شذرات الذهب في أخبار من ذهب: ج6

من معرفة المصادر

شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد.

http://www.shamela.ws تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة


الكتاب : شذرات الذهب - ابن العماد موافق للمطبوع

323 لا يأكل من هذا المال شيئا ولا يلبس ولا ظهر منه شيء في تركته قال الذهبي وقد أفتى غير واحد بقتله خوفا على ضعفاء الإيمان من المسلمين أن يضلهم ويغويهم وفيها عز الدين عبد العزيز بن منصور بن محمد بن وداعة الحلبي كان خطيبا بجبلة من أعمال الساحل ثم اتصل بصلاح الدين فصار من خواصه فلما ملك دمشق ولاه شد الدواوين وكان يظهر النسك وله حرمة وافرة فلما تولى الظاهر ولاه الوزارة وتولى جمال الدين أقش النجيبي نيابة الشام فحصل بينهما وحشة وكان النجيبي يكرهه لتشيعه وكان النجيبي مغاليا في السنة وعند عز الدين تشيع فكتب عز الدين إلى الظاهر أن الأموال تنكسر وتحتاج الشام إلى مشد تركي شديد المهابة تكون أمور الولايات وأموالها راجعة إليه لا يعارض وقصد بذلك رفع يد النائب فجهر الظاهر علاء الدين كشتغدي الشقيري فلم يلبيث أن وقع بينهما لأن الشقيري كان يهينه غاية الهوان فإذا اشتكى إلى النائب لا يشتكيه ويقول أنت طلبت مشدا تركيا فكتب الشقيري إلى الظاهر في حقه فورد الجواب بمصادرته فأخذ خطه بجمله يقصر عنها ماله وضربه وعصره وعلقه فكان كالباحث عن حتفه بظلفه وكانت له دار حسنة باعها في المصادرة ثم طلب إلى مصر فتوفي بها عقب وصوله ودفن بالقرافة الصغرى قريبا من قبلة الشافعي ولم يخلف ولدا ولا رزقه الله في عمره ولدا فإنه لم يتزوج إلا امرأة واحدة في صباه ثم فارقها بعد أيام قلائل وبنى بجبل قاسيون تربة ومسددا وعمارة حسنة وله وقف على وجوه البر وفيها صاحب الروم السلطان زكي الدين قيقباد بن السلطان غياث الدين كيخسرو بن السلطان كيقباد بن كيخسرو بن قلج أرسلان بن مسعود بن قلج أرسلان بن قتلمش بن إسرائيل بن سلجوق بن دقاق السلجوقي كان هو وأبوه مقهورين مع التتار له الاسم ولهم التصرف فقتلوه في هذه السنة وله ثمان وعشرون سنة لأن بعضهم نم عليه بأنه يكاتب الظاهر فقتلوه خنقا وأظهروا أن فرسه رماه ثم أجلسوا في الملك ولده كيخسرو وله عشر سنين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سنة سبع وستين وستمائة

فيها هبت ريح شديدة بالديار المصرية غرقت مائتي مركب وهلك منها خلق كثير وفيها أمر السلطان بإراقة الخمور وتبطيل المفسدات والخواطىء بالديار المصرية وكتب بذلك إلى جميع بلاده وأمسك كاتبا يقال له ابن الكازروني وهو سكران فصلبه وفي عنقه جرة الخمر فقال الحكيم ابن دانيال ( وقد كان حد السكر من قبل صلبه * خفيف الأذى إذ كان في شرعنا جلدا ) ( فلما بدا المصلوب قلت لصاحبي * ألا تب فإن الحد قد جاوز الحدا ) وفيها أخليت حران ووصل منها خطيبها ابن تيمية وغيره وفيها توفي زين الدين أبو الطاهر إسمعيل بن عبد القوي بن عزون الأنصاري المصري الشافعي سمع الكثير من البوصيري وابن ياسين وطائفة وكان صالحا خيرا توفي في المحرم وفيها الروذراوري بضم الراء المهملة وسكون الواو والمعجمة وفتح الراء والواو الثانية ثم راء نسبة إلى روذراور بلد بهمذان مجد الدين عبد المجيد بن أبي الفرج اللغوي نزيل دمشق كانت له حلقة اشتغال بالحائط الشمالي وكان فصيحا مفوها حفظة لأشعار العرب توفي في صفر وفيها علي بن وهب بن مطيع العلامة مجد الدين بن دقيق العيد القشيري المالكي شيخ أهل الصعيد ونزيل قوص كان جامعا لفنون العلم موصوفا (5/324) ________________________________________ 325 بالصلاح والتأله معظما في النفوس روى عن أبي المفضل وغيره وتوفي في المحرم عن ست وثمانين سنة وفيها الأبيوردي بفتح الهمزة والواو وسكون التحتية وكسر الباء الموحدة وسكون الراء نسبة إلى أبي ورد بليدة بخراسان الحافظ زين الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن أبي بكر الصوفي الشافعي سمع وهو ابن أربعين سنة من كريمة وابن قميرة فمن بعدهما حتى كتب عن أصحاب محمد بن عماد وشرع في المعجم وحرص وبالغ فما أفاق من الطلب إلا والمنية قد فجأته وكان ذا دين وورع مكثرا لكنه قلما روى توفي بالقاهرة بخانقاة سعيد السعداء في جمادى الأولى وله شعر وفيها التاج مظفر بن عبد الكريم بن نجم بن عبد الوهاب بن عبد الواحد بن الحنبلي أبو منصور الدمشقي الحنبلي مدرس مدرسة جدهم شرف الإسلام وهي المسمارية ولد بدمشق في سابع عشرى ربيع الأول سنة تسع وثمانين وخمسمائة وسمع بها من الخشوعي وابن طبرزد وحنبل وغيرهم وأفتى وناظر وتفقه وحدث بمصر والشام وروى عنه جماعة منهم الحافظ الدمياطي وتوفي في ثالث صفر فجأة بدمشق ودفن بسفح قاسيون.


سنة ثمان وستين وستمائة

فيها تسلم الملك الظاهر حصون الإسمعيلية وقرر على زعيمهم نجم الدين حسن بن الشعراني أن يحمل كل سنة مائة ألف وعشرين ألفا وولاه على الإسمعيلية قاله في العبر وفيها توفي زين الدين أبو العباس أحمد بن عبد الدايم بن نعمة بن أحمد بن محمد بن إبراهيم مسند الاشم وفقيهها ومحدثها الحنبلي المذهب الناسخ ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة وأجاز له خطب الموصل وابن الفراوي وابن شاتيل وخلق وسمع من يحيى الثقفي وابن صدقة وابن الموازيني وعبد الرحمن الخرقي وغيرهم وانفرد في الدنيا بالرواية عنهم ودخل بغداد فسمع بها من ابن كليب وابن المعطوس وأبي الفرج بن الجوزي وأبي الفتح بن المنى وابن سكينة وغيرهم وسمع بحران من خطيبها الشيخ فخر الدين بن تيمية وعنى بالحديث وتفقه بالشيخ موفق الدين وخرج لنفسه مشيخة وجمع تاريخا لنفسه وكان فاضلا متنبها وولي الخطابة بكفر بطنا بضع عشرة سنة وكان يكتب بسرعة خطا حسنا فكتب ما لا يوصف كثرة يكتب في اليوم الكراسين والثلاثة إلى التسعة وكتب تاريخ دمشق لابن عساكر مرتين والمغنى للموفق مرات وذكر أنه كتب بيده ألفي مجلدة وكان حسن الخلق والخلق متواضعا دينا حدث بالكثير بضعا وخمسين سنة وانتهى إليه علو الإسناد وكانت الرحلة إليه من أقطار البلاد وخرج له ابن الظاهري مشيخة وابن الخباز أخرى وسمع منه الحفاظ المتقدمون كالحافظ ضياء الدين والزكي الرزالي وعمر بن الحاجب وغيرهم وروى عنه الأئمة الكبار والحفاظ المتقدمون والمتأخرون منهم الشيخ محي الدين النووي والشيخ شمس الدين بن أبي عمر وابن دقيق العيد وابن تيمية وخلق آخرهم ابن الخباز وتوفي يوم الإثنين سابع رجب ودفن بسفح قاسيون وفيها ضياء الدين أبو إسحاق إبراهيم بن عيسى المرادي الأندلسي ثم المصري ثم الدمشقي الفقيه الشافعي الإمام الحافظ المتقن المحقق الضابط الزاهد الورع شيخ النووي ذكره فيما ألحقه في طبقات ابن الصلاح فقال ولم ترعيني في وقته مثله وكان رضي الله عنه بارعا في معرفة الحديث وعلومه وتحقيق ألفاظه لا سيما الصحيحان ذا عناية باللغة والنحو والفقه ومعارف الصوفية حسن المذاكرة فيها وكان عندي من كبار السالكين في طرائق الحقائق حسن التعليم صحبة نحو عشر سنين فلم أر منه شيئا يكره وكان من السماحة بمحل عال على قدر وجده وأما الشفقة على المسلمين ونصيحتهم فقل نظيره فيهما توفي بمصر في أوائل سنة ثمان وستين وستمائة انتهى كلام النووي وفيها أبو دبوس صاحب المغرب الواثق بالله أبو العلاء إدريس بن عبد الله المؤمني آخر ملوك بني عبد المؤمن جمع الجيوش وتوثب على مراكش وقتل ابن عمه صاحبها أبا حفص وكان بطلا شجاعا مقداما مهيبا خرج عليه زعيم آل مرين يعقوب بن عبد الحق المرني وتمت بينهما حروب إلى أن قتل أبو دبوس بظاهر مراكش في المصاف واستولى يعقوب على المغرب وفيها أحمد بن القسم بن خليفة الحكيم عرف بابن أبي أصيبعة كان عالما بالأدب والطب والتاريخ له مصنفات عدة منها عيون الأنباء في طبقات الأطباء وفيها شيخ الأطباء وكبيرهم علي بن يوسف بن حيدرة اشتغل بالأدب وفاق أهل زمانه وكان يقول لأصحابه بعد قليل يموت عند قران الكوكبين ثم يقول قولوا للناس حتى يعلموا مقدار علمي في حياتي بوقت موتي وفيها العلامة المجيد نجم الدين عبد الغفار بن عبد الكريم بن عبد الغفار القزويني الشافعي أحد الأئمة الأعلام وفقهاء الإسلام قال اليافعي سلك في حاويه مسلكا لم يلحقه أحد ولا قاربه قال ابن شهبة هو صاحب الحاوي الصغير واللباس والعجاب قال السبكي كان أحد الأئمة الأعلام له اليد الطولى في الفقه والحساب وحسن الاختصار وقيل أنه كان إذا كتب في الليل يضيء له نور يكتب عليه توفي في المحرم سنة خمس وستين وستمائة انتهى وجزم اليافعي وابن الأهدل بوفاته في هذه السنة وفيها الكرماني الواعظ المعمر بدر الدين عمر بن محمد بن أبي سعد التاجر ولد بنيسابور سنة سبعين وخمسمائة وسمع في الكهولة من القسم الصفار وروى الكثير بدمشق وبها توفي في شعبان وفيها محي الدين قاضي القضاة أبو الفضل يحيى ابن قاضي القضاة محي الدين أبي المعالي محمد بن قاضي القضاة زكي الدين أبي الحسن علي بن قاضي القضاة منتخب الدين أبي المعالي القرشي الدمشقي الشافعي ولد سنة ست وتسعين وخسممائة وروى عن حنبل وابن طبرزد وتفقه على الفخر بن عساكر وولي قضاء دمشق مرتين فلم تطل أيامه وكان صدرا معظما معرفا في القضاء له في العربي عقيدة تتجاوز الوصف وكان شيعيا يفضل عليا على عثمان مع كونه ادعى نسبا إلى عثمان وهو القائل ( أدين بما دان الوصي ولا أرى * سواه وإن كانت أمية محتدى ) ( ولو شهدت صفين خيلي لأعذرت * وساء بني حرب هنالك مشهدي ) وسار إلى خدمة هلاكو فأكرمه وولاه قضاء الشام وخلع عليه خلعة سوداء مذهبة فلما تملك الملك الظاهر أبعده إلى مصر وألزمه بالمقام بها وتوفي بمصر في سابع عشر رجب قاله في العبر سنة تسع وستين وستمائة في شعبانها افتتح السلطان حصن الأكراد بالسيف ثم نازل حصن عكا وأخذه بالأمان فتذلل له صاحب طرابلس وبذله ما أراد وهادنه عشر سنين وفي شوالها جاء سيل بدمشق في بحبوحة الصيف وذلك بالنهار والشمس طالعة فغلقت أبواب البلد وطغا الماء وارتفع وأخذ البيوت والأموال وارتفع عند باب الفرج ثمانية أذرع حتى طلع الماء فوق أسطحة عديدة وضج الخلق وابتهلوا إلى الله تعالى وكان وقتا مشهودا أشرف الناس فيه على التلف ولو ارتفع ذراعا آخر لغرق نصف دمشق وفيها توفي ابن البارزي قاضي حماة شمس الدين إبراهيم بن المسلم بن هبة الله الحموي الشافعي تفقه بدمشق بالفخر بن عساكر وأعادله ودرس بالرواحية وولي تدريس معرة النعمان ثم تحول إلى حماة ودرس بها وأفتى وولي قضاءها فحمدت سيرته وكان ذا علم ودين وتوفي في شعبان عن تسع وثمانين سنة وفيها الشيخ حسن بن أبي عبد الله بن صدقة الأزدي الصقلي المقرىء الرجل الصالح قرأ القراءات على السخاوي وسمع الكثير (5/328) ________________________________________ 329 وأجاز له المؤيد الطوسي وتوفي في ربيع الآخر وكان صالحا ورعا مخلصا متقللا من الدنيا منقطع القرين عاش تسعا وسبعين سنة وفيها ابن قرقول صاحب كتاب مطالع الأنوار إبراهيم بن يوسف الحموي كان من الفضلاء الصلحاء صحب علماء الأندلس وكتابه ضاهى به مشارق الأنوار للقاضي عياض صلى الجمعة في الجامع ثم حضرته الوفاة فتلا سورة الإخلاص وكررها بسرعة ثم تشهد ثلاث مرات وسقط على وجهه ميتا ساجدا رحمه الله تعالى وفيها ابن سبعين الشيخ قطب الدين أبو محمد عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر الأشبيلي المرسي الرقوطي الأصل الصوفي المشهور قال الذهبي كان من زهاد الفلاسفة ومن القائلين بوحدة الوجود له تصانيف واتباع يقدمهم يوم القيامة انتهى وقال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في طبقاته درس العربية والآداب بالأندلس ثم انتقل إلى سبتة وانتحل التصوف على قاعدة زهد الفلاسفة وتصرفهم وعكف على مطالعة كتبه وجد واجتهد وجال في بلاد المغرب ثم رحل إلى المشرق وحج حججا كثيرة وشاع ذكره وعظم صيته وكثرت أتباعه على رأي أهل الوحدة المطلقة وأملى عليهم كلاما في العرقان على رأي الاتحادية وصنف في ذلك أوضاعا كثيرة وتلقوها عنه وبثوها في البلاد شرقا وغربا وقد ترجمه ابن حبيب فقال صوفي متفلسف متزهد متعبد مثقشف يتكلم على طريق أصحابه ويدخل البيت لكن من غير أبوابه شاع أمره واشتهر ذكره وله تصانيف واتباع وأقوال تميل إليها بعض القلوب وينكرها بعض الأسماع وقال لأبي الحسن الششتري عند ما لقيه وقد سأله عن وجهته وأخبره بقصده الشيخ أبا أحمد إن كنت تريد الجنة فشأنك ومن قصدت وإن كنت تريد رب الجنة فهلم إلينا وأما ما نسب إليه من آثار السيمايا والتصويف فكثير جدا ومن نظمه (5/329) ________________________________________ 330 ( كم ذا تموه بالشعبين فالعلم * والأمر أوضح من نار على علم ) ( أصبحت تسأل عن نجد وساكنها * وعن تهامة هذا فعل متهم ) وقال البسطامي كان له سلوك عجيب على طريق أهل الوحدة وله في علم الحروف والأسماء اليد الطولى وألف تصانيف منها كتاب الحروف الوضعية في الصور الفلكية وشرح كتاب إدريس عليه السلام الذي وضعه في علم الحرف وهو نفيس ومن وصاياه لتلامذته وأتباعه عليكم بالاستقامة على الطريق وقدموا فرض الشريعة على الحقيقة ولا تفرقوا بينهما فإنهما من الأسماء المترادفة واكفروا بالحقيقة التي في زمانكم هذا وقولوا عليها وعلى أهلها اللعنة انتهى وأغراض الناس متباينة بعيدة عن الاعتدال فمنهم المرهق المكفر ومنهم المقلد ومما شنع عليه به أنه ذكر في كتاب البدان صاحب الإرشاد إمام الحرمين إذا ذكر أبو جهل وهامان فهو ثالث الرجلين وأنه قال في شأن الغزالي إدراكه في العوم أضعف من خيط العنكبوت فإن صحت نسبة ذلك إليه فهو من أعداء الشريعة المطهرة بلا ريب وقد حكى عن قاضي القضاة ابن دقيق العيد أنه قال جلست معه من ضحوة إلى قريب الظهر وهو يسرد كلاما تعقل مفرداته ولا تفهم مركباته والله أعلم بسريرة حاله وقد أخذ عن جماعة منهم الحراني والبوني مات بمكة انتهى كلام المناوي بحروفه وفيها أبو الحسن بن عصفور علي بن مؤمن بن محمد بن علي النحوي الحضرمي الأشبيلي حامل لواء العربية في زمانه بالأندلس قال ابن الزبير أخذ عن الدباج والشلوبين ولازمه مدة ثم كانت بينهما منافرة ومقاطعة وتصدر للاشتغال مدة بعدة بلاد وجال بالأندلس وأقبل عليه الطلبة وكان أصبر الناس على المطالعة لا يمل من ذلك ولم يكن عنده ما يؤخذ عنه غير النحو ولا تأهل لغير ذلك قال الصفدي ولم يكن عنده ورع وجلس في مجلس شراب فلم يزل يرجم بالنارنج إلى أن مات في رابع عشرى ذي القعدة ومولده سنة سبع وسبعين (5/330) ________________________________________ 331 وخمسمائة وصنف الممتع في التصريف كان أبو حيان لا يفارقه المقرب شرحه لم يتم شرح الجزولية مختصر المحتبس ثلاث شروح على الجمل شرح الأشعار الستة وغير ذلك ومن شعره ( لما تدنست بالتفريط في كبرى * وصرت مغرى بشرب الراح واللعس ) ( أيقنت أن خضاب الشيب استرلى * أن البياض قليل الحمل للدنس ) ورثاه القاضي ناصر الدين بن المنير قال ذلك السيوطي في كتابه بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة وفيها المجد بن عساكر محمد بن إسمعيل بن عثمان بن مظفر بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين الدمشقي المعدل سمع من الخشوعي والقسم وجماعة وتوفي في ذي القعدة سنة سبعين وستمائة في رمضان حولت التتار من تبقى من أهل خراسان إلى المشرق وخربت ودثرت بالكلية وفيها توفي معين الدين أحمد بن قاضي الديار المصرية علي بن العلامة أبي المحاسن يوسف بن عبد الله بن بندار الدمشقي ثم المصري ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة وسمع من البوصيري وابن يس وطائفة وتوفي في رجب وفيها الملك الأمجد حسن بن الملك الناصر داود بن الملك المعظم عيسى بن الملك العادل أيوب كان من الفضلاء عنده مشاركة جيدة في كثير من العلوم وله معرفة تامة بالأدب وتزهد وصحب المشايخ وكان لا يدخر عنهم شيئا وكان كثير المروءة والاحتمال مات بدمشق ودفن بتربة جده الملك المعظم بسفح قاسيون وفيها الكمال سلار بن الحسن بن عمر بن سعيد الأربلي الشافعي الإمام العلامة مفتي الشام ومفيده أبو الفضائل صاحب ابن الصلاح شيخ الأصحاب ومفيد الطلاب تفقه على ابن الصلاح حتى برع في المذهب وتقدم وساد واحتاج الناس إليه وكان معيدا (5/331) ________________________________________ 332 بالبادرائية عينه لها واقفها فباشرها إلى أن توفي يفيد ويعيد ويصنف ويعلق ويؤلف ويجمع وينشر المذهب ولم يزدد منصبا آخر وقد اختصر البحر للروياني في مجلدات عدة وانتفع به جماعة من الأصحاب منهم الشيخ محي الدين النووي وأثنى عليه ثناء حسنا قال وتفقه على جماعة منهم أبو بكر الماهياني والماهياني علي ابن البرزي وقال الشريف عز الدين وكان عليه مدار الفتوى بالشام في وقته ولم يترك في بلاد الشام مثله توفي في جمادى الآخرة في عشر التسعين أو نيف عليها ودفن بباب الصغير وفيها الجمال البغدادي عبد الرحمن بن سلمان بن سعد بن سلمان البغدادي الأصل الحراني المولد الفقيه الحنبلي أبو محمد نزيل دمشق ولد سنة خمس وثمانين وخمسمائة ف أحد ربيعيها وسمع من عبد القادر الحافظ وحنبل وحماد الحراني وغيرهم وتفقه بالشيخ الموفق وبرع وأفتى وانتفع به جماعة وحدث وروى عنه طائفة منهم ابن الخباز وكان إماما بحلقة الحنابلة بالجامع توفي في رابع شعبان ودفن بسفح قاسيون وفيها ابن يونس تاج الدين العلامة عبد الرحيم بن الفقيه رضي الدين محمد بن يونس بن منعة الموصلي الشافعي مصنف التعجيز كان من بيت الفقه والعلم بالموصل ولد بها سنة ثمان وتسعين وخمسمائة واشتغل بها وأفاد وصنف ثم دخل بغداد بعد استيلاء التتار عليها في رمضان هذه السنة وولي قضاء الجانب الغربي بها وتدريس البشيرية قال الأسنوي كان فقيها أصوليا فاضلا توفي في شوال سنة إحدى وسبعين وستمائة ودفن عند قبة الديلم بالمشهد الفاطمي وجزم ابن خلكان وصاحب العبر بوفاته في هذه السنة وفيها أبو محمد عبد الوهاب بن محمد بن إبراهيم بن سعد المقدسي الصحراوي روى عن الخشوعي ومحمد بن الحصيب وتوفي في رمضان عن ثمانين سنة وفيها القاضي الرئيس عماد الدين محمد بن سالم بن الحافظ أبي المواهب الثعلبي الدمشقي والد قاضي القضاة نجم الدين (5/332) ________________________________________ 333 ولد بعد الستمائة وسمع من الكندي وجماعة وكان كامل السؤدد متين الديانة وافر الحرمة توفي في العشرين من ذي القعدة عن تسعين سنة قاله في العبر وفيها الوجيه بن سويد التكريتي محمد بن علي بن أبي طالب التاجر كان واسع الأموال والمتاجر عظيم الحرمة مبسوط اليد في الدولة الناصرية والظاهرية توفي في ذي القعدة عن نيف وستين سنة ولم يرو شيئا وفيها الحافظ محمد بن الحافظ العلم علي الصابوني بن محمود بن أحمد بن علي المحمودي أبو حامد المنعوت بالجمال كان إماما حافظا مفيدا اختلط قبل موته بسنة أو أكثر قال ابن ناصر الدين في بديعته ( محمد بن العلم الصابوني * خبرته فائقة الفنون ) وفيها أبو بكر البشتي نسبة إلى بشت قرية بنيسابور محمد بن المحدث علي بن المظفر بن القسم الدمشقي المولد المؤذن ولد في المحرم سنة إحدى وتسعين وخمسمائة وسمع من الخشوعي وطائفة كثيرة توقف بعض المحدثين في السماع منه لأنه كان جنائزيا سنة إحدى وسبعين وستمائة فيها وصلت التتار إلى حافة الفرات ونازلوا البيرة وكان السلطان بدمشق فأسرع السير وأمر الأمراء بخوض الفرات فخاض سيف الدين قلاوون وبيسرى والسلطان أولا ثم تبعهم العسكر ووقعوا على التتار فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وأسروا مائتين ولله الحمد وأنشد في ذلك الموفق الطبيب ( الملك الظاهر سلطاننا * نفديه بالأموال والأهل ) ( اقتحم الماء ليطفى به * حرارة القلب من المغل ) وفيها توفي أبو البركات أحمد بن عبد الله بن محمد الأنصاري المالكي (5/333) ________________________________________ 334 الأسكندراني ابن النحاس سمع من عبد الرحمن بن موقا وغيره وتوفي في جمادى الأولى وفيها أحمد بن هبة الله بن أحمد السلمي الكهفي روى عن ابن طبرزد وغيره وتوفي في رجب وفيها أبو الفتح عبد الهادي بن عبد الكريم بن علي القيسي المصري المقرىء الشافعي خطيب جامع المقياس ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة وقرأ القراءات بالسبعة على أبي الجود وسمع من قاسم بن إبراهيم المقدسي وجماعة وأجاز له أبو طالب أحمد بن المسلم اللخمي وأبو طالب بن عوف وجماعة وتفرد بالرواية عنهم وكان صالحا كثير التلاوة وتوفي في شعبان وفيها أبو الفرج فخر الدين عبد القاهر بن أبي محمد بن أبي القسم بن تيمية الحراني الحنبلي ولد بحران سنة اثنتي عشرة وستمائة وسمع من جده وابن اللتي وحدث بدمشق وخطب بجامع حران وتوفي في حادي عشر شوال بدمشق ودفن من الغد بمقابر الصوفية وفيها ابن هامل المحدث شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد المنعم بن عمار بن هامل بن موهوب الحراني الحنبلي المحدث الرحال نزيل دمشق ولد بحران سنة ثلاث وستمائة وسمع ببغداد من القطيعي وغيره وبدمشق من القاضي أبي نصر الشيرازي وغيره وبالأسكندرية من الصفراوي وغيره وبالقاهرة من ابن الصابوني وغيره وكتب بخطه وطلب بنفسه وكان أحد المعروفين بالفضل والإفادة قال الذهبي عنى بالحديث عناية كلية وكتب الكثير وتعب وحصل وأسمع الحديث وفيه دين وحسن عشرة أقام بدمشق ووقف كتبه وأجزاءه بالضيائية وقال الدمياطي في حقه الإمام الحافظ وسمع منه جماعة من الأكابر منهم الحافظ الدمياطي وابن الخباز وتوفي ليلة الأربعاء ثامن شهر رمضان بالمارستان الصغير بدمشق ودفن من الغد بسفح قاسيون والمارستان الصغير بدمشق أقدم من المارستان النوري كان مكانه في قبلة (5/334) ________________________________________ 335 مطهرة الجامع الأموي وأول من عمره بيتا وخرب رسوم المارستان منه أبو الفضل الأخنائي ثم ملكه بعده أخوه البرهان الأخنائي وهو تحت المأذنة الغربية بالجامع الأموي من جهة المغرب وينسب إلى أنه عمارة معاوية أو ابنه وفيها العدل شرف الدين علي بن عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن الأسكاف كان من كبار أهل دمشق وكان قد عاهد الله تعالى أنه مهما كسب يتصدق بثلثه بنى رباطا بجبل قاسيون وأوقف عليه وقف كبيرا وشرط أن يقيم فيه عشرة شيوخ عمركل شيخ منهم فوق الخمسين ولكل واحد في الشهر عشرة دراهم مات بدمشق ودفن برباطه وفيها الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرج الأنصاري الخزرجي القرطبي صاحب كتاب التذكرة بأمور الآخرة والتفسير الجامع لأحكام القرآن الحاكي مذاهب السلف كلها وما أكثر فوائده وكان إماما علما من الغواصين على معاني الحديث حسن التصنيف جيد النقل توفي بمينة بني خصيب من صعيد مصر رحمه الله تعالى وفيها صاحب صهيون سيف الدين محمد بن مظفر الدين عثمان بن منكورس ملك صهيون بعد أبيه اثنتي عشرة سنة وتوفي بها في عشر السبعين وملك بعده ولده سابق الدين ثم جاء إلى خدمة الملك الظاهر مختارا غير مكره وسلم الحصن إليه فأعطاه إمرة وأعطى أقاربه أخبازا قاله في العبر وفيها الشرف بن النابلسي الحافظ أبو المظفر يوسف بن الحسن بن بدر الدمشقي ولد بعد الستمائة وسمع من ابن البن وطبقته وفي الرحلة من ابن عبد السلام الداهري وعمر بن كرم وطبقتهما وكتب الحديث وكان فهما يقظا حسن الحفظ مليح النظم ولي مشيخة دار الحديث النورية وتوفي في حادي عشر المحرم (5/335) ________________________________________ 336 سنة اثنتين وسبعين وستمائة فيها توفي الكمال المحلى أحمد بن علي الضرير شيخ القراء بالقاهرة انتفع به جماعة ومات في ربيع الآخر عن إحدى وخمسين سنة وفيها المؤيد بن القلانسي رئيس دمشق أبو المعالي أسعد بن المظفر بن أسعد بن حمزة بن أسد التميمي سمع من ابن طبرزد وحدث بمصر ودمشق وتوفي في المحرم وفيها الأتابك الأمير الكبير فارس الدين أقطاي الصالحي المستعرب أمره أستاذه الملك الصالح ثم ولي نيابة السلطنة للمظفر قطز فلما قتل قام مع الملك الظاهر ثم اعتراه طرف جذام فلزم بيته إلى أن توفي في جمادى الأولى بمصر وقد شارف السبعين وفيها النجيب أبو الفرج عبد اللطيف بن عبد المنعم بن الصيقل الحراني الحنبلي التاجر مسند الديار المصرية ولد بحران سنة سبع وثمانين وخمسمائة ورحل به أبوه فأسمعه الكثير من ابن كليب وابن المعطوس وابن الجوزي وولي مشيخة دار الحديث الكاملية وتوفي في أول صفر وله خمس وثمانون سنة وفيها الحافظ الإمام نجم الدين علي بن عبد الكافي الربعي الدمشقي أحد من عنى بالحديث مع الذكاء المفرط ولو عاش لما تقدمه أحد في الفقه والحديث بل توفي في ربيع الآخر ولم يبلغ الثلاثين وفيها كمال الدين أبو الحسن علي بن محمد بن محمد وضاح بن أبي سعيد محمد بن وضاح نزيل بغداد الفقيه الحنبلي النحوي الزاهد الكاتب ولد في رجب سنة إحدى وتسعين وخمسمائة وسمع صحيح مسلم من المروري وببغداد من ابن القطيعي وابن روزبة صحيح البخاري عن أبي الوقت ومن عمر بن (5/336) ________________________________________ 337 كرم جامع الترمذي ومن عبد اللطيف بن القطيعي سنن الدارقطني وسمع من الشيخ العارف علي بن إدريس اليعقوبي ولبس منه الخرقة وانتفع به ورحل وطاف وسمع الكثير من الكثير وتفقه وبرع في العربية وكان صديقا للشيخ محي الدين الصرصري قال ابن رجب كان سمح النفس صحب المشايخ والصالحين وكان عالما بالفقه والفرائض والأحاديث ورتب عقب الواقعة مدرسا بالمجاهدية وهو أحد المكثرين وخرج وصنف ومن مصنفاته كتاب الدليل الواضح اقتفاء نهج السلف الصالح وكتاب الرد على أهل الإلحاد وغير ذلك وله إجازات من جماعات كثيرة منهم من دمشق الشيخ موفق الدين بن قدامة وتوفي رحمه الله ليلة الجمعة ثالث صفر ودفن بحضرة قبر الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه عند رجليه وفيها شمس الدين أبو الحسن علي بن عثمان بن عبد القادر بن محمود بن يوسف بن الوجوهي البغدادي الصوفي المقرىء الفقيه الحنبلي الزاهد أحد أعيان أهل بغداد في زمنه ولد في الحجة سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة وقرأ بالروايات على الفخر الموصلي صاحب ابن سعدون القرطبي وسمع الحديث من ابن روزبة وغيره وكان دينا خيرا صالحا خازنا بدار الوزير وكان شيخ رباط ابن الأمير وله كتاب بلغة المستفيد في القراءات العشر وروى عنه جماعات وتوفي في ثالث جمادى ببغداد ودفن بباب حرب ورؤى بعد موته فقيل له ما فعل الله بك فقال نزلا علي وأجلساني وسألاني فقلت لمثل ابن الوجوهي يقال ذلك فأضجعاني ومضيا وفيها كمال الدين التفليسي سنة اثنتين وستمائة تقريبا وتفقه وبرع في المذهب والأصلين وغير ذلك ودرس وأفتى وأشغل وجالس أبا عمرو (5/337) ________________________________________ 338 ابن الصلاح وممن أخذ عنه الأصول الشيخ محي الدين النووي وولي القضاء بدمشق نيابة وكان محمود السيرة ولما تملك التتار جاءه التقليد من هلاكو بقضاء الشام والجزيرة والموصل فباشره مدة يسيرة وأحسن إلى الناس بكل ممكن وذب عن الرعية وكان نافذ الكلمة عزيز المنزلة عند التتار لا يخالفونه في شيء قال القطب اليونيني فبالغ في الإحسان وسعى في حقن الدماء ولم يتدنس في تلك المدة بشيء من الدنيا مع فقره وكثرة عياله ولا استصفى لنفسه مدرسة ولا استأثر بشيء وكان مدس العادلية وسار محي الدين ابن الزكي فجاء بالقضاء عن الشام من جهة هلاكو وتوجه كمال الدين إلى قضاء حلب وأعمالها ولما عادت الدولة المصرية غضبوا عليه ونسبت إليه أشياء برأه الله منها وعصمه ممن أراد ضرره وكان نهاية ما نالوا منه أنهم ألزموه بالسفر إلى الديار المصرية فسافر وأفاد أهل مصر وأقام بالقاهرة مدة يشغل الطلبة بعلوم عدة في غالب أوقاته فوجد به الناس نفعا كثيرا وتوفي بالقاهرة في ربيع الأول ودفن بسفح المقطم وفيها مسند الشام ابن أبي اليسر تقي الدين أبو محمد إسمعيل بن إبراهيم بن أبي اليسر شاكر بن عبد الله التنوخي الدمشقي الكاتب المنشيء ولد سنة تسع وثمانين وخمسمائة وروى عن الخشوعي فمن بعده وله شعر جيد وبلاغة وفيه خير وعدالة توفي في السادس والعشرين من صفر وفيها ابن علاق أبو عيسى عبد الله بن عبد الواحد بن محمد بن علاق الأنصاري المصري الرزاز المعروف بابن الحجاج سمع من البوصيري وابن يس وكان آخر من حدث عنهما توفي في أول ربيع الأول وله ست وثمانون سنة وفيها الكمال بن عبد السيد أبو نصر عبد العزيز بن عبد المنعم بن الفقيه أبي البركات الخضر بن شبل الحارثي الدمشقي ولد سنة تسع وثمانين وخمسمائة وسمع من الخشوعي وغيره وتوفي في شعبان (5/338) ________________________________________ 339 وفيها ابن مالك العلامة حجة العرب جمال الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني بفتح الجيم وتشديد التحتية ونون نسبة إلى جيان بلد بالأندلس نزيل دمشق ولد سنة ستمائة أو إحدى وستمائة وسمع من جماعة وأخذ العربية عن غير واحد وجالس بحلب ابن عمرون وغيره وتصدر لإقراء العربية ثم انتقل إلى دمشق وأقام بها يشغل ويصنف وتخرج به جماعة كثيرة وخالف المغاربة في حسن الخلق والسخاء والمذهب فإنه كان شافعي المذهب قال الذهبي صرف همته إلى إتقان لسان العرب حتى بلغ فيه الغاية وحاز قصب السبق وأربى على المتقدمين وكان إماما في القراءات وعللها وصنف فيها قصيدة دالية مرموزة في مقدار الشاطبية وأما اللغة فكان إليه المنتهى في الإكثار من نقل غريبها والاطلاع على وحشيها وأما النحو والتصريف فكان فيه بحرا لا يجاري وحبرا لا يباري وأما إشعار العرب التي يستشهد بها على اللغة والنحو فكانت الأئمة الأعلام يتحيرون منه ويتعجبون من أين يأتي بها وكان ينظم الشعر سهلا عليه هذا مع ما هو عليه من الدين المتين وصدق اللهجة وكثرة النوافل وحسن السمت ورقة القلب وكمال العقل والوقار والتؤدة وروى عنه النووي وغيره ونقل عنه في شرح مسلم أشياء توفي بدمشق في شعبان ودفن بالروضة قرب الموفق ومن تصانيفه كتاب تسهيل الفوائد في النحو وكتاب الضرب في معرفة لسان العرب وكتاب الكافية الشافية وكتاب الخلاص وكتاب العمدة وشرحها وكتاب سبك المنظوم وفك المختوم وكتاب إكمال الأعلام بتثليث الكلام وغير ذلك وفيها أبو عبد الله نصير الدين محمد بن محمد بن حسن كان رأسا في علم الأوائل ذا منزلة من هلاكو قال العلامة شمس الدين بن القيم في كتابه إغاثة اللهفان من مكايد الشيطان ما لفظه لما انتهت النوبة إلى نصير الشرك والكفر (5/339) ________________________________________ 340 والإلحاد وزير الملاحدة النصير الطوسي وزير هلاكو شفي نفسه من اتباع الرسول وأهل دينهم فعرضهم على السيف حتى شفى إخوانه من الملاحدة واشتفى هو فقتل الخليفة والقضاة والفقهاء والمحدثين واستبقى الفلاسفة والمنجمين والطبائعيين والسحرة ونقل أوقاف المدارس والمساجد والربط إليهم وجعلن خاصته وأولياءه ونصر في كتبه قدم العالم وبطلان المعاد وإنكار صفات الرب جل جلاله من علمه وقدرته وحياته وسمعه وبصره واتخذ للملاحدة مدارس ورام جعل إشارات إمام الملحدين ابن سينا مكان القرآن فلم يقدر على ذلك فقال هي قرآن الخواص وذلك قرآن العوام ورام تغيير الصلاة وجعلها صلاتين فلم يتم له الأمر وتعلم السحر في آخر الأمر فكان ساحرا يعبد الأصنام انتهى بلفظه توفي في ذي الحجة ببغداد وقد نيف على الثمانين وفيها الشيخ سيف الدين يحيى بن الناصح عبد الرحمن بن النجم بن الحنبلي كان مولده سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة وقيل سنة تسعين وهو آخر من حدث بالسماع عن الخشوعي وسمع من حنبل وابن طبرزد والكندي وغيرهم بدمشق والموصل وبغداد وحدث بمصر ودمشق وسمع منه العلامة تاج الدين الفزاري وأخوه الخطيب شرف الدين والحافظ الدمياطي وذكره في معجمة توفي سابع عشر شوال سنة ثلاث وسبعين وستمائة في رمضان غزا السلطان الظاهر بلا دسيس المصيصة وأدنة وبانياس ورجع الجيش بشيء عظيم وغنائم لا تحصى وفيها قاضي القضاة شمس الدين عبد الله بن محمد بن عطا الأوزاعي الحنفي كان المشار إليه في مذهبه مع الدين والصيانة والتعفف والتواضع اشتغل عليه جماعة وروى عن ابن طبرزد وجماعة وولي قضاء دمشق وتوفي في جمادى وقد قارب الثمانين (5/340) ________________________________________ 341 وفيها تقي الدين عمر بن يعقوب بن عثمان الأربلي الصوفي روى بالإجازة عن المؤيد وزينب وجماعة وسمع الكثير وتوفي يوم الأضحى وفيها وجيه الدين منصور بن سليم بن منصور بن فتوح المحدث الحافظ ابن العمادية الهمداني بسكون الميم نسبة إلى القبيلة المشهورة الأسكندراني الشافعي محتسب الثغر ولد في صفر سنة سبع وستمائة ورحل وسمع الكثير من أصحاب السلفي ورحل إلى الشام والعراق وخرج واعتنى بالحديث والرحال والتاريخ والفقه وغير ذلك وخرج تاريخا للأسكندرية وأربعين حديثا بلدة ودرس وجمع لنفسه معجما وكان دينا خيرا حميد الطريقة كثير المروءة محسنا إلى الرحالة كتب عنه الدمياطي والشريف عز الدين وتوفي في شوال ولم يخلف ببلده مثله وفيها شرف الدين نصر الله بن عبد المنعم بن حواري التنوخي الحنبلي كان أديبا فاضلا عمر في آخر عمره مسجدا بدمشق عند طواحين الأشنان تأنق في عمارته وصنف كتاب إيقاظ الوسنان في تفضيل دمشق على سائر البلدان وكانت إقامته بالعادلية الصغرى ولما ولي ابن خلكان دمشق طلب الحساب من أربابه ومن شرف الدين هذا عن وقف العادلية فعمل الحساب وكتب ورقة ( ولم أعمل لمخلوق حسابا * وها أنا قد عملت لك الحسابا ) فقال القاضي خذ أوراقك ولا تعمل لنا حسابا ولا نعمل لك ومن شعره ( ما كنت أول مستهام مدنف * كلف بممشوق القوام مهفهف ) ( تزري لواحظه بكل مهند * ماض وعطفاه بكل مثقف ) ( مستعذب الألفاظ يفعل طرفه * في قلب من يهواه فعل المشرفي ) ( أنا واله دنف بورد خدوده * وبفض نرجس مقلتيه المضعف ) ( يا جائرا أبدا بعادل قده * ما حيلتي في الحب أن لم تنصف ) (5/341) ________________________________________ 342 ( ديوان حسنك لم يزل مستوفيا * وجدي وأشواقي بحسن تصرف ) ( لك ناظر فتان بالعشاق قد * أضحى على الهلكات أعجل مشرف ) ( ورشيق قدك عامل في مهجتي * من غير حاصل أدمعي لم يصرف ) ( وإذا طلائع عارضيه بدت فقل * قف يا عذار بخده واستوقف ) ( لا شيء أعذب من تهتك عاشق * في عشق معسول المراشف أهيف ) ( يا من يعنف في دمشق ووصفها * لو كنت تعقل كنت غير معنف ) ( هي جنة المأوى ويكفي ميزة * وفضيلة أوصافها في المصحف ) سنة أربع وسبعين وستمائة فيها نزل التتار على البيرة ونصبوا المناجيق وكانوا ثلاثين ألف فارس ونصبوا على القلعة منجنيقا وكان راميه مسلما فنصب أهل القلعة عليه منجنيقا ورموا به على منجانيق التتار فجاء عاليا عليه فقال رامي التتار لو قطع الله من يدك ذراعا كان أهل البيرة يستريحون منك لقلة معرفتك ففطن إشارته وقطع من رجل المنجنيق ذراعا ورمى به فأصاب منجنيق التتار فكسره وخرج أهل البيرة فقتلوا خلقا ونهبوا وأحرقوا المناجيق وفيها توفي سعد الدين شيخ الشيوخ الخضر بن شيخ الشيوخ تاج الدين عبد الله بن شيخ ال شيوخ أبي الفتح عمر بن علي بن ابن القدوة الزاهد ابن حموية الجويني ثم الدمشقي عمل الجندية مدة ثم لزم الخانقاه وله تاريخ مفيد وشعره متوسط سمع من ابن طبرزد وجماعة وأجاز له ابن كليب والكبار وتوفي في ذي الحجة وقد نيف على الثمانين وفيها موفق الدين أبو الحسن علي بن أبي غالب بن علي بن غيلان البغدادي الأزجي القطيعي الحنبلي الفرضي المعدل ولد في ذي الحجة سنة ثلاث وستمائة وسمع من ابن المني وأجاز له غير واحد وتفقه وقرأ الفرائض وشهد عند قاضي القضاة ابن اللمعاني (5/342) ________________________________________ 343 وكان من أعيان العدول خيرا كثير التلاوة حدث وأجاز لجماعة منهم عبد المؤمن بن عبد الحق وتوفي يوم السبت ثالث شوال ودفن بمقبرة الإمام أحمد وفيها عثمان بن موسى بن عبد الله الطائي الأربلي الآمدي الفقيه الحنبلي إمام الحنابلة بالحرم الشريف تجاه الكعبة كان شيخا جليلا إماما عالما فاضلا زاهدا عابدا ورعا متدينا ربانيا متألها منعكفا على العبادة والخير والاشتغال بالله تعالى في جميع أوقاته أقام بمكة نحو خمسين سنة ذكره القطب اليونيني وقال كنت أود رؤيته وأتشوق إلى ذلك فاتفق أني حججت سنة ثلاث وسبعين وزرته وتمليت برؤيته وحصل لي نصيب وافر من إقباله ودعائه وقال الذهبي سمع بمكة من يعقوب الحكاك ومحمد بن أبي البركات بن حمد وروى عنه شيخنا الدمياطي وابن العطار في معجميها وكتب إلينا بمروياته انتهى وتوفي بمكة ضحى يوم الخميس ثاني عشرى المحرم رحمه الله تعالى وفيها أبو الفتح عثمان بن هبة الله بن عبد الرحمن بن مكي بن إسماعيل بن عوف الزهري العوفي الأسكندراني آخر أصحاب عبد الرحمن بن موقاوفاة وفيها المكين الحصني المحدث أبو الحسن مكين الدين بن عبد العظيم بن أبي الحسن بن أحمد المصري ولد سنة ستمائة وسمع الكثير وقرأ وتعب وبالغ واجتهد وما أبقى ممكنا وكان فاضلا جيد القراءة متميزا توفي في تاسع عشر رجب وفيها سعد الدين أبو الفضل محمد بن مهلهل بن بدران الأنصاري سمع الأرتاحي والحافظ عبد الغني وتوفي في ربيع الأول وفيها ابن الساعي أبو طالب علي بن أنجب بن عثمان بن عبيد الله البغدادي السلامي خازن كتب المستنصرية كان إماما حافظا مبرزا على أقرانه ذكره ابن ناصر الدين وقال الذهبي وقد أورد الكازروني في ترجمة ابن الساعي أسماء التصانيف التي صنفها وهي كثيرة جدا لعلها وقر بعير منها مشيخته بالسماع والإجازة (5/343) ________________________________________ 344 في عشر مجلدات وقرأ على ابن النجار تاريخه الكبير ببغداد وقد تكلم فيه فالله أعلم وله أوهام انتهى قلت وهو شافعي المذهب قال ابن شهبة في طبقاته المؤرخ الكبير كان فقيها بارعا قارئا بالسبع محدثا مؤرخا شاعرا لطيفا كريما له مصنفات كثيرة في التفسير والحديث والفقه والتاريخ منها تاريخ في ستة وعشرين مجلدا انتهى وفيها التاج الصرخدي محمود بن عابد التميمي الحنفي الشاعر المحسن كان قانعا زاهدا معمرا قاله في العبر وفيها ظهير الدين أبو الثناء محمود بن عبيد الله الزنجاني الشافعي المفتي أحد مشايخ الصوفية كان إمام التقوية وغالب نهاره بها صحب الشيخ شهاب الدين السهروردي وروى عنه وعن أبي المعالي صاعد وله تصانيف منها الرسالة المنقذة من الجمر في الحاق الأنبذة بالخمر وتوفي في رمضان وله سبع وسبعون سنة وفيها تقي الدين مبارك بن حامد بن أبي الفرج الحداد كان من كبار علماء الشيعة عارفا بمذهبهم وله صيت عظيم بالحلة والكوفة وعنده دين وأمانة وفيها عبد الملك بن العجمي الحلبي كان فاضلا ومن شعره في مليح في عنقه شامة واسمه العز ( العز بدر ولكن إن شامته * مسروقة من دجى صدغيه والغسق ) ( وإنما حبة القلب التي احترقت * في حبه علقت للظلم في العنق ) وفيها عماد الدين عبد الرحمن بن أبي الحسن بن يحيى الدمنهوري الشافعي كان فقيها فاضلا إماما تولى إعادة المدرسة الصالحية بالقاهرة وصنف كتابه المشهور في الاعتراض على التنبيه وقد أساء التعبير في مواضع منه ولد بدمنهور الوحش من أعمال الديار المصرية في ذي القعدة سنة ست وستمائة وتوفي في شهر رمضان قاله الأسنوي في طبقاته (5/344) ________________________________________ 345 سنة خمس وسبعين وستمائة فيها توفي الشيخ قطب الدين أبو المعالي أحمد بن عبد السلام بن المطهر بن أبي سعد بن أبي عصرون التميمي الشافعي مدرس الأمينية والعصرونية بدمشق ولد سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة وختم القرآن سنة تسع وتسعين وأجاز له ابن كليب وطائفة وسمع من ابن طبرزد والكندي وتوفي في جمادى الآخرة بحلب وفيها السيد الجليل الشيخ أحمد بن علي بن محمد بن أبي بكر البدوي الشريف الحسيب النسيب قال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في طبقاته أصله من بني بري قبيلة من غرب الشام ثم سكن والده المغرب فولد له صاحب الترجمة بفاس سنة ست وتسعين وخمسمائة ونشأ بها وحفظ القرآن وقرأ شيئا من فقه الشافعي وحج أبوه به وبأخويه سنة ست وستمائة وأقاموا بمكة ومات أبوه سنة سبع وعشرين وستمائة ودفن بالمعلى وعرف بالبدوي للزومه اللثام لأنه كان يلبس لثامين ولا يفارقهما ولم يتزوج قط واشتهر بالعطاب لكثرة عطب من يؤذيه وكان عظيم الفتوة قال المتبولي قال لي رسول الله ما في أولياء مصر بعد محمد بن إدريس أكب رفتوة منه ثم نفيسة ثم شرف الدين الكردي ثم المنوفي انتهى وكان يمكث أربعين يوما لا يأكل ولا يشرب ولا ينام وأكثر أوقاته شاخصا ببصره نحو السماء وعيناه كالجمرتين ثم سمع هاتفا يقول ثلاثا قم واطلب مطلع الشمس فإذا وصلته فاطلب مغربها وسر إلى طندتا فإن فيها مقامك أيها الفتى فسار إلى العراق فتلقاه العارفان الكيلاني والرفاعي أي بروحانيتهما فقالا يا أحمد مفاتيح العراق والهند واليمن والمشرق والمغرب بيدنا فاختر أيها شئت فقال لا آخذ المفاتيح إلا من الفتاح ثم رحل إلى مصر فتلقاه الظاهر بيبرس بعسكره وأكرمه وعظمه ودخلها سنة أربع وثلاثين وكان من القوم الذين تشقى بهم البلاد وتسعد وإذا قربوا (5/345) ________________________________________ 346 من مكان هرب منه الشيطان وأبعد وإذا باشروا المعالي كانوا أسعد الناس وأصعد فأقام بطندتا على سطح دار لا يفارقه ليلا ولا نهارا اثنتي عشرة سنة وإذا عرض له الحال صاح صياحا عظيما وتبعه جمع منهم عبد العال وعبد المجيد وكان عبد العال يأتيه بالرجل أو الطفل فينظر إليه نظرة واحدة فيملأه مددا ويقال لعبد العال اذهب به إلى بلد كذا أو محل كذا فلا تمكن مخالفته ولما دخل طندتا كان بها جمع من الأولياء فمنهم من خرج منها هيبة له كالشيخ حسن الأخنائي فسكن اخنا حتى مات وضريحه بها ظاهر يزار ومنهم من مكث كالشيخ سالم المغربي وسالم الشيخ البدوي فأقره على حاله حتى مات بطندتا وقبره بها مشهور ومنهم من أنكر عليه كصاحب الايدوان العظيم بطندتا وقبره بها مشهور ومنهم من أنكر عليه كصاحب الايدوان العظيم بطندتا المسمى بوجه القمر كان وليا كبيرا فندر به الحسد فسلبه ومحله الآن بطندتا مأوى الكلاب وليس فيه رائحة صلاح ولا مدد وكان الشيخ إذا لبس ثوبا أو عمامة لا يخلعها لغسل ولا غيره حتى تبلى فتبدل وكان لا يكشف اللثام عن وجهه فقال له عبد المجيد أرني وجهك قال كل نظرة برجل قال أرنيه ولو مت فكشفه فمات حالا وله كرامات شهيرة منها قصة المرأة التي أسر ولدها الفرنج فلاذت به فأحضره في قيوده ومنها أنه اجتمع به ابن دقيق العيد فقال له إنك لا تصلي وما هذا سنن الصالحين فقال اسكت وإلا أغبر دقيقك ودفعه فإذا هو بجزيرة عظيمة جدا فضاق خاطره حتى كاد يهلك فرأى الخضر فقال لا بأس عليك أن مثل البدوي لا يعترض عليه لكن اذهب إلى هذه القبة وقف ببابها فإنه يأتي عند دخول وقت العصر ليصلي بالناس فتعلق بأذياله لعله أن يعفو عنك ففعل فدفعه فإذا هو بباب بيته ومات رضي الله عنه في هذه السنة ودفن بطندتا وجعلوا على قبره مقاما واشتهرت كراماته وكثرت النذور إليه واستخلف الشيخ عبد العال فعمر طيولا إلى أن مات سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة واشتهرت أصحابه (5/346) ________________________________________ 347 بالسطوحية وحدث لهم بعد مدة عمل المولد وصار يقصد من بلاد بعيدة وقام بعض العلماء والأمراء بإبطاله فلم يتهيأ لهم ذلك إلا في سنة واحدة وأنكر عليه ابن اللبان ووقع فيه فسلب القرآن والعلم فصار يستغيث بالأولياء حتى أغاثه ياقوت العرشي وشفع فيه انتهى كلام الشيخ عبد الرؤف المناوي باختصار وفيها الشيخ الزاهد جندل بن محمد العجمي قال القطب اليونيني في ذيله على مختصر المرآة له الشيخ الصالح العارف كان زاهدا عابدا منقطعا صاحب كرامات وأحوال ظاهرة وباطنة وله جد واجتهاد ومعرفة بطريق القوم انتهى وكان الشيخ تاج الدين عبد الرحمن بن الفركاح الفزاري يتردد إليه في كثير من الأوقات وله به اختصاص قال ولده الشيخ برهان الدين كنت أروح مع والدي إلى زيارته بمنين ورأيته يجلس بين يديه في جمع كثير ويستغرق في وقته في الكلام مغربا لا يفهمه أحد من الحاضرين بألفاظ غريبة وقال الشيخ تاج الدين المذكور الشيخ جندل من أهل الطريق وعلماء التحقيق اجتمعت به في سنة إحدى وستين وستمائة فأخبرني أنه بلغ من العمر خمسا وتسعين سنة وكان يقول طريق القوم واحد وإنما يثبت عليه ذوو العقول الثابتة وقال الموله منفى ويعتقد أنه واصل ولو علم أنه منفى لرجع عما هو عليه وقال ما تقرب أحد إلى الله عز وجل بمثل الذل والتضرع والانكسار وقال ابن كثير كانت له عبادة وزهادة وأعمال صالحة وكان الناس يترددون إلى زيارته وزاره الملك الظاهر بيبرس مرات وكذلك الأمراء بمنين وكان يقول السماع وظيفة أهل البطالة توفي في رمضان ودفن بزاويته المشهورة بقرية منين ومات وله من العمر مائة وتسع سنين رحمه الله وفيها ابن الفويره بدر الدين محمد بن عبد الرحمن بن محمد السلمي الدمشقي الحنفي أحد الأذكياء الموصوفين درس وأفتى وبرع في الفقه والأصول والعربية ونظم الشعر الفائق الرائق منه قوله (5/347) ________________________________________ 348 ( عاينت حبة خاله * في روضة من جلنار ) ( فغدا فؤادي طائرا * فاصطاده شرك العذار ) وله في أصيل الذهبيات ( ورياض كلما انعطفت * نترت أوراقها ذهبا ) ( تحسب الأغصان حين شذا * فوقها القمري وانتحبا ) ( ذكرت عصر الشباب وقد * لبست أثوابه قشبا ) ( فانثنت في الدوح راقصة * ورمت أثوابها طربا ) توفي رحمه الله في جمادى الأولى قبل الكهولة وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الوهاب بن منصور الحراني الفقيه الحنبلي الأصولي المناظر وله بحران في حدود العشر والستمائة وتفقه بها على الشيخ مجد الدين بن تيمية ولازمه حتى برع وقرأ الأصول والخلاف على القاضي نجم الدين بن المقدسي الشافعي وسافر إلى الديار المصرية وأقام بها مدة يحضر درس الشيخ عز الدين بن عبد السلام وولي القضاء ببعض البلاد المصرية وهو أول حنبلي حكم بالديا رالمصرية ثم ترك ذلك ورجع إلى دمشق وأقام بها مدة سنين إلى حين وفاته يدرس الفقه بحلقة له بالجامع ويكتب على الفتاوي وباشر الإمامة بمحراب الحنابلة من جامع دمشق قال القطب اليونيني كان فقيها إماما عالما عارفا بعلم الأصول والخلاف وحسن العبارة طويل النفس في البحث كثير التحقيق غزير الدمعة رقيق القلب وافر الديانة كثير العبادة حسن النظم منه قوله ( طار قلبي يوم ساروا فرقا * وسواء فاض دمعي أو رقا ) ( صار في سقمي من بعدهم * كل من في الحي داوى أو رقى ) ( بعدهم لا ظل وادي المنحنى * وكذا بأن الحمى لا أورقا ) وابتلى بالفالج قبل موته بأربعة أشهر وبطل شفه الأيسر وثقل لسانه وتوفي ليلة الجمعة بين العشاءين لست خلون من جمادى الأولى ودفن بمقابر باب (5/348) ________________________________________ 349 الصغير ونيف على الستين وفيها صاحب تونس أبو عبد الله محمد بن يحيى بن عبد الواحد الهنتاني بالكسر والسكون وفوقيتين بينهما ألف نسبة إلى هنتاتة قبيلة من البربر بالغرب كان ملكا سايسا عالي الهمة شديد البأس جوادا ممدحا تزف إليه كل ليلة جارية تملك تونس سنة سبع وأربعين بعد أبيه ثم قتل عميه وقتل جماعة من الخوارج وتوطد له الملك وتوفي في آخر العام عن نيف وخمسين سنة وفيها الشهاب التلعفري بفتح أوله واللام المشددة والفاء وسكون المهملة وراء نسبة إلى التل الأعفر موضع بنواحي الموصل صاحب الديوان المشهور شهاب الدين محمد بن يوسف بن مسعود بن بركة الشيباني الأديب الشاعر المفلق مدح الملوك والكبراء وسار شعره في الآفاق فمنه ( حظ قلبي في هواك الوله * وعذولي فيك مالي وله ) ( باسم عن برد منتظم * لم يفز إلا فتى قبله ) ( جائر الألحاظ يثني قامة * قده المائل ما أعدله ) ومنها ( كم أداري فيك لوامي ومن * يعذل المشتاق ما أجهله ) توفي في شوال عن اثنتين وثمانين سنة سنة ست وسبعين وستمائ في أولها ولي مملكة تونس أبو زكريا يحيى بن محمد الهنتاني بعد أبيه وفي سابع المحرم قدم السلطان الملك الظاهر فنزل بجوسقه الأبلق ثم مرض في نصف المحرم وتوفي بعد ثلاثة عشر يوما فأخفى موته وسار نائبه بيلبك بمحفة يوهم أن السلطان فيها مريض إلى أن دخل بالجيش إلى مصر (5/349) ________________________________________ 350 فأظهر موته وعمل العزاء وحلفت الأمراء لولده الملك السعيد وكان عهد له في حياته والملك الظاهر هو السلطان الكبير ركن الدين أبو الفتوح بيبرس التركي البندقداري ثم الصالحي صاحب مصر والشام ولد في حدود العشرين وستمائة واشتراه الأمير علاء الدين البندقداري الصالحي فقبض الملك الصالح على البندقداري وأخذ ركن الدين منه فكان من جملة مماليكه ثم طلع ركن الدين شجاعا فارسا مقداما إلى أن بهر أمره وبعد صيته وشهد وقعة المنصورة بدمياط ثم كان أميرا في الدولة المعزية وتنقلت به الأحوال وصار من أعيان البحرية وولي السلطنة في سابع عشر ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وكان ملكا سريا غازيا مجاهدا مؤيدا عظيم الهيبة خليقا للملك يضرب بشجاعته المثل له أيام بيض في الإسلام وفتوحات مشهورة ومواقف مشهودة ولولا ظلمه وجبروته في بعض الأحايين لعد من الملوك العادلين قاله في العبر وقال ابن شهبة في تاريخ الإسلام توفي بقصره الأبلق بمرجة دمشق جوار الميدان وغسلوه وصبروه وعلقوه في البحيرة إلى أن فرغ من الظاهرية فنقلوه إليها وكان قد أوصى أن يدفن على الطريق وتبنى عليه قبة فابتاع له ولده الملك السعيد دار العقيقي بسبعين ألف درهم وبناها مدرسة للشافعية والحنفية ونقله إليها ووقف عليها أوقافا كثيرة وفتح بيبرس من البلاد أربعين حصنا كانت مع الفرنج افتتحها بالسيف عنوة انتهى ملخصا وقال الذهبي انتقل إلى عفو الله ومغفرته يوم الخميس بعد الظهر الثامن والعشرين من المحرم بقصره بدمشق وخلف من الأولاد الذكور الملك السعيد محمد ولي السلطنة وعمره ثماني عشرة سنة والخضر وسلامش وسبع بنات ودفن بتربة أنشأها ابنه انتهى وفيها إبراهيم الدسوقي الهاشمي الشافعي القرشي شيخ الخرقة البرهامية وصاحب المحاضرات القدسية والعلوم اللدنية والأسرار العرفانية أحد الأئمة الذين أظهر الله لهم المغيبات وخرق (5/350) ________________________________________ 351 لهم العادات ذو الباع الطويل في التصرف النافذ واليد البيضاء في أحكام الولاية والقدم الراسخ في درجات النهاية انتهت إليه رياسة الكلام على خواطر الأنام وكان يتكلم بجميع اللغات من عجمي وسرياني وغيرهما وذكر عنه أنه كان يعرف لغات الوحش والطير وأنه صام في المهد وأنه رأى في اللوح المحفوظ وهو ابن سبع سنين وأنه فك طلسم السبع المثاني وأن قدمه لم تسعه الدنيا وأنه ينقل اسم مريده من الشقاوة إلى السعادة وأن الدنيا جعلت في يده كخاتم وقال توليت القطبانية فرأيت المشرقين والمغربين وما تحت التخوم وصافحت جبريل ومن كلامه لا تكليف على من غاب بقلبه في حضرة ربه ما دام فيها فإذا رد له عقله صار مكلفا وقال عليك بالعمل بالشرع وإياك وشقشقة اللسان بالكلام في الطريق دون التخلق بأخلاق أهلها قاله الشيخ عبد الرؤوف المناوي في طبقاته وفيها الكمال بن فارس أبو إسحق إبراهيم بن الوزير نجيب الدين أحمد بن إسمعيل بن فارس التميمي الأسكندراني المقرىء الكاتب آخر من قرأ بالروايات على الكندي ولد سنة ست وتسعين وخمسمائة وتوفي في صفر وكان فيه خير وتدين ترك بعض الناس الأخذ عنه لتوليه نظر بيت المال وفيها بيلبك الخزندار الظاهري نائب سلطنة مولاه كان نبيلا عالي الهمة وافر العقل محببا إلى الناس ينطوي على دين ومروءة ومحبة للعلماء والصلحاء والزهاد ونظر في العلوم والتواريخ رقاه أستاذه إلى أعلى الرتب واعتمد عليه في مهماته قيل أن شمس الدين الفارقاني الذي ولي نيابة السلطة سقاء السم باتفاق مع أم الملك السعيد فأخذه قولنج عظيم وبقي به أياما وتوفي بمصر في سابع ربيع الأول وفيها الشيخ خضر بن أبي بكر المهراني بالكسر والسكون نسبة إلى مهران جد العدوي شيخ الملك الظاهر كان له حال وكشف ونفس مؤثرة مع سفه فم ومزاح تغير عليه السلطان بعد شدة خضوعه وله وانقياده لأوامره وإرادته (5/351) ________________________________________ 352 لأنه كان يخبره بأمور قبل وقوعها فتقع على ما يخبره منها أنه لما توجه الظاهر إلى الروم سأله قشتمر العجمي فقال له الشيخ خضر يظفر على الروم ويرجع إلى الشام فيموت بها بعد أن أموت أنا بعشرين يوما فكان كما قال وكان سبب تغير السلطان عليه أنه نقل بعض أصحاب الشيخ خضر أمورا لا تليق به فأحضره ليحاققوه فأنكر فاستشار الأمراء في أمره فأشاروا عليه بقتله فقال الشيخ خضر وهو بعيد عنهم اسمع ما أقول لك لك أنا أجلي قريب من أجلك من مات قبل صاحبه لحقه الآخر فوجم السلطان ورأى أن يحبسه فحبسه في القلعة وأجرى عليه المآكل المفتخرة وبنى له زاوية بخط الجامع الظاهري في الحسينية فمات سادس المحرم ودفن بزاويته في الحسينية وفيها أبو أحمد زكي بن الحسن البيلقاني بفتح الموحدة واللام والقاف وسكون التحتية آخره نون نسبة إلى البيلقان مدينة بالدربند كان شافعيا فقيها بارعا مناظرا متقدما في الأصلين والكلام أخذ عن فخر الدين الرازي وسمع من المؤيد الطوسي وكان صاحب ثروة وتجارة عمر دهرا وسكن اليمن وتوفي بعدن وفيها البرواناه الصاحب معين الدين سليمان بن علي وزر أبوه لصاحب الروم وعلاء الدين كيقباد ولولده فلما مات ولي الوزارة بعده معين الدين هذا سنة بضع وأربعين وستمائة فلما غلبت التتار على الروم ساس الأمور وصانع التتار وتمكن من الممالك بقوى إقدامه وقوة دهائه إلى أن دخل المسلمون وحكموا على مملكة الروم ونسب إلى البرواناه مكاتيبهم فقتله أبغا في المحرم وفيها عز الدين عبد السلام بن صالح البصري عرف بابن الكبوش الشاعر المشهور وشعره في غاية الرقة فمنه ( أدر ما بيننا كأس الحميا * بكف مقرطق طلق المحيا ) ( يحور ولا يجوز على الندامى * كما جارت لواحظ عليا ) ( غزال لو رأى غيلان مي * شمائه سلا غيلان ميا ) (5/352) ________________________________________ 353 ( سقاني من مراشفه شمولا * فأنساني حمياء الحميا ) إلى أن قال ( الام به تلوم ولست أصغي * لقد أسمعت لو ناديت حيا ) وفيها مجد الدين أبو أحمد وأبو الخير عبد الصمد بن أحمد بن عبد القادر بن أبي الجيش بن عبد الله البغدادي المقرىء النحوي اللغوي الفقيه الحنبلي الخطيب الواعظ الزاهد شيخ بغداد وخطيبها سبط الشيخ أبي زيد الحموي ولد في محرم سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة ببغداد وقرأ بالروايات على الفخر الموصلي وغيره وعنى بالقراءات وسمع كثيرا من كتبها وسمع الحديث من الداهري وابن الناقد وغيرهما مما لا يحصى وجمع أسماء شيوخه بالسماع والإجازة فكانوا فوق خمسمائة وخمسين شيخا قال الجعبري قرأ كتاب سيبويه والإيضاح والتكملة واللمع على الكندي وهو غير صحيح ولعله على العكبري وانتهت إليه مشيخة القراءات والحديث وله ديوان خطب في سبع مجلدات وقال الذهبي قرأ عليه الشيخ إبراهيم الرقي الزاهد والمقصاتي وابن خروف وجماعة وكان إماما محققا بصيرا بالقراءات وعللها وغريبها صالحا زاهدا كبير القدر بعيد الصيت انتهى وممن روى عنه الدمياطي في معجمه وأحمد بن القلانسي وتوفي يوم الخميس سابع عشر ربيع الأول ودفن بحضرة الإمام أحمد وفيها الواعظ نجم الدين علي بن علي بن اسفنديار البغدادي ولد سنة ست عشرة وستمائة وقرأ وسمع من ابن اللتي والحسين بن رئيس الرؤساء ووعظ بدمشق فازدحم عليه الخلق وانتهت إليه رياسة الوعظ لحسن إيراده ولطف شمائله وبهجة محاسنه وتوفي في رجب وفيها شمس الدين أبو بكر وأبو عبد الله محمد بن الشيخ العماد إبراهيم بن عبد الواحد بن شرف الدين علي بن سرور المقدسي نزيل مصر قاضي قضاة الحنابلة وشيخ الشيوخ ولد يوم السبت رابع عشر صفر سنة ثلاث وستمائة بدمشق وحضر بها علي ابن (5/353) ________________________________________ 354 طبرزد وسمع من الكندي وابن الحرستاني وغيرهما وتفقه على الشيخ موفق الدين ثم رحل إلى بغداد وأقام بها مدة وسمع بها من جماعة وتفقه أيضا به وتفنن في علوم شتى وتزوج بها وولد له ثم انتقل إلى مصر وسكنها إلى أن مات بها وعظم شأنه بها وصار شيخ المذهب علما وصلاحا وديانة ورياسة وانتفع به الناس وولي بها مشيخة خانقاه سعيد السعداء وتدريس المدرسة الصالحية ثم ولي قضاء القضاة مدة ثم عزل منه واعتقل مدة ثم أطلق فأقام بمنزله يدرس بالصالحية ويفتي ويقرىء العلم إلى أن توفي قال القطب اليونيني كان من أحسن المشايخ صورة مع الفضائل الكثيرة التامة والديانة المفرطة والكرم وسعة الصدر وهو أول من درس بالمدرسة الصالحية للحنابلة وأول من ولي قضاء القضاة بالديار المصرية وكان كامل الآداب سيدا صدرا من صدور الإسلام متبحرا في العلوم مع الزهد الخارج عن الحد واحتقار الدنيا وعدم الالتفات إليها وكان الصاحب بهاء الدين يعني ابن حنا يتحامل عليه ويغري الملك الظاهر به لما عنده من الأهلية لكل شيء من أمور الدنيا والآخرة ولا يلتفت إليه ولا يخضع له حدث بالكثير وسمع منه الكبار منهم الدمياطي والحارثي والأسعردي وغيرهم وتوفي يوم السبت ثاني عشر المحرم ودفن من الغد بالقرافة عند عمه الحافظ عبد الغني انتهى وفيها الشيخ يحيى المنبجي المقرىء المتصدر بجامع دمشق لقن كثيرا من الناس وكان من أصحاب أبي عبد الله الفاسي وتوفي في المحرم وفيها شيخ الإسلام محي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حزام الفقيه الشافعي الحافظ الزاهد أحد الأعلام النواوي بحذف الألف ويجوز إثباتها الدمشقي ولد في محرم سنة إحدى وثلاثين وستمائة وقرأ القرآن ببلده وقدم دمشق بعد تسع عشرة سنة من عمره قدم به والده فسكن بالمدرسة الرواحية قال هو وبقيت نحو سنتين لم أضع جنبي إلى (5/354) ________________________________________ 355 الأرض وكان قوتي فيها جراية المدرسة لا غير وحفظت التنبيه في نحو أربعة أشهر ونصف قال وبقيت أكثر من شهرين أو أقل لما قرأت ويجب الغسل من إيلاج الحشفة في الفرج اعتقد أن ذلك قرقرة البطن وكنت أستحم بالماء البارد كلما قرقر بطني قال وقرأت وحفظت ربع المهذب في باقي السنة وجعلت أشرح وأصحح على شيخنا كمال الدين إسحق المغربي ولازمته فأعجب بي وأحبني وجعلني أعيد لأكثر جماعته فلما كانت سنة إحدى وخمسين حججت مع والدي وكانت وقفة الجمعة وكان رجيبا من أول رجل فأقمنا بالمدينة نحوا من شهر ونصف وذكر والده قال لما توجهنا من نوى أخذته الحمى فلم تفارقه إلى يوم عرفة ولم يتأوه قط قال وذكر لي الشيخ أنه كان يقرأ كل يوم اثنى عشر درسا على المشايخ شرحا وتصحيحا ودرسا في صحيح مسلم ودرسا في اللمع لابن جنى ودرسا في إصلاح المنطق لابن السكيت ودرسا في التصريف ودرسا في أصول الفقه تارة في اللمع لأبي إسحق وتارة في المنتخب لفخر الدين ودرسا في أسماء الرجال ودرسا في أصول الدين وكنت أعلق جميع ما يتعلق بها من شرح مشكل ووضوح عبارة وضبطه لغة وبارك الله لي في وقتي وخطر لي الاشتغال في علم الطب فاشتريت كتاب القانون فيه وعزمت على الاشتغال فيه فأظلم على قلبي وبقيت أياما لا أقد رعلى الاشتغال بشيء ففكرت في أمري ومن أين دخل على الداخل فألهمني الله أن سببه اشتغال بالطب فبعت القانون في الحال واستنار قلبي وقال الذهبي لزم الاشتغال ليلا ونهارا نحو عشرين سنة حتى فاق الأقران وتقدم على جميع الطلبة وحاز قصب السبق في العلم والعمل ثم أخذ في التصنيف من حدود الستين وستمائة إلى أن مات وسمع الكثير من الرضى بن البرهان والزين خالد وشيخ الشيوخ عبد العزيز الحموي وأقرانهم وكان مع تبحره في العلم وسعة معرفته بالحديث والفقه واللغة وغير ذلك (5/355) ________________________________________ 356 مما قد سارت به الركبان رأسا في الزهد وقدوة في الورع عديم المثل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قانعا باليسير راضا عن الله والله راض عنه مقتصدا إلى الغاية في ملبسه ومطعمه وأثاثه تعلوه سكينة وهيبة فالله يرحمه ويسكنه الجنة بمنه ولي مشيخة دار الحديث بعد الشيخ شهاب الدين أبي شامة وكان لا يتناول من معلومها شيئا بل يتقنع بالقليل مما يبعثه إليه أبوه انتهى وقال ابن العطار كان قد صرف أوقاته كلها في أنواع العلم والعمل بالعلم وكان لا يأكل في اليوم والليلة إلا أكلة واحدة بعد العشاء الآخرة ولا يشرب إلا شربة واحدة عند السحر ولم يتزوج ومن تصانيفه الروضة والمنهاج وشرح المهذب وصل فيه إلى أثناء الربا سماه المجموع والمنهاج في شرح مسلم وكتاب الأذكار وكتاب رياض الصالحين وكتاب الإيضاح في المناسك والإيجاز في المناسك وله أربع مناسك أخر والخلاصة في الحديث لخص فيه الأحاديث المذكورة في شرح المهذب وكتاب الإرشاد في علم الحديث وكتاب التقريب والتيسير في مختصر الإرشاد وكتاب التبيان في آداب حملة القرآن وكتاب المبهمات وكتاب تحرير ألفاظ التنبيه والعمدة في تصحيح التنبيه وهما من أوائل ما صنف وغير ذلك من المصنفات الحسنة وقال ابن ناصر الدين هو الحافظ القدوة الإمام شيخ الإسلام كان فقيه الأمة وعلم الأئمة وقال الأسنوي كان في لحيته شعرات بيض وعليه سكينة ووقار في البحث مع الفقهاء وفي غيره لم يزل على ذلك إلى أن سافر إلى بلده وزار القدس والخليل ثم عاد إليها فمرض بها عند أبويه وتوفي ليلة الأربعاء رابع عشرى رجب ودفن ببلده رحمه الله ورضي عنه وعنا به سنة سبع وسبعين وستمائة فيها توفي الشهاب بن الجزري أبو العباس أحمد بن محمد بن عيسى الأنصاري (5/356) ________________________________________ 357 الدمشقي وله أربع وستون سنة روى عن ابن اللتي وابن المقير وطبقتهما وكتب الكثير ورحل إلى ابن خليل فأكثر عنه وكان يقرأ الحديث على كرس الحائط الشمالي توفي في جمادى الآخرة وفيها الفارقاني شمس الدين اقسنقر الظاهري أستاذ دار الملك الظاهر جعله الملك السعيد نائبه فلم ترض خاصة السعيد بذلك ووثبوا على الفارقاني واعتقلوه فلم يقدر السعيد على مخالفتهم فقيل أنهم خنقوه في جمادى الأولى وكان وسيما جسيما شجاعا نبيلا له خبرة ورأي وفيه ديانة وإيثار وعليه مهابة ووقار مات في عشر الخمسين وفيها النجيبي جمال الدين أقش النجمي أستاذ دار الملك الصالح ولي أيضا للملك الظاهر استاداريته ثم نيابة دمشق تسعة أعوام وعزله بعز الدين أيدمر ثم بقي بالقاهرة مدة بطالا ولحقه فالج قبل موته بأربع سنين وكان محبا للعلماء كثير الصدقة لديه فضيلة وخبرة عاش بضعا وستين سنة وتوفي بربيع الآخر وله بدمشق خانقاه وخان ومدرسة ولم يخلف ولدا وفيها قاضي القضاة صدر الدين سليمان بن أبي العز بن وهيب الأدرعي نسبة إلى أذرعات ناحية بالشام ثم الدمشقي شيخ الحنفية أبو الفضل أحد من انتهت إليه رياسة المذهب في زمانه وبقية أصحاب الشيخ جمال الدين الحصيري درس بمصر مدة ثم قدم دمشق فاتفق موت القاضي مجد الدين ابن العديم فقلد بعده القضاء فبقي فيه ثلاثة أشهر قال ابن شهبة في تاريخ الإسلام كان من كبار العلماء وله تصانيف في مذهبه وولي القضاء بالديار المصرية والشامية واللابد الإسلامية وأذن له في الحكم حيث حل من البلاد انتهى توفي في شعبان عن ثلاث وثمانين سنة ودفن بتربة بقاسيون وفيها كمال الدين أبو محمد طه بن إبراهيم بن أبي بكر الأربلي الشافعي قال الأسنوي كان فقيها أديبا ولد بأربل وانتقل إلى مصر شابا وانتفع به خلق كثير وروى (5/357) ________________________________________ 358 عنه جماعة منهم الدمياطي ومات بمصر في جمادى الأولى وقد نيف على الثمانين وفيها مجد الدين أبو محمد عبد الله بن الحسين بن علي الكردي الأربلي الشافعي والد شهاب الدين بن المجد الذي تولى القضاء بدمشق كان المجد المذكور عارفا بالمذهب بصيرا به خبيرا بعلم القراءات خيرا دينا متعبدا حسن السمت والأخلاق سمع وأسمع ودرس بالكلاسة وتوفي في ذي القعدة وفيها الصاحب قاضي القضاة مجد الدين أبو المجد عبد الرحمن بن الصاحب كمال الدين أبي القسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة العقيلي الحلبي الحنفي المعروف بابن العديم سمع حضورا من ثابت بن مشرف وسماعا من أبي محمد بن الأستاذ وابن البن وخلق كثير وكان صدرا مهيبا وافر الحشمة عالي الهمة والرتبة عارفا بالمذهب والأدب مبالغ في التجمل والترفع مع دين تام وتعبد وصيانة وتواضع للصالحين توفي في ربيع الآخر عن أربع وستين سنة وفيها ابن حنا الوزير الأوحد بهاء الدين علي بن محمد بن سليم المصري الكاتب أحد رجال الدهر حزما ورأيا وجلالة ونبلا وقياما بأعباء الأمور مع الدين والعفة والصفات الحميدة والأموال الكثيرة وكان لا يقبل لأحد هدية إلا أن يكون من الفقراء والصلحاء للتبرك وكان من حسنات الزمان توزر للملك الظاهر ولولده السعيد ورزق أولادا ومات وهو جد جد وبنى مدرسة بزقاق القناديل بمصر وابتلي فقد ولديه الصدرين فخر الدين وهني الدين فصبر وتجلد وكان يهش للمديح قال فيه الفارقي ( وقائل قال لي نبه لها عمرا * فقلت أن عليا قد تنبه لي ) ( مالي إذا كنت محتاجا إلى عمر * من حاجة فلينم حتى انتباه على ) توفي في ذي القعدة وله أربع وسبعون سنة وفيها الحكيم الفاضل موفق الدين عبد الله بن عمر المعروف بالورل الفاضل الأديب له مشاركة (5/358) ________________________________________ 359 في علوم كثيرة وكان أكثر إقامته ببعلبك وسافر إلى مصر فلم تطل مدته أخذه قولنج فمات ومن شعره ( يذكرني نشر الحمى بهبوبه * زمانا عرفنا كل طيب بطيبه ) ( ليال سرقناها من الدهر خلسة * وقد أمنت عيناي عين رقيبه ) ( فمن لي بذاك العيش لو عادوا انقضى * ليسكن قلبي ساعة من وجيبه ) ( ألا أن لي شوقا إلى ساك الغضا * أعيد الغضا من حره ولهيبه ) وفيها الظهير العلامة مجد الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عمر بن أحمد بن أبي شاكر الأربلي الحنفي الأديب ولد سنة اثنتين وستمائة بأربل وسمع من السخاوي وطائفة بدمشق ومن الكاشغري وغيره ببغداد ودرس بالقيمارية مدة وله ديوان مشهور ونظم رائق مع الجلالة والديانة التامة توفي في ربيع الآخر وفيها ابن إسرائيل الأديب البارع نجم الدين محمد بن سوار ابن إسرائيل بن خضر بن إسرائيل الدمشقي الفقير صاحب الحريري روح المشاهد وريحانة المجامع كان فقيرا ظريفا نظيفا مليح النظم رائق المعاني لولا ما شانه بالاتحاد تصريحا مرة وتلويحا أخرى من نظمه ما كتب به إلى النجم الكحال ( يا سيد الحكماء هذي سنة * مثبوتة في الطب أنت سننتها ) ( أو كلما كلت سيوف جفون من * سفكت لواحظه الدماء سننتها ) وقال في مليح ناوله تفاحة ( لله تفاحة وافى بها سكنى * فسكنت لهبا في القلب يستعر ) ( كفأرة المسك وافاني الغزال بها * وغرة النجم حياني بها القمر ) توفي في رابع عشر ربيع الآخر عن أربع وسبعين سنة وشهر ودفن خارج باب توما عند قبر الشيخ رسلان وفيها ناصر الدين أبو عبد الله محمد بن عربشاه بن أبي بكر بن أبي نصر المحدث الهمداني ثم الدمشقي روى (5/359)

360 عن ابن الزبيدي وابن المسلم المازني وابن صباح وكتب الكثير وكان ثقة صحيح النقل توفي في جمادى الأولى قاله في العبر وفيها أبو المرجا مؤمل بن محمد بن علي البالسي ثم الدمشقي روى عن الكندي والخضر بن كامل وجماعة وتوفي في رجب سنة ثمان وسبعين وستمائة فيها توفي أبو العباس أحمد بن أبي الخير سلامة بن إبراهيم الدمشقي الحداد الحنبلي ولد سنة تسع وثمانين وخمسمائة وكان أبوه إماما بحلقة الحنابلة فمات وهذا صغير وسمع سنة ستمائة من الكندي وأجاز له خليل الداراني وابن كليب والبوصيري وخلق وعمر وروى الكثير وكان خياطا ودلالا ثم قرر بالرباط الناصري وأضر بآخره وكان يحفظ القرآن العظيم توفي يوم عاشوراء وفيها أحمد بن عبد المحسن الدمياطي الواعظ عرف بكتاكت كان له الشعر الحسن فمنه ( اكشف البرقع عن شمس العقار * واخل في ليلك مع شمس النهار ) ( وانهب العيش ودعه ينقضي * غلطا ما بين هتك واستتار ) ( إن تكن شيخ خلاعات الصبا * فالبس الصبوة في خلع العذار ) ( وارض بالعار وقل قد لذلى * في هوى خما ركاسي لبس عاري ) توفي بمصر ودفن بالقرافة وفيها القاضي صفي الدين أبو محمد إسحق بن إبراهيم بن يحيى الشقراوي الحنبلي ولد بشقرا من ضياع زرع سنة خمس وستمائة وسمع من موسى بن عبد القادر والشيخ موفق الدين وأحمد بن طاووس وجماعة وتفقه وحدث وولي الحكم بزرع نيابة عن الشيخ شمس الدين ابن أبي عمر وكان فقيها فاضلا حسن الأخلاق قال الذهبي كان رجلا خيرا فقيها حفظ النوادر والأخبار وولي قضاء زرع وأعاد بمدرسته وتوفي في يوم (5/360)

361 السبت تاسع عشر ذي الحجة ودفن بسفح قاسيون وفيها شيخ الشيوخ شرف الدين أبو بكر عبد الله بن شيخ الشيوخ تاج الدين عبد الله بن عمر بن حموية الجويني ثم الدمشقي الصوفي ولد سنة ثمان وستمائة وروى عن أبي القسم بن صصرى وجماعة وتوفي في شوال وفيها ابن الأوحد الفقيه شمس الدين عبد الله بن محمد بن عبد الله بن علي القرشي الزبيري روى عن الافتخار الهاشمي وكتب بديوان المارستان النوري وتوفي في شوال وله خمس وسبعون سنة وفيها الشيخ القدوة إسمعيل بن محمد بن إسمعيل الحضرمي نسبة إلى حضرموت قال المناوي قطب الدين الإمام الكبير العارف الشهير قدوة الفريقين وعمدة الطريقين شسخ الشافعية ومربي الصوفية كان إماما من الأئمة مذكورا وعلما من أعلام الولاية مشهورا وهو من بيت مشهور بالصلاح مقصود لليمن والنجاح أعلامه للإرشاد منصوبة وبركات أهله كالأهلة مرقومة مرقوبة وكان في بدايته يؤثر الخلوة ثم تفقه فبرع وفاق وسبق الأقران والرفاق وله عدة مؤلفات في عدة فنون تدل على تمنكه منها شرح المهذب ومختصر مسلم ومختصر بهجة المجالس وفتاوي مفيدة وكلام في التصوف يدل على كمال معرفته انتفع به جمع من الأعيان وولي قضاء الأقضية فأنكر المنكرات وأقام مواسم الخيرات ثم عزل نفسه وكتب للسلطان في شقفة من خزف يايوسف كثير شاكوك وقل شاكروك فاما عدلت واما انفصلت فغضب فلم يلتفت إليه وله كرامات قال المطري كادت تبلغ التواتر منها أن ابن معطى قيل له في النوم إذهب إلى الفقيه إسمعيل الحضرمي واقرأ عليه النحو فلما انتبه تعجب لكون الحضرمي لا يحسنه ثم قال لا بد من الامتنثال فدخل عليه وعنده جمع يقرؤون الفقه فبمجرد رؤياه قال أجزتك بكتب النحو فصار لا يطالع فيه شيئا إلا عرفه (5/361)

362 بغير شيخ ومنها أنه قصد بلدة زبيد فكادت الشمس تغرب وهو بعيد عنها فخاف أن تغلق أبوابها فأشار إلى الشمس فوقفت حتى دخل المدينة وإليه أشار الإمام اليافعي بقوله ( هو الحضرمي نجل الولي محمد * إمام الهدى نجل الإمام محمد ) ( ومن جاهه أوما إلى الشمس أن قفي * فلم تمش حتى أنزلوه بمقعد ) ومنها أنه زار مقبرة زبيد فبكى كثيرا ثم ضحك فسئل فقال كشف لي فرأيتهم يعذبون فشفعت فيهم فقالت صاحبة هذا القبر وأنا معهم يا فقيه قلت من أنت قالت فلانتة المغنية فضحكة وقلت وأنت ومنها أن بعض الصلحاء رأى المصطفى فقال له من قبل قدم الحضرمي دخل الجنة فبلغ الحكمى مفتي زبيد فقصده ليقلبها فلما وقع بصره عليه مد له رجليه انتهى ملخصا وفيها الشيخ نجم الدين بن الحكيم عبد الله بن محمد بن أبي الخير الحموي الصوفي الفقير كان له زاوية بحماة ومريدون وفيه تواضع وخدمة للفقراء وأخلاق حميدة صحب الشيخ إسمعيل الكوراني واتفق موته بدمشق فدفن عنده بمقابر الصوفية وفيها الشيخ عبد السلام بن أحمد بن الشيخ القدروة غانم بن علي المقدسي الواعظ أحد المبرزين في الوعظ والنظم والنثر توفي بالقاهرة في شوال وفيها فاطمة ابنة الملك المحسن أحمد بن السلطان صلاح الدين ولدت سنة سبع وتسعين وخمسمائة وسمعت من حنبل وابن طبرزد وفيها السلطان الملك السعيد ناصر الدين أبو المعالي محمد بن الملك الظاهر بيبرس ولد في حدود سنة ثمان وخمسين وستمائة بظاهر القاهرة وتملك بعد أبيه سنة ست وسبعين في صفر وكان شابا مليحا كريما حسن الطباع فيه عدل ولين وإحسان ومحبة للخير خلعوه من الأمر فأقام بالكرك أشهرا ومات شبه الفجأة في نصف ذي القعدة بقلعة الكرك ثم نقل بعد سنة ونصف إلى تربة والده وتملك بعده أخوه خضر (5/362)

363 وفيها ابن الصيرفي المفتي المعمر جمال الدين أبو زكريا يحيى بن أبي منصور بن أبي الفتح بن رافع الحراني الحنبلي ويعرف بابن الحبيشي سمع من عبد القادر الرهاوي بحران ومن ابن طبرزد ببغداد ومن الكندي بدمشق واشتغل على أبي بكر بن غنيمة وأبي بكر العكبري والشيخ الموفق وكان إماما عالما متفننا صاحب عبادة وتهجد وصفات حميدة توفي في رابع صفر سنة تسع وسبعين وستمائة في آخرها نزل السلطان الملك الكامل سنقر الأشقر إلى الشام غازيا فنزل قريبا من عكا فخضع له أهلها وراسلوه في الهدنة وجاء إلى خدمته عيسى بن مهنا فصفح عنه وأكرمه وفيها توفي ضياء الدين أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن محمود بن رفيعا الجدري بفتح الجيم والدال لمهملة وراء نسبة إلى جدرة حي من الأزد المقرىء الفرضي الحنبلي نزيل الموصل قرأ بالسبع على علي بن مفلح البغدادي نزيل الموصل وسمع الحديث من جماعة وصنف تصانيف في القراءات وغيرها ونظم في القراءات والفرائض قصيدة معروفة لامية وكان شيخ القراء بالموصل قرأ عليه ابن خروف الموصلي الحنبلي وأكثر عنه وسمع منه الأحكام الشيخ مجد الدين بن تيمية وأجاز لعبد الصمد بن أبي الجيش غير مرة وتوفي سادس جمادى الآخرة وفيها تقي الدين أبو محمد عبد الساتر بن عبد الحميد بن محمد بن أبي بكر الحنبلي سمع من موسى بن عبد القادر وابن الزبيدي والشيخ الموفق وبه تفقه في مذهب أحمد ومهر في المذهب وعنى به وبالسنة وجمع فيها وناظر الخصوم وكفرهم وكان صاحب حزبية وتخرق على الأشعرية فرموه بالجسيم قال (5/363)

364 الذهبي ورأيت له مصنفا في الصفات فلم أر به بأسا قال وكان متأيدا للحنابلة وفيه شراسة أخلاق مع صلاح ودين يابس توفي في ثامن شعبان عن نيف وسبعين سنة وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن داود بن الياس البعلي الحنبلي ولد سنة ثمان وتسعين وخمسمائة وسمع من الشيخ موفق الدين وابن البن وطائفة وخدم الشيخ الفقيه اليونيني مدة قال القطب بن اليونيني سمع من حنبل والكندي وابن الزبيدي ورحل إلى البلاد للسماع وخدم والدي وقرأ عليه القرآن واشتغل عليه وحفظ المقنع وعرف الفرائض وكان ذا ديانة وافرة وصدق وأمانة وتحر في شهاداته وأقواله وحدث بمسموعاته وتوفي في حادي عشرى رمضان ودفن بظاهر بعلبك وفيها ابن النن بنونات الفقيه شمس الدين محمد بن عبد الله بن محمد البغدادي الشافعي سمع من عبد العزيز بن منينا وسليمان الموصلي وجماعة وكان ثقة متيقظا توفي بالأسكندرية في رجب وله ثمانون سنة وفيها الجزار الأديب جمال الدين أبو الحسين يحيى بن عبد العظيم المصري الأديب الفاضل كان جزارا ثم استرزق بالمدح وشاع شعره في البلاد وتناقلته الرواة وكان كثير التبذير لا تكاد خلته تنسد وكان مسرفا على نفسه سامحه الله تعالى ومن شعره ( عاقبتني بالصد من غير جرم * ومحا هجرها بقية رسمي ) ( وشكوت الجوى إلى ريقها العذب * فجارت ظلما بمنع لظلم ) ( أنا حكمتها فجارت وشرع الحب * يقضي أني أحكم خصمي ) ومنها في المديح ( يا أميرا يرجى ويخشى لبأس * ونوال في يوم حرب وسلم ) ( أنت موسى وقد تفر عن ذا * الخطب ففرقه من نداك بيم ) ( لي من حرفة الجزارة والآداب * فقر يكاد ينسيني اسمي ) (5/364)

365 وله ( أكلف نفسي كل يوم وليلة * هموما على من لا أفوز بخيره ) ( كما سود القصار في الشمس وجهه * حريصا على تبييض أثواب غيره ) وكانت بينه وبين السراج الوراق مداعبة فحصل للسراج رمد فأهدى الجزار له تفاحا وكمثرى وكتب مع ذلك ( أكافيك عن بعض الذي قد فعلته * لأن لمولانا علي حقوقا ) ( بعثت خدودا مع نهود وأعينا * ولا غروان يجزي الصديق صديقا ) ( وإن حال منك العبض عما عهدته * فما حال يوما عن ولاك وثوقا ) ( بنفسج تلك العين صار شقائقا * ولؤلؤ ذاك الدمع عاد عقيقا ) ( وكم عاشق يشكو انقطاعك عندما * قطعت على اللذات منه طريقا ) ( فلا عدمتك العاشقون فطالما * أقمت لأوقات المسرة سوقا ) توفي في شوال وله ست وسبعون سنة أو نحوها ودفن بالقرافة وفيها الشيخ يوسف الفقاعي الزاهد ابن نجاح بن مرهوب كان عبد صالحا قانتا كبير القدر له أتباع ومريدون توفي في شوال ودفن بزاويته بسفح قاسيون وقد نيف على الثمانين وفيها الفقيه المعمر أبو بكر بن هلال بن عباد الحنفي عماد الدين معيد الشبلية توفي في رجب عن مائة وأربعين سنة وقد سمع في الكهولة من أبي القسم بن صصرى وغيره وفيها النجيب بن العود أبو القسم بن حسين الحلي الرافضي المتكلم شيخ الشيعة وعالمهم سكن حلب مدة فصفع بها لكونه سب الصحابة ثم سكن جزين إلى أن مات بها في نصف شعبان وله نيف وتسعون سنة وكان قد وقع في الهرم سنة ثمانين وستمائة فيها توفي الشيخ موفق الدين الكواشي بالفتح والتخفيف نسبة إلى كواشة (5/365)

366 قلعة بالموصل المفسر العلامة المقرىء المحقق الزاهد القدوة أبو العباس أحمد ابن يوسف بن حسن بن رافع بن حسين الشيباني الموصلي الشافعي ولد بكواشة سنة إحدى وتسعين وخمسمائة واشتغل فبرع في القراءات والتفسير والعربية والفضائل وقدم دمشق فأخذ عن السخاوي وغيره وحج وزار بيت المقدس ورجع إلى بلده وتعبد قال الذهبي كان منقطع القرين عديم النظير زهدا وصلاحا وتبتلا وصدقا واجتهادا كان يزوره السلطان فمن دونه ولا يعبأ بهم ولا يقوم لهم ويتبرم بهم ولا يقبل لهم شيئا وله كشف وكرامات وأضر قبل موته بنحو من عشر سنين وصنف التفسير الكبير والصغير وأخذ عنه القراءات محمد بن علي بن خروف الموصلي وغيره وتوفي في سابع عشر جمادى الآخرة وفيها جيعان إبراهيم بن سعيد الشاغوري الموله مات في جمادى الأولى وكان من أبناء السبعين على قاعدة المولهين من عدم التعبد بصلاة أو صيام أو طهارة وللعامة فيه اعتقاد يتجاوز الوصف لما يرون من كشفه وكلامه على الخواطر وقد شاركه في ذلك الكاهن والراهب والمصروع فانتفت الولاية قاله في العبر وفيها أبغ ملك التتار وابن ملكهم هلاكو بن فاان بن جنكز خان مات بنواحي همذان بين العيدين وله نحو خمسين سنة وفيها الحاج عز الدين ازدمر الجمدار الذي ولي نيابة السلطنة بدمشق لسنقر الأشقر كان ذا معرفة وفضيلة وعنده مكارم كثيرة استشهد على حمص مقبلا غير مدبر وله بضع وخمسون سنة وفيها الكمال أبو محمد عبد الرحيم بن عبد الملك بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي الصالح سمع من ابن طبرزد والكندي وعدة وتوفي في عاشر جمادى الأولى وفيها المجد بن الخليل عبد العزيز بن الحسين الداري والد الصاحب فخر الدين سمع من أبي الحسين بن (5/366)

