شذرات الذهب في أخبار من ذهب: ج3

من معرفة المصادر

شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد.

http://www.shamela.ws تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة


الكتاب : شذرات الذهب - ابن العماد موافق للمطبوع

الناصر فبينما هو كذلك إذ طلل زرزور فصعد على إناء من ذهب بالمجلس وأنشد:

( أيها الفاصد مهلا بأمير المؤمنينا * )
( إنما تفصد عرقا فيه محيا العالمينا * )

وجعل يكرر ذلك المرة بعد المرة فاستظرف أمير المؤمنين الناصر ذلك غاية الاستظراف وسر به غاية السرور وسأل من أين اهتدى إلى ذلك ومن علم الزرزور فذكر له أنه السيدة الكبيرة مرجانة أم ولي عهده الحاكم المستنصر بالله صنعت ذلك وأعدته لذلك الأمر فوهب لها ما ينوف على ثلاثين ألف دينار والناصر المذكور هو الباني لمدينة الزهراء العظيمة المقدار ولما بنى قصر الزهراء المتناهي في الجلالة أطبق الناس على أنه لم يبن مثله في الإسلام البتة وكل من رآه قطع أنه لم ير مثله ولم يبصر له شبها بل لم يسمع بمثله بل لو يتوهم كون مثله وذكر المؤرخ أبو مروان بن حيان صاحب الشرطة أن مباني قصر الزهراء اشتملت على أربعة آلاف سارية ما بين كبيرة وصغيرة حاملة ومحمولة ونيف على ثلثمائة سارية زائدة وان مصارع أبوابها صغارها وكبارها كانت تنيف على خمسة عشر ألف باب وكان عدد الفتيان بالزهراء ثلاثة عشر ألف فتى وسبعمائة وخمسون فتى وعدة النساء بقصر الزهراء الصغار والكبار وخدم الخدمة ثلاثة آلاف وثلثمائة امرأة وأربع عشرة وذكر بعض أهل الخدمة في الزهراء أنه قدر النفقة فيها في كل يوم بثلثمائة ألف دينار مدة خمسة وعشرين عاما قال القاضي أبو الحسن ومن أخبار منذر بن سعيد البلوطي المحفوظة له مع الخليفة الناصر في إنكاره عليه الإسراف في البناء أن الناصر كان اتخذ لسطح القبة التي كانت على الصرح الممرد المشهور شأنه بقصر الزهراء قراميد مغشاة ذهبا وفضة أنفق عليها مالا جسيما وقد مد سقفها به تستلب الأبصار بأشعة أنوارها وجلس فيها إثر تمامها يوما لأهل مملكته فقال لقرابته من الوزراء وأهل الخدمة مفتخرا بما صنعه من ذلك هل رأيتم أو سمعتم ملكا كان قبلي فعل مثل فعلي هذا وقدر عليه فقالوا لا يا أمير المؤمنين وإنك لأوحد في شأنك كله وما سبقك إلى مبتدعاتك هذه ملك رأيناه ولا انتهى إلينا خبره فأبهجه قولهم وسره وبينما هو كذلك إذ دخل عليه القاضي منذر بن سعيد واجما ناكس الرأس فلما أخذ مجلسه قال له كالذي قال لوزرائه من ذكر السقف المذهب واقتداره عليه وعلى إبداعه فأقبلت دموع القاضي تنحدر على لحيته وقال له والله يا أمير المؤمنين ما ظننت أن الشيطان لعنه الله تعالى يبلغ منك هذا المبلغ ولا أن تمكنه من قلبك هذا التمكين مع ما آتاك الله من فضله ونعمته وفضلك به على العالمين حتى ينزلك منازل الكافرين قال فانفعل عبد الرحمن لقوله وقال له انظر ما تقول وكيف أنزلني منزلتهم فقال له نعم أليس الله تعالى يقول ( ^ ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ) فوجم الخليفة واطردت عيناه وأطرق مليا ودموعه تتساقط خشية وخشوعا لله تعالى ثم أقبل على منذر فقال له جزاك الله يا قاضي عنا وعن نفسك خيرا وعن الدين والمسلمين أجمل جزائه وكثر في الناس أمثالك فالذي قلت هو الحق وقام من مجلسه ذلك وأمر بنقض سقف القبة وأعاد قرمدها ترابا على صفة غيرها وحكى غير واحد أنه وجد بخط الناصر رحمه الله تعالى أيام السرور التي صفت له دون تكدير يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا ويوم كذا من كذا وعدت تلك الأيام فكان فيها أربعة عشر يوما فاعجب أيها العاقل لهذه الدنيا وعدم صفائها وبخلها بكمال الأحوال لأوليائها هذا الخليفة الناصر حلف السعود المضروب به المثل في الارتقاء في الدنيا ملكها خمسين سنة وستة أو سبعة أشهر وثلاثة أيام ولم يصف له إلا أربعة عشر يوما فسبحان ذي العزة العالية القائمة والمملكة الباقية الدائمة تبارك اسمه وتعالى جده لا إله إلا هو انتهى ما أورده المقري مختصرا.

  • وفيها القاضي أبو السايب عتبة بن عبيد الله الهمذاني الشافعي الصوفي تزهد أولا وصحب الكبار ولقي الجنيد ثم كتب الفقه والحديث والتفسير وولى قضاء أذربيجان ثم قضاء همذان ثم سكن بغداد ونوه باسمه إلى أن ولى قضاء القضاة وكان أول من ولى قضاء القضاة من الشافعية وفيها فاتك المجنون أبو شجاع الرومي الإخشيدي قال ابن خلكان كان روميا أخذ صغيرا هو وأخوه وأخت لهما من بلد الروم من موضع قرب حصن يعرف بذي الكلاع فتعلم الخط بفلسطين وهو ممن أخذه الإخشيد من سيده كرها بالرملة بلا ثمن فأعتقه صاحبه وكان معهم حرا في عدة المماليك وكان كريم النفس بعيد الهمة شجاعا كثير الإقدام ولذلك قيل له المجنون وكان رفيق الأستاذ كافور في خدمة الإخشيد فلما مات مخدومهما وتقرر كافور في خدمة ابن الإخشيد أنف فاتك من الإقامة بمصر كيلا يكون كافور أعلى رتبة منه ويحتاج أن يركب في خدمته وكانت الفيوم وأعمالها أقطاعا له فانتقل إليها واتخذها سكنا له وهي بلاد وبيئة كثيرة الوخم فلم يصح له بها جسم وكان كافور يخافه ويكرمه وفي نفسه منه ما فيها فاستحكمت العلة في جسم فاتك وأحوجته إلى دخول مصر للمعالجة فدخلها وبها أبو الطيب المتنبي ضيفا للأستاذ كافور وكان يسمع بكرم فاتك وكثرة سخائه غير أنه لا يقدر على قصد خدمته خوفا من كافور وفاتك يسأل عنه ويراسله بالسلام ثم التقيا بالصحراء مصادفة من غير ميعاد وجرى بينهما مفاوضات فلما رجع فاتك إلى داره حمل لأبي الطيب في ساعته هدية قيمتها ألف دينار بقصيدته المشهورة وهي من غرر القصائد التي أولها
( لا خيل عندك تهديها ولا مال * فليسعد النطق إن لم تسعد الحال )

وما أحسن قوله فيها

( كفاتك ودخول الكاف منقصة * كالشمس ولت وما للشمس أمثال )

ثم توفي المذكور فرثاه المتنبي وكان قد خرج من مصر بقصيدته التي أولها

( الحزن يقلق والتجمل يردع * والدمع بينهما عصى طيع )

وما أرق قوله فيها

( إني لأجين من فراق أحبتي * وتحس نفسي بالحمام فأشجع )
( ويزيدني غضب الأعادي قسوة * ويلم بي عتب الصديق فأجزع )
( تصفو الحياة لجاهل أو غافل * عما مضى منها وما يتوقع )
( ولمن يغالط في الحقيقة نفسه * ويسومها طلب المحال فتطمع )
( أين الذي الهرمان من بنيانه * ما قومه ما يومه ما المصرع )
( تتخلف الآثار عن أصحابها * حينا ويدركها الفناء فتتبع )

وهي من المراثي الفائقة وله فيه غيرها انتهى ملخصا.

  • وفيها مسند بخارى أبو بكر محمد بن أحمد بن حبيب البغدادي الدهقان الفقيه المحدث في رجب وله أربع وثمانون سنة روي عن يحيى بن أبي طالب وابن أبي الدنيا والكبار واستوطن بخارى وصار شيخ تلك الناحية سنة إحدى وخمسين وثلثمائة فيها كما قال ابن الجوزي في الشذور وقع برد في الحامدة كل بردة رطل ونصف ورطلان وفيها ورد الخبر بورود الروم عين روية في مائة وستين ألفا فقتل ملكهم الدمستق خلقا كثيرا وأوقع أربعين ألف نخلة وهدم سور البلد والجامع وكسر المنبر وورد إلى حلب بغتة ومعه مائتا ألف فانهزم منه سيف الدولة فظفر بداره فوجد فيها ثلثمائة وسبعين بدرة دراهم فأخذها وأخذ ما لا يحصى من السلاح وأحرق الدار وأخذ خلقا كثيرا كانوا أسرى عند المسلمين بضعة عشر ألف صبي وصبية وأخذ من النساء ما أراد وعمد إلى حباب الزيت فصب فيها الماء حتى فاض الزيت انتهى وفيها كما قال في العبر رفعت المنافقون رءوسها ببغداد وقامت الدولة الرافضية وكتبوا على أبواب المساجد لعنة معاوية ولعنة من غصب فاطمة حقها ولعنة من نفى أبا ذر فمحته أهل السنة في الليل فأمر معز الدولة بإعادته فأشار عليه الوزير المهلبي أن يكتب ألا لعنة الله على الظالمين ولعنة معاوية فقط انتهى وفيها توفي أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن جامع السكري بمصر روى عن علي ابن عبد العزيز البغوي وطائفة وفيها أبو بكر أحمد بن محمد بن أبي الموت المكي روى عن علي البغوي وأبي يزيد القراطيسي وطائفة وعاش تسعين سنة وفيها أحمد بن محمد أبو الحسين النيسابوري قاضي الحرمين وشيخ الحنفية في عصره ولى قضاء الحجاز مدة ثم قدم نيسابور وولى قضاءها تفقه على أبي الحسن الكرخي وبرع في الفقه وعاش سبعين سنة قال في العبر وروى عن أبي خليفة الجمحي

(3/8) ________________________________________ 8 وكان القاضي أبو بكر الأبهري شيخ المالكية يقول ما قدم علينا من الخراسانيين أفقه من أبي الحسين وفيها أبو إسحاق الهجيمي مصغرا نسبة إلى بني الهجيم بطن من تميم وإلى محلة لهم بالبصرة إبراهيم بن علي البصري في آخر السنة وقد قارب المائة روى عن جعفر بن محمد بن شاكر والكديمي وطائفة وفيها دعلج بن أحمد أبو محمد الشجري المعدل وله نيف وتسعون سنة رحل وطوف وأكثر وسمع من هشام السيرافي وعلي البغوي وطبقتهما قال الحاكم أخذ عن ابن خزيمة مصنفاته وكان يفتي بمذهبه وقال الدار قطني لم أر في مشايخنا أثبت من دعلج وقال الحاكم لم يكن في الدنيا أيسر منه اشترى بمكة دار العباس بثلاثين ألف دينار وكان الذهب في داره بالقفاف وكان كثير المعروف والصلات توفي في جمادي الآخرة قاله في العبر وقال ابن ناصر الدين دعلج بن أحمد بن دعلج أبو محمد السجستاني ثم البغدادي أحد المشهورين بالبر والصدقات والأفضال قال الحاكم وهو ممن روى عنه لم يكن في الدنيا أيسر منه كان الذهب بالقفاف في داره انتهى وفيها أبو محمد عبد الله بن جعفر بن محمد الورد البغدادي بمصر راوي السيرة عن ابن البرقي في رمضان وفيها أبو الحسين عبد الباقي بن قانع بن مرزوق الحافظ ببغداد في شوال وله ست وثمانون سمع الحرث بن أبي أسامة وإبراهيم بن الهيثم البلدي وطبقتهما وصنف التصانيف قال الدار قطني كان يخطئ ويصر على الخطأ وقال ابن ناصر الدين وثقه جماعة واختلط قبل موته بنحو سنتين انتهى وفيها أبو أحمد الحبيني علي بن محمد المروزي سمع سعيد بن مسعود المروزي وطبقته وكان صاحب حديث قال الحاكم كان يكذب والحبيني بالضم وكسر الموحدة المشددة وتحتية ونون نسبة إلى سكة حبين بمرو وفيها أبو بكر النقاش محمد بن الحسن بن محمد بن زياد الموصلي ثم البغدادي المقرئ المفسر صاحب التصانيف في التفسير والقراآت روى عن أبي مسلم الكجى وطائفة وقرأ على أصحاب ابن ذكوان والبزي ورحل ما بين مصر إلى ما وراء النهر وعاش خمسا وثمانين سنة ومع جلالته في العلم ونبله فهو ضعيف متروك الحديث قال الذهبي في المغني مشهور اتهم بالكذب وقد أتى في تفسيره بطامات وفضائح وهو في القراءات أمثل انتهى وفيها أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني الكوفي مسند الكوفة في زمانه روى عن إبراهيم بن عبد الله القصار وأحمد بن عرعرة وجماعة وفيها يحيى بن منصور القاضي أبو محمد النيسابوري ولى قضاء نيسابور بضع عشرة سنة روى عن علي بن عبد العزيز البغوي وأحمد بن سلمة وطبقتهما.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

352 هـ

سنة اثنتين وخمسين وثلثمائة فيها يوم عاشوراء ألزم معر الدولة أهل بغداد بالنوح والمأتم على الحسين رضي الله عنه وأمر بغلق الأسواق وعلقت عليها المسموح ومنع الطباخين من عمل الأطعمة وخرجت نساء الرافضة منشرات الشعور مضخمات الوجوه يلطمن ويفتن الناس وهذا أول ما نيح عليه اللهم ثبت علينا عقولنا قاله في العبر وفيها في ثامن عشر ذي الحجة عملت الرافضة عيد الغدير خم ودقت الكوسات وصلوا بالصحراء صلاة العيد قاله في العبر أيضا وفيها بعث صاحب أرمينية إلى ناصر الدولة رجلين ملتصقين خلفة من جانب واحد فويق الحقو إلى دوين الإبط ولدا كذلك ولهما بطنان وسرتان ومعدتان ولم يمكن فصلهما وكان ربما يقع بينهما تشاجر فيختصمان ويحلف أحدهما لا يكلم الآخر أياما ثم يصطلحان فمات أحدهما قبل الآخر فلحق الحي الغم من نتن الرائحة فمات قاله في الشذور وفيها توفي الوزير المهلبي أبو محمد الحسن بن محمد الأزدي من ذرية المهلب بن أبي صفرة وزير معز الدولة بن بويه كان من رجال الدهر حزما وعزما وسؤددا وعقلا وشهامة ورأيا توفي في شعبان وقد نيف على الستين وكان فاضلا شاعرا فصيحا حليما جوادا صادر معز الدولة أولاده من بعده ثم استوزر أبا الفضل بن الحسين الشيرازي واسمه العباس قال ابن خلكان وكان الوزير المهلبي قبل اتصاله بمعز الدولة في شدة عظيمة من الضرورة والضائقة وكان وكان قد سافر مرة ولقي في سفره مشقة صعبة (3/10) ________________________________________ واشتهى اللحم فلم يقدر عليه فقال ارتجالا 10 ( ألا موت يباع فأشتريه * فهذا العيش ما لا خير فيه ) ( ألا موت لذيذ الطعم يأتي * يخلصني من العيش الكريه ) ( إذا أبصرت قبرا من بعيد * وددت بأنني مما يليه ) ( ألا رحم المهيمن نفس حر * تصدق بالوفاة على أخيه ) وكان معه رفيق يقال له أبو عبد الله الصوفي وقيل أبو الحسن العسقلاني فلما سمع الأبيات اشترى له بدرهم لحما وطبخه وأطعمه وتفارقا وتنقلت بالمهلبي الأحوال وتولى الوزارة ببغداد لمعز الدولة وضاقت الأحوال برفيقه في السفر الذي اشترى له اللحم وبلغه وزارة المهلبي فقصده وكتب إليه ( ألا قل لوزير فدته نفسي * مقالة مذكر ما قد نسيه ) ( أتذكر إذ تقول لضنك عيش * ألا موت يباع فأشتريه ) فلما وقف عليها تذكر وهزته أريحية الكرم فأمر له في الحال بسبعمائة درهم ووقع في رقعته ( ^ مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء ) ثم دعا به فخلع عليه وقلده عملا يرتفق به ولما ولى المهلبي الوزارة بعد تلك الإضافة عمل ( رق الزمان لفاقتي * ورثى لطول تحرقي ) ( فأنالني ما أرتجيه * وحاد عما أتقي ) ( فلأصفحن عما أتاه * من الذنوب السبق ) ( حتى جنايته بما فعل المشيب بمفرقي ) وكان لمعز الدولة مملوك تركي في غاية الجمال يدعى تكين الجامدار وكان شديد المحبة له فبعث سرية لمحاربة بعض بني حمدان وجعل المملوك المذكور مقدم الجيش وكان الوزير المهلبي يستحسنه ويرى أنه من أهل الهوى لا من أهل مدد الوغى فعمل فيه ( طفل يرق الماء في * جنباته ويرف عوده ) ( ويكاد من شبه العذارى * فيه أن تبدو نهوده ) ( ناطوا بمعقد خصره * سيفا ومنطقة تؤوده ) (3/11) ________________________________________ 11 ( جعلوه قائد عسكر * ضاع الرعيل ومن يقوده ) وكان كذلك فإنه ما أنجح وكانت الكرة عليهم ومن شعره النادر في الرقة قوله ( تصارمت الأجفان لما صرمتني * فما تلتقي إلا على عبرة تجري ) انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا وفيها أبو القاسم خالد بن سعد الندلسي القرطبي الحافظ كان ينظر بيحيى بن معين وكان أحد أركان الحديث بالأندلس سمع بعد سنة ثلثمائة من جماعة منهم محمد بن فطيس وسعيد بن عثمان الأعناقي ومنه قاسم بن محمد وغيره وكان إماما حجة مقدما على حفاظ زمانه عجبا في معرفة الرجال والعلل وقيل كان يحفظ الشيء من مرة ورد أن المنتصر بالله الحكم قال إذا فاخرنا أهل المشرق بيحيى بن معين فاخرناهم بخالد بن سعد وفيها أبو بكر الإسكافي محمد بن محمد بن أحمد بن مالك ببغداد في ذي القعدة روى عن موسى بن سهل الوشا وجماعة وله جزء مشهور وفيها أحمد بن محمد بن السري بن يحيى بن السري التميمي الكوفي أبو بكر بن أبي دارم قال ابن ناصر الدين في بديعيته ( ابن أبي دارم الضعيف * شيعهم برفضه نحيف ) أي كان رافضيا فضعف بسبب رفضه روى عن إبراهيم بن عبد الله القصار وأحمد بن موسى الحمار ومطين وعنه الحاكم وابن مردويه وآخرون وكان محدث الكوفة وحافظها وجمع في الحط على الصحابة وقد اتهم في الحديث وفيها أحمد بن عبيد إسماعيل الحافظ الثقة أبو الحسن البصري الصفار روى عن الكديمي ومحمد بن غالب تمتام وروى عنه الدار قطني وابن جميع قال الدار قطني ثقة ثبت ذكره ابن درباس وفيها علي بن أحمد بن أبي قيس الرفاعي البغدادي أبو الحسن روى عن زوج أمه أبي بكر بن أبي الدنيا وهو ضعيف جدا.


353 هـ

سنة ثلاث وخمسين وثلثمائة فيها كما قال في الشذور لبعث الهجريون إلى سيف الدوله فاستهدوا حديداً فقلع أبواب الرقه وأخذ كل مايقدر عليه من الحديد حتى ضجات البالوغه فبعثها إليهم . وفيها نازل الدمستق المصيصة وحاصرها وغلت الأسعار بها ثم ترحل عنها للغلاء الذي أصاب جيشه ثم جاء لطرسوس وفيها توفي أبو سعيد بن أبي عثمان الحيري واسمه أحمد بن محمد بن الزاهد أبي عثمان سعيد الحيري النيسابوري شهيداً بطرسوس وله خمس وستون سنه روى عن الحسن بن سفيان وطبقته وصنف التفسير الكبير والصحيح على رسم مسلم وغير ذلك قال ابن ناصر الدين كان حافظا شجاعا له التفسير الكبير والصحيح على مسلم خرج يعسكر للجهاد مريدا فقتل بطرسوس شهيدا انتهى وفيها أبو إسحق إبراهيم بن حمزة الحافظ وهو إبراهيم بن محمد بن حمزة بن عمارة بأصبهان في رمضان وهو في عشر الثمانين قال أبو نعيم لم ير بعد عبد الله بن مظاهر في الحفظ مثله جمع الشيوخ والسند وقال أبو عبد الله بن مندة الحافظ لم أر أحفظ منه وقال ابن عقدة قل من رأيت مثله روي عن مطين وأبي شعيب الحراني وفيها أبو عيسى بكار بن أحمد البغدادي شيخ المقرئين في زمانه قرأ على جماعة من أصحاب الدوري وسمع من عبد الله بن أحمد بن حنبل وتوفي في ربيع الأول وقد قارب الثمانين وفيها جعفر بن محمد بن الحكم الواسطي المؤدب روى عن الكديمي وطبقته وكان من العارفين البارعين الخيرين وفيها أبو علي بن السكن الحافظ الكبير سعيد بن عثمان بن سعيد بن السكن المصري صاحب التصانيف وأحد الأئمة سمع بالعراق والشام والجزيرة وخراسان وما وراء النهر من أبي القاسم البغوي وطبقته كالفربري وابن جوصا وممن روى عنه ابن مندة وعبد الغني بن سعيد وكان ثقة حجة توفي في المحرم وله تسع وخمسون سنة وفيها أبو الفوارس شجاع بن جعفر الوراق الواعظ ببغداد وقد قارب المائة روى عن العطاردي وأبي جعفر بن المنادى وطائفة وكان أسند من بقي.

  • وفيها أبو محمد عبد الله بن الحسن بن بندار المدايني الأصبهاني سمع أسيد ابن عاصم ومحمد بن إسماعيل الصايغ وجماعة وفيها أبو محمد الفاكهي عبد الله بن محمد بن العباس المكي صاحب أبي يحيى بن أبي ميسرة وكان أسند من بقي بمكة وفيها أبو القاسم علي بن يعقوب بن أبي العقب الدمشقي المحدث المقرئ روى عن أبي زرعة الدمشقي وطائفة توفي في ذي الحجة عن ثلاث وتسعين سنة وفيها أبو علي محمد بن هارون بن شعيب الأنصاري الدمشقي الحافظ أحد الرحالة سمع بالشام ومصر والعراق وأصبهان وروى عن بكر بن سهل الدمياطي وأحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة وطبقتهما قال عبد العزيز الكناني كان يتهم وعاش سبعا وثمانين سنة.

354 هـ

سنة أربع وخمسين وثلثمائة فيها بني الدمستق نقفور مدينته وسماها قيسارية وقيل قيصرية وسكنها وجعل أباه بالقسطنطينية فبعث إليه أهل طرسوس والمصيصة يخضعون له ويسألونه أن يقبل منهم القطيعة كل سنة وينفذ إليهم نائبا له عليهم فأجابهم ثم علم ضعفهم وشدة القحط عليهم وأن أحدا لا ينجدهم وأن كل يوم يخرج من طرسوس ثلثمائة جنازة فرجع عن الإجابة وخاف أن تركهم حتى تستقيم أحوالهم أن يمتنعوا عليه فأحرق الكتاب على رأس الرسول فاحترقت لحيته وقال امض ما عندي إلا السيف ثم نازل المصيصة فأخذها بالسيف واستباحها ثم فتح طرسوس بالأمان وجعل جامعها اصطبلا لخيله وحصن البلدين وشحنهما بالرجال وفيها توفي أبو بكر بن الحداد وهو أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن عطية البغدادي المصري البغدادي مات بديار مصر روى عن أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة وبكر بن سهل الدمياطي وطبقتهما وفيها المتنبي شاعر العصر أبو الطيب أحمد بن الحسين بن الحسن الجعفي الكوفي في رمضان بين شيراز والعراق وله إحدى وخمسون سنة قال في العبر وليس في العالم أشعر منه أبدا وأما مثله فقليل وقال ابن الأهدل قدم الشام في صباه واشتغل في فنون الأدب ومهر فيها وتضلع من علم اللغة قال له أبو علي الفارسي صاحب الإيضاح والتكملة كم لنا من الجموع على وزن فعلى فقال له المتنبي سريعا حجلى وظربى قال الفارسي فقتشت كتب اللغة ثلاث ليال فلم أجد لهما ثالثا حجلى جمع حجل وهو الطائر المسمى بالقبج وظربى جمع ظربان كقطران وهي دابة منتنة الرائحة ومن الناس كثير يرجحون المتنبي على أبي تمام ومن بعده ورزق سعادة في شعره واعتنى العلماء بديوانه فشرحوه أكثر من أربعين شرحا مدح جماعة من الملوك ووصله ابن العميد بثلاثين ألفا وأتاه من عضد الدولة صاحب شيراز مثلها وسمي المتنبي لأنه ادعى النبوة في بادية السماوة وتبعه خلق كثير من كلب وأخرج إليه لؤلؤ أمير حمص نائب الأخشيدية فأسره واستتابه وتفرق أصحابه وكان كافور الإخشيدي يقول لما هجاه من ادعى النبوة إما يدعى الملك وكان العلماء يحضرون مجلس سيف الدولة ويتناظرون كل ليلة فوقع بين المتنبي وابن خالويه ليلة كلام فوثب ابن خالويه على المتنبي فضرب وجهه بمفتاح فشجه فخرج ودمه يسيل على وجهه فغضب وخرج إلى كافور فلما صدر منه قصد بلاد فارس بالمشرق ومدح عضد الدولة الديلمي فأجزل جائزته فلما رجع من عنده عرض له فاتك بن أبي جهل فقتل المتنبي وابنه محسد وغلامه مفلح بالقرب من النعمانية على ميلين من دير العاقول ثم رأى المتنبي الغلبة ففر فقال له الغلام لا يتحدث عنك بفرار وأنت القائل ( الخيل والليل والبيداء تعرفني * والطعن والضرب والقرطاس والقلم ) فكر راجعا فقتل ويحكى أن المعتضد صاحب قرطبة أنشد يوما بيت المتنبي ( إذا ظفرت منك العيون بنظرة * أبان لها معنى المطي ورازمه ) وجعل يردده فأنشده ابن وهبون الأندلسي بديها

( لئن جاد شعر ابن الحسين فإنما * تجيد العطايا واللهى تفتح اللهى )
( تنبأ عجبا بالقريض ولو درى * بأنك تروي شعره لتألها )

أي لادعى الألوهية انتهى ما أورده ابن الأهدل وروى له الشيخ تاج الدين الكندي بالسند الصحيح بيتين لا يوجد في ديوانه وهما

( أبعين مفتقر إليك نظرتني * فأهنتني وقذفتني من حالق )
( لست الملوم أنا الملوم لأنني * أنزلت آمالي بغير الخالق )

ولما كان بمصر مرض وكان له صديق يغشاه في علته فلما شفي انقطع عنه فكتب إليه وصلتني وصلك الله معتلا وقطعتني مبلا فإن رأيت أن لا تحبب العلة إلي ولا تكدر الصحة علي فعلت إن شاء الله تعالى وقال النامي الشاعر كان قد بقي من الشعر زاوية دخلها المتنبي وكنت أشتهي أن أكون قد سبقته إلى معنيين قالهما ما سبق إليهما أحد هما قوله

( رماني الدهر بالأرزاء حتى * فؤادي في غشاء من نبال ) ( فصرت إذا أصابتني سهام * تكسرت النصال على النصال ) والآخر قوله
( في جحفل ستر العيون غباره * فكأنما يبصرن بالآذان ) وقال أبو الفتح بن جني النحوي قرأت ديوان أبي الطيب عليه فلما بلغت قوله في كافور القصيدة التي أولها ( أغالب فيك الشوق أغلب * وأعجب من ذا الهجر والوصل أعجب ) حتى بلغت إلى قوله
( ألا ليت شعري هل أقول قصيدة * ولا أشتكي فيها ولا أتعتب ) ( وبي ما يذود الشعر عني أقله * ولكن قلبي يا ابنة القوم قلب ) نقلت يعز علي أن يكون هذا الشعر في مدح غير سيف الدولة فقال حذرناه وأنذرناه فما نفع ألست القائل فيه
( أخا الجود أعط الناس ما أنت مالك * ولا تعطين الناس ما أنا قائل )

فهو الذي أعطاني كافور بسوء تدبيره وقلة تمييزه مولد المتنبي بالكوفة في سنة ثلاث وثلثمائة في محلة تسمى كندة فنسب إليها وليس هو من كندة التي هي قبيلة بل هو جعفي القبيلة من مذحج وقتل يوم الأربعاء لست بقين أو ليلتين بقيتا وقيل يوم الاثنين لثمان بقين من شهر رمضان.

