شذرات الذهب في أخبار من ذهب: ج5

من معرفة المصادر

شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد.

http://www.shamela.ws تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة


الكتاب : شذرات الذهب - ابن العماد موافق للمطبوع 322 عليهم في الجهر بالتسمية في أول الفاتحة ثم عاد إلى مراكش وهي كرسي ملكهم فجاءة كتاب ملك الفرنج يتهدده من جملة كتابه باسمك اللهم فاطر السموات والأرض وصلى الله على السيد المسيح روح الله وكلمته فمزق يعقوب الكتاب وكتب على ظهر قطعة منه ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجتهم منها أذلة وهم صاغرون الجواب ما ترى لا ما تسمع وأنشد ) ولا كتب إلا المشرقية عندنا * ولا رسل إلا الخميس العرمرم ) ثم سار إليهم وعبر بحرسبتة إلى الأندلس ثم رحل منها فدخل بلادهم وأوقه بهم وقعة لم يسمع بمثلها ولم ينج منهم إلا ملكهم في عدد يسير وبلغت الدروع من المغنم ستين ألف ردع ولم يحص عدد الدواب وكان من عادة الموحدين لا يأسرون مشركا بل يقتلونهم ثم عاد إلى أشبيلية والتمس الفرنج صلحهم فصالحهم ولو طالت أيامه لم يترك في يدهم مدينة وبنى بالقرب من سلا مدينة على هيئة الإسكندرية في اتساع الشوارع وحسن التقسيم والتحسين بناها على جانب البحر المحيط وسماها دار الفتح ثم رجع إلى مراكش وكان محبا للعلم والعلماء يصلي الدنانير اليعقوبية وكان قد عزم على علماء زمانه أن لا يقلدوا أحدا من الأئمة الماضين بل تكون أحكامهم بما ينتهي إليه اجتهادهم قال ابن خلكان أدركنا جماعة منهم على هذا المنهج مثل أبي الخطاب بن دحية وأخيه أبي عمر ومحي الدين بن عربي الطائي نزيل دمشق وغيرهم وتوفي يعقوب بمراكش وأوصى أن يدفن على قارعة الطريق لتترحم عليه المارة وقيل انه تجرد من الملك وذهب إلى المشرق فمات خاملا قال اليافعي سمعت من لا أشك في صلاحه من المغاربة أن شيوخ المغرب راموا أن يعارضوا رسالة القشيري وما جمع فيها من المشايخ المشارقة فذكروا إبراهيم بن أدهم وقالوا لا تتم لنا المعارضة إلا بملك مثله فلما تزهد يعقوب وانسلخ عن الملك ثم لهى ذلك وبويع بعد يعقوب لوالده محمد الناصر فاسترجع المهدية من الملثم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سنة ست وتسعين وخمسمائة

قال ابن كثير في هذه السنة والتي بعدها كان بديار مصر غلاء شديد فهلك الغني والفقير وعم الجليل والحقير وهرب الناس منها نحو الشام ولم يصل منهم إلا القليل من وتخطفتهم الفرنج من الطرقات وعزوهم في أنفسهم واغتالوهم بالقليل من الأقوات وفيها توفي أبو جعفر القرطبي أحمد بن علي بن أبي بكر المقرئ الشافعي إمام الكلاسة وأبو إمامها ولد سنة ثمان وعشرين بقرطبة وسمع بها من أبي الوليد بن الدباغ وقرا القراءان ت على أبي بكر بن صيف ثم حج وقرأ القراءات علي ابن سعدون القرطبي ثم قدم دمشق فأكثر عن الحافظ ابن عساكر وكتب الكثير وكان عبدا صالحا خبيرا بالقراءات وفيها أبو اسحق العراقي العلامة إبراهيم بن منصور بن المسلم الفقيه الشافعي المصري المعروف بالعراقي ولد بمصر سنة عشر وخمسمائة ولقب بالعراقي لاشتغاله ببغداد بها على أبي بكر الأرموي تلميذ أبي إسحق الشيرازي وغيره وبمصر على القاضي مجلي وشرح المهذب في نحو خمسة عشر جزءا متوسطة وتخرج به جماعة وتوفي في جمادي الأولى وفيها اسمعيل بن صالح ابن ياسين أبو الطاهر الساعي المقرئ الصالح روى عن أبي عبد الله الرزاز مشيخته وسداسياته وتوفي في ذي الحجة وفيها أبو سعيد الرارني براءين مهملتين نسبة إلى راران قريو بأصبهان (4/323) ________________________________________ 324 خليل بن أبي الرجاء بدر بن ثابت الاصبهاني الصوفي ولد سنة خمسمائة وروى عن الحداد ومحمود الصيرفي وطائفة وتوفي في ربيع الآخر وتفرد بعدة أجزائ وفيها علاء الدين خوارزم شاه تكش بن خوارزم شاه أرسلان بن أطر ابن محمد بن بوستكين سلطان الوقت ملك من السند والهند وما وراء النهر إلى خراسان إلى بغداد وكان جيشه مائة ألف فارس وهو الذي أزال دولة بني سلجوق وكان حاذقا بلعب العود ذهبت عينه في بعض حروبه وكان شجاعا فارسا عالي الهمة تغيرت نيته للخيفة وعزم على قصد العراق فجاءه الموت فجأة بدهستان في رمضان وحمل إلى خوارزم وقيل كان عنده أدب ومعرفة بمذهب الأمام أبي حنيفة مات بالخوانيق وقام بعده ولده قطب الدين محمد ولقبوه بلقب أبيه وفيها مجد الدين طاهر بن نصر الله بن جهبل الكلابي الحلبي الشافعي الفرضي مدرس مدرسة صلاح الدن بالقدس سمع الحديث من جماعة وحدث وصنف للسلطان نور الدين الشهيد كتابا في فضل الجهاد وهو واد بني جهبل الفقهاء الدمشقيون وأحد من قام على السهرودي الفيلسوف وأفتى بقتله مات بالقدس عن أربع وستين سنة وفيها القاضي الفاضل أبو علي عبد الرحيم بن علي بن الحسن اللخمي البيساني ثم العسقلاني ثم المصري محي الدين صاحب ديوان الإنشاء وشيخ البلاغة ولد سنة تسع وعشرين وخمسمائة قيل أن مسودات رسائله لو جمعت لبلغت مائة مجلد قال عبد اللطيف البغدادي في تاريخه كان ثلاثة أخوة أصلهم من بيسان وكان أحدهم بالإسكندرية وبها مات وخلف من الخواتم صناديق ومن الحصر والقدور والخزف بيوتا مملوءة وكان متى رأى خاتما أو سمع به اجتهد في تحصيله واشتراه واما الأخ الثاني فكان له هوس مفرط (4/324) ________________________________________ 325 في تحصيل الكتب وكان عنده مائتا ألف كتاب ومن كتاب نسخ كثيرة حتى من الصحاح ثمان عشرة نسخة وأما الثالث فالقاضي الفاضل وكان يحب الكتابة فصد مصر ليشتغل بالأدب فاشتغل به وحفظ القرآن وقال الشعر والمراسلات وخدم الأكابر فلما ملك أسد الدين احتاج إلى كاتب فأحضر إليه فأعجبه نفاده وسمته ودينه ونصحه فلما تملك صلاح الدين استخلصه لنفسه وحسن اعتقاده فيه ووجد البركة في رأيه ولذلك لم يكن أحد في منزلته وكان نزها عفيفا نظيفا قليل اللذات كثير الحسنات دائم التجهد ملازم القرآن والاشتغال بعلوم الأدب غير انه كان خفيف البضاعة من النحو لا عريا منه لكن قوة الدربة توجب له عدم اللحن وكتب ما لم يكتبه أحد ولما عظم شأنه أنف من قول الشعر وكان لباسه لا يساوي دينارين وثيابه البياض ولا يركب معه أحد ولا يصحبه سوى غلام له ويكثر زيارة القبور ويشيع الجنائز ويعود المرضى وكان له صدقات ومعروف كثير في الباطن وكان ضعيف البنية رقيق الصورة له حدبة يسترها الطليسان وفيه سوء خلق لا يضر أحدا ولأصحاب الفشائل عنده موقع يحسن إليهم ولا بمن عليهم ويؤثرا أرباب البيوت ومن كان خملا من ذوي النباهة ويحب الغرباء ولم يكن له انتقام من أعدائه بل يحسن إليهم وكان دخله كل سنة من إقطاعه ورباعه وضياعه خمسون ألف دينار هذا سوى التجارات من الهند والمغرب وغير ذلك وسوى ضيعة من السلطان تسمى ترنجه تعمل أثنى عشر ألف دينار وكان يقتني الكتب من كل فن ويجتلبها من كل جهة وله نساخ لا يفترون ومجلدون لا يسأمون قال لي بعض من يخدمه في الكتب أن عدد كتبه قد بلغ مائة ألف كتاب وأربعة عشر ألف كتاب هذا قبل أن يموت بعشرين سنة وحكى لي ابن صورة الكتبي قال أن ابنه التمس من نسخة حماسة ليقرأها فقلت (4/325) ________________________________________ 326 للفاضل فاستدعى م الخادم أن يحضر شدات الحماسة فاحضر خمسا وثلاثين نسخة يقول هذه بخط فلان وهذه بخط فلان حتى أتى على الجميع ثم قال ليس فيها ما تبتذله الصبيان فاشترى له نسخة ولم يزل معظما بعد موت صلاح الدين عند ولده العزيز ثم الأفضل ومات فجأة أحوج ما كان إلى الموت عند تولي الإقبال واستيلاء الأدبار كان أمر بإصلاح الحمام وقت السحر فأصلح وجاءت ابنته تخبره بذلك فوجدته جالسا ساكتا فهابته لأنه كان مهابا فطال سكوته حتى ارتابت فقدمت قليلا فلم تر عليه أثر حركة فوضعت يدها عليه فخر صريعا وأخذ في النزع وقبض وقت الظهر وقت رجوع عسكر مصر مهزوما ودخل الملك الأفضل فصلى عليه ودفن بالقرافة وكان له يوم مشهود وفي حدبة القاضي الفاضل ابن سناء الملك ) حاشا لعبد الرحيم سيدنا الفاضل * ما تقوله السفل ) ) يكذب من اقل أن حدبته * في ظهره من عبيده حبل ) ) هذا قياس في غير سيدنا * يصح لو كان يحبل الرجل ) وحدثني من أثق به أن الفاضل دخل مع أبيه مصر لطلب الإنشاء وكان إذا ذاك المقدم بها فيه ابن عبد الظاهر فقصده وطلب منه الاشتغال عليه بذلك فقال له ما أعددت للأنشاء قال ديواني الطائيين يعني أبا تمام الطائي والبحتري الطائي فقال مختبرا لقابليته اذهب فانثرهما ذهب ونثرهما في ليلة واحدة وعرضهما عليه فقال له يقرب أن تصير كاتب إنشاء انتهى وقال ابن شبهة في تاريخه كان له بمصر ربع عظيم يؤخر بمبلغ كثير فلما عزم على الحج ركب ومر به ووقف وقال اللهم انك تعلم أن هذا الربع ليس شيء أحب إلى منه اللهم فاشهد أني وقفته على فكاك الأسرى وهو إلى يومنا هذا وقف وهو الذي زاد في الكلاسة بدمشق مثلها ولما حفرها وجد تحت الأرض أعمدة رخام قائمة على واعد رخام وفوقها مثلها وأثر العمارة تحت الأرض ليس له (4/326) ________________________________________ 327 نهاية كأنه كان معبدا ووجد فيه قبله نحو الشمال وله مدرسة بالقاهرة هي أول مدرسة بنيت بالقاهرة وكان صلاح الدن يقول ما فتحت البلاد بالعساكر إنما فتحتها بكلام الفاضل وله مائتان وخمسون ألف بيت من الشعر انتهى مخلصا وفيها تاج الدين أبو منصور عبد العزيز بن ثابت بن طاهر البغدادي المأموني السمعي بكسر السين المهملة والسكون نسبة إلى السمع بن مالك بطن من الأنصار الخياط المقرئ الفقيه الحنبلي الزاهد قال أبو الفرج بن الحنبلي كان رفيقنا في سماع درس ابن المنى من الزهد والعبادة إلى حد يقال به تمسك بغداد وكان لطيفا في صحبته توفي يوم الأربعاء تاسع عشرى شعبان ودفن بباب حرب وفيها عبد اللطيف بن أبي البركات اسمعيل بن أبي سعد النيسابوري ثم البغدادي ابن شيخ الشيوخ كان صوفيا عاميا روى عن قاضي المارستان وابن السمر قندي وحد فقدم دمشق فمات بها في ذي الحجة وفيها ابن كليب مسند العراق أبو الفرج عبد المنعم بن عبد الوهاب بن سعيد الحراني ثم البغدادي الحنبلي التاجر ولد في صفر سنة خمسمائة وسمع من ابن بيان وابن نبهان وابن زيدان الحلواني وطائفة ومات ربيع الأول ممتعنا بحواسه قاله في العبر وفيها الأثير محمد بن محمد بن أبي الطاهر بن محمد بن بيان الانباري ثم المصري الكاتب روى عن أبي صادق ومرشد المديني وغيره وروى ببغداد صحاح الجوهري عن أبي البركات العراقي وعمر وزالت رياسته وتوفي في ربيع الآخر وله تسع وثمانون سنة وفيها الشهاب الطوسي أبو الفتح محمد بن محمود بن محمد بن شهاب الدين نزيل مصر وشيخ الشافعية توفي بمصر عن أربع وسبعين سنة ودرس وأفتى (4/327) ________________________________________ 328 ووعظ وتخرج به الأصحاب وكان يركب بالغاشية والسيوف المسلولة وبين يديه ينادي هذا ملك العلماء وبنى له الملك عمر بن شاهنشاه المدرسة المعروفة بمنال العز وانتفع به جماعة كثيرة وكان جامعا لفنون كثيرة معظما للعلم وأهله غير ملتفت إلى أبناء الدنيا ووعظ بجامع مصر لفنون كثيرة معظما للعلم وأهله غير ملتفت إلى أبناء الدنيا ووعظ بجامع مصر مدة ذكر أبو شامة انه لما قدم بغداد كان يركب بسنجق والسيوف مسللة والغاشية على رأسه والطوق في عنق بغلته فمنع من ذلك فذهب إلى مصر ووعظ وأظهر مذهب ألاشعري ووقع بينه وبين الحنابلة أمور وقال غيره وكان معظما عند الخاص والعام طويلا مهيبا مقداما يرتاع منه كل أحد ويرتاع هو من الخبوشاني وعيه مدار الفتوى في مذهب الشافعي وتوفي في ذي القعدة وفيها ابن رزيق الحداد أبو جعفر المبارك بن المبارك بن أحمد الواسطي شيخ الاقراء ولد سنة تسع وخمسمائة وقرأ على أبيه وعلى سبط الخياط وسمع من أبي علي الفارقي وعلي بن علي بن شيران وأجاز له خميس الجوزى وطائفة وتوفي في رمضان.


سنة سبع وتسعين وخمسمائة

فيها كان الجوع المفرط والموت بالديار المصرية وجرت أمور تتجاوز الوصف ودام ذلك إلى نصف العام الآتي فلو قال قائل مات ثلاثة أرباع أهل الأقليم لما أبعد وأكلت لحوم الآدميين وفي شعبان كانت الزلزلة العظمى إلى عمت أكثر الدنيا قال أبو شامة مات بمصر خلق تحت الهدم قال ثم تهدمت نابلس وذكر خسفا عظيما إلى أن قال وأحصى من هلك في هذه السنة فكان ألف ألف ومائة ألف وفيها توفي اللبان القاضي العدل أبو المكارم أحمد بن محمد بن محمد التميمي الأصبهان مسند العجم مكثر عن أبي علي الحداد وله إجازة من عبد الغفار السروي توفي في آخر العام وفيها أبو القاسم تميم بن أحمد بن أحمد البندنيجي الأزجي الحنبلي مفيد بغداد ومحدثها كتب الكثير وعنى بهذا الشأن وحدث عن أبي بكر بن الزاغوني وطبقته وسمع منه ابن النجار وتكلم فيه وهو وشيخه ابن الأخضر وأجاز للحافظ المنذري وتوفي يوم السبت ثالث جمادي الآخرة عن أربع وخمسين سنة ودفن بمقبرة باب حرب وفيها ظافر بن الحسين أبو منصور الازدي المصري شيخ المالكية كان منتصبا للإفادة والفتيا وانتفع به بشر كثير وتوفي في مصر في جمادي الأولى وفيها أبو محمد بن الطويلة عبد الله بن أبي بكر المبارك بن هبة الله البغدادي روى عن ابن الحصين وطائفة وتوفي في رمضان وفيها أبو الفرج بن الجوزى عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله بن عبد الله بن جمادي بن أحمد بن محمد بن جعفر بن عبد الله بن القسم ابن النضر بن القسم بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن القسم بن محمد ابن أبي بكر الصديق رضي الله عنه القرشي التيمي الكبرى البغدادي الحنبلي الواعظ المتفنن صاحب التصانيف الكثيرة الشهيرة في أنواع العلم من التفسير والحديث والفقه والزهد والوعظ والأخبار والتاريخ والطب وغير ذلك ولد سنة عشر وخمسمائة أو قبلها وسمع من علي بن عبد الواحد الدينوري وابن الحصين وأبي عبد الله البارع وتتمة سبعة وثمانين نفسا ووعظ من صغره وفاق فيه الأقران ونظم الشعر وكتب بخطه مالا يوصف ورأى من القبول والاحترام مالا مزيد عليه وحكى غير مرة أن مجلسه حرز بمائة ألف وحضر مجلسه الخليفة المستضئ مرات من وراء الستر وذكر هو انه منسوب إلى محلة بالبصرة تسمى محلة الجوز لوما ترعرع حملته عمته إلى مسجد أبي الفضل بن ناصر وهو خاله فاعتنى به وأسمعه الحديث وحفظ القرآن وقرأه على جماعة من القراء بالروايات وسمع بنفسه الكثير وعنى بالطلب ونظر في جميع الفنون والف فيها وعظم أنه في ولاية ابن هبيرة قال في آخر كتاب القصا والمذكرين له مازلت أعظ الناس وأحرضهم على التوبة والتقوى فقد تاب على يدي إلى أن جمعت هذا الكتاب أكثر من مائة ألف رجل وقد قطعت من شعور الصبيان اللاهين أكثر من عشرة آلاف طائلة وأسلم على يدي أكثر من مائة ألف قال ولا يكاد يذكر لي حديث إلا ويمكنني أقول صحيح أو حسن أو محال ولقد أقدرني الله على أن ارتجل المجلس كله من غير ذكر محفوظ وقال سبطه أبو المظفر كان زاهدا في الدنيا متقللا منها وما مازح أحدا قط ولا لعب مع صبي ولا أكل من جهة لا يتيقن حلها وما زال على ذلك الأسلوب إلى أن توفاه الله تعالى وقال الموفق عبد اللطيف كان ابن الجوزى لطيف الصوت حلو الشمائل رخيم النغمة موزون الحركات لذيذ المفاكهة يحضر مجلسه مائة ألف أو يزيدون لا يضيع من زمانه شيئا يكتب في اليوم أربع كراريس ويرتفع له كل سنة من كتابته ما بين خمسين مجلدا إلى ستين وله في كل علم مشاركة وكان يراعي حفظ صحته وتلطيف مزاجه وما يفيد عقله قوة وذهنه حدة يعتاض عن الفاكهة بالمفاكهة لباسه الأبيض الناعم المطيب ونشأ يتيما على العفاف والصلاح وله مجون لطيف ومداعبات حلوة ولا ينفك من جارية حسناء وذكر غير واحد انه شرب حب البلادر فسقطت لحيته فكانت قصيرة جدا وكان يخضبها بالسواد إلى أن مات وصنف في جواز الخضاب بالسواد جلدا وسئل عن عدد تصانيفه فقال زيادة على ثلاثمائة وأربعين مصنفا منها ما هو عشرون مجلدا وأقل وقال الحافظ الذهبي ما علمت أن أحدا من العلماء صنف ما صنف هذا الرجل وقال يوما في مناجاته الهي لا تعذب لسانا يخبر عنك ولا عينا تنظر إلى علوم تدل عليك ولا قدما تمشي إلى خدمتك ولا يدا تكتب حديث رسولك فبعزتك لا تدخلني النار فقد علم أهلها أني كنت أذب عن دينك وقال ابن رجب نقم عليه جماعة من مشايخ أصحابنا وأئتهم ميله إلى التأويل في بعض كلامه واشتد نكيرهم عليه في ذلك ولا ريب أن كلامه في ذلك مضطرب مختلف وهو أن كان مطلعا على الأحاديث والآثار فلم يكن يحل شبه المتكلمين وبيان فسادها وكان معظما لأبي الوفاء بن عقيل متابعا لأكثر ما يجده من كلامه وان كان قد رد عليه في بعض المسائل وكان ابن عقيل بارعا في الكلام ولم يكن تام الخبرة بالحديث والآثار فلهذا يضطرب في هذا الباب ويتلون فيه أراؤه وأبو الفرج تابع له في هذا التلون قال الشيخ موفق الدين المقدسي كان ابن الجوزى أما أهل عصره في الوعظ وصنف في فنون العلم تصانيف حسنة وكان صاحب فنون وكان يدرس الفقيه ويصنف فيه وكان حافظا للحديث وصنف فيه إلا أننا لم نرض تصانيفه في السنة ولا طريقته فيها انتهى توفي ليلة الجمعة بين العشاءين من شهر رمضان وكان في تموز فأفطر بعض من حضر جنازته لشدة الزحام والحر وفيها ابن ملاح الشط عبد الرحمن بن محمد بن أبي ياسر البغدادي روى عن ابن الحصين وطبقته ومات في عشر المائة وفيها عمر بن علي الحربي الواعظ أبو علي البغدادي روى عن ابن الحصين أيضا والكبار وتوفي في شوال وفيها قراقوش الأمير الكبير الخادم بهائ الدين الأبيض فتى الملك أسد الدين شيركوه وقد وضعوا عليه خرافات لا تصح ولولا وثوق صلاح الدين (4/331) ________________________________________ 332 بعقله لم سلم إليه عكا وغيرها وكانت له رغبة في الخير وآثار حسنة قال ابن شبهة أسر في عكا ففداه السلطان بستين ألف دينار وهو الذي بنى قلعة القاهرة والسور على مصر والقاهرة والقنطرة التي عند الأهرام وله مع المصريين وقعات عجيبة حتى صنفوا له كتاب الفافوش في أحكام قراقوش انتهى وفيها الكراني أبو عبد الله محمد بن أبي زيد بن أحمد الأصبهاني الخباز المعمر توفي في شوال وقد استكمل مائة عام وسمع الكثير من الحداد ومحمود الصيرفي وغيرهما وكران محلة معروفة بأصبهان وفيها العماد الكاتب الوزير العلامة أبو عبد الله محمد بن محمد بن حامد الأصبهاني ويعرف بابن أخي العزيز ولد سنة تسع عشرة بأصبهان وتفقه ببغداد في مذهب الشافعي علي ابن الرزاز واتقن الفقه والخلاف والعربية وسمع من علي بن الصباغ وطبقته وأجاز له ابن الحصين والفراوي ثم تعاني الكتابة والترسل والنظم ففاق الأقران وحاز قصب السبق وولاه ابن هبيرة نظر واسط وغيرها ثم قدم دمشق بعد الستين وخمسمائة وخدم في ديوان الإنشاء فبهر الدولة ببديع نثره ونظمه وترقي إلى أعلى المراتب ثم عظمت رتبته في الدولات الصلاحية وما بعدها وصنف التصانيف الأدبية وختم به هذا الشأن وكانت بينه وبين القاضي الفاضل مطارحات ومداعبات قال يوما للقاضي الفاضل سر فلا كبابك الفرس وكانا تلاقيا في الطريق وإنما أراد انه يقرأ طردا وعكسا فأجابه الفاضل في الحال دام علا العماد وهو أيضا يقرأ طردا وعكسا واجتمعا يوما في مجلس السلطان وقد انتشر الغبار لكثرة الفرسان فأنشد العماد ) أما الغبار فأنه * مما أثارته النسابك ) (4/332) ________________________________________ 333 والجود منه مظلم * لكن أنار به السنابك ) ) يا دهر لي عبد الرحيم * فلست أخشى من نابك ) ولما صنف خريدة القصر أرسلها إلى الفاضل فوقف عليها فلم تعجبه وكانت في ثمانية أجزاء فقال ابن الآخران لأنه سماها خريدة يعني خرى عشرة وهذه ثمانية لأن ده بالعجمي عشرة ومن ههنا أخذ ابن سناء الملك قوله ) خريدة أفيه من نتنها * كأنها من بعض أنفاسه ) ) فنصفها الأول في ذقنه * ونصفها الآخر في رأسه ) توفي العماد رحمه الله تعالى في أول رمضان ودفن بمقابر الصوفية وفيها ابن الكيال أبو عبد الله محمد بن محمد بن هرون البغدادي ثم الحلي البزار أحد القراء الأعيان ولد سنة خمس عشرة وخمسمائة وقرأ القراءات على سبط الخياط وأبي الكرم الشهر زورى وأقرأ بالحلة زمانا وتوفي في ذي الحجة وفيها أبو شجاع بن المقرون محمد بن أبي محمد بن أبي المعالي البغدادي أحد ائمة القراء قرأ على سبط الخياط وأبي الكرم وسمع من أبي الفتح بن البيضاوي وطائفة وقلن خلقا لا يحصون وكان صالحا عابدا ورعا مجاب الدعوة يتقوت من كسب يده وكان من الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر توفي في ربيع الآخر وفيها أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن بن غصن الإشبيلي أخذ القراءات عن شريح وجماعة وحدث عن ابن العربي وتصدر للأقراء وكان آخر من قرا القراءات على شريح توفي في هذا العام وفي حدوده قاله في العبر.

سنة ثمان وتسعين وخمسمائة

فيها تغلب قتادة بن إدريس الحسيني على مكة وزالت دولة بني فليتة وفيها جاءت زلزلة عظيمة في شعبان قلعة حمص ورمت المنظرة التي على القعلة وأخرجت ما بقي من نابلس وفيها شرح الشيخ أبو عمر شيخ المقادسة في بناء الجامع بالجبل وكان بقاسيون رجل فأمي يقال له أبو داود محاسن فوضع أساسه وبقي قامة وأنفق عليه ما كان يملكه وبلغ مظفر الدين كوكبوري صاحب إربل فبعث إلى الشيخ أبي عمر مالا فتممه وأوقف عليه وقفا وبعد ذلك أراد مظفر الدين يسوق إليه ماء من برزة وبعث إليه الماء فقال المعظم عيسى طريق الماء كلها قبور كيف يجوز نبش عظام المسلمين أعملوا مدارا عل بغل ولا تؤذوا أحدا واشتروا بالباقي وقفا ففعلوا ذلك وفيها توفي أحمد بن ترمش الخياط البغدادي نقيب القاضي روى عن قاضي المارستان والكروخي وجماعة وتوفي بحلب وفيها أسعد بن أحمد بن أبي غانم الثقفي الأصبهاني الضرير سمع هو وأخوه زاهر الثقفي مسند أبي يعلى من أبي عبد الله الخلال وسمع هو من جعفر بن عبد الواحد الثقفي وجامعة وكان فقيها معدلا وفيها لمؤيد أبو المعالي أسعد بن العميد بن أبي يعلى بن القلانسي التميمي الدمشقي الوزير روى عن نصر الله المصيصي وغيره ومات في ربيع الأول وكان صدر البلد وفيها الملك المعز إسماعيل بن يوسف الإسلام طغتكين بن نجم الدين أيوب صاحب اليمن وابن صاحبها كان مجرما مصرا على الخمر والظلم أدعى انه أموي وخرج وعزم على الخلافة فوثب عليه إخوان من امرائه فقتلاه ويقال انه ادعى النبوة ولم يصح وولى بعده أخ له صبي اسمه الناصر أيوب قاله في العبر (4/334) ________________________________________ 335 وفيها الخشوعي مسند الشام أبو طاهر بركات بن إبراهيم بن طاهر الدمشقي الانماطي ولد في صفر سنة عشروا كثر عن هبة الله بن الأكفاني وجماعة وأجاز له الحريري وأبو صادق المديني وخلق من العراقيين والمصريين والأصبهانيين وعمر وبعد صيته ورحل إليه وكان صدوقا توفي في سابع صفر وفيها أبو الثناء حماد بن هبة الله بن حماد بن الفضل بن الفضلي الحراني التاجر السفار المحدث الحافظ الحنبلي المؤرخ ولد في ربيع الأول سنة إحدى عشرة بحران وسمع ببغداد من أبي القسم بن السمر قندي وأي بكر بن الزاغوني وجماعة وبهراة ومصر والإسكندرية من الحافظ السلفي وغيره وجمع تاريخا بحران وحدث به وجمع جزءا فيمن اسمه حماد وله شعر جيد وحدث بمصر والإسكندرية وبغداد وحران وممن روى عنه الشيخ موفق الدين وعبد القادر الرهاوي والعلم السخاوي المقرئ والحافظ الضيائ وغيرهم وتوفي يوم الأربعاء ثاني عشرى ذي الحجة بحران وفيها أبو محمد الحربي عبد الله بن أحمد بن أبي المجد الاسكاف روى المسند عن ابن الحصين ببغداد وبالموصل واشتهر ذكره وتوفي في المحرم وفيها أبو بكر عبد الله بن طلحة بن أحمد بن عطية المحاربي الغرناطي المالكي المفتي تفرد بإجازة غالب بن عطية أخو جدهم وأبي محمد بن عتاب وسمع من القاضي عياض والكبار وهو من بيت علم ورواية وفيها أبو الحسن العمري عبد الرحمن بن أحمد بن محمد البغدادي القاضي أجاز له أبو عبد الله البارع وسمع من ابن الحصين وطائفة وناب في الحكم وتوفي في رمضان وفيها زين القضاة أبو بكر عبد الرحمن بن سلطان بن يحيى القرشي الدمشقي (4/335) ________________________________________ 336 الشافعي سمع من جده أبي الفضل يحيى الزكى وجماعة وأجاز له زاهر الشحامي وجماعة وكان نعم الرجل فقها وفضلاً ورياسة وصلاحا توفي في ذي الحجة رحمه الله وفيها عبد الرحيم بن أبي القسم الجرجاني أبو الحسن أخو زينب الشعرية ثقة صالح مكثر روى مسلما عن الفراوي والسنن والآثار عن عبد الجبار الحواري والموطأ عن السيدي والسنن الكبير عن عبد الجبار الدهان وتوفي في المحرم وفيها الدولعي نسبة إلى الدولعية قرية بالموصل خطيب دمشق ضياء الدين عبد الملك بن زيد بن يس التغلبي الموصلي الشافعي وله إحدى وتسعون سنة تفقه بدمشق وسمع من الفقيه نصر الله المصيصي وببغداد من الكروخي وكان مفتيا خبيرا بالمذهب خطب دهرا ودرس بالغزالية وولى الخطابة بعده سبعا وثلاثين سنة ابن أخيه قال النووي في طبقاته كان عبد الملك شيخ شيوخنا وكان أحد الفقهاء المشهورين والصلحاء الورعين توفي في ربيع الأول ودفن بباب الصغير ونقل عنه في الروضة وفيها على بن محمد بن على بن يعيش سبط ابن الدامغاني روى عن ابن الحصين وزاهر وتوفي في صفر وكان متميزا جليلا لقيه ابن عبد الدائم وفيها لولو الحاجب العادلي من كبار الدولة له مواقف حميدة بالسواحل وكان مقدم المجاهدين المؤيدين الذين ساروا الحرب الفرنج الذين قصدوا الحرم النبوي في البحر وظفروا بهم قيل أن لولو سار جازما بالنصر وأخذ معه قيودا بعدد الملاعين وكانوا ثلثمائة وشيء كلهم من الأبطال من كرك الشوبك مع طائفة من العرب المرتدة فلما بقى بينهم وبين المدينة يوم ادركهم لؤلؤ وبذل الأموال للعرب فخامروا معه وذلت الفرنج واعتصموا (4/336) ________________________________________ 337 بجبل فترجل لؤلؤ وصعد إليهم بالناس وقيل بل صعد في تسعة أنفس فهابوه وسلموا أنفسهم فصفدهم وقيدهم كلهم وقدم بهم مصر وكان يوم دخولهم يوما مشهودا وكان لولو شيخا أرمنيا من غلمان القصر فخدم مع صلاح الدين فكان أينما توجه فتح ونصر ثم كثبر وترك وكان يتصدق كل يوم بعدة قدور طعام وباثني عشر ألف رغيف ويضعف ذلك في رمضان توفي في صفر رحمه الله تعالى وفيها ابن الوزان عماد الدين محمد بن الأمام أبي سعد عبد الكريم بن أحمد الرازي شيخ الشافعية بالري وصاحب شرح الوجيز قال ابن السمعاني عالم محقق مدقق تفقه على والده ثم علي أبي بكر الخجندي وجالس الشيخ أبا اسحق وفيها ابن الزكي قاضي الشام محي الدين أبو المعالي محمد بن قاضي القضاة منتخب الدين محمد بن يحيى القرشي من ذرية عثمان بن عفان رضي الله عنه الشافعي ولد سنة خمسين وخمسمائة وروى عن الوزير الفلكي وجماعة وكان فقيها إماما طويل الباع في الإنشاء والبلاغة فصيحا مفوها كامل السؤدد قال ابن خلكان كان ذا فضائل عديدة من الفقه بدمشق وكذلك أبوه زكي الدين وجده مجد الدين وجد أبيه زكي الدين وهو أول من ولى من بيتهم وولده زكي الدين أبو العباس الطاهر ومحي الدين أبو الفضل يحيى كانوا قضاتها وكانت له عند السلطان صلاح الدين المنزلة العالية ولما فتح السلطان المذكور حلب ثامن صفر سنة تسع وسبعين وخمسمائة أنشده القاضي محي الدين قصيدة بائية من جملة أبياتها ) وفتحك القلعة الشبهاء في صفر * مبشر بفتوح القدس في رجب ) فكان كما قال فأن القدسي فتحت لثلاث يقين من رجب سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة فقيل المحي الدين من ابن لك من ابن لك هذا قال أخذته من تفسير ابن برجان في قوله تعالى ) ^ آلم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ) وذكر له حساباً طويلاً وطريقاً في استخراج ذلك وخطبته يوم فتح المقدس من أبلغ الخطب وأشهرها فلا نطول بذكرها وتوفي في سابع شعبان بدمشق ودفن من يومه بسفح قاسيون . وفيها محمود بن عبد المنعم التميمي الدمشقي روى معجم ابن جميع عن جمال الإسلام وتوفي في جمادى الأولى . وفيها السبط أبو القسم هبة الله بن الحسن بن أبي سعيد الهمداني سبط ابن لآل روى عن أبيه وابن الحصين وخلق توفي في المحرم وفيها البوصيري أبو القسم هبة الله بن علي بن مسعود الأنصاري الكاتب الأديب مسند الديار المصرية ولد سنة ست وخمسمائة وسمع من أبي صادق المديني ومحمد بن بركات السعيدي وطائفة وتفرد في زمانه ورحل إليه توفي في ثاني صفر وفيها أبو غالب هبة الله بن عبد الله بن هبة الله بن محمد السامري ثم البغدادي الحريمي ثم الآزجي الفقيه الحنبلي الواعظ سمع من أبي البدر الكرخي وغيره ولازم أبا الفرج بن الجوزي وتفقه وتكلم وافتى ووعظ قال القادسي كان فقيهاً مجوداً واعظا دينا خيرا سمع منه ابن القطيعي وروى عنه ابن خليل في معجمعه وتوفي ليلة الخميس ثامن عشر المحرم ودفن من الغد بمقبرة الأمام احمد قريبا من بشر الجافي رضي الله عنهم أجمعين.

سنة تسع وتسعين وخمسمائة

في ليلة السبت سلخ المحرم هاجت النجوم في السماء شرقا وغربا وتطايرت كالجراد المنتشر يمينا وشمالا وأقام ذلك إلى الفجر وانزعج الخلق وضجوا بالدعاء ولم يعهد مثل ذلك الاعام البعث قاله السيوطي في حسن المحاضرة وفيها توفي أبو علي بن شنانة الحسن بن إبراهيم بن منصور الفرغاني ثم البغدادي الصوفي روى عن ابن الحصين وغيره وتوفي في صفر وفيها أبو محمد بن عليان عبد الله بن محمد بن عبد القاهر الحربي روى عن ابن الحصين وجماعة وتغير من السوداء في آخر عمره مديدة وفيها أبو الفتح القاشاني إسماعيل بن محمد بن محمد بن يوسف بن محمد بن الخليل المروذي الحافظ ابن أبي نصر كان عالماً فاضلاً حافظاً من المكثرين قال ابن ناصر الدين في بديعته ) ثم الفتى إسماعيل ذا القاشاني * ثبت صدوق طيب اللسان ) وفيها أبو اسحق إبراهيم بن احمد بن محمد بن احمد بن الصقال الطيبي ثم البغدادي الازجي الفقيه الحنبلي مفتي العراق ويلقب موفق الدين ولد في خامس عشرى شوال سنة خمس وعشرين وخمسمائة وسمع من ابن الطلاية وابن ناصر وأبي بكر بن الزاغوني وغيرهم وقرأ الفقه على القاضي أبي يعلي الصغير وأبي حكيم النهرواني وقيل وعلى ابن المنى أيضا وبرع في الفقه مذهبا وخلافا وجدلا واتقن علم الفرائض والحساب وكتب خطا حسنا وافتى ودرس وناظر وكان من أكابر العدول وشهود الحضرة واعيان المفتين المعتمد على اقوالهم في المحافل والمجاليس متين الديانة حسن المعاشرة طيب المفاكهة وسمع منه القطيعي وروى عنه ابن الدبيثي والحافظ الضياء وابن النجار وتوفي يوم الاثنين ثاني ذي الحجة ودفن بباب حرب وهو منسوب إلى الطيب بلدة قديمة بين واسط والاهواز وينسب إليها الطيبي شارح الكشاف أيضا وفيها أبو بكر مجد الدين عبيد الله بن علي بن نصر بن حمرة بن علي ابن عبيد الله البغدادي التميمي المعروف بابن المرستانية الفقيه الحنبلي الأديب المحدث المؤرخ كان يذكر انه من ولد أبي بكر الصديق رضي الله عنه ويذكر نسبا متصلا إليه وذكرانه ولد سنة إحدى وأربعين وخمسمائة وسمع الحديث من أبي المظفر بن الشبلي وابن البطي وابن بندار وشهدة وغيرهم وقرأ كثيرا على المشايخ المتأخرين بعدهم وحصل الأصول وعني بهذا الفن وتفقه في المذهب وصنف كتابا سماه ديوان الإسلام في تاريخ دار السلام قسمه ثلثمائة وستين كتابا وله غير ذلك قال ابن النجار كان قد قرأ كثيرا من علم الطب والمنطق والفلسفة وكانت بينه وبين عبيد الله بن يونس صداقة فلما أفضيت إليه الوزارة اختص به وقوى جاهه وبنى داراً بدرب الشاكرية وسماها دار العلم وحصل فيه خزانة كتب وأوقفها على طلاب العلم ورتب ناظرا على أوقاف المارستان العضدي فلم تحمد سيرته فقبض عليه وسجن في المارستان مدة مع المجانين مسلسلا وبيعت داره دار العلم بما فيها من الكتب مع سائر أمواله واطلق فصار يطبب الناس ويدور على المرضى في منتازلهم وصادف قبولا في ذلك فأثرى وعاد إلى حالة حسنة وحصل كتبا كثيرة وكان القبض عليه بعد عزل ابن يونس والقبض عليه وتتبع أصحابه وفي تلك الفتنة كانت محنة ابن الجوزي أيضا وبالغ ابن النجار في الحط عليه بسبب ادعائه النسب إلى أبي بكر الصديق ونسبه إلى انه روى عن مشايخ لم يدركهم واختلق طباقا على الكتب بخطوط مجهولة تشهد بكذبه وتزويره قاله ابن رجب ثم انتصر له وفيها زين الدين أبو الحسن على بن إبراهيم بن نجا بن غنايم الأنصاري الدمشقي الفقيه الحنبلي الواعظ المفسر المعروف بابن نجية نزيل مصر سبط الشيخ أبي الفرج الشيرازي الجيلي ولد بدمشق سنة عشر وسمع بدمشق من أبي الحسن علي بن احمد بن قيس وسمع درس خاله شرف الإسلام عبد الوهاب وتفقه وسمع التفسير واجب الوعظ وغلب عليه واشتغل به قال (4/340) ________________________________________ 341 ناصح الدين قال لي حفظني خالي مجلس وعظ وعمري يومئذ عشر سنين ثم نصب لي كرسيا في داره واحضر لي جماعة وقال تكلم فتكلمت فبكى قال وكان ذلك المجلس يذكره وهو ابن تسعين سنة وكان بطيء النسيان يعظ بالعربية وغيرها بعثه نور الدين الشهيد رسولا إلى بغداد سنة أربع وستين وخلع عليه خلعة سوداء فكان يلبسها في الاعياد وسمع هناك الحديث من سعد الخير ابن محمد الأنصاري وصاهره على ابنته فاطمة ونقلها معه إلى مصر وسمع من غيره ببغداد واجتمع بالشيخ عبد القادر وغيره من الاكابر وقال سبط ابن الجوزي كان ابن نجية قد اقتنى أموالا عظيمة وتنعم تنعما زائدا بحيث انه كان في داره عشرون جارية للفراش تساوي كل جارية ألف دينار واما الأطعمة فكان يعمل في داره مالا يعمل في دور الملوك وتعطيه الملوك والخلفاء أموالا عظيمة كثيرة قال ومع هذا مات فقيرا كفنه بعض أصحابه وذكر ابن الحنبلي أن ابن نجا المذكور ضاق صدره في عمره من دين عليه وان الملك العزيز عثمان لما عرف ذلك أعطاه ما يزيد على أربعة آلاف دينار مصرية قال وقال لي ما احتجت في عمري إلا مرتين وقال ناصح الدين قال لي والدي زين الدين أي صاحب الترجمة أنا اسعد بدعاء والدتي كانت صالحة حافظة تعرف التفسير قال زين الدين كنا نسمع من خالي التفسير ثم اجي إليها فتقول ايش فسر أخي اليوم فأقول سورة كذا وكذا فتقول ذكر قول فلان ذكر الشيء الفلاني لأٌول لا فتقول ترك هذا وكانت تحفظ كتاب الجواهر مجلدة تأليف ووالدها وسمع من ابن نجية خل قمنهم الحافظ عبد الغني وابن خليل والضياء المقدسي وجماعات واجار للمنذري وغيره وتوفي في شهر رمضان ودفن في سفح المقطم وفيها عبد الحنفي أبو محمد بن النحاس المعروف بالبدر المجرد (4/341) ________________________________________ 242 قال ابن العديم تفقه وبرع في المذهب وافتى وكان مجيداً في مناظرته فريدا في محاورته ناظر الفحول الواردين من وراء النهر وخراسان قدم القاهرة ودرس بالسيوفية ومات بها قاله في حسن المحاضرة وفيها على بن حمزة أبو الحسن البغدادي الكاتب حاجب باب النوبي حدث بمصر عن ابن الحصين وتوفي في شعبان وفيها غياث الدين الغوري سلطان غزنة أبو الفتح محمد بن سام بن حسين ملك جليل غال محيب إلى رعيته كثير المعروف والصدقات تفرد بالممالك بعده أخوه السلطان شهاب الدين وفيها ابن الشهر زوري قاضي القضاة أبو الفضائل القسم بن يحيى ابن أخي قاضي الشام كمال الدين ولى قضاء الشام بعد عمه قليلا ثم لما تملك العادل سار إلى بغداد قولي بها القضاء والمدارس والاوقاف وارتفع شأنه عند الناصر لدين الله إلى الغاية ثم انه خاف الدوائر فاستعفي وتوجه إلى الموصل ثم قدم حماة فولى قضاءها فعيب عليه ذلك وكان جوادا ممدحا له شعر جيد ورواية عن السلفي توفي بحماة في رجب عن خمس وستين سنة وحمل إلى دمشق فدفن بها وفيها الزاهد أبو عبد الله القرشي محمد بن احمد بن إبراهيم الاندلسي الصوفي أحد العارفين واصحاب الكرامات والاحوال نزل بيت القدس وبه توفي عن خمس وخمسين سنة وقبره مقصود بالزيارة وفيها أبو بكر بن أبي جمرة محمد بن احمد بن عبد الملك الأموي مولاهم القرشي المالكي القاضي أحد ائمة المذهب عرض المدونة على والده وله منه إجازة كما لأبيه إجازة من أبي عمرو الداني واجاز له أبو بحرين العاص وافتى ستين سنة وولى قضاء مرسية وشاطبة دفعات وصنف التصانيف وكان اسند من بقى بالأندلس توفي في المحرم (4/342) ________________________________________ 343 وفيها الغزنوى الفقيه بهاء الدين أبو الفضل محمد بن يوسف الحنفي المقرئ روى عن قاضي المارستان وطائفة وقرأ القراءات على سبط الخياط قرأ عليه بطرق المنهج للسخاوي وغيره ودرس المذهب وتوفي بالقاهرة في ربيع الأول وفيها أبو عبد الله محمد بن عثمان بن عبد الله بن عمر بن عبد الباقي بن العكبري البغدادي الظفري نسبة إلى الظفرية محلة ببغداد الفقيه الحنبلي المحدث الواعظ قال ابن النجار جارنا بالظفرية حفظ القرآن في صباه وقرأه بالروايات على أبي بكر بن الباقلاني الواسطي وغيره وتفقه على مذهب الأمام احمد بن حنبل وقرأ العربية على أبي البركات الانباري وابن الخشاب وصحب شيخنا أبا الفرج ابن الجوزي وقرأ عليه شيئاً من مصنفاته في الوعظ وغيره وسمع الحديث من أبي العباس احمد بن محمد بن المرقعاين وشهدة الكاتبة وخلق كثير وكان يجلس للوعظ ثم انقطع ببيته لا يخرج إلا إلى الجمعة والجماعة وكان يكثر الجلوس في المقابر سمعت منه وكان يسمع بقراءاتي على مشايخنا وكان صدوقا متدينا عفيفا قليل المخالطة للناس محبا للخلوة وقال ذكران مولده في سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة وتوفي ليلة الاثنين ثامن عشر جمادى الأولى وفيها أبو المعطوس مسند العراق أبو طاهر المبارك بن المبارك بن هبة الله الحريمي العطار ولد سنة سبع وخمسمائة وسمع من أبي علي بن المهدي وأبي الغنايم بن المهتدي بالله وبه ختم حديثهما وسمع المسند كله ورواه وتوفي في عاشر جمادى الأولى وفيها البرهان الحنفي أبو الموفق مسعود بن شجاع الأموي الدمشقي مدرس النورية والخاتونية وقاضي العسكر كان صدرا عظما مفتيا رأسا في المذهب وارتحل إلى بخارى وتفقه هناك وعمر دهرا توفي في جمادى الآخرة وله تسع وثمانون سنة وكان لا تغسل له فرجية بل يهبها ويلبس جديدة وفيها ابن الطفيل أبو يعقوب يوسف بن هبة الله بن محمد الدمشقي الصوفي شيخ صالح له عناية بالرواية رحل إلى بغداد وسمع من أبي الفضل الارموي وابن ناصر وطبقتهما واسمع ابنه عبد الرحيم من السلفي وفيها أبو بكر جمال الدين محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن منصور المقدسي الزاهد أخو البهاء عبد الرحمن الاتي ذكره إن شاء الله تعالى ولد سنة ثلاث وستين وخمسمائة وسمع الحديث بدمشق ودخل مع أخيه بغداد وسمع بها وأقام بها مدة واشتغل وحصل فنونا من العلم ثم عاد وكان فقيها ورعا زاهدا كثير الخشية والخوف من الله تعالى حتى كان يعرف بالزاهد وكان يبالغ في الطهارة وأم بدمشق بمسجد دار البطيخ وهو مسجد السلاطين وحج في آخر عمره ثم توجه إلى القدس فادركه اجله بنابلس قال ابن رجب.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سنة ستمائة

فيها أخذت الفرنج فوة عنوة واستباحوها دخلوا من فم رشيد في النيل فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وفيها توفي العلامة أبو الفتوح العجلي منتخب الدين اسعد بن أبي الفضائل محمود بن خلف الاصبهاني الشافعي الواعظ شيخ الشافعية عاش خمسا وثمانين سنة وروى عن جماعة وكان يقنع وينسخ وله كتاب مشكلات الوجيز وتتمة التتمة وترك الوعظ وألف كتابا سماه آفات الوعاظ قال ابن شهبة ولد باصبهان في إحدى الربيعين سنة خمس عشرة وخمسمائة وكان فقيها مكثرا من الرواية زاهدا ورعايا يأكل من كسب يده يكتب ويبيع يتقوت به لا غير وكان عليه المعتمد بأصبهان في الفتوى وتوفي في صفر بأصبهان وفيها بقا بن عمر بن جند أبو المعمر الازجي الدقاق ويسمى أيضا المبارك روى عن ابن الحصين وجماعة وتوفي في ربيع الآخر وفيها أبو الفرج بن اللحية جابر بن محمد بن يونس الحموي ثم الدمشقي التاجر روى عن الفقيه نصر المصيصي وغيره وفيها ابن شرقيني أبو القسم شجاع بن معالي البغدادي العراد القصناتي روى عن ابن الحصين وجماعة وتوفي في ربيع الآخر وفيها أبو سعد بن الصفار عبد الله بن العلامة أبي حفص عمر بن أحمد بن منصور النيسابوري الشافعي فقيه متبحر أصولي عامل بعلمه ولد سنة ثمان وخمسمائة وسمع من جده لأمه أبي نصر بن القشيري وسمع سنن الدار قطني بفوت من أبي القسم الابيوردي وسمع سنن أبي داود من عبد الغافر بن إسماعيل وسمع من طائفة كتبا كبارا توفي في شعبان أو رمضان وله اثنتان وتسعون سنة وفيها الأمام تقي الدين أبو محمد الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد بن علي ابن سرور المقدسي الجماعيلي الحنبلي ولد سنة إحدى وأربعين وخمسمائة وهاجر صغيرا إلى دمشق بعد الخمسين فسمع أبا المكارم بن هلال وببغداد أبا الفتح ابن البطي وغيره وبالإسكندرية من السلفي وهذه الطبقة ورحل إلى أصبهان فأكثر بها سنة نيف وسبعين وصنف التصانيف الكثيرة الكبيرة الشهيرة ولم يزل يسمع ويكتب إلى أن مات واليه انتهى حفظ الحديث متنا وإسنادا ومعرفة بفنونه مع الورع والعبادة والتمسك بالأثر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسيرته في جزءين ألفها الحافظ الضياء ابن ناصر الدين هو محدث الإسلام وأحد الأئمة المبرزين الأعلام ذو ورع وعبادة وتمسك بالآثار وأمر المعروف ونهي عن المنكر له كتاب المصباح في ثمانية وأربعين جزءا وغيره من المصنفات وقال ابن رجب امتحن الشيخ ودعى إلى أن يقول لفظي بالقرآن مخلوق فأبى فمنع من التحديث وأفتى أصحاب التأويل بإراقة دمه فسافر إلى مصر وأقام بها إلى أن مات وقال فيه أبو نزار ربيعة بن الحسن ) يا أصدق الناس في بدو وفي حضر * واحفظ الناس فيما قالت الرسل ) (4/345) ________________________________________ 346 ) أن يحسدوك فلا تعبأ بقائلهم * هم الغثاء وأنت السيد البطل ) وقال الضياء ما أعرف أحدا من أهل السنة رأى الحافظ عبد الغني إلا أحبه حبا شديدا ومدحه مدحا كثيرا وكان إذا مر بأصبهان يعطف الناس في السوق فينظرون الهي ولو أقام بأصبهان مدة وأراد أن يملكها لملكها من حبهم له ورغبتهم فيه ولما وصل إلى مصر أخيرا كان إذا خرج يوم الجمعة إلى الجامع لا يقدر يمشي من كثرة الخلق يتبركون به ويجتمعون حوله وقال الشيخ موفق الدين كان جوادا يؤثر بما تصل إليه يده سرا وعلانية وقال ولده الحافظ أبو موسى ابن بنت الشيخ أبي عمر بن قدامة زوجة الحافظ عبد الفني قال لي والدي في مرضه الذي مات فيه يا بني أوصيك بتقوى الله والمحافظة على طاعته فجاء جماعة يعودونه فسلموا علهي فرد عليهم السلام وجعلوا يتحدثون ففتح عينيه وقال ما هذا الحديث اذكروا الله وقولوا لا اله إلا الله فقالوها ثم قاموا فجعل يذكر الله ويحرم شفتيه بذكره ويشير بعينه فدخل رجل فسلم عليه وقال له ما تعرفني يا سيدي فقال بلى فقمت لأناوله كتابا من جانب المسجد فرجعت وقد خرجت روحه وذلك يوم الاثنين الثالث والعشرون من ربيع الأول ودفناه يوم الثلاثاء بالقرافة مقابلة قبر الشيخ أبي عمرو بن مرزوق وفيها أبو الفضل ركن الدين عزيز بن محمد بن الحراق القزويني الشافعي المعروف بالطاووسي كان إماما فاضلا محجاجا قيما في علم الخلاف ماهرا فيه اشتغل فيه على الشيخ رضى الدين النيسابوري الحنفي صاحب الطريقة في الخلاف وبز فيه وصنف ثلاث تعاليق مختصرة في الخلاف وثانية وثالثة مبسوطة واجتمع عليه الطلبة بمدينة همذان وقصدوه من البلاد البعيدة وعلقوا تعاليقه وبنى له الحاجب جمال الدين بهمذان مدرسة تعرف بالحاجبية وطريقته الوسطى أحسن من طريقته الأخريين لأن فقهها كثير وفوائدها غزيرة جمة (4/346) ________________________________________ 347 وأكثر اشتغال الناس في هذا الزمان بها واشتهر صيته في البلاد وحملت طرائفه إليها وتوفي بهمذان رابع عشر جمادي الآخرة ولعله منسوب إلى طاووس بن كيسان التابعي قاله في العبر وفيها فاطمة بنت سعد الخير بن محمد بن عبد الكرم ولدت بأصبهان سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة وسمعت حضورا من فاطمة الجوزدانية ومن ابن الحصين وزاهر الشحامي ثم سمعت من هبة الله بن الطير وخلق وتزوج بها أبو الحسن بن نجا الواعظ روت الكثير بمصر توفيت في ربعي الأول عن ثمان وسبعين سنة وفيها القسم بن الحافظ أبي القسم علي بن الحسن المحدث أبو محمد بن عساكر الدمشقي الشافعي وكان محدثا حسن المعرفة شديد الورع ومع ذلك كان كثير المزاج وتولى مشيخة دار الحديث النورية بعد والده فلم يتنازل من معلومها شيئا بل كان يرصده للواردين من الطلبة حتى قيل لم يشرب مائها ولا توضأ وقال الذهبي سمع من جد أبويه القاضي الزكي يحيى بن علي القرشي وجمال الإسلام بن مسلم وطبقتهما وأجاز له الفراوي وقاضي المارستان وطبقتهما وكان محدثا فهما كثير المعرفة شديد الورع صاحب مزاح وفكاهة وخطه ضعيف عديم الإتقان وتوفي في صفر وفيها محمد بن صافي أبو المعالي البغدادي النقاش روى عن أبي بكر المررزبي وجماعة وتوفي في ربيع الآخر وفيها أبو البركات محمد بن أحمد التكريتي الأديب يعرف بالمؤيد كان قي زمنه شخص نحوي يعرف بالوجبه النحوي حنبلي المذهب فآذاه الحنابلة فتحنف فآذاه الحنفية فانتقل إلى المذهب الشافعي فجعلوه مدرس النظامية في النحو فعمل فيه المؤيد التكريتي ( إلا مبلغ عن الوجيه رسالة * وان كان لا تجدي إليه الرسائل ) ) تمذهبت للنعمان بعد ابن حنبل * وذلك لما أعوزتك المآكل ) ) وما اخترت رأى الشافعي تدينا * ولكنما تهوي الذي هو حاصل ) ) وعما المبارك بن إبراهيم بن مختار بن تغلب الأزجي الطحان بن الشبيي روى عن ابن الحصين وجماعة وتوفي في شوال وفيها صنيعة الملك القاضي أبو محمد هبة الله بن يحيى بن علي بن حيدرة المصري ويعرف بابن مشير المعدل راوي كتاب السيرة توفي في ذي الحجة وفيها وجزم السيوطي انه في التي قبلها قال في حسن المحاضرة أبو القسم هبة الله بن معد بن عبد الكريم القرشي الدمياطي الشافعي المعروف بابن البروى نسبة إلى بوره بلد قرب دمياط ينسب إليها السمك البورى تفقه علي ابن أبي عصرون وابن الخل ثم استقر بالإسكندرية ودرس بمدرسة السلفي انتهى وفيها لاحق بن أبي الفضل بن علي بن حيدرة روى المسند كله عن ابن الحصين وتوفي في المحرم عن ثمان وثمانين سنة والله سبحانه وتعالى أعلم.

________________________________________ اسم المدخل : تمام عباس محمد اسم الكتاب : شذرات الذهب في أخبار من ذهب ج 5 اسم المؤلف : أبي الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي 2 بسم الله الرحمن الرحيم

سنة إحدى وستمائة

فيها تغلبت الفرنج على مملكة القسطنطينية وأخرجوا الروم منها بعد حصار طويل وحروب كثيرة قاله في العبر وفيها خرجت الكرج فعاثوا ببلاد أذربيجان وقتلوا وسبوا ووصلت زعازعهم إلى عمل خلاط فانتدب لحربهم عسر كخلاط وعسكر أردن الروم فالتقوهم ونصر الله الإسلام وقتل في المصاف ملك الكرج وفيها جاءت الفرنج إلى حماة بغتة وأخذوا النساء الغسالات من باب البلد وخرج إليهم الملك المنصور وقاتل قتالا حسنا وكسر الفرنج عسكره ووقف في الساقة من الرقيطا إلى باب حماة ولولا وقوفه ما أبقوا من المسلمين أحدا وفيها ولدت امرأة ولدا له رأسان وأربعة أرجل وأيد ومات من يومه قاله ابن شهبة في تاريخ الإسلام وفيها توفي السكر المحدث أحمد بن سليمان بن أحمد الحربي المقرىء المفيد عن نيف وستين سنة قرأ القراءات على أحمد بن محمد بن سيف وجماعة وسمع من سعيد بن البنا وابن البطى فمن بعدهما وكان ثقة مكثرا صاحب قرآن وتهجد وإفادة للطلبة توفي في صفر وفي حدودها وما يقرب أبو الآثار وأبو الأمانة جبريل بن صارم بن علي بن سلامة الصعبي الأديب الحنبلي قدم بغداد سنة أربع وثمانين وخمسمائة وهو فقير فتفقه في المذهب وقرأ الخلاف وجالس النحاة وحصر طرفا صالحا من الأدب وسمع الحديث من ابن الجوزي وغيره ومدح الخليفة الناصر بعدة قصائد وأثرى ونبل مقداره واشتهر ذكره فنفذ من الديوان في رسالة إلى خوارزم شاه وسمع الحديث من مشايخ خراسان وحصل نسخا بما سمع ثم عاد إلى بغداد وقد صار له الغلمان الترك والمراكب ولم يزل يرسل من الديوان إلى خوارزم شاه إلى أن قبض عليه لسبب ظهر منه فسجن بدار الخلافة وانقطع خبره عن الناس ومما أنشد له ابن القيطعي ( لاغروان أضحت الأيام توسعني * فقرا وغيري بالاثراء موسوم ) ( فالحرف في كل حال غير منتقص * ويدخل الاسم تصغير وترخيم ) وفيها عبد الرحيم بن محمد بن أحمد بن حمويه الأصبهاني الرجل الصالح نزيل همذان روى بالحضور معجم الطبراني عن عبد الصمد العنبري عن ابن ريذة وفيها أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن أيوب الحربي الفلاح آخر من سمع من أبي العز بن كادش وسمع أيضا من ابن الحصين توفي في ربيع الأول وفيها نجم الدين أبو محمد عبد المنعم بن علي بن نصر بن منصور ابن هبة الله النهري الحراني الفقيه الحنبلي الواعظ من أهل حران رحل إلى بغداد في صباه سنة ثمان وسبعين لطلب العلم فسمع من أبي السعادات القزاز وغيره وتفقه على أبي الفتح بن المنى حتى حصل طرفا صالحا من المذهب والخلاف ثم عاد إلى حران ثم قدم بغداد مرة أخرى سنة ست وتسعين ومعه ولداه النجيب عبد اللطيف والعز عبد العزيز فسمع وأسمعهما الكثير وقرأ على الشيوخ وكتب وحصل وناظر في مجالس الفقهاء وحلق المناظرين ودرس وأفاد الطلبة واستوطن بغداد وعقد بها مجلس الوعظ بعدة أماكن ذكره ابن النجار وقال كان مليح الكلام في الوعظ رشيق الألفاظ حلو العبارة كتبنا عنه شيئا يسيرا وكان ثقة صدوقا متحريا حسن الطريقة متدينا متورعا نزها (5/3) ________________________________________ 4 عفيفا عزيز النفس مع فقر شديد وله مصنفات حسنة وشعر جيد وكلام في الوعظ بليغ وكان حسن الأخلاق لطيف الطبع متواضعا وقال سبط ابن الجوزى كان كثير الحياء يزور جدى ويسمع معنا الحديث وذكر أنه استوطن بغداد لوحشة جرت بينه وبين خطيب حران ابن تيمية فإنه خشى منه أن يتقدم عليه وكان يقصد التجانس في كلامه وسمعته ينشد ( واشتاقكم يا أهل ودى وبيننا * كما زعم البين المشت فراسخ ) ( فأما الكرى عن ناظري فمشرد * وأما هواكم في فؤادي فراسخ ) وقال ابن النجار أيضا توفي يوم الخميس سادس عشر ربيع الأول وفيها شميم الحلى أبو الحسن علي بن الحسن بن عنبر النحوي اللغوي الشاعر تأدب بابن الخشاب وكان ذا تيه وحمق ودعاو كثيرة تزرى بكثرة فضائله قاله في العبر وقال ابن خلكان كان أديبا فاضلا خبيرا بالنحو واللغة وأشعار العرب حسن الشعر وكان اشتغاله ببغداد على ابن الخشاب ومن في طبقته من أدباء ذلك الوقت ثم سار إلى ديار بكر والشام ومدح الأكابر وأخذ جوائزهم واستوطن الموصل وله عدة تصانيف وجمع من نظمه كتابا سماه الحماسة ورتبه على عشرة أبواب وضاهى به كتاب الحماسة لأبي تمام وكان جم الفضيلة إلا أنه كان بذيء اللسان كثير الوقوع في الناس متعرضا لثلب أعراضهم لا يثبت لأحد في الفضل شيئا وسئل لم سمى شميما قال أقمت مدة آكل كل يوم شيئا من الطين فإذا وضعته عند قضاء الحاجة شممته فلا أجد له رائحة فسمى بذلك شميما وشميم بضم الشين بالمعجمة وفتح الميم وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها ميم وهو من الشم انتهى ملخصا وقال ياقوت الحموي قدمت آمد فقصدته فوجدته شيخا كبيرا نحيف الجسم وبين يديه جمدان مملوء كتبا من تصانيفه فقال من أين قدمت قلت من بغداد فهش لي وأقبل يسألني عنها (5/4) ________________________________________ 5 وقلت له إنما جئت لأقتبس من علومك شيئا فقال وأي علم تحت قلت الأدب فقال أن تصانيفي في الأدب كثيرة وكلما أجمع الناس على استحسان شيء أنشأت فكرتي من جنسه ما أدحض به المتقدمين ورأيت الناس مجمعين على خمريات أبي نواس فعملت كتاب الخمريات من نظمى لو عاش أبو نواس لاستحيا أن يذكر شعر نفسه ورأيتهم مجمعين على خطب ابن نباتة فصنفت كتاب الخطب وليس للناس اليوم إلا الاشتغال بخطبى وجعل يزرى على المتقدمين ويمدح نفسه ويجهل الأوائل فعجبت منه وقلت أنشدني شيئا من شعرك فأنشدني ( أمزج بمسبوك اللجين * ذهبا حكته دموع عيني ) ( لما نعى ناعى الفراق * ببين من أهوى وبيني ) ( كانت ولم تقدر لشيء * قبلها إيجاب كوني ) ( فأخالها التحريم لما * شبهت بدم الحسين ) ( خفقت لنا شمسان من * لألائها في الخافقين ) ( وبدت لنا في كأسها * من لونها في حلتين ) ( فأعجب هداك الله من * كون اتفاق الضرتين ) ( في ليلة جاء السرور * بها يطالبنا بدين ) ( ومضى طليق الراح من * قد كان مغلول اليدين ) ( هي زينة الأحياء في الدنيا * وزينة كل زين ) فاستحسنت ذلك فقال ويلك يا جاهل ما عندك غير الاستحسان قلت فما أصنع قال اصنع هكذا ثم قام يرقص ويصفق إلى أن تعب ثم جلس وقال ما أصنع بهؤلاء الذين لا يفرقون بين الدر والبعر والياقوت والحجر فاعتذرت إليه وسألته عمن تقدم من العلماء فلم يحسن الثناء على أحد منهم فسألته عن أبي العلاء المعرى فغضب وقال ويلكم كم تسيئون الأدب بين يدي من هو ذاك الكلب الأعمى حتى يذكر بحضرتي فقلت يا سيدي أنا رجل محدث وأحب (5/5) ________________________________________ 6 أن أسألك عن شيء فقال هات مسألتك فقلت لم سميت شميما فشتمني ثم ضحك وقال بقيت مدة من عمري لا آكل إلا الطين بحيث تنشفت الرطوبة فإذا جاءني الغائط كان مثل البندقة فكنت آخذه وأقول لمن أنبسط إليه شمه فإنه لا رائحة له فكثر ذلك مني فلقبت بذلك انتهى توفي بالموصل في رجب عن سن عالية وفيها أبو محمد محمد بن حمد بن حامد بن مفرج بن غياث الأنصاري الأرتاحي المصري الحنبلي ولد سنة سبع وخمسمائة تخمينا وسمع بمصر من أبي الحسن بن علي بن نصر بن محمد بن عفير الأرتاحي العابد وغيره وبمكة من المبارك بن الطباخ وأجاز له أبو الحسن علي بن الحسين بن عمر الفراء الموصلي وتفرد بإجازته قال المنذري كتب عنه جماعة من الحفاظ وغيرهم من أهل البلد والواردين عليها وحدثوا عنه وهو أول شيخ سمعت منه الحديث ونعته بالشيخ الأجل الصالح أبي عبد الله محمد بن الشيخ الأجل الصالح أبي الثناء حمد وقال وهو من بيت القرآن والحديث والصلاح حدث من بيته غير واحد وروى عنه ابن خليل في معجمه ونعته بالصالح وبالإمام توفي في عشرى شعبان بمصر ودفن بسفح المقطم وفيها ابن الحصيب أبو المفضل محمد بن الحسن بن أبي الرضا القرشي الدمشقي روى عن جمال الإسلام وعلي بن عقيل الصوري وضعفه ابن خليل وفيها يوسف بن سعيد البنا الأزجي البعلي الفقيه الحنبلي المحدث سمع كثيرا وكتب بخطه توفي يوم السبت سلخ السنة ودفن يوم الأحد مستهل السنة التي بعدها وفيها أبو الفتوح يوسف بن المبارك بن كامل الخفاف البغدادي سمعه أبوه الحافظ أبو بكر الكبير من القاضي أبي بكر الأنصاري وابن زريق القزاز وطائفة وكان عاميا لا يكتب توفي في ربيع الأول سنة اثنتين وستمائة فيها كما قال في العبر وجد باربل خروف وجهه وجه آدمي (5/6) ________________________________________ 7 وفيها كثرت الغارات من الكلب ابن ليون صاحب سيس على بلاد حلب يسبى ويحرق فسار لحربه عسكر حلب فهزمهم انتهى وفيها وجد التقى الأعمى مدرس الأمينية مشنوقا في المنارة الغربية ابتلى بأخذ ماله من بيته فاتهم شخصا كان يقرأ عليه ويقوده من الجامع إلى بيته ومن بيته إلى الجامع فأنكر المتهم ذلك وتعصب له أقوام عند والي البلد فوقع الناس في عرض التقى لكونه اتهم من ليس من أهل التهم ولكونه جمع المال وهو وحيد غريب وأنه ليس بصادق فيما ادعاه فغلب عليه هم من ضياع ماله والوقع في عرضه ففعل بنفسه ذلك وامتنع الناس من الصلاة عليه وقالوا قتل نفسه فتقدم الشيخ فخر الدين ابن عساكر وصلى عليه فاقتدى الناس به ودرس بعده في الأمينية الجمال المصري وكيل بيت المال وفيها توفي أبو يعلى حمزة بن علي بن حمزة ابن فارس بن القسطي البغدادي المقرىء قرأ القراءات على سبط الخياط والشهرزوري وسمع منهما ومن أبي عبد الله السلار وطائفة وكان خيرا زاهدا بصيرا بالقراءات حاذقا بها توفي في ذي الحجة وفيها عثمان بن عيسى بن درباس القاضي العلامة ضياء الدين أبو عمرو الكردي الهدباني الحاراني ثم المصري تفقه في مذهب الشافعي على أبي العباس الخضر بن عقيل وابن أبي عصرون والخضر بن شبل وساد وبرع وتقدم في المذهب وشرح المهذب في عشرين مجلدا إلى كتاب الشهادات وشرح اللمع في مجلدين وناب عن أخيه صدر الدين عبد الملك قال ابن خلكان كان من أعلم الفقهاء في وقته بمذهب الشافعي ماهرا في أصول الفقه توفي بالقاهرة في ذي القعدة وقد قارب تسعين سنة ودفن بالقرافة الصغرى قاله ابن قاضي شهبه في طبقاته وفيها محمد بن سام صاحب غزنه قتلته الإسمعيلية في شعبان بعد قفوله من غزو الهند وكان ملكا جليلا مجاهدا واسع الممالك حسن السيرة (5/7) ________________________________________ 8 وهو الذي حضر عنده فخر الدين الرازي فوعظه وقال يا سلطان العالم لا سلطانك يبقى ولا تلبيس الرازي يبقى وإن مردنا إلى الله فانتحب السلطان بالبكاء وفيها ضياء بن أبي القسم بن أحمد بن علي بن الخريف البغدادي النجار سمع الكثير من قاضي المارستان وأبي الحسين محمد بن الفراء وكان أميا توفي في شوال وفيها أبو العز عبد الباقي بن عثمان الهمداني الصوفي روى عن زاهر الشحامي وجماعة وكان ذا علم وصلاح وفيها أبو زرعة اللفتواني بفتح اللام وسكون الفاء وضم الفوقية نسبة إلى لفتوان قرية بأصبهان عبيد الله بن محمد بن أبي نصر الأصبهاني اسمعه أبوه الكثير من الحسين الخلال وحضر على ابن أبي ذر الصالحاني وبقي إلى هذه السنة وانقطع خبره بعدها وفيها طاشتكين أمير الحاج العراقي ويلقب بمجير الدين حج بالناس ستا وعشرين سنة وكان شجاعا سمحا قليل الكلام حليما يمضي عليه الأسبوع ولا يتكلم استغاث إليه رجل فلم يكلمه فقال له الرجل الله كلم موسى فقال له وأنت موسى فقال له الرجل وأنت الله فقضى حاجته وكان قد جاوز التسعين واستأجر وقفا مدة ثلثمائة سنة على جانب دجلة ليعمره دارا وكان ببغداد رجل محدث يقال له فتيحة فقال يا أصحابنا نهنيكم مات ملك الموت فقالوا وكيف ذلك فقال طاشتكين عمره تسعون سنة واستأجر أرضا ثلثمائة سنة فلو لم يعرف أن ملك الموت قد مات لم يفعل ذلك فضحك الناس قاله ابن شهبة في تاريخه سنة ثلاث وستمائة فيها تمت عدة حروب بخراسان قوى فيها خوارزم شاه واتسع ملكه وافتتح بلخ وغيرها وفيها قبض الخليفة على الركنى عبد السلام بن الشيخ عبد القادر وأحرقت كتبه وحكم بفسقه وهو الذي وشى على الشيخ أبي الفرج (5/8) ________________________________________ 9 ابن الجوزي حتى نكب فلقاه الله تعالى وفيها توفي جمال الدولة واقف الاقباليتين اقبال الخادم بالقدس بعد أن وقف داره بدمشق مدرستين شافعية وحنفية ووقف عليها مواضع الثلثان على الشافعية والثلث على الحنفية وفيها ايتامش مملوك الخليفة الناصر كان أقطعه الخليفة دجيل وقوفا وبها رجل نصراني من جهة الوزير ابن مهدي يؤذي المسلمين ويركب ويتجبر على المسلمين فسقى اتيامش سما فمات فأمر أن يسلم ابن ساوة النصراني لمماليك ايتامش فكتب الوزير إلى الخليفة يقول أن النصارى بذلوا في ابن ساوة مائة ألف دينار على أن لا يقتل فكتب الخليفة على رأس الورقة ( إن الأسود أسود الغاب همتها * يوم الكريهة في المسلوب لا السلب ) فسلم إلى المماليك فقتلوه وأحرقوه وفيها داود بن محمد بن محمود بن ماشاده أبو إسمعيل الأصبهاني في شعبان حضر فاطمة الجوزدانية وسمع زاهر الشحامي وغانم بن خالد وجماعة وفيها سعيد بن محمد بن محمد بن محمد بن عطاف أبو القسم المؤدب ببغداد روى عن قاضي المارستان وأبي القسم بن السمرقندي وتوفي في ربيع الآخر وفيها عبد الرزاق بن الشيخ عبد القادر بن أبي صالح الحافظ الثقة الحنبلي أبو بكر اسمعه أبوه من أبي الفضل الأرموي وطبقته ثم سمع هو بنفسه قال الضياء لم أر ببغداد في تيقظه وتحريه مثله وقال ابن نقطة كان حافظا ثقة مأمونا وقال ابن النجار كان حافظا ثقة متقنا حسن المعرفة بالحديث فقيها على مذهب أبي عبد الله أحمد بن حنبل ورعا متدينا كثير العبادة منقطعا في منزله عن الناس لا يخرج إلا في الجمعات محبا للرواية مكرما لطلاب العلم سخيا بالفائدة ذا مروءة مع قلة ذات يده وأخلاق حسنة وتواضع وكيس وكان خشن العيش صابرا على فقره عزيز النفس عفيفا على منهاج السلف وقال أبو شامة في تاريخ كان زاهدا عابدا ورعا لم يكن في أولاد الشيخ مثله وكان مقتنعا من الدنيا باليسير ولم يدخل فيما دخل فيه غيره من إخوته وقال ابن رجب ولد يوم الإثنين ثامن عشر ذي (5/9) ________________________________________ 10 القعدة سنة ثمان وعشرين وخمسمائة ببغداد وسمع الكثير بإفادة والده وبنفسه وتوفي ليلة السبت سادس شوال وصلى عليه بمواضع متعددة وكان يوما مشهودا ودفن بمقبرة الإمام أحمد وقال الذهبي حدث عنه أبو عبد الله الدبيثي وابن النجار والضياء المقدسي والنجيب عبد اللطيف والتقى اليلداني وابنه قاضي القضاة أبو صالح وآخرون وفيها أبو محمد عبد الحليم بن محمد بن أبي القسم الخضري محمد بن تيمية أبو محمد بن الشيخ فخر الدين وسيأتي ذكر والده ولد المترجم سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة وسمع الحديث ببغداد من ابن كلب وابن المعطوس وابن الجوزي وغيرهم وأقام ببغداد مدة طويلة وقرأ الفقه على مذهب الإمام أحمد وأتقن الخلاف والأصول والحساب والهندسة والفلسفة والعلوم القديمة ذكر ذاك ابن النجار وسمع منه الحافظ ضياء الدين وغيره وتوفي في سادس شوال بحران وذكر والده في كتابه الترغيب أن لولده عبد الحليم هذا كتابا سماه الذخيرة وذكر عنه فروعا في دقائق الوصايا وعويص المسائل وفيها أبو الفرج علي بن عمر بن فارس الحداد الباجراي ثم البغدادي الأزجي الفرضي الحنبلي تفقه على أبي حكيم النهرواني وقرأ الفرائض والحساب وكان فيه فضل ومعرفة وتقلب في الخدم الديوانية ذكره المنذري وقال توفي ليلة رابع شعبان ببغداد وفيها أبو الحسن علي بن فاضل بن سعد الله بن صمدون الحافظ الصوري ثم المصري قرأ القراءات على أحمد بن جعفر الغافقي وأكثر عن السلفي وسمع بمصر من الشريف الخطيب وكان رأسا في هذا الشأن وكتب الكثير توفي في صفر وفيها أبو جعفر الصيدلاني نسبة إلى بيع الأدوية والعقاقير محمد بن أحمد بن نصر الأصبهاني سبط حسين بن مندة ولد في ذي الحجة سنة تسع وخمسمائة وحضر الكثير على الحداد ومحمود الصيرفي وسمع من فاطمة الجوزدانية وانتهى إليه علو الاسناد في (5/10) ________________________________________ 11 الدنيا ورحلوا إليه توفي في رجب وفيها محمد بن كامل بن أحمد بن أسد أبو المحاسن التنوخي الدمشقي سمع من طاهر بن سهل الاسفراييني ومات في ربيع الأول وممن حدث عنه الفخر بن البخاري وفيها مخلص الدين أبو عبد الله محمد بن معمر بن الفاخر القرشي الأصبهاني ولد سنة عشرين وخمسمائة اسمعه والده حضورا من فاطمة الجوزدانية وجعفر الثقفي وسمع من أبي ذر وزاهر وخلق وكان عارفا بمذهب الشافعي وبالنحو والحديث قوي المشاركة محتشما ظريفا وافر الجاه توفي في ربيع الآخر وفيها صاين الدين أبو الحرم مكي بن ريان بن شبه العلامة الماكسيني بكسر الكاف وبالمهملة نسبة إلى ماكسين مدينة بالجزيرة ثم الموصلي الضرير المقري النحوي صاحب ابن الخشاب قرأ القراءات على يحيى بن سعدون وبرع في القراءات والعربية واللغة وغير ذلك ولم يكن لأهل الجزيرة في وقته مثله روى عن خطيب الموصل وسمع منه الفخر علي والناس توفي بالموصل وقد شاخ وفيها الشيخ الكبير الشهير أبو الحسن علي بن عمر بن محمد المعروف بالأهدل وقيل توفي سنة سبع واقتصر عليه الجزري في تاريخه كان من أعيان المشايخ أهل الكرامات والإفادات قدم جده محمد من العراق على قدم التصوف وهو شريف حسيني ونشأ ابن ابنه على نشوءا حسنا وبلغ من الحال والشهرة مبلغا قيل ولم يكن له شيخ وقيل بل صحبه رجل سايح من أصحاب الشيخ عبد القادر الجيلاني وقيل رأى أبا بكر الصديق وأخذ عنه مناما وقيل أخذ من الخضر وكان يقول انانبات الرحمن وبه تخرج أبو الغيث بن جميل وتهذب وكان يقول خرجت من عند ابن أفلح لؤلؤا بهما فثقبني سيدي على الأهدل وأما والد الشيخ فكان سايحا ونعاه ولده الشيخ علي إلى أصحابه يوم مات وصلوا عليه وتوفي الشيخ علي بأحواف السودان من سهام ولذريته كرامات وبركات قاله ابن الأهدل في تاريخه.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سنة أربع وستمائة