367 جبير الكتاني والفتح بن عبد السلام وطائفة وكان رئيسا دينا خيرا توفي بدمشق في ربيع الآخر عن إحدى وثمانين سنة وفيها ولي الدين الزاهد أبو الحسن علي بن أحمد بن بدر الخجندي الشافعي الفقيه نزيل بيت لهيا كان صاحب حال وكشف وعبادة وتبتل توفي في شوال وقد قار الستين وفيها أبو الحسن علي بن محمود بن حسن بن نبهان المنجم الأديب عاش خمسا وثمانين سنة وروى عن ابن طبرزد والكندي تركه بعض العلماء لأجل التنجيم وفيها ابن بنت الأعز قاضي القاضة صدر الدين عمر ابن قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب بن خلف الشافعي العلامي المصري ولد سنة خمس وعشرين وستمائة وسمع من الزكي المنذري والرشيد العطار وولي قضاء الديار المصرية في جمادى الأولى سنة ثمان وسبعين وعزل سنة تسع وفي رمضان وقيل أنه عزل نفسه واقتصر على تدريس الصالحية قال الذهبي كان فقيها عارفا بالمذهب يسلك طريقة والده في التحري والصلابة وكان فيه دين وتعبد ولديه فضائل وكان عظيم الهيبة وافر الجلالة عديم المزاح بارا بالفقهاء مؤثرا متصدقا وكان والده يحترمه ويتبرك به درس بأماكن وتوفي يوم عاشوراء وفيها الأمير الأربلي العدل أبو محمد القسم بن أبي بكر ابن القسم بن غنيمة رحل مع أبيه وله بضع عشرة سنة فذكر وهو صدوق أنه سمع جميع صحيح مسلم من المؤيد الطوسي ورواه بدمشق فسمعه منه الكبار وتوفي في جمادى الأولى وله خمس وثمانون سنة وفيها ابن سني الدولة قاضي القضاة نجم الدين محمد بن قاضي القضاة صدر الدين أحمد بن قاضي القضاة شمس الدين يحيى الدمشقي الشافعي ولد سنة ست عشرة وستمائة واشتغل وتقدم وناب عن والده ثم ولي قضاء حلب ثم ولي قضاء دمشق ثم عزل بعد سنة بابن خلكان ثم سكن مصر مدة وصودر وتعب ثم ولي قضاء حلب ودرس بالأمينية وغيرها وكان يعد من كبار الفقهاء العارفين بالمذهب مع (5/367)

368 الهيبة والتحري موصوفا بجودة النقل مشهورا بالصرامة والهمة العالية حدث عن أبي القسم بن صصرى وغيره وتوفي في مان المحرم ودفن بقاسيون وفيها شمس الدين محمد بن مكتوم البعلي الفاضل الأديب توفي شهيدا في وقعت حمص ومن شعره ( رام أن يترك الهوى فبدا له * إذ رأى حسن وجهه قد بدا له ) ( كلما لمته على الحب يزداد * ضلالا فخله وضلاله ) ( كيف يرجى الشفاء يوما لصب * لم يحاك السقام الا خياله ) ( ناقص صبره كثير بكاه * لو رآه عدوه لرثا له ) ( دنف ظل مستهاما ببدر * عمه الوجد حين عاين خاله ) ( أنا صب له وإن حال عني * وعبيد له على كل حاله ) ( فاق كل الورى جمالا وحسنا * ضاعف الله حسنه وجماله ) وفيها ابن المجبر الكتبي شرف الدين محمد بن أحمد بن إبراهيم القرشي الدمشقي ولد سنة عشر وستمائة وسمع من أبي القسم بن صصرى وطائفة ورحل وأكثر عن الأنجب الحمامي وطبقته وكتب الكثير بالخط الحسن ولكنه لم يكن ثقة في نقله توفي في ذي القعدة ولم يكن عليه أنس الحديث الله يسامحه قال الذهبي وفيها ابن رزين قاضي القضاة شيخ الإسلام تقي الدين أبو عبد الله محمد بن الحسين بن رزين بن موسى العامري الحموي الشافعي ولد سنة ثلاث وستمائة في شعبان بحماة واشتغل من الصغر فحفظ التنبيه في صغره ثم حفظ الوسيط والمفصل والمستصفى للغزالي إلى غير ذلك وبرع في الفقه والعربية والأصول وشارك في المنطق والكلام والحديث وفنون العلم وأفتى وله ثمان عشرة سنة وقدم دمشق فلازم ابن الصلاح وقرأ القراءات على السخاوي وسمع منهما ومن غيرهما وأخذ العربية عن ابن يعيش وكان يفتي بدمشق في أيام ابن الصلاح ويؤم بدار الحديث ثم ولي وكالة بيت (5/368)

369 المال في أيام الناصر مع تدريس الشامية ثم تحول من هلاكو إلى مصر واشتغل ودرس بالظاهرية ثم ولي قضاء القضاة فلم يأخذ عليه رزقا تدينا وورعا ودرس بالشافعي وامتنع من أخذ الجامكية وولي عدة جهات وظهرت فضائله الباهرة وتفقه به عدة أئمة وانتفعوا بعلمه وهديه وسمته وورعه وممن نقل عنه الإمام النووي وتوفي رحمه الله تعالى بالقاهرة في ثالث رجب وفيها الجمال بن الصابوني الحافظ أبو حامد محمد بن علي بن محمود شيخ دار الحديث النورية ولد سنة أربع وستمائة وسمع من أبي القسم بن الحرستاني وخلق كثير وكتب العالي والنازل وبالغ وحصل الأصول وجمع وصنف واختلط قبل موته بسنة أو أكثر وتوفي في نصف ذي القعدة وفيها ابن أبي الدنية مسند العراق شهاب الدين أبو سعد محمد بن يعقوب بن أبي الفرج البغدادي ولد سنة تسع وثمانين وخمسمائة وسمع من أبي الفتح المندائي وضياء بن الخريف والأبار وأجاز له ذاكر بن كامل وابن كليب وولي مشيخة المستنصرية إلى أن توفي في ثامن عشر رجب وفيها ابن علان القاضي الجليل شمس الدين أبو الغنايم المسلم بن محمد بن المسلم بن مكي بن خلف القيسي الدمشقي ولد سنة أربع وتسعين وخمسمائة وسمع الكثير من حنبل وابن طبرزد وابن مندويه وغيرهم وأجاز له الخشوعي وجماعة وكان من سروات الناس توفي في ذي الحجة وفيها البدر يوسف بن لولو الشاعر المشهور قال الذهبي كان من كبار شعراء الدولة الناصرية ومن الأدبار الظراف من شعره وقد تكاثرت الأمطار بدمشق ( أن ألح الغيث شهرا هكذا * جاء بالطوفان والبحر المحيط ) ( ما هم من قوم نوح ياسما * اقلعي فهم من قوم لوط ) وكتب إلى ابن إسرائيل وكان يهوى غلاما اسمه جارح ( قلبك اليوم طائر * عنك أم في الجوانح ) (5/369)

370 ( كيف يرجى خلاصه * وهو في كف جارح ) ثم بلغه أنه تركه فقال ( خلصت طائر قلبك العاني الذي * من جارح يغدو به ويروح ) ( ولقد يسر خلاصه إن كنت قد * خلصته منه وفيه روح ) توفي في شعبان وقد نيف على سبعين سنة وفيها المزي الفقيه شمس الدين أبو بكر بن عمر بن يونس الحنفي روى البخاري عن ابن مندويه والعطار ومسلما عن ابن الحرستاني وعاش سبعا وثمانين سنة وتوفي في شعبان سنة إحدى وثمانين وستمائة فيها وصلت رسل أحمد بن هلاكو بأنه استقر في المملكة إلى بغداد عوض أخيه وأمر ببناء المساجد والجوامع وإقامة الشرع الشريف على ما كان في زمن الخلفاء ووصلت رسله إلى الشام ومصر وكان منهم الشيخ قطب الدين الشيرازي وفيها كان بدمشق الحريق العظيم الذي لم يسمع بمثله أقامت النار ثلاثة أيام ليلا ونهارا وكان مبدؤه من الذهبيين وذهب للناس شيء كثير ولكن لم يحترق فيه أحد من الناس ومن جملة ما ذهب للشيخ شمس الدين الكتبي عرف بالفشوشة خمسة عشر ألف مجلد وحكى السيد جمال الدين بن السراج البصروي قال تبنا في الجامع وإذا الهواء القي ورقة من الحريق مكتوب فيها ( سلم الأمر راضيا * جف بالكائن القلم ) ( ليس في الرزق حيلة * إنما الرزق في القسم ) ( جل من يرزق الضعيف * وهو لحم على وضم ) ( إن الخلق خالقا * لا مرد لما حكم ) وفيها توفي الأمين الأشتري الإمام أبو العباس أحمد بن عبد الله بن عبد الجبار (5/370)

371 ابن طلحة بن عمر بن الأشتر الشافعي الحلبي ثم الدمشقي ولد في شوال سنة خمس عشرة وستمائة وسمع من أبي محمد بن علوان والقزويني وابن روزبة وخلق وكان بصيرا بالمذهب ورعا صالحا جمع بين العلم والعمل والإنابة والديانة التامة بحيث أن الشيخ محي الدين النووي كان إذا جاءه شاب يقرأ عليه يرشده القراءة على المذكور لعلمه بدينه وعفته قال المزي كان ممن يظن به أنه لا يحسن أن يعصي الله تعالى وقال الذهبي كان بارز العدالة كبير القدر مقبلا على شأنه سرد الصوم أربعين سنة توفي فجأة بدمشق في ربيع الأول وفيها ابن خلكان قاضي القضاة شمس الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان البرمكي الأربلي الشافعي ولد بأربل سنة ثمان وستمائة وسمع البخاري من ابن مكرم وأجاز له المؤيد الطوسي وجماعة وتفقه بالموصل على كمال الدين بن يونس وبالشام على ابن شداد ولقي كبار العلماء وبرع في الفضائل والآداب وسكن مصر مدة وناب في القضاء ثم ولي قضاء الشام عشر سنين وعزل بابن الصايغ سنة تسع وستين فأقام سبع سنين معزولا بمصر ثم رد إلى قضاء الشام ثم عزل ثانيا في أول سنة ثمانين واستمر معزولا وبيده الأمينية والنجيبية قال الشيخ تاج الدين الفزاري في تاريخه كان قد جمع حسن الصورة وفصاحة المنطق وغزارة الفضل وثبات الجأش ونزاهة النفس وقال الذهبي كان إماما فاضلا متقنا عارفا بالمذهب حسن الفتاوى جيد القريحة بصيرا بالعربية علامة في الأدب والشعر وأيام الناس كثير الاطلاع حلو المذاكرة وافر الحرمة من سروات الناس كريما جوادا ممدحا وقد جمع كتابا نفيسا في وفيات الأعيان انتهى ولله در القائل ( مازلت تلهج بالأموات تكتبها * فقد رأيتك في الأموات مكتوبا ) ومن محاسنه أنه كان لا يجسر أحد أن يذكر أحدا عنده بغيبة حكى انه جاءه إنسان فحدثه في أذنه أن عدلين في مكان يشربان الخمر فقام من مجلسه ودعا (5/371)

372 برجل وقال اذهب إلى مكان كذا وأمر من فيه بإصلاح أمرهما وإزالة ما عندهما ثم عاد فجلس مكانه إلى أن علم أن نقيبه قد حضر فدعا بذلك الرجل وقال أنا أبعث معك النقيب فإن كنت صادقا ضربتهما الحد وإن كنت كاذبا أشهرتك وقطعت لسانك وجهز النقيب معه فلم يجدوا غير صاحب البيت وليس عنده شيء من ذلك فأحضر الدرة وهدده فشفع النقيب فيه فقبل شفاعته ثم أحضر له مصحفا وحلفه أن لا يعود يقذف عرض مسلم وله النظم الفائق فمنه قوله ( يا سادتي إني قنعت وحقكم * في حبكم منكم بأيسر مطلب ) ( إن لم تجودوا بالوصال تعطفا * وقصدتم هجري وفطر تجنبي ) ( لا تحرموا عيني القريحة أن ترى * يوم الخميس جمالكم في الموكب ) ( قسما بوجدي في الهوى وتحرقي * وتحيري وتلهفي وتلهبي ) ( لو قلت لي جدلي بروحك لم أقف * فيما أمرت وإن شككت فجرب ) ( وحياة وجهك وهو بدر طالع * وبياض غرتك التي كالغيهب ) ( وبقامة لك كالقضيب ركبت من * أخطارها في الحب أصعب مركب ) ( لو لم أكن في رتبة أرعى لها * العهد القديم صيانة للمنصب ) ( لهتكت ستري في هواك ولذلي * خلع العذار ولج فيك مؤنبي ) ( لكن خشيت بأن تقول عواذلي * قد جن هذا الشيخ في هذا الصبي ) وله في ملاح يسبحون ( وسرب ظباء في غدير تخالهم * بدورا بأفق الماء تبدو وتغرب ) ( يقول خليلي والغرام مصاحبي * أمالك عن هذه الصبابة مذهب ) ( وفي دمك المطول خاضوا كما ترى * فقلت له دعهم يخوضوا ويلعبوا ) وتوفي رحمه الله تعالى في رجب ودفن بالصالحية قال ابن شهبة قال الأسنوي خلكان قرية كذا قال وهو وهم وإنما هو اسم لبعض أجداده (5/372)

373 انتهى وقال الأسنوي في طبقاته هو صاحب التاريخ المعروف وهو ولد الشهاب محمد بيته كما ترى من أجل البيوت ولكن تلعب الدهر بنابه ما بين لهيب وخبوت وتلعب بتذكاره ما بين ظهور وخفوت وقد أوضح هو حاله في تاريخه مفرقا انتهى ملخصا وفيها البرهان بن الدرجي أبو إسحق إبراهيم بن إسمعيل بن إبراهيم بن يحيى القرشي الدمشقي الحنفي إمام مدرسة الكشك روى عن الكندي وأبي الفتوح البكري وأجاز له أبو جعفر الصيدالاني وطائفة وروى المعجم الكبير للطبراني وتوفي في صفر وفيها ابن المليحي مسند القراء بالديار المصرية فخر الدين أبو الطاهر إسمعيل بن هبة الله بن علي المقرىء المعدل ولد سنة بضع وثمانين وخمسمائة وقرأ القراءات على أبي النجود فكان آخر من قرأ عليه وفاة وسمع الحديث من أبي عبد الله بن البنا وغيره وتوفي في رمضان وفيها الشيخ عبد الله كتيلة بن أبي بكر الحربي الفقير الصوفي الحنبلي بقية شيوخ العراق كان صاحب أحوال وكرامات وله أتباع وأصحاب تفقه وسمع الحديث وصحب الشيوخ ومات في عشر الثمانين قال ابن رجب ولد سنة خمس وستمائة وسمع الحديث بدمشق من الحافظ الضياء المقدسي وسليمان الأسعردي وأجاز له الشيخ موفق الدين وتفقه في المذهب ببغداد على القاضي أبي صالح وبحران على مجد الدين بن تيمية وابن تميم صاحب المختصر وبدمشق على الشيخ شمس الدين بن أبي عمر وغيره وبمصر على أبي عبد الله بن حمدان ونقل عنهم فوائد وشرح كتاب الخرقي وسماه المهم وله تصانيف أخر منها مجلد في أصول الدين سماه العدة للشدة ومصنف في السماع وحدث وسمع منه عبد الرزاق بن الفوطي وغيره وكان قدوة زاهدا عابدا ذا أحوال وكرامات وقال الذهبي كان مع جلالته يترنم ويغني لنفسه في بعض الأوقات وكان فيه كيس وظرف وبشاشة توفي رحمه الله يوم الجمعة (5/373)

374 منتصف رمضان ببغداد وفيها جلال الدين أبو محمد عبد الجبار بن عبد الخالق بن محمد بن نصر الزاهد الفقيه الحنبلي المفسر الأصولي الواعظ ولد سنة عشر وستمائة ببغداد وسمع من ابن المني وغيره واشتغل بالفقه والأصول والتفسير والوعظ والطب وبرع في ذلك وله النظم والنثر والتصانيف الكثيرة منها تفسير القرآن في ثمان مجلدات ولم يزل على ذلك إلى واقعة بغداد فأسر واشتراه بدر الدين صاحب الموصل فحمله إلى الموصل فوعظ بها ثم حدره إلى بغداد فاستمر بها صدرا إلى أن توفي في يوم الإثنين سابع عشرى شعبان وكان له يوم مشهود وفيها الشيخ زين الدين الزواوي الإمام أبو محمد عبد السلام بن علي بن عمر بن سيد الناس المالكي القاضي المقرىء شيخ المقرئين ولد ببجابة سنة تسع وثمانين وخمسمائة وقرأ القراءات بالأسكندرية على ابن عيسى وبدمشق على السخاوي وبرع في الفقه وعلوم القرآن والزهد والإخلاص وولي مشيخة الأقراء بتربة أم الصالح اثنتين وعشرين سنة وقرأ عليه عدد كثير وولي القضاء تسعة أعوام ثم عزل نفسه يوم موت رفيقه القاضي شمس الدين بن عطاء واستمر على التدريس والأقراء إلى أن توفي في رجب وفيها البرهان المراغي أبو الثناء محمود بن عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد الشافعي العلامة الأصولي ولد سنة خمس وستمائة وحدث عن أبي القسم بن رواحة وكان مع سعة فضائله وبراعته في العلوم صالحا متعبدا متعففا عرض عليه القضاء ومشيخة الشيوخ فامتنع ودرس مدة بالفلكية وأفتى واشتغل بالجامع مدة طويلة وحدث عنه المزي والبرزالي وابن العطار وجماعة وكان شيخا طوالا حسن الوجه مهيبا متصوفا لطيف الأخلاق كريم الشمائل مكمل الأدوات وكان عليه وعلى الشيخ تاج الدين مدار الفتوى بدمشق توفي في ربيع الآخر ودفن بمقابر الصوفية وفيها أبو المرهف المقداد بن (5/374)

375 أبي القسم هبة الله بن علي بن المقداد الإمام نجيب الدين القيسي الشافعي ولد سنة ستمائة ببغداد وسمع بها من ابن الأخضر وأحمد بن الدبيثي وبمكة من ابن الحصري وابن البنا وروى الكثير وكان عدلا خيرا تاجرا توفي في ثامن شعبان بدمشق وفيها منكوتمر أخو أبغا بن هلاكو المغلى طاغية التتار كان نصرانيا جرح يوم المصاف على حمص وحصل له ألم وغم بالكسرة فاعتراه فيما قيل صرع متدارك كما اعترى أباه فهلك في أوائل المحرم بقوجه من جزيرة ابن عمر وله ثلاثون سنة وكان شجاعا جريئا مهيبا وفيها جمال الدين أبو إسحق يوسف بن جامع بن أبي البركات البغدادي القصصي الضرير المقرىء النحوي الحنبلي الفرضي ولد سابع رجب سنة ست وستمائة بالقصص من أعمال بغداد وقرأ القرآن بالروايات على أبي عبد الله محمد بن سالم صاحب البطائحي وغيره وسمع الحديث من عمر بن عبد العزيز ابن الناقد وأخته تاج النساء عجيبة وأجاز له ابن منينا وغيره وبرع في العربية والقراءات والفرائض وغير ذلك وانتفع الناس به في هذه العلوم وصنف فيها التصانيف الحسنة قال إبراهيم الجعبري هو جماعة لعلوم القرآن قرأت عليه كتبا كثيرة في ذلك وقال الذهبي كان مقرىء بغداد عارفا باللغة والنحو بصيرا بعلل القراءات متصديا لأقرائها دخل دمشق ومصر وسمع من شيوخهما جم الفضائل لا يتقدمه أحد في زمانه في الإقراء توفي يوم الجمعة تاسع عشرى سفر ببغداد ودفن بباب حرب سنة اثنتين وثمانين وستمائة فيها توفي إسماعيل بن أبي عبد الله العسقلاني ثم الصالحي في ذي القعدة وله ست وثمانون سنة سمع من حنبل وابن طبرزد والكبار وكان أميا لا يقرأ ولا يكتب (5/375)

376 وفيها أمير آل مري أحمد بن حجي كان يدعى أنه من نسل البرامكة وأنه ابن عم قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان وكانت سراياه تصل إلى أقصى نجد وأهل الحجاز يؤدون له الخفر وفيها شهاب الدين أبو المحاسن وأبو أحمد عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحراني نزيل دمشق الحنبلي ابن المجد وأبو شيخ الإسلام تقي الدين ولد سنة سبع وعشرين وستمائة بحران وسمع من والده وغيره ورحل في صغره إلى حلب فسمع بها من ابن اللتي وابن رواحة ويوسف بن خليل ويعيش النحوي وغيرهم وتفقه بوالده وتفنن في الفضائل قال الذهبي قرأ المذهب حتى أتقنه على والده ودرس وأفتى وصنف وصار شيخ البلد بعد أبيه وخطيبه وحاكمه وكان إماما محققا كثير الفنون له يد طولى في الفرائض والحساب والهيئة دينا متواضعا حسن الأخلاق جوادا من حسنات العصر تفقه عليه ولداه أبو العباس وأبو محمد وحدثنا عنه على المنبر ولده وكان قدومه إلى دمشق بأهله وأقاربه مهاجرا سنة سبع وستين وكان من أنجم الهدى وإنما اختفى من نور القمر وضوء الشمس يشير إلى أبيه وابنه وقال البرزالي كان من أعيان الحنابلة باشر بدمشق مشيخة دار الحديث السكرية بالقصاعين وبها كان يسكن وكان له كرسي بالجامع يتكلم عليه أيام الجمع من حفظه ولما توفي خلفه فيهما ولده أبو العباس وله تعاليق وفوائد ومصنف في علوم عدة توفي ليلة الأحد سلخ ذي الحجة ودفن من الغد يقال بسفح قاسيون وفيها الجمال الجزائري أبو محمد عبد الله بن يحيى العتابي المحدث نزيل دمشق روى عن أبي الخطاب ابن دحية والسخاوي وخلق وكتب الكثير وصار من أعيان الطلبة مع العبادة والتواضع توفي في شوال وفيها شيخ الإسلام وبقية الأعلام شمس الدين أبو الفرج وأبو محمد عبد الرحمن بن القدوة والزاهد أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ثم الصالحي الحنبلي ولد في (5/376)

377 أول شوال وقيل في المحرم سنة سبع وتسعين وخمسمائة بدير والده بسفح قاسيون وسمع من أبيه وعمه الشيخ موفق الدين ومن ابن طبرزد وحنبل وأبي اليمن الكندي وأبي القسم بن الحرستاني وابن ملاعب وجماعة مستكثرة وأجاز له الصيدلاني وابن الجوزي جماعة وسمع من أصحاب السلفي وعنى بالحديث وكتب بخطه الأجزاء والطباق وتفقه على عمه شيخ الإسلام موفق وشرح كتاب عمه المقنع في عشر مجلدات ضخمة وأخذ الأصول عن السيف الآمدي ودرس وأفتى وأقرأ العلم زمانا طويلا وانتفع به الناس وانتهت إليه رياسة المذهب في عصره بل رياسة العلم في زمانه وكان معظما عند الخاص والعالم عظيم الهيبة لدى الملوك وغيرهم كثير الفضائل والمحاسن متين الديانة والورع وقد جمع المحدث إسمعيل بن الخباز ترجمته وأخباره في مائة وخمسين جزءا قال الحافظ الذهبي ما رأيت سيرة عالم أطول منها أبدا وقال الذهبي أيضا في معجم شيوخه في ترجمة الشيخ شمس الدين شيخ الحنابلة بل شيخ الإسلام وفقيه الشام وقدوة العباد وفريد وقته ومن اجتمعت الألسن على مدحه والثناء عليه حدث نحوا من ستين سنة وكتب عنه أبو الفتح بن الحاجب وقال سألت عنه الحافظ الضياء فقال إمام عالم خير قال الذهبي وكان الشيخ محي الدين النواوي يقول هو أجل شيوخي وأول ما ولي مشيخة دار الحديث سنة خمس وستين وستمائة حدث عنه بها وقال ابن رجب روى عنه محي الدين النووي في كتاب الرخصة في القيام له فقال أنبأ الشيخ الإمام المتفق على إمامته وفضله وجلالته القاضي أبو محمد عبد الرحمن ابن الشيخ الإمام العالم العامل الزاهد أبي عمر المقدسي رضي الله عنه وقال الذهبي وروى عنه أيضا الشيخ زين الدين أحمد بن عبد الدايم وهو أكبر منه وأسند وذكره في تاريخه الكبير وأطال ترجمته وذكر فضائله وعباداته وأوراده وكرمه ونفعه العام وأنه حج ثلاث مرات وكان آخرها قد رأى النبي صلى الله عليه سولم في المنام يطلبه فحج ذلك العام وحضر (5/377)

378 الفتوحات وأنه كان رقيق القلب سريع الدمعة كثير الذكر لله والقيام بالليل محافظا على صلاة الضحى ويصلي بين العشاءين ما تيسر ويؤثر بما يأتيه من صلات الملوك وغيرهم وكان متواضعا عند العامة مترفعا عند الملوك وكان مجلسه عامرا بالفقهاء والمحدثين وأهل الدين وأوقع الله محبته في قلوب الخلق وكان كثير الاهتمام بأمور الناس لا يكاد يعلم بمريض إلا افتقده ولا مات أحد من أهل الجبل إلا شيعه وذكر فخر الدين البعلبكي أنه منذ عرفه ما رآه غضب وعرفه نحو خمسين سنة وقد ولي القضاء مدة تزيد على اثنتي عشرة سنة على كره منه ولم يتناول عليه معلوما ثم عزل نفسه في آخر عمره وبقي قضاء الحنابلة شاغرا حتى ولي ولده نجم الدين في آخر حياة الشيخ وكان الشيخ ينزل في ولايته الحكم على بهيمة إلى البلد وقد ذكر أبو شامة في ذيله ولاية الشيخ سنة أربع وستين قال جاء من مصر ثلاثة عهود بقضاء القضاة ثلاثة ابن عطاء والزواوي وابن أبي عمر فلم يقبل المالكي والحنبلي وقبل الحنفي ثم ورد الأمر بإلزامهما بذلك وقيل إن لم يقبلاها وألا يؤخذ ما بأيديهما من الأوقاف ففعلا من أخذ جامكية وقالا نحن في كفاية فأعفيا منها وبقي بعد عزل نفسه متوفرا على العبادة والتدريس وأشغال الطلبة والتصنيف وكان أوحد زمانه في تعدد الفضائل والتفرد بالمحامد ولم يكن له نظير في خلقه ورياضته وما هو عليه وانتفع به خلق كثير وممن أخذ عنه العلم الشيخ تقي الدين بن تيمية والشيخ مجد الدين إسمعيل بن محمد الحراني وكان يقول ما رأيت بعيني مثله وروى عنه خلق كثير من الأئمة والحافظ منهم الشيخ تقي الدين بن تيمية وأبو محمد الحارثي وأبو الحسن بن العطار والمزي والبرزالي وغيرهم وتوفي رحمه الله ليلا الثلاثاء سلخ ربيع الآخر ودفن من الغد عند والده بسفح قاسيون وكانت جنازته مشهودة حضرها أمم لا يحصون ويقال أنه لم يسمع بمثلها من دهر طويل قال الذهبي رأيت وفاة الشيخ شمس الدين بن أبي عمر بخط شيخنا (5/378)

شيخ الإسلام ابن تيمية فمن ذلك 379 توفي شيخنا الإمام سيد أهل الإسلام في زمانه وقطب فلك الأيام في أوانه وحيد الزمان حقا حقا وفريد العصر صدقا صدقا الجامع لأنواع المحاسن والمعالي البريء عن جميع النقائص والمساوي القارن بين خلتي العلم والحلم والحسب والنسب والعقل والفضل والخلق والخلق ذو الأخلاق الزكية والأعمال المرضية مع سلامة الصدر والطبع واللطف والرفق وحسن النية وطيب الطوية حتى أن كان المتعنت يطلب له عيبا فيعوزه إلى أن قال وبكت عليه العيون بأسرها وعم مصابه جميع الطوائف وسائر الفرق فأي جمع ما سجم وأي أصل ما جذم وأي ركن ما هدم وأي فضل ما عدم ياله من خطب ما أعظمه ومصاب ما أفخمه وبالجملة فقد كان الشيخ أوحد العصر في أنواع الفضائل هذا حكم مسلم من جميع الطوائف وكان مصابه أجل من أن تحيط به العبارة فرحمه الله ورضي عنه وأسكنه بحبوحة جنته ونفعنا بمحبته أنه جواد كيم انتهى وفيها العماد الموصلي أبو الحسن علي بن يعقوب ابن أبي زهران المقرىء الشافعي أحد من انتهت إليه رياسة الأقراء قرأ على ابن وثيق وغيره وكان فصيحا مفوها وفقيها مناظرا تكرر على الوجيز للغزالي وتوفي في صفر وله إحدى وستون سنة وفيها ابن أبي عصرون محي الدين أبو الخطاب عمر بن محمد بن القاضي أبي سعد عبد الله بن محمد التميمي الدمشقي الشافعي سمع في الخامسة من عمره من ابن طبرزد وسمع من الكندي وغيره وتعاني الجندية ودرس بمدرسة جده بدمشق وتوفي فجأة في ذي القعدة وفيها المقدسي المفتي شمس الدين محمد بن أحمد بن نعمة الشافعي مدرس الشامية ولي نيابة القضاء عن ابن الصايغ وكان بارعا في المذهب متين الديانة خيرا ورعا توفي في ثاني عشر ذي القعدة قاله في العبر وقال الأسنوي في طبقات الشافعية أبو العباس أحمد الملقب شرف الدين كان إماما في الفقه والأصول والعربية والنظر حاد الذهن دينا متنسكا متواضعا حسن الأخلاق والاعتقاد (5/379)

380 لطيف الشمائل طويل الروح على الاشتغال يكتب الخط الفائق المنسوب انتهت إليه رياسة المذهب بعد الشيخ تاج الدين بن الفركاح وتخرج به جماعة وصنف في الأصول تصنيفا جيدا ودرس بالشامية البرانية والغزالية وتولي مشيخة دار الحديث النورية وخطابة الجامع وناب في الحكم عن ابن الخويني وكان نظيره في العلوم توفي في رمضان سنة أربع وتسعين وستمائة وقد نيف على السبعين وأما أخوه فهو شمس الدين محمد تفقه وبرع في المذهب وكان ممن جمع بين العلم والدين المتين اشترك هو والقاضي عز الدين ابن الصايغ في الشامية البرانية ثم استقل بها عند تولية ابن الصايغ وكالة بيت المال وناب في الحكم عن ابن الصايغ وسمع وحدث وتوفي ثاني عشر ذي القعدة سنة اثنتين وثمانين وستمائة وقد جاوز الخمسين انتهى كلام الأسنوي وفيها ابن الحرستاني خطيب دمشق محي الدين أبو حامد محمد بن الخطيب عماد الدين عبد الكريم بن القاضي أبي القسم عبد الصمد بن الحرستاني الأنصاري الشافعي الخزرجي ولد سنة أربع عشرة وستمائة وسمع من ابن صصرى وغيره ودرس وأفتى وأشغل وكان قوي المشاركة في العلوم على خطابته طلاوة وروح قال ابن كثير كان صينا دينا فقيها نبيها فاضلا شاعرا مجيدا بارعا ملازما منزله فيه عبادة وتنسك وانقطاع طيب الصوت في الخطبة عليه روح بسبب تقواه توفي في جمادى الآخرة ودفن بالصالحية انتهى وفيها ابن القواس شرف الدين محمد بن عبد المنعم بن عمر بن عبد الله بن غدير الطائي الدمشقي ولد سنة اثنتين وستمائة وسمع من الكندي وابن الحرستاني والخضر بن كامل وكان شيخا متميزا حسن الديانة توفي في ربيع الآخر وفيها العماد بن الشيرازي القاضي الرئيس أبو الفضل محمد بن محمد بن هبة الله بن محمد الدمشقي صاحب الخط المنسوب ولد سنة خمس وستمائة وسمع من ابن الحرستاني وداود بن ملاعب وكتب على الولي وانتهت (5/380)

381 إليه رياسة التجويد مع الحشمة والوقار وتوفي في ثامن عشر صفر وكان مرضه أربعة أيام وفيها الحافظ ابن جعوان بالجيم والواو وبينهما مهملة محمد بن محمد بن عباس بن أبي بكر بن جعوان بن عبد الله الأنصاري الدمشقي الشافعي كان إماما حافظا متقنا نحويا توفي قبيل الكهولة ولم يبلغ من التسمع مأموله قاله ابن ناصر الدين وفيها الرشيد العامري محمد بن أبي بكر بن محمد بن سليمان الدمشقي سمع دلائل النبوة وصحيح مسلم من ابن الحرستاني وجزء الأنصاري من الكندي وتوفي في ذي الحجة قاله في العبر وفيها المحي بن القلانسي الصدر الأوحد أبو الفضل يحيى بن علي بن محمد بن سعد التميمي الدمشقي ولد سنة أربع عشرة وستمائة وسمع من ابن الموفق وابن البن وطائفة وتوفي في شوال سنة ثلاث وثمانين وستمائة في شعبان كانت الزيادة الهائلة بدمشق بالليل وكان عسكر المصريين بالوادي فذهب لهم ما لا يوصف وخربت البيوت وانطمت الأنهار وكسر الماء أقفال باب الفراديس ودخل حتى وصل إلى مدرسة المقدمية وكسر جسر باب الفراديس وفيها توفي ابن المنير العلامة ناصر الدين أحمد بن محمد بن منصور الجذامي الجروي الأسكندراني المالكي قاضي الأسكندرية وفاضلها المشهور ولد سنة عشرين وستمائة وبرع في الفقه والأصول والنظر والعربية والبلاغة وصنف التصانيف وتوفي في أول ربيع الأول وفيها الملك أحمد بن هلاكو المغلى ولي السلطنة بعد أخيه أبغا أسلم وهو صبي ويسر له قرين صالح وهو الشيخ عبد الرحمن الذي قدم الشام رسولا وسعى في الصلح مات وله بضع وعشرون سنة وكان قليل الشر مائلا إلى الخير ومات أيضا عبد الرحمن في الاعتقال بقلعة دمشق بعده وفيها ابن البارزي (5/381)

382 قاضي حماة وابن قاضيها وأبو قاضيها الإمام نجم الدين عبد الرحيم بن إبراهيم بن هبة الله الجهني الشافعي ولد بحماة سنة ثمان وستمائة وسمع من موسى بن عبد القادر وكان بصيرا بالفقه والأصول والكلام له ديانة متينة وصدق وتواضع وشعر بديع منه ( إذا شمت من تلقاء أرضكم برقا * فلا أضلعي تهدا ولا أدمعي ترقا ) ( وإن ناح فوق البان ورق حمائم * سحيرا فنوحي في الدجى علم الورقا ) ( فرقوا لقلب في ضرام غرامه * حريق وأجفان بأدمعها غرقى ) ( سميرى من سعد خذا نحو أرضهم * يمينا ولا تستبعدا نحوها الطرقا ) ( وعوجا على أفق توشح شيحه * بطيب الشذا المكي أكرم به أفقا ) ( فإن به المغنى الذي بترابه * وذكراه يستشفي لقلبي ويسترقي ) ( ومن دونه عرب يرون نفوس من * يلوذ بمغناهم حلالا لهم طلقا ) ( بأيديهم بيض بها الموت أحمر * وسمر لدى هيجائهم تحمل الزرقا ) ( وقولا محبا للشآم غدا لقى * لفرقة قلب بالحجاز غدا ملقى ) ( تعلقكم في عنفوان شبابه * ولم يسل عن ذاك الغرام وقد أنقى ) ( وكان يمني النفس بالقرب فاغتدى * بلا أمل إذ لا يؤمل أن يبقى ) ( عليكم سلام الله أما مدادكم * فباق وأما البعد عنكم فما أبقى ) توفي في تبوك في ذي القعدة فحمل إلى المدينة المنورة وفيها علاء الدين صاحب الديوان عطا مالك بن الصاحب بهاء الدين محمد بن محمد الخراساني الجويني أخو الوزير الكبير شمس الدين نال هو وأخوه من المال والحشمة والجاه العظيم ما يتجاوز الوصف في دولة أبغا وكان أمر العراق راجعا إلى علاء الدين فساسه أحسن سياسة طلب في هذه السنة فاختفى (5/382)

383 ومات في الاختفاء وقتل أخوه شمس الدين وفيها ابن مهنا رئس آل فضل ملك العرب عيسى بن مهنا كان له المنزلة العالية عند السلطان توفي في ربيع الأول وقام بعده ولده الأمير حسام الدين مهنا صاحب تدمر وفيها الصدر الكبير المنشى بهاء الدين ابن الفخر عيسى الأربلي له الفضيلة التامة والنظم الرائق والنثر الفائق صنف مقامات حسنة ورسالة لطيف ومن شعره ( أي عذر وقد تبدى العذار * أن ثنا تجلد واصطبار ) ( فأقلا إن شئتما أو فزيدا * ليس لي عن هوى الملاح قرار ) ( هل مجير من الغرام وهيهات * أسير الغرام ليس يجار ) ( يا بديع الجمال قد كثرت * فيك اللواحي وقلت الانصار ) وله ( ما العيش إلا خمسة لا سادس * لهم وإن قصرت بها الأعمار ) ( زمن الربيع وشرخ أيام الصبا * والكاس والمعشوق والدينار ) وله فيه ( إنما العيش خمسة فاغتنمها * واستمعها بصحة من صدوق ) ( من سلاف وعسجد وشباب * وزمان الربيع والمعشوق ) وفيها فاطمة بنت الحافظ عماد الدين علي بن القسم بن مؤرخ الشام أبي القسم بن عساكر ولدت سنة ثمان وتسعين وخمسمائة وسمعت من ابن طبرزد وجماعة وأجاز لها الصيدلاني وتوفيت في شعبان وفيها ابن الصايغ بالصاد المهملة والغين المعجمة قاضي القضاة عز الدين أبو المفاخر محمد بن عبد القادر بن عبد الخالق بن خليل الأنصاري الدمشقي الشافعي ولد سنة ثمان وعشرين وستمائة وسمع من ابن اللتي وجماعة ولازم القاضي كمال الدين التفليسي حتى صار من أعيان أصحابه وكان عارفا بالمذهب (5/383)

384 بارعا في الأصول والمناظرة درس بالشامية مشاركة مع شمس الدين المقدسي ثم ولي وكالة بيت المال ثم ولي قضاء الشام وعزل بابن خلكان فظهرت منه نهضة وشهامة وقيام في الحق بكل ممكن وكان عزله في أول سنة سبع وسبعين وبقي له تدريس العذراوية ثم أعيد إلى منصبه في أول سنة ثمانين تم أنهم أتقنوا قضيته فامتحن في رجب سنة اثنتين وثمانين وأخرجوا عليه محضرا بنحو مائة ألف دينار وتمت له فصول إلى أن خلصه الله ثم ولوا القاضي بهاء الدين بن الزكي وانقطع هو بمنزله في بستانه إلى أن توفي في تاسع ربيع الآخر ولما حضرته الوفاة جمع أهله وتوضأ وصلى بهم ثم قال هللوا معي وبقي يهلل بهم إلى أن توفي مع قول لا إله إلا الله ذكره البرزالي وفيها ابن خلكان قاضي بعلبك بهاء الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم كان أسن من أخيه قاضي القضاة بخمس سنين وسمع الصحيح من ابن مكرم وأجاز له المؤيد الطوسي وطائفة وكان حسن الأخلاق رقيق القلب سليم الصدر ذا دين وخير وتواضع توفي في رجب وفيها الملك المنصور صاحب حماة ناصر الدين محمد بن الملك المظفر تقي الدين محمود بن المنصور محمد بن تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب تملك بعد أبيه سنة اثنتين وأربعين وستمائة وله عشر سنين رعاية لأمه الصاحبة ابنة الكامل وكان لعابا مصرا على أمور الله يسامحه قاله في العبر وفيها ابن النعمان القدوة الزاهد أبو عبد الله محمد بن موسى بن النعمان التلمساني قدم الأسكندرية شابا فسمع بها من محمد بن عماد والصفراوي وكان عارفا بمذهب مالك راسخ القدم في العبادة والنسك أشعريا منحرفا على الحنابلة توفي في رمضان ودفن بالقرافة وشيعه أمم قاله في العبر وفيها تقي الدين محمد بن عبد الولي بن جبارة بن عبد الولي المقدسي الفقيه الحنبلي سمع بدمشق من أبي القسم بن صصرى وغيره وببغداد من أبي الحسن القطيعي (5/384)

385 وطبقته وكان فاضلا مفننا صالحا وهو والد الشيخ شهاب الدين أحمد بن جبارة توفي في ذي الحجة بسفح قاسيون ودفن به وفيها تقي الدين أبو الميامن مظفر بن أبي بكر بن مظفر بن علي الجوسقي ثم البغدادي الحنبلي الفقيه الأصولي النظار المعروف بالحاج ولد في مستهل رجب سنة ثلاث عشرة وستمائة وسمع من أبي الفضل محمد بن محمد بن الحسن السباك وتفقه وبرع في المذهب والخلاف والأصول وناظر وأفتى ودرس بالمدرسة البشرية لطائفة الحنابلة وكان من أعيان الفقهاء وأئمة المذهب وحدث وسمع منه القلانسي وغيره وتوفي ببغداد في آخر نهار السبت رابع عشري ربيع الأول ودفن بحظيرة قبر الإمام أحمد ولم يخلف في بغداد مثله سنة أربع وثمانين وستمائة فيها توفي الوزير المقرىء المجود برهان الدين إبراهيم بن إسحق بن المظفر المصري ولد سنة تسع عشرة وستمائة وقرأ القراءات على أصحاب الشاطبي وأبي الجواد وأقرأها بدمشق وتوفي بين الحرمين في أواخر ذي الحجة وفيها النسفي العلامة برهان الدين محمد بن محمود بن محمد الحنفي المتكلم صاحب التصانيف في الخلاف وتخرج به خلق وبقي إلى هذا العام وكان مولده سنة ستمائة وفيها ست العرب بنت يحيى بن قايماز أم الخير الدمشقية الكندية سمعت من مولاهم التاج الكندي وحضرت على ابن طبرزد الغيلانيات وتوفيت في المحرم عن خمس وثمانين سنة وفيها الرشيد سعيد بن علي بن سعيد البصروي الحنفي مدرس الشبلية أحد أئمة المذهب كان دينا ورعا نحويا شاعرا توفي في شعبان وقد قارب (5/385)

386 الستين وفيها الصاين مقرىء بلاد الروم أبو عبد الله محمد البصري المقرىء المجود الضرير قرأ القراءات بدمشق على المنتخب وكان بصيرا بمذهب الشافعي عدلا خيرا صالحا وفيها الزين عبد الله بن الناصح عبد الرحمن بن نجم بن الحنبلي سمع بالموصل من عبد المحسن بن الخطيب وببغداد من الداهري وبدمشق من ابن البن وعاش ثمانين سنة وتوفي في شوال وفيها الشمس المقدسي عبيد الله بن محمد بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الحنبلي ولد سنة خمس وثلاثين وستمائة وسمع من كريمة القرشية وغيرها وتفقه وبرع في المذهب وأفتى ودرس قال اليونيني في تاريخه كان من الفضلاء الصلحاء الأخيار سمع الكثير وكتب بخطه وشرع في تأليف كتاب في الحديث مرتبا على أبواب الفقه ولو تم لكان نافعا وكان الشيخ شمس الدين بن أبي عمر يحبه كثيرا ويفضله على سائر أهله وكان أهلا لذلك فلقد كان من حسنات المقادسة كثير الكرم والخدمة والتواضع والسعي في قضاء حوائج الإخوان والأصحاب توفي يوم الإثنين ثامن عشرى شعبان بقرية جماعيل من عمل نابلس ودفن بها وفيها إسمعيل بن إبراهيم بن علي الفراء الصالحي كان حنبليا صالحا زاهدا ورعا ذا كرامات ظاهرة وأخلاق طاهرة ومعاملات باطنة صحب الشيخ الفقيه اليونيني وكان يقال أنه يعرف الاسم الأعظم توفي بسفح قاسيون في جمادى الأولى قاله ابن رجب وفيها الإمام نور الدين أبو طالب عبد الرحمن بن عمر بن أبي القسم بن علي بن عثمان البصري الضرير الفقيه الحنبلي نزيل بغداد ولد يوم الإثنين ثاني عشر ربيع الأول سنة أربع وعشرين وستمائة بقرية من قرى البصرة وحفظ القرآن بالبصرة سنة إحدى وثلاثين على الشيخ حسن بن دويرة وحفظ الخرقي وكف بصره سنة أربع وثلاثين وسمع بالبصرة من ابن دويرة المذكورة وقدم بغداد وحفظ بها كتاب (5/386)

387 الهداية لأبي الخطاب ولازم الاشتغال وأفتى سنة ثمان وأربعين وسمع من المجد بن تيمية وغيره وكان بارعا في الفقه له معرفة بالحديث والتفسير ولما توفي شيخه ابن دويرة بالبصرة ولي التدريس بمدرسة شيخه وخلع عليه ببغداد خلعة وألبس الطرحه السوداء في خلافة المعتصم سنة اثنتين وخمسين وذكر ابن الساعي أنه لم يلبس الطرحة أعمى بعد أبي طالب بن الخل سوى الشيخ نور الدين هذا ثم بعد واقعة بغداد طلب إليها ليولي تدريس الحنابلة بالمستنصرية فلم يتفق وتقدم الشيخ جلال الدين بن عكبر فرتب الشيخ نور الدين مدرسا بالبشرية وله تصانيف عديدة منها كتاب جامع العلوم في تفسير كتاب الله الحي القيوم وكتاب الحاوي في الفقه في مجلدين والكافي في شرح الخرقي والواضح في شرح الخرقي أيضا وغير ذلك وتفقه عليه جماعة منهم صفي الدين بن عبد الحق وقال عنه كان شيخنا من العلماء المجتهدين والفقهاء المنفردين وكان له فطنة عظيمة ونادرة عجينة منها ما حكى محمد بن إبراهيم الخالدي وكان ملازما للشيخ نور الدين حتى زوجه الشيخ ابنته قال عقد مجلس بالمستنصرية مرة للمظالم وحضره الأعيان فاتفق جلوس الشيخ إلى جانب بهاء الدين بن الفخر عيسى كاتب ديوان الإنشاء وتكلم الجماعة فنزل الشيخ نور الدين عليهم بالبحث ورجع إلى قوله فقال له ابن الفخر عيسى من أين الشيخ قال من البصرة قال والمذهب قال حنبلي قال عجب بصري حنبلي فقال الشيخ هنا أعجب من هذا كراد معدوم أو نادر توفي الشيخ نور الدين ليلة السبت ليلة عيد الفطر ودفن قرب الإمام أحمد ومن فوائده أنه اختار أن الماء لا ينجس إلا بالتغير وإن كان قليلا وإن بني هاشم يجوز لهم أخذ الزكاة إذا منعوا حقهم من الخمس وفيها أبو الحسن حازم بن محمد بن حسين بن حازم النحوي الأنصاري القرطاجني صاحب القصيدة الميمية في (5/387)

388 النحو المشهورة قال الشمني في حاشيته على المغنى القرطاجني بفتح القاف وراء ساكنة وطاء مهملة فألف فجيم مفتوحة فنون فياء نسبة من قرطاجنة الأندلس لا من قرطاجنة تونس كان إماما بليغا ريان من الأدب نزل تونس وامتدح بها المنصور صاحب أفريقية أبا عبد الله محمد بن الأمير أبي زكريا يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص ومات سنة أربع وثمانين وستمائة انتهى وفيها أبو القسم علي بن بلبان المحدث الرحال علاء الدين المقدسي الناصري الكركي مشرف الجامع وإمام مسجد الماشكي تحت مأذنة فيروز ولد سنة اثنتي عشرة وستمائة وسمع من ابن اللتى والقطيعي وابن القبيطي وخلق كثير بالشام والعراق ومصر وعنى بالحديث وخرج العوالي وتوفي برمضان وفيها المراكشي علاء الدين علي بن محمد بن علي البكري الكاتب سمع من ابن صباح وابن الزبيدي وولي نظر المارستان ونظر الدواوين وتوفي في جمادى الأولى عن بضع وستين سنة وفيها علاء الدين علي البندقداري الأمير الكبير الذي كان مولى الملك الظاهر كان أميرا جليلا عاقلا وكان أولا للأمير جمال الدين بن يغمور ثم جعله للملك الصالح فجعله بندقداره توفي بالقاهرة وفيها الأمير شبل الدولة الطواشي أبو المسك كافور الصوابي الصالحي الصفوي خزندار قلعة دمشق روى عن ابن رواح وجماعة وكان محبا للحديث عاقلا دينا توفي في مرضان وقد نيف على الثمانين وفيها ابن شداد الرئيسي المنشىء البلغي عز الدين محمد بن إبراهيم بن علي الأنصاري الحلبي ولد سنة ثلاث عشرة وستمائة وهو الذي جمع السيرة للملك الظاهر وجمع تاريخا لحلب توفي في صفر وفيها ابن الأنماطي أبو بكر محمد ابن الحافظ البارع أبي الطاهر إسمعيل بن عبد الله الأنصاري المصري ولد بدمشق سنة تسع وستمائة وسمع حضورا من الكندي وأكثر عن الحرستاني وابن ملاعب وخلق وتوفي في ذي الحجة بالقاهرة (5/388)

389 وفيها الأمير ناصر الدين الحراني محمد بن الافتخار اياز والي دمشق بعد أبيه ومشد الأوقاف كان من عقلاء الرجال والبائهم مع الفضيلة والديانة والمروة والكلمة النافذة في الدولة استعفى من الولاية فاعفى ثم أكره على نيابة حمص فلم تطل مدته بها وتوفي في شعابن ونقل إلى دمشق في آخر الكهولة وفيها الأخميمي الزاهد شرف الدين محمد بن الحسن بن إسمعيل نزيل سفح قاسيون كان صاحب توجد وتعبد وللناس فيه عقيدة عظيمة توفي في جمادى الأولى قاله في العبر وفيها ابن عامر الشيخ أبو عبد الله محمد بن عامر بن أبي بكر الصالحي المقرىء صاحب الميعاد المعروف روى عن ابن ملاعب وجماعة وكان صالحا متواضعا خيرا حسن الوعظ حلو العبارة توفي في جمادى الآخرة وقد قارب الثمانين وفيها الرومي الزاهد شرف الدين محمد بن الشيخ الكبير عثمان بن علي صاحب الزاوية التي بسفح قاسيون كان عجبا في الكرم والتواضع ومحبة السماع توفي في جمادى الأولى وقد نيف على التسعين قاله في العبر وفيها الرضى رضى الدين الشاطبي محمد بن علي بن يوسف الأنصاري ولد ببلنسية سنة إحدى وستمائة وكان إمام عصره في اللغة وحدث عن المقير وغيره وقرأ لورش على محمد بن أحمد بن مسعود الشاطبي صاحب ابن هذيل وتصدر بالقاهرة وأخذ عنه الناس وروى عنه أبو حيان وغيره وتوفي في الثامن والعشرين من جمادى الأولى بالقاهرة وفيها مجير الدين بن تميم محمد بن يعقوب بن علي الجندي الحموي الدمشقي الأمير سبط ابن تميم استوطن حماة وكان من العقلاء الفضلاء الكرماء وشعره في غاية الجودة فمنه قوله ( أطالع كل ديوان أراه * ولم أزجر عن التضمين طيرى ) ( أضمن كل بيت نصف بيت * فشعرى نصفه من شعر غيرى ) (5/389)

390 وقال ( عاينت ورد الروض يلطم خده * ويقول وهو على البنفسج محنق ) ( لا تقربوه وأن توضع نشره * ما بينكم فهو العدو الأزرق ) وقال في توديع مليح ( مولاي قد كثرت ليالي هجرنا * حتى عجزت سلمت لي عن عدها ) ( أودع فمي قبل التودع قبلة * وأنا الكفيل إذا رجعت بردها ) سنة خمس وثمانين وستمائة فيها أخذت الكرك من الملك المسعود خضر بن الملك الظاهر ونزل منها وسار إلى مصر وفيها بدر الدين أبو العباس أحمد بن شيبان بن تغلب بن حيدرة الشيباني الصالحي العطار ثم الخياط راوى مسند الإمام أحمد أكثر عن حنبل وابن طبرزد وجماعة وأجاز له أبو جعفر الصيدلاني وخلق وكان مطبوعا متواضعا توفي في الثامن والعشرني من صفر عن تسع وثمانين سنة وفيها المقرىء الأستاذ القدوة أبو علي الحسن بن عبد الله بن بختيار المغربي البربري الرجل الصالح تصدر للأقراء والإفادة وأخذ عنه مثل الشيخ التونسي والشيخ شهاب الدين بن جبارة ولم يقرأ على غير الكمال الضرير وتوفي في صفر بالقاهرة وفيها الصفي أبو الصفا خليل بن أبي بكر بن محمد بن صديق المراغي الفقيه الحنبلي المقرىء سمع من ابن الحرستاني وابن ملاعب وطائفة وتفقه على الموفق وقرأ القراءات على ابن ماسويه وقرأ أصول الفقه على السيف الآمدي وناب في القضاء بالقاهرة فحمدت سيرته وطرئقه وشكرت خلائقه قال الذهبي كان مجموع الفضائل كثير المناقب متين الديانة صحيح الأخذ بصيرا بالمذهب عالما بالخلاف والطب قرأ عليه بالروايات بدر الدين بن الجوهري وأبو بكر بن الجعبري وجماعة من المصريين وسمع (5/390)

391 منه ابن الظاهري وابنه الحافظ المزي وأبو حيان والحافظ عبد الكريم بن منير وخلق سواهم توفي يوم السبت سابع عشر ذي القعدة بالقاهرة ودفن بمقابر باب النصر وفيها الشيخ موفق الدين أبو الحسن علي بن الحسين بن يوسف بن الصياد المقرىء الفقيه الحنبلي المعدل حدث عن ابن اللتي وروى عن حنبل وابن طبرزد والكندي وهذهالطيفة وروى عنه جماعة وتوفي ببغداد في رجب وفيها أبو الفضل محمد بن محمد بن علي الزيات البابصري البغدادي الحنبلي الواعظ أحد شيوخ بغداد المسندين حدث عن ابن صرما والفتح بن عبد السلام وغيرهما وسمع منه خلق كثير منهم الفرضي وقال كان عالما زاهدا عارفا ثقة عدلا مسندا من بيت الحديث والزهد وعظ في شبابه ثم ترك ذلك وتوفي في آخر السنة وفيها القاضي جمال الدين أبو إسحق إسمعيل بن جمعة بن عبد الرزاق قاضي سامرا كان فاضلا أديبا له نظم حسن سمع من الشيخ جمال الدين عبد الرحمن بن طلحة بن غانم العلثي فضائل القدس لابن الجوزي بسماعه منه وأجاز لغير واحد وتوفي في جمادى الأولى وفيها شامية أمة الحق بنت الحفاظ أبي علي الحسن بن محمد البكري روت عن جد أبيها وجدها وحنبل وابن طبرزد وتفردت بعدة أجزاء وتوفيت بشيزر عند أقاربها في أواخر رمضان عن سبع وثمانين سنة وفيها السراج بن فارس أبو بكر عبد الله بن أحمد إسمعيل التميمي الأسكندراني أخو المقرىء كمال الدين سمع من التاج الكندي وابن الحرستاني وتوفي بالأسكندرية في ربيع الأول وفيها الشيخ القدوة الزاهد تاج الدين عبد الدايم المقدسي الحنبلي روى عن الشيخ الموفق وجماعة وتوفي في رمضان وقد نيف على السبعين وفيها عفيف الدين عبد الرحيم (5/391)

392 ابن محمد بن أحمد بن فارس البغدادي بن الزجاج أحد مشايخ العراق فقيه حنبلي زاهد سني أثري عارف بمذهب أحمد ولد سنة اثنتي عشرة وستمائة وسمع من عبد السلام العبرتي والفتح بن عبد السلام وطائفة وتوفي في المحرم بذات لحج بعد قضاء الحج قاله في العبر وفيها الشيخ عبد الواحد ابن علي القرشي الهكاري الفارقي الحنبلي سمع من مسمار بن العويس بالموصل ومن موسى بن الشيخ عبد القادر وطائفة بدمشق وكان عبدا صالحا توفي في رمضان بالقاهرة وله أربع وتسعون سنة وفيها المعين بن تولو الشاعر المشهور عثمان بن سعيد الفهرية المصري توفي في ربيع الأول بالقاهرة وله ثمانون سنة وفيها الشريشي نسبة إلى شريش ككريم مدينة بشذونة قاله السيوطي العلامة جمال الدين أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن سحمان البكري الوابلي الأندلسي الفقيه المالكي الأصولي المفسر ولد سنة إحدى وستمائة وسمع بالثغر من محمد بن عماد وببغداد من الحسن القطيعي وخلق وبدمشق من مكرم وكان بارعا في مذهب مالك محققا للعربية عارفا بالكلام والنظر قيما بكتاب الله وتفسيره جيد المشاركة في العلوم ذا زهد وتعبد وجلالة شرح مقامات الحريري شرحا ممتعا وتوفي في الرابع والعشرين من رجب وفيها القاضي ناصر الدين أبو الخير عبد الله بن عمر بن محمد بن علي قاضي القضاة البيضاوي بفتح الباء إلى البيضاء من بلاد فارس الشافعي قال ابن شهبة في طبقاته صاحب المصنفات وعالم أذربيجان وشيخ تلك الناحية ولي قضاء شيراز قال السبكي كان إماما مبرزا نظارا خيرا صالحا متعبدا وقال ابن حبيب تكلم كل من الأئمة بالثناء على مصنفاته ولو لم يكن له غير المنهاج الوجيز (5/392)

393 لفظه المحرر لكفاه ولي أمر القضاء بشيراز وقابل الأحكام الشرعية بالاحترام والاحتراز توفي بمدينة تبريز قال السبكي والأسنوي سنة إحدى وتسعين وستمائة وقال ابن كثير في تاريخه والكتبي وابن حبيب توفي سنة خمس وثمانين وأهمله الذهبي في العبر انتهى كلام ابن شهبة وقال ابن كثير في طبقاته ومن تصانيفه الطوالع قال السبكي وهو أجل مختصر في علم الكلام والمنهاج مختصر من الحاصل والمصباح ومختصر الكشاف والغاية القصوى في رواية الفتوى وغير ذلك رحمه الله تعالى وفيها ابن الخيمي شهاب الدين محمد بن عبد المنعم بن محمد الأنصاري اليمني ثم المصري الصوفي الشاعر المحسن حامل لواء النظم في وقته سمع جامع الترمذي من علي بن البناء وأجاز له عبد الوهاب بن سكينة وتوفي في رجب عن اثنين وثمانين سنة وأكثر قاله في العبر ومن شعره ( كلفت ببدر في مبادي الدجى بدا * فعاد لنا ضوء الصباح كما بدا ) ( وحجب عنا حسنه نور حسنه * فمن ذلك الحسن الضلالة والهدى ) ( فيا حبذا نار لقلبي تصطلي * ويا دمع عيني حبذا أنت موردا ) ( ويا سقمي في الحب أهلا ومرحبا * ويا صحة السلوان شأنك والعدا ) ( فلست أرى عن ملة الحب مائلا * وكيف ونور العامرية قد بدا ) وفيها الدينوري خطيب كفر بطنا الشيخ جمال الدين أبو البركات محمد ابن القدوة العابد الشيخ عمر بن عبد الملك الصوفي الشافعي ولد سنة ثلاث عشرة وستمائة بالدينور وقدم مع أبيه وله عشر سنين فسكن بسفح قاسيون وسمع الكثير ونسخ الأجزاء واشتغل وحصل وحدث عن ابن الزبيدي والناصح بن الحنبلي وطائفة وكان دينا فاضلا عالما وتوفي في رجب وفيها ابن الدباب الواعظ جمال الدين أبو الفضل محمد بن أبي الفرج (5/393)

394 محمد بن علي البابصري الحنبلي ولد سنة ثلاث وستمائة وسمع من أحمد بن صرما وثابت بن مشرف وحدث بالكثير وتوفي في آخر العام ببغداد وفيها ابن المهتار الكاتب المجود المحدث الورع مجد الدين يوسف بن محمد بن عبد الله المصري ثم الدمشقي الشافعي قارىء دار الحديث الأشرفية ولد في حدود سنة عشر وسمع من ابن الزبيدي وابن صباح وطبقتهما وروى الكثير وتوفي في تاسع ذي القعدة وفيها ابن الزكي قاضي القضاة بهاء الدين أبو الفضل يوسف بن قاضي القضاة محي الدين يحيى بن قاضي القضاة محي الدين أبي المعالي محمد بن قاضي القضاة زكي الدين علي بن قاض القضاة منتجب الدين محمد بن يحيى القرشي الدمشقي الشافعي ولد سنة أربعين وستمائة وبرع في العلم بذكائه المفرط وقدرته على المناظرة وحل المعضلات وسمع بمصر من جماعة وتفقه بأبيه وغيره وأخذ العلوم العقلية عن القاضي كمال الدين التفليسي وولي القضاء بعد ابن الصايغ سنة اثنتين وثمانين إلى أن توفي وهو آخر من ولي القضاء من هذا البيت وقد جمع له أجل مدارس دمشق وهي العزيزية والتقوية والفلكية والعادلية والمجاهدية والكلاسة قال الذهبي كان جليلا نبيلا ذكيا سريا كامل الرياسة وافر العلم بارعا في الأصول بصيرا بالفقه فصيحا مفوها حلالا للمشكلات غواصا على المعاني سريع الحفظ قوي المناظرة قيل أنه كان يحفظ الورقتين والثلاثة للدرس من نظرة واحدة ويورد الدرس في غاية الجزالة وكان يورد في اليوم عدة دروس وكان أديبا إخباريا كثير المحفوظ علامة كريم النفس كثير المحاسن مليح الفتاوي وهو ذكي بيت الزكي توفي في حادي عشر ذي الحجة وله خمس وأربعون سنة ودفن بتربتهم جوار ابن عربي قدس سره (5/394)

395 سنة ست وثمانين وستمائة فيها توفي البرهان السنجاري قاضي القضاة أبو محمد الخضر بن الحسن بن علي الزراري الشافعي ولي قضاء مصر وحدها مدة في دولة الصالح ثم آذاه الوزير بهاء الدين ونكبه فلما مات ولي الوزارة للملك السعيد وبقي مدة ثم عزل وضربه الشجاعي ثم ولى الوزارة ثانيا ثم عزل وأوذي ثم ولي قضاء القضاة بالإقليم فتوفي بعد عشرين يوما فيقال أنه سم توفي في صفر وولي بعده تقي الدين بن بنت الاعز وفيها أو في سنة أربع وثمانين نجم الأمة الرضى شارح الكافية الإمام المشهور قال السيوطي في طبقات النحاة شرح الكافية لابن الحاجب الشرح الذي لم يؤلف عليها بل ولا في غالب كتب النحو مثله جمعا وتحقيقا وحسن تعليل وقال أكب الناس عليه وتداولوه واعتمده شيوخ هذا العصر فمن قبلهم في مصنفاتهم ودروسهم وله فيه أبحاث كثيرة مع النحاة واختيارات جمة ومذهب ينفرد به ولقبه نجم الأئمة ولم أقف على اسمه ولا على شيء من ترجمته إلا أنه فرغ من تأليف هذا الشرح سنة ثلاث وثمانين وستمائة وأخبرني صاحبنا المؤرخ شمس الدين بن عزم بمكة أن وفاته سنة أربع وثمانين أو ست وثمانين الشك مني وله شرح على الشافية انتهى كلام السيوطي وفيها ابن بليمان الأديب شرف الدين بن سليمان بن بليمان بن أبي الجيش الأربلي الشاعر المشهور أحد الظرفاء في العالم توفي بدمشق وقد كمل التسعين وفيها ابن عساكر الإمام الزاهد أمين الدين أبو اليمن عبد الصمد بن عبد الوهاب بن زين الأمناء الدمشقي المجاور بمكة روى عن جده والشيخ الموفق وطائفة وكان صالحا خيرا قول المشاركة في العلم بديع النظم لطيف الشمائل صاحب توجه وصدق (5/395)

396 ولد سنة أربع عشرة وستمائة وجاو ربمكة أربعين سنة وتوفي في جمادى الأولى وفيها عز الدين أبو العز عبد العزيز بن عبد المنعم بن علي بن الصيقل مسند الوقت الحراني روى عن أبي حامد بن جوالق ويوسف بن كامل وطائفة وأجاز له ابن كليب فكان آخر من روى عن أكثر شيوخه وممن روى عنه الحافظ علم الدين البرزالي قال حدثنا الشيخ أبو العز الحراني قال حدثني عبد الكافي بمصر ووصفه بالصلاح قال خرجت في بعض الجنائز وتحت النعش أسود فصلينا على الميت ووقف الأسود لا يصلي فلما أدخل الميت إلى القبر نظر إلي وقال أنا عمله وقفز ودخل القبر فنظرت في القبر فلم أر شيئا انتهى وتوفي أبو العز هذا بمصر في جامع عمرو بن العاص في رابع عشر رجب وقد نيف على التسعين وصلى عليه ابن دقيق العيد وفيها وقيل في التي قبلها كما جزم به الأسنوي وابن قاضي شهبة قاضي القضاة وجيه الدين عبد الوهاب بن الحسن المصري البهنسي الشافعي ولي قضاء مصر والقاهرة بعد موت القاضي تقي الدين بن رزين في رجب سنة ثمانين ثم أخذ منه قضاء القاهرة والوجه البحري وأعطى للقاضي شهاب الدين الجويني في جمادى الآخرة سنة إحدى وثمانين واستمر الوجيه حاكما بمصر والوجه القبلي إلى أن توفي قال الأسنوي كان إماما كبيرا في الفقه وقال السبكي كان من كبار الأئمة وقال غيرهما أخذ عن ابن عبد السلام ودرس بالزاوية المحدثة بالجامع العتيق بمصر وكان فقيها أصوليا نحويا متدينا متعبدا عالي الكلام في المناظرة حضر عند الشيخ شهاب الدين القرافي مرة في الدرس وهو يتكلم في الأصول فناظره القرافي وكلام الوجيه يعلو فقام طالب يتكلم بينهما فأسكته الوجيه وقال فروج يصيح بين الديكة توفي الوجيه رحمه الله تعالى في جمادى الأولى في عشر الثمانين وفيها ابن الحبوبي شهاب الدين أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن حمزة بن علي الثعلبي الدمشقي الشاهد روى عن الحرستاني (5/396)

397 وغيره وأجاز له المؤيد الطوسي وابن الأخضر وتوفي في رجب وفيها ابن القسطلاني الإمام قطب الدين أبو بكر محمد بن أحمد بن علي المصري ثم المكي ولد سنة أربع عشرة وستمائة وسمع من علي بن البناء والشهاب السهروردي وتفقه في مذهب الإمام الشافعي وأفتى ثم رحل سنة تسع وأربعين فسمع ببغداد ومصر والشام والجزيرة وكان أحد من جمع العلم والعمل والهيبة والورع قال ابن تغري بردي كان شجاعا عالما عاملا عابدا زاهدا جامعا للفضائل كريم النفس كثير الإيثار حسن الأخلاق قليل المثل وكان بينه وبين ابن سبعين عداوة وينكر عليه بمكة كثيرا من أحواله وقد صنف في الطائفة الذين يسلك طريقتهم ابن سبعين وبدأ بالحلاج وختم بالعفيفي التلمساني وكان القطب هذا مأوى الفقراء والواردين عليه يبرهم ويعين كثيرا منهم ومن شعره ( إذا كان أنسى في التزامي خلوتي * وقلبي عن كل البرية خال ) ( فما ضرني من كان لي الدهر قاليا * ولا سرني من كان في موال ) وقال الأسنوي استقر بمكة وكان ممن جمع العلم والعمل والهيبة والورع والكرم طلب من مكة وفوضت له مشيخة دار الحديث الكاملية بالقاهرة إلى أن توفي في شهر المحرم ومن شعر ( إذا طاب أصل المرء طابت فروعه * ومن غلط جاءت يد الشوك بالورد ) ( وقد يخبث الفرع الذي طاب أصله * ليظهر صنع الله في العكس والطرد ) وفيها الدنيسري الطبيب الحاذق عماد الدين أبو عبد الله محمد بن عباس بن أحمد الربعي ولد بدنيسر سنة ست وستمائة وسمع بمصر من علي بن مختار وجماعة وتفقه للشافعي وصحب البهاء زهير مدة وتأدب به وصنف وقال الشعر وبرع في الطب والأدب ومن شعر ( فيما التعلل بالألحاظ والمقل * ولم أشر إلى الغزلان والغزل ) (5/397)

398 ( وكم أعرض من فرط الغرام به * عن قده بغصون البان في الميل ) ( ما لذة العيش إلا أن أكون كما * قد قيل فيما مضى من سالف المثل ) ( صرحت باسمك يا من لا شبيه له * أنا الغريق فما خوف من البلل ) ( يا عاذلي كف عن عذلي فبي قمر * قد حجبوه عن الأبصار بالأسل ) ( معقرب الصدغ في تكوين صورته * معنى يجل عن الإدراك بالمقل ) ومنه ( من يكن شافعي إلى حنبلي * هو والله مالكي لا محالة ) ( حنفي بوصله عن كئيب * وعلى قتله أقام الدلالة ) ( بشهود من الجمال ثقات * حسن القول منهم والعدالة ) ( ناظر فاتر وطرف كحيل * وجبين هاد ودمع أساله ) ( قد تذللت إذ تذلل حتى * صرت أهوى تذللي ودلاله ) ( وطلبت الوصال منه فنادى * مت بداء الهوى على كل حاله ) ( قمر تخجل البدور لديه * وغزال تغار منه الغزاله ) ( رشأ بالجمال نبىء فينا * ثم أوحى إلى القلوب رساله ) ( أهيف بالجفون أسهر جفني * كيف صبري وقد رأيت جماله ) ( قد أمال القلوب قسرا لديه * وإذا ماس فالنسيم أماله ) ( لامني فيه عاذل وتعدى * أنا مالي وللعذول وماله ) وفي ثامن صفر وفيها البدر بن مالك أبو عبد الله محمد بن العلامة جمال الدين محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الشافعي شيخ العربية وقدوة أرباب المعاني والبيان أخذ عن والده النحو واللغة والمنطق وسكن بعلبك مدة ثم رجع إلى دمشق وتصدر للأشغال بعد موت والده وممن أخذ عنه القاضي بدر الدين بن جماعة والشيخ كمال الدين بن الزملكاني قال الذهبي كان إماما ذكيا فهما حاد الذهن (5/398)

399 إماما في النحو إماما في المعاني والبيان والنظر جيد المشاركة في الفقه والأصول وغير ذلك وكان عجبا في الذكاء والمناظرة وصحة الفهم وكان مطبوع العشرة وفيه لعب ومزاح وقال الشيخ تاج الدين كان قد تفرد بعلم العربية خصوصا معرفة كلام والده وكان له مشاركات في العلوم وكان صحيح الذهن جيد الإدراك حديد النفس توفي بدمشق في المحرم من قولنج كان يعتريه كثيرا قال الذهبي ولم يتكهل وقال غيره توفي كهلا وقال ابن حبيب توفي عن نيف وأربعين سنة ودفن بباب الصغير ومن تصانيفه شرح ألفية والده وهو شرح في غاية الحسن والمصباح في المعاني والبيان وكتاب في العروض وشرح غريب تصريف ابن الحاجب وشرح لأمية والده التي في الصرف وفيها أبو صادق جمال الدين محمد بن الشيخ الحافظ رشيد الدين أبي الحسين يحيى بن علي القرشي المصري العطار سمع من محمد بن عماد وابن باقا وطائفة وكتب وخرج الموافقات وتوفي في ربيع الآخر عن بضع وستين سنة سنة سبع وثمانين وستمائة فيها توفي شرف الدين أبو العباس أحمد بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الحنبلي الفرضي بقية السلف ولد في رابع عشر المحرم سنة أربع عشرة وستمائة وسمع من الشيخ الموفق وهو جده لأمه وعم أبيه ومن البهاء عبد الرحمن وابن أبي لقمة وابن البن وابن صصرى وغيرهم وأجاز له ابن الحرستاني وجماعة وتفقه على التقي بن العز وكان شيخا صالحا زاهدا عابدا ذا عفة وقناعة باليسير وله معرفة بالفرائض والجبر والمقابلة وله حلقة بالجامع المظفري بقاسيون يشغل بها احتسابا بغير معلوم وانتفع به جماعة وحدث وروى عنه جماعة وتوفي ليلة الثلاثاء خامس المحرم ودفن من الغد عند جده الموفق وفيها الشيخ أبو إسحق إبراهيم بن معضاد الجعبري (5/399)

400 الزاهد الواعظ المذكر روى عن السخاوي وسكن القاهرة وكان لكلامه وقع في القلوب لصدقه وإخلاصه وصدعه بالحق وكان شافعيا قال السبكي في الطبقات الشيخ الصالح المشهور بالأحوال والمكاشفات تفقه على مذهب الشافعي وسمع الحديث بالشام من أبي الحسن السخاوي وقدم القاهرة وحدث بها فسمع منه شيخنا أبو حيان وغيره وكان يعظ الناس ويتكلم عليهم ويحصل في مجلسه أحوال سنية وتحكى عنه كرامات باهرة وقال في البدر السافر اشتهر عنه أنه قبيل وفاته ركب دابة وجاء إلى موضع يدفن فيه وقال يا قبير جاءك دبير ولم يكن به مرض ولا علة فتوفي بعيد ذلك وتوفي رحمه الله في الرابع والعشرين من المحرم وقد جاوز الثمانين ودفن بتربته بالحسينية وفيها الجمال بن الحموي أبو العباس أحمد بن أبي بكر بن سليمان بن علي الدمشقي حضر ابن طبرزد وسمع من الكندي وابن الحرستاني افترى على الحاكم بن الصايغ بشهادة فأسقط لأجلها ومات بدويرة حمد في ذي الحجة وله سبع وثمانون سنة وفيها أبو إسحاق اللوزي إبراهيم بن عبد العزيز بن يحيى الرعيني الأندلسي المالكي ولد سنة أربع عشرة وستمائة وحج فسمع من ابن رواح وطبقته وسكن دمشق وقرأ الفقه وتقدم في الحديث مع الزهد والعبادة والإيثار والصفات الحميدة والحرمة والجلالة وناب في القضاء ثم ولي مشيخة دار الحديث الظاهرية وتوفي في الرابع والعشرين من صفر بالينبع وفيها أبو محمد سعد الخير بن أبي القسم عبد الرحمن بن نصر بن علي النابلسي ثم الدمشقي الشاهد سمع الكثير من ابن البن وزين الأمناء وطبقتهما وتوفي في جمادى الآخرة وله سبعون سنة وفيها الأديب الفاضل الحسن بن شاور الكناني عرف بابن النقيب الشاعر المشهور من شعره (5/400)

401 ( أراد الظبي أن يحكي التفاتك * وجيدك قلت لا يا ظبي فاتك ) ( وقد الغصن قدك إذ تثنى * وقال الله يبقي لي حياتك ) ( فيا آس العذار فدتك نفسي * وإن لم أقتطف بفمي نباتك ) ( ويا ورد الخدود حمتك مني * عقارب صدغه فأمر جناتك ) ( ويا قلبي ثبت على التجني * ولم يثبت له أحد ثباتك ) ( يا من أدار بريقه مشمولة * وحبابها الثغر النقي الأشنب ) ( تفاح خدك بالعذار ممسك * لكنه بدم الخدود مخضب ) وله ( وخود دعتني إلى وصلها * وعصر الشبيبة عني ذهب ) ( فقلت مشيبي ما ينطلي * فقالت بلى ينطلي بالذهب ) وله ( في الناس قوم إذا ما أيسروا بطروا * فاصلح الأمر أن يبقوا مفاليسا ) ( لا تسأل الله إلا في خمولهم * فهم جياد إذا كانوا مناحيسا ) وفيها ابن خطيب المزة شهاب الدين عبد الرحيم بن يوسف بن يحيى الموصلي ثم الدمشقي نزيل القاهرة ومسندها سمع في الخامسة من حنبل وابن طبرزد وكان فاضلا دينا ثقة توفي في تاسع رمضان وفيها القطب خطيب القدس أبو الذكاء عبد المنعم بن يحيى بن إبراهيم القرشي الزهري العوفي النابلسي الشافعي المفتي المفسر سمع من داود بن ملاعب وأبي عبد الله بن البناء وأجاز له أبو الفتح المندائي وطائفة وتوفي في سابع رمضان وله أربع وثمانون سنة وفيها ابن النفيس العلامة علاء الدين على ابن أبي الحرم القرشي الدمشقي الشافعي شيخ الطب بالديار المصرية وصاحب التصانيف ومن انتهيت إليه معرفة الطب مع الذكاء المفرط والذهن الخارق والمشار إليه في الفقه والأصول والحديث والعربية والمنطق قال الذهبي ألف (5/401)

402 في الطب كتاب الشامل وهو كتاب عظيم تدل فهرسته على أنه يكون ثلثمائة مجلدة بيض منها ثمانين مجلدة وكانت تصانيفه يمليها من حفظه ولا يحتاج إلى مراجعة لتبحره في الفن وقال السبكي صنف شرحا على التنبيه وصنف في أصول الفقه وفي المنطق وأما الطب فلم يكن على وجه الأرض مثله قيل ولا جاء بعد ابن سينا مثله قالوا وكان في العلاج أعظم من ابن سينا وقال الأسنوي أمام وقته في فنه شرقا وغربا بلا مدافعة أعجوبة دهره صنف في الفقه وأصوله وفي العربية والجدل والبيان وانتشرت عنه التلامذة وقال في العبر توفي في الحادي والعشرين من ذي القعدة وقد قارت الثمانين ووقف أملاكه وكتبه على المارستان المنصوري ولم يخلف بعده مثله وفيها السيد الشريف محمد بن نصير بن علي الحسيني كان فاضلا بارعا حكى عن عمر بن الحسن قال رأيت إبليس في النوم على كركدن يقوده بأفعى فقال لي يا عمر بن الحسن سلني حاجتك فدفعت إليه رقعة كانت معي فوقع فيها ( ألم ير العاصي وأصحابه * ما فعل الله بأهل القرى ) ( بلى ولكن ليس من سفرة * إلا إذا استعلى أذل الورى ) ( فليت أني مت فيما مضى * ولم أعش حتى أرى ما أرى ) ( وكل ذي خفض وذي رفعة * لا بد أن يعلو عليه الثرى ) ثم ضرب كركدنه ومضى لسبيله وورى عن الشافعي رضي الله عنه قال رأيت بالمدينة أربع عجائب جدة عمرها إحدى وعشرون سنة ورجلا فلسه القاضي في مدين من النوى وشيخا كبيرا يدور على بيوت القيان يعلمهن الغناء فإذا حضرت الصلاة صلى قاعدا ورجلا يكتب بالشمال أسرع مما يكتب باليمين وفيها النجيب أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن المؤيد الهمذاني ثم المصري المحدث أجاز له ابن طبرزد وعفيفة والكبار وسمع من عبد القوي بن الحباب وقرأ بنفسه على ابن باقا ثم صار كاتبا في أواخر عمره (5/402)

403 ومات في ذي القعدة وفيها شرف الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الخالق بن طرخان الأموي الأسكندراني أجاز له أبو الفخر أسعد بن روح وسمع من علي بن البنا والحافظ ابن المفضل وطائفة كثيرة وعاش اثنتين وثمانين سنة وفيها الحاج يس المغربي الحجام الأسود كان جرائحيا على باب الجابية وكان صاحب كشف وحال وكان النووي رحمه الله يزوره ويتلمذ له وتوفي في ربيع الأول وقد قارب الثمانين سنة ثمان وثمانين وستمائة في ربيع الأول نازل السلطان الملك المنصور مدينة طرابلس ودام الحصار والقتان ورمى المجانيق الكبار وحضر النقوب ليلا ونهارا إلى أن افتتحها بالسيف في رابع ربيع الآخر وغنم المسلمون ما لا يوصف وكان سورها منيعا قليل المثل وهي من أحسن المدائن وأطيبها فخربها وتركها خاوية على عروشها ثم أنشأوا مدينة على ميل من شرقيها فجاءت رديئة الهواء والمزاج وفيها توفي الشيخ العماد أحمد بن العماد إبراهيم بن عبد الواحد بن علي ابن سرور المقدسي الصالحي ولد سنة ثمان وستمائة وسمع من أبي القسم بن الحرستاني وجماعة واشتغل وتفقه ثم تمفقر وتجرد وصار له أتباع ومريدون أكلة بطلة توفي يوم عرفة قاله في العبر وفيها العلم بن الصاحب أبو العباس أحمد بن يوسف بن الصاحب صفي الدين بن شكر المصري اشتغل ودرس وتميز ثم تمفقز وتجرد وأرسل طباعه واشتلق على بني آدم وعاشر الخمارين وله أدلاء رؤساء ونوادره مشهورة وروائده حلوة توفي في ربيع الآخر وقد شاخ قاله في العبر أيضا ومن شعره في الحشيشة (5/403)

404 ( في خمار الحشيش معنى مرامي * يا أهيل العقول والأفهام ) ( حرموها من غير عقل ونقل * وحرام تحريم غير الحرام ) وفيها أبو العباس أحمد بن أبي محمد بن عبد الرزاق قال الذهبي هو أخو شيخنا عيسى المغاري روى عن موسى بن عبد القادر والموفق وجماعة وتوفي في ثاني ذي الحجة عن ثمان وسبعين سنة انتهى وفيها زينب بنت مكي بن علي بن كامل الحراني الشيخة المعمرة العابدة أم أحمد سمعت من حنبل وابن طبرزد وست الكتبة وطائفة وازدحم عليها الطلبة وعاشت أربعا وتسعين سنة وتوفيت في شوال وفيها الفخر البعلبكي المفتي أبو محمد عبد الرحمن بن يوسف بن محمد بن نصر الحنبلي الفقيه المحدث الزاهد ولد سنة إحدى عشرة وستمائة ببعلبك وقرأ القرآن على خاله صدر الدين عبد الرحيم بن نصر قاضي بعلبك وسمع الحديث من أبي المجد القزويني والبهاء المقدسي وابن اللتي والناصح بن الحنبلي وخلائق وتفقه على تقي الدين أحمد بن العز وغيره وحفظ كتاب علوم الحديث وعرضه من حفظه على مؤلفه الحافظ تقي الدين بن الصلاح وقرأ الأصول وشيئا من الخلاف على السيف الآمدي وقرأ النحو على أبي عمرو بن الحاجب وغيره وصحب الشيخ الفقيه اليونيني وإبراهيم البطايحي والنووي وغيرهم وكان اليونيني يحبه ويقدمه على أولاده وتخرج به جماعة من الفقهاء وكان كثير البشر يحب الخمول ويؤثره ويلازم قيام الليل من الثلث الأخير ويتلو بين العشاءين ويصوم الأيام البيض وستة من شوال وعشر ذي الحجة والمحرم ولا يخل بذلك ذكر ذلك ولده الشيخ شمس الدين وقال ولد أخبر بأشياء فوقعت كما قال لخلائق ولقد قال لي في صحته وعافيته أنا اعيش عمر الإمام أحمد لكن شتان ما بيني وبينه فكان كما قال وقال ابن اليونيني كان رجلا صالحا زاهدا عابدا فاضلا وهو من أصحاب والدي اشتعل عليه وقدمه يصلي به في مسجد الحنابلة (5/404)

405 رافقته في طريق مكة فرأيته قليل المثل في ديانته وتعبده وحسن أوصافه وكان من خيار الشيوخ علما وعملا وصلاحا وتواضعا وسلامة صدر وحسن سمت وصفاء قلب وتلاوة قرآن وذلك وقال البرزالي كان من خيار المسلمين وكبار الصالحين توفي ليلة الأربعاء سابع رجب بدمشق ودفن بالقرب من قبر الشيخ موفق الدين وفيها الكمال بن النجار محمد بن أحمد بن علي الدمشقي الشافعي مدرس الدولقية وكيل بيت المال روى عن ابن أبي لقمة وجماعة وكان ذا بشر وشهامة قاله في العبر وفيها شمس الدين محمد ابن الشيخ العفيف التلمساني سليمان بن علي الكاتب الأديب كان ظريفا لعابا معاشرا وشعره في غاية الحسن منه ( يا من حكى بقوامه * قد القضيب إذا التوى ) ( ماذا أثرت على القلوب * من الصبابة والجوى ) ( ما أنت عندي والقضيب * اللدن في حال سوا ) ( هذا حركة النسيم * وأنت حركت الهوى ) ومنه ( إني لأشكو في الهوى * ما راح يقع خده ) ( ما كان يعرف ما الجفا * حتى تفتح ورده ) وله في ذم الحشيشة ( ما في الحشيشة فضل عند آكلها * لكنه غير مصروف إلى رشده ) ( حمراء في عينه خضراء في يده * صفراء في وجهه سوداء في كبده ) توفي في رجب وله نحو ثلاثين سنة ودفن بمقابر الصوفية وفيها ابن الكمال المحدث الإمام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحيم بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي الحنبلي ولد في ليلة الخميس حادي عشر ذي الحجة سنة سبع وستمائة بقاسيون وحضر على ابن الحرستان والكندي (5/405)

406 وسمع ابن ملاعب والشيخ موفق الدين وخلقا ولازم عمه الحافظ الضياء وتخرج به وكتب الكثير وعنى بالحديث وتمم تصنيف الأحكام الذي جمعه عمه الحافظ ضياء الدين قال الذهبي كان إماما فقيها محدثا زاهدا عابدا كثير الخير له قدم راسخ في التقوى ووقع في النفوس متقللا من الدنيا من سادات الشيوخ علما وعملا وصلاحا وعبادة حكى لي عنه أنه كان يحفر مكانا في جبل الصالحية لبعض شأنه فوجد جرة مملوءة دنانير وكانت زوجته معه تعينه على الحفر فاسترجع وطم المكان كما كان أولا وقال لزوجته هذه فتنة ولعل لها مستحقين لا نعرفهم وعاهدها على أنها لا تشعر بذلك أحدا ولا تتعرض إليه وكانت صالحة مثله فتركا ذلك تورعا مع فقرهما وحاجتهما وهذا غاية الورع والزهد وحدث رحمه الله بالكثير نحوا من أربعين سنة وسمع منه خلق كثير وروى عنه جماعة من الأكابر وحدثنا عنه جماعة منهم ابن الخباز وابن قيم الضيائية وتوفي بعد العشاء الآخرة من ليلة الثلاثاء تاسع جمادى الأولى بمدرسة عمه بالجبل ودفن من الغد عند الشيخ موفق الدين وفيها شمس الدين الأصفهاني الأصولي المتكلم العلامة أبو عبد الله محمد بن محمود بن محمد بن عباد العجلي ينتهي نسبه إلى أبي دلف الشافعي نزيل مصر وصاحب التصانيف شرح المحصول وله كتاب الفوائد في العوم الأربعة الأصلين والخلاف والمنطق وكتاب غاية المطلب في المنطق وله يد طولى في العربية والشعر ولد رحمه الله بأصفهان سنة ست عشرة وستمائة وكان والده نائب السلطنة بأصفهان واشتغل بأصفهان في جملة من العلوم في حياة أبيه بحيث أنه فاق نظراءه ثم لما استولى العدو على أصفهان رحل إلى بغداد فأخذ في الاشتغال في الفقه على الشيخ سراج الدين الهرقلي وبالعلوم على الشيخ تاج الدين الأرموي ثم ذهب إلى الروم إلى الشيخ أثير الدين الأبهري فأخذ عنه الجدل والحكمة ثم دخل القاهرة وولي قضاء قوص (5/406)

407 خلافة عن القاضي تاج الدين بن بنت الأعز فباشره مباشرة حسنة وكان مهيبا قائما في الحق وقورا في درسه ودرس بالشافعي ومشهد الحسين وأخذ عنه جماعة وتخرج به المصريون وقيل أن ابن دقيق العيد كان يحضر درسه بقوص وتوفي في العشرين من رجب وله اثنتان وسبعون سنة وفيها المهذب أبو الغنائم التنوخي العدل الكبير زين الدين كاتب الحكم بدمشق ولد سنة ثمان عشرة وستمائة وقرأ على السخاوي وسمع من مكرم وتفقه وانتهت إليه رياسة الشروط ومعرفة عللها ودقائقها وتوفي في رجب وفيها الملك المنصور محمود بن الملك الصالح إسمعيل بن العادل أبي بكر بن أيوب سلطنه أبوه بدمشق وركب في أبهة السلطنةن سنة أربعين وستمائة ولا زالت تتقلب به الأحوال إلى أن صار يطلب بالأوراق قال ابن مكتوم رأيته سلطانا ورأيته يستعطى وكان شيخا مهيبا يلبس قباء وعمامة مدورة وفيها الجرائدي تقي الدين يعقوب بن بدران بن منصور المصري شيخ القراء أخذ القراءات عن السخاوي وغيره وروى عن الزبيدي وغيره وتصدر للأقراء وتوفي في شعبان سنة تسع وثمانين وستمائة فيها توفي نجم الدين بن الشيخ قاضي القضاة أبو العباس أحمد بن شيخ الإسلام شمس الدين عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الصالحي الحنبلي ولد في شعبان سنة إحدى وخمسين وستمائة وسمع الحديث ولم يبلغ أوان الرواية وتفقه على والده وولي القضاء في حياة والده بإشارته قال البرزالي كان خطيب الجبل وقاضي القضاة ومدرس أكثر المدارس وشيخ الحنابلة وكان فقيها فاضلا سريع الحفظ جيد الفهم كبير المكارم شهما شجاعا ولي القضاء ولم يبلغ ثلاثين سنة فقام أتم قيام وقال غيره درس بدار (5/407)

408 الحديث الأشرفية بالسفح وشهد فتح طرابلس مع السلطان الملك المنصور وكان مليح البزة ذكيا مليح الدروس له قدة على الحفظ ومشاركة جيدة في العلوم وله شعر جيد منه ( آيات كتب الغرام أدرسها * وعبرتي لا أطيق أحبسها ) ( لبست ثوب الضنى على جسدي * وحلة الصبر لست ألبسها ) ( وشادن مارنا بمقلته * إلا سبي العالمين نرجسها ) ( فوجه جنة مزخرفة * لكن بنبل الحتوف يحرسها ) ( وريقه خمرة معتقة * داربت علينا من فيه أكؤسها ) ( يا قمرا أصبحت ملاحته * لا يعتريها عيب يدنسها ) ( صل هائما إن جرت مدامعه * تلحقها زفرة تيبسها ) توفي يوم الثلاثاء ثاني عشر جمادى الأولى بمنزله بقاسيون ودفن عند أبيه وجده وفيها ابن عز القضاة فخر الدين أبو الفداء إسمعيل بن علي بن محمد الدمشقي الزاهد ولد سنة ثلاثين وستمائة وخدم في الكتابة وكان أديبا شاعرا ناسكا زاهدا خاشعا مقبلا على شأنه حافظا لوقته توفي ليلة الأربعاء الحادي والعشرين من رمضان وكانت له جنازة مشهودة وفيها خطيب المصلى عماد الدين أبو بكر عبد الله بن محمد بن حسان بن رافع العامري المعدل روى عن ابن البن وزين الأمناء وطائفة وتوفي في صفر وله ثلاث وسبعون سنة وفيها الشمس عبد الرحمن بن الزين أحمد بن عبد الملك بن عثمان بن عبد الله بن سعد بن مفلح بن هبة الله بن نمير المقدسي ثم الصالحي الحنبلي المحدث الزاهد ولد في ذي القعدة سنة ست وستمائة بقاسيون وسمع بدمشق من الكندي وابن الحرستان وطائفة وتفقه بالموفق ثم رحل وأدرك الفتح بن عبد السلام وطائفة فأكثر وأجاز له ابن طبرزد (5/408)

409 وغيره قال الذهبي كان فقيها زاهدا ثقة نبيلا من أولى العلم والعمل والصدق والورع حدث بالكثير وأكثر عنه ابن نفيس والمزي والبرزالي وطائفة وتوفي يوم الإثنين تاسع عشرى ذي القعدة بالسفح ودفن بالقرب من قبر الشيخ أبي عمر وفيها خطي بدمشق جمال الدين أبو محمد عبد الكافي بن عبد الملك بن عبد الكافي الربعي الدمشقي الشافعي المفتي ولد سنة اثنتي عشرة وستمائة وسمع من ابن الصباح وابن الزبيدي وجماعة وناب في القضاء مدة وكان دينا حسن السمت للناس فيه عقيدة كبيرة مات فيت جمادى الأولى وفيها النور بن الكفتي أبو الحسن علي بن ظهير بن شهاب المصري شيخ الأقراء بديار مصر أخذ القراءات عن ابن وثيق وأصحاب أبي الجود وشهر بالاعتناء بالقراءات وعللها وسمع من ابن الجميزي وغيره مع الورع والتقى والجلالة توفي في ربيع الآخر وفيها الرشيد الفارقي أبو حفص عمر بن إسمعيل بن مسعود الربعي الشافعي الأديب ولد سنة ثمان وتسعين وخمسمائة وسمع من الفخر بن تيمية وابن الزبيدي وابن باقا وكان أديبا بارعا منئا بليغا شاعرا مفلقا لغويا محققا درس بالناصرية مدة ثم بالظاهرية وتصدر للإفادة كتب رقعة إلى علي بن جرير وأرسلها إلى القاسمية مع رجل اسمه علي ( حسدت عليا على كونه * توجه دوني إلى القاسمية ) ( وما بي شوق إلى قربه * ولكن مرادي ألقى سميه ) خنق في بيته في رابع المحرم بالظاهرية وأخذ ماله ودرس بعده علاء الدين ابن بنت الأعز وفيها السلطان الملك المنصور سيف الدين أبو المعالي وأبو الفتح قلاوون التركي الصالحي النجمي كان من أكبر الأمراء زمن الظاهر وتملك في رجب سنة ثمان وسبعين وستمائة وكسر التتار على حمص وغزا الفرنج غير مرة وفتح طرابلس وما جاورها وفتح حصن المرقب وفي (5/409)

410 سنة ثمان وثمانين عمل في القاهرة بين القصرين تربة عظيمة ومدرسة كبيرة ومارستانا للمرضى وكانت وفاته ظاهر القاهرة بالمخيم وقد عزم على الغزاة فتوفي في سادس ذي القعدة ودفن بتربته بين القصرين وفيها سبط إمام الكلاسة المحدث المفيد بدر الدين محمد بن أحمد بن محمد ابن النجيب شاب ذكي مليح الخط صحيح النقل حريص على الطلب عالي الهمة سمع من ابن عبد الدائم وابن أبي اليسر وحدث وتوفي في صفر وفيها شمس الدين أبو الفضائل محمد بن عبد الرزاق الرسعني نسبة إلى رأس عين بلد الحنبلي كان شاعرا أديبا معدلا حدث عن ابن القبيطي وغيره وكان أحد الشهود بدمشق ويوؤم بمسجد الرماحين ومن شعره ( ولو أن إنسانا يبلغ لوعتي * ووجدي وأشجاني إلى ذلك الرشا ) ( لأسكنته عيني ولم أرضها له * ولولا لهيب القلب أسكنته الحشا ) وله ( أآيس من بر وجودك واصل * إلى كل مخلوق وأنت كريم ) ( وأجزع من ذنب وعفوك شامل * لكل الورى طرا وأنت رحيم ) ( وأجهد في تدبير حالي جهالة * وأنت بتدبير الأنام حكيم ) ( وأشكو إلى نعماك ذلي وحاجتي * وأنت بحالي يا عزيز عليم ) غرق رحمه الله بنهر الشريعة من الغور في جمادى الآخرة وفيها محمد ابن عون الدين يحيى بن شمس الدين علي بن عز الدين محمد بن الوزير عون الدين بن هبيرة نزيل بلبيس بها وكان ناظرا على ديوانها حدث عن الداهري ونصر بن عبد الرزاق وابن اللتي وسمع من الحارثي والمزي والبرزالي وغيرهم وكان فاضلا له شعر حسن وفيها ابن المقدسي ناصر الدين محمد بن العلامة المفتي شمس الدين عبد الرحمن بن نوح الشافعي الدمشقي تفقه على أبيه وسمع من ابن اللتي ودرس بالرواحية وتربة أم الصالح ثم داخل الدولة (5/410)