  • وفيها العالم الحبر والعلامة البحر أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ التميمي البستي الشافعي صاحب الصحيح كان حافظا ثبتا إماما حجة أحد أوعية العلم صاحب التصانيف سمع أبا خليفة الجمحي والنسائي وطبقتهما ومنه الحاكم وطبقته واشتغل بخراسان والشام والعراق ومصر والجزيرة وكان من أوعية العلم في الحديث والفقه واللغة والوعظ وغير ذلك حتى الطب والنجوم والكلام ولى قضاء سمرقند ثم قضاء نسا وغاب دهرا عن وطنه ثم رد إلى بست وتوفي بها في شوال وهو في عشر الثمانين قال الخطيب كان ثقة نبيلا وقال ابن ناصر الدين له أوهام أنكرت فطعن عليه بهفوة منه بدرت ولها محمل لو قبلت وقال الأسنوي أبو حاتم محمد بن حبان بكسر الحاء المهملة بعدها باء موحدة البستي بباء موحدة مضمومة وسين مهملة ساكنة وبالتاء بنقطتين من فوق الإمام الحافظ مصنف الصحيح وغيره رحل إلى الآفاق كان من أوعية العلم لغة وحديثا وفقها ووعظا ومن عقلاء الرجال قاله الحاكم وقال ابن السمعاني كان إمام عصره تولى قضاء سمرقند مدة وتفقه به الناس ثم عاد إلى نيسابور وبنى بها خانقاه ثم رجع إلى وطنه وانتصب بها لسماع مصنفاته إلى أن توفي ليلة الجمعة لثمان بقين من شوال انتهى ما أورده الأسنوي قلت وأكثر نقاد الحديث على أن صحيحه أصح من سنن ابن ماجة والله أعلم وفيها أبو بكر بن مقسم المقرئ محمد بن الحسن بن يعقوب بن مقسم البغدادي العطار وله تسع وثمانون سنة قرأ على إدريس الحداد وسمع من بي مسلم الكجي وطائفة وتصدر للإقراء دهرا وكان علامة في نحو الكوفيين سمع من ثعلب أماليه وصنف عدة تصانيف وله قراءة معروفة منكرة خالف فيها الإجماع وقد وثقه الخطيب وفيها أبو بكر الشافعي محمد بن عبد الله بن إبراهيم البغدادي البزار صاحب الغيلانيات في ذي الحجة وله خمس وتسعون سنة وهو صاحب الغيلانيات وابن غيلان آخر من روى عنه تلك الأجزاء التي هي في السماء علوا روى عن موسى بن سهل الوشا ومحمد بن شداد المسمعي وابن الدنيا وأكثر وعنه الدار قطني وعمر بن شاهين وأبو طالب بن غيلان وخلق قال الخطيب كان ثقة ثبتا حسن التصنيف وقال الدار قطني هو الثقة المأمون الذي لم يغمز بحال وقال الخطيب أيضا لما منعت الديلم الناس من ذكر فضائل الصحابة وكتبوا السب على أبواب المساجد كان يعتمد إملاء أحاديث الفضائل في الجامع والله أعلم.

355 هـ

سنة خمس وخمسين وثلاثمائة فيها أخذت بنو سليم ركب مصر والشام وتمزقوا في البراري وفيها توفي الحافظ أبو بكر الجعابي محمد بن عمر بن أحمد بن سلم التميمي البغدادي سمع يوسف بن يعقوب القاضي ومحمد بن الحسن بن سماعة وطبقتهما ومنه الدار قطني وابن شاهين وأبو عبد الله الحاكم وكان حافظا مكثرا وصنف الكتب وتوفي في رجب وله اثنتان وسبعون سنة وكان عديم المثل في حفظه قال القاضي أبو عمر الهاشمي سمعت الجعابي يقول أحفظ أربعمائة ألف حديث وأذاكر ستمائة ألف حديث قال الدار قطني ثم خلط ثم ذكر وهو شيعي قيل كان يترك الصلاة نسأل الله العفو وقال ابن ناصر الدين كان شيعيا رمى بالشرب وغيره وقال بن بردس كان حافظا مكثرا غير أنه اتهم بقلة الدين من ترك الصلاة وليس هذا موضع ذكره لأن فيه كلاما كثيرا يضيق هذا الموضع عنه انتهى وقال في المغني مشهور محقق لكنه رقيق الدين تالف وفيها أبو الحكم منذر بن سعيد البلوطي قاضي الجماعة بقرطبة سمع من عبيد الله ابن يحيى الليثي وكان ظاهري المذهب فطنا مناظرا ذكيا بليغا مفوها شاعرا كثير التصانيف قوالا بالحق ناصحا للخلق عزيز المثل له الخطب المفحمة الخالصة الخارجة من قلب مخلص سليم عاش اثنتين وثمانين سنة وفيها ابن علان أبو الحسن علي بن الحسن بن علان الحراني الحافظ العالم محدث حران روى عن أبي يعلى الموصلي وطبقته وعنه أبو عبد الله بن مندة وتمام الرازي وآخرون وكان ثقة نبيلا وفيها محمد بن الحسن بن الحسين بن منصور الحافظ الإمام أبو الحسن النيسابوري التاجر روى عن محمد بن إبراهيم البوشنجي وخلق وحدث عنه أبوه وعمه وأثنى عليه خلق وهو من الثقات وفيها محمد بن معمر بن ناصح أبو مسلم الذهلي الأديب بأصبهان روى عن أبي بكر بن أبي عاصم وأبي شعيب الحراني وطائفة.

356 هـ

سنة ست وخمسين وثلاثمائة فيها أقامت الرافضة المأتم على الحسين على العادة المارة في هذه السنوات وفيها مات السلطان معز الدولة أحمد بن بويه الديلي وكان في صباه يحتطب وأبوه يصيد السمك فما زال إلى أن ملك الجور والرفض ولكنه كان حازما سايسا مهيبا قيل أنه رجع في مرضه عن الرفض وندم على الظلم وقيل أن سابور ذا الأكتاف أحد ملوك الفرس من أجداده وكان أقطع طارت يده اليسرى في بعض الحروب وتملك بعده ابنه عز الدولة بختيار وفيها أبو محمد المغفلي أحمد بن عبد الله بن محمد المزني الهروي أحد الأئمة قال الحاكم كان إمام أهل خراسان بلا مدافعة سمع أحمد بن نجدة وإبراهيم بن أبي طالب ومطينا وطبقتهم وكان فوق الوزراء وكانوا يصدرون عن رأيه وفيها القالي أبو علي إسماعيل بن القاسم البغدادي اللغوي النحوي الإخباري صاحب التصانيف ونزيل الأندلس بقرطبة في ربيع الآخر وله ست وسبعون سنة أخذ الآداب عن ابن دريد وابن الأنباري وسمع من أبي يعلى الموصلي والبغوي وطبقتهما وألف كتاب البارع في اللغة في خمسة آلاف ورقة لكن لم يتمه قاله في العبر وقال ابن خلكان طاف البلاد وسافر إلى بغداد وأقام بالموصل لسماع الحديث من أبي يعلى الموصلي ودخل بغداد في سنة خمس وثلثمائة وأقام بها إلى سنة ثمان وعشرين وثلثمائة وكتب بها الحديث ثم خرج من بغداد قاصدا الأندلس ودخل قرطبة سابع عشرى شعبان سنة ثلاثين وثلثمائة واستوطنها وأملى كتابه الأمالي بها وأكثر كتبه بها وضعها ولم يزل بها إلى أن مات في شهر ربيع الآخر وقيل جمادى الأولى ليلة السبت لست خلون من الشهر ومولده بمنازجرد من ديار بكر والقالي نسبة إلى قالى قلا من ديار بكر انتهى ملخصا.

  • وفيها الرفاء علي حامد بن محمد الهروي الواعظ المحدث بهراة في رمضان روى عن عثمان الدارمي والكديمي وطبقتهما وكان ثقة صاحب حديث وفيها الرافعي أبو الفضل العباس بن محمد بن نصر بن السرى روى عن هلال ابن العلاء وجماعة وتوفي بمصر قال يحيى بن علي الطحان تكلموا فيه وفيها عبد الخالق بن الحسن بن أبي روبا أبو محمد السقطي نسبة إلى بيع السقط المعدل البغدادي ببغداد روى عن محمد بن غالب تمتام وجماعة وسبقه أبو عمر وعثمان بن محمد البغدادي السقطي سمع الكديمي وإسماعيل القاضي ومات في آخر السنة وله سبع وثمانون سنة وفيها صاحب الأغاني أبو الفرج علي بن الحسين الأموي الأصبهاني الكاتب الإخباري يروى عن مطين فمن بعده وكان وكان أديبا نسابة علامة شاعرا كثير التصانيف ومن العجائب أنه مرواني يتشيع توفي في ذي الحجة عن ثلاث وسبعين سنة قاله في العبر وقال ابن خلكان جده مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية وهو أصفهاني الأصل بغدادي المنشأ كان من أعيان أدبائها وأفراد مصنفيها وروى عن عالم كثير من العلماء يطول تعدادهم وكان عالما بأيام الناس والأنساب والسير قال التنوخي ومن المتشيعين الذين شاهدناهم أبو الفرج الأصبهاني كان يحفظ الشعر والأغاني والأخبار والآثار والأحاديث المسندة والأدب والنسب لم أر قط من يحفظ مثله ويحفظ دون ذلك من علوم أخرى منها اللغة والنحو والحرف والسير والمغازي ومن آلة المنادمة شيئا كثيرا مثل علم الجوارح والبيطرة وشيء من الطب والنجوم والأشربة وغير ذلك وله شعر يجمع إتقان العلماء وإحسان ظرفاء الشعراء وله المصنفات المستملحة منها كتاب الأغاني الذي وقع الاتفاق على أنه لم يعمل في بابه مثله يقال أنه جمعه في خمسين سنة وحمله إلى سيف الدولة بن حمدان فأعطاه ألف دينار واعتذر إليه وحكى عن الصاحب بن عباد أنه كان في أسفاره يستصحب حمل ثلاثين جملا من كتب الأدب ليطلعها فلما وصل إليه كتاب الأغاني لم يكن بعد ذلك يستصحب سواه استغناء به عنها وكان منقطعا إلى الوزير المهلبي وله فيه مدائح منها قوله فيه
( ولما انتجعنا لائذين بظله * أعان وما عنى ومن وما منا )
( وردنا عليه مقترين فراشنا * وردنا نداه مجدين فأخصبنا )

وكان قد خلط قبل أن يموت رحمه الله تعالى انتهى ما أورده ابن خلكان مختصرا وفيها سيف الدولة علي بن عبد الله بن حمدان بن حمدون التغلبي الجزري صاحب الشام بحلب في صفر وله بضع وخمسون سنة وكان بطلا شجاعا كثير الجهاد جيد الرأي عارفا بالأدب والشعر جوادا ممدحا مات بالفالج وقيل بعسر البول وكان قد جمع من الغبار الذي أصابه في الغزوات ما جاء منه لبنة بقدر الكف وأوصى أن يوضع خده إذا دفن عليها وتملك بعده ابنه سعد الدولة خمسا وعشرين سنة وبعده ولده أبو الفضل وبموته انقرض ملك بني سيف الدولة قال الثعالبي في يتيمته كان بنو حمدان ملوكا أوجههم للصباحة وألسنتهم للفصاحة وأيديهم للسماحة وعقولهم للرجاحة وسيف الدولة شهم سادتهم وواسطة قلادتهم لم يجتمع بباب أحد من الملوك بعد الخلفاء ما اجتمع ببابه من شيوخ الشعراء وغيرهم وكان شاعرا يرتاح للشعر وجرت بينه وبين أخيه ناصر الدولة وحشة فكتب إليه من شعره

( لست أجفو وإن جفوت ولا أترك * حقا علي في كل حال )
( إنما أنت والد والأب الجافي * يجازى بالصبر والاحتمال ) وكتب إليه مرة أخرى
( رضيت لك العليا وإن كنت أهلها * وقلت وهل بيني وبين أخي فرق )
( ولم يك لي عنها نكول وإنما * تجافيت عن حقي ليبقى لك الحق )
( ولا بد لي من أن أكون مصليا * إذا كنت أرضى أن يكون لك السبق )

وأخباره كثيرة مع شعراء وقته كالمتنبي والسري الرفاء والنامي والوأواء وتلك الطبقة ويحكى أن ابن عمه أبا فراس كان يوما بين يديه في نفر من ندمائه فقال لهم سيف الدولة أيكم يجيز قولي وليس له إلا سيدي يعني أبا فراس ( لك جسمي تعله * فدمي لم تحله ) فارتجل أبو فراس وقال ( قال إن كنت مالكا * فلي الأمر كله ) فاستحسنه وأعطاه ضيعة بأعمال منبج تغل ألفي دينار في كل سنة ومن محاسن شعر سيف الدولة قوله في وصف قوس قزح وقد أبدع فيه كل الإبداع ( وساق صبيح للصبوح دعوته * فقام في أجفانه سنة الغمض )

( يطوف بكاسات العقار كأنجم * فمن بين منقض عليها ومنفض )
( وقد نشرت أيدي الجنوب مطارفا * على الجود كنا والحواشي على الأرض )
( وطرزها قوس السحاب بأصفر * على أحمر في أخضر إثر مبيض )
( كأذيال خود أقبلت في غلائل * مصبغة والبعض أقصر من بعض ) وعذا من التشبيهات الملوكية التي لا يكاد يخطر مثلها لغيرهم ومن حسن شعره أيضا قوله
( تجبنى على الذنب والذنب ذنبه * وعاتبني ظلما وفي شقه العتب ) ( إذا برم المولى بخدمة عبده * تجنى له ذنبا وإن لم يكن ذنب )
( وأعرض لما صار قلبي بكفه * فهلا جفاني حين كان لي القلب )

ومحاسنه وأخباره كثيرة فلنكتف بهذا القدر وفيها أبو المسك كافور الحبشي الأسود الخادم الإخشيدي صاحب الديار المصرية اشتراه الإخشيد وتقدم عنده حتى صار من أكبر قواده لعقله ورأيه وشجاعته ثم صار أتابك ولده من بعده وكان صبيا فبقي الاسم لأبي القاسم أنوجور والدست لكافور فأحسن سياسة الأمور إلى أن مات أنوجور ومعناه بالعربي محمود في سنة تسع وأربعين عن ثلاثين سنة وأقام كافور في الملك بعده أخاه عليا إلى أن مات في أول سنة خمس وخمسين وله إحدى وثلاثون سنة فتسلطن كافور واستوزر أبا الفضل جعفر بن خنزانة ابن الفرات وعاش بضعا وستين سنة قاله في العبر وأخباره كثيرة شهيرة منها أنه كان ليلة كل عيد يرسل وقر بغل دراهم في صرر مكتوب على كل صرة اسم من جعلت له من بين عالم وزاهد وفقير ومحتاج وتوفي يوم الثلاثاء عشرى جمادى الأولى فعلى هذا لم تطل مدته في الاستقلال بل كانت سنة واحدة وشيئا يسيرا رحمه الله تعالى وكانت بلاد الشام في مملكته أيضا مع مصر وكان يدعى له على المنابر بمكة والحجاز جميعه والديار المصرية وبلاد الشام من دمشق وحلب وأنطاكية وطرسوس والمصيصة وغير ذلك وكان تقدير عمره خمسا وستين على ما حكاه الفرغاني في تاريخه وفيها أبو الفتح عمر بن جعفر بن محمد بن سلم الجبلي الرجل الصالح ببغداد وله خمس وثمانون سنة روى عن الكديمي وطبقته سنة سبع وخمسين وثلاثمائة لم يحج فيها الركب لفساد الوقت وموت السلاطين في الشهور الماضية وفيها توفي أبو العباس أحمد بن الحسين بن إسحق بن عتبة الرازي ثم المصري المحدث في جمادى الآخرة وله تسع وثمانون سنة سمع مقدام بن داود الرعيني وطبقته وفيها أحمد بن محمد بن رميح أبو سعيد النخعي النسوي نسبة إلى نسا مدينة بخراسان الحافظ صاحب التصانيف طوف الكثير وروى عن أبي خليفة الجمحي وطبقته وعنه الدار قطني والحاكم والصحيح أنه ثقة سكن اليمن مدة وفيها المتقي لله أبو إسحاق إبراهيم بن المقتدر بالله جعفر بن المعتضد بالله أحمد ابن الموفق العباسي المخلوع الذي ذكرنا في سنة ثلاث وثلاثين أنهم خلعوه وسملوا عينيه وبقي في السجن إلى هذا العام كالميت وكات في شعبان وله ستون سنة وكانت خلافته أربع سنين وكان أبيض مليحا مشربا حمرة أشهل أشقر كث اللحية وكان فيه صلاح وكثرة صيام وصلاة ولم يكن يشرب وفي خلافته انهدمت القبة الخضراء المنصورية التي كانت فخر بني العباس قاله في العبر وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء بويع له بالخلافة بعد موت أخيه الراضي وهو ابن أربع وثلاثين سنة وأمه أمة اسمها خلوب وقيل زهرة ولم يغير شيئا قط ولا تسري على جاريته التي كانت له وكان كثير الصوم والتعبد لم يشرب نبيذا قط وكان يقول لا أريد نديما غير المصحف ولم يكن له إلا الاسم والتدبير لأبي عبد الله أحمد بن علي الكوفي كاتب بحكم وفي هذه السنة من ولايته سقطت القبة الخضراء بمدينة المنصور وكانت تاج بغداد ومأثرة بني العباس وهي من بناء المنصور ارتفاعها ثمانون ذراعا وتحتها إيوان طوله عشرون ذراعا في عشرين ذراعا وعليها تمثال فارس بيده رمح فإذا استقبل بوجهه علم أن خارجيا يظهر من تلك الجهة فسقط رأس هذه القبة في ليلة ذات مطر ورعد ولما كحل المتقي لله وعمى قال القاهر ( صرت وإبراهيم شيخي عمى * لا بد للشيخين من مصدر ) ( ما دام توزون له إمرة * مطاعة فالميل في المجمر ) ولم يحل الحول على توزون حتى مات وأما المتقي فإنه أخرج إلى جزيرة مقابلة للسندية فحبس بها فأقام في السجن خمسا وعشرين سنة إلى أن مات وفي أيام المتقي كان حمدى اللص ضمنه شيرزاد لما تغلب على بغداد اللصوصية بخمسة وعشرين ألف دينار في الشهر فكان يكبس بيوت الناس بالمشعل والشمع ويأخذ الأموال وكان أسكورح الديلمي قد ولي شرطة بغداد فأخذه ووسطه وذلك سنة اثنتين وثلاثين ولما بلغ القاهر أن المتقي سمل قال صرنا اثنين ونحتاج إلى ثالث فكان كذلك فإنه سمل المستكفي بالله انتهى ما أورده السيوطي ملخصا وفيها حمزة بن محمد بن علي بن العباس أبو القاسم الكناني المصري الحافظ أحد أئمة هذا الشأن روى عن النسائي وطبقته وعنه ابن مندة والدار قطني وغيرهما. وهو ثقة ثبت أكثر التطواف بعد الثلاثمائة وجمع وصنف وكان صالحا دينا بصيرا بالحديث وعلله مقدما فيه وهو صاحب مجلس البطاقة توفي في ذي الحجة ولم يكن للمصريين في زمانه أحفظ منه قال الحاكم متفق على تقدمه في معرفة الحديث وفيها القاضي أبو العباس عبد الله بن الحسين بن الحسن بن أحمد بن النضر النضري المروزي محدث مرو في شعبان وله سبع وتسعون سنة رحله أبوه وسمع من الحارث بن أبي أسامة وأبي إسماعيل الترمذي وطائفة انتهى إليه علو الإسناد بخراسان وفيها أبو فراس الحارث بن أبي العلاء سعيد بن حمدان بن حمدون الحمداني ابن عم ناصر الدولة وسيف الدولة ابني حمدان قال الثعالبي في وصفه كان فرد درهره وشمس عصره أدبا وفضلا وكرما ومجدا وبلاغة وبراعة وفروسية وشجاعة وشعره مشهور سائر بين الحسن والجودة والسهولة والجزالة والعذوبة والفخامة والحلاوة ومعه رواء الطبع وسمة الظرف وعزة الملك ولم تجتمع هذه الخلال قبله إلا في شعر عبد الله بن المعتز وأبو فراس يعد أشهر منه عند أهل الصنعة ونقدة الكلام وكان الصاحب بن عباد يقول بدئ الشعر بملك وختم بملك يعني امرأ القيس وأبا فراس وكان المتنبي يشهد له بالتقدم والتبريز ويتحامى جانبه فلا ينبري لمباراته ولا يجترئ على مجاراته وإنما لم يمدحه ومدح من هو دونه من آل حمدان تهيبا له وإجلالا لا إغفالا وإخلالا وكان سيف الدولة يعجب جدا بمحاسن أبي فراس ويميزه بالإكرام على سائر قومه ويستصحبه في غزواته ويستخلفه في أعماله وكانت الروم قد أسرته في بعض وقائعها وهو جريح قد أصابه سهم بقي نصله في فخذه ونقلته إلى خرشنة ثم منها إلى قسطنطينية وذلك في سنة ثمان وأربعين وفداه سيف الدولة ومن شعره

( قد كنت عدتي التي أسطو بها * ويدي إذا اشتد الزمان وساعدي )
( فرميت منك بضد ما أملته * والمرء يشرق بالزلال البارد ) وله أيضا ( أساء فزادته الإساءة حظوة * حبيب على ما كان منه حبيب ) ( يعد علي الواشيان ذنوبه * ومن أين للوجه الجميل ذنوب ) وله ( سكرت من لحظه لا من مدامته * ومال بالنوم عن عيني تمايله ) ( فما السلاف دهتني بل سوالفه * ولا الشمول ازدهتني بل شمائله ) ( ألوى بعزمي أصداغ لوين له * وغال قلبي بما تحوي غلائله ) وكان ينشد ابنته لما حضرته الوفاة ( نوحي علي بحسرة * من خلف سترك والحجاب ) ( قولي إذا كلمتني * فعييت عن رد الجواب ) ( زين الشباب أبو فراس * لم يمتع بالشباب ) وهذا يدل على أنه لم يقتل أو يكون جرح وتأخر موته ثم مات من الجراحة وذكر ثابت بن سنان الصابي في تاريخه قال في يوم السبت لليلتين خلتا من جمادى الأولى جرت حرب بين أبي فراس وكان مقيما بحمص وبين أبي المعالي ابن سيف الدولة واستظهر عليه أبو المعالي وقتله في الحرب وأخذ برأسه وبقيت جثته مطروحة في البرية إلى أن جاء بعض الأعراب فكفنه ودفنه انتهى أي لأنه كما قال ابن خالويه لما مات سيف الدولة عزم أبو فراس على التغلب على حمص فاتصل خبره بأبي المعالي ابن سيف الدولة وغلام أبيه فرغويه فقاتلاه وكان أبو فراس خال أبي المعالي وقلعت أمه عينها لما بلغها وفاته وقيل أنها لطمت وجهها فقلعت عينها وقيل لما قتله فرغويه ولم يعلم به أبو المعالي فلما بلغه الخبر شق عليه ويقال أن مولده كان في سنة عشرين وثلثمائة والله أعلم وفيها عبد الرحمن بن العباس أبو القاسم البغدادي والد أبي طاهر المخلص سمع الكديمي وإبراهيم الحربي وجماعة ووثقه ابن أبي الفوارس وكان أطروشا وفيها الحافظ عمر بن جعفر البصري المحدث أبو حفص خرج لخلق كثير ولم يكن بالمتقن وقد روى عن أبي خليفة الجمحي وعبدان وطبقتهما وعنه أبو الحسن رزقوية وعلي بن أحمد الرزاز وكان الدار قطني يتتبع خطأ عمر البصري فيما انتقاه عن أبي بكر الشافعي وعاش عمر هذا سبعا وسبعين سنة وقال عنه ابن ناصر الدين متهم وقال في المغني صدوق وقال أبو محمد السبيعي كذاب وقال غيره يخطئ كثيرا انتهى كلام المغني وفيها أبو إسحاق القراريطي الوزير وهو محمد بن أحمد بن إبراهيم الإسكافي الكاتب وزر لمحمد بن واثق ثم وزر للمتقي لله مرتين فصودر فصار إلى الشام وكتب لسيف الدولة وكان ظلوما غشوشا عاش ستا وسبعين سنة قاله في العبر وفيها ابن محزم وهو الرئيس أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن مخلد البغدادي الجوهري الفقيه المحتسب تلميذ محمد بن جرير الطبري روى عن الحارث ابن أبي أسامة وطبقته وعاش ثلاثا وتسعين سنة قال البرقاني لا بأس به وتوفي في ربيع الآخر وفيها أبو سليمان الحراني محمد بن الحبب البغدادي في رمضان روى عن أبي خليفة وعبدان وأبي يعلى وكان ثقة صاحب حديث ومعرفة وإتقان وفيها أبو علي بن آدم الفزاري محمد بن محمد بن عبد الحميد القاضي العدل بدمشق في جمادى الآخرة روى عن أحمد بن علي القاضي المروزي وطبقته سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة فيها كان خروج الروم من الكفور فأغاروا وقتلوا وسبوا ووصلوا إلى حمص وعظم المصاب وجاءت المغاربة مع القائد جوهر المغربي فأخذوا ديار مصر وأقاموا الدعوة لبني عبيد الرافضة مع أن الدولة بالعراق هذه المدة رافضية والشعار الجاهلي يقام يوم عاشوراء ويوم الغدير

(3/27) ________________________________________ 27 وفيها توفي ناصر الدولة الحسن بن أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان التغلبي صاحب الموصل وكان أخوه سيف الدولة يتأدب معه لسنه ولمنزلته عند الخلفاء وكان هو كثير المحبة لسيف الدولة فلما توفي حزن عليه ناصر الدولة وتغيرت أحواله وتسودن وضعف عقله فبادر ولده أبو تغلب الغضنفر ومنعه من التصرف وقام بالمملكة ولم يزل معتقلا حتى توفي في ربيع الأول عن نحو ستين سنة قاله في العبر وفيها الحسن بن محمد بن كيسان أبو محمد الحربي أخو علي ثقة روى عن إسماعيل القاضي والكبار ومات في شوال وفيها أبو القاسم زيد بن علي بن أبي بلال العجلي الكوفي شيخ الإقراء ببغداد قرأ على أحمد بن فرح وابن مجاهد وجماعة وحدث عن مطين وطائفة توفي في جمادى الأولى وفيها محدث دمشق محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الملك بن مروان أبو عبد الله القرشي الدمشقي روى عن أحمد بن محمد بن يحيى حمزة وزكريا خياط السنة وطبقتهما وكان ثقة مأمونا جوادا مفضلا خرج له ابن مندة الحافظ ثلاثين جزءا وأملى مدة وفيها محدث الأندلس محمد بن معاوية بن عبد الرحمن أبو بكر الأموي المرواني القرطبي المعروف بابن الأحمر روى عن عبيد الله بن يحيى وخلق وفي الرحلة عن النسائي والفريابي وأبي خليفة الجمحي ودخل الهند للتجارة فغرق له ما قيمته ثلاثون ألف دينار ورجع فقيرا وكان ثقة توفي في رجب وكان عنده السنن الكبير للنسائي.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

359 هـ

سنة تسع وخمسين وثلاثمائة في أولها أخذ نقفور أنطاكية بنوع أمان فأسر الشباب وأطلق الشيوخ والعجائز وكان قد طغى وتجبر وقهر البلاد وتمرد على الله وتزوج بزوجة الملك الذي قبله كرها وهم باخصاء ولديها لئلا يملكا فعملت عليه المرأة وأرسلت إلى الدمستق فجاء إليها في زي النساء هو وطائفة فباتوا عندها ليلة الميلاد فبيتوا نقفور وأجلسوا في المملكة ولدها الأكبر وفيها توفي أبو عبد الله أحمد بن بندار الشعار بن إسحق الفقيه مسند أصبهان روى عن إبراهيم بن سعدان وابن أبي عاصم وطائفة وكان ثقة ظاهري المذهب وفيها أحمد بن السندي أبو بكر البغدادي الحداد روى عن الحسن بن علويه وغيره قال أبو نعيم كان يعد من الإبدال وفيها أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي المعروف بابن القطان آخر أصحاب ابن سريج وفاة أخذ عنه علماء بغداد ومات بها في جمادى الأولى وله مصنفات في أصول الفقه وفروعه وفيها أحمد بن يوسف بن خلاد النصيبيني العطار ببغداد في صفر وكان عريا من العلم وسماعه صحيح روى عن الحارث بن أبي أسامة وتمتام وطائفة وفيها حبيب بن الحسن القزاز أبو القاسم الرجل الصالح وثقة جماعة ولينة بعضهم روى عن أبي مسلم الكجي وجماعة وفيها أبو علي الصواف محمد بن أحمد بن الحسن البغدادي المحدث الحجة روى عن محمد بن إسماعيل الترمذي وإسحق الحربي وطبقتهما قال الدار قطني ما رأت عيناي مثله ومثل آخر بمصر انتهى ومات في شعبان وله تسع وثمانون سنة وفيها أبو الحسين محمد بن علي بن حبيش البغدادي الناقد روى عن أبي شعيب الحراني ومطين سنة ستين وثلاثمائة فيها لحق المطيع لله فالج بطل نصفه وثقل لسانه وأقامت الشيعة عاشوراء باللطم والعويل وعيد الغدير بالفرح والكوسات وفيها أخذت الروم من أنطاكية أكثر من عشرين ألف أسير.

  • وفيها توفي جعفر بن فلاح الذي ولى إمرة دمشق للباطنية وهو أول نائب وليها لبني عبيد وكان قد سار إلى الشام فأخذ الرملة ثم دمشق بعد أن حاصر أهلها أياما ثم قدم لحربه الحسن بن أحمد القرمطي الذي تغلب قبله على دمشق وكان جعفر مريضا على نهر يزيد فأسره القرمطي وقتله قال ابن خلكان أبو علي جعفر ابن فلاح الكتامي كان أحد قواد المعز أبي تميم معد بن منصور العبيدي صاحب أفريقية وجهزه مع القائد جوهر لما توجه لفتح الديار المصرية فلما أخذ مصر بعثه جوهر إلى الشام فغلب على الرملة في ذي الحجة سنة ثمان وخمسين وثلثمائة ثم تغلب على دمشق فملكها في المحرم سنة تسع وخمسين بعد أن قاتل أهلها ثم أقام بها إلى سنة ستين ونزل إلى الدكة فوق نهر يزيد بظاهر دمشق فقصده الحسن بن أحمد القرمطي المعروف بالأعصم فخرج إليه جعفر المذكور وهو عليل فظفر به القرمطي فقتله وقتل من أصحابه خلقا كثيرا وذلك في يوم الخميس سادس ذي القعدة.