فيها سار خوارزم شاه محمد بن تكش بجيوشه وقصد الخطا فحشدوا له والتقوه فجرى لهم وقعات انهزم المسلمون وأسر جماعة منهم السلطان خوارزم شاه واختبطت البلاد وأسر معه أمير من أمرائه فأظهر خوارزم شاه أنه مملوك لذلك الأمير ثم قال الأمير أريد أن أبعث رجلا بكتابي إلى أهلي ليستفكوني بما أردت قال ابعث غلامك بذلك وقرر عليه مبلغا كبيرا فبعث مملوكه يعين خوارزم شاه وخلص بهذه الحيلة ووصل وزينت البلاد ثم قال الخطاي لذلك الأمير سلطانكم قد عدم قال أو ما تعرفه قال لا قال هو الذي قلت لك أنه مملوكي قال هلا عرفتني حتى كنت أخدمه وأسير به إلى مملكته فأسعد به قال خفتك عليه قال فسر بنا إليه فسارا إليه وفيها تملك الملك الأوحد أيوب بن العادل مدينة خلاط بعد حرب جرت بينه وبين صاحبها بليان ثم قتل بليان بعد ذلك وفيها توفي أبو العباس الرعيني أحمد بن محمد بن أحمد بن مقدام الأشبيلي المقرىء آخر من روى القراءات عن أبي الحسن شريح وسمع منه ومن أبي العربي وجماعة وكان من الأدب والزهد بمكان أخذ الناس عنه كثيرا وتوفي بين العيدين عن سبع وثمانين سنة وفيها حنبل بن عبد الله الرصافي أبو عبد الله المكبر راوي المسند بكماله عن ابن الحصين كان دلالا في الأملاك وسمع المسند في نيف وعشرين مجلسا بقراءة ابن الخشاب سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة توفي في رابع المحرم بعد عوده من دمشق وما تهنى بالذهب الذي ناله وقت سماعهم عليه قاله في العبر وفيها ست الكتبة نعمة بنت علي بن يحيى بن الطراح روت الكثير بدمشق عن جدها وتوفيت في ربيع الأول وفيها عبد المجيب بن عبد الله بن زهير البغدادي سمعه عمه عبد المغيث بن عبد الله من أحمد بن يوسف (5/12) ________________________________________ 13 ومن جماعة وكان كثير التلاوة جدا توفي بحماة في سلخ المحرم وفيها أبو محمد وأبو الفرج عبد الرحمن بن عيسى بن أبي الحسن علي بن الحسين البزوري البابصري الواعظ الحنبلي ولد سنة تسع وثلاثين وخمسمائة وسمع من أبي الوقت وهبة الله بن الشبلي وغيرهما وقرأ الوعظ والفقه والحديث على الشيخ أبي الفرج بن الجوزي وكان خصيصا به ثم تهاجرا وتباينا إلى أن فرق الموت بينهما قال سبط ابن الجوزي ثم حدثته نفسه بمضاهاة جدي وتكنى بكنيته واجتمع إليه سفساف أهل باب البصرة وانقطع عن جدي ولما جاء من واسط ما جاء إليه ولا زاره وتزوج صبية وهو في عشر السبعين فاغتسل في ماء بارد فانتفخ ذكره ومات وقال ابن رجب هو منسوب إلى بزورا قرية بدجيل وقال ابن النجار تفقه على مذهب أحمد ووعط وكان صالحا حسن الطريقة خشن العيش عزيز الدمعة عند الذكر كتبت عنه وهو الذي جمع سيرة ابن المنى وطبقات أصحابه وذكر فيها أنه لزمه وقرأ عليه وكلامه فيها يدل على فصاحة ومعرفة بالفقه والأصول والحديث وقد ذكره الحافظ الضياء فقال شيخنا الإمام الواعظ أبو محمد ولكن ابن الجوزي وأصحابه يذمونه توفي ليلة الإثنين السادس من شعبان ودفن بباب حرب وفيها أبو الفضل عبد الواحد بن عبد السلام بن سلطان الأزجي البيع المقرى الأستاذ قرأ القراءات على سبط الخياط وأبي الكرم الشهرزوري وسمع منهما ومن الأرموي وأقرأ القراءات وكان دينا صالحا توفي في ربيع الأول وفيها ابن الساعاتي الشاعر المفلق بهاء الدين علي بن محمد بن رستم صاحب ديوان الشعر قال ابن خلكان له ديوان شعر يدخل في مجلدين أجاد فيه كل الإجادة وآخر لطيف سماه مقطعات النيل نقلت منه ( لله يوم في سيوط وليلة * صرف الزمان باختها لا يغلط ) ( بتنا وعمر الليل في علوائه * وله بنور البدر فرع اشمط ) (5/13) ________________________________________ 14 ( والطل في سلك الغصون كلؤلؤ * رطب يصافحه النسيم فيسقط ) ( والطير يقرأ والغدير صحيفة * والريح يكتب والغمام ينقط ) وهذا تقسم بديع ونقلت منه أيضا ( ولقد نزلت بروضة خزية * رتعت نواظرها به والأنفس ) ( وظللت أعجب حيث يحلف صاحبي * والمسك من نفحائها يتنفس ) ( سفرت شقايقها فهم الأقحوان * بلثمها فرنا إليه النرجس ) ( فكأن ذا خد وذا ثغر يحا * وله وذا أبدا عيون تحرس ) وله كل معنى مليح أخبرني ولده بالقاهرة المحروسة أن أباه توفي يوم الخميس الثالث والعشرين من شهر رمضان بالقاهرة ودفن بسفح المقطم وعمره إحدى وخمسون سنة وستة أشهر واثني عشر يوما انتهى وفيها أبو ذر الخشني مصعب بن محمد بن مسعود الجياني النحوي اللغوي الفقيه المالكي ويعرف أيضا بابن أبي ركب صاحب التصانيف وحامل لواء العربية بالأندلس ولي خطابة اشبيلية مدة ثم قضاء جيان ثم تحول إلى فاس وبعد صيته وسارت الركبان بتصانيفه توفي بفاس وله سبعون سنة سنة خمس وستمائة فيها نازلت الكزج مدينة ارحلس فافتتحوها بالسيف وأحرقوها قال ابن الأهدل والكزج بالزاي والجيم وفيها توفي ابن الفارض الحسين ابن أبي نصر بن حسين بن هبة الله بن أبي حنيفة الحريمي المقري الضرير روى عن ابن الحصين وعمر دهرا وتوفي في شعبان وفيها أبو عبد الله الحسين بن أحمد الكرخي الكاتب روى عن قاضي المارستان وأبي منصور (5/14) ________________________________________ 15 ابن زريق مات في ذي القعدة وفيها صاحب الجزيرة العمرية الملك سنجرشاه بن غازي بن مودود بن اتابك زنكي قتله ابنه غزاي وحلفوا له ثم وثب عليه من الغد خواص أبيه فقتلوه وملكوا أخاه الملك المعظم وكان سنجر سيء السيرة ظلوما وفيها الجبائي الإمام السني أبو محمد عبد الله بن أبي الحسن بن أبي الفرج قال المنذري ابن أبي الفضل بدل ابن أبي الفرج والأول أصح قال القطيعي سألته عن مولد فقال سنة إحدى وعشرين وخمسمائة تقريبا وسألته عن نسبه فقال نحن من قرية يقال لها الجبة من ناحية بسرى من أعمال طرابلس وكنا قوما نصارى فتوفي أبي ونحن صغار وكان أبي من علماء النصارة وهم يعتقدون فيه أنه يعلم الغيب فلما مات نفذت إلى المعلم فقالت والدتي ولدي الكبير للكسب وعمارة أرضنا وولدي الصغير يضعف عن الكسب وأشارت إلي ولنا أخ أوسط فقال المعلم أما هذا الصغير يعنيني فما يتعلم ولكن هذا وأشار إلى أخي فأخذه وعلمه ليكون مقام أبي فقدر الله أن وقعت حروب فخرجنا من قريتنا فهاجرت من بينهم وكان في قريتنا جماعة من المسلمين يقرءون القرآن وإذا سمعتهم أبكي فلما دخلت أرض الإسلام أسلمت وعمري بضع عشرة سنة ثم بلغني إسلام أخي الكبير وتوفي مرابطا ثم أسلم أخي الذي كان يعلمه المعلم ودخلت بغداد في سنة أربعين وخمسمائة وقال ابن رجب وأصابه سباء فاسترق وقال أبو الفرج ابن الحنبلي كان مملوكا فقرأ القرآن في حلقة الحنابلة بجامع دمشق فحفظه وحفظ شيئا من عبادات المذهب الحنبلي فقام قوم إلى الشيخ زين الدين علي بن إبراهيم بن نجا الواعظ وهو على منبر الوعظ فقالوا هذا الصبي قد حفظ القرآن وهو على خير نريد أن نشتريه ونعتقه فاشتري من سيده وأعتق وسافر عن دمشق وطلب همذان ولقي الحافظ أبا العلاء الهمذاني فأقام عنده وقرأ عليه القرآن سومع الحديث وصار عند الحافظ مصدرا يقرىء الناس (5/15) ________________________________________ 16 ويأخذ عليه واشتهر بالخير والعلم ودخل العجم وسمع الكثير ورجع إلى بغداد وسمع حديثها ولقي مشايخها قال ولقيته ببغداد واستزارني إلى بيته وقال جماعته أنا مملوك بيت الحنبلي ثم سافر إلى أصبخان وقال الشيخ موفق الدين كان رجلا صالحا وهو من جبة طرابسل سبي من طرابلس صغيرا واشتراه ابن نجية وأعتقه فسافر إلى بغداد ثم إلى أصبهان وكان يسمع معنا الحديث انتهى سمع المترجم من ابن ناصر وأضرابه وتفقه على أبي حكيم النهرواني وصحب الشيخ عبد القادر الجيلي مدة مائلا إلى الزهد والصلاح وانتفقع به قال ابن النجار كتب إلى عبد الله بن أبي الحسن الجبائي قال كنت أسمع كتاب حلية الأولياء على شيخنا ابن ناصر فرق قلبي وقلت في نفسي اشتهيت أن أنقطع عن الخلق وأشتغل بالعبادة ومضيت وصليت خلف الشيخ عبد القادر فلما صلى جلسنا بين يديه فنظر إلي وقال إذا أردت الانقطاع فلا تنقطع حتى تتفقه وتجالس الشيوخ وتتأدب بهم فحينئذ يصلح لك الانقطاع وإلا فتمضي وتنقطع قبل أن تتفقه وأنت فريخ ما ريشت فإن أشكل عليك شيء من أمر دينك تخرج من زاويتك وتسأل الناس عن أمر دينك ما أحسن صاحب الزاوية أن يخرج من زاويته ويسأل الناس عن أمر دينه ينبغي لصاحب الزاوية أن يكون كالشمعة يستضاء بنوره قال وكان الشيخ يتكلم يوما في الإخلاص والرياء والعجب وأنا حاضر في المجلس فخطر في نفسي كيف الخلاف من العجب فالتفت إلى الشيخ وقال إذا رأيت الأشياء من الله تعالى وأنه وفقك لعمل الخير وأخرجت من البين سلمت من العجب وقال ابن الحنبلي كانت حرمة الشيخ عبدالله كبيرة ببغداد وبأصبهان وكان إذا مشى في السوق قام له أهل السوق وله رياضات ومجاهدات وروى عنه ابن خليل في معجمه وتوفي ثالث جمادى الآخرة بأصبهان وفيها عبدالواحد بن أبي المطهر القسم بن الفضل الصيدلاني الأصبهاني في جمادى الأولى عن إحدى وتسعين (5/16) ________________________________________ 17 سنة سمع من جعفر الثقفي وفاطمة الجوزدانية وغيرهم وفيها أبو الحسن المعافري خطيب القدس علي بن محمد بن علي بن جميل المالقي المالكي سمع كتاب الأحكام من مصنفه عبدالحق وسمع بالشام من يحيى الثقفي وجماعة وكتب وحصل ونال رياسة وثروة مع الدين والخير وفيها علي بن ربيعة بن أحمد بن محمد بن حينا الحربوي من أهل حربا من سوداء بغداد قدم بغداد في صباه وصحب عمه لامه أبا المقال سعد بن علي الخاطري وقرأ عليه الأدب وحفظ القرآن وتفقه في مذهب الإمام أحمد وسمع الحديث من أبي الوقت وسعيد بن البنا وأبي بكر بن الزاغوني وغيرهم وشهد عند الحكام وتوكل للخليفة الناصر ورفع قدره ومنزلته ثم عزل عن الوكالة وكان ذا طريقة حميدة وحسن سمت واستقامة وعفة ونزاهة فاضلا خيرا يكتب خطا حسنا على طريقة ابن مقلة وسمع منه إسحق العلثي وكان يكره الرواية ويقال مخالطة الناس ذكره ابن النجار وقال توفي في يوم السبت ثامن شوال ودفن بباب حرب وأظنه قارب السبعين وفيها أبو الجود غياث ابن فارس اللخمي مقرىء الديار المصرية ولد سنة ثمان وخمسمائة وسمع من ارن رفاعة وقرأ القراءات على الشريف الخطيب واقرأ الناس دهرا وآخر من مات من أصحابه إسمعيل المليجي توفي في رمضان وفيها أبو الفتح الميداني محمد بن أحمد بن بختيار الواسطي المعدل مسند العراق ولد سنة سبع عشرة وخمسمائة واسمعه أبوه القاضي أبو العباس من ابن الحصين وأبي عبد الله البارع وغيرهما وتفقه على سعيد بن الرزاز وتأدب على ابن الجواليقي توفي في شعبان وكان من خيار الناس وفيها أو في التي قبلها كما جزم به ابن قاضي شهبة محمد بن أحمد بن أسعد الإمام أبو الخطاب رئيس الشافعية ببخارى هو وأبوه وجده وجد جده قال السبكي في الطبقات الكبرى كان عالم تلك البلاد وإمامها ومحققها وزاهدها وعابدها وقال عفيف الدين المطري (5/17) ________________________________________ 18 هو مجتهد زمانه وعلامة أقرانه لم تر العيون مثله ولا رأى مثل نفسه انتهى قال السبكي وهو مصنف المخلص وكتاب المصباح كلاهما في الفقه وفيها أبو بكر بن مشق المحدث العالم محمد بن المبارك بن محمد البغدادي البيع عاش ثنتين وسبعين سنة وروى عن القاش الأرموي وطبقته وكان صدوقا متوددا بلغت أثبات مسموعاته ست مجلدات سنة ست وستمائة فيها جلس سبط ابن الجوزي بجامع دمشق ووعظ وحث على الغزاة وكان الناس من باب الساعات إلى مشهد زين العابدين واجتمع عنده شعور كثيرة وذكر حكاية أبي قدامة الشامي مع تلك المرأة التي قطعت شعرها وبعثت به إليه وقالت اجعله قيدا لفرسك في سبيل الله فعمل من الشعور التي عنده مجتمعة شكلا لخيل المجاهدين ولما صعد المنبر أمر بإحضارها فكانت ثلثمائة شكال فلما رآها الناس صاحوا صيحة واحدة وقطعوا مثلها وكان والي دمشق حاضرا والأعيان فلما نزل عن المنبر قام والي دمشق ومشى مع السبط وركب وركب الناس وخرجوا إلى باب المصلى وكانوا خلقا لا يحصون كثرة وساروا إلى نابلس لقتال الفرنج فأسروا وهزموا وهدموا وقتلوا ورجعوا سالمين غانمين وفي سابع شوال شرعوا في عمارة المصلى بظاهر دمشق المجاورة لمسجد النارنج برسم صلاة العيدين وفتحت له الأبواب من كل جانب وبنى له منبر كبير عال وفيها جددت أبواب الجامع الغربية من جهة باب البريد بالنحاس الأصفر وفيها توفي إدريس بن محمد أبو القسم العطار المعروف بآل والويه روى عن محمد بن علي بن أبي ذر الصالحاني وتوفي في شعبان قيل أنه جاوز المائة وفيها أسعد ويسمى محمد بن المنجا بن بركات بن المؤمل التنوخي المعرى ثم الدمشقي الحنبلي القاضي وجيه الدين أبو المعالي ويقال (5/18) ________________________________________ 19 في أبيه أبو المنجا وفي جده أبو البركات ولد سنة تسع عشرة وخمسمائة وسمع بدمشق من أبي القسم نصر بن أحمد بن مقاتل السوسي وببغداد من أبي الفضل الأرموي وأبي العباس المايداي وغيرهم وهو واقف الوجيهية التي برأس باب البريد وهي مدرسة قريبة من مدرسة الخاتونية الجوانية وبها خلا وكثيرة ولها وقف كثير اختلس قال المنذري وتفقه ببغداد على مذهب الإمام أحمد وقال الذهبي ارتحل إلى بغداد وتفقه بها وبرع في المذهب وأخذ الفقه عن الشيخ عبد القادر الجيلي وغيره وتفقه بدمشق على شرف الإسلام عبدالوهاب ابن الشيخ أبي الفرج وأخذ عنه الشيخ الموفق وروى عنه جماعة وقال ناصح الدين بن الحنبلي كان أبو المعالي بن المنجا يدرس في المسمارية يوما وأنا يوما ثم استقليت بها في حياته وكان له اتصال بالدولة وخدمة السلاطين وأسن وكبر وكف بصره في آخر عمره وله تصانيف منها كتاب الخلاصة في الفقه والعمدة والنهاية في شرح الهداية في بضعة عشر مجلدا وسمع منه جماعة منهم الحافظ المنذري وابن خليف وابن البخاري وتوفي ثامن عشرى ربيع الأول ودفن بسفح قاسيون رحمه الله تعالى وفيها أبو الطاهر إسمعيل بن نعمة بن يوسف ابن شبيب الرومي المصري العطار الأديب البارع ابن أبي حفص ولد سنة إحدى وخمسين وخمسمائة تقديرا وكان بارعا في الأدب حنبلي المذهب له مصنفات أدبية وله مماليك منها مائة جارية ومائة غلام وغير ذلك وكان بارعا في معرف العقاقير ذكره النذري وقال رأيته ولم يتفق لي السماع منه وتوفي في عشرى المحرم بمصر ودفن إلى جنب أبيه بسفح المقطم على جانب الخندق وكان أبوه رجلا صالحا مقرئا وأخوه مكي هو الذي جمع سيرة الحافظ عبد الغني وفيها عفيفة بنت أحمد بن عبد الله بن محمد بن هاني الفارقانية الأصبهانية ولدت سنة ست عشرة وخمسمائة وهي آخر من روى عن عبد الواحد (5/19) ________________________________________ 20 صاحب أبي نعيم ولها إجازة من أبي علي الحداد وجماعة وسمعت من فاطمة المعجمين الكبير والصغير للطبراني توفيت في ربيع الآخر وفيها القاضي الأسعد أبو المكارم أسعد بن الخطير أبي سعد مهذب بن ميناس بن زكريا ابن أبي قدامة بن أبي مليح مماتي المصري الكاتب الشاعر كان ناظر الدواوين بالديار المصرية وفيه فضائل وله مصنفات عديدة ونظم سيرة السلطان صلاح الدين ونظم كتاب كليلة ودمنة وله ديوان شعر منه ( تعاتبني وتنهى عن أمور * سبيل الناس أن ينهوك عنها ) ( أتقدر أن تكون كمثل عيني * وحقك ما على أضر منها ) وله في ثقيل رآه بدمشق ( حكى نهرين ما في الأرض * من يحكيهما أبدا ) ( حكى في خلقه تورا * وفي ألفاظه بردا ) وله في غلام نحوي ( وأهيف أحدث لي نحوه * تعجبا يعرب عن ظرفه ) ( علامة التأنيث في لفظه * وأحرف العلة في ظرفه ) توفي يوم الأحد سلخ جمادى الأولى عن اثنين وستين سنة وكانت وفاته في حلب وفيها أحمد بن أحمد بن حكينا الشاعر الأديب قال العماد أجمع أهل بغداد على أنه لم يرزق أحد من الشعر لطافة شعره ومنه ( لافتضاحي في عوارضه * سبب والناس لوام ) ( كيف يخفى ما أكابده * والذي أهواه نمام ) وقوله ( لما بدا خط العذار * بريش عارضه بمشق ) ( فظننت أن سواده * فوق البياض كتاب عتق ) ( فإذا به من سوء حظي * عهدة كتبت برقي ) (5/20) ________________________________________ 21 وفيها أبو عبد الله المرادي محمد بن سعيد المرسي أخذ القراءات عن ابن هذيل وسمع من جماعة وتوفي في رمضان وفيها الإمام فخر الدين الرازي العلامة أبو عبدالله محمد بن عمر بن حسين القرشي الطبرستاني الأصل الشافعي المفسر المتكلم صاحب التصانيف المشهورة ولد سنة أربع وأربعين وخمسمائة واشتغل على والده الإمام ضياء الدين خطيب الري صاحب محي السنة البغوي وكان فخر الدين ربع القامة عبل الجسم كبير اللحية جهوري الصوت صاحب وقار وحشمة له ثروة ومماليك وبزة حسنة وهيئة جميلة إذا ركب مشى معه نحو الثلثمائة مشتغل على اختلاف مطالبهم في التفسير والفقه والكلام والأصول والطب وغير ذلك وكان فريد عصره ومتكلم زمانه رزق الحظوة في تصانيفه وانتشرت في الأقاليم وكان له باع طويل في الوعظ فيبكي كثيرا في وعظه سار إلى شهاب الدين الغوري سلطان غزته فبالغ في إكرامه وحصلت له منه أموال طائلة واتصل بالسلطان علاء الدين خوارزم شاه فحظي لديه وكان بينه وبين الكرامية السيف الأحمر فينال منهم وينالون منه سبا وتكفيرا حتى قيل أنهم سموه فمات وخلف تركة ضخمة منها ثمانون ألف دينار توفي بهراة يوم عيد الفطر قاله جميعه في العبر وقال ابن قاضي شهبة ومن تصانيفه تفسير كبير لم يتمه في اثني عشر مجلدا كبارا سماه مفاتيح الغيب وكتاب المحصول والمنتخب ونهاية المعقول وتأسيس التقديس والمعالم في أصول الدين والمعالم في أصول الفقه والملخص في الفلسفة وشرح سقط الزند لأبي العلاء وكتاب الملل والنحل ومن تصانيفه على ما قيل كتاب السر المكتوم في مخاطبة الشمس والنجوم على طريقة من يعتقده ومنهم من أنكر أن يكون من مصنفاته انتهى ملخصا وقال ابن الصلاح أخبرني القطب الطوعاني مرتين أنه سمع فخر الدين الرازي يقول يا ليتني لم أشتغل بعلم الكلام وبكى وروى عنه أنه قال لقد (5/21) ________________________________________ 22 اختبرت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فلم أجدها تروي غليلا ولا تشفي عليلا ورأيت أصح الطرق طريقة القرآن أقرأ في التنزيه ( ^ والله الغني وأنتم الفقراء ) وقوله تعالى ( ^ ليس كمثله شيء ) و ( ^ قل هو الله أحد ) وأقرأ في الأثبات ( ^ الرحمن على العرش استوى ) ( ^ يخافون ربهم من فوقهم ) و ( ^ إليه يصعد الكلم الطيب ) وأقرأ أن الكل من الله قوله ( ^ قل كل من عند الله ) ثم قال وأقول من صميم القلب من داخل الروح أني مقر بأن كل ما هو إلا كمل الأفضل الأعظم الأجل فهو لك وكلما هو عيب ونقص فأنت منزه عنه انتهى وقال ابن الأهدل ومن شعره ( نهاية أقدام العقول عقال * وأكثر سعي العالمين ضلال ) ( وأرواحنا في وحشة من جسومنا * وحاصل دنيانا أذى ووبال ) ( ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا * سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا ) وأنشد يوما معاتبا لأهل هراة ( المرء ما دام حيا يستهان به * ويعظم الرزء فيه حين يفتقد ) انتهى وفيها العلامة مجد الدين أبو السعادات بن الأثير المبارك بن محمد بن محمد بن عبدالكريم الشيباني الجزري ثم الموصلي الشافعي الكاتب مصنف جامع الأصول والنهاية في غريب الحديث ولد سنة أربع وأربعين وسمع من يحيى بن سعدون القرطبي وخطيب الموصل قال ابن شهبة في طبقاته ولد بجزرة ابن عمر ونشأ بهم ثم انتقل إلى الموصل وسمع الحديث وقرأ الفقه والحديث والأدب والنحو ثم اتصل بخدمة السلطان وترقت به المنازل حتى باشر كتابة السر وسأله صاحب الموصل أن يلي الوزارة فاعتذر بعلو السند والشهرة بالعلم ثم حصل له نقرس أبطل حركة يديه ورجليه وصار يحمل في محفة وقال ابن خلكان كان فقيها محدثنا أديبا نحويا عالما بصنعة الحساب والإنشاء ورعا عاقلا مهيبا ذا بر وإحسان وذكره ابن المستوفى (5/22) ________________________________________ 23 والمنذري وأثنى كل واحد منهما عليه وذكره ابن نقطة وقال توفي آخر يوم من سنة ست وستمائة برباطه في قرية من قرى الموصل ودفن به وقال ابن الأهدل له مصنفات بديعة وسيعة منها جامع الأصول الستة الصحيح أمهات الحديث وضعه على كتاب رزين بن معاوية الأندلسي إلا أن فيه زيادات كثيرة ومنها النهاية في غريب الحديث وكتاب الإنصاف في الجمع بين الكشف والكشاف في تفسير القرآن العظيم أخذه من الثعلبي والزمخشري وله كتاب المصطفى والمختار في الأدعية والأذكار وكتاب صنعة الكتابة وشرح أصول ابن الدهان في النحو وكتاب الشافعي في شرح مسند الشافعي وغير ذلك وعرض له فالج أبطل نصفه وبقي مدة تغشاه الأكابر من العلماء وأنشأ رباطا ووقف أملاكه عليه وداره التي يسكنها وحكى أن تصنيفه كله في حال تعطله لأنه كان عنده طلبة يعينونه على ذلك وحكى أخوه أبو الحسين جاءه طبيب وعالجه بدهن قارب أن يبرأ فقال إني في راحة من صحبة هؤلاء القوم وحضورهم وقد سكنت نفسي إلى الإنقطاع فدعني أعش باقي عمري سليما من الذل وترك انتهى وفيها ابن الأخوة مؤيد الدين أبو مسلم هشام بن عبد الرحيم بن أحمد بن محمد بن الأخوة البغدادي ثم الأصبهاني المعدل سمع حضورا من أبي ذر وزاهر وسمع من أبي عبد الله الخلال وطائفة وروى كتبا كبارا توفي في جمادى الآخرة وفيها أبو زكريا الأواني يحيى بن الحسين قرأ القراءات على أبي الكرم الشهرزوري ودعوان وسمع بواسط من أبي عبد الله الجلالبي وغيره وتوفي في صفر وفيها مجد الدين يحيى بن الربيع العلامة أبو علي الشافعي ولد سنة ثمان وعشرين وخمسمائة بواسط تفقه أولا على أبي النجيب السهروردي ورحل إلى محمد بن يحيى فتفقه عنده سنتين ونصف وسمع من نصر الله بن الحلجت (5/23) ________________________________________ 24 وببغداد من ابن ناصر وبنيسابور من عبد الله بن الفراوي وولى تدريس النظامية وكان إماما في القراءات والتفسير والمذهب والأصلين والخلاف كبير القدر وافر الحرمة توفي في ذي القعدة سنة سبع وستمائة فيها خرجت الفرنج من البحر من غربي دمياط وساروا في البر فأخذوا قرية نوره واستباحوها وردوا في الحال وفيها توفي صاحب الموصل الملك العادل نور الدين أرسلان شاه بن عز الدين مسعود بن مودود بن اتابك زنكي التركي ولي بعد أبيه ثمان عشرة سنة وكان شهما شجاعا سايسا مهيبا مخوفا قال أبو السعادات بن الأثير وزيره ما قلت له في فعل خير إلا وبادر إليه وقال أبو شامة كان عقد نور الدين صاحب الموصل مع وكيله بدمشق على بنت من بيت المال على مهر ثلاثين ألف دينار ثم بان أنه قد مات من أيام وقال أبو المظفر الجوزي كان جبارا سافكا للدماء بخيلا وقال ابن خلكان كان شهما عارفا بالأمور تحول شافعيا ولم يكن في بيته شافعي سواه وله مدرسة قل أن يوجد مثلها في الحسن توفي ليلة الأحد التاسع والعشرين من رجب في شبارة بالشط ظاهر الموصل والشبارة عندهم هي الحراقة بمصر وكتم موته حتى دخل به دار السلطنة بالموصل ودفن بتربته التي بمدرسته المذكورة وخلف ولدين هما الملك القاهر عز الدين مسعود والملك المنصور عماد الدين زنكي وقام بالمملكة بعده ولده القاهر وهو أستاذ الأمير بدر الدين أبي الفضائل لولو الذي تغل بعلى الموصل وملكها في سنة ثلاثين وستمائة في أواخر شهر رمضان وكان قبل نائبا بها ثم استقل وفيها أبو الفخر أسعد بن سعيد بن محمود بن محمد بن روح الأصبهاني (5/24) ________________________________________ 25 التاجر رحلة وقته ولد سنة سبع عشرة وخمسمائة وسمع المعجم الكبير للطبراني بفوت والمعجم الصغير من فاطمة وكان آخر من سمع منها وسمع من زاهر وسعيد بن أبي الرجا توفي في ذي الحجة وآخر من سمع منه وروى عنه بالإجازة تقي الدين بن الواسطي وفيها بقية بنت محمد بن آموسان روت عن أبي عبد الله الخلال وغانم بن خالد توفيت في رجب بأصبهان وفيها أخوها جعفر بن آموسان الواعظ أبو محمد الأصبهاني سمع من فاطمة بنت البغدادي وجماعة وروى الكثير وحج فأدركه الأجل بالمدينة النبوية في المحرم وفيها زاهر بن أحمد بن أبي غانم أبو المجد بن أبي طاهر الثقفي الأصبهاني ولد سنة إحدى وعشرين وسمع من محمد بن علي بن أبي ذر وسعيد بن أبي الرجا وزاهر بن طاهر وطائفة وروى حضورا عن جعفر بن عبد الله الثقفي توفي في ذي القعدة وفيها عائشة بنت معمر بن الفاخر أم حبيبة الأصبهانية حضرت فاطمة الجوزدانية وسمعت من زاهر وجماعة قال ابن نقطة سمعنا منها مسند أبي يعلى بسماعها من سعيد الصيرفي توفيت في ربيع الآخر وفيها أبو أحمد بن سكينة الحافظ ضياء الدين عبد الوهاب ابن الأمين علي بن علي البغدادي الصوفي الشافعي مسند العراق وسكينة جدته ولد سنة تسع عشرة وسمع من ابن الحصين وزاهر الشحامي وطبقتهما ولازم ابن السمعاني وسمع الكثير من قاضي المارستان وأقرانه وقرأ القراءات على سبط الخياط وجماعة ومهر فيها وقرأ العربية على ابن الخشاب وقرأ المذهب والخلاف على أبي منصور الرزاز وصحب جده لأمه أبا البركات إسمعيل بن أسعد وأخذ علم الحديث عن ابن ناصر ولازمه قال ابن النجار هو شيخ العراق في الحديث والزهد والسمت وموافقة السنة كانت أوقاته محفوظة لا تمضي له ساعة إلا في تلاوة أو ذكر أو تهجد أو تسميع وكان يديم الصيام غالبا ويستعمل السنة في أموره إلى أن قال وما رأيت أكمل منه ولا أكثر عبادة (5/25) ________________________________________ 26 ولا أحسن سمتا صحبته وقرأت عليه القراءات وكان ثقة نبيلا من أعلام الدين وقال ابن الدبيثي كان من الأبدال وقال الذهبي آخر من له إجازته الكمال المكبر توفي في تاسع ربيع الآخر وفيها ابن طبرزد مسند العصر أبو حفص موفق الدين عمر بن محمد بن معمر الدارقزي المؤدب ولد سنة ست عشرة وخمسمائة وسمع من ابن الحصين وأبي غالب بن البنا وطبقتهما فأكثر وحفظ أصوله إلى وقت الحاجة وروى الكثير ثم قدم دمشق في آخر أيامه فازدحموا عليه وقد أملى مجالس بجامع المنصور وعاش تسعين سنة وسبعة أشهر وكان ظريفا كثير المزاح توفي في تاسع رجب ببغداد وفيها أبو موسى الجزولي بضم الزاي نسبة إلى جزولة بطن من البربر بالمغرب عيسى بن عبد العزيز بن يللبخت البربري المراكشي النحوي العلامة حج وأخذ العربية عن ابن بري بمصر وسمع الحديث من أبي عبيد الله واليه انتهت الرياسة في علم النحو وولى خطابة مراكش مدة وكان بارعا في الأصول والقراءات قال ابن خلكان كان إماما في علم النحو كثير الإطلاع على دقائقه وغريبه وشاذه وصنف فيه المقدمة التي سماها القانون ولقد أتى فيها بالعجائب وهي في غاية الإيحاز مع الاشتمال على شيء كثير من النحو ولم يسبق إلى مثلها واعتنى بها جماعة من الفضلاء فشرحوها ومنهم من وضع لها أمثلة ومع هذا كله لا تفهم حقيقتها وأكثر النحاة يعترفون بقصور افهامهم عن إدراك مراده منها فإنها كلها رموز وإشارات وبالجملة فإنه أبدع فيها وله أمال في النحو لم تشتهر ونسبت الجمل إليه لأنها من نتائج خواطره وكان يقول هي ليست من تصنيفي لأنه كان متورعا وكان استفادها من شيخه ابن بري وإنما نسبت إليه لأنه انفرد بترتيبها وانتفع به خلق كثير وتوفى بازمور من عمل مراكش ويللبخت بفتح التحتية المثناة واللام الأولى وسكون الثانية وفتح الباء الموحدة وسكون الخاء المعجمة وبعدها تاء مثناة فوقية اسم بربري (5/26) ________________________________________ 27 وفيها الشيخ أبو عمر المقدسي الزاهد محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام الحنبلي القدوة الزاهد أخو العلامة موفق الدين ولد بجماعيل سنة ثمان وعشرين وخمسمائة وهاجر إلى دمشق لاستيلاء الفرنج على الأرض المقدسة وسمع الحديث من أبي المكارم عبد الواحد بن هلال وطائفة كثيرة وكتب الكثير بخطه وحفظ القرآن والفقه والحديث وكان إماما فاضلا مقرئا زاهدا عابدا قانتا لله خاشعا من الله منيبا إلى الله كثير النفع لخلق الله ذا أوراد وتهجد واجتهاد وأوقات مقسمة على الطاعات من الصلاة والصيام والذكر وتعلم العلم والفتوة والمروءة والخدمة والتواضع رضي الله عنه وأرضاه فلقد كان عديم النظير في زمانه خطب بجامع الجبل إلى أن مات قاله في العبر وقال ابن رجب في طبقاته هاجر به والده وبأخيه الشيخ الموفق وأهلهم إلى دمشق لاستيلاء الفرج على الأرض المقدسة فنزلوا بمسجد أبي صالح ظاهر باب شرقي فأقاموا به مدة نحو سنتين ثم انتقلوا إلى الجبل قال أبو عمر فقال الناس الصالحية الصالحية ينسبونا إلى مسجد أبي صالح لا أنا صالحون حفظ الشيخ أبو عمر القرآن وقرأه بحرف أبي عمرو وسمع الحديث من والده وخلائق وقدم مصر وسمع بها من الشريف أبي المفاخر سعيد بن الحسن بن المأموني وأبي محمد بن بري النحوي وخرج له الحافظ عبدالغني المقدسي أربعين حديثا من رواياته وحدث بها وسمع منه جماعة منهم الضياء والمنذري وروى عنه ابن خليل وولده شمس الدين أبو الفرج عبدالرحمن قاضي القضاة وحفظ مختصر الخرقي في الفقه وتفقه في المذهب وكتب بخطه كثيرا من ذلك الحلية لأبي نعيم وتفسير البغوي والمغني في الفقه لأخيه الشيخ موفق الدين والإبانة لابن بطة وكتب مصاحف كثيرة لأهله ويكتب الخرقي للناس والكل بغير أجرة وكان سريع الكتابة وربما كتب في اليوم كراسين بالقطع الكبير وقال الحافظ الضياء وكان الله قد جمع له معرفة الفقه والفرائض (5/27) ________________________________________ 28 والنحو مع الزهد والعمل وقضاء حوائج الناس قال وكان لا يكاد يسمع دعاء إلا حفظه ودعا به ولا يسمع ذكر صلاة إلا صلاها ولا يسمع حديثا إلا عمل به وكان لا يترك قيام الليل من وقت شبوبيته وقلل إلا كل في مرضه قبل موته حتى عاد الكعود ومات وهو عاقد على أصابعه يسبح قال وحدثت عن زوجته قالت كان يقوم الليل فإذا جاءه النوم عنده قضيب يضرب به على رجله فيذهب عنه النوم وكان كثير الصيام سفرا وحضرا وقال عبد الله أنه في آخر عمره سرد الصوم فلامه أهله فقال اغتنم أيامي وكان لا يسمع بجنازة إلا حضرها ولا مريض إلا عاده ولا بجهاد إلا خرج فيه وكان يقرأ في الصلاة كل ليلة سبعا مرتلا ويقرأ في النهار سبعا بين الظهر والعصر وكان يقري ويلقن إلى ارتفاع النهار ثم يصلي الضحى طويلة وكان يصلي كل ليلة جمعة بين العشاءين صلاة التسبيح ويصلي يوم الجمعة ركعتين بمائة قل هو الله أحد وكان يصلي في كل يوم وليلة اثنتين وسبعين ركعة نافلة وله أوراد كثيرة وكان يزور القبور كل جمعة بعد العصر ولا ينام إلا على وضوء ويحافظ على سنن وأذكار عند نومه وكان لا يترك غسل الجمعة ولا يخرج إلى الجمعة إلا ومعه شيء يتصدق به وكان يؤثر بما عنده لأقاربه وغيرهم ويتصدق كثيرا ببعض ثيابه حتى يبقى في الشتاء بجبة بغير قميص وكانت عمامته قطعة بطانة فإذا احتاج أحد إلى خرقة أو مات صغير قطع منها وكان يلبس الخشن وينام على الحصير وكان ثوبه إلى نصف ساقه وكمه إلى رسغه ومكث مدة لا يأكل أهل الدير إلا من بيته يجمع الرجال ناحية والنساء ناحية وكان إذا جاء شيء إلى بيته فرقه على الخاص والعام وكان يقول لا علم إلا ما دخل مع صاحبه القبر ويقول إذا لم تتصدقوا لا يتصدق أحد عنكم وإذا لم تعطوا السائل أنتم أعطاه غيركم وكان إذا خطب ترق القلوب وتبكي الناس بكاء كثيرا وكانت له هيبة عظيمة في القلوب وأحتاج الناس إلى المطر سنة فطلع إلى مغارة الدم ومعه نساء من محارمه (5/28) ________________________________________ 29 واستسقى ودعا فجاء المطر حينئذ وجرت الأودية شيئا لم يره الناس من مدة طويلة وقال عبد الله بن النحاس كان والدي يحب الشيخ أبا عمر فقال لي يوم جمعة أنا أصلي الجمعة خل فالشيخ ومذهبي أن بسم الله الرحمن الرحيم من الفاتحة ومذهبه أنها ليست من الفاتحة فمضينا إلى المسجد فوجدنا الشيخ فسلم على والدي وعانقه وقال يا أخي صل وأنت طيب القلب فإنني ما تركت بسم الله الرحمن الرحيم في فريضة ولا نافلة مذ أممت بالناس وله كرامات كثيرة وقد أطال الضياء ترجمته وكذلك سبط ابن الجوزي في المرآة وقال كان معتدل القامة حسن الوجه عليه أنوار العبادة لا يزال متبسما نحيل الجسم من كثرة الصيام والقيام وكان يحمل الشيخ من الجبل إلى بيوت الأرامل واليتامى ويحمل إليهم في الليل الدراهم والدقيق ولا يعرفونه ولا نهر أحدا ولا أوجع قلب أحد وكان أخوه الموفق يقول هو شيخنا ربانا وأحسن إلينا وعلمنا وحرص علينا وكان للجماعة كالوالد يقوم بمصالحهم ومن غاب منهم خلفه في أهله وهو الذي هاجر بنا وسفرنا إلى بغداد وبنى الدير ولما رجعنا من بغداد زوجنا وبنى لنا دورا خارجة عن الدير وكفانا هموم الدنيا وكان يؤثرنا ويدع أهله محتاجين وبنى المدرسة والمصنع بعلو همته وكان مجاب الدعوة وما كتب لأحد ورقة للحمى إلا وشفاه الله تعالى وذكر جماعة أن الشيخ قطب قبل موته بست سنين وقال سبط ابن الجوزي كان على مذهب السلف الصالح حسن العقيدة متمسكا بالكتاب والسنة والآثار المروية ويمرها كما جاءت من غير طعن على أئمة الدين وعلماء المسلمين وينهى عن صحبة المبتدعين ويأمر بصحبة الصالحين قال وأنشدني لنفسه ( أوصيكم في القول بالقرآن * بقول أهل الحق والإيقان ) ( ليس بمخلوق ولا بفان * لكن كلام الملك الديان ) ( آياته مشرقة المعاني * متلوة في اللفظ باللسان ) (5/29) ________________________________________ 30 ( محفوظة في الصدر والجنان * مكتوبة في الصحف بالبنان ) ( والقول في الصفات يا أخواني * كالذات والعلم مع البيان ) ( امرارها من غير ما كفران * من غير تشبيه ولا عدوان ) ولما كان عشية الإثنين ثامن عشرى ربيع الأول جمع أهله واستقبل القبلة ووصاهم بتقوى الله تعالى ومراقبته وأمرهم بقراءة يس وكان آخر كلامه ( ^ إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) وتوفي رحمه الله وغسل في المسجد ومن وصل إلى الماء الذي غسل به نشف النساء والرجال به عمائمهم وكان يوما مشهودا ولما خرجوا بجنازته من الدير كان يوما شديد الحر فأقبلت غمامة فأظلت الناس إلى قبره وكان يسمع منها دوى كدوي النحل ولولا الدولة أحاطوا به بالسيوف لما وصل من كفنه إلى قبره شيء ولما دفن رأى بعض الصالحين في منامه تلك الليلة النبي وهو يقول من زار أبا عمر ليلة الجمعة فكأنما زار الكعبة فاخلعوا نعالكم قبل أن تصلوا إليه ومات عن ثمانين سنة ولم يخلف قليلا ولا كثيرا وذكر الضياء عن عبد المولى بن محمد أنه كان يقرأ عند قبر الشيخ سورة البقرة وكان وحده فبلغ إلى قوله تعالى ( ^ لا فارض ولا بكر ) قال فغلطت فرد على الشيخ من القبر قال فخفت وارتعدت وقمت ثم مات القارىء بعد ذلك بأيام قال وقرأ بعضهم عند قبره سورة الكهف فسمعه من القبر يقول لا إله إلا الله ورؤيت له منامات كثيرة دفن بسفح قاسيون إلى جانب والده رحمهما الله تعالى وفيها محمد بن هبة الله بن كامل أبو الفرج الوكيل عند قضاة بغداد أجاز له ابن الحصين وسمع من أبي غالب بن البنا وطائفة وروى الكثير وكان ماهرا في الحكومات توفي في رجب وفيها المظفر بن إبراهيم أبو منصور بن البرتي بكسر الموحدة وفقية نسبة إلى برت قرية بنواحي بغداد الحربي آخر من حدث عن أبي الحسن (5/30) ________________________________________ 31 محمد بن الفراء توفي في شوال وفيها أبو القاسم المبارك بن أبي سكين بن عبدالله النجمي السيدي البغدادي المعدل الأديب الحنبلي سمع من أبي المظفر بن التركي الخطيب وخلق وشهد عند قاضي القضاة أبي القسم بن الشهرزوري وكان وكيل الخليفة الناص بباب طراد وبقي على ذلك إلى موته قال ابن نقطة سمعت منه وكان ثقة عالما فاضلا وروى عنه ابن خليل في معجمه توفي في حادي عشر صفر ودفن بباب حرب وفيها أبو زكريا يحيى بن أبي الفتح ابن عمر بن الطباخ الحراني الضرير المقري الفقيه الحنبلي رحل وقرأ القرآن بواسط بالروايات على هبة الله الواسطي وغيره وسمع بها الحديث من ابن الكتاني وسمع ببغداد من ابن الخشاب وشهدة في آخرين وتفقه ببغداد ورجع إلى حران وحدث بها وسمع منه سبط بن الجوزي وغيره وتوفي في شوال بحران وفيها صفي الدين أبو زكريا يحيى بن المظفر بن علي بن نعيم البغدادي البدري الزاهد الحنبلي المعروف بابن الحبير ولد في محرم سنة أربعين وخمسمائة وسمع الحديث من ابن ناصر وأبي الوقت وغيرهما وتفقه في المذهب وكان يسافر في التجارة إلى الشام ثم انقطع في بيته بالبدرية محلة من محال بغداد الشرقية وكان كثير العبادة حسن الهيئة والسمت كثير الصلاة والصيام والتنسك ذا مروءة وتفقد للأصحاب وتودد إليهم وانتفع به جماعة من مماليك الخليفة وثبت له ذكر في آخر عمره لقراءة الحديث عليه وتوفي في يوم الإثنين ضحى تاسع عشرى ذي الحجة ودفن بباب حرب وكان له ابن يقال له أبو بكر محمد كان فقيها فاضلا في المذهب فانتقل إلى مذهب الشافعي لاجل الدنيا وولى القضاء وقيلت فيه الإشعار قاله ابن رجب سنة ثمان وستمائة فيها قدم رسول جلال الدين حسن صاحب الالموت بدخول قومه في (5/31) ________________________________________ 32 الإسلام وأنهم قد تبرأوا من الباطنية وبنوا المساجد والجوامع وصاموا رمضان ففرح الخليفة بذلك وفيها وثب قتادة الحسيني أمير مكة على الركب العراقي بمنى فنهب الناس وقتل جماعة فقيل راح للناس ما قيمته ألف ألف دينار ولم ينتطح فيها عنزان قال في العبر وفيها كانت زلزلة عظيمة بمصر هدمت دورا كثيرة بالقاهرة ومات خلق كثير تحت الهدم قاله السيوطي وفيها توفي أبو العباس العاقولي أحمد بن الحسن بن أبي البقا المقرىء قرأ القراءات على أبي الكرم الشهرزوري وسمع من أبي منصور القزاز وابن خيرون وطائفة وتوفي يوم التروية عن ثلاث وثمانين سنة وفيها جهاركس ويقال جركس الأمير الكبير فخر الدين الصلاحي أعطاه العادل بانياس والشقيف فأقام هناك مدة وكان أحد أمراء صلاح الدين شهد الغزوات كلها وتوفي في رجب بدمشق ودفن بقاسيون في تربته التي وقف عليها قرية بوادي بردا تسمى الكفر وعشرين قيراطا من جميع قرية بيت سوا سوى احكار بيوت بالصالحية وعلى قبره قبة عظيمة على جادة الطريق قال ابن خلكان كان كريما نبي القدر عالي الهمة بنى بالقاهرة القيسارية الكبرى المنسوبة إليه رأيت جماعة من التجار الذين طافوا البلاد يقولون لم نر في شيء من البلاد مثلها في حسنها وعظمها وإحكام بنائها وبنى بأعلاها مسجدا كبيرا وربعا معلقا وجهاركس بكسر الجيم معناه بالعربي أربعة أنفس وفيها ابن حمدون صاحب التذكرة أبو سعد الحسن بن محمد بن الحسن بن محمد بن حمدون البغدادي كاتب الإنشاء للدولة قاله في العبر فكناه بأبس عد وجزم بوفاته في هذه السنة وقال ابن خلكان أبو المعالي محمد بن أبي سعد الحسن بن محمد علي بن حمدون الكاتب الملقب كافي الكفاة بهاء الدين البغدادي كان فاضلا ذا معرفة تامة بالأدب والكتابة من بيت مشهور بالرياسة هو وأبوه وأخواه أبو نصر وأبو المظفر (5/32) ________________________________________ 33 وسمع أبو المعالي من أبي القسم إسمعيل بن الفضل الجرجاني وغيره وصنف كتاب التذكرة وهو من أحسن المجاميع يشتمل على التاريخ والأدب والنوادر والأشعار لم يجمع أحد من المتأخرين مثله وهو مشهور بأيدي الناس كثير الوجود وهو من الكتب الممتعة ذكره العماد الكاتب الأصبهاني في الخريدة فقال كان عارض العسكر المقتدى ثم صار صاحب ديوان الزمام المستنجدي وهو كلف باقتناء الحمد وابتناء المجد وفيه فضل ونبل وله على أهل الأدب ظل وألف كتابا سماه التذكرة وجمع فيه الغث والسمين والمعرفة والنكرة فوقف الإمام المستنجدي على حكايات ذكرها نقلا من التواريخ توهم في الدولة غضاضة فأخذ من دست منصبه وحبس ولم يزل في نصبه إلى أن رمس وذلك في أوائل سنة اثنتين وستين وخمسمائة وأورد له ( يا خفيف الرأس والعقل معا * وثقيل الروح أيضا والبدن ) ( تدعي أنك مثلي طيب * طيب أنت ولكن بلبن ) انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا فانظر التناقض بين كلامه وكلام العبر وفيها اسباه مير بن محمد بن عمان الجيلي الفقيه الحنبلي أبو عبد الله تفقه ببغداد على الشيخ عبد القادر ونزل عنده ولازم الإشتغال بمدرسته إلى آخر عمره وسمع من ابن المادح وحدث عنه باليسير وعمر وسمع منه ابن القطيعي وجماعة وكان أصابه صمم شديد في آخر عمره قال ابن النجار كان شيخا صالحا مشتغلا بالعلم والخير مع علو سنه وأظنه ناطح المائة وقال ابن رجب توفي ليلة الجمعة حادي عشرى ربيع الأول ودفن بباب حرب وفيها الخضر بن كامل بن سالم بن سبيع الدمشقي السروجي المعبر سمع من نصر الله المصيصي وببغداد من الحسين سبط الخياط توفي في شوال وفيها عبدالرحمن الرومي عتيق أحمد بن باقا البغدادي قرأ على أبي الكرم الشهرزوري وروى صحثح البخاري بمصر والإسكندرية عن أبي الوقت (5/33) ________________________________________ 34 توفي في ذي القعدة وقد شاخ وفيها ابن نوح الغافقي العلامة أبو عبد الله محمد بن أيوب بن محمد ابن وهب الأندلسي البلنسي ولد سنة ثلاثين وخمسمائة وقرأ القراءات على ابن هذيل وسمع من جماعة وتفقه وبرع على مذهب مالك ولم يبق له في وقته نظير بشرق الأندلس تفننا واستبحارا كان رأسا في الفقه والقراءات والعربية وعقد الشروط قال الابار تلوت عليه وهو أغزر من لقيت علما وأبعدهم صيتا توفي في شوال وفيها عماد الدين محمد بن يونس بن محمد بن منعة بن مالك العلامة أبو حامد الشافعي تفقه على والده وببغداد على يوسف بن بندار وغيره ودرس في عدة مدارس بالموصل واشتهر وقصده الطلبة من البلاد قال ابن خلكان كان إمام وقته في المذهب والأصول والخلاف وكان له صيت عظيم في زمانه صنف المحيط جمع فيه بين المهذب والوسيط وكان ذا ورع ووسواس في الطهارة بحيث أنه يغسل يده من مس القلم وكان كالوزير لصاحب الموصل نور الدين وما زال به حتى نقله إلى الشافعية وتوجه إبى بغداد وتفقه بالمدرسة النظامية على السديد محمد وسمع بها الحديث من الكشميهني وغيره وعاد إلى الموصل ودرس بها في عدة مدارس منها النورية والعزية والزينبية والبغشية والعلائية وقال ابن شهبة كان لطيف المحاورة دمث الأخلاق وكان مكمل الأدوات لم يرزق سعادة في تصانيفه فإنها ليست على قدر فضله توفي في جمادى الآخرة انتهى وقال الذهبي هو جد مصنف التعجيز تاج الدين عبدالرحمن بن محمد بن محمد الموصلي وفيها منصور بن عبد المنعم بن أبي البركات عبد الله بن فقيه الحرم محمد بن الفضل الفراوي أبو الفتح وأبو القسم ولد سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة وسمع من جده وجد أبيه وعبدالجبار الحواري ومحمد بن إسمعيل الفارسي وروى الكتب الكبار ورحلوا إليه وتوفي في ثامن شعبان بنيسابور (5/34) ________________________________________ 35 وفيها ابن سناء الملك القاضي أبو القسم هبة الله بن القاضي الرشيد أبي الفضل جعفر بن المعتمد سناء الملك المصري الأديب صاحب الديوان المشهور والمصنفات الأدبية قرأ على الشريف الخطيب وقرأ النحو على ابن بري وسمع من السلفي وكتب بديوان الإنشاء مدة وكان بارع الترسل والنظم قال ابن خلكان كان كثير التخصيص والتنعم وافر السعادة محظوظا من الدين اختصر كتاب الحيوان للجاحظ وسمى المختصر روح الحيوان وهي تسمية لطيفة وله ديوان جميعه موشحات سماه در الطراز وجمع شيئا من الرسائل الدائرة بينه وبين القاضي الفاضل وفيه كل معنى مليح واتفق في عصره جماعة من الشعراء المجيدين وكان لهم مجالس تجري بينهم فيها مفاكهات ومحاورات يروق سماعها ودخل في ذلك الوقت إلى مصر شرف الدين بن عنين فعملوا له الدعوات وكانوا يجتعون على أرغد عيش وكانوا يقولون هذا شاعر الشام وجرت لهم محافل سطرت عنهم ومن شعر ابن سناء الملك ( لا الغصن يحكيك ولا الجوذر * حسنك مما أكثروا أكثر ) ( يا باسما أبدى لنا ثغره * عتدا ولكن كله جوهر ) ( قال لي اللاحي ألا تستمع * فقلت يا لاحي ألا تبصر ) وله يتغزل بجارية عمياء ( شمسي بغير الشعر لم تحجب * وفي سوى العينين لم تكسف ) ( مغمدة المرهف لكنها * تجرح في الجفن بلا مرهف ) ( رأيت منها الجلد في جوذر * ومقلتي يعقوب في يوسف ) وله في غلام ضرب ثم حبس ( بنفسي من لم يضربوه لريبة * ولكن ليبدوا الورد في سائر الغصن ) ( ولم يودعوه السجن إلا مخافة * من العين أن تعدو على ذلك الحسن ) ( وقالوا له شاركت في الحسن يوسفا * فشاركه أيضا في الدخول إلى السجن ) (5/35) ________________________________________ 36 وله أيضا ( وما كان تركي حبه عن ملالة * ولكن لأمر يوجب القول بالترك ) ( أراد شريكا في الذي كان بيننا * وإيمان قلبي قد نهاني عن الشرك ) وقال العماد الكاتب في الخريدة كنت عند القاضي الفاضل في خيمته فاطلعني على قصيدة كتبها إليه ابن سناء الملك وكان سنه لم يبلغ عشرين سنة فعجبت منها وأولها ( فراق قضى للهم والقلب بالجمع * وهجر تولي صلح عيني مع الدمع ) وتوفي ابن سناء الملك في العشر الأول من شهر رمضان بالقاهرة عن بضع وستين سنة وفيها يونس بن يحيى الهاشمي أبو محمد البغدادي القصار نزيل مكة روى عن أبي الفضل الأرموي وابن الطلاية وطبقتهما قاله في العبر سنة تسع وستمائة فيها كانت الملحمة العظمى بالأندلس بين الناصر محمد بن يعقوب بن يوسف وبين الفرنج ونصر الله الإسلام واستشهد بها عدد كثير وتعرف بوقعة العقاب وفيها توفي أبو جعفر الحصار أحمد بن علي بن يحيى بن عون الله الأنصاري الأندلسي الداني المقرىء المالكي نزيل بلنسية قرأ القراءات على ابن هذيل وسمع من جماعة وتصدر للاقراء ولم يكن أحد يقارنه في الضبط والتحرين ولكن ضعفه الأبار وغيره لروايته عن ناس ما كان لقيهم توفي في صفر قاله في العبر وفيها أبو عمر بن عات أحمد ابن هرون بن أحمد بن جعفر بن عات النقري بضم النون والقاف وراء نسبة إلى نقر بطن من احمس الشاطبي الحافظ سمع أباه العلامة أبا محمد وابن هذيل ولما حج (5/36) ________________________________________ 37 من السلفي وكان عجبا في سرد المتون ومعرفة الرجال والأدب وكان زاهدا سلفيا متعففا عدم في وقعة العقاب في صفر قال ابن ناصر الدين كان زاهدا ورعا حافظا ثقة مأمونا انتهى وفيها الملك الأوحد أيوب بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب تملك خلاط خمس سنين وكان ظلوما سفاكا لدماء الأمراء مات في ربيع الأول وفيها أبو نزار ربيعة بن الحسن الحضرمي ليمنى الصنعاني الشافعي المحدث ولد سنة خمس وعشرين وخمسمائة وتفقه بظفار ورحل إلى العراق وأصبهان وسمع من أبي المطهر الصيدلاني ورجاء بن حامد المعداني وطائفة وكان مجموع الفضائل كثير التعبد والعزلة قال ابن ناصر الدين أبو نزار الذماري ربيعة بن الحسن بن علي الحضرمي الصنعاني أبو نزار الحافظ الفقيه الشافعي كان إماما حافظا فقيها ماهرا لغويا أديبا شاعرا انتهى توفي في جمادى الآخرة وفيها أبو شجاع زاهر بن رستم الأصبهاني الأصل ثم البغدادي الفقيه الشافعي الزاهد قرأ القراءات على سبط الخياط وأبي الكرم وسمع منهما ومن الكروخي وجماعة وجاور وأم بمقام إبراهيم إلى أن عجز وانقطع توفي في ذي القعدة وكان ثقة بصيرا بالقراءات وفيها أبو الفضل بن المعزم عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن صالح الهمداني الفقيه توفي في ربيع الآخر وسمع من أبي جعفر محمد بن علي الحافظ وعبد الصبور الهروي وطائفة وكان مكثيرا صحيح السماع وفيها علي بن يحيى الحمامي قال ابن ناصر الدين معدود في الحفاظ الفضلاء والمحدثين العلماء انتهى وفيها أبو الحسن بن النجار علي بن محمد بن حامد اليغنوي بفتح الياء التحتية والنون وسكون الغين المعجمة نسبة إلى يغنى قرية بنسف الفقيه الحنبلي قرأ الفقه الحنبلي قرأ الفقه والخلاف على الفخر إسمعيل صاحب ابن المنى وتكلم في مسائل الخلاف فأجاد وقرأ طرفا صالحا من الأدب وقال (5/37) ________________________________________ 38 الشعر وكان يكتب خطا حسنا وسافر عن بغداد ودخل ديار بكر وولي القضاء بآمد وأقام بها إلى حين وفاته وكان صهرا لعبد الرزاق بن الشيخ عبد القادر الكيلاني على ابنته وتوفي بآمد في رمضان وقد حاوز الأربعين قال ابن النجار أنشدت له ( لو صب ما ألقى على صخرة * لذابت الصخرة من وجدها ) ( أو ألقيت نيران قلبي على * دجلة لم يقد رعلى وردها ) ( أو ذاقت النار غرامي بكم * لم تتوار النار في زندها ) ( لو لم ترج الروح روح اللقا * لكان روح الروح في فقدها ) وفيها ابن القسطي أبو الفرج محمد بن علي بن حمزة أبو حمزة الحراني ثم البغدادي روى عن الحسين وأبي محمد سبطي الخياط وأبي نصور بن خيرون وطائفة وكان متيقظا حسن الأخلاق وفيها محمد بن محمد بن أبي الفضل الخوارزمي سمع من زاهر الشحامي بأصبهان وفيها ناصر الدين أبو الثناء وأبو الشكر محمود بن عثمان بن مكارم النعال البغدادي الأزدي الفقيه الحنبلي الواعظ الزاهد ولد سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة ببغداد وقرأ القرآن وسمع الحديث من أبي الفتح بن البطي وحدث وحفظ مختصر الخرقي وقرأ على أبي الفتح بن المنى وصحب الشيخ عبد القادر مدة وتأدب به وكان يطالع الفقه والتفسير ويجلس في رباطه للوعظ وكان رباطه محمعا للفقراء وأهل الدين والفقهاء الغرباء الذين يرحلون إلى أبي الفتح بن المنى وكان الاشتغال في رباطه بالعلم أكثر من الاشتغال في سائر المدارس سكنه الشيخ موفق الدين المقدسي والحافظ عبدالغني وأخوه الشيخ العماد والحافظ عبدالقادر الرهاوي وغيرهم من أكابر الرحالين لطلب العلم قال أبو الفرج بن الحنبلي ولما قدمت بغداد سنة اثنتين وسبعين نزلت الرباط ولم يكن فيه بيت خال فعمرت به بيتا وسكنته وكان الشيخ محمود وأصحابه (5/38) ________________________________________ 39 ينكرون المنكر ويريقون الخمور ويرتكبون الأهوال في ذلك وضرب مرات وهو شديد في دين الله له إقدام وجهاد وكان كثير الذكر قليل الحظ من الدنيا وكان يسمى شيخ الحنابلة قال وكان يهذبنا ويؤدبنا وانتفعنا به كثيرا وقال أبو شامة كانت له رياضات وسياحات ومجاهدات وساح في بلاد الشام وغيرها وكان يؤثر أصحابه وانتفع به خلق كثير وكان مهيبا لطيفا كيسا باشا مبتسما يصوم الدهر ويختم القرآن كل يوم وليلة ولا يأكل إلا من غزل عمته توفي ليلة الأربعاء عاشر صفر عن أزيد من ثمانين سنة ودفن برباطه وفيها أبو زكريا يحيى بن سالم بن مفلح البغدادي نزيل الموصل الحنبلي سمع بغداد من أبي الوقت وتفقه بها على صدقة بن الحسين بن الحداد وحدث بالموصل وتوفي بها في شهر رمضان ودفن بمقبرة الجامع العتيق سنة عشر وستمائة فيها ظهرت بلاطة وهم يحفرون خندق حلب وقلعت فوجد تحتها سبع عشرة قطعة من ذهب وفضة على هيئة اللبن فوزنت فكانت ثلاثة وستين رطلا بالحلبي وعشرة أرطال ونصف وأربعة وعشرين فضة ثم وجد حلقة من ذهب وزنها رطلان ونصف فكمل الجميع قنطارا وفيها كما قال أبو شامة ورد الخبر بخلاص خوارزم شاه من أسر التتار أي وذلك أنه كان صاحب اقدام فكان من خبره أنه نازل التتار بجيوشه فخطر له أن يكشفهم فتنكر ولبس زيهم هو وثلاثة ودخلوا فيهم فأنكرتهم التتار وقبضوا عليهم وقرروهم فمات اثنان تحت الضرب ولم يقروا ورسموا على خوارزم شاه ورفيقه فهربا في الليل وفيها توفي أبو إسحق إبراهيم بن علي بن محمد بن المبارك بن أحمد بن بكروس البغدادي الفقيه الحنبلي المعدل ويلقب شمس الدين ولد ليلة ثامن (5/39) ________________________________________ 40 عشرى جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وخمسمائة ذكر القادسي أن أباه سماه عبد الرحمن فرأى في منامه النبي وأمره أن يسميه إبراهيم ويكنيه أبا محمد وقرأ القرآن على عمه وسمع من أبيه وعمه ومن أبي الفتح بن البطي وجماعة كثيرة واشتغل بالمذهب على أبيه وعمه وبالخلاف على أبي الفتح بن المنى ولازمه مدة وشهد عند قاضي القضاة ابن الشهرزوري وولى نظر وقوف الجامع ثم ولى النيابة بباب النوى سنة أربع وستمائة فغير لباسه وتغيرت أحواله وأساء السيرة بكثرة الأذى والمصادرة والجنايات على الناس والسعي بهم قال ابن القادسي حدثني عبد العزيز بن دلف قال كان ابن بكروس يلازم قبر معروف الكرخي فسمعته يدعو أكثر الأوقات اللهم مكني من دماء المسلمين ولو يوما واحدا قال فمكنه الله تعالى من ذلك وقال ابن اللياعي حدثني عبد العزيز الناسخ أنه وعظ ابن بكروس يوما فقال يا شيخ اعلم أني قد فرشت حصيرا في جهنم فقمت متعجبا من قوله ولم يزل على ذلك إلى أن قبض عليه في ربيع الآخر وضرب حتى تلف فمات ليلة الخميس ثامن عشر جمادى الأولى قال ابن القادسي قرأ سورة يس فلما بلغ إلى قوله تعالى ( ^ إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون ) جعل يكررها إلى أن مات انتهى وفيها أبو الفضل تاج الامناء أحمد بن محمد بن الحسن بن هبة الله الدمشقي المعدل ابن عساكر والد العز النسابة ولد سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة وسمع بمكة من أحمد بن المقرب وخرج لنفسه مشيخة وكتب وجمع وخدم في جهات كبار توفي في رجب وفيها أبو الفضل التركستاني أحمد بن مسعود بن علي شيخ الحنفية بالعراق وعالمهم ومدرس مشهد أبي حنيفة الإمام توفي في ربيع الآخر وفيها الفخر فخر الدين إسمعيل بن علي بن حسين البغدادي الأزجي (5/40) ________________________________________ 41 المأموني الفقيه الحنبلي أبو محمد ويعرف بابن الرفا المناظر ويعرف أيضا بغلام ابن المنى ولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة ولازم أبا فتح نصر بن المنى مدة وسمع من شهدة وكانت له حلقة كبيرة للمناظرة والاشتغال بعلم الكلام والجدل ولم يكن في دينه بذاك وتخرج به جماعة وأجاز لعبد الصمد بن أبي الجيش المقري وولاه الخليفة الناصر النظر في قراه وعقاره الخاص ثم صرفه وقد حط عليه أبو شامة ونسبه إلى الظلم في ولايته وكذلك ابن النجار مع أنه قال كان حسن العبارة جيد الكلام في المناظرة مقتدرا على رد الخصوم وكانت الطوائف مجمعة على فضله وعلمه قال ورتب ناظرا في ديوان المطبق مديدة فلم تحمد سيرته فعزله واعتقل مدة بالديوان ثم أطلق ولزم منزله قال ولم يكن في دينه بذاك ذكر لي ولده أبو طالب عبد الله في معرض المدح أنه قرأ المنطق والفلسفة على ابن مرقيس الطبيب النصراني ولم يكن في زمانه أعلم منه بتلك العلوم وأنه كان يتردد إليه إلى بيعة النصارى قال وسمعت من أثق به من العلماء أنه صنف كتابا سماه نواميس الأنبياء يذكر فيه أنهم كانوا حكماء كهرمس وأرسطاطاليس قال وسألت بعض تلامذته الخصيصين به فما أثبته ولا أنكره وقال كان متسمحا في دينه متلاعبا به ولم يزد على ذلك قال وكان دائما يقع في الحديث وفي رواته ويقول هم جهال لا يعرفون العلوم العقلية ولا معاني الحديث الحقيقية بل هم مع اللفظ الظاهر ويذمهم ويطعن عليهم ومما أنشده ابن النجار من شعره ( دليل على حرص ابن آدم أنه * ترى كفه مضمومة وقت وضعه ) ( ويبسطها وقت الممات إشارة * إلى صفرها مما حوى بعد جمعه ) وتوفي كما قال أبو شامة وابن القادسي في ربيع الأول وقال ابن النجار يوم الثلاثاء ثامن ربيع الآخر ودفن من يومه بداره بدرب الجب ثم نقل إلى باب حرب سامحه الله وفيها ايدغمش السلطان شمس الدين (5/41) ________________________________________ 42 صاحب همذان وأصبهان والري كان قد تمكن وكثرت جيوشه واتسعت ممالكه بحيث أنه حصر ولد أستاذه أبا بكر بن البهلوان بأذربيجان إلى أن خرج عليه منكلى بالتركمان وحاربه واستعان عليه بالمماليك البهلوانية فهرب إلى بغداد فسلطنه الخليفة وأعطاه الكوسات في العام الماضي فلما كان في المحرم كبسته التركمان وقتلوه وحملوا رأسه إلى منكلى وفيها الحسين بن سعيد بن شنيف أبو عبد الله الأمين سمع من هبة الله بن الطبر وقاضي المارستان وجماعة وتوفي في المحرم ببغداد وفيها زينب بنت إبراهيم القيس زوجة الخطيب ضياء الدين الدولعي أم الفضل سمعت من نصر الله المصيصي وأجاز لها أبو عبد الله الفراوي وخلق توفيت في ربيع الأول وفيها ابن حديدة الوزير معز الدين أبو المعالي سعيد بن علي الأنصاري البغدادي وزر للناصر في سنة أبع وثمانين وخمسمائة فلما عزل بابن مهدي صودر فبذلك للمترسمين ذهبا وهرب وحلق لحيته والتف في إزار وبقي بأذربيجان مدة ثم قدم بغداد ولزم بيته إلى أن مات في جمادى الأولى وفيها عبد الجليل بن أبي غالب بن مندويه الأصبهاني أبو مسعود الصوفي القرى نزيل دمشق روى الصحيح عن أبي الوقت وروى عن نصر البرمكي قال العوصي هو الإمام شيخ القراء بقية السلف توفي في جمادى الأولى وفيها ابن هبل الطبيب العلامة مهذب الدين علي بن أحمد بن علي البغدادي نزيل الموصل روى عن أبي القاسم بن السمرقندي وكان من الأذكياء الموصوفين له عدة تصانيف وجماعة تلامذة وفيها عين الشمس بنت أحمد بن أبي الفرج الفقيه الأصبهانية سمعت حضورا في سنة أربع وعشرين من إسماعيل بن الأخشيد وسمعت من أبي ذر وكانت آخر من حدث عنهما توفيت في ربيع الآخر وفيها محمد بن مكي بن أبي الرجا بن علي بن الفضل الأصبهاني المليحي المحدث الحنبلي المؤدب سمع من (5/42) ________________________________________ 43 مسعود الثقفي وخلق كثير وعنى بهذا الشأن وقرأ الكثير بنفسه وكتب بخطه وخرج وأفاد الطلبة بأصبهان وحدث وأجاز للحفظ المنذري ولأبي الحسن ابن البخاري وأحمد بن شيبان وقد رويا عنه بالإجازة توفي في العشر الأواخر من المحرم بأصبهان وفيها محمد بن حماد بن محمد بن جوخان البغدادي الضرير الفقيه الحنبلي أبو بكر سمع الحديث من ابن البطي وشهدة وحدث بيسير وحفظ القرآن وقرأه بتجويد وأقرأه وتفقه على ابن المنى وتكلم في مسائل الخلاف وتوفي يوم الأربعاء سلخ رمضان ببغداد وقد ناطح السبعين ودفن بباب حرب وفيها أبو العشاير بن البلوي محمد بن علي بن محمد بن كرم السلامي المعدل سمع من ابن البطي وجماعة وتفقه في مذهب الإمام أحمد بن حنبل وقر طرفا من العربية على ابن الخشاب وشهد عند قاضي القضاة العباسي وكان يؤم بمسجد بالجانب الغربي من بغداد حدث وسمع منه قوم من الطلبة وكان غاليا في التسنن حتى أنه يقول أشياء لا يلزمه التلفظ بها منها أن بلالا خير من موسى ابن جعفر ومن أبيه وكان ذلك في وزارة القمي الشيعي فنفاه إلى واسط وكان ناظرها غاليا في التشيع فأخذه وطرحه في مطمورة إلى أن مات بها وانقطع خبره في هذه السنة رحمه الله تعالى وفيها صاحب المغرب السلطان الملك الناصر الملقب بأمير المؤمنين أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي القيسي وأمه أمة رومية وكان أشقر أشهل أسيل الخد حسن القامة طويل الصمت كثير الاطراق بعيد الغور ذا شجاعة وحلم وفيه بخل بين تملك بعد أبيه في صفر سنة خمس وتسعين وخمسمائة ووزر له غير واحج منهم أخوه إبراهيم وكان أولى بالملك منه وفي سنة تسع وتسعين سار ونزل على مدينة فاس وكان قد أخذها منهم ابن عانية فظفر جيشه بابن عانية عبد الله بن إسحق بن عانية متولى فاس فقتلوه ثم خرج عليه (5/43) ________________________________________ 44 عبد الرحمن بن الحدارة بالسوس وهزم الموحدين مرات ثم قتل واستولى ابن عمة ابن عانية على إفريقية كلها سوى بحايه وقسنطينية فسار الناصر وحاصر المهدية أربعة أشهر ثم تسلمها من ابن عمة ابن عانية وصار من خواص أمرائه ثم خامر إليه سير أخو ابن عانية فأكرمه أيضا قال عبد الواحد المراكشي في تاريخه فبلغني أن جملة ما أنفقه في هذه السفرة مائة وعشرين حمل ذهب ثم دخل الأندلس في سنة ثمان وستمائة فحشد له الأدقيش واستنفر عليه حتى فرنج الشام وقسطنطينية الكبرى وكانت وقعة الموضع المعروف بالعقاب فانكسر المسلمون وكان الذي أعان على ذلك أن البربر الموجودين لم يسلوا سلاحا بل جبنوا وانهزموا غيظا على تأخير أعطياتهم وثبت السلطان ولله الحمد ثباتا كليا ولولا ذلك لاستؤصلت تلك الجموع ورجعت الفرنج بغنائم لا تحصى وأخذوا بلد ببا عنوة ثم مات بالسكتة في شعبان وفيها أبو النجم هلال بن محفوظ الرسعني الجزري الفقيه الحنبلي رحل إلى بغداد وسمع بها من شهدة الكاتبة وغيرها وتفقه بها وبيته بالجزيرة بيت مشيخة وصلاح أحدث برأس العين وسمع منه جماعة رحمه الله تعالى والله سبحان أعلم سنة إحدى عشرة وستمائة فيها توفي جمال الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن الحسين بن الفراء الحنبلي البغدادي القاضي بن القاضي أبي يعلى أبي حازم بن القاضي أبي يعلى الكبير ولد بواسط إذ كان أبوه قاضيها بعد الأربعين وخمسمائة بقليل وسمع الكثير من أبي بكر بن الزاغوني وسعيد بن البنا وأبي الوقت وابن البطي وخلق كثير وعنى بالحديث وكتب بخطه الكثير لنفسه وللناس وشهد عند ابن الدامغاني قال ابن القادسي كان خيرا من أهل الدين والصيانة والعفة (5/44) ________________________________________ 45 والديانة وحدث وسمع منه ابن الدبيثي وغيره وتوفي ليلة الجمعة ثاني عشرى شعبان ودفن عند أبيه بباب حرب وفيها الركن عبد السلام بن عبد الوهاب بن عبد القادر الكيلاني ويلقب بالركن وتقدم ذكر أبيه وجده ولد ليلة ثامن ذي الحجة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة وسمع الحديث من جده وابن البطي وشهدة وغيرهم وقرأ وكتب وتفقه بجده ودرس بمدرسة جده وكان حنبليا وولى عدة ولايات وكان أديبا كيسا مطبوعا عارفا بالمنطق والفلسفة والتنجيم وغير ذلك من العلوم الردية وبسبب ذلك نسب إلى عقيدة الأوائل حتى قيل أن والده رأى عليه يوما ثوبا بخاريا فقال والله هذا عجب ما زلنا نسمع البخاري ومسلم فأما البخاري وكافر فما سمعناه وكان أبوه كثير المجون والمدابعة كما تقدم وكان عبد السلام أيضا غير ضابط للسانه ولا مشكور في طريقته وسيرته يرمى بالفواحش والمنكرات وقد جرت عليه محنة في أيام الوزير ابن يونس فإنه كبس دار عبد السلام هذا وأخرج منها كتبا من كتب الفلاسفة ورسائل إخوان الصفا وكتب السحر والنارنجات وعبادة النجوم واستدعى ابن يونس العلماء والفقهاء والقضاة والأعيان وكان ابن الجوزي معهم وقرىء في بعضها مخاطبة زحل بقول أيها الكوكب المضيء المنير أنت تدبر الأفلاك وتحي وتميت وأنت إلهنا وفي حق المريخ من هذا الجنس وعبد السلام حاضر فقال ابن يونس هذا خطك قال نعم قال لم كتبته قال لا رد على قائله ومن يعتقده فأمر بإحراق كتبه فجلس قاضي القضاة والعلماء وابن الجوزي معهم على سطح مسجد مجاور لجامع الخليفة يوم الجمعة وأضرموا نارا عظيمة تحت المسجد وخرج الناس من الجامع فوقفوا على طبقاتهم والكتب على سطح المسجد وقام أبو بكر بن المارستانية فجعل يقرأ كتابا كتابا من مخاطبات الكواكب ونحوها ويقول العنوا من كتبه ومن يعتقده وعبد السلام حاضر فتصيح العوام باللعن (5/45) ________________________________________ 46 فتعدى اللعن إلى الشيخ عبد القادر بل وإلى الإمام أحمد وظهرت الأحقاد البدرية ثم حكم القاضي بتفسيق عبد السلام ورمى طيلسانه وأخرجت مدرسة جده من يده ويد أبيه عبد الوهاب وفوضت إلى الشيخ أبي الفرج ابن الجوزي قال ابن القادسي بعد ذكر ذلك ثم أودع عبد السلام الحبس مدة ولما أفرج عنه أخذ خطه بأنه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن الإسلام حق وما كان عليه باطل وأطلق ثم لما قبض على ابن يونس ردت مدرسة الشيخ عبد القادر إلى ولده عبد الوهاب ورد ما بقي من كتب عبد السلام التي أحرق بعضها وقبض على الشيخ أبي الفرج بسعي عبد السلام هذا ونزل عبد السلام معه في السفينة إلى واسط واستوفى بالكلام منه والشيخ ساكت ولما وصل إلى واسط عقد مجلس حضره القضاة والشهود وادعى عبد السلام على الشيخ بأنه تصرف في وقف المدرسة واقتطع من مالها وأنكر الشيخ ذلك وكتب محضر بما جرى وأمر الشيخ بالمقام بواسط ورجع عبد السلام وذكره ابن النجار في تاريخه وذمه ذما بليغا وذكر أنه لم يحدث بشيء وأنه توفي يوم الجمعة لثمان خلون من رجب ودفن شرقي بغداد وفيها أبو محمد بن الأخضر الحافظ المتقن مسند العراق عبد العزيز بن محمود ابن المبارك الجنابذي بضم الجيم وفتح النون وموحدة ثم معجمة نسبة إلى جنابذ ويقال كونابذ قرية بنيسابور الحنبلي ثم البغدادي ولد يوم الخميس ثامن عشر رجب سنة أربع وعشرين وخمسمائة ببغداد وأول سماعه سنة ثلاث وخمسمائة سمع بإفادة أبيه وأستاذه ابن بكروس من القاضي أبي بكر بن عبد الباقي وأبي القسم بن السمرقندي وخلق وسمع هو بنفسه من أبي الفضل الأرموي وابن الزاغوني وابن البنا وابن ناصر الحافظ أبي الوقت وطبقتهم ومن بعدهم وبالغ في الطلب وقرأ بنفسه وكتب بخطه وحصر الأصول ولازم أبا الحسن بن بكروس الفقيه وابن ناصر وانتفع بهما ولم يزل يسمع (5/46) ________________________________________ 47 ويقرأ على الشيوخ لإفادة الناس إلى آخر عمره قال ابن النجار صنف مجموعات حسنة في كل فن ولم يكن في أقرانه أكثر سماعا منه ولا أحسن أصولا كأنها الشمس وضوحا وعليها أنوار الصدق وبارك الله له في الرواي حتى حدث بجميع مسموعاته ومروياته صحبته مدة طويلة وقرأت عليه الكثير من الكتب الكبار والأجزاء وأكثر ما جمعه وخرجه وعلقت عنه واستفدت منه كثيرا وكان ثقة حجة نبيلا ما رأيت في شيوخنا سفرا وحضرا مثله في كثرة مسموعاته ومعرفته بمشايخه وحسن أصوله وحفظه وإتقانه وكان أمينا متدينا جميل الطريقة عفيفا أريد على أن يشهد عند القضاة فأبى ذلك وكان من أحسن الناس خلقا وألطفهم طبعا من محاسن البغداديين وظرفائهم ما يمل جليسه منه وقال المنذري حدث نحوا من ستين سنة وصنف تصانيف مفيدة وانتفع به جماعة ولنا منه إجازة وكان حافظ العراق في وقته وقال ابن رجب ومن تصانيفه المقصد الأرشد في ذكر من روى عن أحمد في مجلدين وكتاب تنبيه اللبيب وتلقيح فهم المريب في تحقيق أوهام الخطيب وتلخيص وصف الأسماء في اختصار الرسم والترتيب أجزاء كثيرة رأيت منه الجزء العشرين وروى عنه ابن الجوزي وابن الدبيثي وابن نقطة وابن النجار والضياء المقدسي والبرازلي وابن خليل وغيرهم من أكابر الحفاظ وتوفي ليلة السبت بين العشاءين سادس شوال ودفن بمقبرة باب حرب وفيها أبو محمد عبد المحسن ابن يعيش بن إبراهيم بن يحيى الحراني الفقيه الحنبلي سمع بحران من أبي ياسر ابن أبي جبة ورحل إلى بغداد فسمع من ابن كليب وابن الجوزي وطلبقتهما وقرأ المذهب والخلاف حتى تميز وأقام ببغداد مدة ثم عاد إلى حران فأقام بها ثم قدم بغداد حاجا سنة عشر وستمائة وحدث بها وسمع منه بعض الطلبة ثم رجع إلى حران فتوفي بها وهو شاب وفيها علي بن المفضل بن علي الإمام المفتي شرف الدين أبو الحسن اللخمي المقدسم ثم الأسكندراني (5/47) ________________________________________ 48 الفقيه المالكي ولد سنة أربع وأربعين وخمسمائة وتفقه على أبي طالب صالح ابن بنت معافى وأبي طاهر بن عوف وأكثر إلى الغاية عن السلفي والموجودين ورحل سنة أربع وسبعين فكتب عن الموجودين وسن في أواخر عمره بمصر ودرس بالصاحبية وصنف التصانيف الحسان توفي في غرة شعبان وفيها الخطيب المالقي أبو بكر عبد الله بن الحسن بن أحمد الأنصاري القرطبي الحافظ المالكي كان إمام من الثقات قاله ابن ناصر الدين وفيها أبو المظفر مهذب الدين محمد بن علي بن نصر بن البل الدوري الواعظ الحنبلي ولد سنة ست عشرة أو سبع عشرة وخمسمائة بالدور وهي دور الوزير ابن هبيرة بدجيل ونشأ بها ثم قدم بغداد واستوطنها وسمه بها من ابن ناصر الحافظ وابن الطلاية والوزير ابن جهير وابن الزاغوني وأبي الوقت وجماعة كثيرة وقال الشعر وفتح عليه في الوعظ حتى صار يضاهي ابن الجوزي ويزاحمه في أماكنه ولما اعتقل ابن الجوزي بواسط خلا للدوري الجو فكان يعظ مكانه قال ابن نقطة سمعت منه وكان شيخا صالحا متعبدا وقال المنذري حدث وعمر وعجز عن الحركة ولزم بيته إلى أن مات وهو ابن أربع أو خمس وتسعين سنة وكان شيخا صالحا متعبدا والبل بفتح الباء الموحدة وتشديد اللام انتهى وقال ابن رجب توفي في يوم الثلاثاء ثاني عشر شعبان وكان له ولد اسمه محمد يكنى أبا عبد الله كانت معرفة جيدة بالحساب وأنواعه والمساحة والفرائص وقسمة التركات واقرأ ذلك مدة وسمع من ابن البطي وغيره وشهد عند ابن الشهرزوري توفي شابا في حياة أبيه يوم الإثنين رابع عشرى شوال سنة ثمان وتسعين وخمسمائة وفيها أبو بكر بن الحلاوي عماد الدين محمد بن مغالي بن غنيمة البغدادي المأموني المقري الفقيه الحنبلي الزاهد سمع من أبي الفتح بن الكروخي وابن ناصر وأبي بكر بن الزاغوني وغيرهم وتفقه على أبي الفتح بن المنى وبرع في (5/48) ________________________________________ 49 المذهب حتى قال الذهبي هو شيخ الحنابلة في زمنه ببغداد وعليه تفقه الشيخ المجد جد شيخنا ابن تيمية وقال ابن القادسي كانت له اليد الباسطة في المذهب والفتيا وكان ملازما لزاويته في المسجد قليل المخالطة إلا لمن عساه يكون من أهل الدين ما ألم بباب أحد من أرباب الدنيا وما قبل أحد هدية وكان أحد الأبدال الذين يحفظ الله بهم الأرض ومن عليها وقال الناصح بن الحنبلي كان زاهدا عالما فاضلا مشتغلا بالكسب من الخياطة ومشتغلا بالعلم يقري القرآن احتسابا وقال ابن رجب له تصانيف منها المنير في الأصول وعليه تفقه مجد الدين بن تيمية ويحيى بن الصيرفي وسمع منه هو وابن القطيعي وتوفي ليلة الجمعة ثامن عشرى رمضان ودفن بباب حرب وفيها أبو الحسن علي بن أبي بكر بن علي الهروي الأصل الموصلي المولد السايح المشهور نزيل حلب طاف البلاد وأكثر من الزيارات قال ابن خلكان لم يترك برا ولا بحرا ولا سهلا ولا جبلا من الأماكن التي ميكن قصدها ورؤيتها إلا رآها ولما سار ذكره بذلك واشتهر به ضرب به المثل فيه وله مصنفات منها كتاب الإشارات في الزيارات وكتاب الخطب الهروية وغير ذلك وتوفي في العشر الأوسط من رمضان في مدرسته انتهى ملخصا سنة اثنتي عشرة وستمائة فيها أخذت أنطاكية من الفرنج أخذها كيكاووس ملك الروم وفيها ثارت الكرج وبدعوا بأذربيجان وقتلوا وسبوا وأسروا نحو مائة ألف وفيها توفي ابن الدبيقي أبو العباس أحمد بن يحيى بن بركة البزار ببغداد وله بضع وثمانون سنة روى عن قاضي المارستان وابن زريق القزاز وجماعة وهو ضعيف ألحق اسمه في أماكن توفي في ربيع الآخر وفيها سليمان بن محمد بن علي الموصلي الفقيه أبو الفضل الصوفي ولد سنة (5/49) ________________________________________ 50 ثمان وعشرين وخمسمائة وسمع من إسمعيل بن السمرقندي ويحيى بن الطراح وطائفة وتوفي في ربيع الأول وفيها أبو محمد بن حوط الله الحافظ عبد الله بن سليمان بن داود بن حوط الله الأنصاري الأندلسي ولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة وسمع من أبي الحسين بن هذيل وابن حبيش وخلق كثير وكان موصوفا بالأتقان حافظا لا سيما الرجال صنف كتابا في تسمية شيوخ البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي ولم يتمه وكان إماما في العربية والترسل والشعر ولي قضاء أشبيلية وقرطبة وأدب أولاد المنصور صاحب المغرب بمراكش توفي في ربيع الأول وفيها عبد الله بن أبي بكر بن أحمد بن أحمد بن طليب أبو علي الحربي روى عن عبد الله بن أحمد بن يوسف توفي في ذي الحجة وفيها ابن منينا أبو محمد عبد العزيز بن معالي بن غنيمة البغدادي الأشنائي آخر من حدث بالعراق عن قاضي المارستان وسمع من جماعة توفي في ذي الحجة عن سبع وثمانين سنة وفيها الحافظ أبو محمد عبد القادر الرهاوي الحنبلي كان مملوكا لبعض أهل الموصل فأعتقه وحبب إليه فن الحديث فسمع الكثير وصنف وجمع وله الأربعون المتباينة الإسناد والبلاد وهو أمر ما سبقه إليه أحد ولا يرجوه بعده محدث لخراب البلاد سمع بأصبهان من مسعود الثقفي وبهمذان من أبي العلا الحافظ وأبي زرعة المقدسي وبهراة من عبد الجليل ابن أبي سعد وبمرو ونيسابور وسجستان وبغداد ودمشق ومصر قاله في العبر وقال ابن خليل كان حافظا ثبتا كثير التصنيف ختم به الحديث وقال أبو شامة كان صالحا مهيبا زاهدا خشن العيش ورعا ناسكا وقال ابن رجب هو محدث الجزيرة ولد في جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين وخمسمائة بالرها ثم أصابه سباء لما فتح زنكي الرها سنة تسع وثلاثين فاشتراه بنو فهيم الحرانيون وأعتقوه وقال الدبيثي كان صالحا كثير السماع ثقة كتب الناس (5/50) ________________________________________ 51 عنه كثيرا وأجاز لنا مرارا وقال ابن النجار كان حافظا متقنا فاضلا عالما ورعا متدينا زاهدا عابدا صدوقا ثقة نبيلا على طريقة السلف الصالح لقيته بحران وكتبت عنه جزءا واحدا انتخبته من عوالي مسموعاته في رحلتي الأولى وقال ابن رجب سمع منه خلق كثير من الحفاظ والأئمة منهم أبو عمرو ابن الصلاح وحدث عنه ابن نقطة وأبو عبد الله البرزالي والضياء وابن خليل وابن عبد الدايم وأبو عبد الله بن حمدان الفقيه وهو خاتمة أصحابه توفي رحمه الله يوم السبت ثاني جمادى الأولى بحران وفيها أبو محمد عبد المنعم بن محمد بن الحسين بن سليمان الابجسري ثم البغدادي الفقيه الحنبلي ولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة بباجسرا وقدم بغداد في صباه فسمع من شهدة وغيرها وقرأ الفقه على أبي الفتح بن المنى ولازمه حتى برع وقرأ الأصول الخلاف والجدل على محمد التوقاني الشافعي وصحب ابن الصقال وصار معيدا لمدرسته ثم درس بمسجد شيخه ابن المنى بالأمونية مدة وكان يؤم بمسجد الاجرة وشهد عند قاضي القضاة ابن الشهرزوري وكان فقيها فاضلا حافظا للمذهب حسن الكلام في مسائل الخلاف متدينا حسن الطريقة ذكر ذلك ابن النجار وقال سمع معنا أخيرا من مشايخنا فأكثر وكان حسن الأخلاق متوددا روى عنه أبو عبد الله بن الدبيثي وابن الساعي بالإجازة وقال أنشدني هذين البيتين ( إذا أفادك إنسان بفائدة * من العلوم فأدمن شكره أبدا ) ( وقل فلان جزاه الله صالحة * افادنيها والق الكبر والحسدا ) توفي رحمه الله يوم الإثنين ثامن عشر جمادى الأولى ودفن بباب حرب وفيها أبو الفتح عبد الوهاب بن بزغش بالباء الموحدة المضمومة وبالزاي والغين والشين المعجمات العيبي بكسر العين المهملة وفتح الياء آخر الحروف وكسر الموحدة نسب لذلك لأن أباه كان يحمل العيب التي فيها كتب (5/51) ________________________________________ 52 الرسائل المقري البغدادي الحنبلي ختن الشيخ أبي الفرج بن الجوزي ولد سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة تقديرا وقرأ القرآن بالروايات الكثيرة على سعد الله بن الدجاجي وغيره وسمع الحديث الكثير من أبي الوقت وخلق كثير وعنى بالحديث وحصل الأصول وتفقه في المذهب قال ابن النجار كان حسن المعرفة بالقراءات حسن الأداء طيب النغمة ضابطا له معرفة بالوعظ يحسن الكلام في مسائل الخلاف كتبنا عنه وكان صدوقا حسن الطريقة متدينا فقيرا صبورا وزمن في آخر عمره وانقطع في بيته مدة وقال ابن نقطة ثقة لكنه أخرج أحاديث مما قرب سنده ولا يعرف الرجال فربما سقط من الإسناد رجلان أو أكثر وهو لا يدري وقال القادسي حدث وسمع منه جماعة وتوفي ليلة الخميس خامس ذي القعدة وصلى عليه من الغد محي الدين ابن الجوزي ودفن بباب حرب وفيها أبو الحسن بن الصباغ القدوة العارف علي بن حميد العصيدي صحب الشيخ عبد الرحيم القناوي وتخرج به وكان والده صباغا وكان يعيب عليه عدم معاونته له وانقطاعه إلى أهل التصوف فأخذ يوما الثياب التي عند والده جميعها وطرحها في زير واحد فصاح عليه والده وقال أتلفت ثياب الناس وأخرجها فإذا كل ثوب على اللون الذي أراد صاحبه فحينئذ اشتهر أمره وصحبه خلائق قال ابن الأهدل وكان لا يصحب إلا من رآه مكتوبا في اللوح المحفوظ من أصحابه وسأله إنسان الصحبة والخدمة له فقال له ما بقي عندنا وظيفة نحتاج لها إلا أن تجيء كل يوم بحزمة من الحلفا فقال نعم فكان يأخذ المحش فيأتي كل يوم بحزمة ثم مل وترك فرأى القيامة قامت وأشرف على الوقوع في النار وإذا حزمة الحلفاء تحته مارة به على النار وهو فوقها حتى أخرجته فجاء إلى الشيخ فلما رآه قال ما قلنا لك ما عندنا خدمة تصلح سوى الحلفاء فاستغفر وعاد إلى (5/52) ________________________________________ 53 الخدمة وله مناقب كثيرة انتهى وقال في العب رانتفع به خلق كثير توفي في نصف شعبان ودفن برباطه بفناء من الصعيد رحمه الله انتهى وفيها أبو عبد الله بن البنا الشيخ أبو النجيب نور الدين محمد بن أبي المعالي عبد الله بن موهوب بن جامع البغداد الصوفي صحب الشيخ أبا النجيب السهروردي وسمع من ابن ناصر وابن الزاغوني وطائفة وكتب سماعاته وحدث بالعراق والحجاز ومصر والشام واستقر بالسميساطية إلى أن توفي في ذي القعدة عن ست وسبعين سنة وفيها ابن الجلاجلي كمال الدين أبو الفتوح محمد بن علي بن المبارك البغدادي التاجر الكبير سمع من هبة الله بن أبي شريك الحاسب وغيره وتوفي ببيت المقدس في رمضان وفيها الوجيه بن الدهان أبو بكر المبارك بن المبارك بن أبي الأزهر الواسطي الضرير النحوي ولد سنة اثنتين وثلاثين وخسمائة وسمع ببغداد من أبي زرعة ولزم الكمال عبد الرحمن الأنباري وأبا محمد بن الخشاب وبرع في العربية ودرس النحو بالنظامية وكان حنبليا فتحول حنفيا وقيل تحول أيضا شافعيا وفيه أبيات سائرة توفي في شعبان ببغداد وفيها موسى بن سعد أبو القسم الهاشمي البغداوي بن الصيقل سمع من إسمعيل بن السمرقندي وأبي الفضل الأرموي وكان صدرا معظما ولي نقابة الكوفة توفي في جمادى الأولى وفيها يحيى بن ياقوت البغدادي المجاور بمكة روى عن إسماعيل بن السمرقندي وعبد الجبار بن أحمد بن توبة وجماعة وتوفي في جمادى الآخرة رحمه الله سنة ثلاث عشرة وستمائة قال ابن الأثير فيها وقع بالبصرة برد قيل أن أصغره كالنارنجة وأكبره ما يستحي الإنسان أن يذكره وفيها توفي أبو إسحق إبراهيم بن (5/53) ________________________________________ 54 علي بن الحسين البغدادي أخو الفخر إسمعيل غلام ابن المنى سمع الحديث وتفقه في مذهب الحنابلة على أخيه وتكلم في مسائل الخلاف وكان فقيها صالحا توفي ثاني عشر ربيع الأول ودفن عند أخيه بمقبرة الإمام أحمد وفيها إسمعيل بن عمر بن بكر المقدسي أبو إسحق وأبو القسم وأبو الفضل ويلقب محب الدين الحنبلي سمع بدمشق من أبي اليمن الكندي وغيره وبمصر من البوصيري والحافظ عبد الغني وببغداد من ابن الأخضر وطبقته وبأصبهان من أبي عبد الله محمد بن مكي وغيره وكانت رحلته مع الضياء بعد الستمائة وعنى بالحديث ووصفه جماعة بالحافظ وتفقه وحدث وتوفي في ثامن عشر شوال وفيها الشيخ شرف الدين أبو الحسن أحمد بن عبيد الله بن قدامة المقدسي الحنبلي ولد سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة وسمع من أبي الفرج ابن كليب وغيره وحدث وكان فقيها فاضلا دينا عاملا جمع الله له بين حسن الخلق والخلق والأمانة والمروءة وقضاء حوائج الإخوان والكرم والإحسان إلى الضعفاء والمرضى وقضاء حوائجهم والتهجد وكان يقول الحق ولا يحابي أحدا توفي ليلة رابع عشر ذي القعدة ودفن من الغد بسفح قاسيون ورؤيت له منامات حسنة جدا ورثاه غير واحد ولما توفي هؤلاء الثلاثة الأحبار المقدسيون المحب والعز والشرف في مدة متقاربة رثاهم شيخ الإسلام موفق الدين بقوله ( مات المحب ومات العز والشرف * أئمة سادة ما منهم خلف ) ( كانوا أئمة علم يستضاء بهم * لهفي على فقدهم لو ينفع اللهف ) ( ما ودعوني غداة البين إذ رحلوا * بل أودعوا قلبي الأحزان وانصرفوا ) وهي طويلة وفيها العلامة تاج الدين الكندي أبو اليمن زيد بن الحسين بن زيد بن الحسن البغدادي المقرىء النحوي اللغوي شيخ الحنفية والقراء والنحاة بالشام ومسند العصر ولد سنة عشرين وخمسمائة وأكمل القراءات العشرة (5/54) ________________________________________ 55 وله عشرة أعوام وهذا ما لا نعلمه تهيأ لأحد سواه اعتنى به سبط الخياط فأقرأه وحرص عليه وجهزه إلى أبي القسم هبة الله بن الطبر فقرأ عليه ست روايات وإلى أبي منصور ابن خيرون وأبي بكر خطيب الموصل وأبي الفضل بن المهتدي بالله فقرأ عليهم بالروايات الكثيرة وسمع من ابن الطبر وقاضي المارستان وأبي منصور القزاز وخلق وأتقن العربية على جماعة وقال الشعر الجيد ونال الجاه الوافر فإن الملك المعظم كان مديما للإشتغال عليه وكان ينزل إليه من القلعة توفي في سادس شوال ونزل الناس بموته درجة في القراءات وفي الحديث لأنه آخر من سمع من القاضي أبي بكر والقاضي أبو بكر آخر من سمع من أبي محمد الجوهري والجوهري آخر من روى عن القطيعي والقطيعي آخر من روى عن الكريمي وجماعة قاله في العبر قلت ومن شعره ( تمنيت في عشر الشبيبة أنني * أعمر والإعمار لا شك أرزاق ) ( فلما أتاني ما تمنيت ساءني * من العمر ما قد كنت أهوى وأشتاق ) ( وها أنا في إحدى وتسعين حجة * لها في ارعاد مخوف وابراق ) ( يقولون ترياق لمثلك نافع * ومالي إلا رحمة الله ترياق ) وفيها عبد الرحمن بن علي الزهري الأشبيلي أبو محمد مسند الأندلس في زمانه روى صحيح البخاري سماعا من أبي الحسن شريح وعاش بعد ما سمعه ثمانين سنة وهذا شيء لا نعلمه وقع لأحد بالأندلس غيره توفي في آخر هذا العام وفيها الملك الظاهر غازي صاحب حلب ولد السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب ولد بمصر سنة ثمان وستين وخمسمائة وحدث عن عبد الله بن بري وجماعة وكان بديع الحسن كامل الملاحة ذا غور ودهاء ورأي ومصادقة لملوك النواحي فيوهمهم أنه لولا هو لقصدهم عمه العادل ويوهم عمه أنه لولا هو لاتفق عليه الملوك وشاقوه وكان سمحا جوادا تزوج بابنتي عمه قال ابن خلكان كان ملكا مهيبا حازما متيقظا كثير الإطلاع على (5/55) ________________________________________ 56 أحوال رعيته وأخبار الملوك عالي الهمة حسن التدبي روالسياسة باسط العدل محبا للعلماء مجيزا للشعراء أعطاه والده مملكة حلب في سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة بعد أن كانت لعمه الملك العادل فنزل عنها وتعوض غيرها ويحكي عن سرعة إدراكه أشياء حسنة منها أنه جلس يوما لعرض العسكر وديواني الجيش بين يديه فكان كلما حضر واحد من الأجناد سأله الديواني عن اسمه لينزلوه حتى حضر واحد فسألوه فقبل الأرض فلم يفطن أحد من أرباب الديوان لما أراد فعاود وسأله فقال الملك الظاهر اسمه غازي وكان كذلك وتأدب الجندي أن يذكر اسمه لما كان موافقا اسم السلطان وعرف هو مقصوده وله من هذا الجنس شيء كثير وتوفي بقلعة حلب ليلة الثلاثاء العشرين من جمادى الآخرة ودفن بالقعلة ثم بنى الطواشي شهاب الدين أتابك ولده الملك العزيز مدرسة تحت القلعة وعمر فيها تربة ونقله إليها والعجب أنه دخل حلب مالكا لها في الشهر بيعنه واليوم سنة اثنتين وثمانين انتهى ملخصا وكانت وفاته بالإسهال وتسلطن بعده ولده الملك العزيز وله ثلاثة أعوام وفيها الجاجرمي مؤلف الكفاية في الفقه الإمام معين الدين أبو حامد محمد بن إبراهيم الفقيه الشافعي قال ابن خلكان كان إماما فاضلا متقنا مبرزا سكن نيسابور ودرس بها وصنف في الفقه كتاب الكفاية وهو في غاية الإيجاز مع اشتماله على كثير المسائل التي تقع في الفتاوي وهو في مجلد واحد وله كتاب إيضاح الوجيز أحسن فيه وهو في مجلدين وله طريقة مشهورة في الخلاف والفوائد المشهورة منسوبة إليه واشتغل عليه الناس وانتفعوا به وبكتبه من بعده خصوصا القواعد فإن الناس أكبوا على الإشتغال بها وتوفي بكرة نهار الجمعة عاشر رجب بنيسابور والجاجرمي بفتح الجيمين وسكون الراء نسبة إلى جاجرم بلدة بين نيسابور وجرجان خرج منها جماعة من العلماء انتهى وفيها العز محمد بن الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد (5/56) ________________________________________ 57 المقدسي الحافظ ابن الحافظ أبو الفتح ولد سنة ست وستين وخمسمائة ورحل إلى بغداد وهو مراهق فسمع من ابن شامل وطبقته وسمع بدمشق من أبي الفهم عبد الرحمن بن أبي العجايز وطائفة وكتب الكثير وعنى بالحديث وارتحل إلى أصبهان وغيرها وكان موصوفا بحسن القراءة وجودة الحفظ والفهم قال الضياء كان حافظا فقيها حنبليا ذا فنون ثم وصفه بالديانة المتينة والمروءة التامة وقال أبو شامة صحب الملك المعظم عيسى وسمع بقراءته الكثير وكان حافظا دينا زاهدا ورعا وقال الذهبي روى عنه ابنا تقي الدين أحمد وعز الدين عبد الرحمن والحافظ ضياء الدين والشهاب القوصي والشيخ شمس الدين عبد الرحمن بن أبي عمر وابن البخاري وآخرون توفي رحمه الله ليلة الإثنين تاسع عشر شوال ودفن بسفح قاسيون قال الحافظ الضياء قال بعضهم كنا نقرأ عنده ليلة مات فرأيت على بطنه نورا مثل السراج سنة أربع عشرة وستمائة فيها توفي أبو الخطاب بن واجب أحمد بن محمد بن عمر القيسي البلنسي الإمام المالكي ولد سنة سبع وثلاثين وخمسمائة وأكثر عن جده أبي حفص بن واجب وابن هذيل وابن قزمان صاحب ابن الطلاع وطائفة وأجاز له أبو بكر بن العربي قال الأبار هو حامل راية الرواية بشرق الأندلس وكان متقنا ضابطا نحويا عالي الإسناد ورعا قانتا له عناية كاملة بصناعة الحديث ولي القضاء ببلنسية وشاطبة غير مرة ومعظم روايتي عنه انتهى وفيها الشيخ العماد أبو إسحق إبراهيم بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي أخو الحافظ عبد الغني ولد بجماعيل سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة وهاجر سنة إحدى وخمسين مع أقاربه وسمع من عبد الواحد بن هلال وجماعة وببغداد من شهدة وصالح بن الرحلة وبالموصل من خطيبها وحفظ (5/57) ________________________________________ 57 الخرقي والغريب للعزيزي وألقى الدروس وناظر واشتغل وقرأ القراءات على أبي الحسن البطايحي وكان متصديا لإقراء القرآن والفقه ورعا تقيا متواضعا سمحا مفضالا صواما قواما صاحب أحوال وكرامات موصوفا بطول الصلاة قال الشيخ الموفق ما فارقته إلا أن يسافر فما عرفته أنه عصى الله معصية وقال الحافظ الضياء كان عالما بالقرآن والنحو والفرائض وغير ذلك من العلوم وصنف كتاب الفروق في المسائل الفقهية وكان من كثرة اشتغاله وأشغاله لا يتفرغ للتصنيف والكتابة وكان يشغل بالجبل إذا كان الشيخ موفق الدين في المدينة فلإذا صعد الموفق نزل هو فأشغل بالمدينة وكان يشغل بجامع دمشق من الفجر إلى العشاء لا يخرج إلا لما لا بد له منه يقرىء القرآن والعلم فإذا لم يبق له من يشتغل عليه اشتغل بالصلاة وكان داعية إلى السنة وتعلم العلم والدين وما علم أنه أدخل نفسه في شيء من أمر الدنيا ولا تعرض له ولا نافس فيها وكان يجترز في الفتاوى احترازا كثيرا وكان كثير الورع والصدق سمعته يقول لرجل كيف ولدك فقال يقبل يدك فقال لا تكذب وكان كثير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خرج مرة إلى قوم من الفساق فكسر ما معهم فضربوه ونالوا منه حتى غشي عليه فأراد للوالي ضرب الذين نالوا منه فقال إن تابوا ولزموا الصلاة فلا تؤذيهم وهم في حل من قبلي فتابوا ورجعوا عما كانوا عليه وسمعت الإمام أبا إبراهيم محاسن بن عبد الملك التنوخي يقول كان الشيخ العماد جوهرة العصر وكان كثير التواضع يذم نفسه ويقول إيش يجيء مني وكان يكثر في دعائه من قول اللهم اجعل عملنا صالحا واجعله لوجهك الكريم خالصا ولا تجعل لأحد فيه شيئا اللهم خلصني من مظالم نفسي ومظالم كل شيء قبل الموت ولا تمتني ولأحد على مظلمة يطلبني بها بعد الموت ولا بد من الموت فاجعله على توبة نصوح بعد الإخلاص من مظالم نفسي ومظالم العباد قتلا في سبيلك على سنتك وسنة رسولك شهادة (5/58) ________________________________________ 59 يغبطني بها الأولون والآخرون واجعل النقلة إلى روح وريحان في جنات النعيم ولا تجعلها إلى نزل من حميم وتصلية جحيم قال الضياء توفي رحمه الله ليلة الخميس وقت عشاء الآخرة وكان صلى تلك الليلة المغرب بالجامع ثم مضى إلى البيت وكان صائما فأفطر على شيء يسير ولما جاءه الموت جعل يقول يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث واستقبل القبلة وتشهد ومات وقال سبط ابن الجوزي غسل وقت السحر وأخرجت جنازته إلى جامع دمشق فما وسع الناس الجامع وصلى عليه الموفق بحلقة الحنابلة بعد جهد جهيد وكان يوما لم ير في الإسلام مثله كان أول الناس عند مغارة الدم ورأس الجبل إلى الكهف وآخرهم بباب الفراديس وما وصل إلى الجبل إلى آخر النهار قال وتأملت الناس من أعلى قاسيون إلى الكهف إلى قريب الميظور لو رمى الإنسان عليهم إبرة لما ضاعت فلما كان في الليل نمت وأنت متفكر في جنازته وذكرت أبيات سفيان الثوري التي أنشدها في المنام ( نظرت إلى ربي كفاحا فقال لي * هنيئا رضائي عنك يا ابن سعيد ) ( فقد كنت قواما إذا أقبل الدجى * بعبرة مشتاق وقلب عميد ) ( فدونك فاختر أي قصر تريده * وزرني فإني منك غير بعيد ) وقلت أرجو أن العماد يرى ربه كما رآه سفيان عند نزل حفرته ونمت فرأيت العماد في النوم وعليه حلة خضراء وعمامة خضراء وهو في مكان متسع كأنه روضة وهو يرقى في درج مرتفعة فقلت يا عماد الدين كيف بت فإني والله مفكر فيك فنظر إلي وتبسم على عادته وقال ( رأى إلهي حين أنزلت حفرتي * وفارقت أصحابي وأهل وجيرتي ) ( فقال جزيت الخير عني فإنني * رضيت فها عفوي لديك ورحمتي ) ( دأبت زمانا تأمل الفوز والرضى * فوقيت نيراني ولقيت جنتي ) قال فانتبهت مرعوبا وكتبت الأبيات وتوفي رحمه الله ورضي عنه فجأة (5/59) ________________________________________ 60 في سابع عشر ذي القعدة وفيها عبد الله بن عبد الجبار العثماني أبو محمد الإسكندراني التاجر المحدث سمع من السلفي فأكثر وتوفي في ذي الحجة عن سبعين سنة وفيها ابن الحرستاني قاضي القضاة جمال الدين أبو القسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري الخزرجي الدمشقي الشافعي ولد سنة عشرين وخمسمائة وسمع سنة خمس وعشرين من عبد الكريم بن حمزة وجمال الإسلام وطاهر بن سهل الإسفرائيني والكبار ودرس وأفتى وبرع في المذهب وانتهى إليه علو الإسناد وكان صالحا عبادا من قضاة العدل قال ابن شهبة تفرد بالروايات عن أكثر شيوخه ورحل إلى حلب وتفقه بها على المحدث الفقيه أبي الحسن المراري وناب في القضاء عن ابن أبي عصرون ثم ولي قضاء الشام في آخر عمره سنة اثنتي عشرة ودرس بالعزيزية وكان يجلس للحكم بالمجاهدية وكان إماما عارفا بالمذهب ورعا صالحا محمود الأحكام حسن السيرة كبير القدر وقال أبو شامة حدثني الشيخ عز الدين بن عبد السلام أنه لم ير أفقه منه وعليه كان ابتداء اشتغاله ثم صحب فخر الدين بن عساكر فسألته عنهما فرجح ابن الحرستاني وقال أنه كان يحفظ كتاب الوسيط للغزالي قال ولما طلب للقضاء امتنع من الولاية حتى ألحوا عليه فيها وكان صارما عادلا على طريقة السلف في لباسه وعفته بقي في القضاء سنتين وسبعة أشهر وقال سبط ابن الجوزي كان زاهدا عفيفا عابدا ورعا نزها لا تأخذه في الله لومة لائم اتفق أهل دمشق على أنه ما فاتته صلاة بجامع دمشق في جماعة إلا إذا كان مريضا توفي في رابع ذي الحجة وهو ابن خمس وتسعين سنة وفيها علي بن محمد بن علي الموصلي أبو الحسن أخو سليمان سمع من الحسين سبط الخياط وأبي البد رالكرخي وجماعة وتوفي في جمادى الآخرة وفيها ابن جبير الكناني الإمام الرئيس محمد بن أحمد بن جبير البلنسي نزيل شاطبة ولد سنة أربعين وخمسمائة وسمع من أبيه وعلي بن أبي العيش (5/60) ________________________________________ 61 المقري وأجاز له أبو الوليد بن الدباغ وحج فحدث في طريقه قال الأبار عني بالآداب فبلغ فيها الغاية وتقدم في صناعة النظم والنثر ونال بذلك دنيا عريضة ثم زهد ورحل مرتين إلى المشرق وفي الثالثة توفي بالإسكندرية في شعبان وفيها أبو عبدالله بن سعادة الشاطبي المعمر محمد بن عبد العزيز بن سعادة أخذ قراءة نافع عن أبي عبد الله بن غلام الفرس والقراءات عن ابن هذيل وأبي بكر محمد بن أحمد بن عمران وسمع من ابن النعمة وابن عاشر وأبي عبد الله محمد بن يوسف بن سعادة أكثر عنه الأبار وكان مولده سنة ست عشرة وخمسمائة أو قبل ذلك وتوفي بشاطبة في شوال وفيها الشجاع محمود الدماغ كانت له ثروة عظيمة وقف مدرسة للشافعية والحنفية داخل باب الفرج تعرف بالدماغية سنة خمس عشرة وستمائة فيها جاءت رسل جنكزخان ملك التتار محمود الخوارزمي وعلي البخاري بتقدمة مستظرفة إلى خوارزم شاه وتطلب منه المسالمة والهدنة فاستمال خوارزم شاه محمودا الخوارزمي وقال أنت منا وإلينا وأعطاه معضدة جوهر وقدر معه أن يكون عينا للمسلمين ثم قال له أصدقني أيملك جنكزخان طمعاج الصين قال نعم قال فما ترى قال الهدنة فأجاب وسر جنكزخان بإجابته واستقر الحال إلى أن جاء من بلاده تجار إلى ما وراء النهر وعليها خال خوارزم شاه فقبض عليهم وأخذ أموالهم شرها منه ثم كاتب خوارزم شاه يقول أنهم تتار في زي التجار وقصدهم يجسوا البلاد ثم جاءت رسل جنكزخان إلى خوارزم شاه تقول إن كان ما فعله خالك بأمره فسلمه إلينا وإن كان بأمرك فالعذر قبيح وستشاهد ما تعرفني به فندم خوارزم شاه وتحلد وأمر بالرسل فقتلوا ليقضي الله أمرا كان مفعولا فيا لها من حركة عظيمة الشؤم أجرت بكل قطرة بحرا من الدماء (5/61) ________________________________________ 62 وفيها توفي محدث بغداد أبو العباس البندنيجي بفتح الباء الموحدة والمهملة وسكون النون الأولى وكسر الثانية ثم تحتية وجيم نسبة إلى بندنيجين بلفظ المثنى بلد قرب بغداد أحمد بن أحمد بن أحمد بن كر بن غالب البغدادي الأزجي الحافظ المحدث المعدل الحنبلي ولد في ربيع الأول سنة إحدى وأربعين وخمسمائة وتلقن القرآن من أبي حكيم النهرواني وقرأ بالروايات على أبي الحسين البطايحي وغيره وسمع الحديث الكثير من أبي بكر بن الزاغوني وأبي الوقت وخلق قال الدبيثي كان وافر السماع كثير الشيوخ حسن الأصول حدث بالكثير وسمع منه جماعة وقال ابن ناصر الدين هو محدث بغداد كان حافظا مكثرا لكنه غير عمدة رماه ابن الأخضر وكذبه وقبله غيره وقال ابن رجب في طبقاته توفي معه في ثالث عشرى رمضان أبو محمد عبد الكافي بن بدر بن حسان الأنصاري الشامي الأصل المصري النجار الحنبيل وكان صالحا كثير الصيام والتعبد سمع من البوصيري والأرتاحي وعبد الغني الحافظ وربيعة بن نزار وغيرهم وعلق عنه المنذري شيئا توفي وله نحو الستين سنة انتهى أي ودفن الأول بباب حرب من بغداد والثاني بالمقطم من مصر وفيها الشمس العطار أبو القاسم أحمد بن عبد الله بن عبد الصمد السلمي البغدادي الصيدلاني نزيل دمشق ولد سنة ست وأربعين وخمسمائة وسمع الناس منه صحيح البخاري غير مرة وكان ثقة توفي في شعبان وفيها صاحب الموصل السلطان الملك القاهر عز الدين أبو الفتح مسعود بن السلطان نور الدين أرسلان شاه بن مسعود الأتابكي ولد سنة تسعين وخمسمائة وتملك بعد أبيه وله سبع عشرة سنة وكان موصوفا بالملاحة والعدل والسماحة قيل أنه سم ومات في ربيع الآخر وله خمس وعشرون سنة وعظم الرعية فقده وولي بعده بعهد منه ولده نور الدين أرسلان شاه ويسمى أيضا عليا وله عشر سنين فمات (5/62) ________________________________________ 63 في أواخر السنة أيضا وفيها زينب الشعرية الحرة أم المؤبد بنت أبي القاسم عبد الرحمن بن الحسين بن أحمد بن سهل الجرجاني ثم النيسابوري الشعري الصوفي ولدت سنة أربع وعشرين وسمعت من ابن الفراوي عبد الله لا من أبيه ومن زاهر الشحامي وعبد المنعم بن القشيري وطائفة توفيت في جمادى الآخرة وانقطع بموتها إسناد عال وفيها أبو القاسم الدامغاني قاضي القضاة عبد الله بن الحسين بن أحمد بن علي بن قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني الفقيه الحنفي العلامة عماد الدين سمع من تجنى الوهبانية وولي القضاء بالعراق سنة ثلاث وستمائة إلى أن عزل سنة إحدى عشرة وتوفي في ذي القعدة وفيها القاضي شرف الدين بن الزكي القرشي أبو طالب عبد الله بن زين القضاة عبد الرحمن بن سلطان بن يحيى بن علي الدمشقي الشافعي قال ابن شهبة ناب في القضاء عن ابن عمه القاضي محي الدين بن الزكي وعن أبيه زكي الدين الطاهر ودرس بالرواحية فكان أول من درس بها ودرس بالشامية البرانية وقال ابن كثير أنه أول من درس بها أيضا وقال سبط ابن الجوزي كان فقيها نزها لطيفا عفيفا وقال الشهاب القوصي كان ممن زاده الله بسطة في العلم والجسم توفي في شعبان وفيها الشهاب فتيان بن علي بن فتيان بن ثمال الأسدي الحنفي الدمشقي المعروف بالشاغوري قال ابن خلكان كان فاضلا شاعرا ماهرا خدم الملوك ومدحهم وعلم أولادهم وله ديوان شعر فيه مقاطيع حسان وأقام مدة بالزبداني وله فيها أشعار لطيفة فمن ذلك قوله في جهة الزبداني وهي أرض فيحاء جميلة المنظر تتراكم عليها الثلوج في زمن الشتاء وتنبت أنواع الأزهار في أيام الربيع ولقد أحسن فيها كل الإحسان وهي ( قد أجمد الخمر كانوا بكل قدح * وأخمد الجمر في الكانون حين قدح ) ( يا جنة الزبداني أنت مسفرة * عن كل حسن إذا وجه الزمان كلح ) (5/63) ________________________________________ 64 ( فالثلج قطن عليه السحب مندفة * والجو يحلجه والقوس قوس قزح ) وله وقد دخل إلى حمام ماؤها شديد الحراة وكان قد شاخ ( أرى ماء حمامكم كالحميم * نكابد منه عناء وبوسا ) ( وعهدي بكم تسمطون الجدى * فما بالكم تسمطون التيوسا ) وله ( علام تحركي والحظ ساكن * وما نهنهت في طلب ولكن ) ( أرى نذلا تقدمه المساوي * على حر تؤخره المحاسن ) توفي بدمشق ودفن بمقابر باب الصغير وفيها صاحب الروم الملك الغالب عز الدين كيكاوس بن كيخسرو بن قلج أرسلان السلجوقي سلطان قونية وأقصرا وملطية وأخو السلطان علاء الدين كعاد كان ظلوما غشوما سفاكا للدماء قيل إنه مات فجأة مخمورا فأخرجوا أخاه علاء الدين وملكوه بعده وذلك في شوال قاله في العبر وفيها ركن الدين أبو حامد محمد بن العميد الفقيه الحنفي السمرقندي مصنف الطريقة العميدية المشهورة كان إماما في الخلاف وشرح الإرشاد وصنف كتاب النفائس وكان حسن الأخلاق كثير التواضع توفي في جمادى الآخرة ببخارى وفيها شهاب الدين عبد الرحمن بن عمر بن أبي نصر بن علي بن عبد الدايم ابن الغزالي البغدادي الحنبلي الواعظ أبو محمد ولد في جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة وسمع الكثير بإفادة أبيه وبنفسه من الحافظ ابن ناصر وسعد بن البنا وأبي بكر بن الزاغوني وأبي الوقت وغيرهم وعنى بهذا الشأن وله في الخط طريقة حسنة معروفة ووعط مدة ومال إلى مدح الحلاج وتعظيمه ولقد أخطأ في ذلك قال ابن النجار سمعت بقراءته كثيرا وسمعت منه وكان سريع القراءة والكتابة إلا أنه قليل المعرفة بأسماء المحدثين وحدث وسمع منه جماعة وأجاز المنذري وغيره وروى عنه ابن الصيرفي وتوفي الثلاثا (5/64) ________________________________________ 65 نصف شعبان ودفن بباب حرب وفيها السلطان الملك العادل سيف الدين أبو بكر محمد بن الأمير نجم الدين أيوب بن شادي ولد ببعلبك حال ولاية أبيه عليها ونشأ في خدمة نور الدين مع أبيه وكان أخوه صلاح الدين يستشيره ويعتمد على رأيه وعقله ودهائه ولم يكن أحد يتقدم عليه عنده ثم تنقلت به الأحوال واستولى على الممالك وسلطن ابنه الكامل على الديار المصرية وابنه المعظم على الشام وابنه الأشرف على الجزيرة وابنه الأوحد على خلاط وابن ابنه المسعود على اليمن وكان ملكا جليلا سعيدا طويل العمر عميق الفكر بعيد الغور جماعا للمال ذا حلم وسؤدد وبر كثير وكان يضرب المثل بكثرة أكله وله نصيب من صوم وصلاة ولم يكن محببا إلى الرعية لمجيئه بعد الدولتين النورية والصلاحية وقد حدث عن السلفي وخلف سبعة عشر ابنا تسلطن منهم الكامل والمعظم والأشرف والصالح وشهاب الدين غازي صاحب ميافارقين وتوفي في سابع جمادى الآخرة وله بضع وسبعون سنة سنة ست عشرة وستمائة فيها تحركت التتار وهم نوع من الترك مساكنهم جبال ضمعاج من نحو الصين يسجدون للشمس عند طلوعها ولا يحرمون شيئا ولا يحصون كثرة فخارت قوى السلطان خوارزم شاه وتقهقر بين أيديهم ببلاد ما وراء النهر وانجفل الناس بخوارزم شاه وأمرت أمه بقتل من كان محبوسا من الملوك بخوارزم وكانوا بضعة عشر نفسا ثم سارت بالخزائن إلى قلعة إيلال بمازندران ووصل خوارزم شاه إلى همذان في نحو عشرين ألفا وتقوضت أيامه وفي أول العام خرب الملك المعظم سور بيت المقدس خوفا وعجزا من الفرنج أن تملكه فشرعوا في هدم السور في أول يوم من المحرم وضح الناس وخرج النساء المخدرات والبنات والشيوخ والعجايز والشباب إلى (5/65) ________________________________________ 66 الصخرة والأقصى فقطعوا شعورهم وخرجوا هاربين وتركوا أموالهم وما شكوا أن الفرنج يصبحوهم فهرب بعضهم إلى مصر وبعضهم إلى الكرك وبعضهم إلى دمشق ومات خلق من الجوع والعطش ونهبت الأموال التي كانت لهم بالقدس وأبيه القنطار الزيت بعشرة دراهم والرطل النحاس بنصف درهم وذم الناس الملك المعظم فقال بعضهم ( في رجب حلل الحميا * وأخرب القدس في المحرم ) ( واستخدم القبط والنصارى * وبعد ذا وزر المكرم ) وقال مجد الدين قاضي الطور ( مررت على القدس الشريف مسلما * على ما تبقى من ربوع وانجم ) ( ففاضت دموع العين مني صبابة * على ما مضى من عصره المتقدم ) ( وقد رام علج أن يعفى رسومه * وشمر عن كفي لئيم مذمم ) ( فقلت له شلت يمينك خلها * لمعتبر أو سائل أو مسلم ) ( فلو كان يفدى بالنفوس فديته * بنفسي وهذا الظن في كل مسلم ) وفي شعبان أخذت الفرنج دمياط بعد ما حصر أهلها ووقع فيهم الوباء وعجز الكامل عن نصرهم فطلبوا من الفرنج الأمان وأن يخرجوا منها بأهلهم وأموالهم في القساقسة وحلفوا لهم على ذلك ففتحوا لهم الأبواب فدخلوا وغدروا بأهلها ووضعوا فيهم السيف قتلا وأسرا وباتوا في الجامع يفجرون بالنساء ويفتضون البنات وأخذوا المنبر والمصحف وبعثوا بهما إلى الجزاير وفيها توفي أبو الفضل أحمد بن محمد بن سيدهم الأنصاري الدمشقي المعروف بابن الهراس سمع من نصر الله المصيصي وغيره وتوفي في شعبان وفيها أبو البشاير إسحق بن هبة الله بن صالح قاضي خلاط كان فقيها شافعيا عالما حسن الكلام في الوعظ والتذكير من محاسن القضاة يرجع إلى دين قدم اربل وتوفي بها ومن شعره (5/66) ________________________________________ 67 ( قال الهلال وعندي في مجالستي * بدر بوجه على شمس الضحى سادا ) ( ليس الهلال بمحبوب لذي أرب * وإن حببناه أحيانا وأعيادا ) ( هذا يزيد حياتي في مجالستي * وذاك ينقص عمري كلما زادا ) وفيها ابن ملاعب زين الدين أبو البركات داود بن أحمد بن محمد ابن منصور بن ثابت بن ملاعب الأزجي وكيل القضاة روى عن الأرموي وابن ناصر وطائفة توفي في جمادى الآخرة بدمشق وفيها ريحان ابن تبكان بن موسك الحربي الضرير مات في صفر وله بضع وتسعون سنة روى عن أحمد بن الطلاية والمبارك بن أحمد الكندي وفيها ست الشام الخاتون أخت الملك العادل بنت أيوب كانت عاقلة كثيرة البر والصدقة بابها ملجأ للقاصدين وهي أم حسام الدين وتزوجها محمد بن شيركوه صاحب حمص وبنت لها مدرسة وتربة بالعونية على الشرف الشمالي من دمشق وأوقفت دارها قبيل موتها مدرسة وهي التي إلى جانب المارستان النوري وأوقفت عليها أوقافا كثيرة وتوفيت في ذي القعدة ودفنت بتربتها بالعونية وكان كافور الحسامي خادمها وكان لها نيف وثلاثون محرما من الملوك سوى أولادهم فأخوتها صلاح الدين والعادل وسيف الإسلام وولده وفيها أبو منصور ابن الرزاز سعيد بن محمد بن العلامة المفتي سعيد بن محمد بن عمر البغدادي روى البخاري عن أبي الوقت وحضر أبا الفضل الأرموي وفيها العلامة أبو البقاء محب الدين عبد الله بن الحسين بن أبي البقا العكبري الأزجي الضرير الحنبلي النحوي الفرضي صاحب التصانيف قرأ القراءات على ابن عساكر البطايحي وتأدب على ابن الخشاب وتفقه على أبي يعلى الصغير وروى عن ابن البطي وطائفة وحاز قصب السبق في العربية وتخرج به خلق ذهب بصره في صغره بالجدري وكان دينا ثقة قاله في العبر وقال ناصح الدين بن الحنبلي كان إماما في علوم القرآن إماما في الفقه إماما (5/67) ________________________________________ 68 في اللغة إماما في النحو إماما في العروض إماما في الفرائض إماما في الحساب إماما في معرفة المذهب إماما في المسائل النظريات وله في هذه الأنواع من العلوم مصنفات مشهورة قال وكان معيدا للشيخ أبي الفرج بن الجوزي وكان متدينا قرأت عليه كتاب الفصيح لثعلب من حفظي وقال ابن أبي الجيش كان يفتي في تسعة علوم وكان أوحد زمانه في النحو واللغة والحساب والفرائض والجبر والمقابلة والفقه وإعراب القرآن والقراءات الشاذة وله في كل هذه العلوم تصانيف كبار وصغار ومتوسطات وذكر أنه قرأ عليه كثيرا وقال ابن البخاري قرأت عليه كثيرا من مصنفاته وصحبته مدة وكان حسن الأخلاق متواضعا كثير المحفوظ محبا للإشتغال والإشغال ليلا ونهارا ما تمضي عليه ساعة بلا اشتغال أو إشغال حتى أن زوجته تقرأ له بالليل كتب الأدب وغيرها وقال غيره كان إذا أراد أن يصنف كتابا أحضرت له عدة مصنفات في ذلك الفن وقرئت عليه فإذا حصله في خاطره أملاه وقال ابن رجب من تصانيفه تفسير القرآن وإعراب القرآن في مجلدين وإعراب الشواذ ومتشابه القرآن وإعراب الحديث وكتاب التعليق في مسائل الخلاف في الفقه وشرح الهداية لأبي الخطاب في الفقه وكتاب المرام في نهاية الأحكام في المذهب وكتاب مذاهب الفقهاء وكتاب الناهض في علم الفرائض وكتاب بلغة الرايض في علم الفرايض والمنقح من الخطل في علم الجدل والاعتراض على دليل التلازم والاستيعاب في أنواع الحساب واللباب في البناء والإعراب وشرح الإيضاح وشرح اللمع وشرح خطب ابن نباتة وشرح المقامات الحريرية وشرح الحماسة وشرح ديوان المتنبي وغير ذلك ومن شعره ( صاد قلبي على العقيق غزال * ذو نفار وصاله ما ينال ) ( فاتر الطرف تحسب الجفن منه * ناعسا والنعاس منه مزال ) (5/68) ________________________________________ 69 توفي ليلة الأحد ثامن ربيع الآخر ودفن بمقبرة الإمام أحمد باب حرب رحمه الله تعالى وفيها ابن شاس العلامة جمال الدين أبو محمد عبد الله بن نجم بن شاس بن نزار الجذامي السعدي المصري شيخ المالكية وصاحب كتاب الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة كان من كبار الأئمة العاملين حج في أواخر عمره ورجع فامتنع من الفتيا إلى أن مات مجاهدا في سبيل الله في حدود رجب وفيها عبد الرحمن بن محمد بن علي بن يعيش الصدر أبو الفرج الأنباري أخو ابن الحسن علي روى عن عبد الوهاب الأنماطي وغيره وعمر تسعين سنة توفي في شعبان وفيها أبو محمد عبد العزيز بن أحمد بن مسعود ابن الناقد البغدادي المقرىء الصالح قرأ القراءات على أبي الكرم الشهرزوري وغيره وسمع من أبي سعد البغدادي والأرموي توفي في شوال وفيها الافتخار الهاشمي أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل العباسي البلخي ثم الحلبي الحنفي إمام المذهب بحلب سمع بما وراء النهر من القاضي عمر بن علي المحمودي وأبي شجاع البسطامي وجماعة وبرع في المذهب وناظر وصنف وشرح الجامع الكبير وتخرج به الأصحاب وعاش ثمانين سنة توفي في جمادى الآخرة وفيها عثمان بن مقبل بن قاسم الياسري ثم البغدادي الفقيه الحنبلي الواعظ أبو عمر جمال الدين من أهل الباسرية من قرى بغداد على نهر عيسى قدم بغداد وسمع بها من ابن الخشاب وشهدة وطبقتهما ومن دونهما وتفقه على أبي الفتح بن المنى ووعظ ولازم الوعظ ذكره ابن أبي الجيش في شيوخه وقال له تصانيف وقد حدث وسمع منه جماعة وقال ابن الحنبلي مات ضاحي نهار الحادي والعشرين من ذي الحجة ودفن بباب حرب وفيها عماد الدين أبو القاسم علي بن القاسم بن الحافظ الكبير أبي القاسم ابن عساكر ولد سنة إحدى وثمانين وخمسمائة وسمع من أبيه وعبد الرحمن (5/69) ________________________________________ 70 ابن الخرقي وإسماعيل الخبزوي ورحل إلى خراسان فكان آخر من رحل إليها من المحدثين وأكثر عن المؤيد الطوسي ونحوه وكان صدوقا ذكيا فهما حافظا مجدا في الطلب إلا أنه كان يتشيع وقد خرجت عليه الحرامية في قفوله من خراسان فجرحوه وأدركه الموت ببغداد في جمادى الأولى قاله في العبر وفيها صاحب سنجار الملك المنصور قطب الدين محمد بن عماد الدين زنكي بن اقسنقر تملك سنجار مدة وحاصره الملك العادل أياما ثم رحل عنه بأمر الخليفة توفي في صفر وتملك بعده ولده عماد الدين شاهنشاه أشهرا ومات قبله أخوه عمر وتملك بعده مديدة ثم سلم سنجار إلى الأشرف ثم مات وفيها أبو الحسن علي بن أبي زيد بن محمد بن علي النحوي المعروف بالفصيحي الاستراباذي أخذ النحو عن عبد القاهر صاحب الجبل الصقري وتبحر فيه حتى صار أعرف أهل زمانه وقدم بغداد واستوطنها ودرس النحو بالمدرسة النظامية مدة وانتفع به خلق كثير ومن جملة من أخذ عنه ملك النجاة الحسن بن صافي وروى عنه أبو طاهر السلفي قال جالسته ببغداد وسألته عن أحرف في العربية وقال أنشدين لبعض النحاة ( النحو شؤم كله فاعلموا * يذهب بالخير من البيت ) ( خير من النحو وأصحابه * ثريدة تعمل بالزيت ) توفي يوم الأربعاء ثالث عشر ذي الحجة ببغداد قال ابن خلكان ولم أعرف أنسبه بالفصيحي إلى كتاب الفصيح لثعلب أم لشيء آخر وفيها أبو عبد الله نصير الدين محمد بن عبد الله بن الحسين السامري الفقيه الفرضي الحنبلي ويعرف بابن سنينه بسين مهملة مضمومة ونونين مفتوحتين بينهما ياء تحتية ساكنة قال ابن النجار ولد سنة خمس وثلاثين وخمسمائة (5/70) ________________________________________ 71 بسامرا وسمع من ابن البطي وأبي حكيم النهرواني وغيرهما ببغداد وتفقه على أبي حكيم ولازمه وبرع في الفقه والفرائض وصنف فيهما تصانيف مشهورة منها كتاب المستوعب في الفقه وكتاب الفروق وكتاب البيان في الفرائض وولى القضاء بسامرا وأعمالها مدة ثم ولى القضاء والحسبة ببغداد ثم عزل عن القضاء وبقي على الحسبة ثم عزل عنها وولى إشراف ديوان الزمام وعزل أيضا ولقب في أيام ولايته معظم الدين ولما عزل لزم بيته مدة ثم أذن له بالعود إلى بلده فعاد إليها ثم رجع إلى بغداد في آخر عمره وبها توفي قال ابن النجار كان شيخا جليلا فاضلا نبيلا حسن المعرفة بالمذهب والخلاف له مصنفات فيها حسنة وما أظنه روى شيئا من الحديث وذكر ابن الساعي المؤرخ أنه كتب عنه وأجاز للشيخ عبد الرحيم بن الدجاج توفي ليلة الثلاثاء سابع عشرى رجب ودفن بمقبرة باب حروب وفي كتابيه المستوعب والفروق فوائد جليلة ومسائل غريبة وفيها أبو الحسين تاج الدين يحيى بن علي بن الجراح بن الحسين بن محمد بن داود كتب في ديوان الإنشاء بالديار المصرية مدة طويلة وكان خطه في غاية الجودة وكان فاضلا أديبا متقنا له فطرة حسنة وجيد شعر رائق ورسائل أنيقة سمع الحديث بثغر الإسكندرية على السلفي وسمع الناس عليه وله لغز في الدملج الذي تلبسه النساء وهو ما شيء قلبه حجر ووجهه قمر أن نبذته صبر واعتزل البشر وأن أجعته رضى بالنوى وانطوى على الخوى وإن أشبعته قبل قدمك وصحب خدمك وإن علقته ضاع وإن أدخلته السوق أبى أن يباع وإن أظهرته جمل المتاع وأحسن الأمتاع وإن شددت ثانيه وحذفت منه القافية كدر الحياة وأوجب التخفيف في الصلاة وأحدث وقت العصر الضجر ووقت الفجر الخدر وجمع بين حسن العقبى وقبح الأثر وإن فصلته دعا لك وإن ما إن ركبته هالك وربما بلغك آمالك وكثر مالك وأحسن بعون المساكين مالك والسلام وكانت ولادته خامس (5/71) ________________________________________ 72 عشر شوال سنة إحدى وأربعين وخمسمائة وتوفي خامس شعبان بدمياط سنة سبع عشرة وستمائة في رجبها كانت وقعة البرلس بين الكامل والفرنج وكان نصرا عزيزا قتل من الملاعين عشرة آلاف وانهزموا إلى دمياط وفيها أخذت التتار خراسان وقتلوا أهلها وكانوا أخذوا بخارى وسمرقند وقتلوا وما أبقوا ثم عبروا نهر جيحون وأبادوا ما هناك قتلا وسبيا وتخريبا إلى حدود العراق بعد أن هزموا جيوش خوارزم شاه ومزقوهم ثم عطفوا إلى قزوين فاستباحوها ثم سارت فرقة كبيرة إلى أذربيجان فاستباحوها وحاصروا تبريز وبها ابن البهلوان فبذل لهم أموالا وتحفا فرحلوا عنه ليشتوا على الساحل فوصلوا إلى مرغان وحاربوا الكزج وهزموهم في ذي القعدة من هذه السنة ثم ساروا إلى مراغة فأخذوا بالسيف ثم كروا نحو اربل فاجتمع لحربهم عسكر العراق والموصل مع صاحب اربل فهابوهم وعرجوا إلى همذان فحاربهم أهلها أشد محاربة في العام المقبل وأخذوها بالسيف وأحرقوها ثم نزلوا على سلفان وأخذوها بالسيف وقتلوا بلا استثناء ثم حاربوا الكزج أيضا وقتلوا منهم نحو ثلاثين ألفا ثم سلكوا طرقا وعرة في جبال دربند سروان وانبثوا في تلك الأراضي وبها اللان واللكز وطوائف من الترك وفيهم قليل مسلمون فاجتمعوا والتقوا وكانت الدبرة على اللان ثم بيتوا القفجاق وقتلوا وسبوا وأقاموا بتلك الديار ووصلوا إلى سوادق وهي مدينة القفجاق فملكوها وأقاموا هناك إلى سنة عشرين وستمائة ولما تمكن الطاغية جنكزخان وعتا وتمرد وأباد الأمم وأذل العرب والعجم قسم عساكره وجهز كل فرقة إلى ناحية من الأرض ثم عادت إليه أكثر عساكره إلى سمرقند فلا يقال كم أباد هؤلاء من بلد وإنما يقال كم بقي وكان خوارزم شاه محمد بطلا (5/72) ________________________________________ 73 مقداما هجاما وعسكره أوباشا ليس لهم ديوان ولا إقطاع بل يعيشون من النهب والغارت وهم تركي كافر أو مسلم جاهل لم يعرفوا تعبة العسكر في المصاف ولم يدمنوا إلا على المهاجمة ولا لهم زرديات ولا عدد جيدة ثم أنه كان يقتل بعض القبيلة ويستخدم باقيها ولم يكن فيه شيء من المداراة ولا التؤدة لا لجنده ولا لعدوه وتحرش بالتتار وهم بغضبون على من يرضيهم فكيف بمن يغضبهم ويؤذيهم فخرجوا عليه وهم بنواب وأولو كلمة مجتمعة وقلب واحد ورئيس مطاع فلم يمكن أن يقف مثل خوارزم شاه بين أيديهم ولكل أجل كتاب فطووا الأرض وكلت أسلحتهم وتكلكلت أيديهم مما قتلوا من النساء والأطفال فضلا عن الرجال فإنا لله وإنا إليه راجعون قال ابن الأثير والتتار نوع من الترك يسجدون للشمس عند شروقها ويأكلون لحم بني آدم والدواب لا غير ويأتي المرأة غير واحد فإذا جاءت بولد لا يعرف من أبوه ومساكنهم جبال طغماج من نحو الصين ملكوا الدنيا في سنة واحدة دوابهم التي تحمل أثقالهم تحفر الأرض وتأكل شروش العشب ولا تعرف الشعير وفيها توفي قاضي القضاة زكي الدين بن قاضي القضاة محي الدين محمد بن الزكي القرشي الدمشقي ولي قبل ابن الحرستاني ثم بعده وكان ذاهيبة وحشمة وسطوة وكان الملك المعظم يكرهه فاتفق أن زكى الدين طلب جابي العزيزية بالحساب فأساء الأدب بين يديه فأمر بضربه بين يديه فوجد المعظم سبيلا إلى أذيته فبعث إليه بخلعة أمير قباء وكالوته وألزمه بلبسهما في مجلس حكمه ففعل ثم قام فدخل ولزم بيته ثم مات كمدا يقال أنه رمى قطعا من كبده ومات في صفر كهلا وندم المعظم وفيها الشيخ عبد الله اليونيني وهو أبو عثمان بن عبد العزيز بن جعفر الزاهد الكبير أسد الشام كان شيخا مهيبا طوالا حاد الحال تام الشجاعة أمارا بالمعروف نهاءا عن المنكر كثير الجهاد دائم الذكر عظيم الشأن منقطع (5/73) ________________________________________ 74 القرين صاحب مجاهدات وكرامات كان الأمجد صاحب بعلبك يزوره فكان يهينه ويقول يا أميجد أنت تظلم وتفعل وهو يعتذر إليه وقيل كان قوسه ثمانين رطلا وما كان يبالي بالرجال قلوا أم كثروا وكان ينشد هذه الأبيات ويبكي ( شفيعي إليكم طول شوقي إليكم * وكل كريم للشفيع قبول ) ( وعذري إليكم أنني في هواكم * أسير ومأسور الغرام ذليل ) ( فإن تقبلوا عذري فأهلا ومرحبا * وإن لم تحنوا فالمحب حمول ) ( سأصبر لا عنكم ولكن عليكم * عسى لي إلى ذاك الجناب وصول ) قاله في العبر وقال السخاوي اقتات سنة بثلاثة دراهم اشترى بدرهم دقيقا وبدرهم سمنا وبدرهم عسلا ولته وجعله ثلثمائة وستين كبة كان يفطر كل ليلة على كبة وقيل أنه عمل مرة مجاهدة تسعين يوما يفطر كل ليلة على حمصة حتى لا يواصل وكان يأكل كل عشرة أيام أكلة وعن الشيخ على الشبلي قال احتاجت زوجتي إلى مقنعة فقلت على دين خمسة دراهم فمن أين أشتري لك مقنعة فنمت فرأيت من يقول لي إذا أردت أن تنظر إلى إبراهيم الخليل فانظر إلى الشيخ عبد الله بن عبد العزيز فلما أصبحت أتيته بقاسيون فقال لي مالك يا علي اجلس وقام إلى منزله وعاد ومعه مقنعة في طرفها خمسة دراهم فأخذتها ورجعت انتهى وقال ابن شهبة في تاريخ الإسلام أصله من قرية من قرى بعلبك يقال لها يونين كان صاحب رياضات وكرامات ومجاهدات ولم يقم لأحد قط عظيما لله تعالى ولا ادخر ولا لمس بيده دينارا ولا درهما زاهدا عفيفا ما لبس قط سوى الثوب الخام وقلنسوة من جلود الغنم تساوي نصف درهم وقال القاضي يعقوب قاضي البقاع كنت يوما بدمشق عند الجسر الأبيض في مسجد هناك وقت الحر وإذا بالشيخ عبد الله قد نزل يتوضأ وإذا بنصراني عابر على الجس رومعه بغل عليه حمل خمر فعثر البغل على الطريق ووقع الحمل (5/74) ________________________________________ 75 على الطريق وليس في الطريق أحد فصعد الشيخ وصاح بي يا فقيه تعال فجئت فقال عاوني فعاونته حتى حمل الحمل على البغل وذهب النصراني فقلت في نفسي مثل الشيخ يفعل هذا ثم مشيت خلف البغل إلى العقيبة فجاء إلى دكان الخمار وحط الحمل وفتح الظروف فإذا هي قد صارت خلا فقال الخمار ويحك هذا خل فبكى وقال والله ما كانت إلا خمرا وإنما أنا أعرف العلة ثم ربط البغل في الحال وصعد إلى الجبل إلى عند الشيخ فدخل عليه وقال يا سيدي أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وصار فقيرا من فقرائه ولما قدم الشيخ حمص للغزاة قدم الملك المجاهد أسد الدين حصانا من خيله فركبه الشيخ ودخل في العدو فعمل العجائب وما قامت غزاة بالشام قط إلا حضرها ولما كان يوم الجمعة في عشر ذي الحجة صلى الصبح بجامع بعلبك واغتسل قبل صلاة الجمعة وجاء داود المؤذن وكان يغسل الموتى فقال ويحك يا داود أنظر كيف تكون غدا فما فهم داود وقال يا سيدي غدا نكون في خفارتك وصعد الشيخ إلى المغارة وكان قد أمر الفقراء أن يقطعوا صخرة عند اللوزة التي كان ينام بجانبها فقطعوها فأصبح الشيخ فصلى الصبح وصعد إلى الصخرة والفقراء يتممون قطعها والسبحة في يده فطلعت الشمس وقد فرغوا منها والشيخ نايم والسبحة في يده فجاء خادم من القلعة في شغل فرآه قاعدا نائما فما تجاسر أن يوقظه فطال عليه ذلك فقال يا عبد الصمد ما أقدر أقعد أكثر من هذا فتقدم وقال يا سيدي فما تكلم فحركه فإذا هو ميت فارتفع الصياح وجاء صاحب بعلبك فرآه على تلك الحال فقال ابنوا عليه بنيانا وهو على حالته فقالوا اتباع السنة أولى وجاء داود المؤذن فغسله عند اللوزة وذلك يوم السبت وقد تجاوز الثمانين سنة وقبره يزار ببعلبك رحمه الله وفيها أبو المظفر بن السمعاني فخر الدين عبد الرحيم بن الحافظ أبي سعيد عبد الكريم بن الحافظ أبي بكر محمد بن الإمام أبي المظفر منصور (5/75) ________________________________________ 76 ابن محمد التميمي المروزي الشافعي الفقيه المحدث مسند خراسان ولد سنة سبع وثلاثين وخمسمائة وروى كتبا كبارا منها البخاري ومسند الحافظ أبي عوانة وسنن أبي داود وجامع الترمذي وتاريخ الفسوي ومسند الهيثم بن كليب سمع من وجيه الشحامي وأبي الأسعد القشيري وخلق رحله أبوه إليهم بمرو ونيسابور وهراة وبخارا وسمرقند ثم خرج له أبوه معجما في ثمانية عشر جزءا وكان مفتيا عارفا بالمذهب وروى الكثير ورحل الناس إليه وسمع منه الحافظ أبو بكر الحازمي ومات قبله بدهل وحدث عنه الأئمة ابن الصلاح والضياء المقدسي والزكي البرازلي والمحب بن النجار وخرج لنفسه أربعين حديثا وانتهت إليه رياسة الشافعية ببلده وختم به البيت السمعاني عدم في دخول التتار ومر في آخر العام وفيها قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم ابن عيسى العلوي الحسيني صاحب مكة أبو عزيز عاش أكثر من ثمانين سنة وفيها خوارزم شاه محمد بن تكش السلطان الكبير علاء الدين كان ملكا جليلا أصيلا عالي الهمة واسع الممالك كثير الحروب ذا ظلم وجبروت وغور ودهاء تسلطن بعد والده علاء الدين تكش فدانت له الملوك وذلت له الأمم وأباد أمة الخطا واستولى على بلادهم إلى أن قهر بخروج التتار الطغماجية عسكر جنكزخان واندفع قدامهم فأتاه أمر الله من حيث لا يحتسب فما وصل إلى الري إلا وطلائعهم على رأسه فانهزم إلى قلعة برجين وقد مسه النصب فأدركوه وما تركوه يبلغ ريقه فتحامل إلى همذان ثم إلى مازندران وقعقعة سلاحهم قد ملأت مسامعه فنزل ببحيرة هناك ثم مرض بالإسهال وطلب الدواء فأعوزه ومات فقيل أنه حمل إلى دهستان في البحر وأما ابنه جلال الدين فتقاذفت به البلاد وألقته بالهند ثم رمته الهند إلى كرمان وقيل بلغ عدد جيشه ثلثمائة ألف وقيل أكثر من ذلك وفيها أبو عبد الله شهاب الدين محمد بن أبي المكارم الفضل بن بختيار بن أبي نصر اليعقوبي الخطيب الواعظ الحنبلي ويعرف (5/76) ________________________________________ 77 بالحجة ذكر أن مولده في ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة بيعقوبا وسمع ببداد من ابن الجوزي وطبقته ومن أبي الوقت والشيخ عبد القادر وولى الخطابة ببلده يعقوبا وحدث بها وباربل وغيرهما وحدث بأحاديث فيها وهم فعرف الخطأ فيها فترك روايتها وصنف كتاب غريب الحديث وشرح العبادات الخمس لأبي الخطاب وقرأه على أبي الفتح بن المنى سنة إحدى وثمانين وكتب له عليه قرأه على مصنفه الشيخ الأجل العلام الفقيه بهاء الدين حجة الإسلام قراءة عالم بما فيه من غرائب الفوائد وعجائب الفرائد توفي في جمادى الأولى بدقوقا ودفن بها وفيها صدر الدين شيخ الشيوخ أبو الحسن محمد بن شيخ الشيوخ عماد الدين عمر بن علي الجويني برع في مذهب الشافعي وسمع من يحيى الثقفي ودرس وأفتى وزوجه شيخه القطب النيسابوري بابنته فأولدها الأخوة الأمراء الأربعة ثم ولي بمصر تدريس الشافعي ومشهد الحسين وبعثه الكامل رسولا يستنجد بالخليفة وجيشه على الفرنج فأدركه الموت بالموصل أجاز له أبو الوقت وجماعة وكان كبير القدر وفيها الشيخ الكبير الشهير كبير الشأن ظاهر البرهان المبارك على أهل زمانه محمد بن أبي بكر الحكمي اليمني نفع الله به نشأ في السلوك في بلده المصبرا بفتح الميم وسكون الصاد المهملة وكسر الباء الموحدة وقبل الألف راء بلدة من نواحي رحبان وبها قبر والده ثم انتقل إلى ذوال ثم إلى سهام وصحب بها الفقيه العالم الصالح المصلح محمد بن حسين البجلي وأخذ خرقة التصوف القادرية عن الشيخ على الحداد وسكن مع البجلي في عواجة حتى مات هناك ومات البجلي بعده سنة إحدى وعشرين وستمائة وقبراهما متلاصقان وإلى جانبهما علي بن الحسين البجلي ولهما زاوية محترمة وذكر واسع وكرامات جمة وذرية أخيار تعدد فيهم الصلحاء العلماء وبصحبتهما ومحبتهما في الله يضرب المثل قاله ابن الأهدل وفيها صاحب حماة الملك المنصور محمد بن المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه (5/77) ________________________________________ 78 ابن أيوب سمع من أبي الطاهر بن عوف وجمع تاريخا على السنين في مجلدات وقد تملك حماة بعده ولده الناصر قلج أرسلان فأخذها منه الكامل وسجنه ثم أعطاها لأخيه الملك المظفر وفيها المؤيد بن محمد بن علي بن حسن رضى الدين أبو الحسن الطوسي المقري مسند خراسان ولد سنة أربع وعشرين وسمع صحيح مسلم من الفراوي وصحيح البخاري من جماعة وعدة كتب وأجزاء وانتهى إليه علو الإسناد بنيسابور ورحل إليه من الأقطار توفي ليلة الجمعة العشرين من شوال وفيها ناصر بن مهدي الوزير نصير الدين العجمي قدم من مازندران سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة فوزر للخليفة الناصر سنتين ثم قبض عليه سنة أربع وستمائة وعاش إلى هذا الوقت توفي في جمادى الأولى وفيها ابن هلالة الحافظ عبد العزيز بن الحسين كان حافظا نقادا مجردا قال ابن ناصر الدين في بديعته ( ثم فتى هلالة الطبيري * يفوح زهر خيره الكثير ) وأثنى عليه في شرحها سنة ثمان عشرة وستمائة استهلت والدنيا تغلي بالتتار وتجمع إلى السلطان جلال الدين بن خوارزم شاه كل عساكره والتقى تولىخان بن جنكزخان واشتد غضبه إذ لم ينهزم له جيش قبلها فجمع جيشه وسار بهم إلى ناحية السند فالتقاه جلال الدين في شوال من السنة فانهزم جيشه أيضا وثبت هو وطائفة ثم ولى جنكزخان منهزما وكادت الدائرة تدور عليه لولا كمين عشرة آلاف خرجوا على المسلمين فطحنت الميمنة وأسروا ولد السلطان جلال الدين فتبدد نظامه وتقهقر إلى حافة السند وأما بغداد فانزعج أهلها وقنت المسلمون وتأهب الخليفة (5/78) ________________________________________ 79 واستخدم وأنفق الأموال وفيها تملك التتار مراغة وخربوها وأحرقوها وقتلوا أكثر أهلها وساروا إلى بلاد الروس وفيها سار الملك الأشرف ينجد أخاه الكامل وسار معه عسكر الشام وخرجت الفرنج من دمياط بالفارس والراجل أيام زيادة النيل فنزلوا على ترعة فبثق المسلمون عليها النيل فلم يبق لهم وصول إلى دمياط وجاء الأصطول فأخذوا مراكب الفرنج وكانوا مائة كيد وثمانمائة فارس فيهم صاحب عكا وخلق من الرجالة فلما عاينوا الخذلان تطلبوا الصلح على أن يسلموا دمياط إلى الكامل فأجابهم ثم جاءه أخواه بالعساكر في رجب فعمل سماطا عظيما وأحضر ملوك الفرنج وأنعم عليهم ووقف في خدمته المعظم والأشرف وكان يوما مشهودا وقام راجح الحلى فأنشد قصيدة منها ( ونادى لسان الكون في الأرض رافعا * عقيرته في الخافقين ومنشدا ) ( أعباد عيسى أن عيسى وحزبه * وموسى جميعا ينصران محمدا ) وأشار إلى الأخوة الثلاثة وفيها توفي الشيخ الزاهد القدوة نجم الدين أبو الجناب الخيوقي أحمد بن عمر بن محمد الصوفي المحدث شيخ خوارزم ويقال له الكبرى رحل الأقطار راكبا وماشيا وأدرك من المشايخ ما لا يحصى كثرة ولبس خرقة التصوف النهر جوربة من الشيخ إسماعيل القصري والسهروردية للتبرك من الشيخ أبي ناصر عمار بن ياسر وسبق أقرانه في صغره إلى فهم المشكلات والغوامض فلقبوه الطامة الكبرة ثم كثر استعماله فحذفوا الطامة وأبقوا الكبرى وخيوق المنسوب إليها من قرى خوارزم سمع بهمذان من الحافظ أبي العلاء وبالإسكندرية من السلفي وعنب بمذهب الشافعي والتفسير وله تفسير في اثنتي عشرة مجلدة واجتمع به الإمام فخر الدين الرازي فاعترف بفضله قال عمر بن الحاجب طاف البلاد وسمع بها الحديث واستوطن خوارزم وصار شيخ تلك الناحية وكان صاحب حديث (5/79) ________________________________________ 80 وسنة ملجأ للغرباء عظيم الجاه لا يخاف في الله لومة لائم وقال ابن الأهدل استشهد رضي الله عنه بخوارزم في فتنة التتار وذلك أن سلطانها لما قد جمع الشيخ أصحابه وكانوا نحو ستين فقال لهم ارتحلوا إلى بلادكم فإنه قد خرجت نار من المشرق تحرق إلى قرب المغرب وهي فتنة عظيمة ما وقع في هذه الأمة مثلها فقال له بعضهم لو دعوت برفعها فقال هذا قضاء محكم لا ينفع فيه الدعاء فقالوا له تخرج معنا فقال إني أقتل ههنا فخرج أصحابه فلما دخل الكفار البلد نادى الشيخ وأصحابه الباقون الصلاة جامعة ثم قال قوموا نقاتل في سبيل الله ودخل البيت ولبس خرقة شيخه وحمل على العدو فرماهم بالحجارة ورموه بالنبل وجعل يدور ويرقص حتى أصابه سهم في صدره فنزعه ورمى به نحو السماء وفار الدم وهو يقول إن أردت فاقتلني بالوصال أو بالفراق ثم مات ودفن في رباطه رحمه الله تعالى وفيها عبد الرحيم بن النفيس ابن هبة الله بن وهبان بن رومي بن سلمان بن محمد بن سلمان بن صالح بن محمد ابن وهبان السلمي الحديثي ثم البغدادي أبو نصر الفقيه الحنبلي المحدث ولد في عاشر ربيع الأول سنة سبعين وخمسمائة ببغداد وسمع الكثير من أبي الفتح بن شاتيل وخلق وبالغ في الطلب وارتحل فيه إلى الشام والجزيرة ومصر والعراق وخراسان وما وراء النهر وخوارزم وتفقه في المذهب وتكلم في مسائل الخلاف وحدث ببغداد ودمشق وغيرهما قال ابن النجار كان مليح الخط صحيح النقل والضبط حافظا متقنا ثقة صدوقا له النظم والنثر الجيد كان من أكمل الناس ظرفا ولطفا وحسن خلق وطيب عشرة وتواضع وكمال مروءة ومسارعة إلى قضاء حوائج الإخوان ومن شعره ( سلوا فؤادي هل صفا شربه * منذ نأيتم عنه أوراقا ) ( وهل يسليه إذا غبتم * أن أودع التسليم أوراقا ) (5/80) ________________________________________ 81 قتل شهيدا في فتنة التتار بخراسان وفيها أبو القسم عبد الغني بن قاسم بن عبد الرزاق بن عياش الهلباوي المقدسي الأصل المصري الفقيه الحنبلي الزاهد سمع بمصر من البوصيري وغيره وتفقه في المذهب وانقطع إلى احافظ عبد الغني ولازمه وكتب عنه كثيرا من مصنفاته وغيرها ذكر ذلك المنذري وقال سمع معنا من جماعة من شيوخنا وصحب جماعة من المشايخ وكان صالحا مقبلا على مصالح نفسه منفردا قانعا باليسير يظهر التجمل مع ما هو عليه من الفقر وحدث وتوفي ليلة ثامن عشر صفر ودفن من الغد بسفح المقطم وفيها عبد المعز بن محمد بن أبي الفضل بن أحمد أبو روح الهروي البزاز ثم الصوفي مسند العصر ولد سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة وسمع من تميم الجرجاني وزاهر الشحامي وطبقتهما وله مشيخة في جزء روى شيئا كثيرا واستشهد في دخول التتار هراة في ربيع الأول وهو آخر من كان بينه وبين رسول الله سبعة أنفس ثقات قاله في العبر وفيها أبو محمد عبد العزيز بن عبد الملك الشيباني الدمشقي الحافظ تكلم فيه ابن النجار بعدم تحريره في الحديث وفقد بنيسابور لما دخلتها التتار بالسيف قال ابن ناصر الدين ( مثاله المفقود ذا الشيباني * عبد العزيز اللين المباني ) أي الضعيف وفيها أبو الحسن علي بن ثابت بن طالب بن الطالباني البغدادي الأزجي الفقيه الحنبلي الواعظ موفق الدين سمع ببغداد من صالح ابن الرحلة وشهدة وسمع بالموصل من خطيبها أبي الفضل وتفقه ببغداد على ابن المنى واشتغل بالموصل بالخلاف علي ابن يونس الشافعي وأقام بحران مدة عند الخطيب ابن تيمية ثم جرى بينه وبينه نكد فقدم دمشق ثم رجع وأقام برأس العين من أرض الجزيرة ووعظ هناك وانتفع به قال به انقطة سمعت منه وسماعه صحيح وقال المنذري له اختيارات في المذهب وفيها القسم بن المفتى أبي سعيد عبد الله بن عمر أبو بكر بن الصفار (5/81) ________________________________________ 82 النيسابوري الشافعي الفقيه روى عن جده العلامة عمر بن أحمد الصفار ووجيه الشحامي وأبي الأسعد القشيري وطائفة وكان مولده سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة استشهد في دخول التتار نيسابور في صفر وفيها الشهاب محمد بن خلف بن راجح بن بلال بن هلال بن عيسى بن موسى بن الفتح بن زريق المقدسي ثم الدمشقي الإمام أبو عبد الله الحنبلي الفقيه المناظر ولد سنة خمسين وخمسمائة بجماعيل ثم قدم دمشق وسمع بها من أبي المكارم بن هلال وقدم مصر فسمع بها بالإسكندرية من السلفي وأكثر عنه وقدم بغداد فسمع من ابن الخشاب وشهدة وطبقتهم وتفقه بها في المذهب والخلاف على ابن المنى حتى برع وكان بحاثا مناظرا مفحما للخصوم ذا حظ من صلاح وأوراد وسلامة صدر أمارا بالمعروف نهاء عن المنكر قال المنذري لقيته بدمشق وسمعت منه وكان كثير المحفوظات متحريا في العبادات حسن الأخلاق وقال أبو المظفر سبط ابن الجوزي كان زاهدا عابدا ورعا فاضلا في فنون العلوم وحفظ المقامات الحريرية في خمسين ليلة فتشوش خاطره وكان يغسل باطن عينيه حتى قل نظره وكان سليم الصدر من الإبدال ما خالف أحدا قط رأيته يوما وقد خرج من جامع الجبل فقال له إنسان ما تروح إلى بعلبك فقال بلى فمشى من ساعته إلى بعلبك بالقبقاب وقال أبو شامة كنت أراه يوم الجمعة قبل الزوال يجلس في درج المنب رالسفلي بجامع الجبل وبيده كتاب من كتب الحديث وأخبار الصالحين يقرؤه على الناس إلى أن يؤذن المؤذن للجمعة وتوفي يوم الأحد سلخ صفر ودفن بسفح قاسيون وفيها أبو عبد الله محمد بن عمر بن عبد الغالب العثماني المحدث الدمشقي دين صالح ورع روى عن أحمد بن حمزة بن الموازيني وابن كليب وطبقتهم توفي بالمدينة النبوية في الحرم كهلا وفيها أبو نصر موسى بن الشيخ عبد القادر الجيلي روى عن أبيه وابن ناصر وسعيد بن البنا وأبي الوقت (5/82) ________________________________________ 83 وسكن دمشق وكان عريا من العلم توفي في أول جمادى الآخرة عن ثمانين سنة قاله في العبر وفيها أبو الفتوح برهان الدين نصر بن محمد بن علي بن أبي الفرج أحمد بن الحصري الهمذاني البغدادي الحنبلي المقري المحدث الحافظ الزاهد الأديب نزيل مكة ولد في شهر رمضان سنة ست وثلاثين وخمسمائة وقرأ القرآن بالروايات على أبي بكر بن الزاغوني وأبي الكرم الشهرزوري وابن السمين وابن الدجاجي وجماعة وسمع الحديث الكثير من أبي الوقت وغيره وخلق كثير منهم الشيخ عبد القادر وعنى بهذا الشأن ثم خرج من بغداد سنة ثمان وتسعين وخمسمائة فاستوطنها وأم بها بالحنابلة وكان شيخا صالحا متعبدا قال ابن الدبيثي كان ذا معرفة بهذا الشأن ونعم الشيخ كان عبادة وثقة قال ابن النجار هو خاتمة أصحابه كان حافظا حجة نبيلا جم الفضائل كثير المحفوظ من أعلام الدين وأئمة المسلمين حدث بالكثير ببغداد ومكة وسمع منه خلق كثير من الأئمة الحفاظ منهم الدبيثي وابن نقطة وابن النجار والضياء والبرزالي وابن خليل وقال ابن الحنبلي مات بالمهجم من أرض اليمن في شهر ربيع الآخر وكان خروجه إلى اليمن بأهله لقحط وقع بمكة وكان ذا عائلة فنزح بهم إلى اليمن في نحو سنة ثمان عشرة أي هذه السنة وفيها هبة الله بن الخضر بن هبة الله بن أحمد بن طاووس السديد أبو محمد الدمشقي سمعه أبوه من نصر الله المصيصي وابن البن وكان كثير التلاوة وتوفي في جمادى الأولى وفيها أبو الدر ياقوت المستعصمي بن عبد الله الموصلي الكاتب المجيد المشهور الملقب أمين الدين المعروف بالملكي نسبة إلى السلطان ملكشاه سكن الموصل وأخذ النحو عن ابن الدهان وكان ملازما قراءة ديوان المتنبي والمقامات وكتب بخطه الكثير وانتشر خطه في الآفاق وكان خطه في نهاية الحسن ولم يؤد أحد طريقة ابن البواب مثله مع فضل غزير ونباهة وكان مغري بنقل صحاح الجوهري وكتب منها نسخا كثيرة كل نسخة في مجلد وكتب عليه خلق كثير (5/83) ________________________________________ 84 وانتفعوا به وكانت له سمعة كثيرة في زمنه مات في هذه السنة وقد أسن وتغير خطه كثيرا وفيها سالم بن سعادة الحمصي الشاعر مات بحلب ومن شعره ( وروض أريض من شقيق ونرجس * لنوريهما من تحت قضب الزبرجد ) ( خدود عقيق تحت خالات عنبر * وأجفان در حول أحداق عسجد ) وفيها جلال الدين الحسن الصباح صاحب الالموت ودردكوه وهو مقدم الإسمعيلية وكان قد أظهر شريعة الإسلام من الأذان وغيره وولى بعده ولده الأكبر سنة تسع عشرة وستمائة فيها توفي أبو طالب أحمد بن عبد الله بن الحسين بن حديد الكناني الإسكندراني المالكي روى عن السلفي وجماعة وهو من بيت قضاء وحشمة توفي في جمادى الآخرة وفيها ابن الأنماطي الحافظ تقي الدين أبو الطاهر إسمعيل ابن عبد الله بن عبد المحسن المصري الشافعي قال عمر بن الحاجب كان إماما ثقة حافظا مبرزا واسع الرواية وعنده فقه وأدب ومعرفة بالشعر وأخبار الناس قال وسألت الحافظ الضيا عنه فقال حافظ ثقة مفيد إلا أنه كان كثير الدعابة مع المرد وقال ابن البخاري ولد سنة سبعين وخمسمائة واشتغل من صباه وتفقه وأقرأ الأدب وسمع الكثير وقدم دمشق سنة ثلاث وتسعين ثم حج سنة إحدى وستمائة وقدم مع الركب وكانت له همة وافرة وجد واجتهاد ومعرفة كاملة وحفظ وفصاحة وفقه وسرعة فهم واقتدار على النظم والنثر وكان معدوم النظير لي وقته قال الضياء بات صحيحا فأصبح لا يقدر على الكلام أياما واتصل به ذلك حتى مات في رجب وفيها ثابت بن مشرف أبو سعد الأزجي البناء المعمار روى عن ابن ناصر والكروخي وطبقتهما فأكثر وحدث بدمشق (5/84) ________________________________________ 85 وحلب وتوفي في ذي الحجة وفيها الشيخ علي بن إدريس اليعقوبي الزاهد صاحب الشيخ عبد القادر الكيلاني سيد زاهد عابد رباني متأله بعيد الصيت توفي في ذي القعدة وفيها أبو الفضائل شهاب الدين عبد الكريم بن نجم بن عبد الوهاب بن عبد الواحد الشيرازي الدمشقي بن الحنبلي الفقيه الحنبلي أخو ناصح الدين عبد الرحمن الآتي ذكره إن شاء الله تعالى وهو أصغر من الناصح بتسع سنين سمع ببغداد من نصر الله القزاز وأجاز لهالحافظ أبو موسى المديني وغيره وتفقه وبرع وأفتى وناظر ودرس بمدرسة جده بدمشق وهي الحنبلية جوار الرواحية سكن بين الأسطواني قال أبو شامة هو أخو البهاء والناصح وهو أصغرهم وكان أبرعهم في الفقه والمناظرة والمحاكمات بصيرا بما يجري عند القضاة في الدعاوي والبينات وقال ابن الساعي في تاريخه كان فقيها فاضلا خيرا عارفا بالمذهب والخلاف وقال غيره كان ذا قوة وشهامة وانتزع مسجد الوزير من يد العلم السخاوي وبقي للحنابلة توفي سابع ربيع الأول ودفن بسفح قاسيون وفيها العلامة كمال الدين علي بن محمد بن يوسف بن النبيه الكاتب الشاعر صاحب ديوان رسائل الملك الأشرف موسى بن العادل وله ديوان شعر مشهور كله ملح فمن شعره ( بدر تم له من الشعر هاله * من رآه من المحبين هاله ) ( قصر الليل حين زار ولا غر * وغزال غارت عليه الغزالة ) ( يا نسيم الصبا عساك تحملت * لنا من سكان نجد رسالة ) ( كل معسولة المراشف بيضاء * حمتها سمر القنا العسالة ) وله ( أمانا أيها القم رالمطل * فمن جفنيك أسياف تسل ) ( يزيد جمال وجهك كل يوم * ولي جسد يذوب ويضمحل ) ( يميل بطرفه التركي عني * صدقتم إني ضيق العين بخل ) (5/85) ________________________________________ 86 ( أيامك القلوب فتكت فيها * وفتكك في الرعية لا يحل ) ( قليل الوصل يقنعها فإن لم * يصبها وابل منه فطل ) وله ( لماك والخد النضر * ماء الحياة والخضر ) ( أخذتني يا تاركي * أخذ عزيز مقتدر ) ( أحلت سلواني على * ضامن قلب منكسر ) ( ونمت عن ذي أرق * إذا غفا النجم سهر ) ( قد أضحت الترك بهذا * العربي تفتخر ) ( ولي عهد البدر إن * غاب فإني منتظر ) ( في خلقه وخلقه * ما في الغزال والنمر ) ( ترعاه أحداق الورى * فحيث ما سار تسر ) وفيها أبو العباس الخضر بن نصر الأربلي الفقيه الشافعي تفنن في العلوم مع الزهد والورع وهو أول من درس باربل وله تصانيف حسان في التفسير والفقه وله كتاب ذكر فيه ستا وعشرين خطبة للنبي كلها مسندة وانتفع به خلق كثير قاله ابن الأهدل وفيها الحافظ محمد بن عبد الواحد بن إبراهيم بن مفرج الغافقي الملاحي الأندلسي الغرناطي المالكي أبو القسم كان إماما حافظا مكثرا من الأثبات قاله ابن ناصر الدين وفيها أبو القسم نصر بن عقيل بن نصر الأربلي ولد باربل سنة أربع وثلاثين وخمسمائة وتفقه بها على عمه أبي العباس الخضر المتوفى في هذا العام أيضا ثم توجه إلى بغداد سنة ستمائة فآذاه بتوليتها مظفر الدين واستولى على أملاكه فتوجه إلى الموصل سنة ست وستمائة فأقبل عله صاحبها الأتابك نور الدين أرسلان شاه بن مسعود وأحسن إليه ورتب له كفايته ولم يزل مكرما (5/86) ________________________________________ 87 إلى أن مات بها في رابع عشر ربيع الآخر ذكره التفليسي وفيها الشيخ يونس بن يوسف بن مساعد الشيباني المخارقي القنيي نسبة إلى القنية قرية من نواحي ماردين وهذا شيخ الطائفة اليونسية أولى الشطح وقلة العقل وكثرة الجهل أبعد الله شرهم وكان رحمه الله صاحب حال وكشف يحكي عنه كرامات قاله في العبر وقال ابن خلكان سألت رجلا من أصحابه عنه فقال كنا مسافرين والشيخ يونس معنا فنزلنا في الطريق بين سنجار وعانة وهي مخوفة فلم يقدر أحد منا ينام من شدة الخوف ونام الشيخ يونس فلما انتبه قلنا له كيف قدرت تنام فقال والله ما نمت حتى جاء إسمعيل بن إبراهيم عليهما السلام وتدرك القفل ورحلنا سالمين ببركة الشيخ يونس ومن شعره مواليا ( أنا حميت الحمى وأنا سكنت فيه * وأنا رميت الخلايق في بحار التيه ) ( من كان يبغي العطا مني أنا أعطيه * أنا فتى ما أداني من به تشبيه ) وله ( إذا صوت سندانا فصبرا على الذي * ينالك من مكروه دق المطارق ) ( لعل الليالي أن تعيدك ضاربا * فتضرب أعناق العدا بالبوارق ) توفي بقريته القنية وقد ناهز التسعين وقبره مشهور هناك سنة عشرين وستمائة فيها كانت الملحمة الكبرى بين التتار وبين القفجاق والروس وثبت الجمعان أياما ثم انتصرت التتار وغلوا أولئك بالسيف وفيها توفي الشيخ أبو علي الحسن بن زهرة الحسيني النقيب رأس الشيعة بحلب وعزهم وجاههم وعالمهم كان عارفا بالقراءات والعربية والأخبار والفقه على رأي القوم وكان متعينا للوزارة ونفذ رسولا إلى العراق وغيرها واندكت الشيعة (5/87) ________________________________________ 88 بموته وفيها الحسن بن يحيى بن أبي الرداد المصري ويسمى أيضا محمدا كان آخر من روى بنفس مصر عن ابن رفاعة توفي في ذي القعدة وفيها الشيخ موفق الدين المقدسي أحد الأئمة الأعلام أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الحنبلي صاحب التصانيف ولد بجماعيل سنة إحدى وأربعين وخمسمائة وهاجر مع أخيه الشيخ أبي عمر سنة إحدى وخمسين وحفظ القرآن وتفقه ثم ارتحل إلى بغداد فأدرك الشيخ عبد القادر فسمع منه ومن هبة الله الدقاق وابن البطي وطبقتهم وتفقه على ابن المنى حتى فاق على الأقران وحاز قصب السبق وانتهى إليه معرفة المذهب وأصوله وكان مع تبحره في العلوم ويقينه ورعا زاهدا تقيا ربانيا عليه هيبة ووقار وفيه حلم وتؤدة وأوقاته مستغرقة للعلم والعمل وكان يفحك الخصوم بالحجج والبراهين ولا يتحرج ولا ينزعج وخصمه يصيح ويحترق قال الحافظ الضياء كان تام القامة أبيض مشرق الوجه أدعج العينين كأن النور يخرج من وجهه لحسنه واسع الجبين طويل اللحية قائم الأنف مقرون الحاجبين لطيف البدن نحيف الجسم إلى أن قال رأيت الإمام أحمد في النوم فقال ما قصر صاحبكم الموفق في شرح الخرقي وسمعت أبا عمر بن الصلاح المفتي يقول ما رأيت مثل الشيخ الموفق وسمعت شيخنا أبا بكر بن غنيمة المفتي ببغداد يقول ما أعرف أحدا في زماننا أدرك درجة الاجتهاد إلا الشيخ الموفق قلت جمع له الضياء ترجمة في جزءين ثم قال توفي في يوم عيد الفطر قاله جميعه في العبر وذكر الناصح بن الحنبلي أنه حج سنة أربع وسبعين وخمسمائة ورجع مع وفد العراق إلى بغداد وأقام بها واشتغلنا جميعا على الشيخ أبي الفتح ثم رجع إلى دمشق واشتغل بتصنيف كتاب المغنى في شرح الخرقي فبلغ الأمل في إتمامه وهو كتاب بليغ في المذهب عشر مجلدات تعب عليه وأجاد فيه وجمل به المذهب وقرأه عليه جماعة وانتفع بعلمه طائفة كثيرة (5/88) ________________________________________ 89 قال ونشأ على سمت أبيه وأخيه في الخير والعبادة وغلب عليه الاشتغال بالفقه والعلم وقال سبط ابن الجوزي كان إماما في فنون كثيرة ولم يكن في زمانه عبد أخيه أبي عمرو العماد أزهد ولا أورع منه وكان كثير الحياء عفوفا عن الدنيا وأهلها هينا لينا متواضعا محبا للمساكين حسن الأخلاق جوادا سخيا من رآه كأنما رأى بعض الصحابة وكأن النور يخرج من وجهه كثير العبادة يقرأ كل يوم وليلة سبعا من القرآن ولا يصلي ركعتي السنة إلا في بيته اتباعا للسنة وكان يحضر مجالسي دائما بجامع دمشق وقاسيون وقال أبو شامة كان شيخ الحنابلة موفق الدين إماما من أئمة المسلمين وعلما من أعلام الدين في العلم والعلم وصنف كتبا حسانا في الفقه وغيره عارفا بمعاني الأخبار والآثار سمعت عليه أشياء وجاءه مرة الملك العزيز بن الملك العادل يزوره فصادفه يصلي فجلس بالقرب منه إلى أن فرغ من صلاته ثم اجتمع به ولم يتجوز في صلاته ومن أطرف ما حكى عنه أنه كان يجعل في عمامته ورقة مصرورة فيها رمل يرمل به ما يكتبه للناس من الفتاوى والإجازات وغيرها فاتفق ليلة أن خطفت عمامته فقال لخاطفها يا أخي خذ من العمامة الورقة المصرورة بما فيها ورد العمامة أغطي بها رأسي وأنت في أوسع الحل مما في الورقة فظن الخاطف أنها فضة ورآها ثقيلة فأخذها ورد العمامة وكانت صغيرة عتيقة فرأى أخذ الورقة خيرا منها بدرجات فخلص الشيخ عمامته بهذا الوجه اللطيف وقال أبو العباس بن تيمية ما دخل الشام بعد الأوزاعي أفقه من الشيخ الموفق رحمه الله وقال الضياء كان رحمه الله تعالى إماما في القرآن إماما في التفسر إماما في علم الحديث ومشكلاته إماما في الفقه بل أوحد زمانه فيه إماما في علم الخلاف أوحد زمانه في الفرائض إماما في أصول الفقه إماما في النحو إماما في الحساب إماما في النجوم السيارة والمنازل قال ولما قدم بغداد قال له الشيخ أبو الفتح بن المنى أسكن هنا فإن بغداد مفتقرة (5/89) ________________________________________ 90 إليك وأنت تخرج من بغداد ولا تخلف فيها مثلك وكان العماد يعظم الموفق تعظيما كثيرا ويدعو له ويقعد بين يديه كما يقعد المتعلم من العالم وقال ابن غنيمة ما أعرف أحدا في زماننا أدرك درجة الإجتهاد إلا الموفق وقال أبو عمرو بن الصلاح ما رأيت مثل الشيخ الموفق وقال الشيخ عبد الله اليونيني ما أعتقد أن شخصا ممن رأيته حصل له من الكمال في العلوم والصفات الحميدة التي يحصل بها الكمال سواه فإنه رحمه الله كان إماما كاملا في صورته ومعناه من الحسن والإحسان والحلم والسؤدد والعلوم المختلفة والأخلاق الحميدة والأمور التي ما رأيتها كملت في غيره وقد رأيت من كرم أخلاقه وحسن عشرته ووفور حلمه وكثرة علمه وغزوير فطنته وكمال مروءته وكثرة حيائه ودوام بشره وعزوف نفسه عن الدنيا وأهلها والمناصب وأربابها ما قد عجز عنه كبار الأولياء فإن رسول الله قال ما أنعم الله تعالى على عبد نعمة أفضل من أن يلهمه ذكره فقد ثبت بهذا أن الهام الذكر أفضل الكرامات وأفضل الذكر ما يتعدى نفعه إلى العباد وهو تعليم العلم والسنة وأعظم من ذلك وأحسن ما كان جبلة وطبعا كالحلم والكرم والفضل والعقل والحياء وكان قد جبله الله على خلق شريف وأفرغ عليه المكام إفراغا وأسبغ عليه النعم فلطف به في كل حال وقال ابن رجب كان كثير المتابعة للمنقول في باب الأصول وغيره لا يرى إطلاق ما لم يؤثر من العبارات ويأمر بالإقرار والإمرار لما جاء في الكتاب والسنة من الصفات من غير تغيير ولا تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تأويل ولا تعطيل ومن تصانيفه في أصول الدين البرهاني في مسئلة القرآن وجواب مسئلة وردت من صرخد في القرآن جزء والاعتقاد جزء ومسلة العلو جزءان وذم التأويل جزء وكتاب القدر جزءان ومنهاج القاصدين في فضائل الخلفاء الراشدين ورسالة إلى الشيخ فخر الدين بن تيمية في عدم تخليد أهل البدع في النار ومسئلة في (5/90) ________________________________________ 91 تحريم النظر في كتب أهل الكلام ومن تصانيفه في الحديث مختصر العلل للخلال مجلد ضخم ومشيخة شيوخه أجزاء كثيرة ومن تصانيفه في الفقه المغنى في عشر مجلدات والكافي أربع مجلدات والمقنع مجلد ومختصر الهداية مجلد والعمدة مجلد صغير ومناسك الحج جزء وذم الوسواس جزء وفتاوى ومسائل منثورة ورسائل شيء كثير والروضة في أصول الفقه مجلد وله في اللغة والأنساب ونحو ذلك مصنفات وله كتاب التوابين وكتاب المتحابين في الله وكتاب الرقة والبكاء وغير ذلك وانتفع بتصانيفه المسلمون عموما وأهل المذهب خصوصا وانتشرت واشتهرت بحسن قصده وإخلاصه ولا سيما كتابه المغنى فإنه عظم النفع به حتى قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثل المجلى والمجلى وكتاب المغنى للشيخ موفق الدين بن قدامة في جودتهما وتحقيق ما فيهما ونقل عنه أيضا أنه قال ما طابت نفسي بالفتيا حتى صار عندي نسخة المغنى مع أنه كان يسامي الشيخ في زمانه وقال سبط ابن الجوزي أنشدني الموفق لنفسه ( أبعد بياض الشعر أعمر مسكنا * سوى القبر أني إن فعلت لأحمق ) ( يخبرني شيبي بأني ميت * وشيكا وينعاني إلي فيصدق ) ( يخرق عمري كل يوم وليلة * فهل مستطيع رفو ما يتخرق ) ( كأني بجسمي فوق نعشي ممددا * فمن ساكت أو معول يتحرق ) ( إذا سئلوا عني أجابوا وأعولوا * وأدمعهم تنهل هذا الموفق ) ( وغيبت في صدع من الأرض ضيق * وأودعت لحدا فوقه الصخر مطبق ) ( ويحثو على الترب أوثق صاحب * ويسلمني للقبر من هو مشفق ) ( فيا رب كن لي مؤنسا يوم وحشتي * فإني لما أنزلته لمصدق ) ( وما ضرني أني إلى الله صائر * ومن هو من أهل أبر وأرفق ) ومن شعره أيضا (5/91) ________________________________________ 92 ( لا تجلسن بباب من * يأبى عليك دخول داره ) ( وتقول حاجاتي إليه * يعوقها أن لم أداره ) ( اتركه واقصد ربها * تقضي ورب الدار كاره ) وتفقه على الشيخ موفق الدين خلق كثير منهم ابن أخيه الشيخ شمس الدين عبد الرحمن وروى عنه جماعة من الحفاظ وغيرهم منهم ابن الدبيثي والضياء وابن خليل والمنذري وعبد العزيز بن طاهر بن ثابت الخياط المقرىء وتوفي رحمه الله تعالى بمنزله بدمشق يوم السبت يوم عيد الفطر وصلى عليه من الغد وحمل إلى سفح قاسيون فدفن به وكان جمع عظيم لم ير مثله قال محمد بن عبد الرحمن العلوي كنا بجبل بني هلال فرأينا على قاسيون ليلة العيد ضوءا عظيما فظننا أن دمشق قد احترقت وخرج أهل القرية ينظرون إليه فوصل الخبر بوفاة الموفق وسميت تربته بالورضة لأنه رؤي بعض الموتى المدفونون هناك في سرور عظيم فسئل عن ذلك فقال كنا في عذاب فلما دفن عندنا الموفق صارت تربتنا روضة من رياض الجنة وقال سبط ابن الجوزي كان له أولاد محمد ويحيى وعيسى ماتوا كلهم في حياته وله بنات ولم يعقب من ولد الموفق سوى عيسى خلف ولدين صالحين وماتا وانقطع عقبه وفيها أبو أحمد عبد الحميد بن مري بن ماضي المقدسي الفقيه الحنبلي نزيل بغداد سمع الكثير من ابن كليب وطبقته وحدث عنه بنسخة ابن عرفة سمعها منه الحافظ الضياء وتفقه في المذهب وكان حسن الأخلاق صالحا خيرا متوددا توفي ليلة الثلاثاء ثالث جمادى الآخرة ودفن بباب حرب قال ابن النجار أظنه جاوز الخمسين بيسير وفيها فخر الدين أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الإمام المفتي الدمشقي الشافعي شيخ الشافعية بالشام ولد سنة خمسين وخمسمائة وسمع من عميه الصاين والحافظ أبي القسم وحسان الزيات وطاثفة وبرع في المذهب على القطب النيسابوري وتزوج بابنته ودرس (5/92) ________________________________________ 93 بالجاروخية ثم بالصلاحية بالقدس ثم بالتقوية بدمشق وكان يقيم بالقدس أشهرا وبدمشق أشهرا وكان لا يمل أحد من رؤيته لحسن سمته واقتصاده في لباسه ولطفه ونور وجهه وكثرة ذكره لله تعالى قال ابن شهبة كان لا يخلو لسانه من ذكر الله تعالى وأريد على أن يلي القضاء فامتنع وجهز أهله للسفر إلى ناحية حلب وأشار بتولية ابن الحرستاني وقال أبو المظفر كان زاهدا عابدا ورعا منقطعا إلى العلم والعبادة حسن الأخلاق قليل الرغبة في الدنيا وقال عمر بن الحاجب صنف في الفقه والحديث مصنفات وتفقه عليه جماعة منهم عز الدين بن عبد السلام وكان إماما زاهدا ثقة كثير التهجد غزير الدمعة حسن الأخلاق كثير التواضع قليل التعصب سلك طريق أهل اليقين وكان يطرح التكلف وعرضت عليه مناصب ولايات دينية فأباها توفي في رجب ودفن بطرف مقاب رالصوفية الشرقي يقابل قبر ابن الصلاح جوار تربة شيخه القطب وفيها الأمير مبارز الدين سنقر الصلاحي كان مقيما بحلب ثم انتقل إلى ماردين فخاف منه الأشرف وشكا حلاه للمعظم فخدعه ووعده بأن يوليه مهما اختار وجهز إليه ابنه فحضر إلى الشام فالتقاه المعظم ولم ينصفه وتفرق عنه أصحابه فمرض من شدة غبنه ونزل في دار شبل الدولة بالصالحية ومات غبنا فقام شبل الدولة بأمره أحسن قيام واشترى له ترة على رأس زقاق الخانقاه عند المصنع ودفنه بها وكان المبارز محببا إلى الناس ولم يكن في زمنه أكرم منه وفيها محمد بن قتلمش السمرقندي كان حاجبا للخليفة وبرع في علم الأدب وكان مغرى بالنرد والقمار ومن شعره ( لا والذي سخر قلبي لها * عبدا كما سخر لي قلبها ) ( ما فرحي في حبه غير أن * يتيح لي عن هجرها قلبها ) ومنه أيضا ( ومقرطق وجدي عليه كردفه * وتجلدي والصبر عنه كخصره ) (5/93) ________________________________________ 94 ( نادمته في ليلة من شعره * أجلو محاسنه بشمعة ثغره ) وفيها صاحب المغرب السلطان المستنصر بالله أبو يعقوب يوسف بن محمد بن يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن القيسي لم يكن في آل عبد المؤمن أحسن منه ولا أفصح ولا أشغف باللذات ولي الأمر عشر سنين بعد أبيه ومات ولم يعقب سنة إحدى وعشرين وستمائة فيها استولى لولو على الموصل وخنق ابن أستاذه محمود بن القاهر وزعم أنه مات وفيها عادت التتار من بلاد القفجاق ووصلوا إلى الري وكان من سلم من أهلها قد تراجعوا إليها فما شعروا إلا بالتتار قد أحاطوا بهم فقتلوا وسبوا ثم ساروا إلى قم وقاشان فأبادوهما ثم عطفوا إلى همذان فقتلوا وفظعوا ثم ساروا إلى توريز فوقع بينهم وبين الخوارزمية مصاف وفيها توفي أبو العباس أحمد بن أبي الفتح يوسف بن محمد الأزجي المشتري مسند وقته سمع من الأرموي وابن الطلاية وابن ناصر وطائفة وتفرد بأشياء توفي في شعبان وفيها أحمد بن محمد القادسي الضرير الحنبلي كان خشن العيش طلب المصتضيء بالله من يصلي به التراويح فأحضروه فقالوا ما مذهبك قال حنبلي فقالوا ما يمكن أن يصلي بدار الخلافة حنبلي فقال القادسي أنا حنبلي وما أريد أن أصلي بكم فسمعه الخليفة فقال على مذهبك وكان ملازما لابن الجوزي وبه انتفع وفيها أبو سليمان ابن حوط الله وهو داود بن سليمان بن داود الأنصاري نزيل مالقة رحل وروى عن ابن بشكوال فأكثر وعن عبد الحق بن بويه وأبي عبدالله بن زرقون وولى قضاء بلنسية وغيرها وعاش تسعا وستين سنة وفيها أبو طالب بن عبد السميع عبد الرحمن بن محمد بن عبد السميع (5/94) ________________________________________ 95 ابن أبي تمام الواسطي المقرىء المعدل قرأ القراءات على عبد العزيز السماني وغيره وسمع ببغداد من هبة الله بن الشبلي وطائقة وصنف أشياء حسنة وعنى بالحديث والعلم توفي في المحرم عن ثلاث وثمانين سنة وفيها ابن الحباب القاضي الأسعد أبو البركات عبد القوي بن عبد العزيز بن الحسين التميمي السعدي الأغلبي المصري المالكي الأخباري المعدل راوي السيرة عن ابن رفاعة كان ذا فضل ونبل وسؤدد وعلم ووقار وحلم وكان جمالا لبلده توفي في شوال وله خمس وثمانون سنة وفيها عبد الواحد بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي سلطان المغرب أبو محمد ولي الأمر في العام الماضي فلم يدار أمراء البربر فخلعوه وخنقوه في شعبان وكانت ولايته تسعة أشهر وفي أيامه استولى على مملكة الأندلس ابن أخيه عبد الله بن يعقوب الملقب بالعادل والتقى الافرنج فهزموا جيشه ثم طلب مراكش بأسوأ حال فقبضوا عليه وتملك الأندلس بعده أخوه إدريس مديدة فخرج عليه محمد بن هود الجذامي ودعا إلى آل العباس فمال الناس إليه فهرب إدريس بعسكره إلى مراكش فالتقاه صاحبها يومئذ يحيى بن محمد بن يوسف فهزم يحيى وفيها علي بن عبد الرشيد أبو الحسن الهمذاني قاضي همذان ثم قاضي الجانب الغربي ببغداد ثم قاضي تستر حضر على أبي الوقت وسمع من أبي الخير الباغياني وقرأ القراءات على جده لأمه أبي العلاء العطار توفي في صفر وفيها الشيخ على الفرنثي الزاهد صاحب الزاوية والأصحاب بسفح قاسيون وكان صاحب حال وكشف وعبادة وصدق وهو الذي حكى عنه أنه قال أربعة يتصرفون في قبورهم كتصرف الأحياء الشيخ عبد القادر ومعروف الكرخي وعقيل المنبجي وحياة بن قيس الحراني توفي في جمادى الآخرة وفيها ابن اليتيم أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد الأنصاري الأندلسي خطيب (5/95) ________________________________________ 96 المرية رحل في طلب الحديث وسمع من أبي الحسن بن العمة وابن هذيل والكبار بالأسكندرية من السلفى وببغداد من شهدة وبدمشق من الحافظ ابن عساكر ولد سنة أربع وأربعين وخمسمائة وتوفي في ربيع الأول وفيها ابن اللبودي شمس الدين محمد بن عبدان الدمشقي الطبيب قال ابن أبي أصيبعة كان علامة وقته وأفضل أهل زمانه في العلوم الحكمية وكان له ذكاء مفرط وحرص بالغ توفي في ذي القعدة ودفن بتربته بطريق المزة وفيها ابن زرقون أبو الحسين محمد بن أبي عبد الله محمد بن سعيد الأنصاري الأشبيلي شيخ المالكية كان من كبار المتعصبين للمذهب فأوذي من جهة بني عبد المؤمن لما أبطلوا القياس وألزموا الناس بالأثر والظاهر وقد صنف كتاب المعلى في الرد على المحلى لابن حزم توفي في شوال وله ثلاث وثمانون سنة وفيها محمد بن هبة الله بن مكرم أبو جعفر البغدادي الصوفي توفي في المحرم ببغداد وله أربع وثمانون سنة روى عن أبي الفضل الأرموي وأبي الوقت وجماعة وفيها الغاراري محمد بن يخلفتن بن أحمد البربري التلمساني الفقيه المالكي الأديب الشاعر ولي قضاء قرطبة وفيها الفخر الموصلي أبو المعالي محمد بن أبي الفرج أبي المعالي الموصلي ثم البغدادي الشافعي المقرىء صاحب يحيى بن سعدون ومعيد النظامية كان بصيرا بعلل القراءات قال ابن النجار كان فقيها فاضلا نحويا حسن الكلام في مسائل الخلاف له معرفة تامة بوجوه القراءات وعللها وطرقها وله في ذلك مصنفات وكان كيسا متواضعا متوددا حسن العشرة وقدم بغداد سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة فتفقه بها وتوفي بها في سادس رمضان رحمه سنة اثنتين وعشرين وستمائة فيها جاء جلال الدين بن خوارزم شاه فبذل السيف في دقوقا وفعل ما لا تفعله (5/96) ________________________________________ 97 الكفرة وأحرق دقوقا وعزم على هجم بغداد فانزعج الخليفة الناصر وحصن بغداد وأقام المجانيق وأنفق ألف ألف دينار ففجأ ابن خوارزم شاه أن الكرج قد خرجوا على بلاده فساق إليهم والتقاهم قال أبو شامة فظفر بهم وقت لمنهم سبعين ألفا ثم أخذ تفليس بالسيف وقتل بها ثلاثين ألفا في آخر العام وكان قد أخذ تبريز بالأمان وتزوج بابنة السلطان طغربك السلجوقي ثم جهز جيشا فافتتحوا كنجة وأخذ أيضا مراغة وكانت الكزج قد ملكوا عليهم امرأة وتطلبوا لها من ينكحها لينوب عنها في الملك فأرسل سلطان الروم إليها يخطبها لابنه فامتنعوا وقالوا لا يحكم علينا مسلم فقال إن ابني يتنصر ويتزوجها فأجابوه فتنصر ابنه وأقام معها وأمر ونهى نعوذ بالله من الخذلان وكان الزوج يسمع عنها القبائح ويسكت وكانت تعشق مملوكا لها ورآها يوما في الفراش مع المملوك فأنكر ذلك فقالت إن رضيت وإلا أنت أخبر ثم نقلته إلى قلعة وحجرت عليه ثم سمعت بشابين مليحين فأحضرت أحدهما وتزوجت به وأحضرت آخر بديع الحسن من أهل كنجة فطلبت منه أن يتنصر للتزوج به وفي سلخ رمضان توفي الخليفة الناصر لدين الله أبو العباس أحمد بن المستضيء بأمر الله الحسن بن المستنجد بالله يوسف بن المقتفى الهاشمي العباسي بويع بالخلافة في أول ذي القعدة سنة خمس وسبعين وخمسمائة وله ثلاث وعشرون سنة وكان أبيض تركي الوجه أقنى الأنف خفيف العارضين رقيق المحاسن فيه شهامة وإقدام وله عقل ودهاء وهو أطول بني العباس خلافة كما أن الناصر لدين الله الأموي صاحب الأندلس أطول بني أمية دولة وكما أن المستنصر بالله العبيدي أطول العبيديين دولة وكما أن السلطان سنجر بن ملكشاه أطول بني سلجوق دولة قال الموفق عبد اللطيف كان يشق الدروب والأسواق أكثر الليل والناس يتهيبون لقاءه أظهر الفتوة والبندق والحمام المناسيب في أيامه وتفنن الأعيان والأمراء في (5/97) ________________________________________ 98 ذلك ودخل فيه الملوك وقال الذهبي وكان مستقلا بالأمور بالعراق متمكنا من الخلافة يتولى الأمور بنفسه ما زال في عز وجلالة استظهار وسعادة أصابه فالج في آخر أيامه وتوفي في سلخ رمضان وله سبعون سنة إلا أشهرا وولى بعده ولده الظاهر وقال ابن النجار دانت السلاطين للناصر ودخل تحت طاعته من كان من المخالفين وذلت له العتاة والطغاة وانقهرت لسيفه الجبابرة وفتح البلاد العديدة وملك من الممالك ما لم يملكه أحد ممن تقدمه من السلاطين والخلفاء والملوك وخطب له ببلاد الأندلس وبلاد الصين وكان أسد بني العباس نتصدع لهيبته الجبال وكان حسن الخلق لطيف الخلق كامل الظرف فصيح اللسان بليغ البيان له التوقيعات سددة والكلمات المؤيدة كانت أيامه غرة في وجه الدهر ودرة في تاج الفخر وقال الموفق عبد اللطيف أحيا هيبة الخلافة وكانت قد ماتت بموت المعتصم ثم ماتت بموته وكان الملوك والأكابر بمصر والشام إذا جرى ذكره في خلواتهم خفضوا أصواتهم هيبة وإجلالا وقال ابن واصل كان مع ذلك رديء السيرة في الرعية مائلا إلى الظلم والعسف وكان يفعل أفعالا متضادة وكان يتشيع ويميل إلى مذهب الإمامية بخلاف آبائه حتى أن ابن الجوزي سئل بحضرته من أفضل الناس بعد رسول الله فقال أفضلهم بعده من كانت ابنته تحته فكنى بفضل الصديق ولم يقدر أن يصرح وقال الذهبي أجاز الناصر لجماعة من الأعيان فحدثوا عنه منهم ابن سكينة وابن الأخضر وابن النجار وابن الدامغاني وآخرون وقال سبط ابن الجوزي وغيره قل بصر الناصر في آخر عمره وقيل ذهب بالكلية ولم يشعر بذلك أحد من الرعية حتى الوزير وأهل الدار وكان له جارية قد علمها الخط بنفسه فكانت تكتب مثل خطه فتكتب على التواقيع وقال شمس الدين الجزري كان الماء الذي يشره الناصر تأتي به الدواب من فوق بغداد سبعة فراسخ ويغلى سبع غلوات كل يوم (5/98) ________________________________________ 99 غلوة ثم يحبس في الأوعية سبعة أيام ثم يشرب منه ومع هذا ما مات حتى سقى المرقد مرات وشق ذكره وأخرج منه الحصى ثم مات منه ومن لطائفه أن خادما له اسمه يمن كتب إليه ورقة فيها عتب فوقع فيها بمن يمن يمن ثمن يمن ثمن ثمن وفيها ابن يونس صاحب شرح التنبيه الإمام شرف الدين أحمد بن العلامة ذي الفنون كمال الدين موسى بن الشيخ المفتي رضي الدين يونس الموصلي الشافعي توفي في ربيع الآخر عن سبع وأربعين سنة قال ابن خلكان كان كثير المحفوظات غزير المادة نسج على منوال أبيه في التفنن وما سمعت أحدا يلقى الدروس مثله ولقد كان من محاسن الوجود وما أذكره إلا وتصغر الدنيا في عيني وقال الذهبي عاش بعده أبوه سبع عشرة سنة وفيها إبراهيم بن عبد الرحمن القطيعي المواقيتي أبو إسحق الخياط روى الصحيح غير مرة عن أبي الوقت وتوفي في شعبان وكان ثقة فاضلا مؤقتا وفيها أبو إسحق بن البرني إبراهيم بن مظفر بن إبراهيم الواعظ شيخ دار الحديث المهاجرية بالموصل روى عن ابن البطي وجماعة وكان عالما متفننا وفيها أبو العباس أحمد بن أبي المكارم بن شكر بن نعمة بن علي بن أبي الفتح بن حسن بن قدامة بن أيوب بن عبد الله بن رافع المقدسي الخطيب الحنبلي خطيب قرية مردا من عمل نابلس قال الحافظ الضياء سافر إلى بغداد في طلب العلم واشتغل وحصل في مدة يسيرة ما لم يحصله غيره في مدة طويلة وسمع الحديث ببغداد وبجبل قاسيون وسمعت شيخنا الإمام عماد الدين إبراهيم بن عبد الواحد غير مرة يغبطه بما هو عليه من كثرة الخير ثم ذكر له كرامات من تكثير الطعام في وقت احتيج فيه إلى تكثيره ومن المعافاة من الصرع بما يكتبه وقال المنذري توفي بمردا وفيها أحمد بن علي بن أحمد الموصلي الفقيه الحنبلي الزاهد أبو العباس المعروف بالوتارة ويقال ابن الوتارة قال المنذري سمع على علو سنه من المتأخرين وقال الناصح (5/99) ________________________________________ 100 ابن الحنبلي كان يعرف مسائل الهداية لأبي الخطاب ويأكل من كسب يده ولباسه الثوب الخام وانتفع به جماعة وصارت له حرمة قوية بالموصل واحترام من جانب صاحبها ومن بعده وتوفي بالموصل رابع عشر ذي الحجة وفيها أبو الفضل جعفر بن شمس الخلافة محمد بن مختار الأفضلي المصري مجد الملك الشاعر الأديب الكبير قال ابن خلكان كان فاضلا حسن الخط وكتب كثيرا وخطه مرغوب فيه لحسنه وضبطه وله ديوان جمع فيه أشياء لطيفة دلت على جودة اختياره وله ديوان شعر أجاد فيه نقلت من خطه لنفسه ( هي شدة يأتي السرور عقيبها * وأسى يبشر بالسرور العاج ) ( وإذا نظرت فإن بؤسا دائما * للمرء خير من نعيم زائل ) وتوفي في الثاني عشر من المحرم ودفن بالموضع المعروف بالكوم الأحمر ظاهر مصر رحمه الله والأفضلي بفتح الهمزة وسكون الفاء وفتح الضاد المعجمة وبعدها لام نسبة إلى الأفضل أمير الجيوش بمصر وتوفي والده في ذي الحجة سنة عشرين وستمائة وفيها أبو عبد الله الحسين بن عمر بن باز المحدث الموصلي رحل وسمع من شهدة وطبقتها وكتب الكثير وولى مشيخة دار الحديث بالموصل التي بناها صاحب اربل توفي في ربيع الآخر وفيها ابن شكر الصاحب الوزير صفي الدين أبو محمد عبد الله بن الحسين بن عبد الخالق الشيبي الدميري المالكي ولد سنة ثمان وأربعين وخمسمائة وسمع الحديث وتفقه وساد قال أبو شامة كان خليقا بالوزارة لم يبق له مثله وقال الذهبي كان يبالغ في إقامة النواميس مع التواضع للعلماء ويتعانى الحشمة الضخمة والصدقات والصلات ولقد تمكن من العادل تمكنا لا مزيد عليه ثم غضب عليه ونفاه فلما مات عاد ابن شكر إلى مصر ووزر للكامل ثم عمى في الآخر توفي في شعبان وفيها ابن البنا راوي جامع الترمذي (5/100) ________________________________________ 101 عن الكروخي أبو الحسن علي بن أبي الكرم نصر بن المبارك العراقي ثم المكي الجلال حدث بمصر والإسكندرية وقوص وأماكن وتوفي بمكة في صفر أو في ربع الأول وفيها زين الدين قاضي القضاة بالديار المصرية أبو الحسن علي بن العلامة يوسف بن عبد الله بن بندار الدمشقي ثم البغدادي الشافعي عاش اثنتين وسبعين سنة وتوفي في جمادى الآخرة وروى عن أبي زرعة وغيره وفيها الملك الأفضل نور الدين علي بن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب ولد سنة خمس وستين وخمسمائة بالقاهرة وسمع من عبد الله بن بري وجماعة وله شعر وترسل وجودة وكتابة تسلطن بدمشق ثم حارب أخاه العزيز صاحب مصر على الملك ثم زال سلطانه وتملك سميساط وأقام بهامدة وكان فيه عدل وحلم وكرم وإنما أدركته حرفة الأدب توفي فجأة في صفر وكان فيه تشيع قاله في العب رزاد ابن خلكان ونقل إلى حلب ودفن بتربته بظاهر حلب بالقرب من مشهد الهروي وفيها عمر بن بدر الموصلي الحنفي ضياء الدين حدث عن ابن كليب وجماعة وتوفي بدمشق في شوالها عن بضع وستين سنة وفيها الفخر الفارسي أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الفيروزابادي الشافعي الصوفي روى الكثير عن السلفي وصنف التصانيف في التصوف والمحبة وفيها أشياء منكرة توفي في أثناء ذي الحجة وقد نيف على التسعين قاله في العبر وقال اليافعي هو صاحب العلوم الربانية النافعة وقد نقم عليه الذهبي وقال ابن شهبة في طبقاته سمع من السلفي وابن عساكر وغيرهما وكان صوفيا محققا فاضلا بارعا فصيحا بليغا له مصنفات كثيرة منها كتاب مطية النقل وعطية العقل في الأصول والكلام وغير ذلك من المصنفات وبنى زاوية بالقرافة بمعبد ذي النون المصري ودفن بها وفيها القزويني مجد الدين أبو المجد محمد بن الحسين بن أبي المكارم الصوفي الفقيه ولد سنة أربع وخمسين وخمسمائة (5/101) ________________________________________ 102 بقزوين وسمع شرح السنة ومعالن التنزيل من حفدة العطاردي وسمع من جماعة وحدث بالعراق والشام والحجاز ومصر وأذربيجان والجزيرة وبعد صيته توفي بالموصل في شعبان وفيها الفخر بن تيمية أبو عبد الله محمد بن أبي القسم الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله بن تيمية الحراني الفقيه الحنبلي المقري الواعظ فخر الدين شيخ حران وخطيبها ولد في أواخر شعبان سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة بحران وقرأ القرآن على والده وله نحو عشر سنين وكان والده زاهدا يعد من الابدال وشرع في الاشتغال بالعلم من صغره وتردد إلى فتيان بن مباح وابن عبدوس وغيرهما ثم ارتحل إلى بغداد وسمع بها الحديث من المبارك بن خضر وابن البطي وابن الدجاجي وخلق وتفقه ببغداد على أبي الفتح بن المنى وابن بكروس وغيرهما ولازم ابن الجوزي وسمع منه كثيرا من مصنفاته وقرأ عليه زاد المسير في التفسير قراءة بحث وفهم وجد في الاشتغال والبحث ثم أخذ في التدريس والوعظ والتصنيف والقاء التفسير بكرة كل يوم بجامع حران واظب على ذلك حتى فسر القرآن العظيم خمس مرات قال ابن خلكان ذكره محاسن بن سلامة الحراني في تاريخ حران وابن المستوفى في تاريخ اربل فقال له القبول التام عند الخاص والعام وكان بارعا في التفسير القرآن وجميع العلوم له فيها يد بيضاء وقال ابن نقطة ثقة فاضل صحيح السماع مكثر سمعت منه بحران وقال ابن النجار سمعت منه ببغداد وحران وكان شيخا فاضلا حسن الأخلاق صدوقا متدينا وقال ابن رجب كان صالحا تذك رله كرامات وخوارق وله تصانيف كثيرة منها التفسير الكبير في أكثر من ثلاثين مجلدا وهو تفسير حسن ومنها ثلاث مصنفات في المذهب وله ديوان خط بمشهور والموضح في الفرائض ومصنفات في الوعظ وغير ذلك وبينه وبين الموفق كلام ورسائل في مسئلة خلود أهل البدع المحكوم بكفرهم في النار كان يقول بخلودهم والموفق لا يطلق عليهم الخلود (5/102) ________________________________________ 103 وله شعر حسن توفي رحمه الله يوم الخميس عاشر صفر بحران كذا ذكره ولده عبد الغني وقال مات الوالد في الصلاة فإني ذكرته بصلاة العصر وأخذته إلى صدري فكبر وجعل يحرك حاجبه وشفتيه بالصلاة حتى شخص بصره رحمه الله وقد ذكر ولده له مناقب صالحة رؤيت له بعد وفاته وهي كثيرة جدا جمعها في جزء وفيها أبو محمد عبد الله بن علي بن أحمد بن الزيتوني البوازيجي بفتح الموحدة والواو وزاي وتحتية وجيم نسبة إلى بوازيج بلد قرب تكريت سمع من ابن الفاخر وابن بندار وابن الرحبي وغيرهم قال ابن الساعي كان حنبليا خيرا محسنا صالحا صاحب سند ورواية أنشدني ( ضيق العذر في الضراعة أنا * لو قنعنا بقسمنا لكفانا ) ( ما لنا نعبد العباد إذا كان * إلى الله فقرنا وغنانا ) وفيها محمد بن علي بن مكي بن ورخزا البغدادي الفقيه الحنبلي المعدل أبو عبد الله تفقه على ابن المنى وأفتى وناظر وشهد عند الريحاني ورتب مشرفا على وكلاء الخليفة الناصر وكان فقيها فاضلا خيرا دينا ثقة خبيرا بالمذهب قاله ابن رجب وقال ابن الساعي أنشدني ( يجمع المرء ثم يترك ما يجمع * من كسبه لغير شكور ) ( ليس يحظى إلا بذكر جميل * أو بعلم من بعده مأثور ) توفي يوم الجمعة العشرين من جمادى الأولى ودفن بمقبرة باب حرب وفيها عمرو بن رافع بن علوان الزرعي قال ناصح الدين بن الحنبلي قدم من زرع في عشر الستين وهو ابن نيف وعشرين سنة ونزل عندنا في المدرسة هو ورفيقه واشتغلوا على والدي فحفظا القرآن وسمعوا درسه وحفظوا كتاب الإيضاح وكان هذا الفقيه الحنبلي عمرو يحفظ كثيرا وسريعا وعمل (5/103) ________________________________________ 104 الفرائض فأسرع في معرفتها ورحل إلى حران وأقام بها مديدة يشتغل ثم رجع إلى دمشق ثم إلى زرع وأقام بها يفتي ثم أضر في آخر عمره ومات بزرع رحمه الله وفيها الزكي بن راحة هبة الله بن محمد الأنصاري التاجر المعدل واقف المدرسة الرواحية بدمشق وأخرى بحلب توفي في رجب بدمشق وفيها أبو السعادات أسعد بن يحيى بن موسى بن منصور السلمي السنجاري الشافعي الشاعر المنعوت بالبها كان فقيها وتكلم في الخلاف إلا أنه غلب عليه الشعر وأجاد فيه واشتهر به وخدم به الملوك وأخذ جوائزهم وطاف البلاد ومدح الأكابر قال ابن خلكان وشعره كثير يوجد بأيدي الناس ولم أدر هل دون شعره أم لا ثم وجدت له في خزانة التربة الأشرفية بدمشق ديوانا في مجلد كبير ومن شعره من جملة قصيدة مدح بها كمال الدين بن الشهرزوري ( وهواك ما خطر السلو بباله * ولأنت أعلم في الغرام بحاله ) ( ومتى وشى واش إليه فإنه * سال هواك فذاك من عذاله ) ( أو ليس للكلف المعنى شاهد * من حاله يغنيك عن تسآله ) ( جددت ثوب سقامه وهتكت ستر * غرامه وصرمت حبل وصاله ) ( أفذلة سبقت له أم خلة * مألوفة من تيهه ودلاله ) ( يا للعجابة من أسير دأبه * يفدي الطليق بنفسه وبماله ) ( بأبي وأمي بابلى لحاظه * لا يتقي بالدرع حد نباله ) ( ريان من ماء الشبيبة والصبا * شرقت معاطفه بطيب دلاله ) ( تسري النواظر في مراكب حسنه * فتكاد تغرق في بحار جماله ) ( فكفاه عين كماله في نفسه * وكفى كمال الدين عين كماله ) ( كتب العذار على صحيفة خده * نونا وأعجمها بنقطة خاله ) ( فسواد طرته كليل صدوده * وبياض غرته كيوم وصاله ) (5/104)