411 وولي وكالة بيت المال ونظر الأوقاف فظلم وعسف وعدا طوره ثم اعتقل بالعذراوية فوجد مشنوقا بعد ضرب بالمقارع وصودر توفي في ثالث شعبان قاله في العبر سنة تسعين وستمائة فيها ولله الحمد والمنة فتح ما كان بأيدي النصارى من بلاد الشام ولم يبق لهم بها حصن ولا معقل وفيها توفي الشيخ الخابوري خطيب حلب ومقرئها ونحويها الإمام شهاب الدين أحمد بن عبد الله بن الزبير الحلبي صاحب النوادر والظرف سمع بحران من فخر الدين بن تيمية وبحلب من ابن الأستاذ وببغداد من ابن الداهري وبدمشق من ابن صباح وقرأ القراءات على السخاوي وتوفي في المحرم وقد قارب التسعين وفيها السويدي الحكيم العلامة شيخ الأطباء عز الدين أبو إسحق إبراهيم بن محمد بن طرخان الأنصاري الدمشقي ولد سنة ستمائة وسمع من الشمس العطار وابن ملاعب وطائفة وتأدب على ابن معطي وأخذ الطب عن المهذب الدخوار وبرع في الطب وصنف فيه وفاق الأقران وكتب الكثير بخطه المليح ونظر في العقليات وألف كتاب الباهر في الجواهر وكتاب التذكرة في الطب وتوفي في شعبان وفيها أرغون بن أبغا بن هلاكو صاحب العراق وخراسان وأذربيجان تملك بعد عمه الملك أحمد وكان شهما مقداما كافر النفس شديد البأس سفاكا للدماء عظيم الجبروت هلك في هذا العام فيقال أنه سم فاتهمت المغل وزيره سعيد الدولة اليهودي بقتله فمالوا على اليهود قتلا ونهبا وسبيا قاله في العبر وفيها إسماعيل بن نور بن قمر الهيتي الصالحي روى عن موسى بن عبد القادر وجماعة وتوفي في رجب وفيها سلامش الملك العادل بدر الدين ولد الملك الظاهر بيبرس الصالحي (5/411)

412 الذي سلطنوه عند خلع أخيه السعيد ثم نزعوه بعد ثلاثة أشهر وبقي خاملا بمصر فلما تسلطن الأشرف أخذه وأخاه الملك خضر وأهلهم وجهزهم إلى مدينة اسطنبول بلاد الأشكري فمات بها وله نحو من عشرين سنة وكان ميح الصورة رشيق القد ذا عقل وحياء وفيها التلمساني عفيف الدين سليمان بن علي بن عبد الله بن علي الأديب الشاعر أحد زنادقة الصوفية وقيل له مرة أأنت نصير فقال النصيري بعض مني وأما شعره ففي الذروة العليا من حيث البلاغة لا من حيث الاتحاد توفي في خامس رجب وله ثمانون سنة قاله في العبر وقال الشيخ عبد الرؤف المناوي أثنى عليه ابن سبعين وفضله على شيخه القونوي فإنه لما قدم شيخه القونوي رسولا إلى مصر اجتمع به ابن سبعين لما قدم من المغرب وكان التلمساني مع شيخه القونوي قالوا لابن سبعين كيف وجدته يعني في علم التوحيد فقال أنه من المحققين لكن معه شاب أحذق منه وهو العفيف التلمساني والعفيف هذا من عظماء الطائفة القائلين بالوحدة المطلقة وقال بعضهم هو لحم خنزير في صحن صيني وأنه يدرج السم القاتل في كلامه لمن لا فطنة له بأساس قواعده ورموه بعظائم من الأقوال والأفعال وزعموا أنه كان على قدم شيخه في أنه لا يحرم فرجا وأن عنده أن ما ثم غير ولا سوى بوجه من الوجوه وأن العبد إنما يشهد السوى إذا كان محجوبا فإذا انكشف حجابه ورأى أن ماثم غيره تبين له الأمر ولهذا كان يقول نكاح الأم والبنت والأجنبية واحد وإنما هؤلاء المحجبون قالوا حرام علينا فقلنا حرام عليكم وذكروا أنه دخل على أبي حيان فقال له من أنت قال العفيف التلمساني وجدي من قبل الام ابن سبعين فقال أي والله عريق أنت في الآلهية يا كلب يابن الكلب وأكثروا من نقل هذا الهذيان في شأنه وشأن شيخه وشيخ شيخه ولم يثبت عنهم شيء من ذلك بطريق معتبر نعم هم قائلون بأن واجب الوجود هو الوجود المطلق ومبنى طريقهم على ذلك انتهى كلام (5/412)

413 المناوي ملخصا وقال غيره له عدة تصانيف منها شرح أسماء الله الحسنى وشرح مواقف النفزي وشرح الفصوص وغير ذلك وله ديوان شعر وقال الشيخ برهان الدين بن الفاشوشة الكتبي دخلت عليه يوم مات فقلت له كيف حالك قال بخير من عرف الله كيف يخاف والله مذ عرفته ما خفته وأنا فرحان بلقائه ومن شعره ( إن كان قتلي في الهوى يتعين * يا قاتلي فبسيف طرفك أهون ) ( حسبي وحسبك أن تكون مدامعي * غسلي وفي ثوب السقام أكفن ) ( عجبا لخدك وردة في بانة * والورد فوق البان ما لا يمكن ) ( أدنته لي سنة الكرى فلثمته * حتى تبدل بالشقيق السوسن ) ( ووردت كوثر ثغره فحسبتني * في جنة من وجنتيه أسكن ) ( ما راعني إلا بلال الخال من * خديه في صبح الجبين يؤذن ) وفيها تاج الدين الفركاح فقيه الشام شيخ الإسلام أبو محمد عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفزاري الدمشقي الشافعي ولد في ربيع الأول سنة أربع وعشرين وستمائة وسمع من ابن الزبيدي وابن اللتي وابن الصلاح والسخاوي وخلائق وتفقه على الإمامين ابن الصلاح وابن عبد السلام وبرع في المذهب وهو شاب وجلس للأشغال وله بضع وعشرون سنة وكتب على الفتاوي وله ثلاثون سنة وكانت الفتاوي تأتيه من الأقطا رقال القطب اليونيني انتفع به جم غفير ومعظم قضاة الشام وما حولها وقضاة الأطراف تلامذته وكان رحمه الله عنده من الكرم المفرط وحسن العشرة وكثرة الصبر والاحتمال وعدم الرغبة في التكثر من الدنيا والقناعة والإيثار والمبالغة في اللطف ولين الكلمة والأدب ما لا مزيد عليه وقال الذهبي فقيه الشام درس وناظر وصنف وانتهت إليه رياسة المذهب في الدنيا كما انتهت إلى ولده برهان الدين (5/413)

414 كان من أذكياء العالم وممن بلغ رتبة الاجتهاد ومحاسنه كثيرة وهو أجل ممن ينبه عليه مثلي وكان رحمه الله يلثغ بالراء فسبحان من له الكمال وكان لطيف اللحية قصيرا حلو الصورة مفركح الساقين ولهذا قيل له الفركاح وقال ابن قاضي شهبة كان أكبر من النووي بسبع سنين وكان أفقه نفسا وأزكى قريحة وأقوى مناظرة من الشيخ محي الدين وأكثر محفوظا منه وكان قليل المعلوم كثير البركة وكان مدرس البادرائية ولم يكن بيده سواها وقال الذهبي جمع تاريخا مفيدا وصنف التصانيف رأيته وسمعت كلامه في حلقة أقرائه مدة وكان بينه وبين النووي رحمهما الله وحشة توفي بالبادرائية في خامس جمادى الآخرة ودفن بمقبرة باب الصغير وفيها الأبهري القاضي شمس الدين عبد الواسع بن عبد الكافي بن عبد الواسع الشافعي ولد بأبهر وهي بالباء الموحدة الساكنة مدينة نحو يوم من قزوين سنة تسع وتسعين وخمسمائة وسمع من ابن روزبة وابن الزبيدي وطائفة وأجاز له أبو الفتح المندائي والمؤيد ابن الاحوة وخلق وسمع منه الحافظ المزي وتوفي في شوال بدمشق بالخانقاه الأسدية وفيها الفخر بن البخاري مسند الدنيا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن السعدي المقدسي الصالحي الحنبلي ولد في آخر سنة خمس وتسعين وخمسمائة وسمع من حنبل وابن طبرزد والكندي وخلق وأجاز له أبو المكارم اللبان وابن الجوزي وخلق كثير وطال عمره ورحل الطلبة إليه من البلاد وألحق الأسباط بالأجداد في علو الإسناد قاله في العبر وقال ابن رجب في طبقاته تفرد في الدنيا بالرواية العالية وتفقه على الشيخ موفق الدين وقرأ عليه المقنع وأذن له في إقرائه وصار محدث الإسلام وراويته روى الحديث فوق ستين سنة وسمع منه الأئمة الحفاظ المتقدمون وقد ماتوا قبله بدهر وخرج له عم الحافظ ضياء الدين جزءا من عواليه وحدث به كثير سمعناه من أصحابه (5/414)

415 وذكره عمر بن الحاجب في معجم شيوخه فقال تفقه على والده وعلى الشيخ موفق الدين قال وهو فاضل كريم النفس كيس الأخلاق حسن الوجه قاض للحاجة كثير التعصب أي للحق محمود السيرة سألت عمه الشيخ ضياء الدين عنه فأثنى عليه ووصفه بالفعل الجميل والمروءة التامة وقال الفرضي في معجمه كان شيخا عالما فقيها زاهدا عابدا مسندا مكثرا وقورا صبورا على قراءة الحديث مكرما للطلبة ملازما لبيته مواظبا على العبادة ألحق الأحفاد بالأجداد وحدث نحوا من ستين سنة وتفرد بالرواية عن شيوخ كثيرة وقال الذهبي كان فقيها عارفا بالمذهب فصيحا صادق اللهجة يرد على الطلبة مع الورع والتقوى والسكينة والجلالة زاهدا صالحا خيرا عدلا مأمونا وقد سألت المزي عنه فقال أحد المشايخ الأكابر والأعيان الأماثل من بيت العلم والحديث ولا نعلم أحدا حصل له من الحظوة في الرواية في هذه الأزمان مثل ما حصل له قال شيخنا ابن تيمية ينشرح صدري إذا أدخلت ابن البخاري بيني وبين النبي في حديث قلت وقد دخل بيني وبين النبي في أحاديث لا تحصى منها الحديث المسلسل بالحنابلة الذي يقال له سلسلة الذهب ولا يوجد حديث أصح منه وهو ما حدثني به أستاذي الشيخ أيوب بن أحمد بن أيوب وكان حنبليا ثم تحنف وهو سبط الشيخ موسى الحجاوي الحنبلي قال روينا عن الشيخ إبراهيم يعني ابن الأحدب قال روينا بعموم الأذن إن لم يكن سماعا عن النجم بن حسن الماتاني الحنبلي قال ثنا أبو المحاسن يوسف بن عبد الهادي الحنبلي ثنا جدي أحمد بن عبد الهادي الحنبلي ح قال ابن الماتاني وأنبأنا أيضا محمد بن أبي عمر الحنبلي المعروف بابن زريق ثنا عبد الرحمن بن الطحان الحنبلي بقراءتي عليه قالا ثنا الصلاح محمد بن أحمد بن أبي عمر الحنبلي ثنا علي بن أحمد بن عبد الواحد الحنبلي المعروف بابن البخاري ثنا حنبل بن عبد الله البغدادي الحنبلي ثنا محمد بن الحصين الحنبلي ثنا الحسن بن علي بن المذهب (5/415)

416 الحنبلي ثنا أحمد بن جعفر القطيعي الحنبلي ثنا عبد الله بن الإمام أحمد الحنبلي ثنا إمام السنة وحافظ الأمة الصديق الثاني الإمام أحمد بن حنبل الشيباني إمام كل حنبلي في الدنيا رضي الله عنه ثنا محمد بن إدريس الشافعي ثنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال لا يبع بعضكم على بيع بعض ونهى عن النجش ونهى عن بيع حبل الحبلة ونهى عن المزابنة والمزابنة بيع الرطب بالتمر كيلا وبيع الكرم بالزبيب كيلا انتهى والله أعلم وله الحمد والمنة وقال الذهبي وهو آخر من كان في الدنيا بينه وبين النبي ثمانية رجال ثقات وقال ابن رجب حدث ببلاد كثيرة بدمشق ومصر وبغداد والموصل وتدمر والرحبة والحديثة وزرع وتكاثرت عليه الطلبة من نحو الخمسين وستمائة وازدحموا عليه عبد الثمانين وروى عنه من الحفاظ من لا يحصى منهم ابن الحاجب والزكي المنذري والرشيد العطار والدمياطي وابن دقيق العيد والحارثي والشيخ تقي الدين بن تيمية وبقيت طلبته وجماعته إلى نيف وسبعين وسبعمائة وهذه بركة عظيمة ومن شعره ( تكررت السنون علي حتى * بليت وصرت من سقط المتاع ) ( وقل النفع عندي غير أني * أعلل بالرواية والسماع ) ( فإن يك خالصا فله جزاء * وإن يك مانعا فإلى ضياع ) وله ( إليك اعتذار يمن صلاتي قاعدا * وعجزي عن سعي إلى الجمعات ) ( وتركي صلاة الفرض في كل مسجد * تجمع فيه الناس للصلوات ) ( فيا رب لا تمقت صلاتي ونجني * من النار واصفح لي عن الهفوات ) وتوفي رحمه الله تعالى ضحى يوم الأربعاء ثاني شهر ربيع الآخر وصلى عليه وقت الظهر بالجامع المظفري ودفن عند والده بسفح قاسيون وكانت (5/416)

417 له جنازة مشهودة شهدها القضاة والأمراء والأعيان وخلق كثير وفيها ابن الزملكاني الإمام المفتي علاء الدين علي بن العلامة البارع كمال الدين عبد الواحد بن عبد الكريم الأنصاري السماكي الدمشقي الشافعي مدرس الأمينية توفي في ربيع الآخر وقد نيف على الخمسين سمع من خطيب مردا والرشيد العطار ولم يحدث قاله في العبر وفيها الفخر الكرجي أبو حفص عمر بن يحيى بن عمر الشافعي ولد سنة تسع وتسعين وخمسمائة بالكرج وتفقه بدمشق على ابن الصلاح وخدمه مدة وسمع من البهاء عبد الرحمن وابن الزبيدي وطائفة وليس ممن يعتمد عليه في الرواية توفي هو والفخر بن البخاري في يوم واحد وفيها أبو محمد غازي الحلاوي بن أبي الفضل بن عبد الوهاب الدمشقي سمع من حنبل وابن طبرزد وعمر دهرا وانتهى إليه علو الإسناد بمصر وعاش خمسا وتسعين سنة وتوفي في رابع صفر بالقاهرة وفيها الشهاب بن مزهر أبو عبد الله محمد بن عبد الخالق بن مزهر الأنصاري الدمشقي المقرىء قرأ القراءات على السخاوي وأقرأها وكان فقيها عالما وقف كتبه بالأشرفية وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد المؤمن بن أبي الفتح الصوري الصالحي ولد سنة إحدى وستمائة وسمع من الكندي وابن الحرستاني وطائفة وببغداد من أبي علي بن الجواليقي وجماعة وأجاز له ابن طبرزد وجماعة وكان آخر من سمع من الكندي موتا توفي في منتصف ذي الحجة وفيها ابن المجاور نجم الدين ابو الفتح يوسف ابن الصاحب يعوقب بن محمد بن علي الشيباني الدمشقي الكاتب ولد سنة إحدى وستمائة وسمع من الكندي وعبد الجليل بن مندويه وجماعة وتفرد برواية تاريخ بغداد عن الكندي وتوفي في الثامن والعشرين من ذي القعدة وكان دينا مصليا إلا أنه يخدم في المكس قاله في العبر (5/417)

418 سنة إحدى وتسعين وستمائة فيها نازل السلطان الملك الأشرف قلعة الروم وهي مجاورة لقلعة البيرة وأهلها نصارى من تحت طاعة التتار فنصب عليها المناجيق وجد في حصارها وفتحت بعد خمسة وعشرين يوما في رجب وما أحسن ما قال الشهاب محمود في كتاب الفتح فسطا خميس الإسلام يوم السبت على أهل الأحد فبارك الله للأمة في سبتها وخميسها وفيها توفي الزكي المعرى إبراهيم بن عبد الرحمن بن أحمد بن المغربي البعلي الفقيه الحنبلي الزاهد العابد أبو إسحق حضر على الشيخ الموفق وسمع من البهاء عبد الرحمن وغيره وتفقه وحفظ المقنع وكان صالحا عابدا زاهدا ورعا اجتمعت الألسن على مدحه والثناء عليه ذكره ابن اليونيني وقال الذهبي كان من أعبد البشر توفي ليلة السبت سابع شوال ببعلبك وله إحدى وثمانون سنة وفيها ابن دبوقا المقرىء المحقق أبو الفضل جعفر بن القسم بن جعفر بن حبيش الربعي الضرير قرأ القراءات على السخاوي وأقرأها وله معرفة متوسطة وشعر جيد توفي في رجب قاله في العبر وفيها سعد الدين الفارقي الأديب البارع المنشىء أبو الفضل سعد الله بن مروان الكاتب قال الذهبي هو أخو شيخنا زين سمع من ابن رواحة وكريمة وطائفة وكان بديع الكتابة معنى وخطا توفي في رمضان بدمشق وهو في عشر الستين وفيها السيف عبد الرحمن بن محفوظ بن هلال الرسعني أحد الشهود تحت الساعات كان عدلا صالحا ناسكا روى عن الفخر بن تيمية وغيره وأجاز له عبد العزيز بن منينا وجماعة وتوفي في المحرم عن بضع وثمانين سنة وفيها ابن صصرى العدل علاء الدين أبو الحسن علي بن أبي بكر بن أبي الفتح التغلبي الدمشقي الضرير آخر من روى صحيح البخاري عن عبد الجليل بن مندوية والعطار توفي في شعبان (5/418)

419 وفيها الخبازي الإمام العلامة جلال الدين أبو محمد عمر بن محمد بن عمر الخجندي الحنفي كان فقيها بارعا زاهدا ناسكا عارفا بالمذهب صنف في الفقه والأصلين وأفتى ودرس ثم جاور بمكة سنة ثم رجع إلى دمشق فدرس بالخاتونية التي على الشرف القبلي إلى أن توفي في آخر ذي الحجة عن اثنتين وستين سنة ودفن بالصوفية رحمه الله تعالى وفيها وكيل بيت المال خطيب دمشق زين الدين أبو حفص عمر بن مكي بن عبد الصمد الشافعي الأصولي المتكلم توفي في ربيع الأول وفيها العماد الصايغ محمد بن عبد الرحمن بن ملهم الفرشي الدمشقي روى عن ابن البن حضورا وعن ابن الزبيدي وتوفي في شعبان عن بضع وسبعين سنة وفيها الصاحب فتح الدين محمد بن المولى محي الدين عبد الله بن عبد الظاهر المصري الكاتب الموقع روى عن ابن الجميزي وتوفي بدمشق في رمضان وفيها ابن عصرون نور الدين محمود بن القاضي نجم الدين عبد الرحمن بن أبي سعد بن أبي عصرون التميمي روى عن المؤيد الطوسي بالإجازة وتوفي في رمضان وفيها النجم أبو بكر بن أبي العز مشرف الكاتب الأديب ويعوف بابن الحردان كان لغويا أخباريا فصيحا متقعرا له شعر جيد توفي في صفر قاله في العبر سنة اثنتين وتسعين وستمائة فيها سلم صاحب سيس قلعة بهنسا للسلطان صفوا عفوا وضربت البشائر في رجب وفيها توفي تقي الدين أبو إسحق إبراهيم بن علي بن أحمد بن فضل بن الواسطي الفقيه الحنبلي الزاهد شيخ الإسلام بركة الشام قطب الوقت ولد سنة اثنتين وستمائة وسمع بدمشق من ابن الحرستاني وابن البنا والشيخ موفق الدين وابن أبي لقمة وخلق ورحل في طلب الحديث والعلم (5/419)

420 فسمع ببغداد من الفتح بن عبد السلام وابن الجواليقي وغيرهما وبحلب من عبد الرحمن بن علوان وبحران من أحمد بن سلامة وبالموصل من أبي العز القسطلي وعنى بالحديث وقرأ بنفسه وله إجازات من جماعات من الأصبهانيين والبغداديين وتفقه في المذهب وأفتى ودرس بالمدرسة الصاحبة بقاسيون نحوا من عشرين سنة وبمدرسة الشيخ أبي عمر وولي في آخر عمره مشيخة دار الحديث الظاهرية وكان من خير خلق الله تعالى علما وعمى قال الذهبي قرأت بخط العلامة كمال الدين بن الزملكاني في حقه كان كبير القدر له وقع في القلوب وجلالة ملازما للتعبد ليلا ونهارا قائما بما يعجز عنه غيره مبالغا في إنكار المنكر بايع نفسه فيه لا يبالي على من أنكر يعود المرضى ويشيع الجنايز ويعظم الشعائر والحرمات وعنده علم جيد وفقه حسن وكان داعية إلى عقيدة أهل السنة والسلف الصالح مثابرا على السعي في هداية من يرى فيه زيغا عنها وقال البرزالي تفرد بعلو الإسناد وكثرة الروايات والعبادة ولم يخلف مثله توفي آخر نهار الجمعة في جمادى الآخرة ودفن بتربة الشيخ موفق الدين وفيها الفاضلي جمال الدين أبو إسحق إبراهيم بن داود بن ظافر العسقلاني ثم الدمشقي المقرىء صاحب السخاوي ولي مشيخة الإقراء بتربة أم الصالح مدة وسمع من ابن الزبيدي وجماعة وكتب الكثير وتوفي في مستهل جمادى الأولى وفيها الأرموي الشيخ الزاهد إبراهيم بن الشيخ القدوة عبد الله روى عن الشيخ الموفق وغيره وتوفي في المحرم وحضر جنازته الملوك والأمراء والقضاة وحمل على الرؤس وكان صالحا خيار متقنا قانتا لله تعالى وفيها أبو العباس أحمد بن علي بن يوسف الحنفي المعدل سبط عبد الحق بن خلف ووالد قاضي الحصن روى عنه موسى بن عبد القادر والشيخ الموفق وتوفي في صفر بنواحي البقاع وفيها ابن النصيبي (5/420)

421 الرئيس كال الدين أحمد بن محمد بن عبد القاهر الحلبي آخر من حدث عن الافتخار الهاشمي وثابت بن مشرف وأبي محمد بن الأستاذ توفي بحلب في المحرم وفيها تقي الدين أحمد بن أبي الطاهر بن أبي الفضل المقدسي الصلحي شيخ صالح روى عن الموفق والقزويني وتوفي في رجب وفيها صفية بنت الواسطي أخت الشيخ إبراهيم المذكور أول هذه السنة روت عن الموفق وابن راجح وتوفيت في ذي الحجة عن نيف وثمانين سنة وفيها محي الدين عبد الله بن عبد الظاهر بن نشوان المصر الأديب كاتب الإنشاء وأحد البلغاء المذكورين توفي بمصر وفيها المكين الأسمر عبد الله بن منصور الأسكندراني شيخ القراء بالأسكندرية أخذ القراءات عن أبي القسم بن الصفراوي وأقرأ الناس مدة وفيها التقى عبيد بن محمد الأسعردي الحافظ نزيل القاهرة سمع الكثير من أصحاب السلفي وخرج لغير واحد وتوفي في هذا العام وكان ثقة وفيها السيف علي بن الرضى عبد الرحمن بن عبد الجبار المقدسي الحنبلي نقيب الشيخ شمس الدين سمع من ابن البن والقزويني وحضر موسى والموفق وتوفي في شوال وفيها ابن الأعمى صاحب المقامة البحرية كمال الدين علي بن محمد بن المبارك الأديب الشاعر روى عن ابن اللتي وغيره وتوفي في المحرم عن سن عالية ومن شعره في حمام ضيق ليس فيه ماء بارد ( إن حمامنا الذي نحن فيه * قد أناخ العذاب فيه وخيم ) ( مظلم الأرض والسما والنواحي * كل عيب من عيبه يتعلم ) ( حرج بابه كطاقة سجن * شهد الله من يخر فيه يندم ) ( وبه مالك غدا خازن النار * بلى مالك أرق وأرحم ) ( كلما قلت قد أطلت عذابي * قال لي اخسأ فيه ولا تتكلم ) ( قلت لما رأيته يتلظى * ربنا اصرف عنا عذاب جهنم ) (5/421)

422 وفيها ابن فرقين الأمير ناصر الدين علي بن محمود بن فرقين أجاز له الكندي وسمع من القزويني وغيره وتوفي في شعبان وفيها ابن الأستاذ عز الدين أبو الفتح عمر بن محمد بن الشيخ أبي محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي الحلبي مدرس المدرسة الظاهرية التي بظاهر دمشق روى سنن ابن ماجه عن عبد اللطيف وتوفي في ربيع الأول وفيها أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن ترجم المصري آخر من روى جامع الترمذي عن علي بن البناء سنة ثلاث وتسعين وستمائة فيها قتل الملك الأشرف صلاح الدين خليل بن الملك المنصور سيف الدين ولي السلطنة بعد والده في ذي القعدة سنة تسع وثمانين وفتك به الأمير بندار وذلك أنه جهز العسكر مع وزيره إلى القاهرة وتخلى بنفسه ليخلو مع خاصيته بسبب الصيد وترك نائبه الأمير بندار تحت الصناجق فلما كان وقت العصر وهو جالس بمفرده قدم الأمير بندار وصحبته جماعة من الأمراء فقتلوا السلطان وحلفوا البندار وسلطنوه ولقب بالملك القاهر وتوجهوا إلى مصر فلقيهم الخاصكية ومقدمهم الأمير زين الدين كتبغا فحملوا عليهم فانهزم الأمير بندار فأدركوه وقتلوه ومسكوا باقي الأمراء فقتلوهم وأقاموا الملك الناصر وحلفوا له واستقر الشجاعي وزيرا ومسك ابن السلعوس واستأصلوا أمواله ومسكوا أقاربه وذويه وكان قد أحضرهم من الشام فحلت عليهم النقمة إلا رجل واحد لم يحضر من الشام وكتب إليه شعرا ( تنبه يا وزير الأرض واعلم * بأنك قد وطئت على الأفاعي ) (5/422)

423 ( وكن بالله معتصما فإني * أخاف عليك من نهش الشجاعي ) فكان كما قاله فإنه مات من نهشه الشجاعي عاقبه إلى أن مات ولم يجد لنهشه درياقا ثم أن الشجاعي عزم على قتل كتبغا فركب عليه وحصره في القلعة فقتله بعض مماليك السلطان ورموا به إلى كتبغا فسكت الفتنة وفرح الناس بموته وطافوا به في البلد وتزايدت أفراح الناس لما كان تعمد من المظالم وفيها شمس الدين أبو العباس أحمد بن الخليل بن سعادة المعروف بابن الخويى نسبة إلى خوى بضم الخاء المعجمة وفتح الواو بعدها ياء تحتية وهي مدينة من أذربيجان أعني إقليم تبريز دخل خراسان وقرأ الأصول على القطب المصري تلميذ الفخر الرازي وقرأ علم الجدل على علاء الدين الطوسي وسمع بخراسان والشام وكان شافعيا عالما نظارا خبيرا بعلم الكلام والحكمة والطب كثير الصلاة والصيام صنف في الأصول والنحو والعروض وتولى قضاء الشام ومات بها سنة سبع وثلاثين وستمائة وأما ولده شهاب الدين أحمد قاضي البلاد الشامية وابن قاضيها فولد سنة ست وعشرين وستمائة ومات ولده وهو ابن إحدى عشرة سنة فأقام بالعادلية ولزم الاشتغال حتى برع وسمع الحديث وحدث وصنف كتبا منها شرح الفصول لابن معطى ودرس بالمدرسة الدماغية ثم ولي قضاء القدس ثم انتقل إلى القاهرة في وقعة هلاكو فتولى بها قضاء القاهرة والوجه البحري ثم ولي قضاء الشام بعد القاضي شهاب الدين بن الزكي فاجتمع الفضلاء إليه وكان عالما بعلوم كثيرة وصنف كتابا ضمنه عشرين علما وكان له اعتقاد سليم على طريقة السلف حسن الأخلاق والهيئة كبير الوجه أسمر فصيح العبارة مستدير اللحية قليل الشيب حسن الأخلاق توفي ببستان من بساتين دمشق يوم الخميس الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين وستمائة قاله الأسنوي وفيها ابن مزيد المحدث المفيد تقي الدين إدريس بن محمد التنوخي الحموي (5/423)

424 روى عن ابن رواحة وصفية بنت الحبقبق وطبقتهما وعنى بالحديث وتوفي في ربيع الآخر وفيها إسحق بن إبراهيم بن سلطان البعلبكي الكتاني المقرىء روى عن البهاء عبد الرحمن وتوفي بدمشق في ذي القعدة وفيها بكتوت العلائي الأمير الكبير بدر الدين المنصوري توفي بمصر في جمادى الآخرة وفيها الملك الحافظ غياث الدين محمد بن شاهنشاه بن صاحب بعلبك الأمجد بهرام شاه بن فروخ شاه روى صحيح البخاري عن ابن الزبيدي ونسخ الكثير بخطه وتوفي في شعبان وفيها الدمياطي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد العزيز بن أبي عبد الله المقرىء أخذ القراءات عن السخاوي وتصدر واحتيج إلى علو روايته وقرأ عليه جماعة وتوفي في صفر وله نيف وسبعون سنة وفيها ابن السلعوس الوزير الكامل مدبر الممالك شمس الدين محمد بن عثمان التنوخي الدمشقي التاجر الكاتب ولي حسبة دمشق فأحسن السيرة واستصغرها الناس عليه فلم ينشب أن ولي الوزارة ودخل دمشق في دست عظيم لم يعهد مثله وكان قبل ذلك يكثر الصيام والذكر فلما تولى الوزارة تكبر على الناس لا سيما الأمراء وأذى الذي أوصله إلى السلطان ومات في تاسع صفر بعد أن أنتن جسده من شدة الضرب وقلع منه اللحم الميت نسأل الله العافية وفيها ابن التيني فخر الدين محمد بن محمد بن عقيل الدمشقي الكاتب صاحب الخط المنسوب روى عن الشيخ الموفق وغيره وتوفي في جمادى الأولى سنة أربع وتسعين وستمائة فيها توفي خطيب الخطباء شرف الدين أحمد بن أحمد بن نعمة بن أحمد المقدسي الشافعي خطيب دمشق ومفتيها وشيخ الشافعية بها ولد سنة اثنتين (5/424)

425 وعشرين وستمائة وأجاز له أبو علي بن الجواليقي وطائفة وسمع من السخاوي وابن الصلاح وتفقه على ابن عبد السلام وغيره وبرع في الفقه والأصول والعربية وكان كتيسا متواضعا متنسكا ثاقب الذهن مفرط الذكاء طويل النفس في المناظرة أديبا من محاسن الزمان ومن شعره ( احجج إلى الزهر واسعى به * وارم جمار الهم مستنفرا ) ( من لم يطف بالزهر في وقته * من قبل أن يحلق قد قصرا ) وله لغز في ناعورة ( وما أنثى وليست ذات فحل * وتحمل دائما من غير بعل ) ( وتلقى كل آونة جنينا * فيجري في الفلاة بغير رجل ) ( وتبكي حين تلقيه عليه * بصوت حزينة ثكلت بطفل ) توفي رحمه الله تعالى في رمضان وفيها الفاروثي بالفاء والراء والمثلثة نسبة إلى فاروث قرية على دجلة الإمام عز الدين أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن عمر الواسطي الشافعي المقرىء الصوفي شيخ العراق ولد بواسط في ذي القعدة سنة أربع عشرة وستمائة وقرأ القراءات على أصحاب ابن الباقلاني وسمع من عمر بن كرم وطبقته وكان إماما عالما متفننا متضلعا من العلوم والآداب رحالا حريصا على العلم ونشره حسن التربية للمريدين لبس الخرقة من السهروردي وجاور مدة قال الذهبي ثم قدم علينا في سنة إحدى وتسعين فأقرأ القراءات وروى الكثير وولي الخطابة بعد ابن المرحل عزل بعد سنة فسافر مع الحجاج ودخل العراق ومات بواسط في أول ذي الحجة وقد نيف على الثمانين وفيها محب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد شيخ الحرم الطبري المكي ولد بمكة في جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وستمائة وسمع من جماعة وأفتى ودرس وتفقه وصنف كتابا كبيرا إلى الغاية في الأحكام في ست (5/425)

426 مجلدات وتعب عليه مدة ورحل إلى اليمن وأسمعه للسلطان صاحب اليمن وروى عنه الدمياطي وابن العطاء وابن الخباز والبرزالي وجماعة قال الذهبي الفقيه الزاهد المحدث كان شيخ الشافعية ومحدث الحجاز وقال غيره له تصانيف كثيرة في غاية الحسن منها في التفسير كتبا وشرح التنبيه وله كتاب الرياض النضرة في فضائل العشرة وكتاب ذخائر العقبى في مناقب ذوي القرى وكتاب السمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين وكتاب القرى في ساكن أم القرى وغير ذلك توفي في جمادى الآخرة على الصحيح وحكى البرزالي أن ولده توفي بعده في ذي القعدة واسم ولده محمد ولقبه جمال الدين وكان قاضيا بمكة المشرفة وفيها لجمال المحقق أبو العباس أحمد بن عبد الله الدمشقي كان فقيها ذكيا مناظرا بصيرا بالطب درس وأعاد وكان فيه لعب ومزاح توفي في رمضان عن نحو ستين سنة روى عن ابن طلحة وفيها التاج إسمعيل بن إبراهيم بن قريش المخزومي المصري المحدث كان عالما جليلا سمع من جعفر الهمداني وابن المقير وهذه الطبقة ومات فجأة في رجب وفيها أبو القسم عبد الصمد بن الخطيب عماد الدين عبد الكريم بن القاضي جمال الدين بن الحرستاني الشافعي كان صالحا زاهدا صاحب كشف وفيه تواضع ووله يسير روى عن زين الأمناء وابن الزبيدي وتوفي في ربيع الآخر وله خمس وسبعون سنة وفيها ابن سحنون خطيب النيرب مجد الدين شيخ الأطباء أبو محمد عبد الوهاب بن أحمد بن سحنون الحنفي روى عن خطيب مردا يسيرا وله شعر وفضائل وتوفي في ذي القعدة قاله في العبر وفيها اللمتوني أبو الحسن علي بن عثمان بن يحيى الصنهاجي الشواء ثم أمين السجن سمع ابن غسان وابن الزبيدي وطائفة وتوفي في ذي القعدة وقد نيف على السبعين (5/426)

427 وفيها ابن البزوري أبو بكر محفوظ بن معتوق البغدادي التاجر روى عن ابن القسطي ووقف كتبه على تربته بسفح قاسيون وكان نبيلا سريا جمع تاريخا ذيل به على المنتظم وتوفي في صفر عن ثلاث وستين سنة وهو أبو الواعظ نجم الدين وفيها ابن الحامض أبو الخطاب محفوظ بن عمر بن أبي بكر بن خليفة البغدادي التاجر روى عن ابن عبد السلام الداهري وجماعة وتوفي بمصر يوم الأضحى وفيها ابن العديم الصاحب جمال الدين أبو غانم محمد بن الصاحب كمال الدين عمر بن أحمد العقيلي الحلبي الفرضي الكاتب سمع من ابن رواحة وطائفة وببغداد ودمشق وانتهت إليه رياسة الخط المنسوب وتوقى بحماة في أول أيام التشريق وله ستون سنة وفيها قاضي نابلس جمال الدين محمد بن القاضي نجم الدين محمد بن القاضي شمس الدين سالم بن صاعد القرشي المقدسي الشافعي روى عن أبي علي الأوقي وتوفي في ربيع الآخر عن أربع وسبعين سنة وفيها صاحب اليمن الملك المظفر يوسف ابن الملك المنصور عمر بن رسول بقي في السلطنة نيفا وأربعين سنة وكان مستظهرا في الولاية له مشاركة في العلوم يحب العلماء ويعتقد الصالحين محببا إلى الرعايا صحبه في حجته ستمائة فارس ومن ظرفه أنه كتب إليه رجل إنما المؤمنون أخوة وأخوك بالباب يطلب نصيبه من بيت المال فأرسل إليه بدرهم وقال في جوابه إخواني المؤمنون كثير في الدنيا لو قسمت بيت المال بينهم ما حصل لكل واحد منهم درهم وكتب إليه إنسان أنا كاتب أحسن الخط الظريف والكشط اللطيف فقال حسن كشطك يدل على كثرة غلطك واشتكى إليه ناظره على عدن أن عبد الله بن أبي بكر الخطيب أراق خمورهم فأجابه هذا لا يفعله إلا صالح أو مجنون وكلاهما ما لنا معه كلام توفي سامحه الله تعالى في رجب (5/427)

428 وفيها الجوهري الصدر نجم الدين أبو بكر بن محمد بن عباس التميمي الحنفي صاحب المدرسة الجوهرية الحنفية بدمشق توفي في شوال ودفن بمدرسته عن سن عالية وفيها أبو بكر بن الياس بن محمد بن سعيد الرسعني الحنبلي روى عن الفخر بن تيمية والقزويني وتوفي بالقاهرة رحمه الله تعالى وفيها أبو الرجال بن مرى المنيني الرجل الصالح القدوة بركة الوقت كان صاحب حال وكشف وله عظمة في النفوس وكان له عشرة أولاد ذكور فكنى بأبي الرجال وكان تلميذ الشيخ جندل العجمي رحمهما الله توفي يوم عاشوراء بمنين عن نيف وثمانين سنة ودفن هناك وفيها أبو الفهم بن أحمد بن أبي الفهم السلمي الدمشقي رجل مستور روى عن الشيخ الموفق وغيره وتوفي في أحد الربيعين وله ثلاث وثمانون سنة قاله في العبر سنة خمس وتسعين وستمائة استهلت وأهل الديار المصرية في قحط شديد ووباء مفرط حتى أكلوا الجيف وأخرج في اليوم الواحد ألف وخمسمائة جنازة وكانوا يحفرون الحفائر الكبار ويدفنون فيها لجماعة الكثيرة وفيها كما قال الذهبي قدم علينا شيخ الشيوخ صدر الدين إبراهيم بن الشيخ سعد الدين بن حموية الجويني طالب حديث فسمع الكثير وروى لنا عن أصحاب المؤيد الطوسي وأخبر أن ملك التتار غازان بن أرغون أسلم على يده بواسطة نائبه نوروز وكان يوما مشهودا وفيها توفي نجم الدين أبو عبد الله أحمد بن حمدان بن شبيب بن أحمد بن شبيب بن حمدان بن شبيب بن حمدان بن محمود بن غياث بن سابق بن وثاب النميري الحراني الفقيه الأصولي القاضي نزيل القاهرة وصاحب التصانيف ولد سنة ثلاث وستمائة بحران وسمع الكثير بها من الحافظ عبد القادر الرهاوي وهو آخر من روى عنه ومن الخطيب أبي عبد الله بن (5/428)

429 تيمية وغيره وسمع بحلب من الحافظ ابن خليل وغيره وبدمشق من ابن عساكر وابن صباح وبالقدس من الأوقى وغيره وقرأ بنفسه على الشيوخ وجالس ابن عمه الشيج مجد الدين بن تيمية وبحث معه كثيرا وبرع في الفقه وانتهت إليه معرفة المذهب ودقائقه وغوامضه وكان عارفا بالأصلين والخلاف والأدب وصنف تصانيف كثيرة منها الرعاية الصغرى والرعاية الكبرى في الفقه وكتاب الوافي ومقدمة في أصول الدين وكتاب صفة المفتي والمستفتي وغير ذلك وولي نيابة القضاء بالقاهرة وتفقه به وتخرج عليه جماعة كثيرة وحدث بالكثير وعمر وأسن وأضر وروى عنه الدمياطي والحارثي والمزي والبرزالي وغيرهم وتوفي بالقاهرة يوم الخميس سادس صفر عن اثنتين وتسعين سنة وتوفي أخوه تقي الدين شبيب الأديب البارع الشاعر المفلق الطبيب الكحال في ربيع الآخر من هذه السنة أيضا وهو في عشر الثمانين سمع ابن روزبة وطائفة وقد عارض بانت سعاد بقصيدة عظيمة منها ( مجد كبا الوهم عن إدراك غايته * ورد عقل البرايا وهو معقول ) ( طوبى لطيبة بل طوبى لكل فتى * له بطيب ثراها الجعد تقبيل ) وله أيضا ( وافى يعللني والليل قد ذهبا * فخلت من راحة في راحه ذهبا ) ( ظبى إذا قهقه الأبريق وابتسمت * له المدام بكى الراووق وانتحبا ) ( مقرطق لم يقم بالكاس عرس هنا * إلا وراح بنور الراح مختضبا ) ( يجلو على ابن غمام بكر معصرة * فقم لتشهد أن العود قد خطبا ) ( ماهز من قد العسال في رهج * إلا غدا قلب جيش الهم مضطربا ) وفيها الشيخ أبو العباس الداري أحمد بن عبد الباري الصعيدي ثم (5/429)

430 الأسكندراني المؤدب الرجل الصالح قرأ القراءات على أبي القسم بن عيسى وأكثر عنه وعن الصفراوي وتوفي في أوائل السنة عن ثلاث وثمانين سنة وألف وفيها أبو الفضائل المنقذي أحمد بن عبد الرحمن بن محمد الحسيني الدمشقي خادم مصحف مشهد علي بن الحسين روى عن ابن غسان وابن صباح وجماعة وله حضور على ذرع بن فارس وتوفي في ذي الحجة وفيها الشريف عز الدين الحسيني نقيب الأشراف أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الحلبي ثم المصري الحافظ المؤرخ روى عن فخر القضاة أحمد بن الحباب وأكثر عن أصحاب بوصيري وعنى بالحديث وبالغ وتوفي في سادس المحرم وفيها قاضي الحنابلة الإمام شرف الدين حسن بن الشرف عبد الله بن الشيخ أبي عمر بن قدامة المقدسي ولد في شوال سنة ثمان وثلاثين وستمائة وسمع من المرسي وابن مسلمة وغيرهم وقرأ بنفسه على الكفر طابى وتفقه وبرع في المذهب الحنبلي وولي القضاء بعد نجم الدين أحمد بن الشيخ وإلى أن مات قال البرزالي كان قاضيا بالشام على مذهب الإمام أحمد ومدرسا بدار الحديث الأشرفية بسفح قاسيون وبمدرسة جده وكان مليح الشكل حسن المحاضرة كثير المحفوظ وقال الذهبي كان من أئمة المذهب توفي ليلة الخميس ثاني عشرى شوال ودفن بمقبرة جده بسفح قاسيون وهو والد الشيخ شرف الدين أبي العباس أحمد المعروف بابن قاضي الجبل وفيها بنت الواسطي الزاهدة العابدة أم محمد زينب بنت علي بن أحمد بن فضل الصالحية قال الذهبي روت لنا عن الشيخ الموفق وتوفيت في المحرم وقد قاربت التسعين وفيها ابن قوام العدل الصالح كمال الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن نصر بن قوام بن وهب الرصافي ثم الدمشقي قال الذهبي حدثنا عن القزويني وابن الزبيدي (5/430)

431 ومات فجأة في ذي القعدة وله ثمانون سنة وفيها ابن رزين الإمام صدر الدين عبد البر بن قاضي القضاة تقي الدين محمد قال الذهبي كان إماما شافعيا فاضلا درس بالقيمرية بدمشق ومات بها في رجب وفيها ابن بت الأعز قاضي الديار المصرية تقي الدين عبد الرحمن بن قاضي القضاة تاج الدين العلائي الشافعي قال الذهبي توفي في جمادى الأولى كهلا وولي بعده ابن دقيق العيد شيخنا وفيها ابن الفاضل الشيخ سعد الدين عبد الرحمن بن علي بن القاضي الأشرف أحمد بن القاضي الفاضل سمع من عبد الصمد الغضاري وجعفر الهمداني فأكثر وتوفي في رجب وقد قارب السبعين وفيها ابن الدميري نسبة إلى دميرة قرية بمصر محي الدين عبد الرحيم بن عبد المنعم المصري أخذ من الحافظ علي ابن المفضل وأبي طالب بن حديدة وأكثر عن الفخر الفارسي وكان إماما فاضلا دينا توفي في المحرم وله تسعون سنة وفيها العلامة سحنون أبو القسم عبد الرحمن بن عبد الحليم بن عمران الأوسي الدكالي بفتح الدال المهملة وتشديد الكاف نسبة إلى دكالة بلد بالمغرب المالكي المقرىء النحوي قرأ القراءات على الصفراوي وسمع منه ومن علي بن مختار وكان إماما علامة ورعا فاضلا توفي في رابع شوال وفيها الجلال عبد المنعم بن أبي بكر بن أحمد الأنصاري المصري الشافعي قاضي القدس كان شيخا عالما دينا وقورا قال الذهبي حدثنا عن ابن المقير وتوفي بالقدس في ربيع الآخر وفيها سراج الدين عمر بن محمد الوراق المصري أديب الديار المصرية كان مكثرا حسن التصرف فمن شعره قوله ( سألتهم وقد حثوا المطايا * قفوا نفسا فساروا حيث شاءوا ) (5/431)

432 ( وما عطفوا على وهم غصون * ولا التفتوا إلى وهم ظباء ) وفيها الشرف البوصيري صاحب البردة محمد بن سعد بن حماد الدلاصي المولد المغربي الأصل البوصيري المنشأ ولد بناحية دلاص في يوم الثلاثاء أول شوال سنة ثمان وستمائة وبرع في النظم قال فيه الحافظ ابن سيد الناس هو أحسن من الجزر والوراق قاله السيوطي في حسن المحاضرة وأقول والأمر كما قال ابن سيد الناس ومن سبر شعره علم مزيته وما أحسن قوله في افتتاح ديوانه ( كتب المشيب بأبيض في أسود * بقضاء ما بيني وبين الخرد ) والله أعلم وفيها إمام مسجد البياطرة الفقيه أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن سلطان التميمي الحنفي الشاهد قال الذهبي حدثنا عن ابن صباح وتوفي في ربيع الأول وله ثلاث وثمانون سنة وفيها ابن عصرون تاج الدين محمد بن عبد السلام بن المطهر بن عبد الله ابن أبي سعد بن أبي عصرون التميمي الشافعي مدرس الشامية الصغرى ولد بحلب في أول سنة عشر وستمائة وأجاز له المؤيد الطوسي وطبقته وسمع من أبيه وابن روزبة وجماعة وروى الكثير وكان خيرا متواضعا حسن الإيراد للدرس توفي في ربيع الأول وفيها الشيخ شرف الدين الأزروني الزاهد محمد بن عبد الملك بن عمر اليونيني كان صالحا عابدا مقصودا بالزيارة والتبرك توفي ببيت لهيا وفيها ابن النحاس الصاحب العلامة محي الدين أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن إبراهيم الأسدي الحلبي الحنفي روى عن الكاشغرى وابن الخازن وكان من أساطين المذهب وتولى الوزارة بالشام في الدولة المنصورية ولم يزل معظما في جميع الدول مشهورا بالأمانة وتوفي بالمزة في آخر السنة وله إحدى وثمانون سنة وشهران (5/432)

433 وفيها الموفق أبو عبد الله محمد بن العلاء بن علي بن مبارك الأنصاري النصيبي الشافعي المقرىء شيخ القراء والصوفية ببعلبك وقرأ القراءات على ابن الحاجب والسديد عيسى وأقرأها مدة وله نظم رائق توفي في ذي الحجة وقد قارب الثمانين قال الذهبي عرضت عليه ختمة للسبعة وفيها شرف الدين التاذفي بالمثناة الفوقية والمعجمة والفاء نسبة إلى تاذف قرية قرب حلب محمود بن محمد بن أحمد المقرىء كان عبدا صالحا قانتا لله تعالى خائفا منه تاليا لكتابه روى عن ابن رواحة وابن خليل ومات بسفح قاسيون في رجب وقد نيف على السبعين وفيها ابن المنجا العلامة زين الدين أبو البركات المنجا بن عثمان بن أسعد بن المنجا التنوخي الدمشقي الحنبلي أحد من انتهت إليه رياسة المذهب أصولا وفروعا مع التبحر في العربية والنظر والبحث وكثرة الصيام والصلاة والوقار والجلالة ولد في عاشر ذي القعدة سنة إحدى وثلاثين وستمائة وسمع من السخاوي وابن مسلمة والقرطبي وجماعة وتفقه على أصحاب جده وأصحاب الشيخ موفق الدين وقرأ الأصول على التفليسي والنحو على ابن مالك وبرع في ذلك كله ودرس وأفتى وناظر وصنف ومن تصانيفه شرح المقنع في أربع مجلدات وتفسير كبير للقرآن العظيم وغير ذلك وسمع منه ابن العطار والمزي والبرزالي وغيرهم وتوفي يوم الخميس رابع شعبان وتوفيت زوجته أم محمد ست البهاء بنت الصدر الخجندي ليلة الجمعة خامس الشهر وصلى عليهما معا عقب صلاة الجمعة بجامع دمشق ودفنا بتربة بيت المنجا بسفح قاسيون وفيها الوجيه النفري بكسر النون وفتح الفاء المشددة وراء نسبة إلى النفر بلد على النرس موسى بن محمد المحدث أحد من عنى بمصر بالحديث وقدم دمشق سنة نيف وسبعين فأكثر عن أصحاب ابن طبرزد وتوفي في جمادى الآخرة (5/433)

434 وفيها أبو الفتوح نصر الله بن محمد بن عباس بن حامد الصالحي السكاكيني صالح خير فاضل حسن المجالسة قال الذهبي حدثنا عن أبي القسم بن صصرى وعلي بن زيد التساري وطائفة وتوفي في سلخ شوال وله تسع وسبعون سنة وفيها رضي الدين القسنطيني بضم القاف وفتح السين المهملة وسكون النون نسبة إلى قسنطينية قلعة بحدود أفريقية العلامة أبو بكر بن عمر بن علي بن سالم الشافعي النحوي أخذ العربية عن ابن معطي وابن الحاجب وسمع من أبي علي الأوقي وابن المقير وتصدر للأشغال مدة واضر بآخرة وتوفي في رابع عشر ذي الحجة وله ثمان وثمانون سنة وفيها الكفرابي أبو الغنايم ابن محاسن بن أحمد بن مكارم المعمار روى عن قاضي حران أبي بكر والقزويني وابن روزبة وتوفي في ذي الحجة وله إحدى وثمانون سنة سنة ست وتسعين وستمائة فيها توجه الملك العادل إلى مصر فلما كان باللجون وثب حسام الدين لاشين المنصور على بيحاص وبكتوت الأزرق فقتلهما وكانا جناحي أستاذهما العادل فخاف وركب سرا في أربعة مماليك وساق إلى دمشق فدخل القلعة فلم ينفعه ذلك وزال ملكه وخضع المصريون لحسان الدين ولم يختلف عليه اثنان ولقب الملك المنصور وأخذ العادل تحت الحوطة فاسكن بقلعة صرخد وقنع بها وفيها توفي الصدر الفاضل أحمد بن إبراهيم ببستانه بسطرا ودفن بتربة بسفح قاسيون قبالة الأتابكية جوار تربة تقي الدين توبة كان فاضلا في النحو واللغة والعربية وله تجرد مع الفقراء الحريرية وكان من رؤساء دمشق وله شعر حسن وفيها ابن الأعلاق يابو العباس أحمد بن عبد الكريم بن غازي الواسطي ثم المصري قال الذهبي روى لنا عن عبد القوي وابن الحباب وابن باقا وكان إمام مسجد توفي في صفر عن ست (5/434)

435 وثمانين سنة وفيها ابن الظاهري الحافظ الزاهد القدوة جمال الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الله الحلبي الحنفي المقرىء المحدث كان أحد من عنى بهذا الشأن وكتب عن سبعمائة شيخ بالشام والجزيرة ومصر وحدث عن ابن اللتي والأربلي فمن بعدهما وما زال في طلب الحديث وإفادته وتخريجه إلى آخر أيامه وكان من الثقات الأثبات توفي بالمغس في زاويته بظاهر القاهرة في ربيع الأول وله سبعون سنة قال ابن ناصر الدين كان أبوه مولى للظاهر غازي بن يوسف وفيها النفيس نفيس الدين إسمعيل بن محمد بن عبد الواحد بن صدقة الحراني ثم الدمشقي ناظر الأيتام وواقف النفيسية بالرصيف روى عن مكرم القرشي وتوفي في ذي القعدة عن نحو من سبعين سنة وفيها الضياء أبو الفضل جعفر بن محمد بن عبد الرحيم الحسيني المصري القباني أحد كبار الشافعية ويعرف بابن عبد الرحيم ولد سنة تسع عشرة وستمائة وتفقه على الشيخين بهاء الدين القفطي ومجد الدين القشيري واستفاد من ابن عبد السلام وأخذ الأصول عن الشيخين محد الدين القشيري وعبد الحميد الخسروشاهى وسمع الحديث من جماعة ودرس بالمشهد الحسيني وولي كتابة بيت المال وكان من كبار الشافعية قال ابن كثير في طبقاته أحد الأعيان كان بارعا في المذهب أفتى بضعا وأربعين سنة وتوفي في ربيع الأول عن ثمان وسبعين سنة وفيها الضياء دانيال بن منكل الشافعي قاضي الكرك قرأ على السخاوي وسمع من ابن اللتي وابن الخازن وطائفه وكان له رواء ومنظر ولديه فضائل وتوفي في رمضان وفيها التاج أبو محمد عبد الخالق بن عبد السلام بن سعيد بن علوان البعلبكي فقيه عالم جيد المشاركة في الفنون ذو حظ من عبادة وتواضع روى عن الشيخ الموفق والزويني والبهاء عبد الرحمن وتوفي في تاسع المحرم وله ثلاث وتسعون سنة وفيها عفيف الدين أبو محمد عبد السلام بن محمد بن مزروع بن أحمد بن (5/435)

436 عزاز المصري البصري الفقيه الحنبلي المحدث الحافظ نزيل المدينة النبوية ولد بالبصرة في شوال سنة خمس وعشرين وستمائة ورحل إلى بغداد فسمع بها من ابن قميرة وخلق وتفقه على الشيخ كمال الدين بن وضاح ثم انتقل إلى المدينة النبوية واستوطنها نحوا من خمسين سنة إلى أن مات بها وحج منها أربعين حجة على الولاء وحدث بالكثير بالحجاز وبغداد ومصر ودمشق وسمع منه جماعات منهم البرزالي وابن الخباز والحارثي وتوفي يوم الثلاثاء بعد الصبح سابع عشرى صفر ودفن بالبقيع وفيها عز الدين أبو حفص عمر بن عبد الله بن عمر بن عوض المقدسي الحنبلي قاضي القضاة بالديار المصرية سمع من جعفر الهمداني وابن رواح وأفتى ودرس وكان محمود القضايا مشكور السيرة متثبتا في الأحكام مليح الشكل سمع منه الذهبي وقال عنه إمام جماع للفضائل محمود القضايا متثبت توفي بالقاهرة في صفر ودفن بتربة الحافظ عبد الغني وله ست وستون سنة وفيها الضياء السبني بفتحتين ونون نسبة إلى السبن موضع أبو الهدى عيسى بن يحيى بن أحمد بن محمد الأنصاري الشافعي الصوفي المحدث ولد سنة ثلاث عشرة وستمائة وقدم مع أبيه فحج ولبس الخرقة من السهروردي وسمع وقرأ الكتب على الصفراوي وابن المقير وغيرهما وتوفي بالقاهرة فجأة وله ثلاث وثمانون سنة وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن حازم بن حامد بن حسن المقدسي الحنبلي سمع من ابن صصرى والناصح بن الحنبلي وابن الزبيدي وابن عساكر والضياء الحافظ وأكثر عنه وكان فقيها فاضلا عابدا توفي في ذي الحجة بنابلس في رجوعه من زيارة المسجد الأقصى وهو في عشر الثمانين وفيها التلعفري الشيخ محمد بن جوه رالصوفي المقرىء قرأ على أبي إسحق ابن وثيق ولقن مدة وكان عارفا بالتجويد وروى عن يوسف بن خليل وغيره (5/436)

437 وتوفي بدمشق في صفر وفيها الضياء بن النصيبي محمد بن محمد بن عبد القاهر الحلبي الكاتب وزر لصاحب حماة وحدث عن ابن روزبة والموفق عبد اللطيف وتوفي في رجب وفيها الرضى محمد بن أبي بكر بن خليل العثماني المكي الشافعي المفتي النحوي الزاهد شيخ الحرم وفقيه روى عن ابن الجميزي وغيره وفيها أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن بطيح الدمشقي قال الذهبي روى لنا عن الناصح وكان ينادي ويتبلغ توفي في صفر عن ثمان وسبعين سنة وفيها ابن العدل محي الدين يحيى بن محمد بن عبد الصمد الزبداني مدرس مدرسة جده بالزبداني حدث عن ابن الزبيدي وابن اللتي وتوفي في المحرم وفيها ابن عطا أبو المحاسن يوسف بن قاضي القضاة شمس الدين عبد الله بن محمد بن عطاء الأذرعي الحنفي روى عن ابن الزبيدي وغيره وتوفي في ربيع الأول عن ست وسبعين سنة وفيها أبو تغلب بن أحمد بن أبي تغلب الفاروثي الواسطي سمع من ابن الزبيدي وغيره وتوفي بدمشق في المحرم وله إحدى وتسعون سنة سنة سبع وتسعين وستمائة فيها توفي الشهاب العابر أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة النابلسي الحنبلي ولد ليلة الثلاثاء ثالث عشر شعبان سنة ثمان وعشرين وستمائة بنابلس وسمع بها من عمه تقي الدين يوسف ومن الصاحب محي الدين بن الجوزي وسمع من سبط السلفي وغيره وترحل إلى مصر ودمشق والأسكندرية وتفقه في المذهب قال الذهبي فقيه إمام عالم لا يدرك شأوه في علم التعبير وله مصنف كبير في هذا العلم سماه البدر المنير توفي يوم الأحد تاسع عشرى ذي القعدة ودفن بتربة أبي الطيب بباب الصغير (5/437)

438 وفيها الصدر بن عقبة أبو إسحق إبراهيم بن أحمد بن عقبة البصروي مفت مدرس ولي مرة قضاء حلب وكان ذا همة وجلادة وسعى توفي في رمضان عن سن عالية قاله في العبر وفيها أبو الروح جبريل بن إسمعيل بن جبريل الشارعي قال الذهبي شيخ مقرىء متواضع بزورى يؤم بمسجد توفي في هذا العام ظنا روى لنا عن ابن باقا وغيره وخرج عنه الأبيوردي في معجمه وفيها عائشة ابنة المجد عيسى بن الشيخ الموفق المقدسي مباركة صالحة عابدة قال الذهبي روت لنا عن جدها وابن راجح وعاشت ستا وثمانين سنة وفيها الكمال الفويره مسند العراق أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن محمد البغدادي الحنبلي المقرىء البزار المكثر شيخ المستنصرية قرأ القراءات على الفخر الموصلي وسمع من أحمد بن صرما وجماعة وأجاز له ابن طبرزد وعبد الوهاب بن سكينة وانتهى إليه علو الإسناد في القراءات والحديث وتوفي في ذي الحجة وله ثمان وتسعون سنة ووقع في الهرم رحمه الله تعالى وفيها ابن المغيزل الصدر شرف الدين عبد الكريم بن محمد بن محمد بن نصر الله الحموي الشافعي روى عن الكاشغري وابن الخازن وتوفي في المحرم وله إحدى وثمانون سنة وفيها ابن واصل قاضي حماة جمال الدين أبو عبد الله محمد بن سالم بن نصر الله بن واصل الحموي الشافعي كان إماما عالما بعلوم كثيرة خصوصا العقليات مفرطا في الذكاء مداوما على الاشتغال والتفكر في العلم حتى كان يذهل عمن يجالسه وعن أحوال نفسه وصنف تصانيف كثيرة في الأصلين والحكمة والمنطق والعروض والطب والأدبيات ومن شعره ( وأغيد مصقول العذار صحبته * وربع سروري بالتأهل عامر ) ( وفارقته حينا فجاء بلحية * تروح وقد دارت عليه الدوائر ) ( فكررت طرفي في رسوم جماله * وأنشدت بيتا قاله قبل شاعر ) (5/438)

439 ( كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا * أنيس ولم يسمر بمكة سامر ) ( فقال عجيب والفؤاد كأنما * يقلقله بين الجوانح طائر ) ( بلى نحن كنا أهلها فأبادنا * صروف الليالي والجذوذ العواثر ) توفي بحماة يوم الجمعة الثاني والعشرين من شوال وفيها ابن المغربي بدر الدين محمد بن سليمان بن معالي الحلبي المقرىء قال الذهبي عبد خير صالح عالم كتب العلم وقرأ بنفسه وروى عن كريمة وابن المقير وطائفة وتوفي في ربيع الأول عن ثمان وسبعين سنة وفيها الأيكي العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن محمد الفارسي الشافعي كان فقيها صوفيا إماما في الأصلين ورد دمشق ودرس بالغزالية وشرح منطق مختصر ابن الحاجب ثم سافر إلى مصر وولي مشيخة الشيوخ بها فتكلم فيه الصوفية فخرج منها وعاد إلى دمشق فتوفي بالمزة يوم الجمعة قبيل العصر ثالث شهر رمضان عن سبعين سنة قاله الأسنوي قلت رما الإمام أبو حيان بالإلحاد وعده فيمن اشتهر بذلك في المائدة من تفسيره والله أعلم وفيها أبو القسم القاضي بهاء الدين هبة الله بن عبد الله بن سيد الكل القفطي بكسر القاف وسكون الفاء وبالطاء المهملة نسبة إلى قفط بلد بصعيد مصر ولد في سنة ستمائة أو إحدى وستمائة وقيل في أواخر سنة تسع وتسعين وخمسمائة وتفقه على المجد القشيري في مذهب الشافعي وقرأ الأصول على الشمس الأصفهاني بقوص ودخل القاهرة فاجتمع بالشيخين عز الدين بن عبد السلام والزكي المنذري واستفاد منهما ورجع إلى بلده وانتفع به الناس وتخرجت به الطلبة وولى قضاء أسنا وتدريس المدرسة المعزية بها وكانت أسنا مشحونة بالروافض فقام في نصرة السنة وأصلح الله به خلقا وهمت الروافض بقتله فحماه الله منهم (5/439)

440 وترك القضاء أخيرا واستمر على العلم والعبادة قال السبكي كان فقيها فاضلا متعبدا مشهور الاسم وانتهت إليه رياسة العلم في إقليمه وكان زاهدا وقال الأسنوي برع في علوم كثيرة وأخذ عنه الطلبة وقصدوه من كل مكان وممن انتفع به تقي الدين بن دقيق العيد والدشناوي وصنف كتبا كثيرة في علوم متعددة وكانت أوقاته موزعة ما بين أقراء وتدريس وتصنيف توفي باسنا ودفن بالمدرسة المجيدية سنة ثمان وتسعين وستمائة استهلت وسلطان الإسلام الملك المنصور حسام الدين لاجين ونائبه منكوتمر مملوكه وهو معتمد عليه في جل الأمور فشرع يمسك كبار الأمراء وينفي آخرين وفي ربيع الآخر استوحش قبجق المنصوري نائب الشام وبكتمر السلحدار وغيرهما من فعائل منكوتمر وخافوا ان يبطش بهم وبلغهم دخول ملك التتار في الإسلام فأجمعوا على المسير إليه فساروا من حمص على البرية فلم يلبثوا إن جاء الخبر بقتل السلطان ومنكوتمر على يد كرجي الأشرفي ومن قام معه هجم عليه كرجي في ستة أنفس وهو يلعب بالشطرنج بعد العشاء ما عنده إلا قاضي القضاة حسام الدين الحنفي والأمير عبد الله ويزيد البدوي وإمامه المجير بن العسال قال حسام الدين رفعت رأسي فإذا سبعة أسياف تنزل عليه ثم قبضوا على نائبه فذبحوه من الغد ونودي للملك الناصر وأحضروه من الكرك فاستناب في المملكة سلار ثم قتل طغجى وكرجى الأشرفيان ثم ركب الملك الناصر بخلعة الخليفة وتقليده وقدم الأقرم على نيابة دمشق في جمادى الاولى وكان الملك المنصور أشقر أصهب فيه دين وعدل في الجملة وله شجاعة وإقدام وفيها توفي ابن الحصير نائب الحكم نظام الدين أحمد بن العلامة جمال (5/440)

441 الدين محمود بن أحمد البخاري الدمشقي الحنفي وله نحو من سبعين سنة قاله في العبر وفيها الصوابي الخادم الأمير الكبير بدر الدين بدر الحبشي كان أميرا على مائة فارس بدمشق وأقام في الأمرة نحوا من أربعين سنة وكان خيرا دينا معمرا موصوفا بالشجاعة والعقل والرأي قال الذهبي روى لنا عن ابن عبد الدايم وتوفي فجأة بقرية الخيارة في جمادى الأولى وقال ابن شهبة وحمل إلى قاسيون فدفن بترتبه وهو أول من أبطل ما كان يجبى من الحجاج في كل سنة لأجل العربان وهو على كل جمل عشرة دراهم أقام ذلك من ماله وأبطل الجباية وذلك سنة إحدى وثمانين فبطل ذلك إلى الآن انتهى وفيها التقى البيع الصاحب الكبير أبو البقاء توبة بن علي بن مهاجر التكريتي عرف بالبيع كان تاجرا فلما أخذت التتار بغداد حضر إلى الشام وتولى البيعية بدار الوكالة ثم ضمنها في أيام الظاهر وخدم المنصور وأقرضه ستين ألفا بلا فائدة فلما تولى المنصور أطلق له دار الوكالة وما كان عليه مكسورا وهو مائة ألف درهم وولاه كتابة الخزانة ثم نقل إلى وزارة الشام وتوزر لخمسة ملوك الأشرف والمنصور والعادل كتبغ ولاجين والناصر وكان حسن الأخلاق ناهضا وافرا كافيا وافر الحرمة توفي في جمادى الآخرة ودفن بتربته بسفح قاسيون عن ثمان وسبعين سنة وفيها صد رالدين أبو عبد الله أحمد بن محمد بن الأنجب بن الكسار الواسطي الأصل البغدادي المحدث الحافظ الحنبلي ولد سنة ست وعشرين وستمائة وسمع ببغداد من ابن قميرة وغيره وبواسط من الشريف الداعي الرشيدي وقرأ كثيرا من الكتب والأجزاء وعنى بالحديث وكانت له معرفة حسنة به قال الذهبي قال لنا الفرضي كان فقيها محدثا حافظا له معرفة وقال الذهبي وبلغني أنه تكلم فيه وهو متماسك وله عمل كثير في الحديث وشهرة بطلبه وقال ابن رجب كان رحمه الله زرى للباس وسخ الثياب على نحو طريقة أبي محمد بن الخشاب النحوي كما سبق ذكره (5/441)

442 وكان بعض الشيوخ يتكلم فيه وينسبه إلى التهاون في الصلاة وكان الدقوقي يقول أنهم كانوا يحسدونه لأنه كان يبرز عليهم في الكلام في المجالس والله أعلم بحقيقة أمره سمع منه خلق من شيوخنا وغيرهم توفي في رجب ودفن بمقبرة باب حرب انتهى كلام ابن رجب وفيها العماد عبد الحافظ بن بدران بن شبل المقدسي النابلسي صاحب المدرسة بنابلس روى عن الموفق وابن راجح وموسى بن عبد القادر وجماعة وطال عمره وقصد بالزيارة وتفرد بأشياء وتوفي في ذي الحجة وفيها الشيخ على الملقن بن محمد بن علي بن بقاء الصالحي المقرىء العبد الصالح روى عن ابن الزبيدي وغيره وعاش ستا وثمانين سنة وتوفي في رابع شوال وفيها ابن القواس مسند الوقت ناصر الدين أبو حفص عمر بن عبد المنعم بن عمر الطائي الدمشقي سمع حضورا من ابن الحرستاني وأبي يعلى بن أبي لقمة فكان آخر من روى عنهما وأجاز له الكندي وطائفة وخرجت له مشيخة وكان خيرا دينا متواضعا محبا للرواية توفي في ثاني ذي القعدة وله ثلاث وتسعون سنة وفيها ابن النحاس العلامة حجة العرب بهاء الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن أبي عبد الله الحلبي شيخ العربية بالديار المصرية روى عن الموفق بن يعيش وابن اللتي وجماعة وكان من أذكياء أهل زمانه توفي في جمادى الأولى وله إحدى وسبعون سنة وفيها ابن النقيب الإمام المفسر العلامة جمال الدين أبو عبد الله محمد بن سليمان بن حسن البلخي ثم المقدسي الحنبلي مدرس العاشورية بالقاهرة ولد سنة إحدى عشرة وستمائة وقدم مصر فسمع بها من يوسف بن المخيلي وصنف تفسيرا كبيرا إلى الغاية وكان إماما زاهدا عابدا مقصودا بالزيارة متبركا به أمارا بالمعروف كبير القدر توفي في المحرم ببيت المقدس قاله في العبر وفيها صاحب حماة الملك المظفر تقي الدين محمود بن الملك المنصور ناصر (5/442)

443 الدين محمد بن المظفر محمود بن المنصور محمد بن عمر شاهنشاه الحموي آخر ملوك حماة مات في الحادي والعشرين من ذي القعدة وفيها جمال الدين ياقوت المستعصمي الكاتب الأديب البغدادي آخر من انتهت إليه رياسة الخط المنسوب كان يكتب على طريقة ابن البواب وهو من مماليك المستعصم أمير المؤمنين قال الحافظ علم الدين البرزالي قال أنشدني أبو شامة قال أنشدني ياقوت لنفسه ( رعى الله أياما تقضت بقربكم * قصارا وحياها الحيا وسقاها ) ( فما قلت إيه بعدها لمسامر * من الناس إلا قال قلبي آها ) وفيها الملك الأوحد نجم الدين يوسف بن الناصر صاحب الكرك داود بن المعظم توفي بالقدس في ذي الحجة وله سبعون سنة سمع من ابن اللتي وروى عنه الدمياطي في معجمه سنة تسع وتسعين وستمائة فيها كانت بالشام فتنة غازان ملك التتار توفي فيها من شيوخ الحديث بدمشق والجبل أكثر من مائة نفس وقتل بالجبل ومات بردا وجوعا نحو أربعمائة نفس وأسر نحو أربعة آلاف منهم سبعون نسمة من ذرية الشيخ أبي عمر وفيها توفي أبو العباس أحمد بن سليمان بن أحمد بن إسماعيل بن عطاف المقدسي ثم الحراني المقرىء روى عن القزويني وابن روزبة ووالده الفقيه أبي الربيع وتوفي في جمادى الآخرة وله أبه وثمانون سنة وفيها أبو العباس أحمد بن عبد الله بن عبد العزيز اليونيني الصالحي الحنفي سمع البهاء عبد الرحمن وابن الزبيدي واستشهد بالجبل في ربيع الآخر وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن فرح بن أحمد الأشبيلي الشافعي المحدث الحافظ تفقه على ابن عبد السلام قال الذهبي وحدثنا عن ابن عبد الدايم (5/443)

444 وطبقته وكان له حلقة أشغال بجامع دمشق عاش خمسا وسبعين سنة وكان ذا ورع وعبادة وصدق وقال ابن ناصر الدين ومن نظمه الرائق قصيدته التي أولها غرامي صحيح والرجا فيك عضل ولقد حفظها جماعة وعلي فهمها عولوا وفيها نجم الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن حمزة بن منصور الهمداني الطبيب الحنبلي روى عن الزبيدي ومات بدويرة حمد في رمضان وفيها أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن أبي الفتح الصالحي الحداد روى عن أبي القسم بن صصرى وابن الزبيدي وأجاز له الشيخ الموفق هلك في الجبل فيمن هلك وفيها ابن جعوان الزاهد المفتي الشافعي شهاب الدين أحمد بن محمد بن عباس الدمشقي أخو الحافظ شمس الدين كان عمدة في النقل روى عن ابن عبد الدايم وفيها القاضي علاء الدين أحمد بن عبد الوهاب بن بنت الأعز كان فصيح العبارة تولى حسبة القاهرة والأحباس ودرس بها وبدمشق في الظاهرية والقيمرية وناب بالقاهرة وبها مات ومن نظمه ( إن أومض البرق في ليل بذي سلم * فإنه ثغر سلمى لاح في الظلم ) ( وإن سرت نسمة في الكون عابقة * فإنها نسمة من ربة الخيم ) ( تنام عين التي أهوى وما علمت * بأن عيني طول الليل لم تنم ) ( لله عيش مضى في سفح كاظمة * قد مرحلوا مرور الطيف في الحلم ) ( أيام لا نكد فيها نشاهده * ولت بعين الرضا مني ولم تدم ) وقال في دمشق ( إني أدل على دمشق وطيبها * من حسن وصفي بالدليل القاطع ) ( جمعت جميع محاسن في غيرها * والفرق بينهما بنفس الجامع ) وفيها نجم الدين أحمد بن محسن بفتح الحاء وكسر السين المهملة المشددة ابن حلى باللام الأنصاري البعلبكي الشافعي قال الأسنوي ولد ببعلبك في رمضان (5/444)

445 سنة سبع عشرة وستمائة وأخذ النحو عن ابن الحاجب والفقه عن ابن عبد السلام والحديث عن الزكي البدري وكان فاضلا في علوم أخرى منها لأصول والطب والفلسفة ومن أذكى الناس وأقدرهم على المناظرة وإفحام الخصوم ودخل بغداد ومصر إلى آخر الصعيد وحضر الدرس ببلدنا اسنا ومدرسها بهاء الدين القفطي ثم استقر بأسوان مدة يدرس بها بالمدرسة البانياسية ثم عاد منها إلى الاشم وكان متهما في دينه بأمور كثيرة منها الرفض والطعن في الصحابة توفي في جمادى الاولى سنة تسع وتسعين وستمائة بقرية يقال لها نخعون من جبال الظنيين وهو جبل بين طرابلس وبعلبك انتهى وفيها شرف الدين أبو العباس وأبو الفضل احمد بن هبة الله بن أحمد بن محمد بن الحسن بن عساكر المسند الأجل الدمشقي الشافعي ولد سنة أربع عشرة وستمائة وسمع القزويني وابن صصرى وزين الأمناء وطائفة وأجاز له المؤيد الطوسي وأبو روح الهروي وآخرون وروى الكثير وتفرد بأشياء وتوفي في الخامس والعشرين من أحد الجمادين وفيها العماد الماسح إبراهيم بن أحمد بن محمد بن خلف بن راجح ولد القاضي نجم الدين المقدسي الصالحي روى عن إسمعيل بن ظفر وجماعة وبالإجازة عن عمر بن كرم وتوفي في أواخر السنة عن نيف وسبعين سنة وفيها أبو عمر وأبو إسحق إبراهيم بن أبي الحسن الفراء الصالحي سمع الموفق والبهاء القزويني واستشهد بالجبل وله سبع وثمانون سنة وفيها إبراهيم بن عنبر المارديني الأسمر قال الذهبي حدثنا عن ابن اللتي وتوفي في جمادى الأولى بعد الشدة والضرب وفيها الشيخ بهاء الدين أبو صابر أيوب بن أبي بكر بن إبراهيم بن هبة الله الحلبي الحنفي ابن النحاس مدرس القليجية وشيخ الحديث بها قال الذهبي روى لنا عن ابن روزبة ومكرم وابن الخازن والكاشغري وابن خليل (5/445)

446 وتوفي في شوال عن اثنتين وثمانين سنة وفيها بلال المغيثي الطواشي الأمير الكبير أبو الخير الحبشي الصالحي روى عن عبد الوهاب بن رواج وتوفي بعد الهزيمة بالرملة وهو في عشر المائة وفيها جاعان الأمير الكبير سيف الدين الذي ولد السد بدمشق كان فيه خير ودين توفي بأرض البلقاء في أول الكهولة قاله في العبر وفيها المطروحي الأمير جمال الدين الحاجب من جلة أمراء دمشق ومشاهيرهم عمل الحجوبية مدة وعدم في الوقعة فيقال أسر وبيع للفرنج وفيها حسام الدين قاضي القضاة الحسن بن أحمد بن أبي شروان الرازي ثم الرومي الحنفي عدم بعد الوقعة وتحدث أنه في الأسر بقبرص ولم يثبت ذلك والله أعلم وكان هو والمطروحي من أبناء السبعين قاله في العبر وفيها ابن هود الشيخ الزاهد بدر الدين حسن بن علي بن أمير المؤمنين أبي الحجاج يوسف قال الشيخ عبد الرؤف المناوي في طبقاته المغربي الأندلسي نزيل دمشق المعروف بابن هود كان فاضلا قد تفنن وزاهدا قد تسنن عنده من علوم الأوائل فنون وله طلبة وتلامذة ومريدون فيه انجماع عن الناس وانقباض وانفراد وإعراض عما في هذه الدنيا من الأعراض وكان لفكرته غائبا عن وجوده ذاهلا عن بخله وجوده لا يبالي بما ملك ولا يدري أية سلك قد اطرح الحشمة وذهل عما ينعم جسمه ونسى ما كان فيه من النعمة وكان يلبس قبع لباد ينزل على عينيه ويغطى به حاجبيه ولم يزل على حاله حتى برق بصره وألجمه عيه وحصره سنة سبعمائة وقد ذكره الذهبي فقال الشيخ الزاهد الكبير أبو علي بن هود المرسي أحد الكبار في التصوف على طريق الوحدة كان أبوه نائب السلطنة بها عن الخليفة المتوكل حصل له زهد مفرط وفراغ عن الدنيا فسافر وترك الحشمة وصحب ابن سبعين واشتغل بالطب والحكمة وقرع باب الصوفية وخلط هذا بهذا وكان غارقا في الفكر عديم (5/446)

447 اللذة مواصل الأحزان فيه انقباض وكان اليهود يشتغلون عليه في كتاب الدلالة ثم قال الذهبي قال شيخنا عماد الدين الواسطي قلت له أريد أن تسلكني فقال من أي الطرق الموسوية أو العيسوية أو المحمدية وكان يوضع في يده الجمر فيقبض عليه وهو لاه عنه فإذا حرقه رجع إليه حسه فيلقيه وقال ابن أبي حجلة ابن هود شيخ اليهود عقدوا له العقود على ابنة العنقود فأكل معهم وشرب ودخل من عمران في جحر ضب خرب فأتوا إليه واشتغلوا عليه فانقلب أرضهم وأسلم بعضهم وكان له في السلوك مسلك عجيب ومذهب غريب لا يبالي بما انتحل ولا يفرق بين الملل والنحل فربما سلك المسلم على ملة اليهود واليهود على ملة هود وعاد وثمود وربما أخذته سكتة واعترته بهتة فيقيم اليوم واليومين شاخص العينين لا يفوه بحرف ولا يفرق بين المظروف والظرف ثم قال المناوي له شعر كثير وكلام يسير مات سنة تسع وتسعين وستمائة ودفن بقاسيون وكان والده متوليا نيابة عن أخيه أمير المؤمنين المتوكل محمد بن يوسف بن هود انتهى ملخصا ووصفه الذهبي في العبر بالاتحاد والضلالة وفيها ابن النشابي الوالي عماد الدين حسن بن علي كان قد أعطى الطبل خاناه ومات في شوال بالبقاع وحمل إلى تربته بقاسيون وفيها ابن الصيرفي شرف الدين حسن بن علي بن عيسى اللخمي المصري المحدث أحد من عنى بالحديث وقرأ وكتب وولي مشيخة الفارقانية روى عن بن رواح وابن قميرة وطائفة ومات في ذي الحجة وفيها خديجة بنت يوسف بن غنيمة العالمة الفاضلة أمة العزيز روت الكثير عن ابن اللتي ومكرم وطائفة وقرأت غير مقدمة في النحو وجودت الخط على جماعة وحجت وتوفيت في رجب عن نيف وسبعين سنة وفي حدودها شرف الدين أبو أحمد داود بن عبد الله بن كوشيار الحنبلي الفقيه المناظر كان بغداديا فقيها مناظرا بارعا عارفا بالفقه صنف في أصول (5/447)

448 الفقه كتابا سماه الحاوي وفي أصول الدين كتابا سماه تحرير الدلائل وفي حدودها أيضا الشيخ رسلان الدمشقي قال المناوي من أكابر مشايخ الشام المجمع على جلالتهم ومن جلة أهل التصريف له أحوال معروفة ومكاشفات مشهورة منها ما حكاه شيخ الإسلام تقي الدين السبكي أنه حضر سماعا فيه رسلان فأنشد القوال فصار الشيخ يثب في الهوى ويدور فيه ثم ينزل فعل ذلك مرارا ثم لما استقر بالأرض استند إلى شجرة يابسة فاخضر ورقها للوقت وأثمت وكان يقول لا تأكل النار لحما دخل زاويتي فدخل رجل للصلاة بها ومعه لحم نيء فطبخه فلم ينطبخ ومن كلامه قلب العارف لوح منقوش بأسرار الموجودات فهو يدرك حقائق تلك السطور ولا تتحرك ذرة حتى يعلمه الله بها وقال الحدة مأوى كل شر والغضب يحوج إلى ذل الاعتذار وقال مكارم الأخلاق العفو عند القدرة والتواضع عند الرفعة والعطاء بغير منه وقال سبب الغضب هجوم ما تكرهه النفس عليها ممن فوقها فتحدث السطوة والانتقام مات بدمشق ودفن بها قبل السبعمائة انتهى كلام المناوي وفيها زينب بنت عمر بن كندي أم محمد الحاجة البعلبكية الدار الشامية المحتد لها أوقاف ومعروف وروت بالإجازة عن المؤيد الطوسي وأبي روح وعدة وتوفيت في جمادى الآخرة عن نحو تسعين سنة وفيها الشيخ سعيد الكاساني بالسين المهمة نسبة إلى كاسان بلدوراء الشاش الفرغاني شيخ خانقاه الطاحون وتلميذ الصدر القونوي قال الذهبي كان أحد من يقول بالوحدة شرح تائية ابن الفارض في مجلدتين ومات في ذي الحجة عن نحو سبعين سنة انتهى وفيها ابن الشيرجي الصاحب فخر الدين سليمان بن العماد محمد بن أحمد سمع من ابن الصلاح ولم يحدث وكان ناظر الدواوين فأقره نواب التتار على النظر فمنع أحواش الناس من تشييع جنازته لذلك وطردوهم وما بقي معه غير ولده ومات في رجب عن نيف وستين سنة (5/448)

449 وفيها الدواداري الأمير الكبير علم الدين سنجر التركي الصالح يكان من نجباء الترك وشجعانهم وعلمائهم وله مشاركة جيدة في الفقه والحديث وفيه ديانة وكرم سمع الكثير من ابن الزكي والرشيد العطار وطبقتهما وله معجم كبير وأوقاف بدمشق والقدس تحيز إلى حصن الأكراد فتوفي به في رجب عن بضع وسبعين سنة وفيها صفية بنت عبد الرحمن بن عمرو الفراء الميادي أم محمد روت في الخامة عن الشيخ الموفق وعدمت في الجبل قاله في العبر وفيها الطيار الأمير الكبير سيف الدين المنصوري أدركته التتار بنواحي غزة فقاتل عن حريمة حتى قتل وحصلت له الشهادة والخير بذلك فإنه كان مسرفا على نفسه وفيها تقي الدين أبو محمد عبد الله بن عبد الولي بن جبارة بن عبد الولي المقدسي ثم الصالحي الحنبلي قال الذهبي إمام مفتي مدرس صالح عارف بالمذهب متبحر في الفرائض والجبر والمقابلة كبير السن توفي في العشر الأوسط من ربيع الآخر وفيها الفقيه سيف الدين أبو بكر بن الشهاب أبي العباس أحمد بن عبد الرحمن بن عبد المنعم النابلسي كان مولده سنة سبعين وستمائة وروى عنه الذهبي في معجمه وقال كان فقيها حنبليا مناظرا صالحا يتوسوس في الماء سمع بمصر جماعة وتفقه على ابن حمدان وسمع بدمشق بعد الثمانين وسمع معنا كثيرا وكان مطبوعا عارفا بالمذهب مناظرا ذكيا حسن المذاكرة عدم في الفتنة وفيها الباجربقي المفتي المفنن جمال الدين عبد الرحيم بن عمرو بن عثمان الشيباني الدنيسري الشافعي اشتغل بالموصل وقدم دمشق فدرس وأشغل وحدث بجامع الأصول عن والده عن المصنف وقد ولى قضاء غزة سنة تسع وسبعين قال الذهبي شيخ فقيه محقق نقال مهيب ساكن كثير الصلاة ملازم للجامع والاشتغال وكان لازما لشأنه حافظا للسانه منقطعا عن الناس على طريقة واحدة وله نظم وسجع ووعظ وقد نظم كتاب التعجيز وعمله برموز (5/449)

450 وتوفي في خامس شوال وفيها على خلاف كبير أبو محمد عبد العزيز بن أحمد بن سعيد بن عبد الله الدميري الديريني نسبة إلى ديرين قرية بصعيد مصر الفقيه الشافعي العالم الأديب الصوفي الرفاعي أخذ عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام وغيره ممن عاصره ثم صحب أبا الفتح بن أبي الغنايم الرسعني وتخرج به وتكلم في الطرائق وغلب عليه الميل إلى التصوف وكان مقره بالريف ينتقل من موضع إلى موضع والناس يقصدونه للتبرك به ومن تصانيفه تفسير سماه المصباح المنير في علم التفسير في مجلدين ونظم أرجوزة في التفسير سماها التيسير في التفسير تزيد على ثلاث آلاف ومائتي بيت وكتاب طهارة القلوب في ذلك علام الغيوب في التصوف ونظم الوجيز فيما يزيد على خمسة آلاف بيت ونظم التنبيه وله غير ذلك ومن نظمه ( وعن صحبة الأخوان والكيمياء خذ * يمينا فما من كيمياء ولا خل ) ( ولم أر خلا قد تفرد ساعة * مع الله خالي البال والسر من شغل وفيها ابن الزكي القاضي عز الدين عبد العزيز بن قاضي القضاة محي الدين يحيى بن محمد القرشي الشافعي مدرس العزيزية وقد ولى نظر الجامع وغير ذلك ومات كهلا وفيها عبد الولي بن علي بن السماقي روى عن ابن اللتي وتوفي في أيام التتار ودفن داخل السور وفيها عبيد الله ابن الجمال أبي حمزة أحمد بن عمر بن الشيخ أبي عمر المقدسي العلاف روى عن جعفر الهمداني وكريمة وفيها الشيخ أبو الحسن علي بن الشيخ شمس الدين عبد الرحمن بن أبي عمر المقدسي قتله التتار على مرحلتين من البيرة بالجامع المظفري وفيها المؤيد علي بن إبراهيم بن يحيى بن عبد الرزاق بن خطيب عقوبا قال الذهبي عدل كاتب متميز روى عن ابن اللتي والناصح وطائفة توفي في رجب عن سبع وسبعين سنة (5/450)

451 وفيها علي بن أحمد بن عبد الدايم بن نعمة أبو الحسن المقدسي الحنبلي قيم جامع الجبل اعتنى بالرواية قليلا وكتب أجزاء وسمع من البهاء عبد الرحمن وابن صباح وببغداد من ابن الكاشغري وطائفة وكان صالحا كثير التلاوة وعذبه التتار إلى أن مات شهيدا وله اثنتان وثمانون سنة وفيها علي بن مطر المحجي ثم الصالحي البقال روى عن ابن الزبيدي وابن اللتي وقتل في الجبل في جمادى الأولى قاله في العبر وفيها ابن العقيمي شيخ الأدباء جمال الدين عمر بن إبراهيم بن حسين بن سلامة الرسعني الكاتب ولد سنة ست وستمائة برأس عين وأجاز له الكندي وسمع من القزويني وابن روزبة وطائفة وبرع في النظم والنثر وتوفي في شوال وفيها الشيخ أبو محمد عبد الله المرجاني قال ابن الأهدل الولي الشهير توفي بتونس قيل له قال فلان رأيت عمود نور ممتدا من السماء إلى فم الشيخ المرجاني في حال كلامه فلما سكت الشيخ ارتفع العمود فتبسم وقال لم يعرف كيف يعبر بل لما ارتفع العمود سكت يعني أنه كان يتكلم عن مدد الأنوار فلما ارتفع النور انقطع الكلام قال اليافعي ومناقبه تحتمل مجلدا قال وأما قول الذهب يأبو محمد عبد الله المرجاني المغربي الواعظ المذكور أحد مشايخ الإسلام علما وعملا فغض من قدره وفيها إمام الدين قاضي القضاة أبو القسم عمر بن عبد الرحمن القزويني الشافعي انجفل إلى مصر فتألم في الطريق وتوفي بالقاهره بعد أسبوع في ربيع الآخر وكان تام الشكل سمينا متواضعا مجموع الفضائل لم يتكهل وفيها عمر بن يحيى بن طرخان المعرى ثم البعلبكي روى عن الأربلي وغيره وكان ضعيفا في نفسه قال الذهبي وفيها المجد عيسى بن بركة ابن والي الحوار الصالحي المؤدب روى عن ابن اللتي غيره وهلك في جمادى الأولى وفيها ابن غانم الإمام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن سلمان (5/451)

452 ابن حمايل بن علي المقدسي الشافعي الموقع سبط الشيخ غانم قال الذهبي روى لنا عن شيخ الشيوخ تاج الدين بن حموية وكان مع تقدمه في الإنشاء فقيها مدرسا ذكر لخطابة دمشق وقال غيره روى لنا عن ابن حموية وابن الصلاح وكان أحد الأعيان والأكابر معروفا بالكتابة والأمانة حسن المحاضرة كثير التواضع درس بالعصرونية واقتنى كتبا نفيسة وكان كثير المروءة والعصبية لمن يعرفه ومن لا يعرفه وله بر وصدقة وكان حجازي الأصل وإنما ولد في بغداد في حارة الجعافرة فكان جعفريا وفيها ابن الفخر المفتي المتفنن شمس الدين محمد بن الإمام فخر الدين عبد الرحمن بن يوسف البعلبكي الحنبلي أحد الموصوفين بالذكاء المفرط وحسن المناظرة والتقدم في الفقه وأصوله والعربية والحديث وغير ذلك قاله الذهبي وقال ابن رجب ولد في أواخر سنة أربع وأربعين وستمائة وسمع الكثير من خطب مردا وشيخ شيوخ حماة وابن عبد الدايم والفقيه اليونيني وغيرهم وتفقه وبرع وأفتى وناظر وحفظ عدة كتب ودرس بالمسمارية والجامع وقال البرزالي كان من فضلاء الحنابلة في الفقه والأصول والنحو والحديث والأدب وله ذهن جيد وبحث فصيح ودرس وأعاد وأفتى وروى الحديث وتوفي ليلة الأحد بين العشاءين تاسع رمضان ودفن بمقابر باب توما قبلى مقبرة الشيخ رسلان وفيها زين الدين محمد بن عبد الغني بن عبد الكافي الأنصاري الذهبي بن الحرستاني المعروف بالنحوي قال الذهب يدين خير متودد روى عن ابن صباح وابن اللتي وتوفي في ذي القعدة عن خمس وسبعين سنة وفيها العلامة شمس الدين محمد بن عبد القوي بن بدران بن سعد الله المقدسي المرداوي الصالحي الحنبلي أبو عبد الله ولد سنة ثلاثين وستمائة بمردا وسمع الحديث من خطيب مردا وعثمان بن خطيب القرافة وابن عبد الهادي وابن خليل وغيرهم وتفقه على الشيخ شمس الدين بن أبي عمر وغيره وبرع في (5/452)

453 العربية واللغة واشتغل ودرس وأفتى وصنف قال الذهبي كان حسن الديانة دمث الأخلاق كثير الإفادة مطرحا للتكلف ولي تدريس الصاحبة مدة وكان يحضر دار الحديث ويشغل بها وبالجبل وله حكايات ونوادر وكان من محاسن الشيوخ قال وجلست عنده وسمعت كلامه ولي منه إجازة وقال ابن رجب وممن قرأ عليه العربية الشيخ تقي الدين بن تيمية وله تصانيف منها في الفقه القصيدة الطويلة الدالية وكتاب مجمع البحرين لم يتمه وكتاب الفروق وعمل طبقات للأصحاب وحدث وروى عنه إسمعيل بن الخباز في مشيخته وتوفي ثاني عشر ربيع الأول ودفن بسفح قاسيون رحمه الله تعالى وفيها أبو السعود محمد بن عبد الكريم بن عبد القوي المنذري المصري روى عن ابن المقير وجماعة وتوفي في ربيع الأول عن خمس وستين سنة وفيها الفخر محمد بن عبد الوهاب بن أحمد بن محمد بن الحباب التميمي المصري ناظر الخزانة روى عن علي بن الجمل وجماعة وتوفي في ربيع الأول عن خمس وسبعين سنة وفيها ابن الواسطي شمس الدين محمد بن علي بن أحمد بن فضل الصالحي الحنبلي سمع حضورا من الموفق وموسى بن عبد القادر وابن راجح وسمع من ابن البن وابن أبي لقمة وطائفة وتوفي بمارستان البلد في رجب بعد أن قاسى الشدائد وكان قليل العلم خيرا ساكنا قاله الذهبي وفيها الخطيب موفق الدين محمد بن محمد بن الفضل بن محمد النهرواني القضاعي الحموي الشافعي ويعرف بابن حبيش خطيب حماة ثم خطيب دمشق ثم قاضي حماة قال الذهب يروى لنا بالإجازة عن جده مدرك وكان شيخا متنورا مديد القامة مهيبا كثير الفضائل توفي بدمشق في أواخر جمادى الآخرة وله سبع وسبعون سنة وفيها محمد بن مكي بن الذكر القرشي الصقلي الرقام روى بمصر عن ابن (5/453)

454 صباح والأربلي وطائفة كثيرة وتوفي في ربيع الأول وله خمس وسبعون سنة وفيها أبو عبد الله محمد بن هاشم بن عبد القاهر بن عقيل العدل الهاشمي العباسي الدمشقي روى عن ابن الزبيدي وأبي المحاسن الفضل بن عقيل العباسي وشهد مدة وانقطع ببستانه ومات في رمضان عن ثلاث وتسعين سنة وفيها الموفق محمد بن يوسف بن إسماعيل المقدسي الحنبلي الشاهد قال الذهبي حدثنا عن ابن المقير ومات في شعبان عن خمس وسبعين سنة وفيها محمد بن يوسف بن خطاب التلي الصالحي قال الذهبي حدثنا عن جعفر الهمداني ومات في جمادى الأولى بعد المحنة والشدة بالجبل وفيها مريم بنت أحمد بن حاتم البعلبكية حضرت البهاء وسمعت الأربلي وكانت صالحة خيرة قاله في العبر وفيها ابن المقير أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي الحسن المقرىء روى عن إبراهيم بن الخير وجماعة وكان عبدا صالحا حضر المصاف واستشهد يومئذ وفيها ابن المقدم الأمير نوح بن عبد الملك بن الأمير الكبير شمس الدين محمد بن المقدم لجده المواقف المشهودة وهو الذي استشهد بعرفة زمن صلاح الدين وكان هذا من أمراء حماة استشهد يومئذ وله خمس وسبعون سنة وقد حدث عن ابن رواحة وقال الذهبي وهو ممن عرفنا من كبار من قتل يوم المصاف وفيها هدية بنت عبد الحميد بن محمد المقدسية الصالحية روت الصحيح عن ابن الزبيدي وتوفيت بالجبل في ربيع الآخر وفيها أبو الكرم وهبان بن علي بن محفوظ الجزري المؤذن المعمر ولد بالجزيرة سنة أربع وستمائة وسمع بمصر من ابن باقا وتوفي في ربيع الأول وكان مؤذن السلطان مدة وفيها ابن المفاري أمير الحاج يوسف بن أبي نصر بن أبي الفرج الدمشقي حدث بالصحيح مرات وروى عن الناصح والأربلي وجماعة وحج مرات توفي في زمن التتار ووضع في تابوت فلما أمن الناس نقل إلى (5/454)

