزي وغيرهما وأخذ الأصلين عن الباجي والنحو عن أبي حيان وولي قضاء الديار المصرية مدة طويلة وجعل الناصر إليه تعيين قضاة الشام وحدث وأفتى وصنف وكان كثير الحج والمجاورة وكان مع نائبه القاضي تاج الدين المناوي كالمحجور عليه له الاسم والمناوي هو القائم بأعباء المنصب فلما مات عجز القاضي عز الدين عن القيام به فاستعفى وكان يعاب بالإمساك ولم يحفظ عنه في دينه ما يشينه ذكره الذهبي في المعجم المختص وقد مات قبله بنحو عشرين سنة وقال فيه الإمام المفتي الفقيه المدرس المحدث قدم علينا بوالده طالب حديث في سنة خمس وعشرين فقرأ الكثير وسمع وكتب الطباق وعنى بهذا الشأن وكان خيرا صالحا حسن الأخلاق كثير الفضائل سمعت منه وسمع مني انتهى وكان يقول أشتهي أن أموت بأحد الحرمين معزولا عن القضاء فنال ما تمنى فإنه استعفى من القضاء في السنة التي قبلها وحج فمات في جمادى الآخرة من هذه السنة ودفن بعقبة باب المعلى إلى جانب قبر الفضيل بن عياض بينه وبين أبي القسم القشيري وفيها الملك المجاهد صاحب اليمن علي بن داود بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول ولي السلطنة بعد أبيه في ذي الحجة سنة إحدى وعشرين وثار عليه ابن عمه الظاهر بن المنصور فغلبه وقبض عليه ثم استقرت بلاد اليمن بيد الظاهر وجعل تعز بيد المجاهد ثم حاصره فخربت من الحصار ثم كاتب المجاهد الناصر صاحب مصر فأرسل له عسكرا إلى أن آل أمره بعد قصص طويلة إلى أن استولى المجاهد على البلاد اليمنية جميعا وحج في سنة اثنتين وأربعين وكسا الكعبة وفرق هناك مالا كثيرا ولما رجع وجده ولده غلب على المملكة ولقب المؤيد فحاربه إلى أن قبض عليه وقتله ثم حج في سنة إحدى وخمسين فقدم بخيله على محمل المصريين فاختلفوا ووقع بينهم الحرب فأسر المجاهد وحمل إلى القاهرة فأكرمه السلطان الناصر وحل قيده وقرر عليه ما لا يحمله وخلع عليه وجهزه إلى بلاده واستمر إلى هذه السنة فمات وتسلطان بعده ولده الأفضل (6/209) ________________________________________ عباس 210 وفيها شمس الدين محمد بن يوسف بن عبد القادر بن يوسف بن سعد الله بن مسعود الخليلي الحنبلي العدل سمع من سليمان بن حمزة وعيسى المطعم وغيرهما وحدث فسمع منه الحسيني وقال خرجت له مشيخة وجزءا من عواليه وتفقه وشهد على الحكام مع الصيانة والرياسة والتعفف وقد أجاز للشهاب بن حجي توفي يوم الأربعاء ثامن عشرى شوال ودفن بسقح قاسيون وفيها مجد الدين أبو الفضل محمد بن محمد بن عيسى بن محمود بن عبد الضيف بن أبي عبد الله الأنصاري البعلبكي الشافعي قاضي بعلبك وابن قاضيها ولد سنة إحدى وسبعمائة في رجب واجتهد في الطلب ودأب وكان من الأئمة الحفاظ والعلماء والراسخين قاله العلامة ابن ناصر الدين سنة ثمان وستين وشبعمائة فيها كانت زلزلة هائلة بصفد وفيها توفي شهاب الدين أحمد بن عثمان بن أبي بكر بن بصيص أبو العباس الزبيدي قال الخزرجي كان وحيد دهره في النحو واللغة والعروض متفننا لوذعيا حسن السيرة سهل الأخلاق مبارك التدريس أخذ النحو عن جماعة وأخذ عنه أهل عصره وإليه انتهت الرياسة في النحو رحل الناس إليه من أقطار اليمن وشرح مقدمة ابن بابشاد شرحا جيدا لم يتم وله منظومة في القوافي والعروض وغير ذلك وكان بحرا لا ساحل له مات يوم الأحد حادي عشر شعبان وفيها اقبغا الأحمدي الجلب قال في الدرر لا لا الملك الأشرف شعبان كان من خواص يلبغا ثم كان ممن اتفق على قتله واستقر بعده أميرا كبيرا ثم وقع بينه وبين استدمر فآل أمره إلى أن مات في سجن الأسكندرية في ذي القعدة وفيها عفيف الدين أبو محمد عبد الله بن أسعد بن علي بن سليمان بن فلاح شيخ الحجاز اليافعي اليمني ثم المكي الشافعي ولد قبل السبعمائة بقليل (6/210) ________________________________________ 211 وكان من صغره تاركا لما يشتغل به الأطفال من اللعب فلما رأى والده آثار الفلاح عليه ظاهرة بعث به إلى عدن فاشتغل بالعلم وأخذ عن العلامة أبي عبد الله البصال وغيره وعاد إلى بلاده وحببت إليه الخلوة والانقطاع والسياحة في الجبال وصحب الشيخ على الطواشي وهو الذي سلكه الطريق ثم لازم العلم وحفظ الحاوي الصغير والجمل للزجاجي ثم جاور بمكة وتزوج بها ذكره الأسنوي في طبقاته وختم به كتابه وذكر له ترجمة طويلة وقال كان إماما يسترشد بعلومه ويقتدي وعلما يستضاء بأنواره ويهتدي صنف تصانيفا كثيرة في أنواع العلوم إلا أن غالبها صغير الحجم معقود لمسائل مفردة وكثير من تصانيفه نظم فإنه كان يقول الشعر الحسن الكثير بغير كلفة ومن تصانيفه قصيدة مشتملة على قريب من عشرين علما إلا أن بعضها متداخل كالتصريف مع النحو والقوافي مع العروض ونحو ذلك وكان يصرف أوقاته في وجوه البر وأغلبها في العلم كثير الإيثار والصدقة مع الاحتياج متواضعا مع الفقر مترفعا عن أبناء الدنيا معرضا عما في أيديهم وكان نحيفا ربعة من الرجال مربيا للطلبة والمريدين ولهم به جمال وعزة فنعق بهم غراب التفريق وشتت شمل سالكي الطريق سكرت طباعه وبدت أوجاعه فشكا من رأسه ألما وجسمه سقما وأقام أياما قلائل وتوفي وهو إذ ذاك فضيل مكة وفاضلها وعالم الأبطح وعاملها يرتفع ببركة دعائه عنها الويل وينصب الوبل وتفتح أبواب السماء فيخص منها العالي ويسيل السافل انتهى وقال ابن رافع اشتهر ذكره وبعد صيته وصنف كتبا منها مرهم العلل المعظلة في أصول الدين والإرشاد والتطريز في التصوف وكتاب نشر المحاسن وكتاب نشر الروض العطر في حياة سيدنا أبي العباس الخضر وغير ذلك وكان يتعصب للأشعري وله كلام في ذم ابن تيمية ولذلك غمزه بعض من يتعصب لابن تيمية من الحنابلة وغيرهم ومن شعره ( وقائلة مالي أراك مجانبا * أمورا وفيها للتجارة مربح ) ( فقلت لها مالي بربحك حاجة * فنحن أناس بالسلامة نفرح ) (6/211) ________________________________________ 212 توفي بمكة في جمادى الآخرة ودفن بمقبرة باب المعلى جوار الفضيل بن عياض واليافعي نسبة إلى يافع بالياء والفاء والعين المهملة قبيلة من قبائل اليمن من حمير وفيها نجم الدين عبد الجليل بن سالم بن عبد الرحمن الرويسوني الحنبلي الإمام الجليل القدوة اشتغل بالعلم وحفظ المحرر في الفقه وأعاد بالقبة البيرسية وكان حسن الأخلاق متواضعا من أعيان الحنابلة بمصر توفي بالقاهرة يوم الخميس تاسع عشرى ربيع الأول ورويسون من أعمال نابلس وفيها عبد الوهاب بن أحمد بن وهبان الدمشقي الحنفي قال في الدرر ولد قبل الثلاثين وسبعمائة ومهر في الفقه والعربية والقراءات ودرس وولي قضاء حماة وكان مشكور السيرة ماهرا في الفقه والعربية ونظم قصيدة رائية من الطويل ألف بيت ضمنها غرائب المسائل في الفقه وشرحها وهي نظم متمكن مات في ذي الحجة وفيها محي الدين محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن نباتة الشاعر الشهور المتقدم تعاني الأدب ونظم وسطا وكتب النسخ وقلم الحاشية والغبار وتكسب من ذلك بدمشق وقدم القاهرة بعد السبعين ومات بها بالقرب من ذلك كذا قال في الدرر وجزم مختصر ضوء السخاوي أنه توفي في هذه السنة وفيها يلبغا بن عبد الله الخاصكي الناصري الأمير الكبير الشهير أول ما أمره الناصر حسن مقدم ألف بعد موت تنكز ثم كان يلبغا رأس من قام على أستاذه الناصر حسن حتى قتل وتسلطن المنصور محمد بن حاجي فاستقر أتابكه ثم خلعه في شعبان سنة أربع وستين وتسلطان الأشرف شعبان فتناهت إلى يلبغا الرياسة ولقب نظام الملك وصار إليه الأمر والنهي وهو السلطان في الباطن والأشرف بالاسم وارتقى إلى أن صار العدد الكثير من مماليكه نواب البلاد ومقدمي ألوف واستكثر من المماليك الجلبان وبالغ في الإحسان إليهم والإكرام حتى صاروا يلبسون الطرر الذهبية العريضة فإذا وقعت الشمس عليه تكاد من شدة لمعانها تخطف البصر وبلغت عدة ممالكيه ثلاثة آلاف وكان يسكن الكبش بالقرب من (6/212) ________________________________________ قناطر السباع 213 وكان موكبه أعظم المواكب وأمنت في زمنه الطرقات من العربان والتركمان لقطعه أجنادهم وآثارهم وكان في زمنه وقعة الأسكندرية وأخذ الفرنج لها في أوائل سنة سبع وستين فقام أتم قيام ونزعها من أيديهم وصادر جميع النصارى والرهبان واستنقذ من جميع الديور ما بها من الأموال تحصل على شيء كثير جدا حتى يقال اجتمع عند اثنا عشر ألف صليب منها صليب ذهب زنته عشرة أرطال مصرية وكانت له صدقات كثيرة على طلبة العلم ومعروف كثير في بلاد الحجاز وهو الذي حط المكس عن الحجاج بمكة وعوض أمراءها بلدا بمصر وكان يتعصب للحنفية حتى كان يعطى لمن يتمذهب لأبي حنيفة العطاء الجزيل ورتب لهم الجامكيات الزائدة فتحول جمع من الشافعية لأجل الدنيا حنيفة وحاول في آخر عمره أن يجلس الحنفي فوق الشافعي فعاجله القتل وذلك أن مماليكه منهم اقبغا المتقدم ذكره في أول هذه السنة اجتمعوا على قتله ففر ثم جاء طائعا في عنقه منديل فأمر السلطان بحبسه ثم أذن في قتله وذلك في ربيع الآخر قاله في الدرر سنة تسع وستين وسبعمائة في ثاني عشرى محرمها طرق الفرنج طرابلس في مائة وثلاثين مركبا فقتلوا وأسروا وأفسدوا ونهبوا ورجعوا وفيها توفي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن لولو المصري الشافعي ولد سنة اثنتين وسبعمائة واشتغل بالعلم وله عشرون سنة فأخذ الفقه عن التقي السبكي والقطب السنباطي وغيرهما وأخذ النحو عن أبي حيان وبرع واشتغل بالعلم وانتفع به الناس وتخرج به فضلاء وحدث وصنف تصانيف نافعة منها مختصر الكفاية في ست مجلدات ونكت المنهاج في ثلاث مجلدات وهي كثيرة الفائدة وكتاب على المهذب في مجلدين وتهذيب التنبيه مختصر نفيس ذكره صاحبه الأسنوي فقال كان عالما بالفقه والقراءات والتفسير والأصول والنحو يستحضر من الأحاديث شيئا كثيرا أديبا شاعرا ذكيا فصيحا صالحا (6/213) ________________________________________ 214 ورعا متواضعا طارحا للتكلف متصوفا كثير البر والمروءة حسن الصوت بالقراءة كثير الحج والمجاورة بمكة والمدينة وافر العقل مواظبا على الاشتغال والاشغال والتصنيف لا أعلم في أهل العلم بعده من اشتمل على صفاته ولا على أكثرها ولم يكتب على فتوى تورعا ولم يل تدريسا وكان كثير الانبساط حلو النادرة فيه دعابة زائدة توفي في شهر رمضان بمصر ودفن بتربة الشيخ جمال الدين الأسنوي خارج باب النصر وفيها عز الدين أبو يعلى حمزة بن موسى بن أحمد بن الحسين بن بدارن الإمام العلامة الحنبلي المعروف بابن شيخ السلامية سمع من الحجار وتفقه على جماعة ودرس بالحنبلية وبمدرسة السلطان حسن بالقاهرة وأفتى وصنف تصانيف عدة منها على إجماع ابن حزم استدراكات جيدة وشرح على أحكام المجد بن تيمية وجمع على المنتقى في الأحكام عدة مجلدات وله كتاب نقض الإجماع واختار بيع الوقف للمصلحة موافقة لابن قاضي الجبل وغيره وصنف فيه مصنفا سماه رفع الماقلة في منع المناقلة وكان له اطلاع جيد ونقل مفيد على مذاهب العلماء المعتبرين واعتناء بنصوص أحمد وفتاوى الشيخ تقي الدين بن تيمية وله فيه اعتقاد صحيح وقبول لما يقوله وينصره ويوالي عليه ويعادي فيه ووقف درسا وكتبا بتربته بالصالحية وعين لذلك الشيخ زين الدين بن رجب توفي بالصالحية ليلة الأحد حادي عشرى ذي الحجة ودفن عند والده وجده عند جامع الأفرم وفيها بهاء الدين أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن عقيل الشافعي قال ابن شهبة رئيس العلماء وصدر الشافعية بالديار المصرية العقيلي الطالبي البالسي الحلبي ثم المصري ولد سنة أربع وتسعين وستمائة وسمع الحديث وأخذ الفقه عن الزين بن الكناني وغيره وقرأ النحو على أبي حيان ولازمه في ذلك اثنتي عشرة سنة حتى قال أبو حيان ما تحت أديم السماء انحى من ابن عقيل وأخذ الأصول والفقه عن العلاء القونوي ولازمه وقرأ القراءات على التقي الصايغ واشتهر اسمه وعلا ذكره وناب في الحكم عن (6/214) ________________________________________ القاضي جلال الدين ثم عن العز بن جماعة ودرس 215 بزاوية الشافعي بمصر في آخر عمره وولي التفسير بالجامع الطولوني وختم به القرآن تفسيرا في مدة ثلاث وعشرين سنة ثم شرع بعد ذلك من أول القرآن فمات في أثناء ذلك وشرح الألفية شرحا متوسطا حسنا لكنه اختصر في النصف الثاني جدا وشرح التسهيل شرحا متوسطا سماه بالمساعد وشرع في تفسير مطول وصل فيه إلى اثناء النساء وله آخر لم يكمله سماه بالتعليق الوجيز على كتاب العزيز وقال ابن رافع كان قوي النفس تخضع له الدولة ولا يتردد إلى أحد وعنده حشمة بالغة وتنطع زائد في الملبس والمأكل وكان لا يبقى على شيء ومات وعليه دين قد ولي القضاء نحو ثمانين يوما وفرق على الطلبة والفقهاء في ولايته مع قصرها نحو ستين ألف درهم يكون أكثر من ثلاثة آلاف دينار وذكره الأسنوي في طبقاته ولم ينصفه وفي كلامه تحامل عليه وكان فيه لثغة وروى عنه سبطه جلال الدين والجمال بن ظهيرة والولي العراقي ومات بالقاهرة ليلة الأربعاء ثالث عشرى ربيع الأول ودفن بالقرب من الإمام الشافعي ومن شعره ( قسما بما أوليتم من فضلكم * للعبد عند قوارع الأيام ) وفيها قاضي القضاة موفق الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الملك بن عبد الباقي الحجاوي الحنبلي الإمام العلامة قاضي القضاة بالديار المصرية سمع الحديث بالقاهرة من ابن الصواف وطبقته وحدث فسمع منه الحافظان الزين العراقي والهيثمي وتفقه وأفتى ودرس وباشر القضاء من سنة ثمان وثلاثين إلى أن توفي ذكره الذهبي في معجمه المختص فقال عالم ذكي خير صاحب مروءة وديانة وأوصاف حميدة وله يد طولى في المذهب وقدم علينا وهو طالب حديث سنة سبع عشرة فسمع من ابن عبد الدايم وعيسى المطعم وعنى بالرواية وهو ممن أحبه الله وحمدت سيرته في القضاء وانتشر في أيامه مذهب أحمد بالديار المصرية وكثر فقهاء الحنابلة بها انتهى وأثنى عليه الأئمة منهم أبو زرعة بن العراقي وابن حبيب توفي نهار الخميس سابع (6/215) ________________________________________ عشرى المحرم بالقاهرة ودفن بترتبه التي أنشأها خارج 216 باب النصر وفيها زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي بكر بن أيوب بن سعد أخو شمس الدين بن قيم الجوزية الحنبلي كان إماما قدوة سمع من ابن عبد الدايم وعيسى المطعم والحجار وحدث وذكره ابن رجب في مشيخته وقال سمعت عليه كتاب التوكل لابن أبي الدنيا بسماعه على الشهاب العابر وتفرد بالرواية عنه توفي ليلة الأحد ثامن عشرى ذي الحجة وصلى عليه من الغد بجامع دمشق ودفن بالباب الصغير وفيها القاضي صدر الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عياش بن عسكر المعروف بابن الخابوري الشافعي شيخ طرابلس وخطيبها ومفتيها أخذ عن البرهان الفزاري والزين بن الزملكاني ودخل مصر وأخذ عن علمائها وسمع وحدث واشتغل وأفاد وولي القضاء بصفد مدة وكانت تأتيه الفتاوى من البلاد البعيدة جاء رجل بفتوى إلى الشيخ فخر الدين المصري فقال له من أين أنت قال من صفد فقال عندكم مثل ابن الخابوري وتسألنا هو أعلم منا ورد الفتوى ثم نقل إلى قضاء طرابلس ثم عزل واستمر على الخطابة قال ابن كثير كان فقيها جيدا مستحضرا للمذهب له اعتناء جيد وقد أذن لجماعة بالإفتاء توفي بالمحرم وقد جاوز السبعين ووالده كان قاضي بعلبك قال ابن كثير كان أكبر أصحاب الشيخ تاج الدين الفزاري توفي بدمشق في جمادى الأولى سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة عن سبعين سنة وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن محمد بن يوسف بن قدامة الشيخ المسند المعمر الأصيل الحنبلي ولد سنة ثمان وثمانين وستمائة وحضر على ابن البخاري وتفرد عنه برواية جزءا ابن نجيب وسمع منه الحافظان الزين العراقي والنور الهيثمي والشيخ شهاب الدين بن حجي توفي يوم الثلاثاء ثاني ذي الحجة بالصالحية ودفن بقاسيون وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف بن عبد اللطيف الحراني ثم المصري الحنبلي الإمام القدوة سمع صحيح البخاري على الحجار (6/216) ________________________________________ وسمع أيضا على حسن الكردي وغيره وحدث فسمع منه أبو زرعة العراقي 217 توفي في رمضان بالقاهرة وفيها قاضي القضاة جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن محمد بن التقي عبد الله بن محمد بن محمود الشيخ الإمام العلامة الصالح الخاشع شيخ الإسلام المرداوي الحنبلي ولد سنة سبعمائة تقريبا وسمع صحيح البخاري من ابن عبد الدايم وابن الشحنة ووزيرة وسمع من غيرهم وأخذ النحو عن القحفاري وولي قضاء الحنابلة بالشام سبع عشرة سنة بعد موت ابن المنجا بعد تمنع زائد وشروط شرطها عليهم واستمر إلى أن عزل في سنة سبع وستين بشرف الدين بن قاضي الجبل وذلك لخيره عند الله تعالى وكان يدعو أن لا يتوفاه الله قاضيا ذكره الذهبي في المعجم المختص فقال الإمام المفتي الصالح أبو الفضل شاب خير إمام في المذهب وله اعتناء بالإسناد وقال الشهاب بن حجي كان عفيفا نزها ورعا صالحا ناسكا خاشعا ذا سمت حسن ووقار يركب الحمارة ويفصل الحكومات بسكون عارفا بالمذهب لم يكن فيهم مثله وشرح المقنع وجمع كتابا في الفقه سماه الانتصار ومصنفا سماه الواضح الجلي في نقض حكم ابن قاضي الجبل الحنبلي وذلك أنه اختار جواز بيع الوقف لمصلحة وحكم به وقال ابن حبيب في تاريخه عالم علمه زاهر وبرهان ورعه ظاهر وإمام تتبع طرائقه وتغتنم ساعاته ودقائقه كان لين الجانب متلطفا بالطالب رضي الأخلاق شديد الخوف والاشفاق عفيف اللسان كثير التواضع والإحسان لا يسلك في ملبسه سبيل أبناء الزمان ولا يركب حتى إلى دار الإمارة غير الاتان توفي يوم الثلاثاء ثامن ربيع الأول بالصالحية ودفن بتربة الموفق بسفح قاسيون سنة سبعين وسبعمائة في رجبها هلك صاحب قبرس الذي هجم على الأسكندرية وتولى ولده فأرسل بهدية وطلب الهدنة فوقع الصلح ولله الحمد وفيها توفي صاحب تونس إبراهيم بن أبي بكر بن يحيى بن إبراهيم واستقر بعده ابنه أبو البقاء خالد وفيها قاضي القضاة بدر الدين الحسن بن محمد بن سليمان بن حمزة بن أحمد (6/217) ________________________________________ 218 ابن أبي عمر الحنبلي الشيخ الإمام المقدسي الأصل ثم الدمشقي سمع من جده وعيسى المطعم وغيرهما وحدث ودرس بدار الحديث الأشرفية بسفح قاسيون ودرس بالجوزية أيضا وكان بيده نصف تدريسها وناب في الحكم عن ابن قاضي الجبل وتوفي ليلة الخميس خامس ربيع الأول ودفن بسفح قاسيون وفيها رضي الدين أبو مدين شعيب بن محمد بن جعفر بن محمد التونسي النحوي قال في الدرر كان أحد أذكياء العالم ولد في شعبان سنة سبع وعشرين وسبعمائة وأخذ عن ابن عبد السلام وغيره وكان علامة في الفقه والنحو والفرائض والحساب والمنطق جيد القريحة وافر الفضل أتقن علوما عدة حتى الكتابة والتزميك وقدم القاهرة سنة سبع وخمسين ثم توطن حماة ومات بها وفيها القاضي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن خلف بن كامل بن عطاء الله الغزي ثم الدمشقي الشافعي مولده سنة ست عشرة وسبعمائة بغزة وأخذ بالقدس عن الشيخ تقي الدين القلقشندي وقدم دمشق واشتغل بها ثم رحل إلى القاضي شرفالدين البارزي فتفقه عليه وأذن له بالفتيا ثم عاد إلى دمشق وجد واجتهد وسمع الحديث ودرس وأعاد وناب للقاضي تاج الدين السبكي وترك له تدريس الناصرية الجوانية وألف كتاب ميدان الفرسان جمع فيه أبحاث الرافعي وابن الرفعة والسبكي وهو كتاب نفيس في خمس مجلدات توفي في شهر رجب ودفن بتربة السبكيين وفيها بدر الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن سمحان الوايلي البكري العلامة الشافعي الأصيل إمام أهل اللغة في عصره المعروف بابن الشريشي أخذ عن والده وقرأ النحو على أبي العباس الغساني وبرع في الفقه واللغة والغريب ونظم الشعر وكان يستحضر الفائق للزمخشري والصحاح والجمهرة والنهاية وغريب أبي عبيد والمنتهى في اللغة للبرمكي وهو أكثر من ثلاثين مجلدا وقد عقد له مجلس بحضرة أعيان علماء دمشق وامتحن في هذه الكتب في شعبان سنة ثلاث وستين ونزل له والده عن درس الاقبالية (6/218) ________________________________________ 219 وكان قليل الاختلاط بالناس منجمعا على طلب العلم وكان أخوه شرف الدين يقول أخي بدر الدين أزهد مني قال ابن حبيب في تاريخه توفي في ربيع الآخر عن ست وأربعين سنةودفن عند والده وفيها أقضى القضاة صلاح الدين أبو البركات محمد بن محمد بن المنجا بن عثمان بن أسعد التنوخي المعري الحنبلي سمع الحجار وطبقته وحفظ المحرر ودرس بالمسمارية والصدرية وناب في الحكم لعمه قاضي القضاة علاء الدين ثم ناب للقاضي شرف الدين بن قاضي الجبل وكان من أولاد الرؤساء ذا دين وصيانة حدث ودرس وحج غير مرة وكان كريم النفس حسن الخلق والشكل ذا حشمة ورآسة على قاعدة أسلافه توفي ليلة الخميس رابع شهر ربيع الآخر وصلى عليه من الغد بجامع دمشق ودفن بتربتهم بالصالحية وقد جاوز الخمسين سنة إحدى وسبعين وسبعمائة فيها توفي قاضي القضاة شرف الدين أبو العباس أحمد بن الحسن بن عبد الله بن أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة الحنبلي الشيخ الإمام جمال الإسلام صدر الأئمة الأعلام شيخ الحنابلة المقدسي الأصل ثم الدمشقي المشهور بابن قاضي الجبل مولده على ما كتبه بخطه في الساعة الأولى من يوم الإثنين تاسع شعبان سنة ثلاث وتسعين وستمائة وكان متفننا عالما بالحديث وعلله والنحو واللغة والأصاين والمنطق وله في الفروع القدم العالي قرأ على الشيخ تقي الدين بن تيمية عدة مصنفات في علوم شتى وأذن له في الافتاء فأفتى في شبيبته وسمع في الصغر من الفراء وابن الواسطي ثم طلب بنفسه بعد العشر وسبعمائة وأجازه والده والمنجا التنوخي وابن القواس وابن عساكر وفي مشايخه كثيرة ودرس بعدة مدارس ثم طلب في آخر عمره إلى مصر ليدرس بمدرسة السلطان حسن وولي مشيخة سعيد السعداء وأقبل عليه أهل مصر وأخذوا عنه وأقام بها مدة يدرس ويشغل ويفتي ورأس على أقرانه إلى أن ولي القضاء بدمشق بعد جمال الدين المرداوي سنة سبع وستين وكان عنده مداراة وحب للمنصب (6/219) ________________________________________ 220 ووقع بينه وبين الحنابلة وباشر القضاء دون الأربع سنين إلى أن مات وهو قاض وذكره الذهبي في معجمه المختص والحسيني فقال فيه مفتي الفرق سيف المناظرين وبالغ ابن رافع وابن حبيب في مدحه ومن إنشاده وهو بالقاهرة ( الصاحلية جنة * والصالحون بها أقاموا ) ( فعلى الديار وأهلها * مني التحية والسلام ) وله أيضا ( نبيي أحمد وكذا إمامي * وشيخي أحمد كالبحر طامي ) ( واسمي أحمد وبذاك أرجو * شفاعة أشرف الرسل الكرام ) وله اختيارات في المذهب منها بيع الوقف للحاجة ومنها أن النزول تولية وله عدة مصنفات منها كتاب المناقلة في الأوقاف وما في ذلك من النزاع والخلاف وتبعه على ذلك جماعة وكلهم تبع اللشيخ تقي الدين توفي بمنزله بالصالحية يوم الثلاثاء رابع عشر رجب ودفن بتربة جده الشيخ أبي عمر وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر بن حسين الشيخ الصالحي المسند الشيرازي الأصل ثم الدمشقي الحنبلي المعروف بزغنش بزاي مضمومة ثم غين معجمة ثم نون مضمومة ثم شين معجمة كذا ضبطه صاحب المبدع في كتابه المقصد الأرشد في ذكر أصحاب أحمد ويعرف أيضا بابن مهندس الحرم ولد سنة بضع وسبعين وستمائة وسمع على الفخر بن البخاري وحدث فسمع منه الحسيني وابن رجب وغيرهما وكان قيم الضيائية رجلا جيدا كثير التلاوة للقرآن من الأخيار الصالحين وطال عمره حتى رأى من أولاده وأحفاده مائة وهو جد المحدث شهاب الدين أحمد بن المهندس توفي يوم الأحد ثامن المحرم ودفن بتربة الموفق بالروضة وقد قارب المائة وفيها سرى الدين أبو الوليد إسمعيل بن محمد بن محمد بن علي بن عبد الله بن هاني الغرناطي المالكي ولد سنة ثمان وسبعمائة بغرناطة وأخذ عن جماعة من أهل بلده كابن جزى وقدم القاهرة فذاكر أبا حيان ثم قدم الشام وأقام بحماة واشتهر بالمهارة في العربية وولي قضاء المالكية (6/220) ________________________________________ 221 بحماة وهو أول مالكي ولي القضاء بها ثم قضاء الشام ثم أعيد إلى حماة ثم دخل مصر وأقام يسيرا وشرح تلقين أبي البقاء في النحو وقطعة من التسهيل وكان يحفظ من الشواهد كثيرا جدا ولم يكن من المالكية بالشام مثله في سعة علومه وبالغ ابن كثير في الثناء عليه قال وكان كثير العبادة وفي لسانه لثغة في حروف متعددة ولم يكن فنه ما يعاب إلا أنه استناب ولده وكان سيىء السيرة جدا وكان يحفظ الموطأ ويرويه عن ابن جزى وروى عنه ابن عساكر والجمال خطيب المنصورية وجماعة توفي في ربيع الآخر قاله السيوطي في طبقات النحاة وفيها قاضي القضاة تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام السبكي الشافعي ولد بالقاهرة سنة سبع وعشرين وسبعمائة وسمع بمصر من جماعة ثم قدم دمشق مع والده في جمادى الآخرة سنة تسع وثلاثين وسمع بها من جماعة واستغل على والده وغيره وقرأ على الحافظ المزي ولازم الذهبي وتخرج به وطلب بنفسه ودأب وأجازه شمس الدين بن النقيب بالإفتاء والتدريس ولما مات ابن النقيب كان عمره ثمان عشرة سنة وأفتى ودرس وصنف وأشغل وناب عن أبيه بعد وفاة أخيه القاضي حسين ثم اشتغل بالقضاء بسؤال والده في شهر ربيع الأول سنة ست وخمسين ثم عزل مدة لطيفة ثم أعيد ثم عزل بأخيه بهاء الدين وتوجه إلى مصر على وظائف أخيه ثم عاد إلى القضاء على عادته وولي الخطابة بعد وفاة ابن جملة ثم عزل وحصل له فتنة شديدة وسجن بالقلعة نحو ثمانين يوما ثم عاد إلى القضاء وقد درس بمصر والشام بمدارس كبار العزيزية والعادلية الكبرى والغزالية والعذراوية والشاميتين والناصرية والأمينية ومشيخة دار الحديث الأشرفية وتدريس الشافعي بمصر والشيخونية والميعاد بالجامع الطولوني وغير ذلك وقد ذكره الذهبي في المعجم المختص وأثنى عليه وقال ابن كثير جرى عليه من المحن والشدائد ما لم يجر على قاض قبله وحصل له من المناصب ما لم يحصل لأحد قبله وقال (6/221) ________________________________________ الحافظ شهاب الدين بن حجي خرج له ابن سعد مشيخة ومات قبل تكميلها وحصل فنونا من العلم من الفقه 222 والأصول وكان ماهرا فيه والحديث والأدب وبرع وشارك في العربية وكان له يد في النظم والنثر جيد البديهة ذا بلاغة وطلاقة لسان وجراءة جنان وذكاء مفرط وذهن وقاد صنف تصانيف عدة في فنون على صغر سنه وكثرة أشغاله قرئت عليه وانتشرت في حياته وبعد موته قال وانتهت إليه رياسة القضاء والمناصب بالشام وحصلت له محنة بسبب القضاء وأوذي فصبر وسجن فثبت وعقدت له مجالس فأبان عن شجاعة وأفحم خصومه مع تواطئهم عليه ثم عاد إلى مرتبته وعفا وصفح عمن قام عليه وكان سيدا جوادا كريما مهيبا تخضع له أرباب المناصب من القضاة وغيرهم توفي شهيدا بالطاعون في ذي الحجة خطب يوم الجمعة وطعن ليلة السبت رابعة ومات ليلة الثلاثاء ودفن بتربتهم بسفح قاسيون عن أربع وأربعين سنة ومن تصانيفه شرح مختصر ابن الحاجب في مجلدين سماه رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب وشرح منهاج البيضاوي والقواعد المشتملة على الأشباه والنظائر وطبقات الفقهاء الكبرى في ثلاثة أجزاء والوسطى مجلد ضخم والصغرى مجلد لطيف والترشيح في اختيارات والده والتوشيح على التنبيه والتصحيح والمنهاج وجمع الجوامع في أصول الفقه وشرحه بشرح سماه منع الموانع وجلب حلب جواب عن أسئلة سأل عنها الأذرعي وغير ذلك وفيها موفق الدين أبو الحسن علي بن أبي بكر بن محمد بن علي بن شداد الحميري اليمني قال الخزرجي كان فقيها عالما نحويا لغويا محدثا عارفا محققا في فنونه انتهت إليه الرياسة في اليمن في القراءات ورحل إليه الناس وانتشر ذكره مات ليلة الإثنين تاسع شوال وفيها أقضى القضاة بدر الدين أبو المعالي محمد بن محمد بن عبد اللطيف أبي الفتح بن يحيى بن علي بن تمام الأنصاري الشافعي السبكي ولد بالقاهرة سنة أربع أو خمس أو ست وثلاثين وسبعمائة وسمع من جماعة بمصر والشام وكتب بعض الطباق وكان إماما عالما بارعا أوحد وحصل (6/222) ________________________________________ ودرس وأفتى وحدث بالركنية وعمره خمس عشرة سنة في حياة جده لأمه تقي الدين السبكي وناب في الحكم لخاله تاج الدين ثم ولي قضاء العسكر ولما ولي خاله بهاء الدين قضاء 223 الشام كان هو الذي يباشر عنه القضاء والشيخ بهاء الدين لا يباشر شيئا في الغالب ودرس بالشاميتين الجوانية أصالة والبرانية نيابة عن خاله تاج الدين قال ابن كثير وكان ينوب عن خاله في الخطابة وكان حسن الخطابة كثير الأدب والحشمة متوددا إلى الناس وهم مجمعون على محبته شابا حسن الشكالة توفي بالقدس في شوال ودفن بمقابر باب الرحمة سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة فيها ظهر في الشام وحمص وحلب بعد العشاء حمرة عظيمة كأنها الجمر وصارت في خلال النجوم كالعمد البيض حتى سدت الأفق ودام إلى الفجر وخفي بسببه ضوء القمر فتباكى الناس وضجوا بالدعاء وفي محرمها درس بدمشق بالمدرسة الأمينية تقي الدين علي بن تاج الدين عبد الوهاب السبكي وهو ابن سبع سنين وهذا من العجائب وفيها توفي القدوة بدر الدين الحسن بن محمد بن صالح بن محمد بن محمد بن عبد المحسن بن علي المجاور القرشي النابلسي الحنبلي طلب الحديث بنفسه وسمع من عبد الله بن محمد بن أحمد بنابلس ومن جماعة بمصر والأسكندرية ودمشق وولي إفتاء دار العدل بمصر ودرس بمدرسة السلطان الملك الأشرف ورحل إلى الثغر وذكر الذهبي أنه علق عنه وصنف البرق الوميض في ثواب العيادة والمريض وشمعة الأبرار ونزهة الأبصار وتوفي في رابع عشر جمادى الآخرة وفيها جمال الدين أبو محمد عبد الرحيم بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن إبراهيم القرشي الأموي الأسنوي المصري الشافعي الإمام العلامة منقح الألفاظ ومحقق المعاني ولد بأسنا في رجب سنة أربع وسبعمائة وقدم القاهرة سنة إحدى وعشرين وسمع الحديث واشتغل بأنواع العلوم وأخذ الفقه عن الزنكلوني والسنباطي والسبكي والقزويني والوجيزي وغيرهم والنحو عن أبي حيان والعلوم العقلية عن القونوي والتستري وغيرهما وانتصب (6/223) ________________________________________ للإقراء والإفادة من سنة سبع وعشرين 224 ودرس التفسير بجامع طولون وولي وكالة بيت المال ثم الحسبة ثم تركها وعزل من الوكالة وتصدى للأشغال والتصنيف ذكره تلميذه سراج الدين بن الملقن في طبقات الفقهاء فقال شيخ الشافعية ومفتيهم ومصنفهم ومدرسهم ذو الفنون الأصول والفقه والعربية وغير ذلك وقال غيره تخرج به خلق كثير وأكثر علماء الديار المصرية طلبته وكان حسن الشكل حسن التصنيف لين الجانب كثير الإحسان للطلبة ملازما للإفادة والتصنيف من تصانيفه كافي المحتاج في شرح المنهاج وصل فيه إلى المساقاة وهو أنفع شروح المنهاج والكوكب الدري في تخريج مسائل الفقه على النحو وتصحيح التنبيه وطبقات الشافعية وغير ذلك وقال السيوطي في طبقات النحاة انتهت إليه رياسة الشافعية وصار المشار إليه بالديار المصرية وكان ناصحا في التعليم مع البر والدين والتواضع والتودد يقرب الضعيف المستهان ويحرص على إيصال الفائدة للبليد ويذكر عنده المبتدىء الفائدة المطروقة فيصغي إليه كأنه لم يسمعها جبرا لخاطره مع فصاحة العبارة وحلاوة المحاضرة والمروءة البالغة توفي فجأة ليلة الأحد ثامن عشرى جمادى الأولى بمصر ودفن بتربة بقرب مقابر الصوفية وفيها أبو الفرج عبد اللطيف بن عبد المنعم النميري الحنبلي المعروف والده بابن الصقيل كان إماما مسندا جليلا تولى مشيخة دار الحديث الكاملية بالقاهرة وأقام بها مدة وتوفي بقلعة الجبل بالقاهرة وفيها علاء الدين علي بن عمر بن أحمد بن عبد المؤمن الصوري الأصل الصالحي الحنبلي الشيخ المسند الخير الصالح ولد سنة اثنتين وتسعين وستمائة وسمع من جده أحمد بن عبد المؤمن والتقي سليمان بن حمزة وغيرهما وأجاز له أبو الفضل بن عساكر وابن القواس ولحقه صمم وكان يتلو القرآن كثيرا وسمع منه الشهاب بن حجي توفي في العشر الآخر من جمادى الآخرة بالصالحية ودفن بسفح قاسيون وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد الزركشي المصري (6/224) ________________________________________ الحنبلي الشيخ الإمام العلامة كان إماما في المذهب له تصانيف مفيدة أشهرها شرح الخرقي لم يسبق إلى مثله 225 وكلامه فيه يدل على فقه نفسي وتصرف في كلام الأصحاب أخذ الفقه عن قاضي القضاة موفق الدين عبد الله الحجاوي قاضي الديار المصرية وقال ولده الشيخ زين الدين عبد الرحمن أخبرني والدي أن عمره يعني عند وفاته نحو خمسين سنة وأن أصله من عرب بني مهنا الذين هم من جند الشام ناحية الرحبة توفي ليلة السبت رابع عشرى جمادى الأولى في حياة والدته الحاجة فقها ودفن بالقرافة الصغرى وتوفيت والدته في خامس ربيع الآخر سنة ست وسبعين وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك بن مكنون بن نجم العجلوني الدمشقي الحنبلي خطيب بيت لهيا وابن خطيبها سمع وزيرة وأجاز له جماعة منهم القاسم بن عساكر وابن القواس وحدث فسمع منه شهاب الدين بن حجي ثلاثيات البخاري عن وزيرة توفي في جمادى الأولى ببيت لها ودفن هناك وفيها الجلال أبو ذر محمد بن محمد بن عبد الرحيم بن عبد الوهاب بن علي بن أحمد بن عقيل السلمي البعلبكي الحافظ ابن الخطيب المنعوت بالجلال ذكره ابن ناصر الدين في منظومته فقال ( محمد فتى الخطيب الثالث ذاك الجلال ذو علوم باحث ) وقال في شرحها مولده سنة تسع وسبعمائة بيقين وكان إماما حافظا من المتقنين فقيها كاتبا ذا عربية ولغة مع صلاح ودين انتهى وفيها أبو زكريا يحيى بن أحمد بن أحمد بن صفوان العييني المالكي النحوي المقرىء كان إماما عالما عارفا بالقراءات والعربية صالحا زاهدا سمع ببلده من عبد الله بن أيوب ومنه أبو حامد ابن طهيرة وجاور بمكة مدة وأم بمقام المالكية ومات بها قاله السيوطي سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة بها ابتدأ الحافظ ابن حجر كتابه أنباء الغمر بأنباء العمر فإنه ولد في شعبانها (6/225) ________________________________________ 226 وفيها أمر السلطان الملك الأشرف الأشراف أن يمتازوا عن الناس بعصايب خضر على العمايم ففعل ذلك بمصر والشام وغيرهما وفي ذلك يقول عبد الله بن جابر الأندلسي نزيل حلب ( جعلوا لأبناء الرسول علامة * أن العلامة شأن من لم يشهر ) ( نور النبوة في كريم وجوههم * تغني الشريف عن الطراز الأخضر ) وقال محمد بن بركة الدمشقي المزين ( أطراف تيجان أتت من سندس * خضر بأعلام على الأشراف ) ( والأشرف السلطان خصهم بها * شرفا ليفرقهم من الأطراف ) وفيها توفي الأصيل المسند نجم الدين أحمد بن إسمعيل بن أحمد بن عمر بن الشيخ أبي عمر بن قدامة المعروف بابن النجم الحنبلي ولد سنة اثنتين وثمانين وستمائة وروى عن ابن البخاري والتقي بن عساكر وغيرهما وحدث وعمر وتفرد وقال ابن حجي سمعنا منه مسموعه من مشيخة ابن البخاري وأمالي ابن سمعون توفي ليلة الجمعة ثالث جمادى الآخرة ودفن بمقبرة جده وفيها شهاب الدين أحمد بن بلبان بن عبد الله الدمشقي المالكي الفقيه المفتي كاتب الحكم مات في صفر وخلف مالا كثيرا وفيها بهاء الدين أبو حامد أحمد بن علي بن عبد الكافي بن يحيى بن تمام السبكي ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة وكان اسمه أولا تماما ثم غيره أبوه بعد أن بلغ سن التمييز وحفظ القرآن صغيرا وتلا على التقي الصايغ وسمع من الحجار وغيره واشتغل بالعلوم فمهر فيها وأفتى ودرس وله عشرون سنة وولي وظائف أبيه بالقاهرة وله إحدى وعشرون سنة لما تحول والده إلى قضاء الشام قال ابن حبيب إمام علم زاخر اليم مقرون بالوفاء الجم وفضله مبذول لمن قصد وأم وقلم كم باب عدل فتح وكم شمل معروف منح وكان مواظبا على التلاوة والعبادة وهو القائل ( أتتني فآلتني الذي كنت طالبا * وحيت فأحيت لي منى ومآربا ) (6/226) ________________________________________ 227 ( وقد كنت عبدا للكتابة أبتغي * فرقت على رقي فصرت مكاتبا ) وقال فيه والده وقد حضر درسه ( دروس أحمد خير من دروس علي * وذاك عند علي غاية الأمل ) فقال الصلاح الصفدي بديها ( لأن في الفرع ما في الأصل ثم له * مزية وقياس الناس فيه جلي ) وذكره الذهبي في المعجم المختص فقال له فضائل وعلم جيد وفيه أدب وتقوى ساد وهو ابن عشرين سنة ودرس في مناصب أبيه وأثنى على دروسه وقال غيره كان كثير الحج والمجاورة والأوراد والمروءة خبيرا بأمر دنياه وآخرته ونال من الجاه ما لم ينله غيره وولي إفتاء دار العدل وقضاء الشام وقضاء العسكر وحدث فسمع منه الحفاظ والأئمة وصنف عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح أبان فيه عن سعة دائرة في الفن وصنف غير ذلك توفي بمكة في رجب وله ست وخمسون سنة وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن عثمان البكري بن المجد الشاعر كانت له قدرة على النظم وله مدايح في الأعيان ومن شعره قصيدة أولها ( رعاهم الله ولا روعوا * ما لهم ساروا ولا ودعوا ) مات بمينة ابن خصيب في شهر رمضان وفيها أبو بكر بن رسلان بن نصر البلقيني أخو سراج الدين كان يتردد إلى أخيه وهو أسن منه بقليل وكان على طريقة والده قدم على أخيه في هذه السنة ليزوج ولده جعفر فمرض عند الشيخ ومات فأسف عليه لأنه مات في غربة وهو شقيقه فصار يقول ذهب أبو بكر سيذهب عمر فبينا هو في هذه الحال إذ سمع قارئا يقرأ ( ^ فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ) فعاش بعد أخيه اثنتين وثلاثين سنة وقد أنجب أبو بكر هذا أولادا نبغ منهم رسلان وجعفر وناصر الدين وفيها تقي الدين أبو بكر محمد العراقي ثم المصري الحنبلي كان من فضلاء الحنابلة وتوفي في جمادى الأولى وفيها بدر الدين الحسن بن أحمد بن الحسن بن (6/227) ________________________________________ 228 عبد الله بن عبد الغني المقدسي سمع من سليمان بن حمزة وغيره وتفقه وبرع وأفتى وأم بمحراب الحنابلة بجامع دمشق توفي بالصالحية ثامن عشرى شعبان وفيها أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله الحيري المقرىء المؤدب نزيل مكة سمع بدمشق من المزي وبمكة من الوادي آشى والزين الطبري وغيرهم وحدث فسمع منه أبو حامد بن ظهيرة ومات في صفر وفيها شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن العز محمد بن العز إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر الصالحي الحنبلي الشيخ الإمام الخطيب الفرضي ولد في رجب سنة ثمان وتسعين وستمائة وسمع من ابن حمزة وابن عبد الدايم وغيرهما وسمع منه شهاب الدين بن حجي وكان من خيار عباد الله وله يد طولى في الفرائض وله حلقة وخطابة بالجامع المظفري توفي يوم الأربعاء مستهل جمادى الآخرة ودفن بسفح قاسيون وفيها فخر الدين عثمان بن محمد بن أبي بكر بن حسن الحراني ثم الدمشقي ابن المغربل ويعرف قديما بابن سينا ولد سنة ثمان وتسعين وستمائة وسمع من القسم بن مظفر وابن الشيرازي وغيرهما وطلب بنفسه وحصل الكثير وحدث وحج كثيرا وذكره الذهبي في المختص مات بحلب في حادي عشر ذي القعدة أو ذي الحجة وفيها سراج الدين عمر بن إسحق بن أحمد الغزنوي الهندي قاضي الحنفية بالقاهرة تفقه على الوجه الرازي بمدينة دلى بالهند والسراج الثقفي والركن اليداوي وغيرهم من علماء الهند وحج فسمع بمكة وقدم القاهرة نحو سنة أربعين فسمع بها وظهرت فضائله ثم ولي قضاء العسكر بعد أن كان ينوب عن الجمال التركماني ثم عزل ثم قويت شوكته لما مات علاء الدين التركماني وولي ولده جمال الدين فاستنابه ولم يستنب غيره فاستبد بجميع الأمور وعظمت منزلته عند السلطان حسن وقوي في قضاء الحنفية استقلالا سنة تسع وستين ومن تصانيفه شرح المغنى وشرح الهداية وشرح بديع ابن الساعاتي وتائية ابن الفارض قال ابن حجر كان واسع العلم كثير الإقدام والمهابة وكان يتعصب (6/228) ________________________________________ 229 للصوفية الاتحادية وعزر ابن أبي حجلة لكلامه في ابن الفارض مات في الليلة التي مات فيها البهاء السبكي سابع رجب وكان يكتب بخطه مولدي ينة أربع وسبعمائة انتهى وفيها زين الدين عمر بن عثمان بن موسى الجعفري الدمشقي قال ابن حجر تفقه وبرع ودرس بالجاروخية وخطب بجامع العقيبة مات في نصف المحرم راجعا من الحج وفيها أبو الفتح بن يوسف بن الحسن بن علي البحيري المكي الحنفي أمام مقام الحنفية بمكة صحب الشيخ أحمد الأهدل اليمني وتزهد ودار بمكة وفي عنقه زنبيل وفيها كمال الدين محمد بن فخر الدين أحمد بن كمال الدين عبد الرحمن بن عبد الله بن سعيد بن حامد الهلالي الأسكندراني المالكي بن الربعي قاضي الأسكندرية وابن قاضيها ولد بها سنة ثلاث وسبعمائة وسمع من عبد الرحمن بن مخلوف وغيره وسمع بمكة من عيسى المحجي وسمع منه الحافظ العراقي وهو الذي أرخه وفيها عز الدين محمد بن أبي بكر بن علي السوقي الصالحي أحد المسندين بدمشق ولد سنة إحدى أو اثنتين وثمانين وستمائة وسمع من ابن القواس معجم ابن جميع ومن إسمعيل بن الفرا بعض سنن ابن ماجه وحدث وتفرد وهو أحد من أجاز عاما توفي بالصالحية في أحد الجمادين وفيها جمال الدين أبو الغيث محمد بن عبد الله بن محمد بن محمد بن عبد الخالق بن الصايغ الدمشقي سمع من الحجار وأسماء بنت صصرى وغيرهما وولي قضاء حمص وغزة ودرس بالعمادية بدمشق وأقام عند جده بحلب مدة وناب في الحكم بسرمين ومات في ذي الحجة عن نحو الأربعين سمنة قال ابن حجر وهو أخو شيخنا أبي اليسر أحمد وفيها بدر الدين محمد بن محمد بن عيسى الأقرائي الحنفي قدم دمشق وسمع على المزي وغيره ودرس بالعزية البرانية بالشرف الأعلى وخطب بها مات في ذي القعدة وفيها بدر الدين محمد بن محمد بن يعقوب النابلسي ثم الدمشقي بن الحواسني الحنفي سمع من عيسى المطعم وابن عبد الدايم وغيرهما وعنى بالعلم وناب في الحكم توفي تاسع ربيع الآخر عن ستين (6/229) ________________________________________ 230 سنة وأشهر وفيها محمد بن يوسف بن عبد الله بن محمد اليحصبي اللوشي بفتح اللام وسكون الواو بعدها معجمة الغرناطي سمع من جعفر بن الزين سنن النسائي الكبرى والشفا والموطأ وأخذ عن فضل المعافري وكان عارفا بالحديث وضبط مشكله وبالقراءات وطرقها مشاركا في الفقه توفي في جمادى الآخرة وفيها شرف الدين يحيى بن عبد الله الزرهوني نسبة إلى زرهون جبل قرب فاس الفقيه المالكي اشتغل ومهر ودرس بالشيخونية والحديث في الصرغتمشية وله تخاريج وتصانيف وتخرج به المصريون توفي في ثالث شوال وفيها يحيى بن محمد بن زكريا بن محمد بن يحيى العامري اليلدي الحموي ابن الخباز الشاعر الزجال تلميذ السراج المحار تمهر ونظم في الفنون وشارك في الآداب وكتب عنه الصفدي وغيره وكان يتشيع مات في ذي الحجة وقد عمر طويلا قال الصفدي سألته عن مولده فقال سنة سبع وتسعين وستمائة سنة أربع وسبعين وسبعمائة فيها كان الوباء الكثير بدمشق دام قدر ستة أشهر وبلغ العدد في كل يوم مائتي نفر وفيها كان الحريق بقلعة الجبل داخل الدور السلطانية استمر أياما وفسد منه شيء كثير ويقال أن أصله من صاعقة وقعت وفيها توفي إبرهيم بن أحمد بن إسمعيل الجعفري الدمشقي الحنفي برع في الفقه وناب في الحكم ودرس وتوفي في المحرم وفيها إبرهيم بن محمد بن عيسى بن مطير اليمني كان عالما صالحا عارفا بالفقه درس وأفتى وحدث عن أبيه فكان مقيما بأبيات حسين من سواحل اليمن وكان يلقب ضياء الدين وسمع من الحجري وغيره وحدث قاله ابن حجر وفيها أحمد بن رجب بن حسين بن محمد بن مسعود البغدادي نزيل دمشق والد الحافظ زين الدين بن رجب الحنبلي ولد ببغداد ونشأ بها وقرأ بالروايات وسمع من مشايخها ورحل إلى دمشق بأولاده فأسمعهم بها وبالحجاز والقدس وجلس للإقراء بدمشق وانتفع به وكان ذا خير (6/230) ________________________________________ 231 ودين وعفاف وفيها شهاب الدين أحمد بن عبد الوارث البكري الفقيه الشافعي وهو والد الشيخ نور الدين الذي ولي الحسبة وأخو عبد الوارث المالكي وجد نجم الدين عبد الرحمن كان عارفا بالفقه والأصل والعربية منصفا في البحث اعتزل النال في آخر عمره وتوفي في رمضان وفيها الحافظ الكبير عماد الدين إسمعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير بن زرع البصري ثم الدمشقي الفقيه الشافعي ولد سنة سبعمائة وقدم دمشق وله سبع سنين سنة ست وسبعمائة مع أخيه بعد موت أبيه وحفظ التنبيه وعرضه سنة ثمان عشرة وحفظ مختصر ابن الحاجب وتفقه بالبرهان الفزاري والكمال بن قاضي شهبة ثم صاهر المزي وصحب ابن تيمية وقرأ في الأصول على الأصبهاني وألف في صغره أحكام التنبيه وكان كثير الاستحضار قليل النسيان جيد الفهم يشارك في العربية وينظم نظما وسطا ذكره الذهبي في معجمه المختص فقال الإمام المحدث المفتي البارع ووصفه بحفظ المتون وكثرة الاستحضار جماعة منهم الحسيني والعراقي وغيرهما وسمع من الحجار والقسم بن عساكر وغيرهما ولازم الحافظ المزي وتزوج بابنته وسمع عليه أكثر تصانيفه وأخذ عن الشيخ تقي الدين بن تيمية فأكثر عنه وقال ابن حبيب فيه إمام روى التسبيح والتهليل وزعيم أرباب التأويل سمع وجمع وصنف وأطرب الأسماع بالفتوى وشنف وحدث وأفاد وطارت أوراق فتاويه إلى البلاد واشتهر بالضبط والتحرير وانتهت إليه رياسة العلم في التاريخ والحديث والتفسير وهو القائل ( تمر بنا الأيام تتري وإنما * نساق إلى الآجال والعين تنظر ) ( فلا عائد ذاك الشباب الذي مضى * ولا زائل هذا المشيب المكدر ) ومن مصنفاته التاريخ المسمى بالبداية والنهاية والتفسير وكتاب في جمع المسانيد العشرة واختصر تهذيب الكمال وأضاف إليه ما تأخر في الميزان سماه التكميل وطبقات الشافعية وله سيرة صغيرة وشرع في أحكام كثيرة حافلة كتب منها مجلدات إلى الحج وشرح قطعة من البخاري وغير ذلك وتلامذته كثيرة منهم ابن (6/231) ________________________________________ 232 حجي وقال فيه احفظ من أدركناه لمتون الأحاديث واعرفهم بجرحها ورجالها وصحيحها وسقيمها وكان أقرانه وشيوخه يعترفون له بذلك وما أعرف أني اجتمعت به على كثرة ترددي إليه إلا واستفدت منه وقال غيره كما ذكره ابن قاضي شهبة في طبقاته كان له خصوصية بابن تيمية ومناضلة عنه وأتباع له في كثير من آرائه وكان يفتي برأيه في مسئلة الطلاق وامتحن بسبب ذلك وأوذي وتوفي في شعبان ودفن بمقبرة الصوفية عند شيخه ابن تيمية انتهى وفيها أبو بكر بن محمد بن يعقوب الشقاني المعروف بابن أبي حرمة قال ابن حجر كان فقيها عارفا فاضلا زاهدا صاحب كرامات شهيرة ببلاده وهو من شقان بضم المعجمة وتشديد القاف وآخره نون من السواحل بين جدة وحلى انتهى وفيها رافع بن الفزاري الحنبلي نزيل مدرسة الشيخ أبي عمر تفقه وعنى بالحديث وكان يقول الشعر وولع بكتاب ابن عبد القوي النظم وزاد فيه وناقشه في بعض المواضع ونسخ وتوفي في ذي الحجة بالطاعون وفيها أبو قمر سليمان بن محمد بن حميد بن محاسن الحلبي ثم النيربي الصابوني ولد سنة إحدى وسبعمائة بمصر وأحضر على الحافظ الدمياطي وحدث عن ست الوزراء والحجار وذكره ابن رافع في معجمه وسمع منه البرهان محدث حلب وتوفي بالنيرب في شهر رمضان وفيها عبد العزيز بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق أبو فارس المريني صاحب فاس لما مات أبوه أبو الحسن اعتقل ثم أخرجه الوزير عمر بن عبد الله وبايعه وسلطنه وذلك في شعبان سنة ثمان وستين ثم قال الوزير لما هم بخلعه واستوى على أمواله وتوجه من فاس إلى مراكش ونازل أبا الفضل وقتله ثم حارب عامر بن محمد المتغلب بفاس حتى هزمه ثم ظفر به فقتله وقتل تاشفين في سنة إحدى وسبعين ثم ملك تلمسان يوم عاشوراء سنة اثنتين وسبعين ثم المغرب الأوسط وثبتت قدمه ودفع الثوار والخوارج واستمال العرب ولم يزل إلى طرقه ما لا بد منه فمات بمعسكره من تلمسان في شهر ربيع الآخر وتسلطان عبده ولده السعيد محمد (6/232) ________________________________________ 233 وفيها أبو الحسن علي بن إبرهيم بن سعد الأنصاري بن معاذ قال ابن حجر كان يذكر أنه من ذرية سعد بن معاذ الأوسي وكان فاضلا مشاركا في عدة علوم متظاهرا بمذهب أهل الظاهر يناضل عنه ويجادل مع شدة بأس وقوة جنان وكان يعاشر أهل الدولة خصوصا القبط وكتب بخطه شيئا كثيرا خصوصا من كتب الكيمياء وقد سمع من ابن سيد الناس ولازمه مدة طويلة وسمع منه البرهان محدث حلب وأخذ عنه الشيخ أحمد القصير مذهب أهل الظاهر وكان يذكر لنا عنه فوائد ونوادر وعجائب توفي بمصر في رابع شوال وفيها علي بن الحسن بن قيس البابي الشافعي عنى بالعلم وأفتى وانتفع الناس به ودرس بالأسكندرية ومات في صفر وفيها عمر بن إبرهيم بن نصر بن إبراهيم الكناني الصالحي المعروف بابن الكفتي سمع من ابن القواس معجم ابن جميع وجزء ابن عبد الصمد وغير ذلك وتفرد بذلك ومات في ذي القعدة عن نيف وثمانين سنة وفيها ولي الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبرهيم بن يوسف العثماني الديباجي المعروف بابن المنفلوطي الشافعي ولد سنة ثلاث عشرة وسبعمائة وسمع من جماعة وتفقه وبرع في فنون العلم وأخذ عن النور الأردبيلي وحدث وأشغل وكان قد نشأ بدمشق ثم طلب إلى الديار المصرية في أيام الناصر حسن ودرس بالمدرسة التي أنشأها والتفسير بالمنصورية وغيرهما قال الولي العراقي برع في التفسير والفقه حلو العبارة حسن الوعظ كثير العبادة والتأله جمع وألف وأشغل وأفتى ووعظ وذكر وانتفع الناس به ولم يخلف في معناه مثله وقال الحافظ ابن حجي كان من ألطف الناس وأظرفهم شكلا وهيئة وله تآليف بديعة الترتيب توفي في ربيع الأول وذكر أنه لما حضرته الوفاة قال هؤلاء ملائكة ربي قد حضروا وبشروني بقصر في الجنة وشرع يردد السلام عليكم ثم قال انزعوا ثيابي عني فقد جاءوا بحلل من الجنة وظهر عليه السرور ومات في الحال وفيها شمس الدين أبو عبد الله (6/233) ________________________________________ 234 محمد بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الصمد بن مرجان الحنلبي الشيخ الصالح القدوة شيخ التلقين بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر روى عن التقي سليمان ويحيى بن سعد الكثير وحدث فسمع منه الحافظ ابن حجي وتوفي في عاشر شعبان وفيها الحافظ تقي الدين أبو المعالي محمد بن جمال الدين رافع بن هجرس بن محمد بن شافع السلامي بتشديد اللام العميدي المتقن المعمر الرحلة المصري المولد والمنشأ ثم الدمشقي الشافعي ولد في ذي القعدة سنة أربع وسبعمائة وأحضره والده على جماعة وأسمعه من آخرين واستجاز له الحافظ الدمياطي وغيره ورحل به والده إلى الشام سنة أربع عشرة وأسمعه من طائفة ورجع به وتوفي والده فطلب بنفسه بعد وفاته في حدود سنة إحدى وعشرين وتخرج في علم الحديث بالقطب الحلبي وابن سيد الناس وسمع وكتب ثم رحل إلى الشام أربع مرات وسمع بها من حفاظها المزي والبرزالي والذهبي وذهب إلى بلاد الشمال ثم قدم الشام خامسا صحبة القاضي السبكي واستوطنها ودرس بها بدار الحديث النورية بالفاضلية وعمل لنفسه معجما في أربع مجلدات وهو في غاية الاتقان والضبط مشحون بالفضائل والفوائد مشتمل على أكثر من ألف شيخ وجمع وفيات ذيل بها على البرزالي وصنف ذيلا على تاريخ بغداد لابن النجار أربع مجلدات وقد عدم هو والمعجم في الفتن وتخرج به جماعة من الفضلاء وانتفعوا به وخرج له الذهبي جزءا من عواليه وحدث قديما وحديثا وذكره الذهبي في المعجم المختص فقال فيه العالم المفيد الرحال المتقن إلى غير ذلك وقال الحافظ شهاب الدين بن حجي كان متقنا محررا لما يكتبه ضابطا لما ينقله وعنه أخذت هذا العلم أي علم الحديث وقرأت عليه الكثير وعلقت عنه فوائد كثيرة وكان يحفظ المنهاج والألفية لابن مالك ويكرر عليهما وحصل له وسواس في الطهارة حتى انحل بدنه وفسدت ثيابه وهيئته ولم يزل مبتلى به إلى أن مات في جمادى الأولى بدمشق ودفن بباب الصغير وقال ابن حبيب إمام تقدم في علم الحديث ودراسته وتميز (6/234) ________________________________________ بمعرفة أسماء ذوي إسناده وروايته ورحل وطلب وسمع بمصر ودمشق وحلب وأضرم نار 235 التحصيل وأجج وقرأ وكتب وانتقى وخرج وعنى بما روي عن سيد البشر وجمع مسنده الذي يزيد على ألفي نفر وكان لا يعتني بملبس ولا مأكل ولا يدخل فيما أبهم عليه من أمر الدنيا أو أشكل ويختصر في الاجتماع بالناس وعنده في طهارة ثوبه وبدنه أي وسواس انتهى وفيها ظهير الدين أبو محمد محمد بن عبد الكريم بن محمد بن صالح بن قاسم بن العجمي الحلبي سمع صحيح البخاري وسنن ابن ماجه وغير ذلك ولد سنة أربع وتسعين وستمائة وسمع منه العراقي وأرخه وابن عساكر وأبو إسحق سبط بن العجمي وهو أقدم شيخ له والبرهان آخر من روى عنه وآخرون وكتب الطباق والأجزاء ونسخ كثيرا من الكتب بالأجرة وكان يسترزق من الشهادة وإذا طلب منه السماع طلب الأجرة لما يفوته من الشهادة بقدر ما يكفيه من القوت قاله ابن حجر وفيها شمس الدين محمد بن فخر الدين عثمان بن موسى بن علي بن الأقرب الحلبي الحنفي قال ابن حجر كان فاضلا متواضعا درس بالأتابكية والقليجية ومات في نيف وسبعين وقال ابن كثير كان من أحاسن الناس وفيه حشمة ورياسة وإحسان وأخوه شهاب الدين أحمد كان فاضلا رحل إلى مصر واشتغل بها ومهر في المعقول وولي قضاء عينتاب وأخوهما علاء الدين تلمذ للقوام الأبزازي ومهر في الفتوى وفيها ناصر الدين محمد بن عوض بن عبد الخالق بن عبد المنعم البكري الفقيه الشافعي ولد سنة سبعمائة واشتغل كثيرا ثم ولي تدريس الفيوم مدة طويلة وكان عالما بالأصلين والفقه والعربية والهيئة وصنف تصانيف مفيدة وهو والد نور الدين البكري المعروف بابن قتيلة مات بدهروط في شهر رمضان وهو يصلي الصبح وفيها ناصر الدين محمد بن محمد بن أحمد بن الصفي بن العطار الدمشقي الحنفي الحاسب نشأ في طلب العلم وسمع الحديث ومهر في الفقه وبرع في الحساب وأتقن المساحة إلى أن صار له المنتهى في ذلك والمرجع إليه عند الاختلاف ولم يكن في دمشق من (6/235) ________________________________________ يدانيه في ذلك ثم ترك 236 ذلك بآخره واشتغل بالتلاوة وكان مأذونا له بالافتاء ولوالده ومن شعره ( حديثك لي أحلى من المن والسلوى * وذكرك شغلي كان في السر والنجوى ) ( سلبت فؤادي بالتجني وإنني * صبرت لما ألقى وإن زادت البلوى ) وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن عبد الكريم بن رضوان الموصلي الشافعي نزيل دمشق ولد على رأس القرن وكتب الخط المنسوب ونظم الشعر فأجاد وكان أكثر مقامه بطرابلس ثم قدم دمشق وولي خطابة يلبغا واتجر في الكتب فترك تركة هائلة تبلغ ثلاثة آلاف دينار قال ابن حبيب عالم علت رتبته الشهيرة وبارع ظهرت في أفق المعارف شمسه المنيرة وبليغ تثنى على قلمه ألسنة الأدب وخطيت تهتز لفصاحته أعواد المنابر من الطرب كان ذا فضيلة مخطوبة وكتابة منسوبة وجرى في الفنون الأديبة ومعرفة بالفقه واللغة والعربية وله نظم المنهاج ونظم المطالع وعدة من القصايد النبوية وهو القائل في الذهبي لما اجتمع به ( مازلت بالطبع أهواكم وما ذكرت * صفاتكم قط إلا همت من طربي ) ( ولا عجيب إذا ما ملت نحوكم * والناس بالطبع قد مالوا إلى الذهب ) تصدر بالجامع الأموي وولي تدريس الفاضلية بعد ابن كثير وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد الصالحي عرف بالمنبجي الحنبلي الشيخ الإمام العالم له مصنف في الطاعون وأحكامه جمعه في الطاعون الواقع سنة أربع وستين وفيه فوائد غريبة وفيها بدر الدين محمد بن شمس الدين محمد بن الشهاب محمود الحلبي ناظر الجيش والأوقاف بحلب سمع على الحجار ومحمد بن النحاس وغيرهما وحدث وولي عدة وظائف وأخذ عنه الحافظ العراقي وغيره وتوفي عن خمس وسبعين سنة وفيها شمس الدين محمد بن يوسف بن الصالح الدمشقي المالكي القفصي سمع من الشرف البارزي وغيره وولي مشيخة الحديث بالسامرية وناب في الحكم وتوفي في ربيع الأول عن ثلاث وسبعين سنة وفيها منكلي بغا بن عبد الله الشمس أتابك العساكر بعد قتل أستدمر وكان قبل نائب السلطنة بمصر (6/236) ________________________________________ 237 وولي إمرة دمشق وحلب وصفد وطرابلس وتزوج بنت الملك الناصر ثم بنت ابنه حسين أخت الملك الأشرف وكان مشكور السيرة قال ابن كثير أثر بدمشق آثارا حسنة وأحبه أهلها وهو الذي فتح باب كيسان وهو من عهد نور الدين الشهيد لم يفتح وجدد خطبة بمسجد الشهرزوري وبنى بحلب جامعا من أحسن الجوامع وعمر الخان عند جسر المجامع والخان بقرية سعسع وفيها شرف الدين يعقوب بن عبد الرحمن بن عثمان بن يعقوب بن خطيب القلعة الحموي أخذ عن ابن جرير وغيره ومهر في الفقه والعربية والقراءات إلى أن انتهت إليه رياسة العلم ببلده وأخذ عنه أكثر فضلائها وذكره ابن حبيب في تاريخه وأثنى عليه وقال انتهت إليه مشيخة بلده واشتهر بالعلم والدين والصلاح وكان خطيبا بليغا واعظا مذكرا وفيها بهاء الدين أبو المحاس يوسف بن محمد بن يوسف بن أحمد بن يحيى بن محمد بن علي بن الزكي القرشي الدمشقي الشافعي أجاز له في سنة خمس وتسعين وستمائة ابن عساكر والعتيمي والعز الفرا وآخرون وأجاز له الرشيد وابن وزيرة وابن الطبال وغيرهم من بغداد وعنى بالفقه والحساب وكان يحفظ التنبيه وباشر نظر الأسرى وغير ذلك وتوفي في ربيع الأول سنة خمس وسبعين وسبعمائة فيها توفي بدر الدين أبو إسحق إبراهيم بن أحمد بن عيسى بن عمر بن خالد بن عبد المحسن بن نشوان المخزومي المصري بن الخشاب الشافعي سمع على وزيرة والحجار وابن القيم وغيرهم وحدث وناب في الحكم بالقاهرة وكان فصيحا بصيرا بالأحكام عارفا بالمكاتبات ثم ولي قضاء حلب ثم قضاء المدينة المنورة وخرج منها بسبب مرض أصابه في أثناء هذه السنة فمات في الطريق قرب ينبع وفيها أبو بكر بن عبد الله الدهروطي الفقيه الشافعي السليماني قال ابن حجر (6/237) ________________________________________ 238 كان يحفظ الكثير من الشامل لابن الصباغ مع الزهد والخير وكان لأهل بلده فيه اعتقاد زائد وكان يقول أنه تجاوز المائة ومات في شوال وفيها محي الدين عبد القادر بن محمد بن محمد بن نصر الله بن سالم بن أبي الوفا الحنفي القرشي ولد سنة ست وتسعين وستمائة وسمع وهو كبير وأقدم سماع له على ابن الصواف وسمع من الرشيد بن العلم ثلاثيات البخاري ومن حسين الكردي الموطأ ومن خلائق ولازم الاشتغال فبرع في الفقه ودرس وأفاد وصنف وشرح الهداية سماه العناية وشرح معاني الآثار للطحاوي وعمل الوفيات من سنة مولده إلى سنة ستين وصنف الجواهر المضية في طبقات الحنفية وغير ذلك وتوفي في ربيع الأول بعد أن تغير وأضر وفيها علي بن الحسن بن علي بن عبد الله بن الكلائي البغدادي الحنبلي المقرىء سبط الكمال عبد الحق ولد سنة ثمان وتسعين وستمائة وأجاز له الدمياطي ومسعود الحارثي وعلي بن عيسى بن القيم وابن الصواف وغيرهم قال ابن حبيب كان كثير الخير والتلاوة وحج مرارا وجاور وخرج له ابن حبيب مشيخة وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن الناصح عبد الرحمن بن عياش بن حامد السوادي الأصل الدمشق الحنبلي المعروف بقاضي اللب كان من رؤساء الدمشقيين أفتى ودرس وحدث مع المروءة التامة والهيئة الحسنة وسمع منه ابن ظهيرة ومات في ذي الحجة وفيها بدر الدين محمد بن عبد الله الأربلي الأديب المعمر ولد سنة ثمانين وستمائة ومهر في الآداب ودرس بمدرسة مرجان ببغداد ومات في جمادى الآخرة وفيها تاج الدين محمد بن عبد الله الكركي كان قاضيا ببلده ثم بالمدينة النبوية ثم قدم القاهرة وولي نيابة الحكم بمصر عن ابن جماعة وكان منفردا بذلك فيها إلى أن مات في شعبان وكان فاضلا مستحضرا مشكور السيرة وفيها محب الدين محمد بن عمر بن علي بن الحسيني القزويني ثم البغدادي جامع بغداد كان أبوه آخر المسندين بها حدث عن أبيه وغيره واشتغل بعد (6/238) ________________________________________ 239 كبر إلى أن صار مفيد البلد مع اللطافة والكياسة وحسن الخلق توفي عن نيف وستين سنة وفيها محمد بن عيسى اليافعي الفقيه الشافعي قاضي عدن قال ابن حجر كان فاضلا خيرا وهو والد صاحبنا الفقيه عمر قاضي عدن وفيها صلاح الدين محمد بن مسعود المقرىء المالكي تلا بالسبع على التقي الصايغ وكان متصديا للإقراء حتى أن القاضي محب الدبن ناظر الجيش كان يقرأ عليه وفيها محمود بن قطلوشاه السرائي الحنفي بن عضد الدين قدم من بلاده وهو كبير فأقام بالشام مدة يشتغل وأفاد وتخرج به جماعة ثم أقدمه صرغتمش بعد وفاة القوام الأسنائي فولاه مدرسته فلم يزل بها إلى أن مات وكان غاية في العلوم العقلية والأصول والعربية والطب مع التودد والسكون والانجماع مع عظمة قدره عند أهل الدولة مات في رجب عن أزيد من ثمانين سنة قاله ابن حجر سنة ست وسبعين وسبعمائة فيها توفي كمال الدين إبرهيم بن أمين الدولة أحمد بن إبرهيم بن عبد الله بن عبد المنعم بن هبة الله الحلبي الحنفي كان وكيل بيت المال بحلب وولي بها عدة ولايات وكان كاتبا مجيدا سمع من سنقر الزينبي البخاري ومشيخة تخريج الكاملي والذهبي ومن جماعات وحدث فسمع منه ابن ظهيرة بحلب ودمشق وتوفي في جمادى الأولى عن إحدى وثمانين سنة وفيها أحمد بن الحسن بن أبي بكر بن الحسن الرهاوي ثم المصري المعروف بطفيق سمع من الكردي والواني والدبوسي والحسيني وغيرهم وحدث وناب في الحسبة سقط من سلم فمات في ذي القعدة وفيها شرف الدين أحمد بن الحسن بن سليمان الدمشقي (6/239) ________________________________________ 240 الحنفي المعروف بابن الكفري أخذ عن أبيه وغيره وناب في الحكم مدة واشتغل وتقدم ثم استقل بالحكم مدة أولها سنة ثمان وخمسين ونزل عن القضاء لولده يوسف سنة ثلاث وستين وأقبل على الإفادة والعبادة وأقرأ القرآن بالروايات حتى مات عن خمس وثمانين سنة وقد كف بصره وفيها أحمد بن سليمان بن محمد بن سليمان الأربدي الدمشقي تفقه على ابن خطيب يبرود وغيره وكان حنبليا ثم انتقل شافعيا فمهر في الفقه والأصول والأدب وكان محببا إلى الناس لطيف الأخلاق أخذ القضاء عن الفخر المصري وسمع من ابن عبد الدايم وكانت له أسئلة حسنه في فنون من العلم مات ليلة الجمعة تاسع عشر صفر وفيها أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن علي الأصبحي العنابي النحوي اشتغل في بلاده ورحل إلى أبي حيان فلازمه واشتهر بصحبته وبرع في زمنه ثم تحول بعده إلى دمشق فعظم قدره واشتهر ذكره وانتفع به الناس وصنف كتبا منها شرح التسهيل وشرح التقريب قال ابن حبيب إمام عالم حاز افنان الفنون الأدبية وفاضل ملك زمام العربية وقال ابن حجي كان حسن الخلق كريم النفس شافعي المذهب مات بدمشق في تاسع عشرى المحرم وقد جاوزو الستين وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يحيى بن أبي بكر بن عبد الواحد التلمساني المعروف بابن أبي حجلة نزيل دمشق ثم القاهرة قال ابن حجر ولد بزاوية جده بتلمسان سنة خمس وعشرين وسبعمائة واشتغل ثم قدم إلى الحج فلم يرجع ومهر في الأدب ونظم الكثير ونثر فأجاد وترسل ففاق وعمل المقامات وغيرها وكان حنفي المذهب حنبلي الاعتقاد كثير الحط على الاتحادية وصنف كتابا عارض به قصائد ابن الفارض كلها نبوية وكان يحط عليه وعلى نحلته ويرميه ومن يقول بمقالته بالعظائم وقد امتحن بسبب ذلك على يد السراج الهندي قرأت بخط ابن القطان وأجازنيه كان ابن أبي حجلة يبالغ في الحط على ابن الفارض حتى أنه أمر عند موته فيما أخبرني به صاحبه أبو زيد المغربي أن يوضع الكتاب الذي عارض (6/240) ________________________________________ 241 به ابن الفارض وحط عليه فيه في نعشه ويدفن معه في قبره ففعل به ذلك قال وكان يقول للشافعية إنه شافعي وللحنفية أنه حنفي وللمحدثين أنه على طريقهم قال وكان بارعا في الشعر مع أنه لا يحسن العروض قال وكان كثير العشرة للظلمة ومدمني الخمر قال وكان جده من الصالحين فأخبرني الشيخ شمس الدين بن مرزوق أنه سمي بأبي حجلة لأن حجلة أتت إليه وباضت على كمه وولي مشيخة الصهريج الذي بناه منجك وكان كثير النوادر والنكت ومكارم الأخلاق ومن نوادره أنه لقب ولده جناح الدين وجمع مجاميع حسنة منها ديوان الصبابة ومنطق الطير والسجع الجليل فيما جرى من النيل والسكردان والأدب الغض وأطيب الطيب ومواصل المقاطيع والنعمة الشاملة في العشرة الكاملة وحاطب ليل عمله كالتذكرة في مجلدات كثيرة ونحر أعداء البحر وعنوان السعادة ودليل الموت على الشهادة وبصيرات الجمال وهو القائل ( نظمي علا وأصبحت * ألفاظه منقه ) ( فكل بيت قلته * في سطح داري طبقه ) مات في مستهل ذي الحجة وله إحدى وخمسون سنة وفيها إسمعيل بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن جماعة الحموي الأصل المقدسي الشافعي أخو القاضي بدر الدين بن جماعة ولد سنة عشر وسبعمائة وسمع على ابن مزير وغيره وناب في تدريس الصلاحية وخطب في المسجد الأقصى وأفتى ودرس ومات في ربيع الأول وفيها أويس بن الشيخ حسين بن حسن بن اقبغ المغلي ثم التبريزي صاحب بغداد وتبريز وما معهما بويع بالسلطنة سنة ستين وكان محبا للخير والعدل شهما شجاعا خيرا عادلا دامت ولايته تسع عشرة سنة وقد خطب له بمكة عاش سبعا وثلاثين سنة قيل أنه رأى في النوم أنه يموت في وقت كذا فخلع نفسه من الملك وقرر ولده حسين وصار يتشاغل بالصيد ويكثر (6/241) ________________________________________ 242 العبادة فاتفق موته في ذلك الوقت بعينه وفيها بدر الدين حسن بن علاء الدين علي بن إسمعيل بن يوسف القونوي الشافعي ولد سنة إحدى وعشرين وسبعمائة وسمع الحجار وغيره وناب في الحكم وولي مشيخة سعيد السعداء ودرس بالشريفية واختصر الأحكام السلطانية فجوده وكتب شيئا على التنبيه ومات في شعبان عن خمس وخمسين سنة وفيها جمال الدين عبد الله بن أحمد بن علي بن عبد الكافي السبكي مات هو وأخوه عبد العزيز وابن عمهم علي بن تاج الدين الثلاثة في يوم واحد خامس عشرى ذي القعدة بالطاعون وعمتهم ستيتة قبلهم بقليل وفيها عبد الله بن عبد الرحمن القفصي المالكي كان مشهورا بالعلم منصوبا للفتوى وكان يوقع عند الحكام مات في ثالث رمضان وفيها الشريف جمال الدين عبد الله بن محمد بن محمد الحسيني النيسابوري كان بارعا في الشأصول والعربية وولي تدريس الأسدية بحلب وغيرها وأقام بدمشق مدة وبالقاهرة مدة وولي مشيخة بعض الخوانق وكان يتشيع وكان أحد أئمة المعقول حسن الشيبة وهو القائل ( هذب النفس بالعلوم لترقى * وترى الكل وهو للكل بيت ) ( إنما النفس كالزجاجة والعقل * سراج وحكمة الله زيت ) ( فإذا أشرقت فإنك حي * وإذا أظلمت فإنك ميت ) توفي في هذه السنة عن سبعين سنة وفيها علي بن عبد الوهاب بن علي السبكي ولي خطابة الجامع الأموي بعد أبيه وله عشر سنين ودرس في حياة أبيه بالأمينية وعمره سبع سنين ومات كما تقدم مع ولدي عمه في يوم واحد وفيها علي بن عثمان بن أحمد بن عمر بن أحمد بن هرماس بن شرف التغلبي الزرعي ثم الدمشقي المعروف بابن شمرنوح ولد بعد الثمانين وستمائة ولم يزرق سماع الحديث بعلو وكانت له عناية بالعلم وولي قضاء عدة بلاد بحلب ثم ولي وكالة بيت المال بدمشق ثم قضاء حلب مرتين ومن شعره (6/242) ________________________________________ 343 ( أحسن إلى من أساما استطعت واعف إذا * قدرت واصبر على رزء البليات ) ( وماء وجهك خير السلعتين فلا * تبعه بخسا ولو باليوسفيات ) ( فكل ما كان مقدورا ستبلغه * وكل آت على رغم العدا آت ) وكان يلقب بالقرع وكتب له بقضاء دمشق بعد السبكي الكبير فلم يتم له وباشر توقيع الدست ونظر الجامع وكان حسن الخط جدا سريع الكتابة بحيث أنه كتب صداقا بمدة واحدة وكان مفرط الكرم حتى أنه افتقر آخرا جدا وانقطع ببستانه خاملا إلى أن مات في جمادى الآخرة وفيها علاء الدين علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن أبي الفتح بن هاشم الكناني العسقلاني الحنبلي قاضي دمشق ولد سنة بضع عشرة وسمع من أحمد بن علي الجزري وأجاز له ابن الشحنة وناب أولا في الحكم بالقاهرة عن موفق الدين ثم ولي قضاء دمشق بعد موت ابن قاضي الجبل وكان فاضلا متواضعا دينا عفيفا وكان أعرج وهو والد جمال الدين عبد الله بن علاء الدين الجندي شيخ ابن حجر توفي في نصف شوال وقد نيف على السبعين وفيها أمين الدين محمد بن القاضي برهان الدين إبرهيم بن علي بن أحمد الشهير بابن عبد الحق الحنفي ويعرف بابن قاضي الحصن كان فاضلا ممدحا من الأعيان اشتغل ودرس بالعذراوية والخاتونية وولي الحسبة ونظر الجامع ومدحه ابن نباتة وغيره توفي بدمشق في المحرم بالطاعون عن بضع وستين سنة وفيها جمال الدين محمد بن أحمد بن عبد الله الخزرجي المكي ولد سنة اثنتين وسبعمائة وسمع الكثير من جده لأبيه صفي الدين أحمد الطبري وأخيه الرضى والفخر التوزري وجماعة وكان عارفا بالفرائض والفقه حدث بالكثير من مسموعاته وكان يقال له أحيانا ابن الصفي نسبة لجده لأمه توفي في تاسع عشر رجب وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن جامع الدمشقي بن اللبان المقرىء ولد سنة عشر أو ثلاث عشرة وأخذ القراءات عن سبط ابن السعلوس (6/243) ________________________________________ 344 ثم رحل فأخذ عن ابن السراج وعلي المرداوي وأبي حيان وغيرهم وتصدر للإقراء وأكثر الناس عليه وكان يحفظ كثيرا من الشواذ وربما قرأ بعضها في الصلاة فأنكر ذلك عليه وحدث عن ابن الشحنة ووجيهة بنت الصعيدي الأسكندرانية وغيرها ومات في ربيع الآخر وقد جاوز السبعين وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الحسن بن عبد الله السيد الشريف الحسيني الواسطي الشافعي نزيل الشامية الجوانية ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة واشتغل وفضل ودرس بالصارمية وأعاد بالشامية البرانية وكتب الكثير نسخا وتصنيفا بخط حسن فمن تصانيفه مختصر الحلية لأبي نعيم في مجلدات سماه مجمع الأحباب وتفسير كبير وشرح مختصر ابن الحاجب في ثلاث مجلدات وكتاب في أصول الدين مجلد وكتاب في الرد على الأسنوي في تناقضه قال ابن حجي كان مجمعا عن الناس وعن الفقهاء خصوصا توفي بدمشق في ربيع الأول ودفن عند مسجد القدم وفيها جمال الدين أبو عبد الله محمد بن الحسن بن محمد بن عمار بن متوج بن جرير الحارثي الشافعي مفتي الشام المعروف بابن قاضي الزبداني ولد سنة ثمان وثمانين وستمائة وسمع الحديث من جماعة وتفقه على الفزاري والكمال بن قاضي شهبة وابن الزملكاني وأذن له بالفتوى ودرس قديما بالنجيبية ثم بالظاهرية الجوانية والعادلية الصغرى وأعاد بالشامية الجوانية ودرس بها نيابة قال ابن حجي اشتهر بدمشق في شأن الفتوى وصار المشار إليه فيها ولم يضبط عليه فتوى أخطأ فيها وكان معظما يخضع له الشيوخ ويقصد لقضاء حوائج الناس عند القاضة وغيرهم وله تواضع وأدب زايد توفي بالطاعون في مستهل المحرم ودفن بسفح قاسيون وفيها لسان الدين محمد بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد بن علي السلماني اللوشي الأصل الغرناطي الأندلسي كان والده بارعا فاضلا وتقدم ذكره سنة إحدى وأربعين قال العلامة المقرىء في كتابه تعريف ابن الخطيب هو الوزير الشهير الكبير الطائر الصيت في المشرق والمغرب عرف الثناء (6/244) ________________________________________ عليه بالعنبر والعبير المثل المضروب في الكتابة والشعر والطب ومعرفة 245 العلوم على اختلاف أنواعها ومصنفاته تخبر عن ذلك ولا ينبئك مثل خبير علم الرؤساء الأعلام الذي خدمته السيوف والأقلام وغنى بمشهور ذكره عن مسطور التعريف والأعلام واعترف له بالفضل أصحاب العقول الراجحة والأحلام عرف هو بنفسه آخر كتابه الإحاطة فقال يقول مؤلف هذا الديوان تغمد الله خطله في ساعات إضاعها وشهوة من شهوات اللسان إطاعها وأوقات للاشتغال بما لا يعنيه استبدل بها اللهو لما باعها أما بعد حمد الله الذي يغفر الخطية ويحث من النفس اللجوج المطية فتحرك ركابها البطية والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد ميسر سبل الخير الوطية والرضى عن آله وصحبه منتهى الفضل ومناخ الطية فإنني لما فرغت من تأليف هذا الكتاب الذي حمل فضل النشاط مع الالتزام لمراعات السياسة السلطانية والارتباط والتفت إليه فراقني منه صوان درر ومطلع غزر قد تخلدت مآثرهم بعد ذهاب أعيانهم وانتشرت مفاخرهم بعد انطواء زمانهم نافستهم في اقتحام تلك الأبواب ولباس تلك الأثواب وقنعت باجتماع الشمل بهم ولو في الكتاب وحرصت على أن أنال منهم قربا وأخذت أعقابهم أدبا وحبا وكما قيل ساقي القوم آخرهم شربا فأجربت نفسي مجراهم في التعريف وحذوت بها حذوهم في بابي النسب والتصريف بقصد التشريف والله لا يعدمني وإياهم واقفا يترحم وركاب الاستغفار بمنكبه يزحم عندما ارتفعت وظائف الأعمال وانقطعت من التكسبات حبال الآمال ولم يبق إلا رحمة الله التي تنتاش النفوس وتخلصها وتعينا بميسم السعادة وتخصصها جعلنا الله ممن حسن ذكره ووقف على التماس ما لديه ذكره بمنه ثم ساق نسبه وأوليته بما يطول ذكره إلى أن قال ومع ذلك فلم أعدم الاستهداف للشرور والاستعراض للمحذور والنظر الشزر المنبعث من خزر العيون شيمة من ابتلاه الله بسياسة الدهما ودعاية سخطة أرزاق السماء وقتلة الأنبياء وعبدة الأهواء ممن لا يجعل الله إرادة (6/245) ________________________________________ نافذة ولا مشيئة سابقة ولا يقبل معذرة ولا يجمل في الطلب ولا يتجمل مع الله بأدب ربنا لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا والحال إلى هذا العهد وهو منتصف عام خمسة وستين وسبعمائة ثم قال المقري وكان 246 رحمه الله مبتلى بداء الأرق لا ينام من الليل إلا اليسير جدا وقد قال في كتابه الوصول لحفظ الصحة في الفصول العجب مني مع تأليفي لهذا الكتاب الذي لم يؤلف مثله في الطب ومع ذلك لا أقدر على داء الأرق الذي بي ولذا يقال له ذو العمرين لأن الناس ينامون وهو ساهر ومؤلفاته ما كان يصنف غالبها إلا بالليل وقد سمعت بعض الرؤساء بالمغرب يقول لسان الدين ذو الوزارتين وذو العمرين وذو الميتتين وذو القبرين ثم قال المقري واعلم أن لسان الدين لما كانت الأيام له مسالمة لم يقدر أحد أن يواجهه بما يدنس معاليه أو يطمس معالمه فلما قلبت الأيام له ظهر مجنها وعاملته بمنعها بعد منحها ومنها أكثر أعداؤه في شأنه الكلام ونسبوه إلى الزندقة والانحلال من ربقة الاسلام بتنقص النبي عليه أفضل الصلاة والسلام والقول بالحلول والاتحاد والانخراط في سلك أهل الإلحاد وسلوك مذاهب الفلاسفة في الاعتقاد وغير ذلك مما أثاره الحقد والعداوة والانتقاد من مقالات نسبوها إليه خارجة عن السنن السوى وكلمات كدروا بها منهل علمه الروى لا يدين بها ويفوه إلا الضال والغوى والظن أن مقامه رحمه الله تعالى من لبسها برى وجنابه سامحه الله عن لبسها عرى وكان الذي تولى كبر محنته وقتله تلميذه أبو عبد الله بن زمرك الذي لم يزل مغمر الختلة مع أنه حلاه في الإحاطة أحسن الحلى وصدقه فيما انتحله من أوصاف العلى ومن أعدائه الذين باينوه بعد أن كانوا يسعون في مرضاته سعي العبيد القاضي أبو الحسن بن الحسن النباهي فكم قبل يده ثم جاهرك عند انتقال الحال وجد في أمره مع ابن زمرك حتى قتل وانقت دولته فسبحان من لا يتحول ملكه ولا يبيد وذلك أن ابن زمرك قدم على السلطان أبي العباس وأحضر ابن (6/246) ________________________________________ الخطيب من السجن وعرض عليه بعض مقالات وكلمات وقعت له في كتاب المحبة فعظم النكير فيها فوبخ ونكل وامتحن بالعذاب بمشهد من ذلك الملأ ثم تلا إلى مجلسه واشتوروا في قتله بمقتضى تلك المقالات المسجلة عليه وإفتاء بعض الفقهاء فيه فطوقوا عليه السجن ليلا وقتلوه خنقا وأخرجوا شلوه من الغد فدفن بمقبرة باب المحروف ثم أصبح من الغد على شفير قبره طربحا وقد جمعت 247 له أعواد وأضرمت عليه نار فاحترق شعره وأسود بشره فأعيد إلى حفرته وكان في ذلك انتهاء محنته أي ولذلك سمي ذا القبرين وذا الميتتين وكان رحمه الله تعالى أيام امتحانه بالسجن يتوقع