105 وله أيضا من جملة قصيدة ( ومهفهف حلو الشمائل فاتر * الالحاظ فيه طاعة وعقوق ) ( وقف الرحيق على مراشف ثغره * فجرى به من خده راووق ) ( سدت محاسنه على عشاقه * سبل السلو فما إليه طريق ) وله من جملة قصيدة أخرى ( هبت نسيمات الصبا سحرة * ففاح منها العنبر الأشهب ) ( فقلت إن مرت بوادي الغضا * من أين هذا النفس الطيب ) وله أشياء حسنة وكانت ولادته سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة وتوفي في أوائل هذه السنة انتهى ملخصا وفيها الوزير صفي الدين أبو عبد الله محمد بن شكر له بدمشق آثار حسنة منها عمارة المصلى بميدان الحصى وتبليط جامع بني أمية وعمارة مسجد الفوارة وتجديد جامع حرستا وجامع المزة وغير ذلك وفيها أبو الحسن علي بن الجارود الأديب الفاضل الشاعر فمن شعره ( أحكم فإنك في الجمال أمير * واعدل فقلبي في يديك أسير ) ( واكفف لحاظك أيها الرشأ الذي * يسطو على أسد الشرى ويجوز ) ( يا عاذلي خفض عليك فإنني * مذخط لام عذاره معذور ) وفيها أبو الدر ياقوت بن عبد الله الرومي الملقب مهذب الدين الشاعر المشهور مولى أبي منصور التاجر الحلبي قال ابن خلكان اشتغل بالعلم وأكثر من الأدب واستعمل قريحته في النظم فجاد فيه ولما تميز ومهر سمى نفسه عبد الرحمن وكان مقيما في المدرسة النظامية ببغداد وعده ابن الدبيثي في جملة من اسمه عبد الرحمن وذكر انه نشأ ببغداد وحفظ القرآن الكريم وقرأ شيئا من الأدب وكتب خطا حسنا وقال الشعر وأكثر منه في الغزل والتصابي وذكر المحبة وراق شعره ومن شعره (5/105)