455 النيرب ودفن في قبته التي بالخانقاه وله نحو من تسعين سنة وفيها ابن خطيب بيت الآبار محي الدين أبو بكر بن عبد الله بن عمر بن يوسف المقدسي يروي عن ابن اللتي والأربلي ومات في شعبان سنة سبعمائة في صفر قويت الأراجيف بالتتار وأكريت المحارة من الشام إلى مصر بخمسمائة درهم وأبيعت الأمتعة بالثمن البخس وفي ربيع الآخر جاوز غازان بجيشه الفرات وقصد حلب وساق الشيخ تقي الدين بن تيمية في البريد إلى القاهرة يحرض الناس على الجهاد واجتمع بأكابر الأمراء ثم نودي في دمشق من قدر على الهرب فلينج بنفسه فانقلبت المدينة ورص الخلق بالقلعة وأشرف الناس على خطة صعبة وبقي الخوف أياما ثم تناقص برجعة غازان لما ناله من المشاق والثلوج وفيها توفي العز أبو العباس أحمد بن العماد عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الصالحي الحنبلي روى عن الشيخ الموفق وابن أبي لقمة وابن راجح وموسى بن عبد القادر وطائفة وخرج له مشيخة سمعها خلق وزارة نائب السلطان وتوفي في ثالث المحرم وله ثمان وثمانون سنة وفيها العماد أبو العباس أحمد بن محمد بن سعد بن عبد الله المقدسي الصالحي الحنبلي شيخ صالح مشهور روى عن القوزيني وابن الزبيدي وجماعة وروى الكثير وتوفي في المحرم وله ثلاث وثمانون سنة وفيها الشيخ إسمعيل بن إبراهيم بن شويخ الصالحي شيخ البكرية كان ينتسب لأبي بكر رضي الله عنه وله أصحاب وفيه خير وسكون مات كهلا وفيها ابن الفراء العدل المسند الكبير عز الدين أبو الفداء إسميل بن عبدالرحمن بن عمر المرداوي الصالحي الحنبلي عن الموفق وابن راجح وابن اللبن وجماعة وروى الصحيح مرات وكان صالحا متعبدا (5/455)

456 قاسى الشدائد عام أول واحترقت أملاكه توفي في سادس جمادى الآخرة وله تسعون سنة قاله في العبر وفيها أبو جلنك أحمد الحلبي الشاعر المشهور أسره التتر بحلب فسألوه عن عسكر المسلمين فعظمهم وكثرهم فقتلوه ومن شعره ( أتي العذار بماذا أنت معتذر * وأنت كالوجد لا تبقى ولا تذر ) ( لا عذر يقبل إذ نم العذار ولا * ينجيك من شره خوف ولا حذر ) ( كأنني بوحوش الشعر قد أنست * بوجنتيك وبالعشاق قد نفروا ) ( وكلما مر بي مرد أقول لهم * قفوا انظروا وجه هذا الكيس واعتبروا ) ( قد كان شكلا نقي الخد معتدلا * كأنه غصن بان فوقه قمر ) ( فعاد لحيان فانفل الجماعة إذ * رأوا طريقا إلى السلوان وانتصروا ) ( وعاد في قبضهم لا شك جودلة الأفراح * والدمع من عينيه ينهمر ) ( فاقرأ على نعشه آخر سبأ فلقد * جاءت بما تقتضي أحواله السور ) ( إذا رأى عاشقا في النازعات غدا * ما بعدها وهو قد أودى به الضرر ) ( فعاد والليل يغشى نور طلعته * وزال عن عاشقيه الهم والحصر ) ( هذا جزاؤك يا من لا وفاء له * والعاشقون لهم طوبى بما صبروا ) وفيها المعمر شمس الدين إبراهيم بن أبي بكر الجزري الكتبي عرف بالفاشوشة مولده سنة اثنتين وستمائة وكان مشهورا بالكتب ومعرفتها وكان عنده فضيلة وكان يتشيع جاء إليه إنسان فقال عندك فضائل يزيد قال نعم ودخل الدكان وطلع ومعه جراب فجعل يضربه به ويقول العجب كيف ما قلت ومن شعره ( وما ذكرتكم إلا وضعت يدي * على حشاشة قلب قلما بردا ) ( وما تذكرت أياما بكم سلفت * إلا تحدر من عين يما بردا ) وفيها أيدمر الأمير الكبير عز الدين الظاهري الذي كان نائب دمشق في (5/456)

457 دولة مخدومه حبس مدة ثم أطلق فلبس عمامة مدورة وسكن بمدرسة عند الجسر الأبيض توفي في ربيع الأول ودفن بتربته وكان أبيض الرأس واللحية قاله في العبر وفيها الأمير الكبير سيف الدين بلبان المنصوري الطباحي نائب حلب ولي إمرة مصر وإمرة طرابلس وكان من جلة الأمراء وكبرائهم حليما إذا غضب على أحد تكون عقوبته العبد عنه توفي بالساحل كهلا وخلف جملة وفيها ابن عبدان المسند شمس الدين أبو القسم الخضر ابن عبد الرحمن بن الخضر بن الحسين بن عبد الله بن عبدان الأزدي الدمشقي الكاتب خدم في جهات الظلم وكان عريا من العلم لكنه تفرد بأشياء وحدث عن ابن البن والقزويني وأبي القسم بن صصرى وجماعة وتوفي في ذي الحجة عن أربع وثمانين سنة قاله في العبر وفيها زينب بنت قاضي القضاة محي الدين يحيى بن محمد بن الزكي القرشي الدمشقي أم الخير روت عن علي بن حجاج وابن المقير وجماعة وتوفيت في شعبان عن بضع وسبعين سنة وفيها أبو محمد عبد الملك بن عبد الرحمن بن عبد الأحد بن العنيقة الحراني العطار روى عن أبي المعالي العطار وابن يعيش وابن خليل وتوفي بطريق مصر عن ثلاث وثمانين سنة وفيها مفيد الدين أبو محمد عبد الرحمن بن سلمان عبد العزيز بن المجلخ الحربي الضرير الفقيه الحنبلي معيد الحنابلة بالمستنصرية سمع من الشيخ مجد الدين بن تيمية وغيره وكان من أكابر الشيوخ وأعيانهم عالما بالفقه والعربية والحديث قرأ عليه الفقه جماعة وسمع منه الدقوقي وغيره وفيها أبو محمد عبد المنعم بن عبد اللطيف بن زين الأمناء أبي البركات بن عساكر الدمشقي روى عن ابن غسان وابن اللتي وطائفة وتوفي في رجب وله أربع وسبعون سنة وفيها الفرضي الإمام الحافظ شمس الدين أبو العلاء محمود بن أبي بكر بن أبي العلاء البخاري الكلاباذي الحنفي الصوفي الحافظ كان إماما في (5/457)

458 الفرائض مصنفا فيها له حلقة أشغال وسمع الكثير بخراسان والعراق والشام ومصر وكتب بخطه الأنيق المتقن الكثير ووقف أجراءه وراح مع التتار من خوف الغلاء فنزل بماردين أشهرا فأدركه أجله بها وله ست وخمسون سنة وكان صالحا دينا سنيا قاله الذهبي وقال حدثنا عن محمد بن أبي الدنية وغيره وفيها الغسولي أبو علي يوسف بن أحمد بن أبي بكر الصالحي الحجار روى عن موسى بن عبد القاد روهو آخر من روى في الدنيا عنه وروى عن الشيخ الموفق وعاش ثمانيا وثمانين سنة وكان فقيرا متعففا أميا لا يكتب خدم مدة في الحصول وتوفي في منتصف جمادى الآخرة بالجبل قاله الذهبي وغيره. (5/458)

الجزء السادس 2 بسم الله الرحمن الرحيم سنة إحدى وسبعمائة فيها قتل على الزندقة الذكي المتقن فتح الدين أحمد بن الثقفي ضربت رقبته بين القصرين وجعل يتشاهد ولم يقبل المالكي توبته وكان قد قامت عليه بينة بالتنقيص للقرآن المجيد والرسول وتحليل المحرمات والاستهانة بالعقائد وكان ذكيا ومن شعره ( محا الله الحشيش وآكليها * لقد خبثت كما طاب السلاف ) ( كما تصبي كذا تضني وتشقى * لآكلها وغايتها انحراف ) ( وأصغر دائها والداء جم * بغاء أو جنون أو نشاف ) وفيها توفي صاحب مكة عز الدين أبو نمى محمد بن صاحب مكة أبي سعد حسن بن علي بن قتادة الحسني من أبناء السبعين قال الذهبي كان أسمر ضخما شجاعا سايسا مهيبا ولي أربعين سنة قال لي الدباهي لولا أنه زيدي لصلح للخلافة لحسن صفاته انتهى وفيها خديجة بنت الرضى عبد الرحمن بن محمد عن أربع وثمانين سنة روت عن القزويني والبهاء وجماعة وفيها علاء الدين علي بن عبد الغني بن الفخر بن تيمية الشاهد الحنبلي قال الذهبي حدثنا عن الموفق عبد اللطيف وابن روزبه ومات بمصر عن اثنتين وثمانين سنة وفيها أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد بن أبي علي بن أبي بكر المسترشد بالله العباسي توفي ليلة الجمعة ثامن عشر جمادى الأولى وصلى عليه العصر بسوق الخيل تحت القلعة وحضر جنازته (6/2)

3 الدولة والأعيان كلهم مشاة ودفن بقرب السيدة نفيسة وهو أول من دفن منهم هناك واستمر مدفنهم إلى الآن قاله السيوطي وقال الذهبي كانت خلافته أربعين عاما وعهد بالخلافة إلى ابنه المستكفى سليمان وقال ابن الأهدل كانت خلافتهم بمصر تحكما لا حكما وترسما لا رسما وفيها مسند الشام تقي الدين أحمد بن عبد الرحمن بن مؤمن الصوري الصالحي الحنبلي روى عن الشيخ الموفق حضورا وعن ابن أبي لقمة والقزويني والبهاء وابن صصرى وخرجوا له مشيخة توفي في جمادى الآخرة عن أربع وثمانين سنة وفيها الشيخ وجيه الدين محمد بن عثمان بن أسعد بن المنجا أبو المعالي التنوخي الحنبلي أخو الشيخ زين الدين بن المنجا ولد سنة ثلاثين وستمائة وسمع من جعفر الهمداني والسخاوي وخلق وكان شيخا عالما فاضلا كثير المعروف والصدقات والبر والتواضع للفقراء موسعا عليهم موسعا عليه في الدنيا له هيبة وسطوة وجلالة بنى بدمشق دار قرآن معروفة به قريبة من مدرسة الخاتونية الحنفية الجوانية ودرس في أول عمره بالمسمارية والصدرية ثم تركهما لولده فمات في حياته وولي نظر الجامع فأحسن فيه السيرة وحدث وروى عنه جماعة وتوفي في شعبان وفي شعبان أيضا من هذه السنة توفي ببعلبك الفقيه الحنبلي المقرىء المحدث أمين الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الول يبن أبي محمد بن خولان البعلي التاجر وكان مولده سنة أربع وأربعين وستمائة وسمع من الشيخ عبد الرحمن بن أبي عمر وابن عبد الدائم وجماعة وقرأ ونظر في علوم الحديث قال الذهبي سمعت منه ببعلبك والمدينة وتبوك وكان من خيار الناس وعلمائهم فقيها محدثا متقنا صالحا عدلا ملازما للتحصيل وفيها شيخ بعلبك الحافظ شرف الدين أبو الحسين علي بن محمد بن أحمد اليونيني ولد ببعلبك في حادي عشر رجب سنة إحدى وعشرين وستمائة قال الذهبي حدثنا عن البهاء حضورا وعن ابن صباح وابن الزبيدي وعدة ودرس وأفتى وقال البرزالي كان شيخا جليلا حسن الوجه بهي المنظر له سمت حسن (6/3)

وعليه سكينة ولديه فضل كثير فصيح العبارة حسن الكلام له قبول من الناس وهو 4 كثير التودد إليهم قاض للحقوق وقال ابن رجب سمع منه خلق من الحفاظ والأئمة وأكثر عنه البرزالي والذهبي وتوفي ليلة الخميس حادي عشر رمضان ببعلبك وكان موته شهادة فإنه دخل إليه يوم الجمعة خامس رمضان وهو في خزانة الكتب بمسجد الحنابلة شخص فضربه بعصا على رأسه مرات وجرحه في رأسه بسكين فاتقى بيده فجرحه فيها فأمسك الضارب وضرب وحبس فأظهر الاختلال وحمل الشيخ إلى داره فأقبل على أصحابه يحدثهم وينشدهم على عادته وأتم صيام يومه ثم حصل له بعد ذلك حمى واشتد مرضه حتى توفي ليلة الخميس المذكور وفيها مسند الوقت أبو المعالي أحمد بن إسحق بن محمد بن المؤيد الأبرقوهي بفتح الهمزة والموحدة وسكون الراء وضم القاف وبالهاء نسبة إلى أبرقوه بلدة بأصبهان حدث عن الفتح بن عبد السلام وابن صمرا وابن أبي لقمة والفخر بن تيمية وتفرد بأشياء وكان مقرئا صالحا متواضعا فاضلا توفي بمكة في عشرى ذي الحجة وفيها مجد الدين يوسف بن القباقبي الفاضل الأديب من شعره في الثلج ( طمث الثلوج على الوهاد مع الربى * فالكون يعجب منه وهو مفضض ) ( فانهض لنجمع شمل أنس مقبل * بلذاذة فاليوم يوم أبيض ) سنة اثنتين وسبعمائة فيها وسط اليعفوري والقباري وقطعت يمين التاج الناسخ لدخولهم في تزوير وفيها طرق غازان التترى الشام فالتقاه يزك الإسلام وفيهم الشيخ تقي الدين بن تيمية التقوا على مرج الصفة فقتل من التتار خلق عظيم وأسر منهم جماعة ولكن استشهد من المسلمين جماعة منهم الفقيه إبراهيم بن عبيدان والأمير صلاح الدين ولد الكامل والأمير علاء الدين الحاكي والأمير حسام الدين بن قزمان والأمير الكافري وفيها توفي المسند بدر الحسن بن علي بن الخلال الدمشقي عن ثلاث وسبعين سنة حدث عن مكرم وابن اللتي وابن الشيرازي (6/4)

5 وابن المقير وجعفر وكريمة وخلق وتفرد بأشياء وتوفي في ربيع الأول وفيها الإمام فخر الدين أبو الحسن علي بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة بن سلطان بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر المقدسي النابليس الفقيه الحنبلي ولد سنة ثلاثين وستمائة بنابلس وسمع من ابن الحميري وابن رواح بمصر ومن سبط السلفي بالأسكندرية ومن خطيب مردا محي الدين بن الجوزي لما قدم الشام رسولا قال البرزالي كان شيخا صالحا عالما كثير التواضع محسنا إلى الناس أقام يفتي بنابلس مدة أربعين سنة وقال الذهبي كان عارفا بالمذهب ثقة صالحا ورعا سمعت منه بنابلس توفي ليلة الأحد مستهل المحرم بنابلس وفيها متولى حماة الملك العادل زين الدين كتبغا المغلى المنصوري ونقل فدفن بتربته في سفح قاسيون يوم الجمعة يوم الأضحى وكان في آخر الكهولة أسمر قصيرا دقيق الصوت شجاعا قصير العنق بنطوى على دين وسلامة باطن وتواضع وتسلطن بمصر عامين وخلع في صفر سنة ست وتسعين فالتجأ إلى صرخد ثم أعطى حماة فمات بها وفيها شيخ الإسلام تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب بن مطيع ابن أبي الطاعة القشيري المنفلوطي الشافعي المالكي المصري ابن دقيق العيد ولد في شعبان سنة خمس وعشرين وستمائة وتفقه على والده بقوص وكان والده مالكي المذهب ثم تفقه على الشيخ عز الدين بن عبد السلام فحقق المذهبين وأفتى فيهما وسمع الحديث من جماعة وولي قضاء الديار المصرية ودرس بالشافعي ودار الحديث الكاملية وغيرهما وصنف التصانيف المشهورة منها الإلمام في الحديث وشرحه وسماه الإمام وله الاقتراح في أصول الدين وعلوم الحديث وشرح مختصر ابن الحاجب في فقه المالكية ولم يكمله وشرح عمدة الأحكام للحافظ عبد الغني وله غير ذلك وكان يقول ما تكلمت بكلمة ولا فعلت فعلا إلا أعددت له جوابا بين يدي الله تعالى ويحكى ابن ابن عبد السلام كان يقول ديار مصر تفتخر برجلين في طرفيها ابن منير بالأسكندرية وابن دقيق العيد بقوص وقال (6/5)

الذهبي في معجمه قاضي 6 القضاة بالديار المصرية وشيخها وعالمها الإمام العلامة الحافظ القدوة الورع شيخ العصر كان علامة في المذهبين عارفا بالحديث وفنونه سارت بمصنفاته الركبان وولي القضاء ثمان سنين وبسط السبكي ترجمته في الطبقات الكبرى قال ولم ندرك أحدا من مشايخنا يختلف في أن ابن دقيق العيد هو العالم المبعوث على رأس السبعمائة وقال ابن كثير في طبقاته أحد علماء وقته بل أجلهم وأكثرهم علما ودينا وورعا وتقشفا ومداومة على العلم في ليله ونهاره مع كبر السن والشغل بالحكم وله التصانيف المشهورة والعلومالمذكورة برع في علوم كثيرة لا سيما في علم الحديث فاق فيه على أقرانه وبرز على أهل زمانه رحلت إليه الطلبة من الآفاق ووقع علاى علمه وورعه وزهده الاتفاق وقال الأسنوي له خطب بليغة مشهورة أنشأها لما كان خطيبا بقوص وله شعر بليغ فمنه ( تمنيت أن الشيب عاجل لمتي * وقرب منى في صباي مزاره ) ( لآخذ من عصر الشباب نشاطه * وآخذ من عصر المشيب وقاره ) وله ( قالوا فلان عالم فاضل * فأكرموه ما يرتضى ) ( فقلت لما لم يكن ذا تقى * تعارض المانع والمقتضى ) وله ( وأطيب شيء إذا ذقته * رضاب الحبيب على ما يقال ) وله ( أتعبت نفسك بين ذلة كادح * طلب الحياة وبين حرص مؤمل ) ( وأضعت نفسك لا خلاعة ماجن * حصلت فيه ولا وقار مبجل ) وتركت حظ النفس في الدنيا وفي الأخرى ورحت عن الجميع بمعزل توفي رحمه الله تعالى في صفر بالقاهرة ودفن بالقرافة وفيها المعمر عبد الحميد بن أحمد بن خولان البنا أجاز له ابن أبي لقمة وابن البن وسمع أبا القسم بن صصرى (6/6)

7 والناصح وابن الزبيدي توفي بزملكا عن بضع وثمانين سنة وفيها المقرىء شمس الدين محمد بن قايماز الطحان الدمشقي تلا بالسبع على السخاوي وسمع من ابن صباح وغيره وكان خيرا متواضعا توفي عن ثلاث وثمانين سنة وفيها مسند المغرب الإمام الأديب أبو محمد عبد الله بن محمد بن هرون الطائي القرطبي قال الذهبي أجاز لنا مروياته وسمع الموطأ وكامل المبرد من أبي القسم أحمد بن بقي في سنة عشرين وعمر دهرا طويلا توفي بتونس في ذي القعدة عن مائة عام وفيها نجم الدين أبو إبراهيم موسى بن إبراهيم بن يحيى بن علوان بن محمد الأزدي السقراوي ثم الصالحي الفقيه الحنبلي المحدث النحوي المعدل ولد في رمضان سنة أربع وعشرين وستمائة وسمع من أبيه والحافظين إسمعيل بن مظفر والضيا المقدسي ومن خطيب مردا ويوسف سبط ابن الجوزي وقرأ الكثير على ابن عبد الدايم ومن بعده كابن أبي عمر وطبقته وعنى بالحديث وكتب بخطه ما لا يوصف قال الذهبي كان فقيها إماما مفتيا كثير المحفوظ والنوادر وقال غيره كان حسن المجالسة مفيد المذاكرة حدث وروى عنه الذهبي وغيره وتوفي يوم الإثنين مستهل جمادى الآخرة ودفن من الغد بسفح قاسيون سنة ثلاث وسبعمائة فيها أغارت العساكر المنصورة على ملطية ونازلوا تل حمدون من بلاد سيس وفيها توفي القدوة الزاهد بركة الوقت أبو إسحق إبراهيم بن أحمد بن محمد بن معالي بن محمد بن عبد الكريم الرقي بفتح الراء وتشديد القاف نسبة إلى الرقة بلد على الفرات الحنبلي ولد سنة سبع وأربعين وستمائة بالرقة وقرأ ببغداد بالروايات العشر على يوسف بن جامع القفصي وسمع بها الحديث من الشيخ عبد الصمد بن أبي الحسين وصحبه قال الذهبي وعنى بتفسير القرآن وبالفقه على مذهب الإمام أحمد وتقدم في علم الطب وشارك في علوم الإسلام وبرع في التذكير وله المواعظ المحركة (6/7)

8 إلى الله عز وجل والنظم العذب والعناية بالآثار النبوية والتصانيف النافعة وحسن التربية مع الزهد والقناعة باليسير في المطعم والملبس وكان إماما زاهدا عارفا قدوة سيد أهل زمانه البرزالي والذهبي وغيرهما وكان يسكن بأهله في أسفل المأذنة الشرقية بالجامع الأموي في المكان المعروف بالطواشية وهناك توفي ليلة الجمعة خامس عشر المحرم وصلى عليه عقيب الجمعة بالجامع وحمل إلى سفح قاسيون فدفن بتربة الشيخ أبي عمر وفيها ابن الخباز نجم الدين أبو الفد إسمعيل بن إبراهيم بن سالم ينتهي نسبه إلى عبادة بن الصامت الأنصاري العبادي الصالحي الحنبلي الحافظ المحدث المؤدب ولد سنة تسع وعشرين وستمائة وسمع من الحافظ ضياء الدين وعبد الحق بن خلف وعبد الله بن الشيخ أبي عمر وغيرهم وجد واجتهد من سنة أربع وخمسين وإلى أن مات وسمع وكتب ما لا يوصف كثرة وخرج لنفسه مشيخة في مائه جزء عن أكثر من ألفي شيخ فإنه كتب العالي والنازل وعمن دب ودرج وخرج سيرة لابن أبي عمر في مائة وخمسين جزءا وكان حسن الأخلاق متواضعا غير متقن فيما يجمعه وسمع منه خلق من الحفاظ وغيرهم منهم المزي والذهبي وولده مسند وقته أبو عبد الله محمد وتوفي يوم الثلاثاء حادي عشر صفر بدمشق ودفن بسفح قاسيون وفيها المعمرة أم أحمد ست الأهل بنت علوان بن سعيد البعلبكية بدمشق في المحرم قال الذهبي مكثرة عن البهاء عبد الرحمن بن صالحة خيرة عاشت خمسا وثمانين سنة وفيها زين الدين أبو محمد عبد الله بن مروان بن عبد الله بن فيروز بن الحسن الفارقي الشافعي خطيب دمشق وشيخ دار الحديث ومدرس الشامية البرانية ولد في محرم سنة ثلاث وثلاثين وستمائة وسمع الحديث من جماعة واشتغل وأفتى ودرس وولي مشيخة دار الحديث بعد النووي وهو الذي عمرها بعد خرابها في فتنة غازان قال الذهبي في معجمع كان عارفا بالمذهب وبجملة حسنة في الحديث ذا (6/8)

9 اقتصاد في ملبسه وتصون في نفسه وسطوة على الطلبة وفيه تعبد وحسن معتقد وقال ابن كثير سمع الحديث الكثير واشتغل ودرس وأفتى مدة طويلة توفي في صفر ودفن بالصالحية في تربة أهله بتربة الشيخ أبي عمر وفيها خطيب بعلبك ضياء الدين عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن علي بن عقيل السلمي الشافعي سمع القزويني وابن اللتي وهو آخر من روى شرح السنة وخطب ستين سنة وتوفي في سفر عن تسع وثمانين سنة وفيها الشيخ أبو الفتح نصر بن أبي الضوء الزبداني الفامي أحد رواة الصحيح عن ابن الزبيدي قال الذهبي كتبنا عنه وقد جاوز الثمانين وفيها صاحب الشرق القان محمود غازان بن القان أرغون بن أبغا بن هلاكو المغلى في شوال بقرب همذان ولم يتكهل ونقل إلى تربته بتبريز سم في منديل يمسح به بعد الجماع وتملك أخوه خربندا وكان بسنجار وسموه محمدا ولقبوه غياث الدين وفيها عمر بن كثير خطيب القرية من عمل بصري وهو والد الشيخ عماد الدين بن كثير وفيها الصاحب عبد الله بن الصاحب عز الدين محمد بن أحمد بن خالد بن القيسراني الحلبي كتب في الإنشاء مدة بعد الوزارة إلى أن مات ومن شعره ( بوجه معذبي آثار حسن * فقل ما شئت فيه ولا تحاشى ) ( وسنخة حسنه قرئت وصحت * وها خط الكمال على الحواشي ) وأصله من قيسارية الشام وتوفي بالقاهرة ودفن بتربته جوا رالسيدة نفيسة قدس سرها سنة أربع وسبعمائة فيها أخذ الشيخ تقي الدين بن تيمية الحجارين وذهب إلى التي في مسجد النارنج جوار المصلى فقطعها وكان يزورها الناس وينذرون لها النذور ولهم فيها اعتقاد فمحى ذلك وبنى مسجد النارنج وفيها ضربت رقبة الكمال الأحدب وسببه أنه جاء إلى القاضي جمال الدين المالكي يستفتيه وهو لا يعلم أنه القاضي ما نقول في إنسان (6/9)

10 تخاصم هو وإنسان فقال له الخصم تكذب ولو كنت رسول الله فقال له القاضي من قال هذا قال أنا قال فأشهد عليه القاضي من كان حاضرا وحبسه وأحضره من الغد إلى دار العدل وحكم بقتله وفيها توفي محدث بغداد ومفيدها أبو بكر أحمد بن علي بن عبد الله بن أبي البدر القلانسي البغدادي الحنبلي ولد في جمادى الآخرة سنة أربعين وستمائة وعنى بالحديث وسمع الكثير وتفقه وكتب الكثير بالخط الجيد المتقن وخرج لغير واحد من الشيوخ وحدث بالقليل وسمع منه جماعة وأجاز لجماعة منهم الحافظ الذهبي وتوفي في رجب ببغداد ودفن بباب حرب وفيها ركن الدين أحمد بن عبد المنعم بن أبي الغنايم القزويني الطاووس المعمر كبي رالصوفية بدمشق روى بالإجازة العامة عن أبي جعفر الصيدلاني وطائفة وبالسماع عن ابن الخازن والسخاوي وتوفي في جمادى الأولى عن مائة سنة وسنتين وأربعة أشهر وفيها صاحب المدينة المنورة عز الدين حماد بن شيحه العلوي الحسيني وقد شاخ وأضر وتملك بعده ابنه منصور وفيهم تشيع ظاهر قاله الذهبي وفيها أبو الحسن وأضر وتملك بعده ابنه منصور وفيهم تشيع ظاهر قاله الذهبي وفيها أبو الحسن علي بن مسعود بن نفيس بن عبد الله الموصلي ثم الحلبي الحنبلي الصوفي المحدث الحافظ نزيل دمشق ولد سنة أربع وثلاثين وستمائة وسمع بحلب من ابن رواحة وإبراهيم بن خليل وبمصر من الكمال الضرير والرشيد العطار وغيرهما وبدمشق من ابن عبد الدايم وجماعة وقرأ كتبا مطولة مرارا وعنى بالحديث عناية تامة وكان يجوع ويشتري الأجزاء ويتعفف بكسرة فيسوء خلقه مع التقوى والصلاح وسمع منه الذهبي وجماعة وتوفي في صفر بالمارستان الصغير بدمشق وحمل إلى سفح قاسيون فدفن قبال زاوية ابن قوام وفيها شيخ الأسكندرية تاج الدين علي بن أحمد بن عبد المحسن الحسبني الغرافي بالغين المعجمة المفتوحة وتشديد الراء وفاء نسبة إلى الغراف نهر تحت واسط على قرى كثيرة قال ابن حجر في الدرر الكامنة ولد سنة ثمان وعشرين (6/10)

وستمائة وسمع من محمد بن عماد وظافر بن نجم وعلي بن جبارة وطائفة وببغداد من أبي الحسن القطيعي وغيره وحدث فأكثر وحمل عنه المغاربة والرحالة وحدثوا عنه في 11 حياته وكان عارفا بالمذهب وقال أبو العلاء الفرضي كان عالما فاضلا محدثا مكثرا مسندا مفيدا عابدا وأثنى عليه البرزالي والذهبي وغيرهما وكان يرتزق بالوراقة فإذا حصل قوته لا يتجاوز مات في الأسكندرية في ذي الحجة وفيه الضياء عيسى ابن أبي محمد بن عبد الرزاق المغاري شيخ المغارة روى عن ابن الزبيدي وابن صباح والأربلي وتوفي في ربيع الأول عن ثمانين سنة وفيها الشيخ أبو عبد الله محمد بن يوسف بن يعقوب الأربلي ثم الدمشقي أبو الفضل كبير الذهبيين كان مكثرا سمع المسلم المازني وابن الزبيدي وأبا نصر بن عساكر وغيرهم وتفرد بأشياء قال الذهبي خرجت له مشيخة ومات في رمضان سقط من السلم فمات لوقتة عن ثمانين سنة وفيها الأمير الكبير الأديب شمس الدين أبو عبد الله محمد بن إسماعيل ابن أبي سعد بن علي بن المنصور بن محمد بن الحسين الشيباني الآمدي ثم المصري الحنبلي ولد بمصر ثالث عشر المحرم سنة ثلاث وثلاثين وستمائة وسمع بمصر من ابن الجهيري وابن المقير وبدمشق من جماعة وبماردين من آخرين ونشأ بماردين وكان والده الصاحب شرف الدين من العلماء الفضلاء جمع تاريخا لمدينة آمد وله نظم ونثر وسمع الحديث ورواه وكان محدثا فاضلا متقنا توفي سنة ثلاث وسبعين وستمائة وكان وزيرا للملك السعيد الأرتقي صاحب ماردين وصار ابنه شمس الدين هذا مع ابن الملك المظفر بن السعيد نائبا للملكة ومدبرا لدولته إلى أن ذهب رسولا إلى الملك المنصور قلاوون صاحب مصر فحبسه ست سنين حتى ولى ابنه الملك الأشرف فأخرجه وأنعم عليه وولاه نيابة دار العدل فباشرها وكان عالما فاضلا أديبا متفننا ذا معرفة بالحديث والتاريخ والسير والنحو واللغة وافر العقل مليح العبارة حسن الخط والنظم والنثر جميل الهيئة له خبرة تامة بسير الملوك (6/11)

المتقدمين ودولهم لا تمل مجالسته وذكر الذهبي أنه نسب إلى نقص في دينه فالله تعالى أعلم قال ابن رجب وسمع منه جماعة منهم الشيخ تقي الدين بن تيمية والمزي والبرزالي والذهبي وتوفي بمصر سقط من فرس فكسرت أعضاؤه وبقي أياما ثم مات في جمادى الآخرة رحمه الله تعالى 12 سنة خمس وسبعمائة فيها توفي خطيب دمشق الإمام الكبير شرف الدين أحمد بن إبراهيم بن سباع الفزاري الشافعي أخو الشيخ تاج الدين ولد بدمشق في رمضان سنة ثلاثين وستمائة وتلا بالسبع وأحكم العربية وقرأ الحديث وسمع كثيرا من السخاوي وغيره وكان فصيحا عديم اللحن طيب الصوت وأقرأ العربية زمانا مع الكيس والتواضع والتصوف وولي خطابة جامع جراح ثم خطابة جامع دمشق وتوفي في شوال عن خمس وسبعين سنة وشهر ودفن بباب الصغير عند أخيه وفيها المعمرة زينب بنت سليمان بن رحمة الأسعردي سمعت من الزبيدي والشمس أحمد بن عبد الواحد البخاري وعلي بن حجاج وجماعة وتفردت بأشياء وماتت في ذي القعدة عن بضع وثمانين سنة وفيها حافظ الوقت العلامة شرف الدين عبد المؤمن بن خلف ابن أبي الحسن بن شرف بن الخضر بن موسى الدمياطي الشافعي ولد بدمياط في أواخر سنة ثلاث عشرة وستمائة وتفقه بها وقرأ بالسبع على الكمال الضرير وسمع الكثير ورحل ولازم الحافظ عبد العظيم المنذري سنين وتخرج به ورحل إليه الطلاب وحدث قديما وسمع منه الشيخ محمد بن محمد الأبيوردي وكتب عنه في معجم شيوخه ومات قبله بتسع وثلاثين سنة روى عنه من تلاميذه الحفاظ المزي والبرزالي وابن سيد الناس والسبكي وغيرهم فعلى هذا الدمياطي شيخ هؤلاء وشيخ شيخهم قال المزي ما رأيت أحفظ منه وقال البرزالي كان آخر من بقي من الحفاظ وأهل الحديث أصحاب الرواية العالية والدراية الوافرة وقال الذهبي في معجمه العلامة الحافظ الحجة أحد الأئمة الأعلام وبقية نقاد الحديث رحل وسمع الكثير ومعجمه نحو ألف ومائتين وخمسين شيخا وله تصانيف وفي الحديث والعوالي والفقه (6/12)

واللغة وغير ذلك ومحاسنه جمة انتهى وقد أثنى عليه غير واحد وله مصنفات نفيسة منها السيرة النبوية في مجلد وكتاب في الصلاة الوسطى وكتاب الخيل وكتاب 13 التسلي والاغتباط بفوات من تقدم من الإفراط وغير ذلك توفي فجأة في نصف ذي القعدة بالقاهرة ودفن بمقابر باب النصر رحمه الله تعالى وفيها قاضي حلب وخطيبها العلامة شمس الدين محمد بن محمد بن بهرام الدمشقي الشافعي أبو عبد الله الكوراني ولد سنة خمس وعشرين وستمائة وأخذ عن ابن عبد السلام وأخذ القراءات عن الكمال الضرير فيما قيل وناب في الحكم بدمشق ثم ولي قضاء حلب وله مختصر في الخلاف مأخوذ من حلية الشاشي وغيرها قال الذهبي كان مشكورا دينا يدري المذهب صالحا ورعا وقال السبكي في الطبقات الكبرى كان من علماء حلب وكان يدري القراءات توفي بحلب في جمادى الأولى وفيها المعمر أبو عبد الله محمد بن عبد المنعم بن شهاب المؤدب المصري حدث عن ابن باقا قال الذهبي حدثنا عنه أبو الحسن السبكي وتوفي بمصر وفيها الإمام المعمر شرف الدين يحيى بن أحمد بن عبد العزيز بن الصواف الجذامي المالكي كبير الشهود سمع منه قاضي القضاة السبكي وجماعة وروى عن ابن عماد والصفراوي وتلا عليه بالسبع وأول سماعه كان في سنة خمس عشرة وستمائة وأصم وأضر مدة وتوفي بالأسكندرية عن ست وتسعين سنة وفيها صاحب المغرب أبو يعقوب يوسف بن السلطان يعقوب بن عبد الحق المريني سنة ست وسبعمائة فيها أنشىء في الصالحية تجاه الرباط الناصري جامع الأفرم وخطب به القاضي شمس الدين بن العز الحنفي وفيها مات رئيس التجار الصدر جمال الدين إبراهيم بن محمد بن السواملي والسوامل كالطاسات العراقي كان يثقب اللؤلؤ فصمد ألفي درهم ثم اتجر وسار إلى الصين فتمول وعظم وضمن العراق من القان ورفق بالرعية وصار له أولاد مثل الملوك ثم صودر وأخذ منه أموال ضخمة ومات فجأة بشيراز عن ست وسبعين سنة وفيها العلامة نصير الدين أبو بكر عبد الله (6/13)

14 ابن عمر بن أبي الرضا الفاروثي الشافعي قال البرزالي في تاريخه قدم علينا دمشق وكان يعرف الفقه والأصلين والعربية والأدب وكان جيد المناظرة ولد بفاروث وهي قرية من عمل شيراز وسكن بغداد ومات بها ودرس بالمستنصرية وغيرها من المدارس الكبار وفيها ضياء الدين عبد العزيز بن محمد بن علي الطوسي ثم الدمشقي الشافعي اشتغل بالعلم وتفنن ودرس بالنجيبية وأعاد بغيرها وشرح الحاوي شرحا حسنا سماه المصباح وشرح مختصرا ابن الحاجب قال البرزالي كان شيخا فاضلا وقال ابن حبيب كان ذا فضائل منتظمة الفرائد وتصانيف مشتملة على كثير من الفوائد توفي فجأة بدمشق ودفن بمقابر الصوفية وفيها خطيب دمشق شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الخلاطي بن إمام الكلاسة كان دينا صالحا صينا مليح الشكل طيب الصوت حسن الهدم روى عن ابن البرهان وابن عبد الدايم وأم بالكلاسة مدة ثم خطب للخطابة فأقام ستة أشهر ونصفا وخرج من الحمام وصلى سنة الفجر فغضي عليه وانطفى وحمل على الرؤوس وصلى عليه الأفرم نائب دمشق وولي بعده الخطابة جلال الدين القزويني صاحب تلخيص المفتاح وفيها مسند حلب سنقر القضائي الزيني تفرد بأشياء وحدث عن الموفق عبد اللطيف وابن شداد وابن روزبة وابن الزبيدي وانجب الحمامي وعدة وكان دينا خيرا صبورا على الطلبة قال الذهبي أكثرنا عنه وتوفي بحلب في شوال عن سبع وثمانين سنة سنة سبع وسبعمائة فيها عقد مجلس بالقصر فاستتيب النجم بن خلكان من عبارات قبيحة ودعاو مبيحة للدم وادعاء نبوة فاختلفت فيه الآراء ومال إلى الرفق به الشيخ برهان الدين فتاب وفيها توفي رئيس مصر الصاحب تاج الدين محمد بن الصاحب فخر الدين محمد بن الوزير بهاء الدين علي بن محمد حنا قال الذهبي حدثنا عن سبط السلفي (6/14)

15 وكان محتشما وسيما عادلا شاعرا متمولا من رجال الكمال وقال غيره وزير ابن وزير ابن وزير انتهت إليه رياسة عصره بمصر صدقاته كثيرة وتواضعه وافر وهو الذي اشترى الآثار النبوية التي بالقاهرة على ما قيل بستين ألف درهم وجعلها في مكانه المعشوق وهو المكان المنسوب إليه وذلك قطعة من العنزة ومرود ومخصف وملقط وقطعة من قصعة وقال ابن فضل الله رأيت إلى جانب تربته مكتب أيتام وهم يكتبون القرآن في الألواح فإذا أرادوا مسحها غسلوا ألواحهم وسكبوا ذلك على قبره فسألت عن ذلك فقيل لي هذا شرط الواقف وهذا قصد حسن وعقيدة حسنة ومن شعره ( لله في الأحوال لطف جميل * فاغن به عن ذكر قال وقيل ) ( ولا تفارق أبدا بابه * فمنه قد جاء العطاء الجزيل ) ( واشكر على الأنعام فيما مضى * كم أسبل الستر زمانا طويل ) ( واخيبة المعرض عن بابه * خلى كريما ثم أم البخيل ) ( فقل لمن عدد أنعامه * كل لسان عند هذا كليل ) وتوفي رحمه الله تعالى بمصر وفيها نور الدين أبو الحسن علي بن عبد الحميد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن بكير الفنيدقي الفقيه الحنبلي ولد سنة خمس وثلاثين وستمائة وسمع من أبي عبد الله بن أسعد المقدسي وجده لأمه خطيب مراد وغيرهما وبمصر من الرشيد العطار وجماعة وتفقه وبرع وأفتى ودرس مع دين وتواضع وصدق وأضر بآخره وسمع منه الذهبي وروى عنه في معجمه وتوفي بجبل نابلس في رجب وفيها رشيد الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عمر ابن أبي القسم البغدادي الحنبلي المقرى المحدث الصوفي الكاتب ولد ليلة الثلاثاء ثالث عشر ذي القعدة سنة ثلاث وعشرين وستمائة وسمع الكثير من ابن روزبة والسهروردي وابن الخازن وابن اللتي وغيرهم وعنى بالحديث وسمع الكتب الكبار والأجزاء وكان عالما صالحا من محاسن البغداديين وأعيانهم ذا لطف (6/15)

16 وسهولة وحسن أخلاق من أجلاء العدول ولبس خرقة التصوف من السهروردي وحدث بالكثير وسمع منه خلق كثير من أهل بغداد والرحالين وانتهى إليه علو الإسناد وتوفي في جمادى الآخرة ببغداد ودفن بمقبرة الإمام أحمد وفيها أبو عبد الله محمد بن مطرف الأندلسي جاور نحو ستين عاما بمكة وكان يطوف في اليوم والليلة خمسين أسبوعا وتوفي بمكة في رمضان عن نيف وتسعين سنة وحمل نعشه صاحب مكة حميضة وفيها جمال الدين أبو بكر محمد بن عبد العظيم بن علي بن السقطي الشافعي روى بالإجازة عن ابن باقا وعن العلم بن الصابوني وأكثر المحدثون عنه وله أخ باسمه وهو العدل نجم الدين محمد مات بعد النووي ومات صاحب الترجمة بالقاهرة عن خمس وثمانين سنة وكان قاضي قضاتها مدة وفيها شهاب الدين محمد بن أبي العز بن مشرف بن بيان الأنصاري البزاز مسند دمشق وشيخ الرواية بالدار الأشرفية حدث عن ابن الزبيدي والناصح وابن صباح وابن المقير وغيرهم وتفرد واشتهر وتوفي بدمشق عن ثمان وثمانين سنة سنة ثمان وسبعمائة فيها توفي بغرناطة عالمها وحافظها أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي طلب العلم في سنة ست وأربعين وستمائة وسمع من جماعة وتفرد بالسنن الكبير للنسائي عن أبي الحسن الشاري بينه وبين المؤلف ستة أنفس قال ابن ناصر الدين كان نحويا حافظا علامة أستاذ القراء ثقة عمدة وقال الذهبي مات بغرناطة في ربيع الأول عن ثمانين سنة وفيها المعمر عماد الدين إسمعيل بن علي بن الطبال شيخ المستنصرية سمع عمر بن مكرم وابن روزبة وجماعة وتفرد ومات ببغداد وفيها خديجة بنت عمر بن أحمد بن العديم في عشر التسعين قال الذهبي روت لنا عن الركن إبراهيم الحنفي وفيها الشيخ الزاهد القدوة الكبير عثمان بن عبد الله الصعيدي ثم الحلبوني كان صالحا عابدا متعففا تؤثر عنه أحوال وأقام (6/16)

17 مدة ببعلبك ومدة ببرزة وكان لا يأكل الخبز ويزعم أنه يتضرر بأكله ومات في المحرم بقرية برزة قاله السخاوي وفيها شهاب الدين بن علي المحيى كان عالما مسندا مكثيرا عن ابن المقير وابن رواج والساوى وتوفي بمصر عن ثمانين سنة وفيها علم الدين إبراهيم عرف بابن خليقة كان حكيما فاضلا رئيس الطب بالديار المصرية والشامية وهو أول من ركب شراب الورد ولم يعرف بدمشق قبل ذلك توفي بمصر قيل بلغت تركته ثلثمائة ألف دينار وفيها أم عبد الله فاطمة بنت سليمان بن عبد الكريم الأنصاري لها إجازة الفتح وابن عفيجة وجماعة وسمعت المسلم المازني كريمة وابن رواحة وروت الكثير ولم تتزوج توفيت في ربيع الآخر بدمشق عن قريب التسعين وفيها شيخ الحرم ظهير الدين محمد بن عبد الله بن منعة البغدادي جاور بمكة أربعين سنة وحدث عن الشرف المرسى وتوفي بالمهجم من نواحي اليمن عن بضع وسبعين سنة وفيها الحافظ مفيد مصر شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن شامة بن كوكب الطائي السوادي الحكمي وحكم بالفتح قرية من قرى السواد الحنبلي الحافظ الزاهد ولد في رجب سنة اثنتين وستين وستمائة وسمع من أحمد بن أبي الخير وابن أبي عمر وغيرهم ورحل سنة ثلاث وثمانين إلى مصر وسمع بها من العز الحراني وابن خطيب المزة وغيرهما وبالأسكندرية من ابن طرخان وجماعة وببغداد من ابن الطبال وخلق وبأصبهان والبصرة وحلب وواسط عنى بهذا الفن وحصل الأصول وكتب العالي والنازل قال الحافظ عبد الكريم الحلبي كان إماما عالما فاضلا حسن القراءة فصيحا ضابطا متقنا قرأ الكثير وسمع من صغره إلى حين وفاته وقال البرزالي خالط الفقراء وصارت له أوراد كثيرة وتلاوة واستوطن ديار مصر وتزوج (6/17)

18 وصارت له بها حظوة وشهرة وقراءته وكان معمور الأوقات بالطاعات وقال الذهبي في معجمه أحد الرحالين والحفاظ والمكثرين ودخل أصبهان طمعا أن يجد بها رواة فلم يلق شيوخا ولا طلبة فرجع وكان ثقة صحيح النقل عارفا بالأسماء من أهل الدين والعبادة وقال ابن رجب سمع منه البرزالي والذهبي وعبد الكريم الحلبي وذكروه في معاجمهم توفي يوم الثلاثاء رابع عشر ذي القعدة ودفن بالقرافة بالقرب من الشافعي وفيها وجزم ابن حجر في الدرر الكامنة أنه في التي قبلها جمال الدين شرف القضاة أبو عبد الله محمد بن المكين بن الطاهر إسمعيل بن محمد بن محمود بن عمر التنوخي بالأسكندراني المالكي سمع من ابن الفوى كرامات الأولياء ومن ابن رواج ومن غيرهما وسمع منه أبو العلاء الفرضي وأبو الفتح بن سيد الناس وغيرهما وحدث وكان من أعيان أهل الإسكندرية مات في أول يوم من شهر رمضان وفيها مسند دمشق والشام أبو جعفر محمد بن علي بن حسين السلمي العباسي الدمشقي بن الموازيني كان دينا زاهدا حج مرات وتفرد عن القاسم بن صصرى والبهاء عبد الرحمن ورح إليه وتوفي بدمشق في نصف ذي الحجة عن أربع وتسعين سنة سنة تسع وسبعمائة فيها كما قال السيوطي خرج السلطان الملك الناصر بن قلاوون قاصدا للحج فخرج من مصر في رمضان وخرج معه جماعة من الأمراء لتوديعه فردهم فلما اجتاز بالكرك عدل إليها فنصب له الجسر فلما توسطه انكسر به فسلم من قدامه وقفز به الفرس فسلم وسقط من وراءه وكانوا خمسين فمات أربعة وتهشم أكثرهم في الوادي الذي تحته وأقام السلطان بالكرك وكتب كتابا إلى الديار المصرية يتضمن عزل نفسه عن المملكة فاثبت ذلك على القضاة بمصر ثم نفذ على قضاة الاسم وبويع الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير بالسلطنة في الثالث والعشرين من شوال ولقب الملك المظفر وقلده الخليفة وألبسه الخلعة السوداء والعمامة المدورة ونفذ التقليد إلى الشام (6/18)

19 في كيس أسود أطلس فقرىء هناك وأوله أنه من سليمان وأنه بسم الله الرحمن الرحيم ثم عاد الناصر في رجب سنة تسع وطلب عوده إلى الملك ووالاه على ذلك جماعة من الأمراء فدخل دمشق في شعبان ثم دخل مصر يوم عيد الفطر وصعد القلعة وقال العلاء الوداعي في عوده إلى الملك ( الملك الناصر قد أقبلت * دولته مشرقة الشمس ) ( عاد إلى كرسيه مثل ما * عاد سليمان إلى الكرسي ) وخذل المظفر فجاء إلى خدمة السلطان فوبخه وخنقه وأباد جماعة من رؤس الشر وتمكن وهرب نائبه سلار نحو تبوك ثم خدع وجاء برجله إلى أجله فأميت جوعا وأخذ من أمواله ما يضيق عنه الوصف وكان تملك إحدى عشرة سنة وكان مغليا أسمر سهل الخدين ليس بالطويل ذا هيئة قليل الظلم وبلغ من الجاه والمال ما لا مزيد عليه وفيها مات المقرىء المعمر أبو إسحق إبراهيم بن أبي الحسن علي بن صدقة المخرمي قال الذهبي حدثنا عن ابن اللتي وجعفر ومكرم ومات بدمشق عن بضع وثمانين سنة وفيها أبو العباس أحمد بن أبي طالب الحمامي البغدادي الزانكي المجاور من زمان بمكة بحيث صار مسندها سمع من الأنجب الحمامي أجزاء تفرد بها وأخذ عنه ابن مسلم القاضي وشمس الدين بن الصلاح مدرس القيمرية وأجاز لأبي عبد الله الذهبي وتوفي بمكة في جمادى الآخرة عن بضع وثمانين سنة وفيها تاج الدين أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله الأسكندري المالكي الشاذلي قال ابن حجر في الدور الكامنة صحب الشيخ أبا العباس المرسي صاحب الشاذلي وصنف مناقبه ومناقب شيخه وكان المتكلم على لسان الصوفية في زمانه وهو ممن قام على الشيخ تقي الدين بن تيمية فبالغ في ذلك وكان يتكلم على الناس وله في ذلك تصانيف عديدة قال الذهبي كانت له جلالة عظيمة ووقع في النفوس ومشاركة في الفضائل وكان يتكلم بالجامع الأزهر فوق كرسي بكلام يروح النفوس ومزج كلام القوم بآثار السلف وفنون العلم فكثر اتباعه وكانت عليه (6/19)

20 سيما الخير ويقال أن ثلاثة قصدوا مجلسه فقال أحدهم لو سلمت من العائلة لتجردت وقال الآخر أنا أصلي وأصوم ولا أجد من الصلاح ذرة وقال الثالث أنا صلاتي ما ترضيني فكيف ترضى ربي فلما حضروا مجلسه قال في أثناء كلامه ومن الناس من يقول فأعاد كلامهم بعينه وقال الكمال جعفر سمع من الأبرقوهي وقرأ النحو على الماروني وشارك في الفقه والأدب وصحب المرسي وتكلم على الناس وكثر اتباعه وقال ابن الأهدل الشيخ العارف بالله شيخ الطريقين وإمام الفريقين كان فقيها عالما ينكر على الصوفية ثم جذبته العناية فصحب شيخ الشيوخ المرسي وفتح عليه على يديه والذي جرى له معه مذكور في كتابه لطائف المنن وله عدة تصانيف منها الحكم وكلها مشتملة على أسرار ومعارف وحكم ولطائف نثرا ونظما وما أحسن قوله في شيخه في بعض قصائده ( كم من قلوب قد أميتت بالهوى * أحيا بها من بعد ما أحياها ) وكان شيخه يستعيد منه هذا البيت ومن طالع كتبه عرف فضله توفي رحمه الله تعالى بمصر في نصف جمادى الآخرة ودفن بالقرافة وقبره مشهور يزار وفيها نبيه الدين حسن بن حسين بن جبريل الأنصاري المعدل سمع من ابن المقير وابن رواج وغيرهما وتوفي بمصر عن تسع وسبعين سنة وأجاز له السهروردي سنة ولادته وهي سنة ثلاثين وستمائة وفيها شهدة بنت الصاحب كمال الدين عمر بن العديم العقيلي ولدت يوم عاشوراء سنة تسع عشرة وستمائة وحضرت الكاشغرى وعمر بن بدر ولها إجازة من ثابت بن مشرف وكانت تكتب وتحفظ أشياء وتتزهد وتتعبد قال الذهبي سمعت منها وماتت بحلب وفيها مات بمصر الأمير الكبير الوزير شمس الدين سنقر المنصوري الأعسر وله عدة مماليك تقدموا وكان كبيرا شهما عارفا فيه ظلم قاله في العبر وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي الفتح بن أبي الفضل البعلي الفقيه الحنبلي المحدث النحوي اللغوي ولد سنة خمس وأربعين وستمائة ببعلبك وسمع بها من الفقيه محمد اليونيني وبدمشق من ابن خليل ومحمد (6/20)

21 ابن عبد الهادي وغيرهما وعنى بالحديث وقرأ العربية واللغة على ابن مالك ولازمه حتى برع في ذلك وصنف تصانيف منها شرح ألفية ابن مالك وكتاب المطلع على أبواب المقنع في غريب ألفاظه ولغاته قال الذهبي كان إماما في المذهب والعربية والحديث غزير الفوائد متفننا ثقة صالحا متواضعا على طريقة السلف حدثنا ببعلبك ودمشق وطرابلس وتوفي بالقاهرة في ثامن عشر المحرم وذلك عبد دخوله إياها بدون شهر وكان زار القدس وسار إلى مصر ليسمع ابنه ودفن بالقرافة عند الحافظ عبد الغني سنة عشر وسبعمائة قال الذهبي في نيسان مطرنا مطرا أحمر كأعكر ماء الزيادة وبقي أثر الطين على التمر والورق نحو شهرين وفيها توفي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن شرف الدين حسن بن الحافظ أبي موسى عبد الله بن الحافظ الكبير عبد الغني بن عبد الواحد بن سرور المقدسي ثم الصالحي الفقيه الحنبلي قاضي القضاة ولد في ثاني عشر صفر سنة ست وخمسين وستمائة بسفح قاسيون وسمع من ابن عبد الدايم وغيره وتفقه وبرع وأفتى ودرس وولي القضاء بالشام نحو ثلاثة أشهر سنة تسع وسبعمائة ثم عزل لما عاد الملك الناصر إلى الملك قال البرزالي كان رجلا جيدا من أعيان الحنابلة وفضلائهم فقيها حسن العبارة وروى لنا عن ابن عبد الدايم وتوفي ليلة الأربعاء تاسع عشرى ربيع الأول ودفن من الغد بتربة الشيخ أبي عمر بسفح قاسيون وفيها شهاب الدين أحمد بن عبد الملك بن عبد المنعم العزازي الشاعر قال ابن حجر في الدرر المشتغل بالأدب ومهر وفاق أقرانه وسمع من نظمه أبو حيان والحافظ أبو الفتح اليعمري وحدث عنه غير واحد وله في الموشحات يد طولى وله في القوس ملغزا ( ما عجوز كبيرة بلغت عمرا * طويلا وتبتغيها الرجال ) (6/21)

22 ( قد علا جسمها صفار ولم تشك * سقاما ولو عراها هزال ) ( ولها في البنين قهر وسهم * وبنوها كبار قدر نبال ) قال الكمال جعفر كان مكثرا من النظم وحدث بشيء من شعره وسمع منه الفضلاء وكتب عنه الكبراء ومدح الأعيان والوزراء وتوفي في المحرم بمصر وله ثلاث وثمانون سنة وفيها المسند العالم كمال الدين إسحق بن أبي بكر بن إبراهيم الأسدي الحلبي بن النحاس سمع ابن يعيش وابن قميرة وابن رواحة وابن خليل فأكثر ونسخ الأجزاء وانقطع بموته شيء كثير وتوفي في رمضان عن بضع وسبعين أو ثمانين سنة وفيها الشيخ نجم الدين أحمد بن محمد بن علي بن مرتفع بن حازم بن إبراهيم بن العباس الأنصاري البخاري الشافعي الشهير بابن الرفعة قال ابن شهبة شيخ الإسلام وحامل لواء الشافعية في عصره ولد بمصر سنة خمس وأربعين وستمائة وسمع الحديث من أبي الحسن بن الصواف وعبد الرحيم بن الدميري وتفقه على الشيخين السديد والظهير التزمنتى وعلى الشريف العباسي وأخذ عن القاضيين ابن بنت الأعز وابن رزين ولقب الفقيه لغلبة الفقه عليه وولى حسبة مصر ودرس بالمعزية بها وناب في القضاء ولم يل شيئا من مناصب القاهرة وصنف التصنيفين العظيمين المشهورين الكفاية في شرح التنبيه والمطلب في شرح الوسيط في نحو أربعين مجلدا وهو أعجوبة في كثرة النصوص والمباحث ومات ولم يكمله بقي عليه من باب صلاة الجماعة إلى البيع وأخذ عنه الشيخ تقي الدين بن السبكي وجماعة وقال السبكي أنه أفقه من الرواياني صاحب البحر وقال الأسنوي كان شافعي زمانه وإمام أوانه مد في مدارك العلم باعا وتوغل في مسائله علما وطباعا إمام مصره بل سائر الأمصار وفقيه عصره في سائر الأقطار لم يخرج إقليم مصر بعد ابن الحداد من يدانيه ولا نعلم في الشافعية مطلعا بعد الرافعي يساويه كان أعجوبة في استحضار كلام الأصحاب لا سيما في غير مظانه وأعجوبة في معرفة نصوص الشافعي (6/22)

23 وأعجوبة في قوة التخريج دينا خيرا محسنا إلى الطلبة توفي بمصر في رجب ودفن بالقرافة وفيها نجم الدين أبو بكر عبد الله بن أبي السعادات بن منصور بن أبي السعادات بن محمد الأنباري ثم البابصري المقرىء خطيب جامع المنصور وشيخ المستنصرية بعد ابن الطبال سمع ابن بهروز والأنجب الحمامي وأحمد بن المارستاني ومات ببغداد في رمضان عن اثنتين وثمانين سنة وفيها عبد الله ابن أبي جمرة السبتي المالكي روى بالإجازة عن ابن الربيع بن سالم ثم ولي خطابة غرناطة في أواخر عمره فتفق أنه صعد المنبر يوم الجمعة فسقط ميتا وأما عبد الله بن أبي جمرة الإمام القدوة الذي شرح مختصره للبخاري فمات قبل القرن وفيها علي بن علي بن أسمح اليعقوبي الزاهد ويلقب منلا الناسخ كان علامة متفننا ذا محفوظات منها مصابيح البغوي والمفصل والمقامات وسكن الروم وركب البغلة ثم تزهد وهاجر إلى دمشق واستمر بدلق ومئزر صغير أسود وتردد إلى المدارس وأقرأ العربية ومات باللجون وفيها بهاء الدين علي بن الفقيه عيسى بن سليمان بن رمضان الثعلبي المصري ابن القيم كان ناظر الأوقاف وذكر مرة للوزارة وكان دينا خيرا متواضعا حدث عن الفخر الفارسي وابن باقا وتوفي في ذي القعدة بمصر عن سبع وتسعين سنة وفيها أبو عمرو عثمان بن إبراهيم الحمصي النساخ حضر ابن الزبيدي وروى كثيرا عن الضياء ومات بدمشق في رجب عن ثلاث وثمانين سنة وفيها قاضي القضاة شمس الدين محمد بن إبراهيم بن عبد الغني السروجي الشافعي أحد أئمة المذهب صنف التصانيف واشتهر وتوفي في ربيع الآخر وله ثلاث وسبعون سنة وفيها ست الملوك فاطمة بنت علي بن أبي البدر روت كتابي الدارمي وعبد بن حميد عن ابن بهروز الطبيب وتوفيت ببغداد في ربيع الأول قاله في العبر (6/23)

24 سنة إحدى عشرة وسبعمائة فيها توفي عماد الدين أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن مسعود الواسطي الحزامي الزاهد القدوة العارف ولد في حادي أو ثاني عشر ذي الحجة سنة سبع وخمسين وستمائة بشرقي واسط وكان أبوه شيخ الطائفة الأحمدية ونشأ الشيخ عماد الدين بينهم والهمه الله تعالى من صغره طلب الحق ومحبته والنفور عن البدع وأهلها فاجتمع بالفقهاء بواسط كالشيخ عز الدين الفاروثي وغيره وقرأ شيئا من الفقه على مذهب الشافعي ثم دخل بغداد وصحب بها طوائف من الفقهاء وحج واجتمع بجماعة منهم وأقام بالقاهرة مدة ببعض جوانبها وخالط طوائف الفقراء ولم يسكن قلبه إلى شيء من الطرائق المحدثة واجتمع بالأسكندرية بالطائفة الشاذلية فوجد عندهم ما يطلبه من لوائح المعرفة والمحبة والسلوك فأخذ ذلك عنهم وانتفع بهم واقتفى طريقتهم وهديهم ثم قدم دمشق فرأى الشيخ تقي الدين بن تيمية وصاحبه فدله على مطالعة السيرة النبوية فأقبل على سيرة ابن إسحق تلخيص ابن هشام فلخصها واختصرها وأقبل على مطالعة كتب الحديث والسنة والآثار وتخلى من جميع طرائقه وأذواقه وسلوكه واقتفى أثر الرسول وهديه وطرائقه المأثورة عنه في كتب السنن والآثار واعتنى بأمر السنة أصولا وفروعا وتبوع في الرد على طوائف المبتدعة الذين خالطهم وعرفهم من الاتحادية وغيرهم وبين عوراتهم وكشف أستارهم وانتقل إلى مذهب الإمام أحمد واختصر الكافي في مجلد سماه البلغة وألف تآليف كثيرة في الطريقة النبوية والسلوك الأثري المحمدي وهي من أنفع كتب الصوفية للمريدين وانتفع به خلق كثير من متصوفة أهل الحديث ومتعبديهم قاله ابن رجب وقال الشيخ تقي الدين بن تيمية هو جنيد وفته وقال البرزالي في معجمه صالح عارف صاحب نسك وعبادة وانقطاع وعزوف عن الدنيا وله كلام متين في التصوف الصحيح وكان داعية إلى طريق الله تعالى وقلمه أبسط (6/24)

25 من عبارته واختصر السيرة النبوية وكان يتقوت من النسخ ولا يكتب إلا مقدار ما يدفع به الضرورة وكان محبا لأهل الحديث معظما لهم وأوقاته كلها معمورة وقال الذهبي كان سيدا عارفا كبير الشأن منقطعا إلى الله تعالى ينسخ بالأجرة ويتقوت ولا يكاد يقبل من أحد شيئا إلا في النادر صنف أجزاء عديدة في السلوك والسير إلى الله تعالى وفي الرد على الاتحادية والمبتدعة وكان داعية إلى السنة ومذهبه مذهب السلف في الصفات يمرها كما جاءت وقد انتفع به جماعة صحبوه ولا أعلم خلف بدمشق في طريقته مثله توفي آخر نهار السبت سادس عشرى ربيع الآخر بالمارستان الصغير بدمشق وصلى عليه من الغد بالجامع ودفن بسفح قاسيون قبالة زاوية السيوفي وفيها الأمير الكبير سيف الدين استدمر الكرجى قال الذهبي توفي في سجن الكرك في آخر الكهولة ولي البر بدمشق ثم نيابة طرابلس ثم حلب وكان بطلا شجاعا سايسا داهية جبارا ظلوما مهيبا سمع بقراءتي صحيح البخاري انتهى وفيها إسمعيل بن نصر الله بن تاج الأمناء أحمد بن عساكر قال الذهبي حدثنا عن ابن اللتي ومكرم وابن الشيرازي وطبقتهم وشيوخه نحو التسعين وكان مكثرا وفيه خفة وطيش ولكنه فيه دين توفي بدمشق في صفر عن اثنتين وثمانين سنة وفيها وقيل في التي قبلها كما جزم به ابن قاضي شهبة عز الدين الحسن بن الحرث بن الحسن بن خليفة المعروف بابن مسكين وهو من أولاد الحرث بن مسكين أحد المالكية المعاصرين للشافعي قال ابن كثير في طبقاته كان من أعيان الشافعية بالديار المصرية وكان عين لقضاء الشافعية بدمشق فامتنع لمفارقة الوطن وقال الأسنوي درس بالشافعي وكان من أعيان الشافعية الصلحاء كتب ابن الرفعة تحت خطه جوابي كجواب سيدي وشيخي توفي في جمادى الأولى وفيها رشيد الدين رشيد بن كامل الرقي الشافعي درس وأفتى وبرع في الأدب وكان وكيل بلاد حلب حدث عن ابن مسلمة وابن علان وكان علامة شيخ الأدباء توفي عن ست وثمانين سنة وفيها أو في التي قبلها (6/25)

وجزم به ابن شهبة الشيخ 26 عز الدين عبد العزيز بن عبد الجليل النمراوي المصري الشافعي ولد بنمرا من أعمال الغربية واشتغل وتصدى للاشتغال ودرس في التفسير بالقبة المنصورية قال ابن كثير في طبقاته أحد الفضلاء المناظرين من الشافعية أفتى ودرس وناظر بين يدي العلامة ابن دقيق العيد والعلامة صدر الدين بن الوكيل فاستجاد ابن دقيق العيد بحثه ورجحه في ذلك البحث على ابن الوكيل فارتفع قدره من يومئذ وصحب النائب سلار فازداد وجاهة في الدنيا بذلك توفي في ذي القعدة ودفن بالقرافة وفيها بل في التي قبلها جزم به غير واحد بدر الدين أبو البركات عبد اللطيف بن قاضي القضاة تقي الدين محمد بن الحسين بن رزين العامري الحموي الأصل المصري الشافعي العلامة مولده سنة تسع وأربعين وستمائة وسمع بمصر والشام من جماعة وأعاد عند والده وهو ابن عشرين سنة وناب عنه في القضاء وأفتى وولي قضاء العسكر في حياة والده وخطب بجامع الأزهر ودرس بالظاهرية والسيفية والأشرفية قال ابن كثير كان من صدور الفقهاء وأعيان الرؤساء وأحد المذكورين في الفضلاء وكان له اعتناء جيد بالحديث ويلقى الدروس منه ومن التفسير والفقه وأصوله وله اعتناء بالسماع والرواية وقال السبكي في الطبقات كان يجتمع عنده بالظاهرية من الفضلاء ما لا يجتمع عند غيره وتحصل بينهم الفضائل الجمة بحيث كان طالب التحقيقات يحضر درسه لأجل من يحضر فممن كان يحضر الوالد وقطب الدين السنباطي وتاج الدين طوير الليل وجماعة توفي بالقاهرة في جمادى الآخرة وفيها شعبان بن أبي بكر بن عمر الأربلي قال الذهبي الشيخ الزاهد الصالح البركة خرج له رفيقة ابن الظاهري عن محمد بن النعالي وعبد الغني بن بنين والكمال الضرير وطبقتهم وكان خيرا متواضعا وافر الحرمة توفي في رجب عن سبع وثمانين سنة وكانت جنازته مشهودة وفيها القاضي المنشىء جمال الدين محمد بن مكرم بن علي الأنصاري يروى عن مرتضى وابن المقير ويوسف المحيلي وابن (6/26)

الطفيل وحدث بمصر ودمشق واختصر تاريخ ابن عساكر وله نظم ونثر وفيه شائبة تشيع وتوفي بمصر في شعبان 27 عن اثنتين وثمانين سنة وفيها الأديب الخليع الحكيم شمس الدين محمد بن دانيال مؤلف كتاب طيف الخيال كانت له نكت غريبة وطباع عجيبة وصحبه ولد القسيس الملكي وكان جميل الصورة فخاف والده عليه منه فكتب إليه ابن دانيال ( قلت للقسيس يوما * والورى تفهم قصدي ) ( ما الذي أنكرت من نجلك * إذ أخلصت ودى ) ( خفت أن يسلم عندي * هو ما يسلم عندي ) ومن شعره ( ما عاينت عيناي في عطلتي * أيشم من حظي ومن بختي ) ( قد بعت عبدي وحماري وقد * أصبحت لا فوقي ولا تحتي ) وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي نصر الدباهي البغدادي الحنبلي الزاهد ولد سنة ست أو سبع وثلاثين وستمائة ببغداد وصحب الشيخ يحيى الصرصري وكان خال والدته والشيخ عبد الله كتيلة مدة وسافر معه وجاور بمكة عشر سنين ودخل الروم والجزيرة ومصر والشام ثم استوطن دمشق وبها توفي قال ابن الزملكاني عنه شيخ صالح وعارف زاهد كثير الرغبة في العلم وأهله والحرص على الخير والاجتهاد في العبادة تخلى عن الدنيا وخرج عنها ولازم العبادة والعمل الدائم واستغرق أوقاته في الخير وقال بن رجب سمع منه البرزالي والذهبي ابتلى بضيق النفس سبعة أشهر ثم بالاستسقاء وانتقل إلى رحمة الله تعالى يوم الخميس رابع عشرى شهر ربيع الآخر ودفن بقاسيون قبل الشيخ عماد الدين الواسطي بيومين وفيها شرف الدين محمد بن شريف بن يوسف ابن الوحيد الزرعي قال الذهبي شيخ التجويد وصاحب الكتابة الباهرة والانشاء الجيد كان شجاعا مقداما متكلما منشئا وهو متهم في دينه يرمى بعظائم توفي في شعبان وقد شاخ انتهى وفيها عماد الدين أبو المعالي محمد بن علي بن محمد بن علي بن النابلسي الدمشقي قال في العبر العدل المرتضى المسند سمع من (6/27)

28 إسحق الشاغوري وكريمة وجماعة حضورا ومن السخاوي وابن قميره وابن شقير وخلق خرجت له معجما كبيرا ووقف أجزاءه وكان محمودا في الشهادات حسن الديانة توفي في جمادى الأولى عن أربع وسبعين سنة وفيها الصاحب فخر الدين عمر بن عبد العزيز بن الحسن بن الخليلي التميمي الداري المصري روى عن المرسي وولي وزارة الصحبة في آخر الدولة المنصورية ثم للعادل والمنصور حسام الدين ثم عزل ثم ولي للناصر ثم عزل ومات معزولا وكان خبيرا بالأمور شهما مقداما فيه كرم وسؤدد مات ليلة الفطر عن إحدى وسبعين سنة وفيها أبو حفص عمر بن عبد النصير بن محمد بن هاشم بن عز العرب القرشي السهمي القوصي ثم الأسكندراني المعروف بالزاهد قال الذهبي حدثنا بدمشق عن ابن المقير وابن الجميزي وحج مرات وقال ابن حجر أجاز لبعض شيوخنا وله شعر فمنه ( قف بالحمى ودع الرسائل * وعن الاحبة قف وسائل ) ( واجعل خضوعك والتذلل * في طلابهم وسائل ) ( والدمع من فرط البكاء * عليهم جار وسائل ) ( واسأل مراحمهم فهن * لكل محروم وسائل ) وتوفي في منتصف المحرم بالثغر عن ست وتسعين سنة وفيها أم محمد فاطمة بنت الشيخ إبراهيم بن محمود بن جوهر البطايحي البعلي والدة الشيخ إبراهيم بن القرشية وإخوته روت الصحيح عن ابن الزبيدي مرات وسمعت صحيح مسلم من ابن الحصيري شيخ الحنفية وسمعت من ابن رواحة وكانت دينة متعبدة صالحة مسندة توفيت في صفر عن ست وثمانين سنة وفيها قاضي حماة العلامة عز الدين عبد العزيز بن محي الدين محمد بن نجم الدين أحمد بن هبة الله بن العديم الحنفي قال الذهبي حدثنا عن ابن خليل وهدية وغيرهما وكان له اعتناء بالكشاف وبمفتاح السكاكي علامة توفي بحماة في ربيع الأول عن ثمان وسبعين سنة ودفن بتربته وفيها قاضي الحنابلة سعد الدين أبو محمد وأبو عبد الرحمن مسعود بن (6/28)

29 أحمد بن مسعود المحدث الحافظ قاضي قضاة الحنابلة الحارثي ولد سنة اثنتين أو ثلاث وخمسين وستمائة وسمع بمصر من الرضى بن البرهان والنجيب الحراني وابن علاق وجماعة من أصحاب البوصيري وبالأسكندرية من عثمان بن عوف وابن الفرات وبدمشق من أحمد بن أبي الخير وأبي زكريا بن الصيرفي وخلق من هذه الطبقة وعنى بالحديث وكتب بخطه الكثير وتفقه على ابن أبي عمر وغيره وبرع وأفتى وصنف وخرج لنفسه أمالي وتكلم فيها على الحديث ورجاله وعلى التراجم فأحسن وشفى وحج غير مرة ودرس بعدة أماكن وولي القضاء سنتين ونصفا وكان سنيا أثريا متمسكا بالحديث قال الذهبي في معجمه كان فقيها مناظرا مفتيا عالما بالحديث وفنونه حسن الكلام عليه وعلى الأسماء ذا حظ من عربية وأصول واقرأ المذهب ودرس ورأس الحنابلة روى عنه إسمعيل بن الخباز وهو أسند منه وأبو الحجاج المزي وأبو محمد البرزالي وذكره الذهبي أيضا في طبقات الحفاظ وقال كان عارفا بمذهبه ثقة متقنا صينا وقال ابن رجب حدثنا بالكثير وروى عنه جماعة من شيوخنا وغيرهم وتوفي سحر يوم الأربعاء عشرى ذي الحجة بالقاهرة ودفن من يومه بالقرافة والحارثي نسبة إلى الحارثية قرية ببغداد غربيها كان أبوه منها سنة اثنتي عشرة وسبعمائة فيها مات شيخ بعلبك الإمام الفقيه الزاهد القدوة بركة الوقت أبو إسحق إبراهيم بن أحمد بن حاتم الحنبلي حدث عن سليمان الأسعردي وأبي سليمان الحافظ والشيخ الفقيه وبالإجازة عن ابن روزبة ونصر بن عبد الرزاق وكان من العلماء الأبرار قليل المثل خيرا منورا أمارا بالمعروف توفي في صفر عن نيف وثمانين سنة وفيها الصدر الأديب المقرىء شهاب الدين أحمد بن سليمان بن مروان بن البعلبكي الدمشقي من تجار الخواصين ومن عدول القيمة عرض الشاطبية على (6/29)

30 السخاوي وسمع منه أجزاء وله نظم جيد منه ( هم الأحبة إن جاروا وإن عدلوا * ومنتهى أربى صدوا وإن وصلوا ) ( مال ياعتراض عليهم في تصرفهم * جادوا علي بوصل أو هم بخلوا ) ( أحبابنا كيف حللتم قطيعة من * أمسى وليس له في غيركم أمل ) ( لا يحمل الضيم إلا في محبتكم * ولا يقاس به في عيره رجل ) ( والحب يبدي اعتذارا من جنايته * بغير وجه ويعلو وجهه الخجل ) ( وكل ساع سعى فينا يقول لنا * لا ناقة لي في هذا ولا جمل ) توفي في ربيع الآخر عن خمس وثمانين سنة وفيها تاج الدين أحمد بن العماد بن الشيرازي ولي الوكالة والحسبة ونظر الدواوين ونظر الجامع وتنقل في المناصب ثم مات بطالا حدث عن ابن عبد الدايم وتوفي بالمزة في رجب عن ثمان وخمسين سنة وفيها الفقيه الحنبلي المعمر عماد الدين أحمد بن القاضي شمس الدين محمد بن العماد إبراهيم المقدسي الحنبلي سمع ببغداد من الكاشغري وابن الخازن وبمصر من ابن رواج وطائفة وتفرد بأجزاء وتوفي بمصر في جمادى الآخرة عن خمس وسبعين سنة وفيها زين الدين أبو محمد الحسن بن عبد الكريم بن عبد السلام الغماري المصري المالكي سبط الفقيه زيادة سمع من أبي القسم بن عيسى المقرىء ومحمد بن عمر الفوطي المقرىء وتفرد عنهما وتلا بالسبع على أصحاب أبي النجود وكان خيرا فاضلا كيسا يؤدب في منزله توفي بمصر في شوال عن خمس وتسعين سنة وفيها نجم الدين داود الكردي الشافعي درس بصلاحية القدس ثلاثين سنة وكان علامة وتوفي بالقدس وفيها شرف الدين أبو البركات عبد الأحد بن أبي القسم بن عبد الغني بن خطيب حران فخر الدين بن تيمية الحراني الحنبلي التاجر روى عن ابن اللتى حضورا وعن ابن رواحة وابن شقير وجماعة وكان صالحا عدلا تقيا توفي بدمشق في شعبان عن اثنتين وثمانين سنة وفيها أبو الحسن علي بن محمد بن هرون (6/30)

31 التغلبي الدمشقي قارىء المواعيد للعامة سمع من ابن صباح حضورا ومن ابن الزبيدي والمازري وابن اللتي والناصح ومكرم وعدة وتفرد بالعوالي واشتهر وكان دينا خيرا متواضعا مسندا عالما توفي بمصر في ربيع الآخر وله ست وثمانون سنة وفيها نور الدين علي بن نصر الله بن عمر القرشي المصري بن الصواف الشافعي الذي روى عن ابن باقا أكثر سنن النسائي سماعا وتفرد واشتهر وسمع من جعفر الهمداني والعلم بن الصابوني وله إجازة أبي الوفا محمود بن مندة من أصبهان وتوفي في رجب وقد قارب التسعين وفيها الملك المظفر شهاب الدين غازي ابن الناصر داود بن المعظم بن العادل قال الذهبي حدثنا عن الصدر البكري وخطيب مردا وكان عاقلا دينا عاش نيفا وسبعين سنة وفيها سلطان دشت القفجاق طقططية المغلى الجنكز خانى وله نحو من أربعين سنة وكانت دولته ثلاثا وعشرين سنة وكان على دين قومه يحب السحرة وفيه عدل في الجملة وميل إلى الإسلام وعسكره خلق عظيم بالمرة وتملك بعده القان الكبير أزبك خان وهو شاب بديع الجمال حسن الإسلام موصوف بالشجاعة وامتدت أيامه قاله في العبر وفيها صاحب ماردين نجم الدين غازي بن المظفر قرا أرسلان بن السعيد غازي بن أرتق بن غازي بن تمرتاش بن الملك غازي بن أرتق التركماني الأرتقي توفي في ربيع الآخر ودفن بتربة آبائه عن بضع وستين سنة وتملك بعده ولده العادل فمات بعد أيام فيقال سمهما قرا سنقر ثم تملك ابنه الآخر الملك الصالح وفيها المعمرة أم محمد هدية بنت علي بن عسكر الهراس ولها ست وثمانون سنة تروى عن ابن الزبيدي حضورا وعن ابن اللتى والهمذاني وغيرهم وكانت فقيرة صالحة قنوعة متعبدة سمراء قابلة توفيت بالقدس في جمادى الأولى قاله الذهبي وفيها ست الأجناس موفية بنت عبد الوهاب بن عتيق بن وردان المصرية روت عن الحسن بن دينار والعلم بن الصابوني وغيرهما وتفردت وعمرت اثنتين (6/31)

32 وثمانين سنة وفيها الأديب محمد بن موسى القدسي عرف بكاتب أمير سلاح كتب في لوح صبي مليح اسمه سالم ( وأهيف تهفو نحو بانة قده * قلوب تبث الشجو في حمائم ) ( عجبت له إذا دام توريد خده * وما الورد في حال على الغصن دائم ) ( وأعجب من ذا أن حية شعره * تجول على أعطافه وهو سالم ) سنة ثلاث عشرة وسبعمائة فيها توفي أبو بكر أحمد بن محمد بن أبي القسم الدشتي بفتح المهملة وسكون المعجمة وفوقية نسبة إلى دشتى محلة بأصبهان الكردي المؤدب الحنبلي قال الذهبي حدثنا عن ابن رواحة وابن يعيش وابن قميرة والضيا وصفية القرشية وعدة وله مشيخة بانتقاء البرزالي وتفرد بأشياء عالية وتوفي في جمادى الآخرة بدمشق عن ثمانين سنة غير أشهر وفيها المسند المعمر ركن الدين بيبرس التركي العديمي قال الذهبي حدثنا عن الكاشغري وهبة الله بن الدوامي وجماعة وكان مسندا توفي بحلب في ذي القعدة عن نحو التسعين أو أكثر وفيها شيخ القراء تقي الدين أبو بكر ثابت بن محمد بن المشيع الجزري المقصاتي أم مدة بالرباط الناصري بسفح قاسيون وتلا على الشيخ عبد الصمد وغيره وروى عن الكواشي تفسيره وكان دينا صالحا بصيرا بالسبع وتوفي بدمشق في جمادى الآخرة عن بضع وثمانين سنة وفيها فخر الدين أبو عمرو عثمان بن محمد بن عثمان التوزري بفتح المثناة الفوقية والزاي بينهما واو ساكنة وآخره راء نسبة إلى توزر مدينة بأفريقية الحافظ المالكي المجاور سمع السبط وابن الجميزي وعدة وقرأ ما لا يوصف كثرة ثم جاور للعبادة مدة وكان قد تلا بالسبع وتوفي بمكة المشرفة في ربيع الآخر عن ثلاث وثمانين سنة وفيها الخطيب القاضي عماد الدين علي ابن الفخر عبد العزيز بن قاضي القضاة عماد الدين عبد الرحمن بن عبد العي (6/32)

33 ابن السكري المصري الشافعي خطيب جامع الحاكم ومدرس مشهد الحسين وقد ذهب في الرسالة إلى ملك التتار وحدث بدمشق عن جده لأمه ابن الجميزي وتوفي عن أربع وسبعين سنة سنة أربع عشرة وسبعمائة فيها جرت وقعة بقرب مكة بين الأخوين حميضة وأبي الغيث فقتل أبو الغيث واستولى حميضة على مكة وفيها توفي العدل المسند زين الدين إبراهيم بن عبد الرحمن بن تاج الدين أحمد بن القاضي أبي نصر بن الشيرازي الشافعي قال الذهبي حدثنا عن اسخاوي وكريمة والنسابة والتاج بن حموية وطائفة وانتخب عليه العلائي مولده وتوفي في جمادى الآخرة وله ثمانون سنة وفيها رشيد الدين إسمعيل بن عثمان بن المعلم القرشي الدمشقي الحنفي شيخ الحنفية سمع من ابن الزبيدي الثلاثيات وسمع من السخاوي والنسابة وجماعة وتفرد وتلا بالسبع على السخاوي وأفتى ودرس ثم انجفل إلى القاهرة سنة سبعمائة وتغير قبل موته بقليل وانهرم وتوفي بمصر في رجب عن إحدى وتسعين سنة ومات قبله ابنه المفتي تقي الدين بقليل وفيها نقيب الأشراف أمين الدين جعفر ابن شيخ الشيعة محي الدين محمد بن عدنان الحسيني توفي في حياة أبيه فولي النقابة بعده ولده شرف الدين عدنان وخلع عليه بطرحة وهو شاب طري قاله في العبر وفيها الشيخ سليمان التركماني الموله قال الذهبي كان يجلس بسقاية باب البريد وحوله الكلاب ثم يطرق العلبيين وعليه عباءة نجسة ووسخ بين وهو ساكن قليل الحديث له كشف وحال من نوع إخبارات الكهنة وللناس فيه اعتقاد زائد وكان شيخنا إبرهيم الرقي مع جلالته يخضع له ويجلس عنده قارب سبعين سنة وكان يأكل في رمضان ولا صلاة ولا دين ورأيت من يحكي أنه يعقل ولكنه (6/33)

34 يتجانن انتهى وفيها محتشم العراق القدوة شهاب الدين عبد المحمود بن عبد الرحمن بن أبي جعفر محمد بن الشيخ شهاب الدين السهروردي وخلف نعمة جزيلة وكان عالما واعظا حدث عن جده أبي جعفر وفيها علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الرحمن بن خطاب الباجي بالباء الموحدة والجيم نسبة إلى باجة مدينة بالأندلس المصري الشافعي الإمام المشهور ولد سنة إحدى وثلاثين وستمائة سنة مولد النووي وتفقه بالشام على ابن عبد السلام ثم ولي قضاء الكرك قيدما في دولة الملك الظاهر ثم دخل القاهرة واستوطنها وناب في الحكم ثم ترك ذلك ولزمته الطلبة للاشتغال عليه وممن أخذ عنه الشيخ تقي الدين السبكي أخذ عنه الأصلين وتخرج به في المناظرة وله مصنفات في فنون قال ابن شيبة كان أعلم أهل الأرض بمذهب الأشعري وكان هو بالقاهرة والصفي الهندي بالشام القائمين بنصرة مذهب الأشعري وكان ابن دقيق العيد كثير التعظيم له وقال التقى السبكي كان ابن دقيق العيد لا يخاطب أحدا إلا بقوله يا إنسان غير اثنين الباجي وابن الرفعة يقول للباجي يا إمام ولابن الرفعة يا فقيه وقال الأسنوي له في المحافل مباحث مشهورة وفي المشاهد مقامات مأثورة كان إماما في الأصلين والمنطق فاضلا فيما عداها كان أنظر أهل زمانه ومن أذكاهم قريحة لا يكاد ينقطع في المباحث فصيح العبارة وكان يبحث مع الكبير والصغير إلا أنه قليل المطالعة جدا ولا يكاد أحد يراه ناظرا في كتاب وصنف مختصرات في علوم متعددة واشتهرت وحفظت في حياته وعقب موته ثم انطفت كأن لم تكن توفي في ذي القعدة ودفن بالقرافة بقرب المكان المعروف بورش وفيها العالمة الفقيهة الزاهدة القانتة سيدة نساء زمانها الواعظة أم زينب فاطمة بنت عباس البغدادية الشيخة بمصر عن نيف وثمانين سنة وشيعها خلائق وانتفع بها خلق من النساء وتابوا وكانت وافرة العقل والعلم قانعة باليسير حريصة على النفع والتذكير ذات إخلاص وخشية وأمر بالمعروف انصلح بها نساء (6/34)

دمشق ثم نساء مصر وكان لها قبول زائد ووقع 35 في النفوس رحمها الله زرتها مرة قاله في العبر وفيها العدل جمال الدين ابن عطية بن إسمعيل بن عبد الوهاب بن محمد بن عطية اللخمي المتفرد بكرامات الأولياء عن مظفر الفوى مات وهو من أبناء الثمانين وفيها الصالح المعمر بقية السلف محمد حياك الله الموصلي بزاويته في سويقة كوم الريش بمصر ودفن بالقرافة وكان من الأخيار يقصد للزيارة والتبرك سئل عن مولده فقال قدمت مصر في أول دولة المعز أيبك التركماني وعمري خمس وثمانون سنة فيكون لي مائة وستون سنة وكان كثير الذكر والتلاوة وعنده محاضرة وعلى ذهنه أشياء ومن شعره ( إذا الحب لم يشغلك عن كل شاغل * فما ظفرت كفاك منه بطائل ) ( وما الحب إلا خمرة تسكر الفتى * فيصبح نشوانا لطيف الشمائل ) ( لقيني من أهواه يوما فقال لي * بمن أنت مشغوف فقلت بسائلي ) ( ولو أن في السلوان ما عنكم غني * لخلصت قلبي واستراحت عواذلي ) سنة خمس عشرة وسبعمائة فيها كما قال في العبر قتل أحمد الرويس الأقباعي بدمشق لاستحلاله المحارم وتعرضه للنبوة وكان له كشف وإخبار عن المغيبات فضل به الجهلة وكان يقول أتاني النبي وحدثني وكان يأكل الحشيشة ويترك الصلاة وعليه قباء وفيها توفي السيد ركن الدين حسن بن شرف شاه الحسيني الأستراباذي صاحب التصانيف كان علامة متكلما نحويا مبالغا في التواضع يقوم لكل أحد حتى للسقاء وكانت جامكيته الشهر ألفا وثمانية دراهم وتوفي بالموصل في المحرم وقد شاخ وفيها الشيخة الصالحة ست الوزراء ابنة أبي الفضل يحيى بن محمد بن حمزة التغلبي الدمشقي مولدها سنة تسع وثلاثين وستمائة وأجاز لها ابن البخاري والضياء وعز الدين بن عساكر وعتيق السلماني وخطي بعقربا وجماعة وهي من بيت الحديث وفيها مسند الشام قاضي القضاة تقي الدين أبو الفضل سليمان بن (6/35)

36 حمزة بن أحمد بن عمر بن أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ثم الصالحي الحنبلي ولد في منتصف رجب سنة ثمان وعشرين وستمائة وحصر على ابن الزبيدي صحيح البخاري وعلى الفخر الأربلي وابن المقير وجماعة وسمع من ابن اللتي وجعفر الهمداني وكريمة القرشية والحافظ ضياء الدين وابن قمرية وخلق وأكثر عن الحافظ الضياء حتى قال سمعت منه نحو ألف جزء وكتب كثيرا من الكتب الكبار والأجزاء وأجاز له خلق من البغداديين كالسهروردي والقطيعي ومن المصريين كابن عمار وعيسى بن عبد العزيز وابن باقا ولازم الشيخ شمس الدين بن أبي عمرو أخذ عنه الفقه والفرائض وغير ذلك قال البرزالي شيوخه بالسماع نحو مائة شيخ وبالإجازة أكثر من سبعمائة وخرجت له المشيخات والعوالي والمصالحات والموافقات ولم يزل يقرأ عليه إلى قبل وفاته بيوم قال وكان شيخاجليلا فقيها كبيرا بهي المنظر وضيىء الشيبة حسن الشكل مواظبا على حضور الجماعات وقيام الليل والتلاوة والصيام وأوراد وعبادةوكان عارفا بالفقه خصوصا كتاب المقنع قرأه واقرأه مرات وكان قوي النفسي لين الجانب حسن اخلق متوددا إلى الناس حريصا على قضاء الحوائج وعلى النفع المتعدى وحدث بثلاثيات البخاري سنة ست وخمسين وستمائة وحدث بجميع الصحيح سنة ستين وولي القضاء سنة خمس وتسعين وقال الذهبي كان إماما محدثا أفتى نيفا وخمسين سنة وبرع في المذهب وتخرج به الفقهاء وروى الكثير وتفرد في زمانه وكان يقول لم أصل الفريضة قط منفردا الا مرتين وكأنى لم أصلهما وسمع من الأبيوردي وذكره في معجمه مع أنه توفي قبله بدهر وابن الخبارز وتوفي قبله بمدة وسمع منه أئمة وحفاظ وروى عنه خلق كثير وتوفي ليلة الإثنين حادي عشرى ذي القعدة بمنزله بالدير فجأة وكان قد حكم يوم الإثنين بالمدينة وطلع إلى الجبل آخر النهار فعرض له تغير يسير وتوضأ للمغرب ومات عقيب المغرب ودفن من الغد بتربة جده الشيخ أبي عمر وفيها الشيخ (6/36)

37 الزاهد محي الدين علي بن محتسب دمشق فخر الدين محمود بن سيما السلمي روى عن أبيه حضورا وعن ابن عبد الدايم وأجاز له ابن دحية والأربلي وجماعة وكان خيرا دينا منقطعا عن الناس توفي بدمشق في بستانه في صفر عن أربع وثمانين سنة وفيها محب الدين أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن وهب بن مطيع القاضي الإمام الشافعي بن الإمام تقي الدين بن دقيق العيد ولد بقوص في صفر سنة سبع وخمسين وستمائة وأخذ عن والده وسمع الحديث وحدث وناب في الحكم عن والده قال الأسنوي كان فاضلا ذكيا علق على التعجيز شرحا جيدا لم يكمله وانقطع في القرافة مدة وتوفي في شهر رمضان بمصر ودفن عند أبيه وفيها العلامة شيخ الشيوخ صفي الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحيم بن محمد الأرموي ثم الهندي الشافعي المتكلم على مذهب الأشعري مولده بالهند في ربيع الآخر سنة أربع وأربعين وستمائة وتفقه على جده لأمه الذي توفى سنة ست وستمائة وسار من دلى سنة سبع وستين إلى اليمن وحج وجاور ثلاثة أشهر وجالس ابن سبعين ثم قدم مصر فأقام بها أربع سنين ثم سافر إلى بلاد الروم فأقام بها إحدى عشرة سنة بقونية وغيرها وأخذ عن صاحب التحصيل ثم قدم دمشق سنة خمس وثمانين وسمع من ابن البخاري وولي بها مشيخة الشيوخ ودرس بها بالظاهرية الجوانية والأتابكية والرواحية والدولعية وانتصب للإفتاء والإقراء في الأصول والمعقول والتصنيف والنظر وأخذ عنه ابن المرحل وابن الوكيل والفخر المصري والكبار وكان ذا دين وتعبد وإيثار وخير وحسن اعتقاد وكان يحفظ ربع القرآن قال السبكي كان من أعلم الناس بمذهب الشيخ أبي الحسين وأدراهم بأسراره متضلعا بالأصلين وقال الأسنوي كان فقيها أصوليا متكلما أديبا متعبدا توفي بدمشق في صفر عن إحدى وسبعين سنة ودفن بمقابر الصوفية ومن تصانيفه في علم الكلام الزبدة والفائق وفي أصول الفقه النهاية والرسالة السيفية وكل مصنفاته حسنة جامعة لا سيما النهاية انتهى وفيها العلامة (6/37)

المفتي شمس الدين بن العونسي محمد بن 38 أبي القسم بن جميل المالكي ولي قضاء الأسكندرية مدة وكان علامة متفننا توفي بمصر وله ست وسبعون سنة وفيها تاج الدين أبو المكارم محمد بن كمال الدين أحمد بن محمد بن عبد القاهر بن النصيبي قال الذهبي مكثر عن يوسف بن خليل وكان مدرس العصرونية ووكيل بيت المال وولي مرة نظر الأوقاف وكتابة الإنشاء وتوفي بحلب عن أربع وسبعين سنة وفيها ناصر الدين محمد بن يوسف بن محمد بن المهتار نقيب الحاكم سمع المرجا بن شقيرة ومكي بن علان وأبا عمرو بن الصلاح وعدة وله مشيخة وأجاز له ظافر بن شحم وابن المقير وتفرد بأشياء وتوفي في ذي الحجة عن تسع وسبعين سنة وفيها عز الدين أبو الفتح موسى بن علي بن أبي طالب العلوي الموسوي الدمشقي الحنفي روى عن الأربلي حضورا وعن مكرم والسخاوي وابن الصلاح وجماعة وتفرد ورحل إليه وتوفي في ذي الحجة بمصر عن سبع وثمانين سنة سنة ست عشرة وسبعمائة فيها توفي أبو إسحق إبراهيم بن أحمد بن عيسى الغافقي الأشبيلي المالكي سمع التيسير من ابن حوير بسماعه من أبي حمزة وبحث كتاب سيبويه على ابن أبي الربيع وتلا بالسبع وكان مقرئا نحويا ذا علوم وتصانيف وجلالة وتلامذة توفي بسبتة وله خمس وسبعون سنة وفيها المقرىء المعمر صد رالدين أبو الفدا إسمعيل بن يوسف بن مكتوم بن أحمد القيسي الدمشقي سمع ابن اللتي ومكرما وابن الشيرازي والسخاوي وقرأ عليه بثلاث روايات وكان فقيها بالمدارس ومقريا بالزوزانية وله أملاك وتفرد بأجزاء وتوفي بدمشق في شوال عن ثلاث وتسعين سنة وفيها الرئيس العدل شمس الدين عبد القادر بن يوسف بن مظفر بن الحظيري الدمشقي ولي نظر الخزانة ونظر الجامع ونظر المارستان وحدث عن ابن رواج وبالإجازة عن علي بن الجمل وابن الصفراوي وطائفة وكان دينا صينا أمينا وافر الجلالة (6/38)

39 وتوفي في جمادى الأولى عن إحدى وثمانين سنة وفيها كشتية الناصري وفيها علاء الدين علي بن مظفر الكندي ويعرف بكاتب ابن وداعة سمع من البكري وإبراهيم بن خليل وطبقتهما وتلا بالسبع على العلم القسم وغيره ونسخ الأجزاء كان أديبا بارعا محدثا من جياد الطلبة على رقة في دينه وهنات وله نظم ونثر وحسن كتابة ولي مشيخة النفيسية مدة وكتابة الإنشاء وتوفي عن ست وسبعين سنة قاله الذهبي وفيها نجم الدين أبو الربيع سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم بن سعيد الطوفي الصرصري ثم البغدادي الحنبلي الأصولي المتفنن ولد سنة بضع وسبعين وستمائة بقرية طوفا من أعمال صرصر وحفظ بها مختصر الخرقي في الفقه واللمع في النحو لابن جنى وتردد إلى صرصر وقرأ الفقه بها على الشيخ شرف الدين علي بن محمد الصرصري ثم دخل بغداد سنة إحدى وتسعين فحفظ المحرر في الفقه وبحثه على الشيخ تقي الدين الزريراني وقرأ العربية والتصريف على أبي عبد الله محمد بن الحسين الموصلي والأصول على النصير الفارقي وغيرهم وقرأ الفرائض وشيئا من المنطق وجالس فضلاء بغداد في أنواع الفنون وعل قعنهم وسمع الحديث من ابن الطبال وغيره وسافر إلى دمشق سنة أربع وسبعمائة فسمع بها الحديث من ابن حمزة وغيره ولقي الشيخ تقي الدين بن تيمية والمزى والبرزالي ثم سافر إلى مصر سنة خمس وسبعمائة فسمع من الحافظ عبد المؤمن بن خلف والقاضي سعد الدين الحارثي وقرأ على أبي حيان النحوي مختصره لكتاب سيبويه ولقي بها جماعة وحج وجاور بالحرمين الشريفين وسمع بهما وقرأ بهما كثيرا من الكتب وأقام بالقاهرة مدة وصنف تصانيف كثيرة منها الأكسير في قواعد التفسير والرياض النواضر في الأشباه والنظاير وبغية الواصل إلى معرفة الفواصل وشرح مقامات الحريري في مجلدات وغير ذلك وكان مع ذلك كله شيعيا منحرفا في الاعتقاد عن السنة حتى أنه قال في نفسه أشعري حنبلي رافضي هذه إحدى العبر ووجد له في الرفض قصائد ويلوح به في كثير من (6/39)