مصية الموت فتهجس هواتفه بالشعر يبكي نفسه ومما قال في ذلك ( بعدنا وإن جاورنتنا البيوت * وجئنا بوعظ ونحن صموت ) ( وأنفسنا سكتت دفعة * كجهر الصلاة تلاها القنوت ) ( وكنا عظاما فصرنا عظاما * وكنا نقوت فها نحن قوت ) ( وكنا شموس سماء العلى * غربن فناحت علينا السموت ) ( فكم جدلت ذا الحسام الظبا * وذو البخت كم جدلته البخوت ) ( وكم سيق للقبر في خرقة * في ملئت من كساه التخوت ) ( فقل للعدا ذهب ابن الخطيب * وفات ومن ذا الذي لا يفوت ) ( ومن كان يفرح منهم به * فقل يفرح اليوم من لا يموت ) هذا الصحيح كما ذكره ابن خلدون فلا يلتفت إلى غيره وقد رؤي بعد الموت فقيل له ما فعل الله بك فقال غفر لي ببيتين قلتهما وهما ( يا مصطفى من قبل نشأة آدم * والكون لم تفتح له أغلاق ) ( أيروم مخلوق ثناءك بعدما * أثنى على أخلاقك الخلاق ) وقال ابن حجر ومن مصنفاته الإحاطة بتاريخ غرناطة وروضة التعريف بالحب الشريف والغيرة على أهل الحيرة وحمل الجمهور على السنن المشهور والتاج على طريقة يتيمة الدهر والإكليل الزاهر فيما ندر عن التاج من الجواهر كالذيل عليه وغائلة النضلة في التاريخ وغير ذلك انتهى وفيها أبو جابر محمد بن عبد الله الهاروني الفقيه المالكي مشهور بلقبه كان ماهرا في مذهبه كثير المخالفة في الفتوى كثير (6/247) ________________________________________ الاستحضار على هوج فيه قاله ابن حجر وفيها محمد بن عبد الله 248 الصفوي الهندي ثم الدمشقي الشافعي كان رومي الأصل أسمعه مولاه صفي الدين الهندي وحفظ التنبيه في صغره وألبسه الخرقة وكان يلبسها عن مولاه وأجاز له ابن القواس وعائشة بنت المجد وجماعة وكان حسن الشيبة يعرف شد المناكب ويجودها يضر بصنعته المثل أثنى عليه البرزالي وتوفي عن ثمان وسبعين سنة وفيها شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن علي بن أبي الحسن الزمردي بن الصايغ الحنفي النحوي ولد سنة ثمان وسبعمائة أو بعدها بقليل وسمع من الحجار والدبوسي وغيرهما واشتغل في عدة فنون ولازم أبا حيان ومهر في العربية وغيرها ودرس بجامع ابن طولون للحنفية وولي قضاء العسكر وكان فاضلا بارعا حسن النثر والنظم كثير الاستحضار قوي البادرة دمث الأخلاق وهو القائل ( لا تفخرن بما أوتيت من نعم * على سواك وخف من كسر جبار ) ( فأنت في الأصل بالفخار مشتبه * ما أسرع الكسر في الدنيا لفخار ) ومن تصانيفه شرح الألفية مجلدان وشرح المشارق ست مجلدات والتذكرة النحوية والمباني في المعاني والمنهج القويم في القرآن العظيم والتمر الجني في الأدب السني والغمز على الكنز والاستدارك على مغنى ابن هشام استفتحه بقوله الحمد لله الذي لا مغني سواه ومن شعره أيضا ( بروحي أفدي خاله فوق خده * ومن أنا في الدنيا فأفديه بالمال ) ( تبارك من أخلى من الشعر خده * وأسكن كل الحسن في ذلك الخال ) وقال هو ما أحسن قول ابن أبي حجلة ( تفرد الخال عن شعر بوجنته * فليس في الخد غير الخال والخفر ) ( يا حسن ذاك محيا ليس فيه سوى * خال من المسك في خال من الشعر ) توفي صاحب الترجمة في شعبان وفيها شمس الدين أبو القسم محمد بن علي بن عبد الله اليمني أقام بمصر ملازما لعز الدين بن جماعة وكان فاضلا شافعيا ووقع بينه وبين الأكمل فنزح إلى الشام فأكرمه التاج السبكي وأنزله ببعض الخوانق (6/248) ________________________________________ 249 ثم ترك ذلك زهدا قال ابن حجي كان فاضلا مفتيا وقال ابن حجر وقفت له على عدة تصانيف لطاف تدل على اتساعه في العلم توفي مطعونا وفيها محمد بن أبي محمد الشافعي قال ابن حجر قدم القاهرة من بلاد العجم وأخذ عن القطب التحتاني وبرع في المعقول وقرر له منكلي بغا معلوما على تدريس بالمارستان المنصوري ثم قرره في تدريس الفقه بالمنصورية ثم ولي تدريس جامع المارداني وأعاد تدريس الشافعي وشغل الناس كثيرا وانتفعوا به مات في مستهل ذي الحجة وفيها أبو موسى محمد بن محمود بن إسحق بن أحمد الحلبي ثم المقدسي المحدث الفاضل سمع من ابن الخباز وابن الحموي وغيرهما ولازم صلاح الدين العلائي وغيره وقدم دمشق فلازم ابن رافع وبرع في هذا الشأن وجمع تاريخ بيت المقدس وكان حنفيا فتحول شافعيا بعناية تاج الدين البلعبكي وله وفيات مختصرة إلى قرب هذه السنة توفي في رمضان وفيها جمال الدين أبو المظفر يوسف بن محمد بن مسعود بن محمد بن علي بن إبراهيم العبادي ثم العقيلي السرمري الحنبلي الشيخ العالم المفنن الحافظ ولد في رجب سنة ست وتسعين وستمائة وتفقه ببغداد على الشيخ صفي الدين عبد المؤمن وغيره ثم قدم دمشق وتوفي بها ومن تصانيفه نظم مختصر ابن رزين في الفقه ونظم الغريب في علوم الحديث لأبيه نحو من ألف بيت ونشر القلب الميت بفضل أهل البيت وغيث السحابة في فضل الصحابة والأربعون الصحيحة فيما دون أجر المنيحة وعقود اللآلي في الأمالي وعجائب الاتفاق والثمانيات قال ابن حجي رأيت بخطه ما صورته مؤلفاتي تزيد على مائة مصنف كبار وصغار في بضعة وعشرين علما ذكرتها على حرف المعجم في الروضة المورقة في الترجمة المونقة وقد أخذ عنه ابن رافع مع تقدمه عليه وحدث عنه وذكره الذهبي في المعجم المختص وأثنى عليه توفي في جمادى الأولى (6/249) ________________________________________ 250 سنة سبع وسبعين وسبعمائة فيها كان الغلاس بحلب حتى بيع المكوك بثلثمائة ثم زاد إلى أن بلغ الألف حتى أكلوا الميتة والقطاط والكلاب وباع كثير من المقلين أولادهم وافتقر خلق كثير ويقال أن بعضهم أكل بعضا حتى أكل بعضهم ولده ثم أعقب ذلك الوباء حتى فنى خلق كثير حتى كان يدفن العشرة والعشرون في القبر الواحد بغير غسل ولا صلاة ويقال أنه دام بتلك البلاد الشامية ثلاث سنين لكن أشده كان في الأولى وفيها توفي برهان الدين إبراهيم بن عليم الدين محمد بن أبي بكر الأخنائي وكان شافعي المذهب وحفظ التنبيه ثم تحول مالكيا كعمه سمع على الحجار وغيره وولي الحسبة ونظر الخزانة وناب في الحكم ثم ولي القضاء استقلالا إلى أن مات وكان مهيبا صارما قوالا بالحق قائما بنصر الشرع رادعا للمفسدين وقد صنف مختصرا في الأحكام مات في رجب وفيها أحمد بن عبد الكريم بن أبي بكر بن أبي الحسن البعلبكي الحنبلي الصوفي المسند سمع صحيح مسلم من زينب بنت كندي وسمع من اليونيني وغيره وأجاز له أبو الفضل بن عساكر وابن القواس وحدث بالكثير وارتحلوا إليه واستدعاه التاج السبكي سنة إحدى وسبعين إلى دمشق فقرأ عليه الصحيح قال ابن حجي كان خيرا حسنا أخرجت له جزءا توفي مناهزا للتسعين وفيها القاضي جمال الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر بن الياس بن الخضر الدمشقي المعروف بابن الرهاوي الشافعي أدرك الشيخ برهان الدين وحضر عنده وتفقه على جماعة من علماء العصر وقرأ بالروايات واشتغل بالعربة وقرأ الأصول والمنطق على الشمس الأصفهاني ودرس وأفتى وتعانى الحساب ودرس بالمسرورية والكلاسة وولي وكالة بيت المال وقام على القاضي تاج الدين وآذاه من حوله فمقته أكثر الناس لذلك وناب في الحكم عن البلقيني ودرس بالشامية البرانية ثم أخذت منه بعد شهر ودرس بالناصرية الجوانية ثم أخذت منه وأوذي وصودر بعد موت القاضي تاج الدين وحصل له خمول إلى أن توفي في ربيع الأول عن (6/250) ________________________________________ 251 سبع وسبعين سنة وفيها شهاب الدين أحمد بن يوسف بن فرج الله بن عبد الرحيم الشار مساحي نسبة إلى شار مساح بلد قرب دمياط الشافعي تققه على يد الشيخ جمال الدين الأسنوي وغيره وبرع في الفقه والأصول وولي قضاء المحلة ومنفلوط ودمياط وغيرها وكان موصوفا بالفضل والعقل وفيها شرف الدين الحسن ابن عمر بن الحسن بن عمر بن حبيب الحلبي رحل وجمع وأفاد وذكره الذهبي في المعجم المختص فقال شاب متيقظ سمع وخرج وكتب عني الكاشف اعتنى به أبوه بحلب وسمع بنفسه من بنت صصرى وغيرها وكان مولده في جمادى الآخرة سنة اثنتي عشرة وأخذ عن والده وعبد الرحمن وإبراهيم ابني صالح وغيرهما انتهى وشرح الفهرست والمشيخة وأخذ عنه ابن أبي العشاير ووصفه بالفضل وكان يوقع على الحكم توفي بحلب في ذي الحجة وفيها أبو يعلى حمزة بن علي بن محمد بن أبي بكر بن عمر بن عبد الله السبكي المالكي سمع من الدبوسي والواني وهذه الطبقة وكتب وطلب ودرس وناب في الحكم ووقع في الدست وفي الأحباس وله المام بالحديث مات راجعا من الحج ودفن برابع عن نحو ثمانين سنة وفيها ذو النون بن أحمد بن يوسف السرماري بضم السين المهملة وسكون الراء نسبة إلى سرمارى قرية ببخارى الحنفي يعرف بالفقيه أخذ عن مشايخ أذربيجان وديار بكر وغيرهم ونزل عنتاب في حدود الستين فأقام بها يشغل الطلبة وشرح مقدمة أبي الليث وقصيد البستي وتصدر بجامع النجار بجوار ميدان عنتاب وكان قائما بالأمر بالمعروف شديادا في ذلك إلى أن مات في رمضان قاله العيني في تاريخه وفيها بهاء الدين عبد الله بن رضي الدين محمد بن أبي بكر بن خليل من ذرية عثمان بن عفان العسقلاني ثم المكي الشافعي نزيل الجامع الحاكمي بالقاهرة ولد آخر سنة أربع وتسعين وستمائة وطلب العلم صغيرا بمكة فسمع من الصفي والرضي الطبريين والتوزري وغيرهم وارتحل إلى دمشق فأخذ عن مشايخها وتفقه بالعلاء القونوي والتبريزي والأصبهاني وأخذ عن أبي حيان وغيرهم وأخذ عن (6/251) ________________________________________ ابن الفركاح ورجع إلى مصر فاستوطنها وحفظ المحرر ومهر في الفقه والعربية واللغة والحديث وقد بالغ الذهبي في الثناء عليه في 252 بيان زغل العلم وغيره وقال في معجمه الكبير المحدث القدوة هو ثوب عجيب في الورع والدين والانقباض وحسن السمت وقال في المعجم المختص هو الإمام القدوة أتقن الحديث وعنى به ورحل فيه وقال الشيخ شهاب الدين بن النقيب بمكة رجلان صالحان أحدهما يؤثر الخمول وهو ابن خليل والآخر يؤثر الظهور وهو اليافعي وكان ابن خليل ربما عرضت له جذبة فيقول فيها أشياء وتصدى للأسماع في أواخر زمانه ومع ذلك فلم يحدث بجميع مسموعاته لكثرتها توفي بالقاهرة في جمادى الأولى ودفن بتربة تاج الدين بن عطا بالقرافة وشهد جنازته ما لا يحصى كثرة وفيها علاء الدين علي بن إبراهيم بن محمد بن الهمام بن محمد بن إبراهيم بن حسان الأنصاري الدمشقي بن الشاطر ويعرف أيضا بالمطعم الفلكي كان أوحد زمانه في ذلك مات أبوه وله ست سنين فكفله جده وأسلمه لزوج خالته وابن عم أبيه علي بن إبراهيم بن الشاطر فعلمه تطعيم العاج وتعلم علم الهيئة والحساب والهندسة ورحل بسبب ذلك إلى مصر والأسكندرية وكانت لا تنكر فضائله ولا يتصدى للتعليم ولا يفخر بعلومه وله ثروة ومباشرات ودار من أحسن الدور وضعا وأغربها وله الزيج المشهور والأوضاع الغريبة المشهورة التي منها البسيط الموضوع في منارة العروس بجامع دمشق يقال أن دمشق زينت عند وضعه وفيها علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد بن حجر العسقلاني ثم المصري الكناني الشافعي قال ولده الحافظ ابن حجر في أنباء الغمر بأنباء العمر ولد في حدود العشرين وسبعمائة وسمع من أبي الفتح بن سيد الناس واشتغل بالفقه والعربية ومهر في الآداب وقال الشعر فأجاد ووقع في الحكم وناب قليلا عن ابن عقيل ثم ترك لجفاء ناله من ابن جماعة وأقبل على شأنه وأكثر الحج والمجاورة وله عدة دواوين منها ديوان الحرم مدايح نبوية ومكية في مجلدة وكان (6/252) ________________________________________ موصوفا بالفضل والمعرفة والديانة والأمانة ومكارم الأخلاق ومن محفوظاته الحاوي وله استدارك على الأذكار للنووي فيه مباحث حسنة وهو القائل 253 ( يا رب أعضاء السجود عتقتها * من عبدك الجاني وأنت الواقي ) ( والعتق يسري بالغنى ياذا الغنى * فانعم على الفاني بعتق الباقي ) تركني لم أكمل أربع سنين وأنا الآن أعقله كالذي يخيل الشيء ولا يتحققه وتوفي يوم الأربعاء خامس عشرى رجب وأحفظ منه أنه قال كنية ولدي أحمد بأبو الفضل انتهى ملخصا وفيها كمال الدين عمر بن إبرهيم بن عبد الله الحلبي بن العجمي الشافعي ولد سنة أربع وسبعمائة وسمع من الحجار والمزي وغيرهما وعنى بهذا الشأن وكتب الأجزاء والطباق ورحل إلى مصر والأسكندرية ودمشق وسمع من أعيان محدثيها وأفتى فانتهت إليه رياستها بحلب مع الشهاب الأذرعي وذكره الذهبي في معجمه المختص وأثنى عليه ابن حبيب وصنف في الفقه وغيره وتوفي بحلب في ربيع الأول ودفن بتربة جده خارج باب المقام وفيها كليم بنت محمد بن محمود بن معبد البعلية روت عن الحجار وعنها ابن ردس وغيره وتوفيت في صفر وفيها محمد بن أحمد بن أبي بكر بن عرية الربعي الأسكندراني سمع من ابن مخلوف وخلائق لا تحصى وعنى بهذا الفن وكتب العالي والنازل وخرج له بعض مشايخه وخرج له الكمال الأدفوي مشيخة حدث بها ومات قبله وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن سليمان بن خطيب يبرود الشافعي ولد في سنة سبعمائة أو في التي بعدها واشتغل بالعلم وعنى بالفقه والأصول والعربية وأخذ عن ابن الفركاح وابن الزملكاني وغيرهما وأفتى وولي تدريس أماكن كالشامية الكبرى بدمشق ومدرسة الشافعية بالقرافة قال ابن حجي كان من أحسن الناس القاءا للدرس ينقب ويحرر ويحقق وكان الغالب عليه الأصول وقال العثماني كان يضرب بتواضعه المثل وكان من أئمة المسلمين في كل فن مجمع على جلالته مسددا في فتاويه وولي قضاء المدينة وحدث عن الحجار وغيره توفي بدمشق في شوال ودفن (6/253) ________________________________________ بباب الصغير عند الشيخ حماد وفيها بهاء الدين أبو البقاء محمد بن عبد البر بن يحيى بن علي بن تمام السبكي 254 الشافعي ولد كما قال ابن رافع سنة سبع وسبعمائة وتفقه على القطب السنباطي والمجد الزنكلوني وغيرهما ولازم أبا حيان والجلال القزويني وابن عم أبيه تقي الدين السبكي وغيرهم وسمع من وزيرة والحجار والواني وغيرهم وحدث عنهم وانتقل إلى دمشق سنة تسع وثلاثين عام ولي قريبه تقي الدين القضاء وناب عنه في الحكم بدمشق ثم ولي استقلالا بعد صرف تاج الدين السبكي مدة شهر واحد ثم ولي قضاء طرابلس ثم رجع إلى القاهرة فولي قضاء العسكر ووكالة بيت المال ثم ولي قضاءها في سنة ست وستين بعد العز بن جماعة ثم ولي قضاء دمشق ومات بها وكان الأسنوي يقدمه ويفضله على أهل عصره وكان العماد الحسباني يشهد أنه يحفظ الروضة وكان هو يقول أعرف عشرين علما لم يسألني عنها بالقاهرة أحد ومع سعة علمه لم يصنف شيئا وكان يقول أقرأت الكشاف بعدد شعر رأسي وتقدم على شيوخ الشام وله بضع وثلاثون سنة وذكره الذهبي في المعجم المختص وأثنى عليه وقال ابن حبيب شيخ الإسلام وبهاؤه ومصباح أفق الحكم وضياؤه وشمس الشريعة وبدرها وحبر العلوم وبحرها كان إماما في المذهب طرازا لردائه المذهب رأسا لذوي الرياسة والرتب حجة في التفسير واللغة والنحو والأدب قدوة في الأصول والفروع رحلة لأرباب السجود والركوع مشهور في البلاد والأمصار سالك طريق من سلف من سالفة الأنصار درس وأفاد وهدى بفتاويه إلى سبيل الرشاد توفي بدمشق في جمادى الأولى ودفن بسفح قاسيون بتربة السبكيين وفيها شمس الدين محمد بن سالم بن عبد الرحمن بن عبد الجليل الشيخ الإمام العالم العامل المفتي الحنبلي الدمشقي ثم المصري كان مقيما بالشام فحصل له رمد ونزل بعينيه ماء فتوجه إلى مصر للتداوي ونزل في مدارس الحنابلة وحصل له تدريس مدرسة السلطان حسن وتوفي يوم السبت سادس عشرى شعبان بالقاهرة وفيها بدر الدين أبو عبد (6/254) ________________________________________ الله محمد بن علي بن محمد بن اسباسلار البعلي الحنبلي الشيخ الإمام العلامة البارع الناقد المحقق أحد مشايخ المذهب له مختصر في الفقه 255 سماه التسهيل عبارته وجيزة مفيدة وفيه من الفوايد ما لم يوجد في غيره من المطولات أثنى عليه العلماء وفيها جمال الدين محمد بن عمر بن الحسن بن حبيب ولد سنة اثنتين وسبعمائة وأحضر على سنقر الزيني وسمع من بيبرس العديمي وجماعة وخرج له أخوه الحسين مشيخة وحدث بالكثير بلده وبمكة وكان خيرا توفي في جمادى بالقاهرة فإنه كان رحل بولده ليسمعه فأسمعه بدمشق من ابن أميلة وغيره ثم توجه إلى مصر فأدركه أجله بها وكان عنده من سنقر عدة كت منها السنن لابن الصباح سمعه منه محدث حلب الحافظ برهان الدين سبط ابن العجمي وفيها صلاح الدين محمد بن محمد بن عبد الله بن علي بن صورة الشافعي تفقه بالتاج التبريزي والشمس الأصبهاني وبهاء الدين بن عقيل وناب عنه في الحكم بجامع الصالح وسمع الحديث من عبد الله بن هلال والمزي وغيرهما وكان من أعيان الشافعية سنة ثمان وسبعين وسبعمائة فيها كما قال ابن حجر ظهر بدمشق نجمن كبير له ذؤابة طويلة من ناحية المغرب وقت العشاء وفي آخر الليل يظهر مثله في شرقي قاسيون وفيها توفي فخر الدين إبرهيم بن إسحق بن يحيى بن إسحق الآمدي ثم الدمشقي ولد سنة خمس وتسعين وستمائة وسمع من ابن مشرف وابن الموازيني وخلق وأجيز من بغداد ودمشق والأسكندرية وخرج له صدر الدين بن إمام المشهد مشيخة وقد ولي نظر الإمام والأوقاف ثم نظر الجيش والجامع بدمشق وغير ذلك من المناصب الجليلة وكان مشكور السيرة معظما عند الناس وحدث له في آخره صمم وحدث بمصر ودمشق وتوفي في ربيع الأول وفيها أحمد بن سالم بن ياقوت المكي المؤذن شهاب الدين ولد سنة ست أو سبع وتسعين وستمائة وسمع من الفخر التوزري وتفرد بالسماع منه وسمع من الصفي (6/255) ________________________________________ 256 والرضى الطبريين وغيرهما وكان إليه أمر زمزم وسقاية العباس وفيها شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن قاسم العرياني المحدث ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة بدمشق من على الجزري والذهبي وغيرهما وبمصر من الميدومي وبالقدس من علي بن أيوب وغيره وحصل الكتب والأجزاء ودار على الشيوخ ورافق الشيخ زين الدين العراقي كثيرا وأسمع أولاده وصنف لغات مسلم وشرح الإلمام ودرس في الحديث بمدارس وناب في الحكم وكان محمود الخصال توفي في جمادى الآخرة وفيها أبو البركات أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد سبعة في نسق سابعهم ابن أبي بكر بن جماعة الزهري بن النظام القوصي ثم المصري ولد سنة ثلاث عشرة وسبعمائة وسمع من الواني والدبوسي والحجار وغيرهم وحدث وفيها عماد الدين إسمعيل بن خليفة بن عبد العالي النابلسي الأصل الحسباني الشافعي الإمام العلامة أبو الفداء أخذ بالقدء عن تقي الدين القلقشندي ولازمه حتى فضل وقدم دمشق فقرر فقيها بالشامية البرانية ولم يزل في نمو وازدياد واشتهر بالفضيلة وزلام الفخر المصري حتى أذن له بالإفتاء وأفتى ودرس وأفاد وقصد بالفتاوى من البلاد وناب في الحكم قال الحافظ ابن حجي أحد أئمة المذهب والمشار إليهم بجودة النظر وصحة الفهم وفقه النفس والذكاء وحسن المناظرة والبحث والعبارة وكانت له مشاركة في غير الفقه ونفسه قوية في العلم وقال غيره شرح المنهاج في عشرة أجزاء ولم يشتهر لأن ولده لم يمكن أحدا من كتابته فاحترق غالبه في الفتنة وكان الأذرعي ينقل منه كثيرا وكتب منه نسخة لنفسه توفي بدمشق في ذي القعدة ودفن بباب الصغير قبلي جراح وفيها تقي الدين أبو الفدا إسمعيل بن علي بن الحسن بن سعيد بن صالح شيخ الفقهاء الشافعية القلقشندي المصري نزيل القدس وفقيهه ولد سنة اثنتين وسبعمائة بمصر وقرأ بها وحصل ثم قدم دمشق بعد الثلاثين فقرأ على الفخر المصري فأجازه بالإفتاء وسمع الحديث الكثير وحدث وأقام (6/256) ________________________________________ بالقدس مثابرا على نشر العلم والتصدي 257 لإقراء الفقه وشغل الطلبة وزوجه مدرس الصلاحية يومئذ الشيخ صلاح الدين العلائي ابنته وصار معيدا عنده بها وجاءه منها أولاد أذكياء علماء واشتهر أمره وبعد صيته بتلك البلاد ورحل إليه وكثرت تلامذته قال ابن حجي وممن تخرج به الإمام عماد الدين الحسباني وانتفع به أيضا حموه وكان حافظا للمذهب يستحضر الروضة دينا مثابرا على الخيرات توفي في جمادى الآخرة بالقدس وقال ابن حجر حدث بالصحيح لمسلم عن الشريف موسى وبالصحيح عن الحجار وفيها عباس بن علي بن داود بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول اليماني الملك الأفضل صاحب زبيد وتعز ولي سنة أربع وستين وقام في إزالة المتغلبين من بني منكال إلى أن استبد بالمملكة وكان يحب الفضل والفضلاء وألف كتابا سماه نزهة العيون وغير ذلك وله مدرسة بتعز وأخرى بمكة مات في ربيع الأول وفيها جمال الدين عبد الله بن كمال الدين محمد بن إسمعيل بن أحمد بن سعيد الحلبي ثم المصري ابن الأثير ولد سنة ثمان وسبعمائة وسمع من الحجار ووزيرة وحدث بالصحيح وكان ماهرا في العربية وقد ولي كتابة السر بدمشق ثم انقطع للعبادة بالقاهرة ومات بها في جمادى الآخرة وفيها تقي الدين عبد الله بن محمد بن الصايغ ولد سنة ثلاث وسبعمائة وسمع من إسحق الآمدي والحجار وغيرهما وأجاز له ابن مكتوم وعلي بن هرون وغيرهما وكان أحد الرؤساء بدمشق منور الشيبة حسن الصورة مات في رجب وفيها فخر الدين عثمان بن أحمد بن عثمان الزرعي بن شمرنوح الشافعي قاضي حلب قال ابن حبيب حكم بطرابلس وحلب عشرين سنة وكان موصوفا بالرياسة والفضل والإحسان والتواضع والبر ومعرفة الأحوال وفيها علاء الدين علي بن محمد بن أحمد بن محمد بن عثمان بن أسعد ابن المنجا الشيخ الكبير الصالح الحنبلي سمع صحيح البخاري من وزيرة وسمع من عيسى المطعم وغيره وحدث فسمع منه الشيخ شهاب الدين بن حجي وقال هو من بيت كبير (6/257) ________________________________________ 258 ورجل جيد وهو أخو الشيخة فاطمة بنت المنجا شيخة ابن حجر العسقلاني التي أكثر عنها عاشت بعده بضعا وعشرين سنة حتى كانت خاتمة المسندين بدمشق توفي في ربيع الآخر عن ثمان وستين سنة وفيها عمر بن حسن بن يزيد بن أميلة بن جمعة بن عبد الله المراغي ثم المزي ولد سنة ثمانين وستمائة وقال البرزالي سنة اثنتين وثمانين وهو المعتمد وأسمع على الفخر بن البخاري جامع الترمذي وسنن أبي داود ومشيخته تخريج ابن الظاهري وذيلها للمزي والشمائل وتفرد بالسنن والجامع والذيل ورحل الناس إليه وكان صبورا على السماع وأم بجامع المزة مدة وحدث نحوا من خمسين سنة وسمع من جماعات وخرج له الناس في مشيخة لطيفة وقرأ القراءات على ابن بصخان وله شعر وسط منه ( ولي عصا من جريد النخل أحملها * بها أقدم في نقل الخطا قدمي ) ( ولي مآرب أخرى أن أهش بها * على ثمانين عاما لا على غنمي ) توفي في ربيع الآخر عن مائة سنة وفيها عمر السلفي الشافعي من فقهاء المقادسة مات في رجب كذا ذكره ابن حجر وفيها بدر الدين محمد بن أحمد بن عمر بن محمد بن محمد بن محمد بن المظفر السبكي المصري ابن السكري المسند سمع من وزيرة مسند الشافعي وحدث به وله إجازة من جماعة من المصريين وقد ذكره البرزالي من مسندي مصر وفيها بدر الدين محمد بن علي بن منصور الحلبي ثم الدمشقي ابن قوالح ولد سنة خمس وتسعين وستمائة وأحضر على أبي الفضل بن عساكر فسمع منه صحيح مسلم وسمع صحيح البخاري من اليونيني ومن ابن القواس عمل اليوم والليلة لابن السني بفوت ودرس في العربية أكثر من ستين سنة حتى أن النجم القحفازي كان منزلا عنده ومات قبله بمدة طويلة وتفرد قاله ابن حجي وفيها نصير الدين أبو المعالي محمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر هو ابن المؤرخ شمس الدين الجزري ولد سنة ثلاث عشرة وسبعمائة وأسمع من (6/258) ________________________________________ 259 المطعم والشيرازي وغيرهما ثم طلب بنفسه بعد الثلاثين فقرأ الكتب وسمع وكتب الأجزاء واشتغل بالفقه وربما كتب على الفتوى وكان السبكي فمن دونه يرجعون إلى قوله وولي مباشرة الأيتام وكان مشكور السيرة ذا همة عالية توفي في جمادى الآخرة وفيها محب الدين محمد بن يوسف بن أحمد بن عبد الدايم الحلبي ناظر الجيش الشافعي ولد سنة سبع وتسعين وستمائة واشتغل ببلاده ثم قدم القاهرة ولازم أبا حيان والتاج التبريزي وغيرهما وحفظ المنهاج والألفية وبعض التسهيل وتلا بالسبع على الصايغ ومهر في العربية وغيرها ودرس فيها وفي الحاوي وسمع من الشريف موسى وست الوزراء وغيرهما وحدث وأفاد وخرج له الياسوف مشيخة وشرح التسهيل إلا قليلا وشرح تلخيص المفتاح شرحا مفيدا وكانت له في الحساب يد طولى وولي نظر الجيش ونظر البيوت والديوان وكان عالي الهمة نافذ الكلمة كثير البذل والجود والرفد للطلبة والرفق بهم وكان من العجائب قال ابن حجر أنه مع فرط كرمه في غاية البخل على الطعام وكان كثير الظرف والنوادر وبلغت مرتباته في الشهر ثلاثة آلاف وكان من محاسن الدنيا مع الدين والصيانة توفي في ثاني عشر ذي الحجة وفيها قاضي القضاة شرف الدين أبو البركات موسى بن فياض بن عبد العزيز بن فياض الحنبلي الفندقي النابلسي الشيخ الإمام الحبر سمع من جماعة منهم أبو بكر بن عبد الدايم وعيسى المطعم وحدث وباشر حاكما رابعا ولي قضاء حلب سنة ثمان وأربعين وهو أول من ولي قضاء قضاة الحنابلة بها وكان طارحا للتكلف جزيل الديانة والتعفف مقبلا على العبادة وأجاز لجماعة منهم الشيخ شهاب الدين بن حجي توفي في ذي القعدة بحلب وفيها جمال الدين يوسف بن أحمد بن سليمان المعروف بابن الطحان الحنبلي الشيخ الإمام الأوحد ذو الفنون قال شيخ الإسلام بن مفلح كان بارعا في الأصول أخذه عن الشيخ شهاب الدين الأخميمي وأخذ العربية عن العنائي وتفقه في المذهب على ابن مفلح صاحب الفروع وغيره وكان بارعا (6/259) ________________________________________ في المعاني البيان صحيح 260 الذهن حسن الفهم جيد العبارة إماما نظارا مفتيا مدرسا حسن السيرة عنده أدب وتواضع وله ثروة توفي بالصالحية يوم السبت سادس عشرى شوال وله نحو أربعين سنة وفيها جمال الدين يوسف بن عبد الله بن حاتم بن محمد بن يوسف الشهير بابن الحبال الحنبلي قال العليمي هو المسند المعمر سمع من القاضي تاج الدين بن عبد الخالق وابن عبد السلام وغيرهما قال الشيخ شهاب الدين بن حجي سمعنا عليه مرارا مسند الشافعي رضي الله عنه توفي ببعلبك عشية يوم الخميس سابع رجب وصلى عليه من الغد عقب صلاة الجمعة ودفن بباب سطحا سنة تسع وسبعين وسبعمائة فيها توفي أحمد بن علي بن عبد الرحمن العسقلاني الأصل المصري المشهور بالبلبيسي الملقب سمكة كان بارعا في الفقه والعربية والقراءات وكان الأسنوي يعظمه وهو من أكابر من أخذ عنه واشتغل وبرع وأخذ عن علماء مصر وسمع من الميدومي وغيره قال ابن حجر ورافق شيخنا العراقي في سماع الحديث وقرأ بالروايات وكان خيرا متواضعا مات في المحرم وفيها أبو جعفر أحمد بن يوسف بن مالك الرعيني الغرناطي الأندلسي رفيق محمد بن جابر الأعمى شارح الألفية وهما المشهوران بالأعمى والبصير قال في أنباء الغمر ارتحل إلى الحج فرافق أبا عبد الله بن جابر الأعمى تصاحبا وترافقا إلى أن صارا يعرفان بالأعميين وسمعا في الرحلة من أبي حيان وأحمد بن علي الجزري والحافظ المزي وغيرهم وكان أبو جعفر شاعرا ماهرا عارفا بفنون الأدب وكان رفيقه عالما بالعربية مقتدرا على النظم واستوطنا البيرة من عمل حلب وانتفع بهما أهل تلك البلاد وقال السيوطي في طبقات النحاة أقام أبو جعفر بحلب نحو ثلاثين سنة وكان عارفا بالنحو وفنون اللسان مقتدرا على النظم والنثر دينا حين الخلق كثير التأليف في العربية وغيرها شرح بديعية رفيقه وأجاز لأبي حامد بن ظهيرة مولده بعد السبعمائة ومات منتصف رمضان ومن شعره (6/260) ________________________________________ 261 ( لا تعادي الناس في أوطانهم * قلما يرعى عريب الوطن ) ( وإذا ما عشت عيشا بينهم * خالق الناس بخلق حسن ) وفيها أحمد بن أبي الخير اليمني الصياد أحد المشهورين بالصلاح والكرامات من أهل اليمن كان محافظا على التقوى معظما في النفوس اجتمع هو ورجل من الزيدية فتوافقا على دخول الخلوة وإقامة أربعين يوما لا أكل ولا شرب فضج الزيدي من رابع يوم فأخرج وثبت ابن الصياد إلى الآخر الأربعين فتاب الزيدي على يده هو وجميع من معه وتوفي في شوال وله أربعون سنة وفيها الأمير اقتمر الحنبلي الصالحي كان من مماليك الصالح إسمعيل وولي رأس نوبة في دولة المنصور بن المظفر ثم خازندارا في دولة الأشرف ثم تقدم في سنة سبعين ونفاه الجائي إلى الشام ثم أعيد بطالا ثم استقر رأس نوبة ثم نايب السلطنة بعد منجك ثم قرر في نيابة الشام إلى أن توفي بها في هذه السنة في رجبها وكان أولا يعرف بالصاحبي وكان يرجع إلى دين وعنده وسواس كثير في الطهارة وغيرها فلقب لذلك الحنبلي ثم ذكره الحنابلة في طبقاتهم وكان يحب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفيها زين الدين أبو بكر بن علي بن عبد الملك الماروني المالكي قاضي دمشق بعد موت المسلاتي ثم قاضي حلب ثم عزل واستمر بدمشق بعد ذلك إلى أن مات وكان سمع من ابن مشرف مشاركا في العلوم إلا أنه كان بذيء اللسان مع حسن صورته مات فجاءة في شوال بدمشق وبلغ السبعين قاله ابن حجر وفيها أبو بكر بن محمد بن أحمد بن عبد الواحد الطرسوسي القاضي الحنفي سمع من عمه العماد علي بن أحمد الطرسوسي الحنفي القاضي وأبي نصر الشيرازي وغيرهما وتوفي في شوال وكان يعرف بابن أخي القاضي وفيها الحسن بن أحمد بن هلال بن سعد بن فضل الله الصرخدي ثم الصالحي المعروف بابن هبل الطحان ولد سنة ثلاث وثمانين وستمائة وسمع من الفخر بن البخاري ومن التقي الواسطي وأجازا له وسمع بنفسه من التقي سليمان وأخيه وفاطمة بنت سليمان والدمشقي وعثمان (6/261) ________________________________________ 262 الحمصي وعيسى المغاري وغيرهم وحدث بالكثير ورحل إليه الناس وتوفي في صفر وفيها بدر الدين أبو محمد الحسن بن عمر بن حسن بن عمر بن حبيب بن عمر بن سريح بن عمر الدمشقي الأصل الحلبي ولد بحلب سنة عشر وأحضر في الشهر العاشر من عمره على إبراهيم وعبد الرحمن ابني صالح بن العجمي وأحضر على بيبرس العديمي وغيره ورحل فسمع بالقاهرة من محمد بن معضاد ومحمد بن غالي وعبد المحسن ابن الصابوني ويحيى بن المصري وغيرهم واشتغل وبرع إلى أن صار رأسا في الأدب والشروط ثم انتقى وخرج وأرخ وتعانى في تأليفه السجع وناب في الحكم ووقع في الإنشاء وصنف فيها واشتهر بالأدب ونظم ونثر وجمع مجاميع مفيدة ثم لزم بيته بآخره مقبلا على التصيف فمنها درة الأسلاك في دلوة الأتراك وتذكرة النبيه في أيام المنصور وبنيه وكان دمث الأخلاق حسن المحاضرة حميد المذاكرة مات ضحى يوم الجمعة حادي عشر ربيع الآخر بحلب عن تسع وستين سنة وهو والد الشيخ زين الدين طاهر وقد ذيل على تايخه وفيها زينة بنت أحمد بن عبد الخالق بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن يونس الموصلية وسمعت من عيسى المطعم وابن النشو وغيرهما وحدث بالكثير وتوفيت في شعبان وفيها محمد بن عبد الله الطرابلسي الحلبي الشافعي الفروع الحنبلي الأصول صاحب ابن القيم حمل عنه الكثير وكان فاضلا مشهورا وذهنه جيد وله نظم حسن وكان قصيرا جدا ولم يعاشر الفقهاء ودرس بالظاهرية ومات في رمضان وفيها مجد الدين أبو سالم محمد بن علي بن محمد بن الحسن بن زهرة الحلبي جال في بلاد العجم ولقي العلماء بها واشتغل بالمعاني وغيرها وقال الشعر وكان يذكر أنه سمع المشارق من محمد بن محمد بن الحسين بن أبي العلاء الفيروزبادي بسماعه من محمد بن الحسين بن أحمد النيسابوري المعروف بالخليفة عن مؤلفه وحدث بشيء من ذلك بحلب ومن نظمه ( أبا سالم اعمل لنفسك صالحا * فما كل من لاقي الحمام بسالم ) وفيها مجد الدين محمد بن محمد بن إبراهيم (6/262) ________________________________________ البلبيسي الأسكندراني الأصل موقع 263 الحكم سمع من الواني والمزي وغيرهما وتفقه بالمجد الزنكلوني وأخذ عن ابن هشام وعنى بالحساب فكان رأسا فيه وفي الشروط وانتهت إليه معرفة السجلات وكان يوقع عن المالكية وينوب عن الحنفية ومن مصنفاته حاشية على المعونة وشرحه للوسيلة عاش ستين سنة وفيها جمال الدين أبو بكر محمد بن الإمام العلامة كمال الدين أبي العباس أحمد بن الإمام جمال الدين محمد بن أحمد بن عبد الله بن سحمان الإمام العلامة الشافعي بقية السلف القاضي البكري الوائلي الشريشي الأصل الدمشقي مولده سنة أربع أو خمس وتسعين وستمائة وأحضر على جماعة وسمع من جماعة وأجاز له آخرون واشتغل في صباه وتفنن في العلوم واشتهر بالفضيلة ودرس في حياة والده ثم بعد وفاته بالرباط الناصري ثم بعدة مدارس وأفتى كل ذلك وهو في سن الشبيبة ثم ولاه القاضي علاء الدين القونوي قضاء حمص فنزح إلى هناك وأقام زمنا طويلا ثم قدم دمشق في أول ولاية السبكي فولي تدريس البادرائية في سنة إحدى وأربعين وأقام يشغل الناس في الجامع ويفتي ثم نزل عن البادرائية لولده شرف الدين سنة خمسين والإقبالية لولده بدر الدين وتوجه إلى مصر سنة تسع وسنتين فولاه البلقيني نيابة في الطريق ثم توجه هو إلى القاهرة وعاد المترجم إلى دمشق وباشر تدريس الشامية البرانية والحكم يوما واحدا ثم مرض ومات وحدث بمصر والشام واختصر الروضة وشرح المنهاج في أربعة أجزاء وله زوايد على المنهاج وكان حسن المحاضرة دمث الأخلاق وله خطب ونظم توفي في شوال ودفن بتربتهم في سقح قاسيون وفيها جمال الدين أبو الفضل محمد بن محمد بن عبد الرحمن السامي نزيل المدينة تفقه بالعماد الحسباني وأخذ عن تقي الدين ابن رافع وغيره وسمع من ابن أميلة وغيره وتخرج بالعفيف المطري وسمع بمصر وغيرها وكان ترافق هو وعبد السلام الكازروني إلى مكة فيقال أنه دس عليهما سم بسبب من الأسباب فقتلهما فمات السامي في صفر والكازروني (6/263) ________________________________________ بعده بأيام وقد حدث باليسير ولم يكمل الأربعين وفيها بدر الدين محمد بن محمد بن 264 علي بن الشمس أحمد بن ملكان الأربلي الأصل ثم الدمشقي ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة وسمع من الحجار وغيره وحدث عن الحنبلي بالمنتقى من النسفي ومات في ربيع الآخر وفيها شرف الدين محمد بن محمد بن مشرف بن منصور بن محمود الزرعي قاضي عجلون كان من الفضلاء حسن السيرة مات بدمشق في ربيع الأول قاله ابن حجر وفيها شمس الدين محمد بن بدر الدين محمد بن يحيى بن عثمان بن رسلان البعلي السلاوي يعرف بابن شقرا ولد بعد السبعمائة وسمع سنة سبع وسبعمائة من شمس الدين بن أبي الفتح وبعد ذلك من القطب اليونيني وجماعة وحدث فأخذ عنه الياسوفي وابن حجر وغيرهما ومات في جمادى الأولى وفيها بدر الدين محمد بن ميكال اليمني بن أمير حرس والمهجم وغيرهما من بلاد اليمن خرج على المجاهد وادعى أنه حسنى وخطب له بالسلطنة على المنابر ومات المجاهد في غضون ذلك فنهض الأفضل لحربه إلى أن فر فلجأ إلى الإمام الزيدي بصعدة فأقام عنده إلى أن مات في هذه السنة وفيها محمود بن أحمد الحلبي الجندي قال ابن حجر إمام فارس اشتغل كثيرا بحلب ومهر وحفظ كتبا وبحث وقرأ ثم قدم دمشق فمات بها وهو شاب وله دون الأربعين وفي حدودها العلامة عز الدين يوسف الأردبيلي الشافعي صاحب كتاب الأنوار في الفقه ذكره العثماني في طبقاته فيمن هو باق إلى سنة خمس وسبعين وقال كبير القدر غزير العلم أناف على التسعين جمع كتابا في الفقه سماه الأنوار مجلدان لطيفان عظيم النفع اختصر به الروضة وغيرها وجعله خلاصة المذهب وهو باق بأردبيل أفاض الله عليه فضله الجزيل انتهى وله شرح مصابيح البغوي في ثلاثة أجزاء وفي حدودها أيضا الأمير الفاضل ناصر الدين محمد بن المقر الأشرف العالي الأمير البدري حسن كلي أحد الأمراء الكبار بالديار المصرية كان فقيها حنبليا فاضلا ذكيا له خط حسن إلى الغاية وشعره في غاية الحسن منه قوله (6/264) ________________________________________ 265 ( قلب المتيم كاد أن يتفتتا * فإلى متى هذا الصدود إلى متى ) ( يا معرضين عن المشوق تلفتوا * فعوايد الغزلان أن تتلفتا ) ( كنا وكنتم والزمان مساعد * عجبا لذاك الشمل كيف تشتتا ) ( صد وبعد واشتياق دائم * ما كل هذا الحال يحمله الفتى ) وفي حدودها أيضا الشيخ أبو طاهر إبرهيم بن يحيى بن غنام المعبر الحنبلي كان فاضلا عالما وله كتاب حسن في التعبير على حروف المعجم رحمه الله تعالى سنة ثمانين وسبعمائة فيها كان الحريق العظيم بمصر بدار التفاح ظاهر باب زويلة لولا أن السور منع النار النفوذ لاحترق أكثر المدينة وأقام الناس في شيل التراب أكثر من ثلاثة أشهر وفيها برهان الدين إبرهيم بن عبد الله الحكري المصري قال ابن حجر ولي قضاء المدينة وكان عارفا بالعربية وشرح الألفية ثم رجع فمات بالقدس في جمادى الآخرة وقد ناب في الحكم عن البلقيني في الخليل والقدس وأم عنه نيابة في الجامع بدمشق وفيها أبو العباس أحمد بن سليمان بن محمد العدناني البرشكي بكسر الموحدة والراء وسكون المعجمة بعدها كاف قال ابن حجر ولد صاحبنا المحدث زين الدين عبد الرحمن روى عن الوادياشي والشريف المغربي والشتغل ومهر وله حواش على رياض الصالحين للنووي في مجلد وله تأليف روى عنه عبد الله بن مسعود بن علي بن القرشية وغيره من أهل تونس وفيها أحمد بن عبد الله العجمي المعروف بأبي ذر قدم مصر بعد أن صحب الشريف حيدر بن محمد فأقام مدة ثم رجع إلى القدس وبه مات واشتهر على ألسنة العوام باذار وكان يعرف علم الحرف ويدرس كتب ابن العربي وله اشتغال في المعقول وذكاء وكان كثير التقشف وللناس فيه اعتقاد مات في ذي الحجة وقد أضر وجاوز السبعين وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد الله بن ملك بن مكتوم العجلوني بن (6/265) ________________________________________ 266 خطيب بيت لهيا ولد سنة تسع وسبعمائة تسع وسبعمائة وسمع من الحجار وإسمعيل بن عمر الحموي وغيرهما وحدث وكان رئيسا وجيها وله عدة مشاركات مات في المحرم وفيها أبو بكر بن الحافظ تقي الدين محمد بن رافع ولد في رمضان سنة ست وثلاثين وسبعمائة وأسمعه أبوه من زينب بنت الكمال والجزري وغيرهما وحدث ودرس بالعزيزية بعد أبيه ومات في رجب وفيها الحسن بن سالار بن محمود الغزنوي ثم البغدادي الفقيه الشافعي رحل قديما فسمع من الحجار وغيره ثم رجع وحدث ببغداد صحيح البخاري عن الحجار وتلخيص المفتاح عن مصنفه الجلال القزويني وتوفي في شوال وفيها بهاء الدين داود بن إسمعيل القلقيني نسبة إلى قرية بين نابلس والرملة كان فاضلا شافعيا درس وأفتى وسكن في حلب ذكره القاضي علاء الدين في تاريخه وفيها ضياء الدين عبد الله بن سعد الله بن محمد بن عثمان القزويني القرمي ويسمى أيضا ضياء ويعرف بقاضي القرم العفيفي الشافعي أحد العلماء تفقه في بلاده وأخذ عن القاضي عضد الدين وغيره واشتغل على أبيه البدر التستري والخلخالي وتقدم في العلم حتى أن السعد التفتازاني قرأ عليه وحج قديما وسمع من العفيف المطري بالمدينة وكان اسمه عبيد الله فغيره لموافقته اسم عبيد الله بن زياد بن أبيه قاتل الحسين وكان يستحضر المذهبين ويفتي فيهما ويحسن إلى الطلبة بجاهه وماله مع الدين المتين والتواضع الزائد وكثرة الخير وعدم الشر وكانت لحيته طويلة جدا بحيث تصل إلى قدميه ولا ينام إلا وهي في كيس وكان إذا ركب يفرقها فرقتين وكان عوام مصر إذا رأوه قالوا سبحان الخالق فكان يقول عوام مصر مؤمنون حقا لأنهم يستدلون بالصنعة الصانع ولما قدم القاهرة استقر في تدريس الشافعية بالشيخونية والبيبرسية وغير ذلك وكان لا يمل من الاشتغال حتى في حال مشيه وركوبه ويحل الكشاف والحاوي حلا إليه المنتهى حتى قيل أنه يحفظهما وكان يقول أنا حنفي الأصول شافعي الفروع وكان يدرس دائما بغير مطالعة وكتب (6/266) ________________________________________ إليه زين الدين طاهر بن الحسن بن حبيب 267 ( قل لرب الندى ومن طلب العلم * مجدا إلى سبيل السواء ) ( إن أردت الخلاص من ظلمة الجهل * فما تهتدي بغير ضياء ) فأجاب ( قل لمن يطلب الهداية مني * خلت لمع السراب بركة ماء ) ( ليس عندي من الضياء شعاع * كيف يبغي الهدى من اسم الضياء ) توفي في ثالث ذي الحجة من هذه السنة كما جزم به ابن حجر بالقاهرة وفيها عبد الله بن عبد الله الجبرتي صاحب الزاوية بالقرافة أحد من يعتقد بالقاهرة مات في سادس عشر المحرم وفيها عبد الله بن محمد بن سهل المرسي المغربي نزيل الأسكندرية ويعرف بالشيخ نهار كان أحد من يعتقد ببلده ويذكر عنه مكاشفات كثيرة مات في جمادى الأولى قاله ابن حجر وفيها عز الدين عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن العجمي الحلبي سمع من أبي بكر أحمد بن العجمي وسمع منه ابن ظهيرة والبرهان المحدث وغيرهما وكان شيخا منقطعا عن الناس من بيت كبير مات راجعا من الحج في ثالث المحرم وفيها محي الدين عبد الملك بن عبد الكريم بن يحيى بن محمد بن علي بن محمد بن يحيى القرشي بن التركي الدمشقي كان من بيت كبير بدمشق وسمع من زينب الكمال وغيرها وطلب بنفسه واشتغل وحدث وناب في الحكم ودرس وكان من الرؤساء مات في ذي القعدة ولم يكمل الخمسين وفيها علي بن صالح بن أحمد بن خلف بن أبي بكر الطيبي ثم المصري سمع من الحجار ووزيرة وحدث عن ابن مخلوف بالسادس من الثقفيات سماعا وسمع منه أبو حامد بن ظهيرة بالقاهرة ومات في سابع عشر المحرم وفيها صلاح الدين محمد بن تقي الدين أحمد بن العز إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر محمد بن محمد بن قدامة المقدسي الصالحي الحنبلي مسند الدينا في عصره ولد سنة أربع وثمانين وستمائة وتفرد بالسماع من الفخر ابن البخاري سمع منه مشيخته وأكثر مسند أحمد والشمائل والمنتقى الكبير من (6/267) ________________________________________ 268 الغيلانيات وسمع من التقى الواسطي وأخيه محمد وأحمد بن عبد المؤمن الصوري وعيسى المغاري والحسن بن علي الخلال والعز الفراء والتقي بن مؤمن ونصر الله بن عباس في آخرين وأجاز له في سنة خمس وثمانين جماعة من أصحاب ابن ظبرزد وخرج له الياسوفي مشيخة وحدث بالإجازة عن النجم بن المجاور وعبد الرحمن بن الزين وزينب بنت مكي وزينب بنت العلم واسمع الكثير ورحل الناس إليه وتزاحموا عليه وأكثروا عنه وكان دينا صالحا حسن الاسماع خاشعا غزير الدمعة لا يكاد يمسك دمعته إذا قرىء عليه الحديث أو ذكر أم بمدرسة جده واسمع الحديث أكثر من خمسين سنة وقد أجاز لأهل مصر خصوصا من عموم قال ابن حجر فدخلنا في ذلك مات في شوال عن ست وتسعين سنة وأشهر ونزل الناس بموته درجة ودفن بتربة جده بسفح قاسيون وفيها أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن جابر الأندلسي الهواري المالكي النحوي الأعمى رفيق أبي جعفر الرعيني وهما المشهوران بالأعمى والبصير كان ابن جابر هذا يؤلف وينظم والرعيني بكتب ولم يزالا هكذا على طول عمرها إلى أن اتفق أن ابن جابر تزوج فوقع بينه وبين رفيقه فتهاجروا ومات رفيقه في العام الماضي وكتب ابن فضل الله في المسالك عن ابن جابر شيئا من شعره ومات قبله بدهر وذكر أنه حرص على أن يجتمع به فلم يتفق ذلك وذكره الصلاح الصفدي في تاريخه ومات قبله بكثير ومن تصانيف ابن جابر شرح الألفية لابن مالك وهو كتاب مفيد جليل يعتني بإعراب الأبيات وله نظم الفصيح ونظم كفاية المتحفظ وبديعته نظمها عال وله شرح على ألفية ابن معطي في ثلاث مجلدات وأجاز لمن أدرك حياته وفيها محمد بن إسمعيل بن أحمد الدمشقي العز الأشقر الملقب بالقزل سمع المزي وابن القرشية والبرزالي وجماعة من أصحاب ابن عبد الدايم وحدث وكان دمث الأخلاق يحب أصحاب الحديث وأصحاب ابن تيمية وحفظ القرآن على كبر وحفظه عليه جماعة توفي في ربيع الآخر وفيها ضياء الدين محمد بن محمد بن سعيد بن عمر بن (6/268) ________________________________________ علي الهندي الصغاني نزيل 269 المدينة نم مكة الفاضل الحنفي صاحب الفنون قال ابن حجر هو والد صاحبنا شهاب الدين بن الضياء قاضي الحنفية الآن بمكة وقد ادعى والده أنهم من ذرية الصغاني وأن الصغاني من ذرية عمر بن الخطاب وكان الضياء قد سمع على الجمال المطري والقطب بن مكرم والبدر الفارقي وكان سبب تحوله من المدينة أنه كان كثير المال فطلب منه جماز أميرها شيئا فامتنع فسجنه ثم أفرج عنه فاتفق أنهما اجتمعا بالمسجد فوقع من جماز كلام في حق أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فكفره الضياء وقام من المجلس فتغيب وتوصل إلى ينبع واستجار بأميرها أبي الغيث فأرسله إلى مصر فشنع على جماز فأمر السلطان بقتله فقتل في الموسم فنهب آل جماز دار الضياء فتحول إلى مكة فتعصب له يلبغا فقرر له درسا للحنفية في سنة ثلاث وستين فاستمر مقيما بمكة إلى أن مات وكان عارفا بالفقه والعربية شديد التعصب للحنفية كثير الوقيعة في الشافعية وفيها محمد بن محمد بن عثمان بن أبي بكر الطبري سمع من جده عثمان وجماعة بدمشق ومكة وحدث وأخذ عنه السراج الدمنهوري وغيره وكتب الكثير وتوجه إلى بلاد الهند سنة ثمان وخمسين فأقام بها إلى أن مات وفيها الأمير موسى بن محمد بن شهري بضم المعجمة وسكون الهاء التركماني أحد أكابر الأمراء والنواب في سيس وغيرها من البلاد الشمالية كان يحب العلم ويذاكر ويفهم كثيرا ويتمذهب للشافعي ويقال أن الباريني أذن له في الافتاء وكان ذلك في سنة وفاته وتوفي في رمضان وقد جاوز الأربعين سنة إحدى وثمانين وسبعمائة فيها توفي برهان الدين إبراهيم بن شرف الدين عبد الله بن محمد بن عسكر بن مظفر بن بحر بن سادن بن هلال الطاشي القيراطي الشاعر المشهور ولد في صفر سنة ست وعشرين وسبعمائة وتفقه واشتغل وتعاني النظم ففاق فيه وله ديوان جمعه (6/269) ________________________________________ 270 لنفسه يشتمل على نثر ونظم في غاية الإجادة واشتهرت مرثيته في الشيخ تقي الدين السبكي وطارحه الصفدي بأبيات طائية أجاد القيراطي فيها غاية الإجادة وله في محب الدين ناظر الجيش وفي تاج الدين السبكي غرر المدائح ورسالته التي كتبها للشيخ جمال الدين بن نباته في غاية الحسن والطول وكان مع تعانيه النظم والنثر عابدا فاضلا درس بالفارسية وكان مشهورا بالوسوسة في الطهارة وقد حدث عن ابن شاهد الجيش بالصحيح وعن ابن ملوك وأحمد بن علي بن أيوب المستولي والحسن بن السديد الأربلي وشمس الدين بن السراج وحدث عنه من نظمه القاضي عز الدين بن جماعة والقاضي تقي الدين بن رافع وغيرهما ممن مات قبله وسمع منه جماعة ومن شعره ( كأن خديه ديناران قد وزنا * فحرر الصيرفي الوزن واحتاطا ) ( فشح بعضهما عن وزن صاحبه * فزاده من فتيت المسك قيراطا ) توفي بمكة مجاورا في ربيع الآخر وله خمس وخمسون سنة إلا شهرا وفيها شرف الدين أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عسكر البغدادي المالكي نزيل القاهرة كان فاضلا قدم دمشق فولي قضاء المالكية بها ثم قدم القاهرة في دولة يلبغ فعظمه وولاه قضاء العسكر ونظر خزانة الخاص وقد ولي قضاء دمياط مدة وحدث عن أبيه وابن الحبال وغيرهما ولم يكن بيده وظيفة إلا نظر الخزانة فانتزعها منه علاء الدين بن عرب محتسب القاهرة فتألم من ذلك ولزم بيته إلى أن كف بصره فكان جماعة من تجار بغداد يقومون بأمره إلى أن مات في سادس عشر شعبان وله أربع وثمانون سنة قال ابن حجر سمع منه من شيوخنا جماعة ومن آخر من كان يروي عنه شمس الدين محمد بن البيطار الذي مات سنة خمس وعشرين وثمانمائة وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد الله بن سالم العجلوني العرجاني بن خطيب بيت لهيا ولد في رمضان سنة سبع وسبعمائة وسمع من الضياء إسمعيل بن عمر الحموي وابن الشحنة وحدث وكان من الرؤساء مات في المحرم وفيها عماد الدين أبو بكر بن محمد بن أحمد بن أبي غانم بن أبي (6/270) ________________________________________ الفتح الشيخ الجليل الحلبي الأصل 271 الدمشقي المولد الصالحي المنشأ المعروف بابن الحبال الحنبلي وكان والده يعرف بابن الصايغ حضر على هدية بنت عسكر وسمع من القاضي تقي الدين سليمان وعيسى المطعم وكان له ثروة ووقف أوقاف بر على جماعة الحنابلة وعنده فضيلة وقسم ماله قبل موته بين ورثته وانقطع لاسماع الحديث في بستانه بالزعيفرية وتوفي ليلة الثلاثاء ثالث ربيع الآخر ودفن بالروضة عند والده وفيها تقي الدين عبد الرحمن بن أحمد بن علي الواسطي نزيل مصر البغدادي شيخ القراء قدم القاهرة وتلا على التقي الصايغ وسمع من حسن سبط زيادة ووزيرة وتاج الدين بن دقيق العيد وجماعة خرج له عنهم أبو زرعة بن العراقي مشيخة وهو آخر من حدث عن سبط زيادة وتصدر للأقراء مدة وانتفع الناس به ودرس القراءات بجامع ابن طولون قال ابن حجر وقرأ عليه شيخنا العراقي بعض القراءات وشرح الشاطبية ونظم غياية الإحسان لشيخه أبي حيان أرجوزة وقرضها شيخه وتوفي شيخه وتوفي في تاسع صفر عن تسع وسبعين سنة وفيها أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن مرزوق التلمساني المالكي العجيسي بفتح العين المهملة وكسر الجيم وتحتية ومهملة نسبة إلى عجيس قبيلة من البربر ولد بتلمسان سنة إحدى عشرة وسبعمائة وتقدم في بلاده وتمهر في العربية والأصول والأدب وسمع من منصور الشدالي وإبراهيم بن عبد الرفيع وأبي زيد بن الإمام وأخيه موسى ورحل إلى المشرق في كنف وحشمة فسمع بمكة من عيسى الحجي وغيره وبمصر من أبي الفتح من سيد الناس وأبي حيان وغيرهما وبدمشق من ابن الفركاح وغيره وبالمدينة من الحسن بن علي الواسطي خطيب المدينة وغيره واعتنى بذلك فبلغت شيوخه ألفي شيخ وكتب خطا حسنا وشرح الشفاء والعمدة قال في تاريخ غرناطة وكان مليح الترسل حسن اللقاء والحظ كثير التودد ممزوج الدعابة بالوقار والفكاهة بالتنسك غاص المنزل بالطلبة مشارك في الفنون اشتمل عليه السلطان أبو الحسن وأقبل عليه (6/271) ________________________________________ إقبالا عظيما فلما مات أفلت من النكبة في وسط سنة اثنتين وخمسين ودخل الأندلس فاشتمل عليه سلطانها وقلده الخطابة ثم وقعت له كائنة 272 بسبب قتيل اتهم بمصاحبته فانتهبت أمواله وأقطعت رباعه واصطفيت أم أولاده وتمادى به الاعتقال إلى أن وجد الفرصة فركب البحر إلى المشرق وتقدمه أهله وأولاده فوصل إلى تونس فأكرم إكراما عظيما وفوضت إليه الخطابة بجامع السلطان وتدريس أكثر المدارس ثم قدم القاهرة وأكرمه الأشرف شعبان ودرس بالشيخونية والصرغتمشية والنجمية وكان حسن الشكل جليل القدر وأجاز للجمال ابن ظهيرة وذكره في معجمه ومن شعره ( انظر إلى النوار في أغصانه * يحكي النجوم إذا تبدت في الحلك ) ( حيا أمير المسلمين وقد قال * عميت بصيرة من بغيرك مثلك ) ( يا يوسفا حزت الجمال بأسره * فمحاسن الأيام تومىء هيت لك ) ( أنت الذي صعدت به أوصافه * فيقال فيه إذا مليك أو ملك ) توفي رحمه الله تعالى في ربيع الأول وفيها زين الدين محمد بن أبي بكر بن علي بن محمود الجعفري الأسيوطي الشافعي تفقه على الدمنهوري وكتب الخط الحسن وشارك في الفضائل وولي قضاء بلده وكان صارما في أحكامه وبنى بأسيوط مدرسة تنسب إليه وفيها أبو عبد الله محمد بن أبي مروان عبد الملك بن عبد الله بن محمد بن محمد المرجاني التونسي الأصل الأسكندراني الدار نزيل مكة ولد سنة أربع وعشرين وكان خيرا صالحا صاحب عبادة وانجماع ومعرفة بالفقه وعناية بالتفسير وكان يعرف علم الحرف توفي في شوال وفيها ناصر الدين محمد بن يوسف بن علي بن إدريس الحراوي الطبر دار سبط العماد الدمياطي ولد بدمياط سنة ست وتسعين وستمائة وسمع كتاب الخيل تأليف الدمياطي منه وسمع عليه كتاب العلم للذهبي أيضا وتفرد بالرواية عنه بالسماع وحدث فرحلت الناس إليه مات في ربيع الأول أو رجب وفيها شرف الدين محمود بن أحمد بن صالح الصرخدي الفقيه الشافعي أخذ عن الشيخ فخر الدين المصري وسمع الحديث قال الحافظ شهاب الدين بن (6/272) ________________________________________ حجي كان أحد الفقهاء الأخيار وكان يجلس بالجامع يقرىء الطلبة شرحا 273 وتصحيحا وعنده تبتل وخشوع وله أوراد وكان يصفر بالحناء نحيفا وانقطع بآخره عن حضور المدارس لضعف بصره قال لي والدي قدم علينا وهو شاب الشامية فكنا نشبه طريقته بطريقة النووي توفي في ذي القعدة وقد جاوز الخمسين سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة فيها كما قال السيوطي ورد كتاب من حلب يتضمن أن إماما قام يصلي وأن شخصا عبث به في صلاته فلم يقطع الإمام الصلاة حتى فرغ وحين سلم انقلب وجه العابث وجه خنزير وهرب إلى غابة هناك فعجب الناس من هذا الأمر وكتب بذلك محضر وفيها أمر برقوق ببناء جسر الشريعة بطريق الشام وجاء طوله مائة وعشرين ذراعا وانتفع الناس به وفيها توفي أحمد بن إبراهيم بن سالم بن داود بن محمد المنبجي بن الطحان وكان الطحان الذي نسب إليه زوج أمه فإن أباه كان إسكافا ومات وهو صغير فرباه زوج أمه فنسب إليه ولد أحمد هذا في محرم سنة ثلاث وسبعمائة وسمع البرزالي وابن السلعوس وغيرهما وأخذ القراءات عن الذهبي وغيره وكان حسن الصوت بالقرآن وكان الناس يقصدونه لسماع صوته بالتنكزية وكان إمامها وتوفي بدمشق في صفر ومن نظمه ( طالب الدنيا كظام * لم يجد إلا أجاجا ) ( فإذا أمعن فيه * زاده وردا وهاجا ) وفيها شرف الدين أحمد بن علي بن منصور بن ناصر الحنفي الدمشقي المعروف بابن منصور ولد سنة سبع عشرة واشتغل إلى أن ولي قضاء دمشق عوضا عن صدر الدين ابن العز وكان طلب إلى مصر ليولي القضاء بعد موت ابن التركماني فقدمها فاتفق أن تولى نجم الدين بن العز فأقام بمصر مدة يدرس ثم ولي قضاءها في رمضان سنة (6/273) ________________________________________ 274 سبع وسبعين إلى رجب سنة ثمان وسبعين فتركه ورجع إلى دمشق واختصر المختار في الفقه وسماه التحرير ثم شرحه وكان عارفا بالأصول والفروع حسن الطريقة جميل السيرة له صيانة وتصمم في الأمور وكان سمع من محمد بن دوالة وعبد الرحمن بن تيمية وابنه والمزي والبرزالي وحبيبة بنت العز وغيرهم وتوفي في شعبان وله خمس وستون سنة وهو أصغر سنا من أخيه صدر الدين وأفقه وفيها عماد الدين أبو بكر بن أحمد بن أبي الفتح بن إدريس الدمشقي الشافعي الزاهد بن السراج ولد سنة عشر وسبعمائة وسمع الحجار والمزي وغيرهما وتفقه بالشرف البارزي وأذن له بالإفتاء وأثنى عليه الذهبي في المعجم المختص بالمحدثين وهو آخر من ترجم له في هذا المعجم وكان يعمل المواعيد ويجيد الخط ويقرأ البخاري في كل سنة بالجامع في رمضان ويجتمع عنده الجم الغفير وللناس فيه اعتقاد زائد توفي في شوال عن سبع وسبعين سنة وفيها علاء الدين حجي بن موسى بن أحمد بن سعد بن غشم بن غزوان بن علي بن مشرف بن تركي السعدي الحسباني الشافعي فقيه الشام وحافظ المذهب ولد سنة إحدى وعشرين وسبعمائة واشتغل في صغره بالقدس وحفظ كتبا وأخذ عن الشيخ تقي الدين القلقشندي ثم قدم الشام في سنة أربع وثلاثين فقرأ على شيوخها وسمع الحديث من البرزالي وشيخه الذي أنهاه بالشامية البرانية شمس الدين ابن النقيب وغيرهما وحدث وأفتى وأعاد وقال ولده حافظ العصر أحد من اعتنى بالفقه وتحصيله وتقريره وحفظه وتحقيقه وتحريره كان كثير الاطلاع صحيح النقل عارفا بالدقائق والغوامض معروفا بحل المشكلات مع فهم صحيح وسرعة إدراك وقدرة على المناظرة برياضة وحسن خلق وانتهت إليه رياسة المذهب وكان يقول فقهاء المذهب ثلاثة هو أحدهم وخاتمتهم وكان فارغ عن طلب الرياسة في الدنيا ليس له شغل إلا الاشتغال في العلم والمطالعة ولا يتردد إلى أهل الدولة ولا يجمع مالا ولا يدخره وكان مع فهمه وذكائه لا يعرف صنجة عشرة من عشرين ولا درهم من درهمين (6/274) ________________________________________ ولا يحسن براية قلم ولا تكوير عمامة توفي في صفر ودفن بمقبرة الصوفية 275 بطرفها الغربي إلى جانب ابن الصلاج بينه وبين السهروردي مدرس القيمرية انتهى ملخصا وفيها شرف الدين عباس بن حسين بن بدر التميمي الشافعي كان ينفع الطلبة في الفقه والقراءات ودرس بالسابقية بالقاهرة وخطب جامع أصلم مات في ذي الحجة وكان برجله داء الفيل قاله ابن حجر وفيها أمين الدين عبد الوهاب بن يوسف بن إبراهيم بن بيرم بن بهرام بن السلار الدمشقي العلامة ولد في شوال سنة ثمان وتسعين وستمائة وسمع من الحجار والمزي والتقي الصايغ وأيوب الكحال وخلق بالشام ومصر وبغداد والبصرة وغيرها وتفرد بدمشق وأتقن الفراض والعربية والقراءات وله فيها مؤلفات حسنة مفيدة وخرج له السرمريني مشيخة قرئت عليه وأخذ عنه جماعات منهم شمس الدين بن الجزري واستقر بعده في الاقراء بتربة أم الصالح قال ابن حجر وكان ثقة صحيح النقل وله نظم وألف مؤلفات محررة ومات في ثامن عشرى شعبان وعمره ثمانون سنة انتهى وفيها نور الدين علي بن أحمد بن إسمعيل بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن مهدي الفوي ثم المدني ثم المدلجي عنى بالحديث وجال في البلاد وسمع بالشام والعراق ومصر من ابن شاهد الجيش وأبي حيان وابن عالي والميدومي وخلق وحدث بالإجازة عن الرضى الطبري والحجار ومهر في العربية والحديث واتفق له وهو ببلاد العجم أن شخصا حدثه بحديث عن آخر عنه فقال له أنا الفوي أسمعه مني يعلو سندك وهو نظير ما اتفق للطبراني مع الجعابي وحدث ببغداد وأقام بالمدينة النبوية مدة ودرس بها وتوفي بالقاهرة في ربيع الآخر وسمع منه أبو حامد بن ظهيرة وفيها علاء الدين علي بن زيادة بن عبد الرحمن الحبكي بحاء مهملة وباء موحدة وكاف نسبة إلى قرية من قرى حوران الشافعي الإمام الجليل قدم دمشق فاشتغل علي ابن سلام وحجي ولازمه وتفقه به وحضر عند شيخ الشافعية ابن قاضي شهبة وغيره وقرأ في الأصول والعربية وكان الغالب عليه الفقه (6/275) ________________________________________ وكان يفتي بأجرة وعنده ديانة وتورع وملازمة لمباشرة وظائفه لا يرتك الحضور بها وأن بطل المدرسون وعنده وسواس في الطهارة 276 مات في ذي القعدة ودفن بمقبرة الصوفية بتربة القاضي شهاب الدين الزهري وكان صاحبه وفيها نور الدين علي بن عبد الصمد الحلاوي المالكي الفرائضي انتهت إليه رايسة الفقه وكان مشاركا في الفنون عارفا بالمعاني والبيان والحساب والهندسة وكان يدرس بغير مطالعة مع جودة القريحة وسيلان الذهن وانتفع به خلق وتوفي في العشر الأخير من ذي الحجة وفيها عمرو بن عمرو بن يونس بن حمزة بن عباس العدوي الأربلي ثم الصالحي بن القطان نزيل صفد سمع من التقي سليمان والفخر عبد الدايم وابن الزراد وغيرهم وكان فاضلا مقرئا للسبع طلب الحديث وكتب الكثير وحدث وسمع منه ابن رافع وكتب عنه في معجمه ومات قبله بمدة وخرج له الياسوفي جزءا وعاش ستا وثمانين سنة سواء قاله ابن حجر وفيها جمال الدين محمد بن أبي بكر بن أحمد الدوالي الزبيدي الشافعي كان عارفا بالأدب مشاركا في غيره مع الصلاة والعبادة وآثاره سائرة باليمن قاله ابن حجر وفيها شمس الدين محمد بن نجم الدين عمر بن شرف الدين محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن ذؤيب بن قاضي شهبة الدمشقي الأسدي الشافعي جد الشيخ تقي الدين بن قاضي شهبة صاحب طبقات الشافعية قال تقي الدين المذكور في الطبقات المذكورة هو جدي مولده في ربيع الأول سنة إحدى وتسعين وستمائة وتفقه بعمه الشيخ كمال الدين والشيخ برهان الدين الفزاري وأخذ النحو عن عمه المذكور ولما توفي عمه سنة ست وعشرين جلس مكانه يشغل إلى أن ضعف وانقطع بعد السبعين كل ذلك وهو منجمع عن الناس مقبل على العبادة وعدم الالتفات إلى أمور الدنيا راضيا بالعيش الخشن يخدم نفسه ويشتري الحاجة ويحملها وقد أخذ الناس عنه العلم طبقة بعد طبقة وممن أخذ عنه من كبار العلماء ابن خطيب يبرود وابن كثير والأذرعي وولي في آخره تدريس الشامية (6/276) ________________________________________ البرانية بغير سؤال فباشرها سنة وثلاثة أشهر ثم نزل عنها لضعفه وقد سمع من ابن الموازيني وغيره وحدث فسمع منه خلق من 277 الحفاظ والمحدثين منهم العراقي والهيثمي والقرشي وابن سند وابن حجي والحسباني والياسوفي وغيرهم قال ابن رافع كان ابن قاضي شهبة بالشام مثل مجد الدين الزنكلوني بالقاهرة وجميع الجماعة طلبته وقال ابن حجي كان عنده انجماع عن الناس وعدم معرفة بأمور الدنيا بمعزل عن طلب الرياسة والدخول في المناصب على أنه قد ولي نيابة الحكم بشارة الشيخ تقي الدين السبكي وكان لا يتصدى لذلك وكان علماء البلد والمشار إليهم فيها غالبهم تلاميذه وتلاميذ تلاميذه وتوفي في المحرم ودفن بباب الصغير إلى جانب عمه الشيخ كمال الدين وفيها جلال الدين محمد بن محمد بن عبد الله بن محمود قاضي الحنفية يلقب جار الله ويقال له الجار تقدم عند الأشرف بالطب وكان نائبا في الحكم عن صهره السراج الهندي وكان بارعا في العلوم العقلية كالطب وغيره وولي مشيخة سعيد السعدا ودرس في المنصورية وجامع ابن طولون وولي قضاء الحنفية استقلالا إلى أن مات في رجب وقد جاوز الثمانين وفيها شمس الدين محمد الحكري المقرىء قرأ على البرهان الحكري وناب في الحكم بجامع الصالح وولي قضاء القدس وغزة قال ابن حجر ذكر لي الشيخ برهان الدين بن رفاعة الغزي أنه قرأ عليه القراءات وأذن له في الأقراء توفي في ذي الحجة وفيها محي الدين يحبى بن يوسف بن محمد بن يحيى المكي الشاعر الشافعي المعروف بالمبشر مدح أمراء مكة وكتب لهم الانشاء وكان غاية في الذكاء ويسر عليه الحفظ حفظ التنبيه في أربعة أشهر وكان سمع من نجم الدين الطبري وعيسى الحجي وغيرهما وعاش سبعين سنة وفيها أبو القسم بن أحمد بن عبد الصمد اليماني المقرىء نزيل مكة تصدى للقراءات وأتقتها وأقرأ الناس حتى يقال أن الجن كانوا يقرأون عليه قال ابن حجر (6/277) ________________________________________ 278 سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة فيها توفي شهاب الدين أحمد بن حمدان بن أحمد بن عبد القادر بن عبد الغني بن محمد بن أحمد بن سالم بن داود الأذرعي بفتح أوله والراء وسكون الذال المعجمة نسبة إلى أذرعات بكسر الراء ناحية بالشام الشافعي نزيل حلب ولد سنة سبع وسبعمائة وتفقه بدمشق قليلا وناب في بعض النواحي في الحكم ثم تحول إلى حلب فقطنها وناب في الحكم بها ثم ترك ذلك وأقبل على الاشتغال والتصنيف والفتوى والتدريس وجمع الكتب حتى اجتمع عنده منها ما لم يحصل لأهل عصره وذلك بين في تصانيفه وهو ثبت في النقل وبسيط في التصرفات قاصر في غير الفقه وسمع من طائفة وأجاز له القسم بن عساكر والحجار وغيرهما وكان اشتغاله على كبر وسبب همته في الاشتغال أنه رأى في المنام رجلا واقفا أمامه وهو ينشد ( كيف ترجو استجابة لدعاء * قد سددنا طريقه بالذنوب ) قال فأنشدته ( كيف لا يستجيب ربي دعائي * وهو سبحانه دعاني إليه ) ( مع رجائي لفضله وابتهالي * واتكالي في كل خطب عليه ) قال وانتبهت وأنا أحفظ الأبيات الثلاثة قال الحافظ ابن حجر اشتهرت فتاويه في البلاد الحلبية وكان سريع الكتابة صادق اللهجة شديد الخوف من الله تعالى وقدم القاهرة بعد موت الأسنوي وأخذ عنه بعض أهلها ثم رجع ورحل إليه فضلاء المصريين كالشيخ بدر الدين الزركشي والشيخ برهان الدين البيجوري وأذن بالافتاء لشرف الدين الأنصاري وشرف الدين الداديخي وقد بالغ ابن حبيب في الثناء عليه في ذيله على تاريخ ولده ومن تصانيفه القوت على المنهاج في عشر مجلدات والغنية أصغر من القوت والمتوسط والفتح بين الروضة والشرح في نحو عشرين مجلدا وغير ذلك وضعف بصره في آخر عمره وثقل سمعه جدا وسقط من سلم (6/278) ________________________________________ 279 فانكسرت رجله فصار ضعيف المشي وانتهت إليه رياسة العلم بحلب وتوفي بها في جمادى الآخرة ودفن خارج باب المقام تجاه تربة ابن الصاحب وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن إبرهيم بن غانم بن كتامة المحدث ابن المحدث سمع من القسم بن عساكر وأبي نصر بن الشيرازي وغيرهما وحدث وولي نيابة الحكم وتوفي بدمشق في رجب وفيها ركن الدين أحمد بن محمد بن عبد المؤمن الحنفي القرمي ويقال له أيضا قاضي قرم قدم القاهرة بعد أن حكم بقرم ثلاثين سنة فناب في الحكم وولي افتاء دا رالعدل ودرس بالجامع الأزهر وغيره وجمع شرحا على البخاري استمد فيه من شرح ابن الملقن قال العز بن جماعة ولما ولي ركن الدين التدريس قال لأذكرن لكم ما لم تسمعوه فعمل درسا حافلا فاتفق أنه وقع منه شيء فبادر جماعة وتعصبوا عليه وكفروه فبادر إلى الشيخ سراج الدين الهندي وكان قد استنابه في الحكم فادعى عليه عنده وحكم بإسلامه فاتفق أنه حضر درس السراج الهندي بعد ذلك ووقع من السراج شيء فبادر الركن وقال هذا كفر فضحك السراج حتى استلقى على قفاه وقال يا شيخ ركن الدين تكفر من حكم بإسلامك فأخجله توفي الركن في رجب وفيها جمال الدين إسمعيل بن أبي البركات بن أبي العز بن صالح الحنفي المعروف بابن الكشك قاضي دمشق وليها بعد القاضي جمال الدين بن السراج فباشر دون السنة وتركه لولده نجم الدين ودرس بعدة مدارس بدمشق وكان جامعا بين العلم والعمل وكان مصمما في الأمور حسن السيرة توفي في شوال أو بعده بدمشق وقد جاوز التسعين وفيها أنس بن عبد الله الشركسي والد برقوق الملك كان كثير البر والشفقة لا يمر به مقيد إلا ويطلقه ولا سيما إذا رأى الذين يعمرون وأعطى ولده جلال الدين التباني ألف مثقال وستمائة مثقال ذهبا ليحج عنه ويقال أنه جاوز التسعين وكان مستقرا في خدمة قلطلوبغا (6/279) ________________________________________ 280 وفيها عماد الدين أبو بكر بن يوسف بن عبد القادر الخليلي ثم الصالحي الحنبلي الشيخ الإمام أحد أعيان شهود الحكم العزيز بدمشق ولد بعد السبعمائة وسمع من الحجار وجماعة وحدث عن ابن الشحنة وغيره وكان من فضلاء المقادسة مليح الكتابة حسن الفهم له إلمام بالحديث سمع من جماعة وقرأ بنفسه قليلا وتوفي بدمشق يوم الثلاثاء ثامن جمادى الأولى ودفن بسفح قاسيون وفيها أم الهنا جويرية بنت أحمد بن أحمد بن الحسن بن موسك الهكاري سمعت من ابن الصواف مسموعه من النسائي ومسند الحميدي ومن علي بن القيم ما عنده من صحيح الإسمعيلي وكانت خيرة دينة أكثر الطلبة عنها توفيت في صفر وفيها جمال الدين عبد الله بن علي بن أحمد بن عبد الرحمن بن حسن الأنصاري بن حديدة ولد سنة إحدى وعشرين وسبعمائة وسمع من ابن شاهد الجيش وإسمعيل التفليسي وابن الأخوة وغيرهم وعنى بالحديث وكتب الأجزاء والطباق وسمع كتابا سماه المصباح المضيء وكان خازن الكتب بالخانقاه الصلاحية بالقاهرة وربما سمي محمدا وكان يذكر أنه سمع من الحجار ولم يظفروا له بذلك مع أنه حدث عنه بالثلاثيات توفي في شعبان وفيها فاطمة بنت الشهاب أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن بن أبي بكر الحرازي المكية ثم المدنية سمعت على جدها لأبيها الرضى الطبري الكثير وسمعت على أخيه الصفي حضورا وأجاز لها الفخر التوزري والعفيف الدلاصي وأبو بكر الدشتي والمطعم وآخرون وكانت خيرة ماتت في شوال عن ثلاث وسبعين سنة وفيها أبو سعيد فرج بن قاسم بن أحمد بن لب وقيل ليث التغلبي الغرناطي قال في تاريخ غرناطة كان عارفا بالعربية واللغة مبرزا في التفسير قائما على القرارات مشاركا في الأصلين والفرائض والأدب جيد الحفظ والنظم والنثر قعد للتدريس ببلده على وفور الشيوخ وولي الخطابة بالجامع وكان معظما عند الخاصة والعامة قرأ على أبي الحسن القيجاطي والعربية على أبي عبد الله بن الفخار وروى عن محمد بن جابر (6/280) ________________________________________ 281 الوادياشي قال ابن حجر وصنف كتابا في الباء الموحدة وأخذ عنه شيخنا بالإجازة قاسم بن علي المالقي وفيها أمين الدين محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الدمشقي ابن الشماع الشافعي ولد سنة ثمان وتسعين وستمائة وسمع من وزيرة مسند الشافعي بفوت يسير وصحيح البخاري وسمع على التقي محمد بن عمر الحريري تفسير الكواشي بروايته عنه ودرس بالفقه وأذن له الشرف البارزي في الافتاء وناب عن عز الدين بن جماعة وولي قضاء القدس عن السبكي الكبير ثم ترك ذلك وجاور بمكة فمات بها في نصف صفر وفيها فخر الدين محمد بن عبد الله العماد إبراهيم بن النجم أحمد بن محمد بن خلف الحنبلي الحاسب سمع من التقي سليمان والحجار وطبقتها واشتغل بالفقه والفرائض والعربية وأفتى ودرس وكان حسن الخلق تام الخلق فيه دين ومروءة ولطف وسلامة باطن مهر في الفرائض والعربية وكان عارفا بالحساب وذكر لقضاء الحنابلة فلم يتم له ذلك مات راجعا من القدس بدمشق وفيها محمد بن عثمان بن حسن بن علي الرقي ثم الصالحي المؤذن ولد سنة اثنتي أو ثلاث عشرة وسبعمائة وسمع صحيح البخاري على عيسى المطعم وأبي بكر بن عبد الدايم وغيرهما وحضر على التقي سليمان وسمع وهو كبير من المزي والجزري والسلاوي وغيرهم وأجاز له الدشتي وطبقته من دمشق وابن مخلوف وحسن الكردي وعلي بن عبد العظيم وابن المهتار والوداعي وابن مكتوم وغيرهم من مصر والأسكندرية وخرج له ابن حجي مشيخة وكان على طريقة السلف من السكون والتواضع والعفة وكف اللسان وكان عارفا بعلم الميقات ويقرىء الناي تبرعا مات في شعبان وفيها شمس الدين محمد بن علي بن محمد بن نبهان بن عمر بن نبهان شيخ زاوية قرية جبرين سمع من عم أبيه صافي بن نبهان وحدث فسمع منه البرهان سبط ابن العجمي وأثنى عليه القاضي علاء الدين في تاريخ حلب وتوفي في صفر وفيها محمد بن علي بن يوسف بن الحسن بن محمد بن محمود بن عبد الله الزريدي (6/281) ________________________________________ 282 الحنفي قاضي المدينة بعد أبيه كان فاضلا متواضعا يكنى أبا الفتح وهو بها أشهر وفيها محمد بن عمر بن مشرف الأنصاري الشيرازي الملقب طقطق ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة سمع من المزي وغيره وحدث وكان شيخا ظريفا يحفظ أشعارا ويذاكر بأشياء ويتردد إلى مدارس الشافعية مات في جمادى الآخرة قاله ابن حجر وفيها أبو حامد وأبو المجد وأبو الفياض محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن علي بن رشيد الجمال السرائي الأصل الدمشقي ولد بسراي في الثاني والعشرين من جمادى الأولى سنة سبع وسبعمائة وقدم الشام كبيرا وعنى بالحديث على كبر وطلبه فسمع من الميدومي وغيره وكتب بخطه الحسن ونظم الشعر المقبول وكتب عنه ابن سند وسبط ابن العجمي وغيرهما وكان دينا خيرا يكنى أبا حامد وأبا المجد وأبا الفياض وكان له ورع زائد ولم يكن يملك شيئا إلا ما هو لابسه وكان تارة يمشي بطاقية ولا يتكلف هيئة مع التواضع والبشاشة وحسن الخلق والخلق وكان العلماء يترددون إليه ولا يقوم لأحد وفيها يعقوب بن عبد الله المغربي المالكي قال ابن حجر كان عرافا بالفقه والأصول والعربية وانتفع الناس به ومات في صفر وفيها ولي الدين يوسف بن ماجد بن أبي المجد بن عبد الخالق المرداوي الحنبلي كان فاضلا فقيها وامتحن مرارا بسبب فتياه بمسئة ابن تيمية في الطلاق وكذا في عدة مسائل وحدث عن الحجار وابن الرضى والشرف بن الحافظ وغيرهم وكان شديد التعصب لمسائل ابن تيمية وسجن بسبب ذلك ولا يرجع حتى أنه بلغه أن الشيخ شهاب الدين بن المصري يحط في درسه على ابن تيمية في الجامع فجاء إليه وضربه بيده وأهانه مات في تاسع عشر صفر قاله ابن حجر سنة أربع وثمانين وسبعمائة فيها كان ابتداء دولة الجراكسة فإنه خلع الصالح القلاووني وتسلطن برقوق ولقب الظاهر وهو أول من تسلطن من الجراكسة وسيأتي في ترجمته إن شاء الله تعالى وفيها وقع الطاعون بدمشق وتزايد في صفر ثم تناقص وفيها وقع (6/282) ________________________________________ 283 الغلاء الشديد بمصر ثم فرج الله تعالى وفيها توفي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الله بن أحمد بن عبد الرحمن بن نجم بن عبد الوهاب الصالحي الحنبلي المعروف بابن الناصح الإمام العلامة ولد سنة اثنتين وسبعمائة وسمع من القاضي تقي الدين سليمان وأبي بكر بن عبد الدايم وست الوزراء بنت منجا قال الشيخ شهاب الدين بن حجي حدث وسمعنا منه وكان يباشر في أوقاف الحنابلة وهو رجل جيد وبه صمم كأبيه توفي يوم الأربعاء ثالث المحرم ودفن بسفح قاسيون وفيها همام الدين أمير غالب بن قوام الدين أمير كاتب بن أمير عمر بن العميد بن أمير غال بالقاراني الأتقاني كان بزي الجند وله أقطاع ثم ولي الحسبة فبدت منه عجائب ثم ولي قضاء الحنفية سنة ثمانين وانتزع التدريس من علماء الحنفية وكان مع فرط جهله وقلة دينه سليم الصدر جوادا ويحكي عنه في أحكامه أشياء ما تحكي عن قراقوش وأطم حتى أنه حلف امرأة ادعت وحكم على المدعى عليه أن يدفع لها ما حلفت عليه وحكى ابن جماعة أنه قدمت إليه قصة فيها فلان له دعوى شرعية على شخص يسمى أسد فكتب إن كان وحشيا فلا يحضر مات في جمادى الأولى عن خمسين سنة قاله ابن حجر وفيها تقي الدين صالح بن إبراهيم بن صالح بن عبد الوهاب بن أحمد بن أبي الفتح بن سحنون التنوخي الحنفي بن خطيب النيرب ولد سنة عشرين أو قبلها وحضر على زينب بنت عبد السلام مسند أنس ثم سمعه عليها وعلى أبي بكر بن عسر من لفظ البرزالي وغيرهم وحدث وكان يشهد عند جامع تنكز وفيه انجماع وسكون مات مطعونا في جمادى الأولى وفيها عباس بن عبد المؤمن ابن عباس الكفرماوي الحازمي الشافعي قاضي جبة عسال ولد قبل العشرين وحضر عند الشيخ برهان الدين بن الفركاح واشتغل قديما وولاه السبكي الكبير قضاء الخليل وسمع من الجزري وابن النقيب وحدث وتولى عدة بلاد ثم ناب بدمشق عن ولي الدين بن أبي البقا ثم ولي قضاء صفد سنة ثمانين ومات في رجب وفيها زين الدين عبد الرحمن بن حمدان (6/283) ________________________________________ العيفناوي ولد بعيفنا من نابلس 284 وكان حنبليا فقدم الشام لطلب العلم وتفقه بابن مفلح وغيره وسمع من جماعة وتميز في الفقه واختصر الأحكام للمرداوي مع الدين والتعفف قاله ابن حجر وفيها عز الدين عبد العزيز بن عبد المحي بن عبد الخالق الأسيوطي المصري الشافعي سمع على الدبوسي وغيره وعنى بالفقه ودرس في حياة ابن غيلان ويقال أن الشيخ سراج الدين قرأ عليه في بداية أمره وتفقه به جماعة ومات في ذي الحجة وقد جاوز الثمانين وفيها بدر الدين عبد الوهاب بن كمال الدين أحمد بن علم الدين محمد بن أبي بكر الأخنائي الشافعي ثم المالكي ولي القضاء وحدث عن صالح الأشمني وعبد الغفار السعدي وغيرهما وعزل سنة تسع وسبعين بالبساطي فأقام معزولا ثم حج وجاور في الرحبية سنة ثلاث وثمانين ثم رجع فتوعك إلى أن مات في سادس عشر رجب وفيها زين الدين عمر بن علي بن أبي بكر بن الفوي خطيب طرابلس ولد سنة نيف وعشرين وكان يقرأ الصحيح قراءة حسنة ويفهم الحديث وله عناية بضبط رجاله مات في المحرم بحماة وفيها قيس بن يمن بن قيس الصالحي سمع من أبي بكر بن أحمد بن عبد الدايم ويحيى بن سعيد وجماعة وحدث ومات في ذي الحجة وفيها شمس الدين محمد بن إبرهيم بن راضي الصلتي ولد سنة عشر واشتغل وقرأ كتبا وقدم دمشق فاشتغل بالشامية ثم دخل مصر بعد السبعين وولي القضاء بقوص وغيرها ثم رجع فمات بمصر في المحرم وفيها محمد بن إبرهيم الجرماني ثم الدمشقي الحنبلي ولد قبل الأربعين وسمع الحديث من جماعة وتفقه بابن مفلح وغيره حتى برع وأفتى وكان إماما في العربية مع العفة والصيانة والذكاء وحسن الأقراء ومات بدمشق قاله ابن حجر في أنباء الغمر وفيها شرف الدين محمد بن عبد الله الأرزكياني بالفتح فالسكون ففتح الزاي وكسر الكاف فتحتية فنون نسبة إلى أرزكيان رجل من بخارا أسلم على يد علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال ابن حجر كان أحد فضلاء العجم شرح المشارق والكشاف وانتفع به أهل تلك (6/284) ________________________________________ 285 البلاد وكان قدم الشام قبل الثمانين أيام أبي البقا وقرىء عليه الكشاف وغيره وقد نقل عنه الشيخ شمس الدين بن الصايغ في شرحه للمشارق شيئا كثيرا انتهى وفيها موفق الدين محمد بن محمد بن عبد الله بن الحاسب الحنبلي الإمام العالم تفقه في المذهب وحفظ المقنع حفظا جيدا وكان يستحضره وله فضيلة وكان من النجباء الأخيار عنده حياء وتواضع وهو سبط الشيخ صلاح الدين بن أبي عمر وكان يؤم بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر توفي يوم الأحد ثاني عشر صفر ولعله بلغ الثلاثين سنة