شذرات الذهب في أخبار من ذهب: ج4

من معرفة المصادر

شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد.

http://www.shamela.ws تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة


الكتاب : شذرات الذهب - ابن العماد موافق للمطبوع 370

( فلا تحسبا قلبي طليقا فأنما * لها الصدر سجن وهو فيه أسيرها )
( أراك آلحمى قل لي بأي وسيلة * توسلت حتى قبلتك ثغورها )
( أعدت إلى جسم الوزارة روحه * وما كان يرجى بعثها ونشورها )
( أقامت زمانا عند غيرك ضامنا * وهذا رعاك الله وقت طهورها )
( من الحق أن يحيا بها مستحقها * وينزعها مرودة مستعيرها )
( إذا ملك الحسناء من ليس كفأها * أشار عليها بالطلاق مشيرها )

وكانت ولادة فخر الدولة المذكور سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة بالموصل وتوفي بها في رجب وقيل في المحرم ودفن في تل توبة وهو تل قبالة الموصل يفصل بينهما عرض الشط واما ولده عميد الدولة فقد ذكره محمد بن عبد الملك الهمداني في تاريخه فقال انتشر عنه الوقار والهيبة والعفة وجودة الرأي وخدم ثلاثة من الخلفاء ووزر لاثنين منهم وكان عليه رسوم كثيرة وصلات جماعة وكان نظام الملك يصفه دائما بالأوصاف العظيمة ويشاهده بعين المكافي الشهم ويأخذ رأيه في أهم الأمور ويقدمه على الكفاة والصدور ولم يكن يعاب بأشد من الكبر الزائد فإن كلماته كانت محفوظة مع ضنه بها ومن كلمة بكلمة قامت عنده مقام بلوغ الأمل فمن جملة ذلك أنه قال لولد الشيخ الأمام أبي نصر بن الصباغ اشتغل وادأب وألا كنت صباغا بغير أب انتهى كلام ابن الهمذاني وكان نظام الملك قد زوجه بنته زبيدة وكان قد عزل من الوزارة ثم أعيد إليها بسبب المصاهرة وفي ذلك يقول الشريف أبو يعلى بن الهبارية

( قل للوزير ولا تفزعك هيبته * وإن تعاظم واستولى لمنصبه )
( لولا ابنة الشيخ ما استوزرت ثانية * فاشكر حراصرت مولا الوزير به )

ولعميد الدولة شعر ذكره في الخمريدة لكنه غير مرضى وذكره ابن السمعاني في كتاب الذيل ومدحه خلق كثير من شعراء عصره وفيه يقول صردر قصيدته العينية المشهورة التي أولها

( قد بان عذرك والخليط مودع * وهوى النفوس مع الهوادج يرفع )
( لك حيثما شمت الركائب لفته * أترى البدور بكل واد تطلع )
( في الظاغنين من الحمى بدر الأحشاء * مرعى والاماقي مكرع )
( ممنوع أطراف الجمال رقيبة * حذرا عليه من العيون البرقع )
( عهد الحبائل صائدات شبهة * فارتاع فهو لكل حبل يقطع )
( لم يدر حامي سر به أني إذا * حرم الكلام له لساني الأصبع )
( وإذا الطيوف إلى المضاجع أرسلت * بتحية منه فعيني تسمع )

وهي طويلة ومن غرر الشعر وعزل عميد الدولة عن الوزارة في شهر رمضان سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة وجهير بفتح الجيم وكسر الهاء وقال ابن السمعاني بضم الجيم وهو غلط يقال رجل جهير بين الجهارة أي ذو منظر ويقال رجل جهير الصوت بمعنى جهوري الصوت قاله ابن خلكان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

484 هـ

سنة أربع وثمانين وأربعمائة فيها توفي أبو الحسين أحمد بن عبد الرحمن الذكواني الأصبهاني يوم عرفة وله تسعون سنة روى عن جده ابن أبي علي وعثمان البرجي وطبقتهما وكان ثقة وفيها أبو الحسن ظاهر بن منور المعافري الشاطبي تلميذ أبي عمر بن عبد البر كان من أئمة هذا الشأن مع الورع والتقي والاسبحار في العلم وعده ابن ناصر الدين من الحفاظ المكثر الضابطين وقال هو أخو عبد الله زاهد زمانه وتوفي ظاهر في شعبان وله خمس وخمسون سنة وفيها عبد الملك بن علي بن شغبة أبو القسم الأنصاري البصري الحافظ الراهد استشهد بالبصرة وكان يروي جملة من سنن أبي داود عن أبي عمر الهاشمي (3/371) ________________________________________ 372 أملى عدة مجالس وكان من العبادة والخشوع بمحل وفيها أبو طاهر بن دات عبد الرحمن بن أحمد بن علك بن دات بدال المهملة يليها ألف ثم مثناة فوق الشاوي الحافظ إمام أهل الحديث بسمر قندي في زمانه قال ابن ناصر الدين وفيها أبو نصر الكركانجي بالضم والسكون آخره جيم نسبة إلى كرناج وهي مدينة خوارزم محمد بن أحمد بن علي شيخ المقرئين بمرو ومسند الآفاق توفي في ذي الحجة وله أربع وتسعون سنة وكان إماما في علوم القرآن كثير التصانيف متين الديانة انتهى إليه علو الإسناد قرأ ببغداد علي أبي الحسن الحمامي وبحران على الشريف الزيدي وبمصر على إسماعيل بن عمر الحداد ودمشق والموصل وخراسان وفيها أبو منصور المقومي بالضم والفتح وكسر الواو المشددة محمد بن الحسين بن الهيثم القزويني راوي سنن ابن ماجه عن القسم بن المنذر توفي فيها أو بعدها عن يضع وثمانين سنة وفي رجب قاضي القضاة محمد بن عبد الله بن الحسين النيسابوري روى عن أبي بكر الحيري وجماعة قال عبد الغافر هو أفضل عصره في أصحاب أبي حنيفة وأعرفهم بالمذهب وأوجههم في المناظرة مع حظ وافر من الأدب والطب ولم تحمد سيرته في القضاء قاله في العبر وفيها المعتصم محمد بن معن بن محمد بن صمادح أبو يحيى التيبي الأندلسي صاحب المرية توفي وجيش ابن تاشقين محاصرون له قال ابن بسام في الذخيرة كانت المعتصم وبين الله عند الحمام يد مشكورة فمات وليس بينه وبين حلول الفاقرة به إلا أيام يسيرة في سلطانه وبلده وبين أهله وولده حدثني من لا أراد خبره عن اروى بعض حظايا أبيه قالت أني لعنده وهو يرضي بشأنه وقد غلب على أكثر يده ولسانه ومعسكر أمير المؤمنين يعني يوسف بن تاشفين يومئذ بحي نعد خيامهم ونسمع اختلاط أوصواتهم إذ سمعت وجبة من وجباتهم فقال لا اله الله تغض علينا كل شيء حتى الموت قالت أروى فدمعت عيني فدفعت عيني فلا انسى طرفاً إلى يرفعه وإنشاده لي بصوت لا أكاد أسمعه

( ترفق بدمعك لاتفنه * فبين يديك بكاء طويل )

انتهى كلام ابن بسام ومات المعتصم في أثر ذلك عند طلوع الشمس يوم الخميس ثاني عشرى ربيع الأول بالمرية ودفن في تربة له عند باب الخوخة.


485 هـ

سنة خمس وثمانين وأربعمائة فيها توفي أبو الفضل جعفر بن يحيى الحكام محدث مكة وكان متقناً حجة صالحاً ورى عن أبي ذر الهروي وطائفة وعاش سبعين سنة وفيها نظام الملك الوزير أبو علي الحسن بن علي بن اسحق الطوسي قوام الدين كان من جلة الوزراء ذكره ابن السمعاني فقال كعبة المجد ومنبع الجود وكان مجلسه عامراً بالقراء والفقهاء أنشأ المدارس بالأمصار ورغب في العلم وأملى وحدث عاش ثمانياً وسبعين سنة أتاه شاب صوفي الشكل من الباطنية ليلة عاشر رمضان فناوله قصة ثم ضربه بسكين في صدره فقضى عليه فيقال أن ملكشاه دس عليه هذا والله أعلم وقال ابن السمعاني أيضا في كتاب الأنساب في ترجمة الراذ كان إنها بليدة صغيرة بنواحي طوس قيل نظام الملك كان من نواحيها وكان من أولاد الدهاقين واشتغل بالحديث والفقه ثم اتصل بخدمة علي بن شاذان المعتمد عليه بمدينة بلخ وكان يكتب له فكان يصادره في كل سنة فهرب منه وقدص داود بن ميكائيل بن سلجوق والدالسطان ألب أرسلان وظهر له منه النصح والمحبة فسله إلى ولده ألب أرسلان وقال اتخذه والداً لا تخالفه فيما يشير به فلما ملك ألب ارسلان دبر أمهر فأحسن التدبير وبقى في خدمته عشر سنين فلما مات ألب أرسلان وطد المملكة لولده ملكشاه فصار الأمر كله لنظام الملك وليس للسلطان إلا التخت والصيد وأقام على هذا عشر سنين ودخل على الأمام المقتدى بالله فأذن له بالجلوس بين يديه وقال له يا حسن رضي الله عنك برضى أمير المؤمنين عنك وكان مجلسه عامراً بالفقهاء والصوفية كثير الأنعام على الصوفية وسئل عن سبب ذلك فقا لأتاني صوفي وأنا في خدمة بعض الأمراء فوعظني وقال اخدم من تنفعك خدمته ولا تشتغل بمن تأكله الكلاب غداً فلم أعلم معنى قوله فشرب ذلك الأمير من الغد وكانت له كلاب كالسباع تفترس الغرباء بالليل فغلبه السكر فخرج وحده فلم تعرفه الكلاب فمزقته فعلمت أن الرجل كوشف بذل كفأنا أخدم الصوفية لعلي اظفر بمثل ذلك وكان إذا سمع الاذان امسك عن جميع ما هو فيه وكان إذا قدم عليه إمام الحرمين والمام القشيري بالغ في اكرامهما وأجلسهما في مستنده وبنى المساجد والربط وهو أول من أنشأ المدارس فاقتدى به وسمع نظام الملك الحديث وأسمعه وكان يقول أني أعلم أني لست أهلاً لذلك ولكني أريد اربط نفسي في قطار النقلة لحديث رسول الله ويروي له من الشعر قوله

( بعد الثمانين ليس قوة * قد ذهبت شرة الصبوة )
( كأنني والعصا بكفي * موسى ولكن لا نبوة )

وكان ولادة نظام الملك يوم الجمعة حادي عشرى ذي القعدة سنة ثمان وأربعمائة بنوقان إحدى مدينتي طوس و توجه صحبة ملكشاه إلى اصبهان فلما كانت ليلة السبت عاشر رمضان افطر وركب في محفته فلما بلغ إلى قرية قريبة من نهاوند يقال لها سحنة قال هذا الموضع قتل فيه خلق كثير من الصحابة زمن عمر ابن الخطاب فطوبى لمن كان منهم فاعترضه صبي ديلمي على هيئة الصوفية معه قصة فدعا له وسأله تناولها في يده ليأخذها فضربه بسكين في فؤاده لحمل إلى مضربه فمات وقتل القاتل في الحال بعد أن هرب فعثر في طنب حيمة فوقع وركب السلطان إلى معسكره فسكنهم وعزاهم وحمل إلى اصبهان فدفن بها وقيل أن السلطان دس عليه من قتله فإنه سئم طول حياته واستكثر ما بيده من الاقطاعات ولم يعش السطان بعده سوى خمسة وثلاثين يوماً فرحمه الله فلقد كان من حسنات الدهر ورثاه أبو الهيجاء البكري وكانت ختنه لان نظام الملك زوجة ابنته فقال

( كان الوزير نظام الملك لؤلؤة * نفيسة صاغها الرحمن من شرف )
( عزت فلم تعرف الأيام قيمتها * فردها غيرة منه إلى الصدف )

وقد قيل أنه قتل بسبب تاج الملك أبي الغنايم المرزبان بن خسرو فيروز المعروف بانب دارست فإنه كان عدو نظام الملك وكان كبير المنزلة عند مخدومه ملكشاه فلما قتل رتبه موضعه في الوزارة ثم أن غلمان نظام الملك وثبوا عليه فقتلوه وقطعوه اربا ارباً في ليلة الثلاثاء ثاني عشر المحرم سنة ست وثمانين وأربعمائة وعمزه سبع وأربعون سنة وهو الذي بنى على قبر الشيخ أبي اسحق الشيرازي قاله ابن خلكان وفيها أبو عبد الله بن المرابط قاضي المرية وعالمها محمد بن خلف بن سعيد الاندلسي روى عن المهلب بن أبي صفرة جماعة وصنف شرحاً للبخاري وكان رأساً في مذهب مالك ارتحل الناس إليه توفي في شوال قاله في العبر وفيها أبو بكر الشاشي محمد بن علي بن حامد شيخ الشافعية وصاحب الطريقة المشهورة والمصنفات المليحة درس مدة بغزنة ثم بهراة ونيسابور وحدث عن منصور الكاغدي وتفقه ببلاده على أبي بكر السنجي وعاش نيفاً وتسعين سنة وتوفي بهراة قال ابن قاضي شهبة ولد سنة سبع وتسعين وثلثمائة وتفقه في بلاده على السنجي وكان من انظر أهل زمانه استوطن غزنة وهي في أوائل الهند فأقبلوا عليه واكرموه وبعد صيته وحدث وصنف تصانيف كثيرة ثم استدعاه نظام الملك إلى هراة فشق على أهل غزنة مفارقته ولكن لم يجدوا أبدا من ذلك فجهزوه فولاه تدريس النظامية وتوفي في شوال انتهى.

  • وفيها محمد بن عيسى بن فرح أبو عبد الله التجيبي المغامي بالضم نسبة إلى مغامة مدينة بالأندلس الطليطلي مقرئ الأندلس أخذ عن أبي عمرو الداني ومكى بن أبي طالب وجماعة واقرأ الناس مدة وفيها أبو عبد الله البانياسي مالك بن أحمد بن علي بن الفراء البغدادي احترق في الحريق العظيم الذي وقع في هذه السنة ببغداد واحترق فيه من الناس عدد كثير وكان في جمادي الآخرة وتوفي وله سبع وثمانون سنة وهو آخر من حدث عن أبي الحسن بن الصلت المجبر وسمع من جماعة وفيها السلطان ملكشاه أبو الفتح جلال الدولة بن السلطان ألب أرسلان محمد بن داود السلجوقي التركي تملك بلاد ما وراء النهر وبلاد الهياطلة وبلاد الروم والجزيرة والشام والعراق وخراسان وغير ذلك قال في العبر مبك من مدينة كاشغر الترك إلى بيت المقدس طولا ومن القسطنطينية وبلاد الخزر إلى نهر الهند عرضا وكان حسن السيرة محسنا إلى الرعية وكانوا يلقبونه بالسلطان العادل وكان ذا غرام بالعمائر والصيد مات في شوال بعد وزيره النظام بشهر فقيل انه سم في خلال ونقل في تابوت فدفن بأصبهان في مدرسة كبيرة له وقال ابن الأهدل كان مغرما بالصيد حتى قيل انه صاد بيده عشرة آلاف أو أكثر حتى بنى من حوافر الحمر وقرون الظباء منارة على طريق الحاج تعرف بمنارة القرون وتصدق عن كل نسمة صادها بدينار وقال إني أخاف الله سبحانه وتعالى من إزهاق النفوس بغير فائدة ولا مأكلة وكان المقتدر قد تزوج بابنته وكان السفير في زواجها الشيخ أبو اسحق وزفت إليه سنة ثمانين ورزق منها ولديه ولما مات السلطان لم يفعل به كسائر السلاطين ولم يحضر جنازته أحد ظاهرا ولم تقطع أذناب الخيل لأجله ولما مات ملكشاه سار أخوه تتش بتاءين فوقيتين وشين معجمة من الشام فالتقاه إبراهيم العقيليي في ثلاثين آلفا فأسر إبراهيم وقتل صبرا وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء.
  • وفي سنة أربع وثمانين قدم السلطان ملكشاه بغداد وأمر بعمل جامع كبير بها وعمل الأمراء حوله دورا ينزلونها ثم رجع إلى أصبهان وعاد إلى بغداد في سنة خمس وثمانين عازما على الشر وأرسل إلى الخليفة يقول لا بد أن تترك لي بغداد وتذهب إلى أي بلد شئت فانزعج الخليفة وقال أمهلني ولو شهرا قال ولا ساعة واحدة فأرسل الخليفة إلى وزراء السلطان يطلب المهلة عشرة أيام فاتفق مرض السلطان وموته وعد ذلك كرامة للخليفة وقيل أن الخليفة جعل يصوم فإذا أفطر جلس على الرماد ودعا على ملكشاه فاستجاب الله دعاءه وذهب إلى حيث ألقت ولما مات كتمت زوجته تركان موته وأرسلت إلى الأمراء سرا فاستحلفهم لولده محمود وهو ابن خمس سنين فحلفوا له وأرسلت إلى المقتدي في أن يسلطنه فأجاب ولقبه ناصر الدنيا والدين ثم خرج عليه أخوه بركياروق بن ملكلشاه فقلده الخليفة ولقبه بركن الدين وذلك في محرم سنة سبع وثمانين وعلم الخليفة على تقليده ثم مات الخليفة من الغد فجأة انتهى كلام السيوطي.

486 هـ

سنة ست وثمانين وأربعمائة فيها توفي حمد بن أحمد بن الحسن أبو الفضل الاصبهاني الحداد روى ببغداد وأصبهان عن علي بن ما شاذه وطائفة وروى الحلية ببغداد وتوفي في جمادي الأولى وفيها الملنجي بالكسر نسبة إلى ملنجة بلد بأصبهان سليمان بن إبراهيم بن محمد بن سليمان الأصبهاني الحافظ قال السمعاني جمع وصنف وخرج على الصحيحين وروى عن محمد بن إبراهيم الجرجاني وأبي بكر بن مردويه وخلق ولقى ببغداد أبا بكر المنقي وطبقته وتكلم فيه ابن منده وهو مقبول لأنه قد قبله عدة وقال ابن ناصر الدين في بديعته ( الأصبهاني ذا الملنجي المكثر * تكملوا فيه وقوى الأكثر ) (3/377) ________________________________________ 378 وتوفي في ذي القعدة عن تسع وثمانين سنة وشهرين وفيها أبو الضفل الدقاق عبد الله بن علي بن أحمد بن محمد بن زكري البغدادي الكاتب روى عن الحسين بن بشران وغيره وكان صالحا ثقة وفيها الشيخ أبو الفرج الشيرازي الحنبلي عبد الواحد بن محمد بن علي بن أحمد الشيرازي ثم المقدسي ثم الدمشقي الفقيه الزاهد الأنصاري السعدي العبادي الخزرجي شيخ الشام في وقته الواعظ الفقيه القدوة سمع بدمشق من أبي الحسن بن السمسار وأبي عثمان الصابوني وتفقه ببغداد زمانا على القاضي أبي يعلي ونشر بالشام مذهب أحمد وتخرج به الأصحاب وكان اماماً عارفاً بالفقه والأصول صاحب حال وعبادة وتأله وكان تتش صاحب الشام يعظمه لأنه كاشفه مرة وذلك أنه دعاه أخو السلطان وهو ببغداد فرعب وسأل أبا الفرج الدعاء له فقال لا تراه ولا تجتمع به فقال له تتش هو مقيم ببغداد ولا بد من المصير إليه فقال له لا تراه فعجب من ذلك وبلغ هيت فجاءه الخبر بوفاة السلطان ببغداد فعاد إلى دمشق وزادت حشمة أبي الفرج عنده ومنزلته لديه قال ابن رجب وكان أبو الفرج ناصراً لاعتقادنا متجرداً في نشره مبطلاً لتأويلات أخبار الصفات وله تصنيف في الفقه والوعظ الأصول ومات في مجلس وعظه شخص لوقع وعظه في القلوب ولاخلاصه وقال أبو يعلي بن القلانسي في تاريخه شخص لوقع وعظه في القلوب ولاخلاصه وقال أبو يعلي بن القلانسي في تاريخه كان وافر العلم متين الدين حسن المواعظ محمود السمت توفي يوم الأحد ثامن عرى ذي الحجة بدمشق ودفن بمقبرة الباب الصغير وقبره مشهور يزار وله ذرية فيهم كثير من العلماء يعرفون ببيت ابن الحنبلي وفيها أبو القسم عبد الواحد بن علي بن محمد بن فهد العلاف البغدادي الرجل الصالح روى عن أبي الفتح بن أبي الفوارس وأبي الفرج الغوري وبه ختم حديثهما وكان ثقة مأموناً خيراً وفيها شيخ الإسلام الهكاري أبو الحسن علي بن احمد بن يوسف الأموي (3/378) ________________________________________ 379 من ذرية عتبة بن أبي سفيان بن حرب وكان زاهداً عابداً ربانياً ذا وقار وهيبة واتباع ومريدين رحل في الحديث وسمع ابن نظيف الفرا وأبا القسم بن بشران قال ابن ناصر توفي في أول السنة وقال ابن عساكر لم يكن موثقاً في روايته وقال الذهبي ولد سنة تسع وأربعمائة وفيها أبو الحسن الانباري علي بن محمد بن محمد بن الأخضر الخطيب في شوال عن أربع وتسعين وكان آخر من حدث عن أبي احمد الفرضي وسمع أيضا من أبي عمر بن مهدي وطائفة وتفقه لأبي حنيفة وكان ثقة نبيلاً عالي الإسناد وفيها أبو المظفر موسى بن عمران الأنصاري النيسابوري مسند خراسان في ربيع الأول وله ثمان وتسعون سنة روى عن أبي الحسن العلوي والحاكم وكان من كبار الصوفية وفيها أبو الفتح نصر بن الحسن السكشي بكسر السين الهملة والكاف ومعجمة نسبة إلى سكة سكش بنيسابور الشاشي نزيل سمرقند وله ثمانون سنة روى صحيح مسلم عن عبد الغافر وسمع بمصر من الطفال وجماعة ودخل الأندلس للتجارة فحدث بها وكان ثقة . وفيها هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي أبو القسم الحافظ محدث جوال سمع بخراسان والعراق وفارس واليمين ومصر والشام وحدث عن احمد بن عبد الباقي بن طوق وأبي جعفر بن المسلمة وطبقتهما ومات كهلاً وكان صوفياً صالحاً متقشفاً سنة سبع وثمانين وأربعمائة فيها توفي أبو بكر بن خلف الشيرازي ثم النيسابوري مسند خراسان أحمد ابن علي بن عبد الله بن عمر بن خلف روى عن الحاكم وعبد الله بن يوسف (3/379) ________________________________________ 380 وطائفة قال عبد الغافر هو شيخنا الأديب المحدث المتقن الصحيح السماع ما رأينا شيخاً أروع منه ولا أشد اتقاناً توفي في ربيع الأول وقد نيف على التسعين وفيه أقسنقر قسيم الدولة أبو الفتح مولى ملكشاه السلطان وقيل هو لصيق به وقيل اسم أبيه آل ترعان لما افتتح ملكشاه حلب استناب عليها اق سنقر في سنة ثمانين وأربعمائة فأحسن اسياسة وضبط الأمور وتتبع المفسدين حتى صار دخله كل يوم الفاً وخمسمائة دينار رأس في المصاف ثم قتل ذبحه تتش صبراً ودفن هناك ثم نقله ولده الاتابك زنكي فدفنه بالمدرسة الزجاجية داخل حلب وفيها أبو نصر الحسن بن أسد الفارقي الأديب صاحب النظم والنثر وله الكتاب المعروف في الالغاز توثب بميافارقين على الأمرة ونزل بقصر الامارة وحكم أياماً ضعف وهرب ثم قبض عليه وشنق وفيها المقتدى بالله أبو القسم عبد الله بن الأمير ذخيرة الدين محمد بن القائم بأمر الله عبد الله بن القادر بالله احمد بن الأمير اسحق بن المقتدر العباسي بويع بالخلافة بعد جده في ثالث عشر شعبان سنة سبع وستين وله تسع عشرة سنة وثلاثة اشهر قال السيوطي في تاريخ الخلفاء مات أبوه في حياة القائم وهو حمل فولد بعد وفاة أبيه بستة اشهر وأمه أم ولد اسمها ارجوان وبويع له بالخلافة عند موت جده وكانت البيعة بحضرة الشيخ أبي اسحق الشيرازي وابن الصباغ والدامغاني وظهر في أيامه خيرات كثيرة وآثار حسنة في البلدان وكانت قواعد الخلافة في أيامه باهرة وافرة الحرمة بخلاف من تقدمه ومن محاسنه انه نفي المغنيات والحواظي ببغداد وأمر أن لا يدخل أحمد الحمام إلا بمئزر وخرب ابراج الحمام صيانة لحرم الناس وكان ديناً خيراً قوى النفس عالي الهمة من نحباء بني العباس انتهى ومات فجأة في ثامن عشر المحرم عن تسع وثلاثين سنة وبويع بعده ابنه المستظهر بالله احمد وقيل أن جاريته سمته وقال ابن الجوزي (3/380) ________________________________________ 381 في الشذور توفي المقتدي وكان أصح ما كان بينما هو جالس قال لقهر مانته من هؤلاء الأشخاص الذين قد دخلوا علينا بلا إذن فالتفتت فلم تر أحدا فسقط إلى الأرض ميتا وفيها الحسن بن عبد الملك بن الحسين بن علي بن موسى بن عمران بن اسرافيل النسفي الحافظ حصل العالي من الإسناد قاله ابن ناصر الدين وفيها أبو القسم بن أبي العلاء المصيمي علي بن محمد بن علي بن أحمد قال الاسنوي كان فقيها فرضيا تفقه على القاضي أبي الطيب وروى الحديث عن جماعة بمصر والشام والعراق واستوطن دمشق ومات بها وروى عنه جماعة وأصله من المصيصة وولد بمصر في رجب سنة ألاربع وأربعمائة ومات في جمادي الآخرة ودفن بمقابر باب الفراديس قال الذهبي كان فقيها ثقة وفيها ابن ماكولا الحافظ الكبير الأمام أبو نصر علي بن هبة الله بن علي ابن جعفر بن علي بن محمد بن دلف بن الأمير الجواد أبي دلف القسم بن عيسى العجلي الأمير سعد الملك أبو نصر بن ماكولا أصله من جرباذقان من نواحي أصبهان فهو الجرباذقاني ثم البغدادي النسابة صاحب التصانيف ولم يكن ببغداد بعد الخطيب احفظ منه ولد بعكبرا سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة وزر أبوه للقائم بأمر الله وتولي عمه عبد الله قضاء القضاة وسمع هو من أبي طالب بن غيلان وطبقته قال الحميجي ما راجعت الخطيب في شيء إلا وأحالني على الكتاب وقال حتى أكشفه وما راجعت ابن ماكولا إلا وأجابني حفظا كأنه يقرأ من كتاب وقال ابن السمعاني كأن لبيبا عارفا ونحويا مجودا وشاعرا مبرزا وقال الذهبي اختلف في وفاته على أقوال وقال ابن خلكان للامير أبي نصر المذكور كتاب الاكمال وهو في غاية الافادة في رفع الالتباس والضبط والتقييد وعليهه اعتماد المحدثين وأرباب هذا الشأن فأنه لم يوضع مثله في المؤلف والمختلف ومشتبه النسب وهو في غاية الإحسان (3/381) ________________________________________ 382 وما يحتاج الأمير المذكور مع هذا الكتاب إلى فضيلة أخرى ففيه دلالة على كثرة إطلاعه وضبطه واتقانه ومن الشعر المنسوب إليه ( قوض خيامك عن أرض تهان بها * وجانب الذل أن الذل يجتنب ) ( وأرحل إذا كان في الأوطان منقصة * فالمندل الرطب في أوطانه حطب ) وكانت ولادته في عبكرا في خامس شعبان سنة إحدى وعشرين وأربعمائة وقتله غلمانه بجرجان وقيل بخوزستان وقيل بالأهواز قال الحميدي خرج إلى خراسان ومعه غلمان له ترك فقتلوه بجرجان وأخذوا ماله وهربوا وطاح دمه هدرا رحمه الله وفيها أبو عامر الازدي القاضي محمود بن القاسم بن القاضي أبي منصور محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد المهلبي الهروي الفقيه الشافهي راوي جامع الترمذي عن الجراحي قال أبو نصر الفامي هو عديم النظير زاهدا وصلاحا وعفه ولد سنة أربعمائة وتوفي في جمادي الآخرة وفيها المستنصر بالله أبو تميم معد بن الظاهر علي بن الحاكم بأمر الله منصور ابن العزيز بن المعز العبيدي الرافضي صاحب مصر وكانت أيامه ستين سنة وأربعة أشهر وقد خطب له ببغداد في سنة إحدى وخمسين ومات في ذي الحجة عن ثمان وستين سنة وبويع بعده ابنه المستعلى قاله في الهبر وقال ابن خلكان اتفق للمستنصر هذا أمور لم تتفق لغيره وسردها منها انه أقام في الأمر سنين سنة وهذا شيء لم يبلغه أحد من أهل بيته ولا من بني العباس ومنها انه ولى وهوابن سبع سنين ومنها انه حدث في أيامه الغلاء العظيم الذي ما عهد مثله منذ زمان يوسف عليه السلام وأقام سبع سنين وأكل الناس بعضهم بعضا وكانت ولادته صبيحة يوم الثلاثاء سابع عشر جمادي الآخرة سنة عشرين وأربعمائة وتوفي في ليلة الخميس ثامن عشر ذي الحجة وهذه الليلة تسمى عيد الغدير أعني غدير خم بضم الخاء المعجمة وتشديد الميم اسم مكان (3/382) ________________________________________ 383 بين مكة والمدينة فيه غدير ماء يقال انه غيض هناك فلما رجع النبي من حجة الوداع ووصل إلى هذا المكان وآخى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال ( على منى كهرون من موسى اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله ) وللشيعة فيه تعلق كبير وهذا المكان موصوف بكثرة الوخامة وشدة الحمى انتهى ملخاصا ويقال انه لم قدم المدينة توخمت على أصحابه فأنها كانت من أكثر بلاد الله تعالى حمى فأمر الحمى نا تخرج من المدينة إلى خم وحي يقال أن أكثر اله خم لم يتجاوزوا الحلم لكثرة الحمى بها وحتى انه قل م يمر بها ولا يحم سنة ثمان وثمانين وأربعمائة فيها قدن الأمام الغزالي دمشق متزهدا وصنف الأحياء واسمعه بدمشق وأقام بها سنتين ثم حج ورد إلى وطنه وفيها توفي أبو الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون البغدادي الحافظ في رجب عن اثنتين وثمانين سنة وشهر روى عن أبي علي بن شاذان والبرقاني وطبقتهما وكتب مالا يوصف وكان ثقة ثبتا صاحب حديث قال أبو منصور ابن خيرون كتب عمي عن أبي علي بن شاذان ألف جزء وقال السلفي كان يحيى ابن معين وقته رحمه الله وفيها أمير الجيوش بدر الأرمني ولي أمرة دمشق في سنة خمس وخمسين وأربعمائة وانفصل بعد عام ثم وليها والشام كله في سنة ثمان وخمسين ثم سار إلى الديار والمصرية والمستنصر في غاية الضعف فشيد دولته وتصرف في الممالك وولى وزارة السيف والقلم وامتدت أيامه ولما أيس منه ولى الأمر بعده ابنه الأفضل وتوفي في ذي القعدة (3/383) ________________________________________ 384 وفيها تتش السلطان تاج الدولة أبو سعيد بن السلطان ألب أرسلان بن داود بن مكائيل ابن سلجوقي التركي السلجوقي كان شهما شجاعا مقداما فاتكا واسع الممالك كاد أن يستولي على ممالك أخيه ملكشاه قتل بنواحي الري وتملك بعده ابناه بحلب ودمشق وفيها رزق الله بن عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحرث الأمام أبو محمد التميمي البغدادي الفقيه الواعظ شيخ النابلة قرأ القرآن على أبي الحسن الحمامي وتقدم في الفقه والأصول والتفسير والعربية واللغة وحدث عن أبي الحسين ابن المتيم وأبي مر بن مهدي والكبار وتوفي في نصف جمادي الأولى عن ثمان وثمانين سنة قال أبو علي بن سكرة قرأت عليه ختمة لقالون وكان كبير بغداد وجليلها وكان يقال كل الطوائف تدعيني قاله في العبر وقال ابن عقيل في فنونه ومن كبار مشايخى أبو محمد التميمي شيخ زمانه كان حسنه العالم وما شطة بغداد وقال كان سيد الجماعة من أصحاب أحمد بيتا ورياسة وحشمة أبو محمد التميمي وكان احلى الناس عبارة في النظر وأجراهم قلما في الفتيا وأحسنهم وعظا وفيها يعقوب بن إبراهيم بن أحمد بن سطور العبكري البرزبيني بفتح الباء الموحدة أوله والزاي ثالثة ثم باء موحدة مكسورة وتحتية نسبة إلى برزبين قرية ببغداد القاضي أبو علي قاص باب الأزج قدم بغداد بعد الثلاثين والأربعمائة وسمع الحديث من أبي اسحق البرمكي وتفقه على القاضي أبي يعلى حتى برع في الفقه ودرس في حياته وشهد عند الدامغاني هو والشريف أبو جعفر في يوم واحد سنة ثلاث وخمسين وزكاهما شيخهما القاضي وتولى يعقوب القضاء بباب الأزج والشهادة سنة اثنتين وسبعين ثم عزل نفسه عنهما ثم عاد إليهما سنة ثمان وسبعين واستمرا لي موته وكان ذا معفرفة تامة بأحكام القضاء وانفاذ السجلات متعففا في القضاء متشددا في السنة وقال ابن عقيل كان أعرف قضاة الوقت بأحكام (3/384) ________________________________________ 385 القضاء والشروط وله المقامات المشهودة بالديوان حتى يقال انه كعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة من الصحابة في معرفة الرأي وذكره ابن السمعاني فقال كانت له يد قوية في القرآن والحديث والمحاضرة قرأ عليه عامة الحنابلة ببغداد وانتفعوا به وكان حسن السيرة جميل الطريقة وفيها أبو يوسف القزويني عبد السلام بن محمد بن يوسف بن بندار شيخ المعتزلة وصاحب التفسير الكبير الذي هو أزيد من ثلثمائة مجلد درس شيخ علي القاضي عبد الجبار بالري وسمع منه ومن أبي عمر بن مهدي الفارسي وتنقل في البلاد ودخل مصر وكان صاحب كتب كثيرة وذكاء مفرط وتبحر في المعارف وإطلاع كثير إلا انه كان داعية إلى الاعتزال مات في ذب القعدة وله خمس وتسعون سنة وأشهر وفيها أبو الحسن الحصري المقرئ الشاعر نزيل سبته علي بن عبد الغني الفهري وكان مقرئا محققا وشاعرا مفلقا مدح ملوكا ووزراء وكان ضريرا قال ابن بسام في حقه كان بحرت براعة ورأس صناعة وزعيم جماعه طرأ على جزيرة الأندلس منتصف المائة الخامسة من الهجرة بعد خراب وطنه من القيروان والأدب يومئذ بأفقنا نافق السوق معمور الطريق فتهادته ملوك طوائفها تهادى الرياض بالنسيم وتنافسوا فيه تنافس الديار في الأنس المقيم على إنه كان فيما بلغني ضيق العطن مشهور اللسن يتفلت إلى الهجاء تلفت الظمآن إلى الماء ولكنه طوى الطوائف بأفقنا اشتملت عليه مدينة طنجة وقد ضاقت ذرعه وتراجع طبعه وقال ابن خلكان وهذا أبو الحسن أي صاحب الترجمة ابن خالة أبي اسحق الحصري صاحب زهر الآداب وذكر ابن بشكوال في كتاب الصلة والحميدي أيضا وقال كان عالما بالقراءات وطرقها وأقرأ الناس (3/385) ________________________________________ 386 القرآن الكريم بسبته وغيرها وله قصيدة في قراءة نافع عدد ابياتها مائتان وتسعة وله ديوان شعر فمن قصائده التي أولها ( ياليل الصب متى غده * أقيام الساعة موعده ) ( رقد السماء فأرقه * أسف للبين يردده ) وله أيضا ( أقول له وقد حيا بكاس * لها من مسك ريقته ختام ) ( أمن خديك تعصر قال كلا * متى عصرت من الورد المدام ) ولما كان بمدينة طنجة أرسل غلامه إلى المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية وأسمها في بلادهم حمص فأبطأ عنه وبلغه أن المعتمد ما احتفل به فقال ( نبه الركب الهجوعا * ولم الدهر الفجوعا ) ( حمص الجنة قالت * لغلامي لا رجوعا ) ( رحم الله غلامي * مات في الجنة جوعا ) وقد التزم في هذه الأبيات لزوم مالا يلزم رحمه الله تعالى وفيها المعتمد على الله أبو القسم محمد ب المعتضد عباد بن القاضي محمد بن اسمعيل اللخمي الاندلسي صاحب الأندلس كان ملكيا جليلا وعالما ذكيا وشاعرا محسنا وبطلا شجاعا وجوادا ممدحا كان بابه محط الرحال وكعبة الآمال وشعره في الذروة العليا ملك من الأندلس من المدائن والحصون والمعاقل مئة وثلاثين سورا وبقى في المملكة نيفا وعشرين سنة وقبض عليه أمير المسلمين بعد أربع وستين سنة وخلع من مملكه عن ثمانمائة سرية ومائة وسبعين ولدا وكان راتبه في اليوم ثمانمائة رطل لحم قاله جميعه في العبر وقال ابن خلكان جعل خواص الأمير يوسف بن تاشفين يعظمون عنده بلاد الأندلس لأنهم كانوا بمراكش وهي (3/386) ________________________________________ 387 بلاد بربر وأجلاف العربان فجعلوا يحسنون له أخذ الأندلس ويوغرون قلبه على المعتمد بأشيائ نقلوها عنه فتغير عليه وقصده فلما انتهى إلى سبتة جهز إليه العساكر وقدم عليها سيرين بن أبي بكر الاندلسي فوصل إلى إشبيلية وبها المعتد فحاصره أشد محاصرة وظهر من مصابرة المعتمد وشدة بأشه وتراميه على الموت بنفسه ما لم يسمع بمثله والناس بالبلد دق استولى عليهم الفزع وخامرهم الجزع يقطعون سبلها سياحه ويخوضون نهرها سباحه ويترامون من شرفات الأسوار فلما كان يوم الأحد عشرى رجب سنة أربع وثمانين هجم عسكر الأمير يوسف البلد وشنوا فيه الغارات ولم يتركوا أحد شيئا وخرج الناس من منازلهم يسترون عوراتهم بأيديهم وقبض على المعتمد وأهله وكان قد قتل له ولدان قبل ذلك أحدهما المأمون كان ينوب عن والده في قرطبة فحصروه بها إلى أن أخذوه وقتلوه والثاني الراضي كان أيضا نائبا عن أبيه في رندة وهي من الحصون الممنتنعة فنازلوها وأخذوها وقتلوا الراضي ولأبيهما المعتمد فيهما مراث كثيرة وبعد ذلك جرى بإشبيلية على المعتمد ما ذكرناه ولما أخذ المعتمد قيدوه من ساعته وجعل مع أهله في سفينة قال ابن خاقان في قلائد العقيان ثم جمع هو وأهله وحملتهم الجواري المنشآت وضمتهم كأنهم أموات بعد أم ضاق عنهم القصر وراق منهم العصر والناس قد حشروا بضفتي الوادي وبكوا بدموع الغوادي فساروا والنوح يحدهم والبوح باللوعة لا يعدوهم وفي ذلك يقول ابن اللبانة ( تبكي السماء بدمع رائح غاد * على البهاليل من أبناء عباد ) ( يا ضيف أقفر بيت المكرمات فخذ * في ضم رحلك واجمع فضلة الزاد ) وقال في هذه الحال وصفتها ابن حمد يس الصقلي ( ولما رحلتم بالندى في أكفكم * وقلقل رضوى منكم وثبير ) ( رفعت لسان بالقيامة قد دنت * فهذي الجبال الراسيات تسير ) (3/387) ________________________________________ 388 وهي أبيات كثيرة وتألم المعتمد يوما من قيده وضيقه وثقله فأنشد ( تبدلت من ظل عز البنود * بذل الحديد وثقل القيود ) ( وكان حديدي سنانا ذليقا * وعضبا رقيقا صقيل الحديد ) ( وقد صاز ذاك وذا أدهما * يعضض ساقي عض الأسود ) ثم انهم حملوه إلى الأمير يوسف بمراكش فأمر بإرسال المعتمد إلى مدينة اغمات واعتقله بها فلم يخرج إلى الممات قال ابن خاقان ولما أجلى عن بلاده وأعرى من طارفه وتلاده وحمل في السفين وأحل في العدوة محل الدفين تندبه منابره وأعواده ولا تدنوا منه زواره لا عواده بقي آسفا تصعد زفراته وتذكر منازله فشاقته وتصور بهجتها وتخيل استيحاش أوطانه واجهاش قصره إلى قطانه وتطرد إطراد المذاب عبراته لا يخلو بمؤانس ولا يرى إلا غريبا بدلا عن تلك المكانس ولما لم يجد سلوا ولم يؤمل دنوا ولم يروجه مسرة مجلوا تذكر منازله ورأى اظلام وجوه من أقماره وخلوه م حراسه وسماره وفي اعتقاله يقول أبو بكر الداني قصيدته المشورة التي أولها ( لكل شيء من الاشياء ميقات * وللمنى من مناياهن غايات ) ( والدهر في صبغة الحرباء منغمس * ألوان حالاته فيها استحالات ) ( ونحن من لعب الشطرنج في يده وربما قمرت بالبيدق الشات ) انفض يديك من الدنيا وساكنها * فالأرض قد اقفزت والناس قد ماتوا ) ( وقل لعلها الأرضي قد كتمت * سريرة العالم العلوي أغمات ) وهي طويلة ودخل عليه يوما بناته السجن وكان يوم عيد وكن يغزلن للناس بالأجرة في أغمات حتى أن أحداهن غزلت لبيت صاحب الشرطة الذي كان في خدمة أبيها وهو في سلطانه فرآهن في إطمار رثة وحالة سيئة فصدعن قلبه وأنشد ( فيما مضى كنت بالأعياد مسروا * فساءك العيد في أغمات مأسورا ) (3/388) ________________________________________ 389 ( ترى بناتك في الاطمار جائعة * يغزلن للناس لا يملكن قمطيرا ) ( يرزن نحوك للتسليم خاشعة * أبصارهن حسيرات مكاسيرا ) ( يطأن في الطين والأقدام حافية * كأنها تطأ مسكا وكافورا ) ومنها ( قد كان دهرك أن تأمره ممتثلا * فردك الدهر منهيا ومأمورا ) ( من بات بعدك في دهر يسر به * فإنما بات بالأحلام مغرورا ) وله ( قالت لقد هنا هنا * مولاي أين جاهنا ) ( قلت لها إلى هنا * صيرنا آلهنا ) ودخل عليه وهو في تلك الحال ولده أبو هاشم والقيود قد عضت بساقيه عض الأسود والتوت عليه التواء الاساور السود وهو لا يطيق أعمال قدم ولا يريق دمعا إلا ممتزجا بدم بعد ما عهد نفسه فوق منبر وسرير ووسط جنة وحرير تخفق عليه الألوية وتشرق منه إلا نديه فلما رآه بكى وأنشد ( قيدي أما تعملني مسلما * أبيت أن تشفق أو ترحما ) ( دمي شراب لك واللحم قد * أكلته لا تهشم الأعظما ) ( يبصرني فيك أبو هاشم * فينثني والقلب قد هشما ) ( أرحم طفيلا طائشا لبه * لم يخش أن يأتيك مسترحما ) ( وأرحم أخيات له مثله * جرعتهن السم والعلقما ) ( منهن من يفهم شيئا فقد * خفنا عليه للبكاء العمى ) 3 ( والغير لا يغهم شيئا فما * يفتح إلا للرضاع الفما ) وكان قد اجتمع عنده جماعة من الشعراء وألحوا عليه في السؤال وهو على تلك الحال فأنشد ( سألوا اليسير من الأسير وإنه * بسؤالهم لأحق منهم فاعجب ) (3/389) ________________________________________ 390 لولا الحياء وعزة لخمية * طي الحشا لحاكهم في المطلب ) وأشعار المعتمد وأشعار الناس فيه كثيرة وكانت ولادته في ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة بمدينة باجة من بلاد الأندلس وملك بعد وفاة أبيه هناك وتوفي في السجن باغمات حادي عشر شوال وقيل في الحجة رحمه الله ومن النادر الغريب انه نودى في جنازته بالصلاة على الغريب بعد عظم سلطانه وجلالة وشبأنه فتبارك من له البقاء والعزة والكبرياء واجتمع عند قبره جماعة من الشعراء الذين كانوا يقصدونه بالمدائح ويجزل لهم المنائح فرثوه بقصائد مطولات وأنشدوها عند قبره وبكوا عليه فمنهم أبو بحر عبد الصمد شاعره المختص به رثاه بقصيدة طويلة أجاد فيها أولها ( ملك الملوك أسامع فأنادي * أم عدتك من السماع عواد ) ( لما نقلت عن القصور ولم تكن * فيها كما قد كنت بالأعياد ) ( قبلت في هذا الثرى لك خاضعا * وجعلت قبرك موضع الإنشاد ) ولما فرغ من إنشادها قبل الثرى ومرغ جسمه وعفر خده فابكى كل من حضر ورأى أبو بكر الداني حفيد المعتمد وهو غلام وسيم قد اتخذ الصياغة صناعة وكان يلقب في أيام دولتهم فخر الدولة وهو من الألقاب السلطانية عندهم فنظر إليه وهو ينفخ في الفحم بقصبة الصائغ فقال من جملة قصيدة ( شكاتنا فيك يا فخر العلى عظمت * والرزء يعظم فيمن قدره عظما ) ( طوقت من نائبات الدهر مخنقة * ضاقت عليك وكم طوقتنان نعما ) ( وعاد طوقك في دكان فارغة * من بعدما كنت في قصر حكى أرما ) ( صرفت في آلة الصياغ أنملة * لم تدر إلا الندى والسيف والقلما ) ( يد عهدتك للتقبيل تبسطها * فتستقل الثريا أن تكون فما ) ( يا صائغا كانت العليا تصاغ له * حليا وكان عليه الحلي منتظما ) ( للنفخ في الصور هول ما حكاه سوى * أني رايتك فيه تنفخ الفحما ) (3/390) ________________________________________ 391 ( وددت أن نظرت عيني إليك به * لو أن عيني تشكو قبل ذاك عمى ) ( ما حطك الدهر لما حط عن شرف * ولا تحيف من أخلاقك الكرما ) ( لح في العلا كوكبا أن لم تلح قمرا * وقم بها ربوة أن لم تقم علما ) ( والله لو أنصفت الشهب لانكسفت * ولو في لك دمع العين لانسجما ) ( أبكى حديثك حتى الدهر حين غدا * يحيك رهطا وألفاظا ومتبسما ) ويكفي هذا المقدار ولو خوف الإطالة لبيضت الليالي بلآلي نظامه ولسودت سطور الطروص بمصابه ونكبة أيامه فرحمه الله عليه وعوضه بنعيم الفردوس لديه وفيها محمد بن علي بن أبي صالح البغوي الدباس آخر من روى الترمذي عن الجراحي توفي بيشفور في ذي القعدة وكان من الفقهاء وفيها قاضي القضاة المشامي أبو بكر محمد بن المظفر بن بكران الحموي الشافعي كان من أزهد القضاة وأروعهم وأتقاهم الله وأعرفهم بالمذهب وده بحماة سنة أربعمائة وسمع ببغداد من عثمان بن دوست وطائفة وولى بعد أبي عبد الله الدامغاني وكان من أصحاب القاضي أبي الطيب الطبري لم يأخذ على القضاء رزقا ولا غير ملبسه ولي القضاء سنة ثمان وسبعين بعدما ما امتنع فألحوا عليه فاشترط عليهم أن لا يأخذ عليه معلوما وان لا يقبل من أحد شفاعة ولا يغير ملبسه فأجابوه فأجابهم إلى ذلك وكان يقول ما دخلت في القضاء حتى وجب علي وقيل انه لم يتسبم قط وكان له أجور من أملاكه تبلغ في الشهر دينارا ونصفا ينتفع بذلك قال أبو علي بن سكرة أما العلم فكان يقال لو رفع المذهب أمكنه أن يمليه من صدره وقال السمعاني هو أحد المتقين لمذهب الشافعي وله إطلاع على أسرار الفقه وكان ورعا زاهد أجرت أحكامه على السداد وقال ابن النجار صنف كتاب البيان في أصول الدين وكان على طريقة السلف وقال غيره لم يقبل من سلطان عطية ولا من صديقه هدية وكان يعاب بالحدة وسوء الخلق توفي عاشر شعبان (3/391) ________________________________________ 392 ودفن قرب ابن سريج وفيها أبو عبد الله الحميدي محمد بن فتوح بن عبد الله بن فتوح بن حميد بن بطل الميورقي بفتح الميم وضم التحتية وسكون الراء وقاف نسبة إلى ميورقة جزيرة قرب الأندلس الحافظ الجة العلامة مؤلف الجمع بين الصحيحين توفي في ذي الحجة عن نحو سبعين سنة وكان أحد أوعية العلم وكان ظاهري المذهب أكثر من ابن حزم وابن عبد البر وحدث عن خلق ورحل في حدود الخمسين فسمع بالقيروان والحجاز ومصر والشام والعراق وكتب عن خلق كثير وكان دؤبا على الطلب للعلم كثير الاطلاع ذكيا فطنا صينا ورعا أخباريا متقنا كثير التصانيف حجة ثقة رحمه الله تعالى وفيها محبب بن ميمون أبو سهل الواسطي ثم الهروي روى عن أبي علي الخالدي وجماعة وعاش بضعا وتسعين سنة وفيها هبة الله بن علي بن محمد بن أحمد بن علي بن عمر أبو نصر البغدادي الحافظ سمع وألف وجمع وصنف ومات كهلا عن ست وأربعين سنة سنة تسع وثمانين وأربعمائة فيها توفي أبو طاهر أحمد بن الحسن بن أحمد الباقلاني الكرخي ثم البغدادي توفي في ربيع الآخر وله ثلاث وسبعون سنة تفرد بسنن سعيد بن منصور علي أبي علي بن شاذان وكان صالحا زاهدا منقضبا عن الناس ثقة حسن السيرة وفيها أبو منصور الشيحي عبد المحسنبن محمد بن علي البغدادي المحدث التاجر السفار روى عن ابن غيلان والعتيقي وطبقتهما ولد سنة إحدى وعشر وسمع بدمشق ومصر والرحبة وكتب وحصل الأصول وفيها عبد الملك بن سراج أبو مروان الأموي مولاهم القرطبي لغوي الأندلس بلا مدافعة توفي في ذي الحجة عن تسعين روى عن يونس بن (3/392) ________________________________________ 393 مغيث ومكي بن أبي طالب وطائفة وكان أحد أوعية العلم وفيها أبو عبد الله الثفي القسم بن الضفل بن أحمد رئيس أصبهان ومسندها عن اثنتين وتسعين سنة روى عن محمد بن إبراهيم الجرجاني وابن محمش وطبقتهما بإصبهان وبنيسابور وبغداد والحجاز وفيها أبو بكر بن الخاضبة محمد بن أحمد بن عبد الباقي البغدادي الحافظ مفيد بغداد روى عن أبي بكر الخطيب وابن المسلمة وطبقتهما ورحل إلى الشام وسمع طائفة كان كبير القدر نقادا علامة محببا إلى الناس ملهم لدينه وتواضعه ومروءته ومسارعته في قضاء حوائج الناس مع الصدق والورع والصيانة التامة وطيب القراءة قال ابن طاهر ما كان في الدنيا أحد أحسن قراءة للحديث منه وقال أبو الحسن الفصيحي ما رأيت في الحديثين أقوام باللغة من ابن الخاضبة توفي في ربيع الأول وفيها أبو القسم بن مظفر الشهرزورى ولي قضاء أر بل ثم سيحان وله أولاد وحفدة انجبوا ومن شعره ( همتي دونها السها والزبانا * قد علت جهدها فما تتواني ) وقيل انه لولده قاضي قاضي الخافقين وقيل له قاضي الخافقين لسعة ما تولى وشهرزور من أعمال اربل مات بها الاسكندر ذو القرنين وقيل مات بمدائن كسرى وحمل إلى الإسكندرية فدفن عنه أمه والله أعلم وفيها الأمام العلامة أبو المظفر السمعاني منصور بن محمد التميمي المروزي الحنفي ثم الشافعي تفقه على والده وغيهر وكان إماما وقته وفي مذهب أبي حنيفة فلما حج ظهر له بالحجاز ما اقتضى انتقاله إلى مذهب الشافعي ولما عاد إلى مرو لقي أذى عظيما بسبب انتقاله وصنف في مذهب الشافهي كتبا كثيرة وصنف في الرد على المخالفين وله الطبقات أجاد فيه وأحسن وله تفسير جيد حسن وجمع في الحديث ألف جزء عن مائة شيخ وسمعان بطن من تميم ويجوز (3/393) ________________________________________ 394 كسر السين وفيها أبو عبد الله العميري مكبرا نسبة إلى عميرة بطن من ربيعة محمد بن علي بن محمد الهروي العبد الصالح توفي في المحرم وله إحدى وتسعون سنة وأول سماعه سنة سبع وأربعمائة وقد رحل إلى نيسابور وبغداد وروى عن أبي بكر الحيري وطبقته وكان من أولياء الله تعالى قال الدقاق ليس له نظير بهراة وقال أبو النضر الفامي توحد عن إقرانه بالعلم والزهد في الدنيا والاتقان في الرواية والتجرد من الدنيا سنة تسعين وأربعمائة فيها قيل أرسلان ارغون بن السلطان ألب أرسلان السلجوقي صاحب مرو وبلخ ونيسابور وترمذ وكان جبارا عنيدا قتله غلام له وكان بركيا ورق قد جهز الجيش مع أخيه سنجر قتال عمه ارغون فبلغهم قتله بالدامغان فلحقهم بركيا روق قتسلم نيسابوروغيرها بلا قتال ثم تسلح بلخ وخطبوا له بسمر قند ودانت له الممالك واستخلف سنجر على خراسان وكان حدثا فرتب في خدمته من يسوس المملكة واستعمل على خوارزم محمد بن اتستكين مولى الأمير ميكائيل السلجوقي ولقبه خوارزم شاه وكان عادلا محبا للعلماء وولى بعده ابنه اسر وفيها توفي أبو يعلى العبدي أجمد بن محمد بن ذرية الحسن البصري ويعرف بابن الصواف شيخ مالكية العراق وله تسعون سنة تفقه على القاضي على بن هرون وحدث عن البرقاني وطائفة وكان علامة زاهدا مجتهدا في العبادة عارفا بالحديث قال بعضهم كان إماما في عشرة أنواع من العلوم توفي في رمضان بالبصرة وفيها الحسن بن أحمد بن محمد بن القاسم بن جعفر القاسمي أبو محمد السمر قندي (3/394) ________________________________________ 395 قوام السنة كان إماما حافظا جليلا رحالا ثقة نبيلا ومن مصنفانه بحر الاسانيد في صحاح المسانيد يشتمل على مائة ألف م الأخبار وهو في ثمانمائة جزء كبار قاله ابن ناصر الدين وفيهات أبو نضر السمسار عبد الرحمن بن محمد الاصبهاني توفي في لمحمر وهو آخر من حث عن محمد بن إبراهيم الجرجاني وفيها أبو الفتح عبدوس بن عبيد الله بن محمد بن عبدوس رئيس همذان ومحدثها أجاز له أبو بكر بن لال وسمع من محمد بن أحمد بن حمدويه الطوسي والحسين بن فتحويه مات في جمادي الآخرة عن خمس وتسعين سنة وروى عنه أبو زرعة وفيها الفقيه نصر بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم بن داود أبو الفتح المقدسي النابلسي الزاهد شيخ الشافعية بالشام وصاحب التصانيف كان إماما علامة مفتيا محدثا حافظا زاهدا متبتلا ورعا كبير القدر عديم النظر سمع بدمشق من عبد الرحمن بن الطبير وأبي الحسن السمسار وطائفة وبغزة من أبي جعفر الميماشي وبآمد وصور والقدس وأملى وصنف وكان يتقات من غلة تحمل إليه كمن ارض له بنابلس وهو بدمشق فتخبز له كل ليلة قرص في جانب الكانون وعاش أكثر من ثمانين سنة وتوفي يوم عاشوراء قاله في العبر وقال ابن شبهة تفقه على سليم بن أيوب الرازي وصحبه بصور أربع سنين وعلق عنه تعليقة قال الذهبي في ثلثمائة جزء وسمع الحديث الكثير وأملى وحدث أقام بالقدس مدة طويلة ثم قدم دمشق سنة ثمانين فسكنها وعظم شأنه مع العبادة والزهد الصادق والورع والعلم والعمل قال لحافظ ابن عساكر لم يقبل من أحد صلة بدمشق قال وخكى بعض أهل العلم قال صحبت أمما الحرمين ثم صحبت الشيخ أبا اسحق فرأيت طريقته أحسن طريقة صم صحبت الشيخ نصر فرأيت طريقته أحسن منهما ولما قدم الغزالي دمشق اجتمع به واستفاد منه وتفقه به جماعة (3/395) ________________________________________ 396 من دمشق وغيرها ودفن بباب الصغير وقبره ظاهر يزار قال النووي سمعنا الشيوخ يقولون الدعاء عند قبر يوم السبت مستجاب ومن تصانيفه التهذيب والتقريب و كتاب المقصود له وهو أحكام مجردة و كتاب الكافي وله شرح متوسط غي كتاب الإشارة لشيخه سليم وله كتاب الحجة على تارك الحجة وغير ذلك رحمه الله وفيها أبو القاسم يحيى بن أحمد السبتي القصري المقرئ ببغداد دولة مائة وسنتان قرأ القرآن على أبي الحسن الحمامي وسمع أبا الحسن بن الصلت وأبا الحسين بن بشران وجماعة وختم عليه خلق وكان خيرا ثقة توفي في ربيع الآخر وكان يمشي ويتصرف في مصالحه في هذا السن سنة إحدى وتسعين وأربعمائة فيها خرج الفرنج في ألف ألف وحاصروا إنطاكية سبعة أشهر وأخذوا عنوة وخرج إليهم المسلمون وانكسروا وتبعهم الفرنج إلى المعرة وقتلوا وفتكوا وأقاموا بها وقتلوا فيها مائة ألف مسلم وبعد أربعين يوما ساروا إلى حمص فصالحهم أهلها توجهوا إلى القدس وفيها توفي أبو العباس أحمد بن عبد الغفار بن اشته الاصبهاني روى عن علي ابن ميلة وأبي سعيد النقاش وطائفة وعاش اثنتين وثمانين سنة وفيها سهل بن بشر أبو الفرج الاسفراييني ثم الدمشقي الصوفي المحدث سمع بدمشق من ابن سلوان وطائفة وبمصر من الطفال وطبقته ولد ببسطام في سنة تسع وأربعمائة ومات بدمشق في ربيع الأول وفيها أبو الفوارس طراد بن محمد بن علي النقيب الكامل الهاشمي العباسي الزينبي البغدادي نقيب النقباء ومسند العراق روى عن هلال الحفار وابن رزقويه وأبي النرسي وجماعة وأملى مجالس كثيرة وازدحموا عليه ورحلوا (3/396) ________________________________________ 397 إليه وكان أعلى الناس منزلة عند الخليفة توفي في شوال وله ثلاث وتسعون سنة وفسها أبو الحسن الكرخي مكي بن منصور بن محمد بن علان الرئيس بباب الكرخ ومعتمدها توفي بأصبهان في جمادي الأولى عن بضع وتسعين سنة رحل وسمع من الحيري والصيرفي وأبي الحسين بن بشران وجماعة وكان محمود السيرة وافر الحرمة وفيها هبة الله بن عبد الرازق أبو الحسن الأنصاري البغدادي رئيس جليل خير توفي في ربيع الآخر عن تسع وثمانين سنة روى عن هلال وجماعة وهو آخر من حدث عن أبي الفضل عبد الواحد التميمي وفيها محمد بن الحسين بن محمد الجرمي أبو سعد المكي نزيل هراة كان إماما حافظا من العلماء قدوة معدودا من الأولياء قال ابن ناصر الدين في بديعته ( محمد فتى الحسين الجرمي * تم صلاح أمره الأشم ) سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة فيها انتشرت دعوة الباطنية بأصبهان وأعمالها وقويت شوكتهم وأخذت الفرنج بيت المقدس بكرة المعة لسبع يقين من شعبان بعد حصار شهر ونصف قال ابن الأثير قتلت الفرنج بالمسجد الأقصى ما يزيد على سبعين آلفا وقال ابن الجوزى في الشذور أخذوا من عند الصخرة نيفا وأربعين قنديلا فضة كل قنديل وزنه ثلاثة آلاف وستمائة درهم وأخذوا تنور فضة وزنه أربعون رطلا وأخذوا نيفا وعشرين قنديلا وعشرين قنديلا من ذهب وفيها توفي أبو الحسين أحمد بن عبد القادر بن محمد بن ويوسف البغدادي اليوسفي ثقة جليل القدر روى عن ابن شاذان وطبقته وتوفي في شعبان وله إحدى وثمانون سنة وفيها أبو القسم الخليلي أحمد بن محمد لدهقان عن مائة سنة وسنة حدث (3/397) ________________________________________ 398 ببلخ بمسند الهيثم بن كليب عن أبي القسم الخزاعي عنه وتوفي في صفر ( وفيها أبو تراب المراغي عبد الباقي بن يوسف نزيل نيسابور قال السمعاني عيدم النظير في فنه بهى النظر سليم النفس عامل بعلمه نفاع للخلق فقيه النفس قوى الحفظ تفقه ببغداد على أبي علي الطبري وسمع أبا علي بن شاذان وكان شافعيا وتوفي في ذي القعدة وله إحدى وتسعون سنة وفيها القاضي الخلعي أبو الحسن علي بن الحسن المصري الفقيه الشافعي وله ثمان وثمانون سنة سمع عبد الرحمن بن عمر النحاس وأبا سعيد الماليني وطائفة وانتهى إليه علو الإسناد بمصر قال ابن سكرة فقيه له تصانيف ولي القضاء وحكم يوما واستعفى وانزوي بالقرافة توفي في ذي الحجة وكان يوصف بدين وعبادة وقال ابن قاضي شبهة ذكروا له كرامات وفضائل وأنه كان لا يبالي بالحر ولا بالبرد بسبب منام رآه قال ابن الانماطي قبره بالقرافة يعرف بإجابة الدعاء عنده وخرج له أبو نصر الشيرازي عشرين جزءا وسماها الخلعيات ومن تصانيفه المغني في الفقه في أربعة أجزاء وهو حسن وفيها أوفى الي قبلها وجزم به ابن رجب عبد الوهاب بن رزق الله بن عبد الوهاب أبو الفضل التميمي ذكره ابن السمعاني فقال كان حنبليا فاضلا متقنا واعظا جمل المحيا سمع أبا طالب بن غيلان وذكر أبو الحسين في الطقبات انه كان يحضر بين يدي أبيه في مجالس وعظه بمقبرة الأمام احمد وينهض بعد كلامه قائما على قدميه ويورد فصولا مسجوعة وفيها أبو الحسن علي بن الحسين بن علي بن أيوب البزار ببغداد في يوم عرفة عن اثنتين وثمانين سنة روى عن أبي علي بن شاذان والحرقي وفيها مكي بن عبد السلام أبو القسم بن الرميلي المدسي الحافظ أحد من استشهد بالقد رحل وجمع وعنى بهذا الشأن وكان ثقة متحريا روى عن محمد ابن ييحيى بن سلوان المازني وأبي عثمان بن ورقا وعبد الصمد بن المأمون (3/398) ________________________________________ 399 وطبقتهم وعاش ستين سنة سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة فيها توفي العباداني أبو طاهر جعفر بن محمد القرشي البصري روى عن أبي عمر الهاضمشي أجزاء ومجالس وكان شيخا صالحا أميا معمرا وفيها النعالي أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن طلحة البغدادي الحمامي رجل عامي من أولاد المحدثين عمر دهرا وانفرد بأشياء وروى عن أبي عمر بن مهدي وأبي سعد الماليني وطائفة وتوفي في صفر وفيها زياد بن هرون أبو القسم الجيلي الفقيه نزيل بغداد سمع بها من أبي مسلم الليثي البخاري وحدث عنه بكتاب الوجيز لابن خزيمة سمعه منه أبو الحسن بن الزاغوني وأبو الحسين بن الأبنوسي وتوفي زياد هذا في طاعون وفيها سليمان بن عبد الله بن الفتى أبو عبد الله النهرواني النحوي اللغوي صاحب التصانيف من ذلك كتاب القانون في اللغة عشر مجلدات وكتاب في التفسير تخرج به أهل أصبهان وروى عن أبي طالب بن غيلان وغيره وهو والد الحسن مدرس النظامية وفيها عبد الله بن جابر بن يس أبو محمد الحنائي الحنبلي تفقه على القاضي أبي يعلي وروى عن أبي علي بن شاذان وكان ثقة نبيلا قاله في العبر وفيها عبد الباقي بن حمزة بن الحسين الحداد الحنبلي الفرضي أبو الفضل ولد سنة خمس وعشرين وأربعمائة قال ابن السمعاني شيخ صالح خير كان قد قرأ الفقه وكانت له يد في الفرائض والحساب سمع أبا محمد الجوهري وغيره وقال ابن ناصر هم ثقة خير وروى عنه سعيد بن الرزاز الفقيه وسبط الخياط وغيرهم وتوفي يوم السبت رابع عشر شعبان وله كتاب الإيضاح في الفرائض صنفه على مذهب أحمد وحرر فيه نقل المذهب تحريرا جيدا ومما ذكر فيه في (3/399) ________________________________________ 400 باب توريث ذوي الأرحام في ثلاث عمات مفترقات المال بينهن على خمسة قال وهذا هو المنصوص عن أحمد وفيها عبد القاهر بن عبد السلام أبو الفضل العباسي النقيب المكي المقرئ اخذ القراءات عن أبي عبد الله الكارزيني وتصدر للاقراء ببغداد وفيها أبو الفضل عبد الكريم بن المؤمل السلمي الكفر طابي ثم الدمشقي البزار روى جزءا عن عبد الرحمن بن أبي نصر وفيها عميد الدولة أبو منصور محمد بن فخر الدولة محمد بن محمد بن جهير الوزير ابن الوزير وزر للمقتدي بالله سنة اثنتين وسبعين ثم عزل بعد خمس سنن بالوزير أبي شجاع ثم وزر سنة أربع وثمانين إلى أن مات وكان رئيسا كافيا شجاعا مهيبا فصيحا مفوها أحمق صودر قبل موته وحبس ثم قتل سرا قاله في العبر وقد تقدم ذكر عند ذكر أبيه سنة أربع وتسعين وأربعمائة فيها كثرت الباطنية بالعراق والجبل وزعيمهم الحسن بن صباح فملكوا القلاع وقطعوا السبيل وأهم الناس شأنهم واستفحل أمرهم لاشتغال أولاد ملكشاه بنفوسهم وفيها حاصر كند فرى الذي أخذ القدس عكا فأصابه سهم فقتله وفيها توفي ابن الفضل أحمد بن علي بن الفضل بن طاهر بن الفرات الدمشقي روى عن عبد الرحمن بن أبي نصر وجماعة ولكنه رافضى معتزلي وله كتب موقوفه بجامع دمشق قاله في العبر وفيها أبو الفرج الزاز بالزاي المكررة عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن زاز ابن حميد الأستاذ السرخسي ثم المروزي فقيه مرو وتلميذ القاضي حسين مولده سنة إحدى أو اثنتين وثلاثين وأربعمائة وتفقه على القاضي حسين قال ابن (3/400) ________________________________________ 401 لاسمعاني في الذيل كان أحد أئمة الإسلام وممن يضرب به المثل في الآفاق في حفظ مذهب الشافعي رحلت إليه الأئمة من كل جانب وكان دينا ورعا محتاطا في المأكول والملبوس قال وكان لا يأكل الأرز لأنه يحتاج إلى ماء كثير وصاحبه قل أن لا يظلم غيره ومن تصانيفه كتاب الأمالي قال الأسنوي في المهمات أن غالب نقل الرافعي من ستة تصانيف غير كلام الغزالي المشروح والتهذيب والنهاية والتتمة والشامل وتجريد ابن كج وأمالي أبي الفرج السرخسي يعني صاحب الترجمة وفيها أبو سعيد عبد الواحد بن الأستاذ أبي القسم القشيري كان صالحا عالما كثير الفضل روى عن علي بن محمد الطرازي وجماعة وسماعه حضور في الرابعة من الطرازي توفي في جمادي الآخرة وفيها أبو الحسن المديني علي بن أحمد بن الأحزم النيسابوري المؤذن الزاهد أملي مجالس عن أبي زكريا المزكي وأبي عبد الرحمن السلمي وأبي بكر الحيري وتوفي في المحرم وفيها أبو المعالي عزيزي بن عبد الملك بن منصور الجبلي القاضي المعروف بشيذ له الفقيه الشافعي الواعظ كان فقيها فاضلا واعظا ماهرا فصيح اللسان حلو العبارة كثير المحفوظات صنف في الفقه وأصول الدين والواعظ وجمع كثيرا من أشعار العرب وتولى القضاء بمدينة بغداد بباب الأزج ووكانت في أخلاقه حدة وسمع الحديث الكثير من جماعة كثيرة وكان يناظر بمذهب الأشعري ومن كلامه إنما قيل لموسى عليه السلام لن تراني لانه لما قيل له انظر إلى الجبل نظر إليه فقيل له يا طالب النظر إلينا لم تمظر إلى سوانا ( يا مدعي بمقاله * صدق المحبة والإخاء ) ( لو كنت تصدق في المقال * لما نظرت إلى سوائي ) ( فسلكت سبل محبتي * واخترت غيري في الصفاء ) (3/401) ________________________________________ 402 ( هيهات أن يهوي الفؤاد * محبتين على استواء ) وقال أنشدني والدي عن خروجه من بغداد إلى الحج ( مددت إلى التودع كفا ضعيفة * وأخرى على الرمضاء فوق فؤادي ) ( فلا كان هذا العهد آخر عهدنا * ولا كان ذا التوديع آخر زادي ) وتوفي يوم الجمعة سابع عشر سابع صفر قاله ابن خلكان وفيها أبو الخطاب نصر بن أحمد بن عبد الله بن النظر مسند بغداد روى عن أبي محمد بن البيع وابن رزقويه وطائفة وتوفي في ربيع الأول عن ست وتسعين سنة وكان صحيح السماع انفرد برواية عن جماعة سنة خمس وتسعين وأربعمائة فيها توفي المستعلى بالله أبو القاسم أحمد بن المنتصر صاحب مصر ولي الأمر بعد أبيه ثمان ستين ومات في صفر وله تسع وعشرون سنة وفي أيامه انقطعت دولته من الشام واستولى عليها الأتراك والفرنج لم يكن له مع الأفضل حل ولا ربط بل كان الأفضل أمير الجيوش هو الكل وفي أيامه هرب أخوه نزار الذي تنسب إليه الدعوة النزارية بقلعة إلا لموت فدخل الإسكندرية وبايعه أهلها وساعده قاضيها ابن عمار ومتوليها افتكين فنازلهم الأفضل فبرز لحربه افتكن وهزمه ثم نازلهم ثانيا وظفر بهم ورجع إلى القاهرة بافتكين ونزار فذبح أفتكين وبنى على نزار حائط فهلك وفيها أبو العلاء صاعد بن سيار الكتاني قاضي هراة روى عن أبي سعيد الصيرفي والطرازي وطائفة وفيها سعيد بن هبة الله أبو الحسن شيخ الأطباء بالعراق وكان صاحب تصانيف في الفلسفة والطب وله عدة أصحاب وفيها عبد الواحد بن عبد الرحمن الزبيري الوركي الفقيه قال السمعاني عمر (3/402) ________________________________________ 403 مائة وثلاثين سنة وكتب إملاءا عن أبي ذر عمار بن محمد صاحب يحيى بن محمد ابن صاعد وقال زرت قبره بوركة على فرسخين من بخارا وقال الذهبي ما كان في الدنيا له نظير في علو الإسناد ولم يضعفه أحد انتهى وفيها أبو عبد الله الكامخي محمد بن أحمد بن محمد روى عن أبي بكر الحيري وهبة الله اللالكائي وطائفة وتوفي بها ظنا قاله في العبر وفيها أبو ياسر الحناط محمد بن عبد العزيز البغدادي رجل خير روى عن أبي علي بن شاذان وجماعة وتوفي في جمادي الآخرة وفيها أبو الحجاج يوسف بن سليمان الاعلم النحوي رحل إلى قرطبة واخذ عن جماعة ورحل إليه الناس من كل وجه وممن أخذ عنه أبو علي الحسين بن محمد الغساني الجياني وشرح جمل الزجاجي وشرح شعره شرحا مفردا وكف بصره في آخر عمره وسمى الاعلم لكونه مشقوق الشفة العليا ويقال لمشقوق السلفي أفلح وكان عنترة العبسي المشهور يلقب بالفلحاء لفلحة كانت به وإنما أنثوا لأنهم أرادوا الشفقة وكان سهيل بن عمرو وأعمل ولذلك قال عمر يا رسول الله دعني أنزع ثنيته فلا يقوم عليك خطيبا بعده لأنه كان مشقوق الشفة العليا وإذا نزعت ثنيته تعذر كلامه مع الفصاحة قاله ابن الأهدل سنة ست وتسعين وأربعمائة فيها توفي ابن سوار مقرئ العراق أبو طاهر أحمد بن علي بن عبيد الله بن عمر ابن سوار مصنف المستنصر في القراءات كان ثقة مجودا أقرأ خلقا وسمع الكثير وحدث عن ابن غيلان وطبقته وفيها أبو داود سليمان بن نجاح الاندلسي مولى المؤيد بالله الأموي مقرئ الأندلس وصاحب أبي عمرو الداني وهو أنبل أصحابه وأعلمهم وأكثرهم (3/403) ________________________________________ 404 تصانيف توفي في رمضان عن ثلاث وثمانين سنة وفيها أبو الحسن بن الروش علي بن عبد الرحمن الشاطي قرأ القراءات علي أبي عمرو الداني وسمع من ابن عبد البر وتوفي في شعبان وفيها أبو الحسين بن البيار يحيى بن إبراهيم بن أبي زيد المرسي قرأ علي أبي عمرو الداني ومكي قال ابن بشكوال لقي بمصر القاضي عبد الوهاب واخذ عنه كتابه التلقين وأقرا الناس وعمر وأسن وسمعت بعضهم ينسبه إلى الكذب توفي في المحرم وقد اختلط في آخر عمره وعاش تسعين سنة وفيها أبو العلاء محمد بن عبد الجبار الفرساني الاصبهاني روى عن أبي بكر بن أبي علي المعدل وجماعة وفيها الفانيدي أبو سعد الحسين بن الحسين البغدادي روى عن أبي علي ب شاذان وتوفي في شوال وفيها أبو ياسر محمد بن عبيد الله بن كادش الحنبلي المحدث كتب الكثير وتعب وكان قارئ أهل بغداد بعد ابن الخاضبة روى عن أبي محمد الجوهري وخلق وفيها أبو البركات محمد بن المنذر بن طبيان الكرخي كنيته ابن ناصر وقد روى عن عبد الملك بن بشران ومات في صفر قاله في العبر سنة سبع وتسعين وأربعمائة فيها أخذت الفرنج جبل صلحا ونكثوا وأخذوا عكا بالسيف وهرب متوليها زهر الدولة بن الجيوشي وهرب في البحر ونزلت الفرنج حران فالتقاهم سقمان ومعه عشرة آلاف فانهزموا وتبعهم الفرنج فرسخين ثم نزل النصر وكبر المسلمون فقتلوهم كيف شاءوا وكان فتحا عظيما وفيها توفي أبو ياسر أحمد بن بندار البقال أخو ثاتب روى عن بشرى الفاتني (3/404) ________________________________________ 405 وطائقة ومات في رجب قاله في العبر وفيها أبو بكر الطريثيثي بضم المهملة أوله وفتح الراء وسكون التحتية ومثلثتين بينهما تحتية نسبة إلى طريثيث ناحية بنيسابور أحمد بن علي بن حسين بن زكريا ويعرف بابن زهر الصوفي البغدادي من اعيان الصوفية ومشاهيرهم روى عن أبي الفضل القطان واللالكائي وطائفة وهو ضعيف عاش ستا وثمانين سنة وفيها أبو علي الجاجرمي بفتح الجيمين وسكون الراء نسبة إلى جاجرم بلد بين نيسابور وجرجان اسمعيل بن علي النيسابوري الزاهد القدوة الواعظ وله إحدى وتسعون سنة روى عن عبد الله بن باكوية وعدة قال السخاوي حضر درس زين الإسلام القشيري وخدمه مدة ثم اشتغل بالعزلة وكان يجلس في الاسبوع يوما للتذكير قال اسمعيل كان والدي دعا بمكة اللهم ارزقني ولدا لا يكون وصيا ولا صاحب وقف ولا قاضيا ولا خطيبا قال فقلت له يا ابت وما للخطيب قال يا بني أليس يدعو للظلمة وتوفي إسمعيل في عصر يوم الخميس ثامن عشر المحمر وصلى علبه يوم الجمعة العصر تاسع عشره ودفن في مشهد الأمام محمد بن خزيمة وفيها دقاق شمس الملوك أبو نصر بن تاج الدولة تتش بن السلطان ألب أرسلان السلجوقي صاحب دمشق ولي دمشق بعد أبيه عشر سنين ومرض مدة ومات في رمضان وقيل سموه في عنب ودفن بخانكاه الطواويس وفيها أبو عبد الله بن البسرى الحسين بن علي بن أحمد بن محمد البندار توفي في جمادي الأخرى وله ثمان وثمانون سنة قال السلفي لم يرو لنا عن عبد الله بن يحيى السكري سواه وفيها أبو ياسر الطباخ ظاهر بن أسد الشيرازي ثم البغدادي المواقيتي روى عن عبد الملك بن بشران وغيره وتوفي في رجب وفيها احمد بن بشرويه الأصبهاني كان صالحا من الأعيان قال ابن ناصر (3/405) ________________________________________ 406 الدين في بديعته ( وأحمد بن بشرويه صالح * إذا الأصبهاني زانه تصافح ) وفيها أبو مسلم السمناني عبد الرحمن بن عمر شيخ بغدادي روى عن أبي علي بن شاذان ومات في المحرم وفيها أبو الخطاب بن الجراح علي بن عبد الرحمن بن هرون البغدادي الشافعي المقرئ الكاتب الرئيس روى عن عبد الملك بن بشران وكان لغوي زمانه له منظومة في القراءات توفي في ذي الحجة وقد قارب التسعين وفيها أبو مكتوم عيسى بن الحافظ أبي ذر عبد الرحمن بن أحمد الهروي ثم السوري الحجازي ولد سنة خمس عشرة بسراة بني شبابة وروى عن أبيه صحيح البخاري وعن أبي عبد الله الصناعي جملة من تآليف عبد الرازق وفيها أبو منصور الخياط محمد بن أحمد بن عبد الرزاق الشيرازي الأصل البغدادي الصفار الحنبلي المقرئ الزاهد ولد سنة إحدى وأربعمائة في شوال اوفي ذي القدة وقرأ القراءات علي اب نصر أحمد بن عبد الوهاب بن مسرور وغيره وسمع الحديث في كصرة من أبي القسم بن بشران وأبي منصور بن السواق وغيرهما وتفقه على القاضي أبي يعلى وصنف كتاب المهذب في القراءات وروى الحديث الكثير وروى عنه سبطه أبو محمد عبد الله بن علي المقرئ واخوه أبو عبد الله بن الحسين وابن الانماطي وابن ناصر السلفي وغيرهم وكان إماما بمسجد ابن حرده ببغداد بحريم دار الخلافة اعتكف فيه مدة طويلة يعلم العميان القرآن لوجه الله تعالى ويسأل لهم وينفق عليهم فختم عليه القرآن خلق كثير حتى بلغ عدد من أقرأهم القرآن م العميان سبعين آلفا قال ابن النجار هكذا رايته بخط أبي نصر اليونارتي الحافظ وقد زعم بعض الناس أن هذا كلام مستحيل وانه من سبق القلم وإنما أراد سبعين نفسا وهذا كلام ساقط فان أبا منصور قد تواتر عنه اقرأء الخلق الكثير ثي (3/406) ________________________________________ 407 السنين الطويلة قال ابن الجوزي أقرأ الخلق السنين الطويلة وختم عليه القرآن ألوف من الناس وقال القاضي أبو الحسين أقرأ بضعا وستين سنة ولقن أمما وهذا موافق لما قاله أبو نصر وهذا أمر مشهور عن أبي منصور قال ابن الجوزى كان أبو منصور من كبار الصالحين الزاهدين المتعبدين كان له ورد بين العشاءين يقرأ فيه سبعا من القرآن قائما وقاعدا حتى طعن في السن وقال ابن ناصر عنه كان شيخا صالحا لحازا هذا صائما أكثر وقته ذا كرامات ظهرت له بعد موته قال عبد الوهاب الانماطي توفي الشيخ الزاهد أبو منصور في يوم الأربعاء وقت الظهر السادس عشر من المحمر قال ابن الجوزى مات وسنة سبع وتسعون سنة ممتعا بسمعه وبصره وعقله وحضر جنازته مالا يعد من الناس قال السلفي وختم في ثاني جمعة من وفاة الشيخ على قبره مائتان واحدى وعشرون ختمة وحكى السلفي أيضا أن يهوديا استقبل جنازة الشيخ فرأى كثرة الزحام والخلق فقال أشهد أن هذا الدين هو الحق وأسلم وذكر ابن السمعاني أن الشيخ أبا منصور الخياط رؤي في النوم فقيل له ما فعل الله بك قال غفر لي بتعليم الصبيان فاتحة الكتاب والصحيح انه توفي سنة تسع وتسعين وأربعمائة قاله جميعه ابن رجب وفيها عبد الله بن الطلاع محمد بن فرج مولى محمد بن يحيى الطلاع القرطبي المالكي مفتي الأندلس ومسندها وله ثلاث وتسعون سنة روى عن يونس بن مغيث ومكي القيسي وخلق وكان رأسا في العلم والعمل قوالا بالحق رحل الناس إليه من الاقطار لسماع الموطأ والمدونة سنة ثمان وتسعين وأربعمائة فيها توفي بركيا روق الملقب ركن الدين بن السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان (3/407) ________________________________________ 408 ابن داود ميكاثيل بن سلجوقي أحد الملوك السلجوقية ولي المملكة بعد موت أبيه وكان أبو قد ملك ما لم يملكه غيره وكان بركيا ورق مسعودا عالي الهمة لم يكن فيه عيب سوى ملازمته للشراب والادمان عليه ومولده سنة أربع وسبعين وأربعمائة وتوفي في ثاني عشر ربيع الآخر وقيل الأول ببرد وجود واقام في السلطنة اثنتي عشرة سنة قاله ابن خلكان وفيها الحافظ أبو علي البرداني بفتحات ودال مهملة نسبة إلى بردان قرية ببغداد أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي الثقة المصنف الحننبلي مات على اثنتين وسبعين سنة في شوال روى عن ابن غيلان وأبي الحسن القزويني وطبقتهما وكان بصيرا بالحديث محققا حجة وفيها أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن موسى بن مردويه الاصبهاني روى عن أبي بكر بن أبي علي وطائفة وكان ثقة نبيلا حدث قديما وفيها ثابت بم بندار أبو المعالي البقال المقرئ ببغداد روى عن أبي علي ابن شاذان وطبقته وهو ثقة فاضل توفي في جمادي الآخرة وفيها أبو عبد الله الطبري الحسين بن علي بن الحسين الفقيه الشافعي محدث مكة ونزيلها توفي في شعبان وله ثمانون سنة روى صحيح البخاري عن عبد الغافر بن محمد وكان فقيها مفتيا تفقه علي ناصر بن الحسين العمري وجرت له فتن وخطوب مع هياج ابن عبيد أهل السنة بمكة وكان عارفا بمذهب ألاشعري قاله في العبر وقال ابن قاضي شبهة تفقه علي ناصر العمري بخراسان وعلي القاضي أبي الطيب الطبري ببغداد ثم لازم الشيخ أبا اسحق الشيرازي حتى برع في المذهب والخلاف وصار من عظماء أصحابه ودرس بنظامية بغداد قبل الغزالي وكان يدعة إمام الحرمين لأنه جاور بمكة نحوا من ثلاثين سنة يدرس ويفتى ويسمع وتوفي بها في شعبان وكتابه العدة خمسة أجزاء ضخمة وفيها أبو علي الغساني الحسين بن محمد الجياني بالفتح والتشديد ونون (3/408) ________________________________________ 409 نسبة إلى جيان بدل بالأندلس أحد اركان الحديث بقرطبة روى عن حكم الجذامي وحاتم بن محمد وحاتم بن محمد وابن عبد البر وطبقتهم وكان كامل الادوات في الحديث علامة في اللغة والشعر والنسب حسن التصنيف نقادا توفي في شعبان عن اثنتين وسبعين سنة وأصابته في الآخر زمانه وفيها سقمان بن أرتق بن أكسب التركماني صاحب ما ردين وجد ملوكها كان أميرا جليلا فارسا موصوفا حضر عدة حروب وتوفي بالشام وفيها محمد بن أحمد بن محمد بن منداس أبو طاهر التوثي بضم الفوقية وآخره مثلثة نسبة إلى توث قرية بمرو الخطاب أبا علي بن شاذان والحرقي وأجاز له أبو الحسين بن بشران وتوفي في المحرم وفيها محمد بن عبد السلام الشريف أبو الفضل الأنصاري البزاز بغدادي جليل صالح روى عن البرقاني وابن شاذان وتوفي في ربيع الآخر وفيها نصر الله بن أحمد بن عثمان الخشنامي النيسابوري ثقة صالح عالي الإسناد روى عن أبي عبد الرحمن السلمي والحيري وطائفة سنة تسع وتسعين وأربعمائة فيها ظهر بنها وند رجل ادعى النبوة وكان حاسرا صاحب مخاريق فتبعه خلق وكثرت عليهم الأموال وكان لا يدخر شيئا فأخذ وقتل ولله الحمد وفيها ظفر طغتكين بالفرنج مرتين فأسر وقتل وزينت دمشق وفيها أخذت الفرنج فامية وأما طرابلس ففتحت الحصار وجعل المسلمون يخرجون منها وينالون من الفرنج ومرض ملك الفرنج صخيل ومات وحمل ودفن بالقدس وأقامت الفرنج غيره وفيها مات أبو القسم عبد الله بن علي بن اسحق الطوسي أخو نظام الملك سمع أبا حسان المزكي وأبا حفص بن مسرور وعاش خمسا وثمانين سنة (3/409)

410 وفيها أبو البركات بن الوكيل محمد بن عبد الله بن يحيى الخباز الدباس الكرخي الشافعي قرأ بالروايات عن اب علي الواسطي والحسن بن الصقر وجماعة وتفقه علي اب الطيب الطبري وسمع من عبد الملك بن بشران وكان يتهم بالاعتزال ثم تاب وأناب وتوفي في ربيع الأول عن ثلاث وتسعين سنة قاله في العبر وفيها أبو البقاء الجبال المعمر بن محمد بن علي الكوفي الخزاز روى عن جناح ابن نذير المحاربي وجماعة وتوفي في جمادي الآخرة بالكوفة سنة خمسمائة فيها غزا السلطان محمد بن ملكشاه الباطنية وأخذ قلعتهم بأصبان وقتل صاحبها أحمد بن عبد الملك بن عطاش وكان قد تملكها اثنتي عشرة سنة وهي من بناء ملكشاه بناها على رأس جبل وغرم عليها ألفي ألف دينار وفيها غرق قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش صاحب قونية ووجد قد انتفخ وفيها توفي أبو الفتح الحداد أحمد بن محمد بن أحمد بن سعيد الاصبهاني الشافعي التاجر الخوافي وخواف قرية من أعمال نيسابور كان ورعا دينا كثير الصدقات توفي في ذي القعدة عن اثنتين وتسعين سنة روى عن أبي مظفر الشافعي وكان من ملازمي الأمام وبه تفقه وحظى عنده وكان إمام الحرمين معجبا بفصاحته وحسن كلامه ثم درس في حياة الأمام وولى قضاء طوس ثم صرف وكما رزق الغزالي السعادة في حسن التصنيف رزق هذا السعادة في المناظرة والعبارة الحسنة المهذبة والتصنيف على الخصم قال الذهبي وكان اعلم أهل طوس مع الغزالي وكان من انظر أهل زمانه وفيها أو بعدها الفقيه الأمام الفرضي اسحق بن يوسف بن يعقوب الصروفي نسبة إلى صروف بلد باليمن صنف كتاب الكافي في الفرائض وهو كتاب لم يسبق إلى تدريجه للمبتدئ وهو من الكتب المباركة النافعية قيل اشتري (3/410)

411 مرة بوزنه واستغنى به عن كتب الفن جميعها وأصل الشيخ من المعافر وسكن صروف وكان له ابنتان زوج إحداهما واسمها ملكة الفقيه زيد بن عبد الله اليفاعي فأولدها هنده أم محمد بن سالم الأمام بجامع ذي اشرق ولذلك صارت كتب زيد اليفاعي بأيديهم لأنه لم يرثه غير أمهم هذه وتزوج الأخرى إمام مسجد الجند حسان بن محمد فأولدها ولدا فصار إليه بعض كتب جده اسحق قاله في الأهدل وفيها جعفر بن أحمد بن حسين أبو محمد البغدادي الحنبلي السراج المعروف بالقاري كان حافظا عصره وعلامة زمانه وله التصانيف العجيبة منها كتاب مصارع العشاق وغيره وحدث عن أبي علي بن شاذان وأبي القاسم بن شاههين والخلال والبرمكي وغيرهم واخذ عنه خلق كثير وروى عنه الحافظ أبو طاهر السلفي وكان يفتخر براويته عنه مع انه لقي أعيان ذلك الزمان وأخذ عنهم وله شعر حسن فمنه ( بان الخليط فأدمعي * وجدا عليهم تستهل ) ( وحدا بهم حادي الفراق * عن المنازل فاستقلوا ) ( قل للذين ترحلوا * عن ناظري والقلب حلوا ) ( ودمي بلا جرم أتيت * غداة بينهم استحلوا ) ( ما ضرهم لو أنهلوا * من ماء وصلهم وعلوا ) ومن شعهر أيضا ( وعدت بأن تزوري كل شهر * فزوري قد تقضي الشهرزورى ) ( وشقة بيننا نهر المعلى * إلى البلد المسمى شهرزور ) ( واشهر هجرك المحتوم صدق * ولكن شهر وصلك شهرزور ) وأورد له العماد الكاتب ( ومدع شرخ شباب وقد * عممه الشيب على وفرته ) ( يخضب بالوثمة عثنونه * يكفيه أن يكذب في لحيته ) (3/411)

412 وكان مولده ببغداد ستة ست عشرة وأربعمائة وتوفي ليلة الأحد الحادي والعشرين من صفر قاله ابن خلكان وفيها أبو غال الباقلاقي محمد بن الحسن بن أحمد بن الحسن البغداي الفامي الرجل الصالح روى عن ابن شاذان والبرقاني وطائفة وتوفي في ربيع الآخر عن ثمانين سنة وفيها أبو الحسين الطيوري المبارك بن عبد الجبار بن أحمد بن قاسم الصيرفي البغدادي المحدث سمع أبا علي بن شاذان فمن بعده قال ابن السمعاني كان مكثرا صالحا أمينا صدوقا صحيح الأصول دينا صينا وقورا كثير الكتابة وقال غيره توفي في ذي القعدة عن تسع وثمانين سنة وكان عنده ألف جزء بخط الدار قطني قاله في العبر وفيها المبارك بن فاخر أبو الكرم الدباس الأديب من كبار أئمة اللغى والنحو ببغداد وله مصنفات روى عن القاضي أبي الطيب الطبري واخذ اللغة عن عبد الواحد بن براهان ورماه ابن ناصر بالكذب في الرواية وتوفي في ذي القعدة في سبعين سنة وفيها يوسف بن تاشفين أبو يعقوب أمير المسلمين وملك الملثمين وهو الذي اختط مدينة مراكش وكان عظيم الشأن كبير السلطان معتدل القامة أسمر اللون نحيف الجسم خفيف العارضين دقيق الصوت وكان يخطب لبني العباس وهو أول من تسمى بأمير المسلمين ولم يزل على حاله وعزة سلطانه إلى أن توفي يوم الاثنين ثالث محرم هذه السنة وعاش تسعين سنة ملك منها خمسين سنة مقال ابن الأثير في تاريخ كان حسن السيرة خيرا عادلا يميل إلى أهل العلم والدين ويكرمهم ويحكمهم في بلاده ويصدر عن رأيهم وكان يحب العفو والصفح عن الذنوب العظام فمن ذلك أن ثلاثة نفرا اجتمعوا فتمنى أحدهم ألف دينار يتجر بها وتمنى الآخر زوجته وكانت من أحسن النساء ولها الحكم (3/412)

413 في بلاده وتمنى الآخر عملا فبلغه الخبر فأحضرهم وأعطى متمنى المال ألف دينارا واستعمل الآخر وقال للذي تمنى زوجته با جاهل ما حملك على هذا الذي لا تصل إليه ثم أرسله إليها فتركته في خيمة ثلاثة أيام يحمل إليه في كلها طعام واحد ثم أحضرته وقالت له ما أكلت في هذه الثلاثة أيام فقال طعاما واحد فقالت كل النساء شيء واحد وأمرت له بمال وكسوة وأطلقته وقال ابن الأهدل يوسف بن تاشفين أبو يعقوب البربري الملثم كان أعظم ملوك الدنيا في عصره وكان عديم الرفاهية تملك الأندلس واختط مراكش وجعلها دار الإمارة وفي آخر أيامه بعث إليه الخليفة من بغداد الخلع والتقليد واللواء فأقيمت الخطبة العباسية بملكته وكان أولا مقدم وأبي بكر بن عمر الصنهاجي وكان الصنهاجي مقدم الملثمين من ملوك حمير المغرب واختلف لم سموا بذلك وفيهم يقول الشاعر ( قوم لهم درك العلافي حمير * وإن انتموا صنهاجه فهم هم ) ( لما علوا أحرار كل قبيلة * غلب الحياء عليهم فتلثموا ) وعهده ابن تاشفين بالأمر إلى والده أتو مرات انتهى وفيها عبد الوهاب بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد الفارسي الفامي أبو محمد الفقيه الشافعي المفتي ولد سنة أربع عشرة واشتغل في العلوم وصنف سبعين مصنفا وله تفسير ضمنه مائة ألف بيت شعر وكان بارعا في معرفة المذهب قدم بغداد سنة ثمان وثمانين وأربعمائة وقد أملى بجامع القصر وحفظت عليه غلطات في الحديث وإسقاط رجال وتصحيف فاحش أورد منه ابن السمعاني أشياء كثيرة وقال يحيى بن منده هو أحفظ من رأيناه لمذهب الشافعي صنف كتاب تاريخ الفقهاء ومات يشيراز في رمضان قاله ابن قاضي شبهة (3/413)

  • 1*ج 4

@2 بسم الله الرحمن الرحيم سنة إحدى وخمسمائة فيها كانت وقعة كبيرة بالعراق بين سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس أمير العرب وبين السلطان محمد فالتقيا فقتل صدقة يوم الجمعة سلخ جمادى الآخرة وقتل معه ثلاث آلاف فارس وأسر ابنه دبيس وصاحب جيشه سعيد بن حميد وكان صدقة شيعيا له محاسن ومكارم وحلم وجود ملك العرب بعد أبيه اثنتين وعشرين سنة وهو الذي اختط الحلة السيفية سنة خمس وتسعين وأربعمائة ومات جده دبيس سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة وفيها توفي تميم بن المعز بن باديس السلطان أبو يحيى الحميري صاحب القيروان ملك بعد أبيه وكان حسن السيرة محبا للعلماء مقصدا للشعراء كامل الشجاعة وافر الهيبة عاش تسعا وسبعين سنة وامتدت أيامه وكانت دولته ستا وخمسين سنة وخلف أكثر من مائة ولد وتملك بعده ابنه يحيى قاله في العبر وساق العماد الكاتب في الخريدة نسبة إلى نوح عليه السلام وقال ابن خلكان ملك إفريقية وما والاها بعد أبيه المعز وكان حسن السيرة محمود الآثار ومن شعره ) إن نظرت مقلتي لمقلتها * تعلم مما أريد نجواه ) ) كأنها في الفؤاد ناظرة * تكشف أسراره وفحواه ) وله أيضا ) سل المطر العام الذي عم أرضكم * أجاء بمقدار الذي فاض من دمعي ) (4/2)