106 ( ألست من الولدان أحلى شمائلا * فكيف سكنت القلب وهو جهنم ) وقال ابن النجار في تاريخ بغداد وجد أبو الدر المذكور في داره ميتا يوم الأربعاء ثامن عشر جمادى الأولى من السنة وكان قد خرج من النظامية فسكن في دار بدرب دينار الصغير فلم يعلم متى مات وقد ناهز الستين والله أعلم وقال ابن خلكان أيضا الرومي بضم الراء وسكون الواو بعدها ميم نسبة إلى بلاد الروم وهو إقليم مشهور متسع كثير البلاد وههنا نكتة غريبة يحتاج إليها ويكثر السؤال عنها وهي أن أهل الروم يقال لهم بنو الأصفر واستعمله الشعراء في أشعارهم فمن ذلك قول عدي بن زيد العبادي من جملة قصيدته المشهورة ( وبنو الأصفر الكرام ملوك الروم * لم يبق منهم مذكور ) ولقد تتبعت ذلك كثيرا فلم أجد فيه أحدا شفى الغليل حتى تظفرت بكتاب قديم نقلت منه ما صورته عن العباس عن أبيه قال انحرق ملك الروم في الزمان الأول فبقيت امرأة فتنافسوا في الملك حتى وقع بينهم شرفا فاصطلحوا أن يملكوا أول من يشرف عليهم فجلسوا مجلسا لذلك وأقبل رجل معه عبد حبشي يريد الروم فأبق العبد منه فأشرف عليهم فقالوا انظروا في أي شيء وقعتم فزوجوه تلك المرأة فولدت غلاما فسموه الأصفر فخاصمهم المولى فقال صدق أنا عبده فأرضوه وأعطوه حتى رضي فبسبب ذلك قيل للروم بنو الأصفر لصفرة لون الولد لكونه مولدا بين الحبشي والمرأة البيضاء والله أعلم انتهى وفيها أبو المكارم يعيش بن مالك بن هبة الله بن ريحان الأنباري ثم البغدادي الفقيه الحنبلي الزاهد ولد سنة إحدى وأربعين وخمسمائة تقريبا وسمع من ابن الدجاجي وصدقة بن الحسين وأبي زرعة المقدسي وآخرين قال المنذري كان من فضلاء الفقهاء متدينا معتزلا عن الناس ولنا منه إجازة وتوفي ليلة الخميس خامس عشر ذي الحجة ودفن من الغد بباب حرب (5/106)

107 سنة ثلاث وعشرين وستمائة فيها وقع برد وزنوا بردة فكانت مائة رطل بالبغدادي وفيها توفي الشمس البخاري أحمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسمعيل بن منصور السعدي المقدسي ثم الدمشقي المعروف بالبخاري شمس الدين أبو العباس أخو الحافظ ضياء الدين محمد ووالد الفخر على مسند عصره ولد في العشر الأواخر من شوال سنة أربع وستين وخمسمائة بالجبل وسمع بدمشق من أبي المعالي بن صابر وغيره وببغداد من ابن الجوزي وطبقته وبنيسابور وواسط من جماعة وتفقه في مذهب الإمام أحمد وبرع في المذهب وأقام مدة يشتغل بالخلاف على الرضى النيسابوري ولهذا عرف بالبخاري ثم رجع إلى الشام وسكن حمص مدة قال المنذر وهو أول من ولي القضاء بها وقال ابن الدبيثي كان إماما عالما مفتيا مناظرا ذا سمت ووقار وكان كثير المحفوظ حجة صدوقا كثير الاحتمال تام المروءة لم يكن في المقادسة أفصح منه واتفقت الألسنة على شكره وشهرته وفضله وما كان عليه يغني عن الإطناب في ذكره وروى عنه الضياء الحافظ وغيره وأجاز للمنذري وقال أنه توفي ليلة الخميس خامس جمادى الآخرة ودفن من الغد إلى جانب خاله الشيخ موفق الدين وفيها أحمد بن محمد بن أحمد بن ناصر البغدادي الحريمي الحذاء أبو العباس ابن أبي البركات ولد سنة ثلاث وأربعين تقديرا وسمع ما أفاده والده من ابن البطي وابن بندار وابن الدجاجي وغيرهم وتفقه في مذهب الإمام أحمد على والده وحدث وأجاز للمنذري قال ابن الساعي توفي يوم الأربعاء حادي عشر جمادى الأولى ودفن بمقبرة باب حرب وفيها أحمد بن ناصر بن أحمد بن محمد بن ناصر الإسكاف الفقيه أبو العباس بن أبي البركات الفقيه الحنبلي (5/107)

108 الحربي قرأ طرفا من الفقه على والده وسمع الحديث من ابن البطي ويحيى بن ثابت بن بندار وابن الدجاجي وغيرهم وكتب عنه ابن النجار وقال كان شيخا حسنا فهما متيقظا توفي يوم الأحد حادي عشرى جمادى الأولى ودفن بباب حرب وفيها ابن الأستاذ أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الحلبي المحدث الصالح والد قاضي حلب ولد سنة أربع وثلاثين وخمسمائة وسمع من طائفة وحج من بغداد فسمع بها من أحمد بن محمد العباسي وكان له عناية متوسطة بالحديث توفي في عاشر جمادى الآخرة وفيها الإمام الرافعي أبو القسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن الفضل بن الحسين بن الحسن الإمام العلامة إمام الدين الشافعي صاحب الشرح المشهو رالكبير على المحرر وصاحب الوجيز انتهت إليه معرفة المذهب ودقائقه وكان مع براعته في العلم صالحا زاهدا ذا أحوال وكرامات ونسك وتواضع قال ابن قاضي شهبة إليه يرجع عامة الفقهاء من أصحابنا في هذه الأعصار في غالب الأقاليم والأمصار ولقد برز فيه على كثير ممن تقدمه وحاز قصب السبق فلا يدرك شأوه إلا من وضع يديه حيث وضع قدمه تفقه على والده وغيره وسمع الحديث من جماعة وقال ابن الصلاح أظن أني لم أر في بلاد العجم مثله كان ذا فنون حسن السيرة جميل الأمر صنف شرح الوجيز في بضعة عشر مجلدا لم يشرح الوجيز بمثله وقال النووي أنه كان من الصالحين المتمكنين وكانت له كرامات ظاهرة وقال أبو عبد الله محمد بن محمد الإسفراييني هو شيخنا إمام الدين وناصر السنة صدقا كان أوحد عصره في العلوم الدينية أصولا وفروعا ومجتهد زمانه في المذهب وفريد وقته في التفسير ولتسميع الحديث صنف شرحا لمسند الشافعي وأسمعه وصنف شرحا للوجيز ثم صنف أوجز منه وقيل أنه لم يجد زيتا للمطالعة في قرية بات بها فتألم فأضاء له عرق كرمة فجلس يطالع ويكتب عليه ومن شعره (5/108)

109 ( أقيما على باب الرحيم أقيما * ولا تنيا في ذكره فتهيما ) ( هو الرب من يقرع على الصدق بابه * يجده رءوفا بالعباد رحيما ) وقال ابن خلكان توفي في هذه السنة بقزوين وعمره نحو ست وستين سنة ومن تصانيفه العزيز في شرح الوجيز الذي يقول فيه النووي بعد وصفه واعلم أنه لم يصنف في مذهب الشافعي رضي الله عنه ما يحصل لك مجموع ما ذكرته أكمل من كتاب الرافعي ذي التحقيقات بل اعتقادي واعتقاد كل مصنف أنه لم يوجد مثله في الكتب السابقات ولا المتأخرات فيما ذكرته من المقاصد المهمات والرافعي منسوب إلى رافعان بلدة من بلاد قزوين قاله النووي وقال الأسنوي وسمعت قاضي القضاة جلال الدين القزويني يقول أن رافعان بالعجمي مثل الرافعي بالعربي فإن الألف والنون في آخر الاسم عند العجم كياء النسبة في آخره عند العرب فرافعان نسبة إلى رافع قال ثم أنه ليس بنواحي قزوين بلدة يقال هلا رافعان ولا رافع بل هو منسوب إلى جدله يقال له رافع أي وهو رافع بن خديج وحكى ابن كثير قولا أنه منسوب إلى رافع مولى رسول الله وفيها علي بن النفيس بن بوريدان أبو الحسن البغدادي ولد سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة وسمع من أبي الوقت ومحمود فورجه وجماعة وتوفي في ذي القعدة وفيها شبل الدولة كافور الحسامي طواشي حسام الدين محمد ولد ست الشام وخادم ست الشام له فوق جسر ثورا من صالحية دمشق المدرسة والتربة والخانقاه وأوقف عليها الأوقاف ونقل لها الكتب الكثيرة وفتح للناس طريقا من الجبل إلى دمشق قريبة على عين الكرش وبنى المصنع الذي على رأس الزقاق والخانقاه للصوفية إلى جانب مدرسته ومصنعا آخر عند مدرسته وكان دينا وافر الحشمة روى عن الخشوعي ودفن بتربته إلى جانب مدرسته وفيها الظاهر بأمر الله أبو نصر محمد بن (5/109)

110 الناصر لدين الله أحمد بن المستضىء بأمر الله الحسن بن المستنجد بالله يوسف ابن المقتفى العباسي ولد سنة إحدى وسبعين وخمسمائة وبويع بالخلافة بعد أبيه في العام الماضي وكانت خلافته تسعة أشهر ونصفا وكان دينا خيرا متواضعا حتى بالغ ابن الأثير وقال أظهر من العدل والإحسان ما أعاد به سنة العمرين وقال أبو شامة كان أبيض مشربا بحمرة حلو الشمائل شديد القوي قيل له الا تنفسح قال لقد لقس الزرع فقيل يبارك الله في عمرك فقال من فتح بعد العصر إيش يكسب ثم إنه أحسن إلى الناس وفرق الأموال أبطل المكوس وأزال المظالم وقال الذهبي توفي في ثالث عشر رجب وبويع بعده ابنه المستنصر بالله وفيها أحمد بن عبد المنعم الحكيم البغدادي كان حسن المعرفة بالأدب والطلب ومن شعره ( إذا لم أجد لي في الزمان مؤانسا * وجعلت كتابي مؤنسي وجليسي ) ( وأغلقت بابي دون من كان ذا غنى * وأمليت من مال القناعة كيسي ) وفيها ابن أبي لقمة أبو المحاسن محمد بن السيد بن فارس الأنصاري الدمشقي الصفار المعمر ولد سنة تسع وعشرين وخمسمائة وسمع من هبة الله بن طاووس والفقيه نصر الله المصيصي وجماعة تفرد بالرواية عنهم وأجاز له من بغداد سنة أربعين علي بن الصباغ وطبقته وكان دينا كثير التلاوة والذكر توفي في ثالث ربيع الأول وفيها ابن البيع أبو المحاسن محمد بن هبة الله بن عبد العزيز الدينوري الزهري سمع من عمه أبي بكر محمد بن أبي حامد ومحمد بن طارد الزينبي وجماعة انفرد بالرواية عنهم وكان شيخا جليلا نبيلا رضيا توفي في شوال وفيها أبو القسم العتابي المابرك بن علي بن أبي الجود الوراق آخر أصحاب ابن الطلاية كان رجلا صالحا توفي في المحرم قال الذهبي حدثنا عنه الأبرقوهي وفيها أبو العز موفق الدين مظفر بن إبراهيم بن جماعة بن علي بن شامي بن أحمد بن ناهض بن عبد الرزاق (5/110)

111 العيلاني بالعين المهملة نسبة إلى قيس عيلان الحنبلي الأديب الاشعر العروضي الضرير المصري ولد لخمس ليال بقين من جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة بمصر وسمع الحديث من أبي القسم بن البستي وابن الصابوني وأبي طاهر السلفي والبوصيري وغيرهم ولقي جماعة من الأدباء وقال الشعر الجيد وبرع في علم العروض وصنف فيه تصنيفا مشهورا دل على حذقه ومدح جماعة كثيرة من الملوك والشعراء والوزراء وغيرهم وحدث بتصنيفه وبشيء من شعره قال المنذري سمعت منه وكان بقية فضلاء طبقته وذكر ابن خلكان أنه قال دخلت يوما على القاضي هبة الله بن سناء الملك الاشعر فقال لي يا أديب صنفت نصف بيت ولي أيام أفكر في تمامه قلت وما هو قال ( بياض عذارى من سواد عذاره * قلت قد حصل تمامه وأنشدت ) ( كما جل نارى فيه من جلناره * فاستحسنه وعمل عليه ومن ) نظمه الأبيات المشهورة السائرة الرائقة الفائقة ( قالوا عشقت وأنت أعمى * ظبيا كحيل الطرف المى ) ( وحلاه ما عاينتها * فنقول قد شغفتك دهما ) ( وخياله بك في المنام * فما أطاف ولا ألما ) ( من أين أرسل للفؤاد * وِأنت لم تنظره سهما ) ( ومتى رأيت جماله * حتى كساك هواه سقما ) ( وبأي جارحة وصلت * لوصفه نثرا ونظما ) ( والعين داعية الهوى * وبه يتم إذا تنمى ) ( فأجبت أني موسوي * العشق انصاتا وفهما ) ( أهوى بجارحة السماع * ولا أرى ذات المسمى ) وقال ابن خلكان وأخبرني أحد أصحابه أن شخصا قال له رأيت في بعض تآليف أبي العلاء المعري ما صورته أصلحك الله وأبقاك لقد كان من الواجب أن تأتينا اليوم إلى منزلنا الخالي لكي نحدث عهدا بك يا زين (5/111)

112 الاخلاء فما مثلك من ضيع عهدا وغفل وسأله من أي الأبحر هذا وهل هو بيت واحد أم أكثر فإن كان أكثر فهل أبياته على روى واحد أم هي مختلفة الروى قال فأفكر ساعة ثم أجابه بجواب حسن فلما قال لي المخبر ذلك قلت له اصبر علي حتى أنظر ولا تقل ما قاله ثم أفكرت فيه فوجدته يخرج من بحر الرجز وهذا المجزوء منه وتشتمل هذه الكلمات على أربعة أبيات على روى اللام وهي على صورة يسوغ استعمالها عند العروضيين ومن لم يكن من العروضيين ومن لم يكن له بهذا الفن معرفة فإنه ينكرها لأجل قطع الموصول منها ولا بد من الإتيان بها لتنظر صورة ذلك وهي ( أصلحك الله وأبقاك * لقد كان من ال ) ( واجب أن تأتينا اليوم * إلى منزلنا ال ) ( خالي لكي نحدث عهدا * بك يا زين الاخل ) ( لاء فما مثلك من * ضيع عهدا وغفل ) وهذا إنما يذكره أهل هذا الشأن للمعاياة لا أنه من الأشعار المستعملة فلما استخرجته عرضته على ذلك الشخص فقال هكذا قاله مظفر الأعمى وكانت ولادة مظفر الدين المذكور لخمس بقين من جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة بمصر وتوفي بها سحرة يوم السبت من المحرم انتهى ملخصا أي ودفن بسفح المقطم وفيها الجمال المصري قاضي القضاة أبو الوليد يونس بن بدارن بن فيروز بن صاعد بن محمد بن علي الشيبي الشافعي ولد في حدود الخمسين وخمسمائة وسمع من السلفي وولى الوكالة السلطانية بالشام ودرس بالأمينية ثم ولى القضاء ودرس بالعادلية واختصر الام للشافعي ولم يكن بذاك المحمود في الولاية توفي في ربيع الآخر ودفن بداره بقرب القلبجية وقد تكلم في نسبه (5/112)

113 سنة أربع وعشرين وستمائة فيها جاء الخبر إلى السلطان جلال الدين وهو بتوريز أن التتار قد قصدوا أصبهان وبها أهله فسار إليها وتأهب للملتقى فلما التقى الجمعان خذله أخوه غياث الدين وولى وتبعه جهان بهلوان فكسرت ميمنته ميسرة التتار ثم حملت ميسرته على ميمنة التتار فطحنتها أيضا وتباشر الناس بالنصر ثم كرت التتار مع كمينها وحملوا حملة واحدة كالسيل وقد أقبل الليل فزالت الأقدام وقتلت الأمراء واشتد القتال وتداعى بنيان جيش جلال الدين وثبت هو في طائفة يسيرة واحتيط به فانهزم على حمية وطعن طعنة لولا الأجل لتلف وتمزق جيشه وكانت ملحمة لم يسمع بمثلها في الملاحم في انهزام كلا الفرقين وذلك في رمضان قاله في العبر وفيها في رمضان قبل المصاف بأيام اتفق موت جنكزخان طاغية التتار وسلطانهم الأعظم الذي خرب البلاد وأباد الأمم وهو الذي جيش الجيوش وخرج بهم من بادية الصين فدانت له المغول وعقدوا له عليهم وأطاعوه ولا طاعة الأبرار للملك القهار واسمه قبل الملك تمر حين ومات على الكفر وكان من دهاة العلام وأفراد الدهر وعقلاء الترك وهو جد ابني العم بركة وهولاكو وفيها توفي قاضي حران أبو بكر عبد الله بن نصر بن محمد بن أبي بكر الفقيه الحنبلي المقري رحل إلى بغداد وتفقه بها وسمع الحديث من شهدة وابن شاتيل وطبقتهما ورحل إلى واسط وقرأ بها القراءات بالروايات فقال ابن حمدان الفقيه سمعت عليه أشياء قال وكان مشهورا بالديانة والصيانة متوحدا في فنه وفي فنون القراءة وجودة أدائها وصنف في القراءات وعاش خمسا وسبعين سنة وفيها عبد الله بن الحافظ أبي العلاء الحسن بن أحمد الهمذاني سمع أباه ونصر بن المظفر وعلي بن محمد المشكاني راوي (5/113)

114 تاريخ البخاري وجماعة توفي في شعبان وفيها البهاء عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسمعيل بن منصور المقدسي الفقيه الحنبلي الزاهد بهاء الدين أبو محمد ابن عم البخاري ولد سنة خمس وقيل ست وخمسين وخمسمائة وسمع بدمشق من ابن أبي الصقر وغيره ورحل إلى بغداد وسمع بها من شهدة وعبد الحق اليوسفي وطبقتهما وسمع بحران من أحمد بن أبي الوفاء الفقيه ويقال أنه تفقه ببغداد على ابن المنى وبالشام على الشيخ موفق الدين ولازمه وصنف التصانيف منها شرح عمدة الشيخ موفق الدين وهو في مجلد نص في أوله أن الماء لا ينجس حتى يتغير مطلقا ويقال أنه شرح المقنع أيضا قال سبط ابن الجوزي كان يؤم بمسجد الحنابلة بنابلس ثم انتقل إلى دمشق قال وكان صالحا ورعا زاهدا غازيا مجاهدا جوادا سمحا وقال المنذري كان فيه تواضع وحسن خلق وأقبل في آخر عمره على الحديث إقبالا كليا وكتب منه الكثير وحدث بنابلس والشام توفي رحمه الله في سابع ذي الحجة ودفن من يومه بسفح قاسيون وفيها قاضي القضاة ابن السكري عماد الدين عبد الرحمن بن عبد العلي بن علي المصري الشافعي تفقه علي الشهاب الطوسي وبرع في المذهب وأفتى وولي القضاء بالقاهرة وخطابتها وحدث وأفتى ودرس وله حواش على الوسيط مفيدة ومصنف في مسئلة الدور وعزل قبل موته من القضاء بسبب أنه طلب منه قرض شيء من مال الأيتام فامتنع ويحكى عنه أنه عزل الشيخ عبد الرحمن النويري لحكمه بالمكاشفات فقال النويري عزلته وعزلت ذريته فعزل عبد ذلك وفيها حجة الدين الحقيقي أبو طالب عبد المحسن بن أبي العميد الأبهري الشافعي الصوفي ولد سنة ست وخمسين وخمسمائة وتفقه بهمذان وعلق التعليقة على الفخر البوقاني وسمع بأصبهان من الترك وجماعة وببغداد من ابن شاتيل وبدمشق ومصر وكان كثير الأسفار والعبادة والتهجد صاحب أوراد وصدق وعزم جاور مدة (5/114)

115 بمكة وتوفي في صفر وفيها الملك المعظم سلطان الشام شرف الدين عيسى بن العادل الحنفي الفقيه الأديب ولد بالقاهرة سنة ست وسبعين وخمسمائة وحفظ القرآن وبرع في الفقه وشرح الجامع الكبير في عدة مجلدات بإعانة غيره ولازم الاشتغال زمانا وسمع المسند لابن حنبل وله شعر كثير وكان عديم الالتفات إلى النواميس وأبهة الملوك ويركب وحده مرارا ثم تتلاحق به مماليكه وكان فيه خير وشر كثير سامحه الله تعالى قال ابن الأهدل كان حنفيا شديد التعصب لمذهبه ولم يكن في بني أيوب حنفي سواه وتبعه أولاده وكان قد شرط لمن حفظ المفصل للزمخشري مائة دينار وخلعة فحفظه جماعة لهذا السبب وكان من النجباء الأذكياء انتهى وقال غيره ومن شعره وقد مرض بالحمى ( زارت ممحضة الذنوب وودعت * تبا لها من زائر ومودع ) ( باتت معانقتي كأني حبها * ومقيلها ومبيتها في أضلعي ) ( قالت وقد عزمت على ترحالها * ماذا تريد فقلت أن لا ترجعي ) وله ( هجم الشتاء ونحن بالبيداء * فدفعت شرته بصوت غناء ) ( وجمعت قافات يزول بجمعها * هم الشتاء ولوعة البرحاء ) ( قدح وقانون وقاني قهوة * مع قينة في قبة زرقاء ) ومرض ابن عنين فكتب إليه ( أنظر إلي بعين مولى لم يزل * يولي الندى وتلاف قبل تلافي ) ( أنا كالذي أحتاج ما تحتاجه * فاغنم ثوابي والثناء الوافي ) فجاء إليه فعاده ومعه صرة فيها ثلاثمائة دينار وقال هذه الصلة وأنا العائد وهذه لو وقعت لاكابر النحاة لاستحسنت منه فكيف هذا الملك توفى رحمه الله في سلخ ذي القعدة وقال ابن خلكان توفي يوم الجمعة مستهل (5/115)

116 ذي الحجة بدمشق ودفن في قلعتها ثم نقل إلى الصالحية ودفن في مدرسته هناك بها قبور جماعة من إخوته وأهل بيته تعرف بالمعظمية انتهى وفيها الفتح بن عبد الله بن محمد بن علي بن هبة الله بن عبد السلام عميد الدين أبو الفرج البغدادي الكاتب ولد في أول سنة سبع وثلاثين وخمسمائة وسمع من جده أبي الفتح وأبي الفضل الأرموي ومحمد بن أحمد الطرائفي وطائفة وتفرد بالرواية عنهم ورحل الناس إليه توفي في الرابع والعشرين من المحرم وهو من بيت حديث وأمانة سنة خمس وعشرين وستمائة فيها توفى اللبلي بالباء الموحدة نسبة إلى لبلة بلد بالأندلس المحدث الرحال محب الدين أحمد بن تميم بن هشام الأندلسي طوف وسمع من ابن طبرزد والمؤيد الطوسي وطبقتهما وكان من وجوه أهل لبلة توفى في رجب بدمشق كهلا وفيها ابن طاووس أبو المعالي أحمد بن الخضر ابن هبة الله بن أحمد الصوفي أخو هبة الله سمع من حمزة بن كروس وكان عريا من الفضيلة توفي في رمضان قاله في العبر وفيها أحمد بن شرويه بن شهر دار الديلمي أبو مسلم الهمداني روى عن جده ونصر بن المظفر البرمكي وأبو الوقت وطائفة وتوفى في شعبان وفيها أبو منصور ابن البراح أحمد بن يحيى بن أحمد البغدادي الصوفي راوي سنن النسائي عن أبي زرعة وسمع أيضا من ابن البطي وكان صالحا عابدا توفى في المحرم وفيها ابن بقي قاضي الجماعة أبو القسم أحمد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أحمد الأموي مولاهم البغوي القرطبي سمع جده أبا الحسن ومحمد بن عبد الحق الخزرجي وأجاز له شريح وجماعة وكان ظاهري المذهب مسند أهل المغرب وعالمهم ورئيسهم ولى القضاء بمراكش مضافا إلى الغاية العليا وغير ذلك توفى (5/116)

117 في نصف رمضان وقد تجاوز ثمانيا وثمانين سنة وآخر من روى عنه عبد الله بن هرون الطائي وفيها داود بن رستم بن محمد بن أبي سعيد الحراني الحنبلي ببغداد ودفن بباب حرب سمع من نصر القزاز وغيره وصفه المنذري بأنه رفيقه وذكره ابن النجار وأنه ناطح الستين وفيها أبو علي الجواليقي الحسن بن إسحق بن العلامة أبي منصور موهوب بن أحمد البغدادي روى عن ابن ناصر وعن أبي بكر بن الزاغوني وجماعة وكان ذا دين ووقار وفيها النفيس بن البن أبو محمد الحسن بن علي بن أبي القسم الحسين بن الحسن الأسدي الدمشقي تفرد عن جده بحديث كثير وكان ثقة حسن السمت والديانة توفى في شعبان وفيها القاضي الإمام جمال الدين عبد الرحيم بن شيث القرشي جمع الله له بين الفضل والمروءة والكرم والفتوة كان كثير الصدقات وكان القاضي الفاضل يحتاج إليه في علم الرسائل كتب إليه أبو المظفر كتابا يتشوق إليه فأجابه ( وافى كتابك وهو الروض مبتسما * عن ثغر در طغى من بحرك الطامي ) ( وكان عندي كالماء الزلال وقد * تناولته يمين الحائم الظامي ) ( لله نفحة فضل منه رحت بها * نشوان أسحب أذيالي وأكمامي ) تولى الوزارة للملك المعظم بالشام ونشأ بقوص ومات بدمشق ودفن بتربته بقاسيون وفيها ابن عفيجة أبو منصور محمد بن عبد الله بن المبارك البندنيجي ثم البغدادي البيع أجاز له في سنة بضع وثلاثين وخمسمائة أبو منصور ابن خيرون وأبو محمد سبط الخياط وطائفة سمع من ابن ناصر توفي في ذي الحجة وفيها محمد بن النفيس بن محمد بن إسمعيل بن عطاء أبو الفتح البغدادي الصوفي سمع الصحيح من أبي الوقت وتوفي في القعدة وفيها أبو محمد عبد المحسن بن عبد الكريم بن ظافر بن رافع (5/117)

118 الحصري المصري الحنبلي الفقيه ولد في أوائل سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة بمصر وسمع بها من أبي إسحق إبراهيم بن هبة الله وجماعة كثيرة ورحل إلى دمشق فتفقه بها على الشيخ موفق الدين وانقطع إليه مدة وتخرج به وسمع منه ومن أبي الفتوح البكري وغيرهما وسمع بحران من الحافظ عبد القادر الرهاوي وحدث بحمص وبمصر وكتب بخطه وحصل كسبا وتوجه إلى الحج فغرق وذهب جميع ما معه وعاد إلى مصر مجردا من جميع ما كان معه ولم يزل على سداد وأمر جميل إلى أن توفي في ثالث جمادى الآخرة بمصر ودفن بسفح المقطم قاله ابن رجب سنة ست وعشرين وستمائة فيها سلم الكامل القدس الشريف لملك الفرنج بعد أن كاتبه الانبرور ملكهم في العام الماضي يقول أنا عتيقك وتعلم أني أكبر مغول الفرنج وأنت كاتبتني بالمجيء وقد علم البابا والملوك باهتمامي فإن رجعت خائبا انكسرت حرمتي وهذه القدس هي أصل دين النصرانية وأنتم قد خربتموها وليس لها دخل طائل فإن رأيت أن تنعم علي بقبضة البلد ليرتفع رأسي بين الملوك وأنا التزم بحمل دخلا لك فلان له وسلمه إياها في هذا العام فإنا لله وإنا إليه راجعون ثم اتبع فعله هذا بحصار دمشق وأذية الرعية وجرت بين عسكره وعسكر الناصر وقعات وقتل جماعة في غير سبيل الله وأحرقت الخانات ودام الحصار أشهرا ثم وقع الصلح في شعبان ورضى الناص بالكرك ونابلس فقط ثم سلم دمشق إلى أخيه الأشرف بعد شهر وأعطاه الأشرف حران والرقة والرها وغير ذلك وفيها توفى أبو القسم بن صصرى مسند الشام شمس الدين الحسن بن هبة الله بن محفوظ بن الحسن بن محمد التغلبي الدمشقي الشافعي ولد سنة بضع وثلاثين وسمع من جده لأبيه وجده لأمه عبد الواحد (5/118)

119 ابن هلال وأبي القسم بن البن وخلق كثير وأجاز له علي بن الصباغ وأبو عبد الله بن السلال وطبقتهما ومشيخته في سبعة عشر جزءا توفى في الثالث والعشرين من المحرم وفيها أمة الله بنت أحمد بن عبد الله بن علي بن الأبنوسي روت الكثير عن أبيها وتفردت عنه وتوفيت في المحرم أيضا وتلقب بشرف النساء وكانت صالحة خيرة وفيها ابن البابرايا موفق الدين أبو المعالي عبد الرحمن بن علي بن أحمد بن علي بن محمد البغدادي الواعظ الفقيه الحنبلي المعدل ثم الحاكم أبو محمد ويقال أبو الفضل ويقال أبو المعالي سمع من عبد الحق اليوسفي وابن شاتيل ونصر الله القزاز وابن المنى وابن الجوزي وغيرهم وتفقه علي ابن المنى وبرع وناظر وقرأ الوعظ على ابن الجوزي ووعظ قال ابن النجار كان حسن الأخلاق فاضلا مناظرا وله يد في الوعظ وقال ابن رجب وقد حدث وسمع منه غير واحد منهم ابن النجار وأجاز للمنذري ولابن أبي الجيش وقال عنه كان من العجم وتوفي ليلة الإثنين الخامس والعشرين من جمادى الآخرة فجأة ودفن بمقبرة الإمام أحمد رحمه الله وفيها بهاء الدين أبو العباس أحمد بن نجم بن عبد الوهاب بن الحنبلي الدمشقي أخو الشهاب والناصح وكان أكبر الأخوة ولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة وسمع من أبي الفضل بن الشهرزوري وحدث عن الحيص بيص الشاعر وأجاز للمنذري وتوفي في حادي عشرى ذي القعدة بدمشق ودفن بالجبل وفيها الحاجب علي حسام الدين نائب خلاط للملك الأشرف كان شهما مقداما موصوفا بالشجاعة والسياسة والحشمة والبر والمعروف قبض عليه الأشرف على يد مملوكه عز الدين أيبك فلم يمهل الله أيبك ونازله خوارزم شاه وأخذ خلاط وأخذ أيبك وجماعة وفيها أبو الحسن محمد بن محمد بن أبي حرب بن النرسي الكاتب الشاعر روى عن أبي محمد بن المادح وهبة الله الشبلي وله ديوان شعر توفى في جمادى الآخرة (5/119)

120 وفيها الملك المسعود أفسيس بن الكامل وأفسيس بلغة اليمن موت كان جبارا عنيدا حج مرة فكان يرمى بالبندق وكان غلمانه يدخلون الحرم ويضربون الناس بالسيوف ويقولون مهلا فإن الملك نائم سكران ونادى مرة في بلاد اليمن من أراد السفر من التجار إلى الديار المصرية والشامية صحبة السلطان فليتجهز فجاء التجار من السند والهند بأموال الدنيا والجواهر ولما تكاملت المراكب بزبيد قال اكتبوا لي بضائعكم لأحميها من الزكاة فكتبوها له فصار يكتب لكل تاجر برأس ماله إلى بعض بلاد اليمن ويستولي على ماله فاستغاثوا وقالوا فينا من له عن أهله سنين فلم يلتفت إليهم فقالوا خذ مالنا وأطلقنا فلم يلتفت إليهم أيضا فعبأ ثقله في خمسمائة مركب ومعه ألف خادم ومائة قنطار عنبر وعود ومسك ومائة ألف ثوب ومائة صندوق أموال وجواهر وركب الطريق إلى مكة فمرض مرضا مزمنا فوصل إلى مكة وقد أفلج ويبست يداه ورجلاه ورأى في نفسه العبر ثم مات فدفنوه في المعلى وضرب الهوى بعض المراكب فجرعت إلى زبيد فأخذها أصحابها وفيها نجم الدين يعقوب بن صاب المنجنيقي كان فاضلا أديبا شاعرا برع على أهل صناعته في علم المنجنيق ومن شعره ( وكنت سمعت أن النجم عند * استراق السمع يقذف بالرجوم ) ( فلما إن علوت وصرت نجما * رجمت بكل شيطان رجيم ) وله ( كلفت بعسلم المنجنيق ورميه * لهدم الصياصي وافتتاح المرابط ) ( وعدت إلى نظم القريض لشقوتي * فلم أخل في الحالين من قصد خابط ) وله في الصوفية ( قد لبسوا الصوف لترك الصفا * مشايخ العصر لشرب العصير ) ( وقصروا للعشق أثوابهم * شر طويل تحت ذيل قصير ) (5/120)

121 وفيها أبو نصر المهذب بن علي بن قنيدة الأزجي الخياط المقرىء روى عن أبي الوقت وجماعة وتوفى في شوال وفيها أبو الدر ياقوت بن عبد الله الرومي الجنس الحموي المولد البغدادي الدار الملقب شهاب الدين أخذ من بلاده صغيرا وابتاعه ببغداد رجل تاجر يعرف بعسكر الحموي وجعله في الكتاب لينتفع به في ضبط تجايره وكان مولاه عسكر لا يحسن الخط ولا يعلم سوى التجارة فشغله مولاه بالأسفار في متاجره فكان يتردد إلى نعمان والشام وجرت بينه وبين مولاة نبوة أوجبت عتقه والبعد عنه فاشتغل بالنسخ بالأجرة وحصلت له بالمطالعة فوائد ثم إن مولاه بعد مديدة ألوى عليه وأعطاه شيئا وسفره إلى كيش ولما عاد كان مولاه قد مات فحصل شيئا مما كان في يده وأعطاه أولاد مولاه وزوجته وأرضاهم به وبقي بيده بقية جعلها رأس ماله وسافر بها وجعل بعض تجارته كتبا وكان متعصبا على علي رضي الله عنه وكان قد اطلع على شيء من كتب الخوارج فعلق في ذهنه منها طرف قوي وتوجه إلى دمشق في سنة ثلاث عشرة وستمائة وقعد في بعض أسواقها وناظر بعض من يتعصب لعلي رضي الله عنه وجرى بينهما كلام أدى إلى ذكر علي رضي الله عنه بما لا يسوغ فثار عليه الناس ثورة كادوا يقتلونه فسلم منهم وخرج من دمشق منهزما بعد أن بلغت القصة إلى والي البلد فطلبه فلم يقدر عليه ووصل إلى حلب خائفا يترقب وخرج منها إلى الموصل ثم انتقل إلى اربل وسلك منها إلى خراسان ووصل إلى خوارزم فصادف خروج التتار فانهزم بنفسه كبعثة يوم الحشر من رمسه وقاسى في طريقه من الضائقة والتعب ما يكل اللسان عن شرحه ووصل إلى الموصل وقد تقطعت به الأسباب ثم انتقل إلى سنجار وارتحل إلى حلب وأقام بظاهرها في الخان إلى أن مات وكان قد تتبع التواريخ وصنف كتابا سماه ارشاد الالباء إلى معرفة الأدباء يدخل في أربع مجلدات وهو في نهاية الحسن والامتاع وكتاب معجم (5/121)

122 البلدان ومعجم الأدباء ومعجم الشعراء والمشترك وضعا المختلف صقعا وهو من الكتب النافعة والمبدأ والمال في التاريخ والدويل ومجموع كلام أبي علي الفارسي وعنون كتاب الأغاني والمقتضب في النسب يذكر فيه انساب العرب وأخبار المتنبي وكانت له همة عالية في تحصيل المعارف قال ابن خلكان وكانت ولادته في سنة أربع وسبعين وخمسمائة ببلاد الروم وتوفي يوم الأحد العشرين من رمضان في الخان بظاهر مدينة حلب وقد كان أوقف كتبه على مسجد الزيدي بدرب دينار ببغداد وسلمها إلى الشيخ عز الدين بن الأثير صاحب التاريخ الكبير ولما تميز ياقوت واشتهر سمى نفسه يعقوب ولقد سمعت الناس عقيب موته يثنون عليه ويذكرون فضله وأدبه ولم يقدر لي الاجتماع به انتهى ملخصا ومن شعره في غلام تركي رمدت عينه فجعل عليها وقابة سوداء ( ومولد للترك تحسب وجهه * بدرا يضيء سناه بالإشراق ) ( أرخى على عينيه فضل وقاية * ليرد فتنتها عن العشاق ) ( تالله لو أن السوابغ دونها * نفدت فهل لوقاءه من واق ) وفيها يوسف بن أبي بكر السكاكي صاحب المفتاح أخذ عن شيخ الإسلام محمود بن صاعد الحارثي وعن سديد بن محمد الحناطي وكان حنفيا إماما كبيرا عالما بارعا متبحرا في النحو والتصريف وعلم المعاني والبيان والعروض والشعر أخذ عنه علم الكلام مختار بن محمود الزاهد صاحب القنية قاله ابن كمال باشا في طبقاته سنة سبع وعشرين وستمائة فيها خاف أهل الشام وغيرها من الخوارزمية وعرفوا أنهم أن ملكوا بهم عملوا بهم كل نحس فاصطلح الأشرف وصاحب الروم علاء الدين (5/122)

123 واتفقوا على حرب جلال الدين وساروا فالتقوه في رمضان فكسروه واستباحوا عسكره ولله الحمد وهرب جلال الدين بأسوأ حال ووصل إلى خلاط في سبعة أنفس وقد تمزق جيشه وقتلت أبطاله فأخذ حريمه وما خف حمله وهرب إلى أذربيجان ثم أرسل إلى الملك الأشرف في الصلح وذلك وأمنت خلاط وشرعوا في إصلاحها قال الموفق عبد اللطيف هزم الله خوارزمية بأيسر مؤونة بأمر ما كان في الحساب فسبحان من هدم ذاك الجبل الراسي في لمحة ناظر وفيها توفى أبو العباس أحمد بن فهد بن الحسين بن فهد العلثي الفقيه الحنبلي سمع من أبي شاكر السقلاطوني وشهدة وغيرهما وتفقه على ابن المنى وكان حسن الكلام في مسائل الخلاف وفيه صلاح وديانة وكان زيه زي العوام في ملبسه وحدث وسمع منه جماعة وتوفى ليلة الثلاثاء ثاني عشر شعبان وفيها زين الأمناء أبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن بن هبة الله ابن عساكر الدمشقي الشافعي روى عن أبي العشاير محمد بن خليل وعبد الرحمن الداراني والفلكي وطائفة وكان صالحا خيرا من سروات الناس حسن السمت تفقه على جمال الأئمة علي بن الماسح وولى نظر الخزانة والأوقاف ثم تزهد عاش ثلاثا وثماينن سنة وتوفى في صفر وفيها أبو الذخر خلف بن محمد بن خلف الكنري البغدادي الحنبلي ولد بكنر من قرى بغداد سنة خمس وأربعين وخمسمائة وحفظ بها القرآن وتفقه في المذهب ثم سافر إلى الموصل واستوطنها وسمه بها من الخطيب أبي الفضل الطوسي ويحيى الثقفي وغيرهما وحدث وأقرأ القرآن وكتب عنه الناس وكان متدينا صالحا حسن الطريقة توفي في المحرم بالموصل وفيها راجح بن إسمعيل الحلى الأديب شرف الدين صدر نبيل مدح الملوك بمصر والشام والجزيرة وسار شعره توفي في شعبان وفيها أبو الخير موفق الدين سلامة بن صدقة بن سلامة بن الصولي الحراني (5/123)

124 الفقيه الحنبلي الفرضي سمع ببغداد من أبي السعادات القزاز وغيره وتفقه بها قال ابن حمدان كان من أهل الفتوى مشهورا بعلم الفرائض والحساب والجبر والمقابلة سمعت عليه كثيرا من الطبقات لابن سعد وقرأ عليه ما صنفه في الحساب والجبر والمقابلة وأجوبته في الفتوى غالبا نعم أولا وقال ابن رجب قال المنذري لنا منه إجازة وقال الصولي بفتح الصاد المهملة الإسكاف هكذا تقوله أهل بلده ورأيت على مقدمة من تصنيفه في الفرائض ابن الصولية ولم تضبط الصاد بشيء توفي في المحرم بحران وفيها أبو بكر عبد الله بن معالي بن أحمد بن الرياني المقرىء الفقيه الحنبلي تفقه على أبي الفتح ابن المنى وغيره وسمع منه ومن شهدة وغيرهما وحدث قال ابن نقطة سمعت منه أحاديث وهو شيخ حسن وقال ابن النجار كان صالحا حسن الطريقة وشهد عند القضاة وحدث باليسير وتوفي يوم الجمعة خامس جمادى الأولى ودفن بمقبرة الإمام أحمد وهو منسوب إلى الريان بفتح الراء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وبعد الألف نون محلة بشرقي بغداد وفيها سليمان بن أحمد بن أبي عطاف المقدسي الحنبلي نزيل حران تفقه بها وحدث عن أبي الفتح ابن أبي الوفا الفقيه وتوفي بها في ثاني عشر جمادى الأولى وفيها أبو محمد عبد السلام بن عبد الرحمن بن الشيخ العارف معدن الحكم والمعارف أبي الحكم بن برجان اللخمي المغربي ثم الاشبيلي حامل لواء اللغة بالأندلس أخذ عن أبي إسحق بن ملكوب وتوفي في جمادى الأولى قاله ابن الأهدل وفيها أبو محمد عبد الرحمن بن عتيق بن عبد العزيز بن صيلا الحربي المؤدب روى عن أبي الوقت وغيره وتوفي في ربيع الأول وفيها عبد السلام بن عبد الرحمن بن الأمين علي بن علي بن سكينة علاء الدين الصوفي البغدادي سمع أبا الوقت ومحمد بن أحمد البرمكي وجماعة كثيرة (5/124)

125 وتوفي في صفر وفيها أبو يحيى زكريا بن يحيى القطفتي بضمتين وسكون الفاء وفوقية مثناة نسبة إلى قطفتا محلة ببغداد ولد سنة أربع أو خمس وأربعين وخمسمائة وتفقه في مذهب أحمد وسمع من يحيى بن موهوب وحدث وتوفي في جمادى الأولى ببغداد ودفن بمقبرة معروف قاله المنذري في وفياته وفيها أبو الفتوح عبد الرحمن بن عرند الدنيسري محتسب دنيسر بلدة قرب ماردين كان فصيحا شاعرا فيه فضيلة تامة حبسه صاحب ماردين فمات في السجن ومن شعره ( تزايد في هوى أملي جنوني * وأورث مهجتي سقما شجوني ) ( وصرت أغار من نظر البرايا * عليه ومن خيالات الظنون ) ( ويعذب لي عذابي في هواه * وهذا نص معتقدي وديني ) وله ( لا والذي بيده البرء والسقم * مالي سوى وجنتيه في الهوى قسم ) ( أحوى حوى السحر في أجفانه وعلى * خديه من مهجات المدنفين دم ) ( مزنر الخصر واشوقي إلى خصر * في فيه يقصر عنه البارد الشيم ) ( كالماء جسما ولكن قلبه حجر * فما سباني إلا وهو لي صنم ) وفيها الصد رفخر الدين أبو بكر محمد بن عبد الوهاب الأنصاري الدمشقي المعدل من بيت أمانة وصيانة ودين كان أجمل أهل بيته وأحسنهم خلقا ولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة وسمع من السلفي وابن عساكر وكان رئيسا سريا صاحب أخبار وتواريخ مجانا خليعا من غير ذكر فاحشة وكان متولعا بست الشام يتولى أمر ديوانها وفوضت إليه أوقافها وترك الولايات في آخر عمره وكان له تجار يسافرون في تجارته وله نظم وعنده كتب كثيرة (5/125)

126 توفي بدمشق ودفن بالباب الصغير وفيها فخر الدين بن شافع محمد بن أحمد بن صالح بن شافع بن صالح بن حاتم الجيلي ثم البغدادي المعدل الحنبلي أبو المعالي ولد ببغداد ليلة الجمعة سادس عشرى جمادى الآخرة سنة أربع وستين وخمسمائة وتوفي والده وله سنة وشهور فتولاه خاله أبو بكر بن مشق وأسمعه الكثير من خلق منهم السقلاطوني وابن الرحلة وشهدة وقرأ القرآن بالرويات وتفقه في المذهب قال ابن النجار كان طيب النغمة في قراءة القرآن والحديث ويفيد الناس إلى آخر عمره وكان متدينا صالحا حسن الطريقة جميل السيرة وقورا صدوقا أمينا كتبت عنه ونعم الرجل وقال ابن نقطة ثقة مكثر حسن السمت وقال ابن الساعي ثقة صالح جميل الطريقة من بيت العدالة والرواية وقال ابن النجار توفي يوم الأحد رابع رجب ودفن عند آبائه بدكة الإمام أحمد سنة ثمان وعشرين وستمائة لما علمت التتار بضعف جلال الدين خوارزم شاه بادروا إلى أذربيجان فلم يقدم على لقائهم فملكوا مراغة وعاثوا وبدعوا وتفرق جنده فبيته التتار ليلة فنجا بنفسه وطمع الأكراد والفلاحون وكل أحد في جنده وتخطفوهم وانتقم الله منهم وساقت التتار إلى ماردين يسبون ويقتلون ودخلوا إلى أسعرد فقتلوا نيفا وعشرين ألفا وأخذوا من البنات ما أرادوا ووصلوا إلى أذربيجان ففعلوا كذلك واستقر ملكهم بما وراء النهر وبقيت مدن خراسان خرابا لا يجسر أحد يسكنها وفيها توفي أبو نصر بن النرسي أحمد بن الحسين بن عبد الله بن أحمد بن هبة الله البغدادي البيع روى عن أبي الوقت وجماعة وتوفي في رجب وفيها الملك الأمجد مجد الدين أبو المظفر بهرام شاه بن فروخ شاه بن شاهنشاه (5/126)

127 ابن أيوب بن شادي صاحب بعلبك تملكها بعد والده خمسين سنة وكان جودا كريما شاعرا محسنا قتله مملوك له جميل بدمشق في شوال وسببه أنه سرقت له دواة من ذهب تساوي مائتي دينار فظهرت عند هذا المملوك فحبسه في خزانة في داره فلما كان ليلة الأربعاء ثامن شوال فتح الخزانة بسكين كانت معه قلع بهارزة الباب وأخذ سيف الأمجد وكان يلعب بالشطرنج فضربه حل كتفه وطعنه بالسيف في خاصرته فمات وهرب المملوك فثارت عليه المماليك وقتلوه ودفن الأمجد بتربة أبيه على الشرف الشمالي ومن شعره في مليح يقطع بانا ( من لي باهيف قال حين عتبته * في قطع كل قضيب بان رائق ) ( تحكي شمائله الرشاق إذا انثنى * ريان بين جداول وحدائق ) ( سرقت غصون البان لين معاطفي * فقطعتها والقطع حد السارق ) ورؤى في المنام فقيل له ما فعل الله بك فقال ( كنت من ذنبي على وجل * زال عني ذلك الوجل ) ( أمنت نفسي بوائقها * عشت لما مت يا رجل ) وفيها جلدك التقوى الأمير ولي نياية الأسكندرية وسد الديار المصرية وكان أديبا شاعرا روى عن السلفي ومولاه هو صاحب حماة تقي الدين عمر توفي في شعبان وفيها الزين الكردي محمد بن عمر المقرىء أخذ القراءات عن الشاطبي وتصدر بجامع دمشق مع السخاوي وفيها المهذب الدخوار عبد الرحيم بن علي بن حامد الدمشقي شيخ الطب وواقف المدرسة التي بالصاغة العتيقة على الأطباء ولد سنة خمس وستين وخمسمائة وأخذ عن الموفق بن المطران والرضى الرحبي وأخذ الأدب عن الكندي وانتهت إليه معرفة الطب وصنف التصانيف فيه وحظي عند الملوك ولما تجاوز سن الكهولة عرض له طرف خرس حتى بقي لا يكاد يفهم كلامه واجتهد في علاج نفسه فما أفاد (5/127)

128 بل ولد له أمراضا وكان دخله في الشهر مائة وخمسون دينارا وله أقطاع تعدل ستة آلاف وخمسمائة دينار ولما ثقل لسانه كان الجماعة يبحثون بين يديه فيكتب لهم ما أشكل عليهم في اللوح واستعمل المعاجين الحادة فعرضت له حمى قوية أضعفت قوته وزادت إلى أن سالت عينه وفيها ناصح الدين أبو محمد عبد الوهاب بن زاكي بن جميع الحراني الفقيه الحنبلي نزيل دمشق سمع بحران من عبد القادر الرهاوي قال ابن حمدان كان فاضلا في الأصلين والخلاف والعربية والنثر والنظم وغير ذلك رحل إلى بغداد وقرأت عليه الجدل الكبير لابن المثنى ومنتهى السول وغير ذلك وكان كثير المروءة والأدب حسن الصحبة وذكر المنذري انه حدث بشيء من شعريه قال وجميع بضم الجيم وفتح الميم وتوفي خامس ذي القعدة ودفن بسفح قاسيون وفيها الداهري أبو الفضل عبد السلام بن عبد الله بن أحمد بن بكران البغدادي الخفاف الخراز سمع من أبي بكر الزاغوني ونصر العكبري وجماعة وكان عاميا مستورا كثير الرواية توفي في ربيع الأول وفيها ابن رحال العدل نظام الدين علي بن محمد بن يحيى المصري سمع من السلفي وغيره وتوفي في شوال وفيها أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك بن يحيى بن إبراهيم بن يحيى الحميري الكتامي الفاسي القطان قاضي الجماعة كان حافظا ثقة مأمونا لكن نقمت عليه أغراض في قضائه قاله ابن ناصر الدين وفيها القاسم بن القاسم الواسطي شاعر فاضل من نظمه ( لا ترد من خيار دهرك خيرا * فبعيد من السراب الشراب ) ( منطق كالحباب يطفو على الكاس * ولكن تحت الحباب الحباب ) ( عذبت في اللقاء ألسنة القوم * ولكن تحت العذاب العذاب ) وله (5/128)

129 ( ديباج خدك بالعذار مطرز * برزت محاسنه وأنت مبرز ) ( وبدت على غصن الصبا لك روضة * والغصن ينبت في الرياض ويغرز ) ( وجنت على وجنات خدك حمرة * خجل الشقيق بها وحار القرمز ) ( لو كنت مدعيا ملاحة يوسف * لقضى القياس بأن حسنك معجز ) ( أو كان عطفك مثل عطفك لين * ما كان منك تمنع وتعزز ) وفيها ابن عصية أبو الرضا محمد بن أبي الفتح المبارك بن عبد الرحمن الكندي الحربي روى عن أبي الوقت وغيره وتوفي في المحرم وفيها ابن معطي النحوي الشيخ زين الدين أبو الحسين يحيى بن عبد المعطي بن عبد النور الزواوي نسبة إلى زواوة قبيلة كبيرة بأعمال إفريقية الفقيه الحنفي ولد سنة أربع وستين وخمسمائة واقرأ العربية مدة بمصر ودمشق وروى عن القاسم بن عساكر وغيره وهو أجل تلامذة الجزولي وانفرد بعلم العربية وصنف الألفية المشهورة وغيرها ومات في ذي القعدة بمصر وقبره قريب من تربة الإمام الشافعي سنة تسع وعشرين وستمائة فيها عاثت التتار لموت جلال الدين ووصلوا إلى شهرزور فأنفق المستنصر بالله في العساكر وجهزهم مع قستم الناصري فانضموا إلى صاحب اربل فتقهقرت التتار وفيها توفي السمذي بكسرتين وتشديد الميم نسبة إلى السمذ وهو الخبز الأبيض يعمل للخواص أبو القاسم أحمد بن أحمد بن أبي غالب البغدادي الكاتب روى جزء أبي الجهم عن أبي الوقت وبعضهم سماه عليا توفي في المحرم وفيها الشيخ شرف الدين إسمعيل الموصلي ابن خالة القاضي شمس الدين بن الشيرازي كان ينوب عنابن الزكي الشافعي في القضاء وهو على مذهب أبي حنيفة وكان بيده تدريس مدرسة الطرخانية (5/129)

130 بعث إليه الملك المعظم يقول له أفت بإباحة الأنبذة وما يعمل من الرمان وغيره فقال الشيخ شرف الدين لا أفتح على أبي حنيفة هذا الباب وأنا على مذهب محمد رضي الله عنه في تحريمها وأبو حنيفة لم تتواتر الرواية عنه في إباحتها وقد صح عن أبي حنيفة أنه لم يشربها قط فغضب المعظم وأخرجه من مدرسة طرخان وولاها لتلميذه الزين بن العتال وأقام هو في بيته تتردد الناس إليه لا يغشى أحدا من خلق الله تعالى قانعا باليسير إلى أن مات رحمه الله تعالى وفيها أبو علي الحسين بن المبارك الزبيدي قدم بغداد وسكنها وكان خيرا عارفا بمذهب أبي حنيفة عالي الإسناد سمع أبا الوقت وغيره ومنه الأبرقوهي وفيها أبو الربيع سلمان بن نجاح القوصي سكن دمشق وكان بارعا في الأدب من شعره ( أراك منقبضا عني بلا سبب * وكنت بالأمس يا مولاي منبسطا ) ( وما تعمدت ذنبا استحق به * هذا الصدود لعل الذنب كان خطا ) ( فإن يكن غلط مني على غرر * قل لي لعلي أن أستدرك الغلطا ) وفيها السلطان جلال الدين خوارزم شاه منكوبري بن خوارزم شاه علاء الدين محمد بن خوارزم شاه علاء الدين تكش بن خوارزم شاه أرسلان بن خوارزم شاه أنز بن محمد الخوارزمي أحد من يضرب به المثل في الشجاعة والإقدام قال الذهبي لا أعلم في السلاطين أكثر جولانا منه في البلدان ما بين الهند إلى ما وراء النهر إلى العراق إلى فارس إلى كرمان إلى أذربيجان وأرمينية وغير ذلك وحضر مصافا وقاوم التتار في أول جدهم وحدتهم وافتتح غير مدينة وسفك الدماء وظلم وعسف وغدر ومع ذلك كان صحيح الإسلام وكان ربما قرأ في المصحف ويبكي وآل أمره إلى أن تفرق جيشه وقلوا لأنهم لم تكن لهم إقطاع بل أكثر عيشهم من نهب البلاد انتهى وقال غيره انهزم من التتار (5/130)

131 فرآه فلاح من قرية يقال لها عين دارا راكبا على سرج مرصعا باليواقيت وعلى لجام فرسه الجواهر فشره الفلاح إلى ما كان معه فأنزله فأطعمه فلما نام ضربه بفأس قتله وأخذ ما معه ودفنه فبلغ ذلك شهاب الدين غازي صاحب ميافارقين فأحضر الفلاح وعاقبه فأقروا وأحضر الفرس والسلاح وكان جلال الدين سدا بين المسلمين والكفار فلما مات انفتح السد وكان يتكلم بالتركية والفارسية انتهى وفيها أبو موسى الحافظ جمال الدين عبد الله بن عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سور المقدسي الحنبلي الحافظ ابن الحافظ ولد في شوال سنة إحدى وثمانين وخمسمائة وسمع من عبد الرحمن بن الخرقي بدمشق ومن ابن كليب ببغداد ومن خليل الرازاني بأصبهان ومن الأرياحي بمصر ومن منصور الفراوي بنيسابور وكتب الكثير وعنى بهذا الشأن وجمع وأفاد وتفقه وتأدب وتميز مع الأمانة والديانة والتقوى قال الضياء اشتغل بالفقه والحديث وصار علما من الأعلام حافظا متقنا ثقة وقال عمر بن الحاجب لم يكن في عصره مثله في الحفظ والمعرفة والأمانة وكان كثير الفضل وافر العقل متواضعا مهيبا وقورا جوادا سخيا له القبول التام مع العبادة والورع والمجاهدة وقال الذهبي روى عنه الضياء وابن أبي عمر وابن النجار وجماعة كثيرون ومع هذا فقد غمزه الناصح بن الحنبلي وسبط ابن الجوزي بالميل إلى السلاطين قال ابن رجب والعجب أن هذين الرجلين كانا من أكثر الناس ميلا إلى السلاطين والملوك وتوصلا إليهم وإلى برهم بالوعظ وغيره ولقد كان أبو موسى أتقى لله تعالى وأورع وأعلم منهما وأكثر عبادة وأنفع للناس وبنى الملك الأشرف دار الحديث بالسفح على اسمه وجعله شيخها وقرر له معلوما فمات أبو موسى قبل كمالها توفي رحمه الله يوم الجمعة خامس رمضان ودفن بسفح قاسيون وفيها عبد الغفار بن شجاع المحلى الشروطي روى (5/131)

132 عن السلفي وغيره ومات في شوال عن سبع وسبعين سنة وفيها عبد اللطيف بن عبد الوهاب بن محمد بن الطبري سمع من أبي محمد بن المادح وهبة الله بن الشبلي وتوفي في شعبان وفيها الموفق أبو محمد عبد اللطفيف بن يوسف العلامة ذو الفنون البغدادي الشافعي النحوي اللغوي الطبيب الفيلسوف صاحب التصانيف الكثيرة ولد سنة سبع وخمسين وخمسمائة وسمع من جماعة كثيرين منهم ابن البطي وأبو زرعة وتفقه على أبي القسم بن فضلان وأقام بحلب وحفظ كتبا كثيرة ومن تصانيفه شرح مقدمة ابن باب شاد في النحو وشرح المقامات وشرح بانت سعاد والجامع الكبير في المنطق والطبيعي والآلهي في عشر مجلدان والرد على اليهود والنصارى وغريب الحديث في ثلاث مجلدات واختصره وشرح أحاديث ابن ماجه المتعلقة بالطب وحدث ببلدان كثيرة قال الذهبي كان أحد الأذكياء البارعين في اللغة والآداب والطب وعلم الأوائل لكن كثرة دعاويه أزرت به ولقد بالغ القفطي في الحط عليه وظلمه وبخسه حقه سافر من حلب ليحج على العراق فأدركه الموت ببغداد في ثاني عشر المحرم انتهى كلام الذهبي وقال الدبيثي غلب عليه علم الطب والأدب وبرع فيهما ومن كلامه من لم يحتمل ألم التعلم لم يذق لذة العلم ومن لم يكدح لم يفلح وفيها الشيخ عمر بن عبد الملك الدينوري الزاهد نزيل قاسيون كان صاحب أحوال ومجاهدات واتباع وهو والد جمال الدين خطيب كفر بطنا وفيها عمر بن كرم بن أبي الحسن أبو حفص الدينوري ثم البغدادي الحمامي ولد سنة تسع وثلاثين وخمسمائة وسمع من جده لأمه عبد الوهاب الصابوني ونصر العكبري وأبي الوقت وأجاز له الكروخي وعمر بن أحمد الصفار الفقيه وطائفة انفرد عن أبي الوقت بأجزاء وكان صالحا توفي في رجب وفيها عيسى بن المحدث عبد العزيز بن عيسى اللخمي الشريشي ثم (5/132)

133 الأسكندراني المقرىء سمع من السلفي وقرأ القراءات على أبي الطيب عبد المنعم ابن الخلوف ثم ادعى أنه قرأ على ابن خلف الداني وغيره فاتهم وصار من الضعفاء وفجعنا بنفسه توفي في سابع جمادى الآخرة قاله في العبر وفيها الحافظ الرحال أبو بكر محمد بن عبد الغني بن أبي بكر بن شجاع البغدادي الحنبلي المعروف بابن نقطة ويلقبت معين الدين ومحب الدين أيضا ولد في عاشر رجب سنة تسع وسبعين وخمسمائة وسمع ببغداد من يحيى بن بوش وابن سكينة وغيرهما ورحل إلى البلدان فسمع بواسط من أبي الفتح بن المنادى وباربل من عبد اللطيف بن أبي النجيب السهروردي وبأصبهان من عفيفة الفارقانية وزاهر بن أحمد وجماعات وبخراسان من منصور الفزاوي والمؤيد الطوسي وغيرهما وبدمشق من أبي اليمن الكندي وابن الحرستاني وداود بن ملاعب وغيرهم وبمصر من ابن الفخر الكاتب وغيره وبالأسكندرية من جماعة من أصحاب السلفي وبمكة من يحيى بن ياقوت وبحران من الحافظ عبد القادر وبحلب من الافتخار الهاشمي وبالموصل من جماعة وبدمنهور ودنيسر وبلاد أخر وعنى بهذا الشأن عناية تامة وبرع فيه وكتب الكثير وحصل الأصول وصنف تصانيف مفيدة ذكره عمر بن الحاجب في معجمه فقال شيخنا هذا أحد الحفاظ الموجودين في هذا الزمان طاف البلاد وسمع الكثير وصنف كتبا حسنة في معرفة علوم الحديث والأنساب وكان إماما زاهدا ورعا ثبتا حسن القراءة مليح الخط كثير الفوائد متحريا في الرواية حجة فيما يقوله ويصنفه ويجمعه من النقل ذا سمت ووقار وعفاف حسن السيرة جميل الظاهر والباطن سخي النفس مع القلة قانعا باليسير كثير الرغبة إلى الخيرات سألت الحافظ الضياء عنه فقال حافظ دين ثقة صاحب مروءة كريم النفس كثير الفائدة مشهور بالثقة حلو المنطق وسألت البرزالي عنه فقال ثقة دين مفيد انتهى وقال المنذري الحافظ أبو بكر (5/133)

134 ابن نقطة سمعت منه وسمع مني بجيزة فسطاط ومصر وغيرهما وكان أحد المشهورين وقال ابن خلكان دخل خراسان وبلاد الجبل والجزيرة والشام ومصر ولقي المشايخ وأخذ عنهم وكتب الكثير وعلق التعاليق النافعة وذيل على الأكمال لابن ماكولا في مجلدين وله كتاب آخر لطيف في الأنساب وله كتاب التقييد بمعرفة رواة السنن والمسانيد وله غير ذلك وقال ابن رجب روى عنه المنذري والسيف بن المجد وابن الأثرى وابنه الليث بن نقطة وغيرهم وذكر ابن الأنماطي أنه سأله عن نسبته فقال جارية ربت جدتي أم أبي اسمها نقطة عرفنا باسمها توفي في سن الكهولة بكرة يوم الجمعة ثاني عشرى صفر ببغداد ودفن عند قبر أبيه وأبوه الزاهد أبو محمد عبد الغني كان من أكابر الزهاد المشهورين بالصلاح والإيثار وله أتباع ومريدون وبنت له أم الخليفة الناصر مسجدا حسنا ببغداد فانقطع فيه وكان يقصده الناس فيتكلم عليهم وزوجته بجارية من خواصها وجهزتها بنحو من عشرة آلاف دينار فما خال الحول وعندهم من ذلك شيء بل جميع ذلك تصدق به وكان يتصدق في يوم بألف دينا روأصحابه صيام لا يدخر لهم عشاء وقف عليه سائل يلح في الطلب ويصف فقره وأنه منذ كذا لم يجد شيئا فأخرج إليه الهاون وقال خذ هذا كل به في ثلاثين يوما ولا تشنع على الله عز وجل وتوفي ببغداد في رابع جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة رحمه الله وكان محمد بن نقطة ينشد ( لا تظهرن لعاذل أو عاذر * حاليك في السراء والضراء ) ( فلرحمة المتوجعين مرارة * في القلب مثل شماتة الأعداء )


سنة ثلاثين وستمائة

فيها حاصر الملك الكامل آمد وأخذها من صاحبها الملك المسعود مودود ضربها بالمجانيق فلما رأى المسعود الغلبة خرج وفي رقبته منديل فرسم عليه وتسلم منه البلد وطلب منه تسليم القلاع فسلم الجميع الأحصن كيفا فعذبه بأنواع العذاب وكان يبغضه وكان المسعود فاسقا يأخذ الحرم غصبا حتى وجدوا في قصره خمسمائة حرة من بنات الناس وفيها توفي بهاء الدين التنوخي القاضي إبراهيم بن أبي اليسر شاكر بن عبد الله الشافعي الكاتب البليغ والد تقي الدين إسمعيل روى بالإجازة عن شهدة وولى قضاء المعرة في صباه خمس سنين فقال ( وليت الحكم خمسا وهي خمس * لعمري والصبا في العنفوان ) ( فكم تضع الأعادي قدر شاني * ولا قالوا فلان قد رشاني ) توفي في المحرم وفيها إدريس بن السلطان يعقوب بن يوسف أبو العلاء المأمون بايعوه بالأندلس ثم جاء إلى مراكش وملكها وعظم سلطانه وكان بطلا شجاعا ذا هيبة شديدة وسفك للدماء قط ذكر ابن تومرت من الخطبة ومات غازيا والله يسامحه وفيها إسمعيل بن سليمان بن إيداش أبو طاهر الحنفي ابن السلار حدث عن الصاين هبة الله وعبد الخالق بن أسد وتوفي في ذي القعدة وفيها الأوهى بفتحتين نسبة إلى أوه قرية بين زنجان وهمذان الزاهد أبو علي الحسن بن أحمد بن يوسف نزيل بيت المقدس أكثر عن السلفي وجماعة وكان عبدا صالحا قانتا لله صاحب أحوال ومجاهدات له أجزاء يحدث منها توفي في عاشر صفر وفيها الحسن بن السيد الأمير علي بن المرتضى أبو محمد العلوي الحسيني آخر من سمع من ابن ناصر يروى عنه كتاب الذرية الطاهرة توفي في شعبان عن ست وثمانين سنة وسماعه في لخامسة من عمره قاله في العبر وفيها صفي الدين أبو بكر عبد العزيز بن أحمد بن عمر بن سالم بن محمد بن باقا الغدل البغدادي الحنبلي التاجر ولد في رمضان سنة خمس وخمسين (5/135)

136 وخمسمائة ببغداد وقرأ القرآن وسمع من أبي زرعة وابن بندار وابن النقور وابن عساكر علي وخلق وقرأ طرفا من الفقه علي ابن المنى واستوطن مصر إلى أن مات وشهد بها عند القضاة وحدث بالكثير إلى ليلة وفاته وكان كثير التلاوة للقرآن قال ابن النجار كان شيخا جليلا صدوقا أمينا حسن الأخلاق متواضعا وسمع منه خلق كثير من الحفاظ وغيرهم منهم ابن نقطة وابن النجار والمنذري وحدث عنه خلق كثير وتوفي سحر تاسع عشر رمضان بالقاهرة ودفن بسفح المقطم وفيها القاضي أبو المعالي أحمد بن يحيى بن قائد الأواني الحنبلي ولاه أبو صالح الجيلي قضاء دجيل وله نظم حدث ببعضه توفي باوانا في جمادى الأولى وكان ابن عم أبي عبد الله محمد بن أبي المعالي بن قائد الأواني وكان زاهدا قدوة ذا كرامات حكى عنه الشيخ شهاب الدين السهروردي وغيره حكايات قال الناصح بن الحنبلي زرته أنا ورفيق لي فقدم لنا العشاء وعنده جماعة كثيرة ولم أر إلا خبزا وخلا وبقلا فتحدث على الطعام ثم قال ضاف عيسى بن مريم أقوام فقدم لهم خبزا وخلا وقال لو كنت متكلفا لأحد شيئا لتكلفت لكم قال فعرفت أنه قد عرف حالي دخل عليه رجل من الملاحدة في رباطه وهو جالس وحده فقتله فتكا رضي الله عنه ودفن في رباطه وقتل قاتله وأحرق وفيها سالم بن محمد بن سالم العامري اليمنى قال المناوي في طبقاته كان رفيع المجد على القدر كثير التواضع سليم الصدر أثنى الأكابر على لطفه وفضله وجنى المريدون ثمار الإحسان من تربيته وعطفه وكان شريف النفس عالي الهمة صاحب كرامات انتهى وفيها الملك العزيز عثمان بن العادل أبي بكر بن أيوب شقيق المعظم وهو صاحب بانياس وتبنين وهو تين وهو الذي بنى قلعة الصبيبة بين هؤلاء البلدان وكان عاقلا ساكنا اتفق موته بالناعمة وهو بستان له ببيت لهيا (5/136)

137 من صالحية دمشق في عشر رمضان وفيها العلامة عبيد الله بن إبراهيم جمال الدين العبادي المحبوبي المحاربي شيخ الخنفية بما وراء النهر وأحد من انتهى إليه معرفة المذهب أخذ عن أبي العلاء عمر بن أبي بكر بن محمد الزرنجري عن أبيه شمس الأئمة وبرهان الأئمة عبد العزيز بن عمر بن مازة وتفقه أيضا على قاضي خان فخر الدين حسن بن منصور الأوزجندي وتوفي ببخارى في جمادى الأولى عن أربع وثمانين سنة وفيها علي بن الجوزي أبو الحسن ولد العلامة جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن علي البغدادي الناسخ نسخ الكثير بالأجرة وكان معاشرا لعابا روى عن ابن البطي وأبي زرعة وجماعة وتوفي في رمضان وفيها ابن الأثير الإمام عز الدين أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري المؤرخ الشافعي أخو مجد الدين صاحب النهاية ولد صاحب الترجمة سنة خمس وخمسين وخمسمائة واشتغل في بلاد متعددة وكان إماما نسابة مؤخا أخباريا أديبا نبيلا محتشما وصنف التاريخ المشهور بالكامل على الحوادث والسنين في عشر مجلدات وهو من خيار التواريخ ابتدأ فيه من أول الزمان إلى سنة تسع وعشرين وستمائة واختصر الأنساب لأبي سعد السمعاني وهذبه وأفاد فيه أشياء وهو في مقدار نصف أصله وأقل وصنف كتابا حافلا في معرفة الصحابة جمع فيه بين كتاب ابن مندة وكتاب أبي نعيم وكتاب ابن عبد البر وكتاب أبي موسى وزاد وأفاد وسماه أسد الغابة في معرفة الصحابة وشرع في تاريخ الموصل قال ابن خلكان كان بيته بالموصل مجمع الفضلاء اجتمعت به بحلب فوجدته مكمل الفضائل والتواضع وكرم الأخلاق فترددت إليه وقال في العبر كان صدرا معظما كثير الفضائل وبيته مجمع الفضلاء روى عن خطيب الموصل أبي الفضل وغيره وتوفي في الخامس والعشرين من شعبان عن خمس وسبعين سنة وفيها الحافظ (5/137)

138 ابن الحاجب الرحال عز الدين أبو الفتح عمر بن محمد بن منصور الأميني الدمشقي سمع سنة ست عشرة بدمشق ورحل إلى بغداد فأدرك الفتح بن عبد السلام وخرج لنفسه معجما في بضع وستين جزءا توفي في شعبان وقد قارب الأربعين وكان فيه دين وخير وله حفظ وذكاء وهمة عالية في طلب الحديث قل من أنجب مثله في زمانه وفيها الملك مظفر الدين صاحب اربل الملك المعظم أبو سعيد كوكبوري بن الأمير زين الدين على كوجك التركماني وكوجك بالعربي اللطيف القدر ولي مظفر الدين مملكة اربل بعد موت أبيه في سنة ثلاث وستين وله أربع عشرة سنة فتعصب عليه أتابكه مجاهد الدين قيماز وكتب محضرا أنه لا يصلح للملك لصغره وأقام أخاه يوسف ثم سكن حران مدة ثم اتصل بخدمة السلطان صلاح الدين وتمكن منه وتزوج بأخته ربيعة واقفة مدرسة الصاحبة بشرقي الصالحية وشهد معد عدة مواقف أبان فيها عن شجاعة وإقدام وكان حينئذ على إمرة حران والرها فقدم أخوه يوسف منجدا لصلاح الدين فاتفق موته على عكا فأعطى السلطان صلاح الدين لمظفر الدين اربل وشهرزور وأخذ منه حران والرها ودامت أيامه إلى هذا العام وكان من أدين الملوك وأجودهم وأكثرهم برا ومعروفا على صغر مملكته قال ابن خلكان وأما سيرته فكان له في فعل الخير عجائب ولم نسمع أن أحدا فعل في ذلك مثل ما فعله لم يكن شيء في الدنيا أحب إليه من الصدقة وكان له في كل يوم قناطير مقنطرة من الخبز يفرقها على المحاويج في عدة مواضع من البلد وإذا نزل ممن الركوب يكون قد اجتمع جمع كثير عند الدار فيدخلهم إليه ويدفع لكل واحد كسوة على قدر الفصل من الصيف والشتاء وغير ذلك ومع الكسوة شيء من الذهب وكان قد بنى أربع خانقات للزمني والعميان وملأها من هذين الصنفين وقرر لهم ما يحتاجون إليه كل يوم وكان يأتيهم بنفسه كل عصرية اثنين وخميس (5/138)

139 ويدخل إلى كل واحد في بيته ويسأله عن حاله ويتفقده بشيء من النفقة وينتقل إلى الآخر حتى يدور عليهم جميعهم وهو يباسطهم ويمزح معهم ويجبر قلوبهم وبنى دارا للنساء الأرامل ودارا للضعفاء ودار للأيتام ودارا للملاقيط ورتب بها جماعة من المراضع وكل مولود يلتقط يحمل إليهن فيرضعنه وأجرى على أهل كل دار ما يحتاجون إليه في كل يوم وكان يدخل إليهم في كل يوم ويتفقد أحوالهم ويعطيهم النفقات زيادة على المقرر لهم وكان يدخل إلى البيمارستان ويقف على مريض مريض ويسأله عن مبيته وكيفية حاله وما يشتهيه وكان له دار مضيف يدخل إليها كل قادم على البلد من فقيه وفقير وغيرهما وإذا عزم الإنسان على السفر أعطاه نفقة تليق بمثله ولم تكن له لذة بسوى السماع فإنه كان لا يتعاطى المنكر ولا يمكن من إدخاله البلد وكان إذا طرب في السماع خلع شيئا من ثيابه وأعطاه للناشد ونحوه وكان يسير في كل سنة دفعتين جماعة من أصحابه وأمنائه إلى بلاد الساحل ومعهم جملة مستكثرة من المال يفك بها أسرى المسلمين من أيدي الكفار فإذا وصلوا إليه أعطى كل واحد شيئا وإن لم يصلوا فالأمناء يعطوهم بوصية منه وكان يقيم في كل سنة سبيلا للحاج ويسير معهم جميع ما تدعو إليه حاجة المسافر في الطريق ويسير أمينا معه خمسة آلاف دينار ينفقها في الحرمين على المحاويج وأرباب الرواتب وله بمكة حرسها الله آثار جميلة وهو أول من أجرى الماء إلى جبل عرفات وغرم عليه جملة كثيرة وعمل بالجبل مصانع للماء وأما احتفاله بمولد النبي فإن الوصف يقصر عن الإحاطة كان يعمله سنة في الثامن من شهر ربيع الأول وسنة في الثاني عشر لأجل الاختلاف الذي فيه فإذا كان قبل المولد بيومين أخرج من الإبل والبقر والغنم شيئا كثيرا يزيد على الوصف وزفها بجميع ما عنده من الطبول والمغاني والملاهي حتى يأتي بها الميدان ثم يشرعون في نحرها وينصبون القدور ويطبخون الألوان المختلفة فإذا (5/139)

140 كان ليلة المولد عمل السماعات بعد أن يصلي المغرب في القلعة ثم ينزل وبين يديه من الشموع الموكبية التي تحمل كل واحد على بغل ومن ورائها رجل يسندها وهي مربوطة على ظهر البغل فإذا كان صبيحة يوم المولد أنزل الخلع والبقج ويخلع على كل واحد من الفقهاء والوعاظ والقراء والشعراء ويدفع لكل واحد نفقة وهدية وما يوصله إلى وطنه انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا وقال ابن شهبة في تاريخ الإسلام بعد كلام طويل وثناء جميل قال جماعة من أهل اربل كانت نفقته على المولد في كل سنة ثلثمائة ألف دينار وعلى الأسرى مائتي ألف دينار وعلى دار المضيف مائة ألف دينار وعلى الخانقاه مائة ألف وعلى الحرمين والسبيل وعرفات ثلاثين ألف دينار غير صدقة السر مات في رمضان بقلعة اربل وأوصى أن يحمل إلى مكة فيدفن في حرم الله تعالى وقال استجير به فحمل في تابوت إلى الكوفة ولم يتفق خروج الحاج في هذه السنة من التتار فدفن عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه انتهى وفيها ابن سلام المحدث الزكي أبو عبد الله محمد بن الحسن بن سالم بن سلام الدمشقي سمع من داود بن ملاعب وابن البن وطبقتهما وكان إماما فاضلا يقظا متقنا صالحا ناسكا على صغره كتب الكثير وحفظ علوم الحديث للحاكم مات في صفر عن إحدى وعشرين عاما وفجع به أبوه وفيها ابن عنين الصدر شرف الدين أبو المحاسن محمد بن نصر الله بن مكارم بن حسن بن عنين الأنصاري الدمشقي الأديب له ديوان مشهور وهجو مؤلم وكان بارعا في معرفة اللغة كثير الفضائل يشتعل ذكاءا ولم يكن في دينه بذاك توفي في ربيع الأول وله إحدى وثمانون سنة أتهم بالزندقة قاله في العبر وقال ابن خلكان الكوفي الأصل الدمشقي المولد الشاعر المشهور خاتمة الشعراء لم يأت بعده مثله ولا كان في أواخر عصره من يقاس به ولم يكن شعره مع جودته مقصورا على (5/140)

141 أسلوب واحد بل تفن فيه وكان غزي رالمادة من الأدب مطلعا على معظم أشعار العرب ويكفي أنه كان يستحضر كتاب الجمهرة لابن دريد في اللغة وكان مولعا بالهجاء وثلب أعراض الناس وله قصيدة طويلة جمع فيها خلقا من رؤساء دمشق سماها مقراض الأعراض أقول منها ( سلطاننا أعرج وكاتبه * ذو عمش والوزير منحدب ) ( وصاحب الأمر خلقه شرس * وناظر الجيش داؤه عجب ) ( والدولعي الخطيب منعكف * وهو على قشر بيضة ثلب ) ( ولابن باقا وعظ يغربه الناس * وعبد اللطيف محتسب ) ( وحاكم المسلمين ليس له * في غير غرمول جرجس أرب ) ( عيوب قوم لو أنها جمعت * في فلك ما سرت به الشهب ) ثم قال ابن خلكان وكان قد نفاه السلطان صلاح الدين من دمشق بسبب وقوعه في الناس فلما خرج منها عمل ( فعلام أبعدتم أخا ثقة * لم يجترم ذنبا ولا سرقا ) ( أنفوا المؤذن من بلادكم * إن كان ينفى كل من صدقا ) وطاف البلاد من الشام والعراق والجزيرة وأذربيجان وخراسان وغزنة وخوارزم وما وراء النهر ثم دخل الهند واليمن وملكها يومئذ سيف الإسلام طغتكين بن أيوب أخو السلطان صلاح الدين وأقام بها مدة ثم رجع إلى الحجاز والديار المصرية ثم قال ولما مات السلطان صلاح الدين وملك الملك العادل دمشق كتب إلى الملك العادل قصيدته الرائية يستأذنه في الدخول إليها ويصف دمشق ويذكر ما قاساه في الغربة ولقد أحسن فيها كل الإحسان واستعطفه بها أبلغ الاستعطاف وأولها ( ماذا على طيف الأحبة لو سرى * وعليهم لو سامحوني بالكرى ) ومنها بعد وصف محاسن دمشق قوله ( فارقتها لا عن رضا وهجرتها * لا عن قلى ورحلت لا متخيرا ) (5/141)

142 ( أسعى لرزق في البلاد مشتت * ومن العجائب أن يكون مقترا ) ( وأصون وجه مدائحي متقنعا * وأكف ذيل مطامعي متسترا ) ومنها يشكو الغربة وما قاساه ( أشكو إليك نوى تمادى عمرها * حتى حسبت اليوم منها أشهرا ) ( لا عيشتي تصفو ولا رسم الهوى * يعفو ولا جفني يصافحه الكرى ) ( أضحى عن الأحوى المريع محولا * وأبيت عن ورد النمير منفرا ) ( ومن العجائب أن يقيل بظلكم * كل الورى ونبذت وحدي بالعرا ) وهذه القصيدة من أحسن الشعر وهي عندي خير من قصيدة ابن عمار الأندلسي التي أولها ( أدر الزجاجة فالنسيم قد انبرى * ) فلما وقف عليها الملك العادل أذن له في الدخول إلى دمشق فلما دخلها قال ( هجوت الأكابر في جلق * ورعت الوضيع بسب الرفيع ) ( وأخرجت منها ولكنني * رجعت على رغم أنف الجميع ) وكان له في عمل الألغاز وحلها اليد الطولى ومتى كتب إليه شيء منها حله في وقتة وكتب الجواب أحسن من السؤال نظما ولم يكن له غرض في جمع شعره فلهذا لم يدونه فهو يوجد مقاطيع بأيدي الناس وقد جمع له بعض أهل دمشق ديوانا صغيرا لا يبلغ عشر ماله من النظم ومع هذا ففيه أشياء ليست له وكان من أظرف الناس وأخفهم روحا وأحسنهم مجونا وله بيت عجيب من جملة قصيدة يصف فيها توجهه إلى المشرق وهو ( أشقق قلب الشرق حتى كأنني * أفتش في سودائه عن سنا الفجر ) وكان وافر الحرمة عند الملوك وتولى الوزارة بدمشق في آخر دولة الملك المعظم ومدة ولاية الملك الناصر بن المعظم وانفصل منها لما ملكها الملك الأشرف ولم يباشر بعدها خدمة وتوفى عشية نهار الإثنين العشرين من شهر ربيع الأول ودفن من الغد بمسجده الذي أنشأه بأرض المزة وقيل بتربة (5/142)

143 باب الصغير انتهى ملخصا وفيها أبو محمد المعافا بن إسمعيل بن الحسين الموصلي ويعرف أيضا بابن الحدوس الشافعي كان إماما فقيها بارعا جيدا صالحا أديبا ولد بالموصل وتفقه بها على ابن مهاجر ثم على القاضي الفخر السهروردي ثم على العماد بن يونس وسمع وحدث وأفتى وصنف وناظر من تصانيفه كتاب الكامل في الفقه كتاب مطول وأنس المنقطعين وهو مشهور وتفسير يسمى البيان وكتاب الموجز في الذكر وكان حسن الشكل والملبس توفى بالموصل في شعبان أو في رمضان قاله الأسنوي سنة إحدى وثلاثين وستمائة فيها تسلطن بدر الدين لولو بالموصل وانقرض البيت الأتابكي وفيها تكامل بناء المستنصرية ببغداد وهي على المذاهب الأربعة على يد أستاذ الدار ابن العلقمي الذي وزر ولا نظير لها في الدنيا فيما أعلم قاله الذهبي وفيها توفي صلاح الدين أحمد بن عبد السيد بن شعبان الأربلي كان حاجبا لمظفر الدين صاحب أربل فتغير عليه واعتقله وكان ذا فضيلة تامة ونظم حسن فعمل دوبيت وأملاه لبعض القيان فغنت به فقال هذا لمن فقيل للصلاح الأربلي فأطلقه وعادت منزلته أحسن ما كانت والدوبيت ( ما أمر تجنيك على الصب خفي * أفنيت زماني بالأسى والأسف ) ( ماذاك بقدر ذنبي ولقد * بالغت فما قصدك إلا تلفي ) وكان الكامل قد تغير على بعض أخوته وهو الفائز إبراهيم فأصلح قضيته الصلاح وكتب إلى الكامل ( وشرط صاحب مصر أن يكون كما * قد كان يوسف في الحسنى لأخوته ) ( آسوا فقابلهم بالعفو وافتقروا * فبرهم وتولاهم برحمته ) (5/143)

144 وله ( وإذا رأيت بنيك فاعلم أنهم * قطعوا إليك مسافة الآجال ) ( وصل البنون إلى محل أبيهم * وتجهزوا الآباء للترحال ) وفيها أبو محمد إسمعيل بن علي بن إسمعيل البغدادي الجوهري عن ثمانين سنة روى عن هبة الله الدقاق وابن البطي وطائفة وتفرد بأشياء وكان صالحا ثقة توفي في ذي القعدة قاله في العبر وفيها ابن الزبيدي سراج الدين أبو عبد الله الحسين بن المبارك بن محمد بن يحيى بن مسلم مدرسة عون الدين بن هبيرة ولد سنة ست وأربعين وخمسمائة وروى عن أبي الوقت وأبي زرعة وأبي زيد الحموي وغيرهم وقرأ القرآن بالروايات وتفقه في المذهب وأفتى وكانت له معرفة حسنة بالأدب وصنف تصانيف منها كتاب البلغة في الفقه وله منظومات في اللغة والقراءات وكان فقيها فاضلا دينا خيرا حسن الأخلاق متواضعا وحدث ببغداد ودمشق وحلب وغيرها من البلاد وسمع منه أمم وروى عنه خلق كثير من الحفاظ وغيرهم منهم الدبيثي والضياء وآخر من حدث عنه أبو العباس الحجار الصالحي سمع منه صحيح البخاري وغيره وتوفي ثالث عشرى صفر ببغداد وفيها العلبي زكريا بن علي بن حسان بن علي أبو يحيى البغدادي الصوفي روى عن أبي الوقت وغيره وكان عاميا مات في ربيع الأول وفيها السيف الآمدي أبو الحسن على بن أبي علي بن محمد الحنبلي ثم الشافعي المتكلم العلامة صاحب التصانيف العقلية ولد بعد الخمسين بآمد وقرأ القراءات والفقه ودرس على ابن المنى وسمع من ابن شاتيل ثم تفقه للشافعي علي ابن فضلان وبرع في الخلاف وحفظ طريقة أسعد الميهني وقيل أنه حفظ الوسيط للغزالي وتفنن في علم النظر والكلام والحكمة وكان من أذكياء العالم أقرأ بمصر مدة فنسبوه إلى دين (5/144)

145 الأوائل وكتبوا محضرا بإباحة دمه فلما رأى بعضهم ذلك الإفراط وقد حمل المحضر إليه ليكتب كما كتبوا كتب ( حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه * والقوم أعداء له وخصوم ) قال ابن خلكان وضعوا خطوطهم بما يستباح به الدم فخرج مستخفيا إلى الشام فنزل حماة مدة وصنف في الأصلين والحكمة والمنطق والخلاف وكل ذلك مفيد ثم قدم دمشق في سنة اثنتين وثمانين فأقام بها مدة ثم ولاه الملك المعظم بن العادل تدريس العزيزية فلما ولى أخوه الأشرف موسى عزل عنها ونادى في المدارس من ذكر غير التفسير والحديث والفقه أو يعرض لكلام الفلاسفة نفيته فأقام السيف الآمدي خافيا في بيته إلى أن توفي في صفر ودفن بتربته بقاسيون ويحكى عن ابن عبد السلام أنه قال ما تعلمنا قواعد البحث إلا منه وأنه قال ما سمعت أحدا يلقي الدرس أحسن منه كأنه يخطب وأنه قال لو ورد على الإسلام متزندق يشكك ما تعين لمناظرته غيره وقال سبط ابن الجوزي لم يكن في زمانه من يجاريه في الأصلين وعلم الكلام ومن تصانيفه المشهورة الأحكام في أصول الأحكام مجلدين وأبكار الأفكار في أصول الدين في خمس مجلدات واختصره في مجلد قال الذهبي وله نحو من عشرين تصنيفا وقال السبكي وتصانيفه كلها حسنة منقحة وفيها القرطبي أبو عبد الله محمد بن عمر المقرىء المالكي الرجل الصالح حج وسمع من عبد المنعم بن الفراوي وطائفة وقرأ القراءات على أبي القاسم الشاطبي وكان إماما زاهدا متقنا بارعا في عدة علوم كالفقه والقراءات والعربية طويل الباع في التفسير توفي بالمدينة المنورة في صفر قاله في العبر وفيها طغربك شهاب الدين الخادم أتابك صاحب حلب الملك العزيز ومدبر دولته كان صالحا خيرا متعبدا كثير المعروف ذا رأي وعقل وسياسة وعدل وفيها الشيخ عبد الله بن يونس (5/145)

146 الأرموي الزاهد القدوي صاحب الزاوية بجبل قاسيون كان صالحا متواضعا مطرحا للتكلف يمشي وحده ويشتري الحاجة وله أحوال ومجاهدات وقدم في الفقر سافر الأقطار ولقي الأبدال والأبرار كان في بدايته لا يأوي إلا القفار قرأ القرآن وتفقه لأبي حنيفة وحفظ القدوري وصحب رجلا من الأولياء فدله على الطريق بعث إليه الأمجد صاحب بعلبك أربعين دينارا يقضي بها دينه وهو بالقدس فأخذها الرسول ثم أن الأمجد زاره وقال له بعثت إليك أربعين دينارا فقال الشيخ وصلت وشكره فجاء الرسول يستغفر فقال قد قلت له أنها وصلت وحكى عن نفسه غير أنه لم يصرح قال كان فقير يدور في جبل لبنان فوقع عليه حرامية الفرنج فعذبوه وربطوه وبات في أشد ما يكون فلما أصبحوا ناموا وإذا حرامية المسلمين فدخلوا مغارة ودخل معهم ولم يرهم حرامية المسلمين فلما بعدوا قال الفرنج له هلا دللت علينا وتخلصت فقلت لهم إني صحبتكم وأكلت خبزكم وفي طريقنا أن الصحبة عزيزة فما رأيت خلاص نفسي بهلاككم فشكروه على ذلك وسألوه أن يقبل منهم شيئا من الدنيا فأبى فأطلقوه وفيها أبو نصر عبد الرحيم بن محمد بن الحسن بن عساكر روى عن عميه الصاين والحافظ وطائفة وكان قليل الفضيلة توفي في شعبان قاله في العبر وفيها أبو رشيد الغزال محمد بن أبي بكر محمد بن عبد الله الأصبهاني المحدث التاجر سمع من خليل الرازاني وطبقته وكان عالما ثقة توفي ببخارى في شوال وفيها محي الدين بن فضلان قاضي القضاة أبو عبد الله محمد بن يحيى بن علي بن الفضل البغدادي الشافعي مدرس المستنصرية تفقه على والده العلامة أبي القاسم وبرع في المذهب والأصول والخلاف والنظر وولى القضاء في آخر أيام الناصر فلما استخلف الظاهر عزله بعد شهرين من خلافته قال ابن (5/146)

147 شهبة في طبقاته رحل إلى خراسان وناظر علماءها وولى تدريس النظامية ببغداد ثم ولى قضاء القضاة ثم عزل ودرس بالمستنصرية عند كمال عمارتها في رجب سنة إحدى وثلاثين وهو أول من درس بها وتوفي بعد أشهر في شوال أي عن بضع وستين سنة وكان موصوفا بحسن المناظرة سمحا جودا نبيلا لا يكاد يدخر شيئا وفيها المسلم بن أحمد بن علي أبو الغنائم المازني النصيبي ثم الدمشقي روى عن عبد الرحمن بن أبي الحسن الداراني والحافظ أبي القاسم بن عساكر وأخيه الصائن ودخل في المكس مدة ثم تركه وروى الكثير توفي في ربيع الأول وآخر من روى عنه فاطمة بنت سليمان قاله في العب روفيها الأمير ركن الدين منكورس مملوك فلك الدين أخي العادل كان دينا صالحا عفيفا ملازما لجامع بني أمية وله بقاسيون مدرسة وتربة أوقف عليها شيئا كثيرا وداخل دمشق مدرسة كبيرة للشافعية وقرية جرود وقف عليهما توفي بجرود وحمل فدفن في تربته بقاسيون وفيها أبو الفتوح الأغماتي ثم الأسكندراني ناصر بن عبد العزيز بن ناصر روى عن السلفي وتوفي في ذي القعدة وفيها الرضى الرخي بتشديد الخاء المعجمة نسبة إلى الرخ ناحية بنيسابور أبو الحجاج يوسف بن حيدرة شيخ الطب بالشام وأحد من انتهت إليه معرفة الفن قدم دمشق مع أبيه حيدرة الكحال في سنة خمس وخمسين وخمسمائة ولازم الإشتغال على المهذب ابن النقاش فنوه باسمه ونبه على علمه وصار من أطباء صلاح الدين وامتدت أيامه وصارت أطباء البلد تلامذته حتى أن من جملة أصحابه المهذب الدخوار وعاش سبعا وتسعين سنة ممتعا بالسمع والبصر توفي يوم عاشوراء قاله في العبر سنة اثنتين وثلاثين وستمائة فيها ضربت ببغداد دراهم وفرقت في البلد وتعاملوا بها وإنما كانوا يتعاملون (5/147)

148 بقراضة الذهب القيراط والحبة ونحو ذلك فاستراحوا قاله في العبر وفيها شرع الأشرف في بنائه خان الزنجاري جامعا وهو جامع التوبة بالعقيبة وكان خانا معروفا بالفجور والخواطىء والخمور وسماه جامع التوبة ووقف عليه أوقافا كثيرة وجرى في خطابته نكتة غريبة وهي أنه كان بمدرسة الشامية إمام يعرف بالجمال السبتي وكان شيخا حسنا صالحا وكان في صباه يلعب بملهاة تسمى الجفانة ثم حسنت طريقته وصار معدودا في عداد الأخيار فولاه الأشرف خطيبا فلما توفي تولى مكانه العماد الواسطي الواعظ وكان متهما بشرب الشراب وكان ملك دمشق في ذلك الوقت الملك الصالح لأبو الجيش فكتب إليه الجمال عبد الرحيم بن الزويتنيه ( يا مليكا أوضح الحق لدينا وأبانه * ) ( جامع التوبة قد قلدني منه الأمانه * ) ( قال قل للملك الصالح * أعلى الله شانه ) ( يا عماد الدين يا من * حمد الناس زمانه ) ( كم إلى كم أنا في ضر وبؤس وإهانه * ) ( لي خطب واسطي * يعشق الشرب ديانه ) ( والذي كان قد كان من قبل يغني بالجفانه * ) ( فكما كنت كذا صرت * فلا أبرح حانه ) ( ردني للنمط الأول * واستبق ضمانه ) وفيها توفي أبو صادق الحسن بن صباح المخزومي المصري الكاتب عن نيف وتسعين سنة وكان آخر من حدث عن ابن رفاعة توفي سادس عشر رجب وكان أديبا دينا صالحا جليلا وفيها الملك الزاهر داود ابن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب كان صاحب البيرة بلد من ثغور الروم بقرب سميساط وكان فاضلا أديبا وشاعرا مجيدا يحب العلماء مقصودا (5/148)