وفيها جمال الدين محمد بن محمد بن علي بن يوسف النيسابوري الخطيب الشافعي القاضي الأسنوي قدم مصر سنة إحدى وعشرين وسمع علي الحجار وتفقه على القطب السنباطي وابن القماح وابن عدلان وغيرهم وأخذ العربية عن والد سراج الدين بن الملقن ودرس وأفتى وشرح التعجيز في الفقه وناب في الحكم وكان عالما خيرا ذا مهابة وصيانة وعفاف قائما بالحق حتى أنه كتب على قصة سئل فيها أن يحضر يلبغا وهو إذ ذاك صاحب المملكة يحضر هو أو وكيله فلما وقف عليها يلبغا عظم قدره عنده ويقال أن ذلك كان بطريق الامتحان من يلبغا وأنه لما جاءه الرسول قال له قل له أني أصالح غريمي فقال له الرسول والله ما أقدر أن أروح إلا ومعي وكيل أو الغريم يقول قد رضيت فأعجبه ذلك ودفع للرسول ألف درهم وأرسل للقاضي ذهبا وبغلة فرد ذلك فاشتد اغتباطه به واعتقاده فيه وكان في سمعه ثقل في كبره ولذلك يقال له الأطروش مات في ثامن ربيع الأول وفيها محمد بن محمد بن ناصر بن أبي الفضل الفراء الحمصي ثم الحلبي المعروف بابن رياح ويعرف أيضا بالقيم وبالفقيه ولد بحمص سنة ست وسبعمائة وكان يحفظ القرآن ويتعانى التجارة في الفراء وكان مشكورا في صناعته وحدث بصحيح البخاري عن ابن الشحنة وكان سماعه منه سنة سبع عشرة بحمص ومات في جمادى الآخرة وفيها شرف الدين محمد بن محمد بن يوسف المرداوي الحنبلي سبط القاضي جمال الدين ولد قبل الأربعين وأخذ (6/285) ________________________________________ عن جده وتخرج بابن مفلح وسمع الحديث 286 من جماعة ولم يكن بالصين مات في ربيع الآخر قاله ابن حجر وفيها جلال الدين محمد بن النظام محمود الشافعي إمام منكلي بغا كان عارفا بالفقه والأصول والعربية والنظم أخذ عن بهاء الدين الأخميمي وأبي البقاء وتصدر بالجامع وكان بزي الجند وكان يعرف قديما بابن صاحب شيراز وحفظ الحاوي الصغير وغير ذلك وتوفي في رمضان وفيها مفتاح الزيني السبكي مولى زين الدين عبد الكافي والد تقي الدين السبكي وكان تقي الدين يركن إليه وكلمته نافذة عنده وسمع من أولاده ومن زينب بنت الكمال وغيرهما وحدث توفي في جمادى الآخرة سنة خمس وثمانين وسبعمائة فيها أحدث المؤذنون عق بالأذان الصلاة والتسليم على النبي وذلك بأمر نجم الدين الطنبذي المحتسب وفيها قبض برقوق على الخليفة المتوكل وخلعه وحبسه بقلعة الجبل وبويع بالخلافة محمد بن إبراهيم بن المستمسك بالله بن الحاكم العباس ولقب الواثق بالله وفي جمادى الآخرة منها أعيد الصالح حاجي إلى السلطنة وغير لقبه بالمنصور وحبس برقوق بالكرك ثم خرج من الحبس وعاد إلى ملكه وفيها توفي شهاب الدين أحمد بن عبد الله التهامي قاضي الشرع بزبيد قضى بها نيفا وخمسين سنة وتوفي في جمادى الآخرة وفيها أبو بكر أحمد بن أبي القسم بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله الكلبي ابن جزى أجاز له أبو عبد الله بن رشيد وابن الربيع وابن برطال ومن مصر الحجار وابن جماعة وسمع من الوادياشي وخلق وكان عالما بالفقه والفرائض والعربية والنظم وشرح الألفية وغيرها وولي الخطابة بغرناطة والقضاة بها ونظمه سائر كأبيه وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر بن الخضر بن مسلم الدمشقي الحنفي المعروف بابن خضر ولد سنة ست وسبعمائة وكان يدري الفقه والأصول ودرس بأماكن وسمع من عيسى المطعم والحجار وغيرهما وكان فاضلا حدث بدمشق (6/286) ________________________________________ 287 وولي إفتاء دار العدل بها وكان جلدا قويا وشرح الدرر للقونوي في مجلدات وتوفي بدمشق في رابع عشر رجب وفيها شهاب الدين أحمد بن يحيى بن مخلوف بن سري بن فضل الله بن سعد بن ساعد الأعرج السعدي اشتغل بالعلم وتعانى بالأدب ونظم الشعر وهو صغير وأدب الأطفال ومن شعره ( وكيف يروم الرزق في مصر عاقل * ومن دونه الأتراك بالسيف والترس ) ( وقد جمعته القبط من كل وجهه * لانفسهم بالربع والثمن والخمس ) ( فللترك والسلطان ثلث خراجها * وللقبط نصف والخلائق في السدس ) وفيها عماد الدين أبو الفدا إسمعيل بن محمد بن قيس بن نصر بن بردس بن رسلان البعلي الحنبلي الحافظ الإمام ولد سنة عشرين وسبعمائة وسمع من والده قطب الدين اليونيني وطائفة وعنى بالحديث ورحل في طلبه إلى دمشق فأخذ عن مشايخها وقرأ بنفسه وكتب الكثير ونظم النهاية لابن الأثير في غريب الحديث ونظم طبقات الحفاظ للذهبي وخرج وألقى المواعيد وحدث وتخرج به جماعة وسمع منه ابنه الشيخ تاج الدين ومحمد بن نعمة الخطيب وغيرهما وكان أحد الحفاظ المكثرين المصنفين المفيدين حسن الخلق كثير الديانة لطيف البشرة توفي في العشر الآخر من شوال وفيها أمة العزيز بنت الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي حضرت على عيسى المطعم وغيره وسمعت من الحجار وغيره وحدثت وفيها بدر الدين حسن بن منصور بن ناصر الزرعي الشافعي ناب في الحكم عن تاج الدين السبكي ومن بعده وكان أبوه قاضي نابلس فأرسله إلى القدس ليشتغل فأخذ عن تقي الدين القلقشندي وغيره ثم تنبه وولي القضاء في بعض البلاد ثم استوطن دمشق وناب في الحكم وكان عنده تصمم وقوة نفس بحيث كان يعزل نفسه أحيانا وباشر الأوقاف مباشرة حسنة وعين مرة لقضاء حلب وتوفي في صفر وفيها قطب الدين حيدر بن علي بن أبي بكر بن عمر الدهقلي الشيرازي نزيل دمشق قال ابن حجر سمع الكثير (6/287) ________________________________________ 288 وأسمع أولاده وكتب الطباق بخطه وأخذ عن أصحاب الفخر وغيرهم وسكن الهند ثم مات غريقا وهو والد شيخنا عبد الرحمن انتهى وفيها علم الدين سليمان بن أحمد بن سليمان بن عبد الرحمن القاضي الحنبلي الكناني العسقلاني المصري قدم من بلده نابلس صغيرا واشتغل بالقاهرة في المذهب وبرع فيه وصار من أعيان الجماعة وأفتى وتزوج بابنة قاضي القضاة موفق الدين وولي إعادات لدروس الحنابلة وولي نيابة الحكم بمصر وارتقى إلى أن صار أكبر النواب وتوفي يوم الإثنين ثالث عشرى جمادى الآخرة بالقاهرة ودفن بتربة القاضي موفق الدين خارج باب النصر وفيها ولي الدين أبو ذر عبد الله ابن أبي البقا بهاء الدين محمد بن عبد البر السبكي الشافعي ولد سنة خمس وعشرين بالقاهرة وأحضر على يحيى بن فضل الله ومحمد بن علي وأبي نعيم الأسعردي وغيرهم ثم سمع بدمشق من الجزري والمزي وبنت الكمال وغيرهم واشتغل بالعلم ومهر في الآداب وناب في الحكم عن أبيه بالقاهرة ودمشق وعن تاج الدين السبكي ثم استقل بالقضاء بعد أبيه وكان ينظم جيدا ويحفظ الحاوي ويذاكر به ويدرس منه كان يدرس في الكشاف وله مشاركة جيدة في العربية وكان قد باشر توقيع الدست وحج سنة ثلاث وخمسين وسنة ثلاث وستين وكان يجد الفهم فطنا عارفا بالأمور كثير المدارات لين العريكة بعيدا من الشر صبورا على الأذى كثير الإحسان للفقراء سرا وتوفي في شوال بدمشق ودفن عند أبيه بتربة السبكين وفيها فخر الدين عثمان بن محمد بن محمد بن الحسن بن الحافظ عبد الغني سمع من الحجاج واشتغل في الفقه وقرأ على التاج المراكشي وسمع من ابن الرضى وبنت الكمال وحفظ التسهيل وحفظ التسهيل وحدث وأفاد وتوفي في رجب وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن صفر العنتابي الشافعي قاضي الأقضية بزبيد وليها في زمن المجاهد واستمر بضعا وثلاثين سنة وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان التستري ثم المدين سمع الشفا (6/288) ________________________________________ 289 على محمد بن محمد بن حريث وتفرد عنه به وتوفي في شعبان وله خمس وسبعون سنة وفيها محمد بن أحمد بن محمد بن أبي الحسن المزي الصحراوي المعروف بابن قطليشا ولد سنة أربع عشرة وسمع من ابن الشيرازي وغيره وكان يشهد قسم الغلات بالمزة وحدث فروى عنه الياسوفي وابن حجي وابن الشرائحي وآخرون وتوفي في شعبان عن ثلاث وسبعين سنة وفيها محمد بن صالح بن إسمعيل الكناني المدني سمع من أبي عبد الله الصصري وتلا عليه بالسبع وناب في الخطابة بالمدينة وكان خيرا وتوفي في تاسع المحرم عن اثنتين وثمانين سنة وفيها شمس الدين محمد بن عبد الله بن داود بن أحمد بن يوسف المرداوي الحنبلي كان ذا عناية بالفرائض وقرأ الفقه ولازم ابن مفلح حتى فضل ودرس وتفقه أيضا بقاضي القضاة جمال الدين المرداوي قال ابن حجي كان يحفظ فروعا كثيرة وغرائب وله ميل إلى الشافعية وكان بشع الشكل جدا توفي في ذي القعدة وفيها محمد بن محمد بن محمد بن محمود الصالحي المنيحي قال ابن حجر كان من فضلاء الحنابلة سمع الحديث وحفظ المقنع وأفتى ودرس وكان يكتسب من حانوت له على طريق السلف مع الدين والتقشف والتعبد مات في رمضان وهو صاحب الجزء المشهور في الطاعون ذكر فيه فوائد كثيرة عمله في سنة أربع وستين انتهى وفيها محمود الصفدي الغرابي نسبة إلى غرابة بفتح المعجمة وتشديد الراء ثم موحدة من قرى صفد الشافعي اشتغل بدمشق على الشيخين تاج الدين المراكشي وفخر المصري وفضل وتنزل بالمدارس بدمشق ثم رجع إلى صفد فأقام بها يدرس إلى أن مات بها في صفر وفيها شرف الدين أبو البركات موسى بن محمد بن محمد بن الشهاب محمود (6/289) ________________________________________ 290 أحد الفضلاء في الأدب والكتابة كتب في الإنشاء وفاق في حسن الخط والنثر والنظم وناب في الحكم وهو القائل وكتبها على مجموع ( ومجموع كعقد الدر نظما * على تفضيله الاجماع يعقد ) ( يطابق كل معنى فيه حسنا * فمجموعا تراه وهو مفرد ) توفي بالرملة عن ثلاث وأربعين سنة وفيها جمال الدين يوسف بن محمد بن عبد الرحمن بن سندي بن المصري العطار الرسام سمع من ابن الجزري والمزي وحدث وتوفي في المحرم سنة ست وثمانين وسبعمائة فيها توفي إبراهيم بن سرايا الكفرماوي الدمشقي الشافعي المعروف بالحازمي عرف بذلك لكونه ولي قضاءها اشتغل كثيرا وناب في الحكم عن ابن أبي البقاء قال ابن حجي كانت عنده فضيلة ويستحضر الحاوي الصغير وناب في عدة بلاد مات في ذي القعدة وفيها إبراهيم بن عيسى الحلبي أحد فقهاء الشافعية كان معيدا بالبادرائية وبذلك اشتهر قال ابن حجي كان على سمت السلف سليم الفطرة وخطه ضعيف لكنه ألف كثيرا ووقف كتبه ومات في رمضان بطرابلس وفيها علم الدين أبو الربيع سليمان بن خالد بن نعيم بن مقدم بن محمد بن حسن بن تمام بن محمد الطائي البساطي المالكي أصله من شيرا بسيوف من الغربية فنزل عمه عثمان ببساط وأخوه خالد في كفالته فولد له سليمان هذا بها ثم قدم القاهرة فصار عريفا بمكتب للسبيل ثم ولي نيابة الحكم بجامع الصالح ثم استقل بالقضاء بعد أن اشتغل وتمهر وناب عن الأخنائي ثم سعى على بدر الدين بجاه قرطاي بعد قتل الأشرف حتى استقل بالقضاء سنة ثمان وسبعين وكان متقشفا مطرح التكلف وكان طعامه مبذولا لكل من دخل عليه قال ابن حجر وكان يدعي أنه يجتمع مع الخضر وله في ذلك أخبار كثيرة يستنكر بعضها وصرف عن القضاء في جمادى الأولى سنة (6/290) ________________________________________ 291 ثلاث وثمانين فلزم داره إلى أن مات في سادس عشر صفر وفيها تقي الدين عبد الرحمن بن محمد بن يوسف الحلبي الأصل ابن ناظر الجيش ولد سنة ست وعشرين وسبعمائة واشتغل بالعلم وباشر كتابة الدست في حياة أبيه وتقدم في معرفة الفن وصنف فيه تصنيفا لطفيا عليه اعتماد الموقعين إلى هذه الغاية وكانت له عناية بالعلم وسمع الشفا على الدلاصي وغيره وولي نظر الجيش استقلالا بعد أبيه وتوفي في حادي عشر جمادى الأولى وفيها عماد الدين عبد الرحيم بن أحمد بن عبد الرحيم بن الترجمان الحلبي سمع حضورا على العز إبراهيم بن صالح وسمع وهو كبير على غيره وكان ذا ثروة وبنى مكتبا للأيتام ووقف عليه وقفا وسمع منه برهان الدين المحدث وتوفي يوم عيد الفطر وفيها أوحد الدين عبد الواحد بن إسمعيل بن يس بن أبي حسن الأفريقي ثم المصري الحنفي سبط القاضي كمال الدين ابن التركماني اشتغل على مذهب الحنفية قليلا وباشر توقيع الحكم ثم اتصل ببرقوق أول ما تأمر والسبب في معرفته به أن شخصا يقال له يونس كان أميرا بطبلخاناه في حياة الأشرف وكان أوحد الدين شاهد ديوانه فادعى برقوق أنه ابن عمه عصبته فساعده أوحد الدين على ذلك إلى أن ثبت ذلك بالطريق الشرعي فلما قبض برقوق الميراث ممن وضع يده عليه وهو أحمد بن الملك مولى يونس الميت المذكور أعطى أوحد الدين منها ثلاثة آلاف درهم وهي إذ ذاك تساوي مائة وخمين مثقالا ذهبا فامتنع من أخذها واعتذر بأنه ما ساعده إلا الله تعالى فحسن اعتقاد برقوق فيه فلما صار أمير طبلخاناه استخدمه شاهد ديوانه ثم لما تأمر جعله موقعا عنده فاستمر في خدمته وبالغ في نصحه واستقر موقع الدست مع ذلك إلى أن تسلطن فصيره كاتب سره وعزل بدر الدين بن فضل الله فباشرها أوحد الدين مباشرة حسنة مع حسن الخلق وكثرة السكون وجمال الهيئة وحسن الصورة والمعرفة التامة بالأمور وبلغ من الحرمة ونفاذ الكلمة أمرا عجيبا لكن لم تطل مدته وضعف ثم اشتد به الأمر حتى ذهبت (6/291) ________________________________________ منه شهوة الطعام وابتلى بالقيء فصار لا يستقر في جوفه شيء إلى أن مات في ذي الحجة 292 ولم يكمل الأربعين وفيها القاضي جمال الدين أبو الفضل محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن القسم بن عبد الرحمن بن القسم بن عبد الله النويري نسبة إلى النويرة من عمل القاهرة الشافعي المكي كان ينسب إلى عقيل بن أبي طالب ولد في شعبان سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة وسمع بدمشق من المزي وغيره وتفقه بدمشق على الشيخ شمس الدين بن النقيب والتقي السبكي والتاج المراكشي وغيرهم وبمكة من جماعة وصار قاضي مكة وخطيبها وأخذ العربية عن الجمال بن هشام وشارك في المعارف قال الحافظ ابن حجي كان رجلا عالما يستحضر الفقه وغيره بلغني أنه كان يستحضر شرح مسلم للنووي وكان منسوبا إلى كرم ونعمة وافرة وقال ابن حبيب في تاريخ أنه ولي قضاء مكة نيفا وعشرين سنة وقال ابن حجر كان فصيح العبارة لسنا جيد الخطبة متواضعا محبا للفقراء توفي وهو متوجه إلى الطائف في ثالث عشر رجب وحمل إلى مكة فدفن بها وخلف تركة وافرة وفيها شمس الدين محمد بن عبد الله بن أحمد الهكاري ثم الصلتي الشافعي اشتغل على أبيه بالصلت وكان مدرسا ثم درس بعد أبيه ثم قدم دمشق فسمع بها وتنقل في قضاء البر ثم ولي قضاء حمص أخيرا وكان لا يمل من الاشتغال بالعلم وتعليق الفوائد ولخص ميدان الفرسان في قدر نصفه في ثلاث مجلدات وهو اختصار عجيب وتوفي بحمص في رجب ولم يكمل الخمسين سنة وفيها أمين الدين محمد بن علي بن الحسن بن عبد الله الأنفي بفتحات المالكي ولد سنة ثلاث عشرة وسبعمائة وعنى بالحديث وظهر له سماع من الحجار فحدث به وسمع من البندنيجي وأسماء بنت صصرى وغيرهما وكتب الكثير وسمع العالي والنازل وأخذ عن البرزالي والذهبي ونسخ كثيرا من مصنفاته وغيرهما وولي قضاء حلب يسيرا وكان يفتي على مذهب وولي مشيخة الحديث بالناصرية ومشيخة (6/292) ________________________________________ 293 الخانقاه النجمية وأقام في قضاء حلب أربع سنين ثم رجع إلى دمشق فناب عن الماروني ثم ترك قال ابن حجي كان حسن العشرة يقصده الناس لحسن محادثته وتطلبه الرؤساء لذلك ويحرصون على مجالسته لفكاهة فيه وقال الذهبي في المعجم المختص وكان يحفظ كثيرا من الفوائد الحديثية والأدبية انتهى توفي في شوال عن ثمانين سنة تقريبا وفيها محمد بن علي بن منصور بن ناصر الدمشقي الحنفي ولد سنة سبع وسبعمائة أو قبلها وأخذ عن أبيه والبرهان بن عبد الحق والنجم القحفازي والعلاء القونوي وغيرهم وسمع من الحجار والبندنيجي وغيرهما وحدث ودرس في أماكن وولي قضاء مصر في رمضان سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة ودرس بالصرغتمشية وغيرها وكان بارعا في الفقه صلبا في الحكم متواضعا لين الجانب توفي بمصر في ربيع الأول وفيها أكمل الدين محمد بن شمس الدين محمد بن كمال الدين محمود بن أحمد الرومي البابرتي الحنفي ولد سنة بضع عشرة وسبعمائة واشتغل بالعلم ورجل إلى حلب فأنزله القاضي ناصر الدين بن العديم بالمدرسة السادحية فأقام بها مدة ثم قدم القاهرة بعد سنة أربعين فأخذ عن الشيخ شمس الدين الأصبهاني وأبي حيان وسمع من ابن عبد الهادي والدلاصي وغيرهما وصح بشيخون واختص به وقرره شيخا بالخانقاه التي أنشأها وفوض أمورها إليه فباشرها أحسن مباشرة وكان قوي النفس عظيم الهمة مهابا عفيفا في المباشرة عمر أوقافها وزاد معاليمها وعرض عليه القضاء مرارا فامتنع وكان حسن المعرفة بالفقه والعربية والأصول وصنف شرح مشارق الأنوار وشرح البزدوي والهداية وعمل تفسيرا حسنا وشرح مختصر ابن الحاجب وشرح المنار والتلخيص وغير ذلك قال ابن حجر وما علمته حدث بشيء من مسموعاته وكانت رسالته لا ترد مع حسن البشر والقيام مع من يقصده والأنصاف والتواضع والتلطف في المعاشرة والتنزه عن الدخول في المناصب الكبار وكان أرباب المناصب على بابه قائمين بأوامره مسرعين إلى قضاء مآربه وكان الظاهر يبالغ في (6/293) ________________________________________ تعظيمه حتى أنه إذا اجتاز به لا يزال واقفا على باب الخانقاه إلى أن 294 يخرج فيركب معه ويتحدث معه في الطريق ولم يزل على ذلك إلى أن مات بمصر في ليلة الجمعة تاسع عشر رمضان وحضر السلطان فمن دونه جنازته وصلى عليه عز الدين الرازي ودفن با لخانقاه المذكورة وفيها محمد بن مكي العراقي الرافضي كان عارفا بالأصول والعربية فشهد عليه بدمشق بانحلال العقيدة واعتقاد مذهب النصيرية واستحلال الخمر الصرف وغير ذلك من القبائح فضربت عنقه بدمشق في جمادى الأولى ضربت عنق رفيقه عرفة بطرابلس وكان على معتقده وفيها الشيخ شمس الدين محمد بن يوسف بن علي بن عبد الكريم الكرماني الشافعي نزيل بغداد ولد في سادس عشر جمادى الآخرة سنة سبع عشرة وسبعمائة واشتغل بالعلم فأخذ عن والده ثم حمل عن القاضي عضد الدين ولازمه اثنتي عشرة سنة وأخذ عن غيره ثم طاف البلاد ودخل مصر والشام والحجاز والعراق ثم استوطن بغداد وتصدى لنشر العلم بها نحو ثلاثين سنة وكان مقبلا على شأنه معرضا عن أبناء الدنيا قال ولده كان متواضعا بارا لأهل العلم وسقط من علية فكان لا يمش إلا على عصا منذ كان ابن أربع وثلاثين سنة وقال ابن حجي صنف شرحا حافلا على المختصر وشرحا مشهورا على البخاري وغير ذلك وحج غير مرة وسمع بالحرمين ودمشق والقاهرة وذكر انه سمع بجامع الأزهر على ناصر الدين الفارقي وذكر الشيخ ناصر الدين العراقي أنه اجتمع به في الحجاز وكان شريف النفس مقبلا على شأنه وشرح البخاري بالطائف وهو مجاور بمكة وأكمله ببغداد وتوفي راجعا من مكة بمنزلة تعرف بروض مهنا في سادس عشر المحرم ونقل إلى بغداد فدفن بها وكان اتخذ لنفسه قبرا بجوار الشيخ أبي إسحق الشيرازي ونيت عليه قبة ومات عن تسع وستين سنة وفيها شرف الدين محمود بن عبد الله الأبطالي باللام الحنفي قدم دمشق فأقام بها إلى أن ولي مشيخة السميساطية فباشرها مدة ودرس بالعزية وتصدر بالجامع وكان من الصوفية البسطامية مات في رمضان (6/294) ________________________________________ وولي 295 بعده المشيخة القاضي برهان الدين بن جماعة سنة سبع وثمانين وسبعمائة فيها كان الطاعون العظيم بحلب بلغت عدة الموتى فيه في كل يوم ألف نفس وفيها كما قال ابن حجر أحضر إلى أحمد بن يلبغا صغيرة ميتة لها رأسان وصدر واحد ويدان فقط ومن تحت السرة صورة شخصين كاملين كل شخص بفرج أنثى ورجلين فشاهدها الناس وأمر بدفنها وفيها توفي جمال الدين إبراهيم بن نصار الدين محمد بن كمال الدين عبد العزيز بن محمد بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العقيلي الحلبي المعروف بابن العديم الحنفي سمع من الحجار وحدث عنه وكان هينا لينا ناظرا إلى مصالح أصحابه ناب عن والده مدة بحلب ثم استقل بعد وفاته وكان يحفظ المختار ويطالع في شرحه قال البرهان المحدث ادعى عنده مدع على آخر بمبلغ فأنكر فأخرج المدعي وثيقة فيها أقر فلان ابن فلان فأنكر المدعى عليه أن الاسم المذكور في الوثيقة اسم أبيه قال له فما اسمك أنت قال فلان قال فما اسم أبيك قال فلان فسكت عنه القاضي وتشاغل بالحديث مع من كان عنده حتى طال ذلك وكان القارىء يقرأ عليه في صحيح البخاري فلما فرغ المجلس صاح القاضي يا ابن فلان فأجابه المدعى عليه مبادرا فقال له ادفع لغريمك حقه فاستحسن من حضر هذه الحيلة حيث استغفل المدعى عليه حتى التجأ للاعتراف وقال البرهان الحلبي أيضا كان من بقايا السلف وفيه مواظبة على الصلوات في الجامع الكبير لطيف اللسان وافر العقل طويل الصمت في غاية العفة مع المعرفة بالمكاتيب والشروط كبير القدر عند الملوك والأمراء كثير النظر في مصالح أصحابه توفي في سادس عشرى المحرم عن نيف وستين سنة وفيها أحمد بن أبي بكر بن عبد الله الحضرمي الزبيدي الشافعي مفتي أهل اليمن في زمانه انتهت إليه الرياسة في ذلك مات في رجب وفيها شهاب الدين أحمد بن عبد الله بن محمد بن محمود (6/295) ________________________________________ 296 المرداوي نزيل حماة ولد بمردا وقدم دمشق للفقه فبرع في الفنون وتميز ثم ولي قضاء حماة فباشرها مدة ودرس وأفاد ولازمه علاء الدين بن مغلى وبه تميز وفيها شهاب الدين أحمد بن عبد الهادي بن أبي العباس الشاطر الدمنهوري المعروف بابن الشيخ ولد سنة ثلاث وثلاثين وتعانى الآداب فكان أحد الأذكياء وكان أديبا فاضلا أعجوية في حل المترجم وهو القائل ( نادى مناد لقرط * فطاف سمع البرية ) ( وشنف الاذن منه * قرط أتى للرعية ) وكان لا يسمع شعرا ولا حكاية إلا ويخبر بعدد حروفا فلا يخطىء جرب ذلك عليه مرارا مات في ذي القعدة قاله ابن حجر وفيها نجم الدين أبو العباس أحمد بن عثمان بن عيسى بن حسن بن حسين بن عبد المحسن الياسوفي الأصل الدمشقي الشافعي المعروف بابن الجابي ولد في آخر سنة ست وثلاثين وسبعمائة وسمع الحديث وكتب بخطه طباقا والمشتبه للذهبي وأخذ الفقه عن المشايخ الثلاثة الغزي والحسباني وحجي وغيرهم وأخذ الأصول عن البهاء الأخميمي ودرس وأفتى واشتغل واشتهر اسمه وشاع ذكره وكان أولا فقيرا ثم تمول فإنه ورث هو وابنه مالا من جهة زوجته وكثر ماله ونما واتسعت عليه الدنيا وسافر إلى مصر في تجارة وحصل له وجاهة بالقاهرة بكاتب السر الأوحد وولي تدريس الظاهرية أخذها من ابن الشهيد وأعاد بالشامية الجوانية قال الحافظ ابن حجي برع في الفقه والأصول وكان يتوقد ذكاءا سريع الإدراك حسن المناظرة ما كان في أصحابنا مثله له الإقدام والجرأة في المحافل مع الكلام المتين وكان ينسب إلى جده في بحثه وربما خرج على من يباحثه ومع ذلك ما كنت أحب مناظة أحد سواه ولا يعجبني مباحث غيره فإنه كان منصفا سريع التصور وإنما كان يحتد على من لا يجاريه في مضماره وقال ابن حجر يقال أنه سم مع أوحد الدين بمصر وتأخر عمل السم فيه إلى أن مات بدمشق بعد عوده في جمادى الأولى وقد جاوز الخمسين ودفن بمقبرة الصوفية (6/296)
297 وفيها شاه شجاع بن محمد بن مظفر اليزدي كان جده مظفر صاحب درك يزد وكرمان في زمن أبي سعيد بن خربندا ثم كان ابنه محمد فقام مقامه وأمنت الطرقات في زمنه ولم يزل أمره يقوى حتى ملك كرمان عنوة انتزعها من شيخ بن محمود شاه ثم تزوج محمد بن مظفر امرأة من بنات الأكابر بكرمان فقاموا بنصره وفر شيخ إلى شيراز فحاصره محمد بن مظفر بها إلى أن ظفر به فقتله واستقل بعد موت أبي سعيد بملك العراق كله وأظهر العدل وكان له من الأولاد خمسة شاه ولي وشاه محمود وشاه شجاع وأحمد وأبو يزيد فاتفقوا على والدهم فكحلوه وسجنوه في قلعة من عمل شيراز وذاك سنة ست وسبعمائة فتولى شاه شجاع صاحب الترجمة شيراز وكرمان ويزد وتولى شاه محمود أصبهان وغيرها ومات شاه ولي واستمر أحمد وأبو زيد في كنف شاه شجاع ووقع الخلف بين شاه محمود وشاه شجاع فآل الأمر إلى انتصار شاه شجاع ومات شاه محمود فاستولى شاه شجاع على أذربيجان انتزعها من أويس وكان شاه شجاع ملكا عادلا عالما بفنون من العلم محبا للعلم والعلماء وكان يقرىء الكشاف والأصول والعربية وينظم الشعر بالعربي والفارسي ويكتب الخط الفائق مع سعة العلم والحلم والكرم وكان قد ابتلى بترك الشبع فكان لا يسير إلا والمأكول على البغال صحبته فلا يزال يأكل ولما مات استقر ولده زين العابدين بعده إلى أن خرج عليه اللنك فقتله وقتل أقاربه وفيها شرف الدين حسن بن محمد بن أبي الحسن بن الشيخ الفقيه أبي عبد الله اليونيني البعلي ولد سنة ثلاثين وسبعمائة وقرأ وسمع الحديث ورحل فيه وأفتى ودرس وأفاد وتوفي في رمضان وفيها عفيف الدين أبو محمد عبد الله بن الزين أبي الطاهر محمد بن الجمال محمد بن المحب أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم الطبري ثم المكي الشافعي ولد في محرم سنة ثلاث وعشرين بمكة وسمع من والده وعيسى الحجي والأمين الاق شهري والوادي آشي وآخرين وأجاز له الدبوسي والحجار وغيرهما وقرأ على القطب (6/297)
بن مكرم وغيرهم 298 ودخل الهند وحدث بها ودرس في الفقه وخطب ثم رجع فولي قضاء بجيلة وما حولها مدة ومات بالمدينة المنورة وفيها عثمان بن فار بن مهنا بن عيسى أمير آل فضل كان شابا كريما شجاعا جميلا يحب اللهو والخلاعة ومات شابا قاله ابن حجر وفيها سعد الدين فضل الله بن إبرهيم بن عبد الله الشامكاني نسبة إلى شامكان بالشين قرية بنيسابور الفقيه الشافعي قرأ على القاضي عضد الدين وغيره وحدث عنه بشرح مختصر ابن الحاجب وبالمواقف وغير ذلك وصنف في الأصول والعربية ونظم في العلوم العقلية وتوفي في جمادى الأولى وفيها بدر الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن شجرة بن محمد التدمري الأصل الدمشقي الشافعي الفقيه المفتي القاضي اشتغل وتقدم واشتهر وولي القضاء بمعاملة الشام وآخر ما ولي قضاء القدس في أيام البلقيني فشكاه أهل القدس وجاءت كتب أعيانهم مشحونة بثلبه والحط عليه فعزل فقدم دمشق وأقام بها يدرس بالمدرسة الموقوفة عليه وعلى أقاريه قال الحافظ شهاب الدين بن حجي كان يفتي كثيرا ويكتب على الفتاوي خطا حسنا بعبارة حسنة إلا أنه كان سيء السيرة في قضائه وفتواه مشهورا بذلك كان يتحمل للمستفتي حتى يفتيه بما يوافق غرضه ويأخذ منه جعلا على ذلك حضر عندي مرة فأعجبني فهمه واستنباطه في الفقه وغوصه على استخراج المسائل الحوادث من أصولها وردها إلى القواعد ثم ذكر ابن حجي كلاما لا أحب ذكره توفي بدمشق في شهر ربيع الأول ودفن بسفح قاسيون وفيها زين الدين أو علم الدين محمد بن القاضي تقي الدين عبد الله ابن الإمام العلامة زين الدين محمد بن القاضي علم الدين عبد الله بن عمر بن مكي بن عبد الصمد بن أبي بكر عطيبة الدمياطي الأصل الدمشقي الشافعي سبط الشيخ تقي الدين السبكي مولده سنة سبع وأربعين وسبعمائة وحضر على جماعة قال ابن حجي سمع من جده عدة من مصنفاته وله تحقيق ودرس بالعذراوية سنة تسع وستين انتزعها من يد خاله القاضي تاج الدين وكان ينوب (6/298)
عنه وكان من خيار 299 الناس وأغزر خلق الله مروءة ما رأينا أحدا أكثر مروءة وتفضلا على أصحابه ومساعدة لمن يقصده ولا أشد تواضعا وأدبا ورياسة منه توفي في شوال ودفن بتربة خاله بسفح قاسيون وفيها أبو الحسن محمد بن محمد بن محمد بن ميمون البلوي بفتح الموحدة واللام نسبة إلى بلى بن عمرو بن الحارث بن قضاعة الأندلسي قال ابن حجر وتقدم في الفرايض والعربية وسمع بنفسه بالقاهرة ومصر من ابن أميلة وغيره ورافقته الشيخ أبو زرعة العراقي في السماع كثيرا سنة ثمان وثمانين وسبعمائة فيها تمت عمارة المدرسة البرقوقية بمصر بين القصرين وكان القائم في عمارتها جركس الخليلي وقال في ذلك ابن العطار ( قد أنشأ الظاهر السلطان مدرسة * فاقت على ارم مع سرعة العمل ) ( يكفي الخليلي أن جاءت لخدمته * شم الجبال لها تأتي على عجل ) ونزل إليها السلطان برقوق في ثاني عشر شهر رجب وقرر أمورها ومد بها سماطا عظيما ونقل أولاده ووالده من الأماكن التي دفنو بها إلى القبة التي أنشأها بها وقرر فيها علاء الدين السراي مدرس الحنفية بها وشيخ الصوفية فيها والشيخ أوحد الدين الرومي مدرس الشافعية والشيخ شمس الدين بن مكين مدرس المالكية والشيخ صلاح الدين بن الأعمى مدرس الحنابلة والشيخ أحمد زاده العجمي مدرس الحديث والشيخ فخر الدين الضرير إمام الجامع الأزهر مدرس القراءات فلم يكن فيهم من هو فائق في فنه على غيره من الموجودين غيره قاله ابن حجر وفيها في شعبانها توفي أمير مكة الشهاب أحمد بن عجلان بن رميثة بن نمي الحسيني واستقر ولده محمد بن أحمد فعمد كبيش بن عجلان إلى أقاربه فكحلهم منهم أحمد بن ثقبة وولده وحسن بن ثقبة وولده وحسن بن ثقبة ومحمد بن عجلان ففر منه عفان بن معاقس إلى القاهرة فشكا إلى السلطان من صنيعه والتزم بتعمير مكة وسعى في امرتها فأجيب (6/299)
300 إلى ذلك قال ابن حجر كان أحمد بن عجلان عظيم الرياسة والحشمة اقتنى من العقار والعبيد شيئا كثيرا إلى غير ذلك وفيها أحمد بن الناصر حسن بن الناصر محمد بن قلاوون الصالحي كان أكبر إخوته وقد عين للسلطنة مرارا فلم يتفق له ذلك ومات في رابع عشر جمادى الآخرة وفيها شهاب الدين أحمد بن عبد العزيز بن يوسف بن المرحل المصري نزيل حلب الشافعي سمع من حسن سبط زيادة وتفرد به وسمع منه شهاب الدين الذرابيبي المقرىء وغيره من الرحالة وأخذ عنه ابن عشائر والحلبيون وأكثر عنه المحدث برهان الدين وفيها تاج الدين أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحسين بن إسمعيل بن وهب بن محبوب المصري ثم البعلي ثم الدمشقي احضر على ابن الموازيني وست الأهل وسمع من ابن مشرف وابن النور والمطعم والرضى الطبري وغيرهم وله إجازة من سنقر الزيني وبيبرس العديمي والشرف الفزاري وإسحق النحاس والعماد النابلسي وغيرهم وكان يذاكر بفوائد وأصيب بآخره فاستولت عليه الغفلة ورأيت بخطه تذكرة في نحو الستين مجلدة وعبارته عامية وخطه رديء جدا مات في المحرم قاله ابن حجر وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد المعطي بن مكي بن طراد بن حسين بن مخلوف بن أبي الفوارس بن سيف الإسلام بن قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري المكي المالكي النحوي اشتغل كثيرا ومهر في العربية وشارك في الفقه وأخذ عن أبي حيان وغيره وانتفع به أهل مكة في العربية وكان بارعا ثقة ثبتا وله تأليف ونظم كثير سمع من عثمان بن الصفي وغيره وكان حسن الأخلاق مواظبا على العبادة وأخذ عنه بمكة المرجاني وابن ظهيرة وغيرهما وحدثتنا عنه بالسماع شيختنا أم هانىء بنت الهوريني وهو جد شيخنا نحوى مكة قاضي القضاة محي الدين عبد القادر بن أبي القسم مولده سنة تسع وسبعمائة وتوفي (6/300)
301 في المحرم قاله السيوطي في طبقات النحاة وفيها بدر الدين أحمد بن شرف الدين محمد بن فخر الدين محمد بن الصاحب بهاء الدين علي بن محمد بن حنا المصري المعروف بابن الصاحب قال ابن حجر تفقه ومهر في العلم ونظم ونثر وفاق أهل عصره في ذلك وفاق أيضا في معرفة لعب الشطرنج وكان جماعا للمال لطيف الذات كثير النوادر ألف تأليفا في الأدب وغيره وكتب الخط وكان يحسن الظن بتصانيف ابن العربي ويتعصب له ووقعت له محنة مع الشيخ سراج الدين البلقيني وكان يكثر الشطح ويتكلم بما لا يليق بأهل العلم من الفحش ويصرح بالاتحاد وهو القائل ( أميل لشطرنج أهل النهى * وأشكوه من ناقل الباطل ) ( وكم رمت تهذيب لعابها * وتأبى الطباع على الناقل ) مات في تاسع عشرى جمادى الآخرة وله إحدى وسبعون سنة رأيته واجتمعت به وسمعت من تآليفه ونوادره انتهى كلام ابن حجر وفيها إسمعيل بن عبد الله الناسخ المعروف بابن الزمكحل قال في أنباء الغمر كان أعجوبة دهره في كتاب قلم الغبار مع أنه لا يطمس واوا ولا ميما ويكتب آية الكرسي على أرزة وكذا سورة الإخلاص وكتب من المصاحف الحمايلية ما لا يحصى انتهى وفيها داود بن محمد بن داود بن عبد الله الحسني الحميري صاحب صنعاء من جبال اليمن حاربه الإمام صاحب صعدة فغلب على صنعاء وانتزعها منه ففر داود منه إلى الأشرف صاحب زبيد فأكرمه إلى أن مات في ذي القعدة وهو آخر من وليها من أهل بيته ودامت مملكتهم قريبا من خمسمائة سنة وفيها زين الدين سريجا بفتح المهملة وكسر الراء بعدها تحتانية ساكنة ثم جيم مفتوحة بغير مد ابن بدر الدين محمد بن سريجا الملطي ثم الباوردي كان من أعيان تلك البلاد في زمانه في الفقه والقراءات والأدب وغير ذلك وله تصانيف منها شرح الأربعين النووية سماه نشر فوائد المربعين النبوية في نثر فوائد (6/301)
302 الأربعين النووية وجنة الجازع وحبة الجارع صنعه عند موت والد له سنة إحدى وسد باب الضلال وصد باب الغلال في ترجمة الغزالي ونظم قصيدة في القراءات السبع بوزن الشاطبية أولها ( يقول سريجا قانتا متبهلا * بدأت بحمدي ناظما ومبسملا ) ومن نظمه وأجاد خذ بالحديث وكن به متمسكا * فلطالما ظمئت به من الأكباد ) ( شد الرحال له الرجال إذا سعوا * لاخطار ما صرت له الآساد ) مات بماردين في المحرم وله ثمان وستون سنة وأخذ عنه ولده عقيل الذي مات سنة أربع عشرة وثمانمائة وفيها زين الدين عبد الرحمن بن محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج الإمام الحنبلي ابن صاحب الفروع كان أصغر أولاده دأب واشتغل وحفظ المقنع في الفقه وكان شكلا حسنا بارعا مترفها توفي يوم الإثنين خامس جمادى الأولى ودفن بالروضة قريبا من والده وجده وفيها قطب الدين عبد اللطيف بن عبد المحسن بن عبد الحميد بن يوسف السبكي نزيل دمشق ابن أخت التقي السبكي الشافعي حضر على ابن الصواف مسموعه من النسائي وتفرد به ومن أبي الحسن بن هرون من مشيخة جعفر الهمداني تخريج الزكي البرزالي وحدث وكان كثير التسري يقال أنه وطىء أزيد من ألف جارية وروى عنه العراقي وابن سند وابن حجي وغيرهم وفيها محي الدين عبد الوهاب بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن يحيى بن أسد الأسكندراني القروي سمع من عبد الرحمن بن مخروف عدة كتب منها الدعاء للمحاملي ومن محمد بن عبد المجيد الصواف التوكل وسمع بمكة من الرضي الطبري مسلسلات ابن شاذان وسمع من غيرهم وحدث وقد خرج له الذهبي جزءا من حديثه وتوفي في ذي القعدة وله ست وثمانون سنة وفيها شرف الدين علي بن عبد القادر (6/302)
303 المراغي الصوفي اشتغل في بلاده ومهر في الفقه والأصول والطب والنجوم وفاق في العلوم العقلية قال السيوطي كان فاضلا في العلوم العقلية والعربية ويقرىء الكشاف والمنهاج في الأصول بارعا في الطب والنجوم معتزليا ونسب إلى رفض فرفع إلى حاكم وعزر واستتيب وكان صوفيا بخانقاه السميساطية فأخرج منها وأنزل بخانقاه خاتون فاستمر إلى أن مات بها انتهى وقرأ عليه تقي الدين بن مفلح ونجم الدين بن حجي وغيرهما وتوفي في ربيع الآخر وقد جاوز الستين وفيها الواثق بالله عمر بن إبراهيم بن محمد بن أحمد بن المعتصم بن الواثق بن المستمسك بن الحاكم العباسي ولي الخلافة بعد خلع المتوكل في رجب سنة خمس وثمانين وتوفي يوم الأربعاء تاسع عشرى شوال واستقر بعده أخوه زكريا وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن عمر التركستاني الأصل القرمي نزيل بيت المقدس ولد بدمشق سنة عشرين وسبعمائة ثم تجرد وخرج منها سنة إحدى وأربعين فطاف البلاد ودخل الحجاز واليمن ثم أقام بالقدس وبنيت له زاوية وكان يقيم في الخلوة أربعين يوما لا يخرج إلا للجمعة وصار أحد أفراد الزمان عبادة وزهدا وورعا وقصد بالزيارة من الملوك بسرور منهم وله خلوات ومجاهدات وسمع بدمشق من الحجار وغيره وكان يتورع عن التحديث ثم انبسط وحدث وكان عجبا في كثرة العبادة وملازمة التلاوة حتى بلغ في اليوم ست ختمات وقيل بلغ ثمانية وسأله الشيخ عبد الله البسطامي فقال له أن الناس يذكرون عنك القول في سعرة التلاوة فما القول الذي نذكر عنك أنك قرأته في اليوم الواحد فقال اضبط أني قرأت من الصبح إلى العصر خمس ختمات ويذكر عنه كرامات كثيرة وخوارق مع سعة العلم ومحبة الانفراد وقهر النفس وانتفع به جماعة ومات في تاسع عشرى شهر رمضان قاله جميعه ابن حجر وكانت وفاته بالقدس الشريف بخلوته وصلى عليه بالمسجد الأقصى ثم رد إلى خلوته فدفن بها ومن شعره ( أسير وحدي بلا ماء ولا زاد * إلى الحمى مستهاما ظامئا صادي ) (6/303)
304 ( ولا رفيق ولا خل يؤانسني * خلعت نعلي مني شاطىء الوادي ) ( أدناني الحب منه ثم قربني * كقاب قوسين أو أدنى وذا الهادي ) وله أيضا ( مازلت أقيم مذهب العشق زمان * حتى ظهرت أدلة الحق وبان ) ( مازلت أوحد الذي أعبده * حتى ارتحل الشرك عن الحق وبان ) وفيها شمس الدين محمد بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد الشافعي الآصجي بمد وفتح المهملة بعدها جيم الشاعر الأديب نزل مكة وجاور بها عدة سنين وكان مكثرا أكثر عنه نجم الدين الجرجاني قاله ابن حجر وفيها القاضي شمس الدين محمد بن تقي الدين عبد الله بن محمد بن محمود بن أحمد بن عفان المرداوي الحنبلي أبو عبد الله ولد سنة أربع عشرة وسمع الكثير من جماعات كثيرة منهم الشهاب الصرخدي وتفقه وناب في القضاء ثم استقل به إلى أن مات وكان محمودا في ولايته إلا أنه في حال نيابته عن عمه كان كثير التصمم بخلافه لما استقل وكان يكتب على الفتاوى كتابة جيدة وكان كيسا متواضعا قاضيا لحوائج من يقصده خبيرا بالأحكام ذاكرا للوقائع صبورا على الخصوم عارفا بالاثبات وغيرها لا يلحق في ذلك وكان يركب الحمارة على طريقة عمه وقد خرج له ابن المحب الصامت أحاديث متباينة وحدث بمشيخة ابن عبد الدايم عن حفيده محمد بن أبي بكر عن جده سماعا وتوفي في رمضان عن أربع وأربعين سنة وفيها شمس الدين محمد بن شمس الدين محمد بن شهاب الدين أحمد بن الشيخ المحدث محب الدين السعدي المقدسي المعروف بابن المحب الحافظ الحنبلي ولد سنة إحدى وثلاثين وسمع من ابن الرضى والجزري وبنت الكمال وغيرهم وأحضر على أسماء بنت صصرى وعائشة بنت مسلم وغيرهما وعنى بالحديث وكتب الأجزاء والطباق وعمل المواعيد وأخذ عن إبراهيم بن (6/304)
305 قيم الجوزية وكتب بخطه الحسن شيئا كثيرا وكان شديد التعصب لابن تيمية وتوفي يوم الأربعاء سابع جمادى الأولى بالصالحية ودفن بالروضة وفيها محمد بن محمد بن علي بن حزب الله المغربي قال ابن حجر قرأت بخط القاضي برهان الدين بن جماعة مات الإمام العالم الكاتب البليغ أبو عبد الله بن مزب الله بدمشق في خامس عشرى شعبان سنة ثمان وثمانين وله تآليف وفضائل قلت منها كتاب سماه عرف الطيب في وصف الخطيب صنفه للبرهان المذكور ومن نظمه قصيدة أولها ( لبريق أرض الأبرقين والنقا * قد طار مني القلب إذ تألقا ) انتهى وفيها شمس الدين محمد بن يوسف بن الياس القونوي الحنفي نزيل المزة ولد سنة خمس عشرة أو في التي بعدها وقدم دمشق شابا وأخذ عن التبريزي وغيره وتنزه عن مباشرة الوظائف حتى المدارس وكان الشيخ تقي الدين السبكي يبالغ في تعظيمه وكان له حظ من عبادة وعلم وزهد وورع وكان شديد البأس على الحكام شديد الانكار للمنكر أمارا بالمعروف يحب الانفراد والانجماع قليل المهابة للأمراء والسلاطين يغلظ لهم كثيرا وكان قد أقبل على الاشتغال بالحديث بآخره والتزم أن لا ينظر في غيره وصارت له اختيارات يخالف فيها المذاهب الأربعة لما يظهر له من دليل الحديث قال ابن حجي كانت له وجاهة عظيمة وكان ينهى أولاده وأتباعه عن الدخول في الوظائف وكان ربما كتب شفاعة إلى النائب نصها إلى فلان المكاس أو الظالم أو نحو ذلك وهم لا يخالفون له أمرا ولا يردون له شفاعة وكان الكثير من الناس يتوقون الاجتماع به لغلظه في خطابه وكان مع ذلك يبالغ في تعظيم نفسه في العلم حتى قال مرة أنا أعلم من النووي وهو أزهد مني وكان يتعانى الفروسية وآلات الحرب ويحب من يتعانى ذلك ويتردد إلى صيدا وبيروت على نية الرباط وقد باشر القتال في نوبة بيروت وبنى برجا على الساحل وقد صنف كتابا في (6/305)
306 فقه الأئمة الأربعة سماه الدرر وهو كتاب كبير على أسلوب غريب واختصر شرح مسلم للنووي وتعقب عليه مواضع وشرح مجمع البحرين في عشر مجلدات وقد قدم القاهرة وأقام بها مدة وأقام بالقدس مدة ثم رجع إلى دمشق وانقطع بزاويته بالربوة ثم انقطع بزاويته بالمزة إلى أن توفي بالطاعون في جمادى الآخرة وفيها شرف الدين محمد بن كمال الدين يوسف بن شمس الدين محمد بن عمر بن قاضي شهبة الشافعي اشتغل على جده ثم على أبيه وتعانى الأدبيات وقال الشعر وكتب الخط الحسن قال ابن حجي كان جميل الشكل حسن الخلق وافر العقل كثير التودد ولي قضاء الزبداني مدة ثم تركه وتوفي عشر الأربعين في ربيع الآخر ووجد عليه أبوه وجدا كثيرا حتى مات بعده عن قرب وفيها إمام الدين محمد الأصبهاني قال ابن خجر كان عالما عابدا مشهورا بالفضل والكرامات وكان ينذر بوقوع البلاء على يد الللنك ويخبر أنه ما دام حيا لا يصيب أهل أصبهان أذى فاتفقت وفاته في طروق اللنك لهم في هذه السنة انتهى وفيها جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن المجد أبي المعالي محمد بن علي بن إبراهيم بن أبي القسم بن جعفر الأنصاري المعروف بابن الصيرفي ولد في رمضان سنة عشر وسبعمائة وأسمعه أبوه الكثير من أبي بكر الدشتي والقاضي سليمان وعيسى المطعم وغيرهم وحدث بالكثير وكان يزين في القبان ثم كبر وعجز وكان بآخره يأخذ الأجرة ويماكس في ذلك وآخر من حدث عنه الحافظ بركات الدين محدث حلب وكان له ثبت يشتمل على شيء كثير من الكتب والأجزاء توفي في ذي الحجة سنة تسع وثمانين وسبعمائة فيها كانت وفاة ميخائيل الأسلمي كان نصرانيا وأسلم في شعبان السنة التي قبلها بحضرة السلطان فأركب بغلة وعمل تاجر الخاص ثم قرر في نظر أسكندرية في محرم هذه السنة فلما كان ثالث عشر ربيع الآخر ضربت عنقه بالأسكندرية (6/306)
307 بعد أن ثبت عليه أنه زنديق وشهد عليه بذلك خمسون إلا واحدا وفيها ضربت الدراهم الظاهرية وجعل اسم السلطان في دائرة فتفاءلوا له من ذلك بالحبس فوقع عن قريب ووقع نظيره لولده الناصر فرج في الدنانير الناصرية وفيها توفي خليل بن فرح بن سعيد الإسرائيلي القدسي ثم الدمشقي القلعي الشافعي أسلم ببيت المقدس وله تسع عشرة سنة وعنى بالعلم ولازم الشيخ ولي الدين المنفلوطي وانتفع به وقرأ القرآن ولقب فخر الدين ومحب الدين وكان مولده في آخر سنة اثنتي عشرة وسبعمائة وتفقه على مذهب الشافعي فمهر وصار من أكثر الناس مواظبة على الطاعة من قيام الليل وإدامة التلاوة والمطالعة وولي مشيخة القصاعين ثم تركها لولده وجاور في آخر عمره بمكة وقدم دمشق ممرضا فمات في حادي عشر صفر وفيها الحافظ صدر الدين سليمان بن يوسف بن مفلح بن أبي الوفاء الياسوفي الدمشقي الشافعي ولد سنة تسع وثلاثين تقريبا وسمع الكثير وعنى بالحديث واشتغل بالفنون وحدث وأفاد وخرج مع الخط الحسن والدين المتين والفهم القوي والمشاركة الكثيرة أوذي في فتنة الفقهاء القائمين على الملك الظاهر فسجن حتى مات في السجن مع أنه صنف في منع الخروج على الأمراء تصنيفا حسنا وكان مشهورا بالذكاء سريع الحفظ دأب في الاشتغال ولازم العماد الحسباني وغيره وفضل في مدة يسيرة وتنزل في المدارس ثم تركها وقرأ في الأصول على الأخميمي وترافق هو وبدر الدين بن خطيب الحديثة فتركا الوظائف وتزهدا وصارا يأمران بالمعروف وينهيان عن المنكر أوذيا بسبب ذلك مرارا ثم حبب إلى الصدر الحديث فصحب ابن رافع وجد في الطلب وأخذ عن ابن البخاري كثيرا ورحل إلى مصر وسمع بها من جماعة ودرس وأفتى واستمر على الاشتغال بالحديث يسمع ويفيد الطلبة الاقدمين وينوه بهم مع صحة الفهم وجودة الذهن قال ابن حجي وفي آخر أمره صار يسلك مسلك الاجتهاد ويصرح بتخطئة الكبار واتفق وصول أحمد الظاهري من بلاد الشرق فلازمه فمال إليه فلما كانت (6/307)
كائنة تدمر مع ابن الحمصي أمر بالقبض على أحمد 308 الظاهري ومن ينسب إليه فاتفق أنه وجد مع اثنين من طلبة الياسوفي فذكر أنهما من طلبة الياسوفي فقبض على الياسوفي وسجن بالقلعة أحد عشر شهرا إلى أن مات في ثالث عشر شوال ومن شعر الياسوفي ( ليس الطريق سوى طريق محمد * فهي الصراط المستقيم لمن سلك ) ( من يمشي في طرقاته فقد اهتدى * سبل الرشاد ومن يزغ عنها هلك ) وفيها أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن السجلماسي المعروف بالحفيد ابن رشد المالكي كان بارعا في مذهبه وروى عن أبي البركات البلقيني والعفيف المطري والشيخ خليل وولي قضاء حلب ثم غزة ثم سكن بيت المقدس قال القاضي علاء الدين في تاريخ حلب كان فاضلا يستحضر لكن كلامه أكثر من علمه حتى كان يزعم أن ابن الحاجب لا يعرف مذهب مالك وأما من تأخر من أهل العلم فإنه كان لا يرفع بهم رأسا إلا ابن عبد السلام وابن دقيق العيد ووقع بينه وبين شهاب الدين بن أبي الرضا قاضي حلب الشافعي منافرة فكان كل منهما يقع في حق الآخر وأكثر الحلبيين مع ابن أبي الرضا لكثرة وقوع الحفيد في الإعراض وسافر في تجارة من حلب إلى بغداد ثم حج وعاد إلى القاهرة ومات عن ثلاث وسبعين سنة وهو معزول عن القضاء ولم يكن محمودا قاله ابن حجر وفيها تاج الدين عبد الواحد بن عمر بن عباد المالكي بن الحكار برع في الفقه وشارك في غيره وفيها أبو الحسن علي بن عمر بن عبد الرحيم بن بدر الجزري الأصل الصالحي النساح المعروف بأبي الهول ولد سنة بضع وسبعمائة وسمع الكثير من التقى سليمان وغيره وحدث وكان سمحا بالتحديث ثم لحقه في أواخر عمره طرف صمم فكان لا يسمع إلا بمشقة وقد حدث بالكثير وسمع منه السكري وابن العجمي وابن حجي وآخرون وتوفي في ربيع الأول عن نحو تسعين سنة وفيها شمس الدين أبو المجد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي الحسني نقيب الأشراف بحلب ذكره طاهر بن حبيب في ذيل تاريخ أبيه وأثنى عليه بالفضل (6/308)
309 الوافر وحسن المجالسة وطيب المحاضرة ومات في الطاعون الكائن بحلب واتفق أنه قبضت روحه وهو يقرأ سورة يس وفيها الحافظ شمس الدين أبو بكر محمد بن المحب عبد الله بن أحمد بن المحب عبد الله الصالحي المقدسي الحنبلي المعروف بالصامت الشيخ الإمام الحافظ الأصيل بقية المحدثين سمي بالصامت لكثرة سكوته ووقاره سمع من عيسى المطعم والقاضي تقي الدين وابن عبد الدائم والقسم بن عساكر وقرأ على خالته زينب بنت الكمال كثيرا وعلى أبيه والمزي والبرزالي والذهبي وذكره في معجمه المختص وقال فيه عقل وسكون وذهنه جيد وهمته عالية في التحصيل وأثنى عليه الأئمة وكان آخر من بقي من أئمة هذا الفن وحدث فسمع من خلق كثير منهم الشيخ شمس الدين بن عبد الهادي سمع منه في سنة ثلاثين قال ابن حجر كان كثير التقشف جدا بحيث يلبس الثوب أو العمامة فيتقطع قبل أن يبدلها أو يغسلها وربما مشى إلى البيت بقبقاب عتيق وإذا بعد عليه المكان أمسكه بيده ومشى حافيا وكان يمشي إلى الحلق التي تحت القلعة فيتفرج على أصحابها مع العامة ولم يتزوج قط وكانت إقامته بالضيائية وتوفي في خامس ذي القعدة وباع ابن أخيه كتبه بأبخس ثمن وبذر ثمنها بسرعة لأنه كان كثير الإسراف على نفسه وفيها محمد بن علي بن عمر بن خالد بن الخشاب المصري سمع الصحيح من وزيرة والحجار وحدث به وولي نيابة الحسبة وأضر قبل موته في شعبان وفيها الحافظ ناصر الدين محمد بن علي بن محمد بن محمد بن هاشم بن عبد الواحد بن أبي المكارم بن حامد بن عشائر الشافعي الحلبي ولد سنة اثنتين وأربعين وسمع الكثير ببلده ودمشق والقاهرة وأخذ بدمشق عن ابن رافع وكان بارعا في الفقه والحديث والأدب حسن الخط جدا ذا ثروة وملك كثير جمع مجاميع جيدة وحدث وناظر وألف وأسمع ولده ولي الدين الكثير وشرع في تاريخ لحلب يذيل به على تاريخ ابن العديم رتبه على حروف المعجم وتممه في أربعة أسفار يذكر فيه من مات من أهل حلب أو دخلها أو دخل شيئا (6/309)
من معاملتها وكان رأسا ببلده ذكر لقضائها 310 وكان خطيبا بها ثم لما قدم القاهرة فاجأته الوفاة في ربيع الآخر فمات غريبا ويقال أنه مات مسموما وفيها محب الدين محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر الدمراقي الهندي الحنفي قدم مكة قديما وسمع من العز بن جماعة وهو عالم بارع وكان يعتمر في كل يوم ويقرأ كل يوم ختمة ويكتب العلم قال ابن حجر ولكنه كان شديد العصبية يقع في الشافعي ويرى ذلك عبادة نقلت ذلك من خط الشيخ تقي الدين المقريزي ومات وقد قارب المائة انتهى وفيها صلاح الدين محمد بن الملك الكامل محمد بن الملك السعيد عبد الملك بن صالح إسمعيل بن العادل بن أيوب الدمشقي كان أحد الأمراء بدمشق ومولده سنة عشر تقريبا وأجاز له الدشتي والقاضي وغيرهما وحدث وتوفي في رمضان وفيها محمود بن موسى بن أحمد الأذرعي التاجر أجاز له التقي سليمان وغيره وحدث وفيها منشا موسى بن ماري حاطه ابن منشا مغا بن منشا موسى ملك التكرور وليها بعد أبيه سنة خمس وسبعين وكان عادلا عاقلا قاله ابن حجر وفيها جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن الشيخ العلامة شمس الدين محمد بن القاضي نجم الدين عمر بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن ذؤيب بن مشرف بن قاضي شهبة الأسدي الشافعي عم صاحب الطبقات ولد سنة عشرين وسبعمائة وسمع الحديث من جماعة وتفقه على والده وعلى أهل عصره وأذن له والده في الافتاء وكان يثني على فهمه وتنقل في قضاء البر ثم ترك ذلك وأقام بدمشق على وظائف والده نزل له عنها في حياته وكان فاضلا في الفقه غير أنه حصل له ثقل في لسانه في مرضة فرضها فكان يعسر عليه الكلام وكان خيرا دينا منجما ساكنا حسن الشكل قال الحافظ برهان الدين الحلبي قال لي ما أعلم منذ وعيت إلى الآن أني خلوت ساعة من وجع توفي في شوال ودفن عند والده رحمهما الله تعالى سنة تسعين وسبعمائة فيها أصاب الحجاج في رجوعهم ليلة تاسع المحرم عند ثغر حامد سيل عظيم مات منه عدد كثير أغرق منهم (6/310)
مائة وسبعة وثلاثين نفسا وأما من لم يعرف 311 فكثير جدا وفيها كما قال ابن حجر هبت ريح عظيمة بمصر وتراب شديد إلى أن كاد يعمى المارة في الطرقات وكان ذلك صبيحة المولد الذي يعمله الشيخ إسمعيل بن يوسف الأنبابي فيجتمع فيه من الخلق من لا يحصى عددهم بحيث أنه وجد في صبيحته مائة وخمسين جرة من جرار الخمر فارغات إلى ما كان في تلك الليلة من الفساد من الزنا واللواط والتجاهر بذلك فأمر الشيخ إسمعيل بإبطال المولد بعد ذلك فيما يقال ومات في سلخ شعبان وكان نشأ على طريقة حسنة واشتغل بالعلم وانقطع بزاويته وصار يعمل عنده المولد كما يعلم بطنتدا ويحصل فيه من المفاسد والقبائخ ما لا يعبر عنه انتهى وفيها توفي برهان الدين أبو إسحق إبرهيم بن الخطيب زين الدين أبي محمد عبد الرحيم بن قاضي مصر والشام بدر الدين محمد بن جماعة الكناني الحموي الأصل المقدسي الشافعي قاضي مصر والشام وخطيب الخطباء وشيخ الشيوخ وكبير طائفة الفقهاء وبقية رؤساء الزمان ولد بمصر في ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وقدم دمشق صغيرا فنشأ عند أقاربه بالمزة وأحضر على جده وسمع من أبيه وعمه وطلب الحديث بنفسه وهو صغير في حدود الأربعين وسمع من شيوخ مصر والشام ولازم المزي والذهبي وأثنى على فضائله وحصل الأجزاء وتخرج على الشيوخ واشتغل في فنون العلم وتوفي والده سنة تسع وثلاثين وهو صغير فكتبت خطابة القدس باسمه واستنيب له ثم باشر بنفسه وهو صغير وانقطع ببيت المقدس ثم أضيف إليه تدريس الصالحية بعد وفاة العلائي ثم خطب إلى قضاء الديار المصرية بعد عزل أبي البقا في جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين وباشره بنزاهة وعفة ومهابة وحرمة وعزل نفسه فسأله السلطان وترضاه حتى عاد واستمر إلى أن عزل نفسه ثانيا في شعبان سنة سبع وسبعين وعاد إلى القدس على وظائفه ثم سئل في العود إلى القضاء فأعيد في صفر سنة إحدى وثمانين فباشرها ثلاث سنين إلى أن عزل نفسه في صفر سنة أربع وثمانين وعاد إلى (6/311)
القدس ثم خطب إلى قضاء دمشق والخطابة بعد موت القاضي ولي الدين في ذي القعدة سنة خمس وثمانين ثم أضيف 312 إلى مشيخة الشيوخ عبد سنة من ولايته وقام في أمور كبار تمت له قال الحافظ ابن حجر عزل نفسه في أثناء ولايته غير مرة ثم يسأل ويعاد وكان محببا إلى أناس وإليه انتهت رياسة العلماء في زمانه فلم يكن أحد يدانيه في سعة الصدر وكثرة البذل وقيامة الحرمة والصدع وبالحق وقمع أهل الفساد مع المشاركة الجيدة في العلوم واقتنى من الكتب النفيسة بخطوط مصنفيها وغيرهم ما لم يتهيأ لغيره انتهى وجمع تفسيرا في عشر مجلدات وفيه غرائب وفوائد وتوفي شبه الفجأة في شعبان ودفن بتربة أقاربه بنى الرحبي بالمزة وفيها جمال الدين أحمد بن محمد بن عبد الرحيم بن إبراهيم بن يحيى بن أبي المجد اللخمي الأسيوطي ثم المكي ولد سنة خمس عشرة وسبعمائة وتفقه للشافعي بالزملكوني والتاج التبريزي والكمال النسائي ولازم الشيخ جمال الدين الأسنوي وصحب شهاب الدين بن الميلق وأخذ عنه في الأصول والتصوف وسمع صحيح البخاري من الحار وسمع مسلم من الواني وحدث عنهما وعن الدبوسي ونحوه بالكثير وسمع بدمشق من الرضى والمزي وجماعة ومهر في الفنون وناب في الحكم ثم جاور بمكة مدة طويلة من سنة سبعين وتصدر للتدريس والتحديث وجمع بين الشرح الكبير والروضة والتهذيب بيض نصف الكتاب في سبع مجلدات وله شرح بانت سعاد وتوفي بمكة في ثالث رجب وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن شمس الدين أبي عبد الله محمد بن القاضي نجم الدين أبي حفص عمر بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن ذؤيب بن مشرف الأسدي الشافعي المعروف بابن قاضي شهبة وهو والد صاحب طبقات الشافعية قال ولده مولده في رجب نسة سبع وثلاثين وسبعمائة وحفظ التنبيه وعيره واشتغل على والده وأهل طبقته وأذن له والده بالافتاء واشتغل في الفرائض ومهر فيها وصنف فيها مصنفا ودرس وأعار وحبس للاشتغال بالجامع الأموي مدة وكان كريم النفس جدا كثير (6/312)
الإحسان إلى الطلبة والفقهاء والغرباء وإلى أقاربه وذوي رحمه ولم يكن ببلده في طائفته أكرم منه ومن الشيخ نجم الدين بن الجابي 313 توفي في ذي القعدة ودفن بالباب الصغير بمقبرة والده رحمهما الله تعالى وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن غازي بن حاتم التركماني المعروف بابن الحجازي ولد سنة ثلاث عشرة وسبعمائة وحضر على أبي بكر بن أحمد بن عبد الدايم وغيره وأجاز له ابن المهتار وست الوزراء وغيرهما وهو جد أبيه لأمه وطلب بنفسه بعد الثلاثين وسمع من جماعة وأجاز له جماعة وكان فاضلا مشاركا أقرأ الناس القراءات ومات في رجب وفيها شجاع الدين أبو بكر بن محمد بن قاسم السنجاري الحنبلي نزيل بغداد الشيخ الإمام المحدث كان فاضلا مسندا حدث بالكثير فمن ذلك جامع المسانيد ومسند الشافعي ورموز الكنوز في التفسير للرسعني وكتاب التوابين لشيخ الإسلام موفق الدين بن قدامة وحدث عنه الشيخ نصر الله البغدادي وولده قاضي القضاة محب الدين وتوفي عن ثمانين سنة وفيها عبد الله بن محمد بن محمد بن سليمان النيسابوري الأصل ثم المكي المعروف بالشاوري ولد سنة خمس وسبعمائة وقيل قبل ذلك وسمع من الرضى الطبري وأجاز له أخوه الصفي وحدث بالكثير قال ابن حجر العسقلاني سمعت عليه صحيح البخاري بمكة وتفرد عن الرضى بسماع الثقفيات وقد حضر إلى القاهرة في أواخر عمره وحدث ثم رجع إلى مكة وتغير قليلا ومات بها في ذي الحجة وفيها عبد الواحد بن عبد الله المغربي المعروف بابن اللوز كان فاضلا ماهرا في الطب والهيئة وغير ذلك مات في شوال قاله ابن حجر وفيها العلاء علاء الدين بن أحمد بن محمد بن أحمد السيرامي بمهملة مكسورة بعدها تحتانية ساكنة قال في أنباء الغمر كان من كبار العلماء في المعقولات قدم من البلاد الشرقية بعد أن درس في تلك البلاد فأقام في ماردين مدة ثم فارقها لزيارة القدس فلزمه أهل حلب للإفادة وبلغ خبره الملك الظاهر فاستدعى به فقرره شيخا ومدرسا بمدرسته التي (6/313)
أنشأها بين القصرين وأفاد الناس في علوم عديدة وكان إليه المنتهى في فعل المعاني والبيان وكان متوددا إلى الناس محسنا إلى الطلبة 314 قائما في مصالحهم لا يلوي بشره عن أحد مع الدين المتين والعبادة الدائمة مات في ثالث جمادى الأولى وكانت جنازته حافلة وقد جاوز السبعين انتهى وفيها شمس الدين محمد بن إبراهيم بن يعقوب شيخ الوضوء الشافعي كان يقرىء بالسبع ويشارك في الفضائل وقيل له شسخ الوضوء لأنه كان يطوف على المطاهر فيعلم العامة الوضوء قال ابن حجي قدم من صفد وسمع على السادحي أحد أصحاب الفخر وتفقه بوالدي وغيره وأذن له ابن خطيب يبرود في الافتاء وكان التاج السبكي يثني عليه ويسلك مع ذلك طريق التصوف ودخل القاهرة واجتمع بالسلطان ورتب له راتبا على المارستان المنصوري وكان حسن الفهم جيد المناظرة يعتقد ابن عربي وأقام بالقاهرة تسع سنين وتوفي في جمادى الآخرة وقد جاوز السبعين انتهى وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الرحمن المنبجي الأسمري خطيب المزة سمع الكثير من التقي سليمان ووزيرة وابن مكتوم وغيرهم وتفرد بأشياء وأكثروا عنه وهو آخر من حدث عن ابن مكتوم بالموطأ وعن وزيرة بمسند الشافعي وولي بآخرة قضاء الزبداني وتوفي في ذي القعدة عن ست وثمانين سنة وفيها بدر الدين محمد بن إسمعيل الأربلي بن الكحال قال ابن حجر عنى بالفقه والأصول وكان جيد الفهم فقيرا ذا عيال وهو مع ذلك راض قانع جاوز السبعين انتهى وفيها عز الدين أبو اليمن محمد بن عبد اللطيف بن محمود بن أحمد الربعي بن الكويك أصله من تكرين ثم سكن سلفه الأسكندرية وكانوا تجارا بها وسمع بالأسكندرية من العتبي ووجيهة بنت الصعيدي وبدر الدين بن جماعة وعلي بن قريش وأبي حيان وغيرهم وكان رئيسا مسموع الكلمة عند القضاة توفي في جمادى الأولى عن خمس وسبعين سنة سنة إحدى وتسعين وسبعمائة توفي شهاب الدين أبو الخير أحمد بن عمر بن محمد بن أبي الرضا قاضي (6/314)
315 القضاة الحموي الشافعي نزيل حلب اشتغل في الفقه وغيره وأخذ عن العلامة شرف الدين يعقوب خطيب قلعة حماة ورحل إلى الشام وقرأ على أهلها ورحل إلى القاهرة واشتغل بها وقدم حلب سنة بضع وسبعين قاضي العسكر ومفتي دار العدل فأقام بها يفتي ويفيد ثم تولى قضاء حلب فحمدت سيرته ذكره الحافظ برهان الدين الحلبي سبط ابن العجمي فقال فريد الشام ذكاءا ومعرفة ودهاءا وحفظا غير أنه كان له أناس يعادونه وما يصنعه يخرجونه في قوالب رديئة ويتكلمون فيه بأشياء ليست فيه ولكن الحسد حملهم على ذلك وكان أوحد العلماء متقنا متفننا أستاذا في القراءات وتوجيهها والتفسير والمعاني والبيان والبديع والعروض والنظم والنثر الفائق والإنشاء عالما بالفقه والأصلين ويحفظ جملة صالحة من الحديث وصناعته يكاد يحفظ شرح مسلم ومعالم السنن للخطابي وكان أستاذا في معرفة الطب والعلاج وهو رجل غريب في بابه وكان يحافظ على الجلوس في المسجد لا يكاد يخرج منه إلا لحاجته وعنده حشمة وله سياسة وكياسة يعظم العلم وأهله ولا يقدم عليهم أحدا لم أر بحلب أحدا بعده من أهلها أعلم منه ولا من غيرها إلا ما كان من شيخنا سراج الدين البلقيني إلى أن قال وله مؤلفات نفيسة منها كتاب الناسخ والمنسوخ وكتاب في فنون القرآن مجلد ضخم ونظم غريب القرآن للعزيزي على قافية الشاطبية ووزنها وكتاب مفاخرة بين السيف والقلم وكتاب ليس فيه حرف معجم وغير ذلك ودخل بين الترك فأخذ وحبس بالقلعة ثم حمل مقيدا إلى قريب من خان شيخون وقتل هناك في ذي القعدة ثم نقل إلى حماه إلى مقبرة والده وأهله وقال العيني في تاريخه قتل شر قتلة وكان ذلك أقل جزائه فإن الظاهر هو الذي جعله من أعيان الناس وولاه القضاء من غير بذل ولا سعي فجازاه بأن أفتى في حقه بما أفتى وقام في نصر أعدائه بما قام وشهر السيف وركب بنفسه والمنادي ينادي بين يديه قوموا انصروا الدولة المنصورية بأنفسكم وأموالكم فإن الظاهر من المفسدين العصاة (6/315)
الخارجين فإن سلطنته ما صادفت محلا إلى غير ذلك وكان عنده بعض شيء من 316 العلم ولكنه كان يرى نفسه في مقام عظيم وكان مولعا بثلب أعراض الكبار وكان باطنه رديئا وقلبه خبيثا قال وسمعت أنه كان يقع في حق الإمام أبي حنيفة انتهى كلام العيني ملخصا وفيها شهاب الدين أحمد بن زين الدين عمر بن الشهاب محمود بن سليمان بن فهد الحلبي الأصل الدمشقي المعروف بالقنبيط قال ابن حجر ولد سنة عشر أو نحوها وسمع من أمين الدين محمد بن أبي بكر بن النحاس وغيره ووقع في الدست فكان أكبرهم سنا وأقدمهم مات في ربيع الأول عن ثمانين سنة وزيادة ولم يحدث شيئا وهو الذي أراد صاحبنا شمس الدين بن الجزري بقوله ( باكر إلى دار عدل جلق يا * طالب خير فالخير في البكر ) ( فالدست قد طاب واستوى وغلى * بالقرع والقنبيط والجزر ) وأشار بالقنبيط إلى هذا وبالجزر إلى نفسه وبالقرع إلى أبي بكر بن محمد الآتي ذكره سنة أربع وتسعين انتهى وفيها محب الدين أحمد بن محمد المعروف بالسبتي انقطع بمصلى حولان ظاهر مصر وكان معتقدا ويشار إليه بعلم الحرف والزايرجا ومات في عشرى صفر وقد جاوز الثمانين ظنا وكان حسن السمت وفيها شهاب الدين أحمد بن موسى بن علي المعروف بابن الوكيل عنى بالفقه والعربية وقال النظم فأجاد وكان سمع بمكة من الجمال بن عبد المعطي المكي وبدمشق من الصلاح بن أبي عمر ومن شيوخه في العلم صلاح الدين العفيفي ونجم الدين بن الجابي وجمال الدين الأسيوطي وشمس الدين الكرماني وكان يتوقد ذكاءا مات بالقاهرة في صفر وفيها شهاب الدين أحمد بن ركن الدين بن يزيد بن محمد السرائي الحنفي الشهير بمولانا زاده قال ابن حجر في أنباء الغمر كان والده كثير المراعاة للعلماء والتعهد للصالحين وكان السلاطين من بلاد سراي قد فوضوا إليه النظر على أوقافهم فكانت تحمل إليه الأموال من أقطار البلاد ولا يتناول لنفسه ولا لعياله شيئا وكان يقول أنا أتجنبه ليرزقني الله ولدا صالحا ثم (6/316)
317 مات الشيخ سنة ثلاث وستين وخلف ولده هذا ابن تسع سنين وقد لاحت آثار النجابة عليه فلازم الاشتغال حتى أتقن كثيرا من العلوم وتقدم في التدريس والإفادة وهو دون العشرين ثم رحل من بلاده قلحا فما دخل بلدا إلا عظمه أهلوها لتقدمه في الفنون ولا سيما فقه الحنفية ودقائق العربية والمعاني وكانت له مع ذلك يد طولى في النظم والنثر ثم حبب إليه السلوك فبرع في طريق الصوفية وحج وجاور ورزق في الخلوات فتوحات عظيمة ثم دخل القاهرة ثم رجع إلى المدينة فجاور بها ثم رجع فأقام بخانقاه سعيد السعدا واستقر مدرسا للمحدثين بالظاهرية الجديدة أول ما فتحت بين القصرين وقرر مدرسا للصرغتمشية في الحديث أيضا ثم إن بعض الحسدة دس إليه سما فتناوله فطالت علته بسببه إلى أن مات في المحرم انتهى وفيها صدر الدين أبو المعالي عبد الخالق ويقال له أيضا محمد بن محمد بن محمد الشعيبي بالمعجمة والموحدة مصغرا الإسفراييني ولد سنة أربع وثلاثين وكان عارفا بالفقه وحدث بكتاب المناسك تصنيف أبيه عنه وشرح منه قطعة وجمع هو كتابا في المناسك أيضا كثير الفائدة وكان مشهورا ببغداد مات بفند منصرفا من الحج في المحرم وفيها القاضي جمال الدين عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن سليمان الأسكندراني المالكي المعروف بابن خير سمع من ابن الصفي والوادي آشي وغيرهما وكان عافا بالفقه دينا خيرا ولي الحكم فحمدت سيرته قال ابن حجر قرأت عليه شيئا مات في سابع عشر رمضان واستقر بعده تاج الدين بهرام الدميري في قضاء المالكية بعناية الخليفة المتوكل انتهى وفيها نجم الدين عبد الرحيم بن عبد الكريم بن عبد الرحيم بن رزين الحموي الأصل القاهرة قال ابن حجر سمع الصحيح من وزيرة والحجار وسمع من غيرهما وحدث سمعت عليه بمصر مات في جمادى الأولى وله إحدى وتسعون سنة انتهى (6/317)
318 وفيها تقي الدين عبد الوهاب بن سبع البعلبكي عنى بالعلم وحصل ودرس وألف مختصرا في الأحكام وولي قضاء بعلبك فلم يحمد في القضاء مات بدمشق وفيها فخر الدين علي بن أحمد بن محمد بن التقي سليمان بن حمزة المقدسي ثم الصالحي الحنبلي ولد سنة أربعين وسمع الكثير ولازم ابن مفلح وتفقه عنده وخطب بالجامع المظفري وكان أديبا ناظما ناثرا منشئا له خطب حسان ونظم كثير وتعاليق في فنون وكان لطيف الشمائل توفي في جمادى الآخرة وفيها علي بن الجمال محمد بن عيسى اليافعي كان عارفا بالنحو في بلاد اليمن مات بعدن في صفر قاله السيوطي في طبقات النحاة وفيها شرف الدين الأشقر عثمان بن سليمان بن رسول بن يوسف بن خليل بن نوح الكرادي الحنفي أصله من تركمان البلاد الشمالية واشتغل في بلاده ثم قدم القاهرة في دولة الأشرف فصحب الملك الظاهر قبل أن يتأمر وكانت له به معرفة من بلاده فلما كبر قرره إماما عنده تقدم في دولته وولاه قضاء العسكر ومشيخة الخانقاه البيرسية وكان حسن الهيئة مشاركا في الفضائل جيد المحاضرة مات في رابع عشرى ربيع الآخر عن نحو خمسين سنة وفيها محب الدين محمد بن بدر الدين بن عبد الله بن محمد بن فرحون اليعمري المغربي ثم المدني المالكي كانت له عناية بالعلم وولي قضاء بلده ولم يجاوز الخمسين وفيها تقي الدين محمد بن عبد القادر بن علي بن سبع البعلي قال ابن حجر اشتغل ودرس مكان عمه أحمد في الأمينية وغيرها وأفتى ودرس وولي قضاء بعلبك وطرابلس ولم يكن مرضيا في سيرته وجمع كتابا في الفقه مع قصور فهمه وكان يكتب خطا حسنا ويقرأ في المحراب قراءة جيدة ويخطب بجامع رأس العين مات في المحرم انتهى وفيها بدر الدين أبو اليمن محمد بن سراج الدين عمر بن رسلان بن نصير الكناني المصري البلقيني الشافعي سبط بهاء الدين بن عقيل قال ابن قاضي شهبة في طبقاته ولد في صفر سنة ست وقيل سنة سبع وخمسين وقدم دمشق مع والده سنة تسع وستين وهو مراهق وقد حفظ عدة (6/318)
كتب فعرضها 319 على مشايخ الشام إذ ذاك وأجاز له من أصحاب البخاري وابن القواس وغيرهم وأخذ عن والده وعن غيره من علماء عصره منهم جده الشيخ بهاء الدين وجمال الدين الأسنوي وتقدم وتميز وفاق أقرانه باجتهاده وجودة ذهنه ودرس واشتغل وأفتى ونزل له والده عن قضاء العسكر في شعبان سنة تسع وسبعين وكان حسن الذات مليح الصفات وكان يكثر البحث مع والده ويعارضه وكان والده يسر بذلك كثيرا وقد ذكر له الأديب زين الدين طاهر بن حبيب ترجمة حسنة وقال كان كلفا بالجود لا متكلفا مطبوعا على مكارم الأخلاق لا متطبعا وأخذ الفقه عن والده شيخ الإسلام وبرع فيه إلى أن روت عنه أفواه المحابر وألسنة الأقلام وشارك أهل العلوم فكان لهم منه أوفى نصيب وحامل أرباب الفنون فظهر لهم بكل معنى غريب ثم دون العلم الشريف وكرس وباشر الوظائف الجلية وأفتى ودرس وتولى قضاء العسكر بالديار المصرية واستمر إلى أن تطاولت إليه يد القضاء القسرية فتوفي في شعبان بالقاهرة ودفن بمدرسة والده التي أنشأها بقرب جامع الحاكم وتألم والده عليه كثيرا وتوفي عن نيف وثلاثين سنة وفيها شمس الدين محمد بن محمود بن عبد الله النيسابوري ابن أخي جار الله الحنفي قدم القاهرة ولازم عمه وغيره في الاشتغال وولي إفتاء دار العدل ومشيخة سعيد السعداء وكان بشوشا حسن الأخلاق عالما بكثير من المعاني والبيان والتصوف ومات في ربيع الآخر ولم يكمل الخمسين وفيها سعد الدين مسعود بن عمر بن عبد الله هكذا أثبته السيوطي في طبقات النحاة بلفظ مسعود وهو المشهور والذي أثبته ابن حجر في كتابيه الدرر الكامنة وأنباء الغمر بلفظ محمود بن عمر بن عبد الله التفتازاني الإمام العلامة عالم النحو والتصريف والمعاني والبيان والأصلين والمنطق وغيرهما قال ابن حجر ولد سنة اثنتي عشرة وسبعمائة بتفتازان بفتح الفوقيتين والزاي وسكون الفاء وبالنون قرية بنواحي (6/319)
320 نسا وأخذ عن القطب والعضد وتقدم في الفنون واشتهر ذكره وطار صيته وانتفع الناس بتصانيفه وكان في لسانه لكنة وانتهت إليه معرفة العلم بالمشرق انتهى ملخصا وقال غيره فرغ من تأليف شرح الزنجاني حين بلغ ست عشرة سنة ومن شرح تلخيص المفتاح في صفر سنة ثمان وأربعين بهراة ومن اختصاره سنة ست وخمسين ومن شرح الرسالة الشمسية في جمادى الآخرة سنة سبع وخمسين بمزارجام ومن شرح التلويح في ذي القعدة سنة ثمان وخسين بكلستان تركستان ومن شرح العقائد في شعبان سنة ثمان وستين ومن حاشية شرح مختصر الأصول في ذي الحجة سنة سبعين ومن رسالة الإرشاد سنة أربع وسبعين كلها بخوارزم ومن مقاصد الكلام وشرحه في ذي القعدة سنة أربع وثمانين بسمرقند ومن تهذيب الكلام في رجب ومن شرح القسم الثالث من المفتاح في شوال كلها في سنة تسع وثمانين بظاهر سمرقند وشرع في تأليف فتاوى الحنفية يوم التاسع من ذي القعدة سنة تسع وستين ومن تأليفه مفتاح الفقه سنة اثنتين وسبعين ومن شرح تلخيص الجامع سنة ست وثمانين كلها بسرخس ومن شرح الكشفا في الثاني من ربيع الآخر سنة تسع وثمانين بظاهر سمرقند ومن شعره ( إذا خاض في بحر التفكر خاطري * على درة من معضلات المطالب ) ( حقرت ملوك الأرض في نيل ما حووا * ونلت المنى بالكتب لا بالكتائب ) ومنه أيضا ( فرق فرق الدرس وحصل مالا * فالعمر مضى ولم ننل آمالا ) ( لا ينفعك القياس والعكس ولا * افعنلل يفعنلل افعنلالا ) ومنه ( طويت بأحراز العلوم وكسبها * رداء شبابي والجنون فنون ) ( فلما تحصلت العلوم ونلتها * تبين لي أن الفنون جنون ) (6/320)
321 وحكى بعض الأفاضل أن الشيخ سعد الدين كان في ابتداء طلبه بعيد الفهم جدا ولم يكن في جماعة العضد أبلد منه ومع ذلك فكان كثير الاجتهاد ولم يؤيسه جمود فهمه من الطلب وكان العضد يضرب به المثل بين جماعته في البلادة فاتفق أن أتاه إلى خلوته رجل لا يعرفه فقال له قم يا سعد الدين لنذهب إلى السير فقال ما للسير خلقت أنا لا أفهم شيئا مع المطالعة فكيف إذا ذهبت إلى السير ولم أطالع فذهب وعاد وقال له قم بنا إلى السير فأجابه بالجواب الأول ولم يذهب معه فذهب الرجل وعاد وقال له مثل ما قال أولا فقال ما رأيت أبلد منك ألم أقل لك ما للسير خلقت فقال له رسول الله يدعوك فقام منزعجا ولم ينتعل بل خرج حافيا حتى وصل به إلى مكان خارج البلد به شجيرات فرأى النبي في نفر من أصحابه تحت تلك الشجيرات فتبسم له وقال له نرسل إليك المرة بعد المرة ولم تأت فقال يا رسول الله ما علمت أنك المرسل وأنت أعلم بما اعتذرت به من سوء فهمي وقلة حفظي وأشكو إليك ذلك فقال له رسول الله افتح فمك وتفل له فيه ودعا له ثم أمره بالعود إلى منزله وبشره بالفتح فعاد وقد تضلع علما ونورا فلما كان من الغد أتى إلى مجلس العصد وجلس مكانه فأورد في أثناء جلوسه أشياء ظن رفقته من الطلبة أنها لا معنى لها لما يعهدون منه فلما سمعها العضد بكى وقال أمرك يا سعد الدين إلى فإنك اليوم غيرك فيما مضى ثم قام من مجلسه وأجلسه فيه وفخم أمره من يومئذ انتهى وتوفي رحمه الله بسمرقند وكان سبب موته ما ذكره في شقائق النعمان في ترجمة ابن الجزري أن تيمورلنك جمع بينه وبين السيد الشريف فأمر التيمور بتقديم السيد على السعد وقال لو فرضنا أنكما سيان في الفضل فله شرف النسب فاغتم لذلك العلامة التفتازاني وحزن حزنا شديدا فما لبث حتى مات رحمه الله تعالى وقد وقع ذلك بعد مباحثتهما عنده وكان الحكم بينهما نعمان الدين الخوارزمي المعتزلي فرجح كلام السيد الشريف على كلام (6/321)
322 العلامة التفتازاني انتهى وفيها منهاج الدين الرومي الحنفي كان أعجوبة في قلة العلم والتلبيس على الترك في ذلك قدم القاهرة فولي تدريس الحنفية بمدرسة أم الأشرف قاله ابن حجر وقال قال شيخنا ناصر الدين بن الفرات حضرت درسه مرارا فكان لا ينطق في شيء من العلم بكلمة بل إذا قرأ القارىء شيئا استحسنه وربما تكلم بكلام لا يفهم منه شيء مات في رابع عشرى ربيع الأول سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة في صفرها أخرج برقوق الملك الظاهر من السجن وعاد إلى ملكه فاستمر إلى أن مات سنة إحدى وثمانمائة في شوالها كما سيأتي إن شاء الله تعالى وفيها توفي القاضي شهاب الدين أحمد بن ظهيرة بن أحمد بن عطية بن ظهيرة بن محمد بن علي بن عليان بن هاشم بن مرزوق المخزومي المكي الشافعي القرشي قال ابن أخيه القاضي جمال الدين في معجم شيوخه الذي سماه ارشاد الطالبين إلى شيوخ ابن ظهيرة جمال الدين ما لفظه أبو العباس شهاب الدين أحمد بن ظهير الدين ظهيرة عمى الإمام الفقيه المفتي ولد بمكة في شهور سنة ثماني عشرة وسبعمائة وسمع بها من القاضي نجم الدين محمد بن الجمال بن المحب الطبري وأخيه الزين محمد وأحمد بن الرضى الطبري والأمين الأقشهري والجمال محمد بن أحمد بن خلف المطري وعيسى بن عبد العزيز الحجي سمع منه صحيح البخاري في آخرين وتفقه على جماعة منهم العلامة نجم الدين الأصفوني وبه تخرج وأخذ الحساب والفرائض وأخذ الأصول عن العلامة جمال الدين عبد الرحيم الأسنوي وقرأ بالروايات على أبي إسحق إبراهيم بن مسعود المروزي وغيره وأذن له الحافظ فانتفع به جماعة وناب في الحكم عن القاضيين تقي الدين وكمال الدين ثم ولي قضاء مكة وخطابتها بعد موت شيخنا القاضي أبي الفضل ثم عزل عن ذلك سنة ثمان وثمانين فلازم شغل الطلبة بالحرم الشريف إلى أن توفي ليلة السبت ثالث (6/322)
323 عشرى ربيع الأول وصلى عليه من الغد بالمسجد الحرام ودفن بالمعلاة وفيها شهاب الدين أحمد بن موسى بن علي بن الحداد الزبيدي الحنفي كان عارفا بالفرائض فاضلا مات بزبيد في ذي الحجة قاله ابن حجر وفيها شرف الدين إسمعيل بن حاجي الفروي بفتح الفاء وسكون الراء نسبة إلى فروة جد الفقيه الشافعي كان أحد علماء بغداد ثم قدم دمشق في حدود السبعين فأفاد بها في الجامع وغيره ودرس بالعيينية وغيرها وكان دينا خيرا تصدق بما يملكه في مرض موته ومات في صفر وفيها سرحان بن عبد الله الفقيه المالكي قال ابن حجر كان عرافا بمذهبه مات في ذي الحجة بالقاهرة وكان أكولا مشهورا بذلك وفيها عبد المؤمن بن أحمد بن عثمان المارداني ثم الدمشقي الشافعي قدم دمشق فاشتغل ومهر واستنابه التاج السبكي في إمامة الجامع والخطابة واستمر ينوب في ذلك إلى أن مات وكان دينا خيرا ملازما للجامع يشغل الطبلة مات في ربيع الآخر وفيها علاء الدين علي بن خلف بن خليل بن عطاء الله الشافعي الغزي قاضي غزة مولده سنة اثنتي عشرة وسبعمائة وهو أخو القاضي شمس الدين الغزي وأسن منه قال الحافظ ابن حجي كان له قديم اشتغال بدمشق وسمع من ابن الشحنة وجماعة أجاز لي ولم أسمع منه انتهى وقال ابن قاضي شهبة بلغني أن أخاه والشيخ عماد الدين الحسباني قرأ عليه في أول أمرهما وأنه جتمع بالشيخ سراج الدين البلقيني فسأله عن شيء يمتحنه به فقال تمتحني وأنا لي تلميذان أفتخر بهما على الناس الحسباني وأخي وولي قضاء غزة مدة ثم عزل بسبب سوء سيرة أولاده وأقام مدة بقرن الحارة منقطعا إلى العبادة ورأيت آخرا بخطه مختصر تاريخ الإسلام للذهبي وبلغني انه اختصر التاريخ جميعه توفي في ربيع الآخر أو جمادى الأولى بغزة انتهى وفيها زين الدين أبو حفص عمر بن مسلم بن سعيد بن عمر ابن بدر بن مسلم الكتاني بتشديد الفوقية وبالنون القرشي الملحي الدمشقي الإمام الفقيه الشافعي المحدث المفسر الواعظ قال ابن قاضي (6/323)
شهبة ولد في شعبان سنة أربع 324 وعشرين وسبعمائة وورد دمشق بعد الأربعين واشتغل في الفقه على خطيب جامع جراح شرف الدين قاسم وأخذ عن الشيخ علاء الدين بن حجي وأخذ الأصول عن البهاء الأخميمي واشتغل في الحديث وشرع في عمل المواعيد وكان يعمل مواعيد نافعة تفيد الخاصة والعامة وانتفع به خلق كثير من العوام وصار لديهم فضيلة وأفتى وتصدر للإفادة ودرس بالمسرورية ثم بالناصرية ووقع بينه وبين ابن جماعة بسببها وحصل له محنة ثم عوض عنها بالأتابكية ثم أخذت عنه فلما ولي ولده قضاء دمشق في سنة إحدى وتسعين ترك له الخطابة وتدريس الناصرية والأتابكية ثم فوض إليه دار الحديث الأشرفية فلما عادت دولة الظاهر أخذ واعتقل مع ابنه بالقلعة وجرت لهما محن وطلب منهما أموال فرهن الشيخ كثيرا من كتبه على المبلغ الذي طلب منهما قال الحافظ ابن حجي برع في علم التفسير وأما علم الحديث فكان حافظا للمتون عارفا بالرجال وكان سمع الكثير من شيوخنا وله مشاركة في العربية انتهى وكان مشهورا بقوة الحفظ ودوامه إذا حفظ شيئا لا ينساه شجاعا مقداما كثير المساعدة لطلبة العلم يقول الحق على من كان من غير مداراة في الحق ولا محاباة وملك من نفائس الكتب شيئا كثيرا وكان كثير العمل والاشتغال لا يمل ولم يزل حاله على أحسن نظام إلى أن قدر الله عليه ما قدر فتوفي معتقلا بقلعة دمشق في ذي الحجة ودفن بالقبيبات وحضر جنازته من لا يحصي كثرة وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن علي المصري المعروف بالرفا قال ابن حجر عني بالعلم قليلا وسمع الحديث فأكثر وسمع العالي والنازل وجاور كثيرا فكان يلقب حمامة الحرم وكان يسكن الناصرية بين القصرين صحبته قليلا ومات في جمادى الأولى وفيها فخر الدين محمد بن مجد الدين أحمد بن عمر بن عبد الكريم بن محبوب سبط شرف الدين بن الحافظ سمع من يحيى بن سعيد وابن الشحنة والتقى بن تيمية وغيرهم وكان مكثرا من الحديث وقد تفقه على جده وأذن له في الافتاء (6/324)