360 هـ

سنة ستين وثلثمائة قال بعضهم قرأت على باب قصر القائد جعفر بن فلاح المذكور بعد قتله مكتوبا ( يا منزلا لعب الزمان بأهله * فأبادهم بتفرق لا يجمع ) ( أين الذين عهدتهم بك مرة * كان الزمان بهم يضر وينفع ) ( ذهب الذين يعاش في أكنافهم * وبقي الذين حياتهم لا تنفع ) وكان جعفر المذكور رئيسا جليل القدر ممدحا وفيه يقول أبو القاسم محمد بن هانئ الأندلسي الشاعر المشهور ( كانت مساءلة الركبان تخبرني * عن جعفر بن فلاح أطيب الخبر ) ( حتى التقينا فلا والله ما سمعت * أذني بأحسن مما قد رأى بصري ) والناس يروون هذين البيتين لأبي تمام في القاضي أحمد بن داود وهو غلط انتهى وفيها الأمير زيري بن مناد الحميري الصنهاجي جد المعز بن باديس وزيري أول من ملك من طائفته وهو الذي بني مدينة أشير في إفريقية وحصنها في أيام خروج (3/30) ________________________________________ 30 مخلد الخارجي وكان زيري حسن السيرة شجاعا صارما وكانت بينه وبين جعفر الأندلسي ضغائن وأحقاد أفضت إلى الحرب فلما تصافا انجلى المصاف عن قتل زيري المذكور وذلك في شهر رمضان ذكروا أنه كبا به فرسه فسقط إلى الأرض فقتل وكانت مدة ملكه ستا وعشرين سنة وهو صاحب مدينة تاهرت وفيها الحافظ العلم مسند العصر الطبراني أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب ابن مطير اللخمي في ذي القعدة في أصبهان وله مائة سنة وعشرة أشهر وكان ثقة صدوقا واسع الحفظ بصيرا بالعلل والرجال والأبواب كثير التصانيف وأول سماعه في سنة ثلاث وسبعين ومائتين بطبرية المنسوب إليها ورحل أولا إلى القدس سنة أربع وسبعين ثم رحل إلى حمص وجبلة ومدائن الشام وحج ودخل اليمن ورد إلى مصر ثم رحل إلى العراق وأصبهان وفارس روى عن أبي زرعة الدمشقي وإسحق الديري وطبقتهما كالنسائي وعنه من شيوخه أبو خليفة الجمحي وابن عقدة وأبو نعيم الحافظ وأبو الحسين بن فاذ شاه وغيرهم قال ابن خلكان وعدد شيوخه ألف شيخ وله المصنفات الممتعة النافعة الغريبة منها المعاجم الثلاثة الكبير والأوسط والصغير وهو أشهر كتبه وروى عنه الحافظ أبو نعيم والخلق الكثير ومولده سنة ستين ومائتين بطبرية الشام وسكن أصبهان إلى أن توفي بها نهار السبت ثامن عشرى القعدة سنة ستين وثلثمائة انتهى وقال ابن ناصر الدين هو مسند الآفاق ثقة له المعاجم الثلاثة المنسوبة إليه وكان يقول عن الأوسط هو روحي لأنه تعب عليه انتهى وفيها أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الفارسي الرامهرمزي الحافظ الكبير البارع روى عن أبيه ومحمد بن عبد الله الحضرمي وأبي خليفة الجمحي وعنه ابن جميع وابن مردويه وغيرهما وهو من الثقات وفيها الطوماري نسبة إلى طومارجد وهو أبو عيسى بن محمد البغدادي في (3/31) ________________________________________ 31 صفر وله ثمان وتسعون سنة وهو ليس بالقوي يروى عن الحارث بن أبي أسامة وابن أبي الدنيا والكديمي وطبقتهم وفيها أبو بكر محمد بن جعفر بن محمد الهيثم الأنباري البندار روى عن أحمد ابن الخليل البرجلاني ومحمد بن أحمد بن أبي العوام وتفرد بالرواية عن جماعة وتوفي يوم عاشوراء وله ثلاث وتسعون سنة وأصوله حسنة بخط أبيه وفيها أبو عمرو بن مطر النيسابوري الزاهد شيخ السنة محمد بن جعفر بن محمد بن مطر المعدل روى عن أبي عمر أحمد بن المبارك المستملي ومحمد بن أيوب الرازي وطبقتهما وكان متعففا قانعا باليسير يحي الليل ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويجتهد في متابعة السنة توفي في جمادى الآخرة وله خمس وتسعون سنة وفيها محمد بن جعفر بن محمد بن كنانة أبو بكر البغدادي المؤدب روى عن الكديمي وأبي مسلم الكجي قال ابن أبي الفوارس فيه تساهل وتوفي عن أربع وتسعين سنة ومن غرائب الاتفاق موت هؤلاء الثلاثة في سنة واحدة وهم في عشر المائة وأسماؤهم وآباؤهم واحدة وهم شيء واحد قاله في العبر وفيها ابن العميد الوزير العلامة أبو الفضل محمد بن الحسين بن محمد الكاتب وزير ركن الدولة الحسن بن بويه صاحب الري كان آية في الترسل والإنشاء فيلسوفا متهما برأي الحكماء حتى كان ينظر بالجاحظ وكان يقال بدئت الكتابة بعبد الحميد وختمت بابن العميد وكان الصاحب إسماعيل بن عباد تلميذه وخصيصه وصاحبه ولذلك قالوا الصاحب ثم صار لقبا عليه وكان الصاحب ابن عباد قد سافر إلى بغداد فلما رجع إليه قال كيف وجدتها قال بغداد في البلاد كالأستاذ في العباد وكان ابن العميد سايسا مدبرا للملك قائما بضبطه وقصده جماعة من مشاهير الشعراء من البلاد الشاسعة ومدحوه بأحسن المدائح فمنهم أبو الطيب ورد عليه وهو بأرجان ومدحه بقصائد أحدها التي أولها (3/32) ________________________________________ 32 ( باده واك صبرت أم لم تصبرا * وبكاك إن لم يجر دمعك أو جرى ) ( أرجان أيتها الجياد فإنه * عزمي الذي يذر الوشيج مكسرا ) ( لو كنت أفعل ما اشتهيت فعاله * ما شق كوكبه العجاج إلا كدرا ) ( إني أبا الفضل المبر أليتي * لأيمن أجل بحر جوهرا ) ( أفدي برؤيته الأنام وحاش لي * من أن أكطون مقصرا أو مقصرا ) ( من مبلغ الأعراب أني بعدها * شاهدت رسطاليس والاسكندرا ) ( ومللت نحر عشارها فأصابني * من ينحر البدن النضار لمن قرى ) ( وسمعت بطليموس دارس كتبه * متملكا متبديا متحضرا ) ( ولقيت كل الفاضلين كأنما * رد الآله نفوسهم والأعصرا ) ( نسقوا لنا نسق الحساب مقدما * وأتى بذلك إذ أتيت مؤخرا ) وهي من القصائد المختارة قال ابن الهمذاني في كتاب عيون السير فأعطاه ثلاثة آلاف دينار وكان المتنبي نظمها بمصر في أبي الفضل جعفر بن الفرات فلما لم يرضه لم ينشده إياها فلما توجه إلى بلاد فارس صرفها إلى ابن العميد وكان أبو نصر عبد العزيز بن نباتة السعدي قد ورد عليه وهو بالري وامتدحه بقصيدته التي أولها ( برح اشتياق وادكار * ولهيب أنفاس حرار ) ( ومدامع عبراتها * ترفض عن نوم مطار ) ( لله قلبي ما يحن * من الهموم وما يوارى ) ( لقد انقضى سكر الشباب * وما انقضى وصب الخمار ) ( وكبرت عن وصل الصغار * وما سلوت عن الصغار ) ( سقيا لتغليسي إلى * باب الرصافة وابتكاري ) ( أيام أخطر في الصبا * نشوان مسحوب الإزار ) ( حجى إلى حجر الصراة * وفي حدائقها اعتماري ) (3/33) ________________________________________ 33 ( ومواطن اللذات أو * طاني ودار اللهو داري ) ( لم يبق لي عيش يلذ * سوى معاقرة العقار ) ( حتى بألحان قمرت * بهن ألحان القمار ) ( وإذا استهل ابن العميد * تضالت ديم القطار ) ( خلق صفت أخلاقه * صفو السبيك من النضار ) ( فكأنما رفدت مواهبه * بأمواج البحار ) ( وكأن نشر حديثه * نشر الخزامى والعرار ) ( وكأننا مما تفرق راحتاه في نثار ) ( إن الكبار من الأموار تنال بالهمم الكبار ) فتأخرت صلته فشفع هذه القصيدة بأخرى واتبعها برقعة فلم يزده ابن العميد على الإهمال مع رقة حاله التي ورد عليها إلى بابه فتوصل إلى أن دخل عليه يوم المجلس وهو حفل بأعيان الدولة ومقدمي أرباب الديوان فوقف بين يديه وأشار بيده إليه وقال أيها الرئيس إني لزمتك لزوم الظل وذللت لك ذل النعل وأكلت النوى المحرق انتظارا لصلتك والله ما بي من الحرمان ولكن شماتة الأعداء قوم نصحوني فاغتششتهم وصدقوني فاتهمتهم فبأي وجه ألقاهم وبأي حجة أقاومهم ولم أحصل من مديح ومن نثر بعد نظم إلا على ندم مؤلم ويأس مسقم فإن كان للنجاح علامة فأين هي وما هي إن الذين نحسدهم على ما مدحوا كانوا من طينتك زإن الذين هجوا كانوا مثلك فزاحم بمنكبك أعظمهم سناما وأنورهم شعاعا وأشرفهم يفاعا ثم رفع رأسه ابن العميد وقال هذا وقت يضيق عن الإطالة منك في الاستزادة وعن الإطالة مني في المعذرة وإذا تواهبنا ما دفعنا استأنفنا ما نتحامل عليه فقال ابن نباتة أيها الرئيس هذه نفثة صدر قد ذوى منذ زمان وفضله لسان قد خرس منذ دهر والغنى إذا مطل لئيم فاستشاط ابن العميد وقال والله ما استوجبت هذا العتب من أحد من خلق الله تعالى ولقد نافرت العميد من دون ذا حتى (3/34) ________________________________________ 34 دفعنا إلى فرى عاتم ولجاج قائم ولست ولي نعمتي فأحتملك ولا صنيعتي فأغضي عنك وإن بعض ما أقررته في مسامعي ينغص مرة الحليم ويبدد شمل الصريم هذا وما استقدمتك بكتاب ولا استدعيتك برسول ولا سألتك مدحي ولا كلفتك تقريضي فقال ابن نباتة صدقت أيها الرئيس ما استقدمتني بكتاب ولا استدعيتني برسول ولا سألتني مدحك ولا كلفتني تقريضك ولكن جلست في صدر إيوانك بأبهتك وقلت لا يخاطبني أحد إلا بالرياسة ولا ينازعني خلق في أحكام السياسة فإني كاتب ركن الدولة وزعيم الأولياء والحضرة والقيم بمصالح المملكة فكأنك دعوتني بلسان الحال ولم تدعني بلسان القال فثار ابن العميد مغضبا وأسرع في صحن داره إلى أن دخل حجرته وتقوض المجلس وماج الناس وسمع ابن نباتة وهو في صحن الدار مارا يقول والله إن سف التراب والمشي على الجمر أهون من هذا فلعن الله الأدب إذا كان بائعه مهينا ومشتريه مما كسا فيه فلما سكن غيظ ابن العميد وثاب إليه حلمه التمسه من الغد ليعتذر إليه ويزيل آثار ما كان منه فكأنما غاص في سمع الأرض وبصرها فكانت حسرة في قلب ابن العميد إلى أن مات وللصحاب ابن عباد فيه مدائح كثيرة وكان ابن العميد قد قدم مرة إلى أصبهان والصاحب بها فكتب إليه يقول ( قالوا ربيعك قد قدم * قلت البشارة إن سلم ) ( أهو الربيع أخو الشتاء * أم الربيع أخو الكرم ) ( قالوا الذي بنواله * أمن المقل من العدم ) ( قلت الرئيس ابن العميد * إذا فقالوا لي نعم ) ولابن العميد شعر متوسط منه قوله ( رأيت في الوجه طاقة بقيت * سوداء عيني تحب رؤيتها ) ( فقلت للبيض إذ تروعها * بالله إلا رحمت وحدتها ) ( فقلن ليس السواد في بلد * تكون فيه البيضاء ضرتها ) (3/35) ________________________________________ 35 وفيها الآجري الإمام أبو بكر محمد بن الحسين البغدادي المحدث الثقة الضابط صاحب التصانيف والسنة كان حنبليا وقيل شافعيا وبه جزم الأسنوي وابن الأهدل سمع أبا مسلم الكجي وايا شعيب الحراني وطائفة ومنه أبو الحسن الحماني وأبو الحسين ابن بشران وأبو نعيم الحافظ وصنف كثيرا جاور بمكة وتوفي بها قيل إنه لما دخلها فأعجبته قال اللهم ارزقني الإقامة بها سنة فهتف به هاتف بل ثلاثين سنة فعاش بها ثلاثين سنة ثم مات بها في أول المحرم والآجري بضم الجيم نسبة إلى قرية من قرى بغداد وفيها أبو طاهر بن ذكوان البعلبكي المؤدب محمد بن سليمان نزيل صيدا ومحدثها قرأ القرآن على هارون الأخفش وسمع أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة وزكريا خياط السنة وطبقتهما وعاش بضعا وتسعين سنة روى عن السكن ابن جميع وصالح بن أحمد المسامحي وقرأ عليه عبد الباقي بن الحسين شيخ أبي الفتح فارس وفيها أبو القاسم محمد بن أبي يعلى الهاشمي الشريف لما أخذت العبيديون دمشق قام هذا الشريف بدمشق وقام معه أهل الغوطة والشباب واستفحل أمره في ذي الحجة سنة تسع وخمسين وطرد عن دمشق متوليها ولبس السواد وأعاد الخطبة لبني العباس فلم يلبث إلا أياما حتى جاء عسكر المغاربة وحاربوا أهل دمشق وقتل بين الفريقين جماعة ثم هرب الشريف في الليل وصالح أهل البلد العسكر ثم أسر الشريف عند تدمر فشهره جعفر بن فلاح على جمل في المحرم سنة ستين وبعث به إلى مصر وقد توفي في عشر الستين وثلثمائة خلق منهم أحمد بن القاسم بن الريان أبو الحسن المصري المكي نزيل البصرة روى عن الكديمي وإسحق الدبري وطبقتهما قال ابن ماكولا فيه ضعف وقال الحافظ أبو محمد الحسن بن علي البصري سمعت منه وليس بالمرضى (3/36) ________________________________________ 36 وأحمد بن طاهر النجم الحافظ أبو عبد الله محدث أذربيجان الميانجي بالفتح والنحية وفتح النون وجيم نسبة إلى ميانة بلد بأذربيجان قال أبو الحسين أحمد ابن فارس اللغوي ما رأيت مثله ولا رأى مثل نفسه وقال الخليل توفي بعد الخمسين سمع أبا مسلم الكجي وعبد الله بن أحمد وأبو الحسن بن سالم الزاهد أحمد بن محمد بن سالم الزاهد البصري شيخ السالمية كان له أحوال ومجاهدات وعنه أخذ الأستاذ أبو طالب صاحب القوت وهو آخر أصحاب سهل التستري وفاة وقد خالف أصول السنة في مواضع وبالغ في الإثبات في مواضع وعمر دهرا وبقي إلى سنة بضع وخمسين قاله في العبر وأبو حامد أحمد بن محمد بن شادك الفقيه الشافعي مفتي هراة ومحدثها ومفسرها وأديبها رحل الكثير وعني بالحديث وروى عن محمد بن عبد الرحمن الشامي والحسن بن سفيان وطبقتهما وتوفي سنة خمس وخمسين وقيل سنة ثمان وخمسين وإبراهيم بن عبد الله بن محمد بن أبي العزائم أبو إسحق الكوفي صاحب أبي عمر وأحمد بن أبي عزيزة الغفاري وأبو علي النجاد الصغير وهو الحسن بن عبد الله البغدادي الحنبلي المسند صنف في الأصول والفروع قال ابن أبي يعلى في طبقاته أنه كان فقيها معظما إماما في أصول الدين وفروعه صحب من شيوخ المذهب كأبي الحسن بن بشار وأبي محمد البربهاري ومن في طبقتهما وصحبه جماعة منهم أبو حفص البرمكي وأبو جعفر العكبري وأبو الحسن الخرزي قال النجاد جاءني رجل وقد كنت حذرت منه أنه رافضي فأخذ يتقرب إلي ثم قال لا نسب أبا بكر وعمر بل معاوية وعمرو ابن العاص فقلت له وما لمعاوية قال لأنه قاتل عليا قلت له أن قوما يقولون أنه لم يقاتل عليا وإنما قاتل قتله عثمان قال فقول النبي لعمار تقتلك ( تقتلك الفئة الباغية ) قلت إن أنا قلت لم يصح وقعت منازعته ولكن قوله تقتلك الفئة الباغية يعني به الطالبة لا الظالمة لأن أهل اللغة تسمى الطالب باغيا ومنه بغيت (3/37) ________________________________________ 37 الشيء أي طلبته ومنه قوله تعالى قالوا ( ^ يا أبانا ما نبغي ) وقوله عز وجل ( ^ وابتغوا من فضل الله ) ومثل ذلك كثير فإنما يعني بذلك الطالبة لقتلة عثمان رضوان الله عليه وقال أبو حفص العكبري سمعت أبا علي النجاد يقول سمعت أبا الحسن بن بشار يقول ما أعتب على رجل يحفظ لأحمد بن حنبل خمس مسائل أن يستند إلى بعض سواري المسجد ويفتي الناس بها وجزم ابن برداس أن النجاد هذا توفي سنة ثمان وخمسين وثلمائة وفيها الرامهرمزي الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الحافظ القاضي روى عن أبيه ومطين ومحمد بن المازني وغيرهم وعنه ابن جميع وابن مردويه وغيرهما وهو ثقة قال أبو القاسم بن مندة عاش إلى قريب الستين وثلثمائة وجزم ابن برداس أنه توفي سنة ستين والجابري عبد الله بن إسحق الموصلي صاحب الجزء المشهور به وشيخ أبي نعيم الحافظ روى عن محمد بن أحمد بن أبي المثنى وغيره وأبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن أحمد بن علك المروزي الجوهري المحدث محدث مرو ومسندها روى عن الفضل الشعراني ومحمد بن أيوب الضريس قال ابن ناصر الدين هو ثبت مشهور وجزم أنه توفي بعد الستين وكشاجم أحد فحول الشعراء واسمه محمود بن حسين كان من الشعراء المجيدين والفضلاء المبرزين حتى قيل أن لقبه هذا منحوت من عدة علوم كان يتقنها فالكاف للكتابة والشين من الشعر والألف من الإنشاء والجيم من الجدل والميم من المنطق وكان يضرب بملحه المثل فيقال ملح كشاجم ومن شعره قوله في أسود له تعد ( يا مشبها في لونه فعله * لم تعد ما أوجبت القسمه ) ( فعلك من لونك مستنبط * والظلم مشتق من الظلمه ) وقال بعضهم في ترجمته هو أبو الحسين وأبو الفتح بن السندي الكاتب (3/38) ________________________________________ 38 المعروف بكشاجم هو من أهل الرملة من نواحي فلسطين وكان رئيسا في الكتابة ومقدما في الفصاحة والخطابة له تحقيق يتميز به عن نظرائه وتدقيق يربى به على أكفائه وتحديق في علوم التعليم أضرم في شعلة ذكائه فهو الشاعر المفلق والنجم المتألق لقب نفسه بكشاجم فسئل عن ذلك فقال الكاف من كاتب والشين من شاعر والألف من أديب والجيم من جواد والميم من منجم وكان من شعراء أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان والد سيف الدولة قيل أنه كان طباخ سيف الدولة شعره أنيق وأرج مدوناته فتيق منها كتاب المصائد والمطارد قال في تثقيف اللسان كشاجم لقب له جمعت أحرفه من صناعته ثم طلب علم الطب حتى مهر فيه وصار أكبر علمه فزيد في اسمه طاء من طبيب وقدمت فقيل طكشاجم ولكنه لم يشتهر وأبو حفص العتكي الأنطاكي عمر بن علي روى عن ابن جوصا والحسن ابن أحمد بن فيل وطبقتهما وأبو العباس محمد بن أحمد بن حمدان الزاهد أخو أبي عمرو بن حمدان نزل خوارزم وحدث بها عن محمد بن أيوب بن الضريس ومحمد بن عمر وقشمرد وطبقتهما وأكثر عنه البرقاني ومحمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب الأصبهاني القماط روى عن أبي بكر بن أبي عاصم وغيره وأبو جعفر الروذراوري نسبة إلى روذراور بلد بهمذان واسمه محمد بن عبد الله ابن برزة حدث بهذان سنة سبع وخمسين عن تمتام وإسماعيل القاضي وطبقتهما وقال صالح بن أحمد الحافظ هو شيخ.

361 هـ

سنة إحدى وستين وثلاثمائة قال في الشذور فيها انقض في صفر كوكب عظيم له دوي كدوي الرعد وفيها مات الأسيوطي أبو علي الحسن بن الخضر في ربيع الأول روى عن النسائي والمنجنيقي والأسيوطي بضم أوله والتحتية نسبة إلى أسيوط ويقال سيوط بلد بصعيد مصر قال الجلال السيوطي في لباب الأنساب قلت فيها خمسة أوجه ضم الهمزة وكسرها وإسقاطها وتثليث السين المهملة انتهى وفيها الخيام خلف بن محمد بن إسماعيل أبو صالح البخاري محدث ما وراء النهر روى عن صالح جزرة وطبقته ولم يرحل ولينه أبو سعد الإدريسي وعاش ستا وثمانين سنة وفيها الدراج أبو عمر وعثمان بن عمر بن خفيف البغدادي المقرئ روى عن ابن المجدر وطائفة قال البرقاني كان بدلا من الإبدال وفيها محمد بن أسد الخشني بالضم والفتح نسبة إلى خشن قرية بإفريقية القيرواني أبو عبد الله الحافظ نزيل قرطبة صنف كتاب الاختلاف والافتراق في مذهب مالك وكتاب الفتيا وكتاب تاريخ الأندلس وكتاب تاريخ إفريقية وكتاب النسب سنة اثنتين وستين وثلاثمائة فيها كما قال في الشذور قتل رجل من أصحاب المعونة في الكرخ فبعث أبو الفضل الشيرازي صاحب معز الدولة من طرح النار في النحاسين إلى السماكين فاحترقت سبعة عشر ألف وثلثمائة وعشرين دارا أجرة ذلك في الشهر ثلاثة وأربعون ألف دينار ودخل في الجملة ثلاثة وثلاثون مسجدا وهلك خلق كثير من الناس في الدور والحمامات انتهى وفيها كما قال في العبر أخذت الروم نصيبين واستباحوها وتوصل من نجا إلى بغداد وقام معهم المطوعة واستنفروا الناس ومنعوا من الخطبة وحاولوا الهجوم على المطيع وصاحوا عليه بأنه عاجز مضيع لأمر الإسلام فسار العسكر من جهة الملك عز الدولة بختيار فالتقوا الروم فنصروا عليهم وأسروا جماعة من البطارقة ففرح المسلمون وفي رمضان قدم المعز أبو تميم العبيدي مصر ومعه توابيت آبائه ونزل بالقصر بداخل القاهرة المعزية التي بناها مولاه جوهر لما افتتح الإقليم وقويت شوكة الرفض شرقا وغربا وخفيت السنن وظهرت البدع نسأل الله تعالى العافية وفيها عالم البصرة أبو حامد المرء روذي بفتح الميم والواو الأولى وضم الراء الثانية المشددة آخره معجمة نسبة إلى مرو الروذ أشهر مدن خراسان أحمد بن عامر بن نشر الشافعي صاحب التصانيف وصاحب أبي إسحق المروزي وكان إماما لا يشق غباره تفقه به أهل البصرة قال الأسنوي أحمد بن بشر بن عامر العامري المروروذي أخذ عن أبي إسحق المروزي ونزل البصرة وأخذ عنه فقهاؤها وكان إماما لا يشق غباره وشرح مختصر المزني وصنف الجامع في المذهب وهو كتاب جليل وصنف في أصول الفقه ومات سنة ثنتين وستين وثلثمائة ذكره الشيخ في طبقاته والنووي في تهذيبه وكذلك ابن الصلاح إلا أنه لم يؤرخ وفاته ونبه على أن الشيخ أبا إسحق جعل عامرا أباه وبشرا جده قال والصواب العكس أي أحمد بن بشر بن عامر وكان له ولد يقال له أبو محمد ذكره والشيخ في طبقاته فقال جمع بين الفقه والأدب وله كتب كثيرة وكان واحد عصره في صناعة القضاء قال وأظنه أخذ الفقه عن أبيه انتهى وفيها أحمد بن محمد بن عمارة أبو الحرث الليثي الدمشقي روى عن زكريا خياط السنة وطائفة وعمر دهرا وفيها أبو إسحق المزكي إبراهيم بن محمد بن يحيى النيسابوري قال الحاكم هو شيخ نيسابور في عصره وكان من العباد المجتهدين الحجاجين المنفقين على الفقراء والعلماء سمع ابن خزيمة وأبا العباس السراج وخلقا كثيرا وأملى عدة سنين. وكان يحضر مجلسه أبو العباس الأصم ومن دونه وكان مثريا متمولا عاش سبعا وستين سنة توفي بعد خروجه من بغداد ونقل إلى نيسابور فدفن بها وفيها إسماعيل بن عبد الله بن محمد بن ميكال الأمير أبو العباس الأديب الممدوح بمقصورة ابن دريد وتلميذ ابن دريد وكان أبوه إذ ذاك متولي الأهواز للمقتدر فاسمعه من عبدان الجواليقي وفيها أبو بحر البربهاري نسبة إلى بيع البربهار وهو ما يجلب من الهند محمد بن الحسن بن كوثر في جمادى الأولى وله ست وتسعون سنة وهو ضعيف روى عن الكديمي ومحمد بن الفرج الأزرق وطبقتهما قال الدار قطني اقتصروا من حديثه على ما انتخبه حسب وفيها سعيد بن القاسم بن العلاء أبو عمر البردعي بفتح الباء وسكون الراء وفتح الدال المهملة نسبة إلى بردعة بلد بأذربيجان وهو نزيل طراز من بلاد الأتراك وهو من الحفاظ المعتبرين وفيها محمد بن عبد الله بن محمد أبو جعفر البلخي الهندواني الذي كان من براعته في الفقه يقال له أبو حنيفة الصغير توفي ببخارى وكان شيخ تلك الديار في زمانه وقد روى الحديث عن محمد بن عقيل البلخي وغيره والهندواني بكسر الهاء وضم الدال المهملة نسبة إلى باب هندوان محلة ببلخ وفيها أبو عمر محمد بن موسى بن فضالة المحدث الأموي مولاهم الدمشقي في ربيع الآخر روى عن الحسن بن الفرج الغزي وأبي قصي العذري قال عبد العزيز الكتاني تكلموا فيه وفيها أبو الحسن وأبو القاسم محمد بن هانئ حامل لواء الشعراء بالأندلس قيل أنه ولد يزيد بن حاتم وكان أبوه هانئ من قرية من قرى المهدية بإفريقية وكان شاعرا أديبا وانتقل إلى الأندلس فولد له محمد المذكور بها بمدينة (3/42) ________________________________________ 42 إشبيلية ونشأ بها واشتغل وحصل له حظ وافر من الأدب وعمل الشعر فبهر فيه وكان حافظا لأشعار العرب وأخبارهم واتصل بصاحب إشبيلية وحظى عنده وكان كثير الانهماك في الملاذ متهما بمذهب الفلاسفة ولما اشتهر عنه ذلك نقم عليه أهل إشبيلية وساءت المقالة في حق الملك بسببه واتهم بمذهبه أيضا فأشار الملك عليه بالغيبة عن البلد مدة ينسى فيها خبره فانفصل عنها وعمره يومئذ سبع وعشرون سنة فخرج إلى عدوة المغرب ولقي جوهر القائد ثم رحل إلى جعفر ويحيى ابني علي وكانا بالمسيلة وهي مدينة الزاب وكانا والييها فبالغا في إكرامه والإحسان إليه ونمى خبره إلى معز أبي تميم معد بن المنصور العبيدي وطلبه منهما فلما انتهى إليه بالغ في الإنعام عليه ثم توجه المعز إلى الديار المصرية فشيعه ابن هانئ ورجع إلى المغرب لأخذ عياله والالتحاق به فتجهز وتبعه فلما وصل إلى برقة أضافه شخص من أهلها فأقام عنده أياما في مجلس الأنس فيقال انهم عربدوا عليه فقتلوه وقيل خرج من تلك الدار وهو سكران فنام على الطريق فأصبح ميتا ولم يعلم سبب موته وقيل وجد في سانية من سواني برقة مخنوقا بتكة سراويله وكان ذلك في بكرة نهار الأربعاء ثالث عشرى رجب من هذه السنة وعمره ست وثلاثون سنة وقيل اثنتان وأربعون ولما بلغ المعز وفاته تأسف عليه كثيرا وقال كنا نرجو أن نفاخر به شعراء المشرق فلم يقدر لنا ذلك وقال ابن خلكان وديوانه كثير ولولا ما فيه من الغلو والإفراط المفضي إلى الكفر لكان من أحسن الدواوين وليس في المغاربة من هو في طبقته لا من متقدميهم ولا من متأخريهم بل هو أشعرهم على الإطلاق وهو عندهم كالمتنبي عند المشارقة وكانا متعاصرين وإن كان في المتنبي وأبي تمام من الاختلاف ما فيه انتهى وقال ابن الأهدل وكنية ابن هانئ أبو نواس بكنية الحسن بن هانئ الحكمي العراقي وكان معاصرا للمتنبي ويقال أنهما اجتمعا حين أراد المتنبي دخول المغرب فرده أبو الحسن بن هانئ بنوع (3/43) ________________________________________ 43 حيلة انتهى والحيلة التي ذكرها قال بعضهم هي أن المتنبي أراد مدح فاتح قابس فضجر لذلك وقال الشاعر لم يرضه عطاء كافور كيف يرضه عطائي فتكفل له ابن هانئ برده فيقال انه خرج في زي أعرابي فقير على راحلة هزيلة وأمامه شاة هزيلة فمر بهذا الزي على المتنبي وكان على مرحلة من قابس فلما رآه المتنبي أراد العبث به فقال له من أين أتيت قال من عند الملك قال فيما كنت عنده قال امتدحته بأبيات فأجازني هذه الشاة فأضمر في نفسه أن الملك من لطفه كونه أجازه بها يظن شعره على قدرها فقال له ما قلت فيه قال قلت ( ضحك الزمان وكان قدما عابسا * لما فتحت بعزم سيفك قابسا ) أنكحتها بكرا وما أمهرتها * إلا قنا وصوارما وفوارسا ) ( من كان بالسمر العوالي خاطبا * فتحت له البيض الحصون عرائسا ) فتحير المتنبي وأمر بتقويض خيامه وآلى أن لا يمتدحه إذ جائزته على مثل هذا بمثل هذه ومن غرر المدائح ونخب الشعر قوله في مدح المعز العبيدي المذكور ( هل من بمعهد عالج يبرين * أم منهما نفر الجدوح العين ) ( ولمن ليال ما ذممنا عهدها * مذ كن إلا ما لهن شجون ) ( المشرقات كأنهن كواكب * والناعمات كأنهن غصون ) ( بيض وما ضحك الصباح وإنما * بالمسك من طور الحسان يجون ) ( أدمى لها المرجان صفحة خده * وبكى عليه اللؤلؤ المكنون ) ( أعدى الحمام تأوهي من بعدها * فكأنها مما شخصن رنين ) ( باتوا سراعا للهوادج رقوة * مما رأين وللمطي حنين ) ( وكأنما صبغوا الدجى بثيابهم * أو عصفرت فيه الخدود عيون ) ( ماذا على حلل الشقيق لو أنهم * عن لابسيها في الخدود تبين ) ( ولأعطشن الروض بعدهم فلا * يرويه لي دمع عليه هتون ) ( أأعير لحظ العين بهجة منظر * وأخونهم أني إذا لخؤون ) (3/44) ________________________________________ 44 ( لا الجو جو مشرق ولو اكتسى * زهرا ولا الماء المعين معين ) ( لا يبعدن إذا العشير له يرى * والتاج روح والشموس قطين ) ( أيام فيه العبقري مغوف * والباتري مضاعف موضون ) ( والراغبية شرع والمشرفية * أبلغ والمقرمات صفون ) ( والعهد من لمياء إذ لا فوقها * حور ولا الحرب الهؤون زبون ) ( حزنى لذاك الجو وهو أسنة * وكذلك الذاك الخشف وهو عرين ) ( هل يدنيني منه أجود سابح * مرح وجائلة السريح أمون ) ( ومهند فيه الفرند كأنه * دله له خلف الغرار أنين ) ( عضب المضارب مقفر من أعين * لكنه من أنفس مسكون ) ( قد كان رشح حديده أحلا وما * صاغت مضاربه الرقاق قيون ) ( وكأنما يلقى الضريبة دونه * بابن المعز واسمه المخزون ) وهي طويلة قال في العبر كان منغمسا في اللذات والمحرمات متهما بدين الفلاسفة شرب ليلة عند ناس فأصبح مختوما وهو في عشر الخمسين انتهى سنة ثلاث وستين وثلثمائة فيها ظهر ما كان المطيع يستره من الفالج وثقل لسانه فدعاه الحاجب سبكتين وهو صاحب السلطان عز الدولة إلى خلع نفسه وتسليم الخلافة إلى ولده الطائع لله ففعل ذلك في ذي القعدة وأثبت خلعه على قاضي القضاة أبي الحسن بن أم شيبان وفيها أقيمت الدعوة بالحرمين للمعز العبيدي وقطعت خطبة بني العباس ولم يحج ركب العراق لأنهم وصلوا إلى سميراء فرأوا هلال ذي الحجة وعلموا أن لا ماء في الطريق فعدلوا إلى مدينة النبي ثم قدموا الكوفة في أول المحرم وفيها مات ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة الصابئ الحراني الطبيب المؤرخ صاحب التصانيف كان صابئ النحلة وكان ببغداد في أيام معز الدولة بن بويه وكان طبيبا عالما نبيلا تقرأ عليه كتب بقراط وجالينوس وكان فكاكا للمعاني وكان قد سلك مسلك جده ثابت في نظره في الطب والفلسفة والهندسة وجميع الصناعات الرياضية للقدماء وله تصنيف في التاريخ أحسن فيه وفيها جمح بن القاسم أبو العباس المؤذن بدمشق روى عن عبد الرحمن بن الرواس وطائفة وفيها أبو بكر عبد العزيز بن جعفر بن أحمد الحنبلي صاحب الخلال وشيخ الحنابلة وعالمهم المشهور وصاحب التصانيف روى عن موسى بن هارون وأبي خليفة الجمحي وجماعة توفي في شوال وله ثمان وسبعون سنة وكان صاحب زهد وعبادة وقنوع قاله في العبر وقال ابن أبي يعلى في طبقاته عبد العزيز بن جعفر بن أحمد بن يزداد بن معروف أبو بكر المعروف بغلام الخلال حدث عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة وموسى بن هارون ومحمد بن الفضل وموسى بن هارون بن الحباب البصري وخلائق وروى عنه أبو إسحق بن شاقلا وأبو عبد الله بن بطة وأبو الحسن التميمي وأبو عبد الله بن حامد وغيرهم وكان أحد أهل الفهم موثوقا به في العلم متسع الرواية مشهورا بالديانة موصوفا بالأمانة مذكورا بالعبادة وله المصنفات في العلوم المختلفات الشافي المقنع تفسير القرآن الخلاف مع الشافعي كتاب القولين زاد المسافر التنبيه وغير ذلك حدثنا جعفر بن محمد بن سليمان الخلال حدثنا محمد بن عوف الحمصي قال سمعت أحمد بن حنبل وسئل عن التفضيل فقال من قدم عليا على أبي بكر فقد طعن على رسول الله ومن قدمه على عمر فقد طعن على رسول الله وعلى أبي بكر ومن قدمه (3/46) ________________________________________ 46 على عثمان فقد طعن على أبي بكر وعمر وعثمان وعلى أهل الشورى والمهاجرين والأنصار وبه حدثنا محمد بن الحسن بن هارون بن بدينا قال سألت أبا عبد الله عن الاستثناء في الإيمان فقال نعم الاستثناء على غير معنى شك مخافة واحتياطا للعمل وقد استثنى ابن مسعود وغيره وهو مذهب الثوري ولما مات أبو بكر عبد العزيز اختلف أهل باب الأزج في دفنه فقال بعضهم يدفن في قبر أحمد وقال بعضهم يدفن عندنا وجردوا السيوف والسكاكين فقال المشايخ لا تختلفوا نحن في حريم السلطان يعنون المطيع لله فما يأمر نفعل قال فلفوه في نطع مشدود بالشراريف خوفا أن يمزق الناس أكفانه وكتبوا رقعة إلى الخليفة فخرج الجواب مثل هذا الرجل لا نعدم بركاته أن يكون في جوارنا وهناك موضع يعرف بدار الأفيلة وهو ملك لنا ولم يكن فيه دفن فدفن فيه رحمه الله تعالى وحكى أبو العباس بن أبي عمرو والشرابي قال كان لنا ذات ليلة خدمة أمسيت لأجلها ثم إني خرجت منها نومة الناس وتوجهت إلى داري بباب الأزج فرأيت عمود نور من جوف السماء إلى جوف المقبرة فجعلت أنظر إليه ولا ألتفت خوفا أن يغيب عني إلى أن وصلت إلى قبر أبي بكر عبد العزيز فإذا أنا بالعمود من جوف السماء إلى القبر فبقيت متحيرا ومضيت وهو على حاله انتهى ملخصا وفيها أبو بكر بن النابلسي محمد بن أحمد بن سهل الرملي الشهيد سلخه صاحب مصر المعز وكان قد قال لو كان معي عشرة أسهم لرميت الروم سهما ورميت بني عبيد تسعة فبلغ القائد فلما قرره اعترف وأغلظ لم فقتلوه وكان عابدا صالحا زاهدا قوالا بالحق وفيها أبو الحسن الآبري محمد بن الحسين السجستاني مؤلف كتاب مناقب الشافعي وآبر بمد الهمزة وضم الموحدة ثم راء خفيفة قرية بسجستان رحل إلى الشام وخراسان والجزيرة وروى عن أبي خزيمة وطبقته قال ابن (3/47) ________________________________________ 47 ناصر الدين الآبري محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم السجستاني أبو الحسن كان حافظا مجودا ثبتا مصنفا انتهى وفيها محدث الشام الحافظ أبو العباس محمد بن موسى بن الحسين بن السمسار الدمشقي روى عن محمد بن خريم وابن جوصا وطبقتهما وعنه تمام الرازي وغيره وكان ثقة نبيلا حافظا جليلا كتب القناطير وحدث باليسير قاله الكتاني وارتحل إلى مصر وإلى بغداد وفيها الغزال الزعفراني الحافظ الإمام المقري أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن سهل الأصبهاني عن محمد بن علي الفرقدي وعبدان الأهوازي وعنه الماليني وأبو نعيم الحافظ وقال هو أحد من رجع إلى حفظ ومعرفة وله مصنفات قاله ابن برداس وفيها المظفر بن حاجب بن أركين الفرغاني أبو القاسم توفي بدمشق في هذا العام أو بعده رحل به أبوه وسمع من جعفر الفريابي والنسائي وطبقتهما وفيها النعمان بن محمد بن منصور القيرواني القاضي أبو حنيفة الشيعي ظاهرا الزنديق باطنا قاضي قضاة الدولة العبيدية صنف كتاب ابتداء الدعوة وكتابا في فقه الشيعة وكتبا كثيرة تدل على انسلاخه من الدين يبدل فيها معاني القرآن ويحرفها مات بمصر في رجب وولي بعده ابنه.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