149 للشعراء وغيرهم وهو الثاني عشر من أولاد صلاح الدين وفيها شمس الدين صواب العادلي الخادم مقدم جيش الكامل وأحد من يضرب به المثل في الشجاعة وكان له من جملة المماليك مائة خادم فيهم جماعة أمراء توفي بحران في رمضان وكان نائبا عليها للكامل وفيها الشهاب عبد السلام بن المطهر بن أبي سعد بن أبي عصرون التميمي الدمشقي الشافعي روى عن جده وكان صدرا محتشما مضى في الرسالة إلى الخليفة وتوفي في المحرم وفيها ابن باشوية تقي الدين علي بن المبارك بن الحسن الواسطي الفقيه الشافعي المقرىء المجود روى عن ابن شاتيل وطبقته وقرأ القراءات على أبي بكر الباقلاني وعلي بن مظفر الخطيب وسكن دمشق وقرأ بها وتوفي في شعبان عن ست وسبعين سنة وفيها سيدي ابن الفارض ناظم الديوان المشهور شرف الدين أبو القسم عمر بن علي بن مرشد الحموي الأصل المصري قال في العبر هو حجة أهل الوحدة وحامل لواء الشعراء وقال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في طبقاته الملقب في جميع الآفاق بسلطان المحبين والعشاق المنعوت بين أهل الخلاف والوفاق بأنه سيد شعراء عصره على الإطلاق له النظم الذي يستخف أهل الحلوم والنثر الذي تغار منه النثرة بل سائر النجوم قدم أبوه من حماة إلى مصر فقطنها وصار يثبت الفروض للنساء على الرجال بين يدي الحكام ثم ولي نيابة الحكم فغلب عليه التلقيب بالفارض ثم ولد له بمصر عمر في ذي القعدة سنة ست وستين وخمسمائة فنشأ تحت كنف أبيه في عفاف وصيانة وعبادة وديانة بل زهد وقناعة وورع أسدل عليه لباسه وقناعه فلما شب وترعرع اشتغل بفقه الشافعية وأخذ الحديث عن ابن عساكر وعنه الحافظ المنذري وغيره ثم حبب إليه الخلاء وسلوك طريق الصوفية فتزهد وتجرد وصار يستأذن أباه في السياحة فيسيح في الجبل الثاني من المقطم ويأوي إلى بعض أوديته مرة وفي بعض المساجد المهجورة في خربات القرافة مرة ثم يعود إلى (5/149)

150 والده فيقيم عنده مدة ثم يشتاق إلى التجرد ويعود إلى الجبل وهكذا حتى ألف الوحشة وألفه الوحش فصار لا ينفر منه ومع ذلك لم يفتح عليه بشيء حتى أخبره البقال أنه إنما يفتح عليه بمكة فخرج فورا في غير أشهر الحج ذاهبا إلى مكة فلم تزل الكعبة أمامه حتى دخلها وانقطع بواد بينه وبين مكة عشر ليال فصار يذهب من ذلك الوادي وصحبته أسد عظيم إلى مكة فيصلي بها الصلوات الخمس ويعود إلى محله من يومه وأنشأ غالب نظمه حالتئذ وكان الأسد يكلمه ويسأله أن يركب عليه فيأبى وأقام كذلك نحو خمسة عشر عاما ثم رجع إلى مصر فأقام بقاعة الخطابة بالجامع الأزهر وعكف عليه الأئمة وقصد بالزيارة من الخاص والعام حتى أن الملك الكامل كان ينزل لزيارته وسأله أن يعمل له قبرا عند قبره بالقبة التي بناها على ضريح الإمام الشافعي فأبى وكان جميلا نبيلا حسن الهيئة والملبس حسن الصحبة والعشرة رقيق الطبع عذب المنهل والنبع فصيح العبارة دقيق الإشارة سلس القياد بديع الإصدار والإيراد سخيا جوادا توجه يوما إلى جامع عمرو فلقيه بعض المكارية فقال اركب معي على الفتوح فمر به بعض الأمراء فأعطاه مائة دينار فدفعها للمكاري وكان أيام النيل يتردد إلى المسجد المعروف بالمشتهى في الروضة ويحب مشاهدة البحر مساء فتوجه إليه يوما فسمع قصارا يقصر ويقول ( قطع قلبي هذا المقطع * لا هو يصفو أو يتقطع ) فصرخ وسقط مغمى عليه فصار يفيق ويردد ذلك ويضطرب ثم يغمى عليه وهكذا وكان يواصل أربعينيات فاشتهى هريسة فأحضرها ورفع لقمة إلى فيه فانشق الجدار وخرج شاب جميل فقال أف عليك فقال إن أكلتها ثم طرححها وأدب نفسه بزيادة عشر ليال ورأى المصطفى نومه فقال إلى من تنتسب فقال يا رسول الله إلى بني سعد قبيلة حليمة فقال بل نسبك متصل بي يعني نسبة محبة وتبعية ومن خوارقه العجيبة أنه (5/150)

151 رأى جملا لسقاء فكلف به وهام وصار يأتيه كل يوم ليراه وناهيك بديوانه الذي اعترف به الموافق والمخالف والمعادي والمحالف سميا القصيدة التائية وقد اعتنى بشرحها جمع من الأعيان كالسراج الهندي الحنفي والشمس البساطي المالكي والجلال القزويني الشافعي غير تعاقبين ولا مبالين بقول المنكرين الحساد شعره ينعت بالاتحاد وكذا شرحها الفرغاني والقاشاني والقيصري وغيرهم وعلى الخمرية وغيرها شروح عدة وقال بعض أهل الرسوخ أن الديوان كله مشروح وذكر بعض الأكابر أن بعض أهل الظاهر في عصر الحافظ ابن حجر كتب على التائية شرحا وأرسله إلى بعض عظماء صوفية الوقت ليقرضه فأقام عنده مدة ثم كتب عليه عند إرساله إليه ( سارت مشرقة وسرت مغربا * شتان بين مشرق ومغرب ) فقيل له في ذلك فقال مولانا الشارح اعتنى بإرجاع الضمائر والمبتدى والخبر والجناس والاستعارة وما هنالك من اللغة والبديع ومراد الناظم وراء ذلك كله وقد أثنى على ديوانه حتى من كان سيء الاإعتقاد ومنهم ابن أبي حجلة الذي عزره السراج الهندي بسبب الوقيعة فيه فقال هو من أرق الدواوين شعرا وأنفسها درا برا وبحرا وأسرعها للقلوب جرحا وأكثرها على الطلول نوحا إذ هو صادر عن نفثة مصدور وعاشق مهجور وقلب بحر النوى مكسور والناس يلهجون بقوافيه وما أودع من القوى فيه وكثر حتى قل من لا رأى ديوانه أو طنت بأذنه قصائده الطنانة قال الكمال الأدفوي وأحسنه القسيدة الفائية التي أولها ( قلبي يحدثني بأنك متلفي * واللامية التي أولها * هو الحب فاسلم بالحشاما الهوى سهل * والكافية التي أولها * ته دلالا فأنت أهل لذاكا ) قال وأما التائية فهي عند أهل العلم يعني الظاهر غير مرضية مشعرة بأمور رديئة وكان عشاقا يعشق مطلق الجمال حتى أنه عشق بعض الجمال بل زعم بعض الكبار أنه عشق برنية بدكان عطار وذكر (5/151)

152 القوصي في الوحيد أنه كان للشيخ جوار بالبهنسا يذهب إليهن فيغنين له بالدف والشبابة وهو يرقص ويتواجد ولكل قوم مشرب ولكل مطلب وليس سماع الفساق كسماع سلطان العشاق ولم يزل على حاله راقيا في سماء كماله حتى احتضر فسأل الله أن يحضره في ذلك الهول العظيم جماعة من الأولياء فحضره جماعة منهم البرهان الجعبري فقال فيما حكاه سبط صاحب الترجمة رأى الجنة مثلت له فبكى وتغير لونه ثم قال ( إن كان منزلتي في الحب عندكم * ما قد رأيت فقد ضيعت أيامي ) قال فقلت له يا سيدي هذا مقام كريم فقال يا إبراهيم رابعة وهي امرأة تقول وعزتك ما عبدتك رغبة في جنتك بل لمحبتك وليس هذا ما قطعت عمري في السلوك إليه فسمعته قائلا يقول له فما تروم فقال ( أروم وقد طال المدى منك نظرة * ) البيت فتهلل وجهه وقضى نحبه فقلت أنه أعطى مرامه انتهى وقد شنع عليه بذلك المنكرون فقال بعضهم لما كشف له الغطاء وتحقق أنه هو غير الله وأنه لا حلول ولا اتحاد قال ذلك وقال بعضهم قاله لما حضره ملائكة العذاب الأليم استغفر الله سبحانه هذا بهتان عظيم والحاصل أنه اختلف في شأن صاحب الترجمة وابن عربي والعفيف التلمساني والقونوي وابن هود وابن سبعين وتلميذه الششتري وابن مظفر والصفار من الكفر إلى القطبانية وكثرت التصانيف من الفريقين في هذه القضية ولا أقول كما قال بعض الإعلام سلم تسلم والسلام بل اذهب إلى ما ذهب إليه بعضهم أنه يجب اعتقادهم وتعظيمهم ويحرم النظر في كتبهم على من لم يتأهل لتنزيل ما فيها من الشطحات على قوانين الشريعة المطهرة وقد وقع لجماعة من الكبار الرجوع عن الإنكار انتهى كلام المناوي مختصرا وما أحسن قوله في التائية ( وكل أذى في الحب منك إذا بدا * جعلت له شكري مكان شكيتي ) وله ما رأيته في دواوينه وهو معنى في غاية اللطف والرقة (5/152)

153 ( خلص الهوى لك واصطفتك مودتي * أني أغار عليك من ملكيكا ) ( ولو استطعت منعت لفظك غيرة * أني أراه مقبلاى شفتيكا ) ( وأراك تخطر في شمائلك التي * هي فتنة فأغار منك عليكا ) ورؤى في النوم فقيل له لم لا مدحت المصطفى في ديوانك فقال ( أرى كل مدح في النبي مقصرا * وأن بالغ المثنى عليه وكثرا ) ( إذا الله أثنى بالذي هو أهله * عليه فما مقدار ما يمدح الورى ) ويقال أنه لما نظم قوله ( وعلى تفنن واصفيه بحسنه * يفني الزمان وفيه مالم يوصف ) فرح فرحا شديدا وقال لم يمدح بمثله وبعض الناس يقول باطن كلامه كله مدح فيه وغالب كلامه لا يصلح أن يراد به ذلك والله أعلم توفي رحمه الله تعالى في جمادى الأولى عن ست وخمسين سنة إلا شهرا ودفن بالمقطم وفيها الشيخ شهاب الدين السهروردي قدوة أهل التوحيد وشيخ العارفين أبو حفص وأبو عبد الله عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد التيمي البكري الصوفي الشافعي ولد سنة تسع وثلاثين وخمسمائة بسهرورد وقدم بغداد فلحق بها هبة الله بن الشبلي فسمع منه وصحب عمه أبا النجيب وتفقه وتفنن وصنف التصانيف منها عوارف المعارف في بيان طريقة القوم وانتهت إليه تربية المريدين وتسليك العباد ومشيخة العراق قال الذهبي لم يخلف بعده مثله وقال ابن شهبة في طبقاته أخذ عن أبي القسم بن فضلان وصحب الشيخ عبد القادر وسمع الحديث من جماعة وله مشيخة في جزء لطيف روى عنه ابن الدبيثي وابن نقطة والضياء والزكي البرزالي وابن النجار وطائفة وقال ابن النجاركان شيخ وقته في علم الحقيقة وانتهت إليه الرياسة في تربية المريدين ودعاء الخلق إلى الله تعالى وبالغ في الثناء عليه وعمى في آخر عمره وأقعد ومع ذلك فما أخل بشيء من أوراده وقال ابن خلكان كان شيخ الشيوخ (5/153)

154 ببغداد وكان له مجلس وعظ وعلى وعظه قبول كثير وله نفس مبارك حكى لي من حضر مجلسه أنه أنشد يوما على الكرسي ( لاتسقني وحدي فما عودتني * أني أشح بها على جلاسي ) ( أنت الكريم ولا يليق تكرما * أني صبر الندماء دون الكاس ) فتواجد الناس لذلك وقطعت شهور كثيرة وتاب جمع كبير وله تآليف حسنة منها كتاب عوارف المعارف وهو أشهرها وله شعر منه ( تصرمت وحشة الليالي * وأقبلت دولة الوصال ) ( وصار بالوصل لي حسودا * من كان في هجركم رثى لي ) ( وحقكم بعد إذ حصلتم * بكل من فات لا أبالي ) ( تقاصرت عنكم قلوب * فياله موردا حلالي ) ( علي ما للورى حرام * وحبكم في الحشا حلالي ) ( تشربت أعظمي هواكم * فما لغير الهوى ومالي ) ( فما على عادم أجاجا * وعنده أعين الزلال ) وكان كثير الحج وربما جاور في بعض حججه وكان أرباب الطريق من مشايخ عصره يكتبون إليه صور فتاوى يسألونه عن شيء من أحوالهم سمعت بعضهم أنه كتب إليه يا سيدي أني تركت العمل أخلدت إلى البطالة وإن عملت داخلي العجب فأيهما أولى فكتب جوابه اعمل واستغفر الله من العجب وله من هذا شيء كثير وذكر في عوارف المعارف أبياتا لطيفة منها ( أشتم منك نسيما لست أعرفه * أظن لمياء جرت فيك أذيالا ) وفيها أيضا ( إن تأملتكم فكلي عيون * أو تذكرتكم فكلي قلوب ) توفي مستهل المحرم ببغداد رحمه الله تعالى انتهى ملخصا وفيها الشيخ غانم بن علي بن إبراهيم بن عساكر المقدسي النابلسي القدوة الزاهد أحد عباد (5/154)

155 الله الأخفياء الأتقياء والسادة الأولياء ولد سنة اثنتين وستين وخمسمائة بقرية بورين من عمل نابلس وسكن القدس عام أنقذه السلطان صلاح الدين من الفرنج سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة وساح بالشام ورأى الصالحين وكان مؤثرا للخمول صاحب أحوال وكرمات قال ابن عبد الله انقطع تحت الصخرة في الأقباء السليمانية ست سنين وصحب الشيخ عبد الله الأرموي بقية عمره وعاشا جميعا مصطحبين وقد أفرد سيرة الشيخ غانم أبو عبد الله محمد بن الشيخ علاء الدين وتوفي الشيخ غانم في غرة شعبان ودفن بالحضيرة التي بها صاحبه ورفيقه الشيخ عبد الله الأرموي بسفح قاسيون وفيها محمد بن عبد الواحد بن أبي سعيد المديني الواعظ أبو عبد الله مسند العجم ولد سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة وسمع من إسماعيل الحمامي وأبي الوقت وأبي الخير الباغبان قال ابن النجار واعظ مفتي شافعي له معرفة بالحديث وقبول عند أهل بلده وفيه ضعف بلغنا أنه استشهد بأصبهان على يد التتار في أواخر رمضان انتهى وقال الذهبي وفي دخولهم إليها قتلوا أمما لا تحصى وفيها محمد بن عماد بن محمد بن حسين الحراني الحنبيلي التاجر نزيل الأسكندرية روى عن ابن رفاعة وابن البطي والسلفي وطائفة كثيرة باعتناء خاله حماد الحراني وتوفي في عشار صفر وكان ذا دين وعلم وفقه عاش تسعين سنة وروى عنه خلق كثير وفيها شعر أنه وجيه الدين محمد بن أبي غالب زهير بن محمد الأصبهاني الثقة الصالح سمع الصحيح من أبي الوقت وعمر دهرا ومات شهيدا وفيها محمد بن غسان بن غافل بن نجاد الأمير سيف الدولة الحمصي ثم الدمشقي وروى الفلكي وابن هلال وطائفة وتوفي في شعبان عن ثمانين سنة وفيها أبو الوفا محمد بن إبراهيم بن سفيان بن منده العبدي الأصبهاني بقية آل منده ومسند وقته روى الكثير عن مسعود الثقفي والرستمي وأبي الخير (5/155)

156 الباغبان وغيرهم وعدم تحت السيف رحمه الله وفيها أبو موسى الرعيني عيسى بن سليمان بن عبد الله الرعيني الأندلسي المالقي الرندي الحافظ كان حافظا متقنا أديبا نبيلا قال ابن ناصر الدين في بديعته ( ثم أبو موسى الرعين يعيسى * خير له بضبطه النفيسا ) وفيها أبو يحيى وأبو الفضل عيسى بن سنجر بن بهرام بن جبريل بن خمارتكين بن طاشتكين الأربلي المعروف بالحاجري الملقب حسام الدين قال ابن خلكان هو جندي ومن أولاد الأجناد وله ديوان شعر تغلب عليه الرقة وفيه معان جيدة وهو مشتمل على الشع روالدوبيت والمواليا ولقد أحسن في الكل مع أنه قد من يجيد في مجموع الثلاثة وله أيضا كان وكان واتفقت له فيه مقاصد حسان وكان صاحبي وأنشدني كثيرا من شعره فمن ذلك قوله وهو معنى جيد ( ما زال يحلف لي بكل ألية * أن لا يزال مدى الزمان مصاحبي ) ( لما جفا نزل العذار بخده * فتعجبوا لسواد وجه الكاذب ) وأنشدني لنفسه أيضا ( لك خال من فوق عرش * شقيق قد استوى ) ( بعث الصدغ مرسلا * يأمر الناس بالهوى ) وأنشدني لنفسه أبياتا منها في صفة الخال ( لم يحو ذاك الخد خالا أسودا * إلا لنبت شقائق النعمان ) وله وقال لي ما يعجبني فيما عملت مثل هذا الدوبيت وهو آخر شيء عملته إلى الآن وهو ( حيا وسقى الحمى سحاب هامي * ما كان ألذ عامه من عام ) ( يا علوة ما ذكرت أيامكم * إلا وتظلمت على الأيام ) وكان لي أخ يسمى ضياء الدين عيسى وكان بينه وبين الحاجري المذكور مودة (5/156)

157 أكيدة فكتب إليه من الموصل في صدر كتاب وكان الأخ باربل ( الله يعلم ما أبقى سوى رمق * مني فراقك يا من قربه أمل ) ( فابعث كتابك واستودع تعزية * فربما مت شوقا قبل ما يصل ) وكنت قد خرجت من أربل في أواخر شهر رمضان سنة ست وعشرين وستمائة وهو معتقل بقلعتها لأمر يطول شرحه بعد أن كان حبس بقلعة خفتيد كان ثم نقل منها وله في ذلك أشعار منها قوله ومنها ( قيد أكابده وسجن ضيق * يا رب شاب من الهموم المفرق ) ( يا برق إن جئت الديار بأربل * وعلا عليك من التداني رونق ) ( بلغ تحية نازح حسراته * أبدا بأذيال الصبا تتعلق ) ( قل يا حبيب لك الفداء أسيركم * من كل مشتاق إليكم أشوق ) ( والله ما سرت الصبا نجدية * إلا وكدت بدمع عيني أشرق ) وبلغني بعد ذلك أنه خرج من الإعتقال واتصل بخدمة الملك المعظم مظفر الدين صاحب أربل وتقدم عنده وغير لباسه وتزيا بزي الصوفية فلما توفي مظفر الدين سافر من أربل ثم عاد إليها وقد صارت في مملكة أمير المؤمنين المستنصر بالله ونائبه بها الأمير شمس الدين أبو الفضائل باتكين وكان وراءه من يقصده فاتفق أنه خرج من بيته يوما قبل الظهر فوثب عليه شخص وضربه بسكين فأخرج حشوته فكتب في تلك الحال إلى باتكين المذكور وهو يكابد الموت ( أشكوك يا ملك البسيطة حالة * لم تبق رعبا في عضوا ساكنا ) ( أن يستبح ابن اللقيطة معشر * ممن أؤمل غير جأشك مازنا ) ( ومن العجائب كيف يمشي خائفا * من بات في حرم الخلافة آمنا ) ثم توفي بعد ذلك من يومه يوم الخميس ثاني شوال وتقدير عمره خمسون سنة والحاجري بفتح الحاء المهملة وبعد الألف جيم مكسورة وبعدها راء نسبة إلى حاج ربليدة بالحجاز لم يبق اليوم منها سوى الآثار ولم يكن الحاجري منها بل نسب إليها لكونه استعملها في شعره كثيرا انتهى ملخصا وفيها أبو الفتوح الوثابي محمد بن محمد بن أبي المعالي الأصبهاني يروي عن جده كتاب الذكر بسماعه من ابن طبرزد ويروي عن رجاء بن حامد المعداني راح تحت السيف في فتنة التتار وله ثمان وسبعون سنة وفيها جامع بن إسمعيل بن غانم بن صاين الدين الأصبهاني الصوفي المعروف بباله راوي جزء لوين عن محمد بن أبي القسم الصالحاني وفيها شمس الدين محمود بن علي بن محمود بن قرقر الدمشقي الجندي الأديب الشاعر روى عن أبي سعد بن أبي عصرون وتوفي في شوال وفيها ابن شداد قاضي القضاة بهاء الدين أبو العز يوسف بن رافع بن تميم الأسدي الحلبي الشافعي ولد سنة تسع وثلاثين وخمسمائة وقرأ القراءات والعربية بالموصل على يحيى بن سعدون القرطبي وسمع من حفدة العطاردي وطائفة وبرع في الفقه والعلوم وساد أهل زمانه ونال رياسة الدين والدنيا وصنف التصانيف قال ابن شهبة سمع من جماعة كثيرة ببغداد وغيرها وأعاد بالنظامية في حدود سنة سبعين ثم انحدر إلى الموصل ودرس بمدرسة الكمال الشهرزوري ثم حج سنة ثلاث وثمانين وزار الشام واتصل بالسلطان صلاح الدين وحظي عنده وولاه قضاء العسكر وقضاء بيت المقدس وصنف له كتابا في فضل الجهاد ولما توفي اتصل بولده الظاهر وولاه قضاء حلب ونظر أوقافها وأجزل رزقه وعطاءه وأقطعه إقطاعا جزيلا ولم يكن له ولد ولا قرابة فكان ما يحصل له يتوفر عندي فيني به مدرسة وإلى جنبها دار حديث وبينها تربة وقصده الطلبة للدين والدينا وعظم شأن الفقهاء في زمانه لعظم قدره وارتفاع منزلته قال عمر بن الحاجب كان ثقة عارفا بأمور الدين اشته راسمه وسار (5/158)

159 ذكره وكان ذا صلاح وعبادة وكان في زمانه كالقاضي أبي يوسف في زمانه دبر أمر الملك بحلب واجتمعت الألسن على مدحه وطول ابن خلكان ترجمته وهو ممن أخذ عنه توفي في رابع صفر ودفن بتربته بحل وذلك بعد أن ظهر أثر الهرم عليه ومن تصانيفه دلائل الأحكام على التنبيه في مجلدين وكتاب الموجز الباهر في الفقه وكتاب ملجأ الحكام في الأقضية في مجلدين وسيرة صلاح الدين أجاد فيها وأفاد سنة ثلاث وثلاثين وستمائة في ربيعها جاءت فرقة من التتار فكسرهم عسكر أربل فما بالوا وساقوا إلى بلاد الموصل فقتلوا وسبوا فاهتم المستنصر بالله وأنفق الأموال فردوا ودخلوا الدربند وفيها أخذت الفرنج قرطبة واستباحوها فإنا لله وإنا إليه راجعون وفيها توفي الجمال أبو حمزة أحمد بن عمر بن الشيخ أبي عمر المقدسي الحنبلي روى عن نصر الله القزاز وابن شاتيل وأبي المعالي بن صابر وكان يتعانى الجندية وفيه شجاعة وإقدام توفي في ربيع الأول وفيها القليوبي المؤخ أبو علي الحسن بن محمد بن إسمعيل عاش سبعين سنة وروى عن الأبله الشاعر وغيره فكتب الكثير وكان أديبا إخباريا وفيها زهرة بنت محمد بن أحمد بن حاضر شيخة صالحة صوفية روت عن ابن البطي ويحيى بن ثابت وتوفيت في جمادى الأولى عن تسع وسبعن سنة وفيها خطيب زملكا عبد الكريم بن خلف بن نبهان الأنصاري وله اثنتان وسبعون سنة روى عن أبي القاسم بن عساكر وتوفي في ذي الحجة وفيها ابن الرماح عفيف الدين علي بن عبد الصمد بن محمد المصري المقرىء النحوي قرأ القراءات على أبي الجيوش عساكر بن علي وسمع من السلفي وتصدر للإقراء والعربية بالفاضلية وغيرها وتوفي في جمادى الأولى (5/159)

160 وفيها ابن روزبة أبو الحسن علي بن أبي بكر بن روز البغدادي القلانسي العطار الصوفي حدث بالصحيح عن أبي الوقت ببغداد وحران ورأس العين وحلب ورد منها خوفا من الحصار الكائن بدمشق على الناصر داود وإلا كان عزمه المجيء إلى دمشق توفي فجأة في ربيع الآخر وقد نيف على التسعين وفيها العلامة الحافظ ابن دحية أبو الخطاب عمر بن حسن بن محمد الحميل بن فرج بن خلف الكلبي الداني ثم السبتي الحافظ اللغوي الظاهري المذهب روى عن أبي عبد الله بن زرقون وابن بشكوال وهذه الطبقة وعنى بالحديث أتم عناية وجال في مدن الأندلس ومدن العدوة وحج في الكهولة فسمع بمصر من البوصيري وبالعراق مسند الإمام أحمد وبأصبهان معجم الطبراني من الصيدلاني وبنيسابور صحيح مسلم بعلو بعد أن كان حدث به بالغرب بالإسناد النازل للأندلسي وكان يقول أنه حفظه كله قال في العبر وليس هو بالقوي ضعفه جماعة وله تصانيف ودعاوي مدحضة وعبارة متغيرة ومبغضة وقد نفق على الكامل وجعله شيخ دار الحديث بالقاهرة انتهى وقال ابن شهبة في تاريخ الإسلام كان من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء متفننا في الحديث والنحو واللغة وأيام العرب وأشعارها حصل مالا حصل غيره من العلم وكان في المحدثين مثل ابن عنين في الشعراء يثلب علماء المسلمين ويقع في أئمة الدين فترك الناس كلامه وكذبوه ولما انكشف حاله للكامل أخذ منه دار الحديث وأهانه ودخل دمشق فمال إليه الوزير ابن شكر فسأله أن يجمع بينه وبين الشيخ تاج الدين الكندي فاجتمعا وتناظرا وجرى بينهما البحث فقال له الكندي أخطأت فسفه عليه فقال الكندي أنت تكذب في نسبك إلى دحية الكلبي ودحية بإجماع المحدثين ما أعقب وقد قال فيك ابن عنين ( دحية لم يعقب فكم تنتمي * إليه بالبهتان والإفك ) ( ما صح عند الناس فيه سوى * أنك من كلب بلا شك ) (5/160)

161 توفي في رابع عشر ربيع الأول وله سبع وثمانون سنة ودفن بالقاهرة وفيها الأربلي فخر الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن مسلم بن سليمان الصوفي روى عن يحيى بن ثابت وأبي بكر بن النقور وجماعة كثيرة وتوفي بأربل في رمضان وروايته منتشرة عالية وفيها أبو بكر المأموني محمد بن محمد بن أبي المفاخر سعيد بن حسين العباسي النيسابوري ثم المصري الجنايزي روى عن السلفي وتوفي في ربيع الآخر وفيها نصر بن عبد الرزاق بن الشيخ عبد القادر الكيلاني قاضي القضاة عماد الدين أبو صالح الجيلي ثم البغدادي الحنبلي أجاز له ابن البطي وسمع من شهدة وطبقتها ودرس وأفتى وناظر وبرع في المذهب وولى القضاء سنة ثلاث وعشرين وعزل بعد أشهر وكان لطيفا ظريفا متين الديانة كثير التواضع متحريا في القضاء قوي النفس في الحق عديم المحاباة والتكلف قاله في العبر وقال ابن رجب كان عظيم القدر بعيد الصيت معظما عند الخاصة والعامة ملازما طريق النسك والعبادة مع حسن سمت وكيس وتواضع ولطف وبشر وطيب ملتقى وكان محبا للعلم مكرما لأهله ولم يزل على طريقة حسنة وسيرة مرضية وكان أثريا سنيا متمسكا بالحديث عارفا به ولاه الظاهر الخليفة بن الناصر قضاء القضاة بجميع مملكته فيقال أنه لم يقبل إلا بشرط أن يورث ذوي الأرحام فقال له اعط كل ذي حق حقه واتق الله ولا تتق سواه وأرسل إليه عشرة آلاف دينار يوفى بها ديون من في سجنه من المدينين الذين لا يجدون وفاء ورد إليه النظر في جميع الوقوف العامة ووقوف المدارس الشافعية والحنفية وجامعي السلطان وابن عبد اللطيف فكان يولي ويعزل في جميع المدارس حتى النظامية ولما توفي الظاهر أقره ابنه المستنصر مديدة وكان في أيام ولايته تؤذن نوابه في مجلس الحكم ويصلي جماعة ويخرج إلى الجامع راجلا وكان يلبس القطن متحريا في القضاء قوي النفس في الحق ويتخلق (5/161)

162 بسائر سيرة السلف ولما عزله المستنصر أنشد عند عزله ( حمدت الله عز وجل لما * قضى لي بالخلاص من القضاء ) ( وللمستنصر المنصور أشكر * وأدعو فوق معتاد الدعاء ) ولا أعلم أحدا من أصحابنا دعي بقاضي القضاة قبله ولا استقل منهم بولاية قضاء القضاة في مصر غيره وقد صنف في الفقه كتابا سماه إرشاد المبتدين وخرج لنفسه أربعين حديثا وتفقه عليه جماعة وانتفعوا به وسمع منه الحديث خلق كثير وروى عنه جماعة منهم عبد الصمد بن أبي الجيش وتوفي سحر يوم الأحد سادس عشر شوال عن سبعين سنة ودفن بتربة الإمام أحمد رضي الله عنه انتهى ملخصا سنة أربع وثلاثين وستمائة فيها نزل التتار على أربل وحاصروها وأخذوها بالسيف حتى جافت المدينة بالقتلى وترحلت الملاعين بغنائم لا تحصي فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وفيها توفي الملك المحسن عين الدين أحمد بن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب روى عن ابن صدقة الحراني والبوصيري وعنى بالحديث أتم عناية وكتب الكثير وكان متواضعا متزهدا كثير الأفضال على المحدثين وفيه تشيع قليل توفي بحلب في المحرم قاله في العبر وفيها أبو الحسن أحمد بن محمد بن عمر بن الحسين بن خلف البغدادي القطيعي الأزجي المؤرخ الحنبلي وقد سبق ذكر أبيه أسمعه أبوه من ابن الخل الفقيه وأبي بكر بن الزاغوني ونصر بن نصر العكبري وسلمان بن حامد الشحام وتفرد في وقته بالرواية عن هؤلاء وأسمعه أيضا من أبي الوقت صحيح البخاري وهو آخر من حدث عنه به ثم طلب هو بنفسه وسمع من جماعة ورحل وسمع بالموصل ودمشق وحران ثم رجع إلى بغداد ولازم (5/162)

163 ابن الجوزي مدة وأخذ عنه وقرأ عليه كثيرا من تصانيفه ومروياته وجمع تاريخا في نحو خمسة أسفار ذيل به تاريخ ابن السمعاني سماه درة الأكليل في تتمة التذييل وفيه فوائد جمة مع أوهام وقد بالغ ابن النجار في الحط على تاريخه هذا مع أنه أخذه عنه ونقل منه في تاريخه أشياء كثيرة بل نقله كله كما قال ابن رجب وشهد عند القضاة مدة واستخدم في عدة خدم وأسن وانقطع في منزله إلى حين وفاته وكان يخضب بالوساد ثم تركه قبل موته بمدة وقد وصفه غير واحد من الحفاظ وغيرهم بالحافظ وأثنى عمر بن الحاجب على تاريخه وحدث بالكثير ببغداد والموصل وروى عنه جماعة كثيرون منهم الشيخ تقي الدين الواسطي قال ابن النجار توفي ليلة السبت لأربع خلون من ربيع الآخر ببغداد ودفن بباب حرب وفيها أبو الفضل وأبو محمد إسحق بن أحمد بن محمد بن غانم العلثي بفتح العين المهملة وسكون اللام وثاء مثلثة نسبة إلى علث قرية بين عكبرا وسامرا الزاهد القدوة ابن عم طلحة بن المظفر سمع من أبي الفتح بن شاتيل وقرأ على ابن كليب وكان فقيها حنبليا عالما أمارا بالمعروف نهاءا عن المنكر لا يخاف أحدا إلا الله ولا تأخذه في الله لومة لائم أنكر على الخليفة الناصر فمن دونه وواجه الخليفة وصدعه بالحق قال الناصح بن الحنبلي هو اليوم شيخ العراق والقائم بالإنكار على الفقهاء والفقراء وغيرهم فيما ترخصوا فيه وقال المنذري قيل أنه لم يكن في زمانه أكثر إنكارا للمنكر منه وحبس على ذلك مدة وقال ابن رجب وله رسائل كثيرة في الإنكار وحدث وسمع منه جماعة وتوفي في شه رربيع الأول وفيها موفق الدين أحمد بن أحمد بن محمد بن صديق الحراني الحنبلي رحل إلى بغداد وتفقه بابن المنى وسمع من عبد الحق وطائفة وتوفي بدمشق في صفر وفيها الخليل بن أحمد أبو طاهر الجوسقي الصرصري بها أي بصرصر وهي بصادين مهملتين قرية على (5/163)

164 فرسخين من بغداد قرأ القراءات على جماعة وسمع من ابن البطي وطائفة وتوفي في ربيع الأول عن ست وثمانين سنة وقد أجاز لجماعة وفيها أبو منصور سعيد بن محمد بن يس البغدادي السفار في التجارة حج تسعا وأربعين حجة وحدث عن ابن البطي وغيره وتوفي في صفر وفيها أبو الربيع الكلاعي سليمان بن موسى بن سالم البلنسي الحافظ الكبير الثقة صاحب التصانيف وبقية أعلام الأثر بالأندلس ولد سنة خمس وستين وخمسمائة وسمع ابن زرقون وطبقته قال الأبار كان بصيرا بالحديث عاقلا عارفا بالجرح والتعديل ذاكرا للموالد والوفيات يتقدم أهل زمانه في ذلك خصوصا من تأخر زمانه ولا نظير لخطه في الإتقان والضبط مع الإستبحار في الأدب والبلاغة كان فردا في إنشاء الرسائل مجيدا في النظم خطيبا مفوها مدركا حسن السرد والمساق مع الشارة الأنيقة وهو كان المتكلم عن الملوك في مجالسهم والمبين لما يريدونه على المنبر في المحافل ولي خطابة بلنسية وله تصانيف في عدة فنون استشهد بكائنة ايتسه بقرب بلنسية مقبلا غير مدبر في ذي الحجة وفيها أبو داود سليمان بن مسعود الحلبي الشاعر اللطيف من شعره ( ألا زد غراما بالحبيب وداره * وإن لج واش فاحتمله وداره ) ( وإن قدح اللوام فيك بلومهم * زناد الهوى يوما فأورى فواره ) ( عسى زورة تشفي بها منه خلسة * فإنك لا يشفيك غير ازدياره ) ( وذي هيف فيه يقوم لعاذلي * بعذري إذا ما لام لام عذاره ) ( فسبحان من أجرى الطلا من رضابه * ومن أنبت الريحان من جلناره ) ( وقد دب عنها صدغه بعقارب * وناظره من سيفه بشفاره ) وفيها الناصح بن الحنبلي أبو الفجر عبد الرحمن بن نجم بن عبد الوهاب بن الشيخ أبو الفرج الجزري السعدي العبادي الشيرازي الأصل الدمشقي الفقيه الحنبلي المعروف بابن الحنبلي ولد بدمشق ليلة الجمعة سابع عشر شوال سنة (5/164)

165 أربع وخمسين وخمسمائة وسمع بها من القاضي أبي الفضل الشهرزوري وجماعة ورحل إلى البلاد فأقام ببغداد مدة وسمع بها من شهدة والسقلاطوني وخلائق وسمع بأصبهان من أبي موسى المديني وهو آخر من سمع منه لأنه سمع منه في مرض موته وسمع بالموصل من الشيخ أبي أحمد الحداد الزاهد شيئا من تصانيفه ودخل بلاد أكوه واجتمع بفضلائها وصالحيها وفاوضهم وأخذ عنهم وقدم مصر مرتين وتفقه ببغداد على ابن المنى وأبي البقاء العكبري وقرأ عليه فصيح ثعلب من حفظه وأخذ عن الكمال السنجاري واشتغل بالوعظ وبرع فيه ووعظ من أوائل عمره وحصل له القبول التام وقد وعظ بكثير من البلاد التي دخلها كمصر وحلب وأربل والمدينة النبوية وبيت المقدس وكانت له حرمة عند الملوك والسلاطين خصوصا ملوك الشام بني أيوب وحضر فتح القدس مع السلطان صلاح الدين قال واجتمعت بالسلطان في القدس بعد الفتح بسنتين وسألني عن أشياء كثيرة منها الخضاب بالسواد فقلت مكروه ومنها من أربعة من الصحابة من نسل رأوا رسول الله فقلت أبو بكر الصديق وأبوه أبو قحافة وعبد الرحمن بن أبي بكر ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر ثم أخذ السلطان يثني على والدي ويقول ما أولد إلا بعد أربعين قال وكان عارفا بسيرة والدي ودرس الناصح بمدارس منها مدرسة جده شرف الإسلام بالمسمارية ثم بنت له الصحابة ربيعة خاتون مدرسة بالجبل وهي المعروفة بالصاحبية فدرس بها سنة ثمان وعشرين وستمائة وكان يوما مشهودا وحضرت الواقفة من وراء الستر وانتهت إليه رياسة المذهب بعد الشيخ موفق الدين وكان يساميه في حباته قال الناصح وكنت قدمت من أربل سنة وفاة الشيخ الموفق فقال لي سررت بقدومك مخافة أن أموت وأنت غائب فيقع وهن في المذهب وخلف بين أصحابنا وقد وقع مرة بين الناصح والشيخ الموفق اختلاف في فتوى في السماع المحدث (5/165)

166 فأجاب فيها الشيخ الموفق بإنكاره فكتب الناصح بعده ما مضمونه الغناء كالشعر فيه مذموم وممدوح فما قصد به ترويح النفس وتفريج الهموم وتفريغ القلوب كسماع موعظة وتحريم لتذكرة فلا بأس به وهو حسن وذكر أحاديث في تغني جويريات الأنصار وفي الغناء في الأعراس وأحاديث في الحداء وأما الشبابة فقد سمعها جماعة ممن لا يحسن القدح فيهم من مشايخ الصوفية وأهل العلم وامتنع من حضورها الأكثر وكون النبي سد أذنيه منها مشترك الدلالة لأنه لم ينه ابن عمر عن سماعها وأطال في ذلك ورد مقالة الموفق لما وقف عليه فراجعه في طبقات ابن رجب فإنه نافع مهم والله أعلم وللناصح تصانيف عدة منها كتاب أسباب الحديث في مجلدات عدة وكتاب الإستسعاد بمن لقيت من صالحي العباد في البلاد وكتاب الأنجاد في الجهاد وقال الحافظ الدبيثي في تاريخه للناصح خطب ومقامات وكتاب تاريخ الوعاظ وأشياء في الوعظ قال وكان حلو الكلام جسد الإيراد شهما مهيبا صارما وكان رئيس المذهب في زمانه بدمشق وقال أبو شامة كان واعظا متواضعا متقنا له تصانيف وقال المنذري قدم يعني الناصح مصر مرتين ووعظ ودرس وكان فاضلا وله مصنفات وهو من بيت الحديث والفقه حدث هو وأبوه وجده وجد أبيه وجد جده لقيته بدمشق وسمعت منه وقال ابن رجب سمع منه الحافظ ابن النجار وغيره وخرج له الزكي البرزالي وروى عنه وتوفي يوم السبت ثاث المحرم بدمشق ودفن من يومه بتربتهم بسفح قاسيون وفيها موفق الدين أبو عبد الله أحمد بن أحمد بن محمد بن بركة بن أحمد بن صديق بن صروف الحراني الفقيه الحنبلي ولد سنة ثلاث أو أربع وخمسين وخمسمائة بحران وسمع بها من ابن أبي حية وغيره ورحل إلى بغداد وسمع بها من ابن شاتيل وغيره وتفقه على ابن المنى وأبي البقاء العكبري وابن الجوزي ولازمه ورجع إلى حران وحدث بها (5/166)

167 وبدمشق وسمع منه المنذري والأبرقوهي وابن حمدان وقال كان شيخا صالحا من قوم صالحين وتوفي سادس عشر صفر ودفن بسفح قاسيون وتقدم ذكره في هذه السنة مختصرا وفيها أبو العباس أحمد بن أكمل بن أحمد بن مسعود بن عبد الواحد بن مطر بن أحمد بن محمد الهاشمي العباسي البغدادي الخطيب المعدل الحنبلي ولد في ربيع الأول سنة سبعين وخمسمائة وسمع من ابن شاتيل وغيره وتفقه في المذهب وطعن فيه بعضهم وحدث هو وأبوه وجده وعمه أفضل وسمع منه ابن الساعي وغيره وتوفي في ثامن ربيع الأول ودفن عند أبيه بمقبرة الإمام أحمد وفيها ناصح الدين عبد القادر بن عبد القاهر بن عبد المنعم بن محمد بن حمد بن سلامة الحراني الفقيه الحنبلي الزاهد شيخ حران ومفتيها ولد في رجب سنة أربع وستين وخمسمائة بحران وسمع بها من ابن طبرزد وغيره وسمع بدمشق من ابن صدقة وغيره وببغداد من ابن الجوزي وجماعة وأخذ العلم بحران عن أبي الفتح بن عبدوس وغيره وقرأ الروضة على مؤلفها الموفق وأقرأ وحدث وقال المنذري لقيته بحران وسمعت منه وقال ابن حمدان قرأت عليه الخرقي والهداية وبعض العمدة وسمعت عليه أشياء كثيرة منها جامع المسانيد لابن الجوزي وكان قليل الكلام فيما لا يعنيه كثير الديانة والتحرز فميا يعنيه شريف النفس مهيبا معروفا بالفتوى في مذهب أحمد وصنف منسكا وسطا جيدا وكتاب المذهب المنضد في مذهب أحمد ضاع منه في طريق مكة وحفظ الروضة الفقيه والهداية وغيرهما ولم يتزوج وطلب للقضاء فأبى ودرس في آخر عمره بحضوري عنده في مدرسة بني العطار التي عمرت لأجله وتوفي في الحادي عشر من ربيع الأول بحران انتهى كلام ابن حمدان وفيها شمس الدين أبو طالب عبد الله بن إسمعيل بن علي بن الحسين البغدادي الأزجي الواعظ الحنبلي المعروف والده بالفخر غلام ابن المنى سمع أبو طالب من ابن كليب وغيره وتفقه في المذهب واشتغل بالوعظ ووعظ ببغداد ومصر (5/167)

168 وحدث وله نظم المنذري سمعت منه شيئا من شعره توفي في ثاني عشرى شعبان وهو في سن الكهولة وفيها عز الدين أبو محمد عبد العزيز بن عبد الله بن عثمان المقدسي الفقيه الحنبلي سمع من أسعد بن سعيد وغيره وتفقه في المذهب ودرس وحدث توفي في حادي عشر ذي القعدة وفيها أبو عمرو عثمان بن الحسن السبتي اللغوي أخو ابن دحية روى عن ابن زرقون وابن بشكوال وغيرهما وولي مشيخة الكاملية بعد أخيه وتوفي بالقاهرة وفيها صاحب الروم السلطان علاء الدين كيقياذ بن كيخسرو بن قلج أرسلان السلجوقي كان ملكا جليلا شهما شجاعا وافر العقل متسع الممالك تزوج بابنه الملك العادل وامتدت أيامه وتوفي في سابع شوال وكان فيه عدل وخير في الجملة قاله في العبر وفيها أبو الحسن القطيعي محمد بن أحمد بن عمر البغدادي المحدث المؤرخ ولد سنة ست وأربعين وخمسمائة وسمع من ابن الزاغوني ونصر العكبري وطائفة ثم طلب بنفسه ورحل إلى خطيب الموصل وبدمشق من أبي المعالي بن صابر وأخذ الوعظ عن ابن الجوزي وهو أول شيخ ولي المستنصرية من حدث بالبخاري سماعا عن أبي الوقت ضعفه ابن النجار لعدم إتقانه وكثرة أوهامه توفي في ربيع الآخر وفيها الملك العزيز غياث الدين محمد بن الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين صاحب حلب وسبط الملك العادل ولوه السلطنة بعد أبيه وله أربع سنين من أجل والدته الصحابة وهي كانت الكل وكان الأتابك طغربك يسوس الأمور وكان العزيز حسن الصورة عفيفا توفي في هذه السنة ودفن بالقلعة وأقيم بعده ابنه الملك الناصر يوسف وهو طفل أيضا وفيها مرتضى بن أبي الجود حاتم بن المسلم الحارثي الحوفي أبو الحسن المقرىء قرأ القراءات وسمع الكثير من السلفي وجماعة وكان عالما عاملا كبير القدر قانعا متعففا يختم في الشهر ثلاثين ختمة توفي في شوال عن خمس وثمانين سنة قاله في (5/168)

169 العبر وفيها أبو القسم هبة الله بن الحسن بن أحمد البغدادي المقرىء المعروف بالأشقر قرأ القراءات على محمد بن خلد الرزاز وغيره وتفقه في مذهب الإمام أحمد قال ابن الساعي كان شيخا فاضلا حسن التلاوة للقرآن مجيد الأداء به عالما بوجوه القراءات وطرقها وتعليلها وإعرابها يشار إليه بمعرفة علوم القرآن بصيرا بالنحو واللغة وكان يؤم بالخليفة الظاهر وقرأ عليه الظاهر والوزير ابن الناقد فلما ولى الظاهر الخلافة أكرمه وأجله وكذلك لما ولى ابن الناقد الوزارة وكان يقول قرأ على القرآن أرباب الدنيا والآخرة وكان لأم الخليفة الناصر فيه عقيدة فمرض فجاءته تعوده وسمع منه ابن النجار وابن الساعي وغيرهما وتوفي في صفر وقد قارب الثمانين وفيها أبو بكر الحربي هبة الله بن عمر بن كمال الحلاج آخر من حدث عن هبة الله بن الشبلي وكمال بنت السمرقندي توفي في جمادى الأولى وفيها ياسمين بنت سالم بن علي بن البيطار أم عبد الله الخريمية روت عن هبة الله بن الشبيلي القصار وتوفيت يوم عاشوراء وفيها أبو الحرم مكي ابن عمر بن نعمة بن يوسف بن عساكر بن عسكر بن شبيب بن صالح المقدسي الأصل الفقيه الحنبلي الزاهد الرؤبي ولد في شهر رمضان سنة ثمان وأربعين وخمسمائة بمصر وسمع من والده ومن ابن بري النحوي وخلق وسمع بمكة من محمد بن الحسين الهروي الحنبلي وغيره وتفقه في المذهب بمصر قال المنذري اشتهر بمعرفة الفقه وجمع مجاميع الفقه وغيره وانتفع به جماعة وأم بالمسجد المعروف به بدرب البقالين بمصر وسمعت منه وكان يبني ويأكل من كسب يده وقال ابن رجب هو الذي جمع سيرة الحافظ عبد الغني وتوفي في العشرين من جمادى الآخرة بمصر ودفن من الغد إلى جانب والده بسفح المقطم وفيها أبو المظفر يوسف بن أحمد بن الخلال الحنبلي سمع من ابن شاتيل وتفقه في المذهب وكان فقيها صالحا فاضلا مقرئا متدينا حسن الطريقة توفي (5/169)

170 ببغداد في العشرين من ربيع الأول سنة خمس وثلاثين وستمائة فيها وصلت التتار إلى دقوقا تنهب وتفسد فالتقاهم الأمير بكلك الخليفتي في سبعة آلاف والتتار في عشرة آلاف فانهزم المسلمون بعد أن قتلوا خلقا وكادوا ينتصرون وقتل بكلك وجماعة أمراء أعيان وفيها توفي أبو محمد الأنجب بن أبي السعادات البغدادي الحمامي عن إحدى وثمانين سنة راو حجة روى عن ابن البطي وأبي المعالي بن اللحاس وطائفة وأجاز له مسعود الثقفي وجماعة توفي في تاسع عشر ربيع الآخر وفيها أبو عبد الله أحمد بن علي بن سيدك الأواني الشاعر المجيد أشعاره رائقة مطربة منها ( سلوا من كسا جسمي نحافة خصره * وكلفني في الحب طاعة أمره ) ( يبدل نكر الوصل منه بعرفه * لدى وعرف الهجر منه بنكره ) ( فما تعرف الأرواح إلا بقربه * ولا تصرف الأتراح إلا بذكره ) ( ولا تنعم الأوقات إلا بوصله * ولا تعظم الآفات إلا بهجره ) ( فأقسم بالمحمر من ورد خده * يمينا وبالمبيض من در ثغره ) ( لقد كدت لولا ضوء صبح جبينه * أتيه ضلالا في دجى ليل شعره ) وفيها ابن رئيس الرؤساء أبو محمد الحسين بن علي بن الحسين بن هبة الله ابن الوزير رئيس الرؤساء أبي القسم بن المسلمة البغدادي الناسخ الصوفي ولد سنة إحدى وخمسين وخمسمائة وسمع من ابن البطي وأحمد بن المقرب وتوفي في رجب وفيها قاضي حلب زين الدين أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي الشافعي ابن الأستاذ روى عن يحيى الثقفي توفي في شعبان بحلب عن ثمان وخمسين سنة وكان من سروات الرؤساء (5/170)

171 وفيها ابن اللتي مسند الوقت أبو المنجا عبد الله بن عمر بن علي بن عمر بن زيد الحريمي القزاز رجل مبارك حي ولد سنة خمس وأربعين وخمسمائة وسمع من أبي الوقت وسعيد بن البنا وطائفة وأجاز له مسعود الثقفي والأصبهانيون وكان آخر من روى حديث البغوي بعلو نشر حديثه بالشام ورجع منها في آخر سنة أربع وثلاثين فتوفي ببغداد في رابع عشر جمادى الأولى وفيها أبو طالب عبد الله بن المظفر بن الوزير أبي القسم علي بن طراد الزينبي العباسي البغدادي روى عن ابن البطي حضورا وعن أبي بكر بن النقور ويحيى بن ثابت توفي في رمضان وفيها الرضى عبد الرحمن بن محمد بن عبد الجبار أبو محمد المقدسي الملقن اقرأ كتاب الله احتسابا أربعين عاما وختم عليه خلق كثير وروى عن يحيى الثقفي وطاثفة وكان كثير العبادة والتهجد توفي في ثاني صفر وقد شاخ وفيها صدر الدين عبد الرزاق بن الإمام أبي أحمد عبد الوهاب بن سكينة شيخ الشيوخ البغدادي حضر على ابن البطي وسمع من شهدة وترسل عن الخليفة إلى النواحي وتوفي في جمادى الأولى وفيها أبو بكر عبد الكريم بن عبد الله بن مسلم بن أبي الحسن بن أبي الجود الفارسي الزاهد الحنبلي ابن أخي الحسن بن مسلم الزاهد المتقدم ذكره ولد سنة ثلاث وستين وخمسمائة بالفارسية قرية على نهر عيسى وقرأ القرآن وسمع الحديث من أبي الفتح البرداني وابن بوش وغيرهما وتفقه في المذهب وحدث وسمع منه ابن البخاري وعبد الصمد بن أبي الجيش وغيرهما ووصفاه بالصلاح والديانة قال ابن النجار كان شيخا صالحا متدينا ورعا منقطعا عن الناس في قريته يقصده الناس لزيارته والتبرك به وحول جماعة من الفقراء ويضيف من يمر به وتوفي يوم الخميس لتسع خلون من صفر ودفن من يومه عند عمه الحسين بن مسلم بالفارسية وفيها الملك الكامل (5/171)

172 سلطان الوقت ناصر الدين أبو المعالي محمد بن العادل أبي بكر محمد بن أيوب ولد سنة ست وسبعين وخمسمائة وتملك الديار المصرية تحت جناح والده عشرين سنة وبعده عشرين سنة وتملك دمشق قبل موته بشهرين وتملك حران وآمد وتلك الديار وله مواقف مشهودة وكان صحيح الإسلام معظما للسنة وأهلها محبا لمجالسة العلماء فيه عدل وكرم وحياء وله هيبة شديدة ومن عدله المخلوط بالجبروت والظلم شنق جماعة من أجناده على آمد في أكيال شعير غصبوه قاله في العبر وقال ابن خلكان كان سلطانا عظيم القدر جميل الذكر محبا للعلماء متمسكا بالسنة النبوة حسن الإعتقاد معاشرا لأرباب الفضائل حازما في أموره لا يضع الشيء إلا في موضعه من غير إسراف ولا إقتار وكان يبيت عنده كل ليلة جمعة جماعة من الفضلاء ويشاركهم في مباحثاتهم ويسألهم عن المواضع المشكلة من كل فن وهو معهم كواحد منهم وكان يعجبه هذان البيتان وينشدهما كثيرا وهما ( ما كنت من قبل ملك قلبي * تصد عن مدنف حزين ) ( وإنما قد طمعت لما * حللت في موضع حصين ) وبنى بالقاهرة دار حديث ورتب لها وقفا جيدا وقد بنى على قبر الإمام الشافعي رضي الله عنه قبة عظيمة ودفن أمه عنده وأجرى إليها من ماء النيل ومدده بعيد وغرم على ذلك جملة عظيمة ولما مات أخوه الملك المعظم صاحب الشام وقام ولده الملك الناصر صلاح الدين داود مقامه خرج الملك الكامل من الديار المصرية قاصدا لأخذ دمشق منه وجاء أخوه الملك الأشرف مظفر الدين موسى فاجتمعا على أخذ دمشق بعد فصول جرت يطول شرحها وملك دمشق في أول شعبان سنة ست وعشرين وستمائة وكان يوم الإثنين فلما ملكها دفعها لأخيه الملك الأشرف وأخذ موضعه من بلاد الشرق حران والرها وسروج والرقة ورأس عين وتوجه إليها بنفسه في تاسع شهر رمضان من (5/172)

173 السنة واجتزت بحران في شوال سنة ست وعشرين والملك العادل مقيم بها بعساكر الديار المصرية وجلال الدين خوارزم شاه يوم ذاك يحاصر خلاط وكانت لأخيه الملك الأشرف ثم قال ابن خلكان خطب له بمكة شرفها الله تعالى فلما وصل الخطيب إلى الدعاء اللملك الكامل قال صاحب مكة وعبيدها واليمن وزبيدها ومصر وصعيدها والشام وصناديدها والجزيرة ووليدها سلطان القبلتين ورب العلامتين وخادم الحرمين الشريفين أبو المعالي محمد الملك الكامل نصار الدين خليل أمير المؤمنين ولقد رأيته بدمشق سنة ثلاث وثلاثين وستمائة عند رجوعه من بلاد الشرق واستنقاذه إياهلا من يد علاء الدين كيقياد بن سلجوق صاحب الروم وهي واقعة يطول شرحها وفي خدمته بضعة عشر ملكا منهم أخوه الملك الأشرف ولم يزل في علو شأنه وعظم سلطانه إلى أن مرض بعد أخذه دمشق ولم يركب وكان ينشد في مرضه كثيرا ( يا خليلي خبراني بصدق * كيف طعم الكرى فإني عليل ) ولم يزل كذلك إلى أن توفي يوم الأربعاء بعد العصر ودفن بقلعة دمشق يوم الخميس الثاني والعشرين من رجب وكنت بدمشق يومئذ وحضرت الصبيحة يوم السبت في جامع دمشق لأنهم أخفوا موته إلى وقت صلاة الجمعة فلما دنت الصلاة قام بعض الدعاة على العريش الذي بين يدي المنبر وترحم على الملك الكامل ودعا لولده الملك العادل صاحب مصر وكنت حاضرا في ذلك الموضع فضج الناس ضجة واحدة وكانوا د أحسوا بذلك لكنهم لم يتحققوا انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا وقال الذهبي مرض بقلعة دمشق بالسعال والإسهال نيفا وعشرين ليلة وكان في رجله نقرس فمات وقال ابن الأهدل وللكامل هفوة جرت منه عفا الله عنه وذلك أنه سلم مرة بيت المقدس إلى الفرنج اختيارا نعوذ بالله من سخط الله وموالاة أعداء الله وفيها أبو بكر محمد بن سمعود بن مهروز البغدادي الطبيب سمعه خاله من أبي (5/173)

174 الوقت وتفرد بالرواية بالسماع منه وتوفي في رمضان وقد جاوز التسعين وفيه شرف الدين محمد بن نصر بن عبد الرحمن بن محمد بن محفوظ القرشي الدمشقي ابن ابن أخي الشيخ أبي البيان كان أديبا شاعرا صالحا زاهدا ولي مشيخة رباط أبي البيان وروى عن ابن عساكر وتوفي في رجب وفيها أبو نصر بن الشيرازي القاضي شمس الدين محمد بن هبة الله عن محمد بن هبة الله بن يحيى الدمشقي الشافعي ولد سنة تسع وأبعين وخمسمائة وأجاز له أبو الوقت وطائفة وسمع من أبي يعلى بن الحيوني وطائفة كثيرة وله مشيخة في جزء ودرس وأفتى وناظر ودرس وصار من كبار أهل دمشق في العلم والرواية والرياسة والجلالة ودرس مدة بالشامية والكبرة قال ابن شهبة ولي قضاء بيت المقدس ثم ولي تدريس الشامية البرانية ثم ولي قضاء دمشق في سنة إحدى وثلاثين وستمائة وكان فقيها فاضلا خيرا دينا منصفا عليه سكينة ووقار حسن الشكل يصرف أكثر أوقاته في نشر العلم مات في جمادى الآخرة وفيه خطيب دمشق الدولعي بفتح الدال المهملة وبعد الواو واللام عين مهملة نسبة إلى الدولعية قرية بالموصل جمال الدين محمد بن أبي الفضل بن زيد بن يس أبو عبد الله الثعلبي الشافعي ولد بالدولعية في جمادى الآخرة سنة خمس وخمسين وخمسمائة وتفقه على عمه ضياء الدين الدولعي خطيب دمشق أيضا وسمع منه ومن جماعة منهم ابن صدقة الحراني وولي الخطابة بعد عمه وطالت مدته في المنصب وولى تدريس الغزالية مدة وكان له ناموس وسمت حسن يفخم كلامه قال أبو شامة وكان المعظم قد منعه من الفتوى مدة ولم يحج لحرصه على المنصب مات في جمادى الأولى ودفن بمدرسته التي أنشأها بجيرون وفيها نجم الدين أبو المفضل مكرم بن محمد بن حمزة بن محمد المسند القرشي الدمشقي المعروف بابن أبي الصقر ولد في رجب سنة ثمان وأربعين وخمسمائة وسمع من حمزة بن الحبوني وحمزة بن كروس وحسان (5/174)

175 الزيات والفلكي وعلي بن أحمد بن مقاتل وطائفة وتفرد وطال عمره وسافر للتجارة كثيرا وتوفي في رجب وفيها الملك مظفر الدين أبو الفتح موسى بن العادل ولدهو وأخوه الكامل في سنة واحدة وهي سنة ست وسبعين وخمسمائة وماتا أيضا في هذه السنة وكان مولده بالقاهرة وروى عن ابن طبرزد وتملك حران وخلاط وتلك الديار مدة ثم تملك دمشق تسع سنين فأحسن وعدل وخفف الجور قال الذهبي كان فيه دين وتواضع للصالحين وله ذنوب عسى الله أن يغفرها له وكان حلو الشمائل محببا إلى رعيته موصوفا بالشجاعة لم تكسر له راية قط انتهى وقال ابن شهبة في تاريخ الإسلام كان جوادا عادلا سخيا لو دفع الدنيا إلى أقل الناس لم يستكثرها عليه ميمون الطليعة ما كسرت له راية قط متعففا عن المحارم ما خلا بامرأة قط إلا زوجته أو محرمه قال أبو المظفر لما صعد إلى خلاط اجتمعت معه في منظرة فقال والله ما مددت عيني إلى حريم أحد قط لا ذكر ولا أنثى ولقد كنت يوما قاعدا ههنا فقال الخادم على الباب عجوز تستأذن من عند بنت شاه أرمن صاحب خلاط سابقا فأذنت لها فناولتني ورقة تذكر أن الحاجب عليا قد قصدها وأخذ ضيعها وقصد هلاكها وتخاف منه أن تخرج فكتبت على الورقة بإطلاق الضيعة ونهى الحاجب عنها فقالت العجوز هي تسأل الإذن بالحضور فلها سر تذكره للسلطان فقلت بسم الله فغابت ساعة ثم جاءت ومعها امرأة ما يمكن في الدنيا أحسن من قدها ولا أظفر من شكلها كأن الشمس تحت نقابها فخدمت ووقفت فقمت لها لكونها بنت شاه فسفرت عن وجهها فأضاءت منه المنظرة فقلت غطي وجهك واذكري حاجتك فقالت مات أبي واستوليتم على البلاد ولي ضيعة أعيش منها أخذها الحاجب مني وما أعيش إلا من عمل النقش وأنا ساكنة في دور الكراء قال فبكيت وأمرت لها بقماش وسكن يصلح لها وقلت بسم الله في حفظ الله ودعته فقالت العجوز ما جاءت إلا لتحظى بك الليلة (5/175)

176 قال فأوقع الله في قلبي تغير الزمان وتملك غيري وتحتاج بني أن تقعد مثل هذه القعدة فقلت يا عجوز معاذ الله والله ما هو من شيمتي ولا خلوت بغير محارمي خذيها وانصرفي وهي العزيز الكريمة ومهما كان لها من الحوائج فهذا الخادم تنفذ إليه فقامت وهي تبكي وتقول بالأرمنية صان الله حريمك فلما خرجت قالت لي النفس في الحلال مندوحة عن الحرام تزوجها فقلت للنفس يا خبيثة أين الحساء والكرم والمروءة والله لا فعلته أبدا وقدم عليه النظام بن أبي الحديد ومعه نعل النبي فقام له قائما ونزل فأخذ النعل ووضعه على عينيه وبكى وأجرى على النظام النفقات وأراد أن يأخذ منه قطعة تكون عنده ثم رجع وقال ربما يجيء بعدي من يفعل مثل فعلي فيتسلسل الحال ويؤدي إلى استئصاله فتركه ومات النظام بعد مدة وأوصى له بالنعل فلما فتح دمشق اشترى دار قايماز النجمي وجعلها دار حديث وترك النعل بها وبنى مسجد أبي الدرداء بقلعة دمشق والمسجد الذي عند باب النصر وخان الزنجاري وهو جامع العقيبة ومسجد القصب خارج باب السلاح وجامع جراح وجامع بيت الأنبار وجامع حرستا وزاد وقف دار الحديث النورية والتربة التي بالكلاسة وكان حسن الظن بالفقراء وكان له في بستانه الذي بالنيرب أماكن مشهورة مزخرفة مثل صفة بقراط وغيرها يخلو بها وأباح لأهل دمشق الفرجة بها تطييبا لقلوب الرعية ومن شعره يخاطب الخليفة الناصر ( العبد موسى ذو الضراعة طوره * بغداد آنس عندها نار الهدى ) ( عبد أعد لدى الآله وسيلة * دنيا ودينا أحمدا ومحمدا ) ( هذا يقوم بنصره في هذه * عند الخطوب وذاك شافعه غدا ) وتوفي يوم الخميس رابع المحرم فتسلطن بعده أخوه الصالح إسمعيل وركب ركوب السلطنة وترجل الناس بين يديه وصادر جماعة من أهل دمشق وركب (5/176)

177 التعاسيف فجاء عسكر الكامل وحصر د مشق وقطع المياه وأحرق العقيبة وقصر حجاج ونصبوا المجانيق وقع الصلح على أن أعطوا الصالح بعلبك وبصرى وتسلم الكامل دمشق وفيها الحكيم الفاضل سديد الدين أبو الثناء محمود بن عمر الحابولي عرف بابن دقيقة الشيباني صنف كتاب قانون الحكماء وفردوس الندماء وكتاب الغرض المطلوب في تدبير المأكول والمشروب وغير ذلك وله ديوان شعر منه فيما يتعلق بالطب ( توق الامتلاء وعد عنه * وإدخال الطعام على الطعام ) ( وإكثار الجماع فإن فيه * لمن والاء داعية السقام ) ( ولا تشرب عقيب الأكل ماء * لتسلم من مضرات الطعام ) ( ولا عند الخوى ولجوع حتى * تلهى باليسير من الأدام ) ( وخذ منه القليل ففيه نفع * لدى العطش المبرح والأوام ) ( وهضمك فأصلحنه فهو أصل * وأسهل بالأيارج كل عام ) ( وفصد العرق نكب عنه إلا * لدى مرض بطيب الطبع حامي ) ( ولا تتحركن عقيب أكل * وصير ذاك بعد الانهضام ) ( ولا تطل السكون فإن منه * تولد كل خلط فيك خام ) ( وقلل ما استطعت الماء بعد الرياضة * واجتنب شرب المدام ) ( وخل السكر واهجره مليا * فإن السكر من فعل الطغام ) ( وأحسن صون نفسك عن هواها * تفز بالخلد في دار السلام ) وفيها شمس الدين بن سنى الدولة قاضي القضاة أبو البركات يحيى بن هبة الله بن سنى الدولة الحسين بن يحيى بن محمد بن علي بن صدقة الدمشقي الشافعي والد قاضي القضاة صدر الدين أحمد ولد سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة وتفقه على ابن أبي عصرون والقطب النيسابوري واشتغل بالخلاف وسمع من أحمد ابن الموازيني وطائفة وولي قضاء الشام قال الذهبي وحمدت سيرته وكان إماما (5/177)

178 فاضلا مهيبا حدث بمكة وبيت المقدس وحمص وتوفي في ذي القعدة وفيها أبو المحاسن يوسف بن إسمعيل بن علي بن أحمد بن الحسين بن إبراهيم المعروف بالشواء الملقب شهاب الدين الكوفي الأصل الحلبي المولد والمنشأ والوفاة كان أديبا فاضلا متقنا لعلم العروض والقوافي شاعرا يقع له في النظم المعاني البديعة وله ديوان شعر في أربع مجلدات وكان ملازما لحلقة الشيخ تاج الدين المعروف بابن الحراني الحلبي النحوي اللغوي وأكثر ما أخذ الأدب عنه وبصحبته انتفع قال ابن خلكان كان بيني وبين الشهاب الشواء مودة أكيدة ومؤانسة كثيرة وكان حسن المحاورة مليح الإيراد مع السكون والتأني وأول شيء أنشدني من شعره قوله ( هاتيك يا صاح ربا لعلع * ناشدتك الله فعرج معي ) ( وانزل بنا بين بيوت النقا * فقد غدت آهلة المربع ) حتى نطيل اليوم وقفا على الساكن أو عطفا على الموضع وأنشد لنفسه أيضا ( ومهفهف عنى الزمان بخده * فكساه ثوبي ليله ونهاره ) ( لأمهدت عذري محاسن وجهه * إن غض مني منه غصن عذاره ) وله في غلام أرسل أحد صدغيه وعقد الآخر ( أرسل صدغا ولوى قاتلي * صدغا فاعيا بهما واصفه ) ( فخلت ذا في خده حية * تسعى وهذا عقربا واقفه ) ( ذا ألف ليست لوصل وذا * واو ولكن ليست العاطفه ) وله في شخص لا يكتم السر ( لي صديق غدا وإن كان لا ينطق * إلا بغيبة أو محال ) ( أشبه الناس بالصدى إن تحدثه * حديثا أعاده في الحال ) وله معنى لطيف (5/178)

179 ( هواك يا من له احتيال * مالي على مثله احتيال ) ( قسمة أفعاله لحيني * ثلاثة مالها انتقال ) ( وعدك مستقبل وصبري * ماضر وشوق إليك حال ) وله في غلام ختن ( هنأت من أهواه عند ختانه * فرحا وقلت وقد عراه وجوم ) ( يفديك من ألم ألم بك أمرؤ * يخشى عليك إذا ثناك نسيم ) ( أمعدني كيف استطعت على الأذى * جلدا وأجزع ما يكون الريم ) ( لو لم تكن هذي الطهارة سنة * قد سنها من قبل إبراهيم ) ( لفتكت جهدي بالمزين إذ غدا * في كفه موسى وأنت كليم ) ومعظم شعره على هذا الأسلوب وكان من المغالين في التشيع وأكثر أهل حلب ما يعرفونه إلا بمحاسن الشواء والصواب ما ذكرته وتوفي يوم الجمعة تاسع عشر المحرم بحلب ودفن بظاهرها ولم أحضر الصلاة عليه لعذر عرض لي رحمه الله فلقد كان نعم الصاحب انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا سنة ست وثلاثين وستمائة فيها توفي أبو العباس القسطلاني ثم المصري الفقيه المالكي الزاهد القدوة أحمد بن علي تلميذ الشيخ أبي عبد الله القرشي سمع من عبد الله بن بري ودرس بمصر وأفتى ثم جاور بمكة مدة وتزوج عبد موت شيخه زوجته الصالحة الجليلة أم ولده قطب الدين حكى أن أهل المدينة أجدبوا فاتفق رأيهم أن يستسقوا يوما والغرباء يوما فاستسقى مع المجاورين فسقوا وله مؤلف جمع فيه كلام شيخه القرشي وبعض شيوخه وبعض كراماته توفي بمكة المشرفة في جمادى الآخرة وقبره يزار بها في الشعب الأيسر (5/179)

180 وفيها صاحب ماردين ارتق بن البي الأرتقي التركماتي تملك ماردين بضعا وثلاثين سنة وكان فيه عدل ودين في الجملة قتله غلمانه بمواطأة ابن ابنه وتملك بعده ابنه نجم الدين غازي وفيها التاج أسعد بن المسلم بن مكي بن علان القيسي الدمشقي توفي في رجب عن ست وتسعين سنة روى عن ابن عساكر وأبي الفهم بن أبي العجايز وكان من كبار العدول وهو أسن من أخيه السديد وفيها أبو الخير بدل بن أبي المعمر بن إسمعيل التبريزي المحدث الحافظ الثقة الرحال ولد بعد الخمسين وخمسمائة وسمع من أبي سعد ابن أبي عصرون وجماعة ورحل فأكثر عن اللبان والصيدلاني وسمع بنيسابور ومصر والعراق وكتب وتعب وخرج وولي مشيخة دار الحديث بأربل فلما أخذتها التتار قدم حلب وبها توفي في جمادى الأولى وفيها أبو الفضل جعفر بن علي بن هبة الله الهمذاني الأسكندراني المالكي المقرىء الأستاذ المحدث ولد سنة ست وأربعين وخمسمائة وقرأ القراءات على عبد الرحمن بن خلف صاحب ابن الفحام وأكثر عن السلف وطائفة وكتب الكثير وحصل وتصدر لإقراء ثم رحل في آخر عمره فروى الكثير بالقاهرة ودمشق وبها توفي في صفر وقد جاوز التسعين وفيها ابن الصفراوي جمال الدين أبو القسم عبد الرحمن بن عبد المجيد بن إسمعيل بن عثمان بن يوسف بن حفص الأسكندراني الفقيه المالكي المقرىء ولد في أول سنة أربع وأربعين وخمسمائة وقرأ القراءات على ابن خلف الله وأحمد بن جعفر الغافقي واليسع بن حزم وابن الخلوف وتفقه على أبي طالب صالح ابن بنت معافى وسمع الكثير من السلفي وغيره وانتهت إليه رياسة الإقراء والفتوى ببلده وطال عمره وبعد صيته توفي في الخامس والعشرين من ربيع الآخر وفيها أبو الفتوح وأبو الفرج وأبو عمر ضياء الدين عثمان بن نصر بن منصور بن هلال البغدادي المسعودي الفقيه الحنبلي الواعظ المعروف بابن الوتار ولد سنة خمسين وخمسمائة تقريبا وسمع من أبي الفتح (5/180)

181 ابن المنى وغيره وتفقه عليه ووعط وشهد عند قاضي القضاة عبد الرزاق ابن ابن الشيخ عبد القادر وأفتى وكان فاضلا فقيها إماما عالما حسن الأخلاق أجاز للمنذري وابن أبي الجيش والقسم بن عساكر والحجار وغيرهم وتوفي في سابع عشرى جمادى الأولى ببغداد وقد ناهز التسعين والمسعودي نسبة إلى المسعودة محلة شرقي بغداد وفيها عسكر بن عبد الرحيم بن عسكر بن أسامة أبو عبد الرحيم العدوي النصيبي من بيت مشيخة وحديث ودين وله أصحاب وأتباع رحل في الحديث وسمع من سليمان الموصلي وطبقته وله مجاميع حسنة توفي في المحرم وفيها الصاحب جمال الدين علي بن جرير الرقي الوزير وزر للأشرف ثم للصالح إسمعيل وتوفي في جمادى الآخرة بدمشق قاله في العبر وفيها عماد الدين بن الشيخ هو الصاحب الرئيس أبو الفتح عمر بن شيخ الشيوخ صدر الدين محمد بن عمر الجويني ثم الدمشقي الشافعي ولي تدريس الشافعي ومشهد الحسين ومشيخة الشيوخ بالديار المصرية وقام بسلطنة الجواد ثم دخل الديار المصرية فلامه صاحبها العادل أبو بكر فردوهم بخلع الجواد من السلطنة فلم يمكنه وجهز عليه من الإسمعيلية من قتله في جمادى الأولى وله خمس وخمسون سنة وفيها أبو الفضل بن السباك محمد بن محمد بن الحسن البغدادي أحد وكلاء القضاة روى عن ابن البطي وأبي المعالي اللحاس وتوفي في ربيع الآخر وفيها شرف الدين أبو المكارم محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي القسم بن صدقة قاضي القضاة الأسكندري المصري الشافعي المعروف بابن عين الدولة ولد بالأسكندرية في جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسين وخمسمائة وقدم القاهرة في سنة ثلاث وسبعين واشتغل على العراقي شارح المهذب وحفظ المهذب وناب في القضاء ثم ولى قضاء القاهرة والوجه البحري سنة ثلاث عشرة وستمائة ثم جمع له العملان سنة سبع عشرة وستمائة ثم عزل عن قضاء مصر خاصة (5/181)

182 قبل وفاته بشهر وكان ذكيا كريما متدينا ورعا قانعا باليسير من بيت رياسة تولى الأسكندرية من أعمامه وأخواله ثمانية أنفس قال المنذري وكان عارفا بالأحكام مطلعا على غوامضها وكتب الخط الجيد وله نظم ونثر وكان يحفظ من شعر المتقدمين والمتأخرين جملة وقال غيره نقل المصريون عنه كثيرا من النوادر والزوائد كان يقولها بسكون وناموس ومن شعره ( وليت القضاء وليت القضاء * لم يك شيئا توليته ) ( فأوقعني في القضاء القضاء * وما كنت قدما تمنيته ) توفي في هذه السنة وجزم ابن قاضي شهبة أنه توفي في ذي القعدة سنة تسع وثلاثين وفيها الزكي البرزالي أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد بن أبي يداش الأشبيلي الحافظ الجوال محدث الشام ومفيده سمع بالحجاز ومصر والشام والعراق وأصبهان وخراسان والجزيرة فأكثر وجمع فأوعى وأول طلبه سنة اثنتين وستمائة وأقدم شيوخه عين الشمس الثقفية ومنصور الفراوي وأقام بمسجد فلوس بدمشق زمانا طويلا وتوجه إلى حلب فأدركه أجله بحماة في رمضان وله ستون سنة وهو والد الشيخ علم الدين البرزالي وفيها جمال الدين بن الحصيري شيخ الحنفية أبو المحامد محمود بن أحمد بن عبد السيد البخاري روى صحيح مسلم عن أصحاب الفراوي ودرس بالنورية بدمشق خمسا وعشرين سنة وصنف الكتب الحسان منها شرح الجامع الكبير وكان من العلماء العاملين كثير الصدقة غزير الدمعة انتهت إليه رياسة أصحاب أبي حنيفة توفي في صفر بدمشق ودفن بمقابر الصوفية وفيها العلامة الحافظ يوسف بن عمر بن صقير ويقال بالسين أيضا الواسطي كان من الحفاظ الأعيان قاله ابن ناصر الدين (5/182)

183 سنة سبع وثلاثين وستمائة فيها هجم الصالح إسمعيل في صفر على دمشق فملكها وتسلم القلعة واعتقلوا الصالح أيوب بالكرك أشهرا فطلبه أخوه العادل من الناصر داود وبذل فيه مائة ألف دينار وكذا طلبه الصالح إسمعيل فامتنع الناصر ثم اتفق معه وحلفه وأخذه وسار به إلى الديار المصرية فمالت الكاملية إليه وقبضوا على العادل وتملك الصالح نجم الدين أيوب ورجع الناصر بخفي حنين وفيها أنزل الكامل إلى تربته بجامع دمشق من قلعتها وفتح لها شبابيك إلى الجامع وفيها توفي الخيوبي بضم الخاء المعجمة وفتح الواو وتشديد الياء الأولى نسبة إلى خوي مدينة بأذربيجان من إقليم تبريز قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن خليل بن سعادة بن جعفر بن عيسى المهلبي الشافعي أبو العباس ولد في شوال سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة ودخل خراسان وقرأ بها الأصول على القطب المصري صاحب الإمام فخر الدين قال ابن السبكي في طبقاته الكبرى وقرأ الفقه على الرافعي وعلم الجدل على علاء الدين الطوسي وسمع الحديث من جماعة وولي قضاء القضاة بالشام وله كتاب في الأصول وكتاب فيه رموز حكمية وكتاب في النحو وكتاب في العروض وفيه يقول أبو شامة ( أحمد بن الخليل أرشده الله * كما أرشد الخليل بن أحمد ) ( ذاك مستخرج العروض وهذا * مظهر السر منه والعود أحمد ) وقال الذهبي كان فقيها إماما مناظرا خبيرا بعلم الكلام أستاذا في الطب والحكمة دينا كثير الصلاة والصيام توفي في شعبان ودفن بسفح قاسيون وفيها الصدر علاء الدين أبو سعيد ثابت بن محمد بن أبي بكر الخجندي بضم الخاء المعجمة وفتح الجيم وسكون النون ومهملة نسبة إلى خجندة مدينة بطرف سيحون ثم الأصبهاني سمع الصحيح حضورا في الرابعة من أبي الوقت وبقي إلى هذا الوقت بشيراز (5/183)

184 وفيها أبو العباس بن الرومية أحمد بن محمد بن مفرج بن عبد الله الأموي مولاهم الأندلس الأشبيلي الزهري النبائي الحافظ كان حافظا صالحا مصنفا من الأثبات ظاهري المذهب مع ورع وكان يحترف من الصيدلة لمعرفته الجيدة بالنبات قاله ابن ناصر الدين وفيها أمين الدين أبو الغنايم سالم بن الحسن بن هبة الله الشافعي التغلبي الدمشقي رحل به أبوه وسمعه من ابن شاتيل وطبقته وسمع هو بنفسه وولى المارستان والمواريث والأيتام وتوفي في جمادى الآخرة وله ستون سنة ودفن بتربته بقاسيون وخلف ذرية صالحة أبقت ذكره وفيها الملك المجاهد أسد الدين شيركوه ابن محمد بن شيركوه بن شادي صاحب حمص توفي بها في رجب قال ابن خلكان مولده سنة تسع وستين وخمسمائة وتوفي يوم الثلاثاء تاسع رجب بحمص ودفن بتربة داخل البلد وكانت له أيضا الرحبة وتذمر وماكسين من بلد الخابور وخلف جماعة من الأولاد فقام مقامه في الملك ولده الملك المنصور ناصر الدين إبراهيم انتهى وفيها أبو القسم عبد الرحيم بن يوسف بن هبة الله بن الطفيل الدمشقي توفي بمصر في ذي الحجة وروى عن السلفي وفيها أبو محمد وأبو الفضل عفيف الدين عبد العزيز بن دنف بن أبي طالب بن دلف بن القسم البغدادي الحنبلي المقرىء الناسخ الخازن ولد سنة إحدى أو اثنتين وخمسين وخمسمائة وقرأ بالروايات الكثيرة على أبي الحراث أحمد بن سعيد العسكري وغيره وسمع الحديث من أبي علي الرحبي وغيره وكتب الكثير بخطه الحسن لنفسه وللناس وشهد عند الريحاني زمن الناصر وكان الخليفة الناصر أذن لولده الظاهر برواية مسند الإمام أحمد عنه بالإجازة وأذن لأربعة من الحنابلة بالدخول إليه للسماع عبد العزيز هذا منهم فحصل له به أنس فلما أفضت إليه الخلافة ولاه النظر في ديوان التركات الحشرية فسار فيها أحسن سيرة ورد تركات كثيرة على (5/184)

185 الناس قال الناصح بن الحنبلي كان إماما في القراءة وفي علم الحديث سمع الكثير وكتب بخطه الكثير وهو يصوم الدهر لقيته ببغداد في المرتين وقال ابن النجار كان كثير العبادة دائم الصوم والصلاة وقراءة القرآن مذ كان شابا وإلى حين وفاته وكان مسارعا إلى قضاء حوائج الناس والسعي بنفصه إلى دور الأكابر في الشفاعات وفك العناة وإطلاق المعتقلين بصدر منشرح وقلب طيب وكان محبا لإيصال الخير إلى الناس ودفع الضر عنهم كثير الصدقة والمعروف والمواساة بماله حال فقره وقلة ذات يده وبعد يساره وسعة ذات يده وكان على قانون واحد في ملبسه لم يغيره وكان ثقة صدوقا نبيلا غزي رالفضل أحسن الناس تلاوة للقرآن وأطيبهم نغمة وكذلك في قراءة الحديث وتوفي ليلة الإثنين السادس والعشرين من صفر ببغداد ودفن بجانب معروف الكرخي وفيها وجزم ابن ناصر الدين أنه في التي قبلها أبو بكر محمد بن إسمعيل بن محمد بن خلفون الأزدي الأندلس الأوبني كان حافظا متقنا للأسانيد والأخبار مصنفا وفيها ابن الكريم الكاتب شمس الدين محمد بن الحسن بن محمد بن علي البغدادي المحدث الأديب الماسح المتفنن روى عن ابن بوش وابن كليب وخلق وسكن دمشق وكتب الكثير بخطه توفي في رجب عن سبع وخمسين سنة وفيها ابن الدبيثي بضم الدال المهملة وفتح الموحدة التحتية وسكون المثناة التحتية ومثلثة نسبة إلى دبيثا قرية بواسط الحافظ المؤرخ المقرىء الحاذق أبو عبد الله محمد بن سعيد بن يحيى الواسطي الشافعي ولد سنة ثمان وخمسين وخمسمائة وسمع من أبي طالب الكناني وابن شاتيل وعبد المنعم بن الفراوي وطبقتهم وقرأ القراءات على جماعة وتفقه على أبي الحسن هبة الله بن البوقي وأتقن العربية وتقدم وساد وعلق الأصول والخلاف وعنى بالحديث ورجاله وصنف كتابا في تاريخ واسط وذيلا على مذيل ابن السمعاني وأسمعهما وله معرفة بالأدب والشعر (5/185)

186 وله شعر جيد وقد أثنى على حفظه وذهنه واستحضاره الحافظ الضياء المقدسي وابن نقطة وابن النجار وقال هو شيخي وهو آخر الحافظ المكثرين ما رأت عيناي مثله في حفظ التواريخ والسير وأيام الناس وأضر في آخر عمره وقال ابن الأهدل وأنشد لنفسه ( خبرت بني الأيام طرا فلم أجد * صديقا صدوقا مسعدا في النوائب ) ( وأصفيتهم مني الوداد فقابلوا * صفاء ودادي بالعدا والشوائب ) ( وما اخترت منهم صاحبا وارتضيته * فأحمده في فعله والعواقب ) وقال في العبر توفي في ثامن ربيع الآخر ببغداد وفيها تقي الدين محمد بن طرخان بن أبي الحسن السلمي الدمشقي الصالحي الحنبلي ولد بقاسيون سنة إحدى وستين وخمسمائة وروى عن ابن صابر وأبي المجد البانياسي وطائفة وخرج لنفسه مشيخة وكان فقيها جليلا متوددا وسمع بمكة والمدينة واليمن وحدث وتوفي في تاسع المحرم بالجبل وفيها أبو طالب بن صابر الدمشقي محمد بن أبي المعالي عبد الله بن عبد الرحمن بن أحمد بن علي بن صابر السلمي الصوفي الزاهد روى عن أبيه وجماعة وصار شيخ الحديث بالعزية قال ابن النجار لم أر إنسانا كاملا غيره زاهدا عابدا ورعا كثير الصلاة والصيام توفي في سابع المحرم وفيها ابن الهادي محتسب دمشق رشيد الدين أبو الفضل محمد بن عبد الكريم بن يحيى القيسي الدمشقي شيخ وقور مهيب عفيف سمع ابن عساكر وأبا المعالي بن صابر وتوفي في جمادى الآخرة عن سبع وثمانين سنة وفيها الرشيد النيسابوري محمد بن أبي بكر بن علي الحنفي الفقيه سمع بمصر من أبي الجيوش عساكر والتاج المسعودي وجماعة ودرس وناظر وعاش سبعا وسبعين سنة وولي قضاء الكرك والشوبك ثم درس بالمعينية وتوفي في خامس ذي القعدة وفيها شرف الدين أبو البركات بن (5/186)

187 المستوفى المبارك بن أحمد بن أبي البركات اللخمي الأربلي وزير أربل وفاضلها ومؤرخها ولد سنة أربع وستين وخمسمائة وسمع من عبد الوهاب ابن حبة وحنبل وابن طبرزد وخلق وكان بيته مجمع الفضلاء وله يد طولى في النثر والنظم ونفس كريمة كبيرة وهمة علية شرح ديواني أبي تمام والمتنبي في عشر مجلدات وله غير ذلك وديوان شعر منه في تفضيل البياض على السمرة ( لا تخدعنك سمرة غرارة * ما الحسن إلا للبياض وجنسه ) ( فالرمح يقتل بعضه من غيره * والسيف يقتل كله من نفسه ) وله ( يا رب قد عظمتك جناية عينه * وعتا بما أبداه من أنواره ) ( فاشف السقام المستكن بطرفه * واستر محاسن وجهه بعذاره ) سلم بقلعة أربل من التتار ثم سكن الموصل وبهامات في المحرم قال ابن الأهدل جمع لأربل تاريخا في أربع مجلدات وله المحصل على أبيات المفصل في مجلدين وله كتاب سر الصنعة وكتاب سماد أبا قماش جمع فيه آدابا ونوادر وأرسل دينارا إلى شاعر على يد رجل يقال له الكمال وكان الدينار مثلوما فتوهم الشاعر أن الكمال نقصه فكتب ( يا أيها المولى الوزير ومن به * في الجود حقا تضرب الأمثال ) ( أرسلت بدر التم عند كماله * حسنا فوافى العبد وهو هلال ) ( ما عابه النقصان إلا أنه * بلغ الكمال كذلك الآجال ) فأجاز الشاعر وأحسن إليه ورثاه بعضهم فقال ( أبا البركات لو درت المنايا * بأنك فرد عصرك لم تصبكا ) ( كفى الإسلام رزءا فقد شخص * عليه بأمين الثقلين يبيكي ) انتهى وفيها ضياء الدين بن الأثير الصاحب العلامة أبو الفتح نصر الله بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري الكاتب (5/187)

188 البليغ صاحب المثل الساير انتهت إليه كتابة الإنشاء والترسل ومن جملة محفوظاته شعر أبي تمام والبحتري والمتنبي وزر بدمشق للملك الأفضل فأساء وظلم ثم هر بثم كان معه بسميساط سنوات ثم خدم الظاهر صاحب حلب فلم يقبل عليه فتحول إلى الموصل وكتب الإنشاء لصاحبها محمود بن عز الدين مسعود ولاتابكه لولو وذهب رسولا في آخر أيامه إلى الخليفة فمات ببغداد في ربيع الآخر وكان بينه وبين أخيه عز الدين مقاطعة كلية قاله في العبر قلت ومن شعره ( ثلاث تعطي الفرح * كأس وكوز وقدح ) ( ما ذبح الذق لها * إلا وللهم ذبح ) وقال ابن خلكان ولما كملت له الأدوات قصد جناب الملك الناصر صلاح الدين وكان يومئذ شابا فاستوزره ولده الملك الأفضل نور الدين علي وحسنت حاله عنده ولما توفي صلاح الدين واستقل ولده الأفضل بمملكة دمشق استقل ضياء الدين بالوزارة وردت إليه أمور الناس وصار الإعتماد في جميع الأحوال عليه ولما أخذت دمشق من الملك الأفضل وانتقل إلى صرخد وكان ضياء الدين قد أساء العشرة على أهلها فهموا بقتله فأخرجه الحاجب محاسن بن عجم في صندوق ولما استقر الأفضل في سميساط عاد إلى خدمته وأقام عنده مدة ثم فارقه واتصل بخدمة أخيه الملك الظاهر صاحب حلب فلم يطل مقامه عنده فخرج مغاضبا وعاد إلى الموصل فلم يستقر حاله فورد أربل فلم يستقم حاله فسافر إلى سنجار ثم عاد إلى الموصل واتخذها دار إقامته ولقد ترددت إلى الموصل من أربل أكثر من عشر مرات وهو مقيم بها وكنت أود الاجتماع به لآخذ عنه شيئا لما كان بيه وبين الوالد من المودة إلا كيدة فلم يتفق ذلك ولضياء الدين من التصانيف الدالة على غزارة فضله وتحقيق نبله كتابه الذي سماه المثل الساير في أدب الكاتب والشاعر وهو في مجلدين جمع فيه فأوعى (5/188)

189 ولم يترك شيئا يتعلق بفن الكتابة إلا ذكره ولما فرغ من تصينفه كتبه الناس عنه ومحاسنه كثيرة وكانت ولادته بجزيرة ابن عمر انتهى ملخصا وقال ابن الأهدل كان هو وأخواه أبو السعادات وعز الدين كلهم نجباء رؤساء لكل منهم تصانيف وتوفي في ربيع الآخر وفيها أبو محمد عبد العزيز بن بركات بن إبراهيم الخشوعي الدمشقي إمام الربوة روى عن أبيه وأبي القسم ابن عساكر وتوفي في ثامن ربيع الآخر وفيها أبو الحسن الحراني علي بن أحمد بن الحسن التجيب المرسي كان عارفا متقنا للنحو والكلام والمنطق سكن حماة وله تفسير عجيب قاله في العبر وفيها قستمر ومقدم العساكر جمال الدين الخليفتي الناصري توفي في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين وستمائة فيها سلم الملك الصالح إسمعيل قلعة الشقيف للفرنج لغرض في نفسه فمقته المسلمون وأنكر عليه ابن عبد السلام وأبو عمرو بن الحاجب فسجنهما وعزل ابن عبد السلام من خطابة دمشق قاله في العبر وفيها توفي أبو علي أحمد بن محمد بن محمود بن المعز الحراني ثم البغدادي الصوفي روى عن ابن البطي وأحمد بن المقرب وجماعة وتوفي في المحرم وفيها نجم الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن خلف بن راجح المقدسي الحنبلي ثم الشافعي صاحب التصانيف روى عن ابن صدقة الحراني وجماعة وسافر إلى همذان فلزم الركن الطاووسي حتى صار معيده ثم سافر إلى بخارا وبرع في علم الخلاف وطار اسمه وبعد صيته وكان يتوقد ذكاء ومن جملة محفوظاته الجمع بين الصحيحين وكان صاحب أوراد وتهجد توفي في خامس شوال وفيها جمال الملك أبو الحسن علي بن مختار بن نصر بن طعان (5/189)

190 العامري المحلى ثم الأسكندراني المعروف بابن الحبل روى عن السلفي وغيره وتوفي في شعبان وفيها أبو بكر محي الدين محمد بن علي بن محمد الحاتمي الطائي الأندلسي العارف الكبير ابن عربي ويقال ابن العربي قال الشعراوي في كتاب نسب الخرقة كان مجموع الفضائل مطبوع الكرم والشمائل قد فض له فضله ختام كل فن وبل له وبله رياض ما شرد من العلوم وعن نظمه عقود العقول وفصوص الفصول وحسبك بقول زروق وغيره من الفحول ذاكرين بعض فضله هو أعرف بكل فن من أهله وإذا أطلق الشيخ الأكبر في عرف القوم فهو المراد ولد بمرسية سنة ستين وخمسمائة ونشأبها وانتقل إلى أشبيلية سنة ثمان وسبعين ثم ارتحل وطاف البلدان فطرق بلاد الشام والروم والمشرق ودخل بغداد وحدث بها بشيء من مصنفاته وأخذ عنه بعض الحافظ كذا ذكره ابن النجار في الذيل وقال الشيخ عبد الرؤف المناوي في طبقات الأولياء له وقال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان وهو ممن كان يحط عليه ويسيء الاعتقاد فيه كان عارفا بالآثار والسنن قوي المشاركة في العلوم أخذ الحديث عن جمع وكان يكتب الإنشاء لبعض ملوك المغرب ثم تزهد وساح ودخل الحرمين والشام وله في كل بلد دخلها مآثر انتهى وقال بعضهم برز منفردا مؤثرا للتخلي والإنعزال عن الناس ما أمكنه حتى أنه لم يكن يجتمع به إلا الأفراد ثم آثر التآليف فبرزت عنه مؤلفات لا نهاية لها تدل على سعة باعه وتبحره في العلوم الظاهرة والباطنة وأنه بلغ مبلغ الإجتهاد في الإختراع والإستنباط وتأسيس القواعد والمقاصد التي لا يدريها ولا يحيط بها إلا من طالعها بحقها غير أنه وقع له في بعض تضاعيف تلك الكتب كلمات كثيرة أشكلت ظواهرها وكانت سببا لأعراض كثيرين لم يحسنوا الظن به ولم يقولوا كما قال غيرهم من الجهابذة المحققين والعلماء العاملين والأئمة الوارثين أن ما أوهمته تلك الظواهر ليس هو المراد وإنما (5/190)

191 المراد أمور اصطلح عليه متأخروا أهل الطريق غيرة عليها حتى لا يدعيها الكذابون فاصطلحوا على الكناية عنها بتلك الألفاظ الموهمة خلاف المراد غير مبالين بذلك لأنه لا يمكن التعبير عنها بغيرها قال المناوي وقد تفرق الناس في شأنه شيعا وسلكوا في أمره طرائق قددا فذهبت طائفة إلى أنه زنديق لا صديق وقال قوم أنه واسطة عقد الأولياء ورئيس الأصفياء وصار آخرون إلى اعتقاد ولايته وتحريم النظر في كتبه أقول منهم الشيخ جلال الدين السيوطي قال في مصنفه تنبيه الغبي بتبرئة ابن عربي والقول الفيصل في ابن العربي اعتقاد ولايته وتحريم النظر في كتبه فقد نقل عنه هو أنه قال نحن قوم يحرم النظر في كتبنا قال السيوطي وذلك لأن الصوفية تواضعوا على ألفاظ اصطلحوا عليها وأرادوا بها معان غير المعاني المتعارفة منها فمن حمل ألفاظهم على معانيها المتعارفة بين أهل العلم الظاهر كفر نص على ذلك الغزالي في بعض كتبه وقال أنه شبيه بالمتشابه من القرآن والسنة من حمله على ظاهره كفر وقال السيوطي أيضا في الكتاب المذكور وقد سأل بعض أكابر العلماء بعض الصوفية في عصره ما حملكم على أن اصطلحتم على هذه الألفاظ التي يستشنع ظاهرها فقال غيرة على طريقنا هذا أن يدعيه من لا يحسنه ويدخل فيه من ليس من أهله إلى أن قال وليس من طريق القوم إقراء المريدين كتب التصوف ولا يؤخذ هذا العلم من الكتب وما أحسن قول بعض العلماء لرجل قد سأله أن يقرأ عليه تائية ابن الفارض فقال له دع عنك هذا من جاع جوع القوم وسهر سهرهم رأى ما رأوا ثم قال في آخر هذا التصنيف أن الشيخ برهان الدين البقاعي قال في معجمه حكى لي الشيخ تقي الدين أبو بكر بن أبي الوفا المقدسي الشافعي قال وهو أمثل الصوفية في زماننا قال كان بعض الأصدقاء يشير علي بقراءة كتب ابن عربي وبعض يمنع من ذلك فاستشرت الشيخ يوسف الإمام الصفدي في ذلك فقال اعلم يا ولدي وفقك الله إن هذا العلم المنسوب إلى (5/191)