وكان فاضلا ذكيا يتعانى كل شيء يراه حتى الخياطة والنجارة والبناء والموسيقا مع حسن الشكالة 325 ولطف المعاشرة ورقة النظم مات في ربيع الأول عن ثمان وثمانين سنة وفيها محمد بن إسماعيل الأفلاقي نسبة إلى أفلاق قرية بالقرب من دمنهور المالكي كان فاضلا ينظم الشعر نظما وسطا توفي في سادس جمادى الأولى وفيها جمال الدين محمد بن عبد الله بن عبد الله بن أبي بكر الحثيثي بمهمة ومثلثتين مصغر الصردفي الريمي بفتح الراء بعدها تحتانية ساكنة نسبة إلى ريمة ناحية باليمن الشافعي اشتغل بالعلم وتقدم في الفقه فكانت إليه الرحلة في زمانه وصنف التصانيف النافعة منها شرح التنبيه في أربعة وعشرين سفرا أثابه الملك الأشرف على أهدائه إليه أربع وعشرين ألف دينار ببلادهم يكون قدرها ببلادنا أربعة آلاف دينار وله المعاني الشريفة وبغية الناسك في المناسك وخلاصة الخواطر وغير ذلك ولي قضاء الأقضية بزبيد دهرا قال ابن حجر قال لي الجمال المصري كان الريمي كثير الازدراء بالنووي فرأيت لسانه في مرض موته قد انزلع واسود فجاءت هرة فخطفته فكان ذلك آية للناظرين انتهى توفي في أوائل المحرم وقيل في أول صفر بزبيد قاضيا بها وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن سليمان الصرخدي الشافعي الإمام العلامة المصنف الجامع بين أشتات العلوم أخذ العلوم عن مشايخها وممن أخذ عنه شمس الدين بن قاضي شهبة والعماد الحسباني وكان أجمع أهل البلد لفنون العلم أفنى ودرس وأشغل وصنف غير أن لسانه كان قاصرا وقلمه أحن من لسانه وكان حظه من الدنيا قليلا لم يحصل له شيء من المناصب وإنما درس بالتقوية والكلاسة نيابة وله تصدر بالجامع وكان ينصر مذهب الأشعري كثيرا ويعادي الحنابلة وصنف شرح المختصر ثلاثة أجزاء واختصر أعراب السفاقسي واعترض عليهما في مواضع واختصر قواعد العلائي والتمهيد للأسنوي واعترض عليهما في مواضع واختصر المهمات وله غير ذلك وكتب الكثير بخطه واحترق غالب مصنفاته في (6/325)
الفتنة قبل تبييضها وكان فقيرا ذا عيال توفي في ذي القعدة ودفن بباب الصغير بالقرب من معاوية رضي الله عنه 326 وفيها صدر الدين محمد بن علاء الدين علي بن محمد بن محمد بن أبي العز الحنفي الصالحي اشتغل قديما ومهر ودرس وأفتى وخطب بحسبان مدة ثم ولي قضاء دمشق في المحرم سنة تسع وسبعين ثم ولي قضاء مصر بعد ابن عمه فأقام شهرا ثم استعفى ورجع إلى دمشق على وظائفه ثم بدت منه هفوة فاعتقل بسببها وأقام مدة مقترا خاملا إلى أن جاء الناصري فرفع إليه أمره فأمر برد وظائفه فلم تطل مدته بعد ذلك وتوفي في ذي القعدة وفيها شمس الدين محمد بن شرف الدين محمد بن أحمد بن إبراهيم بن فلاح الأسكندراني ثم الدمشقي سمع الحجار وحدث وكان ينسب إلى غفرة قاله ابن حجر وفيها صلاح الدين محمد بن محمد بن عمر الأنصاري البلقيني نزيل مصر سمع صحيح مسلم على الشريف الموسوي موسى بن علي بن أبي طالب والعز محمد بن عبد الحميد وتفرد عنهما بالسماع وقد تأخر بعده رفيقه محمد بن يس لكنه كان حاضرا توفي في رمضان عن سبع وثمانين سنة وفيها الحافظ شمس الدين أبو العباس محمد بن موسى بن محمد بن سند بن تميم الإمام العالم الحافظ اللخمي المصري الأصل الدمشقي الشافعي المعروف بابن سند ولد في ربيع الآخر سنة تسع وعشرين وسبعمائة وطلب الحديث في حدود الخمسين وسمع من جماعة بدمشق ومصر وقرأ الفقه على شرف الدين بن قاسم خطيب جامع جراح وقرأ الأصول بالديار المصرية على الجمال الأسنوي وأخذ العربية عن التاج المراكشي وأذن له في إقرائها وأخذ في القدس عن الحافظ صلاح الدين العلائي وأجازه بالفتوى والتدريس وصحب القاضي تاج الدين ولازمه وناب في الحكم عن القاضي سري الدين المالكي ثم عن القاضي ولي الدين ذكره الذهبي في المعجم المختص وهو آخر من ذكرهم فيه وفاة وقال الحافظ شهاب الدين بن حجي كان من أحسن الناس قرائه للحديث كان يرجح على كل أحد لحسن قرائته وفصاحته وخرج لنفسه أربعين متباينة (6/326)
المتن والإسناد وخرج لغيره وتعين في الفن سمعنا بقراءته كثيرا وله محفوظات في الفقه والأصول والعربية وأجازه بالفتيا ابن كثير والقاضي تاج الدين وقال في أنباء الغمر ناب عن بعض 327 القضاة الشافعية كالتاج السبكي وكان شديد اللزوم له وقارئا لتصانيفه وناب عنه في مشيخة دار الحديث والأشرفية وغيرهما ثم تحول مالكيا فناب عن بعض المالكية ثم رجع فناب عن أبي البقاء ومات شافعيا عاشر صفر بدمشق ودفن بمقبرة الصوفية وهو القائل ( الحافظ الفرد أن أحببت رؤيته * فانظر إلى تجدني ذاك منفردا ) ( كفى لهذا دليل أنني رجل * لولاي أضحى الورى لم يعرفوا سندا ) وقرأت بخط البرهان المحدث أنه اختلط قبل موته بسنة بسبب مرض طال به اختلاطا فاحشا وقرأت بخط ابن حجي أنه تغير في آخره تغيرا شديدا ونسي بعض القرآن فكان يقال أن ذلك لكثرة وقيعته في الناس انتهى ملخصا وفيها شرف الدين يعقوب بن عيسى الأقصراي ثم الدمشقي ولد سنة عشرين وسمع من الحجار والمزي وغيرهما وحدث وخطب ودرس وناب في الحكم وكان رجلا خيرا مات في ذي الحجة سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة فيها توفي أحمد بن زيد التميمي الفقيه الشافعي أحد المعلمين في بلاد المحلا سخط عليه الإمام صلاح الدين بن علي في قضية جرت له فأم ربقتله فحمل المصحف مستجيرا به على رأسه فلم يغن ذلك عنه وقتل في تلك الحالة ثم أصيب الإمام بعد قليل فقيل كان ذلك سببه وفيها ولي الدين أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن خير المالكي قاضي القضاة قرر في بعض وظائفه ابنه بعد موته منها درس الحديث الشيخونية ومات شابا في جمادى الآخرة وفيها أحمد بن قطلو بغا العلائي الحلبي سمع من إبراهيم بن صالح بن العجمي شيئا من عشرة الحداد وحدث مات في شعبان وقد جاوز السبعين وفيها جلال بن أحمد بن يوسف ابن طوع رسلان الثيري بكسر المثلثة وسكون التحتانية بعدها راء الشيخ (6/327)
328 العلامة جلال الدين التباني الحنفي وقيل اسمه رسول قدم القاهرة في آخر دولة الناصر فأقام بمسجد بالتبانة فغلب عليه نسبته إليها وكان يذكر أنه سمع صحيح البخاري على علاء الدين التركماني وتلمذ للشيخين جمال الدين بن هشام وبهاء الدين بن عقيل فبرع في العربية وصنف فيها وتفقه على القوام الأتقاني والقوام الكاسي وانتصب للإفادة مدة وشرح المنار ونظم في الفقه منظومة وشرحها في أربع مجلدات وعلق على البزدوي واختصر شرح البخاري لمغلطاي وعلق على المشارق والتلخيص وصنف في منع تجدد الجمعة وفي أن الإيمان يزيد وينقص وانتهت إليه رياسة الحنفية وعرض عليه القضاء مرارا فامتنع وأصر على الامتناع ومات بالقاهرة في ثالث عشر رجب وفيها صلاح بن علي بن محمد بن علي العلوي الزيدي الإمام ولي الإمامة بصعدة وحارب صاحب اليمن مرارا وكان يتغلب على المملكة كلها فإنه ملك لحج وأبين وحاصر عدن وهدم أكثر سورها وحاصر زبيد فكاد أن يملكها ورحل عنها ثم هاداه الأشرف وصار يهاديه وكان مهابا فاضلا عالما عادلا سقط عن بغلته بسبب نفورها من طائر طار فتعلل حتى مات بعد ثلاثة أشهر في ذي القعدة قاله ابن حجر وفيها عائشة بنت السيف أبي بكر بن عيسى بن منصور بن قوالج الدمشقية بنت عم بدر الدين بن قوالح روت عن القاسم بن مظفر والحجار وغيرهما وحدثت وماتت في شوال وفيها عبد الله بن محمد بن محمد بن محمد بن بهرام السروجي حفيد القاضي شمس الدين محمد بن بهرام قال في أنباء الغمر ولد سنة اثنتي عشرة وسبعمائة وتفقه واشتغل وتعانى الشروط وصنف فيه وولي قضاء عين تاب وكان حسن الخط قدوة في فنه وفيها شرف الدين أبو حاتم عبد القادر بن شمس الدين أبي عبد الله محمد الآتي ذكره ابن عبد القادر الجعفري النابلسي الحنبلي قاضي القضاة العلامة كان (6/328)
329 من أهل العلم وبيته ورياسته تولى قضاء دمشق في حياة والده ولما دخل متوليا إليها في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة سلم له الموافق والمخالف في كثرة علومه وكان في مبدأ أمره يقف الصفان له في صغره يتأملون حسنه وحسن شكله توفي مسموما بدمشق في شهر رمضان ومات سائر من أكل معه وهو والد القاضي بدر الدين قاضي نابلس الآتي ذكره أيضا إن شاء الله تعالى ولما بلغ والده موته انزعج لذلك كثيرا واختلط عقله وما زال مختلطا إلى أن مات وفيها صدر الدين عمر بن عبد المحسن بن عبد اللطيف بن رزين سمع الدبوسي والقطب الحلبي وغيرهما وأجاز له الحجار وابن الزراد وطائفة وحدث وناب في الحكم بصلابة ومهابة ودرس بأماكن وكانت بيده تدريس الحديث بالظاهرية البيبرسية وبالفاضلية واستقر فيهما بعده العزافي وتوفي في المحرم وفيها فاطمة بنت عمر بن يحيى المدنية وتعرف ببنت الأعمى أجاز لها الدشتي والقاضي والمطعم وحدثت بمصر مدة وماتت في آخر السنة وفيها فتح الدين أبو بكر محمد بن إبراهيم بن محمد القاضي العالم المتفنن الأدي بالكاتب الفقيه الشافعي النابلسي الأصل ثم الدمشقي المعروف بابن الشهيد كان كاتب السر بدمشق ولد سنة ثمان وعشرين واشتغل في العلوم وتفنن وفاق أقرانه في النظم والنثر والكتابة وولي كتابة السر ومشيخة الشيوخ في ذي القعدة سنة أربع وستين فباشر مدة ثلاث سنين ونصف ثم عزل ثم أعيد إلى الوظيفتين بعد أشهر واستمر أكثر من سبع سنين ثم عزل من كتابة السر وأعيد غير مرة ومدة ولايته خمس عشرة سنة وأشهر ودرس بالناصرية الجوانية والظاهرية الجوانية وولاه منطاش الخطابة وكان يخطب خطبا فصيحة بليغة لكن لم يكن عليها قيول وكان بينه وبين الأمير سيف الدين نائب الشام عداوة شديدة عندما يلي نيابة الشام يعزل المذكور ويصادر ويؤذي وتارة يختفي وفي بعض النوب في اختفائه منه نظم السيرة النبوية من عدة كتب ثلاث مجلدات في خمس وعشرين ألف بيت وسماه (6/329)
الفتح القريب في 330 سيرة الحبيب وضم إلى ذلك فوائد الروض مع زيادات وإشكالات تدل على طول باعه في العلم وحدث بها بدمشق وممن سمع ذلك الحافظ شهاب الدين بن حجي وحدث بها بالقاهرة أيضا وشرح مجلدة منها في اثنتي عشرة مجلدة وهو الثلث من المنظومة وكان الشيخ سراج الدين البلقيني يثني على فضائله توفي قتيلا بظاهر القاهرة لقيامه على الظاهر في شعبان قال ابن حجر لما آل الأمر إلى برقوق حقد عليه فأمر بالقبض عليه أي من الشام فحمل إلى القاهرة مقيدا وأودع السجن مع أهل الجرائم ثم أمر به فأخرج إلى ظاهر القاهرة فضربت عنقه بالقرب من القلعة وذلك قبل رمضان بيوم ودفن إلى جانب أخيه شمس الدين محمد بن إبراهيم لأنه كان مقيما بالقاهرة ومات قبل قتل أخيه في هذه السنة وإلى جانب أخيه الآخر نجم الدين محمود بن إبراهيم أخو اللذين قبله تنقل في البلاد وولي كتابة السر بتنيس عشرين سنة ثم قدم القاهرة فمات بها بعد أخويه في ذي القعدة واتفق أن دفن الثلاثة في قبر واحد بعد الشتات الطويل وفيها تقي الدين محمد بن عبد الرحمن الدمشقي ابن الظاهري سمع من الحجار ومحمد بن محمد بن عرب شاه وتفقه وتوفي في صفر وفيها تقي الدين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حاتم المصري بن إمام جامع ابن الرفعة قال ابن حجر ولد سنة سبع عشرة وسمع على الحجار والواني والدبوسي وغيرهم وكان عالما بالفقه درس بالشريفية ودرس للمحدثين بقبة بيبرس وحدث وأفاد ومات في ذي القعدة وفيها فتح الدين أبو الفتح محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد العسقلاني المقرىء إمام جامع طولون ولد سنة أربع وسبعمائة وتلا بالسبع على التقي الصائغ وسمع عليه الشاطبية فكان خاتمة أصحابه بالسماع وأقرأ الناس بآخره فتكاثروا عليه مات في المحرم وفيها أبو الوليد محمد بن أحمد بن أبي الوليد محمد بن أبي محمد القرطبي ثم الغرناطي نزيل دمشق أم بالجامع وكان فاضلا توفي في ذي الحجة وفيها بدر الدين محمد بن أحمد بن محمد بن (6/330)
مزهر الشافعي الدمشقي كاتب السر 331 وليها مرتين قدر عشر سنوات وكان قد تفقه على ابن قاضي شهبة وهو الذي قام معه في تدريس الشامية البرانية ونشأ على طريقة مثلى وباشر بعفة ونزاهة وفيها أبو الحسن محمد بن أحمد بن موسى بن عيسى البطرقي الأنصاري سمع من والده كثيرا وأجاز له أبو جعفر بن الزين وقاضي فاس أبو بكر محمد بن محمد بن عيسى بن منتصر وتفرد بذلك وكان آخر المسندين ببلاد أفريفية وكان زاهدا مقبلا على القراءات والخير مات بتونس في ذي القعدة عن تسعين سنة وأشهر وفيها محمد بن إسمعيل بن سراج الكفربطناوي حدث بالصحيح عن الحجار بمصر وغيرها وكان من فقهاء المدارس بدمشق وأذن له ابن النقيب وتوفي في إحدى الجمادين ببيسان راجعا من القاهرة وفيها شمس الدين محمد بن علي بن أحمد بن محمد اليونيني البعلي الحنبلي المعروف بابن اليونانية ولد سنة سبع وسبعمائة وسمع من الحجار وتفقه فصار شيخ الحنابلة على الإطلاق وسمع الكثير وتميز وولي قضاء بعلبك سنة تسع وثمانين عوضا عن ابن النجيب وسمع عليه ببعلبك القاضي تقي الدين بن الصدر قاضي طرابلس ولخص تفسير ابن كثير في أربع مجلدات وانتفع به وتوفي في شوال وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف الركراكي المالكي قال ابن حجر كان عالما بالأصول والمعقول وينسب لسوء الاعتقاد وسجن بسبب ذلك ونفي إلى الشام ثم تقدم عند الظاهر وولاه القضاء وسافر معه في هذه السنة فمات بحمص في رابع شوال ورثاه حجاج بن عيسى بقوله ( لهفي على قاضي القضاة محمد * ألف العلوم الفارس الركراكي ) ( قد كان رأسا في القضا فلاجل ذا * أسفت عليه عصابة الأتراك ) ولما سمع شيخنا سراج الدين بموته قال لله در عقارب حمص وكانت هذه تعد في نوادر شيخنا إلى أن وجد في ربيع الأبرار أن أرض حمص لا يعيش فيها عقرب وإن أدخل فيها عقرب غريب ماتت من ساعتها (6/331)
332 وفيها مراد بن أورخان ثالث ملوك بني عثمان ولي السلطنة بعد موت أبيه سنة إحدى وستين وسبعمائة وكان شديد البطش والفتك في الكفار وافتتح كثيرا من البلاد منها أدرنة ولما ضاق الكفار به ذرعا أظهر واحد من ملوكهم الطاعة له وقدم ليقبل يده فضرب السلطان بخنجر كان بيده فاستشهد رحمه الله تعالى وفيها شرف الدين موسى بن عمر بن منصور اللوبياني الشامي ولد بعد سنة عشرين وسمع من الحجار وكان فقيها نبيها أذن له ابن النقيب في الإفتاء وكان يدرس ويفتي ويرتزق من الشهادة توفي في ربيع الأول سنة أربع وتسعين وسبعمائة في شعبانها كان الحريق العظيم بدمشق فاحترقت المأذنة الشرقية وسقطت واحترقت الصاغة والدهشة وتلف من الأموال ما لا يحصى وعمل في ذلك تقي الدين ابن حجة الحموي مقامة في نحو عشر أوراق من رائق النثر وفائق النظم وهي أعجوبة في فنها قاله ابن حجر وفيها ثار الغلاء المفرط بدمشق وفيها رجع تمرلنك إلى بلاد العراق في جمع عظيم فملك أصبهان وكرمان وشيراز وفعل بها الأفاعيل المنكرة ثم قصد شيراز فتهيأ منصو رشاه لحربه فبلغ تمرلنك اختلاف من في سمرقند فرجع إليها فلم يأمن منصور من ذلك بل استمر على حذره ثم تحقق رجوع تمرلنك فأمن فبغته تمرلنك فجمع أمواله وتوجه إلى هرزم ثم انثنى عزمه وعزم على لقاء تمرلنك فالتقى بعسكره وصبروا صبر الأحرار لكن الكثرة غلبت الشجاعة فقتل منصور في المعركة ثم استدعى ملوك البلاد فأتوه طائعين فجمعهم في دعوة وقلتهم أجمعين وفيها توفي ناصر الدين إبراهيم ابن أبي بكر بن عمر بن أبي بكر بن إسمعيل بن عمر بن مختار الصالحي المعروف بابن السلار ولد سنة أربع وسبعمائة وسمع من عبد الله بن أحمد بن تمام وابن الزراد وست الفقهاء بنت الواسطي وهو آخر من روى عن الدمياطي بالإجازة وكان له (6/332)
333 نظم ونباهة ونوادر ومجاميع مشتملة على غرائب مستحسنة توفي في شعبان عن تسعين سنة وكان موت والده سنة ست عشرة وسبعمائة وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن علي الدنيسري بن العطار القاهري الشافعي ولد سنة ست وأربعين وقرأ القرآن واشتغل بالفقه ثم تولع بالأدب ونظم فأكثر وأجاد المقاطيع في الوقائع ومدائح الأكابر بالقصائد ونظم بديعية ولم يكن ماهرا في العربية فيوجد في شعره اللحن وقد تهاجى هو وعيسى بن حجاج وله نزهة الناظر في المثل السائر وكان حاد البادرة وله ديوان قصائد نبوية نظمها بمكة سماها فتوح مكة وديوان مدائح في ابن جماعة سماه قطع المناظر بالبرهان الحاضر والدر الثمين في التضمين وهو القائل ( أتى بعد الصبا شيبي وظهري * رمى بعد اعتدال باعوجاج ) ( كفى إن كان لي بصر حديد * وقد صارت عيوني من زجاج ) توفي في ربيع الآخر وفيها عبد الله بن خليل بن عبد الرحمن بن جلال الدين البسطامي نزيل بيت المقدس صاحب الاتباع كان للناس فيه اعتقاد كثير وله زاوية في القدس معروفة وكان نشأ ببغداد وتفقه بمذهب الشافعي إلى أن عاد بالنظامية فاتفق قدوم الشيخ علاء الدين العشقي البسطامي فلازمه وانتفع به وصار من مريديه فسلكه وهذبه وتوجه معه لزيارة بيت المقدس فطاب للشيخ المقام بها فأقام وكثر أتباعه واستمر يتعانى المجاهدات وأنواع الرياضات إلى أن حضرت شيخه الوفاة فعهد إليه أن يقوم مقامه فقام أتم قيام ورزقه الله القبول وكثرت أتباعه وكان كثير التواضع مهيبا توفي بالقدس في المحرم وفيها عبد الله بن ظهيرة بن أحمد بن عطية بن ظهيرة المخزومي المكي الشافعي والد قاضي مكة وأخو قاضيها ولد سنة ثمان وعشرين وسبعمائة وسمع من عيسى الحجي وعيسى بن الملوك وغيرهما وكان دينا خيرا له نظم وعبادة توفي في ربيع الآخر وحدث عنه ولده وفيها عبد الخالق بن علي بن الحسين بن الفرات المالكي موقع الحكم برع في الفقه وشرح مختصر الشيخ خليل وحمل عن الشيخ جمال الدين (6/333)
بن هشام وكتب 334 الخط المنسوب ودرس ووقع على القضاة راتبه مرارا وكان سمع من أبي الفتح الميدومي وحدث وتوفي في جمادى الآخرة وفيها فخر الدين عبد الرحمن بن عبد الرزاق بن إبراهيم بن مكانس الحنفي الكاتب الناظم الناثر المشهور ولي نظر الدولة مرارا وتنقل في الولايات وولي وزارة دمشق أخيرا ثم استدعى أخيرا إلى القاهرة ليستقر وزيرا بها فاغتيل بالسم في الطريق فدخل القاهرة ميتا وكان ماهرا في الكتابة عارفا بصناعة الحساب أعجوبة في الذكاء له الشعر الفائق والنظم الرائق قال ابن حجر ما طرق سمعي أحسن من قوله في الرسالة التي كتبها للبشتكي لما صاد السمكة وهي الرسالة الطويلة منها وقعد لصيد السمك بالمرصاد وأطاعه حرف النصر فكلما تلا لسان البحر نون تلا لسان العزم صاد وهو القائل ( علقتها معشوقة خالها * قد عمها بالحسن بل خصصا ) ( ما وصلها الغالي وما جسمها * لله ما أغلى وما أرخصا ) سمعت من لفظه شيئا من الشعر وكانت بيننا مودة قال المقريزي بعد أن أثنى على أدبه وفضله إلا أنه كان لعراقة آبائه في النصرانية يستخف بالإسلام وأهله ويخرج ذلك في أساليب من سخفه وهزله من ذلك أنه سمع المؤذن يقول وأشهد أن محمدا رسول الله فقال هذا محضر له ثمانمائة سنة تؤدي فيه الشهادة وما ثبت ومات وله عدة بنات نصارى عامله الله بما يستحقه انتهى كلام المقريزي ومات في خامس عشر ذي الحجة وفيها علاء الدين أبو الحسن علي بن بهاء الدين عبد الرحمن بن قاضي القضاة عز الدين محمد بن قاضي القاضة تقي الدين سليمان بن حمزة المقدسي الأصل ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي حضر على جد والده التقي سليمان وغيره قال الشيخ الشهاب بن حجي سمعت منه قديما وكان رجلا حسنا وقد بقي صدر بيت الشيخ أبي عمر وكان عنده كرم وسماحة كثير الضيافة للناس توفي ليلة السبت حادي عشرى شعبان وفيها علاء الدين على بن مجاهد الجدل اشتغل (6/334)
335 ببلده ثم قدم القدس فلازم التقي القلقشندي ثم قدم دمشق فاشتغل وقدم مصر سنة ثمانين فأخذ عن الضياء القرمي وعاد إلى دمشق وتصدر بالجامع وأشغل الناس واختص بالقاضي سري الدين وأضاف إليه قضاء المجدل ثم وقع بينهما فأخذت وظائفه ثم غرم مالا حتى استعادها وولي مشيخة النجيبية بآخره وسكنها وكان جيدا متوسطا في الفقه توفي في شهر رمضان قاله ابن حجر وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الله الحلبي بن مهاجر الحنفي ولد سنة ثمان وعشرين وكان فاضلا ورأس في الحنفية حتى كان يقصد للفتوى ثم ولي كتابة السر بحلب مدة ثم صرف سنة سبع وثمانين فدخل القاهرة وتحول فصار شافعيا وولي قضاء حماة ثم حلب ثم عزل بابن أبي الرضى وكان ذا فضيلة في النظم والنثر خيرا مهيبا حسن الخط أثنى عليه فتح الدين بن الشهيد وتوفي في ربيع الأول وفيها بدر الدين أبو عبد الله محمد بن بهادر بن عبد الله المصري الزركشي الشافعي الإمام العلامة المصنف المحرر ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة وأخذ عن الشيخين جمال الدين الأسنوي وسراج الدين البلقيني ورحل إلى حلب إلى الشيخ شهاب الدين الأذرعي وسمع الحديث بدمشق وغيرها وكان فقيها أصوليا أديبا فاضلا في جميع ذلك ودرس وأفتى وولي مشيخة خانقاه كريم الدين بالقرافة الصغرى قال البرماوي كان منقطعا إلى الاشتغال لا يشتغل عنه بشيء وله أقارب يكفونه أم ردنياه ومن تصانيفه تكملة شرح المنهاج للأسنوي ثم أكمله لنفسه وخادم الشرح والروضة وهو كتاب كبير فيه فوائد جليلة والنكتب على البخاري والبحر في الأصول في ثلاثة أجزاء جمع فيه جمعا كثيرا لم يسبق إليه وشرح جمع الجوامع للسبكي في مجلدين ولقطة العجلان وبلة الظمآن وله غير ذلك وكان خطه ضعيفا جدا قل من يحسن استخراجه توفي بمصر في رجب ودفن بالقرافة الصغرى بالقرب من تربة بكتمر الساقي وفيها شمس الدين محمد بن عبد الحميد بن محمد بن عبد الرحمن بن بركات اللخمي الملقب بالقاضي ابن الشيرازي ولد (6/335)
في جمادى الأولى 336 سنة سبعمائة وسمع من جدته ست الفخر ابنة عبد الرحمن بن أبي نصر مشيخة كريمة بسماعها منها وتفرد بذلك وكان يذكر أنه سمع البخاري من ابن الشحنة بحضور ابن تيمية وكان من الرؤساء المعتبرين وله مال جزيل وثروة ووقف متسع أنفق ذلك على نفسه ومن يلوذ به قبل موته وتوفي في جمادى الآخرة في عشر المائة وفيها شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن عمر بن أبي عمر الحنبلي الرشيد سمع القاضي والمطعم وابن سعد وغيرهم وحدث وتوفي في شوال عن أربع وثمانين سنة وفيها محمد بن قاسم بن محمد بن مخلوف الصقلي نزيل الحرمين كان خيرا سمع من الزيادي وابن أميلة وغيرهم ولازم قراءة الحديث بمكة توفي في شوال وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن إسماعيل بن أمين الدولة الحلبي الحنفي المرغياني ذكره ابن حبيب وقال سكن القاهرة وكان من فضلاء الحنفية وناب في الحكم وولي مشيخة خانقاه طقز دمر بالقرافة وتوفي في شوال وفيها جمال الدين محمد بن محمد بن النجيب نصر الله بن إسمعيل الأنصاري بن النحاس ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة سنة موت أبيه وسمع من ابن الشيرازي وابن عساكر والحجار وغيرهم وأحضر على والده من مشيخة قريبه العماد ابن النحاس واعتنى به أخوه فأسمعه الكثير وخرج له ابن الشرايحي مشيخة فمات قبل أن يحدث بها وتوفي في شوال وفيها بدر الدين محمد بن نصر الله ابن بصاقة الدمشقي سمع على أسماء بنت صصرى ولازم العنابي وابن هشام ومهر في العربية وأحسن الخط وتوفي في رضمان وفيها شرف الدين موسى ابن ناصر بن خليفة الباعوني أخو القاضي شهاب الدين قدم دمشق ونزل بالبادرائية وقرأ بالسبع على ابن اللبان وسمع من ابن أميلة وغيره وطلب بنفسه وكان أسن من أخيه فأسمع أخاه منه قليلا ولما ولي أخوه استنابه وقرر له بعض جهات غريبا في رمضان وفيها محي الدين يحيى بن يوسف بن يعقوب بن يحيى بن زعب الرحبي التاجر ولد سنة خمس عشرة وسمع الصحيح من الحجار والمزي (6/336)
337 وحدث به وكان معتنيا بالعلم وله رياسة وحشمة وكان البرهان بن جماعة قد صاهره فكان له بذلك جاه كبير وقد أكثر عن الجزري وغيره ولازم ابن كثير وأخذ عنه فوائد حديثية وأخذ عن كثير من أصحاب ابن تيمية وكان تاجرا فلما كمبر دفع ماله لولده محمد وأقبل على الأسماع وكان يقصد لسماع الصحيح وله به نسخة قد أتقنها وحج مرارا وأصيب في رجليه بالمفاصل وتوفي في شهر ربيع الأول والله أعلم سنة خمس وتسعين وسبعمائة فيها عاث تمرلنك بالعراق وخرب بغداد وتبريز وشيراز وغيرها واتصل شرر فتنته إلى الشام ووصل خبر ضرره إلى مصر فارتاع كل قلب لما يحكي عنه فإنه أوسع القتل والنهب والأسر ببغداد وما حولها وما داناها وعاد إلى البصرة والحلة وغيرها وأكثر النهب والتعذيب ثم توجه نحو الشمال فوصل إلى ديار بكر وعصت عليه قلعة تكريت فحاصرها من ذي الحجة إلى أن أخذها بالأمان في صفر سنة ست وتسعين وفيها في ربيع الآخر حصل بحلب سيل عظيم فساق جملة كثيرة من الوحوش والأفاعي فوجد ثعبان فمه يسع ابن آدم إذا بلعه وكان طوله أكثر من سبعة أذرع وفيها وقع الفناء بالأسكندرية فيقال مات في مدة يسيرة عشرة آلاف وفيها كان الطاعون الشديد بحلب بلغت عدة الموتى كل يوم خمسمائة نفس وأكثر وفيها اجتماع بالقدس أربعة من الرهبان ودعوا الفقهاء لمناظرتهم فلما اجتمعوا جهروا بالسوء من القول وصرحوا بذم الإسلام فثار الناس عليهم فأحرقوهم وفيها توفي أحمد بن إبراهيم الكتبي الصالحي الحنفي كان من فضلاء الحنفية مشاركا في الفنون أفتى وناظر ولازم أبا البقاء السبكي مدة وقرأ عليه الكشاف (6/337)
338 وهو المشار إليه في كتابة السجلات وتوفي في رجب وفيها شهاب الدين أحمد بن صالح بن أحمد بن الخطاب بن رقم البقاعي الدمشقي المعروف بالزهري الفقيه الشافعي ولد سنة اثنتين أو ثلاث وعشرين وأخذ عن النور الأردبيلي والفخر المصري وابن قاضي شهبة وأبي البقاء السبكي والبهاء الأخميمي ومهر في الفقه وغيره وسمع الحديث من البرزالي وغيره ودرس كثيرا وأفتى وتخرج به البهاء وناب في الحكم عن البلقيني وغيره ودرس بالشامية والعادلية وغيرهما وولي إفتاء دار العدل واستقل بالقضاء في ولاية منطاش وأوذي بسبب ذلك وكانت مدة ولايته شهرا ونصفا وعد ذلك من زلات العقلاء قال ابن حجي كان مشهورا بحل المختصر في الأصول والتمييز في الفقه وله نظم وكان مشهورا له حظ من عبادة مع حفظ لسانه من الوقيعة في الناس مهيبا مقتصدا في معاشه كثير التلاوة وقد انتهت إليه رياسة الشافعية بدمشق وقال ابن قاضي شهبة ومن تصانيفه العمدة أخذ التنبيه وزاده التصحيح وشرح التنبيه في مجلدات ومصنفاته العمدة أخذ التنبيه وزاده التصحيح وشرح التنبيه في مجلدات ومصنفاته ليست على قدر علمه وكان شكلا حسنا مهيبا كأنما خلق للقضاء توفي في المحرم ودفن بمقبرة الصوفية وفيها شهاب الدين أحمد بن عمر بن هلال الأسكندراني ثم الدمشقي الفقيه المالكي أخذ عن الأصفهاني وغيره وشرح ابن الحجاب في الفقه وأخذ عن أبي حيان وكان حسن الخط والعبارة ماهرا في الأصول فاضلا إلا أنه عيب عليه أنه كان يرتشي على الأذن في الإفتاء ويأذن لمن ليس بأهل وشاع عنه أنه قال في النزع قولوا لابن الشريشي يلبس ثيابه ويلاقينا إلى الدرس فمات ابن الشريشي عقب ذلك وفيها شهاب الدين أحمد بن الضياء محمد بن إبراهيم بن إسحق المناوي الشافعي ابن عم القاضي صدر الدين ناب في الحكم وولي مشيخة الخانقاه الجاولية ومات في ربيع الأول وفيها ولي الدين أبو حامد أحمد بن الحافظ ناصر الدين محمد بن علي بن محمد بن عشاير خطيب حلب وابن (6/338)
خطيبها أسمعه أبوه الكثير بحلب 339 وغيره ورحل به إلى القاهرة واشتغل ومهر ونظم الشعر وخطب بعد أبيه مدة ومات في ذي الحجة بالطاعون شابا وفيها سليمان بن داود بن سليمان المزي بالزاي المعروف بالعاشق حضر على ابن الشيرازي وغيره وحدث وكان كثير الحج توفي مستهل صفر وفيها الحافظ زين الدين وجمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن الشيخ الإمام المقرىء المحدث شهاب الدين أحمد بن الشيخ الإمام المحدث أبي أحمد رجب عبد الرحمن البغدادي ثم الدمشقي الحنبلي الشهير بابن رجب لقب جده عبد الرحمن الشيخ الإمام العالم العلامة الزاهد القدوة البركة الحافظ العمدة الثقة الحجة الحنبلي المذهب قدم من بغداد مع والده إلى دمشق وهو صغير سنة أربع وأربعين وسبعمائة وأجازه ابن النقيب والنووي وسمع بمكة على الفخر عثمان بن يوسف واشتغل بسماع الحديث باعتناء والده وحدث عن محمد بن الخباز وإبراهيم ابن داود العطار وأبي الحرم محمد بن القلانسي وسمع بمصر من صدر الدين أبي الفتح الميدومي ومن جماعة من أصحاب ابن البخاري ومن خلق من رواة الآثار وكانت مجالس تذكيره للقلوب صارعة وللناس عامة مباركة نافعة اجتمعت الفرق عليه ومالت القلوب بالمحبة إليه وله مصنفات مفيدة ومؤلفات عديدة منها شرح جامع أبي عيسى الترمذي وشرح أربعين النواوي وشرع في شرح البخاري فوصل إلى الجنازي سماع فتح الباري في شرح البخاري ينقل فيه كثيرا من كلام المتقدمين وكتاب اللطائف في الوعظ وأهوال القيامة والقواعد الفقهية تدل على معرفة تامة بالمذهب وتراجم أصحاب مذهبه رتبه على الوفيات ذيل بها على طبقات ابن أبي يعلى وله غير ذلك من المصنفات وكان لا يعرف شيئا من أمور الناس ولا يتردد إلى أحد من ذوي الولايات وكان يسكن بالمدرسة السكرية بالقصاعين قال ابن حجي أتقن الفن أي فن الحديث وصار أعرف أهل عصره بالعلل وتتبع الطرق وتخرج به غالب (6/339)
340 أصحابنا الحنابلة بدمشق توفي رحمه الله ليلة الإثنين رابع شهر رمضان بأرض الخميرية ببستان كان استأجره وصلى عليه من الغد ودفن بالباب الصغير جوار قبر الشيخ الفقيه أبي الفرج عبد الواحد بن محمد الشيرازي ثم المقدسي الدمشقي المتوفى في ذي الحجة سنة ست وثمانين وأربعمائة قال ابن ناصر الدين ولقد حدثني من حفر لحد ابن رجب أن الشيخ زين الدين بن رجب جاءه قبل أن يموت بأيام فقال لي احفر لي هاهنا لحدا وأشار إلى البقعة التي دفن فيها قال فحفرت له فلما فرغ نزل في القبر واضطجع فيه فأعجبه وقال هذا جيد ثم خرج قال فوالله ما شعرت بعد أيام إلا وقد أتى به ميتا محمولا في نعشه فوضعته في ذلك اللحد وفيها زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن بن أبي عمر المقدسي الحنبلي الإمام الزاهد المفتي سمع من إسمعيل بن الفراء وغيره وحدث وكان فاضلا متعبدا توفي في ثامن المحرم وفيها عبد الرحيم بن أحمد بن عثمان بن إبراهيم بن الفصيح الهمداني الأصل ثم الكوفي ثم الدمشقي الحنفي قدم أبوه وعمه دمشق فأقام بها وأسمع أحمد أولاده من شيوخ العصر بعد الأربعين وقدم عبد الرحيم هذا القاهرة في هذه السنة فحدث عن أبي عمرو بن ال مرابط بالسنن الكبرى للنسائي بسماعه منه في ثبت كان معه وحدث عن محمد بن إسمعيل بن الخباز بمسند الإمام أحمد كله واعتماده على ثبته أيضا قال ابن حجر وسمع منه غالب أصحابنا ثم رجع إلى دمشق فمات بها في شوال هذه السنة وهو والد صاحبنا شهاب الدين بن الفصيح انتهى وفيها علي بن ايدغدي التركي الأصل الدمشقي الحنبلي البعلي كان يلقب حنبل سمع الكثير وطلب بنفسه وجمع معجم شيوخه وترجم لهم قال ابن حجي علقت من معجمه تراجم وفوائد قال ولا يعتمد على نقله مات في رجب وفيها علاء الدين علي بن محمد بن عبد المعطي بن سالم المعروف بابن السبع بفتح المهملة وسكون الموحدة وبالعين المهملة قال ابن حجر حضر بعض البخاري على وزيرة الحجار وسمع من (6/340)
يحيى بن فضل الله والقاضي ومحمد بن غالي وغيرهم 341 وكان ممن يخشى لسانه وكان أبوه قاضي المدينة مات هو في رمضان وقد اختلط عقله انتهى وفيها علاء الدين علي بن محمود بن علي بن محمود بن علي بن محمود ثلاثة على نسق ابن العطار الحراني سبط الشيخ زين الدين الباريني ولد بعد الستين وسبعمائة وتفقه للشافعي بالشيخ أبي البركات الأنصاري وغيره وبرع في النحو والفرائض وتصدى لنفع الناس وتصدر بأماكن وكانت دروسه فائقة وكان يتوقد ذكاءا ذكر القاضي علاء الدين في تاريخ حلب أنه حفظ ربع ألفية العراقي في يوم واحد ولو عمر لفاق الأقران لكن مات عن نيف وثلاثين سنة في شهر رمضان وفيها علاء الدين علي بن محمد بن عبد الرحيم الأفقهسي المقبري قدم من بلده سنة إحدى وثلاثين وهو كبير فاشتغل وأخذ عن ابن عدلان والكمال النسائي وغيرهما ومهر في الفقه وشارك في غيره وكان دينا مع فكاهة فيه ودرس بأماكن بالقاهرة وأفاد وولي مشيخة خانقاه بشتك وناب في الحكم وتوفي في شوال وانتفع به جمع كثير وفيها محب الدين أبو البركات محمد بن أحمد بن الرضى إبراهيم بن محمد بن أبي بكر الطبري المكي قال ابن حجر ولد سنة بضع وعشرين وسمع من عيسى الحجي وطائفة من الوادي آشي والأمين الأقشهري وأجاز له الحجار وآخرون ومات في ذي القعدة اجتمعت به وصليت خلفه مرارا وكان أعرج لأنه سقط فانكسرت رجله وباشر العقود وعمر بعده أخوه أبو اليمن دهرا انتهى وفيها صلاح الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن سالم بن عبد الرحمن الأعمى الحنبلي الشيخ الإمام العالم الجيلي ثم المصري اشتغل وحصل وأشغل وأعاد ودرس وأفتى ودرس بالظاهرية الجديدة وبمدرسة السلطان حسن وتوفي بالقاهرة ليلة الأربعاء سادس ربيع الأول ودفن من الغد بحوش الصوفية وفيها أمين الدين محمد بن محمد بن أحمد بن علي بن أحمد الدمشقي الحنفي الآدمي ولد سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة وأخذ عن زوج ابنته الفخر بن الفضيح وسمع من ابن الخباز وابن (6/341)
سبع وغيرهما وعنى بالعربية وأخذ عن الصلاح الصفدي وغيره 342 وكانت له وجاهة بدمشق وباشر بها أماكن وهو والد القاضي صدر الدين قال ابن حجي لم يكن محمودا بالنسبة إلى الوقيعة في الناس ومع ذلك فكان أحد أوصياء تاج الدين السبكي ثم صار من أخصاء البرهان بن جماعة ودرس بالأينالية وحصل له دنيا واسعة وأموالا جمة وعرض عليه بعض الحكام نيابة فلم يقبل وتوفي في جمادى الأولى فجأة وفيها جمال الدين محمد بن يحيى بن سليمان السكوني المغربي المالكي قال في أنباء الغمر كان عارفا بالمعقولات إلا أنه طائش العقل ولي قضاء حماة وطرابلس فلم يحمد ثم ولي قضاء دمشق شهرين بعد غلبة الظاهر فبدا منه طيش أهين بسببه وذلك أنه تصدى لأذى الكبار وتغريم بعضهم فكوتب فيه السلطان وعرفوه ثبوت فسقه فقدم مصر ثم نفى إلى الرملة فمات بها في أوائل هذه السنة وقال ابن حجي كان كثير الدعوى ولما عزل عن القضاء وقف للسلطان بمصر وشكا من غرمائه فقال له أنا ما عزلتك هم حكموا بعزلك فأخذ يعرض ببعض الأكابر فعملوا عليه حتى أخرجوه وفيها شرف الدين أبو البقاء محمود بن العلامة جمال الدين محمد بن الإمام كمال الدين أحمد بن محمد بن أحمد المعروف بابن الشريشي الشافعي العلامة الورع بقية السلف مفتي المسلمين وأقدم المدرسين وأقضى القضاة البكري الوايلي ولد سنة تسع وعشرين وسبعمائة بحمص وأخذ العلم عن والده والشيخ شمس الدين بن قاضي شهبة وأضرابهما وقرأ في الأصول والنحو والمعاني والبيان وشارك في ذلك كله مشاركة قوية ونشأ في عبادة وتقشف وسكون وأدب وانجماع عن الناس ودرس بالبادرائية نزل له والده عنها واستمر يدرس بها إلى حين وفاته من سنة خمسين وناب للقاضي تاج الدين في آخر عمره فمن بعده ولازم الاشتغال والافتاء واشتهر بذلك وصار هو المقصود بالفتاوى من سائر الجهات وكان يكتب على الفتاوى كتابة حسنة وقال الشيخ زين الدين القرشي يقبح علينا أن نفتي مع وجود ابن الشريشي وتخرج به خلق (6/342)
كثير وكتب بخطه أشياء كثيرة وكان محببا إلى الناس كله خير ليس فيه شيء من الشر وانتهت إليه وإلى رفيقه الشيخ شهاب الدين 343 الزهري رياسة الشافعية وكان مباركا له في رزقه ليس له سوى البادرائية وتصدير على الجامع ولا زال يضيف الطلبة وحيسن إليهم ويكثر الحج وقال ابن قاضي شهبة في طبقاته لم أر في مشايخي أحسن من طريقته ولا أجمع لخصال الخير منه وكان يلعب بالشطرنج وكان رأسا فيه توفي في صفر ودفن بتربتهم بالصالحية مقابل الجامع الأقرم بالسفح وفيها موسى بن أحمد بن منصور العبدوسي المالكي كان عالما صالحا عابدا على طريقة السلف نزل دمشق وعين للقضاء فامتنع ودرس وأفاد ثم تحول إلى القدس وله أسئلة مفيدة واعتراضات واستنباطات حسنة توفي ببلد الخليل صلوات الله عليه بزاوية الشيخ عمر المجود في أحد الجمادين وفيها ناصر الدين أبو الفتح نصر الله بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن هاشم بن نصر الله بن أحمد الكناني العسقلاني ثم المصري الشيخ الإمام علامة الزمان قاضي قضاة الحنابلة بنابلس ولد سنة ثماني عشرة وسبعمائة وسمع من الميدومي وجماعة واشتغل في العلوم وتفنن وأفتى ودرس وناب في القضاء عن حموه قاضي القضاة موفق الدين مدة طويلة ثم استقل بالقضاء بعد وفاته سنة تسع وستين وكانت مباشرته للقضاء نيابة واستقلالا ما يزيد على ست وأربعين سنة وكان من القضاة العدول مثابرا على التهجد بالليل ودرس بالشيخونية وحدث قال ابن حجر كان دينا عفيفا مصونا صارما مهيبا محبا في الطاعة والعبادة وحدث ودرس وأفاد وأجاز لي بعد أن قرأت عليه شيئا انتهى توفي ليلة الأربعاء حادي عشرى شعبان بالقاهرة ودفن عند حموه قاضي القضاة موفق الدين خارج باب النصر وحضر جنازته نائب السلطنة سودون والحجاب والقضاة والأعيان وغيرهم وفيها أبو تاشفين موسى بن أبي حمو يوسف التلمساني آخر بني عبد الواد خرج على أبيه وحاربه وجرت له معه خطوب وحروب إلى أن قتل أبوه في محرم سنة اثنتين (6/343)
وتسعين وأسر أخوه أبو عمر فقتل هو وملك تلمسان فصار يخطب لصاحب فاس لكون نصره على أبيه ويقوم له كل سنة بمال إلى أن قام أبو زبان بن 344 أبي حمو فجمع جموعا ونزل على تلمسان فحصرها فكاده أخو وفرق جمعه ووفد على صاحب فاس فجهز معه عسكرا فمات أبو تاشفين صاحب الترجمة في شهر رمضان فأقام وزيره أحمد بن العز ولده فسار إليهم يوسف بن أبي حمو فقتل الصبي والوزير فخرج صاحب فاس إلى تلمسان فملكها وانقضت دولة بني عبد الواد بتلمسان وصارت لصاحب فاس والله تعالى أعلم وفيها أمة الرحيم ويقال أمة العزيز بنت الحافظ صلاح الدين العلائي أسمعها من الحجار وغيره وحدثت وتوفيت في رابع شوال وكذلك أسماء أختها ماتت في العشرين منه سنة ست وتسعين وسبعمائة في أولها سار تمرلنك بنفسه وعساكره إلى تكريت فحاصرها في بقية المحرم كله ودخلها عنوة في آخر الشهر فقتل صاحبها وبنى من رؤس القتلى مأذنتين وثلاث قباب وضرب البلد واستولى على قلعتها وهدم على أميرها دارا بعد أن نزل إليه بالأمان فمات تحت الردم ثم أثخن في تقل الرجال وأسر النساء والأطفال ثم نازل الموصل فصالحه صاحبها وسار في خدمته ثم نزل رأس العين فملكها ونازل الرها فأخذها بغير قتال ووقع النهب والأسر وانتهى ذلك في آخر صفر واتفق هجوم الثلج والبرد ولما بلغ ذلك صاحب الحصن جمع خواصه وما عنده من التحف والذخائر وقصد تمرلنك ليدخل في طاعته فقبل هديته وأكرم ملتقاه ورعى له كونه راسله قبل جميع تلك البلاد ثم خلع عليه وأذن له في الرجوع إلى بلاده ثم سار إلى ماردين وتلك البلاد بأسرها فاستولى على بلاد الجزيرة والموصل وسار فيهم سيرة واحدة من القتل والسبي والأسر والنهب والتعذيب ثم أقام على نصيبين في شدة الشتاء فلما أتى الربيع نازل مارقين في جمادى الآخرة وبنى قدامها جوسقا يحاصرها منه ففتحها عن قرب وقتل ما لا يحصى ثم توجه إلى خلاط ففعل بها نحو ذلك (6/344)
345 ثم رجع إلى البلاد الشامية إلى تبريز لما بلغه أن طقتمش خان صاحب بلاد الدشت والسراي وغيرهما مشى على بلاده فصنع في بلاد الكرج عادته في غيرها من البلاد ثم رجع إلى تبريز فأقام بها قليلا ثم توجه إلى قتال صاحب السراي وغيرها وكان طقتمش خان قد استعد لحربه فالتقيا جميعا ودام القتال فكانت الهزيمة على القفجاق والسراي فانهزموا وتبعهم إلى أن ألجأهم إلى داخل بلادهم وأرسل اللنك صاحب سيواس القاضي برهان الدين أحمد يستدعي منه طاعته فلم يجبه وأرسل نسخة كتابه إلى الظاهر صاحب مصر وإلى أبي يزيد ملك الروم وفيها توفي برهان الدين إبراهيم بن عبد الله بن عمر الصنهاجي المالكي القاضي ولد سنة سبع عشرة وسمع من الوادياشي وغيره وتفقه بدمشق على القاضي بدر الدين الغماري المالكي وتزوج بنته بعده وكان يحفظ الموطأ وولي قضاء دمشق غير مرة أولها سنة ثلاث وثمانين فلما جاءه التوقيع لم يقبل وصمم على عدم المباشرة وامتنع من لبس الخلعة فولي غيره ثم ولي في ربيع الأول سنة ثمان وثمانين فامتنع أيضا فلم يزالوا به حتى قبل فباشر ثلاث سنين ثم صرف ومات في ربيع الآخر فجأة بعد أن خرج من الحمام وقد ناهز الثمانين وهو صحيح النقيبة حسن الوجه واللحية وفيها السلطان أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق المريني صاحب فاس لقبه المستنصر بالله أمير المسلمين تملك فاس في شوال سنة ثمان وثمانين وملك طنجة وغيرها من بلاد المغرب توفي في المحرم وقام بعده ابنه أبو فارس ولم تطل مدته وفيها أبو السباع وأبو العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر بن يحيى بن إبراهيم بن يحيى بن عبد الواحد ابن أبي جعفر الجعفي الهنتاتي بفتح الهاء وسكون النون بعدها مثناة فوقية وبعد الألف مثناة أخرى نسبة إلى هنتاتة قبيلة من البربر بالمغرب صاحب تونس وأفريقية وغيرهما كان يقال له أبو السباع ولي المملكة في ربيع الأول من سنة (6/345)
346 اثنتين وسبعين وكل من في عمود نسبه ولي السلطنة إلا أباه وجد أبيه توفي في شعبان واستقر بعده ولده عبد العزيز وفيها أحمد بن يعقوب الغماري المالكي كان فاضلا في مذهبه درس وأفتى وولي قضاء حماة ثم صرف فأقام بدمشق إلى أن مات في ذي القعدة عن نحو من ستين سنة وفيها تقي الدين أبو بكر بن محمد بن الزكي عبد الرحمن المزي ابن أخي الحافظ جمال الدين سمع الحجار والمزي وغيرهما وحدث وتوفي في المحرم عن خمس وسبعين سنة وفيها علاء الدين علي بن نجم الدين بن عبد الواحد بن شرف الدين محمد بن صغير رئيس الأطباء بالديار المصرية قال ابن حجر كان فاضلا مفننا انتهت إليه المعرفة وكان ذا حدس صائب جدا يحفظ عنه المصريون أشياء كثيرة وكان حسن الصورة بهي الشكل جميل الشيبة أخذ عنه شيخنا ابن جماعة وكان يثني على فضائله اجتمعت به مرارا وسمعت فوائده وكان له مال قدر خمسة آلاف دينار قد أفرده للقرض فكان يقرض من يحتاج من غير استفضال بل ابتغاء الثواب قرأت بخط الشيخ تقي الدين المقريزي كان يصف الدواء للموسر بأربعين ألفا ويصف الدواء في ذلك الداء بعينه للمعسر بفلس قال وكنت عنده فدخل عليه شيخ شكا ما به من السعال فقال لعلك تنام بغير سراويل قال أي والله قال لا تفعل نم بسراويلك فمضى فصدفت ذلك الشيخ بعد أيام فسألته عن حاله فقال علمت بما قال فبرئت قال وكان لنا جار حدث لابنه رعاف حتى أفرط فانحلت قوى الصغير فقال له شرط آذانه فتعجب وتوقف فقال توكل على الله وافعل قال ففعل ذلك فبرىء وله من هذا النمط أشياء عجيبة مات بحلب في ذي الحجة ثم نقلته ابنته إلى مصر فدفنته بتربتهم وفيها أبو الفتح محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن علي الحبي الفاسي ثم المكي المالكي سبط الخطيب بهاء الدين محمد بن التقي عبد الله بن المحب الطبري ولد بمكة في ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين وسمع بها على عثمان بن الصفي أحمد بن محمد الطبري وغيره (6/346)
وبالمدينة علي الزين بن الأسواني والجمال الطبري 347 وغيرهما وأجاز له جماعة من مصر والشام وحدث وتوفي بمكة المشرفة في خامس صفر وفيها محمد بن علي بن سالم الفرغاني أحد شهود الحكم بدمشق اشتغل بالقراءات وتلا بالسبع على اللبان وأقرأ وتوفي في ذي الحجة وفيها ناصر الدين محمد بن محمد بن داود بن حمزة ولد سنة ثمان وسبعمائة وسمع على عم أبيه التقى سليمان وغيره وأجاز له الكمال إسحق النحاس وأولاد ابن العجمي الثلاثة وتفرد بالرواية عنهم وتوفي في رجب وفيها تاج الدين محمد بن محمد المليحي المعروف بصائم الدهر ولي نظر الاحباس والجوالي والحسبة وخطب بمدرسة السلطان حسن بالقاهرة وكان ساكنا قليل الكلام جميل السيرة توفي في صفر وفيها أمين الدين يحيى بن محمد بن علي الكناني العسقلاني الحنبلي قال ابن حجر عم شيخنا عبد الله بن علاء الدين سمع الميدومي وغيره وحدث رأيته ولم يتفق لي أن أسمع منه سنة سبع وتسعين وسبعمائة فيها كانت الوقعة بين تمرلنك وبين طقتمش خان قدام القتال ثلاة أيام ثم انكسر طقتمش خان ودخل بلاد الرؤس واستولى تمرلنك على القرم وحاصر بلد كافا ثمانية عشر يوما ثم استباحها وخربها وفيها توفي أبو محمد إبراهيم ابن داود الآمدي ثم الدمشقي نزيل القاهرة قال ابن حجر في أنباء الغمر بأنباء العمر أسلم على يد الشيخ تقي الدين بن تيمية وهو دون البلوغ وصحبه إلى أن مات وأخذ عن أصحابه ثم قدم القاهرة فسمع بطلبه بنفسه من الحسن الأربلي وابن السراج الكاتب وإبراهيم بن الخيمي وأبي الفتح بن الميدومي ونحوهم وكان شافعي الفروع حنبلي الأصول دينا خيرا متألها قرأت عليه عدة أجزاء وأجازني قبل ذلك قلت له يوما رضي الله عنكم وعن والديكم فنظر إلى منكرا ثم قال ما كانا على الاسلام انتهى وفيها شهاب الدين أحمد بن علي بن عثمان الفيشي المصري الضرير المقرىء أخذ (6/347)
348 القراءات عن الشيخ تقي الدين البغدادي وغيره وتوفي في صفر وفيها أبو بكر بن عبد البر بن محمد الموصلي الشافعي قال في ذيل الأعلام الشيخ الإمام القدوة الزاهد العابد الخاشع العلام الناسك الرباني بقية مشايخ علماء الصوفية وجنيد الوقت كان في ابتداء أمره حين قدم من الموصل وهو شاب يتعانى الحياكة وأقام بالقبيبات عند منزله المعروف زمانا طويلا على هذه الحال وفي أثناء ذلك يشتغل بالعلم ويسلك طريق الصوفية والنظر في كلامهم ولازم الشيخ قطب الدين مدة واجتمع بغيره وكان يطالع أيضا كتب الحديث ويحفظ جملة من الأحاديث ويعزوها إلى رواتها وله إلمام جيد بالفقه وكلام الفقهاء فاشتهر أمره وصار له أتباع وكان شعاره إرخاء عذبة خلف الظهر ثم علا ذكره وبعد صيته وصار يتردد إليه نواب الشام ويمتثلون أوامره وسافر بآخره إلى مصر مستخفيا وحج غير مرة ثم عظم قدره عند السلطان وكان يكاتبه بما فيه نفع للمسلمين ثم أن السلطان عام أول اجتمع به في منزله وصعد إلى علية كان فيها وأعطاه مالا فلم يقبله وكان إذ ذاك بالقدس الشريف وقال في أنباء الغمر وكان يشغل في التنبيه ومنازل السائرين وكان ولده عبد الملك يذكر عنه أنه قال كنت في المكتب ابن سبع سنين فربما لقيت فلسا أو درهما فأنظر أقرب دار فأعطيهم إياه وأقول لقيته قريب داركم توفي بالقدس في شوال وقد جاوز الستين وفيها سعيد بن عمر بن علي الشريف البعلي الحنبلي قال ابن حجر كان من قدماء الفقهاء بدمشق أفاد ودرس وأفتى وحدث مات في المحرم عن نيف وستين سنة وفيها عبد الرحمن بن عبد الله بن أسعد اليافعي الشافعي المكي ولد الشيخ عفيف الدين اشتغل بفنون من العلم وحفظ الحاوي وكانت تعتريه حدة وفيه صلاح وله شعر منه قوله ( الا أن مرآة الشهود إذا انجلت * أرتك تلاشي الصد والبعد والقرب ) ( وصانت فؤاد الصب عن ألم الأسى * وعن ذلة الشكوى وعن منة الكتب ) وله سماع من أبيه وبالشام من ابن أميلة وبمصر من البهاء بن (6/348)
خليل ولزم السياحة 349 والتجريد فمات غريقا بالرحبة بين الشام والعراق وله ست وأربعون سنة وفيها عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي الخير الشماخي بفتح المعجمة وفي آخره خاء معجمة نسبة إلى الشماخ جد الزبيدي محدث زبيد أخذ عنه عفيف الدين العلوي وغيره وتوفي في شعبان وفيها نور الدين عبد الرحمن بن أفضل الدين محمد بن عبد الرحمن بن محمد الإسفراييني الصوفي الحنفي ولد سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة وكان عارفا بالفقه والتصوف وله أتباع ومريدون وقد حدث بالمشارق عن عمر بن علي القزويني عن محمد بن عراك الواسطي عن الصغاني أجازة وهو القائل ( زعم الذين تشرقوا وتغربوا * أن الغريب وأن أعز ذليل ) ( فأجبتهم أن الغريب إذا اتقى * حيث استقل به الركاب جليل ) وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد القادر بن محي الدين عثمان بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة بن سلطان بن سرور الجعفري النابلسي الحنبلي المعروف بالجنة الإمام العالم العلامة ولد بنابلس سنة سبع وعشرين تقريبا وسمع بها من الإمام شمس الدين أبي محمد عبد الله بن محمد بن يوسف وسمع على الحافظ صلاح الدين العلائي والشيخ إبراهيم الزيتاوي وغيرهم مما لا يحصى كثرة ورحل إلى دمشق فسمع بها وكان من الفضلاء الأكابر وكان يلقب بالجنة لكثرة ما عنده من العلوم لأن الجنة فيها ما تشتهي الأنفس وكان عنده ما تشتهي أنفس الطلبة وانتهت إليه الرحلة في زمانه ولما مات ولده قاضي القضاة شرف الدين عبد القادر المتقدم ذكره حصل له عليه اختلاط وسلب عقله واستمر على ذلك إلى أن مات ببلده نابلس في شوال وله مصنفات حسنة منها مختصر طبقات الحنابلة ومنها تصحيح الخلاف المطلق في المقنع مطولا ومختصرا كتاب العزلة لأبي سليمان الخطابي وقطعة من تفسير القرآن العظيم من أوله وشرع في شرح الوجيز وصحب ابن قيم الجوزية فقرأ عليه أكثر تصانيفه وكان خطه حسنا جدا (6/349)
350 وفيها نور الدين علي بن عبد الرحمن بن عبد المؤمن الهوريني سمع من الزين الأسواني الشفاء للقاضي عياض وحدث عنه وعن الوادي آشي وقد ولي أبوه قضاء المدينة وولي هو مشيخة خانقاه قوصون وكان مشكورا وتزوج ببنت القاضي فخر الدين القاياتي بعده مدة وناب في الحكم وكان قد حفظ كتبا منها الشفاء والإلمام والمقامات وعرضها وتوفي في رجب وفيها أبو الحسن علي بن عجلان بن رميثة بن أبي نمى الحسني أمير مكة وابن أميرها ولي في أول شعبان سنة تسع وثمانين وكان في غالب ولايته في الحروب ولم يهنأ له عيش إلى أن قتل في شوال قتله جماعة من آل بيتهم ودفن بالمعلى واستقر بعده أخوه حسن بن عجلان وفيها علي بن محمد القليوبي ثم المصري قال ابن حجر أحد الهرة في مذهب الشافعي ناب في الشيخونية وتوفي في رجب وفيها سراج الدين عمر بن محمد بن أبي بكر الكومي قال ابن حجر سمع من أحمد بن علي الجزري وعلي بن عبد المؤمن بن عبد وغيرهما وحدث ولم يتهيأ لي السماع منه مع حرصي على ذلك توفي بمصر وقد جاوز الثمانين وفيها أبو علي محمد بن أحمد بن علي بن عبد العزيز المهدوي ثم المصري البزاز بسوق الفاضل المعروف بابن المطرز سمع من الواني والدبوسي وغيرهما وحدث بالكثير وأجاز له إسمعيل بن مكتوم والمطعم ووزيرة وأبو بكر بن عبد الدايم وغيرهم من دمشق قال ابن حجر قرأت عليه الكثير وتوفي في جمادى الأولى وفيها بدر الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عيسى بن عبد الكريم بن عساكر بن سعد بن أحمد بن محمد بن سليم بن مكتوم القيسي السويدي الأصل الدمشقي الشافعي المعروف بابن مكتوم الفقيه المحدث النحوي ولد في بضع وأربعين وسبعمائة وسمع من جماعة وحفظ التنبيه ثم الحاوي وطلب الحديث وقرأ بنفسه وكان يقرىء صحيح البخاري بالجامع في رمضان بعد الظهر مدة قال ابن حجي هو رجل فاضل قرأ في الفقه على والدي وعلى الحسباني ولازمه وقرأ في النحو على أبي العباس (6/350)
351 العنابي وبرع فيه وتصدى للأشغال بالجامع خمس عشرة سنة وكان يفتي بآخره وأعاد بالناصرية وبالعادلية الصغرى وولي مشيخة النحو بالناصرية أيضا وكان رجلا خيرا عنده ديانة وله عبادة من صوم وقراءة انتهى وقال ابن قاضي شهبة كان فيه إحسان إلى طلبة العلم والفقراء يضيفهم ويفطرهم في رمضان وعنده بر وصلة لأقاربه وتقلل في ملبسه ويشتري حاجته بنفسه ويحملها وهو قليل الخلطة بالفقهاء وغيرهم توفي في جمادى الأولى ودفن بمقبرة باب الصغير عند والده وعمه عند قبر الشيخ حماد وفيها ناصر الدين محمد بن عبد الدايم بن محمد بن سلامة الشاذلي ابن بنت الميلق سمع من أحمد بن محمد الحكمي وغيره من أصحاب النجيب وغيره واعتنى بالعلم وتعانى طريق التصوف وفاق أهل زمانه في حسن الأداء في المواعيد وإنشاء الخطب البليغة وقال الشعر الرائق والتفت عليه جماعة من الأمراء والعامة إلى أن ولي القضاء فباشره بمهابة وصرامة ولم يحمد مع ذلك في ولايته وأهين بعد عزله بمدة وقال ابن القطان كان شديد البخل بالوظائف وكان أيام هو واعظا خيرا من أيام هو قاضيا توفي في أحد الجمادين وقد جاوز الستين وفيها محمد بن علي بن صلاح الحريري الحنفي إمام الصرغتمشية سمع من الوادي آشي ومحمد بن غالي وآخرين واعتنى بالقراءات والفقه وأخذ عن قوام الدين الأتقاني وغيره وله إلمام بالحديث وناب في الحكم وسمع منه ابن حجر وغيره وتوفي في رجب وفيها غياث الدين أبو المكارم محمد بن صدر الدين محمد بن محي الدين عبد الله بن أبي الفضل محمد بن علي بن حماد بن ثابت الواسطي ثم البغدادي الشافعي المعروف بابن العاقولي قال ابن قاضي شهبة في طبقاته صدر العراق ومدرس بغداد وعالمها ورئيس العلماء بالمشرق مولده في رجب سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة ببغداد ونشأ بها وسمع من والده وجماعة وأجاز له جماعة قال الحافظ شهاب الدين بن حجي كان مدرس المستنصرية ببغداد كأبيه وجده ودرس أيضا بالنظامية كأبيه ودرس هو (6/351)
بغيرهما وكان هو وأبوه وجده كبراء بغداد وانتهت إليه الرياسة بها في مشيخة العلم والتدريس وصار المشار إليه 352 والمعول عليه تهرع القضاة والوزراء إلى بابه والسلطان يخافه وكان بارعا في الحديث والمعاني والبيان وشرح مصابيح البغوي وخرج لنفسه أربعين حديثا وفيها أوهام وسقوط رجال في الأسانيد وكانت نفسه قوية وفهمه جيدا وكان بالغا في الكرم حتى ينسب إلى الإسراف ولما دخل تمرلنك بغداد هرب منها مع السلطان أحمد فنهبت أمواله وسبيت حريمه وقدم الشام واجتمعنا به وأنشدنا من نظمه فلما رجع السلطان إلى بغداد رجع معه فأقام دون خمسة أشهر وقال الحافظ برهان الدين الحلبي كان إماما علامة متبحرا في العلوم غاية في الذكاء مشارا إليه وكان يدخله كل سنة زيادة على مائة ألف درهم وكلها ينفقها وصنف في الرد على الرافضة في مجلد توفي في صفر ودفن بالقرب من معروف الكرخي بوصية منه وقال ابن حجر شرح منهاج البيضاوي والغاية القصوى له وحدث بمكة وبيت المقدس وأنشد لنفسه بالمدينة ( يا دار خير المرسلين ومن بها * شغفي وسالف صبوتي وغرامي ) ( نذر علي لئن رأيتك ثانيا * من قبل أن أسقي كؤوس حمامي ) ( لأعفرن على ثراك محاجري * وأقول هذا غاية الأنعام ) وفيها محمد بن أبي محمد الأقصرائي نزيل القاهرة الحنفي قال ابن حجر درس بمدرسة ايتمش للحنفية وهو والد صاحبنا بدر الدين محمود وأخيه أمين الدين ويحيى وتوفي في جمادى الأولى سنة ثمان وتسعين وسبعمائة فيها رجع اللنك بعساكره من بلاد الدشت بعد أن أثخن فيهم فوصل إلى السلطانية في شعبان ثم توجه إلى همذان وأمر بالإفراج عن الظاهر صاحب ماردين فوصل إليه في رمضان فتلقاه واعتذر إليه وأضافه أياما ثم خلع عليه وأعطاه مائة فرس وجمالا وبغالا وخلعا كثيرة وعقد له لواء وكتب له ستة وخمسين منشورا كل منشور بتولية بلد من البلاد التي كان تيمور افتتحها في سنة ست وتسعين (6/352)
353 ما بين أذربيجان إلى الرها وشرط عليه أن يلبي دعوته كلما طلبه وفيها توفي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أبي بكر بن أحمد بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة الحنبلي المعروف بابن العز الشيخ الإمام الفقيه المفتي سمع من عيسى المطعم وابن عبد الدايم والحجار وأكثر عن القاضي تقي الدين سليمان ويحيى بن سعد وحدث عن المعمار وهو آخر من حدث عنه وعن القاضي بالسماع وكان شيخا طوالا عليه أبهة أقعد في آخر عمره وسمع جزء ابن عرفة على نحو من ثمانين شيخا وجزء ابن الفرات على نحو من خمسين شيخا توفي ليلة الإثنين العشرين من شهر ربيع الأول ودفن بمقبرة الشيخ موفق الدين وقد كمل له إحدى وتسعون سنة إلا خمسة أيام وفيها أحمد بن علي بن أيوب بن رافع الحنفي إمام القلعة بدمشق قال ابن حجر سمع من أبي بكر بن الرضى وغيره وحدث وأجاز لي غير مرة وتوفي في شوال وله ثمانون سنة وفيها أبو سعد أحمد بن شمس الدين محمد بن موسى بن سند ولد سنة سبع وأربعين وأحضره أبوه على ابن الخباز وابن الحموي وغيرهما وأسمعه من ابن القيم وغيره واشتغل في العربية وغيرها ووعظ الناس ومات في شعبان وفيها عماد الدين إسمعيل بن أحمد بن علي الباريني الحلبي الفقيه الشافعي ولد سنة تسع عشرة وقدم من حلب إلى دمشق وهو طالب علم فقرأ على الشيخ ولي الدين المنفلوطي وولاه البلقيني قضاء بعلبك ثم ولي خطابة القدس ثم توجه إلى مصر وكان ممن قام على التاج السبكي مع البلقيني ثم ولي قضاء الشوبك ثم قضاء القدس وحدث وأفتى ودرس وتوفي في ربيع الأول ببيت المقدس وقد جاوز الثمانين وفيها بدر الدين خليل بن محمد بن عبد الله الناسخ الحلبي ولد بدمشق بعد العشرين وأحضره أبوه عند ابن تيمية فمسح رأسه ودعا له واشتغل فمهر في عدة فنون ثم سكن حلب ووقع في الحكم واشتهر وكان يذكر أنه سمع من الوادي آشي (6/353)
354 وابن النقيب الشافعي توفي في ربيع الأول وفيها ست الركب بنت علي بن محمد بن محمد بن حجر أخت كاتبه قال ابن حجر ولدت في رجب سنة سبعين في طريق الحج وكانت قارئة كاتبة أعجوبة في الذكاء وهي أمي بعد أمي أصبت بها في جمادى الآخرة من هذه السنة وفيها سعد بن إبراهيم الطائي الحنبلي البغدادي قال في أنباء الغم ركان فاضلا وله نظم فمنه ( خانني ناظري وهذا دليل * لرحيل من بعده عن قليل ) ( وكذا الركب أرادوا قفولا * قدموا ضوءهم امام الحمول ) وفيها سفر شاه بن عبد الله الرومي الحنفي تقدم في العلم ببلاده وتقدم عند أبي يزيد بن عثمان وقدم القاهرة رسولا من صاحب الروم فأخذ عن فضلائها وأكرمه السلطان وحصل له وعك واستمر إلى أن بغته الأجل بالقاهرة فمات في جمادى الآخرة وفيها طقتمش خان التركي صاحب بلاد الدشت قتل في هذه السنة بعد أن انكسر من اللنك قتله أمير من أمراء التتار يقال له تمرقطلو وفيها عبد الله بن عمر بن محلى بن عبد الحافظ البيتليدي بفتح الموحدة وسكون المثناة التحتية وفتح المثناة الفوقية بعدها لام مكسورة خفيفة ثم مثناة تحتانية ساكنة الوراق الدمشقي قال ابن حجر سمع من أبي بكر بن الرضى وشرف الدين ابن الحافظ ومحمد بن علي الجزري وغيرهم أجاز لي غير مرة ومات في ذي القعدة وفيها فخر الدين عثمان بن عبد الله العامري أخو تقي الدين كان شافعيا بارعا في الفقه وهو منسوب إلى كفر عامر قرية من ناحية الزبداني فربما قيل فيه الكفر العامري أخذ عن الشرف الشريشي وأثنى عليه ابن حجي بحسن الفهم وصحة الذهن وهو ممن أذن له البلقيني في الإفتاء توفي في ذي الحجة كهلا دون الأربعين وفيها موفق الدين علي بن عبد الله الشاوري الزبيدي اليمني الشافعي كان بارعا في الفقه والصلاح مع الدين والتواضع وعرض عليه القضاء فامتنع توفي في صفر وفيها فرج بن عبد الله الشرفي الحافظي الدمشقي مولى شرف الدين بن الحافظ (6/354)
355 قال ابن حجر سمع من يحيى بن سعد وابن الزراد وغيرهما وأجاز لي غير مرة وتوفي في شوال وقد قارب التسعين وفيها محب الدين محمد بن أحمد بن محمد بن عماد المصري ثم المقدسي الشافعي ابن الهايم قال ابن حجر في أنباء الغمر ولد سنة ثمانين أو إحدى وثمانين وحفظ القرآن وهو صغير جدا وكان من آيات الله في سرعة الحفظ وجودة القريحة واشتغل في الفقه والعربية والقراءات والحديث ومهر في الجميع في أسرع مدة ثم صنف وخرج لنفسه ولغيره رافقني في سماع الحديث كثيرا وسمعت بقراءته المنهاج عن شيخنا برهان الدين وهو أذكى من رأيت من البشر مع الدين والتواضع ولطف الذات وحسن الخلق والصيانة مات في رمضان وأصيب به أبوه وأسف عليه عليه كثيرا عوضه الله الجنة انتهى بحروفه وفيها عز الدين محمد بن محمد بن محمد بن عثمان الأماسي بهمة وميم مفتوحتين وبعد الألف سين مهملة الدمشقي قال ابن حجر سمع من الحجار صحيح البخاري وحدث أجاز لي وكان ناظر الأيتام بدمشق ويتكسب بالشهادة تحت الساعات ويوقع على الحكام أقام على ذلك أكثر من ستين سنة مات في ربيع الآخر وقد ناهز الثمانين وفيها محمد بن محمد بن موسى بن عبد الله الشنشي بمعجمتين وبينهما نون مفتوحات الحنفي ناب في الحكم وكان أحد طلبة الصرغتمشية وكان فاضلا جاور بمكة سنة ثلاث وثمانين ومات في جمادى الأولى وفيها مقبل بن عبد الله الصرغتمشي تفقه وتقدم في العلم وصنف وشرح وشارك في العربية ومات في رمضان وأنجب ولده محمدا فشارك في الفضائل ومهر في الحساب وكان قصير القامة أحدب مات قبل أبيه بشهرين قاله ابن حجر وفيها ميكائيل بن حسين بن إسرائيل التركماني الحنفي نزيل عنتاب قدمها فأخذ عن الشيخ فخر الدين إياس وغيره وباشر بها بعض المدارس ولازم الإفادة أخذ عنه القاضي بدر الدين العيني وهو الذي ترجمه وقال أنه عاش أكثر من سبعين سنة مات في سابع عشر ذي الحجة وفيها جمال الدين أبو المحاسن (6/355)
356 يوسف بن تقي الدين أحمد بن العز إبراهيم بن الخطيب شرف الدين عبد الله بن الشيخ أبي عمر المقدسي الحنبلي أخو مسند عصره صلاح الدين الصالحي إمام مدرسة جده الشيخ أبي عمر سمع من الحجار وغيره ومهر في مذهبه وكان فاضلا جيد الذهن صحيح الفهم معروفا بذلك أثنى عليه ابن حجي بذلك وقال ابن حجر مهر في مذهبه وكان يعاب بفتواه بمسئلة الطلاق البتة أجاز لي انتهى توفي يوم الأحد ثامن عشر رمضان وصلى عليه من الغد ودفن بمقبرة جده أبي عمر سنة تسع وتسعين وسبعمائة فيها وصلت كتب من جهة تمرلنك فعوقب رسله بالشام وأرسلت الكتب التي معهم إلى القاهرة ومضمونها التحريض على إرسال قريبه اطلمش الذي أسره قرا يوسف فأمر السلطان أطلمش المذكور أن يكتب إلى قريبه كتابا يعرفه فيه ما هو عليه من الخير والإحسان بالديار المصرية وأرسل السلطان ذلك مع أجوبته ومضمونها أنك إذا أطلقت الذين عندك من جهتي أطلقت من عندي من جهتك والسلام وفيها توفي إبراهيم بن عبد الله الحلبي الصوفي الملقن قدم دمشق وهو كبير وأقرأ القرآن بالجامع وصارت له جماعة مشهورة ويقال أنه قرأ عليه أكثر من ألف نفس اسمه محمد خاصة وكان الفتوح يأتيه فيفرقه في أهل حلقته وكان أول من يدخل الجامع وآخر من يخرج منه واستسقوا به مرة بدمشق وكان شيخا طوالا كامل البنية وافر الهمة كثير الأكل مات في شعبان عن مائة وعشرين سنة وكانت جنازته حافلة جدا وفيها إبراهيم بن عبد الله وسماه الغساني في تاريخه حسن بن عبد الله قال الغساني المذكور حسن بن عبد الله الأخلاطي الحسيني كان منقطعا في منزله ويقال أنه كان يصنع اللازورد ويعرف الكيمياء واشتهر بذلك وكان يعيش عيش الملوك ولا يتردد لأحد وكان ينسب إلى الرفض لأنه كان لا يصلي الجمعة ويدعى من يتبعه أنه المهدي وكان أول أمره قدم حلب أي من بلاد العجم التي نشأ (6/356)
357 بها فنزل بجامعها منقطعا عن الناس فذكر للظاهر أنه يعرف الطب معرفة جيدة فأحضره إلى القاهرة ليداوي ولده فلم ينجع فاستمر مقيما بمنزله على شاطىء النيل إلى أن مات في أول جمادى الآخرة وقد جاوز الثمانين وخلف موجودا كثيرا ولم يوص بشيء فنزل قلمطاي الدويدار الكبير فاحتاط على موجوده فوجد عنده جام ذهب وقوارير فيها خمر وزنانير للرهبان ونسخة من الإنجيل وكتبا تتعلق بالحكمة والنجوم والرمل وصندوق فيه فصوص مثمنة على ما قيل وفيها برهان الدين أبو الوفا إبراهيم بن نور الدين أبي الحسن علي بن محمد بن أبي القسم فرحون بن محمد بن فرحون اليعمري المدني المالكي ولد بالمدينة الشريفة ونشأ بها وسمع من الحافظ جمال الدين المطري والوادياشي سمع منه الموطأ وغيرهما وتفقه وبرع وصنف وجمع وحدث وولي قضاء المالكية بالمدينة المنورة وكانت وفاته بها في ذي الحجة ودفن بالبقيع وقد جاوز التسعين وفيها نجم الدين أحمد بن إسمعيل بن محمد بن أبي العز وهب الأذرعي ثم الدمشقي الحنفي المعروف بابن الكشك ولد سنة عشرين وسمع من الحجار وحدث عنه وتفقه وولي قضاء مصر سنة سبع وسبعين فلم تطب له فرجع وولي قضاء دمشق مرارا آخرها سنة اثنتين وتسعين ثم لزم داره وكان خبيرا بالمذهب درس بأماكن وهو أقدم المدرسين والقضاة وكان عارفا صارما وأجاز له سنة مولده وبعدها القسم بن عساكر ويحيى بن سعد وابن الرزاز وابن شرف وزينب بنت سكر وغيرهم وأجاز هو للحافظ ابن حجر وضربه أخ له مختل بسكين فقتله رحمه الله وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم الصفدي نزيل مصر المعروف بابن شيخ الوضوء لأنه كان يتعاهد المطاهر فيعلم العوام الوضوء وهو والد الشيخ شهاب الدين وتوفي المترجم في ربيع الأول وفيها محب الدين أحمد بن أبي الفضل محمد بن أحمد بن عبد العزيز النويري الشافعي قاضي مكة وابن قاضيها ولد سنة إحدى وخمسين وسبعمائة وأسمعه أبوه على (6/357)
358 البدر بن جماعة وغيره وتفقه بأبيه وغيره وناب عن أبيه وولي قضاء المدينة في حياته ثم تحول إلى قضاء مكة سنة سبع وثمانين فمات بها وكان عارفا بالاحكام مشكورا وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن أسد بن قطليشا العطار ولد سنة بضع وعشرين وسبعمائة وحدث عن زينب بنت الكمال وأبي بكر بن الرضى وغيرهما وقال ابن حجر أجاز لي ومات في ربيع الأول وقد جاوز السبعين وفيها أبو بكر بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي ثم الصالحي الحنبلي قال في أنباء الغمر سمع من الحجار وحدث وكان به صمم مات في المحرم وقد جاوز الثمانين أجاز لي انتهى وفيها عماد الدين أبو الفداء إسمعيل بن الشيخ زين الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الأصل ثم الدمشقي الحنبلي المعروف بابن قيم الجوزية كان من الأفاضل واقتنى كتبا نفيسة وهي كتب عمه الشيخ شمس الدين بن القيم وكان لا يبخل بعاريتها توفي يوم السبت خامس عشرى رجب وفيها زينب بنت عبد الله بن عبد الحليم بن تيمية الحنبلية بنت أخي الشيخ تقي الدين قال ابن حجر سمعت من الحجار وغيره وحدثت وأجازت لي وفيها زينب بنت محمد بن عثمان بن عبد الرحمن الدمشقية يعرف أبوها بابن العصيدة حدثت بالإجازة العامة عن الفخر البخاري وغيره وأجازت لابن حجر وزاد عمرها على المائة وعشر سنين وفيها سعد بن عبد الله البهائي السبكي الشافعي مولى أبي البقاء سمع من زينب بنت الكمال والجزري بدمشق ومن العلامة شمس الدين بن القماح وإسمعيل بن عبد ربه بالقاهرة ومن غيرهم وأجاز للحافظ ابن حجر العسقلاني وتوفي في رمضان وفيها عبد الله بن علي بن عمر السنجاري الحنفي قاضي صور ولد سنة اثنتين وعشرين وتفقه بسنجار وماردين والموصل وأربل وحمل عن علماء تلك البلاد وحدث عن الصفي الحلبي بشيء من شعره وقدم دمشق فأخذ بها عن القونوي الحنفي ثم قدم مصر فأخذ عن شمس الدين الأصبهاني وأفتى ودرس وتقدم ونظر المختار في (6/358)
359 فقه الحنفية وغير ذلك وكان يصحب أمير على المارداني فأقام معه بمصر مدة وناب في الحكم ثم ولي وكالة بيت المال بدمشق ودرس بالصالحية وكان حسن الأخلاق لطيف الذات لين الجانب ومن شعره ( لكل امرىء منا من الدهر شاغل * وما شغلي ما عشت إلا المسائل ) وكان يحفظ كثيرا من الحكايات والنوادر وعنده سكون وتواضع توفي بدمشق في ربيع الآخر وفيها أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن مبارك بن حماد بن تركي بن عبد الله المعري نزيل القاهرة الشافعي ولد سنة أربع أو خمس عشرة وسمع من الدبوسي والواني وابن سيد الناس وخلق كثير وأجاز له ابن الشيرازي والقسم بن عساكر والحجار وخلق كثير أيضا وطلب بنفسه وتيقظ وأخذ الفقه عن السبكي وغيره وكان يقظا نبيها مستحضرا عابدا قانتا وكان يتسبب في حانوت بزاز ظاهر باب الفتوح ثم ترك ذلك قال ابن حجر وكان بينه وبين أبي مودة وصحبة فكان يزورنا بعد موت أبي وأنا صغير ثم اجتمعت به لما طلبت الحديث فأكرمني وكان يديم الصبر لي على القراءة إلى أن أخذت أكثر مروياته وقد تفرد برواية المستخرج على صحيح مسلم لأبي نعيم قرأته عليه كله وحدثت بالكثير من مسموعاته وقال لي شيخنا العراقي مرارا عزمت على أن أسمع عليه شيئا وقد تغير قليلا في أول هذه السنة واتفق له لما كان في الحانوت أن أودع عنده شخص مائتي دينار فوضعها في صندوق بالحانوت فنقب اللصوص الحانوت وأخذوا ما فيه فطابت نفس صاحب الذهب ولم يكذب الشيخ ولا اتهمه فاتفق أن الشيخ رأى في النوم بعد ستة أشهر من يقول له أن الذهب الوديعة في الحانوت وأنه وقع من اللص لما أخذ الصندوق في الدروند فأصبح فجاء إلى الحانوت فوجد الصرة كما هي قد غطاها التراب فأخذها وجاء إلى صاحب الذهب فقال خذ ذهبك فقال ما علمت منك إلا الصدق والأمانة وقد نقب حانوتك وسرق الذهب فلم كلفت نفسك واقترضت هذا الذهب فحدثه بالخبر فقال لا آخذ منه شيئا وأنت في حل منه فعالجه حتى أعياه (6/359)
360 فامتنع من أخذه فحج الشيخ وجاور مدة حتى أنفق الذهب وتوفي بمصر في تاسع عشرى ربيع الآخر وفيها أبو هريرة عبد الرحمن بن الحافظ أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي الشافعي مسند الشام في عصره أحضره أبوه على وزيرة بنت المنجا والقاضي سليمان وإسمعيل بن مكتوم وابن عبد الدايم وأسمعه من عيسى المطعم وابن الشيرازي وابن مشرف والقسم بن عساكر وأهل عصره فأكثر عنهم قال في أنباء الغمر وخرج له أربعين حديثا وحدث بها في حياة أبيه سنة سبع وأربعين وسبعمائة وحدث في غالب عمره وكان صبورا على الأسماع محبا لأهل الحديث والروايات ويذاكر بأشياء حسنة وأم بجامع كفر بطنا عدة سنين وأضر بآخره وتفرد بكثير من الشيوخ والرويات وأجاز لي غير مرة مات في ربيع الأول بقرية كفربطنا وله إحدى وثمانون سنة وفيها عبد القادر بن محمد بن علي بن حمزة العمري المدني المعروف بالحجاز قال ابن حجر روى عن جده وسمع من أصحاب الفخر وعنى بالعلم وتفقه قليلا مات في عيد الأضحى وذكر لنا السكري أنه رأى سماعه الموطأ على الوادياشي انتهى وفيها عثمان بن محمد بن وجيه الشيشيني بمعجمتين مكسورتين بعد كل منهما تحتانية ساكنة ثم نون قبل ياء النسب سمع جامع الترمذي من العرضي ومظفر الدين العسقلاني بسندهما المعروف وكان يباشر في الشهادات وينوب في الحكم ببعض البلاد وكان ذا مروءة ومواساة لأصحابه وأجاز للحافظ ابن حجر وتوفي يوم نصف ربيع الآخر وفيها علي بن أحمد بن عبد العزيز النويري ثم المكي المالكي ولد سنة أربع وعشرين وسمع من عيسى الحجي والزين بن علي والوادياشي وغيرهم وتفقه وباشر إمامة مقام المالكية بمكة خمسا وثلاثين سنة وناب في الحكم عن أبيه أبي الفضل ثم عن ابن أخيه وكان ذا مروءة وعصبية وتصلب في الأحكام مع المهابة وفيها شرف الدين عيسى بن عثمان بن عيسى بن غازي الغزي الشافعي ولد سنة تسع وخمسين وقدم دمشق وهو كبير فأخذ عن ابن حجي والحسباني وابن (6/360)
361 قاضي شهبة وغيرهم وعنى بالفقه والتدريس وناب في الحكم وولي قضاء داريا وأخذ عن ابن الخابوري الفقه بطرابلس وأذن له في الفتوى وكان بطيء الفهم متشاغلا في الأحكام مع المعرفة التامة وله تصنيف في أدب القضاء جوده وهو حسن في بابه وكان في أول أمره فقيرا ثم تزوج فماتت الزوجة فحصل له منها مال له صورة ثم تزوج أخرى كذلك ثم أخرى إلى أن أثرى وكثر ماله قال ابن حجي كان أكثر الناس يمقتونه مات في رمضان قاله ابن حجر وفيها زين الدين قاسم بن محمد بن إبراهيم بن علي النويري المالكي تفقه وقرأ المواعيد وأعاد للمالكية بأماكن وتصدر بالجامع الأزهر وغيره وكان صالحا خيرا دينا متواضعا مات في المحرم عن نحو ستين سنة وفيها القاضي شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي بكر الطرابلسي الحنفي تفقه ببلده على شمس الدين بن إيمان التركماني وغيره وبدمشق على صدر الدين ابن منصور وقدم القاهرة فتقرر من طلبة الصرغتمشية وأخذ عن السراج الهندي وناب عنه في الحكم وسمع على الشيخ جمال الدين الأسيوطي بمكة وولي القضاء بالقاهرة مرتين استقلالا وكان خبيرا بالأقضية عارفا بالوثائق قال العثماني في تاريخه كان شيخا مهابا مليح الشيبة فقيها مشاركا في الفنون عارفا بالشعر وطرق أحوال الأحكام انتهى توفي في ذي الحجة قبل انسلاخ الشهر بيوم وقد زاد على السبعين وفيها محمد بن أحمد بن سليمان الكفرسوسي اللبان المعمر قال ابن حجر زاد على المائة يقرءون عليه بإجازته العامة من الأبرقوهي ونحوه وأجاز لي انتهى وفيها محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن سلامة بن المسلم بن البهاء الحراني ثم الصالحي المؤذن المعروف بابن البهاء سمع من القسم بن عساكر والحجار وغيرهما وحدث في سنة ست وثمانين بالصحيح قرأه عليه بدر الدين بن مكتوم ومات في هذه السنة وفيها محب الدين محمد بن العلامة جمال الدين بن عبد الله بن يوسف بن هشام حضر على الميدومي وغيره وسمع من بعده وقرأ العربية على أبيه وغيره (6/361)
وشارك في غيرها قليلا وكان إليه المنتهى في حسن التعليم مع الدين المتين مات في رجب عن 362 نحو خمسين سنة وفيها ناصر الدين محمد بن الشيخ عز الدين محمد بن الشيخ ناصر الدين داود بن حمزة بن أحمد بن عمر بن أبي عمر الحنبلي المسند الأصيل المقرىء أجاز له إسحق النحاس وجماعة وسمع من القاضي سليمان وكان إمام المسجد المعروف بابيه عز الدين وقد أضر في آخر عمره انقطع ثلاثة أيام مطعونا وتوفي في ليلة ثامن رجب ودفن بتربة جده الشيخ أبي عمر على والده وفيها شرف الدين أبو الخطاب محمد بن القاضي جمال الدين محمد بن عبد الرحمن بن علي بن عبد الملك الدمشقي سبقط التقي السبكي ولد في رمضان سنة إحدى وخمسين وسبعمائة وأحضر على ابن الخباز وغيره وأجاز له ابن الملوك وجماعة من المصريين وكان أبوه قاضي المالكية ثم تحول هو شافعيا مع أخواله السبكية ونشأ بينهم فسلك طريقهم وولي إفتاء دار العدل وناب في الحكم عن برهان الدين بن جماعة نحو سنة بعد أن صاهره على ابنته فصرف عن قريب ثم استقل بالحكم بعده وولي خطابة المسجد الأقصى بعد وفاة ولد البرهان بن جماعة ثم طلب للقاهرة ليولي القضاء فأدركه أجله بها في شهر رجب وكان عفيفا صارما مع لين جانب شريف النفس حسن المباشرة للأوقاف مقصتدا في مأكله وملبسه وفيها جمال الدين محمود بن علي القيصري الرومي الحنفي المعروف بالعجمي قدم القاهرة قديما واشتغل بالفنون ومهر وولي الحسبة مرارا ثم نظر الأوقاف ودرس بالمنصورية في التفسير وولي مشيخة الشيخونية وقضاء الحنفية ونظر الجيش وكان بحالة املاق ثم وصل إلى ما وصل إليه حتى قال هذا الذي حصل لي أي من الغنى غلطة من غلطات الدهر وكان عنده دهاء مع حشمة زائدة وسخاء وكان فصيحا بالعربية والتركية والفارسية كثير التأنق في ملبسه ومأكله مات في سابع ربيع الأول وفيها يوسف ابن أمين الدين بن عبد الوهاب بن يوسف بن السلار الشماع حضر على الحجار وغيره وحدث وأجاز لابن حجر وتوفي (6/362)