364 هـ

سنة أربع وستين وثلثمائة قال في الشذور فيها تزوج الطايع شاهرنان بنت عز الدولة على صداق مبلغه ماية ألف دينار وخطب خطبة النكاح أبو بكر بن قريعة القاضي انتهى وفيها توفي أبو بكر بن السني الحافظ أحمد بن محمد بن إسحق بن إبراهيم الدينوري صاحب كتاب عمل اليوم والليلة ورحل وكتب الكثير وروى عن النسائي وأبي خليفة وطبقتهما قال ابن ناصر الدين اختصر سنن النسائي وسماه المجتبي قال ابنه أبو علي الحسن كان أبي رحمه الله يكتب الأحاديث فوضع القلم في أنبوبة المحبرة ورفع يديه يدعو الله عز وجل فمات انتهى وفيها ابن الخشاب أحمد بن القاسم بن عبد الله بن مهدي أبو الفرج البغدادي كان أحد الحفاظ المتقدمين قاله ابن ناصر الدين وفيها أبو إسحق إبراهيم بن أحمد بن محمد بن رجاء النيسابوري الوراق الأبزاري بالباء الموحدة والزاي والراء نسبة إلى أبزار قرية بنيسابور توفي في رجب وله ست وتسعون سنة رحل وطوف الكثير وعنى بالحديث وروى عن مسدد بن قطن والحسن بن شعبان وإنما رحل عن كبر وفيها سبكتكين حاجب معز الدولة كان الطائع قد خلع عليه خلعة الملوك وطوقه وسوره ولقبه نصر الدولة فلم تطل أيامه توفي في المحرم وخلف ألف ألف دينار وعشرة آلاف ألف درهم وصندوقين فيهما جوهر وستين صندوقا فيها أواني ذهب وفضة وبلور ومائة وثلاثين مركبا ذهبا منها خمسون وزن كل واحد ألف مثقال وستمائة مركب فضة وأربعة آلاف ثوب ديباجا وعشرة آلاف ثوب ديبقي وعتابي وداره وهي دار السلطان اليوم قاله في الشذور وفيها أبو هاشم عبد الجبار بن عبد الصمد بن إسماعيل السلمي الدمشقي المؤدب قرأ القرآن على أبي عبيدة ولد ابن ذكوان وروى عن محمد بن المعافى الصيداوي وأبي شيبة داود بن إبراهيم وطبقتهما ورحل وتعب وجمع وكان ثقة قال ابن ناصر الدين كان من الأعيان وكتب القناطير انتهى وفيها علي بن أحمد بن علي المصيصي روى عن أحمد بن خليل الحلبي وغيره وفيها المطيع الخليفة أبو القاسم الفضل بن المقتدر جعفر بن المعتضد العباسي ولد في أول سنة إحدى وثلثمائة وبويع بالخلافة في سنة أربع وثلاثين بعد المستكفي قال ابن شاهين وخلع نفسه غيره مكره فيما صح عندي في ذي القعدة سنة ثلاث وستين ونزل عن الأمر لولده الطائع لله عبد الكريم قال السيوطي في تاريخ الخلفاء وأثبت خلعه على القاضي بن أم شيبان وصار بعد خلعه يسمى الشيخ الفاضل قال الذهبي وكان المطيع وابنه مستضعفين مع بني بويه ولم يزل أمر الخلفاء في ضعف إلى أن استخلف المقتفى لله فانصلح أمر الخلافة قليلا وكان دست الخلافة لبني عبيد الرافضة بمصر أميز وكلمتهم أنفذ ومملكتهم تناطح مملكة العباسيين في وقتهم وخرج المطيع إلى واسط مع ولده فمات في محرم سنة أربع وستين قال الخطيب حدثني محمد بن يوسف القطان سمعت أبا الفضل التميمي سمعت المطيع لله سمعت شيخي ابن منيع سمعت أحمد بن حنبل يقول إذا مات أصدقاء الرجل ذل انتهى كلام السيوطي وفيها محمد بن بدر الأمير أبو بكر الحمامي الطولوني أمير بعض بلاد فارس قال أبو نعيم ثقة وقال ابن الفرات كان له مذهب في الرفض وروى عن بكر بن سهل الدمياطي والنسائي وطبقتهما قال الذهبي في المعنى محمد بن بدر الحمامي سمع بكر بن سهل صدوق ولكنه يترفض انتهى وفيها أبو الحسن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عبدة التميمي النيسابوري السليطي بفتح السين المهملة وكسر اللام نسبة إلى سليط جد روى عن محمد بن إبراهيم البوشنجي وإبراهيم بن علي الذهلي وجماعة وعاش اثنتين وتسعين سنة.

365 هـ

سنة خمس وستين وثلثمائة فيها كما قال في الشذور جلس قاضي القضاة أبو محمد بن معروف في دار عز الدولة ونظر في الأحكام لأن عز الدولة أحب أن يشاهد مجلس حكمه انتهى.

  • وفيها توفي أحمد بن جعفر بن سلم أبو بكر الختلي بضم أوله والفوقية المشددة نسبة إلى الختل قرية بطريق خراسان المحدث المقرئ المفسر وله سبع وثمانون سنة كان ثبتا ثقة صالحا روى عن أبي مسلم الكجي وطبقته وفيها الذارع أبو بكر أحمد بن نصر البغدادي أحد الضعفاء والمتروكين روى عن الحارث بن أبي أسامة قال في المغني أحمد بن نصر الذارع شيخ بغدادي له جزء مشهور قال الدارقطني دجال انتهى وفيها أو بعدها إسماعيل بن نجيد الإمام أبو عمرو السلمي النيسابوري شيخ الصوفية بخراسان في ربيع الأول وله ثلاث وتسعون سنة أنفق أمواله على الزهاد والعلماء وصحب الجنيد وأبا عثمان الحيري وسمع محمد بن إبراهيم البوشنجي وأبا مسلم الكجي وطبقتهما وكان صاحب أحوال ومناقب قال سبطه أبو عبد الرحمن السلمي سمعت جدي يقول كل حال لا يكون عن نتيجة علم وإن جل فإن ضرره على صاحبه أكبر من نفعه قاله في العبر وفيها أبو علي الماسرجسي الحافظ أحد أركان الحديث بنيسابور الحسين بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين بن عيسى بن ماسرجس النيسابوري الثقة المأمون توفي في رجب وله ثمان وستون سنة روى عن جده وابن خزيمة وطبقتهما ورحل إلى العراق ومصر والشام قال الحاكم هو سفينة عصره في كثرة الكتابة صنف المسند الكبير مهذبا معللا في ألف وثلثمائة وجمع حديث الزهري جمعا لم يسبقه إليه أحد وكان يحفظه مثل الماء وصنف كتابا على البخاري وآخر على مسلم ودفن علم كثير بموته وفيها عبد الله بن أحمد بن إسحق بن محمد الأصبهاني والد أبي نعيم الحافظ وله أربع وثمانون سنة رحل وعني بالحديث وروى عن أبي خليفة الجمحي

(3/51)

51 وطبقته وكانت رحلته في سنة ثلثمائة قاله في العبر وفيها ابن عدي الحافظ الكبير أبو أحمد عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد ويعرف بابن القطان الجرجاني مصنف الكامل قال ابن قاضي شهبة هو أحد الأئمة في الأعلام وأركان الإسلام طاف البلاد في طلب العلم وسمع الكبار له كتاب الانتصار على مختصر المزني وكتاب الكامل في معرفة الضعفاء والمتروكين وهو كامل في بابه كما سمي وقال ابن عساكر كان ثقة على لحن فيه وقال الذهبي كان لا يعرف العربية سمع عجمة فيه وأما العلل والرجال فحافظ لا يجاري ولد سنة سبع وسبعين ومائتين ومات في جمادي الآخرة سنة خمس وستين وثلثمائة انتهى كلام ابن قاضي شبهة في طبقاته وقال ابن ناصر الدين سمع خلقا يزيدون على ألف انتهى وفيها أبو أحمد بن الناصح وهو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الناصح بن شجاع بن المفسر الدمشقي الفقيه الشافعي في رجب بمصر روى عن عبد الرحمن الرواس وأبي بكر بن علي المروزي وطائفة وفيها الشاشي القفال الكبير أبو بكر محمد بن إسماعيل الفقيه الشافعي صاحب المصنفات رحل إلى العراق والشام وخراسان قال الحاكم كان عالم أهل ما وراء النهر بالأصول وأكثرهم رحلة في الحديث صنع ابن جرير الطبري وابن خزيمة وطبقتهما وهو صاحب وجه المذهب قال الحليمي كان شيخنا القفال أعلم من لقيته من فقهاء عصره وقال ابن قاضي شهبة كان إماما وله مصنفات كثيرة ليس لأحد مثلها وهو أول من صنف الجدل الحسن من الفقهاء وله كتاب حسن في أصول الفقه وله شرح الرسالة وعنه انتشر فقه الشافعي في ما وراء النهر وقال النووي في تهذيبه إذا ذكر القفال الشاشي فالمراد هذا وإذا ورد القفال المروزي فهو الصغير ثم إن الشاشي يتكرر ذكره في التفسير والأصول والحديث والكلام والمروزي يتكرر ذكره في الفقهيات (3/52)

52 ومن تصانيف الشاشي دلائل النبوة ومحاسن الشريعة وآداب القضاء جزء كبير وتفسير كبير مات في ذي الحجة انتهى ملخصا وقال ابن الأهدل هو شيخ الشافعية في عصره كان فقيها محدثا أصوليا متفننا ذا طريقة حميدة وتصانيف نافعة وله شعر جيد ولم يكن للشافعية بما وراء النهر مثله أخذ عن ابن سريج وطبقته وابن جرير الطبري وإمام الأئمة ابن خزيمة وغيرهم وأخذ عنه الحاكم أبو عبد الله وابن مندة والحليمي وأبو عبد الرحمن السني وغيرهم وهو والد القاسم صاحب التقريب وهو منسوب إلى شاش مدينة وراء نهر جيحون وأعلم أن لنا قفالا غير شاشي وشاشيا غير قفال وثلاثتهم يكنون بأبي بكر ويشترك اثنان في اسمهما واثنان في اسم أبيهما دون اسمهما فالقفال غير الشاشي هو المروزي شيخ القاضي حسين وأبي محمد الجويني وسيأتي في سنة سبعة وخمسمائة انتهى كلام ابن الأهدل وفيها لمعز بدين الله أبو تميم معد بن المنصور إسماعيل بن القائم بن المهدي العبيدي صاحب المغرب الذي ملك الديار المصرية ولي الأمر بعد أبيه سنة إحدى وأربعين وثلثمائة ولما افتتح له مولاه جوهر سجلماسة وفاس وسبتة وإلى البحر المحيط جهزه بالجيوش والأموال فأخذ الديار المصرية وبنى مدينة القاهرة المعزية وكان مظهرا للتشيع معظما لحرمات الإسلام حليما كريما وقورا حازما سريا يرجع إلى عدل وإنصاف في الجملة توفي في ربيع الآخر وله ست وأربعون سنة قاله في العبر وقال ابن خلكان بويع بولاية العهد في حياة أبيه المنصور بن إسماعيل ثم جددت له البيعة بعد وفاته فدبر الأمور وساسها وأجراها على أحسن أحكامها إلى يوم الأحد سابع ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وثلثمائة فجلس يومئذ على سرير ملكه ودخل عليه الخاصة وكثير من العامة وسلموا عليه بالخلافة وتسمى بالمعز ولم يظهر على أبيه حزنا ثم خرج إلى بلاد إفريقية يطوف بها ليمهد قواعدها ويقرر أسبابها فانقاد له العصاة (3/53)

53 من أهل تلك البلاد ودخلوا في طاعته وعقد لغلمانه وأتباعه على الأعمال واستندب لكل ناحية من يعلم كفايته وشهامته ثم جهز أبا الحسن جوهر القائد ومعه جيش كثير ليفتح ما استعصى له من بلاد المغرب فسار إلى فاس ثم منها إلى سجلماسة ففتحها ثم توجه إلى البحر المحيط وصاد من سمكه وجعله في قلال الماء وأرسله إلى المعز ثم رجع إلى المعز ومعه صاحب سجلماسة وصاحب فاس أسيرين في قفصي حديد وقد وطن له البلاد من باب إفريقية إلى بحر المحيط من جهة الغرب وفي جهة الشرق من باب إفريقية إلى أعمال مصر ولم يبق بلد من هذه البلاد إلا أقيمت فيه دعوته وخطب له في جميعه جمعته وجماعته إلا مدينة سبتة فإنها بقيت لبني أمية أصاحب الأندلس ولما وصل الخبر إلى المعز المذكور بموت كافور الإخشيدي صاحب مصر تقدم إلى القائد جوهر ليتجهز للخروج إلى مصر فخرج أولا لإصلاح أموره وكان معه جيش عظيم وجميع قبائل العرب الذين يتوجه بهم إلى مصر وخرج المعز بنفسه في الشتاء إلى المهدية فأخرج من قصور آبائه خمسمائة حمل دنانير وعاد إلى قصره ولما عاد جوهر بالرجال والأموال وكان قدومه على المعز يوم الأحد سبع عشرى محرم سنة ثمان وخمسين وثلثمائة أمره المعز بالخروج إلى مصر فخرج ومعه أنواع القبائل وأنفق المعز في المعسكر المسير ضحبته أموالا كثيرة حتى أعطى من ألف دينار إلى عشرين دينارا وأغمر الناس بالعطاء وتفرقوا في القيروان وصيره في شراء حوائجهم ورحل معه ألف حمل من المال والسلاح ومن الخيل والعدد ما لا يوصف وكان بمصر في تلك السنة غلاء عظيم ووباء حتى مات فيها وفي أعمالها في تلك المدة ستمائة ألف إنسان على ما قيل ولما كان منتصف رمضان سنة ثمان وخمسين وثلثمائة وصلت البشارة إلى المعز بفتح الديار المصرية ودخول عساكره إليها وكانت كتب جوهر تتردد إلى المعز باستدعائه إلى مصر ويحثه كل وقت على ذلك ثم سير إليه بخبره بانتظام الحال بمصر والشام (3/54)

54 والحجاز وإقامة الدعوة له بهذه المواضع فسر بذلك سرورا عظيما ثم استخلف على إفريقية بلكين بن زيري الصنهاجي وخرج متوجها إليها بأموال جليلة المقدار ورجال عظيمة الأخطار وكان خروجه من المنصورية دار ملكه يوم الاثنين ثاني عشرى شوال سنة اثنتين وستين وثلثمائة ولم يزل في طريقه يقيم بعض الأوقات في بعض البلاد أياما ويجد السير في بعضها وكان اجتيازه على برقة ودخل الإسكندرية رابع عشرى شعبان من السنة المذكورة وركب فيها ودخل الحمام وقدم عليه بها قاضي مصر أبو طاهر محمد بن أحمد وأعيان أهل البلاد وسلموا عليه وجلس لهم عند المنارة وأخبرهم أنه لم يرد دخول مصر لزيادة في ملكه ولا المال وإنما أراد إقامة الحق والجهاد والحج وان يختم عمره بالأعمال الصالحة ويعمل بما أمر به جده ووعظهم وأطال حتى بكى بعض الحاضرين وخلع على القاضي وجماعة وودعوه وانصرفوا ثم رحل منها في أواخر شعبان ونزل يوم السبت ثاني رمضان على ساحل مصر بالجيزة فخرج إليه القائد جوهر وترجل عند لقائه وقبل الأرض بين يديه واجتمع به بالجيزة أيضا الوزير أبو الفضل جعفر بن الفرات وأقام المعز هناك ثلاثة أيام وأخذ العسكر في التعدية بإثقالهم إلى ساحل مصر ولما كان يوم الثلاثاء خامس رمضان عبر المعز النيل ودخل القاهرة ولم يدخل مصر وكانت قد زينت له وظنوا أنه يدخلها وأهل القاهرة لم يستعدوا للقائه لأنهم بنوا الأمر على دخوله مصر أولا ولما دخل القاهرة ودخل القصر ودخل مجلسا فيه خر ساجدا ثم صلى فيه ركعتين وانصرف الناس عنه وكان المعز عاقلا حازما سريا أديبا حسن النظر في النجامة وينسب إليه من الشعر ( لله ما صنعت بنا * تلك المحاجر في المعاجر ) ( أمضى وأقضى في النفوس * من الخناجر في الحناجر ) انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا.

366 هـ

سنة ست وستين وثلثمائة فيها كما قال في الشذور رجحت جميلة بنت ناصر الدولة أبي محمد بن حمدان فاستصحبت أربعمائة جمل عليها محامل عدة فلم يعلم في أيها كانت فلما شاهدت الكعبة نثرت عليها عشرة آلاف دينار وأنفقت الأموال الجزيلة انتهى وفيها مات ملك القرامطة الحسن بن أحمد بن أبي سعيد الجنابي القرمطي والجنابي بفتح الجيم وقيل بضمها وتشديد النون آخره موحدة نسبة إلى جنابة بلد بالبحرين وكان الحسن هذا قد استولى على أكثر الشام وهزم جيش المعز وقتل قائدهم جعفر بن فلاح وذهب إلى مصر وحاصرها شهورا قبل مجيء المعز وكان يظهر طاعة الطائع لله وله شعر وفضيلة ولد بالأحساء ومات بالرملة قاله في العبر والقرمطي بكسر القاف وسكون الراء وكسر الميم وبعدها طاء مهملة والقرمطة في اللغة تقارب الشيء بعضه من بعض ويقال خط مقرمط ومشي مقرمط إذا كان كذلك لأن أبا سعيد والد هذا المذكور كان قصيرا مجتمع الخلق أسمر كريه المنظر فلذلك قيل له قرمطي ونسبت إليه القرامطة وفيها ركن الدولة الحسين بن بويه أبو علي والد عضد الدولة ومؤيد الدولة وأخو معز الدولة وعماد الدولة كان الحسين هذا صاحب أصبهان والري وعراق العجم وكان ملكا جليلا عاقلا نبيلا بقي في الملك خمسا وأربعين سنة ووزر له ابن العميد ووزر لولده الصاحب بن عباد ومات الحسين هذا بالقولنج وقسم الممالك على أولاده فكلهم أقام بنوبته أحسن قيام وفيها المنتصر بالله أبو مروان الحكم صاحب الأندلس وابن صاحبها الناصر لدين الله عبد الرحمن بن محمد الأموي المرواني ولي ست عشرة سنة وعاش ثلاثا وستين سنة وكان حسن السيرة محبا للعلم مشغوفا بجمع الكتب (3/56)

56 والنظر فيها بحيث أنه جمع منها ما لم يجمعه أحد قبله ولا جمعه أحد بعده حتى ضاقت خزائنه عنها وسمع من قاسم بن أصبغ وجماعة وكان بصيرا بالأدب والشعر وأيام الناس وأنساب العرب متسع الدائرة كثير المحفوظ ثقة فيما ينقله توفي في صفر بالفالج وفيها أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي بن زياد النيسابوري المعدل سمع من مسدد بن قطن وابن سيرويه وفي الرحلة من الهيثم بن خلف وهذه الطبقة وحدث بمسند إسحق بن راهويه وعاش ثلاثا وثمانين سنة وفيها أبو الحسن علي بن أحمد البغدادي بن المرزبان صاحب أبي الحسن بن القطان أحد أئمة المذهب الشافعي وأصحاب الوجوه قال الخطيب البغدادي كان أحد الشيوخ الأفاضل قال ودرس عليه الشيخ أبو حامد أول قدومه بغداد وقال الشيخ أبو إسحق وكان فقيها ورعا حكى عنه أنه قال ما أعلم أن لأحد على مظلمة وقد كان فقيها يعرف أن الغيبة من المظالم ودرس ببغداد وعليه درس الشيخ أبو حامد توفي في رجب بعد شيخه ابن القطان بسبع سنين والمرزبان معناه كبير الفلاحين نقل عنه الرافعي في مواضع محصورة منها أن الآجر المعجون بالروث يطهر ظاهره بالغسل قاله ابن قاضي شهبة وفيها أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن الحسن الجرجاني القاضي بجرجان ثم بالري ذكره الشيخ أبو إسحق في طبقاته فقال كان فقيها أديبا شاعرا وذكره الثعالبي في اليتيمة فقال حسنة جرجان وفرد الزمان ونادرة الملك وإنسان حدقه العلم ودرة تاج الأدب وفارس عسكر الشعر جمع خط ابن مقلة ونثر الجاحظ ونظم البحتري وفيه يقول الصاحب بن عباد ( إذا نحن سلمنا لك العلم كله * فدع هذه الألفاظ ننظم شذورها ) ومن شعره ( يقولون لي فيك انقباض وإنما * رأوا رجلا عن موقف الذل أحجما ) (3/57)

57 ( أرى الناس من داناهم هان عندهم * ومن أكرمته عزة النفس إكراما ) ( وما كل برق لاح لي يستفزني * ولا كل من لاقيت أرضاه منعما ) ( وإني إذا ما فاتني الأمر لم أبت * أقلب كفي أثره متندما ) ( ولم أقض حق العلم أن كان كلما * بدا طمع صيرته لي سلما ) ( إذا قيل هذا منهل قلت قد أرى * ولكن نفس الحر تحتمل الظما ) ( ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي * لأخدم من لاقيت لكن لأخدما ) ( أأشفي به غرسا وأجنيه ذلة * إذا فاتباع الجهل قد كان أحزما ) ( ولو أن أهل العلم صانوه وصانهم * ولو عظموه في النفوس تعظما ) ( ولكن أذلوه فهان ودنسوا * محياه بالأطماع حتى تجهما ) وطاف المذكور في صباه الأقاليم ولقي العلماء وصنف كتاب الوساطة بين المتنبي وخصومه أبان فيه عن فضل كبير وعلم غزير ذكر الحاكم في تاريخ نيسابور أنه مات بها في سلخ صفر سنة ست وستين وثلثمائة وحمل تابوته إلى جرجان ودفن بها قاله الأسنوي في طبقاته ومن شعره أيضا ( ما تطعمت لذة العيش حتى * صرت للبيت والكتاب جليسا ) ( ليس شيء أعز عندي من العلم * فلا تبتغي سواه أنيسا ) ( إنما الذل في مخالطة الناس * فدعهم وعش عزيزا رئيسا ) وفيها أبو الحسن محمد بن الحسن بن أحمد بن إسماعيل النيسابوري السراج المقرئ الرجل الصالح رحل وكتب عن مطين وأبي شعيب الحراني وطبقتهما قال الحاكم قل من رأيت أكثر اجتهادا وعبادة منه وكان يقرئ القرآن توفي يوم عاشوراء وفيها أبو الحسن محمد بن عبد الله بن زكريا بن حيويه النيسابوري ثم المصري القاضي سمع بكر بن سهل الدمياطي والنسائي وطائفة توفي في رجب وهو في عشر التسعين أو جاوزها (3/58)