3 ) إذا كنت مطبوعا على الصد والجفا * فمن أين لي صبر فاجعله طبعي ) وله ) فكرت في نار الجحيم وحرها * يا ويلتاه ولات حين مناص ) ) فدعوت ربي أن خير وسيلتي * يوم المعاد شهادة الإخلاص ) وأشعاره وفضائله كثيرة وكان يجيز الجوائز السنية ويعطي العطاء الجزل وكانت ولادته بالمنصورية التي تسمى صبرة من بلاد إفريقية يوم الاثنين ثالث عشر رجب سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة وفوض إليه أبوه ولاية المهدية في صفر سنة خمس وأربعين ولم يزل بها إلى أن توفي والده في شعبان سنة خمس وأربعين فاستبد بالملك ولم يزل إلى أن توفي ليلة السبت منتصف رجب وخلف من البنين أكثر من مائة ومن البنات ستين على ما ذكره حفيده عبد العزيز بن شداد في كتاب أخبار القيروان وفيها أبو علي التككي الحسن بن محمد بن عبد العزيز البغدادي في رمضان روى عن أبي علي بن شاذان وفيها أبو محمد الدوني بضم المهملة نسبة إلى دون قرية بهمذان عبد الرحمن بن محمد الصوفي الرجل الصالح راوي السنن عن أبي نصر الكسار كان زاهدا عابدا سفياني المذهب توفي في رجب وفيها أبو سعد الأسدي محمد بن عبد الملك بن عبد القاهر بن أسد البغدادي المؤدب روى عن أبي علي بن شاذان وضعفه ابن ناصر وفيها أبو الفرج القزويني محمد ابن العلامة أبي حاتم محمود بن حسن الأنصاري فقيه صالح استملى عليه السلفي مجلسا مشهورا وتوفي في المحرم (4/3)

4 سنة اثنتين وخمسمائة فيها قتلت الباطنية بهمذان قاضي قضاة أصبهان عبيد الله بن علي الخطيبي وقتلت بأصبهان يوم عيد الفطر أبا العلاء صاعد بن محمد البخاري وقيل النيسابوري الحنفي المفتي أحد الأئمة عن خمس وخمسين سنة وقتلت بجامع آمل يوم الجمعة في المحرم فخر الإسلام القاضي أبا المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني شيخ الشافعية وصاحب التصانيف وشافعي الوقت أملى مجالس عن أبي غانم الكراعي وأبي حفص بن مسرور وطبقتهما وعاش سبعا وثمانين سنة قال ابن قاضي شهبة كانت له الوجاهة والرياسة والقبول التام عند الملوك فمن دونها أخذ عن والده وجده وبميافارقين عن محمد بن بيان وبرع في المذهب حتى كان يقول لو احترقت كتب الشافعي لأمليتها من حفظي ولهذا كان يقال له شافعي زمانه ولى قضاء طبرستان وبنى مدرسة بآمل وكان فيه إيثار للقاصدين إليه ولد في ذي الحجة سنة خمس عشرة وأربعمائة واستشهد بجامع آمل عند ارتفاع النهار بعد فراغه من الإملاء يوم الجمعة حادي عشر المحرم ومن تصانيفه البحر وهو بحر كاسمه والكافي والحلية مجلد متوسط فيه اختيارات كثيرة وكثير منها موافق مذهب مالك وكتاب المبتدي بكسر الدال وكتاب القولين والوجهين مجلدان انتهى ملخصا وعظم الخطب بهؤلاء الملاعين وخافهم كل أمير وعالم لهجومهم على الناس وفيها أبو القاسم الريفي علي بن الحسين الفقيه الشافعي المعتزلي ببغداد روى عن أبي الحسن بن مخلد وابن بشران وتوفي في رجب عن ثمان وثمانين سنة (4/4)

5 وفيها محمد بن عبد الكريم بن حشيش أبو سعد البغدادي في ذي القعدة عن تسع وثمانين سنة روى عن ابن شاذان وفيها أبو زكريا التبريزي الخطيب صاحب اللغة يحيى بن علي بن محمد الشيباني صاحب التصانيف أخذ اللغة عن أبي العلاء المعري وسمع من سليم بن أيوب بصور وكان شيخ بغداد في الأدب توفي في جمادى الآخرة عن إحدى وثمانين سنة وقال ابن خلكان سمع الحديث من سليم الرازي وغيره من الأعيان وروى عنه الخطيب الحافظ البغدادي صاحب تاريخ بغداد والحافظ ابن ناصر وغيرهما من الأعيان وتخرج عليه خلق كثير وتلمذوا له ذكره الحافظ أبو سعد السمعاني في كتاب الذيل وكتاب الأنساب وعدد فضائله ثم قال سمعت أبا منصور محمد بن عبد الملك بن الحسن بن خيرون المقري يقول أبو زكريا يحيى بن علي التبريزي ما كان بمرضى الطريقة وذكر عنه أشياء ثم قال وتذاكرت أنا مع أبي الفضل محمد بن ناصر الحافظ بما ذكره ابن خيرون المقري فسكت وكأنه ما أنكر ما قال ثم قال ولكن كان ثقة في اللغة وما كان ينقله وصنف في الأدب كتبا مفيدة منها شرح الحماسة وشرح ديوان المتنبي وشرح سقط الزند وشرح اللمع لابن جني وشرح مقصورة ابن دريد وشرح المعلقات السبع وله تهذيب غريب الحديث وتهذيب الإصلاح والملخص في إعراب القرآن في أربع مجلدات وغير ذلك من الكتب الحسنة المفيدة وكان قد دخل مصر في عنفوان شبابه فقرأ عليه بها ابن بابشاذ النحوي شيئا من اللغة ثم عاد إلى بغداد واستوطنها إلى الممات وكان يروي عن أبي الحسن محمد بن المظفر بن محيريز (4/5)

6 البغدادي جملة من شعره فمن ذلك قوله وهي من أشهر أشعاره ) خليلي ما أحلى صبوحي بدجلة * وأطيب منه بالصراة غبوقي ) ) شربت على الماءين من مار كرمة * فكانا كدر ذائب وعقيق ) ) على قمري أفق وأرض تقابلا * فمن شائق حلو الهوى ومشوق ) ) فما زلت أسقيه واشرب ريقه * وما زال يسقيني ويشرب ريقي ) ) وقلت لبدر التم تعرف ذا الفتى * فقال نعم هذا أخي وشقيقي ) وهذه الأبيات من أملح الشعر وأظرفه وكانت ولادة يحيى هذا سنة إحدى وعشرين وأربعمائة وتوفي فجاءة يوم الثلاثاء ثامن عشرى جمادى الآخرة ببغداد سنة ثلاث وخمسمائة فيها أخذت الفرنج طرابلس بعد حصار سبع سنين وفيها توفي أحمد بن علي بن أحمد العلبي أبو بكر الزاهد الحنبلي قال ابن الجوزي في طبقاته هو أحد المشهورين بالزهد والصلاح سمع الحديث على القاضي أبي يعلى وقرأ عليه شيئا من المذهب وكان يعمل بيده تجصيص الحيطان ثم ترك ذلك ولازم المسجد يقرئ القرآن ويؤم الناس وكان عفيفا لا يقبل من أحد شيئا ولا يسأل أحدا حاجة لنفسه من أمر الدنيا مقبلا على شأنه ونفسه مشتغلا بعبادة ربه كثير الصوم والصلاة مسارعا إلى قضاء حوائج المسلمين مكرما عند الناس أجمعين وكان يذهب بنفسه كل ليلة إلى دجلة فيأخذ في كوز له ماءا يفطر عليه وكان يمشي بنفسه في حوائجه ولا يستعين بأحد وكان إذا حج يزور القبور بمكة ويجيء إلى قبر الفضيل بن عياض ويخط بعصاه ويقول يا رب ههنا يا رب ههنا فاتفق انه خرج في سنة ثلاث وخمسمائة إلى الحج وكان قد وقع من الجمل في الطريق دفعتين فشهد عرفة محرما ومعه (4/6)

7 بقية من ألم الوقوع وتوفي عشية ذلك اليوم يوم الأربعاء يوم عرفة ي أرض عرفات فحمل إلى مكة فطيف به البيت ودفن يوم النحر إلى جنب قبر الفضيل بن عياض رضي الله عنهما وممن روى عنه ابن ناصر والسلفي قاله ابن رجب وفيها أبو بكر أحمد بن المظفر بن سوسن التمار ببغداد روى عن الحرقي وابن شاذان وضعفه شجاع الذهلي وتوفي في صفر عن اثنتين وتسعين سنة وفيها أبو الفتيان عمر بن عبد الكريم الدهستاني بكسر الدال المهملة والهاء وسكون المهملة وفوقية نسبة إلى دهستان مدينة عند مازندران الحافظ الرواسي طوف خراسان والعراق والشام ومصر وكتب ما لا يوصف وروى عن أبي عثمان الصابوني وطبقته وتوفي بسرخس قال ابن ناصر الدين كان ثقة في نقله لكنه حدث بطوس بصحيح مسلم من غير أصله وفيها أبو سعد المطرز محمد بن محمد بن محمد الأصبهاني في شوال عن نيف وتسعين سنة سمع الحسين بن إبراهيم الحمال وأبا علي غلام محسن وابن عبد كويه وهو أكبر شيخ للحافظ أبي موسى المديني سمع منه حضورا سنة أربع وخمسمائة فيها أخذت الفرنج بيروت بالسيف ثم أخذوا صيداء بالأمان وفيها توفي إسماعيل بن أبي الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي ثم النيسابوري أبو عبد الله روى عن أبي حيان المزكي وعبد الرحمن بن حمدان النصروي (4/7)

8 وطبقتهما ورحل فأدرك أبا محمد الجوهري ببغداد توفي في ذي القعدة عن إحدى وثمانين سنة وفيها أبو يعلى حمزة بن محمد بن علي البغدادي أخو طراد الزينبي توفي في رجب وله سبع وتسعون سنة والعجب كيف لم يسمع من هلال الحفار روى عن أبي العلاء محمد بن علي الواسطي وجماعة قاله في العبر وفيها أبو الحسن الكيا الهراسي والكيا بهمزة مكسورة ولام ساكنة ثم كاف مكسورة بعدها ياء مثناة من تحت معناه الكبير بلغة الفرس والهراسي براء مشددة وسين مهملة لا تعلم نسبته لأي شيء علي بن محمد بن علي الطبرستاني الشافعي عماد الدين شيخ الشافعية ببغداد تفقه على إمام الحرمين وكان فصيحا مليحا مهيبا نبيلا قدم بغداد ودرس بالنظامية وتخرج به الأصحاب وعاش أربعا وخمسين سنة قال ابن خلكان ذكره الحافظ عبد الغافر في تاريخ نيسابور فقال كان من رؤس معيدي إمام الحرمين في الدرس وكان ثاني أبي حامد الغزالي بل أفضل وأصلح وأطيب في الصوت والنظر ثم اتصل بخدمة محمد الملك بركياروق بن ملكشاه السلجوقي وحظي عنده بالمال والجاه وارتفع شأنه وتولى القضاء بتلك الدولة وكان محدثا يستعمل الأحاديث في مناظراته ومجالسته ومن كلامه إذا جالت فرسان الأحاديث في ميادين الكفاح طارت رءوس المقاييس في مهاب الرياح وحدث الحافظ أبو طاهر السلفي استفتيت شيخنا الكيا الهراسي ما يقول الإمام وفقه الله تعالى في رجل أوصى بثلث ماله للعلماء والفقهاء أتدخل كتبة الحديث تحت هذه الوصية أم لا فكتب الشيخ تحت السؤال نعم كيف لا وقد قال النبي حفظ على أمتي أربعين حديثا من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة فقيها عالما وسئل ألكيا أيضا عن يزيد بن معاوية فقال أنه لم يكن من الصحابة لأنه ولد في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأما قول السلف ففيه لأحمد (4/8)

9 قولان تلويح وتصريح ولمالك فيه قولان تلويح وتصريح ولأبي حنيفة قولان تلويح وتصريح ولنا قول واحد تصريح دون التلويح وكيف لا يكون كذلك وهو اللاعب بالنرد والمتصيد بالفهود ومدمن الخمر وشعره في الخمر معلوم ومنه قوله ) أقول لصحب ضمت الكأس شملهم * وداعي صبابات الهوى يترنم ) ) خذوا بنصيب من نعيم ولدة * وكل وإن طال المدى يتصرم ) وكتب فصلا طويلا ثم قلب الورقة وكتب لو مددت ببياض لمددت العنان في مخازي هذا الرجل وقد أفتى الإمام أبو حامد الغزالي في مثل هذه المسألة بخلاف ذلك قال ابن الأهدل أفتى الغزالي بخلاف جواب الكيا وتضمن جوابه أنه وإن غلب الظن بقرائن حاله أنه رضي قتل الحسين أو أمر به فلا يجوز لعنه ويجعل كمن فعل كبيرة وأفتى ابن الصلاح بنحوه وأقرهما اليافعي قلت الحاصل من ذلك أن يزيد إن صح عنه ما جرى منه على الحسين وآله من المثلة وتقليب الرأس الكريم بين يديه وإنشاده الشعر في ذلك مفتخرا فذلك دليل الزندقة والانحلال من الدين فإن مثل هذا لا يصدر من قلب سليم وقد كفره بعض المحدثين وذلك موقوف على استحلاله لذلك والله أعلم وقال الإمام التفتازاني أما رضا يزيد بقتل الحسين وإهانته أهل بيت رسول الله فمما يقطع به وإن كان تفصيله آحادا فلا يتوقف في كفره لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه انتهى كلام ابن الأهدل وقال ابن خلكان كانت ولادة الكيا في ذي القعدة سنة خمسين وأربعمائة وتوفي يوم الخميس وقت العصر مستهل المحرم سنة أربع وخمسمائة ببغداد ودفن في تربة الشيخ أبي إسحق الشيرازي وحصر دفنه الشريف أبو طالب الزيني وقاضي القضاة أبو الحسن بن الدمغاني وكانا مقدمي الطائفة الحنفية وكان بينه وبينهما في حال الحياة منافسة فوقف أحدهما (4/9)

10 عند رأسه والآخر عند رجليه فقال ابن الدامغاني متمثلا ) وما تغني النوادب والبواكي * وقد أصبحت مثل حديث أمس ) وأنشد الزينبي متمثلا ) عقم النساء فلم يلدن شبيهه * إن النساء بمثله عقم ) انتهى ملخصا وقال السبكي له كتاب شفاء المسترشدين ونقض مفردات أحمد وكتب في أصول الفقه وفيها أبو الحسين الخشاب يحيى بن علي بن الفرج المصري شيخ قرأ بالروايات على ابن نفيس وأبي الطاهر إسماعيل بن خلف وأبي الحسين الشيرازي وتصدر للإقراء سنة خمس وخمسمائة فيها توفي أبو محمد بن الأبنوسي عبد الله بن علي البغدادي الوكيل المحدث أخو الفقيه أحمد بن علي سمع من أبي القاسم التنوخي والجوهري وتوفي في جمادى الأولى وفيها أبو الحسن العلاف علي بن محمد بن علي بن محمد البغدادي الحاجب مسند العراق وآخر من روى عن الحمامي وكان يقول ولدت في المحرم سنة ست وأربعمائة وسمعت من أبي الحسين بن بشران وتوفي في المحرم عن مائة إلا سنة وكان أبوه واعظا مشهورا وفيها الإمام زين الدين حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الشافعي أحد الأعلام تلمذ لإمام الحرمين ثم ولاه نظام الملك تدريس مدرسته ببغداد وخرج له أصحاب وصنف التصانيف مع التصون والذكاء المفرط والاستبحار في العلم وبالجملة ما رأى الرجل مثل نفسه توفي في رابع عشر جمادى الآخرة بالطابران قصبة بلاد طوس وله خمس وخمسون (4/10)

11 سنة والغزالي هو الغزال وكذا العطاري والخبازي على لغة أهل خراسان قاله في العبر وقال الأسنوي في طبقاته الغزالي إمام باسمه تنشرح الصدور وتحيا النفوس وبرسمه تفتخر المحابر وتهتز الطروس وبسماعه تخشع الأصوات وتخضع الرؤس ولد بطوس سنة خمسين وأربعمائة وكان والده يغزل الصوف ويبيعه في حانوته فلما احتضر أوصى به وبأخيه أحمد إلى صديق له صوفي صالح فعلمهما الخط وأدبهما ثم نفذ منه ما خلفه أبوهما وتعذر عليه القوت فقال لكما أن تلجآ إلى المدرسة قال الغزالي فصرنا إلى المدرسة نطلب الفقه لتحصيل القوت فاشتغل بها مدة ثم ارتحل إلى أبي نصر الإسماعيلي بجرجان ثم إلى إمام الحرمين بنيسابور فاشتغل عليه ولازمه حتى صار أنظر أهل زمانه وجلس للإقراء في حياة إمامه وصنف وكان الإمام في الظاهر يظهر التبجح به وفي الباطن عنده منه شيء لما يصدر منه من سرعة العبارة وقوة الطبع وينسب إليه تصنيفان ليساله بل وضعا عليه وهما السر المكتوم والمضنون به على غير أهله وينسب إليه شعر فمن ذلك ما نسبه إليه ابن السمعاني في الذيل والعماد الأصبهاني في الخريدة ) حلت عقارب صدغه في خده * قمرا فجل به عن التشبيه ) ) ولقد عهدناه يحل ببرجها * فمن العجائب كيف حلت فيه ) وأنشد العماد له أيضا ) هبني صبوت كما ترون بزعمكم * وحظيت منه بلثم ثغر أزهر ) ) إني اعتزلت فلا تلوموا أنه * أضحى يقابلني بوجه أشعري ) فلما مات إمامه خرج إلى العسكر وحضر مجلس نظام الملك وكان مجلسه محط رحال العلماء ومقصد الأئمة والفصحاء فوقع للغزالي أمور تقتضي علو شأنه من ملاقاة الأئمة ومجاراة الخصوم اللد ومناظرة الفحول ومناطحة الكبار فأقبل عليه نظام الملك وحل منه محلا عظيما فعظمت (4/11)

12 منزلته وطار اسمه في الآفاق وندب للتدريس بنظامية بغداد سنة أربع وثمانين فقدمها في تجمل كبير وتلقاه الناس ونفذت كلمته وعظمت حشمته حتى غلبت على حشمة الأمراء والوزراء وصرب به المثل وشدت إليه الرحال إلى أن شرفت نفسه عن رذائل الدنيا فرفضها وأطرحها وأقبل على العبادة والسياحة فخرج إلى الحجاز في سنة ثمان وثمانين فحج ورجع إلى دمشق واستوطنها عشر سنين بمنارة الجامع وصنف فيها كتبا يقال أن الإحياء منها ثم صار إلى القدس والإسكندرية ثم عاد إلى وطنه بطوس مقبلا على التصنيف والعبادة وملازمة التلاوة ونشر العلم وعدم مخالطة الناس ثم أن الوزير فخر الدين بن نظام الملك حضر إليه وخطبه إلى نظامية نيسابور وألح عليه كل الإلحاح فأجاب إلى ذلك وأقام عليه مدة ثم تركه وعاد إلى وطنه على ما كان عليه وابتنى إلى جواره خانقاه للصوفية ومدرسة للمشتغلين ولزم الانقطاع ووظف أوقاته على وظائف الخير بحيث لا يمضي لحظة منها إلا في طاعة من التلاوة والتدريس والنظر في الأحاديث خصوصا البخاري وإدامة الصيام والتهجد ومجالسة أهل القلوب إلى أن انتقل إلى رحمة الله تعالى وهو قطب الوجود والبركة الشاملة لكل موجود وروح خلاصة أهل الإيمان والطريق الموصلة إلى رضا الرحمن يتقرب إلى الله تعالى به كل صديق ولا يبغضه إلا ملحد أو زنديق قد انفرد في ذلك العصر عن أعلام الزمان كما انفرد في هذا الفصل فلم يترجم فيه معه في الأصل لإنسان انتهى كلام الأسنوي وقال ابن قاضي شهبة ومن تصانيفه البسيط وهو كالمختصر للنهاية والوسيط ملخص منه وزاد فيه أمورا من الإبانة للفوراني ومنها أخذ هذا الترتيب الحسن الواقع في كتبه وتعليق القاضي حسين والمهذب واستمداده منه كثير كما نبه عليه في المطلب ومن تصانيفه أيضا الوجيز والخلاصة مجلد دون التنبيه وكتاب الفتاوى له مشتمل (4/12)

13 على مائة وتسعين مسئلة وهي غير مرتبة وله فتاوى أخرى غير مشهورة أقل من تلك وصنف في الخلاف المآخذ جمع مأخذ ثم صنف كتابا آخر في الخلاف سماه تحصيل المأخذ وصنف في المسئلة السريجية مصنفين اختار في أحدهما عدم وقوع الطلاق وفي الآخر الوقوع وكتاب الإحياء وهو الأعجوبة العظيم الشأن وبداية الهداية في التصوف والمستصفى في أصول الفقه والجام العوام عن علم الكلام والرد على الباطنية ومقاصد الفلاسفة وتهافت الفلاسفة وجواهر القرآن وشرح الأسماء الحسنى ومشكاة الأنوار والمنقذ من الضلال وغير ذلك انتهى وذكر الشيخ علاء الدين علي بن الصيرفي في كتابه زاد السالكين أن القاضي أبا بكر بن العربي قال رأيت الإمام الغزالي في البرية وبيده عكازة وعليه مرقعة وعلى عاتقه ركوة وقد كنت رأيته ببغداد يحضر مجلس درسه نحو أربعمائة عمامة من أكابر الناس وأفاضلهم يأخذون عنه العلم قال فدنوت منه وسلمت عليه وقلت له يا إمام أليس تدريس العلم ببغداد خير من هذا قال فنظر إلى شزرا وقال لما طلع بدر السعادة في فلك الإدارة أو قال سماء الإرادة وجنحت شمس الوصول في مغارب الأصول ) تركت هوى ليلى وسعدي بمعزل * وعدت إلى تصحيح أول منزل ) ) ونادت بي الأشواق مهلا فهذه * منازل من تهوى رويدك فانزل ) ) غزلت لهم غزلا دقيقا فلم أجد * لغزلي نساجا فكسرت مغزلي ) انتهى سنة ست وخمسمائة فيها توفي أبو غالب أحمد بن محمد بن أحمد الهمداني العدل روى عن أبي (4/13)

14 سعيد بن عبد الرحمن بن شبابة وجماعة أو توفي في العام الآتي قاله في العبر وفيها أبو القاسم إسماعيل بن الحسن السنجبستي بفتح السين المهملة والجيم والموحدة وسكون النون والمهملة الثانية وفوقية نسبة إلى سنجبست منزل بين نيسابور وسرخس الفرائضي توفي صفر بسنجبست روى عن أبي بكر الحيري وأبي سعيد الصيرفي وعاش خمسا وتسعين سنة وفيها الفضل بن محمد بن عبيد القشيري النيسابوري الصوفي العدل روى عن أبي حسان المزكي وعبد الرحمن بن النصروي وطائفة وعاش خمسا وثمانين سنة وهو أخو عبيد القشيري وفيها أبو سعد المعمر بن علي بن المعمر بن أبي عمارة البقال البغدادي الحنبلي الفقيه الواعظ ريحانة البغداديين ولد سنة تسع وعشرين وأربعمائة وسمع من ابن غيلان والخلال والجوهري والأزجي وغيرهم وكان فقيها مفتيا واعظا بليغا فصيحا له قبول تام وجواب سريع وخاطر حاد وذهن بغدادي وكان يضرب به المثل في حدة الخاطر وسرعة الجواب بالمجون وطيب الخلق وله كلمات في الوعظ حسنة ورسائل مستحسنة وجمهور وعظه حكايات السلف وكان يحصل بوعظه نفع كبير وكان في زمن أبي علي بن الوليد شيخ المعتزلة يجلس في مجلسه ويلعن المعتزلة وخرج مرة فلقي مغنية قد خرجت من عند تركي فقبض على عودها وقطع أوتاره فعادت إلى التركي فأخبرته فبعث من كبس دار أبي سعد وأفلت هو فاجتمع بسبب ذلك الحنابلة وطلبوا من الخليفة إزالة المنكرات كلها فأذن لهم في ذلك وكان أبو سعد يعظ بحضرة الخليفة والملوك ووعظ يوما نظام الملك الوزير بجامع المهدي فقال من جملة ما قال لما تقلدت أمور البلاد وملكت أزمة العباد اتخذت الأبواب والبواب والحجاب ليصدوا عنك القاصد ويردوا عنك الوافد فاعمر قبرك كما عمرت قصرك وانتهز الفرصة (4/14)

15 ما دام الدهر يقبل عذرك وهذا ملك الهند وهو عابد صنم ذهب سمعه فقال ما حسرتي لذهاب هذه الجارحة من بدني ولكن تأسفي لصوت المظلوم لا أسمعه فأعينه ثم قال إن كان سمعي فما ذهب بصري فليؤمر كل ذي ظلامة أن يلبس الأحمر حتى إذا رأيته عرفته فأنصفه وهذا أنوشروان قال له رسول الروم لقد أقدرت عدوك عليك بتسهيل الوصول إليك فقال إنما أجلس هذا المجلس لأكشف ظلامة وأقضي حاجة وأنت يا صدر الإسلام أحق بهذه المأثرة وأولى بهذه وأحرى فأعد جوابا لتلك المسئلة فإن السائل الله تعالى الذي تكاد السموات يتفطرن منه في موقف ما فيه إلا خاشع أو خاضع أو مقنع فينخلع فيه القلب ويحكم فيه الرب ويعظم فيه الكرب ويشيب فيه الصغير ويعذل فيه الملك والوزير يوم يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا وقد استجلبت لك الدعاء وخلدت لك الثناء مع براءتي من التهمة فليس لي بحمد الله تعالى في أرض الله ضبعة ولا قرية ولا بيني وبين أحد خصومة ولا بي بحمد الله فقر ولا فاقة فلما سمع نظام الملك هذه الموعظة بكى بكاء شديدا وأمر له بمائة دينار فأبى أن يأخذها فقال فصلها إلى الفقراء فقال هم على بابك أكثر منهم على بابي ولم يأخذ شيئا وتوفي أبو سعد يوم الاثنين ثامن عشرى ربيع الأول ودفن من الغد بمقبرة باب حرب رحمه الله تعالى وفيها جعفر بن الحسن الدرزيجاني بفتح الدال المهملة وسكون الراء وكسر الزاي وتحتية ساكنة وجيم نسبة إلى درزيجان قرية ببغداد المقرئ الفقيه الزاهد ذكره القاضي أبو الحسين فيمن تفقه على أبيه وسمع الحديث وقال ابن شافع هو الأمار بالمعروف والنهاء عن المنكر ذو المقامات المشهودة في ذلك والمهيب بنور الأيمان واليقين لدى الملوك والمتصرفين صحب القاضي (4/15)

16 أبا يعلى وتفقه عليه ثم تم على صاحبه الشريف أبي جعفر وختم عليه القرآن خلق لا يحصون كثرة وكان من عباد الله الصالحين لا تأخذه في الله لومة لائم مهيبا وقورا له حرمة عند الملوك والسلاطين ولا يتجاسر أحد أن يقدم عليه إذا أنكر منكرا وله المقامات المشهودة في ذلك مداوما للصيام واللتهجد والقيام وله ختمات كثيرة جدا كل ختمة منها في ركعة واحدة وسمع الحديث من أبي علي بن البناء وتوفي في الصلاة ساجدا في شهر ربيع الآخر بدرزيجان رحمه الله تعالى سنة سبع وخمسمائة فيها توفي أبو بكر الحلواني أحمد بن علي بن بدران ويعرف بحالوية ثقة زاهد متعبد روى عن القاضي أبي الطيب وطائفة وفيها رضوان صاحب حلب بن تاج الدولة تتش بن الب أرسلان السلجوقي ومنه أخذت الفرنج أنطاكية وملك بعده ابنه الب أرسلان الأخرس وفيها الحافظ شجاع بن فارس أبو غالب الذهلي السهرودي بضم السين المهملة وسكون الهاء وفتح الراء والواو وسكون الراء ومهملة نسبة إلى سهرورد بلد عند زنجان ثم البغدادي وله تسع وسبعون سنة نسخ ما لا يدخل تحت الحصر من التفسير والحديث والفقه وللناس حتى أنه كتب شعر ابن الحجاج سبع مرات وروى عن ابن غيلان وعبد العزيز الأزجي وخلق وتوفي في جمادى الأولى قال ابن ناصر الدين هو حافظ عمدة إمام وفيها عبد الله بن مرزوق أبو الخير الأصم الهروي مولى شيخ الإسلام أبي إسماعيل الأنصاري كان من الحفاظ الزهاد المتقنين قاله ابن ناصر الدين وفيها الشاشي المعروف بالمستظهري فخر الإسلام أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسين شيخ الشافعية ولد بميافارقين سنة تسع وعشرين وتفقه على (4/16)

17 محمد بن بيان الكازروني ثم لزم ببغداد الشيخ أبا إسحق وابن الصباغ وصنف وأفتى وولى تدريس النظامية وتوفي في شوال ودفن عند الشيخ أبي إسحق وقيل معه في قبر واحد ومن تصانيفه حلية العلماء وسماه المستظهري وغيره وانتهت إليه رياسة الشافعية بعد انقراض مشايخه فكان ينشد ) خلت الديار فسدت غير مسود * ومن العناء تفردي بالسؤدد ) ذكره في بعض دروسه ووضع المنديل على عينيه وبكى بكاء شديدا قال ابن شهبة كان مهيبا وقورا متواضعا ورعا وكان يلقب بين الطلبة في حداثته بالجنيد لشدة ورعه وله شعر حسن وقع بينه وبين الدامغاني فأنشأ فيه الشاشي ) حجاب وإعجاب وفرط تصلف * ومد يد نحو العلا بتكلف ) ) ولو كان هذا من وراء كفاية * لهان ولكن من وراء تخلف ) ومن تصانيفه الشافي في شرح الشامل في عشرين مجلدا ومات وقد بقي منه نحو الخمس وكتاب الحلية في مجلدين وذكر فيه خلافا كثيرا للعلماء صنفه للخليفة المستظهر بالله ولذلك يلقب بالمستظهري وتصنيف لطيف في السريجية واختار فيه عدم الوقوع انتهى ملخصا وفيها أبو منصور علي بن محمد بن علي بن إسماعيل الأنباري القاضي الفقيه الحنبلي الواعظ ولد يوم الخميس خامس عشرى ذي الحجة سنة خمس وعشرين وأربعمائة وقرأ القرآن على ابن الشرمقاني وسمع الحديث من أبي طالب بن غيلان والجوهري وأبي إسحق البرمكي وأبي بكر بن بشران وغيرهم وسمع من القاضي أبي يعلى وتفقه عليه حتى برع في الفقه وأفتى ووعظ وكان مظهرا للسنة في مجالسه وشهد عند ابن الدامغاني وأبي بكر السامي وغيرهما وولى القضاء بباب الطلق وحدث وانتشرت الرواية عنه روى عنه عبد الرهاب الأنماطي والسلفي وغيرهما وتوفي يوم السبت رابع عشرى جمادى الآخرة ودفن من الغد بمقبرة باب حرب وتبعه من الخلق ما لا يحصى كثرة (4/17)

18 ولا يعدهم إلا أسرع الحاسبين قاله ابن رجب وفيها أبو الفضل محمد بن طاهر بن علي بن أحمد الشيباني المقدسي الحافظ القيسراني ذو الرحلة الواسعة والتصانيف والتعاليق عاش ستين سنة وسمع بالقدس أولا من ابن ورقاء وببغداد من أبي محمد الصريفيني وبنيسابور من الفضل بن المحب وبهراة من بيبي وبأصبهان وشيراز والري ودمشق ومصر من هذه الطبقة وكان من أسرع الناس كتابة وأذكاهم وأعرفهم بالحديث والله يرحمه ويسامحه قاله الذهبي وقال إسماعيل محمد بن الفضل الحافظ أحفظ من رأيت محمد بن طاهر وقال السلفي سمعت ابن طاهر يقول كتبت البخاري ومسلم وأبا داود وابن ماجه سبع مرات بالوراقة وقال الحافظ ابن ناصر الدين كان حافظا مكثرا جوالا في البلاد كثير الكتابة جيد المعرفة ثقة في نفسه حسن الانتقاد ولولا ما ذهب إليه من إباحة السماع لانعقد على ثقته الإجماع وفيها أبو المظفر الأيبوردي بفتح الهمزة وكسر الباء الموحدة وسكون الياء التحتية وفتح الواو وسكون الراء وبعدها دال مهملة نسبة إلى أيبورد ويقال لها أبا ورد وباورد وهي بلدة بخراسان محمد بن أبي العباس أحمد بن إسحق الأموي المعاوي اللغوي الشاعر الأخباري النسابة صاحب التصانيف والبلاغة والفصاحة وكان رئيسا عالي الهمة ذا بأو وتيه وصلف وتوفي بأصبهان مسموما قاله في العبر وقال ابن خلكان كان من الأدباء المشاهير راوية نسابة شاعرا ظريفا قسم ديوانه إلى أقسام منها العراقيات ومنها (4/18)

19 الوجديات ومنها النجديات وغير ذلك وكان من أخبر الناس بعلم الأنساب نقل عنه الحفاظ الأثبات الثقات وقد روى عنه أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي في غير موضع من كتابه الذي وضعه في الأنساب وقال في حقه في ترجمة المعاوي أنه كان أوحد أهل زمانه في علوم عدة وقد أوردنا عنه في غير موضع من هذا الكتاب أشياء وكان يكتب في نسبه المعاوي وأليق ما وصف به بيت أبي العلاء المعري ) وإني وإن كنت الأخير زمانه * لآت بما لم تستطعه الأوائل ) انتهى كلام المقدسي وذكره أبو زكريا بن مندة في تاريخ أصبهان فقال فخر الرؤساء أفضل الدولة حسن الاعتقاد جميل الطريقة يتصرف في فنون جمة من العلوم عارف بأنساب العرب فصيح الكلام حاذق في تصنيف الكتب وافر العقل كامل الفضل فريد دهره ووحيد عصره وكان فيه تيه وكبر وعزة نفس وكان إذا صلى يقول اللهم ملكني مشارق الأرض ومغاربها وذكر عنه ابن السمعاني أنه كتب رقعة إلى أمير المؤمنين المستظهر بالله وعلى رأسها الخادم المعاوي فكره الخليفة النسبة إلى معاوية فحك الميم ورد الرقعة إليه فصار العاوي ومن محاسن شعره ) ملكنا أقاليم البلاد فأذعنت * لنا رغبة أو رهبة عظماؤها ) ) فلما انتهت أيامنا علقت بنا * شدائد أيام قليل رجاؤها ) ) وكان إلينا في السرور ابتسامها * فصار علينا في الهموم بكاؤها ) ) وصرنا نلاقي النائبات بأوجه * رقاق الحواشي كاد يقطر ماؤها ) ) إذا ما هممنا أن نبوح بما جنت * علينا الليالي لم يدعنا حياؤها ) وقوله أيضا ) تنكر بي دهري ولم يدر أنني * أعز وأحداث الزمان تهون ) ) فبات يريني الخطب كيف اعتداؤه * وبت أريه الصبر كيف يكون ) (4/19)

20 ومن شعره ) وهيفاء لا أصغي إلى من يلومني * عليها ويغريني بها أن أعيبها ) ) أميل بإحدى مقلتي إذا بدت * إليها وبالأخرى أراعي رقيبها ) ) وقد غفل الواشي فلم يدر أنني * أخذت لعيني من سليمى نصيبها ) ومن معانيه البديعة قوله من جملة أبيات في وصف الخمرة ) ولها من ذاتها طرب * فلهذا يرقص الحبب ) وله من قصيدة ) فسد الزمان فكل من صاحبته * راج ينافق أو مداج خاشي ) ) وإذا اختبرتهم ظفرت بباطن * متهجم وبظاهر هشاش ) وله تصانيف كثيرة منها تاريخ ابيورد ونسا والمختلف والمؤتلف في أنساب العرب وله في اللغة مصنفات لم يسبق إلى مثلها وكان حسن السيرة جميل الأمر وكانت وفاته يوم الخميس بين الظهر والعصر عشرى ربيع الأول مسموما بأصبهان انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا وفيها ابن اللبابة أبو بكر محمد بن عيسى اللخمي الأندلسي الأديب من جملة الأدباء وفحول الشعراء له تصانيف عديدة في الآداب وكان من شعراء دولة المعتمد بن عباد قاله في العبر وفيها المؤتمن بن أحمد بن علي بن نصر الربعي البغدادي الحافظ ويعرف بالساجي حافظ محقق واسع الرحلة كثير الكتابة متين الورع والديانة روى عن أبي الحسين بن النقور وأبي بكر الخطيب وطبقتهما بالشام والعراق وأصبهان وخراسان وتفقه وكتب الشامل عن مؤلفة ابن الصباغ وتوفي في صفر عن اثنتين وستين سنة وكان قانعا متعففا وفيها كما قال السيوطي في تاريخ الخلفاء جاء صاحب الأندلس مودود (4/20)

21 بعسكر ليقاتل ملك الفرنج الذي بالقدس فوقع بينهم معركة هائلة ثم رجع مودود إلى دمشق فصلى الجمعة يوما في الجامع وإذا بباطني وثب عليه فجرحه فمات من يومه فكتب ملك الفرنج إلى صاحب دمشق كتابا فيه وإن أمة قتلت عميدها في يوم عيدها في بيت معبودها لحقيق على الله أن يبيدها انتهى كلام السيوطي ومودود هذا غير مودود الأعرج صاحب الموصل أيضا فإن ذاك توفي سنة خمس وستين وخمسمائة كما يأتي إن شاء الله تعالى سنة ثمان وخمسمائة فيها كما قال في الشذور ورد كتاب أنه حدث زلزلة فوقع من سور الرها ثلاثة عشر برجا وبعض سور حران وخسف بسميساط وتساقط في بالس نحو مائة دار وقلب نصف القلعة وفيها هلك بغدوين صاحب القدس من جراحة أصابته يوم مصاف طبرية وفيها مات أحمد بك صاحب مراغة وكان شجاعا جوادا وعسكره خمسة آلاف فتكت به الباطنية وفيها أحمد بن محمد بن غلبون أبو عبد الله الخولاني القرطبي ثم الإشبيلي وله تسعون سنة سمعه أبوه معه من عثمان بن أحمد القيشاطي وطائفة وأجاز له (4/21)

22 يونس بن عبد الله بن مغيث وأبو عمر الطلمنكي وأبو ذر الهروي والآبار وكان صالحا خيرا عالي الإسناد منفردا وفيها أبو حازم إسماعيل بن المبرك بن أحمد بن محمد بن وصيف البغدادي الفقيه الحنبلي ولد سنة خمس وثلاثين وأربعمائة وقرأ الفقه على القاضي أبي يعلى وسمع من أبي العشارى والجوهري وروى عنه ابن المعمري الأنصاري وبالإجازة ابن كليب وتوفي في رجب وفيها أبو العباس المخلطي بالضم وفتح الخاء واللام المشددة نسبة إلى بيع المخلط وهو الفاكهة اليابسة أحمد بن الحسن بن أحمد البغدادي الفقيه الحنبلي صحب القاضي أبا يعلى وتفقه عليه ولازمه وسمع منه الحديث وكتب الخلاف وغيره من تصانيفه وسمع أيضا من أبي الحسين بن المهتدي وابن المسلمة وغيرهم وحدث عنهم قال ابن ناصر الحافظ وسمعت منه قال وكان رجلا صالحا من أهل القرآن والستر والصيانة ثقة مأمونا توفي ليلة الأربعاء ثاني عشر جمادى الأولى ودفن من الغد بمقبرة باب حرب رحمه الله تعالى وفيها أبو علي إسماعيل بن محمد بن الحسن بن داود الأصبهاني الخياط الفقيه الحنبلي دخل بغداد سنة سبع وخمسمائة وحدث بها عن والده وعن أبي بكر محمد بن أحمد بن الحسن بن ماجه وأبي مطيع المصري وغيرهم سمع منه أبو منصور محمد بن ناصر البردني وقال كان من الأئمة الكبار وهو أخو أبي سعد محمد بن أحمد بن داود قال ابن النجار قرأت بخط أخيه أبي سعيد توفي أخي أبو علي إسماعيل في العشر الآخر من جمادى الآخرة سنة ثمان وخمسمائة رحمه الله تعالى وفيها ألب أرسلان صاحب حلب وابن صاحبها رضوان بن تتش السلجوقي التركي تملك وله ست عشرة سنة فقتل أخويه بتدبير الباب لولو وقتل جماعة من الباطنية وكانوا قد كثروا في دولة أبيه ثم قدم دمشق ونزل (4/22)

23 بقلعتها ثم رجع وفي خدمته طغتكين وكان سيئ السيرة فاسقا فقتله البابا وأقام أخا له طفلا له ست سنين ثم قتل البابا سنة عشر وفيها أبو الوحش سبيع بن المسلم الدمشقي المقرئ الضرير ويعرف بابن قيراط قرأ لابن عامر علي الأهوازي ورشأ وروى الحديث عنهما وعن عبد الوهاب بن برهان وكان يقرئ من السحر إلى الظهر توفي في شعبان عن تسع وثمانين سنة وفيها النسيب أبو القاسم علي بن إبراهيم بن العباس الحسيني الدمشقي الخطيب الرئيس المحدث صاحب الأجزاء العشرين التي خرجها له الخطيب توفي في ربيع الآخر عن أربع وثمانين سنة قرأ على الأهوازي وروى عنه وعن سليم ورشأ وخلق وكان ثقة نبيلا محتشما مهيبا سديدا شريفا صاحب حديث وسنة وفيها السلطان علاء الدولة مسعود صاحب الهند وغزنة ولد السلطان إبراهيم بن السلطان مسعود بن السلطان الكبير محمود بن سبكتكين مات في شوال وتملك بعده ولده أرسلان شاه سنة تسع وخمسمائة فيها توفي ابن مسلمة أبو عثمان إسماعيل بن محمد الأصبهاني الواعظ المحتسب صاحب تلك المجالس قال ابن ناصر وضع حديثا وكان يخلط وقال الذهبي وروى عن ابن ريذة وجماعة وفيها أبو شجاع الديلمي شيرويه بن شهردار بن شيرويه بن فناخسرو بفاء ونون وخاء معجمة وسين وراء مهملتين بعدهما واو الهمذاني الحافظ صاحب (4/23)

24 كتاب الفردوس وتاريخ همذان وغير ذلك توفي في رجب عن أربع وسبعين سنة وغيره أتقن منه سمع الكثير من يوسف بن محمد المستملى وطبقته وقال ابن شهبة في طبقات الشافعية هو من ولد الضحاك بن فيروز الصحابي ذكره ابن الصلاح فقال كان محدثا واسع الرحلة حسن الخلق والخلق ذكيا صلبا في السنة قليل الكلام صنف تصانيف اشتهرت عنه منها كتاب الفردوس وكتاب في حكايات المنامات وكتاب في تاريخ همذان ولد سنة خمس وأربعين وأربعمائة وتوفي في رجب سنة تسع وخمسمائة انتهى وفيها غيث بن علي أبو الفرج الصوري الأرمنازي خطيب صور ومحدثها روى عن أبي بكر الخطيب ورحل إلى دمشق ومصر وعاش ستا وستين سنة وفيها الشريف أبو يعلى بن الهبارية بفتح الهاء وتشديد الباء الموحدة وبعد الألف راء نسبة إلى هبار جد أبي يعلى المذكور محمد بن محمد بن صالح الهاشمي الشاعر المشهور الهجاء الملقب نظام الدين البغدادي كان شاعرا مجيدا حسن المقاصد لكنه خبيث اللسان كثير الهجاء والوقوع في الناس لا يكاد يسلم من لسانه أحد ذكره العماد الكاتب في الخريدة فقال من شعراء نظام الملك غلب على شعره الهجاء والهزل والسخف وسبك في قالب ابن حجاج وسلك أسلوبه وفاقه في الخلاعة والتلطف في شعره وشعره في غاية الحسن انتهى كلام العماد وكان ملازما لخدمة نظام الملك وولده ملكشاه ومن معاني شعره الغريبة قوله ) قالوا أقمت وما رزقت وإنما * بالسير يكتسب اللبيب ويرزق ) ) فأجبتهم ما كل سير نافعا * الحظ ينفع لا الرحيل المقلق ) ) كم سفرة نفعت وأخرى مثلها * خسرت ويكتسب الحريص ويخفق ) ) كالبدر يكتسب الكمال بسيره * وبه إذا حرم السعادة يمحق ) وله أيضا (4/24)

25 ) خذ جملة البلوى تفصيلها * ما في البرية كلها إنسان ) ) وإذا البيادق في الدسوت تفرزنت * فالرأي أن يتبيدق الفرزان ) وله على سبيل الخلاعة والمجون ) يقول أبو سعيد إذ رآني * عفيفا منذ عام ما شربت ) ) على يد أي شيخ تبت قل لي * فقلت على يد الأفلاس تبت ) وله في المعنى أيضا ) رأيت في الليل وهي ممسكة * ذقني وفي يدها شيء من الأدم ) ) معوج الشكل مسود به نقط * لكن أسفله في هيئة القدم ) ) حتى تنبهت محمر القذال ولو * طال المنام على الشيخ الأديب عمى ) وله كتاب تاريخ الفطنة في نظم كليلة ودمنة وديوان شعره يدخل في أربع مجلدات ومن غرائب نظمه كتاب الصادح والباغم نظمه على أسلوب كليلة ودمنة وهو أراجيز وعدد بيوته ألفا بيت نظمها في عشر سنين ولقد أجاد فيه كل الإجادة وسير الكتاب على يد ولده إلى الأمير أبي الحسن صدقة بن منصور الأسدي صاحب الحلة وختمه بهذه الأبيات ) هذا كتاب حسن * تحار فيه الفطن ) ) أنفقت فيه مده * عشر سنين عده ) ) منذ سمعت باسمكا * وضعته برسمكا ) ) بيوته ألفان * جميعها معان ) ) لفضل كل شاعر * وناظم وناثر ) ) كعمر نوح التالد * في نظم بيت واحد ) ) من مثله لما قدر * ما كل من قال شعر ) ) أنفذته مع ولدي * بل مهجتي وكبدي ) ) وأنت عند ظني * أهل لكل من ) (4/25)

26 ) وقد طوى إليكا * توكلا عليكا ) ) مشقة شديده * وشقة بعيده ) ) ولو تركت جئت * سعيا وما ونيت ) ) إن الفخار والعلى * أرتك من دون الورى ) فأجزل صلته وأسنى جائزته وتوفي ابن الهبارية بكرمان وفيها أبو البركات بن السقطي هبة الله بن المبارك البغدادي الحنبلي اتهمه بالوضع ابن حجر في كتابه تبيين العجب بما ورد في شهر رجب وقال عن السقطي هذا آفة يعني في وضع الأحاديث قال في العبر أحد المحدثين الضعفاء له معجم في مجلد كذبه ابن ناصر وفيها أبو البركات العسال محمد بن سعد بن سعيد المقرئ الحنبلي ابن الحنبلي ولد في ربيع الآخر سنة ستين وأربعمائة وقرأ بالروايات على رزق الله التميمي وغيره وسمع من أبي نصر الزينبي وأبي الغنائم وغيرهما وعلق الفقه على ابن عقيل وكان من القراء المجودين الموصوفين بحسن الأداء وطيب النغمة يقصد في رمضان لسماع قراءته في صلاة التراويح من الأماكن البعيدة وكان دينا صالحا صدوقا وسمع منه ابن ناصر والسلفي وقال كتب الحديث الكثير معنا وقبلنا وهو حنبلي المذهب علق الفقه على ابن عقيل وتوفي يوم الثلاثاء سابع رمضان وفيها يحيى بن تميم بن المعز بن باديس السلطان أبو طاهر الحميري صاحب إفريقية نشر العدل وافتتح عدة حصون لم يتهيأ لأبيه فتحها وكان جوادا ممدحا عالما كثير المطالعة توفي فجاءة يوم الأضحى وخلف ثلاثين ابنا فتملك بعده ابنه علي ستة أعوام ومات فملكوا بعده ابنه الحسن بن علي وهو مراهق فامتدت دولته إلى أن أخذت الفرنج طرابلس الغرب بالسيف سنة إحدى وأربعين وخمسمائة فخاف وفر من المهدية والتجأ عبد المؤمن قاله في العبر (4/26)

27 سنة عشر وخمسمائة فيها توفي أبو الكرم خميس بن علي الواسطي الحوزي نسبة إلى الحوز قرية قرب واسط الحافظ محدث واسط رحل وسمع ببغداد من أبي القاسم بن البسري وكان عالما فاضلا ثقة شاعرا وفيها أبو بكر الشيروي بالكسر والضم نسبة إلى شيرويه جد عبد الغافر بن محمد بن حسين بن علي بن شيرويه النيسابوري التاجر مسند خراسان وآخر من حدث عن الحيري والصيرفي صاحبي الأصم توفي في ذي الحجة عن ست وتسعين سنة قال السمعاني كان صالحا عابدا رحل إليه من البلاد وفيها أبو القاسم الرزاز علي بن أحمد بن محمد بن بيان مسند العراق وآخر من حدث عن أبي مخلد البزار وطلحة الكتاني والحرقي توفي في شعبان عن سبع وتسعين سنة وفيها الغسال أبو الخير المبارك بن الحسين البغدادي المقرئ الأديب شيخ الإقراء ببغداد قرأ على أبي بكر محمد بن علي الخياط وجماعة وبواسط على غلام الهراس وحدث عن أبي محمد الخلال وجماعة ومات في جمادى الأولى عن بضع وثمانين سنة وفيها أبو الخطاب محفوظ بن أحمد بن الحسن بن أحمد الكلواذي بفتح أوله والواو ومعجمة وسكون اللام نسبة إلى كلواذى قرية ببغداد ثم الأزجي شيخ الحنابلة صاحب التصانيف كان إماما علامة ورعا صالحا وافر العقل غزير العلم حسن المحاضرة جيد النظم تفقه على القاضي أبي يعلى وحدث عن الجوهري وتخرج به أئمة روى عنه ابن ناصر وأبو المعمر الأنصاري (4/27)

28 وغيرهم وقرأ عليه الفقه جماعة من أئمة المذهب منهم عبد الوهاب بن حمزة وأبو بكر الدينوري والشيخ عبد القادر الجيلي الزاهد صاحب الغنيمة وغيرهم قال أبو بكر بن النقور كان الكيا الهراسي إذا رأى الشيخ أبا الخطاب مقبلا قال قد جاء الفقه وقال السلفي أبو الخطاب من أئمة أصحاب أحمد يفتي في مذهبه ويناظر وكان عدلا رضا ثقة وذكر ابن السمعاني أن أبا الخطاب جاءته فتوى في بيتي شعر وهما ) قل للإمام أبي الخطاب مسئلة * جاءت إليك وما يرجى سواك لها ) ) ماذا على رجل رام الصلاة فمذ * لاحت لناظره ذات الجمال لها ) فكتب عليها أبو الخطاب ) قل للأديب الذي وافى بمسئلة * سرت فؤادي لما أن أصحت لها ) ) أن التي فتنته عن عبادته * خريدة ذات حسن فانثني ولها ) ) أن تاب ثم قضى عنه عبادته * فرحمة الله تغشى من عصى ولها ) توفي رحمه الله تعالى في آخر يوم الأربعاء عشرى جمادى الآخرة وترك يوم الخميس وصلى عليه يوم الجمعة في جامع القصر ودفن إلى جانب قبر الإمام أحمد قال ابن رجب قرأت بخط أبي العباس بن تيمية في تعاليقه القديمة رؤى الإمام أبو الخطاب في المنام فقيل له ما فعل الله بك فأنشد ) أتيت ربي بمثل هذا * فقال ذا المذهب الرشيد ) ) محفوظ نم في الجنان حتى * ينقلك السائق الشهيد ) وفيها أبو نصر محمد بن الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البناء البغدادي الواعظ ولد في حادي عشرى صفر سنة أربع وثلاثين وأربعمائة وسمع من الجوهري وأبي بكر بن بشران والعشارى ووالده وغيرهم وتفقه على أبيه وروى عنه أبو المعمر الأنصاري وابن ناصر وأثنى عليه ووثقه وكان من أهل الدين والصدق والعلم والمعرفة وخلف أباه في حلقتيه بجامع القصر (4/28)

29 وجامع المنصور وتوفي ليلة الأربعاء خامس عشر ربيع الأول ودفن بباب حرب وفيها أبو طاهر الحناني محمد بن الحسين بن محمد الدمشقي من بيت الحديث والعدالة سمع أباه أبا القاسم ومحمد وأحمد ابني عبد الرحمن بن أبي نصر وابن سعدان وطائفة وتوفي في جمادى الآخرة عن سبع وسبعين سنة وفيها أبي النرسي أبو الغنايم محمد بن علي بن ميمون الكوفي الحافظ القارئ لقب أبيا لجودة قراءته وكان ثقة مكثرا ذا إتقان روى عن محمد ابن علي بن عبد الرحمن العلوي وطبقته بالكوفة وعن أبي إسحق البرمكي وطبقته ببغداد وناب في خطابة الكوفة وكان يقول ما بالكوفة من أهل السنة والحديث إلا أنا وقال ابن ناصر كان حافظا متقنا ما رأينا مثله كان يتهجد ويقوم الليل وكان أبو عامر الغندري يثني عليه ويقول ختم به هذا الشأن توفي في شعبان عن ست وثمانين سنة وكان ينسخ ويتعفف وفيها أبو بكر السمعاني تاج الإسلام محمد بن العلامة أبي المظفر منصور بن محمد التميمي المروزي الحافظ والد الحافظ أبي سعد كان بارعا في الحديث ومعرفته والفقه ودقائقه وكان شافعيا والأدب وفنونه والتاريخ والنسب والوعظ روى عن محمد بن أبي عمران الصفار ورحل فسمع ببغداد من ثابت بن بندار وطبقته وبنيسابور من نصر الله الخشنامي وطبقته وبأصبهان والكوفة والحجاز وأملى الكثير وتقدم على أقرانه وعاش ثلاثا وأربعين سنة قال عبد الغافر في الذيل هو الإمام ابن الإمام ابن الإمام ووالد الإمام شاب نشأ في عبادة الله تعالى وفي التحصيل من صباه حتى أرضى أباه حظي من الأدب والعربية وتميز فيهما نظما ونثرا بأعلى المراتب ثم برع في الفقه مستدرا خلافه من أبيه بالغا في المذهب والخلاف أقصى مراميه وزاد على أقرانه وأهل عصره بالتبحر في علم الحديث ومعرفة الرجال والأسانيد وحفظ المتون وجمعت فيه الخلال الجميلة من الإنصاف والتواضع والتودد وأطال في وصفه (4/29)

30 كثيرا وذكره ولده في الذيل وقال من جملة كلام طويل صنف في الأحاديث تصانيف كثيرة ولد سنة ست وستين وأربعمائة وتوفي بمرو في صفر سنة عشر وخمسمائة وله شعر كثير قيل أنه غسله قبل موته وأن الذي ينسب إليه ما كان محفوظا عنه سنة إحدى عشرة وخمسمائة فيها كما قال في الشذور زلزلت بغداد يوم عرفة فكانت الحيطان تذهب وتجيء وكان عقيبها موت المستظهر انتهى وفيها كما قال في الدول جاء سيل عظيم عرم على سجار هدم أسوارها وغرق خلق وحمل باب البلد مسيرة نصف يوم وطمره السيل سنوات وحمل السيل سريرا فيه طفل فعلق بزيتونة وعاش الطفل وكبر وفيها مات بغدوين الذي افتتح القدس وكان جبارا خبيثا شجاعا هم بأخذ مصر وسار في جموعه حتى وصل بلبيس ثم رجع عليلا فمات بصنجة بردويل فشقوه وصبروه ورموا حشوته هناك فهي ترجم إلى اليوم ودفن بقمامة وتملك القدس بعده القمص صاحب الرها وكان قدم القدس زائرا فوصى بغدوين له بالملك بعده انتهى كلام صاحب الدول وفيها كما قال في العبر ترحلت العساكر عن حصار الباطنية بالألموت لما بلغهم موت السلطان محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلان بن جعفر بيك بن ميكائيل بن سلجوق التركي غياث الدين أبو شجاع كان فارسا شجاعا فحلا ذا بر ومعروف استقل بالملك بعد موت أخيه بر كياروق وقد تمت لهما حروب عديدة وخلف محمد أربعة قد ولوا السلطنة محمود وسعود وطغرلبك وسليمان ودفن في ذي الحجة بأصبهان في مدرسة عظيمة للحنفية وقام بعده ابنه محمود ابن أربع عشرة سنة ففرق الأموال وقد خلف محمد أحد عشر ألف ألف دينار سوى ما يناسبها (4/30)

31 من الحواصل وعاش وثمانين سنة سامحه الله تعالى انتهى وفيها توفي حمد بن نصر بن أحمد بن محمد بن عمر بن علي بن معروف الهمذاني الأعمش أبو العلاء كان ثقة عمدة حافظا قاله ابن ناصر الدين وفيها أبو نصر الكاساني بمهملة نسبة إلى كاسان بلد وراء الشاش أحمد بن إسماعيل بن نصر بن أبي سعيد أخذ عن جماعة من الأعيان بالعراق والحجاز وسمرقند وخراسان وفيها أبو طاهر عبد الرحمن بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف اليوسفي البغدادي راوي سنن الدار قطني عن أبي بكر بن بشران عنه وكان رئيسا وافر الجلالة توفي في شوال عن ست وسبعين سنة وفيها أبو القاسم غانم بن محمد بن عبيد الله البرجي وبرج من قرى أصبهان سمع أبا نعيم الحافظ وأجاز له ابن شاذان والحسين الحمال وكان صدوقا فاضلا توفي في ذي القعدة عن أربع وتسعين سنة وفيها أبو علي بن نبهان الكاتب محمد بن سعيد بن إبراهيم الكرخي مسند العراق روى عن ابن شاذان وبشرى الفاتني وابن دوما وهو آخر أصحابهم قال ابن ناصر فيه تشيع وسماعه صحيح بقي قبل موته سنة ملقى على ظهره لا يعقل ولا يفهم وذلك من أول سنة إحدى عشرة وتوفي في شوال وله مائة سنة كاملة وله شعر وأدب وفيها أبو الفضل محمد بن علي بن محمد بن زببيا الحرقي البزار الفقيه الحنبلي ولد في العشر الأخير من المحرم سنة ست وثلاثين وأربعمائة وسمع من القاضي أبي يعلى والجوهري وابن المذهب وغيرهم وحدث وروى عنه (4/31)

32 السلفي وجماعة كثيرة منهم ابن ناصر وذكر عنه أنه يعتقد عقيدة الفلاسفة تقليدا عن غير معرفة نسأل الله العافية وقال ابن الجوزي قال شيخنا بن ناصر لم يكن بحجة على غير السمت المستقيم توفي ليلة السبت تاسع شوال سامحه الله ورحمه وفيها أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن الحافظ محمد بن إسحق بن مندة العبدي الأصبهاني الحافظ الحنبلي صاحب التاريخ روى الكثير عن جماعة منهم أبوه وعماه وابن ريذة وسمع منه المعجم الكبير للطبراني وخلق وسمع منه الكبار منهم الحافظ أبو القاسم إسماعيل التميمي ومحمد بن عبد الواحد الدقاق وخلق لا يحصون وقدم بغداد حاجا في الشيخوخة فأملى وحدث بها وأسمع بها أبا منصور الخياط وأبا الحسين بن الطيوري وهما أسن منه وأقدم إسنادا وسمع منه بها أيضا ابن ناصر وعبد الوهاب الأنماطي والشيخ عبد القادر الجيلي وابن الخشاب والحافظ السلفي وقال فيه يمدحه ) أن يحيى فديته من إمام * حافظ متقن تقي حليم ) ) جمع النبل والأصالة والعقل * وفي العلم فوق كل عليم ) وقال عبد الغافر في تاريخ نيسابور هو رجل فاضل من بيت العلم والحديث المشهور في الدنيا سمع من مشايخ أصبهان وسافر ودخل نيسابور وأدرك المشايخ وسمع منهم وجمع وصنف على الصحيحين وعاد إلى بلده وقال ابن السمعاني في حقه جليل القدر وافر الفضل واسع الرواية ثقة حافظ فاضل مكثر صدوق كثير التصانيف حسن السيرة بعيد التكليف أوحد بيته في عصره صنف تاريخ أصبهان وغيره من المجموع قال ابن رجب صنف مناقب العباس في أجزاء كثيرة ومناقب أحمد رضي الله عنه في مجلد كبير وتوفي في ذي الحجة وله أربع وسبعون وآخر أصحابه الطرسوسي (4/32)

33 سنة اثنتي عشرة وخمسمائة في الثالث والعشرين من شهر ربيع الآخر توفي الإمام المستظهر بالله أبو العباس أحمد بن المقتدي بالله عبد الله بن الأمير محمد بن القاسم العباسي وله اثنتان وأربعون سنة وكانت خلافته خمسا وعشرين سنة وثلاثة أشعر وكان قوي الكتابة جيد الأدب والفضيلة كريم الأخلاق مسارعا في أعمال البر توفي الخوانيق وغسله ابن عقيل شيخ الحنابلة وصلى عليه ابنه المسترشد بالله وخلف جماعة أولاد وتوفيت جدته أرجوان بعده بيسير وهي سرية محمد الذخيرة قاله في العبر وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء ولد في شوال سنة سبعين وأربعمائة وبويع له عند موت أبيه وله ست عشرة سنة قال ابن الأثير كان لين الجانب كريم الأخلاق يسارع في أعمال البر حسن الخط جيد التوقيعات لا يقاربه فيها أحد يدل على فضل غزير وعلم واسع سمحا جوادا محبا للعلماء والصلحاء ولم تصف له الخلافة بل كانت أيامه مضطربة كثيرة الحروب ومن شعره ) أذاب حر الهوى في القلب ما جمدا * يوما مددت إلى رسم الوداع يدا ) ) وكيف أسلك نهج الاصطبار وقد * أرى طرائق من يهوى الهوى قددا ) ) إن كنت انقض عهد الحب يا سكنى * من بعد حبي فلا عاينتكم أبدا ) انتهى كلام السيوطي ملخصا وفيها شمس الأئمة أبو الفضل بكر بن محمد بن علي الأنصاري الجابري الزرنجري بفتح الزاي والراء والجيم وسكون النون نسبة إلى زرنجري قرية ببخارى الفقيه شيخ الحنفية بما وراء النهر وعالم تلك الديار ومن كان يضرب به المثل في حفظ مذهب أبي حنيفة ولد سنة سبع وعشرين وأربعمائة وتفقه على شمس الأئمة محمد بن أبي سهل السرخسي وشمس الأئمة عبد العزيز بن أحمد (4/33)

34 الحلواني وشمع من أبيه ومن أبي مسعود البجلي وطائفة وروى البخاري عن أبي سهل الأبيوردي عن ابن حاجب الكشاني وفيها نور الهدى أبو طالب الحسين بن محمد الزينبي أخو طراد توفي في صفر وله اثنتان وتسعون سنة وكان شيخ الحنفية ورئيسهم بالعراق روى عن ابن غيلان وطبقته وحدث بالصحيح غير مرة عن كريمة المروزية وكان صدرا نبيلا علامة وفيها أبو القاسم الأنصاري العلامة سلمان بن ناصر بن عمران النيسابوري الشافعي المتكلم تلميذ إمام الحرمين وصاحب التصانيف وكان صوفيا زاهدا من أصحاب القشيري روى الحديث عن أبي الحسين عبد الغافر الفارسي وجماعة وتوفي في جمادى الآخرة قال ابن شهبة كان فقيها إماما في علم الكلام والتفسير زاهدا ورعا يكتسب من خطه ولا يخالط أحدا وشرح الإرشاد للإمام وله كتاب الغنية أصابه في آخر عمره ضعف في بصره ويسير وقر في أذنه انتهى ملخصا وفيها أبو البركات العاقولي طلحة بن أحمد بن طلحة بن أحمد بن الحسين بن سليمان الفقيه الحنبلي القاضي ولد يوم الجمعة بعد صلاتها ثالث عشرى شعبان سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة بدير العاقول وهي على خمسة عشر فرسخا من بغداد ودخل بغداد سنة ثمان وأربعين وأربعمائة واشتغل بالعلم سنة اثنتين وخمسين وسمع من أبي محمد الجوهري سنة ثلاث وخمسين ومن القاضي أبي يعلى وأبي الحسين بن حسنون وغيرهم قال ابن الجوزي قرأ الفقه على القاضي يعقوب وهو من متقدمي أصحابه وكان عارفا بالمذهب حسن المناظرة وقال ابن شافع سماعه صحيح وكان ثقة أمينا ومضى على السلامة والستر وقال ابن رجب روى عنه ابن ناصر والشيخ عبد القادر بالإجازة وتوفي طلحة العاقولي ليلة الثلاثاء ثاني (4/34)

35 أو ثالث شعبان وفيها عبيد بن محمد بن عبيد أبو العلاء القشيري التاجر مسند نيسابور روى عن أبي حسان المزكي وعبد الرحمن النصروي وطائفة ودخل المغرب للتجارة وحدث هناك توفي في شعبان وله خمس وتسعون سنة وفيها أبو القاسم بن الشواء يحيى بن عثمان بن الحسين بن عثمان بن عبد الله البيع الأزجي الفقيه الحنبلي ولد في شوال سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة وقرأ القرآن بالروايات وسمع من ابن المهتدي وابن المسلمة والجوهري والقاضي أبي يعلى وغيرهم وتفقه على القاضي أبي يعلى ثم على القاضي يعقوب وكان فقيها حسنا صحيح السماع وحدث بشيء يسير وروى عنه ابن المعمر الأنصاري في معجمه وتوفي ليلة الثلاثاء تاسع عشر جمادى الآخرة ودفن بمقبرة باب حرب رحمه الله تعالى سنة ثلاث عشرة وخمسمائة قال في العبر فيها ظهر قبر إبراهيم خليل الله عليه الصلاة والسلام وإسحق ويعقوب ورآهم جماعة لم تبل أجسادهم وعندهم في تلك المغارة قناديل من ذهب وفضة قاله حمزة بن القلانسي في تاريخه انتهى وفيها توفي أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادي الطفري شيخ الحنابلة وصاحب التصانيف ومؤلف كتاب الفنون الذي يزيد على أربعمائة مجلد وكان إماما مبرزا كثير العلوم خارق الذكاء مكبا على الاشتغال والتصنيف عديم النظير روى عن أبي علي بن الوليد وأبي القاسم بن التبان قال السلفي ما رأيت مثله وما كان أحد يقدر أن يتكلم معه لغوارة علمه وبلاغة كلامه وقوة حجته توفي في جمادى الأولى وله ثلاث وثمانون سنة قاله جميعه (4/35)

36 في العبر وقال ابن رجب في طبقاته ولد سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة في جمادى الآخرة كذا نقله ابن ناصر والسلفي وحفظ القرآن وقرأ بالقراءات والروايات على أبي الفتح بن شيطا وفي الزهد أبو بكر الدينوري وأبو بكر بن زيدان وأبو الحسين القزويني وذكر جماعة غيرهم من الرجال والنساء وفي أدب التصوف أبو منصور صاحب الزيادة العطار وأثنى عليه وفي الحديث ابن النوري وأبو بكر بن بشران والعشاري والجوهري وغيرهم وفي الشعر والترسل ابن شبل وابن الفضل وفي الفرائض أبو الفضل الهمذاني وفي الوعظ أبو طاهر بن العلاف صاحب ابن سمعون وفي الأصول أبو الوليد وأبو القاسم بن التبان وفي الفقه القاضي أبو يعلى المملوء عقلا وزهدا وورعا قرأت عليه سنة سبع وأربعين ولم أخل بمجالسه وخلواته التي تتسع لحضوري والمشي معه ماشيا وفي ركابه إلى أن توفي وحظيت من قربه بما لم يحظ به أحد من أصحابه مع حداثة سني والشيخ أبو إسحق الشيرازي إمام الدنيا وزاهدها وفارس المناظرة وواحدها كان يعلمني المناظرة وانتفعت بمصنفاته ومن مشايخي أبو محمد التميمي كان حسنة العالم وماشطة بغداد ومنهم أبو بكر الخطيب كان حافظ وقته كان أصحابنا الحنابلة يريدون مني هجران جماعة من العلماء وكان ذلك يحرمني علما نافعا ثم قال وعانيت من الفقر والنسخ بالأجرة مع عفة وتقى ولا أزاحم فقيها في حلقة ولا تطلب نفسي رتبة من رتب أهل العلم القاطعة لي عن الفائدة وتقلبت على الدول فما أخذتني دولة سلطان ولا عامة عما اعتقد أنه ألحق فأوذيت من أصحابي حتى طلب الدم وأوذيت في دولة النظام بالطلب والحبس فيا من خفت الكل لأجله لا تخيب ظني فيك وعصمني الله تعالى في عنفوان شبابي بأنواع العصمة وقصر محبتي على العلم وأهله فما خالطت لعابا قط ولا عاشرت من أمثالي في طلبة العلم والأذية (4/36)

37 التي ذكرها من أصحابه له وطلبهم منه هجران جماعة من العلماء نذكر بعض شرحها وذلك أن أصحابنا كانوا ينقمون على ابن عقيل تردده إلى ابن الوليد وابن التباني شيخي المعتزلة وكان يقرأ عليهما في السر علم الكلام ويظهر منه في بعض الأحيان نوع انحراف عن السنة وتأول لبعض الصفات ولم يزل فيه بعض ذلك إلى أن مات رحمه الله ففي سنة إحدى وستين اطلعوا له على كتب فيها شيء من تعظيم المعتزلة والترحم على الحلاج وغير ذلك ووقف على ذلك الشريف أبو جعفر وغيره فاشتد ذلك عليهم وطلبوا أذاه فاختفى ثم التجأ إلى دار السلطان ولم يزل أمره في تخبيط إلى سنة خمس وستين فحضر في أولها إلى الديوان ومعه جماعة من الأصحاب واصطلحوا ولم يحضر الشريف أبو جعفر فمضى ابن عقيل إلى بيته وصالحه وكتب خطه بالتبري من موالاة أهل البدع والترحم على أمواتهم وعلى الحلاج وأمثاله وأشهد عليه جماعة كثيرة من الشهود والعلماء قال ابن الجوزي وأفتى ابن عقيل ودرس وناظر الفحول واستفتى في الديوان في زمن القائم في زمرة من الكبار وجمع علم الفروع والأصول وصنف فيها الكتب الكبار وكان دائم التشاغل بالعلم حتى أني رأيت بخطه أني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة وبصري عن مطالعة أعملت فكري في حال راحتي وأنا منطرح فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره وقال ابن الجوزي أيضا وكان ابن عقيل قوي الدين حافظا للحدود وكان كريما ينفق ما يجد فلم يخلف سوى كتبه وثياب بدنه وكانت بمقدار كفنه وأداء دينه انتهى وكان رحمه الله تعالى بارعا في الفقه وأصوله له في ذلك استنباطات عظيمة حسنة وتحريرات كثيرة مستحسنة وله تصانيف كثيرة في أنواع العلم وأكبر تصانيفه كتاب الفنون وهو كبير جدا فيه فوائد كثيرة جليلة في الوعظ والتفسير والفقه والأصلين والنحو واللغة (4/37)

38 والشعر والتاريخ والحكايات وفيه مناظراته ومجلسه التي وقعت له وخواطره ونتائج فكره قيدها فيه قال ابن الجوزي وهذا الكتاب مائتا مجلد وقال عبد الرزاق الرسغي في تفسيره قال لي أبو البقاء اللغوي سمعت الشيخ أبا حكيم النهرواني يقول وقفت على السفر الرابع بعد الثلثمائة من كتاب الفنون وقال الحافظ الذهبي في تاريخه لم يصنف في الدنيا أكبر من هذا الكتاب حدثني من رأى منه المجلد الفلاني بعد الأربعمائة وقال بعضهم هو ثمانمائة مجلد وله في الفقه كتاب الفصول ويسمى كفاية المفتي في عشر مجلدات وله كتب كثيرة غير ذلك قال السلفي ما رأت عيناي مثل الشيخ أبي الوفاء بن عقيل ما كان أحد يقدر أن يتكلم معه لغزارة علمه وحسن إيراده وبلاغة كلامه وقوة حججه ولقد تكلم يوما مع شيخنا أبي الحسن الكيا الهراسي في مسألة فقال له شيخنا ليس هذا بمذهبك فقال أنا لي اجتهاد متى طالبني خصمي بحجة كان عندي ما أدفع به عن نفسي وأقول له بحجتي انتهى وكان ابن عقيل كثير التعظيم للإمام أحمد وأصحابه والرد على مخالفيهم وله مسائل كثيرة ينفرد بها منها أن الربا لا يحرى إلا في الأعيان الستة المنصوص عليها ومنها أن المشروع في عطية الأولاد التسوية بين الذكور والإناث ومنها أنه يجوز استئجار الشجر المثمر تبعا للأرض لمشقة التفريق بينهما ومنها أن الزرع والثمار التي تسقى بماء نجس طاهرة مباحة وإن لم تسق بعده بما طاهر ومنها أنه لا يجوز وطء المكاتبة وإن اشترط وطئها في عقد الكتابة ومنها أنه لا زكاة في حلى المواشط المعد للكرا إلى غير ذلك وتوفي أبو الوفاء رحمه الله تعالى بكرة الجمعة ثاني عشر جمادى الأولى وصلى عليه في جامعي القصر والمنصور وكان الجمع يفوت الإحصاء قال ابن ناصر خزرتهم بثلاثمائة ألف ودفن في دكة قبر الإمام أحمد رضي الله عنه وقبره ظاهر رضي الله عنه وقال ابن الجوزي حدثني بعض الأشياخ أنه لما احتضر ابن عقيل بكى النساء فقال قد وقعت عنه خمسين سنة (4/38)

39 فدعوني أتهنأ بلقائه انتهى ما أورد ابن رجب ملخصا كثيرا ثم قال وكان لابن عقيل ولدان ما تا في حياته أحدهما أبو الحسن عقيل كان في غاية الحسن وكان شابا فهما ذا حظ حسن قال ابن القطيعي حكى والده أنه ولد ليلة حادي عشرى رمضان سنة إحدى وثمانين وأربعمائة وحكى غيره أنه سمع من هبة الله بن عبد الرزاق الأنصاري وعلي بن حسين بن أيوب وغيرهما وتفقه على أبيه وناظر في الأصول والفروع وسمع الحديث الكثير وشهد عند قاضي القضاة أبي الحسن بن الدامغاني فقبل قوله وكان فقيها فاضلا يقول الشعر وكان يشهد مجلس الحكم ويحضر الموكب وتوفي رحمه الله يوم الثلاثاء منتصف محرم سنة عشر وقيل سنة ثلاث عشرة قبل والده بشهر واحد وكان له من العمر سبع وعشرون سنة ودفن في داره فلما مات أبوه نقل معه إلى دكة الإمام أحمد قال والده مات ولدي عقيل وكان قد تفقه وناظر وجمع أدبا حسنا فتعزيت بقصة عمرو ابن عبد ود الذي قتله علي رضي الله عنه فقالت أمه ترثيه ) لو كان قاتل عمرو غير قاتله * ما زلت أبكي عليه دائم الأبد ) ) لكن قاتله من لا يقاد به * من كان يدعى أبوه بيضة البلد ) فأسلاها وعزاها جلالة القاتل وفخرها بأن ابنها مقتوله فنظرت إلى قاتل ولدي الحكيم المالك فهان علي القتل والمقتول لجلالة القاتل واكب عليه وقبله وهو في أكفانه وقال يا بني أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه الرب خير لك مني ثم مضى وصلى عليه ومن شعر عقيل هذا ) شاقه والشوق من غيره * طلل عاف سوى أثره ) ) مقفر إلا معالمه * وأكف بالودق من مطره ) ) فانثنى والدمع منهمل * كانسلال السلك عن درره ) (4/39)

40 ) طاويا كشحا على نوب * سيحات لسن من وطره ) ) رحلة الأحباب عن وطني * وحلول الشيب في شعره ) ) شيم للدهر سالفة * مستبينات لمختبره ) ) وقبول الدر مبسمها * أبلج يفتر عن خصره ) ) هز عطفيها الشباب كما * ماس غصن البان في شجره ) ) ذات فرع فوق ملتمع * كدجى أبدي سنى قمره ) ) خصرها يشكو روادفها * كاشتكاء الصب من سهره ) ) نصبت قلبي لها غرضا * فهو مصمى بمعتوره ) والآخر أبو منصور هبة الله ولد في ذي الحجة سنة أربع وسبعين وأربعمائة وحفظ القرآن وتفقه وظهر منه أشياء تدل على عقل غزير ودين عظيم ثم مرض وطال مرضه وأنفق عليه أبوه مالا في المرض وبالغ قال أبو الوفاء قال لي ابني لما تقارب أجله يا سيدي قد أنفقت وبالغت في الأدوية والطب والأدعية ولله تعالى في اختيار فدعني مع اختياره قال فوالله ما أنطق الله سبحانه ولدي بهذه المقالة التي تشاكل قول إسحق لإبراهيم افعل ما تؤمر إلا وقد اختاره للحظوة توفي رحمه الله تعالى سنة ثمان وثمانين وأربعمائة وله نحو أربع عشرة سنة وحمل أبو الوفاء رحمه الله تعالى في نفسه من شدة الألم أمرا عظيما ولكنه تصبر ولم يظهر جزعا وكان يقول لولا أن القلوب توقن باجتماع ثان لانفطرت المرائر لفراق المحبوبين انتهى ملخصا أيضا وفيها قاضي القضاة أبو الحسن الدامغاني علي بن قاضي القضاة أبي عبد الله الحنفي ولى القضاء بضعا وعشرين سنة وكان ذا حزم ورأي وسؤدد وهيبة وافرة وديانة ظاهرة روى عن أبي محمد الصريفيني وجماعة وتفقه على والده وتوفي في المحرم عن أربع وستين سنة وفيها أبو سعد المخرمي المبارك بن علي بن الحسن بن بندار البغدادي (4/40)

41 الفقيه الحنبلي روى عن القاضي أبي يعلى وابن المهتدي وابن المسلمة والصريفيني وابن النقور وغيرهم وسمع من القاضي أبي يعلى شيئا من الفقه ثم تفقه على صاحبه الشريف أبي جعفر ثم القاضي يعقوب ثم القاضي البرزبيني وأفتى ودرس وجمع كتبا كثيرة لم يسبق إلى جمع مثلها وكان حسن السيرة جميل الطريقة سديد الأقضية وتوفي عشر المحرم ودفن إلى جانب أبي بكر الخلال عند رجلي الإمام أحمد رضي الله عنه وفيها أبو الفضل بن الموازيني محمد بن الحسن بن الحسين السلمي الدمشقي العابد أخي أبي الحسن روى عن أبي عبد الله بن سلوان وجماعة وفيها أبو بكر محمد بن طرخان بن بلتكين بن مبارز التركي ثم البغدادي الشافعي المحدث النحوي أحد الفضلاء روى عن أبي جعفر بن المسلمة وطبقته وتفقه على الشيخ أبي إسحق وكان ينسخ بالأجرة وفيه زهد وورع تام وفيها خوروست أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن الحسين الأصبهاني المجلد روى عن أبي الحسين بن فادشاه وابن ريذة وتوفي في جمادى الأولى وفيها محمد بن عبد الباقي أبو عبد الله الدوري السمسار الصالح روى عن الجوهري وأبي طالب العشاري ومات في صفر عن تسع وسبعين سنة سنة أربع عشرة وخمسمائة فيها توفي أبو علي بن بليمة الحسن بن خلف القيرواني المقرئ مؤلف تلخيص العبارات في القراءات توفي في رجب في الإسكندرية وهو في عشر التسعين قرأ على جماعة منهم أبو العباس أحمد بن نفيس وفيها الطغرائي الوزير مؤيد الدين أبو إسماعيل الحسين بن علي الأصبهاني (4/41)

42 صاحب ديوان الإنشاء للسلطان محمد بن ملكشاه واتصل بابنه مسعود ثم أخذ الطغرائي أسيرا وذبح بين يدي الملك محمود في ربيع الأول وقد نيف على الستين وكان من أفراد الدهر وحامل لواء النظم والنثر وهو صاحب لامية العجم قاله في العبر وقال ابن خلكان ذكره ابن السمعاني وأثنى عليه وأورد له قطعة من شعره في صفة الشمعة وللطغرائي المذكور ديوان شعر جيد ومن محاسن شعره قصيدته المعروفة بلامية العجم وكان عملها ببغداد في سنة خمس وخمسمائة يصف حاله ويشكو زمانه وهي التي أولها ) أصالة الرأي صانتني عن الخطل * وحلية الفضل زانتني لدى العطل ) ومن رقيق شعره قوله ) يا قلب مالك والهوى من بعدما * طاب السلو وأقصر العشاق ) ) أو ما بدا لك في الأفاقة والأولى * نازعتهم كاس الغرام أفاقوا ) ) مرض النسيم فصح والداء الذي * تشكوه لا يرجى له أفراق ) ) وهدى خفوق البرق والقلب الذي * تطوي عليه أضالعي خفاق ) وله ) أجما البكا يا مقلتي فإننا * على موعد للبين لا شك واقع ) ) إذا جمع العشاق موعدهم غدا * فواخجلتا إن لم تعني المدامع ) وذكر العماد الكاتب في كتاب نصرة الفترة وعصرة القطرة أن الطغرائي المذكور كان ينعت بالأستاذ وكان وزير السلطان مسعود بن محمد السلجوقي بالموصل وأنه لما جرى بينه وبين أخيه السلطان محمود المصاف بالقرب من همذان وكانت الظفرة لمحمود فأول من أخذ الأستاذ أبو إسماعيل وزير مسعود فأخبر به وزير محمود وهو الكمال نظام الدين أبو طالب بن أحمد بن حرب السميري فقال الشهاب أسعد وكان طغرائيا في ذلك الوقت نيابة عن النصير الكاتب هذا الرجل ملحد يعني الأستاذ فقال وزير محمود من يكن ملحدا يقتل فقتل ظلما وقد كانوا خافوا منه وقتل سنة أربع عشرة وقيل (4/42)

43 ثمان عشرة وقد جاوز ستين سنة وفي شعره ما يدل على أنه بلغ سبعا وخمسين سنة لأنه قال وقد جاءه مولود ) هذا الصغير الذي وافى على كبر * أقر عيني ولكن زاد في فكري ) ) سبع وخمسون لو مرت على حجر * لبان تأثيرها في ذلك الحجر ) والله تعالى أعلم بما عاش بعد ذلك وقتل الكمال السميري الوزير المذكور يوم الثلاثاء سلخ صفر سنة ست عشرة وخمسمائة في السوق ببغداد عند المدرسة النظامية قيل قتله عبد أسود كان للطغرائي المذكور لأنه قتل أستاذه والطغرائي بضم الطاء المهملة وسكون الغين المعجمة نسبة إلى من يكتب الطغراء وهي الطرة التي تكتب فوق البسملة في أعلى الكتب بالقلم الغليظ ومضمونها نعوت الملك الذي صدر الكتاب عنه وهي لفظة أعجمية انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا وفيها أبو علي بن سكرة الحافظ الكبير حسين بن محمود بن فيره بن حيون الصدفي السرقسطي الأندلسي سمع من أبي العباس بن دلهاث وطائفة وحج سنة إحدى وثمانين فدخل على الحبال وسمع ببغداد من مالك البانياسي وطبقته وأخذ التعليقة الكبرى عن أبي علي الشاشي المستظهري وأخذ بدمشق عن الفقيه نصر التصانيف وقد أكره على القضاء فوليه ثم اختفى حتى أعفى واستشهد في مصاف قتندة في ربيع الأول وهو من أبناء الستين وأصيب المسلمون يومئذ قال ابن ناصر الدين هو حافظ متقن كبير ثقة مأمون وفيها توفي بالجند كما قال ابن الأهدل الفقيه الإمام زيد بن عبد الله بن جعفر اليفاعي اليمني (4/43)

44 نسبة إلى يفاعة مكان باليمن تفقه على الشيخ الإمام أبي بكر بن جعفر المخائي والمخامن سواحل اليمن وكانت وفاة المخائي سنة خمسمائة وقد تخرج به جماعة وكان يحفظ المجموع للمحاملي والجامع في الخلاف لأبي جعفر وتفقه زيد اليفاعي بأبي إسحق الصردفي وزوجه الصردفي ابنته كما تقدم ثم ارتحل زيد إلى مكة المرة الأولى فقرأ على تلميذ الشيخ أبي إسحق الشيرازي الحسين بن علي الشاشي مصنف العدة وغيره ثم رجع إلى الجند واجتمع عليه الموافق والمخالف من أهل اليمن وقرأ عليه الإمام يحيى صاحب البيان نكت الشيخ أبي إسحق في الخلاف وعدة كتب وقرأ عليه أيضا عبد الله الهمذاني وعبد الله بن يحيى الصعبي وذلك في دولة أسعد بن أبي الفتوح الحميري الذي قتله أصحابه بحصن تعز ودفنوه فيه ونبشه سيف الإسلام أبو أيوب ودفنه في مقابر المسلمين وكان زيد صغير الجسم وله مهابة عظيمة وسئل زيد عن الفقيه إبراهيم بن علي بن الإمام الحسين بن علي الطبري صاحب العدة كيف حاله في العلم فقال هو مجود لولا أنه اشتغل بالعبادة مع الصوفية فقيل له هذه طريقة غير ملومة فقال كان جده الحسين الطبري يكره ذلك ويقول اشتغال العالم بالعبادة فرار من العلم وقد نص الشافعي رحمه الله تعالى أن طلب العلم أفضل من صلاة النفل وحديث لأن يهدي الله بك رجلا واحدا دليل على ذلك وعلم الباطن هو نتيجة العلم الظاهر لأن الأنبياء قادة الخلق إلى الله والعلماء ورثتهم ولم يرثوا غير العلم الظاهر فمن استعمل رسوم الشريعة الظاهرة كما جاءت عن الأنبياء فقد اهتدى وهدى وهم المشار إليهم بقوله تعالى ) ^ وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا ) ولا شك أن العالم بأحكام الله إذا استبطن التقوى واستشعر العمل أورثه ذلك العلم بالله الذي هو أجل العلوم والمراد بالعلم بالله علم التوحيد الذي هو إثبات وحدانية بنفي الشريك والأضداد إيمانا جازما وآيات الصفات (4/44)

45 والملائكة والأنبياء والكتب المنزلات وأفضل العلوم بعده علم الفقه الذي يستفاد من الكتاب والسنة اللذين ضمن الله العصمة في جانبهما ولم يضمنها في جانب الكشف والإلهام والمشاهد كذا نقله صاحب الأصل عن غير واحد من المحققين منهم الشيخ القطب أبو الحسن الشاذلي نفه الله به انتهى كلام ابن الأهدل بحروفه وفيها أبو نصر عبد الرحيم بن الإمام عبد الكريم أبي القاسم بن هوازن القشيري وكان إماما مناظرا مفسرا أديبا علامة متكلما وهو الذي أصل الفتنة ببغداد بين الأشاعرة والحنابلة ثم فتر أمره وقد روى عن أبي حفص بن مسرور وطبقته وآخر من روى عنه سبطه أبو سعيد بن الصفار توفي في جمادى الآخرة وهو في عشر الثمانين وأصابه فالج في آخر عمره قاله في العبر وقال ابن الأهدل ولما توفي دفن بمشهدهم المعروف بهم وفيه يقول إمام الحرمين ) يميس بغصن إذا ما بدا * ويبدو كشمس ويرنو كريم ) ) معاني النجابة مجموعة * لعبد الرحيم بن عبد الكريم ) وحكايته عنه في النهاية من أعظم الاتصاف ومنه قوله في ولده فضل الله ) كم حسرة لي في الحشا * من ولدي حين نشا ) ) كنا نشا فلاحه * فما نشا كما نشا ) انتهى وفيها أبو القاسم علي بن جعفر البغدادي الصقلي بن القطاع المصري الدار والوفاة اللغوي كان أحد أئمة الأدب خصوصا اللغة وله تصانيف نافعة منها كتاب الأفعال أحسن فيه كل الإحسان وهو أجدى من الأفعال لابن القوطية وكان ذلك قد سبقه إليه وله كتاب أبنية الأسماء جمع فيه فأوعى وفيه دلالة على كثرة اطلاعه وله عروض حسن جيد وله كتاب الدرة الخطيرة في المختار من شعراء الجزيرة وكتاب لمح الملح جمع فيه خلقا كثيرا من شعراء الأندلس وكانت ولادته في عاشر صفر سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة (4/45)

46 بصقلية وقرأ الأدب على فضلائها كابن عبد البر وأمثاله وأجاد النحو غاية الإجادة ورحل عن صقلية لما أشرف على تملكها الفرنج ووصل إلى مصر في حدود سنة خمسين وبالغ أهل مصر في إكرامه وكان ينسب إلى التساهل في الرواية ونظم الشعر في سنة وأربعين ومن شعره في ألثغ ) وشادن في لسانه عقد * حلت عقودي وأوهنت جلدي ) ) عابوه جهلا بها فقلت لهم * أما سمعتم بالنفث في العقد ) وله في غلام اسمه حمزة ) يا من رمى النار في فؤادي * وأمطر العين بالبكاء ) ) اسمك تصحيفه بقلبي * وفي ثناياك برء دائي ) ) اردد سلامي فإن نفسي * لم يبق منها سوى الدماء ) ) وارفق بصب أتى ذليلا * قد مزج اليأس بالرجاء ) ) أنحله في الهوى التجني * فصار في رقة الهواء ) وكانت ولادته في سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة هكذا ذكره في كتابه الدرة الخطيرة في شعراء الجزيرة عند ذكر ترجمة نفسه رحمه الله تعالى في أواخر الكتاب المذكور وتوفي بمصر قاله ابن خلكان وفيها أبو الحسن عبد العزيز بن عبد الملك بن شفيع الأندلسي المريي المقرئ تلميذ عبد الله بن سهل تصدر للإقراء مدة وحدث عن ابن عبد البر وجماعة وفي روايته عن ابن عبد البر كلام توفي في عشر التسعين وفيها أبو الحسن بن الموازيني علي بن الحسن السلمي أخو محمد روى عن ابن سعدان وابني عبد الرحمن بن أبي نصر وطائفة وعاش أربعا وثمانين سنة وفيها محمود بن إسماعيل أبو منصور الأصبهاني الصيرفي الأشقر راوي المعجم الكبير عن ابن فاد شاه عن مؤلفه الطبراني وله ثلاث وتسعون سنة توفي في ذي القعدة قال السلفي كان صالحا (4/46)

47 سنة خمس عشرة وخمسمائة ) فيها احترقت دار السلطنة ببغداد وذهب ما قيمته ألف ألف دينار وفيها توفي أبو علي الحداد الحسن الأصبهاني المقرئ المجود مسند الوقت توفي في ذي الحجة عن ست وتسعين سنة وكان مع علو إسناده أوسع أهل وقته رواية حمل عن أبي نعيم وكان خيرا صالحا ثقة وفيها الأفضل أمير الجيوش شاه شاه أبو القاسم بن أمير الجيوش بدر الجمالي الأرمني كان في الحقيقة هو صاحب الديار المصرية ولى بعد أبيه وامتدت أيامه وكان شهما مهيبا بعيد الغور فحل الرأي ولى وزارة السيف والقلم للمستعلى ثم للآمر وكانا معه صورة بلا معنى وكان قد أذن للناس في إظهار عقائدهم وأمات شعار دعوة الباطنية فمقتوه لذلك وكان مولده بعكا سنة ثمان وخمسين وأربعمائة وخلف من الأموال ما يستحيا من ذكره وثب عليه ثلاثة من الباطنية فضربوه بالسكاكين فقتلوه وحمل بآخر رمق وقيل الآمر دسهم عليه بتدبير أبي عبد الله البطايحي الذي وزر بعده ولقب بالمأمون قاله في العبر وفيها أبو سعد عبد الوهاب بن حمزة بن عمر البغدادي الفقيه الحنبلي المعدل ولد في أحد الربيعين سنة سبع وخمسين وأربعمائة وسمع من ابن النقور والصريفيني وابن البسرى والحميدي وتفقه على أبي الخطاب وأفتى وبرع في الفقه وشهد عند قاضي القضاة أبي الحسن بن الدامغاني وكان مرضى الطريقة جميل السيرة من أهل السنة وهو من أهل السنة وهو شيخ أبي حكيم النهرواني الذي تفقه عليه وروى عنه حكاية ولم يحدث إلا باليسير توفي ليلة الثلاثاء ثالث شعبان ودفن بمقبرة الإمام أحمد قاله ابن رجب وفيها أبو بكر بن الدنف محمد بن علي بن عبيد بن الدنف البغدادي المقرئ الزاهد أبو بكر ولد في صفر سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة وسمع الحديث من ابن (4/47)

48 المسلمة وابن المهتدي والصريفيني وابن النقور وطبقتهم وتفقه على الشريف أبي جعفر وحدث بشيء يسير سمع منه ابن ناصر وروى عنه المبارك بن خضير وابن كامل وابن بوش وغيرهم وكان من الزهاد الأخيار ومن أهل السنة انتفع به خلق كثير ذكره ابن الجوزي وتوفي يوم الاثنين سابع شوال ودفن بمقبرة الإمام أحمد والدنف بفتح الدال المهملة وكسر النون وآخره فاء قاله ابن رجب وفيها أبو علي بن المهدي محمد بن محمد بن عبد العزيز الخطيب روى عن ابن غيلان والعتيقي وجماعة وكان صدوقا نبيلا ظريفا توفي في شوال عن ثلاث وثمانين سنة وفيها هزاراست بن عوض أبو الخير الهروي الحافظ توفي في ربيع الأول وكان عالما صاحب حديث وإفادة بليغة وحرص على الطلب سمع من طراد ومن بعده ومات قبل أوان الرواية سنة ست عشرة وخمسمائة فيها توفي إيل غازي بن رائق بن اكسب نجم الدين التركماني صاحب ماردين وليها بعد أخيه سقمان وكانا من أمراء تتش صاحب الشام وكان إيلغازي قد استولى على حلب بعد موت أولاد تتش واستولى على ميافارقين وكان فارسا شجاعا كثير الغزو كثير العطاء ولى بعده بماروين ابنه حسام الدين تمرتاش وفيها الباقرحي بفتح القاف وسكون الراء ثم مهملة نسبة إلى باقرحا من قرى بغداد أبو علي الحسن بن محمد بن إسحق روى عن أبي الحسن القزويني والبرمكي وخلق وتوفي في رجب وفيها البغوي محي السنة أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء ويعرف تارة بالفرا الشافعي المحدث المفسر صاحب التصانيف وعالم أهل خراسان (4/48)

49 روى عن أبي عمر المليحي وأبي الحسن الداودي وطبقتهما وكان سيدا زاهدا قانعا يأكل الخبز وحده فليم في ذلك فصار يأكله بالزيت وكان أبوه يصنع الفراء وتوفي ركن الدين محي السنة بمرو الروذ في شوال ودفن عند شيخه القاضي حسين قاله في العبر وقال ابن الأهدل هو صاحب الفنون الجامعة والمصنفات النافعة مع الزهد والورع والقناعة وتفقه بالقاضي حسين ولازمه وسمع الحديث على جماعة ثم برع فصنف التصانيف النافعة منها معالم التنزيل والجمع بين الصحيحين والمصابيح وغيرها وصنف في الفقه التهذيب وشرح السنة وكان لا يلقي الدرس إلا على طهارة ونسبته إلى بغ قرية بقرب هراة انتهى وقال السبكي في تكملة شرح المهذب قل إن رأيناه يختار شيئا إلا وإذا بحث عنه وجد أقوى من غيره هذا مع اختصار كلامه وهو يدل على نبل كثير وهو حري بذلك فإنه جامع لعلوم القرآن والسنة والفقه انتهى قال الذهبي ولم يحج وأظنه جاوز الثمانين رحمه الله تعالى وفيها أبو محمد السمرقندي الحافظ عبد الله بن أحمد بن عمر بن أبي الأشعث أخو إسماعيل ولد بدمشق وسمع بها من أبي بكر الخطيب وابن طلاب وجماعة وببغداد من أبي الحسين بن النقور ودخل إلى نيسابور وأصبهان وعنى بالحديث وخرج لنفسه معجما في مجلد وعاش اثنتين وسبعين سنة قال ابن ناصر الدين كان من الثقات النقاد وفيها أبو القاسم بن الفحام الصقلي عبد الرحمن بن أبي بكر عتيق بن خلف مصنف التجريد في القراءات كان أسند من بقى بالديار المصرية في القراءات قرأ على ابن نفيس وطبقته ونيف على التسعين وتوفي في ذي القعدة وفيها أبو طالب اليوسفي عبد القادر بن محمد بن عبد القادر البغدادي في ذي الحجة وهو في عشر التسعين روى الكتب الكبار عن ابن المذهب والبرمكي وكان ثقة عدلا رضيا عابدا قاله في العبر (4/49)