في المحرم عن سبعين سنة والله تعالى أعلم 363 سنة ثمانمائة فيها نازل تمرلنك الهند فغلب على ولي كرسي المملكة وفتك على عادته وخرب وكان توجه إليها على طريق غريبة على البر ووصل زحفه إلى اليمن وكان السبب المحرم له على ذلك أن فيروز شاه ملك الهند مات فبلغه ذلك فسمت نفسه إلى الاستيلاء على أمواله فتوجه في عساكره وكان فيروز شاه لما مات قام بالأمر بعده بلوا الوزير واستقر في المملكة فقصده اللنك فاستقبله بلوا بجد وصدر أمام عسكره الفيلة عليها المقاتلة فلما استقبلتها خيل اللنك هربت منها فبادر اللنك وأمر باستعمال قطع من الحديد على صفة الشوك وألقاها في المنزلة التي كان بها فلما أصبحوا واصطفوا للقتال أمر عساكره بالتقهقر إلى خلف فظنوا أنهم انهزموا فتبعوهم فاجتازت الفيلة على ذلك الشوك الكائن في الأرض فجفلت منه أعظم من جفل الخيل منها ورجعت القهقري من ألم الحديد فكانت أشد عليهم من عدوهم بحيث طحنت المقاتلة الرجال والفرسان فانهزموا بغير قتال وفيها في شوال كان الحريق العظيم بدمشق عم الحريريين والقواسين والسوفيين وبعض النخاسين ووصلت النار إلى حائط الجامع وإلى قرب النورية واحترقت الجوزية وحمام نور الدين وغير ذلك وأقام من يوم السبت العشرين من شوال إلى يوم الثلاثاء ثالث عشرينه وفيها برهان الدين إبراهيم بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة الحنبلي المعروف بالقاضي الشيخ الإمام الصالح أخو الحافظ شمس الدين حضر على الحجار وسمع من أحمد بن علي الحريري وعائشة بنت المسلم وزينب بنت الكمال وحدث فسمع منه الحافظ ابن حجر وتوفي في شوال وفيها إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد المؤمن بن سعيد بن علوان بن كامل التنوخي البعلي ثم الشامي نزيل القاهرة الشافعي شيخ الإقراء ومسند القاهرة وله سند تسع أو عشر وسبعمائة وأجاز له إسمعيل بن مكتوم وابن عبد الدايم والقسم (6/363)
364 ابن عساكر وجمع كثير يزيدون على الثلاثمائة ثم طلب الحديث بنفسه فسمع الكثير من أبي العباس الحجار والبرزالي والمزي وخلق كثير يزيد على المائتين وعنى بالقراءات فأخذ عن البرهان الجعبري والبرقي وغيرهما ثم رحل فأخذ عن أبي حيان وابن السراج وغيرهما ومهر في القراءات وكتب مشايخه له خطوطهم بها وتفقه على المازري بحماة وابن النقيب بدمشق وابن القماح بالقاهرة وغيرهم وأذنوا له وأفاد وحدث قديما قال ابن حجر قرأت عليه الكثير ولازمته طويلا وخرجت له عشاريات غاية ثم خرجت له المعجم الكبير في أربعة وعشرين جزءا فصار يتذكر به مشايخه وعهده القديم فانبسط للسماع وحبب إليه فأخذ عنه أهل البلد والرحالة فأكثروا عنه وكان قد أضر بآخره وحصل له خلط ثقل منه لسانه فصار كلامه قد يخفى بعضه بعد أن كان لسانه كما يقال كالمبرد ومات فجأة من غير علة في جمادى الأولى انتهى وفيها تاج الدين أحمد بن القاضي فتح الدين محمد بن أبي بكر إبراهيم بن أبي الكرم محمد بن الشهيد الشامي الفقيه الشافعي شارك في الفنون والنظم والنثر ودرس في عدة أماكن وباشر قضاء العسكر وكان محبوبا إلى الناس توفي في ذي القعدة وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن موسى الدمشقي الشوبكي نزيل مكة قال ابن حجر كان عارفا بالفقه والعربية مع الدين والورع وأتقن القراءات وجاور بمكة نحو عشر سنين فقرأوا عليه ومات بها في ربيع الأول وهو في عشر الخمسين وكانت جنازته حافلة جدا وفيها بدر الدين حسن بن علي بن سور بن سليمان البرماوي الشافعي ابن خطيب الحديثة قال ابن حجي اشتغل وحصل وذكر في النبهاء بعد الخمسين وقرر في عدة وظائف ثم تركها وأقبل على العبادة والمواظبة على الأوراد الشاقة ولم يغير زي الفقهاء وكان شكلا حسنا نير الوجه منبسطا ولا يكون في الخلوة إلا مصليا أو تاليا أو ذاكرا أو مطالعا في كتاب وكان يبدي مسائل ومشكلات ويحسن الجواب ولم يكن في عصره من الفقهاء أعبد منه وكان أخوه القاضي (6/364)
شرف الدين قد كفاه هم الدنيا مات في سلخ رمضان انتهى 365 وفيها زينب بنت عثمان بن محمد بن لولو الدمشقية سمعت الحجار وأجازت للحافظ ابن حجر وفيها أبو عامر عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق المريني صاحب فاس وبلاد المغرب توفي في جمادى الآخرة واستقر بعده أخوه أبو سعيد عثمان ودبر أمر المملكة أحمد بن علي القبائلي على عادته في أيام أخيه وفيها تاج الدين أبو محمد عبد الله بن علي بن عمر السنجاري الحنفي المعروف بقاضي صور بفتح الصاد المهملة بلدة بين حصن كيفا وبين ماردين بديار بكر ولد بسنجار سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة وتفقه بها وبالموصل وماردين وكان إماما عالما بارعا مفننا في الفقه والأصلين والعربية واللغة أفتى ودرس سنين وقدم إلى دمشق ثم إلى القاهرة وأخذ عن علماء المصريين وألف عدة كتب منها البحر الحاوي في الفتاوى ونظم المختار في الفقه ونظم السراجية في الفرائض ونظم سلوان المطاع لابن ظفر وناب في الحكم بالقاهرة ودمشق وولي وكالة بيت المال بدمشق وكان من محاسن الدنيا توفي آخر هذه السنة رحمه الله تعالى وفيها عبد الرحمن بن أحمد بن المقداد بن أبي الوسم بن هبة الله بن المقداد القيسي الصقلي الأصل ثم الدمشقي قال ابن حجر سمع من الحجار وحفيد العماد والمزي وهلال بن أحمد البصراوي وأيوب بن نعمة الكحال وغيرهم وحدث وهو رجل جيد أجاز لي غير مرة وكان قد انفرد بسماع مسند الحميدي انتهى وفيها مجد الدين عبد الرحمن بن مكي الأقفهسي المالكي تفقه وناب في الحكم وتوفي في جمادى الاولى وفيها علاء الدين علي بن صلاح الدين محمد بن زين الدين محمد بن المنجا بن محمد بن عثمان الحنبلي التنوخي قاضي الشام تقدم في العلم إلى أن صار أمثل فقهاء الحنابلة في عصره مع الفضل والصيانة والديانة والأمانة وناب عن ابن قاضي الجبل ثم استقل بالقضاء سنة ثمان وثمانين بعد موت ابن التقي ثم صرف مرارا وأعيد إلى أن مات في رجب (6/365)
بالطاعون بمنزله بصالحية دمشق وفيها علي بن محمد بن محمد بن أبي المجد بن علي الدمشقي المحدث 366 سبط القاضي نجم الدين الدمشقي ويعرف بابن الصايغ وبابن خطيب عين ترما وبالجوزي لأن أباه كان إمام مسجد الجوزة بدمشق ولد في ربيع الأول سنة سبع وسبعمائة وسمع من ابن تيمية والقسم بن عساكر ووزيرة والحجار وخلق وتفرد بالسماع منهم وخرجت له عنهم مشيخة وأجاز له سنة ثلاث عشرة التقى سليمان والمطعم والدبوسي وابن سعد وابن الشيرازي وظهر سماعه للصحيح من ست الوزراء بآخره فقرأوا عليه بدمشق ثم قدم القاهرة فحدث به مرارا قال ابن حجر سمعت عليه سنن ابن ماجه ومسند الشافعي وتاريخ أصبهان وغير ذلك من الكتب الكبار والأجزاء الصغار فأكثرت عنه وكان صبورا على التسميع ثابت الذهن ذاكرا ينسخ بخطه وقد جاوز التسعين صحيح السمع والبصر رجع إلى بلده فأقام بمنزله إلى أن مات في ربيع الأول وفيها شمس الدين محمد بن يسير البعلبكي المعروف بابن الأقرع الحنبلي الأعجوبة قال في أنباء الغمر اشتغل كثيرا وتمهر وكان جيد الذهن قوي الحفظ يعمل المواعيد عن ظهر قلب وله عند العامة بدمشق قبول زائد وكان طلق اللسان حلو الإيراد مات في شهر رمضان مطعونا انتهى وفيها بهاء الدين أبو البقاء محمد بن حجي الحسباني الشافعي أخو قاضي الشام الآن نجم الدين عمر والشيخ شهاب الدين ولد سنة ثلاث وستين وسبعمائة وعنى بالعلم وشارك في عدة فنون وكان حسن الصوت بالقرآن جدا توفي في شوال شابا وفيها أبو عبد الله محمد بن سلامة التوزري المغربي الكركي نزيل القاهرة قال ابن حجر كان فاضلا مستحضرا لكثير من الأصول والفقه صحب السلطان في الكرك فارتبط عليه واعتقده ثم قدم عليه فعظمه جدا وكان يسكن في مخزن في اسطبل الأمير قلمطاي الدويدار وإذا ركب إلى القلعة ركب على فرس بسرج ذهب وكبنوش مزركش من مراكب السلطان وكان داعية إلى مقالة ابن العربي الصوفي يناضل عنها ويناظر عليها ووقع له مع شيخنا (6/366)
الشيخ سراج الدين البلقيني مقامات اجتمعت به وسمعت كلامه وكنت أبغضه في الله تعالى وكان قد حج في 367 السنة الماضية ووقع بينه وبين ابن النقاش وغيره ممن حج من أهل الدين وقائع وكتبوا عليه محضرا بأمور صدرت منه فيها ما يقتضي الكفر ولم يتمكنوا من القيام عليه لميل السلطان إليه مات في الرابع والعشرين من ربيع الأول ولما مات أمر السلطان ليلبغا السالمي بمائتي دينار ليجهزه بها فتولى غسله وتجهيزه وأقام على قبره خمسة أيام بالمقرئين على العادة انتهى كلام ابن حجر وفيها جمال الدين محمد بن عبد اللطيف بن محمد بن يوسف الزرندي المدني الحنفي عنى بالفقه والحديث وبرع في مذهب الإمام الأعظم توفي بين مكة والمدينة وفيها أمين الدين محمد بن محمد بن علي الأنصاري الحمصي الدمشقي الحنفي تقدم في الأدب وأخذ الفقه عن رمضان الحنفي والعربية عن تقي الدين بن الحمصية وولي كتابة السر بحمص ثم بدمشق قال ابن حجر قدم القاهرة مع نائبها تتم فاجتمعت به وسمعت عليه قطعة من نظمه وأجاز لي وكان شكلا حسنا مع التواضع والأدب وكان له في النظم والنثر اليد البيضاء طارح فتح الدين بن الشهيد وعلاء الدين التبريزي وفخر الدين بن مكانس وغيرهم وأثنى عليه طاهر بن حبيب وقال كانت له مشاركة في الفنون وكتابة فائقة وعبارة رائقة توفي في ربيع الأول ولم يكمل الخمسين ومن شعره ( كلما قلت قد نصرت عليه * لاح من عسكر اللحاظ كمينا ) ( خنت فيه مع التشوق صبري * ليت شعري فكيف أدعي أمينا ) وفيها شمس الدين محمد بن المبارك بن عثمان الحلبي الرومي الأصل الحنفي أصله من قرية يقال لها مترى قرأ ببلاده الهداية على التاج بن البرهان ثم قدم حلب فأخذ عن الشيخ شمس الدين بن الأقرب وقطبها وكان صالحا خيرا متعبدا وهو آخر فقهاء حلب المتعبدين العاملين كثير التلاوة والخير والعبادة والإيثار قدم القاهرة فأخذ عن العراقي وابن الملقن والجلال التباني وحج وجاور ومات في ثامن عشر شهر رمضان (6/367)
368 وفيها بدر الدين محمد بن يوسف بن أحمد بن الرضى عبد الرحمن الدمشقي الحنفي اشتغل وبرع وسمع من ابن الخباز وابن عبد الكريم وكان أعرف من بقي من الحنفية بنقل الفقه مع جودة النباهة ودرس بأماكن وأفتى وناب في الحكم وكان هو المعتمد عليه في المكاتيب بدمشق وتوفي في ذي الحجة وفيها شمس الدين محمد بن يوسف بن أبي المجد الحكار سمع من الميدومي وابن عبد الهادي وغيرهما وأجاز له جماعة من المصريين والشاميين وحدث وسمع منه الحافظ ابن حجر وتوفي في رجب والله تعالى أعلم. (6/368)
الجزء السابع 1 اسم المدخل : تمام عباس محمد اسم الكتاب : شذارت الذهب في أخبار من ذهب اسم المؤلف : أبي الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي (7/1)
2 بسم الله الرحمن الرحيم سنة إحدى وثمانمائة وهي أول القرن التاسع من الهجرة قال ابن حجر دخلت وسلطان مصر والشام والحجاز الملك الظاهر أبو سعيد برقوق وسلطان الروم أبو يزيد بن عثمان وسلطان اليمن من نواحي تهمامة الملك الأشرف إسماعيل بن الأفضل بن المجاهد وسلطان اليمن من نواحي الجبال الإمام الزيدي الحسني علي بن صلاح وسلطان المغرب الأوسط أبو سعيد عثمان المريني وسلطان المغرب الأقصى ابن الأحمر وصاحب البلاد الشرقية تيمور كوركان المعروف باللنك وصاحب بغداد أحمد بن أويس وأمير مكة حسن بن عجلان بن رميثة الحسني وبالمدينة ثابت بن نفير والخليفة العباسي أبو عبد الله محمد المتوكل على الله بن المعتضد بالله أبي بكر ويدعى أمير المؤمنين ونازعه في هذا الاسم الإمام الزيدي وبعض ملوك المغرب وصاحب اليمن لكن خطيبها يدعو في خطبته للمستعصم العباسي أحد الخلفاء ببغداد وكان نائب دمشق يومئذ تنم الحسنى وبتحلب أرغون شاه وبطرابلس أقبغ الحمالي وبحماة يونس الغلمطاوي وبصفد شهاب الدين بن الشيخ علي وبغزة طيفورا انتهى وقال الحافظ السخاوي قد أفردت تراجم أهله في ست مجلدات وفيها غزا اللنك بلاد الهند واستولى على دلى وسبى منها خلقا كثيرا ولما رجع إلى سمرقند بيع السبي الهندي برخص عظيم لكثرته وفيها توفي العلامة برهان الدين أبو محمد إبراهيم بن موسى بن أيوب الأبناسي بفتح الهمزة وسكون الموحدة بعدها نون وفي آخره سين نسبة إلى أبناس قرية (7/2)
3 صغيرة بالوجه البحري ولد على ما نقل من خطه بابناس سنة خمس وعشرين وسبعمائة تقريبا وقدم القاهرة وله بضع وعشرون سنة وسمع بها وبدمشق من جماعة وخرج له الحافظ ولي الدين بن العراقي مشيخة وتخرج في فقه الشافعية على الشيخين جمال الدين الأسنائي وولي الدين المنفلوطي وغيرهما وتخرج في الحديث بمغلطاي قال المؤرخ ناصر الدين بن الفزات كان شيخ الديار المصرية مربيا للطلبة وله مصنفات في الحديث والفقه والأصول والعربية وحج وجاور مرات وقال الحافظ ابن حجر مهر في الفقه والأصول والعربية وشغل فيها وبنى زاوية بالمقس ظاهر القاهرة وأقام بها يحسن إلى الطلبة ويجمعهم على التفقه ويرتب لهم ما يأكلونه ويسعى لهم في الرزق خصوصا الواردين من النواحي فصار أكثر الطلبة بالقاهرة تلامذته وتخرج به خلق كثير وكان حسن التعليم لين الجانب متواضعا بشوشا متعبدا متقشفا مطرح التكلف وقد عين للقضاء فتوارى وذكر أنه فتح المصحف فخرج ( ^ قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه ) ولم يزل مستمرا على طريقته وإفادته ونقعه إلى أن حج فمات راجعا في المحرم بعيون القصب بالقرب من عقبة أيلة ودفن هناك وفيها شهاب الدين أحمد بن إبراهيم بن عبد العزيز بن علي الموصلي الأصل الدمشقي ابن الخباز نزيل الصالحية قال في أنباء الغمر سمع من أبي بكر بن الرضى وزينب بنت الكمال وغيرهما وحدث سمع منه صاحبنا الحافظ غرس الدين وأظنه استجازه لي ومات في شهر ربيع الأول عن بضع وثمانين وسنة انتهى وفيها شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن محمد العبادي الحنفي تفقه على السراج الهندي وفضل ودرس وشغل ثم صاهر القليجي وناب في الحكم ووقع على القضاء ودرس بمدرسة الناصر حسن وكان يجمع الطلبة ويحسن إليهم (7/3)
4 وحصلت له محنة مع السالمي وأخرى مع الملك الظاهر وتوفي في ثامن أو تاسع عشر ربيع الآخر وفيها أحمد بن سليمان بن محمد بن سليمان بن مروان الشيباني البعلبكي ثم الصالحي أحد رواة الصحيح عن الحجار وسمع أيضا منه غيره وله إجازة من أبي بكر بن محمد بن عنتر السلمي وغيره وحدث ومات في ذي الحجة وفيها القاضي برهان الدين أحمد بن عبد الله السيواسي الحنفي قاضي سيواس قدم حلب واشتغل بها ودخل القاهرة ورجع إلى سيواس فصاهر صاحبها ثم عمل عليه حتى قتله وصار حاكما بها وقد قتل في المعركة لما نازله التتار الذين كانوا بأذربيجان وكان جوادا فاضلا وله نظم وفيها القاضي عماد الدين أبو عيسى أحمد بن عيسى بن موسى بن جميل المعيري بكسر الميم وسكون العين المهملة وفتح التحتية وآخره راء نسبة إلى معير بطن من بني أسد الكركي العامري الأزرقي الشافعي ولد في شعبان سنة إحدى وأربعين وسبعمائة وحفظ المنهاج واشتغل بالفقه وغيره وسمع الحديث من التباني وغيره وسمع بالقاهرة من أبي نعيم بن الحافظ تقي الدين عبيد الأسعردي وغيره وحدث ببلده قديما سنة ثمان وثمانين ولما قدم القاهرة قاضيا خرج له الحافظ أبو زرعة مشيخة سمعها عليه الحافظ ابن حجر وكان أبوه قاضي الكرك فلما مات استقر مكانه وقدم القاهرة سنة اثنتين وسبعين ثم قدمها سنة اثنتين وثمانين وكان كبير القدر في بلده محببا إلى أهلها بحيث لا يصدرون إلا عن رأيه فاتفق أن الظاهر لما سجن في الكرك قام هو وأخوه علاء الدين علي في خدمته فحفظ لهما ذلك فلما تمكن أحضرهما إلى القاهرة وولي عماد الدين قضاء الشافعية وعلاء الدين كتابة السر وذلك في رجب سنة اثنتين وسبعين فباشر بحرمة ونزاهة واستكثر من النواب وشدد في رد رسائل الكبار وتصلب في الأحكام فتمالؤا عليه فعزل في أواخر سنة أربع وتسعين واستمرت عليه (7/4)
5 وظائف كثيرة ثم شغرت خطابة الأقصى وتدريس الصلاحية سنة تسع وتسعين فقررهما عليه السلطان وباشرهما بالقدس وانجمع عن الناس وأقبل على العبادة والتلاوة إلى أن مرض فنزل عن خطابة القدس لولده شرف الدين عيسى ثم مات في سابع عشرى ربيع الأول وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن السلار الصالحي ابن أخي الشيخ ناصر الدين إبراهيم ولد سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة وأحضر على أبي العباس بن الشحنة وأجاز له أيوب بن نعمة الكحال والشرف بن الحافظ وعبد الله بن أبي التايب وآخرون وحدث فسمع منه الحافظ غرس الدين والمعازفي وتوفي في أواخر ذي الحجة وفيها تاج الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الرحمن البلبيسي الشافعي الخطيب ولد سنة ثمان وعشرن وسبعمائة واشتغل وتفقه ولم يحصل له من سماع الحديث ما يناسب سنه لكنه لما جاور بمكة سمع من الكمال بن حبيب عدة كتب حدث عنه بها كمعجم ابن قانع وأسباب النزول وجزء ابن ماجه وولي أمانة الحكم بالقاهرة ودرس بالجامع الخطيري وخطب به وناب في الحكم ببولاق ومات في ربيع الأول وفيها ناصر الدين أحمد بن جمال الدين محمد بن شمس الدين محمد بن رشيد الدين محمد بن عوض الأسكندراني الزبيري نسبة إلى الزبير بن العوام المالكي قال ابن حجر بهر وفاق الأقران في العربية وولي قضاء بلده ثم قدم القاهرة وظهرت فضائله وولي قضاء المالكية بها فباشره بعفة ونزاهة وناب عنه البدر الدماميني وقال فيه من أبيات ( وأجاد فكرك في بحار علومه * سبحا لانك من بني العوام ) وكان عاقلا متوددا موسعا عليه في المال سليم الصدر طاهر الذيل قليل الكلام لم يؤذ أحدا بقول ولا فعل وعاشر الناس بجميل فأحبوه شرح (7/5)
6 التسهيل ومختصر ابن الحاجب وتوفي في أول شهر رمضان وفيها الملك الظاهر برقوق بن أنس بن عبد الله الجركسي العثماني ذكر الخواجا عثمان الذي أحضره من بلاد الجركس أنه اشتراه منه يلبغا الكبير واسمه حينئذ الطنبغا فسماه برقوقا لنتوء في عينيه فكان في خدمة يلبغا من جملة المماليك الكتابية ثم كان فيمن نفى إلى الكرك بعد قتل يلبغا ثم اتصل بخدمة منجك نائب الشام ثم حضر معه إلى مصر ثم اتصل بخدمة الأشرف شعبان فلما قتل الأشرف ترقى برقوق إلى أن أعطي إمرة أربعين وكان هو وجماعة من إخوته في خدمة اينبك شم لما قام طلعتمر على اينبك وقبض عليه ركب بركة وبرقوق ومن تابعهما على المذكور وأقاما طشتمر العلائي مدبرا للملكة اتابكا واشتهروا في خدمته إلى أن قام عليه مماليكه في أواخر سنة تسع وسبعين فآل الأمر إلى استقلال بركة وبرقوق في تدبير المملكة بعض القبض على طشتمر فلم تطل الأيام حتى اختلفا وتباينت أغراضهما وقد سكن برقوق في الاصطبل السلطاني وأول شيء صنعه أن قبض على ثلاثة من أكابر الأمراء كانوا من أتباع بركة فبلغه ذلك فركب على برقوق ودام الحرب بينهما أياما إلى أن قبض على بركة وسجنه بالأسكندرية وانفرد برقوق بتدبير المملكة إلى أن دخل شهر رمضان سنة أربع وثمانين تم له الأمر استقلالا بالملك فجلس على تخت الملك ولقب الملك الظاهر وبايعه الخليفة وهو المتوكل محمد بن المعتضد والقضاة والأمراء ومن تبعهم وخلعوا الصالح حاجي بن الأشرف وأدخل به إلى دور أهله بالقلعة واستمر في الملك إلى وفاته وجرت عليه أتعاب وكان شهما شجاعا ذكيا خبيرا بالأمور عارفا بالفروسية خصوصا اللعب بالرمح يحب الفقراء ويتواضع لهم ويتصدق كثيرا ولا سيما إذا مرض وأبطل في ولايته كثيرا من المكوس وضخم ملكه حتى خطب له على منابر توريز وضربت الدنانير والدراهم فيها باسمه وعلى منابر ماردين والموصل وسنجار وغير ذلك وكان جهوري (7/6)
7 الصوت كبير اللحية واسع العينين محبا لجمع المال طماعا جدا ومن آثاره المدرسة القائمة بين القصرين بالقاهرة لم يتقدم بناء مثلها وعمل جسر الشريعة وانتفع به المسافرون كثيرا وفي ذلك يقول شمس الدين محمد المزين ( بنى سلطاننا للناس جسرا * بأمر والوجوه له مطيعه ) ( مجازا في الحقيقة للبرايا * وأمرا بالسلوك على الشريعة ) وبالجملة فإنه كان أعظم ملوك الجراكسة بلا مدافعة بل المتعصب يقول أنه أعظم ملوك الترك قاطبة وتوفي على فراشه ليلة نصف شوال بالقاهرة عن نحو ستين سنة وترك من الذهب العين ألفي ألف ألف دينار وأربعمائة ألف دينار ومن الأثاث وغيره ما قيمته ألف ألف دينار وأربعمائة ألف دينار قاله المقريزي وعهد بالسلطنة إلى ابنه فرج وله يومئذ عشر سنين وفيها الشيخ الصالح عبد الله بن سعد بن عبد الكافي المصري ثم المكي المعروف بالحرفوش صاحب كتاب الحريفيش في الوعظ كان رجلا عالما زاهدا صوفيا واعظا مشهورا بالخير وللناس فيه اعتقاد زائد ويخبر بأشياء فتقع كما يقول وجاور بمكة أكثر من ثلاثين سنة ومات في أول هذه السنة وفيها ست القضاة بنت عبد الوهاب بن عمر بن كثير ابنة أخي الحافظ عماد الدين حدثت بالإجازة عن القسم بن عساكر وغيره من شيوخ الشام وعن علي الواني وغيره من شيوخ مصر وخرج لها صلاح الدين أربعين حديثا عن شيوخها وتوفيت في جمادى الآخرة وقد جاوزت الثمانين وفيها صفية بنت القاضي عماد الدين إسمعيل بن محمد بن العز الصالحية ولي أبوها القضاء وحدثت هي بالإجازة عن الحجار وأيوب الكحال وغيرهما وسمعت من عبد القادر الأيوبي وماتت في المحرم وفيها جمال الدين عبد الله بن شهاب الدين أحمد بن صالح بن أحمد بن خطاب الزهري الشافعي ولد في جمادى الآخرة سنة تسع وستين وحفظ التمييز وأذن (7/7)
8 له أبوه في الافتاء ودرس بالقليجية وغيرها وناب في الحكم وكان عالي الهمة توفي في المحرم وفيها جمال الدين عبد الله بن أبي عبد الله السكوني بفتح السين المهملة وضم الكاف وفي آخره نون نسبة إلى سكون بطن من كندة المالكي أحد المدرسين في مذهبه كان بارعا في العلم مع الدين والخير ودرس بالأشرفية وتوفي في ربيع الآخر وفيها عبد الرحمن بن أحمد بن الموفق إسمعيل بن أحمد الصالحي المعروف بابن الذهبي الحنبلي ناظر المدرسة الصلاحية بالصالحية حدث عن ابن أبي التايب ومحمد بن أيوب بن حازم وزينب بنت الكمال وأجاز له الحجار وأجاز هو للشهاب بن حجر وقال بلغني أنه تغير بآخره ولم يحدث في حال تغيره وتوفي في جمادى الأولى وقد جاوز السبعين وفيها صدر الدين عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن داود الكفري الشافعي عنى بالفقه وناب في الحكم في دمشق ومات بها في المحرم عن أربعين سنة وكانت له همة في طلب الرياسة قاله ابن حجر وفيها عبد الرحمن بن موسى بن راشد بن طرخان الملكاوي ابن أخي الشيخ شهاب الدين الشافعي اشتغل بالفقه وحفظ المنهاج ونظر في الفرائض واعترته في آخر أمره غفلة وكان مع ذلك حافظا لأمره وتوفي في المحرم ولم يكمل الخمسين وفيها علي بن أحمد بن الأمير بيبرس الحاجب المعروف بأمير علي بن الحاجب المقرىء تلا بالسبع وكان حسن الأداء مشهورا بالمهارة في العلاج يقال عالج بمائة وعشرة أرطال مات في ربيع الآخر وقد شاخ قاله ابن حجر وفيها علي بن أيبك بن عبد الله الدمشقي الشاعر اشتهر بالنظم وكان له إلمام بالتاريخ وعلق تاريخا لحوادث زمانه ومن شعره ( كأن الراح لما راح يسعى * بها في الراح مياس القوام ) (7/8)
9 ( سنا المريخ في كف الثريا * يحيينا به بدر التمام ) ومنه ( مليح قام يجذب غصن بان * فمال الغصن منعطفا عليه ) ( وميل الغصن نحو أخيه طبع * وشبه الشيء منجذب إليه ) وأجاز ابن حجر العسقلاني وتوفي في ثاني عشر ربيع الأول عن اثنتين وسبعين سنة وفيها عمر بن سراج الدين عبد اللطيف بن أحمد المصري الفيومي الشافعي نزيل حلب تفقه بالقاهرة على السراج البلقيني وغيره ثم رحل إلى حلب فولي بها قضاء العسكر ثم عزل وكان فقيها بارعا في الفرائض مشاركا في بقية العلوم وله نثر ونظم وخمس البردة ومن شعره ( دع منطقا فيه الفلاسفة الأولى * ضلت عقولهم ببحر مغرق ) ( واجنح إلى نحو البلاغة واعتبر * أن البلاء موكل بالمنطق ) ومنه فيما يحيض من الحيوان الناطق وغيره ( المرأة والخفاش ثم الأرنب * والضبع الرابع ثم المراب ) وفي كتاب الحيوان يذكر للحاحظ أنقل عنه ما لا ينكر قتل في أواخر المحرم في خان غباغب خارج دمشق وهو قاصد للديار المصرية وفيها قنبر بن عبد الله العجمي الشرواني الأزهري الشافعي اشتغل في بلده وقدم الديار المصرية فأقام بالجامع الأزهر وكان معرضا عن الدنيا قانعا باليسير يلبس صيفا وشتاء قميصا ولبادا وعلى رأسه كوفية لبد لا غير وكان لا يتردد إلى أحد ولا يسأل من أحد شيئا وإذا فتح عليه بشيء ما أنفقه على من حضر وكان يحب السماع والرقص ويتنزه في أماكن النزهة على هيئته ومهر في الفنون العقلية وتصدر بالجامع الأزهر واشتغل وكان حسن التقرير جيد التعليم قال ابن حجر اجتمعت به مرارا وسمعت درسه وكان يذكر بالتشيع وشوهد مرارا (7/9)
10 يمسح على رجليه من غير خف وتوفي في شعبان وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي العز بن أحمد بن أبي العز بن صالح بن وهب الأذرعي الأصل الدمشقي الحنفي المعروف بابن النشو ولد سنة إحدى وعشرين وأسمع من الحجار وإسحق الآمدي وعبد القادر بن الملوك وغيرهم وحدث وكان أحد العدول بدمشق وتوفي في صفر وفيها شرف الدين أبو بكر محمد بن عمر العجلوني نزيل حلب المعروف بابن خطيب سرمين أصله من عجلون ثم سكن أبوه عزاز وولي خطابة سرمين وقرأ المترجم بحلب على الباريني وسمع من ابن العجمي وغيره ووعظ على الكرسي بحلب وحج وجاور بمكة مرارا وسمع منه في مجاورته في هذه السنة ابن حجر وكتب هو عن أبي عبد الله بن جابر الأعمى المغربي قصيدته البديعة وحدث بها عنه وسمعها منه ابن حجر وتوفي بمكة في سادس عشر صفر وفيها بدر الدين محمد بن أحمد بن موسى الدمشقي الرشادي الفقيه الشافعي اشتغل كثيرا ونسخ بخطه الكثير ودرس بالعصرونية وكان منجما قليل الشر أفتى ودرس وتوفي في ربيع الأول وقد جاوز الأربعين وفيها الملك المنصور محمد بن الملك المظفر حاجي بن الناصر محمد بن قلاوون الصالحي ولد سنة ثمان وأربعين وسبعمائة وولي السلطنة عبد عمه الناصر حسن في جمادى الأولى سنة اثنتين وستين ودبر دولته يلبغا وسافر معه إلى الشام وكان عمره إذ ذاك نحو خمس عشرة سنة فترعرع بعد أن رجع من السفر وكثر أمره ونهيه فخشي يلبغا منه فأشاع أنه مجنون وخلعه من السلطنة في شعبان سنة أربع وستين فكانت مدة سلطنته ثلاث سنين وشهرين وخمسة أيام واعتقل بالحوش في المكان الذي به ذرية الملك الناصر إلى أن مات في تاسع محرم هذه السنة وخلف عشرة أولاد وقرر لهم الملك الظاهر مرتبا وفيها نسيم الدين أبو عبد الله محمد بن سعيد بن مسعود بن محمد بن علي النيسابوري (7/10)
11 ثم الكازروني الفقيه الشافعي نشأ بكازرون وكان يذكر أنه من ذرية أبي علي الدقاق وأنه ولد سنة خمس وثلاثين وسبعمائة وأن المزي أجاز له واشتغل بكازرون على أبيه وبرع في العربية وشارك في الفقه وغيره مشاركة حسنة مع عبادة ونسك وخلق رضي وحج وأقام بمكة مدة طويلة ثم حج سنة اثنتين وثمانين وجاور بمكة أيضا نحو ست عشرة سنة وكان حسن التعليم غاية في الورع وانتفع به أهل مكة وغيرهم قال السيوطي وروى لنا عنه جماعة من شيوخنا المكيين وتوفي ببلده في هذه السنة وفيها أمين الدين محمد بن علي بن عطا الدمشقي كان فاضلا فارعا في التصوف والعقليات درس بالأسدية وكان يسجل على القضاة وإليه النظر على وقف جده الصاحب شهاب الدين بن تقي الدين مات في ذي الحجة وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن علي بن ضرغام بن عبد الكافي البكري بن سكر بضم المهملة وتشديد الكاف الحنفي المصري نزيل مكة ولد سنة ثمان عشرة وسبعمائة وطلب الحديث والقراءات وسمع ما لا يحصى ممن لا يحصى وجمع شيئا كثيرا بحيث كان لا يذكر له جزء حديثي إلا ويخرج سنده من ثبته عاليا أو نازلا وذكر أن سبب كثرة مروياته وشيوخه أنه كان إذا قدم الركب مكة طاف على الناس في رحالهم ومنازلهم يسأل من له رواية أو حظ من علم فيأخذ عنه مهما استطاع وكتب بخطه ما لا يحصى من كتب الحديث والفقه والأصول والنحو وغيرها وخطه رديء وفهمه بطيء وأوهامه كثيرة قال ابن حجر سمعت منه بمكة وقد أقرأ القراءات بها وتغير بآخره تغيرا يسيرا وكان ضابطا للوفيات محبا للمذاكرة مات في صفر انتهى وفيها شمس الدين محمد بن علي بن يعقوب الشافعي النابلسي الأصل نزيل حلب ولد سنة بضع وخمسين وسبعمائة وكان فقيها مشاركا في العربية والميقات وحفظ أكثر المنهاج والتمييز للمازري وأكثر الحاوي والعمدة والشاطبية (7/11)
12 والتسهيل ومختصر ابن الحاجب ومنهاج البيضاوي وغيرها وكان يكرر عليها قال البرهان المحدث بحلب كان سريع الإدراك محافظا على الطهارة سليم اللسان صحيح العقيدة لا أعلم بحلب أحدا من الفقهاء على طريقته مات في تاسع عشر ربيع الآخر وفيها بدر الدين محمد بن جمال الدين محمد بن أحمد بن طوق الطواويسي الكاتب سمع بعناية زوج أخته الحافظ شمس الدين الحسيني من أصحاب الفخر وغيرهم وحدث عن زينب بنت الخباز وغيرها وأجاز له جماعة وباشر ديوان الإنشاء مع الشهرة بالأمانة وتوفي في آخر ذي الحجة وقد قارب التسعين وفيها بدر الدين محمود بن عبد الله الكلستاني نسبة إلى الكلستان لأنه كان في مبدأ أمره يقرأ كتاب سعد العجمي المعروف بالكلستاني السرائي نسبة إلى مدينة من مدن الدشت الحنفي كاتب السر بالديار المصرية اشتغل ببلاده ثم ببغداد وقدم دمشق خاملا ثم قدم مصر فحصل هل نوع يسر وظهور لقربه عند الجوباني فلما ولي نيابة الشام قدم معه وولي تدريس الظاهرية ثم ولي مشيخة الأسدية بعد الياسوفي وأعطى تصدير الجامع الأموي ثم رجع إلى مصر فأعطاه الظاهر وظائف كانت لجمال الدين محمود القشيري فلما رضي عن جمال الدين استعاده بعضها منها تدريس الشيخونية ثم لما سار السلطان إلى حلب احتاج إلى من يقرأ له كتابا بالتركي ورد عليه من اللنك فلم يجد من يقرؤه فاستدعى به وكان قد صحبهم في الطريق فقرأه وكتب الجواب فأجاد فأمره السلطان أن يكون صحبته إلى أن ولاه كتابة السر وباشرها بحشمة ورياسة وكان يحكي عن نفسه أنه أصبح ذلك اليوم لا يملك الدرهم الفرد فما أمسى ذلك اليوم إلا وعنده من الخيل والبغال والجمال والمال والمماليك والملبوس والآلات ما لا يوصف كثرة وكان حسن الخط جدا مشاركا في النظم والنثر والفنون مع طيش وخفة وتوفي في خامس جمادى الأولى وخلف أموالا جمة يقال أنها (7/12)
13 وجدت بعده مدفونة في كراسي المستراح قاله ابن حجر سنة اثنتين وثمانمائة في آخر شوال وقع بالحرم المكي حريق عظيم أتى على نحو ثلثه واحترق من العمد الرخام مائة وثلاثون عمودا صارت كلسا والذي احترق من باب العمرة إلى باب حزورة وفيها توفي إبراهيم بن عبد الرحمن بن سليمان السرائي الشافعي قدم القاهرة وولي مشيخة الرباط بالبيرسية وكان يعرف بإبراهيم شيخ واعتنى بالحديث كثيرا ولازم الشيخ زين الدين العراقي وحصل النسخ الحسنة واعتنى بضبطها وتحسينها وكان يحفظ الحاوي ويدرس غالبه مع الخير والدين ومن لطائف قوله كان أول خروج تمرلنك في سنة عذاب يشير أن ظهوره سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة وكان يحسن عمل صنائع عديدة مع الدين والصيانة وتوفي في ربيع الأول وفيها إبراهيم بن محمد بن عثمان بن إسحق الدجوي بضم الدل المهملة وسكون الجيم وبالواو نسبة إلى دجوة قرية على شط النيل الشرقي على بحر رشيد ثم المصري النحوي قال ابن حجر أخذ عن الشهاب بن المرحل والجمال ابن هشام وغيرهما ومهر في العربية وأشغل الناس فيها وكان جل ما عنده حل الألفية وفيه دعابة مات في ربيع الأول وقد بلغ الثمانين وفيها برهان الدين أبو محمد إبراهيم بن موسى بن أيوب الأبناسي الشافعي نزيل القاهرة ولد سنة خمس وعشرين وسبعمائة وسمع من الوادي آشي وأبي الفتح الميدومي ومغلطاي وبه تخرج وغيرهم واشتغل في الفقه والحديث والأصول والعربية وتفقه بالأسنوي والمنفلوطي وغيرهما ودرس بعدة أماكن واتخذ بظاهر القاهرة مدرسة فأقام بها يحسن إلى الطلبة ويجمعهم على الفقه ورتب (7/13)
14 لهم ما يأكلون وسعى لهم في الأرزاق حتى صار كبار الطلبة بالقاهرة من تلامذته وممن أخذ عنه الفقه ابن حجر العسقلاني وكان متقشفا عابدا طارحا للتكلف وعين للقضاء فتوارى وتفاءل بالمصحف فخرج له ( ^ قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه ) الآية ولم يزل على طريقته الحسنة إلى حج فتوفي راجعا في المحرم ودفن بعيون القصب ورثاه الزين العراقي بأبيات دالية وفيها القاضي برهان الدين أبو إسحق إبراهيم بن قاضي القضاة نصر الله ناصر الدين أبي الفتح بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن هاشم بن نصر الله بن أحمد العسقلاني الأصل ثم المصري الكناني الحنبلي الإمام العالم ولد في رجب سنة ثمان وستين وسبعمائة وأخذ العلم عن أبيه وغيره ونشأ على طريقة حسنة وناب عن والده ثم استقل بالقضاء في الديار المصرية بعد وفاة والده في شعبان سنة خمس وتسعين وسلك مسلك والده في العقل والمهابة والحرمة وكان الظاهر برقوق يعظمه قال ابن حجر كان خيرا صينا وضيء الوجه ولم يزل على ولايته إلى أن توفي يوم السبت تاسع ربيع الأول ودفن عند والده بتربة القاضي موفق الدين وهو والد قاضي القضاة عز الدين الكناني وفيها جلال الدين أحمد بن نظام الدين إسحق بن مجد الدين محمد بن أسعد الدين عاصم الأصبهاني الحنفي المعروف بالشيخ اصلم ولد في حدود الستين وسبعمائة ونشأ بالقاهرة وتفقه بوالده وغيره وولي مشيخة سرياقوس وسار فيها سيرة جيدة إلى الغاية وكان جميلا فصيحا مهابا بهيا وله فضل وافضال ومكارم وكان له خصوصية عند الملك الظاهر برقوق أولا ثم تنكر له وعزله عن مشيخة سرياقوس ثم أعيد إليها بعد موته إلى أن مات قال العيني كان ينسب إلى معرفة علم الحرف وليس بصحيح وكان يجمع من أموال الخانقاه ويطعم (7/14)
15 الناس من غير استحقاق وكان يجمع في مجلسه ناسا أراذل وأصحاب ملاهي انتهى وتوفي بالخانقاه المذكورة خامس عشرى ربيع الآخر وفيها أبو الخير أحمد بن خليل بن كيكلدي العلائي المقدسي قال ابن حجر سمع بإفادة أبيه من الكبار كالحجار وغيره من المسندين والمزي وغيره من الحفاظ بدمشق ورحل به إلى القاهرة فأسمعه من أبي حيان ومن عدة من أصحاب النجيب وسكن بيت المقدس إلى أن صار من أعيانه وكانت الرحلة في سماع الحديث بالقدس إليه فحدث بالكثير وظهر له في أواخر عمره سماع ابن ماجه على الحجار رحلت إليه من القاهرة بسببها في هذه السنة فبلغني وفاته وأنا بالرملة فعرجت عن القدس إلى الشام وكان موته في ربيع الأول وله ست وسبعون سنة وقد أجاز لي غير مرة انتهى وفيها أحمد بن عبد الخالق بن محمد بن خلف الله المجاصي بفتح الميم والجيم مخففا إحدى قرى العرب وكان شاعرا ماهرا طاف البلاد وتكسب بالشعر وله مدايح وأهاجي كثيرة مات بالقاهرة في ربيع الآخر وقد ناهز الثمانين وفيها جمال الدين أحمد بن علي بن محمد بن علي بن يوسف الدمشقي الحنفي المعروف بابن عبد الحق ويعرف قديما بابن قاضي الحصن وعبد الحق هو جده لأمه وهو ابن خلف الحنبلي سمع الكثير بإفادة جده لأمه من محمد بن أبي النايب وعائشة بنت المسلك الحرانية والمزي وخلق كثير من أصحاب ابن عبد الدايم قال ابن حجر سمعت عليه كثيرا وكان قد تفرد بكثير من الروايات وكان عسرا في التحديث مات في ثاني ذي الحجة وقد جاوز السبعين وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن سليمان بن حمزة المقدسي الحنبلي قال ابن حجر سمع من العز محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر وغيره ولي منه إجازة وتوفي في المحرم وله إحدى وستون سنة (7/15)
16 وفيها أبو طاهر أحمد بن محمد الأخوي الخجندي الحنفي نزيل المدينة الإمام العلامة حدث بجزء عن عز الدين بن جماعة وأشغل الناس بالمدينة أربعين سنة وانتفع به لدينه وعلمه وتوفي وقد جاوز الثمانين وفيها القاضي مجد الدين إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن علي بن موسى قاضي القضاة الكناني البلبيسي الحنفي قاضي مصر ولد ليلة السابع من شعبان سنة تسع وعشرين وسبعمائة وسمع من عبد الرحمن بن عبد الهادي وعبد الرحمن بن الحافظ المزي وصدر الدين الميدومي وخلائق وتفقه فبرع في الفقه والأصلين والفرائض والحساب والأدب وشارك في عدة علوم كالحديث والنحو والقراءات وباشر في مبدأ أمره توقيع الحكم مدة طويلة ثم ولي نيابة الحكم بالقاهرة مرارا ثم استقل بقضاء قضاة الحنفية بها وكان إماما بارعا متفننا فكه المحاضرة بهج الزي له يد في النظم والنثر وله ديوان شعر في مجلد منه ( إن كنت يوما كاتبا رقعة * تبغي بها نجح وصول الطلب ) ( إياك أن تغرب ألفاظها * فتكتسي حرفة أهل الأدب ) ومنه ( لا تحسبن الشعر فضلا بارعا * ما الشعر إلا محنة وخبال ) ( فالهجو قذف والرثاء نياحة * والعتب ضغن والمديح سؤال ) قال المقريزي وشعره كثير وأدبه غزير وفضله جم غير يسير ولقد صحبته مدة أعوام وأخذت عنه فوائد وكان لي به أنس وللناس بوجوده جمال إلا أنه امتحن بالقضاء في دنياه كما امتحن به ابن ميلق في دينه وكان في ولايتهما كما قال الآخر ( تولاها وليس له عدو * وفارقها وليس له صدوق ) انتهى وتوفي في أول ربيع الأول وفيها بركة بنت سليمان بن جعفر الأسنائي زوج القاضي تقي الدين (7/16)
17 الأسنائي سمعت علي عبد الرحمن بن عبد الهادي وحدثت وماتت في سلخ المحرم وفيها خديجة بنت العماد أبي بكر بن يوسف بن عبد القادر الجينية ثم الصالحية قاله ابن حجر روت عن عبد الله بن قيم الضيائية وماتت في أواخر السنة ولي منها إجازة وفيها سليمان بن أحمد بن عبد العزيز الهلالي المغربي ثم المدني المعروف بالسقا قال ابن حجر سمع من محمد بن علي الجزري وفاطمة بنت العز إبراهيم وابن الخباز وغيرهم وحدث سمعت منه بالمدينة الشريفة وكان باشر أوقاف الصدقات بالمدينة وسيرته مشكورة ثم أضر بآخره ومات في أواخر هذه السنة وقد ناهز الثمانين انتهى وفيها سراج الدين عبد اللطيف بن أحمد الفوي الشافعي نزيل حلب ولد سنة أربعين وسبعمائة تقريبا وقدم القاهرة واشتغل بالفقه على الأسنوي وغيره وأخذ الفراض عن صلاح الدين العلائي فمهر فيها ثم دخل حلب فولي قضاء العسكر ثم عزل ثم ولي تدريس الظاهرية ثم نوزع في نصفها وكان يقرىء في محراب الجامع الكبير ويذكر الميعاد بعد صلاة الصبح في محراب الحنابلة وكان ماهرا في علم الفرائض مشاركا في غيرها وله نظم ونثر ومجاميع طارح الشيخ زاده لما قدم عليهم بنظم ونثر فأجابه ولم يزل مقيما بحلب إلى أن خرج منها طالبا القاهرة فلما وصل خان غباغب أصبح مقتولا وذهب دمه هدرا وفيها عبد اللطيف بن أبي بكر بن أحمد بن عمر الشرجي بفتح المعجمة وسكون الراء بعدها جيم نزيل زبيد كان عارفا بالعربية مشاركا في الفقه ونظم مقدمة ابن بابشاذ في ألف بيت وشرح ملحة الأعراب وله تصنيف في النجوم قال ابن حجر كان حنفي المذهب اجتمعت به بزبيد وسمع علي شيئا من الحديث وكان السلطان الأشرف يشتغل عليه وأنجب ولده أحمد انتهى وفيها عبد المنعم بن عبد الله المصري الحنفي اشتغل بالقاهرة ثم قدم حلب (7/17)
18 فقطنها وعمل المواعيد وكان يحفظ ما يلقيه في الميعاد دائما من مرة أو مرتين شهد له بذلك البرهان المحدث قال وكان يجلس مع الشهود ثم دخل إلى بغداد فأقام بها ثم عاد إلى حلب فمات بها في ثالث صفر وفيها علاء الدين علي بن محمود بن أبي بكر بن إسحق بن أبي بكر بن سعد الدين بن جماعة الكناني الحموي بن القباني اشتغل بحماة قدم دمشق في حدود الثمانين وسبعمائة وولي إعادة البادرائية ثم تدريسها عوضا عن شرف الدين الشريشي وكان ربما أم وخطب بالجامع الأموي وكان يفتي ويدرس ويحسن المعاشرة وكان طويلا بعيد ما بين المنكبين حج مرارا وجاور وتوفي في ذي القعدة وقد شارك علاء الدين بن مقلى قاضي حماة في اسمه واسم أبيه وجده ونسبه حمويا وليس هو ابن مغلى فليعلم وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي الفتح بن إدريس الدمشقي بن الساج أخو المحدث عماد الدين سمع من الحجار الصحيح ومن محمد بن حازم والمزي والبرزالي والجزري وغيرهم وتوفي في رجب وقد قارب الثمانين وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن محمد المعري ويعرف بابن شيخ السنيين الحنفي برع في المذهب ودرس وأفتى وناب في الحكم وأحسن في إيراد مواعيده بجامع الحاكم وكتب الخط الحسن وخرج الأربعين النووية وجمع مجاميع مفيدة وتوفي في سلخ صفر في الأربعين وتأسف الناس عليه وفيها أبو السعود محمد بن حسين بن علي بن أحمد بن عطية بن ظهيرة المخزومي المكي الشافعي ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة واشتغل بالفقه والفرائض ومهر فيها وناب في الحكم عن صهره القاضي شهاب الدين وهو والد أبي البركات وتوفي في صفر وفيها محمد بن عبد الله بن نشابة الحرض بفتح المهملتين ومعجمة ثم العريشي بعين مهملة وراء وشين معجمة نسبة إلى قرية يقال لها عريش من عمل حرض (7/18)
19 وحرض آخر بلاد اليمن من جهة الحجاز بينها وبين جلا مفازة كان عمد المذكور فقيها شافعيا ذكره ابن الأهدل في ذيل تاريخ الحميدي وقال خلفه ولده عبد الرحمن وكان مولده سنة أربع وسبعين وتفقه بأبيه وبأحمد مفتي مور وذكر أنه اجتمع به بعد الثلاثين وثمانمائة بأبيات حسين وهو مفتي بلده ومدرسها وينوب في الحكم انتهى ملخصا وفيها بدر الدين محمد بن عسال الدمشقي الشافعي ولد قبل الخمسين وسبعمائة وتفقه بالسراج البلقيني وأجازه بالإفتاء وشهد عند الحكام وولي قضاء بعلبك عن البرهان بن جماعة ثم ولي قضاء حمص وتوفي في ربيع الأول وفيها شمس الدين محمد بن جمال الدين عمر بن إبراهيم بن العجمي الحلبي الشافعي ولد سنة أربع وثلاثين وسبعمائة واشتغل في شبيبته وحفظ الحاوي ونزل في المدارس وجلس مع الشهود ثم ولي بعض المدارس بعد والده ونازعه الأذرعي ثم الفوي ثم استقر ذلك بيده وكان سمع المسلسل بالأولية من الشيخ تقي الدين السبكي ومن محمد بن يحيى بن سعد وحدث به عنهما وله إجازة حصلها له أبوه فيها المزي وتلك الطبقة ولكنه لم يحدث بشيء منها وكان سليم الفطرة نظيف اللسان خيرا لا يغتاب أحدا رحمه الله وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن علي بن عبد الرزاق الغماري ثم المصري المالكي قال ابن حجر أخذ العربية عن أبي حيان وغيره وسمع الكثير من مشايخ مكة كاليافعي والفقيه خليل وسمع بالأسكندرية من النويري وابن طرخان وحدث بالكثير وكان عارفا باللغة العربية كثير المحفوظ للشعر لا سيما الشواهد قوى المشاركة في فنون الأدب تخرج به الفضلاء وقد حدثنا بسماعه من أبي حيان عن ناظمها وأجاز لي غير مرة وقال السيوطي في طبقات النحاة تفرد على رأس الثمانمائة خمسة علماء بخمسة علوم البلقيني بالفقه والعراقي بالحديث والغماري هذا بالنحو والشيرازي صاحب القاموس باللغة ولا استحضر الخامس (7/19)
20 انتهى وتوفي في شعبان عن اثنتين وثمانين سنة وفيها نجم الدين محمد بن محمد بن عبد الدايم الباهي نسبة إلى باهة بالموحدة التحتية قرية من قرى مصر من الوجه القبلي المصري الحنبلي قال ابن حجر اشتغل كثيرا وسمع من شيوخنا ونحوهم وعنى بالتحصيل ودرس وأفتى وكان له نظر في كلام ابن عربي فيما قيل انتهى وقال ابن حجي كان أفضل الحنابلة بالديار المصرية وأحقهم بولاية القضاء توفي في شعبان عن ستين سنة وفيها محمد بن محمد بن محمد بن عثمان الغلفي بضم المعجمة وسكون اللام ثم فاء بن شيخ المعظمية قال ابن حجر سمع الحجار وحضر على إسحق الآمدي وأجاز له أيوب الكحال وغيره وأجاز لي غير مرة وتوفي في جمادى الآخرة وفيها محمد بن محمد الجريدي القيرواني تفقه ثم تزهد وانقطع وظهرت له كرامات وكان يقضي حوائج الناس وكان ورعه مشهورا وحج سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة فجاور بمكة إلى أن مات وفيها مقبل بن عبد الله الرومي الشافعي عتيق الناصر حسن طلب العلم واشتغل في الفقه وتعمق في مقالة الصوفية الاتحادية وكتب الخط المنسوب إلى الغاية وأتقن الحساب وغيره ومات في أوائل السنة وقد جاوز الستين قاله ابن حجر وفيها ملكة بنت الشريف عبد الله بن العز إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي الصالحي قال ابن حجر أحضرت على الحجار وعلى محمد بن الفخر البخاري وعلى أبي بكر بن الرضي وزينب بنت الكمال وغيرهم وأجاز لها ابن الشيرازي وابن عساكر وابن سعد وإسحق الآمدي وغيرهم وحدثت بالكثير وأجازت لي وتوفيت في تاسع عشر جمادى الأولى وقد جاوزت الثمانين وفيها عز الدين يوسف بن الحسن بن الحسن بن محمود السراي ثم التبريزي الحلاوي الحنفي ظنا ويعرف بالحلوائي أيضا قال في تاريخ حلب قال ولده بدر (7/20)
21 الدين لما قدم علينا ولد أي صاحب الترجمة سنة ثلاثين وسبعمائة وأخذ عن العضد وغيره ورحل إلى بغداد فقرأ على الكرماني ثم رجع إلى تبريز فأقام بها ينشر العلم ويصنف إلى أن بلغه أن ملك الدعدع قصد تبريز لكون صاحبها أساء السيرة مع رسول أرسله إليه في أمر طلبه منه وكان الرسول جميل الصورة إلى الغاية فتولع به صاحب تبريز فلما رجع إلى صاحبه أعلمه بما صنع معه وأنه اغتصبه نفسه أياما وهو لا يستطيع الفلت منه فغضب أستاذه وجمع عسكره وأوقع بأهل تبريز فأخربها وكان أول ما نازلها سأل عن علمائها فجمعوا له فآواهم في مكان وأكرمهم فسلم معهم ناس كثير ممن اتبعهم ثم لما نزح عنهم تحول عز الدين إلى ماردين فأكرمه صاحبها وعقد له مجلسا حضره فيه علماؤها مثل شريح والهمام والصدر فأقروا له بالفضل ثم لما ولي إمرة تبريز أمير زاده بن اللنك طلب عز الدين المذكور وبالغ في إكرامه وأمره بالاستقرار عنده فأخبره بما كان شرع في تصنيفه واستعفاه ثم انتقل بآخره إلى الجزيرة فقطنها إلى أن مات بها في هذه السنة ومن سيرته أنه لم تقع منه كبيرة ولما لمس بيده دينارا ولا درهما وكان لا يرى إلا مشغولا بالعلم أو التصنيف وشرح منهاج البيضاوي وعمل حواشي على الكشاف وشرح الأسماء الحسنى قاله ابن حجر وفيها يوسف بن عثمان بن عمر بن مسلم بن عمر الكتاني بالمثناة الفوقية من الثقيلة الصالحي سمع من الحجار حضورا ومن الشرف بن الحافظ وأحمد بن عبد الرحمن الصرخدي وعائشة بنت مسلم الحرانية وغيرهم وأجاز له الرضى الطبري وهو خاتمة أصحابه وأجاز له أيضا ابن سعد وابن عساكر وآخرون وحدث بالكثير وكان خيرا وأجاز لابن حجر وغيره وتوفي في نصف صفر عن ثلاث وثمانين سنة (7/21)
22 سنة ثلاث وثمانمائة دخلت والناس في أمر مزيج من اضطراب البلاد الشمالية بطروق تمرلنك وفيها كائنته بدمشق وما والاها وسيأتي ذلك مفصلا في ترجمته في سنة سبع وثمانائة إن شاء الله تعالى وفيها توفي برهان الدين إبراهيم بن الشيخ عماد الدين إسمعيل النقيب بن إبراهيم المقدسي النابلسي الحنبلي أقضى القضاة تفقه على جماعة منهم ابن مفلح وكان فقيها جيدا متقنا للفرائض وناب عن قاضي القضاة شمس الدين النابلسي فباشر مباشرة حسنة وله تعليفة على المقنع توفي بالصالحية في خامس رمضان وقد ناهز الستين ودفن بالروضة وفيها برهان الدين أبو سالم إبراهيم بن محمد بن علي التادلي بالمثناة الفوقية وفتح المهملة نسبة إلى تادلة من جبال البربر بالمغرب المالكي قاضي المالكية بدمشق ولد سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة وكان قوي العين مصمما في الأمور ملازما لتلاوة القرآن والأسباع شجاعا جريئا ولي قضاء الشام سنة ثمان وسبعين إلى هذه المدة عشر مرار يتعاقب هو والقفصي وغيره وولي أيضا قضاء حلب وتوفي في جمادى الأولى من جراحات جرحها لما حضر وقعة اللنكية وفيها برهان الدين وتقي الدين أبو إسحق إبراهيم بن محمد بن مفلح بن مفرج الراميني الأصل ثم الدمشقي الحنبلي الحافظ شيخ الحنابلة ورئيسهم وقاضي قضاتهم ولد سنة تسع وأربعين وسبعمائة وحفظ كتبا عديدة وأخذ عن جماعة منهم والده وجده قاضي القضاة جمال الدين المرداوي وقرأ على البهاء السبكي واشتغل وأشغل وأفتى ودرس وناظر وصنف وشاع اسمه واشتهر ذكره وبعد صيته ودرس بدار الحديث الأشرفية بالصالحية والصاحبية وغيرهما وأخذ عنه جماعات منهم ابن حجر العسقلاني ومن تصانيفه كتاب (7/22)
23 فضل الصلاة على النبي وكتاب الملائكة وشرح المقنع ومختصر ابن الحاجب وطبقات أصحاب الإمام أحمد وتلف غالبها في فتنة تيمور وناب في الحكم لابن المنجا وغيره وانتهت إليه مشيخة الحنابلة وكان له ميعاد في الجامع الأموي بمحراب الحنابلة بكرة نهار السبت يسرد فيه نحو مجلد ويحضر مجلسه الفقهاء من كل مذهب ثم ولي القضاء بدمشق ولما وقعت فتنة التتار كان ممن تأخر بدمشق ثم خرج إلى تيمور ومعه جماعة ووقع بينه وبين عبد الجبار المعتزلي امام تيمور مناظرات والزامات بحضرة تمرلنك فأعجبه ومال إليه فتكلم معه في الصلح فأجاب إلى ذلك ثم غدر فتألم صاحب الترجمة إلى أن توفي في يوم الثلاثاء سابع عشرى شعبان ودفن عند رجل والده بالروضة وفيها عز الدين أبو جعفر أحمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين بن إسحق بن جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الحسيني الإسحاقي الحلبي الشافعي الرئيس الجليل نقيب الأشراف ولد سنة إحدى وأربعين وسبعمائة وسمع من جده لأمه الجمال إبراهيم بن الشهاب محمود والقاضي ناصر الدين بن العديم وغيرهما وأجاز له بمصر أبو حيان والوادي آشي والميدومي وآخرون من دمشق وغيرها واشتغل كثيرا واعتنى بالأدب ونظم الشعر فأجاد قال القاضي علاء الدين كان من حسنات الدهر زهدا وورعا ووقارا ومهابة وسخاء لا يشك من رآه أنه من السلالة النبوية حتى انفرد في زمانه برياسة حلب وتردد إليه القضاة فمن دونهم وحدث بالإجازة من الوادي آشي وأجاز لابن حجر وغيره ومن شعره ( يا رسول الله كن لي * شافعا يوم عرضي ) ( فأولو الأرحام نصا * بعضهم أولى ببعض ) (7/23)
24 وكان تحول في كائنة تيمور إلى تبريز من أعمال حلب بينهما مرحلتان من جهة الفرات فمات بها في رجب ونقل إلى حلب فدفن عند أهله وفيها أحمد بن آقبرس بن يلغان بن كنجك الخوارزمي ثم الصالحي قال ابن حجر سمع من إسحق بن يحيى الآمدي ومحمد بن عبد الله بن المحب وزينب بنت الكمال أخذت عنه بالصالحية كثيرا وكان خيرا مات في الفتنة انتهى وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن راشد بن طرخان المكاوي الدمشقي الشافعي أقضى القضاة كان أحد العلماء الأئمة المعتبرين اشتغل في الفقه والحديث والنحو والأصول قال الزهري ما في البلد من أخذ العلوم على وجهها غيره وكان ملازما للاشتغال وتخرج به جماعة وناب في القضاء ودرس في الدماغية وناب في الشامية الجوانية وقصد بالفتاوى من سائر الأقطار وكان يكتب عليها كتابة حسنة وخطه جيد كان في ذهنه وقفة وعبارته ليست كقلمه وكان يميل إلى ابن تيمية كثيرا ويعتقد رجحان كثير من مسائله وفي أخلاقه حدة وعنده نفرة من الناس انفصل من الوقعة وهو متألم مع ضعف بدنه السابق وحصل له جوع فمات في رمضان وهو في عشر السبعين ظنا ودفن بمقبرة باب الفراديس بطرفها الشمالي من جهة الغرب قاله ابن قاضي شهبة وفيها أحمد بن ربيعة المقرىء أحد المجودين للقراءة والعارفين بالعلل أخذ عن ابن اللبان وغيره وانتهت إليه رياسة هذا الفن بدمشق ومع ذلك كان عاملا لمعاناة ضرب المندل واستحضار الجن توفي في شعبان وقد جاوز السبعين وفيها القاضي شهاب الدين أحمد بن عبد الله النحريري المالكي قدم القاهرة وهو فقير جدا فاتشغل وأقرأ الناس في العربية ثم ولي قضاء طرابلس فسار إليها ونالته محنة من منطاش ضربه فيها وسجنه بدمشق فلما فر منطاش رجع (7/24)
25 إلى القاهرة وقد تمول فسعى إلى أن ولي قضاء المالكية في محرم سنة أربع وتسعين فلم تحمد سيرته فصرف في ذي القعدة منها واستمر إلى أن مات معزولا في رجب وفيها سعد الدين أحمد بن عبد الوهاب بن داود بن علي المحمدي القوصي ولد بقوص وتفقه ثم دخل القاهرة واشتغل ثم دخل الشام فأقام بها ثم دخل العراق فأقام بتبريز وأصبهان ويزد وشيراز ثم استمر مقيما بشيراز بالمدرسة البهائية إلى أن مات في ربيع الآخر وفيها أحمد بن علي بن يحيى بن تميم الحسيني الدمشقي وكيل بيت المال بها سمع الكثير من الحجار وابن تيمية والمزي وغيرهم وولي نظر المارستان النوري قديما ووكالة بيت المال ونظر الأوصياء وكان مشكورا في مباشراته ثم ترك ذلك وانقطع في بيته يسمع الحديث إلى أن مات قال ابن حجر قرأت عليه كثيرا فكان ناصر الدين بن عدنان يطعن في نسبه مات في ربيع الآخر وله سبع وثمانون سنة واستراح من رعب الكائنة العظمى وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عمر الأيلي الفارسي نزيل بيت المقدس ثم الرملة يلقب زغلش بزاي أوله ومعجمتين بينهما لام الحنبلي ويعرف بابن العجمي وبابن المهندس سمع من ابن الميدومي فمن بعده بالقدس والشام ثم طلب بنفسه وحصل كثيرا من الأجزاء والكتب وتمهر ثم افتقر قال ابن حجر سمعت منه بالرملة فوجدته حسن المذاكرة لكنه عانى الكدية واستطابها وصار زري الملبس والهيئة سمعت منه في ثاني عشر رمضان سنة اثنتين وثمانمائة وقد سمع أبوه من الفخر علي وحدث ومات شهاب الدين هذا في وسط السنة وتمزقت كتبه مع كثرتها انتهى وفيها موفق الدين أبو العباس أحمد بن نصر الله بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن هاشم بن نصر الله بن أحمد الكناني الحنبلي العسقلاني قاضي الحنابلة (7/25)
26 بالديار المصرية استقر فيها بعد موت أخيه برهان الدين في يوم الإثنين ثامن عشر ربيع الأول سنة اثنتين وثمانمائة وتفقه على والده وعلى الشيخ مجد الدين سالم وقرأ العربية على البرهان الواحدي وسمع الحديث من والده وابن الفصيح وأجاز له ابن أميلة وغيره ولم يحدث وكان حسن الذات جميل الصفات كثير الحياء حسن السيرة وتوفي بمصر في حادي عشر رمضان عن أربع وثلاثين سنة وفيها جلال الدين أسعد بن محمد بن محمود الشيرازي الحنفي قدم بغداد صغيرا فاشتغل على الشيخ شمس الدين السمرقندي والشمس الكرماني وقرأ عليه صحيح البخاري أكثر من عشرين مرة وجاور معه بمكة سنة خمس وسبعين وكان يقرىء ولديه ويشغلهما ويشغل في النحو والصرف وغيرهما ودرس وأعاد وحدث وأفاد وكانت عنده سلامة باطن ودين وتعفف وتواضع ويكتب خطا حسنا كتب البخاري في مجلد وأخرى في مجلدين وكتب الكشاف والبيضاوي وغير ذلك وولي آخر إمامة السميساطية بدمشق ومات بها في جمادى الآخرة وقد جاوز الثمانين وفيها الملك الأشرف إسماعيل بن الأفضل عباس بن المجاهد علي بن المؤيد داود بن المظفر عمر بن المنصور علي بن رسول اليمني ممهد الدين قال ابن حجر التركماني الأصل ولي السلطنة بعد أبيه فأقام بها خمسا وعشرين سنة وكان في ابتداء أمره طائشا ثم توقر وأقبل على العلم والعلماء وأحب جمع الكتب وكان يكرم الغرباء ويبالغ في الإحسان إليهم امتدحته لما قدمت بلده فأثابني أحسن الله جزاءه توفي في ربيع الأول بمدينة تعز ودفن بمدرسته التي أنشأها بها ولم يكمل الستين انتهى وفيها إسماعيل بن عبد الله المغربي المالكي نزيل دمشق كان بارعا في مذهبه وناب في الحكم وأفتى وتفقه به الشاميون ومات في شعبان عن نحو سبعين (7/26)
27 سنة وقد ضعف بصره وفيها عماد الدين أبو بكر إبراهيم بن العز محمد بن العز إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي ثم الصالحي الحنبلي المعروف بالفرائضي سمع الكثير على الحجار وابن الزراد وغيرهما وأجاز له أبو نصر بن الشيرازي والقسم بن عساكر وآخرون قال ابن حجر أكثرت عليه وكان قبل ذلك عسرا في التحديث فسهل الله تعالى له خلقه مات عام الحصار عن نحو ثمانين سنة انتهى وفيها شرف الدين أبو بكر بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الحموي الأصل ثم المصري الشافعي سمع الكثير من جده والميدومي ويحيى بن فضل الله وغيرهم وأجاز له مشايخ مصر والشام إذ ذاك بعناية أبيه واشتغل مدة وناب عن أبيه في الحكم والتدريس ثم ترك وخمل لاشتغاله بما لا يليق بأهل العلم قال ابن حجر وكان يدري أشياء عجيبة رأيته يجعل الكتاب في كمه ويقرأ ما فيه من غير أن يكون شاهده مات في رابع عشر جمادى الأولى بمصر عن خمس وسبعين وفيها عز الدين الحسن بن محمد بن علي العراقي المعروف بأبي أحمد الشاعر المشهور نزيل حلب قال ابن خطيب الناصرية كان من أهل الأدب وله النظم الجيد وكان خاملا وينسب إلى التشيع وقلة الدين وكان يجلس مع العدول للشهادة بمكتب داخل باب النيرب ومن نظمه ( ولما اعتنقنا للوداع عشية * وفي كل قلب من تفرقنا جمر ) ( بكيت فأبكيت المطي توجعا * ورق لنا من حادث السفر السفر ) ( جرى در دمع أبيض من جفونهم * وسالت دموع كالعقيق لنا حمر ) ( فراحوا وفي أعناقهم من دموعنا * عقيق وفي أعناقنا منهم در ) وله مؤلف سماه الدر النفيس من أجناس التجنيس يشتمل على سبع قصائد وله عدة قصائد في مدح النبي مرتبة على حروف المعجم (7/27)
28 وتوفي بحلب في سابع عشر المحرم وفيها خديجة بنت أبي بكر بن علي بن أبي بكر بن عبد الملك الصالحية المعروفة ببنت الكوري قال ابن حجر حدثتنا عن زينب بنت الكمال وماتت في حصار دمشق وفيها بهاء الدين أبو الفتح رسلان بن أبي بكر بن رسلان بن نصير بن صالح البلقيني الشافعي ابن أخي سراج الدين اشتغل بالفقه كثيرا ومهر وشارك في غيره وناب في الحكم وتصدى للافتاء والتدريس وانتفع به في جميع ذلك وكان كثير كالمنازعة لعمه في اعتراضاته على الرافعي قال ابن حجي كان من أكابر العلماء وحمدت سيرته في القضاء وتوفي في آخر جمادى الاولى وله سبع وأربعون سنة وكثر تأسف الناس عليه وفيها زينب بنت العماد أبي بكر بن أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عباس بن جعوان قال ابن حجر سمعت من الحجار وعبد القادر بن الملوك وغيرهما وماتت في شوال وسمعت عليها أيضا وفيها ست الكل بنت أحمد بن محمد بن الزين القسطلانية ثم المكية حدثت بالإجازة عين يحيى بن فضل الله ويحيى بن البصري وابن الرضى وغيرهم من الشاميين والمصريين وسمع منها ابن حجر بمكة وفيها شرف الدين شعبان بن علي بن إبراهيم المصري الحنفي سمع من أصحاب الفخر وكان بصيرا بمذهبه ودرس في العربية وحصل له خلل في عقله ومع ذلك يدرس ويتكلم في العلم وتوفي في شوال وفيها شمس الملوك بنت ناصر الدين محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن يعقوب ابن الملك العادل الدمشقية قال ابن حجر روت عن زينب بنت الكمال وماتت في شعبان ولي منها إجازة انتهى وفيها تقي الدين عبد الله بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن (7/28)
29 عبيد الله القدسي ثم الصالحي سمع من الحجار وغيره وقال ابن حجر قرأت عليه الكثير بالصالحية مات بعد الوقعة وفيها تقي الدين أبو الفتح عبد الله بن يوسف بن أحمد بن الحسين بن سلمان بن فزارة بن بدر بن محمد بن يوسف قاضي القضاة الكفري الدمشقي الحنفي ولد بدمشق سنة ست وأربعين وسبعمائة وسمع على أصحاب ابن عبد الدايم وغيرهم وتفقه بوالده وغيره وبرع في الفقه والأصول والعربية وغير ذلك وتولى قضاء قضاة الحنفية بدمشق هو وأخوه زين الدين عبد الرحمن وأبوه وجده وكان مشكور السيرة محمود الطريقة وتوفي في عشرى ذي القعدة في أسر الطاغية تيمور وفيها تقي الدين عبد الله بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الحنبلي المعروف بابن عبيد الله كان إماما علامة رحلة سمع على الحجار ومن ابن الرضى وبنت الكمال والجزري وغيرهم وسمع من ابن حجر سمع من لفظه المسلسل بالأولية وسمع عليه غير ذلك وتوفي بالصالحية بعد كائنة تيمور وفيها عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن الفخر عبد الرحمن البعلي الدمشقي الحنبلي قال ابن حجر حدثنا عن المزي وغيره مات في رجب وفيها زين الدين عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم بن لاجين الرشيدي الشافعي ولد سنة إحدى وأربعين وسبعمائة وأسمع على جماعة وسمع بدمشق من جماعة وحدث وكان عنده علم بالميقات وولي رياسة المؤذنين قال الحافظ ابن حجي كان بارعا في الحساب والفرائض والميقات شرح الجعبرية والأشنهية والياسمينية وله مجاميع حسنة انتهى وأخذ عنه ابن حجر وتوفي في مستهل جمادى الأولى وفيها عز الدين عبد العزيز بن محمد بن محمد بن الخضر بن الخضري الطيبي بتشديد التحتانية بعدها موحدة ولد قبل ثلاثين وسبعمائة وأسمع على يحيى بن (7/29)
30 فضل الله وصالح بن مختار وآخرين ووقع في الحكم عند أبي البقاء فمن بعده وباشر نظر الأوقاف قال ابن حجر سمعت عليه شيئا وخرجت له جزءا ومات في ثالث عشر المحرم وفيها عبد القادر بن محمد بن علي بن عمر بن نصر الله الدمشقي الفراء المعروف بابن القمرسبط الحافظ الذهبي سمع بإفادة جده منه ومن زينب بنت الكمال وأحمد بن علي الجزري في آخرين قال ابن حجر حدثنا في حانوته وكان نعم الرجل مات في الكائنة وفيها كريم الدين أبو الفضائل عبد الكريم بن عبد الرزاق بن إبراهيم ابن مكانس ولي الوزارة وغيرها مرارا وكان مهابا مقداما متهورا وقبض عليه بسبب تهوره وصودر ثم ضرب بالمقارع ولم يكن فيه ما في أخيه فخر الدين من الانسانية والأدب إلا أنه كان مفضالا كثير الجود لأصحابه قال في المنهل كان من أعاجيب الزمان في الخفة والطيش وقلة العقل وسرعة الحركة يقال أنه لما أعيد إلى الوزارة بعد أن ضرب بالمقارع قال لمن معه وهو في موكبه بالحلقة والناس بين يديه يا فلان ما هذه الركبة غالية بعلقة مقراع وتوفي يوم الثلاثاء رابع عشرى جمادى الآخرة وفيها فخر الدين عثمان بن محمد بن عثمان بن محمد بن موسى بن جعفر الأنصاري السعدي العبادي بالضم والتخفيف الكركي ثم الدمشقي الشافعي الكاتب المجود ولد بالكرك سنة سبع وعشرين وسبعماية وقدم دمشق سنة إحدى وأربعين فسمع بها من أحمد بن علي الجزري والسلاوي ثم عاد إلى بلده ثم استوطن دمشق من سنة خمس وأربعين واشتغل في الفقه وسمع أيضا من زينب ومحمد ابني إسمعيل بن الخباز وفاطمة بنت العز ثم دخل مصر فأقام بها مدة وتزوج بنت العلامة جمال الدين بن هاشم ثم جاو ربمكة ثم عاد إلى دمشق وحدث سمع منه الياسوفي وغيره ومات في شعبان (7/30)
31 وفيها علاء الدين علي بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمود المرداوي ثم الصالحي الحنبلي سبط أبي العباس بن المحب ولد سنة ثلاثين وسبعمائة وكان أقدم من بقي من شهود الحكم بدمشق فإنه شهد عند قاضي القضاة جمال الدين المرداوي وكان رجلا خيرا سمع من ابن الرضى وزينب بنت الكمال وعائشة بنت المسلم وقرأ عليه الشهاب بن حجر وغيره وتوفي في رمضان وفيها علي بن أيوب الماحوزي النساج الزاهد كان يسكن بقرية قبر عاتكة وينسج بيده ويباع ما ينسجه بأغلى ثمن ويتقوت منه هو وعائلته ولا يزور أحدا وكانت له مشاركة في العلم قال ابن حجي هو عندي خير من يشار إليه بالصلاح في وقتنا وكان طلق الوجه حسن العشرة له كرامات ومكاشفات توفي في عاشر ربيع الآخر وفيها علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عباس بن شيبان البعلي ثم الدمشقي الحنبلي المعروف بابن اللحام شيخ الحنابلة في وقت اشتغل على الشيخ زين الدين بن رجب قال البرهان بن مفلح في طبقاته وبلغني أنه أذن له في الافتاء وأخذ الأصول عن الشهاب الزهري ودرس وناظر واجتمع عليه الطلبة وانتفعوا به وصنف في الفقه والأصول فمن مصنفاته القواعد الأصولية والاخبار العلمية في اختيارات الشيخ تقي الدين بن تيمية وتجريد العناية في تحرير أحكام النهاية وناب في الحكم عن قاضي القضاة علاء الدين بن المنجا رفيقا للشيخ برهان الدين بن مفلح ثم ترك النيابة وتوجه إلى مصر وعين له وظيفة القضاء بها فلم ينبرم ذلك واستقر مدرس المنصورية إلى أن توفي يوم عيد الفطر وقي الأضحى وقد جاوز الخمسين وفيها علاء الدين علي بن محمد بن يحيى الصرخدي الشافعي نزيل حلب تفقه بالموضعين وسمع من المزي وغيره وجالس الأزرعي وكان يبحث معه ولا يرجع إليه وكان يلازم بيته غالبا ولا يكتب على الفتاوى الانادارا ثم (7/31)
32 درس بجامع تغرى بردى قال القاضي علاء الدين قاضي حلب في تاريخه قرأت عليه وانتفعت به كثيرا وناب في الحكم عن ابن أبي الرضا وغيره وكان البلقيني لما قدم حلب وجالسه يثني عليه وتوفي بأيدي اللنكية وفيها نور الدين علي بن يوسف بن مكي بن عبد الله الدميري ثم الغزي ابن الجلال المالكي أصله من حلب وكان جده مكي يعرف بابن نصر ثم قدم مصر وسكن دميرة فولد له بها يوسف فاشتغل بفقه المالكية وسكن القاهرة وناب عن البرهان الأخنائي وعرف بجلال الدميري وولد له هذا فاشتغل حتى برع في مذهب مالك ولم يكن يدري من العلوم شيئا سوى الفقه وكان كثير النقل لغرايب مذهبه شديد المخالفة لأصحابه إلى أن اشتهر صيته في ذلك وناب في الحكم مدة ثم ولي القضاء استقلالا في أول هذه السنة وعيب بذلك لأنه اقترض مالا بفائدة حتى بذله للولاية وكان منحرف المزاج مع المعرفة التامة بالأحكام وسافر مع العسكر إلى قتال اللنك فمات قبل أن يصل في جمادى الآخرة ودفن باللجون وفيها زين الدين عمر بن محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد المقدسي الحنبلي الشيخ المسند المعمر أحضر على زينب بنت الكمال وأسمع على أحمد بن علي الجزري وعبد الرحيم بن أبي اليسر وهو ابن أخت الشيخة فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي الآتي ذكرها توفي في شعبان في فتنة التيمور وفيها زين الدين عمر بن براق الدمشقي الحنبلي كان سريع الحفظ قوي الفهم على طريقة ابن تيمية وكان له طلبة وأتباع وكان ممن أوذي في الفتنة وأخذ ماله وأصيب في أهله وولده فصبر واحتسب ثم مات في عاشر شوال وفيها زين الدين عمر بن جمال الدين عبد الله بن داود الكفري الفقيه الشافعي قال ابن حجر اشتغل كثيرا حتى قيل أنه كان يستحضر الورضة وعرض عليه الحكم فامتنع وأفتى بدمشق ودرس وتصدر بالجامع وكان قوي النفس (7/32)
33 يرجع إلى دين ومروءة قتل في الفتنة التمرية وفيها زين الدين عمر بن محمد بن أحمد بن سلمان البالسي ثم الصالحي الملقن أسمعه أبوه الكثير من المزي والذهبي والبرزالي وزينب بنت الكمال وخلق كثير وكان مكثرا جدا كثير البر للطلبة شديد العناية بأمرهم يقوم بأحوالهم ويؤدبهم وكان لا يضجر من التسميع قال ابن حجر قرأت عليه الكثير وسمعت عليه ومعه مات في شعبان وقد جاوز السبعين وفيها عائشة بنت أبي بكر بن الشيخ أبي عبد الله محمد بن عمر بن قوام البالسية ثم الصالحية قال ابن حجر روت لنا عن أبي بكر بن أحمد بن أبي بكر المغار وماتت في ثالث عشر شعبان وفيها عمران بن ادريس بن معمر بالتشديد الجلجلولي ثم الدمشقي الشافعي ولد سنة أربع وثلاثين وسبعمائة وعنى بالقراءات فقرأت على ابن اللبان وغيره ولازم القاضي تاج الدين السبكي وقرأ وحصل وكان في لسانه ثقل فكان لا يفصح بالكلام إلا إذا قرأ وكان يحج على قضاء الركب الشامي وسمع من بعض أصحاب الفخر قال ابن حجي لم يكن مشكورا في ولايته ولا شهاداته وكان يلبس دلقا ويرخي عذبة عن يساره وكان فقير النفس لا يزال يظهر الفاقة وإذا حصلت له وظيفة نزل عنها وكان كثير الأكل جدا وكان يقرأ حسنا مات بعد الكائنة العظمى وفيها فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي المقدسية ثم الصالحية الحنبلية أم يوسف كان أبوها محتسب الصالحية وهو عم الحافظ شمس الدين أسمعت الكثير على الحجار وغيره وأجاز لها أبو نصر بن الشيرازي وآخرون من الشام وحسين الكردي وعبد الرحيم المنشاوي وآخرون من مصر قال ابن حجر قرأت عليها الكثير من الكتب والأجزاء بالصالحية ونعم الشيخة كانت ماتت في شعبان وقد جاوزت الثمانين (7/33)
34 وفيها قاضي القضاة صدر الدين أبو المعالي محمد بن إبراهيم بن إسحق بن إبراهيم بن عبد الرحمن السلمي المناوي ثم القاهري الشافعي ولد في رمضان سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة وأبوه حينئذ ينوب في القضاء عن عز الدين بن جماعة وأمه بنت قاضي القضاة زين الدين عمر البسطامي فنشأ في حجر السعادة وحفظ التنبيه وأسمع من الميدومي وابن عبد الهادي وغيرهما تجمعهم مشيخته التي خرجها له أبو زرعة في خمسة أجزاء وناب في الحكم وهو شاب ودرس وأفتى وولي إفتاء دار العدل وتدريس الشيخونية والمنصورية وخرج أحاديث المصابيح قال ابن حجر سمعت منه وكتب على جامع المختصرات ثم ولي القضاء استقلالا وكان كثير التودد إلى الناس معظما عند الخاص والعام محببا إليهم وكان له عناية بتحصيل الكتب النفيسة على طريق ابن جماعة فحصل منها شيئا كثيرا وسافر مع العسكر فأسرع مع اللنكية فلم يحسن المداراة مع عدوه فأهانه وبالغ في إهانته حتى مات وهو معهم في القيد غريقا غرق في نهر الفرات في شوال بعد أن قاسى أهوالا عسى الله أن يكون كفر بها عنه ما جباه عليه القضاء انتهى وفيها شمس الدين محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي الجزري ثم الدمشقي بن الظهير سمع من ابن الخباز وغيره وأكثر عن أصحاب الفخر بطلبه وكان خيرا يتغالى في مقالات ابن تيمية توفي في تاسع عشر شوال عن ستين سنة وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن علي بن سليمان المعري ثم الحلبي بن الركن الشافعي كان ينسب إلى أبي الهيثم التنوخي عم أبي العلاء المعري ولد سنة تسع وثلاثين وسبعمائة تفقه وأخذ عن الزين الباريني والتاج بن الدريهم وبدمشق عن التاج السبكي وكتب كثيرا وخطب بجامع حلب مدة وكان حاد الخلق مع كثرة البر والصدقة وله ديوان خطب ونظم وسط وأخذ عنه القاضي علاء الدين وابن الرسام وتوفي في الكائنة العظمى وفيها شمس الدين محمد بن إسمعيل بن الحسن بن صهيب بن خميس البابي ثم (7/34)
35 الحلبي ولد بالباب ثم قدم حلب وكان يسمى سالما فتسمى محمدا وقرأ على عمه العلامة علاء الدين علي البابي والزين الباريني وبرع في الفرائض والنحو وشارك في الفنون وأشغل الطلبة وأفتى ودرس وكان دينا عفيفا وولاه القاضي شرف الدين الأنصاري قضاء ملطية فلما حاصرها ابن عثمان عاد إلى حبل إلى أن عدم في الكائنة التيمورية وفيها بدر الدين محمد بن الحافظ عماد الدين إسمعيل بن عمر بن كثير البصروي ثم الدمشقي الشافعي ولد سنة تسع وخمسين وسبعمائة واشتغل وتميز وطلب وسمع الكثير من بقية أصحاب الفخر ومن بعدهم قال ابن حجر وسمع معي بدمشق ثم رحل إلى القاهرة فسمع من بعض شيوخنا وتمهر في هذا الشأن قليلا وتخرج بابن النجيب وشارك في الفضائل مع خط حسن ودرس في مشيخة الحديث بعد أبيه بتربة أم الصالح مات في ربيع الآخر فارا عن دمشق بالرلمة وكان قد علق تاريخا للحوادث التي في زمنه انتهى وقال ابن حجي لم يكن محمود السيرة وفيها محمد بن حسن بن عبد الرحيم الصالحي الدقاق قال ابن حجر حدثنا عن الحجار سمعت منه أجزاء انتهى وفيها شمس الدين أبو عبيد الله محمد بن خليل بن محمد بن طوغان الدمشقي الحريري الحنبلي المعروف بابن المنصفي ولد سنة ست وأربعين وسبعمائة واشتغال في الفقه وشارك في العربية والأصول وسمع الكثير من أصحاب ابن البخاري وسمع بمصر أيضا وحصلت له محنة بسبب مسألة الطلاق المنسوبة إلى ابن تيمية ولم يرجع عن اعتقاده وكان خيرا دينا قاله ابن حجر وقال سمعت منه شيئا ومات في شعبان بعد أن عوقب واستمر متألما انتهى وقال ابن حجي كان فقيها محدثا حافظا قرأ الكثير وضبط وحرر وأتقن وألف وجمع مع المعرفة التامة تخرج بابن المحب وابن رجب وكان يفتي ويتقشف مع الانجماع ولم تكن الحنابلة ينصفونه وأقام بالضيائية ثم بالجوزية انتهى (7/35)
36 وفيها شمس الدين محمد بن سليم بن كامل الحوراني ثم الدمشقي الشافعي تفقه ومهر واعتنى بالأصول والعربية وكان من عدول دمشق وقرأ الروضة على علاء الدين حجي وكتب عليها حواشي مفيدة وأذن له في الافتاء ودرس وأجاد وتصدر وأفاد وكان أكثر أقرانه استحضارا للفقه وكان أسمر شديد السمرة وكان يكتب المحكم وكتب من مصنفات التاج السبكي له كثيرا وتوفي في رجب بعد أن عوقب بأيدي اللنكية وقد قارب الستين وفيها شمس الدين محمد بن عبد الله بن عثمان بن شكر البعلي الحنبلي الشيخ الإمام سمع الحديث من جماعة وروى وألف وجمع وكانت كتابته حسنة وعباراته جيدة في التصنيف حدث بمعجم ابن جميع وتوفي بغزة وفيها الحافظ ناصر الدين محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمر بن أبي عمر الحنبلي المعروف بابن زريق الشيخ الإمام تفقه وطلب الحديث فسمعه من صلاح الدين بن أبي عمر وتخرج بابن المحب وتمهر في فنون الحديث وسمع العالي والنازل وخرج ورتب المعجم الأوسط على الأبواب وصحيح ابن حبان قال ابن حجر استفدت منه كثيرا وسمع معي على الشيوخ بالصالحية وغيرها ولم أر في دمشق من يستحق اسم الحافظ غيره وتوفي في ذي القعدة أسفا على ولده أحمد ولك يكمل الخمسين وكان اللنكية قد أسروه وله نحو عشر سنين انتهى وفيها شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن الحافظ أبي عبد الله الذهبي الكفر بطناوي سمع بإفادة جده منه ومن زينب بنت الكمال وغيرهما قال ابن حجر سمعت منه وكان من شيوخ الرواية قتل بالعقوبة في حادي عشرى جمادى الأولى وقيل بل ضب عنقه صبرا وكان ببلده كفر بطنا فأخذه العسكر التمري وقتلوه وفيها شمس الدين محمد بن عثمان بن عبد الله بن شكر بضم المعجمة وسكون (7/36)
37 الكاف البعلي ثم الدمشقي الحنبلي النبحالي بفتح النون وسكون الموحدة بعدها مهملة سمع من ابن الخباز وغيره وأجاز له الميدومي وغيره وكان خيرا صالحا دينا متواضعا أفاد وحدث وجمع مجاميع حسنة منها كتاب في الجهاد وكان خطه حسنا ومباشرته محمودة وجمع وألف بعبارة جيدة توفي بغزة في رمضان عن ثمان وسبعين سنة وفيها بدر الدين محمد بن محمد بن مقلد المقدسي الحنفي قاضي قضاة دمشق وليه فحسنت سيرته وكان فقيها بارعا ذكيا أفتى ودرس وأقرأ وتوفي بغزة فارا من تيمور في ربيع الأول وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن إسماعيل بن مكين المالكي العلامة مدرس ظاهرية برقوق كان إماما فقيها بارعا أفتى ودرس وأشغل عدة سنين وانتهت إليه رياسة المالكية في زمنه وتوفي بالقاهرة في عشرى ربيع الآخر وفيها شرف الدين محمد بن معين الدين محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن محمد المخزومي الدماميني ثم الأسكندراني الشافعي تفقه واشتغل بالعربية والمعقول وكان دينا يعاني الكتابة وباشر في أعمال الدولة بالأسكندرية ثم سكن القاهرة وكان حديد الذهن وبرع في الفقه والأصول وولي حسبة القاهرة مرارا ووكالة بيت المال مع الكسوة ثم نظر الجيش وسعى في القضاء فلم يتم له ودفع في كتابة السر قنطارا من الذهب وهو عشرة آلاف دينار فلم يتفق له وقبض عليه ثم أفرج عنه وولي قضاء الأسكندرية فلم يلبث أن مات بها مسموما في المحرم وفيها بدر الدين محمد بن محمد بن عبد البر بن يحيى بن علي بن تمام السبكي الخزرجي الشافعي أسمع في صغره من ابن أبي اليسر ونفيسة بنت الخباز وعلي ابن العز غمر وغيرهم واشتغل بالفقه والأصول وولي القضاء مرارا وفرض (7/37)
38 له قضاء الشام لكن عزل قبل أن يتوجه إليه وولي خطابة الجامع بعد ابن جماعة ودرس بالأتابكية بدمشق وكان لين الجانب قليل الحرمة في مباشرته وكان بخيلا بالوظائف وغيرها مع حسن خلق وفكاهة كثير الانصاف وإذا وقع عليه البحث لا يغضب بخلاف والده واستقر في يده تدريس الشافعي إلى أن مات في ربيع الآخر وقد جاوز السبعين وفيها أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن عرفة الورغمي التونسي المالكي شيخ الإسلام بالمغرب سمع من ابن عبد السلام الهواري والوادي آشي وابن سلمة وغيرهم واشتغل بالفنون قال ابن ظهيرة في معجمه إمام علامة ولد بتونس سنة ست عشرة وسبعمائة وقرأ بالروايات على ابن سلمة وغيره وبرع في الأصول والفروع والعربية والمعاني والبيان والفرائض والحساب وسمع من الوادي آشي الصحيحين وكان رأسا في العبادة والزهد والورع ملازما للشغل بالعلم رحل إليه الناس وانتفعوا به ولم يكن بالعربية من يجري مجراه في التحقيق ولا من اجتمع له في العلوم ما اجتمع له وكانت الفتوى تأتي إليه من مسافة شهر وله مؤلفات مفيدة منها المبسوط في المذهب في سبعة أسفار ومختصر الحوفي في الفرائض وقال ابن حجر أجاز لي وكتب لي خطه لما حج وعلق عنه بعض أصحابه كلاما في التفسير كثير الفوائد في مجلدين وتوفي ليلة الخميس الاربع والعشرين من جمادى الآخرة ولم يخلف بعده مثله وفيها بدر الدين محمد بن محمد بن محمد بن عمر بن الفقيه أبي بكر بن قوام الصالحي قال ابن حجر كان دينا خيرا به طرش كثير سمع الكثير من الحجار وإسحق الآمدي وغيرهما فقرأنا عليه شبيها بالأذان وكنا نتحقق أنه يسمع ما نقرؤه بامتحانه تارة وبصلاته على النبي أخرى وبالرضا عن الصحابة كذلك مات في شعبان محترقا بدمشق وقد جاوز الثمانين انتهى وفيها محب الدين محمد بن محمد بن محمد بن منيع الصالحي الموقت المعروف (7/38)