58 سنة سبع وستين وثلثمائة فيها كما قال السيوطي في تاريخ الخلفاء التقى عز الدولة وعضد الدولة فظفر عضد الدولة وأخذ عز الدولة أسيرا وقتله بعد ذلك وخلع الطائع على عضد الدولة خلع السلطنة وتوجه بتاج مجوهر وطوقه وسوره وقلده سيفا وعقد له لواءين بيده أحدهما مفضض على رسم الأمراء والآخر مذهب على رسم ولاة العهود ولم يعقد هذا اللواء الثاني لغيره قبله وكتب له عهد وقرئ بحضرته ولم تجر العادة بذلك إنما كان يدفع العهد إلى الولاة بحضرة أمير المؤمنين فإذا أخذ قال أمير المؤمنين هذا عهدي إليك فاعمل به انتهى وفيها هلك صاحب هجر أبو يعقوب يوسف بن الحسن الجنابي القرمطي وفيها توفي أبو القاسم النصرأباذي بفتح النون والراء الموحدة وسكون الصاد المهملة آخره معجمة نسبة إلى نصرأباذ محلة بنيسابور واسمه إبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمويه النيسابوري الزاهد الواعظ شيخ الصوفية والمحدثين سمع ابن خزيمة بخراسان وابن صاعد ببغداد وابن جوصا بالشام وأحمد العسال بمصر وكان يرجع إلى فنون من الفقه والحديث والتاريخ وسلوك الصوفية ثم حج وجاور سنتين ومات بمكة في ذي الحجة قاله في العبر وقال الشخاوي كان أوحد المشايخ في وقته علما وحالا صحب الشبلي وأبا علي الروزباري والمرتعش وغيرهم قيل له أن بعض الناس يجالس النسوان ويقول أنا معصوم في رؤيتهن فقال ما دامت الأشباح باقية فإن الأمر والنهي باق والتحليل والتحريم مخاطب بهما ولن يجترئ على الشبهات إلا من يتعرض للمحرمات وقال الراغب في العطاء لا مقدار له والراغب في المعطي عزيز وقال العبادات إلى طلب الصفح والعفو عن تقصيرها أقرب منها إلى طلب الأعواض والجزاء وقال جذبة من الحق تربى على أعمال الثقلين هذا (3/59)

59 كله كلام السلمي وقال الحاكم الصوفي العارف أبو القاسم النصرأباذي الواعظ لسان أهل الحقائق وقد كان يورق قديما ثم تركه غاب عن نيسابور نيفا وعشرين سنة ثم انصرف إلى وطنه سنة أربعين وكان يعظ على ستر وصيانة ثم خرج إلى مكة سنة خمس وستين وجاور بها ولزم العبادة فوق ما كان من عادته وكان يعظ ويذكر ثم توفي بها في ذي الحجة ودفن عند تربة الفضيل ابن عياض رحمهما الله تعالى ورضي عنهما انتهى ملخصا وفيها أبو منصور بختيار الملقب عز الدولة بن الملك معز الدولة أحمد بن بويه الديلمي ولي عز الدولة مملكة أبيه بعد موته وتزوج الإمام الطائع ابنته شاه زمان على صداق مبلغه مائة ألف دينار وكان عز الدولة ملكا سريا شديد القوى يمسك الثور العظيم بقرنيه فيصرعه وكان متوسعا في الاخراجات والكلف والقيام بالوظائف حكى بشر الشمعي ببغداد قال سئلنا عند دخول عضد الدولة بن بويه وهو ابن عم عز الدولة المذكور إلى بغداد لما ملكها بعد قتله عز الدولة عن وظيفة الشمع الموقد بين يدي عز الدولة فقلنا كانت وظيفة وزيره أبي طاهر محمد بن بقية ألف من في كل شهر فلم يعاودوا التقصي استكثارا لذلك وكان بين عز الدولة وابن عمه عضد الدولة منافسات في الممالك أدت إلى التنازع وأفضت إلى التصاف والمحاربة فالتقيا يوم الأربعاء ثامن عشر شوال من هذه السنة فقتل عز الدولة في المصاف وكان عمره ستا وثلاثين سنة وحمل رأسه في دست ووضع بين يدي عضد الدولة فلما رآه وضع منديله على عينيه وبكى قاله ابن خلكان وفيها الغضنفر عدة الدولة أبو تغلب بن الملك ناصر الدولة بن حمدان ولي الموصل بعد أبيه مدة ثم قصده عضد الدولة فعجز وهرب إلى الشام واستولى عضد الدولة على مملكته ومر الغضنفر بظاهر دمشق وقد غلب عليها قسام العيار ثم ركب إلى العزيز العبيدي وسأله أن يوليه نيابة الشام ثم (3/60)

60 نزل الرملة في هذه السنة قالتقاه مفرج الطائي وقتله كهلا وفيها أبو الطاهر الذهلي محمد بن أحمد بن عبد الله القاضي البغدادي ولي قضاء واسط ثم قضاء دمشق ثم قضاء الديار المصرية حدث عن بشر بن موسى وأبي مسلم الكجي وطبقتهما وكان مالكي المذهب فصيحا مفوها شاعرا إخباريا حاضر الجواب غزير الحفظ توفي وقد قارب التسعين وفيها عمر بن بشران بن محمد بن بشر بن مهران أبو حفص السكري الحافظ الثقة الضابط وهو أخو جد أبي الحسين بن بشران روى عن أحمد بن الحسن الصوفي والبغوي قال الخطيب حدثنا عنه البرقاني وسألته عنه فقال ثقة ثقة كان حافظا عارفا كثير الحديث وفيها ابن السليم قاضي الجماعة أبو بكر محمد بن إسحق بن منذر الأندلسي مولى بني أمية وله خمس وستون سنة وكان رأسا في الفقه رأسا في الزهد والعبادة سمع أحمد بن خالد وأبا سعيد بن الأعرابي الفقيه بمكة وتوفي في رمضان وفيها ابن قريعة القاضي البغدادي أبو بكر محمد بن عبد الرحمن أخذ عن أبي بكر بن الأنباري وغيره وطان ظريفا مزاحا صاحب نوادر وسرعة جواب وكان نديما للوزير المهلبي ولي قضاء بعض الأعمال وقد نيف على الستين قال ابن خلكان كان قاضي السندية وغيرها من أعمال بغداد ولاه أبو السائب عتبة ابن عبد عبيد الله القاضي وكان إحدى عجائب الدنيا في سرعة البديهة في الجواب عن جميع ما يسأل عنه في أفصح لفظ وأملح سجع وله مسائل وأجوبة مدونة في كتاب مشهور بأيدي الناس وكان رؤساء ذلك العصر وفضلاؤه يداعبونه ويكتبون إليه المسائل الغريبة المضحكة فيكتب الجواب من غير توقف ولا تلبث مطابقا لما سألوه وكان الوزير المهلبي يغري به جماعة يضعون له من الأسئلة الهزلية معان شتى من النوادر الظريفة ليجيب عنها بتلك الأجوبة فمن ذلك ما كتب إليه العباس بن المعلى الكاتب ما يقول القاضي وفقه الله تعالى في يهودي زني (3/61)

61 ببصرانية فولدت ولدا جسمه للبشر ووجهه للبقر وقد قبض عليهما فما يرى القاضي فيهما فكتب جوابه بديها هذا من أعدل الشهود على اليهود بأنهم أشربوا العجل في صدورهم حتى خرج من أمورهم وأرى أن يناط برأس اليهودي رأس العجل ويصلب على عنق النصرانية الساق مع الرجل ويسحبا على الأرض على الأرض وينادي عليهما ظلمات بعضها فوق بعض والسلام ولما قدم الصاحب بن عباد إلى بغداد حضر مجلس الوزير أبي محمد المهلبي وكان في المجلس القاضي أبو بكر المذكور فرأى من ظرفه وسرعة أجوبته مع لطافتها ما عظم منه تعجبه فكتب الصاحب إلى أبي الفضل بن العميد كتابا يقول فيه وكان في المجلس شيخ خفيف الروح يعرف بالقاضي ابن قريعة جاراني في مسائل خفتها تمنع من ذكرها إلا أني سأطرفك من كلامه وقد سأله رجل بحضرة الوزير أبي محمد عن حد القفا فقال ما اشتمل عليه جربانك وأدبك فيه سلطانك وباسطك فيه غلمانك وجربان بضم الجيم والراء وتشديد الباء الموحدة وبعدها ألف ثم نون لينة وهي الخرقة العريضة التي فوق القب وهي التي تستر القفا والجربان لفظ فارسي معرب وجميع مسائله على هذا الأسلوب انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا وقال ابن حمدون في تذكرته كان ابن قريعة في مجلس المهلبي فوردت عليه رقعة فيها ما يقول القاضي أعزه الله في رجل دخل الحمام فجلس في الابزن لعلة كانت به فخرجت منه ريح فتحول الماء زيتا فتخاصم الحمامي والضارط وادعى كل واحد منهما أنه يستحق جميع الزيت لحقه فيه فكتب القاضي في الجواب قرأت هذه الفتيا الظريفة في هذه القصة السخيفة وأخلق بها أن تكون عبثا باطلا وكذبا ما حلا وإن كان ذلك كذلك فهو أعاجيب الزمان وبدائع الحدثان والجواب وبالله التوفيق أن للصافع نصف الزيت لحق وجعاته وللحمامي نصف الزيت لحق مائه وعليهما أن يصدقا المبتاع منهما عن خبث أصله وقبح فضله حتى يستعمله في مسرجته ولا يدخله في أغذيته انتهى وقريعة بضم القاف وفتح الراء وسكون الياء التحتية (3/62)

62 بعدها عين مهملة وهو لقب جده كذا حكاه السمعاني وفيها أبو بكر بن القوطية بضم القاف وكسر الطاء وتشديد الياء المثناة من تحت نسبة إلى قوط بن حام بن نوح عليه السلام نسبت إليه جدة أبي بكر هذا وهي أم إبراهيم بن عيسى واسمها سارة بنت المنذر بن حطية من ملوك القوط بالأندلس وقوط أبو السودان والهند والسند وأيضا وايم أبي بكر هذا محمد بن عمر بن عبد العزيز بن إبراهيم بن عيسى بن مزاحم الأندلسي الإشبيلي الأصل القرطبي المولد كان رأسا في اللغة والنحو حافظا للإخبار وأيام الناس فقيها محدثا متقنا كثير التصانيف صاحب عبادة ونسك كان أبو علي القالي يبالغ في تعظيمه توفي في شهر ربيع الأول وقد روى عن سعيد بن جابر وطاهر بن عبد العزيز وطبقتهما وسمع بإشبيلية من محمد بن عبيد الزبيدي وبقرطبة من أبي الوليد الأعرج وكان من أعلم أهل زمانه باللغة والعربية وأروى الناس للأشعار وأدركهم للآثار ولا يدرك شأوه ولا يشق غباره وكان مضطلعا بأخبار الأندلس مليئا برواية سير أمرائها وأحوال فقهائها وشعرائها عن ظهر قلب قال ابن خلكان وكان كتب اللغة أكثر ما تقرأ عليه وتؤخذ عنه ولم يكن بالضابط لروايته في الحديث والفقه ولا كانت له أصول يرجع إليها وكان ما يسمع عليه من ذلك إنما يحمل على المعنى لا على اللفظ وكان كثيرا ما يقرأ عليه ما لا رواية له به على جهة التصحيح وطال عمره فسمع الناس عنه طبقة بعد طبقة وروى عنه الشيوخ والكهول وكان قد لقي مشايخ عصره بالأندلس وأخذ عنهم وأكثر من النقل من فوائدهم وصنف الكتب المفيدة في اللغة منها كتاب تصاريف الأفعال وهو الذي فتح هذا الباب فجاء من بعده ابن القطاع وتبعه وله كتاب المقصور والممدود جمع فيه مالا يحد ولا يوصف ولقد أعجز من يأتي بعده وفاق من تقدمه وكان مع هذه الفضائل من العباد النساك وكان جيد الشعر صحيح الألفاظ واضح المعاني حسن المطالع والمقاطع إلا أنه ترك ذلك حكى الشاعر أبو بكر بن هذيل التميمي (3/63)

انه توجه يوما 63 إلى ضيعة له بسفح جبل قرطبة وهي من بقاع الأرض الطيبة المونقة فصادف أبا بكر بن القوطية المذكور صادرا عنها وكانت له أيضا هناك ضيعة قال فلما رآني عرج علي واستبشر بلقائي فقلت له على البديهة مداعبا له ( من أين أقبلت يا من لا شبيه له * ومن هو الشمس والدنيا له فلك ) قال فتبسم وأجاب بسرعة ( من منزل تعجب النساك خلوته * وفيه ستر عن الفتاك أن افتكروا ) قال فما تمالكت أن قبلت يده إذ كان شيخي ومجدته ودعوت له انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا وفيها أبو الطاهر الوزير نصير الدولة محمد بن محمد بن بقية بن علي أحد الروساء والأجواد تنقلت به الأحوال ووزر لمعز الدولة بختيار وقد كان أبوه فلا حاثم عزل وسمل ولما تملك عضد الدولة قتله وصلبه في شوال ورثاه محمد بن عمر الأنباري بقوله ( علو في الحياة وفي الممات * لحق أنت إحدى المعجزات ) ( كان الناس حولك حين قاموا * وفود نداك أيام الصلات ) ( كأنك قائم فيهم خطيبا * وكلهم قيام للصلاة ) ( مددت يديك نحوهم احتفاءا * كمدكها إليهم بالهبات ) ( فلما ضاق بطن الأرض عن أن * يضم علاك من بعد الممات ) ( أصاروا الجو قبرك واستنابوا * عن الأكفان ثوب السافيات ) ( لعظمك في النفوس تبيت ترعى * بحفاظ وحراس ثقات ) ( وتشعل عندك النيران ليلا * كذلك كنت أيام الحياة ) ( ركبت مطية من قبل زيد * علاها في السنين الماضيات ) ( وتلك فضيلة فيها تأس * تباعد عنك تعيير العداة ) ( فلم أر قبل جذعك قط جذعا * تمكن من عناق المكرمات ) ( أسأت إلى النوائب فاستثارت * فأنت قتيل ثأر النائبات ) (3/64)

64 وهي طويلة ولم يزل ابن بقية مصلوبا إلى أن توفي عضد الدولة فأنزل عن الخشبة ودفن في موضعه قال الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق لما صنع أبو الحسن المرثية التائية كتبها ورماها في شوارع بغداد فتداولها الأدبار إلى أن وصل الخبر إلى عضد الدولة فلما أنشدت بين يديه تمنى أن يكون هو المصلوب دونه وقال علي بهذا الرجل فطلب سنة كاملة واتصل الخبر بالصاحب بن عباد وهو بالري فكتب له الأمان فلما سمع أبو الحسن ذلك قصد حضرته فقال له أنت القائل هذه الأبيات قال نعم قال أنشدنيها من فيك فلما أنشد ( ولم أر قبل جذعك قط جذعا * تمكن من عناق المكرمات ) قال إليه الصاحب وقبل فاه وأنفذه إلى عضد الدولة فلما مثل بين يديه قال ما الذي حملك على رثاء عدوي فقال حقوق سلفت وأياد مضت فقال هل يحضرك شيء في الشموع والشموع تزهر بين يديه فأنشأ يقول ( كأن الشموع وقد أظهرت * من النار في كل رأس سنانا ) ( أصابع أعدائك الخائفين * تضرع تطلب منك الأمانا ) فلما سمعها خلع عليه وأعطاه فرسا ورده انتهى وكان ابن بقية في أول أمره قد توصل إلى أن صار صاحب مطبخ معز الدولة حسنت حاله عنده ورعى له خدمته لأبيه وكان فيه توصل وسعة صدر وتقدم إلى أن استوزره عز الدولة يوم الاثنين سابع ذي القعدة اثنتين وستين وثلثمائة ثم أنه قبض عليه لسبب يوم الاثنين سابع عشر ذي الحجة سنة ست وستين بمدينة واسط وسمل عينيه ولزم بيته قال أن الهمداني في كتابه عيون السير لما استوزر عز الدولة ابن بقية بعد أن كان يتولى أمر المطبخ قال الناس من الغضارة إلى الوزارة ولكن ستر كرمه عيوبه وخلع يوما عشرين ألف خلعة انتهى وتقدم أنه كان راتبه من الشمع في كل شهر ألف من فكم يكون غيره ما تشتد الحاجة إليه (3/65)

65 فسبحان المعز المذل وعاش ابن بقية نيفا وخمسين سنة وفيها يحيى بن عبد اله بن يحيى بن الإمام يحيى بن يحيى الليثي القرطبي أبو عيسى الفقيه المالكي راوي الموطأ عاليا سنة ثمان وستين وثلثمائة فيها كما قال السيوطي في تاريخ الخلفاء أمر الطائع بأن تضرب الدبادب على باب عضد الدولة في وقت الصبح والمغرب والعشاء وان يخطب له على منابر الحضرة قال ابن الجوزي وهذان أمران لم يكونا من قبله ولا أطلقا لولاة العهود وما حظي عضد الدولة بذلك إلا لضعف الخلافة وفيها توفي أبو بكر القطيعي أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك البغدادي مسند العراق وكان يسكن بقطيعة الدقيق فنسب غليها روى عن عبد الله بن الإمام أحمد المسند وسمع من الكديمي وإبراهيم الحربي والكبار توفي في ذي الحجة وله خمس وتسعون سنة وكان شيخا صالحا وفيها السيرافي أبو سيعد الحسن بن عبد الله بن المرزبان صاحب العربية كان أبوه مجوسيا وأسلمك وسمى عبد الله سماه به ابنه المذكور وكان أولا اسمه بهزار تصدر أبو سعيد لاقراء القراءات والنحو واللغة والعروض والفقه والحساب وكان رأسا في النحو بصيرا بمذهب الإمام أبي حنيفة قرأ القرآن على ابن مجاهد وأخذ اللغة عن ابن دريد والنحو عن ابن السراج وكان ورعا يأكل من النسخ وكان ينسخ الكراس بعشرة دراهم لبراعة خطه ذكر عنه الاعتزال وأم يظهر عنه ومات في رجب عن أربع وثمانين سنة قال ابن خلكان أبو سعيد الحسن بن عبد الله بن المرزبان السيرافي النحوي المعروف بالقاضي سكن بغداد وتولى القضاء بها نيابة عن أبي محمد بن معروف وكان من أعلم الناس بنحو البصريين وشرح كتاب سيبويه فأجاد فيه وله كتاب ألفات الوصل (3/66)

66 والقطع وكتاب أخبار النحويين البصريين وكتاب الوقف والابتداء وكتاب صنعة الشعر والبلاغة وشرح مقصورة ابن دريد وكان الناس يشتغلون عليه بعدة فنون القرآن الكريم والقراءات وعلوم القرآن والنحو واللغة والفقه والفرائض والحساب والكلام والشعر والعروض والقوافي وكان نزها عفيفا جميل الأمر حسن الأخلاق وكان معتزليا ولم يظهر منه شيء وكان كثيرا ما ينشد في مجالسه ( أسكن إلى سكن تسر به * ذهب الزمان وأنت منفرد ) ( ترجو غدا وغد كحاملة * في الحي لا يدرون ما تلد ) وتوفي يوم الاثنين ثاني رجب ببغداد وعمره أربع وثمانون سنة ودفن بمقابر الخيزران وقال ولده أبو محمد يوسف أصل أبي من سيراف ومضى إلى عسكر مكرم وأقام عند أبي محمد بن عمر المتكلم وكان يقدمه ويفضله على جميع أصحابه ودخل بغداد وخلق القاضي أبا محمد بن معروف على قضاء الجانب الشرقي في الجانبين والسيرافي بكسر السين المهملة وبعد الراء والألف فاء نسبة إلى سيراف وهي من بلاد فارس على ساحل البحر مما يلي كرمان خرج منها جماعة من العلماء وفيها أبو القاسم الآبندوني بألف ممدودة وفتح الباء الموحدة وسكون النون وضم المهملة نسبة إلى آبندون من قرى جرجان واسمه عبد الله بن إبراهيم بن يوسف الجرجاني الحافظ سكن بغداد وحدث عن أبي خليفة والحسن بن سفيان وطبقتهما وهو ثقة ثبت قال الحاكم كان أحد أركان الحديث وقال البرقاني كان محدثا زاهدا متقللا من الدنيا لم يكن يحدث غير واحد لسوء أدب الطلبة وحديثهم وقت السمع عاش خمسا وتسعين سنة وممن حدث عنه الرماني وأبو العلاء الواسطي وفيها الرخجي بالضم وتشديد المعجمة المفتوحة وجيم نسبة إلى الرخجية (3/67)

67 قرية بغداد القاضي أبو الحسين عيسى بن حامد البغدادي الفقيه أحد تلامذة ابن جريج روى عن محمد بن جعفر القتات وطبقته ومات في ذي الحجة عن سن عالية وفيها الحافظ النبيل أحمد بن موسى بن عيسى بن أحمد بن عبد الرحمن الوكيل الفرضي أبو الحسين بن أبي عمر الجرجاني كان حافظا نبيها غير أنه كان يضع الحديث نسأل الله العافية وفيها أبو أحمد الجلودي بضمتين وقيل بفتح الجيم نسبة إلى الجلود محمد بن عيسى بن عمرويه النيسابوري راوية صحيح مسلم ابن سفيان الفقيه سمع من جماعة ولم يرحل قال الحاكم هو من كبار عباد الصوفية وكان ينسخ بالأجرة ويعرف مذهب سفيان وينتحله توفي في ذي الحجة وله ثمانون سنة وفيها أبو الحسين الحجاجي نسبة إلى جد محمد بن يعقوب النيسابوري الحافظ الثقة المقرئ العبد الصالح الصدوق في ذي الحجة عن ثلاث وثمانين سنة قرأ على ابن مجاهد وسمع عمر بن أبي غيلان وابن خزيمة وهذه الطبقة بمصر والشام والعراق وخراسان وصنف العلل والشيوخ والأبواب قال الحاكم صحبته نيفا وعشرين سنة فلم أعلم أن الملك كتب عليه خطيئة وسمعت أبا علي الحافظ يقول ما في أصحابنا أفهم ولا أثبت منه وأنا ألقبه يعفان لثبته رحمه الله تعالى وفيها هفتكين التركي الشرابي خرج عن بغداد خرج عن بغداد خوفا من عضد الدولة ونزل الشام فتملك دمشق بإعانة أهلها في سنة أربع وستين ورد الدعوة العباسية ثم صار إلى صيدا وحارب المصريين فقدم لحربه القائد جوهر وحاصره بدمشق سبعة أشهر ثم ترحل عنه فساق وراء جوهر فالتقوا بعسقلان فهزم جوهرا وتحصن جوهر بعسقلان فحاصره هفتكين بها خمسة عشر شهرا (3/68)

68 ثم أمنه فنزل وذهب إلى مصر فصادف العزيز صاحب مصر قد جاء في نجدته فرد معه فكانوا سبعين ألفا فالتقاهم هفتكين فأخذوه أسيرا في أول سنة ثمان هذه ثم من عليه العزيز وأعطاه إمرة فخاف منه ابن كلس الوزير وقتله سقاه سما وكان يضرب بشجاعته المثل سنة تسع وستين وثلاثمائة فيها ورد رسول العزيز صاحب مصر والشام إلى عضد الدولة ثم ورد رسول آخر فأجابه بما مضمونه صدق الطوية وحسن النية وفيها توفي أحمد بن عطاء أبو عبد الله الزاهد شيخ الصوفية نزيل صفد روى عن أبي القاسم البغوي وطبقته قال القشيري كان شيخ الشام في وقته وضعفه بعضهم فإنه روى عن إسماعيل الصفار مناكير تفرد بها قاله في العبر ومن كلامه ما من قبيح إلا وأقبح منه صوفي شحيح وقال الخشوع في الصلاة علامة فلاح المصلي ( ^ قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ) وقال مجالسة الأضداد ذوبان الروح ومجالسة الأشكال تلقيح العقول وقال الخطيب أقام ببغداد ونشأ بها وأقام ببغداد دهرا طويلا ثم انتقل فنزل صور من ساحل بلاد الروم وتوفي في قرية يقال لها منواث من عمل عكا وحمل إلى صفد فدفن بها وفيها ابن شاقلا أبو إسحق إبراهيم بن أحمد البغدادي البزاز شيخ الحنابلة وتلميذ أبي بكر عبد العزيز توفي كهلا في رجب وكان صاحب حلقة للفتيا والأشغال بجامع المنصور وفيها الجعل واسمه حسين بن علي البصري الحنفي العلامة صاحب التصانيف وله ثمانون سنة وكان رأس المعتزلة قاله أبو إسحق في طبقات الفقهاء وفيها ابن ماسي المحدث أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن أيوب بن ماسي البزاز ببغداد في رجب وله خمس وتسعون سنة قال البرقاني وغيره ثقة (3/69)

69 ثبت روى عن أبي مسلم الكجي وطائفة وفيها الحسن بن محمد بن علي الأصفهاني أبو سعيد الحافظ المتقن روى عن أبي قاسم البغوي وأبي محمد بن صاعد وهذه الطبقة وعنه أبو نعيم وغيره ووصفه أبو نعيم بالمعرفة والإتقان وفيها الإمام الحافظ الثبت الثقة أبو الشيخ وأبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر ابن حبان الأصبهاني صاحب التصانيف في سلخ المحرم وله خمس وتسعون سنة وأول سماعه في سنة أربع وثمانين ومائتين من إبراهيم بن سعدان وابن أبي عاصم وطبقتهما ورحل في حدود الثلثمائة وروى عن أبي خليفة وأمثاله بالموصل وحران والحجاز والعراق وممن روى عنه أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي والماليني وأبو نعيم وابن مردويه وقال ابن مردويه هو ثقة مأمون وصنف التفسير والكتب الكثيرة في الأحكام وغير ذلك وقال الخطيب كان حافظا ثبتا متقنا وقال غيره كان صالحا عابدا قانتا لله كبير القدر وفيها الإمام أبو سهل محمد بن سليمان العجلي الصعلوكي النيسابوري الحنفي نسبا والشافعي مذهبا الفقيه شيخ الشافعية بخراسان قال في الحاكم أبو سهل الصعلوكي الشافعي اللغوي المفسر النحوي المتكلم المفتي الصوفي خير زمانه وبقية أقرانه وله سنة تسعين ومائتين اختلف إلى ابن خزيمة ثم إلى أبي علي الثقفي وناظر وبرع وسمع من أبي العباس السراج وطبقته وقال الصاحب بن عباد ما رأى أبو سهل مثل نفسه ولا رأينا مثله وهو صاحب وجه في المذهب وسئل أبو الوليد حسان بن محمد الفقيه عن أبي بكر القفال وأبي سهل الصعلوكي أيهما أرجح فقال ومن يقدر أن يكون مثل أبي سهل وعنه أخذ ابنه أبو الطيب وفقهاء نيسابور وقال أبو عبد الرحمن السلمي سمعته يقول ما عقدت على شيء قط وما كان لي قفل ولا مفتاح وما حرزت على فضة ولا على ذهب قط قال وسمعته يقول من قال لشيخه لم لا يفلح أبدا ومن غرائبه وجوب النية (3/70)

70 لإزالة النجاسة وان من نوى غسل الجنابة والجماعة لا يجزئه لواحد منهما وتوفي في ذي القعدة وفيها ابن أم شيبان قاضي القضاة أبو الحسن محمد بن صالح لن علي الهاشمي العباسي العيسوي الكوفي روى عن عبد الله بن بدران البجلي وجماعة وقدم بغداد مع أبيه فقرأ على ابن مجاهد وتزوج بابنة قاضي القضاة أبي عمر محمد بن يوسف قال طلحة الشاهد هو رجل عظيم القدر واسع العلم كثير الطلب حسن التصنيف متوسط في مذهب مالك متفنن وقال ابن أبي الفوارس نهاية في الصدق نبيل فاضل ما رأينا في معناه مثله توفي فجأة في جمادي الأولى وله بضع وسبعون سنة قاله في العبر وفيها النقاش المحدث لا المقرئ أبو بكر محمد بن علي بن الحسن المصري الحافظ نزيل تنيس وله سبع وثمانون سنة روى عن شيخ النسائي محمد بن جعفر الإمام ورحل فسمع من النسائي وأبي يعلى وعبدان وخلائق ورحل إليه الدار قطني وكان من الحفاظ والعلماء بهذا الشأن وفيها أبو عمرو محمد بن محمد بن صابر البخاري المؤذن صاحب صالح جزرة الحافظ مسند أهل بخارى وعالمها وفيها الباقرحي بفتح القاف وسكون الراء ثم مهملة نسبة إلى باقرحا من قرى بغداد أبو علي مخلد بن جعفر الفارسي الدقاق صاحب المشيخة ببغداد في ذي الحجة روى عن يوسف بن يعقوب القاضي وطبقته ولم يكن يعرف شيئا من الحديث فأدخلوا عليه فأفسدوه قاله في العبر سنة سبعين وثلثمائة فيها رجع عضد الدولة من همذان فلما وصل إلى بغداد بعث إلى الطائع لله ليتلقاه فما وسعه التخلف ولم تجر عادة بذلك أبدا وأمر قبل دخوله أن من تكلم أو دعا له قتل (3/71)

71 فما نطق مخلوق فأعجبه ذلك وكان عظيم الهيبة شديد العقوبة على الذنب الصغير وفيها توفي الرازي أبو بكر أحمد بن علي الفقيه شيخ الحنفية ببغداد وصاحب أبي الحسن الكرخي في ذي الحجة وله خمس وستون سنة انتهت إليه رياسة المذهب وكان مشهورا بالزهد والدين عرض عليه قضاء القضاة فامتنع وله عدة مصنفات روى فيها عن الأصم وغيره وفيها اليشكري أحمد بن منصور الدينوري الإخباري مؤدب الأمير حسن بن عيسى بن المقتدر روى عن ابن دريد وطائفة وله أجزاء منسوبة إليه رواها الأمير حسن وفيها أبو سهل بشر بن أحمد الأسفرايني الدهقان المحدث الجوال روى عن إبراهيم بن علي الذهلي وقرأ على الحسن بن سفيان مسنده ورحل إلى بغداد والموصل وأملى زمانا وتوفي في شوال عن نيف وتسعين سنة وفيها أبو محمد السبيعي بفتح السين المهملة نسبة إلى سبيع بطن من همدان وهو الحافظ الحسن بن صالح الحلبي روى عن عبد الله بن ناجية وطبقته ومات في آخر السنة في الحمام وكان شرس الأخلاق قال ابن ناصر الدين كان على تشيع فيه ثقة وفيها الحسن بن رشيق العسكري أبو محمد المصري الحافظ في جمادى الآخرة وله ثمان وثمانون سنة قال يحيى بن الطحان روى عن النسائي وأحمد بن حماد زغبة وخلق لا أستطيع ذكرهم ما رأيت عالما أكثر حديثا منه وفيها ابن خالويه الأستاذ أبو عبد الله الحسين بن أحمد الهمذاني النحوي اللغوي صاحب التصانيف وشيخ أهل حلب أخذ عن ابن مجاهد وأبي بكر بن الأنباري وأبي عمر الزاهد قال ابن الأهدل انتقل عن بغداد إلى حلب فاستوطنها ومات بها وكان بنو حمدان يعظمونه دخل على سيف الدولة فقال له أقعد ولم يقل (3/72)