تصانيفه حتى أنه صنف كتابا سماه العذاط الواصب على أرواح النواصب قال تاج الدين أحمد 40 ابن مكتوم اشتهر عنه الرفض والوقوع في أبي بكر رضي الله عنه وابنته عائشة رضي الله عنها وفي غيرهما من جلة الصحابة رضوان الله عليهم وظهر له في هذا المعنى أشعار بخطه نقلها عنه بعض من كان يصحبه ويظهر موافقة له منها قوله في قصيدة ( كم بين من شك في خلافته * وبين من قيل أنه الله ) فرفع أمر ذلك إلى قاضي الحنابلة سعد الدين الحارثي وقامت عليه بذلك البينة فتقدم إلى بعض نوابه بضربه وتعزيره وإشهاره وطيف به ونودي عليه بذلك وصرف عن جميع ما كان بيده من المدارس وحبس أياما ثم أطلق فخرج من حينه مسافرا فبلغ قوص من صعيد مصر وأقام بها مدة ثم حج في أواخر سنة أربع عشرة وجاور سنة خمس عشرة ثم حج ثم نزل إلى الشام في الأرض المقدسة فأدركه الأجل في بلد الخليل عليه السلام في شهر رجب وفيها طقطاي بن منكوتمر بن طغاي بن باطو بن الطاغية الأكبر جنكز خان المغلي التتري ملك القبجاق جلس على تخت الملك وعمره سبع سنين وكان يحب السحرة ويعظمهم ويحب الأطباء وممالكه واسعة جدا منها قرم وسراي وغير ذلك وكان له جيش عظيم إلى الغاية يقال أنه هز عسكرا مرة يشتمل على مائتي ألف فارس وطالبت أيامه إلى هذه السنة وكانت دولته ثلاثا وعشرين سنة وملك بعده أخوه أزبك خان وفيها مسندة الوقت ست الوزراء بنت عمر بن أسعد بن المنجا التنوخية روت عن أبيه القاضي شمس الدين وابن الزبيدي وحدثت بالصحيح وبمسند الشافعي بدمشق ومصر مرات وكانت على خير عظيم وتوفيت في شعبان فجاءة عن اثنتين وتسعين سنة وفيها سلطان التتار غياث الدين خربندا بن أرغون بن أبغ بن هلاكو هلك من هيضة في آخر رمضان ولم يتكهل وكانت دولته ثلاث عشرة سنة وتملك بعده ابنه أبو سعيد وفيها بحماة أم أحمد فاطمة بنت النفيس محمد بن الحسين بن رواحة روت أجزاء عن عمها بمصر وطرابلس قال الذهبي سمعنا منها وفيها الشيخ العلامة (6/40)

ذو الفنون صدر الدين أبو عبد الله محمد بن عمر بن مكي 41 ابن عبد الصمد بن عطية بن أحمد بن عطية الشافعي العثماني المعروف بابن المرحل وبابن الوكيل ولد بدمياط في شوال سنة خمس وستين وستمائة ونشأ بدمشق وسمع من ابن علان والقسم الأربلي وحفظ كتبا يقال أنه كان إذا وضع بعضها على بعض كانت طول قامته وحفظ المفصل في مائة يوم ومقامات الحريري في خمسين يوما وديوان المتنبي في جمعة واحدة قاله ابن قاضي شهبة وتفقه على والده وعلى الشيخ شرف الدين المقدسي والشيخ تاج الدين الفزاري وغيرهم وأخذ الأصلين عن الصفي الهندي والنحو عن بدر الدين بن مالك وبرع وأفتى وله اثنتان وعشرون سنة واشتغل وناظر واشتهر اسمه وشاع ذكره ودرس بالشاميتين والعدرواية وولى مشيخة دار الحديث الأشرافية وخالط النائب أقش الأفرم وجرت له أمور لا يحسن ذكرها ولا يرشد أمرها وأخرجت جهاته وانتقل إلى حلب فأقام بها مدة ودرس ثم انتقل إلى الديار المصرية ودرس بالمشهد الحسيني وجمع كتاب الأشباه والنظائر وأثنى عليه السبكي كثيرا وله نظم رائق وشعر فائق منه ( ليذهبوا في ملامي أية ذهبوا * في الخمر لا فضة تبقى ولا ذهب ) ( لا تأسفن على مال تفرقة * أيدي سقاة الطلا والخرد العرب ) ( راح بها راحتي في راحتي حصلت * فتم عجبي بها وازدادني العجب ) ( فما كسوارا حتى من راحها حللا * إلا وعروا فؤادي الهم واستلبوا ) ( إذ ينبع الدن من حلو مذاقته * والتبر من منسبك في الكاس منسكب ) ( وليست الكيميا في غيرها وجدت * وكلما قيل في ألوانها كذب ) ( قيراط خمس على القنطار من حزن * يعود في الحال أفراجا وينقلب ) ( عناصر أربع في الكاس قد جمعت * وفوقها الفلك السيار والشهب ) ( ماء ونار هواء أرضها قدح * وطوقها فلك والأنجم الحبب ) ( ما الكأس عندي بأطراف الأنامل بل * بالخمس تقبض لا يحلو لها الهرب ) ( شججت بالماء منها الرأس موضحة * فحين أعقلها بالخمس لا عجب ) (6/41)

42 ( وما تركت بها الخمس التي وجبت * وإن رأوا تركها في بعض ما يجب ) ( وإن تقطب وجهي حين تبسم لي * فعند بسط الموالي يحسن الأدب ) ( عاطيتها من بنات الترك غانية * كإظهار لأسود والسود قد غلبوا ) ( ما قلت أردافها مهما برزت بها * قف لي عليها وقل لي هذه الكتب ) ( وإن مررت بشعر فوق قامتها * بالله قل لي كيف البان والعذب ) ( تحكي الثنايا التي أبدته من حبب * لقد حكيت ولكن فاتك الشنب ) وله ( عيرتني بالسقم أنك مشبهى * ولذاك خصرك مثل جسمي ناحلا ) ( وأراك تشمت إذ رأيتك سائلا * لا بد أن يأتي عذارك سائلا ) قال الذهبي تخرج به الأصحاب وكان أحد الأذكياء وقال ابن شهبة توفي في ذي الحجة بالقاهرة ودفن بالقرافة بتربة القاضي فخر الدين ناظر الجيش ولما بلغت وفاته ابن تيمية قال أحسن الله عزاء المسلمين فيك يا صدر الدين وفيها على خلاف في ذلك محمد بن يوسف بن عبد الله بن محمود الجزري ثم المصري شمس الدين أبو عبد الله ولد سنة سبع وثلاثين وستمائة واشتغل بالعلم وأخذ بقوص عن الأصفهاني وشرح منهاج البيضاوي شرحا حسنا والفية بن مالك وأخذ السبكي عنه علم الكلام وتوفي بمصر في ذي القعدة وفيها على خلاف أيضا شمس الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف بن أبي بكر ابن هبة الله الحزري ثم المصري الشافعي ويعرف بابن المحوجب وفي بلاده بابن القوام ولد سنة ست وثلاثين وستمائة كذا رأيته في بعض تواريخ المصريين وقرأ القراآت السبع وأخذ بدمشق النحو عن شرف الدين بن المقدسي وبقوص المعقولات عن الأصفاني والفقه عن الشيخين ابن دقيق العيد والدشناوي وأخذ بمصر عن القرافي قال الأسنوي كان ذكيا أقام بمصر وأخذ عنه كثير من طلبتها ودرس بالمعزية بعد موت ابن الرفعة وكانت السوداء تغلب على مزاجه توفي في رجب سنة إحدى عشرة (6/42)

43 وسبعمائة وقد جاوز الثمانين كذا قاله الأسنوي سنة سبع عشرة وسبعمائة في مستهل صفرها شرع في بناء جامع تنكز ظاهر دمشق وفي صفرها أيضا كانت الزيادة العظمى ببعلبك فغرق في البلد مائة وبضع وأربعون نسمة وخرق السيل سورها الحجارة مساحة أربعين ذراعا ثم تدكدك بعد مكانه بمسيرة نحو من خمسمائة ذراع فكان ذلك آية بينة وتهدم من البيوت والحوانيت نحو ستمائة موضع وفيها ظهر جبلى ادعى أنه المهدى بجبلة وثار معه خلق من النصيرية والجهلة وبلغوا ثلاثة آلاف فقال أنا محمد المصطفى مرة ومرة قال أنا علي وتارة قال أنا محمد بن الحسن المنتظر وزعم أن الناس كفرة وأن دين النصيرية هو الحق وأن الناصر صاحب مصر قدمات وعاثوا بالساحل واستباحوا جبلة ورفعوا أصواتهم وقالوا لا إله إلا على ولا حجاب إلا محمد ولا باب إلا سلمان ولعنوا الشيخين وخربوا المساجد وكانوا يحضرون المسلم إلى طاغيتهم ويقولون اسجد لالهك فسار إليهم عسكر طرابلس وقتل الطاغية وجماعة وتمزقوا قاله في العبر وفيها مات الأديب الفاضل شهاب الدين أحمد بن أبي المحاسن الطيبي الطرابلسي بها ومن شعره ( ما مسني الضيم إلا من أحبائي * فليتني كنت قد صاحبت أعدائي ) ( ظننتهم لي دواء الهم فانقلبوا * داء يزيد بهم همي وأدوائي ) ( من كان يشكو من الأعداء جفوتهم * فإنني أنا شاك من أودائي ) وفيها أبو بكر أحمد بن أبي بكر البغدادي الدمشقي المعروف بنقيب المتعممين كانت عنده فضائل في النظم والنثر مما يناسب الوقائع ويحضر التهاني والتعازي ويعرف الموسيقيا والشعبذة وضرب الرمل ويحضر مجالس البسط والهزل ثم انقطع لكبر سنه حكاه ابن الجزري في تاريخه وفيها وجزم ابن شهبة أنه في التي قبلها فقال (6/43)

44 يوسف بن محمد بن موسى بن يونس بن منعة كمال الدين أبو المعالي بن بهاء الدين ابن كمال الدين بن رضى الدين بن قاضي الموصل قال بعض المتأخرين في طبقات جمعها انتهت إليه رياسة إقليمه وشرح الحاوي وقدم رسولا من غازان على الملك الناصر فأكرمه وظهر له من الحشمة والمهابة ما يليق ببيته وأصالته مات بالسلطانية سنة ست عشرة وسبعمائة انتهى كلام ابن شهبة وفيها على خلاف أيضا عز الدين أبو حفص عمر بن أحمد بن أحمد المدلجي النسائي المصري قال ابن شهبة لا أدري عمن أخذ الفقيه وسمع من جماعة ودرس بالفاضلية وله على الوسيط إشكالات حسنة مفيدة إلا أنها لم تكمل وعليه تفقه ولده كمال الدين والشيخ مجد الدين الزنكلوني وقال الأسنوي كان إماما بارعا في الفقه والنحو والعلوم الحسابية محققا دينا ورعا زاهدا متصوفا يحب السماع ويحضره وكانت في أخلاقه حدة وانتفع به خلق كثير وقال ابن السبكي كان فقيها كبيرا ورعا صالحا حج في البحر من عيذاب سنة ست عشرة وسبعمائة وتوفي في تلك السنة بمكة في العشر الأخير من ذي القعدة وقيل في ذي الحجة ودفن بالمعلى انتهى وفيها شرف الدين الحسين بن علي بن إسحق بن سلام بتشيديد اللام بن عبد الوهاب بن الحسن بن سلام الشافعي ولد سنة ثلاث وسبعين وستمائة واشتغل فبرع وحصل وأفتى وناظر ودرس بالعدراوية وولي إفتاء دار العدل أيام الأفرم وكلام الكتبي يفهم أنه أول من ولي الإفتاء بها قال الذهبي كان من الأذكياء وقال ابن كثير كان واسع الصدر كبير الهمة كريم النفس مشكورا في فهمه وحفظه وفصاحته ومناظرته توفي بدمشق في رمضان ودفن بباب الصغير وفيها الرشيد فضل الله بن أبي الخير الهمذاني الطبيب كان أبوه يهوديا عطارا فاشتغل هذا في المنطق والفلسفة وأسلم واتصل بغازان وعظم في دولة خربندا بحيث أنه صار في رتبة الملوك قام عليه (6/44)

45 الوزير على شاه بأنه هو الذي قتل القان خربندا لكونه أعطاه على هيضة مسهلا فتقيأ فخارت قواه فاعترف وبرطل جوبان بألف ألف دينار فما نفع بل قتل هو وابنه وكان يوصف بحلم ولطف وسخاء ودهاء فسر القرآن العظيم فشحنه بآراء الأوائل وعاش نيفا وسبعين سنة وقيل بل كان جيد الإسلام وهو والد الوزير المعظم محمد بن الرشيد وكان وزير التتار ومدبر دولتهم وفيها المحدث الإمام الشيخ علي بن محمد الجبني بالضم والتشديد نسبة إلى الجبن المأكول الصوفي روى عن الفخر علي وتاج الدين الفزاري وكان تقيا دينا مؤثرا كثير المحاسن توفي في المحرم عن سبع وأربعين سنة وفيها الشيخ تاج الدين محمد بن علي الباريناري المصري العالم الشافعي الملقب طوير الليل قال السبكي أحد أذكياء الزمان برع فقها وأصولا ومنطقا قرأ الأصول والمعقول على الأصبهاني شارح المحصول وسمعت الوالد رحمه الله يقول قال لي ابن الرفعة من عندكم من الفضلاء في درس الظاهرية فقلت له قطب الدين السنباطي وفلان وفلان حتى انتهيت إلى الباريناري فقال لي ما في من ذكرت مثله مولده سنة أربع وخمسين وستمائة انتهى وفيها المعمر قاضي المالكية بدمشق جمال الدين محمد بن سليمان بن سومر الزاوي استمر قاضيا بدمشق ثلاثين سنة قال الذهبي ثنا الزواوي عن الشرف المرسي وابن عبد السلام وأصابه فالج سنوات فعجز عن المنصب فجاء على منصبه قبل موته بعشرين يوما العلامة فخر الدين بن سلامة الأسكندراني وتوفي الزواوي بدمشق عن بضع وثمانين سنة وفيها أبو القسم محمد بن خالد بن إبراهيم الحراني الفقيه الحنبلي التاجر بدر الدين أخو الشيخ تقي الدين بن تيمية لأمه ولد سنة خمسين وستمائة تقريبا بحران وسمع بد مشق من ابن عبد الدايم وابن أبي اليسر وابن الصيرفي وابن أبي عمر وغيرهم وتفقه ولازم الاشتغال على الشيوخ أفتى بالمدرسة الجوزية وبمسجد الرماحين بسوق جقمق ودرس بالمدرسة الحنبلية نيابة عن أخيه الشيخ تقي الدين مدة قال (6/45)

الذهبي كان فقيها عالما إماما بالجوزية وله رأس مال 46 يتجر به وكان قد تفقه على أبي زكريا بن الصيرفي وابن المنجا وغيرهما سمعنا منه أجزاء وكان خيرا متواضعا وقال البرزالي كان فقيها مباركا كثير الخير قليل الشر حسن الخلق منقطعا عن الناس وكان يتجر ويتكسب وترك لأولاده تركه وروى جزاء ابن عرفة مرارا عديدة وتوفي يوم الأربعاء ثامن جمادى الآخرة ودفن بمقابر الصوفية عند والدته وفيها شمس الدين محمد بن الصلاح موسى بن خلف بن راجح الصالحي الحنبلي سمع ابن قميرة والرشيد بن مسلمة وجماعة وله نظم جيد توفي في جمادى الآخرة في عشر الثمانين وفيها القاضي الأثير شرف الدين عبد الوهاب بن فضل الله بن مجلى العدوي كاتب السر بمصر ثم بدمشق كان دينا عاقلا ناهضا ثقة مشكورا مليح الخط والأنشاء روى عن ابن عبد الدايم وتوفي بدمشق في رمضان عن أربع وتسعين سنة وفيها القاضي الأديب علاء الدين علي بن الصاحب فتح الدين محمد بن عبد الله بن عبد الظاهر بن نشوان السعدي الجذامي كان من كبار المنشئين وعلمائهم ورثاه الشهاب محمود بقصيدة أولها ( الله أكبر أي ظل زالا * عن آمليه وأي طود مالا ) ( أنعى إلى الناس المكارم والعلا * والجود والإحسان والأفضالا ) وفيها فخر الدين عثمان بن بلبان المقاتلي معيدالمنصورية قال الذهبي كان رفيقنا محدثا رئيسا حدث عن أبي حفص بن القواص وطبقته وارتحل وحصل وكتب وخرج وكان نديما إخباريا توفي بمصر عن اثنتين وخمسين سنة وفيها المقرى زين الدين محمد بن سليمان بن أحمد بن يوسف الصنهاجي المراكشي ثم الأسكندراني إمام سجد قداح سمع من ابن رواج ومظفر بن الفوى وتوفي في ذي الحجة قاله في العبر (6/46)

47 سنة ثمان عشرة وسبعمائة فيها كان القحط المفرط بالجزيرة وديار بكر وأكلت الميتة وبيع الأولاد وجلا الناس ومات بعض الناس من الجوع وجرى ما لا يعبر عنه وكان أهل بغداد في قحط أيضا ولكن دون ذلك وجاءت بأرض طرابلس زوبعة أهلكت جماعة وحملت الجمال في الجو قاله في العبر وفيها توفي كمال الدين أحمد بن الشيخ جمال الدين محمد بن أحمد بن الشريشي الوابلي البكري الشافعي وكيل بيت المال وشيخ دار الحديث وشيخ الرباط الناصري مولده في رمضان سنة ثلاث وخمسين وستمائة وسمع ورحل وطلب مدة وقرأ بنفسه الكتب الكبار وكان أبوه مالكيا فاشتغل هو في مذهب الشافعي وأفتى ودرس وناظر وناب في القضاء عن ابن جماعة ثم ترك ذلك ودرس بالشامية البرانية وبالناصرية عشرين سنة قال ابن كثير اشتغل في مذهب الشافعي فبرع وحصل علوما كثيرة وكان خبيرا بالنظم والنثر وكان مشكور السيرة فيما يتولاه من الجهات كلها توفي في سلخ شوال متوجها إلى الحج بالحسا ودفن هناك وفيها الشهاب المقرى الجنايزى أحمد بن أبي بكر بن حطة البغدادي أبوه الدمشقي هو صاحب الألحان والصوت الطيب وله نظم ونثر وفضائل وظرف ومنادمة ووعظ توفي في ذي القعدة عن خمس وثمانين سنة وفيها المهتار شهاب الدين أحمد بن مرضان عرف بابن كسيرات مهتار الطستخاناه وهو الذي سعى في تبطي لما يؤخذ من قوام الحمامات للرجال والنساء في سنة اثنتي عشرة وسبعمائة واستمر الحال إلى الآن وفيها فخر الدين أحمد بن سلامة بن أحمد الأسكندراني المالكي القاضي العلامة الأصولي البارع كان حميد السيرة بصيرا بالعلم محتشما توفي بدمشق في ذي الحجة عن سبع وخمسين سنة وفيها مجد الدين أبو بكر بن محمد بن قاسم التونسي الشافعي قال الذهبي هو شيخ النحاة والبحاثين أخذ القراآت والنحو عن الشيخ حسن الراشدي وتصدر بتربة الأشرفية (6/47)

48 وبأم الصالح وتخرج به الفضلاء وكان دينا صينا ذكيا حدثنا عن الفخر علي وتوفي في ذي القعدة عن اثنتين وثمانين سنة وفيها السيد ركن الدين أبو محمد الحسن بن محمد بن شرفشاه الإمام العلامة المفتن الحسيني الأستراباذي الشافعي أخذ عن النصير الطوسي وحصل وتقدم وكان الطوسي قد جعله رئيس أصحابه بمراغة يعيد دروس الجلة ثم انتقل إلى الموصل ودرس بالنورية بها وشرح مختصر ابن الحاجب شرحا متوسطا وشرح الحاجبية ثلاثة شروح المتوسط أشهرها وشرح الحاوي في أربيع مجلدات فيه اعتراضات على الحاوي حسنة وتوفي في هذه السنة في المحرم عن نيف وسبعين سنة بالموصل وقيل توفي في سنة خمس عشرة وفيها برهان الدين أبو إسحق إبراهيم بن الشيخ عز الدين عبد الحافظ بن أبي محمد عبد الحميد بن محمد بن أبي بكر بن ماضي المقدسي الحنبلي تفقه بدمشق وحضر بنابلس على خطيب مردا وسمع وكتب بخطه كثيرا قال الذهبي كان فقيها إماما عارفا بالفقه والعربية وفيه دين وتواضع وصلاح وسمعت منه قصيدته التي يرثى بها الشيخ شمس الدين بن أبي عمر ثم روى عنه حديثا وقال ابن رجب كان عدلا وفقيها في المدارس من أهل الدين والعفاف وكان كثير السكوت قليل الكلام توفي بالصالحية ودفن بتربة الشيخ موفق الدين وكان من أبناء التسعين وفيها أبو بكر بن المنذر بن زين الدين أحمد بن عبد الدايم بن نعمة المقدسي الحنبلي قال الذهبي كان مسند الوقت صالحا سمع حضورا في سنة سبع وعشرين وستمائة وسمع من ابن الزبيدي والناصح والأربلي والهمذاني وسالم بن صصرى وطائفة وتفرد وكان ذا همة وجلادة وذكر وعبادة لكنه أضر وثقل سمعه وتوفي في رمضان عن ثلاث وتسعين سنة وأشهر وفيه اتقي الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن تمام بن حسان التلى الصالحي الأديب الزاهد الحنبلي ولد سنة خمس وثلاثين وستمائة وسمع الحديث من ابن قميره والمرسي اليلداني (6/48)

49 وجماعات وقرأ النحو والأدب على الشيخ جمال الدين بن مالك وعلى ولده بدر الدين وصحبه ولازمه مدة وأقام بالحجاز مدة قال البرزالي كان شيخا فاضلا بارعا في الأدب حسن الصحبة مليح المحاضرة صحب الفضلاء والفقراء وتخلق بالأخلاق الجميلة زاهدا متقللا من الدنيا لم يكن له أثاث ولا طاسة ولا فراش ولا زبدية ولا سراج بل كان بيته خاليا من ذلك كله ومن شعره ( يا من عصيت عواذلي في حبه * وأطعت قلبي في هواه وناظري ) ( لي في هواك صبابة عذرية * علقت بأذيال النسيم الحاجري ) ( وحديث وجدي في هواك مكرر * فلذاك يحلو إذ يمر بخاطري ) توفي ليلة السبت ثالث ربيع الآخر ودفن من الغد بمقابر المرداويين بالقرب من تربة الشيخ أبي عمر وفيها تاج الدين عبد الرحمن بن محمد بن أفضل الدين حامد التبريزي الأفضلي الشافعي الواعظ قال الذهبي كان شيخ تبريز إماما قدوة قانتا مذكرا مات في رمضان ببغداد بعج حجه كهلا وفيها زين الدين علي بن مخلوف بن ناهض النويري المالكي قاضي المالكية بمصر كانت ولايته ثلاثا وثلاثين سنة وحدث عن المرسي وغيره وكان مشكور السيرة وتوفي بمصر عن ثلاث وثمانين سنة وفيها الإمام القدوة بركة الوقت الشيخ محمد بن عمر بن الشيخ الكبير أبي بكر بن قوام البالسي نزيل دمشق ولد سنة خمسين وستمائة قال الذهبي كان كبير القدر ذا صدق وإخلاص وانقباض عن الناس متين الديانة قرأت عليه أوراقا من أوائل الغيلانيات وسمع من الشيخ شمس الدين ابن الشيخ أبي عمر والكمال عبد الرحيم والفخر وطائفة وقد ألف سيرة لجده في ثلاث كراريس وقال ابن كثير كان شيخا جليلا بشوش الوجه حسن السمت مقصدا لكل أحد كثير الوقار عليه سيما العبادة والخير ولم يكن له مرتب على الدولة ولا لزاويته وقد عرض عليه ذلك فلم يقبل وكان لديه علم وفضل وله فهم صحيح (6/49)

50 ومعرفة تامة وسحن عقيدة وطوية صحيحة ومات في شهر صفر بزاويتهم في سفح قاسيون وفيها محمد بن عمر بن أحمد بن خشير الزاهد قال الشيخ عبد الرءوف المناوي في طبقاته كان عالما عاملا عارفا كاملا معروفا بالصلاح طائرا بجناح النجاح ذا كرامات مشهورة وإشارات بين القوم مذكورة وكان في بدايته يختلي في مكان مشهود له بالفضل فأقام فيه شهرا فدخل رجل فسلم وأحرم بركعتين ثم صلى ثلاثة أيام ولم يجدد وضوءا قال صاحب الترجمة فقلت هذا الرجل أعطى هذا الحال وأنت مقيم في هذا الموضع مدة ما فتح عليك بشيء ثم عزمت على الخروج فالتفت إلي وقال يقرع أحدكم بالباب مدة حتى يوشك أن يفتح له ثم يعزم على الخروج فأقمت فما تم لي أربعون يوما إلا وكلى عين ناظرة وله كلام في الحقائق يدل على كمال فضله وتوسعه في علوم المعارف فمنه المجتبى مطلوب والمنيب ( ^ يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب ) والسلام على من اتبع لا من ابتدع وقال رأس مال الفقير الثقة بالله وإفلاسه الركون إلى الخلق ( ^ ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ) والظلم تشترك فيه العامة والخاصة بدليل إن الإنسان لظلوم فإياك والركون لغير الله فتقع في الشرك الخفي وقال التعلق بغير الله تعب في الدنيا والآخرة والإقبال عليه بالقلب راحة فيهما والتوفيق كله من الله إلا أن التعرض للنفحات مندوب قال ذلك الهادي الرشاد الشافع في الميعاد عليه الصلاة والسلام انتهى ملخصا وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عمر بن عبد المحمود بن رباطر الحراني الفقيه الزاهد نزيل دمشق الحنبلي ولد سنة سبع وثلاثين وستمائة بحران وسمع بها من عيسى الخياط والشيخ مجد الدين بن تيمية وسمع بدمشق من إبراهيم بن خليل ومحمد بن عبد الهادي واليلداني وابن عبد الدايم وخطيب مردا وعنى بسماع الحديث إلى آخر عمره قال الذهبي كان فقيها زاهدا ناسكا سلفيا عارفا بمذهب الإمام أحمد وقال ابن رجب حدث وسمع منه (6/50)

51 جماعة منهم الذهبي وصفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق وسافر سنة إحدى عشرة إلى مصر لزيارة الشيخ تقي الدين بن تيمية فأسر من سبخة بردويل وبقي مدة في الأسر ويقال أن الفرنج لما رأوا ديانته وأمانته واجتهاده أكرموه واحترموه انتهى وفيها الجلال محمد بن محمد بن حسن القاهري طباخ الصوفية حدث عن ابن قميرة وابن الجميزى والساوى وطائفة وتوفي بالقاهرة قاله في العبر وفيها أبو الوليد محمد بن أبي القسم أحمد بن القاضي أبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد بنالحاج التجيبي القرطبي الإمام الكبير إمام محراب المالكية بدمشق ووالد إمامه كان من العلماء العاملين ومن بيت فضل وجلالة قال الذهبي حدثنا عن الفخر ابن البخاري وتوفي بدمشق في رجب وله ثمانون سنة سنة تسع عشرة وسبعمائة فيها كما قال في العبر جاء كتاب سلطاني يمنع ابن تيمية من فتياه بالكفارة في الحلف بالطلاق وجمع له القضاة وعوقب في ذلك واشتد المنع فبقي أصحابه يفتون بها خفية وفيها كانت الملحمة العظمى بالأندلس بظاهر غرناطة فقتل فيها من الفرنج أزيد من ستين ألفا ولم يقتل من عسكر المسلمين سوى ثلاثة عشر نفسا ( ^ إن في ذلك لآية ) فلله الحمد على هذا النصر المبين واشتهرت هذه الكائنة وصحت لدينا قاله في العبر أيضا وفيها توفي شيخ القراء شهاب الدين حسين بن سليمان بن فزارة الكفري الحنفي قال الذهبي كان قاضيا مفتيا شيه القراء تلا بالسبع على علم الدين القسم وأخذ عنه خلق وحدث عن ابن طلحة وغيره وكان دينا خيرا فقيها توفي بدمشق في شعبان عن اثنتين وثمانين سنة وفيها الشيخ عبد الرحيم بن يحيى بن عبد الرحيم بن مسلمة القلانسي المقرىء قال الذهبي له مشيخة حدثنا عن عمه الرشيد بن مسلمة وابن علان وجماعة وعن السخاوي حضورا وكان فيه خير وقناعة مات بدمشق في المحرم عن سبع وسبعين (6/51)

52 سنة وفيها مسند الوقت شرف الدين عيسى بن عبد الرحمن بن معالي بن أحمد الصالحي المطعم في الأشجار ثم السمسار في العقار سمع الصحيح بفوت من ابن الزبيدي وسمع الأربلي حضورا وسمع ابن اللتي وجعفر وكريمة والضياء وتفرد وتكاثروا عليه وكان أميا عاميا قاله في العبر وفيها سيف الدين عزلو الأمير الكبير العادلي الذي استنابه أستاذه العادل كتبغا على دمشق في آخر سنة خمس وتسعين وستمائة وكان أحد الشجعان العقلاء وله تربة مليحة بقاسيون توفي بدمشق ودفن بها وفيها الإمام بدر الدين محمد بن منصور الحلبي ثم المصري ابن الجوهري قال الذهبي كان صدرا كبير الرؤساء روى عن إبراهيم بن خليل والكمال الضرير وجماعة وتلا بالسبع وتفقه وكان فيه دين ونزاهة وتذكر للوزارة ومات غريبا بدمشق وله سبع وستون سنة وفيها العلامة أبو عبد الله محمد بن يحيى بن عبد الرحمن بن ربيع القرطبي تفرد بالسماع من الشلوبين والكبار وكان شيخ مالقة على الإطلاق وفيها الإمام القدوة العباد أبو الفتح نصر بن سليمان المنبجي المقرىء حدث عن إبرهيم بن خليل وجماعة وتلا بثلاث على الكمال الضرير وتفقه وانعزل ثم اشتهر وزاره الأعيان وكان الجاشنكير الذي تسلطن يتغالى في حبه وله سيرة ومحاسن جمة توفي بمصر في زاويته في الحسينية في جمادى الآخرة عن بضع وثمانين سنة وفيها جزم السيوطي في حسن المحاضرة في التي قبلها فقال أبو العلاء رافع بن محمد بن هجرس بن شافع الصعيدي السلامي المقرىء المحدث جمال الدين والد الحافظ تقي الدين محمد بن رافع تفقه في مذهب الشافعي على العلم العراقي وأخذ النحو عن البهاء بن النحاس وسمع من أبي الحسن ابن البخاري وجماعة وتلا على أبي عبد الله محمد بن الحسن الأربلي الضرير وتصدر للأقراء بالفاضلية ولد بدمشق سنة ثمان وستين وستمائة ومات بالقاهرة في ذي الحجة سنة ثمان عشرة وسبعمائة انتهى كلام السيوطي وفيها نخوة بنت محمد بن عبد الاقهر بن النصيبي قال الذهبي روت (6/52)

لنا عن يوسف بن خليل 53 سنة عشرين وسبعمائة فيها توفي القاضي جمال الدين أحمد المعروف بابن عصبة البغدادي الحنبلي قال الطوفي حضرت درسه وكان بارعا في الفقه والتفسير والفرائض وأما معرفة القضاء والأحكام فكان أوحد عصره في ذلك وفيها أبو الهدى أحمد بن إسمعيل بن علي بن الحباب الكاتب تفرد بأجزاء عن سبط السلفي وكان قضايا صدرا ويلقب بفخر الدين توفي بمصر عن سبع وسبعين سنة وفيها حميضة بن أبي نمى الحسني صاحب مكة كان ثم نزع الطاعة فتولى أخوه عطيفة قتله جندي التصق به في البرية غيلة ثم قتله السلطان لغدره وفيها كمال الدين عبد الرحيم بن عبد المحسن بن حسن بن ضرغام الكناني المصري الحنبلي المنشاوي وكان خطيب المنشية قال الذهبي حدثنا عن السبط واختلط قبل موته بنحو أربعة أشهر فما أخاله حدث فيها وكان عدلا فقيها توفي في ربيع الآخر وله ثلاث وتسعون سنة وفيها شمس الدين محمد بن حسن بن سباع الجذامي المصري ثم الدمشقي الصايغ كان نحويا لغويا أديبا بارعا ذا نظم ونثر وتصانيف تخرج به فضلاء ومات بدمشق عن خمس وسبعين سنة وفيها المسند الجليل شرف الدين أبو الفتح محمد بن عبد الرحيم بن عباس القرشي التاجر الحريري المسند بن النشو قال الذهبي حدثنا عن ابن رواج وابن الجميزي وابن الحباب وتفرد بعوالي وتوفي بدمشق في شوال عن ثمانين سنة وفيها المعمر الصالح أمين الدين محمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن هبة الله الأسدي الحلي الصفار روى عن صفية القرشية وشعيب الزعفراني والساوى وابن خليل وتفرد وأكثروا عنه وتوفي في شوال بدمشق أيضا عن نيف وتسعين سنة قال الذهبي (6/53)

54 سنة إحدى وعشرين وسبعمائة فيها توفي بهاء الدين إبراهيم بن المفتى شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن نوح المقدسي الدمشقي قال الذهبي حدثنا عن ابن مسلمة وابن علان والمرسي وله أوقاف على البر وفيه خير وتصون وكاني كره فعائل أخيه ناصر الدين المشنوق وكان عدلا مسندا توفي بدمشق في جمادى الآخرة عن اثنتين وثمانين سنة وفيها نور الدين إبراهيم بن هبة الله بن علي بن الضيعة الحميري الأسنائي ويقال الأسنوي نسبة إلى اسنا بلد بصعيد مصر الأعلى الشافعي قال الأسنوي في طبقاته كان إماما عالما ماهرا في فنون كثيرة ملازما للاشتغال والاشغال والتصنيف دينا خيرا أخذ في بلده عن البهاء القفطي وهاجر إلى القاهرة في صباه فلازم الشمس الأصبهاني شارح المحصول والبهاء بن النحاس الحلبي النحوي وغيرهما من شيوخ العصر وصنف تصانيف حسنة بليغة في علوم كثيرة وتولى أعمالا كثيرة بالديار المصرية آخرها الأعمار القوصية ثم صرف عنها في أواخر سنة عشرين وسبعمائة لقيام بعض كتاب أهل الدولة عليه لكونه لم يجبه إلى ما لا يجوز تعاطيه فاستوطن القاهرة وشرع في الاشتغال والتصنيف على عادته واجتمعت عليه الفضلاء فعاجلته المنية وتوفي في أوائل السنة وقد قارب السبعين انتهى وفيها خطيب الفيوم الرئيس الأكمل المحتشم مجد الدين أحمد بن القاضي معين الدين أبي بكر الهمداني المالكي كان يضرب به المثل في السؤدد والمكارم عزى به الناس أخاه شرف الدين المالكي وفيها تاج الدين أحمد بن المجير محمد بن الشيخ كمال الدين علي بن شجاع القرشي العباسي روى عن جده الكمال الضرير وابن رواج والسبط وحدث بالكرك لما ولى نظرها وكان رئيسا محتشما توفي بمصر في جمادى الأولى وله تسع وسبعون سنة وفيها الشيخ مجد الدين إسمعيل (6/54)

55 ابن الحسين بن أبي التايب الأنصاري الكاتب المعدل روى عن مكي بن علان والرشيد العراقي وجماعة وطلب بنفسه وأخذ النحو عن ابن مالك وكتب الطباق والإجازات وتوفي ببستانه بقرية جوبر وفيها صاحب اليمن الملك المؤيد هزبر الدين داود بن الملك المظفر يوسف بن عمر التركماني كانت دولته بضعا وعشرين سنة وكان عالما فاضلا سايسا شجاعا جوادا له كتب عظيمة نحو مائة ألف مجلد وكان يحفظ التنبيه وغير ذلك وتوفي بتعز في ذي الحجة وفيها العارف الكبير نجم الدين عبد الله بن محمد بن محمد الأصبهاني الشافعي تلميذ الشيخ أبي العباس المرسي جاور بمكة مدة وانتقد عليه الشيخ على الواسطي أنه مع ذلك لم يزر النبي وتوفي بمكة في جمادى الآخرة عن ثمان وسبعين سنة وفيها العدل المسند علاء الدين علي بن يحيى بن علي الشاطبي الدمشقي الشروطي روى شيئا كثيرا وسمع ابن المسلمة وابن علان والمجد الأسفراييني وعدة وتفرد وتوفي في رمضان من خمس وثمانين سنة وفيها الشيخ شمس الدين محمد بن عثمان بن مشرق بن رزين الأنصاري الدمشقي الكتاني ثم الخشاب المعمار روى عن التقى بن العز وغيره وبالإجازة عن ابن اللتى وابن المقير وابن الصفراوي وتوفي بدمشق في ذي الحجة عن اثنتين وتسعين سنة وفيها تقي الدين محمد بن عبد الحميد بن محمد الهمداني ثم المهلبي حمل عن إسمعيل بن عرون والنجيب وطبقتهما وحصل وتعب ثم انقطع ولزم المنزل مدة وكان صوفيا محدثا رحالا ساء خلقه آخرا وتوفي بمصر وفيها شيخ الشيعة وفاضلهم محمد بن أبي بكر بن أبي القسم الهمذاني ثم الدمشقي السكاكيني كان لا يغلو ولا يسب معينا ولديه فضائل روى عن ابن مسلمة والعراقي ومكي بن علان وتلا بالسبع وله نظم كثير وأخذ عن أبي صالح الرافضي الحلبي وأخذه معه صاحب المدينة منصور فأقام بها سنوات وكان يتشيع به سنة ويتسنن (6/55)

56 به رافضة وفيه اعتزال توفي بدمشق في صفر عن ست وثمانين سنة وفيها سعد الدين يحيى بن محمد بن سعد المقدسي روى عن ابن اللتي حضورا وعن جعفر والمرسي وطائفة وأجاز له ابن روزبة والقطيعي وعدة وتفرد واشتهر اسمه وبعد صيته مع الدين والسكينة والمروءة والتواضع قال الذهبي وتفرد بإجازة ابن صباح فيما أرى وهو والد المحدث شمس الدين توفي بالصالحية في ذي الحجة عن تسعين سنة وتسعة أشهر وفيها عالم المغرب الحافظ العلامة أبو عبد الله بن رشيد الفهري في المحرم بفاس عن أربع وستين سنة قاله في العبر سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة فيها توفي أبو إسحق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الطبري المكي الشافعي شيخ الإسلام وإمام المقام كان صاحب حديث وفقه وخلاص وتأله روى عن شعيب الزعفراني وابن الجميزي وعبد الرحمن بن أبي حرمى والمرسي وعدة وأجاز له السخاوي وغيره وخرج لنفسه التساعيات وتفرد بأشياء وتوفي بمكة في ربيع الأول وله ست وثمانون سنة وفيها الزاهد الكبير قال في العبر جلال الدين إبراهيم ابن شيخنا زين الدين محمد بن أحمد العقيلي الدمشقي بن القلانسي الكاتب روى عن ابن عبد الدايم والكرماني ودخل مصر منجفلا وانقطع في مسجد فتغالوا فيه ونوهوا بذكره وعظموه وبنوا له زاوية واشتهر وحصل لأخيه عز الدين الحسبة ونظر الخزانة وتوفي المترجم بالقدس في ذي القعدة عن ثمان وستين سنة وفيها المعمرة الرحلة أم محمد زينب بنت أحمد بن عمر بن أبي بكر بن شكر المقدسي في ذي الحجة عن أربع وتسعين سنة سمعت ابن اللتي والهمداني وتفردت بأجزاء كالثقفيات ومسندي عبد والدارمي وارتحلت إليها الطلبة وحدثت بمصر والمدينة النبوية وماتت ببيت المقدس وفيها زين الدين عبد الرحمن بن أبي صالح رواحة بن علي بن الحسين بن مظفر بن نصر بن رواحة الأنصاري الجميزي الشافعي سمع من (6/56)

57 جده لأمه أبي القسم بن رواحة وصفية القرشية وتفرد ورحل إليه وله إجازات من ابن روزبة والسهروردي وعدة وتوفي بأسيوط في ذي الحجة عن أربع وتسعين سنة وكان رئيسا معمرا كاتبا وفيها نصير الدين عبد الله بن الوجيه محمد بن علي بن سويد التغلبي التكريتي ثم الدمشقي الصدر الكبير صاحب الأموال من أبناء السبعين سمع الرضى والبرهان والنجيب وابن عبد الدايم وفيها تقي الدين عتيق بن عبد الرحمن بن أبي الفتح العمري كان محدثا زاهدا له رحلة وفضائل وروى عن النجيب وابن علاق ومرض بالفالج مدة ثم توفي بمصر في ذي القعدة وفيها المعمر الصالح أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن علي النجدي كان ذا خشية وعبادة وتلاوة وقناعة سمع من المرسي وخطيب مردا وأجاز له ابن القبيطي وكريمة وخلق وروى الكثير ومات بالسفح في صفر عن بضع وثمانين سنة وفيها قطب الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الصمد بن عبد القادر السنباطي المصري الشافعي ولد سنة ثلاث وخمسين وستمائة وتفقه بابن رزين وغيره وسمع من الدمياطي وغيره وتقدم في العلم ودرس بالمدرسة الحسامية ثم الفاضلية وولي وكالة بيت المال وناب في الحكم وصنف تصحيح التعجيز وأحكام المبعض واستدراكات على تصحيح التنبيه للنووي واختصر قطعة من الروضة قال السبكي كان فقيها كبيرا تخرجت به المصريون وقال الأسنوي كان إماما حافظا للمذه بعارفا بالأصول دينا خيرا سريع الدمعة متواضعا حسن التعليم متلطفا بالطلبة توفي بالقاهرة في ذي الحجة ودفن بالقرافة وسنباط بلدة من أعمال المحلة وفيها السيد المعمر الإمام محي الدين محمد بن عدان بن حسن الحسيني الدمشقي قال الذهبي ولي نظر الحلق والسبع مدة وكان عبادا كثير التلاوة جدا تخضع له الشيعة وهو والد النقيبين زين الدين حسين وأمين الدين جعفر وجد النقيب ابن عدنان وابن عمه عاش ثلاثا وتسعين سنة وكانت له معرفة وفضيلة وفيه انجماع وانقباض عن الناس وفيها أو في التي قبلها الأديب شمس (6/57)

الدين محمد بن 58 على المازني كان يعرف الأنغام ويعمل الشعر ويلحنه ويغني به فمن ذلك قوله ( لا تحسبوا أنني عن حبكم سالي * وحياتكم لم يزل حالي بكم حالي ) ( أرخصتم في هواكم مدنفا صلفا * وهو العزيز الذي عهدي به غالي ) ( سكنتم في فؤادي وهو منزلكم * لا عشت يوما أراه منكم خالي ) ( يا هاجرين بلا ذنب ولا سبب * قطعتم بسيوف الهجر أوصالي ) ( إن كان يوسف أوصى بالجمال لكم * فإن والده بالحزن أوصى لي ) وفيها الإمام أقضى القضاة شمس الدين محمد بن شرف الدين أبي البركات محمد بن الشيخ أبي العز الأذرعي الحنفي كان فاضلا فقيها بصيرا بالأحكام حكم بدمشق نحو عشرين سنة وخطب بجامع الأفرم مدة ودرس بالظاهرية والقليجية والمعظمية وأفتى وفيها العلامة القدوة أبو عبد الله محمد بن محمد بن علي بن حريث القرشي البلنسي ثم السبتي المالكي روى عن الموطأ عن ابن أبي الربيع عن ابن بقي وكان صاحب فنون وولي خطابة سبتة ثلاثين عاما وتفقهوا عليه ثم حج وبقي بمكة سبع سنين ومات بها في جمادى الآخرة عن إحدى وثمانين سنة وفيها مجد الدين محمد بن محمد بن علي بن الصيرفي سبط ابن الحبوبي روى عن أبي اليسر ومحمد بن النشى وشهد وحضر المدارس وقال الشعر وعمل لنفسه مجلدا ضخما وكان متواضعا ساكنا توفي في رمضان بدمشق عن إحدى وستين سنة سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة فيها توفي الشيخ أبو العباس أحمد بن علي بن مسعود الكلبي البدوي ثم الصالحي الفامي ويعرف بابن سعفور ويلقب بعمى سمع من المرسى حضورا ومن محمد بن عبد الهادي وخطي بمردا وطائف وأجاز له السبط وكان خيرا كيسا متعففا منقطعا توفي بقاسيون في ربيع الآخر عن إحدى وثمانين سنة وفيها قاضي (6/58)

59 القضاة نجم الدين أبو العباس أحمد بن الرئيس الكبير عماد الدين محمد بن المعدل أمين الدين سالم بن الحافظ بهاء الدين بن هبة الله بن محفوظ بن صصرى التغلبي الربعي الدمشق الشافعي سمع الحديث من جماعة وقرأ للسبع وجود الخط على ابن المهتار وأتقن الأقلام السبعة ودرس بالأمينية وغيرها واستمر على القضاء إلى أن مات وكان حسن الأخلاق كثير التودد كريم المجالسة مليح المحاضرة حسن الملتقى متواضعا جدا له مشاركة في فنون شتى وعنده حظ من الأدب والنظم ومن نظمه ( ومهفهف بالوصل جاد تكرما * فأعاد ليل الهجر صبحا أبلجا ) ( مازلت الثم ما حواه ثغره * حتى أعدت الورد فيه بنفسجا ) توفي ببستانه بالسهم وحمل الصوفية نعشه إلى الجامع المظفري وصلى عليه الشيخ برهان الدين الفزاري ودفن بتربته بالقرب من الركنية وفيها الفاضل الأدي بالعدل شهاب الدين أحمد بن محمد عرف بابن دمرداش كان جنديا فلما كبر وشاخ ترك ذلك وصار شاهدا بمركز الرواحية وله شعر كثير لطيف منه قوله ( أقول لمسواك الحبيب لك الهنا * بلثم فم ما ناله ثغر عاشق ) ( فقال وفي أحشائه حرق الجوى * مقالة صب للديار مفارق ) ( تذكرت أوطاني فقلبي كما ترى * أعلله بين العذيب وبارق ) وله ( يا قمري إن جئت وادي الأراك * وقبلت أغصانه الخضر فاك ) ( فارسل إلى عبدك من بعضها * فإنني والله مالي سواك ) وله دوبيت قيل أن الشيخ صدر الدين بن الوكيل قال وددت أنه يأخذ جميع شيء قلته ويعطينه وهو ( الصب بك المنعوب والمعتوب * والقلب بك المسلوب والملسوب ) ( يا من طلبت لحاظه سفك دمى * مهلا ضعف الطالب والمطلوب ) وفيها الرئيس شهاب الدين أحمد بن محمد بن القطينة التاجر المشهور كان (6/59)

60 فقيرا معدما ففتح الله تعالى عليه بحيث بلغت زكاته ثمانين ألفا وكان فيه بر وخير وبنى مدرسة بذرع وتوفي بدمشق ودفن بتربته على طريق القابون وفيها مؤرخ الآفاق العالم المتكلم كما الدين عبد الرزاق بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر بن أبي المعالي محمد بن محمود بن أحمد بن محمد بن أبي المعالي الفضل بن العباس بن عبد الله بن معن بن زائدة الشيباني المروزي الأصل البغدادي الأخباري الكاتب المؤرخ الحنبلي ابن الصابوني ويعرف بابن الفوطي محركا نسبة إلى بيع الفوط وكان الفوطي المنسوب إليه جده لأمه ولد في سابع عشر محرم سنة اثنتين وأربعين وستمائة بدار الخلافة من بغداد وسمع بها من الصاحب محي الدين بن الجوزي ثم أسر في واقعة بغداد وخلصه النصير الطوسي الفيلسوف وزير الملاحدة فلازمه وأخذ عنه علوم الأوائل وبرع في الفلسفة وغيرها وأمده بكتابة الزيج وغيره من علم النجوم واشتغل على غيره في اللغة والأدب حتى برع ومهر في التاريخ والشعر وأيام الناس وأقام بمراغة مدة وولي بها كتب الرصد بضع عشرة سنة وظفر بها بكتب نفيسة وحصل من التواريخ ما لا مزيد عليه وسمع بها من المبارك بن المستعصم بالله سنة ست وستين ثم عاد إلى بغداد وبق يبها إلى أن مات وسمع ببغداد الكثير وعنى بالكثير وعد من الحفاظ حتى ذكره الذهبي في طبقاتهم وقال له النظم والنثر والباع الأطول في ترصيع تراجم الناس وله ذكاء مفرط وخط منسوب رشيق وفضائل كثيرة وسمع منه الكثير وعنى بهذا الشأن وجمع وأفاد فلعل الحديث أن يكفر عنه به وكتب من التواريخ ما لا يوصف وعمل تاريخا كبيرا لم يبيضه ثم عمل آخر دونه في خمسين مجلدا سماه مجمع الآداب في معجم الأسماء على معجم الألقاب وله كتاب درر الأصداف في غر رالأوصاف وهو كبير جدا ذكر أنه جمعه من ألف مصنف وكتاب المؤتلف والمختلف رتبة مجدولا وكتاب التاريخ على الحوادث وكتاب حوادث المائة السابعة وإلى أن مات وكتب نظم الدرر الناصعة في شعر المائة (6/60)

السابعة في عدة مجلدات وذكر الذهبي 61 أيضا في المعجم المختص أنه خرج معجما لشيوخه فبلغوا خمسمائة شيخ بالسماع والإجازة قال وذيل على تاريخ شيخه ابن الساعي نحوا من ثمانين مجلدا وله تلقيح الإفهام في تنقيح الأوهام وله أشياء كثيرة في الأنساب وغيرها وقد تكلم في عقيدته وفي عدالته قال وهو في الجملة أخباري علامة ما هو بدون أبي الفرج الأصبهاني وكان ظريفا متواضعا حسن الأخلاق الله يسامحه توفي في ثالث المحرم ببغداد ودفن بالشونيزية وفيها مسند الشام بهاء الدين القسم بن مظفر بن الندم محمود بن تاج الأمناء ابن عساكر حضر في سنة تسع وعشرين وستمائة على مشهور النيرباني وحضر ابن عساكر وكريمة وعبد الرحيم بن عساكر وابن المقير وسمع من ابن اللتي وجماعة وأجاز له مشايخ البلاد وبلغ معجمه سبع مجلدات وألحق الصغار بالكبار ووقف أماكن على المحدثين وكان طبيبا مؤرخا وخرج له البرزالي مشيخة وابن طغرلبك معجما كبيرا جمع فيه شيوخه فبلغوا أكثر من خمسمائة وسبعين شيخا وتوفي بدمشق في شعبان عن أربع وتسعين سنة وفيها خطب صفد وعالمها بها نجم الدين حسن بن محمد الصفدي تقدم في الأدب والمعقول وله تآليف وتوفي في رمضان وهو من أبناء الثمانين وفيها شرف الدين أبو عبد الله محمد بن سعد الله بن عبد الأحد بن سعد الله بن عبد القاهر بن عبد الأحد بن عمر بن نجيح الحراني ثم الدمشقي الفقيه الحنبلي الإمام سمع من الفخر بن البخاري وغيره وطلب الحديث وقرأ بنفسه وتفقه وأفتى وصح بالشيخ تقي الدين بن تيمية ولازمه وكان صحيح الذهن جيد المشاركة في العلوم من خيار الناس وعقلائهم وعلمائهم توفي في ذي الحجة بوادي بني سالم في رجوعه من الحج وحمل إلى المدينة النبوية فدفن بالبقيه وكان كهلا وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمود الجيلي نزيل بغداد المدرس للحنابلة بالبشيرية كان إماما فقيها عالما فاضلا له مصنف في الفقه لم يتمه سماه الكفاية ذكر فيه أن الإمام أحمد (6/61)

نص على أن من وصى بقضاء الصلاة المفروضة عند نفذت وصيته توفي ببغداد في يوم الثلاثاء عاشر جمادى 62 الأولى وفيها الأمير الصاحب الوزير نجم الدين محمد بن عثمان بن الصفي البصروي الحنفي ولي الحسبة ثم الخزانة ثم الوزارة ثم الإمرة ودرس أولا بمدرسة بصرى وكان فاضلا مقدم خيول عربية فتقدم في ذلك وتوفي ببصرى كهلا وفيها مسند الوقت شمس الدين أبو نصر محمد بن محمد بن محمد بن مميل بن الشيرازي الدمشقي سمع من جده القاضي أبي نصر والسخاوي وجماعة وبمصر من العلم بن الصابوني وابن قميرة وأجاز له أبو عبد الله بن الزبيدي والحسين ابن السيد وقاضي حلب بن شداد وخلق وله مشيخة وعوال وروى الكثير وكان ساكنا وقورا منقبضا له كفاية وكبر سنه وأكثر ولم يختلط وتوفي بالمزة ليلة عرفة عن أربع وتسعين سنة وشهرين وفيها صفي الدين محمود بن محمد بن حامد الأرموي ثم القرافي الصوفي كان محدثا لغويا إماما سمع الكثير وكتب وتعب واشتهر وحدث عن النجيب والكمال وكان شافعيا حفظ التنبيه مع دين وتصون ومعرفة توفي بدمشق بالمارستان في جمادى الآخرة وله ست وسبعون سنة وفيها صاحب الأجرومية أبو عبد الله محمد بن محمد بن داود الصنهاجي النحوي المشهور بابن آجروم بفتح الهمزة الممدودة وضم الجيم والدال المشددة ومعناه بلغة البربر الفقير الصوفي صاحب المقدمة المشهورة بالجرومية قال ابن مكتوم في تذكرته نحوى مقرى له معلومات من فرائض وحساب وأدب بارع وله مصنفات وأراجيز وقال غيره المشهور بالبركة والصلاح ويشهد لذلك عموم النفع بمقدمته ولد بفاس سنة اثنتين وسبعين وستمائة وتوفي بها في صفر سنة أربع وعشرين وسبعمائة فيها كان الغلاء المفرط بالشام وبلغت الغرارة أزيد من مائتي درهم أياما ثم جلب القمح من مصر بالزام سلطاني لأمرائه فنزل إلى مائة وعشرين درهما ثم بقي أشهرا ونزل السعر بعد شدة وأسقط مكس الأقوات بالشام بكتاب سلطاني (6/62)

63 وكان على الغرارة ثلاثة دراهم ونصف قاله في العبر وفيها توفي القاضي المعمر العدل شمس الدين أحمد بن علي بن الزبير الجيلي ثم الدمشقي الشافعي سمع من ابن الصلاح من سنن البهيقي وتوفي بدمشق في ربيع الآخر عن تسع وثمانين سنة وفيها وزير الشرف على شاه بن أبي بكر التبريزي كان سنيا معظما لصاحب مصر محبا له توفي بأرجان في جمادى الآخرة وقد شاخ وفيها الصاحب الكبير كريم الدين عبد الكريم بن هبة الله بن العلم هبة الله بن السديد المصري وكيل السلطان أسلم كهلا في أيام الجاشنكير وكان كاتبه وتمكن من السلطان غاية التمكن بحيث صار الكل إليه وبيده العقد والحل وبلغ من الرتبة ما لا مزيد عليه وجمع أموالا عظيمة عاد أكثرها إلى السلطان وكان حسن الخلق عاقلا خيرا سمحا داهية وقورا مرض نوبة فزينت مصر لعافيته وكان يعظم الدينين وله بر وإيثار عمر البيارات وأصلح الطرق وعمر جامع القبيبات وجامع القابون وأوقف عليهما الأوقاف ثم انحرف عليه السلطان وكبه فنفى إلى الشويكة ثم إلى القدس ثم إلى أسوان فأصبح مشنوقا بعمامته ولما أحسن بالقتل صلى ركعتين وقال هاتوا عشنا سعداء ومتنا شهداء أعطاني السلطان الدنيا والآخرة وشنق وقد قارب السبعين وفيها الحافظ الزاهد علاء الدين علي بن إبراهيم بن دواد بن سلمان بن سليمان أبو الحسن بن العطار الشافعي ويلقب بمختصر النووي سمع من ابن عبد الدايم وابن أبي اليسر وغيرهما ولد يوم عيد الفطر سنة أربع وخمسين وستمائة وتفقه على الشيخ محي الدين النووي وأخذ العربية عن جمال الدين بن مالك وولي مشيخة دار الحديث النورية وغيرها ومرض بالفالج أزيد من عشرين سنة وكان يحمل في محفة وكتب الكثير وحمله ودرس وأفتى وصنف أشياء مفيدة قال الذهبي خرجت له معجما في مجلد انتفعت به وأحسن إلي باستجازته لي كبار المشيخة وله فضائل وتأله وأتباع وقال ابن كثير له مصنفات مفيدة وتخاريج ومجاميع وقال غيره هو أشهر (6/63)

64 أصحاب النووي وأخصهم به لزمه طويلا وخدمه وانتفع به وله معه حكايات واطلع على أحواله وكتب مصنفاته وبيض كثيرا منها وعده في الحفاظ العلامة ابن ناصر الدين وأثنى عليه توفي بدمشق في ذي الحجة عن سبعين سنة وفيها الإمام الزاهد نور الدين علي بن يعقوب بن جبريل بن عبد المحسن أبو الحسن البكري المصري الشافعي ولد سنة ثلاث وسبعين وستمائة وسمع مسند الشافعي من وزيرة بنت المنجا واشتغل وأفتى ودرس وكان يذكر نسبه إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه ولما دخل ابن تيمية إلى مصر قام عليه وأنكر ما يقوله وآذاه قاله ابن شهبة وقال السبكي في الطبقات الكبرى صنف كتابا في البيان وكان من الأذكياء سمعت الوالد يقول أن ابن الرفعة أوصى بأنه يعمل شرحه على الوسيط وكان رجلا جيدا آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر وقد واجه مرة الملك الناصر بكلام غليظ فأمر السلطان بقطع لسانه حتى شفع فيه وقال الأسنوي تحيا بمجالسته النفوس ويتلقى بالأيدي فيحمل على الرؤس تقمص بأنواع الورع والتقى وتمسك بأسباب التفى فارتقى كان عالما صالحا نظارا ذكيا متصوفا أوصى إليه ابن الرفعة بأن يكمل ما بقي من من شرحه على الوسيط لما علم من أهليته لذلك دون غيره فلم يتفق ذلك لما كان يغلب عليه من التخلي والانقطاع والإقامة والأعمال الخيرية تنقل بأعمال مصر لأن الملك الناصر منعه من الإقامة بالقاهرة ومصر إلى أن توفي في شهر ربيع الآخر ودفن بالقرافة وفيها الشيخ ركن الدين عمر بن محمد بن يحيى القرشي العتبى الشاهد بن جابى الأحباس تفرد عن السبط بجزء شيبان وبالدعاء للمحاملي ومشيخته وتوفي بالثغر في صفر عن خمس وثمانين سنة وفيها قاضي حلب زين الدين عبد الله بن قاضي الخليل محمد بن عبد القادر الأنصار ولي حلب نيفا وعشرين سنة وقبلها ولي بعلبك وناب بدمشق وولي حمص وكان مسمتا مليح الشكل فاضلا وتوفي عن سبعين سنة وفيها شمس الدين محمد بن الإمام جمال الدين عبد الرحيم بن عمر الباجر بقي (6/64)

الشافعي قال الذهبي الضال الذي 65 حكم القاضي المالكي بضرب عنقه مدة بعد أخرى لثبوت أمور فظيعة وكلمات شنيعة فتغيب عن دمشق وأقام بمصر بالجامع الأزهر وتردد إليه جماعة وكان الشيخ صدر الدين يتردد إليه ويبهت في وجهه ويجلس بين يديه وكان يرى الناس بوارق شيطانية وكان له قوة تأثير وشهد عليه أيضا بما أبيح دمه به منهم الشيخ مجد الدين التونسي فسافر إلى العراق ثم سعى أخوه بحماة حتى حكم الحنبلي بعصمة دمه فغضب المالكي وجدد الحكم بقتله وكان أولا فقيها بالمدارس ثم حصل له كشف شيطاني فضل به جماعة وكان يتنقص بالأنبياء ويتفوه بعظائم ثم قدم القابون مختفيا وسكن بها إلى أن مات في ربيع عن ستين سنة وفيها بدر الدين أبو عبد الله محمد بن عثمان بن يوسف بن محمد بن الحداد الآمدي ثم المصري الخطيب الحنبلي قال ابن رجب الإمام الصد رالفقيه خطيب دمشق وحلب سمع الحديث وتفقه بالديار المصرية وحفظ المحرر وشرحه على ابن حمدان ولازمه مدة من السنين حتى قرأه عليه وبرع في الفقه وكان ابن حمدان يشكره ويثني عليه كثيرا واشتغل بالكتابة واتصل بالأمير سنقر المنصوري بحلب وولاه نظر الأوقاف وخطابة جامعها وصرف عنه جلال الدين القزويني وولي ابن الحداد حينئذ نظر المارستان ثم ولي حسبة دمشق ونظر الجامع واستم رفي نظره إلى حين وفاته وعين لقضاء الحنابلة في وقت وتوفي ليلة الأربعاء سابع جمادى بدمشق ودفن بمقبرة باب الصغير وفيها الشيخ شرف الدين أبو عبد الله محمد بن المنجا بن عثمان بن أسعد بن المنجا التنوخي الدمشقي الحنبلي ولد سنة خمس وسبعين وستمائة وأسمعه والده الكثير من المسلم بن علان وابن أبي عمر وطبقتهما وسمع المسند والكتب الكبار وتفقه وأفتى ودرس بالمسمارية وكان من خواص أصحاب الشيخ تقي الدين بن تيمية وملازمية حضرا وسفرا وكان مشهورا بالديانة والتقوى ذا خصال جميلة وعلم وشجاعة روى عنه الذهبي في معجمه وقال كان إماما فقيها حسن الفهم صالحا (6/65)

66 متواضعا توفي إلى رضوان الله في رابع شوال ودفن بسفح قاسيون وفيها أمير العرب محمد بن عيسى بن مهنا كان عاقلا نبيلا فيه خير وهو أخو مهنا توفي بسلمية في أحد الربيعين عن نيف وسبعين سنة ودفن عند أبيه سنة خمس وعشرين وسبعمائة في جمادى الأولى كان غرق بغداد المهول وبقيت كالسفينة وساوى الماء الأسوار وغرق أمم لا تحصى وعظمت الاستغاثة بالله تعالى ودام خمس ليال وقيل تهدم بالجانب الغربي نحو خمسة آلاف بيت قال الذهبي ومن الآيات أن مقبرة الإمام أحمد بن حنبل غرقت سوى البيت الذي فيه ضريحه فإن الماء دخل في الدهليز علو ذراع ووقف بإذن الله تعالى وبقيت البواري عليها غبار حول القبر صح هذا عندنا وفيها توفي شيخ الظاهرية عفيف الدين إسحق بن يحيى الآمدي الحنفي روى كثيرا عن ابن خليل وعن عيسى الخياط وعدة وطلب الحديث وحصل أصولا بمروياته قال الذهبي خرج له ابن المهندس معجما قرأته توفي بدمشق في رمضان عن ثلاث وثمانين سنة رحمه الله تعالى وفيها الأديب الأمشاطي أحمد بن عثمان قيم الشام في نظم الزجل كان فردا في وقته وكان كاتبا في دار البطيخ ومن نظمه ( وفتاك اللواحظ بعد هجر * وفي كرما وأنعم بالمزار ) ( وظل نهاره يرمي بقلبي * سهاما من جفون كالشفار ) ( وعند الليل قلت لمقلتيه * وحكم النوم في الاجفان سار ) ( تبارك من توفاكم بليل * ويعلم ما جرحتم بالنهار ) وفيها كبير الدولة الأمير الكبير ركن الدين بيبرس المنصوري الخطائي الدويدار صاحب التاريخ الكبير ورأس الميسرة ونايب مصر قبل أرغون توفي في رمضان بمصر عن ثمانين سنة قال ابن حجر في الدرر الكامنة هو صاحب (6/66)

67 التاريخ المشهور في خمسة وعشرين مجلدا وقال الذهبي كان عاقلا وافر الهيبة كبير المنزلة وقال غيره كان كثير الأدب حنفي المذهب عاقلا قد أجيز بالإفتاء والتدريس وله يد ومعروف كثير الصدقة سرا ويلازم الصلاة في الجماعة وغالب نهاره في سماع الحديث والبحث في العلوم وليله في القرآن والتهجد مع طلاقة الوجه ودوام البشر رحمه الله وفيها الفقيه المعمر شهاب الدين أحمد بن العفيف محمد بن عمر الصقلي ثم الدمشقي الحنفي إمام مسجد الرأس وهو آخر من حدث عن ابن الصلاح توفي في صفر وله ثمان وثمانون سنة وثلاثة أشهر وفيها جمال الدين أحمد بن علي اليمني المعروف بالعامري وهو ابن أخت إسمعيل الحضرمي شارح المهذب قال الأسنوي كان شافعيا عالما جليلا شرح الوسيط في نحو ثمانية أجزاء وشرح أيضا التنبيه شرحا لطيفا وتولى قضاء المهجم ومات بها وفيها صد رالدين سليمان بن هلال بن شبل بن فلاح بن خصيب القاضي العالم الزاهد الورع أبو الربيع الهاشمي الجعفري المعروف بخطيب داريا ولد سنة اثنتين وأربعين وستمائة وسمع الحديث وتفقه على الشيخين تاج الدين الفزاري ومحي الدين النووي وولي خطابة داريا وأعاد بالناصرية وناب في الحكم مدة سنين واستسقى الناس به سنة تسع عشرة فسقوا وكان يذكر نسبه إلى جعفر الطيار بينهما ثلاثة عشر أبا ثم أنه ول يخطابة جامع التوبة وترك نيابة الحكم قال الذهبي كان يتزهد في ثوبه وعمامته الصغيرة ومأكله وفيه تواضع وترك للرياسة والتصنع وفراغ عن الرعونات وسماحة ومروءة ورفق وكان لا يدخل حماما حدث عن ابن أبي اليسر والمقداد وكان عارفا بالفقه وله حكايات في مشيه إلى شاهد يؤدي عنه وإلى فقير وربما نزل في طريق داريا عن حمارته وحمل عليها حزم حطب لمسكينة رحمه الله توفي في ذي القعدة ودفن بباب الصغير عند شيخه تاج الدين وفيها الشيخ المعمر عبد الرحمن بن عبد الولي الصحراوي سبط اليلداني سمع من جده كثيرا ومن الرشيد العراقي وابن خطي بالقرافة (6/67)

وشيخ الشيوخ الحموي 68 وأجاز له الضياء والسخاوي وسمع منه نايب السلطنة الآثار للطحاوي ووصله ورتب له مرتبا ثم أضر وعجز وتوفي بدمشق في ربيع الأول عن خمس وثمانين سنة وفيها أول الملوك العثمانية خلد الله دولتهم وهو السلطان عثمان بن طغربك بن سليمان شاه بن عثمان تولى صاحب الترجمة سنة تسع وتسعين وستمائة فأقام ستا وعشرين سنة نقل القطبي أن أصله من التركمان الرحالة النزالة من طائفة التتار ويتصل نسبه إلى يافث بن نوح عليه السلام انتهى ونقل صاحب درر الأثمان في أصل منبع آل عثمان أن عثمان جدهم الأعلى من عرب الحجاز وأنه هاجر من الغلاء لبلاد قرمان واتصل باتباع سلطانها في سنة خمسين وستمائة وتزوج من قونيا فولد له سليمان فاشتهر أمره بعد عثمان ثم تسلطن وهو الذي فتح برصا في حدود ثلاثين وسبعمائة ثم تسلطن بعد سليمان ولده عثمان حواى الأصغر ويقال هو الذي افتتح برسبا وأنه أول ملوك بني عثمان فإنه استقل بالملك وأما أبواه فكانا تابعين للملوك السلجوقية ونقل بعض المؤرخين أن أصل ملوك بني عثمان من المدينة المورة فالله أعلم ولما ظهر جنكزخان أخر بلاد بلخ فخرج سليمان شاه بخمسين ألف بيت إلى أرض الروم فغرق في الفرات فدخل ولده طغربك الروك فأكرمه السلطان علاء الدين السلجوقي سلطان الروم فلما مات طغربك خلف أولادا أمجادا أشدهم بأسا وأعلاهم همة عثمان صاحب الترجمة فنشأ مولعا بالقتال والجهاد في الكفار فلما أعجب السلطان علاء الدين السلجوقي ذلك منه أرسل إليه الراية السلطانية والطبل والزمر فلما ضربت النوبة بين يديه قام على قدميه تعظيما لذلك فصار قانونا مستمرا لآل عثمان إلى الآن يقومون عند ضرب النوبة ثم بعد ذلك تمكن من السلطنة واستعل بالأمر وافتتح من الكفارة عدة قلاع وحصون رحمه الله تعالى قاله الشيخ مرعي في نزهة الناظرين وفيها الإمام المحدث نور الدين علي بن جابر الهاشمي اليمني الشافعي شيخ الحديث حدث عن زكي البيلقاني وعرض عليه (6/68)

الوجيز للغزالي وله مشاركات وشهرة وتوفي بالمنصورية عن بضع وسبعين سنة وفيها علاء الدين بن النصير 69 محمد بن غالب بن محمد الأنصاري الشافعي روى عن الكمال الضرير الشاطبية وعن ابن عبد الدايم وابن أبي اليسر وطلب وكتب وتفقه وشارك في العلم وتميز في كتابة الحكم والشروط وتوفي بدمشق عن ثمانين سنة وفيها شيخ القراء تقي الدين محمد بن أحمد بن عبد الخالق العلامة المعروف بابن الصايغ الشافعي شيخ القراء بالديار المصرية قرأ الشاطبية على الكمال الضرير والكمال على مصنفه ابن فارس واشتهر وأخذ عنه خلق ورحل إليه وكان ذا دين وخير وفضيلة ومشاركة قوية قال الأسنوي رحل إليه الطلبة من أقطار الأرض لأخذ علم القراءة عليه لانفراده بها رواية ودراية وأعاد بالطيرسية والشريفية وغيرهما وتوفي بمصر في صفر عن أربع وتسعين سنة وفيها العلامة الورع نور الدين محمد بن إبراهيم بن الأسيوطي الشافعي حكم بالكرك نحوا من ثلاثين سنة وتفقه به الطلبة وحدث عن قطب الدين القسطلاني وغيره وهو والد شرف الدين قاضي بلبيس وتوفي بالكرك وفيها شهاب الدين محمود بن سليمان بن فهد الحلبي ثم الدمشقي أبو الثناء كاتب السر الحنبلي قال الذهبي علامة الأدب وعلم البلاغيين وكاتب السر بدمشق حدث عن ابن البرهان ويحيى بن الحنبلي وابن مالك وخدم بالإنشاء نحوا من خمسين سنة وكان يكتب التقاليد على البديه وقال ابن رجب في طبقاته تعلم الخط المنسوب ونسخ بالأجرة بخطه الأنيق كثيرا واشتغل بالفقه على الشيخ شمس الدين بن أبي عمر وأخذ العربية عن الشيخ جمال الدين بن مالك وتأدب بالمجد بن الظهير وغيره وفتح له في النظم والنثر ثم ترقت حاله واحتيج إليه وطلب إلى الديار المصرية واشتهر اسمه وبعد صيته وصار المشار إليه في هذا الشأن في الديار المصرية والشامية وكان يكتب القاليد الكبار بلا مسودة وله تصانيف في الإنشاء وغيره ودون الفضلاء نظمه ونثره ويقال لم يكن بعد القاضي الفاضل مثله وله من (6/69)

الخصائص ما ليس للفاضل من كثرة القصائد المطولة الحسنة الانيقة وبقي في ديوان الإنشاء نحوا من خمسين سنة بدمشق ومصر وولي كتابة السر بدمشق نحوا من ثمانين سنين قبل موته 70 وحدث وروى عنه الذهبي في معجمه وقال كان دينا خيرا متعبدا مؤثرا للانقطاع والسكون حسن المحاورة كثير الفضايل وتوفي بدمشق ليلة السبت ثاني عشرى شعبان ودفن بتربته التي أنشاها بالقرب من اليعمورية وولى بعده ابنه شمس الدين ومن شعره أي الشهاب محمود ( يا من أضاف إلى الجمال جميلا * لا كنت إن طاوعت فيك عذولا ) ( عوضتني من نار هجرك جنة * فسكنت ظلا من رضاك ظليلا ) ( ومننت حين منحتني سقما به * أشبهت خصرك رقة ونحولا ) ( وسلكت بي في الحب أحسن مسلك * لم يبق لي نحو السلو سبيلا ) ( ولرب ليل مثل وجهك بدره * ودجاه مثل مديد شعرك طولا ) ( أرسلت لي فيه الخيال فكان لي * دون الأنيس مؤانسا وخليلا ) ( إن لم أجد للوجد فيك بمهجتي * لا نال قلبي من وصالك سولا ) وله في حراث ( عشقت حراثا مليحا غدا * في يده المساس ما أجمله ) ( كأنه الزهرة قدامه الثور * يراعي مطلع السنبله ) وفيها سراج الدين يونس بن عبد المجيد بن علي الأرمنتي نسبة إلى أرمنت من صعيد مصر الأعلى ولد بها في المحرم سنة أربع وأربعين وستمائة واشتغل بقوص على الشيخ مجد الدين القشيري وأجازه بالفتوى ثم ورد مصر فاشتغل على علمائها وسمع من الرشيد العطار وغيره وصار في الفقه من كبار الأئمة مع فضله في النحو والأصول وغير ذلك وتصدر لإفادة الطلبة وصنف كتابا سماه المسائل المهمة في اختلاف الأئمة وكتاب الجمع والفرق وولاه ابن بنت الأعز قضاء أخميم ثم صار يتنقل في أقاليم الديار المصرية مشكور السيرة محمود الحال إلى أن تولى القوصية فأقام بها سنين قليلة فلسعه ثعبان في المهشد بظاهر قوص فمات به في ربيع الآخر وذكر قبل موته بقليل أنه لم يبق أحد في الديار المصرية أقدم منه في الفتوى (6/70)

71 وكان أديبا شاعرا حسن المحاضرة وجد بعضهم مكتوبا بخطه على ظهر كتاب له ( الحال مني يا فتى * يغني عن الخبر المفيد ) ( فبغير سكين ذبحت * فؤاد حر في الصعيد ) فكان كذلك لم يخرج من قوص كما سبق وله البيتان المعروفان في الكفاءة ( شرط الكفاءة حررت في ستة * ينبيك عنها بيت شعر مفرد ) ( نسب ودين صنعة حرية * فقد العيوب وفي اليسار تردد ) قاله الأسنوي سنة ست وعشرين وسبعمائة فيها في شعبانها أخذ ابن تيمية وحبس بقلعة دمشق في قاعة ومعه أخوه عبد الرحمن يؤنسه وعزروا جماعة من أصحابه منهم ابن القيم وفيها توفي زين الدين أبو بكر بن يوسف المري بن الحريري الشافعي كان عالما متواضعا مقريا بالسبع أخذ عن الزواوي وحفظ الفقه والنحو وحدث عن خطيب مردا والبكري وابن عبد الدايم وله جهات وكان مقريا مدرسا توفي بدمشق في ربيع الأول عن ثمانين سنة وفيها الخطيب المسند تقي الدين أحمد بن إبراهيم بن عبد الله ابن أبي عمر المقدسي الحنبلي سمع من خطيب مردا السيرة وسمع من اليلداني والبكري ومحمد بن عبد الهادي حضورا ومن إبرهيم بن خليل وأجاز له السبط وجماعة وكان يخطب جيدا بالجامع المظفري وتوفي في جمادى الآخرة عن بضع وسبعين سنة وفيها المعمرة أمة الرحمن ست الفقهاء بنت الشيخ تقي الدين إبراهيم بن علي ابن الواسطي الصالحية المحدثة سمعت جزاء ابن عرفة من عبد الحق حضورا وسمعت من إبراهيم بن خليل وغيره وأجاز لها جعفر الهمذاني وكريمة وأحمد بن المعز وابن القسطي وعدد كثير وكانت مشاركة صالحة مباركة روت الكثير وهي والدة فاطمة بنت الدباهي توفيت في ربيع الآخر عن ثلاث وتسعين سنة (6/71)

72 وفيها الفاضل الأديب الحسن بن أحمد بن زفر الأربلي سافر وتغرب ودخل إلى بلاد العجم واشتغل بالطب واستوطن دمشق وأقام بها صوفيا بدويرة حمد إلى أن مات وكان يعرف النحو والأدب والتاريخ ومن شعره ( وإذا المسافر آب مثل مفلسا * صفر اليدين من الذي رجاه ) ( وخلا عن الشيء الذي يهديه * للأخوان عند لقائهم إياه ) ( لم يفرحوا بقدومه وتثقلوا * بوروده وتكرهوا لقياه ) ( وإذا أتاهم قادما بهدية * كان السرور بقدر ما أهداه ) وفيها الزاهد الكبير الشيخ حماد التاجر بن القطان كان يقرىء القرآن ويحكي عجايب عن الفقراء وفيه زهد وتعفف ويحضر السماع ويصيح وله وقع في القلوب توفي بالعقيبة عن ست وتسعين سنة وفيها الشيخ علاء الدين علي بن محمد السكاكري الشاهد كان رأسا في كتابة الشروط وفيه شهامة وحط على الكبار ولكنه متحرز في الشهادة ساء ذهنه بأخرة وأجاز له عبد العزيز بن الزبيدي وهبة الله بن الواعظ وغيرهما وسمع من ابن عبد الدايم وجماعة وتوفي في المحرم عن ثمانين سنة وفيها خطيب المدينة وقاضيها سراج الدين عمر بن أحمد بن طراد الخزرجي المصري الشافعي حدث عن الرشيد وأجازه الشرف المرسي والمنذري وتفقه بابن عبد السلام قليلا ثم بالسديد التزمنتي والنصير بن الطباخ وخطب بالمدينة أربعين سنة ثم سافر إلى مصر ليتداوى فأدركه الموت بالسويس عن تسعين سنة وفيها العالم المسند شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي بن الهيجاء بن الزراد الصالحي روى شيئا كثيرا وتفرد قال الذهبي وخرجت له مشيخة روى عن البلخي ومحمد بن عبد الهادي والبلداني وخطيب مردا والبكري وكان يروي السند والسيرة ومسند أبي عوانة والأنواع والتقاسيم ومسند أبي يعلى وأشياء وافتقر واحتاج وتغير ذهنه قبل موته ولم يختلط وتوفي بقاسيون عن ثمانين سنة وفيها شمي الدين (6/72)

73 أبو عبد الله محمد بن مسلم بن مالك بن مزروع بن جعفر الزيني الصالحي الفقيه الحنبلي قاضي قضاة المدينة المنورة ولد سنة اثنتين وستين وستمائة وتوفي أبوه سنة ثمان وستين وكان من الصالحين فنشأ يتيما فقيرا وكان قد حضر على ابن عبد الدايم وعمر الكرماني وسمع من ابن البخاري وطبقته وأكثر عن ابن الكمال وعنى بالحديث وتفقه وأفتى وبرع في العربية وتصدى للاشتغال والإفادة واشتهر اسمه مع الديانة والورع والزهد والاقتناع باليسير ثم بعد موت القاضي تقي الدين سليمان ورد تقليده للقضاء في صفر سنة ست عشرة موضعه فتوقف في القبول ثم استخار الله تعالى وقبل بعد أن شرط أن لا يلبس خلعة حرير ولا يركب في المواكب قال الذهبي في معجمه برع في المذهب والعربية واقرأ الناس مدة على ورع وعفاف ومحاسن جمة ثم ولي القضاء بعد تمنع فشكر وحمد ولم يغير زيه واجتهد في الخير وفي عمارة أوقاف الحنابلة وكان من قضاة العدل والح قلا يخاف في الله لومة لائم وهو الذي حكم على ابن تهيمية بمنعه من الفتيا بمسائل الطلاق وغيرها مما يخالف المذهب وقد حدث وسمع منه جماعة وخرج له المحدثون تخاريج عدة وحج ثلاث مرات ثم حج رابعة فتمرض في طريقه فورد المدينة المنورة يوم الإثنين ثالث عشرى ذي القعدة وهو ضعيف فصلى في المسجد وسلم على النبي وكان بالأشواق إلى ذلك في مرضه ثم مات عشية ذلك اليوم وصلى عليه بالروضة الشريفة ودفن بالبقيع شرقي قبر عقيل رضي الله عنه وفيها كمال الدين محمد بن علي بن عبد القادر التميمي الهمذاني ثم المصري الشافعي حدث عن النجيب وجماعة وقرأ عليه ولده الإمام نور الدين صحيح البخاري وله عليه حواش بخطه المنسوب وكان إماما قاضيا توفي بمصر عن إحدى وسبعين سنة وفيها الصدر الكبير قطب الدين موسى ابن الشيخ الفقيه أبي عبد الله محمد بن أبي الحسين عبد الله اليونيني الحنبلي المؤخ ولد بدمشق سنة أربعين وستمائة وسمع من أبيه ومن ابن عبد الدايم وعبد العزيز شيخ (6/73)

شيوخ حماة وبمصر من الرشيد العطار وإسمعيل بن صارم وجماعة وأجاز له ابن رواج 74 والبشيري قال الذهبي كان عالما فاضلا مليح المحاضرة كريم النفس معظما جليلا حدثنا بدمشق وبعلبك وجمع تاريخا حسنا ذيل به على مرآة الزمان واختصر المرآة قال وانتفعت بتاريخه ونقلت منه فوائد جمة وقد حسنت في آخر عمره حالته وأكثر من العزلة والعبادة وكان مقتصدا في لباسه وزيه صدوقا في نفسه مليح الشيبة كثير الهيبة وافر الحرمة توفي ببعلبك عن ست وثمانين سنة ودفن عند أخيه بباب سطحا وفيها جمال الدين يوسف بن عبد المحمود بن عبد السلام البغدادي المقري الفقيه الحنبلي الأديب النحوي المتفنن قرأ بالروايات وسمع الحديث من محمد بن حلاوة وعلي بن حصين وعبد الرزاق الفوطي وغيرهم وقرأ بنفسه على ابن الطبال وأخذ عن ابن القواس شارح الفية ابن معطي الأدب والعربية والمنطق وغير ذلك وتفقه بالشيخ تقي الدين الزيزراني وكان معيدا عنده بالمستنصرية قال الطوفي استفدت منه كثيرا وكان نحوى العراق ومقريه عالما بالأدب له حظ من الفقه والأصول والفرائض والمنطق وقال ابن رجب نالته في آخر عمره محنة واعتقل بسبب موافقته الشيخ تقي الدين بن تيمية في مسئلة الزيارة وكتابته عليها مع جماعة من علماء بغداد وتخرج به جماعة وتوفي في حادي عشر شوال ودفن بمقبرة الإمام أحمد وفيها كبير السادة الأشراف ناصر الدين يونس بن أحمد الحسيني الدمشقي عن إحدى وثمانين سنة وكان رئيسا وسيما حدث عن خطيب مردا وذكر للنقابة وفيها هلك قتلا بالسيف ناصر بن أبي الفضل ضربت عنقه لثبوت زندقته على قاضي القضاة شرف الدين بن مسلم الحنبلي ونقل الثبوت إلى قاضي القضاة شرف الدين المالكي فأنفذه وحكم بإراقة دمه وعدم قبول توبته وأن أسلم مع العلم بالخلاف وطلع معه عالم عظيم فصلى ركعتين وضربت عنقه وكان في ابتداء أمره من أحسن الناس صورة حسن الصوت وعاشر الكبار وانتفع بهم وكان كثير المزح والمجون ولما كبر اجتمع (6/74)

بمحلولي العقيدة متل ابن المعمار والباجر بقي والنجم بن خلكان وغيرهم فانحلت عقيدته وتزندق من غير علم فشهد عليه فهرب إلى بلاد الروم ثم قدم حلب واجتمع بالشيخ كمال الدين 75 ابن الزملكاني فأكرمه واستتابه ثم ظهر منه زندقة عظيمة فسيره إلى دمشق فضربت عنقه وهو من أبناء الستين وفرح الناس بذلك ثم ضربت عنق توما الراهب الذي أسلم من ثلاث سنين وارتد سرا ثم أفشى ذلك عند المالكي فقتل وأحرق ولم يتكهل وهو بعلبكي وفيها هلك المعمر فضل الله بن أبي الفخر بن السقاعي النصراني الكاتب ببستانه بارزة ودفن في مقابر النصارى وكان خبيرا في صناعته باشر ديوان المرتجع ثم نقل إلى ديوان البرنم ثم انقطع عن ذلك كله وكانت عنده فضيلة في دينه جمع الأناجيل الأربعة إنجيل متى ومرقص ولوقا ويوحنا وجعلها إنجيلا واحدا في كتاب بألسنة مختلفة عبراني وسرياني وقبطي ورومي وذكر في كل فصل ما قاله الآخر وذكر اختلاف الحواريين وبين عباراتهم وكان يقول أنه يحفظ التوراة والإنجيل والمزامير وكان المكين بن العميد النصراني قد عمل تاريخا من أول العالم إلى سنة ثمان وخمسين وستمائة فكتبه ابن السقاعي بخطه وذيل عليه إلى سنة عشرين وسبعمائة واختصر تاريخ ابن خلكان وذيل عليه وعمل وفيات المطربين وغير ذلك وقارب مائة سنة سنة سبع وعشرين وسبعمائة فيها توفي الشيخ نجم الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن مكي بن يس القرشي المخزومي القمولي بالفتح والضم نسبة إلى قمولة بلد بصعيد مصر المصري الشافعي قال الأسنوي تسربل بسربال الورع والتقى وتعلق بأسباب الرقى فارتقى وغاص مع الأولياء فركب في فلكهم وأكرمهم حتى انتظم في سلكهم كان إماما في الفقه عارفا بالأصول والعربية صالحا سليم الصدر كثير الذكر والتلاوة متواضعا متوددا كريما كبير المروءة شرح الوسيط شرحا مطولا أقرب تناولا من شرح ابن الرفعة وإن كان كثير الاستمداد منه وأكثر فروعا منه أيضا بل لا أعلم كتابا في (6/75)

76 المذهب أكثر مسائل منه سماه البحر المحيط في شرح الوسيط ثم لخص أحكامه خاصة كتلخيص الروضة من الرافعي سماه جواه رالبحر وشرح مقدمة ابن الحاجب في النحو شرحا مطولا وشرح الأسماء الحسنى في مجلد وكمل تفسير ابن الخطيب وتولى تدريس الفخرية بالقاهرة ونيابة الحكم توفي في رجب ودفن بالقرافة وفيها الرئيس العابد الأمين ضياء الدين إسمعيل بن عمر بن الحموي الدمشقي الكاتب سمع من خطيب القرافة وشيخ الشيوخ وكان ذا حظ من صيام وقيام وإطعام وإيثار تام بصيرا بالحساب شارف الجامع مدة والخزانة وتوفي بتدمشق في صفر عن اثنتين وتسعين سنة وفيها الملك أبو يحيى زكريا بن أحمد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن محمد الهنتاني المغربي ويعرف باللحياني وقد وزر أبوه لابن عمه المستنصر بتونس مدة اشتغل زكريا في الفقه والنحو فبرع في ذلك وتملك يونس وحج سنة تسع وسبعمائة ورجع فبايعوه في سنة إحدى عشرة ولقبوه بالقايم بأمر الله فاستمر سبع سنين ثم تحول إلى طرابلس المغرب وأخذت منه تونس فتوجه إلى الأسكندرية في سنة إحدى وعشرين فسكنها وكان قد أسقط ذكر المهدي المعصوم أعتى ابن تومرت من الخطب وتوفي بالثغر عن بضع وثمانين سنة وفيها المفتي الزاهد القدوة شرف الدين عبد الله بن عبد الحليم بن عبد السلام بن أبي القسم بن الخضر بن محمد بن تيمية الحراني ثم الدمشقي الحنبلي الفقيه الإمام المتقن أبو محمد أخو الشيخ تقي الدين ولد في حادي عشر محرم سنة ست وستين وستمائة بحران وقدم مع أهله إلى دمشق رضيعا فحضر بها على ابن أبي اليسر وغيره ثم سمع ابن علان وابن الصيرفي وخلقا وسمع المسند والصحيحين وكتب السنن وتفقه في المذهب حتى أفتى وبرع أيضا في الفرائض والحساب وعلم الهيئة وفي الأصلين والعربية وله مشاركة قوية في الحديث ودرس بالحنبلية مدة وكان صاحب صدق وإخلاص قانعا باليسير شريف النفس شجاعا مقداما مجاهدا زاهدا عابدا ورعا يخرج من بيته ليلا ويأوي إليه نهارا ولا (6/76)

يجلس في مكان معين بحيث يقصد فيه لكنه يأوي المساجد المهجورة خارج البلد 77 فيختلي فيها للصلاة والذكر وكان كثير العبادة والتأله والمراقبة والخوف من الله تعالى ذا كرامات وكشوف كثير الصدقات والإيثار بالذهب والفضة في حضره وسفره مع فقره وقلة ذات يده وكان رفيقه في المحمل في الحج يفتش رحله فلا يجد فيه شيئا ثم يراه يتصدق بذهب كثير جدا وهذا أمر مشهور معروف عنه وحج مرات متعددة وكان له يد طولى في معرفة تراجم السلف ووفياتهم في التواريخ المتقدمة والمتأخرة وجلس مع أخيه مدة في الديار المصرية وقد استدعى غير مرة وحده للمناظرة فناظر وأفحم الخصوم وسئل عنه الشيخ كمال الدين بن الزملكاني فقال هو بارع في فنون عديدة من الفقه والنحو والأصول ملازم لأنواع الخير وتعليم العلم حسن العبارة قوي في دينه مليح البحث صحيح الذهن قوي الفهم رحمه الله قاله ابن رجب وذكره الذهبي في المعجم وغيره وأثنى عليه كثيرا توفي رحمه الله تعالى يوم الأربعاء رابع عشر جمادى الأولى بدمشق وصلى عليه الظهر بالجامع وحمل إلى القلعة فصلى عليه أخواه تقي الدين وعبد الرحمن وغيرهما صلى عليه أخواه في السجن لأن التكبير عليه كان يبلغهم وكان وقتا مشهودا ثم صلى عليه مرة ثالثة ورابعة وحمل على الرؤوس والأصابع فدفن في مقابر الصوفية وفيها الشيخ عز الدين عبد العزيز بن أحمد بن عثمان بن عيسى بن عمر بن الخضر الكردي الشافعي ويعرف بابن خطيب الأشمونين قال ابن شهبة سمع من عبد الصمد بن عساكر بمكة وسمع بدمشق وغيرها من جماعة وتفقه وتفنن وفاق الأقران وكان قد عين لقضاء دمشق بعد موت ابن صصرى فلم يتفق ودرس وأفتى وصنف على حديث الأعرابي الذي جامع في رمضان كتابا نفيسا مشتملا على ألف فائدة وفائدة وولي قضاء قوص وقضاء المحلة ثم قدم القاهرة فمات بها في رمضان انتهى وقال السبكي له تصانيف كثيرة حسنة وأدب وشعر وفيها المعمر شمس الدين محمد بن أحمد بن منعة بن مطرف القنوي ثم (6/77)

الصالحي سمع من عبد الحق حضورا ومن ابن قميرة والمرسي واليلداني وأجاز له الضياء الحافظ وابن يعيش 78 النحوي وروى جملة وتفرد وتوفي في المحرم عن اثنتين وتسعين سنة وفيها النور علي بن عمر بن أبي بكر الداني الصوفي سمع من ابن رواح والسبط والمرسي وتفرد بعوالي وكان دينا خيرا أضر ثم أبصر وتوفي بمصر في المحرم عن اثنتين وتسعين سنة وفيها قاضي القضاة صدر الدين علي بن الإمام صفي الدين أبي القسم بن محمد بن عثمان بن محمد البصراوي الحنفي ولد في رجب سنة اثنين وأربقعين وستمائة بقلعة بصرى وكان من أكابر علماء الحنفية اشتغل على قاضي القضاة شمس الدين بن عطاء ودرس في المقدمية والخاتونية البرانية والنورية وولي القضاء وكان متحريا في أحكامه متعه الله بسمعه وبصره وجميع حواسه إلى أن توفي ببستانه بأرض سطرا وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن القسم بن أبي العز بن الوراق الموصلي المقري الفقيه الحنبلي المحدث النحوي ويعرف بابن الخروف ولد في حدود الأربعين وستمائة بالموصل وقرأ بها القراءات على عبد الله بن إبراهيم الجزري الزاهد وقصد الإمام أبا عبد الله شعلة ليقرأ عليه فوجده مريضا مرض الموت ثم رحل ابن خروف إلى بغداد بعد الستين وقرأ بها القراءات بكتب كثيرة في السبع والعشر على الشيخ عبد الصمد بن أبي الجيش ولازمه مدة طويلة وقرأ القراءات أيضا على أبي الحسن بن الوجوهي وسمع الحديث منهما ومن ابن وضاح وذكر الذهبي أنه حفظ الخرقي وعنى بالحديث وقرأ في التفسير على الكواشي المفسر بالموصل وقرأ بها أيضا على الغرنوي معالم التنزيل للبغوي وتصدى للأقراء والاشتغال ببلده مدة وقرأ عليه جماعة وقدم الشام سنة سبع عشرة فسمع منه الذهبي والبرزالي وذكره في معجمه وأثنى عليه وسمع منه أيضا أبو حيان وعبد الكريم الحلبي وذكره في معجمه ورجع إلى بلده الموصل فتوفي بها في ثامن جمادى الأولى ودفن بمقبرة المعافى بن عمران رضي الله عنه وفيها الشيخ (6/78)

كمال الدين أبو المعالي محمد بن علي بن عبد الواحد بن عبد الكريم بن خلف بن نبهان الأنصاري الشافعي بن خطيب زملكا ويعرف بابن الزملكاني ولد في شوال سنة سبع وقيل 79 ست وستين وستمائة وسمع من جماعة وطلب الحديث بنفسه وكتب الطباق بخطه وقرأ الفقه على الشيخ تاج الدين الفزاري والأصول على بهاء الدين بن الزكي والصفي الهندي والنحو على بدر الدين بن مالك وجود الكتابة على نجم الدين ابن البصيص وكتب الإنشاء مدة وولي نظر الخزانة مدة ووكالة بيت المال ونظر المارستان ودرس بالعادلية الصغرى وتربة أم الصالح ثم بالشامية البرانية والظاهرية الجوانية والعدراوية والرواحية والمسرورية وجلس بالجامع للأشغال وله تسع عشرة سنة أرخ ذلك شيخه الشيخ تاج الدين ثم ولي قضاء حلب سنة أربع وعشرين بغير رضاه ودرس بها بالسلطانية والسيفية والعصرونية والأسدية ثم طلب إلى مصر ليشافهه السلطان بقضاء الشام فركب البريد فمات قبل وصوله إلى مصر ومن مصنفاته الرد على ابن تيمية في مسئلة الزيارة والرد عليه في مسألة الطلاق قال ابن كثير في مجلد قال وعلق قطعة كبيرة من شرح المنهاج للنووي وله كتاب في فضل الملك على البشر قال الذهبي في معجمه المختص شيخنا عالم العصر طلب بنفسه وقرأ على الشيوخ ونظر في الرجال والعلل وكان عذب القراءة سريعا وكان من بقايا المجتهدين ومن أذكياء زمانه ودرس وأفتى وصنف وتخرج به الأصحاب وقال ابن كثير انتهت إليه رياسة المذهب تدريسا وإفتاء ومناظرة برع وساد أقرانه وحاز قصب السبق عليهم بذهنه الوقاد وتحصيله الذي أسهره ومنعه الرقاد وعبارته التي هي أشهى من السهاد وخطه الذي هو أنضر من أزاهير المهاد إلى أن قال أما دروسه في المحافل فلم أسمع أحدا من الناس يدرس أحسن منه ولا أجل من عبارته وحسن تقريره وجودة احترازاته وصحة ذهنه وقوة قريحته وحسن نظره توفي في رمضان ببلبيس وحمل إلى القاهرة ودفن جوار قبة الشافعي رضي الله عنه وفيها فخر الدين (6/79)