50 وفيها أبو طالب السمناني علي بن أحمد الوزير وزر ببغداد للسلطان محمود وظلم وفسق وتجبر ومرق حتى قتل على يدي الباطنية قاله في العبر أيضا وفيها أبو محمد الحريري صاحب المقامات القاسم بن علي بن محمد بن عثمان البصري الأديب حامل لواء البلاغة وفارس النظم والنثر وكان من رؤساء بلده روى الحديث عن أبي تمام محمد بن الحسين وغيره وعاش سبعين سنة وتوفي في رجب وخلف ولدين النجم عبد الله وضياء الإسلام عبيد الله قاضي البصرة قاله في العبر وقال ابن خلكان كان أحد أئمة عصره ورزق الحظوة التامة في عمل المقامات واشتملت على شيء كثير من كلام العرب من لغاتها وأمثالها ورموز أسرار كلامها ومن عرفها حق معرفتها استدل بها على فضل هذا الرجل وكثرة اطلاعه وغزارة مادته وكان سبب وضعها ما حكاه ولده أبو القاسم عبد الله قال كان أبي جالسا في مسجد بني حرام فدخل شيخ ذو طمرين عليه أهبة السفر رث الحال فصيح الكلام حسن العبارة فسألته الجماعة من أين الشيخ فقال من سروج فاستخبروه عن كنيته فقال أبو زيد فعمل أبي المقامة المعروفة بالحرامية وهي الثامنة والأربعون وعزاها إلى أبي زيد المذكور واشتهرت فبلغ خبرها الوزير شرف الدين أنو شروان بن خالد بن محمد القاشاني وزير الإمام المسترشد بالله فلما وقف عليها أعجبته فأشار إلى والدي أن يضم إليها غيرها فأتمها خمسين وإلى الوزير المذكور أشار الحريري في خطبة المقامات بقوله فأشار من إشارته حكم وطاعته غنم إلى أن أنشئ مقامات أتلو فيها تلو البديع وإن لم يدرك الظالع شأو الضليع فهذا كان مستنده في نسبها إلى أبي زيد السروجي وذكر القاضي جمال الدين بن الحسن بن علي الشيباني القفطي وزير حلب في كتابه المسمى أنباه الرواه على ألباب النحاه أن أبا زيد المذكور اسمه المطهر بن سلام (4/50)

51 كان بصيرا نحويا لغويا صحب الحريري المذكور واشتغل عليه بالبصرة وتخرج به وروى عنه القاضي أبو الفتح محمد بن أحمد بن المندالي الواسطي ملحة الإعراب وذكر أنه سمعها منه عن الحريري وقال قدم علينا واسط سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة فسمعنا منه وتوجه منها مصعدا إلى بغداد فوصلها وأقام بها مدة يسيرة وتوفي بها وكذا ذكره السمعاني في الذيل والعماد في الخريدة وأما تسميته الراوي بالحارث بن همام فإنما عنى به نفسه وهو مأخوذ من قوله كلكم حارث وكلكم همام فالحارث الكاسب والهمام الكثير الاهتمام وما من شخص إلا وهو حاث وهمام لأن كل أحد كاسب ومتهم بأموره وقد اعتنى بشرحها خلق كثير فمنهم من طول ومنهم من اختصر ورأيت في بعض المجاميع أن الحريري لما عمل المقامات عملها أربعين مقامة وحملها من البصرة إلى بغداد وادعاها فلم يصدقه جماعة من أدباء بغداد وقالوا أنها ليست من تعليقه بل هي لرجل مغربي من أهل البلاغة مات بالبصرة ووقعت أوراقه إليه فادعاها فاستدعاه الوزير إلى الديوان وسأله عن صناعته فقال أنا رجل منشئ فاقترح عليه إنشاء رسالة في واقعة عينها فانفرد في ناحية من الديوان وأخذ الدواه والورقة ومكث زمانا فلم يفتح الله عليه بشيء من ذلك فقام وهو خجلان وكان في جملة من أنكر دعوا في عملها أبو القاسم علي بن أفلح الشاعر فلما لم يعمل الحريري الرسالة التي اقترحها الوزير أنشد ابن أفلح ) شيخ لنا من ربيعة الفرس * ينتف عثنونه من الهوس ) ) أنطقه الله بالمشان كما * رماه وسط الديوان بالخرس ) وكان الحريري يزعم أنه من ربيعة الفرس وكان مولعا بنتف لحيته عند (4/51)

52 الفكرة وكان يسكن في مشان البصرة فلما رجع إلى بلده عمل عشر مقامات أخر وسيرها واعتذر من عيه وحصره بالديوان مما لحقه من المهابة وللحريري تآليف حسان منها درة الغواص في أوهام الخراص ومنها ملحة الإعراب وشرحها وله ديوان رسائل وشعر كثير غير شعره الذي في المقامات فمن ذلك قوله وهو معنى حسن ) قال العواذل ما هذا الغرام به * أما ترى الشعر في خديه قد نبتا ) ) فقلت والله لو أن المفند لي * تأمل الرشد في عينيه ما ثبتا ) ) ومن أقام بأرض وهي مجدبة * فكيف يرحل عنها والربيع أتى ) وذكر له العماد الكاتب في الخريدة ) كم ظباء بحاجر * فتنت بالمحاجر ) ) ونفوس نفائس * خدرت بالمخادر ) ) وتثن لخاطر * هاج وجدا لخاطر ) ) وعذار لأجله * عاذلي فيه عاذري ) ) وشجون تظافرت * عند كشف الضفائر ) ويحكى أنه كان ذميما قبيح المنظر فجاءه شخص غريب يزوره ويأخذ عنه شيئا فلما رآه اشتزرى ففهم الحريري ذلك منه فلما التمس منه أن يملي عليه قال له اكتب ) ما أنت أول سار غره قمر * ورائد أعجبته خضرة الدمن ) ) فانظر لنفسك غيري إنني رجل * مثل المعيدي فاسمع بي ولا ترني ) فخجل الرجل منه وانصرف عنه وكانت ولادة الحريري في سنة ست وأربعين وأربعمائة وتوفي بالبصرة في سكة بني حرام وخلف ولدين قال أبو منصور الجواليفي أجازني المقامات نجم الدين عبد الله وقاضي قضاة البصرة ضياء الإسلام عبيد الله عن ابيهما منشئها والمشان بليدة فوق البصرة كثيرة (4/52)

53 النخل موصوفة بشدة الرخم وكان أهل الحريري منها ويقال أنه كان له بها ثمانية عشر ألف نخلة وأنه كان من ذوي اليسار انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا ويحكى أن الحريري جاءه رجل يقرأ عليه مقاماته فلما وصل إلى قوله ) يا أهل ذا المغنى وقيتم شرا * ولا لقيتم ما بقيتم ضرا ) ) قد دفع الليل الذي اكفهرا * إلى حماكم شعثا مغبرا ) فصحفها سغبا معترا فقال له الحريري الرواية شعثا مغبرا ولكن والله لولا إني كتبت خطى على أكثر من خمسمائة نسخة وطارت في الآفاق لأصلحت البيت وجعلته كما أنشدته أنت فإن الطارق ليلا المناسب له أن يكون سغبا معترا لا شعثا مغبرا وعكسه الآتي نهارا وبالجملة فالشيخ رحمه الله تعالى كان أعجوبة الدهر ونادرة الزمان فرحمه الله تعالى وأجزل له الغفران آمين وفيها الدقاق أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد الأصبهاني الحافظ الرحال عن ثمانين سنة روى عن عبد الله بن شبيب الخطيب والباطرقاني وعبد الرحمن بن أحمد المراري وعنى بهذا الفن وكتب عمن دب ودرج وكان محدثا أثريا فقيرا متقللا توفي في شوال سنة سبع عشرة وخمسمائة في أولها التقى الخليفة المسترشد بالله ودبيس الأسدي وكان دبيس قد طغى وتمرد ووعد عسكره بنهب بغداد فجرد المسترشد يومئذ سيفه ووقف على تل فانهزم جمع دبيس وقتل خلق منهم وقتل من جيش الخليفة نحو العشرين وعاد مؤيدا منصورا وذهب دبيس فعاث ونهب وقتل بنواحي البصرة وفيها توفي ابن الطيوري أبو سعد أحمد بن عبد الجبار الصيرفي ببغداد في رجب عن ثلاث وثمانين سنة وكان صالحا أكثر بإفادة أخيه المبارك (4/53)

54 وروى عن ابن غيلان والخلال وأجاز له الصوري وأبو علي الأهوازي وفيها ابن الخياط الشاعر المشهور أبو عبد الله أحمد بن محمد بن علي بن يحيى بن صدقة الثعلبي الدمشقي الكاتب كان من الشعراء المجيدين طاف البلاد وامتدح الناس ودخل بلاد العجم وامتدح بها ولما اجتمع بأبي الفتيان بن حيوس الشاعر بحلب وعرض عليه شعره قال قد نعاني هذا الشاب إلى نفسي فقلما نشأ ذو صناعة مهر فيها إلا وكان دليلا على موت الشيخ من أبناء جنسه وشعره في الذروة العليا ولو لم يكن له إلا قصيدته البائية لكفاه فكيف وأكثر قصائده غرر وهي ) خذا من صبا نجد أمانا لقلبه * فقد كاد رياها يطير بلبه ) ) وإياكما ذاك النسيم فإنه * متى هب كان الوجد أيسر خطبه ) ) خليلي لو أحببتما لعلمتما * محل الهوى من مغرم القلب صبه ) ) تذكر والذكرى تشوق وذو الهوى * يتوق ومن يعلق به الحب يصبه ) ) غرام على يأس الهوى ورجائه * وشوقي على بعد المزار وقربه ) ) وفي الركب مطوى الضلوع على جوى * متى يدعه داعي الغرام يلبه ) ) إذا خطرت من جانب الرمل نفحة * تضمن منها داه دون صحبه ) ) ومحتجب بين الأسنة معرض * وفي القلب من إعراضه مثل حجبه ) ) أغار إذا آنست في الحي أنه * حذارا وخوفا أن تكون لحبه ) وهي طويلة وله بيتان من قصيدة ) وبالجزع حي كلما عن ذكرهم * أمات الهوى مني فؤادا وأحياه ) ) تمنيهم بالرقمين ودارهم * بوادي الغضا يا بعد ما أتمناه ) قال صاحب العبر يعرف ابن الخياط بابن سناء الدولة الطرابلسي عاش سبعا وستين سنة وكتب أولا لبعض الأمراء ثم مدح الملوك والكبار وبلغ في النظم الذروة العليا أخذ يحدث عن أبي الفتيان محمد بن حيوس وأخذ عنه ابن (4/54)

55 القيسراني قال السلفي كان شاعر الشام في زمانه قد اخترت من شعره مجلدة لطيفة فسمعتها منه قال ابن القيسراني وقع الوزير هبة الله بن بديع لابن الخياط مرة بألف دينار توفي في رمضان بدمشق وفيها حمزة بن العباس العلوي أبو محمد الأصبهاني الصوفي روى عن أبي الطاهر بن عبد الرحيم وتوفي في جمادى الأولى وفيها ظريف بن محمد بن عبد العزيز أبو الحسن الحيري النيسابوري روى عن أبي حفص بن مسرور وطائفة وكان ثقة من أولاد المحدثين توفي في ذي القعدة وله ثمان وثمانون سنة وفيها أبو محمد الشنتريني بفتح المعجمة أوله والفوقية وسكون النون وكسر الراء نسبة إلى شنترين مدينة من عمل باجة قاله السيوطي وقال ابن خلكان هي بلدة في غرب جزيرة الأندلس عبد الله بن محمد بن سارة البكري الشاعر المفلق اللغوي وله ديوان معروف قال ابن خلكان كان شاعرا ماهرا ناظما ناثرا إلا أنه كان قليل الحظ إلا من الحرمان لم يسعه مكان ولا اشتمل عليه سلطان ذكره صاحب قلائد العقيان وأثنى عليه ابن بسام في الذخيرة وقال أنه تتبع المحقرات وبعد جهد ارتقى إلى كتابة بعض الولاة فلما كان من خلع الملوك ما كان آوى إلى إشبيلية أوحش حالا من الليل وأعثر انفرادا من سهيل وتبلغ بالوراقة وله منها جانب وبها بصر ثاقب فانتحلها على كساد سوقها وخلق طريقها وفيها يقول ) أما الوراقة فهي أنكد حرفة * أوراقها وثمارها الحرمان ) ) شبهت صاحبها بصاحب إبرة * تكسو العراة وجسمها عريان ) وله أيضا ) ومعذر راقت حواشي حسنه * فقلوبنا وجدا عليه رفاق ) ) لم يكس عارضه السواد وإنما * نفضت عليه سوادها الأحداق ) (4/55)

56 وله في غلام أزرق العينين ) ومهفهف أبصرت في أطرافه * قمرا بأطراف المحاسن يشرق ) ) تقضي على المهجات منه صعدة * متألق فيها سنان أزرق ) وأورد له صاحب الحديقة ) أسنى ليالي الدهر عندي ليلة * لم أخل فيها الكاس من أعمالي ) ) فرقت فيها بين جفني والكرى * وجمعت بين القرط والخلخال ) وله في الزهد ) يا من يصيح إلى داعي السقاة وقد * نادى به الناعيان الشيب والكبر ) ) إن كنت لا تسمع الذكرى ففيم ثوى * في رأسك الواعيان السمع والبصر ) ) ليس الأصم ولا الأعمى سوى رجل * لم يهده الهاديان العين والأثر ) ) لا الدهر يبقى ولا الدنيا ولا الفلك الأعلى * ولا النيران الشمس والقمر ) ) ليرحلن عن الدنيا وإن كرها * فراقها الثاويان البدو والحضر ) وله ديوان شعر أكثره جيد وكانت وفاته بمدينة المرية من جزيرة الأندلس وفيها أبو نعيم عبيد الله بن أبي علي الحسن بن أحمد الحداد الأصبهاني الحافظ مؤلف أطراف الصحيحين كان عجبا في الإحسان إلى الرحالة وأفادتهم مع الزهد والعبادة والفضيلة التامة روى عن عبد الوهاب بن مندة ولقى بنيسابور أبا المظفر موسى بن عمران وطبقته وبهراة العميري وببغداد المتعالي توفي في جمادى الأولى عن أربع وخمسين سنة وفيها أبو سعد محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن الحسن بن داود الأصبهاني ويعرف بالخياط الحنبلي من أهل أصبهان قدم بغداد واستوطنها مدة طويلة وسمع من مشايخها وانتخب وعلق وكتب بخطه كثيرا وحصل الأصول والنسخ وجمع كثيرا جدا من الحديث والفقه وأنفذه إلى أصبهان (4/56)

57 وأدركه أجله ببغداد حدث عن أبي القاسم بن مندة إجازة وعن غيره سماعا وكتب عنه ابن عامر الغندري وابن ناصر قال ابن النجار كان من أهل السنة المحققين المبالغين المشددين ظاهر الصلاح قليل المخالطة للناس كان حنبليا متعصبا لمذهبه مشددا في ذلك توفي يوم الخميس سادس عشرى ذي الحجة ودفن بباب حرب ولم يخلف وارثا ولم يتزوج قط وفيها أبو الغنائم بن المهتدي بالله محمد بن محمد بن أحمد الهاشمي الخطيب روى عن أبي الحسن القزويني والبرمكي وطائفة وتوفي في ربيع الأول وفيها أبو الحسن الزعفراني محمد بن مرزوق البغدادي الحافظ التاجر أكثر من ابن المسلمة وأبي بكر الخطيب وسمع بدمشق ومصر وأصبهان وتوفي في صفر عن خمس وسبعين سنة وكان متقنا ضابطا يفهم ويذاكر وفيها أبو صادق مرشد بن يحيى بن القاسم المديني ثم المصري روى عن ابن خمصة وأبي الحسن الطفال وعلي بن محمد الفارسي وعدة وكان أسند من بقي بمصر مع الثقة والخير توفي في ذي القعدة عن سن عالية سنة ثمان عشرة وخمسمائة فيها أخذت الفرنج صور بالأمان وبقيت في أيديهم إلى سنة تسعين وستمائة وفيها توفي أبو الفضل أحمد بن محمد بن الفضل بن عبد الخالق المعروف بابن الخازن الكاتب الشاعر الدينوري الأصل البغدادي المولد والوفاة كان فاضلا نادر الخط أوحد وقته فيه وهو والد أبي الفتح نصر الله الكاتب المشهور ومن شعر أحمد صاحب الترجمة قوله ) من يستقم يحرم مناه ومن يزغ * يختص بالإسعاف والملكين ) ) أنظر إلى الألف استقام ففاته * عجم وفاز به اعوجاج النون ) قال ابن خلكان وجل شعره مشتمل على معان حسان وكانت وفاته في (4/57)

58 صفر سنة ثمان عشرة وخمسمائة وكان ولده أبو الفتح نصر الله المذكور حيا في سنة خمس وسبعين وخمسمائة ولم أقف على تاريخ وفاته انتهى وفيها أبو الفضل أحمد بن محمد الميداني النيسابوري الأديب اللغوي اختص بصحبة الواحدي المفسر وقرأ عليه وله في اللغة تصانيف مفيدة منها كتاب الأمثال لم يعمل مثله وكتاب السامي في الأسامي وسمع الحديث وكان ينشد ) تنفس صبح الشيب في ليل عارضي * فقلت عساه يكتفي بعذارى ) ) فلما فشا عاتبته فأجابني * أيا هل ترى صبحا بغير نهار ) قاله ابن الأهدل وقال ابن خلكان توفي يوم الأربعاء خامس عشرى شهر رمضان سنة ثمان عشرة وخمسمائة رحمه الله بنيسابور ودفن على باب ميدان زياد والميداني بفتح الميم وسكون المثناة من تحتها وفتح المهملة وبعد الألف نون هذه النسبة إلى ميدان زياد وهي محلة في نيسابور وابنه أبو سعد سعيد بن أحمد كان أيضا فاضلا دينا وله كتاب الأسمى في الأسمار وتوفي سنة تسع وثلاثين وخمسمائة رحمه الله انتهى وفيها داود ملك الكرخ الذي أخذ تفليس من قريب وكان عادلا في الرعية يحضر الجمعة ويسمع الخطبة ويحترم المسلمين وفيها الحسن بن صباح صاحب الألموت وزعيم الإسماعيلية وكان داهية ماكرا زنديقا من شياطين الإنس وفيها أبو الفتح سلطان بن إبراهيم بن المسلم المقدسي الشافعي الفقيه قال السلفي كان من أفقه الفقهاء بمصر عليه تفقه أكثرهم وقال الذهبي أخذ عن نصر المقدسي وسمع من أبي بكر الخطيب وجماعة وعاش ستا وسبعين سنة توفي في هذه السنة أوفى التي تليها وقال ابن شهبة تفقه على نصر المقدسي قال الأسنوي وعلى سلامة المقدسي وبرع في المذهب ودخل مصر بعد (4/58)

59 السبعين وسمع بها وكان من أفقه الفقهاء بمصر وعليه قرأ أكثرهم وروى عن السلفي وغيره وصنف كتابا في أحكام التقاء الختانين قال ابن نقطة توفي سنة خمس وثلاثين انتهى وفيها أبو بكر غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن تمام بن عطية المحاربي الغرناطي الحافظ توفي في جمادى الآخرة بغرناطة عن سبع وسبعين سنة روى عن الأندلسي ورحل سنة تسع وستين وسمع الصحيحين بمكة قال ابن بشكوال كان حافظا للحديث وطرقه وعلله عارفا برجاله ذاكرا لمتونه ومعانيه قرأت بخط بعض أصحابي أنه كرر البخاري سبعمائة مرة وكان أديبا شاعرا دينا لغويا قاله في العبر سنة تسع عشرة وخمسمائة فيها توفي الإمام الحافظ ألب أرسلان أبو علي الحسن بن الحسين الزركراني كان إماما حافظا مؤتمنا وعاش مائة سنة وتسعا وثلاثين سنة قاله ابن ناصر الدين وفيها أبو الحسن بن الفراء الموصلي ثم المصري علي بن الحسين بن عمر راوي المجالسة عن عبد العزيز بن الضراب وقد روى عن كريمة وطائفة وانتخب عليه السلفي مائة جزء مولده سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة وفيها ابن عبدون الهذلي التونسي أبو الحسن علي بن عبد الجبار لغوي المغرب (4/59)

60 وفيها أبو عبد الله بن البطائحي محمد بن المأمون وزير الديار المصرية للآمر كان أبوه جاسوسا للمصريين فمات وربى محمد هذا يتيما فصار يحمل في السوق فدخل مع الحمالين إلى دار أمير الجيوش فرآه شابا ظريفا فأعجبه فاستخدمه مع الفراشين ثم تقدم عنده ثم آل أمره إلى أن ولى الأمر بعده ثم إنه أخر عامل على قتل الآمر فأحس الآمر بذلك فأخذه وصلبه وكانت أيامه ثلاث سنين وفيها أبو البركات بن البخاري يعني المبخر البغدادي المعدل هبة الله بن محمد بن علي توفي في رجب عن خمس وثمانين سنة روى عن ابن غيلان وابن المذهب والتنوخي سنة عشرين وخمسمائة فيها توفي أبو الفتوح الغزالي أحمد بن محمد الطوسي الواعظ شيخ مشهور فصيح مفوه صاحب قبول تام لبلاغته وحسن إيراده وعذوبة لسانه وهو أخو الشيخ أبي حامد وعظ مرة عند السلطان محمود فأعطاه ألف دينار ولكنه كان رقيق الديانة متكلما في عقيدته حضر يوسف الهمداني عنده فسئل عنه فقال مدد كلامه شيطاني لا رباني ذهب دينه والدنيا لا تبقى له قاله في العبر وقال ابن قاضي شهبة كان فقيها غلب عليه الوعظ والميل إلى الانقطاع والعزلة وكان صاحب عبارات وإشارات حسن النظر درس بالنظامية ببغداد لما تركها أخوه زهدا فيها واختصر الأحياء في مجلد سماه لباب الأحياء وله مصنف آخر سماه الذخيرة في علم البصيرة توفي بقزوين سنة عشرين وخمسمائة وقد تكلم فيه غير واحد وجرحوه انتهى بحروفه وذكره ابن النجار في تاريخ بغداد فقال كان قد قرأ القارئ بحضرته ) ^ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ) الآية فقال شرفهم بياء الإضافة إلى نفسه بقوله يا عبادي ثم أنشد ) وهان على اللوم في جنب حبها * وقول الأعادي إنه لخليع ) (4/60)

61 ) أصم إذا نوديت باسمي وإنني * إذا قيل لي يا عبدها السميع ) انتهى وفيها اقسنقر البرسفي قسيم الدولة ولى إمرة الموصل والرحبة للسلطان محمود ثم ولى بغداد ثم سار إلى الموصل ثم كاتبه الحلبيون فملك حلب ودفع عنها الفرنج قتلته الإسماعيلية وكانوا عشرة وثبوا عليه يوم جمعة بالجامع في ذي القعدة وكان دينا عادلا عالي الهمة قتل خلقا من الإسماعيلية وفيها أبو بحر الأسدي سفيان بن العاص الأندلسي محدث قرطبة روى عن ابن عبد البروابي العباس العذري وأبي الوليد الباجي وكان من جلة العلماء عاش ثمانين سنة وفيها صاعد بن سيار أبو العلاء الإسحاقي نسبة إلى إسحق جد الهروي الدهان قرأ عليه ابن ناصر ببغداد جامع الترمذي عن أبي عامر الأزدي قال السمعاني كان حافظا متقنا كتب الكثير وجمع الأبواب وعرف الرجال وقال ابن ناصر الدين كان حافظا متقنا مكثرا حسن الحال وفيها أبو محمد بن عتاب عبد الرحمن بن محمد بن عتاب القرطبي مسند الأندلسي أكثر عن أبيه وعن حاتم الطرابلسي وأجاز له مكي بن أبي طالب والكبار وكان عارفا بالقراءات واقفا على كثير من التفسير واللغة والعربية والفقه مع الحلم والتواضع والزهد وكانت الرحلة إليه توفي في جمادى الأولى عن سبع وثمانين سنة وفيها أبو الفتح أحمد بن علي بن برهان بفتح الباء الشافعي ولد ببغداد في شوال سنة تسع وسبعين وأربعمائة وتفقه على الغزالي والشاشي والكيا الهراسي وبرع في المذهب وفي الأصول وكان هو الغالب عليه وله فيه التصانيف المشهورة منها البسيط والوسيط والوجيز وغيرها درس بالنظامية شهرا واحدا وكان ذكيا يضرب به المثل في حل الإشكال قال المبارك بن كامل كان خارق الذكاء لا يكاد يسمع شيئا إلا حفظه ولم يزل يبالغ في الطلب (4/61)

62 والتحقيق وحل المشكلات حتى صار يضربه به المثل في تبحره في الأصول والفروع وصار علما من أعلام الدين قصده الطلاب من البلاد حتى صار جميع نهاره وقطعه من ليله يستوعب في الأشغال وإلقاء الدروس توفي سنة عشرين وخمسمائة كذا قاله ابن خلكان والمعروف أنه توفي سنة ثمان عشرة قيل في ربيع الأول وقيل في جمادى الأولى نقل عنه في الروضة في كتاب القضاء أن العامي لا يلزمه التقليد لمذهب معين ورجحه الإمام قاله جميعه ابن قاضي شهبة وفيها أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد المالكي قاضي الجماعة بقرطبة ومفتيها روى عن أبي علي الغساني وأبي مروان بن سراج وخلق وكان من أوعية العلم له تصانيف مشهورة عاش سبعين سنة قاله في العبر وفيها أبو عبد الله محمد بن بركات بن هلال الصعيدي المصري النحوي اللغوي البحر الحبر وله مائة سنة وثلاثة أشهر توفي في ربيع الآخر روى عن عبد العزيز الضراب والقضاعي وسمع البخاري من كريمة بمكة قاله في العبر وفيها أبو بكر الطرطوشي وطرطوشة من نواحي الأندلس محمد بن الوليد القرشي الفهري الأندلسي المالكي المعروف بابن أبي زيد نزيل الإسكندرية وأحد الأئمة الكبار أخذ عن أبي الوليد الباجب ورحل فأخذ السنن عن أبي علي التستري وسمع ببغداد من رزق الله التميمي وطبقته وتفقه على أبي بكر الشاشي قال ابن بشكوال كان إماما عالما زاهدا ورعا متقشفا متقللا راضيا باليسير وقال ابن خلكان كان يقول إذا عرض لك أمران أمر دنيا وأمر أخرى فبادر بأمر الأخرى يحصل لك أمر الدنيا والأخرى وسكن الشام مدة ودرس بها وكان كثيرا ما ينشد ) إن لله عبادا فطنا * طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا ) ) فكروا فيها فلما علموا * أنها ليست لحي وطنا ) (4/62)

63 ) جعلوها لجة واتخذوا * صالح الأعمال فيها سفنا ) ولما دخل على الأفضل شاهان شاه بن أمير الجيوش بسط مئزرا كان معه تحته وجلس عليه وكان إلى جانب الأفضل رجل نصراني فوعظ الأفضل حتى بكى وأنشده ) يا ذا الذي طاعته قربة * وحقه مفترض واجب ) ) إن الذي شرفت من أجله * يزعم هذا أنه كاذب ) وأشار إلى النصراني فأقامه الأفضل من موضعه وكان الأفضل قد أنزل الشيخ في مسجد شقيق الملك بالقرب من الرصد وكان يكرهه فلما طال مقامه ضجر وقال لخادمه إلى متى نصبر اجمع لي المباح فجمع له فأكله ثلاثة أيام فلما كان عند صلاة المغرب قال لخادمه رميته الساعة فلما كان من الغد ركب الأفضل فقتل وولى بعده المأمون ابن البطائحي فأكرم الشيخ إكراما كثيرا وصنف له كتاب سراج الملوك وهو حسن في بابه وله غيره وله طريقة في الخلاف ومن المنسوب إليه ) إذا كنت في حاجة مرسلا * وأنت بإنجازها مغرم ) ) فأرسل بأكمه خلابة * به صمم أفطس أبكم ) ) ودع عنك كل رسول سوى * رسول يقال له الدرهم ) وقال الطرطوشي كنت ليلة نائما في بيت المقدس فبينما أنا في جنح الليل إذ سمعت صوت حزين ينشد ) أخوف ونوم إن ذا لعجيب * ثكلتك من قلب فأنت كذوب ) ) أما وجلال الله لو كنت صادقا * لما كان للأغماض منك نصيب ) قال فأيقظ النوام وأبكى العيون وكانت ولادة الطرطوشي المذكور سنة إحدى وخمسين وأربعمائة تقريبا وتوفي ثلث الليل الآخر سادس عشرى (4/63)

64 جمادى الأولى سنة عشرين وخمسمائة بثغر الإسكندرية وصلى عليه ولده محمد انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا سنة إحدى وعشرين وخمسمائة فيها توفي أبو السعادات أحمد بن أحمد بن عبد الواحد الهاشمي العباسي المتوكلي شريف صالح خير روى عن الخطيب وابن المسلمة وعاش ثمانين سنة ختم التراويح ليلة سبع وعشرين في رمضان ورجع إلى منزله فسقط من السطح فمات رحمه الله تعالى وفيها أبو الحسن الدينوري علي بن عبد الواحد روى عن القزويني وأبي محمد الخلال وجماعة وهو أقدم شيخ لابن الجوزي توفي في جمادى الآخرة وفيها أبو الحسن بن الفاعوس علي بن المبارك بن علي البغدادي الحنبلي الاسكاف الزاهد كان يقص يوم الجمعة وللناس فيه عقيدة لصلاحه وتقشفه وإخلاصه روى عن القاضي أبي يعلى وغيره وسمع منه أبو المعمر الأنصاري وكان يأتي ساقي الماء في مجلس إملائه فيتناول منه ليوهم الحاضرين أنه مفطر وأنه يشرب ويكون صائما غالبا توفي ابن الفاعوس ليلة السبت تاسع عشرى شوال وصلى عليه من الغد بجامع القصر وكان يوما مشهودا ودفن قريبا من قبر الإمام أحمد رضي الله عنه وغلقت في ذلك اليوم أسواق بغداد وكان أهل بغداد يصيحون في جنازته هذا يوم سني حنبلي رحمه الله تعالى وفيها أبو العز القلانسي محمد بن الحسين بن بندار الواسطي مقرئ العراق وصاحب التصانيف في القراءات أخذ عن أبي يعلى غلام الهراس وسمع من أبي جعفر بن المسلمة وفيه ضعف وكلام توفي شوال عن خمس وثمانين سنة وفيها أبو محمد عبد الله بن محمد البطليوسي بفتحتين وسكون اللام نسبة إلى بطليوس مدينة بالأندلس النحوي كان عالما بالآداب واللغات (4/64)

65 متبحرا فيها متبحرا في معرفتها وإتقانها سكن مدينة بلنسية وكان الناس يجتمعون إليه ويقرءون عليه ويقتبسون منه وكان حسن التعليم جيد التفهيم ثقة ضابطا ألف كتبا نافعة ممتعة منها كتاب المثلث في مجلدين أتى فيه بالعجائب ودل على اطلاع عظيم فإن مثله قطرب في كراسة واحدة واستعمل فيها الضرورة وما لا يجوز وغلط في بعضها وله كتاب الاقتضاب في شرح أدب الكتاب وشرح أبي العلاء صاحب الديوان وله كتاب في الحروف الخمسة وهي السين والصاد والضاد والظاء والدال جمع فيه كل غريب له كتاب الحلل في شرح أبيات الجمل والخلل في أغاليط الجمل أيضا وكتاب التنبيه على الأسباب الموجبة لاختلاف الأمة وكتاب شرح الموطأ وغير ذلك وقيل أنه لم يخرج من المغرب وبالجملة فكل شيء تكلم فيه ففي غاية الجودة وله نظم حسن فمن ذلك قوله ) أخو العلم حي خالد بعد موته * وأوصاله تحت التراب رميم ) ) وذو الجهل ميت وهو ماش على الثرى * يظن من الأحياء وهو عديم ) وله في طول الليل ) أرى ليلنا شابت نواصيه كرة * كما شبت أم في الجو روض بهار ) ) كأن الليالي السبع في الجو جمعت * ولا فصل فيما بينها لنهار ) ومولده سنة أربع وأربعين وأربعمائة بمدينة بطليوس وتوفي في منتصف رجب بمدينة بلنسية سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة فيها توفي طغتكين أتابك ظهير الدين وكان من أمراء تتش السلجوقي بدمشق فزوجه بأم ولده دقاق ثم أنه صار أتابك دقاق ثم تملك دمشق وكان (4/65)

66 شهما شجاعا مهيبا مدبرا سائسا له مواقف مشهورة مع الفرنج توفي في صفر ودفن بتربته قبل المصلى وملك بعده ابنه تاج الملوك بورى فعدل ثم ظلم قاله في العبر وفيها أبو محمد الشنتريني الإشبيلي الحافظ عبد الله بن أحمد روى الصحيح عن ابن منصور عن أبي ذر وسمع من حاتم بن محمد وجماعة قال ابن بشكوال كان حافظا للحديث وعلله عارفا برجاله وبالجرح والتعديل ثقة كتب الكثير واختص بأبي علي الغساني وله تصانيف في الرجال توفي في صفر عن ثمان وسبعين سنة وفيها الوزير أبو علي الحسن بن علي بن صدقة جلال الدين وزير المسترشد كان ذا حزم وعقل ودهاء ورأي وأدب وفضل وفيها أبو القاسم النشاوري موسى بن أحمد بن محمد النشادري الفقيه الحنبلي كان يذكر أنه من أولاد أبي ذر الغفاري رضي الله عنه سمع الحديث الكثير وقرأ بالروايات وتفقه على أبي الحسن بن الزاغوني وناظر قال ابن الجوزي رأيته يتكلم كلاما حسنا توفي رابع رجب ودفن بمقبرة الإمام أحمد سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة فيها قتل بدمشق نحو ستة آلاف ممن كان يرمي بعقيدة الإسماعيلية وكان قد دخل الشام بهرام الأسد أباذي وأضل خلقا ثم أن طغتكين ولاه بانياس فكان سيئة من سيئات طغتكين وأقام بهرام له داعيا بدمشق فكثر أتباعه بدمشق وملك هو عدة حصون بالشام منها القدموس وسلم بهرام بانياس للفرنج وفيها توفي جعفر بن عبد الواحد أبو الفضل الثقفي الأصبهاني الرئيس روى عن ابن ريذة وطائفة وعاش تسعا وثمانين سنة وفيها المردغاني الوزير كمال الدين طاهر بن سعد وزير تاج الملوك بورى (4/66)

67 ابن طغتكين قتله وعلق رأسه على القلعة وفيها أبو سعد النسفي عبد الله بن أبي المظفر بن أبي نعيم بن أبي تمام بن الحرث القاضي الحافظ أحد حفاظ سمرقند وما والاه قاله ابن ناصر الدين وفيها أبو الحسن عبيد الله بن محمد بن الإمام أبي بكر البيهقي سمع الكتب من جده ومن أبي يعلى الصابوني وجماعة وحدث ببغداد وكان قليل الفضيلة توفي في جمادى الأولى وله أربع وسبعون سنة وفيها يوسف بن عبد العزيز أبو الحجاج المنورقي الفقيه العلامة نزيل الإسكندرية وأحد الأئمة الكبار تفقه ببغداد على الكيا الهراسي وأحكم الأصول والفروع وروى البخاري عن واحد عن أبي ذر ومسلما عن أبي عبد الله الطبري وله تعليقة في الخلاف وفي آخر السنة قال السلفي حدث بالترمذي وخلط في إسناده سنة أربع وعشرين وخمسمائة فيها كما قال في العبر ظهرت ببغداد عقارب طيارة قتلت جماعة أطفال وفيها أبو إسحق الغزي إبراهيم بن عثمان شاعر العصر وحامل لواء القريض وشعره كثير سائر متنقل في بلد الجبال وخراسان وتوفي بناحية بلخ وله ثلاث وثمانون سنة قاله في العبر وقال ابن النجار في تاريخ بغداد هو إبراهيم بن عثمان بن عياش بن محمد بن عمر بن عبد الله الأشهبي الغزي الكلي الشاعر المشهور شاعر محسن وذكره الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق فقال دخل دمشق وسمع بها من الفقيه نصر المقدسي سنة إحدى وثمانين وأربعمائة ورحل إلى بغداد وأقام بالمدرسة النظامية سنين كثيرة ومدح ورثى غير واحد من المدرسين بها وغيرهم ثم رحل إلى خراسان وامتدح بها جماعة من رؤسائها وانتشر شعره هناك وذكر له عدة مقاطيع من (4/67)

68 الشعر وأثنى عليه انتهى وله ديوان شعر اختاره بنفسه وذكر في خطبته أنه ألف بيت وقال العماد الكاتب جاب البلاد وأكثر النقل والحركات وتغلغل في أقطار خراسان وكرمان ولقي الناس ومدح ناصر الدين مكرم بن العلاء وزير كرمان بقصيدته البائية التي يقول فيها ولقد أبدع ) حملنا من الأيام ما لا نطيقه * كما حمل العظم الكسير العصائبا ) ومنها في قصر الليل وهو معنى لطيف ) وليل رجونا أن يدب عذاره * فما اختط حتى صار بالفجر شائبا ) ومن جيد شعره المشهور قوله ) قالوا هجرت الشعر قلت ضرورة * باب الدواعي والبواعث مغلق ) ) خلت الديار قلا كريم يرتجي * منه النوال ولا مليح يعشق ) ) ومن العجائب أنه لا يشتري * ويخان فيه مع الكساد ويسرق ) ومن شعره وفيه صناعة حسنة ) وخز الأسنة والخضوع لناقص * أمران في ذوق النهى مران ) ) والرأي أن يختار فيما دونه * المران وخز أسنة المران ) وله ) وجف الناس حتى لو بكينا * تعذر ما تبل به الجفون ) ) فما يندي لممدوح بنان * ولا يندى لمهجو جبين ) ولد الغزي هذا بغزة هاشم سنة إحدى وأربعين وأربعمائة وتوفي ما بين مرو وبلخ من بلاد خراسان ونقل إلى بلخ ودفن بها ونقل عنه أنه كان يقول لما حضرته الوفاة أرجو أن يغفر لي ربي لثلاثة أشياء كوني من بلد الإمام الشافعي وأني شيخ كبير وأني غريب رحمه الله تعالى وحقق رجاءه وفيها الإخشيد إسماعيل بن الفضل الأصبهاني السراج التاجر قرأ القرآن على جماعة وروى الكثير من ابن عبد الرحيم وأبي القاسم بن أبي بكر (4/68)

69 الذكواني وطائفة وعمر ثمانيا وثمانين سنة وفيها البارع وهو أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبد الوهاب البغدادي الدباس المقرئ الأديب الشاعر وهو من ذرية أبي القاسم بن عبيد الله وزير المعتضد قرأ القرآن على أبي بكر محمد بن علي الخياط وغيره وروى عن أبي جعفر بن المسلمة وله مصنفات وشعر فائق قال ابن خلكان كان نحويا لغويا مقرئا حسن المعرفة بصنوف من الآداب وأفاد خلقا كثيرا خصوصا بإقراء القرآن الكريم وهو من بيت الوزارة فإن جده القاسم كان وزير المعتضد والمكتفي بعده وهو الذي سم ابن الرومي الشاعر وعبيد الله كان وزير المعتضد أيضا قبل ابنه القاسم وسليمان بن وهب الوزير تغني شهرته عن ذكره والبارع المذكور من أرباب الفضائل وله مؤلفات حسان وتآليف غريبة وديوان شعر جيد وكان بينه وبين ابن الهبارية مداعبات لطيفة فإنهما كانا رفيقين ومتحدين في الصحبة ومن شعر البارع ) أفنيت ماء الوجه من طول ما * أسأل من لا ماء في وجهه ) ) أنهي إليه شرح حالي الذي * يا ليتني مت ولم أنهه ) ) فلم ينلني كرما رفده * ولم أكد أسلم من جبهه ) ) والموت من دهر نحاريره * ممتدة الأيدي إلى بلهه ) وكانت ولادته في عاشر صفر سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة ببغداد وتوفي يوم الثلاثاء سابع جمادى الآخرة وقيل الأولى وكان قد عمى في آخر عمره رحمه الله وفيها ابن الغزال أبو محمد عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن الغزال المصري المجاور شيخ صالح مقرئ قد سمع السلفي في سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة من إسماعيل الحافظ عنه سمع القضاعي وكريمة وعمر دهرا وفيها فاطمة الجوزدانية أم إبراهيم بنت عبد الله بن أحمد بن القاسم بن (4/69)

70 عقيل الأصبهانية سمعت من ابن ريذة معجمي الطبراني سنة خمس وثلاثين وعاشت تسعا وتسعين سنة وتوفيت في شعبان وفيها أبو الأعز قراتكين بن الأسعد الأزجي روى عن الجوهري وجماعة وكان عاميا توفي في رجب ببغداد وفيها أبو عامر العبدوي محمد بن سعدون بن مرجا الميورقي الحافظ الفقيه الظاهري نزيل بغداد أدرك أبا عبد الله البانياسي والحميدي وهذه الطبقة قال ابن عساكر كان فقيها على مذهب داود وكان أحفظ شيخ لقيته وقال القاضي أبو بكر بن العربي هو أنبل من لقيه وقال ابن ناصر كان فهما عالما متعففا مع فقره وقال السلفي كان من أعيان علماء الإسلام متصرفا في فنون من العلوم وقال ابن عساكر بلغني أنه قال أهل البدع يحتجون بقوله ) ^ ليس كمثله شيء ) أي في الإلهية فأما في الصورة فمثلنا ثم يحتج بقوله ) ^ لستن كأحد من النساء إن اتقيتن ) أي في الحرمة وقال ابن ناصر الدين كان من أعيان الحفاظ لكن تكلم في مذهبه في القرآن ابن ناصر وحط عليه بما لا يثبت عنه ابن عساكر وفيها محمد بن عبد الله بن تومرت المصمودي البربري المدعي أنه علوي حسني وأنه المهدي رحل إلى المشرق ولقي الغزالي وطائفة وحصل فنونا من العلم والأصول والكلام وكان رجلا ورعا ساكنا ناسكا في الجملة زاهدا متقشفا شجاعا جلدا عاقلا عميق الفكر بعيد الغور فصيحا مهيبا لذته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد ولكن جره أقدامه وجرأته على حب الرياسة والظهور وارتكاب المحظور ودعوى الكذب والزور من أنه حسني وهو هرغي بربري وأنه معصوم وهو بالإجماع مخصوم فبدأ أولا في الإنكار بمكة فآذوه فقدم مصر وأنكر فطردوه فأقام بالثغر مدة فنفوه وركب البحر فشرع ينكر على أهل المركب (4/70)

71 ويأمر وينهي ويلزمهم بالصلاة وكان مهيبا وقورا بزيق الفقر فنزل بالمهدية في غرفة فكان لا يرى منكرا أو لهوا إلا غيره بيده ولسانه فاشتهر وصار له زبون وشباب يقرءون عليه في الأصول فطلبه أمير البلد يحيى بن باديس وجلس له فلما رأى حسن سمته وسمع كلامه احترمه وسأله الدعاء فتحول إلى بجاية وأنكر بها فأخرجوه فلقي بقرية ملالة عبد المؤمن بن علي شابا مختطا مليحا فربطه عليه وأفضى إليه بسره وأفاده جملة من العلم وصار معه نحو خمس أنفس فدخل مراكش وأنكر كعادته فأشار مالك بن وهيب الفقيه على علي بن يوسف بن تاشفين بالقبض عليهم سدا للذريعة وخوفا من الغائلة وكانوا بمسجد داثر بظاهر مراكش فأحضرهم وعقد لهم مجلسا حافلا فواجهه ابن تومرت بالحق المحض ولم يحابه ووبخه ببيع الخمر جهارا وبمشي الخنازير التي للفرنج بين أظهر المسلمين وبنحو ذلك من الذنوب وخاطبه بكيفية ووعظ فذرفت عينا الملك وأطرق فقويت التهمة عند ابن وهيب وأشباهه من العقلاء وفهموا مرام ابن تومرت فقيل للملك إن لم تسجنهم وتنفق عليهم كل يوم دينارا وإلا أنفقت عليهم خزائنك فهون الوزير أمرهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا فصرفه الملك وطلب منه الدعاء واشتهر اسمه وتطلعت النفوس إليه وسار إلى أغمات وانقطع بحبل تينمل وتسارع إليه أهل الجبل يتبركون به فأخذ يستميل الشباب الاغتام والجهلة الشجعان ويلقى إليهم ما في نفسه وطالت مدته وأصحابه يكثرون وهم يأخذهم بالديانة والتقوى ويحصنهم على الجهاد وبذل النفوس في الحق وورد أنه كان حاذقا في ضرب الرمل قد وقع بجفر فيما قيل واتفق لعبد المؤمن أنه كان قد رأى أنه يأكل في صحفة مع ابن تاشفين ثم اختطف الصحفة منه فقال له المعبر هذه الرؤيا لا ينبغي أن تكون لك بل هي لرجل يخرج على ابن تاشفين ثم يغلب على الأمر وكانت تهمة ابن تومرت في إظهار العقيدة والدعاء إليها وكان أهل المغرب على طريقة (4/71)

72 السلف ينافرون الكلام أهله ولما أكثرت أصحابه أخذ يذكر المهدي ويشوق إليه ويروي الأحاديث التي وردت فيه فتلهفوا على لقائه ثم روى ظمأهم وقال أنا هو وساق لهم نسبا ادعاه وصرح بالعصمة وكان على طريقة مثلى لا تنكر معها العصمة فبادروا إلى متابعته وصنف لهم مصنفات مختصرات وقوى أمره في سنة خمس عشرة وخمسمائة فلما كان في سبع عشرة جهز عسكرا من المصامدة أكثرهم من أهل تينمل والسوس وقال اقصدوا هؤلاء المارقين المرابطين فادعوهم إلى إزالة البدع والإقرار بالإمام المعصوم فإن أجابوكم وألا فقاتلوهم وقدم عليهم عبد المؤمن فالتقاهم الزبير ولد أمير المسلمين فانهزمت المصادمة ونجا عبد المؤمن ثم التقوهم مرة أخرى فنصرت المصامدة واستفحل أمرهم وأخذوا في شن الإغارات على بلاد ابن تاشفين وكثر الداخلون في دعوتهم وانضم إليهم كل مفسد ومريب واتسعت عليهم الدنيا وابن تومرت في ذلك كله لون واحد من الزهد والتقلل والعبادة وإقامة السنن والشعائر لولا ما أفسد القضية بالقول بنفي الصفات كالمعتزلة وبأنه المهدي وبتسرعه في الدماء وكان ربما كاشف أصحابه ووعدهم بأمور فتوافق فيفتنون به وكان كهلا أسمر عظيم الهامة ربعة حديد النظر مهيبا طويل الصمت حسن الخشوع والسمت وقبره مشهور معظم ولم يملك شيئا من المدائن إنما مهد الأمور وقرر القواعد فبغته الموت وكانت الفتوحات والممالك لعبد المؤمن قاله في العبر وفيها الآمر بأحكام الله أبو علي منصور بن المستعلى بالله أحمد بن المستنصر بالله معد بن الظاهر بن الحاكم العبيدي الرافضي صاحب مصر كان فاسقا مشتهرا ظالما امتدت دولته ولما كبر وتمكن قتل وزيره الأفضل وأقام في الوزارة البطائحي المأمون ثن صادره وقتله ولى الخلافة سنة خمس وتسعين وهو ابن خميس سنين فانظر إلى هذه الخلافة الباطلة من وجوه أحدها السنن الثاني عدم النسب فإن جدهم دعى في بني فاطمة بلا خلاف الثالث أنهم خوارج (4/72)

73 على الإمام الرابع خبث المعتقد الدائر بين الرفض والزندقة الخامس تظاهره بالفسق وكانت أيامه ثلاثين سنة خرج في ذي القعدة إلى الجيزة فكمن له قوم بالسلاح فلما مر على الجسر نزلوا عليه بالسيوف ولم يعقب وبايعوا بعده ابن عمه الحافظ عبد المجيد بن الأمير محمد بن المستنصر فبقى إلى عام أربعة وأربعين وكان الآمر ربعة شديد الأدمة جاحظ العينين عاقلا ماكرا مليح الخط ولقد ابتهج الناس بقتله لفسقه وجوره وسفكه الدماء وإدمان الفواحش وفيها أبو محمد بن الأكفاني هبة الله بن أحمد بن محمد الأنصاري الدمشقي الحافظ وله ثمانون سنة سمع أباه وأبا القاسم الحنائي وأبا بكر الخطيب وطبقتهم ولزم أبا محمد الكتاني مدة وكان ثقة فهما شديد العناية بالحديث والتاريخ كتب الكثير وكان من كبار العدول توفي في سادس المحرم وفيها أبو سعد المهراني هبة الله بن القاسم بن عطاء النيسابوري روى عن عبد الغافر الفارسي وأبي عثمان الصابوني وطائفة وعاش ثلاثا وتسعين سنة وكان ثقة جليلا خيرا توفي في جمادى الأولى سنة خمس وعشرين وخمسمائة فيها توفي أبو السعود بن المجلي أحمد بن علي البغدادي البزاز شيخ مبارك عامي روى عن القاضي أبي يعلى وابن المسلمة وطبقتهما وفيها أبو المواهب بن ملوك الوراق أحمد بن محمد بن عبد القاهر الفقيه نزيل الموصل تفقه على الشيخ أبي إسحق وسمع من عبد الصمد بن المأمون وطائفة وفيها أبو نصر الطوسي أحمد بن محمد بن عبد القاهر الفقيه نزيل الموصل تفقه على الشيخ أبي إسحق وسمع من عبد الصمد بن المأمون وطائفة وفيها الشيخ حماد بن مسلم بن ددوة الدباس أبو عبد الله الرحبي الزاهد شيخ الشيخ عبد القادر الكيلاني نشأ ببغداد وكان له معمل للدبس وكان أميا (4/73)

74 لا يكتب له أصحاب واتباع وأحوال وكرامات دونوا كلامه في مجلدات وكان شيخ العارفين في زمانه وكان ابن عقيل يحط عليه ويؤذيه قاله في العبر وقال السخاوي كان قد سافر وتغرب ولقي المشايخ وجاهد نفسه بأنواع المجاهدات وزوال أكثر المهن والصنائع في طلب الحلال والتورع في الكسب والتحري ثم فتح له بعد ذلك خير كثير وأملى في الآداب والأعمال والعلوم المتعقلة بالمعرفة وتصحيح المعاملات شيئا كثيرا وكان كأنه مسلوب الاختيار مكاشفا بأكثر الأحوال ومن كلامه انظر إلى صنعة تستدل عليه ولا تنظر إلى صنع غيره فتعمى عنه اللسان ترجمان القلب والنظر فإذا زال في القلب والنظر من الهوى كان نطقه حكمة والحساب على أخذك من ماله وهو الحلال والعقاب على أخذك من مالهم وهو الحرام وقال رضي الله عنه من هرب من البلاء لا يصل إلى باب الولاء وقال رضي الله عنه ما لأحد في مأكول على منة فإني بالغت في طلب الرزق الحلال بكد يميني وعملت في كل شيء إلا أني ما كنت غلاما لقصاب ولا لوقاد ولا لكناس فإن هذه الحرف تؤدي إلى إسقاط المروءة وكان الشيخ يأكل من النذر كان يقول بعضهم إن سلم مالي أو ولدي أو قرابتي فلله على أن أعطى حمادا كذا تم ترك ذلك لأنه بلغه حديث النبي النذر لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل فكره أكل مال البخيل وصار يأكل بالمنامات كان الإنسان يرى في النوم أن قائلا يقول له أعط حمادا كذا فيصبح ويحمل الذي قيل له إلى الشيخ توفي رحمه الله تعالى ليلة السبت الخامس من شهر رمضان ودفن في الشوينزية وكان مسلوب الاختيار تارة زيه زي الأغنياء وتارة زي الفقراء متلون كيف أدير دار أي شيء كان في يده جاد به وكانت المشايخ بين يديه كالميت بين يدي الغاسل انتهى كلام السخاوي ملخصا وفيها أبو العلاء زهر بن عبد الملك بن محمد بن مروان زهر الإيادي الإشبيلي (4/74)

75 طبيب الأندلس وصاحب التصانيف أخذ عن أبيه وحدث عن أبي علي الغساني وجماعة ونال دنيا عريضة ورياسة كبيرة وله شعر رائق نكب في الآخر من الدولة قال ابن الأهدل له شعر رائق ورياسة عظيمة وأموال عميقة وهو أحد شيوخ أبي الخطاب بن دحية وكان يحفظ شعر ذي الرمة وهو ثلث اللغة مع معرفة الطب التامة وأهل بيته كلهم وزراء علماء انتهى وفيها عين القضاة الهمذاني أبو المعالي عبد الله بن محمد الميانجي بالفتح وفتح النون نسبة إلى ميانة بلد بأذربيجان الفقيه العلامة الأديب وأحد من كان يضرب به المثل في الذكاء دخل في التصوف ودقائقه ومعاني إشارات القوم حتى ارتبط عليه الخلق ثم صلب بهمذان على تلك الألفاظ الكفرية نسأل الله العفو قاله في العبر وفيها أبو عبد الله الرازي صاحب السداسيات والمشيخة محمد بن أحمد بن إبراهيم الشاهد المعروف بابن الحطاب مسند الديار المصرية وأحد عدول الإسكندرية توفي في جمادى الأولى عن إحدى وتعسين سنة سمعه أبوه الكثير من مشيخة مصر ابن حمصة والطفال وأبي القاسم الفارسي وطبقتهم وفيها أبو غالب الماوردي محمد بن علي البصري في رمضان ببغداد وله خمس وسبعون سنة روى عن أبي علي التستري وأبي الحسن بن النقور وطبقتهما وكان ناسخا فاضلا صالحا رحل إلى أصبهان والكوفة وكتب الكثير وخرج المشيخة وفيها الشيخ الفقيه محمد بن عبدوية المدفون بجزيرة كمران من اليمن ببحر القلزم تفقه بالشيخ أبي إسحق ببغداد وقرأ عليه كتابه المهذب ونكته (4/75)

76 في الأصول والجدل وهو أول من دخل بالمهذب اليمن وكان سكن عدن ثم انتقل إلى زبيد في دولة الحبشة فلما دخل مفضل بن أبي البركات بعسكر من العرب انتهب مالا لابن عبدوية كان يتجر فيه في جملة من انتهب ثم خرج إلى كمران وأقام بها إلى أن توفي وقبره هناك مشهور مزور وكان زاهدا ورعا لا يأكل إلا رزا يأتي من بلاد الهند وكان عبيده يسافرون إلى الحبشة والهند ومكة وعدن للتجارة فأخلفه الله مالا عن ماله المنهوب وكان ينفق على طلبة العلم وكانت طريقته سنية سنية وله تصنيف في أصول الفقه يسمى الإرشاد وكان له ولد عالم في الأصول والفقه يسمى عبد الله تفقه بأبيه ومات قبله وله ذرية بمشهده أخيار أبرار وابتلى بذهاب بصره فأتى بقراح فأنشد ) وقالوا قد دهى عينيك سوء * فلا عالجته بالقدح زالا ) ) فقلت الرب مختبري بهذا * فإن أصبر أنل منه النوالا ) ) وإن أجزع حرمت الأجر منه * وكان خصيصتي منه الوبالا ) ) وإني صابر راض شكور * ولست مغيرا ما قد أنالا ) ) صنيع مليكنا حسن جميل * وليس لصنعه شيء مثالا ) ) وربي غير متصف بحيف * تعالى ربنا عن ذا تعالى ) روى أنه لما قال هذه الأبيات أعاد الله عليه بصره قاله ابن الأهدل وفيها السلطان محمود بن السلطان محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي الملقب مغيث الدين ولى بعد أبيه سنة اثنتي عشرة وخطب له ببغداد وغيرها ولعمه سنبحر معا وكان له معرفة بالشعر والنحو والتاريخ وكان متوقدا ذكاء قوي المعرفة بالعربية حافظا للأشعار والأمثال عارفا بالتواريخ والسير شديد الميل إلى أهل العلم والخير وكان حيص بيص الشاعر قد قصده من العراق ومدحه بقصيدته الدالية المشهورة التي أولها (4/76)

77 ) ألق الحدائج تلق الضمر القود * طال السرى وتشكت وخدك البيد ) ) يا ساري الليل لا جدب ولا فرق * فالنبت أغيد والسلطان محمود ) ) قيل تألفت الأضداد خيفته * فالمورد الضنك فيه الشاء والسيد ) وهي طويلة من غرر القصائد وأجازه عليها جائزة سنية وكانت السلطنة في آخر أيامه قد ضعفت وقلت أموالها حتى عجزوا عن إقامة وظيفة الفقاعي فدفعوا له يوما بعض صناديق الخزانة حتى باعها وصرف ثمنها في حاجته وكان في آخر مدته قد دخل بغداد ثم خرج عنها فمرض في الطريق واشتد به المرض وتوفي يوم الخميس منتصف شوال بباب أصبهان ودفن بها وفيها أبو القاسم بن الحصين هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن العباس بن الحسين الشيباني البغدادي الكاتب الأزرق مسند العراق ولد في ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين وسمع ابن غيلان وابن المذهب والحسن بن المقتدر والتنوخي وهو آخر من حدث عنهم وكان دينا صحيح السماع توفي في رابع عشر شوال وفيها يحيى بن المسرف بن علي أبو جعفر المصري التمار روى عن أبي العباس بن نفيس وكان صالحا من أولاد المحدثين توفي في رمضان سنة ست وعشرين وخمسمائة فيها كانت الوقعة بناحية الدينور بين السلطان سنجر وبين ابن أخيه سلجوق ومسعود قال ابن الجوزي كان مع سنجر مائة وسبعون ألفا ومع مسعود ثلاثون ألفا وبلغت القتلى أربعين ألفا وقتلوا قتلة جاهلية على الملك لا على الدين وقتل ثرجا أتابك سلجوق وجاء مسعود لما رأى الغلبة إلى بين يدي سنجر فعفا عنه وأعاده إلى كنجه وقرر سلطنة بغداد لطغر بك ورجع إلى خراسان (4/77)

78 -وفيها توفي الملك الأكمل أحمد بن الأفضل أمير الجيوش شاه شاه بن أمير الجيوش بدر الجمالي المصري سجن بعد قتل أبيه مدة إلى أن قتل الآمر وأقيم الحافظ فأخرجوا الأكمل وولى وزارة السيف والقلم وكان شهما مهيبا عالي الهمة كأبيه وجده فحجر على الحافظ ومنعه من الظهور وأخذ أكثر ما في القصر وأهمل ناموس الخلافة العبيدية لأنه كان سنيا كأبيه لكنه أظهر التمسك بالإمام المنتصر وأبطل من الأذان حي على خير العمل وأبطل قواعد القوم فأبغضه الدعاة والقواد وعملوا عليه فركب للعب الكرة في المحرم فوثبوا عليه وطغنه مملوك الحافظ وأخرجوا الحافظ ونزل إلى دار الأكمل واستولى على خزائنه واستوزر يانس مولاه فهلك بعد عام وفيها أبو العز بن كاوش أحمد بن عبيد الله بن محمد السلمي الكعبري في جمادى الأولى عن تسعين سنة وهو آخر من روى عن القاضي أبي الحسن الماوردي وروى عن الجوهري والعشاري والقاضي أبي الطيب وكان قد طلب الحديث بنفسه وله فهم قال عبد الوهاب الأنماطي كان مخلطا وفيها تاج الملوك بورى صاحب دمشق وابن صاحبها طغتكين مملوك تاج الدولة تتش السلجوقي وكانت دولته أربع سنين قفز عليه الباطنية فجرح وتعلل أشهرا ومات في رجب وولى بعده ابنه شمس الملوك إسماعيل وكان شجاعا مجاهدا جوادا كريما سد مسد أبيه وعاش ستا وأربعين سنة وفيها عبد الله بن أبي جعفر المرسي العلامة أبو محمد المالكي انتهت إليه رياسة المالكية وتوفي في رمضان وقد روى عن أبي حاتم بن محمد وابن عبد البر والكبار وسمع بمكة صحيح مسلم من أبي عبد الله الطبري وفيها عبد الكريم بن حمزة أبو محمد السلمي الدمشقي الحداد مسند الشام روى عن أبي القاسم الحناني والخطيب وأبي الحسين بن مكي وكان ثقة توفي في ذي القعدة (4/78)

79 وفيها القاضي أبو الحسين بن الفراء محمد بن القاضي أبي يعلى محمد بن الحسين البغدادي الحنبلي وله أربع وسبعون سنة سمع أباه وعبد الصمد بن المأمون وطبقتهما وكان منتيا مناظرا عارفا بالمذهب ودقائقه صلبا في السنة كثير الحط على الأشاعرة استشهد ليلة عاشوراء وأخذ ماله وقتل قاتله وألف طبقات الحنابلة قاله في العبر وقال ابن رجب كان عارفا بالمذهب متشددا في السنة وله تصانيف كثيرة في الفروع والأصول وغير ذلك منها المجموع في الفروع رءوس المسائل المفردات في الفقه التمام لكتاب الروايتين والوجهين الذي لأبيه المفردات في أصول الفقه طبقات الأصحاب إيضاح الأدلة في الرد على الفرق الضالة المضلة الرد على زائغي الاعتقادات في منعهم من سماع الآيات المفتاح في الفقه وغير ذلك وقرأ عليه جماعة كثيرة منهم عبد المغيث الحربي وغيره وحدث عنه وسمع منه خلق كثير من الأصحاب وغيرهم منهم ابن ناصر ومعمر بن الفاخر وابن الخشاب وأبو الحسين البراندسي الفقيه وابن المرحب البطائحي وابن عساكر الحافظ وغيرهم وبالإجازة أبو موسى المديني وابن كليب وكان للقاضي أبي الحسين بيت في داره بباب المراتب يبيت فيه وحده فعلم بعض من كان يخدمه ويتردد إليه بأن له مالا فدخلوا عليه ليلا وأخذوا المال وقتلوه ليلة الجمعة عاشوراء ودفن عند أبيه بمقبرة باب حرب وكان يوما مشهودا وقدر الله سبحانه وتعالى ظهور قاتليه فقتلوا كلهم وفيها علي بن الحسن الدواحي أبو الحسن الواعظ تفقه على أبي الخطاب الكلوذاني وسمع منه الحديث وتوفي ليلة الجمعة خامس شوال ودفن بباب حرب سنة سبع وعشرين وخمسمائة فيها توفي أبو غالب بن البناء أحمد بن علي بن أحمد بن عبد الله البغدادي الحنبلي مسند العراق وله اثنتان وثمانون سنة توفي في صفر سمع الجوهري (4/79)

80 وأبا يعلى بن الفراء وطائفة وله مشيخة مروية وفيها أبو العباس بن الرطبي أحمد بن سلامة بن عبد الله بن مخلد الكرخي برع في مذهب الشافعي وغوامضه على الشيخين أبي إسحق وابن الصباغ حتى صار يضرب به المثل في الخلاف والمناظرة ثم علم أولاد الخليفة قاله في العبر وفيها العلامة مجد الدين أبو الفتح وأبو سعيد أسعد بن أبي النصر بن الفضل الميهنتي بكسر الميم وقيل بفتحها ثم مثناة ثم هاء مفتوحة ثم نون مفتوحة وفي آخره تاء التأنيث نسبة إلى ميهنة قرية بقرب طوس بين سرخس وأبيورد صاحب التعليقة تفقه بمرو وشاع فضله وبعد صيته وولى نظامية بغداد مرتين وخرج له عدة تلامذة وكان يتوقد ذكاء تفقه على أبي المظفر السمعاني والموفق الهروي وكان يرجع إلى دين وخوف ولد بميهنة سنة إحدى وستين وأربعمائة ورحل إلى غزنة بغين معجمة من نواحي الهند واشتهر بتلك النواحي وشاع فضله ثم ورد إلى بغداد وانتفع الناس به وبطريقته الخلافية ثم توجه من بغداد رسولا إلى همذان فتوفي بها وفيها الحافظ أبو نصر اليونارتي بضم التحتية ونون مفتوحة وسكون الراء وفوقية نسبة إلى يونارت قرية بأصبهان الحسن بن محمد بن إبراهيم الحافظ فسمع أبا بكر بن ماجه وأبا بكر بن خلف الشيرازي وطبقتهما ورحل إلى هراة وبلخ وبغداد وعنى بهذا الشأن وكان جيد المعرفة متقنا توفي في شوال وقد جاوز الستين وفيها ابن الزاغوني أبو الحسن علي بن عبيد الله بن نصر بن السري كذا نسبة إلى شافع وابن الجوزي الفقيه الحنبلي شيخ الحنابلة وزاعظهم وأحد أعيانهم ولد في جمادى الأولى سنة خمس وخمسين وأربعمائة وقرأ القرآن بالروايات وطلب الحديث بنفسه وقرأ وكتب بخطه وسمع من أبي الغنائم بن المأمون وأبي جعفر بن المسلمة وابن النقور وغيرهم وقرأ الفقه على القاضي (4/80)

81 يعقوب البرنشي وقرأ الكثير من كتب الفقه والنحو والفرائض وكان متقنا في علوم شتى من الأصول والفروع والوعظ والحديث وصنف في ذلك كله قال ابن الجوزي كان له في كل فن من العلم حظ وافر ووعظ مدة طويلة قال وصحبته زمانا فسمعت منه الحديث وعلقت عنه من الفقه والوعظ وكانت له حلقة بجامع المنصور يناظر فيها يوم الجمعة قبل الصلاة ثم يعظ فيها بعد الصلاة ويجلس يوم السبت أيضا وذكر ابن ناصر أنه كان فقيه الوقت وكان مشهورا بالصلاح والديانة والورع والصيانة وقال ابن السمعاني ذكر بعض الناس ممن يوثق بهم أنه رأى في المنام ثلاثة يقول واحد منهم اخسف وواحد يقول أغرق وواحد يقول أطبق يعني البلد فأجاب بعضهم لا لأن بالقرب منا ثلاثة أبو الحسن بن الزاغوني والثاني أحمد بن الطلاية والثالث محمد بن فلان من الحربية ولابن الزاغوني تصانيف كثيرة منها في الفقه الإقناع والواضح والخلاف الكبير والمفردات في مجلدين وهي مائة مسئلة وله التخليص في الفرائض ومصنف في الدور والوصايا وله الإيضاح في أصول الدين مجلد وغرر البيان في أصول الفقه مجلدات عدة وله ديوان خطب ومجالس في الوعظ وله تاريخ على السنين ومناسك الحج وفتاوي ومسائل في القرآن وغير ذلك قال الحافظ ابن رجب كان ثقة صحيح السماع صدوقا حدث بالكثير وروى عنه ابن ناصر وابن عساكر وابن الجوزي وابن طبرزد وغيرهم وتفقه عليه جماعة منهم صدقة بن الحسين وابن الجوزي وتوفي يوم الأحد سادس عشر المحرم ودفن بمقبرة الإمام أحمد وكان له جمع عظيم يفوت الإحصاء انتهى ملخصا وفيها محمد بن الحسين بن علي بن إبراهيم بن عبيد الله الشيباني المرزقي المقرئ الفرضي أبو بكر ولد في سلخ سنة تسع وثلاثين وأربعمائة وقرأ القرآن بالروايات على جماعة من أصحاب الحمامي منهم أبو بكر بن موسى الخياط وسمع من ابن المسلمة وخلائق ذكر ابن ناصر أنه كان مقرئ زمانه قرأ القراءات عليه جماعة منهم (4/81)

82 أبو موسى المديني الحافظ وعلي بن عساكر وغيرهما وحدث عنه ابن ناصر وابن عساكر وابن الجوزي وغيرهم قال ابن الجوزي كان ثقة عالما ثبتا حسن العقيدة حنبليا والمرزقي نسبة إلى المرزقة بين بغداد وعكبرا وهي بتقديم الزاي على الراء وبالقاف ولم يكن منها إنما نقل أبوه إليها أيام الفتنة فأقام بها مدة وفيها محمد بن محمد بن الحسين بن محمد بن أحمد بن خلف بن الفراء الفقيه الحنبلي الزاهد أبو حازم ابن القاضي الإمام أبي يعلى وأخو القاضي أبي الحسين ولد في صفر سنة سبع وخمسين وأربعمائة وسمع الحديث من ابن المسلمة وابن المأمون وغيرهما وذكر ابن نقطة أنه حدث عن أبيه وما أظنه إلا بالإجازة فإنه ولد قبل موت والده بسنة وذكر أخوه أن والده أجاز له ولأخيه وقرأ محمد هذا الفقه على القاضي يعقوب ولازمه وعلق عنه وبرع في معرفة المذهب والخلاف والأصول وصنف تصانيف مفيدة وله كتاب التبصرة في الخلاف وكتاب رءوس المسائل وشرح مختصر الخرقي وغير ذلك وكان من الفقهاء الزاهدين والأخيار الصالحين وحدث وسمع منه جماعة منهم ابناه وأبو المعمر الأنصاري ويحيى بن يونس وتوفي يوم الاثنين تاسع عشرى صفر ودفن بداره بباب الأزج ونقل في سنة أربع وثلاثين إلى مقبرة الإمام أحمد فدفن عند أبيه وأبو خازم بالخاء والزاي المعجمتين وفيها محمد بن أحمد بن صاعد أبو سعيد النيسابوري الصاعدي وله ثلاث وثمانون سنة وكان رئيس نيسابور وقاضيها وعالمها وصدرها روى عن أبي الحسين بن عبد الغافر وابن مسرور سنة ثمان وعشرين وخمسمائة فيها توفي أبو الوفاء أحمد بن علي الشيرازي الزاهد الكبير صاحب الرباط (4/82)

83 والأصحاب والمريدين ببغداد وكان يحضر السماع وفيها أبو الصلت أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت الداني الأندلسي صاحب الفلسفة وكان ماهرا في علوم الأوائل الطبيعي والرياضي والإلهي كثير التصانيف بديع النظم عاش ثمانيا وستين سنة وكان رأسا في معرفة الهيئة والنجوم والموسيقى تنقل في البلاد ومات غريبا وذكره العماد الكاتب في الخريدة وأثنى عليه وذكر شيئا من نظمه ومن جملة ما ذكر قوله ) وقائلة ما بال مثلك خاملا * أأنت ضعيف الرأي أم أنت عاجز ) ) فقلت لها ذنبي إلى القوم أنني * لما لم يحوزوه من المجد حائز ) ) وما فاتني شيء سوى الحظ وحده * وأما المعالي فهي عندي غرائز ) وله أيضا ) جد بقلبي وعبث * ثم مضى وما أكثرت ) ) واحربا من شادن * في عقد الصبر نفث ) ) يقتل من شاء بعينيه * ومن شاء بعث ) ) فأي ود لم يخن * وأي عهد ما نكث ) وله أيضا ) دب العذار بخده ثم انثنى * عن لثم مبسمه البرود الأشنب ) ) لا غرو إن خشي الردى في لثمه * فالريق سم قاتل للعقرب ) ومن شعره أيضا ) ومهفهف تركت محاسن وجهه * ما مجه في الكأس من إبريقه ) ) ففعالها من مقلتيه ولونها * من وجنتيه وطعمها من ريقه ) وأورد له أيضا في كتاب الخريدة ) عجبت من طرفك في ضعفه * كيف يصيد البطل إلا صيدا ) ) يفعل فينا وهو في غمده * ما يفعل السيف إذا جردا ) (4/83)

84 وشعره كثير وجيد وآخر شعر قاله أبيات أوصى أن تكتب على قبره وهي ) سكنتك يا دار الفناء مصدقا * بأني إلى دار البقاء أصير ) ) وأعظم ما في الأمر أني صائر * إلى عادل في الحكم ليس يجور ) ) فيا ليت شعري كيف ألقاه عندها * وزادي قليل والذنوب كثير ) ) فإن أك مجزيا بذنبي فإنني * شر عقاب المذنبين جدير ) ) وإن يك عفو منه عني ورحمة * فثم نعيم دائم وسرور ) ولما اشتد مرض موته قال لولده عبد العزيز ) عبد العزيز خليفتي * رب السماء عليك بعدي ) ) أنا قد عهدت إليك ما * تدريه فاحفظ فيه عهدي ) ) فلان عملت به فإنك * لا تزال حليف رشد ) ) ولئن نكثت لقد ضللت * وقد نصحتك حسب جهدي ) وقال ابن خلكان وجدت في مجموع لبعض المغاربة أن أبا الصلت المذكور مولده في دانية مدينة من بلاد الأندلس في قران سنة ستين وأربعمائة وأخذ العلم عن جماعة من أهل الأندلس كأبي الوليد الوقشي قاضي دانية وغيره وقدم الإسكندرية مع أمه في يوم عيد الأضحى من سنة تسع وثمانين وأربعمائة ونفاه الأفضل شاهان شاه من مصر سنة خمس وخمسمائة وتردد بالإسكندرية إلى أن سافر سنة ست وخمسمائة فحل بالمهدية ونزل من صاحبها علي بن يحيى بن تميم بن المعز بن باديس منزلة جليلة وولد له بها ولد سماه عبد العزيز وكان شاعرا ماهرا له في الشطرنج يد بيضاء وتوفي هذا الولد ببجاية في سنة ست وأربعين وخمسمائة وصنف أمية وهو في اعتقال الأفضل بمصر رسالة العمل بالأسطر لاب وكتاب الوجيز في علم البيئة وكتاب الأدوية المفردة وكتابا في المنطق سماه تقويم الأذهان وغير ذلك وبها صنف الوجيز للأفضل عرضه على منجمه أبي عبد الله الحلبي فلما وقف (4/84)

85 عليه قال له هذا الكتاب لا ينتفع به المبتدي ويستغني عنه المنتهى وله من أبيات ) كيف لا تبلى علائله * وهو بدر وهي كتان ) انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا وفيها أبو علي الفارقي الحسن بن إبراهيم بن علي بن برهون شيخ الشافعية ولد بميافارقين سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة وتفقه على محمد بن بيان الكازروني ثم ارتحل إلى الشيخ أبي إسحق وحفظ عليه المهذب وتفقه على ابن الصباغ وحفظ عليه الشامل وكان ورعا زاهدا صاحب حق مجودا لحفظ الكتابين يكرر عليهما وقد سمع من أبي جعفر بن المسلمة وجماعة وولى قضاء واسط مدة وبها توفي في المحرم عن خمس وتسعين سنة وعليه تفقه القاضي أبو سعد بن أبي عصرون وفيها عبد الله بن المبارك ويعرف بعسكر بن الحسن العكبري المقرئ الفقيه أبو محمد ويعرف بابن نبال الحنبلي سمع من أبي نصر الزينبي وأبي الحسين العاصمي وغيرهما وتفقه على أبي الوفاء بن عقيل وأبي سعد البرداني وكان يصحب شافعا الجيلي فأشار عليه بشراء كتب ابن عقيل فباع ملكا له واشترى بثمنه كتاب الفنون وكتاب الفصول ووقفهما على المسلمين وكان خيرا من أهل السنة وحدث وتوفي ليلة الثلاثاء ثاني عشرى جمادى الأولى عن نيف وسبعين سنة ودفن بمقبرة الإمام أحمد وفيها عبد الواحد بن شنيف بن محمد بن عبد الواحد الديلمي البغدادي الفقيه الحنبلي أبو الفرج أحد أكابر الفقهاء تفقه على أبي علي البرداني وبرع وكان مناظرا مجودا وأمينا من قبل القضاة ويباشر بعض الولايات وله دينا واسعة وكان ذا فطنة وشجاعة وقوة قلب وعفة ونزاهة وأمانة قال ابن النجار كان مشهورا بالديانة وحسن الطريقة ولم تكن له رواية في الحديث توفي رحمه الله تعالى ليلة السبت حادي عشرى شعبان وصلى عليه الشيخ عبد القادر ودفن بمقبرة الإمام (4/85)

86 أحمد رضي الله عنه وفيها أبو الحسن علي بن أبي القاسم بن أبي زرعة الطبري المقرئ المحدث الفقيه الحنبلي الزاهد من أهل آمل طبرستان ذكره ابن السمعاني فقال شيخ صالح خير دين كثير العبادة والذكر مستعمل السنن مبالغ فيها جهده وكان مشهورا بالزهد والديانة رحل بنفسه في طلب الحديث إلى أصبهان وسمع بها جماعة من أصحاب أبي نعيم الحافظ كأبي سعد المطرب وأبي علي الحداد وغيرهما وسمع ببلده آمل من أبي المحاسن الروياني الفقيه وأبي بكر بن الخطاب وتوفي بالعسيلة بعد فراغه من الحج والعمرة والزيارة في المحرم ودفن بها انتهى وفيها أبو القاسم هبة الله بن أحمد الواسطي الشروطي روى عن الخطيب وابن المسلمة وتوفي في ذي الحجة سنة تسع وعشرين وخمسمائة فيها هجم على سرادق المسترشد بالله أبي منصور الفضل بن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي بالله عبد الله بن محمد بن القائم الهاشمي العباسي سبعة عشر من الباطنية فقتلوه وقتلوا بظاهر مراغة وكانت ولادته في ربيع الأول سنة خمس وثمانين وأربعمائة وبويع له بالخلافة عند موت أبيه في ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وخمسمائة وكان ذا همة عالية وشهامة زائدة وإقدام ورأي وهيبة شديدة ضبط الأمور أي أمور الخلافة ورتبها أحسن ترتيب وأحيا رميمها ونشر عظامها وشيد أركان الشريعة وطرز أكمامها وباشر الحروب بنفسه وخرج عدة نوب إلى الحلة والموصل وطريق خراسان إلى أن خرج النوبة الأخيرة وكسر جيشه بقرب همذان وأخذ أسيرا إلى أذربيجان في هذه السنة وكان قد سمع الحديث من أبي القاسم بن بيان وعبد الوهاب بن هبة الله السبتي وروى عنه محمد بن عمر بن مكي الأهوازي ووزيره علي بن طراد وإسماعيل بن طاهر الموصلي (4/86)

87 وذكره ابن الصلاح في طبقات الشافعية وناهيك بذلك فإنه قال هو الذي صنف له أبو بكر الشاشي كتابه العمدة في الفقه وبلقبه اشتهر الكتاب فإنه كان حينئذ يلقب عمدة الدنيا والدين وذكره ابن السبكي في طبقات الشافعية فقال كان في أول أمره تنسك ولبس الصوف وانفرد في بيت للعبادة وكان مولده يوم الأربعاء ثامن عشر شعبان سنة ست وثمانين وأربعمائة وخطب له أبوه بولاية العهد ونقش اسمه على السكة في شهر ربيع الأول سنة ثمان وثمانين وكان مليح الحظ ما كتب أحد من الخلفاء قبله مثله يستدرك على كتابه ويصلح أغاليط في كتبهم وأما شهامته وهيبته وشجاعته وإقدامه فأمر أشهر من الشمس ولم تزل أيامه مكدرة بكثرة التشويش والمخالفين وكان يخرج بنفسه لدفع ذلك إلى أن خرج الخرجة الأخيرة إلى العراق فكسر وأخذ ورزق الشهادة وقال الذهبي مات السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه سنة خمس وعشرين فأقيم ابنه داود مكانه فخرج عليه عمه مسعود بن محمد فاقتتلا ثم اصطلحا على الاشتراك بينهما ولكل مملكة وخطب لمسعود بالسلطنة ببغداد ومن بعده لداود وخلع عليهما ثم وقعت بين الخليفة ومسعود وحشة فخرج لقتاله فالتقى الجمعان وغدر بالخليفة أكثر عسكره فظفر به مسعود وأسر الخليفة وخواصه فحسبهم بقلعة بقرب همذان فبلغ أهل بغداد ذلك فحثوا في الأسواق على رؤوسهم التراب وبكوا وضجوا وخرج النساء حاسرات يندبن الخليفة ومنعوا الصلاة والخطبة قال ابن الجوزي وزلزلت بغداد مرارا كثيرة ودامت كل يوم خمس مرات أو ست مرات والناس يستغيثون فأرسل السلطان سنجر إلى ابن أخيه مسعود يقول ساعة وقوف الولد غياث الدنيا والدين على هذا المكتوب يدخل على أمير المؤمنين ويقبل الأرض بين يديه ويسأله العفو والصفح ويتنصل غاية التنصل فقد ظهر عندنا من الآيات السماوية والأرضية ما لا طاقة لنا بسماع مثلها فضلا عن المشاهدة من العواصف والبروق والزلازل ودوام ذلك عشرين يوما وتشويش العساكر وانقلاب البلدان ولقد خفت (4/87)

على نفسي من جانب الله وظهور 88 آياته وامتناع الناس من الصلوات في الجوامع ومنع الخطباء ما لا طاقة لي بحمله فالله الله بتلافي أمرك وتعيد أمير المؤمنين إلى مقر عزه وتحمل الفاشية بين يديه كما جرت عادتنا وعادة آبائنا ففعل مسعود جميع ما أمر به وقبل الأرض بين يدي الخليفة ووقف يسأل العفو ثم أرسل سنجر رسولا آخر ومعه عسكر يستحث مسعود على إعادة الخليفة إلى مقر عزه فجاء في العسكر سبعة عشر من الباطنية فذكر أن مسعودا ما علم بهم وقيل بل هو الذي دسهم فهجموا على الخليفة في مخيمه ففتكوا به وقتلوا معه جماعة من أصحابه فما شعر بهم العسكر إلا وقد فرغوا من شغلهم فأخذوهم وقتلوهم إلى لعنة الله وجلس السلطان للعزاء وأظهر المساءة بذلك ووقع النحيب والبكاء وجاء الخبر إلى بغداد فاشتد ذلك على الناس وخرجوا حفاة مخرقين الثياب والنساء ناشرات الشعور يلطمن ويقلن المراثي لأن المسترشد كان محببا فيهم بمرة شافية من الشجاعة والعدل والرفق بهم وقتل المسترشد بمراغة يوم الخميس سادس عشرى ذي القعدة وقال الذهبي وقد خطب المسترشد بالناس يوم عيد أضحى فقال الله أكبر ما سحت الأنواء وأشرق الضياء وطلعت ذكاء وعلت على الأرض السماء الله أكبر ما هع سحاب ولمع سراب وأنجح طلاب وسر قادما إياب وذكر خطبة بليغة ثم جلس ثم قام فخطب وقال اللهم أصلحني في ذريتي وأعني على ما وليتني وأوزعني شكر نعمتك ووفقني وانصرني فلما فرغ منها وتهيأ للنزول بدره أبو المظفر الهاشمي فأنشده ) عليك سلام اله يا خير من علا * على منبر قد حف أعلامه النصر ) ) وأفضل من أم الأنام وعمهم * بسيرته الحسنى وكان له الأمر ) وهي طويلة وبالجملة فإنه كان من حسنات الخلفاء رحمه الله تعالى وفيها أو في التي قبلها الحسن بن أحمد بن حكينا الشاعر المشهور قال العماد الكاتب أجمع أهل بغداد على أنه لم يرزق أحد من الشعراء لطافة طبعه وكان يلقب (4/88)

89 بالبرغوث ومن شعره ) افتضاحي في عوارضه * سبب والناس لوام ) ) كيف يخفى ما أكابده * والذي أهواه نمام ) وله أيضا ) لما بدا خط العذار * يزين عارضه بمشق ) ) وظننت أن سواده * فوق البياض كتاب عتق ) ) فإذا به من سوء حظي * عهدة كتبت برقي ) وفيها أو في التي قبلها علي بن عطية اللخمي البلنسي الشاعر المشهور عرف بابن الزقاق كان شاعرا مفلقا حسن السبك رشيق العبارة ومن شعره قوله في غلام أصابته جراحة في وجنته ) وما شق وجنته عابثا * ولكنها آية للبشر ) ) جلاها لنا الله كيما نرى * بها كيف كان انشقاق القمر ) وفيها أو في التي قبلها وبه جزم ابن خلكان وابن شهبة محمد بن عبد الله بن أحمد أبو نصر الأرغياني بالفتح فالسكون فكسر المعجمة وفتح التحتية نسبة إلى أرغيان من نواحي نيسابور الشافعي صاحب الفتاوي المعروفة وهي في مجلدين ضخمين يعبر عنها تارة بفتاوي الأرغياني وتارة بفتاوي إمام الحرمين لأنها أحكام مجردة أخذها مصنفها من النهاية قرأ على إمام الحرمين وسمع من أبي الحسن الواحدي المفسر وروى عنه في تفسير قوله تعالى ) ^ إني لأجد ريح يوسف ) فقال أن ريح الصبا استأذنت ربها أن تأتي يعقوب عليه السلام بريح يوسف عليه السلام قبل أن يأتيه البشير بالقميص فأذن لها فأتته بذلك يتروح كل مخزون بريح الصبا وهي من ناحية المشرق إذا هبت على الأبدان نعمتها ولينتها وهيجت الأشواق إلى الأوطان والأحباب انتهى قال ابن السمعاني ولد المذكور بأرغيان سنة أربع (4/89)

90 وخمسين وأربعمائة وقدم نيسابور وتفقه على إمام الحرمين وبرع في الفقه وكان إماما متنسكا كثير العبادة حسن السيرة مشتغلا بنفسه توفي في ذي القعدة بنيسابور وله شعر وفيها طراد السلمي السنبسي البلنسي عرف بزربول الأدب وفيه يقول بعضهم وقد أرسل معه كتاب جراب الدولة لصديق له يداعبه ) وما يهدي مع الزربول يوما * إلى خل بأظرف من جراب ) ومن شعره هو ) بادروا بالفرار من مقلتيه * قبل أن تخسروا النفوس عليه ) ) واعلموا أن للغرام ديونا * ما لها الدهر منقذا من يديه ) وفيها شمس الملوك أبو الفتح إسماعيل بن تاج الملوك بورى بن طغتكين ولى دمشق بعد أبيه وكان وافر الحرمة موصوفا بالشجاعة كثير الإغارة على الفرنج أخذ منهم عدة حصون وحاصر أخاه ببعلبك مدة لكنه كان ظالما مصادرا جبارا رتبت أمه زمردخاتون من وثب عليه من قلعة دمشق في ربيع الأول وكانت دولته نحو ثلاث سنين وترتب بعده في الملك أخوه محمود وصار أتابكه معين الدين انزا الطغتكيني فبقي أربع سنين وقتله غلمانه قاله في العبر وفيها الحسن بن الحافظ لدين الله عبد المجيد العبيدي المصري ولى عهد أبيه ووزيره ولى ثلاثة أعوام فظلم وغشم وفتك حتى أنه قتل في ليلة أربعين أميرا فخافه أبوه وجهز لحربه جماعة فالتقاهم واختبطت مصر ثم دس عليه أبوه من سقاه سما فهلك وفيها دبيس بن صدقة ملك العرب نور الدولة أبو الأعز ولد الأمير سيف الدولة الأسدي صاحب الحلة كان فارسا شجاعا مقداما جوادا ممدحا أديبا كثير الحروب والفتن خرج على المسترشد بالله غير مرة ودخل خراسان والشام والجزيرة واستولى على كثير من العراق وكان مسعر حرب وجمرة وبلاء فتله السلطان (4/90)

91 مسعود بمراغة في ذي الحجة وأظهر أنه قتله أخذا بثأر المسترشد فلله الحمد على قتله وله نظم حسن منه ) تمتع بأيام السرور فإنما * عذار الأماني بالهموم يشيب ) ونسب العماد الكاتب في الخريدة إليه الأبيات اللامية التي من جملتها ) أسلمه حب سليمانكم * إلى هوى أيسره القتل ) وفيها ظاهر بن الاسم بن منصور بن عبد الله بن خلف بن عبد الغني أبو المنصور الجذامي الإسكندري المعروف بالحداد الشاعر المشهور كان من الشعراء المجيدين وله ديوان شعر أكثره جيد ومدح جماعة من المصريين وروى عنه الحافظ أبو طاهر السلفي وغيره من الأعيان ومن مشهور شعره قوله ) لو كان بالصبر الجميل ملاذه * ماسح وابل دمعه ورذاذه ) ) ما لزال جيش الحب يغزو قلبه * حتى وهي وتقطعت أفلاذه ) ) لم يبق فيه مع الغرام بقية * إلا رسيس يحتويه جذاذه ) ) من كان يرغب في السلامة فليكن * أبدا من الحدق المراض عياذه ) ) لا تخدعنك بالفتور فإنه * نظر يضر بقلبك استلذاذه ) ) يا أيها الرشأ الذي من طرفه * سهم إلى حب القلوب نفاذه ) ) در يلوح بفيك من نظامه * خمر يجول عليه من نباذه ) ) وقناة ذاك القد كيف تقومت * وسنان ذاك اللحظ ما فولاذه ) ) رفقا بجسمك لا يذوب فإنني * أخشى بأن يجفو عليه لاذه ) ) هاروت يعجز عن مواقع سحره * وهو الإمام فمن ترى أستاذه ) ) تالله ما علقت محاسنك امرأ * إلا وعز على الورى استنقاذه ) ) أغريت حبك بالقلوب فأذعنت * طوعا وقد أودى بها استحواذه ) ) مالي أتيت الحظ من أبوابه * جهدي فدام نفوره ولواذه ) ) إياك من طمع المنى فعزيزه * كذليله وغنيه شحاذه ) (4/91)

92 ) ذالية بن دريد استهوى بها * قوم غداة نبت به بغداذه ) ) دانت لزخرف قوله فتفرقت * طمعا بهم صرعا أو جذاذه ) ) من قدر الرزق السني لك إنما * قد كان ليس يضره إنفاذه ) وهذه القصيدة من غرر القصائد ومن شعره ) رحلوا فلولا أنني * أرجو الإياب قضيت نحبي ) ) والله ما فارقتهم * لكنني فارقت قلبي ) وذكره علي بن ظافر بن أبي المنصور في كتابه بدائع البداية وأثنى عليه وأورده فيه عن القاضي أبي عبد الله محمد بن الحسين الآمدي النائب كان في الحكم بثغر الإسسكندرية قال دخلت على الأمير السعيد بن ظفر أيام ولايته الثغر فوجدته يقطر دهنا على خنصره فسألته عن سببه فذكر ضيق خاتمه عليه وأنه ورم بسببه فقلت له الرأي قطع حلقته قبل أن يتفاقم الأمر به فقال اختر من يصلح لذلك فاستدعيت أبا المنصور ظافر الحداد فقطع الحلقة وأنشد بديها ) قصر عن أوصافك العالم * وأكثر الناثر والناظم ) ) من يكون البحر له راحة * يضيق عن خنصره الخاتم ) فاستحسنه الأمير ووهب له الحلقة وكانت من ذهب وكان بين يدي الأمير غزال مستأنس وقد ربض وجعل رأسه في حجره فقال ظافر بديها ) عجبت لجرأة هذا الغزال * تخطى له واعتمد ) ) وأعجب به إذا بدا جاثما * وكيف اطمأن وأنت الأسد ) فزاد الأمير والحاضرون في الاستحسان وتأمل ظافر شيئا على باب المجلس يمنع الطير من دخولها فقال ) رأيت ببابك هذا المنيف * شباكا فأدركني بعض شك ) ) وفكرت فيما رأى خاطري * فقلت البحار مكان الشبك ) ثم انصرف وتركنا متعجبين من حسن بديهته رحمه الله تعالى وكانت وفاته (4/92)

93 بمصر في المحرم قاله ابن خلكان وفيها ثابت بن منصور بن المبارك الكيلي المقرئ المحدث الحنبلي أبو العز سمع من أبي محمد التميمي وأبي الغنائم بن أبي عثمان وغيرهما وعنى بالحديث وسمع الكثير وكتب الكثير وخرج تخاريج لنفسه عن شيوخه في فنون وحدث وسمع منه جماعة وروى عنه السلفي والمبارك بن أحمد وابن الجوزي وغيرهم وقال أبو الفرج كان دينا ثقة صحيح الإسناد ووقف كتبه قبل موته وقال السلفي عنه فقيه مذهب أحمد كتب كثيرا وسمع معنا وقبلنا على شيوخ وكان ثقة وعر الأخلاق وتوفي يوم الاثنين سابع عشر ذي الحجة قال ابن رجب قيل توفي سنة ثمان وعشرين ورأيت جماعة من المحدثين وغيرهم نعتوه في طباق السماع بالإمام الحافظ رحمه الله وهو منسوب إلى كيل قرية على شاطئ دجلة على مسيرة يوم من بغداد مما يلي طريق واسط ويقال لها جيل أيضا انتهى ومنها الشيخ عبد القادر وفيها أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل بن عبد الغافر بن محمد الفارسي الحافظ الأديب صاحب تاريخ نيسابور ومصنف مجمع الغرائب ومصنف المفهم في شرح مسلم كان إماما في الحديث واللغة والأدب والبلاغة فقيها شافعيا أكثر الأسفار وحدث عن جده لأمه أبي القاسم القشيري وطبقته وأجاز له أبو محمد الجوهري وآخرون وتفقه بإمام الحرمين لازمه أربع سنين وأخذ عنه الخلاف والفقه ورحل فأكثر الأسفار ولقى العلماء ثم رجع إلى نيسابور وولى خطابتها وأخذ التفسير والأصول عن خاليه أبي سعيد عبد الله وأبي سعيد عبد الواحد ابني أبي القاسم القشيري ومات بنيسابور عن ثمان وسبعين سنة وفيها قاضي الجماعة أبو عبد الله بن الحاج التجيبي القرطبي المالكي محمد بن أحمد بن خلف روى عن أبي علي الغساني وطائفة وكان من جملة العلماء وكبارهم متبحرا في العلوم والآداب ولم يكن أحد في زمانه أطلب للعلم منه مع الدين والخشوع قتل (4/93)

94 ظلما بجامع قرطبة في صلاة الجمعة عن إحدى وسبعين سنة سنة ثلاثين وخمسمائة فيها كبس عسكر حلب بلاد الفرنج بالساحل فأسروا وسبوا وغنموا وشرع أمر الفرنج يتضعضع وفيها حصل بين السلطان مسعود وبين الخليفة الراشد بالله خلف وجمعت العساكر من الفريقين وذهب الخليفة إلى الموصل ودخل السلطان مسعود بغداد واحتوى على دار الخلافة واستدعى الفقهاء وأخرج خط والد الخليفة المسترشد أنه من خرج من بغداد لقتال السلطان فقد خلع نفسه من الخلافة فأفتى من أفتى من الفقهاء بخلعه فخلعه في يوم الاثنين سادس عشر ذي القعدة بحكم الحاكم وفتيا الفقهاء واستدعى بعمه المقتفى بن المستظهر بالله فبويع له بالخلافة قال ابن الجوزي في الشذور وقد ذكر الصولي شيئا فتأملته فإذا هو عجيب قال الناس أن كل سادس يقوم بأمر الناس منذ أول الإسلام لا بد أن يخلع فاعتبرت أنا هذا فوجدته كذلك انعقد الأمر لنبينا محمد ثم قام أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن وخلع ثم معاوية ويزيد بن معاوية ومعاوية بن يزيد ومروان وعبد الملك وابن الزبير فخلع وقتل ثم لم ينتظم لبني أمية أمر فولى السفاح والمنصور والمهدي والهادي والرشيد والأمين فخلع وقتل ثم المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل والمتنصر والمستعين فخلع وقتل ثم وقتل ثم المعتز ثم المقتدي ثم المعتمد ثم المعتضد ثم المكتفي ثم المقتدر فخلع ثم رد ثم قتل ثم القاهر والراضي والمتقي والمستكفي والمطيع والطائع فخلع ثم القادر والقائم والمقتدي والمستظهر والمسترشد والراشد فخلع ثم ولى المقتفى وفيها توفي أبو منصور البار كالقفال نسبة إلى عمل البئر إبراهيم بن الفضل الأصبهاني الحافظ روى عن أبي الحسين بن النقور وخلق قال ابن السمعاني رحل (4/94)

95 وسمع وما أظن أحدا بعد ابن طاهر المقدسي رحل وطوف مثله أو جمع الأبواب كجمعه إلا أن البار لحقه الأدبار في آخر الأمر فكان يقف في سوق أصبهان ويروى من حفظه بسنده وسمعت أنه يضع في الحال وقال لي إسماعيل بن محمد الحافظ أشكر الله كيف ما لحقته وأما ابن طاهر المقدسي فجرب عليه الكذب مرات قاله في العبر وفيها سلطان بن يحيى بن علي بن عبد العزيز زين القضاة أبو المكارم القرشي الدمشقي روى عن أبي القاسم بن أبي العلاء وجماعة وناب في القضاة عن أبيه ووعظ وأفتى وفيها علي بن أحمد بن منصور بن قيس الغساني أبو الحسن المالكي النحوي الزاهد شيخ دمشق ومحدثها روى عن أبي القاسم السميساطي وأبي بكر الخطيب وعدة قال السلفي لم يكن في وقته مثله بدمشق كان زاهدا عابدا ثقة وقال ابن عساكر كان متحرزا متيقظا منقطعا في بيته بدرب النقاسة أو بيته الذي في المنارة الشرقية بالجامع مفتيا يقرئ الفرائض والنحو وفيها أبو سهل محمد بن إبراهيم بن سعدويه الأصبهاني المزكي راوي مسند البرقاني عن أبي الفضل الرازي توفي في ذي القعدة وفيها أبو عبد الله محمد بن حموية الجويني الزاهد شيخخ الصوفية بخراسان له مصنف في التصوف وكان زاهدا عارفا قدوة بعيد الصيت روى عن موسى بن عمران الأنصاري وجماعة وعاش اثنتين وثمانين سنة وهو جد بني حموية قال السخاوي دفن في داره ببحيراباذا إحدى قرى جوين وقرأ الفقه والأصول على إمام الحرمين ثم انجذب إلى الزهد وحج مرات وكان مستجاب الدعاء وصنف كتاب لطائف الأذهان في تفسير القرآن وسلوة الطالبين في سيرة سيد المرسلين وكتابا في علم الصوفية وغير ذلك ولد سنة تسع وأربعين وأربعمائة وأخذ طريقة التصوف عن أبي الفضل علي بن محمد الفارمذي عن أبي القاسم (4/95)