39 بالوراق قال في أنباء الغمر سمع من ابن أبي التائب وابن الرضا وغيرهما سمعت منه الكثير ومات في رمضان بدمشق وفيها بدر الدين محمد بن محمد بن مقلد المقدسي ثم الدمشقي الحنفي ولد سنة أربع وأربعين وسبعمائة وبرع في الفقه والعربية والمعقول ودرس وأفتى وناب في الحكم ثم ولي القضاء استقلالا نحو سنة ثم عزل ولم تحمد مباشرته ثم سار إلى القاهرة فسعى في العود فأعيد فوصل إلى الرملة فمات بها في ربيع الآخر وفيها محمد بن محمد البصروي ثم الدمشقي الضرير قرأ بالروايات واشتغل في الفقه ومات في رجب وفيها محمد بن محمود بن أحمد بن رميثة بن أبي نمي الحسيني المكي من بيت الملك وقد ناب في إمرة مكة وكان خاله علي بن عجلان لا يقطع أمرا دونه وكانت لديه فضيلة وينظم الشعر مع كرم وعقل مات في شوال وقد جاوز الأربعين وفيها القاضي شرف الدين موسى بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن جمعة الأنصاري الشافعي قاضي حلب ولد سنة ثمان وأربعين وسبعمائة ونشأ في حجر عمه شهاب الدين خطيب حلب قال في المنهل تفقه على شمس الدين محمد العراقي شارح الحاوي وعلى الشيخ شهاب الدين الأذرعي وقدم القاهرة فأخذ عن الجمال الأسنوي والولي الملوي وسمع من الحافظ مغلطاي وغيره وبدمشق من ابن المهندس وأحمد الأيكي المعروف بابن زغلش ثم عاد إلى حلب وقد برع في فنون وتولى خطابة الجامع ثم استقر قاضي قضاة حلب وفي أيامه قدم تيمور إلى البلاد الشامية وحضر مجلس تيمور ورسم عليه ثم أفرج عنه وكان عالما كبيرا مشكور السيرة وله شرح الغاية القصوى للبيضاوي وتوفي بحلب (7/39)
40 في شهر رمضان وفيها يوسف بن إبراهيم بن عبد الله الأذرعي نزيل حلب اشتغل كثيرا في الفقه وغيره بدمشق ثم قدم حلب فقرر في قضاء الباب ثم قضاء سرمين وكان فاضلا في الفقه مقتصرا عليه مات في الكائنة العظمى قاله القاضي علاء الدين في تاريخ حلب وفيها جمال الدين يوسف بن موسى بن محمد بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الله الملطي ثم الحلبي الحنفي أصله من خرت برت وولد سنة ست وعشرين وسبعمائة ونشأ بملطية واشتغل بحلب حتى مهر ثم رحل إلى الديار المصرية وهو كبير فأخذ عن علمائها وسمع من العز بن جماعة ومغلطاي وحدث عنه بالسيرة النبوية وذكر انه سمعها منه سنة ستين واشتغل وحصل وأفتى ودرس وكان يستحضر الكشاف والفقه على مذهبهم فاستدعاه برقوق لما مات شمس الدين الطرابلسي فحضر من حلب سنة ثمانمائة واستقر في قضاء الحنفية مدة قدرها مائة وعشرة أيام فباشر مباشرة عجيبة فإنه قرب الفساق واستكثر من استبدال الأوقاف وقتل مسلما بنصراني ثم لما مات الكسلتاني استقر بعده في تدريس الصرغتمشية واشتهر أنه كان يفتي بأكل الحشيش وبوجوه من الحيل في أكل الربا وأنه كان يقول من نظر في كتاب البخاري تزندق قاله ابن حجر وقد أثنى ابن حجي على علمه وقال العيني كان عنده بعض شح وطمع وتغفل وكان قد حصل بحلب مالا كثيرا فنهب في الفتنة وكان ظريفا ربع القامة قال وهو أحد مشايخي قرأت عليه بحلب سنة ثمانين انتى وقال القاضي علاء الدين الحلبي في تاريخه لما هجم اللنكية البلاد عقد مجلس بالقضاة والعلماء لمشاطرة الناس في أموالهم فقال الملطي إن كنتم تعملون بالشكوة فالأمر لكم وأما نحن فلا نفتي بهذا ولا يحل أن يعمل فوقفت الحال وكانت من حسناته ولما طلب إلى مصر على رأس القرن قال لي أنا الآن ابن خمس وسبعين ومات (7/40)
41 بالقاهرة في ربيع الآخر انتهى وقال في التاريخ المذكور مات في هذه السنة من الفقهاء الشافعية في الكائنة وبعدها علاء الدين الصرخدي وشرف الدين الداديخي وشهاب الدين بن الضعيف وشمس الدين البابي وبهاء الدين داود الكردي وشمس الدين بن الزكي الجعبري انتهى سنة أربع وثمانمائة فيها توفي برهان الدين إبراهيم بن محمد بن راشد الملكاوي الشافعي اشتغل بدمشق وحصل ومهر في القراءات وكان يشغل بالفرائض بالجامع بين العشاءين وتوفي في جمادى الآخرة وفيها شهاب الدين أحمد بن الحسن بن محمد بن زكريا بن يحيى المقدسي ثم المصري السويدائي نسبة إلى السويداء قرية من أعمال حوران الشافعي اعتنى به أبوه فأسمعه الكثير من يحيى بن المصري وجماعة من أصحاب ابن عبد الدايم والنجيب وغيرهم وأكثر له من الشيوخ والمسموع واشتغل في الفقه وبحث في الروضة وكان يتعانى الشهادات ثم أضر بآخره وانقطع بزاوية الست زينب خارج باب النصر قال ابن حجر قرأت عليه الكثير ونعم الشيخ كان وتفرد بروايات كثيرة وكان الشيخ جمال الدين الحلاوي يشاركه في أكثر مسموعاته مات في تاسع عشر ربيع الآخر وقد قارب الثمانين أو أكملها وفيها شهاب الدين أحمد بن عبد الخالق بن علي بن حسن بن عبد العزيز بن محمد بن الفرات المالكي اشتغل بالفقه والعربية والأصول والطب والأدب ومهر في الفنون ونظم الشعر الحسن ومنه ( إذا شئت أن تحيا حياة سعيدة * ويستحسن الأقوام منك التقبحا ) ( تزيا بزي النرك واحفظ لسانهم * وإلا فجانبهم وكن متصولحا ) وفيها نور الدين أحمد بن علي بن أبي الفتح الدمشقي نزيل حلب المعروف (7/41)
42 بالمحدث سمع الكثير من أصحاب الفخر وغيرهم بدمشق وحلب واشتغل في علم الحديث وأقرأ فيه مدة بحلب ودمشق وأخذ الأدب عن الصلاح الصفدي وكان حسن المحاضرة وفيها القاضي تقي الدين أحمد بن محمد بن محمد بن المنجا بن عثمان بن أسعد بن محمد ابن المنجا الحنبلي الشيخ الإمام حصل ودأب وكان له شهامة ومعرفة وذهن مستقيم وناب لأخيه القاضي علاء الدين ثم اشتغل بقضاء قضاة دمشق بعد فتنة تيمور مدة أشهر وذكر عنه الشيخ شرف الدين بن مفلح أنه ابتدأ عليه قراءة الفروع لوالده فلما انتهى في القراءة إلى الجنائز حضره أجله ومات معزولا في ذي الحجة ولم يكمل الخمسين سنة فيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد المصري نزيل القرافة ابن الناصح قال ابن حجر سمع من الميدومي وذكر أنه سمع من ابن عبد الهادي وحدث عنه بمكة بصحيح مسلم وحدث عن الميدومي بسنن أبي داود وجامع الترمذي سماعا أخذت عنه قليلا وكان للناس فيه اعتقاد ونعم الشيخ كان سمتا وعبادة ومروءة مات في أواخر رمضان وتقدم في الصلاة عليه الخليفة انتهى وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن المهندس المقدسي الحنبلي المتقن الضابط ولد سنة أربع وأربعين وسبعمائة ورحل وكتب وسمع على الحفاظ وروى عنه جماعة من الأعيان منهم القاضي سعد الدين الديري الحنفي وتوفي بالقدس الشريف في شهر رمضان وفيها تقي الدين أبو بكر بن عثمان بن خليل الجوراني المقدسي الحنفي سمع من الميدومي وحدث عنه وناب في الحكم وتوفي في أواخر السنة ببيت المقدس وفيها عماد الدين أبو بكر بن أبي المجد بن ماجد بن أبي المجد بن بدر بن سالم السعدي الدمشقي ثم المصري الحنبلي ولد سنة ثلاثين وسبعمائة وسمع من المزي (7/42)
43 والذهبي وغيرهما وأحب الحديث فحصل طرفا صالحا منه وسكن مصر قبل الستين فقرر في طلب الشيخونية فلم يزل بها حتى مات وجمع الأوامر والنواهي من الكتب الستة واختصر تهذيب الكمال قال ابن حجر واجتمعت به وأعجبني سمته وانجماعه وملازمته للعبادة وحدث عن الذهبي ومات في أواخر جمادى الأولى وفيها بركة السيد الشريف المعتقد المعروف بالشريف بركة قال في المنهل الصافي كان لتيمور فيه اعتقاد كثير إلى الغاية وله معه ماجريات من ذلك أن تيمور لما أخذ السلطان حسين صاحب بلخ سنة إحدى وسبعين وسبعمائة ثم سار لحرب القان تقتمش ملك التتار وتلاقيا على أطراف تركستان واشتد الحرب بينهما حتى قتل أكثر أصحاب تيمور وهم تيمور بالفرار وظهرت الهزيمة على عسكره ووقف في حيرة وإذا بالسيد هذا قد أقبل على فرس فقال له تيمور يا سيدي انظر حالي فقال له لا تخف ثم نزل عن فرسه ووقف على رجليه يدعو ويتضرع ثم أخذ من الأرض ملء كفه من الحصباء ورمى بها في وجوه عسكر تغتمش خان وصرخ بأعلى صوته باغي قجتي ومعناه باللغة التركية العدو هرب فرصخ بها مع تيمور وعسكره وحمل بهم على القوم فانهزموا أقبح هزيمة وظفر تيمور بعساكر تقتمش وقتل وأسر على عادته القبيحة وله معه أشياء من هذا النمط ولهذا كانت منزلته عند تيمور إلى الغاية ودام معه إلى أن قدم دمشق سنة ثلاث وثمانمائة وقد اختلف في أصل هذا الشريف فقيل أنه كان مغربيا حجاما بالقاهرة ثم سافر إلى سمرقند وادعى أنه شريف علوي وقيل أنه من أهل المدينة النبوية وقيل من أهل مكة وعلى كل حال فأنا لا أعتقد عليه لمصاحبته وإعانته لتيمور على أغراضه الكفرية فأمره إلى الله تعالى انتهى باختصار وفيها صالح بن خليل بن سالم بن عبد الناصر بن محمد بن سالم الغزي الشافعي سمع من الميدومي وحدث عنه وناب في الحكم وتوفي في ذي القعدة (7/43)
44 ببيت المقدس وفيها زين الدين عبد اللطيف بن تقي الدين محمد بن الحافظ قطب الدين عبد الكريم بن عبد النور بن منير الحلبي ثم المصري قال ابن حجر أحضر على ابن عبد الهادي وسمع من الميدومي وسمعت منه وكان وقورا خيرا مات في وسط صفر وفيها عبد المؤمن العينتابي المعروف بمؤمن الحنفي قال العيني في تاريخه كان فاضلا في عدة علوم منها الفقه وكان حسن الوجه مليح الشكل درس بعينتاب ثم تحول إلى حلب فأقام بها إلى أن مات وفيها فخر الدين عثمان بن عبد الرحمن المخزومي البلبيسي ثم المصري الشافعي المقرىء الضرير إمام الجامع الأزهر تصدى للاشتغال بالقراءة فأتقن السيع وصار أمة وحده قال ابن حجر وأخبرني أنه لما كان ببلبيس كان الجن يقرؤن عليه قرأ عليه خلق كثير وكان صالحا خيرا أقام بالجامع الأزهر يؤم فيه مدة طويلة وقد حدث عنه خلق كثير في حياته انتفع به ما لا يحصى عددهم في القراءة وانتهت إليه الرياسة في هذا الفن وعاش ثمانين سنة وتوفي في ثاني ذي القعدة وفيها سراج الدين أبو حفص عمر بن أبي الحسن علي بن أحمد بن محمد بن عبد الله الأنصاري الأندلسي الوادي آشي ثم المصرف المعروف بابن الملقن قال في المنهل رحل أبوه نور الدين من الأندلس إلى بلاد الترك وأقرأ أهلها هناك القرآن الكريم فنال منهم مالا جزيلا فقدم به إلى القاهرة واستوطنها فولد له بها سراج الدين هذا في يوم السبت رابع عشرى ربيع الأول سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة وتوفي والده وله من العمر سنة واحدة وأوصى إلى الشيخ شرف الدين عيسى المغربي الملقن لكتاب الله بالجامع الطولوني وكان صالحا فتزوج أم الشيخ سراج الدين ورباه فعرف بابن الملقن نسبة إليه وقرأه القرآن ثم العمدة ثم أراد أن يشغله على مذهب الإمام مالك فقال له بعض أولاد (7/44)
45 ابن جماعة أقرئه المنهاج فأقرأه وأسمعه على الحافظين ابن سيد الناس وقطب الدين الحلبي وأجاز له الحافظ المزي وغيره من دمشق ومصر وحلب وطلب الحديث بنفسه وعنى به وسمع الكثير من حفاظ عصره كابن عبد الدايم وغيره وتخرج بابن رجب ومغلطاي ورحل إلى دمشق في سنة سبع وسبعين فسمع بها من تأخري أصحاب الفخر بن البخاري وبرع وأفتى ودرس وأثنى عليه الأئمة ووصف بالحافظ ونوه بذكره القاضي تاج الدين السبكي وكتب له تقريظا على شرحه للمنهاج وتصدى للافتاء والتدريس دهرا طويلا وناب في الحكم ثم طلب للاستقلال بوظيفة القضاء فامتحن بسبب ذلك في سنة ثمانين ولزم داره وأكب على الاشغال والتصنيف حتى صار أكثر أهل زمانه تصنيفا وبلغت مصنفاته نحو ثلاثمائة مصنف وكان جماعة للكتب جدا ثم احترق غالبها قبل موته وكان ذهنه مستقيما قبل أن تحترق كتبه ثم تغير حاله بعد ذلك وهو ممن كان تصنيفه أحسن من تقريره وبالغ بعضهم فقال انه أحضر إليه بعض تصانيفه فعجز عن تقرير ما تضمنه وقام من المجلس ولم يتكلم وأخذ عنه جماعات من الحفاظ وغيرهم منهم حافظ دمشق ابن ناصر الدين ووصفه بالحفظ والاتقان وقال ابن حجر كان موسعا عليه في الدنيا مديد القامة حسن الصورة يحب المزاح والمداعبة مع ملازمة الاشتغال والكتابة حسن المحاضرة جميل الأخلاق كثير الانصاف شديد القيام مع أصحابه وربما اشتهر بابن النحوي وربما كتب بخطه كذلك ولذلك اشتهر بها ببلاد اليمن وتغير حاله بآخره فحجبه ولده نور الدين إلى أن مات في سادس شهر ربيع الأول بالقاهرة ودفن على والده بحوش الصوفية خارج باب النصر وفيها نجم الدين محمد بن نور الدين علي بن العلامة نجم الدين محمد بن عقيل بن محمد بن الحسن بن علي البالسي ثم المصري الشافعي قال ابن حجر تفقه كثيرا ثم تعانى الخدم عند الأمراء ثم ترك ولزم بيته ودرس بالطيبرسية إلى أن مات (7/45)
46 وأضر قبل موته بيسير ونعم الشيخ كان خيرا واعتقاد ومروءة وفكاهة لازمته مدة وحدثني عن ابن عبد الهادي ونور الدين الهمداني وغيرهما مات في عاشر المحرم وله أربع وسبعون سنة انتهى وفيها أبو جعفر محمد بن محمد بن عنقه بنون وقاف وفتحات البسكري بفتح الموحدة وبعدها مهملة نسبة إلى بسكرة بلد بالمغرب ثم المدني كان يسكن المدينة ويطوف البلاد وقد سمع من جمال الدين بن نباتة قديما ثم طلب بنفسه فسمع الكثير من بقية أصحاب الفخر بدمشق وحمل عن ابن رافع وابن كثير وحصل الأجزاء وتعب كثيرا ولم ينجب قال ابن حجر سمعت منه يسيرا وكان متوددا رجع من أسكندرية إلى مصر فمات بالساحل غريبا رحمه الله تعالى وفيها عز الدين يوسف بن الحسن بن محمود السرائي الأصل التبريزي الشهير بالحلوائي بفتح أوله وسكون اللام مهموز الفقيه الشافعي ولد سنة ثلاثين وسبعمائة وتفقه ببلاده وقرأ على القاضي عضد الدين وغيره وأخذ ببغداد عن شمس الدين الكرماني الحديث وشرحه للبخاري ومهر في أنواع العلوم وأقبل على التدريس وشغل الطلبة وعمل على البيضاوي شرحا وتحول من تبريز لما خربه الدعادعة وهم أصحاب طغتمش خان إلى ماردين فأقام بها مدة ثم أرسله مرزا ابن اللنك وقدم عليه تبريز فبالغ في إكرامه فأقام بها وكتب على الكشاف حواشي وشرح الأربعين النواوية وكان زاهدا عابدا معرضا عن أمور الدنيا مقبلا على العلم حج وزار المدينة وجاور بها سنة وكان لا يرى مهموما قط ورجع إلى الجزيرة لما كثر الظلم في تبريز فقطنها إلى أن توفي بها وخلف ولدين بدر الدين محمد وجمال الدين محمد وفيها يوسف بن حسين الكردي الشافعي نزيل دمشق كان عالما صالحا معتقدا تفقه وحصل قال الشيخ شهاب الدين الملكاوي قدمت من حلب سنة أربع وستين وسبعمائة وهو كبير يشار إليه وكان يميل إلى السنة وينكر على (7/46)
47 الأكراد في عقائدهم وبدعتهم وكان له اختيارات منها المسح على الجوربين مطلقا وكان يفعله وله فيه مؤلف لطيف جمع فيه أحاديث وآثارا ومنها تزويج الصغيرة التي لا أب لها ولا وجد وقال ابن حجي كان يميل إلى ابن تيمية ويعتقد صواب ما يقول في الفروع والأصول وكان من يحب ابن تيمية يجتمع إليه وكان قد ولي مشيخة الخانقاه الصالحية وأعاد بالظاهرية وقد وقع بينه وبين ولده الشيخ زين الدين عبد الرحمن الواعظ بسبب العقيدة وتهاجرا مدة إلى أن وقعت فتنة اللنك فتصالحا ثم جلس مع الشهود وأحسن إليه ولده في فاقته ولم يلبث أن مات في شوال سنة خمس وثمانمائة فيها استولى تمرلنك على أبي زيد بن عثمان وأسر ولده موسى ثم مات أبو يزيد في الأسر إما من القهر أو من غيره وكان أبو يزيد من خيار ملوك الأرض ولم يكن يلقب ولا أحد من أبنائه وذريته ولا دعى بسلطان ولا ملك وإنما يقال الأمير تارة وخوند خان تارة أخرى وكان مهابا يحب العلم والعلماء ويكرم أهل القرآن وكان يجلس بكرة النهار في مراح من الأرض متسع ويقف الناس بالبعد منه بحيث يراهم فمن كانت له ظلامة رفعها إليه فأزالها في الحال وكان الأمن في بلاده فاشيا للغاية وكان يشرط على كل من يخدمه أن لا يكذب ولا يخون إلى غير ذلك من الأوصاف الحسنة وترك لما مات سلمان ومحمدا وموسى وعيسى فاستقل بالملك سلمان وسيأتي شيء من ذكره في ترجمة تيمور وفيها استولى تيمور على غالب البلاد الرومية ورجع إلى بلاده في شعبان من هذه السنة وفيها استشهد سعد الدين أبو البركات محمد بن أحمد بن علي بن صبر الدين ملك الحبشة استقر في مملكة الحبش بعد أخيه حق الدين فسار سيرته في جهاد (7/47)
48 الكفر وكانت عنده سياسة وكسرت عساكره وتعددت غاراته واتسعت مملكته حتى وقع له مرة أن بيع الأسرى الذين أسرهم من الحبشة كل عبدين بتفصيلة وبلغ سهمه من بعض الغنايم أربعين ألف بقرة لم تبت عنده بقرة واحدة بل فرقها وله في مدة ولايته وقايع وأخبار يطول ذكرها فلما كان في هذه السنة جمع الحطى صاحب الحبشة جمعا عظيما وجهز عليه أميرا يقال له باروا فالتقى الجمعان فاستشهد من المسلمين جمع كثير منهم أربعمائة شيخ من الصلحاء أصحاب العكاكيز وتحت يد كل واحد منهم عدة فقرأ واستبحر القتل في المسلمين حتى هلك أكثرهم وانهزم من بقي ولجأ سعد الدين إلى جزيرة زيلع في وسط البحر فحصروه فيها إلى أن وصولا إليه فأصيب في جبهته بعد وقوعه في الماء ثلاثة أيام فطعنوه فمات وكانت مدة ملكه ثلاثين سنة واستولى الكفار على بلاد المسلمين وخربوا المساجد وبنوا بدلها الكنايس وأسروا وسبوا ونهبوا وفر أولاد سعد الدين وهم صبر الدين علي ومعه تسعة من إخوته إلى البر الآخر فدخلوا مدينة زبيد فأكرمهم الناصر أحمد بن الأشرف وأنزلهم وأعطاهم خيولا ومالا فتوجهوا إلى مكان يقال له سيارة فلحق بهم بعض عساكرهم واستمر صبر الدين على طريقة أبيه وكسر عدة من جيوش الحطى وحرق عدة من الكناس وغنم عدة غنايم قاله ابن حجر وفيها توفي شهاب الدين أحمد بن عبد الله بن الحسن البوصيري الشافعي تفقه ولازم الشيخ ولي الدين الملوي وبرع في الفنون ودرس مدة وأفاد وتعانى التصوف وتكلم على مصطلح المتأخرين فيه وكان ذكيا وسمع منه ابن حجر ومات في جمادى الأولى وفيها شهاب الدين أحمد بن عبد الله الحلبي ثم الدمشقي قاضي كرك نوح قال ابن حجي كان من خيار الفقهاء وقد ولي قضاء القدس وولي الخطابة والقضاء بكرك نوح ثم القدس وناب في الخطابة بالجامع الأموي وفي تدريس البادرائية (7/48)
49 وتوفي في ذي الحجة وفيها أحمد بن محمد بن عثمان بن عمر بن عبد الله الحنبلي نزيل غزة سمع من الميدومي ومحمد بن إبراهيم بن أسد وأكثر عن العلائي وغيرهم وكان صالحا دينا خيرا بصيرا ببعض المسائل سكن غزة واتخذ بها جامعا وكان للناس فيه اعتقاد ونعم الشيخ كان وقرأ عليه ابن حجر عدة أجزاء ومات في صفر وله اثنتان وسبعون سنة وفيها أحمد بن محمد بن عيسى بن الحسن الياسوفي ثم الدمشقي المعروف بالثوم بمثلثة مضمومة قال ابن حجر روى عن أحمد بن علي بن الجزري وغيره وكان له مال وثروة ثم افتقر بعد الكائنة وتوفي في جمادى الآخرة عن ست وستين سنة وفيها شهاب الدين أحمد بن يحيى بن أحمد بن مالك العثماني الصرميني من معرة صرمين الشافعي اشتغل ومهر وكان قاضي بلده مدة ثم ولي قضاء حلب بعد الفتنة العظمى دون الشهر فاغتيل بعد صلاة الصبح ضرب في خاصرته فمات ثالث عشر شوال وكانت سيرته حسنة وفيه سكون وفيها تاج الدين بهرام بن عبد الله بن عبد العزيز قاضي القضاة ابن الديري المالكي كان إماما في الفقه والعربية وغيرهما وتصدر للافتاء والتدريس عدة سنين وانتفع به الطلبة ثم ولي قضاء قضاة المالكية بالديار المصرية فحمدت سيرته ولم يزل ملازما للاشتغال والاشغال وقد انتهت إليه رياسة السادة المالكية في زمنه وتوفي يوم الإثنين سابع جمادى الآخرة وفيها سعد الدين سعد بن يوسف بن إسماعيل بن يوسف بن يعقوب بن سرور بن نصر بن محمد النووي ثم الخليلي الشافعي ولد سنة تسع وعشرين وسبعمائة وقدم دمشق بعد الأربعين فاشتغل بها ومهر وأخذ عن الذهبي وشمس الدين ابن نباتة وغيرهما وحمل عن التاج المراكشي وابن كثير وقرأ عليه مختصره في علم الحديث وأذن له وحدث وأفتى ودرس قال ابن حجي كان ذا ثروة جيدة (7/49)
50 فاحترقت داره في الفتنة وأخذ ماله فافتقر فاحتاج أن يجلس مع الشهود ثم ولي قضاء بعض القرى وقضاء بلد الخليل عليه السلام فمات هناك في جمادى الأولى وفيها سارة بنت علي بن عبد الكافي السبكي قال ابن حجر أسمعت من أحمد بن علي الجزري وزينب بنت الكمال وسمعت على أبيها أيضا وتزوجها أبو البقاء فلما مات تحولت إلى القاهرة ثم رجعت إلى دمشق في أيام سرى الدين وكان صاهرها ثم رجعت إلى القدس ثم إلى القاهرة فسمعنا منها قديما ثم في سنة موتها ماتت بالقاهرة في ذي الحجة وقد جاوزت السبعين وفيها عبد الله بن خليل بن الحسن بن طاهر بن محمد بن خليل بن عبد الرحمن الحرستاني ثم الصالحي المؤذن سمع من الشرف بن الحافظ وغيره وأجاز له الحجار وسمع منه ابن حجر وفيها عبد الجبار بن عبد الله المعتزلي الحنفي الخوارزمي عالم الدشت صاحب تيمورلنك وإمامه وعالمه ولد في حدود سنة سبعين وسبعمائة وكان إماما عالما بارعا متقنا للفقه والأصلين والمعاني والبيان والعربية واللغة انتهت إليه الرياسة في أصحاب تيمور وكان هو عظيم دولته ولما قدم تيمور البلاد الحلبية والشامية كان عبد الجبار هذا معه وباحث وناظر علماء البلدين وكان فصيحا باللغات الثلاثة العربية والعجمية والتركية وكانت له ثروة ووجاهة وعظمة وحرمة زائدة إلى الغاية وكان ينفع المسلمين في غالب الأحيان عند تيمور وكان يتبرم من صحبة تيمور ولا يسعه إلا إلا موافقته ولم يزل عنده حتى مات في ذي القعدة وفيها أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي الخير محمد بن أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الحسيني الفاسي ثم المكي المالكي سمع من تاج الدين ابن بنت أبي سعد وشهاب الدين الهكاري وغيرهما وعنى بالفقه فمهر فيه إلى (7/50)
51 الغاية وشارك في غيره ودرس وأفتى أكثر من أربعين سنة وتوفي بمكة في نصف ذي القعدة عن خمس وستين سنة وفيها تاج الدين عبد الوهاب بن الشيخ عفيف الدين عبد الله بن أسعد بن علي اليافعي المكي الشافعي اشتغل بالفقه وأذن له الأبناسي وسمع من أبيه وجماعة بمكة ورحل إلى دمشق فسمع من ابن أميلة وغيره وتفقه بالأميوطي وغيره وكان خيرا عابدا ورعا قليل الكلام فيما لا يعنيه وسمع منه ابن حجر وتوفي في رجب عن خمس وخمسين سنة وفيها الحافظ سراج الدين عمر بن رسلان بن نصير بن صالح وصالح هذا أول من سكن بلقينة ابن شهاب الدين بن عبد الخالق بن مسافر بن محمد البلقيني الكناني الشافعي شيخ الإسلام ولد ليلة الجمعة ثاني عشر شعبان سنة أربع وعشرين وسبعمائة وحفظ القرآن العظيم وهو ابن سبع سنين وحفظ المحرر في الفقه والكافية لابن مالك في النحو ومختصر ابن الحاجب في الأصول والشاطبية في القراءات وأقدمه أبوه إلى القاهرة وله اثنتا عشرة سنة فطلب العلم واشتغل على علماء عصره وأذن له في الفتيا وهو ابن خمس عشرة سنة وسمع من الميدومي وغيره وقرأ الأصول على شمس الدين الأصفهاني والنحو على أبي حيان وأجاز له من دمشق الحافظان المزي والذهبي وغيرهما وفاق الأقران واجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها فقيل أنه مجدد القرن التاسع وما رأى مثل نفسه وأثنى عليه العلماء وهو شاب وانفرد في آخره برياسة العلم وولي إفتاء دار العدل وقضاء دمشق سنة تسع وستين وسبعمائة فباشره مدة يسيرة ثم عاد إلى القاهرة وسافر إلى حلب سنة ثلاث وتسعين صحبة الظاهر برقوق واشتغل بها ثم عاد صحبة السلطان وعظم وصار يجلس في مجلس السلطان فوق قضاة القضاة وأكب على الاشغال والتصنيف وانتفع به عامة الطلبة وأتته الفتاوى من الأقطار ومن تصانيفه شرحان على الترمذي تصحيح المنهاج لكنه لم يكمل وكان أعجوبة زمانه حفظا واستحضارا (7/51)
52 قال برهان الدين المحدث رأيته فريد دهره فلم تر عيني أحفظ للفقه ولأحاديث الأحكام منه ولقد حضرت دروسه وهو يقرىء مختصر مسلم للقرطبي يتكلم على الحديث الواحد من بكرة إلى قريب الظهر وربما أذن الظهر ولم يفرغ من الحديث الواحد واعترفت له علماء جميع الأقطار بالحفظ وكثرة الاستحضار انتهى وتزوج بنت ابن عقيل ولازمته في شبيبته وممن أخذ عنه حافظ دمشق ابن ناصر الدين وأثنى عليه بالحفظ وغيره والحافظ ابن حجر وقال خرجت له أربعين حديثا عن أربعين شيخا حدث بها مرارا وقرأت عليه دلائل النبوة للبيهقي فشهد لي بالحفظ في المجلس العام وقرأت عليه دروسا من الروضة وأذن لي وكتب خطه بذلك انتهى وتوفي بالقاهرة نهار الجمعة حادي عشر ذي القعدة وصلى عليه ولده جلال الدين عبد الرحمن ودفن بمدرسته التي أنشأها وفيها عميد بن عبد الله الخراساني الحنفي قاضي تمرلنك مات بعد رجوعه من الروم في هذه السنة قاله ابن حجر وفيها أم عمر كليم بنت الحافظ تقي الدين محمد بن رافع السلامي الدمشقية سمعت من عبد الرحيم بن أبي اليسر حضورا وغيره وأجازت لابن حجر وتوفيت في ربيع الأول وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن أحمد بن محمود النابلسي الحنبلي الشيخ الإمام العلامة تفقه على الشيخ شمس الدين بن عبد القادر وقرأ عليه العربية وأحكمها ثم قدم دمشق بعد السبعين فاستمر في طلب العلم في حلقة بهاء الدين السبكي ثم جلس يشهد واشتهر أمره وعلا صيته وقصد في الاشغال ولم يزل يترقى حتى ولي قضاء قضاة الحنابلة بدمشق وعزل وتولى مرارا وكانت له حلقة لإقراء العربية يحضرها الفضلاء ودرس بعدة مدارس وكان ذا عظمة وبهجة زائده لكن باع من الأوقاف كثيرا بأوجه واهية سامحه الله وتوفي بمنزله (7/52)
53 بالصالحية ليلة السبت ثاني عشر المحرم وفيها جمال الدين محمد بن أحمد البهنسي ثم الدمشقي الشافعي اشتغل بالقاهرة وحفظ المنهاج واتصل بالقاضي برهان الدين بن جماعة ولما ولي قضاء الشام استنابه واعتمد عليه في أمور كثيرة وكان حسن المباشرة مواظبا عليها وعنده ظرف ونوادر وكان مقلا مع العفة ولما وقعت الكائنة العظمى بدمشق فر إلى القاهرة فاستنابه القاضي جلال الدين ومات في ذي القعدة وفيها علم الدين محمد بن ناصر الدين محمد بن محمد الدمشقي القفصي المالكي كان أبوه جنديا ثم ألبس ولده كذلك ثم شغله بالعلم وهو كبير ودار في الدروس واشتغل كثيرا لكن مع قصور فهم وقلة عقل وعناية بالعلم ولي قضاء دمشق إحدى عشرة مرة في مدة خمس وعشرين سنة أولها سنة تسع وسبعين وولي قضاء حلب وحماة مرارا وكان عفيفا قال القاضي علاء الدين في ذيل تاريخ حلب أصيب في الوقعة الكبرى بماله وأسرت له ابنة وسكن عقب الفتنة بقرية من قرى سمعان إلى أن نزخ التتر عن البلاد رجع إلى حلب على ولايته قال وكان بيننا صحبة وكان يكرمني وولاني عدة وظايف علمية ثم توجه إلى دمشق فقطنها وولي قضاءها ومات بها في المحرم ولم يكمل الستين وهو قاضي دمشق انتهى وفيها محمد بن يوسف الأسكندراني المالكي قال ابن حجر كان فقيه أهل الثغر درس وأفتى وانتهت إليه الرياسة في العلم وكان عارفا بالفقه مشاركا في غيره مع الدين والصلاح انتهى وفيها محمود بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد المجيد بن هلال الدولة عمر بن منير الحارثي الدمشقي موقع الدست بدمشق كان كاتبا مجودا ناظما ناثرا مشهورا بالخفة والرقاعة والضنانة بنفسه أخذ عن صلاح الدين الصفدي وغيره وسمع من إبراهيم بن الشهاب محمود وأجازت له زينب بنت الكمال ومن عيون (7/53)
54 شعره ما قاله في فرجية خضراء أعطاه إياها بعض الرؤساء ( مدحت إمام العصر صدقا بحقه * وما جئت فيما قلت بدعا ولا وزرا ) ( تبعت أبي ذر بمصداق لهجتي * فمن أجل هذا قد أظلتني الخضرا ) وتوفي بالقاهرة فجأة وله فوق الستين وفيها بدر الدين محمود بن محمد بن عبد الله العينتابي الحنفي العابد الواعظ أخذ في بلاد الروم عن الشيخ موفق الدين وجمال الدين الأقصرائي ثم قدم عينتاب فنزل بجامع مؤمن مدة يذكر الناس وكان يحصل للناس في مجلسه دقة وخشوع وبكاء وتاب على يده جماعة ثم توجه إلى القدس زائرا فأقام مدة ثم رجع إلى حلب فوعظ الناس في الجامع العتيق قال البدر العينتابي أخذت عنه في سنة ثمانين تصريف العزى والفرائض السراجية وغير ذلك وذكرته في هذه السنة تبركا انتهى وفيها أم عيسى مريم بنت أحمد بن أحمد بن قاضي القضاة شمس الدين محمد بن إبراهيم الأذرعي قال ابن حجر سمعت الكثير من علي بن عمر الواني وأبي أيوب الدبوسي والحافظ قطب الدين الحلبي وناصر الدين بن مسعون وغيرهم وأجاز لها التقي الصائغ وغيره من المسندين بمصر والحجاز وغيره من الأئمة بدمشق خرجت لها معجما في مجلدة وقرأت عليها الكثير من مسموعاتها وأشياء كثيرة بالإجازة وهي أخت شمس الدين المتقدم ذكره في هذه السنة عاشت أربعا وثمانين سنة ونعمت الشيخة كانت ديانة وصيانة ومحبة في العلم وهي آخر من حدثت عن أكثر مشايخها المذكورين وقد سمع أبو العلاء الفرضي مني وسف الدبوسي وسمعت هي منه وبينهما في الوفاة مائة وبضع سنين انتهى سنة ست وثمانمائة وفيها توفي إبراهيم بن محمد بن صديق بن إبراهيم بن يوسف المؤذن المعروف (7/54)
55 بالرسام كان أبوه بواب الظاهرية مسند الدنيا من الرجال سمع صاحب الترجمة الكثير من الحجار وإسحق الآمدي والشيخ تقي الدين بن تيمية وطائفة وتفرد بالرواية عنهم ومتع بسمعه وعقله قال ابن حجر سمعت منه بمكة وحدث بها بسائر مسموعاته وقد رحل في السنة الماضية إلى حلب ومعه ثبت مسموعاته فأكثروا عنه وانتفعوا به وألحق جماعة من الأصاغر بالأكابر ورجع إلى دمشق ولم يتزوج فمات في شوال وله خمس وثمانون سنة وأشهر انتهى وفيها أحمد بن إبراهيم بن علي العسلقي نسبة إلى عسالق عرب قال ابن الأهدل في تاريخ اليمن كان فقيها نحويا لغويا مفسرا محدثا وله معرفة تامة بالرجال والتواريخ ويد قوية في أصول الدين تفقه بأبيه وغيره ولم يكن يخاف في الله لومة لائم في إنكار ما أنكره الشرع لازم التدريس وإسماع الحديث والعكوف على العلم وعليه نور وهيبة وأضر بآخره قاله السيوطي في طبقات النحاة وفيها أحمد بن علي بن محمد بن علي البكري العطاردي المؤذن بالمعروف بابن سكر سمع بإفادة أخيه شمس الدين من يحيى بن يوسف بن المصري وغيره وحدث بالقاهرة فسمع منه ابن حجر وغيره وتوفي في رجب وقد جاوز السبعين وفيها عبد الله بن عبد الله الأكاري المغربي المالكي نزيل المدينة أقرأ بها ودرس وأفاد وناب في الحكم عن بعض القضاة وكان يتجرأ على العلماء سامحه الله قاله ابن حجر وفيها الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم المهراني المولد العراقي الأصل الكردي العراقي الشافعي حافظ العصر قال في أنباء الغمر ولد في جمادى الأولى سنة خمس وعشرين وسبعمائة وحفظ التنبيه واشتغل بالقراءات ولازم المشايخ في الرواية وسمع في غضون ذلك من عبد الرحيم بن شاهد الجيش وابن عبد الهادي وعلاء الدين التركماني وقرأ بنفسه على الشيخ شهاب الدين بن الباب وتشاغل بالتخريج ثم تنبه للطلب (7/55)
56 بعد أن فاته السماع من مثل يحيى المصري آخر من روى حديث السلفي عاليا بالإجازة ومن الكثير من أصحاب ابن عبد الدايم والنجيب بن علاق وأدرك أبا الفتح الميدومي فأكثر عنه وهو من أعلى مشايخه إسنادا وسمع أيضا من ابن الملوك وغيره ثم رحل إلى دمشق فسمع من ابن الخباز ومن أبي عباس المرداوي ونحوهما وعنى بهذا الشأن ورحل فيه مرات إلى دمشق وحلب والحجاز وأراد الدخول إلى العراق ففترت همته من خوف الطريق ورحل إلى الأسكندرية ثم عزم على التوجه إلىتونس فلم يقدر له ذلك وصنف تخريج أحاديث الأحياء واختصره في مجلد وبيضه وكتبت منه النسخ الكثيرة وشرع في إكمال شرح الترمذي لابن سيد الناس ونظم علوم الحديث لابن الصلاح وشرحها وعمل عليه نكتا وصنف أشياء أخر كبارا وصغار وصار المنظور إليه في هذا الفن من زمن الشيخ جمال الدين الأسنائي وهلم جرا ولم نر في هذا الفن أتقن منه وعليه تخرج غالب أهل عصره ومن أخصهم به نور الدين الهيتمي وهو الذي دربه وعلمه كيفية التخريج والتصنيف وهو الذي يعمل له خطب كتبه ويسميها له وصار الهيتمي لشدة ممارسته أكثر استحضار للمتون من شيخه حتى يظن من لا خبرة له أنه أحفظ منه وليس كذلك لأن الحفظ المعرفة ولي شيخنا العراقي قضاء المدينة سنة ثمان وثمانين فأقام بها نحو ثلاث سنين ثم سكن القاهرة وأنجب ولده قاضي القضاة ولي الدين لازمت شيخنا عشر سنين تخلل في أثنائها رحلاتي إلى الشام وغيرها وقرأت عليه كثيرا من المسانيد والأجزاء ويحثت عليه شرحه على منظومته وغير ذلك وشهد لي بالحفظ في كثير من المواطن وكتب لي خطه بذلك مرارا وسئل عند موته من بقي بعده من الحفاظ فبدأ بي وثنى بولده وثلث بالشيخ نور الدين وتوفي عقب خروجه من الحمام في ثاني شعبان وله إحدى وثمانون سنة وربع سنة نظير عمر شيخنا شيخ الإسلام سراج الدين وفي ذلك أقول في المرثية (7/56)
57 ( لا ينقض عجبي من وفق عمرهما * العام كالعام حتى الشهر كالشهر ) ( عاشا ثمانين عاما بعدها سنة * وربع عام سوى نقص لمعتبر ) انتهى باختصار وفيها القاضي بل السلطان برهان الدين أبو العباس أحمد صاحب سيواس وقاضيها وسلطانها ولد بها وبها نشأ ثم قدم حلب وقرأ بها مدة قليلة وقدم القاهرة وأقام بها مدة ثم عاد إلى سيواس قال المقريزي أحمد حاكم قيصرية وتوقات وسيواس اعلم أن ممالك الروم كانت أخيرا لبني قلج أرسلان الذين أقاموا بها دين الإسلام لما انتزعوها من يد ملك القسطنطينية وكان كرسيهم قونية وأعمالهم كثيرة جدا إلى أن اتخذت سيواس كرسي ملكهم ثم إن صاحب الترجمة قدم القاهرة وأخذ بها عن شيوخ زمانه فعرف بالذكاء حتى حصل على طرف من العلم فبشره بعض الفقراء بأنه يتملك بلاد الروم وأشار إليه بعوده إليها فمضى إلى سيواس ودرس بها وصنف ونظم الشعر وهو يتزيا بزي الاجناد وسلك طريقة الأمراء فيركب بالجوارح والكلاب إلى الصيد ويلازم الخدم السلطانية إلى أن مات ابن ارثنا صاحب سيواس عن ولد صغير اسمه محمد فأقيم بعده وقام الأمر بأمره وأكبرهم الذي يرجعون إليه في الرأي قاضي سيواس والد البرهان هذا فدبر الأمر المذكورون مدة حياة القاضي فلما مات ولي ابنه برهان الدين هذا مكانه فسد مسده وأربى عليه بكثرة علمه وحسن سياسته وجودة تدبيره وأخذ في أحكام أمره فأول ما بدأ به بعد تمهيد قواعده أن فرق أعمال ولايته على الأمراء وبقي من الأمراء اثنان فريدون وغضنفر فثقلا عليه فتمارض ليقعا في قبضته فدخلا عليه يعودانه فلما استقر بهما الجلوس خرج عليهما من رجاله جماعة أقعدهم في مخدع فقبضوا عليهم وخرج من فوره فملك الأمر من غير منازع ولقب بالسلطان ثم خرج فاستولى على مملكة قرمان وقاتل من عصى عليه ونزع توقات واستمال إليه تتار الروم وهم جمع كبير لهم بأس ونجدة وشجاعة وانضاف إليه الأمير عثمان (7/57)
58 قرانبك بتراكمينه فعز جانبه ثم إن قرانبك خالف عليه ومنع تقادمه التي كان يحملها إليه فلم يكترث به القاضي برهان الدين احتقارا له فصار قرانبك يتردد إلى أماسية وأرزن جان إلى أن قصد ذات يوم مصيفا بالقرب من سيواس ومر بظاهر المدينة فشق على القاضي برهان الدين كونه لم يعبأ به وركب عجلا بغير أهبة ولا كثرة جماعة وساق في أثره ليوقع به فكر عليه قرانبك بجماعته فأخذه قبضا باليد وتفرقت عسكره شذر مذر وكان قرانبك عزم أن يعيده إلى مملكته فنزل عليه شيخ نجيب فما زال به حتى قتله وكان رحمه الله فقيها فاضلا كريما جوادا قريبا من الناس شديد البأس أديبا شاعرا ظريفا لبيبا مقداما يحب العلم والعلماء ويدني إليه أهل الخير والفقراء وكان دائما يتخذ يوم الإثنين والخميس والجمعة لأهل العلم خاصة لا يدخل عليه سواهم وأقلع قبل موته وتاب ورجع إلى الله تعالى ومن مصنفاته كتاب الترجيح على التلويح وكان للأدب وأهله عنده سوق نافق وقتل في ذي القعدة انتهى كلام المقريزي باختصار وفيها الشيخ الكبير الولي الشهير العارف بالله تعالى الشيخ أبو بكر بن داود الصالحي الحنبلي المسلك المخلص الفقيه المتين قال الشهاب بن حجي كان معدودا في الصالحين وهو على طريقة السنة وله زاوية حسنة بسفح قاسيون فوق جامع الحنابلة وله إلمام بالعلم ومات في سابع عشرى رمضان انتهى أي ودفن بحوش تربته من جهة الشمال قريبا من الطريق قال الشيخ إبراهيم بن الأحدب في ثبته والدعاء عند قبره مستجاب وقال فيه أيضا له التصانيف النافعة منها قاعدة السفر ومنها الوصية الناصحة لم يسبق إلى مثلها ومنها النصيحة الخالصة وغير ذلك من التصانيف النافعة الدالة على فقهه وعلمه وبركته له مغارة في زاويته انقطع عن الخلق فيها انتهى وفيها عبد الصادق بن محمد الحنبلي الدمشقي كان من أصحاب ابن المنجا ثم ولي قضاء طرابلس وسكرت سيرته وقدم دمشق فتزوج بنت السلاوي زوجة مخدومه تقي الدين بن المنجا وسعى في (7/58)
قضاء دمشق وتوفي في المحرم سقط عليه سقف 59 بيته فهلك تحت الردم وفيها نور الدين أبو الحسن علي بن خليل بن علي بن أحمد بن عبد الله الحكري المصري الفقيه الحنبلي العالم الواعظ قاضي القضاة ولد سنة تسع وعشرين وسبعمائة واشتغل في الحديث والفقه وولي القضاء بالديار المصرية عبد عزل القاضي موفق الدين في جمادى الآخرة سنة اثنتين وثمانمائة وقدم مع السلطان الناصر الفرج إلى دمشق وكان يجلس بمحراب الحنابلة يعظ الناس وكانت مدة ولايته للقضاء خمسة أشهر واستمر معزولا إلى ان مات في تاسع المحرم وفيها علاء الدين أبو الحسن علي بن عمر بن سلمان الخوارزمي وكان أبوه من الأجناد فنشأ هو على أجمل طريق وأحسن سيرة وأكب على الاشتغال بالعلم ثم طالع في كتب ابن حزم فهوى كلامه واشته رفي محبته والقول بمقالته وتظاهر بالظاهر وكان حسن العبادة كثير الاقبال على التضرع والدعاء والابتهال ونزل عن اقطاعه سنة بضع وثمانين وأقام بالشام ثم عاد إلى مصر وباشر عند بعض الأمراء وتوفي في تاسع صفر وفيها نور الدين علي بن عبد الوارث بن جمال الدين محمد بن زين الدين عبد الوارث بن عبد العظيم بن عبد المنعم بن يحيى بن حسين بن موسى بن يحيى ابن يعقوب بن محمد بن عيسى بن شعبان بن عيسى بن داود بن محمد بن نوح ابن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق القرشي البكري التيمي الشافعي ظنا اشتغل بالعلم ومهر في الفقه خاصة وكان كثير الاستحضار قائما بالأمر بالمعروف شديدا على من يطلع منه على أمر منكر فجره الاكثار من ذلك إلى أن حسن له بعض أصحابه أن يتولى الحسبة فولي حسبة مصر مرارا وامتحن بذلك حتى أضر ذلك به ومات في ذي القعدة مفصولا وله ثلاث وستون سنة وفيها زين الدين عمر بن إبراهيم بن سلميان الرهاوي الأصل ثم الحلبي كاتب الانشاء بحلب قرأ على الشيخ شمس الدين الموصلي وأبي المعالي بن عشاير وتعانى (7/59)
60 الأدب وبرع في النظم وصناعته الانشاء وحسن الخط وولي كتابة السر بحلب ثم ولي خطابة جامع الأموي بعد وفاة أبي البركات الأنصاري وكان فاضلا ذا عصبية ومروءة وهو القائل ( يا غائبين وفي سرى محلهم * ذم الفؤاد بسهم البين مسفوك ) ( أشتاقهم ودموع العين جارية * والقلب في ربقة الأشواق مملوك ) ومن شعره ( وحائك يحكيه بدر الدجى * وجها ويحكيه القناقدا ) ( ينسج أكفانا لعشاقه * من غزل جفنيه وقد سدا ) توفي في ثاني ربيع الآخر وفيها أبو حيان محمد بن فريد الدين حيان بن العلامة أثير الدين أبي حيان محمد بن يوسف الغرناطي ثم المصري ولد سنة أربع وثلاثين وسبعمائة وسمع من جده ومن ابن عبد الهادي وغيرهما وكان حسن الشكل منور الشيبة بهي المنظر حسن المحاضرة أضر بآخره وسمع منه ابن حجر وغيره وتوفي في ثالث رجب وفيها شمس الدين محمد بن سعد بن محمد بن علي بن عثمان بن إسمعيل الطائي الشافعي ابن خطيب الناصرية ولد سنة ثلاث وأربعين وحفظ التنبيه وتفقه على أبي الحسن البابي والكمال بن العجمي والجمال بن الشريشي وسمع من بدر الدين بن حبيب وغيره وولي خطابة الناصرية واشتهر بها أيضا وكان كثير التلاوة والعبادة سليم الصدر وهو والد قاضي قضاة حلب وتوفي في جمادى الأولى وفيها شمس الدين محمد بن سليمان بن عبد الله بن الحراني الشافعي الحموي نزيل حلب أصله من الشرق وأقدمه أبوه طفلا فسكن حماة وعلمه صناعة الحرف ثم ترك وأقبل على الاشتغال وأخذ عن شرف الدين يعقوب خطيب القلعة (7/60)
61 والجمال يوسف بن خطيب المنصورية وصاهره ثم رحل إلى دمشق وأخذ عن بدر الدين القرشي ورأس وحصل وشارك في الفنون ثم قدم حلب في ثلاث وسبعين وناب في الحكم ثم قضاء الرها ثم قضاء بزاعة ثم ناب في الحكم بحلب أيضا وولي عدة تداريس وكان فاضلا تقيا مشكورا في أحكامه وتوفي في سابع ربيع الأول بالفالج وفيها محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن حسن المصري القمني الصوفي سمع من شمس الدين بن القماح صحيح مسلم بفوت وسمع من غيره وحدث فسمع منه ابن حجر وغيره وتوفي عن سبع وسبعين سنة وفيها أبو بكر يحيى بن عبد الله بن عبد الله بن محمد بن محمد بن زكريا الغرناطي كان إماما في الفرائض والحساب وشارك في الفنون وصنف في الفرائض كتاب المفتاح وولي القضاء ببلده وتوفي في ربيع الأول سنة سبع وثمانمائة فيها توفي محي الدين أبو اليسر أحمد بن تقي الدين عبد الرحمن بن نور الدين محمد بن محمد بن محمد بن الصائغ الأنصاري نزيل الصالحية ولد سنة تسع وثلاثين وسبعمائة وسمع من الوادي آشي وأحمد بن علي الجزري وزينب بنت الكمال بعناية أبيه فأكثر وسمع من زين الدين بن الوردي وعنى بالآداب وطلب بنفسه وكتب الطباق وتخرج بابن سعد وتفرد بأشياء سمعها وسمع منه ابن حجر وغيره بدمشق وكان عسرا في الرواية توفي في شهر رمضان وفيها شهاب الدين أحمد بن كندغدي بضم الكاف وسكون النون ودال مضمومة وغين معجمة ساكنة ودال مهملة مكسورة لفظ تركي معناه بالعربية (7/61)
62 ولد النهار الإمام العلامة الفقيه الحنفي ولد بالقاهرة وكان أبوه علاء الدين استادار للأمير اقتمر وكان شهاب الدين هذا يتزيا بزي الجند وطلب العلم واشتغل على علماء عصره وبرع في الفقه والأصول والعربية وغير ذلك وتفقه به جماعة وصحب الأمير شيخ الصفوي ثم اختص عند الملك الظاهر برقوق وعظم في الدولة بذلك قال المقريزي وكان يتهم بأنه هو الذي رخص للسلطان في شرب النبيذ على قاعدة مذهبه فأفضى ذلك إلى أن تعاطى ما أجمع على تحريمه وقد شافهته بذلك فلم ينكره مني فلما كانت أيام الناصر فرج بعثه رسولا إلى تيمور بعد أن عينت أنا فمات بحلب في شهر ربيع الأول وقد قارب الخمسين أو بلغها وكان من أذكياء الناس وفضلائهم انتهى وفيها تاج الدين تاج بن محمود الأصفهندي العجمي الشافعي نزيل حلب قدم من بلاد العجم حاجا ثم رجع فسكن في حلب بالمدرسة الرواحية وأقرأ بها النحو ثم أقبلت عليه الطلبة فلم يكن يتفرغ بغير الاشتغال بل يقرىء من بعد صلاة الصبح إلى الظهر بالجامع ومن الظهر إلى العصر بجامع منكلي بغا ويجلس من العصر إلى المغرب بالرواحية وكان عفيفا ولم يكن له حظ ولا يطلع على أمر من أمور الدنيا وأسر مع اللنكية فاستنقذه الشيخ إبراهيم صاحب شماخي وأحضره إلى بلده مكرما فاستمر عنده إلى أن مات في ربيع الأول وأخذ عنه غالب أهل حلب وانتفعوا به وشرح المحرر في الفقه وتوفي عن ثمان وسبعين سنة وفيها تمر وقيل تيمور كلاهما يجوز ابن ايتمش قنلغ بن زنكي بن سيبا بن طارم طر بن طغربك بن قليج بن سنقور بن كنجك بن طغر سبوقا الطاغية تيمور كوركان ومعناه باللغة العجمية صهر الملوك ولد سنة ثمان وعشرين وسبعمائة بقرية تسمى خواجا ابغار من عمل كش أحد مداين ما وراء النهر وبعد هذه البلدة عن سمرقند يوم واحد يقال أنه رؤي ليلة ولد كأن (7/62)
63 شيئا يشبه الخودة اءى طائرا في جو السماء ثم وقع إلى الأرض في فضاء فتطاير منه شرر حتى ملأ الأرض وقيل أنه لما خرج من بطن أمه وجدت كفاه مملوءتين دما فزجروا أنه تسفك على يديه الدماء وقيل أن والده كان اسكافا وقيل بل كان أميرا عند السلطان حسين صاحب مدينة بلخ وكان أحذ أركان دولته وأن أمه من ذرية جينكز خان وقيل إن أول ما عرف من حاله أنه كان يتحرم فسرق في بعض الليالي غنمة وحملها ليمر بها فانتبه الراعي ورماه بسهم فأصاب كتفه ثم ردفه بآخر فلم يصبه ثم بآخر فأصاب فخذه وعمل عليه الجرح الثاني حتى عرج منه ولهذا يسمى تمرلنك فإن لنك باللغة العجمية أعرج ثم أخذ في التحرم وقطع الطريق وصحبه في تحرمه جماعة عدتهم أربعون رجلا وكان تيمور يقول لهم في تلك الأيام لا بد أن أملك الأرض وأقتل ملوك الدنيا فيسخر منه بعضهم ويصدقه البعض لما يروه من شدة حزمه وشجاعته قال ابن حجر كان من أتباع طقتمش خان آخر الملوك من ذرية جنكز خان فلما مات وقرر في السلطنة ولده محمود استقر تيمور أتابك وكان أعرج وهو اللنك بلغتهم فعرف بتمر اللنك ثم خفف وقيل تمرلنك وتزوج أم محمود وصار هو المتكلم في المملكة وكانت همته عالية ويتطلع إلى الملك فأول ما جمع عسكرا ونازل صاحب بخارى فانتزعها من يد أميرها حسن المغلى ثم نازل خوارزم فاتفق وفاة أميرها حسن المغلى واستقر أخوه يوسف وانتزعها اللنك أيضا ولم يزل إلى أن انتم له ملك ما وراء النهر ثم سار إلى سمرقند وتملكها ثم زحف إلى خراسان وملكها ثم ملك هراة ثم ملك طبرستان وجرجان بعد حروب طويلة سنة أربع وثمانين فلجأ صاحبها شاه وتعلق بأحمد بن أويس صاحب العراق فتوجه اللنك إليهم فنازلهم بتبريز وأذربيجان فهلك شاه في الحصار وملكها اللنك ثم ملك أصبهان وفي غضون ذلك خالف عليه أمير من جماعته يقال له قمر الدين وأعانه طقتمش خان صاحب صراي فرجع إليهم (7/63)
64 ولم يزل يحاربهم إلى أن أبادهم واستقل بمملكة المغل وعاد إلى أصبهان سنة أربع وتسعين فملكها ثم تحول إلى فارس وفيها أعيان بني المظفر اليزدي فملكها ثم رجع إلى بغداد سنة خمس وتسعين فنازلها إلى أن غلب عليها وفر أحمد بن أويس صاحبها إلى الشام واتصلت مملكة اللنك بعد بغداد بالجزيرة وديار بكر فبلغته إخباره الظاهر برقوق فاستعد له وخرج بالعساكر إلى حلب فرجع إلى أذربيجان فنزل بقراباغ فبلغه رجوع طقتمش إلى صراي فسار خلفه ونازله إلى أن غلبه على ملكه في سنة سبع وتسعين ففر إلى بلغار وانضم عسكر المغل إلى اللنك فاجتمع معه فرسان التتار والمغل وغيرهم ثم رجع إلى بغداد وكان أحمد فر منها ثم عاد إليها فنازلها إلى أن ملكها وهرب أحمد ثانيا وسار إلى أن وصل سيواس فملكا ثم حاصر بهنسامدة وبلغ ذلك أهل حلب ومن حولها فانجفلوا ونازل حلب في ربيع الأول فملكها وفعل فيها الأفاعيل الشنيعة ثم تحول إلى دمشق في ربيع الآخر أي سنة ثلاث وثمانمائة وسار حتى أناخ على ظاهر دمشق من داريا إلى قطنا والحوله وما يلي تلك البلاد ثم احتاط بالمدينة وانتشرت عساكره في ظواهرها تتخطف الهاربين وقال صاحب المنهل الصافي وصار تيمور يلقي من ظفر به تحت أرجل الفيلة حتى خرج إليه أعيان المدينة بعد أن أعياه أمرهم يطلبون منه الأمان فأوقفهم ساعة ثم أجلسهم وقدم إليهم طعاما وأخلع عليهم وأكرمهم ونادى في المدينة بالأمان والاطمئنان وأن لا يعتدي أحد على أحد فاتفق أن بعض عسكره نهب شيئا من السوق فشنقه وصلبه برأس سوق البزوريين فمشى ذلك على الشاميين وفتحوا أبواب المدينة فوزعت الأموال التي كان فرضها عليهم لأجل الأمان على الحارات وجعلوا دار الذهب هي المستخرج ونزل تيمور بالقصر الأبلق من الميدان ثم تحول منه إلى دار وهدمه وحرقه وعبر المدينة من باب الصغير حتى صلى الجمعة بجامع بني أمية وقدم القاضي الحنفي محمود بن الكشك (7/64)
65 للخطبة والصلاة ثم جرت مناظرة بين إمامه عبد الجبار وفقهاء دمشق وهو يترجم عن تيمور بأشياء منها وقائع علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع معاوية وما وقع ليزيد بن معاوية مع الحسين وأن ذلك كله كان بمعاونة أهل دمشق له فإن كانوا استحلوه فهم كفار وإلا فهم عصاة بغاة وأثم هؤلاء على أولئك فأجابوه بأجوبة قبل بعضها ورد البعض ثم قام من الجامع وجد في حصار القلعة حتى أعياه أمرها ولم يكن بها يومئذ إلا نفر يسير جدا ونصب عليها عدة مناجيق وعمر تجاهها قلعة عظيمة من خشب فرمى من بالقلعة على القلعة التي عمرها بسهم فيه نار فاحترقت عن آخرها فأنشأ قلعة أخرى ثم سلموها له بعد أربعين يوما بالأمان ولما أخذ تيمور قلعة دمشق أباح لمن معه النهب والسلب والقتل والإحراق فهجموا المدينة ولم يدعوا بها شيئا قدروا عليه وطرحوا على أهلها أنواع العذاب وسبوا النساء والأولاد وفجروا بالنساء جهارا ولا زالوا على ذلك أياما وألقوا النار في المباني حتى احترقت بأسرها ورحل عنها يوم السبت ثالث شعبان سنة ثلاث وثمانمائة ثم اجتاز بحلب وفعل بأهلها ما قدر عليه ثم على الرها وماردين ثم على بغداد وحصرها أيضا حتى أخذها عنوة في يوم عيد النحر من السنة ووضع السيف في أهلها وألزم جميع من معه أن يأتي كل واحد منهم برأسين من رؤس أهلها فوقع القتل حتى سالت الدماء أنهارا وقد أتوه بما التزموه فبنى من هذه الرؤس مائة وعشرين مأذنة ثم جمع أموالها وأمتعتها وسار إلى قرى باغ فجعلها خرابا بلقعا ثم قال ابن حجر فلما كان سنة أربع وثمانمائة قصد بلاد الروم فغلب عليها وأسر صاحبها أي أبا يزيد بن عثمان ومات معه في الاعتقال ودخل الهند فنازل مملكة المسلمين حتى غلب عليها وكان مغرى بقتل المسلمين وغزوهم وترك الكفار وكان شيخا طوالا شكلا مهولا طويل اللحية حين الوجه بطلا شجاعا جبارا ظلوما غشوما سفاكا للدماء مقداما على ذلك وكان أعرج سلت رجله في أوائل أمره وكان يصلي عن قيام (7/65)
وكان جهوري 66 الصوت يسلك الجد مع القريب والبعيد ولا يحب المزاح ويحب الشطرنج وله فيها يد طولى وزاد فيهاجملا وبغلا وجعل رقعته عشرة في أحد عشر وكان ماهرا فيه لا يلاعبه فيه إلا الأفراد وكان يقرب العلماء والصلحاء والشجعان والأشراف وينزلهم منازلهم ولكن من خالف أمره أدنى مخالفة استباح دمه وكانت هيبته لا تدانى بهذا السببب وما أخرب البلاد إلا بذلك وكان من أطاعه في أول وهلة أمن ومن خالفه أدنى مخالفة وهن وكان له فكر صائب ومكايد في الحرب وفراسة قل أن تخطىء وكان عارفا بالتواريخ لإدمانه على سماعها لا يخلو مجلسه عن قراءة شيء منها سفرا ولا حضرا وكان مغرى بمن له صناعة ما إذا كان حاذقا فيها وكان أميالا يحسن الكتابة وكان حاذقا باللغة الفارسية والتركية والمغلية خاصة وكان يقدم قواعد جنكز خان ويجعلها أصلا ولذلك أفنى جمع جم بكفره مع أن شعائر الإسلام في بلاده ظاهرة وكان له جواسيس في جميع البلاد التي ملكها والتي لم يملكها وكانوا ينهون إليه الحوادث الكائنة على جليتها ويكاتبونه بجميع ما يروم فلا يتوجه إلى جهة إلا وهو على بصيرة من أمرها وبلغ من دهائه أنه كان إذا قصد جهة جمع أكابر الدولة وتشاوروا إلى أن يقع الرأي على التوجه في الوقت الفلاني إلى الجهة الفلانية فيكاتب جواسيس تلك الجهات فيأخذ أهل تلك الجهة المذكورة حذرها ويأنس غيرها فإذا ضرب بالنفير وأصبحوا سائرين ذات الشمال عرج بهم ذات اليمين فلا يصل الخبر الثاني إلا ودهم الجهة التي يريد وأهلها غافلون وكان أنشأ بظاهر سمرقند بساتين وقصورا عجيبة وكانت من أعظم النزه وبنى عدة قصاب سماها بأسماء البلاد الكبار كحمص ودمشق وبغداد وشيراز انتهى وقال في المنهل وكان يستعمل المركبات والمعاجين ليستعين بها على افتضاض الأبكار وخرج من سمرقند في شهر رجب أي من هذه السنة قاصدا بلاد الصين والخطا وقد اشتد البرد حتى نزل على سيحون وهو جامد فعبره ومر سائرا واشتد عليه وعلى من (7/66)
67 معه الرياح والثلج وهلكت دوابهم وتساقط الناس هلكى ومع ذلك فلا يرق لأحد ولا يبالي بما نزل بالناس بل يجد في السير فلما وصل إلى مدينة انزار أمر أن يستقطر له الخمر حتى يستعمله بأدوية حارة وأفاوية لدفع البرد وتقوية الحرارة وشرع يتناوله ولا يسأل عن أخبار عسكره وما هم فيه إلى أن أثرت حرارة ذلك في كبده وأمعائه فالتهب مزاجه حتى ضعف بدنه وهو يتجلد ويسير السير السريع وأطباؤه يعالجونه بتدبير مزاجه إلى أن صاروا يضعون الثلج على بطنه لعظم ما به من التلهب وهو مطروح مدة ثلاثة أيام فتلفت كبده وصار يضطرب ولونه يحمر إلى أن هلك في يوم الأربعاء تاسع عشر شعبان وهو نازل بضواحي انزار ولم يكن معه من أولاده سوى حفيده خليل بن أميران شاه بن تيمور فملك خزائن جده وتسلطن وعاد إلى سمرقند برمة جده إلى أن دفنه على حفيده محمد سلطان بمدرسته وعلق بقبته قناديل الذهب من جملتها قنديل زنته عشرة أرطال دمشقية وتقصد تربته بالنذور للتبرك من البلاد البعيدة لا تقبل الله ممن يفعل ذلك وإذا مر على هذه المدرسة أمير أو جليل خضع ونزل عن فرسه إجلالا لقبره لما له في صدورهم من الهيبة وتوفي عن نيف وثمانين سنة وخلف من الأولاد أميارن شاه والقان معين الدين شاه رخ صاحب هراة وبنتا يقال لها سلطان بخت وعدة أحفاد انتهى باختصار وفيها جمال الدين أبو المعالي عبد الله بن عمر بن علي بن مبارك الهندي السعودي الأزهري المعروف بالحلاوي بمهملة ولام خفيفة ولد سنة ثمان وعشرين وسبعمائة وسمع الكثير من يحيى المصري وأحمد بن علي المستولي وإبراهيم الخيمي وجمع جم من أصحاب النجيب وابن علان وابن عبد الدايم فأكثر قال ابن حجر كان ساكتا خيرا صبورا على الاسماع قل أن يعتريه نعاس قرأت عليه مسند أحمد في مدة يسيرة في مجالس طوال وكان لا يضجر وفي الجملة لم يكن في شيوخ الرواية من شيوخنا أحسن أداء منه ولا أصغى للحديث وتوفي في صفر وقد قارب الثمانين (7/67)
68 وفيها جمال الدين عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن إدريس بن نصر النحريري المالكي ولد سنة أربعين وسبعمائة واشتغل بالعلم بدمشق وبمصر وسمع من الظهير ابن العجمي وغيره ثم ناب في الحكم بحلب ثم ولي قضاء حلب سنة سبع وستين ثم أراد الظاهر إمساكه لما قام عليه فأحس بذلك فهرب إلى بغداد فأقام بها على صورة فقيل فلم يزل هناك إلى أن وقعت الفتنة اللنكية ففر إلى تبريز ثم إلى حصن كيفا فأكرمه صاحبها فأقام عنده وكان صاحب الترجمة يحب الفقهاء الشافعية وتعجبه مذاكرتهم ثم رجع إلى حلب ثم توجه إلى دمشق سنة ست فحج ورجع قاصدا الحصن وكان إماما فاضلا فقيها يستحضر كثيرا من التاريخ ويحب العلم وأهله وكان من أعيان الحلبيين وتوفي بسرمين راجعا من الحج بكرة يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الأول وفيها عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن لاجين الرشيدي قال ابن حجر سمع الميدومي وابن الملوك وغيرهما وكان يلازم قراءة صحيح البخاري وسمعت لقراءته وكان حسن الأداء وسمعت منه من المعجم الكبير أجزاء مات في رجب وقد جاوز السبعين بأشهر انتهى وفيها أبو بكر عبد الرحمن بن عبد العزيز بن أحمد بن عثمان بن أبي الرجال ابن أبي الأزهر الدمشقي المعروف بابن السعلوس سمع من زينب بنت الخباز وحدث عنها وأجاز لابن حجر وفيها شرف الدين عبد المنعم بن سليمان بن داود البغدادي ثم المصري الحنبلي ولد ببغداد قدم إلى القاهرة وهو كبير فحج وصحب القاضي تاج الدين السبكي وأخاه الشيخ بهاء الدين وتفقه على قاضي القضاة موفق الدين وغيره وعين لقضاء الحنابلة بالقاهرة فلم يتم ذلك ودرس بمدرسة أم الأشرف شعبان وبالمنصورية وولي افتاء دار العدل ولازم الفتوى وانتهت إليه رياسة الحنابلة بها وانقطع نحو عشر سنين بالجامع الأزهر يدرس ويفتي ولا يخرج منه إلا في النادر وأخذ عنه جماعات وأنشد قبل موته من نظمه (7/68)
69 ( قرب الرحيل إلى ديار الآخرة * فاجعل بفضلك خير عمري آخره ) ( وارحم مقيلي في القبور ووحدتي * وارحم عظامي حين تبقى ناخره ) ( فأنا المسيكين الذي أيامه * ولت بأوزار غدت متواترة ) ( لا تطردن فمن يكن لي راحما * وبحار جودك يا إلهي ذاخره ) ( يا مالكي يا خالقي يا رازقي * يا راحم الشيخ الكبير وناصره ) ( مالي سوى قصدي لبابك سيدي * فاجعل بفضلك خير عمري آخره ) وتوفي بالقاهرة في ثامن عشر شوال وفيها جلال الدين عبد الله بن عبد الله الأردبيلي الحنفي لقي جماعة من الكبار بالبلاد العراقية وغيرها وقدم القاهرة فولي قضاء العسكر ودرس بمدرسة الأشرف بالتبانة وغير ذلك وتوفي في أواخر شهر مضان وفيها علاء الدين علي بن إبراهيم بن علي القضاعي الحموي الحنفي تفقه بالقاضي صدر الدين بن منصور وأخذ النحو عن سرى الدين المالكي وبرع في الأدب وكتب في الحكم عن البارزي ثم ولي القضاء بحماة وكان من أهل العلم والفضل والذكاء مع الدين والخير والرياسة وسمع منه ابن حجر لما قدم القاهرة في آخر سنة ثلاث وثمانمائة ومن شعره ( عين على المحبوب قد قال لي * راح إلى غيرك يبغي اللجين ) ( فجئته بالتبر مستدركا * وقلت ما جئتك إلا بعين ) وتوفي ثامن عشر ربيع الأول وفيها نور الدين علي بن سراج الدين عمر بن الملقن الشافعي ولد في سابع شوال سنة ثمان وستين وسبعمائة وتفقه قليلا وسمع من أبيه وبعض المشايخ بالقاهرة ورحل مع أبيه إلى دمشق وحماة وأسمعه هناك وناب في الحكم ودرس بمدارس أبيه بعده وكان عنده سكون وحياء وتمول في الآخر وكثرت معملاته وتوفي في شعبان (7/69)
70 وفيها نور الدين أبو الحسن علي بن أبي بكر بن سليمان بن أبي بكر الهيثم الشافعي الحافظ ولد في رجب سنة خمس وثلاثين وسبعمائة وصحب الشيخ زين الدين العراقي وهو صغير فسمع معه من ابتداء طلبه على أبي الفتح الميدومي وابن الملوك وابن القطرواني وغيرهم من المصريين ومن ابن الخبار وابن الحموي وابن قيم الضيائية وغيرهم من الشاميين ثم رحل جميع رحلاته معه أي مع العراقي وحج معه حجاته ولم يكن يفارقه حضرا ولا سفرا وتزوج بنته وتخرج به في الحديث وقرأ عليه أكثر تصانيفه فكتب عنه جميع مجالس املائه وسمع بنفسه وعنى بهذا الشأن وكتب وجمع وصنف فمن تصانيفه مجمع الزوائد ومنبع الفوائد جمع فيه زوائد المعاجم الثلاثة الطبراني ومسند الإمام أحمد بن حنبل ومسند البزار ومسند أبي يعلى وحذف أسانيدها وجمع ثقات ابن حبان ورتبها على حروف المعجم وكذا ثقات العجلي ورتب الحلية على الأبواب وصار كثير الاستحضار للمتون جدا لكثرة الممارسة وكان هينا لينا خيرا محبا لأهل الخير لا يسأم ولا يضجر من خدمة الشيخ وكتابة الحديث كثير الخير سليم الفطرة قال ابن حجر قرأت عليه الكثير قرأنا للشيخ ومما قرأت عليه بانفراده نحو النصف من منجمع الزوائد له وغير ذلك وكان يشهد لي بالتقدم في الفن جزاه الله عني خيرا وكنت قد تتبعت أوهامه في كتابه مجمع الزوائد فبلغني أن ذلك شق عليه فتركته رعاية له انتهى وتوفي بالقاهرة ليلة الثلاثاء تاسع عشر شهر رمضان ودفن خارج باب البرقوقية وفيها أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن وفا قال في المنهال الصافي الشيخ الواعظ المعتقد الصالح الأديب الأستاذ المعروف بسيد علي بن وفا الأسكندري الأصل المالكي الشاذلي صاحب النظم الفائق والألحان المحزنة الحسنة والحزب (7/70)
71 المعروف عند بني وفا ولد بالقاهرة سنة تسع وخمسين وسبعمائة ومات أبوه وتركه صغيرا ونشأ هو وأخوه أحمد تحت كنف وصيهما العبد الصالح شمس الدين محمد الزيلعي فأدبهما وفقههما فنشآ على أحسن حال وأجمل طريقة ولما صال عمر سيدي على هذا سبع عشرة سنة جلس موضع أبيه وعمل الميعاد وأجاد وأفاد وشاع ذكره وبعد صيته واشتهر أعظم من شهرة أبيه قال المقريزي وتعددت أتباعه وأصحابه ودانوا بحبه واعتقدوا رؤيته عبادة وتبعوه في أقواله وأفعاله وبالغوا في ذلك مبالغة زائدة وسمعوا ميعاده المشهد وبذلوا رغائب أموالهم هذا مع تحجبه وتحجب أخيه والتحجب الكثير إلا عند عمل الميعاد والبروز لقبر أبيهما أو تنقلهما في الأماكن فنالا من الحظ ما لا ناله من هو في طريقتهما وكان أي صاحب الترجمة جميل الطريقة مهابا معظما صاحب كلام بديع ونظم جيد انتهى ثم قال في المنهل وكان فقيها عارفا بفنون من العلوم بارعا في التصوف مستحضرا لتفسير القرآن الكريم وله تآليف منها كتاب الباحث على الخلاص في أحوال الخواص وتفسير القرآن العزيز وكتاب الكوثر المترع في الأبحر الأربع في الفقه وديوان شعر معروف منه ( ترفق فسهم الوجد في مهجتي رشق * ملكت فأحسن فالتجلد قد ابق ) ( وطال على الهجر واتصل الضني * وقصر عني الصبر وانعدم الرمق ) وهي طويلة انتهى ملخصا وقال ابن حجر في أنباء الغمر كان له نظم كثير واقتدار على جلب الخلق مع خفة ظاهرة اجتمعت به مرة في دعوة فأنكرت على أصحابه إيمائهم إلى جهته بالسجود فتى هو وهو في وسط السماع يدور فأينما تولوا فثم وجه الله فنادى من كان حاضرا من الطلبة كفرت كفرت فترك المجلس وخرج هو وأصحابه وكان أبوه معجيا به وأذن له في الكلام على الناس وكان أكثر إقامته بالروضة قريب المشتهى وشعره ينعق بالاتحاد المفضي إلى الالحاد وكذا نظم والده ونصب في أواخر أمره منبرا في داره (7/71)
72 وصار يصلي الجمعة هو من يصاحبه مع أنه مالكي المذهب يرى أن الجمعة لا تصح في البلد وإن كبر إلا في المسجد العتيق من البلد انتهى باختصار وتوفي بالروضة يوم الثلاثاء ثاني عشرى ذي الحجة ودفن عند أبيه في القرافة وفيها شمس الدين محمد بن عبد الرحيم بن علي بن الحسن بن محمد بن عبد العزيز بن محمد الحنفي المعروف بابن الفرات المصري سمع من أبي بكر بن الصباح راوي دلائل النبوة وتفرد بالسماع منه وسمع الشفاء للقاضي عياض من الدلاصي وأجاز له أبو الحسن البندنيجي وتفرد إجازته في آخرين وكان لهجا بالتاريخ فكتب تاريخا كبيرا جدا بيض بعضه فأكمل منه المائة الثامنة ثم السابعة ثم السادسة في نحو عشرين مجلدا ثم شرع في تبييض الخامسة والرابعة فأدركه أجله وكتب شيئا يسيرا منه أول القرن التاسع وتاريخه هذا كثير الفائدة إلا أنه بعبارة عامية جدا وكان يتولى عقود الأنكحة ويشهد في الحوانيت ظاهر القاهرة مع الخير والدين والسلامة مات ليلة عيد الفطر وله اثنتان وسبعون سنة وفيها أبو الطيب محمد بن عمر بن علي السحولي بضم المهملتين اليمني ثم المكي المؤذن ولد سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة في رمضان وسمع الشفاء على الزبير بن علي الأسواني وهو آخر من حدث عنه وسمع على الجمال المطري وغيره وأجاز له عيسى الحجي وآخرون وسمع منه ابن حجر في آخرين وتوفي يوم التروية وقد أضر بآخره وكان حسن الخط جيد الشعر وفيها شمس الدين محمد بن قرموز الزرعي تفقه قليلا وحصل ومهد ونظم الشعر الحسن وولي قضاء القدس وغيره ثم توجه إلى قضاء الكرك فضعف فرجع إلى دمشق فمات بها في رجب وقد بلغ السبعين وفيها سراج الدين أبو الطيب محمد بن محمد بن عبد اللطيف بن أحمد بن محمود (7/72)
73 الربعي المعروف بابن الكويك قال ابن حجر سمع من الميدومي وغيره وهو أخو شيخنا شرف الدين أبو الطيب الأصغر توفي في وسط السنة وفيها شرف الدين عيسى بن حجاج السعدي المصري الحنبلي الأديب الفاضل المعروف بعويس العالية كان فاضلا في النحو واللغة وله النظم الرايق وله بديعية في مدح النبي مطلعها ( سل ما حوى القلب في سلمى من العبر * فكلما خطرت أمسى على خطر ) وله أشياء كثيرة وسمى عويس العالية لأنه كان عالية في لعب الشطرنج وكان يلعب به استدبارا وتوفي في أوائل المحرم ذكره العليمي في طبقاته سنة ثمان وثمانمائة فيها توفي شهاب الدين أحمد بن عماد بن محمد بن يوسف الأقفهسي بفتح الهمزة وسكون القاف وفتح الفاء وسكون الهاء المعروف بابن العماد أحد أئمة الفقهاء الشافعية ولد قبل الخمسين وسبعمائة واشتغل في الفقه والعربية وغير ذلك وأخذ عن الجمال الأسنوي وغيره وصنف التصانيف المفيدة نظما ونثرا ومتنا وشرحا منها أحكام المساجد وأحكام النكاح وحوادث الهجرة وكتاب التبيان فيما يحل ويحرم من الحيوان ورفع الألباس عن دهم الوسواس وشرح حوادث الهجرة له والقول التام في أحكام المأموم والإمام وغير ذلك وسمع منه ابن حجر وكتب عنه برهان الدين محدث حلب وفيها أبو هشام أحمد بن محمد بن إسماعيل بن عبد الرحيم بن يوسف بن شمير ابن حازم المصري المعروف بابن البرهان الظاهري التيمي ولد بين القاهرة ومصر في ربيع الأول سنة أربع وخمسين وسبعمائة وهو أحد من قام على الظاهر برقوق وكان أبوه من العدول ونشأ أحمد بالقاهرة واشتغل بالفقه على (7/73)
74 مذهب الشافعي ثم صحب شخصا ظاهري المذهب فجلبه إلى النظر في كلام أبي محمد بن حزم فأحبه ثم نظر في كلام ابن تيمية فغلب عليه حتى صار لا يعتقد أن أحدا أعلم منه وكانت له نفس أبية ومروءة وعصبية ونظر كثيرا في أخبار الناس فكانت نفسه تطمح إلى المشاركة في الملك وليس له قدم فيه لا من عشيرة ولا من وظيفة ولا من مال ثم رحل إلى الشام والعراق يدعو إلى طاعة رجل من قريش فاستقرأ جميع المملاك فلم يلغ قصدا ثم رجع إلى الشام فاستغوى كثيرا من أهلها ومن أهل خراسان وآخر الأمر قبض عليه وعلى جماعة من أصحابه بحمص وحمل الجميع في القيود إلى الديار المصرية فأوقفه الظاهر برقوق بين يديه ووبخه على فعله وضرب أصحابه بالمقارع ثم حبسه مدة طولة ثم أطلقه في سنة إحدى وتسعين وطال خموله إلى أن توفي وأطنب المقريزي في الثناء عليه وأمعن وزاد لكونه كان ظاهريا وذكر أنه كان فقيرا عادما للقوت وتوفي يوم الخميس السادس والعشرين من جمادى الأولى وفيها شيخ زاده العجمي الحنفي قدم من بلاده إلى حلب سنة أربع وتسعين وسبعمائة وهو شيخ ساكن يتكلم في العلم بسكون ويتعانى حل المشكلات فنزل في جوار القاضي محب الدين بن الشحنة فشغل الناس قال ابن حجر وكان عالما بالعربية والمنطق والكشاف وله اقتدار على حل المشكلات من هذه العلوم ولقد طارحه سراج الدين الفوي بأسئلة من العربية وغيرها نظم ونثر منها في قول الكشاف أن الاستثناء في قوله تعالى ( ^ إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين إلا آل لوط ) متصل او منقطع فأجابه جوابا حسنا بأنه إن كان يتعلق بقوم يكون منقطعا لأن القوم صفتهم الإجرام أو عن الضمير في صفتهم فيكون متصلا واستشكل أن الضمير هو الموصوف المقيد بالصفة فلو قلت مررت بقوم مجرمين إلا رجلا صالحا كان الاستثناء منقطعا فينبغي أن يكون الاستثناء منقطعا في الصورتين فأجاب بأنه لا إشكال قال وغاية ما يمكن أن يقال أن الضمير المستكن في المجرمين (7/74)
75 وإن كان عائدا إلى القوم بالإجرام إلا أن إسناد الإجرام إليه يقتضي تجرده عن اعتبار اتصافه بالإجرام فيكون إثباتا للنائب إلى آخر كلامه ثم دخل القاهرة وولي بعد ذلك تدريس الشيخونية ومشيختها فأقام مدة طويلة إلى أن كان في أواخر هذه السنة فإنه طال ضعفه فسعى عليه القاض كمال الدين بن العديم أنه خرف ورتب على الوظيفة فاستقر فيها بالجاه فتألم لذلك هو وولده ومقت أهل الخير ابن العديم بسبب هذا الصنع ومات الشيخ زاده عن قرب ودفن بالشيخونية وفيها أمين الدين سالم بن سعيد بن علوي الحساني الشافعي قدم القدس وهو ابن عشرين سنة فتفقه بها ثم قدم دمشق في حياة السبكي واشتغل ودوام على ذلك وتفقه بعلاء الدين حجي وغيره وأخذ النحو عن الكسكي وغيره وقدم القاهرة فقرأ في النحو على ابن عقيل وفي الفقه على البلقيني وقدم معه دمشق ولما ولي قضاءها ولاه قضاء بصري ثم لم يزل ينتقل في النيابة بالبلاد إلى أن مات في جمادى الأولى وقد جاوز السبعين وفيها زين الدين أبو العز طاهر بن الحسن بن عمر بن الحسن بن حبيب بن شريح الحلبي الحنفي ولد بعد الأربعين وسبعمائة بقليل واشتغل بالعلم وتعانى الأدب ولازم الشيخين أبا جعفر الغرناطي وابن حازم وسمع من إبراهيم بن الشهاب محمود وغيره وأجاز له أبو العباس المرداوي خاتمة أصحاب ابن عبد الدايم وجماعة وحصل وبرع في الأدب وغيره وصنف وكتب في ديوان الانشاء بحلب ثم رحل إلى دمشق وأقام بها مدة ثم توجه إلى القاهرة وكتب بها في ديوان الإنشاء وولي عدة وظائف وكان يكتب الخط المنسوب وله نظم ونثر نظم تلخيص المفتاح في المعاني والبيان وشرح البردة للبوصيري وخمسها وذيل على تاريخ والده ومن شعره ( قلت له إذ ماس في أخضر * وطرفه ألبابنا يسحر ) (7/75)
76 ( لحظك ذا أو أبيض مرهف * فقال هذا موتك الأحمر ) وتوفي في القاهرة يوم الجمعة سابع عشر ذي الحجة وفيها زين الدين عبد الرحمن بن علي بن خلف الفارسكوري الشافعي العلامة ولد سنة خمس وخمسين وسبعمائة وقدم القاهرة ولازم الاشتغال وتفقه على الشيخ جمال الدين والشيخ سراج الدين وغيرهما وسمع الحديث فأكثر وكتب بخطه المليح كثيرا ثم تقدم وصنف وعمل شرحا على شرح العمدة لابن دقيق العيد وجمع فيه أشياء حسنة وكان له حظ من العبادة والمروءة والسعي في قضاء حوائج الغرباء لا سيما أهل الحجاز وقد ولي قضاء المدينة ولم تتم له مباشرة ذلك واستقر في سنة ثلاث وثمانمائة في تدريس المنصورية ونظر الظاهرية ودرسها فعمرها أحسن عمارة وجد في مباشرته وقد جاور بمكة وصنف بها شيئا يتعلق بالأحكام قال ابن حجر وكان يودني وأوده وسمع بقراءتي وسمعت بقراءته وأسفت عليه جدا وقد سئل في مرض موته أن ينزل عن بعض وظائفه لبعض من يحبه من رفقته فقال لا أتقيد بها حيا وميتا وتوفي في رجب وله ثلاث وخمسون سنة وفيها ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن جابر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الرحيم الحضرمي الأشبيلي المالكي المعروف بابن خلدون ولد يوم الأربعاء أول شهر رمضان سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة بمدينة تونس ونشأ بها وطلب العلم وسمع من الوادي آشي وغيره وقرأ القرآن على عبد الله بن سعد بن نزال أفراد وجمعا وأخذ العربية عن أبيه وأبي عبد الله السايري وغيرهما وأخذ الفقه عن قاضي الجماعة ابن عبد السلام وغيره وأخذ عن عبد المهيمن الحضرمي ومحمد بن إبراهيم الأربلي شيخ المعقول بالمغرب وبرع في العلوم وتقدم في الفنون ومهر في الأدب والكتابة وولي كتابة السر بمدينة فاس لأبي عنان ولأخيه أبي سالم ورحل إلى غرناطة (7/76)
77 في الرسيلة سنة تسع وستين وكان ولي بتونس كتابة العلامة ثم ولي الكتابة بفاس ثم اعتقل سنة ثمان وخمسين نحو عامين ودخل بجاية فراسله صاحبها فدبر أموره ثم رحل بعد أن مات إلى تلمسان باستدعاء صاحبها فلم يقم بها ثم استدعاه عبد العزيز بفاس فمات قبل قدومه فقبض عليه ثم خلص فسار إلى مراكش وتنقلت به الأحوال إلى أن رجع إلى تونس سنة ثمانين فأكرمه سلطانها فسعوا به عند السلطان إلى أن وجد غفلة ففر إلى الشرق وذلك في شعبان سنة أربع وثمانين ثم ولي قضاء المالكية بالقاهرة ثم عزل وولي مشيخة البيبرسية ثم عزل عنها ثم ولي القضاء مرارا آخرها في رمضان من هذه السنة فباشره ثمانية أيام فأدركه أجله وكان ممن رافق العسكر إلى تمرلنك وهو مفصول عن القضاء واجتمع بتمرلنك وأعجبه كلامه وبلاغته وحسن ترسله إلى أن خلصه الله من يده وصنف التاريخ الكبير في سبع مجلدات ضخمة أظهرت فيه فضائله وأبان فيه عن براعته وكان لا يتزيا بزي القضاء بل هو مستمر على طريقته في بلاده قال لسان الدين بن الخطيب في تاريخ غرناطة رجل فاضل جم الفضائل رفيقع القدر أسيل المجد وقور المجلس عالي الهمة قوي الجأش متقدم في فنون عقلية ونقلية كثير الحفظ صحيح التصور بارع الحظ حسن العشرة فخر من مفاخر الغرب قال هذا كله في ترجمته والمترجم في حد الكهولة وتوفي وهو قاض فجأة يوم الأربعاء لأربع بقين من شهر رمضان ودفن بمقابر الصوفية خارج باب النصر وله ست وسبعون سنة وخمسة وعشرون يوما وفيها قوام الدين قوام بن عبد الله الرومي الحنفي قال ابن حجر قدم الشام وهو فاضل في عدة فنون فأشغل وأفاد وصاهر بدر الدين بن مكتوم وولي تصديرا بالجامع وصحب النواب وكان سليم الباطن كثير المروءة والمساعدة للناس مات في ربيع الآخر بدمشق (7/77)
78 وفيها شمس الدين محمد بن أبي بكر بن إبراهيم الجعبري الحنبلي العابر كان يتعاطى صناعة القبان وتنزل في دروس الحنابلة وتنزل في سعيد السعداء وفاق في تعبير الرؤيا ومات في جمادى الآخرة وفيها أمير المؤمنين المتوكل على الله أبو عبد الله محمد بن المعتضد أبي بكر ابن المستكفي سليمان بن الحاكم أحمد العباسي ولد سنة ست وأربعين وسبعمائة أو نحوها وتولى الخلافة في سنة ثلاث وستين بعهد من أبيه إليه واستمر في ذلك إلى أن مات في شعبان من هذه السنة سوى ما تخلل من السنين التي غضب عليه فيها الظاهر برقوق واستقر بعده في الخلافة ولده أبو الفضل العباسي ولقب المستعين بالله بعهد من أبيه وفيها شمس الدين محمد بن شرف الدين أبي بكر بن محمد بن الشهاب محمود بن سليمان بن فهد الحلبي الأصل الدمشقي ولد في شعبان سنة أربع وثلاثين وسبعمائة وحضر على البرزالي وأبي بكر بن قوام وشمس الدين بن السراج والعلم سليمان المنشد بطريق الحجاز في سنة تسع وثلاثين وسمع في سنة ثلاث وأربعين من عبد الرحيم بن أبي اليسر ويعقوب بن يعقوب الجزري وغيرهما وحدث وكان شكلا حسنا كامل الثغر مفرط السمن ثم ضعف بعد الكائنة العظمى وتضعضع حاله بعد ما كان مثريا وكان يكثر الانجماع عن الناس مكبا على الاشغال بالعلم ودرس بالبادرائية نيابة وكان كثير من الناس يعتمد عليه لأمانته ونقله توفي في خامس عشرى جمادى الأولى وكان أبوه موقع الدست بدمشق وكان قد ولي قبل ذلك كتابة السر وفيها شمس الدين محمد بن الحسن بن الأسيوطي كان عالما بالعربية حسن التعليم لها انتفع به جماعة وكان يعلم بالأجرة وله في ذلك وقائع عجيبة تنبىء عن دناءة شديدة وشح مفرط وكان منقطعا إلى القاضي شمس الدين بن الصاحب الموقع (7/78)
79 ونبغ له ولده شمس الدين محمد لكن مات شابا قبله رحمهما الله تعالى قاله ابن حجر وفيها محمد بن عبد الرحمن بن عبد الخالق بن سنان البرشسي بفتح الموحدة التحتية وسكون الراء وفتح المعجمة بعدها سين مهملة الشافعي اشتغل قديما وسمع من القلانسي ونحوه وحدث وأفاد ودرس مع الدين والخير وله منظومة في علم الحديث وشرحها وشرح أسماء رجال الشافعي وله كتاب في فضل الذكر وغير ذلك وسمع عليه ابن حجر وتوفي عن سبعين سنة وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن الخضري الزبيدي العيزري الغزي الشافعي ولد في ربيع الآخر سنة أربع وعشرين وسبعمائة وتفقه بالقاهرة على ابن عدلان وأحمد بن محمد العطار ومحي الدين ولد مجد الدين الزنكلوني وقرأ على البرهان الحكري ورجع إلى غزة سنة أربع وأربعين وسبعمائة فاستقر بها ودخل دمشق وأخذ عن البهاء المصري والتقي والتاج السبكيين وغيرهم وأذن له البد رمحمود بن علي بن هلال في الافتاء وأخذ عن القطب التحتاني وصنف تصانيف في عدة فنون وكتب على أسئلة من عدة علوم وله مناقشة على جمع الجوامع وذكر أنه شرحه واختصر القوت للأذرعي وله تعليق على الشرح الكبير للرافعي ونظم في العربية أرجوزة سماها قضم الضرب في نظم كلام العرب وتوفي في نصف ذي الحجة وفيها كمال الدين أبو البقاء محمد بن موسى بن عيسى بن علي الدميري بالفتح والكسر نسبة إلى دميرة قرية بمصر الشافعي العلامة ولد في أوائل سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة وتفقه على الشيخ بهاء الدين أحمد السبكي والشيخ جمال الدين الأسنوي والقاضي كمال الدين النويري المالكي وأجازه بالفتوى والتدريس وأخذ الأدب عن الشيخ برهان الدين القيراطي وبرع في الفقه والحديث والتفسير والعربية وسمع جامع الترمذي على المظفر العطار المصري وعلى علي بن أحمد الفرضي الدمشقي مسند أحمد بن حنبل بفوت يسير وسمع بالقاهرة (7/79)
80 من محمد بن علي الحراوي وغيره ودرس في عدة أماكن وكان ذا حظ من العبادة تلاوة وصياما ومجاورة بالحرمين ويذكر عنه كرامات كان يخفيها وربما أظهرها وأحالها على غيره وصنف شرح المنهاج في أربع مجلدان ونظم في الفقه أرجوزة طويلة وله كتاب حياة الحيوان كبرى وصغرى ووسطي أبان فيها عن طول باعه وكثرة اطلاعه وشرع في شرح ابن ماجه فكتب مسودة وبيض بعضه ودرس بالأزهر وبمكة المشرفة وتزوج بها في بعض مجاوراته ورزق فيها أولادا وتوفي بالقاهرة في ثالث جمادى الأولى وفيها شمس الدين محمد الحنبلي المعروف بابن المصري قال ابن حجر كان من نبهاء الحنابلة يحفظ المقنع وهو آخر طلبة القاضي موفق الدين موتا وكان قد ترك وصار يتكسب في حانوت بالصاغة وفيها محي الدين محمود بن نجم الدين أحمد بن عماد الدين إسماعيل بن العز الحنفي ابن الكشك اشتغل قليلا وناب عن أبيه واستقل بالقضاء وقتا ولما كانت فتنة تيمور دخل معهم في المنكرات وولي القضاء من قبلهم ولقب قاضي المملكة واستخلف بقية القضاة من تحت يده وخطب بالجامع ودخل في المظام وبالغ في ذلك فكرهه الناس ومقتوه ثم اطلع تمر على أنه خانه فصادره وعاقبه وأسره إلى أن وصل تبريز فهرب ودخل القاهرة فكتب توقيعا بقضاء الشام فلم يمضه نائب الشام شيخ واستمر خاملا وتفرق أخوه وأولاده وظائفه ثم صالحوه على بعضها وتوفي في ذي الحجة قاله ابن حجر وهو والد رئيس الشام شهاب الدين سنة تسع وثمانمائة فيها قويت فتن جكم وشيخ ونوروز حتى بويع جكم بالسلطنة بالشام ولقب بالعادل ثم قتل في أثناء ذلك كبابه فرسه فمات وفيها توفي صارم الدين إبراهيم بن محمد بن ايدمر بن دقماق الحنفي ولد بمصر في حدود خمسين وسبعمائة وتزيا بزي الجند وطلب العلم وتفقه يسيرا ومال (7/80)