محمد بن محمد بن محمد المعروف بابن الصقلي ضبطه بعضهم بفتح الصاد والقاف وبعضهم بفتح الصاد وكسر القاف نسبة إلى جزيرة صقلية في بحر الروم الشافعي تفقه في القاهرة على الشيخ قطب الدين السنباطي 80 وناب في القضاء بظاهر القاهرة وصنف التنجيز في الفقه وهو التعجيز إلا أنه يزيد فيه التصحيح على طريقة النووي ويشير إلى تصحيح الرافعي بالرموز وزاد فيه بعض قيود قال السبكي كان فقيها فاضلا دينا ورعا توفي بالقاهرة في ذي القعدة وفيها القاضي الأديب شمس الدين محمد بن الشهاب محمود كاتب السر توفي في شوال عن ثمان وخمسين سنة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة فيها نقض رخام الحائط القبلي من ناحية جامع دمشق الغربية فوجد الحائط منحدبا فنقض كأنه تغير من زلزلة فأخبر إلى الأرض مساحة خمسين ذراعا فبنى وأحدث فيه محراب للحنفية وجدد ترخيم حيطان الجامع سوى المقصورة وأركان القبة وفيها توفي الإمام القدوة عز الدين إبراهيم بن أحمد بن عبد المحسن الحسيني العراقي الشافعي من ولد موسى الكاظم سمع من والده وحليمة بنت ولد جمال الإسلام والبادراي وجماعة وأجاز له ابن يعيش وابن رواج ونسخ بالأجرة وتفرد مع التقوى والعلم والورع توفي بالثغر في المحرم عن تسعين سنة وفيها شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحراني الحنبلي بل المجتهد المطلق ولد بحران يوم الإثنين عاشر ربيع الأول سنة إحدى وستين وستمائة وقدم به والده وباخويه عند استيلاء التتار على البلاد إلى دمشق سنة سبع وستين فسمع الشيخ بها ابن عبد الدابم وابن أبي اليسر والمجد بن عساكر ويحيى بن الصيرفي والقسم الأربلي والشيخ شمس الدين ابن أبي عمر وغيرهم وعنى بالحديث وسمع المسند مرات والكتب الستة ومعجم الطبراني الكبير وما لا يحصى من الكتب والأجزاء وقرأ بنفسه وكتب بخطه جملة من الأجزاء وأقبل على العلوم في صغره فأخذ الفقه والأصول عن والده وعن الشيخ شمس (6/80)

الدين بن أبي عمر والشيخ زين الدين بن المنجا وبرع في ذلك وناظر وقرأ العربية 81 على ابن عبد القوي ثم أخذ كتاب سيبويه فتأمله وفهمه وأقبل على تفسير القرآن الكريم فبرز فيه واحكم أصول الفقه والفرائض والحساب والجبر والمقابلة وغير ذلك من العلوم ونظر في الكلام والفلسفة وبرز في ذلك على أهله ورد على رؤسائهم وأكابرهم ومهر في هذه الفضائل وتأهل للفتوى والتدريس وله دون العشرين سنة وأفتى من قبل العشرين أيضا وأمده الله بكثرة الكتب وسرعة الحفظ وقوة الإدراك والفهم وبطء النسيان حتى قال غير واحد أنه لم يكن يحفظ شيئا فينساه ثم توفي والده وله إحدى وعشرون سنة فقام بوظائفه بعده مدة فدرس بدار الحديث التنكزية المجاورة لحمام نور الدين الشهيد في البزورية في أول سنة ثلاث وثمانين وحضر عنده قاضي القضاة بهاء الدين بن الزكي والشيخ تاج الدين الفزاري وابن المرحل وابن المنجا وجماعة فذكر درسا عظيما في البسملة بحيث بهر الحاضرين وأثنوا عليه جميعا قال الذهبي وكان الشيخ تاج الدين الفزاري يبالغ في تعظيم الشيخ تقي الدين بحيث أنه علق بخطه درسه بالتنكرية ثم جلس عقب ذلك مكان والده بالجامع على منبر أيام الجمع لتفسير القرآن العظيم وشرع من أول القرآن فكان يورد في المجلس من حفظه نحو كراسين أو أكثر وبقي يفسر في سورة نوح عدة سنين أيام الجمع وقال الذهبي في معجم شيوخه شيخنا وشيخ الإسلام وفريد العصر علما ومعرفة وشجاعة وذكاء وتنويرا إلهيا وكرما ونصحا للأمة وأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر سمع الحديث وأكثر بنفسه من طلبه وكتب وخرج ونظر في الرجال والطبقات وحصل ما لم يحصله غيره وبرع في تفسير القرآن وغاص في دقيق معانيه بطبع سيال وخاطر وقاد إلى مواضع الأشكال ميال واستنبط منه أشياء لم يسبق إليها وبرع في الحديث وحفظه فقل من يحفظ ما يحفظ من الحديث معزوا إلى أصوله وصحابته مع شدة استحضار له وقت إقامة الدليل وفاق الناس في معرفة الفقه واختلاف (6/81)

المذاهب وفتاوى الصحابة والتابعين بحيث أنه إذا أفتى لم يلتزم بمذهب بل بما يقوم دليله عنده وأتقن العربية أصولا وفروعا 82 وتعليلا واختلافا ونظر في العقليات وعرف أقوال المتكلمين ورد عليهم ونبه على خطأهم وحذر ونصر السنة بأوضح حجج وأبهر براهين وأوذى في ذات الله من المخالفين وأخيف في نصر السنة المحضة حتى أعلى الله مناره وجمع قلوب أهل التقوى على محبته والدعاء له وكبت أعداءه وهدى به رجالا كثيرة من أهل الملل والنحل وجبل قلوب الملوك والأمراء على الانقياد له غالبا وعلى طاعته وأحيا به الشام بل الإسلام بعد أن كاد ينثلم خصوصا في كائنة التتار وهو أكبر من أن ينبه على سيرته مثلى فلو حلفت بين الركن والمقام لحلفت أني ما رأيت بعيني مثله وأنه ما رأى مثل نفسه انتهى كلام الذهبي وكتب الشيخ كمال الدين بن الزملكاني تحت اسم ابن تيمية كان إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن وحكم أن أحدا لا يعرفه مثله وكان الفقهاء من سائر الطوائف إذا حابسوه استفادوا في مذاهبهم منه أشياء ولا يعرف أنه ناظر أحدا فانقطع معه ولا تكلم في علم من العلوم سواء كان من علوم الشرع أو غيرها إلا فاق فيه أهله واجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها وكتب الحافظ ابن سيد الناس في جواب سؤالات الدمياطي في حق ابن تيمية الفيته ممن أدرك من العلوم حظا وكان يستوعب السنن والآثار حفظا أن تكلم في التفسير فهو حامل رايته وإن أفتى في الفقه فهو مدرك غايته أو دان بالحديث فهو صاحب علمه وذو روايته أو حاضر بالحنل والملل لم ير أوسع من نحلته ولا أرفع من درايته برز في كل فن على أبناءه جنسه ولم تر عين من رآه مثله ولا رأت عينه مثل نفسه وقال الذهبي في تاريخه الكبير بعد ترجمة طويلة بحيث يصدق عليه أن يقال كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث وترجمة ابن الزملكاني أيضا ترجمة طويلة وأثنى عليه ثناء عظيما وكتب تحت ذلك ( ماذا يقول الواصفون له (6/82)

  • وصفاته جلت عن الحصر ) ( هو حجة لله باهرة * هو بيننا أعجوبة الدهر )

83 ( هو آية للخلق ظاهرة * أنوارها أربت على الفجر ) وللشيخ أثير الدين أبي حيان النحوي لما دخل الشيخ مصر واجتمع به فأنشد أبو حيان ( لما رأينا تقي الدين لاح لنا * داع إلى الله فردا ما له وزر ) ( على محياه من سيما الأولى صحبوا * خير البرية نور دونه القمر ) ( حبر تسربل منه دهره حبرا * بحر تقاذف من أمواجه الدرر ) ( قام ابن تيمية في نصر شرعتنا * مقام سيد تيم إذ عصت مضر ) ( فأظهر الدين إذ آثاره درست * وأحمد الشرك إذ طارت له شرر ) ( يا من تحدث عن علم الكتاب أصخ * هذا الإمام الذي قد كان ينظر ) يشير بهذا إلى أنه المجدد وممن صرح بذلك الشيخ عماد الدين الواسطي وقد توفي قبل الشيخ وقال في حق الشيخ بعد ثناء طويل جميل ما لفظه فوالله ثم والله ثم والله لم ير تحت أديم السماء مثل شيخكم ابن تيمية علما وعملا وحالا وخلقا واتباعا وكرما وحلما وقياما في حق الله عند انتهاك حرماته أصدق الناس عقدا وأصحهم علما وعزما وأنفذهم وأعلاهم في انتصار الحق وقيامه همة وأسخاهم كفا وأكملهم اتباعا لنبيه محمد ما رأينا في عصرنا هذا من تستجلي النبوة المحمدية وسننها من أقواله وأفعاله إلا هذا الرجل يشهد القلب الصحيح إن هذا هو الاتباع حقيقة وقال الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد وقد سئل عن ابن تيمية بعد اجتماعه به كيف رأيته فقال رأيت رجلا سائر العلوم بين عينيه يأخذ ما شاء منها ويترك ما شاء فقيل له فلم لا تتناظرا قال لأنه يحب الكلام وأحب السكوت وقال برهان الدين بن مفلح في طبقاته كتب العلامة تقي الدين السبكي إلى الحافظ الذهبي في أمر الشيخ تقي الدين بن تيمية فالمملوك يتحقق قدره وزخاره بحره وتوسعته في العلوم الشرعية والعقلية وفرط ذكائه واجتهاده وأنه بلغ من ذلك كل المبلغ الذي يتجاوزه الوصف والمملوك يقول ذلك دائما وقدره في نفسي أكبر من ذلك وأجل مع ما جمعه الله له من (6/83)

الزهادة والورع والديانة ونصرة الحق والقيام فيه لا لغرض سواه وجريه 84 على سنن السلف وأخذه من ذلك بالمأخذ الأوفى وغرابة مثله في هذا الزمان بل في أزمان انتهى وقال العلامة الحافظ ابن ناصر الدين في شرح بديعته بعد ثناء جميل وكلام طويل حدث عنه خلق منهم الذهبي والبرزالي وأبو الفتح بن سيد الناس وحدثنا عنه جماعة من شيوخنا الأكياس وقال الذهبي في عد مصنفاته المجودة وما أبعد أن تصانيفه إلى الآن تبلغ خمسماية مجلدة وأثنى عليه الذهبي وخلق بثناء حميد منهم الشيخ عماد الدين الواسطي العارف والعلامة تاج الدين عبد الرحمن الفزاري وابن الزملكاني وأبو الفتح وابن دقيق العيد وحسبه من الثناء الجميل قول أستاذ أئمة الجرح والتعديل أبي الحجاج المزي الحافظ الجليل قال عنه ما رأيت مثله ولا رأى هو مثل نفسه وما رأيت أحدا أعلم بكتاب الله وسنة رسوله ولا اتبع لهما منه وترجمه بالاجتهاد وبلوغ درجته والتمكن في أنواع العلوم والفنون ابن الزملكاني والذهبي والبرزالي ابن عبد الهادي وآخرون ولا يخلف بعده من يقاربه في العلم والفضل انتهى كلام ابن ناصر الدين ملخصا وكان الشيخ العارف بالله أبو عبد الله ابن قوام يقول ما أسلمت معارفنا إلا على يد ابن تيمية وقال ابن رجب كانت العلماء والصلحاء والجند والأمراء والتجار وسائر العامة تحبه لأنه منتصب لنفعهم ليلا ونهارا بلسانه وعلمه ثم قال ابن رجب وغيره ذكر نبذة من مفرداته وغرائبه اختار ارتفاع الحدث بالمياه المعتصرة كماء الورد ونحوه والقول بأن المائع لا ينجس بوقوع النجاسة فيه إلا أن يتغير قليلا كان أو كثيرا والقول بجواز المسح على النعلين والقدمين وكلما يحتاج في نزعه من الرجل إلى المعالجة باليد أو بالرجل الأخرى فإنه يجوز المسح عليه مع القدمين واختار أن المسح على الخفين لا يتوقت مع الحاجة كالمسافر على البريد ونحوه وفعل ذلك في ذهابه إلى الديار المصرية على خيل البريد ويتوقت مع إمكان النزع (6/84)

وتيسره واختار جواز المسح على اللفايف ونحوها واختار جواز التيم بخشية فوات الوقت في حق غير المعذور كمن أخر الصلاة عمدا حتى تضايق وقتها وكذا من خشي فوات الجمعة والعيدين وهو محدث 85 واختار أن المرأة إذا لم يمكنها الاغتسال في البيت وشق عليها النزول إلى الحمام وتكرره أنها تتيمم وتصلي واختار أن لا حد لأقل الحيض ولا لأكثره ولا لأقل الطهر بين الحيضتين ولا لسن الإياس وأن ذلك يرجع إلى ما تعرفه كل امرأة من نفسها واختار أن تارك الصلاة عمدا لا يجب عليه القضاء ولا يشرع له بل يكثر من النوافل وأن القصر يجوز في قصير السفر وطويله كما هو مذهب الظاهرية واختار القول بأن البكر لا تستبرأ وإن كانت كبيرة كما هو قول ابن عمر واختاره البخاري صاحب الصحيح والقول بأن سجود التلاوة لا يشترط له وضوء كما هو مذهب ابن عمر واختيار البخاري والقول بأن من أكل في شهر رمضان معتقدا أنه ليل وكان نهارا لا قضاء عليه كما هو الصحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإليه ذهب بعض التابعين وبعض الفقهاء بعدهم والقول بجواز المسابقة بلا محلل وإن أخرج المتسابقان والقول باستبراء المختلعة بحيضة وكذلك الموطوءة بشبهة والمطلقة آخر ثلاث تطليقات والقول بإباحة وطء الوثنيات بملك اليمين وجواز طواف الحائض ولا شيء عليها إذا لم يمكنها أن تطوف طاهرا والقول بجواز بيع الأصل بالعصير كالزيتون بالزيت والسمسم بالسيرج والقول بجواز بيع ما يتخذ من الفضة للتحلي وغيره كالخاتم ونحوه بالفضة متفاضلا وجعل الزايد من الثمن في مقابلة الصنعة والقول ومن أقواله المعروفة المشهورة التي جرى بسبب الافتاء بها محن وقلاقل قوله بالتكفير في الحلف بالطلاق وأن الطلاق الثلاث لا يقع إلا واحدة وأن الطلاق المحرم لا يقع وله في ذلك مؤلفات كثيرة لا تنحصر ولا تنضبط وقال ابن رجب مكث الشيخ معتقلا في القلعة من شعبان سنة ست وعشرين إلى ذي القعدة سنة ثمان وعشرين ثم مرض بضعة وعشرين يوما ولم (6/85)

يعلم أكثر الناس بمرضه ولم يفجأهم إلا موته وكانت وفاته في سحر ليلة الإثنين عشرى ذي القعدة ذكره مؤذن القلعة على منارة الجامع وتكلم به الحرس على الأبرجة فتسامع الناس بذلك وبعضهم علم به في منامه واجتمع الناس حول القلعة حتى أهل 86 الغوطة والمرج ولم يطبخ أهل الأسواق ولا فتحوا كثيرا من الدكاكين وفتح باب القلعة واجتمع عند الشيخ خلق كثير من أصحابه يبكون ويثنون وأخبرهم أخوه زين الدين عبد الرحمن أنه ختم هو والشيخ منذ دخلا القلعة ثمانين ختمة وشرعا في الحادية والثمانين وانتهيا إلى قوله تعالى ( ^ إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) فشرع حينئذ الشيخان الصالحان عبد الله بن المحب الصالحي والزرعي الضرير وكان الشيخ يحب قراءتهما فابتدآ من سورة الرحمن حتى ختما القرآن وخرج من عند من كان حاضرا إلا من يغسله ويساعد على تغسيله وكانوا جماعة من أكابر الصالحين وأهل العلم كالمزي وغيره وما فرغ من تغسليه حتى امتلأت القلعة وما حولها بالرجال فصلى عليه بدركاة القلعة الزاهد القدوة محمد بن تمام وضج الناس حينئذ بالبكاء والثناء والدعاء بالترحم وأخرج الشيخ إلى جامع دمشق وصلوا عليه الظهر وكان يوما مشهوا لم يعهد بدمشق مثله وصرخ صارخ هكذا تكون جنايز أئمة السنة فبكى الناس بكاء كثيرا وأخرج من باب البريد واشتد الزحام وألفى الناس على نعشه مناديلهم وصار النعش على الرؤس يتقدم تارة ويتأخر أخرى وخرجت جنازته من باب الفرج وازدحم الناس على أبواب المدينة جميعا للخروج وعظم الأمر بسوق الخيل وتقدم في الصلاة عليه هناك أخوه عبد الرحمن ودفن وقت العصر أو قبلها بيسير إلى جانب أخيه شرف الدين عبد الله بمقابر الصوفية وحزر من حضر جنازته بمائتي ألف ومن النساء بخمسة عشر ألفا وختمت له ختمات كثيرة رحمه الله ورضي عنه وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يحيى بن محمد بن بدر الجزري ثم الصالحي المقرىء الفقيه الحنبلي ولد في حدود (6/86)

السبعين وستمائة وقرأ بالروايات على الشيخ جمال الدين البدري وسمع من جماعة من أصحاب ابن طبرزد والكندي ولزم المجد التونسي وأخذ عنه علم القراءات حتى مهر فيها وأقبل على الفقه وصحب القاضي ابن مسلم مدة وانتفع به وكان من خيار الناس دينا وعقلا وحياء ومروءة وتعففا أقرأ القراءات وحدث وتوفي سنة ثمان وعشرين وسبعمائة قاله ابن رجب 87 وفيها أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الولي بن جبارة المقدسي المقرىء الفقه الحنبلي الأصولي النحوي شهاب الدين بن الشيخ تقي الدين ولد سنة سبع أو ثمان وأربعين وستمائة وسمع من خطيب مرادا وابن حصورا وابن عبد الدايم وارتحل إلى مصر بعد الثمانين فقرأ بها القراءات على الشيخ حين الراشدي وصحبه إلى أن مات وقرأ الأصول على شهاب الدين القرافي المالكي والعربية على بهاء الدين بن النحاس وبرع في ذلك وتفقه في المذهب وقدم دمشق ثم تحول إلى حلب وأقرأ بها ثم استوطن بيت المقدس وتصدر لأقراء القراءات والعربية وصنف شرحا كبيرا للشاطبية وشرحا آخر للرائية في الرسم وشرحا لالفية ابن معطى وصنف تفسيرا وأشياء في القراءات ذكره الذهبي في معجم شيوخه فقال كان إماما مقرئا بارعا فقيها نحويا نشأ إلى اليوم في صلاح ودين وزهد سمعت منه مجلس البطاقة وانتهت إليه مشيخة بيت المقدس وذكر البرزالي أنه حج وجاو ربمكة وأنه يعد في العلماء الصالحين الأخيار وقال قرأت عليه بدمشق والقدس عدة أجزاء وتوفي بالقدس سحر يوم الأحد رابع رجب وذكر الدبيثي أنه مات فجأة وفيها الشيخ جمال الدين عبد الله بن محمد بن علي ابن العاقولي الواسطي الشافعي مدرس المستنصرية قال ابن قاضي شهبة في طبقاته مولده في رجب سنة ثمان وثلاثين وستمائة وسمع الحديث من جماعة واشتغل وبرع وقال ابن كثير درس بالمستنصرية مدة طويلة نحو أربعين سنة وباشر نظر الأقاف وعين لقضاء القضاة في وقت وأفتى من سنة سبع وخمسين وإلى أن مات وذلك إحدى وسبعون سنة وهذا شيء غريب جدا وكان (6/87)

قوي النفس له وجاهة في الدولة كم كشفت به كربة عن الناس بسعيه وقصده وقال السبكي ولي قضاء القضاة بالعراق وقال الكتبي انتهت إليه رياسة الشافعية ببغداد ولم يكن يومئذ من يماثله ولا يضاهيه في علومه وعلو مرتبته وعين لقضاء القضاة فلم يقبل توفي في شوال ببغداد وله تسعون سنة وثلاثة أشهر ودفن بداره وكان وقفها على شيخ وعشرة صبيان يقرؤن القرآن ووقف عليها أملاكه كلها وفيها الفقيه المعمر جمال 88 الدين عبد الرحمن بن أحمد بن عمر بن شكر المقدسي الحنبلي ولد في رمضان سنة تسع وثلاثين وستمائة وسمع من النور البلخي والمرسي ومحمد بن عبد الهادي وطائفة توفي بالصالحية في ذي القعدة وفيها عفيف الدين أبو عبد الله محمد بن عبد المحسن بن أبي الحسن البغدادي ابن الخراط الحنبلي قال الذهبي الإمام الواعظ مسند العراق شيخ المستنصرية مولده في ربيع الأول سنة ثمان وثلاثين وستمائة سمع من عجيبة كثيرا وابن الخير وابن قميرة وأخيه وطائفة وتفرد ومات ببغداد في جمادى الأولى وفيها قاضي القضاة شمس الدين محمد بن عثمان بن أبي الحسن الدمشقي الحنفي بن الحريري ولد في صفر سنة ثلاث وخمسين وستمائة وحدث عن ابن الصيرفي والقط ببن عصرون وابن أبي اليسر وكان عادلا مهيبا صارما دينا رأسا في المذهب وتوفي بمصر في جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين وسبعمائة فيها توفي العلامة شيخ الإسلام برهان الدين إبراهيم بن شيخ الشافعية تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفزاري المصري الأصل الشافعي بل شافعي الشام ولد في شهر ربيع الأول سنة ستين وستمائة وسمع الكثير من ابن عبد الدايم وابن أبي اليسر وعدة وله مشيخة خرجها العلائي وأخذ عن والده وبرع وأعاد في حلقته وأخذ النحو عن عمه شرف الدين ودرس بالبادرائية بعد وفاة أبيه وخلفه في أشغال الطلبة والافتاء ولازم الاشتغال والتصنيف وحدث بالصحيح مرات وعرض عليه القضاء فامتنع وباشر الخطابة بعد موت عمه مدة يسيرة ثم تركها وصنف (6/88)

التعليقة على التنبيه في نحو عشر مجلدات وله تعليقة على مختصر ابن الحاجب في الأصول وله مصنفات أخر ذكره الذهبي في المعجم المختص وقال انتهت إليه معرفة المذهب ودقائقه ووجوهه مع علمه متون الأحكام وعلم الأصول والعربية وغير ذلك وسمع الكثير وكتب مسموعاته وكان يدري علوم الحديث مع الدين والورع وحسن السمت والتواضع توفي 89 بالبادرائية في جمادى الأولى ودفن بباب الصغير عند أبيه وعمه وفيها مجد الدين أبو الفدا إسمعيل بن محمد بن إسمعيل بن الفراء الحراني ثم الدمشقي الفقيه الحنبلي شيخ المذهب ولد سنة خمس أو ست وأربعين وستمائة بحران وقدم دمشق مع أهله سنة إحدى وسبعين فسمع بها الكثير من ابن أبي عمر وابن الصيرفي والكمال عبد الرحيم وابن البخاري والأربلي وابن حامد الصابوني وغيرهم وطلب بنفسه وسمع المسند والكتب الكبار وتفقه بالشيخ شمس الدين ابن أبي عمر وغيره ولازمه حتى برع في الفقه وتصدى للأشغال والفتوى مدة طويلة وانتفع به خلق كثير مع الديانة والتقوى وضبط اللسان والورع في المنطق وغيره واطراح التكلف في الملبس وغيره قال الطوفي كان من أصلح خلق الله وأدينهم كأن على رأسه الطير وكان عالما بالفقه والحديث وأصول الفقه والفرائض والجبر والمقابلة وقال الذهبي كان شيخ الحنابلة وقال غيره يقال أنه أقرأ المقنع مائة مرة وكان عديم التكلف يحمل حاجته بنفسه وليس له كلام في غير العلم ولا يخالط أحدا وأوقاته محفوظة وقال هو ما وقع في قلبي الترفع على أحد من الناس فانى أخبر بنفسي ولست أعرف أحوال الناس وقال ابن رجب كان سريع الدمعة سمعت بعض شيوخنا يذكر عنه أنه كان لا يذكر النبي في دروسه إلا ودموعه جارية ولا سيما أن ذكر شيئا من الرقائق أو أحاديث الوعيد ونحو ذلك وقد قرأ عليه عامة أكابر شيوخنا ومن قبلهم حتى الشيخ تقي الدين الذريراتي شيخ العراق وحدث وسمع منه جماعة منهم الذهبي وغيره وتوفي ليلة الأحد تاسع جمادى الأولى بالمدرسة الجوزية (6/89)

ودفن بمقابر الباب الصغير وفيها الصاحب الأمجد رئيس الشام عز الدين حمزة بن المؤيد بن القلانسي الدمشقي كان محتشما معظما متنعما عمل الوزارة وغيرها وروى عن البرهان وابن عبد الدايم وتوفي في ذي الحجة عن ثمانين سنة وأشهر قاله في العبر وفيها الإمام تقي الدين أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن إسمعيل بن أبي البركات بن مكي بن أحمد الذريراتي ثم البغدادي الحنبلي 90 فقيه العراق ومفتي الآفاق ولد في جمادى الآخرة سنة ثمان وستين وستمائة وحفظ القرآن وله سبع سنين وسمع الحديث من إسمعيل بن الطبال وخلائق وتفقه ببغداد على جماعة منهم الشيخ مفيد الدين الحربي وغيره ثم ارتحل إلى دمشق فقرأ بها المذهب على الشيخ زين الدين بن المنجا والشيخ مجد الدين الحراني ثم عاد إلى بلده وبرع في الفقه وأصوله ومعرفة المذهب والخلاف والفرائض ومتعلقاتها وكان عارفا بأصول الدين وبالحديث وبأسماء الرجال والتواريخ وباللغة والعربية وغير ذلك وانتهت إليه معرفة الفقه بالعراق وكان يحفظ الهداية والخرفي وذكر أنه طالع المغنى للشيخ موفق الدين ثلاثا وعشرين مرة وكان يستحضر أكثره وعلق عليه حواشي وفوايد قال ابن رجب انتهت إليه رياسة العلم ببغداد من غير مدافع وأقر له الموافق والمخالف وكان الفقهاء من ساير الطوائف يجتمعون به ويستفيدون منه في مذاهبهم ويتأدبون معه ويرجعون إلى قوله ويردهم عن فتاويهم فيذعنون له ويرجعون إلى ما يقوله حتى ابن المطهر شيخ الشيعة كان الشيخ يبين له خطأه في نقله لمذهب الشيعة فيذعن له ويوم وفاته قال الشيخ شهاب الدين عبد الرحمن بن عسكر شيخ المالكية لم يبق ببغداد من يراجع في علوم الدين مثله وقرأ عليه جماعة من الفقهاء وتخرج به أئمة وأجاز لجماعة وولي القضاء توفي ببغداد ليلة الجمعة ثاني عشرى جمادى الأولى ودفن بمقابر الإمام أحمد قريبا من القاضي أبي يعلى رحمهم الله تعالى وفي حدودها نجم الدين أبو الفضل إسحق بن أبي بكر بن المنى (6/90)

بن أطر التركي ثم المصري الفقيه الحنبلي المحدث الأديب الشاعر ولد سنة سبعين وسبعمائة وسمع بمصر من الأبرقوهي ورحل وسمع بالأسكندرية من القرافي وبدمشق من أبي الفوارس وإسمعيل بن الفراء وبحلب من سنقر الزيني وتفقه وقال الشعر الحسن وسمع منه الحافظ الذهبي بحلب ثم دخل العراق بعد السبعمائة وتنقل في البلاد وسكن أذربيجان ولم تكن سيرته هناك مشكورة وبقي إلى حدود هذه السنة ولم تتحقق سنة وفاته وليس له في الزهد والعلم مشبه سوى الحسن البصري وابن المسيب قاله ابن رجب وفيها قاضي القضاة علاء (6/91)

91 الدين علي بن إسمعيل بن يوسف القونوي الشافعي قاضي القضاة وشيخ الشيوخ فريد العصر ولد بمدينة قونوة سنة ثمان وستين وستمائة واشتغل هناك وقدم دمشق في أول سنة ثلاث وتسعين فازداد بها اشتغالا وسمع الحديث من جماعة وتصدر للأشغال بالجامع ودرس بالأقبالية ثم تحول سنة سبعمائة إلى مصر وسمع بها من جماعة ولازم ابن دقيق العيد وأثنى عليه ثناء بالغا مع شدة احترازه في الألفاظ وتولى بالقاهرة تدريس الشريفية ومشيخة الميعاد بالجامع الطولوني وولي مشيخة الشيوخ في سنة عشر وسبعمائة وانتصب للأشغال وازدحم عليه الناس إلى أن تخرج به خلق كثير وصنف شرحه المشهور على الحاوي وصنف مصنفا في حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في قبورهم ذكره الذهبي في المعجم المختص فقال قدم علينا دمشق في أوائل سنة ثلاث وتسعين فحضر المدارس وبهرت فضائله ودرس وأفتي وأعادوا وأفاد وبرع في عدة علوم وتخرج به أئمة مع الوقار والورع وحسن السمت ولطف المحاورة وجميل الأخلاق قل أن ترى العيون مثله وذكر له تلميذه الشيخ جمال الدين الأسنوي ترجمة حسنة وقال كان أجمع من رأيناه للعلوم مع الاتساع فيها خصوصا العلوم العقلية واللغوية لا يشار بها إلا إليه ولا يحال فيه إلا عليه وولي القضاء بدمشق ومشيخة الشيوخ وباشر على النمط الذي كان عليه بالديار المصرية مع الحرمة والنزاهة والأشغال والتحديث إلى أن توفي بدمشق في ذي القعدة ودفن بجل قاسيون وفيها الصد رنجم الدين علي بن محمد بن هلال الأزدي حدث عن ابن البرهان والقاضي صد رالدين بن سنى الدولة والزين خالد والكرماني وطل بوحصل الأصول وولي نظر الأيتام وكان تام الشكل حسن البزة ذا كرم وتحمل ومات بدمشق في ربيع الآخر عن ثمانين سنة وفيها القاضي نجم الدين أبو عبد الله محمد بن عقيل بن أبي الحسن بن عقيل البالسي ثم المصري الشافعي شارح التنبيه ولد سنة ستين وستمائة وسمع بدمشق من جماعة واشتغل وفضل ثم دخل القاهرة وسمع من ابن دقيق (6/92)

العيد ولازمه وناب في الحكم بمصر ودرس 92 بالمعزية والطييرسية وكان قوي النفس كثير الإيثار مع التقلل وانتفع به طلبة مصر ودارت عليه الفتيا بها قال الذهبي كان إماما زاهدا وقال السبكي في الطبقات الكبرى شارح التنبيه واختصر كتاب الترمذي في الحديث وكان أحد أعيان الشافعية دينا وورعا وقال الأسنوي كان له في التقوى سابقة قدم وفي الورع رسوخ قدم وفي العلم آثار هي أوضح للسارين من نار على علم كان فقيها محدثا ورعا قواما في الحق توفي في المحرم بالقاهرة ودفن بالقرافة الصغرى وفيها بدر الدين أبو اليسر محمد بن محمد بن عبد القادر بن عبد الخالق بن خليل بن مقلد بن جابر الأنصاري الدمشقي الإمام الزاهد بن قاضي القضاة عز الدين المعروف بابن الصايغ الشافعي مولده في المحرم سنة ست وسبعين وستمائة وقرأ التنبيه ولازم الشيخ برهان الدين الفزاري زمانا وسمع الكثير وحدث وسمع منه البرزالي وخرج له أجزاء من حديثه وحدث به ودرس بالعمادية والدماغية وجاءه التقليد بقضاء القضاة في سنة سبع وعشرين فامتنع وأصر على الامتناع فأعفى ثم ولي خطابة القدس ثم تركها قال الذهبي الإمام القدوة العابد كان مقتصدا في أموره كثير المحاسن حج غير مرة وقال ابن رافع كان على طريقة حميدة وعنده عبادة واجتماع وملازمة لصلحاء والأخيار وإعراض عن المناصب وكان معظما مبجلا وقورا توفي بدمشق في جمادى الأول ودفن بتربتهم بسفح قاسيون وفيها العلامة ناظر الجيش معين الدين هبة الله بن مسعود بن حشيش روى عن ابن البخاري وغيره وله نظم ونثر وقوة أدوات توفي بمصر عن ثلاث وستين سنة وفيها المسند المعمر فتح الدين يونس بن إبرهيم بن عبد القوي الكناني العسقلاني ثم المصري الدبابيسي كان آخر من روى عن ابن المقير بالسماع وبالإجازة وعن المخيل وحمزة بن أوس وظافر بن شحم وعدة وتفرد وروى الكثير وكان عاقلا منورا توفي بمصر في جمادى الأولى وقد جاوز التسعين بيسير (6/93)

93 سنة ثلاثين وسبعمائة فيها توفي مسند الدنيا شهاب الدين أحمد بن أبي طالب بن نعمة بن حسن الصالحي الحجار بن الشحنة من قرية من قرى وادي بردا بدمشق انفرد بالرواية عن الحسين الزبيدي وبين سماعه للصحيح وموته مائة سنة وسافر إلى القاهرة مرتين مطلوبا مكرما ليحدث بها قال البرزالي مولده سنة ثلاث وعشرين وستمائة وعمر مائة عام وسبعة أعوام وانفرد بالدنيا بالإسناد عن الزبيدي وكان أميا يوم لا يسمع عليه يخرج إلى الجبل مع الحجارين يقطع الحجارة وألحق أولاد الأولاد بالأجداد وكان ربما خرج الطلبة إليه وهو يقطع الحجارة ليسمعهم فيقول اقرءوا على الفروة وكان إذا قلب عليه سند حديث يقول لم أسمعه هكذا وإنما سمعته كذا وكذا طبق ما في الصحيح وقال الذهبي حدث يوم موته وسمع من الزبيدي وابن اللتي وأجاز له ابن روزبة وابن القطيعي وعدة ونزل الناس بموته درجة ومات بصالحية دمشق في الخامس والعشرين من صفر ودفن بالتربة المحوط عليها بمحلة تعرف بالسكة بالقرب من زاوية الدومى جوار جامع الأفرم وفيها سيف الدين بهادر آص المنصوري كان من أمراء الألوف بدمشق وقبته خارج باب الجابية ودفن بها وقد نيف على السبعين وفيها المعمر زين الدين أيوب بن نعمة النابلسي ثم الدمشقي الكحال حدث عن المرسي والرشيد العراقي وعبد الله بن الخشوعي وجماعة وتفرد وحدث بمصر ودمشق ومات في ذي الحجة عن أزيد من تسعين سنة وفيها فخر الدين أبو عمرو عثمان بن علي بن عثمان بن إبرهيم بن إسمعيل بن يوسف بن يعقوب الطائي الحلبي الشافعي المعروف بابن خطيب جبرين مولده بالقاهرة في ربيع الأول سنة اثنتين وستين وستمائة تفقه على ابن بهرام قاضي حلب وغيرها قرأ عليه التعجيز بقراءته له على مصنفة قرأ على القاضي شرف الدين البارزي وغيرهما ودرس وأفتى وأشغل الناس بالعلم بحلب (6/94)

94 وانفع به وشرح مختصر ابن الحاجب والحاوي الصغير ولم يكمله والتعجيز والشامل الصغير للقزويني والبديع لابن الساعاتي وله منسك ومصنفات أخر وولي وكالة بيت المال بحلب وقضاء القضاة بهاء بعد شمس الدين بن النقيب ووقع بينه وبين نايب حلب فكاتب فيه فطلب إلى مصر بسبب حكومة فأدركه أجله هناك وقال الكتبي تخرج به الفقهاء والقراء واشتهر اسمه وتوفي بالقاهرة في المحرم ودفن بمقبرة الصوفية وجبرين بالجيم والباء والراء المكسورة قرة من قرى حلب والصحيح في وفاته أنه في سنة تسع وثلاثين وسبعمائة كما جزم به الأسنوي وابن قاضي شهبة وغيرهما وفيها قاضي القضاة فخر الدين أبو عمرو وعثمان بن محمد بن عبد الرحيم بن إبراهيم بن هبة الله بن المسلم الجهني الحموي المعروف بابن البارزي الشافعي قاضي حلب ولد بحماة سنة ثمان وستين وستمائة وناب عن عمه القاضي شرف الدين بحماة وتولى قضاء حمص مدة ثم عاد إلى حماة وولي خطابة الجامع بها ثم ولي قضاء حلب قال الذهبي حدث بمسند الشافعي عن ابن النصيبي وحفظ كتبا وأفتى وذكره ابن حبيب وأثنى عليه وقال كان عارفا بمشكلات الحاوي وله عليه شرح يفيد السامع والراوي توفي بحلب فجأة في صفر ودفن خارج باب المقام وفيها المحدث الزاهد فخر الدين عثمان قال الذهبي ابن شيخنا الحافظ أحمد بن الظاهري حضر ابن علاق والنجيب وكان مكثرا ارتحل به أبوه ونسخ هو بخطه وحدث وتوفي بمصر في رجب عن ستين سنة سوى أشهر 0 وفيها قاضي مكة ومفتيها نجم الدين محمد بن محمد بن الشيخ محب الدين الطبري الشافعي ولد سنة ثمان وخمسين وستمائة وسمع من جده الشيخ محب الدين ومن عم جده يعقوب بن أبي بكر الطبري والفاروثي وغيرهم قال الأسنوي والسبكي كان فقيها شاعرا وقال الكتبي كان شيخا فاضلا فقيها مشهورا يقصد بالفتاوى من بلاد (6/95)

95 الحجاز واليمن وكان له النظم الفائق والنثر الرائق ولم يخلف في الحرمين مثله توفي بمكة في جمادى الآخرة ودفن بقبة باب المعلى سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة وفيها وصل إلى حلب نهر الساجور بعد غرامة كثيرة وحفر طويل وفرحوا به وفيها توفي مسند حلب وخاتمة أصحاب ابن خليل عز الدين إبراهيم بن صالح بن العجمي سمع بدمشق من خطيب مردا وتوفي في حلب بعد أيام خلت من رجب وهو في سنت التسعين وفيها أقضى القضاة جمال الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن نصر الله بن المظفر بن أسعد بن حمزة بن أسد بن علي بن محمد بن القلانسي الشافعي الصد رالكبير الرئيس الإمام العالم ولد سنة تسع وستين وستمائة وحفظ التنبيه ثم المحرر اللرافعي واشتغل على الشيخ تاج الدين الفزاري وقرأ النحو على شرف الدين الفزاري والأدب على الرشيدالفارقي وولي قضاء العسكر ووكالة بيت المال وتدريس الأمينية والظاهرية والعصرونية قال ابن كثير تقدم بطلب العلم والرياسة وباشر جهات كبار ودرس في أماكن وتفرد في وقته بالرياسة في البيت والمناصب الدينية والدنيوية وكان فيه تواضع وحسن سمت وتودد وإحسان وبر بأهل العلم والصلحاء وهو ممن أذن له في الفتيا وكتب إنشاء ذلك وأنا حاضر على البديهة فأجاد وأفاد وأحسن التعبير وعظم في عيني وسمع الحديث من جماعة وخرج له فخر الدين البعلبكي مشيخة سمعناها عليه توفي في ذي القعدة ودفن بتربتهم بالسفح وفيها نايب السلطنة أرغون الدويدار الذي باشر النيابة مدة ثم أخر وكان مليح الخط نسخ صحيح البخاري وقرأ في مذهب أبي حنيفة وحصل كتبا نفيسة ومات بحلب في ربيع الأول كهلا وفي حدودها جمال الدين عبد الحميد بن عبد الرحمن بن عبد الحميد الجيلوني الشيرازي الشافعي صاحب البحر الصغير والعجالة قال الأسنوي كان فقيها كبيرا ذا حظ من كثير (6/96)

96 من العلوم ورعا زاهدا بحث الحاوي الصغير بقزوين على ابن المصنف في أربعين يوما ثم عاد إلى بلده وصنف كتابه المسمى بالبحر وهو مختصر أوضح من الحاوي متضمن لزيادات توفي بجبل من نواحي شيراز سنة نيف وثلاثين وسبعمائة انتهى وفيها ضياء الدين أبو الحسن علي بن سليم بن ربيعة العالم القاضي الشافعي الأنصاري الأذرعي أخذ عن الشخي محي الدين النووي قال الذهبي أخذ عن الشيخ تاج الدين وغيره وتنقل لقضاء النواحي نحوا من ستين سنة وكان منطبعا بساما عاقلا وقال ابن كثير تنقل في ولايات الأقضية بمدائن كثيرة مدة ستين سنة وحكم بطرابلس ونابلس وحمص وعجلون وزرع وغيرها وحكم بدمشق نيابة عن القونوي نحوا من شهر وكان عنده فضيلة وله نظم كثير نظم التنبيه في ستة عشر ألف بيت وتصحيحه في ألف وثلثمائة بيت وله غير ذلك توفي بالرملة في ربيع الأول وفيها قاضي الحنابلة عز الدين محمد بن قاضي القضاة سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمر بن أبي عمر المقدسي ثم الصالحي الحنبلي ولد في عشرى ربيع الآخر سنة خمس وستين وستمائة وسمع وناب عن والده في الحكم وروى عن الشيخ وعن أبي بكر الهروي وبالإجازة عن ابن عبد الدايم قال الذهبي كان متوسطا في العلم والحكم متواضعا وقال غيره ولي القضاء مستقلا بعد موت ابن المسلم وكان ذا فضل وعقل وحسن خلق وتودد وتهجد وقضاء حوائج للناس وتلاوة وحج ثلاث مرات وتوفي في تاسع صفر ودفن بتربة جده الشيخ أبي عمر فيها السلطان أبو سعيد عثمان بن السلطان يعقوب بن عبد الحق المريني كانت دولته اثنتين وعشرين سنة توفي بالمغرب في ذي القعدة وقد قارب التسعين وتملك بعده ابنه السلطان الإمام الفقيه أبو الحسن وفيها تاج الدين عمر بن علي بن سالم بن صدقة اللخمي الأسكندري الفاكهي العلامة النحوي قال في الدرر ابن الفاكهاني سمع على ابن طرخان والمكين الأسمر وتفقه لمالك وأخذ عن ابن المنير (6/97)

97 وغيره ومهر في العربية والفنون وصنف شرح العمدة وغيرها ومن تصانيفه الإشارة في النحو والمورد في المولد وغيرهما وحج من طريق دمشق سنة ثلاثين وسبعمائة ورجع فمات في بلده سنة إحدى وثلاثين وقال الشمني له شرح مقدمة في النحو وسمع من التقى بن دقيق العيد والبدر بن جماعة وأجاز لعبد الوهاب الهروي انتهى وفيها فاطمة بنت الشيخ الحافظ علم الدين البرزالي بدمشق حفظت القرآن وسمعت الحديث من جماعة وكتبت ربعة شريفة وصحيح البخاري وعدة أجزاء وأحكام مجد الدين بن تيمية وفيها كمالية بنت أحمد بن عبد القادر بن رافع الدمراوي وتسمى ست الناس روت بالإجازة عن عبد الله بن برطلة الأندلسي ومحمد بن الجراح والشرف المرسي وماتت في الثغر في شعبان وفيها نجم الدين هاشم بن عبد الله البعلي الشافعي قرأ الأصول والفقه ومن نظمه ( ولقد سمعت بسكر من وصلكم * فعساكم أن تجعلوه مكررا ) ( وأظنه حلوا لذيذا طعمه * إذ كنت أسمع بالوصال ولا أرى ) وفيها العدل بدر الدين يوسف بن عمر الختني سمع من ابن رواج حضورا وصالح المدلجي والبكري والرشيد والمرسي وابن اللمط الذي سمع من أبي جعفر الصيدلاني وتفرد بأشياء وتوفي بمصر في صفر عن أربع وثمانين سنة سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة فيهاجاء بحمص سيل فغرق خلق منهم في حمام النايب بظاهرها نحو المائتين من نساء وأولاد وفيها توفي العلامة رضي الدين المنطيقي إبراهيم بن سليمان الرومي الحنفي مدرس القيمازية حج سبع مرات كان مفتيا له علم وفضل وتلامذة وتوفي بدمشق عن ست وثمانين سنة وفيها برهان الدين أبو إسحق (6/98)

98 إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن خليل الشيخ العلامة المقرىء الشافعي الربعي الجعبري شيخ بلد الخليل ولد بجعبر في حدود سنة أربعين وستمائة وتلا بالسبع على أبي الحسن الوجوهي وبالعشر على المنتخب التكريتي وسمع ببغداد من جماعة وحفظ التعجيز وعرضه على مصنفه وأخذ عنه الفقه ثم قدم دمشق وسمع من جماعة وخرج له البرزالي مشيخة ثم دخل إلى بلد الخليل عليه السلام وأقام به مدة طويلة نحو أربعين سنة ورحل الناس إليه وروى عنه السبكي والذهبي وخلائق وصنف التصانيف الكثيرة منها شرح الشاطبية وشرح الرائية واختصر مختصر ابن الحاجب ومقدمته في النحو وحسبك قدرة على الاختصار من مختصر ابن الحاجب والحاجبية وكمل شرح التعجيز فإن مصنفه لم يكمله كما تقدم قال بعضهم وتصانيفه تقرب المائة وذكره الذهبي في المعجم المختص فقال العلامة ذو الفنون مقرىء الشام له التصانيف المتقنة في القراءات والحديث والأصول والعربية والتاريخ وغير ذلك وله مصنف مؤلف في علوم الحديث توفي في بلد الخليل في شهر رمضان وله اثنتان وتسعون سنة وفيها عماد الدين إبراهيم بن يحيى بن الكيال الدمشقي الحنفي قرأ على بان عبد الدايم وابن أبي اليسر وأيوب الحمامي وعدة وكان محدثا إماما عالما فصيحا خدم في المواريث وحصل ثم ناب وحج وأم بالربوة وغيرها وتوفي في ربيع الآخر عن سبع وثمانين سنة وفيها أبو العباس احمد بن الفخر البعلبكي السكاكيني روى عن خطيب مردا وابن عبد الدايم وروى كثيرا وكان مقرئا صالحا تقيا توفي بدمشق في صفر عن أربع وثمانين سنة وفيها صاحب حماة الملك المؤيد عماد الدين إسمعيل بن الأفضل علي بن محمود بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب بن شادي العالم العلامة المفنن الشافعي السلطان مولده في جمادى الأولى سنة اثنتين وسبعين وستمائة كما ذكره هو في تاريخه قال ابن قاضي شهبة اشتغل في العلوم وتفنن فيها وصنف التصانيف المشهورة منها التاريخ في ثلاث مجلدات والعروض والأطوال والكلام على (6/99)

البلدان في مجلد وله نظم الحاوي الصغير وكتاب 100 النحاس وبالإجازة عن يوسف الشاوي والأمير يعقوب الهدباني وتوفيت بالأسكندرية في رجب وفيها كبير الطب أمين الدين سليمان بن داود في عشر التسعين وكان فاضلا طبيبا درس بالدخوارية وفيها قاضي الحنابلة شرف الدين عبد الله بن حسن بن عبد الله واليلداني وخطيب مردا وإبراهيم ابن خليل وغيرهم وروى عنهم وأجاز له جماعة وطلب بنفسه وتفقه وأفتى وناب في الحكم عن أخيه ثم عن ابن مسلم مدة ولامهما ثم ولي القضاء في آخر عمره مستقلا فوق سنة ودرس بالصاحبية وولي مشيخة الحديث بالصادرية والعالمية وكان فقيها عالما صالحا خيرا منفردا بنفسه ذا فضيلة جيدة حسن القراءة حميد السيرة في القضاء وحدث وسمع منه الذهبي وخلق وتوفي فجأة وهو يتوضأ للمغرب آخر نهار الأربعاء مستهل جمادى الأولى ودفن بتربة الشيخ أبي عمر وكان قد حكم ذلك اليوم بالمدينة وتوجه آخر النهار إلى السفح وفيها أبو محمد وأبو الفرج عبد الرحمن بن أبي محمد بن محمد بن سلطان بن محمد بن علي القرامزي العابد الحنبلي ولد سنة أربع وأربعين وستمائة تقريبا وقرأ بالروايات وسمع ابن عبد الدايم إسمعيل بن أبي اليسر وجماعة وتفقه في المذهب ثم تزهد وأقبل على العبادة والطاعة وملازمة الجامع وكثرة الصلوات واشتهر بذلك وصار له قبول وعظمة عند الأكابر وقد غمزه الذهبي بأنه نال بذلك سعادة دنيوية وتمتع بالدنيا وشهواتها التي لا تناسب الزاهدين قال وسمعت منه اقتضاء العلم للخطيب وكان قوي النفس لا يقوم لأحد وله محبون ومن حسناته أنه كان من اللاعنين للإتحادية انتهى توفي مستهل المحرم ببستانه بأرض جوبر ودفن بمقبرة باب الصغير وفيها عز الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن إبرهيم بن عبد الله بن أبي عمر بن قدامة المقدسي الحنبلي الفرضي الزاهد القدوة ولد في تاسع عشر جمادى الأولى سنة ست وخمسين وستمائة وسمع من ابن عبد الدايم وغيره وحج صحبة الشيخ (6/100)

101 شمس الدين بن أبي عمر وكمل عليه قراءة المقنع بالمدينة النبوية وحج بعد ذلك مرات وسمع منه الذهبي وذكره في معجمه فقال كان فقيها عالما متواضعا صالحا على طريقة سلفه وكان عارفا بمذهب أحمد له فهم ومعرفة تامة بالفرائض وفيه تودد وانطباع وعدم تكلف أخذ عنه الفرائض جماعة وانتفعوا به وتوفي في ثامن شهر رجب ودفن بتربتة الشيخ أبي عمر وفيها فخر الدين أبو بكر عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن يوسف بن محمد بن نصر لبعلي ثم الدمشقي الحنبلي الفقيه المحدث ولد يوم الخميس رابع عشرى ربيع آخر سنة خمس وثمانين وستمائة وسمع من ابن البخاري في الخامسة ومن الشيخ تقي الدين الواسطي وعمر بن القواص وعنى بالحديث ارتحل فيه مرات وكتب العالي والنازل وخرج لغير واحد من الشيوخ وأفاد وتفقه وأفتى في آخر مره وولي مشيخة الصدرية والإعادة بالمسمارية وسمع منه الذهبي وجماعة وكان فقيها محدثا كثير الاشتغال بالعلم عفيفا دينا حج مرات وأقام بمكة أشهرا وكان مواظبا على قراءة جزئين من القرآن العظيم في الصلاة كل ليلة وله مؤلفات كثيرة منها كتا بالثم رالرائق المجتنى من الحدائق وانتفع بمجالسه الناس وتوفي يوم الخميس تاسع عشرى ذي القعدة ودفن بمقبرة الصوفية ولم يعقب رحمه الله تعالى وفيها شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن مسعود بن أحمد بن مسعود بن زيد الحارثي ثم المصري الفقيه الحنبلي المناظر الأصولي ولد سنة إحدى وسبعين وستمائة وسمع بقراءة والده الكثير بالديار المصرية من العز الحراني وابن خطيب المزة وغازى الحلاوى وشامية بنت البكري وغيرهم وبدمشق من ابن البخاري وابن المجاور وجماعة وبالأسكندرية من العراقي وقدم دمشق بنفسه مرة ثانية فسمع من عمر بن القواس وغيره وعنى بالسماع والطلب وتفقه بالمذهب حتى برع وأفتى وناظر وأخذ الأصول عن ابن دقيق العيد والعربية عن ابن النحاس وناب عن والده وغيره في الحكم ودرس بالمنصورية وجامع طولون وغيرهما وتصد (6/101)

رللأشغال وكان شيخ المذهب 102 بالديار المصرية وله مشاركة في التفسير والحديث مع الديانة والورع والجلالة معد من العلماء العاملين وحدث وسمع منه جماعة وتوفي يوم الجمعة سادس عشرى ذي الحجة بالمدرية الصالحية بالقاهرة ودفن إلى جانب والده بالقرافة وفيها العلامة شهاب الدين عبد الرحمن بن محمد بن عسكر المالكي البغدادي مدرس المستنصرية وله ثمان وثمانون سنة وفيها الإمام تاج الدين أبو القسم عبد الغفار بن محمد بن عبد الكافي السعدي الشافعي سمع ابن أبي عصرون والنجيب وعدة وخرج التساعيات وأربعين مسلسلات وطلب وكتب الكثير وتميز وأتقن وولي مشيخة الصاحبة وأفتى ونسخ نحوا من خمسمائة مجلد وخرج لشيوخ ومات بمصر في ربيع الأول عن اثنتين وثمانين سنة وفيها محي الدين أبو محمد عبد القادر بن محمد بن إبراهيم المقريزي البعلي الحنبلي المحدث الفقيه ولد في حدود سنة سبع وسبعين وستمائة وسمع بدمشق من عمر بن القواس وطائفة وبمصر من سبط زيادة وغيره وعنى بالحديث وقرأ وكتب خبطه كثيرا وخرج وتفقه قال الذهبي له مشاركة في علوم الإسلام ومشيخه الحديث بالبهائية وغير ذلك علقت عنه فوائد وسمع منه جماعة وتوفي ليلة الإثنين ثامن عشر ربيع الأول ودفن بمقبرة الصوفية بالقرب من قبر الشيخ تقي الدين رحمهما الله تعالى وفيها العدل نور الدين علي بن التاج إسمعيل بن قريش المخزومي سمع الزكي المنذري والرشيد وشيخ شيوخ حماة وابن عبد السلام وحضر عبد المحسن بن مرتفع في الرابعة وكان صالحا مكثرا توفي بمصر في رجب عن ثمانين سنة وفيها الشيخ بدر الدين محمد بن أسعد التستري بمثناتين فوقيتين بينهما سين مهملة نسبة إلى تستر مدينة بقرب شيراز الشافعي أخذ عنه الأسنوي وقال كان فقيها إمام زمانه في الأصلين والمنطق مطلعا على أسرارها ووضع على كثير منها تعاليق متضمنة لنكت غريبة وإن كانت عبارته (6/102)

103 قلقة ركيكة منها شرح ابن الحاجب وشرح البيضاوي والطالع والطوالع والغاية القصوى وشرح أيضا كتاب ابن سينا أقام بقزوين يدرس نحو عشر سنين وقدم الديار المصرية في أوائل سنة سبع وعشرين وسبعمائة فأقام بها أشهرا قلائل ثم رجع إلى العراق وكان يصيف بهمذان ويشتي ببغداد لحرارتها وتوفي بهمذان في نيف وثلاثين وسبعمائة قال وكان مداوما على لعب الشطرنج رافضيا كثير الترك للصلاة ولهذا لم تكن عليه أنوا رأهل العلم ولا حسن هيئتهم مع ثروة زائدة وحسن شكالة انتهى وفيها قاضي القضاة علم الدين محمد بن قاضي القضاة شمس الدين أبي بكر بن عيسى بن بدران بن رحمة السعدي الأخنائي المصري الشافعي ولد في رجب سنة أربع وستين وستمائة بالقاهرة وسمع الكثير وأخذ عن الدمياطي وغيره وولي قضاء الأسكندرية ثم الشام بعد وفاة القونوي قال الذهبي في معجمه من نبلاء العلماء وقضاة السداد وقد شرع في تفسير القرآن وجملة من صحيح البخاري وكان أحد الأذكياء وكان يبالغ في الاحتجاب عن الحاجات فتتعطل أمور كثيرة ودائرة علمه ضيقة لكنه وقور قليل الشر وقال في العبر كان دينا عادلا حدث بالكثير وقال ابن كثير كان عفيفا نزها ذكيا شاذ العبارة محبا للفضايل معظما لأهلها كثير الاستماع للحديث في العادلية الكبرى خيرا دينا توفي بدمشق في ذي القعدة ودفن بسفح قاسيون بتربة العادل كتبغا وفيها ناظر الجيش الصدر قطب الدين موسى بن أحمد بن شيخ السلامية كان من رجال الدهر وله فضل وخبرة وتوفي بدمشق في ذي الحجة ودفن بتربة مليحة أنشأها قاله في العبر وفيها زاهد الأسكندرية الشيخ ياقوت الحبشي الشاذلي صاحب أبي العباس المرسي كان من مشاهير الزهاد وكان يقول أنا أعلم الخلق بلا إله إلا الله توفي بالأسكندرية عن ثمانين سنة (6/103)

104 سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة فيها توفي الفاضل أبو إسحق إبراهيم بن شمس الدين الفاشوشة الكتبي اشتغل بالعربية والأدب ومن شعره المشمش ( قد أتى سيد الفواكه في ثوب * نضار والشهد منه يفور ) ( يشبه العاشق المتيم حالا * اصف راللون قلبه مكسور ) وفيها الرئيس المعمر تاج الدين أحمد بن المحدث إدريس بن محمد بن مزين الحموي ذكل لوزارة بلده وسمع من صفية حضورا وبدمشق من ابن علان واليلداني ومحمد بن عبد الهادي وعدة وأجاز له إبراهيم بن الخير وابن العليق وكان صدرا رئيسا محتشما توفي بحماة في رمضان عن تسعين سنة وشهرين وفيها الشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يحيى بن إسمعيل بن طاهر بن نصر بن جهبل الشافعي الحلبي الأصل الدمشقي المعروف بابن جهبل ولد سنة سبعين وستمائة وسمع من جماعة واشتغل بالعلم ولزم الشيخ صدر الدين بن المرحل وأخذ عن الشيخ شرف الدين المقدسي وغيره ودرس بصلاحية القدس الشريف مدة ثم تركها وتحول إلى دمشق فباشر مشيخة دار الحديث الظاهرية ثم ولي تدريس البادرائية بعد وفاة الشيخ برهان الدين وترك المشيخة المذكورة واستمر في تدريس البادرائية إلى أن مات قال ابن كثير ولم يأخذ معلوما من واحدة منهما قال وكان من أعيان الفقهاء وفضلائهم قال السبكي درس وأفتى وأشغل مدة بالعلم بالقدس ودمشق وحدث وسمع منه الحافظ علم الدين البرزالي قال ووقفت له على تصنيف في نفي الجهة ردا على ابن تيمية لا بأس به وسرده بمجموعه في الطبقات الكبرى في نحو كراسين توفي بدمشق في جمادى الآخرة ودفن بمقابر الصوفية وفيها الأمير الكبير بكتمر الساقي بدرب الحجاز بعيون القصب ثم حمل فدفن بالتربة التي أنشأها بالقرافة كان له عند السلطان مكانة عظيمة لا يفترقان أما (6/104)

105 أن يكون عند السلطان أو السلطان عنده وكان فيه خير وسياسة وقضاء لحوائج الناس وكان في اصطبله مائة سطل لمائة سايس كل سايس على ستة رءوس من الخيل العتاق وبيع من خيله بما لا يحصى وقومت زرد خاناه على الأمير قوصون بستمائة ألف دينار وأخذ السلطان ثلاثة صناديق جوهو ليس لها قيمة وابيع له من كل نوع بما لا يحصر وفيها أسماء بنت محمد بن سالم بن الحافظ أبي المواهب بن صصرى أخت القاضي نجم الدين سمعت من مكي بن علان وتفردت وحجت مرارا وتوفيت بدمشق في ذي الحجة عن خمس وتسعين سنة وكانت سمندة ذات صدقات وفضل رحمهما الله تعالى وفيها الإمام القدوة الولي الشيخ على ابن الحسن الواسطي الشافعي كان من أعبد البشر حج واعتمر أزيد من ألف مرة وتى أزيد من أربعة آلاف ختمة وطاف مرات في الليل سبعين أسبوعا ومات ببدر محرما رحمه الله تعالى قاله في العبر وفيها الإمام المحدث العدل شمس الدين محمد بن إبراهيم بن غنايم بن المهندس الصالحي الحنفي سمع من ابن أبي عمر وابن شيبان فمن بعدهما وكتب الكثير ورحل وخرج وتعب ونسخ تهذيب الكمال مرتين مع الدين والتواضع ومعرفة الشروط وتوفي في شوال عن ثمان وستين سنة وفيها قاضي القضاة شيخ الإسلام بدر الدين محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة بن حازم بن صخر بن عبد الله الكناني الحموي الشافعي ولد في ربيع الآخر سنة تسع وثلاثين وستمائة بحماة وسمع الكثير واشتغل وأفتى ودرس وأخذ أكثر علومه بالقاهرة عن القاضي تقي الدين بن رزين وقرأ النحو على الشيخ جمال الدين بن مالك وولي قضاء القدس سنة سبع وثمانين ثم نقل إلى قضاء الديار المصرية سنة تسعين وجمع له بين القضاء ومشيخة الشيوخ ثم نقل إلى دمشق وجمع له بين القضاء والخطابة ومشيخة الشيوخ ثم أعيد إلى قضاء الديار المصرية بعد وفاة ابن دقيق العيد ولما عاد الملك الناصر من الكرك عزله مدة سنة ثم أعيد وعمى في أثناء سنة سبع وعشرين فصرف عن القضاء واستمر معه تدريس (6/105)

106 الزاوية بمصر وانقطع بمنزله بمصر قريبا من ست سنين يسمع عليه ويتبرك به إلى أن توفي قال الذهبي في معجم شيوخه قاضي القضاة شيخ الإسلام الخطيب المفسر له تعاليق في الفقه والحديث والأصول والتواريخ وغير ذلك وله مشاركة حسنة في علوم الإسلام مع دين وتعبد وتصون وأوصاف حميدة وأحكام محمودة وله النظم والنثر والخطب والتلامذة والجلالة الوافرة والعقل التام الرضى فالله تعالى يحسن له العاقبة وهو أشعر يفاضل وقال السبكي في الطبقات الكبرى حاكم الإقليمين مصرا وشاما وناظم عقد الفخار الذي لا يسامى متحل بالعفاف إلا عن مقدار الكفاف محدث فقيه ذو عقل لا تقوم أساطين الحكماء بما جمع فيه ومن نظمه قوله ( لما تمكن في فؤادي حبه * عاتبت قلبي في هواه ولمته ) ( فرثى له طرفي وقال أنا الذي * قد كنت في شرك الردى أوقعته ) ( عاينت حسنا باهرا فاقتادني * قسرا إليه عندما أبصرته ) توفي في جمادى الأولى ودفن قريبا من الإمام الشافعي رضي الله عنهما وله أربع وتسعون سنة وفيها تقي الدين أبو الثناء محمود بن علي بن محمود بن مقبل بن سليمان بن داود الدقوقي ثم البغدادي الحنبلي المحدث الحافظ ولد بكرة نهار الإثنين سادس عشرى جمادى الأولى سنة ثلاث وستين وستمائة وسمع الكثير بإفادة والده من عبد الصمد بن أبي الجيش وعلي بن وضاح وابن الساعي وعبد الله بن بلدجي وعبد الجبار بن عكبر وغيرهما وأجاز له جماعة كثيرة من أهل العراق والشام ثم طلب بنفسه وقرأ ما لا يوصف كثرة وكان يجتمع عنده في قراءة الحديث آلاف وانتهى إليه علم الحديث والوعظ ببغداد ولم يكن بها في وقته أحسن قراءة للحديث منه ولا معرفة بلغاته وضبطه وله اليد الطولى في النظم والنثر وإنشاء الخطب وكان لطيفا حلو النادرة مليح الفكاهة ذا حرمة وجلالة وهيبة ومنزلة عند الأكابر وجمع عدة أربعينيات في معان مختلفة وله كتاب مطالع الأنوار في الأخبار والآثار الخالية عن السند والتكرار وكتاب الكواكب الدرية (6/106)

في المناقب العلوية وتخرج به جماعة 107 في علم الحديث وانتفعوا به وسمع منه خلق وحدث عنه طائفة وتوفي يوم الإثنين بعد العصر عشرين الحرم ببغداد رحمه الله سنة أربع وثلاثين وسبعمائة فيها جاء بطيبة سيل عظيم أخذ الجمال وعشرين فرسا وخرب أماكن وفيها توفي قاضي القضاة جمال الدين سليمان بن عمر بن سالم بن عمرو بن عثمان الزرعي الشافعي قال السبكي سمع من عبد الدايم والجمال بن الصيرفي وغيرهما وولي قضاء زرع مدة ثم تنقلت به الأحوال وهو قوي النفس لا يطلب رزقا عفيفا في أحكامه ثم ولي هو قضاء القضاة بالديار المصرية عن ابن جماعة ثم ولي قضاء الشام بعد ابن صصرى ثم عزل بعد عام وبقي شيخ الشيوخ ومدرس الأتابكية وتوفي بالقاهرة في صفر عن تسع وثمانين سنة وقال الذهبي كان مليح الشكل وافر الحرمة قليل العلم لكنه حكام وفيها زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن محمود بن عبيدان البعلي الفقيه الزاهد قال ابن رجب ولد سنة خمس وسبعين وستمائة وسمع الحديث وتفقه على الشيخ تقي الدين وغيره وبرع وأفتى وكان إماما عارفا بالفقه وغوامضه والأصول والحديث والعربية والتصوف زاهدا عابدا ورعا متألها ربانيا صح بالشيخ عماد الدين الواسطي وتخرج به في السلوك وتذكر له أحوال وكرامات ويقال أنه كان يطلع على ليلة القدر كل سنة وقد نالته محنة مرة بسبب حال حصل له وصنف كتابا في الأحكام على أبواب المقنع سماه المطلع وشرح قطعة من أول المقنع وجمع زوايد المحرر على المقنع وله كلام في التصوف وحدث بشيء من مصنفاته وتوفي في منتصف صفر ببعلبك ودفن بباب سطحا وفيها نجم الدين أبو عمر عبد الرحمن بن حسين بن يحيى بن عمر اللخمي المصري القبابي وقباب قرية من قرى الصعيد الحنبلي الفقيه الزاهد العابد القدوة قال ابن رجب كان رجلا صالحا زاهدا عابدا قدوة عارفا فقيها ذا فضل ومعرفة وله اشتغال بالمذهب أقام بحماة في زاوية يزار بها وكان معظما عند الخاص والعام وأئمة وقته يثنون عليه (6/107)

كالشيخ 108 تقي الدين بن تيمية وغيره وكان أمارا بالمعروف نهاء عن المنكر من العلماء الربانيين وبقايا السلف الصالحين وله كلام حسن يؤثر عنه توفي في آخر نهار الإثنين رابع عشر رجب بحماة وكانت جنازته مشهودة ودفن شمالي البلد وتوفي ولده الإمام سراج الدين عمر بالقدس وكان جامعا بين العلم والعمل واشتغل وانتفع بابن تيمية ولم أر على طريقته في الصلاح مثله رحمه الله تعالى انتهى كلام ابن رجب وفيها عماد الدين أبو حفص عمر بن عبد الرحيم بن يحيى بن إبراهيم بن علي بن جعفر بن عبيد الله بن حسن القرشي الزهري النابلسي الخطيب الشافعي الإمام قاضي نابلس تفقه بدمشق وأذن له بالفتوى وانتقل إلى نابلس وولي خطابة القدس مدة طويلة وقضاء نابلس معها ثم ولي قضاء القدس في آخر عمره قال ابن كثير له اشتغال وفضيلة وشرح مسلما في مجلدات وكان سريع الحفظ سريع الكتابة مات في المحرم ودفن بتربة ماملا وفيها كما قال في العبر الشيخ الضال محمد بن عبد الرحمن السيوفي صاحب ابن سبعبن هلك به جماعة انتهى وفيها فتح الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن سيد الناس الشافعي الإمام الحفاظ اليعمري الأندلس الأشبيلي المصري المعروف بابن سيد الناس قال ابن قاضي شهبة ولد في ذي القعدة وقيل في ذي الحجة سنة إحدى وسبعين وستمائة بالقاهرة وسمع الكثير من الجم الغفير وتفقه على مذهب الشافعي وأخذ علم الحديث عن والده وابن دقيق العيد ولازمه سنين كثيرة وتخرج عليه وقرأ عليه أصول الفقه وقرأ النحو على ابن النحاس وولي دار الحديث بجامع الصالح وخطب بجامع الخندق وصنف كتبا نفيسة منها السيرة الكبرى سماها عيون الأثر في مجلدين واختصره في كراريس وسماه نور العين وشرح قطعة من كتاب الترمذي إلى كتاب الصلاة في مجلدين وصنف في منع بيع أمهات الأولاد مجلدا ضخما يدل على علم كثير وذكره الذهبي في معجمه المختص وقال أحد أئمة هذا الشأن كتب بخطه المليح (6/108)

كثيرا وخرج وصنف وصحيح وعلل وفرع وأصل وقال الشعر البديع 109 وكان حلو النادرة حسن المحاضرة حالسته وسمعت قراءته وأجاز لي مروياته عليه مآخذ في دينه وهديه فالله يصلحه وإيانا وقال ابن كثير اشتغل بالعلم فبرع وساد أقرانه في علوم شتى من الحديث والفقه والنحو وعلم السير والتاريخ وغير ذلك وقد جمع سيرة حسنة في مجلدين وقد حرر وحبر وأجاد وأفاد ولم يسلم من بعض الانتقاد وله الشعر والنثر الفايق وحسن التصنيف والترصيف والتعبير وجودة البديهة وحسن الطوية والعقيدة السلفية والاقتداء بالأحاديث النبوة وتذكر عنه شئون أخر الله يتولاه فيها ولم يكن بمصر في مجموعه مثله في حفظ الأسانيد والمتون والعلل والفقه والملح والأشعار والحكايات وقال صاحب البدر السافر وخالط أهل السفه وشراب المدام فوقع في الملام ورشق بسهام الكلام والناس معادن والقرين يكرم ويهين باعتبار المقارن قال ولم يخلف بعده في القاهرة ومصر من يقوم بفنونه مقامه ولا من يبلغ في ذلك مرامه أعقبه الله السلامة في دار الإقامة وقال ابن ناصر الدين كان إماما حافظا عجيبا مصنفا بارعا شاعرا أديبا دخل عليه واحد من الإخوان يوم السبت حادي عشر شعبان فقام لدخوله تم سقط من قامته فلقف ثلاث لقفات ومات من ساعته ودفن بالقرافة عند ابن أبي جمرة رحمها الله تعالى سنة خمس وثلاثين وسبعمائة فيها وقع بحماة حريق كبير ذهبت به الأموال واحترق مايتا وخمسون دكانا قاله في العبر وفيها توفي بدمشق رئيس المؤذنين وأطيبهم صوتا برهان الدين إبراهيم بن محمد الخلاطي الشافعي الواني حدث عن الرضى بن البرهان وابن عبد الدايم وجماعة ومات في صفر عن أكثر من تسعين سنة وفيها نصير الدين أحمد بن عبد السلام بن تميم بن أبي نصر بن عبد الباقي بن عكبر البغدادي المعمر الحنبلي سمع الكثير من عبد الصمد بن أبي الجيش وابن وضاح وهذه الطبقة وحدث وسمع منه خلق وتفقه وأعاد بالمدرسة البشيرية للحنابلة (6/109)

110 وأضر في آخر عمره وانقطع في بيته وكان يذكر أنه من أولاد عكبر الذي تاب هو وأصحابه من قطع الطريق لرؤيته عصفورا ينقل رطبا من نخلة إلى أخرى حائل فصعد فنظر حية عمياء والعصفور يأتيها برزقها فتاب هو وأصحابه ذكره ابن الجوزي في صفوة الصفوة توفي صاحب الترجمة في جمادى الأولى ببغداد عن خمس وتسعين سنة وفيها الواعظ شمس الدين حسين بن راشد بن مبارك بن الأثير سمع الحافظ عبد العظيم وعبد المحسن بن عبد العزيز المخزومي والنجيب وكان حسن المذاكرة والعلم توفي بمصر عن أربع وثمانين سنة وفيها المعمرة زينب بنت الخطيب يحيى بن الشيخ عز الدين بن عبد السلام السلمية روت عن اليلداني وإبراهيم بن خليل وابن خطيب القرافة وغيرهم ولها إجازة من السبط وروت الكثير وتفردت وتوفيت في ذي القعدة عن سبع وثمانين سنة وفيها مسند الوقت بدر الدين عبد الله بن حسين بن أبي التائب الأنصاري الدمشقي الشاهد حدث عن ابن علان والعراقي والبلخي وعثمان بن خطيب القرافة وجماعة وسماعه صحيح لكنه لين تفرد بأشياء وتوفي في صفر عن قريب من تسعين سنة وفيها أقضى القضاة زين الدين أبو محمد عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن تمام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن سوار بن سليم الأنصاري الخزرجي السبكي المصري والد الشيخ تقي الدين السبكي الشافعي سمع من جماعة وقرأ الفروع على الظهير والسديد والأصول على القرافي وتنقل في أعمال الديار المصرية وحدث بالقاهرة والمحلة وخرج له ولده تقي الدين مشيخة حدث بها قال حفيده القاضي تاج الدين كان من أعيان نواب القاضي تقي الدين بن دقيق العيد وكان رجلا صالحا كثير الذكاء وله نظم كثير غالبه زهد ومدح في النبي وتوفي في رجب وفيها الحافظ الكبير الإمام قطب الدين عبد الكريم بن عبد النور بن منير الحلبي تلا بالسبع على إسمعيل المليحي وسمع من ابن العماد وإبراهيم المنقري والعز والفخر علي وبنت مكي وابن الفرات (6/110)

111 الأسكندراني وصنف وخرج وأفاد مع الصيانة والديانة والأمانة والتواضع والعلم ولزوم الاشتغال والتآليف حج مرات قال الذهبي حدثنا بمنى وعمل تاريخا كبيرا لمصر بيض بعضه وشرح السيرة لعبد الغني في مجلدين وعمل أربعين تساعيات وأربعين متباينات وأربعين بلدانيات وعمل معظم شرح البخاري في عدة مجلدات وكان حنفي المذهب يدرس بالجامع الحاكمي وتوفي بمصر في رجب عن إحدى وسبعين سنة وفيها العدل الأديب الفاضل أحمد بن عبد الكريم بن عبد الصمد أنوشروان التبريزي الحنفي عرف بكرشت كان يشهد قبالة المسمارية وعنده معرفة بالشروط وكتابة حسنة وله شعر كثير ومن قوله ( أترى تمثل طيفك الأحلام * أم زورة الطيف الملم حرام ) ( يا باخلا بالطيف في سنة الكرى * ما وجه بخلك والملاح كرام ) ( لو كنت تدري كيف بات متيم * عبثت به في حبك الأسقام ) ( لرحمت كل متيم من أجله * وعلمت أهل العشق كيف يناموا ) ( إن دام هجرك والتجني والقلا * فعلى الحياة تحية وسلام ) ( نار الغرام شديدة لكنها * برد على أهل الهوى وسلام ) وفيها مفيد الجماعة أمين الدين محمد بن إبراهيم المذكور في أول هذه السنة روى المترجم عن الشرف بن عساكر وابن الحسن اللمتوني وابن مؤمن وعدة وارتحل مرات وحج وجاور وكتب وخرج وأفاد ومات بعد والده بشهر وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمود بن قاسم بن البرزالي البغدادي الفقيه الحنبلي الأصولي الأديب النحوي قرأ الفقه على الشيخ تقي الدين الزريراتي وكان إماما متقنا بارعا في الفقه والأصلين والعربية والأدب والتفسير وغير ذلك وله نظم حسن وخط مليح درس بالمستنصرية بعد شيخه الزريراتي وكان من فضلاء أهل بغداد وكذلك كان والده أبو الفضل إماما عالما مفتيا صالحا توفي (6/111)

112 أبو عبد الله ببغداد في هذه السنة وفيها مجود دمشق بهاء الدين محمود بن خطيب بعلبك محي الدين محمد بن عبد الرحيم المسلمي كتب صحيح البخاري وكان دينا صينا مليح الشكل متواضا عمر سبعا وأربعين سنة قاله في العبر وفيها ملك العرب حسام الدين مهنا بن الملك عيسى بن مهنا الطائي بقرب سلمية في ذي القعدة عن نيف وثمانين سنة وأقاموا عليه المآتم ولبسوا السواد وكان فيه خير وتعبد قاله في العبر أيضا سنة ست وثلاثين وسبعمائة فيها توفي الشيخ الصالح أحمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم الهكاري الصرخدي حدث عن خطيب مردا وابن عبد الدايم وتوفي في ربيع الأول عن تسعين سنة وفيها الرئيس الإمام شهاب الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم المرادي المغربي العشاب وزير تونس حدث عن يوسف بن خميس وغيره وطلب الحديث وبرع في النحو وأقرأه ومات بالثغر في ربيع الأول عن سبع وثمانين سنة وفيها ناظر الخزانة عز الدين أحمد بن الزين محمد بن أحمد العقيلي بن القلانسي المحتسب كان مليح الشكل متواضعا نزها دينا ورعا أخذت منه الحسبة عام أو لواعتقل لامتناعه من شهادة وتوفي بدمشق عن ثلاث وستين سنة وفيها كمال الدين أبو القسم أحمد بن محمد بن محمد بن هبة الله بن محمد بن هبة الله ابن الشيرازي الشافعي الصدر الكبير العالم مولده سنة سبعين وستمائة وسمع من جماعة وحفظ مختصر المزني وتفقه على الشيخين تاج الدين الفزاري وزين الدين الفارقي وقرأ الأصول على الشيخ صفي الدين الهندي ودرس في وقت بالبادرائية مدة يسيرة لما انتقل الشيخ برهان الدين إلى الخطابة ودرس بالشامية البرانية وبالناصرية الجوانية مدة سنين إلى حين وفاته قال الذهبي كان فيه معرفة وتواضع وصيانة وقال ابن كثير كان صدرا كبيرا ذكر لقضاء دمشق غير مرة وكان حسن المباشرة (6/112)

113 والشكل توفي في صفر ودفن بتربتهم بسفح قاسيون وفيها والي دمشق شهاب الدين احمد بن سيف الدين أبي بكر بن برق الدمشقي كان جيد السياسة محببا إلى الناس ولي ثلاث عشرة سنة وحدث عن ابن علاق والجد بن الخليلي وتوفي عن أربع وستين سنة ومات بعده بيومين وإلى البر فخر الدين عثمان بن محمد بن ملك الأمراء شمس الدين لولو عن أربع وستين سنة أيضا وكان أجود الرجلين قاله في العبر وفيها شيخ الشيعة الزين جعفر بن أبي الغيث البعلبكي الكاتب روى عن ابن علان وتفقه للشافعي وترفض ومات عن اثنتين وسبعين سنة وفيها الصاحب الأمجد قال الأذهبي عماد الدين إسمعيل بن محمد ابن شيخنا الصاحب فتح الدين بن القيسراني كان منشئا بليغا رئيسا دينا صينا نزها روى عن العز الحراني وغيره وهو والد كاتب السر القاضي شهاب الدين توفي بدمشق في ذي القعدة عن خمس وستين سنة وفيها القان أرياخان الذي تسلطان بعد أبي سعيد ضربت عنقه صبرا يوم الفطر وكانت دولته نصف سنة خرج عليه على باش والقان موسى فالتقوا فأسر المذكور ووزيره الذي سلطنه محمد بن الرشيد الهمداني وقتلا صبرا وكان المصاف في وسط رمضان فدقت لذلك البشاير بدمشق وجاء الرسول بنصرتهم قاله في العبر وفيها القان أبو سعيد بن خربندا ابن أرغون بن أبغا بن هلاكو المغلى كان يكتب الخطب المنسوب ويجيد ضرب العود وفيه رأفة وديانة وقلة شر هادن سلطان الإسلام وهادنه وألقى مقاليد الأمور إلى وزيره ابن الرشيد وقدم بغداد مرات وأحبه الرعية وكانت دولته عشرين سنة وتوفي بالأزد ونقل إلى السلطانية فدفن بتربته وله بضع وثلاثون سنة وفيها عائشة بنت محمد بن المسلم الحرانية أخت محاسن روت عن العراقي والبلخي حضورا وعن اليلداني ومحمد بن عبد الهادي وتفردت وتوفيت في شوال عن تسعين سنة وفيها المسند الرحلة أبو الحسن علي بن محمد بن ممدود (6/113)

114 ابن جامع البندنيجي البغدادي الصوفي سمع صحيح مسلم من الباذبيني البغدادي وجامع الترمذي من العفيف بن الهيتي وأجاز له جماعات وتفرد وأكثروا عنه وتوفي بالسميساطية في المحرم عن اثنتين وتسعين سنة وفيها قطب الدين الأخوين واسمه محمد بن عمر التبريزي الشافعي قاضي بغداد سمع شرح السنة من قاضي تبريز محي الدين وكان ذا فنون ومروءة وذكاء وكان يرتشي وعاش ثمانيا وستين سنة قاله في العبر سنة سبع وثلاثين وسبعمائة فيها أخذ بمصر شمس الدين بن اللبان الشافعي وشهد عليه عند الحاكم بعظائم تبيح الدم فرجع ورسم بنفيه وفيها قتل على الزندقة عدو الله الحموي الحجار بحماة وأحرق أضل جماعة وقام عليه قاضي القضاة شمس الدين قاله في العبر وفيها الاديب البليغ شهاب الدين أحمد بن محمد بن غانم الشافعي الناظم الناثر دخل اليمن ومدح الكبار وخدم في الديوان وروى عن ابن عبد الدايم وجماعة ثم اختلط قبل موته بسنة أو أكثر وربما ثاب إليه وعيه وله نظم ونثر ومعرفة بالتواريخ وعاش سبعا وثمانين سنة ومات قبله بأشهر أخوه الصدر الإمام علاء الدين علي بن محمد المنشى روى عن ابن عبد الدايم والزين خالد والنظام ابن البانياسي وعدة وحفظ التنبيه وله النظم والترسل الفائق والمروءة التامة وكثرة التلاوة ولزوم الجماعات والشيبة البهية والنفس الزكية باشر الإنشاء ستين سنة وحدث بالصحيحين وحج مرات وتوفي بتبوك في المحرم عن ست وثمانين سنة وفيها محب الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي بكر محمد بن إبرهيم بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسمعيل بن منصور السعدي الصالحي المقدسي الحنبلي بن المحب ولد يوم الأحد ثاني عشر المحرم سنة اثنتين وثمانين وستمائة بقاسيون وأسمعه والده من الفخر بن البخاري وابن الكمال وزينب بنت (6/114)

115 مكي وجماعة ثم طلب بنفسه وسمع من عمر بن القواس وأبي الفضل بن عساكر ويوسف الغسولي وخلق من بعدهن وذكر أن شيوخه الذين أخذ عنهم نحوا من ألف شيخ قال الذهبي كان فصيح القراءة جهوري الصوت منطلق اللسان بالآثار سريع القراءة طيب الصوت بالقرآن صالحا خائفا من الله تعالى صادقا انتفع الناس بتذكيره ومواعيده وذكره أيضا في معجم شيوخه وقال كان شابا فاضلا صالحا في سمعه ثقل ما وقد حدث كثيرا وسمع منه جماعة وتوفي يوم الإثنين سابع ربيع الأول ودفن بالقرب من الشيخ موفق الدين وفيها الزاهد القدوة شمس الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن يوسف بن عبد المنعم بن نعمة المقدسي النابلسي الفقيه الحنبلي ولد سنة تسع وأربعين وستمائة وحضر على خطيب مردا وسمع من عم أبيه جمال الدين عبد الرحمن بن عبد المؤمن وأجاز له سبط السلفي وتفقه وأفتى وأم بمسجد الحنابلة بنابلس نحوا من سبعين سنة وكان كثير العبادة حسن الشكل والصوت عليه البهاء والوقار وحدث وسمع منه طائفة وتوفي يوم الخميس ثاني عشرى ربيع الآخر بنابلس وتوفي بها وتوفي قبله في ربيع الأول من السنة بنابلس أيضا الإمام المفتي عماد الدين أبو إسحق إبرهيم بن علي بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة وفيها قتل صاحب تلمسان أبو تاشفين عبد الرحمن بن موسى بن عثمان بن الملك عمر بن عبد الواحد الزناتي البربي كان سيء السيرة قتل أباه وكان قتله له رحمة للمسلمين لما انطوى عليه من خبث السيرة وقبح السريرة ثم تمكن وتظلم وكان بطلا شجاعا تملك نيفا وعشرين سنة حاصره سلطان المغرب أبو الحسين المزيني مدة ثم برز عبد الرحمن ليكبس المزيني فقتل على جواده في رمضان كهلا قاله في العبر وفيها المعمر الملك أسد الدين عبد القادر بن عبد العزيز بن السلطان الملك المعظم روى السيرة وأجزاء عن خطيب مردا وتفرد وكان ممتعا بحواسه مليح الشكل ما تزوج ولا تسرى توفي في رمضان عن خمس وتسعين سنة ودفن بالقدس الشريف (6/115)

116 وفيها المحدث المفيد ناصر الدين محمد بن طغربك الصيرفي قرأ الكثير وتعب ورحل وخرج وقرأ للعوام وحدث عن أبي بكر بن عبد الدائم وعيسى الدلال ومات غريبا عن نيف وأربعين سنة الله يسامحه وفيها الفقيه العالم شمس الدين محمد بن أيوب بن علي الشافعي بن الطحان نقيب الشامية والسبع الكبير سمع من عثمان بن خطيب القرافة ومن الكرماني والزين خالد وتوفي بدمشق في رجب وله خمس وثمانون سنة وأشهر وفيها الشيخ محمد بن عبد الله ابن المجد إبراهيم المصري المرشدي الزاهد الشافعي قرأ في التنبيه والقرآن وانقطع بزاوية له وكان يقرىء الضيفان وربما كاشف وللناس فيه اعتقاد زائد ويخدم الواردين ويقدم لهم ألوان المآكل ولا خادم عنده حتى قيل أنه أطعم للناس في ليلة ما قيمته مائة دينار وأنه أطعم في ثلاث ليال متوالية ما قيمته ألف دينار وزاره الأمراء والكبراء وبعد صيته حتى أن بعض الفقهاء يقول كان مخدوما وبلغني أنه كان في عافية فأرسل إلى القرى المجاورة له أحضروا فقد عرض أمر مهم ثم دخل خلوته فوجدوه ميتا في رمضان بقريته مينة مرسد كهلا قاله في الغبر وفيها مسند مصر العدل شرف الدين يحيى بن يوسف المقدسي له إجازة ابن رواج وابن الجميزي وروى الكثير وتفرد وتوفي بمصر في جمادى الآخرة عن نيف وتسعين سنة وفيها أحمد بن علي بن أحمد النحوي يعرف بابن نور قال ابن حجر في الدرر الكامنة كان أبوه خوليا وباشر هو صناعة أبيه ثم اشتغل على النجم الأصفوني فبرع في مدة قريبة ومهر في الفقه والنحو والأصول ودرس وأفتى ومات بمرض السل رحمه الله تعالى سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة فيها كان أهل العراق وأذربيجان في خوف وحروب وشدايد لاختلاف التتار وفيها توفي الصالح المسند أبو بكر بن محمد بن الرضى الصالحي القطان سمع حضورا من خطيب مردا وعبد الحميد بن عبد الهادي وسمع من عبد الله (6/116)

117 ابن الخشوعي وابن خليل وابن البرهان وتفرد وأكثروا عنه قال الذهبي ونعم الشيخ كان له إجازة السبط وجماعة وتوفي في جمادى الآخرة عن تسع وثمانين سنة ومات قبله بشهر المعمر أبو بكر بن محمد بن أحمد بن عنتر الدمشقي عن ثلاث وتسعين سنة روى الكثير بإجازة السبط انتهى وفيها شيخ الشافعية زين الدين عمر بن أبي الحزم بن عبد الرحمن بن يونس المعروف بابن الكتاني قال الأسنوي شيخ الشافعية في عصره بالاتفاق ولد سنة ثلاث وخمسين وستمائة بالقاهرة قريبا من جامع الأزهر ثم سافر بعد سنة مع أبويه إلى دمشق لأن أباه كان تاجرا في الكتان من مصر إلى الشام فاستقر بها وتفقه وقرأ الأصول على البرهان المراغي والفقه على لاتاج الفركاح وأفتى ودرس ثم انتقل إلى الديار المصرية فتولى الحكم بالحكر ثم ولاه ابن جماعة الغربية ثم عز لنفسه وانقطع عن ابن جماع وهجره بلا سبب وتولى مشيخة حلقة الفقه بالجامع الحاكمي وخطابة جامع الصالح ومشيخة الخانقاه الطيبرسية بشاطىء النيل وتدريس المدرسة المنكدمرية للطائفة الشافعية ثم فوض إليه في آخر عمره مشيخة الحديث بالقبة المنصورية وكان نافرا عن الناس سيء الخلق يطير الذباب فيغضب ومن تبسم عنده يطرد إن لم يضرب وأفضى به ذلك إلي أنه في غالب عمره المتصل بالموت كان مقيما في بيته وحده لم يتزوج ولم يتسر ولم يقن رقيقا ولا مركوبا ولا دارا ولا غلاما ولم يعرف له تصنيف ولا تلميذ ومع ذلك كان حسن المحاضرة كثير الحكايات والأشعار كريما وكتب بخطه حواشي على الروضة وكان قليل الفتاوى توفي بمسكنه على شاطىء النيل بجوار الخانقاه التي مشيخته بيده يوم الثلاثاء الخامس عشر من شهر رمضان ودفن بالقرافة وفيها زين الدين أبو محمد عبادة بن عبد الغني بن عبادة الحراني ثم الدمشقي الفقيه الحنبلي المفتي الشروطي المؤذن ولد في رجب سنة إحدى وسبعين وستمائة وسمع من القسم الأربلي وأبي الفضل بن عساكر وجماعة وطلب الحديث وكتب الأجزاء وتفقه على (6/117)

الشيخ زين الدين بن المنجا ثم على الشيخ 118 تقي الدين بن تيمية قال الذهبي في معجم شيوخه كان فقيها عالما جيد الفهم يفهم شيئا من العربية والأصول وكان صالحا دينا ذا حظ من تهجد وإيثار وتواضع اصطحبنا مدة ونعم والله الصاحب هو كان يسع الجماعة بالخدمة والأفضال والحلم خرجت له أجزاء وحدث بحصبح مسلم انتهى وسمع من جماعة وتوفي في شوال ودفن بمقبرة الباب الصغير وفيها قاضي القضاة شهاب الدين محمد بن المجد الأربلي ثم الدمشقي الشافعي روى عن ابن أبي اليسر وابن أبي عمر وجماعة وأفتى وناظر وحكم نحو ثلاث سنين وجاء على منصبه قاضي الممالك جلال الدين وتوفي في آخر جمادى الأولى عن ست وسبعين سنة نفرت به بغلته فرضت دماغه ومات إلى عفو الله بعد ست ليال وفيها الشيخ زين الدين أبو عبد الله محمد بن علم الدين عبد الله بن الشيخ الإمام زين الدين عمر بن مكي بن عبد الصمد العثماني المعروف بابن المرحل الشافعي سمع من جماعة وأخذ الفقه والأصلين عن عمه الشيخ صدر الدين وغيره ونزل له عمه عن تدريس المشهد الحسيني بالقاهرة فدرس به مدة ثم قايض الشيخ شهاب الدين بن الأنصاري منه إلى تدريس الشامية البرانية والعذراوية فباشرهما إلى حين وفاته وناب في الحكم فحمدت سيرته ثم تركه وبيض كتاب الأشباه والنظائر لعمه وزاد فيه قال الذهبي العلامة مدرس الشامية الكبرى فقيه مناظر أصولي وكان يذكر للقضاء وقال السبكي ولد بعد سنة تسعين وستمائة وكان رجلا فاضلا دينا عالما عارفا بالفقه وأصوله صنف في الأصول كتابين وقال الصلاح الكتبي كان من أحسن الناس شكلا وربى على طريقة حميدة في عفاف وملازمة للاشتغال بالعلوم وانجماع عن الناس وكان يلقى الدروس بفصاحة وعذوبة لفظ قيل لم تكن دروسه بعيدة من دروس ابن الزملكاني وكان من أجود الناس طباعا وأكرمهم نفسا وأحسنهم ملتقى توفي في رجب ودفن بتربة لهم عند مسجد الذبان عند جده وفيها ولي العهد القائم بأمر الله محمد بن أمير (6/118)

المؤمنين المستكفي كان سريا فقيها شجاعا مهيبا وسيما قيل هو 119 السبب في تسييرهم إلى قوص مات بقوص في ذي الحجة عن أربع وعشرين سنة وفيها قاضي القضاة شرف الدين أبو القسم هبة الله بن قاضي القضاة نجم الدين عبد الرحيم بن القاضي شمس الدين إبراهيم المعروف بابن البارزي الشافعي قاضي حماة وصاحب التصانيف الكثيرة ولد في رمضان سنة خمس وأربعين وستمائة وسمع من والده وجده وعز الدين الفاروثي وجمال الدين بن مالك وغيرهم وأجاز له جماعة وتلا بالسبع وتفقه على والده وأخذ النحو عن ابن مالك وتفنن في العلوم وأفتى ودرس وصنف وولي قضاء حماة وعمى في آخر عمره وحدث بدمشق وحماة وسمع منه البرزالي والذهبي وخلق وقد خرج له ابن طغربك مشيخة كبيرة وخرج له البرزالي جزءا وذكره الذهبي في معجمه فقال شيخ العلماء بقية الأعلام صنف التصانيف مع العبادة والدين والتواضع ولطف الأخلاق ما في باعه من الكبر ذرة وله ترام على الصالحين وحسن ظن بهم وقال الأسنوي كان إماما راسخا في العلم صالحا خيرا محبا للعلم ونشره محسنا إلى الطلبة وصارت إليه الرحلة وقال السبكي انتهت إليه مشيخة المذهب ببلاد الشام وقصد من الأطراف توفي في ذي القعدة عن ثلاث وتسعين سنة وفيه يقول ابن الوردي ( حماة مذ فارقها شيخها * قد أعظم العاصي بها الفرية ) ( صرت كمن ينظرها بلقعا * أو كالذي مر على قرية ) ومن تصانيفه روضات الجنان في تفسير القرآن عشر مجلدات كتاب الفريدة البارزية في حل الشاطبية كتاب المجتبى كتاب المجتنى كتاب الوفا في أحاديث المصطفى مجلدان وغير ذلك وفيها القاضي جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن إبراهيم ابن جمله بن مسلم بن تمام بن حسين بن يوسف المحجي الدمشقي الصالحي الشافعي ولد في سنة اثنتين وثمانين وستمائة وسمع من جماعة وأخذ عن الشيخين صدر الدين ابن الوكيل وشمس الدين بن النقيب وولي القضاء مدة سنة ونصف فشكرت سيرته ونهضته إلا أنه وقع بينه وبين بعض خواص النائب فعزل (6/119)