192 ابن عربي ليس بمخترع له وإنما هو كان ماهرا فيه وقد ادعى أهله أنه لا تمكن معرفته إلا بالكشف فإذا فهم المريد مرماهم فلا فائدة في تفسيره لأنه إن كان المقرر والمقرر له مطلعين على ذلك فالتقرير تحصيل الحاصل وإن كان المطلع أحدهما فتقريره لا ينفع الآخر وإلا فهما يخبطان خبط عشواء فسييل العارف عدم البحث عن هذا العلم وعليه السلوك فيما يوصل إلى الكشوف عن الحقائق ومتى كشف له عن شيء علمه ثم قال استشرت الشيخ زين الدين الخافي بعد أن ذكرت له كلام الشيخ يوسف فقال كلام الشيخ يوسف حسن وأزيدك أن العبد إذا تخلق ثم تحقق ثم جذب اضمحلت ذاته وذهبت صفاته وتخلص من السوى فعند ذلك تلوح له بروق الحق بالحق فيطلع على كل شيء ويرى الله عند كل شيء فيغيب بالله عن كل شيء ولا شيئا سواه فيظن أن الله عين كل شيء وهذا أول المقامات فإذا ترقى عن هذا المقام وأشرف على مقام أعلى منه وعضده التأييد الآلهي رأى أن الأشياء كلها فيض وجوده تعالى لاعين وجوده فالناطق حينئذ بما ظنه في أول مقام أما محروم ساقط وأما نادم تائب وربك يفعل ما يشاء انتهى ولقد بالغ ابن المقري في روضته فحكم بكفر من شك في كفر طائفة ابن عربي فحكمه على طائفته بذلك دونه يشير إلى أنه إنما قصد التنفير عن كتبه وإن من لم يفهم كلامه ربما وقع في الكفر باعتقاده خلاف المراد إذ للقوم اصطلاحات أرادوا بها معاني غير المعاني المتعارفة فمن حمل ألفاظهم على معانيها المتعارفة بين أهل العلم الظاهر ربما كفر كما قاله الغزالي ثم قال المناوي وعول جمع على الوقف والتسليم قائلين الاعتقاد صبغة والانتقاد حرمان وأمام هذه الطائفة شيخ الإسلام النووي فإنه استفتى فيه فكتب ( ^ تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ) الآية وتبعه على ذلك كثيرون سالكين سبيل السلامة وقد حكى العارف زروق عن شيخه النوري أنه سئل عنه فقال اختلف فيه من الكفر (5/192)

193 إلى القطبانية والتسليم واجب ومن لم يذق ما ذاقه القوم ويجاهد مجاهداتهم لا يسعه من الله الإنكار عليهم انتهى وأقول وممن صرح بذلك من المتأخرين الشيخ أحمد المقري المغربي قال في كتابه زهر الرياض في أخبار عياض والذي عند كثير من الأخيار في أهل هذه الطريقة التسليم ففيه السلامة وهي أحوط من إرسال العنان وقول يعود على صاحبه بالملامة وما وقع لابن حجر وأبي حيان في تفسيره من إطلاق اللسان في هذا الصديق وأنظاره فذلك من غلس الشيطان والذي أعتقده ولا يصح غيره أن الإمام ابن عربي ولي صالح وعالم ناصح وإنما فوق إليه سهام الملامة من لم يفهم كلامه على أنه دست في كتبه مقالات قدره يجل عنها وقد تعرض من المتأخرين ولي الله الرباني سيدي عبد الوهاب الشعراني نفعنا الله به لتفسير كلام الشيخ على وجه يليق وذكر من البراهين على ولايته ما يثلج صدور أهل التحقيق فليطالع ذلك من أراده والله ولي التوفيق انتهى كلام المقري ثم قال المناوي وفريق قصد بالإنكار عليه وعلى أتباعه الانتصار لحظ نفسه لكونه وجد قرينه وعصريه يعتقده وينتصر له فحملته حمية الجاهلية على معاكسته فبالغ في خذلانه وخذلان اتباعه ومعتقديه وقد شوهد عود الخذلان والخمول على هذا الفريق وعدم الانتفاع بعلومهم وتصانيفهم على حسنها قال وممن كان يعتقده سلطان العلماء ابن عبد السلام فإنه سئل عنه أولا فقال شيخ سوء كذاب لا يحرم فرجا ثم وصفه بعد ذلك بالولاية بل بالقطبانية وتكرر ذلك منه وحكى عن اليافعي أنه كان يطعن فيه ويقول هو زنديق فقال له بعض أصحابه يوما أريد أن تريني القطب فقيل هو هذا فقيل له فأنت تطعن فيه فقال أصون ظاهر الشرع ووصفه في إرشاده بالمعرفة والتحقيق فقال اجتمع الشيخان الإمامان العارفان المحققان الربانيان السهروردي وابن عربي فأطرق كل منهما ساعة ثم افترقا من غير كلام فقيل لابن عربي ما تقول في السهروردي فقال مملوء سنة من فرقه إلى قدمه وقيل (5/193)

194 للسهروردي ما تقول فيه قال بحر الحقائق ثم قال المناوي وأقوى ما احتج به المنكرون أنه لا يأول إلا كلام المعصوم ويرده قول النووي في بستان العارفين بعد نقله عن أبي الخير التبياني واقعة ظاهرها الإنكار قد يتوهم من يتشبه بالفقهاء ولا فقه عنده أن ينكر هذا وهذا جهالة وغباوة ومن يتوهم ذلك فهو جسارة منه على إرسال الظنون في أولياء الرحمن فليحذر العاقل من التعرض لشيء من ذلك بل حقه إذا لم يفهم حكمهم المستفادة ولطائفهم المستجادة أن يتفهمها ممن يعرفها وربما رأيت من هذا النوع مما يتوهم فيه من لا تحقيق عنده أنه مخالف ليس مخالفا بل يجب تأويل أفعاله أولياء الله إلى هنا كلامه وإذا وجب تأويل أفعالهم وجب تأويل أقوالهم إذ لا فرق وكان المجد صاحب القاموس عظيم الاعتقاد في ابن عربي ويحمل كلامه على المحامل الحسنة وطرز شرحه للبخاري بكثير من كلامه انتهى وأقول ومما يشهد بذلك ما أجاب به على سؤال رفع إليه لفظه ما تقول العلماء شد الله بهم أزر الدين وألم بهم شعث المسلمين في الشيخ محي الدين بن العربي وفي كتبه المنسوبة إليه كالفتوحات والفصوص وغيرهما هل تحل قراءتها وإقراؤها للناس أم لا أفتونا مأجورين فأجاب رحمه الله رحمة واسعة اللهم أنطقنا بما فيه رضاك الذي أقوله في حال المسئول عنه وأعتقده وأدين الله سبحانه وتعالى به أنه كان شيخ الطريقة حالا وعلما وأمام الحقيقة حدا ورسما ومحي رسوم المعارف فعلا واسما إذا تغلغل فكر المرء في طرف من بحره غرقت فيه خواطره في عباب لا تدركه الدلاء وسحاب تتقاصر عنه الأنواء وأما دعواته فإنها تخرق السبع الطباق وتفترق بركاته فتملأ الآفاق وأني أصفه وهو يقينا فوق ما وصفته وغالب ظني أني ما أنصفته ( وما على إذا ما قلت معتقدي * دع الجهول يظن الجهل عدوانا ) ( والله تالله بالله العظيم ومن * أقامه حجة لله برهانا ) (5/194)

195 ( إن الذي قلت بعض من مناقبه * مازدت إلا لعلي زدت نقصانا ) وأما كتبه فإنها البحار الزواخر جواهرها لا يعرف لها أول من آخر ما وضع الواضعون مثلها وإنما خص الله بمعرفتها أهلها فمن خواص كتبه أنه من لازم مطالعتها والنظر فيها انحل فهمه لحل المشكلات وفهم المعضلات وهذا ما وصلت إليه طاقتي في مدحه والحمد لله رب العالمين وكذلك أجاب ابن كمال باشا بما صورته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لمن جعل من عباده العلماء المصلحين وورثة الأنبياء والمرسلين والصلاة والسلام على محمد المبعوث لإصلاح الضالين والمضلين وآله وأصحابه المجدين لإجراء الشرع المبين وبعد أيها الناس اعلموا أن الشيخ الأعظم المقتدى الأكرم قطب العارفين وإمام الموحدين محمد بن علي بن العربي الطائي الأندلسي مجتهد كامل ومرشد فاضل له مناقب عجيبة وخوارق غريبة وتلامذة كثيرة مقبولة عند العلماء والفضلاء فمن أنكره فقد أخطأ وإن أصر في إنكاره فقد ضل يجب على السلطان تأديبه وعن هذا الاعتقاد تحويله إذ السلطان مأمور بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وله مصنفات كثيرة منها فصوص حكمية وفتوحات مكية وبعض مسائلها معلوم اللفظ والمعنى وموافق للأمر الآلهي والشرع النبوي وبعضها خفي عن إدراك أهل الظاهر دون أهل الكشف والباطن فمن لم يطلع على المعنى المرام يجب عليه السكوت في هذا المقام لقوله تعالى ( ^ ولا تقف ما ليس لك به علم أن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ) والله الهادي إلى سبيل الله الصواب وإليه المرجوع والمآب انتهى وكلا الجوابين مكتوب في ضريح المترجم فوق رأسه والله أعلم ثم قال المناوي وأخبر الشعراوي عن بعض إخوانه أنه شاهد رجلا أتى ليلا بنار ليحرق تابوته فخسف به وغبا بالأرض فأحسن أهله فحفروا فوجدوا رأسه فكلما حفروا نزل في الأرض فعجزوا وأهالوا عليه التراب قال ومن تأمل سيرة ابن عرابي وأخلاقه الحسنة وانسلاخه من حظوظ نفسه وترك العصبية (5/195)

196 حمله ذلك على محبته واعتقاده ومما وقع له أن رجلا من دمشق فرض على نفسه أن يلعنه كل يوم عشر مرات فمات وحضر ابن عربي جنازته ثم رجع فجلس ببيته وتوجه للقبلة فلما جاء وقت الغداء أحضر إليه فلم يأكل ولم يزل على حاله إلى بعد العشاء فالتفت مسرورا وطل بالعشاء وأكل فقيل له في ذلك فقال التزمت مع الله أني لا آكل ولا أشرب حتى يغفر لهذيا الذي يلعنني وذكرت له سبعين ألف لا إله إلا الله فغقر له وقد أوذي الشيخ كثيرا في حياته وبعد مماته بما لم يقع نظيره لغيره وقد أخبر هو عن نفسه بذلك وذلك من غرر كراماته فقد قال في الفتوحات كنت نائما في مقام إبراهيم وإذا بقائل من الأرواح أرواح الملأ الأعلى يقول لي عن الله أدخل مقام إبراهيم أنه كان أواها حليما فعلمت أنه لا بد أن يبتليني بكلام في عرضي من قوم فأعاملهم بالحلم قال ويكون أذى كثيرا فإنه جاء بحليم بصيغة المبالغة ثم وصفه بالأواه وهو من يكثر منه التأوه لما يشاهد من جلال الله انتهى وقال الصفي بن أبي منصور جمع بن عربي بين العلوم الكسبية والعلوم الوهبية وكان غلب عليه التوحيد علما وخلقا وخلقا لا يكترث بالوجود مقبلا كان أو معرضا وقال تلميذه الصدر القونوي الرومي كان شيخنا ابن عربي متمكنا من الاجتماع بروح من شاء من الأنبياء والأولياء الماضين على ثلاثة أنحاء إن شاء الله استنزل روحانيته في هذا العالم وأدركه متجسدا في صورة مثالية شبيهة بصورته الحسية العصرية التي كانت له في حياته الدنيا وإن شاء الله أحضره في نومه وإن شاء انسلخ عن هيكله واجتمع به وهو أكثر القوم كلاما في الطريق فمن ذلك ما قال ما ظهر على العبد إلا ما استقر في باطنه فما أثر فيه سواه فمن فيهم هذه الحكمة وجعلها مشهودة أراح نفسه من التعلق بغيره وعلم أنه لا يؤتي عليه بخير ولا شر إلا منه وأقام العذر لكل موجود وقال إذا ترادفت عليك الغفلات وكثرة النوم فلا تسخط ولا تلتفت لذلك فإن من نظر الأسباب مع الحق أشرك (5/196)

كن مع 197 الله بما يرد لا مع نفسك بما تريد لكن لا بد من الإستغفار وقال علامة الراسخ أن يزداد تمكنا عند سلبه لأنه مع الحق بما أحب فمن وجد اللذة في حال المعرفة دون السلب فهو مع نفسه غيبة وحضورا وقال من صدق في شيء وتعلقت همته بحصوله كان له عاجلا أو آجلا فإن لم يصل إليه في الدينا فهو له في الآخرة ومن مات قبل الفتح رفع إلى محل همته وقال العارف يعرف ببصره ما يعرفه غيره ببصيرته ويعرف ببصيرته ما لا يدركه أحد إلا نادرا ومع ذلك فلا يأمن على نفسه من نفسه فكيف يأمن على نفسه من مقدور ربه وهذا مما قطع الظهور سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وقال لا ينقص العارف قوله لتلميذه خذ هذا العلم الذي لا تجده عند غيري ونحوه مما فيه تزكية نفسه لأن قصده حث المتعلم على القبول وقال كلام العارف على صورة السامع بحسب قوة استعداده وضعفه وشبهته القائمة بباطنه وقال كل من ثقل عليك الجواب عن كلامه فلا تجبه فإن وعاءه ملآن لا يسع الجواب وقال من صح له قدم في التوحيد انتفت عنه الدعاوي من نحو رياء وإعجاب فإنه يجد جميع الصفات المحمودة لله لا له والعبد لا يعجب بعمل غيره ولا بمتاع غيره وقال من ملكته نفسه عذب بنار التدبير ومن ملكه الله عذب بنار الاختبار ومن عجز عن العجز أذاقه الله حلاوة الإيمان ولم يبق عنده حجاب وقال من أدرك من نفسه التغير والتبديل في كل نفس فهو العالم بقوله تعالى ( ^ كل يوم هو في شأن ) وقال من طلب دليلا على وحدانية الله تعالى كان الحمار أعرف بالله منه وقال الجاهل لا يرى جهله لأنه في ظلمته والعالم لا يرى علمه لأنه في ضياء نوره ولا يدري شيء إلا بغيره فالمرآة تخبرك بعيوب صورتك وتصدقها مع جهلك بما أخبرت به والعالم يخبرك بعيوب نفسك مع علمك بما أخبرك به وتكذبه فماذا بعد الحق إلا الضلال وقال حسن الأدب في الظاهر آية حسنه في الباطن فإياك وسوء (5/197)

198 الظن والسلام وقال معنى الفتح عندهم كشف حجاب النفس أو القلب أو الروح أو السر لما في الكتاب والسنة وقال وربما فهم أحدهم من اللفظ ضد ما قصده المتكلم سمع بعض علماء بغداد رجلا من شربة الخمر ينشد ( إذا العشرون من شعبان ولت * فواصل شرب ليلك بالنهار ) ( ولا تشرب بأقداح صغار * فإن الوقت ضاق على الصغار ) فهام على وجهه في البرية حتى مات وقال كثيرا ما تهب في قلوب العارفين نفحات الهيبة فإن نطقوا بها جهلهم كمل العارفين وردها عليهم أصحاب الأدلة من أهل الظاهر وغاب عن هؤلاء أنه تعالى كما أعطى أولياءه الكرامات التي هر فرع المعجزات فلا بدع أن تنطق ألسنتهم بعبارات تعجز العلماء عن فهمهما وقال من لم يقم بقلبه تصديق ما يسمعه من كلام القوم فلا يجالسهم فإن مجالستهم بغير تصديق سم قاتل وقال شدة القرب حجاب كما أن غاية البعد حجاب وإن كان الحق أقرب إلينا من حبل الوريد فأين السبعون ألف حجاب وقال لا تدخل الشبهة في المعارف والأسرار الربانية وإنما محلها العلوم النظرية وقال نهاية العارفين منقولة غير معقولة فما ثم عندهم إلا بداية وتنقضي أعمارهم وهم مع الله على أول قدم وقال كل من آمن بدليل فلا وثوق بإيمانه لأنه نظري فهو معرض للقوادح بخلاف الإيمان الضروري الذي يوجد في القلب ولا يمكن دفعه وكل علم حصل عن نظل وفكر لا يسلم من دخول الشبه عليه ولا الحيرة فيه وقال شرط الكامل الإحسان إلى أعدائه وهم لا يشعرون تخلقا بأخلاق الله فإنه دائم الإحسان إلى من سماهم أعداءه مع جهل الأعداء به وقال شرط الشيخ أن يكون عنده جميع ما يحتاجه المريد في التربية لا ظهور كرامة ولا كشف باطن المريد وقال الشفقة على الخلق أحق بالرعاية من الغيرة في الله لأن الغيرة لا أصل لها في الحقائق الثبوتبية لأنها من الغيرية ولا غيرية هناك وإن جنحوا للسلك فاجنح لها وجزاء سيئة سيئة مثلها فجعل القصاص (5/198)

199 سيئة أي ان ذلك الفعل سيء مع كونه مشروعا وكل ذلك تعظيما لهذه النشأة التي تولي الحق خلقها بيده واستخلفها في الأرض وحرم على عباده السعي في إتلافها بغير إذنه وقال الصوفي من أسقط الياءات الثلاث فلا يقول لي ولا عندي ولا متاعي أي لا يضيف لنفسه شيئا وقال الدعاء مخ العبادة وبالمخ تكون القوة للأعضاء فلذا تتقوى به عبادة العابدين وقال تحفظ من لذات الأحوال فإنها سموم قاتلة وحجب مانعة وقال لا يغرنك إمهاله فإن بطشه شديد والشقي من اتعظ بنفسه لا يغرنك من خالف فجوزي بإحسان المعارف ووقف في أحسن المواقف وتجلت له المشاهد هذا كله مكر به واستدراج من حيث لا يعلم قل له إذا احتج عليك بنفسه ( سوف ترى إذا انجلى الغبار * أفرس تحتك أم حمار ) وقال لا يصح لعبد مقام المعرفة بالله وهو يجهل حكما واحدا من شرائع الأنبياء فمن ادعى المعرفة واستشكل حكما واحدا في الشريعة المحمدية أو غيرها فهو كاذب وقال أجمعت الطائفة على أن العلم بالله عين الجهل به تعالى وقال إذ ذكر الله الذاكر ولم يخشع قلبه ولا خضع عند ذكره إياه لم يحترم الجناب الآلهي ولم يأت بما يليق به من التعظيم وأول ما تمقته جوارحه وجميع أجزاء بدنه وقال الأسماء الآلهية كلها التي عليها يتوقف وجود العالم أربعة لا غير الحي القادر المريد العالم وبهذا الأسماء ثبت كونه إلها وقال أخبرني من أثق به قال دخلت على رجل فقيه عالم متكلم فوجدته بمجلس فيه الخمر وهو يشرب ففرغ النبيذ فقيل له أنفذ إلى فلان يأتي بنبيذ فقال لا فإني ما أصررت على معصية قط ولي بين الكأسين توبة ولا أنتظره فإذا حصل بيدي أنظر هل يوفقني ربي فأتركه أو يخذلني فأشربه ثم قال أعني ابن عربي فهكذا العلماء انتهى كلام المناوي ملخصا وأقول ومن كلامه أيضا ( ما نال من جعل الشريعة جانبا * شيئا ولو بلغ السماء مناره ) (5/199)

200 ومن شعره الرائق قوله ( حقيقتي همت بها * وما رآها بصري ) ( ولو رآها لغدا * قتيل ذاك الحور ) ( فعندما أبصرتها * صرت بحكم النظر ) ( فبت مسحورا بها * أهيم حتى السحر ) ( يا حذري من حذري * لو كان يغني حذري ) ( والله ما هيمني * جمال ذاك الخفر ) ( يا حسنها من ظبية * ترعى بذات الخمر ) ( إذا رنت أو عطفت * تسبي عقول البشر ) ( كأنما أنفاسها * أعراف مسك عطر ) ( كأنها شمس الضحى * في النور أو كالقمر ) ( إن سفرت أبرزها * نور صباح مسفر ) ( أو سدلت غيبها * ظلام ذاك الشعر ) ( يا قمر تحت دجى * خذي فؤادي أو ذري ) ( عسى لكي أبصركم * إذ كان حظي نظري ) وكان يقول أعرف الاسم الأعظم وأعرف الكيمياء بطريق المنازلة لا بطريق الكسب وكان مجتهدا مطلقا بلا ريب قال في رائيته ( لقد حرم الرحمن تقليد مالك * وأحمد والنعمان والكل فاعذروا ) وقال أيضا في نونيته ( لست ممن يقول قال ابن حزم * لا ولا أحمد ولا للنعمان ) وهذا صريح بالاجتهاد المطلق كيف لا وقد قال عرضت أحاديثه جميعها عليه فكان يقول عن أحاديث صحت من جهة الصناعة ما قلتها وعن أحاديث ضعفت من جهتها قلتها وإذا لم يكن مجتهدا فليس لله مجتهد (5/200)

201 إن لم تريه فهذه آثاره هذا وما نقم عليه أحد فيما أعلم بغير ما فهمه من كلامه من الحلول أو الاتحاد وما تفرع عليهما من كفر أو إلحاد وساحته النزهة منهما وشأوه أبعد شأو عنهما وكلامه بنفسه يشهد بهذا خلى افتراك فذاك خلى لاذا قال في فتوحاته المكية التي هي قرة عين السادة الصوفية في الباب الثاني والتسعين ومائتين من أعظم دليل على نفي الحلول والاتحاد الذي يتوهمه بعضهم أن تعلم عقلا أن القمر ليس فيه من نور الشمس شيء وأن الشمس ما انتقلت إليه بذاتها وإنما كان القمر محلالها فلذلك العبد ليس فيه من خالقه شيء ولا حل فيه وقال أيضا فيها في الباب الثامن والسبعين كما نقله عنه الشعراني في كتابه اليواقيت والجواهر وفي بيان عقائد الأكابر أن الله تعالى لم يوجد العالم لافتقاره إليه وإنما الأسباب في حال عدمها الامكاني لها طلبت وجودها ممن هي مفتقرة إليه بالذات وهو الله تعالى لا تعرف غيره فلما طلبت بفقرها الذاتي من الله تعالى أن يوجدها قبل الحق سؤالها لا من حاجة قامت به إليها لأنها كانت مشهودة له تعالى في حال عدمها النسبي كما هي مشهودة له في حال وجودها سواء فهو يدركها سبحانه على ما هي عليه في حقائقها حال وجودها وعدمها بإدراك واحد فلهذا لم يكن إيجاده للأشياء عن فقر بخلاف العبد فإن الحق تعالى لو أعطاه جزء كن وأراد إيجاد شيء لا يوجده إلا عن فقر إليه وحاجة فما طل بالعبد إلا ما ليس عنده فقد افترق إيجاد العبد عن إيجاد الحق تعالى قال وهذه مسئلة لو ذهبت عينك جزاء لتحصيلها لكان قليلا في حقها فإنها مزلة قدم زل فيها كثير من أهل الله تعالى والتحقوا فيها بمن ذمهم الله تعالى في قوله ( ^ لقدكفر الذين قالوا أن الله فقير ونحن أغنياء ) انتهى فإن قلت قد نقل بعضهم عن الشيخ أنه كان ينشد ( الكل مفتقر ما الكل مستغني * هذا هو الحق قد قلنا ولا نكنى ) (5/201)

202 فالجواب أن هذا ومثله من المدسوس عليه في كتاب الفصوص وغيره فإن هذا يكذبه الناقل عنه خلاف ذلك انتهى كلام الشعراني توفي رحمه الله ورضي عنه في الثاني والعشرين من ربيع الآخر بدمشق في دار القاضي محيي الدين بن الزكي وحمل إلى قاسيون فدفن في ترتبه المعلومة الشريفة التي هي قطعة من رياض الجنة والله تعالى أعلم وفيها أمين الدين أبو بكر وأبو عبد الله أحمد بن محمد بن طلحة بن الحسن بن طلحة بن حسان البصري الأصل البغدادي المصري الفقيه الحنبلي المحدث المعدل ولد سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة تقريبا وطلب الحديث وسمع الكثير من ابن كليب وذاكر ابن كامل وأبي الفرج بن الجوزي وابن المعطوس وخلق كثير من هذه الطبقة وكتب بخطه كثيرا وتفقه في المذهب وتكلم في الخلاف وحصل طرفا صالحا من الأدب وسافر إلى بلاد فارس والروم ومصر وشهد عند ابن اللمعاني وله مجموعات وتخاريج في الحديث وجمع الأحاديث السباعيات والثمانيات التي له ومعجما لشيوخه وحدث ببغداد وغيرها ذكر ذلك ابن النجار وقال سمعت منه وهو فاضل عالم ثقة صدوق متدين أمين نزه حسن الطريقة جميل السيرة طاهر السريرة سليم الجانب مسارع إلى فعل الخير محبوب إلى الناس انتهى توفي ليلة الأحد ثالث ربيع الأول ببغداد وفيها تقي الدين أبو عبد الله يوسف بن عبد المنعم بن نعمة بن سلطان بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر المقدسي النابلسي الفقيه الحنبلي المحدث ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة تقديرا ببيت المقدس وسمع بدمشق من ابن طبرزد وغيره قال المنذري توافقنا في السماع كثيرا وكان على طريقة حسنة توفي عاشر ذي القعدة بمدينة نابلس سنة تسع وثلاثين وستمائة فيها توفي الشمس بن الخباز النحوي أبو عبد الله أحمد بن الحسين بن أحمد (5/202)

203 ابن معالي الأربلي ثم الموصلي الضرير صاحر التصانيف الأدبية توفي في رجب بالموصل وله خمسون سنة قاله في العبر وفيها المارستاني أبو العباس أحمد بن يعقوب بن عبد الله البغدادي الصوفي قيم جامع المنصور روى عن أبي المعالي بن اللحاس وحفدة العطاردي وجماعة وتوفي في ذي الحجة وفيها أبو العباس أحمد بن محفوظ بن مهنا بن شكر بن الصافيوني الرصافي البغدادي الحنبلي الفقيه المحدث سمع الكثير وعنى بالسماع وكتب الطباق بخطه وهو حسن وتفقه على القاضي أبي صالح نصر بن عبد الرزاق وكان خيرا صالحا متعبدا توفي يوم الاحد تاسع عشر صفر ودفن بمقبرة معروف الكرخي وفيها تقي الدين إسحق بن طرخان بن ماضي الفقيه الشافعي الشاغوري آخر من حدث عن حمزة بن كروش توفي في رمضان بالشاغور وفيها النفيس بن قادوس القاضي أبو الكرم أسعد بن عبد الغني العدوي المصري آخر من روى عن الشريف أبي الفتوح الخطيب وأبي العباس بن الحطية وتوفي في ذي الحجة وله ست وتسعون سنة وفيها أبو الطاهر إسمعيل بن مظفر بن أحمد بن إبراهيم بن مفرج بن منصور بن ثعلب بن عيينة بن ثابت بن بكار بن عبد الله بن شرف بن مالك بن المنذر بن النعمان بن المنذر المنذري النابلسي الدمشقي المولد المحدث الحنبلي ولد سنة أربع وسبعين وخمسمائة بدمشق وارتحل في طلب الحديث إلى الأمصار فسمع بمكة من ابن الحصري وبمصر من البوصيري والأرتاحي والحافظ عبد الغني وجماعة وببغداد من المبارك بن كليب وابن الجوزي وغيرهما وبأصبهان من أبي المكارم اللبان وغيره وبخراسان من عبد المنعم الفراوي والمؤيد الطوسي وجماعة وبنيسابور من أبي سعد الصفار وغيره وبحران من الحافظ عبد القادر الرهاوي وانقطع إليه مدة وكتب الكثير بخطه وحدث بالكثير قال المنذري سمعت منه بحران ودمشق وكتب عنه (5/203)

204 ابن النجار ببغداد وقال كان شيخا صالحا وقال عمر بن الحاجب كان عبدا صالحا صاحب كرامات ذا مروءة مع فقر مدقع صحيح الأصول روى عنه الحافظ الضياء والمنذري والبرزالي والقاضي سليمان بن حمزة وتوفي في رابع شوال بسفح قاسيون ودفن به وفيها أبو علي الحسن بن إبراهيم بن هبة الله بن دينار المصري الصانع روى عن السلفي ومات في جمادى الآخرة عن تسع وثمانين سنة وفيها الأسعردي أبو الربيع سليمان بن إبراهيم بن هبة الله بن رحمة الحنبلي المحدث خطيب بيت لهيا ولد بأسعرد سنة سبع وستين وخمسمائة ورحل فسمع بدمشق من الخشوعي وابن طبرزد وجماعة كثيرة وبمصر من البوصيري وغيره وبالأسكندرية من ابن علاس وانقطع إلى الحافظ عبد الغني المقدسي مدة وتخرج به وسمع منه الكثير وكتب بخطه كثيرا وكان كثير الإفادة حسن السيرة سئل عنه الحافظ الضياء فقال خير دين ثقة وأقام ببيت لهيا وتولى إمامتها وخطابتها قال المنذري اجتمعت به ولم يتفق لي السماع منه وأفادنا إجازة عن جماعة من شيوخ المصريين وغيرهم شكر الله سعيه وجزاه خيرا توفي في ثاني عشرى ربيع الآخر ببيت لهيا ورحمة اسم أم أبي جده وبها عرف جده وفيها أبو المعالي عماد الدين عبد الرحمن بن نفيل العلامة قاضي القضاة الواسطي الشافعي ولد سنة سبعين وخمسمائة وتفقه فدرس وأفتى وناب في القضاء عن أبي صالح الجيلي ثم ولى بعده القضاء ودرس بالمستنصرية ثم عزل عن الكل سنة ثلاث وثلاثين وستمائة فتزهد وتعبد ثم ولي مشيخة رباط في سنة خمس وثلاثين وحدث عن ابن كليب وتوفي في ذي القعدة وفيها عبد السيد بن أحمد الضبي خطيب يعقوبا روى عن يحيى بن ثابت وأحمدالمرقعاتي وتوفي في صفر وله تسع وسبعون سنة وفيها أبو محمد سيف الدين عبد الغني بن فخر الدين أبي عبد الله محمد بن تيمية (5/204)

205 الحراني الحنبلي خطيب حران وابن خطيبها الفخر ولد في ثاني صفر سنة إحدى وثمانين وخمسمائة بحارن وسمع بها من والده وعبد القادر الرهاوي وغيرهما ورحل إلى بغداد فسمع من ابن سكينة وابن طبرزد وغيرهما وأخذ الفقه عن غلام ابن المنى وغيره ورجع إلى حران وقام مقام أبيه بعد وفاته فكان يخطب ويعظ ويدرس ويلقي التفسير في الجامع على الكرسي قال ابن حمدان كان خطيبا فصيحا رئيسا ثابتا رزين العقل وله تصنيف الزوايد على تفسير الوالد وإهداء القر إلى ساكني الترب قال ولم أسمع منه ولا قرأت عليه شيئا وسمعت بقراءته على والده كثيرا توفي في سابع المحرم بحران وفيها البدر علي بن عبد الصمد بن عبد الجليل المرازقي المؤدب بمكتب جاروخ بدمشق روى عن السلفي ثماني الآجري وتوفي في ربيع الآخر وفيها أبو فضيل قايماز المعظمي مجاهد الدين والي البحيرة روى عن السلفي ومات في سلخ شوال وفيها شرف الدين بن الصفراوي قاضي قضاة مصر أبو المكارم محمد بن القاضي أبي المجد حسن الأسكندراني ثم المصري الشافعي ولد بالأسكندرية سنة إحدى وخمسين وخمسمائة وقدم القاهرة فناب في القضاء سنة أربع وثمانين عن نصر الدين بن درباس ثم ناب عن غير واحد وولى قضاء الديار المصرية في سنة سبع عشرة وستمائة وتوفي في تاسع عشر ذي القعدة وفيها ابن نعيم القاضي أبو بكر محمد بن يحيى بن مظفر البغدادي الشافعي المعروف بابن الحبير ولد سنة تسع وخمسين وسمع من شهدة وجماعة وكان من أئمة الشافعية صاحب ليل وتهجد وحج طويل الباع في النظر والجدل ولي تدريس النظامية مدة قال الأسنوي كان إماما عارفا بالمذهب ودقائقه وتحقيقاته وليه اليد الطولى في الجدل والمناظرة دينا خيرا كثير التلاوة عليه وقار وسكينة وتفقه على المحبر البغدادي بعد أن كان حنبليا ونا بفي القضاء عن ابن فضلان وحدث وتوفي في سابع شوال (5/205)

206 وفيها الكمال بن يونس العلامة أبو الفتح موسى بن يونس بن محمد بن منعة بن مالك الموصلي الشافع يأحد الأعلام ولد سنة إحدى وخمسين بالموصل وتفقه على والده وببغداد على معيد النظامية السديد السلماني وبرع عليه في الأصول والخلاف وقرأ النحو على ابن سعدون القرطبي والكمال الأنباري وأكب على الاشتغال بالعقليات حتى بلغ فيها الغاية وكان يتوقد ذكاء ويموج بالمعارف حتى قيل أنه كان يتقن أربعة أربعة عشر فنا واشته رذكره وطار صيته وخبره ورحلت الطلبة إليه من الأقطار وتفرد بإتقان علم الرياضي ولم يكن له في وقته نظير قال ابن خلكان كان يتهم في دينه لكون العلوم العقلية غالبة عليه كما قال العماد المغربي فيه ( وعاطيته صهباء من فيه مزجها * كرقة شعري أو كدين ابن يونس ) وقال ابن خلكان أيضا ولقد رأيته بالموصل في شهر رمضان سنة ست وعشرين وستمائة وترددت إليه دفعات عديدة لما كان بينه وبن الوالد رحمه الله من المؤانسة والمودة الأكيدة ولم يتفق لي الأخذ عنه لعدم الإقامة وسرعة الحركة إلى الشام وكان الفقهاء يقولون أنه يدري أربعة وعشرين علما دراية متقنة فمن ذلك المذهب وكان فيه أوحد أهل زمانه وكان جماعة من الحنيفية يشتغلون عليه بمذهبهم ويحل لهم مسائل الجامع الكبير أحسن حل مع ما هي عليه من الأشكال المشهور وكان يتقن فن الخلاف العراقي والبخاري وأصول الفقه والدين ولما وصلت كتب فخر الدين الرازي إلى الموصل وكان بها إذ ذاك جماعة من الفضلاء لم يفهم أحد اصطلاحه فيها سواه وكذلك الإرشاد للعميدي لما وقف عليها في ليلة واحدة وأقرأها على ما قالوه وبالجملة فقد كان كمال الدين كما قال الشاعر ( وكان من العلوم بحيث يقضي * له في كل علم بالجميع ) واستخرج في علم الأوفاق طرقا لم يهتد إليها أحد وكان يحفظ من التواريخ (5/206)

207 وأيام العرب ووقائعهم والأشعار والمحاضرات شيا كثيرا وكان أهل الذمة يقرأون عليه التوارة والإنجيل ويشرح لهما هذين الكتابين شرحا يعترفون أنهم لا يجدون من يوضحهما لهم مثله وبالجملة فإن مجموع ما كان يعرف من العلوم لم يكن يسمع عن أحد ممن كان تقدمه أنه جمع مثله وتوفي رحمه الله تعالى بالموصل رابع عشر شعبان انتهى كلاما بن خلكان ملخصا.

سنة أربعين وستمائة

فيها جهز الملك الصالح أيوب عسكره وعليهم كمال الدين بن الشيخ لأخذ دمشق من عمه الصالح إسمعيل فمات مقدم العسكر كما الدين بغزة ويقال أنه سم وفيها توفي الزين أحمد بن عبد الملك بن عثمان المقدسي الحنبلي الشروطي الناسخ روى عن يحيى الثقفي والبوصيري وابن المعطوس وطبقتهم وطلب وكتب الأجزاء توفي في رمضان عن ثلاث وستين سنة وفيها أبو إسحق إبراهيم بن الشيخ أبي طاهر بركات بن إبراهيم بن طاهر الدمشقي الخشوعي آخر من سمع من عبد الواحد بن هلال وما يدرى ما سمع من ابن عساكر توفي في رجب وله اثنتان وثمانون سنة وفيها آسية المقدسية والدة السيف بن المجد قال أخوها الضياء ما في زماننا مثلها لا تكاد تدع قيام الليل وفيها الحجة الأتابكية امرأة الأشرف موسى صاحبة المدرسة والتربة بجبل قاسيون تركان بنت الملك عز الدين مسعود بن قطب الدسن مودود بن أتابك زنكي وفيها جمال النساء بنت أحمد بن أبي سعد العراف البغدادية سمعت من ابن البطي وأحمد بن محمد الكاغدي وبقية عشرة شيوخ وتوفيت في جمادى الأولى وفيها أبو محمد الحسن بن الأكرم عرف بابن الزاهد العلوي الأديب. ومن شعره ( صد عني وجاء شينا فريا * فنبذت الكرى مكانا قصيا ) ( ورعيت النجوم في الليل حتى * بات طرفي موكلا بالثريا ) ( وبراني الأسى فقلت لقلبي * ذق أليم الغرام ما دمت حيا ) ( كيف تهوى من لا يرق لصب * قد كوت قلبه الصبابة كيا ) ( يا طبيب القلوب عالج مريضا * يشتكي من جفاك داء دويا ) ( ترك الحزم من أحب كحبي من بني الترك ظالما تركيا ) ( يا بخيلا بوصله ولعمري * ضيق العين لا يكون سخيا ) وفيها سعيدة بنت عبد الملك بن يوسف بن محمد بن قدامة روت بالإجازة عن العثماني وفيها عائشة بنت المستنجد بالله بن المقتفى وأخت المستضيء وعمة الناصر عمرت دهرا وماتت في ذي الحجة وفيها عبد الحميد بن محمد بن سعد الصالحي الطيان روى عن يحيى الثقفي وتوفي في رجب وفيها ابن أبية عبد العزيز بن محمد بن الحسن بن الدجاجية روى عن الحافظ ابن عساكر ومات في المحرم وفيها أبو محمد عبد العزيز بن مكي بن كرسا البغدادي روى عن ابن البطي وجماعة وتوفي في ربيع الآخر وفيها صاحب المغرب أبو محمد بن المأمون واسمه عبد الواحد بن إدريس المؤمني صاحب مراكش ولي الأمر سنة ثلاثين وستمائة وأعاد ذكر ابن تومرت في الخطبة ليستميل قلوب الموحدين توفي غريقا في صهريج بستانه وولي بعده أخوه المعتضد علي وفيها العلم بن الصابوني أبو الحسن علي بن محمود بن أحمد المحمودي الحربي الصوفي والد الجمال بن الصابوني المحدث أجاز له أبو المطهر الصيدلاني وابن البطي وطائفة وسمع من السلفي وكان عدلا جليلا وافر الحرمة توفي في شوال عن أربع وثمانين سنة وفيها ابن شفين الشريف أبو الكرم (5/208)

209 محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن أحمد الهاشمي العباسي المتوكلي مسند العراق أجاز له أبو بكر بن الزاغوني ونصر بن نصر العكبري وأبو الوقت ومحمد بن عبيد الله الرطبي وسمع من يحيى بن السدنك وتوفي في رجب وله إحدى وتسعون سنة وكان سريا نبيلا وفيها المستنصر بالله أبو جعفر منصور ابن الظاهر بأمر الله محمد بن الناصر أحمد بن المستضيء حسن بن المستنجد يوسف بن المقتفي العباسي ولد سنة ثمان وثمانين وخمسمائة وهو ابن تركية واستخلف في رجب سنة ثلاث وعشرين وستمائة فحمدت سيرته وكان أشقر ضحما قصيرا وخطه الشيب فخضب الحناء ثم تركه وكان جوادا كريما رحيما سمحا عادلا بنى مدرسة المستنصرية ووقفها على المذاهب الأربعة وفيها المارستان والحمام وليس في الدنيا مثلها وهي بالعراق كجامع دمشق وبنى المساجد والخوانك والخانات في الطرق ولم يكن للمال عنده قدر بنى أبوه الناصر بركة وترك فيها المال وكان يقول ترى أعيش حتى أملها فلما ولي المستنصر كان يقول ترى أعيش حتى أفرغها وتوفي بكرة الجمعة عاشر جمادى الآخرة وحزن الناس عليه حزنا عظيما وبويع لولده عبد الله المستعصم سنة إحدى وأربعين وستمائة فيها كما قال في العبر حكمت التتار على بلد الروم والتزم صاحبها ابن علاء الدين بأن يحمل لهم كل يوم ألف دينار ومملوكا وجارية وفرسا وكلب صيد وفيها توفي أبو إسحق تقي الدين إبراهيم بن محمد بن الأزهر ابن أحمد بن محمد الصريفيني بفتح الصاد المهملة وكسر الراء والفاء بين تحتيتين ساكنتين وآخره نون نسبة إلى صريفين قرية ببغداد ولنا أخرى بواسط الحافظ الحنبلي الفقيه نزيل دمشق ولد ليلة حادي عشر محرم سنة إحدى (5/209)

210 أو اثنتين وثمانين وخمسمائة بصريفين ودخل بغداد وسمع بها من ابن الأخضر وابن طبرزد وهذه الطبقة ورحل إلى الأقطار وسمع بأصبهان ونيسابور وهراة وبوشنج ودينور ونهاوند وتستر وطبس والموصل ودمشق وبيت المقدس وحران من أعلام هذه المدن وتخرج بحران على الرهاوي وتفقه ببغداد على ابن التواريخي وأبي البقاء العكبري وتأدب بهبة الله الدوري قال عمر بن الحاجب الحافظ كان أحد حفاظ الحديث وأوعية العلم إماما فاضلا صدوقا خيرا نبيلا ثقة حجة واسع الرواية ذا سمت ووقار وعفاف حسن السيرة جميل الظاهر سخي النفس مع القلة كثير الرغبة في فعل الخيرات سافر الكثير وجال في الآفاق وكتب الكثير وقرأ وأفاد كثير التواضع سليم الباطن وكان شيخا لدار حديث منبج تركها واستوطن حلب وولي بها دار الحديث التي للصاحب بن شداد وكان يحدث بها ويتكلم على الأحاديث وفقهها ومعانيها سألت البرزالي عنه فقال حافظ دين ثقة وقال أبو شامة كان عالما بالحديث دينا متواضعا توفي في خامس عشر جمادى الأولى وحضرت الصلاة عليه بجامع دمشق ودفن بسفح قاسيون رحمه الله تعالى وفيها الأعز بن كرم أبو محمد الحربي الأسكاف البزاز سمع من يحيى بن ثابت وغيره وتوفي في صفر وفيها شمس الدين أبو الفتوح وأبو الخطاب عمر بن أسعد بن المنجا بن بركات المؤمل التنوخي المعرى الحراني المولد الدمشقي الدار والوفاة القاضي الحنبلي بن القاضي وجيه الدين ولد بحران إذ أبوه قاضيها في الدولة النورية سنة سبع وخمسين وخمسمائة ونشأ بها تفقه على والده وسمع من عبد الوهاب بن أبي حبة وقدم دمشق فسمع بها من القاضي أبي سعد بن أبي عصرون وغيره ورحل إلى العراق وخراسان وسمع ببغداد واشتغل بالخلاف على المحبر الشافعي وأفتى ودرس وكان عارفا بالقضاء بصيرا بالشروط والحكومات والمسائل الغامضات صدرا (5/210)

211 نبيلا وولي قضاء حران قديما واستوطن دمشق ودرس بها بالمسمارية وحدث عنه البرزالي وابن العديم وغيرهما وأجاز لابن الشيرازي توفي في سابع عشر ربيع الآخر ودفن بسفح قاسيون كذا قال أبو شامة وفيها أبو القسم حمزة بن عمر بن عتيق بن أوس الغزال الأنصاري الأسكندراني روى عن السلفي وتوفي في ذي الحجة وفيها سلطان بن محمود البعلبكي الزاهد أحد أصحاب الشيخ عبد الله اليونيني كان صاحب أحوال وكرامات وهو والد الشيخ الصالح محمود قال السخاوي في طبقاته كان من كبار أولياء الله تعالى تقوت مدة من مباح جبل لبنان حكى العماد أحمد بن سعد أن الشيخ معالي خادم الشيخ سلطان حدثه أنه سأل الشيخ سلطان فقال يا سيدي كم مرة رحت إلى مكة في ليلة قال ثلاث عشرة مرة قلت فالشيخ عبد الله اليونيني قال لو أراد أن لا يصلي فريضة إلا في مكة لفعل وقال الشيخ عبد الدائم بن أحمد بن عبد الدائم لما أعطي الشيخ سلطان الحال جاء إليه سايس كردي فقال قد عزلت أنا ووليت أنت وبعد ثلاثة أيام أدفني قال فمات بعد ثلاث ودفنه وحكى الشيخ الصالح محمود بن الشيخ سلطان أن أباه كانت تفتح له أبواب بعلبك بالليل انتهى وفيها عائشة بنت محمد بن علي بن البل البغدادي الواعظة أجاز لها أبو الحسن بن غبرة والشيخ عبد القادر وكانت صالحة تعظ النساء توفيت في جمادى الأولى وفيها أبو محمد عبد الحق بن خلف بن عبد الحق الدمشقي الحنبلي روى عن أبي الفهم بن أبي العجايز وابن صابر وجماعة وكان يلقب بالضياء وسمع بحران من أبي الوفاء وحدث وكان مشهورا بالخير والصلاح وعجز في آخر عمره عن التصرف وتفرد بأشياء وتوفي في جمادى الآخرة وفيها عز الدين أبو الفتح وأبو عمرو عثمان بن أسعد الحنبلي ولد في محرم سنة سبع وستين وخمسمائة وسمع بمصر من البوصيري ويعقوب (5/211)

212 ابن الطفيل وببغداد من ابن سكينة وغيره وسمع منه الحافظ ابن الحاجب وابن الحلوانية وولداه وجيه الدين محمد وزين الدين المنجا والحسن بن الخلال وكان فقيها فاضلا معدلا ودرس بالمسمارية عن أخيه نيابة وكان تاجرا ذا مال وثروة توفي في مستهل ذي الحجة وفيها أبو الوفاء عبد الملك بن عبد الحق بن عبد الوهاب بن عبد الواحد بن الحنبلي ولد سنة خمس وخمسين وخمسمائة وسمع بالأسكندرية من السلفي وبمكة من المبارك بن الطباخ وبدمشق من أبي الحسين بن الموازيني وحدث وتوفي في جمادى الآخرة ودفن بجبل قاسيون وفيها أبو المكارم عبد الواحد بن عبد الرحمن بن عبد الواحد بن محمد بن هلال الأزدي الدمشقي روى عن الحافظ بن عساكر والأمير أسامة وتوفي في رجب وفيها البسارسي أبو الرضا علي بن زيد بن علي الأسكندراني الخياط روى عن السلفي وبسارس من قرى برقة توفي في رمضان قاله في العبر وفيها علي بن أبي الفخار هبة الله بن أبي منصور محمد بن هبة الله الشريف أبو تمام الهاشمي العدل خطيب جامع ابن المطلب ببغداد روى عن ابن البطي وأبي زرعة وجماعة وعاش تسعين سنة وتوفي في جمادى الآخرة وفيها قيصر بن فيروز البواب أبو محمد القطيعي روى عن عبد الحق اليوسفي وتوفي في شهر رمضان وفيها كريمة بنت عبد الوهاب بن علي بن الخضر مسندة الشام أم الفضل القرشية الزبيرية وتعرف ببنت الحبقبق روى عن حسان الزيات وخلق وأجاز لها أبو الوقت وابن الباغيان ومسعود الثقفي وخلق وروت شيئا كثيرا توفيت في جمادى الآخر ببستانها بالميطور وفيها الجواد الذي تسلطن بدمشق بعد الملك الكامل هو مظفر الدين يونس بن ممدود بن العادل كان من أمراء عمه الكامل وكان جوادا لكنه لا يصلح للملك وفيها الأمير أبو المنصور مهلهل بن الأمير محمد الملك أبي (5/212)

213 الضياء بدران بن يوسف بن عبد الله بن رافع بن زيد بن أبي الحسن بعلي بن سلامة بن طارق بن ثعلب بن طارق بن سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت الحساني البابلسي الأصل المصري الحنبلي سمع من إسمعيل بن ياسين والأبوصيري والأرتاحي وابن نجا والحافظ عبد الغني ولازمه كثيرا وخلق كثير وكتب بخطه وقرأ بلفظه قال المنذري سمعت منه وتوفي في سابع عشر شعبان وفيها الصدر الرئيس جمال الدين محمد بن عقيل بن كروس محتسب دمشق كان كيسا متواضعا دفن بداره بدرب السامري والله أعلم سنة اثنتين وأربعين وستمائة فيها توفي القاضي شهاب الدين ابو إسحق إبراهيم بن عبد الله بن عبد المنعم بن علي بن محمد بن فاتك بن محمد المعروف بابن أبي الدم ولد بحماة في جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة ورحل إلى بغداد فتفقه بها وسمع بالقاهرة وحدث بها وبكثير من بلاد الشام وولي قضاء بلده همذان بإسكان الميم وهو حموي ولي قضاءها أيضا وكان إماما في مذهب الشافعي عالما بالتاريخ له نظم ونثر ومن تصانيفه شرح مشكل الوسيط وأدب القاضي وكتاب في التاريخ والفرق الإسلامية وقال الذهبي له التاريخ الكبير المظفير وتصانيفه تدل على فضله توفي في جمادى الآخرة وفيها التاج بن الشيرازي أبو المعالي أحمد بن القاضي أبي نصر محمد بن هبة الله بن محمد الدمشقي المعدل روى عن جده والفضل بن البانياسي وجماعة وتوفي في رمضان وله إجازة من السلفي وفيها أبو طالب حاطب بن عبد الكريم بن أبي يعلى الحارثي روى عن القسم بن عساكر وتوفي في المحرم عن خمس وتسعين سنة وفيها أبو المنصور ظافر بن طاهر بن ظافر بن إسمعيل بن سحم الأزدي الأسكندراني المالكي المطرزروي روى عن السلفي وجماعة وتوفي (5/213)

214 في ربيع الأول وفيها تاج الدين بن حموية شيخ الشيوخ أبو محمد عبد الله ويسمى أيضا عبد السلام بن عمر بن علي بن محمد الجويني الصوفي شيخ السميساطية ولد بدمشق سنة ست وستين وسمع من شهدة والحافظ أبي القسم بن عساكر ودخل المغرب قبل الستمائة فأقام هناك ست سنين وله مجاميع وفوائد وكان نزها عفيفا قليل الطمع لا يلتفت إلى أحد من خلق الله تعالى لأجل الدنيا وصنف التاريخ وهو عم أولاد شيخ الشيوخ توفي في صفر بدمشق ودفن بمقابر الصوفية وفيها الرفيع الجيلي قاضي القضاة بدمشق أبو حامد عبد العزيز قال الأسنوي في طبقاته رفيع الدين أبو حامد عبد العزيز بن عبد الواحد بن إسمعيل الجيلي الشافعي كان فقيها بارعا مناظرا عارفا بعلم الكلام والفلسفة وعلوم الأوائل جيد القريحة شرح الإشارات لابن سينا شرحا جيدا وكان فقيها في مدارس دمشق كان يصحب كاتب الصالح إسمعيل وهو أمين الدين بن غزال الذي ان سامريا فأسلم فلما أعطيت بعلبك للصالح إسماعيل وبنى أمين الدين بها المدرسة المعروفة بالأمينية وسعى الرفيع في قضاء بعلبك فتولاها مع المدرسة فلما انتقل الصالح إلى ملك دمشق واستوزر أمين الدين نقل الرفيع من بعلبك إلى قضاء دمشق بعد موت شمس الدين ابن ابن الجويني فسار القاضي المذكور سيرة فاسدة حمله عليها قلة دينه وفساد عقيدته من أثبات المحاضر الفاسدة والدعاوي الباطلة وإقامة شهود رتبهم لذلك وأكل الرشا وأموال الأيتام والأوقاف وغير ذلك ومهما حصل يأخذ الشهود بعضه والباقي يقسم بين القاضي والوزير هذا مع استعمال المسكرات وحضور صلاة الجمعة وهو سكران ثم إن الله تعالى كشف الغمة بأن أوقع بين الوزير والقاضي وأراد كل منهما هلاك الآخر ودماره فبادر الأمير وقرر أمره مع الصالح فأمر ورسم له بمكة قال أبو شامة وفي ذي القعدة سنة إحدى وأربعين (5/214)

215 وستمائة قبض على أعوان الرفيع الظلمة الأرجاس وعلى كبيرهم الموفق حسين الواسطي المعروف بابن الرواس وسجنوا ثم عذبوا بالصرب والعصر والمصادرة ومات ابن الرواس في العقوبة في جمادى الأولى سنة اثنتين وأربعين قال وفي ثاني الحجة أخرج الرفيع من داره وحبس بالمقدمية ثم أخرج ليلا وذهب به فسجن بمغارة من نواحي البقاع ثم انقطع خبره فقيل خنق وقيل ألقى من شاهق في هوة ولم يذكر الذهبي في العبر غيره وقيل مات حتف أنفه وتولى بعده محي الدين بن الزكي بمدرسة واحدة وفرقت مدارسه على العلماء وأما صاحبه الوزير المسمى بالأمين فإنه بقي إلى سنة ثمان وأربعين ثم شنق بالديار المصرية وأخذت حواصلة فبلغت ثلاثة آلاف ألف دينار انتهى كلام الأسنوي وقال ابن قاضي شهبة في تاريخ الإسلام كان فاسد العقيدة دهريا مستهزئا بأمور الشريعة يخرج إلى الجمعة سكران وإذا سمع بصاحب مال جهز من يدعى عليه بمبلغ من المال فإذا أنكر أخرج عليه حجة بالمبلغ وعنده شهود زور أعدهم لذلك وحمل القاضي الرفيع إلى بعلبك على بغل بغير أكاف ثم بعث به إلى مغارة في جبل لبنان من ناحية الساحل وأرسل إليه شاهدا عدل ببيع أملاكه وأوقف على رأس القلعة فقال دعوني حتى أصلي ركعتين فصلى وأطال فرفسه داود سياف النقمة فوقع فما وصل إلى الماء إلا وقد تقطع انتهى وفيها الملك المغيث عمر بن الصالح أيوب لم تحفظ عنه كلمة فحش حبسه الملك إسمعيل وضيق عليه السامري فمات غما وغبنا ودفن بتربة جده الملك الكامل وفيها النفيس أبو البركات محمد بن الحسين بن عبد الله بن رواحة الأنصاري الحموي سمع بمكة عبد المنعم الفراوي بالثغر من أبي الطاهر بن عوف وأبي طالب التنوخي توفي في آخر السنة عن ثمان وسبعين سنة وفيها أبو القسم القسم بن محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان الأنصاري القرطبي نزيل مالقة كان حافظا مصنفا إماما في العربية والقراءات (5/215)

216 قاله ابن ناصر الدين وفيها أبو الحسن علي بن ما شاء الله بن الحسين بن عبد الله بن عبد الله العلوي الحسيني البغدادي المأموني الفقيه الحنبلي المقرىء ابن الجصاص ولد في أوائل سنة ست وستين وخمسمائة وقرأ القراءات على ابن الباقلاني الواسطي بها وسمع الحديث من ابن شاتيل وشهدة وابن كليب وغيرهم وتفقه على أبي الفتح بن المنى وتكلم في مسائل الخلاف وناظر وحدث وروى عنه ابن النجار وأجاز لسليمان بن حمزة والقسم بن عساكر وغيرهما وتوفي في جمادى الأولى وفيها أبو عبد الله محمد بن يوسف بن سعيد بن مصافر بن جميل البغدادي الأزجي الحنبلي الأديب ولد في سابع ربيع الأول سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة وسمع بإفادة والده من ابن شاتيل وابن كليب وغيرهما وكان لديه فضل وأدب وله تصانيف وسمع منه المحب المقدسي وعلي بن عبد الدايم وتوفي في ثالث رجب ببغداد وفيها الجمال بن المخيلي أبو الفضل يوسف بن عبد المعطي بن منصور ابن نجا الغساني الأسكندراني المالكي روى عن السلفي وجماعة وكان من أكابر بلده توفي في جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين وستمائة بها كان الغلاء المفرط بدمشق بيعت الغرارة بألف وستمائة درهم وأكلت الجيف وتوفي بها خلق كثير من الأعيان وفيها وجزم ابن كمال باشا أنه توفي في التي قبلها شمس الأئمة الكردري الحنفي محمد بن عبد الغفار بن محمد العلماوي الكردري بفتح الكاف والدال المهملة وسكون الراء الأولى نسبة إلى كردرنا ناحية بخوارزم قال ابن كمال باشا في طبقاته كان أستاذ الأئمة على الإطلاق والموفود إليه من الآفاق أخذ عن شيخ الإسلام برهان الدين على المرغيناني صاحب الهداية والشيخ مجد الدين السمرقندي والشيخ (5/216)

217 برهان الدين ناصر صاحب المغرب والعلامة بدر الدين عمر بن عبد الكريم الورسكي والشيخ شرف الدين أبي محمد عمر بن محمد بن عمر العقيلي والقاضي عماد الدين لأبي العلى عمر بن محمد الزرنجري والإمام الزاهد زين الدين العتابي والشيخ نور الدين أبي محمد أحمد بن محمود الصابوني والإمام فخر الدين قاضي خان ونسبته إلى جد المنسوب إلى الكردر من عمل جرجانية خوارزم برع في معرفة المذهب ورفع علم أصول الفقه بعد اندراسه من زمن القاضي أبي زيد الدبوسي وشمس الأئمة السرخسي وتفقه عنه كثير من الفقهاء ومات ببخارى يوم الجمعة تاسع المحرم انتهى وفيها سيف الدين أبو العباس أحمد بن عيسى بن عبد الله بن محمد بن قدامة المقدسي الصالحي المحدث الحافظ ابن ابن شيخ الإسلام موفق الدين الحنبلي ولد سنة خمس وستمائة بالجبل وسمع من جده الكثير ومن أبي اليمن الكندي وأبي القاسم بن الحرستاني وداود بن ملاعب وطبقتهم ورحل فسمع ببغداد من الفتح بن عبد السلام وخلق من أصحاب ابن ناصر وغيرهم وكتب بخطه الكثير قال الذهبي كتب العالي والنازل وجمع وصنف وكان ثقة حافظا ذكيا متيقظا مليح الخط عارفا بهذا الشأن عاملا الأثر صاحب عبادة وإنابة تام المروءة أمارا بالمعروف قوالا بالحق ولو طال عمره لساد أهل زمانه علما وعملا ومحاسنه جمة وألف مجلدا كبيرا في الرد على الحافظ محمد بن طاهر المقدسي بإباحته للسماع وانتفعت كثيرا بتعاليق الحافظ سيف الدين انتهى توفى في مستهل شعبان بسفح قاسيون ودفن به وله أيضا كتب أخر وفيها الإمام تقي الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الفقيه الحنبلي ولد في صفر سنة إحدى وتسعين وخسمائة وسمع بدمشق من أبي طاهر الخشوعي وحنبل الرصافي وابن طبرزد وغيرهم ورحل في طلب الحديث فسمع بأصبهان من أسعد بن روح وعفيفة الفارقانية وخلق وببغداد (5/217)

218 من سليمان بن الموصلي وغيره وقرأ الحديث بنفسه كثيرا وإلى آخر عمره وتفقه على الشيخ موفق الدين وهو جده لأمه وببغداد على الفخر إسمعيل وبرع وانتهت إليه مشيخة المذهب بالجبل قال ابن الحاجب سألت عنه الحافظ ابن عبد الواحد فقال حصل ما لم يحصله غيره وحدث وروى عنه سليمان بن حمزة القاضي وغيره وتوفي في ثامن عشرى ربيع الآخر ودفن بسفح قاسيون وفيها ابن الجوهري الحافظ أبو العباس أحمد بن محمود بن إبراهيم بن نبهان الدمشقي مفيد الجماعة وله أربعون سنة سمع من أبي المجد القزويني وخلق ورحل إلى بغداد سنة إحدى وثلاثين وستمائة وكتب الكثير واستنسخ وكان ذكيا متقنا رئيسا ثقة قاله الذهبي وفيها القاضي الأشرف أبو العباس أحمد بن القاضي الفاضل عبد الرحيم ابن علي البيناني ثم المصري في جمادى الآخرة وله سبعون سنة سمع من فاطمة بنت سعد الخير والقسم بن عساكر وحصل له في الكهولة غرام زائد بطلب الحديث فسمع الكثير وكتب واستنسخ وكان رئيسا نبيلا وافر الجلالة استوزره الملك العادل فلما مات عرضت عليه فلم يقبلها مات بالقاهرة ودفن بتربة أبيه وفيها معين الدين الصاحب الكبير أبو علي الحسن بن شيخ الشيوخ صدر الدين محمد بن عمر الجويني في رمضان وقد قارب الستين ولي عدة مناصب وتقدم عند صاحب مصر فأمره على جيشه الذين حاصروا دمشق فأخذها وولى وعزل وعمل نيابة السلطنة فبغته الأجل بعد أربعة أشهر ووجد ما عمل وفيها ربيعة خاتون الصاحبة أخت صلاح الدين والعادل وقد نيفت على الثمانين ودفنت بمدرستها بالجبل وتوفيت في شعبان وفيها أبو الرجاء سالم بن عبد الرزاق بن يحيى المقدس خطيب عقربا روى عن أبي المعالي بن صابر وجماعة وعاش أربعا وسبعين سنة وفيها الشرف أبو محمد وأبو بكر عبد الله بن الشيخ أبي عمر محمد (5/218)

219 ابن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الأصل الصالحي الحنبلي الخطيب ولد في أواخر رمضان سنة ثمان وسبعين وخمسمائة بدمشق وسمع بها من يحيى الثقفي وغيره وببغداد من أبي الفرج بن الجوزي وابن المعطوس وابن سكينة وطبقتهم وبمصر من البوصيري والأرتاحي وغيرهما وتفقه على والده وعمه وخطب بجامع الجبل مدة وكان شيخا حسنا يشار إليه بالعلم والدين والورع والزهد وحسن الطريقة وقلة الكلام قال الحافظ الضياء كان فقيها فاضلا دينا ثقة وكتب عنه مع تقدمه توفي ليلة الثاني والعشرين من جمادى الآخرة ودفن بسفح قاسيون وفيها أبو منصور عبد الله بن محمد بن أبي محمد بن الوليد البغدادي الحريمي الحافظ المحدث الحنبلي أحد من عنى بهذا الشأن سمع الكثير ببغداد من خلق منهم ابن الأخضر وبحران من الرهاوي الحافظ وغيره وبحلب من جماعة وبدمشق من أبي اليمن الكندي وجماعة قال ابن نقطة سمع بالشام وبلاد الجزيرة وقرأ الكثير قال لي أبو بكر تميم بن البندنيجي وغيره أن اسمه الذي تسمى به جزيرة تصغير جزرة بالجيم والزاي وقال الشريف أبو العباس الحسيني كان حافظا مفيدا سمع الناس الكثير بقراءته وكان مشهورا بسرعة القراءة وجودتها وجمع وحدث وقال ابن رجب له تاريخ كبير وفائد وأجزاء ورسائل إلى السامري صاحب المستوعب ينكر عليه فيها تأوله لبعض الصفات وذكر ابن الساعي وغيره أن المستنصر بالله لما بنى مدرسته المعروفة رتب بدار الحديث بها شيخين يشغلان بعلم الحديث أحدهما أبو منصور هذا والثاني ابن النجار الشافعي صاحب التاريخ توفي ببغداد في ثال جمادى الأولى ودفن خلف بشر الحافي وفيها أبو سليمان عبد الرحمن بن الحافظ أبي محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الحنبليي الفقيه الزاهد ولد سنة ثلاث أو أبع وثمانين وخمسمائة في شوال وسمع بدمشق من الخشوعي (5/219)

220 وغيره وبمصر من البوصيري وغيره وببغداد من ابن الجوزي وطبقته وتفقه على الشيخ الموفق حتى برع وكان يؤم معه في جامع بني أمية بمحراب الحنابلة وأفتى ودرس وكان إماما عالما فاضلا ورعا حسن السمت دائم البشر كريم النفس مشتعلا بنفسه وبإلقاء الدروس المفيدة قال أبو شامة كان من أئمة الحنابلة ومن الصالحين وحدث وروى عنه ابن النجار وتوفي في تاسع عشرى صفر ودفن بسفح قاسيون وفيها الحافظ المكثر سراج الدين أبو محمد عبد الرحمن بن عمر بن بركات بن شحاتة الحراني الحنبلي أحد من عنى بعلم الحديث سمع بحران من الرهاوي وبدمشق من ابن الحرستاني وابن ملاعب وغيرهما وبحلب من الافتخار الهاشمي وبالموصل من مسمار بن العويس وبمصر من أصحاب السلفي وغيره وببغداد من الأرموي وغيره وكتب بخطه الكثير قال ابن نقطة هو شاب ثقة وقال غيره كان ممن له الرحلة الواسعة في الطلب سمع من الجم الغفير وسكن آخر عمره بميافارقين وبها مات وصار صاحب ثروة بعد الفقر وكانت له بنت عمياء تحفظ كثيرا إذا سئلت عن باب من العلم من الكتب الستة ذكرت أكثره وكانت في ذلك أعجوبة لم تبلغ أوان الرواية وتوفي والدها في جمادى الآخرة وشحانه بضم الشين المعجمة وفتح الحاء المهملة الخفيفة وبعد الألف نون وفيها أسعد الدين أبو القسم عبد الرحمن بن مقرب بن عبد الكريم الحافظ التجيبي الكندي الأسكندراني المنعوت بالجلال العدل تلميذ ابن المفضل روى عن البوصيري وابن موقا وعنى بالحديث وكتب وخرج وتوفي في صفر وفيها عبد المحسن بن حمود الصدر العلامة أمين الدين التنوخي الحلبي الكاتب المنشىء روى عن حنبل وطبقته وله ديوان ترسل وديوان شعر وكتب لجماعة من الملوك وصنف مفتاح الأفراح في امتداح الراح وغير ذلك من المجاميع الأدبية توفي في رجب وله ثلاث وسبعون سنة (5/220)

221 وفيها الصاحب الوزير فلك الدين عبد الرحمن بن هبة الله المسيري الوزير المصري وزير الملك العادل كانت الملوك تقبل يديه إذا رأوه ركب في الموكب مع الملك الكامل فلما وصل إلى باب السر أراد أن ينزل على العادة فرسم له أن لا ينزل فدخل قدام الكامل إلى القلعة راكبا فلما نزلا قال للكامل ما بقيت أخشى بعدها أي موتة أموت فضحك الكامل وكان له مملوك حسن يقال له أزبك فائق الجمال فعمل فيه العز القليوبي دوبيت ( البدر بدا من صدغه في حلك * والعقل غدا من حسنه في شرك ) ( تحت الفلك الخلق كثير لكن * ما مثلك يا أزبك فوق الفلك ) وفيها تقي الدين بن الصلاح الحافظ شيخ الإسلام أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن موسى الكردي الشهرزوري الموصلي الشافعي ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة وسمع من عبيد الله بن السميع ومنصور الفراوي وطبقتهما وتفقه وبرع في المذهب وأصوله وفي الحديث وعلومه وصنف التصانيف مع الثقة والديانة والجلالة قال ابن خلكان كان أحد فضلاء عصره في التفسير والحديث والفقه وأسماء الرجال وما يتعلق بعلم الحديث واللغة وإذا أطلق الشيخ في علماء الحديث فالمراد به هو والي ذلك أشار العراقي صاحب الألفية بقوله فيها ( وكلما أطلقت لفظ الشيخ ما * أريد إلا ابن الصلاح مبهما ) وكانت فتاويه مسددة وكان شيخي أحد أشياخي الذين انتفعت بهم قرأ الفقه أولا على وادله الصلاح ثم نقله والده إلى الموصل واشتغل بهامدة ثم تولى الإعادة عند ابن يونس بالموصل ثم سافر إلى خراسان وأقام بها زمانا وحصل علم الحديث هناك ثم رجع إلى الشام وتولى المدرسة النظامية بالقدس الشريف المنسوبة إلى الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وأقام بها مدة واشتغل الناس عليه وانتفعوا به ثم انتقل إلى دمشق وتولى تدريس المدرسة الرواحية التي (5/221)

222 أنشأها الزكي بن رواحة الحموي ولما بنى الأشرف دار الحديث بدمشق فوض تدريسها إليه وتولى تدريس مدرسة ست الشام التي قبل المراستان النوري وكان يقوم بوظائف الجهات الثلاث من غير إخلال بشيء منها وكان من العلم والدين على قدم عظيم ولم يزل أمره جاريا على السداد والصلاح والاجتهاد في الاشتغال إلى أن توفي يوم الأربعاء وقت الصبح وصلى عليه بعد الظهر وهو الخامس والعشرون من ربيع الآخر بدمشق ودفن بمقابر الصوفية انتهى ملخصا وقال ابن قاضي شهبة ومن تصانيفه مشكل الوسيط في مجدل كبير وكتاب الفتاوى وعلوم الحديث وكتاب أدب المفتي والمستفتي ونكت على المهذب وفوائد الرحلة وهي أجزاء كثيرة وطبقات الشافعية واختصره النووي واستدرك عليه وأهملا خلائق من المشهورين وأنهما كانا يتبعان التراجم الغريبة انتهى ملخصا أيضا وفيها السخاوي علم الدين العلامة أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الصمد بن عبد الأحد الهمداني المقرىء النحوي الشافعي ولد قبل الستين وخمسمائة وسمع من السلفي وجماعة وقرأ القراءات على الشاطبي وغيره حتى فاق أهل زمانه في القراءات وانتهت إليه رياسة الإقراء والأدب بدمشق وقرأ عليه خلق لا يحصيهم إلا الله قال الذهبي ما علمت أحدا في الإسلام حمل عنه القراءات أكثر مما حمل عنه وله تصانيف سائرة متقنة وقال ابن قاضي شهبة ازدحم عليه الطلبة وقصدوه من البلاد وتنافسوا في الأخذ عنه وكان دينا خيرا متواضعا مطرحا للتكلف حلو المحاضرة مطبوع النادرة حاد القريحة من أذكياء بني آدم وكان وافر الحرمة كبير القدر محببا إلى الناس ليس له شغل إلا العلم والإفادة توفي في جمادى الآخرة ودفن بقاسيون ومن تصانيفه التفسير إلى الكهف في أربع مجلدات وشرح الشاطبية في مجلدين وشرح الرائية في مجلد وكتاب جمال القراء وتاج الإقراء وشرح المفصل للزمخشري (5/222)

223 في أربع مجلدات وغير ذلك وقال ابن خلكان رأيته مرارا راكبا بهيمة وهو يصعد إلى جبل الصالحية وحوله اثنان أو ثلاثة وكل واحد يقرأ ميعاده في غير موضع الآخر والكل في دفعة واحدة وهو يرد على الجميع مواظبا على وظيفته ولما حضرته الوفاة أنشد لنفسه ( قالوا غدا تأتي ديار الحمى * وينزل الركب بمغناهم ) ( فكل من كان مطيعا لهم * أصبح مسرورا بلقياهم ) ( قلت فلى ذنب فيما حيلتي * بأي وجه أتلقاهم ) ( قالوا أليس العفو من شأنهم * لا سيما عمن ترجاهم ) ثم ظفرت بتاريخ مولده سنة ثمان وخمسين وخمسمائة بسخاو بفتح السين المهملة والخاء المعجمة وبعدها ألف ثم واو هذه النسبة إلى سخا وبليدة من أعمال مصر وقياسه سخوى ولكن الناس أطبقوا على النسبة الأولى انتهى وفيها أبو الحسن بن المقير مسند الديار المصرية علي بن أبي عبد الله الحسين بن علي بن منصور البغدادي الحنبلي النجار ولد سنة خمس وأربعين وخمسمائة وسمع من شهدة ومعمر بن الفاخر وجماعة وأجاز له ابن ناصر وأبو بكر ابن الزاغوني وطائفة وكان صاحب تلاوة وذكر وأوراد توفي في نصف ذي القعدة بالقاهرة قاله في العبر وفيها ضياء الدين أبو إبراهيم محاسن بن عبد الملك بن علي بن نجا التنوخي الحموي ثم الصالحي الفقيه الحنبلي سمع بدمشق من الخشوعي وتفقه على الشيخ موفق الدين حتى برع وكان عارفا بالمذاهب قليل التعصب زاهدا ما نافس في منصب قط ولا دنيا ولا أكل من وقف بل كان يتقوت من شكارة تزرع له بحوران وما آذى مسلما قط ولا دخل حماما ولا تنعم في ملبس ولا مأكل ولا زاد على ثوب وعمامة في طول عمره وكان على خير كثير قل من يماثله في عبادته واجتهاده وسلوك طريقته رحمه الله قرأ عليه جماعة وحدث وتوفي في ليلة الرابع من جمادى الآخرة بجبل قاسيون (5/223)

224 وبه دفن وممن قرأ عليه صاحب المبهم عبد الله بن أبي بكر الحربي كتابه وقال ذكر لي أن من يحرك أصبعه المسبحة في تشهده كان ذلك عبثا يبطل صلاته قال وقول من قال من أصحابنا يشير بها مرارا يعني عند الشهادتين فقط وفيها الحافظ الكبير ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسمعيل بن منصور السعدي المقدسي الصالحي الحنبلي محدث عصره ووحيد دهره شهرته تغنى عن الإطناب في ذكره والإسهاب في أمره ولد في خامس جمادى الآخرة سنة تسع وستين وخمسمائة وسمع بدمشق من أبي المجد البانياسي وأحمد بن الموازيني وغيرهما وبمصر من البوصيري وفاطمة بنت سعد الخير وجماعة وببغداد الكثير من ابن الجوزي وابن المعطوس وابن سكينة وابن الأخضر وهذه الطبقة وبأصبهان من أبي جعفر الصيدلاني وطبقته وبهمذان من عبد الباقي بن عثمان وبنيسابور من المؤيد الطوسي وطبقته وبهراة من أبي روح وبمرو من أبي المظفر بن السمعاني ورحل مرتين إلى أصبهان وسمع بها مالا يوصف كثرة وكتب بخطه الكثير من الكتب الكبار وغيرها قال ابن رجب يقال أنه كتب عن أزيد من خمسمائة شيخ وحصل أصولا كثيرة وأقام بهراة ومرو مدة وله إجازة من السلفي وشهدة وقال ابن النجار كتبت عنه ببغداد ونيسابور ودمشق وهو حافظ متقن ثبت ثقة صدوق نبيل حجة عالم بالحديث وأحوال الرجال وله مجموعات وتخريجات وهو ورع تقي زاهد عابد محتاط في أكل الحلال مجاهد في سبيل الله ولعمري ما رأت عيناي مثله في نزاهته وعفته وحسن سيرته وطريقته في طلب العلم وقال عمر بن الحاجب شيخنا أبو عبد الله شيخ وقته ونسيج وحده علما وحفظا وثقة ودينا من العلماء الربانيين وهو أكبر من أن يدل عليه مثلي كان شديد التحري في الرواية مجتهدا في العبادة كثير الذكر منقطعا عن الناس متواضعا في ذات الله رأيت جماعة من المحدثين ذكروه فأطنبوا في حقه (5/224)

225 ومدحوه بالحفظ والزهد سألت البرزالي عنه فقال ثقة جبل حافظ دين وقال الشريف أبو العباس الحسيني حدث بالكثير مدة وخرج تخاريج كثيرة مفيدة وصنف تصانيف حسنة وكان أحد أئمة هذا الشأن عارفا بالرجال وأحوالهم والحديث صحيحه وسقيمه ورعا متدينا طارحا للتكلف وقال الذهبي بنى مدرسة على باب الجامع المظفري بسفح قاسيون وأعانه عليها بعض أهل الخير ووقف عليها كتبه وأجزاءه وقال غيره بناها للمحدثين والغرباء الواردين مع الفقر والقلة وكان يبني منها جانبا ويصبر إلى أن يجتمع عنده ما يبني به ويعمل فيها بنفسه ولم يقبل من أحد فيها شيئا تورعا وكان ملازما لجل الصالحية قبل أن يدخل البلد أو يحدث به ومناقبه أكثر من أن تحصر وقال الذهبي أيضا نقلا عن الحافظ المزي أنه كان يقول الضياء أعلم بالحديث والرجال من الحافظ عبد الغني ولم يكن في وقته مثله وقال الذهبي أيضا الإمام العالم الحافظ الحجة محدث الشام شيخ السنة ضياء الدين صنف وصحح ولين وجرح وعدل وكان المرجوع إليه في هذه الشأن وقال ابن رجب أيضا من مصنفاته الأحاديث المختارة خرجها من مسموعاته كتب منها تسعين جزءا ولم تكمل كتاب فضائل الأعمال أربعة أجزاء كتاب فضائل الشام ثلاثة أجزاء مناقب أصحاب الحديث أربعة أجزاء صفة الجنة ثلاثة أجزاء صفة النار جزءان أفراد الصحيح جزء وغرائبه تسعة أجزاء ذم المسكر جزء الموبقات اجزاء كثيرة كلام الأموات جزء شفاء العليل جزء الهجرة إلى أرض الحبشة جزء قصة موسى عليه السلام جزء فضائل القراءة جزء الرواة عن البخاري جزء كتاب دلائل النبوة الآلهيات ثلاثة أجزاء الحكايات المستطرفة أجزاء كثيرة كتاب سبب هجرة المقادسة إلى دمشق وكرامات مشايخهم نحو عشرة أجزاء وأفرد لأكابرهم من العلماء لكل واحد سيرة في أجزاء كثيرة الطب والرقيات أجزاء وغير ذلك وممن روى عنه ابن نقطة (5/225)

226 وابن النجار والبرزالي وعمر بن الحاجب وابن أخيه الفخر البخاري وخلق كثير توفي يوم لإثنين ثامن عشرى جمادى الآخرة بسفح قاسيون ودفن به رحمه الله تعالى وفيها العز النسابة أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن بن عساكر الدمشقي الشافعي قال الذهبي صدر كبير محتشم سمع من عم والده الحافظ ومن أبي الفهم بن أبي العجايز وطائفة وتوفي في جمادى الأولى انتهى وفيها التاج أبو الحسن محمد بن أبي جعفر أحمد بن علي القرطبي إمام الكلاسة وابن إمامها ولد بدمشق في أول سنة خمس وسبعين وخمسمائة وسمع من عبد المنعم الفراوي بمكة ومن يحيى الثقفي والفضل البانياسي بدمشق وطلب وتعب ونسخ الكثير وكان حافظا ذا دين ووقار قال ابن ناصر الدين كان حافظا مشهورا وإماما مكثرا مذكورا توفي في جمادى الأولى وفيها ابن الخازن أبو بكر محمد بن سعيد بن الموفق النيسابوري ثم البغدادي أحد مشايخ الصوفية الأكابر ولد في صفر سنة ست وخمسين وخمسمائة وسمع من أبي زرعة المقدسي وأحمد بن المقرب وجماعة وتوفي في السابع والعشرين من ذي الحجة وفيها ابن النجار الحافظ الكبير محب الدين أبو عبد الله محمد بن محمود بن الحسن بن هبة الله بن محاسن البغدادي صاحب تاريخ بغداد ولد سنة ثمان وسبعيهن وخمسمائة وسمع من ذاكر بن كامل وابن بوش وابن كليب ورحل إلى أصبهان وخراسان والشام ومصر وكتب ما لا يوصف وكان ثقة متقنا واسع الحفظ تام المعرفة بالفن قاله في العبر وقال ابن قاضي شهبة في طبقات الشافعية كان شافعي المذهب وأول سماعه وهو ابن عشر سنين وطلب بنفسه وهو ابن خمس عشرة وسمع الكثير وقرأ بالسبع على أبي أحمد بن سكينة ورحل رحلة عظيمة إلى الشام ومصر والحجاز وأصبهان وحران ومرو وهراة ونيسابور واستمر في الرحلة سبعا وعشرين سنة وكتب (5/226)

227 عمن دب ودرج وعمن نزل وعرج وعنى بهذا الشأن عناية بالغة وكتب الكثير وحصل وجمع قال الذهبي كان إماما ثقة حجة مقرئا مجودا كيسا متواضعا ظريفا صالحا خيرا متنسكا أثنى عليه ابن نقطة والدبيثي والضياء المقدسي وهم من صغار شيوخه من حيث السند وقال ابن الساعي كان ثقة من محاسن الدنيا ووقف كتبه بالنظامية مات ببغداد في خامس شعبان ودفن بمقابر الشهداء بباب حرب ومن تصانيفه كتاب القمر المنير في المسند الكبير وذكر كل صحابي وماله من الحديث وكتاب كنز الأنام في السنن والأحكام وكتاب جنة الناظرين في معرفة التابعين وكتاب الكمال في معرفة الرجال وذيل على تاريخ بغداد للخطيب في ستة عشر مجلدا وكتاب المستدرك على تاريخ الخطيب في عشر مجلدات وكتاب في المتفق والمفترق على منهاج كتاب الخطيب وكتاب في المؤتلف والمختلف ذيل به على ابن ماكولا وكتاب المعجم له اشتمل على نحو من ثلاثة آلاف شيخ وكتاب العقد الفائق في عيون أخبار الدنيا ومحاسن الخلائق وكتاب الدرة الثمينة في أخبار المدينة وكتاب نزهة الورى في أخبار أم القرى وكتاب روضة الأولياء في مسجد إيلياء وكتاب مناقب الشافعي وكتاب غرر الفرائد في ست مجلدات وغير ذلك انتهى كلام ابن شهبة وفيها المنتخب بن أبي العز بن رشيد أبو يوسف الهمذاني المقرىء نزيل دمشق قرأ القراءات على أبي الجود وغيره وصنف شرحا كبيرا للشاطبية وشرحا لمفصل الزمخشري وتصدر للإقراء توفي في ربيع الأول وفيها أبو غالب منصور بن أبي الفتح أحمد بن محمد بن محمد المراتبي الخلال ابن المعوج ولد سنة خمس وخمسين وخمسمائة وسمع محمد بن إسحق الصابي وأبا طالب بن حضير وغيرهما وتوفي في جمادى الآخرة وفيها تاج الدين أبو القسم نصر بن أبي السعود بن مظفر بن الخضر بن بطة اليعقوبي الضرير الفقيه الحنبلي من أهل يعقوبا وفي كثير من طباق السماع (5/227)

228 ينسب إلى عكبرا وفي بعض الطباق بسبط ابن بطة وهذا يدل على أنه من ولد بعض بنات أبي عبد الله بن بطة دخل بغداد في صباه فقرأ على ابن زريق القزاز وابن شاتيل وابن كليب وغيرهم وتفقه في المذهب على ابن الجوزي وغيره وبرع وأفتى وناظر وأخذ عنه ابن النجار ولم يذكره في تاريخه وأجاز لعبد الصمد بن أبي الجيش وغيره ولأحمد الحجار وتوفي ليلة الثاني والعشرين من جمادى الآخرة ببغداد ودفن بباب حرب وفيها عماد الدين أبو بكر يحيى بن علي بن علي بن عنان الغنوي البغدادي الفقيه الحنبلي الفرضي المعروف بابن البقال ولد سنة إحدى وسبعين وخمسمائة تقريبا وطلب العلم في صباه وسمع الكثير من أبي الفتح بن شاتيل وأبي الفرج بن كليب وابن الجوزي وغيرهم وتفقه في المذهب وقرأ الفرائض والحساب وتصرف في الأعمال السلطانية وكان صدوقا حسن السيرة وروى عنه جماعة منهم عبد الصمد بن أبي الجيش وتوفي يوم الأحد سلخ رمضان ببغداد ودفن بمقبرة الإمام أحمد بباب حرب قاله ابن رجب وفيها الموفق يعيش بن علي بن يعيش الأسدي الحلبي ولد سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة وسمع بالموصل من أبي الفضل الطوسي وبحلب من أبي سعد بن أبي عصرون وطائفة وانتهى إليه معرفة العربية ببلده وتخرج به خلق كثير توفي في الخامس والعشرين من جمادى الأولى قاله في العبر وقال ابن خلكان كان فاضلا ماهرا في النحو والتصريف ويعرف بابن الصايغ رحل في صدر عمره من حلب قاصدا بغداد ليدرك أبا البركات عبد الرحمن المعروف بابن الأنباري فلما وصل إلى الموصل بلغه خبر وفاته فأقام بها مديدة وسمع الحديث بها ولما عزم على التصدر للإقراء سافر إلى دمشق واجتمع بالشيخ تاج الدين الكندي الإمام المشهور وسأله عن مواضع مشكلة في العربية ثم رجع فتصدر وكان حسن التفهيم لطيف الكلام طويل الروح على المبتدىء (5/228)

229 والمنتهى خفيف الروح لطيف الشمائل كثير المجون مع سكينة ووقار له نوارد كثيرة انتهى ملخصا سنة أربع وأربعين وستمائة فيها توفي الملك المنصور إبراهيم بن المجاهد أسد الدين شيركوه بن محمد بن شيركوه صاحب حمص وابن صاحبها وأحد الموصوفين بالشجاعة والإقدام مرض بدمشق ببستان الملك الأشرف بالنيرب ومات في حادي عشر صفر وحمل تابوته إلى حمص فدفن عند أبيه وكان عازما على أخذ دمشق ففجأة الموت وقام بعده بحمص ولده الملك الأشرف موسى وفيها أبو العباس عز الدين أحمد بن علي بن معقل المهلبي الحمصي العلامة اللغوي الذي نظم الإيضاح والتكملة عاش سبعا وسبعين سنة وتوفي في ربيع الأول وأخذ عن الكندي وأبي البقاء وبرع في لسان العرب وكان صدرا محترما غاليا في التشيع ومن شعره ( أما والعيون النجل حلفة صادق * لقد نبض التفريق نبض المفارق ) وفيها تاج العارفين شمس الدين الحسن بن عدي بن أبي البركات بن صخر ابن مسافر حفيد أبي البركات أخي الشيخ عدي شيخ العدوية الأكراد له تصانيف في التصوف وشعر كثير وأتباع يتغالون فيه إلى الغاية قال الذهبي وبينه وبين الشيخ عدي من الفرق كما بين القدم والفرق وبلغ من تعظيم العدوية الأكراد له ما حدثني الحسن بن أحمد الأربلي قال قدم واعظ على هذا الشيخ حسن فوعظه فرق قلبه وبكى وغشى عليه فوثب الأكراد على الواعظ فذبحوه فلما أفاق الشيخ رآه يخبط في دمه فقال ما هذا فقالوا وإلا إيش هو هذا الكلب حتى ييكي سيدنا الشيخ فسكت حفظا لحرمة نفسه احتال عليه بدر الدين لولو صاحب الموصل حتى حضر إليه فحبسه وخنقه بوتر خوفا من الأكراد على (5/229)

230 بلاده أن يأمرهم بأمر فيخربون بلاد الموصل وختم الذهبي ترجمته بأن قال ( أمرد وقحبة وقهوة * طريق أرباب الهوى ) ( هذي طريق الجنة * فأين طريق النار ) وفيها إسمعيل بن علي الكوراني الزاهد كان عابدا قانتا صادقا أمارا بالمعروف نهاءا عن المنكر ذا غلظة على الملكوك ونصيحة لهم روى عن أحمد بن محمد الطرسوسي الحلبي وتوفي بدمشق في شعبان وفيها أبو المظفر عبد المنعم بن محمد بن محمد بن أبي المضاء البعلبكي ثم الدمشقي حدث بحماة عن أبي القسم بن عساكر وتوفي في ذي الحجة بحماة وفيها محمد بن حسان بن رافع بن سمير أبو عبدالله العامري المحدث المفيد روى عن الخشوعي وجماعة وكتب الكثير وتوفي في صفر وفيها تقي الدين محمد بن محمود بن عبد المنعم البغدادي المراتبي نزيل دمشق الفقيه الحنبلي الإمام أبو عبدالله كان عالما متبحرا لم يخلف في الحنابلة مثله صحب ببغداد أبا البقاء العكبري وأخذ عنه ثم قدم دمشق فصاحب الشيخ موفق الدين وتفقه عليه وبرع وأفتى قال أبو شامة كان عالما فاضلا ذا فنون ولي به صحبة قديمة وبعده لم يبق في مذهب أحمد مثله بدمشق توفي في الخامس والعشرين من جمادى الآخرة ودفن بسفح قاسيون سنة خمس وأربعين وستمائة في جمادى الآخرة أخذ المسلمون عسقلان وطبرية عنة وكان الفتح على يد فخر الدين بن الشيخ وفيها توفي الكاشغري بسكون الشين وفتح الغين المعجمتين وراء نسبة إلى كاشغر مدينة بالمشرق أبو إسحق إبراهيم بن عثمان بن يوسف الزركشي ببغداد في حادي عشر جمادى الأولى وله تسع وثمانون سنة سمع من ابن البطي (5/230)

231 وعلي بن تاج القراء وأبي بكر بن النقور وجماعة وعمر ورحل إليه الطلبة وكان آخر من بقي بينه وبين مالك خمسة أنفس ثقات وله مشيخة المستنصرية وفيها أبو مدين شعيب بن يحيى بن أحمد بن الزعفراني التاجر إسكندراني متميز جاور بمكة وحدث عن السلفي وتوفي في ذي القعدة وفيها أبو محمد علي بن أبي الحسن بن منصور الدمشقي الفقير ولد بقرية بسر من حوران ونشأ بدمشق وتعلم بها نسج العتابي ثم تمفقر وعظم أمره وكثر اتباعه وأقبل على المطيبة والراحة والسماعات والملاح وبالغ في ذلك فمن يحسن الظن به يقول هو كان صحيحا في نفسه صاحب حال ووصول ومن خبر أمره رماه بالكفر والضلال وهو أحد من لا يقطع له بجنة ولا نار فإنا لا نعلم بما يختم له به لكنه توفي في يوم شريف يوم الجمعة قبل العصر السادس والعشرين من رمضان وقد نيف على التسعين مات فجأة قاله في العبر وقال ابن شهبة في تاريخ الإسلام هو صاحب الزاوية التي بظاهر دمشق بالشرف الأعلى القبلي التي يجتمع بها الناس للسماعات يقال لها زاوية الحريري وقف عليه في أول أمره دراهم فحبسه أصحاب الديون فبات تلك الليلة في الحبس بلا عشاء فلما أصبح صلى بالمحتسبين صلاة الصبح وجعل يذكر بهم إلى ضحوة وأمر كل من جاءه شيء من المأكول من أهله أن يشيله فلما كان وقت الظهر أمرهم أن يمدوا الأكل سماطا فأكل كل من في الحبس وفضل شيء كثير فأمرهم بشيله وصلى بهم الظهر وأمرهم أن يناموا ويستريحا ثم صلى بهم العصر وجعل يذكر بهم إلى المغرب ثم صلى بهم المغرب وقدم ما حضر وبقي على هذا الحال فلما كان في اليوم الثالث أمرهم أن ينظروا في حال المحتبسين وكل من كان محبوسا على دون المائة يجبون له من بينهم ويرضون غريمه ويخرجونه فخرج جماعة وشرع الذين خرجوا يسعون في خلاص من بقي وأقام ستة أشهر محبوسا وجبوا له وأخرجوه فصار كل يوم يتجدد له اتباع (5/231)

232 إلى أن آل من أمره ما آل قال شرف الدين خطيب عقربا خرج الفلك المسيري يقسم قرية له وأخذ معه جماعة فلما قسموا ووصلوا إلى زرع قالوا نمشي إلي عند الشيخ علي الحريري فقال أحدهم إن كان صالحا يطعمنا حلوى سخنة بعسل وسمن وفستق وسكر وقال الآخر يطعمنا بطيخا أخضر وقال الآخر يسقينا فقاعا عليه الثلج فلما وصلوا تلقاهم بالرحب وأحضر شيئا كثيرا من جملته حلوى كما قال ذلك الرجل فأمر بوضعها بين يدي مشتهيها ثم أحضر بطيخا آخر وأشار إلى مشتهيه بالأكل فلما فرغوا نظر إلى صاحب شهوة الفقاع وقال يا أخي كان عندي تحت الساعات أو باب البريد ثم صاح يا فلان ادخل فدخل فقير وعلى رأسه دست فقاع وعليه الثلج منحوت وقال بسم الله اشرب ولما مات كانت ليلة مثلجة فقال نجم الدين بن إسرائيل ( بكت السماء عليه ساعة دفنه * بمدامع كاللؤلؤ المنثور ) ( وأظنها فرحت بمصعد روحه * لما سمت وتعلقت بالنور ) ( أوليس دمع الغيث يهمي باردا * وكذا تكون مدامع المسرور ) وفيها أبو الحسن علي بن إبراهيم بن علي بن محمد بن المبرك بن أحمد بن محمد بن بكروس بن سيف التميمي الدينوري الفقيه الحنبلي وقد سبق ذكر أبيه وجده ولده في تاسع عشرى رمضان سنة ثمان وثمانين وخمسمائة وأسمعه والده الكثير في صغره من ابن بوش وابن كليب وتفقه وحدث وروى عنه محمد بن أحمد القزاز وأجاز لسليمان بن حمزة الحاكم وتوفى ليلة سادس عشر رجب وفيها أبو علي الشلوبين عمر بن محمد بن عمر الأزدي الأندلسي الأشبيلي النحوي أحد من انتهت إليه معرفة العربية في زمانه ولد سنة اثنتين وستين وخمسمائة وسمع من أبي بكر بن محمد بن خلف وعبد الله بن زرقون والكبار وأجاز له السلفي وكان أسند من بقي بالمغرب وكان في العربية بحرا لا يجارى (5/232)

233 وحبرا لا يباري قياما عليها واستبحارا فيها تصدر لإقراء النحو نحوا من ستين عاما وصنف التصانيف وله حكايات في التغفل قاله في العبر وقال ابن خلكان كان فيه مع هذه الفضيلة غفلة وصورة بله في الصورة الظاهرة توفي في أحد الربيعين وقيل في صفر بأشبيلية والشلوبين بفتح الشين المعجمة واللام وسكون الواو وكسر الباء الموحدة وسكون المثناة التحتية ونون هي بلغة الأندلس الأبيض الأشقر وفيها الملك المظفر شهاب الدين غازي بن العادل كان فارسا شجاعا وشهما مهيبا وملكا جوادا وكان صاحب ميافارقين وخلاط وحصن منصور وغير ذلك حج من بغداد ثم توفي في هذه السنة وتملك بعده ابنه الشهيد الملك الكامل ناصر الدين وفيها ابن الدوامي عز الكفاة الصاحب أبو المعالي هبة الله بن الحسن بن هبة الله كان أبوه وكيل الخليفة الناصر وسمع هو من تجنى الوهبانية وابن شاتيل وكان صاحب الحجاب مدة ثم تزهد وانقطع إلى أن توفي في جمادى الأولى وفيها شرف الدين الأمير الكبير يعقوب بن محمد بن حسن الهدباني الأربلي روى عن يحيى الثقفي وطائفة وولى شد دواوين الشام وكان ذا علم وأدب توفي في ربيع الأول بمصر سنة ست وأربعين وستمائة فيها توفي أبو العباس أحمد بن سلامة بن أحمد بن سلمان النجار الحراني الحنبلي المحدث الزاهد الثقة القدوة سمع الكثير من ابن كليب وكتب الأجزاء والطباق وصحب الحافظ عبد الغني المقدسي والحافظ الرهاوي والشيخ موفق الدين وسمع منهم وسمع منه جماعة قال ابن حمدان سمعت عليه كثيرا وكان من دعاة أهل السنة وأوليائهم مشهورا بالزهد والورع والصلاح توفي وسط العام بحران وفيها إسمعيل بن سودكين أبو الطاهر النوري (5/233)

234 الحنفي الصوفي كان صاحب الشيخ محي الدين بن العربي وله كلام وشعر توفي في صفر وروى عن الأرتاحي وفيها صفية بنت عبد الوهاب بن علي القرشية أخت كريمة لم تسمع شيئا بل أجاز لها مسعود الثقفي والكبار وتفردت في زمانها توفيت في رجب بحماة وفيها ابن البيطار الطبيب البارع ضياء الدين عبد الله بن أحمد المالقي العشاب صاحب كتاب المفردات في الأدوية انتهت إليه معرفة النبات وصفاته ومنافعه وأماكنه وله اتصال بخدمة الكامل ثم ابنه الصالح وكان رئيسا في الديار المصرية توفي بدمشق في شعبان وفيها ابن رواحة عز الدين أبو القسم عبد الله بن الحسين بن عبد الله الأنصاري الحموي الشافعي ولد بصقلية وأبواه في الأسر سنة ستين وخمسمائة وسمعه أبوه بالأسكندرية من السلفي الكبير ومن جماعة توفي في ثامن جمادى الآخرة وله خمس وثمانون سنة وفيها ابن الحاجب العلامة أبو عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر الكردي الأسنائي وأسنا بفتح الهمزة وسكون السين المهملة وفتح النون وبعدها ألف بليدة صغيرة من أعمال القوصية بالصعيد الأعلى من مصر ولد في أواخر خراسان سبعين وخمسمائة باسنا وكان أبوه حاجبا للأمير عز الدين موسك الصلاحي فاشتغل هو بالقراءات على الشاطبي وغيره وبرع في الأصول والعربية وتفقه في مذهب الإمام مالك قال اليافعي وبلغني أنه كان محبا للشيخ عز الدين بن عبد السلام وأن ابن عبد السلام حين حبس بسبب إنكاره على السلطان دخل معه الحبس موافقة ومراعاة ولعل انتقاله إلى مصر كان بسبب انتقال الشيخ بن عبد السلام وفيهما أنهما اجتمعا في الإنكار وقال ابن خلكان انتقل إلى دمشق ودرس بها في زاوية المالكية وأكب الناس على الاشتغال عليه والتزم له الدروس وتبحر في العلوم وكان الأغلب عليه علم العربية وصنف مختصرا في مذهبه ومقدمة وجيزة في النحو سماها الكافية وأخرى مثلها في (5/234)