81 إلى الأدب ثم حبب إليه التاريخ فمال إليه بكليته وكتب الكثير وصنف قال الشيخ تقي الدين المقريزي مال إلى فن التاريخ فأكب عليه حتى كتب نحو مائتي سفر من تأليفه وغيره وكتب تاريخا كبيرا على السنين وآخر على الحروف وإخبار الدولة التركية في مجلدين وأفرد سيرة الملك الظاهر برقوق وكتب طبقات الحنفية وامتحن بسببها وكان عارفا بأمور الدولة التركية ومذاكرا بجملة إخبارها مستحضرا لتراجم أمرائها ويشارك في إخبار غيرها مشاركة جيدة وكان جميل العشرة فكه المحاضرة كثير التودد حافظا للسانه من الوقيعة في الناس لا تراه يذم أحدا من معارفه بل يتجاوز عن ذكر ما هو مشهور عنهم مما يرمي به أحدهم ويعتذر عنهم بكل طريق صحبته مدة وجاورني سنين انتهى كلام المقريزي قال ابن حجر ولي في آخر الأمر إمرة دمياط فلم تطل مدته فيها ورجع إلى القاهرة وكان مع اشتغاله بالأدب عريا عن العربية عامي العبارة مات بالقاهرة في أواخر ذي الحجة وقد جاوز الستين وفيها شهاب الدين أحمد بن خاص التركي الحنفي أحد الفضلاء المتميزين من الحنفية أخذ عن بدر الدين العيني المحتسب وكان يطريه وتوفي بالقاهرة قاله ابن حجر وفيها شهاب الدين أحمد بن عبد الله العجمي الحنبلي أحد الفضلاء الأذكياء قال ابن حجر أخذ عن كثير من شيوخنا ومهر في العربية والأصول وقرأ في علوم الحديث ولازم الاشغال في الفنون مات عن ثلاثين سنة بالطاعون في شهر رمضان بالقاهرة انتهى وفيها شهاب الدين أحمد بن عمر بن علي بن عبد الصمد البغدادي الجوهري ولد سنة خمس وعشرين وسبعمائة وقدم من بغداد قديما مع أخيه عبد الصمد فسمعا من المزي والذهبي وداود بن العطار وغيرهم وسمع بالقاهرة من شرف الدين بن عسكر وكان يحب التواجد في السماع مع المروؤة التامة (7/81)
82 والخبر والمعرفة بصنف الجوهر قال ابن حجر قرأت عليه سنن ابن ماجه بجامع عمرو بن العاص وقرأت عليه قطعة كبيرة من طبقات الحفاظ للذهبي وقطعة كبيرة من تاريخ بغداد للخطيب مات في ربيع الأول وقد جاوز الثمانين وتغير ذهنه قليلا وفيها أحمد بن محمد بن عبد الغالب الماكسيني ولد في سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة وسمع من جماعة وحدث وهو من بيت رواية وكان يكتب القصص ثم جلس مع الشهود بالعادلية وكان يكتب خطا حسنا وتوفي في صفر وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن قماقم وقماقم لقب أبيه الدمشقي الفقاعي الشافعي كان أبوه فقاعيا واشتغل هو بالعلم وأخذ هو عن علاء الدين ابن حجي وقرأ بالروايات على ابن السلار قدم القاهرة في سنة الكائنة العطمى فأقام بها مدة ورجع إلى دمشق وسمع على البلقيني في الفقه والحديث قال ابن حجي كان يستحضر البويطي سمعت البلقيني يسميه البويطي الكبير في استحضاره له ودرس بالأمجدية وتوفي بدمشق في جمادى الآخرة وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن نشوان بن محمد بن نشوان بن محمد بن أحمد الشافعي قال ابن قاضي شهبة الإمام العالم أبو العباس الحواري الدمشقي مولده سنة سبع وخمسين وسبعمائة وقدم دمشق وقرأ القرآن ثم أقرأ ولدي الشيخ شهاب الدين الزهري واشتغل في العلم معهما وبسببهما على الشيخ شهاب الدين ولازمه كثيرا وحضر عند مشايخ العصر إلى أن تنبه وفضل وانتهى في الشامية البرانية سنة خمس وثمانين وظهر فضله وأذن له الشيخ شهاب الدين الزهري بالإفتاء ثم نزل له الشيخ شهاب الدين بن حجي عن إعادة الشامية البرانية بعوض وجلس للاشغال بالجامع ولما كان بعد الفتنة ناب في القضاء ولازم الجامع للاشغال وانتفع به الطلبة وقصد بالفتاوى وكان يكتب عليها (7/82)
83 كتابة حسنة ودرس في آخر عمره بالعذراوية وكان عاقلا ذكيا يتكلم في العلم بتؤدة وسكون عند انصاف وله محاضرة حسنة ونظم وكان في يده جهات كثيرة ومات ولم يحج مرض بالاستسقاء وطال مرضه حتى رأى العب رفي نفسه وتوفي بالبيمارستان النوري في جمادى الأولى ودفن بمقابر الصوفية عند شيخه انتهى باختصار وفيها بدر الدين أحمد بن محمد بن عمر بن محمد الطنبذي بضم الطاء والموحدة بينهما نون ساكنة آخره معجمة نسبة إلى طنبذا قرية بمصر الشافعي العالم الأوحد قال ابن قاضي شهبة أحد مشاهير الشافعية الأعلام بالقاهرة اشتغل كثيرا ولازم أبا البقاء والأسنوي والبلقيني وغيرهم وأفتى ودرس ووعظ ومهر في العربية والتفسير والأصول والفقه وسمع الحديث من جماعة وكان ذكيا فصيحا يلقى على الطلبة دروسا حافلة وتخرج به جماعة كثير لكنه لم يكن مرضى الديانة سامحه الله توفي في ربيع الأول وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد البالسي الأصل ثم الدمشقي الحنفي الحواشي اشتغل في صباه وصاهر أبا البقاء على ابنته وأفتى ودرس وناب في الحكم وولي نظر الأوصياء ووظائف كثيرة بدمشق وكان حسن السيرة ثم ناب في الحكم وسعى في القضاء استقلالا فباشر قليلا جدا ثم عزل ثم سعى فلم يتم له ذلك وتوفي في جمادى الآخرة وفيها بدر الدين حسن بن علي بن عمر الأسعردي قال ابن حجر صاحبنا كان من بيت نعمة وثروة فأحب سماع الحديث فسمع الكثير وكتب الطباق وحصل الأجزاء وسمع من أصحاب التقي سليمان وغيرهم وأحب هذا الشأن وذهبت اجزاؤه في قصة تمرلنك وقد رافقني في السماع وأعطاني أجزاء بخطه وبلغني أنه حدث في هذه السنة بدمشق ببعض مسموعاته ومات بدمشق في ربيع الأول (7/83)
84 فويها خير الدين خليل بن عبد الله الفايزي الحنفي كان فاضلا في مذهبه محبا للحديث وأهله مذاكرا بالعربية كثيرا المروءة وقد عين لقضاء الحنفية مرة فلم يتم ذلك وولي قضاء القدس وفيها شهاب الدين رسول بن عبد الله القيصري ثم الغزي الحنفي قدم دمشق في حدود السبعين وسبعمائة وهو فاضل وسمع من ابن أميلة وابن حبيب ثم ولي نيابة الحكم بدمشق في أول دولة الظاهر ثم ولي قضاء غزة في أيام ابن جماعة وحصل مالا كثيرا بعد فقر شديد ثم مات بدمشق في جمادى الأولى وقد شارخ وفيها شرف الدين صديق بن علي بن صديق الأنطاكي ولد سنة بضع وأربعين وقدم من بلاده بعد الستين فاشتغل بالعلم وتنزل في المدارس ورافق الصدر الياسوفي في السماع فأكثر عن ابن رافع وسمع من بقية أصحاب الفخر وغيرهم وكان على دين وصيانة ولم يتزوج ثم سكن القاهرة وصا رأحد الصوفية بالبيبرسية وأجاز لابن حجر وكان يتردد إلى دمشق توفي بمصر بالطاعون في رمضان وفيها جمال الدين عبد الله بن خليل بن يوسف المارداني الحاسب أبو أم سبط المارديني وانتهت إليه الرياسة في علم الميقات في زمانه وكان عارفا بالهيئة مع الدين المتين وله أوضاع وتأليف وانتفع به أهل زمانه وكان أبوه من الطبالين ونشأ هو مع قراء الجوق وكان له صوت مطرب ثم مهر في الحساب وكان شيخ الخاصكي قد قدمه ونوه به ومات في جمادى الآخرة وفيها زين الدين عبد الرحمن بن يوسف بن الكفري الحنفي قال ابن حجر ولد سنة إحدى وخمسين وتفقه على ابن الخبار وأسمعه أبوه من جماعة سمعت منه في الرحلة وولي القضاء غير مرة بعد الفتنة ولم يكن محمود السيرة وكان متحريا لكتبه ويعرف أسماءها مع وفور جهل بالفقه وغيره ومات في يوم (7/84)
85 الأحد ثالث ربيع الآخر وفيها قطب الدين عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن عبد النور بن منير الحلبي ثم المصري سمع من الحسن الأربلي وأحمد بن علي المستولي وغيرهما وتصرف بأبواب القضاة وسمع منه ابن حجر وتوفي في نصف السنة عن ثلاث وسبعين سنة وفيها علاء الدين علي بن إبراهيم القضاعي الحموي الحنفي أحد الفضلاء أخذ العربية عن سرى الدين أبو هاني المالكي والفقه عن أثير الدين بن وهبان وتمهر وبهرت فضائله وولي قضاء بلده وقدم القاهرة سنة الكائنة العظمى فاشتهرت فضائله وعرفت فنونه وحدث وأفاد فسمع منه ابن حجر وغيره وتوفي في ربيع الآخر وفيها علي بن أحمد اليمني الملقب بالأزرق قال ابن حجر من أهل أبيات حسين كان كثير العناية بالفقه فجمع فيه كتابا كبيرا انتهى وفيها سراج الدين عمر بن منصور بن سليمان القرمي الحنفي المعروف بالعجمي قال في المنهل كان فقيها بارعا فاضلا قدم إلى الديار المصرية فنوه قاضي القضاة جمال الدين محمود القيصري العجمي بذكره فولي حسبة مصر وعدة وظائف ودرس التفسير بالقبة المنصورية وغيرها وتصدر للإقراء والتدريس وكان مشكور السيرة في دينه ودنياه وله عبادة وأوراد وصلاة وقراءة وصدقات وكان يغلب عليه الخير وسلامة الباطن وكانت العامة تسميه فلق فإنه كان إذا أراد تأديب أحد يقول هات فلق يعني الفلقة وكان جميل الصورة مليح الشكل عنده بشاشة وطلاقة وتوفي يوم الإثنين خامس عشر جمادى الأولى انتهى وفيها أبو اليمن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر الطبري المكي الشافعي إمام المقام ولد في شعبان سنة ثلاثين وسبعمائة وسمع من عيسى الحجي والزين أحمد بن محمد بن المحب الطبري وابن عم أبيه (7/85)
86 عثمان بن الصفي الطبري وقطب الدين بن مكرم وعثمان بن شجاع بن عيسى الدمياطي وعيسى بن الملك المعظم وأجاز له يحيى بن فضل الله وأبو بكر ابن الرضى وزينب بنت الكمال ونحوهم وولي إمامة المقام نيابة ثم استقلالا وسمع منه ابن حجر وغيره وكان خيرا سليم الباطن معتقدا وهو آخر من حدث عن عيسى ومن ذكر بعده بالسماع وعن يحيى بالإجازة وتوفي في صفر وقد ناهز الثمانين وفيها شمس الدين محمد بن تقي الدين إسماعيل بن علي القلقشندي المصري ثم القدسي الشافعي ولد سنة خمس وخمسين وسبعمائة وسمع من الميدومي وغيره وأخذ عن الشيخ صلاح الدين وعن والده تقي الدين ومهر وبهر وساد حتى صار شيخ بيت المقدس في الفقه وعليه مدار الفتوى وتوفي بها في رجب وفيها ناصر الدين محمد بن أنس الحنفي الطنبذاوي نزيل القاهرة كان عارفا بالفرائض وأقرأ بالجمع وانتفعوا به وكان حسن السمت كثير الديانة محبا للحديث قال ابن حجر كتبت عنه الكثير وسمع من نصار الدين الجرداوي وغيره ومات وله دون الأربعين وفيها محمد بن أبي بكر بن أحمد النحريري المالكي أخو خلف ناب في الحكم وتنبه في الفقه ودرس ومات في صفر وفيها تقي الدين أبو بكر محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن حيدة الشافعي الدجوي بضم الدال المهملة وسكون الجيم نسبة إلى دجوة قرية على شط النيل الشرقي على بحر رشيد ولد سنة سبع وثلاثين وسبعمائة وسمع من ابن عبد الهادي والميدومي وغيرهما وتفقه واشتغل وتقدم ومهر وكان ذاكرا للعربية واللغة والغريب والتاريخ مشاركا في الفقه وغيره وكان بيده عمالة المودع الحكمي فشانته هذه الوظيفة وكان كثير الاستحضار سمع منه (7/86)
87 ابن حجر وغيره ونوه السالمي بذكره وقرره مستمعا عند كثير من الأمراء وحدث مرارا بصحيح مسلم وقرأ عليه طاهر بن حبيب وغيره توفي ليلة الأحد ثامن عشر جمادى الأولى وفيها محمد بن معالي بن عمر بن عبد العزيز الحلبي نزيل القاهرة ومكة جاور كثيرا وسكن القاهرة زمانا وحدث عن أحمد بن محمد الجوخي ومحمود بن خليفة وابن أبي عمر وغيرهم وسمع منه ابن حجر وتوفي بمكة وفيها يحيى بن محمد التلمساني الأصبحي المالكي النحوي قال السيوطي في طبقات النحاة ولد سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة تقريبا وكان ماهرا في العربية والشعر وسمع صحيح مسلم من أبي عبد الله بن مرزوق والموطأ من أبي القسم العنبري وأجاز له الوادياشي وأبو القسم بن يربوع واشتغل في عدة فنون وأجاز لابن حجر قدم حاجا سنة تسع وثمانمائة ومات راجعا من الحج في ذي الحجة من السنة وفيها جمال الدين يوسف بن الحسن بن محمد بن الحسن بن مسعود بن عبد الله بن خطيب المنصورية الحموي الشافعي القاضي ولد في ذي الحجة سنة سبع وثلاثين وسبعمائة واشتغل بحماة فأخذ عن بهاء الدين الأخميمي المصري وبدمشق على صدر الدين الخابوري وتاج الدين السبكي وجمال الدين الشريشي وجد ودأب وحصل إلى أن تميز ومهر وفاق أقرانه في العربية وغيرها من العلوم وشرح الاهتمام مختصر الالمام في ست مجلدات وألفية ابن مالك وفرائض المنهاج وغير ذلك وله نظم حسن وشهرة ببلده وغيرها وانتهت إليه مشيخة العلم بالبلاد الشمالية ورحل الناس إليه وفاق الأقران وكان ساكنا خيرا وتوفي بحماة في تاسع شوال (7/87)
88 سنة عشر وثمانمائة فيها توفي أحمد بن محمد المغربي المالكي نزيل مكة جاور بها مدة وكان خيرا فاضلا عارفا بالفقه تذكر له كرامات وتوفي في رمضان وفيها سيف الدين سيف وقيل يوسف وبه سماه المقريزي ابن عيسى السيرافي الحنفي نزيل القاهرة قال ابن حجر كان منشأه بتبريز ثم قدم حلب لما حرقها تمرنك ثم استدعاه الظاهر من حلب فقرره في المشيخة بمدرسته عوضا عن علاء الدين السيرامي سنة تسعين ثم ولاه مشيخة الشيخونية بعد وفاة عز الدين الرازي مضافة إلى الظاهرية وأذن له أن يستنيب في الظاهرية ولده الكبير وهو محمود فباشر مدة ثم ترك الشيخونية واختصر على الظاهرية وكان دينا خيرا كثير العبادة وكان شيخنا عز الدين بن جماعة يثني على فضائله وتوفي في ربيع الأول وولي المشيخة بعده ولده يحيى وفيها أبو المعالي عبد الله بن المحدث شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن قاسم العرياني الشافعي ولد سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة وأحضره أبوه على الميدومي وأسمعه على القلانسي والفرضي وغيرهما وطلب بنفسه فسمع الكثير وحصل الأجزاء ثم ناب في الحكم وفتر علن الاشتغال وتوفي في عاشر رمضان وفيها عبد الله بن أبي يحيى الدويري اليماني الشافعي أحد الفضلاء من أهل تعز أفتى ودرس بالمظفرية وكان مشكور السيرة وفيها عبد الله بن محمد الهمداني الحنفي مدرس الجوهرية بدمشق كان يدري القراءات ويقرىء وكان خيرا عارفا بمذهبه توفي في جمادى الأولى وقد بلغ السبعين وفيها جلال الدين أبو المعالي محمد بن أحمد بن سليمان بن يعقوب الأنصاري (7/88)
89 النيسابوري الأصل ثم الدمشقي المعروف بابن خطيب داريا قال ابن حجر ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة وعنى بالأدب ومهر في اللغة وفنون الأدب وقال الشعر في صباه ومدح جماعات من الأمراء والعلماء وتقدم في الإجادة إلى أن صار شاعر عصره من غير مدافع وقد طلب الحديث بنفسه كثيرا وسمع من القلانسي ومن بعده ولازم الشيخ مجد الدين الشيرازي صاحب اللغة وصاهره وسمعت من شعره ومن حديثه وطارحني وطارحته ومدحني وكان بعد الفتنة أقام بالقاهرة مدة في كنف ابن غراب ثم رجع إلى بيسان من الغور الشامي فسكنها وكان له بها وقف وتوفي بها في ربيع الأول وفيها موسى بن عطية المالكي الفقيه قال ابن حجر سمع من إبراهيم الزيتاوي سنن ابن ماجه وقرأ عليه الكلوتاتي بعضا وهو والد شمس الدين محمد صاحبنا سنة إحدى عشرة وثمانمائة في عاشر شعبانها جاءت زلزلة عظيمة في نواحي بلاد حلب وطرابلس فخرب من اللاذقية وجبلة وبلاطنس أماكن عديدة وسقطت قلعة بلاطنس فمات تحت الردم خمسة عشر نفسا وخربت شغر كاس كلها وقلعتها ومات جميع أهلها إلا خمسين نفسا وانتقلت بلد قدر ميل بأشجارها وأبنيتها وأهلها لم يشعورا بذلك وخرب من قبرص أماكن كثيرت وشوهد بلح على رأس الجبل الأقرع وقد نزل البحر وطلع وبينه وبين البحر عشرة فراسخ وذكر أهل البحر أن المراكب في البحر المالح وصلت إلى الأرض لما انحسر البحر ثم عاد الماء كما كان قاله ابن حجر وفيها توفي شهاب الدين أحمد بن عبد الله بن الحسن بن طوغان ابن عبد الله الأوحدي المقرىء الأديب ولد في المحرم سنة إحدى وستين (7/89)
90 وقرأ بالسبع على التقي البغدادي ولازم الشيخ فخر الدين البلبيسي قال ابن حجر وسمع معي من بعض مشايخي وكان لهجا بالتاريخ وكتب مسودة كبيرة لخطط مصر والقاهرة وبيض بعضه وأفاد فيه وأجاد وله نظم كثير منه ( أني إذا ما نابني * أمر نفى تلذذي ) ( واشتد مني جزعي * وجهت وجهي للذي ) وتوفي في تاسع عشر جمادى الآخرة وفيها تاج الدين أحمد بن علي بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى البلبيسي الأصل المقري المالكي المعروف بابن الظريف سمع من ناصر الدين بن التونسي وغيره وطلب العلم فأتقن الشروط ومهر في الفرائض وانتهى إليه التمييز في فنه مع حظ كبير من الأدب ومعرفة حل المترجم وفك الألغاز مع الذكاء البالغ وقد وقع للحكام وناب في الحكم وقد نقم عليه بعض شهاداته وحكمه ثم نزل عن وظائفه بآخره وتوجه إلى مكة فمات بها في شهر رجب وفيها أحمد بن محمد بن ناصر بن علي الكناني المكي الحنبلي ولد قبل الخمسين وسبعمائة ورحل إلى الشام فسمع من ابن قوالح وابن أميلة بدمشق ومن بعض أصحاب ابن مزهر بحماة وتفقه وكان خيرا فاضلا جاور بمكة فحصل له مرض العقدة فعجز عن المشي حتى مات وفيها تقي الدين أبو بكر بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز الدمشقي الحنفي ابن شيخ الربوة اشتغل في الفقه ومهر في المذهب ودرس بالمقدمية وأفتى وكان اشتغل على الشيخ صدر الدين بن منصور وغيره وتوفي في ربيع الأول (7/90)
91 عن ستين سنة وفيها أبو بكر بن محمد بن صالح الجبلي بكسر الجيم وسكون الموحدة وباللام نسبة إلى جبلة مدينة باليمن اليمني الشافعي نشأ بتعز وتفقه بجماعة من أئمة بلده ومهر في الفقه ودرس بالأشرفية وغيرها من مدارس تعز وتخرج به جماعة وكان يقرر من الرافعي وغيره بلفظ الأصل ويشارك في غير الفقه وله أجوية كثيرة على مسائل شتى وولي القضاء مكرها مدة يسيرة ثم استعفى وتوفي في شهر رضمان وفيها الجنيد بن محمد البلباني الأصل نزيل شيراز قال ابن حجر سمع مع أبيه بمكة من ابن عبد المعطي والشها ببن ظهيرة وأبي الفضل النويري وجماعة وبالمدينة وبلاده وأجاز له القاضي عز الدين بن جماعة ومن دمشق عمر بن أميلة وحسن بن هبل والصلاح ابن أبي عمر في آخرين خرج له عنهم الشيخ شمس الدين الجزري مشيخة وحدث بها وصار عالم شيراز ومحدثها وفاضلها وتوفي بها وفيها صدر الدين سليمان بن عبد الناصر بن إبراهيم الأبشيطي الشافعي ولد قبل الثلاثين وسبعمائة واشتغل قديما وسمع من الميدومي وغيره وبرع في الفقه وغيره وناب في الحكم بالقاهرة وغيرها وكانت فيه سلامة وكان الصدر المناوي يعظمه وعجز بآخره وتغير قليلا مع استحضاره للعلم جيدا جاوز الثمانين قاله ابن حجر وفيها زين الدين أبو هريرة عبد الرحمن بن يوسف بن أحمد بن الحسن بن سليمان بن فزارة بن محمد بن يوسف الكفري الحنفي قاضي القضاة قال في المنهل الصافي ولد سنة خمسين وسبعمائة تقريبا وأحضر على محمد بن إسماعيل بن الخباز وسمع على بشر بن إبراهيم بن محمود البعلي وتفقه بعلماء عصره حتى برع في الفقه والأصلين والعربية وشارك في عدة فنون وأفتى ودرس وتولي (7/91)
92 قضاء القضاة بدمشق هو وأبوه وأخوه وجده وهم بيت علم وفضل ورياسة ثم قدم القاهرة بعد سنة ثلاث وثمانمائة وولي قضاءها مدة وحمدت سيرته وأفتى ودرس بها ولازم الاشتغال والاشغال إلى أن توفي ثالث ربيع الآخر انتهى وفيها جمال الدين أبو حفص عمر بن إبراهيم بن محمد بن عمر بن عبد العزيز ابن أبي جرادة قاضي القضاة ابن العديم الحنفي العقيلي الحلبي ولد بحلب سنة ستين أو إحدى وستين وسبعمائة ونشأ بها وتفقه وبرع وتولى قضاء العسكر بها ثم استقل بقضائها سنة أربع وتسعين وأفتى ودرس وشارك في العربية والأصول والحديث وسمع من ابن حبيب وابنه وباشر القضاء بحرمة وافرة وكان رئيسا محترما من بيت علم وفضل ورياسة قال ابن حجر قدم القاهرة غير مرة وفي الآخر استوطنها لما طرق التتار البلاد الشامية وأسر مع من أسر ثم خلص بعد رجوع اللنك فقدم القاهرة في شوال أي سنة ثلاث وثمانمائة ثم سعى وولي قضاء القضاة بها في سادس عشرى رجب سنة خمس وثمانمائة ودرس بالشيخونية والمنصورية ثم نزل عنهما لولده محمد وباشرهما في حياته وكان عمر هذا من رجال الدنيا دهاء ومكرا ماهرا في الحكم ذكيا خبير بالسعي في أموره يقظا غير متوارن في حاجته كثير العصبية لمن يقصده لا يتحاشى من جمع المال من أي وجه كان انتهى ملخصا وقال صاحب المنهل وحط عليه المقريزي وذكر له مساوىء وقوله فيه غير مقبول لأمور جرت بينهما وتوفي قاضيا بمصر ليلة السبت ثاني عشر جمادى الآخرة وفيها أبو القسم قاسم بن علي بن محمد بن علي الفاسي المالكي سمع من أبي جعفر الطحالي الخطيب والقاضي أبي القسم بن سلمون والحسين بن محمد بن أحمد التلمساني في آخرين وتلا بالسيع على جماعة وقرأ الأدب وتعانى النظم وجاور بمكة فخرج له غرس الدين خليل الأقفهسي مشيخة وحدث بها وكان يذكرانها سرقت منه بعد رجوعه من الحج ويكثر التأسف عليها ومن شعره (7/92)
93 ( معاني عياض اطلعت فجر فخره * لما قد شفى من مؤلم الجهل بالشفا ) ( مغاني رياض من إفادة ذكره * شذا زهرها يحيى من أشفى على شفى ) توفي بالبيمارستان المنصوري وفيها شمس الدين محمد بن إبراهيم بن عقبد الله الكردي القدسي نزيل القاهرة الشافعي ولد سنة سبع وأربعين وسبعمائة وصحب الصالحين ولازم الشيخ محمد القرمي ببيت المقدس وتلمذ له ثم قدم القاهرة فقطنها وكان لا يضع جنبه إلى الأرض بل يصلي في الليل ويتلو فإذا نعس أغفى إغفاءة وهو محتبي ثم يعود وكان يواصل الأسبوع كاملا وذكر أن السبب فيه أنه تعشى مع أبويه قديما فأصبح لا يشتهي أكلا فتمادى على ذلك ثلاثة أيام فلما رأى أنه له قدرة على الطي تمادى فيه فبلغ أربعينا ثم اقتصر على سبع وكان فقيها وكان يكثر في الليل من قول سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا وكان يذكر انه يقيم أربعة أيام لا يحتاج إلى تجديد وضوء ومن شعره ( لم يزل الطامع في ذلة * قد شبهت عندي بذل الكلاب ) ( وليس يمتاز عليهم سوى * بوجهه الكالح ثم الثياب ) توفي بمكة في ذي القعدة وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الله القزويني ثم المصري قال ابن حجر سمع من مظفر الدين بن العطار وغيره وكان على طريقة الشيخ يوسف الكوراني المعروف بالعجمي لكنه حسن المعتقد كثير الإنكار على مبتدعه الصوفية اجتمع بي مرارا وسمعت منه أحاديث كان كثير الحج والمجاورة بالحرمين ومات في شعبان بمكة وفيها رضي الدين أبو حامد محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن خلف الخزرجي المديني الشافعي ابن الطبري ولد سنة ست وأربعين وسبعمائة وسمع من العز بن جماعة وأجاز له يوسف القاضي والميدومي وغيرهما من مصر وابن (7/93)
94 الخباز وجماعة من دمشق وكان نبيها في الفقه له حظ من حسن خط ونظم وجرس وكان مؤذن الحرم النبوي وبيده نظر مكة قال ابن حجر ثم نازع صهره شيخنا زين الدين بن الحسين في قضاء المدينة فوليه في أول سنة إحدى عشرة فوصلت إليه الولاية وهو بالطائف فرجع إلى مكة وسار إلى المدينة فباشره بقية السنة وحج فتمرض فمات في خامس عشر ذي الحجة عن اثنتين وستين سنة وفيها شمس الدين محمد بن علي بن محمد بن محمود بن يحيى بن عبد الله بن منصور السلمي الدمشقي الحنفي المعروف بابن خطيب زرع كان جد والده خطيب زرع فاستمرت بأيديهم وولد هذا في ذي الحجة سنة أربع وسبعين وسبعمائة وكان حنفيا فتحول شافعيا وناب في قضاء بلده ثم تعلق على فن الأدب ونظام الشعر وباشر التوقيع عند الأمراء ثم اتصل بابن غراب وامتحده وقدم معه إلى القاهرة وكان عريض الدعوى جدا واستخدمه ابن غراب في ديوان الإنشاء وصحب بعض الأمراء وحصل وظائف ثم رقت حاله بعد موت ابن غراب ومن شعره ( وأشقر في وجهه غرة * كأنها في نورها فجر ) ( بل زهرة الأفق لأني أرى * من فوقها قد طلع البدر ) وله فيما يقرأ مدحا فإذا صحف كان هجوا ( التاج بالحق فوق الرأس يرفعه * إذ كان فردا حوى وصفا مجالسه ) ( فضلا وبذلا وصنعا فاخرا وسخا * واسأل الله يبقيه ويحرسه ) وتصحيفه هجو كما قال ( الباخ بالخف فوق الرأس يرقعه * إذ كان قردا حوى وضعا مخالسه ) ( فصلا ونذلا وضيعا فاجرا وسخا * فأسأل الله ينفيه ويخرسه ) وفيها نجم الدين محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن فهد القرشي (7/94)
95 الهاشمي المكي الشافعي ولد بمكة سنة ستين وسبعمائة تقريبا وسمع من العز بن جماعة ما لا يحصى ومن ابن حبيب سنن ابن ماجه بفوت ومقامات الحريري وغير ذلك وأجاز له عدة مشايخ من الشام ومصر والأسكندرية وحدث وكان رحل إلى القاهرة وسكن بالصعيد ببلدة يقال لها أصفون لأن جده لأمه الشيخ نجم الدين الأصفوني كان له بها رزق ودور موقوفة على ذريته فأقام بها مدة ثم عاد إلى مكة وتوفي بها يوم الإثنين ثاني عشر ربيع الأول وفيها جلال الدين محمد بن بدر الدين محمد بن أبي البقاء محمد بن عبد الله بن يحيى بن علي بن تمام السبكي الشافعي المصري ولد سنة سبعين وسبعمائة واشتغل في صباه قليلا وكان جميل الصورة قال ابن حجر لكنه صار قبيح السيرة كثير المجاهرة بما أذرى بأبيه في حياته وبعد موته بل لولا وجوده لما ذم أبوه وقد ولي تدريس الشافعي بعد أبيه بجاه ابن غراب بعد أن بذل في ذلك دارا تساوي ألف دينار وولي تدريس الشيخونية بعد صدر الدين المناوي بعد أن بذل النوروز مالا جزيلا وكان ناظرها مات في جمادى الأولى انتهى وفيها يلبغا بن عبد الله السالمي الظاهري قال ابن حجر كان من مماليك الظاهر ثم صيره خاصكيا وكان ممن قام له بعد القبض عليه في أخذ صفد فحمد له ذلك ثم ولاه النظر على خانقاه سعيد السعداء سنة سبع وتسعين وتنقلت به الأحوال فعمل الأستدارية الكبرى والإشارة وغير ذلك وكان طول عمره يلازم الاشتغال بالعلم ولم يفتح عليه بشيء سوى أنه يصوم يوما بعد يوم ويكثر التلاوة وقيام الليل والذكر والصدقة وكان يحب العلماء والفضلاء ويجمعهم وقد لازم سماع الحديث معنا مدة وكتب بخطه الطباق وأقدم علاء الدين بن أبي المجد من دمشق حتى سمع الناس عليه صحيح البخاري مرارا وكان يبالغ في حب (7/95)
96 ابن العربي وغيره من أهل طريقته ولا يؤذي من ينكر عليه مات مخنوقا وهو صائم في رمضان بعد صلاة عصر يوم الجمعة انتهى ملخصا والله أعلم سنة اثنتي عشرة وثمانمائة في ثالث عشر شعبانها قتل بالقاهرة شريف لأنه ادعى عليه أنه عوتب في شيء فعله فعزر بسببه فقال قد ابتلى الأنبياء فزجر عن ذلك فقال قد جرى على رسول الله صلى اليه عليه وسلم في حارة اليهود أكثر من هذا فاستفتى في حقه فأفتوا بكفره فضربت عنقه بين القصرين بحكم القاضي المالكي شمس الدين المدني قاله ابن حجر وفيها قتل محمد بن أميرزا شيخ ابن عم تمرلنك صاحب فارس قام عليه أخوه اسكندر شاه فغلبه وكان محمد كثير العدل والإحسان فيما يقال فتمالأ عليه بعض خواصه فقتله تقربا إلى خاطر أخيه اسكندر واستولى اسكندر على ممالك أخيه فاتسعت مملكته وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد اللطيف بن أبي بكر بن عمر الشرجي بفتح الشين المعجمة وسكون الراء وبالجيم نسبة إلى شرجة موضع بنواحي مكة ثم الزبيدي قال السيوطي النحوي ابن النحوي الشتغل كثيرا ومهر في العربية ودرس بصلاحية زبيد وقال ابن حجر اجتمعت به وسمع على شيئا من الحديث وسمعت من فوائده مات بحرض عن أربعين سنة انتهى وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد بن محمد قال في المنهل الشيخ الزاهد الصالح المعروف بابن وفاء الشاذل يالمالكي ولد بظاهر مدينة مصر سنة ست وخمسين وسبعمائة ونشأ على قدم جد ولزم الخلوة وقام أخوه سيدي على بعمل الميعاد وتربية الفقراء كل ذلك وسيدي أحمد هذا ملازم للخلوة قليل الاجتماع (7/96)
97 بالناس إلى أن توفي يوم الأربعاء ثاني عشر شوال ودفن بالقرافة عند أبيه وأخيه وترك أولادا عدة كبيرهم سيدي أبو الفضل عبد الرحمن غرق في النيل سنة ثلاث عشرة وثمانمائة وله شعر جيد إلى الغاية وسيدي أبو الفتح محمد وهو عالمهم ورئيسهم رحمه الله وسيدي أبو المكارم إبراهيم ومات سنة ثلاث وثلاثين عن خمس وثلاثين سنة وسيدي أبو الجود حسن ومات سنة ثمان وثمانمائة عن تسع عشرة سنة وسيدي أبو السيادات يحيى وهو باق إلى الآن ومولده سنة ثمان وتسعين وسبعمائة انتهى وفيها أبو بكر بن عبد الله بن ظهيرة المخزومي الشافعي أخو الشيخ جمال الدين اشتغل قليلا وسمع من عز الدين بن جماعة وغيره وتوفي بمكة في جمادى الأولى وفيها أبو بكر بن عبد الله بن قطلوبك المنجم الشاعر تعانى التنجيم والآداب وكان بارعا في النظم والمجون وله مطارحات مع أدباء عصره أولهم شمس الدين المزين ثم خطيب زرع ثم على البهائي واشتهر بخفة الروح والنوادر المطربة وهو القائل ( حنفي مدرس حاز خدا * كرياض الشقيق في التنميق ) ( لو رآه النعمان في مجلس الدرس * لقال النعمان هذا شقيقي ) وتوفي في صفر وفيها عبد الله بن أحمد اللخمي التونسي الفرياني بضم الفاء وتشديد الراء بعدها تحتانية خفيفة وبعد الألف نون نسبة إلى فريانة قرية قرب سفاقس المالكي كان فاضلا مشاركا في الفقه والعربية والفرائض مع الدين والخير توفي راجعا من مكة إلى مصر ودفن بعد عقبة أيلة وفيها موفق الدين أبو الحسن علي بن الحسين بن أبي بكر بن الحسن بن علي بن وهاس الخزرجي الزبيدي مؤرخ اليمن اشتغل بالأدب ولهج بالتاريخ فمهر فيه وجمع لبلده تاريخا كبيرا على السنين وآخر على الأسماء وآخر على الدول (7/97)
98 وكان ناظما ناثرا وعلي بن وهاس جد جده هو الذي يقول فيه الزمخشري صاحب الكشاف ولولا ابن وهاس وسابق فضله رعيت هشيما واستقيت مصردا وتوفي المترجم في أواخر هذه السنة وقد جاوز السبعين وفيها موفق الدين علي بن محمد بن إسماعيل بن أبي بكر بن عبد الله بن عمر بن عبد الرحمن الناشري الزبيدي الشاعر المشهور اشتغل بالأدب ففاق أقرانه ومدح الأفضل ثم الأشرف ثم الناصر وكانوا يقترحون عليه الأشعار في المهمات فيأتي بها على أحسن وجه وكانت طريقة شعره الانسجام والسهولة دون تعاين المعاني التي لهج بها المتأخرون حج في سنة إحدى عشرة ورجع فمات بنواحي حرض في المحرم أو في الذي بعده وقد جاوز الستين وفيها شمس الدين محمد بن عبد الله بن أبي بكر القليوبي الشافعي العالم الكبير تلمذ للشيخ ولي الدين الملوي قال ابن حجر رأيت سماعه على العرضى ومظفر الدين بن العطار في الجامع الترمذي وما أظنه حدث عنهما واشتهر بالدين والخير وكان متقللا جدا إلى أن قرر في مشيخة الخانقاه الناصرية بسرياقوس فباشرها إلى أن مات في جمادى الأولى وكان متواضعا لينا انتهى وفيها ناصر الدين محمد بن عبد الرحمن بن يوسف الحلبي المعروف بابن سحلول كان عمه عبد الله وزيرا بحلب وسمع محمد المسلسل بالأولية من عبد الكريم وسمع عليه الأربعين المخرجة من صحيح مسلم بسماعه من زينب الكندية عن المؤيد وسمع من ابن الحبال جزء المناديلي وولي مشيخة خانقاه والده ثم في مشيخة الشيوخ بعد موت الشيخ عز الدين الهاشمي وكان أهل حلب يترددون إليه لرياسته وحشمته وسؤدده ومكارم أخلاقه وكان مواظبا على إطعام من يرد عليه ثم عظم جاهه لما استقر جمال الدين الأستادار في التكلم في المملكة فإنه كان قريبه من قبل الأم وسافر من حلب إلى القاهرة فبالغ جمال الدين في إكرامه وجهزه إلى الحجاز في أبهة زائدة وأحمد ولد جمال الدين يومئذ أمير (7/98)
99 الركب فحج وعاد فمات بعقبة أيلة في شهر الله المحرم وسلم مما آل إليه أمر قريبه جمال الدين وآله وفيها ناصر الدين محمد بن عمر بن إبراهيم بن القاضي العلامة شرف الدين هبة الله البارزي الشافعي الحموي قاضي حماة هو وأسلافه كان موصوفا بالخير والمعرفة فاضلا عفيفا مشكورا في الحكم باشر القضاء مدة ومات بحماة وفيها جلال الدين أبو الفتح نصر الله بن أحمد بن محمد بن عمر التستري الأصل ثم البغدادي الحنبلي نزيل القاهرة ولد في حدود الثلاثين وسبعمائة ومات أبوه وهو صغير فرباه الشيخ الصالح أحمد السقا وأقرأه القرآن واشتغل بالفقه فمهر وسمع الحديث من جمال الدين الحضري وكمال الدين الأنباري وآخرين وقرأ الأصول على بدر الدين الأربلي وأخذ عن الكرماني شارح البخاري شرح العضد على ابن الحاجب وباشر عدة مدارس ببغداد وصنف في الفقه وأصوله ونظم الوجيز في الفقه في ستة آلاف بيت وذكر صاحب الانصاف أنه من جملة الكتب التي نقل منها في أنصافه ونظم أرجوزة في الفرائض مائة بيت جيدة في بابها واختصر ابن الحاجب وله غير ذلك وذكر ببغداد وانتفع الناس به وخرج منها لما قصدها اللنك فوصل إلى دمشق فبالغوا في إكرامه ثم قدم القاهرة وتقرر في تدريس الحنابلة بمدرسة الظاهر برقوق وحدث بالقاهرة بجامع المسانيد لابن الجوزي وتوفي في عشرى صفر وفيها جمال الدين يوسف بن أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن قاسم البيري ثم الحلبي نزيل القاهرة ولد سنة اثنتين وخمسن وسبعمائة وكان أبوه خطيب البيرة فصاهر الوزير شمس الدين عبد الله بن سحلول فنشأ جمال الدين في كنف خاله وكان أولا بزي الفقهاء وحفظ القرآن وكتبا في الفقه والعربية وسمع من ابن جابر الأندلسي قصيدته البديعية وعرض عليه ألفية ابن معطي وأخذ عنه (7/99)
100 شرحها له بحلب ثم قدم مصر بعد سنة سبعين وهو بزي الجند فتنقلت به الأحوال بها إلى أن باشر الوزارة مع عدة وظائف كبار وصار هو مرجع الإقليمين المصري والشامي لا يتم أمر من أمورهما وإن قل إلا بمعرفته وإرادته ولم يبق فوق منصبه إلا الملك مع أنه كان ربما مدح باسم السلطنة فلا يغير ذلك ولا ينكره ثم آل أمره إلى أن قتل في جمادى الآخرة قال ابن حجر ولقد رأيت له مناما صالحا بعد قتله حاصله أني ذكرت وأنا في النوم ما كان فيه وما صار إليه وما ارتكب من الموبقات فقال لي قائل أن السيف محاء للخطايا فلما استيقظت اتفق أني نظرت هذا اللفظ بعينه في صحيح ابن حبان في أثناء حديث فرجوت له بذلك الخير سنة ثلاث عشرة وثمانمائة في ليلة الحادي والعشرين من محرمها اجتمع رجلان من العوام بدمشق فشربا الخمر فأصبحا محروقين ولم يوجد بينهما نار ولا أثر حريق في غير بدنهما وبعض ثيابهما وقد مات أحدهما وفي الآخر رمق فأقبل الناس أفواجا إلى رؤيتهما والاعتبار بحالهما وفيها كانت الحادثة العظيمة بفاس من بلاد المغرب حتى خربت وفيها توفي شهاب الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن رضوان الحريري الدمشقي المعروف بالسلاوي الشافعي ولد سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة أو نحوها وسمع من ابن رافع وابن كثير وتفقه على علاء الدين ابن حجي والتقي الفارقي وسمع الحديث بنفسه فأخذه عن جده محمد بن عمر السلاوي وتقي الدين بن رافع وابن كثير ثم أخذ في قراءة المواعيد وقرأ الصحيح مرارا على عدة مشايخ وعلى العامة وكان صوته حسنا وقراءته جيدة وولي قضاء بعلبك سنة ثمانين ودرس وأفتى ثم ولي قضاء المدينة ثم تنقل في (7/100)
101 ولاية القضاء بصفد وغزة والقدس وغيرها وكان كثير العيال وتوفي في صفر وفيها غياث الدين أحمد بن أويس بن الشيخ حسن بن حسين بن أقبغا ابن إيلكان سلطان بغداد وتبريز وغيرهما من بلاد العراق قال في المنهل الصافي ملك بعد موت أخيه الشيخ حسين بن أويس سنة أربع وثمانين وسبعمائة وكان سلطانا فاتكا له سطوة على الرعية مقداما سجاعا مهابا سفاكا للدماء وعنده جور وظلم على أمرائه وجنده وكانت له مشاركة في عدة علوم ومعرفة تامة بعلم النجامة ويد في معرفة المويسقى وفي تأديته يجيد ذلك إلى الغاية منهمكا في اللذات التي تهواها الأنفس فأكرمه برقوق غاية الإكرام وأنعم عليه أجل الإنعام وأعطاه تقليد نيابة السلطنة ببغداد فأهوى ابن أويس لتقبيل الأرض فلم يمكنه الظاهر من ذلك إجلالا له ثم سار إلى بغداد فدخلها بعد ذهاب التتار منها بعد وفاة تيمور واستمر بها حاكما على عادته إلى أن تغلب قرايوسف على التتار وأخذ منهم تبريز وما والاها فوقع الخلف بينه وبين ابن أويس فتقابلا للقتال فكانت الكرة على ابن أويس وأخذ أسيرا ثم قتل يوم الأحد آخر شهر ربيع الآخر وفيها تقي الدين عبد الرحمن بن محمد بن عبد الناصر بن تاج الرياسة المحلي الزبيري الشافع ولد سنة أربع وثلاثين وسبعمائة واشتغل قديما ووقع على القضاة وصاهر القاضي موفق الدين الحنبلي على ابنته وكان قد سمع من الميدومي وحدث عنه ثم ناب في الحكم مدة طويلة وكانت معه عدة جهات من الضواحي ينوب فيها وقرره الملك الظاهر في القضاء سنة تسع وتسعين في جمادى الأولى فباشره إلى أثناء رجب سنة إحدى وثمانمائة واستمر بطالا خاملا إلى أن مات وكان عارفا بالشروط والوثائق مطرحا للتكلف وفوض له تدريس الناصرية والصالحية فباشرهما مباشرة حسنة ولم يذم في مدة قضائه وكتب قطعة على التنبيه وعمل تاريخا حسنا نقل منه ابن حجر كثيرا وتوفي في أول شهر رمضان (7/101)
102 وفيها علاء الدين أبو الحسن علي بن إبراهيم ابن المؤرخ شمس الدين محمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن عبد العزيز الجزري ثم الدمشقي الشافعي المعروف بابن الجزري ولد سنة ثمان وأربعين وسبعمائة ومات أبوه وله سنة فرباه عمه نصير الدين وأسمعه من جماعة من أصحاب الفخر وحضر على المرداوي صاحب عمر الكرماني وقرأ وأعاد بالتقوية وحدث وباشر نظر الأيتام مع خفض جناح وطهارة لسان ولين عريكة وحج غير مرة وجاور وعلق وفيات وأصيب بماله في فتنة اللنك ولم يكن ما يعاب به إلا مباشرته مع قضاة السوء وبرع في مذهبه وعمل الميعاد وأقرأ الحديث بجامع بني أمية وتوفي بدمشق في ذي الحجة وفيها علي بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الله الأدمي الشافعي سمع من الطيالسي وحدث عنه ولازم الشيخ ولي الدين المنفلوطي ونحوه واشتغل كثيرا وتنبه وأشغل وأفاد ودرس وأعاد وأفتى وشارك في العلوم وانتفع به أهل مصر كثيار مع الدين المتين والسكون والتقشف والانجماع وكان يتكلم على الناس بجامع عمرو وتحول إلى القاهرة وسكن جوار جامع الأزهر ومات رابع شعبان عن سبعين سنة وفيها أبو زيد علي بن زيد بن علوان بن صبرط بن مهدي بن حريز الردماوي الزبيدي تسمى بآخره عبد الرحمن ولد بردما وهو مشارق اليمن دون الأحقاف في جمادى سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ونشأ بها وجال في البلاد ثم حج وجاور مدة وسكن الشام ودخل العراق ومصر وسمع من اليافعي والشيخ خليل وابن كثير وابن خطيب يبرود وبرع في فنون من حديث وفقه ونحو وتاريخ وأدب وكان يستحضر من الحديث كثيرا ومن الرجال ويذاكر من كتاب سيبويه ويميل إلى مذهب ابن حزم وتحول إلى البادية فأقام بها نحو عشرين سنة يدعو إلى الكتاب والسنة ثم قدم القاهرة وقد ضعف بصره وكان شهما قوي النفس له معرفة بأحوال الناس على اختلاف طبقاتهم (7/102)
103 ومن شعره ( ما العلم إلا كتاب الله والأثر * وما سوى ذاك لا عين ولا أثر ) ( إلا هوى وخصومات ملفقة * فلا يغرنك من أربابها هدر ) توفي بالقاهرة في أول ذي القعدة قاله المقريزي وفيها نور الدين علي بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد الربعي الرشيدي نزيل القاهرة الشافعي قدم القاهرة فاشتغل بالعلم ولازم البلقيني ثم الدميري ودرس بعده في الحديث بقبة بيبرس وكان قد فاق في استحضار الفقه فصار كبير النقل كثير البحث وكان يقظا نبيها كثير العصبية توفي في رجب وقد جاوز الخمسين ودرس بعده بالقبة المذكورة ابن حجر وفيها نور الدين علي بن عبد الرحمن الصريحي قال ابن حجر سمع صحيح مسلم على ابن عبد الهادي وسنن أبي داود علي عبد القادر بن أبي الدر سمعت منه قديما وحديثا وحدث في العام الماضي مع الشيخ نور الدين الأنباري بالسنن في البيبرسية وكان صوفيا بها مات في شعبان انتهى وفيها علاء الدين علي بن محمد بن علي الدمشقي الجزيري الحنفي ولد سنة تسع وثلاثين وسبعمائة وتفقه وتعانى حفظ السير والمغازي فكان يستحضر شيئا كثيرا منها وكان كثير اليسار فتزوج الشيخ شهاب الدين الغزي ابنته فماتت بعد أمها بقليل قاله ابن حجر وفيها أبو الحسن علي بن مسعود بن علي بن عبد المعطي المالكي المكي الخزرجي ولد سنة أربعين وسبعمائة وسمع من عثمان بن الصفي الطبري سنن أبي داود ومن إبراهيم بن محمد بن نصر الله الدمشقي مشيخته وحدث بمكة وكان مشاركا في الفقه مع الديانة والمروءة وتوفي في تاسع المحرم وفيها أم الحسن فاطمة بنت أحمد بن محمد علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن زيد الحسنية الحلبية أخت نقيب الأشراف ولدت (7/103)
104 سنة اثنتين أو ثلاث وثلاثين وسبعمائة وسمعت على جدها لأمها جمال الدين إبراهيم بن الشهاب محمود وأجاز لها المزي وجماعة وحدثت بحلب وتوفيت في العشر الأول من المحرم وقد جاوزت الثمانين سنة وفيها بدر الدين محمد بن خاص بك السبكي الحنفي كان ينسب إلى الظاهر بيبرس من جهة النساء اشتغل في مذهب الحنفية فبرع وأخذ عن أكمل الدين وغيره وكان يجيد البحث مع الديانة والمروءة والعصبية لمذهبه وأهله وتوفي في خامس رجب وقد جاوز الخمسين وفيها شمس الدين محمد بن علي بن محمد بن عمر بن عيسى المصري الشافعي المعروف بابن القطان كان أبوه قطانا وأخوه كذلك واشتغل هذا بالعلم ومهر ولازم الشيخ بهاء الدين بن عقيل وصاهره على بنت له من جارية وسكن مصر ودرس وأفتى وصنف قال ابن حجر قرأت عليه وأجاز لي ولم يحصل له سماع في الحديث على قدر سنه وقد حدث بصحيح مسلم بإسناد نازل وسمع معنا على بعض شيوخنا كثيرا وبقراءتي وكان ماهرا في القراءات والعربية والحساب وناب في الحكم بآخره فتهالك على ذلك إلى أن مات انتهى أي وتوفي في أواخر شوال عن نيف وثمانين سنة وفيها شمس الدين محمد بن سعد الدين بن محمد بن نجم الدين محمد البغدادي نزيل القاهرة الزركشي مهر في القراءات وشارك في الفنون وتعانى النظم وله قصيدة حسنة في العروض وشرحها ونظم العواطل الحوالي ست عشرة قصيدة على ستة عشر بحرا ليس فيها نقطة وسمع منه ابن حجر وسمع هو أيضا من ابن حجر ورافقه في السماع وجرت له في آخر عمره محنة وتوفي في ذي الحجة وفيها شمس الدين محمد بن محمد الشوبكي الحنبلي قدم دمشق وتفقه بها وتولى وظائف وخطابة وتوفي في المحرم وفيها شمس الدين محمد بن محمود بن نون الخوارزمي الحنفي المعروف (7/104)
105 بالمعيد نزيل مكة وإمام مقام الحنفية بها جاور بمكة زيادة على أربعين سنة وسمع الحديث وتفقه وبرع وأفتى ودرس واستقر معيدا بدرس الحنفية للأتابك يلبغا العمري بمكة فعرف بالمعيد وكان بارعا في الفقه والأصول والعربية وتصدر للأقراء بالمسجد الحرام عدة سنين وانتقع الناس به مع الديانة والصيانة وحدث عن الوادي آشي وغيره ومن شعره ( أفنى بكل وجودي في محبته * وأنثني ببقاء الحب ما بقيا ) ( لا خير في الحب إن لم يغن صاحبه * وكيف يوجد صب بعد ما لقيا ) وتوفي بمكة المشرفة في آخر جمادى الأولى وقد جاوز الثمانين سنة أربع عشرة وثمانمائة في رجبها رجم رجل تركماني بدمشق تحت قلعتها اعترف بالزنا وهو محصن فأقعد في حفرة ورجم حتى مات وفيها توفي إبراهيم بن محمد بن حسين الموصلي ثم المصري نزيل مكة المشرفة المالكي قام بمكة ثلاثين سنة وكان يتكسب بالنسخ بالأجرة مع العبادة والورع والدين المتين وكان يحج ماشيا من مكة وأثنى عليه المقريزي وتوفي بمكة وفيها محي الدين أحمد بن إبراهيم بن أحمد الشيخ الإملام العلامة القدوة ابن النحاس الدمشقي الشافعي صنف في الجهاد كتابا حافلا سماه مصارع العشاق استجاب الله فيه دعاءه فإنه قال في أول سجعة فيه أحمدك اللهم وأسألك أعلى رتب الشهادة واختصره هو بنفسه وله تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين في الحوادث والبدع نفيس في بابه قتل بدمياط لما دهمها الفرنج فخرج هو وجماعة من أهلها وجرت وقعة كبيرة فقتل في المعركة مقبلا غير مدبر (7/105)
106 وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن مفلح بن مفرج الراميني ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي أخو الشيخ تقي الدين ولد سنة أربع وخمسين وسبعمائة واشتغل على أخيه الشيخ برهان الدين وغيره وحصل ودأب وأجاز له جده قاضي القضاة جمال الدين المرداوي وقاضي القضاة شرف الدين بن قاضي الجبل وناب في الحكم بدمشق مدة ثم ترك ذلك وأقبل على الله تعالى وكان فقيها صالحا متعبدا توفي بالصالحية وصلى عليه بالجامع المظفري ودفن بالروضة عند رجل والديه وفيها بدر الدين حسين بن علي بن محمد بن عبد الرحمن الأذرعي ثم الصالحي الشافعي المعروف بابن قاضي أذرعات تفقه في صباه على الشرف ابن الشريشي والنجم بن الجابي وتعانى الأدب وفاق الأقران ومهر في الفنون ودرس وأفتى وناظر وناب في الحكم ثم تركه تورعا وولي عدة إعادات وأذن له البلقيني بالإفتاء لما قدم الشام سنة ثلاث وتسعين وكان يثني عليه كثيرا ودخل القاهرة بعد الكائنة العظمى واجتمع بابن حجر فسمع كل منهما من الآخر وتوفي بدمشق بالطاعون في المحرم أو صفر ودفن بمقبرة الشيخ رسلان وفيها أبو الفضل عبد الرحمن بن شهاب الدين أحمد بن محمد بن أبي الوفا الشاذلي المالكي المصري اشتغل في صباه قليلا وتعانى النظم فقال الشعر الفائق وكان ذكيا حسن الأخلاق لطيف الطباع ومن نظمه في مرثية محبوب له ( مضت قامة كانت أليفة مضجعي * فلله ألحاظ لها ومراشف ) ( ولله أصداغ حكين عقاربا * فهن على الحكم المعني سوالف ) ( وما كنت أخشى أمس الأمن الجفا * وإني على ذاك الجفا اليوم آسف ) ( رعى الله أياما وناسا عهدتهم * جيادا ولكن الليالي صيارف ) غرق في بحر النيل هو ومحمد بن عبيد البشكالسي وعبد الله بن أحمد التنسي (7/106)
107 جمال الدين قاضي المالكية وابن قاضيهم وفيها علي بن سند بن علي بن سليمان اللواتي الأصل الأيباري النحوي الشافعي المصري نزيل دمشق ولد سنة بضع وخمسين وسبعمائة بالقاهرة ونشأ بغزة يتيما فقيرا فحفظ التنبيه ثم دخل دمشق فعرضه على تاج الدين السبكي فقرره في بعض المدارس واستمر في دمشق وأخذ عن العنابي وغيره ومهر في العربية وأشغل الناس وأدب أولاد ابن الشهيد وقرأ عليه التيسير وسمع الكمال بن حبيب وابن أميلة وغيرهما وكان خازن كتب السميساطية وحصل كثيرا من الكتب والوظائف وفاق في حفظ اللغة وعنى بالأصول فقرأ مختصر ابن الحاجب دروسا على المشايخ وأكثر مطالعة كتب الأدب ولم يتزوج قط ونهب ما حصله في فتنة اللنك ودخل القاهرة بعد الكائنة العظمى فأقام بها وحصل كتبا ثم قدم دمشق ثم رجع ففوضت له مشيخة البيبرسية ثم قرر في تدريس الشافعي وحدث بالبيبرسية بسنن أبي داود وجامع الترمذي عن ابن أميلة وبغير ذلك وسمع منه ابن حجر قال وكان فقير النفس شديد الشكوى وكلما حصل له شيء اشترى به كتبا ثم تحول بما جمعه إلى دمشق في هذه السنة وجمع جزءا في الرد على تعقبات أبي حيان لابن مالك وتوفي بدمشق في ذي الحجة وتفرقت كتبه شذر مذر وفيها شمس الدين محمد بن خليل بن محمد العرضي الغزي الشافعي ولد قبل الستين وسبعمائة واشتغل بالفقه فمهر فيه إلى أن افق الأقارن وصار يستحضر أكثر المذهب مع المعرفة بالطب وغيره توفي في جمادى الأولى وفيها فتح الدين محمد بن محمد بن الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن يوسف بن الجزري الدمشقي الشافعي نزيل بلاد الروم ثم دمشق باشر الأتابكية بدمشق إلى أن مات قال ابن حجي كان ذكيا جيد الذهن يستحضر التنبيه ويقرأ بالروايات أخذ ذلك عن أبيه وعن الشيخ صدقة (7/107)
108 وغيرهما وعاش والده بعده دهرا وباشر تدريس الأتابكية بدمشق ونظرها إلى أن توفي في صفر مطعونا وفيها محمد الشبراوي قال ابن حجر اشتغل كثيرا وكان مقتدرا على الدرس فدرس كتاب الشفا وعرضه ثم درس مختصر مسلم للمنذري ولم يكن بالماهر مات في سلخ السنة انتهى وفيها يحيى بن محمد بن حسن بن مرزوق المرزوقي الجبلي بكسر الجيم وسكون الباء الموحدة اليماني الشافعي تفقه على رضى الدين بن أبي داود وسمع من علي بن شداد واشتغل كثيرا وكان عبادا خيرا دينا يتعانى السماعات على طريق الصوفية ويجتمع الناس عنده لذلك توفي في جمادى الآخرة وقد بلغ ثمانين سنة سنة خمس عشرة وثمانمائة فيها تسلطن شيخ المحمودي ولقب بالمؤيد وكني بأبي نصر وذلك بعد خلع الناصر وسلطنة المستعين الخليفة وخلعه وقتل الناصل فرج وفيها توفي إبراهيم بن أحمد بن حسين الموصلي المالكي تفقه واحترف بتأديب الأطفال بالقاهرة ثم حج وجاور وسلك طريق الورع والنسك وصار يتكسب بالنسخ ويحج ماشيا وكان غاية في الورع والتحري مات في عشر التسعين وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إسماعيل بن خليفة بن عبد العال قاضي القضاة الدمشقي الشافعي المعروف بابن الحسباني ولد سنة ثمان وأربعين وسبعماية قال المقريزي وتفقه بأبيه وغيره وسمع من أصحاب الفخر وطلب بنفسه فأكثر جدا بدمشق والقاهرة ولم يزل يسمع حتى سمع من هو دون شيوخه مع ذكاء وتفنن وكتب تفسيرا أجاد فيه لو كمل وعلق على الحاوي في الفقه شرحا وخرج أحاديث الرافعي وشرح الفية ابن مالك (7/108)
109 في النحو وناب في الحكم بدمشق مدة ثم ولي قضاء القضاة بها غير مرة فلم تحمد سيرته وكان لا يزال يخرج على السلطان ويترامى على الشر ويلج في مضايق الفتن حبا في الرياسة انتهى كلام المقريزي وعده ابن ناصر الدين في الحفاظ وأثنى عليه وتوفي بدمشق في يوم الأربعاء عشر ربيع الآخر عن خمس وستين سنة وسبعة أشهر وأيام وفيها شهاب الدين أحمد بن رضي الدين أبي بكر بن موفق الدين علي بن محمد الناشري الزبيدي اليمني الشافعي قال ابن حجر في أنباء الغمر عنى بالعلم وبرع في الفقه وشارك في غيره وتخرج به أهل بلده مدة طويلة وولي قضاء زبيد فراعى الحق في أحكامه فتعصبوا عليه فعزل وانتهت إليه رياسة الفتوى ببلده وكان شديد الحط على صوفية زبيد المنتمين إلى كلام ابن العربي وكان يستكثر من كلام من يرد عليه فجمع من ذلك شيئا كثيرا في فساد مذهبه ووهاء عقيدته اجتمعت به بزبيد ونعم الشيخ كان مات في خامس عشرى المحرم وقد جاوز السبعين انتهى وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن عماد بن علي المصري ثم المقدسي الشافعي الفرضي الحاسب ابن الهايم ولد سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة واشتغل بالقاهرة وحصل طرفا صالحا من الفقه وعنى بالفرائض والحساب حتى فاق الأقارن ورحل إليه الناس من الآفاق وصنف التصانيف النافعة في ذلك ودرس بالقدس في أماكن وناب عن القمني في تدريس الصلاحية مدة فلما قدم نوروز القدس في هذه السنة لملاقاة زوجته بنت الظاهر قرر الهروي في الصلاحية ثم قسمها بينه وبين ابن الهائم لقيام أهل البلد معه وسمع منه ابن حجر وتوفي في بيت المقدس في جمادى الآخرة وفيها تغرى بردى بن عبد الله ومعنى تغرى بردى بلغة التتار ألله أعطى الظاهري نائب الشام قال ولده في المنهل الصافي كان والدي رومي الجنس اشتراه (7/109)
110 الملك الظاهر برقوق في أوائل سلطنته تقريبا وأعتقه وجعله في يوم عتقه خازكيا ثم صار ساقيا وأنعم عليه فجعله رأس نوبة الجمدارية وتنقلت به الأحوال إلى أن ولي نيابة دمشق غير مرة وقال ابن حجر ولي نيابة حلب فسار فيها سيرة حسنة وأنشأ بها جامعا ثم ولي نيابة دمشق قال القاضي علاء الدين في تاريخه كان عنده عقل وحياء وسكون حليما عاقلا مشارا إليه بالتعظيم في الدول وكان جميلا حسن الصورة جدا وكان يلهو لكن في سترة وحشمة وأفضال والله يسمح له انتهى وقال ولده استقر في نيابة دمشق ثالث مرة على كره منه وذلك سنة ثلاث عشرة وثمانمائة وتوفي واليا بها يوم الخميس سادس عشر المحرم وصلى عليه الملك الناصر فرج لأنه كان يومئذ في دمشق وشهد دفنه يوم الجمعة بتربة الأمير تنم نائب الشام بميدان الحصا ثم قتل الناصر بعد أيام في صفر من السنة المذكورة وخلف والدي عشرة أولاد ستة ذكور وأربع إناث وخلف أموالا كثيرة استولى عليها الملك الناصر فرج منها ألف مملوك إلا ثلاثين مملوكا وفيها جار الله بن صالح بن أحمد بن عبد الكريم الشيباني المكي سمع على تاج الدين ابن بنت أبي سعد ونور الدين الهمداني وعز الدين بن جماعة وشهاب الدين الهكاري وحدث عنهم قال ابن حجر قرأت عليه أحاديث من جامع الترمذي بمدينة ينبع وكان خيرا عاقلا مات في هذه السنة وهو الذي قال فيه صدر الدين بن الآدمي البيتين المشهورين وسنذكرهما في ترجمته انتهى وفيها رقية بنت العفيف عبد السلام بن محمد بن مزروع المدنية حدثت بالإجازة عن شيوخ مصر والشام كالختنى وابن المصري وابن سيد الناس من المصريين والمزى وغيره من الشاميين وتوفيت عن سبع وثمانين سنة وفيها طنبغا الشريفي عتيق الشريف شهاب الدين نقيب الأشراف بحلب (7/110)
111 قال القاضي علاء الدين في تاريخه سمع من أولاد مولاه من الجمال بن الشهاب محمود وتعلم الخط معهم ففاق في الخط الحسن وكتب الناس عليه واستقر في وظيفة تعليم الخط بالجامع الكبير وتسمى عبد الله وأجلسه الكمال بن العديم مع الشهود العدول وفر في الكائنة العظمى إلى القاهرة فأقام بها مدة وحدث بها وعلم الخط كتبت عليه بحلب وقرأت عليه الحديث بالقاهرة في سنة ثمان وثمانمائة وتوفي في آخر هذه السنة انتهى وفيها عائشة بنت علي بن محمد بن عبد الغني بن منصور الدمشقية سمعت مع زوجها الحافظ شمس الدين الحسني من ابن الخباز والمرداوي ومن بعدهما وحدثت وتوفيت في رمضان عن بضع وستين سنة وفيها جمال الدين عبد الله بن محمد بن طيمان بفتح الطاء المهملة وسكون الياء التحتانية المصري الطيماني الشافعي نزيل دمشق ولد قبل السبعين وسبعمائة بيسير وحفظ الحاوي الصغير ولازم البلقيني وعز الدين بن جماعة واشتغل بالقاهرة ونبغ في الفقه وشارك في الفنون ثم نزل دمشق وأفتى ودرس وكان يلبس قريبا من زي الترك وكان ذكيا ماهرا لا يتكلم إلا معربا ويتعانى طريق الصوفية وكان يتردد إلى دمشق بسبب وقف له وحضر عند شيوخها وشهدوا له بالتقدم في الفقه وأقام بدمشق يفتي ويشغل ويصنف ويدرس وشرع في جمع أشياء لم تكمل واختصر شرح الشيخ شرف الدين الغزي على المنهاج ولخص من كلام الأذرعي وغيره أشياء على المنهاج لم تشتهر لغلاقة لفظه واختصاره وأثنى عليه ابن حجي وأخبر أنه أخذ عنه وقتل بمنزله بالتعديل في الفتنة التي بين الناصر وغرمائه في صفر عن نحو سبع وأربعين سنة ودفن بمقابر الحموية بالقرب من قبر عاتكة إلى جانب الشيخ الزاهد علي بن أيوب رحمهما الله تعالى وفيها سراج الدين عمر بن عبد الله الهندي المعروف بألفاظا قال ابن (7/111)
112 حجر كان عارفا بالفقه والأصول والعربية أقام بمكة أزيد من أربعين سنة فأفاد الناس في هذه العلوم ومات في ذي الحجة عن سبعين سنة وفيها الملك الناصر فرج بن برقوق بن أنس ولد سنة إحدى وتسعين وسبعمائة وسماه أبوه بلغاق ثم سماه فرجا وأجلس على التخت يوم الجمعة نصف شوال سنة إحدى وثمانمائة بعهد من أبيه وعمره عشر سنين وستة أشهر وقتل بمصر سلطانا ليلة السبت سادس عشر صفر وفيها زين الدين أبو الخير محمد بن زين الدين أبي الطاهر أحمد بن جمال الدين محمد بن الحافظ محب الدين عبد الله الطبري سمع من الفخر القونوي وابن بنت سعد وابن جماعة والعلائي وأجاز له أحمد بن علي الجزري وابن القماح وابن عالي والمستوري وغيرهم وتفرد بإجازة الجزري بمكة وحدث بأشياء كثيرة بالإجازة عن جماعة من المصريين والشاميين وبرع في العلم وعرف بالمروءة وتوفي في رمضان وفيها بهاء الدين أبو حامد محمد بن أبي الطيب أحمد بن بهاء الدين محمد بن علي بن سعيد بن إمام المشهد الشافعي ظنا ولد سنة سبع وستين وسبعمائة وأحضره أبوه وأسمعه على أصحاب الفخر وابن القواس ونحوهم وتوفي أبوه وهو صغير فأدبه رجل أعمى وبرع من صباه وكان صحيح الفهم دينا عاقلا نشأ نشأة حسنة وأفتى ودرس وعرض عليه حموه شهاب الدين الحسباني النيابة في الحكم فامتنع وتوفي في ذي القعدة بعلة الاستسقاء وفيها جمال الدين محمد بن الحسن بن عيسى بن محمد بن أحمد بن مسلم المكي الحلوي بفتح المهملة وسكون اللام نسبة إلى حلى كظبي مدينة باليمن المعروف بابن العليف بمهملة ولام وفاء مصغر ولد بحلى سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة ونزل بمكة وسمع من العز بن جماعة وكان غاليا في التشيع وتعانى النظم فمهر فيه وفاق أقارنه إلا أنه كان عريض الدعوى (7/112)
113 ومدح ملوك اليمن وأمراء مكة وينبع وانقطع إلى حسن ابن عجلان بمكة ومن مدائحه في الناصر لدين الله صلاح الدين بن علي بن محمد صاحب صنعا ( جادك الغيث من طلول بوالي * كبروج من النجوم خوالي ) ( فقدت بيض انسها فتساوى * بيض أيامها وسود الليالي ) ( قاسمتني وجدي بها فتساوى * حالها بعد من أحب وحالي ) وهي طويلة وله فيه من أخرى ( يا وجه آل محمد في وقته * لم يبق بعدك منهم إلا قفا ) ( لو كانت الأشراف آل محمد * كتب العلوم لكنت فيها المصحفا ) ( أو كانت الأسباط آل محمد * يابن النبي لكنت فيها يوسفا ) وتوفي في سابع رجب وفيها جمال الدين محمد بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد البعلبكي المعروف بابن اليونانية ولد أول سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة وسمع الحديث وقرأ ودرس وأفتى وشارك في الفضائل وكان عارفا بأخبار أهل بلده وفيها محب الدين أبو الوليد محمد بن محمد بن محمد بن محمود بن غازي بن أيوب بن الشحنة محمود والشحنة جده الأعلى محمود الشهير بابن الشحنة التركي الأصل الحلبي الحنفي ولد سنة تسع وأربعين وسبعمائة وحفظ القرآن العظيم وعدة متون وتفقه وبرع في الفقه والأصول والنحو والأدب وأفتى ودرس وتولى قضاء قضاة الحنفية بحلب ثم دمشق إلى أن قبض عليه الظاهر برقوق في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة وقدم به إلى القاهرة ثم أفرج عنه ورجع إلى حلب فأقام بها إلى أن قبض عليه الملك الناصر فرج سنة ثلاث عشرة وثمانمائة لقيامه مع جماعة على الناصر ثم أفرج عنه فقدم القاهرة ثم عاد إلى دمشق صحبة الملك الناصر المذكور سنة أربع عشرة وثمانمائة فلما انكسر الناصر وحوصر بدمشق ولاه قضاء الحنفية بالقاهرة (7/113)
114 فلم يتم لأنه لما أزيلت دولة الناصر أعيد ابن العديم لقضاء الديار المصرية واستقر ابن الشحنة في قضاء حلب وأعطى تداريس بدمشق قال ابن حجر كان كثير الدعوى والاستحضار عالي الهمة وعمل تريخا لطيفا فيه أوهام عديدة وله نظم فائق وخط رائق ومن نظمه ( ساق المدام دع المدام فكل ما * في الناس من وصف المدامة فيكا ) ( فعل المدام ولونها ومذاقها * في مقلتيك ووجنتيك وفيكا ) وله ( أسير بالجرعى أسيرا ومن * همي لا أعرف كيف الطريق ) ( في منحنى الأضلع وأدى الغضا * وفوق سفح الخد وادي العقيق ) انتهى وقال القاضي علاء الدين في ذيل تاريخ حلب وله ألفية رجز تشتمل على عشرة علوم وألفية اختصر فيها منظومة النسفي وضم إليها مذهب أحمد وله تآليف أخرى في الفقه والأصول والتفسير انتهى وتوفي بحلب يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الآخر وفيها شرف الدين مسعود بن عمر بن محمود بن أنمار الأنطاكي النحوي نزيل دمشق قدم إلى حلب وقد حصل طرفا صالحا من العربية ثم قدم دمشق فأخذ عن الصفدي وابن كثير وغيرهما وتقدم في العربية وفاق في حسن التعليم حتى كان يشارط عليه إلى أمد معلوم بمبلغ معلوم وكان يكتب حسنا وينظم جيدا وكان يتعانى الشهادة ولو لم يكن بالمحمود فيها وكان مزاحا قليل التضون مات في تاسع شعبان وهو في عشر الثمانين قاله ابن حجر (7/114)
115 سنة ست عشرة وثمانمائة في ربيعها الأول ظهر الخارجي الذي ادعى أنه السفياني وهو رجل عجلوني يسمى عثمان بن ثقالة اشتغل بالفقه قليلا بدمشق ثم قدم عجلون فنزل بقرية الجيدور ودعا إلى نفسه فأجابه بعض الناس فأقطع الإقطاعات ونادى أن مغل هذه السنة مسامحة ولا يؤخذ من أهل الزراعة بعد هذه السنة التي سومح بها سوى العشر فاجتمع عليه خلق كثير من عرب وعشير وترك وعمل له ألوية خضراء وسار إلى وادي الياس وبث كتبه إلى النواحي ترجمتها بعد البسملة السفياني إلى حضرة فلان أن يجمع فرسان هذه الدولة السلطانية الملكية الإمامية الأعظمية الربانية المحمدية السفيانية ويحضر بخيله ورجاله مهاجرا إلى الله ورسوله ومقاتلا في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا فسار عليه في أوائل ربيع الآخر غانم الغزاوي وجهز إليه طائفة وطرقوه وهو بجامع عجلون فقاتلهم فقبضوا عليه وعلى ثلاثة من أصحابه فاعتقل الأربعة وكتب إلى المؤيد بخبره فأرسلهم إلى قلعة صرخد وفيها توفي إبراهيم بن أحمد بن خضر الصالحي الحنفي ولد في رمضان سنة أربع وأربعين وسبعمائة واشتغل على أبيه وناب في القضاء بمصر ودرس وأفتى وولي إفتاء دار العدل وكان جريئا مقداما ثم ترك الاشتغال بآخره وافتقر وتوفي في ربيع الأول وكات وفاة أبيه سنة خمس وثمانين وسبعمائة وفيها برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن بهادر بن أحمد الشافعي الغزي القرشي النوفلي الشهير بابن زقاعة بضم الزاي وفتح القاف المشددة وألف وعين مهملة وهاء قال في المنهل كان إماما بارعا مفننا في علوم كثيرة (7/115)
116 لا سيما معرفة الأعشاب والرياضة وعلم التصوف مولده سنة أربع وعشرين وسبعمائة على الصحيح قال المقريزي عانى صناعة الخياطة وأخذ القراءات عن الشيخ شمس الدين الحكري والفقه عن بدر الدين القونوي والتصوف عن الشيخ عمر حفيد الشيخ عبد القادر وسمع الحديث من نور الدين علي الفوي وقال الشعر ونظر في النجوم وعلم الحرف وبرع في معرفة الأعشاب وساح في الأرض وتجرد وتزهد فاشتهر ببلاد غزة وعرف بالصلاح انتهى اختصارا قلت بالجملة كانت رياسته في علوم كثيرة وله حظ وافر عند ملوك مصر ونال من الحرمة والوجاهة ما لم ينله غيره من أبناء جنسه فإنه كان يجلس فوق قضاة القضاة ومن شعره اللطيف ( ومن عجبي أن النسيم إذا سرى * سحيرا بعرف البان والرند والآس ) ( يعيد على سمعي حديث احبتى * فيخطل لي أن الأحبة جلاسي ) ومنه أيضا ( ووردى خد نرجسي لواحظ * مشايخ علم السحر عن لحظه رووا ) ( وواوات صدغيه حكين عقاربا * من المسك فوق الجلنار قد التووا ) ( ووجنته الحمرا تلوح كجمرة * عليها قلوب العاشقين قد انكووا ) ( وودى له باق ولست بسامع * لقول حسود والعواذل أن عووا ) ( ووالله لا أسلو ولو صرت رمة * وكيف وأحشائي على حبه انطووا ) وتوفي بالقاهرة في ثامن عشر ذي الحجة ودفن خارج باب النصر انتهى ما قاله صاحب المنهل باختصار وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن علاء الدين حجي بن موسى بن أحمد بن سعد بن غشم بن غزوان بن علي بن مسرور بن تركي الحسباني الدمشقي الشافعي الحافظ مؤرخ الإسلام قال ابن قاضي شهبة في طبقاته ولد في المحرم سنة إحدى وخمسين وسبعمائة وحفظ التنبيه وغيره وسمع (7/116)
117 الحديث من خلائق وأجاز له خلق من بلاد شتى وقرأ بنفسه الكثير وكتب الكثير وقد كتب أسماء مشايخه مجردا في بعض مجاميعه على حروف المعجم وأخذ الفقه عن والده والشيخ شمس الدين بن قاضي شهبة وقاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء وغيرهم واستفاد من مشايخ العصر منهم الأذرعي والحسباني وابن قاضي الزبداني وابن خطيب يبرود والغزي والقاضي تاج الدين السبكي وشمس الدين الموصلي وتخرج في علوم الحديث بالحافظين ابن كثير وابن رافع وأخذ النحو عن أبي العباس العناني وغيره ودرس وأفتى وأعاد وناب في الحكم وصنف وكتب بخطه الحسن ما لا يحصى كثرة فمن ذلك شرح على المحرر لابن عبد الهادي كتب منه قطعة ورد على مواضع من المهمات للأسنوي وعلى مواضع من الألغاز له بين غلطه فيها وجمع فوائد في علوم متعددة في كراريس كثيرة سماها جمع المفترق وكتابا سماه الدارس من أخبار المدارس يذكر فيه ترجمة الواقف وما شرطه وتراجم من درس بالمدرسة إلى آخر وقت وهو كتاب نفيس يدل على اطلاع كثير وقد وقفت على كراريس منه وكتب ذيلا على تاريخ ابن كثير وغيره بدأ فيه من سنة إحدى وأربعين يذكر فيه حوادث الشهر ثم من توفي فيه وهو مفيد جدا كتب منه ست سنين ثم بدأ من سنة تسع وستين فكتب إلى قبيل وفاته بيسير وكان قد أوصاني بتكميل الخرم المذكور فأكملته وأخذت التاريخ المذكور وزدت عليه حوادث من تواريخ المصريين وغيرهم بقدر ما ذكره الشيخ وتراجم أكثر من التراجم التي ذكرها بكثير وبسطت الكلام في ذلك وجاء إلى آخر سنة أربعين وثمانمائة في سبع مجلدات كبار ثم اختصرته في نحو نصفه وقد ولي الشيخ في آخر عمره الخطابة ومشيخة الشيوخ شريكا لغيره وانتهت المشيخة في البلاد الشامية إليه وكان يكتب على الفتاوى كتابة حسنة وخطه مليح وكان يضرب المثل بجودة ذهنه وحسن أبحاثه وكان حسن الشكل دينا خيرا له أوراد (7/117)
118 من صلاة وصيام وعند أدب كثير وحشمة وحسن معاشرة وعنه أخذت هذا الفن واستفدت منه كثيرا توفي في المحرم ودفن عند والده على جادة الطريق انتهى كلام ابن قاضي شهبة وفيها أحمد بن علي بن النقيب المقدسي الحنفي قال ابن حجر ولد سنة إحدى وخمسين وسبعمائة وتقدم في فقه الحنفية وشارك في فنون وكان يؤم بالمسجد الأقصى وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن ناصر بن خليفة بن فرج بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن الناصري الباعوني الشافعي قال ابن قاضي شهبة فيه الشيخ الإمام العالم المفنن قاضي القضاة خطيب الخطابة إمام البلغاء ناصر الشرع ولد بقرية الناصر من البلاد الصفدية سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة وحفظ القرآن وله عشر سنين وحفظ المنهاج في مدة يسيرة ثم المنهاج للبيضاوي والألفية وغير ذلك وقدم دمشق وعرض كتبه على جماعة من العلماء منهم القاضي تاج الدين السبكي والمشايخ ابن خطيب يبرود وابن قاضي الزبداني وابن قاضي شهبة وابن الشريشي والزهدي وغيرهم وأخذ عنهم وسمع الحديث من جماعة من المسندين وقرأ النحو على الشيخ أبي عبد الله المالكي وغيره ومهر في ذلك وكتب الخط الحسن ثم رجع إلى صفد وقد أجيز وأخذ من طلب العلم أربه فاشتغل بالعلم وأفتى وفاق في النظم والنثر وصحب الفقراء والصالحين ثم توجه إلى الديار المصرية واجتمع بالملك الظاهر فولاه خطابة بالجامع الأموي فقدم في ذي القعدة سنة اثنتين وتسعين ثم لما قدم السلطان في سنة ثلاث وتسعين ولاه القضاء في ذي الحجة فباشر بعفة ومهابة زائدة وتصميم في الأمور مع نفوذ لحكمه وكان يكاتب السلطان بما يريد فيرجع الجواب بما يختاره وانضبطت الاوقاف في أيامه وحصل للفقهاء معاليم كثيرة ودرس الفقه والتفسير في مدارس (7/118)
119 كثيرة وولي مشيخة الشيوخ ثم وقعت له أمور أوجبت تغير خاطر السلطان عليه منها أنه طلب أن يقرضه من مال الأيتام شيئا فامتنع فعزله بعد ما باشر سنتين ونصفا وكشف عليه وعقدت له مجالس وحصل في حقه تعصب ولفقت عليه قضايا باطلة أظهر الله براءته منها ولم يسمع عنه مع كثرة أعدائه أنه ارتشى في حكم من الأحكام ولا أخذ شيئا من قضاة البر كما فعله من بعده من القضاة ثم ولي خطابة القدس مدة طويلة ثم خطابة دمشق ومشيخة الشيوخ ثم ولاه الناصر القضاء في صفر سنه اثنتي عشرة وثمانمائة ولم يمكنه إجراء الأمور على ما كان أولا لتغير الأحوال واختلاف الدول ثم صرفه الأمير شيخ عند استيلائه على دمشق في جمادى الآخرة من السنة وفي فتنة الناصر ولي قضاء الديار المصرية مدة الحصار ثم انتقض وكان خطيبا بليغا له اليد الطولى في النظم والنثر مع السرعة في ذلك وكان من أعظم أنصار الحق وأعوانه أعز الله تعالى به الدين وكف به أكف المفسدين وكان ظاهر الديانة كثير البكاء وكتب الكثير بخطه وجمع أشياء انتهى باختصار وقال ابن حجر اجتمعت به ببيت المقدس والقاهرة وأنشدني من نظمه وسمعت عليه وهو القائل ( ولما رأت شيب رأسي بكت * وقالت عسى غير هذا عسى ) ( فقلت البياض لباس الملوك * وإن السواد لباس الأسى ) ( فقالت صدقت ولكنه * قليل النفاق بسوق النسا ) وله في العقيدة قصيدة أولها ( أثبت صفات العلى وأنف الشبيه فقد * أخطا الذين على ما قد بدا جمدوا ) ( وضل قوم على التأويل قد عكفوا * فعطلوا وطريق الحق مقتصد ) انتهى وتوفي في أوائل المحرم ودفن بسفح قاسيون بحوش زاوية الشيخ أبي بكر بن داود (7/119)
120 وفيها زين الدين هو زين الدين أبو بكر بن حسين بن عمر بن محمد بن يونس العثماني المراغي ثم المصري الشافعي نزيل المدينة ولد سنة ثمان وعشرين وسبعمائة وأجاز له أبو العباس بن الشحنة فكان آخر من حدث عنه في الدنيا بالإجازة وأجاز له أيضا المزي والبرزالي والحجار وآخرون من دمشق وحماة وحلب وغيرها وتفرد بالرواية عن أكثرهم وسمع بالقاهرة من جماعة وخرج له الحافظ ابن حجر أربعين حديثا عن أربعين شيخا وقرأ على الشيخ تقي الدين السبكي شيئا من محفوظاته عرضا قبل أن يلي القضاء ولازم الشيخ جمال الدين الأسنوي وولي قضاء المدينة وخطابتها سنة تسع وثمانمائة وأخذ عن مغلطاي وغيره من المحدثين وشرح المنهاج الفقهي واختصر تاريخ المدينة وحصل للمدينة جهات تقوم بحاله ولازم الاشغال والتحديث بالروضة الشريفة إلى أن صار شيخها المشار إليه ثم عزل عن قضائها فتألم لذلك وتوفي بالمدينة المنورة في ذي الحجة وفيها رضي الدين أبو بكر بن يوسف بن أبي الفتح العدني بن المستأذن قال ابن حجر حج كثيرا وقدم القاهرة وتعانى النظر في الأدب ومهر في القراءات وتكلم على الناس بجامع عدن وخطب ولم ينجب سمعت من نظمه وسمع مني كثيرا مات وقد جاوز السبعين انتهى وفيها حسام الدين حسن بن علي بن محمد الأبيوردي بفتح الهمزة والواو وسكون التحتية وكسر الباء وسكون الراء نسبة إلى باورد بلدة بخراسان الشافعي الخطيب نزيل مكة وأخذ عن السعد التفتازاني وغيره وبرع في المعقولات ودخل اليمن واجتمع بالناصر ففوض إليه تدريس بعض المدارس بتعز فعاجلته المنية بها وصنف ربيع الجنان في المعاني والبيان وغير ذلك وفيها عائشة بنت محمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن (7/120)
121 يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الأصل أبوها الصالحية الحنبلية المذهب المحدثة محدثة دمشق ولدت سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة وحضرت في أوائل الرابعة من عمرها جميع صحيح البخاري على مسند الآفاق الحجار وروت عن خلق وروى عنها لحافظ ابن حجر وقرأ عليها كتبا عديدة وكانت في آخر عمرها أسند أهل زمانها مكثرة سماعا وشيوخا قاله العلموي في طبقات الحنابلة وتوفيت في أحد الربيعين ودفنت بالصالحية قال ابن حجر تفردت بالسماع من الحجار ومن جماعة وسمع منها الرحالة فأكثروا وكانت سهلة في الأسماع سهلة الجانب ومن العجائب أن ست الوزراء كانت آخر من حدثت عن ابن الزبيدي بالسماع ثم كانت عائشة آخر من حدثت عن صاحبه الحجار بالسماع وبين وفاتيهما مائة سنة وفيها عبد القوي بن محمد بن عبد القوي المالكي البجائي المغربي الأصل والمولد والمنشأ نزميل مكة قال ولده قطب الدين أبو الخير ولد والدي سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة بيجاية من بلاد الغرب ورحل من بلده وعمره ثمان عشرة سنة وقدم القاهرة وحج سنة أربع وستين ثم عاد إلى القاهرة ثم حج في سنة سبعين وقطن بمكة إلى أن مات وقال الشيخ تقي الدين الفاسي قدم ديار مصر في شبيبته فأخذ بها عن الشيخ موسى المراكشي وغيره وسمع بها من المناوي وسعد الدين الأسفراييني وغيرهما ودرس بالحرم الشريف وأفتى باللفظ تورعا وكان ذا معرفة بالفقه قال ابن حجر تفقه وأفاد ودرس وأعاد وأفتى وتوفي بمكة في شوال ودفن بالمعلاة وفيها فخر الدين عثمان بن إبراهيم بن أحمد الشيخ الإمام البرماوي الشافعي شيخ قراء مدرسة الظاهر برقوق قال في المنهل كان إماما بارعا في (7/121)
122 معرفة القراءات عالما بالفقه والحديث والعربية تصدر للأقراء عدة سنين إلى أن توفي فجأة بعده خروجه من الحمام يوم الإثنين تاسع عشر شعبان والبرماوي نسبة إلى برمة بلدة بالغربية من أعمال القاهرة بالوجه البحري وإليها ينسب جماعة كثيرة من الفقهاء وغيرهم انتهى وفيها فتح الدين فتح الله بن معتصم بن نفيس الداودي التبريزي الحنفي الطبيب ولد سنة تسع وخمسين وسبعمائة وقدم مع أبيه إلى القاهرة فمات أبوه وهو صغير فكفله عمه بديع بن نفيس فتميز في الطب وقرأ المختار في الفقه وتردد إلى مجالس العلم وتعلم الخط وباشر العلاج وكان بارع الجمال فانتزعه برقوق وصار من أخص المماليك عنده وشاتهر وشاع ذكره واستقر في رياسة الطب بعد موت عمه بديع ثم عالج برقوق فأعجبه وكان يدري كثيرا من الألسن ومن الأخبار فراج عند برقوق وباشر رياسة الطب بعفة ونزاهة قال البقاعي كان ذا باع طويل في الطب حتى أنه مر يوما في سوق الكتبيين فرأى شخصا ينسخ في كتاب وليس به مرض فتأمله وقال هذا يموت اليوم فكان كذلك وقال المقريزي كان له فضائل جمة غطاها شحه حتى اختلق عليه أعداؤه معايب برأه الله منها فأنى صحبته مدة طويلة تزيد على العشرين ورافقته سفرا وحضرا فما علمت عليه إلا خيرا بل كان من خير أهل زمانه عقلا وديانة وحسن عبادة وتأله ونسك ومحبة للسنة وأهلها وانقياد إلى الحق وصبر على الأذى وجودة للحافظة وكان يعاب بالشح بماله فإنه كان يخذل صديقه أحوج ما يكون إليه وقد جوزي بذلك فإنه لما نكب في هذه السنة تخلى عنه كل أحد عن الزيارة فلم يجد مغنيا ولا معينا فلا قوة إلا بالله وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن خليل المصري الغراقي بفتح المهملة وتشديد الراء وبعد الألف قاف نسبة إلى بعض قرى الديار المصرية الشافعي (7/122)
123 اشتغل كثيرا وتمهر في الفرائض وأشغل الناس فيها بالجامع الأزهر وكثرت طلبته وأم بالجامع المذكور نيابة مع الدين والخير وحسن السمت والتواضع والصبر على الطلبة وكان يقسم التنبيه والمنهاج فيقرن بينهما جميعا في مدلة لطيفة وقد سمع من العز بن جماعة بمكة وحدث وجاور كثيرا وكان يعتمر في كل يوم أربع عمر ويختم كل يوم ختمة وتوفي في خامس شعبان وفيها محمد بن عبد الله الحجبي الحنفي الملقب بالقطعة قال ابن حجر كان من أكثر الحنفية معرفة باستحضار الفروع مع جمود ذهنه وكان خطه رديئا إلى الغاية وكان رث الثياب والهيئة خاملا مات في رمضان انتهى وفيها جمال الدين محمد بن عمر العواري بفتح المهملة وتخفيف الواو التعزي الشافعي اشتغل ببلده وأشغل الناس كثيرا واشتهر وأفتى ودرس ونفع الناس وكثرت تلامذته وولي القضاة ببلده فباشر بشهامة وترك مراعاة لأهل الدولة فتعصبوا عليه حتى عزل وقد أراق في مباشرته الخمور وأزال المنكرات والزم اليهود بتغيير عمائمهم ثم بعد عزله أقبل على الاشتغال والنفع للناس إلى أن مات وفيها شهاب الدين موسى بن أحمد بن موسى الرمثاوي ثم الدمشقي الشافعي ولد تقريبا سنة ستين وسبعمائة واشتغل على الشيخ شرف الدين الغزي ولازمه وأذن له في الافتاء وأخذ الفرائض عن محب الدين المالكي وفضل فيها وأخذ بمكة عن ابن ظهيرة وأخذ طرفا من الطب عن الرئيس جمال الدين وكتب بخطه ومهر وتعانى الزراعة ثم تزوج بنت شيخه فماتت معه فورث منها مالا ثم بذل ما لا حتى ناب في الحكم واستمر ثم ولي قضاء الكرك قال ابن قاضي شهبة في تاريخه كان سيء السيرة وفتح أبوابا من الأحكام الباطلة فاستمرت (7/123)
124 بعد وكان عنده دهاء وصاهر الأخنائي وقد امتحن ومات بدمشق في ربيع الأول وقيل إنه سم والله أعلم سنة سبع عشرة وثمانمائة في سابع شعبانها دخل الفرنج مدينة سبتة من بلاد المغرب وخربوها وأخذوا ما كان بها من الأموال والذخائر حتى الكتب العلمية وتركوها قاعا خرابا ومع ذلك فهي بأيديهم فلا قوة إلا بالله وكان أهلها وهم محاصرون أرسلوا قصيدة طنانة يستنجدون فيها أهل الإسلام من أهل مصر وغيرها مطلعها ( حماة الهدى سبقا وإن بعد المدى * فقد سألتكم نصرها ملة الهدى ) فلم تفدهم شيئا غير أن أجيبوا بقصيدة من نظم لابن حجة ويا ليتها مثلها وفيها توفي تقي الدين أبو بكر بن علي بن سالم بن أحمد الكناني العامري نسبة إلى قرية كفر عامر من قرى الزبداني ابن قاضي الزبداني الشافعي ولد في ذي الحجة سنة خمسين وسبعمائة واشتغل بدمشق فبرع في الحساب وشارك في الفقه وقرأ في الأصول وولي قضاء بعلبك وبيرت وقدم القاهرة بعد الفتنة الكبرى وكان قد أسر مع التمرية ثم تخلص وأخبر عن بعض من أسره أنه قال له علامة وقوع الفتنة كثرة نباح الكلاب وصياح الديكة في أول الليل قال وكان ذلك قد كثر بدمشق قبل مجيء تمرلنك وكان يقرأ في المحراب جيدا وولي قضاء كفر طاب وتقدم في معرفة الفرائض والحساب وكان دينا خيرا يتعانى المتجر توفي بدمشق في ذي الحجة وفيها سعد الدين سعد بن علي بن إسماعيل الهمداني الحنفي ثم العيني نزيل حلب كان فاضلا عاقلا دينا له مروءة ومكارم أخلاق وله وقع في النفوس لخيره ونفعه للطلبة وإحسانه إليهم بعلمه وجاهه مات في أول شعبان (7/124)