96 الطوسي عن أبي عثمان سعيد بن سلام المغربي عن الزجاجي عن الجنيد انتهى وفيها أبو بكر محمد بن علي بن شاذان الصالحاني مسند أصبهان في زمانه وآخر من حدث عن أبي طاهر بن عبد الرحيم الكاتب كان صالحا صحيح السماع توفي في جمادى الآخرة عن اثنتين وتسعين سنة وآخر أصحابه عين الشمس قاله في العبر وفيها أبو عبد الله الفراوي بضم الفاء نسبة إلى فراوة بلد قرب خوارزم محمد بن الفضل بن أحمد الصاعدي النيسابوري راوي صحيح مسلم الفارسي ومسند خراسان وفقيه الحرم كان شافعيا مفتيا مناظرا صحب إمام الحرمين مدة وعاش تسعين سنة قال ابن شهبة يعرف بفقيه الحرم لأنه أقام بالحرمين مدة طويلة ينشر العلم ويسمع الحديث ويعظ الناس ويذكرهم أخذ الأصول والتفسير عن أبي القاسم القشيري وتفقه بإمام الحرمين وسمع من خلق كثير وتفرد بصحيح مسلم وقال ابن السمعاني هو إمام مفت مناظر واعظ حسن الأخلاق والمعاشرة جواد مكرم للغرباء ما رأيت في شيوخنا مثله ثم حكى عن بعضهم أنه قال الفراوي ألف راوي قال الذهبي وقد أملى أكثر من ألف مجلس توفي في شوال ودفن إلى جانب ابن خزيمة وفيها كافور النبوي من خدام النبي كان أسود خصيا طويلا لا لحية له ومن شعره ) حتام همك في حل وترحال * تبغي العلا والمعالي مهرها غال ) ) يا طالب المجددون المجد ملحمة * في طيها تلف للنفس والمال ) ) ولليالي صروف فلما انجذبت * إلى مراد امرئ يسعى لآمال ) سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة فيها توفي أبو البركات أحمد بن علي بن عبد الله بن الإيرادي البغدادي (4/96)

97 الفقيه الحنبلي الزاهد سمع من أبي الغنائم بن أبي عثمان وأبي الحسن بن الأخضر الأنباري وخلق وقرأ الفقه على ابن عقيل وصحب الفاعوس وغيره من الصالحين وتعبد ووقف دارا بالبدرية شرقي بغداد على أصحاب أحمد وسمع منه جماعة منهم أبو المعمر الأنصاري وأبو القاسم بن عساكر ورويا عنه وتوفي ليلة الخميس ثاني عشر رمضان ودفن بباب ابرز وفيها إسماعيل بن أبي القاسم الغازي أبو محمد النيسابوري روى عن أبي الحسين عبد الغافر وأبي حفص بن مسرور وكان صوفيا صالحا ممن خدم أبا القاسم القشيري ومات في رمضان وله اثنتان وتسعون سنة وقد روى صحيح مسلم كله وفيها تميم بن أبي سعيد أبو القاسم الجرجاني روى عن أبي حفص بن مسرور وأبي سعيد الكنجرودي والكبار وكان مسند هراة في زمانه توفي في هذه السنة أو قبلها قاله في العبر وفيها طاهر بن سهل بن بشر أبو محمد الاسفرائيني الدمشقي الصائغ عن إحدى وثمانين سنة سمع أباه وأبا بكر الخطيب وأبا القاسم الحنائي وطائفة وكان ضعيفا قال ابن عساكر حك اسم أخيه وكتب بدله اسمه وفيها الحسن بن يحيى بن وربيل الدمشقي الأبار كان بديع الابر وكان صالحا ناسكا مغرى بهجاء زوجته لأنها أشارت عليه أن يمدح كبيرا فما نفع فهجاه فصفع فقال لولا زوجتي لما صفعت ولولا تعذيرها في لما وقعت وفيها أبو جعفر الهمذاني محمد بن أبي علي الحسن بن محمد الحافظ الصدوق رحل وروى عن ابن النقور وأبي صالح المؤذن والفضل بن المحب وطبقتهم بخراسان والعراق والحجاز والنواحي قال ابن السمعاني ما أعرف أن أحدا في عصره سمع أكثر منه توفي في ذي القعدة وقال ابن ناصر الدين كان حافظا من المكثرين وفيها أبو القاسم بن الطبر هبة الله بن أحمد بن عمر الحريري البغدادي المقرئ (4/97)

98 قرأ بالروايات على أبي بكر محمد بن موسى الحناط وهو آخر أصحابه وسمع من أبي إسحق البرمكي وجماعة وكان ثقة صالحا ممتعا بحواسه توفي في جمادى الآخرة عن ست وتسعين سنة وفيها أبو عبد الله بن يحيى بن الحسن بن أحمد بن البناء البغدادي الحنبلي روى عن أبي الحسين بن الأبنوسي وعبد الصمد بن المأمون وكان ذا علم وصلاح وهو أخو أبي نصر المتقدم ذكره قال ابن رجب ولد يوم الجمعة رابع عشرى ذي القعدة سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة وبكر به أبوه في السماع فسمع من أبي الحسين بن المهتدي وابن الأبنوسي وابن النقور ووالده أبي علي بن البنا وغيرهم وحدث وروى عنه جماعة من الحفاظ منهم ابن عساكر وابن الجوزي وابن بوش وروى عنه ابن السمعاني إجازة وقال كان شيخا صالحا حسن السيرة واسع الرواية حسن الأخلاق متوددا متواضعا برا لطيفا بالطلبة مشفقا عليهم وتوفي ليلة الجمعة ثامن شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة فيها توفي أبو نصر الغازي أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني الحافظ قال ابن السمعاني ثقة حافظ ما رأيت في شيوخي أكثر رحلة منه سمع أبا القاسم ابن مندة وأبا الحسين بن النقور والفضل بن المحب وطبقتهم وكان جماعة من أصحابنا يفضلونه على إسماعيل التميمي الحافظ توفي في رمضان وقال الذهبي عاش ثلاثا وثمانين سنة وفيها أحمد بن محمد بن أحمد بن مخلد بن عبد الرحمن بن أحمد بن الحافظ بقى ابن مخلد أبو القاسم القرطبي المالكي أحد الأئمة روى عن أبيه وابن الطلاع وأجاز له أبو العباس بن دلهاث وتوفي في سلخ العام عن سبع وثمانين سنة وفيها الفقيه الحنبلي أبو بكر الدينوري أحمد بن أبي الفتح محمد بن أحمد من (4/98)

99 أئمة الحنابلة ببغداد تفقه على أبي الخطاب وبرع في الفقه وتقدم في المناظرة على أبناء جنسه حتى كان أسعد الميهني شيخ الشافعية يقول ما اعترض أبو بكر الدينوري على دليل أحد إلا ثلم فيه ثلمة وله تصانيف في المذهب منها كتاب التحقيق في مسائل التعليق وتخرج به أئمة منهم أبو الفتح بن المنى والوزير ابن هبيرة قال ابن الجوزي حضرت درسه بعد موت شيخنا ابن الزاغوني نحوا من أربع سنين قال وأنشدني أي لنفسه ) تمنيت أن أمسي فقيها مناظرا * بغير عناء والجنون فنون ) ) وليس اكتساب المال دون مشقة * تلقيتها فالعلم كيف يكون ) وقال ابن الجوزي كان يرق عند ذكر الصالحين ويبكي ويقول للعلماء عند الله قدر فلعل الله أن يجعلني منهم توفي يوم السبت غرة جمادى الأولى ودفن عند رجلي أبي منصور الخياط قريبا من قبر الإمام أحمد رضي الله عنه وفيها إسماعيل بن أبي صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن الفقيه أبو سعد النيسابوري الشافعي روى عن أبيه وأبي حامد الأزهري وطائفة وتفقه على إمام الحرمين وبرع في الفقه ونال جاها ورياسة عند سلطان كرمان وتوفي ليلة الفطر وله نيف وثمانون سنة وفيها سعيد بن أبي الرجاء محمد بن أبي بكر أبو الفرج الأصبهاني الصيرفي الخلال السمسار توفي في صفر عن سن عالية فإنه سمع سنة ست وأربعين من أحمد بن محمد بن النعمان القصاص وروى مسند أحمد بن منيع ومسند الغربي ومسند أبي يعلى وأشياء كثيرة وكان صالحا ثقة وفيها عبد المنعم بن أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن أبو المظفر القشيري النيسابوري آخر أولاد الشيخ وفاة عاش سبعا وثمانين سنة وحدث عن سعيد البحيري والبيهقي والكبار وأدرك ببغداد أبا الحسين بن النقور وجماعة وفيها أبو الحسن الجذامي علي بن عبد الله بن محمد بن سعيد بن موهوب الأندلسي (4/99)

100 أحد الأئمة أجاز له أبو عمر بن عبد البر وأكثر عن أبي العباس بن دلهاث العذري وصنف تفسيرا وكتابا في الأصول وعمر إحدى وتسعين سنة وفيها علي بن علي بن عبيد الله أبو منصور الأمين والد عبد الوهاب بن سكينة روى الجعديات عن الصريفيني وكان خيرا زاهدا يصوم صوم داود وكان أمينا على أموال الأيتام ببغداد عاش أربعا وثمانين سنة وفيها فاطمة بنت علي بن المظفر بن دعبل أم الخير البغدادية الأصل النيسابورية المقرية روت صحيح مسلم وغريب الخطابي عن أبي الحسين الفارسي وعاشت سبعا وتسعين سنة وكانت تلقن النساء وقيل توفيت في العام المقبل قاله في العبر وفيها أبو الحسن الكرجي محمد بن عبد الملك بن محمد بن عمر الفقيه الشافعي شيخ الكرج وعالمها ومفتيها قال ابن السمعاني إمام ورع فقيه مفت محدث أديب أفنى عمره في طلب العلم ونشره وروى عن مكي السلار وجماعة وله القصيدة المشهورة في السنة نحو مائتي بيت شرح فيها عقيدة السلف وله تصانيف في المذهب والتفسير وقال ابن كثير في طبقاته له كتاب الفضول في اعتقاد الأئمة الفحول حكى فيه عن أئمة عشرة من السلف الأئمة الأربعة وسفيان الثوري والأوزاعي وابن المبارك والليث وإسحق بن راهوية أقوالهم في أصول العقائد انتهى كذا قال ولم يذكر العاشر وله مختصر في الفقه يقال له الذرائع في علم الشرائع وله تفسير وكان لا يقنت في الفجر ويقول لم يصح في ذلك حديث وقد قال الشافعي إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط وقال ابن شهبة ولد سنة ثمان وخمسين وأربعمائة وتوفي في شعبان والكرجي بكاف وراء مفتوحتين وبالجيم انتهى وفيها الراشد بالله أبو جعفر منصور بن المسترشد بالله الفضل بن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي بالله الهاشمي العباسي خطب له بولاية العهد أكثر أيام والده (4/100)

101 وبويع بعده وكان شابا أبيض مليح الوجه تام الشكل شديد البطش شجاع النفس حسن السيرة جوادا كريما شاعرا فصيحا لم تطل دولته خرج من بغداد إلى الجزيرة وأذربيجان فخلعوه لذنوب ملفقة فدخل مراغة وعسكر منها وسار إلى أصبهان ومعه السلطان داود بن محمود فحاصرها وتمرض هناك فوثبت عليه جماعة من الباطنية فقتلوه وقتلوا وقيل قتلوه صائما يوم سادس عشر رمضان وله ثلاثون سنة وخلف نيفا وعشرين ابنا وقد غزا أهل همذان وعبرها في أيام عزله وظلم وعصف وقتل كغيره قاله في العبر وفيها أنو شروان بن خالد الوزير أبو نصر الغاساني وزر للمسترشد والسلطان محمود وكان من عقلاء الرجال ودهاتهم وفيه دين وحلم وجود مع تشيع قليل وكان محبا للعلماء موصوفا بالجود والكرم أرسل إليه القاضي الأرجاني يطلب منه خيمة فلم يكن عنده فجهز له خمسمائة دينار وقال اشتر بهذه خيمة فقال ) لله در ابن خالد رجلا * أحيا لنا الجود بعد ما ذهبا ) ) سألته خيمة ألوذ بها * فجاد لي ملء خيمة ذهبا ) وكان هو السبب في عمل مقامات الحريري وإياه عنى الحريري في أول مقاماته بقوله فأشار على من أشارته حكم وطاعته غنم وفيها القاضي الأعز محمد بن هبة الله بن خلف التميمي ولى بانياس وكان ذا كرم ومروءة ومات بدمشق وهو الذي يكثر هجوه ابن منير الشاعر من ذلك قوله من قصيدة ) هو قاض كما يقول ولكن * ما عليه من القضاء علامه ) ) عمة تملأ الفضاء عليه * فوق وجه كعشر عشر القلامه ) ) وعليها من التصاوير ما لم * يجمع القدس مثله والقمامه ) وفيها أبو الحسن يونس بن محمد بن مغيث بن محمد بن يونس بن عبد الله بن مغيث القرطبي العلامة أحد الأئمة بالأندلس كان رأسا في الفقه واللغة (4/101)

102 والأنساب والأخبار وعلو الإسناد روى عن أبي عمر بن الحذاء وحاتم بن محمد والكبار وتوفي في جمادى الآخرة عن خمس وثمانين سنة سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة فيها كما قال في الشذور كانت زلزلة بخبزه أتت على مائتي ألف وثلاثين ألفا فأهلكتهم وكانت الزلزلة عشرة فراسخ وفيها توفي الشيخ أبو العباس أحمد بن عبد الملك بن أبي جمرة المرسي روى عن جماعة وانفرد بالإجازة من أبي عمرو الداني وفيها زاهر بن طاهر أبو القسم الشحامي النيسابوري المحدث المستملى الشروطي مسند خراسان روى عن أبي سعيد الكنجرودي والبيهقي وطبقتهما ورحل في الحديث أولا وآخرا وخرج التاريخ وأملى نحوا من ألف مجلس ولكنه كان يخل بالصلوات فتركه جماعة لذلك توفي في ربيع الآخر قاله في العبر وفيها جمال الإسلام أبو الحسن علي بن المسلم بن محمد بن علي السلمي الدمشقي الفقيه الشافعي الفرضي مدرس الغزالية والأمينية ومفتي الشام في عصره وهو أول من درس بالأمينية المنسوبة لأمين الدولة سنة أربع عشرة وخمسمائة وصنف في الفقه والتفسير وتصدر للاشتغال والرواية فحدث عن أبي نصر بن طلاب وعبد العزيز الكتاني وطائفة وتفقه على ابن عبد الجبار المروزي ثم على نصر المقدسي ولزم الغزالي مدة مقامه بدمشق ودرس في حلقة الغزالي مدة قال الحافظ ابن عساكر بلغني أن الغزالي قال خلفت بالشام شابا إن عاش كان له شأن قال فكان كما تفرس فيه سمعنا من الكثير وكان ثقة ثبتا عالما بالمذهب والفرائض وكان حسن الخط موفقا في الفتاوى وكان على فتاويه عمدة أهل الشام واكن يكثر من عيادة المرضى وشهود الجنائز ملازما للتدريس والإفادة حسن الأخلاق ولم يخلف بعده مثله انتهى (4/102)

103 وفيها أبو جعفر الكلواذيس بفتح أوله والواو والمعجمة وسكون اللام نسبة إلى كلواذي قرية ببغداد محمد بن محفوظ بن محمد بن الحسن بن أحمد وهو ابن الإمام أبي الخطاب الحنبلي المتقدم ذكره ولد سنة خمسمائة وتفقه على أبيه وبرع في الفقه وصنف كتابا سماه الفريد قاله ابن القطيعي وفيها أبو بكر محمد بن باجه السرقسطي عرف بابن الصائغ الفيلسوف الشاعر ذكره صاحب كتاب فرائد العقيان فقال هو رمد جفن العين وكمد نفوس المهتدين اشتهر سخفا وجنونا وهجا مفروضا ومسنونا فما يتشرع ولا يأخذ في غير الأباطيل ولا يشرع إلى غير ذلك من كلام كثير وفيها محمود بن بوري بن طغتكين الملك شهاب الدين صاحب دمشق ولى بعد قتل أخيه شمس الملوك إسماعيل وكانت أمه زمرد هي الكل فلما تزوج بها الأتابك زنكي وسارت إلى حلب قام بتدبير المملكة معين الدين أنزا الطغتكيني ووثب على محمود هذا جماعة من المماليك فقتلوه في شوال وأحضروا أخاه محمدا من مدينة بعلبك فملكوه وفيها هبة اله بن سهل السيدي أبو محمد البسطامي ثم النيسابوري فقيه صالح متعبد عالي الإسناد روى عن أبي حفص بن مسرور وأبي يعلى الصابوني والكبار وتوفي في صفر وفيها هبة الله بن الحسن بن يوسف وقيل أحمد المنعوت بالبديع الاسطرلابي نسبة إلى الاسطرلاب بفتح الهمزة وسكون السين وضم الطاء كلمة يونانية معناها ميزان الشمس وقال بعضهم اللاب اسم الشمس بلسان اليونان فكأنه قيل أسطر الشمس إشارة إلى الخطوط التي فيه قيل أن أول من وضعه بطليموس صاحب المجسطي كان صاحب الترجمة شاعرا مشهورا أحد الأدباء الفضلاء وكان وحيد زمانه في عمل الآلات الفلكية متقنا لهذه الصناعة وحصل له من جهة عملها مال جزيل في خلافة المسترشد وذكره العماد في الخريدة وأثنى عليه وأورد له (4/103)

104 مقاطيع من شعره فمن ذلك قوله ) أهدي لمجلسه الكريم وإنما * أهدي له ما حزت من نعمائه ) ) كالبحر يمطره السحاب وما له * من عليه لأنه من مائه ) وقوله أيضا ) أذاقني حمرة المنايا * لما اكتسى خضرة العذار ) ) وقد تبدي السواد فيه * كارتي بعد في العيار ) وقوله أيضا ) قال قوم عشقته أمر الخد * وقد قيل أنه نكريش ) ) قلت فرخ الطاووس أحسن ما كان * إذا ما علا عليه الريش ) قوله نكريش لفظة أعجمية والأصل فيها نيك ريش معناه لحية جيدة فنيك جيد وريش لحية وله أيضا ) ولما بدا خط بخد معذبي * كظلمة ليل في ضياء نهار ) ) خلعت عذاري في هواه فلم أزل * خليع عذار في جديد عذار ) قال ابن خلكان وكان كثير الخلاعة يستعمل المجون في أشعاره حتى يفضي به إلى الفاحش في اللفظ وكان ظريفا في جميع حركاته توفي بعلة الفالج ودفن بمقبرة الوردية من بغداد انتهى ملخصا سنة أربع وثلاثين وخمسمائة فيها كما قال في الشذور خسف بخبزه وصار مكان البلد ماء أسود وقدم التجار من أهلها فلزموا المقابر يبكون على أهلهم وفيها توفي محمد بن أحمد بن علي ويعرف بزفره ويقال ابن زفره كان إماما جليلا حافظا عمدة قال ابن ناصر الدين في بديعته ) محمد بن أحمد بن زفره * در له ثناؤه المسره ) (4/104)

105 وفيها عبد الجبار بن محمد الخواري بالضم والتخفيف وراء نسبة إلى خوار بلد بالري كان إماما جليلا سمع الواحدي وغيره وفيها أبو الفضل محمد بن إسماعيل الفضيلي الهروي العدل روى عن أبي عمر المليحي ومحلم الضبي وتوفي في صفر وفيها محمد بن بوري بن طغتكين جمال الدين كان ظالما سيئ السيرة ولى دمشق عشر أشهر ومات في شعبان وأقيم بعده ابنه آبق صبي مراهق وفيها يحيى بن علي بن عبد العزيز القاضي المنتجب أبو الفضل القرشي زكي الدين قاضي دمشق وأبو قاضيها المعروف بابن الصائغ الدمشقي الشافعي قال الأسنوي كان فاضلا رحل إلى بغداد فتفقه على الشاشي وقرأ العربية على أبي علي الفارسي وتولى القضاء بدمشق وكان محمود السيرة ولد سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة انتهى وتوفي في ربيع الأول وكان له ولد يقال له منتجب الدين محمد خال الحافظ ابن عساكر ووالده القاضي الزكي تفقه على الشيخ نصر المقدسي وناب عن والده لما حج سنة عشر وخمسمائة ثم اشتغل بالحكم لما كبر والده وبعد موته أيضا وكان نزها عفيفا صلبا في الأحكام وقورا متوددا شفوقا حسن النظر ولد سنة سبع وستين وأربعمائة وتوفي في ربيع الأول سنة تسع وثلاثين وخمسمائة ذكره ابن عساكر في تاريخه وفيها يحيى بن بطريق الطرسوسي الدمشقي روى عن أبي بكر الخطيب وأبي الحسين محمد بن مكي وتوفي في رمضان سنة خمس وثلاثين وخمسمائة فيها توفي إسماعيل بن محمد بن الفضل الحافظ الكبير قوام السنة أبو القسم التميمي الطلحي الأصبهاني الشافعي روى عن أبي عمرو بن مندة وطبقته بأصبهان وأبي نصر الزينبي ببغداد ومحمد بن سهل السراج بنيسابور ذكره أبو موسى المديني (4/105)

106 فقال أبو القسم إمام أئمة وقته وأستاذ علماء عصره وقدوة أهل السنة في زمانه أصمت في صفر سنة أربع وثلاثين ثم فلج بعد مدة وتوفي بكرة يوم عيد الأضحى وكان مولده سنة سبع وخمسين وأربعمائة وقال ابن السمعاني هو أستاذي في الحديث وعنه أحدث هذا القدر وهو إمام في التفسير والحديث واللغة والأدب عارف بالمتون والأسانيد أملى بجامع أصبهان قريبا من ثلاثة آلاف مجلس وقال أبو عامر الغندري ما رأيت شابا ولا شيخا قط مثل إسماعيل التميمي ذاكرته فرأيته حافظا للحديث عارفا بكل علم متفننا وقال أبو موسى صنف شيخنا إسماعيل التفسير في ثلاثين مجلدة كبار وسماه الجامع وله الإيضاح في التفسير أربع مجلدات والموضح في التفسير ثلاث مجلدات وله المعتمد في التفسير عشر مجلدات وتفسير بالعجمي عدة مجلدات رحمه الله تعالى وقال ابن شهبة له كتاب الترغيب والترهيب وشرح صحيح البخاري وصحيح مسلم وكان ابنه شرح فيهما فمات في حياته فأتممها وله كتاب دلائل النبوة وكتاب التذكرة نحو ثلاثين جزءا وغير ذلك وقال ابن مندة في الطبقات ليس في وقتنا مثله وكان أئمة بغداد يقولون ما رحل إلى بغداد بعد أحمد بن حنبل أفضل ولا أحفظ منه ولم ينكر أحد شيئا من فتاويه قط وأما ولده فهو أبو عبد الله محمد ولد في حدود سنة خمسمائة ونشأ في طلب العلم فصار إماما مع الفصاحة والذكاء وصنف تصانيف كثيرة مع صغر سنة اخترته المنية بهمذان سنة ست وعشرين وخمسمائة وفيها رزين بن معاوية أبو الحسن العبدري الأندلسي السرقسطي مصنف تجريد الصحاح روى كتاب البخاري عن أبي مكتوم بن أبي ذر وكتاب مسلم عن الحسين الطري وجاور بمكة دهرا وتوفي في المحرم وفيها أبو منصور القزاز عبد الرحمن بن محمد بن عبد الواحد الشيباني البغدادي ويعرف بابن زريق روى عن الخطيب وأبي جعفر بن المسلمة والكبار وكان صالحا كثير الرواية توفي في شوال عن بضع وثمانين سنة (4/106)

107 وفيها عبد الوهاب بن شاه أبو الفتوح الشاذياخي النيسابوري التاجر سمع من القشيري رسالته ومن أبي سهل الحفصي صحيح البخاري ومن طائفة وتوفي في شوال وفيها أبو نصر الفتح بن محمد بن خاقان القيسي الإشبيلي صاحب كتاب قلائد العقيان له عدة تصانيف منها الكتاب المذكور وقد جمع فيه من شعراء الغرب طائفة كثيرة وتكلم على ترجمة كل واحد منهم بأحسن عبارة وألطف إشارة وله أيضا كتاب مطمح الأنفس ومسرح التأنس في ملح أهل الأندلس وهو ثلاث نسخ كبرى ووسطى وصغرى وهو كتاب كثير الفائدة لكنه قليل الوجود وكلامه في هذه الكتب يدل على فضله وغزارة مادته وكان كثير الأسفار سريع التنقلات وتوفي قتيلا بمدينة مراكش في الفندق قاله ابن خلكان وقال غيره مات بمراكش قتيلا ذبح بمسكنه في فندق من فنادقها وكان يتكلم على الشعراء في كتابه قلائد العقيان بألفاظ كالسحر الحلال والماء الزلال يقال أنه أراد أن يفضح الشعراء الذين ذكرهم بنشره وكان يكتب إلى المغاربة ورؤسائها يعرف كلا على انفراده أنه عزم على كتاب القلائد وأن يبعث إليه بشيء من شعره ليضعه في كتابه وكانوا يخافونه ويبعثون إليه الذي طلب ويرسلون له الذهب والدنانير فكل من أرضاه أثنى عليه وكل من قصر هجاه وثليه وممن تصدى له وأرسل إليه ابن باجة وزير صاحب المرية وهو أحد الأعيان في العلم والبيان يشبهونه في المغرب بابن سينا في المشرق فلما وصلته رسالة ابن خاقان تهاون بها ولم يعرها طرفه فذكره ابن خاقان بسوء ورماه بداهية وفيها أبو الحسن بن توبة محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الجبار بن توبة الأسدي الطبري الشافعي المقرئ روى عن أبي جعفر بن المسلمة وأبي بكر الخطيب وطائفة وتوفي في صفر وتوفي أخوه عبد الجبار بعده بثلاثة أشهر وروى عن أبي محمد الصريفيني وجماعة وكان الأصغر قاله في العبر (4/107)

108 وفيها أبو بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد يتصل نسبة بكعب بن مالك الأنصاري أحد الثلاثة الذين خلفوا ثم تاب الله عليهم القاضي أبو بكر الأنصاري البغدادي الحنبلي البزاز مسند العراق ويعرف بقاضي المارستان حضر أبا إسحق البرمكي وسمع من علي بن عيسى الباقلاني وأبي محمد الجوهري وأبي الطيب الطبري وطائفة وتفقه على القاضي أبي يعلى وبرع في الحساب والهندسة وشارك في علوم كثيرة وانتهى إليه علو الإسناد في زمانه توفي في رجب وله ثلاث وتسعون سنة وخمسة أشهر قال ابن السمعاني ما رأيت أجمع للفنون منه نظر في كل علم وسمعته يقول تبت من كل علم تعلمته إلا الحديث وعلمه قاله في العبر ومن سعره قوله ) احفظ لسانك لا تبح بثلاثة * سن ومال وما استطعت ومذهب ) ) فعلى الثلاثة تبتلي بثلاثة * بمكفر وبحاسد ومكذب ) وكان يقول من خدم المحابر خدمته المنابر وقال ابن رجب في طبقاته ولد يوم الثلاثاء عاشر صفر سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين وسمع على خلائق وتفقه على القاضي أبي يعلى وقرأ الفرائض والحساب والجبر والمقابلة والهندسة وبرع في ذلك وله فيه تصانيف وشهد عند الدامغاني وتفنن في علوم كثيرة قال ابن السمعاني كان حسن الكلام حلو المنطق مليح المحاورة ما رأيت أجمع للفنون منه نظر في كل علم وكان سريع النسخ حسن القراءة للحديث سمعته يقول ما ضيعت ساعة من عمري في لهو أو لعب قال وسمعته يقول أسرتني الروم وبقيت في الأسر سنة ونصفا وكان خمسة أشهر الغل في عنقي والسلاسل على يدي ورجلي وكانوا يقولون لي قل المسيح ابن الله حتى نفعل ونصنع في حقك فامتنعت وما قلت ووقت أن حبست كان ثم معلم يعلم الصبيان الخط بالرومية فتعلمت في الحبس الخط الرومي وسمعته يقول حفظت القرآن ولى سبع سنين وما من علم في عالم الله إلا وقد نظرت فيه وحصلت منه كله أو بعضه (4/108)

109 ورحل إليه المحدثون من البلاد وقال ابن الجوزي ذكر لنا أن منجمين حضرا حين ولد أبو بكر بن عبد الباقي فأجمعا أن عمره اثنتان وخمسون سنة قال وها أنا قد تجاوزت التسعين قال ورأيته بعد ثلاث وتسعين صحيح الحواس لم يتغير منها شيء ثابت العقل يقرأ الخط الدقيق من بعد ودخلنا عليه قبل موته بمديدة فقال قد نزلت في أذني مادة فقرأ علينا من حديثه وبقي على هذا نحوا من شهرين ثم زال ذلك وعاد إلى الصحة ثم مرض فأوصى أن يعمق قبره زيادة على العادة وأن يكتب عليه ) ^ قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون ) وبقي ثلاثة أيام قبل موته لا يفتر من قراءة القرآن إلى أن توفي يوم الأربعاء ثاني رجب ودفن بباب حرب إلى جاني أبيه قريبا من بشر الحافي رحمه الله وقال ابن الخشاب كان مع تفرده بعلم الحساب والفرائض وافتنانه في علوم عديدة صدوقا ثبتا في الرواية متحريا فيها وقال ابن ناصر لم يخلف بعده من يقوم مقامه في علمه وقال ابن شافع ما رأيته ابن الخشاب يعظم أحدا من مشايخه تعظيمه له وقال ابن أبي الفوارس سمعت القاضي أبا بكر بن عبد الباقي يقول كنت مجاورا له بمكة حرسها الله تعالى فأصابني يوما جوع شديد لم أجد شيئا أدفع به عني الجوع فوجدت كيسا من إبرسيم مشدودا بشرابة إبرسيم أيضا فأخذته وجئت إلى بيتي فحللته فوجدت فيه عقدا من لؤلؤ لم أر مثله فخرجت فإذا شيخ ينادي عليه ومعه خرقة فيها خمسمائة دينار وهو يقول هذا لمن يرد علينا الكيس الذي فيه اللؤلؤ فقلت أنا محتاج وأنا جائع فآخذ هذا الذهب فانتفع به وأرد عليه الكيس فقلت له تعالى وجئت به إلى بيتي فأعطاني علامة الكيس وعلامة الشرابة وعلامة اللؤلؤ وعدده والخيط الذي هو مشدود به فأخرجته ودفعته إليه فسلم إلى خمسمائة دينار فما أخذتها وقلت يجب أن أعيده إليك ولا آخذ له جزاء فقال لي لا بد أن تأخذ وألح على كثيرا فلم أقبل فتركني ومضى وخرجت من مكة وركبت البحر فانكسر المركب وغرق الناس وهلكت أموالهم وسلمت (4/109)

أنا على قطعة من المركب فبقيت مدة في البحر لا أدري 110 أين أذهب فوصلت إلى جزيرة فيها قوم فقعدت في بعض المساجد فسمعوني أقرأ فلم يبق أحد إلا جاءني وقال علمني القرآن فحصل لي منهم شيء كثير من المال ثم رأيت أوراقا من مصحف فأخذتها فقالوا تحسن تكتب فقلت نعم فقالوا علمنا الخط وجاءوا بأولادهم من الصبيان والشباب وكنت أعلمهم فحصل لي أيضا من ذلك شيء كثير فقالوا لي بعد ذلك عندنا صبية يتيمة ولها شيء من الدنيا نريد أن تتزوج بها فامتنعت فقالوا لا بد وألزموني فأجبتهم فلما زفوها مددت عيني أنظر إليها فوجدت ذلك العقد بعينه معلقا في عنقها فما كان لي حينئذ شغل إلا النظر إليه فقالوا يا شيخ كسرت قلب هذه اليتيمة من نظرك إلى هذا العقد ولم تنظر إليها فقصصت عليهم قصة العقد فصاحوا بالتهليل والتكبير حتى بلغ إلى جميع أهل الجزيرة فقلت ما بكم فقالوا ذلك الشيخ الذي أخذ منك العقد أبو هذه الصبية وكان يقول ما وجدت في الدنيا مسلما كهذا الذي رد على هذا العقد وكان يدعو ويقول اللهم اجمع بيني وبينه حتى أزوجه بابنتي والآن قد حصلت فبقيت معها مدة ورزقت منها ولدين ثم إنها ماتت فورثت العقد أنا وولدي ثم مات الولدان فحصل العقد لي فبعته بمائة ألف دينار وهذا المال الذي ترون معي من بقايا ذلك المال وقد تضمنت هذه القصة أنه لا يجوز قبول الهدية على رد الأمانات لأنه يجب عليه ردها بغير عوض وهذا إذا كان لم يلتقطها بنية أخذ الجعل المشروط وقد نص أحمد رضي الله عنه على مثل ذلك في الوديعة وأنه لا يجوز لمن ردها إلى صاحبها قبول هديته إلا بنية المكافأة انتهى ما أورده ابن رجب ملخصا وفيها أبو يعقوب يوسف بن أيوب الهمذاني الزاهد شيخ الصوفية بمرو وبقية مشايخ الطريق العاملين تفقه على الشيخ أبي إسحق فأحكم مذهب الشافعي وبرع في المناظرة ثم ترك ذلك وأقبل على شأنه وروى عن الخطيب وابن المسلمة والكبار وسمع بأصبهان وبخارى وسمرقند ووعظ وخوف وانتفع به (4/110)

الخلق وكان صاحب أحوال وكرامات توفي في ربيع الأول عن أربع وتسعين سنة قاله في العبر 111 وقال السخاوي في طبقاته وابن الأهدل أبو يعقوب الهمذاني الفقيه الزاهد العالم العامل الرباني صاحب المقامات والكرامات قدم بغداد في صباه بعد ستين وأربعمائة ولازم الشيخ أبا إسحق الشيرازي وتفقه عليه حتى برع في الأصول والمذهب والخلاف ثم زهد في ذلك واشتغل بالزهد والعبادة والرياضة والمجاهدة حتى صار علما من أعلام الدين يهتدي به الخلق إلى الله ثم قدم بغداد في سنة خمس وخمسمائة وعقد بها مجلس الوعظ بالمدرسة النظامية وصادف بها قبولا عظيما من الناس وكان قطب وقته في فنه وذكر ابن النجار في تاريخه أن فقيها يقال له ابن السقا سأله من مسألة وأساء معه الأدب فقال له الإمام يوسف اجلس فإني أجد ويروى أشم من كلامك رائحة الكفر وكان أحد القراء حفظة القرآن فاتفق أنه تنصر ومات عليها نعوذ بالله من سوء الخاتمة وذلك أنه خرج إلى بلد الروم رسولا من الخليفة فافتتن بابنة الملك فطلب زواجها فامتنعوا إلا أن يتنصر فتنصر ورؤي في القسطنطينية مريضا وبيده خلق مروحة يذب بها الذباب عن وجهه فسئل عن القرآن فذكر أنه نسيه إلا آية واحدة وهي ) ^ ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) وذكرت حكاية ابن السقا في البهجة المصنعة في مناقب الشيخ عبد القادر وان ابتلاؤه كان سبب إساءته إلى بعض الأولياء يقال له الغوث فالله أعلم سنة ست وثلاثين وخمسمائة فيها كانت ملحمة عظيمة بين السلطان سنجر وبين الترك الكفرة بما وراء النهر أصيب فيها المسلمون وأفلت سنجر في نفر يسير بحيث أنه وصل بلخ في ستة أنفس وأسرت زوجته وبنته وقتل من جيشه مائة ألف أو أكثر وكانت الترك في ثلاثمائة ألف فارس (4/111)

112 وفيها توفي أبو سعد الزوزني بفتح الزايين وسكون الواو نسبة إلى زوزن بلد بين هراة ونيسابور أحمد بن محمد بن الشيخ أبي الحسن علي بن محمود بن ماخره الصوفي روى عن القاضي أبي يعلى وأبي جعفر بن المسلمة والكبار وتوفي في شعبان عن سبع وثمانين سنة قال ابن ناصر كان متسمحا فرأيته في النوم فقلت ما فعل الله بك قال غفر لي وأنا في الجنة وفيها أبو العباس بن العريف أحمد بن محمد بن موسى الصنهاجي الأندلسي الصوفي الزاهد قال ابن بشكوال كان مشاركا في أشياء ذا عناية في القراءات وجمع الروايات والطرق وحملتها وكان متناهيا في الفضل والدين وكان الزهاد والعباد يقصدونه وقال الذهبي لما أكثر أتباعه توهم السلطان وخاف أن يخرج عليه فطلبه فأحضر إلى مراكش فتوفي في الطريق قبل أن يصل وقيل توفي بمراكش وله ثمان وسبعون سنة وكان من أهل المرية وفيها أبو القسم إسماعيل بن أحمد بن عمر بن أبي الأشعث أبو القسم بن السمرقندي الحافظ ولد بدمشق سنة أربع وخمسين وسمع بها من الخطيب وعبد الدائم الهلالي وابن طلاب والكبار وببغداد من الصريفيني فمن بعده قال أبو العلاء الهمذاني ما أعدل به أحدا من شيوخ العراق وهو من شيوخ ابن الجوزي توفي في ذي القعدة وفيها أبو سعد إسماعيل بن عبد الواحد بن إسماعيل بن محمد الإمام أبو سعد البوسنجي نزيل هراة ولد سنة إحدى وستين وأربعمائة وكان شافعيا عالما بالمذهب درس وأفتى وصنف قال ابن السمعاني كان فاضلا غزير الفضل حسن المعرفة بالمذهب جميل السيرة مرضي الطريقة كثير العبادة ملازما للذكر قانعا باليسير خشن العيش راغبا في نشر العلم لازما للسنة غير ملتفت إلى الأمراء وأبناء الدنيا وقال عبد الغافر شاب نشأ في عبادة الله مرضي السيرة على منوال أبيه وهو فقيه مناظر مدرس زاهد وقال الرافعي في كتاب الجامع هو إمام غراص متأخر (4/112)

113 لقيه من لقيناه توفي بهراة وله كتاب أسماه المستدرك وقف عليه الرافعي ونقل عنه في مواضع قاله ابن قاضي شهبة وفيها عبد الجبار بن محمد بن أحمد أبو محمد الخواري بضم الخاء والتخفيف وسمع البيهقي بلد بالري الشافعي المفتي إمام جامع نيسابور تفقه على إمام الحرمين وسمع البيهقي والقشيري وجماعة وتوفي في شعبان عن إحدى وتسعين سنة وفيها ابن برجان أبو الحكم عبد السلام بن عبد الرحمن بن أبي الرجال اللخمي الإفريقي ثم الإشبيلي العارف شيخ الصوفية مؤلف شرح الأسماء الحسنى توفي غريبا بمراكش قال الأبار كان من أهل المعرفة بالقراءات والحديث والتحقيق بعلم الكلام والتصوف مع الزهد والاجتهاد في العبادة وقبره بإزاء قبر ابن العريف وفيها شرف الإسلام عبد الوهاب بن الشيخ أبي الفرج الحنبلي عبد الواحد بن محمد الأنصاري الشيرازي ثم الدمشقي الفقيه الواعظ شيخ الحنابلة بالشام بعد والده ورئيسهم وهو باني مدرسة الحنابلة داخل باب الفراديس سكنها الشيخ محمد الاسطواني من سنة خمس وأربعين وتسعمائة إلى نيف وسبعين وتسعمائة كذا رأيته على هامش طبقات ابن رجب وقال ابن رجب في الطبقات توفي والد عبد الوهاب وهو صغير فاشتغل بنفسه وتفقه وبرع وناظر وأفتى ودرس الفقه والتفسير ووعظ واشتغل عليه خلق كثير وكان فقيها بارعا وواعظا فصيحا وصدرا معظما ذا حرمة وحشمة وسؤدد ورياسة ووجاهة وهيبة وجلالة كان ينشد على الكرسي بجامع دمشق إذا طاب وقته قوله ) سيدي علل الفؤاد العليلا * واحيني قبل أن تراني قتيلا ) ) أن تكن عازما على قبض روحي * فترفق بها قليلا قليلا ) ولشرف الإسلام تصانيف في الفقه والأصول منها المنتخب في الفقه في مجلدين والمفردات والبرهان في أصول الدين وغير ذلك وحدث عن أبيه وغيره وسمع منه (4/113)

114 ببغداد ابن كامل توفي رحمه الله في ليلة الأحد سابع عشر صفر سنة ست ودفن عند والده بمقابر الشهداء من مقابر الباب الصغير وفيها أبو عبد الله المازري محمد بن علي بن عمر المالكي المحدث مصنف المعلم في شرح مسلم كان من كبار أئمة زمانه قال ابن الأهدل نسبة إلى مازر بفتح الزاي وكسرها بلدة بجزيرة صقلية وكان ذا فنون من أئمة المالكية وله المعلم بفوائد مسلم ومنه أخذ القاضي عياض شرحه الأكمال توفي بالمهدية عن ثلاث وثمانين سنة وفيها هبة الله بن أحمد بن عبد الله بن طاووس أبو محمد البغدادي إمام جامع دمشق ثقة مقرئ محقق ختم عليه خلق وله اعتناء بالحديث روى عن أبي العباس بن قيس وأبي عبد الله بن أبي الحديد وببغداد من البانياسي وطائفة وبأصبهان من ابن سكرويه وطائفة وآخر أصحابه ابن أبي لقمة وفيها يحيى بن علي أبو محمد بن الطراح المدير روى عن عبد الصمد بن المأمون وأقرانه وكان صالحا ساكنا توفي في رمضان سنة سبع وثلاثين وخمسمائة فيها توفي أحمد بن محمد بن أبي المختار الشريف العلوي النوبندجاني شاعر مفلق ومن شعره ) اخضر بالزغب المنمنم خده * فالخد ورد بالبنفسج معلم ) ) يا عاشقيه تمتعوا بعذاره * من قبل أن يأتي السواد الأعظم ) وفيها توفي صاحب ملطية محمد بن الدانشمد واستولى على مملكة مسعود بن قلج أرسلان صاحب قونية وفيها الحسين بن علي سبط الخياط البغدادي المقرئ أبو عبد الله قال ابن السمعاني شيخ صالح دين حسن الإقراء يأكل من كد يده سمع الصريفيني وابن (4/114)

115 المأمون والكبار وفيها أبو الفتح بن البيضاوي القاضي عبد الله بن محمد بن محمد بن محمد أخو قاضي القضاة أبي القسم الزينبي لامه سمع أبا جعفر بن المسلمة وعبد الصمد بن المأمون وكان متحريا في أحكامه توفي في جمادى الأولى ببغداد وفيها علي بن يوسف بن تاشفين أمير المسلمين صاحب المغرب كان يرجع إلى عدل ودين وتعبد وحسن طوية وشدة إيثار لأهل العلم وتعظيم لهم وذم للكلام وأهله ولما وصلت إليه كتب أبي حامد أمر بإحراقها وشدد في ذلك ولكنه كان مستضعفا مع رؤوس أمرائه فلذلك ظهرت مناكير وخمور في دولته فتغافل وعكف على العبادة وتوثب عليه ابن تومرت ثم صاحبه عبد المؤمن توفي في رجب عن إحدى وستين سنة وتملك بعده ابنه تاشفين قاله في العبر وقال ابن الأهدل كان من أئمة الهدى علما وعملا وفيها عمر بن محمد بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن لقمان النسفي السمرقندي الحنفي الحافظ ذو الفنون يقال له مائة مصنف روى عن إسماعيل بن محمد النوحي فمن بعده واه أوهام كثيرة قاله في العبر وقال غيره كان فاضلا مفسرا أديبا صنف كتبا في التفسير والفقه ونظم الجامع الصغير لمحمد بن الحسن وقدم بغداد وحدث بكتاب تطويل الأسفار لتحصيل الأخبار من جمعه وروى عنه عامة مشايخه وفيها كوخان خال سلطان الترك والخطا الذي هزم المسلمين وفعل الأفاعيل في السنة الماضية واستولى على سمرقند وغيرها هلك في رجب ولم يمهله الله وكان ذا عدل على كفره وكان مليح الشكل حسن الصورة كامل الشجاعة لا يمكن أميرا من إقطاع بل يعطيهم من خزانته ويقول إن أخذوا الإقطاعات ظلموا الناس وكان يعاقب على السكر ولا ينكر الزنا ولا يستقبحه وتملكت ابنته بعده ولم تطل مدتها وتملكت أمه بعدها فحكمت على الخطا وما وراء النهر (4/115)

116 وفيها محمد بن يحيى بن علي بن عبد العزيز القاضي المنتخب أبو المعالي القرشي الدمشقي الشافعي قاضي دمشق وابن قاضيها القاضي الزكي سمع أبا القسم بن أبي العلاء وطائفة وسمع بمصر من الخلعي وتفقه على نصر المقدسي وغيره وتوفي في ربيع الأول عن سبعين سنة وفيها مفلح بن أحمد أبو الفتح الرومي ثم البغدادي الوراق سمع من أبي بكر الخطيب والصريفيني وجماعة وتوفي في المحرم سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة فيها توفي أبو المعالي عبد الخالق بن عبد الصمد بن البدن البغدادي الصفار المقرئ روى عن ابن المسلمة وعبد الصمد بن المأمون وفيها أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد الأنماطي الحافظ الحنبلي مفيد بغداد سمع الصريفيني ومن بعده قال أبو سعد حافظ متقن كثير السماع وقال ابن رجب ولد في رجب سنة اثنتين وستين وأربعمائة وسمع الكثير من خلق كثير وكتب بخطه الكثير وسمع العالي والنازل حتى أنه قرأ على ابن الطيوري جميع ما عنده قال ابن ناصر عنه كان بقية الشيوخ وكان ثقة ولم يتزوج قط وقال الحافظ أبو موسى المديني في معجمه هو حافظ عصره ببغداد وذكره ابن السمعاني فقال حافظ ثقة متقن واسع الرواية دائم البشر سريع الدمعة عند الذكر حسن المعاشرة جمع الفوائد وخرج التخاريج لعله ما بقي جزء مروي إلا وقد قرأ وكان متفرغا للتحديث أما أن يقرأ عليه أو ينسخ وذكره تلميذه ابن الجوزي في عدة مواضع من كتبه كمشيخته وطبقات الأصحاب المختصرة والتاريخ وصفة الصفوة وصيد الخاطر وأثنى عليه كثيرا وقال كان ثقة ثبتا ذا دين وورع وكنت أقرأ عليه الحديث وهو يبكي فاستفدت ببكائه أكثر من استفادتي بروايته وكان على طريقة السلف وانتفعت به ما لم أنتفع بغيره ودخلت عليه في مرضه وقد بلى وذهب لحمه فقال أن الله عز وجل لا يتهم في قضائه (4/116)

117 وما رأينا في مشايخ الحديث أكثر سماعا منه ولا أكثر كتابة للحديث منه مع المعرفة به ولا أصبر على الإقراء ولا أكثر دمعة وبكاء مع دوام البشر وحسن اللقاء وكان لا يغتاب أحدا ولا يغتاب عند أحد وكان سهلا في إعارة الأجزاء لا يتوقف توفي رحمه الله يوم الخميس حادي عشر المحرم ودفن من الغد بالشونيزية وهي مقبرة أبي القسم الجنيد غربي بغداد وفيها علي بن طراد الوزير الكبير أبو القسم الزينبي العباسي وزير المسترشد والمقتفى سمع من عمه أبي نصر الزينبي وأبي القسم بن البسرى وكان صدرا مهيبا نبيلا كامل السؤدد بعيد الغور دقيق النظر ذا رأي ودهاء وإقدام نهض بأعباء بيعة المقتفى وخلع الراشد في نهار واحد وكان الناس يتعجبون من ذلك ولما تغير عليه المقتفى وهم بالقبض عليه احتمى منه بدار السلطان مسعود ثم خلص ولزم داره واشتغل بالعبادة والخير إلى أن مات في رمضان وكان يضرب المثل بحسنه في صباه وفيها محمد بن الخضر بن أبي المهزول المعروف بالسابق من أهل المعرة كان شاعرا مجودا دخل بغداد وجالس ابن ماقيا والابيوردي وأبا زكريا التبريزي وأنشدهم ولقى ابن الهبارية وعمل رسالة لقبها تحية الندمان ومن شعره في مليح حلقوا رأسه ) وجهك المستنير قد كان بدرا * فهو شمس لنفي صدغك عنه ) ) ثبتت آية النهار عليه * إذ محا القوم آية الليل منه ) وفيها أبو البركات محمد بن علي بن صدقة بن جلب الصائغ الحنبلي أمين الحكم بباب الأزج سمع من أبي محمد التميمي وقرأ الفقه على القاضي أبي حازم وذكر ابن القطيعي عن أبي الحسين بن أبي البركات الصائغ قال سمعت أبي قال جاءت فتوى إلى القاضي أبي حازم وفيها مكتوب ) ما يقول الإمام أصلحه الله * تعالى وللسبيل هداه ) (4/117)

118 ) في محب أتى إليه حبيب * في ليالي صيامه فأتاه ) ) افتنا هل صباح ليلته * أفطر أم لا وقل لنا ما تراه ) قال فقال لي القاضي أبو خازم أجب يا أبا البركات فكتبت الجواب وبالله التوفيق ) أيها السائلي عن الوطء في ليلة * الصيام الذي إليه دعاه ) ) وجده بالذي أحب وقد أحرق * نار الغرام منه حشاه ) ) كيف يعصى ولو تفكر في قدرة * ربي مفكرا ما عصاه ) ) أأمنت الذي دحى الأرض أن يطبق * دون الورى عليك سماه ) ) ليس فيما أتيت ما يبطل الصوم * جوابي فاعلم هداك الله ) توفي ليلة الثلاثاء سابع عشر رجب ودفن بباب حرب وسبب موته أن زوجته سمته في طعام قدمته له وأكل معه منه رجلان فمات أحدهما من ليلته والآخر من غده وبقي أبو البركات مريضا مديدة ثم مات رحمه الله تعالى وفيها أبو الفتوح الاسفرايني محمد بن الفضل بن محمد ويعرف أيضا بابن المعتمد الواعظ المتكلم روى عن أبي الحسن بن الأخرم المديني ووعظ ببغداد وجعل شعاره إظهار مذهب الأشعري وبالغ في ذلك حتى هاجت فتنة كبيرة بين الحنابلة والأشعرية فأخرج من بغداد فغاب مدة ثم قدم وأخذ ببلده فأدركه الموت ببسطام في ذي الحجة وكان رأسا في الوعظ أوحد في مذهب الأشعري له تصانيف في الأصول والتصوف قال ابن عساكر أجرأ من رأيته لسانا وجنانا وأسرعهم جوابا وأساسهم خطابا لازمت حضور مجلسه فما رأيت مثله واعظا ولا مذكرا قاله في العبر وفيها أبو القسم الزمخشري محمود بن عمر بن محمد الخوارزمي النحوي اللغوي من ابن الطبر وصنف عدة تصانيف وسقطت رجله فكان يمشي في حاون خشب وكان (4/118)

119 داعية إلى الاعتزال كثير الفضائل قاله في العبر وقال ابن خلكان الإمام الكبير في التفسير والحديث والنحو واللغة وعلم البيان كان إمام عصره من غير مدافع تشد إليه الرحال في فنونه أخذ النحو عن أبي مضر منصور وصنف التصانيف البديعة منها الكشاف في تفسير القرآن العظيم لم يصنف قبله مثله والفائق في الحديث وأساس البلاغة في اللغة وربيع الأبرار وفصوص الأخبار ومتشابه أسامي الرواة والنصائح الكبار والنصائح الصغار وضالة الناشد والرائض في علم الفرائض والمفصل في النحو وقد اعتنى بشرحه خلق كثير والأنموذج في النحو والمفر والمؤلف في النحو ورؤوس المسائل في الفقه وشرح أبيات سيبويه والمستقصي في أمثال العرب وصميم العربية وسوائر الأمثال وديوان التمثل وشقائق النعمان وشافي العيي من كلام الشافعي والقسطاس في العروض ومعجم الحدود والمنهاج في الأصول ومقدمة من الآداب وديوان الرسائل وديوان الشعر والرسالة الناصحة والأمالي في كل فن وغير ذلك وكان قد سافر إلى مكة حرسها الله تعالى وجاور بها زمانا فصار يقال له جار الله لذلك فكان هذا الاسم علما عليه وسمعت من بعض المشايخ أن إحدى رجليه كانت سقطت وكان يمشي في جاون خشب وكان سبب سقوطها أنه في بعض أسفاره في بلاد خوارزم أصابه ثلج كثير وبرد شديد في الطريق فسقطت منه رجله وأنه كان بيده محضر فيه شهادة خلق كثير ممن اطلعوا على حقيقة ذلك خوفا من أن يظن من يعلم الحال أنها قطعت لريبة ورأيت في تاريخ المتأخرين أن الزمخشري لما دخل بغداد واجتمع بالفقيه الحنفي الدامغاني سأله عن قطع رجله فقال دعاء الوالدة وذلك أنني في صباي أمسكت عصفورا وربطته بخيط في رجله وأفلت من يدي فأدركته وقد دخل خرق فجذبته فانقطعت رجله في الخيط فقالت والدتي قطع الله رجل الأبعد كما قطعت رجله فلما وصلت إلى سن الطلب دخلت إلى بخارى لطلب العلم فسقطت عن الدار فانكسرت رجلي وعملت على عمل أوجب قطعها وكان الزمخشري المذكور (4/119)

120 معتزلي الاعتقاد متظاهرا به حتى نقل عنه أنه كان ذا قصد صاحبا له واستأذن عليه في الدخول يقول لمن يأخذ له الإذن قل له أبو القسم المعتزلي بالباب وأول ما صنف كتاب الكشاف استفتح الخطبة بقوله الحمد لله الذي خلق القرآن فيقال أنه قيل متى تركته على هذه الهيئة هجره الناس ولا يرغب أحد فيه فغيره بقوله الحمد لله الذي جعل القرآن ودعل عندهم بمعنى خلق ورأيت في كثير من النسخ الحمد لله الذي أنزل القرآن وهذا إصلاح الناس لا إصلاح المصنف وكان الحافظ أبو الطاهر السلفي كتب إليه من الإسكندرية وهو يومئذ مجاور بمكة يستجيزه في مسموعاته ومصنفاته فرد جوابه بما لا يشفي الغليل فلما كان في العام الثاني كتب إليه أيضا مع بعض الحجاج استجازة أخرى ثم قال في آخرها ولا يحوج أدام الله توفيقه إلى المراجعة فالمسافة بعيدة وقد كاتبه في السنة الماضية فلم يجبه بما يشفي الغليل وفي ذلك الأجر الجزيل فكتب الزمخشري جوابه بأفصح عبارة وأبلغها ولم يصرح له بمقصوده ومن شعره السائر قوله ) ألا قل لسعدي ما لنا فيه من وطر * وما بطنين النحل من أعين البقر ) ) فإنا اقتصرنا بالذين تضايقت * عيونهم والله يجزي من اقتصر ) ) مليح ولكن عنده كل جفوة * ولم أر في الدنيا صفاء بلا كدر ) ) ولم أنس إذ غازلته قرب روضة * إلى جنب حوض فيه للماء منحصر ) ) فقلت له جئني بورد وإنما * أردت به ورد الخدود وما شعر ) ) فقال انتظرني رجع طرفي أجيء به * فقلت له هيهات ما لي منتظر ) ) فقال ولا ورد سوى الخد حاضر * فقلت له إني قنعت بما حضر ) ومن شعره يرثي شيخه أبا مضر منصور ) وقائلة ما هذه الدرر التي * تساقط من عينيك سمطين سمطين ) ) فقلت لها الدر الذي كان قد حشى * أبو مضر أذني تساقط من عيني ) ومن شعره (4/120)

121 ) أقول لظبي مر بي وهو راتع * أأنت أخو ليلى فقال يقال ) ) فقلت وفي حكم الصبابة والهوى * يقال أخو ليلى فقال يقال ) ) فقلت وفي ظل الأراكة والحمى * يقال ويستسقى فقال يقال ) ومما أنشد لغيره في كتاب الكشاف في سورة البقرة عند قوله تعالى ) ^ إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها ) فإنه قال أنشدت لبعضهم ) يا من يرى مد البعوض جناحها * في ظلمة الليل البهيم الأليل ) ) ويرى مناط عروقها في نحرها * والمخ في تلك العظام النحل ) ) اغفر لعبد تاب عن فرطاته * ما كان منه في الزمان الأول ) وكانت ولادة الزمخشري يوم الأربعاء سابع عشرى رجب سنة سبع وستين وأربعمائة بزمخشر وتوفي ليلة عرفة بجرجانية خوارزم بعد رجوعه من مكة انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا وقال ابن الأهدل كان من أئمة الحنفية معتزلي العقيدة عظم صيته في علوم الأدب وسلم مناظروه له انتهى ملخصا أيضا سنة تسع وثلاثين وخمسمائة فيها توفي أبو البدر الكرخي إبراهيم بن محمد بن منصور ثقة ذو مال حدث عن ابن سمعون وعن خديجة الساهجانية وسمع أيضا من الخطيب وطائفة وتوفي في ربيع الأول وفيها تاشفين صاحب المغرب أمير المسلمين ولد علي بن يوسف بن تاشفين المصمودي البربري الملثم ولى بعد أبيه سنتين وأشهرا وكانت دولته في ضعف وانتقال وزوال مع وجود عبد المؤمن فتحصن بمدينة وهران فصعد ليلة في رمضان إلى مزار بظاهر وهران فبيته أصحاب عبد المؤمن فلما أيقن بالهلكة ركض فرسه فتردى به إلى البحر فتحطم وتلف ولم يبق لعبد المؤمن منازع فأخذ تلمسان وفيها ولى جقر بالموصل رجلا ظالما يقال له القزويني فسار سيرة قبيحة وشكا (4/121)

122 الناس إليه فوللا مكانه عمر بن شكله فأساء السيرة أيضا فقال الحسن بن أحمد الموصلي ) يا نصير الدين يا جقر * ألف قزويني ولا عمر ) ) لو رماه الله في سقر * لاشتكت من ظلمه سقر ) وفيها توفي أبو منصور بن الرزاز سعيد بن محمد بن عمر البغدادي شيخ الشافعية ومدرس النظامية تفقه على الغزالي وأسعد الميهني والكيا الهراسي وأبي بكر الشاشي وأبي سعد المتولي وروى عن رزق الله التميمي وبرع وساد وصار إليه رياسة المذهب وكان ذا سمت ووقار وجلالة كان مولده سنة اثنتين وستين وأربعمائة وتوفي في ذي الحجة ودفن بتربة الشيخ أبي إسحق الشيرازي وفيها أبو الحسن شريح بن محمد بن شريح الرعيني الإشبيلي خطيب إشبيلية ومقرئها ومسندها روى عن أبيه وأبي عبد الله بن منظور وأجاز له ابن حزم وقرأ القراءات على أبيه وبرع فيها ورحل الناس إليه من الأقطار للحديث والقراءات ومات في شهر جمادى الأولى عن تسع وثمانين سنة وفيها أو في التي قبلها كما جزم به ابن ناصر الدين أبو المعالي عبد الله بن أحمد بن أحمد بن محمد المروزي الحلواني بفتح الحاء نسبة إلى الحلوى البزاز كان حافظا فقيها عالما نبيها قاله ابن ناصر الدين وفيها علي بن هبة الله بن عبد السلام أبو الحسن الكاتب البغدادي سمع الكثير بنفسه وكتب وجمع وحدث عن الصريفيني وابن النقور وتوفي في رجب عن ثمان وثمانين سنة وفيها أبو البركات عمر بن إبراهيم بن محمد الزيدي الكوفي النحوي الحنفي أجاز له محمد بن علي بن عبد الرحمن العلوي وسمع من أبي بكر الخطيب وخلق وسكن الشام مدة وله مصنفات في العربية وكان يقول أفتى برأي أبي حنيفة ظاهرا وبمذهب جدي زيدين على تدينا وقال أبي النرسي كان جاروديا لا يرى الغسل (4/122)

123 من الجنابة وقال في العبر قلت وقد اتهم بالرفض والقدر والتهجم توفي في شعبان وله سبع وتسعون سنة وشيعه نحو ثلاثين ألفا وكان مسند الكوفة انتهى وفيها فاطمة بنت محمد بن أبي سعد البغدادية أم البهاء الواعظة مسندة أصبهان روت عن أبي الفضل المرازي وسبط نحرويه وأحمد بن محمود الثقفي وسمعت صحيح البخاري من سعيد العيار وتوفيت في رمضان ولها أربع وتسعون سنة وفيها لاقسم بن المظفر علي بن القسم الشهرزوري والد قاضي الخانقين أبي بكر محمد والمرتضى أبي محمد عبد الله وأبي منصور المظفر وهو جد بيت الشهرزوري قضاة الشام والموصل والجزيرة وكلهم إليه ينتسبون كان حاكما بمدينة اربل مدة وبمدينة سنجار مدة وكان من أولاده وحفدته أولاد علماء نجباء كرماء نالوا المراتب العلية وتقدموا عند الملوك وتحكموا وقضوا ونفقت أسواقهم خصوصا حفيده القاضي كمال الدين محمد ومحيي الدين بن كمال الدين وقدم بغداد غير مرة وذكره جماعة وأثنوا عليه منهم أبو البركات المستوفي في تاريخ اربل وأورد له شعرا فمن ذلك قوله ) همتي دونها السها والزبانا * قد علت جهدها فما تتدانى ) ) فأنا متعب معنى إلى أن * تتفانى الأيام أو نتفانى ) هكذا وجدت هذه الترجمة في تاريخ الإسلام لابن شهبة والصحيح أن البيتين لولده أبي بكر محمد قاضي الخافقين فإنه المتوفى في هذا التاريخ وأما والده القاسم فذكر ابن خلكان أن وفاته سنة تسع وثمانين وأربعمائة وهذا غاية البعد والوهم وكانت ولادة قاضي الخافقين باربل سنة ثلاث أو أربع وخمسين وأربعمائة وتوفي في جمادى الآخرة ببغداد ودفن بباب ابرز وإنما قيل له قاضي الخافقين لكثرة البلاد التي وليها وممن سمع منه السمعاني وقال في حقه أنه اشتغل بالعم على الشيخ أبي إسحق الشيرازي وولى القضاء بعدة بلاد ورحل إلى العراق وخراسان والجبال وسمع الحديث الكثير (4/123)

124 وأما أخو قاضي الخافقين المرتضى فهو أبو محمد عبد الله بن القسم بن المظفر والد القاضي كمال الدين كان أبو محمد المذكور مشهورا بالفضل والدين مليح الوعظ مع الرشاقة والتجنيس أقام ببغداد مدة يشتغل بالحديث والفقه ثم رحل إلى الموصل وتولى القضاء وروى الحديث وله شعر رائق فمن ذلك قصيدته التي على طريقة الصوفية ولقد أحسن فيها ومنها ) لمعت نارهم وقد عسعس الليل * ومل الحادي وحار الدليل ) ) فتأملتها وفكري من البين * عليل ولحظ عيني كليل ) ) وفؤادي ذاك الفؤاد المعنى * وغرامي ذاك الغرام الدخيل ) ) ثم قابلتها وقلت لصحبي * هذه النار نار ليلى فميلوا ) ) فرموا نحوها لحاظا صحيحات * وعادت خواسئها وهي حول ) ) ثم مالوا إلى الملام وقالوا * خلب ما رأيت أم تخييل ) ) فتنحيتهم وملت إليها * والهوى مركبي وشوقي الزميل ) وهي طويلة ومن شعره قوله ) يا ليل ما جئتكم زائرا * إلا وجدت الأرض تطوي لي ) ) ولا ثنيت العزم عن بابكم * إلا تعثرت بأذيالي ) وكانت ولادته في شعبان سنة خمس وستين وأربعمائة وتوفي في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة وخمسمائة بالموصل ودفن بالتربة المعروفة بهم وأما أخوه المظفر فإن السمعاني ذكره في الذيل فقال ولد باربل ونشأ بالموصل وورد بغداد وتفقه بها على الشيخ أبي إسحق الشيرازي ورجع إلى الموصل وولى قضاء سنجار على كبر سنه وسكنها وكان قد أضر ثم قال سألته عن مولده فقال ولدت في جمادى الآخرة أو رجب سنة سبع وخمسين وأربعمائة باربل ولم يذكر وفاته والله أعلم وفيها أبو المعالي محمد بن إسماعيل الفارسي ثم النيسابوري راوي السنن (4/124)

125 الكبير عن البيهقي وراوي البخاري عن العيار توفي في جمادى الآخرة وله إحدى وتسعون سنة وفيها محمد بن عبد العزيز السوسي الشاعر كان ظريفا له منظر حسن ورث من أبيه مالا جزيلا فأنفقه في اللهو وافتقر فعمل قصيدته الظريفة المعروفة بالسوسية التي أولها ) الحمد لله ليس بخت * ولا ثياب يضمها تخت ) وفيها أبو المنصور محمد بن عبد الملك بن الحسن بن محمد بن خيرون البغدادي المقرئ الدباس مصنف المفتاح والموضح في القراءات أدرك أصحاب أبي الحسن الحمامي وسمع الحديث من أبي جعفر بن المسلمة والخطيب والكبار وتفرد بإجازة أبي محمد الجوهري توفي في رجب وله خمس وثمانون سنة وفيها أبو المكارم المبارك بن علي السمذي بكسرتين وتشديد الميم نسبة إلى السمذ وهو الخبز الأبيض يعمل للخواص البغدادي سمع الصريفيني وطائفة ومات يوم عاشوراء سنة أربعين وخمسمائة فيها توفي أبو سعد البغدادي الحافظ أحمد بن سعد أحمد بن الحسن الأصبهاني ولد سنة ثلاث وستين وأربعمائة وسمع من عبد الرحمن وعبد الوهاب ابني مندة وطبقتهما وببغداد من عاصم بن الحسن قال سعد بن السمعاني حافظ دين خير يحفظ صحيح مسلم وكان يملي من حفظه وقال الذهبي حج مارت ومات في ربيع الآخر بنهاوند ونقل إلى أصبهان وقال ابن ناصر الدين كان ثقة متقنا دينا خيرا واعظا وصحيح مسلم من بعض حفظه وفيها أبو بكر عبد الرحمن بن عبد الله بن عبدر الحمن البحيري روى عن (4/125)

126 القشيري وأحمد بن منصور المغربي توفي في جمادى الأولى عن سبع وثمانين سنة وفيها محمد بن محمد بن الخشاب الكاتب أحد الفضلاء فمن شعره ) أراك اتخذت سواكا أراك * لكيما أراك وأنسى سواك ) ) سواك فما أشتهي أن أرى * فهب لي رضايا وهب لي سواك ) ومن هنا أخذ القائل ) ما أردت الأراك إلا لأني * إن ذكرت الأراك قلت أراكا ) ) وهجرت السواك إلا لأني * إن ذكرت السواك قلت سواكا ) وقال الآخر ) طلبت منك سواكا * وما طلبت سواكا ) ) وما طلبت أراكا * إلا أردت أراكا ) وكان حسن الخط والترسل له حظ من العربية وكان يضرب به المثل في الكذب ووضع الخيالات والحكايات المستحيلات منهمكا على الشرب مع كبر سنه وفيها محمد بن مزاح الأزدي من شعره في ثقيل ) لنا صديق زائد ثقله * فظفره كالجبل الراسي ) ) تحمل منه الأرض أضعاف ما * تحمله من سائر الناس ) ولبعض الأندلسيين ) ليس بإنسان ولكنه * تحسبه الناس من الناس ) ) أثقل في أنفس إخوانه * من جبل راس على راس ) وفيها أبو إسحق الضرير إبراهيم بن محمد الطليطلي وهو القائل ) أتاك العذار على غرة * فإن كنت في غفلة فانتبه ) ) وقد كنت تأتي زكاة الجمال * فصار شجاعا تطوقت به ) وفيها أبو الحسن محمد بن الحسن أبو علي بن أبي جعفر الطوسي شيخ الشيعة وعالمهم وابن شيخهم وعالمهم رحلت إليه طوائف الشيعة من كل جانب إلى العراق (4/126)

127 وحملوا إليه وكان ورعا عالما كثير الزهد وأثنى عليه السمعاني وقال العماد الطبري لو جازت على غير الأنبياء صلاة صليت عليه وفيها أبو منصور بن الجواليقي موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر بن الحسن البغدادي الحنبلي قال ابن رجب هو شيخ أهل اللغة في عصره ولد في ذي الحجة سنة خمس وستين وأربعمائة وسمع الحديث الكثير من أبي القسم بن البسري وأبي طاهر بن أبي الصقر وابن الطيوري وخلق وبرع في علم اللغة والعربية ودرس العربية في النظامية بعد شيخه أبي زكريا مدة ثم قربه المقتفى لأمر الله تعالى فاختص بإمامته في الصلوات كان المقتفى يقرأ عليه شيئا من الكتب وانتفع به وبان أثره في توقيعاته وكان من أهل السنة المحامين عنها ذكر ذلك ابن شافع وقال ابن السمعاني في حقه إمام اللغة والأدب وهو من مفاخر بغداد وهو متدين ثقة ورع غزير الفضل كامل العقل مليح الخط كثير الضبط صنف التصانيف وانتشرت عنه وشاع ذكره ونقل بخطه الكثير وكذلك قال عنه تلميذه ابن الجوزي وقال وقرأت عليه كتابه المعرب وغيره من تصانيفه وقال ابن خلكان صنف التصانيف وانتشرت عنه مثل شرح كتاب أدب كاتب وكتاب المعرب وتتمة درة الغواص للحريري وكان يصلى بالمقتفى بالله فدخل عيه وهو أول ما دخل فما زاد على أن قال السلام على أمير المؤمنين فقال ابن التلميذ النصراني وكان قائما وله ادلال الخدمة والطب ما هكذا يسلم على أمير المؤمنين يا شيخ فلم يتلفت إليه ابن الجواليقي وقال يا أمير المؤمنين سلامي هو ما جاءت به السنة النبوية وروى الحديث ثم قال يا أمير المؤمنين لو حلف حالف أن نصرانيا أو يهوديا لم يصل إلى قلبه نوع من أنواع العلم على الوجه لما لزمته كفارة لأن الله تعالى ختم على قلوبهم ولن يفك ختم الله إلا الإيمان فقال صدقت وأحسنت وكأنما ألجم ابن التلميذ بحجر مع فضله وغزار أدبه وقال المنذري سمع منه جماعة منهم ابن ناصر وابن السمعاني وابن الجوزي وأبو اليمن الكندي وتوفي سحر يوم (4/127)

الأحد خامس عشر المحرم ودفن بباب حرب عند والده 128 رحمها الله تعالى سنة إحدى وأربعين وخمسمائة فيها أخذت الفرنج طرابلس المغرب بالسيف ثم عمروها وفيها توفي أبو البركات إسماعيل بن الشيخ أبي أحمد بن محمد النيسابوري ثم البغدادي شيخ الشيوخ وله ست وسبعون سنة روى عن أبي القسم بن البسري وطائفة وكان مهيبا جليلا وقورا مصونا وفيها حنبل بن علي أبو جعفر البخاري الصوفي سمع من شيخ الإسلام بهراة وصحبه وببغداد من أبي عبد الله النعالي توفي بهراة في شوال وفيها زنك الأنابك عماد الدين صاحب الموصل وحلب ويعرف أبوه بالحاجب قسيم الدولة اق سنقر التركي ولي شحنكية بغداد في آخر دولة المستظهر بالله ثم نقل إلى الموصل وسلم إليه السلطان محمود ولده فرخشاه الملقب بالخفاجي ليريه ولهذا قيل له أتابك وكان فارسا شجاعا ميمون النقيبة شدي البأس قوي المراس عظيم الهيبة فيه ظلم وزعارة ملك الموصل وحلب وحماة وحمص وبعلبك والرها والمعرة قتله بعض غلمانه وهو نائم وهربوا إلى قلعة جعبر ففتح لهم صاحبها علي بن مالك العقيلي وكان زنكي سامحه الله حسن الصورة أسمر مليح العينين قد وخطه الشيب وجاوز الستين قتل في ربيع الآخر وتملك الموصل بعده ابنه غازي وتملك حلب وغيرها ابنه الآخر نور الدين محمود وفيها أبو الحسن سعد الخير بن محمد بن سهل الأنصاري الأندلسي البلنسي المحدث رحل إلى المشرق وسافر في التجارة إلى الصين وكان فقيها عالما متقنا سمع أبا عبد الله النعالي وطراد بن محمد وطائفة وسكن أصبهان مدة ثم بغداد وتفقه على الغزالي وتوفي في المحرم وفيها سبط الخياط الإمام أبو محمد عبد الله بن علي البغدادي المقرئ الفقيه (4/128)

129 الحنبلي النحوي شيخ المقرئين بالعراق وصاحب التصانيف ولد سنة أربع وستين وأربعمائة وسمع من أبي الحسين بن النقور وطائفة وقرأ القرآن على جده الزاهد أبي منصور والشريف عبد القادر وطائفة وبرع في العربية على ابن فاخر وأم بمسجد حرده بضعا وخمسين سنة وقرأ عليه خلق وكان من أندى الناس صوتا بالقرآن توفي في ربيع الآخر وكان الجمع في جنازته يفوت الإحصاء قاله في العبر وقال ابن الجوزي قرأت عليه القرآن والحديث الكثير ولم أسمع قارئا قط أطيب صوتا منه ولا أحسن أداءا على كبر سنه وكان كثير التلاوة لطيف الأخلاق ظاهر الكياسة والظرافة وحسن المعاشرة للعوام والخواص قوبا في السنة وكان طول عمره منفردا في مسجده وقال ابن شافع سار ذكر سبط الخياط في الأغوار والأنجاد ورأس أصحاب الإمام أحمد وصار واحد وقته ونسيج وحده لم أسمع في جميع عمري من يقرأ الفاتحة أحسن ولا أفصح منه وكان جمال العراق بأسره ظريفا كريما لم يخلف مثله في أكثر فنونه وقال ابن نقطة كان شيخ العراق يرجع إلى دين وثقة وأمانة وكان ثقة صالحا من أئمة المسلمين وله شعر حسن فمنه ) يا من تمسك بالدنيا ولذتها * وجد في جمعها بالكد والتعب ) ) هلا عمرت لدار سوف تسكنها * دار القرار وفيها معدن الطلب ) ) فغن قليل تراها وهي داثرة * وقد تمزق ما جمعت من نشب ) وقوله أيضا ) أيها الزائرون بعد وفاتي * جدثا ضمني ولحدا عميقا ) ) سترون الذي رأيت من الموت * عيانا وتسلكون الطريقا ) وقوله أيضا ) الفقه علم به الأديان ترتفع * والنحو عز به الإنسان ينتفع ) ) ثم الحديث إذا ما رمته فرج * من كل معنى به الإنسان يبتدع ) (4/129)

130 ) ثم الكلام فذره فهو زندقة * وخرقة فهو خرق ليس يرتفع ) قال ابن الجوزي توفي بكرة الاثنين ثاني عشر ربيع الآخر وتوفي في غرفته التي في مسجده فحط تابوته بالحبال من سطح المسجد وأخرج إلى جامع القصر فصلى عليه عبد القادر وما رأيت جمعا أكثر من جمعه ودفن في دكة الإمام أحمد عند جده أبي منصور وفيها أبو بكر وجيه بن ظاهر بن محمد الشحامي أخو زاهر توفي في جمادى الآخرة عن ست وثمانين سنة سمع القشيري وأبا حامد الأزهري ويعقوب الصرفي وطبقتهم وطائفة بهراة وببغداد والحجاز وأملى مدة وكان خيرا متواضعا متعبدا لا كأخيه وتفرد في عصره قاله في العبر سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة فيها غزا نور الدين محمود بن زنكي فافتتح ثلاث حصون للفرنج بأعمال حلب وفيها كان الغلاء المفرط بل وقبلها بسنوات بإفريقية وفيها توفي أبو الحسن بن الأبنوسي أحمد بن أبي محمد عبد الله بن علي البغدادي الشافعي الوكيل سمع أبا القاسم بن البسري وطبقته وتفقه وبرع وقرأ الكلام والاعتزال ثم لطف الله به وتحول سنيا توفي في ذي الحجة عن بضع وسبعين سنة وفيها أبو جعفر البطروجي أحمد بن عبد الرحمن الأندلسي أحد الأئمة روى عن أبي عبد الله الطلاعي وأبي علي الغساني وطبقتهما وكان إماما عاقلا بصيرا بمذهب مالك ودقائقه إماما في الحديث ومعرفة رجاله وعلله له مصنفات مشهورة ولم يكن في وقته بالأندلس مثله ولكنه كان قليل العربية رث الهيئة خاملا توفي في المحرم (4/130)

131 وفيها أبو بكر بن الأشقر أحمد بن علي بن عبد الواحد الدلال روى عن المهتدي بالله والصريفيني وكان خيرا صحيح السماع توفي في صفر وفيها عوان بن علي بن حماد بن صدقة الجبائي ويقال له الجبي أيضا نسبة إلى قرية بسواد بغداد عند العفر على طريق خراسان المقرئ الفقيه الحنبلي أبو محمد ولد سنة ثلاث وستين وأربعمائة بالجبة المذكورة وقدم بغداد فسمع بها من أبي محمد التميمي وأبي عبد الله بن البسري وجماعة وقرأ بالروايات على الشريف عبد القاهر المكي وابن سوار وتفقه على أبي سعد المخرمي وأحكم الفقه وأعاد لشيخه المذكور وأقرأ القرآن وحدث وانتفع به الناس قرأ عليه جماعة وحدث عنه آخرون منهم ابن السمعاني قال ابن الجوزي كان خيرا دينا ذا ستر وصيانة وعفاف وطرائق محمودة على سبيل السلف الصالح توفي يوم الأحد سادس عشرى ذي القعدة ودفن من الغد بمقبرة أبي بكر غلام الخلال إلى جانبه وفيها علي بن عبد السيد أبو القسم بن العلامة أبي نصر بن الصباغ الشاهد سمع من الصريفيني سبعة لابن مجاهد وعدة أجزاء وكان صالحا حسن الطريقة توفي في جمادى الأولى وفيها عمر بن ظفر أبو حفص المغازلي مفيد بغداد سمع أبا القسم بن البسري فمن بعده وأقرأ القرآن مدة وكتب الكثير توفي في شعبان وفيها أبو عبد اله الحداني القاضي محمد بن علي بن محمد بن محمد بن الطيب الواسطي المغازلي سمع من محمد بن محمد بن مخلد الأزدي والحسن بن أحمد الغندجاني وطائفة وأجاز له أبو غالب بن بشران اللغوي وطبقته وكان ينوب في الحكم بواسط وفيها أبو الفتح نصر الله بن محمد بن عبد القوي المصيصي ثم اللاذقي ثم الدمشقي الفقيه الشافعي الأصولي الأشعري سمع من أبي بكر الخطيب (4/131)

132 وتفقه على الفقيه نصر المقدسي وسمع ببغداد من رزق الله وعاصم وبأصبهان من ابن شكرويه ودرس بالغزالية ووقف وقوفا وأفتى وأشغل وصار شيخ دمشق في وقته توفي في ربيع الأول وله أربع وتسعون سنة وآخر أصحابه ابن أبي لقمة قال ابني شهبة كان منقبضا عن الدخول على السلاطين ودفن بمقابر باب الصغير وفيها أبو السعادات بن الشجري هبة الله بن علي بن محمد بن حمزة الشريف العلوي الحسيني البغدادي النحوي صاحب التصانيف قال ابن خلكان كان إماما في النحو واللغة وأشعار العرب وأيامها وأحوالها كامل الفضائل متضلعا من الأدب صنف فيه عدة تصانيف فمن ذلك كتاب الأمالي وهو أكبر تآليفه وأكثرها إفادة أملاه في أربعة وثمانين مجلسا وهو يشتمل على فوائد جمة من فنون الأدب وختمه بمجلس قصره على أبيات من شعر المتنبي تكلم عليها وذكر ما قاله الشراح فيها وزاد من عنده ما سنح له وهو من الكتب الممتعة ولما فرغ من إملائه حضر إليه أبو محمد بن الخشاب والتمس منه سماعه عليه فلم يجبه إلى ذلك فعاداه ورد عليه في مواضع من الكتاب ونسبه فيها إلى الخطأ فوقف أبو السعادات على ذلك الرد فرد عليه في رده وبين وجوه غلطه وجمعه كتابا سماه الانتصار وهو على صغر حجمه مفيد جدا وسمعه عليه الناس وجمع أيضا كتابا سماه الحماسة ضاهى به حماسة أبي تمام وهو كتاب غريب أحسن فيه وله في النحو عدة تصانيف وله ما اتفق لفظه واختلف معناه وشرح اللمع لابن جني وشرح التصريف الملوكي وكان حسن الكلام حلو الألفاظ فصيحا جيد البيان والتفهيم وقرأ الحديث بنفسه على جماعة منهم ابن المبارك الصيرفي وابن نهبان الكاتب وغيرهما وحكى أبو البركات عبد الرحمن بن الأنباري في كتاب مناقب الأدباء أن العلامة الزمخشري لما قدم بغداد قاصدا للحج مضى إلى زيارته شيخنا أبو السعادات بن الشجري ومضينا إليه معه فلما اجتمع به أنشده قول المتنبي (4/132)

133 ) واستكبر الأخبار قبل لقائه * فلما التقينا صغر الخبر الخبر ) ثم أنشده بعد ذلك ) كانت مساءلة الركبان تخبرني * عن جعفر بن فلاح أحسن الخبر ) ) حتى التقينا فلا والله ما سمعت * أذني بأطيب مما قد رأى بصري ) وهذان البيتان منسوبان لابن هانئ الأندلسي قال ابن الأنباري فقال العلامة الزمخشري روى عن النبي أنه لما قدم عليه زيد الخيل قال له يا زيد ما وصف لي أحد في الجاهلية فرأيته في الإسلام إلا رأيته دون ما وصف لي غيرك قال ابن الأنباري فخرجنا من عنده ونحن نعجب كيف يستشهد الشريف بالشعر والزمخشري بالحديث وهو رجل أعجمي وكان أبو السعادات نقيب الطالبيين بالكرخ نيابة عن والده تالطاهر وله شعر حسن فمن شعره قوله في ابن جهير الوزير ) هذي السديرة والغدير الطافح * فاحفظ فؤادك أنني لك ناصح ) ) يا سدرة الوادي الذي إن ضله * الساري هداه نشره المتفاوح ) ) هل عائد قبل الممات لمغرم * عيش تقضي في ظلالك صالح ) ) ما أنصف الرشأ الضنين بنظرة * لما دعى مصغي الصبابة طامح ) ) شط المزار به وبوئ منزلا * بصميم قلبك فهو دان نازح ) ) غصن يعطفه النسيم وفوقه * قمر يحف به ظلام جانح ) ) وإذا العيون تساهمته لحاظها * لم يرو منه الناظر المتراوح ) ) ولقد مررنا بالعقيق وشاقنا * فيه مراتع للمها ومسارح ) ) ظللنا به نبكي فكم من مضمر * وجدا أذاع هواه دمع سافح ) ) برت الشئون رسومها فكأنما * تلك العراص المقفرات نواضح ) ) يا صاحبي تأملا حييتما * وسقى دياركما الملث الرائح ) ) أدمى بدت لعيوننا أم ربرب * أم خردا كفا لهن رواجح ) (4/133)

134 ) أم هذه مقل الصرار بدت لنا * خلل البراقع أم قنا وصفائح ) ) لم تبق جارحة وقد واجهننا * إلا وهن لبازهن جوارح ) ) كيف ارتجاع القلب من أسر الهوى * ومن الشقاوة أن يراض القارح ) ثم خرج إلى المديح وكان بينه وبين ابن خلكان الشاعر تنافس جرت العادة به بين أهل الفضائل فلما وقف على شعره عمل فيه ) يا سيدي والذي أراحك من * نظم قريض يصدي به الفكر ) ) مالك من جدك النبي سوى * أنك ما ينبغي لك الشعر ) وكانت ولادته في شهر رمضان سنة خمسين وأربعمائة وتوفي يوم الخميس ثاني عشرى رمضان ودفن من الغد في داره بالكرخ من بغداد رحمه الله تعالى سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة في ربيع الأول نازلت الفرنج دمشق في عشرة آلاف فارس وستين ألف رجل فخرج المسلمون من دمشق للمصاف فكانوا مائة وثلاثين ألف رجل وعسكر البلد فاستشهد نحو المائتين ثم برزوا في اليوم الثاني فاستشهد جماعة وقتل من الفرنج عدد كثير فلما كان في اليوم الخامس وصل غازي بن أتابك وأخوه نور الدين في عشرين آلفا إلى حماه وكان أهل دمشق في الاستغاثة والتضرع إلى الله تعالى وأخرجوا المصحف العثماني إلى صحن الجامع وضج الناس والنساء والأطفال فأغاثهم وركب قسيس الفرنج وفي عنقه صليب وفي يديه صليبان وقال أنا قد وعدني المسيح إلى أخذ دمشق فاجتمعوا حوله وحمل على البلد فحمل عليه المسلمون فقتلوه وقتلوا جماعة وأحرقوا الصلبان ووصلت النجدة فانهزمت الفرنج وأصيب منهم خلق وفيها كان شدة القحط بإفريقية فانتهز رجال صاحب صقلية الفرصة فأقبل في مائتين وخمسين مركبا فهرب منه صاحب المهدية فأخذها الملعون بلا ضربة ولا طعنة وصار للفرنج من طرابلس المغرب إلى قريب تونس (4/134)

135 وفيها توفي أبو تمام أحمد بن أبي العز محمد بن المختار بن المؤيد بالله الهاشمي العباسي البغدادي السفار نزيل خراسان سمع أبا جعفر بن المسلمة وغيره وتوفي في ذي القعدة بنيسابور عن بضع وتسعين سنة وفيها أبو إسحق الغنوي نسبة إلى غنى بن أعصر إبراهيم بن محمد بن نبهان الرقي الصوفي الفقيه الشافعي سمع رزق اله التميمي وتفقه على الغزالي وغيره وكان ذا سمت ووقار وعبادة وهو راوي خطب ابن نباتة توفي في ذي الحجة عن خمس وثمانين سنة وفيها قاضي العراق أبو القسم الزينبي علي بن نور الهدى أبي طالب الحسين بن محمد بن علي العباسي الحنفي سمع من أبيه وعمه طراد وكان ذا عقل ووقار ورزانة وعلم وشهامة ورأي أعرض عنه في الآخر المقتفي وجعل معه في القضاء ابن المرخم ثم مرض ومات يوم الأضحى وفيها صالح بن شافع بن صالح بن حاتم بن أبي عبد الله الجيلي الحنبلي الفقيه المعدل أبو المعالي ولد ليلة الجمعة لست خلون من المحرم سنة أربع وسبعين وأربعمائة وسمع من أبي منصور الخياط والطيوري وغيرهما وصحب ابن عقيل وغيره من الأصحاب وتفقه ودرس قال ابن الميداني في تاريخ القضاة كان فقيها زاهدا من سروات الناس وقال المنذري كان أحد الفضلاء والشهود وحدث عنه الحافظان أبو القسم الدمشقي وأبو سعد بن السمعاني توفي يوم الأربعاء سادس عشر رجب ودفن في دكة الإمام أحمد وذكر ابن الجوزي أنه دفن على ابن عقيل وفيها المبارك بن كامل بن أبي غالب محمد بن أبي طاهر الحسين بن محمد البغدادي الطغري المحدث الحنبلي مفيد العراق أبو بكر ويعرف أبوه بالخفاف ولد يوم الخميس ثاني عشر ذي الحجة سنة خمس وتسعين وأربعمائة وقرأ القرآن بالروايات وسمع الحديث الكثير وأول سماعه سنة ست وخمسمائة وعنى بهذا الشأن سمع (4/135)

136 من أبي القسم بن بنان وابن نبهان وغيرهما قال ابن الجوزي وما زال يسمع العالي والنازل ويتبع الأشياخ في الروايات وينقل السماعات فلو قيل أنه سمع من ثلاثة آلاف شيخ لما رد القائل وجالس الحفاظ وكتب بخطه الكثير وانتهت إليه معرفة المشايخ ومقدار ما سمعوا والإجازات إلا أنه كان قليل التحقيق فيما ينقل من السماع مجازفة لكونه يأخذ عن ذلك ثمنا وكان فقيرا إلى ما يأخذ وكان كثير التزويج والأولاد وله كتاب سلوة الأحزان نحو ثلاثمائة جزء وأكثر وكان صدوقا توفي يوم الجمعة تاسع عشر جمادى الأولى ودفن بالشونيزية وفيها الجوزقاني الحسين بن إبراهيم بن حسين بن جعفر الهمذاني كان حافظا عالما بما يحيوه ومن مصنفاته كتاب الموضوعات أجاد فيه قاله ابن ناصر الدين وفيها ابن بجنك أحمد بن محمد بن الفضل بن عمر بن أحمد بن إبراهيم الأصبهاني حافظ مشهور عمدة نقله ابن ناصر الدين أيضا وفيها أبو الدر ياقوت الرومي التاجر عتيق بن البخاري حدث بدمشق ومصر وبغداد عن الصريفيني بمجالس المخلص وغير ذلك توفي بدمشق في شعبان وفيها أبو الحجاج القندلاوي يوسف بن دوباس المغربي المالكي كان فقيها عالما صالحا حلو المجالسة شديد التعصب للأشعرية صاحب تخرق على الحنابلة قتل في سبيل الله في حصار الفرنج لدمشق مقبلا غير مدبر بالنيرب أول يوم جاءت الفرنج وقبره يزار بمقبرة باب الصغير خرج راجلا مع أصحابه لقتال الفرنج فقال له معين الدين يا شيخ أن الله قد عزرك ليس لك قوة على القتال أنا أكفيك فقال قد بعت واشتري لا أقيله ولا أستقيله وقرأ ) ^ إن الله اشترى ) الآية ومضى نحو الربوة فالتقاه طلب الفرنج فقتلوه وحمل إلى باب الصغير وقبره من جانب المصلى قريبا من الحائط وعليه بلاطة منقورة فيها شرح حاله ورآه بعض أصحابه في المنام فقال له ما فعل الله بك قال أنا في جنات مع قوم على سرر متقابلين (4/136)

137 سنة أربع وأربعين وخمسمائة فيها توفي القاضي ناصح الدين أبو بكر الأرجاني أحمد بن محمد بن الحسين -قاضي تستر وحامل لواء الشعر بالمشرق وله ديوان مشهور روى عن ابن ماجة الأبهري وتوفي في ربيع الأول وقد شاخ وأرجان مشددا بلد صغير من عمل الأهواز قاله في العبر وقال ابن خلكان منبت شجرته أرجان وموطن أسرته تستر وعسكر مكرم من خورستان وهو وإن كان في العجم مولده فمن العرب محتده سلفه القديم من الأنصار لم تسمح بنظيره سالف الأعصار أوسى الاس خزرجية قسي النطق إياديه فارسي القلم وفارس ميدانه وسلمان برهانه من أبناء فارس الذين نالوا العلم المتعلق بالثريا جمع بين العذوبة والطيب في الري والريا انتهى كلام العماد وقال ابن خلكان أيضا وكان فقيها شاعرا وفي ذلك يقول ) أنا أشعر الفقهاء غير مدافع * في العصر أو أنا أفقه الشعراء ) ) شعري إذا ما قلت دونه الورى * بالطبع لا بتكلف الألقاء ) ) كالصوت في ظل الجبال إذا علا * للسمع هاج تجاوب الأصداء ) ومن شعره أيضا ) شاور سواك إذا نابتك نائبة * يوما وإن كنت من أهل المشورات ) ) فالعين تنظر منها ما نأى ودنا * ولا ترى نفسها إلا بمرآة ) ومن شعره وهو معنى غريب ) رثا لي وقد ساويته في نحو له * خيالي لما لم يكن لي راحم ) ) فدلس بي حتى طرقت مكانه * وأوهمت الفى أنه بي حالم ) ) وبتنا ولم يشعر بنا الناس ليلة * أنا ساهر في جفنه وهو نائم ) وله أيضا ) لو كنت أجهل ما علمت لسرني * جهلي كما قد ساءني ما أعلم ) (4/137)

138 ) كالصقر يرتعه في الرياض وإنما * حبس الهزار لأنه يترنم ) وله ديوان شعر فيه كل معنى لطيف ومولده سنة ستين وأربعمائة وتوفي بمدينة تستر وقيل بعسكر مكرم رحمه الله تعالى وفيها أبو المحاسن أسعد بن علي بن الموفق الهروي الحنفي العبد الصالح راوي الصحيح عن الدارمي وعن الداودي عاش خمسا وثمانين سنة وفيها الأمير معين الدين انز الطغتكيني مقدم جيش دمشق ومدبر الدولة وكان عاقلا سايسا حسن الديانة ظاهر الشجاعة كثير الصدقات وهو مدفون بقبته التي بين دار البطيخ والشامية توفي في ربيع الآخر وله مدرسة بالبلد وفيها الحافظ لدين الله أبو الميمون عبد المجيد بن محمد بن المستنصر بالله العبيدي الرافضي صاحب مصر بويع يوم مصرع ابن عمه لأمر فاستولى عليه أحمد بن الأفضل أمير الجيوش وضيق عليه فعمل عليه الحافظ وجهز من قتله واستقل بالأمور وعاش سبعا وسبعين سنة وكان يعتريه القولنج فعمل شبر ماه الديلمي طبلا مركبا من المعادن السبعة إذا ضربه من بد داء القولنج خرج منه ريح متتابع واستراح مات في جمادى الأولى وكانت دولته عشرين سنة إلا خمسة أشهر وقام بعده ابنه الظافر وفيها أبو الفضل القاضي عياض بن موسى بن عياض العلامة اليحصبي السبتي المالكي الحافظ أحد الأعلام ولد سنة ست وسبعين وأربعمائة وأجاز له أبو علي الغساني وأبو محمد بن عتاب وطبقتهما ولى قضاء سبتة مدة ثم قضاء غرناطة وصنف التصانيف البديعة وسمع من أبي علي بن سكرة وغيره ومن مصنفاته الشفاء الذي لم يسبق إلى مثله ومنها مشارق الأنوار في غريب الصحيحين والموطأ وكان إمام وقته في علوم شتى مفرطا في الذكاء وله شعر حسن منه قوله ) الله يعلم أني منذ لم أركم * كطائر خانه ريش الجناحين ) ) فلو قدرت ركبت البحر نحوكم * فإن بعدكم عني جنى حيني ) (4/138)

139 ) أنظر إلى الزرع وخاماته * تحكي وقد ماست أمام الرياح ) ) كتيبة خضراء مهزومة * شقائق النعمان فيها جراح ) وبالجملة فإنه كان عديم النظير حسنة من حسنات الأيام شديد التعصب للسنة والتمسك بها حتى أمر بإحراق كتب الغزالي لأمر توهمه منها وما أحسن قول من قال فيه ) ظلموا عياضا وهو يحلم عنهم * والظلم بين العالمين قديم ) ) جعلوا مكان الراء عينا في اسمه * كي يكتموه وإنه معلوم ) ) لولاه ما فاحت أباطح سبتة * والنبت حول خبائها معدوم ) وفيها أبو بكر عبد الله بن عبد الباقي بن التبان الواسطي ثم البغدادي أبو بكر الفقيه الحنبلي ويسمى محمد وأحمد أيضا قال ابن الجوزي كان من أهل القرآن سمع من أبي الحسين بن الطيوري وتفقه على ابن عقيل وناظر وأفتى ودرس وكان أميا لا يكتب توفي في شوال عن تسعين سنة ودفن بمقبرة باب حرب رحمه الله تعالى انتهى وقال ابن شافع كان مذهبيا جيدا وخلافيا مناظرا ومن أهل القرآن بقي على حفظه لعلومه إلى أن مات وله تسعون سنة أو أزيد وقال ابن النجار سمع منه المبارك بن كامل وأبو الفضل بن شافع وفيها غاز السلطان سيف الدين صاحب الموصل وابن صاحبها زنكي بن اق سنقر كان فيه دين وخير وشجاعة وإقدام توفي في جمادى الآخرة وقد نيف على الأربعين وتملك بعده أخوه قطب الدين مودود سنة خمس وأربعين وخمسمائة فيها أخذت العربان ركب العراق وراح للخاتون أخت السلطان مسعود ما قيمته مائة ألف دينار وتمزق الناس ومات خلق جوعا وعطشا وفيها توفي الرئيس أبو علي الحسين بن علي الشحامي النيسابوري روى (4/139)