235 التصريف سماها الشافية وشرح المقدمتين وله ( أي غد مع يد دد ذي حروف * طاوعت في الروى وهي عيون ) هذا جواب البيتين المشهورين ( ربما عالج القوافي رجال * في المعاني فتلتوي وتلين ) ( طاوعتهم عين وعين وعين * وعصتهم نون ونون ونون ) وله في أسماء قداج الميسر ( هي فذ وتوأم ورقيب * ثم حلس ونافس ثم مسبل ) ( والمعلى والوغد ثم سفيح * ومنيح هذي الثلاثة تهمل ) ( ولكل مما عداه نصيب * مثله أن تعد أول أول ) وصنف في أصول الفقه وكل تصانيفه في نهاية الحسن والإفادة وخالف النحاة في مواضع وأورد عليها إشكالات وإلزامات تتعذر الإجابة عنها وكان من أحسن خلق الله ذهنا ثم عاد إلى القاهرة وأقام بها والناس ملازمون من أحسن خلق الله ذهنا ثم عاد إلى القاهرة وأقام بها والناس ملازمون الاشتغال عليه وجاءني مرارا بسبب أداء ضهادات وسأتله عن مواضع في العربية مشكلة فأجاب أبلغ إجابة بسكون كثير وتثبت تام ومن جملة كلامه عن مسألة اعتراض الشرط على الشرط في قولهم إن أكلت إن شربت فأنت طالق لم يتعين تقدم الشرب على الأكل بسبب وقوع الطلاق حتى لو قال ثم شربت لا تطلق وسألته عن بيت المتنبي ( لقد تصبرت حتى لات مصطبر * والآن أقحم حتى لات مقتحم ) ولات ليست من أدوات الجر فأطال الكلام فيها وأجاب فأحسن الجواب عنها ولولا التطويل لذكرت ما قاله ثم انتقل إلى الأسكندرية للإقامة بها فلم تطل مدته هناك توفي ضحى نهار الخميس سادس عشري شوال ودفن خارج باب البحر بتربة الشيخ الصالح ابن أبي شامة انتهى وفيها ابن الدباج العلامة أبو الحسن علي بن جابر النحوي المقرىء شيخ الأندلس أخذ القراءات (5/235)

236 عن أبي بكر بن صاف والعربية عن أبي ذر بن أبي ركب الخشني وساد أهل عصره في العربية ولد سنة ست وستين وخمسمائة وتوفي بأشبيلية بعد أخذ الروم الملاعين لها في شعبان بعد جمعة فإنه هاله نطق الناقوس وخرس الأذان فما زال يتلهف ويتأسف ويضطرب إلى أن قضى نحبه وقيل مات يوم أخذها وفيها وزير حلب علي بن يوسف القفطي بكسر القاف وسكون الفاء نسبة إلى قفط بالطاء المهملة بلد بصعيد مصر عرف بالقاضي الأكرم أحد الكتاب المبرزين في النثر والنظم كان عارفا باللغة والنحو والفقه والحديث وعلوم القرآن والأصول والمنطق والحكمة والنجوم والهندسة والتاريخ وكان صدرا محتشما كامل المروءة جمع من الكتب ما لم يجمعه أحد وكان لا يحب من الدنيا سوى الكتب ولم تكن له دار ولا زوجة وصنف كتاب الدر الثمين في أخبار المنتمين وكتاب إصلاح خلل صحاح الجوهري وكتاب الكلام على صحيح البخاري وكتاب نزهة الناظر ونهزة الخاطر وغير ذلك وفيها صاحب المغرب المعتضد ويقال له أيضا السعيد أبو الحسن المؤمني علي بن المأمون إدريس بن المنصور يعقوب بن يوسف ولي الأمر بعد أخيه عبد الواحد سنة أربعين وقتل وهو على ظهر جواده وهو يحاصر حصنا بتلسان في صفر وولي بعده المرتضى أبو حفص فامتدت دولته عشرين عاما وفيها الملك العادل كمال الدين أبو بكر بن الملك الكامل بن أيوب قتله أخوه الملك الصالح خنقا بقلعة دمشق ودفن بتربة شمس الدولة ولم تطل مدة أخيه بعده بل كان بينهما عشرة أشهر ورأى في نفسه العبر وفيها أفضل الدين الخونجي بخاء معجمة مضمومة ثم واو بعدها نون ثم جيم محمد بن ناماور بالنون في أوله ابن عبد الملك قاضي القضاة أبو عبد الله الشافعي ولد في جمادى الأولى سنة تسعين وخمسمائة واشتغل في العجم ثم قدم مصر وولي قضاءها وطلب وحصل وبالغ في علوم الأوائل حتى (5/236)

237 تفرد برياسة ذلك في زمانه وأفتى وناظر وصنف الموجز والجمل وكشف الأسرار وغير ذلك قال أبو شامة كان حكيما منطقيا مات في رمضان ودفن بسفح المقطم ورثاه تلميذه العز الأربلي الضرير فقال من قصيدة أولها ( قضى أفضل الدنيا فلم يبق فاضل * ومات بموت الخونجي الفضائل ) ( فيا أيها الحبر الذي جاء آخرا * فحل لنا مالم تحل الأوائل ) وقال ابن شهبة في تاريخ الإسلام له الموجز في المنطق وكتاب أدوار الحميات وكان تلحقه غفلة فيما يفكره من المسائل العقلية جلس يوما عند السلطان وأدخل يده في رزة هناك ونسي روحه في الفكرة فقام الجماعة وبقي جالسا تمنعه أصبعه من القيام فظن السلطان أن له حاجة فقال له أللقاضي حاجة قال نعم تفك أصبعي من الرزة فأحضر حدادا وخلص أصبعه فقال إني فكرت في بسط هذا الإيوان فوجدته يتوفر فيه بساط إذا بسط على ما دار في ذهني فبسط على ما قال ففضل بساط انتهى وفيها أبو الحسن محمد بن يحيى بن ياقوت الأسكندراني المقرىء روى عن السلفي وغيره وتوفي في سابع عشر ربيع الآخر وفيها منصور بن السيد بن الدماع أبو علي الأسكندراني النحاس روى عن السلفي وتوفي في ربيع الأول سنة سبع وأربعين وستمائة في ربيعها الأول نازلت الفرنج دمياط برا وبحرا وكان بها فخر الدين ابن الشيخ وعسكر فهربوا وملكها الفرنج بلا ضربة ولا طعنة فإنا لله وإنا إليه راجعون وكان السلطان على المنصورة فغضب على أهلها كيف سيبوها حتى أنه شنق ستين نفسا من أعيان أهلها وقامت قيامته على العسكر بحث أنهم تخوفوه وهموا به فقال فخر الدين أمهلوه فهو على شفا فمات ليلة نصف شعبان وهو الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل (5/237)

238 محمد بن العادل وكتم موته أياما وساق مملوكه أقاطيا على البرية إلى أن عبر الفراة وساق إلى حصن كيفا وأخذ الملك المعظم بوران شاه ولد الصالح وقدم به دمشق فدخلها في آخر رمضان في دست السلطنة وجرت للمصريين مع الفرنج فصول وحروب إلى أن تمت وقعة المنصورة في ذي القعدة وذلك أن الفرنج حملوا ووصلوا إلى دهليز السلطان فركب مقدم الجيش فخر الدين ابن الشيخ وقاتل فقتل وانهزم المسلمون ثم كروا على الفرنج ونزل النصر وقتل من الفرنج مقتلة عظيمة ولله الحمد ثم قدم الملك المعظم بعد أيام وكان مولد الملك الصالح المترجم سنة ثلاث وستمائة بالقاهرة وسلطنه أبوه على آمد وحران وسنجار وحصين كيفا فأقام هناك إلى أن قدم وملك دمشق بعد الجواد وجرت له أمور ثم ملك الديار المصرية ودانت له الممالك وكان وافر الحرمة عظيم الهيبة طاهر الذيل خليقا للملك ظاهر الجبروت وفيها ابن عوف الفقيه رشيد الدين أبو الفضل عبد العزيز بن عبد الوهاب ابن العلامة أبي الطاهر إسمعيل بن مكي الزهري العوفي الأسكندراني المالكي سمع من جده الموطأ وكان ذا زهد وورع توفي في صفر عن ثمانين سنة وفيها عجيبة بنت الحافظ محمد بن أبي غالب الباقداري البغدادية سمعت من عبد الحق وعبد الله ابني منصور الموصلي وهي آخر من روى بالإجازة عن مسعود والرستمي وجماعة توفيت في صفر عن ثلاث وتسعين سنة ولها مشيخة في عشرة أجزاء وفيها ابن البرادعي صفي الدين أبو البركات عمر بن عبد الوهاب القرشي الدمشقي العدل روى عن ابن عساكر وأبي سعد بن أبي عصرون وتوفي في ربيع الآخر وفيها السيدي أبو جعفر محمد بن عبد الكريم بن محمد البغدادي الحاجب روى عن عبد الحق وتجنى وجماعة كثيرة وطال عمره وفيها فخر الدين بن شيخ الشيوخ الأمير نائب السلطنة أبو الفضل (5/238)

239 يوسف بن الشيخ صدر الدين محمد بن عمر بن علي بن محمد بن حموية الجويني ولد بدمشق بعد الثمانين وخمسمائة وسمع من منصور بن أبي الحسن الطبري وغيره وكان رئيسا محتشما سيدا معظما ذا عقل ورأى ودهاء وشجاعة وكرم سجنه السلطان سنة أربعين وقاسى شدائد وبقي في الحبس ثلاث سنين ثم أخرجه وأنعم عليه وقدمه على الجيش طعن يوم المنصورة وجاءته ضربتان في وجهه فسقط وفيها الساوي يوسف بن محمود بن يعقوب المصري الصوفي روى عن السلفي وعبد الله بن بري وتوفي في رجب عن ثمانين سنة سنة ثمان وأربعين وستمائة استهلت والفرنج على المنصورة والمسلمون بإزائهم مستظهرون لانقطاع الميرة عن الفرنج ولوقوع المرض في خيلهم ثم عزم ملكهم الفرنسيس على المسير في الليل إلى دمياط ففهمها المسلمون وكان الفرنج قد عملوا جسرا من صنوبر على النيل فنسوا قطعة فعبر عليه الناس وأحدقوا بهم فاجتمع إلى الفرنسيس خمسمائة فارس من أبطاله وحملوا على المسلمين حملة واحدة ففرج لهم المسلمون فلما صاروا في وسطهم أطبقوا عليهم فلم ينج منهم أحد ومسكوا الفرنسيس أسرة سيف الدين القيمري باني المارستان في صالحية دمشق وانهزم جل الفرنج على حمية فحمل عليهم المسلمون ووضعوا فيهم السيف وغنم الناس ما لا يحد ولا يوصف وأركب الفرنسيس في حراقة والمراكب الإسلامية محدقة به تخفق بالكوسات والطبول وفي البر الشرقي الجيش ساير تحت ألوية النصر وفي البر الغربي العربان والعوام وكانت ساعة عجيبة واعتقل الفرنسيس بالمنصورة وذلك في أول يوم من المحرم قال سعد الدين بن حموية كانت الأسرى نيفا وعشرين ألفا فيهم ملوك وكبار وكانت القتلى سبعة آلاف واستشهد من المسلمين نحو مائة نفس وخلع الملك (5/239)

240 المعظم على الكبار من الفرنج خمسين خلعة فامتنع الكلب الفرنسيس من لبس الخلعة وقال أنا مملكتي بقدر مملكة صاحب مصر كيف ألبس خلعته ثم بدت من المعظم خفة وطيش وأمور خرج بسببها عليه مماليك أبيه وقتلوه بعد أن استردوا دمياط وذلك أن حسام الدين بن أبي علي أطلق الفرنسيس على أن يسلم دمياط وعلى بذل خمسمائة ألف دينار للمسلمين فأركب بغلة وساق معه الجيش إلى دمياط فما وصلوا إلا وأوائل المسلمين قد ركبوا أسوارها فاصفر لون الفرنسيس فقال حسام الدين هذه دمياط قد ملكناها والرأي لانطلق هذا لأنه قد اطلع على عوراتنا فقال عز الدين أيبك لا أرى الغدر وأطلقه وفيها توفي ابن الخير أبو إسحق إبرهيم بن محمود بن سالم بن مهدي الأزجي المقري الحنبلي روى الكثير عن شهدة وعبد الحق وجماعة وأجاز له ابن البطي وقرأ القراآت ولد في سلخ ذي الحجة سنة ثلاث وستين وخمسمائة وعنى بالحديث وكان له به معرفة وكان أحد المشايخ المشهورين بالصلاح وعلو الإسناد دائم البشر مشتغلا بنفسه ملازما لمسجده حسن الأخلاق قال ابن نقطة سماعه صحيح وهو شيخ مكثر روى عن خلق كثير منهم ابن الحلوانية وابن العديم والدمياطي وتوفي يوم الثلاثاء سابع عشر ربيع الآخر ودفن من الغد بمقبرة الإمام أحمد وكان والده شيخا صالحا ضريرا حدث عن ابن ناصر وغيره وهو الذي يلقب بالخير توفي في صفر سنة ثلاث وستمائة وفيها فخر القضاة بن الجباب أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن الحسين السعدي المصري ناظر الأوقاف وراوي صحيح مسلم عن المأموني سمع قليلا من السلفي وابن بري وتوفي في رمضان وله سبع وثمانون سنة وفيها الحافظية أرغوان العادلية عتيقة الملك العادل وسميت بالحافظية لتربيتها للملك الحافظ صاحب قلعة جعبر وكانت امرأة صالحة مدبرة صادرها الصالح إسمعيل فأخذ منها (5/240)

241 أربعمائة صندوق ووقفت دارها التي داخل باب النصر بدمشق وتعرف بدار الإبرهيمي على خدامها وبنت بالصالحية تحت ثورا قرب عين الكرش مدرسة وتربة كانت بستانا للنجيب غلام التاج الكندي فاشترته منه وبنت ذلك ووقفت عليه أوقافا جيدة منها بستان بصارو وتسمى الآن بالحافظية وفيها الملك الصالح عماد الدين أبو الجيش إسمعيل بن العادل الذي تملك دمشق مدة انضم سنة أربع وأربعين إلى ابن أخيه صاحب حلب الملك الناصر فكان من كبراء دولته ومن جملة أمرائه بعد سلطنة دمشق ثم قدم معه دمشق وسار معه فأسره الصالحية ومروا على طربة الصالح مولاهم وصاحوا يا خوند أين عينك ترى عدوك أسيرا ثم أخذوه في الليل وأعدموه في سلخ ذي القعدة وكان ملكا شهما محسنا إلى خدمه وغلمانه وحاشيته كثير التجمل وفيها أمين الدولة الوزير أبو الحسن الطبيب كان سامريا ببعلبك فأسلم في الظاهر والله أعلم بالسراير ونفق على الصالح إسمعيل حتى وزر له وكان ظالما نحسا ماكرا داهية وهو واقف الأمينية التي ببعلبك أخذ من دمشق بعد حصار الخوارزمية وسجن بقلعة مصر فلما جاء الخبر الذي لم يتم بانتصار الناصر توثب أمين الدولة في جماعة وصاحوا بشعار الناصر فشنقوا وهم هو وناصر الدين بن مغمور والخوارزمي ومن جملة ما وجد في تركة أمين الدولة ثلاثة آلاف ألف دينار غير ما كان مودعا له عند الناس وفيها الملك المعظم غياث الدين بوران شاه بن الصالح نجم الدين أيوب لما توفي أبوه حلف له الأمراء وتعدوا وراءه كما ذكرنا وفرح الخلق بكسر الفرنج على يده لكنه كان لا يصلح لصالحة لقلة عقه وفساده في المرد ضربه مملوك بسيف فتلقاها بيده ثم هرب إلى برج خشب فرموه بالنفط فرمى بنفسه وهرب إلى النيل فأتلفوه وبقي ملقى على الأرض ثلاثة أيام حتى انتفخ ثم واروه وكان قوي المشاركة في العلوم ذكيا قال ابن واصل لما دخل المعظم (5/241)

242 مصر قام إليه الشعراء فابتدأ ابن الدجاجية تاج الدين فقال ( كيف كان القدوم من حصن كيفا * حين أرغمت للأعادي أنوفا ) فأجابه الملك المعظم ( الطريق الطريق يا ألف نحس * تارة آمنا وطورا مخيفا ) أدركته حرفة الأدب كما أدركت عبد الله بن المعتز قال أبو شامة دخل في البحر إلى حلقه فضربه البندقداري بالسيف فوقع وفيها ابن رواح المحدث رشيد الدين أبو محمد عبد الوهاب بن ظافر بن علي بن فتوح الأسكندراني المالكي ولد سنة أربع وخمسين وخمسمائة وسمع الكثير من السلفي وطائفة ونسخ الكثير وخرج الأربعين وكان ذا دين وفقه وتواضع توفي في ثامن عشر ذي القعدة وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي السعادات الدباس الفقيه الحنبلي البغدادي أحد أعيان فقهاء بغداد وفضلائهم سمع الحديث من ابن شاتيل وابن زريق البرداني وابن كليب وتفقه على إسمعيل بن الحسين صاحب أبي الفتح بن المنى وقرأ علم الخلاف والجدل والأصول على النوقاني وبرع في ذلك وتقدم على أقرانه وتكلم وهو شاب في مجالس الأئمة فاستحسنوا كلامه وشهد عند قاضي القضاة أبي صالح قال ابن الساعي قرأت عليه مقدمة في الأصول وكان صدوقا نبيلا ورعا متدينا حسن الطريقة جميل السيرة محمود الأفعال عابدا كثير التلاوة للقرآن محبا للعلم ونشره صابرا على تعليمه لم يزل على قانون واحد لم تعرف له صبوة من صباه إلى آخر عمره يزور الصالحين ويشتغل بالعلم لطيفا كيسا حين المفاكهة قل أن يغشى أحد مقبلا على ما هو بصدده وروى عنه ابن النجار في تاريخ ووصفه بنحو ما وصفه ابن الساعي توفي في حادي عشرى شعبان ودفن بباب حرب وقد ناهز الثمانين ومر ليلة بسوق المدرسة النظامية ليصلي العشاء الآخرة بالمستنصرية إماما فخطف إنسان بقياره في الظلماء وعدا فقال له الشيخ على (5/242)

243 رسلك وهبتكه قل قبلت وفشا خبره بذلك فلما أصبح أرسل إليه عدة بقايير قيل أحد عشر فلم يقبل منها إلا واحدا تنزها وفيها المجد الإسفراييني المحدث قارىء الحديث أبو عبد الله محمد بن محمد بن عمر الصوفي روى عن المؤيد الطوسي وجماعة وتوفي في ذي القعدة بالسميساطية من دمشق وفيها مظفر بن الفوي أبو منصور بن عبد الملك بن عتيق الفهري الأسكندراني المالكي الشاهد روح عن السلفي وعاش تسعين سنة وتوفي في سلخ القعدة وفيها أبو الحجاج يوسف بن خليل بن قراجا بن عبد الله محدث الشام الدمشقي الأدمي الحنبلي نزيل حلب ولد سنة خمس وخمسين وخمسمائة بدمشق وتشاغل بالكسب إلى الثلاثين من عمره ثم طلب الحديث وتخرج بالحفاظ عبد الغني واستفرغ فيه وسعه وكتب مالا يوصف بخطه المليح المتقن ورحل إلى الأقطار فسمع بدمشق من الحافظ عبد الغني وابن أبي عصرون وابن الموازيني وغيرهم وببغداد من ابن كليب وابن بوش وهذه الطبقة وبأصبهان من ابن مسعود الحمال وغيره وبمصر من البوصيري وغيره وكان إماما حافظا ثقة نبيلا متقنا واسع الرواية جميل السيرة متسع الرحلة قال ابن ناصر الدين كان من الأئمة الحفاظ المكثيرين الرحالين بل كان أوحدهم فضلا وأوسعهم رحلة وكتابة ونقلا وقال ابن رجب تفرد في وقته بأشياء كثيرة عن الأصبهانيين وخرج وجمع لنفسه معجما عن أزيد من خمسمائة شيخ وثمانيات وعوالي وفوائد وغير ذلك واستوطن في آخر عمره حلب وتصدر بجامعها وصار حافظا والمشار إليه بعلم الحديث فيها حدث بالكثير من قبل الستمائة وإلى آخر عمره وحدث عنه البرزالي ومات قبله باثنتي عشرة سنة وسمع منه الحافظ المقدمون كابن الأنماطي وابن الدبيثي وابن نقطة وابن النجار والصريفيني وعمر بن الحاجب وقال هو أحد الرحالين بل وأحدهم فضلا وأوسعهم رحلة نقل بخطه المليح ما لا يدخل تحت الحصر (5/243)

244 وهو طيب الأخلاق مرضي الطريقة متقن ثقة حافظ وسئل عنه الحافظ الضياء فقال حافظ مفيد صحيح الأصول سمع وحصل صاحب رحلة وتطواف وسئل الصريفيني عنه فقال حافظ ثقة عالم بما يقرأ عليه لا يكاد يفوته اسم رجل وقال الذهبي روى عنه خلق كثير وآخ رمن روى عنه إجازة زينب بنت الكمال توفي سحر يوم الجمعة منتصف وقيل عاشر جمادى الآخرة بحلب ودفن بظاهرها رحمه الله تعالى سنة تبع وأربعين وستمائة فيها توفي إبراهيم بن سهل الإسرائيلي الإسلامي كان يهوديا فأسلم وكان أديبا ماهرا وله قصيدة مدح بها رسول الله قبل أن يسلم وكان يهوى صبيا يهوديا اسمه موسى فمن قوله فيه من جملة أبيات ( فما وجد إعرابية بان الفها * فحنت إلى بان الحجاز ورنده ) ( بأعظم من وجدي بموسى وإنما * يرى أنني أذنبت ذنبا بوده ) وليه فيه ( يقولون لو قبلته لاشتفى الجوى * أيطمع في التقبيل من يعشق البدرا ) إلى أن قال ( إذا فئة العذال جاءت بسحرها * ففي وجه موسى أية تبطل السحرا ) ثم إنه هوى بعد إسلامه صبيا اسمه محمد فقال ( تركت هوى موسى لحب محمد * ولولا هدى الرحمن ما كنت أهتدي ) ( وما عن قلى حبي تركت وإنما * شريعة موسى عطبت بمحمد ) مات غريقا رحمه الله وفيها ابن العليق أبو نصر الأعز بن فضائل البغدادي البابصري روى عن شهدة وعبد الحق وجماعة وكان صالحا تاليا لكتاب الله تعالى توفي في رجب وفيها البشيري بفتح الموحدة (5/244)

245 وكسر المعجمة وبعد الياء راء نسبة إلى قلعة بشير بنواحي الدوران من بلاد الأكراد أبو محمد عبد الخالق بن الأنجب بن معمر الفقيه ضياء الدين شيخ ماردين روى عن أبي الفتح بن شاتيل وجماعة وكانت له مشاركة قوية في العلوم قال الذهبي قال شيخنا الدمياطي مات في الثاني والعشرين من ذي الحجة وقد جاوز المائة وقال الشريف عز الدين في الوفيات كان يذكر أنه ولد سنة سبع وثلاثين وخمسمائة قال في العبر وفيها الإمام رشيد الدين عبد الظاهر بن نشوان الجذامي المصري الضرير شيخ الأقراء بالديار المصرية كان عارفا بالنحو أيضا قال السيوطي في حسن المحاضرة قرأ على أبي الجود وسمع من أبي القسم البوصيري وبرع في العربية وتصدر للإقراء وانتهت إليه رياسة الفن في زمانه وكان ذا جلالة ظاهرة وحرمة وافرة وخبرة تامة بوجوه القراءات مات في جمادى الأولى وهو والد الكاتب البليغ محي الدين بن عبد الظاهر انتهى وفيها أبو نصر الزبيدي عبد العزيز بن يحيى بن المبارك الربعي البغدادي ولد سنة ستين وخمسمائة وسمع من شهدة وغيرها وتوفي سلخ جمادى الأولى وفيها نور الدين أبو محمد عبد اللطيف بن نفيس ابن بورنداز بن الحسام البغدادي الحنبلي المحدث المعدل ولد في صفر سنة تسع وثمانين وخمسمائة وسمع من أبيه أبي الحسن وأبي محمد جعفر بن محمد بن أموسان وغيرهما وعنى بهذا الشأن وقرأ الكثير على عمر بن كرم ومن بعده وكتب الكثير بخطه قال الذهبي في تاريخه هو الحافظ المفيد كتب الكثير وأفاد وسمع منه الحافظ الدمياطي وذكره في معجمه وشهد عند محمود الريحاني ثم أنه امتحن لقراءته شيئا من أحاديث الصفات بجامع القصر فسعى به بعض المتجهمة وحبس مديدة وأسقطت عدالته ثم أفرج عنه وأعاد عدالته ابن مقبل ثم أسقطت ثم أعاد عدالته قاضي القضاة أبو صالح فباشر ديوان الوكالة إلى آخر عمره توفي بكرة السبت ثالث عشري ربيع الآخر (5/245)

246 ودفن بباب حرب وكان له جمع عظيم وشد تابوته بالحبال وأكثر العوام الصياح في الجنازة هذه غايات الصالحين انتهى قال ابن الساعي ولم أر ممن كان على قاعدته فعل في جنازته مثل ذلك فإنه كان كهلا يتصرف في أعمال السلطان ويركب الخيل ويحلي فرسه بالفضة على عادة أعيان المتصرفين انتهى وقال ابن رجب حصل له ذلك ببركة السنة فإن الإمام أحمد قال بيننا وبينهم الجنايز وفيها ابن الجميزي العلامة بهاء الدين أبو الحسن علي بن هبة الله بن سلامة بن المسلم بن أحمد بن علي اللخمي المصري الشافعي مسند الديار المصرية وخطيبها ومدرسها ولد بمصر يوم الأضحى سنة تسع وخمسين وخمسمائة وحفظ القرآن سنة تسع وستين ورحل به أبوه فسمعه بدمشق من ابن عساكر وببغداد من شهدة وجماعة وقرأ القراءات على أبي الحسن البطايحي وقرأ كتاب المهذب على القاضي أبي سعد بن أبي عصرون وقرأه أبو سعد على القاضي أبي علي الفارقي عن مؤلفه وسمع بالأسكندرية من السلفي وتفرد في زمانه ورحل إليه الطلبة ودرس وأفتى وانتهت إليه مشيخة العلم بالديار المصرية وهو آخر من قرأ القراءات في الدينا على البطايحي بل وآخر من روى عنه بالسماع وقرأ أيضا بالقراءات العشر على ابن أبي عصرون وسمع منه الكثير وهو آخر تلاميذه في الدنيا وكان رئيس العلماء في وقته معظما عند الخاصة والعامة وعليه مدار الفتوى ببلده كبير القدر وافر الحرمة روى عنه خلائق لا يحصون توفي في الرابع والعشرين من ذي الحجة وفيها السديد أبو القسم عيسى بن أبي الحرم مكي بن حسين العامري المصري الشافعي المقرىء إمام جامع الحاكم قرأ القراءات على الشاطبي وأقرأ هامدة وتوفي في شوال عن ثمانين سنة وقرأ عليه غير واحد وفيها ابن المنى أبو المظفر سيف الدين محمد بن أبي البيد مقبل بن فتيان بن مطر النهرواني المفتي الإمام الفقيه الحنبلي ابن أخي شيخ المذهب أبي الفتح بن المنى ولد ببغداد في خامس رجب سنة سبع وقيل تسع وستين وخمسمائة وقرأ بالروايات على ابن الباقلاني بواسط وروى عن جماعة منهم شهدة وعبد الحق اليوسفي وتفقه على عمه ناصح الإسلام أبي الفتح بن المنى وتأدب بالحيص بيص الشاعر وغيره وناظر في المسائل الخلافية وأفتى وشهد عند القضاة وكان حسن المناظرة متدينا مشكور الطريقة كثير التلاوة للقرآن الكريم وحدث وأثنى عليه ابن نقطة وروى عنه ابن النجار وابن الساعي وعمر بن الحاجب وبالإجازة جماعة آخرهم زينب بنت الكمال المقدسية وتوفي في سابع جمادى الآخرة ببغداد ودفن بمقبرة باب حرب وفيها جمال الدين بن مطروح الأمير الصاحب أبو الحسين يحيى بن عيسى بن إبراهيم بن مطروح المصري صاحب الشعر الرائق ولد بأسيوط يوم الإثنين ثامن رجب سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة ونشأ هناك وتنقلت به الأحوال والخدم والولايات حتى اتصل بخدمة السلطان الملك الكامل بن الملك العادل بن أيوب وكان إذ ذاك نائبا عن أبيه بالديار المصرية ولما اتسعت مملكة الكامل بالبلاد الشرقية وصار له آمد وحصن كيفا وحران والرها والرقة ورأس عين وسروج وما انضم إلى ذلك سير إليها ولده الملك الصالح نائبا عنه وذلك في سنة تسع وعشرين وستمائة فكان ابن مطروح في خدمته ولم يزل يتنقل في تلك البلاد إلى أن وصل الملك الصالح إلى مصر مالكا لها وكان دخوله يوم الأحد السابع والعشرين من ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وستمائة ثم وصل ابن مطروح إلى الديار المصرية في أوائل سنة تسع وثلاثين فرتبه السلطان ناظرا في الخزانة ولم يزل يقرب منه ويحظى عنده إلى أن ملك الصالح دمشق في جمادى الأولى سنة ثلاث وأربعين فكان ابن مطروح في صورة وزير لها ومضى إليها فحسنت حاله وارتفعت منزلته ثم أن الصالح توجه إليها فوصلها في شعبان سنة ست وأربعين وجهز عسكرا إلى حمص لاستنقاذها من تواب الملك الناصر فعزل ابن مطروح عن ولايته بدمشق وسيره مع العسكر ثم بلغه أن الفرنج قد اجتمعوا في جزيرة قبرس على عزم قصد الديار المصرية فسير إلى العسكر المحاصرين حمص وأمرهم أن يعودا لحفظ الديار المصرية فعاد العسكر وابن مطروح في الخدمة والملك الصالح متغير عليه لأمور يفهمها منه ولما مات الملك الصالح وصل ابن مطروح إلى مصر وأقام في داره إلى أن مات قال ابن خلكان كان ذا أخلاق رضية وكان بيني وبينه مكاتبات ومودة أكيدة وله ديوان شعر أنشدني أكثره فمن وذلك قوله في أول قصيدة طويلة ( هي رامة فخذوا يمين الوادي * وذروا السيوف تقر في الأغماد ) ( وحذار من لحظات أعين عينها * فلكم صرعن بها من الآساد ) ( من كان منكم واثقا بفؤاده * فهناك ما أنا واثق بفؤادي ) ( يا صاحبي ولى بجرعاء الحمى * قلب أسير ماله من فادي ) ( سلبته مني ويم بانوا مقلة * مكحولة أجفانها بسواد ) ( وبحي من أنا في هواه ميت * عين على العشاق بالمرصاد ) ( وأغن مسكي اللمى معسولة * لولا الرقيب بلغت منه مرادي ) ( كيف السبيل إلى وصال محجب * ما بين بيض ظبي وسمر صعاد ) ( في بيت شعر نازل من شعره * فالحسن منه عاكف في باد ) ( حرسوا مهفهف قده * بمثقف فتشابه المياس بالمياد ) ( قالت لنا ألف العذار بخده * في ميم مبسمه شفاء الصادي ) ومن شعره قوله ( وعلقته من آل يعرب لحظه * أمضى وفتك من سيوف عربية ) ( أسكنته بالمنحنى من أضلعي * شوقا لبارق شوقه وعذيبه ) ( يا عائبا ذاك الفتور بطرفه * خلوه لي أنا قد رضيت بعيبه ) (5/248)

249 ( لدن وما مر النسيم بعطفه * أرج وما نفخ العبير يجبه ) ونزل في بعض أسفاره بمسجد وهو مريض فقال ( يا رب قد عجز الطبيب فداوني * بلطيف صنعك واشفني يا شافي ) ( أنا من ضيوفك قد حسبت وأن من * شيم الكرام البر بالأضياف ) وله بيتان ضمنهما بيت المتنبي وأحسن فيهما وهما ( إذا ما سقاني ريقه وهو باسم * تذكرت ما بين العذيب وبارق ) ( ويذكرني من قده ومدامعي * مجر عوالينا ومجرى السوابق ) وكان بينه وبين البهاء زهير محبة قديمة من زمن الصبا وإقامتهما بالصعيد حتى كانا كالأخوين وليس بينهما فرق في أمور الدنيا ثم اتصلا بخدمة الصالح وهما على تلك الحال والمودة وتوفي ليلة الأربعاء مستهل شعبان ودفن بسح المقطم وأوصى أن يكتب عند رأسه دوبيت نظمه في مرضه وهو ( أصبحت بقعر حفرتي مرتهنا * لا أملك من دنياي إلا كفنا ) ( يا من وسعت عباده رحمته * من بعض عبادك المسيكين أنا )

سنة خمسين وستمائة

فيها وصلت التتار إلى ديار بكر فقتلوا وسبوا وعملوا عوايدهم وفيها توفي الرشيد بن مسلمة أبو العباس أحمد بن مفرج بن علي بن الدمشقي ناظر الأيتام ولد سنة خمس وخمسين وخمسمائة وأجاز له الشيخ عبد القادر الجيلي وهبة الله الدقاق وابن البطي والكبار وتفرد في وقته وسمع من الحافظ ابن عساكر وجماعة وتوفي في ذي القعدة وفيها الكمال إسحق بن أحمد بن عثمان المغربي الشيخ المفتي الإمام الفقيه الشافعي المغربي أحد مشايخ الشافعية وأعيانهم أخذ عن الشيخ فخر الدين بن عساكر ثم عن ابن الصلاح وكان إماما عالما فاضلا مقيما بالرواحية أعاد بها عند ابن الصلاح عشرين سنة وقد أخذ عنه جماعة منهم الإمام محي الدين النووي قال أبو شامة كان زاهدا متواضعا وقال النووي في أوائل تهذيب الأسماء واللغات أول شيوخي الإمام المتفق على علمه وزهده وورعه وكثرة عبادته وعظيم فضله وتمييزه في ذلك على أشكاله وقال غيره كان متصديا للإفادة والفتوى تفقه به أئمة وكان كبير القدر في الخير والصلاح متيقن الورع عرضت عليه مناصب فامتنع ثم ترك الفتوى وقال في البلد من يقوم مقامي وكان يسرد الصوم ويؤثر بثلث جامكيته ويقنع باليسير ويصل رحمه بما فضل عنه وكان في كل رمضان ينسخ ختمة ويوفقها وله أوراد كثيرة ومحاسن جمة توفي في ذي القعدة عن نيف وخمسين سنة ودفن بتربة الصوفية إلى جانب ابن الصلاح وفيها العلامة رضي الدين أبو الفضائل الحسن بن محمد بن حيدر العدوي العمري الهندي اللغوي نزيل بغداد ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة بدوهور ونشأ بغزنة وقدم بغداد وذهب في الرسائل غير مرة وسمع بمكة من أبي الفتوح بن الحصري وببغداد من سعيد بن الرزاز وكان إليه المنتهى في معرفة اللغة له مصنفات كبار في ذلك وله بصر في الفقه مع الدين والأمانة توفي في شعبان وحمل إلى مكة فدفن بها وفيها الخطيب العدل عبد الواحد بن خلف بن نبهان خطيب زملكا جد الشيخ كما الدين بن الزملكاني كان فاضلا خيرا متميزا في علوم متعددة تولى قضاء صرخد ودرس ببعلبك وناب بدمشق ومات بها حكى عنه ابن أخيه عبد الكافي أنه لما طال به المرض ونحن عنده أن إلتوت يده اليمنى إلى أن صارت كالقوس ثم فقعت وانكسرت وبقيت معلقة بالجلدة ثم يوما آخر أصاب يده اليسرى مثل ذلك ثم رجله اليمنى ثم رجله اليسرى كذلك فبقيت أربعته مكسرة وسألوا الأطباء عن ذلك فما عرفوا جنس هذا المرض وفيها الشيخ الصلح علي بن محمد الفهاد كان بحرم السلطان سنجر شاه فلما قتل انقطع في بيته وبنى مسجدا ورباطا ووقف عليهما ما ملك وبقي يؤذن احتسابا فلما كان في بعض الأيام جاء إلى المسجد وفيها بئر فأدلى السطل ليستقي ماء فطلع مملوءا ذهبا فقال بسم الله مردود فأنزله مرة ثانية فطلع مملوءا ذهبا فقال بسم الله غير مردود وقلبه في البئر وأنزله مرة ثالثة فطلع مملوءا ذهبا فقال يا رب لا تطردني عن بابك أنا أروح إلى الشط أتوضأ ليس قصدي سوى الماء لأداء فريضتك ثم أنزله رابعة فطلع مملوءا ماءا فسجد شكرا لله تعالى وفيها الإمام شمس الدين محمد بن سعد بن عبد الله بن سعد بن مفلح بن هبة الله بن نمير الأنصاري المقدسي الأصل ثم الدمشقي الكاتب الفقيه الحنبلي ولد سنة إحدى وسبعين وخمسمائة وسمع من يحيى الثقفي وابن صدقة الحراني وغيرهما وأجاز له السلفي وغيره وكان شيخا فاضلا وأديبا حسن النظم والنثر من المعروفين بالفضل والأدب والكتابة والدين والصلاح وحسن الخط وحسن الخصال ولطف المقال وطال عمره ووزر للملك الصالح إسمعيل مدة وحدث بدمشق وحلب وكتب عنه ابن الحاجب وقال سألت الحافظ ابن عبد الواحد عنه فقال عالم دين روى عنه جماعة منهم ابنه يحيى بن محمد بن سعيد وسليمان بن حمزة وتوفي في ثاني شوال بسفح قاسيون ودفن به من الغد وتوفي أخوه أحمد في نصف ذي القعدة من هذه السنة روى عن الخشوعي وابن طبرزد وفيها الفقيه العلامة المحدث الصالح الورع محمد بن إسمعيل الحضرمي والد الفقيه إسمعيل المشهور كان مفتيا مدرسا وصنف واختصر شعب الإيمان للبيهقي وله عليه زيادات حسنة وتخرج به جماعة منهم ولده ولما مات نزل في قبره الشيخ أبو الغيث بن جميل نفع الله بهما قاله ابن الأهدل وفيها سعد الدين بن حموية الجويني محمد بن المؤيد بن عبد الله (5/251)

252 ابن علي الصوفي صاحب أحوال ورياضات وله أصحاب ومريدون وله كلام على طريقة الاتحاد سكن سفح قاسيون مدة ثم رجع إلى خراسان وتوفي هناك قاله في العبر وفيها الفقيه موسى بن محمد القمراوي نسبة إلى قمرا قرية من أعمال صرخد ومن شعره قصيدة وازن بها قصيدة الحصري القيرواني التي أولها ( يا ليل الصب متى غده * أقيام الساعة موعده ) فقال القمراوي ( قل مل مريضك عوده * ورثا لاسيرك حسده ) ( لم يبق جفاك سوى نفس * زفرات الشوق تصعده ) ( هروت يعنعن في السحر * إلى عينيك ويسنده ) ( وإذا أغمضت اللحظ فتكت * فكيف وأنت تجرده ) ( كم سهل خدك وجه رضا * والحاجب منك يعقده ) ( ما أشرك فيك القلب فلم * في نار الشوق تخلده ) وفيها فخر القضاة نصر الله بن هبة الله بن بصاقة الحنفي الكاتب من شعره ( على ورد خديه واس عذاره * يليق بمن يهواه خلع عذاره ) ( وأبذل جهدي في مداراة قلبه * ولوى الهوى يقتادني لم أداره ) ( أرى جنة في خده غير أنني * أرى جل ناري شب من جلناره ) ( سكرت بكأس من رحيق رضابه * ولم أدر أن الموت عقبى خماره ) وفيها علي بن أبي الفوارس الخياط المقرىء عرف بالسير باريك كان حاذقا بالخياطة قيل أن الأمير الأرنباي أحضره ليلة العيد وقد عرض عليه ثوب أطلس فطلب صاحبه ثمنا كثيرا فقال أنا أخيطه ولا أقطعه ويلبسه الأمير فإن رضي صاحبه بما يعطى والإيعاد عليه فقال افعل ففعل ذلك وجاء صاحبه وأصر على الثمن الغالي فطواه وثقعله وأعاده عليه فلما رآه صحيحا رضي بما أعطى (5/252)

253 وفيها الشيخ عثمان الدي رناعسي من دير ناعس من قرى البقاع شيخ عظيم صاحب كرامات ومكاشفات أدرك جماعة من الأولياء ودفن بزاوية هناك وكان له صيت وسمعة وفيها ابن قميرة المؤتمن أبو القسم يحيى بن أبي السعود نصر بن أبي القسم بن أبي الحسن التميمي الحنظلي الأزجي التاجر السفار مسند العراق ولد سنة خمس وستين وخمسمائة وسمع من شهدة وتجنى وعبد الحق وجماعة وحدث في تجارته بمصر والشام توفي في السابع والعشرين من جمادى الأولى وفيها هبة الله بن محمد بن الحسين بن مفرج جمال الدين أبو البركات المقدسي ثم الأسكندراني الشافعي ويعرف بابن الواعظ من عدول الثغر روى عن السلفي قليلا وعاش إحدى وثمانين سنة.

سنة إحدى وخمسين وستمائة

فيها توفي الجمال بن النجار إبراهيم بن سليمان بن حمزة القرشي الدمشقي المجود كتب للأمجد صاحب بعلبك مدة وله شع روأدب أخذ عن الكندي وفتيان الشاغوري وتوفي بدمشق في ربيع الآخر وفيها الملك الصالح صلاح الدين أحمد بن الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب عين تاب ولد سنة ستمائة وإنما أخروه عن سلطنة حلب لأنه ابن أمة ولأن أخاه العزيز ابن بنت العادل وقد تزوج بعد أخيه العزيز بفاطمة بنت الملك الكامل وكان مهيبا وقورا حدث عن الافتخار الهاشمي وتوفي في شعبان بعنتاب وفيها الصالح بن شجاع بن سيدهم أبو التقى المدلجي المصري المالكي الخياط راوي صحيح مسلم عن أبي المفاخر المأموني وكان صالحا متعففا توفي في المحرم وفيها السبط جمال الدين أبو القسم عبد الرحمن بن مكي بن عبد الرحمن (5/253)

254 الطرابلسي المغربي ثم الأسكندراني ولد سنة سبعين وخمسمائة وسمع من جده السلفي الكبير ومن غيره وأجاز له عبد الحق وشهدة وخلق وانتهى إليه علو الإسناد بالديار المصرية وكان عريا من العلم توفي في رابع شوال بمصر قاله في العبر وفيها ابن الزملكاني العلامة كمال الدين عبد الواحد ابن خطيب زملكا أبو محمد عبد الكريم بن خلف الأنصاري السماكي الشافعي صاحب علم المعاني والبيان كان قوي المشاركة في فنون العلم خيرا متميزا ذكيا سريا ولي قضاء صرخد ودرس مدة ببعلبك وله نظم رائق وهو جد الكمال الزملكاني المشهور واسطة عقد البيت وتوفي عبد الواحد في المحرم بدمشق وكان له ولد يقال له أبو الحسن علي إمام جليل وافر الحرمة حسن الشكل درس بالأمينية وتوفي في ربيع الأول سنة تسعين وستمائة وقد نيف على الخمسين وفيها أبو الحسن بن قطرال علي بن عبد الله بن محمد الأنصاري القرطبي سمع عبد الحق بن توبة وأبا القاسم بن الشراط وناظر علي بن أبي العباس بن مصا وقرأ العربية ولي قضاء آمد فلما أخذها الفرنج سنة تسع وستمائة أسروه ثم خلص وولى قضاء شاطبة ثم ولي قضاء قرطبة ثم ولي قضاء فاس وكان يشارك في عدة علوم ويتفرد ببراعة البلاغة توفي بمراكش في ربيع الأول وله ثمان وثمانون سنة وفيها أبو الحسن موفق الدين علي بن عبد الرحمن البغدادي الباصري الفقيه الحنبلي سمع مع أبيه من أبي العباس أحمد بن أبي الفتح بن صرما وغيره وتفقه في المذهب وكان معيدا لطائفة الحنابلة بالمستنصرية توفي في شعبان ببغداد ودفن بباب حرب وفيها الشيخ محمد بن الشيخ الكبير عبد الله اليونيني خلف أباه في المشيخة ببعلبك مدة وكان زاهدا عابدا متواضعا كبير القدر توفي في رجب (5/254)

255 سنة اثنتين وخمسين وستمائة فيها شرعت التتار في فتح البلاد الإسلامية والخليفة غافل في خلوته ولهوه والوزير مؤيد الدين وأتباع الخليفة يكاتبون هلاكو والرسل بينهم وفيها ظهر بأرض عدن في بعض جبالها نار يطير شرارها إلى البحر بالليل ويصعد منها دخان عظيم بالنهار فما شكوا أنها النار التي ذكرها النبي أنها تظهر في آخر الزمان فتاب الناس وفيها توفي الرشيد العراقي أبو الفضل إسمعيل بن أحمد بن الحسين الحنبلي الجابي بدار الطعم كان أبوه فقيها مشهورا سكن دمشق واستجاز لابنه من شهدة والسلفي وطائفة فروى الكثير بالإجازة وتوفي في جمادى الأولى وفيها الأمير فارس الدين أقطايا التركي الصالحي النجمي كان موصوفا بالشجاعة والكرم اشتراه الصالح بألف دينار فلما اتصلت السلطنة إلى رفيقه الملك العز بالغ أقطايا في الإذلال والتجبر وبقي يركب ركبة ملك وتزوج بابنة صاحب حماة وقال للمعز أريد أعمل العرس في قلعة الجبل فأخلها لي وكان يدخل الخزائن ويتصرف في الأموال فاتفق المعز وزوجته شجرة الدر عليه ورتبا من قتله وأغلقت أبواب القلعة فركبت مماليكه وكانوا سبعمائة وأحاطوا بالقلعة فألقى إليهم رأسه فهربوا وتفرقوا وكان قتله في شعبان وفيها شمس الدين الخسروشاهي بضم الخاء المعجمة وسكون المهملة وفتح الراء وبعد الواو شين معجمة نسبة إلى خسروشاه قرية بمرو أبو محمد عبد الحميد بن عيسى بن عمريه بن يوسف بن خليل بن عبد الله بن يوسف التبريزي الشافعي العلامة المتكلم ولد سنة ثمانين وخمسمائة ورحل فأخذ الكلام عن الإمام فخر الدين الرازي وبرع فيه وسمع من المؤيد الطوسي وتقدم في علم الأصول والعقليات وأقام في الشام بالكرك مدة عند الناصر وتفنن في علوم (5/255)

256 متعددة منها الفلسفة ودرس وناظر وقد اختصر المهذب في الفقه والشفالا بن سينا وله إشكالات وإيرادات جيدة وورى عنه الدمياطي وأخذ عنه الخطيب زين الدين بن المرحل ومات في ثانب عشرى شوال بدمشق ودفن بقاسيون وفيها أو في التي قبلها كما جزم به ابن كما باشا العلامة بدر الدين محمد بن محمود بن عبد الكريم الكردي المعروف بخواهر زاده الحنفي أخذ عن خاله شمس الأئمة الكردري وتفقه به والكردري يقال لجماعة من العلماء كانوا أخوات شمس الأئمة ولكن المشهور بهذه النسبة عند الإطلاق اثنان أحدهما متقدم وهو أبو بكر محمد بن حسين البخاري ابن أخت القاضي أبي ثابت محمد وقد تكرر ذكره في الهداية بلقبه هذا وهو مراد صاحبها والثاني خواهر زاده صاحب هذه الترجمة توفي رحمه الله تعالى في سنة إحدى وخمسين وستمائة قاله ابن كمال باشا وفيها أو في التي قبلها كما جزم به ابن الأهدل شيخ شيوخ اليمن أبو الغيث بن جميل اليمني كان كبير الشأن ظاهر البرهان تخرج به خلق وانتفع به الناس وكان وجوده حياة للوجود وفيه يقول اليافعي رحمه الله تعالى ( لنا سيدكم ساد بالفضل سيدا * بكل زمان ثم كل مكان ) ( إذا أرض أهل فاخروا بشيوخهم * أبو الغيث فينا فخر كل يماني ) كان في ابتداء أمره عبدا أي قنا قاطعا للطريق فبينا هو كامن لأخذ قافلة إذ سمع هاتا يقول يا صاحب العين عليك عينا فوقع منه موقعا أزعجه وأقبل على الله وظهر عليه من أوله صدق الإرادة وسيما السعادة وصحب أولا الشيخ علي بن أفلح الزبيدي ثم الشيخ المبجل علي الأهدل ولما انتشر صيت الشيخ بنواحي سردر كتب إليه الإمام أحمد بن الحسين صاحب ذيبين يدعوه إلى البيعة فأجابه الشيخ ورد كتاب السيد وفهمنا مضمونه ولعمري أن هذا سبيل سلكه الاولون غير أنا نفر منذ سمعنا قوله تعالى ( ^ له دعوة الحق ) (5/256)

257 لم يبق لإجابة الخلق فينا متسع وليس لأحد منا أن يشهر سيفه على غير نفسه ولا أن يفرط في يومه بعد أمسه فليعلم السيد قلة فراغنا لما رام منا ويعذر المولى والسلام وكان أميا وله كلام في الحقائق وأحوال باهرة وكرامات ظاهرة ووضع عليه كتاب في التصوف وفيها مجد الدين بن تيمية شيخ الإسلام أبو البركات عبد السلام بن عبد الله بن أبي القسم الخضر بن محمد بن علي بن تيمية الحراني الفقيه الحنبلي الإمام المقرىء المحدث المفسر الأصولي النحوي شيخ الإسلام وأحد الحفاظ الأعلام وفقيه الوقت ابن أخي الشيخ مجد الدين محمد المتقدم ذكره ولد سنة تسعين وخمسمائة تقريبا بحران وحفظ بها القرآن وسمع من عمه الخطيب فخر الدين والحافظ عبد القادر الرهاوي ثم ارتحل إلى بغداد سنة ثلاث وستمائة مع ابن عمه سيف الدين عبد الغني المتقدم ذكره أيضا فسمع بها من ابن سكينة وابن الأخضر وابن طبرزد وخلق وأقام بها ست سنين يشتغل بأنواع العلوم ثم رجع إلى حران فاشتغل على عمه فخر الدين ثم رجع إلى بغداد فازداد بها من العلوم وتفقه بها على أبي بكر بن غنيمة والفخر إسمعيل وأتقن العربية والحساب والجبر والمقابلة وبرع في هذه العلوم وغيرها قال الذهبي حدثني شيخنا يعني أبا العباس بن تيمية شيخ الإسلام حفيد الشيخ مجد الدين هذا أن جده ربى يتيما وأنه سافر مع ابن عمه إلى العراق ليخدمه ويشتغل معه وهو ابن ثلاث عشرة سنة فكان يبيت عنده فيسمعه مسائل الخلاف فيحفظه المسألة فقال الفخر سمعيل ايش حفظ هذه الصغير فبدر وعرض ما حفظه في الحال فبهت فيه الفخر وقال لابن عمه هذا يجيء منه شيء وحرصه على الاشتغال قال فشيخه في الخلاف الفخر إسماعيل وعرض عليه مصنفه جنة الناظر وكتب له عليه عرض على الفقيه الإمام العالم أوحد الفضلاء وهو ابن ست عشرة عاما قال الذهبي وقال لي شيخنا أبو العباس كان الشيخ جمال الدين بن مالك يقول ألين للشيخ المجد الفقه كما ألين الحديد لداود وقال الشيخ نجم (5/257)

الدين بن حمدان مصنف الرعاية 258 في تراجم شيوخ حران صحبت المجد صحبته بعد قدومي من دمشق ولم أسمع منه شيئا وسمعت بقراءته على ابن عمه كثيرا وولى التفسير والتدريس بعد ابن عمه وكان رجلا فاضلا في مذهبه وغيره وجرى له معه مباحث كثيرة ومناظرات عديدة وقال الحافظ عز الدين الشريف حدث بالحجاز والعراق والشام وبلده حران وصنف ودرس وكان من أعيان العلماء وأكابر الفضلاء وقال الذهبي قال شيخنا كان جدنا عجبا في حفظ الأحاديث وسردها وحفظ مذاهب الناس بلا كلفة وقال الذهبي وكان الشيخ مجد الدين معدوم النظير في زمانه رأسا في الفقه وأصوله بارعا في الحديث ومعانيه له اليد الطولى في معرفة القراءات والتفسير صنف التصانيف واشتهر اسمه وبعد صيته وكان فرد زمانه في معرفة المذهب مفرط الذكاء متين الديانة كبير الشأن وللصرصري من قصيدة يمدحه بها ( وإن لنا في وقتنا وفتوره * لإخوان صدق بغية المتوصل ) ( يذبون عن دين الهدى ذب ناصر * شديد القوى لم يستكينوا المبطل ) ( فمنهم بحران الفقيه النبيه ذو الفوائد * والتصنيف في المذهب الجلي ) ( هو المجد ذو التقوى ابن تيمية الرضا * أبو البركات العلام الحجة الملي ) ( محرره في الفقه حرر فقهنا * واحكم بالأحكام علم المبجل ) ( جزاهم خيرا ربهم عن نبيهم * وسنته آلوا به خير موئل ) ومن مصنفاته أطراف أحاديث التفسير رتبها على السور الأحكام الكبرى في عدة مجلدات المنتقى من أحاديث الأحكام وهو الكتاب المشهور المحرر في الفقه منتهى الغاية في شرح الهداية وغير ذلك قال ابن رجب في طبقاته كان المجد يفتى أحيانا أن الطلاق الثلاث المجموعة إنما يقع منها واحدة فقد وتوفي رحمه الله تعالى يوم عيد الفطر بعد صلاة الجمعة منه بحران ودفن بظاهرها وتوفي ابنة عمه زوجته بدرة بنت فخر الدين بن تيمية قبله بيوم واحد روت بالإجازة عن (5/258)

259 ضياء بن الخريف وتكنى أم البدر وفيها أبو علي أحمد بن أحمد بن أبي الحسن بن دويرة البصري المقرىء الزاهد شيخ الحنابلة بالبصرة ورئيسهم ومدرسهم اشتغل عليه أمم وختم عليه القرآن أزيد من ألف إنسان وكان صالحا زاهدا ورعا وحدث بجامع الترمذي بإجازته من الحافظ أبي محمد بن الأخضر سمعه منه الشيخ نور الدين عبد الرحمن بن عمر البصري وهو أحد تلامذته وعليه ختم القرآن وحفظ الخرقي عنده بمدرسته بالبصرة وتوفي الشيخ أبو علي في هذه السنة بالبصرة وولي بعده التدريس بمدرسته تلميذه الشيخ نور الدين المذكور وخلع عليه ببغداد في عشر جمادى الآخرة من هذه السنة وفيها أبو الفضل عيسى بن سلامة بن سالم الحراني الخياط ولد في آخر شوال سنة إحدى وخمسين وخمسمائة وسمع من أحمد بن أبي الوفا الصياغ وأجاز شوال سنة إحدى وخمسين وخمسمائة وسمع من أحمد بن أبي الوفا الصايغ وأجاز له ابن البطي وأبو بكر بن النقور ومحمد بن محمد بن السكن وجماعة وانفرد بالرواية عنهم توفي في آخر هذه السنة وفيها الناصح فرج بن عبد الله الحبشي الخادم مولى أبي جعفر القرطبي وعتيق المجد البهنسي سمع الكثير من الخشوعي والقسم وعدة وكان صالحا كيسا متيقظا وقف كتبه وعاش قريبا من ثمانين سنة وتوفي في شوال وفيها الكمال محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن كمال الدين أبو سالم القرشي العدوي النصيبي الشافعي المفتي الرحال مصنف كتاب العقد الفريد وأحد الصدور والرؤساء المعظمين ولد سنة اثنتين وثمانين وخسممائة وسمع بنيسابور من المؤيد وزينب الشعرية وتفقه فبرع في الفقه والأصول والخلاف وترسل عن الملوك وساد وتقدم وحدث ببلاد كثيرة وفي سنة ثمان وأربعين وستمائة كتب تقليده بالوزارة فاعتذر وتنصل فلم يقبل منه فتولاها يومين ثم انسل خفية وترك الأموال والموجود ولبس ثوبا قطنيا وذهب فلم يد رأين ذهب وقد نسب إلى الاشتغال بعلم الحروف والأوفاق وأنه يستخرج أشياء من المغيبات وقيل أنه رجع (5/259)

260 ويؤيد ذلك قوله في المنجم ( إذا حكم المنجم في القضايا * بحكم حازم فاردد عليه ) ( فليس بعالم ما الله قاض * فقدلني ولا تركن إليه ) وله ( لا تركنن إلى مقال منجم * وكل الأمور إلى الآله وسلم ) ( واعلم بأنك إن جعلت لكوكب * تدبير حادثة فلست بمسلم ) وله كتاب الدر المنظم في اسم الله الأعظم وتولى ابتداء القضاء بنصيبين ثم ولي خدابة دمشق ثم لما زهد في الدنيا حج فلما رجع أقام بدمشق قليلا ثم سار إلى حلب فتوفي بها في رجب وفيها أبو البقاء محمد بن علي بن بقاء بن السباك البغدادي سمع من أبي التفح بن شاتيل ونصر الله القزاز وجماعة وتوفي في شعبان وفيها السديد بن مكي بن المسلم بن مكي بن خلف ابن علان القيس الدمشقي المعدل آخر أصحابالحافظ أبي القسم بن عساكر وفاة وتفرد أيضا عن أبي الفهم عبد الرحمن بن أبي العجايز وأبي المعالي ابن خلدون وتوفي في عشرى صفر عن تسع وثمانين سنة سنة ثلاث وخمسين وستمائة فيها جاء سيل بدمشق فبلغ السيل بسوق الفاكهة من صالحية دمشق سنة أذرع وفيها توفي الشهاب القوصي أبو المحامد وأبو العرب وأبو الفداء وأبو الطاهر إسمعيل بن حامد بن عبد الرحمن بن المرجا بن المؤمل بن محمد بن علي بن إبراهيم بن نفيس بن سعد بن سعد بن عبادة بن الصامت الرئيس الفقيه الشافعي الأنصاري الخزرجي القوصي وكيل بيت المال بالشام وواقف الحلقة القوصية بالجامع ولد بقوص في المحرم سنة أربع وسبعين وخمسمائة ورحل إلى مصر القاهرة سنة تسعين ثم قدم إلى دمشق سنة إحدى (5/260)

261 وتسعين واستوطنها وسمع الكثير ببلاد متعددة واتصل بالصاحب صفي الدين بن شكر وروى عن إسمعيل بن يس والأرتاحي والخشوعي وخلق كثير وخرج لنفسه معجما في أربع مجلدات كبار قال الذهبي فيه غلط كثير وكان أديبا إخباريا فصيحا مفوها بصيرا بالفقه وترسل إلى البلاد وولي وكالة بيت المال وتقدم عند الملوك ودرس بحلقته بجامع دمشق وكان يلبس الطيلسان المحنك والبزة الجميلة ويركب البغلة وتوفي بدمشق في ربيع الأول ودفن بداره التي وقفها دار حديث وفيها إقبال الشرابي بنى مدرسة بواسط وإلى جانبها جامعا وبنى ببغداد مدرسة في سوق السلطان وجدد بمكة الرباط الذي اشتهر به وعين عرفة التي في الموقف وأجرى ماءها الانتفاع الحج به وأوقف على ذلك أوقافا سنية وفيها سيف الدين أبو الحسن علي بن يوسف بن أبي الفوارس القيمري صاحب المارستان بصالحية دمشق كان من جلة الأمراء وأبطالهم المذكورين وصلحائهم المشهورين وهو ابن أخت صاحب قيمر توفي بنابلس ونقل فدفن بقبته التي بقرب مارستانه بالصالحية والدعاء عند قبره مستجاب وفيها ضياء الدين أبو محمد صقر بن يحيى بن سالم بن يحيى بن عيسى بن صقر المفتي الإمام المعمر الكلبي الحلبي الشافعي ولد قبل الستين وخمسمائة وروى عن يحيى الثقفي وجماعة وتوفي في صفر بحلب وفيها النظام البلخي محمد بن محمد بن محمد بن عثمان الحنفي نزيل حلب ولد ببغداد سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة وتفقه بخراسان وسمع صحيح مسلم من المؤيد الطوسي وكان فقيها مفتيا بصيرا بالمذهب توفي بحلب في جمادى الآخرة وفيها النور البلخي أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أحمد بن خلف المقرىء بالألحان ولد بدمشق سنة سبع وخمسين وخمسمائة وسمع بالقاهرة من التارج المسعودي واجتمع بالسلفي وأجاز له وسمع بالأسكندرية في سنة خمس وسبعين وسمع من المطهر الشحامي وتوفي في الرابع والعشرين (5/261)

262 من ربيع الآخر وكان صالحا خيرا معمرا وفيها أبو الحجاج يوسف بن محمد بن إبراهيم الأنصاري البياسي بفتح الباء الموحدة والياء المثناة من تحت المشددة نسبة إلى بياسة مدينة كبيرة من كورجيان ولد يوم الخميس الرابع عشر من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة وهو أحد فضلاء الأندلس وحفاظها المتقنين كان أديبا بارعا فاضلا مطلعا على أقسام كلام العالم من النظم والنثر وراويا لوقائعها وحروبها وأيامها قال ابن خلكان بلغني أنه كان يحفظ كتاب الحماسة تأليف أبي تمام وديوان المتنبىء وسقط الزند وغير ذلك من الأشعار وتنقل في بلاد الأندلس وطاف أكثرها وألف لصاحب إفريقية كتابا سماه الأعلام بالحروب الواقعة في صدر الإسلام ابتدأه بقتل عمر بن الخطاب وختمه بخروج الوليد بن طريف الشاري على هرون الرشيد وهو في مجلدين وله كتاب الحماسة في مجلدين أيضا ذكر فيه أشياء حسنة منها قول المجنون ( وعلقت ليلى وهي غر صغيرة * ولم يبد للأتراب من ثدبها حجم ) ( صغيرين نرعى البهم ياليت إننا * إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم ) ومنها قول الوأواء الدمشقي ( وزائر راع كل الناس منطره * أحلى من الأمن عند الخائف الوجل ) ( ألقى على الليل ليلا من ذوائبه * فهابه الصبح أن يبدو من الخجل ) ( أراد بالهجر قتلي فاستجرت به * فاستل بالوصل روحي من يدي أجلي ) ( وصرت فيه أمير العاشقين وقد * صارت ولاية أهل العشق من قبل ) ومنها قول علي بن عطيبة البلنسي الزقاق ( ومرتجة الأعطاف أما قوامها * فلدن وأما ردفها فرداح ) ( ألمت فبات الليل من قصر بها * يطير وما غير السرور جناح ) ( وبت وقد زارت لنا نعم ليله * تعانقني حتى الصباح صباح ) (5/262)

263 ( على عاتقي من ساعديها خمائل * وفي خصرها من ساعدي وشاح ) وتوفي رحمه الله تعالى يوم الأحد الرابع من ذي القعدة بمدينة تونس سنة أربع وخمسين وستمائة فيها كان ظهور النار بظاهر المدينة النبوية على ساكنها الصلاة والسلام وكانت مصداق قوله تقوم الساعة حتى تظهر نار بالحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى وبقيت أياما قيل ثلاثة أشهر وكان نساء المدينة يغزلن على ضوئها وظن أهل المدينة أنها القيامة ظهرت من وادي أحيلين في الحرة الشرقية تدب دبيت النمل إلى جهة الشمال تأكل ما أتت عليه من أحجار وجبال ولا تأكل الشجر حتى أن صاحب المدينة الرشيفة منيف بن شبحة أرسل اثنين ليأتياه بخبرها فدنيا منها فلم يجدا لها حرا فأخذ أحدهما سهما ومد به إليها فأكلت النصل دون العود ثم قلبه ومد بالطرف الآخر فأكلت الريش دون العود وكانت تذيب وتسبك ما مرت عليه من الجبال فسدت وادي شطاه بالحجر المسبوك بالنار سدا ولا كسد ذي القرنين واحتبس الماء خلفه فصار بحرا مد البصر طولا وعرضا كأنه نيل مصر عند زيادته ثم خرقه الماء سنة تسعين وستمائة فجرى الماء من الخرق سنة كاملة يملأ ما بين جنبتي الوادي ثم اسند ثم انخرق ثانية في العشر الأول بعد السبعمائة فجرى سنة وأزيد ثم انخرق في سنة أربع وثلاثين وسبعمائة وفيها احترق المسجد النبوي ليلة الجمعة أول ليلة من رمضان بعد صلاة التراويح على يد الفراش أبي بكر المراغي بسقوط ذبالة من يده فأتت النار على جميع سقوفه ووقعت بعض السواري وذاب الرصاص وذلك قبل أن ينام الناس واحترق سقف الحجرة ووقع بعضه في الحجرة الشريفة وقال بعض الناس في ذلك ( لم يحترق حرم النبي لريبة * تخشى عليه ولا دهاه العار ) (5/263)

264 ( لكنما أيدي الروافض لامست * ذاك الجناب فطهرته النار ) وقال ابن تولو المغربي ( قل للروافض بالمدينة مالكم * يقتادكم للذم كل سفيه ) ( ما أصبح الحرم الشريف محرقا * إلا لذمكن الصحابة فيه ) وفيها غرقت بغداد الغرق الذي لم يسمع بمثله زادت دجلة زيادة ما رأى مثلها وغرق خلق كثير ووقع شيء كثير من الدور على أهلها وأشرف الناس على الهلاك وبقيت المراكب تمر في أزفة بغداد وركب الخليفة في مركب وابتهل الناس إلى الله تعالى بالدعاء وفيها تواترت الأخبار بوصول عساكر هلاكو إلى بلاد أذربيجان قاصدة بلاد الشام فوردت قصاد الخليفة بأن يصطلح الملك الناصر مع الملك العزيز صاحب مصر ويتفقا على قتال التتار فأجاب إلى ذلك وعاد إلى الشام وفيها توفي ابن وثيق شيخ القراء أبو إسحق إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن الأموي الأشبيلي المجود الحاذق ولد سنة سبع وستين وخمسمائة وذكر أنه قرأ القراآت السبع بغزة وغيرها سنة خمس وتسعين على غير واحد من أصحاب أبي الحسن شريح وأن أبا عبد الله ابن زرقون أجاز له فروى عنه التيسير بالإجازة وأقرأ بالموصل والشام ومصر وكان عالي الإسناد توفي بالأسكندرية في ربيع الآخر وفيها الأمير مجاهد الدين إبراهيم بن ادنبا الذي بنى الخانقاة المجاهدية بدمشق على الشرف القبلي وكان والي دمشق عاقلا فاضلا ومن نظمه ( أشبهك الغصن في خصال * القد واللين والتثني ) ( لكن تجنيك ما حكاه * الغصن يجني وأنت تجني ) وله في مليح اسمه مالك ( ومليح قلت ما الاسم * حبيبي قال مالك ) ( قلت صف لي وجهم الزاهي * وصف حسن اعتدالك ) (5/264)

265 ( قال كالغصن وكالبدر * وفيها بشارة بن عبد الله ) توفي بدمشق ودفن بخانقاته المذكورة وفيها بشارة بن عبد الله الأرمني الكاتب مولى شبل الدولة المعظمي كان يكتب خطا حسنا دفن بسفح قاسيون وذريته يدعون النظر على الذرية وعلى الخانقاة الشبيلية وفيها الحافظ ابن شاهاور عبد الله بن محمد بن شاهاور بن أنوشروان بن أبي النجيب الرازي كان حافظا فاضلا عزير العلم صاحب مقامات وكرامات وآثار وفيها العماد بن النحاس الأصم أبو بكر عبد الله بن أبي المجد الحسن بن الحسين بن علي الأنصاري الدمشقي ولد سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة وسمع من أبي سعد بن أبي عصرون وكان آخر من روى عنه ومن الفضل بن البانياسي ويحيى الثقفي وجماعة وسمع بنيسابور من منصور الفراوي وبأصبهان من علي بن منصور الثقفي وكان ثقة خيرا نبيلا به صمم مفرط سمع الناس من لفظه ومات في الثاني والعشرين من صفر وفيها شمس الدين عبد الرحمن بن نوح بن محمد المقدسي مدرس الرواحية وأجل أصحاب ابن الصلاح وأعرفهم بالمذهب توفي في ربيع الآخر وقد تفقه به جماعة وفيها عبد العزيز بن عبد الرحمن بن قرناص الحموي أحد الأعيان العلماء الفضلاء في الفقه والأدب تزهد في صباه وامتنع من قول الشعر إلا في الزهد ومدح النبي ومن شعره ( يا من غدا وجهه روض العيون لما * أعاره الحسن من أنواع أزهار ) ( نعمت طرفي وأودعت الحشا حرقا * فالطرف في جنة والقلب في نار ) وله أشياء مستحسنة جدا وفيها زكي الدين عبد العظيم بن عبد الواحد بن ظافر المصري وعرف بابن أبي الأصبغ صنف كتاب تحرير التحبير في البديع لم يصنف مثله ومن شعره المستجاد (5/265)

266 ( تبسم لما أن بكيت من الهجر * فقلت ترى دمعي فقال ترى ثغري ) ( فديتك لما أن بكيت تنظمت * بفيك لآلي الدمع عقدا من الدر ) ( فلا تدعي يا شاعر الثغر صنعه * فكانت دموعي قال ذا النظم من ثغري ) وفيها الصوري أبو الحسن علي بن يوسف الدمشقي التارج السفار سمع من المؤيد الطوسي وجماعة وكان ذا بر وصدقة توفي في المحرم وفيها الشيخ الكبير عيسى بن أحمد بن الياس اليونيني الزاهد صاحب الشيخ عبد الله كان عابدا زاهدا صواما قواما خائفا قانتا لله تعالى متبتلا منقطع القرين صاحب أحوال وإخلاص إلا أنه كان حاد النفس ولذلك قيل له سلاب الأحوال وكان خشن العيش في ملبسه ومأكله توفي في ذي القعدة ودفن بزاويته بيونين وفيها ابن المقدسية العدل شرف الدين أبو بكر محمد بن لاحسن بن عبد السلام التميمي السفاقسي الأصل الأسكندراني المالكي ولد في أول سنة ثلاث وسبعين وأحضره خاله الحافظ بن المفضل قراءة المسلسل بالأولية عند السلفي واستجازه له ثم أسمعه من أحمد بن عبد الرحمن الحضرمي وغيره توفي في جمادى الأولى وله مشيخة خرجها منصور بن سلم الحافظ وفيها الكمال بن الشعار أبو البركات المبارك بن أبي بكر بن حمدان الموصلي مؤلف عقود الجمان في شعراء الزمان توفي بحلب وفيها مجير الدين يعقوب بن الملك العادل ويلقب هو بالملك المعز كان فاضلا أجاز له أبو روح الهروي وطائفة وتوفي في ذي القعدة ودفن بالتربة عند أبيه وفيها سبط ابن الجوزي العلامة الواعظ المؤرخ شمس الدين أبو المظفر يوسف بن فرغلي التركي ثم البغدادي الهبيري الحنفي سبط (5/266)

267 الشيخ أبي الفرج بن الجوزي أسمعه جده منه ومن ابن كليب وجماعة وقدم دمشق سنة بضع وستمائة فوعظ بها وحصل له القبول العظيم للطف شمائله وعذوبة وعظه وله تفسير في تسع وعشرين مجلدا وشرح الجامع الكبير وكتاب مرآة الزمان وهو كتاب كاسمه وجمع مجلدا في مناقب أبي حنيفة ودرس وأفتى وكان في شبيبته حنبليا وكان وافر الحرمة عند الملوك نقله الملك المعظم إلى مذهب أبي حنيفة فانتقد عليه ذلك كثير من الناس حتى قاله له بعض أرباب الأحوال وهو على المنبر إذا كان للرجل كبير ما يرجع عنه إلا بعيب ظهر له فيه فأي شيء ظهر لك في الإمام أحمد حتى رجعت عنه فقال له اسكت فقال الفقير أما أنا فسكت وأما أنت فتكلم فرام الكلام فلم يستطع فنزل عن المنبر ولو لم يكن له إلا كتابه مرآة الزمان لكفاه شرفا فإنه سلك في جمعه ملكا غريبا ابتدأه من أول الزمان إلى أوائل سنة أربع وخمسين وستمائة التي توفي فيها مات رحمه الله ليلة الثلاثاء العشرين من ذي الحجة بمنزله بجل الصالحية ودفن هناك وحض ردفنه الملك الناصر سلطان الشام رحمه الله تعالى رحمة واسعة سنة خمس وخمسين وستمائة فيها شاع الخبر أن الملك المعز صاحب مصر يتزوج بابنة صاحب الموصل فعظم ذلك على زوجته شجرة الدر وعزمت على الفتك به واتفقت مع جماعة من الخدم ووعدتهم بأموال عظيمة فركب المعز للعب الكرة وجاء تعبان فدخل الحمام يغتسل فلما صار عريانا رمته الخدام إلى الأرض وخنقوه ليلا ولم يدر به أحد فأصبح الناس من الأمراء والكبراء على عادتهم للخدمة فإذا هو ميت فاختبطت المدينة ثم سلطنوا بعده ابنه الملك المنصور عليا وفيها وصلت التتار إلى الموصل وخربوا بلادها وفيها توفي العلامة ابن باطيش بالشين المعجمة عماد الدين أبو المجد إسماعيل (5/267)

268 ابن هبة الله بن سعيد بن هبة الله بن محمد الموصلي الشافعي ولد في محرم سنة خمس وسبعين وخمسمائة ودخل بغداد فتفقه بها وسمع بها من ابن الجوزي وغيره وبحلب من حنبل وبدمشق من جماعة وخرج لنفسه أحاديث عن شيوخه ودرس وأفتى وصنف تصانيف حسنة منها طبقات الشافعية وكتاب المغني في غريب المهذب وكان من أعيان الأئمة عارفا بالأصول قوي المشاركة في العلوم لكن في كتابه المغنى أوهام كثيرة نبه النووي في تهذيبه على كثير منها توفي في حلب في جمادى الآخرة رحمه الله تعالى وفيها المعز عز الدين أيبك التركماني الصالحي صاحب مصر جهاشنكير الملك الصالح كان ذا عقل ودين وترك للمسكن تملك في ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين ثم أقاموا معه باسم السلطنة الأشرف يوسف بن الناصر يوسف بن أقسيس وله عشر سنين وبقي المعز أتابكه وهذا بعد خمسة أيام من سلطنة المعز فكان يخرج التوقيع وصورته رسم بالأمر العالي السلطاني الأشرفي والملكي المعزي ثم بطل أمر الأشرف بعد مديدة وجرت لأيبك أمور إلى أن خطب ابنة صاحب الموصل فغارت أم خليل شجرة الدر وقتلته في الحمام فقتلوها وملكوا ولده عليا وله خمس عشرة سنة وكان أيبك عفيفا طاهر الذيل لا يمنع أحدا حاجة ولا يشرب مسكرا كثير المداراة للأمراء وبنى المدرسة المعزية على النيل ووقف عليها وقفا جيدا وفيها شجرة الدر أم خليل كانت بارعة الحسن ذات ذكاء وعقل ودهاء فأحبها الملك الصالح ولما توفي أخفت موته وكانت تعلم بخطها علامته ونالت من السعادة أعلى الرتب بحيث أنها خطب لها على المنابر وملكوها عليهم أياما فلم يتم ذلك وتملك المعز أيبك فتزوج بها وكانت ربما تحكم عليه وكانت تركية ذات شهامة وإقدام وجرأة وآل أمرها إلى أن قتلت وألقيت تحت قلعة مصر مسلوبة ولم يدر قاتلها ثم دفنت بتربتها (5/268)

269 وفيها البدرائي العلامة نجم الدين أبو محمد عبد الله بن أبي الوفاء محمد بن الحسن الشافعي الفرضي ولد سنة أربع وتسعين وخمسمائة وسمع من جماعة وتفقه وبرع في المذهب ودرس بالنظامية وترسل غير مرة وحدث بحلب ودمشق ومصر وبغداد وبنى بدمشق المدرسة الكبيرة المشهورة به وتعرف بالبدرائية قال الذهبي كان فقيها عالما دينا صدرا محتشما جليل القدر وافر الحرمة متواضعا دمث الأخلاق منبسطا وقد ولي القضاء ببغداد على كره وتوفي بعد خمسة عشر يوما في ذي القعدة وعافاه الله تعالى من كائنة التتار وقال السيوطي في لباب الأنساب البادرائي بفتح الموحدة والدال والراء المهملتين نسبة إلى بادرايا قرية من عمل واسط وفيها اليلداني المحدث المسند تقي الدين عبد الرحمن بن أبي الفهم عبد المنعم بن عبد الرحمن القرشي الدمشقي أبو محمد اليلداني الشافعي كان من الحافظ المكثرين والأثبات المصنفين ولد بيلدا قرية من قرى دمشق في أول سنة ثمان وستين وخمسمائة وطلب الحديث وقد كبر ورحل وسمع من ابن كليب وابن بوش وطبقتهما وكتب الكثير وذكر أن النبي قال له في النوم أنت رجل جيد توفي بقريته وكان خطيبها في ثامن ربيع الأول وفيها المرسي العلامة شرف الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي الفضل السلمي الأندلسي المحدث المفسر النحوي ولد سنة سبعين وخمسمائة في أولها وسمع الموطأ من أبي محمد بن عبيد الله ورحل إلى أن وصل إلى أقصى خراسان وسمع الكثير من منصور الفراوي وأبي روح والكبار وكان كثير الأسفار والتطواف جماعة لفنون العلم ذكيا ثاقب الذهن له تصانيف كثيرة مع زهد وورع وفقر وتعفف سئل عنه الحافظ الضياء فقال فقيه مناظر نحوي من أهل السنة صحبنا وما رأينا منه إلا خيرا وقال الذهبي توفي في نصف ربيع الأول في الطريق ودفن بتل الزعقة رحمه الله تعالى (5/269)

270 سنة ست وخمسين وستمائة فيها قتل المستعصم بالله أبو أحمد عبد الله بن المستنصر بالله أبي جعفر منصور بن الظاهر محمد بن الناصر العباسي آخر الخلفاء العراقيين وكانت دولتهم خمسمائة سنة وأربعا وعشرين سنة ولد أبو أحمد هذا سنة تسع وستمائة في خلافة جد أبيه وأجاز له المؤيد الطوسي وجماعة وسمع من علي ابن النيار الذي لقنه الختمة وروى عنه محي الدين بن الجوزي ونجم الدين البادراي بالإجازة واستخلف في جمادى الأولى سنة أربعين وكان حليما كريما سليم الباطن قليل الرأي حسن الديانة مبغضا للبدعة في الجملة ختم له بخير فإن الكافر هلاكو أمر به وبولده فرفسا حتى ماتا وذلك في آخر المحرم وكان الأمر أشغل من أن يوجد مؤرخ لموته أو مواراة جسده وبقي الوقت بلا خليفة ثلاث سنين وكان سبب قتلهما أن المؤيد العلقمي الوزير قاتله الله كاتب التتار وحرضهم على قصد بغداد لأجل ما جرى على إخوانه الرافضة من النهب والخزي فظن المخذول أن الأمر يتم له وأنه يقيم خليفة علويا فأرسل أخاه ومملوكه إلى هلاكو وسهل عليه أخذ بغداد وطلب أن يكون نائبا له عليها فوعدوه بالأماني وساروا فأخذ لولو صاحب الموصل يهيىء للتتار الإقامات ويكاتب الخليفة سرا فكان ابن العلقمي قبحه الله لا يدع تلك المكاتبات تصل إلى الخليفة مع أنها لو وصلت لما أجدت لأن الخليفة كان يرد الأمر إليه فلما تحقق الأمر بعث ولد محي الدين بن الخوارزمي رسولا إلى هلاكو يعده بالأموال والغنائم فركب هلاكو في مائتي ألف من التتار والكرج ومدد من صاحب الموصل مع ولده الصالح إسمعيل فخرج ركن الدين الدوادار فالتقى بأخوايين وكان على مقدمة هلاكو فانكسر المسلمون ثم سارباجو فنزل من غربي بغداد ونزل هلاكو من شرقيها (5/270)

271 فأشار ابن العلقمي على المستعصم بالله أن اخرج إليهم في تقرير الصلح فخرج الخبيث وتوثق لنفسه ورجع فقال أن الملك قد رغب أن يزوج ابنته بابنك الأمير أبي بكروان تكون الطاعة له كما كان أجدادك مع الملوك السلجوقية ثم يترحل فخرج إليه المستعصم في أعيان الدولة ثم استدعى الوزير العلماء والرؤساء ليحضروا العقد بزعمه فخرجوا فضربت رقاب الجميع وصار كذلك يخرج طائفة بعد طائفة وتضرب أعناقهم حتى بقيت الرعية بلا راع ثم دخلت حينئذ التتار بغداد وبذلوا السيف واستمر القتل والسبي نحو أربعين يوما ولم يسلم إلا من اختفى في بئر أو قناة وقتل الخليفة رفسا ويقال ان هلاكو أمر بعد القتلى فبلغوا ألف ألف وثمانمائة ألف وكسر فعند ذلك نودي بالأمان ثم أمر هلاكو بأخوايين فضربت عنقه لأنه بلغه أنه كاتب الخليفة وكانت بلية لم يصب الإسلام بمثلها وعملت الشعراء قصائد في مراثي بغداد وأهلها وتمثل بقول سبط التعاويذي ( بادت وأهلوها معا فبيوتهم * ببقاء مولانا الوزير خراب ) وقال بعضهم ( يا عصبة الإسلام نوحي واندبي * حزنا على ما تم للمستعصم ) ( دست الوزارة كان قبل زمانه * لابن الفرات فصار لابن العلقمي ) وكان آخر خطبة خطبت ببغداد أن قال الخطيب في أولها الحمد لله الذي هدم بالموت مشيد الأعمار وحكم بالفناء على أهل هذه الدار وقال تقي الدين بن أبي اليسر قصيدته في بغداد وهي ( لسائل الدمع عن بغداد أخبار * فما وقوفك والأحباب قد ساروا ) ( يا زائرين إلى الزوراء لا تفدوا * فما بذاك الحمى والدار ديار ) ( تاج الخلافة والربع الذي شرفت * به المعالم قد عفاه أقفار ) ( أضحى لعطف البلى في ربعه أثر * وللدموع على الآثار آثار ) (5/271)

272 ( يا نار قلبي من نار لحرب وغى * شبت عليه ووافى الربع إعصار ) ( علا الصليب على أعلى منابرها * وقام بالأمر من يحويه زنار ) ( وكم حريم سبته الترك غاصبة * وكان من دون ذاك الستر أستار ) ( وكم بدور على البدرية انخسفت * ولم يعد لبدور منه أبدار ) ( وكم ذخائر أضحت وهي شائعة * من النهاب وقد حازته كفار ) ( وكم حدود أقيمت من سيوفهم * على الرقاب وحطت فيه أوزار ) ( نادت والسبي مهتوك تجرهم * إلى السفاح من الأعداء ذعار ) ولما فرغ هلاكو من قتل الخليفة وأهل بغداد أقام على العراق نوابه وكان ابن العلقمي حسن لهم أن يقيموا خليفة علويا فلم يوافقوه وأطرحوه وصار معهم في صورة بعض الغلمان ومات كمدا لا رحمه الله وهو مؤيد الدين محمد بن أحمد وزير الإمام المستعصم بالله كان فاضلا متغاليا في التشيع إلى غاية ما يكون عامل التتار ليظفر ببغيته فلم ينل منهم ذلك وكان ينشد وهو في حالة الهوان وجرى القضاء بعكس ما أملته ثم أرسل هلاكو إلى الناصر صاحب دمشق كتابا صورته يعلم سلطان مصر ناصر طال بقاؤه أنا لما توجهنا إلى العراق وخرج إلينا جنودهم فقتلناهم بسيف الله ثم خرج إلينا رؤساء البلد ومقدموها فكان قصارى كلامهم سببا لهلاك نفوس تستحق الإهلاك وأما ما كان من صاحب البلد فإنه خرج إلى خدمتنا ودخل تحت عبودتنا فسألناه عن أشياء كذبنا فبها فاستحق الإعدام وكان كذبه ظاهرا ووجدوا ما عملوا حاضرا أجب ملك البسيطة ولا تقولن قلاعي المانعات ورجالي المقاتلات ولقد بلغنا أن شذرة من العسكر التجأت إليك هاربة وإلى جنابك لائذة ( أين المفر ولا مفر لهارب * ولنا البسيطان الثرى والماء ) فساعة وقوفك على كتابنا تجعل قلاع الشام سماءها أرضها وطولها عرضها (5/272)

273 والسلام ثم أرسل له كتابا ثانيا يقول فيه خدمة ملك ناصر أطال عمره أما بعد فإنا فتحنا بغداد واستأصلنا ملكها وملكها إلى هنا وكان ظن وقد ضن بالأموال ولم ينافس الرجال أن ملكه يبقى على ذلك الحال وقد علا ذكره ونما قدره فخسف في الكمال بدره ( إذا تم أمر بدا نقصه * توقع زوالا إذا قيل تم ) ونحن في طلب الإزدياد على ممر الآباد فلا تكن كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم وأبد ما في نفسك إما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان أجب دعوة ملك البسيطة تأمن شره وتنال بره واسع إليه برجالك وأموالك ولا تعوق رسولنا والسلام ثم أرسل كتابا ثالثا يقول فيه أما بعد فنحن جنود الله بنا ينتقم ممن عتا وتجبر وطغى وتكبر وبأمر الله ما ائتمر أن عوتب تنمر وأن روجع استمر وتجبر ونحن قد أهلكنا البلاد وأبدنا العباد وقتلنا النسوان والأولاد فأيها الباقون أنتم بمن مضى لاحقون ويا أيها الغافلون أنتم إليهم تساقون ونحن جيوش الهلكة لا جيوش المملكة مقصودنا الانتقام وملكنا لا يرام ونزيلنا لا يضام وعدلنا في ملكنا قد اشتهر ومن سيوفنا أين المفر ( أين المفر ولا مفر لهارب * ولنا البسيطان الثرى والماء ) ( ذلت لهيبتنا الأسود فأصبحت * في قبضتي الأمراء والخلفاء ) ونحن إليكم صائرون ولكن طالبون ولكم الهرب وعلينا الطلب ( ستعلم ليلى أي دين تداينت * وأي غريم بالتقاضي غريمها ) دمرنا البلاد وأيتمنا الأولاد وأهلكنا العباد وأذقناهم العذاب وجعلنا عظيمهم صغيرا وأميرهم أسيرا أتحسبون أنكم منا ناجون أو متخلصون وعن قليل سوف تعلمون على ما تقدمون وقد أعذر من أنذر والسلام وفيها توفي أبو العباس القرطبي أحمد بن عمر بن إبراهيم الأنصاري (5/273)

274 المالكي المحدث الشاهد نزيل الأسكندرية كان من كبار الأئمة ولد سنة ثمان وسبعين وخمسمائة وسمع بالمغرب من جماعة واختصر الصحيحين وصنف كتاب المفهم في شرح مختصر مسلم وتوفي في ذي القعدة وفيها ابن الحلاوي شرف الدين أبو الطيب أحمد بن محمد بن أبي الوفا الهزبر له فضيلة تامة وشعره في غاية الجودة والرقة فمن ذلك قوله ( وافى يطوف بها الغزال الأغيد * حمراء من وجناته تتوقد ) ( مالت به وأماله سكر الصبا * فنديمها كمديرها يتأود ) ( ثقلت مآزره وأرهف لحظه * فالقائلان مثقل ومحدد ) ( فإذا انثنى وإذا رنا فقوامه * واللحظ منه مثقف ومهند ) ومدح الملوك والكبار وعاش ثلاثا وخمسين سنة وكان في خدمة صاحب الموصل وفيها الزعبي بفتح الزاي نسبة إلى زعب بطن من سليم أبو إسحق إبراهيم بن أبي بكر بن إسمعيل بن علي الحمامي روى كتاب الشكر عن ابن شاتيل ومات في المحرم ببغداد وفيها الصدر البكري أبو علي الحسن بن محمد بن محمد بن محمد بن عمروك التيمي النيسابوري ثم الدمشقي الصوفي الحافظ ولد سنة أربع وسبعين وخمسمائة وسمع بمكة من عمر المبانشي وبدمشق من ابن طبرزد وبخراسان من أبي روح وبأصبهان من أبي الفتوح وابن الجنيد وكتب الكثير وعنى بهذا الشأن أتم عناية وجمع وصنف وشرع في موسدة ذيل على تاريخ ابن عساكر وولى مشيخة الشيوخ وحسبة دمشق وعظم في دولة المعظم ثم فتر سوقه وابتلي بالفالج قبل موته بأعوام ثم تحول إلى مصر فمات بها في حادي عشر ذي الحجة ضعفه بعضهم وقال الزكي البرزالي كان كثير التخليط وفليها الشرف الأربلي العلامة أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم الهدناني الشافعي اللغوي ولد سنة ثمان وستين وخمسمائة بأربل وسمع بدمشق من الخشوعي وطائفة وحفظ على الكندي خطب (5/274)

275 ابن نباتة وديوان المتنبي ومقامات الحريري وكان يعرف اللغة ويقرئها توفي في ثاني ذي العقدة وفيها العماد داود بن عمر بن يوسف أبو المعالي الزبيدي المقدسي الشافعي الدمشقي الأباري خطيب بيت الآبار ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة وسمع من الخشوعي والقسم وطائفة وكان فصيحا خطيبا بليغا لا يكاد يسمع موعظة أحد إلا يبكي ولي خطابة دمشق وتدريس الغزالية بعد ابن عبد السلام ثم عزل بعد ست سنين وعاد إلى خطابة القرية وبها توفي في شعبان ودفن هناك وفيها الملك الناصر داود بن المعظم بن العادل صاحب الكرك صلاح الدين أبو المفاخر ولد سنة ثلاث وستمائة وأجاز له المؤيد الطوسي وسمع ببغداد من القطيعي وكان حنفيا فاضلا مناظرا ذكيا بصيرا بالأدب بديع النظم كثير المحاسن ملك دمشق بعد أبيه ثم أخذها منه عمه الأشرف فتحول إلى مدينة الكرك فملكها إحدى عشرة سنة ثم عمل عليه ابنه وسلمها إلى صاحب مصر الصالح وزالت مملكته وكان جوادا ممدحا ومن شعره يفضل الجارية على الغلام ( أحب الغادة الحسناء ترنو * بمقلة جؤذر فيها فتور ) ( ولا أصبو إلى رشأ غرير * وإن فتن الورى الرشأ الغرير ) ( وأنى يستوي شمس وبدر * ومنها يستمد ويستنير ) ( وهل تبدو الغزالة في سماء * فيظهر عندها للبدر نور ) وله ( قلبي وطرفك قاتل وشهيد * ودمي على خديك منه شهود ) ( يا أيها الرشأ الذي لحظاته * كم دونهن صوارم وأسود ) ( ومن العجائب أن قلبك لم يلن * لي والحديد ألانه داود ) توفي رحمه الله بظاهر دمشق بقرية البويضاء ودفن عند والده الملك المعظم في جمادى الأولى وكانت أمه خوارزمية عاشت بعده مدة (5/275)

276 وفيها بهاء الدين زهير بن محمد بن علي بن يحيى الصاحب المنشىء أبو الفضل وأبو العلاء الأزدي المهلبي المكي ثم القوصي الكاتب له ديوان مشهور ولد سنة إحدى وثمانين وخمسمائة وكتب الإنشاء للملك الصالح نجم الدين ببلاد المشرق فلما تسلطن بلغه أعلى المراتب ونفذه رسولا ولما مرض بالمنصورة تغير عليه وأبعده لأنه كان سريع التخيل والغضب والمعاقبة على الوهم ثم اتصل البهاء زهير بالناصر صاحب الشام وله فيه مدائح وكان ذا مروءة ومكارم ومن شعره ( يطيب لقلبي أن يطيب غرامه * وأيسر ما يلقاه منه حمامه ) ( وأعجب منه كيف يقنع بالمنى * ويرضيه من طيف الخيال لمامه ) ومنها ( وما الغصن إلا ما حوته بروده * وما البدر إلا ما حواه لثامه ) ( خذوا لي من البدر الذمام فإنه * أخوه لعلي نافع لي ذمامه ) ومن شعره أيضا ( أنا زهيرك ليس إلا * جود كفك لي مزينه ) ( أهوى جميل الذكر عنك * كأنما هو لي بثينه ) ( فاسأل ضميرك عن وداد * إنه فيه جهينه ) ومنه أيضا ( روحي من أسميتها بستي * فترمقني النحاة بعين مقت ) ( يظنوا أنني قد قلت لحنا * وكيف وأنني لزهير وقتي ) ( وقد ملكت جهاتي الست طرا * فلا عجب إذا ما قلت ستي ) قال ابن خلكان وشعره كله لطيف وهو كما يقال السهل الممتنع وأجازني رواية ديوانه وهو كثير الوجود بأيدي الناس قال وكان مسه ألم فأقام به أياما ثم توفي قبل المغرب يوم الأحد رابع ذي القعدة ودفن من الغد بعد (5/276)

277 صلاة الظهر بتربة بالقرافة الصغرى بالقرب من قبة الإمام الشافعي رضي الله عنه في جهتها القبلية ولم يتفق لي الصلاة عليه لاشتغالي بالمرض وفيها الكفر طابي أبو الفضل عبد العزيز بن عبد الوهاب بن بيان القواس الرامي الأستاذ ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة وسمع الكثير من يحيى الثقفي وعمر دهرا وتوفي في الحادي والعشرين من شوال بدمشق وفيها أبو العز بن صديق عبد العزيز بن محمد بن أحمد الحراني وهو بكنيته أشهر ولهذا سماه بعضهم ثابتا سمع من عبد الوهاب بن أبي حبة وحدث بدمشق وبها توفي في جمادى الأولى وفيها الحافظ الكبير زكي الدين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة المنذري الشامي ثم المصري الشافعي صاحب التصانيف ولد سنة إحدى وثمانين خمسمائة وسمع من الأرتاحي وأبي الجود وابن طبرزد وخلق وتخرج بأبي الحسن علي بن المفضل ولزمه مدة وله معجم كبير مروي ولي مشيخة الكاملية مدة وانقطع بها نحوا من عشرين سنة مكبا على العلم والإفادة قال ابن ناصر الدين كان حافظا كبيرا حجة ثقة عمدة له كتاب الترغيب والترهيب والتكملة لوفيات النقلة انتهى وقال ابن شهبة برع في العربية والفقه وسمع الحديث بمكة ودمشق وحران والرها والأسكندرية وروى عنه الدمياطي وابن دقيق العيد والشريف عز الدين وأبو الحسين اليونيني وخلق وتخرج به العلماء في فنون من العلم وبه تخرج الدمياطي وابن دقيق العيد والشريف عز الدين وطائفة في علوم الحديث قال الشريف عز الدين كان عديم النظير في معرفة علم الحديث على اختلاف فنونه عالما بصحيحه وسقيمه ومعلوله وطرقه متبحرا في معرفة أحكامه ومعانيه ومشكلة قيما بمعرفة غريبه وإعرابه واختلاف ألفاظه ماهرا في معرفة رواته وجرحهم وتعديلهم ووفياتهم ومواليدهم (5/277)

278 وأخبارهم إماما حجة ثبتا ورعا متحريا فيما يقوله متثبتا فيما يرويه وقال الذهبي لم يكن في زمانه أحفظ منه ومن تصانيفه مختصر مسلم ومختصر سنن أبي داود وله عليه حواش مفيدة وكتاب الترغيب والترهيب في مجلدين وهو كتاب نفيس توفي رحمه الله تعالى في رابع ذي القعدة ودفن بسفح المقطم وفيها جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة بن سلطان بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر المقدسي النابلسي الفقيه الحنبلي المحدث ولد يوم عاشوراء سنة أربع وتسعين وخمسمائة وسمع بالقدس من أبي عبد الله ابن البنا وحدث بنابلس قال الشريف عز الدين كان له سعة وفيه فضل توفي في ذي القعدة بنابلس وفيها موفق الدين أبو محمد عبد القاهر بن محمد بن علي بن عبد الله بن عبد العزيز بن الفوطي البغدادي الحنبلي الأديب قال ابن الساعي كان إماما ثقة أديبا فاضلا حافظا للقرآن عالما بالعربية واللغة والنجوم كاتبا شاعرا صاحب أمثال وكان فقيرا ذا عيال ولم يوافق نفسه على خيانة ولي كتابة ديوان العرض وقتل صبرا في الواقعة ببغداد وفيها ابن خطب القرافة أبو عمرو عثمان بن علي بن عبد الواحد القرشي الأسدي الدمشقي الناسخ كان له إجازة من السلفي فروى بها الكثير وتوفي في ثالث ربيع الآخر عن أربع وثمانين سنة وفيها الشاذلي أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الحميد المغربي الزاهد شيخ الطائفة الشاذلية سكن الأسكندرية وصحبه بها جماعة وله في التصوف مشكلة توهم ويتكلف له في الاعتذار عنها وعنه أخذ الشيخ أبو العباس المرسي قاله في العبر وقال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في طبقات الأولياء علي أبو الحسن الشاذلي السيد الشريف من ذرية محمد بن الحسن زعيم الطائفة الشاذلية نسبة إلى شاذلة قرية بأفريقية نشأ ببلده فاشتغل بالعلوم الشرعية حتى أتقنها وصار يناظر عليها مع كونه ضريرا ثم سلك منهاج التصوف وجد واجتهد حتى ظهر صلاحه (5/278)