72 اجلس فاتخذت فضيلة لسيف الدولة وذلك لأن القائم يقال له اقعد والنائم والساجد اجلس وله مواقف مع المتنبي في مجلس سيف الدولة ومن شعره ( إذا لم يكن صدر المجالس سيدا * فلا خير فيمن صدرته المجالس ) ( وكم قائل مالي رأيتك راجلا * فقلت له من أجل أنك فارس ) انتهى وفيها القتاب وهو الذي يعمل المحابر أبو بكر عبد الله بن محمد بن محمد بن فورك بن عطاء الأصبهاني المقرئ وله بضع وتسعون سنة قرأ على ابن شنبوذ وروى عن محمد بن إبراهيم الحيراني وعبد الله بن محمد بن النعمان والكبار وصار شيخ ناحيته توفي في ذي القعدة وفيها الإمام الإسماعيلي أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس أبو بكر الجرجاني أحد الحفاظ الأعيان كان شيخ المحدثين والفقهاء وأجلهم في المروءة والسخاء قاله ابن ناصر الدين وفيها العلامة الأزهري أبو منصور محمد بن أحمد بن الأزهر الهروي اللغوي النحوي الشافعي صاحب تهذيب اللغة وغيره من المصنفات الكبار الجليلة المقدار مات بهراة في شهر ربيع الآخر وله ثمان وثمانون سنة روى عن البغوي ونفطويه وأبي بكر بن السراج وترك الأخذ عن ابن دريد تورعا لأنه رآه سكران وقد بقي الأزهري في أسر القرامطة مدة طويلة قاله في العبر وقال ابن قاضي شهبة ولد بهراة سنة اثنتين وثمانين ومائتين وكان فقيها صالحا غلب عليه علم اللغة وصنف فيه كتابه التهذيب الذي جمع فيه فأوعى في عشر مجلدات وصنف في التفسير كتابا سماه التقريب انتهى ملخصا وقال ابن خلكان وحكى بعض الأفاضل أنه رأى بخطه قال امتحنت بالأسر سنة عارضت القرامطة الحج بالهيبر وكان القوم الذين وقعت في سهمهم عربا نشأوا في (3/73)

73 البادية يتتبعون مساقط الغيث أيام النجع ويرجعون إلى أعداد المياه في محاضرهم زمان القيظ ويرعون النعم ويعيشون بألبانها وكنا نشتي بالدهناء ونرتبع بالصمان ونقيظ بالستارين واستفدت من محاورتهم ومخاطبة بعضهم بعضا ألفاظا جمة ونوادر كثيرة أوقعت أكثرها في كتابي يعني التهذيب انتهى وفيها الحافظ الكبير أبو بكر غندر محمد بن جعفر البغدادي الوراق الثقة كان رحالا جوالا توفي بأطراف خراسان غريبا سمع بالشام والعراق ومصر والجزيرة روى عن الحسن بن شبيب المعمري ومحمد بن محمد الباغندي وطبقتهما وعنه الحاكم وأبو نعيم وغيرهما قال الحاكم دخل إلى أرض الترك وكتب من الحديث ما لم يتقدمه فيه أحد كثرة وفيها أبو زرعة اليمني الاستراباذي محمد بن إبراهيم الحافظ روى عن علي ابن الحسين بن معدان والسراج وأبي عروبة الحراني وعنه الإدريسي وحمزة السهمي وهو ثقة بن برداس وممن بعد الستين وثلاثمائة الرفا الشاعر أبو الحسن السري بن أحمد الكندي الموصلي صاحب الديوان المشهور مدح سيف الدولة والوزير المهلبي والكبار قال ابن خلكان كان في صباه يرفو ويطرز في دكان بالموصل وهو مع ذلك يتولع بالأدب وينظم الشعر ولم يزل حتى جاد شعره ومهر فيه وقصد سيف الدولة بن حمدان بحلب وأقام عنده مدة ثم انتقل بعد وفاته إلى بغداد ومدح الوزير المهلبي وجماعة من رؤسائها ونفق شعره وراج وكان بينه وبين أبي بكر محمد وأبي عثمان سعيد بن هاشم الخالديين الموصليين الشاعرين المشهورين معاداة فادعى عليهما سرقة شعره وشعر غيره وكان السري مغرى بنسخ ديوان كشاجم الشاعر المشهور وهو إذ ذاك ريحان الأدب بتلك البلاد والسري في طريقه يذهب فكان يدس فيما يكتبه من شعره أحسن شعر (3/74)

74 الخالديين ليزيد في حجم ما ينسخه وينفق سوقه ويعلي شعره بذلك عليهما ويغض منهما فمن هذه الجهة وقفت في بعض النسخ من ديوان كشاجم على زيادات ليست في الأصول المشهورة وكان شاعرا مطبوعا عذب الألفاظ مليح المأخذ كثير الافتتان في الأوصاف ولم يكن له رواء ولا منظر ولا يحسن من العلوم غير قول الشعر ومن شعر السري المذكور ( وكانت الإبرة فيما مضى * صائنة وجهي وأشعاري ) ( فأصبح الرزق بها ضيقا * كأنه من ثقبها جار ) ومن محاسن شعره في المديح قوله من جملة قصيدة ( يلقى الندى برقيق وجه مسفر * فإذا التقى الجمعان عاد صفيقا ) ( رحب المنازل ما أقام فإن سرى * في جحفل ترك الفضاء مضيقا ) وذكر له الثعالبي في كتابه المنتحل ( ألبستني نعما رأيت بها الدجى * صبخا وكنت أرى الصباح يهما ) ( فغدوت يحسدني الصديق وقبلها * قد كان يلقاني العدو رحيما ) ومن غرر شعره في التشبيب ( بنفسي من أجود له بنفسي * ويبخل بالتحية والسلام ) ( وحتفي كامن في مقلتيه * كمون الموت في حد الحسام ) وله كتاب المحب والمحبوب والمشموم والمشروب وكانت وفاته سنة نيف وستين وثلثمائة انتهى ما أورده ابم خلكان ملخصا وفاروق بن عبد الكبير أبو حفص الخطابي البصري محدث البصرة ومسندها روى عن الكجي وهشام بن السيرافي ومحمد بن يحيى القزاز وكان حيا في سنة إحدى وستين وابن مجاهد المتكلم أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب بن مجاهد الطائي صاحب الأشعري ذو التصانيف الكثيرة في الأصول قدم من البصرة فسكن بغداد وعنه أخذ القاضي أبو بكر الباقلاني وكان دينا صينا خيرا والتقوى أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصنعاني آخر من روى في الدنيا عن إسحق بن إبراهيم رحل المحدثون إليه في سنة سبع وستين وثلثمائة والنجيرمي بفتح النون والراء وكسر الجيم نسبة إلى نجيرم محلة بالبصرة أبو يعقوب يوسف بن يعقوب البصري حدث في سنة خمس وستين عن أبي مسلم ومحمد بن حيان المازني سنة إحدى وسبعين (3/75)

وثلثمائة فيها كما قال ابن الجوزي في الشذور مات عضد الدولة والصحيح أنه مات في التي بعدها كما يأتي وفيها الإسماعيلي الحبر الإمام الجامع أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس الجرجاني الحافظ الفقيه الشافعي ذو التصانيف الكبار في الحديث والفقه يجرجان في غرة رجب وله أربع وتسعون وسمع من يوسف بن يعقوب القاضي وإبراهيم بن زهير الحلواني وطبقتهما وعنه الحاكم والبرقاني وحمزة اليمني قال الحاكم كان الإسماعيلي أوحد عصره وشيخ المحدثين والفقهاء وأجلهم في الرياسة والمروءة والسخاء انتهى وقال الذهبي كان ثقة حجة كثير العلم انتهى وفيها المطوعي أبو العباس الحسن بن سعيد بن جعفر العباداني المقرئ نزيل اصطخر وأسند من في الدنيا في القراءات قرأ القراءات على أصحاب الدوري وخلف وابن ذكوان والبزي وحدث عن أبي خليفة والحسن بن المثنى وضعفه ابن مردويه وقال أبو نعيم لين في روايته وقال في العبر عاش مائة سنة وسنتين قال الخزاعي كان أبوه سعيد واعظا محدثا (3/76)

76 وفيها أبو محمد السبيعي واسمه الحسن بن أحمد بن صالح الهمداني الحلبي قال ابن ناصر الدين كان على تشيع فيه ثقة ومات في الحمام انتهى وفيها الزيني عبد الله بن إبراهيم بن جعفر أبو الحسين البغدادي البزار في ذي القعدة وله ثلاث وتسعون سنة روى عن الحسن بن علويه القطان والفريابي وطائفة وفيها ابن التبان شيخ المالكية بالمغرب أبو محمد عبد الله بن إسحق القيرواني قال القاضي عياض ضربت إليه آباط من الإبل من الأمصار وكان حافظا بعيدا من التصنع والرياء فصيحا وفيها أبو زيد المروزي الإمام الشافعي الفاشاني بفاء وشين معجمة ونون نسبة إلى فاشان قرية من قرى مرو واسمه محمد بن أحمد بن عبد الله الزاهد حدث بالعراق ودمشق ومكة وروى الصحيح عن الفربري ومات بمرو في رجب وله سبعون سنة قال الحاكم كان من أحفظ الناس لمذهب الشافعي وأحسنهم نظرا وأزهدهم في الدنيا سمعت أبا بكر البزار يقول عادلت الفقيه أبا زيد من نيسابور إلى مكة فما أعلم أن الملائكة كتبت عليه خطيئة انتهى وقال الخطيب حدث بصحيح البخاري عن الفربري وأبو زيد أجل من روى ذلك الكتاب وعنه أخذ أبو بكر القفال المروزي وفقهاء مرو وكان من أزكى الناس قريحة جاور بمكة سبع سنين وقال ابن الأهدل كان أول أمره فقيرا ثم بسطت عليه الدنيا عند كبره وسقوط أسنانه وانقطاعه عن الجماع فقال مخاطبا لها لا أهلا بك ولا سهلا أقبلت حين لا ناب ولا نصاب ومات وله تسعون سنة انتهى وفيها محمد بن خفيف أبو عبد الله الشيرازي شيخ إقليم فارس وصاحب الأحوال والمقامات روى عن حماد بن مدرك وجماعة قال السلمي هو اليوم شيخ المشايخ وتاريخ الزمان لم يبق للقوم أقدم منه سنا ولا أتم حالا متمسك (3/77)

77 بالكتاب والسنة فقيه على مذهب الشافعي كان من أولاد الأمراء فتزهد توفي في ثالث رمضان عن خمس وتسعين سنة وقيل عاش مائة سنة وأربع سنين قاله في العبر قال ابن خفيف قدم علينا بعض أصحابنا فاعتل بعلة البطن فكنت أخدمه وآخذ من تحته الطست طول الليل فأغفلت عنه مرة فقال لي نمت لعنك الله فقيل له كيف وجدت نفسك عند قوله لعنك الله قال كقوله رحمك الله ومن كلامه التوكل الاكتفاء بضمانه وإسقاط التهمة عن قضائه وقال الأكل مع الفقراء قربة إلى الله عز وجل وقال أحمد بن يحيى الشيرازي ما أرى التصوف إلا يختم بأبي عبد الله بن خفيف وقال السبكي شيخ المشايخ وذو القدم الراسخ في العلم والدين كان سيدا جليلا وإمام حفيلا يستمطر الغيث بدعائه ويؤوب المصر بكلامه عن إغوائه من أعلم المشايخ بعلوم الظاهر وممن اتفقوا على عظيم تمسكه بالكتاب والسنة وكانت له أسفار وبدايات وأحوال عاليات ورياضات لقي من النساك شيوخا ومن السلاك طوائف رسخ قدمهم في الطريق رسوخا وصحب من أرباب الأحوال أحبارا وأخيارا وشرب من مهل الطريق كاسات كبارا وسافر مشرقا ومغربا وصابر النفس حتى انقادت له فأصبح مثنى الثناء عليها معربا ذا صبر على الطاعة لا يعصيه فيه قلبه واستمرار على المراقبة شهيد عليه ربه وجنب لا يدري القرار ونفس لا تعرف المأوى إلا البيداء ولا سكن إلا القفار وكان من أولاد الأمراء فتزهد حتى قال كنت أذهب وأجمع الخرق من المزابل وأغسلها وأصلح منها ما ألبسه وروى عنه القاضي أبو بكر بن الباقلاني وغيره ورحل إلى الشيخ أبي الحسن الأشعري وأخذ عنه وهو من أعيان تلامذته وصنف من الكتب ما لم يصنفه أحد وعمر حتى عم نفعه البلدان وازدحم الناس على جنازته وصلى عليه نحو مائة مرة انتهى ملخصا (3/78)

78 سنة اثنتين وسبعين وثلثمائة في شوالها مات عضد الدولة فناخسرو بن الملك ركن الدولة الحسن بن بويه ولي سلطنة فارس بعد عمه عماد الدولة علي ثم حارب ابن عمه عز الدولة كما تقدم واستولى على العراق والجزيرة ودانت له الأمم وهو أول من خوطب بشاه شاه في الإسلام وأول من خطب له على المنابر ببغداد بعد الخليفة وكان من جملة ألقابه تاج الملة وهو الذي أظهر قبر الإمام علي كرم الله وجهه بالكوفة وبنى عليه المشهد الذي هناك وعمر النواحي وحفر الأنهار وأصلح طريق مكة وهو الذي بنى على مدينة النبي سورا وبنى المارستان العضدي ببغداد وأنفق عليه أموالا لا تحصى وكان أديبا مشاركا في فنون من العلم حازما لبيبا إلا أنه كان غاليا في التشيع وله صنف أبو علي الإيضاح والتكملة وقصده الشعراء من البلاد كالمتنبي وأبي الحسن السلامي وكان شهما مطاعا حازما ذكيا متيقظا مهيبا سفاكا للدماء له عيون كثيرة تأتيه بأخبار البلاد القاصية وليس في بني بويه مثله وكان قد طلب حساب ما يدخله في العام فإذا هو ثلثمائة ألف ألف وعشرون ألف ألف درهم وجدد مكوسا ومظالم قيل أنه أنشد أبياتا فلازمه الصرع بعدها إلى أن مات وهي ( ليس شرب الكاس إلا في المطر * وغناء من جوار في السحر ) ( غاليات سالبات للنهى * ناغمات في تصانيف الوتر ) ( عضد الدولة وابن ركنها * ملك الأملاك غلاب القدر ) ( سهل الله له بغيته * في ملوك الأرض ما دار القمر ) ( وأراه الخير في أولاده * ليساس الملك منهم بالغرر ) ومات بعلة الصرع في شوال ولما نزل به الموت كان يقول ( ^ ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه ) ويرددها إلى أن مات وأنشد في احتضاره قبل ترديده لهذه (3/79)

79 الآية قول القاسم بن عبيد الله ( قتلت صناديد الرجال فلم أدع * عدوا وأم أمهل على طيه خلقا ) ( فلما بلغت النجم عزا ورفعة * وصارت رقاب الخلق أجمع لي رقا ) ( زماني الردى سهما فأخمد جمرتي * فها أنا ذا في حفرتي عاجلا ملقى ) ( فأذهبت دنيائي وديني سفاهة * فمن ذا الذي مني بمصرعه أشقى ) ومات عن سبع وأربعين سنة وأحد عشر شهرا ودفن في دار المملكة وكتم ذلك ثم حمل بعد ذلك إلى مشهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفيها النضروي أبو منصور العباس بن الفضل بن زكريا بن نضرويه بضاد معجمة مسند هراة روى عن أحمد بن نجدة ومحمد بن عبد الرحمن الشامي وطائفة ووثقه الخطيب ومات في شعبان وفيها الغزى أبو بكر محمد بن العباس بن وصيف الذي يروي الموطأ عن الحسن بن الفرج الغزى صاحب يحيى بن بكير ورخه أبو القاسم بن مندة وفيها ابن بخيت أبو بكر محمد بن عبد الله بن خلف بن بخيت العكبري الدقاق ببغداد في ذي القعدة روى عن خلف العكبري والفريابي وفيها ابن خميرويه العدل أبو الفضيل محمد بن عبد الله بن محمد بن خميرويه ابن سيار الهروي محدث هراة روى عن علي الحكاني وأحمد بن نجدة وجماعة سنة ثلث وسبعين وثلاثمائة في المحرم أظهرت وفاة عضد الدولة وكانت أخفيت حتى أحضروا ولده صمصام الدولة فجلس للعزاء ولطموا عليه أياما في الأسواق وجاء الطائع إلى صمصام الدولة فعزاه ثم ولاه الملك وعقد له لواءين ولقبه شمس الدولة وبعد أيام جاء الخبر بموت مؤيد الدولة أخو عضد الدولة بجرجان وولى مملكته أخوه (3/80)

80 فخر الدولة الذي وزر له إسماعيل بن عباد وفيها كان القحط الشديد ببغداد وبلغ حساب الغرارة بأربعمائة درهم وفيها توفي أبو بكر الشذائي أحمد بن نصر البصري المقرئ أحد القراء الكبار تلا على عمر بن محمد الكاغدي وابن شنبوذ وجماعة وتصدر وأقرأ والشذائي بفتح المعجمتين نسبة إلى شذا قرية بالبصرة وفيها أبو إسحق إبراهيم بن عبد الله بن إسحق الأصبهاني العدل المعروف بالقصار نزيل نيسابور روى عن عبد الله بن سيرويه والسراج وعدة وكان ممن جاوز المائة وفيها الأمير أبو الفتوح بلكين بضم الباء الموحدة واللام وتشديد الكاف المكسورة وسكون الياء الثناة من تحت وبعدها نون ابن زيري بكسر الزاي وسكون الياء المثناة من تحت وكسر الراء وبعدها ياء بن مناد الحميري الصنهاجي ويسمى أيضا يوسف لكن بلكين أشهر وهو الذي استخلفه المعز بن المنصور لعبيدي على إفريقية عند توجهه إلى الديار المصرية وكان استخلافه إياه يوم الأربعاء ثالث عشرى ذي الحجة سنة إحدى وستين وثلاثمائة وأمر الناس بالسمع والطاعة له وسلمه البلاد وخرجت العمال وجباة الأموال باسمه وأوصاه المعز بأمور كثيرة وأكد عليه في فعلها ثم قال إن نسيت ما أوصيتك به فلا تنس ثلاثة أشياء إياك أن ترفع الجناية عن أهل البادية والسيف عن البربر ولا تول أحدا من إخوتك وبني عمك فإنهم يرون أنهم أحق بهذا الأمر منك وافعل مع أهل الحاضرة خيرا وفارقه على ذلك وعاد من وداعه وتصرف في الولاية ولم يزل حسن السيرة تام النظر في مصالح دولته ورعيته إلى أن توفي يوم الأحد لسبع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وسبعين بموضع يقال له واركلان مجاور إفريقية وكانت علته القولنج وقيل خرجت في يده بثرة فمات منها وكان له أربعمائة حظية حتى قيل أن البشائر وفدت عليه في يوم واحد (3/81)

81 بولادة سبعة عشر ولدا وفيها أبو علي الحسين بن محمد بن حنش الدينوري المقري صاحب موسى بن جرير الرقي وفيها أبو عثمان المغربي سعيد بن سالم الصوفي العارف بالله تعالى نزيل نيسابور قال السلمي لم نر مثله في علة الدرجة والحال وصون الوقت وقال ابن الأهدل سعيد بن سلما أو ابن سالم أو ابن سلام النيسابوري قال اليافعي لا أدري أنه الممدوح بقول الشاعر ( ألا قل لساري الليل لا تخش ظلمة * سعيد بن سلما ضوء كل بلاد ) ( لنا سيد أربى على كل سيد * جواد حثا في وجه كل جواد ) يعني أنه سبق في الجود والسابق يحثو التراب بحافر فرسه في وجه المسبوق أو فرسه وفيها أبو محمد بن السقا الحافظ عبد الله بن محمد بن عثمان الواسطي روى عن أبي خليفة وعبدان وطبقتهما وعنه الدار قطني وأبو نعيم وما حدث إلا من حفظه توفي في جمادى الآخرة وكان حافظا متقنا من كبراء أهل واسط وأولى الحشمة رحل به أبوه وفيها أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن كيسان الحربي أخو محمد وكانا توءمين روى عن يوسف القاضي وعاش نيفا وتسعين سنة فاحتيج إليه وكان جاهلا قال البرقاني أعطيته الكتاب ليحدثنا منه فلم يدر ما يقول فقلت له سبحان الله حدثكم يوسف القاضي فقال سبحان الله حدثكم يوسف القاضي قال الجوهري سمعت منه في سنة ثلاث ولم يؤرخ وفاته الخطيب ولا غيره وجزم في العبر أنه توفي في هذه السنة وفيها الفضل بن جعفر أبو القاسم التميمي المؤذن الرجل الصالح بدمشق وهو راوي نسخة أبي مسهر عن عبد الرحمن بن القاسم الرواس وكان ثقة (3/82)

82 وفيها أوفى التي قبلها كما جزم به ابن الأهدل أو فيما بعدها أبو عبد الله الخضري بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين ولكن لثقل هذا اللفظ قالوها بكسر الخاء وسكون الضاد وهي نسبة إلى جده قاله ابن قاضي شهبة واسم المترجم محمد بن أحمد أبو عبد الله الخضري المروزي كان هو وأبو زيد شيخي عصرهما بمرو وكثيرا ما يقول القفال سألت أبا زيد والخضري وممن نقل عنه القاضي حسين في باب استقبال القبلة في الكلام على تقليد الصبي قال ابن باطيس أخذ عن أبي بكر الفارسي وأقام بمرو ناشرا لفقه الشافعي رضي الله عنه مرغبا فيه وكان يضرب به المثل في قوة الحفظ وقلة النسيان وقال أنه كان موجودا في سنة خمس وسبعين وثلاثمائة وقال ابن خلكان توفي في عشر الثمانين وثلثمائة ونقل عنه الرافعي في انغماس الجنب في الماء وفي النجاسات أنه خرج هو وأبو زيد قولا إن النار تؤثر في الطهارة كالشمس والريح وقال ابن الأهدل كان تحته بنت أبي علي الشابوري فسئل يوما عن قلامة ظفر المرأة هل هو عورة فتوقف فقالت له زوجته سمعت أبي يقول للأجنبي النظر إلى قلامة اليد دون الرجل ففرح الخضري وقال لو لم أستفد من الاتصال بأهل العلم إلا هذه المسألة لكانت كافية وقد قرر فتواها هذه كثير من العلماء لقوله تعالى ( ^ إلا ما ظهر منها ) وهو مفسر بالوجه والكفين انتهى وفيها أبو بكر محمد بن حيويه بن المؤمل بن أبي روضة الكرخي النحوي بهمذان وهو أحد المتروكين في الحديث ذكر أنه بلغ مائة واثنتي عشرة سنة وروى عن أسيد بن عاصم وإبراهيم بن ديزيل وإسحق بن إبراهيم الدبري وفيها محمد بن محمد بن يوسف بن مكي أبو أحمد الجرجاني روى عن البغوي وطبقته وحدث بصحيح البخاري عن الفربري وتنقل في النواحي قال أبو نعيم ضعفوه وسمعت منه الصحيح (3/83)

83 سنة أربع وسبعين وثلثمائة فيها توفي إسحق بن أسعد بن الحافظ الحسن بن سفيان أبو يعقوب الفسوى بفتحتين نسبة إلى فسا مدينة بفارس روى عن جده وفي الرحلة عن محمد بن المجدر وطبقتهما وفيها عبد الرحمن بن محمد بن حكا العلامة أبو سعيد الحنفي الحاكم بنيسابور في شعبان وله اثنتان وتسعون سنة روى عن أبي يعلى الموصلي والبغداديين وولي قضاء ترمذ وفيها أبو يحيى بن نباتة خطيب الخطباء عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل بن نباتة الفارقي اللخمي العسقلاني المولد المصري الدار ولي خطابة حلب لسيف الدولة وفي خطبه دلالة على قوة علمه وسعته وقوة قريحته وأجمعوا على أنه ما عمل مثل خطبه قط وهو الذي حث سيف الدولة بخطبه في الجهاد على التوسع فيه وسمع على المتنبي بعض ديوانه وكان رجلا صالحا رأى النبي في المنام في المقابر وقال له مرحبا بخطيب الخطباء وأدناه وتفل في فيه فلم تزل رائحة المسك توجد فيه إلى أن مات وأشار بيده إلى المقابر وقال كيف قلت يا خطيب قال قلت لا يخبرون بما إليه آلوا ولو قدروا على المقال لقالوا ثم أخذ يسوقها فاستيقظ وعلى وجهه نور وبهجة وعاش بعد ذلك ثمانيا وعشرين ليلة لا يستطعم طعاما ولا شرابا من أجل تلك التفلة وبركتها والخطبة التي فيها هذه الكلمات تعرف بالمنامية ومولده وموته بميافارقين قيل ومات وعمره دون الأربعين ورؤي بعد موته في المنام فقيل له ما فعل الله بك فقال دفع إلى رقعة فيها سطران بالأحمر وهما ( قد كان أمن لك من قبل ذا * واليوم أضحى لك أمنان ) ( والصفح لا يحسن عن محسن * وإنما يحسن عن جان ) (3/84)

84 فاستيقظ الرائي وهو يحفظهما وفيها علي بن النعمان بن محمد قاضي القضاة بالديار المصرية ولي بعد أبيه وكان شيعيا غاليا وشاعرا مجودا وفيها الحافظ أبو الفتح الأزدي محمد بن الحسين بن أحمد الموصلي نزيل بغداد صنف في علوم الحديث وفي الضعفاء وحدث عن أبي يعلى ومحمد بن جرير الطبري وطبقتهما وضعفه البرقاني وفيها أبو بكر الربعي محمد بن سليمان الدمشقي البندار روى عن أحمد بن عامر ومحمد بن الفيض الغساني وطبقتهما وتوفي في ذي الحجة سنة خمس وسبعين وثلثمائة فيها كما قال ابن الأثير خرج من البحر طائر أكبر من الفيل بعمان وصاح بصوت عال قد قرب الأمر ثلاث مرات ثم غاص في البحر فعل ذلك ثلاث مرات ثم غاب فلم يعد انتهى وفيها توفي أبو زرعة الرازي الصغير أحمد بن الحسين الحافظ رحل وطوف وجمع وصنف وسمع من أبي حامد بن بلال والقاضي المحاملي وطبقتهما قال الخطيب كان حافظا متقنا جمع الأبواب والتراجم وفيها البحيري بفتح الموحدة وكسر الحاء المهملة نسبة إلى جده وهو أبو الحسن أحمد بن محمد بن جعفر النيسابوري سمع بن خزيمة ومحمد بن محمد الباغندي وطبقتهما واستملى عليه الحاكم وفيها حسينك الحافظ أبو أحمد الحسين بن علي بن محمد بن يحيى التميمي النيسابوري روى عن ابن خزيمة والسراج عمر بن أبي غيلان وعبد الله بن زيدان والكبار ومنه الحاكم والبرقاني وكان ثقة حجة محتشما توفي في ربيع الآخر قال الحاكم صحبته حضرا وسفرا نحو ثلاثين سنة فما رأيته ترك قيام الليل وكان يقرأ كل ليلة سبعا وأخرج مرة عن نفسه عشرة إلى الغزو (3/85)

85 وفيها العسكري أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبيد الدقاق روى عن محمد بن يحيى المروزي ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة وطبقتهما وفيها أبو مسلم بن مهران الحافظ العابد العارف عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن مهران البغدادي روى عن البغوي وأبي عروبة وطبقتهما وعنه الدار قطني والحاكم وكان ثقة زاهدا رحل إلى خراسان والشام والجزيرة ثم دخل بخارى وأقام بتلك الديار نحوا من ثلاثين سنة وصنف المسند ثم تزهد وانقبض عن الناس وجاور بمكة وكان يجتهد أن لا يظهر للمحدثين ولا لغيرهم قال ابن الفوارس صنف أشياء كثيرة وكان ثقة زاهدا ما رأينا مثله وفيها الخرقي أبو القاسم عبد العزيز بن جعفر البغدادي روى عن أحمد بن الحسن الصوفي والهيثم بن خلف الدوري وكان ثقة وفيها أبو القاسم عبد العزيز بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز الداركي بفتح الراء نسبة إلى دارك من قرى أصبهان درس بنيسابور مدة ثم سكن بغداد وكانت له حلقة للفتوى وانتهت إليه رياسة المذهب ببغداد تفقه على أبي إسحق المروزي وتفقه عليه الشيخ أبو حامد الإسفراييني بعد موت شيخه أبي الحسين بن المرزبان وقال ما رأيت أفقه منه وقال الخطيب كان ثقة أثنى عليه الدار قطني وقال ابن أبي الفوارس كان يتهم بالاعتزال انتهى وهو صاحب وجه في المذهب وحدث عن جده لأمه الحسن بن محمد الداركي وتوفي في شوال وهو في عشر الثمانين وفيها أبو حفص بن الزيات عمر بن محمد بن علي البغدادي قال ابن أبي الفوارس كان ثقة متقنا جمع أبوابا وشيوخا وقال البرقاني ثقة مصنف وروى عن إبراهيم بن شريك والفريابي وطبقتهما ومات في جمادى الآخرة وله تسع وثمانون سنة وفيها الأبهري كالأحمدي نسبة إلى أبهر قرية قرب زنجان وقرية بأصبهان أيضا لم أدر من أيهما هذا وهو القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد التميمي (3/86)

86 شيخ المالكية العراقيين وصاحب التصانيف توفي في شوال وهو في عشر التسعين وسمع الكثير بالشام والعراق والجزيرة وروى عن الباغندي وعبد الله بن بدران البجلي وطبقتهما وسئل أن بلى قضاء القضاة فامتنع وفيها الميانجي بالفتح ومثناة تحتية وفتح النون وبالجيم نسبة إلى ميانج موضع بالشام القاضي أبو بكر يوسف بن القاسم الشافعي المحدث نزيل دمشق ناب في القضاء مدة عن قاضي بني عبيد أبي الحسن علي بن النعمان وحدث عن أبي خليفة الجمحي وعبدان وطبقتهما ورحل إلى الشام والجزيرة وخراسان والعراق وتوفي في شعبان وقد قارب التسعين سنة ست وسبعين وثلثمائة شرعت دولة بني بويه تضعف فمال العسكر عن صمصام الدولة إلى أخيه شرف الدولة فذل الصمصام وسافر إلى أخيه راضيا بما يعامله به فدخل وقبل الأرض مرات فقال له شرف الدولة كيف أنت أوحشتنا ثم اعتقله فوقع بين الديلم وكانوا تسعة عشر ألفا وبين الترك وكانوا ثلاثة آلاف فالتقوا فانهزمت الديلم وقتل منهم ثلاثة آلاف وحفت الترك بشرف الدولة وقدموا به بغداد فأتاه الطائع يهنئه ثم خفي خبر صمصام الدولة وأكحل فلم تطل لشرف الدولة مدة وفيها توفي أبو إسحق المستملى إبراهيم بن أحمد البلخي سمع الكثير وخرج لنفسه معجما وحدث بصحيح البخاري مرات عن الفربري وكان ثقة صاحب حديث وفيها أبو سعيد السمسار الحسن بن جعفر بن الوضاح البغدادي الحربي الخرقي حدث عن محمد بن يحيى المروزي وأبي شعيب الحراني وطبقتهما قال العقيقي فيه تساهل (3/87)

87 وفيها أبو الحسن الجراحي علي بن الحسن البغدادي القاضي المحدث روى عن حامد بن شعيب والباغندي قال البرقاني اتهم في روايته عن حامد وفيها أبو الحسن البكائي نسبة إلى البكا بطن من بني عامر بن صعصعة على ابن عبد الرحمن الكوفي شيخ الكوفة روى عن مطين وأبي حصين الوادعي وطائفة وعاش أكثر من تسعين سنة وفيها ابن شنبك أبو القاسم عمر بن محمد بن إبراهيم البجلي البغدادي القاضي روى عن محمد بن حبان والباغندي وجماعة وعاش خمسا وثمانين سنة وفيها قسام الحارثي من أهل بلغينا بجبل سنبر كان ترابا ثم انتقلت الأحوال به وصار مقدم الأحداث والشباب بدمشق وكثرت أعوانه حتى غلب على دمشق حتى لم يبق للنائب معه أمر فسار جيش من مصر لقصده ولمحاربته فضعف أمر قسام واختفى ثم استأمن فقيدوه وبعث إلى مصر في هذا العام فعفى عنه وخمل أمره وفيها أبو عمرو بن حمدان الحيري وهو محمد بن أحمد بن حمدان بن علي النيسابوري النحوي مسند خراسان توفي في ذي القعدة وله ثلاث وتسعون سنة سمه بنيسابور ونسا والموصل وجرجان وبغداد والبصرة روى عن الحسن بن سفيان وزكريا الساجي وعبدان وخلائق وكان مقرئا عارفا بالعربية له بصر بالحديث وقدم في العبادة كان المسجد فراشه ثلاثين سنة ثم لما ضعف وعمى حولوه وفيها أبو بكر الرازي محمد بن عبد الله بن عبد العزيز شادان الصوفي الواعظ والد المحدث أبي مسعود أحمد بن محمد البجلي الرازي روى عن يوسف بن الحسين الرازي وابن عقدة وطائفة وهو صاحب مناكير وغرائب ولا سيما في حكايات الصوفية قاله في العبر وقال في المغنى طعن فيه الحاكم ولأبي عبد الرحمن السلمي عنه عجائب انتهى (3/88)

88 وفيها ابن النحاس المصري واسمه أحمد بن محمد بن عيسى بن الجراح أبو العباس الحافظ نزيل نيسابور قال ابن ناصر الدين كان أحد الحفاظ المبرزين والثقات المجودين انتهى.