140 عن الفضل بن المحب وجماعة توفي في شعبان وفيها أبو المفاخر الحسن بن الليث الواعظ كان يعيد الدرس خمسين مرة ويقول لمن لم يعد كذلك لم يستقر جلس ببغداد وأنشد ) أهوى عليا وإيماني محبته * كم مشرك ذمه من سيفه وكفي ) ) إن كنت ويحك لم تسمع مناقبه * فاسمعه من هل أتى يا ذا الغبي وكفى ) وفيها عبد الملك بن أبي نصر الجيلاني ثم البغدادي الشافعي كان صالحا يأوي الخرب ليس له مسكن معلوم ولا قوت مفهوم تفقه على الروياني وغيره قاله ابن الأهدل وفيها أبو بكر محمد بن عبد العزيز بن علي الدينوري ثم البغدادي البيع سمع أبا نصر الزينبي وعاصم بن الحسن وجماعة وتوفي في شوال سنة ست وأربعين وخمسمائة فيها انفجر بثق النهروان الذي أصلحه بهزور وفيها توفي أبو نصر الفامي عبد الرحمن بن عبد الحافظ محدث هراة وله أربع وسبعون سنة وكان خيرا متواضعا فاضلا ثقة مأمونا مؤرخا سمع شيخ الإسلام ونجيب بن ميمون وطبقتهما وفيها زاكي بن علي القطيعي أبو الفضائل قتيل الريم وأسير الهوى من شعره ) عيتاك لحظهما أمضى من القدر * ومهجتي منهما أضحت على خطر ) ) يا أحسن الناس لولا أنت أبخلهم * ماذا يضرك لو متعت بالنظر ) ) جد بالخيال وإن ضنت يداك به * لا تبتلي مقلتي بالدمع والسهر ) وفيها أبو الأسعد هبة الرحمن بن عبد الواحد بن أبي القسم القشيري خطيب نيسابور ومسندها سمع من جده حضورا ومن جدته فاطمة بنت الشيخ أبي علي (4/140)

141 الدقاق ويعقوب بن أحمد الصيرفي وطائفة روى الكتب الكبار كالبخاري ومسند أبي عوانة ومات في شوال عن سبع وثمانين سنة وفيها القاضي أبو بكر بن العربي محمد بن عبد الله بن محمد الإشبيلي المالكي الحافظ أحد الأعلام وعالم أهل الأندلس ومسندهم ولد سنة ثمان وستين وأربعمائة ورحل مع أبيه سنة خمس وثمانين ودخل الشام فسمع من الفقيه نصر المقدسي وأبي الفضل بن الفرات وببغداد من أبي طلحة النعالي وطراد وبمصر من الخلعي وتفقه على الغزالي وأبي بكر الشاشي والطرطوشي وكان من أهل اليقين في العلوم والاستبحار فيها مع الذكاء المفرط ولى قضاء إشبيلية مدة وصرف فأقبل على نشر العلوم وتصنيفه في التفسير والحديث والفقه والأصول قاله في العبر وقال ابن ناصر الدين رحل مع أبيه أبي محمد الوزير فسمع من خلق كثير كان من الثقات الأثبات والأئمة المشهورين وله عدة مصنفات وقال ابن بشكوال في كتاب الصلة هو الإمام الحافظ المتبحر ختام علماء الأندلس وآخر أئمتها وحفاظها لقيته بمدينة إشبيلية ضحوة يوم الاثنين ثاني جمادى الآخرة سنة ست عشرة وخمسمائة فأخبرني أنه رحل إلى الشرق مع أبيه يوم الأحد مستهل ربيع الأول سنة خمس وثمانين وأربعمائة وأنه دخل الشام ولقي أبا بكر محمد بن الوليد الطرطوشي وتفقه عنده ودخل بغداد وسمع بها من جماعة من أعيان مشايخها ثم دخل الحجاز فحج في موسم سنة تسع وثمانين ثم عاد إلى بغداد وصحب بها أبا بكر الشاشي وأبا حامد الغزالي وغيرهما من العلماء والأدباء ثم صدر عنهم ولقي بمصر والإسكندرية جماعة من المحدثين فكتب عنهم واستفاد منهم وأفادهم ثم عاد إلى الأندلس سنة ثلاث وتسعين وقدم إلى إشبيلية بعلم كثير لم يدخل به أحد قبله ممن كانت له رحلة إلى المشرق وكان من أهل التفنن في العلوم والاستبحار فيها والجمع لها مقدما في المعارف كلها متكلما في أنواعها ناقدا في جميعها حريصا على أدائها ونشرها ثاقب الذهن في تمييز الصواب منها ويجمع إلى ذلك (4/141)

كله آداب الأخلاق مع حسن المعاشرة ولين الكنف وكثرة 142 الاحتمال وكرم النفس وحسن العهد وثبات الود واستقضى ببلده فنفع الله به أهلها لصرامته وشدته ونفوذ أحكامه وكانت له في الظالمين صورة مرهوبة ثم صرف عن القضاء وأقبل على نشر العلم وبثه وسألته عن مولده فقال ولدت يوم الخميس ثاني عشرى شعبان سنة ثمانين وأربعمائة وتوفي بالغدوة ودفن بمدينة فاس في شهر ربيع الآخر رحمه الله تعالى انتهى وقال ابن خلكان وهذا الحافظ له مصنفات منها كتاب عارضة الأحوذي في شرح الترمذي وغيره من الكتب وتوفي ولده بمصر منصرفا عن الشرق في السفرة التي كان والده المذكور صحبه وذلك في المحرم سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة وكان من أهل الآداب الواسعة والبراعة والكتابة رحمه الله تعالى ومعنى عارضة الأحوذي فالعارضة القدرة على الكلام يقال فلان شديد العارضة إذا كان ذا قدرة عىل الكلام والأحوذي الحنيفي في المشي لحذقه وقال الأصمعي الأحوذي المشمر في الأمور القاهر لها الذي لا يشذ عليه منها شيء انتهى كلام ابن خلكان ملخصا وفيها نوشتكين الرضواني مولى ابن رضوان المرسي شيخ صالح متودد روى عن علي بن البسري وعاصم وتوفي في ذي القعدة عن اثنتين وثمانين سنة وفيها أبو الوليد بن الدباغ يوسف بن عبد العزيز بن يوسف بن عمر بن فيره اللخمي الأندلسي الأندي بالضم وسكون النون نسبة إلى أندة مدينة بالأندلس محدث الأندلس كان حافظا متقنا مصنفا ثقة نبيلا متفننا إماما رأسا في الحديث وطرقه ورجاله وهو تلميذ أبي علي بن سكرة عاش خمسا وستين سنة وفيها الجنيد بن يعقوب بن الحسن بن الحجاج بن يوسف الجيلي الفقيه الحنبلي الزاهد أبو القسم ولد سنة إحدى وخمسين وأربعمائة بناحية من أرض جيلا ثم قدم بغداد وأقام بباب الأزج وقرأ الفقه على يعقوب الزينبي والأدب على ابن الجواليقي وسمع الحديث من أبي محمد بن التميمي والقاضي أبي الحسين وغيرهما وحديث باليسير وكتب بخطه الكثير وكان فاضلا دينا (4/142)

حسن الطريقة جمع 143 كتابا كبيرا في استقبال القبلة ومعرفة أوقات الصلاة وروى عنه ابن عساكر والسمعاني قال ابن لبيدة عنه كان صادقا زاهدا ثبتا لم يعرف عليه الأخير وتوفي يوم الأربعاء سادس عشرى جمادى الآخرة وصلى عليه الشيخ عبد القادر وفيها أو في التي قبلها وجزم به ابن رجب عبد الملك بن عبد الوهاب بن عبد الواحد بن محمد بن علي الأنصاري الشيرازي ثم الدمشقي القاضي بهاء الدين بن شرف الإسلام بن الشيخ أبي الفرج وقد تقدم ذكر أبيه وجده وتفقه ودرس وأفتى وناظر وكان إماما فاضلا مناظرا مستقلا متفننا على مذهب الإمام أحمد وأبي حنيفة بحكم ما كان عليه عند إقامته بخراسان لطلب العلم والتقدم وكان يعرف اللسان الفارسي مع العربي وهو حسن الحديث في الجد والهزل توفي يوم الاثنين سابع رجب وكان له يوم مشهود ودفن في جوار أبيه في مقابر الشهداء بالباب الصغير قاله حمزة بن القلانسي في ذيل تاريخ دمشق وفيها عبد الله بن هبة الله بن محمد بن أحمد بن السامري الفقيه الحنبلي أبو الفتح ولد يوم الاثنين ثاني عشرى ذي الحجة سنة خمس وثمانين وأربعمائة وسمع الكثير من ثابت بن بندار وابن حشيش وجعفر السراج وغيرهم وتفقه على أبي الخطاب الكلواذاني وحدث اليسير وروى عنه جماعة توفي في ليلة الاثنين ثالث عشرى محرم سنة خمس وأربعين وخمسمائة ودفن من الغد بمقبرة باب حرب قاله ابن رجب وفيها أبو علي الحسن بن محمد بن الحسن الأواني الراذاني بالراء والمعجمة نسبة إلى راذان قرية ببغداد ثم البغدادي الفقيه الحنبلي الواعظ الزاهد ولد بأوانا قرية على عشرة فراسخ من بغداد سمع من ابن بيان وابن حشيش وابن ناصر ولازمه إلى أن مات وتفقه على أبي سعد المخرمي ووعظ وتقدم ولما توفي ابن الزاغوني أخذ عنه حلقته بجامع المنصور في النظر والوعظ وطلبها ابن الجوزي فلم يعطها لصغر سنه وسمع منه ابن السمعاني وأثنى عليه قال ابن الجوزي توفي يوم الأربعاء (4/143)

144 رابع صفر ودفن من الغد إلى جانب ابن شمعون بمقبرة الإمام أحمد وكان موته فجأة فإنه دخل إلى بيته ليتوضأ لصلاة الظهر فقاء فمات وكان قد تزوج وعزم تلك الليلة على الدخول بزوجته وفيها أبو محمد عبد الرحمن بن أبي الفتح محمد بن علي بن محمد الحلواني الفقيه الحنبلي الإمام وقد سبق ذكر أبيه ولد سنة تسعين وأربعمائة وتفقه على أبيه وأبي الخطاب وبرع في الفقه وله تفسير القرآن في أحد وأربعين جزءا وروى عن أبيه وعلي بن أيوب البزار والمبارك بن عبد الجبار وخلق وذكره ابن شافع وابن النجار وأثنيا عليه وذكره ابن الجوزي وقال كان يتجر في الخل ويقتنع به ولم يقبل من أحد شيئا وتوفي يوم الاثنين سلخ ربيع الأول وصلى عليه من الغد الشيخ عبد القادر سنة سبع وأربعين وخمسمائة فيها توفي أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت الأندلسي نزيل إسكندرية كان أديبا فاضلا حكيما فيلسوفا ماهرا في الطب ورد القاهرة واتصل بوزير الآمر ثم نقم عليه وحبسه ثم أطلقه فقصد يحيى بن تميم صاحب القيروان فحسنت حاله عنده ومن تصانيفه كتاب الأدوية المفردة والانتصار في أصول الفقه وغير ذلك ومن شعره ) قد كنت جارك والأيام ترعبني * ولست أرهب غير الله من أحد ) ) فنافستني الليالي فيك ظالمة * وما حسبت الليالي من ذوي الحسد ) وفيها أبو عبد الله بن غلام الفرس محمد بن الحسن بن محمد بن سعيد الداني المقرئ الأستاذ أخذ القراءات عن ابن داود وابن الدش وأبي الحسن بن شفيع وغيرهم وسمع من أبي علي الصدفي وتصدر للإقراء مدة ولتعليم العربية وكان مشاركا في علوم جمة صاحب تحقيق وإتقان وولى خطابة بلده ومات في المحرم عن خمس وسبعين سنة (4/144)

145 وفيها القاضي الأرموي أبو الفضل محمد بن عمر بن يوسف الفقيه الشافعي ولد ببغداد سنة تسع وخمسين وأربعمائة وسمع أبا جعفر بن المسلمة وابن المأمون وابن المهتدي ومحمد بن علي الخياط وتفرد بالرواية عنهم وكان ثقة صالحا تفقه على الشيخ أبي إسحق وانتهى إليه علو الإسناد بالعراق توفي في رجب وقد تولى قضاء دير العاقول في شبيبته وكان يشهد في الآخر وفيها محمد بن منصور الحرضي النيسابوري شيخ صالح سمع القشيري ويعقوب الصيرفي والكبار ومات في شعبان وفيها السلطان مسعود غياث الدين أبو الفتح بن محمد بن ملكشاه بن الب أرسلان بن جعفر بيك السلجوقي رباه بالموصل الأمير مودود ثم أفسق القرسقي ثم جوس بك فلما تمكن أخوه السلطان محمود طمعه جوس بك في السلطنة فجمع وحشد والتقى أخاه فانكسر مسعود ثم تنقلت به الأحوال واستقل بالملك سنة ثمان وعشرين وامتدت أيامه وكان منهمكا في اللهو واللعب كثير المزاح لين العريكة سعيدا في دنياه سامحه الله تعالى وعاش خمسا وأربعين سنة ومات في جمادى الآخرة وكان قد آذى المقتفى في الآخر فقنت عليه شهرا فمات قاله في العبر سنة ثمان وأربعين وخمسمائة فيها توفي ابن الطلاية أبو العباس أحمد بن أبي غالب بن أحمد البغدادي الحنبلي الوراق الزاهد العابد سمع من عبد العزيز الأنماطي وغيره وانفرد بالجزء التاسع من المخلصيات حتى أضيفت عليه وقد زاد السلطان مسعود في مسجده بالحربية فتشاغل عنه بالصلاة وما زاده على أن قال يا مسعود اعدل وادع لي الله أكبر وأحرم بالصلاة فبكى السلطان وأبطل المكوس والضرائب وتاب وكان الشيخ من أعاجيب دهره في الاستقامة لازم مسجده سبعين سنة لم يخرج منه (4/145)

146 إلا للجمعة وكان متقلالا من الدنيا متعبدا لا يفتر ليلا ولا نهارا لم يكن في زمنه أعبد منه لازم ذلك حتى انطوى طاقين قانعا بثوب خام وجرة ماء وكسر يابسة رحمه الله تعالى وفيها الرفاء عين النهار أبو الحسين أحمد بن منير بن أحمد بن مفلح الطرابلسي الشاعر المشهور كان شيعيا هجاء فائق النظم له ديوان شعر وكان أبوه ينشد الأشعار ويغني في أسواق طرابلس ونشأ أبو الحسين المذكور وحفظ القرآن الكريم وتعلم اللغة والآداب وقال الشعر وقدم دمشق فسكنها وكان شيعيا كثير الهجاء خبيث اللسان ولما كثر ذلك منه سجنه بورى بن أتابك طغتكين صاحب دمشق مدة وعزم على قطع لسانه ثم شفعوا فيه فنفاه وكان بينه وبين ابن القيسراني مكاتبات وأجوبة ومهاجاة وكانا مقيمين بحلب ومتنافسين في صناعتهما كما جرت عاد المتماثلين ومن شعره من جملة قصيدة ) وإذا الكريم رأى الخمول نزيله * في منزل فالحزم أن يترحلا ) ) كالبدر لما أن تضاءل جد في * طلب الكمال فحازه متنقلا ) ) سفها لحلمك إن رضيت بمشرب * زيف ورزق الله قد ملأ الملا ) ) ساهمت عيسك مر عيشك قاعدا * أفلا فليت بهن ناصية الفلا ) ) فارق ترق كالسيف سل فبان في * متنبه ما أخفى القراب وأخملا ) ) لا تحسبن ذهاب نفسك ميتة * ما الموت إلا أن تعيش مذللا ) ) للقفر لا للفقر هبها إنما * مغناك ما أغناك أن تتوسلا ) ) لا ترض من دنياك ما أدناك من * دنس وكن طيفا جلا ثم انجلى ) وهي طويلة كلها حسن ومن محاسن شعره القصيدة التي أولها ) من ركب البدر في صدر الرديني * ومره السحر في حد اليماني ) ) وأنزل النير الأعلى إلى فلك * مداره في القباء الخسرواني ) ) طرف رنا أم قراب سل صارمه * وأغيد ماس أم أعطاف خطى ) (4/146)

147 ) أذلني بعد عز والهوى أبدا * يستعبد الليث للظبي الكناسي ) ) أما وذائب مسك من ذوائبه * على أعالي القضيب الخيزراني ) ) وما يحن عقيقي الشفاه من الريق * الرحيقي والثغر الجماني ) ) لو قيل للبدر من في الأرض تحسده * إذا تجلى لقال ابن الفلاني ) ) أربي على بشيء من محاسنه * تألفت بين مسموع ومرئي ) ) أباء فارس في لين الشآم مع الظرف * العراقي والنطق الحجازي ) ) وما المدامة بالألباب أفتك من * فصاحة البدو في ألفاظ تركي ) وله أيضا ) أنكرت مقبته سفك دمي * وعلا وجنته فاحترقت ) ) لا تخالوا خاله في خده * قطرة من دم جفني نطفت ) ) داك من نار فؤادي جذوة * فيه ساخت وانطفت ثم طفت ) وكانت ولادته سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة بطرابلس ووفاته في جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة بحلب ودفن بجبل جوشن وزرت قبره ووجدت عليه مكتوبا ) من زار قبري فليكن موقنا * أن الذي ألقاه يلقاه ) ) فيرحم الله امرءا زارني * وقال لي يرحمك الله ) ومنير بضم الميم وكسر النون وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها راء انتهى ما قاله ابن خلكان ملخصا وفيها رحار الفرنجي صاحب صقلية هلك في ذي القعدة بالخوانيق وامتدت أيامه وفيها حمد بن عبد الرحمن بن محمد الأزجي القاضي أبو علي سمع من أبي محمد التميمي وغيره وتفقه على أبي الخطاب الكلواذاني وولى قضاء المدائن وغيرها ذكره ابن السمعاني فقال أحد فقهاء الحنابلة وقضاتهم كتبت عنه يسيرا توفي (4/147)

148 يوم السبت سابع عشر شعبان وفيها أبو الفتح الكروخي بالفتح وضم الراء آخره معجمة نسبة إلى كروخ بلد بنواحي هراة عبد الملك بن عبد الله بن أبي سهل الهروي الرجل الصالح راوي جامع الترمذي كان ورعا ثقة كتب بالجامع نسخة ووقفها وكان يعيش من النسخ حدث ببغداد ومكة وعاش ستا وثمانين سنة توفي في ذي الحجة وفيها أبو الحسن البلخي علي بن الحسن الحنفي الواعظ الزاهد درس بالصادرية ثم جعلت له دار الأمير طرخان مدرسة وقام عليه الحنابلة لأنه تكلم فيهم وكان خير العمل من حلب وكان معظما مفخما في الدولة درس أيضا بمسجد خاتون ومدرسته داخل الصدرية قاله في العبر وفيها أبو الفرج عبد الخالق بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف البغدادي محدث بغداد كان خيرا متواضعا متقنا مكثرا صاحب حديث وإفادة روى عن أبي نصر الزينبي وحلق وتوفي في المحرم عن أربع وثمانين سنة وفيها القاضي أبو المعالي الحسن بن محمد بن أبي جعفر البلخي الشافعي تفقه على البغوي وروى عنه أبو سعد بن السمعاني وأثنى عليه وذكر أنه توفي في رمضان قاله الأسنوي وفيها عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن الحسين بن محمد بن عمر بن زيد عماد الدين أبو محمد النيهي بكسر النون وسكون التحتية وهاء نسبة إلى نيه بلد صغيرة بين سجستان واسفرائن الشافعي قال ابن السمعاني في الأنساب كان إماما فاضلا عالما عاملا حافظا للمذهب راغبا في الحديث ونشره دينا مباركا كثير الصلاة والعبادة حسن الأخلاق تفقه على البغوي وتخرج عليه جماعة كثيرة من العلماء وروى الحديث عن جماعة وحضرت مجالس أماليه بمرو ومدة مقامي وقال غيره كان شيخ الشافعية بتلك الديار وله كتاب في المذهب وقف عليه ابن الصلاح (4/148)

149 وانتخب منه غرائب وتوفي في شعبان وفيها عبد الرحمن بن محمد البوشنجي الخطيبي الفقيه الشافعي تفقه على أبي نصر بن القشيري وغيره واحترق في فتنة الغز بمرو في المنارة قاله ابن الأهدل وفيها الملك العادل علي بن السلار الكردي ثم المصري وزير الظافر أقبل من ولاية الإسكندرية إلى القاهرة ليأخذ الوزارة بالقهر فدخل وحكم ففر الوزير نجم الدين سليم بن مصال وجمع العساكر وجاء فجهز ابن السلار جيشا لحربه فالتقوه بدلاص فقتل ابن مصال وطيف برأسه في سنة أربع وأربعين وكان ابن السلار سنيا شافعيا شجاعا مقداما بنى للسلفي مدرسة معروفة لكنه جبار عنيد ظالم شديد البأس صعب المراس وكان زوج أم عباس بن باديس فقتله نصر بن عباس هذا على فراشه بالقاهرة في المحرم وولى عباس الملك وفيها الشهرستاني الأفضل محمد بن عبد الكريم بن أحمد أبو الفتح الشافعي المتكلم صاحب التصانيف أخذ علم النظر والأصول عن أبي القسم الأنصاري وأبي نصر بن القشيري ووعظ ببغداد وظهر له القبول التام قال في العبر واتهم بمذهب الباطنية وقال ابن قاضي شهبة صنف كتبا كثيرة منها نهاية الإقدام في علم الكلام وكتاب الملل والنحل وتلخيص الأقسام لمذاهب الأعلام وقال ابن خلكان كان إماما مبرزا فقيها متكلما واعظا توفي في شعبان وقال ابن الأهدل سمع الحديث من ابن المديني وكتب عنه ابن السمعاني وعظم صيته في الدنيا وشهرستان اسم لثلاث مدن الأولى بين نيسابور وخوارزم والثانية قصبة ناحية نيسابور والثالثة مدينة على نحو ميلين من أصبهان انتهى وفيها أبو علي محمد بن عبد الله بن محمد البسطامي الشافعي المعروف بإمام بغداد كان فقيها مناظرا وشاعرا مجيدا تفقه على الكيا الهراسي وسمع من ابن العلاف ولم يحدث شيئا وتوفي سلخ ثمان وأربعين وخمسمائة ذكره ابن السمعاني (4/149)

150 وفيها أبو طاهر السنجي بالكسر والسكون نسبة إلى سنج بجيم قرية بمرو محمد بن محمد بن عبد الله المروزي الحافظ خطيب مرو تفقه على أبي المظفر السمعاني وعبد الرحمن البزار وسمع من طائفة ولقى ببغداد ثابت بن بندار وطبقته ورحل مع أبي بكر بن السمعاني وكان ذا معرفة وفهم مع الثقة والفضل والتعفف توفي في شوال عن بضع وثمانين سنة وفيها أبو الفتح محمد بن عبد الرحمن بن محمد الكشميهني المروزي الخطيب شيخ الصوفية ببلده وآخر من روى عن محمد بن أبي عمران صحيح البخاري عاش ستا وثمانين سنة وفيها أبو عبد الله بن القيسراني محمد بن نصر بن صعير بن خالد الأديب حامل لواء الشعر في عصره تولى إدارة الساعات التي بدمشق مدة ثم سكن حلب وكان عارفا بالهيئة والنجوم والهندسة والحساب مدح الملوك والكبار وعاش سبعين سنة ومات بدمشق قال ابن خلكان كان ابن منير ينسب إلى التحامل على الصحابة رضوان الله عليهم ويميل إلى التشيع فكتب إليه ابن القيسراني وقد بلغه أنه هجاه قوله ) ابن منير هجوت مني * حبرا أفاد الورى صوابه ) ) ولم تضيق بذاك صدري * فإن لي أسوة الصحابة ) ومن محاسن شعره قوله ) كم ليلة بت من كاسي وريقته * نشوان أمزج سلسا لا بسلسال ) ) وبات لا تحتمي عنه مراشفه * كأنما ثغره ثغر بلا وال ) وقوله في مدح خطيب ) شرح المنبر صدرا * لتلقيك رحيبا ) ) أترى ضم خطيبا * منك أم ضمخ طيبا ) وقوله في الغزل (4/150)

151 ) بالسفح من لبنان لي * قمر منازله القلوب ) ) حملت تحيته الشمال * فردها عني الجنوب ) ) فرد الصفات غريبها * والحسن في الدنيا غريب ) ) لم أنس ليلة قال لي * لما رأى جسمي يذوب ) ) بالله قل لي من أعلمك * يا فتى قلت الطبيب ) وكانت ولادته بعكا سنة سبع وثمانين وأربعمائة وتوفي ليلة الأربعاء حادي عشرى شعبان بدمشق ودفن بمقبرة باب الفراديس وفيها محمد بن يحيى العلامة أبو سعد النيسابوري محي الدين شيخ الشافعية وصاحب الغزالي انتهت إليه رياسة المذهب بخراسان وقصده الفقهاء من البلاد وصنف التصانيف منها المحيط في شرح الوسيط وهو القائل ) وقالوا يصير الشعر في الماء حية * إذا الشمس لاقته فما خلته صدقا ) ) فلما التوى صدغاه في ماء وجهه * وقد لسعا قلبي تيقنته حقا ) توفي في رمضان شهيدا على يد الغز قبحهم الله عن اثنتين وسبعين سنة ورثاه جماعة منهم علي البيهقي فقال ) يا سافكا دم عالم متبحر * قد طار في أقصى الممالك صيته ) ) بالله قل لي يا ظلوم ولا تخف * من كان محيي الدين كيف تميته ) وفيها محمود بن الحسين بن بندار أبو نجيح الطلحي الواعظ المحدث الحنبلي سمع الحديث الكثير وطلبه بنفسه وقرأ وسمع بأصبهان كثيرا من يحيى بن مندة الحافظ وغيره ورحل إلى بغداد وسمع بها من ابن الحصين والقاضي أبي الحسين وكتب بخطه كثيرا وخطه حسن متقن ووعظ وقال الشعر وسمع منه ابن سعدون القرطبي وحدث عنه محمد بن مكي الأصبهاني بها وغيره وفيها نصر بن أحمد بن مقاتل السوسي ثم الدمشقي روى عن أبي القسم بن أبي العلاء وجماعة وكان شيخا مباركا توفي في ربيع الأول (4/151)

152 وفيها هبة الله بن الحسين بن أبي شريك الحاسب مات ببغداد في صفر سمع من أبي الحسين بن النقور وكان حشريا مذموما وفيها أبو الحسين المقدسي الزاهد صاحب الأحوال والكرامات دون الشيخ الضياء سيرته في جزء وقبره بحلب يرار سنة تسع وأربعين وخمسمائة فيها في صفر أخذ نور الدين دمشق من مجير الدين ابق بن محمد بم بوري بن طغتكين على أن يعوضه بحمص فلم يتم وأعطاه بالس فغضب وسار إلى بغداد وبنى بها دارا فاخرة وبقي بها مدة وكانت الفرنج قد طمعوا في دمشق بحيث أن نوابهم استعرضوا من بدمشق من الرقيق فمن أحب المقام تركوه ومن أراد العود إلى وطنه أخذوه قهرا وكان لهم على أهل دمشق القطيعة كل سنة فلطف الله واستمال نور الدين أحداث دمشق فلما جاء ونازلها استنجد آبق بالفرنج وسلم إليه الناس البلد من شرقيه وحاصر آبق في القلعة ثم نزل بعد أيام وبعث المقتفى عهدا بالسلطنة لنور الدين وأمره بالمسير إلى مصر وكان مشغولا بحرب الفرنج وفيها توفي الظافر بالله أبو منصور إسماعيل بن الحافظ لدين الله عبد المجيد بن محمد بن المستنصر العبيدي الرافضي بقي في الولاية خمسة أعوام ووزر له ابن مصال ثم ابن السلار ثم عباس ثم إن عباسا وابنه نصرا قتلا الظافر غيلة في دارهما وجحداه في شعبان وأجلس عباس في الدست الفائز عيسى بن الظافر صغيرا وكان الظافر شابا لعابا منهمكا في الملاهي والقصف فدعاه نصر إليه وكان يحب نصرا فجاءه متنكرا معه خويدم فقتله وطمره وكان من أحسن أهل زمانه عاش اثنتين وعشرين سنة وقال ابن شهبة في تاريخ الإسلام بنى الظافر الجامع الظافري داخل باب زويلة ودعاه عباس وكان خصيصا به إلى داره التي هي اليوم مدرسة الحنفية وتعرف بالسيفية فقتله ومن معه ليلا وأقام ولده الفائز عيسى ثم اطلع أهل القصر على القصة فكاتبوا (4/152)

153 الصالح فقصد القاهرة ومعه جيش فهرب نصر بن عباس وأبوه وكان قد دبر ذلك أسامة بن منقذة فخرج معهما ودخل الصالح القاهرة وأتوا إلى الدار فأخرجوا الظافر من تحت بلاطه وحملوه إلى ترتبتهم التي في القصر وكاتبت أخت الظافر الفرنج بعسقلان وشرطت لهم مالا على إمساك عباس فخرجوا عليه فصادفوه فقتلوه وأمسكوا نصرا وجعلوه في قفص من حديد وأرسلوه إلى القاهرة فقطعوا يديه وقرضوا جسمه بالمقاريض وصلبوه على باب زويلة وبقي سنة ونصفا مصلوبا انتهى وفيها أبو البركات عبد الله بن محمد بن الفضل الفراوي صفي الدين النيسابوري سمع من جده ومن جده لأمه طاهر الشحامي ومحمد بن عبيد الله الصرام وطبقتهم وكان رأسا في معرفة الشروط حدث بمسند أبي عوانة ومات من الجوع بنيسابور في فتنة الغز وله خمس وسبعون سنة قاله في العبر وفيها عبيد الله بن المظفر الباهلي الأندلسي خدم السلطان محمد بن ملكشاه وأنشأ له مرستانا يحمل على الجمال في الأسفار وكان شاعرا خليعا له ديوان شعر سماه نهج الوضاعة يذكر فيه مثالب الشعراء الذين كانوا بدمشق وكان يهاجي أهل عصره ويرثي من يموت حبابا للمجون والهزل وكان يجلس على دكان بجيرون للطب ويدمن شرب الخمر ولما مات ابن القيسراني رثاه بقوله ) مذ توفي محمد القيسراني * هجرت لذة الكرا أجفاني ) ) لم يفق بعده الفؤاد من الحزن * ولا مقلتي من الهملان ) في أبيات كثيرة فيها مجون ولما مات رثاه عرقلة الدمشقي بقوله ) يا عين سحى بدمع ساكب ودم * على الحكيم الذي يكنى أبا الحكم ) ) قد كان لا رحم الرحمن شيبته * ولا سقى قبره من صيب الديم ) ) شيخا يرى الصلوات الخمس نافلة * ويستحل دم الحجاج في الحرم ) وفيها عبد الخالق بن زاهر بن طاهر أبو منصور الشحامي الشروطي المستملى (4/153)

154 سمع من جده وأبي بكر بن خلف وطبقتهما وهلك في العقوبة والمطالبة في فتنة الغز وله أربع وسبعون سنة وكان يملي ويستملي في الآخر وفيها الحافظ دادا النجيب أبو جعفر محمد بن إبراهيم بن الحسين بن محمد بن دادا الجرباذقاني المنعوت بالمنتجب كان ذا علم ودين أثنى عليه ابن نقطة وغيره قاله ابن ناصر الدين وفيها أبو العشائر محمد بن خليل بن فارس القيسي الدمشقي سمع أبا القسم المصيصي وسمع نصر المقدسي مدة وفيها أبو الفتح الهروي محمد بن عبد الله بن أبي سعد الصوفي الملقب بالشيرازي أحد الذين جاوزوا المائة صحب شيخ الإسلام وغيره وكان من كبار الصالحين وفيها أبو المعمر الأنصاري المبارك بن أحمد الأزجي الحافظ سمع أبا عبد الله النعالي فمن بعده وله معجم في مجلد وكان سريع القراءة معتنيا بالرواية وفيها المظفر بن علي بن محمد بن محمد بن محمد بن جهير الوزير ابن الوزير بن الوزير أبو نصر بن أبي القسم ولى وزارة المقتفى سبع سنين وعزل سنة اثنتين وأربعين وتوفي في ذي الحجة عن نيف وستين سنة وفيها مؤيد الدولة بن الصوفي الدمشقي وزير صاحب دمشق آبق كان ظلوما غشوما فسر الناس بموته ودفن بداره بدمشق وفيها أبو المحاسن البرمكي نصر بن المظفر الهمذاني ويعرف بالشخص العزيز سمع أبا الحسين بن النقور وعبد الوهاب بن مندة وتفرد في زمانه وقصده الطلبة سنة خمسين وخمسمائة فيها توفي أبو العباس الإقليشي أحمد بن معد بن عيسى التجيبي الأندلسي الداني سمع أبا الوليد بن الدباغ وطائفة وبمكة من الكروخي وكان زاهدا عارفا علامة (4/154)

155 متقنا صاحب تصانيف وله شعر في الزهد ومن تصانيفه كتاب النجم وفيها أحمد الحريزي كان عاملا للمقتفى على نهر الملك وكان من أظلم العالم يظهر الدين ويجلس على السجادة وبيده مسبحة يسبح بها ويقرأ القرآن ويعذب الناس بين يديه يعلق الرجال بأرجلهم والنساء بثديهن ويومي إلى الجلاد الرأس الوجه دخل إلى الحمام فدخل عليه ثلاثة فضربوه بالسيوف حتى قطعوه فحمل إلى بغداد ودفن بها فأصبح وقد خسف بقبره قاله ابن شهبة وفيها أبو عثمان الغضا يرى إسماعيل بن عبد الرحمن النيسابوري روى عن طاهر بن محمد الشحامي وطائفة وكان ذا رأي وعقل عمر تسعين سنة وفيها سعيد بن أحمد بن الإمام أبي محمد الحسن بن أحمد البغدادي أبو القسم الحنبلي سمع ابن البسري وأبا نصر الزينبي وعاش ثلاثا وثمانين سنة توفي في ذي الحجة وفيها أبو الفتح محمد بن علي بن هبة الله بن عبد السلام الكاتب سمع رزق الله التميمي والحميدي ومات في صفر وفيها محمد بن ناصر بن محمد بن علي بن عمر الحافظ الثقة البغدادي السلامي أبو الفضل محدث العراق ولد سنة سبع وستين وأربعمائة وسمع علي بن البسري وأبا طاهر بن أبي الصقر والبانياسي وطبقتهم وأجاز له من خراسان أبو صالح المؤذن والفضل بن المحب وأبو القسم بن عليك وطبقتهم وعنى بالحديث بعد أن برع في الفقه وتحول من مذهب الشافعي إلى مذهب الحنابلة قال ابن النجار كان ثقة يبتا حسن الطريقة متدينا فقيرا متعففا نزها وقف كتبه وخلف ثيابا خلقة وثلاثة دنانير ولم يعقب وقال فيه أبو موسى المديني الحافظ هو مقدم أصحاب الحديث في وقته ببغداد وقال ابن رجب كان والده شابا تركيا محدثا فاضلا من أصحاب أبي بكر الخطيب الحافظ توفي في شبيبته وأبو الفضل هذا صغير فكفله جده لأمه أبو حكيم الحيري الفرضي فأسمعه في صغره شيئا يسيرا من الحديث وأشغله بحفظ القرآن (4/155)

156 والفقه على مذهب الشافعي ثم أنه صحب أبا زكريا التبريزي اللغوي وقرأ عليه الأدب واللغة حتى مهر في ذلك ثم جد في سماع الحديث وصاحب ابن الجواليقي وكان من أول الأمر أبو الفضل أميل إلى الأدب وابن الجواليقي أميل إلى الحديث وكان الناس يقولون يخرج ابن ناصر لغوي بغداد وابن الجواليقي محدثها فانعكس الأمر فصار ابن ناصر محدث بغداد وابن الجواليقي لغويها وخالط ابن ناصر الحنابلة ومال إليهم وانتقل إلى مذهبهم لمنام رأى فيه النبي وهو يقول له عليك بمذهب الشيخ أبي منصور الخياط قال السلفي سمع ابن ناصر معنا كثيرا وهو شافعي أشعري ثم انتقل إلى مذهب أحمد في الأصول والفروع ومات عليه وله جودة حفظ وإتقان وهو ثبت إمام وقال ابن الجوزي كان حافظا ضابطا مفتيا ثقة من أهل السنة لا مغمز فيه وكان كثير الذكر سريع الدمعة وهو الذي تولى تسميعي الحديث وعنه أخذت ما أخذت من علم الحديث قرأت عليه ثلاثين سنة ولم أستفد من أحد كاستفادتي منه وقال ابن رجب ومن غرائب ما حكى عن ابن ناصر أنه كان يذهب إلى أن السلام على الموتى يقدم فيه لفظة عليكم فيقال عليكم السلام لظاهر حديث أبي حري الهجيمي وذكر في بعض تصانيفه أن الحداد على الميت بترك الطيب والزينة لا يجوز ويجوز للنساء على أقاربهن ثلاثة أيام دون زيادة عليها ويجب على المرأة على زوجها المتوفى أربعة أشهر وعشرا انتهى وفيها عبد الملك بن محمد بن عبد الملك اليعقوبي المؤدب أبو الكرم ولد بعد السبعين والأربعمائة وسمع من أبي الثرى وأبي الغنائم بن المهتدي وغيرهما وحدث وسمع منه ابن الخشاب وابن شافع وكان رجلا صالحا من خيار أصحابنا الحنابلة تفقه على ابن عقيل وسمع الحديث الكثير ومن شعره ) يا أهل ودي وما أهلا دعوتكم * بالحق لكنها العادات والنوب ) ) أشبهتم الدهر في تلوين صبغته * فكلكم حائل الألوان منقلب ) (4/156)

157 وفيها أبو الكرم السهروردي المبارك بن الحسن البغدادي شيخ المقرئين ومصنف المصباح في القراءات العشر كان خيرا صالحا قرأ عليه خلق كثير أجاز له أبو الغنائم بن المأمون والصريفيني وطائفة وسمع من إسماعيل بن مسعدة ورزق الله التميمي إليه علو الإسناد في القراءات وتوفي في ذي الحجة وقيها محلى بن جميع قاضي القضاة بالديار المصرية أبو المعالي القرشي المخزومي الشافعي الأرشوفي الأصل المصري تفقه على الفقيه سلطان المقدسي تلميذ الشيخ نصر وبرع وصار من كبار الأئمة وقال الحافظ زكي الدين المنذري أن أبا المعالي تفقه من غير شيخ وتفقه عليه جماعة منهم العراقي شارح المهذب وتولى قضاء الديار المصرية سنة سبع وأربعين ثم عزل لتغير الدول في أوائل سنة تسع وأربعين ومن تصانيفه الذخائر قال الأسنوي وهو كثير الفروع والغرائب إلا أن ترتيبه غير معهود متعب لمن أراد استخراج المسائل منه وفيه أيضا أوهام وقال الأذرعي أنه كثير الوهم قال ويستمد من كلام الغزالي ويعزوه إلى الأصحاب قال وذلك عادته ومن تصانيفه أيضا أدب القضاء سماه العمدة ومصنف في الجهر بالبسملة وله مصنف في المسألة السريجية اختار فيه عدم الوقوع وله مصنف في جواز اقتداء بعض المخالفين ببعض في الفروع قاله ابن شهبة وتوفي في ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وخمسمائة فيها كما قال في الشذور كثر الحريق ببغداد في المحال ودام وفيها توفي أبو العباس أحمد بن الفرج بن راشد بن محمد المدني الوراق البغدادي الحنبلي الحجة القاضي من أهل المدينة قرية فوق الأنبار ولد في عشر ذي الحجة سنة تسعين وأربعمائة وقرأ القرآن بالروايات على مكي بن أحمد الحنبلي وغيره وتفقه على عبد الواحد بن سيف وسمع من أبي منصور محمد (4/157)

158 ابن أحمد الخازن وغيره وشهد عند قاضي القضاة الزينبي وولى القضاء بدحيل مدة وحدث وروى عنه ابن السمعاني وغيره وتوفي يوم السبت سادس ذي الحجة ودفن من الغد بمقبرة باب حرب وفيها أبو القسم الحمامي إسماعيل بن علي بن الحسين النيسابوري ثم الأصبهاني الصوفي مسند أصبهان وله أكثر من مائة سنة سمع تسع وخمسين وأربعمائة من أبي مسلم محمد بن مهر يرد وتفرد بالسماع من جماعة وسمع منه السلفي وقال يوسف بن أحمد الحافظ أخبرنا الشيخ المعمر الممتع بالعقل والسمع والبصر وقد جاوز المائة أبو القسم الصوفي ومات في سابع صفر وفيها أبو القسم بن البن الحسين بن الحسن بن محمد الأسدي الدمشقي تفقه على نصر المقدسي وسمع من أبي القسم المصيصي والحسن بن أبي الحديد وجماعة وتوفي في ربيع الآخر عن خمس وثمانين سنة وفيها عبد القاهر بن عبد الله الوأواء الحلبي الشاعر شرح ديوان المتنبي وفيها أبو بكر عتيق بن أحمد الأزدي الأندلسي الأوز يولي حج فسمع من طراد الزينبي وهو آخر من حدث عنه بالمغرب توفي بأوزيولة وله أربع وثمانون سنة وفيها القاضي أبو محمد بن عبد الله بن ميمون بن عبد الله الكوفن المالكاني وكوفن بكاف مضمومة وواو ساكنة بعدها نون قرية من ابيورد ومالكان قيل إنها اسم قرية أيضا وقال ابن السمعاني كان فقيها شافعيا فاضلا له باع طويل في المناظرة والجدل ومعرفة تامة بهما تفقه على والدي وسمع منه ولد في حدود سنة تسعين وأربعمائة قال ابن باطيش ومات بابيورد ليلة الاثنين ثامن ذي القعدة وفيها أو في التي قبلها وبه جزم الأسنوي علي بن معصوم بن أبي ذر المغربي الشافعي قال ابن السمعاني إمام عالم بالمذهب بحر في الحساب ولد بقلعة بني (4/158)

159 حماد من بلاد بجاية سنة تسع وثمانين وأربعمائة واستوطن العراق وتفقه على الفرنج الخريني ثم انتقل إلى خراسان ومات باسفرائن في شعبان وفيها أبو الحسن علي بن أحمد بن محمويه البرذي الشافعي المقرئ الزاهد نزيل بغداد قرأ بأصبهان على أبي الفتح الحداد وأبي سعد المطرز وغيرهما وسمع من ابن مردويه وببغداد من أبي القسم الربعي وأبي الحسين بن الطيوري وبرع في القراءات والمذهب وصنف في القراءات والزهد والفقه وكان رأسا في الزهد والورع توفي في جمادى الآخرة وقد قارب الثمانين وفيها علي بن الحسين الغزنوي الواعظ الملقب بالبرهان كان فصيحا وله جاه عريض وكان شيعيا وكان السلطان مسعود يزوره وبنى له رباطا بباب الأزج واشترى له قرية من المسترشد وأوقفها عليه قال ابن الجوزي سمعته ينشد ) كم حسرة لي في الحشا * من ولد إذا نشا ) ) وكما أردت رشده * فما نشا كما نشا ) وكان يعظم السلطان ولا يعظم الخليفة فلما مات السلطان مسعود أهين الغزنوي ومنع من الوعظ وأخذ جميع ما كان بيده فاستشفع إلى الخليفة في القرية الموقوفة عليه فقال ما يرضى أن يحقن دمه وكان يتمنى الموت مما لاقى من الذل بعد العز وألقى كبده قطعا مما لاقى وفيها الفقيه الزاهد الصالح عمر بن عبد الله بن سليمان بن السري اليمني توفي بمكة حاجا روى طاهر بن يحيى المعمراني أنه كان قد أصابه بثرات في وجهه فارتحل إلى جبلة متطببا فرأى ليلة قدومه إليها عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فقال له يا روح الله امسح وجهي فمسحه فأصبح معافى قاله ابن الأهدل وفيها أبو عبد الله بن الرطبي محمد بن عبيد الله بن سلامة الكرخي كرخ جدان المعدل روى عن أبي القسم بن البسري وأبي نصر الزينبي وتوفي في شوال عن ثلاث وثمانين سنة (4/159)

160 وفيها أبو البيان نبا بن محمد بن محفوظ القرشي اللغوي الدمشقي الزاهد شيخ الطائفة البيانية بدمشق ويعرف بابن الحوراني كان كبير القدر عالما عاملا زاهدا تقيا خاشعا ملازما للعلم والعمل والمطالعة كثير العبادة والمراقبة سلفي المعتقد كبير الشأن بعيد الصيت ملازما للسنة صاحب أحوال ومقامات سمع أبا الحسن علي بن الموازيني وغيره وله تآليف ومجاميع ورد على المتكلمين وأذكار مسجوعة وأشعار مطبوعة وأصحاب ومريدون وفقراء بهديه يقتدون كان هو والشيخ رسلان شيخي دمشق في عصرهما وناهيك بهما قاله في العبر ودخل يوما إلى الجامع الأموي فرأى جماعة في الحائط الشمالي يثلبون أعراض الناس فقال اللهم كما أنسيتهم ذكرك فأنسهم ذكري وقال السخاوي قبره يزار بباب الصغير ولم يذكره ابن عساكر في تاريخه ولا ابن خلكان في الأعيان توفي في وقت الظهر يوم الثلاثاء ثاني ربيع الأول ودفن من الغد وشيعه خلق عظيم انتهى سنة ثنتين وخمسين وخمسمائة فيها كما قال في الشذور وقعت زلازل في الشام تهدمت منها ثلاثة بلدا من بلاد الإسلام حلب وحماه وشيزر وكفر طاب وفامية وحمص والمعرة وتل حران وخمسة من بلاد الكفر حسن الأكراد وعرقة واللاذقية وطرابلس وأنطاكية فأما حماة فهلك أكثرها وأما شيزر فما سلم منها إلا امرأة وخادم لها وهلك الباقون وأما حلب فهلك منها خمسمائة نفس وأما كفر طاب فما سلم منها أحد وأما فامية فهلكت وساخت قلعتها وهلك من حمص خلق كثير وهلك بعض المعرة وأما تل حران فإنه انقسم نصفين وظهر من وسطه نواويس وبيوت وأما حصن الأكراد وعرقة فهلكتا جميعا وهلكت اللاذقية فسلم منها نفر ونبع فيها جوعة ماء حمئة وهلك أكثر طرابلس وأكثر أنطاكية انتهى (4/160)

161 وفيها كما قال في العبر خرجت الإسماعيلية على حجاج خراسان فقتلوا وسبوا واستباحوا الركب وصبح الضعفاء والجرحى إسماعيل شيخ ينادي يا مسلمين ذهبت الملاحدة فأبشروا ومن هو عطشان سقيته فبقي إذا كلمه أحد جهز عليه فهلكوا إلى رحمة الله كلهم واشتد القحط بخراسان وتخربت بأيدي الغز ومات سلطانها سنجر وغلب كل أمير على بلد واقتتلوا وتعثرت الرعية الذين نجوا من القتل وفيها هزم نور الدين الفرنج على صفد وكانت وقعة عظيمة وفيها انقرضت دولة الملثمين بالأندلس لم يبق منهم إلا جزيرة ميورقة وفيها أخذ نور الدين من الفرنج غزة وبانياس وملك شيزر من بني منقذ وفيها توفي القاضي أبو بكر بن محمد بن عبد الله اليافعي حضر موته صاحب البيان وقال ماتت المروءة أخذ الفقه عن ريد البقاعي وكان عالما شاعرا روى عن ابنه وخاله وكتاب رسالة الشافعي ومختصر المرني وولى قضاء اليمن وكان له ولد يقال له محمد مات في حياته فرثاه وقال ) جوار الله خير من جواري * له دار لكل خير دار ) وكان للقاضي أبو بكر جاه عظيم عند الملوك خلص فقهاء اليمن من الخراج والمظالم ولما قدم القاضي الرشيد من مصر الىاليمن أكرمه كرامة عظيمة قاله ابن الأهدل وفيها أبو علي الخرار أحمد بن أحمد بن علي الحريمي سمع أبا الغنائم محمد بن الدقاق ومالكا البانياسي وتوفي في ذي الحجة وعوضه نصيبين فتملكها إلى أن مات في شعبان وطالت أيامه بها وخلف ذرية فخملوا وفيها أحمد سنجر السلطان الأعظم معز الدين أبو الحرث ولد السلطان ملكشاه بن الب أرسلان بن جعفر بيك السلجوقي صاحب خراسان وأجل ملوك العصر وأعرقهم نسبا وأقدمهم ملكا وأكثرهم جيشا واسمه بالعربي أحمد بن الحسن بن محمد بن داود بن ميكائيل بن سلجوق وخطب له بالعراق والشام والجزيرة (4/161)

162 وأذربيجان وأران والحرمين وخراسان وما وراء النهر وغزنة وعاش ثلاثا وسبعين سنة قال ابن خلكان أول ما ناب في المملكة عن أخيه بركيا روق سنة تسعين وأربعمائة ثم استقل بالسلطنة سنة اثنتي عشرة وخمسمائة ولقب حينئذ بالسلطان وكان قبل ذلك يلقب بالملك المظفر وكان وقورا مهيبا ذا حياء وكرم وشفقة على الرعية وكان مع كرمه المفرط من أكثر الناس مالا اجتمع في خزانته من الجوهر ألف وثلاثون رطلا وهذا ما لم يملكه خليفة ولا ملك فيما نعلم توفي في ربيع الأول ودفن في قبة بناها وسماها دار الآخرة وقد تضعضع ملكه في آخر أيامه وقهرته الغر ورأى الهوان ثم من الله عليه وخلص قاله في العبر وفيها أبو عبد الله بن خميس الحسين بن نصر الموصلي الجهني الملقب بتاج الإسلام أخذ الفقهعن الغزالي وقضى برحبة ملك بن طوق ثم رجع إلى الموصل وصنف كثيرا وسكن قرية في الموصل وراء القرية التي فيها العين المعروفة بعين الفتاوة التي ينفع الاستحمام بها من الفالج والريح البادر مشهورة هناك قاله ابن الأهدل وفيها عبد الملك بن مسرة أبو مروان اليحصبي المستثمري ثم القرطبي أحد الأعلام قال ابن بشكوال كان ممن جمع الله له الحديث والفقه مع الأدب البارع والدين والورع والتواضع أخذ الموطأ عن أبي عبد الله بن الطلاع سماعا وغيره وتوفي في شعبان وفيها عثمان بن علي السكندري أبو عمرو مسند بخارى كان إماما ورعا عالما عابدا متعففا تفرد بالرواية عن أبي المظفر عبد الكريم الأبرقي وسمع من عبد الواحد الزبيري المعمر وطائفة ومات في شوال عن سبع وثمانين سنة وفيها عمر بن عبد الله الحري المقرئ أبو حفص سمع الكثير وروى عن طراد وطبقته وتوفي في شعبان (4/162)

163 وفيها صدر الدين أبو بكر الخجندي محمد بن عبد اللطيف بن محمد المهلبي الأزدي ثم الأصفهاني كان إماما فاضلا مناظرا شافعيا صدر العراق في زمانه على الإطلاق جوادا مهيبا متقدما عند السلاطين يصدرون عن رأيه ورد بغداد وتولى تدريس النظامية ووعظ بها وبجامع القصر وكان كوزير ذا حشمة أشبه منه بالعلماء يمشي والسيوف حوله مشهورة خرج من بغداد إلى أصبهان فنزل بقرية بين همذان والكرخ فنام وهو في عافية فأصبح ميتا وذلك في شوال فحمل إلى أصبهان ودفن بسيلان ذكره ابن السمعاني والذهبي وأما ولده عبد اللطيف بن محمد بن عبد اللطيف فكان رئيس أصبهان في العلم وكان فقيها فاضلا مقدما معظما عند الرعايا والسلاطين تفقه على أبيه ودرس بعده وأفتى ووعظ وأنشأ وسمع وحدث مات بهمذان بعد عوده من الحجاز في أحد الربيعين سنة ثمان وخمسمائة وهو ابن ثمان وأربعين سنة وحمل إلى أصبهان ودفن بها ذكره التفليسي وأما حفيده فهو أبو بكر محمد بن عبد اللطيف الشافعي كان فقيها بارعا رئيسا كبيرا عريقا في الفضل والرياسة انتهى إليه رياسة الشافعية بأصبهان بعد موت أبيه وورد بغداد فأنعم عليه الخليفة بما لم ينعم به على أحد من أمثاله ورتب له ما يفوت الحصر وتولى نظر النظامية والنظر في أحوال الفقهاء ثم خرج مع الوزير إلى أصبهان واستولى عليها وولى الخليفة بها سنقر الطويل من أمراء بغداد وأذن لابن الخجندي في المقام بها فجرت بينه وبين الأمير سنقر وحشة فيقال أنه دس عليه من قتله وذلك في أحد الجمادين سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة وسمع شيئا من الحديث إلا أنه لم يبلغ سن الرواية عنه ذكره ابن باطيش وغيره وفيها أبو المظفر محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن سعدان الحنبلي الأزجي الفقيه سمع الحديث من القاضي الحسين وأبي العز بن كادس وتفقه على القاضي أبي الحسين وأبي بكر الدينوري ولازمه وروى عنه أحمد بن طارق وكتب (4/163)

164 عنه المبارك بن كامل بغير إسناد في معجمه قال صدقة بن الحسين في تاريخه كان فقيها كيسا من أصحاب أبي بكر الدينوري توفي في ذي القعدة ودفن بباب حرب وفيها محمد بن خذداذ بن سلامة بن خذداذ العراقي الماموني المباردي الحداد الكاتب الفقيه الحنبلي الأديب أبو بكر أبي محمد ويعرف بنقاش المبارد سمع من نصر بن النضر والحسين بن طلحة وأبي نصر الزينبي وأبي الخطاب وكتب خطا حسنا قال ابن النجار كان فقيها مناظرا أصوليا تفقه على أبي الخطاب وعلق عنه مسائل الخلاف وقرأ الأدب وقال الشعر وكان صدوقا وتوفي ليلة الخميس مستهل جمادى الآخرة وصلى عليه من الغد ودفن بباب حرب وقيد ابن نقطة خذداذ بدال مهملة بين ذالين معجمتين وفيها أبو بكر بن الزاغوني محمد بن عبيد الله بن نصر البغدادي المجلد سمع أبا القسم بن البسري وأبا نصر الزينبي والكبار وصار مسند العراق وكان صالحا مرضيا إليه المنتهى في التجليد اصطفاه الخليفة لتجليد خزانة كتبه توفي في ربيع الآخر وله أربع وثمانون سنة وفيها أبو الحسن محمد بن المبارك وكنيته أبو البقاء بن محمد بن عبد الله بن محمد المعروف بابن الخل الفقيه الشافعي البغدادي تفقه على أبي بكر الشاشي وبرع في العلم وكان يجلس في مسجده الذي بالرحبة شرقي بغداد لا يخرج منه إلا بقدر الحاجة يفتي ويدرس وكان قد تفرد بالفتوى بالمسئلة السريجية ببغداد وصنف كتابا سماه توجيه التنبيه على صورة الشرح لكنه مختصر وهو أول من شرح التنبيه لكن ليس فيه طائل وله كتاب في أصول الفقه وسمع الحديث من أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن أبي طلحة وأبي عبد الله الحسين البسري وغيرهما وروى عنه الحافظ أبو سعد السمعاني وغيره وكان يكتب خطا جيدا منسوبا وكانت الناس يحتالون على أخذ خطه في الفتاوي من غير حاجة إليها بل لأجل الخط لا غير (4/164)

165 فكثرت عليه الفتوى وضيقت عليه أوقاته ففهم ذلك فصار يكسر القلم ويكتب جواب الفتوى به فانصرفوا عنه وقيل أن صاحب الخط المليح هو أخوه والله أعلم وتوفي ببغداد ونقل إلى الكوفة ودفن بها وكان أخوه أبو الحسين أحمد بن المبارك فقيها فاضلا وشاعرا ماهرا ذكره العماد الكاتب في كتابه خريدة القصر وأثنى عليه وأورد له مقاطيع من شعره ودو بيت فمن ذلك قوله في بعض الوعاظ ) ومن الشقاوة أنهم ركنوا إلى * نزغات ذاك الأحمق التمتام ) ) شيخ يبهرج دينه بنفاقه * ونفاقه منهم على أقوام ) ) وإذا رأى الكرسي تاه بنفسه * أي أن هذا منصبي ومقامي ) ) ويدق صدرا ما انطوى إلا على * غل يواريه بكف عظام ) ) ويقول إيش أقول من حصر به * لا لازدحام عبارة وكلام ) وله دو بيت ) هذا ولهى وقد كتمت الولها * صونا لوداد من هوى النفس لها ) ) يا آخر محنتي ويا أولها * آيات غرامي فيك من أولها ) وله ) ساروا وأقام في وادي الكمد * لم يلق كما لقيت منهم أحد ) ) شوق وجوى ونار وجد تقد * مالي جلد ضعفت مالي جلد ) وله ) ما ضر حداة عيسهم لو وقفوا * لم يبق غداة بينهم لي رمق ) ) قلب قلق وأدمع تستبق * أو هي جلدي من الفراق الفرق ) وكانت ولادته سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة وتوفي في سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة قاله ابن خلكان (4/165)

166 وفيها أبو القسم نصر بن نصر الطبري الواعظ روى عن أبي القسم بن البسري وطائفة وتوفي في ذي الحجة عن سبع وثمانين سنة سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة فيها كما قال ابن الأثير نزل ألف وسبعمائة من الإسماعيلية على روق كبير التركمان فأسرع عسكر التركمان فأحاطوا بهم ووضعوا فيهم السيف فلم ينج منهم إلا تسعة أنفس فلله الحمد وفيها توفي مسند الدنيا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى السجزي ثم الهروي الماليني الصوفي الزاهد سمع الصحيح ومسند الدارمي وعبد بن حميد من جمال الإسلام الداودي في سنة خمس وستين وأربعمائة وسمع من أبي عاصم الفضيل ومحمد بن أبي مسعود وطائفة وصحب شيخ الإسلام الأنصاري وخدمه وعمر إلى هذا الوقت وقدم بغداد فازدحم الخلق عليه وكان خيرا متواضعا متوددا حسن السمت متين الديانة محبا للرواية توفي سادس ذي القعدة ببغداد وله خمس وتسعون سنة قاله في العبر وقال ابن شهبة في تاريخ الإسلام حمله أبوه من هراة إلى بوشنج فسمع صحيح البخاري وغيره من جمال الإسلام الداودي عزم على الحج وهيأ ما يحتاج إليه فأصبح ميتا وكان آخر كلمة قالها ) ^ يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ) ودفن بالشونيزية وعمر حتى ألحق الأصاغر بالأكابر انتهى وفيها أبو الفتح سالم بن عبد الله بن عبد الملك الشيباني الفقيه الحنبلي الزاهد صحب أبا بكر الدينوري وسمع من الشريف أبي العر بن المختار وأبي الغنائم النرسي وغيرهما قال ابن شافع كان فقيها زاهدا مخمولا ذكره عند أبناء الدنيا رفيعا عند الله وصالحي عبادة توفي ليلة الأربعاء سابع شعبان ودفن بباب حرب وفيها الإمام العلامة عبد الله بن يحيى الصعبي عن ثمان وسبعين أو إحدى (4/166)

167 وثمانين سنة وكان مدرس سهقنه وقد تفقه عليه خلق باليمن وكان صاحب البيان يحبه ويقول له شيخ الشيوخ وحضر جنازته يوم مات روى أناسا وقعوا عليه في طريق فضربوه بالسيوف فلم تقطع سيوفهم فسئل عن ذلك فقال كنت أقرأ سورة يس قال ابن سمرة والمشهور أنه كان يقرأ قوله تعالى ) ^ ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم ) فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين وحفظا من كل شيطان مارد وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم أن بطش ربك لشديد إلى آخر السورة وتسمى آيات الحفظ وسببه أنه وجدها معلقة في عنق شاة والذئاب تلاعبها لا تضرها صنف الصعبي كتاب التعريف في الفقه واحتراز المذهب وكان يقوم بكفايته وما يحتاج إليه رجل من مشايخ بني يحيى من يافع قال اليافعي رحمه الله تعالى يافع يقولون أهل يحيى وأهل عيسى وأهل موسى ثلاثة بطون لهم عز وشرف فأهل موسى أخوالي وفيهم الكرم والمشيخة وأهل يحيى أخوال بني عمي وفيهم العز والنجدة ولا يزال الحرب بينهم وبين أعدائهم وفيهم الفقيه الولي أبو بكر البحيري الذي كان السلطان المؤيد في طوعه واستدرك الفقيه حسين علي اليافعي وغلطه في ثنائه عليه ونسبه أي البحيري إلى الزندقة لكونه من أتباع ابن عربي والله أعلم بحاله قاله ابن الأهدل وفيها كوتاه الحافظ أبو مسعود عبد الجليل بن محمد بن عبد الواحد الأصبهاني توفي في شعبان عن سبع وسبعين سنة وحدث عن رزق الله التميمي وأبي بكر ابن ماجة الأبهري وخلق قال أبو موسى المديني أوحد وقته في علمه وطريقته وتواضعه حدثنا لفظا وحفظا على منبر وعظه وقال غيره كان جيد المعرفة حسن الحفظ ذا عفة وقناعة وإكرام للغرباء وقال ابن ناصر الدين كان إماما حافظا من أولاد المحدثين كان ابن عساكر يفخم أمره وأثنى عليه ابن السمعاني وغيره انتهى وفيها علي بن عساكر بن سرور المقدسي قم الدمشقي الخشاب صحب الفقيه نصر المقدسي وسمع منه سنة سبعين وأربعمائة ثم سمع بدمشق من أبي عبد الله (4/167)

168 ابن أبي الحديد توفي في سن أبي الوقت صحيح الذهن والجسم وتوفي في شوال وفيها العلامة أبو حفص الصفار عمر بن أحمد بن منصور النيسابوري روى عن أبي بكر بن خلف وأبي المظفر موسى بن عمران وطائفة ولقبه عصام الدين كان من كبار الشافعية يذكر مع محمد بن يحيى ويزيد عليه بالأصول قال ابن السمعاني إمام بارعا مبرز جامع لأنواع من العلوم الشرعية سديد السيرة مكثرا مات يوم عيد الأضحى وفيها الفقيه الإمام الورع الزاهد عمر بن إسماعيل بن يوسف اليمني أخذ عن الإمام زيد بن الحسن الغايشي المهذب وأصول الفقه وصحب يحيى بن أبي الخير صاحب البيان في الطلب قاله ابن الأهدل وفيها نصر بن منصور الحراني عرف بابن العطار كان تاجرا كبيرا كثير المال قارئا للقرآن يكسو العراة ويفك الأسرى ويسمع الحديث ويزور الصالحين قال العكبري رأيت النبي فقلت امسح بيدك على عيني فإنها تؤلمني فقال امض إلى أبي نصر بن العطار يسمح على عينك فقلت في نفسي أدع رسول الله وأروح إلى رجل من أبناء الدنيا وعاودته القول وقلت يا رسول الله امسح على عيني فقال أما سمعت الحديث أن الصدقة لتقع في يد الله قبل أن تقع في يد السائل وهذا نصر قد صافحت يده يد الحق سبحانه وتعالى امض إليه فانتبهت ومضيت إليه فلما رآني قام حافيا وقال ما الذي رأيته في المنام ومسح على عيني وقرأ المعوذات فذهب الألم قال وذهبت إحدى عيني نصر قال فخرجت يوما إلى جامع السلطان لأصلي الجمعة فجلست على جانب دجلة لأتوضأ وإذا نفقير عليه أطمار رثة فتقدمت إليه وقلت له امسح على عيني فمسح عليها فعادت صحيحة فدفعت إليه منديلا فيه دنانير فقال ما لي به حاجة إن كان معك رغيف خبز فقمت واشتريت له خبزا ورجعت فلم أره فكان نصر بعد ذلك لا يمشي إلا وفي كمه الخبز إلى أن مات وفيها يحيى بن سلامة الحصكفي الخطيب صاحب ديوان الشعر والخطب (4/168)

169 الفقيه الشافعي معين الدين المعروف بالخطيب قال ابن خلكان والحصكفي بكسر الحاء المهملة نسبة إلى حصن كيفا قلعة حصينة بطنزة بطاء مهملة مفتوحة ونون ساكنة وزاي معجمة وهي بلدة صغيرة بديار بكر فوق الجزيرة انتهى نشأ معين الدين هذا بحصن كيفا وقدم بغداد فقرأ الفقه حتى أجاد فيه وقرأ الأدب على الخطيب أبي زكريا التبريزي شارح المقامات ثم رجع إلى بلاده واستوطن ميافارقين وتولى بها الخطابة وانتصب للإفتاء والاشتغال وانتفع عليه الناس قال العماد في الخريدة كان علامة الزمان في علمه ومعري العصر في نثره ونظمه ولم يزل على ذلك إلى أن توفي في سنة إحدى وخمسين وخمسمائة قاله الأسنوي وقال ابن شهبة في تاريخ الإسلام له الترصيع البديع والتجنيس والنفيس والتطبيق والتحقيق واللفظ الجزل الرقيق والمعنى السهل العميق والتقسيم المستقيم والفضل السائر المقيم فمن قوله في مليح في خصره زنار ) قد شد بالميم الألف * من جسمه ميم ألف ) ) فقلت إذ مر بنا * بخوط بان منعطف ) وكان الحصفكي يتشيع وله الخطب المليحة والرسائل المنتقاة انتهى سنة أربع وخمسين وخمسمائة فيها كما قال في الشذور وقع في قرى بغداد برد كان في البردة خمسة أرطال ووزنوا واحدة فبلغت تسعة أرطال وانفتح القورح وجاء الماء فأحاط بالسور ثم فتح ودخل فأغرق كثير من محال من نهر معلا وهدم ما لا يحصى من الدور وغرقت مقبرة الإمام أحمد بن حنبل وكانت آية عجيبة وفيها سار عبد المؤمن في مائة ألف فنازل المهدية برا وبحرا فأخذها من الفرنج بالأمان ولكن ركبوا البحر وكان شتاء فغرق أكثرهم (4/169)

170 وفيها أقبلت الروم ي جموع عظيمة وقصدوا الشام فالتقاهم المسلمون وانتصروا ولله الحمد وأسر ابن أخت ملك الروم وفيها توفي ابن قفرجل أبو القسم أحمد بن المبارك بن عبد الباقي البغدادي الذهبي القطان روى عن عاصم بن الحسن وجماعة وفيها أبو جعفر العباسي أحمد بن محمد بن عبد العزيز المكي نقيب الهاشميين بمكة روى عن أبي علي الشافعي وحدث ببغداد وأصبهان وكان صالحا متواضعا فاضلا مسندا توفي في شعبان عن ست وثمانين سنة وثلاثة أشهر وسماعه في الخامسة من أبي علي وفيها أحمد بن معالي ويسمى عبد اله أيضا ابن بركة الحربي الحنبلي تفقه على أبي الخطاب الكلواذاني وبرع في النظر قال ابن الجوزي كان له فهم حسن وفطنة في المناظرة وسمعت درسه مدة وكان قد انتقل إلى مذهب الشافعي ثم عاد إلى مذهب أحمد ووعظ وقال صدقة كان شيخا كبيرا وقد نيف على الثمانين فقيها مناظرا عارفا له مخالطة مع الفقهاء ومعاشرة مع الصوفية وكان يتكلم كلاما حسنا إلا أنه كان متلونا في المذهب توفي يوم الأحد ثامن عشر جمادى الأولى وصلى عليه الشيخ عبد القادر ودفن بمقبرة باب حرب وكان سبب موته أنه ركب دابة فانحنى في مضيق ليدخل فاتكأ بصدره على قربوس السرج فأثر فيه وانضم إلى ذلك اسهال فضعفت القوة وكان مرضه يومين أو ثلاثة رحمه الله تعالى وله تعليقة في الفقه وفيها أحمد بن مهلهل بن عبيد الله بن أحمد البرداسي الحنبلي قال ابن النجار هو من قرية برداس بسكون الراء من بلد اسكاف المقرئ الزاهد الضرير أبو العباس كان من أهل القرآن والزهد والعبادة روى عن أبي طالب اليوسفي وغيره وكان أبو الحسن بن البرداسي يقول كان هذا الشيخ يصلي في كل يوم أربعمائة ركعة وتوفي يوم الخميس غرة جمادى الأولى ودفن بباب حرب وقال ابن النجار كان منقطعا في مسجد لا يخالط أحدا مشتغلا بالله عز وجل وكان الإمام المقتفى (4/170)

171 يزوره وكذلك وزيره ابن هبيرة والناس كافة يتبركون به وكان قد قرأ طرفا صالحا من الفقه على أبي الخطاب الكلوذاني ثم على أبي بكر الدينوري وسمع الحديث من أبي غالب الباقلاني وغيره وحدث باليسير وروى عنه ابن شافع والباقداري قاله ابن رجب وفيها أبو زيد جعفر بن زيد بن جامع الحموي الشامي مؤلف رسالة البرهان التي رواها عنه ابن الزبيدي وكان صالحا عابدا صاحب سنة وحديث روى عن ابن الطيوري واليوسفي وغيرهما وتوفي في ذي الحجة وقد شاخ وفيها أبو علي الحسن بن جعفر بن عبد الصمد بن المتوكل على الله العباسي الهاشمي المقرئ الأديب الحنبلي ولد في حادي عشر شوال سنة سبع وسبعين وأربعمائة وقرأ القرآن وسمع قديما من أبي غالب البقال الباقلاني وابن العلاف وغيرهما وكان فيه لطف وظرف وأدب ويقول الشعر الحسن مع دين وخير وجمع سيرة المسترشد وسيرة المقتفى وجمع لنفسه مشيخة وجمع كتابا سماه سرعة الجواب ومداعبة الأحباب أحسن فيه وقال ابن النجار كان أديبا فاضلا صالحا متدينا صدوقا روى عنه ابن الأخضر وغيره وذكره ابن السمعاني ومن شعره ما كتبه ) أجزت للسادة الأخيار ما سألوا * فليروا عني بلا بخس ولا كذب ) ) مما أحبوه من شعر ومن خبر * ومن جميع سماعاني من الكتب ) ) وليحذروا السهو والتصحيف من غلط * ويسلكوا سنة الحفاظ في الأدب ) ومن شعره أيضا ) يا ذا الذي أضحى يصول ببدعة * وتشيع وتمشعر وتمعزل ) ) لا تنكرن الحنبلي ونسبتي * فعليها يوم المعاد معولي ) ) إن كان ذنبي حب مذهب أحمد * فليشهد الثقلان أني حنبلي ) قاله ابن رجب وفيها أبو عبد الله سعيد بن الحسين بن شنيف بن محمد الديلمي الدار قزي (4/171)

172 الأمين الحنبلي ولد سنة تسع وسبعين وأربعمائة وسمع من أبي عبد الله الحسين بن محمد السراج الفقيه والحسين بن طلحة النعالي وابن الطيوري وغيرهم لا من أبي الخطاب الكلوذاني وسمع الحديث من أبي غالب الباقلاني وغيره وحدث باليسير وروى عنه ابن شافع وتفقه في المذهب وكان إماما بجامع دار القز وأمينا للقاضي بمجلسه وكان شيخا صالحا ثقة وروى عنه جماعة منهم ابنه أبو عبد الله الحسين وتوفي ليلة السبت رابع عشر ذي الحجة ودفن من الغد بمقبرة باب حرب رحمه الله تعالى وفيها أبو الحسن بن أبي البركات محمد بن أحمد بن علي بن عبد الله بن الابرادي البغدادي الفقيه الحنبلي تفقه على ابن عقيل وسمع منه ومن أبيه وابن الفاعوس وحدث باليسير وسمع من أبي الفضل بن شافع وتوفي يوم الجمعة خامس شعبان وقد اشتبه على بعض الناس وفاته بوفاة أبيه وفيها محمد شاه ابن السلطان محمود بن محمد بن ملك شاه أخو ملكشاه السلجوقي توفي بعلة السل وله ثلاث وثلاثون سنة وكان كريما عاقلا وهو الذي حاصر بغداد من قريب واختلف الأمراء من بعده فطائفة لحقت بأخيه ملكشاه وطائفة لحقت بسليمان شاه سنة خمس وخمسين وخمسمائة فيها تملك سليمان شاه همذان وذهب ملكشاه إلى أصبهان فمات بها وفيها المقتفى لأمر الله أبو عبد الله محمد بن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي بالله عبد الله بن الأمير محمد بن القائم العباسي أمير المؤمنين كان عالما فاضلا دينا حليما شجاعا مهيبا خليقا للإمارة كامل السؤدد كان لا يجري في دولته أمر وأن صغر إلا بتوقيعه وكتب أيام خلافته ثلاث ربعات ووزر له علي بن طراد ثم أبو نصر بن جهير ثم علي بن صدقة ثم ابن هبيرة وحجبه أبو المعالي بن الصاحب (4/172)

173 ثم جماعة بعده وكان أدم اللون بوجهه أثر جدري مليح الشيبة عظيم الهيبة ابن حبشية كانت دولته خمسا وعشرين سنة توفي في ربيع الأول عن ست وستين سنة وقد جدد باب الكعبة واتخذ لنفسه من العقيق تابوتا دفن فيه قاله في العبر وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء بويع له بالخلافة عند خلع أخيه وعمره أربعون سنة وسبب تلقيه بالمقتفى أنه رأى في منامه قبل أن يستخلف بستة أيام رسول الله وهو يقول له سيصل هذا الأمر إليك فاقتف بي قلقب المقتفى لأمر الله وبعث السلطان محمود بعد أن أظهر العدل ومهد بغداد فأخذ جميع ما في دار الخلافة من داوب وأثاث وذهب وستور وسرادق ولم يترك في اصطبل الخلافة سوى أربعة أفراس وثمانية أبغال برسم الماء فيقال انهم بايعوا المقتفى على أن لا يكون عنده خيل ولا آلة سفر وكان صاحب سياسة جدد معالم الإمامة ومهد رسوم الخلافة وباشر الأمور بنفسه وغزا غير مرة وامتدت أيامه وقال أبو طالب عبد الرحمن بن محمد بن عبد السميع الهاشمي في كتاب المناقب العباسية كانت أيام المقتفى نضرة بالعدل زهرة بفعل الخيرات وكان على قدم من العبادة قبل إفضاء الأمر إليه وكان في أول أمره متشاغلا بالدين ونسخ العلوم وقراءة القرآن ولم ير مع سماحته ولين جانبه ورأفته بعد المعتصم خليفة في شهامته وصرامته وشجاعته مع ما خص به من زهده وورعه وعبادته ولم تزل جيوشه منصورة حيث يممت وقال ابن الجوزي من أيام المقتفى عادت بغداد والعراق إلى يد الخلفاء ولم يبق لها منازع وقبل ذلك من دولة المقتدر إلى وقته كان الحكم للمتغلبين من الملوك وليس للخليفة معهم إلا اسم الخلافة ومن سلاطين دولته السلطان سنجر صاحب خراسان والسلطان نور الدين الشهيد محمود صاحب الشام وكان شجاعا كريما محبا للحديث وسماعه معتنيا بالعلم مكرما لأهله ولما دعا المقتفى الإمام أبا منصور بن الجواليقي النحوي ليجعله إماما يصلي به دخل عليه فما زاد على أن قال السلام على أمير المؤمنين ورحمة (4/173)

الله وكان ابن التلميذ النصراني 174 الطبيب قائما فقال ما هكذا يسلم على أمير المؤمنين يا شيخ فلم يلتفت إليه ابن الجواليقي وقال يا أمير المؤمنين سلامي هو ما جاءت به السنة النبوية وروى الحدث ثم لو حلف حالف أن نصرانيا أو يهوديا لم يصل إلى قلبه نوع من أنواع العلم على الوجه لما لزمته كفارة لأن الله ختم على قلوبهم ولن يفك ختم الله إلا الإيمان فقال المقتفي صدقت وأحسنت وكأنما الجم ابن التلميذ بحجر مع غزارة أدبه وفيها توفي الفائر صاحب مصر واقيم بعده العاضد وفيها أبو بكر أحمد بن غالب بن أحمد بن غالب بن عبد الله الحربي الفقيه الحنبلي الفرضي المعدل سمع الحديث من ابن قريش وغيره وتفقه وبرع في المذهب قال ابن النجار كان أحد الفقهاء حاظفا لكتاب الله تعالى له معرفة بالفرائض والحساب والنجوم وأوقات الليل والنهار وشهد عند قاضي القضاة الزينبي وتولى قضاء دجيل مدة ثم عزل حدث باليسير وسمع منه عبد المغيث الحربي وغيره وتوفي يوم الأحد يوم عيد الاضحى ودفن بمقبرة الأمام أحمد وفيها العميد بن القلانسي صاحب التاريخ ايو يعلى حمزة بن راشد التميمي الدمشقي الكاتب صاحب تاريخ دمشق انتهى به إلى هذه السنة حدث عن سهل ابن بشير الاسفرائني وولى رياسة البلد مرتين وكان يسمى أيضا المسلم توفي في ربيع الأول عن بضع وثمانين سنة وفيها أبو يعلي بن الجبري حمزة بن علي بن هبة الله التغلبي الدمشقي البزار سمع أبا القسم المصيصي ونصر المقدسي مات في جمادي الأولى عن بضع وثمانين سنة وكان لا بأس به قاله في العبر وفيها ثقة الملك الحلبي الحسن بن علي بن عبد الله بن أبي جرادة سافر إلى مصر وتقدم عند الصالح بن رزيل وناب فيها ومن شعره قوله من أبيات ) يفنى الزمان وآمالي مصرمة * ومن أحب على مطل وأملاق ) ) واضيعة العمر لا الماضي انتفعت به * ولا حصلت على شيء من الباقي ) (4/174)

175 وفيها خسرو شاه سلطان غزنة تملك بعد أبيه بهرام شاه بن مسعود بن إبراهيم ابن مسعود بن محمود بن سبكتكين وكان عدلا سايسا مقربا للعلماء وكانت دولته تسع سنين وتملك بعده ولده ملكشاه وفيها أبو جعفر الثقفي قاضي العراق عبد الواحد بن أحمد بن محمد وقد ناهز الثمانين ولي قضاء الكوفة مدة وسمع من أبي النشري ثم ولاه المستجد في هذا العام قاضي القضاة فتوفي في آخر العام ولي بعده ابنه جعفر وفيها الفائز بنصر الله أبو القسم عيسى بن الظافر إسماعيل بن الحافظ عبد المجيد بن محمد بن المستنصر العبيدي أقيم في الخلافة بعد قتل أبيه وله خمس سنين فحمله الوزير عباس على كتفه وقال يا أمراء هذا ولد مولاكم وقد قتل مولاكم أخواه فقتلهما كما ترون فبايعوا هذا الطفل فقالوا سمعنا وأطعنا وضجوا ضجة واحدة ففزع الصبي وبال واتل عقله فيما قيل من تلك الضجة وصار يتحرك ويصرع وتوفي في رجب في هذه السنة وكان الحل والربط لعباس فلما هرب عباس وقتل كان الأمر للصالح طلايع بن رزبك وفيها علوي الاسكاف الحنبلي كان شيخا صالحا من أصحاب أبي الحسن بن الزاغوني وكان يقرأ في كتاب الخرقي توفي في يوم الجمعة رابع عشرى جمادي الآخرة وفيها الشريف الخطيب أبو المظفر محمد بن أحمد بن علي بن الحسين بن النوبلي العباسي الهاشمي الحنبلي المعدل كان مولده سنة سبعين وأربعمائة وروى عن طراد وأبي نصر الزينبي والعاصمي وغيرهم وحدث وسمع منه جماعة وكان جليل القدر من رجالات الهاشميين ذا أدب وعلم وله نظم قاله ابن رجب وفيها أبو الفتوح الطائي محمد بن أبي جعفر محمد بن علي الهمداني صاحب الأربعين سمع فند بن عبد الرحمن الشعراني واسمعيل بن الحسن الفرائضي وطائفة بخراسان والعراق والجبال وتوفي في شوال عن خمس وثمانين سنة (4/175)

176 سنة ست وخمسين وخمسمائة فيها توفي أبو حكيم النهرواني ابرايم بن دينار بن أحمد بن الحسين بن حامد ابن إبراهيم النهرواني الرزاز الفقيه الحنبلي الفرضي الزاهد الحكيم الورع ولد سنة ثمانين وأربعمائة وسمع الحديث من أبي الحسن بن العلاف وأبي عثمان بن ملة وأبي الخطاب وبرع في المذهب والخلاف والفرائض وأفتى وناظر وكانت له مدرسة بناها بباب الازح وكان يدرس ويقيم بها وفي آخر عمره فوضت إليه المدرسة التي بناها ابن السمحل بالمأمونية ودرس بها أيضا وقرأ عليه العلم خلق كثير وانتفعوا به منهم ابن الجوزي وقال قرأت عليه القرآن والمذهب والفرائض وممن قرأ عليه السامري صاحب المستوعب ونقل عنه في تصانيفه قال ابن الجوزي وكان زاهدا عابدا كثير الصوم يضرب به المثل في الحلم والتواضع من العلماء العاملين مؤثرا للخمول ما رأينا له نظيرا في ذلك يقوم الليل ويصوم النهار ويعرف المذهب والمناظرة وله الورع العظيم وكان يكسب بيده وإذا خاط ثوبا فاعطى الأجرة مثلا قيراطا اخذ منه حبة ونصفا ورد الباقي وقال خياطتي لا تساوي أكثر من هذه ولا يقبل من أحد شيئا وقال ابن رجب صنف تصانيف في المذهب والفرائض وشرح الهداية كتب منه تسع مجلدات ولم يكمله وحدث وسمع منه جماعة منهم ابن الجوزي وعمر بن علي القرشي الدمشقي وله نظم حسن منه قوله ) يا دهر أن جارت ضروفك واعتدت * ورمتني في ضيقة وهوان ) ) أني أكون عليك يوما ساخطا * وقد استفدت معارف الإخوان ) وتوفي يوم الثلاثاء بعد الظهر ثالث عشر جمادي الآخرة ودفن قريبا من بشر الحافي رحمهما الله تعالى وفيها علاء الدين الحسين بن الحسين الغوري سلطان الغور وتملك بعده ولده سيف الدين محمد (4/176)

177 وفيها سليمان شاه بن السلطان محمد بن ملكشاه السلجوقي كان أهوج أخرق فاسقا بل زنديقا يشرب الخمر في نهار رمضان فقبض عليه الأمراء في العام الماضي ثم خنق في ربيع الآخر من السنة وفيها إطلاع بن رزيك الارمني ثم المصري الملك الصالح وزير الديار المصرية غلب على الأمور في سنة تسع وأربعين وكان أديبا شاعرا فاضلا شيعيا جوادا ممدحا ولما بايع العاضد زوجه بابنته ونقص أرزاق الأمراء فعملوا عليه بإشارة العاضد وقتلوه في الدهليز في رمضان وكان في نصر التشيع كالسكة المحماة كان يجمع الفقهاء ويناظرهم على الإمامة وعلى القدر وله مصنف في ذلك سماه الاجتهاد في الرد على أهل العناد قرر فيه قواعد التشيع وجامع الصالح الذي بباب زويلة منسوب إليه وبنى آخر بالقرافة وتربة إلى جانبه وهو مدفون بها ومن شعره ) ومهفهف ثمل القوام سرت إلى * أعطافه النشوات من عينيه ) ) ماضي اللحاظ كأنما سلت يدي * سفي غداةة الروع من جفنيه ) ) قد قلت إذا خط العذار بمكسه * في خده ألفين لا لاميه ) ) ما الشعر دب بعارضيه وإنما * أصداغه نفضت على خديه ) ) الناس طوع يدي وأمري نافذ * فيهم وقلبي الآن طوع يديه ) ) فأعجب لسلطان يعم بعدله * ويجوز سلطان الغرام عليه ) ) والله لولا اسم الفرار وانه * مستقبح لفررت منه إليه ) وفيها أبو الفتح بن الصابوني عبد الوهاب بن محمد المالكي المقرئ الخفاف من قرية المالكية روى عن النعالي وابن البطر وطبقتهما وكتب وحصل وجمع أربعين حديثا وقرأ القراءات على زيدان الحلواني وتصدر للأقراء وكان قيما بالفن توفي في صفر عن أربع وسبعين سنة وفيها الوزير جلال الدين أبو الرضا محمد بن أحمد بن صدقة وزر للراشد بالله وكان فيه خير ودين توفي في شعبان عن ثمان وخمسين سنة (4/177)

178 وفيها ابن المارح أبو محمد محمد بن أحمد بن عبد الكريم التميمي البغدادي روى عن أبي نصر الزينبي وجماعة وتوفي في ذي القعدة وفيها الخاقان محمود بن محمد التركي سلطان ما وراء النهر وابن بنت السلطان ملكشاه السلجوقي سار بالغزفي وسط السنة وغزا نيسابور شهرين وكان كالمقهور مع الغز فهرب منهم إلى صاحب نيسابور المؤيد ثم خلاه المؤيد قليلا وسمله وحبسه سنة سبع وخمسين وخسممائة فيها توفي أبو يعلي حمزة بن أحمد بن فارس بن كروس السلمي الدمشقي روى عن نصر المقدسي ومكي الزميلي وجماعة وكان شيخا مباركا حسن السمت توفي في صفر عن أربع وثمانين سنة وتفرد برواية الموطأ وفيها زمرد خاتون المحترمة صفوة الملوكبنت الأمير جادلي أخت الملك دقاق صاحب دمشق لامه وزوجة تاج الملك بروي وأم ولديه شمس لملوك اسمعيل ومحمود سمعت من أبي الحسن بن قبيس واستنسخت الكتب وحفظت القرآن وبنت المدرسة الخاتونية بصنعاء دمشق ثم تزوجها أتا بك زنكب فبقيت معه تسع سننين فلما قتل حجت وجاورت بالمدينة ودفنت بالبقيع وهي التي ساعدت على قتل ولدها اسمعيل لما كثر فساده وسفكه للدماء ومواطأته الفرنج على بلاد المسلمين ولما جاورت بالمدينة المنورة قل ما بيدها فكانت تغربل القمح والشعير وتطحن وتتقوت بأجرتها وكانت كثيرة البر والصدقة والصلاة رحمها الله تعالى وأما خاتون بنت انزز وجة الملك نور الدين فتأخرت ولها مدرسة بدمشق وخانقاه معروفة على نهر بانياس وفيها عبد الرحمن بن سالم التنوخي الواعظ اجتمعت له الفصاحة والصباحة ومواعظه مبكية وكلماته بالوعد والوعيد مهلكة إذا وعظ كانت عباراته (4/178)

179 أرق من عبرات الباكين وإذا أنشد كانت غرره مثل ثغور الضاحكين فهو كما قال الحريري يقرع الاسماع بزواحر وعظه ويطبع الاسجاع بجواهر لفظه وكان شحاذا حواشا قلما يخلو شركه من صيد حتى لو رآه الحريري لم يذكر أبا زيد أنشد في عزاء صدر الدين اسمعيل شيخ الشيوخ ببغداد ) با أخلاقي وحقكم * ما بقا من بعدكم فرح ) ) أي صدر في الزمان لنا * بعد صدر الدين ينشرح ) قال ابن عساكر كان أبوه منجما وكان عبد الرحمن ينشد الشعر في الأسواق خرج إلى بغداد وأظهر الزهاد وعاد إلى دمشق وصعد إليه على المنبر طفل فامده على يديه وقال ) هذا ضغير ما جنى ضغيرة * فهل كبير يركب الكبائرا ) فضج الناس بالبكاء مات بدمشق ودفن بقاسيون قاله ابن شبهة في تاريخ الإسلام وفيها أبو مروان عبد الملك بن زهير بن عبد الملك الاشبيلي طبيب عبد المؤمن وصاحب التصانيف أخذ عن والده وبرع في الصناعة وهو الذي صنف الدرياق السبعيني صفة لعبد المؤمن وفيها الشيخ عدي بن مسافر بن اسمعيل الشامي ثم الهكاري الزاهد قطب المشايخ وبركة الوقت وصاحب الأحوال والكرامات صحب الشيخ عقيلا المنيحي والشيخ حماد الدباس وعاش تسعين سنة ولأصحابه فيه عقيدة تتجاوز الحد قاله في العبر وقال ابن الأهدل له كرامات عظيمة منها انه إذا ذكر على الأسد وقف وإذا ذكر على موج البحر سكن والى ذلك أشار الشيخ العارف الدصيق أبو محمد المقرئ المعروف والده بالمدوخ في وسيلته الجامعة فقال ) بحاه عدي ذلك ابن مسافر * به تسكن الأمواج في لجج البحر ) ) وان قتلته لليث لم يخط خطوة * ولا الشبر من قاع ولا البعض من شبر ) (4/179)

180 وقال السخاوي أصله من قرية بشوف الاكراد تسمى بيت فار ولد بها والبيت الذي ولد فيه يزار اليوم وصحب الشيخ عقيل المنيحي والشيخ حماد الدباس وأبا النجيب السهرودي وعبد القادر الحنبلي وأبا الوفاء الحلواني وأبا محمد الشنبكي وقال ابن شبهة في تاريخه كان فقيها عالما وهو أحد أركان الطريقة سلك في المجاهدة وأحوال البداية طريقا صعبا تعذر على كثير من المشايخ سلوكه وكان الشيخ عبد القادر يثنى عليه كثيرا ويشهد له بالسلطنة على الأولياء وكان في أول أمره في الجبال مجردا سائحا وانتمى إليه عالم عظيم قال عمر بن محمد خدمت الشيخ عدي سبع سنين شهدت له فيها خارقات أحدها انبي صببت على يديه ماء فقال لي ما أريد قلت أريد تلاوة القرآن ولا أحفظ من غير الفاتحة وسورة الإخلاص فضرب بيده في صدري فحفظت القرآن كله في وقتي وخرجت من عنده وأنا أتلوه بكماله وقال لي يوما اذهب إلى الجزيرة السادسة بالبحر المحيط تجد بها مسجدا فادخله ترفيه شيخا فقل له يقول لك الشيخ عدي بن مسافر احذر الاعتراض ولا تختر لنفسك أمر لك فيه إرادة فقلت يا سيدي وأني بالبحر المحيط فدفعني بين كتفي فإذا أنا بجزيرة والبحر محيط بها وثم مسجد فدخلته فرأيت شيخا مهيبا بفكر فسلمت عيه وبلغته الرسالة فبكى وقال جزاه الله خيرا فقلت يا سيدي ما الخبر فمقال اعلم أن أحد السبعة الخواص في النزع وطمحت نفسي وإرادتي أن أكون مكانه ولم تكمل خطرتي حتى أتيتني فقلت له يا سيدي وأني لي بالوصول إلى جبل هكار فدفعني بين كتفي فإذا أنا بزاوية الشيخ عدي فقال لي هو من العشرة الخواص ذكر ذلك القطب اليونيني في ذيله وفيها أبو نصر محمد الفروخي الكاتب كان أديبا فاضلا من شعره ) يا رب عفوك أنني في معشر * لا أبتغي منهم سواك ملاذا ) ) هذا ينافق ذا وذا ويغتاب ذا * ويسب هذا ذا ويشتم ذا ذا ) وفيها الشيخ الأمام المحدث سيد الحفاظ سراج الدين أبو الحسن علي بن أبي (4/180)

181 بكر بن حمير اليمني الهمذاني روى عنه الأمام يحيى بن أبي الخير وجماعة من ذي أشرف البخاري وسنن أبي داود وانتشر عنه الحديث بقطر اليمن وعنه أخذ أحمد ابن عبد الله القريطي قال الأمام يحيى بن أبي الخير ما رأيت ولا سمعت بمثله وله كتاب الزلازل والأشراط قاله ابن الأهدل وفيها هبة الله بن أحمد الشبلي بن المظفر القصار المؤذن توفي في سلخ السنة عن ثمان وثمانين سنة وبه ختم السماع من أبي نصر الزينبي وفيها أبو بكر هبة الله بن أحمد الخفار روى عن رزق الله التميمي وتوفي في شوال كلاهما ببغداد سنة ثمان وخمسين وخمسمائة فيها سار جيش المتنجد فالتقوا آل دبيس الأسد بين أصحاب الحلة فالتقوهم فخذلت أسد وقتل من العرب نحو الأربعة آلاف وقطع دابرهم فلم تقم لهم بعدها قائمة وفيها سار نور الدين الشهيد الفرنج وكانوا عزموا على حمص فترفعوا وفرق في يوم مائي ألف دينار وكتب إليه النواب أن الصدقات كثيرة للفقهاء والفقراء والصوفية فلو استعنت بها ثم تعوضهم عناه فغضب وكتب إليهم ) ^ أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) وهل أرجو النصر إلا بهؤلاء وهل تنرون إلا بضعفائكم فكتبوا إليه فتقترض من أرباب الأموال ثم نوفيهم فبات مفكرا فرأى في منامه إنسانا ينشد ) احسنوا ما دام أمركم * نافذا في البدو والحضر ) ) واغنموا أيام دولتكم * إنكم منها على خطر ) فقام مرعوبا مستغفرا مما خطر له وكطتب لا حاجة لي بأموال الناس وعاد الفرنج إلى بلادهم (4/181)

182 وفيها توفي الشيخ أحمد بن محمد بن قدامة الزاهد والد الشيخ أبي عمر والشيخ الموفق وله سبع وستون سنة وكان خطيب جماعيل ففر بدينه من الفرنج مهاجرا إلى الله ونزل بمسجد أبي صالح الذي بظاهر باب شرقي ثم صعد إلى الجبل لتوخم ناحية باب شرقي عليهم ونزل هو وولداه بسفح قاسيون وكانوا يعرفون بالصالحية لنزولهم بمسجد أبي صالح فسميت الصالحية بهم وكانت تسمى أولا قرية الجبل وقيل قرية النخل كان بها كثيرا وكان زاهدا صالحا قاتنا الله صاحب جد وصدق وحرص على الخير وهو الذي بني الديار بالصالحية وفيها أحمد بن جعفر والدبيثي مصغرا نسبة إلى دبيثا قرية بواسط البيع ابن عم الحافظ أبي عبد الله الدبيثي قدم بغداد وكان قد ضمن البيع بواسط ثم عطل عنه وصودر وروى ببغداد شيئا من شعره وأورد له ابن الجار في تاريخه قوله ) يروم صبرا وفرط الوجد يمنعه * وسلوه ودواعي الشوق تردعه ) ) إذا استبان طريق الرشد واضحة * عن الغرام فيثنيه ويرجعه ) ) مشحونة بالجوى والشوق أضلعه * ومفعم القلب بالأحزان مترعه ) ومنها ) عاثت يد البين في قلبي تقسمه * على الهوى وعلى الذكرى توزعه ) ) كأنما آلت الأيام جاهدة * لما تبدد شملي لا تجمعه ) ) روعت يا دهر قلبي كم تذوقه * من الأسى وفؤادي كم تجرعه ) وهي طويلة والظاهر انه عارض فيها قصيدة ابن زريق المشهورة وفيها شهر دار بن شيرويه بن شهر دار بن شيرويه الديلمي المحدث الشافعي أبو منصور قال ابن السمعاني كان حافظا عارفا بالحديث فهما عارفا بالأدب ظريفا سمع أبا وعبدوس بن عبد الله ومكي السلا وطائفة وأجاز له أبو بكر بن خلف الشيرازي وعاش خمسا وسبعين سنة خرج أسانيد لكتاب والده المسمى بالفردوس في ثلاث مجلدات ورتبه ترتيبا الفردوس الكبير (4/182)

183 وفيها عبد المؤمن الكومي التلمساني صاجب المغرب والأندلس كان أبوه صانعا في الفخار فصار أمره إلى ما صار وكان مليحا ذا جسم عم تعلوه وحمرة أسود الشعر معتدل القامة وضيئا جهوري الصوت فصيحا عذب المنطق لا يراه أحد إلا أحبه بديهة وكان في الآخر شيخا أنقى وقد سبق شيء من أخباره في ترجمة ابن تومرت وكان ملكا عادلا ساسيا عظيم الهيبة عالي الهمة كثير المحاسن متين الديانة قليل المثل وكان يقرأ كل يوم سبعا من القرآن العظيم ويجتنب لبس الحرير ويصوم الاثنين والخميس ويهتم بالجهاد والنظر في الملك كأنما خلق له وكان سفاكا لدماء من خالفه سأل أصحابه مسألة ألقاها عليهم فقالوا لا علم لنا إلا ما علمتنا فلم ينكر ذلك عليهم فكتب بعض الزهاد هذين البيتين ووضعهما تحت سجادته وهما ) يا ذا الذي قهر الأنام بسيفه * ماذا يضرك أن تكون إلها ) ) الفظ بها فيما لفظت فانه * لم يبق شيء من أن تقول سواها ) فلما رآها وجم وعظم أمرهما وعلم أن ذلك بكونه لم ينكر على أصحابه قولهم لا علم لمنا إلا ما علمتنا فكان عبد المؤمن يتزيا بزي لعامة ليقف على الحقائق فوقعت عيناه على شيخ عيه سيما الخير فتفرس فيه انه قائل البيتين فقال له أصدقني أنت قائل البيتين قال أنا هو قال لم فعلت ذلك قال قصدت إصلاح دينك فدفع إليه ألف دينار فلم يقبلها ومن شعره وقد كثر الثوار عليه ) ى تحفلن بما قالوا وما فعلوا * أن كنت تسمو إلى العليا من الرتب ) ) وجرد السيف فيما أنت طالبه * فما تردد صدور الخيل بالكتب ) ومات عازيا بمدينة سلا في جمادي الآخرة رحمه الله تعالى وفيها أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن عمار بن أحمد بن علي بن عبدوس الحراني الفقيه الحنبلي الزاهد العارف الواعظ ولد سنة عشر أو إحدى عشرة وخمسمائة (4/183)