وسجن مدة ثم أعطى 120 الشامية البرانية قال البرزالي خرجت له جزءا عن أكثر من خمسين نفسا وحدث به بالمدينة النبوية وبدمشق وكان فاضلا في فنون اشتغل وحصل وأفتى وأعاد ودرس وله فضائل جمة ومباحث وفوايد وهمة عالية وحرمة وافرة وفيه تودد وإحسان وقضاء للحقوق وولي قضاء دمشق نيابة واستقلالا ودرس بالمدارس الكبار توفي في ذي القعدة بدمشق عن سبع وخمسين سنة ودفن بسفح قاسيون عند والده وأقاربه سنة تسع وثلاثين وسبعمائة فيها هلك بطرابلس الشام تحت الزلزة ستون نفسا وفيها قدم العلامة شيخ الإسلام تقي الدين السبكي على قضاء الشافعية بالشام وفرح الناس به وفيها توفي الشيخ موفق الدين أحمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن عثمان بن مكي الشارعي فكان آخر من حدث بالسماع عن جد أبيه وتوفي بمصر عن تسعين سنة وفيها القاضي كمال الدين أحمد بن قاضي القضاة علم الدين بن الأخنائي حدث عن الدمياطي وغيره وكان قاضي العساكر وناظر الخزانة بالقاهرة وبها توفي وفيها قال الذهبي شيخنا المعمر الصالح شرف الدين الحسين بن علي بن محمد ابن العماد الكاتب عن ثمانين سنة وأشهر درس بالعمادية وأفتى وحدث عن ابن أبي اليسر وابن الأوحد وجماعة انتهى وفيها نجم الدين حسين بن علي بن سيد الكل الأزدي المهلبي الأسواني الشافعي مولده سنة ست وأربعين وستمائة وتفقه على أبي الفضل جعفر التزمنتي وبرع وحدث وأشغل الناس بالعلم مدة كثيرة قال الشيخ تقي الدين السبكي وكان قد وصل إلى سن عالية وتحصل للطلبة انتفاع في الاشتغال عليه وهو فقيه حسن مفتي وله قدم هجرة وصحبة للفقراء يتخلق بأخلاق حسنة وقال الأسنوي كان ماهرا في الفقه يشغل في أكثر العلوم متصوفا كريما جدا مع الفاقة منقطعا عن الناس شريف النفس معزا للعلم اشتغل عليه الخلق طبقة بعد (6/120)

121 طبقته وانتفعوا به وتصدر بمدرسة الملك بالقاهرة وتجرد مع الفقراء في البلاد توفي في صفر وقد زاحم المائة وفيها خطيب القدس زين الدين عبد الرحيم ابن قاضي القضاة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة الشافعي توفي بالقدس الشريف وفيها المعمر نجم الدين عبد الرحيم بن الحاج محمود الشيعي حدث عن ابن عبد الدايم وغيره وتوفي بالصالحية عن إحدى وتسعين سنة ذكره الذهبي وفيها عالم بغداد صفي الدين عبد المؤمن بن الخطيب عبد الحق بن عبد الله بن علي بن مسعود بن شمايل البغدادي الحنبلي الإمام الفرض المتقن ولد في سابع عشرى جمادى الآخرة سنة ثمان وخمسين وستمائة ببغداد وسمع بها الحديث من عبد الصمد بن أبي الجيش وابن الكسار وخلق وسمع بدمشق من الشرف ابن عساكر وجماعة وبمكة من الفخر التوزري وأجاز له ابن الخباري وأحمد بن شيبان وبنت مكي وغيرهم من أهل الشام ومصر والعراق وتفقه على أبي طالب عبد الرحمن بن عمر البصري ولازمه حتى برع وأفتى ومهر في علم الفرائض والحساب والجبر والمقابلة والهندسة والمساحة ونحو ذلك واشتغل في أول عمره بعد التفقه بالكتابة والأعمال الدنيوية مدة ثم ترك ذلك وأقبل على العلم فلازمه مطالعة وكتابة وتدريسا وتصنيفا وأشغالا وإفتاء إلى حين موته وصنف في علوم كثيرة فمن مصنفاته شرح المحرر في الفقه ست مجلدات شرح العمدة مجلدان إدراك الغاية في اختصار الهداية مجلد لطيف وشرحه في أربع مجلدات تلخيص المنقح في الجدل تحقيق الأمل في علم الأصول والجدل اللامع المغيث في علم المواريث واختصر تاريخ الطبري في أربع مجلدات واختصر الرد على الرافضي للشيخ تقي الدين بن تيمية في مجلدين لطيفين واختصر معجم البلدان لياقوت وله غير ذلك وخرج لنفسه معجما لشيوخه بالسماع والإجازة نحوا من ثلثمائة شيخ وسمع منه خلق كثيرون وله شعر رائق منه ( لا ترج غير الله سبحانه * واقطع عرى الآمال من خلقه ) ( لا تطلبن الفضل من غيره * واضنن بماء الوجه (6/121)

واستبقه ) 122 ( فالرزق مقسوم وما لامرىء * سوى الذي قدر من رزقه ) ( والفقر خير للفتى من غنى * يكون طول الدهر في رقه ) توفي رحمه الله تعالى ليلة الجمعة عاشر صفر ببغداد ودفن بمقبرة الإمام أحمد وفيها قاضي حلب ذو الفنون فخر الدين عثمان بن علي الحلبي المعروف بابن خطيب جبرين بالباء الموحدة والراء قرية من قرى حلب وقد تقدمت ترجمته في سنة ثلاثين والصحيح وفاته في هذه السنة وفيها الشيخ شرف الدين أبو الحسين علي بن عمر البعلي شيخ الربوة والشبلية حدث عن الشيخ شمس الدين ابن أبي عمر وابن البخاري وطائفة وتوفي في المحرم وله بضع وثمانون سنة وفيها معيد البادرائية المعمر علاء الدين علي بن عثمان بن الخراط حدث عن ابن البخاري وغيره وعمل خطبا ومقامات وتوفي بدمشق وفيها الحافظ محدث الشام وصاحب التاريخ والمعجم الكبير أول سماعه في سنة ثلاث وسبعين وستمائة وكان له من العمر عشر سنين وروى عن ابن أبي الخير وابن أبي عمر والعز الحراني وخلق كثير ووقف جميع كتبه وأوصى بثلثه وحج خمس مرات انتهى وقال ابن قاضي شهبة ولد سنة ثلاث وستين وستمائة وسمع الجم الغفير وكتب بخطه ما لا يحصى كثرة وتفقه بالشيخ تاج الدين الفزاري وصحبه وأكثر عنه الشيخ تاج الدين في تاريخه وولي مشيخة دار الحديث النورية ومشيخة النفيسية وصنف التاريخ ذيلا على تاريخ أبي شامة بدأ فيه من عام مولده وهو السنة التي مات فيها أبو شامة في سبع مجلدات والمعجم الكبير وبلغ ثبته بضعا وعشرين مجلدا أثبت فيه كل من سمع منه وانتفع به المحدثون من زمانه إلى آخر القرن وقال الذهبي أيضا في معجمه الإمام الحافظ المتقن الصادق الحجة مفيدنا ومعلمنا ورفيقنا مؤرخ العصر ومحدث الشام مشيخته بالإجازة والسماع فوق الثلاثة آلاف وكتبه وأجزاؤه الصحيحة في عدة أماكن وهي مبذولة للطلبة وقراءته المليحة الفصيحة مبذولة لمن قصده (6/122)

123 وتواضعه وبشره مبذول لكل غني وفقير توفي محرما بخليص في ذي الحجة وله أربع وسبعون سنة وأشهر وفيها بدر الدين أبو اليسر محمد بن قاضي القضاة الإمام العادل عز الدين محمد بن عبد القادر الأنصاري بن الصايغ الدمشقي الشافعي قال الذهبي القاضي الإمام القدوة العابد مدرس العمادية والدماغية حدث عن ابن شيبان والفخر وطائفة وحفظ التنبيه ولازم الشيخ برهان الدين وجاءه التقليد والتشريف بقضاء القضاة في سنة سبع وعشرين فأصر على الامتناع فأعفى ثم ولى خطابة القدس وتركها وكان مقتصدا في أموره كثير المحاسن حج غير مرة وتوفي في جمادى الأولى عن ثلاث وستين سنة وفيها قاضي القضاة الإقليمين جلال الدين محمد بن عبد الرحمن بن عمر بن أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن الحسن بن علي بن إبراهيم بن علي بن أحمد بن دلف بن أبي دلف العجلي القزويني ثم الدمشقي الشافعي قال ابن قاضي شهبة مولده بالموصل سنة ست وستين وستمائة وتفقه على أبيه وأخذ الأصلين عن الأربلي وسكن الروم مع أبيه واشتغل في أنواع العلوم وسمع من أبي العباس الفاروثي وغيره وخرج له البرزالي جزءا من حديثه وحدث به وأفتى ودرس وناب في القضاء عن أخيه ثم عن ابن صصرى ثم ولي الخطابة بدمشق ثم القضاء بها ثم انتقل إلى قضاء الديار المصرية لما عمى القضاء بدر الدين بن جماعة فأقام بها نحو إحدى عشرة سنة ثم صرف في جمادى الآخرة سنة ثمان وثلاثين ونقل إلى قضاء الشام وألف تلخيص المفتاح في المعاني والبيان وشرحه بشرح سماه الإيضاح وقال الذهبي أفتى ودرس وناظر وتخرج به الأصحاب وكان مليح الشكل فصيحا حسن الأخلاق غزير العلم وأصابه طرف فالج مدة وقال ابن رافع حدثني وسمع منه البرزالي وخرج له جزءا من حديثه عن جماعة من شيوخه وصنف في الأصول كتابا حسنا وفي المعاني والبيان كتابين كبيرا وصغيرا ودرس بمصر والشام بمدارس وكان لطيف الذات حسن المحاضرة كريم النفس ذا عصبية ومودة وقال الأسنوي كان فاضلا في علوم (6/123)

كريما مقداما ذكيا مصنفا 124 وإليه ينسب كتاب الإيضاح والتلخيص في علمي المعاني والبيان توفي بدمشق في جمادى الأولى ودفن بمقابر الصوفية وفيها شمس الدين محمد بن عبد العزيز بن الشيخ عبد القادر الجيلي قال الذهبي شيخ بلاد الجزية الإمام القدوة كان عالما صالحا وقورا وافر الجلالة حج مرتين وروى عن الفخر علي بدمشق وببغداد وخلق أولادا كبارا لهم كفاية وحرمة وتوفي في أول ذي الحجة بقرية الحيال من عمل سنجار عن سبع وثمانين سنة وفيها شمس الدين محمد بن إبراهيم بن عبد العزيز بن الجزري صاحب التاريخ الكبير قال الذهبي كان دينا خيرا ساكنا وقورا به صمم روى عن إبراهيم بن أحمد والفخر بن البخاري وسمع ولديه مجد الدين ونصير الدين كثيرا وكان عدلا أمينا وقال غيره كان من خيار الناس كثير المروءة من كبار عدول دمشق أقام يشهد على القضاة مدة وإذا انفرد بشهادة يكتفون به لوثوقهم به جمع تاريخا كبيرا ذكر فيه أشياء حسنة لا توجد في غيره توفي ببستانه الزعيفرانية في وسط السنة وله إحدى وثمانون سنة وفيها بأطرابلس الشيخ ناصر الدين محمد بن المعلم المنذري سمع المسند من ابن شيبان وفيها وجيه الدين يحيى بن محمد الصنهاجي المالكي قال الذهبي مات بالأسكندرية قاضيها العلامة سنة أربعين وسبعمائة في صفر هبت بجبل طرابلس سموم وعواصف على جبال عكا وسقط نجم اتصل نوره بالأرض برعد عظيم وعلقت منه نار في أراضي الجون أحرقت أشجارا ويبست ثمارا وأحرقت منازل وكان ذلك آية ونزل من السماء نار بقرية الفسيحة على قبة خشب أحرقتها وأحرقت إلى جانبها ثلاثة بيوت وصح هذا واشتهر قاله في العبر وبهذه السنة ختم الذهبي كتابيه العبر والدول وفيها توفي نجم الدين إبراهيم بن بركات بن أبي الفضل بن القرشية البعلبكي الصوفي أحد الأعيان الصوفية (6/124)

125 وأكابر الفقهاء القادرية حدث عن الشيخ شمس الدين بن أبي عمر وكان خاتمة أصحابه وعن ابن عبد الدايم وابن أبي اليسر وجماعة وولي مشيخة الشبلية والأسدية وتوفي بدمشق في رجب عن تسعين سنة أو أكثر وفيها مجد الدين أبو بكر بن إسمعيل بن عبد العزيز الزنكلوني المصري الشافعي ولد سنة تسع وسبعين وستمائة وتفقه على مشايخ عصره قال ابن قاضي شهبة ولا أحفظ عمن أخذ منهم وسمع الحديث وتصدى للاشتغال والتصنيف وممن أخذ عنه الشيخ جمال الدين الأسنوي وذكر له في طبقاته ترجمة حسنة فقال كان إماما في الفقه أصوليا محدثا نحويا ذكيا حسن التعبير قانتا لله لا يمكن أحدا أن تقع منه غيبة في مجلسه صاحب كرامات منقبضا عن الناس ملازما لشأنه لا يتردد إلى أحد من الأمراء ويكره أن يأتوا إليه وراض نفسه إلى أن صار يحمل طبق العجين على كتفه إلى الفرن ويعود به مع كثرة الطلبة عنده وكان ملازما للأشغال ليلا ونهارا ويمزج الدروس بالوعظ وبحكايات الصالحين ولذلك بارك الله في طلبته وحصل لهم نفع كبير وكان حسن المعاشرة كثير المروءة ولي مشيخة الخانقاه البيرسية وتدريس الحديث بها وبالجامع الحاكمي توفي في ربيع الأول ودفن بالقرافة وزنكلون قرية من بلاد الشرقية من أعمال الديار المصرية وأصلها سنكلوم بالسين المهملة في أولها والميم في آخرها إلا أن الناس لا ينطقون إلا الزنكلوني ولذلك كان الشيخ يكتبه بخطه كذلك غالبا ومن تصانيفه شرح التنبيه الذي عم نفعه للمتفقهة ورسخ في النفوس وقعه والمنتخب مختصر الكفاية وشرح المنهاج نحو شرح التنبيه وشرح التعجيز ومختصر التبريزي وغير ذلك وفي حدودها علاء الدولة وعلاء الدين أبو المكارم أحمد بن محمد بن أحمد السمناني ذكره الأسنوي في طبقاته وقال كان إماما عالما مرشدا له مصنفات كثيرة في التفسير والتصوفي وغيرهما وفيها القاضي محي الدين إسمعيل بن يحيى بن إسمعيل بن نصر بن جهبل أبو الفدا الحلبي الأصل الدمشقي الشافعي ولد بدمشق في (6/125)

سنة ست وستين وستمائة واشتغل وحصل وحدث عن ابن عطا وابن البخاري وأفتى ودرس بالأتابكية وسمع منه جماعة 126 منهم البرزالي وخرج له مشيخة وحدث بها وناب في الحكم بدمشق وولي قضاء طرابلس مدة ثم عزل منها وعاد إلى دمشق وتوفي في شعبان ودفن عند أخيه بمقبرة الصوفية وفيها مسندة الشام أم عبد الله زينب بنت الكمال أحمد بن عبد الرحيم المقدسية المرأة الصالحة العذراء روت عن محمد بن عبد الهادي وخطيب مردا واليلداني وسبط ابن الجوزي وجماعة وبالإجازة عن عجيبة الباقدارية وابن الخير وابن العليق وعدد كثير وتكاثروا عليها وتفردت وروت كتبا كبارا وتوفيت في تاسع عشر جمادى الأولى عن أربع وتسعين سنة وفيها الخليفة المستكفى بالله أبو الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله ولد في نصف المحرم سنة أربع وثمانين وستمائة واشتغل قليلا وبويع بالخلافة بعهد من أبيه في جمادى الأولى سنة إحدى وسبعمائة وخطب له على المنابر بالبلاد المصرية والشامية وصارت البشارة بذلك إلى جميع الأقطار والممالك الإسلامية وكانوا يسكنون بالكبش فنقلهم السلطان إلى القعلة وأفرد لهم دارا وتوفي بقوص وكانت خلافته ثمانيا وثلاثين سنة وبويع أخوه إبراهيم بغير عهد وفيها قبض على الصاحب شرف الدين عبد الوهاب القبطي في صفر وصودر واستصفيت حواصله بمباشرة لأمير سيف الدين شنكر الناصري ومن جملة ما وجد له صندوق ضمنه تسعة عشر ألف دينار وأربعمائة مثقال لؤلؤ كبار وصليب مجوهر ووجد بداره كنيسة مرخمة بمحاريبها الشرقية ومذابحها وآلاتها واستمر الملعون في العقوبة حتى هلك في ربيع الآخر وفيها في ليلة السادس والعشرين من شوال وقع بدمشق حريق كبير شمل اللبادين القبلية وما تحتها وما فوقها إلى عند سوق الكتب واحترق سوق الوراقين وسوق الذهب وحاصل الجامع وما حوله والمأذنة الشرقية وعدم للناس فيه من الأموال والمتاع ما لا يحصر قاله في العبر والله أعلم وفيها الحسن بن إبرهيم بن أبي خالد البلوي قال (6/126)

في تاريخ غرناطة كان أديبا فقيها نحويا أخذ عن أبي خميس وأبي الحسن القيجاطي ومات 127 يوم عيد الفطر وفيها أبو عامر محمد بن عبد الله بن عيد العظيم بن أرقم النميري الوادياشي قال في تاريخ غرناطة كان أحمد شيوخه مشاركا في فنون من فقه وأدب وعربية وهي أغلب الفنون عليه مطرحا مخشوشنا مليح الدعابة كثير التواضع بيته معمور بالعلماء أولى الأصالة والتعين تصد رببلده للفتيا والأسماع والتدريس وكان قرأ على أبي العباس بن عبد النور وأبي خالد بن أرقم وروى عنه ابن الزبير وأبو بكر بن عبيد وغيرهما وله شعر مات ببلده انتهى وفيها شمس الدين محمد المغربي الأندلسي قال ابن حجر كان شعلة نار في الذكاء كثير الاستحضار حسن الفهم عارفا بعدة علوم خصوصا بالعربية أقام بحماة مدة وولي قضاءها ثم توجه إلى الروم فأقام بها وأقبل عليه الناس مات ببرصا في شعبان سنة إحدى وأربعين وسبعمائة في ذي الحجة منها كانت زلزلة عظيمة بمصر والشام والأسكندرية مات فيها تحت الردم ما لا يحصى وغرقت مراكب كثيرة وتهدمت جوامع ومواذن لا تعد وفيها كانت واقعة طريف ببلاد المغرب قال لسان الدين في كتاب الإحاطة استشهد فيها جماعة من الأكابر وغيرهم وكان سببها أن سلطان فاس أمير المسلمين أبا الحسن علي بن عثمان بن يعقوب ابن عبد الحق المزيني جاز البحر إلى جزيرة الأندلس برسم الجهاد ونصرة أهلها على عدوهم حسبما جرت بذلك عادة سلفه وغيرهم من ملوك العدوة وشمر عن ساعد الاجتهاد ووجد من الجيوش الإسلامية نحو ستين ألفا وجاء إليه أهل الأندلس بقصد الأمداد وسلطانهم ابن الأحمر ومن معه من الأجناد فقضى الله الذي لا مرد لما قدره أن سارت تلك الجموع مكسرة ورجع السلطان أبو الحسن مغلولا وأضحلا حسام الهزيمة عليه وعلى من معه مسلولا ونجا برأس طمرة ولجام ولا تسل كيف وقتل جمع من أهل الإسلام وجملة وافرة من الأعلام وأمضى فيهم حكمه السيف وأسر ابن السلطان وحريمه وانتهبت ذخائره واستولى على (6/127)

الجميع أيدي 128 الكفر والحيف واشرأب العدو الكافر لأخذ ما بقي من الجزيرة ذات الظل الوريف وثبت قدمه في بلد طريف وبالجملة فهذه الواقعة من الدواهي المعضلة الداء والأزراء التي تضعضع لها ركن الدين بالمغرب وقرت بذلك عيون الأعداء انتهى وممن استشهد في هذه الواقعة والد لسان الدين بن الخطيب هو عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن علي بن أحمد السلماني قال لسان الدين في الأكليل في حق والده هذا إن طال الكلام وجمحت الأقلام كنت كما قيل مادح نفسه يقرئك السلام وإن أجمحت فما سديت في الثناء ولا ألحمت أضعت الحقوق وخفت ومعاذ الله العقوق هذا ولو أني زجرت طير البيان عن أوكاره وجئت بعون الإحسان وأبكاره لما قضيت حقه بعد ولا قلت إلا بالذي علمت سعد فقد كان رحمه الله ذمر عزم ورجل رجاء وازم تروم أنوار خلاله الباهرة وتضيء مجالس الملوك من صورتيه الباطنة والظاهرة ذكاء يتوقد وطلاقة يحسد نورها الفرقد وكانت له في الأدب فريضة وفي النادرة العذبة منادح عريضة تكلمت يوما بين يديه في مسائل من الطب وأنشدته أبياتا من شعرى ورقاعا من أنشائي فتهلل وما برح أن ارتجل ( الطب والشعر والكتابة * سماتنا في بنى النجابة ) ( هن ثلاث مبلغات * مراتبا بعضها الحجابة ) ووقع لي يوما بخطه على ظهر أبيات بعثتها إليه أعرض نمطها عليه ( وردت كما صد رالنسيم بسحرة * عن روضة جاد الغرام رباها ) ( فكأنما هاروت أودع سحره * فيها وآثرها به وحباها ) ( مصقولة الألفاظ يبهر حسنها * فبمثلها افتخر البليغ وباها ) ( فقررت عينا عند رؤية وجهها * أني أبوك وكنت أنت أباها ) ومن شعره ( عليك بالصمت فكم ناطق * كلامه أدى إلى كلمه ) (6/128)

129 ( أن لسان المرء أهدى إلى * غرته والله من خصمه ) ( يرى صغير الجسم مستضعفا * وجرمه أكبر من جرمه ) وقال في الإحاطة كان من رجال الكمال طلق الوجه فقد في الكائنة العظمى بطريف يوم الإثنين سابع جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ثابت الجأش غير جذوع ولا هيابة حدثني الخطيب بالمسجد الجامع من غرناطة الفقيه أبو عبد الله بن اللوشي قال كبا باخيك الطرف وقد غشي العدو فجنحت إلى أردافه فانحدر إليه والدك وصرفني وقال أنا أولى به فكان آخر العهد بهما انتهى وذكر في الإحاطة أن مولده بغرناطة في جمادى الأولى عام اثنين وسبعين وستمائة وفيها افتخار الدين أبو عبد الله جابر بن محمد بن محمد بن عبد العزيز بن يوسف الخوارزمي الكاتي بالمثناة أو المثلثة الحنفي النحوي ولد في عاشر شوال سنة سبع وستين وستمائة وقرأ على خاله أبي المكارم وقرأ المفصل والكشاف على أبي عاصم الأسفندري واشتغل ببلاده ومهر وقدم القاهرة فسمع من الدمياطي وولي مشيخة الجاولية التي بالكبش وباشر الإفتاء والتدريس بأماكن وقدم مكة وقرأ الصحيح علي التوزري وتكلم على أماكن فيه من جهة العربية ودرس بالقدس ومكة وكان فاضلا حسن الشكل مليح المحاضرة مات بالقاهرة في منتصف المحرم وفيها برهان الدين أبو إسحق إبراهيم بن أحمد بن هلال الزرعي ثم الدمشقي الفقيه الحنبلي الأصولي المناظر الفرضي سمع بدمشق من عمر بن القواس وأبي الفضل بن عساكر وغيرهما وتفقه وأفتى قديما ودرس وناظر وولي نيابة الحكم عن علاء الدين ابن المنجا وغيره ودرس بالحنبلية من حين سجن الشيخ تقي الدين بالقلعة في المرة التي توفي فيها فساء ذلك أصحاب الشيخ ومحبيه واستمر بها إلى حين وفاته وكان بارعا في أصول الفقه والفرائض والحساب وإليه المنتهى في التحري وجودة الخط وصحة الذهن وسعرة الإدراك وقوة المناظرة وحسن الخلق لكنه كان قليل الاستحضار (6/129)

130 لنقل المذهب وكان قاضي القضاة أبو الحسن السبكي يسميه فقيه الشام وكان فيه لعب وعليه في دينه مآخذ سامحه الله تعالى وتفقه وتخرج له جماعة ولم يصنف كتابا معروفا توفي في وقت صلاة الجمعة سادس عشر رجب ودفن بمقبرة باب الصغير وفيها الحسين بن أبي بكر بن الحسين الأسكندري المالكي النحوي قال في الدرر ولد سنة أربع وخمسين وستمائة واشتغل بالعلم خصوصا العربية وانتفع به الناس وجمع تفسيرا في عشر مجلدات وحدث عن الدمياطي وتوفي في ذي الحجة وفي حدودها الشيخ علي بن عبد الله الطواشي اليمني الصوفي الكبير العارف الشهير ذو الأحوال السنية والمقامات العلية وحسبك فيه ما قاله تلميذه ومريده الإمام اليافعي من أبيات ( إذا قصد الزوار للبيت كعبة * علي بن عبد الله قصدي وكعبتي ) وفيها ركن الدين شافع بن عمر بن إسمعيل الفقيه الحنبلي الأصولي نزيل بغداد سمع الحديث ببغداد على إسمعيل بن الطبال وابن الدواليبي وغيرهما وتفقه على الشيخ تقي الدين الزريراتي وصاهره على ابنته وأعاد عنده بالمستنصرية وكان رئيسا نبيلا فاضلا عارفا بالفقه والأصول والطب مراعيا لقوانينه في مأكله ومشربه ودرس بالمجاهدية بدمشق واقرأ جماعة من الأئمة الأربعة قال ابن رجب منهم والدي وله مصنف في مناقب الأئمة الأربع سماه زبدة الأخبار في مناقب الأئمة الأربعة الأبرار وكان قاصر العبارة لأن في لسانه عجمة ومدرسة المجاهدية تعرف الآن بالحجازية ثم صارت اصطبلا خيل الطانشمندية لا حول ولا قوة إلا بالله توفي المتركم ببغداد يوم الجمعة ثاني عشر شوال ودفن بدهليز تربة الإمام أحمد رضي الله عنه وفيها شرف الدين أبو محمد عبد الرحيم بن عبد الملك بن محمد بن أبي بكر بن إسمعيل الزريراتي البغدادي الحنبلي بن شيخ العراق تقي الدين أبي بكر المتقدم ذكره ولد ببغداد ونشأ بها وحفظ المحرر وسمع الحديث واشتغل ثم رحل إلى دمشق فسمع من زينب بنت الكمال وجماعة من أصحاب ابن عبد الدايم وخطيب مردا (6/130)

وطبقتهما 131 وارتحل إلى مصر وسمع من مسندها يحيى بن المصري وغيره ولقي بها أبا حيان وغيره ثم رجع إلى بغداد بفضائل جمة ودرس للحنابلة بالبشرية بعد وفاة صفي الدين بن عبد الحق ثم درس بالمجاهدية بعد وفاة صهره المترجم قبله شافع ولم تطل بها مدته قال ابن رجب وحضرت درسه وأنا إذ ذاك صغير لا أحققه جيدا وناب في القضاء ببغداد واشتهرت فضائله وخطه في غاية الحسن وألف مختصرات في فنون عديدة وتوفي ببغداد يوم الثلاثاء عشر ذي الحجة ودفن عند والده بمقبرة الإمام أحمد وله من العمر نحو الثلاثين سنة رحمه الله تعالى وفيها علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن إبراهيم الشافعي خازن كتب خانقاه السميساطية بدمشق ولد ببغداد سنة ثمان وسبعين وستمائة وسمع الحديث وكان صالحا خيرا جمع وألف فمن تأليفه تفسير القرآن العظيم وشرح عمدة الأحكام وأضاف إلى جامع الأصول مسند الإماء أحمد وسنن ابن ماجة وسنن الدارقطني وسماه مقبول المنقول وجمع سيرة وحدث ببعض مصنفاته وكان صوفيا بالخانقاه المذكورة وكان بشوش الوجه ذا تودد وسمت حسن توفي في شعبان وفيها أبو عبد الله محمد بن أحمد بن تمام بن حسان التكي ثم الصالحي القدوة الزاهد الفقيه الحنبلي ولد سنة إحدى وخمسين وستمائة وسمع من ابن عبد الدايم وغيره وصحب الشيخ شمس الدين ابن الكمال وغيره من العلماء والصلحاء وكان صالحا تقيا من خيار عباد الله يقتات من عمل يده وكان عظيم الحرمة مقبول الكلمة عند الملوك وولاة الأمور ترجع إلى رأيه وقوله أمارا بالمعروف نهاء عن المنكر ذكره الذهبي في معجم شيوخه وقال كان مشارا إليه في الوقت بالإخلاص وسلامة الصدر والتقوى والزهد والتواضع التام والبشاشة ما أعلم فيه شيئا يشينه في دينه أصلا وقال ابن رجب حدث بالكثير وسمع منه خلق وأجاز لي ما تجوز له روايته بخط يده وتوفي في ثالث عشر ربيع الأول ودفن بقاسيون رحمه الله تعالى وفيها شمس الدين أبو المعالي محمد بن أحمد بن إبراهيم بن (6/131)

حيدرة بن علي بن عقيل الإمام العالم الفقيه الشافعي 132 المفتي المدرس الكبير بن القماح القرشي المصري ولد في ذي القعدة سنة ست وخمسين وستمائة وسمع الكثير وقرأ الحديث بنفسه وكتب بخطه وتفقه على الظهير الترميني وغيره وبرع وأفتى ودرس بقبة الإمام الشافعي إلى حين وفاته بعد أن أعاد بها خمسين سنة وناب في الحكم مدة سنسن وسمع منه خلق كثير من الفقهاء والمحدثين قال الأسنوي كان رجلا عالما فاضلا فقيها محدثنا حافظا لتواريخ المصريين ذكيا إلا أن نقله يزيد على تصرفه وكان سريع الحفظ بعيد النسيان مواظبا على النظر والتحصيل كثير التلاوة سريعا متوددا توفي في ربيع الآخر أو الأول ودفن بالقرافة وفيها شرف الدين محمد بن عبد المنعم المنفلوطي المعروف بابن المعين الشافعي تفقه بالشيخ نجم الدين البالسي وغيره وقرأ الأصول على الشمس المحوجب قال الكمال الأدفوي كان أديبا فقيها شاعرا اختصر الروضة وتكلم على أحاديث المهذب وسماه الطراز المذهب انتهى وفيها عز الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الوهاب بن يوسف الأفقهسي المصري سمع بالقاهرة ودمشق من جماعة قال ابن رافع ودرس بدمشق وكان كثير النقل لفروع مذهبه قوي الحافظة قيل أنه حفظ محر رالرافعي في شهر وستة أيام توفي بدمشق شابا رحمه الله تعالى وفيها أبو عبد الله محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن أحمد بن محمد بن بكر بن سعد الأشعري المالقي يعرف بابن بكر قال في تاريخ غرناطة كان من صدور العلماء وأعلام الفضل معرفة وتفننا ونزاهة عارفا بالأحكام والقراءات مبررا في الحديث والتاريخ حافظا للأنساب والأسماء والكنى قائما على العربية مشاركا في الأصول والفروع واللغة والفرائض والحساب أصيل النظر منصفا مخفوض الجناح حسن الخلق عطوفا على الطلبة محبا للعلم والعلماء أخذ القراءات والعربية والفقه والحديث والأدب عن الأستاذ أبي محمد بن أبي السداد الباهلي وابن الزبير وابن رشيد وغيرهم وأجاز له جماعة من سبتة (6/132)

وأفريقبة والمشرق منهم الشرف الدمياطي والأبرقوهي وولي الخطابة والقضاء بغرناطة فصدع بالحق وتصدر لنشر العلم فاقرأ العربية والفقه 133 والقراءات والأصول والفرائض والحساب وعقد مجلس الحديث شرحا وسماعا مولده في ذي القعدة سنة أربع وسبعين وستمائة ووقف في مصاف المسلمين يوم المساحة الكبرى بظاهر طريف فكبت به بغلته فمات منها وذلك يوم الإثنين سابع جمادى الأولى انتهى وفيها أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن الإمام قال المقرىء في التعريف بابن الخطيب قال مولاي الجد رحمه الله تعالى فممن أخذت عنه علماها يعني تلمسان الشامخان وعالماها الراسخان أبو زيد عبد الرحمن وأبو موسى عيسى ابنا محمد بن عبد الله بن الإمام وكانا قد رحلا في شبابهما من بلدهما برشك إلى تونس فأخذا بها عن ابن جماعة وابن العطار والنفزي وتلك الحلبة وأدركا المرجاني وطبقته من أعجاز المائة السابعة ثم وردا في أول المائة الثامنة تلمسان على أمير المسلمين أبي يعقوب وهو محاصر لها وفقيه حضرته يومئذ أبو الحسن علي بن مخلف التنسي وكان قد خرج إليه برسالة من صاحب تلمسان المحصورة فلم يعد وارتفع شأنه عند أبي يعقوب حتى أنه شهد جنازته ولم يشهد جنازة غيره وقام على قبره وقال نعم الصاحب فقدنا اليوم ثم زادت حظوتهما عند أمير المسلمين أبي الحسن إلى أن توفي أبو زيد في العشر الأوسط من رمضان عام أحد وأربعين وسبعمائة بعد وقعة طريف بأشهر فزادت مرتبة أبي موسى عند السلطان وكانا رحلا إلى المشرق في حدود العشرين وسبعمائة فلقيا علاء الدين القونوي وجلال الدين القزويني صاحب البيان وسمعا صحيح البخاري على الحجاز وناظرا تقي الدين بن تيمية وظهرا عليه وكان ذلك من أسباب محنته وكان شديد الإنكار على الإمام فخر الدين حدثني شيخي العلامة أبو عبد الله الأيلي أن عبد الله بن إبراهيم الزنوري أخبره أنه سمع ابن تيمية ينشد لنفسه ( محصل في أصول الدين حاصله * من بعد تحصيله علم بلا (6/133)

دين ) ( أصل الضلالة والإفك المبين فما * فيه فأكثره وحي الشياطين ) قال وكان في يده قضيب فقال والله لو رأيته لضربته بهذا القضيب وشهدت مجلسا 134 عند السلطان قرىء فيه على أبي زيد بن الإمام حديث لقنوا موتاكم لا إله إلا الله في صحيح مسلم فقال له الأستاذ أبو إسحق بن حكم السلوي هذا الملقن محتضر حقيقة ميت مجازا فما وجه ترك محتضريكم إلى موتاكم والأصل الحقيقة فأجابه أبو زيد بجواب لم يقنعه وكنت قد قرأت على الأستاذ بعض التنقيح أي للقرافي فقلت زعم القرافي أن المشتق إنما يكون حقيقة في الحال مجازا في الاستقبال مختلفا فيه في الماضي إذا كان محكوما به أما إذا كان متعلق الحكم كما هنا فهو حقيقة إجماعا وعلى هذا التقرير لا مجاز فلا سؤال وذكر أبو زيد بن الإمام يوما في مجلسه أنه سئل بالمشرق عن هاتين الشرطيتين ( ^ ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ) فإنها يستلزمان بحكم الإنتاج لو علم الله فيهم خيرا لتولوا وهو محال ثم أراد أن يرى ما عند الحاضرين فقال ابن الحاكم قال الخونجي والإهمال بالإطلاق لفظ لو وأن في المتصلة فهاتان القضيتان على هذا مهملتان والمهملة في قوة الجزئية ولا قياس عن جزءيتين انتهى وفيها الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون بن عبد الله الصالحي ولد في صفر وقيل في نصف المحرم سنة أربع وثمانين وستمائة وشوهد منه أنه ولد وكفاه مقبوضتان ففتحتهما الداية فسال منهما دم كثير ثم سار يقبضهما فإذا فتحهما سال منهما دم كثير فأول ذلك بأنه يسفك على يديه دماء كثيرة فكان كذلك وولي السلطنة عقب قتل أخيه الأشرف وعمره تسع سنين فولي السلطنة سنة إلا ثلاثة أيام ثم خلع بكتبغا وكان كتبغا قد جهز الناصر إلى الكرك بعد أن حلف له أنه إذا ترعرع وترجل يفرغ له عن المملكة بشرط أن يعطيه مملكة الشام استقلالا ثم أحضر الناصر من الكرك إلى مصر سنة ثمان وتسعين وسلطنوه ثانيا واستقر بيبرس الجاشنكير (6/134)

دويدارا وسلار نائبا في السلطنة ولم يكن للناصر معهما حكم البتة واستقر اقش الأفرم نائب دمشق وحضر الناصر وقعة غازان سنة تسع وتسعين وثبت الناصر الثبات القوي وجرى لغازان بدمشق ما اشتهر وقطعت خطبة الناصر من دمشق مدة ثم أعيدت فتحرك غازان في العود فوصل إلى حلب ثم رجع 135 وفي شعبان سنة اثنتين وسبعمائة كانت وقعة شقحب وكان للناصر فيها اليد البيضاء من الثبات والفتك ووقع النصر للمسلمين ثم في سنة ثمان وسبعمائة أظهر الناصر أنه يطلب الحج فتوجه إلى الكرك وأقام بها وطرد نائب الكرك إلى مصر وأعرض علن المملكة لاستبداد سلار وبيبرس دونه بالأمور وكتب الناصر إلى الأمراء بمصر يترقق لهم ويستعفيهم من السلطنة ويسألهم أن يتركوا له الكرك فوافقوه على ذلك وتسلطن ببيرس الجاشنكير ثم قصد الناصر مصر في سنة تسع وسبعمائة فاستقر في دست سلطنته يوم عيد الفطر ولما استقرت قدمه قبض على أكثر الأمراء وعزل وولي وحج وجدد خيرات كثيرة وبنى جوامع ومدارس وخوانق وفتحت في أيامه ملطية وطرسوس وغيرهما واشترى المماليك فبالغ في ذلك حتى اشترى واحدا بما يزيد على أربعة آلاف دينار قال في الدرر ولم ير أحد مثل سعادة ملكه وعدم حركة الأعادي عليه برا وبحرا مع طول المدة فمنذ وقعة شقحب إلى أن مات لم يخرج عليه أحد ووجدت له إجازة بخط البرزالي من ابن مشرف وغيره وسمع من ست الوزراء وابن الشحنة وخرج له بعض المحدثين جزءا وكان مطاعا مهيبا عارفا بالأمور يعظم أهل العلم والمناصب الشرعية ولا يقرر فيها إلا من يكون أهلا لها وتوفي في تاسع عشرى ذي الحجة بقلعة مصر في آخر النهار وحمل ليلا إلى المنصورية فغسل بها وصلى عليه عز الدين بن جماعة القاضي إماما بحضرة أناس قلائل من الأمراء وحصل للمسلمين بموته ألم شديد لأنهم لم يلقوا مثله وعهد قيل موته لولده الملك المنصور فجلس على كرسي الملك قبل موت والده بثلاثة أيام والله أعلم سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة وفي محرمها بايع (6/135)

السلطان الملك المنصور الخليفة الحاكم بأمر الله أبا العباس أحمد بن الخليفة المستكفي للخلافة بعهد من والده وجلس مع السلطان على كرسي 136 واحد وبايعهم القضاة وغيرهم وفيها توفي السلطان الملك المنصور أبو بكر بن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون خلع في صفر قال السيوطي لفساده وشرب الخمور حتى قيل أنه جامع زوجات أبيه ونفى إلى قوص وقتل بها وتسلطان أخوه الملك الأشرف كجك ثم خلع من عامه وولي أخوه أحمد ولقب الناصر وعقد المبايعة بينه وبين الخليفة الشيخ تقي الدين السبكي قاضي الشام وكان قد حضر معه وفيها الحافظ الكبير جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الملك بن يوسف بن علي بن أبي الزهر الإمام العلامة الحافظ الكبير المزي الشافعي قال ابن قاضي شهبة شيخ المحدثين عمدة الحفاظ أعجوبة الزمان الدمشقي المزي مولده في ربيع الآخر سنة أربع وخمسين وستمائة بظاهر حلب ونشأ بالمزة قرأ شيئا من الفقه على مذهب الشافعي وحصل طرفا من العربية وبرع في التصريف واللغة ثم شرع في طلب الحديث بنفسه وله عشرون سنة وسمع الكثير ورحل قال بعضهم ومشيخته نحو الألف وبرع في فنون الحديث وأقر له الحفاظ من مشايخه وغيرهم بالتقدم وحدث بالكثير نحو خمسين سنة فسمع منه الكبار والحفاظ وولي دار الحديث الأشرفية ثلاثا وعشرين سنة ونصفا وقال ابن تيمية لما باشرها لم يلها من حين بنيت إلى الآن أحق بشرط للواقف منه لقول الواقف فإن اجتمع من فيه الرواية ومن فيه الدراية قدم من فيه الرواية وقال الذهبي في المعجم المختص شيخنا الإمام العلامة الحافظ الناقد المحقق المفيد محدث الشام طلب الحديث سنة أربع وسبعين وهلم جرا وأكثر وكتب العالي والنازل بخطه المليح المتقن وكان عارفا بالنحو والتصريف بصيرا باللغة يشارك في الأصول والفقه ويخوض في مضايق العقول انتهى وقال السبكي في (6/136)

137 الطبقات ولا احسب شيخنا المزي يدري المعقولات فضلا عن الخوض في مضايقها فسامح الله شيخنا الذهبي ثم قال الذهبي ويدري الحديث كما في النفس متنا وإسنادا وإليه المنتهى في معرفة الرجال وطبقاتهم ومن نظر في كتابه تهذيب الكمال علم محله من الحفظ فما رأيت مثله ولا رأى هو مثل نفسه في معناه وكان ينطوي على سلامة باطن ودين وتواضع وفراغ عن الرياسة وحسن سمت وقلة كلام وحسن احتمال وقد بالغ في الثناء عليه أبو حيان وابن سيد الناس وغيرهما من علماء العصر توفي في صفر ودفن بمقابر الصوفية غربي قبر صاحبه ابن تيمية ومن تصانيفه تهذيب الكمال والأطراف وغيرهما سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة في محرمها جمع الناصر الأموال التي في قلعة الجبل وأخذها وراح إلى الكرك وترك الملك ونسبت إليه أشياء قبيحة فخلعوه من السلطنة وبايعوا أخاه السلطان الصالح إسمعيل فأرسل جيشا إلى محاربة الناصر أحمد في الكرك وأظهر أنه يطلب الأموال ووقع بالشام غلاء بسبب هذا الحصار وفيها توفي الحسن بن عمر بن عيسى بن خليل البعلبكي روى عن التاج بن عبد الخالق بن عبد السلام وتوفي في شعبان قاله في الدرر وفيها الإمام المشهور الحسن بن محمد بن عبد الله الطيبي شارح الكشاف العلامة في المعقول والعربية والمعاني والبيان قال ابن حجر كان آية في استخراج الدقائق من القرآن والسنن مقبلا على نشر العلم متواضعا حسن المعتقد شديد الرد على الفلاسفة مظهرا فضائحهم مع استيلائهم حينئذ شيديد الحب لله ورسوله كثير الحياء ملازما لاشغال الطلبة في العلوم الإسلامية بغير طمع بل يجديهم ويعينهم ويعير الكتب النفيسة لأهل بلده وغيرهم من يعرف ومن لا يعرف محبا لمن عرف منه تعظيم الشريع وكان ذا ثروة من الإرث والتجارة فلم يزل ينفقه في وجوه الخيرات حتى صار في آخر عمره فقيرا صنف شرح الكشاف والتفسير (6/137)

138 والتبيان في المعاني والبيان وشرحه وشرح المشكاة وكان يشغل في التفسير من بكرة إلى الظهر ومن ثم إلى العصر في الحديث إلى يوم مات فإنه فرغ من وظيفة التفسير وتوجه إلى مجلس الحديث فصلى النافلة وجلس ينتظر إقامة الفريضة فقضى نحبه متوجها إلى القبلة وذلك يوم الثلاثاء ثالث عشرى شعبان قال السيوطي ذكر في شرحه على الكشاف أنه أخذ من أبي حفص السهروردي وأنه قبيل الشروع في هذا الشرح رأى النبي وقد ناوله قدحا من اللبن فشرب منه وفيها الأمير صارم الدين صاروجا بن عبد الله المظفري كان أميرا في أول دولة الملك الناصر محمد بن قلاوون بالديار المصرية وكان صاحب أدب وحشمة ومعرفة ولما أعطى الملك الناصر تنكز إمرة عشرة جعل صاروجا هذا أغاه له وضمه إليه فأحسن صاروجا لتنكز ودربه واستمر إلى أن حضر الملك الناصر من الكرك اعتقله ثم أفرج عنه بعد عشر سنين تقريبا وأنعم عليه بإمرة في صفد فأقام بها نحو سنتين ونقل إلى دمشق أميرا بها بسفارة تنكز نائب الشام فلما وصل إلى دمشق عن له تنكز خدمته السالفة وحظي عنده وصارت له كلمة بدمشق وعمر بها عماير مشهورة به منها السويقة التي خارج دمشق إلى جهة الصالحية ولما أمسك تنكز قبض على صاروجا وحضر مرسوم بتكحيله فكحل وعمى ثم ورد مرسوم بالعفو عنه ثم جهز إلى القدس الشريف فأقام به إلى أن مات في أواخر هذه السنة وفيها تاج الدين أبو المحاسن عبد الباقي بن عبد المجيد بن عبد الله الإمام الأديب البارع اليماني الأصل المكي الشافعي ولد في رجب سنة ثمانين وستمائة بمكة وقدم دمشق ومصر وحلب ودرس بالمشهد النفيسي وأقام باليمن مدة وولي الوزارة ثم عزل وصودر ثم استقر بالقدس ودرس به واشتغل وله تآليف منها مطرب السمع في شرح حديث أم زرع ومنها لقطة العجلان المختصر في وفيات الأعيان وسمع منه البرزالي والذهبي وذكراه في معجميهما وابن رافع وخلائق وكتب عنه الشيخ أبو حيان وأثنى عليه وأكثر وعمل تاريخا للنحاة واختصر (6/138)

الصحاح توفي بالقاهرة في 139 شهر رمضان رحمه الله تعالى وفيها برهان الدين عبيد الله بن محمد الشريف برهان الدين الحسيني الشافعي الفرغاني المعروف بالعبري بكسر العين المهملة كما قاله ابن شهبة وقال لا أدري نسبته إلى أي شيء وقال السيوطي بالضم والسكون نسبة إلى عبرة بطن من الأزد قاضي تبريز كان جامعا لعلوم شتى من الأصلين والمعقولات وله تصانيف مشهورة وسكن السلطانية مدة ثم انتقل إلى تبريز وشرح كتب البيضاوي المنهاج والغاية القصوى والمصباح والمطالع وقال الحافظ زين الدين العراقي في ذيل العبر كان حنيفيا يقرىء مذهب أبي حنيفة والشافعي وصنف فيهما وقال الذهبي في المشتبه السيد العبري عالم كبير في وقتنا وتصانيفه سائرة وقال بعض فضلاء العجم كان مطاعا عند السلاطين مشهورا في الآفاق مشارا إليه في جميع الفنون ملاذا للضعفاء كثير التواضع والإنصاف توفي في رجب أو في ذ الحجة وفيها أو في التي قبلها وجزم به السيوطي في طبقات النحاة أبو المعالي محمد بن يوسف بن علي بن محمود الصبري بلدا قاضي تعز كان ذا فضل في الفقه والنحو والحديث والقراءات السبع والفراض كثير الصلاح والورع والعبادة ساعيا في قضاء حوائج الناس حج في سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة مع الملك المجاهد صاحب اليمن وتوفي آخر يوم عرفة من هذا العام مبطونا وغسل بمنى ودفن بالأبطح انتهى وفيها شرف الدين محمود بن محمد بن نحمد بن محمود الدركزيني بفتح المهملة وسكون الراء وكسر الكاف والزاي نسبة إلى دركزين بلد بهمذان القرشي الطالبي العالم الصالح الشافعي قال الأسنوي كان عالما زاهدا كثير العبادة شديد الاتباع للسنة صاحب كرامات أجمع عليه الخاصة والعامة والملوك والعلماء فمن دونهم وكان طويلا جدا جهوري الصوت حسن الخلق والخلق جوادا من بيت علم ودين صنف في الحديث كتابا سماه نزل السائرين في مجلد وشرح منازل السائرين في جزءين توفي في شعبان بدركزين ودفن بها والله أعلم (6/139)

140 سنة أربع وأربعين وسبعمائة في جمادى الآخرة منها قتل إبراهيم بن يوسف المقصاتي الرافضي إلى لعنة الله شهد عليه بسب الصحابة رضي الله عنهم وقذف عائشة والوقع في حق جبريل عليه السلام وفيها توفي القاضي تاج الدين أحمد بن عثمان بن إبرهيم بن مصطفى بن سليمان المارديني الأصل المعروف بابن التركماني الحنفي قال في الدرر ولد بالقاهرة ليلة السبت الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة إحدى وثمانين وستمائة واشتغل بأنواع العلوم ودرس وأفتى وناب في الحكم وصنف في الفقه والأصلين والحديث والعربية والعروض والمنطق والهيئة وغالبها لم يكمل وسمع من الدمياطي وابن الصواف والحجار وحدث ومات في أوائل جمادى الأولى وله نظم وسط وفيها حسن بن محمد ابن أبي بكر السكاكيني قال في الدرر كان أبوه فاضلا في عدة علوم متشيعا من غير سب ولا غلو فنشأ ولده هذا غاليا في الرفض فثبت عليه عند القاضي شرف الدين المالكي بدمشق وثبت عليه أنه أكفر الشيخين وقذف ابنتيهما ونسب جبريل إلى الغلط في الرسالة إلى غير ذلك فحكم بزندقته وبضرب عنقه فضربت بسوق الخيل حادي عشر جمادى الاولى وفيها شهاب الدين أبو الفرج عبد اللطيف بن عبد العزيز بن يوسف بن أبي العز بن نعمة الإمام البارع المحقق النحوي الشافعي المصري المعروف بابن المرحل قال ابن شهبة سمع من جماعة واشتغل في العلم ومهر في النحو وقد انتهت إليه وإلى الشيخ أبي حيان مشيخة النحو بالديار المصرية وأخذ عنه جمال الدين بن هشام وهو الذي نوه باسمه وعرف بقدره وقال أن الاسم في زمانه كان لأبي حيان والانتفاع بابن المرحل وقال ابن رافع وخرجت له جزءا من حديثه عن بعض شيوخه وتصدر بالجامع الحاكمي وأشغل الناس بالعلم مدة وانتفع به جماعة وقال الأسنوي كان فاضلا فقيها إماما في النحو مدققا فيه محققا عارفا باللغة وعلم البيان والقراءات وتصدر بالجامع الحاكمي مدة طويلة وانتفع به وتخرجت به الطلبة (6/140)

141 وصاروا أئمة فضلاء توفي في المحرم بالقاهرة وقد جاوز الستين وممن أخذ عنه الشيخ شمس الدين بن الصايغ الحنفي ورثاه بقصيدة وفيها الحافظ أبو حامد محمد بن أيبك السروجي كان علامة ثقة متقنا وممن عده من الحفاظ ابن ناصر الدين قال في بديعته محمد بن أيبك السروجي دار ذرى مواطن العروج وفيها الحافظ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي الأصل ثم الصالحي الفقيه الحنبلي المقرىء المحدث الحافظ الناقد النحوي المتفنن الجبل الراسخ ولد في رجب سنة أربع وسبعمائة وقرأ بالروايات وسمع الكثير من ابن عبد الدايم والحجار وخلق كثير وعنى بالحديث وفنونه ومعرفة الرجال والعلل وبرع في ذلك وأفتى ودرس ولازم الشيخ تقي الدين بن تيمية مدة وقرأ عليه قطعة من الأربعين في أصول الدين للرازي ولازم أبا الحجاج المزي وأخذ عن الذهبي وغيره وقد ذكره الذهبي في طبقات الحفاظ فقال ولد سنة خمس أو ست وسبعمائة واعتنى بالرجال والعلل وبرع وتصدرى للإفادة والاشتغال في الحديث والقراءات والفقه والأصلين والنحو وله توسع في العلوم وذهن سيال وله عدة محفوظات وتآليف وتعاليق مفيدة كتب عني واستفدت منه ثم قال وصنف تصانيف كثيرة بعضها كمله وبعضها لم يكمله لهجوم المنية وعد له ابن رجب في طبقاته ما يزيد على سبعين مصنفا يبلغ التام منها ما يزيد على مائة مجلد توفي رحمه الله عاشر جمادى الأولى ودفن بسفح قاسيون وفيها تقي الدين أبو الفتح محمد بن عبد اللطيف بن يحيى بن علي بن تمام الأنصاري السبكي الشافعي الفقيه المحدث الأديب المفنن ولد سنة أربع وسبعمائة وطلب الحديث في صغره وسمع خلقا وتفقه على جده الشيخ صدر الدين وعلى الشيخ تقي الدين السبكي والشيخ قطب الدين السنباطي وتخرج بالشيه تقي الدين السبكي في كل فنونه وقرأ النحو على أبي حيان وتلا عليه بالسبع ولازمه سبعة عشر عاما ودرس (6/141)

بالقاهرة وناب في الحكم ثم قدم دمشق وناب في الحكم أيضا ودرس في الشامية الجوانية والركنية وعلق 142 تاريخا للمتجددات في زمانه ذكره الذهبي في المعجم المختص قال ابن فضل الله ليس في الفقهاء بعد ابن دقيق العيد أدرب منه توفي في ذي القعدة ودفن بتربتهم بسفح قاسيون وفيها بهاء الدين أبو الثناء محمود بن علي بن عبد الولي بن خولان البعلي الفقيه الحنبلي الفرضي ولد في حدود السبعمائة وسمع الحديث من جماعة وقرأ على الحافظ الدبيثي عدة أجزاء وتفقه على الشيخ مجد الدين الحراني ولازم الشيخ تقي الدين بن تيمية وبرع في الفرائض والوصايا والجبر والمقابلة وكان مفتيا دينا متواضعا متوددا ملازما للاشتغال والاشغال حريصا على إفادة الطلبة بارا بهم محسنا إليه تفقه به جماعة وانتفعوا به وبرع منهم طائفة وفي ببعلبك في رجب رحمه الله تعالى سنة خمس وأربعين وسبعمائة فيها توفي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الغني الحراني ثم الدمشقي الفقيه الحنبلي ولد سنة اثنتين وسبعمائة وسمع من ابن الموازيني وغيره وطلب بنفسه وكتب الكثير وسمع الكثير أيضا وتفقه في المذهب وأصول الفقه وهو الذي بيض مسودة الأصول لابن تيمية ورتبها ذكره الذهبي في المعجم المختص فقال من أعيان أهل مذهبه فيه دين وتقوى ومعرفة بالفقه أخذ عني ومعي وتوفي في جمادى الآخرة بدمشق ودفن بمقبرة باب الصغير وفيها علم الدين سنجر بن عبد الله الأمير الكبير الجاولي الشافعي ولد سنة ثلاث وخمسين وستمائة وبآمد ثم صار لأمير من الظاهرية يسمى جاولى وانتقل بعد موته إلى بيت المنصور وتنقلت به الأحوال إلى أن صار مقدما بالشام وكانت داره بدمشق غربي جامع تنكز وبعضها شماليه فسأله تنكز عند بناء الجامع إضافة ما بين جامعه وبين الميدان وكان هناك اصطبل وغيره فأبى ذلك كل الإباء ووقفها وكان ذلك سببا لنقله من دمشق ثم ولي نيابة غزة ثم قبض عليه في شعبان سنة عشرين اتهم بأنه يريد الدخول (6/142)

إلى اليمن وسجن بالأسكندرية وأحيط على أمواله ثم أفرج عنه آخر سنة ثمان وعشرين ثم استقر أميرا مقدما بمصر 143 واستقر من أمراء المشورة ثم ولي حماة بعد موت الناصر مدة يسيرة ثم ولي نيابة غزة فأقام بها أربعة أشهر ثم عاد إلى مصر وقد روى مسند الشافعي عن قاضي الشوبك دانيال وحدث به غير مرة ورتب مسند الشافعي ترتيبا حسنا وشرحه في مجلدات بمعاونة غيره جمع بين شرحيه لابن الأثير والرافعي وزاد عليهما من شرح مسلم للنووي وبنى جامعا بالخليل في غاية الحسن وجامعا بغزة ومدرسة بها وخانقاه بظاهر القاهرة قال ابن كثير وقف أوقافا كثيرة بغزة والقدس وغيرهما وكان له معرفة بمذهب الشافعي ورتب المذهب ترتيبا حسنا فيما رأيته وشرحه في مجلدات فيما بلغني قال الحافظ زين الدين العراقي أنه رتب الأم للشافعي توفي في رمضان ودفن بالخانقاه التي أنشأها وفيها جلال الدين عبد الله بن أحمد بن علي بن أحمد الفقيه الحنفي النحوي العراقي الكوفي المعروف بابن الفصيح طلب الحديث وسمع من الخزرجي والذهبي وشارك في الفضائل مولده في شوال سنة اثنتين وسبعمائة قاله الصفدي وفيها نجم الدين أبو الحسن علي بن داود بن يحيى بن كامل بن يحيى بن جبارة الزبيري القرشي الأسدي قال الصفدي شيخ أهل دمشق في عصره خصوصا في العربية قرأ عليه أهل دمشق وانتفعوا به ولد في جمادى الأولى سنة ثمان وستين وستمائة وقرأ النحو على العلاء بن المطرز والفقه على الشمس الحريري والأصول على البدر بن جماعة والعربية على الشرف الفزاري والمجد التونسي والمعاني والبيان على البدر بن النحوية والميقات على البدر بن دانيال وسمع الحديث على النجم الشقراوي والبرهان بن الدرجي قال ولم أصنف شيئا لمؤاخذتي للمصنفين فكرهت أن أجعل نفسي غرضا غير أني جمعت منسكا للحج وله النظم والنثر والكتابة المنسوبة ولي تدريس الركنية ثم نزل عنها ورعا وخطب بجامع تنكز ومن شعره ( اضمرت في القلب هوى شادن * مشتغل في النحو لا (6/143)

ينصف ) ( وصفت ما أضمرت يوما له * فقال لي المضمر لا يوصف ) توفي في رابع عشرى رجب وفيها سراج الدين عمر بن عبد الرحمن 144 ابن عمر البهبهائي صاحب الكشف على الكشاف قرأ على قوام الدين الشيرازي وهو قرأ على القطب العالي وكان له حظ وافر من العلوم سيما العربية واخترمته المنية شابا عن سبع أو ثمان وثلاثين سنة وفيها أبو عبد الله محمد بن علي المصري النحوي قال الخزرجي في طبقات أهل اليمن كان فقيها فاضلا عارفا بالنحو والفقه واللغة والحديث والتفسير والقراءات أعاد بالمؤيدية بثغر رودس وبالمجاهدية بها وفيها شمس الدين محمد بن أبي بكر بن إبرهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن حمدان بن النقيب ولد تقريبا سنة اثنتين وستين وستمائة وأخذ شيئا من الفقه عن الشيخ محي الدين النووي وخدمه وتفقه بالشيخ شرف الدين المقدسي وسمع الحديث وسمع منه البرزالي وغير واحد وأخذ عنه جمال الدين بن جملة قديما وولي قضاء حمص فطرابلس ثم حلب ثم صرف عنها وعاد إلى دمشق وولي تدريس الشامية البرانية قال السبكي له الديانة والعفة والورع الذ طرد به الشيطان وأرغم أنفه كان من أساطين المذهب توفي في ذي القعدة ودفن بالصالحية وفيها تقي الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن علي بن همام بالضم والتخفيف ابن راجي الله بن سرايا بن ناصر بن داود الإمام المحدث العسقلاني الأصل المصري المعروف بابن الإمام الشافعي مولده في شعبان سنة سبع وسبعين وستمائة وطلب الحديث وقرأ وكتب بخطه وحصل الأجزاء والكتب الحديثية وتخرج بالحافظ الدمياطي وسمع من جماعة وكان إماما بالجامع الصالحي ظاهر القاهرة وساكنا به وصنف كتابا حسنة في الأذكار والأدعية سماه سلاح المؤمن وكتاب الاهتداء في الوقف والابتداء من أخصر ما ألف وأحسنه وكتابا في المتاشبه مرتبا على السور واشتهر كتابه سلاح المؤمن في حياته واختصره الذهبي توفي في ربيع الأول وفيها شمس الدين محمد بن مظفر الدين الخلخالي ويعرف أيضا بالخطيبي (6/144)

الشافعي قال الأسنوي كان إماما في العلوم العقلية والنقلية ذا تصانيف كثيرة مشهورة منها شرح المصابيح ومختصر ابن الحاجب والمفتاح والتلخيص في علم 145 البيان وصنف أيضا في المنطق وتوفي بأران بهمزة مفتوحة وراء مهملة مشددة والخلخالي نسبة إلى الخلخال بخاءين معجمتين مفتوحتين آخره لام قرية من نواحي السلطانية وفيها الإمام أثير الدين أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الأندلس الغرناطي النفزي نسبة إلى نفزة بكسر النون وسكون الفاء قبيلة من البربر نحوى عصره ولغويه ومفسره ومحدثه ومقريه ومؤرخه وأديبه ولد بمطخشارش مدينة من حضيرة غرناطة في آخر شوال سنة أربع وخمسين وستمائة وأخذ القراءات عن أبي جعفر بن الطباع والعربية عن أبي الحسن الأبذي وأبي جعفر بن الزبير وابن أبي الأحوص وابن الصائغ وبمصر عن البهاء بن النحاس وجماعة وتقدم في النحو وأقرأ في حياة شيوخه بالمغرب وسمع الحديث بالأندلس وأفريقية والأسكندرية ومصر والحجاز من نحو أربعمائة وخمسين شيخا منهم أبو الحسن بن ربيع وابن أبي الأحوص والقطب القسطلاني وأجاز له خلق من المغرب والمشرق منهم الشرف الدمياطي وابن دقيق العيد والتقى بن رزين وأبو اليمن بن عساكر وأكب على طلب الحديث وأتقنه وشرع فيه وفي التفسير والعربية والقراءات والأدب والتاريخ واشتهر اسمه وطار صيته وأخذ عنه أكابر عصره وتقدموا في حياته كالشيخ تقي الدين السبكي وولديه والجمال الأسنوي وابن قاسم وابن عقيل والسمين وناظر الجيش والسفاقسي وابن مكتوم وخلائق قال الصفدي لم أره قط إلا يسبح أو يشغل أو يكتب أو ينظر في كتاب وكان ثبتا قيما عارفا باللغة وأما النحو والتصريف فهو الإمام المطلق فيهما خدم هذا الفن أكثر عمره حتى صار لا يدركه أحد في أقطار الأرض فيهما وله اليد الطولي في التفسير والحديث وتراجم الناس ومعرفة طبقاتهم خصوصا المغاربة وأقرأ الناس قديما وحديثا (6/145)

146 وألحق الصغار بالكبار وصارت تلامذته أئمة وشيوخا في حياته والتزم أن لا يقرىء أحدا إلا في كتاب سيبويه أو التسهيل أو مصنفاته وكان سبب رحلته عن غرناطة أنه حملته حدة الشبيه على التعرض للأستاذ أبي جعفر بن الطباع وقد وقعت بينه وبين أبي جعفر بن الزبير واقعة فنال منه وتصدى لتأليف في الرد عليه وتكذيب روايته فرفع أمره إلى السلطان فأمر بإحضاره وتنكيله فاختفى ثم ركب البحر ولحق بالمشرق وقال السيوطي ورأيت في كتابه النضار الذي ألفه في ذكر مبدئه واشتغاله وشيوخه ورحلته أن مما قوي عزمه على الرحلة عن غرناطة أن بعض العلماء بالمنطق والفلسفة والرياضي والطبيعي قال للسلطان أني قد كبرت وأخاف أن أموت فأرى أن ترتب لي طلبة أعلمهم هذه العلوم لينتفعوا من بعدي قال أبو حيان فأشير إلى أن أكون من أولئك وترتب لي راتب جيد وكسوة وإحسان فتمنعت ورحلت مخافة أن أكره على ذلك قال الصفدي وقرأ على العلم العراقي وحضر مجلس الأصبهاني وتمذهب للشافعي وكان أبو البقاء يقول أنه لم يزل ظاهريا وقال ابن حجر كان أبو حيان يقول محال أن يرجع عن مذهب بالظاهر من علق بذهنه وقال الأدفوي كان يفخر بالبخل كما يفخر الناس بالكرم وكان ثبتا صدوقا حجة سالم العقيدة من البدع الفلسفية والاعتزال والتجسيم ومال إلى مذهب أهل الظاهر وإلى محبة علي بن أبي طالب كثير الخشوع والبكاء عند قراءة القرآن وكان شيخا طوالا حسن النغمة مليح الوجه ظاهر اللون مشربا بحمرة منور الشيبة كبير اللحية مسترسل الشعر وكان يعظم ابن تيمية ثم وقع بينه وبينه في مسئلة نقل سيبويه في تبيين موضع من كتابه فأعرض عنه ورماه في تفسيره النهر بكل سوء وقال الصفدي وكان له إقبال على الطلبة الأذكياء وعنده تعظيم لهم وهو الذي جسر الناس على مصنفات ابن مالك ورغبهم في قراءتها وشرح لهم غامضها وخاض لهم في لججها وكان يقول عن مقدمة ابن الحاجب هذه نحو الفقهاء تولى تدريس التفسير بالمنصورية والإقراء بجامع (6/146)

الأقمر وكانت عبارته فصيحة لكنه في غير القرآن يعقد القاف قريبا من الكاف وله 147 من التصانيف البحر المحيط في التفسير ومختصره النهي واتحاف الأريب بما في القرآن من الغريب والتذييل والتكميل في شرح التسهيل ومطول الارتشاف ومختصره مجلدان ولم يؤلف في العربية أعظم من هذين الكتابين ولا اجمع ولا أحصى للخلاف والأحوال قال السيوطي وعليهما اعتمدت في كتابي جمع الجوامع نفع الله به ومن مؤلفاته التنحيل الملخص من شرح التسهيل للمنصنف وابنه بدر الدين والأسفار الملخص من شرح سيبويه للصفار والتجويد لأحكام سيبويه والتذكرة في العربية أربع مجلدات كبار والتقريب في مختصر المقرب والتدريب في شرحه والمبدع في التصريف والارتضاء في الضاد والظاء وعقد اللآلى في القراءات على وزن الشاطبية وقافيتها والحلل الحالية في أسانيد القراءات العالية ونحاة الأندلس والأبيات الوافية في علم القافية ومنطق الخرس في لسان الفرس والإدراك للسان الأتراك وزهو الملك في نحو الترك والوهاج في اختصار المنهاج للنووي وغير ذلك مما لم يكمل كمجاني الهصر في تاريخ أهل العصر ومن شعره ( عداي لهم فضل على ومنة * فلا أذهب الرحمن عني الأعاديا ) ( هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها * وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا ) ومنه ( سبق الدمع بالمسير المطايا * إذ نوى من أحب عني نقله ) ( فأجاد السطور في صفحة الخد * ولم لا يجيد وهو ابن مقله ) ومنه ( راض حبيبي عارض قد بدا * يا حسنه من عارض رائض ) ( وظن قوم أن قلبي سلا * والأصل لا يعتد بالعارض ) مات بالقاهرة في ثامن عشر صفر ودفن بمقبرة الصوفية رحمه الله تعالى (6/147)

148 سنة ست وأربعين وسبعمائة فيها توفي الملك الصالح إسمعيل بن محمد بن قلاوون ولي السلطنة سنة ثلاث وأربعين كما تقدم وكان حسن الشكل تزوج بنت أحمد بن بكتم التي من بنت تنكز وكان يميل إلى السود مع العفة وكراهة الظلم والمثابرة على المصالح وكان أرغون العلائي زوج أمه مدبر دولته ونائب مصر اق سنقر السلاري ومات الصالح في ربيع الآخر وله نحو عشرين سنة ومدة سلطنته ثلاث سنين وثلاثة أشهر وهو الذي عمر البستان بالقلعة وكانت أيامه طيبة والناس في دعة وسكون خصوصا بعد قتل أخيه أحمد واستقر عوض الصالح شقيقه الكامل شعبان وفيها أبو بكر بن محمد بن عمر بن الشيخ الكبير أبي بكر بن قوام بن علي بن منصور بن قوام الشيخ العالم الصالح القدوة نجم الدين البالسي الأصل الدممشقي الشافعي المعروف بابن قوام ولد في ذي القعدة سنة تسعين وستمائة وسمع وتفقه وكان شيخ زاوية والده ودرس في آخر عمره بالرباط الناصري وحدث وسمع منه الحسيني وآخرون قال ابن كثير كان رجلا حسنا جميل المعاشرة فيه أخلاق وآداب حسنة وعنده فقه ومذاكرة ومحبة للعلم مات في رجب ودفن بزاويتهم إلى جانب والده وفيها فخر الدين أحمد بن الحسين بن يوسف الإمام العلامة الجاربردي الشافعي نزيل تبريز أحد شيوع العلم المشهورين بتلك البلاد والتصي لشغل الطلبة أخذ عن القاضي ناصر الدين البيضاوي وشرح منهاجه والحاوي الصغير ولم يكمله وشرح تصريف ابن الحاجب وله على الكشاف حواشي مفيدة قال السبكي كان إماما فاضلا دينا خيرا وقورا مواظبا على الاشتغال بالعلم وإفادة الطلبة وجده يوسف أحد شيوخ العلم المشهورين بتلك البلاد والتصدي لشغل الطلبة وله تصانيف معروفة وعنه أخذ الشيخ نور الدين الأردبيلي وغيره توفي صاحب الترجمة بتبريز في شهر رمضان وفيها تاج الدين علي بن عبد الله (6/148)

149 ابن أبي الحسن الأردبيلي التبريزي الشافعي المتضلع بغالب الفنون من المعقولات والفقه والنحو والحساب والفرائض ولد سنة سبع وستين وستمائة وأخذ عن قطب الدين الشيرازي وعلاء الدين النعماني الخوارزمي وغيرهما ودخل بغداد سنة ست عشرة وحج ثم دخل مصر سنة اثنتين وعشرين قال الذهبي هو عالم كبير شهير كثير التلامذة حسن الصيانة من مشايخ الصوفية وقال السبكي كان ماهرا في علوم شتى وعنى بالحديث بآخره وصنف في التفسير والحديث والأصول والحساب ولازم شغل الطلبة بأصناف العلوم وقال الأسنوي واظب العلم فرادى وجماعة وجانب الملك فلم يسترح قبل قيامته ساعة كان عالما في علوم كثيرة من أعرف الناس بالحاوي الصغير وقال غيره قرأ الحاوي كله سبع مرات في شهر واحد وكان يرويه عن علي بن عثمان العفيقي عن مصنفه وتخرج به جماعة منهم برهان الدين الرشيدي وناظر الجيش وابن النقيب وتوفي بالقاهرة يوم الأحد تاسع عشرى شهر رمضان ودفن بتربته التي أنشأها قريبا من الخانقاة الدويدارية وفيها مجد الدين أبو الحسن عيسى بن إبرهيم بن محمد الماردي بكسر الراء نسبة إلى ماردة جد النحوي الشاعر قال في الدرر تفقه على أحمد بن مندل ومهر واختصر المعالم للرازي ومات في المحرم وهو في عشر السبعين وفيها أسد الدين رميثة بمثلثة مصغر أبو عرادة بن أبي نمى بالنون مصغر محمد بن أبي سعيد حسن بن علي بن قتادة الحسني ولي مكة مع أخيه ثم استقل سنة خمس عشرة ثم قبض عليه في ذي الحجة سنة ثمان عشرة فاجرى الناصر عليه في الشهر ألفا ثم هرب بعد أربعة أشهر فأمسكه شيخ عرب آل حديث بعقبة أيلة فبسجن إلى أن أفرج عنه في محرم سنة عشرين ورد إلى مكة فلما كان في سنة إحدى وثلاثين تحارب هو وأخوه عطية ثم اصطلحا وكثر ضرر الناس منهما ثم بلغ الناصر أنه أظهر مذهب الزيدية فأنكر عليه وأرسل إليه عسكرا فلم يزل أمير الحاج يستميله حتى عاد ثم أمنه السلطان فرجع إلى مكة ولبس الخلعة ثم حج الناصر سنة (6/149)

150 اثنتين وثلاثين فتلقاه رميثة إلى ينبع فأكرمه الناصر واستقر رميثة وأخوه إلى أن انفرد رميثة سنة ثمان وثلاثين ثم نزل عن الإمرة لولديه ثقبة وعجلان إلى أن مات وفيها الملك الأشرف كجك بن محمد بن قلاوون الصالحي ولي السلطنة وعمره خمس سنين تقريبا وذلك في أواخر سنة اثنتين وأربعين واستمر مدة يسيرة وقوصون مدبر المملكة إلى أن حضر الناصر أحمد من الكرك فخلع وادخل الدور إلى أن مات في هذه السنة في أيام أخيه الكامل شعبان وله من العمر نحو الاثنتي عشرة سنة وفيها ضياء الدين محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن المناوي الشافعي القاضي ولد بمنية القائد سنة خمس وخمسين وستمائة وسمع من جماعة وأخذ الفقه عن ابن الرفعة وطبقته وقرأ النحو على البهاء بن النحاس والأصول على الأصفهاني والقرافي وأفتى وحدث ودرس بقبة الشافعي وغيرها وولي وكالة بيت المال ونيابة الحكم بالقاهرة قال الأسنوي ووضع على التنبيه شرحا مطولا وكان دينا مهيبا سليم الصدر كثير الصمت والتصميم لا يحابى أحدا منقطعا عن الناس وتوفي في رمضان ودفن بالقرافة وفيها بدر الدين محمد بن محي الدين بن يحيى بن فضل الله كاتب السر ولد سنة عشر وسبعمائة وتعاني صناعة أبيه وكان في خدمته بدمشق ومصر وهو شقيق شهاب الدين وأرسله أخوه علاء الدين إلى دمشق فباشر كتابة السر بها عوضا عن أخيه شهاب الدين وذلك في رجب سنة ثلاث وأربعين وكان أحب إخوته إلى أبيه وأخيه شهاب الدين وكان عاقلا فاضلا ساكنا كثير الصمت حسن السيرة أحبه الناس وتوفي في رجب والله أعلم سنة سبع وأربعين وسبعمائة فيها خلع ثم قتل الملك الكامل شعبان بن محمد بن قلاوون قال في الدرر ولي السلطنة سنة ست وأربعين في ربيع الآخر بعد أخيه الصالح فاتفق أنه ركب من باب النصر إلى الإيوان لعب به الفرس فنزل عنه ومشى خطوات حتى دخل (6/150)

151 إيوان دار العدل فتطير الناس وقالوا لا يقيم إلا قليلا فكان كذلك ثم باشر السلطنة بمهابة فخافه الأمراء والأجناد لكنه أقبل على اللهو والنساء وصار يبالغ في تحصيل الأموال ويبذرها عليهم وولع بلعب الحمام وسهل في النزول عن الإقطاعات فثار عليه يلبغا بدمشق وأشاع خلعه معتمدا على أن الناصر كان أوصاه وأوصى غيره أنه من تسلطن من أولاده ولم يسلك الطريقة المرضية فجروا برجله وملكوا غيره فلما بلغ الكامل جهز إليه عسكرا فاتفق الأمراء والأجناد وأصحاب العقد والحل في جمادى الأولى من هذه السنة فخلع ثم خنق في يوم الأربعاء ثالث الشهر المذكور وقرروا أخاه المظفر حاجي وفيها سيف الدين أبو بكر بن عبد الله الحريري قال في الدرر سمع من الحجار وقرأ بالروايات ومهر في النحو وولي تدريس الظاهرية البرانية ومشيخة النحو بالناصرية وذكره الذهبي في المختص وقال فيه الإمام المحصل ذو الفضائل سمع وكتب وتعب واشتغل وأفاد سمع مني وتلا بالسبع وأعرض عن أشياء من فضلات العلم توفي في ربيع الأول ودفن بالصوفية وفيها تقي الدين أبو محمد عبد الكريم بن قاضي القضاة محي الدين يحيى بن الزكي ولد سنة أربع وستين وستمائة وسمع من الفخر وحدث وكان من أعيان الدمشقيين وبقية أهل بيته وكان أول ما درس سنة ست وثمانين بالمجاهدية وولي مشيخة الشيوخ سنة ثلاث وسبعمائة لما تركها الشيخ صفي الدين الهندي وكان رئيسا محتشما توفي في شوال وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الحق بن عيسى الحصري القاضي الشافعي خرج من مصر صحبة القاضي علاء الدين القونوي وقد تضلع من العلوم وولي قضاء بعلبك مدة ثم نقل إلى قضاء صفد ثم تركه وولي قضاء حمص قال ابن رافع وحمدت سيرته وكان فاضلا وأشغل الناس ببعلبك وصفد وحمص وقال العثماني قاضي صفد في طبقات الفقهاء شيخي وأستاذي وأجل من لقيت في عيني أحد مشايخ المسلمين والفقهاء المحققين (6/151)

152 والحفاظ المتقنين والأذكياء البارعين والفضلاء الجامعين والحكام الموفقين والمدرسين الماهرين قال ولما ولي صفد أحياها ونشر العلم بها ودرس بها التدريس البديع الذي لم يسمع مثله وكان طريقه جدا لا يعرف الهزل ولا يذكر أحد عنده بسوء توفي بحمص في شعبان وفيها شمس الدين أبو بكر محمد بن محمد بن نمير بن السراج قال ابن حجر قرأ على نور الدين الكفتي وعلى المكين الأسمر وغيرهما وعنى بالقراءات وكتب الخط المنسوب وحدث عن شامية بنت البكري وغيرها وتصدر للإقراء وانتفع الناس به وكان سليم الباطن يعرف النحو ويقرئه مات في شعبان وله سبع وسبعون سنة وفيها زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية أخو الشيخ تقي الدين ولد سنة ثلاث وستين وستمائة بحران وحضر على أحمد بن عبد الدايم وسمع من ابن أبي اليسر والقسم الأربلي والقطب بن أبي عصرون في آخرين وجمع له منهم البرزالي ستة وثمانين شيخا وكان يتعانى التجارة وهو خير دين حبس نفسه مع أخيه بالأسكندرية ودمشق محبة له وإيثارا لخدمته ولم يزل عنده ملازما معه للتلاوة والعبادة إلى أن مات الشيخ وخرج هو وكان مشهورا بالديانة والأمانة وحسن السيرة وله فضيلة ومعرفة مات في ذي القعدة قاله ابن حجر وفيها أبو زكريا يحيى ين إبرهيم بن يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص الهنتاتي بالكسر والسكون وفوقيتين بينهما ألف نسبة إلى هنتاتة قبيلة من البربر بالمغرب ملك تونس نحو ثلاثين سنة توفي في رجب واستقر بعده ابنه أبو حفص عمر سنة ثمان وأربعين وسبعمائة قتل في ثالث عشر شعبانها الملك المظفر سيف الدين حاجي بن محمد بن قلاوون ولد وأبوه في الحجاز سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة وولي السلطنة في العام الذي قبل هذا كما تقدم واتفق رخص الأسعار في أول ولايته ففرح الناس به لكن انعكس مزاجهم عليه بلعبه وإقباله على اللهو والشغف بالنساء حتى وصلت قيمة عصبة حظيته (6/152)

153 التي على رأسها مائة ألف دينار وصار يحضر الأوباش بين يديه يلعبون بالصراع وغيره وكان مرة يلعب بالحمام فدخل عليه بعض الأمراء ولامه وذبح منها طيرين فطار عقله وقال لخواصه إذا دخل هذا إلي فبضعوه بالسيف فسمعها بعض من يميل إليه فحذره فجمع الأمراء وركب فبلغ ذلك المظفر فخرج فيمن بقي معه فلما تراءى الجمعان ضربه بعض الخدم بطبر من خلفه فوقع وكتفوه ودخلوا به إلى تربة هناك فقتلوه ثم قرروا أخاه الناصر حسن مكانه في رابع عشر شعبان قاله ابن حجر وفيها كمال الدين أبو الفضل جعفر بن تغلب بن جعفر بن الإمام العلامة الأدفوي بضم الفاء نسبة إلى أدفو بلد بصعيد مصر الشافعي ولد في شعبان سنة خمس وثمانين وقيل خمس وسبعين وستمائة وسمع الحديث بقوص والقاهرة وأخذ المذهب والعلوم عن علماء ذلك العصر منهم ابن دقيق العيد قال أبو الفضل العراقي كان من فضلاء أهل العلم صنف تاريخا للصعيد ومصنفا في حل السماع سماه كشف القناع وغير ذلك وقال الصلاح الصفدي صنف الأمتاع في أحكام السماع والطالع السعيد في تاريخ الصعيد والبدر السافر في تحفة المسافر في التاريخ انتهى توفي في صفر بمصر ودفن بمقابر الصوفية وفيها علاء الدين أبو الحسن علي بن أيوب بن منصور ابن وزير المقدسي الشافعي ولد سنة ست وستين وستمائة تقريبا وقرأ على التاج الفزاري وولده برهان الدين وبرع في الفقه واللغة والعربية وسمع الحديث الكثير بدمشق والقدس ودرس بالأسدية وبحلقة صاحب حمص وسمع منه الذهبي وذكره في المعجم المختص فقال الإمام الفقيه البارع المتقن المحدث بقية السلف قرأ بنفسه ونسخ أجزاء وكتب الكثير من الفقه والعلم بخطه المتقن وأعاد بالبادرائية ثم تحول إلى القدس ودرس بالصلاحية تغير وجف دماغه في سنة اثنتين وأربعين وكان إذا سمع عليه في حال تغيره يحضر ذهنه وكان يستحضر العلم جيدا توفي بالقدس في شهر رمضان وفيها الإمام الحافظ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن (6/153)

قايماز التركماني الذهبي قال التاج السبكي في طبقاته الكبرى شيخنا وأستاذنا 154 محدث العصر اشتمل عصرنا على أربعة من الحفاظ وبينهم عموم وخصوص المزي والبرزالي والذهبي والشيخ الوالد لا خامس لهم في عصرهم فأما أستاذنا أبو عبد الله فبصر لا نظير له وكنز هو الملجأ إذا نزلت المعضلة أمام الوجود حفظا وذهب العصر معنى ولفظا وشيخ الجرح والتعديل ورجل الرجال في كل سبيل كأنما جمعة الأمة في صعيد واحد فنظرها ثم أخذ يخبر عنها أخبار من حضرها وكان محط رحال المعنت ومنتهى رغبات من تعنت تعمل المطى إلى جواره وتضرب البزل المهاري أكبادها فلا تبرح أو تبيد نحو داره وهو الذي خرجنا في هذه الصناعة وأدخلنا في عداد الجماعة جزاه الله عنا أفضل الجزاء وجعل حظه من عرصات الجنان موفر الأجزاء وسعده بدرا طالعا في سماء العلوم يذعن له الكبير والصغير من الكتب والعالي والنازل من الأجزاء كان مولده في سنة ثلاث وسبعين وستمائة وأجاز له أبو زكريا بن الصيرفي والقطب بن عصرون والقسم الأربلي وغيرهم وطلب الحديث وله ثمان عشرة سنة فسمع بدمشق من عمر بن القواس وأحمد بن هبة الله بن عساكر ويوسف بن أحمد الغسولي وغيرهم وببعلبك من عبد الخالق بن علوان وزينب بنت عمر بن كندي وغيرهما وبمصر من الأبرقوهي وعيسى بن عبد المنعم بن شهاب وشيخ الإسلام بن دقيق العيد والحافظين أبي محمد الدمياطي وأبي العباس بن الظاهري وغيرهم ولما دخل على شيخ الإسلام بن دقيق العيد وكان المذكور شديد التحري في الأسماع قال له من أين جئت قال من الشام قال بم تعرف قال بالذهبي قال من أبو طاهر الذهبي قال له المخلص فقال أحسنت وقال من أبو محمد الهلالي قال سفيان بن عيينة قال أحسنت إقرأ ومكنه من القراءة حينئذ إذ رآه عارفا بالأسماء وسمع بالأسكندرية من أبي الحسن علي بن أحمد الغرافي وأبي الحسين يحيى بن أحمد بن الصواف وغيرهما وبمكة من التوزري وغيره وبحلب من سنقر الزيني وغيره وبنابلس من (6/154)

العماد بن بدران وفي شيوخه كثرة فلا نطيل بتعدادهم وسمع منه الجم الكثير 155 وما زال يخدم هذا الفن حتى رسخت فيه قدمه وتعب الليل والنهار وما تعب لسانه وقلمه وضربت باسمه الأمثال وسار اسمه مسير لقبه الشمس إلا أنه لا يتقلص إذا نزل المطر ولا يدبر إذا أقبلت الليال وأقام بدمشق يرحل إليه من سائر البلاد وتناديه السؤالات من كل ناد وهو بين أكنافها كنف لأهليها وشرف تفتخر وتزهو به الدنيا وما فيها طورا تراها ضاحكة عن تبسم أزهارها وقهقهة غدرانها وتارة تلبس ثوب الوقار والافتخار بما اشتملت عليه من أبياتها المعدود من سكانها توفي رحمه الله تعالى ليلة الإثنين ثالث ذي القعدة بالمدرسة المنسوبة لأم الصالح في قاعة سكنه ورآه الوالد قبل المغرب وهو في السياق ثم سأله أدخل وقت المغرب فقال له الوالد ألم تصل العصر فقال نعم ولكن لم أصل المغرب إلى الآن وسأل الوالد رحمه الله عن الجمع بين المغرب والعشاء تقديما فأفتاه بذلك ففعله ومات بعد العشاء قبل نصف الليل ودفن بباب الصغير حضرت الصلاة عليه ودفنه وكان قد أضر قبل موته بمدة يسيرة أنشدنا شيخنا الذهبي من لفظه لنفسه ( تولى شبابي كأن لم يكن * وأقبل شيب علينا تولى ) ( ومن عاين المنحنى والنقى * فما بعد هذين إلا المصلى ) انتهى ما قاله السبكي ملخصا وقال ابن تغري بردي في المنهل الصافي بعد ترجمة حسنة وله أوراد هائلة وتصانيف كثيرة مفيدة منها تاريخ الإسلام الكبير في أحد وعشرين مجلدا ومختصره سير النبلاء في عدة مجلدات كثيرة ومختصر العبر في خبر من غبر ومختصر آخر سماه الدول الإسلامية ومختصره الصغير المسمى بالإشارة ومختصره أيضا وسماه الإعلام بوفيات الإعلام واختصر تهذيب الكمال للمزي وسماه تذهيب التهذيب واختصر أيضا منه مجلدا سماه الكاشف وله ميزان الاعتدال في نقد الرجال والمغنى في الضعفاء مختصره ومختصر آخر قبله والنبلاء في شيوخ السنة مجلدا والمقتنى في سر الكنى وطبقات الحفاظ مجلدين (6/155)

وطبقات مشاهير القراء مجلد والتاريخ الممتع في ستة أسفار والتجريد في أسماء الصحابة ومشتبه النسبة واختصر أطراف 156 المزي واختصر تاريخ بغداد للخطيب واختصر تاريخ ابن السمعاني واختصرت وفيات المنذري والشريف النسابة واختصر سنن البيهقي على النصف من حجمها مع المحافظة على المتون واختصر تاريخ دمشق في عشر مجلدات واختصر تاريخ نيسابور للحاكم واختصر المحلى لابن حزم واختصر الفاروق لشيخ الإسلام الأنصاري وهذبه واختصر كتاب جواز السماع لجعفر الأدفوي واختصر الزهد للبيهقي والقدر له والبعث له واختصر الرد على الرافضة لابن تيمية مجلد واختصر العلم لابن عبد البر واختصر سلاح المؤمن في الأدعية وصنف الروع والأدجال في بقاء الدجال وكتاب كسروثن رتن الهندي وكتاب الزيادة المضطرة وكتاب سيرة الحلاج وكتاب الكبائر وكتاب تحريم أدبار النساء كبيرة وصغيرة وكتاب العرش وكتاب أحاديث الصفات وجزء في فضل آية الكرسي وجزء في الشفاعة وجزءان في صفة النار ومسئلة السماع جزء ومسئلة الغيب وكتاب رؤية الباري وكتاب الموت وما بعده وطرق أحاديث النزول وكتاب اللباس وكتاب الزلازل ومسئلة دوام النار وكتاب التمسك بالسنن وكتاب التلويح بمن سبق ولحق وكتاب مختصر في القراءات وكتاب هالة البدر في أهل بدر وكتاب تقويم البلدان وكتاب ترجمة السلف ودعاء المكروب وجزء صلاة التسبيح وفضل الحج وأفعاله وكتاب معجم شيوخه الكبير والمعجم الأوسط والمعجم الصغير والمعجم المختص وله عدة تصانيف أضربت عنها لكثرتها وقال الصفدي ذكره الزملكاتي بترجمة حسنة وقال أنشدني من لفظه لنفسه وهو تخيل جيد إلى الغاية ( إذا قرأ الحديث على شخص * وأخلى موضعا لوفاة مثلي ) ( فما جازى بإحسان لأني * أريد حياته ويريد قتلي ) ثم قال وأنشدني أيضا ( العلم قال الله قال رسوله * إن صح والإجماع فاجهد فيه ) (6/156)

157 ( وحذار من نصب الخلاف جهالة * بين الرسول وبين رأي فقيه ) انتهى وفيها بدر الدين محمد بن أحمد بن عبد الله بن أبي الفرج أبو عبد الله بن أبي الحسن بن سرايا بن الوليد الحراني نزيل مصر الفقيه الحنبلي القاضي ويعرف بابن الحبال ولد بعد السبعين وستمائة تقريبا وسمع من العز الحراني وابن خطيب المزة والشيخ نجم الدين بن حمدان وغيرهم وتفقه وبرع وأفتى وأعاد بعدة مدارس وناب في الحكم بظاهر القاهرة وصنف تصانيف عديدة منها شرح الخرقي وهو مختصر جدا وكتاب الفنون وحدث وروى عنه جماعه منهم ابن رافع وكان حسن المحاضرة لين الجانب لطيف الذات ذا ذهن ثاقب توفي في تاسع عشر ربيع الآخر وفيها عز الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي الحنبلي الخطيب الصالح القدوة ابن الشيخ العز ولد في رجب سنة ثلاث وستين وستمائة وسمع من ابن عبد الدايم والكرماني وغيرهما وتفقه قديما بعم أبيه الشيخ شمس الدين بن أبي عمر ودرس بمدرسة جده الشيخ أبي عمر وخطب بالجامع المظفري دهرا وكان من الصالحين الأخيار المتفق عليهم وعمر وحدث بالكثير وخرجوا له مشيخة في أربعة أجزاء ذكره الذهبي في معجم شيوخه فقال كان فقيها عالما خيرا متواضعا على طريقة سلفه توفي يوم الإثنين عشرى رمضان ودفن بتربة جده الشيخ أبي عمر وفيها جمال الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد البصال بالباء الموحدة اليمني الشافعي تفقه على الفقيه عبد الرحمن بن شعبان وصحب الشيخ عمر الصفار ووضع شرحا على التنبيه وسئل أن يلي قضاء عدن فامتنع وأخذ عنه الشيخ عبد الله اليافعي ولبس منه خرقة التصوف قال الأسنوي وكان صاحب كشف وكرامات ومشاهدات وفيها قوام الدين أبو محمد مسعود بن برهان الدين محمد بن شرف الدين الكرماني الحنفي الصوفي قال في الدرر ولد سنة أربع وستين وستمائة واشتغل في تلك البلاد ومهر في الفقه والأصول والعربية وكان نطارا بحاثا (6/157)

158 وقدم دمشق فظهرت فضائله ثم قدم القاهرة وأشغل الناس بالعلم وله النظم الرائق والعبارة الفصيحة أخذ عنه البرزالي وابن رافع ومات في منتصف شوال سنة تسع وأربعين وسبعمائة فيها كان الطاعون العام الذي لم يسمع بمثله عم سائر الدنيا حتى قيل أنه مات نصف الناس حتى الطيور والوحوش والكلاب وعمل فيه ابن الوردي مقامة عظيمة ومات فيه كما يأتي قريبا وفيها مات برهان الدين إبرهيم بن لاجين بن عبد الله الرشيدي المصري الشافعي النحوي العلامة مولده سنة ثلاث وسبعين وستمائة وتفقه على العلم العراقي وقرأ القراءات على التقي بن الصايغ وأخذ النحو عن الشيخين بهاء الدين بن النحاس وأبي حيان والأصول عن الشيخ تاج الدين البارنباري والمنطق عن السيف البغدادي وسمع وحدث ودرس وأفتى واشتغل بالعلم وولي تدريس التفسير بالقبة المنصورية بعد موت الشيخ أبي حيان وتصدر مدة وعين لقضاء المدينة المشرفة فلم يفعل وممن أخذ عنه القاضي محب الدين ناظر الجيش والشيخان زين الدين العراقي وسراج الدين بن الملقن قال الصفدي أقرأ الناس في أصول ابن الحاجب وتصريفه وفي التسهيل وكان يعرف الطب والحساب وغير ذلك توفي بالقاهرة شهيدا بالطاعون في شوال أو في ذي القعدة وفيها برهان الدين إبراهيم بن عبد الله بن علي بن يحيى بن خلف الحكري المقرىء النحوي أخذ عن ابن النحاس وتلا على التقى الصايغ وابن الكفتي ولازم درس أبي حيان وأخذ عنه الناس وكان حسن التعلين وسمع الحديث من الدمياطي والأبرقوهي مولده سنة نيف وسبعين وستمائة ومات في الطاعون العام في ذي القعدة وفيها علاء الدين أحمد بن عبد المؤمن الشافعي قال ابن قاضي شهبة الشيخ الإمام السبكي ثم النووي نسبة إلى نوى من أعمال القليوبية وكان خطيبا بها تفقه على الشيخ عز الدين النسائي وغيره وكتب شرحا على التنبيه في أربع مجلدات وصنف (6/158)

159 كتابا آخر فيه ترجيحات مخالفة لما رجحه الرافعي والنووي قال الزين العراقي كان رجلا صالحا صاحب أحوال ومكاشفات شاهدت ذلك منه غير مرة وكان سليم الصدر ناصحا للخلق قانعا باليسير باذلا للفضل بل لقوت يومه مع حاجته إليه وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن قيس الإمام العلامة الشافعي المعروف بابن الأنصاري وابن الظهير فقيه الديار المصرية وعالمها ولد في حدود الستين وستمائة وأخذ عن الضياء جعفر وخلق وبرع في المذهب وسمع من جماعة ودرس وأفتى وأشغل بالعلم وشاع اسمه وبعد صيته وحدث بالقاهرة والأسكندرية قال السبكي لم يكن بقي من الشافعية أكبر منه وقال الأسنوي كان إماما في الفقه والأصلين ومات وهو شيخ الشافعية بالديار المصرية وكان فصيحا إلا أنه لا يعرف النحو فكان يلحن كثيرا وقال الزين العراقي في ذيله فقيه القاهرة كان مدار الفتيا بالقاهرة عليه وعلى الشيخ شمس الدين بن عدلان توفي شهيدا بالطاعون يوم الأضحى أو يوم عرفة وفيها تاج الدين أبو محمد أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن مكتوم بن محمد القيسي الحنفي النحوي قال في الدرر ولد في آخر ذي الحجة سنة اثنتين وثمانين وستمائة وأخذ النحو عن البهاء بن النحاس ولازم أبا حيان دهرا طويلا وأخذ عن السروجي وغيره وتقدم في الفقه والنحو واللغة ودرس وناب في الحكم وكان سمع من الدمياطي اتفاقا قبل أن يطلب ثم أقبل على سماع الحديث ونسخ الأجزاء والرواية عنه عزيزة وقد سمع منه ابن رافع وذكره في معجمه وله تصانيف حسان منها الجمع بين العباب والمحكم في اللغة وشرح الهداية في الفقه والجمع المنتقاة في أخبار اللغويين والنحاة عشر مجلدات وكأنه مات عنها مسودة فتفرقت شذر مذر قال السيوطي وهذا الأمر هو أعظم باعث لي على اختصار طبقاتي الكبرى في هذا المختصر يعني طبقات النحاة ومن تصانيفه شرح مختصر ابن الحاجب وشرح شافيته وشرح الفصيح والدرر اللقيط من البحر المحيط مجلدات والتذكرة ثلاث مجلدات (6/159)