377 هـ

سنة سبع وسبعين وثلثمائة فيها رفع شرف الدولة عن العراق مظالم كثيرة فمن ذلك أنه رد على الشريف أبي الحسن محمد بن عمر جميع أملاكه وكان مغلها في العام ألفي ألف وخمسمائة ألف درهم وكان الغلاء ببغداد فوق الوصف وفيها توفي أبيض بن محمد بن أبيض بن أسود الفهري المصري روى عن النسائي مجلسين وهو آخر من روى عنه وفيها لإسحق بن المقتدر بالله توفي في ذي القعدة عن ستين وصلى عليه ولده القادر بالله الذي ولى الخلافة بعد الطائع لله وفيها أمة الواحد ابنة القاضي أبي عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي حفظت القرآن والفقه والنحو والفرائض والعلوم وبرعت في مذهب الشافعي وكانت تفتي مع أبي علي بن أبي هريرة وفيها أبو علي الفارسي الحسن بن محمد بن عبد الغفار النحوي صاحب التصانيف ببغداد في ربيع الأول وله تسع وثمانون سنة وكان متهما بالاعتزال وقد فضله بعضهم على المبرد وكان عديم المثل قاله في العبر وقال ابن خلكان كان إمام وقته في علم النحو ودار البلاد وأقام بحلب عند سيف الدولة بن حمدان مدة وكان قدومه في سنة إحدى وأربعين وثلثمائة وجرت بينه وبين أبي الطيب المتنبي مجالس ثم انتقل إلى بلاد فارس وصحب عضد الدولة بن بويه وتقدم عنده وعلت منزلته حتى قال عضد الدولة أنا غلام أبي علي في النحو وصنف له كتاب الإيضاح والتكملة ويحكى أنه كان يوما في ميدان شيراز يساير عضد (3/89)

89 الدولة فقال له لم انتصب المستثنى في قولنا قام القوم إلا زيدا فقال الشيخ بفعل مقدر فقال له كيف تقديره فقال أستثني زيدا فقال له عضد الدولة هلا رفعته وقدرت امتنع زيد فانقطع الشيخ وقال هذا الجواب ميداني ثم انه لما رجع إلى منزله وضع في ذلك كلاما وحمله إليه فاستحسنه وذكر في كتاب الإيضاح أنه بالفعل المتقدم بتقوية إلا وحكى أبو القسم بن أحمد الأندلسي قال جرى ذكر الشعر بحضرة أبي علي وأنا حاضر فقال إني لأغبطكم على قول الشعر فإن خاطري لا يوافقني على قوله مع تحقيقي العلوم التي هي من مواده فقال له رجل فما قلت قط شيئا منه قال ما أعلم أن لي شعرا إلا ثلاثة أبيات في المشيب وهي قولي ( خضبت الشيب لما كان عيبا * وخضب الشيب أولى أن يعابا ) ( ولم أخضب مخافة هجر خل * ولا عيبا خشيت ولا عتابا ) ( ولكن المشيب بدا ذميما * فصيرت الخضاب له عقابا ) وقيل إن السبب في استشهاده في باب كان من كتاب الإيضاح ببيت أبي تمام الطائي وهو قوله ( من كان مرعى عزمه وهمومه * روض الأماني لم يزل مهزولا ) لم يكن ذلك لأن أبا تمام يستشهد بشعره لكن عضد الدولة كان يحب هذا البيت وينشده كثيرا فلهذا استشهد به في كتابه ومن تصانيفه كتاب التذكرة وهو كبير وكتاب المقصور والممدود وكتاب الحجة في القراءات وكتاب الإغفال فيما أغفله الزجاج من المعاني وكتاب العوامل المائة وكتاب المسائل الحلبيات وكتاب المسائل البغداديات وكتاب المسائل الشيرازيات وكتاب البصرية وكتاب المسائل المجلسيات وغير ذلك وكان مولده سنة ثمان وثمانين ومائتين وتوفي في يوم الأحد لسبع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر ببغداد ودفن بالشونيزية ويقال له الفسوى بفتح الفاء والسين المهملة وبعدها واو نسبة إلى مدينة فسا من أعمال فارس انتهى ملخصا (3/90)

90 وفيها ابن لولو الوراق أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن نصير الثقفي البغدادي الشيعي روى عن إبراهيم بن شريك وحمزة الكاتب والفريابي وطبقتهم توفي في المحرم وله ست وتسعون سنة وكان ثقة يحدث بالأجرة وفيها أبو الحسن الأنطاكي علي بن محمد بن إسماعيل المقرئ الفقيه الشافعي قرأ على إبراهيم بن عبد الرزاق والأنطاكي بالروايات ودخل الأندلس ونشر بها العلم فقال ابن الفرضي أدخل الأندلس علما جما وكان رأسا في القراءات لا يتقدمه فيها أحد مات بقرطبة في ربيع الأول وله ثمان وسبعون سنة قاله في العبر وقال الأسنوي ولد بأنطاكية سنة تسع وتسعين ومائتين ودخل الأندلس سنة اثنتين وخمسين وثلثمائة انتهى وفيها أبو طاهر الأنطاكي محمد بن الحسن بن علي المقرئ المحقق قال أبو عمرو الداني هو أجل أصحاب إبراهيم بن عبد الرزاق وأضبطهم روى عنه القراءات جماعة من نظرائه قال ابن غلبون توفي قبل الثمانين بيسير وفيها أبو أحمد الغطريفي بكسر أوله الطاء وآخره فاء نسبة إلى غطريف جد محمد بن أحمد بن الحسين بن القسم بن السرى الظريف الجرجاني الرباطي الحافظ توفي في رجب عن سن عالية روى عن أبي خليفة وعبد الله بن ناجية وابن خزيمة وطبقتهم وكان ثقة صواما قواما متقنا مصنفا صنف المسند الصحيح وغيره وفيها محمد بن زيد بن علي بن جعفر بن مروان أبو عبد الله البغدادي نزيل الكوفة روى عن عبد الله بن ناجية وحامد بن شعيب (3/91)

91 سنة ثمان وسبعين وثلثمائة فيها أمر الملك شرف الدولة برصد الكواكب كما فعل المأمون وبنى لها هيكلا بدار السلطنة وفيها كما قال السيوطي في تاريخ الخلفاء اشتد الغلاء ببغداد جدا وظهر الموت بها ولحق الناس بالبصرة حر وسموم تساقط الناس منه وجاءت ريح عظيمة بفم الصلح حرقت دجلة حتى ذكر أنه بانت أرضها وغرق كثير من السفن واحتملت زورقا منحدرا وفيه دواب وطرحت ذلك في أرض خوخى فشوهد بعد أيام انتهى وفيها توفي بشر بن محمد بن محمد بن ياسين القاضي أبو القسم الباهلي النيسابوري توفي في رمضان وقد جلس وأملى عن السراج وابن خزيمة وفيها تبوك بن الحسن بن الوليد أبو بكر الكلابي المعدل أخو عبد الوهاب روى عن سعيد بن عبد العزيز الحلبي وطبقته وفيها الخليل بن أحمد بن محمد أبو سعيد السجزى القاضي الفقيه الحنفي الواعظ قاضي سمرقند وبها مات عن تسع وثمانين سنة روى عن السراج وأبي القسم البغوي وخلق وفيها أبو نصر السراج عبد الله بن علي الطوسي الزاهد شيخ الصوفيه وصاحب كتاب اللمع في التصوف روى عن جعفر الخلدي وأبي بكر محمد بن داود الدقي قال الذهبي كان المنظور إليه في ناحيته في الفتوة ولسان القوم مع الاستظهار بعلم الشريعة وقال السخاوي كان على طريقة السنة قال خرجت مع أبي عبد الله الروزباري لنلقى أنبليا الراهب بصور فتقدمنا إلى ديره وقلنا له ما الذي حبسك ههنا قال أسرتني حلاوة قول الناس لي يا راهب انتهى وتوفي في رجب (3/92)

92 وفيها ابن الباجي الحافظ المحقق أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي اللخمي الإشبيلي الثقة الحجة سمع مر بن لبابة وأسلم بن عبد العزيز وطبقتهما ومنه جماعة من الأقران ومات في رمضان وله سبع وثمانون سنة قال ابن الفرضي لم أجد أحدا أفضله عليه في الضبط رحلت إليه مرتين وفيها أبو الفتح عبد الواحد بن أحمد بن مسرور البلخي الحافظ نزيل مصر توفي في ذي الحجة روى عن الحسين بن محمد المطبقي وأحمد بن سليمان بن زربان الكندي وطبقتهما وروى عنه الحافظ عبد الغني الأزدي وآخرون وهو من الثقات وفيها أبو بكر المفيد محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب بجرجرايا وكان يفهم ويحفظ ويذاكر وهو بين الضعف واتهمه بعضهم روى عن أبي شعيب الحراني وأقرانه وعاش أربعا وتسعين سنة وفيها أبو بكر الوراق محمد بن إسماعيل بن العباس البغدادي المستملى اعتنى به أبوه وأسمعه من الحسن بن الطيب البلخي وعمر بن أبي غيلان وطبقتهما وعاش خمسا وثمانين سنة وكان صاحب حديث ثقة وفيها محمد بن بشر أبو سعيد البصري ثم النيسابوري الكراييسي نسبة إلى بيع الكراييس وهي الثياب المحدث الفاضل روى عن أبي لبيد السامي وابن خزيمة والبغوي وكان ثقة صالحا وفيها محمد بن العباس بن محمد أبو عبد الله بن أبي ذهل العصمي الضبي الهروي أحد الرؤساء الأجواد وكانت أعشار غلاته تبلغ ألف حمل وعرضت عليه ولايات جليلة فامتنع وكان ملك هراة من تحت أوامره سموه في قميص فمات شهيدا في صفر وله أربع وثمانون سنة روى عن يحيى بن صاعد وأقرانه وقال ابن ناصر الدين هو الفقيه الشافعي كان حافظا نبيلا من الأخيار وذوي الأقدار (3/93)

93 العالية والبر والإشارة وكان يمون خمسة آلاف بيت ونيفا بهراة ولم نسمع بحصول ذلك لأحد من أمثاله سواه رحمه الله انتهى وفيها أبو بكر محمد بن عبيد الله بن الشخير الصيرفي البغدادي ببغداد روى عن عبد الله بن إسحق المدايني والباغندي توفي في رجب وله بضع وثمانون سنة وفيها أبو أحمد الحاكم محمد بن محمد بن أحمد بن إسحق النيسابوري الكراييسي الحافظ الثقة المأمون أحد أئمة الحديث وصاحب التصانيف روى عن ابن خزيمة والباغندي ومحمد بن المجدر وعبد الله بن زيدان البجلي ومحمد بن الفيض الغساني وطبقتهم وأكثر الترحال وكتب ما لا يوصف قال الحاكم بن البيع أبو أحمد الحافظ إمام عصره في الصنعة توفي في شهر ربيع الأول وله ثلاث وتسعون سنة صنف على الصحيحين وعلى جامع الترمذي وألف كتاب الكنى وكتاب العلل وكتاب الشروط والمخرج على كتاب المزني وولى قضاء الشاش ثم قضاء طوس ثم قدم نيسابور ولزم مسجده وأقبل على العبادة والتصنيف وكف بصره قبل موته بسنتين وهذا غير صاحب المستدرك بل هو شيخ ذاك وسيأتي ذكر ذلك إن شاء الله تعالى وفيها القسم بن الجلاب الفقيه المالكي صاحب القاضي أبي بكر الأبهري ألف كتاب التفريع وكتاب مسائل الخلاف وفي اسمه أقوال وفيها الحافظ الكبير يحيى بن ملك بن عائذ الأندلسي أبو زكريا كان حافظا كبيرا عالما أحد الأعيان توفي بالأندلس في شعبان وفيها ابن نبال أبو الحسن علي بن محمد بن نبال البغدادي الحافظ المشهور تعلم الخط كبيرا ورزق من الفهم والمعرفة شيئا كثيرا قاله ابن ناصر الدين (3/94)

94 سنة تسع وسبعين وثلثمائة فيها توفي أبو حامد أحمد بن محمد بن أحمد بن باكويه النيسابوري سمع محمد بن شاذل والسراج وجماعة وهو صدوق وفيها علي بن أحمد بن عمر أبو الحسن السرخسي الثقة الضابط كان حافظا كتب الكثير ولم يحدث إلا بشيء يسير قاله ابن ناصر الدين وفيها شرف الدولة سلطان بغداد ابن السلطان عضد الدولة الديلمي كان فيه خير وقلة ظلم مرض بالاستسقاء ومات في جمادى الآخرة وله تسع وعشرون سنة وتملك بغداد سنتين وثمانية أشهر وولى بعده أخوه أبو نصر وفيها محمد بن أحمد بن العباس أبو جعفر الجوهري البغدادي نقاش الفضة كان من كبار المتكلمين وهو عالم الأشعرية في وقته وعنه أخذ أبو علي بن شاذل علم الكلام توفي في المحرم وله سبع وثمانون سنة روى عن محمد بن محمد الباغندي وجماعة وفيها أبو بكر الزبيدي بضم الزاي وفتح الموحدة وبدال مهملة بعد الياء نسبة إلى زبيد واسمه منبه بن صعب بن سعد العشيرة بن مذحج محمد بن الحسن بن عبيد الله بن مذحج بضم الميم وسكون الذال المعجمة وكسر الحاء المهملة وبعدها جيم اسم أكمة حمراء باليمن ولد عليها أد فسمي باسمها كان صاحب الترجمة شيخ الأندلس بل وغيرها في العربية قال ابن خلكان هو نزيل قرطبة وكان واحد عصره في علم النحو وحفظ اللغة وكان أخبر أهل زمانه بالإعراب والمعاني والنوادر أي علم السير والأخبار ولم يكن بالأندلس في فنه مثله في زمانه وله كتب تدل على وفور علمه منها مختصر كتاب العين وكتاب طبقات النحويين واللغويين بالمشرق والأندلس من زمن أبي الأسود الدؤلي إلى زمن شيخه أبي عبد الله النحوي الرياحي وله كتاب هتك ستور الملحدين وكتاب (3/95)

95 لحن العامة وكتاب الواضح في العربية وهو مفيد جدا وكتاب الأبنية في النحو ليس لأحد مثله واختاره الحكم المستنصر بالله صاحب الأندلس لتأديب ولده ولي عهده هشام المؤيد بالله فكان الذي علمه الحساب والعربية ونفعه نفعا كثيرا ونال أبو بكر الزبيدي به دنيا عريضة وتولى قضاء إشبيلية وخطة الشرطة وحصل له نعمة ضخمة لبسها بنوه من بعده زمانا وكان الزبيدي شاعرا كثير الشعر فمن ذلك قوله في أبي مسلم بن فهر ( أبا مسلم إن الفتى بجنانه * ومقوله لا بالمراكب واللبس ) ( وليس ثياب المرء تغنى قلامة * إذا كان مقصورا على قصر النفس ) ( وليس يفيد العلم والحلم والحجا * أبا مسلم طول القعود على الكرسي ) وكان في صحبة الحكم المستنصر وترك جاريته بإشبيلية فاشتاق إليها واستأذنه في العود إليها يأذن له فكتب إليها ( ويحك يا سلم لا تراعي * لا بد للبين من زماع ) ( لا تحسبيني صبرت إلا * كصبر ميت على النزاع ) ( ما خلق الله من عذاب * أشد من وقفة الوداع ) ( ما بينها والحمام فرق * لولا المنامات والنواعي ) ( إن يفترق شملنا وشيكا * من بعدما كان ذا اجتماع ) ( فكل شمل إلى افتراق * وكل شعب إلى انصداع ) ( وكل قرب إلى وداع * وكل وصل إلى انقطاع ) وكان كثيرا ماينشد ( الفقر في أوطاننا غربة * والمال في الغربة أوطان ) ( والأرض شيء كلها واحد * والناس إخوان وجيران ) وفيها أبو سليمان بن زبر المحدث الحافظ الثقة الجليل محمد بن القاضي عبد الله بن أحمد بن ربيعة الربعي الدمشقي مات في جمادى الأولى روى عن (3/96)

96 أبي القسم البغوي وجماهر الزملكاني ومحمد بن الربيع الجيزي وخلق وصنف التصانيف المفيدة وممن أخذ عنه تمام الرازي وعبد الغني بن سعيد ومحمد بن عوف المزني وفيها محمد بن المظفر بن موسى بن عيسى أبو الحسين البغدادي وله ثلاث وتسعون سنة توفي في جمادى الأولى وكان من أعيان الحفاظ سمع من أحمد بن الحسن الصوفي وعبد الله بن زيدان ومحمد بن خزيم وطبقتهم بالعراق والجزيرة والشام ومصر وكان يقول عندي من الباغندي مائة ألف حديث قال ابن ناصر الدين كان محدث العراق حافظا ثقة نبيلا مكثرا متقنا يميل إلى التشيع قليلا انتهى وفيها غندر النجار أبو بكر محمد بن جعفر بن العباس روى عن ابن المجدر وابن صاعد وعنه الحسن بن محمد الخلال وكان يحفظ قاله ابن برداس وفيها محمد بن النضر أبو الحسين الموصلي النحاس الذي روى ببغداد معجم أبي يعلى عنه قال البرقاني واه لم يكن ثقة.

380 هـ

سنة ثمانين وثلثمائة فيها توفي أبو نصر أحمد بن الحسين بن مروان الضبي المرواني النيسابوري في شعبان روى عن السراج وابن خزيمة وفيها أبو العباس الصندوقي أحمد بن محمد بن أحمد النيسابوري روى عن محمد بن شاذل وابن خزيمة وشاخ فتفرد بالرواية عن بضعة عشر شيخا وفيها سهل بن أحمد الديباجي روى عن ابن خليفة وغيره ولكنه رافضي كذاب وفيها أحمد بن منصور بن ثابت الشيرازي أبو العباس أحد الحفاظ الرحالين ذكر الدار قطني أنه أدخل أحاديث على جماعة من الرواة لكن يحيى بن منده ذكر أن ذلك فعل آخر يقال له أحمد بن منصور سواه قاله ابن ناصر الدين (3/97)

97 وفيها الحسن بن علي بن عمرو البصري أبو محمد غلام الزهري كان حافظا ناقدا مجودا قاله ابن ناصر الدين وفيها طلحة بن محمد بن جعفر أبو القسم الشاهد المعدل المقرئ تلميذ ابن مجاهد روى عن أبي عمر بن غيلان وطبقته لكنه معتزلي وفيها أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن يحيى بن مفرج الأموي مولاهم القرطبي الحافظ الثقة محدث الأندلس رحل وسمع أبا سعيد بن الأعرابي وخيثمة وقاسم بن أصبغ وطبقتهم وكان وافر الحرمة عند صاحب الأندلس صنف له عدة كتب فولاه القضاء توفي في رجب وله ست وتسعون سنة قال الحميدي من تصانيفه فقه الحسن البصري في سبع مجلدات وفقه الزهري في أجزاء عديدة وفيها يعقوب بن يوسف بن كلس الوزير الكامل أبو الفرج وزير صاحب مصر العزيز بالله وكان يهوديا بغداديا عجبا في الدهاء والفطنة والمكر وكان يتوكل للتجار بالرملة فانكسر وهرب إلى مصر فأسلم بها واتصل بالأستاذ كافور ثم دخل المغرب ونفق على المعز وتقدم عنده ولم يزل في ارتقاء إلى أن مات وله اثنتان وستون سنة وكان عظيم الهيئة وافر الحشمة عالي الهمة وكان معلومه على مخدومه في السنة مائة ألف دينار وقيل أنه خلف أربعة آلاف مملوك بيض وسود ويقال إنه حسن إسلامه قاله في العبر سنة إحدى وثمانين وثلثمائة فيها تم أمور هائلة وكان أبو نصر الذي ولى مملكة بغداد شبا حزما والطائع لله ضعيفا ولاه السلطنة ولقبه بهاء الدولة فلما كان في شعبان وأمر الخليفة الطائع بحبس أبي الحسين بن المعلم وكان من خواص بهاء الدولة فعظم على بهاء الدولة ذلك ثم دخل على الطائع للخدمة فلما قرب قبل الأرض وجلس على كرسي (3/98)

98 فتقدم أصحابه فشحطوا الطائع من السرير بحمائل سيفه ولفوه في كساء وحمل إلى دار المملكة وكتب عليه بخلعه نفسه وتسليم الأمر إلى القادر فاختبطت بغداد وظن الأجناد أن القبض على بهاء الدولة من جهة الطائع فوقعوا في النهب ثم إن بهاء الدولة أمر بالنداء بخلافة القادر بالله وأنفذ إلى القادر بالله سجل بخلع الطائع لله وهو بالبطايح وأخذوا جميع ما في دار الخلافة حتى الرخام والأبواب ثم ابيحت للرعاع فقلعوا الشبابيك وأقبل القادر بالله أحمد بن الأمير إسحق بن المقتدر وله يومئذ أربع وأربعون سنة وكان أبيض كث اللحية كثير التهجد والخير والبر صاحب سنة وجماعة وكان من جملة من حضر إهانة الطائع وخلعه الشريف الرضي فأنشد ( أمسيت أرحم من قد كنت أغبطه * لقد تقارب بين العز والهون ) ( ومنظر كان بالسراء يضحكني * يا قرب ما عاد بالضراء يبكيني ) وفيها توفي أحمد بن الحسين بن مهران الأستاذ أبو بكر الأصبهاني ثم النيسابوري المقرئ العبد الصالح مجاب الدعوة ومصنف كتاب الغاية في القراءة قرأ بدمشق على أبي النضر الأخرم وببغداد علي النقاش وأبي الحسن بن بويان وطائفة وسمع من السراج وابن خزيمة وطبقتهما قال الحاكم كان إمام عصره في القراءات وأعبد الناس ممن رأينا في الدنيا وكان مجاب الدعوة توفي في شوال وله ست وثمانون سنة وله كتاب الشامل في القراءات وهو كتاب كبير وفيها جوهر القائد أبو الحسن الرومي مولى المعز بالله ومقدم جيشه وظهيره ومؤيد دولته وموطد الممالك له وكان عاقلا سايسا حسن السيرة في الرعية على دين مواليه ولم يزل عالي الرتبة نافذ الكلمة إلى أن مات وجرت له فصول في أخذ مصر يطول ذكرها من ذلك ما ذكره ابن خلكان أن القائد جوهر وصل إلى الجيزة وابتدأ في القتال في الحادي عشر من شعبان سنة ثمان وخمسين فأسرت رجال وأخذت خيل ومضى جوهر إلى مينة الصيادين وأخذ المخاضة بمينة شلقان (3/99)

99 واستمال إلى جوهر جماعة من العسكر في مراكب وجعل أهل مصر على المخاضة من يحفظها فلما رأى ذلك جوهر قال لجعفر بن فلاح لهذا اليوم أرادك المعز فعبر عريانا في سراويل وهو في مركب ومعه الرجال خوضا حتى خرجوا إليهم ووقع القتال فقتل خلق من الأخشيدية وأتباعهم وانهزمت الجماعة في الليل ودخلوا مصر وأخذوا ما قدروا عليه من دورهم وخرج حرمهم مشاة ودخلن علي الشريف أبي جعفر في مكاتبة القائد بإعادة الأمان فكتب إليه يهينه بالفتح وسأله إعادة الأمان وجلس الناس عنده ينتظرون الجواب فعاد إليهم بأمانه وحضور رسوله ومعه بند أبيض وطاف على الناس يؤمنهم ويمنع من النهب فهدأ البلد وفتحت الأسواق وسكن الناس كأن لم تكن قتنة فلما كان آخر النهار ورد رسوله إلى أبي جعفر بأن تعمل على لقائي يوم الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من شعبان بجماعة الأشراف والعلماء ووجوه البلد فانصرفوا متأهبين لذلك ثم خرجوا ومعهم الوزير جعفر وجماعة من الأعيان إلى الجيزة والتقوا القائد ونادى مناد ينزل الناس كلهم إلا الشريف والوزير فنزلوا وسلموا عليه واحدا واحدا والوزير عن شماله والشريف عن يمينه ولما فرغوا من السلام ابتدأوا في دخول البلد فدخلوا من زوال الشمس وعليهم السلاح والعدد ودخل جوهر بعد العصر وطبوله وبنوده بين يديه وعليه ثوب ديباج مثقل وتحته فرس أصفر وشق في مصر ونزل في مناخه موضع القاهرة اليوم واختط موضع القاهرة ولما أصبح المصريون حضروا إلى القائد للهناء فوجدوه قد حفر أساس القصر بالليل وكان فيه زورات جاءت غير معتدلة فلم تعجبه ثم قال حفرت في ساعة سعيدة فلا أغيرها وأقام عسكره يدخل البلد سبعة أيام أولها الثلاثاء المذكور وبادر جوهر بالكتاب إلى مولاه يبشره بالفتح وأنفذ إليه رءوس القتلى في الوقعة وقطع خطبة بني العباس عن منابر الديار المصرية وكذلك اسمهم من على السكة وعوض عن ذلك باسم مولاه المعز (3/100)

100 وأزال الشعار الأسود وألبس الخطباء الثياب البيض وجعل يجلس بنفسه في كل يوم سبت للمظالم يحضره الوزير والقاضي وجماعة من أكابر الفقهاء وفي يوم الجمعة ثامن ذي القعدة أمر جوهر بالزيادة عقيب الخطبة اللهم صل على محمد المصطفى وعلى علي المرتضى وعلى فاطمة البتول وعلى الحسن والحسين سبطي الرسول الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا اللهم وصل على الأئمة الطاهرين آباء أمير المؤمنين وفي يوم الجمعة ثامن عشر شهر ربيع الآخر سنة تسع وخمسين صلى القائد في جامع طولون بعسكر كثير وخطب عبد السميع بن عمر العباسي الخطيب وذكر أهل البيت وفضائلهم رضي الله عنهم ودعا للقائد جوهر وجهر القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم وقرأ سورة الجمعة والمنافقين في الصلاة وأذن بحي على خير العمل وهو أول ما أذن به بمصر ثم أذن به في سائر المساجد وقنت الخطيب في صلاة الجمعة وفي جمادى الأولى من السنة المذكورة أذنوا في جامع مصر العتيق بحي على خير العمل وسر القائد جوهر بذلك وكتب إلى المعز يبشره بذلك ولما دعا الخطيب على المنبر للقائد جوهر أنكر عليه وقال ليس هذا رسم موالينا وشرع في عمارة الجامع بالقاهرة وفرغ من بنائه في سابع شهر رمضان سنة إحدى وستين وجمع فيه الجمعة وأظن هذا الجامع المعروف بالأزهر انتهى ملخصا وفيها سعد الدولة أبو المعالي شريف بن سيف الدولة علي بن عبد الله بن حمدان التغلبي صاحب حلب توفي في رمضان وقد نيف على الأربعين وولى بعده ابنه سعد فلما مات ابنه انقرض ملك سيف الدولة من ذريته وفيها عبد الله بن أحمد بن حمويه بن يوسف بن أعين أبو محمد السرخسي المحدث الثقة روى عن الفربري صحيح البخاري وروى عن عيسى بن عمر السمرقندي كتاب الدارمي وروى عن إبراهيم بن خريم مسند عبد بن حميد وتفسيره وتوفي في ذي الحجة وله ثمان وثمانون سنة (3/101)

101 وفيها الجوهري أبو القسم عبد الرحمن بن عبد الله المصري المالكي الذي صنف مسند الموطأ توفي في رمضان وفيها أبو عدي عبد العزيز بن علي بن محمد بن إسحق المصري المقرئ الحاذق المعروف بابن الإمام قرأ على أبي بكر بن سيف صاحب أبي يعقوب الأزرق وكان محققا ضابطا لقراءة ورش وحدث عن محمد بن زبان وابن قديد وتوفي في شهر ربيع الأول وفيها أبو محمد بن معروف قاضي القضاة عبد الله بن أحمد بن معروف البغدادي قال الخطيب كان من أجلاد الرجال وألبائهم مع تجربة وحنكة وفطنة وعزيمة ماضية وكان يجمع وسامة في منظره وظرفا في ملبسه وطلاقه في مجلسه وبلاغة في خطابه ونهضة بأعباء الأحكام وهيبة في القلوب وقال العتيقي كان مجردا في الاعتزال انتهى قال في العبر قلت ولد سنة ست وثلثمائة وسمع من يحيى بن صاعد وأبي حامد الحضرمي وجماعة وتوفي في صفر انتهى وفيها أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد الزهري العوفي البغدادي سمع إبراهيم بن شريك الأسدي والفريابي وعبد الله بن إسحق المدايني وطائفة ومات في أحد الربيعين وله إحدى وتسعون سنة قال عبد العزيز الأزجي هو شيخ ثقة مجاب الدعاء وفيها ابن المقري أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي الأصبهاني الحافظ الثقة صاحب الرحلة الواسعة أول سماعه بعد ثلثمائة فأدرك محمد بن نصير المديني ومحمد بن علي الفرقدي صاحبي إسماعيل بن عمرو البجلي ثم رحل ولقي أبا يعلى وعبدان وطبقتهما قال أبو نعيم الحافظ كان محدثا كبيرا ثقة صاحب مسانيد سمع ما لا يحصى كثرة وقال ابن ناصر الدين كان محدثا ثقة كبيرا من المكثرين وله المعجم الكبير وكتاب الأربعين انتهى توفي في شوال عن ست وتسعين سنة وفيها قاضي الجماعة أبو بكر محمد بن يبقى بن زرب القرطبي المالكي (3/102)

102 صاحب التصانيف وأحفظ أهل زمانه لمذهب مالك سمع قاسم بن أصبغ وجماعة وولى القضاء سنة سبع وستين وثلثمائة وإلى أن مات وكان المنصور بن أبي عامر يعظمه ويجلسه معه وفيها ابن دوست أبو محمد بن يوسف العلاف ببغداد روى عن البغوي وجماعة.