184 وسمع ببغداد من ابن ناصر وغيره وتفقه وبرع في الفقه والتفسير والوعظ والغالب على كلامه التذكير وعلوم المعاملات وله تفسيرا كبير مشحون بهذا الفن وله كتاب المذهب ومجالس وعظية فيها كلام حسن قرأ عليه قرنه أبو الفتح نصر الله بن عبد العزيز وجالسه الشيخ فخر الدين والاطلاع على علم التفسير وله فيه التصانيف البديعه والمبسوطات الوسيعة وسمع منه الحديث أبو المحاسن عمر بن علي القرشي الدمشقي بحران وقال هو إمام الجامع بحران من أهل الخير والصلاح والدين قال وانشدني لنفسه ) سألت حبيبي وقد زرته * ومثلي في مثله يرغب ) ) فقلت حديثك مستظرف * ويعجب منه الذي تعجب ) ) أراك ظريفا مليح الجواب * فصيح الخطاب فما تطلب ) ) فهل فيك من خلة تزدري * بها الصد والهجر هل يقرب ) ) فقال أما قد سمعت المقال * مغنية الحي ما تطرب ) وقوله ) قرة عين من صدف * بعزمه عن الصدف ) ) ثم اقتنى الدر الذي * من ناله نال الشرف ) توفي رحمه الله تعالى في آخر نهار عرفة وقيل ليلة عيد النحر سنة تسع وخمسين وحمسمائة كما جزم به ابن رجب ) وقيها سديد الدولة ابن الانباري صاحب ديوان الانشاء ببغداد وهو محمد ابن عبد الكريم بن إبراهيم الشيباني الكاتب البليغ أقام في الانشاء خمسين سنة وناب في الوزارة ونفذ رسولا وكان ذار أي وحزم وعقل عاش نيفا وثمانين سنة وكانت رسائله بديعة المعاني متينة المباني عذبة المجاني ومدحته الشعراء منهم إلا رجاني بقصيدة أولها (4/184)

185 ) إلى خيال خيال في الظلام سرى * نظيره في خفاء الشخص إذ نظرا ) ومنها ) معقرب الصدغ تحكي نور غرته * بد بدا بظلام الليل معتكرا ) ) منسافر القلب من صدري إليه هوى * ما عاد قط ولم أسمع له خبرا ) ) وهو المسيء اختيارا إذا نوى سفرا * وقد رأى طالعا في العقرب القمرا ) وكانت بينه وبين الحريري مكاتبات ومراسلات وفيها الجواد جمال الدين أبو جعفر محمد بن علي الاصبهاني وزير صاحب الموصل أتابك زنكي رئيسا نبيلا مفخما دمث الأخلاق سمحا كريما مفضالا متنوعا في أعفال البر والقرب مبالغا في ذلك وقد وزر أيضا لود زنكي سيف الذين غازي ثم لأخيه قطب الدين مدة ثم قبض عليه في هذه السنة وحبسه ومات في العام الاتي فنقل ودفن بالبقيع ولقد حكى ابن الأثير في ترجمة الجواد هذا مآثر ومحاسن لم يسمع بمثلها وفيها المؤيد محمد الالوسيبفتح الهمزة وضم اللام ومهملة نسبة إلى ألوس ناحية عند حديثه الفرات وقال ابن السمعاني عند طسوس كان يتزيا بزي الأجناد وله المعاني المتبكرة فمن ذلك قوله في قلم ) قلم بفل الجيش وهو عرمرم * والبيض ما سلت من الأغماد ) ) وهبت له الآجام حين نشا بها * كرم السيول وهيبة الآساد ) وما أظن انه قيل في القلم أحسن منهما وفيها يحيى بن سعيد النصراني أو حد زمانه في معرفة الطب والأدب له ستون مقامة ضاهي بها مقامات الحريري ومن شعره في للشيب ) نفرت هند من طلائع شبي * واعترتها سآمة من وجومي ) ) هكذا عادة الشياطين ينفرن * إذا ما بدت رجوم النجوم ) ) وفيها أبو الخير العمراني يحيى بن أبي الخير بن سالم اليماني صاحب البيان ولد (4/185)

186 سنة تسع وثمانين وأربعمائة وتفقه على جماعات منهم زيد البقاعي وكان شيخ الشافعية ببلاد اليمن وكان إماما زاهدا ورعا عالما خيرا مشهور الاسم بعيد الصيت عارفا بالفقه وأصوله والكلام والنحو من أعرف أهل الأرض بتصانيف الشيخ أبي إسحق الشيرازي ويحفظ المهذب عن ظهر قل وقيل انه كان يقرؤه في كل ليلة وكان ورده في كل ليلة أكثر من مائة ركعة بسبع القرآن العظيم ورحل إليه الطلبة من البلاد ومن تصانيفه البيان في نحو عشر مجلدات وهو كاسمه وفيه قيل ) لله شيخ من بني عمران * قد شاد قصر العلم بالأركان ) ) يحيى لقد أحيا الشريعة هاديا * بزوائد وغرائب وبيان ) ) هو درة اليمن الذي ما مثله * من أول في عصرنا أو ثان ) وكان حنبلي العقيدة شافعي الفروع كما قال ابن الأهدل كا جرى صاحب كتاب الشريعة قال ابن شبهة وغيره وله في علم الكلام كتاب الانتصار في الرد على القدرية الاشرار ينصر فيه عقيدته وتحامل فيه على الاشرار ينصر فيه عقيدته وتحامل فيه على الاشاعرة واختصر الأحياء وله كتاب السؤال عما في المهذب من الأشكال وانتقل في آخر أمره من سير إلى ذي سفال ثم مات بها مبطونا شهيدا وما ترك فريضة في جملة مرضه ونازع ليلتين وهو يسأل عن أوقات الصلاة ومحاسنه ومصنفاته كثيرة رحمه الله تعالى سنة تسع وخمسين وخمسمائة فيها كسر نور الدين الشهيد واسر صاحب إنطاكية وصاحب طرابلس وفتح حارم وفيها سار أسد الدين شيركوه من دمشق إلى مصر بأمور نور الدين إعانة للأمير شاور ومعه ابن أخيه صلاح الدين يوسف بن نجم الدين أيوب وهو الذي صار إليك ملك مصر كما سيأتي وكان نجم الدين أيوب بن شادي السعدي وأخوه شيركوه من بلد العجم أصلهم أكراد وكانوا من بلد من يقال له دوين ونجم الدي 00 ن إلا كبر (4/186)

187 قدما العراق وخدما مجاهد الدين بهروز ولما لزنكي أمره ذهب إليه نور الدين وأخوه فلما قتل قتل زنكي وقصد نور الدين دمشق كاتبهما أن يساعداه وكانا صارا من أكابر أمراء دمشق ووعدهما بأشياء فساعداه على فتحها ووفي لها وصارا عنده في منزلته عاليه خصوصا نجم الدين فلما وصل إلى مصر بالعساكر وخرج أليهما ضرغام فالتقوا على باب القاهرة في هذه السنة فقتل ضرغام واستقام أمر شاور ثم ظهر من شاور الغدر وكتب إلى الفرنج يستنجدهم فجاؤا إلى بلبيس وحصروا أسد الدين شيركوه ولم يقدروا عليه خصوصا لما جاءهم الضريخ بما تم على دين الصليب بوقعة حارم فصالحوا أسد الدين وردوا ورجع هو إلى الشام ثم لا زالت تتنقل به وبابن أخيه الأحوال إلى أن صار ابن أخيه ملك مصر وفيها توفي أبو سعد عبد الوهاب بن الحسن الكرماني بقية شيوخ نيسابور روى عن أبي بكر بن خلف وموسى بن عمران وأبي سهل عبد الملك الرسي وتفرد عنهم وعاش تسعا وتسعين وسبعين سنة وفيها أبو المعالي الحسن الوركاني بالفتح والسكون نسبة إلى وركان محلة بأصبهان الفقيه الشافعي كان سريا مفتيا للفريقين وله طريقة في الخلاف وفيها السيد أبو الحسن علي بن حمزة العلوي الموسوي مسند هراة سمع أبا عبد الله المعمري ونجيب بن ميمون وأبا عامر الازدي وطائفة وعاش نيفا وتسعين سنة وفيها أبو الخر الباغبان بفتح الموحدتين وسكون المعجمة نسبة إلى حفظ الباغ وهو البستان محمد بن أحمد بن محمد الاصبهاني المقدر سمع عبد الوهاب بن مندة وجماعة وكان ثقة مكثرا توفي في وشوال وفيها الزاغولي الحافظ محمد بن الحسين بن محمد بن الحسيم بن علي بن إبراهيم ابن عبد الله بن يعقوب المروزي كان حافظا ثقة عمدة له مؤلفات منها مؤلف واحد في أكثر من أربعمائة مجلد قاله ابن ناصر الدين والزاغولي بضم المعجمة نسبة إلى (4/187)

188 زاغولة قرية من قرى بنج دية وفيها نصر بن خلف السلطان أبو الفضل صاحب سجستان عمر مائة سنة ملك منها ثمانين سنة وكان عادلا حسن السيرة مطيعا للسلطان سنجر سنة ستين وخمسمائة فيها وقعت فتنة بأصبهان بين صدر الدين عبد اللطيف بن الخجندي وغيره من أصحاب المذاهب سببها التعصب للمذهب فخرجوا للقتال وبقى الشر والقتل ثمانية أيام قتل فيها خلق كثير وأحرقت وأماكن كثيرة وفيها فوض نور الدين دمشق إلى صلاح الدين يوسف بن أيوب فأظهر السياسة وهذب الأمور وفيها فتح نور الدين بانياس عنوة وفيها توفي أبو العباس بن الحطية أحمد بن عبد الله بن أحمد بن هشام اللخمي الفاسي المقرئ الصالح الناسخ ولد سنة ثمان وسبعين وحج وقرا القراءات على ابن الفحام وبرع فيها وكان لأهل مصر فيه اعتقاد كثير توفي في المحرم ودفن بالقرافة وفيها أمير ميران أخو السلطان نور الدين أصابه سهم في عينه على حصار بانياس فمات بدمشق رحمه الله تعالى وفيها أبو الندى حسان بن تميم الزيات رجل حاج صالح روى عن نصر المقدسي وتوفي في رجب عن بضع وثمانين سنة وروت عنه كريمة وفيها أبو المظفر لعلكي سعيد بن سهل الوزير النيسابوري ثم الخوارزمي وزير خوارزم شاه روى مجالس عن أحمد المديني ونصر الله الخشنامي وحج وتزهد واقام بدمشق بالسمساطية وكان صالحا متواضعا توفي في شوال (4/188)

189 وفيها أبو المعمر حذيفة بن سعد الازجي الوزان روى عن أبي الفضل ابن خيرون وجماعة وتوفي في رجب وفيها رستم بن علي بن شهريار صاحب مازندران استولى في العام الماضي على بسطام وقومس واتسعت مملكته مات في ربيع الأول وتملك بعده ابنه علاء الدين حسن وفيها عبد الله بن سعد بن الحسين بن الهاطر العطار الحنبلي وهو حذيفة المتقدم كان اسمه حذيفة فغيره وصار يكتب عبد الله قرأ القرآن بالروايات على أبي الخطاب بن الجراح وغيره وسمع الحديث من ابن طلحة وغيره وتفقه على أبي الخطاب الكلوذاني وحدث وروى عنه أبو جعفر السهرودي وغيره توفي يوم الاثنين ثامن رجب وصلى عليه الشيخ عبد القادر الكيلاني من الغد ودفن باب حرب وفيها أبو الحسين اللباد علي بن أحمد الاصبهاني سمع أبا بكر بن ماجه ورزق الله التميمي وطائفة وأجاز له أبو بكر بن خلف وتوفي في شوال وفيها أبو القسم بن البزري عمر بن محمد الشافعي جمال الإسلام إمام جزيرة ابن عمر وفقيهها ومفتيها ومدرسها رحل إلى بغداد وأخذ عن الغزالي والكبار وجماعة وبرع في المذهب ودقائقه وصنف كتابا في حل مشكلات المهذب وكان من أهل العلم والدين بمحل رفيع قال ابن خلكان كان أحفظ من بقي في الدنيا على ما يقال لمذهب الشافعي انتفع به خلق كثير ولم يخلف بالجزيرة مثله ولد سنة إحدى وسبعين وأربعمائة وتوفي في أحد الربيعين والبزري منسوب إلى عمل البزر وهو الدهن من حب الكتان وفيها أبو عبد الله الحراني محمد بن عبد الله بن العباس المعدل ببغداد سمع رزق الله التميمي وهبة الله بن عبد الرزاق الأنصاري وطراد بن محمد وكان أديبا فاضلا ظريفا توفي في جمادي الأولى (4/189)

190 وفيها القاضي أبو يعلي الصغير الحنبلي محمد بن أبي حازم محمد بن القاضي أبي يعلى الكبير بن الفراء البغدادي شيخ المذهب تفقه على أبيه وعمه أبي الحسين وكان مناظرا فصيحا مفوها ذكيا ولي قضاء واسط مدة ثم عزل منها فلزم منزله وأضر بأخرة قال ابن رجب ولد يوم السبت لثمان عشرة من شعبان سنة أربع وتسعين وأربعمائة وسمع الحديث من أبي البركات العاقولي وأبي علي الثكلي وغيرهما وأجازه الحريري صاحب المقامات ودرس وناظر في شبيبته وكان ذا ذكاء مفرط وذهن ثاقب وفصاحة حسن العبارة ظهر علمه في الآفاق ورأى من تلاميذه من ناظر ودرس وأفتى في حياته ومما كتبه إلى بعض العلماء فلو أن للكرم مقلة لكان هو انسانها أو للمجد لغة لكان هو لسانها أو لسؤدد دهرا لكان هو ربيع لزمانه وللشرف عمرا كان صفو ريعانه وللأجواد شبها لكان هو الشمس التي إذا ظهرت خفيت الكواكب لظهورها وإذا تأملها الراؤون ردت أبصارهم عن شعاعها ونورها ولابن الجوزي فيه مدائح كثيرة وله مصنفات كثيرة منها المفردات والتعيقة في مسائل الخلاف وشرح المذهب و كتاب النكت والإشارات وقرأ البقال العكبري ويحيى بن الربيع الشافعي وسمع منه جماعة كثيرة أيضا وتوفي ليلة السبت سحر خامس جمادي الأولى وفيها أبو طالب العلوي الشريف محمد بن محمد بن أبي زيد الحسني البصري نقيب الطالبيت بالبصرة روى عن علي التستري وجعفر البعاداني وجماعة واستفاد به ابن هبيرة لسماع السنن توفي في ربيع الأول عن إحدى وتسعين سنة وفيها أبو الحسن بن التلميذ أمين الدولة هبة الله بن صاعد المصري البغدادي شيخ قومه وقسيسهم لعنهم الله وشيخ الطب وجالينوس العصر وصاحب التصانيف مات في ربيع الأول وله أربع وتسعون سنة قاله في العبر وقال صاحب أنموذج (4/190)

191 الأعيان كان شيخا زيني المنظر عذب المجتلي والمجتني لطيف الروح ظريف الشخص مصنف الفكر حازم الرأي والله يهدي من يشاء بفضله ويضل به يريد بعد له وله لغز في ميزان ) ما واحد مختلف الأسماء * يعدل في الأرض وفي السماء ) ) يحكم بالقسط بلا مراء * أعمى يرى الإرشاد كل راء ) ) اخرس لا من علية وداء * يغني عن التصريح بالإيماء ) ) يجيب أن ناداه ذو امتراء * بالخفض والرفع عن النداء ) ) يفصح أن علق في الهواء * ) وقوله مختلف الأسماء يعني ميزان الشمس الاسطرلاب وميزان الكلام النحو ومير أن الشعر العروض وفيها باغي أرسلان بن الدار شمند صاحب ملطية جرى بينه وبين جاره قلج أسرلان حروب عديدة ثم مات وولى بعده ابن أخيه إبراهيم بن محمد فصالح قلج أرسلان وفيها الوزير عون الدين أبو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة بن سعيد الشيباني وزير المقتفي وابنه ولد سنة تسع وتسعين وأربعمائة بالسواد ودخل بغداد شابا فطلب العلم وتفقه على مذهب الأمام أحمد بن حنبل وسمع الحديث وقرأ القراءات وشارك في الفنون وصار من فضلاء زمانه ثم احتاج فدخل في الكتابة وولى مشارفة الخزانة ثم ترقي وولى ديوان الخواص ثم استوزره المقتفي فبقي وزيرا إلى أن مات وكان شامة بين الوزراء لعدله ودينه وتواضعه ومعرفته روى عن أبي عثمان بن ملة وذا شيء لا يفعله قضاة زماننا ولا خطباؤهم وكان مجلسه معمورا بالعلماء والفقهاء والبحث وسماع الحديث شرح صحيح البخاري ومسلم وألف كتاب العبادات في مذهب أحمد شهيدا مسموما في جمادي الأولى ووززر بعده (4/191)

192 شرف الدين أبو جعفر بن البلدي قاله في العبر وقال ابن رجب صحب أنا عبد الله محمد بن يحيى الزبيدي الواعظ الزاهد من حداثته وكمل عليه فنونا من العلوم الادبية وغيرها واخذ عنه التأله والعبادة وانتفع بصحبته حتى أن الزبيدي كان يركب جملا ويعتم بفوطة ويلويها تحت حنكة وعليه جبة صوف وهو مخضوب بالحناء فيطوف بأسواق بغداد ويعظ الناس وزمام جملة بيد ابن هبيرة خام قصير معتم بفوطة من قطن قد لواها تحت حنكة وعليه قميص قطن خام قصير الكم والذيل وكلما وصل الزبيدي ابن هبيرة بمسبحته ونادى برفيع صوته لا اله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير وقال ابن الجوزي كانت له معرفة حسنة بالنحو واللغة والعروض وصنف في تلك العلوم وكان شديدا في اتباع السنة وسير السلف وقال ابن رجب صنف الوزير أبو المظفر كتاب الافصاح عن معاني الصحاح في عدة مجلدات وهو شرح صحبحي البخاري ومسلم ولما بلغ فيه إلى حديث ) من يرد الله يه خيرا يفقه في الدين ) شرح الحديث وتكلم على معنى الفقه وال به الكلام إلى ذكر مسائل الفقه المتفق عليها والمختلف فيها بين الأئمة الأربعة المشهورين وقد أفرده الناس من الكتاب وجعلوه بمفرده مجلدة وسموه بكتاب الافصاح وهو قطعة منه وهذا الكتاب صنفه في ولايته الوزارة واعتنى به وجمع عليه أئمة المذاهب وأوفدهم من البلدان إليه لأجله بحيث أنفق على ذلك مائة ألف دينار وثلاثة عشر ألف دينار وحدث به واجتمع الخلق العظيم لسماعه عليه واشتغل به الفقهاء في ذلك الزمان على اختلاف مذاهبهم واستدعاه المقتفي سنة أربع وأربعين وخمسمائة إلى داره وقلده الوزارة وخلع عليه وخرج في أبهة عظيمة ومشى أرباب الدولة وأصحاب المناصب بين يديه وهو راكب وحضر القراء والشعراء وكان يوما مشهودا وقر عهده وخوطب فيه بالوزير العالم العادل عون الدين جلال الإسلام صفى الأمام (4/192)

193 شرف الأنام معز الدول مجير الملة عماد الأمة مصطفى الخلافة تاج الملوك والسلاطين صدر الشرق والغرب سيد الوزراء وقال يوما لا تقولوا في ألقابي سيد الوزراء فان الله تعالى سمى هارون وزيرا وجاء عن النبي أن وزيريه من أهل السماء جبريل وميكائيل ومن أهل الأرض أبو بكر وعمر وقال مرة في وزارته والله لقد كنت أسأل الله الدنيا لأخدم بما يرزقنيه منها العلم وأهله وكان سبب هذا انه ذكر في مجلسه مفردات الأمام احمد التي تفرج بها عن الثىلاثة فادعي أبو محمد الاشيري المالكي إنها رواية عن مالك ولم يوافقه على أحد وأحضر الوزير كتب مفردات أحمد وهي منها والمالكي مقيم على دعواه فقال له الوزير بهيمة أنت ما تسمع هؤلاء يشهدون بانفراد أحمد بها والكتب المصنفة وأنت تنازع وتفرق المجلس فلما كان المجلس الثاني وإجتمع الخلق للسماع أهذ ابن شافع في القراءة فمنعه الوزير وقال كان الفقيه أبو محمد جرى في مسأله أمس على ما لا يليق به من العدول عن الأدب والانحراف عن نهج النظر حتى قلت تلك الكلمة أي قوله أنت بهيمة وها أنا فليقل لي كما قلت له فلست بخير منكم ولا أنا إلا كأحدكم فضج المجلس بالبكاء وارتفعت الأصوات بالدعاء والثناء وأخذ الاشيري يعتذر ويقول أنا المذنب والاولى بالاعتذار من مولانا الوزير ويقول القصاص القصاص فقال يوسف الدمشقي إذا فالفداء فقال له الوزير له حكمه فقال الاشيري نعمك على كثيرة فأي حكم بقي لي فقال قد جعل الله لك الحكم علينا فقال علي بقية دين منذ كنت بالشام فقال الوزير يعطي مائة دينار لا براء ذمته وذكتي فأحضرت له وقال ابن الجوزى كان يتحدث بنعم الله عليه ويذكر في منصبه شدة فقرة القديم فيقول نزلت يوما إلى دجلة وليس معي رغيف أعبر به ودخل عليه يوما تركي فقال لحاجبه ما فلت لك أعط هذا عشرين دينارا وكرا من الطعام وقل له لا تحضر ههنا فقال قد أعطيناه فقال عد وأعطه وقل له لا تحضر ثم التفت إلى الجماعة فقال هذا كان سجنه (4/193)

في القرى فقتل 194 قتيل من قريتنا فآخذ مشايخ القرى وآخذني مع الجماعة وأمشاني مع الفرس وبالغ في أذاي وأوثقني وضربني على رأسي وهو مكشوف عدة مقارع ثم أخذ من واحد شيئا وأطلقته ثم قال أي شيء معك قلت ما معي شيء وما نقمت عليه إلا أني سألته في الطريق أن يمهلني حسبما أصلى الفرض فما أجابني وضربني وقال ابن الجوزى كنا نجلس إلى ابن هبيرة فيملى علينا كتابه الافصاح فبينا نحن كذلك إذ قدم علينا رجل ومعه رجل أدعى عليه انه قتل أخاه فقال له عون الدين أقتللته قال نعم جرى بيني وبينه كلام فقتلته فقال الخصم سلمه إلينا حتى نقتله فقد أمر بالقتل فقال عون الدين أطلقوه ولا تقتلوه قالوا كيف ذلك وقد قتل أخانا قال فتبيعونيه فاشتراه منهم بسستمائة دينارا وسلم الذهب إليهم وذهبوا وقال للقاتل اقعد عندنا لا تبرح قال فجلس عندهم وأعطاه الوزير خمسين دينرا قال فقلنا للوزير لقد أحسنت إلى هذا وعملت معه أمرا عظيما وبالغت في الإحسان إليه فقال للوزير منكم أحد يعلم أن عيني اليمنى لا أبصر بها شيئا فقلنا معاذ الله فقال بلى والله أتدرون ما سبب ذلك قلنا لا قال هذا الذي خلصته من القتل جاء إلى وأنا في الدور ومعي كتاب من الفقه اقرأ فيه ومعه لسة فاكهة فقال أحمل هذه السلة قلت له ما هذا شغلي فاطلب غيري فشاكلني ولكمني فقلع عيني ومضى ولم أره بعد ذلك إلى يومي هذا فذكرت ما صنع بي فأردت أن أقابل اساءته إلى بالإحسان مع القدرة وقال صاحب سيرته كنا عنده يوما المجلس غاض بولاة الدين والدنيا وأعيان الاماثل وأين شافع يقرأ عليه الحديث إذا فجأنا من باب السنر وراء ظهر الوزير صراخ بشع وصياح مرتفع فاضطرب له المجلس فارتاع الحاضرون والوزير ساكن ساكت حتى أنهى ابن شافع قراءة الإسناد ومتنه ثم أشار الوزير إلى الجماعة أن على رسلكم وقام ودخل الستر ولم يلبث أن خرج فجلس وتقدم بالقراءة فدعا له ابن شافع والحاضرون وقالوا قد أزعجنا ذلك الصياح فإن رأى مولانا أن (4/194)

195 يعرفنا سببه فقال الوزير حتى ينتهي المجلس وعاد ابن شافع إلى القراءة حتى غابت الشمس وقلوب الجماعة متعلقة بمعرفة الحال فعاودوه فقال كان لي ابن صغير مات حين سمعتم الصياح عليه ولولا تعين الأمر علي بالمعروف في الإنكار عليهم ذلك الصياح لما قمت عن مجلس رسول الله فعجب الحاضرون من صبره وقال في كتاب الافصاح في الخضر الذي لقيه موسى عليه السلام قيل كان ملكا وقيل بشرا وهو الصحيح ثم قيل انه عبد صالح ليس بني وقيل بل نبي هو الصحيح والصحيح عندنا انه حي وأنه يجوز أن يقف على باب أحدنا مستعطيا له أو غير ذلك وقال ابن الجوزى أنشدنا لنفسه ) بلد بهذا العيش من ليس يعقل * ويزهد فيه الالمعى المحصل ) ) ما عجب نفس أن ترى الرأي إنما العجيبة * نفس مقتضى الرأي تفعل ) ) إلى الله أشكو همة دنيوية * ترى النص إلا إنها تتأول ) ) ينهنهها موت الشباب فترعوى * ويخدمها روح الحياة فتغفل ) ) وقي كل جزء ينقضى من زمانها * من الجسم جزء مثله يتحلل ) ) فنفس الفتى في سهوها وهي تنقضى * وجسم الفتى في شغله وهو يعمل ) ) قال وأنشدنا لنفسه ) والوقت أنفس ما عنيت بحفظه * وأراه أسهل ما عليك يضيع ) ) قال وأنشدنا لنفسه أيضا ) الحمد الله هذا العين لا الأثر * مما الذي باتباع الحق ينتظر ) ) وقت يفوت وأشغال معوقة * وضعف عزم ودار شأنها الغير ) ) والناس ركضى إلى مهوى مصارعهم * وليس عندهم من ركضهم خبر ) ) تسعى بها خادعات من سلامتهم * فيبلغون إلى المهوى وما شعروا ) ) والجهل اصل فساد الناس كلهم * والجهل اصل عليه يخاق البشر ) ) إنما العلم عن ذي الرشد يطرحه * كما عن الطفل يوما تطرح السرر ) (4/195)

196 ) وأصعب الداء لا يحس به * كالدق يضعف حسا وهو يستعر ) ) وإنما لم تحس النفس موبقها * لأن أجزاءه قد عمها الضرر ) وذكر ياقوت الحموي في معجمه بإسناد له أن الوزير عرضت عليه جارية فائقة الحسن وأظهر له في المجلس من أدبها وحسن كتابتها وذكائها وظرفها ما أعجبه فأمر فاشتريت له بمائة وخمسين دينارا وأمر أن يهيأ لها منزل وجارية وان يحمل لها من الفرش والآنية والثياب ما تحتاج إليه بعد ثلاثة أيام جاءه الذي بعها وشكا له ألم فراقها فضحك وقال له لعلك تريد ارتجاع الجارية قال إي والله وهذا الثمن بحاله لم أتصرف فيه وأبرزه فقال الوزير ولا نحن تصرفنا في المثمن ثم قال لخادمه ادفع إليه الجارية وما عليها وجميع ما في حجرتها ودفع إليه الخرفة التي فيها الثمن وقال استعينا به على شأنكما فاكثرا من الدعاء له فأخذها وخرج وحكى عنه انه كان إذا مد السماط أكثر ما يحضر الفقراء والعميان فلما كان ذات يوم وأكل الناس وخرجوا بقي رجل ضرير يبكي ويقول سرقوا متاعي ومالي غيره ووالله ما أقدر على ثمن مداس فقام الوزير من مجلسه ولبس مداسة وجاء إلى الضرير فوقف عنده وخلع مداسه والضرير لا يعرف وقال له البس هذا وابصره قدر رجلك فلبسه وقال نعم كأنه مداسي ومضى الضرير ورجع الوزير إلى مجلسه وهو يقول سلمت منه أن يقول أنت سرقته وأخبار الوزير رحمه الله تعالى ومناقبه كثيرة جدا وقد مدحه الشعراء فأكثروا منهم الحيض بيض وابن بختار الإبله وابن التعاويذي والعماد الكاتب وخلق كثير قال ابن الجوزى كان الوزير يتأسف على ما مضى من زمانه ويندم على ما دخل فيه ثم صار يسأل الله عز وجل الشهادة ونام ليلة الأحد ثالث عشر جمادي الأولى في عافية فلما كان وقت السحر حضر طبيب كان يخدمه فسقاه شيئا فيقال أنه سم فمات وسقى الطبيب بعده بنحو ستة أشهر يما فكان يقول سقيت كما سقيت وحملت جنازة (4/196)

197 الوزير إلى جامع القصر وصلى عليه ثم حمل إلى مدرسته التي أنشأها بباب البصرة فدفن بها وغلقت يومئذ أسواق بغداد وخرج جمع لم نره لمخلوق قط وكثر البكاء عليه رحمه الله تعالى واسعة سنة إحدى وستين وخمسمائة وفيها ظهر ببغداد الرفض والسب وعظم الخطب وفيها أخذ نور الدين من الفرنج حصن صافيتا وفيها توفي القاضي الرشيد أبو الحسن أحمد بن القاضي الرشيد أبي الحسن علي الغساني الاسواني بضم الهمزة على الصحيح الشافعي كان من ذوي الفضل والرياسة وأسوان قرية بصعيد وله ديوان شعر ومصنفات ولأخيه القاضي المهذب ديوان شعر أيضا والمهذب أشع والرشيد أعلم بسائر الفنون قتله الوزير شاور ظلما وذلك أنه لما دخل اليمن رسولا مدح ملوكها فقال في علي بن حاتم الهمداني فصيدته إلى يقول فيها ) وإن جهلت حقى رعانف خندف * فقد عرفت فضلى غطاريف همدان ) فكتب بذلك داعي الإسماعيلية إلى صاحب مصر فأخذ جميع موجوده ثم قتله شاور وفيها الحسن بن علي القاضي المهذب صنف كتاب الأنساب في عشرين مجلدا ومن شعره ) أقصر فديتك عن لومي وعن عذلي * أولا فخذلني أمانا من ظبي المقل ) ) من كل طرف مريض الجفن ينشد لي * يا رب رام بنجد من بني ثعل ) ) أن كان فيه لنا وهو السقيم شفا * فربما صحت الأجساد بالعلل ) ) وفيها الحسن بن عبد الله الأصفهاني الشيخ الصالح كان كثير البكاء ولم يكن أصبهان أزهد منه قال وقفت على علي بن شاده وهو يتكلم على الناس فلما كان (4/197)

198 الليل رأيت رب العزة في المنام فقال يا أبا حسن وقفت على مبتدع وسمعت كلامه لا حر منك النظر في الدنيا فاستيقظ وعيناه مفتوحان لا يبصر بهما شيئا ومات قال الحميدي سمعت الفضيل بن عياض يقول من وقر صاحب بدعة أو رثه الله العمى قبل موته وفيها الحسن بن عباس الاصبهاني الفقيه الشافعي مسند أصبهان سمع أبا عمرو ابن مندة ومحمود الكوسج وطائفة وتفرد ورحل إليه وكان زاهدا ورعا بكاء خاشعا فقيها مفتيا محققا تفقه به جماعة وفيها عبد الله بن رفاعة بن غدير الشافعي أبو محمد السعدي المصري قاضي الحيرة كان فقيها ماهرا في الفرائض والمقدرات صالحا دينا تفقه على القاضي الخلعي ولازمه وهو آخر من حدث عنه ثم ترك القضاء واعتزل في القرافة مشتغلا بها بالعبادة قال في العبر توفي في ذي القعدة عن أربع وتسعين سنة كاملة وقد ولى القضاء بمصر وطلب أن يعفى فأعفى وفيها أبو محمد الاشيري كالكريمي نسبة إلى أشير حصن بالمغرب عبد الله ابن محمد المقرئ الصنهاجي الفقيه المالكي الحافظ روى عن أبي الحسن الجدامى والقاضي عياض وكان عالما بالحديث وطرقه وبالنحو واللغة والنسب كثير الفضائل وقبره ظاهر ببعلبك وفيها أبو طالب ابن العجمي عبد الرحمن بن الحسن الحلبي الفقيه الشافعي تفقه ببغداد على الشاشي وأسعد الميهني وسمع من ابن بيان وله بحلب مدرسة كبيرة عاش إحدى وثمانين سنة ومات في شعبان وفيها الشيخ عبد القادر بن أبي صالح بن عبد الله بن جنكى دوست بن أبي عبد الله عبد الله بن يحيى بن محمد بن داود بن موسى الحوزى ابن عبد الله المحصن بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب الجيلاني في نسبة إلى جبل وهي بلاد متفرقة من وراء طبرستان وبها ولد ويقال لها أيضا جيلاني (4/198)

199 وكيلان وهو سبط أبي عبد الله الصومعي من جلة مشايخ جيلان أمه أم الخير بنت أبي عبد الله وأخوه الشيخ أبو أحمد عبد الله أصغر منه سنا نشأ في العلم والخير ومات بجيلان شابا وعمنه الصالحة أم عائشة استسقى بها أهل جيلان فلم يسقوا فكنست رحبة بيتها وقالت يا رب كنست رحبه بتي فرش أنت فمطروا كأفواه القرب كان شيخ الشيوخ الشيخ عبد القادر نحيف الجسم عريض الصدر عريض اللحية أسمر مدور الحاجبين ذا صوت جهوري وسمت بهي ولما ترعرع وعلم أن طلب العلم فريضة شمر ساق الاجتهاد في تحصيله وسازع في تحقيق فروعه وأصوله بعد أن اشتغل بالقرآن حتى أتقنه ثم تفقه في مذهب الأمام أحمد بن حنبل علي أبي الوفاء بن عقيل وأبي الخطاب وأبي الحسين محمد بن القاضي أبي يعلي والمبارك المخرمي وسمع الحديث من جماعة وعلوم الأدب من آخرين وصحب حماد الدباس وأخذ عنه علم الطريقة بعد أن لبس الخرقة من أبي سعد المبارك المخرمي وفاق أهل وقته في علوم الديانة ورقع له القبول التام مع القدم الراسخ في المجاهدة وقطع دواعي الهوى والنفس ولما أراد الله إظهاره أضف إلى مدرسة أستاذه أبي سعد المخرمي فعمرها وما حولها وأعانه الأغنياء بأموالهم والفقراء بأنفسهم فكملت في سنة ثمان وعشرين ثم تصدر فيها للتدريس والوعظ والتذكير وقصد بالزيارات والنذور من الآفاق وصنف وأملى وسارت بفضله الركبان ولقب بمجمع الفريقين وموضح الطريقين وكريم الجدين ومعلم العراقين وتلمذ له أكثر الفقهاء في ومنه ولبس منه الخرقة المشايخ الكبار وصار قطب الوجود وأكبر شيوخ اليمن وغيرها تنسب إليه وكراماته تخرج عن الحد وتفوت الحصر والعد وله نظم فائق رائق وتاب على يده معظم أهل بغداد وأسلم معظم اليهود والنصارى على يديه قال الشيخ موفق الدين وقد سئل عن الشيخ عبد القادر أدركناه في آخر عمره فأسكننا مدرسته إلى أن قال ولم اسمع عن أحد يحكي عنه من الكرامات أكثر مما يحكى عنه ولا رأيت أحدا يعظمه الناس من أجل (4/199)

200 الدين أكثر منه وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام ما نقلت إلينا كرامات أحد بالتواتر إلا الشيخ عبد القادر وقال ابن النجار قال الشيخ عبد القادر فتشت الأعمال كلها فما وجدت فيها أفضل من إطعام الطعام أو دلو كانت الدنيا بيدي فأطعمها الجياع وقال الخلق حجابك عن نفسك ونفسك حجاب عن ربك ما دمت ترى الخلق لا ترى نفسك ومادمت ترى نفسك لا ترى ربك وقال ابن السمعاني هو إمام الحنابلة وشيخهم في عصره فقيه صالح دين خير كثير اذكر دائم الفكر سريع الدمعة كتبت عنه وكان يسكن بباب الازج في المدرسة التي بنيت له وقال ابن رجب ظهر الشيخ عبد القادر للناس وجلس للوعظ بعد العشرين وخمسمائة وحصل له القبول التام من الناس واعتقد واديانته وصلاحه وانتفعوا بكلامه وانتصر أهل السنة بظهوره واشتهرت أحواله وأقواله وكراماته ومكاشفاته وهابه الملوك فمن دونهم وصنف الشطنوفي المصري في أخبار عبد القادر ومناقبه ثلاث مجلدات ذكر فيه بإسناده إلى موسى بن الشيخ عبد القادر ومناقبه ثلاث مجلدات ذكر فيه بإسناده إلى موسى بن الشيخ عبد القادر قال سمعت والدي يقول خرجت في بعض سياحاتي ونزل على منها شيء يشبه الندى فرويت ثم رأيت نورا أضاء به الأفق وبدت لي صورة ونوديت منها يا عبد القادر نان ربك وقد أحللت لك المحرمات أو قال ما حرمت على غيرك فقلت أعوذ بالله من الشياطان الرجيم اخسأ يالعين فإذا ذلك النور ظلام وتلك الصورة دخان ثم خاطبني وقال يا عبد القادر نجوت مني بعلمك بحكم ربك وقوتك في أحوال منازلاتك ولقد أضللت بهذه الواقعة سبعين من أهل الطريق فلت لربي الفضل والمنة قال فقيل له كيف علمت انه شيطان قال بقوله قد حللت لك المحرمات وذكر فيه أيضا الحكاية المعروفة عن الشيخ عبد القادر انه قال قدمي هذه عى رقبة كل ولي لله ساقها عنه من طرق متعددة قال ابن رجب أحسن ما قيل في هذا الكلام ما ذكره السهرودي في عوارفه انه من شطحات الشيوخ التي لا يقتدى بهم فيها ولا تقدح في مقاماتهم ومنازلهم فكل (4/200)

201 أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا المعصوم وقال ابن رجب أيضا وكان الشيخ عبد القادر متمسكا في مسائل الصفات والقدر ونحوهما بالسنة مبالغا في الرد على من خالفهما قال في كتابه الغنيمة المشهورة وهو بجهة العلو مستو على العرش محتو على الملك يحيط علمه بالآشياء إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه يدبر الأمر في السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ولا يجوز وصفه بأنه في كل مكان بل يقال انه في السماء على العرض كما قال ) ^ الرحمن على العرش استوى ) وذكر آيات وأحاديث إلى أن قال وينبغي إطلاق صفة الاستواء من غير تأويل وأنه استواء الذات على العرش قال وكونه على العرش مذكور في كل كتاب أنزل على كل نبي أرسل بلا كيف وذكر كلاما طويلا وذكر نحو هذا في سائر الصفات وذكر الشيخ أبو زكريا يحيى بن يوسف الصرصري الشاعر المشهور عن شيخه العارف علي بن إدريس أنه سأل الشيخ عبد القادر فقال يا سديي هل كان لله ولي غير اعتقاد أحمد بن حنبل فقال ما كان ولا يكون انتهى ما أورد ابن رجب ونقل عن الشيخ عبد القادر انه قال كنت اقتات الخرنوب والشوك وما قامة البقل وورق الخس من جانب النهر والشط وبلغت بي الضائقة في غلاء نزل ببغداد إلى أن بقيت أياما لم آكل فيها طعاما بل كنت أتتبع المنبوذات أطعمها فخرجت يوما من شدة الجوع إلى الشط لعلى أجد ورق الخس أو البقل أو غير ذلك فأتقوت به فما ذهبا إلى موضع إلا وغيري قد سبقني إليه وإذا وجدت الفقراء يتزاحمون عليه فأترك حياء فرجعت أمشي وسط البلد فلا أدرك منبوذا إلا وقد سبقت إليه حتى وصلت إلى مسجد بسوق الريحانيين ببغداد وقد أجهدني الضعف وعجزن عن التماسك فدخلت إليه وقعدت في جانب منه وقد كدت أصافح الموت إذا دخل شاب أعجمي ومعه خبز رصافي وشواء وجلس يأكل فكنت أكاد كلما رفع يده بالقمة أن افتح في من شدة الجوع حتى أنكرت ذلك على نفسي (4/201)

202 0 وقلت ما هذا إذا التفت إلى العجمي فرآني فقال بأسم الله يا أخي فأبيت فأقسم علي فبادرت نفسي فخالفتها وأقسم أيضا فأجبته فأكلت فأخذ يسائلني من أين أنت وبمن تعرف فقلت أنا متفقه من جيلان فقال وأنا من جيلان فهل تعرف شابا جيلانيا يسمى عبد القادر يعرف بأبي عبد الله الصومعي الزاهد فقلت أنا هو فاضطرب وتغير وجهه وقال والله لقد وصلت إلى بغداد ومعي بقية تفقه لي فسألت عنك فلم يرشدني أحد ونفدت نفقتي ولي ثلاثة أيام لا أجد ثمن قوتي إلا مما كان لك معي وقد حلت لي الميتة وأخذت من وديعتك هذا الخبز والشواء فكل طيبا فأنما هو لك وأنا ضيفك الآن بعد أن كنت ضيفي فقلت له وما ذاك فقال أمك وجهت لك معي ثمانية دنانير فاشتريت منها هذا للاضرار واما معتذر إليك فسكنته وطيبت نفسه ودفعت إليه باقي الطعام وشيئا من الذهب برسم النفقة فقبله وانصرف قال وكنت أشتغل بالعلم فيطرقني الحال فأخرج إلى الصحاري ليلا ونهارا وأصرخ وأهج على وجهي فصرخت ليلة فسمعني العيارون ففزعوا فجاءوا فعرفوني فقالوا عبد القادر المجنون افزعتنا وكان ربما أغشى على فيلفوني ويحسبون أني مت من الحال التي تطرقني وربما أردت الخروج من بغداد فياق لي أرجع فان للناس فيك منفعة وقال ابن النجار سمعت عبد الرازق بن الشيخ عبد القادر يقول ولد والدي تسعا وأربعين ولدا سبع وعشرون ذكورا والباقي إناث ومات الشيخ عبد القادر رحمه الله تعالى بعد عتمة ليلة السبت عاشر ربيع الآخر وفرع من تجهيزه ليلا وصلى عليه ولده عبد الوهاب في جماعة من حضر من أولاده وأصحابه وتلامذته ثم دفن في رواق مدرسته ولم يتفح باب المدرسة حتى علا النهار وأهرع الناس للصلاة على قبره وزيارته وكان يوما مشهودا انتهى وبلغ تسعين سنة (4/202)

203 سنة اثنتين وستين وخمسمائة فيها سار أسد الدين المسير الثاني إلى مصر بمعظم جيش نور الدين فنازل الجزيرة شهرين و إستنجد وزير مصر ساور بالفرنج فدخلوا في النيل من دمياط و إلتقوا فانتصر أسد الدين وقتل ألوف من الفرنج قال إبن الأثير هو من اعجب ما ورخ أن ألفي فارس تهزم عساكر مصر والفرنج وقال في العبر ثم إستولى أسد الدين على الصعيد وتقوى بخراجها وأقامت الفرنج بالقاهرة حتى إستراشوا ثم قصدوا الأسكندرية وقد أخذها صلاح الدين فحاصروه أربعة أشهر ثم كر أسد الدين منجداً له فترحلت الملاعين وصالح شاور أسد الدين على خمسين ألف دينار اخذها ونزل الشام وفيها على الصحيح توفي لأحمد بن علي الغساني الأسواني عرف بالرشيد وتقدم الكلام عليه في السنة الماضية والصحيح وفاته هنا الكاتب الشاعر الفقيه النحوي اللغوي المنطقي المهندس الطبيب الموسيقي المنجم كان مفتيا وألف تآليف التحق فيها بالأوائل منها كتاب منية الألمعي وبينة المدعي يشتمل على علوم كثيرة ومنها المقامات على نسق مقامات الحريري وغير ذلك قال ابن شبهة في تاريخ الإسلام وكان مع جلالته أسود الجلد ذا شفة غليظة سمج قصيرا حكى ياقوتت عه انه انقطع عن أصحابه يوما فحكى لهم أنه مر بموضع وإذا امرأة شابة حسنة نظرت إليه نظر مطمع له في نفسها فتوهم انه وقع منها بموقع فأشارت إليه بطرفها فتبعها حتى دخلت دارا وأشارت إليه فدخل وكشفت عن وجهها فإذا هي كالقمر ليلة تمامه ثم نادت ياست الدار فنزلت إليها طفلة كفلقة القمر فقالت لها أن عدت تبولين في الفراش خليت سيدنا القاضي يأكلك ثم قالت لا أعد مني الله فضلك يا سيدنا القاضي فخرجت وأنا خزيان قال فيه محمود بن قادوس ) أن قلت من نار خلقت وقفت كل الناس فهما * ) (4/203)

204 ) قلنا صدقت فما الذي * أطفاك حتى صرت فحما ) ذهب رسولا إلى اليمن فأقام وتولى القضاء بها وضربت له السكة على الوجه الواحد قل هو الله أحمد وعلى الآخر الأمام أبو الخير أحمد ثم قبض عليه وأنفذ مكبلا في الحديث إلى قوص فحسبه ابن طرخان في المطبخ ثم ورد كتاب الصالح بالإحسان إليه وأحضره مكرما فلما نزل شيركوه بالأسكندرية خرج بين يدي صلاح الدين وقاتل بين يديه وبلغ ذلك شاور فطلبه فلما حضر أركبه على جمل وعلى رأسه طرطور ووراؤه نفاط ينادي عليه والرشيد ينشد ) إن كان عندك يا زمان بقية * مما تهين به الكرام فهاتها ) ثم يتلو القرآن ثم أمر به أن يصلب شنقا فلما أحضر للشنق جعل يقول للذي يولى ذلك عجل فلا رغبة لكريم في حياة بعد هذه الحال فصلب ثم بعد حين قتل شاور فلما أرادوا ودفنه حفروا له قبرا فوجدوا الرشيد مدفونا فيه فدفنا معا ثم نقل كل واحد منهما إلى تربة بالقرافة وكان الساعي في صلبه الفقيه عمارة اليمنى وقال هذا أبو الفتن ثم أن الفقيه عمارة صلب كما سيأتي فأن المجازاة من جنس العمل والمرء مقتول بما قتل به ولما كان باليمن كتب إليه أخوه المهذب ) يا ربع أين ترى الأحبة يمموا * هل انجدوا من بعدنا أم اتهموا ) ) نزلوا من العين السواد وان نأوا * ومن الفؤاد مكان ما أتكلم ) ) رحلوا وفي القلب المنى بعدهم * وجد على مر الزمان مخيم ) ) رحلوا وقد لاح الصباح وإنما * تسرى إذا جن الظلام الأنجم ) وهي طويلة فأجابه الرشيد ) رحلوا فلا خلت المنازل منهم * ونأوا فلا سلت الجوانح عنهم ) ) وسروا وقد كتموا الغداة مسيرهم * وضياء نور الشمس مالا يكتم ) ) وتبدلوا ارض العقيق عن الحمى * روت جفوني أي ارض يمموا ) (4/204)

205 ) نزلوا العذيب وإنما هي مهجتي * نزلوا وفي قلبي المعنى خيموا ) ) ما ضرهم لو ودعوا من أودعوا * نار الغرام وسلموا من أسلموا ) ) هم في الحشا إن اعرقوا أو أشأموا * أو أيمنوا أو أنجدوا أو أتهموا ) ) لا ذنب لي في البعد أعرفه سوى * أني حفظت العهد لما ختم ) ) فأقمت حين ظغنتم وعدلت لما جرتم وسهرت لما بنتم * ) وفيها خطيب دمشق أبو البركات الخضر بن شبل بن عبد الحارثي الدمشقي الفقيه الشافعي درس بالغزالية والمجاهدية وبنى له نور الدين مدرسته التي عند باب الفرج فدرس بها وتعرف الآن بالعمادية لأنه درس بها بعده العماد الكاتب فاشتهرت به قرأ على أبي الوحش سبيع صاحب الاهوازي وسمع من أبي الحسن بن الموازيني وأخذ عنه ابن عساكر وقال كان سديد الفتوى واسع الحفظ ثبتا في الرواية ذا ثروة ظاهرة وكان عالما بالمذهب ويتكلم في الأصول والخلاف مولده سنة ست وثمانين وأربعمائة وتوفي في ذي القعدة ودفن بباب الفراديس وفيها عبد الجليل بن اب أسعد الهروي أبو محمد المعدل مسند هراة تفرد بالرواية عن عبد الرحمن كلا وغيره وعاش اثنتين وتسعين سنة وهو أكبر شيخ للحافظ عبد القادر الرهاوي وفيها الحافظ أبو سعد السمعاني تاج الإسلام عبد الكريم بن محمد بن منصور المروزي الشافعي محدث المشرق وصاحب التصانيف الكثيرة والفوائد الغزيرة والرحلة الواسعة عمل معجم شيوخه في عشر مجلدات كبار قال ابن النجار سمعت من يذكر أن عدد شيوخه سبعة آلاف شيخ وهذا شيء لم يبلغه أحد قال وكان ظريفا واسع الرحلة صدوقا ثقة دينا جميل (4/205)

206 السيرة مليح التصانيف وسرد ابن النجار تصانيفه وذكر أنه وجدها بخطه فمنها الذيل على تاريخ الخطيب أربعمائة طاقة تاريخ مرو وخمسمائة طاقة طراز الذهب في أدب الطلب مائة وخمسون طاقة وغير ذلك انتهى ولد في شعبان سنة ست وخمسمائة وتوفي في غرة ربيع الأول بمور وفيها أبو شجاع البسطامي عمر بن محمد بن عبد الله الحافظ المفسر الواعظ المفتي الأديب المتفنن وله سبع وثمانون سنة سمع أبا القسم احمد بن محمد الخليلي وجماعة وانتهت إليه مشيخة بلخ وتفقه عليه جماعة مع الدين والورع تفرد براوية الشمائل ومسند الهيثم وابن كليب ومن تصانيفه كتاب لقطات العقول وفيها قيس بن محمد بن عاصم السويقي الاصبهاني المؤذن الصوفي رحل وسمع ببغداد من أبي غالب بن الباقلاني وابن الطيوري وجماعة وفيها ابن اللحاس أبو المعالي محمد بن محمد بن محمد بن الحيان الحريمي العطار سمع من طراد وطائفة وهو آخر من روى بالأجازة عن أبي القسم بن البسري وكان صالحا ثقة ظريفا لطيفا توفي في ربيع الآخر وله أربع وتسعون سنة وفيها محمد بن الحسن بن حمدون صاحب التذكرة والحمدونية ولاه المستنجد ديوان الزمام ووقف المستنجد على كتابه فوجد فيه حكايات توهم غضاضة من الدولة فأخذ من دست منصبه وحبس إلى أن رمس وفيها أبو طالب نب خضير المبارك بن علي البغدادي الصير في المحدث كتب الكثير عن أبي الحسن بن العلاف وطبقته وبدمشق عن هبة الله بن ألا كفاني وعاش ثمانين سنة وتوفي في ذي الحجة وفيها مسند الآفاق مسعود الثقفي الرئيس المعمر أبو الفرج بن الحسن بن الرئيس المعتمد أبي عبد الله القسم بن الفضل الاصبهاني رحلة العصر توفي في رجب وله مائة سنة أجاز له عبد الصمد بن المأمون وأبو بكر الخطيب وسمع (4/206)

207 من جده وعبد الوهاب وعبد الوهاب بن مندة وطبقتهما وفيها هبة الله الحسن بن هلال الدقاق مسند العراق البغدادي سمع عاصم ابن الحسن وأبا الحسن الانباري وعمر نحوا من تسعين سنة توفي في المحرم وكان شيخا لا بأس به متدنيا قاله في العبر وفيها الصاين العساكري هية الله بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين الدمشقي الحافظ الفقيه الشافعي كان ثقة عمدة وجزم ابن ناصر الدين وبوفاته في التي بعدها قال قي بديعته ) ساد الفقيه الصاين العساكري * ثناؤه ذا جامع المآثر ) سنة ثلاث وستين وخمسمائة فيها أعطى نور الدين حمص وأعمالها لنائبه أسد الدين فبقيت بيد أولاده مائة سنة وفيها توفي الباجسرائي بكسر الجيم وسكون المهملة نسبة إلى باجسرا بلد بنواحي بغداد التاني بمثناة فوقية وبالنون نسبة إلى التنائية وهي الدهقنة ويقال لصاحب الضياع والعقار أحمد بن عبد الغني بن محمد بن حنيفة روى عن أبي البطر وطائفة توفي في رمضان وكان ثقة وفيها أبو العباس أحمد بن عمر بن الحسين بن خلف القطيعي الفقيه الحنبلي الواعظ ولد سنة اثنتي عشرة وخمسمائة تقريبا وسمع الحديث بنفسه بعدما كبر من عبد الخالق بن يوسف والفضل بن سهل الاسفرائيني وابن ناصر الحافظ وغيرهم وتفقه على القاضي أبي حازم ولازمه حتى برع في الفقه وأفتى وناظر ووعظ ودرس وأشغل الطلبة وأفاد وقال ابن النجار برع في الفقه وتكلم في مسائل الخلاف وكان حسن المناظرة جرئيا في الجدل ويعظ الناس على المنبر توفي في يوم الأربعاء ثامن عشر رمضان ودفن بالحلة شرقي بغداد وهو والد أبي (4/207)

208 الحسن القطيعي صاحب التاريخ ولم يسمع من والده هذا إلا حديثا واحدا وذكر أن له مصنفات كثيرة قال ابن رجب منها كتاب الشمول في النزول وفيها أبو بكر أحمد بن المقرب الكرخي روى عن النعالي وطراد وطائفة وكان ثقة متوددا توفي في ذي الحجة وله ثلاث وثمانون سنة وفيها قاضي القضاة أبو البركات جعفر بن قاضي القضاة أبي جعفر عبد الواحد بن أحمد الثقفي ولي قضاء العراق سبع سنين ولما مات ابن هبيرة ناب في الوزارة مضافا إلى القضاء فاستفظع ذلك وقد روى عن أبي الحصين وعاش ستا وأربعين سنة وتوفي في جمادي الآخرة وفيها شاكر بن أبي الفضل الاسواري الاصبهاني سمع أبا بالفتح السودرحاى وأبا مطيع وجماعة وتوفي في أواخر رمضان وفيها أبو محمد الطامذي عبد الله بن علي الاصبهاني المقرئ العالم الزاهد المعمر روى عن طراد وجعفر بن محمد البعاداني والكبار وتوفي في شعبان والطامذي بفتح الطاء المهملة والميم وبمعجمة نسبة إلى طامذ قرية بأصبهان وفيها أبو النجيب السهرودي عبد القاهر بن عبد الله بن محمد بن عموية والسهرودي بضم السين المهملة وسكون الهاء وفتح الراء والواو وسكون الراء الثانية ومهملة نسبة إلى سهرود بلد عند زنجان الصوفي القدوة الواعظ العارف الفقيه الشافعي أحد الأعلام قدم بغداد وسمع علي بن نبهان وجماعة وكان إماما في الشافعية وعلما في الصوفية قال ابن الأهدل هو الكبرى القرشي بنيه وبين أبي بكر الصديق اثنا عشر رجلا بلغ مبلغا في العلم حتى لقب مفتي العراقين وقدوة الفريقين وكان شرح أحوال القوم ويتطيلس ويلبس لباس العلماء ويركب البغلة وترفع بين يديه الغاشية مر يوما على جزار وقد علق شاة مسلوخة فوقف الشيخ وقال ابن هذه الشاة تقول إنها ميتة فغشى على الجواز وتاب على يد الشيخ انتهى وقال ابن قاضي شبهة حرر المذهب وأفتى وناظر (4/208)

209 وروى الحديث عن جماعة ثم مال إلى المعاملة فصحب الشيخ حماد الدباس وأحمد الغزالي وبني ببغداد باطا ومدرسة واشتغل بالوعظ والتذكير والدعاء إلى الله تعالى والتحذير ودرس بالنظامية سنتين وكانت له محافيظ جيدة في التفسير وفي الفقه واصوله وأصول الدين وأخذ عند خلائق مولده في صفر سنة تسعين وأربعمائة تقريبا وتوفي في جمادي الآخرة انتهى وقال الأسنوي ظهرت بركته على أصحابه وصار شيخ العراق في وقته وبنى الخربة التي كان يأوى إليها رابطا وسكنه جماعة من صالحى أصحابه وبنى إلى جانبه مدرسة وصار ملاذا يعتصم به الخائف من الخليفة فمن دونه وتوجه إلى الشام سنة سبع وخمسين وخمسمائة لزيارة بيت المقدس فلم يتفق له ذلك لأنفساح الهدنة بين المسلمين والفرنج خذ لهم الله تعالى فأقام بدمشق مدة يسيرة وعقد له مجلس الوعظ وأكرم الملك العاجل مورده وعاد إلى بغداد فتوفي بها يوم الجمعة وقت العصر سابع جمادي الآخرة ودفن بكرة الغد في مدرسته انتهى وفيها زين الدين صاحب اربل علب بن كوجك بن بكتكين التركماني الفارس المشهور والبطل المذكور ولقب بكوجك وهو بالعربي اللطيف القد والقصير وكان مع ذلك معروفا بالقوة المفرطة والشهامة وهو ممن حاصر المقتفي وخرج عليه ثم حسنت طاعته وكان جوادا معطاء فيه عدل وحسن سيرة ويقال إنه تجاوز المائة وتوفي في ذي الحجة وفيها أبو الحسن بن تاج القراء علي بن عبد الرحمن الطوسي ثم البغدادي روى عن أبي عبد الله البانياسي وجماعة وكان صوفيا كبيرا توفي في صفر عن سن عالية وفيها أبو الحسن بن الصابي بن إسحق بن محمد بن هلال بن الحسن البغدادي من بيت كتابه وأدب سمع النعالي وغيره وكان ثقة توفي في ربيع الاوىل عن اثنتين وثمانين سنة (4/209)

210 وفيها أبو الفتح محمد بن عبد المجيد السمر قندي صاحب التعليقة والمعترض والمختلف على مذهب وكان من فرسان الكلام شحيحا بكلامه كانوا يوردون عليه الأسئلة وهو عالم بجوابها فلا يذكره شحا لئلا يستفاد منه وينقطع ولا يذكرها ترك المناظرة إلى أن مات وفيهت الجياني أبو بكر محمد بن علي بن عبد الله بن ياسر الأنصاري الاندلسي تفقه بدمشق على نصر الله المصيصي وأدب بها قال ابن عساكر ثم زاملني إلى بغداد وسمع من ابن الحسين وبمرو من أبي منصور الكراعي وبنيسابور من سهل المسجدي وطائفة ثم سكن في الآخر حلب وكان ذا معرفة جيدة بالحديث وفيها الشريف الخطيب أبو الفتوح ناصر بن الحسين الحسيني المصري شيخ الاقراء علي أبي الحسين الخشاب وغيره وتصدر للأقراء وحدث من محمد بن عبد الله بن أبي داود الفارسي وتوفي عيد الفطر وله إحدى وثمانون سنة وفيها نفيسة البزازة وأسمها أيضا فاطمة بنت محمد بن علي البغدادية روت عن النعالي وطراد وتوفيت في ذي الحجة وفيها الصائن أبو الحسين هبة الله بن محفوظ بن صصري الدمشقي التغلبي سمع الكثير ومات بدمشق ودفن بباب توما عند أهله وكان صالحا ثقة وفيها هبة الله بن أبي عبد الله بن كامل بن حبيش البغدادي الصوفي الفقيه الحنبلي أبو علي سمع من القاضي أبي بكر بن عبد الباقي وغيره وتفقه علي أبي علي بن القاضي وتقدم على جماعة من المتصوفة وكان من أهل الدين توفي في المحمر ودفن بمقبرة الأمام قريبا من بشر الحافي ذكر ابن الجوزى وغيره (4/210)

211 سنة أربع وستين وخمسمائة فيها سار أسد الدين سيره الثالث إلى مصر وذلك أن الفرنج قصدوا الديار المصرية وملكوا بلبيس واستباحوها ثم حاصروا القاهرة وأخذوا كل ما كان خارج السور فبذل شاور لملك الفرنج مرى ألف ألف دينار ويعجل له بعضها فأجاب فحمل إليه مائة ألف دينار وكاتب نور الدين واستصرخ به وسود كتابة وجعل في طيه ذوائب نساء القصر وواصل الكتب يستحثه وكان بجلب فساق إليه أسد الدين من حمص فأخذ يجمع العساكر ثم توجه عسكر لجب يقال كانوا سبعين الفاا من بين فارس وراجل فتقهقر الفرنج ودخلوا القاهرة في ربعي الآخر وجلس أسد الدين في دست الحكم وخلع عليه العاضد خلع السلطنة وعهد إليه بوزارته وقبض على شاور فأرسل إليه العاضد يطلب رأس شاور فقطع وأرسل إليه فلم ينشب أسد الدين شيركوه ومعناه بالعربي الجبل بن شادي بن مروان الملك المنصور بعد شهرين أقام في الوزارة شهرين وأياما وكان أحد الأبطال يضرب بشجاعته المثل وكان الفرنج يهابونه ولدق حاصروه وببلبيس ولها سور فلم يجسروا أن يناجزوه خوفا منه وكان كثير الأكل للحوم الغليظة فكانت تورث عليه التخم والخوانيق فاعتراه خانوق فمات منه فجأة ودفن بظاهر القاهرة إلى أن توفي أخوه نجم الدين أيوب فحملا جميعا إلى مدينة النبي وقلد العاضد منصبه ابن أخيه صلاح الدين بن يوسف بن نجم الدين ولقبه بالملك الناصر وفيها آبق الملك المظفر محي الدين صاحب دمشق قبل نور الدين وابن صاحبها جمال الدين محمد بن تاج الملوك بورى التركي ثم الدمشقي ولد ببعلبك في أمرة أبيه عليها وولى دمشق بعد أبيه خمس عشرة سنة وملكوه وهو دون البلوغ وكان المدبر لدولته أنز فلما مان أنز انبسطت يد آبق ودبر الأمور (4/211)

212 الوزير الرئيس أبو الفوارس المسيب بن علي بن الصوفي ثم غضب عليه وأبعده إلى صرخد واستوزره أخاه أبا البيان حيدرة مدة ثم أقدم عطاء بن حفاظ من بعلبك وقدمه على العسكر وقتل حيدرة ثم قتل عطاء ولما انفصل عن دمشق توجه إلى بالس ثم إلى بغداد فأقطعه المقتفي خبزا وأكرم مورده وفيها شاور بن مجير بن نزار السعدي أبو شجعاع ولاده ابن رزبك أمرة الصعيد فتمكن وكان شهما شجاعا مقداما ذا هيبة فحشد وجمع وتوثب علي مملكة الديار المصرية وظفر بالعادل رزبك بن الصالح طلايع بنرزبك وزير العاضد فقتله ووزر بعده فلما خرج عليه ضرغام فر إلى الشام فأكرمه نور الدين وأعانه على عوده إلى منصبه فاستعان بالفرنج على دفع أسد الدين عنه وجرت له أمور طويلة وفي الآخر وثب عليه خرد بك النوري فقتله في جمادي الأولى لأن أسد الدين تمارض فعاده شاور فقبضوا عليه وقتلوه كما تقدم وفيها أبو محمد عبد الخالق بن أسد الدمشقي الحنفي المحدث مدرس الصادرية والمعتبية روى عن عبد الكريم بن حمزة وإسماعيل بن السمر قندي وطبقتهما ورحل إلى بغداد وأصبهان وخرج لنفسه المعجم ومن شعره ) قال العواذل ما أسم من * أضنى فؤادك قلت أحمد ) ) قالوا أتحمده وقد * أضنى فؤادك قلت أحمد ) وفيها سعد الله بن نصر بن سعيد المعروف بابن الدجاجي وبابن والحيواني الفقيه الحنبلي المقرئ الواعظ الصوفي الأديب أبو الحسن ويلقب مهذب الدين ولد في رجب سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة وقرأ بالروايات علي أبي الخطاب الكلوذاني وغيره وتفقه علي أبي الخطاب حتى برع وروى عن ابن عقيل كتاب الانتصار لأهل السنة قال ابن الخشاب هو فقيه واعظ حسن الطريقة سمعت منه وقال ابن الجوزى تفقه ودرس وناظر ووعظ (4/212)

213 وكان لطيف الكلام حلو الإيراد ملازما لمطالعة العلم إلى أن مات وقال ابن نقطة حدثنا عنه جماعة من شيوخنا وكان ثقة وقال ابن الجوزى سئل في مجلس وعظه وأنا أسمغ عن أخبار الصفات فنهى عن التعرض وأمر بالتسليم وأنشد ) أبي الغائب الغضبان يا نفس أن يرضي * وأنت التي صيرت طاعته فرضا ) ) فلا تهجري من لا تطيقين هجره * وان هم بالهجران خديك والارضا ) ومن شعره ) ملكتم مهجتي بيعا ومقدرة * فأنتم اليوم أغلالي وأغلى لي ) ) علوت فخرا ولكني ضنيت هوى * وأنتم اليوم أعلالي وأعلا لي ) ) أوصى لي البين أن أسقي بحبكم * فقطع البين أو صالى وأوصى لي ) توفي في يوم الاثنين ثاني عشر شعبان ودفن بمقبرة الرباط ثم نقل بعد خمسة أيام فدفن على والديه بمقبرة الأمام أحمد وفيها أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن هذيل البلنسي شيخ المقرئين بالأندلس ولد سنة إحدى وسبعين وأربعمائة وقرأ القراءات علي ابن داود ولازمه أكثر من عشر سنين وكان زوج أمه فأكثر عنه وهو أثبت الناس فيه وروى الصحيحين وسنن أبي داود وغير ذلك قال الأبار كان منقطع القرين في الفضل والزهد والورع مع العدالة والتواضع والأعراض عن الدنيا والتقلل منها صواما قواما كثير الصدقة انتهت إليه الرياسة في صناعة الاقراء وحدث عن جلة لا يحصون وتوفي في رجب وفيها القاضي ذكي الدين أبو الحسن علي بن القاضي المنتجب أن المعالي محمد بن يحيى القرشي قاضي دمشق هو أبوه وجده واستعفى من القضاء فاعفى وسار فحج من بغداد وعاد إليها فتوفي بها وله سبع وخمسون سنة وفيها أبو الفتح بن البطي الحاجب محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سليمان (4/213)

214 البغدادي مسند العراق وله سبع وثمانون سنة أجاز أبو نصر الزينبي وتفرد بذلك وبالرواية عن البانياسي وعاصم بن الحسن وعلي بن محمد بن محمد الأنباري والحميدي وخلق وكان دينا عفيفا محبا للرواية صحيح الأصول توفي في جمادي الأولى وفيها أبو عبد الله الفارقي الزاهد محمد بن عبد الملك نزيل بغداد كان يعظ ويذكر من كلفه ولناس فيه اعتقاد وكان صاحب أحوال وكرامات ومجاهدات ومقامات عاش ثمانين سنة وفيها القاضي أبو المعالي محمد بن علي بن الحسن القرشي العثماني صاحب الفنون في أنواع العلم هنأ صلاح الدين بن أيوب بفتح حلب بقصيدة هائلة منها ) وفتحك القلعة الشهباء في صفر * مبشر بفتوح القدس في رجب ) فكان كما قال قاله ابن الهدل وفيها محمد بن المبارك بن الحسين بن إمساعيل البغدادي الفقيه الحنبلي القاضي أبو البركات المعروف وقرا القرآن وسمع الحديث من ابن البناء وغيره وتفقه علي القاضي أبي يعلى وناظر وولى القضاء بقرية عبد الله من واسط توفي رحمه الله تعالى فجأة في رجب وفيها معمر بن عبد الواحد الحافظ أبو الحافظ أبو أحمد بن الفخر القرشي العبشمي الأصبهاني المعدل عاش سبعين سنة سمع من أبي الفتح الحداد وأبي المحاسن الروياني وخلق وببغداد من أبي الحصين وغنى بالحديث وجمعه ووعظ بأصبهان وأملى وقدم بغداد مرات يسمع أولاده وتوفي في ذي القعدة بطريق الحجاز وكان ذا قبول ووجاهة (4/214)

215 سنة خمس وستين وخمسمائة في شوال منها كانت الزلزل ة العظمي بالشام وقع معظم دمشق وشرفات جامع بني أمية ووقع نصف قلعة حلب والبلد وهلك من أهلها ثمانون والفا ووقعت قلعة حصن الاكراد ولم يبق لسورها أثر وفيها توفي أبو الفضل أحمد بن صالح بن شافع الجيلي ثم البغدادي الحافظ الفقيه الحنبلي أحد العلماء المعدلين والفضلاء والمحدثين سمع قاضي المارستان وطبقته وقرأ القراءات علي أبي محمد سبط الخياط وغيره ولازم أبا الفضل الحافظ ابن ناصر وكان يقتفي أثره ويسلك مسلكه قال ابن النجار كان حافظا متقنا ضابطا محققا حسن القراءة صحيح النقل ثبتا حجة نبيلا ورعا متدينا تقيا متمسكا بالسنة على طريق السلف صنف تاريخا على السنين بدأ فيه بالسنة التي توفي فيها أبو بكر الخطيب وهي سنة ثلاث وستين وأربعمائة إلى بعد الستين وخمسمائة انتهى وتوفي يوم الأربعاء بعد الظهر ثالث أيام ودفن على أبيه في دكة الأمام أحمد وله خمس وأربعون سنة وفيها أبو بكر بن القنور عبد الله بن محمد بن أبي الحسين أحمد بن محمد البغدادي البزاز ثقة محدث من أولاد الشيوخ سمع العلاف وابن الطيوري وطائفة وطلب بنفسه مع الدين والورع والتحري وتوفي في شعبان وله اثنتان وثمانون سنة وفيها أبو المكارم بن هلال عبد الواحد بن أبي طاهر محمد بن المسلم بن الحسن بن هلال الازدي سمع من عبد الكريم الكوطائي ومن النسيب وغيرهما وكان رئيسا جليلا كثير العبادة والبر وتوفي في جمادي الآخرة وأجاز له الفقيه نصر (4/215)

216 وفيها علي بن روان بن زيد بن الحسن بن سعيد بن عصمة بن حمير الكندي البغدادي النحوي الأديب الحنبلي شمس الدين سمع أبا الحسن ابن عم الشيخ تاج الدين وقرأ وكتب الطباق يخطه على يحيى بن البنا وغيره وقرأ النحو اللغة على إبن الجو اليقي ثم قدم دمشق وأدرك شرف الإسلام إبن الجيلي وصحبه وكان أعلم باللغة والنحو من إبن عمه أبي اليمن ومن شعره ) درت عليك غوادي المزن يا دارا * ولا عفت منك آيات وآثار ) ) دعاء من لعبت أيدي الغرام به * وساعدتها صبابات وتذكار ) وفيها على ما قاله إبن الأهدل إبن عدي مصنف كتاب الكامل في الضعفاء كان حافظ وقته واليه المنتهى في فنه خلا أن فيه لحنا لأنه كان فيه عجمة ولا يعرف العربية انتهى وفيها فورجة أبو القسم محمود بن عبد الكريم الأصبهاني التاجر روى عن أبي بكر بن ماجه وسليمان الحافظ وأبي عبد الله الثقفي وغيرهم وتوفي بأصبهان في صفر وبه ختم جزء لوين وفيها مودود السلطان قطب الدين الأعرج صاحب الموصل وابن صاحبها أتابك زنكي تملك بعد أخيه سيف الدين غازي فدعل وأحسن السيرة توفي في شوال عن نيف وأربعين سنة وكانت دولته اثنتين وعشرين سنة وكان محببا إلى الرعية سنة ست وستين وخمسمائة فيها سار نور الدين إلى سنجار ففتحها وسلمها إلى ابن أخيه عماد الدين زنكي ثم سار وفتح الموصل وأعطى الشيخ عمر ستين ألف دينار وأمره بعمارة الجامع النوري وسط البلد وفيها قتل الوزير أبو جعفر بن البلذي لأن المستضئ الخليفة لما ولى الخلافة (4/216)

217 في هذا العام استوزر أبا محمد بن عبد الله بن رئيس الرؤاسء فانتقم من ابن البلدي وقتله وألفى في دجلةن وفها أبو زرعة طاهر بن الحافظ محمد بن طاهر المقدسي ثم الهمذاني ولد بالري سنة إحدى وثمانين وأربعمائة وسمع بها من المقومي وبالدون من عبد الرحمن بن أحمد الدوني وبهمذان من عبدوس وبالكرخ من السلارمكى وبساوه من الكامخي وروى الكثير وكان رجلا جيدا عربا من العلوم قاله في العبر توفي بهمذان في ربيع الآخر وفيها أبو مسعود الحاجي عبد الرحيم بن أبي الوفاء بن أحمد الأصبهاني الحافظ المعدل سمع من جده غانم البرجي ورحل فسمع بنيسابور من السيروي وببغداد من ابن الحصين توفي في شوال في عشر الثمانين وفيها محمد بن حامد بن حمد بن عبد الواحد بن علي بن أبي مسلم الأصبهاني الواعظ الحنبلي أبو سعيد ويعرف برمس سمع أبا مسعود السورحاني ويحيى ابن مندة وغيرهما وحدث ببغداد وغيرها وكان من أعيان الوعاظ وله القبول التام عند العوام توفي في سلخ شعبان وفيها النفيس بن مسعود بن أبي الفتح بن سعيد ن علي المعروف بابن صعرة السلامي الفقيه الحنبلي أبو محمد قرأ القراءات وتفقه علي أبي ا لفتح بن المنى ووعظ واحتضر في شبابه فتوفي يوم الثلاثاء تاسع شوال ودفن بمقبرة الأمام أحمد قال المنذري تكلم في مسائل الخلاف وسمع من غير واحد قال وصعوة بفتح الصاد وسكون العين المهملتين وبعدها تاء تأنيث لقب لجده وفيها فتيان بن مباح بن حمد بن حمد بن سليمان بن المبارك بن الحسين السلمي الحراني الضرير الفقيه الحنبلي أبو الكرم قدم بغداد وسمع الحديث من أبي البركات الانماطي وصالح بن شافع وغيرهما وتفقه بمذهب الأمام أحمد وعاد إلى بلده فأفتى ودرس به إلى أن مات وسمع منه أبو المحاسن القاضي القرشي وفخر (4/217)

218 الدين بن تميمة وقال في أول تفسيره وقد ذكر شيوخه في العلم فأول كنت برهة مع شخنا الأمام الورع أبو اكرم فتيان بن مباح وكان طويل الباع في علم اللغة والإعراب لا يشق غباره في علم القرآن ومعاناة المعاني فهما في الأحكام مواقع الحلال والحرام انتهى وفيها محمد بن أسعد بن محمد بن نصر الفقيه المعروف بابن الحكيم البغدادي الواعظ درس بالطرخانية والصادرية وبنى له معين الدين مدرسة شرح المقامات ودفن بباب الصغير ومن شعره ) الدهر يوضع عامدا * فيلا ويرفع قدر نملة ) ) فإذا تنبه للمنام * وقام للنوام نم له ) وفيها أبو عبد الله بن محمد بن يسوف المرسي نزيل شاطبة مكثر عن أبي علي الصوفي واليه صارت عامة أصوله وسمع أيضا من أبي محمد بن أبي عتاب وحج فسمع من ابن غزال ورزين البعدري قال الأبار كان عارفا بالأثر مشاركا في التفسير حافظا للفروع بصيرا باللغة والكلام فصيحا مفوها مع الوقار والسمت والصيام والخشوع ولي قضاء شاطبة وحدث وصنف ومات في أول العام وله سبعون سنة وفيها يحيى بن ثابت بن بندار أبو القسم البغدادي البقال سمع من طراد والنعالي وجماعة وتوفي في ربيع الأول وقد نيف على الثمانين وفيها المستنجد بالله أبو المظفر يوسف بن المقتفي لأمر الله محمد بن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي العباسي خطب له أبوه بولاية العهد سنة سبع وأربعين واستخلف سنة خمس وخمسين وعاش ثمانيا وأربعين سنة وأمه طاووس الكرجبة أدركت دولته قال السيوطي في تاريخ الخلفاء كان موصوفا بالعدل والرفق أطلق من المكوس شيئا كثيرا بحيث لم يترك بالعراق مكسا وكان شديدا على المفسدين سجن رجلا كان يسعى بالناس مدة فحضر رجل وبذل (4/218)

219 فيه عشرة آلاف درهم فقال أنا أعطيك عشرة آلاف دينارا ودلني على آخر مثله لأحبسه وألف شره وقال ابن النجار كان المستنجد موصوفا بالفهم الثاقب والرأي الصائب والذكاء الغالب والفضل الباهر والعدل الظاهر له نظم بديع ونثر بليغ ومعرفة بعمل آلات الفلك والأسطرلاب وغير ذلك ومن شعره في بخيل ) وباخل أشعل في بيته * تكرمة منه لنا شمعه ) ) فما جرت من عينها دمعة * حتى جرت من عينه دمعة ) توفي في ثامن ربيع الآخر وفيها ابن الخلال القاضي الأديب موفق الدين يوسف بن محمد المصري صاحب دواوين الانشاء للخلفاء وهو شيخ القاضي الفاضل ومن شعره ) عذبت ليال بالعذيب خوال * وحلت مواقف بالوصال حوال ) ) ومضت لذاذات تقضي ذكرها * تصبي الخلى وتستهيم السالي ) ) وجلت مووردة الخدود فأوثقت * في الصبوة الخالي بحسن الخال ) ) قالوا سراة بني هلال أصلها * صدقوا كذاك البدر فرع هلال ) توفي في جمادي الآخرة وقد شاخ وولى بعده القاضي الفاضل سنة سبع وستين وخمسمائة فيها تجاسر صلاح الدين بن أيوب وقطع خطبة العاضد العبيدي وكان قبل هذا كالمتحكم له وخطب للخليفة العباسي المستضئ فمات العاضد عقيب ذلك قيل انه مات غبنا وأظهر صلاح الدين الحزن الحزن عليه وجلس للعزاء ثم تسلم القصر وما حوى ثم حول أولاد المعتضد وخاصته إلى مكان آخر ورتب لهم كفايتهم ولما وصل أبو سعد بن أبي عصرون رسولا بذلك إلى بغداد زينت وكان يوما مشهودا وكانت الخطبة العباسية قد قطعت من مصر منذ مائتي سنة (4/219)

220 وتسع سنين بني عبيد أهل المذهب الردئ ثم أرسل الخليفة بالخلع الفائقة الرائقة لنور الدين محمود بن نزكي ولنائبه صلاح الدين وكان فيما أرسل لنور الدين طوق ذهب وزنه ألف مثقال وحصانان وسيفان قلد بهما إشارة إلى الجمع له بين مصر والشام وفيها وقعت الوحشة بين نور الدين وصلاح الدين وعزم على قصده فكتب إليه صلاح الدين بالطاعة فزالت الوحشة بينهما وفيها توفي أحمد بن محمد الحريمي العطار روى عن النعالي وجماعة ومات في صفر عن خمس وثمانين سنة وفيها حسان بن نمير عرف بعرقلة كان شيخا خليعا مطبوعا أعور العين منادما اختص بصلاح الدين وكان قد وعده صلاح الدين أنه إذا أخذ مصر يعطيه ألف دينارا فلما أخذها كتب إليه ) قل للصلاح معيني عند أعساري * يا ألف مولاي أين الألف دينار ) ) أخشى من الأسرار أن حاولت أرضكم * وما تفي جنة الفردوس بالنار ) ) فجد بها عاضديات موفرة * من بعض ما خلف الطاغي أخو العاري ) ) حمرا كأسيافكم غرا كخيلكم * عتقا ثقالا كأعدائي وإطماري ) فجهز له ألفا وأخذ له من أخوته مثلها فجاءه الموت فجأة فلم ينتفع بفجأة الغناء ومن شعره ) ) يقولون لم أرخصت شعرك في الورى * فقلت لهم إذا مات أهل المكارم ) ) أجازي على الشعر الشعير وأنه * كثير إذا حصلته من بهائم ) وفيها العلامة أبو محمد بن الخشاب عبد لله بن أحمد بن أحمد بن عبد الله بن (4/220)

221 نصر البغدادي النحوي المحدث الفقيه الحنبلي ولد سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة وسمع من علي بن الحسين الربعي وابن النرسي ثم طلب بنفسه وأكثر عن أبي الحصين وطبقته وقرأ الكثير وكتب بخطه المليح المتقن وأخذ العربية عن ابن الشجري وابن الجواليقي وأتقن العربية واللغة والهندسة وغير ذلك وصنف التصانيف وكان إليه المنتهى في حسن القراءة وسرعتها وفصاحتها مع الفهم والعذوبة وانتهت إليه الإمامة في النحو وكان ظريفا مزاحا قذرا وسخ الثياب يستقى في جرة مكسورة وما تأهل قط ولا تسرى توفي في رمضان قاله في العبر وقال انب النجار كان أعلم أهل زمانه بالنحو حتى يقال انه كان في درجة أبي علي الفارسي قال وكانت له معرفة بالحديث واللغة والمنطق والفلسفة والحساب والهندسة وما من علم من العلوم إلا كانت له فيه يد حسنة وقال ياقوت الحموي رأيت قوما من نحاة بغداد يفضلونه على أبي علي الفارسي قال وسمع الحديث الكثير وتفقه فيه وعرف صحيحه من سقيمه وبحث عن أحكامه وتبحر في علومه وقال انب الأخضر دخلت عليه يوما وهو مريض وعلى صدره كتاب ينظر فيه قلت ما هذا ذكر ابن جبنى مسئلة في النحو واجتهد أن يستشهد عليها ببيت من الشعر فلم يحضره وأني لأعرف على هذه المسئلة سبعين بيتا من الشعر كل بيت من قصيدة وكان عالما بالتفسير والحديث الفرائض والحساب والقراءات وقال ابن القطيعي انتهى إليه معرفة علوم جمة أنهاها وشرح الكثير من علومه وكان ضنينا بها مع لطف مخالطة وعدم تكبر واطراح تكلف مع تشدد في السنة وتظاهر بها في محافل علومه ينتصر لمذهب أحمد ويصرح ببراهينه وحججه على ذلك وقال مسعود ووصل إليه برنا إلا ابن الخشاب فاعتذرت عنه بعذر اقتداء الحال ثم خرجت فعرفت ابن الخشاب ذلك فكتب إليه هذين البيتين (4/221)

222 ) ورد الورى سلسال جودك فارتووا * فوقفت دون الورد وقفة حائم ) ) ظمآن اطلب خفة من زحمة * والورد لا يزداد غير تزاحم ) ) قال ابن البادر فعرضتهما على المستضئ فأرسل إليه بمائتي دينار وقال لو زادنا زدناه وقال ابن رجب ويقال انه كان بخيلا مقترا على نفسه وكان يعتم العمة فيبقي معتما أشهرا تتسخ أطرافها من عرفة فتسود وتتقطع من الوسخ وترمي عليها العصافير ذرقها وكان إذا رفعها عن رأسه ثم أراد لبسها تركها على رأسه كيف اتفق فتجئ عذبتها تارة من تلقاء وجهه وتارة عن يمينه وتارة عن شماله ولا يغيرها فإذا قيل له في ذلك يقول ما استوت العمة على رأس عاقل قط وكان رحمه الله تعالى ظريفا مزاحا ذا نوادر فمن نوادره أن بعض أصحابه سأله يوما فقال القفا يمد أو يقصر فقال يمد ثم يقصر ولابن الخشاب شعر كثير حسن فمنه ما ألغزه في كتاب ) وذي أوجع لكنه غير بائح * بسر وذو الوجهين ليس يطهر ) ) تناديك بالأسرار أسرار وجهه * فتسمعها مادمت بالعين تبصر ) ومنه لغز في شمعة ) صفراء لا من سقم مسها * كيف وكانت أمها الشافيه ) ) عارية باطنها مكتس * فأعجب لها عارية كاسية ) قال ابن الجوزى مرض ابن الخشاب نحوا من عشرين يوما فدخلت عليه قبل موته بيومين وقد ئيس من نفسه فقال لي عند الله أحتسب نفسي وتوفي يوم الجمعة ثالث رمضان ودفن بمقبرة الأمام أحمد قريبا من بشر الحافي رضى الله عنهما وفيها أبو محمد عبد الله بن منصور بن الموصلي البغدادي المعدل سمع من النعالي وتفرد بديوان المتنبي عن أبي البركات الوكيل وعاش ثمانين سنة وفيها العاضد لدين الله أبو محمد عبد الله بن يوسف بن الحافظ لدين الله عبد (4/222)

223 المجيد بن محمد بن المستنصر بن الظاهر بن الحاكم العبيدي المصري الرافضي خاتمة خلفاء الباطنية ولد في أول سنة ست وأربعين وخمسمائة وأقامه الصالح ابن رزبك بعد هلاك الفائز وفي أيامه قدم حسين بن نزار بن المستنصر العبيدي في جموع من العرب فلما قرب غدر به أصحابه وقبضوا عليه وحملوه إلى العاضد فذبحه صبرا ورد أن موت العاضد كان بإسهال مفرط وقيل مات غما لما سمع بقطع خطبته وقيل بل كان له خاتم مسموم فامتصه وخسر نفسه وعاش إحدى وعشرين سنة وفيها أبو الحسن بن النعمة علي بن عبد الله بن خلف الأنصاري الاندلسي المربي ثم البلنسي أحد الأعلام توفي في رمضان وهو في عشر الثمانين روى عن أبي علي بن سكرة وطبقته وتصدر ببلنسية لأقراء القراءات والفقه والحديث والنحو قال الأبار كان عالما حافظا للفقه والتفاسير ومعاني الآثار مقدما في علم اللسان فصيحا مفوها ورعا فاضلا معظما دمث الأخلاق انتهت إليه رياسة الفتوى والاقراء وصنف كتابا كبيرا في شرح سنن النسائي بلغ فيه الغاية وكان خاتمة العلماء بشرق الأندلس وفيها أبو المطهر القسم بن الفضل بن عبد الواحد بن الفضل الأصبهاني الصيدلاني بفتح أوله وسكون الياء التحتية نسبة إلى بيع الأدوية والعقاقير روى عن رزق الله التميمي والقسم بن الفضل الثقفي وتوفي في جمادي الأولى وقد نيف على التسعين وفيها أبو عبد الله بن الفرس محمد بن عبد الرحيم كالانصاري الخزرجي الغرناطي تفقه على أبيه وقرأ عليه القراءات وسمع أبا بكر بن عطية وسمع بقرطبة من أبي محمد بن عتاب وطبقته وصار رأسا في الفقه والحديث والقراءات كتوفي في شوال ببلنسية وله ست وستون سنة (4/223)

224 وفيها أبو حامد البروي الطوسي الفقيه الشافعي محمد بن محمد تلميذ محمد ابن يحيى وصاحب التعليقة المشهورة في الخلاف كان إليه المنتهى في معرفة الكلام والنظر والبلاغة والجدل وبارعا في معرفة مذهب الأشعري قدم بغداد وشغب على الحنابلة وأثار الفتنة ووعظ بالنظامية وبعد صيته فأصبح ميتا فيقال أن الحنابلة أهدوا له مع امرأة صحن حلوى مسمومة وقيل أن البروي قال لو كان لي أمر لوضعت على الحنابلة الجزية قاله في العبر والبروي بفتح الموحدة وتشديد الراء المضمومة نسبة إلى بروية جد وفيها أبو المكارم الباوراى المبارك بن محمد بن المعمر الرجل الصالح روى عن ابن البطر والطرثيثي وتوفي في جمادي الآخرة وفيها أبو جعفر مكي بن محمد بن هبيرة البغدادي الأديب الحنبلي كان فاضلا عارفا بالأدب نظم مختصر الخرقي وقرأ ممرات بنواحي الموصل قال ابن رجب وأظنه أخو الوزير أبي المظفر وكان يلقب فخر الدولة وكأنه خرج من بغددا بعد موت الوزير وفيها أبو الفتح نصر الله بن عبد الله بن مخلوف بن ملامس الأزهري الأسكندري الملقب القاضي الأغر كان سناطا لا لحية وكان شاعرا مجيدا مدحه السلفي وصحب السلفي وانتفع بصحبته ودخل اليمن وامتدح أمير عدن فأجزل عطيتة ثم غرق ما معه وعاد إليه عريانا فأنشده قصيدته التي أولها ) صدرنا وقد نادي السماح * ببادئ * فعدنا إلى مغناك والعود أجمل ) فأحسن إليه أيضا ومن شعره ) الفكر في الرزق يأتي * شيء به تتعب القلوب ) ) وحامل الهم ذو دعاء * في علم ما تحجب الغيوب ) ) فإن ألمت بك الرزايا * أو قرعت بابك الخطوب ) ) فجنب الناس وادع من لا * تكشف إلا به الكروب ) (4/224)

225 ) من يسأل الناس يحرموه * وسائل الله لا يخيب ) وفيها الأمام أبو بكر يحيى بن سعدون الأزدي القرطبي المقرئ النحوي نزيل الموصل وشيخها قرأ القراءات على جماعة منهم ابن الفحام بالأسكندرية وسمع بقرطبة من أبي محمد بن عتاب وبمصر من أبي صادق المديني وببغداد من ابن كالحصين وقد أخذ عن الزمخشري وبرع في العربية والقراءات وتصدر فيهما وكان ثقة ثبتا صاحب عبادة وورع وتبحر في اللوم توفي يوم الفطر عن اثنتين وثمانين سنة سنة ثمان وستين وخمسمائة فيها دخل قراوش مملوك تقى الدين عمر بن شاه شاه ابن أخي السلطان صلاح الدين بن أيوب المغرب فنازل طرابلس المغرب وافتتحها وكانت للفرنج وفيها سار شمس الدولة أخو صلاح و الدين فافتتح اليمن وقبض على المتغلب عليها عبد النبي الزنديق وقام صيت الدولة الأيويبة قال في السمط الغالي الثمن في إخبار ملوك اليمن وهم أي بنو أيوب سبعة الملك المعظم توران بن أيوب والملك الغرير أخوه سيف الإسلام طغتكين بن أيوب والملك المغر ولده إسمعيل وسيف الإسلام أتابك سنقر بحكم الاتابكية لولد سيده الملك الناصر أيوب ثم الملك الناصر أيوب بعده ثم الملك المعظم سليمان بن تقي الدين ثم الملك المسعود صلاح الدين يوسف بن الملك الكامل فهؤلاء سبعة ستة منهم من بني أيوب والسابع مملوكهم انتهى وفيها التقي قلج بن لاون الأرمني والروم فهزمهم وكان نور الدين قد استخدم ابن لاون وأقطعه سيس وظهر له نصحه وكان الكلب شديد النصح (4/225)

226 لنور الدين معينا له على الفرنج ولما ليم نور الدين في إعطائه سيس قال استعين به وأريح عسكري وأجعله سدا بيننا وبين صاحب القسطنطينية وفيها سار نور الدين فافتتح مرعش ثم دخل الموصل قلج أرسلان وفيها توفي أبو الفضل أحمد بن محمد بن شنيف الدار قزي نسبة إلى دار القز محلة ببغداد الحنبلي المقرئ أسند من بقى في القراءات لكنه لم يكن ماهرا بها قرأ علي ابن سوار وثابت بن بندار وعاش ستا وتسعين سنة وفيها أرسلان خوارزم شاه بن أنس خوارزم شاه ابن محمد رد من قتال الخطا فمرض ومات فتملك بعده ابنه محمود فغضب ابنه الأكبر خوارزم شاه علاء الدين تكس وقصد ملك الخطا فبعث مه جيشا فهرب محمود واستولى هو على خوارزم فالتجأ محمود إلى صاحب نيسابور المؤيد فنجده فالتقيا فانهزم هؤلاء وأسر المؤيد وذبح بين يدي تكس صبرا وقتل أم أخيه وذهب محمود إلى غياث الدين صاحب الفور فأكرمه وفيها الدكز ملك اذريبجان وهمذان كان عاقلا حميد السيرة واسع المملكة وكان ابن امرأته أرسلان شاه بن طغرل السلجوقي هو السلطان والدكز أتا بكه لكنه كان من تحت حكمه وولى بعده ابنه محمد البهلوان وفيها الأمير نجم الدين أيوب بن شادي الدويني بضم الدال المهملة وكسر الواو وتحتية ونون نسبة إلى مدينة بأذربيجان وهو والد الملوك صلاح الدين وسيف الدين وشمس الدولة وسيف الإسلام وشاه شاه وتاج الملوك بورى وست الشام وربيعة خاتون وأخو الملك أسد الدين شب به فرسه فحمل إلى داره ومات بعد أيام في ذي الحجة وكان يلقب بالأجل الأفضل وكان أول ولاية تولاها قلم تكريت بتولية عتاب بن مسعود السلجوقي فقتل أخوه أسد الدين رجلا فأخرجها منها فخرجا إلى الموصل فأحسن أليهما عماد الدين بن زنكي الأتابك والأتابك اسم لمن يربى الملك وهو والد نور الدين وهو يومئذ متحكم (4/226)

227 السلجوقية فولى نجم الدين قلعة بعلبك فبنى بها نجم الدين خانقاه للصوفية وهي المعروفة اليوم بالمنجمية وكان نجم الدين صالحا حسن السيرة كريم السريرة ولما تولى ولده صلاح الدين مصر استدعى أباه وكان بدمشق في خدمة نور الدين محمود بن زنكي فاستأذنه فأذن له فلما قدم على ولده صلاح الدين أراد أن يخلع الأمر إليه فكره ولما مات نجم الدين دفن عند أخيه بالقاهرة ثم نقلا سنة تسع وسبعين إلى المدينة والنبوية وفيها المؤيد أبي به عبد الله السنجري صاحب نيسابور قتل في هذا العام وفيها جعفر بن عبد الله بن قاضي القضاة أبي عبد الله محمد بن علي الدامغاني الحنفي أبو منصور روى عن أبي مسلم السمناني وابن الطيوري وتوفي في جمادي الآخرة وفيها ملك النحاة أبو نزار الحسن بن صافي البغدادي الفقيه الاصولي المصنف في الأصلين والنحو وفنون الأدب استوطن دمشق اخرا وتوفي بها عن ثمانين سنة وكان لقب نفسه ملك النحاة ويغضب على من لا يدعوه بذلك وله ديوان شعر ومدح النبي بقصيدة طنانة واتفق أهل عصره على فضله ومعرفته وقال في العبر كان نحويا بارعا وأصوليا متكلما وفصيحا متفوها كثير العجب والتيه قدم دمشق واشتغل بها وصنف في الفقه والنحو والكلام وعاش ثمانين سنة وكان رئيسا ماجدا انتهى وكان شافعيا قال ابن شهبة تفقه على أحمد الأشنهى تلميذ المتولي وقرأ أصول الفقه علي ابن برهان وأصول الدين علي أبي عبد الله القيرواني والخلاف على أسعد الميهني والنحو على الفصيحي وبرع فيه وسافر إلى خراسان والهند ثم سكن أسد مدة وأخذ عنه جماعة من أهلها ثم استوطن دمشق وصنف في النحو كتبا كثيرة وصنف في الفقه كتابا سماه الحاكم ومختصرين في الأصلين وتوفي بدمشق في شوال (4/227)

228 ودفن بباب الصغير وفيها الحافظ عبد الرحيم بن محمد بن أحمد بن حمدان بن موسى الأصبهلني أبو الخير كان من الأئمة الحفاظ الامجاد ومن محفوظه فيما قيل الصحيحان بالإسناد تكلم فيه أبو موسى المديني وغيره من النقاد قاله ابن ناصر الدين وفيها أبو جعفر الصيدلاني محمد بن الحسن الأصبهاني له إجازة من بيني الهريثمة تفرد بها وسمع من شيخ الإسلام وطبقته بهراة ومن سليمان الحافظ وطبقته بأصبهان توفي في ذي القعدة قاله في العبر سنة تسع وستين وخمسمائة فيها ثارت الفرنج لموت نور الدين الملك العادل أبو القسم محمود بن زنكي ابن أق سنقر تملك حلب بعد أبيه ثم أخذ دمشق فملكها عشرين سنة وكان مولده في شوال سنة إحدى عشرة وخمسمائة وكان أجل ملوك زمانه وأعد لهم وأدينهم وأكثرهم جهادا وأسعدهم في دنياه وآخرته هزم الفرنج غير مرة وأخافهم وجرعهم المر وكان أولا متحكما الملوك السلاجقة ثم استقل وكان في الإسلام زيادة ببقائه افتتح من بلاد الروم عدة حصون ومن بلاد الفرنج ما يزيد على خمسين حصنا وكان أسمر طويلا مليحا تركي اللحية نقي الخد شديد المهابة حسن التواضع طاهر اللسان كامل العقل والرأي سليما من التكبر خائفا من الله قل أن يوجد في الصلحاء مثله فضلا عن الملوك ختم الله له بالشهادة ونوله الحسنى أن شاء وزيادة وخطب له في الدنيا وأزال الأذان بحي على خير العمل وبنى المدارس وسور دمشق وأسقط ما كان يؤخذ من جميع المكوس وبنى المكاتب للأيتام ووقف علها الأوقاف وبنى الربط والبيمارستان واقطع العرب الاقطاعات لئلا يتعرضوا للحاج وبنى الخانات والربط وكان حسن الخط كثير المطالعة مواظبا على الصلوات الخمس كثير تلاوة القرآن لم تسمع منه (4/228)