سماها قيد الأوابد توفي 160 في الطاعون في رمضان وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يحيى بن فضل الله بن مجلى القرشي العمري الشافعي القاضي الكبير الإمام الأديب البارع ولد بدمشق في شوال سنة سبعمائة وسمع بالقاهرة ودمشق من جماعة وتخرج في الأدب بوالده وبالشهاب محمود وأخذ الأصول عن الأصفهاني والنحو عن أبي حيان والفقه عن البرهان الفزاري وابن الزملكاني وغيرهما وباشر كتابة السر بمصر نيابة عن والده ثم أنه فاجأ السلطان بكلام غليظ فإنه كان قوي النفس وأخلاقه شرسة فأبعده السلطان وصادره وسجنه بالقلعة ثم ولي كتابة السر بدمشق وعزل ورسم عليه أربعة أشهر وطلب إلى مصر فشفع فيه أخوه علاء الدين فعاد إلى دمشق واستمر بطالا إلى أن مات ورتبت له مرتبات كثيرة وصنف كتاب مسالك الأبصار في ممالك الأمصار في سبعة وعشرين مجلدا وهو كتاب جليل ما صنف مثله وفواضل السمر في فضائل عمر أربع مجلدات والتعريف بالمصطلح وله ديوان في المدائح النبوية وغير ذلك ذكره الذهبي في المعجم المختص وقال ابن كثير كان يشبه بالقاضي الفاضل في زمانه حسن المذاكرة سريع الاستحضار جيد الحفظ فصيح اللسان جميل الأخلاق يحب العلماء والفقراء توفي شهيدا بالطاعون يوم عرفة وفيها بدر الدين الحسن بن قاسم بن عبد الله بن علي المرادي المصري المولد النحوي اللغوي الفقيه المالكي البارع المعروف بابن أم قاسم وهي جدته أم أبيه واسمها زهرا وكانت أول ما جاءت من المغرب عرفت بالشيخة فكانت شهرته تابعة لها ذكر ذلك العفيف المطرى في ذيل طبقات القراء قال وأخذ النحو والعربية عن أبي عبد الله الطنجي والسراج الدمنهوري وأبي زكريا الغماري وأبي حيان والفقه عن الشرف المقيلي المالكي والأصول عن الشيخ شمس الدين بن اللبان وأتقن العربية والقراءات على المجد إسمعيل التستري وصنف وتفنن وأجاد وله شرح التسهيل وشرح المفصل وشرح الألفية والجنى الداني في حروف المعاني (6/160)

161 وغير ذلك وكان تقيا صالحا مات يوم عيد الفطر وفيها الإمام علاء الدين طيبرس الجندي النحوي قال الصفدي هو الشيخ الإمام العالم الفقيه النحوي أقدم من بلاده إلى البيرة فاشتراه بعض الأمراء بها وعلمه الخط والقرآن وتقدم عنده وأعتقه فقدم دمشق وتفقه بها واشتغل بالنحو واللغة والعروض والأدب والأصلين حتى فاق أقرانه وكان حسن المذاكرة لطيف المعاشرة كثير التلاوة والصلاة بالليل صنف الطرفة جمع فيها بين الألفية والحاجبية وزاد عليها وهي تسعمائة بيت وشرحها وكان ابن عبد الهادي يثني عليها وعلى شرحها ولد تقريبا سنة ثمانين وستمائة ومات بالطاعون العام ومن شعره ( قد بت في قصر حجاج فذكرني * بضنك عيشة من في النار يشتعل ) ( بق يطير وبق في الحصير سعى * كأنه ظلل من فوقه كظلل ) وفيها زين الدين عمر بن مظفر بن عمر بن محمد بن أبي الفوارس بن الوردي المصري الحلبي الشافعي كان إماما بارعا في اللغة والفقه والنحو والأدب مفننا في العلم وهنظمه في الذروة العليا والطبقة القصوى وله فضائل مشهورة قرأ على الشرف البارزي وغيره وصنف البهجة في نظم الحاوي الصغير وشرح الفية ابن مالك وضوء الدرة على ألفية ابن معطي واللباب في علم الإعراب وتذكرة الغريب في النحو نظما ومنطق الطير في التصوف وغير ذلك وله مقامات في الطاعون العام واتفق أنه مات بآخره في سابع ذي الحجة بحلب والرواية عنه عزيزة قال ابن شهبة له مقدمة في النحو اختصر فيها الملحة سماها النفحة وشرحها وله تاريخ حسن مفيد وأرجوزة في تعبير المنامات وديوان شعر لطيف ومقامات مستظرفة وناب في الحكم بحلب في شبيبته عن الشيخ شمس الدين بن النقيب ثم عزل نفسه وحلف لا يلي القضاء لمنام رآه وكان ملازما للاشغال والاشتغال والتصنيف شاع ذكره واشتهر بالفضل اسمه وقال الصفدي بعد ترجمة طويلة حسنة شعره أسحر من عيون الغيد (6/161)

162 وأبهى من الوجنات ذوات التوريد وقال السبكي شعره أحلى من السكر المكرر وأغلى قيمة من الجوهر وقال السيوطي ومن نظمه ( لا تقصد القاضي إذا أدبرت * دنياك واقصد من جواد كريم ) ( كيف ترجي الرزق من عند من * يفتي بأن الفلس مال عظيم ) وله ( سبحان من سخر لي حاسدي * يحدث لي في غيبتي ذكرا ) ( لا أكره الغيبة من حاسد * يفيدني الشهرة والأجرا ) وقال وقد مر به غلام جميل له قرط ( مر مقرطق * ووجهه يحكي القمر ) ( هذا أبو لؤلؤة * منه خذوا ثأر عمر ) وفيها زين الدين أبو حفص عمر بن سعد الله بن عبد الأحد الحراني ثم الدمشقي الفقيه الفرضي القاضي الحنبلي أخو شرف الدين محمد ولد سنة خمس وثمانين وستمائة وسمع من يوسف بن الغسولي وغيره بالقاهرة وغيرها ودخل بغداد وأقام بها ثلاثة أيام وتفقه وبرع في الفقه والفرائض ولازم الشيخ تقي الدين وغيره وولي نيابة الحكم عن ابن منجا وكان دينا خيرا حسن الأخلاق متواضعا بشوش الوجه متثبتا سديد الأقضية والأحكام حدث ابن شيخ السلامية عنه أنه قال لم أقض قضية إلا وأعددت لها الجواب بين يدي الله وذكره الذهبي في المختص فقال عالم ذكي خير وقور متواضع بصير بالفقه والعربية سمع الكثير وتخرج بابن تيمية وغيره توفي شهيدا بالطاعون وفيها صفي الدين أبو عبد الله الحسين بن بدران بن داود الباصري البغدادي الخطيب الفقيه الحنبلي المحدث النحوي الأديب ولد آخر نهار عرفة سنة اثنتي عشرة وسبعمائة وسمع الحديث متأخرا وعنى بالحديث وتفقه وبرع في العربية والأدب ونظم الشعر الحسن وصنف في علوم الحديث وغيرها واختصر إلا كمال لابن ماكولا (6/162)

163 قال ابن رجب وقرأت عليه بعضه وسمعت بقراءته صحيح البخاري على الشيخ جمال الدين مسافر بن إبراهيم الخالدي وحضرت مجالسه كثيرا وتوفي يوم الجمعة سابع عشرى رمضان ببغداد مطعونا ودفن بمقبرة باب حرب وفيها أبو الخير سعيد بن عبد الله الذهلي الحريري الحنبلي الحافظ المؤرخ مولى الصدر صلاح الدين عبد الرحمن بن عمر الحريري سمع ببغداد من الدقوقي وخلق وبدمشق من زينب بنت الكمال وأمم وبالقاهرة والأسكندرية وبلدان شتى وعنى بالحديث وأكثر من السماع والشيوخ وجمع تراجم كثيرة لأعيان أهل بغداد وخرج الكثير وكتب بخطه الرديء كثيرا قال الذهبي له رحلة وعمل جيد وهمة في التاريخ ويكثر المشايخ والأجزاء وهو ذكي صحيح الذهن عارف بالرجال حافظ انتهى وفيها سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن موسى بن الخليل البغدادي الأزجي البزار الفقيه الحنبلي المحدث ولد سنة ثمان وثمانين وستمائة تقريبا وسمع من إسمعيل بن الطبال وابن الدواليبي وجماعة وعنى بالحديث وقرأ الكثير ورحل إلى دمشق فسمع بها صحيح البخاري على الحجار بالحنبلية وأخذ عن الشيخ تقي الدين ابن تيمية وحج مرارا ثم أقام بدمشق وكان حسن القراءة ذا عبادة وتهجد وصنف كثيرا في الحديث وعلومه ثم توجه إلى الحج في هذه السنة فتوفي بمنزلة حاجر قبل الوصول إلى الميقات ومعه نحو خمسين نفسا بالطاعون وذلك صبيحة يوم الثلاثاء حادي عشرى ذي القعدة ودفن بتلك المنزلة وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد المؤمن بن اللبان المصري الشافعي الإمام العلامة ولد سنة خمس وثمانين وستمائة وسمع الحديث بدمشق والقاهرة من جماعة وتفقه بابن الرفعة وغيره وصحب في التصوف الشيخ ياقوت العرشي المقيم بالأسكندرية ودرس بقبة الشافعي وغيرها وله مؤلفات منها ترتيب الأم للشافعي ولم يبيضه واختصر الروضة ولم يشتهر لغلاقة لفظه وجمع كتابا في علوم الحديث وكتابا في النحو وله تفسير لم يكمله وله كتاب متشابه القرآن والحديث تكلم فيه على (6/163)

طريقة 164 الصوفية قال الأسنوي كان عارفا بالفقه والأصلين والعربية أديبا شاعرا ذكيا فصيحا ذا همة وصرامة وانقباض عن الناس وقال الحافظ زين الدين العراقي أحد العلماء الجامعين بين العلم والعمل امتحن بأن شهد عليه بأمور وقعت في كلامه وأحضر إلى مجلس الجلال القزويني وادعى عليه بذلك فاستتيب ومنع من الكلام على الناس وتعصب عليه بعض الحنابلة وتخرج به جماعة من الفضلاء توفي شهيدا بالطاعون في شوال وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن إبراهيم بن عدلان بن محمود بن لاحق بن داود المعروف بابن عدلان الكناني المصري شيخ الشافعية ولد في صفر سنة ثلاث وستين وستمائة وسمع من جماعة وتفقه على ابن السكري وغيره وقرأ الأصول على القرافي وغيره والنحو على ابن النحاس وبرع في العلوم وحدث وأفتى وناظر ودرس بعدة أماكن وأفاد وتخرج به جهات وشرح مختصر المزني شرحا مطولا لم يكمله قال الأسنوي كان فقيها إماما يضرب به المثل في الفقه عارفا بالأصلين والنحو والقراءات ذكيا نظارا فصيحا يعبر عن الأمور الدقيقة بعبارة وجيزة مع السرعة والاسترسال دينا سليم الصدر كثير المروءة وقال غيره كان مدار الفتيا بالقاهرة عليه وعلى الشيخ شهاب الدين بن الأنصاري وولي قضاء العسكر في أيام الناصر أحمد وتوفي في ذي القعدة وفيها عماد الدين محمد بن إسحق بن محمد بن المرتضى البلبيسي المصري الشافعي أخذ الفقه عن ابن الرفعة وغيره وسمع من الدمياطي وغيره وولي قضاء الأسكندرية ثم امتحن وعزل وكان صبورا على الاشتغال ويحث على الاشتغال بالحاوي قال الأسنوي كان من حفاظ مذهب الشافعي كثير التولع بالألغاز الفروعية محبا للفقراء شديد الاعتقاد فيهم وقال الزين العراقي انتفع به خلق كثير من أهل مصر والقاهرة توفي شهيدا في شعبان بالطاعون وفيها تقي الدين محمد المعروف بابن الببائي ابن قاضي ببا الشافعي تفقه على العماد البلبيسي وابن اللبان وغيرهما من فقهاء مصر ذكره الزين العراقي (6/164)

في وفياته فقال 165 برع في الفقه حتى كان أذكر فقهاء المصريين له مع فقه النفس والدين المتين والورع وكان يكتسب بالمتجر يسافر إلى الأسكندرية مرتين أو مرة ويشغل بجامع عمرو بغير معلوم وكان يستحضر الرافعي والروضة ويحل الحاوي الصغير حلا حسنا وصحب الشيخ أبا عبد الله بن الحاج وغيره من أهل الخير وتوفي شهيدا بالطاعون وفيها شمس الدين أبو الثناء محمود بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أبي بكر بن علي الشافعي العلامة الأصبهاني ولد في شعبان سنة أربع وسبعين وستمائة واشتغل ببلاده ومهر وتميز وتقدم في الفنون فبهرت فضائله وسمع كلامه التقي بن تيمية فبالغ في تعظيمه ولازم الجامع الأموي ليلا ونهارا مكبا على التلاوة وشغل الطلبة ودرس بعد ابن الزملكاني بالرواحية ثم قدم القاهرة وبنى له قوصون الخانقاه بالقرافة ورتبه شيخا لها قال الأسنوي كان بارعا في العقليات صحيح الاعتقاد محبا لأهل الصلاح طارحا للتكلف وكان يمتنع كثيرا من الأكل لئلا يحتاج إلى الشرب فيحتاج إلى دخول الخلاء فيضيع عليه الزمان صنف تفسيرا كبيرا وشرح كافية ابن الحاجب وشرح مختصره الأصلي وشرح منهاج البيضاوي وطوالعه وشرح بديعية ابن الساعاتي وشرح الساوية في العروض وغير ذلك مات في ذي القعدة بالطاعون ودفن بالقرافة وفيها محب الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن لب بن الصايغ الأموي المري قال في تاريخ غرناطة أقرأ النحو بالقاهرة إلى أن صار يقال له أبو عبد الله النحوي وكان قرأ على أبي الحسن بن أبي العيش وغيره ولازم أبا حيان وانتفع بجاهه وكان سهلا دمث الأخلاق محبا للطلب وتعانى الضرب بالعود فنبغ فيه وقال في الدرر كان ماهرا في العربية واللغة قيما في العروض ينظم نظما وسطا توفي في رمضان بالطاعون وفيها يوسف بن عمر بن عوسجة العباسي النحوي المقرىء ذكره الذهبي في طبقات القراء وأصحاب التقى الصايغ وقال في الدرر وكان شيخ العربية انتهى (6/165)

166 سنة خمسين وسبعمائة في ربيعها الأول قتل أرغون شاه الناصري كان أبو سعيد أرسله إلى الناصر فحظي وتأمر وزوجه بنت اق بغا عبد الواحد ثم وولي الاستادارية في زمن المظفر حاجي ثم ولي نيابة صفد ورجع إلى مصر ثم ولي نيابة حلب ثم دمشق وتمكن وبالغ في تحصيل المماليك والخيول وعظم قدره ونفذت كلمته في سائر الممالك الشامية والمصرية ولم يزل على ذلك إلى أن برز أمر بإمساكه فأمسك وذبح وكان خفيفا قوي النفس شرس الأخلاق قاله في الدرر وفيها توفي أبو إسحق إبراهيم بن عبد الله الأنصاري الأشبيلي ويعرف بالشرقي قال ابن الزبير كان إماما في حفظ اللغات وعلمها لم يكن في وقته بالمغرب من يضاهيه أو يقاربه في ذلك متقدما في علم العروض مقصودا في الناس مشكور الحال في علمه ودينه انتهى وفيها أبو العباس أحمد بن سعد بن محمد العسكري الأندرشي الصوفي قال الصفدي شيخ العربية بدمشق في زمانه أخذ عن أبي حيان وأبي جعفر بن الزيات وكان منجمعا عن الناس حضر يوما عند الشيخ تقي الدين بن السبكي بعد إمساك تنكز بخمس سنين فذكر إمساكه فقال وتنكز أمسك فقيل له نعم وجاء بعده ثلاثة نواب أو أربعة فقال ما علمت بشيء من هذا وكان بارعا في النحو مشاركا في الفضائل تلا على الصايغ وشرح التسهيل واختصر تهذيب الكمال وشرع في تفسير كبير مولده بعد التسعين وستمائة ومات بعلة الاسهال في ذي القعدة وفيها جمال الدين أبو العباس أحمد بن علي بن محمد البابصري البغدادي الحنبلي الفقيه الفرضي الأديب ولد سنة سبع وسبعمائة تقريبا وسمع الحديث على صفي الدين بن عبد الحق وعلي بن عبد الصمد وغيرهما وتفقه على الشيخ صفي الدين ولازمه وعلى غيره وبرع في الفرائض والحساب وقرأ الأصول والعربية والعروض والأدب ونظم الشعر الحسن وكتب بخطه الحسن كثيرا واشتهر بالاشتغال والفتيا (6/166)

167 ومعرفة المذهب وأثنى عليه فضلاء الطوائف وكان صالحا دينا متواضعا حين الأخلاق طارحا للتكلف قال ابن رجب حضرت دروسه وأشغاله غير مرة وسمعت بقراءته الحديث وتوفي في طاعون سنة خمسين ببغداد بعد رجوعه من الحج وفيها شهاب الدين أحمد بن موسى بن خفاجا الصفدي الشافعي شيخ صفد مع ابن الرسام أخذ عن ابن الزملكاني وغيره قال العثماني في طبقاته كان ماهرا في الفرائض والوصايا نقالا للفروع الكثيرة انقطع بقرية بقرب صفد يفتي ويصنف ويتعبد ويعمل بيده في الزراعة لقوته وقوت أهله ولا يقبل وظيفة ولا شيئا وله مصنفات كثيرة نافعة منها شرح التنبيه في عشر مجلدات ومختصر في الفقه سماه العمدة وشرح الأربعين للنووي في مجلد ضخم وغير ذلك لكن لم يشتهر شيء منها توفي بصفد وفيها نجم الدين أبو محمد عبد الرحمن بن يوسف بن إبراهيم بن علي أبو القسم وأبو محمد الأصفوني بفتح الهمزة وبالفاء الشافعي ولد بأصفون بلدة في صعيد مصر في سنة سبع وسبعين وستمائة وتفقه على البهاء القفطي وقرأ القراءات وسكن قوص وانتفع به كثيرون وحج مرات من بحر عيذاب آخرها سنة ثلاث وثلاثين وأقام بمكة إلى أن توفي قال الأسنوي برع في الفقه وغيره وكان صالحا سليم الصدر يتبرك به من يراه من أهل السنة والبدعة اختصر الروضة وصنف في الجبر والمقابلة توفي بمنى ثاني عيد الاضحى ودفن بباب المعلى وفيها علاء الدين أبو الحسن علي بن الشيخ زين الدين المنجا بن عثمان بن أسعد بن المنجا التنوخي الحنبلي قاضي القضاة ولد في شعبان سنة ثلاث وسبعين وستمائة وسمع الكثير عن ابن الخباري وخلق وولي القضاء من سنة اثنتين وثلاثين وحدث بالكثير وقال ابن رجب قرأت عليه جزءا فيه الأحاديث التي رواها مسلم في صحيح عن الإمام أحمد بسماعه الصحيح من أبي عبد الله محمد بن عبد السلام بن أبي عصرون بإجازته من المؤيد توفي في شعبان بدمشق ودفن بسفح قاسيون وفيها أبو عبد الله محمد بن محمد بن (6/167)

168 محارب الصريخي النحوي المالقي بن أبي الجيش قال في تاريخ غرناطة كان من صدور المقرئين قائما على العربية إماما في الفرائض والحساب مشاركا في الفقه والأصول وكثير من العقليات أقرأ بمالقة وشرع في تقييد على التسهيل في غاية الاستيفاء فلم يكمله ومات في ربيع الآخر بعد أن تصدق بمال جم ووقف كتبه سنة إحدى وخمسين وسبعمائة فيها توفي العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الزرعي ثم الدمشقي الفقيه الحنبلي بل المجتهد المطلق المفسر النحوي الأصولي المتكلم الشهير بابن قيم الجوزية قال ابن رجب شيخنا ولد سنة إحدى وتسعين وستمائة وسمع من الشهاب النابلسي وغيره وتفقه في المذهب وبرع وأفتى ولازم الشيخ تقي الدين وأخذ عنه وتفنن في علوم الإسلام وكان عارفا بالتفسير لا يجاري فيه وبأصول الدين وإليه فيه المنتهى وبالحديث ومعانيه وفقهه ودقائق الاستنباط منه لا يلحق في ذلك وبالفقه وأصوله والعربية وله فيها اليد الطولى وبعلم الكلام وغير ذلك وعالما بعلم السلوك وكلام أهل التصوف وإشاراتهم ومتونه وبعض رجاله وقد حبس مدة لإنكاره شد الرحيل إلى قبر الخليل وتصدر للاشغال ونشر العلم وقال ابن رجب وكان رحمه الله ذا عبادة وتهجد وطول صلاة إلى الغاية القصوة وتأله ولهج بالذكر وشغف بالمحبة والإنابة والافتقار إلى الله تعالى والانكسار له والاطراح بين يديه على عتبة عبوديته لم أشاهد مثله في ذلك ولا رأيت أوسع منه علما ولا أعرف بمعاني القرآن والحديث والسنة وحقائق الإيمان منه وليس هو بالمعصوم ولكن لم أر في معناه مثله وقد امتحن وأوذي مرات وحبس مع الشيخ تقي الدين في المرة الأخيرة بالقلعة منفردا عنه ولم يفرج عنه إلا بعد موت الشيخ وكان في مدة حبسه مشتغلا بتلاوة القرآن وبالتدبر والتفكر ففتح عليه من ذلك خير كثير وحصل له جانب عظيم من الأذواق (6/168)

169 والمواجيد الصحيحة وتسلط بسبب ذلك على الكلام في علوم أهل المعارف والخوض في غوامضهم وتصانيفه ممتلئة بذلك وحج مرات كثيرة وجاور بمكة وكان أهل مكة يذكرون عنه من شدة العبادة وكثرة الطواف أمرا يتعجب منه ولازمت مجالسه قبل موته أزيد من سنة وسمعت عليه قصيدته النونية الطويلة في السنة وأشياء من تصانيفه وغيرها وأخذ عنه العلم خلق كثير من حياة شيخه وإلى أن مات وانتفعوا به وكان الفضلاء يعظمونه ويسلمون له كابن عبد الهادي وغيره وقال القاضي برهان الدين الزرعي عنه ما تحت أدميم السماء أوسع علما منه ودرس بالصدرية وأم بالجوزية مدة طويلة وكتب بخطه ما لا يوصف كثرة وصنف تصانيف كثيرة جدا في أنواع العلوم وكان شديد المحبة للعلم وكتابته ومطالعته وتصنيفه واقتناء كتبه واقتنى من الكتب ما لم يحصل لغيره فمن تصانيفه كتاب تهذيب سنن أبي داود وإيضاح مشكلاته والكلام على ما فيه من الأحاديث المعلولة مجلد كتاب سفر الهجرتين وباب السعادتين مجلد ضم كتاب مراحل السائرين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين مجلدان وهو شرح منازل السائرين لشيخ الإسلام الأنصاري كتاب جليل القدر كتاب عقد محكم الاحقاء بين الكلم الطيب والعمل الصالح المرفوع إلى رب السماء مجلد ضخم كتاب شرح أسماء الكتاب العزيز مجلد كتاب زاد المسافرين إلى منازل السعداء في هدى خاتم الأنبياء مجلد كتاب زاد المعاد في هدى خير العباد أربع مجلدات وهو كتاب عظيم جدا كتاب حل الافهام في ذكر الصلاة والسلام على خير الأنام وبيان أحاديثها وعللها مجلد كتاب بيان الدليل على استغناء المسابقة عن التحليل مجلد كتاب نقد المنقول والمحك المميز بين المردود والمقبول مجلد كتاب اعلام الموقعين عن رب العالمين ثلاث مجلدات كتاب بدائع الفوائد مجلدان الشافية الكافية في الانتصار للفرقة الناجية وهي القصيدة النونية في السنة مجلد كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة مجلدان كتاب حادي الأرواح (6/169)

170 إلى بلاد الأفراح وهو كتاب صفة الجنة مجلد وكتاب نزهة المشتاقين وروضة المحبين مجلد كتاب الداء والدواء مجلد كتاب تحفة المودود في أحكام المولود مجلد لطيف كتاب مفتاح دار السعادة مجلد ضخم كتاب اجتماع الجيوش الاسلامية على غزو الفرقة الجهمية مجلد كتاب مصايد الشيطان مجلد كتاب الطرق الحكمية مجلد رفع اليدين في الصلاة مجلد نكاح المحرم مجلد تفضيل مكة على المدينة مجلد فضل العلم مجلد كتاب عدة الصابرين مجلد كتاب الكبائر مجلد حكم نارك الصلاة مجلد نور المؤمن وحياته مجلد حكم اغمام هلال رمضان مجلد التحرير فيما يحل ويحرم من لباس الحرير مجلد إغاثة اللهفان من مكايد الشيطان مجلد إغاثة اللهفان في طلاق الغضبان مجلد جوابات عابدي الصلبان وإن ما هم عليه دين الشيطان مجلد بطلان الكيمياء من أربعين وجها مجلد الروح مجلد الفرق بين الخلة والمحبة ومناظرة الخليل لقومه مجلد الكلام الطيب والعمل الصالح مجلد لطيف الفتح القدسي والتحفة المكية كتاب أمثال القرآن شرح الأسماء الحسنى إيمان القرآن المسائل الطرابلسية مجلدان الصراط المستقيم في أحكام أهل الجحيم مجلدان كتاب الطاعون مجلد لطيف وغير ذلك توفي رحمه الله وقت العشاء الآخرة ثالث عشر رجب وصلى عليه من الغد بالجامع الأموي عقيب الظهر ثم بجامع جراح ودفن بمقبرة الباب الصغير وكان قد رأى قبل موته بمدة الشيخ تقي الدين رحمه الله في النوم وسأله عن منزلته فأشار إلى علوها فوق بعض الأكابر ثم قال له وأنت كدت تلحق بنا ولكن أنت الآن في طبقة ابن خزيمة رحمه الله وفيه فخر الدين أبو الفضائل وأبو المعالي محمد بن علي بن إبراهيم بن عبد الكريم الإمام العلامة فقيه الشام وشيخها ومفتيها ابن الكاتب المصري الأصل الدمشقي الشافعي المعروف بالفخر المصري ولد بالقاهرة سنة اثنتين وقيل إحدى وتسعين وستمائة واخرج إلى دمشق وهو صغير وسمع الحديث بها وبغيرها وتفقه على الفزاري وابن الوكيل وابن الزملكاني (6/170)

وتخرج به في فنون العلم وأذن له في الافتاء في سنة خمس 171 عشرة وأخذ الأصول عن الصفي الهندي والنحو عن مجد الدين التونسي وأبي حيان وغيرهما والمنطق عن الرضى المنطيقي والعلاء القونوي وحفظ كتبا كثيرة وحفظ مختصر ابن الحاجب في تسعة عشرة يوما وكان يحفظ في المنتقى كل يوم خمسمائة سطر وناب في القضاء عن القزويني والقونوي ثم ترك ذلك وتفرغ للعلم وتصدر للاشتغال والفتوى وصار هو الإمام المشار إليه والمعول في الفتوى عليه وحج مرارا وجاور في بعضها وتعاني التجارة وحصل منها نعما طائلة وحصلت له نكبة في آخر أيام تنكز وصودر وأخرجت عنه العادلية الصغرى والرواحية ثم بعد موت تنكز استعادهما ذكره الذهبي في المعجم المختص فقال تفقه وبرع وطلب الحديث بنفسه ومحاسنه جمة وكان من أذكياء زمانه وقال الصلاح الكتبي أعجوبة الزمان كان ابن الزملكاني معجبا به وبذهنه الوقاد يشير إليه في المحافل وينوه بذكره ويثني عليه توفي في ذي القعدة ودفن بمقابر باب الصغير قبلي قبة القلندرية وفيها بل في التي قبلها يحيى بن محمد بن أحمد بن سعيد الحارثي الكوفي النحوي قال في الدرر ولد في شعبان سنة ثمان وسبعمائة واشتغل بالكوفة وبغداد وصنف مفتاح الألباب في النحو وقدم دمشق ومات بالكوفة سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة فيها توفي أبو العتيق أبو بكر بن أحمد بن دمسين اليمني قال الخزرجي في تاريخ اليمن كان فقيها نبيها عالما عاملا عارفا بالفقه وأصوله والنحو واللغة والحديث والتفسير ورعا زاهدا صالحا عابدا متواضعا حسن السيرة قانعا باليسير كثير الصيام والقيام وجيها عند الخاص والعام يحب الخلوة والانفراد تفقه وجمع وانتشر ذكره وله كرامات مات بزبيد وفيها عماد الدين أبو العباس أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة الصالحي الحنبلي المقري ولد الحافظ شمس الدين المتقدم ذكره سمع من الفخر بن البخاري والشيخ شمس (6/171)

172 الدين بن أبي عمر وغيرهما وسمع منه ابن رافع والحسيني وجمع وتوفي في رابع صفر وفيها أبو الحسن علي بن أبي سعيد بن يعقوب المريني صاحب مراكش وفاس وفيها سراج الدين أبو حفص عمر بن محمد بن علي بن فتوح الدمنهوري قال الحافظ أبو الفضل العراقي برع في النحو والقراءات والحديث والفقه وكان جامعا للعلوم أخذ العربية عن الشرف الشاذلي والقراءات عن التقي الصايغ والأصول عن العلاء القونوي والمعاني عن الجلال القزويني والفقه عن النور البكري وسمع من الحجار والشريف الموسوي ودرس وأفتى وحدث عنه أبو اليمن الطبري وقال الفارسي توفي يوم الثلاثاء ثالث عشرى ربيع الأول ومولده بعد ثمانين وستمائة وفيها بهاء الدين أبو المعالي وأبو عبد الله محمد بن علي بن سعيد بن سالم الأنصاري الدمشقي الشافعي المعروف بابن إمام المشهد محتسب دمشق ولد في ذي الحجة سنة ست وتسعين وستمائة وسمع بدمشق ومصر وغيرهما وكتب الطباق بخطه الحسن وتلا بالسبع على الكفري وجماعة وتفقه على المشايخ برهان الدين الفزاري وابن الزملكاني وابن قاضي شهبة وغيرهم وأخذ النحو عن التونسي والقحفازي وبرع في الحديث والقراءات والعربية والفقه وأصوله وأفتى وناظر ودرس بعدة مدارس وخطب بجامع التوبة وولي الحسبة ثلاث مرات ذكره الذهبي في المختص وقال ابن رافع جمع مجلدات على التمييز للبارزي وكتابا في أحاديث الأحكام في أربع مجلدات وناولني إياه وتوفي في شهر رمضان ودفن بمقبرة باب الصغير وفيها تاج الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن يوسف بن حامد المراكشي المصري الشافعي ولد سنة إحدى وقيل ثلاث وسبعمائة واشتغل بالقاهرة على العلاء القونوي وغيره من مشايخ العصر وأخذ النحو عن أبي حيان وتفنن في العلوم وسمع بالقاهرة ودمشق من جماعة وأعاد بقبة الشافعي وكان ضيق الخلق لا يحابي أحدا ولا يتحاشاه فآذاه لذلك القاضي جلال الدين القزويني أوله دخوله القاهرة فلم يرجع فشاور عليه السلطان (6/172)

173 فرسم بإخراجه من القاهرة إلى الشام مرسما عليه فأقام بها ودرس بالمسرورية مدة يسيرة ثم أعرض عنها تزهدا قال الأسنوي حصل علوما عديدة أكثرها بالسماع لأنه كان ضعيف النظر مقاربا للعمى وكان ذكيا غير أنه كان عجولا محتقرا للناس كثير الوقيعة فيهم ولما قدم دمشق أقبل على الاشتغال والاشغال وسماع الحديث والتلاوة والنظر في العلوم إلى الموت وقال السبكي كان فقيها نحويا مفتيا مواظبا على طلب العلم جميع نهاره وغالب ليله يستفرغ فيه قواه ويدع من أجله طعامه وشرابه وكان ضريرا لا نراه يفتر عن الطلب إلا إذا لم يجد من يطالع له توفي فجاءة في جمادى الآخرة سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة فيها على ما قاله في ذيل الدول قبض السلطان على الوزير علم الدين بن زنبور وصودر بعد الضرب والعذاب فكان المأخوذ منه من النقد ما ينيف على ألف ألف دينار ومن أواني الذهب والفضة نحو ستين قنطارا ومن اللؤلؤ نحو أردبين ومن الحياصات الذهب ستة آلاف ومن القماش المفصل نحو ألفين وستمائة قطعة وخمسة وعشرين معصرة سكر ومائتي بستان وألف وأربعمائة ساقية ومن الخيل والبغال ألف ومن الجواري سبعمائة ومن العبيد مائة ومن الطواشية سبعون إلى غير ذلك وفي صفر كان الحريق العظيم بباب جيرون وفيها توفي أمير المؤمنين أبو العباس الحاكم بأمر الله أحمد بن المستكفي العباسي كان أبوه لما مات بقوص عهد إليه بالخلافة فقدم الملك الناصر عليه إبراهيم ابن عمه لما كان في نفسه من المستكفي وكانت سيرة إبراهيم قبيحة وكان القاضي عز الدين بن جماعة قد جهد كل الجهد في صرف السلطان عنه فلم يفعل فلما حضرته الوفاة أوصى الأمراء برد الأمر إلى ولي عهد المستكفي ولده أحمد فلما تسلطان المنصور عقد مجلسا وقال من يستحق الخلافة فاتفقوا على أحمد هذا فخلع إبراهيم وبايع أحمد وبايعه القضاة ولقب الحاكم بأمر (6/173)

174 الله لقب جده قال ابن فضل الله في المسالك هو إمام عصرنا وغمام مصرنا قام على غيظ العدى وغرق بفيض الندى صارت له الأمور إلى مصائرها وسيقت إليه مصايرها فأحيا رسوم الخلافة ورسم بما لم يستطع أحد خلافه وسلك مناهج آبائه وقد طمست وأحياها بمناهج أبنايه وقد درست وجمع شمل بني أبيه وقد طال بهم الشتات وأطال عذرهم وقد اختلفت السيآت ورفع اسمه على ذرى المنابر وقد غبر مدة لا تطلع إلا في إفاقه تلك النجوم ولا تسح الا من سحبه تلك الغيوم والسجوم طلب بعد موت السلطان وأنفذ حكم وصيته في تمام مبايعته والتزام متابعته وكان أبوه قد أحكم له بالعقد المتقدم عقدها وحفظ له عند ذوي الأمانة عهدها وذكر الشيخ زين الدين العراقي أن الحاكم هذا سمع الحديث على بعض المتأخرين وأنه حدث مات في الطاعون في نصف السنة بمصر ودفن بها وفيها أبو علي حسين بن يوسف بن يحيى بن أحمد الحسيني السبتي نزيل تلمسان قال في تاريخ غرناطة كان ظريفا شاعرا أديبا لوذعيا مهذبا له معرفة بالعربية ومشاركة في الأصول والفروع حج ودخل غرناطة وولي القضاء ببلاد مختلفة ثم قضاء الجماعة بتلمسان ولد سنة ثلاث وستين وستمائة ومات يوم الإثنين سابع عشر شوال وفيها عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار قاضي قضاة المشرق وشيخ العلماء والشافعية بتلك البلاد الأيجى بكسر الهمزة وإسكان التحتية ثم جيم الشيرازي شارح مختصر ابن الحاجب وله المواقف قال الأسنوي كان إماما في علوم متعددة محققا مدققا ذا تصانيف مشهورة منها شرح مختصر ابن الحاجب والمواقف والجواهر وغيرها في علم الكلام والفوايد الغياثية في المعاني والبيان وكان صاحب ثروة وجود وإكرام للوافدين عليه تولى قضاء القضاة بمملكة أبي سعيد فحمدت سيرته وقال السبكي كان إماما في المعقولات عارفا بالأصلين والمعاني والبيان والنحو مشاركا في الفقه له في علم الكلام كتاب المواقف وغيره وفي أصول الفقه شرح المختصر وفي المعاني والبيان (6/174)

الفوايد الغياثية وكانت له سعادة مفرطة ومال جزيل وأنعام على طلبة العلم وكلمة نافدة مولده سنة 175 ثمان وسبعمائة وأنجب تلامذة اشتهروا في الآفاق مثل الشمس الكرماني والضياء العفيفي والسعد التفتازاني وغيرهم وقال التفتازاني في الثناء عليه لم يبق لنا سوى اقتفاء آثاره والكشف عن خبيئات أسراره بل الاجتناء من بحار ثماره والاستضاءة بأنواره توفي مسجونا بقلعة بقرب ايج غضب عليه صاحب كرمان فحبسه بها واستمر محبوسا إلى أن مات وفيها أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن بليش العبدري الغرناطي النحوي قال في تاريخ غرناطة كان فاضلا منقبضا متضلعا بالعربية عاكفا عمره على تحقيق اللغة له في العربية باع شديد مشاركا في الطب أثرى من التكسب بالكتب وسكن سبتة مدة ورجع وأقر بغرناطة وكان قرأ على ابن الزبير ومات في رجب وفيها شهاب الدين يحيى بن إسمعيل بن محمد بن عبد الله بن محمد القيسراني أحد الموقعين ولد سنة سبعمائة وورد مع أبيه من حلب فباشر أبوه توقيع الدست وباشر هو كتابة الانشاء وكان حسن الخلق جدا تام الخلق متواضعا متوددا صبورا على الأذى كثير التجمل في ملبوسه وهيئته حتى كان ابن فضل الله يقول المولى شهاب الدين جمل الديوان وكان يكتب قلم الرقاع قويا إلى الغاية ثم باشر توقيع الدست بعد أبيه سنة ست وثلاثين ثم ولي كتابة السر في نيابة تنكز ثم أمسك وصودر فلزم بيته مدة ثم نقل إلى القاهرة فكتب بها الانشاء سنة ما رأيت منه سوءا قط وكان يتودد للصالحين ويكثر الصوم والعبادة ويصبر على الأذى ولا يعامل صديقه وعدوه إلا بالخير وطلاقة الوجه مات بعلة الاستسقاء بعد أن طال مرضه به في ثاني عشرى رجب بدمشق وصلى عليه بالجامع الأموي بعد العصر سنة أربع وخمسين وسبعمائة فيها كما قال ابن كثير كان في ترابلس بنت تسمى نفيسة زوجت بثلاثة أزواج ولا يقدرون عليها يظنون أنها رتقاء فلما بلغت خمس عشرة سنة غار ثدياها ثم جعل يخرج من محل الفرج شيء قليلا (6/175)

إلى أن برز 176 منه ذكر قدر أصبع وانثيان وكتب ذلك في محاضر وفيها توفي أبو عبد الله محمد بن علي بن أحمد الخولاني يعرف بابن الفخار وبالألبيري النحوي قال في تاريخ غرناطة أستاذ الجماعة وعلم الصناعة وسيبويه العصر وأحد الطبقة من أهل هذا الفن كان فاضلا تقيا منقبضا عاكفا على العلم ملازما للتدريس إمام الأئمة من غير مدافع مبرزا منتشر الذكر بعيد الصيت عظيم الشهرة متبحر العلم يتفجر بالعربية تفرج البحر ويسترسل استرسال القطر قد خالطت لحمه ودمه ولا يشكل عليه منها مشكل ولا يعوزه توجيه ولا تشذ عنه حجة جدد بالأندلس ما كان قد درس من العربية من لدن وفاة أبي علي الشلوبين وكانت له مشاركة في غير العربية من قراءات وفقه وعروض وتفسير وقل في الأندلس من لم يأخذ عنه من الطلبة وكان مفرط الطول نحيفا سريع الخطو قليل الالتفات والتفريج جامعا بين الحرص والقناعة قرأ على أبي إسحق الغافقي ولازمه وانتفع به وبغيره مات بغرناطة ليلة الإثنين ثاني عشر رجب وفيها صدر الدين محمد بن علي بن أبي الفتح بن أسعد بن المنجا الحنبلي حضر على زينب بنت محلى وسمع من الشرف بن عساكر وعمر بن القواس وجماعة وسمع منه الذهبي والحسيني وابن رجب وحج مرارا وتوفي ليلة الإثنين ثاني عشر المحرم ودفن بسفح قاسيون وفيها جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن عبد الله بن العفيف محمد بن يوسف بن عبد المنعم بن نعمة بن سلطان بن سرور المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي الشيخ الإمام العالم العامل العابد الحبر ولد سنة إحدى وتسعين وستمائة وسمع سنن ابن ماجه من الحافظ ابن بدران النابلسي وسمع من التقى سليمان وأبي بكر بن عبد الدايم وعيسى المطعم ووزيرة بنت المنجا وغيرهم وسمع منه ابن كثير والحسيني وابن رجب وكان من العماء العباد الورعين كثير التلاوة وقيام الليل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحبة الحديث والسنة توفي في العشر الأوسط من جمادى الآخرة ودفن بقاسيون (6/176)

177 سنة خمس وخمسين وسبعمائة فيها توفي شهاب الدين أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الدمشقي القاضي الشافعي المعروف بالظاهري مولده في شوال سنة ثمان وسبعين وستمائة وسمع من جماعة وتفقه على الشيخ برهان الدين الفزاري وسمع منه البرزالي والذهبي وولده القاضي تقي الدين ودرس بالأمجدية وغيرها وأفتى وولي قضاء الركب سنين كثيرة وحج بضعا وثلاثين مرة وزار القدس أكثر من ستين مرة وتوفي في شعبان ودفن بقاسيون وفيها نجم الدين أحمد بن قاضي القضاة عز الدين محمد بن سليمان بن حمزة بن أحمد بن أبي عمر المقدسي الصالحي الحنبلي الخطيب بالجامع المظفري سمع من جده التقي سليمان وغيره وكان من فرسان الناس وقل من كان مثله في سمته توفي في رجب عن بضع وأربعين سنة وفيها القاضي جمال الدين أبو الطيب الحسين بن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام الأنصاري الخزرجي السبكي المصري ثم الدمشقي الشافعي ولد في رجب سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة وأحضره أبوه التقي السبكي على جماعة من المشايخ وسمع البخاري على الحجار لما ورد مصر وتفقه على والده وعلى الزنكلوني وغيره وأخذ النحو عن أبي حيان والأصول عن الأصفهاني وقدم دمشق مع والده سنة تسع وثلاثين ثم طلب الحديث بنفسه فقرأ على المزي والذهبي وغيرهما ثم رجع إلى مصر ثم عاد إلى الشام وأفتى وناظر وناب عن والده في القضاء سنة خمس وأربعين ودرس بالشامية البرانية والعذراوية وغيرهما قال ابن كثير كان يحكم جيدا نظيف العرض في ذلك وأفتى وتصدر وكان لديه فضيلة وقال أخوه في الطبقات الكبرى كان من أذكياء العالم وكان عجبا في استحضار التسهيل ودرس بالأجر على الحاوي الصغير وكان عجبا في استحضاره (6/177)

178 ومن شعره ملغزا ولعله في ريباس ( يا أيها البحر علما والغمام ندى * ومن به أضحت الأيام مفتخره ) ( أشكو إليك حبيبا قد كلفت به * مورد الخد سبحان الذي فطره ) ( خمساه قد أصبحا في زي عارضه * وفيه بأس شديد قل من قهره ) ( لا ريب فيه وفيه الريب أجمعه * وفيه يبس وليس القامة النضره ) ( وفيه كل الورى لما تصحفه * في ضيعة ببلاد الشام مشتهره ) توفي في شهر رمضان قبل والده بسبعة أشهر ودفن بتربتهم بقاسيون وفيها زين الدين أبو الحسن علي بن الحسين بن القسم بن منصور بن علي الموصلي الشافعي المعروف بابن شيخ العوينة كان جده الأعلى علي من الصالحين واحتفر عينا في مكان لم يعهد بالماء فقيل له شيخ العوينة ولد زين الدين في رجب سنة إحدى وثمانين وستمائة وقرأ القراءات على الشيخ عبد الله الواسطي الضرير وأخذ الشاطبية عن الشيخ شمس الدين بن الوراق وشرح الحاوي والمختصر ورحل إلى بغداد وقرأ على جماعة من شيوخها وسمع الحديث وقدم دمشق وسمع بها من جماعة ثم رجع إلى الموصل وصار من علمائها وله تصانيف منها شرح المفتاح للسكاكي وشرح مختصر ابن الحاجب والبديع لابن الساعاتي وغير ذلك قال ابن حبيب إمام بحر علمه محيط وظل دوحه بسيط وألسنة معارفه ناطقة وأفنان فنونه باسقة كان بارعا في الفقه وأصوله خبيرا بأبواب كلام العرب وفصوله نظم كتاب الحاوي وشنف سمع الناقل والراوي وبينه وبين الشيخ صلاح الدين الصفدي مكاتبات قال ابن حجر وشعره أكثر انسجاما وأقل تكلفا من شعر الصفدي توفي بالموصف في شهر رمضان وفيها سراج الدين عمر بن عبد الرحمن بن الحسين بن يحيى بن عبد المحسن بن القباني الحنبلي سمع من عيسى المطعم وغيره وكان مشهورا بالصلاح كريم النفس كبير القدر جامعا بين العلم والعمل واشتغل وانتفع بابن تيمية ولم ير على طريقه في الصلاح مثله وخرج له الحسيني مشيخة وحدث بها (6/178)

179 ومات ببيت المقدس وفيها ناصر الدين خطيب الشام محمد بن أحمد بن أحمد بن نعمة بن أحمد بن جعفر النابلسي ثم الدمشقي الحنبلي ولد سنة ثمانين وستمائة وسمع على الفخر بن البخاري مشيخته ومن جامع الترمذي وكان أحد العدول بدمشق توفي مستهل ربيع الآخر وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن معالي بن إبراهيم بن زيد الأنصاري الخزرجي الدمشقي الحنبلي المعروف بابن المهيني سمع من ابن البخاري ومن التقي سليمان وحدث وكان بشوش الوجه حسن الشكل كثير التودد للناس وفيه تساهل للدنيا وصحب الشيخ تقي الدين ابن تيمية وتوفي في رابع شوال بدمشق ودفن بالباب الصغير قاله العليمي سنة ست وخمسين وسبعمائة في شهر ربيع الآخر منها مطر ببلاد الروم بردزنة الواحدة نحو رطل وثلثي رطل بالحلبي وفيها توفي شهاب الدين أبو العباس أحمد بني وسف بن محمد وقيل عبد الدايم المعروف بابن السمين وقال السيوطي في طبقات النحاة ويعرف بالسمين الحلبي ثم المصري الشافعي النحوي المقرىء الفقيه العلامة قرأ النحو على أبي حيان والقراءات على ابن الصايغ وسمع وولي تصدير إقراء النحو بالجامع الطولوني وأعاد بالشافعي وناب في الحكم بالقاهرة وولي نظر الأوقاف بها ولازم أبا حيان إلى أن فاق أقرانه وسمع الحديث من يونس الدبوسي وله تفسير القرآن في نحو عشرين مجلدا وإعراب القرآن ألفه في حياة شيخه أبي حيان وناقشه فيه كثيرا وشرح التسهيل وشرح الشاطبية وغير ذلك مات في جمادى الآخرة بالقاهرة وفيها محي الدين أبو الربيع سليمان بن جعفر الأسنوي المصري الشافعي ولد في أوائل سنة سبعمائة وأفتى ودرس واشتغل وأشغل ذكره ابن أخته جمال الدين الأسنوي في طبقاته وقال كان فاضلا مشاركا في علوم ماهرا في الجبر والمقابلة صنف طبقات فقهاء الشافعية ومات عنها وهي مسودة لا ينتفع بها توفي في جمادى الآخرة ودفن بتربة الصوفية خارج باب النصر (6/179)

180 وفيها قاضي القضاة فخر الدين أبو إبراهيم إسمعيل بن يحيى بن إسمعيل بن ممدود التميمي الشيرازي الشافعي قال ابن السبكي تفقه على والده وقرأ التفسير على قطب الدين الشعار صاحب التقريب على الكشاف وولي قضاء القضاة بفارس وهو ابن خمس عشرة سنة وعزل بعد مدة بالقاضي ناصر الدين البيضاوي ثم أعيد بعد ستة أشهر واستمر على القضاء خمسا وسبعين سنة وكان مشهورا بالدين والخير والمكارم وله شرح مختصر ابن الحاجب ومختصر في الكلام ونظم كثير توفي بشيراز في رجب وفيها جمال الدين عبد الله بن شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الأصل الدمشقي الفقيه الحنبلي الفاضل ابن ابن قيم الجوزية كان لديه علوم جيدة وذهن حاضر حاذق وأفتى ودرس وناظر وحج مرات وكان أعجوبة زمانه توفي يوم الأحد رابع عشر شعبان وفيها الإمام تقي الدين أبو الحسن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن مسور بن سوار بن سليم السبكي الشافعي المفسر الحافظ الأصولي اللغوي النحوي المقرىء البياني الجدلي الخلافي النظار البارع شيخ الإسلام أوحد المجتهدين قال السيوطي ولد مستهل صفر سنة ثلاث وثمانين وستمائة وقرأ القرآن على التقي بن الصايغ والتفسير على العلم العراقي والفقه على ابن الرفعة والأصول على العلاء الباجي والنحو على أبي حيان والحديث على الشرف الدمياطي ورحل وسمع من ابن الصواف والموازيني وأجاز له الرشيد بن أبي القسم وإسمعيل بن الطبال وخلق يجمعهم معجمه الذي خرجه له ابن أيبك وبرع في الفنون وتخرج به خلق في أنواع العلوم وأقر له الفضلاء وولي قضاء الشام بعد الجلال القزويني فباشره بعفة ونزاهة غير ملتفت إلى الأكابر والملوك ولم يعارضه احد من نواب الشام إلا قسمه الله وولي مشيخة دار الحديث بالأشرفية والشامية البرانية والمسرورية وغيرها وكان محققا مدققا نظارا له في الفقه وغيره الاستنباطات الجليلة والدقائق (6/180)

والقواعد المحررة التي لم يسبق إليها وكان منصفا في 181 البحث على قدم من الصلاح والعفاف وصنف نحو مائة وخمسين كتابا مطولا ومختصر المختصر منها يشتمل على ما لا يوجد في غيره من تحرير وتدقيق وقاعدة واستنباط منها تفسير القرآن وشرح المنهاج في الفقه ومن نظمه ( أن الولاية ليس فيها راحة * إلا ثلاث يبتغيها العاقل ) ( حكم بحق أو إزالة باطل * أو نفع محتاج سواها باطل ) وله ( قلبي ملكت فما له * مرمي لواش أو رقيب ) ( قد حزت من أعشاره * سهم المعلى والرقيب ) ( يحييه قربك أن مننت * به ولو نفدا رقيب ) ( يا متلفي ببعاده * عني أمالك من رقيب ) وأنجب أولادا كراما أعلاما وتوفي بمصر بعد أن قدم إليها وسأل أن يولي القضاء مكانه ولده تاج الدين فأجيب إلى ذلك وفيها شمس الدين محمد بن إسمعيل بن إبراهيم بن سالم بن بركات بن سعد بن بركات بن سعد بن كامل بن عبد الله بن عمر من ذرية عبادة بت الصامت رضي الله عنه الشيخ الكبير المسند المعمر المكثر المعروف بابن الخباز الحنبلي ولد في رجب سنة تسع وستين وستمائة وحضر الكثير على ابن عبد الدايم وغيره وسمع من المسلم بن علان المسند بكماله وأجازه عمر الكرماني والشيخ محي الدين النووي وخرج له البرزالي مشيخة وذكر له أكثر من مائة وخمسين شيخا وسمع منه المزي والذهبي والسبكي وابن جماعة وابن رافع وابن كثير والحسيني والمقري وابن رجب وابن العراقي وغيرهم وكان رجلا جيدا صدوقا مأمونا صبورا على الأسماع محبا للحديث وأهله مع كونه يكتب بيده في حال السماع وحدث مع أبيه وعمره عشرون سنة وتوفي يوم الجمعة ثالث رمضان بدمشق عن سبع وثمانين سنة وشهرين ودفن بباب الصغير وفيها بدر الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الغني بن عبد الله بن أبي نصر (6/181)

182 المعروف بابن البطايني الحنبلي الشيخ العدل الأصيل ولد في رمضان سنة ثمان وسبعين وستمائة وسمع من ابن سنان وابن البخاري والشرف بن عساكر وسمع منه جماعة منهم المقري وابن رجب والحسيني وباشر نيابة الحسبة بالشام وتولى قضاء الركب الشامي وتكسب بالشهادة وتوفي يوم الجمعة سادس رجب ودفن بسفح قاسيون.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سنة سبع وخمسين وسبعمائة

وقع فيها في جمادى الآخرة حريق بدمشق ظاهر باب الفرج لم يعهد مثله بحيث كانت عدة الحوانيت المحرقة سبعمائة سوى البيوت وفيها توفي كمال الدين أبو العباس أحمد بن عمر بن أحمد بن أحمد بن مهدي الإمام العالم الورع المصري الشافعي النشائي بالنون والمعجمة مخففا نسبة إلى نشا قرية بريف مصر ولد في ذي القعدة سنة إحدى وتسعين وسستمائة وسمع من الحفاظ الدمياطي ورضي الدين الطبري وجماعة واشتغل على والده وغيره من مشايخ العصر ودرس بجامع الخطيري وخطب به وأم أول ما بنى وأعاد بالظاهرية والصالحية وغيرها وصنف التصانيف المفيدة الجامعة المحررة منها المنتقى في خمس مجلدات وجامع المختصرات وشرحه في ثلاث مجلدات ونكت التنبيه وهو كتاب مفيد والأبريز في الجمع بين الحاوي والوجيز وكشف غطاء الحاوي ومختصر سلاح المؤمن وكلامه في مصنفاته قوي مختصر جدا وفي فهمه عسر فلذلك أحجم كثير من الناس عن مصنفاته وسمع منه وحدث عنه زين الدين العراقي وابن رجب الحنبلي وذكره رفيقه الأسنوي فقال كان إماما حافظا للمذهب كريما متصوفا طارحا للتكلف وفي أخلاقه حدة كوالده توفي في صفر ودفن بالقرافة الصغرى وفيها سلطان بغداد حسن ابن اقبغا بن ايلكان بن خربندا بن أرغون بن هلاكو المغلى ويعرف بحسن الكبير تمييزا له عن حسن بن عرياس وكان حسن الكبير ذا سياسة حسنة وقيام بالملك (6/182)

183 أحسن قيام وفي ولايته وقع ببغداد الغلاء المفرط حتى بيع الخبز بصنج الدراهم ونزح الناس عن بغداد ثم نشر العدل إلى أن تراجع الناس إليها وكانوا يسمونه الشيخ حسن لعدله قال في الدرر وفي سنة تسع وأربعين توجه إلى تستر ليأخذ من أهلها قطيعة قررها عليهم فأخذها وعاد فوجد نوابه في بغداد في رواق العدل ببغداد ثلاث قدور مثل قدور الهريسة مملوءة ذهبا مصريا وصوريا ويوسفيا وغير ذلك فيقال جاء وزن ذلك أربعين قنطارا بالبغدادي ولما توفي قام ابنه أويس مقامه وفيها جمال الدين عبد الله بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عباس بن حامد بن خلف المعروف بابن الناصح وهو لقب عبد الرحمن الحنبلي سمع على الفخر ابن البخاري وحدث وكان رجلا صالحا مباركا يتعانى التجارة ثم ترك ذلك ولازم الجامع نحو الستين سنة توفي في ذي القعدة وفيها السيد شرف الدين أبو الحسن علي بن الحسين بن علي بن الحسين بن محمد الحسيني الأرموي المصري الشافعي المعروف بابن قاضي العسكر مولده سنة إحدى وتسعين وستمائة وسمع من جماعة واشتغل بالفقه والأصول والعربية وأفتى ودرس بمشهد الحسين والفخرية والطيبرسية وولي نقابة الأشراف والحسبة ووكالة بيت المال وحدث وسمع منه جماعة قال ابن رافع كان من أذكياء العالم كثير المروءة أديبا بارعا وقال ابن السبكي كان رجلا فاضلا ممدحا أديبا هو والشيخ جمال الدين بن نباتة والقاضي شهاب الدين بن فضل الله أدباء العصر إلا أن ابن نباته وابن فضل الله يزيدان عليه بالشعر فإنه لم يكن له فيه يد وأما في النثر فكان أستاذيا ماهرا مع معرفته بالفقه والأصول والنحو توفي بالقاهرة في جمادى الآخرة.

سنة ثمان وخمسين وسبعمائة

فيها وثب مملوك يقال له آي قجا من مماليك السلطان على شيخو الناصري وكان شيخو هذا تقدم في أيام المظفر واستقر في أول دولة الناصر حسن من رؤوس أهل المشورة ثم كاتب القصص إلى أن صار زمام الملك بيده وعظم شأنه في سنة إحدى وخمسين كتب له بنيابة طرابلس وهو في الصيد فساروا به إلى دمشق فوصل أمر بإمساكه فأمسك وأرسل إلى الأسكندرية فسجن بها فلما استقر الصالح أفرج عنه في رجب سنة اثنتين وخمسين واستقر على عادته أولا وكثر دخله حتى قيل أنه كان يدخل له من إقطاعه وأملاكه ومستأجراته في كل يوم مائتا ألف ولم يسمع بمثل ذلك في الدولة التركية ولما وثب عليه المملوك وجرحه بالسيف في وجهه وفي يده اضطرب الناس فمات من الزحام عدد كثير وأمسك المملوك فقال ما أمرني أحد بضربه ولكني قدمت له قصة فما قضى حاجتي فطيف بالمملوك وقتل وقطبت جراحات شيخو فأقام نحو ثلاثة أيام والناس تعوده السلطان فمن دونه ثم مات في سادس عشر ذي القعدة وترك من الأموال ما لا يحصى وفيها توفي شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن عبد المحسن المصري العسجدي ولد في رمضان سنة ست وثمانين وستمائة وطلب الحديث وهو كبير فسمع من النور البعلي والدبوسي والواني وغيرهم وأكثر جدا وكتب الطباق وأسمع أولاده وكان أديبا متواضعا فاضلا متدينا يعرف أسماء الكتب ومصنفيها وطبقات الأعيان ووفياتهم وولي تدريس الحديث بالمنصورية والفخرية وغيرهما قال ابن حبيب كان عالما بارعا مفيدا مسارعا إلى الخير ومن شعره ( ولعى بشمعته وضوء جبينه * مثل الهلال على قضيب مائس ) ( في خده مثل الذي في كفه * فأعجب لماء فيه جذوة قابس ) وفيها أرغون الصغير الكاملي نايب حلب كان أحد مماليك الصالح إسمعيل رباه وهو صغير السن حتى صيره أميرا وزوجه أخته لأمه هي بنت أرغون العلائي وكان جميلا جدا قال الصفدي لما تزوج خرج وعليه قباء مطرز فبهر الناس بحسنه ولما ولي الكامل حظي عنده وكان يدعي أرغون الصغير فصار يدعي أرغون الكاملي ثم ولاه الناصر حسن نيابة حلب فباشرها مباشرة حسنة وخافة التركمان والعرب ثم ولي نيابة دمشق في أول دولة الصالح صالح ثم اعتقل بالأسكندرية ثم أفرج عنه وأقام بالقدس بطالا وعمر له فيها تربة حسنة ومات بها في شوال.

وفيها قوام الدين أمير كاتب بن أمير عمر بن أمير غازي أبو حنيفة الأتقاني الحنفي قال السيوطي اسمه لطف الله قال ابن حبيب كان رأسا في مذهب أبي حنيفة بارعا في اللغة والعربية وقال ابن كثير ولد بأتقان في ليلة السبت تاسع عشر شوال سنة خمس وثمانين وستمائة واشتغل ببلاده ومهر وقدم دمشق سنة عشرين وسبعمائة ودرس وناظر وظهرت فضائله. وقال ابن حجر ودخل مصر ثم رجع فدخل بغداد وولي قضاءها ثم قدم دمشق ثانيا وولي بها تدريس دار الحديث الظاهرية بعد وفاة الذهبي. وتكلم في رفع اليدين في الصلاة وادعى بطلان الصلاة به وصنف فيه مصنفا فرد عليه الشيخ تقي الدين السبكي وغيره. ثم دخل مصر فأقبل عليه صرغتمش وعظم عنده جدا وجعله شيخ مدرسته التي بناها وذلك في جمادى سنة سبع وخمسين فاختار لحضور الدرس طالعا فحضر والقمر في السنبلة والزهرة في الأوج وأقبل عليه صرغتمش إقبالا عظيما وقدر أنه لم يعش بعد ذلك سوى سنة وشيء وكان شديد التعظيم لنفسه متعصبا جدا معاديا للشافعية يتمنى تلافهم واجتهد في ذلك بالشام فما أفاد وأمر صرغتمش أن يقصر مدرسته على الحنفية وشرح الهداية وحدث بالموطأ رواية محمد بن الحسن بإسناد نازل جدا وذكر القاضي عز الدين ابن جماعة أن بينه وبين الزمخشري اثنين فأنكر ذلك وقال أنا أسن منك وبيني وبينه أربعة أو خمسة وكان أحد الدهاة وأخذ عنه الشيخ محب الدين بن الوحدية ومات في حادي عشر شوال انتهى ما ذكره السيوطي في طبقات النحاة.

وفيها أحمد بن مظفر بن أبي محمد بن مظفر بن بدر بن الحسن بن مفرج بن بكار بن النابلسي سبط الزين خالد أبو العباس كان حافظا مفيدا حجة ذا صلاح ظاهر لكنه عن الناس نافر قاله ابن ناصر الدين وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد الولي بن جبارة المقدسي ثم الصالحي المرداوي الحنبلي المعمر المسند المعروف بالحريري مولده سنة ثلاث وستين وستمائة وسمع من الكرماني وابن البخاري وخلق وأجاز له أحمد بن عبد الدايم والنجيب عبد اللطيف قال الحسيني وهو آخر من حدث بالإجازة عنهم في الدنيا وسمع منه الذهبي والبرزالي والحسيني وطائفة وضعف بصره وهو كثير التلاوة والذكر توفي في ثالث عشر رمضان ببستان الأعسر وصلى عليه بجامع المظفري ودفن بالسفح بمقبرة المرادوة وفيها شرف الدين أبو سليمان داود بن محمد بن عبد الله المرداوي الحنبلي الشيخ الإمام الصالح أخو قاضي القضاة جمال الدين المرداوي سمع الكثير متأخرا على التقي سليمان وأجاز له جماعة منهم ابن البخاري وغيره وتوفي في رمضان ودفن بسفح قاسيون وفيها تاج الدين محمد بن أحمد بن رمضان بن عبد الله الجزيري ثم الدمشقي الحنبلي سمع من الشيخ شمس الدين بن أبي عمر وابن عساكر وابن الفراء وأجاز له الصيرفي وابن الصابوني وابن البخاري وابن الكمال وخلق وخرج له ابن سعد مشيخة سمعها عليه جماعة منهم الحسيني وابن رجب توفي مستهل رمضان وصلى عليه بالأموي ودفن بسفح قاسيون.

وفيها مريم وتدعى قضاة بنت الشيخ عبد الرحمن ابن أحمد بن عبد الرحمن الحنبلية الشيخة الصالحة المسندة من أصحاب الشيخ المسند أبي الفضل أحمد بن هبة الله بن عساكر ولدت عام أحد أو اثنين وتسعين ستمائة وروت عن خلق وحدثت وأجازت لولدها شمس الدين بن عبد القادر النابلسي ويأتي ذكره إن شاء الله تعالى وتوفيت في المحرم وفيها بهاء الدين عمر بن محمد بن أحمد بن منصور الهندي الحنفي نزيل مكة قال الفارسي كان عالما بالفقه والأصول والعربية مع حلم وأدب وعقل راجح وحسن خلق جاور بالمدينة وحج فسقط إلى الأرض فيبست أعضاؤه وبطلت حركته وحمل إلى مكة وتأخر عن الحج ولم يقم إلا قليلا ومات وفيها محب الدين أبو الثناء محمود بن علي بن إسمعيل بن يوسف التبريزي القونوي الأصل المصري الشافعي ولد بمصر سنة تسع عشرة وسبعمائة وتوفي والده وهو صغير فاشتغل وأخذ عن مشايخ العصر ودرس وأفتى وصنف ذكره رفيقه الأسنوي في طبقاته وبالغ في المدح له والثناء عليه وشرع في تصنيف أشياء عاقه عن أكمالها اخترام المنية وكمل شرح المختصر في جزءين وهو من أحسن شروحه توفي في ربيع الآخر.

سنة تسع وخمسين وسبعمائة

فيها توفي أبو الغيث بن عبد الله بن راشد السكوني الكندي الحضرمي قال الخزرجي كان فقيها بارعا محققا عارفا بالفقه والنحو واللغة والمعاني والبيان والعروض والقوافي أخذ عن جماعة من أهل زبيد وولي القضاء بها وتدريس العفيفية ثم نقله المجاهد إلى تعز لتدريس مدرسته فاستمر بها إلى أن مات وفيها الحسين بن علي بن أبي بكر بن محمد بن أبي الخير الموصلي الحنبلي قدم الشام وكان شيخا طوالا ذكيا له قدرة على نظم الألغاز وكتابته جيدة وكان يذكر أنه سمع جامع الأصول ودرس وتوفي في خامس عشر رمضان وهو والد الشيخ عز الدين الموصلي وفيها علاء الدين علي بن عبد الرحمن بن الحسين الخطيب بن الخطيب العثماني الصفدي الشافعي ناب في الحكم بصفد وخطب بها ودرس وقام بالفتوى بعد ابن الرسام وله مختصر في الفقه سماه النافع توفي بصفد عقب وصوله من الحج وهو أخو القاضي شمس الدين العثماني قاضي صفد وصاحب طبقات الفقهاء المحشوة بالأوهام وتاريخ صفد وغيرهما قاله ابن قاضي شهبة وفيها شمس الدين محمد بن إبراهيم بن إسمعيل المعروف بالحفة بمهملة وفاء وقد يصغر فيقال حفيفة الحنبلي الشيخ الصالح المقرىء الملقن المعمر سمع من ابن البخاري مشيخته وحدث وسمع منه ابن رجب والعراقي وطائفة وكان يقرىء بالجامع المظفري وقرأ عليه جماعة مستكثرة توفي ليلة الثلاثاء عاشر ربيع الأول بالصالحية ودفن بسفح قاسيون وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن الحسن بن عبد الله بن عبد الواحد المقدسي الأصل ثم الدمشقي الحنبلي الشيخ الإمام كان إماما بمحراب الحنابلة بجامع دمشق وحضر على ابن البخاري المسند وسمع من جده لأمه الشيخ تقي الدين الواسطي وابن عساكر وغيرهما وحدث وسمع منه الحسيني وابن رجب توفي يوم السبت سابع عشر شعبان بسفح قاسيون ودفن به وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عثمان بن موسى الآمدي ثم المكي الحنبلي أمام مقام الحنابلة بمكة شرفها الله تعالى ولي الإمامة بعد وفاة والده فباشرها أحسن مباشرة واستمر نحو ثلاثين سنة وسمع الحديث من والده وغيره وفيها شمس الدين محمد بن يحيى بن محمد بن سعيد بن عبد الله بن سعد بن مفلح بن هبة الله بن نمير الشيخ الإمام العالم المتقن المحدث المفيد الحنبلي المقدسي ثم الصالحي ذكره الذهبي في معجمه المختص فقال المحدث الفاضل البارع مفيد الطلبة بكر به والده فسمع كثيرا وهو حاضر وسمع من خلق كثير وطلب بنفسه وكتب ورحل وخرج للشيوخ وقال الحسيني سمع خلقا كثيرا وجما غفير وجمع فأوعى وكتب ما لا يحصى وخرج لخلق من شيوخه وأقرانه وأثنى عليه ابن كثير وابن حبيب وغيرهما توفي يوم الإثنين ثالث ذي القعدة بالصالحة ودفن بقاسيون وقد قارب الستين سنة ستين وسبعمائة فيها توفي خطيب مكة وقاضيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم الطبري القاضي المكي الشافعي من بيت العلم والقضاء والرياسة والحديث قال في الدرر ولد سنة ثمان عشرة وسبعمائة وولي قضاء مكة وهو شاب بعد أبيه وولي الخطابة وكان سمع على الرضى والصفى والفخر التوزري وغيرهم وسمع منه غير واحد من شيوخنا ومات في العشر الآخر من شعبان وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي الزهر بن عطية الهكاري الحنبلي الشيخ الإمام سمع من ابن البخاري مشيخته وغيرها وسمع منه الذهبي وابن رجب وابن العراقي وغيرهم وكان شيخا صالحا حسنا من أولاد المشايخ توفي ليلة الجمعة سابع عشرى جمادى الأولى ودفن بسفح قاسيون وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد بن سام بن السراج الحنبلي الشسخ الصالح حضر في الثانية على ابن القواس معجم ابن جميع وسمع الغسولي وغيره وحدث وسمع منه الذهبي والحسيني وابن ايدغدي وجماعة وكان رجلا جيدا توفي سابع ذي الحجة بالصالحية ودفن بقاسيون وفيها زين الدين عمر بن عثمان بن سالم بن خلف بن فضل المقدسي المؤدب الصالحي الحنبلي سمع من ابن البخاري سنن أبي داود ومن التقي الواسطي وخطيب بعلبك وحدث وسمع منه الحسيني وابن ايدغدي وجماعة وكان من أهل الدين والخير وكان عامل الضيائية متوددا كثير التحصيل للكتب الحديثية توفي ليلة الخميس سادس عشر ذي القعدة وفيها محمد بن عيسى بن عبد الله السكسكي النحوي الشافعي المصري نزيل دمشق قال في الدرر مهر في العربية وشغل الناس بها وكان كثير المطالعة والمذاكرة وله أرجوزة في التصريف وكتب شيئا على منهاج النووي وله سماع من عبد الرحيم بن أبي اليسر وغيره وكان كثير العبادة حسن البشر جيد التعليم درس وأفتى وولي الخانقاه الشهابية وله أسئلة في العربية سأل عنها الشيخ تقي الدين السبكي فأجابه مات في ثامن عشر ربيع الأول والله أعلم سنة إحدى وستين وسبعمائة فيها توفي أورخان بن عثمان السلطان العظيم ثاني ملوك بني عثمان ولي سنة ست وعشرين وستمائة بعد وفاة والده السلطان عثمان حق أول ملوك بني عثمان وكانت ولاية صاحب الترجمة في أيام السلطان حسن صاحب مصر قال القطبي كان أورخان شديدا على الكفار ففاق والده في الجهاد وفتح البلاد فافتتح قلاعا (6/189)

190 كثيرة وحصونا منيعة وفتح برسا وجعلها مقر سلطنته ثم ولي بعده ولده مراد وفيها بشر بن إبراهيم بن محمود بن بشر البعلي الحنبلي الشيخ الصالح المقرىء الفقيه ولد في ذي القعدة سنة إحدى وثمانين وستمائة وسمع من التاج عبد الخالق وابن مشرف والشيخ شرف الدين اليونيني وغيرهما وكان خيرا حسن السمت صحب الفقراء وروى عنه ابن رجب حديث الربيع بنت النضر وقول النبي إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره وجاور بمكة وتوفي بمعان مرجعه من الحج ليلة الجمعة رابع عشر ذي الحجة ودفن هناك وأرخ الحافظ ابن حجر وفاته في المحرم ولعله الأقرب وفيها جمال الدين الدارفوي الحنبلي المقرىء للسبع إمام الضيائية بدمشق توفي في جمادى الأولى قاله العليمي وفيها صلاح الدين أبو سعيد خليل بن كيكلدى بن عبد الله العلائي الشافعي الإمام المحقق بقية الحفاظ ولد بدمشق في ربيع الأول سنة أربع وتسعين وستمائة وسمع الكثير ورحل وبلغ عدد شيوخه بالسماع سبعمائة وأخذ علم الحديث عن المزي وغيره وأخذ الفقه عن الشيخين البرهان الفزاري ولازمه وخرج له مشيخة والكمال الزملكاني وتخرج به وعلق عنه كثيرا وأجيز بالفتوى وجد واجتهد حتى فاق أهل عصره في الحفظ والإتقان ودرس بدمشق بالأسدية وغيرها ثم انتقل إلى القدس مدرسا بالصلاحية وحج مرارا وجاور وأقام بالقدس مدة طويلة يدرس ويفتي ويحدث ويصنف إلى آخر عمره ذكره الذهبي في معجمه وأثنى عليه وكذلك الحسيني في معجمه وذيله فقال كان إماما في الفقه والنحو والأصول مفننا في علم الحديث ومعرفة الرجال علامة في معرفة المتون والأسانيد بقية الحفاظ ومصنفاته تنبىء عن إمامته في كل فن درس وأفتى وناظر ولم يخلف بعده مثله وقال السبكي كان حافظا ثبتا ثقة عارفا بأسماء الرجال والعلل والمتون فقيها متكلما أديبا شاعرا ناظما متفننا أشعريا صحيح العقيدة سنيا لم يخلف بعده في الحديث مثله لم يكن في عصره من يدانيه فيه ومن تصانيفه القواعد المشهورة (6/190)

والوشي المعلم فيمن روى عن أبيه عن جده عن النبي وعقيلة المطالب في ذكر أشراف الصفات والمناقب وجمع الأحاديث الواردة في زيارة قبر النبي ومنخة الرائض بعلوم آيات الفرائض وكتابا في المدلسين وكتابا سماه تلقيح الفهوم في صيغ العموم وغير ذلك من التصانيف المتقنة المحررة توفي بالقدس في المحرم ودفن بمقبرة باب الرحمة إلى جانب سور المسجد وفيها أبو الربيع سليمان بن محمد بن عبد الحق الحنفي البليغ الناظم الناثر ولي ولايات جليلة ومن شعره ( من يكن أصم أعمى * يدخل الحان جهارا ) ( يسمع الالحان تتلو * وترى الناس سكارى ) وفيها تقي الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن نصر بن فهد المقدسي الصالحي البزوري العطار الحنبلي المعروف بابن قيم الضيائية ولد في أواخر سنة تسع وستين وستمائة وأخذ عن الفخر بن البخاري وسمع من الشيخ شمس الدين بن أبي عمر وابن الزين وابن الكمال وسمع منه الذهبي وابن رافع والحسيني وابن رجب وأجاز للشيخ شهاب الدين بن حجي وللشيخ شرف الدين بن مفلح وكان مكثرا مسندا فقيها وكان له حانوت بالصالحة يبيع فيه العطر توفي بالصالحية ليلة الثلاثاء خامس عشرى المحرم ودفن بالروضة عن إحدى وتسعين سنة وفيها جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري الحنبلي النحوي العلامة قال في الدرر ولد في ذي القعدة سنة ثمان وسبعمائة ولزم الشهاب عبد اللطيف بن المرحل وتلا على ابن السراج وسمع على أبي حيان ديوان زهير بن أبي سلمى ولم يلازمه ولا قرأ عليه وحضر درس التاج التبريزي وقرأ على التاج الفاكهاني شرح الإشارة له إلا الورقة الأخيرة وتفقه للشافعي ثم تحنبل فحفظ مختصر الخرقي في دون أربعة أشهر وذلك قبل موته بخمس سنين وأتقن العربية ففاق الأقران بل الشيوخ وحدث عن ابن جماعة بالشاطبية وتخرج به جماعة من أهل مصر وغيرهم وتصدر لنفع الطالبين وانفرد بالفوايد الغريبة والمباحث (6/191)

192 الدقيقة والستدراكات العجيبة والتحقيق البالغ والاطلاع المفرط والاقتدار على التصرف في الكلام والملكة التي كان يتمكن من التعبير بها عن مقصوده بما يريد مع التواضع والبر والشفقة ودماثة الخلق ورقة القلب قال ابن خلدون وما زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له ابن هشام أنحى من سيبويه وكان كثير المخالفة لأبي حيان شديد الانحراف عنه صنف مغنى اللبيب عن كتب الأعاريب اشتهر في حياته وأقبل الناس عليه وقد كتب عليه حاشية وشرحا لشواهده والتوضيح على الألفية مجلدا ورفع الخصاصة عن قراء الخلاصة أربع مجلدات وعمدة الطالب في تحقيق تصريف ابن الحاجب مجلدان والتحصيل والتفصيل لكتاب التكميل والتذييل عدة مجلدات وشرح التسهيل مسودة وشرح الشواهد الكبرة والصغرى والجامع الكبير والجامع الصغير وشرح اللمحة لأبي حيان وشرح بانت سعاد وشرح البردة والتذكرة خمس مجلدات والمسائل السفرية في النحو وغير ذلك وله عدة حواش على الألفية والتسهيل ومن شعره ( ومن يصطبر للعلم يظفر بنيله * ومن يخطب الحسناء يصبر على البذل ) ( ومن لم يذل النفس في طلب العلى * يسيرا يعش دهرا طويلا أخاذل ) وله ( سوء الحساب أن يؤاخذ الفتى * بكل شيء في الحياة قد أتى ) توفي ليلة الجمعة خامس ذي القعدة ودفن بعد صلاة العصر بمقبرة الصوفية بمصر وفيها أبو القسم محمد بن أحمد بن محمد الشريف الحسيني الفقيه الجليل النبيه رئيس العلوم اللسانية بالأندلس وقاضي الجماعة بها قال المقري المغربي المتأخر في كتابه تعريف ابن الخطيب في ذكر مشايخ لسان الدين بن الخطيب كان هذا الشريف آية الله الباهرة في العربية والبيان والأدب قال محمد بن علي بن الصباغ العقيلي كان آية زمانه وأزمة البيان طوع بنانه له شرح المقصورة القرطاطاجنية أغرب ما تتحلى به الآذان وأبدع ما ينشرح له الجنان إلى العقل الذي لا يدرك والفضل (6/192)

193 الذي حمد منه المسلك جرت بينه وبين الوالد نادرة وذلك أن الوالد دخل عليه يوما لأداء شهادة فوجد بين يديه جماعة من الغزاة يؤدون شهادة أيضا فسمع القاضي منهم وقال هل ثم من يعرفكم فقالوا نعم يعرفنا سيدي على الصباغ فقال القاضي أتعرفهم يا أبا الحسن فقال نعم يا سيدي معرفة محمد بن يزيد فما أنكر عليه شيئا بل قال لهم عرف الفقيه أبو الحسن ما عنده فانظروا من يعرف معه رسم حالكم فانصرفوا راضين ولم يرتهن والدي في شيء من حالهم ولا كشف القاضي لهم ستر القضية قال محمد بن الصباغ أما قول والدي معرفة محمد بن يزيد فإشارة إلى قول الشاعر ( أسائل عن ثمالة كل حي * فكلهم يقول وما ثماله ) ( فقلت محمد بن يزيد منهم * فقالوا الآن زدت بهم جهاله ) قال ففطن القاضي رحمه الله تعالى لجودة ذكائه إلى أنه يرتهن في شيء من معرفتهم ممتنعا من إظهار ذلك بلفظه الصريح فكنى واكتفى بذكاء القاضي الصحيح رحمه الله تعالى ومن شعر الشريف ( واحور زان خديه عذار * سبى الألباب منظره العجاب ) ( أقول لهم وقد عابوا غرامي * به إذ لاح للدمع انسكاب ) ( ابعد كتاب عارضه يرجى * خلاص لي وقد سبق الكتاب ) توفي في هذه السنة وقال في الإحاطة مولده سنة سبع وتسعين وستمائة وتوفي سنة ستين وسبعمائة والأول أصح وفي حدودها قاضي القضاة أبو عبد الله جد المقري المتأخر صاحب نفح الطيب قال في الإحاطة محمد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي المقري قاضي الجماعة بفاس ولد بتلمسان وكان أول من اتخذها من سلفه قرارا جده الخامس (6/193)

194 عبد الرحمن صاحب الشيخ أبي مدين الذي دعا له ولذريته بما ظهر فيهم قبوله وتبين وقال حفيده المقري في كتابه التعريف بابن الخطيب وقد ألف علم الدنيا ابن مرزوق تأليفا استوفى فيه التعريف بمولاي الجد سماه النور البدري في التعريف بالفقيه المقري وهذا بناء منه على مذهبه أنه بفتح الميم وسكون القاف كما صرح بذلك في شرح الألفية عند قوله ووضعوا لبعض الأجناس علم وضبطه غيره وهم الأكثرون بفتح الميم وتشديد القاف وعلى ذلك عول أكثر المتأخرين وهما لغتان في البلد التي نسب إليها وهي قرية من قرى زاب أقريقة وقال مولاي الجد مولدي بتلمسان أيام أبي حم موسى بن عثمان وقد وقفت على تاريخ ذلك ولكني رأيت الصفح عنه لأن أبا الحسن بن مؤمن سأل أبا طاهر السلفي عن سنه فقال أقبل على شأنك فإني سألت أبا الفتح بن رويان عن سنه فقال لي اقبل على شأنك فإني سألت علي بن محمد اللبان عن سنه فقال لي اقبل على شأنك فإني سألت أبا القاسم حمزة بن يوسف السهمي عن سنه فقال لي اقبل على شأنك فإني سألت أبا بكر محمد بن عدي المنقري عن سنه فقال لي اقبل على شأنك فإني سأت أبا إسمعيل الترمذي عن سنه فقال لي اقبل على شأنك فإني سأت بعض أصحاب الشافعي عن سنة فقال لي اقبل على شأنك فإني سألت بعض أصحاب الشافعي عن سنة فقال لي اقبل على شأنك فإني سألت الشافعي عن سنه فقال لي اقبل على شأنك فإني سألت مالك بن أنس عن سنه فقال اقبل على شأنك ليس من المروءة للرجل أن يخبر بسنه انتهى وأنشد لبعضهم في المعنى ( احفظ لسانك لا تبح بثلاثة * سن ومال ما استطعت ومذهب ) ( فعلى الثلاثة تبتلي بثلاثة * بمكفر وبحاسد ومكذب ) وقال في الإحاطة في ترجمة الفقيه المقري هذا هذا الرجل مشار إليه بالعدو الغريبة اجتهادا وأدبا وحفظا وعناية واضطلاعا ونقلا ونزاهة سليم الصدر قريب الغور صادق القول مسلوب التصنع كثير الهشة مفرط الخفة ظاهر السذاجة ذاهب أقصى مذاهب التخلق محافظ على العمل مثابر على (6/194)

الانقطاع حريص على العبادة قديم النعمة 195 متصل الخيرية مكب على النظر والدرس معلوم الصيانة والعدالة منصف في المذاكرة حاسر الذراع عند المباحثة رحب الصدر في وطيس المناقشة غير ضنين بالفائدة كثير الالتفات متقلب الحدقة جهير بالحجة بعيد عن المراء والمباهتة قائل بفضل أولى الفضل من الطلبة يقوم أتم القيام على العربية والفقه والتفسير ويحفظ الحديث ويتهجر بحفظ التاريخ والأخبار والآداب ويشارك مشاركة فاضلة في الأصلين والمنطق والجدل ويكتب ويشعر مصيبا غرض الإصابة ويتكمل في طريقة الصوفية كلام أرباب المقال ويعني بالتدوين فيها شرق وحج ولقي جلة ثم عاد إلى بلده فأقرأ به وانقطع إلى خدمة العلم وقال المقري في هذه الترجمة سأل ابن فرحون ابن حكم هل تجد في التنزيل ست فاءات مرتبة ترتيبها في هذا البيت ( رأى فحب فرام الوصل فامتنعت * فسام صبرا فأعيا نيله فقضى ) ففكر ثم قال نعم ( ^ فطاف عليها طائف من ربك ) إلى آخرها ثم قال لابن فرحون هل عندك غيره فقال نعم ( ^ فقال لهم رسول الله ) إلى آخر السورة وأكثر ما وجدت الفاء تنتهي في كلامهم إلى هذا العدد وقال المقري صاحب الترجمة رأيت بجامع الفسطاط من مصر فقيرا عليه قميص إلى جانبه دفاسة قائمة وبين يديه قلنسوة فذكر لي هنالك أنهما محشوتان بالبرادة وأن زنة الدفاسة أربعمائة رطل مصرية وهي ثلثمائة وخمسون مغربية وزنة القلنسوة مائتا رطل مصرية فعمدت إلى الدفاسة فأخذتها من طرفها أنا ورجل آخر وأملناها بالجهد فلم نصل بها إلى الأرض وعمدت إلى القلنسوة فأخذتها من أصبع كان في رأسها فلم أطق حملها فتركتها وكان يوم جمعة فلما قضيت الصلاة مررنا في جملة من أصحابنا بالفقير فوجدناه لابسا تلك الدفاسة في عنقه واضعا تلك القلنسوة على رأسه فقام إلينا وإلى غيرنا ومشى بهما كما يمشي أحدنا بثيابه فجعلنا نتعجب ويشهد بعضنا بعضا على ما رأى ولم يكن بالعظيم الخلقة وقال لما حللت ببيت المقدس وعرف به مكاني (6/195)

من الطلب سألني بعض الطلبة بحضرة قاضيها فقال 196 أنكم معشر المالكية تبيحون للشامي يمر بالمدينة أن يتعدى ميقاتها إلى الجحفة وقد قال رسول الله بعد أن عين المواقيت لأهل الآفاق هن لهن ولمن مر عليهن من غير أهلهن وهذا قد مر على ذي الحليفة وليس من أهله فيكون له فقلت له أن النبي قال من غير أهلهن أي من غير أهل المواقيت وهذا سلب كلي وأنه غير صادق على هذا الفرد ضرورة صدق نقيضه وهو الإيجاب الجزئي عليه لأنه من بعض أهل المواقيت قطعا فلما لم يتناوله النصر رجعنا إلى القياس ولا شك أنه لا يلزم أحد أن يحرم قبل ميقاته وهو يمر عليه فوقعت من نفوس أهل البلد بسبب ذلك انتهى قلت الحديث صحيح خرجه البخاري ومسلم وأبو داود بلفظ هن لهم ولمن أتى عليهن من غير أهلهن وفي أكثر طرقه هن لهن والأول أصح وفيها القاضي صدر الدين محمد بن أحمد بن عمر بن عبد الله بن عمر بن عوض المقدسي ثم المصري الحنبلي الشيخ الإمام سمع من العماد بن الشيخ شمس الدين ابن العماد والتقي بن تمام وغيرهما وكان حسن الشكالة مع تواضع وحسن كتابة ولما كان والده قاضي الحنابلة بالديار المصرية رأى من الجاه والسعادة ما لم يره غيره من أولاد القضاة ويقال انه كان في اصطبله ما يزيد على خمسين رأسا وبسببه عزل والده من القضاء توفي المرتجم ليلة النصف من ذي القعدة سنة اثنتين وستين وسبعمائة استهلت والفناء بالديار المصرية فاش وحصل للسلطان مرض ثم عوفي ثم لما كان يوم الأربعاء تاسع جمادى الأولى وثب يلبغا الخاسكي وركب معه جماعة من الأمراء وباتوا تحت القلعة ثم هجموا على السلطان الناصر وقبضوا عليه ثم أحضروا صلاح الدين محمد بن المظفر حاجي بن الناصر محمد وأجلسوه على الكرسي وحلفوا له ولقبوه الملك المنصور وعذبوا الناصر حتى هلك بعد أيام ودفنوه في مصطبة في داره وكانت مدة سلطنته الأولى ثلاث سنين وتسعة أشهر والثانية ست سنين وسبعة أشهر (6/196)

197 وأيام ومات ولم يكمل ثلاثين سنة وخلف عشرة ذكور وست إناث وصار المتكلم في المملكة يلبغا وفيها توفي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن موسى الزرعي الشيخ الصالح المعمر الحنبلي أحد الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر كان فيه أقدام على الملوك وأبطال مظالم كثيرة وصحب الشيخ تقي الدين دهرا وانتفع به وكان له وجاهة عند الخاص والعام ولديه تقشف وزهد توفي بمدينة حبراص في المحرم وفيها الحافظ علاء الدين مغلطاي بن قليج بن عبد الله الحكري الحنفي صاحب التصانيف قال الصفدي سمع من التاج أحمد بن علي بن دقيق العيد أخي الشيخ تقي الدين ومن الواني والحسيني وغيرهما وأكثر جدا من القراءة والسماع وكتب الطباق وكان قد لازم الجلال القزويني فلما مات ابن سيد الناس تكلم له مع السلطان فولاه تدريس الحديث بالظاهرية فقام الناس بسبب ذلك وقعدوا وبالغوا في ذمه وهجوه فلما كان في سنة خمس وأربعين وقف له العلائي لما رحل إلى القاهرة على كتاب جمعه في العشق تعرض فيه لذكر الصديقة عائشة رضي الله تعالى عنها فأنكر عليه ذلك ورفع أمره إلى الموفق الحنبلي فاعتقله بعد أن عزره فانتصر له ابن البابا وخلصه وكان يحفظ الفصيح لثعلب ومن تصانيفه شرح البخاري وذيل المؤتلف والمختلف والزهر الباسم في السيرة النبوية قال الشهاب ابن رجب تصانيفه نحو المائة أو أزيد وله مآخذ على أهل اللغة وعلى كثير من المحدثين قال وأنشدني لنفسه في الواضح المبين شعرا يدل على استهتاره وضعفه في الدين وقال زين الدين بن رجب كان عارفا بالأنساب معرفة جيدة وأما غيرها من متعلقات الحديث فله بها خبرة متوسطة وتصانيفه كثيرة جدا توفي في رابع عشر شعبان سنة ثلاث وستين وسبعمائة فيها توفي المعتضد بالله أبو الفتح أبو بكر بن المستكفي سليمان بن الحاكم أحمد العباسي بويع بالخلافة بعد موت أخيه في سنة ثلاث وخمسين بعهد منه وكان (6/197)

198 خيرا متواضعا محبا لأهل العلم توفي في يوم الخميس ثاني عشرى جمادى الأولى بمصر وبويع بعده ولده محمد بعهد منه ولقب المتوكل وفيها الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد بن علي بن عمر الأسنوي الشافعي الإمام ابن عم الشيخ جمال الدين قال ابن قاضي شهبة كان أحد العلماء العاملين اختصر الشفاء للقاضي عياض وشرح مختصر مسلم والألفية لابن مالك واشتغل قديما ببلده وغيرها ثم أقام ببلده ثم صار يجاور بمكة سنة وبالمدينة سنة قال له الشيخ عبد الله اليافعي أنت قطب الوقت في العلم والعمل توفي بمكة بعد الحج وفيها شمس الدين أبو امامة محمد بن علي بن عبد الواحد بن يحيى بن عبد الرحيم المغربي الأصل المصري المعروف بابن النقاش الشافعي مولده في رجب سنة عشرين وسبعمائة وحفظ الحاوي الصغير ويقال أنه أول من حفظه بالديار المصرية واشتغل على الشيخ شهاب الدين الأنصاري والتقي السبكي وأبي حيان وغيرهم وقرأ القراءات على البرهان الرشيدي ودرس وأفتى وتكلم على الناس وكان من الفقهاء المبرزين والفصحاء المشهورين وله نظم ونثر حسن وحصل له بمصر رياسة عظيمة وشاع ذكره في الناس ودرس بعدة مدارس وبعد صيته وخرج أحاديث الرافعي وسماه كاشف الغمة عن شافعية الأمة وسماه أيضا أمنية الألمعي في أحاديث الرافعي وورد الشام في أيام السبكي وجلس بالجامع ووعظ بجنان ثابت ولسان فصيح من غير تكلف فعكف الناس عليه ومن مصنافته شرح العمدة في نحو ثمان مجلدات وشرح ألفية ابن مالك وكتاب النظاير والفروق وشرح التسهيل وله كتاب في التفسير مطول جدا التزم فيه ان لا ينقل فيه حرفا من كتاب من تفسير من تقدمه وهذا عجب عجيب وسماه اللاحق السابق وكان يقول الناس اليوم رافعية لا شافعية ونووية لا نبوية توفي في شهر ربيع الأول قاله ابن قاضي شهبة وفيها أبو عبد الله شمس الدين محمد بن عيسى بن حسين بن كثير الشيخ المسند الحنبلي البغدادي شيخ الزاوية جوار مسجد الحسين بالقاهرة روى عن غازي الحلاوي (6/198)

من المسند مواضع وتوفي بالقاهر 199 وفيها أقضى القضاة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج المقدسي ثم الصالحي الراميني الحنبلي الشيخ الإمام العالمة العلامة وحيد دهره وفريد عصره شيخ الإسلام وأحمد الأئمة الأعلام سمع من عيسى المطعم وغيره وتفقه وبرع ودرس وأفتى وناظر وحدث وأفاد وناب في الحكم عن قاضي القضاة جمال الدين المرداوي وتزوج ابنته وله منها سبعة أولاد ذكور وإناث وكان آية وغاية في نقل مذهب الإمام أحمد رضي الله عنه قال عنه أبو البقاء السبكي ما رأت عيناي أحدا أفقه منه وكان ذا حظ من زهد وتعفف وصيانة وورع ودين متين وشكرت سيرته وأحكامه وذكره الذهبي في المعجم فقال شاب عالم له عمل ونظر في رجال السنن ناظر وسمع وكتب وتقدم ولم ير في زمانه في المذاهب الأربعة من له محفوظات أكثر منه فمن محفوظاته المنتقى في الأحكام وقال ابن القيم لقاضي القضاة موفق الدين الحجاوي سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة ما تحت قبلة الفلك أعلم بمذهب الإمام أحمد من ابن مفلح وحسبك بهذه الشهادة من مثل هذا وحضر عند الشيخ تقي الدين ونقل عنه كثيرا وكان يقول له ما أنت ابن مفلح بل أنت مفلح وكان أخبر الناس بمسائله واختياراته حتى أن ابن القيم كان يراجعه في ذلك وله مشايخ كثيرون منهم ابن مسلم والبرهان الزرعي والحجار والفويره والبخاري والمزي والذهبي ونقل عنهما كثيرا وكانا يعظمانه وكذلك الشيخ تقي الدين السبكي يثني عليه كثيرا قال ابن كثير وجمع مصنفات منها على المقنع نحو ثلاثين مجلدا وعلى المنتقى مجلدين وكتاب الفروع أربع مجلدات قد اشتهر في الآفاق وهو من أجل الكتب وأنفعها وأجمعها للفوايد لكنه لم يبيضه كله ولم يقر عليه وله كتاب جليل في أصول الفقه حذا فيه حذو ابن الحاجب في مختصره وله الآداب الشرعية الكبرى مجلدان والوسطى مجلد والصغرى مجلد لطيف ونقل في كتابه الفروع في باب ذكر أصناف الزكاة أبياتا رويت عن يحيى بن خالد بن برمك في (6/199)

ذم السؤال وهي ( ما اعتاض باذل وجهه بسؤاله * عوضا ولو نال الغنى بسؤال ) 200 ( وإذا بليت ببذل وجهك سائلا * فابذله للمتكرم المفضال ) ( وإذا السؤال مع النوال وزنته * رجح السؤال وخف كل نوال ) توفي ليلة الخمس ثاني رجب بسكنه بالصالحة ودفن بالروضة بالقرب من الشيخ موفق الدين ولم يدفن بها حاكم قبله وله بضع وخمسون سنة سنة أربع وستين وسبعمائة فيها اشتد الوباء والطاعون بالبلاد الشامية والعربية وفيها خلع يلبغا وغيره من الأمراء السلطان صلاح الدين المنصور محمدا محتجين باختلال عقله خلعوه بحضرة الخليفة والقضاة ثم سجن بقلعة الجبل وبايعوا شعبان بن الامجد حسين بن الناصر محمد ولقب بالأشرف شعبان وفيها توفي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم البعلبكي ثم الدمشقي الشافعي المعروف بابن النقيب سمع بدمشق من ابن الشحنة والفزاري وابن العطار وغيرهم وبالقاهرة من جماعة وأخذ القراءات عن الشهاب الكفري والنحو عن أبي حيان والمجد التونسي والأصول عن الأصفهاني وولي عدة مدارس وإفتاء دار العدل وناب في الحكم عن ابن المجد قال ابن كثير كان بارعا في القراءات والنحو والتصريف وله يد في الفقه وغيره توفي في شهر رمضان ودفن بمقبرة الصوفية وفيها شهاب الدين أبو عبد الله أحمد بن محمد الشيرجي الزاهد الحنبلي المعيد بالمستنصرية ببغداد ودفن بمقبرة الإمام أحمد وفيها صلاح الدين أبو الصفا خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي الشافعي مولده بصفد في سنة ست أو سبع وتسعين وستمائة وسمع الكثير وقرأ الحديث وكتب بعض الطباق وأخذ عن القاضي بدر الدين بن جماعة وأبي الفتح بن سيد الناس والتقى السبكي والحافظين أبي الحجاج المزي وأبي عبد الله الذهبي وغيرهم وقرأ طرفا من الفقه وأخذ النحو عن أبي حيان والأدب عن ابن نباتة والشهاب محمود ولازمه ومهر في فن الأدب وكتب الخط المليح وقال النظم الرائق وألف المؤلفات الفائقة وباشر كتابة الإنشاء بمصر (6/200)