125 وخلف ولده سعد الدين سعد الله ولم تطل مدته بل مات سنة إحدى وعشرين ولم يكتهل وفيها عبد الله بن صالح بن أحمد بن عبد الكريم ابن أبي المعالي الشيباني المكي سمع من عثمان بن الصفي الطبري والسراج الدمنهوري وغيرهما وتفرد بالرواية عنهم بمكة وكان خطيبا جدة توفي في ربيع الآخر وقد قارب الثمانين وفيها جمال الدين عبد الله بن علاء الدين علي بن محمد بن علي بن عبد الله الكناني العسقلاني الحنبلي المعروف بالجندي سبط أبي الحرم بن القلانسي ولد سنة خمسين وسبعمائة وأحضر على الميدومي وسمع من الأتقوي والعرض والبسه الميدومي خرقة التصوف وحدث باليسير في آخر عمره وأحب الرواية وأكثروا عنه وكان ذا سمت حسن وديانة ونادرة حسنة ويتكلم في مسائل الفقه وسمع منه ابن حجر جزءا من حديث أبي الشيخ بسماعه على جده أبي الحرم القلانسي بسنده وقرأ عليه أيضا سباعيات مونسة خاتون بنت الملك العادل بسماعه على جده أيضا عنها سماعا وتوفي في القاهرة في رجب وفيها زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن يوسف بن الحسن بن محمود المدني الزرندي بالزاي والراء والنون نسبة إلى زرند بلد بأصبهان الحنفي ولد في ذي القعدة سنة ست وأربعين وسبعمائة بالمدينة النبوية وسمع على العز بن جماعة والصلاح العلائي وأجاز له الزبير الأسواني وهو آخر من حدث عنه وتفقه وبرع في الفقه وغيره وولي قضاء الحنفية بالمدينة النبوية نحوا من ثلاث وثلاثين سنة مع حسبتها وحمدت سيرته لعفته ودينه ولم يزل بالمدينة إلى أن توفي بها في ربيع الأول وفيها الحافظ جمال الدين أبو حامد محمد بن عبد الله بن ظهيرة بن أحمد بن عبد الله بن عطية بن ظهيرة بن مرزوق بن محمد بن سليمان المخزومي المكي الشافعي ولد سنة خمسين وسبعمائة تقريبا وعنى بالحديث فرحل (7/125)
126 فيه إلى دمشق وحماة وحلب والقدس ومصر وغيرها وحصل الأجزاء ونسخ وكتب الكثير بخطه الدقيق الحسن وبرع في الفقه والحديث وأخذ عن ابن أميلة وصلاح الدين بن أبي عمر وجمع من أصحاب التقى سليمان ومن بعدهم وتفقه بعمه أبي الفضل النويري وبالبهاء السبكي وبالأذرعي والبلقيني ولزم العراقي في الحديث وانتفع الناس به بمكة وأشغلهم نحوا من أربعين سنة وخرج له غرس الدين خليل معجما عن شيوخه بالسماع والإجازة في مجلدة وشرح هو قطعة من الحاوي وله عدة ضوابط نظما ونثرا وله أسئلة تدل على باع واسع في العلم استدعى الجواب عنها من البلقيني فأجابه عنها وهي معروفة تلقب بالأسئلة المكية وحدث بكثير من مروياته بالمسجد الحرام وسمع منه ابن حجر وقال وهو أول شيخ سمعت الحديث بقراءته بمصر في سنة ست وثمانين وولي قضاء مكة وعزل وأعيد مرارا وكان كثير العبادة والأوراد مع السمت الحسن والسكون والسلامة وتوفي قاضيا بمكة في شهر رمضان وفيها مجد الدين أبو الطاهر محمد بن يعقوب بن إبراهيم بن عمر الفيروزابادي اللغوي الشافعي العلامة قال السخاوي في الضوء اللامع ولد في ربيع سنة تسع وعشرين وسبعمائة بكازرون ونشأ بها وحفظ القرآن وهو ابن سبع وانتقل إلى شيراز وهو ابن ثمان وأخذ الأدب واللغة عن والده وغيره من علماء شيراز وانتقل إلى العراق فدخل واسط وأخذ عن الشرف عبد الله بن بكتاش وهو قاضي بغداد ومدرس النظامية بها وولي بها تداريس وتصادير وكثرت فضائله وظهرت وكثر الآخذون عنه فكان ممن أخذ عنه الصفدي والفهامة ابن عقيل والجمال الأسنوي وابن هشام ثم قدم القاهرة وأخذ عن علمائها وجال في البلاد الشرقية والشامية ودخل الروم والهند ولقي جمعا من (7/126)
127 الفضلاء وحمل عنهم شيئا كثيرا تجمعه مشيخته تخريج الجمال بن موسى المراكشي وفيه أن مروياته الكتب الستة وسنن البيهقي ومسند أحمد وصحيح ابن حبان ومصنف ابن أبي شيبة وغير ذلك على مشايخ عديدة وجم غفير ثم دخل زبيد في رمضان سنة ست وتسعين بعد وفاة قاضي الأقضية باليمن كله الجمال الريمي شارح التنبيه فتلقاه الأشرف إسماعيل وبالغ في إكرامه وصرف له ألف دينار سوى ألف أخرى أمر صاحب عدن أن يجهزه بها واستمر مقيما في كنفه على نشر العلم وكثر الانتفاع به وأضيف إليه قضاء اليمن كله في ذي الحجة سنة سبع وتسعين بعد ابن عجيل فارتفق بالمقام في تهامة وقصده الطلبة وقرأ السلطان فمن دونه عليه واستمر بزبيد مدة عشرين سنة وهي بقية أيام الأشرف ثم ولده الناصر وكان الأشرف قد تزوج ابنته لمزيد جمالها ونال منه رفعة وبرا بحيث أنه صنف كتابا وأهداه له على طباق فملأها له دراهم وفي أثناء هذه المدة قدم مكة مرارا وجاور بالمدينة والطائف وعمل بها مآثر حسنة وكان يحب الانتساب إلى مكة ويكتب بخطه الملتجىء إلى حرم الله تعالى ولم يدخل بلدا إلا وأكرمه متوليها وبالغ في تعظيمه مثل شاه منصور ابن شجاع صاحب تبريز والأشرف صاحب مصر والسلطان بايزيدخان بن عثمان متولي الروم وابن أويس صاحب بغداد وتمر لنك وغيرهم واقتنى كتبا كثيرة حتى نقل عنه أنه قال اشتريت بخمسين ألف مثقال كتبا وكان لا يسافر إلا وفي صحبته منها أحمال ويخرجها في كل منزل وينظر فيها لكنه كان كثير التبذير وإذا أملق باع منها وإذا أيسر اشترى غيرها وصنف كتبا كثيرة منها بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز مجلدان وتنوير المقباس في تفسير ابن عباس أربع مجلدات تيسير فاتحة الإهاب بتفسير فاتحة الكتاب مجلد كبير والد رالنظيم المرشد إلى فضائل القرآن العظيم وحاصل كورة الخلاص في فضائل سورة الإخلاص وشرح خطبة الكشاف وشوارق الأسرار العلية (7/127)
128 في شرح مشارق الأنوار النبوية مجلدان وفتح الباري بالسيل الفسيح الجاري في شرح صحيح البخاري كمل ربع العبادات منه في عشرين مجلدا والأسعاد بالأصغاد إلى درجة الاجتهاد ثلاثة مجلدات والنفحة العنبرية في مولد خير البرية والصلات والبشر في الصلاة على خير البشر والوصل والمنى في فضل منى والمغانم المطابة في معالم طابة وتهييج الغرام إلى البلد الرحام وإثارة الشجون لزيارة الحجون عمله في ليلة وأحاسن اللطائف في محاسن الطايف وفصل الدرة من الخرزة في فضل السلامة على الخبرة وروضة الناظر في ترجمة الشيخ عبد القادر والمرقاة الوفية في طبقات الحنفية والبلغة في ترجمة أئمة النحاة واللغة والفضل الوفي في العدل الأشرفي ونزهة الأذهان في تاريخ أصبهان مجلد وتعيين الغرفات للمعين على عين عرفات ومنية السول في دعوات الرسول والتجاريح في فوائد متعلقة بأحاديث المصابيح وتسهيل طريق الوصول إلى الأحاديث الزائدة على جامع الأصول والأحاديث الضعيفة والدر الغالي في الأحاديث العوالي وسفر السعادة والمتفق وضعا المختلف صقعا واللامع المعلم العجاب الجامع بين المحكم والعباب قدر تمامه في مائة مجلد يقرب كل مجلد منه صحاح الجوهري كمل منه خمس مجلدات والقاموس المحيط والقابوس الوسيط ومقصود ذوي الألباب في علم الأعراب مجلد وتحبير الموشين فيما يقال بالسين والشين تبع فيه أوهام المجمل لابن فارس في ألف موضع والمثلث الكبير في خمس مجلدات والروض المسلوف فيما له اسمان إلى الوف وتحفة القماعيل فيمن تسمى من الناس والملائكة بإسماعيل وأسماء السراح في أسماء النكاح والجليس الأنيس في أسماء الخندريس مجلد وأنواء الغيث في أسماء الليث وترقيق الأسل في تضعيف العسل كراسين وزاد المعاد في وزن بانت سعاد وشرحه في مجلد والنخب الطرائف في النكت الشرائف وغير ذلك من مختصر ومطول (7/128)
129 وقال الخزرجي في تاريخ اليمن أنه لم يزل في ازياد من علو الجاه والمكان ونفوذ الشفاعات والأوامر على القضاة في الأمصار ورام في عام تسع وتسعين الوصول إلى مكة شرفها الله تعالى فكتب إلى السلطان ما مثاله ومما ينهيه إلى المعلوم الشريف ضعف العبد ورقة جسمه ودقة بنيته وعلو سنه وآل أمره إلى أن صار كالمسافر الذي تحزم وانتقل إذ وهن العظم والرأس اشتعل وتضعضع السن وتقعقع الشن فما هو إلا عظام في جراب وبنيان قد أشرف على الخراب وقد ناهز العشر التي تسميها العرب دقاقة الرقاب وقد مر على المسامع الشريفة غير مرة في صحيح البخاري من قول النبي إذا بلغ المرء ستين سنة فقد أعذر الله إليه فكيف من نيف على السبعين وأشرف على الثمانين ولا يجمل بالمؤمن أن يمضي عليه أربع سنين ولا يتجدد له شوق إلى رب العالمين وزيادة سيد المرسلين وقد ثبت في الحديث النبوي ذلك والعبد له ست سنين عن تلك المسالك وقد غلب عليه الشوق حتى فاق عمرة بن طوق ومن أقصى أمنيته أن يجدد العهد بتلك المعاهد ويفوز مرة أخرى بتلك المشاهد وسؤاله من المراحم العلية الصدقة عليه بتجهيزه في هذا العام قبل اشتداد الحر وغلبة الأوام فإن الفصل أطيب والريح أزيت وأيضا كان من عادة الخلفا سلفا وخلفا أنهم كانوا يبردون البريد لتبليغ سلامتهم إلى حضرة سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه فاجعلني جعلني الله فداك ذلك البريد فلا أتمنى شيئا سواه ولا أريد ( شوقي إلى الكعبة الغراء قد زادا * فاستحمل القلص الوخادة الزادا ) ( واستأذن الملك المنعام زيد على * واستودع الله أصحابا وأولادا ) فلما وصل كتابه إلى السلطان كتب على طرته ما مثاله إن هذا الشيء ما ينطق به لساني ولا يجري به قلمي فقد كانت بلاد اليمن عمياء فاستنارت (7/129)
130 فكيف يمكن أن نتقدم وأنت أعلم أن الله قد أحيا بك ما كان ميتا من العلم فبالله عليك إلا ما وهبتنا بقية هذا العمر والله يا مجد الدين يمينا بارة إني أرى فراق الدنيا ونعيمها ولا فراقك أنت اليمن وأهله وقال الفاسي وله شعر كثير ونثر أعلى وكان كثير الاستحضار لمستحسنات العشر والحكايات وله خط جيد مع السرعة وكان كثير الحفظ حتى قال ما كنت أنام حتى أحفظ مائتي سطر وكانت له دار بمكة على الصفا عملها مدرسة للأشرف صاحب اليمن وقرر بها مدرسين وطلبة وفعل بالمدينة كذلك وله بمنى دور وبالطائف بستان وقد سارت الركبان بتصانيفه سيما القاموس فإنه أعطى قبولا كثيرا قال الأديب المفلق نور الدين بن العفيف المكي الشافعي لما قرأ عليه القاموس ( مذ مد مجد الدين في أيامه * من فيض بحر علومه القاموسا ) ( ذهبت صحاح الجوهري كأنها * سحر المدائن حين ألقى موسا ) ومن شعره هو ( أحبتنا الأماجد أن رحلتم * ولم ترعوا لنا عهدا وإلا ) ( نودعكم ونودعكم قلوبا * لعل الله يجمعنا وإلا ) وقال المقري في كتاب زهر الرياض في أخبار عياض قلت ومن أغرب ما منح الله به المجد مؤلف القاموس أنه قرأ بدمشق بين باب النصر والفرج تجاه نعل النبي على ناصر الدين أبي عبد الله محمد بن جهبل صحيح مسلم في ثلاثة أيام وتبجح بذلك فقال ( قرأت بحمد الله جامع مسلم * بجوف دمشق الشام جوف لإسلام ) ( على ناصر الدين الإمام بن جهبل * بحضرة حفاظ مشاهير أعلام ) ( وتم بتوفيق الإله وفضله * قراءة ضبط في ثلاثة أيام ) فسبحان المانح الذي يؤتي فضله من يشاء وكان يرجو وفاته بمكة فما قدر له (7/130)
131 ذلك بل توفي بزبيد ليلة العشرين من شوال وهو متمتع بحواسه وقد ناهز التسعين وفيها أو في التي قبلها وبه جزم في المنهل الصافي صدر الدين أبو الحسن علي بن محمد قاضي القضاة الدمشقي الحنفي المعروف بابن الأدمي ولد بدمشق سنة سبع وستين وسبعمائة ونشأ بها وحفظ القرآن الكريم وطلب العلم حتى تفقه وبرع وشارك في عدة فنون ومهر في الأدب وقال الشعر الفائق الرائض وولي كتابة سر دمشق ثم عزل وولي قضاءها وكان خصيصا بالأمير شيخ المحمودي نائب دمشق وامتحن من أجله فلما تسلطن شيخ المذكور عرف له ذلك وولاه قضاء قضاة الحنفية بالديار المصرية فلم تطل مدته بل باشر أقل من سنة ومن شعره ( يا متهمي بالسقم كن مسعفي * ولا تطل رفضي فإني على ل ) ( أنت حليلي فبحق الهوى * كن لشجوني راحما يا خلي ل ) ومنه ( قد نمق العاذل يا منيتي * كلامه بالزور عند الملام ) ( وما درى جهلا بأني فتى * لم يرع سمعي عاجلا فيك لام ) ومنه قصيدته الرائية المشهورة ( عدمت غداة البين قلبي وناظري * فيا مقلتي حاكي السحاب وناظري ) وتوفي ليلة السبت ثامن شهر رمضان سنة ثمان عشرة وثمانمائة فيها كان بمصر طاعون وغلاء وعظيمين وفي أولها كانت كائنة الشيخ سليم بفتح السين وذلك أنه كان بالجيزة بالجانب الغربي من النيل كنيسة للنصارى فقيل أنهم جددوا فيها شيئا كثيرا فتوجه الشيخ سليم من الجامع الأزهر (7/131)
132 ومعه جماعة فهدموها فاستعان النصارى بأهل الديوان من القبط فسعوا عند السلطان بأن هذا الشيخ افتات على المملكة وفعل ما أراد بيده بغير حكم حاكم فاستدعى بالمذكور فأهين فاشتد ألم المسلمين لذلك ثم توصل النصارى ببعض قضاة السوء إلى أن أذن لهم في إعادة ما تهدم فجر ذلك إلى أن شيدوا ما شاؤا بعلة إعادة المتهدم الأول فلله الأمر وفيها كانت كائنة شمس الدين بن عطاء الله الرازي المعروف بالهروي الذي شاع عنه أنه يحفظ اثنى عشر ألف حديث وأنه يحفظ صحيح مسلم بأسانيده ويحفظ متون البخاري فجرت مناظرة بينه وبين ابن حجر بحضرة الملك المؤيد وظهر زيفه ومن جملتها أنه سأله أن يزيد على السبعة الذين يظلهم الله في ظله فعجز فزاد ابن حجر سبعة أخرى بأحاديث حسان وأربعة عشر بأحاديث ضعاف وذكر ذلك في أنباء الغمر فراجعه قلت أوصلهم بعضهم إلى تسع وثمانين وممن أوصلهم إلى هذا المقدار العلامة ابن علان المكي المدرك في كتابة شرح رياض الصالحين للنووي وفيها توفي أيوب بن سعد بن علوي الحسباني الشاغوري الدمشقي الشافعي ولد سنة تسع وأربعين وسبعمائة وحفظ التنبيه وعرض على ابن جملة وطبقته وأخذ عن العماد الحسباني وذويه ثم فتر عن الطلب واعتذر بأنه لم يحصل له نية خالصة وكان ذا أوراد من تلاوة وقيام وقناعة واقتصاد في الحال وفراغ عن الرياسة مع سلامة الباطن توفي في صفر وفيها خلف بن أبي بكر النحريري المالكي أخذ عن الشيخ خليل في شرح ابن الحاجب وبرع في الفقه وناب في الحكم وأفتى ودرس ثم توجه إلى المدينة المنورة فجاور بها معتنيا بالتدريس والإفادة والانجماع والعبادة إلى أن مات بها في صفر عن ستين سنة وفيها جمال الدين عبد الله بن أبي عبد الله الدمشقي الفرخاوي نسبة (7/132)
133 إلى فرخا بفاء وخاء معجمة مفتوحتين بينهما راء ساكنة قرية من عمل نابلس قال ابن حجر عنى بالفقه والعربية والحديث ودرس وأفاد وكان قد أخذ عن العنابي فمهر في النحو وكان يعتني بصحيح مسلم ويكتب منه نسخا وقد سمع من جماعة من شيوخنا بدمشق ومات في عمل الرملة وفيها موفق الدين علي بن أحمد بن علي بن سالم الزبيدي الشافعي أصله من مكة ولد بها سنة سبع وأربعين وسبعمائة وعنى بالعلم فبرع في الفقه والعربية ورحل إلى مصر والشام وأخذ عن جماعة ثم رجع إلى مكة وتحول إلى زبيد فمات بها في ذي القعدة وفيها علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن العفيف النابلسي الحنبلي ولد سنة اثنتين وستين وسبعمائة وولي قضاء نابلس قال العليمي في طبقاته كان من أئمة الحديث وهو من مشايخ شيخنا شيخ الإسلام تقي الدين القرقشندي توفي بنابلس انتهى وفيها عز الدين محمد بن أحمد بن محمد بن جمعة بن مسلم الدمشقي الحنفي الصالحي المعروف بابن خضر ولد سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة واشتغل ومهر وأذن له في الافتاء وناب في الحكم وصار المنظور إليه في أهل مذهبه بالشام وتوفي في شوال وفيها شمس الدين محمد بن جلال بن أحمد بن يوسف التركماني الأصل التباني بالمثناة الفوقية وتشديد الموحدة نسبة إلى بيع التبن الحنفي ولد في حدود السبعين وسبعمائة وأخذ عن أبيه وغيره ومهر في العربية والمعاني وأفاد ودرس ثم اتصل بالملك المؤيد وهو حينئذ نائب الشام فقرره في نظر الجامع الأموي وفي عدة وظائف وباشر مباشرة غير مرضية ثم ظفر به الناصر فأهانه وصادره فباع ثيابه واستعطى بالسيد فأحضره إلى القاهرة ثم أفرج عنه فلما قدم المؤيد القاهرة عظم قدره ونزل له القاضي جلال الدين البلقيني عن درس التفسير (7/133)
134 بالجمالية واستقر في قضاء العسكر ثم رحل مع السلطان في سفرته إلى نوروز فاستقر قاضي الحنفية بالشام فباشره مباشرة لا بأس بها ولم يكن يتعاطى شيئا من الأحكام بنفسه بل له نواب يفصلون القضايا بالنوبة على بابه وتوفي بدمشق في تاسع عشرى رمضان وفيها نجم بن عبد الله القابوني أحد الفقراء الصالحين انقطع بالقابون ظاهر دمشق مدة وكان صحب جماعة من الصالحين وكان ذا اجتهاد وعبادة وتحكي عنه كرامة وللناس فيه اعتقاد وتوفي في صفر سنة تسع عشرة وثمانمائة استهلت والغلاء والطاعون باقيين زائدين بمصر وطرابلس حتى قيل مات بطرابلس في عشرة أيام عشرة آلاف نفس وتواتر انتشار الطاعون في البلاد حتى قيل أن أهل أصبهان لم يبق منهم إلا النادر وأن أهل فاس أحصوا من مات منهم في شهر واحد فكانوا ستة وثلاثين ألاف حتى كادت البلدان تخلو من أهلها وفيها أمر السلطان الخطباء إذا وصلوا إلى الدعاء له في الخطبة أن يهبطوا من المنبر درجة أدبا ليكون اسم الله ورسوله في مكان أعلى من المكان الذي يذكر فيه السلطان فصنع ذلك واستمر وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد ابن قاضي المالكية بمكة تقي الدين علي بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن السيد الشريف الحسني الفاسي محتدا المكي مولدا ومنشأ ووفاة المالكي مذهبا والد الحافظ المؤرخ تقي الدين الفاسي قال ولده المذكور في تاريخه ولد والدي في الثاني والعشرين من ربيع الأول سنة أربع وخمسين وسبعمائة بمكة وسمع بها على قاضيها شهاب الدين الطبري تساعيات جده الرضى الطبري وتفرد بها عنه وعلى الشيخ خليل (7/134)
135 المالكي صحيح مسلم خلا المجلد الرابع من تجزئة أربعة وسمعه بكماله على الشيخ عبد الله بن أسعد اليافعي وعلى القاضي عز الدين بن جماعة الأربعين التساعية له ومنسكه الكبير وغير ذلك وعلى القاضي موفق الدين الحنبلي قاضي الحنبالة بمصر وسمع بالقاهرة من قاضيها أبي البقاء السبكي صحيح البخاري ومن غيره وسمع بحلب وأجاز له جماعة من أصحاب ابن البخاري وطبقته وغيرهم وحفظ كتبا علمية في صغره واشتغل في الفقه والمعاني والبيان والعربية والأدب وغير ذلك وكان ذا فضل ومعرفة تامة بالأحكام والوثائق وله نظم كثير ونثر ويقع له في ذلك أشياء حسنة إلى أن قال وتوفي بأثر صلاة الصبح من يوم الجمعة الحادي والعشرين من شوال بمكة ودفن بالمعلاة وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن نشوان بن محمد بن نشوان بن محمد بن أحمد الحوراني ثم الدمشقي الشافعي ولد سنة سبع وخمسين وسبعمائة وقدم دمشق من بلده وقرأ القرآن ثم أقرأ ولدي الشيخ شهاب الدين الزهري واشتغل في العلم معهما وبسببهما على الشيخ شهاب الدين ولازمه كثيرا وحضر عند مشايخ العصر إلى أن تنبه وفضل ومهر واشتهر بالفضل وناب في الحكم بدمشق وأفتى ودرس ولازم الجامع لاشغال وانتفع به الطلبة وقصد بالفتاوى وكان يكتب عليها كتابة حسنة ودرس في آخر عمره بالعذراوية وكان عاقلا ذكيا يتكلم في العلم بتؤدة وسكون وعنده انصاف وله محاضرة حسنة ونظم رائق منه قوله ( واخجلتي وفضيحتي في موقف * صعب المسالك والخلائق تعرض ) ( وتوقعي لمهدد لي قائل * أصحيفة سودا وشعرك أبيض ) وتوفي في جمادى الأولى من هذه السنة ووهم من أرخه سنة تسع وفيها ظهيرة بن حسين بن علي بن أحمد بن عطية بن ظهيرة القرشي المخزومي المكي ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة وسمع بمكة من العز بن جماعة (7/135)
136 وغيره وأجاز له من شيوخ مصر الجزايري وأبو الحرم القابسي وجماعة وروى عن القلانسي جزء الغطريف بسماعه له من ابن خطيب المزة وأخذ عنه حافظ العصر ابن حجر جزء الغطريف لغرابة اسمه وتوفي بمكة ليلة الخميس عاشر صفر وفيها عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الرحمن بن محمد بن سليمان بن حمزة المقدسي الحنبلي قال ابن حجر من بيت كبير ولد في ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة وسمع من عبد الرحمن بن إبراهيم بن علي بن بقاء الملقن وأحمد بن عبد الحميد بن عبد الهادي وغيرهما وحدث ومات بالصالحية انتهى وفيها زين الدين أبو هريرة عبد الرحمن بن محمد بن علي بن عبد الواحد بن يوسف بن عبد الرحيم الدكالي بفتح الدال المهملة والكاف المشددة وباللام نسبة إلى دكالة بلد بالمغرب ثم المصري الشافعي ابن النقاش قال ابن حجر ولد رابع عشر ذي الحجة سنة سبع وأربعين وسبعمائة بالقاهرة واشتغل بالعلم ودرس بعد وفاة أبيه وله بضع عشرة سنة وسمع من محمد بن إسماعيل الأيوبي والقلانسي وغيرهما واشتهر بصدق اللهجة وجودة الرأي وحسن التذكير والأمر بالمعروف مع الصرامة والصدع بالوعظ في خطبه وقصصه وصارت له وجاهة عند الخاصة والعامة وانتزع خطابة جامع ابن طولون من ابن بهاء الدين السبكي فاستمرت بيده وكان مقتصدا في ملبسه مفضالا على المساكين كثير الإقامة في منزله مقبلا على شأنه عارفا بأمر دينه ودنياه يتكسب من الزراعة وغيرها ويبر أصحابه مع المحبة التامة في الحديث وأهله وله حكايات مع أهل الظلم وامتحن مرارا ولكن ينجو سريعا بعون الله وقد حج مرارا وجاور وكانت بيننا مودة تامة مات ليلة الحادي عشر من ذي الحجة ودفن عند باب القرافة وكان الجمع (7/136)
137 في جنازته حافلا جدا فرحمه الله تعالى انتهى وفيها زين الدين عبد الرحمن بن يوسف الكردي الدمشقي الشافعي حفظ التنبيه في صباه وقرأ على الشرف بن الشريشي ثم تعانى عمل المواعيد فنفق سوقه فيها واستمر على ذلك أكثر من أربعين سنة وصار على ذهنه من التفسير والحديث وأسماء الرجال شيء كثير وكان رائجا عند العامة مع الديانة وكثرة التلاوة وكان ولي قضاء بعلبك ثم طرابلس ثم ترك واقتصر على عمل المواعيد بدمشق وقدم مصر وجرت له محنة مع القاضي جلال الدين البلقيني ثم رضي عنه وألبسه ثوبا من ملابسه واعتذر إليه ورجع إلى بلده وكان يعاب بأنه قليل البضاعة في الفقه ومع ذلك لا يسأل عن شيء إلا بادر بالجواب ولم يزل بينه وبين الفقهاء منافرات قال ابن حجر ويقال أنه يرى حل المتعة على طريقة ابن القيم وذويه ومات مطعونا في ربيع الآخر وهو في عشر السبعين وفيها أمين الدين عبد الوهاب بن محمد بن أحمد بن أبي بكر الحنفي الطرابلسي نزيل القاهرة القاضي ابن القاضي ولد سنة أربع وسبعين وسبعمائة واشتغل في حياة أبيه وولي القضاء استقلالا بعد موت الملطي فباشره بعفه ومهابة وكان مشكور السيرة إلا أنه كان كثير التعصب لمذهبه مع إظهار محبته للآثار عار من أكثر الفنون إلا استحضار شيء يسير من الفقه توفي بالطاعون في خامس عشرى ربيع الأول وفيها علاء الدين أبو الحسن علي عيسى الفهري البسطي اشتغل ببلاده ثم حج ودخل الشام ونزل بحلب على قاضيها الجمال النحريزي واقرأ بحلب التسهيل وعمل المواعيد وكان يذكر في المجلس بنحو سبعمائة سطر يرتبها أولا ثم يلقيها ويطرزها بفوائد ومجانسات ثم رحل إلى الروم وعظم قدره ببرصا وكان فاضلا ذكيا أديبا يعمل المواعيد بالجامع ثم دخل الروم فسكنها وحصل له ثروة ثم دخل القرم وكثر ماله واستمر هناك إلى أن مات (7/137)
138 وفيها شمس الدين أبو الحسن علي بن محمد بن الحسن بن حمزة بن محمد بن ناصر الحسيني الدمشقي الشافعي المحدث الشهير مات أبوه سنة خمس وستين وسبعمائة وهو صغير فحفظ القرآن والتنبيه وقرأ على ابن السلار وابن اللبان ومهر في ذلك حتى صار شسخ الأقراء بالقرمية وكتب الخط المنسوب وجلس مع الشهود مدة ووقع وكان عين البلد في ذلك وكان مشكورا في ذلك وولي نقابة الأشراف مدة يسيرة وولي نظر الأوصياء أيضا ومات في شوال وفيها جلال الدين غانم بن محمد بن محمد بن يحيى بن سالم الخشبي بمعجمتين مفتوحتين ثم موحدة المدني الحنفي ولد سنة إحدى وأربعين وسبعمائة وسمع من ابن أميلة وغيره بدمشق وسمع منه ابن حجر وكان نبيها في العلم ثم خمل وانقطع بالقاهرة وتوفي بالطاعون وفيها محمد بن أحمد بن أبي بكر البيري بن الحداد الشافعي أخذ عن أبي جعفر وأبي عبد الله الاندلسيين وتمهر في العربية وحفظ المنهاج وكان يستحضر أشياء حسنة وحدث عن شرف الدين بن قاضي الجبل وغيره وتوفي في البيرة وفيها أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن عمر التونسي المالكي المعروف بالوانوغي بتشديد النون المضمومة وسكون الواو بعدها معجمة وقال السيوطي ولد بتونس سنة تسع وخمسين وسبعمائة ونشأ بها وسمع من مسندها أبي الحسن بن أبي العباس البواني خاتمة أصحاب ابن الزبير بالإجازة وسمع أيضا من ابن عرفة وأخذ عنه الفقه والتفسير والأصلين والمنطق وعن الولي بن خلدون الحساب والهندسة والأصلين والمنطق والنحو عن أبي العباس البصار وكان شديد الذكاء سريع الفهم حسن الأداء للتدريس والفتوى وإذا رأى شيئا وعاه وقرره وإن لم يعتن به وله تآليف على قاعدة ابن عبد السلام وعشرون سؤالا في فنون من العلم تشهد بفضله بعث بها إلى القاضي جلال الدين البلقيني (7/138)
139 وقد وقفت على الأسئلة وجوابها ولم أقف على الرد وكان يعاب عليه إطلاق لسانه في العلماء ومرعاة السائلين في الافتاء أجاز لغير واحد من شيوخنا المكين ومات بمكة المشرفة سحر يوم الجمعة تاسع عشرى ربيع الآخر وفيها محمد بن أيوب بن سعيد بن علوي الحسباني الأصل الدمشقي الشافعي ولد سنة بضع وسبعين وسبعمائة واشتغل وحفظ المنهاج الفقهي والمحرر لابن عبد الهادي وغيرهما وأخذ عن الزهري والشريشي والصرخدي وغيرهم ولازم الملكاوي ومهر في الفقه والحديث للاشتغال بالجامع والنفع إلى الطلبة وكان قليل الغيبة والحسد بل حلف أنه ما حسد أحدا توفي مطعونا في ربيع الأول وفيها عز الدين محمد بن شرف الدين أبي بكر بن عز الدين عبد العزيز بن بدر الدين محمد بن برهان الدين إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الشافعي ولد سنة تسع وأربعين وسبعمائة بمدينة ينبع قال السيوطي في ترجمته العلامة المفنن المتكلم الجدلي النظار النحوي اللغوي البياني الخلافي استاذ الزمان وفخر الأوان الجامع لأشتات جميع العلوم وقال ابن حجر سمع من القلانسي والعرضي وغيرهما وحفظ القرآن في شهر واحد كل يوم حزبين واشتغل بالعلوم على كبر وأخذ عن السراج الهندي والضياء القرمي والمحب ناظر الجيش والركن القرمي والعلاء السيرامي وجار الله والخطابي وابن خلدون والحلاوي والتاج السبكي وأخيه البهاء والسراج البلقيني والعلاء بن صفير الطبيب وغيرهم وأتقن العلوم وصار بحيث يقضي له في كل فن بالجميع حتى صار المشار إليه بالديار المصرية في الفنون العتلية والمفاخر به علماء العجم في كل فن والمعول عليه وأقرأ وتخرج به طبقات من الخلق وكان أعجوبة زمانه في التقرير وليس له في التأليف حظ مع كثرة مؤلفاته حتى جاوزت الألف فأن له على كل كتاب أقرأه التاليف والتاليفين والثلاثة وأكثر ما بين شرح مطول ومتوسط ومختصر (7/139)
140 وحواش ونكت إلى غير ذلك وكان قد سمع الحديث على جده والبياني والقلانسي وغيرهم وأجاز له أهل عصره مصرا وشاما وكان ينظم شعرا عجيبا غالبه بلا وزن وكان منجمعا عن بني الدنيا تاركا للتعرض للمناصب بارا بأصحابه مبالغا في إكرامهم يأتي مواضع النزه ويحضر حلق المنافقين وغيرهم ويمشي بين العوام ولم يحج ولم يتزوج وكان لا يحدث إلا متوضئا ولا يترك أحدا يستغيب عنده مح محبته المزاح والمفاكهة واستحسان النادرة وكان يعرف علوما عديدة منها الفقه والتفسير والحديث والأصلان والجدل والخلاف والنحو والصرف والمعاني والبيان والبديع والمنطق والهيئة والحكمة والزيج والطب والفروسية والرمح والنشاب والدبوس والتفاف والرمل وصناعة النفط والكيمياء وفنون آخر وعنه أنه قال أعرف ثلاثين علما لا يعرف أهل عصري أسماءها وقال في رسالته ضوء الشمس سبب ما فتح به على من العلوم منام رأيته قال السيوطي وقد علقت أسماء مصنفاته في نحو كراسين ومن عيونها في الأصول شرح جمع الجوامع مع نكت عليه وثلاث نكت على مختصر ابن الحاجب وحاشية على شرح البيضاوي للأسنوي وحاشية على المغني وثلاثة شروح على القواعد الكبرى وثلاث نكت عليها وثلاثة شروح على القواعد الصغرى وثلاث نكت عليها وإعانة الإنسان على أحكام اللسان وحاشية على الألفية وحاشية على شرح الشافية للجاربردي وغير ذلك وأخذ عنه جمع منهم الكمال بن الهمام وابن قزيل والشمس القاياتي والمحب بن الأقرائي وابن حجر وقال لازمته من سنة تسعين إلى أن مات وكنت لا أسميه في غيبته إلا إمام الأئمة وقد أقبل في الأخير على النظر في كتب الحديث وكان ينهى أصحابه عن دخول الحمام أيام الطاعون فقدر أن الطاعون ارتفع أو كاد فدخل هو الحمام وخرج فطعن عن قرب ومات وقال العلامة البقاعي حدثني الشيخ محب الدين الأقصرائي وكان ممن لازم الشيخ عز الدين (7/140)
141 أنه رأى رجلا تكروريا اسمه الشيخ عثمان ماغفا بالغين المعجمة والفاء ورد إلى القاهرة وله عشرة بنين رجال أتى بهم إلى الشيخ عز الدين للاستفادة فقرأ عليه كتابا فكان إذا قرر له مسألة وقف ودار ثلاث دورات على هيئة الراقص ثم انحنى للشيخ على هيئة الراكع وجلس فإذا جلس قام بنوه العشرة ففعلوا مثل فعله وقال ابن حجر وكان يعاب الشيخ عز الدين بالتزي بزي العجم من طول الشارب وعدم السواك حتى سقطت أسنانه وتوفي في عشرى ربيع الآخر واشتد أسف الناس عليه ولم يخلف بعده مثله وفيها شمس الدين محمد بن علي بن محمد المشهدي بن القطان قال ابن حجر أخذ عن الشيخ ولي الدين الملوي ونحوه واعتنى بالعلوم العقلية واشتغل كثيرا حتى تنبه وكان يدري الطب ولكن ليست له معرفة بالعلاج سمعت من فوائده ومات في الطاعون عن نحو ستين سنة انتهى وفيها محمد بن علي بن معبد القدسي المالكي المعروف بالمدني ولد سنة تسع وخمسين وسبعمائة واشتغل قليلا وأخذ عن جمال الدين بن خير ولازمه وسمع الحديث من محي الدين بن عبد القادر الحنفي وحدث ثم ولي تدريس الحديث بالشيخونية فباشره مع قلة عمله به مدة ثم نزل عنه ثم ولي القضاء في الأيام الناصرية ثم صرف وأعيد مرارا وكان مشكورا في أحكامه ووقعت له كائنة صعبة مع شريف حكم بقتله فأنكر عليه ذلك أهل مذهبه ولم يكن بالماهر في مذهبه وتوفي في عاشر ربيع الأول وفيها ناصر الدين محمد بن عمر بن إبراهيم بن محمد بن عمر بن عبد العزيز بن محمد بن أبي جرادة العقيلي الحلبي نزيل القاهرة ابن العديم الحنفي ولد سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة بحلب وأسمع علي عمر بن ايدغمش مسند حلب وعلى غيره وقدم القاهرة مع أبيه وهو شاب فشغله في عدة فنون على عدة مشايخ وقرأ بنفسه على العراقي قليلا من منظومته وكان يتوقد ذكاء (7/141)
142 مع هوج ومحبة في المزاح والفكاهة إلى أن مات أبوه وأوصاه أن لا يترك منصب القضاء ولو ذهب فيه جميع ما خلفه فقبل الوصية ورشا على الحكم إلى أن وليه ثم صار يرشي أهل الدولة بأوقاف الحنفية بأن يؤجرها لمن يخطر منه ببال بأبخس أجرة ليكون عونا له على مقاصده إلى أن كاد يخربها ولو دام قليلا لخربت كلها وصار في ولايته القضاء كثير الوقيعة في العلماء قليل المبالاة بأمر الدين كثير التظاهر بالمعاصي ولا سيما الربا سيء المعاملة جدا أحمق أهوج متهورا وقد امتحن وصودر وهو مع ذلك قاضي الحنفية ثم قام في موجب قتل الناصر قياما بالغا ولم ينفعه ذلك لأنه ظن أن ذلك يبقيه في المنصب فعزل عن قرب ثم لما وقع الطاعون في هذه السنة ذعر منه ذعرا شديدا وصار دأبه أن يستوصف ما يدفعه ويستكثر من ذلك أدوية وأدعية ورقى ثم تمارض لئلا يشاهد ميتا ولا يدعي إلى جنازة لشدة خوفه من الموت فقدر الله أنه سلم من الطاعون وابتلى بالقولنج لصفراوي فتسلسل به الأمر إلى أن اشتد به الخطب فأوصى ثم مات في ليلة السبت تاسع ربيع الآخر قاله ابن حجر وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن عبد الله بن مؤذن الزنجبيلية الحنفي اشتغل وهو صغير فحفظ مجمع البحرين والألفية وغيرهما وأخذ الفقه عن البدري المقدسي وابن الرضى ومهر في الفرائض وأخذها عن الشيخ محب الدين واحتاج الناس إليه فيها وجلس للاشتغال بالجامع الأموي وكان خيرا دينا وتوفي في شوال وفيها نجم الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد الدايم الباهي الحنبلي برع في الفنون وتقرر مدرسا للحنابلة في مدرسة جمال الدين برحبة باب العيد وكان عاقلا صينا كثير التأدب توفي ليلة الجمعة رابع عشرى ربيع الأول بالطاعون عن بضع وثلاثين سنة (7/142)
143 وفيها قطب الدين محمد الأبرقوهي أحد الفضلاء ممن قدم القاهرة في رمضان سنة ثماني عشرة فأقرأ الكشاف والعضد وانتفع به الطلبة ومات في آخر صفر مطعونا وفيها مساعد بن ساري بن مسعود بن عبد الرحمن الهواري المصري نزيل دمشق الشافعي ولد سنة بضع وثلاثين وسبعمائة وطلب بعد أن كبر فقرأ على الشيخ صلاح الدين العلائي والولي المنفلوطي والبهاء بن عقيل والأسنوي وغيرهم ومهر في الفرائض والميقات وكتب بخطه الكثير لنفسه ولغيره ثم سكن دمشق وانقطع بقرية عقربا وكان الرؤساء يزورونه وهو لا يدخل البلد مع أنه لا يقصده أحد إلا أضافه وتواضع معه وكان متدينا متقشفا سليم الباطن حسن الملبس مستحضرا لكثير من الفوائد وتراجم الشيوخ الذين لقيهم وله كتاب سماه بدر الفلاح في أذكار المساء والصباح وتوفي بقرية عقربا شهيدا بالطاعون وكان ذميم الشكل جدا رحمه الله وفيها همام الدين همام بن أحمد الخوارزمي الشافعي اشتغل في بلاده ثم جاء إلى حلب قبل اللنكية فأنزله القاضي شرف الدين في دار الحديث البهائية ثم قدم القاهرة في الدولة الناصرية وحصل له بها حظ وجاه كبير وسماع كلمة وأقبل عليه الطلبة لأجل الجاه وأقرأ الحاوي والكشاف ثم طال الأمر فاقتصر على الكشاف وكان ماهرا في أقرائه إلا أنه بطىء العبارة جدا بحيث يمضي قدر درجة حتى ينطق بقدر عشر كلمات وكانت له مشاركة في العلوم العقلية مع أطراح التكلف وكان يمشي في السوق ويتفرج في الحلق في بركة الرطلي وغيرها وكانت له ابنة ماتت أمها فصار يلبسها بزي الصبيان ويحلق شعرها ويسميها سيدي علي وتمشي معه في الأسواق إلى أن راهقت وهي التي تزوجها الهروي فحجبها بعد ذلك وتوفي في العشر الأخير من ربيع الأول (7/143)
144 وقد جاوز السبعين قاله ابن حجر وفيها صلاح الدين يوسف ابن أخي الملك العادل سليمان قال البرهان البقاعي كان إماما عالما صالحا ذكيا جدا زاهدا حتى قال شيخنا ما رأيت مثله وكان قد عزفت نفسه عن الدنيا فتركها ورحل إلى القاهرة لقصد الاشتغال بالعلم ثم التوجه إلى بعض الثغور للجهاد فاخترمته المنية في الطاعون وفيها يوسف بن عبد الله المارديني الحنفي قدم القاهرة ووعظ الناس بالجامع الأزهر وحصل كثيرا من الكتب مع لين الجانب والتواضع والخير والاستحضار لكثير من التفسير والمواعظ توفي بالطاعون وقد جاوز الخمسين وخلف تركة جيدة ورثها أخوه أبو بكر ومات بعده بقليل سنة عشرين وثمانمائة فيها قتل الشيخ نسيم الدين التبريزي نزيل حلب وهو شيخ الحروفية سكن حلب وكثر أتباعه ونشأت بدعته وشاعت فآل أمره إلى أن أمر السلطان بقتله فضربت عنقه وسلخ جلده وصلب وفيها كما قال ابن حجر وضعت جاموسة ببلبيس مولودا برأسين وعينين وأربع أيد وسلستي ظهر ودبر واحد ورجلين اثنتين لا غير وفرج واحد أنثى والذنب مفروق باثنين فكانت من بديع صنع الله تعالى وفي أواخرها مالت المأذنة التي بنيت على البرج الشمالي بباب زويلة بمصر من جامع المؤيد وكادت تسقط واشتد خوف الناس منها وتحولوا من حواليها فأمر السلطان بنقضها فنقضت بالرفق إلى أن أمنوا شرها وعامل السلطان من ولي بناءها بالحلم وكان ناظر العمارة ابن البرجي فقال تقي الدين بن حجة في ذلك ( على البرج من بابي زويلة أنشئت * منارة بيت الله والمعبد المنجي ) (7/144)
145 ( فأخنى بها البرج الخبيث أمالها * ألا صرحوا يا قوم باللعن للبرجى ) وقال الشهاب بن حجر العسقلاني ( لجامع مولانا المؤيد رونق * منارته بالحسن تزهو وبالزين ) ( تقول وقد مالت عن القصد أمهلوا * فليس على جسمي أضر من العين ) فغضب الشيخ بدر الدين العيني وظن أن ابن حجر عرض به فاستعان بالنواجي الأبرص فنظم له بيتين معرضا بابن حجر ونسبهما العيني لنفسه ( منارة كعروس الحسن إذ جليت * وهدمها بقضاء الله والقدر ) ( قالوا أصيبت بعين قلت ذا غلط * ما أوجب الهدم إلا خسة الحجر ) وفيها توفي شهاب الدين أحمد بن أحمد المغراوي المالكي قال ابن حجر اشتغل كثيرا وبرع في العربية وغيرها وشارك في الفنون وشغل الناس وقد عين مرة للقضاء فلم يتم ذلك مات في تاسع عشر شعبان انتهى وفيها شهاب الدين أحمد بن يهودا الدمشقي الطرابلسي النحوي الحنفي ولد سنة بضع وسبعين وسبعمائة وتعانى العربية فمهر في النحو واشتهر به وأقرأ فيه ونظم التسهيل في تسعمائة بيت وكان تحول بعد فتنة اللنك إلى طرابلس فقطنها فانتفع به أهلها إلى أن مات في آخر هذه السنة وكان يتكسب بالشهادة وفيها برهان الدين حيدرة الشيرازي ثم الرومي قال السيوطي كان علامة بالمعاني والبيان والعربية أخذ عن التفتازاني وشرح الإيضاح للقزويني شرحا ممزوجا وقدم الروم وأخذ عنه شيخنا العلامة محي الدين الكافيجي انتهى وفيها داود بن موسى الغماري المالكي عنى بالعلم ثم لازم العبادة وتزهد وجاور بالحرمين أكثر من عشرين سنة وكانت إقامته بالمدينة المنورة أكثر منها بمكة وتوفي في مستهل المحرم (7/145)
146 وفيها جمال الدين عبد الله بن إبراهيم بن خليل البعلبكي الدمشقي المعروف بابن الشرايحي الشافعي قال ابن حجر ولد سنة ثمان وأربعين وسبعمائة وأخذ عن الشيخ جمال الدين بن بردس وغيره ثم دخل دمشق فأدرك جماعة من أصحاب الفخر وأحمد بن سنان ونحوهم فسمع منهم ثم من أصحاب ابن القواس وابن عساكر ثم من أصحاب القاضي والمطعم ومن أصحاب الحجار ونحوه ومن أصحاب الجزري وبنت الكمال والمزي فأكثر جدا وهو مع ذلك أمي وصار أعجوبة دهره في معرفة الأجزاء والمرويات ورواتها ولديه مع ذلك محفوظات وفضائل ومذكرات حسنة وكان لا ينظر إلا نظرا ضعيفا وقد حدث بمصر والشام وسمعت منه وسمع معي الكثير في رحلتي وأفادني أشياء وكان شهما شجاعا مهابا جدا كله لا يعرف الهزل قدم القاهرة بعد الكائنة العظمى فقطنها مدة طويلة ثم رجع إلى دمشق وولي تدريس الحديث بالأشرفية إلى أن مات في هذه السنة انتهى وقال ابن ناصر الدين الحافظ المفيد الضرير كان فقيها فرضيا آية في حفظ الرواة المتأخرين حدث بصحيح مسلم وثاني ليلة ختمه مات انتهى وفيها جمال الدين عبد الله بن أحمد بن عبد العزيز بن موسى بن أبي بكر البشيتي بفتح الموحدة وكسر الشين المعجمة وتحتية وفوقية نسبة إلى بشيت قرية بأرض فلسطين ولد عاشر شعبان سنة اثنتين وستين وسبعمائة وتفقه بسراج الدين بن الملقن وأخذ العربية عن الشمس الغماري واختص به وبرع في الفقه والعربية واللغة وكتب الخط المنسوب وصنف كتابا جليلا في الألفاظ المعربة وكتابا استوعب فيه أخبار قضاة مصر وكتابا في شواهد العربية أوسع الكلام فيه وتوفي بالأسكندرية في رابع ذي القعدة وفيها فراج الكفل الحنبلي قال العليمي في طبقاته هو الشيخ الإمام العلام الفقيه توفي في هذه السنة انتهى (7/146)
147 وفيها عز الدين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز النويري ثم المكي العقيلي الشافعي ولد سنة أربع أو خمس وسبعين وسبعمائة واشتغل وهو صغير وناب لأبيه في الخطابة والحكم ثم استقل بعد وفاته في رمضان سنة تسع وتسعين إلى أن صرف في ذي الحجة سنة ثمانمائة ثم وليها مرارا ثم استقرت بيده الخطابة وغيرها ثم استقر في الخطابة ونظر الحرم والحسبة حتى مات وكان مشكور السيرة في غالب أموره وتوفي في ربيع الأول وفيها شمس الدين محمد بن علي بن جعفر البلالي نسبة إلى بلالة من أعمال عجلون نشأ هناك وسمع الحديث واشتغل بالعلم وسلك طريق الصوفية وصحب الشيخ أبا بكر الموصلي ثم قدم القارة فاستوطنها بضعا وثلاثين سنة واستقر في مشيخة سعيد السعدا مدة متطاولة مع التواضع الكامل والخلق الحسن وإكرام الوراد وصنف مختصر الأحياء فأجاد فيه وطار اسمه في الآفاق ورحل إليه بسببه ثم صنف تصانيف أخرى وكانت له مقامات وأوراد وله محبون معتقدون ومبغضون منتقدون توفي في رابع شوال وقد جاوز السبعين وفيها عز الدين محمد بن بهاء الدين علي بن عز الدين عبد الرحمن بن محمد بن التقي سليمان المقدسي الحنبلي خطيب الجامع المظفري بالصالحية وابن خطيبه ولد سنة أربع وستين وسبعمائة وحفظ المقنع وسمع الحديث وبرع في الفقه والحديث وأخذ عن ابن رجب وابن المحب وكان له النظم الرائق وباشر القضاء وحج وأكثر المجاورة بمكة ودرس بدار الحديث الأشرفية بالجبل وكان في آخره عين الحنابلة وألف مؤلفات حسنة منها نظم المفردات سماه النظم المفيد الأحمد في مفردات الإمام أحمد واقترح عليه صاحب مجد الدين عمل مؤلف على نمط عنون الشرف لابن المقرى فعمل قطعة نظما أولها ( أشار المجد مكتمل المعاني * بأن أحدو على عدو اليماني ) (7/147)
148 وتوفي مغرب ليلة الأحد سابع عشرى ذي القعدة وفيها كمال الدين أبو البركات محمد بن أبي السعود محمد بن حسين بن علي بن ظهيرة المخزومي المكي الشافعي قاضي مكة ولد سنة خمس وستين وسبعمائة وأحضر في سنة سبع وستين على العز بن جماعة وسمع من غير واحد وولي قضاء مكة ونظر الأوقاف بها والربط وباشر ذلك ثم عزل واستمر معزولا إلى أن توفي بمرض ذات الجنب ليلة الخميس ثالث عشر ذي الحجة ودفن صبيحتها بالمعلاة وخلف عدة أولاد صغار قاله في المنهل وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبادة السعدي الأنصاري الحنبلي قاضي قضاة دمشق أخذ عن ابن رجب وابن اللحام وكان فردا في زمنه في معرفة الوقائع والحوادث استقل بقضاء دمشق بعد وفاة ابن المنجا وكانت وظيفة القضاء دولا بينه وبين القاضي عز الدين ناظم المفردات إلى أن لحق بالله تعالى ليلة الخميس خامس رجب وله خمسون سنة وأما ولده قاضي القضاة شهاب الدين أبو العباس أحمد فولده في صفر سنة ثمان وثمانين وسبعمائة وكان من خيار المسلمين كثير التلاوة لكتاب الله العزيز ناب لأبيه في القضاء ثم استقل بعد وفاة والده في ربيع الأول سنة إحدى وعشرين ثم عزل في صفر سنة ثلاث وعشرين ثم عرض عليه المنصب مرارا فلم يقبله وحصلت له الراحة الوافرة إلى أن توفي ودفن عند والده بالروضة قريبا من الشيخ موفق الدين ولم أطلع على تاريخ وفاته وفيها شرف الدين نعمان بن فخر بن يوسف الحنفي ولد سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة وكان والده عالما فأخذ عنه وقدم دمشق وجلس بالجامع بعد اللنك للاشغال ودرس في أماكن وكان ماهرا في الفقه بارعا في ذلك مات في شعبان قاله ابن حجر (7/148)
149 سنة إحدى وعشرين وثمانمائة فيها كما قال برهان الدين البقاعي ومن خطه نقلت في ليلة الأحد تاسع شعبان أوقع ناس من قريتنا خربة روحا من الباقع يقال لهم بنو مزاحم بأقاربي بني حسن من القرية المذكورة فقتلوا تسعة أنفس منهم أبو عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر وأخواه محمد سويد شقيقه وعلى أخوهما لأبيهما وضربت أنا بالسيف ثلاث ضربات إحداها في رأسي فجرحتني وكنت إذ ذاك ابن اثنتي عشرة سنة فخرجنا من القرية المذكورة واستمرينا ننقل في قرى وادي التيم والعرقوب وغيرهما إلى أن أراد الله تعالى بإقبال السعادتين الدنيوية والأخروية فنقلني جدي لأمي علي بن محمد السليمي إلى دمشق فجودت القرآن وجددت حفظه وأفردت القراآت وجمعتها على بعض المشايخ ثم على الشمس بن الجزري لما قدم إلى دمشق سنة سبع وعشرين وثمانمائة واشتغلت بالنحو والفقه وغيرهما من العلوم وكان ما أراد الله من التنقل في البلاد والفوز بالعز والحج أدام الله نعمه آمين ومن ثمرات ذلك أيضا الإراحة من الحروب والوقائع التي أعقبتها هذه الواقعة فإنها استمرت أكثر من ثلاثين سنة ولعلها زادت على مائة وقعة كان فيها ما قاربت القتلى فيها الفا انتهى بحروفه وفيها توفي القاضي شهاب الدين أحمد بن علي بن أحمد القلقشندي الشافعي نزيل القاهرة تفقه ومهر وتعانى الأدب وكتب في الانشاء وناب في الحكم وكان يستحضر الحاوي وكتب شيئا على جامع المختصرات وصنف كتابا حافلا سماه صبح الأعشى في معرفة الانشا وكان مستحضرا لأكثر ذلك وصنف غير ذلك وكان مفضالا وقورا في الدول إلى أن توفي ليلة السبت عاشر جمادى الآخرة عن خمس وستين سنة وفيها بدر الدين أبو عمر حسن بن علي بن محمد بن داود البيضاوي (7/149)
150 الأصل المكي المعروف بالزمزمي ولد قبل السبعين وسبعمائة وأجاز له الصلاح بن أبي عمر وابن أميلة وحسن بن الهبل وجماعة من قادمي مكة واشتغل بالعلم ومهر في الفرائض والحساب وفاق الأقران في معرفة الهيئة والهندسة وحدث باليسير وتوفي في ذي الحجة وفيها صلاح الدين وغرس الدين أبو الصفا خليل بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن الأقفهسي المصري المحدث الحافظ ولد سنة ثلاث وستين وسبعمائة تقريبا واشتغل بالفقه قليلا وبالفرائض والحساب والأدب ثم أحب الحديث فسمع بنفسه من غرس الدين المليجي وصلاح الدين البلبيسي وصلاح الدين الزفتاوي وغيرهم ثم حج سنة خمس وتسعين وجاور فسمع بمكة من شيوخها ثم قدم دمشق سنة سبع وتسعين للسماع فسمع من ابن الذهبي وغيره وأكثر عن ابن العز وسمع الكثير قال ابن حجر ثم قدم إلى مصر سنة ثمان وتسعين فلازمنا في الأسمعة وسافر صحبتي إلى مكة في البحر فجاور بها ثم رحل إلى دمشق مرة ثانية فأقام بها ورافقني في السماع في سنة اثنتين وثمانمائة بدمشق ورجع معي إلى القاهرة ثم حج سنة أربع وجاور سنة خمس فلقيته في آخرها مشمرا على ما أعهده من الخير والعبادة والتخريج والإفادة وحسن الخلق وخدمة الأصحاب واستمر مجاورا إلى أن خرج إلى المدينة وتوجه في ركب العراق ثم ركب البحر إلى كنبابة من بلاد الهند ثم رجع إلى هرمز ثم جال في بلاد المشرق فدخل هراة وسمرقند وغيرها وقد خرج لشيخنا مجد الدين الحنفي مشيخة ولشيخنا جمال الدين بن ظهيرة معجما وخرج لنفسه المتباينات فبلغت مائة حديث وخرج أحاديث الفقهاء الشافعية ونظم الشعر وتوفي بيزد خرج من الحمام فمات فجأة انتهى وفيها سعد الله بن سعد بن علي بن إسماعيل الهمداني الحنفي قدم حلب مع والده وهو شاب واشتغل بالعلم وتفقه ومهر ودرس في حلب بمدارس (7/150)
151 منها فاتفق أن فجأه الموت في رابع جمادى الأولى وأسف الناس عليه وفيها عبد الله بن إبراهيم بن أحمد الحراني ثم الحلبي الحنبلي كان يذكر أنه من ذرية ابن أبي عصرون وكان شافعي الأصل وولي قضاء الثغر شافعيا وكانت له وظائف في الشافعية ثم انتقل حنبليا وولي قضاء الحنابلة بحلب قال القاضي علاء الدين في تاريخ حلب كان حسن السيرة ولي القضاء ثم صرف ثم أعيد مرارا ثم صرف قبل موته بعشرة أشهر فمات في شعبان وفيها عبد الرحمن بن هبة الله الملحاني اليماني قال ابن حجر جاور بمكة وكان بصيرا بالقراآت سريع القراءة قرأ في الشتاء في يوم ثلاث ختمات وثلث ختمة وكان دينا عابدا مشاركا في عدة علوم مات في رجب انتهى وفيها كمال الدين محمد بن حسن بن محمد بن محمد بن خلف الله الشمني بضم المعجمة والميم وتشديد النون نسبة إلى شمنة مزرعة بباب قسطنطينية ثم الأسكندري المالكي ولد سنة بضع وستين واشتغل بالعلم في بلده ومهر ثم قدم القاهرة فسمع بها من شيوخها وسمع في الأسكندرية وتقدم في الحديث وصنف فيه وتخرج بالبدر الزركشي والزين العراقي ونظم الشعر الحسن ثم استوطن القاهرة وأصيب في بعض كتبه وتوفي في ربيع الأول وفيها غياث الدين محمد بن علي بن نجم الكيلاني التاجر ولد في حدود سبعين وسبعمائة وكان أبوه من أعيان التجار فنشأ ولده هذا في عز ونعمة طائلة ثم شغله أبوه بالعلم بحيث كان يشتري له الكتاب الواحد بمائة دينار وأزيد ويعطي معلميه فيفرط فمهر في أيام قلائل واشتهر بالفضل ونشأ متعاظما ثم لما مات أبوه التهى عن العلم بالتجارة وتنقلت به الأحوال فصعد وهبط وغرق وسلم وزاد ونقص إلى أن تزوج جارية من جواري الناصر يقال لها سمراء فهام بها وأتلف عليها ماله وروحه وطلق لأجلها زوجته ابنة عمه وأفرطت هي في بغضه إلى أن قيل أنها سقته السم فتعلل مدة ولم تزل بها (7/151)
152 حتى فارقها فتدله عقله من حبها إلى أن مات ولها بها ويحكى أنها تزوجت بعده رجلا من العوام فأذاقها الهوان وأحبته وأبغضها عكس ما جرى لها مع غياث الدين ويحكى أنها زارته في مرضه واستحللته فحاللها من شدة حبه لها ومن شعره فيها ( سلوا سمراء عن حربي وحزني * وعن جفن حكى هطال مزن ) ( سلوها هل عراها ما عراني * من الجن الهواتف بعد جن ) ( سلوا هل هرت الأوتار بعدي * وهل غنت كما كانت تغني ) ويقول في آخرها ( سأشكوها إلى مولى حليم * ليعفو في الهوى عنها وعني ) قال ابن حجر وهذا آخر من عرفنا خبره من المتيمين مات في سابع عشر شوال وفيها شرف الدين أبو الطاهر محمد بن عز الدين أبي اليمن محمد بن عبد اللطيف بن أحمد بن محمود المعروف بابن الكويك الربعي التكريتي ثم الأسكندري نزيل القاهرة الشافعي المسند المحدث ولد في ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وسبعمائة وأجاز له فيها المزي والبرزالي والذهبي وبنت الكمال وإبراهيم بن القريشة وابن المرابط وعلي بن عبد المؤمن في آخرين وهو آخر من حدث عنهم بالإجازة في الدنيا وسمع بنفسه من الأسعردي وابن عبد الهادي وغيرهما ولازم القاضي عز الدين بن جماعة وتعانى المباشرات فكان مشكورا فيها وتفرد بآخره بأكثر مشايخه وتكاثر عليه الطلبة ولازموه وحبب إليه التحديث ولازمه قال ابن حجر قرأت عليه كثيرا من المرويات بالإجازة والسماع من ذلك صحيح مسلم في أربعة مجالس سوى مجلس الختم وقال في المنهل تصدر للأسماع عدة سنين وأضر بآخره وكان شيخا دينا ساكنا كافا عن الشر من بيت رياسة ولم يشتهر بعلم وتوفي يوم السبت سادس عشرى ذي القعدة (7/152)
153 وفيها جمال الدين يوسف بن محمد بن عبد الله الحميدي نسبة إلى امرأة ربته كانت تعرف بأم عبد الحميد الحنفي نشأ بالأسكندرية وتفقه وبرع في عدة علوم وكانت له ثروة ويتعانى المتجر وتولى قضاء الأسكندرية فحمدت سيرته وكانت له ديانة وصيانة وأفتى ودرس بالثغر إلى أن توفي بالأسكندرية ليلة خمس وعشرين من جمادى الآخرة وقد أناف على الثمانين سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة في ربيع الآخر منها كما قال ابن حجر اتفق أن شخصا له أربعة أولاد ذكور فلما وقع الموت في الأطفال سألت أمهم أن تختنهم لتفرح بهم قبل أن يموتوا فجمع الناس لذلك على العادة وأحضر المزين فشرع في ختن واحد بعد آخر وكل من يختن يسقى شرابا مذابا بالماء على العادة فمات الأربعة في الحال عقب ختنهم فاستراب أبوهم بالمزين وظن أن مبضعه مسموم فجرح المزين نفسه ليبرىء ساحته وانقلب فرحهم عزاء ثم ظهر في الزير الذي كان يذاب منه الشراب حية عظيمة ماتت فيه وتمزعت فكانت سبب هلاك الأطفال ولله الأمر وفيها توفي شهاب الدين أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن بدر بن مفرج بن يزيد بن عثمان بن جابر العامري الغزي ثم الدمشقي الشافعي ولد سنة بضع وستين وسبعمائة بغزة وأخذ عن الشيخ علاء الدين بن خلف وحفظه التنبيه وقدم دمشق بعد الثمانين وهو فاضل فأخذ عن الشريشي والزهري وشرف الدين الغزي بلديه وغيرهم ومهر في الفقه والأصول وجلس بالجامع يشغل الناس في حياة مشايخه وأفتى ودرس وأعاد ثم أصيب بماله وكتبه بعد الفتنة اللنكية وناب في القضاء وعين مرة مستقلا فلم يتم وولي إفتاء دار العدل واختصر المهمات اختصارا حسنا وكتب على الحاوي وجمع الجوامع ودرس (7/153)
154 بأماكن وأقبل على الحديث حتى لم يبق بالشام في آخر عمره من يقاربه في رياسة فقه الشافعية إلا ابن نشوان وكان يرجع إلى دين وعفة من صغره وعلو همة ومروءة ومساعدة لمن يقصده مع عجلة فيه وحسن عقيدة وسلامة باطن وجاور في أواخر أمره بمكة فمات بها مبطونا في شوال وله اثنتان وستون سنة وفيها أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد المطري المدني سمع من العز ابن جماعة وعنى بالعلم وكان يذاكر بأشياء حسنة ثم تزهد ودخل اليمن فأقام بها نحوا من عشرة أعوام وكان ينسب إلى معاناة الكيمياء توفي في أول ذي الحجة وفيها أحمد بن محمد بن محمد بن يوسف بن علي بن عياش الجوخي الدمشقي نزيل تعز ولد سنة سعت وأربعين وسبعمائة وتعانى بيع الجوخ فرزق منه دنيا طائلة وعنى بالقراآت فقرأ على جماعة وكان يقرأ في كل يوم نصف ختمة وكان قد أسمع في صغره على علي بن العز عمر حضورا جزء ابن عرفة وحدث به عنه وقرأ بدمشق على شمس الدين بن اللبان وابن السلار وغيرهما وتصدى للقراآت فانتفع به جمع من أهل الحجاز واليمن وكان غاية في الزهد في الدنيا فإنه ترك بدمشق أهله وماله وخيله وخدمه وساح في الأرض وحدث وهو مجاور بمكة واستمر في إقامته باليمن في خشونة العيش حتى مات وكان بصيرا بالقراآت كثير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنجب ولده المقرىء عبد الرحمن مقرىء الحرم وفيها أحمد بن يوسف بن محمد الدمشقي الشاعر المشهور عرف بابن الزعيفريني قال في المنهل الصافي كانت له فضيلة ويكتب الخط المنسوب وينظم الشعر ويشتغل بعلم الحرف ويزعم أن له فيه اليد الطولى وحصل له حظ بهذا المعنى عند جماعة من أعيان الأمراء وغيرهم إلى أن ظفر بعض (7/154)
155 أعيان الدولة بأبيات من نظمه بخطه نظمها للأمير جمال الدين الأستادار يوهمه أنه سيملك مصر ويملك بعده ابنه فقطع الملك الناصر فرج لسانه وعقدتين من أصابعه ورفق به عند القطع فلم يمنعه ذلك من النطق لكنه أظهر الخرس مدة أيام الناصر ثم تكلم بعد ذلك وأخذ في الظهور والكتابة بيده اليسرى فلم يرج في الأيام المؤيدية وانقطع إلى أن مات ومن شعره ما كتبه بيده اليسرى إلى قاضي القضاة صدر الدين علي بن الأدمي الحنفي ( لقد عشت دهرا في الكتابة مفردا * أصور منها أحرفا تشبه الدرا ) ( وقد صار خطى اليوم أضعف ما ترى * وهذا الذي قد يسر الله لليسرى ) فأجابه صدر الدين المذكور ( لئن فقدت يمناك حسن كتابة * فلا تحتمل هما ولا تعتقد عسرا ) ( وأبشر ببشر دائم ومسرة * فقد يسر الله العظيم لك اليسرى ) وتوفي ابن الزعيفريني يوم الأربعاء ثاني ربيع الأول وفيها تندو بنت حسين بن أويس كانت بارعة الجمال وقدمت مع عمها أحمد بن أويس إلى مصر فتزوجها الظاهر برقوق ثم فارقها فتزوجها ابن عمها شاه ولد ابن شاه زاده بن أويس فلما رجعوا إلى بغداد ومات أحمد أقيم شاه ولد في السلطنة فدبرت مملكته حتى قتل وأقيمت هي بعده في السلطنة ثم ملكت تستر وغيرها واستقلت بالمملكة مدة وصار في ملكها الحويزة وواسط يدعى لها على منابرها وتضرب السكة باسمها إلى أن ماتت في هذه السنة وقام بعدها ابنها أويس بن شاه ولد قاله ابن حجر وفيها علم الدين أبو الربيع سليمان بن نجم الدين فرج بن سليمان الحجي الحنبلي بن المنجا ولد سنة سبع وستين وسبعمائة واشتغل على ابن الطحان وغيره ورحل إلى مصر فأخذ عن ابن الملقن وغيره ثم عاد بعد فتنة اللنك فناب في القضاء وشارك في الفقه وغيره وأشغل الناس بالجامع الأموي (7/155)
156 وبمدرسة أبي عمر وتوفي في ربيع الآخر وفيها عز الدين عبد العزيز بن مظفر بن أبي بكر البلقيني قريب شيخ الإسلام سراج الدين الشافعي اشتغل على الشيخ سراج الدين وكان يشارك في الفنون ويذاكر بالفقه مذاكرة حسنة قال ابن حجر رافقنا في سماع الحديث كثيرا وناب في الحكم وكان سيء السيرة في القضاء جماعة للمال من غير حله في الغالب زرى الملبس مقترا على نفسه إلى الغاية توفي في ثاله عشرى جمادى الأولى وخلف مالا كثيرا جدا فحازه ولده وفيها نجم الدين عبد اللطيف بن أحمد بن علي الفاسي الشافعي قال ابن حجر سمع معنا كثيرا من شيوخنا ولازم الاشتغال في عدة فنون وأقام في القاهرة مدة بسبب الذب عن منصب أخيه تقي الدين قاضي المالكية إلى أن مات مطعونا في هذه السنة انتهى وفيها مجد الدين فضل الله بن القاضي فخر الدين عبد الرحمن بن عبد الرزاق بن إبراهيم الشهير بابن مكانس القبطي المصري الحنفي الشاعر المشهور ولد في سابع شعبان سنة سبع وستين وسبعمائة ونشأ في كنف والده الوزير فخر الدين وعنه أخذ الأدب وقرأ النحو والفقه والأدب على علماء مصره إلى أن برع ومهر ونظم الشعر وهو صغير السن جدا وكتب في الإنشاء وتوقيع الدست مدة في حياة أبيه بدمشق وكان أبوه وزيرا بها ثم قدم القاهرة وساءت حالته بعد أبيه ثم خدم في ديوان الإنشاء وتنقلت رتبته فيه إلى أن جاءت الدولة المؤيدية فأحسن إليه القاضي ناصر الدين البارزي كثيرا واعتنى به ومدح السلطان بقصائده فأثابه ثوابا حسنا وشعره في الذؤوة العليا وكذلك منثوره وجمع هو ديوان أبيه ورتبه وفيه يقول والده ( أرى ولدي قد زاده الله بهجة * وكمله في الخلق والخلق مذ نشا ) ( سأشكر ربي حيث أوتيت مثله * وذلك فضل الله يؤتيه من يشا ) (7/156)
157 ومن شعره هو ( تساومنا شذا أزهار روض * تحير ناظري فيه وفكري ) ( فقلت نبيعك الأرواح حقا * بعرف طيب منه ونشر ) ومنه ( جزى الله شيبي كل خير فإنه * دعاني لما يرضى الإله وحرضا ) ( فأقعلت عن ذنبي وأخلصت تائبا * وأسكت لما لاح لي الخيط أبيضا ) قال ابن حجر وكانت بيننا مودة أكيدة اتصلت نحوا من ثلاثين سنة وبيننا مطارحات وكان قليل البضاعة من العربية فربما وقع له اللحن الظاهر وأما الخفي فكثيرا جدا مات في يوم الأحد خامس عشرى ربيع الآخر انتهى وفيها الخواجا محمد الزاهد البخاري قال في المنهل الصافي في ترجمة تيمور اجتمع في أيامه أي تمرلنك بسمرقند ما لم يجتمع لغيره من الملوك فمن ذلك الفقيه عبد الملك من أولاد صاحب الهداية الفقهية فإنه كان بلغ الغاية في الدروس والفتيا ونظم القريض ويعرف النرد والشطرنج ويلعب بهما جيدا في حالة واحدة دائما مدى الأيام والخواجا محمد الزاهد البخاري أي صاحب الترجمة المحدث المفسر صنف تفسيرا للقرآن العظيم في مائة مجلد ومات بالمدينة النبوية سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة انتهى وفيها محمد بن عبد الله بن شوعان الزبيدي الحنفي قال ابن حجر انتهت إليه الرياسة في مذهب أبي حنيفة بزبيد ودرس وأفاد انتهى وفيها شمس الدين محمد بن عبد الماجد العجيمي سبط العلامة جمال الدين بن هشام الشافعي أخذ عن خاله الشيخ محب الدين بن هشام ومهر في الفقه والأصول والعربية ولازم الشيخ علاء الدين البخاري لما قدم القاهرة وكذلك الشيخ بدر الدين الدماميني وكان كثير الأدب فائقا في معرفة (7/157)
158 العربية ملازما للعبادة وقورا ساكنا توفي في العشرين من شعبان وفيها نظام الدين محمد بن عمر الحموي الأصل الحنفي المعروف بالتفتازاني لعله تشبيها لنفسه بالسعد قال ابن حجر كان أبوه حصريا فنشأ هذا بين الطلبة وقرأ في مذهب أبي حنيفة وتعانى الآداب واشتغل في بعض العلوم الآلية وتعلم كلام العجم وتزيا بزيهم وتسمى نظام الدين التفتازاني وغلب عليه الهزل والمجون وجاد خطه وقرر موقعا في الدرج وكان عريض الدعوى وله شعر وسط وقال محب الدين الحنبلي كان حسن المنادمة لطيف المعاشرة ولم يتزوج قط وكان متهما بالولدان وكان يأخذ الصغير فيربيه أحسن تربية فإذا كبر وبلغ حد التزويج زوجه انتهى وتوفي في رابع عشرى ذي القعدة عن نحو الستين وفيها أبو البركات محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن فرحون اليعمري المالكي قاضي المدينة مات بها في المحرم قاله ابن حجر وفيها فتح الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد النحريري المعروف بابن أمين الحكم قال ابن حجر سمع على جماعة من شيوخنا وعنى بقراءة الصحيح وشارك في الفقه والعربية وأكثر المجاورة بالحرمين ودخل اليمن فقرأ الحديث بصنعاء وغيرها ثم قدم القاهرة بآخره فوعك ومات بالمارستان عن نحو من خمسين سنة انتهى وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن محمود الجعفري البخاري اشتغل ببلاده ثم قدم مكة فجاور بها وانتفع الناس به في علوم المعقول وتوفي بمكة في العشر الأخير من ذي الحجة عن ست وسبعين سنة وفيها يوسف ابن شريكار العنتابي المقري قال العنتابي في تاريخه ولد بعنتاب وتعانى القراآت فمهر فيها وانتفعوا به وكان يتكلم على الناس بلسان الوعظ (7/158)
159 وكان فصيح اللسان حلو المنطق مليح الوجه له يد في التفسير وعاش خمسا وستين سنة انتهى سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة في ثالث رمضان ذبح جمل بغزة فأضاء لحمه كما تضيء الشموع وشاع ذلك وذاع حتى بلغ حد التواتر قاله ابن حجر وفيها توفي صارم الدين إبراهيم بن شيخ المحمودي الظاهري الملك المؤيد أبوه قال في المنهل ولد بالبلاد الشامية في أوائل القرن تقريبا وأمه أم ولد جاركسية تسمى نوروز وكان ملكا شجاعا شابا حسنا مقداما كريما ساكنا وعنده أدب وحشمة ملوكية وكان يميل إلى الخير والعدل والعفة عن أموال الرعية إلا أنه كان مسرفا على نفسه سامحه الله انتهى وقال ابن حجر أغرى والده عليه بأنه كان يتمنى موته ويعد الأمراء بمواعيد إذا وقع ذلك فحقد عليه ودس بعض خواصه أن يعطيه ما يكون سببا لقتله من غير إسراع فدسوا عليه من سقاه من الماء الذي يطفأ فيه الحديد فلما شربه أحس بالمغص في جوفه فعالجه الأجباء مدة وندم السلطان على ما فرط منه فتقدم الأطباء بالمبالغة في علاجه فلازموه نصف شهر إلى أن كاد يتعافى فدسوا إليه ثانيا من سقاه بغير علم أبيه فانتكس واستمر إلى ليلة الجمعة خامس عشر جمادى الآخرة فمات فاشتد جزع السلطان عليه إلا أنه تجلد وأسف الناس كافة على فقده ولم يعش أبوه بعده إلا ستة أشهر تزيد أياما لدأب من قتل أباه أو ابنه على الملك قبله عادة مستقرة وطريقة مستقرأة انتهى وفيها زين الدين أبو المحاسن تغري برمش بن يوسف بن عبد الله التركماني الحنفي قدم القاهرة شابا وقرأ على الجلال التباني وغيره وتفقه بجماعة من (7/159)
160 أعيان العلماء وكان كثير الاستحضار لفروع مذهبه ويحفظ بعض مختصرات قال في المهل وكان يميل إلى الصوفية مع أنه يبالغ في ذم ابن عربي واتباعه وأحرق كتبه وأرسله المؤيد شيخ إلى الحجاز وعلى يده مراسيم تتضمن النظر في أحوال مكة المشرفة وجاور بها وأخذ بالأمر فيها بالمعروف والنهي عن المنكر ومع المؤذنين من المدائح النبوية فوق المنابر ليلا ومنع المداحين من الإنشاد في المسجد الحرام وجرى له مع أهل مكة أمور بسبب ذلك يطول شرحها ثم عاد إلى القاهرة وكان يميل إلى دين وخير انتهى وقال ابن حجر كان يكثر الحط على ابن العربي وغيره من متصوفي الفلاسفة وبالغ في ذلك وصار يحرق ما يقدر عليه من كتب ابن العربي وربط مرة كتاب الفصوص في ذنب كلب وصارت له بذلك سوق نافقة عند جمع كثير وقام عليه جماعة من أضداده فما بالى بهم وقال المقريزي ذاما له رضي من دينه وأمانته بالحط على ابن العربي مع عدم معرفته بمقالته وكان يتعاظم مع دناءته ويتمصلح مع رذالته حتى انكشف للناس سيرته وانطلقت الألسن بذمه بالدال العضال مع عدم مداراته وشدة انتقامه ممن يعارضه في أغراضه ولم يزل على ذلك حتى مات بمكة ليلة الأربعاء مستهل المحرم وفيها جمال الدين عبد الله بن مقداد بن إسماعيل قاضي القضاة الأقفهسي المالكي قاضي الديار المصرية نشأ بالقاهرة وطلب العلم وتفقه بالشيخ خليل وغيره إلى أن برع في الفقه والأصول وأفتى ودرس وناب في الحكم ثم استبد به ثم صرف ثم ولي وكان مشكور السيرة في أحكامه دينا خيرا وشرح رسالة الشيخ خليل وتوفي على القضاء في اربع عشر جمادى الأولى وفيها محمد بن مورمه البخاري الحنفي قال ابن حجر يلقب نبيرة بنون وموحدة وزن عظيمة ذكر أنه من ذرية حافظ الدين النسفي ونشأ ببلاده وقرأ الفقه وسلك الزهد وحج في هذه السنة وأراد أن يرجع إلى بلاده فذكر أنه رأى (7/160)
161 النبي في النوم فقال له إن الله قد قبل حج كل من حج في هذا العام وأنت منهم وأمره أن يقيم بالمدينة فأقام فاتفقت وفاته يوم الجمعة ودفن بالبقيع انتهى وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن حسين المخزومي البرقي الحنفي كان مشهورا بمعرفة الأحكام مع قلة الدين وكثرة التهتك وقد باشر عدة أنظار وتداريس مات في جمادى الأولى قاله ابن حجر وفيها شمس الدين محمد بن العلامة شمس الدين محمد بن سليمان بن الخراط الحموي الشاعر المنشىء الموقع أخذ عن أبيه وغيره وقال الشعر فأجاد ووقع في ديوان الإنشاء وكان مقربا عند ابن البارزي ومات ولم يكمل الخمسين وعاش أخوه زين الدين عبد الرحمن بعده وهو أسن منه إلى سنة أربعين وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن عبد الله بن أحمد الصغير بالتصغير الطبيب المشهور ولد في خامس عشر جمادى الأولى سنة خمس وأربعين وسبعمائة وكان أبوه فراشا فاشتغل هو بالطب وحفظ الموجز وشرحه وتصرف في العلاج فمهر وصحب البهاء الكازروني وكان حسن الشكل له مروءة مات بعد مرض طويل في عاشر شوال قاله ابن حجر وفيها القاضي ناصر الدين محمد بن محمد بن عثمان البارزي الشافعي كاتب السر ولد في شوال سنة تسع وستين وسبعمائة وحفظ الحاوي في صغره واستمر يكرر عليه ويستحضر منه وتعانى الشعر والشأدب وكتب الخط الجيد ثم ولي قضاء بلده وكتابة السر بها وقضاء حلب وكتابة السر بالقاهرة طول دولة المؤيد وكان لطيف المنادمة كبير الرياسة ذا طلاقة وبشر وإحسان للعلماء والفضلاء على طريقة قدماء الكرماء وتوفي بالقاهرة يوم الأربعاء ثامن شوال وفيها الحافظ جمال الدين أبو المحاسن محمد بن موسى بن علي بن عبد الصمد بن محمد بن عبد الله المراكشي الأصل ثم المكي ولد في ثالث رمضان سنة سبع وثمانين (7/161)
162 وسبعمائة وحفظ القرآن العظيم وأجاز له وهو صغير قبل التسعين وبعدها أبو عبد الله بن عرفة وتقي الدين بن حاتم وناصر الدين بن الميلقي وجماعة وتفقه وحبب إليه الطلب فسمع بمكة على مشايخ مكة كابن صديق ومن دونه وعلى القادمين عليها وأخذ علم الحديث عن الشيخ جمال الدين بن ظهيرة والحافظ تقي الدين الفاسي والحافظ صلاح الدين الأقفهسي وتخرج به في معرفة العالي والنازل ورحل إلى الديار المصرية فسمع من شيوخها ثم رحل إلى الشام فأدرك عائشة بنت عبد الهادي خاتمة أصحاب الحجار وجال في رحلته فسمع بحلب وحماة وحمص وبعلبك والقدس والخليل وغزة والرملة والأسكندرية وغيرها ورجع وقد كمل معرفته وخرج لغير واحد من مشايخه وعمل تراجم مشايخه فأفاد وخرج لنفسه أربعين متباينة لكن لم يلتزم فيها السماع ورحل إلى اليمن فسمع بها ومدح الناصر أحمد فأجازه وولاه مدرسة هناك فأقام بتلك البلاد وصار يحج كل سنة وكان حافظا ذا مروءة وقناعة وصبر على الأذى باذلا كتبه وفوائده موصوفا بصدق اللهجة وقلة الكلام قدم في هذه السنة حاجا فعاقهم الريح فخشي فوات الحج فركب البحر وأجهد نفسه فأدرك الحج لكنه توعك واستمر مريضا إلى أن مات بمكة في ثامن عشر ذي الحجة ودفن بالمعلاة وفيها القاضي شرف الدين أبو الفتح موسى بن محمد بن نصر البعلبكي المعروف بابن السقيف تصغير سقف الشافعي ولد سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة وأخذ الفقه عن الخطيب جلال الدين والحديث عن عماد الدين ابن بردس وغيرهما واشتغل بدمشق على ابن الشريشي والزهري وغيرهما جرا وولي قضاء بلده مرارا فحمدت سيرته وكان كثير البر للطلبة سليم الباطن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وله أوراد وعبادة وانتهت إليه رياسة الفقه ببلده إلى أن توفي في جمادى الآخرة (7/162)
163 وفيها جمال الدين يوسف بن الشيخ إسمعيل الأنبابي قال ابن حجر ابن القدوة إسمعيل أخذ الكثير عن شيوخنا وقرأ في الفقه والأصول والعربية وأكثر جدا ثم انقطع بزاوية أبيه بانبابة وأحبه الناس واعتقدوه وحج مرارا وكان يذكر لنفسه نسبا إلى سعد بن عبادة ومات في شوال وخلف مالا كثيرا جدا انتهى وفيها السلطان قرا يوسف بن محمد قرا التركماني ملك العجم كان في أول أمره من التركمان الرحالة النزالة فتنقلت به الأحوال إلى أن استولى بعد اللنك على عراق العرب والعجم ثم ملك تبريز وبغداد وماردين وغيرها واتسعت مملكته وكان ينتمي إلى أحمد بن أويس وتزوج أحمد أخته ثم وقع بينهما وتقابلا فهرب أحمد منه فملك بغداد سنة خمس وثمانمائة فأرسل إليه اللنك عسكرا فهرب إلى دمشق واجتمع مع أحمد بن أويس وتصالحا ثم تنقلت به الأحوال إلى أن قتل مرزاشاه بن اللنك في ربيع الآخر سنة ثلاث عشرة واستبد بملك العراق وسلطن ابنه محمد شاه ببغداد ثم نهب سنجار والموصل وأوقع بالأكراد واختلف الحال بينه وبين شاه رخ ثم تصالحا وتحالفا وتصاهرا ثم انتقض الصلح سنة سبع عشرة وتحاربا وفي سنة إحدى وعشرين سبى أهل عنتاب وقتل وأسر وأفحش في القتل والسبي بحيث أبيع صغير واحد بدرهمين وحرق المدينة وأخذ أموالها وتوجه إلى البيرة فنهبها ثم بلغه أن ولده محمد شاه عصى عليه ببغداد فتوجه إليه وحصره واستصفى أمواله وعاد إلى تبريز وكان شديد الظلم قاسي القلب لا يتمسك بدين واشتهر عنه أنه في عصمته أربعين امرأة وقد خربت في أيامه وأيام أولاده مملكة العراقين وتوفي بتبريز في ذي القعدة وقام بعده ابنه اسكندر (7/163)
164 سنة أربع وعشرين وثمانمائة فيها توفي شهاب الدين أحمد بن هلال الحلبي اشتغل قديما على الشيخ شمس الدين بن الخراط وغيره وكان مفرط الذكاء وأخذ التصوف عن شمس الدين البلالي ثم توغل في مذهب أهل الوحدة ودعا إليه وصار كثير الشطح وجرت له وقائع وكان أتباعه يبالغون في اطرائه ويقولون هو نقطة الدائرة إلى غير ذلك من مقالاتهم المستبشعة قاله ابن حجر وفيها جقمق كان من أبناء التركمان فاتفق مع بعض التجار أن يبيعه ويقسم ثمنه بينهما ففعل فتنقل في الخدم حتى تقرر دويدار ثانيا عند الملك المؤيد قبل سلطنته ثم استمر وكان يتكلم بالعربية لا يشك من جالسه أنه من أولاد الأحرار ثم استقر دويدارا كبيرا إلى أن قرره الملك المؤيد في نيابة الشام فبنى السوق المعروف بسوق جقمق وأوقفه على المدرسة التي بناها قرب الأموي ثم أظهر العصيان لما مات الملك المؤيد قال المقريزي كان سيء السيرة شديدا في دواداريته على الناس حصل أموالا كثيرة وكان فاجرا ظلوما غشوما لا يكف عن قبح انتهى قتله ططر بدمشق بعد أن صادره في أمواله في أواخر شعبان ودفن بمدرسته لصيق الكلاسة وفيها الملك المؤيد شيخ بن عبد الله المحمودي قدم القاهرة وهو ابن اثنتي عشرة سنة وكان جميل الصورة فمات جالبه فاشتراه محمود تاجر المماليك وانتسب إليه وقدمه لبرقوق وفأعجبه وجعله خاصكيا ثم جعله من السقاة ونشأ ذكيا فتعلم الفروسية من اللعب بالرمح ورمى النشاب والضرب بالسيف وغير ذلك ومهر في جميع ذلك مع جمال الصورة وكمال العشرة والتهتك وضرب بسبب ذلك ثم تنقلت به الأحوال من الإمارة على الحاج وغير ذلك إلى أن ولي نيابة الشام ثم تسلطن يوم الإثنين مستهل شعبان سنة خمس عشرة وثمانمائة قال في المنهل (7/164)
165 وكان ملكا شجاعا مقداما مهابا سيوسا عارفا بالحروف والوقائع جوادا على من يستحق الأنعام بخيلا على من لا يستحقه إلى الغاية طويلا بطينا واسع العينين أشهلهما كث اللحية جهوري الصوت فحاشا سبابا ذا خلق سيء وسطوة وجبروت وهيبة زاردة يرجف القلب عند مخاطبته محبا لأهل العلم مبجلا للشرع مذعنا له غير مائل إلى شيء من البدع إلا أنه كان مسرفا على نفسه متظاهرا بذلك وبنى أماكن تقام فيه الخطبة منها جامعه المؤدي داخل باب زويلة الذي ما عمر في الاسلام أكثر زخرفة وأحسن ترخيما منه بعد جامع دمشق وتوفي يوم الإثنين تاسع المحرم وسلطنوا ولده المظفر أبا السعادات وعمره سنة واحدة وثمانية أشهر وسبعة أيام قال المقريزي واتفق في موته موعظة وهو أنه لما غسل لم يوجد له منشفة ينشف بها فنشف في منديل لبعض من حضر من الأمراء ولا وجد له مئزر يستره حتى أخذ له مئزر صوف صعيدي من فوق رأس بعض جواريه ولا وجد له طاسة يصب بها عليه الماء وهو يغسل مع كثرة ما خلف من الأموال انتهى ودفن بقبته التي أنشاها بالجامع المؤيدي بباب زويلة وفيها أبو الفتح ططر بن عبد الله الظاهري ملك الديار المصرية والشامية كان من جملة مماليك الظاهر برقوق ولا زال يترقى حتى صار أمير مائة مقدم ألف بالديار المصرية وتنقلت به الأحوال إلى أن مرض الملك المؤيد وأوصى له بالتكلم على ابنه أحمد فلما مات المؤيد خرج ططر إلى البلاد الشامية بالسلطان والخليفة والقضاة والعساكر وعزل وولي ثم دخل حلب ثم عاد إلى دمشق واستمال الخواطر وتحبب إلى الأمراء ثم عزم على خلع الملك المظفر لصغره فخلعه في تاسع عشرى شعبان من هذه السنة وتسلطن هو ولقب بالملك الظاهر أبي الفتح وجلس على كرسي الملك ثم في سابع عشر شهر رمضان برز من دمشق إلى الديار المصرية فوصلها يوم الخميس رابع شوال فمرض ولزم بيته إلى يوم الثلاثاء أول ذي القعدة نصل ودخل الحمام وتباشر الناس بعافيته ثم أخذ مرضه يتزايد إلى (7/165)
166 ثاني ذي الحجة فجمع الخليفة المعتضد بالله داود والقضاة وعهد لولده محمد وأن يكون الأمير جانبك الصوفي متكلما في الأمور وحلف الأمراء على ذلك كما حلف هو غير مرة لابن الملك المؤيد وتوفي ضحى يوم الأحد رابع ذي الحجة وله نحو خمسين سنة ودفن بالقرافة بجوار الإمام الليث بن سعد وكانت مدة سلطنته أربعة وتسعين يوما وفي هذه المدة اليسيرة لا يستقل ما فعل من الانتقام والجور وسفك الدماء فأتعب نفسه ومهد لغيره وكان ملكا عارفا فطنا عفيفا عن المنكرات مائلا إلى العدل يحب الفقهاء وأهل العلم ويذاكر بالفقه ويشارك فيه وله فيهم وذوق في البحث بارعا في حفظ الشعر التركي عارفا بمعانيه وعنده إقدام وجرأة وكرم مفرط مع طيش وخفة وكان قصيرا جدا كبير اللحية أسودها مليح الشكل يتكلم بأعلى حسه وفي صوته بحة شنعة كثير التعصب لمذهب الحنفية يريد أن لا يدع أحدا من الفقهاء غير الحنفية قاله في المنهل الصافي وفيها جلال الدين عبد الرحمن بن شيخ الإسلام سراج الدين عمر بن رسلان البلقيني الشافعي ولد في جمادى الأولى سنة ثلاث وستين وسبعمائة وأمه بنت القاضي بهاء الدين بن عقيل النحوي ونشأ بالقاهرة وحفظ القرآن وعدة متون في عدة علوم وتفقه بوالده وغيره وبرع في الفقه والأصول والعربية والتفسير والمعاني والبيان وأفتى ودرس في حياة والده وتولى قضاء العسكر بالديار المصرية في حياة والده أيضا قال المقريزي لم يخلف بعده مثله في كثرة علومه بالفقه وأصوله والحديث والتفسير والعربية والنزاهة عما ترمي به قضاة السوء انتهى وممن أثنى عليه جلال الدين بن ظهيرة المكي وأنشد فيه لنفسه ( هنيئا لكم يا أهل مصر جلالكم * عزيز فكم من شبهة قد جلا لكم ) ( ولولا اتقاء الله جل جلاله * لقلت لفرط الحب جل جلالكم ) وقال ابن تغرى بردى بعد أن أثنى عليه أحسن الثناء وأنا أعرف به من غيري فإنه كان تأهل بكريمتي وما نشأت إلا عنده وقرأت عليه غالب القرآن الكريم (7/166)
167 وكان إذا توجه إلى منتزه يأخذني صحبته إلى حيث سار فإذا أقمنا بالمكان يطلبني ويقول اقرأ الماضي من محفوظك فأقرأ عليه ما شاء الله أن أقرأه وتوفي ليلة الخميس بعد العشاء الآخرة بساعة الحادي عشر من شوال وفيها تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن أحمد بن صالح بن أحمد بن خطاب البقاعي الفاري بالفاء والراء الخفيفة نسبة إلى قرية بالبقاع تسمى بيت فار الدمشقي الشافعي ولد سنة سبع وستين وسبعمائة وحفظ التمييز وغيره واشتغل على والده وعلى النجم بن الجابي والشريشي وغيرهم ونشأ هو وأخوه عبد الله على خير وتصون ودرس في حياة أبيه بالعادلية الصغرى واستمرت بيده إلى أن مات ودرس بعد أبيه بالشامية البرانية وولي افتاء دار العدل وناب في الحكم مدة طويلة وولاه الأمير نوروز القضاء باتفاق الفقهاء عليه بعد موت الأخنائي فباشره مباشرة حسنة فلما غلب المؤيد على نوروز صرفه ولم يعزله بسوء فلزم الشباك الكمالي بجامع دمشق يفتي وبالشامية يدرس وكان حسن الرأي والتدبير دينا له حظ من عبادة إلا أنه لم يكن مشكورا في مباشرة الوظائف وكان عاقلا ساكنا كثير التلاوة يقوم الليل كثير الأدب والحشمة طاهر اللسان توفي في أحد الربيعين قاله ابن حجر وفيها قتل أبو سعيد عثمان بن أحمد بن إبراهيم بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الخالق المريني قتله مدبر مملكته عبد العزيز الكناني وقتل إخوته وأولاده وأكابر البلد وأبطالها وشيوخها وكانت فتنة كبيرة انقطعت فيها دولة بني مرين من فاس وأقام محمد بن أبي سعيد في المملكة واستبد هو بتدبير الأمور فسبحان من لا يزول ملكه وفيها شمس الدين محمد بن إبراهيم البوصيري الشافعي قال ابن حجر كان خيرا دينا كثير النفع للطلبة يحج كثيرا ويقصد الأغنياء لنفع الفقراء (7/167)