229 كلمة فحش ذو عقل متين يحب الصالحين ويزورهم في أماكنهم قال ابن الأثير طالعت تواريخ الملوك المتقدمين قبل الإسلام والى يومنا هذا فلم أر فيها بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز ملكا أحسن سيرة منه ولا أكثر تحريا للعدل والإنصاف ثم ذكر زهده وعدله وفضله وجهاده واجتهاده وكان لا يأكل ولا يشرب ولا يتصرف في شيء يخصه إلا من ملك اشتراه من سهمه من غنائم الكفار ولم يلبس حريرا قط ولا ذهبا ولا فضة كان كثير الصيام وله أوراد في النهار والليل وكان يقدم أشغال المسلمين عليها ثم يتمم وكان يلعب بالكرة في ميدان دمشق فجاء رجل فوقف بإزائه فقال للحاجب سله ما حاجته فقال لي مع نور الدين حكومة فرمى الصولجان من يده وجاء إلى مجلس القاضي كمال الدين الشهرزورى وقاله له لا تنزعج وأسلك معي ما تسلكه مع آحاد الناس فلما حضر سوى بين وبين خصمه وتحاكما فلم يثبت للرجل عليه حق وكان يدعى ملكا في يد نور الدين فقال نور الدين للقاضي هل ثبت له على حق قال لا قال فاشهدوا أني قد وهبت الملك له وقد كنت أعلم انه لا حق له عندي وإنما حضرت معه لئلا يقال عني أني طلبت إلى مجلس الشرع فأتيت وبنى دار العدل وكان يجلس في كل أسبوع أربعة أيام وحضر عنده الفقهاء ويأمر بإزالة الحجاب والبواب حتى يصل اله الشيخ الكبير والضعيف ويسأل الفقهاء عما أشكل وإذا حضر الحرب شد تركاشين وحمل قوسين وبنى جامعه بالموصل وفوض أمره إلى الشيخ عمر الملا وكان من الأخيار وإنما قيل الملا لأنه كان يملأ أتون الآجر ويتقوت بالأجرة وليس عليه غير ميص ولا عمامة ولا يملك شيئا فقيل له أن هذا لا يصح لمثل هذا العمل فقال إذا وليت بعض الأجناد لا يخلو من الظلم وهذا الشيخ لا يظلم فإن ظلم كان الظلم عليه فدفع إلى الشيخ ستين ألف دينار وقيل ثلثمائة ألف دينار فتم بناؤه في ثلاث سنين فلما دخل نور الدين إلى الموصل دخله وصلى فيه ووقف عليه قرية فدخل عليه الملا وهو (4/229)

230 جالس على دجلة وترك بين يديه دفاتر الخرج وقال يا مولانا أن تنظر فيها فقال نور الدين يا شيخ نحن عملنا هذا الله تعالى دع الحساب ليوم الحساب ثم رمى الورق إلى دجلة ووقع في يده ملك من ملوك الفرنج فبذل في نفسه مالا عظيما فشاور الأمراء فأشاروا ببقائه في الأسر خوفا من شره فقال له نور الدين احضر المال فأحضر ثلثمائة ألف دينار فأطلقه فلما وصل إلى بلده مات وطلب الأمراء سهمهم فقال ما تستحقون شيئا لأنكم أشرتم بغير الفداء وقد جمع الله تعالى بين الحسنين الفداء وموت اللعين فبنى بذلك الفداء المارستان الذي بدمشق والمدرسة ودار الحديث ووقف عليها الأوقاف وذكر المطري في كتابه تاريخ المدينة أن السلطان محمود رأى النبي في ليلة واحدة ثلاث مرات وهو يقول له في كل واحدة منها يا محمود انقذني من هذيم الشخصين لشخصين أشقرين تجاهه فاستحضر وزيره قبل الصبح فأخبره فقال له هذا الأمر حدث في مدينة النبي ليس له غيرك فتجهز وخرج على عجل بمقدار ألف راحلة وما يتبعها من خيل وغير ذلك حتى دخل المدينة على غفلة فلما زار طلب الناس عامة للصدقة وقال لا يبقي بالمدينة أحد إلا جاء فلم يبق إلا رجلان مجاروان من أهل الأندلس نازلان في الناحية التي قبلة حجرة النبي من خارج المسجد عند دار آل عمر بن الخطاب التي تعرف اليوم بدار العشرة رضي الله عنهم قالا نحن في كفاية فجد في طلبهما حتى جيء بهما فلما رآهما قال للوزير هما هذان فسألهما عليهما حتى أفضي إلى العقوبة فأقرا أنهما من النصاري وصلا لكي ينقلا النبي من هذه الحجرة الشريفة ووجدهما قد حفرا نقبا تحت الأرض من تحت حائط المسجد القبلي يجعلان التراب في بئر عندهما في البيت فضرب أعناقهما عند الشباك الذي في شرقي حجرة (4/230)

231 النبي خارج المسجد ثم أحرقا وركب متوجها إلى الشام راجعا فصاح به من كان نازلا خارج السور واستغاثوا وطلبوا أن يبنى لهم سوار يحفظهم فأمر ببناء هذا السور الموجود اليوم ومثل هذا لا يجري إلا علي يد ولي الله تعالى توفي رحمه الله تعالى بعله الخوانيق وأشار عليه الأطباء بالفصد فامتنع وكان مهيبا فما روجع ودفن في بيت كان يخلو فيه بقلعة دمشق ثم نقل إلى مدرسته التي عند سوق الخواصين وروى أن الدعاء عند قبره مستجاب ويقال انه دفن معه ثلاث شعرات من شعر لحيته فينبغي لمن زاره أن يقصد زيارة شيء منه ولما مات كان عمره نيفا وخمسين سنة وقام بعده بالملك ولده الصالح إسماعيل ولما استظهر السلطان صلاح الدين بن أيوب على بلاد الشام كلها تركه في حلب حتى توفي سنة سبع وسبعين وكان لموته وقع عظيم في قلوب الناس لصلاحه أيضا وفيها النقيب أبو عبد الله أحمد بن علي الحسيني الأديب نقيب الطالبين روى عن أبي الحسين بن الطيوري وجماعة وتوفي في جمادي الأولى وفيها أبو اسحق بن قرقول الحافظ إبراهيم بن يوسف الوهراني الجمري وجمرة اسم قريته سمع الكثير وعاش أربعا وستين سنة وكان من أئمة أهل المغرب فقيها مناظرا متفننا حافظا للحديث بصيرا بالرجال قال ابن ناصر الدين كان ثقة مأمونا وفيها الحافظ أبو العلاء العطار الحسن بن أحمد الهمذاني المقرئ الحنبلي الأستاذ شيخ همذان وقارئها وحافظها رحل وحمل القراءات والحديث عن الحداد وقرأ بواسط على القلانسي وببغداد على جماعة وسمع من ابن بيان وطبقته وبخراسان من الفراوي وطبقته قال الحافظ عبد القادر الرهاوي شيخنا أبو العلاء أشهر من أن يعرف بل يتعذر وجود مثله في أعصار كثيرة (4/231)

232 وأول سماعه من الدونى في سنة خمس وتسعين وأربعمائة برع على حفاظ زمانه في حفظ ما يتعلق بالحديث من الأنساب والتواريخ والأسماء والكنى والقصص والسير وله التصانيف في الحديث والرقائق وله في ذلك مجلدات كبيرة منها كتاب زاد المسافر في الحديث والقراءات وخمسون مجلدا قال وكان إماما في العربية سمعت أن من جملة ما حفظ في اللغة كتاب الجمهرة وخرج له تلامذة في العربية أئمة منهم إنسان كان يحفظ كتاب الغريبين للهروي ثم أخذ عبد القادر يصف مناقب أبي العلاء ودينه وكرمه وجلالته وأنه أخرج جميع ما ورثه وكان أبوه تاجرا وانه سافر مرات ماشيا يحمل كتبه على ظهره ويبيت في المساجد ويأكل خبز الدخن إلى أن نشر الله ذكره في الآفاق وقال ابن رجب ولد بكرة يوم السبت رابع عشر ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة وقال ابن السمعاني في حقه حافظ متقن مقرئ فاضل حسن السيرة مرضى الطريقة عزيز النفس سخي بما يملك مكرم للغرباء يعرف القراءات والحديث والأدب معرفة حسنة سمعت منه وذكره ابن الجوزى في طبقات الأصحاب وذكر في آخر كتابه التلقيح أن أبا العلاء كان هو محدث عصره ومقرئه وكان لا يغشى السلاطين ولا تأخذه في الله لومة لائم ولا يمكن أحدا أن يعمل في محلته منكرا ولا شماعا وتوفي ليلة الخميس لسبع عشرة بقيت من جمادي الأولى ببغداد وفيها دهبل بن علي بن منصور بن إبراهيم بن عبد الله المعروف بابن كاره البغدادي الحريمي الخباز أبو الحسن الحنبلي ولد سنة خمس وتسعين وأربعمائة وسمع من ابن البسرى وابن نبهان وغيرهما قال الشيخ موفق الدين كان فقيها من فقهاء أصحابنا وكان شيخا صالحا وقال أبو المحاسن العرسي كان فقيها حسنا فاضلا زاهدا صادقا ثقة وذكر غيره أنه أضر بآخره وقال ابن رجب روى عنه ابن الأخضر وجماعة وتوفي ليلة الثلاثاء لليلتين خلتا من المحمر ودفن بمقبرة باب حرب (4/232)

233 وفيها أبو محمد بن الدهان سعيد بن المبارك البغدادي النحوي ناصح الدين صاحب التصانيف الكثيرة ألف شرحا للإيضاح في ثلاث وأربعين مجلدة وسكن الموصل وأضر بآخره وكان سيبويه زمانه تصر للاشتغال خمسين سنة وعاش بضعا وسبعين سنة وفيها أبو محمد عبد الصمد بن بديل بن الحنبل الجيلي المقرئ الحنبلي قال ابن القطيعي قدم بغداد ونزل باب الازج وقرئ عليه القرآن بروايات الكثيرة ورواها عن أبي العلاء الهمداني وكان عالما ثقة ثبتا فقيها مفتيا وكان اشتغاله بالفقه على والدي رحمه الله وناظر ودرس وأفتى وكتب إلي وأنا مسافر كتابا ذكر لي فيه ما أحببت ذكره لبركته الله الله كن مقبلا مديما على شئونك مشتغلا بما أنت بصدده ولا تكن مضيعا أنفاسا معدودة وأعمارا محسوبة واجعل مالا يعنيك دبر أذنك وأغمض عينك عما ليس من حظها وأطلب من ريحانه ما حل لك ودع ما حرم عليك وبذلك تغلب شيطانك وتحوز مطالبك والسلام توفي رحمه الله سنة تسع وستين وخمسمائة ودفن بمقبرة أحمد بالقرب من بشر الحافي رضي الله عنهما انتهى وقال ابن النجار صحب القاضي أبا يعلى وتفقه عيه وكنا خصيصا به وأنه توفي يوم السبت سلخ ربيع الأول سنة إحدى وسبعين وخمسمائة وفيها أبو بكر عبد الرحمن المقرئ بن الأسعد الغياثي الفقيه الحنبلي ويعرف بالأعز البغدادي كان في ابتداء أمره يغني وله صوت حسن ثم تاب وحسنت توبته وقرأ القرآن في زمن يسير وتعلم الخط في أيام قلائل وحفظ كتاب الخرقي وأتقنه وقرأ مسائل الخلاف على جماعة من الفقهاء وكان ذكيا جدا يحفظ في يوم واحد مالا يحفظ غيره في شهر وسمع من عبد الوهاب الانماطي وسعد الخير الانماطي وتكلم في مسائل الخلاف وسافر إلى الشام وسكن دمشق مدة وأم بالحنابلة في جامعها ثم توجه إلى ديار مصر فاستوطنها إلى (4/233)

234 حين وفاته وكان فقيها فاضلا قارئا طيب النغمة قال ابن الليثي كان قويا في دين الله متمسكا بالآثار ر يرى منكرا أو يسمع به إلا غيره لا يحابي في قول الحق أحد قال وصحبته وسمعت عليه معتقدا في السنة قاله ابن رجب وفيها عبد النبي بن المهدي الذي كان تغلب على اليمن ويلقب بالمهدي وكان أبوه أيضا قد استولى على اليمن فظلم وغشم وذبح الاطفال وكان باطنيا من دعاة المصريين فهلك سنة ست وستين وقام بعده ولده هذا فاستباح الحرائر وتمرد على الله فقتله شمس الدولة كما ذكرنا وفيها أبو الحسن علي بن أحمد بن حنين الكنانس القرطبي نزيل فاس سمع الموطأ من أبي عبد الله بن الطلاع وأخذ القراءات عن أبي الحسن العبسي وسمع من حازم بن محمد والكبار وحج السنة خمسمائة ولقي الكبار وعمر دهرا ولد سنة ست وسبعين وأربعمائة وتصدر للأقراء مدة وفيها الفقيه عمارة بن علي بن زيدان أبو محمد الحكمي المذحجي اليمني الشافعي الفرضي نجم الدن نزيل مصر وشاعر العصر قال ابن خلكان كان شديد التعصب وللسنة أديبا ماهرا لم يزل ماشي الحال في دولة المصريين إلى أن ملك صلاح الدين فمدحه ثم انه شرع في أمور وأخذ في اتفاق مع الرؤساء في التعصب للعبيديين وإعادة دولتهم فنقل أمرهم وكانوا ثمانية إلى صلاح الدين فشنقهم في رمضان انتهى وقال الاسنوي حج سنة تسع وأربعين وسيره قاسم ابن هاشم أمير مكة شرفها الله تعالى رسولا إلى ديار المصرية فدخلها في ربع الأول سنة خمسين وخمسمائة والخليفة يومئذ الفائز بن الظافر والوزير الصالح بن رزيك فمدحهما بقصيدة منها ) الحمد للعيس بعد العزم والهم * حمدا يقوم بما أولت من النعم ) ) لا أجحد الحق عندي للركاب يد * تمنت اللجم فيها رتبة الخطم ) ) قربن بعد مزار العز من نظري * حتى رأيت إمام العصر من أمم ) (4/234)

235 ورحن من كعبة البطحاء مجتهدا * وفدا إلى كعبة المعروفة والكرم ) ) حيث الخلافة مضروب سرادقها * بين النقيضين من عفو ومن نقم ) فاستحسنا قصيدته وأجزلا صلته وأقام إلى شوال من سنة خمسين في أرغد عيش وأعز جانب ثم فارق مصر وتوجه إلى مكة حرسها الله تعالى ثم إلى زبيد في صفر سنة إحدى وخمسين ثم حج من عامة فأرسله قاسم صاحب مكة إلى مصر في رسالة ثانية فاستوطنها ولم يفارقها بعد فأحسن إليه الصالح ومن يتعلق به كل الإحسان وصحبوه مع اختلاف العقيدة وشدة التعصب للسنة ولما لطف الله بإزالة ملك الدولة كان عمارة مقيما بها فرثاهم بقصيدة لامية طنانة ثم شرع في الاتفاق مع جماعة من رؤساء البلد على إعادة الدولة المصرية فعلم بهم السلطان وكانوا ثمانية من الأعيان ومن جملتهم الفقيه عمارة المذكور فأمر بشنق الجميع فشنقوا في يوم السبت ثاني شهر رمضان وكفى الله شرهم ولما قبض على المذكور وأخذ للشنق تحيل على المرور على باب القاضي الفاضل فغيب عنه وامتنع من رؤيته فأنشذ ) عبد الرحيم قد احتجب * أن الخلاص من العجب ) وكان ذلك آخر شيء نظمه انتهى ما ذكره الاسنوي وقيل انه صلب منكسا وانه أنشد في هذه الحالة ) وما تعلق بالسرياق متنكسا * لعلة أوجبت تعذيب ناسوتي ) ) لكنني مذ نفثت السحر من كلمى * عذبت تعذيب هاروت وماروت ) فالله أعلم وفيها هبة الله بن كامل المصري التنوخي قاضي القضاة وداعي الدعاة أبو القسم قاضي الخليفة العاضد كان أحد الثمانية الذين سعوا في إعادة دولة بني عبيد فشنقهم صلاح الدين رحمه الله تعالى (4/235)

236 وفيها أبو البركات يحيى بن نجاح بن مسعود بن عبد الله اليوسفي المؤدب الأديب الشاعر الحنبلي سمع من أبي العز كادش وغيره وقال ابن الجوزى سمع الحديث الكثير ثم قرأ النحو واللغة وكان غزير الفضل يقول الشعر الجسن وقال ابن القطيعي كان من أهل الأدب والعلم له خط حسن وشعر رقيق سمع منه جماعة من الطلبة وكان حنبلي المذهب حسن الاعتقاد ومن شعره ) أقلى منك ذا الجفا أم دلال * كل يوم يروعني منك حال ) ) أعذول يغريك أم عزة المعشوق أم هكذا يتيه الجمال * ) ) نظرة كنت يوم ذاك فأني * صرت في القلب عثرة لا يقال ) ) أنا عرضت يوم سلع بنفسي * للهوى فالغرام داء عضال ) ) عبثا تقتل النفوس ولا تحسب إلا أن الدماء حلال * ) ) من عجيب أن لا يطيش لها سهم ولم تدر قط كيف النضال * ) من عجيب أن لا يطيش لها سهم ولم تدر قط كيف النضال وهي طويلة توفي رحمه الله تعالى يوم السبت لإحدى عشرة مضت من شوال ودفن من الغد بمقبرة الأمام أحمد سنة سبعين وخمسمائة فيها قدم صلاح الدين فأخذ دمشق بلا ضربة ولا طعنة وسار الصالح اسمعيل بن نور الدين الشهيد في حاشيته إلى حلب ثم سار صلاح الدين فحاصر حمص بالمجانيق ثم سار فأخذ حماة في جمادس الآخرة ثم سار فحاصر حلب وأساء العشرة في حق آل نور الدين ثم رد وتسلم حمص ثم عطف إلى بعلبك فتسلمها ثم كر فالتقى هز الدين مسعود بن مودود بن صاحب الموصل وأخو صاحبها فانهزم المواصلة على قرون جماة أسوأ هزيمة ثم استناب أخاه بدمشق سيف الإسلام وكان بمصر أخوه العادل (4/236)

237 وفيها توفي أحمد بن المبارك الرقعاتي روى عن جده لأمه ثابت بن بندار وكان يبسط المرقعة للشيخ عبد اقلادر على الكرسي توفي في صفر وفيها خديجة بنت أحمد بن السين النهرواني روت عن أبي عبد الله النعالي وكانت صالحة توفيت في رمضان وفيها حامد بن محمود بن حامد بن محمد بن أبي عمرو الحراني الخطيب الفقيه الحنبلي الزاهد أبو الفضل المعروف بابن أبي الحجر ويلقب تقي الدين شيخ حران وخطيبها ومدرسها ومفتيها ولد سنة ثلاث عشرة وخمسمائة بحران كما قال ابن تميمة ورحل إلى بغداد وسمع بها من عبد الوهاب الانماطي الحافظ وغيره وتفقه بها وبرع وناظر ولقى بها الشيخ عبد القادر كأني بك وقد دست على بساط السلطان فكان كما قال وقال ابن الجوزى صديقنا قدم بغداد وتفقه وناظر وعاد إلى حران وأفتى ودرس وكان ورعا به وسوسة في الطهارة وذكر ابن القطيعي نحوا من ذك وقال كان تاليا للقرآن كنت عنه وكان ثقة انتهى وقال ابن الحنبلي كان شيخ حران في وقته بني نور الدين محمود المدرسة في حران لأجله ودفعها إليه ودرس بها وتولى عمارة جامع حران فما قصر فيه وقال ابم رجب أخذ عنه العلم جماعة من أهل حران منهم الخطيب فخر الدين بن تميمة وابن عبدوس وغيرهما وسمع منه الحديث بحران جماعة منهم أبو المحاسن القرشي الدمشقي وابن القطيعي وروى عنه في تاريخه وقال توفي لسبع خلون من شوال بحران وفيها سلمة التركماني تملك بلاد فارس وجدد قلاعا وحارب الملوك ونهب المسلمين وكان يخطب للخليفة التقاه البهلوان ومعه عسكر من التركماني لهم ثأر على سملة فانهزم جيشه وأصابه سهم وأسر فمات وكان ظالما جبارا فرح الناس بمصرعه وكانت أيامه عشرين سنة قاله في العبر (4/237)

238 وفيها قليماز الملك قطب الدين المستنجدي عظم في دولة مولاه وصار مقدم الجيش في دولة المستضئ واستبد بالأمور إلى أن هم بالخروج فسار بعسكره نحو الموصل فمات في ذي الحجة وكان فيه كرم وقلة ظلم وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن خليل القيسي الليل نزيل فاس ثم مراكش روى عن ابن الطلاح وحازم بن محمد وسمع صحيح مسلم من أبي على الغساني قال الأبار كان من أهل الرواية والدراية لازم مالك بن وهيب مدة وفيها أبو شجاع عمر بن محمد البسطامي البلخي كان فقيها فاضلا ومن شعهر ) وجربت أبناء الزمان بأسرهم * فأيقنت أن القل في عدهم كثر ) ) وخبرت طغواهم ولوم فعالهم * فلما التقينا صغر الخبر الخبر ) وفيها أبو الفضل يحيى بن جعفر صاحب المخزن ونائب الوزارة وكان حافظا للقرآن فاضلا عادلا محبا للصالحين والعلماء وذكره مأوى لهم سمع الحديث الكثير قام إليه الحيص بيص وهو في نيابة الوزارة فقال ) لكل زمان من أماثل أهله * برامكة يمتارهم كل معشر ) ) أبو الفضل يحيى مثل يحيى بن خالد * ندى وأبوه جعفر مثل جعفر ) فقام ناشب الواعظ فأنشد ) وفي الجانب الشرقي يحيى بن جعفر * وفي الجانب الغربي موسى بن جعفر ) ) فذاك إلى الله الكريم شفيعنا * وهذا إلى المولى الكريم المطهر ) أراد جعفر الصادق سنة إحدى وسبعين وخمسمائة فيها صلاح الدين فأخذ منبج ثم نازل قلعة عزاز مدة وقفز على (4/238)

239 الإسمعيلية فجرحوه في فخذع وأخذوا فقتلوا وافتتح القلعة وفيها توفي الحافظ ابن عساكر صاحب التاريخ الثمانين مجلدة أبو القسم علي ابن الحسن بن هبة الله الدمشقي محدث الشام ثقة الدين قال ابن شبهة فخر الشافعية وإمام أهل الحديث في زمانه وحامل لوائهم صاحب تاريخ دمشق وغيره من المؤلفات المفيدة المشهولاة مولده في مستهل سنة تسع وتسعين وأربعمائة رحل إلى بلاد كثيرة وسمع الكثير من نحو ألف وثلثمائة شيخ وامثنين امرأة وتفقه بدمشق وبغداد وكان دينا خيرا في كل جمعة وأما في رمضان ففي كل يوم معرضا عن المناصب بعد عرضها عليه كثر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قليل الالتفات إلى الأمراء وأبناء الدنيا قال الحافظ أبو سعد السمعاني في تاريخه هو كثير العلم غزير الفضل حافظ ثقة متقن دين خير حسن السمت جميع بين معرفة المتون والأسانيد صحيح القراء مثبت محتاط رحل وبالغ في الطلب إلى أن جمع ما لم يجمع غيره وصنف التصانيف وخرج التخاريج وقال أبو محمد عبد القادر الرهاوي رأيت الحافظ السلفي والحافظ أبا العلاء الهمداني والحافظ أبا ومسى المديني ما رأيت فيهم مثل عساكر توفي في رجب ودفن بمقبرة باب الصغير شرقي الحجرة التي فيها معاوية رضي الله عنه ومن تصانيفه المشهورة التاريخ الكبير ثمانمائة جزء في ثمانين مجلدا الموافقات اثنان وسبعون جزءا الأطراف للسنن الأربعة ثمانية وأربعون جزءا معجم شيوخه اثنا عشر جزءا مناقب الشبان خمسة عشر جزءا فضل أصحاب الحديث أحد عشرا جزءا تبيين كذب المفتري على الشيخ أبي الحسن الأشعري مجلدة وقال الذهبي ومن تصفح تاريخه عرف منزلة الرجل في الحفظ وله شعر حسن منه ) إلا أن الحديث اجل علم * وأشرفه الأحاديث العوالي ) ) وانفع كل يوم منه عندي * وأحسنه الفوائد والأمالي ) (4/239)

240 ) وأنك لن ترى للعلم شيئا * يحققه كأفواه الرجال ) ) فكن يا صاح ذا حرص عليه * وخذه من الرجال بلا ملال ) ) ولا تأخذه من صحف فترمي * من التصحيف بالداء العضال ) وفيها حفدة العطاري الأمام مجد الدين أبو منصور محمد بن أسعد بن محمد الطوسي الفقيه الشافعي الاصولي الواعظ تلميذ محي السنة البغوي وراوي كتابه شرح السنة ومعالم التنزيل وقد دخل إلى بخاري وتفقه بها ثم عاد إلى أذربيجان والجزيرة وبعد صيته في الوعظ أنشد يوما على الكرسي من جملة أبيات ) تحية صوت المزن يقرؤها الرعد * على منزل كانت تحل به هند ) ) نأت فأعارتها القلوب صبابة * وعارية العشاق ليس لها رد ) قال ابن خلكان توفي في ربيع الآخر ثم قال وقيل سنة ثلاث وسبعين وفيها أبو النجم المبارك بن الحسن بن طراد الباماوردي الفرضي الحنبلي المعروف بابن القابلة ولد سنة خمس وخمسمائة تقريبا وسمع من طلحة العاقولي سنة عشر وهو أقدم سماع وجدله ومن القاضي أبي الحسين بن الفراء وأبي غالب الماوردي وغيرهم قال ابن الجوزى كان عارفا بعلم الفرائض والحساب والدور حسن العلم بالجبر والمقابلة وغامض الوصايا والمناسخات امارا بالمعروف شديدا على أهل البدع عارفا بمواقيت الشمس والقمر توفي ليلة السبت لعشر بقين من جمادي الأولى ودفن بمقبرة الطبري بقرية الزادمان ظاهر بغداد وفيها أبو المحاسن المجمعي محمد بن عبد البقاي بن هبة الله بن حسين بن شريف المجمعي الموصلي الحنبلي ذكره ابن القطيعي فقال أحد فقهاء الحنابلة المواصلة ورد بغداد وتفقه على القاضي أبي يعلى وسمع بها الحديث والأدب وكان (4/240)

241 ناليا لكتاب الله تعالى وجمع كتابا اشتمل على طبقات الفقهاء من أصحاب الأمام أحمد قال وكان بالموصل معمر الملا مقدما في بلده فاتهم بشيء من ماله وكان خصيخا به فضربه إلى أن أشفى على التلف ثم أخرجه إلى بيته وبقى أياما بسيرة وتوفي في رجب أو شعبان بالموصل وهذا عمر كان يظهر الزهد والديانة وأظنه كان يميل إلى المبتدعة وقد تبين بهذه الحكاية أيضا ظلمه وتعديه قاله ابن رجب سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة فيها أمر صلاح الدين ببناء السور الكبير المحيط بمصر والقاهرة من البر وطوله تسعة وعشرون ألف ذراع وثلثمائة ذراع بالقاسمي فلم يزل العمل فيه إلى أن مات صلاح الدين وأنفق عليه أموالا لا تحصى وكان مشيد بنائه فراقوش وأمر أيضا بإنشاء قلعة الجبل ثم توجه إلى الإسكندرية وسمع الحديث من السلفي قاله في العبر وفيها كانت وقعة الكنز جمع الكنز الأسود مقدم السودان خلقا وجيش بالصعيد ليعيد دولة البعيديين وسار إلى القاهرة في مائة ألف فخرج لحربه نائب مصر سيف الدين أبو بكر العادل فالتقوا فانكسر الكنز وقتل في المصاف قال أبو المظفر بن الجوزي قيل انه قتل منهم ثمانون آلفا يعني من السودان وفيها توفي أبو محمد صالح ابن البمارك بن الرخلة الكرخي المقرئ القزاز سمع النعالي وغيره وتوفي في صفر وفيها العثماني أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن يحيى الأموي الديباجي محدث الإسكندرية بعد السلفي في الرتبة روى عن أبي القسم بن الفحام وغيره ويعرف بابن أبي اليابس كان ثقة صالحا يقرئ النحو واللغة وكان السلفي (4/241)

242 يؤذيه ويرميه بالكذب فكان يوقل كل من بني وبينه شيء فهو في حل إلا السلفي فبيني وبينه وقفة بين يدي الله تعالى توفي في شوال عن ثمان وثمانين سنة قاله في العبر وفيها أبو الحسن معلي بن عساكر بن المرحب بن العوام البطائحي الضرير المقرئ الحنبلي الأستاذ قرأ القراءات على أبي العز القلانسي وأبي عبد الله البارع وطائفة وتصدر للاقراء وأتقن الفن وحدث عن أبي طالب بن يوسف وطائفة قال الشيخ موفق الدين بن قدامة كان مقرئ أهل بغداد في وقته وكان عالما بالعربية إماما في الي السنة قرا عليه القراءات جماع من الكبار منهم عبد العزيز بن دلف وابن الحميري وحدث عنه جماعة منهم ابن الأخضر وعبد الغني المقدسي وعبد القادر الرهاوي وغيرهم توفي ليلة الثلاثاء ثامن عشرى شعبان وصلى عليه من الغد الجواليقي ودفن بباب حرب وفيها محمد بن أحمد بن ما ساده أبو بكر الاصبهاني المقرئ المحقق قرأ القراءات وتفرد بالسماع من سليمان بن إبراهيم الحافظ ومات في عشر المائة وفيها الأديب الرفاء أبو عبد الله محمد بن غالب الاندلسي الشاعر المشهور ديوانه كله ملح ومن شعره في غلام نساج ) قالوا وقد أكثروا في حبه عذلي * لم ذا تهيم بمذال ومبتذل ) ) فقلت لو كان أمرى في الصبابة لي * لا خترت ذاك ولكن ليس ذلك لى ) ) أحببته حبي الثغر عاطره * حلو اللمى ساحر الاجفان والمقل ) ) غزيل لم يزل في الغزل جائلة * بنانه جولان الفكر في الغزل ) ) جذلان تلعب بالمحراك أنمله * على السدي لعب الأيام بالدول ) ) جذبا بكفيه أو فحصا بأخمصه * تخبط الظبي في إشراك محتبل ) وفيها أبو المعالي محمد بن مسعود خرج إلى الحج فمات ومن شعره (4/242)

243 ) ولما أن توليت القضايا * وفاض الجور من كفيك فيضا ) ) ذبحت بغير سكين وأني * لأرجو الذبح بالسكين أيضا ) وفيها أبو الضفل بن الشهرزورى قاضي القضاة كمال الدين محمد بن عبد الله ابن القسم بن المظفر الموصلي الشافعي ولد سنة إحدى وتسعين وأربعمائة وتفقه ببغداد على أسعد المهيني وسمع من نور الهدى الزينبي وبالموصل من جده لأمه على بن طوق وولى قضاء بلده لا تابك زنكي ثم وفد علي نور الدين فبالغ في تبجيله وركن إليه وصار قاضيه ووزيره ومشيره ومن جلالته أن السلطان صلاح الدين لما أخذ دمشق وتمنعت عليه القلعة أياما مشى إلى دار القاضي كمال الدين فانزعج وخرج لتلقيه فدخل وجلس وقال طب نفسا فالأمر أمرك والبلد قال ابن قاضي شبهة ولاه نور الدين قضاء دمشق سنة خمس وخمسين وهو الذي أحدث الشباك الكمالي الذي يصلي فيه نواب السلطنة اليوم وبنى مدرسة بالوصل ومدرستين ينصبيين ورباطا بالمدينة المنورة ووقف الهامة على الحنابلة وحكم في البلاد الشامية واستناب ولده محي الدين بحلب وابن أخيه أبي القسم في قضاء حماة وابن أخيه الآخر في قضاء حمص قال ابن عساكر وكان يتكلم في الأصول كلاما حسنا وكان أديب شاعرا فكله المجالسة وقال صاحب المرآة لما قدم أحمد بن قدامة والد الشيخ أبي عمر إلى دمشق خرج إليه القاضي كمال الدين ومعه ألف دينار فعرضها عليه فلم يقبلها فاشترى بها قرية الهامة ووقف نصفها على الشيخ أحمد والمقادسة ونصفها على الشيخ أحمد والمقادسة ونصفها على الأساري انتهى ومن شعر الشهرزورى ) وجاءوا عشاء يهرعون وقد بدا * بجسمي من داء الصبابة ألوان ) ) فقالوا ولك معظم بعض ما يرى * أصابتك عين قل أن وأجفان ) ) وفيها مسلم بن ثابت بن زيد بن القسم بن أحمد بن النحاس البزار البغدادي المأموني الفقيه الحنبلي أبو عبد الله بن أبي البركات ويعرف بابن جوالق بضم (4/243)

244 الجيم ولد سنة أربع وتسعين وأربعمائة وسمع من أبي علي بن نبهان وتفقه علي أبي الخطاب الكلوذاني وناظر وروى عنه ابن الأخضر توفي في يوم الأحد دعشر ذي الحجة ودفن بمقبرة باب حرب وفيها أبو الفتح نصر بن سيار بن صاعد بن سيار الكتاني الهروي الحنفي القاضي شرف الدين كان بصيرا بالمذهب مناظرا دينا متواضعا سمع الكير من جده القاضي أبي العلاء والقاضي أبي عامر الازدي ومحمد بن علي العميري والكبار وتفرد في زمانه وعاش سبعا وتسعين سنة وتوفي يوم عاشوراء سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة فيها كانت وقعة الرملة سار صلاح الدين من مصر فسبى وغنم ببلاد عسقلان وسار إلى الرملة فالتقى الفرنج فحملوا على المسلمين وهزموهم وثبت السلطان وابن أخيه تقي الدين عمر ودخل اللي واحتوت الفرنج على المعسكر بما فيه وتمزق العسكر وعطشوا في الرمال واستشهد جماعة ونجا والله الحمد وقتل ولد لتقي الدين عمر وله عشرون سنة وأسر الأمير الفقيه عيسى الهكاري وكانت نوبة صعبة ونزلت الفرنج على حماة وحاصرتها أربعة أشهر لاشتغال السلطان بلم شعث العسكر وفيها توفي أرسلان بن طغر بك بن محمد بن ملكشاه السلجوقي سلطان أذربيجان كان له السكة والخطبة والقائم بدولته زوج أمه الزكر ثم ابنه البهلوان فلما توفي خطبوا لولده طغر بك الذي قتله خوارزم شاه وفيها أبو العباس أحمد بن محمد بن المبارك بن أحمد بن بكروس بن سيف الدينوري ثم البغدادي ويعرف بابن أبي العز وبابن الحمامي الفقيه الحنبلي الزاهد العابد قرأ بالروايات على جماعة وسمع من ابن كادش وغيره وتفقه (4/244)

245 علي أبي بكر الدينوري وكان رفيق ناصح الإسلام بن المنى وبنى مدرسة ببغداد ودرس بها وتفقه عليه جماعة منهم الشيخ فخر الدين بن تيمية وروى عنه الشيخ موفق الدين وكان متزوجا بابنة ابن الجوزى وتوفي يوم الثلاثاء خامس صفر وكان له يوم مشهود وتوفي شابا وفيها صدقة بن الحسين بن بختيار بن الحداد البغدادي الفقيه الحنبلي الأديب الشاعر المتكلم الكاتب المؤرخ أبو الفرج ولد سنة سبع وسبعين وأربعمائة وقرأ بالروايات وسمع الحديث من أبي السعادات المتوكل وغيره وتفقه على ابن عقيل وابن الزاغوني وبرع في الفقه وفروعه وأصوله وقرأ علم الكلام والمنطق والفلسفة والحساب ومتعلقاته من الفرائض وغيرها وكتب خطا حسنا صحيحا وقال الشعر الحسن وأفتى وتردد إليه الطلبة في فنون العلم وروى عنه ابن شافع وابن ريحان وغيرهما قال ابن النجار وله مصنفات حسنة في الأصول وجمع تاريخا على السنين بدأ فيه من وفاة شيخه ولم يزل يكتب فيه إلى قريب وفاته وكان قوته من أجرة نسخه ولم يزل قليل الحظ منغص العيش وحط عليه ابن الجوزى في تاريخه ونسبه إلى الحيرة والشاك وفيها الوزير أبو الفرج محمد بن عبد الله بن هبة الله بن المظفر بن رئيس الرؤساء الوزير أبي القسم علي بن المسلمة روى عن ابن الحصين وجماعة ووزر للمستضئ ولقب عضد الدين وكان جوادا سريا معظما مهيبا خرج للحج في تجمل عظم فوثب عليه واحد ومن الباطنية فقتله في أوائل ذي القعدة عن تسع وخمسين سنة وفيها أبو محمد بن المأمون الأديب صاحب التاريخ هرون بن البعاس ابن محمد البعاسي المأموني البغدادي الأديب روى عن قاضي المارستان (4/245)

246 وشرح مقامات الحريري توفي في ذي الحجة كهلا وفيها لاحق بن علي بن كاره أخو دهبل البغدادي روى عن أبي القسم ابن بيان وغيره وتوفي في نصف شعبان عن ثمان وسبعين سنة وفيها أبو شاكر السفلاطوني يحيى بن يوسف بن بالان الخباز روى عن ثابت بن بندار والحسين بن البسرى وجماعة وتوفي في شعبانخ سنة أربع وسبعين وخمسمائة فيها أخذ ابن قرايا الرافضي الذي ينشد في الأسواق ببغداد فوجدوا في بيته سب الصحابة فقطعت يده ولسانه ورجمته العامة فهرب وسبح فألحوا عليه بالأجر فغرق فأخرجوه وحرقوه ثم وقع التقبيح على الرافضة وأحرقت كتبهم وانقمعوا حتى صاروا في ذلة اليهود وهذا شيء لم يتهيأ ببغداد من نحو مائتين وخمسين وفيها خرج نائب دمشق فرخ شاه ابن أخي السلطان فالتقى الفرنج فهزمهم وقتل مقدمهم هنقري الذي كان يضرب به المثل في الشجاعة وفيها توفي أحمد بن أسعد بن بلدرك البغدادي البواب المعمر في ربيع الأول عن مائة وأربع سنين ولو سمع في صغره لبقى مسند العالم سمع من أبي الخطب بن الجراح وأبي الحسين بن العلاف وفيها أبو العباس أحمد بن أبي غالب بن أبي عيسى بن شيخون الابرودي الجبابيني نسبة إلى الجبابين بكسر الموحدة الثانية وتحتية ونون قرية ببغداد الفقيه الحنبلي الضرير دخل بغداد في صباه وحفظ القرآن وقرا بالروايات علي أبي محمد سبط الخياط وسمع منه الحديث ومن سعد الخير الأنصاري ومن جماعة دونهما وقرأ الفقه وحصل منه طرفا صالحا وكان صالحا صدوقا توفي يوم الجمعة عاشر رجب وصلى عليه يومئذ ودفن بمقبرة الأمام أحمد عن نيف وأربعين سنة (4/246)

247 وفيها الحيص بيص شهاب الدين أبو الفوارس سعد بن محمد بن سعد ابن صيفي التميمي الشاعر المشهور وله ديوان معروف كان وافر الأدب متضلعا من اللغة بصيرا بفقه الشافعية والمناظرة قال ابن خلكان كان لا يخاطب أحدا إلا باللغة العربية ويلبس علي زي العرب ويتقلد سيفا فرأى الناس في حركة مزعجة فقال ما للناس حيص بيص فلقب بذلك وقال تفقه بالري على القاضي محمد بن عبد الكريم المعروف بالوزان وتميز فيه وتكلم في الخلاف إلا انه غلب علهي الشعر سمع الحديث وحدث وقال توفي في سادس شعبان ودفن من الغد غربي بغداد بمقابر قريش انتهى وقال ابن شبهة في تاريخ الإسلام وسموا ابنه هرج مرج وابنته دخل خرج حكى نصر بن مجلى وكان من أهل السنة انه رأى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في النوم فقال له يا أمير المؤمنين تفتحون مكة فتقولون من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ثم يتم علي ولدك الحسين يوم الطف ما تم فقال أما سمعت أبيات ابن صيفي في هذا المعنى فقلت لا قال اسمعها منه فاستيقظت فأتت إلى دار الحيص بيص فذكرت له المنام فشهق وبكى وحلف إنها ما خرجت من فمه لأحد ولم ينظمها إلا في ليلته ثم أنشدني ) ملكنا فكان العفو منا سجية * فلما ملكتم سال بالدم أبطح ) ) وحللتم قتل الأساري وطالما * غدونا على الأسرى نمن ونصفح ) ) وحسبكم هذا التفاوت بيننا * وكل دعاء بالذي فيه ونصفح ) وقال غيره خرج حيص بيص ليلة ثملا فرأى في طريقه جرو كلب فضربه بسيفه فقتله فعمد بعض الظرفاء إلى أبيات وعلقها في عنق أمه وأدخلها ديوان الوزير هيئة مثتكية ففضت الورقة فإذا فيها (4/247)

248 ) يا أهل بغداد أن الحيص بيص أتى * بخزية أكتسبه العار في البلد ) ) أبدي شجاعته في الليل مجتئا * على جرى ضعيف البطش والجلد ) ) فأنشدت أمه من بعد ما احتسبت * دم الإبيلق عند الواحد الصمد ) ) ) لا أعتب الدهر والايام ما صنعت * كلتا يدي أصابتني ولم أرد ) ) كلاهما خلف من فقد صاحبه * هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي ) يشير إلى قتل أعرابية قتل أخوها ولدها والله أعلم وفيها شهدة بنت أبي نصر أحمد بن الفرج الدينوري ثم البغدادي الكاتبة المسندة فخر النساء كانت دينة عابدة صالحة سمعها ابوها الكثير وصارت مسندة العراق وروت عن طراد وابن البطر وطائفة وكانت ذات برو خير توفيت في أربع عشر المحرم عن نيف وتسعين سنة وفيها أبو رشيد عبد الله بن عمر الأصبهلني آخر من بقي بأصبهان من أصحاب الرئيس الثقفي وفيها أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق بن أحمد اليوسفي أخو عبد الحق روى عن ابن بيان وجماعة وكان خياطا دينا توفي بمكة وله سبعون سنة وفيها أبو الخطاب العليمي عمر بن محمد بن عبد اله الدمشقي التاجر السفار طلب بنفسه وكتب الكثير في تجارته بالشام ومصر والعراق وما وراء النهر روى عن نصر الله المصيصي وعبد الله بن الفراوي وطبقتهما وتوفي في شوال عن أربع وخمسين سنة وفيها أبو عبد الله بن المجاهد الزاهد القدوة محمد بن أحمد بن عبد الله الأنصاري الاندلسي عن بضع وثمانين سنة قرأ العربية ولزم أبا بكر بن العربي مدة قال الآبار كان المشار إليه في زمانه بالصلاح والورع والعبادة وإجابة الدعوة وكان أحد أولياء الله الذين تذكر به رؤيتهم آثاره مشهورة وكراماته معروفة مع الحظ الوافر من الفقه والقراءات (4/248)

249 وفيها محمد بن عبد نسيم العيشوني روى عن ابن العلاف وابن نبهان وقع من سلم فمات في الحال في جمادي الآخرة قاله في العبر سنة خمس وسبعين وخمسمائة فيها كما قال في الشذور وقعت زلزلة فوق بلاد اربل فتصادمت منها الجبال وكان هناك نهر أحمر ماؤه من دماء الهالكين وفيها نزل صلاح الدين علي بانياس وأغارت سراياه على الفرنج ثم أخبر بمجيء الفرنج فبادر في الحال وكبسهم فإذا هم في ألف قنطارية وعشرة آلاف راجل فحملوا على المسلمين فثبتوا لهم ثم حمل المسلمون فهزموهم ووضعوا فيهم السيف ثم أسروا مائتين وسبعين أسيرا منهم مقدم الديويه فاستفك نفسه ألف أسير وبجملة من المال واما ملكهم فانهزم جريما وفيها توفي أحمد بن أبي الوفاء عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الصمد بن محمد ابن الصائغ البغدادي الفقيه الحنبلي الأمام أبو الفتح نزيل حران ولد ببغداد سنة تسعين وأربعمائة ولم أبا الخطاب الكلوذاني وخدمه وتفقه عليه وسمع منه ومن ابن بيان وسافر إلى حلب وسكنها ثم استوطن حران إلى حين وفاته وكان هو المفتي والمدرس بها وقرأ عليه الفقه ماعة منهم الشيخ فخر الدين ابن تيمية وسمع منه جماعة منهم ابن عبدوس والعماد المقدسي وأبو الحسن ابن القطيعي وروى عنه في تاريخه قال وأنشدني أبو الخطاب الكلوذاني لنفسه ) أنا شيخ وللمشايخ بالآداب * علم يخفى على الشبان ) ) فإذا ما ذكرتني فتأدب * فهو فرض يرد بالميزان ) وفيها إسمعيل بن موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر بن الحسن بن محمد ابن الجواليقي الأديب بن الأديب أبو محمد بن أبي منصور الحنبلي ولد في شعبان سنة اثنتي عشرة وخمسمائة وسمع من أبي الحصين وأبي الحسين بن الفراء (4/249)

250 وغيرهما وقرأ القرآن والأدب على أبيه عالما باللغة والعربية والأدب وله سمت سحن وقام مقام أبيه في دار الخلافة قال ابن الجوزى ما رأينا ولدا أشبه إياه مثله حتى في مشيه وافعاله وتوفي يوم الجمعة منتصف شوال ودفن بمقبرة الأمام أحمد وقال ابن النجار كان من أعيان العلماء بالأدب صحيح النقل كثير المحفوظ حجة ثقة نبيلا مليح الخط وفيها أبو يحيى اليسع بن عيسى بن حزم الغافقي المقرئ أخذ القراءات عن أبيه وأبي الحسن شريح وطائفة وأقرأ بالاسكندرية والقاهرة واستملى عليه السلطان صلاح الدين وقربه وإحترمه وكان فقيها مفتيا محدثا مقرئا نسابة أخباريا بديع مالخط وقيل هو أول من خطب بالدعوة العباسية بمصر توفي في رجب وفيها تجني الوهبانية أم عتب آخر من روى في الدنيا بالسماع عن طراد والنعالي توفيت في شوال وفيها المستضئ بأمر الله أبو محمد الحسن بن السمتنجد بالله يوسف بن المقتفي محمد بن المستظهر أحمد بن المقتدي العباسي بويع بعد أبيه في ربيع الآخر سنة ست وستين ونهض بخلافته الوزير عضد الدين بن رئيس الرؤساء فاستوزره وكان ذا دين وحلم واناه ورأفة ومعروف زائد وأمه أرمنية عاش خمسا وأربعين سنة وخلف ولدين أحمد الناصر وهاشما قال ابن الجوزى في المنتظم أظهر من العدل والكرم ما لم نره في أعمارنا وفرق مالا عظيما في الهاشمين وفي المدارس وكان ليس للمال عنده وقع وقال الذهبي كان يطلب ابن الجوزى ويأمر بعقد مجلس الوعظ ويجلس الوعظ ويجلس بحيث يسمع ولا يرى وفي أيامه اختفى الرفض ببغداد ووهي وأما بمصر والشام فتلاشي وزالت دولة العبيديين أولى الرفض وخطب له بديار مصر وبعض المغرب واليمن وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء ولما استخلف خلع على أرباب الدولة وغيرهم (4/250)

251 فحكى خياط المخزن انه فضل ألفا وثلثمائة قباء ابريسم وخطب له على منابر بغداد ونثرت الدنانير كما جرت العادة وولى روح الحديثي القضاء وأمر سبعة عشر مملوكا وللحيص بيص فيه يا إمام الهدى علوت عن الجود * بمال وفضة ونضار ) ) فوهبت الاعمار والامن والبلدان في ساعة مضت من نهار * ) ) فماذا ثنى عليك وقد جاوزت * فضل البحور والأمطار ) ) إنما أنت معجز مستقل * خارق للعقول والأفكار ) ) جمعت نفسك الشريفة باليأس * وبالجود بين ماء ونار ) قال ابن الجوزى واحتجب المستضئ عن اكثر الناس فلم يركب إلا مع الخدم ولم يدخل عليه غير قيماز وفي خلافته انقضت دولة بني عبيد وخطب له بمصر وضربت السكة بأسمه وجاء البشير بذلك فغلقت الأسواق ببغداد وعملت القباب وصنفت كتابا سميته النصر على مصر هذا كلام ابن الجوزى وللعماد الكاتب قصيدة في ذلك منها ) قد خطبنا للمستضئ بمصر * نائب المصطفى إمام العصر ) ) وخذ لنا لنصره العضد العاضد * ضد والقاصر الذي بالقصر ) ) وتركنا الدعي يدعو ثبورا * وهو بالذل تحت حجر وحصر ) وتوفي المستضئ في ذي القعدة عن ست ثلاثين سنة وفيها أبو الحسين عد الحق بن عبد الخالق بن أحمد اليوسفي الشيخ الثقة عن إحدى وثمانين سنة أسمعه أبوه الكثير من أبي القسم الربعي وابن الطيوري وجعفر السراج وطائفة ولم يحدث بما سمعه حضورا تورعا وكان فقيرا صالحا متعففا كثير التلاوة جدا في جمادي الأولى وفيها أبو الفضل عبد المحسن بن نزيك الازجي البيع روى عن ابن بيان (4/251)

252 وجماعة توفي يوم عرفة وفيها أبو المحاسن عمر بن علي بن الخضر بن عبد الله بن علي القرشي الزبيري الدمشقي القاضي الحافظ نزيل بغداد ومع من أبي الدر ياقوت الرومي وطائفة بدمشق ومن أبي القوت والناس ببغداد وصحب أبا التجيب السهروردي وولى قضاء الحريم توفي في ذي الحجة وله خمسون سنة قال ابن ناصر الدين هو حافظ رحال ثقة مأمون وفيها أبو هاشم الدوشابي بضم الدال المهملة ومعجمة وباء موحدة نسبة إلى الدوشاب وهو الدبس عيسى بن أحمد الهاشمي البعاسي البغدادي الهراس روى عن الحسين بن البسرى وغيره وتوفي في رجب وفيها أبو بكر محمد بن خير بن عمر بن خليفة اللمتوني الاشبيلي المقرئ الحافظ صاحب شريح فاق الأقران في ضبط القراءات وسمع الكثير من أبي مروان الباجي وابن العربي وخلق وبرع أيضا في الحديث واشتهر بالإتقان وسعة المعرفة بالعربية توفي في ربيع الأول عن ثلاث وسبعين سنة قال ابن ناصر الدين لم يكن له نظير في الإتقان وفيها أبو بكر الباقداري بكسر القاف بعد الموحدة والألف وبإهمال الدال والراء نسبة إلى باقدارى بالقصر من قرى بغداد محمد بن أبي غالب بن أحمد بن أحمد بن مرزوق بن أحمد الضرير سمع أبا محمد سبط الخياط فمن بعده وبرع في الحديث حتى صار ابن ناصر يسأله ويرجع إلى قوله وكان حنبلي المذهب قال ابن الزينبي انتهى إليه معرفة رجال الحديث وحفظه وعليه كان المعتمد فيه توفي كهلا الخمس بقين من ذي الحجة ببغداد وفيها أبو عبد الله الوهراني محمد بن محرز ركن الدين وقيل جمال الدين المقرئ الأديب الكاتب صاحب المزاح والدعابة والمنام الطويل الذي جمع أنواعا من المجون والأدب مات في رجب بدمشق قاله في العبر وقال ابن (4/252)

253 خلكان هو أحد الفضلاء الظرفاء قدم من بلاده إلى البلاد المصرية في أيام السلطان صلاح الدين رحمه الله تعالى وفنه الذي يمت به صناعة الإنشاء فلما دخل البلاد رأي بها القاضي الفاضل وعماد الدين الاصبهاني الكاتب وتلك الحلبة علم من نفسه انه ليس في طبقتهم ولا تنفق سلعته مع وجودهم فعدل عن طريق الجد وسلك طريق الهزل وعمل المنامات والرسائل المشهورة والمنسوبة إليه وهي كثيرة بأيدي الناس وفيها دلالة على خفة روحه ورقة حاشيته وكمال ظرفه ولو لم يكن فيها إلا المنام الكبير لكفاه فأنه أتى فيه بكل حلاوة ولولا طوله لذكرته ثم أن الوهراني المذكور تنقل في البلاد واقام بدمشق زمانا وتوفي في رجب ونقلت من خط القاضي الفاضل وردت الأخبار من دمشق في سابع عشر رجب بوفاة الوهراني رحمه الله تعالى والوهراني بفتح الواو وسكون الهاء وفتح الراء وبعد الألف نون هذه النسبة إلى وهران مدينة كبيرة على أرض القيروان بينها وبين تلمسان مسافة يوم وهي على البحر الشامي خرج جماعة من العلماء وغيرهم وفي بعض نسخ ابن خلكان ثم أن الوهراني المذكور تنقل في البلاد وأقام بدمشق زمانا وتولى الخطابة بداريا ودفن على باب دمشق في الغوطة وتوفي سنة خمس وسبعين وخمسمائة بداريا ودفن على باب تربة الشيخ أبي سليمان الداراني رحمه الله تعالى انتهى ما أورده ابن خلكان وفيها أبو محمد بن الطباخ المبارك بن علي بن الحسين بن عبد الله بن محمد البطاخ البغدادي نزيل مكة وإمام الحنابلة بالحرم المحدث الحافظ سمع الكثير ببغداد من ابن الطيوري وابن كادس وغيرهما وتفقه بالقاضي أبي الحسين وابن الزاغوني وكان صالحا دينا ثقة حافظ مكة في زمانه والمشار إليه بالعلم بها وأخذ عنه ابن عبدوس وغيره وتوفي في ثاني شوال بمكة وكان يوم جنازته مشهودا رحمه الله تعالى (4/253)

254 وفيها أبو الفضل متوجهر بن محمد بن تركانشاه الكاتب كان أديبا فاضلا مليح الانشاء حسن الطريقة كتب للأمير قايماز المستنجدي وروى المقامات عن الحريري مرارا وروى عن هبة الله بن أحمد الموصلي وجماعة وتوفي في جمادي الأولى وله ست وثمانون سنة وفها أبو منصور المظفر بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسين بن محمد ابن خلف بن الفراء ولد سنة ست وثلاثين وخمسمائة وسمع الحديث وبرع في مذهب الحنابلة أصولا وفروعا وناظر وتأدب وقال الشعر الجيد ومن شعره ) لست أنسى من سليمى قولها * يوم جد البين مني وبكت ) ) قطع الله بد الدهر لقد * قرطست إذ بالنوى شملى رمت ) ) فجرى دمعي لما قد سمعت * ووعت أذناي منها ما وعت ) ) يا لها من قوله عن ناظري * نومه طول حياتي قد نفت ) توفي في عنفوان شبابه يوم الجمعة الخمس عشرة خلت من شوال ودفن بمقبرة الأمام أحمد وفيها أبو عمر بن عباد الأستاذ المقرئ المحقق يوسف بن عبد الله بن سعد الاندلسي الحافظ قدم بلنسية وأخذ القراءات عن أبي مروان بن الصقيل وابن هذيل وسمع من طارق بن يعيش وجماعة وعنى بصناعة الحديث وكتب العالي والنازل وبرع في معرفة الرجال وصنف التصانيف الكثيرة وعاش سبعين سنة سنة ست وسبعين وخمسمائة فيها نزل السلطان صلاح الدين على حصن من بلاد الأرمن فافتتحه وهدمه ثم رجع فوافاه التقليد وخلع السلطنة بحمص من الناصر لدين الله فركب (4/254)

255 بها هناك وكان يوما مشهودا وفيها أبو طاهر السلفي الحافظ العلامة الكبير مسند الدنيا ومعمر الحفاظ أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم الاصبهاني الحرواني وحروان محلة بأصبهان وسلفة بكسر المهملة لقب جده أحمد ومعناه غليظ الشفة سمع من أبي عبد الله الثقفي وأحمد بن عبد الغفار بن أشته ومكي السلار وخلق كثير بأصبهان خرج عنهم في معجم وحدث بأصبهان في سنة اثنتين وتسعين قال وكنت ابن سبع عشرة سنة أكثر أو اقل ورحل سنة ثلاث فأدرك باب الخطاب بن البطر ببغداد وتفقه بها بالكيا الهراسي وأبي بكر الشاشي وغيرهما وعمل معجما لشيوخ بغداد ثم حج وسمع بالحرمين والكوفة والبصرة وهمذان وزنجان والري والدينور وقزوين وأذربيجان وزنجان والشام ومصر فأكثر بالروايات واستوطن الإسكندرية بضعا وستين سنة مكبا على الاشتغال والمطالعة والنسخ وتحصيل الكتب وقد أفردت أخباره في جزء وجاوز المائة بلا ريب وإنما النزاع في مقدار الزيادة ومكث نيفا وثمانين سنة يسمع السلفي ممن لا يحصي ومات يوم الجمعة بكرة خامس ربيع الآخر وتزوج بالإسكندرية امرأة ذات يسار وحصلت له ثروة بعد فقر وصار بالإسكندرية وجاهة وبنى له العادل علي بن اسحق بن السلار أمير مصر مدرية بالإسكندرية وقال ابن السمعاني هو ثقة ورع متقن متثبت حافظ فهم له حظ من العربية وفيها شمس الدولة الملك المعظم توران شاه ومعناه ملك المشرق بن أيوب بن شادي وكان أسن من أخيه السلطان صلاح الدين وكان يحترمه ويتأدب معه سيره فغزا النوبة فسبى وغنم ثم بعثه فافتتح اليمن وكانت بيد الخوارج الباطنية وأقام بها ثلاث سنين ثم اشتاق إلى طيب الشام ونضارتها فقدم وناب بدمشق لأخيه وكان أرسله أخوه قبل فتحه اليمن إلى بلاد الروم ليفتحها فوجدها لا تساوي التعب فرجع عنها بغنائم كثيرة ورقيق كثير وتحول من الشام إلى مصر في سنة أربع وسبعين ثم مات بالإسكندرية في صفر هذه السنة فنقلته أخته ست الشام ودفنته في مدرستها (4/255)

المعروفة بها بمجلة العونية ودفنت عي معه وولدها وكان توران من أجود الناس وأسخاهم غارقا في اللذات مات وعليه مائتا ألف دينار فوفاها عنه أخوه صلاح الدبين قال الفاضل مهذب الدين أبو طالب محمد بن علي الخيمي نزيل مصر رايته في النوم فمدحته وهو في القبر فلف كفنه ورماء إلى وقال ) لا تستقلن معروفا سمحت به * ميتا وأصبحت منه عاري البدن ) ) ولا تظنن جودى شانه بخل * من بعد بذلى ملك الشام واليمن ) ) إني خرجت من الدنيا وليس معي * من كل ما ملكت كفى سوى كفني ) وفيها أبو الحسن عبد الله بن محمد بن المبارك بن أحمد بن بكروس الحنبلي البغدادي الفقيه أخو أبي العباس أحمد ولد يوم الاثنين ثالث رجب سنة أربع وخمسمائة وسمع الحديث من ابن الحصين وابن السمر قندي وغيرهما وتفقه في المذهب وبرع وأفتى وناظر ودرس بمدرسة أخيه آخرا وصنف في لمذهب وله كتاب رءوس المسائل و كتاب الأعلام وحدث وسمع منه جماعة منهم ابن القطيعي وروى عنه في تاريخه ولزم بيته في آخر عمره لمرض حصل له إلى أن توفي يوم الاثنين ثالث ذي الحجة ودفن بمقبرة الأمام أحمد وفيها أبو المعالي عبد الله بن عبد الرحمن بن أحمد نب علي بن صابر الدمشقي ولد سنة تسع وتسعين وأربعمائة وعنى بالحديث أسمعه أبوه الكبير من النسيب وأبي طاهر الحسباني وطبقتهما ولعب في شبابه وباع أصول (4/256)

257 أبيه في شبابة بالهوان توفي في رجب على طريقة حسنة وفيها أبو المفاخر المأموني راوي صحيح مسلم بمصر سعيد بن الحسين بن سعيد البعاسي روى الحديث هو وأبنه وحفيده ونافلته وفيها أبو الفهم بن أبي العجايز الازدي الدمشقي واسمه عبد الرحمن بن عبد العزيز بن محمد وهو راوي حديث سختام عن أبي طاهر الحنائي وفها أبو الحسن بن العصار النحوي علي بن عبد الرحيم السلمي الرقي ثم البغدادي كان علامة في اللغة حجة في العربية اخذ عن ابن الجواليقي وكتب الكثير بخطه الأنيق وروى عن أبي الغنائم بن المهتدي بالله وغيره وخلف مالا طائلا واليه انتهى علم اللغة توفي في المحرم عن ثمان وستين سنة وفيها السلطان غازي سيف الدين صاحب الموصل وابن صاحبها قطب ثلاثون سنة وكان شابا مليحا أبيض طويلا عاقلا وقورا قليل الظلم قال ابن شهبة في تاريخ الإسلام كان من أحسن الناس صورة غيورا ما يدع خادما بالغا يدخل على حريمه طاهر اللسان عفيفا عن أموال الناس قليل السفك للدماء استسقى الدقاق الرجل الصالح فأراق الخمور ونهب العامة دكاكين الخمارين فاستدعى الدقاق إلى القلعة وقال أنت جرأت العامة علي وضربه على رأسه فانكشف فنزل مكشوف الرأس فقيل له غطه فقال لا أغطيه حتى ينتقم الله لي من ظلمني فمات الداودار الذي ضربه بعد قليل ومرض سيف الدين وتوفي انتهى وفيها محمد بن محمد بن مواهب أبو العز بن الخراسان البغدادي الأديب (4/257)

258 صاحب النوادر والعروض والديوان الشعر الذي هو في مجلدات كان صاحب ظرف ومجون وذكاء مفرط وتفنن في الأدب روى عن أبي الحسن بن الطيوري وأبي سعد بن حشيش وجماعة وتغير ذهنه قبل موته بيسير توفي في رمضان وله اثنتان وثمانون سنة قاله في العبر سنة سبع وسبعين وخمسمائة فيها توفي الملك الصالح أبو الفتح اسمعيل بن السلطان نور الدين محمود ابن زنكي خنته أبوه وقتا باهرا وزينت دمشق لختانه ثم مات أبوه بعد ختانه بأيام وأوصى له بالسلطنة فلم تتم ه وبقيت له حلب وكان شابا دينا عاقلا محببا إلى الحلبيين إلى الغاية بحيث انهم قاتلوا عن حلب صلاح الدين قتال الموت وما تركوا شيئا من مجهودهم ولما مرض بالقولنج في رجب ومات أقاموا عليه المأتم وبالغوا في النوح والبكاء وفرشوا الرماد في الطرق وكان له تسع عشرة سنة وأوصى بحلب لابن عمه عز الدين مسعود بن مودود فجاء وتملكها ولما كان اسمعيل بالقولنج وصف له الأطباء قليل مر فقال لا أفعل حتى أسأل الفقهاء فسأل الشافعية فأتوه بالجواز وسأل العلاء الكاساني فافتاه بالجواز أيضا فقال له أن كان الله قرب أجلي يؤخره شرب الخمر فقال لا فقال والله لا لقيت الله وقد فعلت ما حرم علي ومات ولم يشر به رحمه الله تعالى وفيها الكمال بن الأنباري النحوي العبد الصالح أبو البركات عبد الرحمن ابن محمد بن عبيد الله الشافعي تفقه بالنظامية علي ابن الرزاز وأخذ النحو عن ابن الشنجري واللغة عن ابن الجواليقي وبرع في الأدب حتى صار شيخ العراق توفي في شعبان وله أربع وستون سنة وكان زاهدا عابدا مخلصا ناسكا تاركا للدنيا له مائة وثلاثون مصنفا في اللغة والأصول والزهد وأكثرها هي فنون العربية منها كتاب أسرار العربية وهو سهل المأخذ كثير الفائدة و كتاب الميزان في النحو (4/258)

259 أيضا و كتاب طبقات الأدباء المتقدمين والمتأخرين مع صغر حجمه ثم انقطع في آخر عمره في بيته واشتغل بالعلم والعبادة وترك الدنيا ومجالسة أهلها وكان لا يسرج في بيته مع خشونة الملبس والفراش ولا يخرج إلا يوم الجمعة وحمل إليه المستضئ خمسمائة دينار فردها فقال أتركها لولدك فقال أن كنت خلقته فأنا أرزقه وأنجب كل من اشتغل عليه ودفن في تربة أبي اسحق الشيرازي والانبار قرية قديمة على الفرات بينها وبين بغداد عشرة فراسخ وفيها شيخ لشيوخ أبو الفتح عمر نب علي بن الزاهد محمد بن علي بن حمويه الجويني الصوفي وله أربه وستون سنة روى عن جده والفراوي وولاه نور الدين مشيخة الشيوخ بالشام وكان وافر الحرمة سنة ثمان وسبعين وخمسمائة فيها سار صلاح الدين فافتتح حران وسروج وسنجار ونصيبين والرقة ونازل الموصل فحاصرها وتحير من حصنتها ثم جاءه رسول الخليفة بأمره بالترحل عنها فرحل ورجع فأخذ حلب من عز الدين مسعود الأتابكي وعوضه بسنجار وفيها مات نائب دمشق فرخشاه وولى بعده شمس الدين محمد ابن المقدم وفيها توفي الشيخ الزاهد القدوة أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد بن يحيى ابن حازم بن علي بن رفاعة الشيخ الكبير الرفاعي البطائحي والبطائح عدة قرى مجتمعه في وسط الماء بين واسط والبصرة كان شافعي المذهب فقيها قال ابن قاضي شبهة في طبقاته وهو مغربي الأصل ولد في المحرم سنة خمسمائة وتخرج بخاله الشيخ الزاهد منصور قال ابن منصور قال ابن خلكان كان رجلا صالحا شافعيا (4/259)

260 فقيها انضم إليه خلق من الفقراء وأحسنوا فيه الاعتقاد وهم الطائفة الرفاعية ويقال لهم الأحمدية والبطائحية ولهم أحوال عجيبة من أكل الحيات حية والنزول إلى التنانير وهي تضرم نارا والدخول إلى الأفرنة ويناك الواحد منهم في جانب الفرن والخباز يخبز في الجانب الآخر وتوقد لهم النار العظيمة ويقام السماع فيرقصون عليها أن تنطفئ النار وياقل أنهم في بلادهم يركبون الأسود ونحو ذلك وأشباهه انتهى وعن الشيخ أحمد انه قال سكت كل الطرق الموصلة فما رأيت اقرب ولا اسهل ولا اصلح من الافتقار والذل والانكسار فقيل له يا سيدي فكيف يكون قال تعظم أمر الله وتشفق على خلق الله وتقتدي بسنة سيدك رسول اله وقد صنف الناس في مناقب الشيخ حسنة وكان فقيها شاقعيا قرأ التنبيه وله شعر حسن توفي في جمادي الأولى قال ابن كثير ولم يعقب وانما المشيخة في ابنى أخيه انتهى كلام ابن قاضي شبهة وقال في العبر وقد كثر الزغل في أصحابه وتجددت لهم أحوال شيطانية منذ أخذت التتار العراق من دخول النيران وركوب السباع واللعب بالحيات وهذا لا يعرفه الشيخ ولا صلحاء أصحابه فنعود بالله من الشيطان الرجيم انتهى وقال سبط ابن الجوزى حضرت عنده ليلة نصف شعبان وعنده نحو مائة ألف إنسان فقلت له هذا جمع عظيم فقال حشرت محشر هامان أن خطر ببالي أني مقدم هذا الجمع وكان متواضعا لسيم الصدر مجردا من الدنيا ما ادخر شيئا قط رآه بعض أصحابه في المنام مرارا في مقعد صدق ولم يخبره وكان للشيخ احمد امرأة بذيئة اللسان تسفه عليه وتؤذيه فدخل عليه الذي رآه في مقعد صدق يوما فرآه وفي يد امرأته محراك التنور وهي تضربه على أكتافه فاسود ثوبه وهو ساكت فانزعج الرجل وخرج من عنده وقال يا قوم يجري على الشيخ من هذه الامرأة هذا وأنتم سكوت فقال بعضهم مهرها خمسمائة (4/260)

261 دينار وهو فقير فمضى الرجل وجمع خمسمائة دينار وجاء بها إلى الشيخ فقال ما هذا قال مهر هذه الامرأة السفيهة التي فعلت بك كذا وكذا فتبسم وقال لولا صبري على شربها ولسانها ما رأيتني في مقعد صدق وعن يعقوب ابن كرازان الشيخ كان لا يقوم لأحد من أبناء الدنيا ويقول النظر في وجوههم يقسي القلب وكان يترنم بهذا البيت ) إن كان لي عند سليمى قبول * فلا أبالي ما يقول العذول ) وكان يقول ) ومستخبري عن سر ليلى تركته * بعمياء من ليلى بغير يقين ) ) يقولون خبرنا فأنت أمينها * وما أنا أن خبرتهم بأمين ) وذكر ابن الجوزى أن سبب وفاته رضي الله عنه آبيات أنشدت بين يديه تواجد عند سماعها تواجدا كان سبب مرضه الذي مات فيه وكان سبب مرضه الذي مات فيه وكان المنشد لها الشيخ عبد الغني بن نقطة حين زاره وهي ) إذا جن ليلى هام قلبي بذكركم * أنوح كما ناج الحمام المطوق ) ) وفوقي سحاب يمطر الهم والأسى * وتحتى بحار بالأسى تتدفق ) ) سلوا أم عمرو كيف بات أسيرها * تفك الأساري دونه وهو موثوق ) ) فلا هو مقتول ففي القتل راحة * ولا هو مأسور يفك فيطلق ) فمهموم كلام ابن الجوزى أن الأبيات ةلغيره مع أن ابن خلكان ذكر إنها من نظمه وفيها أبو طالب الخضر بن هبة الله بن أحمد بن طاووس الدمشقي المقرئ آخر من قرأ على أبي الوحش سبع وآخر من سمع على الشريف النسيب توفي في شوال وله ست وثمانون سنة وفيها أبو القسم بن بشكوال خلف بن عبد الله بن مسعود بن موسى الأنصاري القرطبي الحافظ محدث الأندلس ومؤرخها ومسندها سمع أبا محمد (4/261)

262 ابن عتاب وأبا بحر بن العاص وطبقتهما وأجاز له أبو علي الصدفي وسمع العالي والنازل وكان سليم الباطن كثير التواضع ألف خمسين تأليفا في أنواع العلوم منها الحكايات المستغربة وغوامض الأسماء المبهمة ومعرفة العلماء الأفاضل والقربة إلى الله بالصلاة على النبي صح وجزء ذكر فيه من روى الموطأ عن مالك رتبهم على حروف المعجم فبلغوا ثلاثة وسبعين رجلا و كتاب المستعينين عند المهمات والحاجات وما يسر الله لهم من الاجابات وغير ذلك وولى قضاء بعض جهات إشبيلية ثم اقتصر على إسماع العلم وتوفي في ثامن رمضان وله أربع وثمانون سنة وفيها خطيب الموصل أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبد القادر الطوسي ثم البغدادي ولد في صفر سنة سبع وثمانين وسمع حضورا من طراد والنعالي وغيرهما وسمع من ابن البطرواني بكر الطريثي وخلق وكان ثقة في نفسه توفي في رمضان قال ابن النجار وقرأ الفقه أي فقه الشافعي والأصول على الكيا الهراسي وأبي بكر الشاشي والأدب علي أبي زكريا البريزي وولى خطابة الموصل زمانا وتفرد في الدنيا وقصده الرحالون وفيها أبو محمد عبد الله بن احمد بن محمد بن علي بن حمنيس البغدادي السراج سمع أبا الحسن بن العلاف وأبا سعد بن حشيش وجماعة قال ابن الأخضر كان لا يحسن يصلي ولا أن يقول التحيات وتوفي في رجب قاله في العبر وفيها عز الدين فروخشاه بن شاهنشا بن أيوب بن شادي صاحب بعلبك وأبو صاحبها الملك الأمجد ونائب دمشق لعمه صلاح الدين وكان ذا معروف وبر وتواضع وأدب وكان للتاج الكندي به اختصاص توفي بدمشق ودفن في قبته التي بمدرسته المطلة على الميدانة في الشرق الشمالي في جمادي الأولى وهو أخو صاحب حماة تقي الدين له وشعر حسن منه ) إذا شئت أن تعطي الأمور حقوقها * وتوقع حكم العدل أحسن موقعه ) (4/262)

263 فلا تضع المعروف مع غير أهله * فظلمك وضع الشيء في غير موضعه ) وفيها القطب النيسابوري الفقيه العلامة أبو المعالي مسعود بن محمد ابن مسعود الطريثيثي بضم الطاء المهملة وفتح الراء وسكون التحتية ومثلثة نسبة إلى طريثيث ناحية بنيسابور الشافعي ولد سنة خمس وخمسمائة وتفقه علي محمد بن يحيى صاحب الغزالي وتأدب على أبيه وسمع من هبة الله السيدي وجماعة وبرع في الوعظ وحصل له القبول ببغداد ثم قدم دمشق سنة أربعين وأقبلوا عليه ودرس بالمجاهدة والغزالية ثم خرج إلى حلب ودرس بالمدرستين اللتين بناهما نور الدين وأسد الدين ثم ذهب إلى همذان فردس بها ثم عاد بعد مدة إلى دمشق ودرس بالغزالية وانتهت إليه رياسة المذهب بدمشق وكان حسن الأخلاق قليل التصنع مطرحا للتكلف صنف مختصرا في الفقه سماه الهادي وتوفي بدمشق في شهر رمضان ودفن بمقابر الصوفية وفيها أبو محمد بن الشيرازي هبة الله بن محمد بن هبة الله بن جميل البغدادي المعدل الصوفي الواعظ سمع أبا علي بن نبهان وغيره وقدم دمشق سنة ثلاثين وخمسمائة وهو شاب فسكنها وأم بمشهد على وفوض إليه عقد الأنكحة توفي في ربيع الأول وهو في عشر الثمانين وأم بعده في المشهد ابنة القاضي شمس الدين أبو نصر محمد وفيها أبو الفضل وفا بن اسعد التركي الخباز روى عن أبي القسم بن بيان وجماعة وتوفي في ربيع الآخر وكان شيخا صالحا وفيها ممدود الذهبي البغدادي المجاب الدعوة اتهم بسرقة فأتى به إلى باب النوبي ومد ليضرب فرفع النقيب يده ليضربه فيبست يده فقال له صاحب الباب مالك قال قد يبست يدي فرفعوه عن الأرض فعادت يده صحيحة فعاد النقيب ليضربه فيبست يده فعل ذلك ثلاث مرات فبكى صاحب الباب وقام إليه وأجلسه إلى جانبه واعتذر إليه (4/263)

264 وفيها أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن صاحب المغرب كان حسن السيرة مجاهدا في سبيل الله تعالى أغار الفنش ملك طليطلة على بلاد الأندلس فعدا إليه يوسف في مائتي ألف فارس وثمانين ألفا فنزل على بلاد الفنش فخامر عليه وزيره ابن المالقي وقال للعساكر أن أمير المؤمنين يأمركم أن تعدوا إلى مراكش فبقي في نفر يسير وأرسل إلى الفنش يقول له ادهمه فليس معه عسكر فجاء الفنش فالتقاه يوسف فطعن في جنبه فمان بعد يومين وحمل إلى إشبيلية وكانت إمارته اثنتين وعشرين سنة وقدموا ولده يعقوب وبايعوه وللقب بالمصور ولم يكن في بنى عبد المؤمن مثل يعقوب وفيها أبو الحسن علي بن أبي المعالي المبارك وقيل أحمد بن أبي الفضل بن أبي القسم بن الأديب الوراق الدار قزى المحولى الفقيه الحنبلي المعروف بابن غريبة ولد في منتصف رمضان سنة ست وخمسمائة وسمع الكثير من أبي القسم بن الحصين وغيره ببغداد وغيرها من البلاد وتفقه في المذهب علي ابن يوسف وغيره ببغداد وغيرها من البلاد وتفقه في المذهب علي ابن سيف وغيره وقرأ الفرائض على القاضي أبي بكر وكان ثقة صحيح السماع ذا عقل وتجربة ولاه الوزير ابن هبيرة رفع المظالم وانقطع في آخر عمره بالمحول وحمل على أعناق الرجال فدفن بمقبرة الأمام أحمد وفيها أبو القسم عبيد الله بن علي بن محمد بن محمد بن الحسين بن محمد بن خلف الفراء القاضي ابن القاضي ابن القاضي أبي يعلى حولد ليلة الاثنين في صباه من جماعه أعيان وسمع هو بنفسه من ابن ناصر الحافظ وأبي بكر بن الزاغوني وغيرهما وبالغ في السماع والإكثار وتفقه وكتب وكانت داره مجمعا لأهل (4/264)

265 العلم ويتفق عليهم بسخاء نفس وسعة صدر وسمع منه جماعة منهم ابن القطيعي وجمع وصنف انواعا من العلوم وحمله بذل يده وكرم طبعه على أن استدان مالا يمكنه وفاؤه فغلبه الأمر حتى باع معظم كتبه وخرج عن يده أكثر أملاكه واختفى في بيته من الديوان وبلغ به الحال إلى أن اغتيل في شهادة على امرأة بتصريف بعض الحاضرين فأنكرت المرأة المشهود عليها ذلك الأشهاد فكان سببا لعزله من الشهادة فهو عدل في روايته ضعيف في شهادته وتوفي يوم الجمعة يوم عيد الأضحى في هذه السنة أو في سنة ثمانين كما صحبه بل جزم به ابن رجب سنة تسع وسبعيهن وخمسمائة فيها توفي تاج الملوك مجد الدين بورى أخو السلطان صلاح الدين وله ثلاث وعشرون سنة كان أديبا شاعرا له ديوان صغير وجمع الله فيه محاسن الأخلاق ومكارمها مع الشجاعة والفصاحة ومن شعره ) أقبل من أعشقه راكبا * من جاب الغرب على أشهب ) ) فقلت سبحانك يا ذا العلي * أشرقت الشمس من المغرب ) ومنه أيضا ) أيا حامل الرمح الشبيه بقده * ويا شاهرا سيفا على لحظه غضبا ) ) ذر الرمح واغمد ما سللت فربما * قتلت وما حاولت طعنا ولا ضربا ) أصابت ركبته طعنة على حلب مات منها بعد أيام وفيها تقية بنت غيث بن علي الارمنازي الشاعرة المحسنة لها شعر سائر وكانت امرأة برزة جلدة مدحت تقي عمر صاحب حماة والكبار وعاشت أربعا وسبعين سنة ولها ابن محدث معروف عثرت يوما فانجرحت فشقت وليدة في الدار خرقة من خمارها وعصبت به جرحها فقالت ) لو وجدت السبيل جدت بخدى * عوضا عن خمار تلك الوليدة ) (4/265)

266 ) كيف لي أن اقبل اليوم رجلا * سلكت دهرها الطريق الحميدة ) وفيها أبو الفتح الخرقي عبد الله بن أحمد بن أبي الاصبهاني مسند أصبهان سمع أبا مطيع المصري وأحمد بن عبد الله السوذرجاني وانفرد بالرواية عن جماعة توفي في رجب وله تسع وثمانون سنة وكان رجلا صالحا وفيها الابله الشاعر صاحب الديوان أبو عبد الله محمد بن بختيار البغدادي شاب ظريف وشاعر مفلق جمع شعره بين الصناعة والرقة وسمى الأبله لذكائه من باب تسمية الشيء بضده كما ياقل للأسود كافور أنشد الأبله لابن الدوامى الحاجب يوما قوله 0 زار من أحيا بزورته * والدجى في لون طرته ) ) قمر يثنى معاطفه * بانة في طي بردته ) ) بت استجلي المدام على * غرة الواشي وغرته ) ) آه من خصر له وعلى * رشفة من ترد ريقته ) ) ياله في الحسن من صم * كلنا من جاهليته ) فقال هل ابن الدوامي يا حجة العرب هي لك قال نعم فصاح صائح يكذب ما هي له ففتشوا فلم يجدوا أحدا فقال أنشدني غيرها فانشده غيرها كل ذلك والقائل ويقول له تكذب ثلاث مرات فقال الأبله في الثالثة فما هي لي فهي لمن فقال القائل هي لي قال ومن أنت قال شيطانك الذي أعلمك قول الشعر قال له صدقت الله يحفظك علي قال أبو الدر الرومي الشاعر مرض الأبله فعدته فقال ما بقيت أقدر أنظم قلت فما سببه قال مات تابعي وتوفي بعد ذلك (4/266)

267 ومن شعره أيضا ) دارك يا بدر الدجى جنة * بغيرها نفسي ما تلهو ) ) وقد روى في خبرانه * أكثر أهل الجنة البله ) وله ) يا ذا الذي كفل اليتيم وقصده كفل اليتيم * ) ) أن كنت ترغب في النعيم فقد حصل على الجحيم * ) قال الذهبي مات وخلف ثمانية آلاف دينار ولم يكن له وارث وتوفي في جمادي الآخرة وفيها أبو العلاء البصري محمد بن جعفر البصري ثم البغدادي المقرئ قرأ القرآن علي أبي الخير العسال وسمع من ابن بيان وأبي النرسي وعاش ثلاثا وتسعين سنة وفيها قاضي زبيد الأمام الفاضل البارع المحمود السيرة علي بن الحسين السير بفتح السين وبالراء المهملتين توفي بمخلاف الساعد قافلا من مكة وكان ممن أجمع على فضله الموافق والمخالف يقال انه أجاب عن ألف مسئلة امتحنه بها أهل زبيد وفضائله يتعجب منها السامع كما قال ابن سمرة وفيها أبو طالب الكتاني محمد بن علي بن أحمد الواسطي المحتسب توفي في المحرم وله أربع وتسعون سنة سمع من أبي الصقر الشاعر وأبي نعيم الجماري وطائفة وانفرد بإجازة أبي طاهر أحمد بن الحسن الكرجي الباقلاني وجامعة ورحل إلى بغداد فلحق بها أبا الحسن بن العلاف وكان ثقة دينا وفيها يونس بن محمد بن منعة الأمام رضي الدين الموصلي الشافعي والد العلامة كمال الدين موسى وعماد الدين محمد تفقه علي الحسين بن نصر بن خميس وببغداد علي أبي منصور الرزاز ودرس وأفتى وناظر وتفقه به جماعة وكان مولده بإربل سنة إحدى عشرة وخمسمائة وتوفي في المحرم (4/267)

268 سنة ثمانين وخمسمائة فيها توفي ايلغازي بن المنى بن تمر تاش بن ايلغازي بن ارتق الملك قطب الذين التركماني صاحب ماردين وليها بعد أبيه مدة وكان موصوفا بالشجاعة والعدل توفي في جمادي الأخرى وفيها محمد بن حمزة بن أبي الصقر أبو عبد الله القرشي الدمشقي الشروطي المعدل توفي في صفر وله إحدى وثمانون سنة وكان ثقة صاحب حديث سمع من هبة الله بن الأكفاني وطائفة ورحل فسمع من ابن الطبر وقاشي المارستان وكتب الكثير وأفاد وكان شروطي البلد سنة إحدى وثمانين وخمسمائة فيها نازل صلاح الدين الموصل وقد سارت إلى خدمته ابنة الملك نورد الدين محمود زوجة عز الدين صاحب البلد وخضعت له فردها خائبة وحصر الموصل فبذل أهلها نفوسهم وقاتلوا أشد قتال فندم وترحل عنهم لحصانتها ثم نزل على ميافارقين فأخذها الأمان ثم رد إلى الموصل وحاصرها أيضا ثم وقع الصلح على أن يخطبوا له وغن يكون صاحبها طوع وان يكون لصلاح الدين شهرزور وحصونها ثم رحل فمرض واشتد مرضه بحران حتى ارجفوا بموته وسقط شعر لحيته ورأسه وفيها استولى ابن عانية الملثم على أكبر بلاد إفريقية وخطب للناصر العباسي وبعث رسوله يطلب التقليد بالسلطنة وفيها توفي صدر الإسلام أبو الطاهر بن عوف اسمعيل بن مكي بن اسمعيل بن عيسى بن عوف الزهري الاسكندراني المالكي في شعبان وله ست وتسعون سنة تفقه علي أبي بكر الطرطوشي وسمع منه ومن أبي عبد الله الرازي وبرع في المذهب وتخرج به الأصحاب وقصده السلطان صلاح الدين (4/268)

269 وسمع منه الموطأ وفيها محمد بن البهلوان بن الزكر الأتابك شمس الدين صاحب أرذبيجان وعراق العجم توفي في هذه السنة وقام بعده أخوه قزل وكان السلطان طغر بك السجلوقي من تحت محكم البهلوان كما كان أبوه أرسلان شاه من تحت حكم أبيه الزكر وكان له خمسة آلاف مملوك وفيها الشيخ الكبير الولي الشهير حياة بن قيس الحراني أحد الأربعة الذين قال فيهم أبو عبد الله القرشي رأيت أربعة من المشايخ يتصرفون في قبورهم كحياتهم الشيخ معروف الكرخي والشيخ عبد القادر الجيلاني والشيخ عقيل المنبجي والشيخ حياة بن قيس الحراني رضي الله عنه تخرج بالشيخ حياة كثير من المريدين وانجبوا وله من الكرامات أحوال تذهل العقول منها ما حكاه الشيخ الصالح غانم بن يعلى قال انكسرت بنا سفينة في بحر الهند فنجوت إلى جزيرة فوجدت فيها مسجدا فيه أربعة نفر متوجهون إلى الله تعالى فلما كان وقت العشاء دخل الشيخ حياة الحراني فتبادروا للسلام وتقدم فصلى بهم ثم صلوا الفجر وسمعته يقول في مناجاته يا حبيب التائبين وياسر العارفين ويا قرة عين العابدين ويا أنس المنفردين وياحرز اللاجئين ويا ظهر المنقطعين يا من حنت إليه قلوب الصديقين وانست به أفئدة المحبين وعلقت عليه همة الخائفين ثم بكى فرأيت الأنوار قد حفت بهم ثم خرج من المسجد وهو يقول ) سير المحب إلى المحبوب زلزال * والقلب فيه من الاهوال بلبال ) ) أطوى والمهامه من قفر على قدم * إليك تدفعني سهل وأجبال ) فقالوا لي اتبع الشيخ فتبعته فكانت الأرض تطوي لنا فوافينا حران وهم يصلون الصبح سكن رحمه الله تعالى حران إلى أن توفي قاله ابن الأهدل (4/269)

270 وفيها أبو اليسر شاكر بن عبد الله بن محمد التنوخي المعرى ثم الدمشقي صاحب ديوان الإنشاء في الدولة النورية عاش خمسا وثمانين سنة وفيها المهذب بن الدهان عبد الله بن أسعد بن علي الموصلي الفقيه الشافعي الأديب الشاعر النحوي ذو الفنون دخل يوما على نور الدين الشهيد فقال له كيف أصبحت فقال أصبحت كما لا يريد الله ولا رسوله ولا أنت ولا أنا ولا ابن ةعصرون فقال نور الدين كيف ذلك فقال لان الله ورسوله يريدان مني الأعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة ولست كذلك وأنت تريد مني أن لا أسألك شيئا ولست كذلك وأنا أريد من نفسي أن أكون أسعد الناس لست كذلك فضحك منه 0 أمر له بصلة وقال العماد الكاتب لما وصل السلطان صلاح الدين إلى حمص خرج إلينا ابن الدهان فقدمته وقلت هذا الذي يقول في قصيدة يمدح بها ابن رزبك ) أأمدح الترك أبغي الفضل عندهم * والشعر ما زال عند الترك متروكا ) فأعطاه السلطان مائة دينار وقال حتى لا يقول انه متروك عند الترك فامتدحه بقصيدته العينية التي يقول فيها ) أعلمت بعدم وقفتي بالأجرع * ورضا طلولط عن دموعي الهمع ) ) لا قلب لي فأعي الكلام فأنني * أودعته بالأمس عند مودعي ) ) قل للبخيلة بالسلام تورعا * كيف استبحت دمي ولم تتورعي ) ) هل تسمحين ببذل أيسر نائل * أن اشتكى وجدي إليك وتسمعي ) ) أو سائلي جسدي ترى أين العنا * أو فاسألي أن شئت شاهد أدمعي ) ) فالسقم آية ما أجن من الجوى * والدمع بينة على ما أدعي ) وله في غلام لبسته نحلة في شفته (4/270)

271 ) بأبي من لبسته نحلة * آلمت أكرم شيء واجل ) ) أثرت لبستها في شفة * ما براها الله إلا للقبل ) ) حسبت أن بفيه بيتها * إذا رأت ريقته مثل العسل ) توفي بحمص في شعبان وكان مدرسا بها وفيها عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله أبو محمد الأزدي الأشبيلي الحافظ ويعرف بابن الخراط أحد الأعلام ومؤلف الأحكام الكبرى والصغرى والجمع بين الصحيحين و كتاب الغريبين في اللغة و كتاب الجمع بين السنة وغير ذلك روى ع أبي الحسن شريح وجماعة نزل بجاية وولى خطابتها وبها توفي بعد محنة لحقته من الدولة في ربيع الآخر عن إحدى وسبعين سنة وكان مع جلالته في العلم قانعا متعففا موصوفا بالصلاح والورع ولزوم السنة وفيها الأمام السهيلي أبو زيد وأبو القسم وأبو الحسن عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد العلامة الاندلسي المالقي النحوي الحافظ العلم صاحب التصانيف منها الروض الأنف في شرح سيرة ابن هشام والأعلام بما أبهم القرآن من الأسماء الأعلام و كتاب نتائج النظر ومسئلة رؤية الله عز وجل في المنام وروية النبي ومسئلة السر في عور الدجال ومسائل كثيرة وله آبيات الفرج المشهورة قال ابن دحية أنشدنيها وقال ما يسأل الله ها أحد حاجة إلا أعطاه أياها وهي ) يا من يرى ما في الضمير ويسمع * أنت المعد لكل ما يتوقع ) ) يا من يرجى للشدائد كلها * يا من إليه المشتكي والمفزع ) ) يا من خرائن رزقه في قول كن * أمنن فان الخير عندك أجمع ) ) مالي سوى قرعى لبابك حيلة * فلئن رددت فأي باب أقرع ) ) ما لي سوى فقري إليك وسيلة * وبالإفتقار إليك فقري أدفع ) (4/271)

272 ) من ذا الذي أدعو واهتف بأسمه * أن كان فضلك عن فقيرك يمنع ) ) حاشا لمجدك أن تقنط عاصيا * الفضل أجزل المواهب أوسع ) وله أشعار كثيرة نافعة وكان مالكياً ضريراً أخذ القراءات عن جماعة وروى عن أبي العربي والكبار وبرع في العربية واللغات والأخبار والأثر وتصدر للإفادة وكان مشهوراً بالصلاح والزرع والعفاف والقناعة بالكفاف وأقام ببلده إلى أن نمى خبره إلى مراكش فطلبه واليها وأحسن إليه وأقبل عليه أقام بها نحو ثلاثة أعوام موهو منسوب إلى السهيل قرية بالقرب من مالقة بالأندلس وتوفي في شعبان في اليوم الذي توفي فيه شيخ الأسكندرية أبو الطاهر بن عوف وعاش اثنتين وسبعين سنة وفيها عبد الرزاق بن نصر بن المسلم الدمشقي النجار روى عن ابن الموازيني وغيره وتوفي في ربيع الآخر عن أربع وثمانين سنة وفيها ابن شابيل أبو الفتح عبيد الله بن عبد الله بن محمد بن نجا الدباس مسند بغداد سمع الحسين بن البسري وأبا غالب بن الباقلاني وجماعة وتفرد بالرواية عن بعضهم ووهم من قال انه سمع من البطر توفي في رجب عن تسعين سنة وفيها عصمة الدين الخاتون بنت الأمير معين الدين انز زوجة نور الدين ثم صلاح الدين وواقفة المدرسة التي بدمشق للحنفية وبنت خانقاه للصوفية على الشرف القبلي خارج باب النصر وبنت تربة بقاسيون على نهر يزيد تجاه قبة جركس ودفنت بها وهي في يومنا هذا داخل جامع الجديد بالصالحية وأوقفت على هذه الأماكن أوقافاً كثيرة وفيها الماشي أبو حفص عمر بن عبد المجيد القرشي شيخ الحرام تناول من أبي عبد الله الرازي وسمع من جماعة وله كراس في علم الحديث توفي بمكة (4/272)

273 وفيها أبو المجد البانياسي الفضل بن الحسين الحميري عفيف الدين الدمشقي روى عن أبي القسم الكلابي وأبي الحسن بن الموازيني توفي في شوال وله ست وثمانون سنة وفيها صاحب حمص الملك ناصر الدين محمد بن الملك أسد الدين شركوه وابن عم السلطان صلاح الدين كان فارساً شجاعاً جريئاً متطلعاً إلى السلطنة قلي انه قتله الخمر وقيل بل سقي لبسم مات يوم عرفة وفيها أبو سعد الصائغ مجمد بن عبد الواحد الأصبهاني المحدث روى عن غانم البرجي والحداد وخلق وفيها أبي الموسى المديني محمد بن أبي بكر عمر بن أحمد الحافظ صاحب التصانيف وله ثمانون سنة سمع من غانم البرجي وجماعة من أصحاب أبي نعيم ولم يخاف بعده مثله مات في جمادى الأولى وكان مع براعته في الحفظ والرجال صاحب ورع وعبادة وجلالة وتقي سنة اثنتين وثمانين وخمس مائة قال العماد الكاتب أجمع المنجمون في هذا العام في جميع البلاد على خراب العالم في شعبان عند اجتماع الكوكب الستة في الميزان بطوفان الريح وخوفوا بذلك الأعاجم والروم فشرعوا في حفر مغارات ونقلوا إليها الماء والزاد وتهيأوا فلما كانت الليلة التي عينها المنجمون امثل ريح عاد ونحن جلوس عند السلطان والشموع توقد فلا تتحرك ولم نر ليلة مثل ركودها وفها توفي العلامة عبد الله بن برى أبو محمد المقدسي ثم المصري النحوي صاحب التصانيف وله ثلاث وثمانون سنة روى عن أبي صادق المديني وطائفة وانتهى إليه علم العربية في زمانه وقصد من البلاد لتحقيقه وتبحره ومع ذلك فله حكايات في الفضل وسذاجة الطبع كان يلبس الثياب (4/273)

274 الفاخرة ويأخذ في كمه العنب والبيض فيقطر على رجله ماء العنب فيرفع رأسه ويقول العجب إنما تمطر مع الصحو وكان يتحدث ملحوناً ويتبرم بمن يخاطبه بإعراب وهو شيخ الجزولي وفيها أبو السعود أحمد بن المبارك الزاهد الحريمي كان عطاراً فأقامه الله فانقطع إليه وصحب الشيخ عبد القادر الكيلاني وله كرامات وكان لا يأكل حتى يطعم ولا يشرب حتى يسقي ولا يابس ثوباً حتى يجعل في عنقه ولا يتكلم إلا جوابا ولا يزال على طهارة مستقبل القبلة وقع عليه سقف فجاء جذع فكسر رؤوس أضلاعه فلم يتحرك حتى جاء أصحابه فأزالوا السقف عنه فأقام عشرين سنة لا يعلم أحد أن أضلاعه مكسرة حتى مات فوجدوها على المغتسل مكسرة وفيها عبد الرحمن بن جامع بن غنيمة بن البناء البغدادي الأزجي الميداني الفقيه الحنبلي الزاهد أبو الغنائم ويسمى أيضاً غنيمة ولد سنة خمسمائة تقريباً وسمع الحديث من أبي طالب اليوسفي وغيره وتفقه على أبي بكر الدينوري وقرأ الخلاف على أسعد الميهني وبرع وأفتى وناظر ودرس بمسجده وكان عارفاً بالمذهب صالحاً تقياً قال ابن النجار كان فقيهاً فاضلا ورعاً زاهداً مليح المناظرة حسن المعرفة بالمذهب والخلاف وحدث عنه الشيخ موفق الدين وغيره وتوفي ليلة الاثنين ثامن شوال ودفن بمقبرة باب حرب وفيها علي بن مكي بن عبد الله بن أبو الحسن الضرير المقرىء الفقيه الحنبلي الأزجي قرأ القرآن وسمع الحديث الكثير من ابن ناصر وابن البطي وغيهما وتفقه على أبي حكيم النهرواني وكان من أهل الدين والصلاح توفي ليلة الأربعاء عاشر شوال ودفن بباب حرب إلى جانب شيخه أبي حكيم سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة فيها افتتح صلاح الدين بالشام فتحاً مبيناً ورزق نصرا متيناً وهزم الفرنج (4/274)