279 وخيره وطار في فضاء الفضائل طيره وحمد في طريق الوم ساره وسيره نظم فرقق ولطف وتكلم على الناس فقرط الأسماع وشنف وطاف وجال ولقي الرجال وقدم إلى أسكندرية من المغرب وصار يلازم ثغرها من الفجر إلى المغرب وينتفع الناس بحديثه الحسن وكلامه المطرب وتحول إلى الديار المصرية وأظهر فيها طريقته المرضية ونشر سيرته السرية وله أحزاب محفوظة وأحوال بعين العناية ملحوظة قيل له من شيخك فقال أما فيما مضى فعبد السلام بن بشيش وأما الآن فإني أسقي من عشرة أبحر خمسة سماوية وخمسة أرضية ولما قدم أسكندرية كان بها أبو الفتح الواسطي فوقف بظاهرها واستأذنه فقال طاقية لا تسع رأسين فمات أبو الفتح في تلك الليلة وذلك لأن من دخل بلدا على فقير بغير إذنه فمهما كان أحدهما أعلى سلبه أو قتله ولذلك ندبوا الاستئذان وحج مرارا ومات قاصدا الحج في طريقه قال ابن دقيق العيد ما رأيت أعرف بالله منه ومع ذلك آذوه وأخرجوه بجماعته من المغرب وكتبوا إلى نائب أسكندرية أنه يقدم عليكم مغربي زنديق وقد أخرجناه من بلدنا فاحذروه فدخل أسكندرية فآذوه فظهرت له كرامات أوجبت اعتقاده ومن كلامه كل علم تسبق إليك فيه الخواطر وتميل النفس وتلتذ به فارم به وخذ بالكتاب والسنة وكان إذا ركب تمشى أكابر الفقراء وأهل الدينا حوله وتنشر الأعلام على رأسه وتضرب الكوسات بين يديه وينادي النقيب أمامه بأمره له من أراد القط بالغوث فعليه بالشاذلي قال الحنفي اطلعت على مقام الجيلاني والشاذلي فإذا مقام الشاذلي أرفع ومن كلام الشاذلي لولا لجام الشريعة على لساني لأخبرتكم بما يحدث في غد وما بعده إلى يوم القيامة وقد أفرد التاج بن عطاء الله مولفا حافلا لترجمته وكلامه مات رحمه الله تعالى بصحراء عيذاب قاصدا للحج في أواخر ذي القعدة ودفن هناك انتهى ملخصا (5/279)

280 وفيها سيف الدين بن المشد سلطان الشعراء صاحب الديوان المشهور الأمير أبو الحسن علي بن عمر بن قزل التركماني ولد سنة اثنتين وستمائة بمصر وكان فاضلا كثير الخير والصدقات ذا مروءة ومن شعره ( بشرى لأهل الهوى عاشوا به سعدا * وإن يموتوا فهم من جملة الشهدا ) ( شعارهم رقة الشكوى ومذهبهم * أن الضلالة تيه في الغرام هدى ) ( عيونهم في ظلام الليل ساهرة * عبرى وأنفاسهم تحت الدجى صعدا ) ( تجرعوا كأس خمر الحب مترعة * ظلوا سكارى فظنوا غيهم رشدا ) ( وعاسل القد معسول مقبله * كالغصن لما انثنى والبدر حين بدا ) ( نادمته وثغور البرق باسمة * والغيث ينزل منحلا ومنعقدا ) ( كأن جلق حيا الله ساكنها * أهدت إلى النور من أزهارها مددا ) ( فاسترسل الجو منهلا يزيد على * ثورا ويعقد محلول الندى بردا ) ومن شعره أيضا ( بين الجفون مصارع العشاق * فخذوا حذاركم من الأحداق ) ( فهي السهام بل السيوف وإنها * أمضى وأنكى في حشا المشتاق ) توفي رحمه الله في تاسع المحرم بدمشق ودفن بقاسيون وفيها النشبي المحدث شمس الدين أبو الحسن علي بن المظفر بن القسم الربعي النشبي الدمشقي نائب الحسبة سمع الكثير من الخشوعي والقسم بن عساكر وخلق وكان فصيحا طيب الصوت بالقراءة كتب الكثير وكان يؤدب ثم صار شاهدا توفي في ربيع الأول وقد جاوز التسعين وفيها الشيخ علي الخباز الزاهد أحد مشايخ العراق له زاوية واتباع وأحوال وكرامات وفيها ابن عوه أبو حفص عمر بن أبي نصر بن أبي الفتح الجزري التاجر السفار العدل حدث بدمشق عن البوصيري وتوفي في ذي الحجة وكان صالحا وفيها الموفق بن أبي الحديد أبو المعالي (5/280)

281 القسم بن هبة الله بن محمد بن محمد المدايني المتكلم الأشعري الكاتب المنشىء البليغ كان فقيها أديبا شاعرا محسنا مشاركا في أكثر العلوم فمن شعره ( استر لثامك حتى يستر اللعس * وقف ليبعد عن أعطافك الميس ) ( إني أخاف على حسن حبيت به * إصابة العين أن العين تختلس ) ( يا غاصب الخشف أوصافا مكملة * لم يبق للخشف إلا السوق والخنس ) ( وفاضح البدران البدر مقتبس * من التي هي من خديك تقتبس ) ( معدل الخلق لا طول ولا قصر * مكمل الخلق لا هين ولا شرس ) ( حموه عن كل ما يشفي العليل به * حتى على طيفه من شكله حرس ) ( قد كنت أبصر صبحا في محبته * فعاد وهو بعيني كله غلس ) توفي ببغداد في رجب وفيها الإمام شعلة أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن الحسين الموصلي الحنبلي المقرىء العلامة شارح الشاطبية قرأ القرآن على أبي الحسن علي بن عبد العزيز الأربلي وغيره وتفقه وقرأ العربية وبرع في الأدب والقراءات وصنف تصانيف كثيرة ونظم الشعر الحسن قال الذهبي كان شابا فاضلا ومقرئا محققا ذا ذكاء مفرط وفهم ثاقب ومعرفة تامة بالعربية واللغة وشعره في غاية الجودة نظم في الفقه وفي التاريخ وغيره ونظم كتاب الشمعة في القراءات السبعة وكان مع فرط ذكائه صالحا زاهدا متواضعا كان شيخنا التقى المقصاتي يصف شمائله وفضائله ويثني عليه وكان قد حضر بحوثه وقال ابن رجب له تصانيف كثيرة أكثرها في القراءات منها شرح الشاطبية وكتاب الناسخ والمنسوخ وكلامه فيه يدل على تحقيقه وعلمه وله كتاب فضائل الأئمة الأربعة ومن نظمه قوله ( دع عنك ذكر فلانة وفلان * واجنب لما يلهي عن الرحمن ) ( واعلم بأن الموت يأتي بغتة * وجميع ما فوق البسيطة فان ) ( فإلى متى تلهو وقلبك غافل * عن ذكر يوم الحشر والميزان ) (5/281)

282 ( أتراك لم تك سامعا ما قد أتى * في النص بالآيات والقرآن ) ( فانظر بعين الاعتبار ولا تكن * ذا غفلة عن طاعة الديان ) ( واقصد لمذهب أحمد بن محمد * أعني ابن حنبل الفتى الشيباني ) ( فهو الإمام مقيم دين المصطفى * من بعد درس معالم الإيمان ) ( أحيا الهدى وأقام في أحيائه * متجردا للضرب غير جبان ) ( تعلوه أسياط الأعادي وهو لا * ينفك عن حق إلى بهتان ) ( وعزلت عن قول النبي وصحبه * وجميع من تبعوه بالإحسان ) ( أترون أني خائف من ضربكم * لا والإله الواحد المنان ) ( كن حنبليا ما حييت فإنني * أوصيك خير وصية الإخوان ) ( ولقد نصحتك إن قبلت فاحمد * زين التقادة وسيد الفتيان ) ( ماذا أقام وقد أقام إمامنا * متجردا من غير ما أعوان ) ( مستعذبا للمرفى نصر الهدى * متجرعا لمضاضة السلطان ) ( وسلا بمهجته وبايع ربه * أن لا يطيع أئمة العدوان ) ( وأقام تحت الضرب حتى أنه * دحض الضلال وفتنة الفتان ) ( وأتى برمح الحق يطعن في العدا * أهل الضلال وشرعة الشيطان ) ( من ذا لقي ما قد لقيه من الأذى * في ربه من ساكني البلدان ) ( فعلى ابن حنبل السلام وصحبه * ما ناحت الورقاء في الأغصان ) ( إني لأرجو أن أفوز بحبه * وأنال في بعث رضا الرحمن ) ( حمدا لربي إذ هداني دنيه * وعلى شريعة أحمد أنشأني ) ( واختار مذهب أحمد لي مذهبا * ومن الهوى والغي قد أنجاني ) ( من ذا يقوم من العباد بشكر ما * أولاه سيده من الإحسان ) قال الذهبي توفي في صفر بالموصل وله ثلاث وثلاثون سنة رحمه الله تعالى (5/282)

283 وفيها الأديب الفاضل سعد الدين محمد بن الشيخ محي الدين محمد بن العربي الحاتمي الطائي ولد بملطية وسمع الحديث ودرس وله ديوان مشهور وناب بدمشق ومن شعره في مليح رآه في الزيادة ( يا خليلي في الزيادة ظبي * سلبت مقلتاه جفني رقاده ) ( كيف أرجو السلو عنه وطرفي * ناظر حسن وجهه في الزيادة ) وله ( سهري من المحبوب أصبح مرسلا * وأراه متصلا بفيض مدامعي ) ( قال الحبيب بأن ربعي نافع * فاسمع رواية مالك عن نافع ) وله ( أشكو إلى الله علام الخفيات * من جور ألحاظك المرضى الصحيحات ) ( إن أنكرت هذه الأجفان ما صنعت * سل عن دمي الوجنات العندميات ) ( روت لواحظها عن بال خبرا * ويلاه من سقم هاتيك الروايات ) ( فيا جليسي بدا ما كنت أكتمه * إن المجالس فاعلم بالأمانات ) ( لله سرب ظباء من بني أسد * حررت معهن أرباب المسرات ) ( حلقت أحداقها بعدي وأوجهها * كم من عيون تركناها وجنات ) وفيها ابن الجرح أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الأنصاري التلمساني المالكي نزيل الثغر كان من صلحاء العلماء سمع بسبتة الموطأ من أبي محمد بن عبيد الله الحجري وتوفي في ذي القعدة عن ثنتين وتسعين سنة وفيها خطيب مردا الفقيه أبو عبد الله محمد بن إسمعل بن أحمد بن أبي الفتح المقدسي النابلسي الحنبلي ولد بمردا سنة ست وستين وخمسمائة ظنا وتفقه بدمشق وسمع من يحيى الثقفي وأحمد بن الموازيني وبمصر من البوصيري وغير واحد وتوفي بمردا في أوائل ذي الحجة وفيها الفاسي الإمام (5/283)

284 أبو عبد الله محمد بن حسن بن محمد بن يوسف المغربي المقرىء مصنف شرح الشاطبية قرأ على رجلين قرآ على الشاطبي وكان فقيها بارعا متفننا متين الديانة جليل القدر تصدر للأقراء بحب مدة وتوفي في ربيع الآخر وفيها الفقيه الزاهد محي الدين أبو نصر محمد بن نصر بن عبد الرزاق بن عبد القادر بن أبي صالح الحنبلي البغدادي قاضي القضاة عماد الدين سمع من والده ومن الحسن بن علي بن المرتضى العلوي وغيرهما وطلب بنفسه وقرأ وتفقه وكان عالما ورعا زاهدا يدرس بمدرسة جده ويلازم الاشتغال بالعلم إلى أن توفي ولما ولي أبوه قضاء القضاة ولاه القضاء والحكم بدار الخلافة فجلس في مجلس الحكم مجلسا واحدا وحكم ثم عزل نفسه ونهض إلى مدرستهم بباب الأزج ولم يعد إلى ذلك تنزها عن القضاء وتورعا وسمع منه الدمياطي الحافظ وحدث عنه وذكره في معجمه وتوفي ليلة الإثنين ثاني عشر شوال ببغداد ودفن إلى جنب جده الشيخ عبد القادر بمدرسته وكانت وفاته بعد انقضاء الواقعة وفيها ابن صلايا الصاحب تاج الدين أبو المكارم محمد بن نصر بن يحيى الهاشمي العلوي نائب الخليفة بأربل كان من رجال الدهر عقلا ورأيا وهيبة وعزما وجودا وسؤددا قتله هلاكو في ربيع الآخر بقرب تبريز وفيها الفاضل الأديب نور الدين محمد بن محمد بن رستم الأسعردي الشاعرالمشهور كان قاضي القضاة ابن سني الدولة أجلسه تحت الساعات شاهدا فحضر يوما عند السلطان صلاح الدين يوسف فأعجبته عبارته فجعله نديما وخلع عليه القباء والعمامة المذهبة فأتى ثاني يوم بالعمامة المذهبة والقباء وجلس تحت الساعات بين الشهود وكان الغالب عليه المجون وأفرد هزلياته في كتاب سماه سلافة الزرجون في الخلاعة والمجون وفيها فتح الدين محمد بن عبد الصمد بن عبد الله بن حيدة السلمي عرف بابن العدل أحد الصدور الأماثل ولي حسبه دمشق إلى حين وفاته وكان (5/284)

285 موصوفا بالعفاف وجده محي الدين هو باني المدرسة بالزبداني وكان كثير البر والصدقة له الأملاك الكثيرة ودفن بسفح قاسيون وفيها ابن شقير الشيخ عفيف الدين أبو الفضل المرجي بن الحسن بن هبة الله بن عزال الواسطي المقرىء التاجر السفار ولد سنة إحدى وستين وخمسمائة بواسط وقرأ القراءات على أبي بكر بن الباقلاني وأتقنها وتفقه وكان آخر من روى وحدث عن أبي طالب الكتاني وذكر الفاروي أنه عاش إلى حدود هذه السنة وفيها ابن الشقيشقة المحدث نجيب الدين أبو الفتح نصر الله بن أبي العز مظفر بن عقيل الشيباني الدمشقي الصفار ولد بعد الثمانين وخمسمائة وسمع من حنبل وابن طبرزد وخلق كثير وروى مسند أحمد وكان أديبا ظريفا عارفا بشيوخ دمشق ومروياتهم لكن رماه أبو شامة بالكذب ورقة الدين وكان جعله قاضي القضاة ابن سني الدولة عاقدا تحت الساعات فقال فيه البهاء بن الدجاجية ( جلس الشقيشقة الشقي ليشهدا * بأبيكما ماذا عدا فيما بدا ) ( هل زلزل الزلزال أم قد أخرج الدجال * أم عدموا الرجال أولى الهدى ) ( عجبا لمحلول العقيدة جاهل * بالشرع قد أذنوا له أن يعقدا ) ولابن الشقيشقة لغز في الواو والميم والنون وهو ( أوله آخره * وبعضه جميعه ) ( ثلاثة حروفه * وواحد مجموعه ) ( إن شئت أن تعكسه * فلست تستطيعه ) توفي في جمادى الآخرة ووقف داره بدمشق دار حديث وفيها الصرصري الشيخ العلامة القدوة أبو زكريا يحيى بن يوسف بن يحيى الصرصري الأصل نسبة إلى صرصر بفتح الصادين المهملتين قرية على فرسخين من بغداد كان إليه المنتهى في معرفة اللغة وحسن الشعر وديوانه (5/285)

286 ومدائحه سائرة وكان حسان وقته ولد سنة ثمان وثمانين وخمسمائة وقرأ القرآن بالروايات على أصحاب ابن عساكر البطائحي وسمع الحديث من الشيخ على ابن إدريس اليعقوبي الزاهد صاحبه الشيخ عبد القادر وصحبه وتسلك به ولبس منه الخرقة وأجاز له الشيخ عبد المغيث الحربي وغيره وحفظ الفقه واللغة ويقال أنه كان يحفظ صحاح الجوهري بكمالها وكان يتوقد ذكاء ويقال أن مدائحه في النبي تبلغ عشرين مجلدا وقد نظم في الفقه مختصر الخرقي وزايد الكافي ونظم في العربية وفي فنون شتى وكان صالحا قدوة كثير التلاوة عظيم الاجتهاد صبورا قنوعا محبا لطريقة الفقراء ومخالطتهم وكان يحضر معهم السماع ويرخص في ذلك وكان شديدا في السنة منحرفا على المخالفين لها وشعره مملوء بذكر أصول السنة ومدح أهلها وذم مخالفيها قال ابن رجب وكان قد رأى النبي في منامه وبشره بالموت على السنة ونظم في ذلك قصيدة طويلة معروفة وسمع منه الحافظ الدمياطي وحدث عنه وذكره في معجمه ولما دخل التتار بغداد كان الشيخ بها فلما دخلوا عليه قاتلهم وقتل منهم بعكازه نحو اثني عشر نفسا ثم قتلوه شهيدا برباط الشيخ علي الخباز وحمل إلى صرصر فدفن بها وفيها محي الدين بن الجوزي الصاحب العلامة سفير الخلافة أبو المحاسن يوسف بن الشيخ أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد التيمي البكري البغدادي الحنبلي أستاذ دار المستعصم بالله ولد سنة ثمانين وخمسمائة وسمع من أبيه وذاكر بن كامل وابن بوش وطائفة وقرأ القرآن بواسط على ابن الباقلاني وكان كثير المحفوظ قوي المشاركة في العلوم وافر الحشمة قال ابن رجب قرأ القرآن بالروايات العشر على ابن الباقلاني وقد جاوز العشر سنين من عمره ولبس الخرقة من الشيخ ضياء الدين بن سكينة واشتغل بالفقه والخلاف والأصول وبرع في ذلك وكان أشهر فيه من أبيه ووعظ من صغره على قاعدة أبيه وعى أمره وعظم (5/286)

287 شأنه وولي الولايات الجليلة ثم عزل عن جميع ذلك وانقطع في داره يعظ ويفتي ويدرس ثم أعيد إلى الحسبة وقال ابن الساعي ظهرت عليه آثار العناية الإلهية مذ كان طفلا فعنى به والده فأسمعه لحديث ودربه في الوعظ وبورك له في ذلك وبانت عليه آثار السعادة وتوفي والده وعمره سبع عشرة سنة فكفلته والدة الإمام الناصر وتقدمت له بالجلوس للوعظ على عادة والده عند تربتها بعد أن خلعت عليه فتكلم بما بهر به الحاضرين ولم يزل في ترق وعلو كامل الفضائل معدوم الرذائل أرسله الخليفة إلى ملوك الأطراف فاكتسب مالا كثيرا وأنشأ مدرسة بدمشق وهي المعروفة بالجوزية ووقف عليها أوقافا كثيرة ولم يزل في ترق إلى أن قتل صبرا بسيف الكفار شهيدا عند دخول هلاكو إلى بغداد بظاهر سور كلواذا وقتل معه أولاده الثلاثة الشيخ جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن وكان فاضلا بارعا واعظا له تصانيف قتل وقد جاوز الخمسين وشرف الدين عبد الله ولي الحسبة أيضا ثم تزهد عنها ودرس وتاج الدين عبد الكريم ولي الحسبة أيضا لما تركها أخوه ودرس وقتل ولم يبلغ عشرين سنة ومن مصنفات يوسف المذكور معادن الأبريز في تفسير الكتاب العزيز والمذهب الأحمد في مذهب أحمد والإيضاح في الجدل وسمع منهم خلق منهم الحافظ الدمياطي.

سنة سبع وخمسين وستمائة

فيها دخل هلاكو ديار بكر قاصدا حلب ونزل على آمد وأرسل يطلب الملك السعيد صاحب ماردين فسير إليه ولده وقاضي البلد مهذب الدين محمد بن مجلي بهدية واعتذر أنه ضعيف فلم يقبل منه وقبض على ولده وسير إلى الملك يستحثه فعظمت الأراجيف وعدوا الفرات وخرج أهل الشام جانلين منهم وخرج الملك الناصر بعساكره لملتقى التتار فنزل على برزة واجتمع إليه أمم عظيمة من عرب وعجم وأكراد مطوعة وكان هلاكو قد قدم في خلق لا يعلمهم إلا الله تعالى فنزل على حران وسير ولده أشموط إلى الشام فوصل إلى حلب وبها بوران شاه بن السلطان صلاح الدين وكانت في غاية التحصين فنزل التتار على السلمية وامتدوا إلى جيلان فخرج عسكر حلب ومعهم خلق فولت التتار منهم مكرا وخديعة فتبعهم العسكر والعوام فرجعوا عليهم فانكسر المسلمون وتبعوهم إلى أبواب حلب يقتلون ويأسرون ونزل التتار بظاهر حلب وهي مغلقة الأبواب وفيها توفي نجم الدين أبو إسحق وأبو طاهر إبراهيم بن محاسن بن عبد الملك بن علي بن منجا التنوخي الحموي ثم الدمشقي الفقيه الحنبلي الأديب الكاتب سمع من ابن طبرزد والكندي وغيرهما توفي في العشر الأواخر من محرم بتل ناشر من أعمال حلب ودفن به رحمه الله وفيها الشيخ مجد الدين أبو العباس أحمد بن علي بن أبي غالب الأربلي النحوي الحنبلي المعدل سمع بأربل من محمد بن هبة الله وسكن دمشق وحدث بها واشتغل مدة في العربية بالجامع وقرأ عليه جماعة من الأصحاب وغيرهم منهم الفخر البعلبكي وابن الفركاح وتوفي في نصف صفر بدمشق وفيها الرئيس صدر الدين أبو الفتح أسعد بن عثمان بن المنجا التنوخي الدمشقي الحنبلي واقف المدرسة الصدرية بدمشق ودفن بها ولد سنة ثمان وتسعين وخمسمائة بدمشق وسمع بها من حنبل وابن طبرزد وحدث وكان أحد المعدلين ذوي الأموال والثروة والصدقات وولي نظر الجامع مدة وثمر له أموالا كثيرة واستجد في ولايته أمورا توفي في تاسع عشر شهر رمضان وفيها ابن تاميت أبو العباس أحمد بن محمد بن الحسن اللواتي الفاسي المحدث المعمر نزيل القاهرة كان صالحا عالما خيرا روى بالإجازة العامة عن أبي الوقت قال الشريف عز الدين مولده فيما بلغنا في المحرم سنة ثمان وأربعين وخسمائة (5/288)

289 وتوفي في رابع المحرم رحمه الله وفيها أبو الحسين بن السراج المحدث الكبير مسند المغرب أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله الأنصاري الأشبيلي ولد سنة ستين وخمسمائة وسمع من ابن بشكوال وعبد الله بن زرقون وطائفة وتفرد في زمانه وكانت الرحلة إليه بالمغرب وتوفي في سابع صفر وفيها ابن اللمط شمس الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف الجذامي المصري رحل مع ابن دحية وسمع من أبي جعفر الصيدلاني وعبد الوهاب بن سكينة وتوفي في ربيع الآخر وله خمس وثمانون سنة وفيها صاحب الموصل الملك الرحيم بدر الدين لولو الأرمني الأتابكي مملوك نور الدين أرسلان شاه بن عز الدين مسعود صاحب الموصل كان مدب ردولة أستاذه دولة ولده القاهر مسعود فلما مات القاهر سنة خمس عشرة وستمائة أقام بدر الدين ولد القاهر صورة وبقي أتابكه مدة ثم استقل بالسلطنة وكان صارما شجاعا مدبرا خبيرا توفي في شعبان وقد نيف على الثمانين وانخرط نظام بلده من بعده وفيها الشيخ يوسف القميني الموله قال الذهبي في العبر الذي تعتقده العامة أنه ولي الله وحجتهم الكشف والكلام على الخواطر هذا شيء يقع من الكاهن والراهب والمجنون الذي له قرين من الجن وقد كثر هذا في عصرنا والله المستعان وكان يوسف يتنجس ببوله ويمشي حافا ويأوي اقميم حمام نور الدين ولا يصلي انتهى وقال ابن شهبة في تاريخ الإسلام كان يأوي القمامين والمزابل وغالب إقامته بأقميم حمام نورد الدين بسوق القمح وكان يلبس ثيابا طوالا تكنس الأرض ولا يلتفت إلى أحد والناس يعتقدون فيه الصلاح ويحكون عنه عجائب وغرائب ودفن بتربة المولهين بسفح قاسيون ولم يتخلف عن جنازته إلا القليل. انتهى.

سنة ثمان وخمسين وستمائة

  • في المحرم قطع هلاكو الفرات ونهب نواحي حلب وأرسل متوليها بوران شاه بن السلطان صلاح الدين بأنكم تضعفون عنا ونحن نقصد سلطانكم الناصر فاجعلوا لنا عندكم شحنة بالقلعة وشحنة بالبلد فإن انتصر علينا الناصر فاقتلوا الشحنتين أو أبقوهما وإن انتصرنا فحلب والبلاد لنا وتكونون آمنين فأبى عليه بوران شاه فنزل على حلب في ثاني صفر فلم يصبح عليهم الصباح إلا وقد حفروا عليهم خندقا عمق قامة وعرض أربعة أذرع وبنوا حائطا ارتفاع خمسة أذرع ونصبوا عشرين منجنيقا وألحوا بالرمي وشرعوا في نقب السور وفي تاسع صفر ركبوا للأسوار ووضعوا السيف يومهم ومن الغد واحتمى في حلب أماكن فيها نحو خمسين ألفا واستتر خلق وقتل أمم لا يحصون وبقي القتل والسبي خمسة أيام ثم نودي برفع السيف وأذن المؤذن يومئذ يوم الجمعة بالجامع وأقيمت الجمعة بأناس ثم أحاطوا بالقعلة وحاصروها ووصل الخبر يوم السبت إلى دمشق فهرب الناصر ودخلت يومئذ رسل هلاكو وقرىء الفرمان بامان دمشق ثم وصل نائب هلاكو فتلقاه الكبراء وحملت أيضا مفاتيح حماة إلى هلاكو وسار صاحبها والناصر إلى نحو غزة وعصت قلعة دمشق فحاصرتها التتار وألحوا بعشرين منجنيقا على برج الطارمة فتشقق وطلب أهلها الأمان فأمنهم وسكنها النائب كتبغا وتسلموا بعلبك وقلعتها وأخذوا نابلس ونواحيها بالسيف ثم ظفروا بالملك وأخذوه بالأمان وساروا به إلى هلاكو فرعى له مجيئه وبقي في خدمته أشهرا ثم قطع الفرات راجعا وترك بالشام فرقة من التتار وأما المصريون فتأهبوا وشرعوا في المسير من نصف شعبان وثارت النصارى بدمشق ورفعت رؤوسها ورفعوا الصليب ورموا به وألزموا الناس بالقيام له من حوانيتهم في الثاني والعشرين من رمضان ووصل جيش الإسلام وعليهم الملك المظفر وعلى مقدمته ركن الدين البندقداري فالتقى الجمعان على عين جالوت غربي بيسان ونصر الله دينه وقتل في المصاف مقدم التتار كتبغا وطائفة من أمراء المغول ووقع بدمشق النهب والقتل في النصارى وأحرقت كنيسة مريم وعيد المسلمون على خير عظيم وساق البندقداري وراء التتار إلى حلب وخلت من القوم الشام وطمع البندقداري في أخذ حلب وكان وعده بها المظفر ثم رجع فتأثر وأضمن الشر فلما رجع المظفر بعد شهر إلى مصر مضمرا للبندقداري الشر فوافق ركن الدين على مراده عدة أمراء وكان الذي ضربه بالسيف فحل كتفه بكتوت الجو كندار المغربي ثم رماه بهادر المغربي بسهم قضى عليه وذلك يوم سادس عشر ذي القعدة بقرب قطية وتسلطن ركن الدين البندقداري الملك الظاهر بيبرس وفي آخر السنة كرت التتار على حلب واندفع عسكرها بين أيديهم فدخلوا إليها وأخرجوا من بها ووضعوا فيهم السيف

وفيها توفي ابن سني الدولة قاضي القضاة صدر الدين أبو العباس أحمد بن يحيى بن هبة الله بن الحسن الدمشقي الشافعي ولد سنة تسعين وخمسمائة وسمع من الخشوعي وجماعة وتفقه على أبيه قاضي القضاة شمس الدين وعلى فخر الدين بن عساكر وقل من نشأ مثله في صيانته وديانته واشتغاله ناب عن أبيه وولي وكالة بيت المال ودرس بالإقبالية وغيرها ثم استقل بمنصب القضاء مدة ثم عزل واستمر على تدريس الإقبالية والجاروخية وقد درس بالعادلية الكبيرة والناصرية وهو أول من درس بها وخرج له الحافظ الدمياطي معجما قال الذهبي وكان مشكور السيرة في القضاء لين الجانب حسن المداراة والاحتمال رجع من عند هلاكو متمرضا فأدركه الموت ببعلبك في جمادى الآخرة وله ثمان وستون سنة وفيها نجيب الدين أبو إسحق إبراهيم بن خليل الدمشقي الأدمي ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة وسمعه أخوه من عبد الرحمن الخرقي ويحيى الثقفي وجماعة وحدث بدمشق وحلب وعدم به في صفر وفيها أبو طالب تمام السروري بن أبي بكر بن أبي طالب الدمشقي الجندي ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة وسمع من يحيى الثقفي وتوفي في رجب وفيها الملك المعظم أبو المفاخر صلاح الدين توران شاه ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة وسمع من يحيى الثقفي وابن صدقة الحراني وأجاز له عبد الله بن بري وكان كبير البيت الأيوبي وكان السلطان يجله ويتأدب معه سلم قلعة حلب لما عجز بالأمان وأدركه الموت أثر ذلك فتوفي في ربيع الأول وله ثمانون سنة وفيها الملك السعيد حسن بن العزيز عثمان بن العادل صاحب الصبية وبانياس تملك سنة إحدى وثلاثين بعد أخيه الملك الظاهر إلى سنة بضع وأربعين فأخذ الصبيبة منه الملك الصالح وأعطاه إمرة مصر فلما قتل المعظم ابن الصالح ساق إلى غزة وأخذ ما فيها وأخذ الصبيبة فتسلمها فلما تملك الملك الناصر دمشق قبض عليه وسجنه بالبيرة فلما أخذ هلاكو البيرة أحضر إليه بقيوده فأطلقه وخلع عليه وسلم إليه الصبيبة وبقي في خدمة كتبغا بدمشق وكان بطلا شجاعا قاتل يوم عين جالوت فلما انهزمت التتار جيء به إلى الملك المظفر فضرب عنقه وفيها المحب عبد الله بن أحمد بن أبي بكر محمد بن إبراهيم السعدي المقدسي الصالحي الحنبلي المحدث مفيد الجبل روى عن الشيخ الموفق وابن البن وابن الزبيدي ورحل إلى بغداد فسمع من القبيطي وابن الفخار وطبقتها وكتب الكثير وعنى بالحديث أتم عناية وأكثر السماع والكتابة وتوفي في ثاني عشرى جمادى الآخرة وله أربعون سنة وفيها ابن الخشوعي أبو محمد عبد الله بن بركات بن إبراهيم الدمشقي سمع من يحيى الثقفي وأبيه وعبد الرزاق النجار. وأجاز له السلفي وطائفة وتوفي في أواخر صفر وفيها العماد عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف المقدسي الجماعليي الحنبلي الصالحي المؤدب سمع من يحيى الثقفي وأحمد بن الوازيني وجماعة وتوفي في ربيع الأول وفيها ابن العجمي أبو طالب عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن الحسن الحلبي الشافعي روى عن يحيى الثقفي وابن طبرزد ودرس وأفتى عذبه التتار على المال حتى هلك في الرابع والعشرين من صفر وفيها الملك المظفر سيف الدين قطز أحد مماليك المعز أيبك التركماني صاحب مصر كان بطلا شجاعا حازما كسر التتار كسرة جبر بها الإسلام فجزاه الله عن الإسلام خيرا ولم يخلف ولدا ذكرا حكى الأمير البردجاني قال كان المظفر خشداشي عند الهيجاوي وكان عليه قمل كثير فكنت أسرحه وكلما قتلت قملة آخذ منه فلسا أو أصفعه فبينا أنا أسرحه ذات يوم قلت والله أشتهي إمرة خمسين فقال له طيب قلبك أنا أعطيك أمرة خمسين فصفعته وقلت ويلك أنت تعطيني أمرة خمسين قال نعم فصفعته فقال لي إيش عليك لك إلا أمرة خمسين وأنا والله أعطيك ذلك الذي طلبت فقلت له أنت مجنون بقملك تملك الديار المصرية قال نعم رأيت النبي حق لا شك فيه وجرى ذلك وقال له منجم بمصر وللملك الظاهر بيبرس بعد أن اختبر نجم كل واحد منهما فقال للملك المظفر أنت تملك مصر وتكسر التتار فاستهزءوا به وقال للملك الظاهر وأنت أيضا تملك الديار المصرية وغيرها فاستهزءوا به فكان كما قال وهذا من عجيب الاتفاق وكان المظفر بطلا شجاعا دينا مجاهدا انكسرت التتار على يديه واستغاد منهم الشام وكان أتابك الملك المنصور على ولد أستاذه فلما رآه لا يغني شيئا عزله وقام في السلطنة وكان شابا أشقر وافر اللحية ذكر أنه قال أنا محمود بن ممدود ابن أخت السلطان خوارزم شاه وأنه كان مملوكا لتاجر في القصاعين بمصر وفيها شيخ الإسلام أبو عبد الله محمد بن أبي الحسين أحمد بن عبد الله بن عيسى اليونيني الحنبلي الحافظ ولد سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة بيونين ولبس الخرقة من الشيخ عبد الله البطائحي عن الشيخ عبد القادر ورباه الشيخ عبد الله اليونيني وتفقه على الشيخ الموفق وسمع من الخشوعي وحنبل وكان يكرر على الجمع بين الصحيحين وعلى أكثر مسند أحمد ونال من الحرمة والتقدم ما لم ينله أحد وكانت الملوك تقبل يده وتقدم مداسه وكان إماما علامة زاهدا خاشعا لله قانتا له عظيم الهيبة منور الشيبة مليح الصورة حسن السمت والوقار صاحب كرامات وأحوال قال ولده موسى قطب الدين صاحب التاريخ المشهور حفظ والدي الجمع بين الصحيحين وأكثر مسند الإمام أحمد وحفظ صحيح مسلم في أربعة أشهر وحفظ سورة الأنعام في يوم واحد وحفظ ثلث مقامات الحريري في بعض يوم وقال عمر ابن الحاجب الحافظ لم ير في زمانه مثل نفسه في كماله وبراعته جمع بين الشريعة والحقيقة وكان حسن الخلق والخلق نفاعا مطرحا للتكلف وكان يحفظ في الجلسة الواحدة ما يزيد على سبعين حديثا وكان لا يرى إظهار الكرامات ويقول كما أوجب الله تعالى على الأنبياء إظهار المعجزات أوجب على الأولياء إخفاء الكرامات ويروي عن الشيخ عثمان شيخ دير ناعس وكان من أهل الأحوال قال قطب الشيخ الفقيه ثمان عشرة سنة وتزوج ابنة الشيخ عبد الله اليونيني وهي أول زوجاته وروى عنه ابناه أبو الحسين الحافظ والقطب المؤرخ وغيرهما وتوفي ليلة تاسع عشر رمضان ببعلبك ودفن عند شيخه عبد الله اليونيني رحمة الله عليهما وفيها الأكال الشيخ محمد بن خليل الحوراني ثم الدمشقي عاش ثمانيا وخمسين سنة وكان صالحا خيرا مؤثرا لا يأكل لأحد شيئا إلا بأجرة وله في ذلك حكايات وفيها ابن الأبار الحافظ العلامة أبو عبد الله محمد بن عبد الله القضاعي الأندلسي البلنسي الكاتب الأديب أحد أئمة الحديث قرأ القراءات وعنى بالأثر وبرع في البلاغة والنظم والنثر وكان ذا جلالة ورياسة قتله صاحب تونس ظلما في العشرين من المحرم وله ثلاث وستون سنة وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي الحنبلي سمع من محمد بن حمزة بن أبي الصقر وعبد الرزاق النجار ويحيى الثقفي وغيرهم وكان آخر من روى بالإجازة عن شهدة وهو شيخ صالح متعفف تال لكتاب الله تعالى يؤم بمسجد ساوية من عمل نابلس فاستشهد على يد التتار في جمادى الأولى وقد نيف على التسعين قاله الذهبي وفيها الملك الكامل ناصر الدين محمد بن الملك المظفر شهاب الدين غازي بن العادل صاحب ميافارقين ملك سنة خمس وأربعين وستمائة وكان عالما فاضلا شجاعا عادلا محسنا إلى الرعية ذا عبادة وورع ولم يكن في بيته من يضاهيه حاصرته التتار عشرين شهرا حتى فنى أهل البلد بالوباء والقحط ثم دخلوا وأسروه فضرب هلاكو عنقه بعد أخذ حلب وطيف برأسه ثم علق على باب الفراديس ثم دفنه المسلمون بمسجد الرأس داخل الباب قاله الذهبي بلغني أن التتار دخلوا البلد أي ميافارقين فوجدوا به سبعين نفسا بعد ألوف كثيرة وفيها الضياء القزويني الصوفي أبو عبد الله محمد بن أبي القسم بن محمد ولد سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة بحلب وروى عن يحيى الثقفي وفيها الشيخ الزاهد الكبير أبو بكر بن قوام بن علي ابن قوام البالسي كان زاهدا عابدا قدوة صاحب حال وكشف وكرامات وله زاوية وأتباع ولد سنة أربع وثماينن وخمسمائة وتوفي في سلخ رجب من هذه السنة ببلاد حلب ثم نقل تابوته ودفن بجل قاسيون في أول سنة سبعين وستمائة وقبره ظاهر يزار قاله الذهبي وقاله غيره كان شافعي المذهب أشعري العقيدة ولد بمشهد صفين ثم انتقل إلى مدينة بالس وصفين وبالس غربي الفرات وببالس نشأ وقد ألف حفيده الشيخ محمد بن عمر بن الشيخ أبي بكر المذكور في مناقبه مؤلفا حسنا فمن أراد استقصاء محاسنه وكراماته فليراجعه وفيها حسام الدين الهدناني أبو علي محمد بن علي الكردي من كبار الدولة وأجلائها كان له اختصاص زائد بالملك الصالح نجم الدين وناب في سلطنة دمشق له ثم في سلطنة مصر وحج سنة تسع وأربعين ثم أصابه في آخر عمه صرع وتزايد به حتى مات ولد بحلب سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة وله شعر جيد وفيها أبو الكرم لاحق بن عبد المنعم بن قاسم الأنصاري الأرتاحي ثم المصري الحنبلي اللبان سمع من عم جده عبد الله الأرتاحي وتفرد بالإجازة من المبارك وكان صالحا متعففا روى عنه الزكي عبد العظيم مع تقدمه توفي بمصر في جمادى الآخرة.

سنة تسع وخمسين وستمائة

  • في محرمها اجتمع خلق من التتار الذين نجوا من يوم عين جالوت والذين كانوا بالجزيرة فأغاروا على حلب ثم ساقوا إلى حمص لما بلغهم مصرع الملك المظفر فصادفوا على حمص حسام الدين الجو كندار والمنصور صاحب حماة والأشرف صاحب حمص في ألف وأربعمائة والتتار في ستة آلاف فالتقوهم وحمل المسلمون حملة صادقة فكان النصر ووضعوا السيف في الكفار قتلا حتى أبادوا أكثرهم وهرب مقدمهم بندرا بأسوأ حال ولم يقتل من المسلمين سوى رجل واحد وأما دمشق فإن الحلبي دخل القلعة فنازله عسكر مصر وبرز إليهم وقاتلهم ثم رد فلما كان في الليل هرب وقصد قلعة بعلبك فعصى بها فقدم علاء الدين طبرس الوزيري وقبض على الحلبي من بعلبك وقيده فحبسه الملك الظاهر بيبرس مدة طويلة وفي رجب بويع بمصر المستنصر بالله أحمد بن الظاهر محمد بن الناصر لدين الله العباسي الأسود وفوض الأمور إلى الملك الظاهر بيبرس ثم قدما دمشق فعزل عن القضاء نجم الدين بن سني بن خلكان ثم سار المستنصر ليأخذ بغداد ويقيم بها وكان في آخر العام مصاف بينه وبين التتار الذين بالعراق فعدم المستنصر في الوقعة وانهزم الحاكم قبحا والمستنصر هو أمير المؤمنين أبو القسم أحمد بن الظاهر بأمر الله بن الناصر لدين الله كان محبسوا ببغداد حبسه التتار فلما أطلقوه التجأ لعرب العراق فأحضروه إلى مصر فتلقاه السلطان بيبرس والمسلمون واليهود والنصارى ودخل من باب النصر وكان يوما مشهودا وقرىء نسبه بحضرة القضاة وشهد بصحته وحكم به وبويع بايعه القاضي تاج الدين ابن بنت الأعز ثم بايعه الملك الظاهر بيبرس والشيخ عز الدين ابن عبد السلام ثم الكبار على مراتبهم وذلك في ثالث عشر رجب ونقش اسمه على السكة وخطب له ولقب بلقب أخيه وكان شديد القوى عنده شجاعة وإقدام وهو الثامن والثلاثون من خلفاء بني العباس رحمه الله تعالى وفيها توفي الأرتاحي أبو العباس أحمد بن حاتم بن أحمد بن أحمد الأنصاري المقرىء الحنبلي قرأ القراءات على والده وسمع من جده لأمه أبي عبد الله الأرتاحي وابن يس والبوصيري ولازم الحافظ عبد الغني فأكثر عنه وتوفي في رجب وفيها إبراهيم بن سهل الأشبيلي اليهودي شاعر زمانه بالأندلس غرق في البحر وفيها الصفي بن مرزوق إبراهيم بن عبد الله بن هبة الله العسقلاني الكاتب ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة وكان متمولا وافر الحرمة وزر مرة وتوفي بمصر في ذي القعدة وفيها مخلص الدين إسمعيل بن قرناص الحموي كان فقيها عالما فاضلا شاعرا من شعره
( أما والله لو شقت قلوب * ليعلم ما بها من فرط حبي )
( لأرضاك الذي لك في فؤادي * وأرضاني ورضاك بشق قلبي )

وفيها شرف الدين أبو محمد حسن بن عبد الله بن عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي ثم الصالحي الفقيه الحنبلي ولد سنة خمس وستمائة وسمع الكثير من أبي اليمن الكندي وجماعة بعده وتفقه على الشيخ الموفق وبرع وأفتى ودرس بالجوزية مدة قال أبو شامة كان رجلا خيرا توفي ليلة ثامن المحرم بدمشق ودفن بالجبل وفيها الباخزرزي بالموحدة وفتح الخاء المعجمة وسكون الراء ثم زاي نسبة إلى باخرز من نواحي نيسابور الإمام القدوة الحافظ العارف سيف الدين أبو المعالي سعيد بن المطهر صاحب الشيخ نجم الدين الكبار كان إماما في السنة رأسا في التصوف روى عن نجم الدين بن الحباب وعلي بن محمد الموصلي ورشيد الغزالي وخرج أربعين حديثا وفيها الشارعي العالم الواعظ جمال الدين عثمان بن مكي بن عثمان بن إسمعيل السعدي الشافعي سمع الكثير من قاسم بن إبراهيم المقدسي والبوصيري وطبقتها وكان صالحا متفننا جليلا مشهورا توفي في ربيع الآخر وفيها صاحب صهيون مظفر الدين عثمان بن منكروس تملك صهيون بعد والده ثلاثا وثلاثين سنة وكان حازما سايسا مهيبا عمر تسعين سنة ودفن بقلعة صهيون وتملك بعده ابنه سيف الدين محمد وفيها الملك الظاهر غازي شقيق السلطان الملك الناصر يوسف وأمهما تركية كان مليح الصورة شجاعا جوادا قتل مع أخيه بين يدي هولاكو وفيها ابن سيد الناس الخطيب الحافظ أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد اليعمري الأشبيلي ولد سنة سبع وتسعين وخمسمائة وعني بالحديث فأكثر وحصل الأصول لنفسه وختم به معرفة الحديث بالمغرب توفي بتونس في رجب وفيها الصاين النعال أبو الحسن محمد بن الأنجب بن أبي عبد الله البغدادي الصوفي ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة وسمع من جده لأمه هبة الله بن رمضان وظاعن الزبيري وأجاز له وفاء بن اليمني وابن شاتيل وطائفة وله مشيخة توفي في رجب وفيها المتيجي بفتح الميم وكسر التاء المثناة فوق المشددة وتحتية وجيم نسبة إلى متيجة من ناحية بجاية محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عيسى ضياء الدين الأسكندراني الفقيه المالكي المحدث الرجل الصالح أحد من عنى بالحديث وروى عن عبد الرحمن بن موقا فمن بعده وكتب الكثير وتوفي في جمادى الآخرة وفيها ابن درباس القاضي كمال الدين أبو حامد محمد بن قاضي القضاة صدر الدين عبد الملك الماراني المصري الشافعي الضرير ولد سنة ست وسبعين وخمسمائة فأجاز له السلفي وسمع من البوصيري والقسيم ابن عساكر ودرس وأفتى واشتغل وجالس الملوك وتوفي في شوال وفيها مكي بن عبد الرزاق بن يحيى بن عمر بن كامل أبو الحرم الزبيدي المقدسي ثم العقرباني أجاز له عبد الرزاق النجار وسمع من الخشوعي وغيره ومات في شوال وفيها الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن العزيز محمد بن الظاهر غازي بن السلطان صلاح الدين صاحب الشام ولد سنة سبع وعشرين وستمائة وسلطنوه بعد أبيه سنة أربع وثلاثين ودبر المملكة شمس الدين لولو والأمر كله راجع إلى جدته الصاحبة صفية ابنة العادل ولهذا سكت الملك الكامل لأنها أخته فلما ماتت سنة أربعين اشتد الناصر واشتغل عنه الكامل لعمه الصالح ثم فتح عسكره له حمص سنة ست وأربعين ثم سار هو وتملك دمشق بلا قتال سنة ثمان وأربعين فوليها عشر سنين وفي سنة اثنتين دخل بابنة السلطان علاء الدين صاحب الروم وهي بنت خالة أبيه العزيز وكان حليما جوادا موطأ الأكناف حسن الأخلاق محببا إلى الرعية فيه عدل في الجملة وقلة جور وصفح وكان الناس معة في بلهنية من العيش لكن مع إدارة الخمر والفواحش وكان للشعراء دولة بأيامه لأنه كان يقول بالشارع ويجيز عليه ومجلسه مجلس ندماء وأدباء خدع وعمل عليه حتى وقع في قبضة التتار فذهبوا به إلى هلاكو فأكرمه فلما بلغه كسرة جيشه على عين جالوت غضب وتنمر وأمر بقتله فتذلل له وقال ما ذنبي فأمسك عن قتله فلما بلغه كسرة بندرا على حمص استشاط غضبا وأمر بقتله وقتل أخيه الظاهر وقيل بل قتله في الخامس والعشرين من شوال سنة ثمانية وكان أبيض حسن الشكل قاله الذهبي وقال ابن شهبة في تاريخ الإسلام قتل معه جميع أتباعه وأقاربه ومن جملتهم أخوه الملك الظاهر غازي وولده العزيز وهو أي الناصر آخر ملوك بني أيوب وبنى بدمشق داخل باب الفراديس مدرسة في غاية الحسن ووقف عليها أوقافا جليلة وبنى بجبل الصالحية رباطا وتربة وهي عمارة عظيمة ما عمر مثلها أحضر لها من حلب من الرخام والأحجار شيئا كثيرا وغرم عليها أموالا عظيمة ونهر يزيد جار فيها وفيها توفي نور الدولة علي بن أبي المكارم المصري العطار الأديب الفاضل الشاعر المجيد من نظمه لغز في كوز الزير ( وذي أذن بلا سمع * له جسم بلا قلب ) ( إذا استولى على صب * فقل ما شئت في الصب )


سنة ستين وستمائة

  • في أوائل رمضان أخذت التتار الموصل بخديعة بعد حصار أشهر وطمنوا الناس وخربوا السور ثم بذلوا السيف تسعة أيام وأبقوا صاحبها الملك الصالح إسمعيل أياما ثم قتلوه وقتلوا ولده علاء الدين الملك وفيها وقع الخلف بين بركة صاحب دست القفجاق وابن عمه هلاكو وفيها توفي أحمد بن عبد المحسن بن محمد الأنصاري أخو شيخ الشيوخ صاحب حماة روى عن عبد الله بن أبي المجد وغيره وفيها العز الضرير الفيلسوف الرافضي حسين بن محمد بن أحمد بن نجا الأربلي كان بصيرا بالعربية رأسا في العقليات كان يقرىء المسلمين والذمة بمنزله وله حرمة وهيبة مع فساد عقيدته وتركه الصلوات ووساخة هيئته قاله الذهبي وقال غيره كان الناس يقرءون عليه علم الأوائل وتتردد إليه أهل الملك جميعها مسلمها ومبتدعها والشيعة واليهود والنصارى والسامرة وكان ذكيا فصيحا أديبا فضالا في سائر العلوم وكان الملك الناصر يكرمه ولا يرد شفاعته ومن نظمه في السلوان ( ذهبت بشاشة ما عهدت من الجوى * وتغير أحواله وتنكرا ) ( وسلوت حتى لو سرى من نحوكم * طيف لما حياه طيفي في الكرى ) وله ( توهم واشينا قليل مزاره * فهم ليسعى بيننا بالتباعد ) ( فعانقته حتى اتحدنا تعانقا * فلما أتانا ما رأى غير واحد ) قال ابن العديم لما سمع هذين البيتين مسكه مسكة أعمى توفي في ربيع الآخر عن أربع وسبعين سنة وفيها عز الدين شيخ الإسلام أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القسم بن الحسن الإمام العلامة وحيد عصره سلطان العلماء السلمي الدمشقي ثم المصري الشافعي ولد سنة سبع أو ثمان وسبعين وخمسمائة وحضر حمزة بن الموازيني وسمع من عبد اللطيف بن أبي سعد والقسم بن عساكر وجماعة وتفقه على فخر الدين بن عساكر والقاضي جمال الدين بن الحرستاني وقرأ الأصول على الآمدي وبرع في الفقه والأصول والعربية وفاق الأقران والأضراب وجمع بين فنون العلم من التفسير والحديث والفقه واختلاف أقوال الناس وآخذهم وبلغ رتبة الاجتهاد ورحل إليه الطلبة من سائر البلاد وصنف التصانيف المفيدة وروى عنه الدمياطي وخرج له أربعين حديثا وابن دقيق العيد وهو الذي لقبه سلطان العلماء وخلق غيرهما. ورحل إلى بغداد فأقام بها أشهرا هذا مع الزهد والورع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصلابة في الدين وقد ولي الخطابة بدمشق فأزال كثيرا من بدع الخطباء ولم يلبس سوادا ولا سجع خطبته كان يقولها مترسلا واجتنب الثناء على الملوك بل كان يدعو لهم وأبطل صلاة الرغائب والنصف فوقع بينه وبين ابن الصلاح بسبب ذلك ولما سلم الصالح إسمعيل قلعة الشقيف وصفد للفرنج نال منه الشيخ على المنبر ولم يدع له فغضب الملك من ذلك وعزله وسجنه ثم أطلقه فتوجه إلى مصر فتلقاه صاحب مصر الصالح أيوب وأكرمه وفوض إليه قضاء مصر دون القاهرة والوجه القبلي مع خطابة جامع مصر فأقام بالمنصب أتم قيام وتمكن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم عزل نفسه من القضاء وعزله السلطان من الخطابة فلزم بيته يشغل الناس ويدرس وأخذ في التفسير في دروسه وهو أول من أخذه في الدروس وقال الشيخ قطب الدين اليونيني كان مع شدته فيه حسن محاضرة بالنوادر والأشعار وقال الشريف عز الدين كان علم عصره في العلم جامعا لفنون متعددة مضافا إلى ما جبل عليه من ترك التكلف مع الصلابة في الدين وشهرته تغنى عن الأطناب في وصفه وقال ابن شهبة ترجمة الشيخ طويلة وحكاياته في قيامه على الظلمة وردعهم كثيرة كشهورة وله مكاشفات وقال الذهبي كان يحضر السماع ويرقص توفي بمصر في جمادى الأولى من السنة وحضر جنازته الخاص والعام السلطان فمن دونه ودفن بالقرافة في آخرها ولما بلغ السلطان خبر موته قال لم يستقر ملكي إلا الساعة لأنه لو أمر الناس في بما أراد لبادروا إلى امتثال أمره وفيها التاج عبد الوهاب بن زين الأمناء أبي البركات الحسن بن محمد بن الدمشقي بن عساكر سمع الكثير من الخشوعي وطبقته وولي مشيخة النورية بعد والده وحج فزا رولده أمين الدين عبد الصمد وجاور قليلا ثم توفي في جمادى الأولى بمكة. وفيها نقيب الأشراف بهاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن إبراهيم بن محمد الحسيني بن أبي الجن سمع حضورا وله أربع سنين من يحيى الثقفي وابن صدقة وتوفي في رجب وفيها ابن العديم الصاحب العلامة كمال الدين أبو القسم عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العقيلي الحلبي من بيت القضاء والحشمة ولد سنة بضع وثمانين وخمسمائة وسمع من ابن طبرزد وبدمشق من الكندي وببغداد والقدس والنواحي وأجاز له المؤيد وخلق وكان قليل المثل عديم النظير فضلا ونبلا ورأيا وحزما وذكاء وبهاء وكتابة وبلاغة درس وأفتى وصنف وجمع تاريخا لحلب في نحو ثلاثين مجلدا وولي خمسة من أيامه على نسق القضاء وقد ناب في سلطنة دمشق وعلم عن الملك الناصر وكان خطه في غاية الحسن باع الناس منه شيئا كثيرا على أنه خط ابن البواب وكانت له معرفة تامة بالحديث والتاريخ وأيام الناس وكان حسن الظن بالفقراء والصالحين ومن شعره من أبيات ( فيا عجبا من ريقه وهو طاهر * حلال وقد أضحى علي محرما ) ( هو الخمر لكن أين للخمر طعمه * ولذته مع أنني لم أذقهما ) ( سألزم نفسي الصفح عن كل من جنى * علي وأعفو عفة وتكرما ) ( وأجعل مالي دون عرضي وقاية * ولو لم يغادر ذاك عندي درهما ) ( وقائلة يابن العديم إلى متى * تجود بما تحوي ستصبح معدوما ) ( فقلت لها عنى إليك فإنني * رأيت خيار الناس من كان منعما ) ( أبي اللؤم لي أصل كريم وأسرة * عقيلته سنو الندى والتكرما ) توفي رحمه الله تعالى بمصر في العشرين من جمادى الأولى ودفن بسفح المقطم وفيها الضياء عيسى بن سليمان بن رمضان أبو الروح التغلبي المصري القرافي الشافعي آخر من روى صحيح البخاري عن منجب المرشدي مولى مرشد الدين توفي في رمضان عن تسعين سنة وفيها الشمس الصقلي

(5/303)

204 أبو عبد الله محمد بن سليمان بن أبي الفضل الدمشقي الدلال في الأملاك سمع من ابن صدقة الحراني وأبي الفتح المندلي وقرأ الختمة على أبي الجود ولد سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة وتوفي في أواخر صفر وفيها ابن عرق الموت أبو بكر محمد بن فتوح بن خلوف بن يخلف بن مصال الهمداني الأسكندراني سمع من التاج المسعودي وابن موقا وأجازه أبو سعد بن أبي عصرون والكبار وتفرد عن جماعة توفي في جمادى الأولى وفيها ابن زيلاق الشاعر المشهور الأجل محي الدين محمد بن يوسف بن يوسف بن يوسف بن سلامة الموصلي العباسي الكاتب كان شاعرا مجيدا حسن المعاني من شعره ( بعثت لنا من سحر مقلتك الوسنا * سهادا يذود الجفن أن يألف الجفنا ) ( وأبرزت وجها أخجل البدر طالعا * ومست بقد علم الهيف الغصنا ) ( وأبصر جسمي حسن خصرك ناحلا * فحاكاه لكن زاد في دقة المعنى ) قتلته التتار بالموصل حين تملكوها وفيها أبو بكر بن علي بن مكارن بن فتيان الأنصاري المصري روى عن البوصيري وجماعة وتوفي في المحرم.

سنة إحدى وستين وستمائة

  • في ثامن المحرم عقد مجلس عظيم للبيعة وجلس الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد بن الأمير أبي علي بن أبي بكر بن الخليفة المسترشد بالله بن المستظهر العباسي فأقبل عليه الملك الظاهر بيبرس البندقداري ومد يده إليه وبايعه بالخلافة ثم بايعه الأعيان وقلد حينئذ السلطنة للملك الظاهر بيبرس فلما كان من الغد خطب بالناس خطبة حسنة أولها الحمد لله الذي أقام لآل العباس ركنا وظهيرا ثم كتب بدعوته وإمامته إلى الأقطار وبقي في الخلافة أربعين سنة وأشهرا وهو التاسع والثلاثون من بني العباس وفيها خرج الظاهر إلى الشام وتحيل على صاحب الكرك الملك المغيث حتى نزل إليه فكان آخر العهد به لأنه كان كاتب هلاكو على أن يأخذ له مصر وطلب منه عشرين ألف فارس وأخرج كتبه بمصر وقرأها على العلماء فافتوا بعدم إبقاء من هذا فعله وفيها وصل كرمون المقدم في طائفة كبيرة من التتار قد أسلموا فأنعم عليهم الملك الظاهر وفيها راسل بركة الملك الظاهر ثم كانت وقعة هائلة بين بركة وبين ابن عمه هلاكو فانهزم هلاكو ولله الحمد وقتل خلق من رجاله وغرق خلق وفيها توفي الحسن بن علي بن منتصر أبو علي الفاسي ثم الأسكندراني الكتبي آخر أصحاب عبد المجيد بن دليل توفي في ربيع الآخر وفيها أبو الربيع سليمان بن خليل العسقلاني الفقيه الشافعي خطيب الحرم سبط عمر بن عبد المجيد الميانسي روى عن زاهر بن رستم وغيره وتوفي في المحرم وفيها الرسعني بفتح الراء والعين المهملة وسكون السين المهملة نسبة إلى رأس عين مدينة بالجزيرة العلامة عز الدين عبد الرزاق بن رزق الله بن أبي بكر المحدث المفسر الحنبلي ولد سنة تسع وثمانين وسمع بدمشق من الكندي وببغداد من ابن منينا وصنف تفسيرا جسدا وكان شيخ الجزيرة في زمانه علما وفضلا وجلالة قاله في العبر وقال ابن رجب ولد برأس عين الخابور وسمع بالبلدان المتعددة وتفقه على الشيخ موفق الدين وحفظ كتابه المقنع وتفنن في العلوم العقلية النقلية وعده الذهبي من الحفاظ وولى مشيخة دار الحديث بالموصل وكانت له حرمة وافرة عند صاحب الموصل وغيره من ملوك الجزيرة وصنف تفسيرا حسنا فأربع مجلدات ضخمة سماه رموز الكنوز وكتاب مصرع الحسين ألزمه بتصنيفه صاحب الموصل فكتب فيه ما صح من المقتل دون غيره وكان متمسكا بالسنة والآثار وله نظم حسن منه ( وكنت أظن في مصر بحارا * إذا أنا جئتها أجد الورودا ) ( فما ألفيتها إلا سرابا * فحينئذ تيممت الصعيدا ) وقال الذهبي توفي بسنجار ليلة الجمعة ثاني عشر ربيع الآخر من هذه السنة وفيها عز الدين أبو محمد وأبو القاسم وأبو الفرج الحافظ عبد الرحمن بن محمد بن عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن شرف المقدسي المحدث الحنبلي ولد في ربيع الآخر سنة اثنتين وستمائة وحضر على أبي حفص بن طبرزد وسمع من الكندي وطبقته وارتحل إلى بغداد فسمع من الفتح بن عبد السلام وطائفة ثم إلى مصر وكتب الكثير وعنى بالحديث وتفقه على الشيخ الموفق وكان فاضلا صالحا ثقة انتفع به جماعة وحدث توفي في نصف ذي الحجة ودفن بسفح قاسيون وفيها الناشري المقرىء البارع تقي الدين عبد الرحمن بن مرهف المصري قرأ القراءات على أبي الجود وتصدر للإقراء وبعد صيته وتوفي في شوال عن نيف وثمانين سنة وفيها ابن بنين أثير الدين عبد الغني بن سليمان بن بنين المصري الشافعي القباني الناسخ ولد سنة خمس وسبعبن وخمسمائة وسمع من عشير الجبل فكان آخر أصحابه وسمع من طائفة غيره وأجاز له عبد الله بن بري وعبد الرحمن الشيبي وانتهى إليه علو الإسناد بمصر مع صلاح وسكون توفي في ثالث ربيع الآخر وفيها علي بن إسمعيل بن إبراهيم المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي روى عن الخشوعي وغيره وتوفي في رجب وكان مباركا خيرا قاله في العبر وفيها الكمال الضرير شيخ القراء أبو الحسن علي بن شجاع بن سالم بن علي الهاشمي العباسي المصري الشافعي صاحب الشاطبي وزوج بنته ولد سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة وقرأ القراءات على الشاطبي وشجاع المدلجي وأبو الجود وسمع من البوصبري وطائفة تصدر للإقراء دهرا وانتهت إليه رياسة الأقراء وكان إماما يجري في فينون من العلم وفيه تودد وتواضع ولين ومروءة تامة توفي في سابع ذي الحجة وفيها العلم أبو القاسم والأصح أبو محمد القسم بن أحمد بن موفق بن جعفر المرسي اللورقي بفتحتين وسكون الراء نسبة إلى لورقة بلدة بالأندلس المقرىء النحوي المتكلم شيخ القراء بالشام ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة وقرأ القراءات على ثلاثة من أصحاب ابن هذيل ثم قرأها على أبي الجود ثم على الكندي وسمع ببغداد من ابن الأخضر وكان عارفا بالكلام والأصلين والعربية أقرأ واشتغل مدة وصنف التصانيف ودرس بالعزيرية نيابة وولي مشيخة الأقراء والنحو بالعادلية وتوفي في سابع رجب وقد شرح الشاطبية قاله في العبر.

سنة اثنتين وستين وستمائة

  • فيها انتهت عمارة المدرسة الظاهرية بين القصرين بمصر ورتب في تدريس الإيوان القبلي القاضي تقي الدين محمد بن رزين وفي الإيوان الشمالي مجد الدين بن العديم وفي الإيوان الشرقي فخر الدين الدمياطي في تدريس الحديث وفي الغربي كمال الدين المحلي وفي جمادى الآخرة وصل الخبر بأن امرأة عجوزا من الحسينية عندها امرأتان تجيب لهم شبابا فيثور عليهم رجال عندها فيقتلونهم ويعطوهم لوقاد الحمام يحرقهم وإذا كثر القتلى يعطوهم لملاح يغرقهم وكان والي الحسينية شريكهم فحسب الذين قتلوا فكانوا خمسمائة نسمة فأمر السلطان أن يسمروا جميعا في الحسينية وفيها اشتد الغلاء بالقاهرة حتى أبيع الأردب القمح بمائة وخمسين دينارا ففرق الملك الظاهر الصعاليك على الأغنياء والأمراء وألزمهم بإطعامهم وفيها أحضر إلى بين يدي الظاهر طفل ميت له رأسان وأربعة أعين وأربعة أيدي وأربعة أرجل وذكر محيي الدين بن عبد الظاهر أن بعض أهل قوص وجد في حفرة فلوسا كثيرة وعلى كل فلس منها صورة ملك واقف في يده اليمنى ميزان وفي يده اليسرى سيف وعلى الوجه الثاني رأس مصور بآذان وعيون كثيرة مفتوحة وبداير الفلوس سطور واتفق حضور جماعة من الرهبان فيهم راهب عالم بلسان الينونان فقرأ ما على الفلس فكان تاريخه إلى ذلك الوقت ألفي سنة وثلثمائة سنة وكتابته أنا غلياث الملك ميزان العدل والكرم في يميني لمن أطاع والسيف في شمالي لمن عصى وفي الوجه الآخر أنا غلياث الملك أذني مفتوحة لسماع كلمة المظلوم وعيني مفتوحة أنظر بها مصالح ملكي وفيها توفي قاضي حلب كمال الدين أحمد بن قاضي القضاة زين الدين عبد الله بن عبد الرحمن بن الأستاذ الأسدي الشافعي المعروف بابن الأستاذ وهو لقب جد والده عبد الله بن علوان ولد سنة إحدى عشرة وستمائة وسمع من جماعة واشتغل في المذهب وبرع في العلوم والحديث وأفتى ودرس وولي القضاء بحلب في الدولتين الناصرية والظاهرية قال الذهبي وكان صدرا معظما وافر الحرمة مجموع الفضائل صاحب رياسة ومكارم وأفضال وسؤدد وولي القضاة مدة فحمدت سيرته وروى عنه أبو محمد الدمياطي وكان يدعو له لما أولاه من الإحسان انتهى ومن تصانيفه شرح الوسيط في نحو عشر مجلدات لكن عز وجود شيء منه والظاهر أنه عدم في فتنة التتار بحلب فإنه أصيب بماله وأهله فيها ثم أعيد إلى دولته في الدولة الظاهرية وقال السبكي وله حواشي على فتاوى ابن الصلاح تدل على فضل كثير واستحضار للمذهب جيد توفي في نصف شوال وفيها أبو الطاهر الكتاني إسمعيل بن سالم الخياط العسقلاني ثم المصري روى عن البوصيري وابن ياسين وتوفي في جمادى الأولى وفيها الزين الحافظي سليمان بن المؤيد بن عامر العقرباني الطبيب طب الملك الحافظ صاحب جعبر فنسب إليه ثم خدم الملك الناصر يوسف فعظم عنده وبعثه رسولا إلى التتار فباطنهم ونصح لهم فأمره هلاكو وصار تتريا خائنا للمسلمين فسلط الله عليه مخدومه فقتل بين يديه لكون كاتب الملك الظاهر وقتل معه أقاربه وخاصته وكانوا خمسين وفيها شيخ الشيوخ شرف الدين عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن الأنصاري الدمشقي ثم الحموي الشافعي الأديب كان أبوه قاضي حماة ويعرف بابن الرفا ولد هو بدمشق سنة ست وثمانين وخمسمائة وكان مفرط الذكاء ورحل به أبوه فسمع من ابن كليب جزاء ابن عرفة ومن أبي المجد المسند كله وله محفوظات كثيرة وفضائل شهيرة وحرمة وجلالة لين جانب يكرم من يعرف ومن لا يعرف مات بحماة ودفن بظاهرها في ثامن رمضان بتربة كان أعدها له ومن شعره قوله ( سبى فؤادي فتان الجمال إذا * طلبت شبها له في الناس لم أصب ) ( قرأت خط عذاريه فأطمعني * بواو عطف ووصل منه عن كثب ) ( وأعربت لي نون الصدغ معجمة * بالحال عن نجح مقصودي ومطلبي ) ( حتى رنا فسبت قلبي لواحظه * والسيف أصدق أنباء من الكتب ) ( لم أنس ليلة طافت بي عواطفه * فزارني طيفه صدقا بلا كذب ) ( حيى بما شئت من ورد بوجنته * نهبته بابتسامي وهو منتهبي ) ( نشوان اسأل عن قلبي فينكره * تيها ويسأل عني وهو أعرف بي ) ( وكلما قال ممن أنت قلت له * ممن إذا عشقوا جاءوك بالعجب ) ( لا تسألوا حبكم عن حبه فله * من الإضافة ما يغني عن السبب ) ( وراقبوا منه حالا غير حائلة * عما عهدتم وقلبا غير منقلب ) وفيها العماد بن الحرستاني أبو الفضائل عبد الكريم بن القاضي جمال الدين عبد الصمد بن محمد الأنصاري الدمشقي الشافعي ولد في رجب سنة سبع وسبعين وخمسمائة وسمع من الخشوعي والقسم وتفقه على أبيه وأفتى

(5/309)

310 وناظر وولي قضاء الشام بعد أبيه قليلا ثم عزل ودرس بالغزالية مدة وخطب بدمشق وكان من جلة العلماء له سمت ووقار وتواضع وولي الدار الأشرفية بعد ابن الصلاح ووليها بعده أبو شامة وتوفي في جمادى الأولى وفيها الضياء بن البانسي أبو الحسن علي بن محمد بن علي المحدث الخطيب العدل الشروطي ولد سنة خمس وستمائة وسمع من ابن البن وأجاز له الكندي وعنى بهذا الشأن وكتب الكثير وتوفي في صفر وفيها الملك المغيث فتح الدين عمر بن العادل أبي بكر بن الملك الكامل بن العادل جلس عبد موت عمه الصالح بالكرك فلما قتلوا ابن عمه المعظم أخرجه معتمد الكرك الطواشي وسلطنه بالكرك وكان كريما مبذرا للأموال فقل ما عنده حتى سلم الكرك إلى صاحب مصر ونزل إليه فخنقه وكذلك خنق عمه أباه وعاش كل منهما نحوا من ثلاثين سنة وقال ابن شهبة في سبب موته أن الظاهر بيبرس أمر أيدمر الحلى نائب القاهرة أن يقتله سرا ولا يظهر ذلك ويدفع لقاتله ألف دينار فطلب أيدمر رجلا شريرا عنده شهامة وأطلعه على ذلك فدخل إليه فخنقه وأخذ الألف دينار وجعل يشرب الخمر في بيته على بركة الفيل فأخرج من الذهب فقال له ندماؤه من أين لك هذا الذهب فأخبرهم في حال سكره أنه قتل الملك المغيث وأعطى ألف دينار فشاع ذلك بين الناس فبلغ الملك الظاهر فعظم عليه ذلك وأنكر على أيدمر وطلب الرجل فاستعاد منه ذلك الذهب وقتله وفيها الباب شرقي أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن علي الأنصاري التاجر بجيرون روى عن الخشوعي وطائفة وتوفي في ربيع الأول وفيها ابن سراقة الإمام محي الدين أبو بكر محمد بن محمد بن إبراهيم الأنصاري الشاطبي شيخ دار الحديث الكاملية بالقاهرة ولد سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة وسمع من أبي القسم أحمد بن بقي وبالعرق من أبي علي بن الجواليقي وطبقته وله مؤلفات في التصوف وكان أحد الأئمة (5/310)

311 المشهورين بغزارة العلم ومن شعره ( وصاحب كالزلال يمحو * صفاؤه الشك باليقين ) ( لم يحص إلا الجميل حتى * كأنه كاتب اليمين ) وهذا عكس قول المنازي ( وصاحب خلته خليلا * وما جرى غدره ببالي ) ( لم يحص إلا القبيح حتى * كأنه كاتب الشمال ) وفيها الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن المنصور إبراهيم بن المجاهد أسد الدين شيركوه صاحب حمص ولد سنة سبع وعشرين وستمائة وتملك حمص سنة أربع وأربعين فأخذت منه سنة ست ثم ملك الرحبة ثم سار إلى هلاكو فأكرمه وأقره على حمص وولاه نيابة الشام مع كتبغا فلما قلع الله التتار وأرسل الملك المظفر فأمنه وأقره على حمص فغسل هناته بيوم حمص وكسر التتار وكانوا في ستة آلاف وكان هو في ألف وخمسمائة وقتل أكثر التتار ولم ينج منهم إلا القليل ولم يقتل من المسلمين سوى رجل واحد وكان عفيفا يحب العلم وأهله توفي بحمص في صفر فيقال سقي وتسلم الظاهر بلده وحواصله وفيها الجوجندار العزيز بن حسام الدين لاجين من أكبر أمراء دمشق كان محبا للفقراء مؤثرا لراحتهم يجمعهم على السماعات والسماطات التي يضرب بها المثل ويخدمهم بنفسه توفي في المحرم كهلا قاله في العبر وفيها الرشيد العطار الحافظ أبو الحسين يحيى بن علي بن عبد الله بن علي بن مفرج القرشي الأموي النابلسي ثم المصري المالكي ولد سنة أربع وثمانين وخمسمائة وسمع من البوصيري وإسمعيل بن يس والكبار فأكثر وأطاب وجمع المعجم وحصل الأصول وتقدم في الحديث وولي مشيخة الكاملية سنة ستين وتوفي في ثاني جمادى الأولى (5/311)

312 وفيها القيادي أبو القسم بن منصور الأسكندراني الزاهد كان صالحا قانتا مخلصا منقطع القرين في الورع كان له بستان يعمله ويتبلغ منه وله ترجمة مفردة جمعها ناصر الدين بن المنير توفي في سادس شعبان.

سنة ثلاث وستين وستمائة

  • فيها كانت ملحمة عظمى بالأندلس التقى الفنش لعنه الله وأبو عبد الله ابن الأحمر غير مرة ثم انهزمت الملاعين وأسر الفنش ثم أفلت وحشد وجيش ونازل غرناطة فخرج ابن الأحمر فكسرهم وأسر منهم عشرة آلاف وقتل المسلمون فوق الأربعين ألفا وجمعوا كوما هائلا من رؤس الفرنج وأذن عليه المسلمون واستعادوا عدة مداين من الفرنج ولله الحمد وفيها نازلت التتار البيرة فساق سم الموت والحمدى وطائفة وكشفوهم عنها وفيها قدم السلطان بيبرس فحاصر قيسارية وافتتحها عنوة وعصت القلعة أياما ثم أخذت ثم نازل أرسوف وأخذها بالسيف في رجب ثم رجع فسلطن ابنه الملك السعيد في شوال وأركبه بابهة الملك وله خمس سنين ثم عمل طهوره بعد أيام وفيها جدد بديا رمصر أربعة حكام من المذاهب لأجل توقف تاج الدين بن بنت الأعز عن تنفيذ كثير من القضايا فتعطلت الأمور فأشار بهذا كمال الدين ايدغدي العزيزي فأعجب السلطان وفعله في آخر السنة ثم فعل ذلك بدمشق وفيها ابتدىء بعمارة مسجد الرسول ففرغ في أربع سنين وفيها حجب الخليفة الحاكم بقلعة الجبل وفيها توفي المعين القرشي المحدث المتقن أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن عبد العزيز بن الحسن بن القاضي الزكي علي بن محمد بن يحيى كتب عن ابن صباح وابن اللتي وكريمة فأكثر وكتب الكثير توفي فجأة في ربيع

(5/312)

313 الأول وفيها الزين خالد بن يوسف بن سعد الحافظ اللغوي أبو البقاء النابلسي ثم الدمشقي ولد سنة خمس وثمانين وخمسمائة وسمع من القسم ومحمد بن الحصيب وابن طبرزد وببغداد من ابن الأخضر وطبقته وحصل الأصول وتقدم في الحديث وكان فهما يقظا حلو النوادر توفي في سلخ جمادى الأولى وفيها النظام بن البانياسي عبد الله بن يحيى بن الفضل بن الحسين سمع من الخشوعي وجماعة وكان دينا فاضلا توفي في صفر وفيها النجيب أبو العشاير فراس بن علي بن زيد الكناني العسقلاني ثم الدمشقي التاجر المعدل روى عن الخشوعي والقسم وجماعة وفيها ابن مسدى الحافظ أبو بكر محمد بن يوسف الأزدي الغرناطي الأندلسي المهلبي روى عن محمد ابن عماد الدين وجماعة كثيرة وجمع وصنف قال ابن ناصر الدين كان حافظا علامة ذا رحلة واسعة ودراية شاع عنه التشيع جاور بمكة وقتل فيها غيلة انتهى وقال الذهبي توفي بمكة في شوال وقد خرج لنفسه معجما وفيها جمال الدين بن يغمور الباروقي موسى ولد بالصعيد سنة تسع وتسعين وخمسمائة وكان من جلة الأمراء ولي نيابة مصر ونيابة الشام وتوفي في شعبان وفيها بدر الدين السنجاري الشافعي قاضي القضاة أبو المحاسن يوسف بن الحسن الزراري بالضم ومهملتين نسبة إلى زرارة جد كان صدرا معظما وجوادا ممدحا ولي قضاء بعلبك وغيرها قبل الثلاثين ثم عاد إلى سنجار فنفق على الصالح نجم الدين فلما ملك الديار المصرية وفد عليه فولاه مصر والوجه القبلي ثم ولي قضاء القضاة بعد الأشرف بن عين الدولة وباشر الوزارة وكان له من الخيل والمماليك ما ليس لوزير مثله ولم يزل في ارتقاء إلى أوائل الدولة الظاهرية فعزل ولزم بيته توفي في رجب وقيل كان يرتشي ويظلم قاله في العبر وفيها أبو القسم بن يوسف بن أبي القسم بن عبد السلام الأموي الحواري العوفي الزاهد المشهور الحنبلي صاحب الزاوية بحواري كان خيرا صالحا له اتباع (5/313)

314 وأصحاب ومريدون في كثير من قرى حواران في الجبل والبثنية ولا يحضرون سماعا بالدف توفي ببلده حواري في آخر السنة وصلى عليه يوم عيد النحر ببيت المقدس صلاة الغايب وصلى عليه بدمشق تاسع عشر ذي الحجة وقام مقامه بعده ولده عبد الله وكان عنده تفقه وزهادة وله أصحاب وكان مقصودا يزار ببلده وعمر حتى بلغ التسعين خرج ليودع بعض أهله إلى ناحية الكرك من جهة الحجاز فأدركه أجله هناك في أول ذي القعدة سنة ثلاثين وسبعمائة رحمهما الله تعالى.

سنة أربع وستين وستمائة

  • فيها غزا الملك الظاهر وبث جيوشه بالسواحل فأغاروا على بلاد عكا وصور وطرابلس وحصن الأكراد ثم نزل على صفد في ثامن رمضان وأخذت في أربعين يوما بخديعة ثم ضربت رقاب مائتين من فرسانهم وقد استشهد عليها خلق كثير وفيها استباح المسلمون قارة وسبى منها ألف نفس وجعلت كنيستها جامعا وفيها توفي الشيخ أحمد بن سالم المصري النحوي نزيل دمشق فقير متزهد محقق للعربية اشتغل بالناصرية وبمقصورة الحنفية مدة وتوفي في شوال وفيها أبو العباس أحمد بن صالح السينكي بالسين المهملة وتحتية ونون نسبة إلى سينكة بلد بمصر كان كاتب عماي رجامع دمشق وكان فاضلا أديبا كثير التواضع ومن شعره ( للوزر زهر حسنه * يصبي إلى زمن التصابي ) ( شكت الغصون من الشتا * فأعارها بيض الثياب ) ( فكأنه عشق الربيع * فشاب من قبل الشباب ) وله في السيف عامل القماير
( ربع المصالح داتر * لم يبق منه طائل )
( هيهات تعمر بعقة * والسيف فيها عامل )

رتب ناظرا بدار الضرب فجاء إليه شخص وسأله أن يترك عنده صندوقا وديعة إلى أن يقدم من الحجاز فأحضر إليه الصندوق ولا يعرف ما فيه وبعد أيام كتب إلى الأمير طيبرس الوزيري نائب البلدان الشهاب السينكي ناظر دار الضرب عنده صندوق فيه سكك لعمل الزغل فكبس بيته فوجدوا الصندوق فلم يقبل قوله في الاعتذار فاشتهر في دمشق على صورة قبيحة وأنفى منها فأرسل من الطريق إلى رفيق له ( بلادي وإن جارت على عزيزة * ولو أنني أعرى بها وأجوع ) ( وما أنا إلا المسك في غير أرضكم * يضوع وأما عندكم فيضيع ) وفيها ابن شعيب الإمام جمال الدين أحمد بن عبد الله بن شعيب التميمي الصقلي ثم الدمشقي المقرىء الأديب الذهبي ولد سنة تسعين وخمسمائة ولزم السخاوي مدة وأتقن القراءات وسمع من القسم بن عساكر وطائفة وقرأ الكثير على السخاوي وطبقته وتوفي في جمادى الأول قاله في العبر وفيها ابن البرهان العدل الصدر رضي الدين إبراهيم بن عمر بن مضر بن فارس المصري الواسطي التاجر السفار ولد سنة ثلاث وتسعين وسمع صحيح مسلم من منصور الفراوي وسمع منه خلق بدمشق ومصر والثغر واليمن وتوفي في حادي عشر رجب وفيها أبو إسحق إبراهيم بن محمد بن أحمد بن هرون المرادي السبتي الحافظ ابن الكماد كان حافظ زمانه لم يكن له في عصره مثيل وكانت معيشته من تفقدات أهل الخير وهداياهم إلى أن مات قاله ابن ناصر الدين وفيها ابن الدرجي الفقيه صفي الدين إسمعيل بن إبراهيم بن يحيى بن علوي القرشي الدمشقي الحنفي ولد سنة اثنتين وسبعن وسمع من عبد الرحمن بن علي الخرقي ومنصور الطبري وطائفة وتوفي في السادس والعشرين من ربيع الأول.

وفيها أيدغدى الأمير الكبير كمال الدين كان كبير القدر شجاعا مقداما عاقلا محتشما كثير الصدقات حسن الديانة من جلة الأمراء ومتميزيهم حبسه المعز مدة ثم أخرجوه يوم عين جالوت وكان الملك الظاهر يحترمه ويتأدب معه جهزه في هذه السنة فأغار على بلاد سيس ثم خرج على صفد فتمرض وتوفي في ليلة عرفة بدمشق وفيها ابن صصرى الصدر العدل بهاء الدين الحسن بن سالم بن الحافظ أبي المواهب التغلبي الدمشقي أحد أكابر البلد روى عن ابن طبرزد وطائفة وتوفي في صفر عن ست وستين سنة وولي هو وأخوه شرف الدين المناصب الكبار ونظر الدواوين وسمع أخوه المذكور عبد الرحمن بن سالم من حنبل وابن طبرزد أيضا ومات في شعبان من هذه السنة عن تسع وستين سنة وفيها الموقاني بضم الميم وقاف ونون نسبة إلى موقان مدينة بدر بند المحدث جمال الدين محمد بن عبد الجليل المقدسي نزيل دمشق سمع من أبي القسم الحرستاني وخلق وعنى بالحديث والأدب وله مجاميع مفيدة وتوفي في ذي القعدة وله أربع وسبعون سنة وفيها ابن فار اللبن معين الدين أبو الفضل عبد الله بن محمد بن عبد الوارث الأنصاري المصري آخر من قرأ الشاطبية على مؤلفها وقرأها عليه جماعة منهم البدر التاذفي وفيها هلاكو قولى بن جنكز خان المغلى مقدم التتار وقائدهم إلى النار الذي أباد البلاد والعباد بعثه ابن عمه القان الكبير على جيش المغل فطوى الممالك وأخذ الحصون الأسمعيلية وأذربيجان والروم والعراق والجزيرة والشام وكان ذا سطوة ومهابة وعقل وغور وحزم ودهاء وخبرة بالحروب وشجاعة ظاهرة وكرم مفرط ومحبة لعلوم الأوائل من غير أن يفهمها مات على كفره في هذه السنة بعلة الصرع فإنه اعتاره منذ قتل الشهيد صاحب ميافارقين الملك الكامل محمد غازي حتى كان يصرع في اليوم مرتين مات بمراغة ونقلوه إلى قلعة تلا وبنوا عيه قبة وخلف سبعة عشر ولدا تملك بعده ابنه أبغا.

سنة خمس وستين وستمائة

  • فيها كما قال ابن خلكان بلغنا من جماعة يوثق بهم وصلوا إلى دمشق من أهل بصرى أن عندهم قرية يقال لها دير أبي سلامة كان بها رجل من العربان فيه استهتار زائد وجهل فجرى يوما ذكر السواك وما فيه من الفضيلة فقال والله ما أستاك إلا من المخرج فأخذ سواكا وتركه في دبره فآلمه تلك الليلة ثم مضى عليه تسعة أشهر وهو يشكو من ألم البطن والمخرج ثم أصابه مثل طلق الحامل ووضع حيوانا على هيئة الجرذون ورأسه مثل رأس السمكة وله أربع أنياب بارزة وذنب طويل مثل شبر وأربع أصابع وله دبر مثل دبر الأرنب ولما وضعه صاح ذلك الحيوان ثلاث صيحات فقامت ابنة ذلك الرجل فشجت رأسه فمات وعاش ذلك الرجل بعده يومين ومات وهو يقول هذا الحيوان قتلني وقطع أمعائي وشاهد ذلك الحيوان جماعة من تلك الناحية وخطيب المكان وفيها توفي خطيب القدس كما الدين أحمد بن أحمد بن أحمد النابلسي الشافعي ولد سنة تسع وسبعين وخمسمائة وسمع بدمشق من القسم بن عساكر وحنبل وكان صالحا متعبدا متزهدا توفي بدمشق في ذي القعدة وفيها إسمعيل الكوراني بالضم وراء نسبة إلى كوران قرية بأسفرايين القدوة الزاهد شيخ كبير القدر مقصود بالزيادة صاحب ورع وصدق وتفتيش عن دينه أدركه أجله بغزة في رجب قاله الذهبي وفيها بركة بن قولى بن جنكزخان المغلى سلطان مملكة التفجاق الذي أسلم وراسل الملك الظاهر وكسر ابن عمه هلاكو توفي وهو في عشر الستين وتملك بعده ابن أخيه منكوتمر وفيها الأمير مقدم الجيوش ناصر الدين حسين بن عزيز الذي أنشأ المدرسة بدمشق شرقي جامع بني أمية والآن تعرف تلك المحلة بالقيمرية تسمية لها باسم المدرسة كان بطلا شجاعا رئيسا عادلا جوادا وهو الذي ملك دمشق للناصر توفي مرابطا بالساحل في ربيع الأول وفيها أبو شامة العلامة المجتهد شهاب الدين أبو القسم عبد الرحمن بن إسمعيل بن إبراهيم المقدسي ثم الدمشقي الشافعي المقرىء النحوي المؤرخ صاحب التصانيف ولد سنة تسع وتسعين وخمسمائة في أحد ربيعيها بدمشق وسمى بأبي شامة لشامة كبيرة كانت فوق حاجبه الأيسر وختم القرآن وله دون عشر سنين وأتقن فن القراءة على السخاوي وله ست عشرة سنة وسمع الكثير حتى عد في الحفاظ وسمع من الموفق وطائفة وأخذ عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام قال الذهبي كتب الكثير من العلوم وأتقن الفقه ودرس وأفتى وبرع في فن العربية وذكر أنه حصل له الشيب وهو ابن خمس وعشرين سنة وولي مشيخة القراءة بالتربة الأشرفية ومشيخة الحديث بالدار الأشرفية وكان مع كثيرة فضائله متواضعا مطرحا للتكلف وربما ركب الحمار بين المداوير وقرأ عليه القراءة جماعة ومن تصانيفه شرح الشاطبية ومختصرا تاريخ دمشق أحدهما في خمسة عشر مجلدا والآخر في خمس مجلدات وشرح نونية السخاوي في مجلد وله كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية وكتاب الذيل عليهما وكتاب ضوء الساري إلى معرفة رؤية الباري وكتاب الباعث على إنكار البدع والحوادث وكتاب السواك وكتاب كشف حال بني عبيد ومفردات القراء ومقدمة في النحو وشرح مفصل الزمخشري وشرح البيهقي وله غير ذلك وأكثر تصانيفه لم يفرغها ومن نظمه قوله ( أيا لائمي مالي سوى البيت موضع * أرى فيه عزا أنه لي أنفع ) ( فراشي ونطعي فروتي ثم جبتي * لحافي وأكلي ما يسد ويشبع )
( ومركوبي الآن الأتان ونجلها * لا خلاق أهل العلم والدين أتبع ) ( وقد يسر الله الكريم بفضله * غنى النفس مع عيش به أتقنع ) ( وما دمت أرضى باليسير فإنني * غني أرى هولا لغيري أخضع ) ووقف كتبه بخزانة العادلية وشرط أن لا تخرج فاحترقت جملة وقال ابن ناصر الدين كان شيخ الأقراء وحافظ العلماء حافظا ثقة علامة مجتهدا وقال الأسنوي وجرت له محنة في سابع جمادى الآخرة سنة خمس وستين وستمائة وهو أنه كان في داره بطواحين الأشنان فدخل عليه رجلان جليلان في صورة مستفتيين ثم ضرباه ضربا مبرحا إلى أن عيل صبره ولم يغثه أحد ثم توفي رحمه الله في تاسع عشر رمضان من ذلك العام وأنشد في ذلك لنفسه ( قلت لمن قال أما تشتكي * ما قد جرى فهو عظيم جليل ) ( يقيض الله تعالى لنا * من يأخذ الحق ويشفي الغليل ) ( إذا توكلنا عليه كفى * فحسبنا الله ونعم الوكيل ) ومن شعره ( قال النبي المصطفى أن سبعة * يظلهم الله العظيم بظله ) ( محب عفيف ناشيء متصدق * وباك مصل والإمام بعدله ) انتهى وفيها ابن بنت الأعز قاضي القضاة تاج الدين أبو محمد عبد الوهاب بن خلف بن بدر العلامي المصري الشافعي قاضي القضاة صدر الديار المصرية ورئيسها كان ذا ذهن ثاقب وحدس صائب وعقل ونزاهة وتثبت في الأحكام روى عن جعفر الهمداني وولي القضاء بتعيين الشيخ عز الدين بن عبد السلام وولي الوزارة ونظر الدواوين وتدريس الشافعي والصالحية ومشيخة الشيوخ والخطابة ولم تجتمع هذه المناصب لأحد قبله قرأ على الشيخ زكي الدين المنذري سنن أبي داود وحدث عن غيره أيضا قال القطب اليونيني كان إماما فاضلا متبحرا وتقدم في الدولة وكانت له الحرمة الوافرة عند الملك الظاهر وكان ذا ذهن ثاقب وحدس صائب وجد وسعد وحزم وعزم مع النزاهة المفرطة وحسن الطريقة والصلابة في الدين والتثبت في الأحكام وتولية الأكفاء لا يراعى أحدا ولا يدانه ولا يقبل شهادة مريب وقال السبكي وعن ابن دقيق العيد أنه قال لو تفرغ ابن بنت الأعز للعلم لفاق ابن عبد السلام وكان يقال أنه آخر قضاة العدل وفي أيامه قبل موته بيسير جعلت القضاة أربعة بمصر في سنة ثلاث وستين وفي الشام في سنة أربع وستين توفي رحمه الله تعالى في السابع والعشرين من رجب ودفن بسفح المقطم وفيها ابن القسطلاني الشيخ تاج الدين علي بن الزاهد أبي العباس أحمد بن علي القيسي المصري المالكي المفتي العدل سمع بمكة من زاهر بن رستم ويونس الهاشمي وطائفة ودرس بمصر ثم ولي مشيخة الكاملية إلى أن توفي في سابع شوال وله سبع وسبعون سنة وفيها أبو الحسن الدهان علي بن موسى السعدي المصري المقرىء الزاهد ولد سنة سبع وتسعين وخمسمائة وقرأ القراءات على جعفر الهمداني وغيره تصدر بالفاضلية للأقراء وكان ذا علم وعمل توفي في رجب وفيها صاحب المغرب المرتضى أبو حفص عمر بن أبي إبراهيم القيسي المؤمني ولي الملك بعد ابن عمه المعتضد علي وامتدت أيامه فلما كان في المحرم من هذا العام دخل ابن عمه أبو دبوس الملقب بالواثق بالله إدريس بن أبي عبد الله بن يوسف مراكش فهرب المرتضى فظفر به عامل الواثق وقتله بأمر الواثق في ربيع الآخر وأقام الواثق ثلاثة أعوام ثم قامت دولة بني مرين وزالت دولة آل عبد المؤمن وفيها القاضي صدر الدين موهوب بن عمر الجزري ثم المصري الشافعي ولد بالجزيرة في جمادى الآخرة سنة تسعين وخمسمائة وأخذ عن السخاوي وابن عبد السلام وغيرهما وكان إماما عالما عابدا قال الذهبي تفقه وبرع في المذهب والأصول والنحو

(5/320)

321 ودرس وأفتى وتخرج به جماعة وكان من فضلاء زمانه وولي القضاء بمصر وأعمالها دون القاهرة مدة وقال غيره تخرجت به الطلبة وجمعت عنه الفتاوى المشهورة به وقال ابن شهبة في تاريخ الإسلام ولي نيابة الحكم عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام فلما عزل نفسه استقل بها وكانت له أموال كثيرة اكتسبها من المتجر حكى هو قال جاءني شخص من خواص الملك المعظم صاحب الجزيرة وقال الليلة السلطان يريد القبض عليك وكان عندي سبعون ألف درهم فأخذتها وتركتها في قماقم الماء الورد وخرجت من البلد بعد صلاة العصر وقصدت المقابر فوجدت قبرا مفتوحا فدخلت فيه وأقمت فيه ثلاثة أيام فبينا أنا جالس وإذا جنازة أحضرت إلى ذلك القبر الذي أنا فيه ففتحوا الطاقة وأنزلوا الميت وسدوا الطاقة فلما انصرفوا جلس الميت فنظرت إليه والماء يقطر من ذقنه وبقي ساعة يتكلم بكلام لا أعرفه ثم استلقى على قفاه فحصل عند غاية الخوف ثم خربت الطاقة وخرجت وجلا مما شاهدت فوجدت أكرادا قاصدين حلب فصحبتهم وأقمت بها مدة ثم قصدت الديار المصرية وفي ليلة تغيبت كبسوا داري فلم يجدوني ونادوا على من يحضرني ولقد رأيت الجند غائرين يفتشون علي توفي رحمه الله تعالى بمصر فجأة وخلف من العين ثلاثين ألف دينار وفيها ابن خطيب بيت الآبار ضياء الدين أبو الطاهر يوسف بن عمر بن يوسف بن يحيى الزبيدي سمع من الخشوعي وغيره وناب في خطابة دمشق من العادل وتوفي يوم الجمعة يوم الأضحى وفيها يوسف بن مكتوم بن أحمد القيسي سمع شمس الدين والد المعمر صدر الدين وروى عنه زكي الدين البرزالي مع تقدمه وتوفي في ربيع الأولى عن إحدى وثمانين سنة.

سنة ست وستين وستمائة

  • في جمادى الأولى افتتح الظاهر بيبرس يافا بالسيف وقلعتها بالأمان ثم هدمها ثم حاصر الشقيف عشرة أيام وأخذها بالأمان ثم أغار على عمال طرابلس وقطع أشجارها وغور أنهارها ثم نزل تحت حصن الأكراد فخضعوا له فترحل إلى حماة ثم إلى فامية ثم ساق وطلب أنطاكية فأخذها في أربعة أيام وحصر من قتل بها فكانوا أكثر من أربعين ألفا وفيها توفي المجد بن الحلوانية المحدث الجليل أبو العباس أحمد بن المسلم بن حماد الأزدي الدمشقي التاجر ولد سنة أربع وستمائة وسمع من أبي القسم ابن الحرستاني فمن بعده وكتب العالي والنازل ورحل إلى بغداد ومصر والأسكندرية وخرج المعجم وتوفي في حادي عشر ربيع الأول وفيها الشيخ العز خطب الجبل أبو إسحق إبراهيم بن الخطيب شرف الدين عبد الله بن أبي عمر الزاهد المقدسي الحنبلي ولد سنة ست وستمائة وسمع من العماد والشيخ موفق الدين وأبي النمر الكندي وأبي القسم بن الحرستاني وخلق وأجاز له القسم الصفار وجماعة وكان إماما في العلم والعمل بصيرا بالمذهب صالحا عابدا زاهدا مخلصا صاحب أحوال وكرامات وأمر بالمعروف قوالا بالحق وقد جمع المحدث أبو الفداء بن الخباز سيرته في مجلد وحدث وسمع منه جماعة منهم أبو العباس الحيري وهو آخر أصحابه توفي في تاسع عشر ربيع الأول ودفن بسفح قاسيون وهو والد الإمامين عز الدين الفرائضي وعز الدين محمد خطيب الجامع المظفري رحمهم الله تعالى وفيها بولص الراهب الكاتب المعروف بالحبيس أقام بمغارة بجبل حلوان بقرب القاهرة فقيل أنه وقع بكنز الحاكم صاحب مصر فواسى منه الفقراء والمستورين من كل ملة واشتهر أمره وشاع ذكره وقام عن المصادرين بجمل عظيمة مبلغها ستمائة ألف دينار وذلك خارجا عما كان يصرفه للفقراء طلبه السلطان فأحضره وتلطف به وطلب منه المال فجعل يغالطه ويراوغه فلما أعياه ضيق عليه وعذبه إلى أن مات ولم يقر بشيء فأخرج من القلعة ميتا ورمى على باب القرافة وكان

(5/322)