275 وأسر ملوكهم وكانوا أربعين آلفا ونازل القدس وأخذه وكان المنجمون قد قالوا له تفتح القدس وتذهب عينك الواحدة فقال رضيت أن أفتحه وأعمى فافتتحها بعد أن كانت بأيدي الفرنج أكثر من تسعين سنة ثم أخذ عكا ثم رجال فافتتح عدة حصون ودخل على المسلمين سرور لا يعلمه إلا الله تعالى وفيها توفي عبد الجبار بن يوسف البغدادي شيخ الفتوة وحامل لوائها كان قد علا شأنه بكون الناصر الخليفة يمضي إليه توفي حاجا بمكة وفيها عبد المغيث بن زهير بن علوي الحربي المحدث الزاهد أبو العزيز ابن حرب الحنبلي محدث بغداد ولد سنة خمسمائة تقريبا وسمع من أبي القسم بن الحصين وابن كادض وغيرهما وعنى بهذا الشأن وحصل الأصول ولم يزل يسمع حتى سمع من أقرانه وتفقه على القاضي أبي الحسين ابن الفراء وكان صالحا متدينا صدوقا أمينا حسن الطريقة جميل السيرة حميد الأخلاق مجتهدا في ابتاع السنة والأثار منظورا إليه بعين الديانة والأمانة وجمع وصنف وحدث ولم يزل يفيد الناس إلى حين وفاته وبورك له حتى حدث بجميع مرويانخ وسمع منه الكبار قال الدبيثي عنى بطلب الحديث وسماعة وجمعه من مظانه وخرج وصنف وكان ثقة صالحا صاحب طريقة حميدة وكتبنا عنه ونعم الشيخ كان وروى عنه الشيخ موفق الدين والحافظ عبد الغني وغيرهم وقدم دمشق وحدت بها وقال ابن الحنبلي سمعت من عبد المغيث وكان حافظا زاهدا ورعا كنت إذا رايته خيل إلى انه أحمد ابن حنبل انه كان قصيرا وتوفي ليلة الأحد ثالث عشرى المحرم ودفن (4/275)

276 بتكة قبر الأمام قال الذهبي صنف جزءا في فضائل يزيد أتى فيه بالموضوعات وفيها قاضي القضاة ابن الدامغاني أبو الحسن عي بن أحمد بن قاضي القضاة أبي عبد الله محمد بن علي الحنفي وله سبعون سنة وكان ساكنا وقورا محتشما حدث عن ابن الحصين وطائفة وولى القضاء بعد موت قاضي القضاة أبي القسم الزيبني ثم عزل عند موت المقتفي فبقى معزولا إلى سنة سبعين ثم ولى إلى أم مات وفيها ابن المقدم الأمير الكبير شمس الدين محمد بن عبد الملك كان من أعيان أمراء الدولتين وهو الذي سلم سنجار إلى نور الدين ثم بعلبك وعصى على صلاح الدين مدة فحاصره ثم صالحه وناب له بدمشق وكان بطلا شجاعا محتشما عاقلا شهد في العام الفتوحات وحج فلما حل بعرفات رفع علم السلطان صلاح الدين وضرب الكوسات فأنكر عليه أمير ركب العراق طاشتكين فلم يلتفت وركب في طلبه وركب طاشتكين فالتفوا وقتل جماعة من الفريقين وأصاب ابن المقدم سهم في عينه فخر صريعا وأخذ طاشتكين ابن المقدم فمات من الغد بمنى وهو باني المدرسة المقدمية والتربة والخان داخل باب الفراديس وفيها مخلوف بن علي بن جاره أبو القسم المغربي ثم الاسكندراني المالكي أحد الأئمة الكبار تفقه به أهل الثغر زمانا وفيها أبو السعادات القزاز نصر الله بن عبد الرحمن بن محمد الشيباني الحريمي مسند بغداد سمع جده أبا غالب القزاز وأبا القسم الربعي وطائفة وتوفي في ربيع الآخر عن اثنتين وتسعين سنة وفيها أبو بكر محمد بن نصر الخرقي القاشاني الحافظ الثقة الناقد النبيل كما قال ابن ناصر الدين وفيها أبو الفتح بن المنى ناصح الإسلام نصر بن فتيان بن مطر النهراوني (4/276)

277 تم البغدادي الحنبلي فقه العراق وشيخ الحنابلة على الإطلاق روى عن أبي الحسن بن الزاغوني وطبقته وتفقه على أبي بكر الدينوري وكان ورعا زاهدا متبعدا على منهاج السلف الصالح تخرج به أئمة قال الشيخ ناصح الدين بن الحنبلي رحلت اليه 9 فوجدت مسجده بالفقهاء والقراء معمورا وكل فقيه عنده من فضله وافضاله مغمورا فأنحت راحلتي بربعه وحططت زاملة بغيتي على شرعة شرعه فوجدت الفضل الغرير والدين القويم المنير فتلقاني بصدر بالأنوار قد شرح فوجدت الفضل الغرير والدين القويم المنير فتلقاني بصدر بالأنوار قد شرح وفتح فتح الله تعالى عليه حفظ القرآن العظيم وهو في حداثة من سنة ولاحت عليه أعلام المشيخة فرجح منه على كل من بفضل الله ومنه ثم قال لم تنقل انه لعب ولا لها ولا طرق باب طرب ولا مشي إلى لذة ومشتهى وقال قال لي ابن المنى تقدمت في زمن أقوام ما كنت أصلح أن أقدم مداسهم وقال لي رحمه الله تعالى ما أذكر أحدا قرأ على القرآن إلا حفظه وسمع درس الفقه إلا انتفع ثم قال هذا حظي من الدنيا قال ابن الحنبلي وما تزوج ولا تسرى ولا ركب بغلة ولا فرسا ولا ملك مملوكا ولا لبس الثياب الفاخرة إلا لباس التقوى وكان أكثر طعامه يشرب في قدح ماء الباقلاء وكان إذا فتح عليه بشيء فرقة بين أصحابه وكان لا يتكلم في الأصول ويكره متى يتكلم فيه سليم الاعتقاد صحيح الانتقاد في الأدلة الفروعية وقال ابن رجب صرف همته طول عمره إلى الفقه أصولا وفروعا مذهبا وخلافا واشتغالا واشتغالا ومناظرة وتصدر للدرس والأشغال والإفادة وطال عمره وبعد صيته وقصده الطلبة من البلاد وشت إليه الرحال في طلب الفقه وتخرج به أئمة كثير منهم ابن الجوزى وفقهاء الحنابلة اليوم في سائر البلاد يرجعون إليه والى أصحابه لأن فقهاء زماننا إنما يرجعون في الفقه من جهة الكتب إلى الشيخين موفق الدين المقدسي ومجد الدين بن تيمية الحراني فأما الشيخ (4/277)

278 الموفق فهو تلميذ ابن المنى وعنه أخذ الفقه وأما ابن تيمة فهو تلميذ تلميذه أبي بكر بن الحلاوي وكان مرض ابن المنى الاسهال وذلك من تمام السعادة لأن مرض البطن شهادة وتوفي به يوم السبت رابع شهر رمضان ودفن يوم الأحد ونودى في الناس وخيف من الفتن فنفذ الولاة الأجناد والأتراك بالسلاح ومات عن اثنتين وثمانين سنة ولم يخلف مثله وفيها الزاهد عبد الغني بن شجاع أبو بكر البغدادي الحنبلي المعروف بابن نقطة قال السخاوي هو مشهور بالتقلل والإيثار والزهد وكان له ببغداد زاوية يأوي إليها الفقراء ولم يكن في عصره من يقاومه في التجريد كان يفتح عليه قبل غروب الشمس بألف دينار فيفرقها والفقراء صيام فلا يدخر لهم منها شيئا ويقول نحن لا نعمل بأجرة يعني لا نصوم وندخر ما نفطر عليه وزوجته أم الخليفة الناصر بجارية من خواصها وجهزتها بعشرة آلاف دينار فما حال الحول وعنده سوى هاون فجاء فقير فوقف على الباب وقال لي ثلاثة أيام ما أكلت شيئا فأخرج إليه الهاون وقال لا تشنع على الله كل بهذا ثلاثين يوما وقال ابن شهبة في تاريخه وكان له أخ مزكلش ينشدكان وكان ومواليا في الأسواق ويسحر الناس في رمضان فقيل له أخوك زاهد العراق وأنت هكذا فأنشد مواليا ) قد خاب من شبه الجزعه إلى دره * وسام قحبه إلى مستحسنه حره ) ) أنا مغني وخي زاهد إلى مره * يبرين في دار ذي حلوه وذي مره ) انتهى وتوفي في رابع جمادي الآخرة ببغداد ويأتي ذكر ولده محمد في سنة (4/278)

279 ثمان وعشرين وستمائة أن شاء الله تعالى وفيها مجد الدين بن الصاحب هبة الله بن علي ولي اسناد راية المستضئ ولما ولى الناصر رفع منزلته وبسط يده وكان رافضيا سبابا تمكن وأحيا شعار الأمامية وعمل كل قبيح إلى أن طلب إلى الديوان فقتل وأخذت حواصله فمن ذلك ألف ألف دينار وعاش إحدى وأربعين سنة قاله في العبر سنة أربع وثمانين وخمسمائة دخلت وصلاح الدين يصول ويجول بجنوده على الفرنج حتى دوخ بلادهم وبث سراياه وافتتح أخوه الملك العادل الكرك بالأمان في رمضان وسلموها لفرط القحط وفيها توفي أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الأمير الكبير مؤيد الدولة أبو المظفر الكناني الشيرازي كان من أكابر بني منقذ أصحاب قلعة شيرز وعلمائهم وشجعانهم له تصانيف عديدة في فنون الأدب والأخبار والنظم وفيه تشيع قال العماد الكاتب في الخريدة سكن دمشق ثم نبت به كما تنبو الدار بالكريم فانتقل إلى مصر فبقى مؤمرا مشارا إليه بالتعظيم إلى أيام الصالحبن رزبك ثم عاد إلى الشام وسكن دمشق ثم رماه الزمان إلى حصن كيفا فأقام به حتى ملك السلطان صلاح الدين دمشق فاستدعاه وهو شيخ قد جاوز الثمانين وقال ابن خلكان له ديوان شعر في جزءين موجود بأيدي الناس ورأيته ونقلت منه ) لا تستعر جلدا على هجرانهم * فقواك تضعف عن صدود دائم ) ) وأعلم بأنك أن رجعت إليهم * طوعا وألا عدت عودة راغم ) وله جواب عن آبيات كتبها أبوه إليه ) وما أشكو تلون أهل ودي * ولو أجدت شيكتهم شكوت ) (4/279)

280 ) ملكت عتابهم ويئست منهم * فما أرجوهم فيمن رجوت ) ) إذا أدمت قوارضهم فؤداي * كظمت على أذاهم وانطويت ) ) ورحت عليهم طلق المحيا * كأنما ما سمعت ولا رأيت ) ) تجنوا لي ذنوبا ما جنتها * يداي ولا أمرت ولا نهيت ) ) ولا والله ما أضمرت غدرا * كما قد أظهروه ولا نويت ) ) ويوم الحشر موعدنا فتبدو * صحيفة ما جنوه وما جنيت ) وله وقد قلع ضرسه وقال عملتهما ونحن بظاهر خلاط وهو معنى غريب ويصلح أن يكون لغزا في الضرس ) وصاحب لا أمل الدهر صحبته * يشقي لنفعي ويسعى سعى مجتهد ) ) لم ألقه مذ تصاحبنا فمذ وقعت * عيني عليه افترقنا فرقة الأبد ) توفي يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من شهر رمضان ودفن من الغد شرقي جبل قاسيون وفيها عبد الرحمن بن محمد بن حبيش القاضي أبو القسم الأنصاري المرى نزيل مرسية عاش ثمانين سنة وقرأ القراءات على جماعة ورحل بعد ذلك فسمع بقرطبة من يونس بن محمد بن مغيث والكبار وكان من أئمة الحديث والقراءات والنحو واللغة ولي خطابة مرسية وقضاءها مدة واشتهر ذكره وبعد صيته وكانت الرحلة إليه في زمانه وقد صنف كتاب المغازي في عدة مجلدات وفيها عمر بن بكر بن محمد بن على القاضي عماد الدين بن الأمام شمس الأئمة الخابوري الزرنجري بفتح الزاي والراء الأولى والجيم وسكون النون نسبة إلى زرنجرا قرية ببخارا شيخ الحنيفة في زمانه بما وراء النهر ومن انتهت إليه رياسة الفقه توفي في شوال عن نحو تسعين سنة وفيها التاج المسعودي محمد بن عبد الرحمن البنجديهي بفتح الموحدة وسكون (4/280)

281 النون وفتح الجيم وبعد الدال المهملة تحتية نسبة إلى ديه خمس وقرى بمرو الورذ الخراساني الصوفي الشافعي الرحال الأديب مات عن اثنتين وثمانين سنة بدمشق وسمع من أبي القوت وطبقته وأملى بمصر مجالس وعنى بهذا الشأن وكتب وسعى وجمع فأوعى وصنف شرحا طويلا للمقامات قال يوسف ابن خليل الحافظ لم يكن في نقله بثقة وقال ابن النجار كان من الفضلاء في كل فن في الفقه والحديث والأدب وكان من أظراف المشايخ وأجملهم وفيها أبو الفتح بن التعاويذي محمد بن عبد الله بن الكاتب الشاعر المشهور نسب إلى التعاويذي لأنه نشأ في حجره وهو جده لأمه كان شاعر وقته لم فيع مثله جمع شعره بين جزالة الألفاظ وعذوبتها ورقة المعاني ودقتها وهو في غاية الحسن والحلاوة وفيما أعتقده لم يكن قبله بمائتي سنة من يضاهيه وله في عماه أشياء كثيرة يرثي عينيه وزمان شبابه ونضرته وكان قد جمع ديوانه بنفسه قبل العمى وعمل له خطبة ظريفة ورتبه أربعة فصول وكل ما جدده بعد ذلك سماه الزيادات فلهذا يوجد ديوانه خاليا من الزيادات وفي بعضها مكملا بالزيادات ولما عمى كان باسمه رابت في الديوان فلتمس أن ينقل باسم أولاده فنقل وكان في وزير الديوان ابن البلدي قد عزل أرباب الدواوين وحبسهم وحاسبهم وصادرهم وعاقبهم فقال فيه ابن التعاويذي ) يا رب أشكو إليك ضرا * أنت على كشفه قدير ) ) أليس صرنا إلى زمان * فيه أبو جعفر وزير ) وكانت ولادة ابن التعاويذي نسبة إلى كتب التعاويذ (4/281)

282 وهي الحروز وفيها أبو بكر محمد بن موسى بن عثمان بن حازم المعروف بالحازمي بالحاء المهملة نسبة إلى جده الهمذاني الشافعي الملقب زين الدين كان فقيها حافظا زاهدا ورعا متقشفا حافظا للمتون والاسانيد غلب عليه علم الحديث وصنف فيه تصانيفه المشهورة منها الناسخ والمنسوخ في الحديث لم يصنف في فنه مثله و كتاب المشتبه و كتاب سلسلة الذهب فيما روى الأمام أحمد عن الشافعي وفي شروط الأئمة وغيرها من التصانيف النافعة واستوطن بغداد ولازم الاشتغال والتعبد إلى أن مات ليلة الاثنين الثامن والعشرين من جمادي الأولى ودفن في الشونيزية مقابل الجنيد وكان قد فرق كتبه على أصحاب الحديث قال الاسنوي ولا نعلم أحدا ممن ترجمنا له توفي أصغر سنا منه عكس القاضي أبي الطيب وأبي طاهر الزيادي نقل عنه في الروضة في أثناء كتاب القضاء أن الذين أدركتهم من الحفاظ كانوا يميلون إلى جواز إجازة غير المعين بوصف العموم كأجرت للمسلمين ونحوه ثم صححه النووي انتهى وفيها ابن صدقة الحراني أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن صدقة التاجر السفار راوي صحيح مسلم عن الفراوي شيخ صالح صدوق كثير الأسفار سمع في كهولته الكتاب المذكور وعمر سبعا وتسعين سنة توفي في ربيع الأول بدمشق وله بها أوقاف وبر وفيها يحيى بن محمود بن سعد الثقفي أبو الفرج الاصبهاني الصوفي حضر في أول عمره على الحداد وجماعة وسمع من جعفر بن عبد الواحد الثقفي وفاطمة الجوزدانية وجده لأمه أبي القسم صاحب الترغيب والترهيب وروى الكثير بأصبهان والموصل وحلب ودمشق وتوفي بنواحي همذان وله سبعون سنة (4/282)

283 سنة خمس وثمانين وخمسمائة فيها توفي أبو العباس أحمد بن أحمد بن محمد بن ينال الأصبهاني شيخ صوفية بلده ومسندها أبا مطيع وعبد الرحمن الدوني وببغداد أبا علي ابن نبهان وتوفي في شعبان في عشر المائة وفيها ابن الموازيني أبو الحسين أحمد بن حمزة بن أبي الحسين علي بن الحسن السلمي سمع من جده ورحل إلى بغداد في الكهولة فسمع من أبي بكر بن الزاغوني وطبقته وكان صالحا خيرا محدثا فهما توفي في المحرم وهو في عشر التسعين وفيها ابن أبي عصرون قاضي القضاة فقيه الشام شرف الين أبو سعد عبد الله بن محمد بن هبة الله بن المطهر بن علي بن أبي عصرون التميمي الحديثي ثم الموصلي أحد الأعلام مولده في ربيع الأول سنة اثنتين بن طوق ثم رحل إلى بغداد فقرأ القراءات علي أبي عبد الله البارع وسبط الخياط وسمع من أبي الحصين وطائفة ودرس النحو والأصلين ودخل واسط وتفقه بها ورجع إلى الموصل بعلوم جمة ودرس بها وأفتى ثم سكن سنجار مدة ثم قدم حلب ودرس بها وأقبل عليه نور الدين فقدم معه عنده اافتتح دمشق وولى القضاء لصلاح الدين سنة ثلاثة وسبعين وله مصنفات كثيرة منها الانتصار في أربع مجلدات وصفوت المذهب في نهاية اختصار نهاية المطلب في سبع مجلدات وغير ذلك قال الشيخ موفق الدين بن قدامة كنا ابن أبي عصرون إمام أصحاب الشافعي وقال ابن الصلاح في طبقاته كان من أفقه أهل عصره واليه المنتهى في الفتاوي والأحكام وتفقه به خلق كثير انتهى وبنى له نور الدين المدارس بحلب وحماه وحمص وبعلبك وبنى هو لنفسه مدرسة وأخرى بدمشق (4/283)

284 وتوفي في شهر رمضان وله ثلاث وتسعون سنة وفيها أبو طالب الكرخي صاحب ابن الخل وأسمه المبارك بن المبارك شيخ الشافعية بوقته في بغداد وصاحب الخط المنسوب ومؤدب أولاد الناصر لدين الله درس بالنظامية بعد أبي القزويني وتفقه به جماعة وحدث عن ابن الحصين وكان رب علم ونسك وورع وكان أبوه مغنياً فتشاغل الابن بضرب العود حتى شهدوا له أنه في طبقة معبد ثم أنف من ذلك فجود الكتابة حتى زاد بعضهم وقال هو أكتب من ابن البواب ثم اشتغل بالفقه فبلغ في العلم الغاية وفيها محمود بن علي بن أبي طالب أبو طالب التميمي الأصفهاني الشافعي قال ابن خلكان تفقه على حمد بن يحيى وبرع في علم الخلاف وصنف فيه طريقة مشهورة وكانت عمدة المدرسين في إلقاء الدروس ويعدون تاركها قاصر الفهم عن إدراكها واشتغل عليه خلق كثير فصاروا أئمة وكان خطيبا واعظا اليد الطولي في الوعظ ودرس بأصبهان مدة وقال الذهبي كان ذا يقين في العلوم وله تعليقة جمة المعارف وتوفي في شوال وفيها كما قال ابن ناصر الدين يوسف بن أحمد الشيرازي كان حافظا نقادا بارعا شيخ الصوفية ببغداد انتهى وفيها البحراني الشاعر المشهور تفنن في الأدب واشتغل بكتب الأوائل وحل كتاب اقليدس وهو منسوب إلى البحرين بليدة فوق هجر لأن في ناحية قراها بحيرة على باب الاحساء قدرها ثلاثة أميال وكرهوا أن يقولوا البحري فيشتبه بالنسبة إلى البحر قاله ابن الأهدل في تاريخه سنة ست وثمانين وخمسمائة دخلت والفرنج محدقون بعكا والسلطان في مقاتلهم والحرب مستعر فتارة (4/284)

285 يظهر هؤلاء وتارة يظهر هؤلاء وقدمت عساكر الأطراف مددا لصلاح الدين وكذلك الفرنج أقبلت في البحر من الجزائر البعيدة وفرغت السنة والناس كذلك وفيها أبو المواهب الحسن بن هبة الله بن محفوظ الحافظ الكبير ابن صصري التغلبي الدمشقي سمع من جده ونصر الله المصيصي وطبقتهما ولزم الحافظ ابن عساكر وتخرج به ثم رحل وسمع بالعراق من ابن البطى وطبقته وبهمذان من أبي العلاء الحافظ وعدة وأصبهان من ابن ما شاده وطبقته وبالجزيرة والنواحي وبرع في هذا الشأن وجمع وصنف مع الثقة والجلالة والكرم والرياسة عاش تسعا وأربعين سنة وكان ثبتا وفيها أبو القسم سيف الدين عبد الله بن عمر بن أبي بكر الفقيه الحنبلي الأمام ولد سنة تسع وخمسين وخمسمائة بقاسيون ورحل إلى بغداد فسمع بها من جماعة وتفقه وبرع في مغرفة المهب والخلاف والمناظرة وقرأ النحو على أبي البقاء وحفظ الإفصاح لأبي علي وقرأ العروض وله فيه تصنيف قال الحافظ الضياء اشتغل بالفقه والخلاف والفرائض والنحو وصار إماما عالما ذكيا فطنا فصيحا مليح الإيراد حتى أنني سمعت بعض الناس يقول عن بعض الفقهاء ما اعترض السيف على دليل الأثلم دليله قاله ابن رجب وكان حسن الخلق والخلق أنكر منكرا ببغداد فضربه الذي أنكر عليه فكسر ثنيته ثم انه مكن من ذلك الرجل فلم يقتص منه وغزا مع صلاح الدين وسافر إلى حران فتوفي بها شابا في حياة أبيه وتوفي في شوال رحمه الله تعالى وفيها أبو العلاء نجم الدين عبد الوهاب بن شرف الإسلام عبد الواحد ابن محمد بن لي الشيرازي الأصل الأنصاري شيخ الحنابلة بالشام في وقته (4/285)

286 قال ولده ناح لدين عبد الرحمن ولد والدي سنة ثمان وتسعين وأربعمائة وأفتى ودرس وهو ابن نيف وعشرين سنة إلى أن مات وما زال محترما معظما قويا ولما مرض مرض الموت رآني وقد بكيت فقال إيش بك قلت خيرا قال لا تحزن علي أنا ما تواليت قضاءا ولا شحنكية ولا ضربت ولا دخلت بين الناس ولا ظلمت أحدا فإن كان لي ذنوب فبيني وبين الله تعالى وكان الشيخ الموفق وأخوه أبو عمر إذا أشكل عليهما شيء سألا وادلي وتوفي ثاني عشرى ربيع الآخر ودفن بسفح قاسيون وفيها عز الدين معبد الهادي بن شرف الإسلام الحنبلي كان فقيها واعظا شجاعا حسن الصوت بالقرآن شديد القوى شديدا في السنة تحكى عنه حكايات عجيبة في شدة قوته منها انه بارز فراسا من الفرنج فضربه بدبوس فقطع ظهره وظهر الفرس فوقعا جميعا وكان في صحبة أسد الدين شيركوه إلى مصر وشاهده جماعة رفع الحجر الذي على بر جامع دمشق فمشى به خطوات ثم رده إلى مكانه وبنى مدرسة بمصر ومات قبل تمامها وتوفي بمصر وهو أخو نجم الدين المذكور قبله وفيها علي بن محمد بن علي بن الزيتوني الفقيه الحنبلي المقرئ الضرير أبو الحسن المعروف بالبرابدسي وبرابدس قرية من قرى بغداد قال ابن القطيعي سألته عن مولده فقال ما اعلم ولكني ختمت القرآن سنة ثمان وخمسمائة قال وسمع من ابن الحصين وغيره وتفقه وناظر وأفتى ودرس وقال المنذري في وفياته مولده سنة ثمانين وأربعمائة انتهى وفها أبو بكر بن الجد محمد بن عبد الله بن يحيى الفهري الإشبيلي الحافظ النحوي ختم كتاب سيبويه علي أبي الحسن بن الأخضر وسمع صحيح مسلم من أبي القسم الهوازني ولقي بقرطبة أبا محمد بن عتاب وطائفة وبرع في الفقه (4/286)

287 والعربية وانتهت إليه الرياسة في الحفظ وقدم للستوري في سنة إحدى وعشرين وخمسمائة وعظم جاهه وحرمته وتوفي في شوال وله تسعون سنة وفيها محي الدين قاضي القضاة أبو حامد محمد بن قاضي القضاة كمال الدين أبي الفضل محمد بن عبد الله بن الشهرزوري الشافعي تفقه ببغداد على أبي منصور بن الرزاز وناسب بدمشق عن أبيه ثم ولى قضاء حلب ثم الموصل وتمكن من صاحبها عز الدين مسعود إلى الغاية قال ابن خلكان قيل أنه أنعم في ترسله مرة إلى بغداد بعشرة آلاف دينار على الفقهاء والادباء والشعراء ويقال انه في مدة حكمة بالموصل لم يعتقل غريما على دينارين فما دونها بل يوفي ذلك عنه وتحكي عنه رياسة ضخمة ومكارم كثيرة ومن شعره في وصف جرداة ) لها فخذا بكر وساقا نعامة * وقادمتا نسر وجؤجؤ ضيغم ) ) حبتها أفاعي الرمل بطنا وأنعمت * عليها جياد الخيل بالرأس والفم ) وتوفي بالموصل في جمادى الأولى وله اثنتان وستون سنة وفيها محمد بن المبارك بن الحسين بن عبد الله بن أبي السعود الحلاوى الحربي المقرئ روى بالاجازة عن أبي الحسين بن الطيوري وجماعة ثم ظهر سماعه بعد موته من جعفر السراج وغيره وعاش ثلاثاً وتسعين سنة وفيها أ [ و الفضل مسعود بن علي بن النادر البغدادي قرأ على أبي بكر المزرفي وسبط الخياط وكتب عن قاضي المارستان فمن بعده فأكثر ونسخ مائة واحدى وعشرين ختمة وعاش ستين سنة وتوفي في المحرم وفيها ابن الكيال أبو الفتح نصر الله بن علي الفقيه الحنفي مقرئ واسط أخذ العشرة عن علي بن علي بن بشران وأبي عبد الله البارع وأخذ العربية (4/287)

288 عن ابن الشجري وابن الجواليقي وتفقه ودرس وناظر وولى قضاء واسط توفي في جمادى الآخرة عن أربع وثمانين سنة وحدث عن ابن الحصين وفيها زين الدين يوسف بن زين الدين على بن كوجك صاحب اربل وابن صاحبها مظفر الدين مات مرابطاً على عكا وفيها الفقيه نجم الدين محمد بن الموفق الصوفي الزاهد الشافعي الخبوشاني تفقه على محمد تلميذ الغزالي وكان يستحضر كتابه المحيط في شرح الوسيط وصنف عليه كتاباً سماه تحقيق المحيط ستة عشر مجلداً وكان صلاح الدين يعتقده وعمر له مدرسة الشافعي فعمد إلى قبر ابن الكيران الظاهري وهو من غلاة أهل السنة فنبشه من عند الشافعي وقال لا يكون صديق وزنديق في موضع واحد فثارت عليه الحنابلة بمصر ووقع فتنة بسبب ذلك ودفن نجم الدين تحت رجلي الشافعي بينهما شباك وكان يوصف بسلامة الباطن وقلة المعرفة بأحوال أهل الدنيا قاله ابن الأهدل سنة سبع وثمانين وخمسمائ فيها توفي الموفق أسعد بن المطران الطبيب كان نصرانياً فأسلم وكان عزير المروءة حسن الأخلاق متعصباً للناس عند السلطان وكان يتوالى أهل البيت وكان يحب صبياً اسمه عمر فقال ابن عنين ) قالوا الموفق شيعى فقلت لهم * هذا خلاف الذي للناس منه ظهر ) ) وكيف يصبح دين الرفض مذهبه * وما دعاه إلى الإسلام غير عمر ) وكان يعود المرضى من الفقراء ويحمل إليهم الأشربة من عنده والأدوية حتى أجره الحمام وكان مليح الصورة ومات بدمشق ودفن بقاسيون على قارعة الطريق عند دار زوجته واسمها جوزه وبنت إلى جانب تربته مسجداً (4/288)

289 ويعرف بدار جوزه وفيها الفقيه أبو محمد عبد الرحمن بن علي بن المسلم اللخمي الدمشقي الخرقي الشافعي روى عن ابن الموازيني وعبد الكريم بن حمزة وجماعة وكان فقيهاً متعبداً يتلو كل يوم وليلة ختمة أعاد مدة بالأمينية وتوفي في ذي القعدة وسنة ثمان وثمانون سنة وفيها الفقيه أبو بكر عبد الرحمن بن محمد بن مفاوز الشاطبي الكاتب وهو آخر من سمع من أبي علي بن سكرة وسمع أيضاً من جماعة وكان منشئاً بليغاً مفوهاً شاعراً توفي في صفر وفيها أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عبيد الله الحجري الأندلسي المري أبو محمد بن عبد الله المقرئ الصالح كان حافظاً غاية في الورع والصلاح والعدالة برع في هذا الشأن قاله ابن ناصر الدين وفيها أبو المعالي عبد المنعم بن عبد الله بن محمد بن المظفر الفراوي النيسابوري مسند خراسان سمع من جده وأبي بكر الشيروى وجماعة وتفرد في عصره وتوفي في أواخر شعبان عن سن عالية وفيها تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب الملك المظفر صاحب حماة وأحد الأبطال الموصوفين كان عمه صلاح الدين يحبه ويعتمد عليه وكان يتطاول للسلطنة ولا سيما لما مرض صلاح الدين فإنه كان نائبه على مصر سار إلى ميافارقين والى خلاط فأخذهما وحاصر منازل كرد فمضر في رمضان ومات يوم الجمعة وكان معه ولده المنصور محمد فكتم موته إلى ميافارقين وبنيت له مدرسة بظاهر حماة ودفن بها واستقر ولده محمد المنصور بحماة وفيها قزل ارسلان بن الزكر ملك أذربيجان واران وهمذان واصبهان (4/289)

290 والرى بعد أخيه البهلوان محمد قتل غيلة على فراشه في شعبان وفيها السهر وردى الفيلسوف المقتول شهاب الدين يحيى بن حبش بن أميرك أحد أذكياء بني آدم كان رأساً في معرفة علوم الأوائل بارعاً في علم الكلام منتاظراً محجاجا متزهداً زهد مردكة وفراغ مزدريا للعلماء مستهزئاً رقيق الدين قدم حلب واشتهر اسمه فعقد له الملك الظاهر غازي ولد السلطان صلاح الدين مجلسا فبان فضله وبهر علمه فارتبط عليه الظاهر واختص به وظهر للعلماء منه زندقة وانحلال فعملوا محضراً بكفره وسيروه إلى صلاح الدين وخوفوه من أن يفسد عقيدة ولده فبعث إلى ولده بأن يقتله بلا مراجعة فخيره السلطان فاختار أن يموت جوعا لأنه كان له عادة بالرياضة فمنع من الطعام حتى تلف وعاش ستا وثلاثين سنة قاله في العبر وقال السيف الآمدي رأيته كثير العلم قليل العقل قال لي لا بد لي أن أملك الأرض وقال ابن خلكان هو يحيى بن حبش وقيل اسمه احمد وقيل اسمه كنيته أبو الفتوح وقيل عمر والأول أصح كان من علماء عصره قرأ الحكمة وأصول الفقه علي الشيخ مجد الدين الجيلي بمدينة مراغة من أعمال أذربيجان إلى أن برع فيهما وهذا مجد الدين الجيلي هو شيخ فخر الدين الرازي وعليه تخرج وبصحبته انتفع وكان اماماً في فنونه قال في طبقات الأطباء كان السهروردى اوحد أهل زمانه في علوم الحقيقة والفلسفة بارعاً في أصول الفقه مفرط الذكاء وكان علمه أكبر من عقله قال ويقال عنه انه كان يعرف علم السيمياء حكى بعض فقهاء العجم أنه كان في صحبته وقد خرجوا من دمشق قال فلما وصلنا إلى القابون الذي هو على باب دمشق في طريق من يتوجه إلى حلب لقينا قطيع غنم مع تركماني فقلنا للشيخ يا مولانا نريد من هذا الغنم رأساً نأكله فقال هذه عشرة دراهم خذوها واشتروا بها رأس غنم فاشترينا من أحدهم رأساً ومشينا قيليلاً فلحقنا رفيق لمن باعنا وقال ردوا هذا الرأس وخذوا أصغر (4/290)

291 منه فإنه هذا ما عرف يبيعكم وتقاولنا نحن واياه فلما عرف الشيخ ذلك قال لنا خذوا الرأس وامشوا وأنا أقف معه وأضيعه فتقدمنا نحن وبقي الشيخ يتحدث معه ويطيب قلبه فلما مضينا قليلاً تركه وتبعنا وبقى التركماني يمشي خلفه ويصيح به وهو لا يلتفت إليه ولما لم يكلمه لحقه يغيظ وجذب يده اليسرى وإذا بيد الشيخ انخلعت من عند كتفه وبقيت بيد التركماني ودمها يجري فبهت التركماني وتحير في أمره ورمى اليد وخاف فأخذ الشيخ اليد بيده اليمنى ولحقنا فلما وصل إلينا رأينا في يده اليمنى منديلا لا غير ويحكى عنه أشياء مثل هذه كثيرة والله أعلم بصحتها وله تصانيف فمن ذلك التنقيحات في أصول الفقه والتلويحات والهياكل وغير لك وله أشعار فمن ذلك ما قاله في النفس على مثال أبيات ابن سينا ) خلعت هياكلها بجرعاء الحمى * وصبت لمغناها القديم تشوقا ) ) وتلفتت نحو الديار فشاقها * ربع عفت اطلاله فتمزقا ) ) وقفت تسائله فرد جوابها * رجع الصدى أن لا سبيل إلى اللقا ) ) فإذا بها برق تألق بالحمى * ثم انطفى فكأنه ما أبرقا ) ومن شعره المشهور أيضاً ) أبداً تحن إليكم الأرواح * ووصالكم ريحانها والراح ) ) وقلوب أهل ودادكم تشتاقكم * وإلى لذيذ لقائكم ترتاح ) ) وارحمتا للعاشقين تكلفوا * ستر المحبة والهوى فضاح ) وهي طويلة وله في النظم والنثر أشياء لطيفة وكان شافعي المذهب وكان يتهم بانحلال العقيدة والتعطيل ويعتمد مذهب الحكماء المتقدمين واشتهر ذلك عنه انتهى ما اورده ابن خلطان ملخصاً وقال ابن شهبة في تاريخ الإسلام كان دنئ الهمة زرى الخلقة دنس الثياب وسخ البدن لا يغسل له ثوبا ولا جسما (4/291)

292 ولا يدا ولا يقص ظفرا ولا شعرا وكان القمل يتناثر على وجهه ويسعى على ثيابه وكل من يراه يهرب منه وهذه الاشياء تنافي الحكمة والعقل والشرع وقال ابن الأهدل قيل قتل وصلب أياما وقيل خير في أنواع القتل فاختار القتل بالجوع لاعتياده الرياضات فمنع من الطعام حتى تلف وقال ابن شداد أقمت بحلب فرأيت أهلها مختلفين فيه منهم من يصدقه ومنهم من يزندقه والله أعلم وفيها أبو طاهر يحيى بن مقبل بن احمد بن بركة بن عبد الملك التيمي القرشي الحريمي البغدادي الحنبلي المعروف بابن الصدر وهو لقب جده عبد الواحد ويعرف أيضا بابن الأبيض ولد في شعبان سنة سبع عشرة وخمسمائة وسمع من ابن الحصين وأبي بكر الأنصاري وغيرهما وتفقه في المذهب وناظر في حلق الفقهاء وحدث قال ابن القطيعي كتبت عنه وكان ثقة قال وتوفي يوم الاثنين في شهر شوال ودفن بمقبره الأمام احمد سة ثمان وثمانين وخمسمائة فيها أخذه سيف الدين يافا بالسيف ثم هادن الفرنج ثلاثة أعوام وثمانية أشهر وفيها توفي احمد بن الحسين بن أحمد بن محمد البغدادي المقرئ أبو العباس المعروف بالعراقي نزيل دمشق قرأ القرآن على أ [ ي محمد سبط الخياط وسمع الحديث من ابن سهلون وغيره ومهر في علم القراءات ولقى المهذب بن منير الشاعر بحلب وروى عنه وقدم دمشق فسكنها منش سنة أربعين إلى أن مات وقعد للاقراء تحت قبة النسر وكان حنبلياً قال الشيخ موفق الدين كان إماما في السنة داعياً إليها إماما في القراءة وكان دينا يقول الشعر الحسن وروى عنه الشيخ موفق الدين وغيره وتوفي في شعبان (4/292)

293 وفيها الخبزوى أبو الفضل إسماعيل بن علي الشافعي الشروطي الفرضي من أعيان المحدثين بدمشق وبها ولد تفقه على جمال الإسلام بن المسلم وغيره وسمع من هبة الله بن الاكفاني وطبقته ورحل إلى بغداد فسمع أبا علي بن الباقرحي وبان مرزوق الزعفراني والكبار وكتب الكثير وكان بصيرا ًبعقد الوثائق والسجلات وتوفي في جمادى الأولى عن تسعين سنة وفيها موفق الدين خالد بن الوليد البارع محمد بن نصر القيسراني أبو البقإ الكاتب صاحب الخط المنسوب كان صدراً نبيلاً وافر الحشمة وزر للسلطان نور الدين الشهيد وسمع بمصر من عبد الله بن رفاعة وتوفي بحلب وفيها أبو جعفر بن السمين عبيد الله بن احمد بن علي البغدادي الوراق الحنبلي المقرئ المحدث الزاهد نزيل الموصل ولد سنة ثلاث وعشرين خمسمائة وسمع الكثير من أبي منصور القزاز وغيره وتفقه على أبي الحسن وأبي بكر ابني الزاغوني وغيرهما وحدث بالكثير ببغداد والموصل وكان صالحاً ثقة ديناً صدوقاً من أهل التقشف والصلاح والنسك يأكل من كسب يده توفي في العشر الأخير من شهر رمضان بالموصل ودفن بتل توبه وفيها أبو ياسر عبد الوهاب بن هبة الله بن أبي حبه البغدادي الطحان روى عن ابن الحصين وزاهر وقدم حران فروى بها المسند وكان فقيراً صبوراً توفي في ربيع الأول عن اثنتين وسبعين سنة وحبه بباء موحدة وفيها على بن مكي بن جراح بن علي البغدادي الفقيه الحنبلي الزاهد أبو الحسن تفقه على أبي الفتح بن المني وأبي يعلي بن أبي خازم وبرع في الفقه وأفتى وناظر وكان زاهدا عابدا توفي في حادي عشرى صفر ببغداد ودفن بمقبرة باب حرب وفيها أبو الحسن علي بن أبي العز بن عبد الله الباجراي بفتح الموحدة (4/293)

294 والجيم وتشديد الراء نسبة إلى باجرا قرية بالجزيرة الفقيه الحنبلي الزاهد كان يسكن بمدرسة الشيخ عبد القادر وسمع الكثير من أبي الوقت وابن البطي وغيرهما وحدث باليسير وسمع منه جماعة من الفقهاء وكان صالحا ورعا متدينا ذا عبادة وزهد وجمع كتابا في تفسير القرآن الكريم في أربع مجلدات وتوفي ليلة الخميس حادي عشر ذي القعدة ودفن بباب حرب وفيها الأمير سيف الدين المشطوب مقدم الجيوش على بن احمد ابن صاحب قلاع الهكارية أبي الهيجاء الهكاري نائب عكا لما أخذت الفرنج عكا اسروه ثم اشترى بمبلغ عظيم وكان شجاعا صابرا في الحرب مطاعا في قبيلته دخل مع أسد الدين شيركوه إلى مصر وشهد فتحها وأقطعه السلطان نابلس فجار نوابه على أهلها فشكوا إلى السلطان وهو مأربهم واستغاثوا فقال ما لهؤلاء قالوا يتظلمون من ابن المشطوب واصحابه وهو راكب بين يديه فقال له السلطان لو كان هؤلاء يدعون لك هيهات أن يسمع الله فكيف وهم يدعون عليك ثم اقطعه صلاح الدين القدس فتوفي بها في شوال وكان ابنه عماد الدين بن المشطوب من كبراء الأمراء بمصر وفيها راشد الدين أبو الحسن سنان بن سلمان مقدم الاسمعيلية وصاحب الدعوة بقلاع الشام وأصله من البصرة قدم إلى الشام في أيام نور الدين الشهيد وأقام في القلاع ثلاثين سنة وجرت له مع السلطان صلاح الدين وقائع وقصص ولم يعط طاعة قط وعزم السلطان على قصده بعد صلح الفرنج وكان قد قرأ كتب الفلسفة والجدل قال المنتجب أرسلني السلطان إلى سنان مقدم الاسمعيلية ومعي القطب النيسابوري وأرسل معنا تخويفا وتهديدا فلم يجبه بل كتب على طرة كتاب السلطان ) يا ذا الذي بقراع السيف هددني * لأقام مصرع جنبي حين تصرعه ) ) قام الحمام على البازي يهدده * وكشرت لأسود الغاب أضبعه ) (4/294)

295 ) إنا منحناك عمرا كي تعيش به * فإن رضيت وألا سوف ننزعه ) ) اضحى يسد فم الافعى بأصبعه * يكفيه ماذا تلاقى منه أصبعه ) ثم كتب بعد الأبيات خطبة بليغة مضمونها عدم الخوف والطاعة فلما يئس صلاح الدين منه جنح إلى صلحه فصالحه ودخل في مرضاته قال اليونني في تاريخ أن سنانا سير رسولا وأمره أن لا يؤدي رسالته إلا خلوة ففتشه السلطان صلاح الدين فلم يجد معه ما يخافه فأخلى له المجلس إلا نفرا يسيرا فامتنع من أداء الرسالة حتى يخرجوا فخرجوا كلهم غير مملوكين صغيرين فقال هات رسالتك فقال أمرت أن لا أقولها إلا في خلوة فقال هذان ما يخرجان قال ولم قال لأنهما مثل أولادي فالتفت الرسول إليهما وقال إذا أمرتكما عن مخدومي بقتل هذا السلطان تقتلانه قالا نعم وجذبا سيفهما فبهت السلطان وخرج الرسول وأخذهما معه فجنح صلاح الدين إلى الصلح وصالحه ودخل في مرضاته انتهى وفيها قلج ارسلان بن مسعود بن قلج ارسلان بن سليمان بن قتلمش بن إسرائيل بن سلجوق بن دقاق التركي السلجوقي صاحب الروم وحمو الناصر لدين الله امتدت أيامه وشاخ وقويت عليه أولاده وتصرفوا في ممالكه في حياته وهي قونية واقسر وسيواش وملطية وعاش سلطانا أكثر من ثلاثين سنة وتملك بعده ابنه غياث الدين وفيها ابن مجير الشاعر أبو بكر بن يحيى بن عبد الجليل الفهري ثم الاشبيلي صاحب الأندلس في عصره وهو كثير القول في يعقوب بن يوسف ابن عبد المؤمن وفيها أبو المرهف وأبو الفتح أيضا نصر بن منصور بن الحسن النميري (4/295)

296 الأديب الشاعر الحنبلي ولد يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسمائة بالرافقة بقرب رفة الشام وكان من أولاد أمراء العرب نشأ بالشام وخالط أهل الأدب وقال الشعر الفائق وهو مراهق وأصابه جدرى وله أربع عشرة سنة فضعف بصره حتى كان لا يبصر إلا ما قرب منه ثم قدم بغداد لمعالجة بصره فأيس الأطباء منه فعمي وأقام ببغداد وسكن باب الازج فحفظ القرآن العظيم وسمع الحديث من أبي الحصين والقاضي أبي بكر وابن ناضر وغيرهم وتفقه وقرأ العربية والأدب على ابن الجواليقي وصحب العلماء والصالحين كالشيخ عبد القادر وغيره ومدح الخلفاء والوزراء وله ديوان شعر حدث به وكان فصيح القول حسن المعاين ذا دين وصلاح وتصلب في السنة وسمع منه القطيعي وغيره وروى عنه جماعة ومن شعره وقد سئل عن مذهبه واعتقاده ) أحب عليا والبتول وولدها * ولا أجحد الشيخين حق التقدم ) ) وأبرأ ممن نال عثمان بالأذى * كما كنت أبرا من ولاء ابن ملجم ) ) وتعجبني أهل الحديث بصدقهم * فلست إلى قوم سواهم بمنتم ) ومن شعره أيضا ) وزهدني في جميع الأنام * قلة انصاف من يصحب ) ) هم الناس مالم تجربهم * وطلس الذئاب إذا جربوا ) (4/296)

297 ) ولم تك تسلم عند البعاد * منهم فكيف إذا تقرب ) توفي يوم الثلاثاء ثامن عشرى ربيع الآخر ودفن من الغد بمقبرة الأمام احمد سنة تسع وثمانين وخمسمائة وتسمى سنة الملوك فيها توفي بكتمر السلطان سيف الدين صاحب خلاط توفي في جمادى الأولى وكان فيه دين واحسان إلى الرعية وله همة عالية ضرب لنفسه الطبل في أوقات الصلوات الخمس قتله بعض الاسمعيلية قاله في العبر وفيها صاحب مكة داود بن عيسى بن فليتة بن أبي هاشم العلوي الحسنى وكانت مكة تكون له تارة ولأخيه مكثر تارة وفيها محمود سلطان شاه أخو الملك علاء الدين خوارزم شاه ابنا ارسلان ابن محمد الخوارزمي تلك بعد أبيه سنة ثمان وسبعين ثم قوى على أخوه وحاربه وتنقلت به الأحوال ثم وثب على مدينة مرور وكان نظيراً لأخيه في الجلالة والشجاعة دفع الغزو عن مرو ثم تجمعوا له وحاربوه وقتلوا رجاله وهبوا خزائنه فاستعان على حربهم بالخطا وجاء بجيش عرموم واستولى على مملكة مرو وسرخس ونسا وابيورد وودرت الخطا بمكاسب عظيمة من مال المسلمين ثم أغار على بلاد الغوري وظلم وعسف ثم التقى هو والغورية فهزموه ووصل إلى مرو في عشرين فارسا وجرت له أمور طويلة وتوفي في سلخ رمضان وفيها الحضرمي قاضي الإسكندرية أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن محمد المالكي روى عن محمد بن احمد الرازي وغيره وفيها صاحب الموصل السلطان عز الدين مسعود بن مودود بن اتابك زنكي بن اقسقر قال ابن الاثير بقى عشر أيام لا يتكلم إلا بالشهادتين (4/297)

298 وبالتلاوة ورزق خاتمة خير وكان كثير الخير والاحسان يزور الصالحين ويقربهم ويشفعهم وفيه حلم وحياء ودين انتهى ودفن بمدرسته التي أنشأها بالموصل تجاه دار السلطنة وتمكن بعده ولده نور الدين وفيها السلطان صلاح الدين الملك الناصر أبو المظفر يوسف بن آيب ابن شادي بن مروان بن يعقوب الدويني الأصل أول دولة الاكراد وملوكهم قال ابن خلكان اتفق أهل التاريخ على أن أباه وأهله من دوين بضم الدال المهملة وكسر الوارو وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها نون وهي بلدة في آخر عمل أذربيجان من جهة أران وبلاد الكرد وأنهم أكراد روادية بفتح الراء والواو وبعد الألف دال مهملة ثم ياء مثناة من تحتها مشددة وعبدها ماء والروادية بطن من الفذانية بفتح الفاء والذال المعجمة وبعد الألف نون مكسورة ثم ياء مشددة مثناة من تحتها وبعدها هاء قبيلة كبيرة من الاكراد انتهى وقال الذهبي هو تكريتي المولد ولد سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة وكان أبوه شحنة تكريت ملك البلاد ودانت له العباد وأكثر من الغزو وأطاب وكسر الفرنج مرات وكان خليقاً بالملك شديد الهيبة محبباً إلى الأمة عالي الهمة كامل السؤدد جم المناقب ولى السلطنة عشرين سنة وتوفي بقلعة دمشق في السابع والعشرين من صفر وارتفعت الأصوات في البلد بالبكاء وعظم الضجيج حتى أن العاقل يتخيل أن الدنيا كلها تصيح صوتاً واحداً وكان أمراً عجيباً فرحمه الله ورضى عنه انتهى وقال ابن شهبة في تاريخ الإسلام كان شجاعا سمحا جوادا مجاهدا في سبيل الله يجود بالمال قبل الوصول إليه وكان مغرما بالانفاق في سبيل الله وما كان يلبس إلا ما يحل له لبسه وم جالسه لا يعلم انه جليس سلطان كان شديد الرغبة في سماع الحديث ادعى رجل عليه أن (4/298)

299 سنقر الخلاطى مملوكه مات على رقه فتزحزح عن طراحته وساواه في الجلوس وادعى الرجل فرفع السلطان رأسه وقال لمن تعرفون سنقر قالوا نشهد أنه مملوكك مات على رقك ولم يكن للرجل بينة فأسقط في يده ثم إن السلطان وهب له خلعة ونفقة وبغلة وما شتم أحدا قط ولا كتب بيده ما فيه آذى مسلم وكان الحجاب يزدحمون على طراحته فجاء سنقر الخلاطى وقدم له رقعة يعلم عليها وكان السلطان قد مد يده اليمنى على الأرض ليستريح فداس عليها سنقر ولم يعلم وقال له علم لي على هذا القصة وكرر القول والسلطان لا يرد عليه فقال له السلطان اعلم بيدي أو برجلي فنظر سنقر فرأى يد السلطان تحت رجله فخجل وتعجب الحاضرون من حلمه وأول ما فتح الديار المصرية والحجاز ومكة والمدينة واليمن من زبيد إلى حضرموت متصلا بالهند ومن الشام دمشق وبعلتبك وحمص وبانياس وحلب وحماة ومن الساحل بلاد القدس وغزة وتل الصافية وعسقلان ويافا وقيسارية وحيفا وعكا وطبرية والشقيق وصفد وكوكب والكرك والشوبك وصيدا وبيروت وجبلة واللاذقية والشغر وصهيون وبلا طنس ومن الشرق حران والرها والرقة ورأٍ عين وسنجار ونصيبين وسروج وديار بكر وميافارقين وآمد وحصونها وشهرزور ويقال انه فتح ستين حصناً وزاد على نور الدين بمصر والمغرب ولاحجاز واليمن والقدس والساح وبلاد الفرنج وديار بكر ولو عاش لفتح الدنيا شرقا وغربا وبعدا وقربا ولم يبلغ ستين سنة وكذا نور الدين وكان له ستة عشر ولداً ذكرا وبنت واحدة واكبرهم الأفضل على وابنته مونسة خاتون تزوج بها الكامل بن العادل وبنى الملك الأفضل قبة شمالي الجامع الأموي في جواره شباك إلى الجامع ونقله إليها في يوم عاشوراء سنة اثنتين وتسعين ومشى الأفضل بين يدي تابوته وأراد العلماء والفقهاء حمله على اعنقاهم فقال الأفضل تكفي أدعيتكم الصالحة وحمله مماليكه وأخرج من القلعة وأدخل إلى الجامع (4/299)

300 ووضع قدام باب النسر وصلى عليه القاضي محي الدبن بن الزكي ثم حمل على الرؤس إلى بطن ملحده ثم لحده الأفضل وجلس ثلاثة أيام للعزاء وأنفقت ست الشام أخت السلطان في هذه الأيام أموالا عظيمة وقد رأى بعض الصالحين النبي في جماعة من أصحابه رضي الله عنهم وقد زاروا قبر صلاح الدين ولما مات اختلفت اخواته وطمع الفرنج فأخذوا جبيلا حاصروها وبها جماعة من الاكراد فباعوها للفرنج انتهى ما أورده ابن شبهة ملخصا وفيها أبو المظفر منصور بن المبارك الواعظ الملقب جرادة كان ظريفا كيسا ذكر يوما في وعظه حديث من قتل حية كان له قيراطان من الأجر ومن قتل عقربا كان له قيراط فقام رجل فقال يا سيدي ومن قتل جرداة قال صلب على باب المسجد سنة تسعين وخمسمائة فيها سار بنارس أكبر ملوك الهند وقصد الإسلام فطلبه شهاب الدين الغوري فالتقي الجمعان على نهر ماحون قال ابن الاثير وكان مع الهندي سبعمائة فيل ومن العسكر على ما قيل ألف ألف نفس فصبر الفريقان وكان النصر لشهاب الدين وكثر القتل في الهنود حتى جافت منهم الأرض وأخذ شهاب الدين تسعين فيلا وقتل بنارس ملك الهند وكان قد شد أسنانه بالذهب فما عرف إلا بذلك ومن جملة الفيلة قيل أبيض حدثني من رآه وفيها توفي القزويني العلامة رضي الدين أبو الخير أحمد بن اسمعيل بن يوسف الطالقاني الفقيه الشافعي الواعظ ولد سنة اثنتي عشرة وخمسمائة وتفقه على (4/300)

301 الفقيه ملكدار القزويني وقرأ بالروايات على إبراهيم بن عبد الملك القزويني وفاق الأقران وسمع من الفراوي وزاهر وخلق ثم قدم بغداد قبل الستين ودرس بها ووعظ ثم قدمها قبل السبعين ودرس النظامية وكان إماما في المذهب والخلاف والأصول والتفسير والوعظ وروى كتبا كبارا ونفق كلامه على الناس لحسن سمته وحلاوة منطقه وكثر محفوظاته وكان صاحب قدم راسخ في العبادة عديم النظير كبير الشأن رجع إلى قزوين سنة ثمانين ولزم العبادة إلى أن مات في المحمر قال ابن شهبة صنف كتاب البيان في مسائل القرآن ردا على الحلولية والجهمية وصار رئيس الأصحاب وكان يتكلم يوما وابن الجوزى يوما ويحضر من وراء الأستار وتحضر الخلائق والأمم انتهى وفيها طغر بك شاه بن أسلان شاه بن طغر لبك بن محمد شاه السجلوقي السلطان صاحب أذربيجان طلب السلطنة من الخليفة وان يأتي بغداد ويكون على قادعة الملوك السلجوقية سوى صاحب الروم وكان سفاكا للدماء قتل خلقا كثيرا قال السبط رايته وكأن وجهه القمر ولم ير في زمانه أحسن صورة منه قصده خوارزم شاه والتقيا على الري فجاءته نشابة في عينه فضربه مملوك له بالسيف فقتله وقطع رأسه وحمله إلى خوارزم شاه وهو آخر السجلوقية وعدتهم نيف وعشرون ملكا ومدة ملكهم مائة وستون سنة وفيها عبد الخالق بن فيروز الجوهري الهمداني الواعظ أكثر الترحال وروى عن زاهر والفراوي وطائفة ولم يكن ثقة ولا مأمونا قاله في العبر وفيها عبد الوهاب بن علي القرشي الزبيري الدمشقي الشروطي ويعرف بالحبقبق والد كريمة روى عن جمال الإسلام أبي الحسن السلمي وجماعة وتوفي في صفر وفيها الشاطبي أبو محمد القسم بن فيره بكسر الفاء وسكون التحتية وتشديد (4/301)

302 الراء المضمومة معناه بالعربي الحديد بن أبي القسم خلف بن أحمد الرعيني بضم الراء وفتح العين المهملة وسكون المثناة التحتية وبعدها نون نسبة إلى ذي رعين أحد أقيال اليمن الشاطي الضرير المقرئ صاحب القصيدة التي سماها حرز الأماني ووجه التهاني في القراءات وعدتها ألف ومائة وثلاثة وسبعون بيتا ولقد أبدع فيها كل الإبداع وهي عمدة قراء هذا الزمان في نقلهم ولم يسبق إلى أسلوبها روى عنه انه كان يقول لا يقرأ أحد قصيدتي هذه إلا وينفعه الله عز وجل لأنني نظمتها لله تعالى مخلصا في ذلك ونظم قصيدة دالية خمسمائة بيت من حفظها أحاط علما بكتاب التمهيد لابن عبد البر وكان عالما بكتاب الله تعالى قراءة وتفسيرا وبحديث رسول الله مبرزا فيه وكان إذا قرئ عليه صحيح البخاري ومسلم والموطأ يصحح النسخ من حفظه ويملى النكت على المواضع المحتاج إليها وكان أوحد في علم النحو والله عارفا بعمل الرؤيا حسن المقاصد مخلصا فيما يقول ويفعل قرأ القرآن العظيم بالروايات علي ابن هذيل الاندلسي وغيره وسمع الحديث من ابن سعادة وغيره وانتفع به خلق كثير وكان يتجنب فضول الكلام ولا ينطق في سائر أوقاته إلا بما تدعو إليه ضرورة ولا يجلس للاقراء إلا على طهارة في هيئته حسنة وتخشع واستكانة وكان يعتل العلة الشديدة فلا يشتكى ولا يتأوه وإذا سئل عن حاله قال العافية لا يزيد على ذلك وكان كثيرا ما ينشد هذا اللغز في نعش الموتى ) أتعرف شيئا في السماء نظيره * إذا سار صاح الناس حيث يسير ) ) فتلقاه مركوبا وتلقاه راكبا * وكل أمير يعتليه أسير ) ) يحض على التقوى ويكره قربه * وتنفر منه النفس وهو نذير ) ) ولم يستزر عن رغبة في زيادة * ولكن على رغم المزور يزور ) وكانت سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة وكان ثقة في نفسه وتوفي في (4/302)

303 الثامن والعشرين من جمادي الآخرة ودفن بتربة القاضي الفاضل بالقرافة وقبره مشهور مزور وكان شافعي المذهب كما ذكره ابن شبهة في طبقاته وفيها أبو مدين الاندلسي الزاهد العارف شيخ أهل المغرب شعيب بن الحسين سكن تلسمان وكان من أهل العمل والاجتهاد منقطع القرين في العبادة والنسك بعيد الصيت ويسميه الشيخ محي الدين بن عربي بشيخ الشيوخ ونشر الله ذكره وتخرج به جماعة من الفضلاء كأبي عبد الله القرشي وغيره وانتهى إليه كثير من العلماء المحققين وفضلاء الصالحين كابن عربي وله في الحقائق كلام واسع ومن شعره ) يا من علا فرأى ما في الغيوب وما * تحت الثرى وظلام الليل منسدل ) ) أنت الغياث لمن ضاقت مذاهبه * أنت الدليل لمن حار به الحيل ) ) أنا قصدناك والآمال واثقة * والكل يدعوك ملهوف ومبتهل ) ) فان عفوت فذو فضل وذو كرم * وان سطوت فأنت الحاكم العدل ) طلبه سلطان القبلة وتشهد وقال ها قد جئت لها قد جئت وعجلت إليك رب لترضي فمات ودفن في جبانة العباد وقد قارب الثمانين وقبره بها مشهور مزور وفيها انب الفخار أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن خلف الأنصاري المالقي الحافظ صاحب أبي بكر بن العربي أكثر عنه وعن شريح وخلق وكان إماما ثقة مامونا معروفا يسرد المتون والأسانيد عارفا بالرجال واللغة جليل القدر طلبه السلطان ليسمع منه بمراكش فمات بها في شعبان وله ثمانون سنة وفها محمد بن عبد الملك بن بويه الغندري المالقي بن البيطار نزيل غرناطة (4/303)

304 وآخر من روى بالإجازة عن أبي علي بن سكرة سمع أبا محمد بن عتاب وأبا بحر بن العاص وعاش أربعا وثمانين سنة وفيها فخر الدين بن الدهان محمد بن علي بن شعيب البغدادي الفرضي الحاسب الأديب النحوي الشاعر جال في الجزيرة والشام ومصر وصنف الفرائض على شكل المنبر فكان أول من اختر ذلك وله تاريخ وألف كتاب غريب الحديث في مجلدات وصنف في النجوم والزيج وكان أحد أذكياء العالم مات فجأة بالحلة وفيها مصلح الدبن أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن عبد الله ابن عبد الملك الأصبهاني الحمامي الحنبلي العابد الأديب الجورتاني نسبة إلى جورتان من قرى أصبهان ولد سنة خمسمائة في رجب وسمع من أبي علي الحداد وغيره قال ابن النجار كان فقيها فاضلا كامل المعرفة بالأدب وأكثر أدباء أصبهان من تلامذته وكان متدينا حسن الطريقة صدوقا انتهى وكان يقول لما بلغ عقد الثمانين أسأل الله تعالى أن يمهلني إلى التسعين وان يوفقني كل يوم لختمه فاستجيبت دعوته وقال ابن النجار سمعت أبا البركات الدويدسي بأصبهان يقول توفي محمد با أحمد الحنبلي يعرف بالحمامي أستاذ الأئمة يوم الأربعاء ثالث عشر شهر ربيع الآخر وقال ابن رجب توفي قبله بيسير ولده أبو بكر أحمد وكان سمع سعيد بن أبي الرجاء وغيره وكان يلقب أمين الدين انتهى وفيها أبو عبد الله ويقال أبو الفتح محمد بن عبد الله بن الحسين بن علي أبن أبي طلحة نصر بن أحمد بن محمد بن جعفر البرمكي الهروي الشكيذباني بكسر الهمزة وسكون الشين المعجمة وكسر الكاف وسكون الياء التحتية وفتح الدال المعجمة وبعدها باء موحدة مفتوحة وبعد الألف نون قاله (4/304)

305 المنذري كان حنبليا محدثا نزل مكة فكان عظيم الحنابلة بها ولد سنة ثمان وعشرين وخمسمائة وسمه بهمذان من أبي الوقت وأبي الفضل بن جماز وغرهما وببغداد من ابن النحاس وغيره وبمصر من أبي الطاهر الزيات وبالإسكندرية من الحافظ السلفي وحدث بمكة ومصر والإسكندرية وأقام بمكة في آخر عمره وأم بها في موضع الحنابلة قال ابن الحنبلي ناصح الدين سمعت منه بقراءته جزءا بمكة وكان في عزمي أنني أدخل اليمن وقد هيأت هدية لصاحبها من طرف دمشق فاستشرته فقال أنت أعلم ثم قال قرأنا ههنا جزءا من أيام فجاء فيه عن بعض السلف علامة قبول الحج أن الإنسان لا ينصرف عن مكة طالبا للدنيا فزهدت في اليمن ورجعت عن ذلك العزم وفيها الشيخ الأجل إمام الحرم مكي بن نابت بالنون بن أبي زهرة الحنبلي بمصر ليلة السادس من شهر ربيع الآخر وذكره المنذري ولم يزد عليه وفيها أبو الكرم بن عبد الكريم بن أبي العلاء العطار العباسي الهمذاني مسند همذان حدث سنة خمس وثمانين عن أبي غالب العدل وقيل الشعراني وفيها جاكير الزاهد القدوة أحد شيوخ العراق وأسمه محمد بن دشم الكردي الحنبلي له أصحاب واتباع وأحوال وكرامات قاله في العبر وقال السخاوي له مكرامات ولم يتزوج وله زاوية وضريح براذان وعي على بريد من سار وان أخاه الشيخ أحمد قعد بعده في المشيخة وقال ابن الأهدل لما شاع ذكره بعث إليه تاج العارفين أبو الوفاء طاقيته من الشيخ على الهيتي ومل يكلفه الحضور فقال الشيخ على الهيتي سألت الله أن يكون جاكير من مريدس فوهبه لي وكان يفتخر به وينوه بذكره وكان ربما عرف ما في بطون البهائم المنذورة له ومن يذبحها ومن يأكلها سكن صحراء من صحاري العراق على (4/305)

306 يوم من سامرا ومات بها فبنى إلى جانبه قرية بنيت للتبرك به انتهى سنة إحدى وتسعين وخمسمائة فيها كانت وقعة الزلاقة بالأندلس بين يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن وبين الفيش المتغلب على أكثر جزيرة الأندلس فدخل يعقوب وعدي من زاقاق سبتة في مائة ألف وأما المطوعة فقل ما شئت وأقبل الفيش في مائتي ألف وأربعين آلفا فانتصر الإسلام وانهزم الكلب في عدد يسير وقتل من الفرنج كما أرخ أبو شامة وغيره مائة ألف وستة وأربعون آلفا وأسر ثلاثون آلفا وغنم المسلمون غنيمة لم يسمع بمثلها حتى أبيع السيف بنصف درهم والحصان بخمسة دراهم والحمار بدرهم وذلك في شعبانخ وفيها توفي أبو الحسن اسمعيل بن أبي سعد بن علي بن إبراهيم بن محمد الاصبهاني المحدث ويعرف بطاهرنيه الحنبلي سمع الكثير وحصل الأصول وحدث ببغداد قدمها حاجا عن فاطمة الجوزدانية وفاطمة بنت محمد ابن أحمد بن البغدادي وسمع منه أبو الفتوح بن الحصري وغيره وكان شيخا صالحا صدوقا توفي في صفر وفيها ذاكر بن كامل الخفاف البغدادي أخو المبارك سمعه أخوه من أبي علي الباقرحي وأبي علي بن المهد وأبي سعيد بن الطيوري والكبار وكان صالحا خيرا صواما توفي في رجب وفيها أبو الحسن شجاع بن محمد بن سيدهم المدلجي المصري المقرئ الفقيه المالكي النحوي قرأ القراءات على ابن الخطية وسمع من جماعة (4/306)

307 وتصدر بجامع مصر وتوفي في ربيع الآخر وآخر أصحابه الكمال الضرير وفيها أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي بن عبيد الله بن عبيد الله الحجري الاندلسي المري الحافظ الزاهد القدوة أحد الأعلام ولد سنة خمس وخمسمائة وقرأ صحيح البخاري على شريج وسمع فأكثر عن أبي الحسن ابن مغيث وابن العربي والكبار وتفنن في العلوم وبرع في الحديث وطال عمره وشاع ذكره وكان قد سكن سبتة فدعاه السلطان إلى مراكش ليسمع منه وكان غاية في العدالة في هذا الشأن توفي في أول صفر وفيها أبو محمد عبد الؤمن بن عبد الغالب بن محمد بن طاهر بن خليفة ابن محمد بن حمدان الشيباني البغدادي الوراق الفقيه الحنبلي ولد في شهر ربيع الاخهر سنة سبع عشرة وخمسمائة وسمع ببغداد من القاضي أبي بكر ابن عبد الباقي وابن الطلاية وابن الزاغوني وغيرهم وبهمذان من أبي الخير الباغبان وغيره وحدث وسمع منه ابن القطيعي وقال كان له صلاح ودين زائد وروى عنه ابن خليل الحافظ وغيره وتوفي يوم عرفة ودفن بباب حرب وفيها أبو الحسن علي بن هلال بن خيس الواسطي الفاخراني نسبة إلى بيع الفخار الضرير ويلقب معين الدين ذكره المنذري فقال تفقه على مذهب الأمام أحمد وسمع من أبي الحسين بن عبد الخالق وأبي الفرج بن صدقة وخديجة بنت أحمد النهرواني وغيرهم وحدث وهو منسوب إلى الفخرانية قرية من سواد واسط توفي في حادي عشرى ذي الحجة انتهى سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة فيها التقى يعقوب صاحب المغرب والفيش فهزمه أيضا يعقوب ولله احمد وساق وراءه إلى طليطلة وحاصره وضربها بالمجانسق فخرجت والدة الفيش (4/307)

308 وحريمة وبكين بين يدي يعقوب فرق لهن ومن عليهن ولولا ابن عانية الملثم وهيجه ببلاد المغرب لا فتتح يعقوب عدة مدن للفرنج لكنه رجع لحرب عانية وفيها هبثت ريح سوداء عمت الدنيا وذلك بعد خروج الناس من مكة ووقع على الناس رمل أحمر ووقع من الركن اليماني قطعه وتحرك البيت الحرام وهذا شيء لم يعهد وفيها ظهر ببوصر قرية بصعيد بيت هرمس الحكيم وفيه أمثلة كباش وضفادع وقوارير كلها كاس وفيه أموات لم تبل ثيابهم وفيها توفي أبو الرضا أحمد بن طارق الكركي ثم البغدادي التاجر المحدث سمع من ابن ناصر وأبي الفضل الأرموي وطبقتهما فأكثر ورحل إلى دمشق ومصر وهو من كرك نوح وكان شيعيا جلدا قاله في العبر وفيها نجيب الدين أبو عبد الله حامد بن محمد بن حامد الصفار الأصفهاني الفقيه الحنبلي المحدث الإمام سمع أباه أبا جعفر محمد وأبا طاهر بن نصر وجماعة بأصبهان وبهمذان أبا زرعة المقدسي وأبا العلاء القطان وقدم بغداد حاجا سنة ثمان وثمانين وسمع بها من جماعة وقرأ على ابن الجوزى مناقب الإمام أحمد وحدث بها اليسير وكتب عنه ابن النفيس قال ابن النجار كان فقيها حنبليا فاضلا له معرفة بالحديث انتهى وفيها الأمام فخر الدينخ قاضي خان الحسن بن منصور بن محمود بن عبد العزيز الأوزجندي الإمام ظهر الدين المرغيناني وإبراهيم بن اسمعيل الصغار وتفقه عليه شمس الأئمة الكردري وله الفتاوي وشرح الجامع الصغير قاله ابن كمال باشا في طبقاته (4/308)

309 وفيها تقي الدين أبو الفضل اليأس بن حامد بن محمود بن حامد بن محمد ابن أبي الحجر الحراني الفقيه الحنبلي المحدث سمع ببغداد من شهدة وغيرها قال ناصح الدين بن الحنبلي وكان رفيقي في درس شيخنا ابن المنى وسكن الموصل إلى أن توفي بها في سلخ شوال وولى ومشيخة دار الحديث بها وكان حسن الطريقة وسمع منه بدل التبريزي وفيها سعد بن أحمد بن مكي النيلي بكسر النون نسبة إلى نيل بلد على الفرات المؤدب الشاعر أكثر شعره مديح في أهل البيت قال العماد كان غاليا في التشيع حاليا بالتورع بالأدب ومن شعره ) قرأ أقام قيامتي بقوامه * لم لا يجود لمهجتي بذمامه ) ) ملكته كبدي فأتلف * بجمال بهجته وحسن كلامه ) ) وبمبسم عذب كأن رضابه * شهد مذاب في عتق مدامه ) وهي طويلة وفيها الشيخ السديد شيخ الطب بالديار المصريةخ شرف الدين عبد الله ابن علي أخذ الصناعة عن الموفق بن المعين وخدم العاضد صاحب مصر ونال الحرمة والجاه العريض وعمر دهرا وأخذ عنه نفيس الدين بن ازبير وحكى بعضهم أن الشيخ السديد حصل له في يوم ثلاثون ألف دينار وحكى عنه ابن الزبير تلميذه انه طهر ولدي الحافظ لدبن الله فحصل له من الذهب نحو خمسين ألف دينار وفيها عبد الخالق بن عبد الوهاب بن محمد الصابوني المالكي الخفاف الحنبلي أبو محمد الضرير سمعه أبوه من أبي علي الباقرحي وعلي بن عبد الواحد الدينوري وطائفة وتوفي في ذي الحج قاله في العبر ومن شعره ) دع الناس طرا واصرف الود عنهم * إذا كنت في أخلاقهم لا تسامح ) ) فشيآن معدومان في الأرض درهم * حلال وخل في الحقيقة ناصح ) (4/309)

310 وفيها أبو الغنائم بن المعلم شاعر العراق محمد بن علي بن فارس بن علي ابن عبد الله بن الحسين بن القسم الواسطي الهذلي الملقب نجم الدين الشاعر المشهور كان شاعرا رقيق الشعر لطيف حاشية الطبع يكاد شعره يذوب من رقته وهو أحد من ساره شعره وانتشر ذكره ونبه بالشعر قدره وحسن به حالل وأمره وطال في نظم القريض عمره وساعده على قوله زمانه ودهره يغلب على شعره وصف الشوق والحب وذكر الصبابة والغرام وذكر بعضهم أن سبب لطافة شعر ابن المعلم حفظم المنتسبين للشيخ أحمد بن الرفاعي لشعره واعتناؤهم يه في سماعاتهم فعادت عليه بركة أنفاسهم قال ابن خلكان وبالجلمة فتشعره يشبه النوح لا يسمعه من عنده أدنى هوى إلا فتنة وهاج غرامه وكان بينه وبين ابن التعاويذي تنافس ومن شعر ابن المعلم قوله من قصيدة ) ردوا على شوارد الأطغان * ما الدار إن لم تغن من أوطاني ) ) ولكن بذاك الجذع من متمنع * هزأت معاطفه بغصن البان ) وقوله ) كم قلت إياك العقيق فأنه * ضربت جآذره بصيد أسوده ) ) وأردت صيد مها الحجاز فلم يساعدك * القضاء فرحت بعض صيوده ) وله من قصيدة ) أجيرتنا أن الدموع التي جرت * رخاصا على أيدي النوى لغوال ) ) أقيموا على الوادي ولو عمر ساعة * كاوث أزار أو كحلى عقال ) فكم ثم لي من وقفة لو شريتها * نفسي لم أغبن فكيف بمالي ) وكانت ولادته في ليلة سابع عشر جمادي الآخرة سنة إحدى وخمسمائة وتوفي رابع رجب بالهرث بضم الهاء وسكون الراء وبعدها ثاء مثلثة قرية من أعمال نهر جعفر بينها وبين واسط عشرة فراسخ وكانت وطنه ومسكته (4/310)

311 إلى أن توفي بها وفيها ابن القصاب الوزير الكبير مؤيد الدين أبو الفضل محمد بن علي الغبدادي المنشئ البليغ وزر بظاهر همذان في شعبان وقد نيف على التسعين ورد المعسكر فلما جاء خوارزم شاه نشبه وحزر رأسه وطوف به بخراسان وفيها المجير الأمام أبو القسم محمود بن المبارك الواسطي ثم البغدادي الفقيه الشافعي أحد الأذكياء والمناظرين ولد سنة سبع عشرة وخمسمائة وتفقه بالنظامية على أبي منصور بن الرزاز وغيره وأخذ علم الكلام عن أبي الفتوح محمد بن الفضل الاسفراييني وصار المشار إليه في زمانه والمقدم على أقرانه حدث عن أبي الحسين وجماعة ودرس بالنظامية وكان ذكيا طوالا غواصا على المعاني قدم دمشق وبنيت له مدرسة جارور ثم توجه إلى شيراز وبنى له ملكها مدرسة ثم أحضره ابن القصاب وقدمه قال ابن شبهة قال ابن الديثي ما رأينا أجمع لفنون العلم منه مع حسن العبارة قال وخرج رسولا إلى خوارزم شاه إلى أصبهان فمات بهمذان في ذي القعدة وفيها يوسف معالي الاطرابلسي ثم الدمشقي الكتاني البزار المقرئ روى عن هبة الله بن الأكفاني وجماعة وتوفي في شعبان سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة في شوال افتتح العادل باقاعنوة كانت له في يد الفرنج وفيها أخذت الفرنج من السملمين بيروت وهرب أميرها عز الدين شامة إلى صيدا وفيها توفي سيف الإسلام الملك العزيز طغتكين بن أيوب بن شادي أرسله أخوه صلاح الدين فتملك اليمن وكان بها نواب أخيهما شمس الدولة وبقي بها بضع عشرة سنة وكان شجاعا سايسا فيه ظلم رحل إليه ابن عنين (4/311)

312 إلى اليمن لما نفاه صلاح الدين لهجوه للناس فامتدحه بقصيدة لمية ومدح فيها دمشق أولها ) حين إلى الأوطان ليس يزول * وقلب عن الأشواق ليس يحول ) ) إلا ليت شعري هل أبيتن ليلة * وظلك في مقرئ على ظليل ) ) دمشق في شوق إليها مبرح * وان لج واش أو ألح عذول ) ) بلاد بها الحصباء در وتربها * عبير وأنفاس الشمال شمول ) ) تسلسل فيها ماؤها وهو مطلق * وصح نسيم الروض وهو عليل ) ) وفي كبدي من قاسيون حرارة * تزول رواسية وليس تزول ) ) والله ما فارقتها على ملالة * سواي عن العهد القديم يحول ) ) ولكن أبت أن تحمل الضيم همتي * ونفس لها فوق السماك حلول ) ) فأن الفتى يلقي المنايا مكرما * ويكره طول العمر وهو ظليل ) ) وكيف أخاف الدهر وأحرم الغني * ورأى ظهر الدين في جميل ) ) فتى الجد أما جاره فمكرم * عزيز وأما ضده فذليل ) ) من القوم أما أحنف فمسفه * لديه وأما حاتم فبخيل ) ) واما عطايا كفه فسوابغ * عذاب وأما ظله فظليل ) فأجزل صلته واكتسل من جهته مالا وافرا وخرج به من اليمن وسلطانها يومئذ الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين فألزمه بدفع الزكاة من المتاجر التي وصلت معه من اليمن فقال ) ما كل من يتسمى بالعزيز لها * أهل ولا كل سحب في الورى غدقه ) ) بين العزيزين بون في فعالهما * هذاك يعطى وهذا يأخذ الصدقه ) وكان طغتكين صاحب الترجمة محمود السيرة مع ظلم وعسف ولما كثر عليه الذهب سبكة وجعله مثل الطواحين وكان بالمدينة التي أنشأها باليمن يقال لها المنصورة وقام من بعده ولد اسمعيل الذي سفك الدماء وقال انه (4/312)

313 أموي وادعي الخلافة وفيها تقي الدين أبو محمد طلحة بن عبد بن مظفر بن غام بن محمد العلثي بفتح العين المهملة وسكون اللام ومثلثة نسبة إلى علث قرية بين عكبرا وسامرا الفقيه الحنبلي الخطيب المحدث الفرضي النظار المفسر الزاهد الورف العارف نشأ في العلث وحفظ الكتاب العزيز وقرأ على البطائحي والبرهان ابن الحضري وغيرهما وقرأ الفقه علي ابن المنى وسمع الحديث الكثير وقرأ صحيح مسلم وكان متواضعا لطيفا أديبا في مناظرته لا يسفه على أحد فقيرا مجردا ويرحم الفقراء ولا يخالط الأغنياء وروى عن ابن الجوزى ولازمه وقرأ عليه كثيرا من تصانيفه وكان أديبا شاعرا فصيحا واشتهر اسمه ورزق القبول من الخلق وكثير اتباعه وانتفع به الناس وروى عن ابن الجوزى في تاريخه حكاية فقال حدثني طلحة بن مظفر الفقيه انه ولد عندهم بالعلث مولود لستة أشهر فخرج وله أربعة أضراس قال المنذري توفي في ثالث عشر ذي الحجة بالعلث ودفن بزاويته هناك وفيها الوزير جلال الدين عبد الله بن يونس مسعود بن أحمد بن عبيد الله ابن هبة الله البغدادي الازجي الفقيه الحنبلي الفرضي الأصولي المتكلم وزير الخليفة الناصر جلال الدين تفقه في الأصلين والحساب والهندسة والجبر والمقابلة ورحل في طلب العلم إلى همذان وصنف وعنى بالحديث والفرائض والحساب وسمع ممن لا يحصى وسمع منه جماعة لا تحصر منهم ابن دلف وابن القطيعي وبالغ في مدحه والثناء عليه وذكر ابن النجار انه لم يكن في ولايته محمودا وقد علمت أن الناس لا يجتمعون على حمد شخص ولا ذمه وأما أبو شامة فأنه بالغ في ذمه والحط عليه بأمور لم يقم عليها حجة وكذلك ابن شبهة في تاريخ الإسلام قال بعد أن أثنى عليه غير انه شان فضيلته برأيه الفاسد وأفعاله السيئة فأنه خرب بيت الشيخ عبد القادر الكيلاني وشئت أولاده ويقال (4/313)

314 انه بعث في الليل من نبش ب الشيخ عبد القادر الكلاني ورمى عظامه في دجلة وقال هذا وقف ما يحل أن يدفن فيه أحد ولما اعتقله الخليفة كتبوا فيه فتاوي انه كان سبب هزيمة العسكر فذكروا أشياء فأفتوا باباحة دمه فسلم إلى الوزير ابن القصاب واعتقله في بيت للسلاح فأخرج منه ميتا انتهى وفيها أبو بكر بن الباقلاني مقرئ العراق عبد الله بن منصور بن عمران الربعي الواسطي تلميذ أبي العز القلانسي وآخر أصحابه روى الحديث خميس الجوزى وأبي عبد الله البارع وطائفة وتوفي في سلخ ربيع الأول وله ثلاث وتسعون سنة وثلاثة أشهر وفيها أبو محمد عبد الوهاب بن الشيخ عبد القادر بن أبي صالح الجيلي ثم البغدادي الأزجي الفقيه الحنبلي الواعظ ولد في ثاني شعبان سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة ذكر أبو شامة انه سمع من ابن الحصين وابن السمر قندي وذكر ابن القادسي انه سمع من ابن الحصين وابن الزاغوني وابن البنا وغيرهم واسمعه والده في صباه من أبي غالب بن البنا وغيره وقرأ الفقه على والده حتى برع ودرس نيابة عن والده بمدرسته وهي حي وقد نيف على العشرين من عمره ثم استقلا بالتدريس بها بعده ثم نزعت منه لابن الجوزى ثم ردت إليه وتولي المظالم للناصر سنة ثلاث وثمانين وكان كيسا ظريفا من ظرفاء أهل بغداد ولم يكن في أولاد أبيه منه كان فقيها فاضلا له كلام حسن في مسائل الخلاق فصيحافي الوعظ وإيراد الملح مع عذوبة الألفاظ مليح النادرة ذا مزح ودعابة وكياسة قال أبو شامة قيل له يوما على مجلس وعظه ما تقول في أهل البيت فقال قد أعموني وكان أعمش أجاب عن بيت نفسه وروى عنه ابن الديثي وابن الغزال الواعظ وابن خليل وأجاز لمحمد بن يعقوب وتوفي ليلة الأربعاء خامس عشرى شوال وفيها قاضي القضاة أبو طالب علي بن علي بن علي بن هبة الله بن محمد بن النجاري (4/314)

315 البغدادي الشافعي سمع من أبي القوت وولي القضاء سنة اثنتين وثمانين ثم عزل ثم أعيد سنة تسع وثمانين وفيها محمد بن حيدرة بن أبي البركات عمر بن إبراهيم بن محمد ن أبو معمر الحسيني الزيدي الكوفي سمع من جده وهو آخر من حدث عن أبي النرسي وكان رافضيا وفيها أبو البركات ويقال أبو الثناء محمود بن أحمد بن ناصر البغدادي الحربي الحذاء سمع من ابن الطلاية وعبد الخالق بن يوسف وغيرهما وتفقه في مذهب أحمد وأقرأ الفقه وحدث وتوفي في شهر ربيع الآخر ببغداد وفيها أبو اسحق ويقال أبو الحزم مكي بن أبي القسم بن عبد الله بن معالي ابن عبد الباقي بن العراد البغدادي المأموني الفقيه الحنبلي المحدث ولد سنة تسع وعشرين وخمسمائة وسمع من ابن ناصر والأرموي وابن البنا وغيرهم واعتنى بهذا الشأن ولم يزل يقرأ ويسمع إلى آخر عمره وهو ثقة صحيح السماع وقد نسبه القطيعي إلى التساهل والتسامح وروى عنه ابن خليل والبلداني وغيرهما وتوفي ليلة الجمعة سادس المحرم ببغداد ودفن بباب حرب مجاورا قبر بشر الحافي وفيها ناصر بن محمد أبو الفتح الأصبهاني القطان روى الكثير عن جعفر الثقفي واسمعيل بن الأخشيد وخلق وتوفي في ذي الحجة وأكثر عنه الحافظ ابن خليل وفيها أبو القسم يحيى بن أسعد بن بوس الأزجي الحنبلي الخباز سمع الكثير من أبي طالب اليوسفي وأبي سعد بن الطيوري وأبي علي الباقرحي وطائفة وكان عاميا مات شهيدا غص بلقمة فمات في ذي القعدة عن بضع وثمانين سنة وله إجازة ابن بيان قاله في العبر (4/315)

316 سنة أربع وتسعين وخمسمائة فيها استولى علاء الدين بن خوارزم شاه تكش علي بخاري وكانت لصاحب الخطا لعنة الله وجرى له معه حروب وخطوب ثم انتصر تكس وقتل خلق من الخطا وفيها توفي أبو علي الفارسي الزاهد واسمه الحسن بن مسلم الحنبلي الفارسي من قرية بنهر عيسى يقال لها الفارسية كان أحد الأبدال وزاهد العراق سمع وتفقه بأبي ذر الكرخي وكان متبتلاً أقام أربعين سنة لا يكلم أحداً من الناس صائم الدهر قائم الليل يقرأ كل يوم وليلة ختمة وكانت السباع تأوي إلى زاويته والخليفة وأرباب الدولة يمشون إلى زيارته حكى أن فقيراً احتلم بزايوته في ليلة باردة فنزل إلى النهر ليغتسل فجاء السبع فنام على جبته وكاد الفقير يموت من البرد والخوف فخرج الشيخ حسن وجاء إلى السبع فضربه بكمه وقال يا مبارك لم تتعرض لضيفنا فقام السبع يهرول وتوفي بالفارسية في المحرم وقد بلغ التسعين وفيها جرد بك أحد أكابر أمراء الدولتين النورية والصلاحية حضر جميع الفتوحات وهو الذي قتل شاور بمصر وابن الخشاب بحلب وكان فارس الإسلام وفيها صاحب سنجار الملك عماد الدين زنكي بن قطب الدين مودود ابن أتابك زنكي تملك حلب بعد ابن عمه الصالح إسماعيل فسار السلطان صلاح الدين فنازله ثم أخذ منه حلب وعوضه بسنجار فملكها إلى هذا الوقت ونجد صلاح الدين على عكا وكان عادلا ًمتواضعاً موصوفاً بالبخل وتملك بعده ابنه قطب الدين محمد وفيها تقي الدين أبو الحسين وأبو الخير سلامة بن إبراهيم بن سلامة (4/316)

317 الحذاء القبابي الدمشقي المحدث الفقيه الحنبلي سمع مع ابن هلال وابن الموازيني وغيرهما من مشايخ دمشق وعني بالحديث وأم بحلقة الحنابة بجامع دمشق وكان ثقة صالحاً وابن نقطة الحافظ يعتمد على خطه وينقل عنه في استدراكه قال ابن الحنبلي كن حسن السمت يحف شاربه ويقصر ثوبه ويأكل من كسب يده ويعمل القبابين ويعتمد عليه في تصحيحها وروى عنه ابن خلل في معجمه وتوفي سابع عشرى ربيع الآخر وفيها أبو الفضائل الكاغدي الخطيب عبد الرحيم بن محمد الأصبهاني المعدل روى عن أبي علي الحداد وعدة وتوفي في ذي القعدة وفيها أبو طاهر الأصبهاني على بن سعيد بن فادشاة روى عن الحداد أيضاً ومات في ربيع الأول وفيها أبو الهيجاء مقدم الاكراد ويعرف بالسمين بعثه الخليفة إلى همذان فلم يتم أمره وتفر عنه أصحابه فاستحيا أن يعود إلى بغداد فطلب الشام فلما وصل إليها مرض وكان نازلاً على تل فقال ادفنوني فيه فلما مات حفر له قبر على رأس التل فظهرت بلاطة عليها اسم أبيه فدفنوه عليه وفيها أبو الحسن علي بن موسى بن محمد بن خلف الأنصاري نزيل فاس وخطيبها ومصنف شذور الذهب في صنعة الكيمياء الذي لم ينظم أحد في الكيمياء مثل نظمه حتى قيل انه أن لم يعلمك صنعة الهب علمك صنعة الأدب وإن فاتك ذهبه لم يفتك أدبه ويعرف بابن ارفع رأس ويقال هو شاعر الحظ حكيم الشعر وفيها مجاهد الدين قايمازا الخادم الرومي الحاكم على الموصل وهو الذي بنى الجامع المجاهدي والمدرسة والرباط والمارستان بظاهر الموصل على دجلة وأوقف عليه الأوقاف وكان عليه رواتب كثيرة بحيث لم يدع في الموصل (4/317)

318 بيت فقير إلا وأغنى أهله وكان ديناً صالحاً يتصدق كل يوم خارجاً عن الرواتب بمائة دينار وكان يصوم في السنة ستة أشهر ومدحته الشعراء منهم ابن التعاويذي بقصيدة أولها ) عليل الشوق فيك متى يصح * وسكران بخبل كيف يصحو ) فأعطاه ألف دينار وفيها قوام الدين بن زيادة يحيى بن سعيد بن هبة الله الواسطي ثم البغدادي صاحب ديوان الإنشاء ببغداد ومن انتهت إليه صناعة الترسل مع معرفة بالفقه والأصول والكلام والنحو والشعر أخذ عن ابن الجواليقي وحدث عن علي بن الصباغ والقاضي الارجاتي وولى نظر واسط ثم ولى حجابة الحجاب وغير ذلك وتوفي في ذي الحجة ومن شعره ) باضطراب الزمان ترتفع * الانذال فيه حتى يعم البلاء ) ) وكذا الماء ساكناً فإذا حرك * ثارت من قعرة الاقذاء ) وله أيضا ) لا تغبطن وزيراً للملوك وان * أناله الدهر منهم فوق همته ) ) واعلم بأن له يوما تمور به * الأرض الوقور كما مارت لهيبته ) ) هرون وهو أخو موسى الشقيق له * لولا الوزارة لم يأخذ بلحيته ) سنة خمس وتسعين وخمسمائة فيها كانت فتنة خر الدين الرازي صاحب التصانيف وذلك انه قدم هراة ونال إكراماً عظيماً من الدولة فاشتد ذلك على الكرامية فاجتمع يوماً هو والزاهد مجد الدين بن القدوة فاستطال فخر الدين على ابن القدوة وشتمه وأهانه فلما كان من الغد جلس ابن عم مجد الدين فوعظ الناس وقال ) ^ ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ) أيها الناس لا نقول (4/318)

319 إلا ما صح عن رسول الله وأما قول ارسطو وكفريات ابن سينا وفلسفة الفارابي فلا نعملها فلأي شيء يشتم بالأمس شيخ من شيوخ الإسلام يذب عن دين الله وبكى فأبكى الناس وضجت الكرامية وثاروا من كل ناحية وحميت الفتنة فأرسل السلطان الجند فسكنهم وأمر الرازي بالخروج قاله في العبر وفيها كانت بدمشق فتنة الحافظ عبد الغني وكان امارا بالمعروف داعية إلى السنة فقام عليه الأشعرية وأفتوا بقتله فأخرج من دمشق طريداً قاله في العبر أيضاً وفيها مات العزيز صاحب مصر أو الفتح عثمان بن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب توفي في المحرم عن ثمان وعشرين سنة وكان شاباً مليحاً ظريف الشمائل قويا ذا بطش وأيد وكرم وحياء وعفة بلغ من كرمه انه لم تبق له خزانة وبلغ من عفته انه كان له غلام بألف دينار فحل لباسه ثم وفق فتركه وأسرع إلى سرية فافتضها وأمر الغلام بالتستر وأقيم بعده ولده على فاختلفت الأمراء وكاتب بعضهم الأفضل فصار من صرخد إلى مصر وعمل نيابة السلطنة ثم سار بالجيوش ليأخذ دمشق من عمه فأحرق العادل الحواضر والسرب ووقع الحصار ثم دخل الأفضل من باب السلامة وفرحت به العامة وحوصرت القلعة مدة وكان سبب موت العزيز انه خرج إلى الفيوم يتصيد فتقنطرت به فرسه فأصابته حمى فمات بعد يومين ودفن بالقرافة قرب الأمام الشافعي وكان عمره سبعا ًوعشرين سنة وخلف عشرة أولاد أكبرهم ناصر الدين محمد وفيها صلب بدمشق الذي زعم انه عيسى بن مريم وأضل طائفة فأفتى العلماء بقتله وفيها عبد الخالق بن هبة الله أبو محمد الحريمي بن البندار الزاهد روى (4/319)

320 عن ابن الحصين وجماعة قال ابن النجار كان يشبه الصحابة ما رأيت مثله توفي في ذي القعدة وفيها ابن رشد الحفيد هو العلامة أبو الوليد محمد بن احمد بن العلامة المفتى أبو الوليد محمد بن احمد بن رشد القرطبي المالكي أدرك من حياة جده شهرا سنة عشرين وتفقه وبرع وسمع الحديث وأتقن الطب وأقبل على الكلام والفلسفة حتى صار يضرب به المثل فيها وصنف التصانيف مع الذكاء المفرط والملازمة للاشتغال ليلاً ونهارا وتآليفه كثرة نافعة في الفقه الطب والمنطق والرياضي والآلهي وتوفي في صفر بمراكش وفيه أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الملك بن إسماعيل ابن علي الاصبهاني الواعظ الحنبلي ولد سنة إحدى أو اثنتين وثلاثين وخمسمائة وسمع منش أبي على الحمامي والباغبان وغيرهما وببغداد من هبة الله بن الشبلي وخلق وكان له قبول كثير عند أهل بلده وقدم بغداد غير مروة أملى بها وسمع منه ابن القطيعي وابن النجار وقال كان فاضلاً صدوقاً وتوفي ليلة الرابع والعشرين من ذي الحجة وفيها أبو بكر بن خيرون بن زهر محمد بن عبد الملك بن زهر الايادي الاشبيلي شيخ الطب وجالينوس العصر ولد سنة سبع وخمسمائة وأخذ الصناعة عن جده أبي العلاء زهر بن عبد الملك وبرع ونال تقدماً وحظوة عند السلاطين وحمل الناس عنه تصانيفه وكان جواداً ممدحا محتشما كثير العلوم قيل انه حفظ صحيح البخاري كله قال ابن دحية كان شيخنا أبو بكر يحفظ شعر ذي الرمة وهو ثلث لغة العرب مع الأشراف على جميع أقوال أهل الطب توفي بمراكش في ذي الحجة وفيها أبو جعفر الطرسوسي محمد بن إسماعيل الاصبهاني الحنبلي سمع أبا علي الحداد ويحيى بن منده وابن طاهر وطائفة وتفرد في عصره وتوفي في جمادى (4/320)

321 الآخرة عن أربع وتسعين سنة وفيها أبو الحسن الجمال مسعود بن أبي منصور بن محمد الأصبهاني الخياط روى عن الحداد ومحمود الصيرفي وحضر غانماً البرجي وأجاز له عبد الغفار الشيروي وتوفي في شوال وفيها أبو الفضل الصوفي منصور بن أبي الحسن الطبري الواعظ تفقه وتفنن وسمع من زاهر الشحامي وغيره وهو ضعيف في رواية لمسلم عن الفراوي توفي بدمشق في ربيع الآخر وفيها جمال الدين أبو القسم يحيى بن علي بن الفضل بن هبة الله العلامة البغدادي شيخ الشافعية بها ويعرف بابن فضلان ولد سنة خمس عشرة وخمسمائة وتفقه على أ [ ي منصور بن الرزاز ببغداد وبنيسابور على محمد ابن يحيى تلميذ الغزالي وسمع جماعة وانتفع به خلق كثير واشتهر اسمه وطار صيته وكان إماماً في الفقه والأصول والخلاف والجدل مثاراً إليه في ذل وكان يجري له وللمجير البغدادي بحوث ومحافل ويشنع كل منهما على الآخر وتوفي في شعبان وفيها المنصور أبو يوسف يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي القيسي الملقب بأمير المؤمنين بويع سنة ثمانين وخمسمائة عبد أبيه وسنه اثنتان وثلاثون سنة وكان صافي اللون جميلاً أعين أفوه أقنى أكحل مستدير اللحية ضخما جهوري الصوت جزل الألفاظ كثير الإصابة بالظن والفراسة خبيراً ذكياً شجاعا مقداما محبا للعلوم كثير الجهاد ميمون التقية ظاهري المذهب معاديا لكتب الفقه والفقه اباد منها شيئا كثيرا بالحريق وحمل الناس على التشاغل بالأثر قاله في العبر وقال ابن الأهدل طاب حاله واظهر بهجة ملك عبد المؤمن وتنصل للجهاد وأجرى الأحكام على قانون الشرع ولقب أمير المؤمنين كأبيه وجده رحل إلى الأندلس ورتب قواعدها وعزم (4/321)