382 هـ

سنة اثنتين وثمانين وثلثمائة كان أبو الحسن بن المعلم الكوكبي قد استولى على أمور السلطان بهاء الدولة كلها فمنع الرافضة من عمل المأتم يوم عاشوراء الذي كان يعمل نحوا من ثلاثين سنة وغلت الأسعار بالكرخ حتى بيع رطل من الخبز بأربعين درهما والجوزة بدرهم وفيها شغبت الجند وعسكروا وبغثوا يطلبون من بهاء الدولة أن يسلم إليهم ابن المعلم وصمموا على ذلك إلى أن قال به رسولهم أيها الملك اختر بقاءه أو بقاءك فقبض حينئذ وعلى أصحابه فما زالوا به حتى رحمه الله وكذلك قتلت بقية أصحابه وفيها توفي أبو أحمد العسكري بفتح العين المهملة وسكون السين المهملة وفتح الكاف بعدها راء نسبة إلى عسكر مكرم مدينة من كور الأهواز الحسن بن عبد الله بن سعيد الأديب الأخباري العلامة صاحب التصانيف روى عن عبدان الأهوازي وأبي القسم البغوي وطبقتهما قال ابن خلكان وهو صاحب أخبار ونوادر وله رواية متسعة وله التصانيف المفيدة منها كتاب التصحيف وكتاب المختلف والمؤتلف وكتاب علم المنطق وكتاب الحكم والأمثال وكتاب الزواجر وغير ذلك وكان الصاحب بن عباد يود الاجتماع به ولا يجد إليه سبيلا فقال لمخدومه مؤيد الدولة بن بويه إن عسكر مكرم قد اختلف أحوالها (3/103)

103 وأحتاج إلى كشفها بنفسي فأذن له في ذلك فلما أتاها توقع أن يزوره أبو أحمد المذكور فلم يزره فكتب الصاحب إليه ( ولما أبيتم أن تزوروا وقلتم * ضعفنا فلم نقدر على الوجدان ) ( أتيناكم من بعد أرض نزوركم * وكم منزل بكر لنا وعوان ) ( نسائلكم هل من قرى لنزيلكم * بملء جفون لا بملء جفان ) وكتب مع هذه الأبيات شيئا من النثر فجاوبه أبو محمد عن النثر بنثر مثله وعن هذه الأبيات بالبيت المشهور ( أهم بأمر الحزم لو أستطيعه * وقد حيل بين العير والنزوان ) فلما وقف الصاحب على الجواب عجب من اتفاق هذا البيت له وقال والله لو علمت أنه يقع له هذا البيت ما كتبت له على هذا الروي وهذا البيت لصخر بن عمرو الشريد في الخنساء وهو من جملة أبيات مشهورة وكانت ولادة أبي أحمد المذكور يوم الخميس لست عشرة ليلة خلت من شوال وتوفي يوم الجمعة سابع ذي الحجة انتهى ملخصا وفيها أبو القسم عبد الله بن أحمد بن محمد النسائي الفقيه الشافعي الذي روى عن الحسن بن سفيان مسنده وعن عبد الله بن شيرويه مسند إسحق قال الحاكم كان شيخ العدالة والعلم بنسا وبه ختمت الرواية عن الحسن بن سفيان عاش بضعا وتسعين سنة وفيها أبو سعيد عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب القرشي الرازي الصوفي الراوي عن محمد بن أيوب بن الضريس خرج في آخر عمره إلى بخارى فتوفي بها وله أربع وتسعون سنة قال الحاكم ولم يزل كالريحانة عند مشايخ التصوف ببلدنا وفيها أبو العباس أحمد بن منصور بن ثابت الشيرازي كان أحد الحفاظ الرحالين كما ذكره ابن ناصر الدين (3/104)

104 وفيها أبو عمرو بن حيويه المحدث الحجة محمد بن العباس بن محمد بن زكريا البغدادي الخزاز في ربيع الآخر وله سبع وثمانون سنة روى عن الباغندي وعبد الله بن إسحق المدائني وطبقتهما قال الخطيب ثقة كتب طول عمره وروى المصنفات الكبار وفيها محمد بن محمد بن سمعان أبو منصور النيسابوري المذكر نزيل هراة وشيخ أبي عمر المليحي روى عن السراج ومحمد بن عبد الجبار الرياني سنة ثلاث وثمانين وثلثمائة فيها كما قال في شذور العقود تزوج القادر سكينة بنت بهاء الدولة بصداق مبلغه مائة ألف دينار وغلا السعر فبلغ الكر الحنطة سنة آلاف وستمائة درهم وابتاع سابور بن أزدشير وزير بهاء الدولة دارا في في الكرخ بين السورين وعمرها وسماها دار العلم ووقفها ونقل إليها كتبا كثيرة ورد النظر في أمرها إلى أبي الحسين بن السنية وأبي عبد الله الضبي القاضي انتهى وفيها توفي أبو بكر بن شاذان والدأبي علي وهو أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان البغدادي البزاز المحدث المتقن وكان يتجر في البز إلى مصر وغيرها وتوفي في شوال عن ست وثمانين وروى عن البغوي وطبقته وفيها إسحق بن حمشاد الزاهد الواعظ شيخ الكرامية ورأسهم بنيسابور قال الحاكم كان من العباد المجتهدين يقال أسلم على يديه أكثر من خمسة آلاف ولم أر بنيسابور جمعا مثل جنازته انتهى وفيها جعفر أبو محمد بن حزم القلعي الأندلسي الزاهد واسمه عبد الله بن محمد بن القاسم بن حزم رحل إلى الشام والعراق وسمع أبا القسم بن العقب وإبراهيم (3/105)

105 ابن علي الهجيمي وطبقتهما قال ابن الفرضي كان جليلا زاهدا شجاعا مجاهدا ولاه المستنصر القضاء فاستعفاه فأعفاه وكان فقيها صلبا ورعا كانوا يشبهونه بسفيان الثوري في زمانه سمعت عليه علماء كثير وعاش ثلاثا وستين سنة انتهى وفيها علي بن حسان أبو الحسن الجدلي الدممي ودمما قرية دون الفرات روى عن مطين وبه ختم حديثه وفيها أبو بكر محمد بن العباس الخوارزمي الشاعر المشهور ويقال له الطبرخي لأن أباه كان من خوارزم وأمه من طبرستان فركب له من الاسمين نسبة وهو ابن أخت أبي جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ وأبو بكر المذكور أحد الشعراء المجيدين الكبار المشاهير كان إماما في اللغة والأنساب أقام بالشام مدة وسكن بنواحي حلب وكان مشارا إليه في عصره ويحكى أنه قصد حضرة الصاحب بن عباد وهو بأرجان فلما وصل لبابه قال لأحد حجابه قل للصاحب على الباب أحد الأدباء وهو يستأذن في الدخول فدخل الحاجب وأعلمه فقال الصاحب قل له قد ألزمت نفسي أنه لا يدخل علي من الأدباء إلا من يحفظ عشرين ألف بيت من شعر العرب فخرج إليه الحاجب وأعلمه بذلك فقال له أبو بكر ارجع إليه وقل له هذا القدر من شعر الرجال أم من شعر النساء فدخل عليه الحاجب فأعاد عليه ما قال فقال الصاحب هذا يؤيد أن يكون أبا بكر الخوارزمي فأذن له في الدخول عليه فعرفه وانبسط معه ولكنه لم يجزل له العطاء ففارقه غير راض وعمل فيه

( لا تحمدن ابن عباد وإن هطلت * يداه بالجود حتى أخجل الديما )
( فإنها خطرات من وساوسه * يعطي ويمنع لا بخلا ولا كرما ) فبلغ ذلك ابن عباد فلما بلغه خبر موته أنشد
( أقول لركب من خوارزم قافل * أمات خوارزميكم قيل لي نعم )
( فقلت اكتبوا بالجص من فوق قبره * ألا لعن الرحمن من كفر النعم )

ولأبي بكر المذكور ديوان رسائل وديوان شعر وقد ذكره الثعالبي في اليتيمة. وذكر قطعة من نثره ثم أعقبها بشيء من نظمه فمن ذلك قوله

( رأيتك إن أيسرت خيمت عندنا * مقيما وإن أعسرت زرت لماما )
( فما أنت إلا البدر قل ضوءه * أغب وإن الضياء أقاما )

وملحه ونوادره كثيرة ولما رجع من الشام سكن نيسابور ومات بها في منتصف رمضان من هذه السنة وقال ابن الأثير في تاريخه مات سنة ثلاث وتسعين والله أعلم وفيها أبو الفضل نصر بن محمد أحمد بن يعقوب العطار بن أبي نصر الطوسي كان حافظا ناقدا وكان ثقة رأسا في علم الصوفية قاله ابن ناصر الدين.

384 هـ

سنة أربع وثمانين وثلثمائة فيها اشتد البلاء بالعيارين ببغداد وقووا على الدولة وكان رأسهم عزيز البابصري التفت عليه خلق من المؤذين وطالبوا بضرائب الأمتعة وجبوا الأموال فنهض السلطان وتفرغ لهم فهربوا في الظاهر ولم يحج أحد إلا الركب المصري فقط وفيها توفي أبو إسحق إبراهيم بن هلال الصابئ المشرك الحراني الأديب صاحب الترسل وكاتب الإنشاء للملك عز الدولة بختيار ألح عليه عز الدولة أن يسلم فامتنع وكان يصوم رمضان ويحفظ القرآن وله النظم والنثر والرتسل الفحل ولما مات عضد الدولة هم بقتله لأجل المكاتبات الفجة التي كان يرسلها عز الدولة بإنشائه إلى عضد الدولة ثم تركه لشفاعة وأمره أن يضع له كتابا في أخبار الدولة الديلمية فعمل الكتاب التاجي فقيل لعضد الدولة أن صديقا للصابئ دخل عليه فرآه في شغل شاغل من التعليق والتسويد والتبييض فسأله عما يعمل فقال أباطيل أنمقها وأكاذيب ألفقها فحركت ساكنه وهاجت حقده ولم يزل مبعدا في أيامه وكان له عبد أسود اسمه يمن وكان يهواه وله فيه المعاني البديعة. فمن جملة ما ذكره له الثعالبي في كتاب الغلمان قوله

( قد قال يمن وهو أسود للذي * ببياضه استعلى علو الخاتن )
( ما فخر وجهك بالبياض وهل ترى * أن قد أفدت به مزيد محاسن )
( لو أن مني فيه خالا زانه * ولو أن منه في خالا شانني ) وذكر له فيه الثعالبي أيضا
( لك وجه كأن يمناي خطته * بلفظ تمله آمالي )
( فيه معنى من البدور ولكن * نفضت صبغها عليه الليالي )
( لم يشنك السواد بل زدت حسنا * إنما يلبس السواد الموالي )
( فمالي أفديك إن لم تكن لي * وبروحي أفديك إن كنت مالي )

وله أيضا وهو معنى بديع ( أبها الللائم الذي يتصدى * بقبيح يقوله لجوابي )

( لا تؤمل أني أقول لك أخسأ * لست أسخو بها لكل الكلاب )

وتوفي الصابئ يوم الاثنين وقيل الخميس لاثنتي عشرة ليلة خلت من شوال هذه السنة ببغداد وقيل سنة ثمانين وثلثمائة وعمره إحدى وسبعون سنة ودفن بالشونيزية ورثاه الشريف الرضي بقصيدته الدالية المشهورة التي أولها

( أرأيت من حملوا على الأعواد * أرأيت كيف خبا ضياء النادي )

وعاتبه الناس لكونه شريفا يرثي صابئيا فقال إنما رثيت فضله وبالجملة فإنه كان أعجوبة من الأعاجيب لكن أضله الله على علم نعوذ برضاه من سخطه ونسأله العافية والصابئ بهمز آخره قيل نسبة إلى صابي بن متوشلخ بن إدريس عليه السلام وكان على الحنفية الأولى وقيل الصابئ بن ماري وكان في عصره الخليل عليه السلام وقيل الصابئ عند العرب من خرج عن دين قومه وهو الأصح ولذلك كانت قريش تسمى رسول الله صابئا لخروجه عن دين قومه قال حسن حلبي في حاشيته على المطول والصابئون بالهمز وبدونها أي الخارجون من صبأ إذا خرج وهم قوم خرجوا عن دين اليهود والنصارى وعبدوا الملائكة انتهى والصابئة ملة إدريس عليه السلام قال السيوطي في كتابه حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة ما لفظه ذكر أئمة التاريخ أن آدم عليه الصلاة والسلام أوصى لابنه شيث وكان فيه وفي بنيه النبوة والدين وأنزل عليه تسع وعشرون صحيفة وأنه جاء إلى أرض مصر وكانت تدعى بايلون فنزلها هو وأولاد أخيه فسكن شيث فوق الجبل وسكن أولاد قابيل أسفل الوادي واستخلف شيث ابنه أنوش واستخلف أنوش ابنه قونان واستخلف قونان ابنه مهلائيل واستخلف مهلائيل ابنه يرد ودفع الوصية إليه وعلمه جميع العلوم وأخبره بما يحدث في العالم ونظر في النجوم وفي الكتاب الذي أنزل على آدم عليه السلام وولد ليرد أخنوخ وهو هرمس وهو إدريس عليه السلام وكان الملك في ذلك الوقت محويل بن أخنوخ بن قابيل وتنبأ إدريس وهو ابن أربعين سنة وأراده الملك بسوء فعصمه الله وأنزل عليه ثلاثين صحيفة ودفع إليه أبوه وصية جده والعلوم التي عنده وولد بمصر وخرج منها وطاف الأرض كلها ورجع فدعا الخلق إلى الله فأجابوه حتى عمت ملته الأرض وكانت ملته الصابئة وهي توحيد الله والطهارة والصلاة والصوم وغير ذلك من رسوم التعبدات وكان في رحلته إلى المشرق أطاعه جميع ملوكها وابتنى مائة وأربعين مدينة أصغرها الرهاثم عاد إلى مصر وأطاعه ملكها وآمن به فنظر في تدبير أمرها وكان النيل يأتيهم سيحا فينحازون عن سيله إلى أعالي الجبال والأرض العالية حتى ينقض فينزلون ويزرعون حيث وجدوا الأرض برية وكان يأتي في وقت الزراعة وفي غير وقتها فلما عاد إدريس جمع أهل مصر وصعد بهم إلى أول مسيل النيل إليها ودبر وزن الأرض ووزن الماء على الأرض وأمرهم بإصلاح ما أراد من إصلاح المرتفع ورفع المنخفض وغير ذلك مما رأى في النجوم والهندسة والهيئة وكان أول من تكلم في هذه العلوم وأخرجها من القوة إلى الفعل ووضع فيها الكتب ورسم فيها التعليم ثم سار إلى بلاد الحبشة والنوبة وغيرها وجمع أهلها وزاد في جري النيل ونقص بحيث بطئه وسرعته في طريقه حتى عمل على حساب جريه ووصوله إلى أرض مصر في زمن الزراعة على ما هو عليه الآن فهو أول من دبر جري النيل إلى مصر ومات إدريس بمصر والصابئة تزعم أن هرمي مصر أحدهما قبر شيث والآخر قبر إدريس والأصح أنه ليس إدريس إنما هو مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام هذا كله التيغاشي انتهى ما قاله السيوطي بحروفه وفيها صبح بن أحمد الحافظ أبو الفضل التميمي الأحنفي الهمذاني السمسار ويعرف أيضا بابن اللوملاذ محدث همذان روى عن عبد الرحمن بن أبي حاتم وطبقته وهو الذي لما أملى الحديث باع طاحونا له بسبعمائة دينار ونثرها على المحدثين قال سيرويه كان ركنا من أركان الحديث دينا ورعا لا يخاف في الله لومة لائم وله عدة مصنفات توفي في شعبان والدعاء عند قبره مستجاب ولد سنة ثلاث وثلثمائة وفيها الرماني شيخ العربية أبو الحسن علي بن عيسى النحوي ببغداد وله ثمان وثمانون سنة وكانت ولادته أيضا ببغداد في سنة ست وتسعين ومائتين وتوفي ليلة الأحد حادي عشر جمادى الأولى من هذه السنة على الصحيح وقيل سنة اثنتين وثمانين وأصله من سرمن رأى وهو أحد الأئمة المشاهير جمع بين علم الكلام والعربية وله قريب من مائة مصنف منها تفسير القرآن العظيم وكان متقنا لعلوم كثيرة منها القراءات والفقه والنحو الكلام على مذهب المعتزلة والتفسير واللغة وأخذ عن ابن دريد وأبي بكر بن السراج وغيرهما.

  • وفيها صالح بن أحمد بن محمد بن أحمد بن صالح التميمي الأحنفي من ولد الأحنف بن قيس وهو المترجم بصبح قبل أسطر وكان حافظا ثقة دينا من الأبرار قاله ابن ناصر الدين وفيها أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن حشيش الأصبهاني العدل مسند أصبهان في عصره روى عن إسحق بن إبراهيم بن جميل ويحيى بن صاعد وطبقتهما وفيها محدث الكوفة أبو الحسن محمد بن حماد بن سفيان الكوفي الحافظ كان أحد المعمرين المشهورين أدرك أصحاب أبي كريب وأبي سعيد الأشج وجمع وألف وفيها أبو الحسن محمد بن العباس بن أحمد بن الفرات البغدادي الحافظ سمع من أبي عبد الله المحاملي وطبقته وجمع ما لم يجمعه أحد في وقته قال الخطيب بلغني أنه كان عنده عن علي بن محمد المصري وجده ألف جزء وأنه كتب مائة تفسير ومائة تاريخ كبير وهو حجة ثقة وفيها شيخ الشافعية أبو الحسن الماسرجسي محمد بن علي بن سهل النيسابوري سبط الحسن بن عيسى بن ماسرجسي بفتح السين المهملة وسكون الراء وكسر الجيم روى عن أبي حامد بن الشرقي وطبقته ورحل بعد الثلاثين وكتب الكثير بالعراق والحجاز ومصر قال الحاكم كان أعرف الأصحاب بالمذهب وترتيبه صحب أبا إسحق المروزي مدة وصار ببغداد معيدا لأبي علي بن أبي هريرة وعاش ستا وسبعين سنة قال الأسنوي أخذ عن أبي إسحق وصحبه إلى مصر ولازمه إلى أن توفي فانصرف إلى بغداد ودرس بها وكان المجلس له بعد قيام ابن أبي هريرة وكان معيد درسه ثم انصرف إلى خراسان سنة أربع وأربعين وتوفي بها عشية الأربعاء ودفن عشية الخميس السادس من جمادى الآخرة وهو ابن ست وسبعين سنة نقل عنه الرافعي استحباب تطويل الركعة الأولى على الثانية

(3/111)

111 وحكى عنه في باب الديات أنه قال رأيت صيادا يرمي الصيد على فرسخين وكان له ولد اسمه محمد ويكنى أبا بكر درس الفقه على أبيه وسمع الحديث ببلاد كثيرة وتوفي في جمادى الأولى سنة تسع وثمانين وثلثمائة عن أربع وثلاثين سنة ودفن بداره انتهى ملخصا وفيها أبو عبد الله المرزباني محمد بن عمران بن موسى بن سعيد بن عبيد الله الكاتب الأخباري العلامة المعتزلي صنف أخبار المعتزلة وأخبار الشعراء وغير ذلك وحدث عن البغوي وابن دريد ومات في شوال وله ثمان وثمانون سنة قال ابن خلكان الخراساني الأصل البغدادي المولد صاحب التصانيف المشهورة والمجاميع الغريبة وكان راوية للآداب صاحب أخبار وتآليفه كثيرة وكان ثقة في الحديث ومائلا إلى التشيع في المذهب وهو أول من جمع ديوان يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي واعتنى به وهو صغير الحجم يدخل في مقدار ثلاث كراريس وقد جمعه من بعده جماعات وزادوا فيه أشياء ليست له وشعر يزيد مع قتله في غاية الحسن ومن لطيف شعره الأبيات العينية التي منها ( إذا رمت من ليلى على البعد نظرة * فتطفي جوى بين الحشا والأضالع ) ( تقول نساء الحي تطمع أن ترى * محاسن ليلى مت بداء المطامع ) ( وكيف ترى ليلى بعين ترى بها * سواها وما طهرتها بالمدامع ) ( وتلتذ منها بالحديث وقد جرى * حديث سواها في خروق المسامع ) ( أجلك يا ليلى عن العين إنما * أراك بقلب خاشع لك خاضع ) وكانت ولادة المرزباني المذكور في جمادى الآخرة سنة سبع وتسعين ومائتين وتوفي يوم الجمعة ثاني شوال سنة أربع وثمانين وقيل ثمان وسبعين والأول أصح ودفن بداره بشارع عمر الرومي ببغداد في الجانب الشرقي روى عنه عبد الله الصيمري وأبو القسم التنوخي وأبو محمد الجوهري وغيرهم والمرزباني بفتح الميم وسكون الراء وضم الزاي وفتح الباء الموحدة وبعد الألف نون نسبة إلى بعض أجداده كان اسمه المرزبان وهذا الاسم لا يطلق عند العجم إلا على الرجل المقدم العظيم القدر وتفسيره بالعربية حافظ الحد انتهى ما قاله ابن خلكان ملخصا وجزم الذهبي في العبر أنه كان معتزليا وقال ابن الأهدل المرزباني البغدادي صاحب التصانيف المشهورة كان راوية في الأدب ثقة في الرواية انتهى وفيها القاضي التنوخي أبو علي المحسن بن علي بن محمد بن داود بن إبراهيم ابن تميم الأديب الأخباري صاحب التصانيف ولد بالبصرة وسمع بها من أبي العباس الأثرم وطائفة وببغداد من الصولي وغيره وعاش سبعا وخمسين سنة وذكره الثعالبي وأباه في باب واحد وقدم ذكر أبيه ثم قال في حق أبي علي المذكور هلال ذاك القمر وغصن هاتيك الشجر والشاهد العدل بمجد أبيه وفضله والفرع المسند لأصله والنائب عنه في حياته والقائم مقامه بعد مماته وله كتاب الفرج بعد الشدة ذكر في أوائل هذا الكتاب أنه كان على المعيار بدار الضرب بسوق الأهواز في سنة ست وأربعين وثلثمائة وذكر بعد ذلك بقليل أنه كان على القضاء بجزيرة ابن عمر وله ديوان شعر أكبر من ديوان أبيه وكتاب نشوان المحاضرة وله كتاب المستجاد من فعلات الأجواد ونزل ببغداد وأقام بها وحدث إلى حين وفاته وكان سماعه صحيحا وكان أول شماعه الحديث في سنة ست وثلاثين وثلثمائة وأول ما تقلد القضاء من قبل أبي السائب عتبة بن عبيد الله بالقصر وبابل وما والأهاسنة تسع وأربعين ثم ولاه الإمام المطيع لله القضاء بعسكر مكرم ورامهرمز وتقلد بعد ذلك أعمالا كثيرة في نواح مختلفة ومن شعره في بعض المشايخ وقد خرج ليستسقي وكان في السماء سحاب فلما دعا أصحت السماء فقال التنوخي ( خرجنا لنستسقي بفضل دعائه * وقد كان هدب النعيم أن يبلغ الأرضا ) (3/113)

113 ( فلما ابتدا يدعو تقشعت السما * فما تم إلا والغمام قد انفضا ) ومن المنسوب إليه أيضا ( قل للمليحة في الخمار المذهب * أفسدت نسك أخي التقى المترهب ) ( نور الخمار ونور خدك تحته * عجبا لوجهك كيف لم يتلهب ) ( وجمعت بين المذهبين فلم يكن * للحسن عن ذهبيهما من مذهب ) ( فإذا أتت عيني لتسرق نظرة * قال الشعاع لها اذهبي لا تذهبي ) وأما ولده أبو القسم علي بن المحسن بن علي التنوخي فكان أديبا فاضلا شاعرا راوية للشعر الكثير وكان يصحب أبا العلاء المعري وأخذ عنه كثيرا وكان من أهل بين كلهم فضلاء أدباء ظرفاء وكانت ولادة الولد المذكور في منتصف شعبان سنة خمس وستين وثلثمائة بالبصرة وتوفي يوم الأحد مستهل المحرم سنة سبع وأربعين وأربعمائة وكان بينه وبين الخطيب أبي زكريا التبريزي مؤانسة واتحاد بطريق أبي العلاء المعري وقال الخطيب البغدادي وكان قد قبلت شهادته عند الحكام في حداثته ولم يزل على ذلك مقبولا إلى آخر عمره وكان مستحفظا في الشهادة محتاطا صدوقا في الحديث ونقله وتقلد قضاء نواح عدة منها المدائن وأعمالها وأذربيجان وإفريقية وغير ذلك وإليه كتب أبو العلاء قصيدته التي أولها ( هات الحديث عن الزوراء أو هيتا * )

385 هـ

سنة خمس وثمانين وثلاثمائة فيها توفي أبو بكر بن المهندس أحمد بن محمد بن إسماعيل محدث ديار مصر كان ثقة تقيا روى عن البغوي ومحمد بن محمد الباهلي وطبقتهما وفيها أبو القسم الصاحب بن عباد إسماعيل بن عباد بن العباس بن عباد بن أحمد ابن إدريس الطالقاني وزير مؤيد الدولة أبي منصور بن بويه وفخر (3/114)

114 الدولة وصحب أبا الفضل الوزير بن العميد وأخذ عنه الأدب والشعر والترسل وبصحبته لقب بالصاحب وكان من رجال الدهر حزما وعزما وسؤددا ونبلا وسخاء وحشمة وأفضالا وعدلا قال الثعالبي في اليتيمة في حقه ليست تحضرني عبارة أرضاها للإفصاح عن علو محله في العلم والأدب وجلالة شأنه في الجود والكرم وتفرده بالغايات في المحاسن وجمعه أشتات المفاخر لأن همه قولي تنخفض عن بلوغ أدنى فضائله ومعاليه وجهد وصفي يقصر عن أيسر فواضله ومساعيه ثم شرع في وصف بعض محاسنه وطرف من أحواله وقال أبو بكر الخوارزمي في حقه الصاحب نشأ من الوزارة في حجزها ودب ودرج من وكرها ورضع أفاويق درها وورثها عن آبائه كما قال أبو سعيد الرستمي في حقه ( ورث الوزارة كابرا عن كابر * موصولة الإسناد بالإسناد ) ( يروي عن العباس عباد وزارته * وإسماعيل عن عباد ) وأنشده أبو القسم الزعفراني يوما أبياتا نونية من جملتها ( أيا من عطاياه تهدي الغني * إلى راحتي من نأى أو دنا ) ( كسوت المقيمين والزائرين * كسالم نخل مثلها ممكنا ) ( وحاشية الدار يمشون في * صنوف من الخز إلا أنا ) فقال الصاحب قرأت في أخبار معن بن زائدة الشيباني أن رجلا قال له احملني أيها الأمير فأمر له بناقة وفرس وبغل وحمار وجارية ثم قال لو علمت أن الله تعالى خلق مركوبا غير هذا لحملتك عليه وقد أرمنا لك من الخز بجبة وقميص وعمامة ودراعة وسراويل ومنديل ومطرف ورداءه وكساء وجورب وكيس ولو علمنا لباسا آخر يتخذ من الخز لأعطيناكه واجتمع عنده من الشعراء ما لم يجتمع عند غيره ومدحوه بغرر المدائح وكان حسن الأجوبة كتب إليه بعضهم رقعة أغاؤ فيها على رسائله وسرق جملة من ألفاظه فوقع فيها هذه بضاعتنا ردت إلينا وصنف في اللغة كتابا سماه المحيط في سبع مجلدات وكتاب الكافي في الرسائل (3/115)

115 وكتاب الأعياد وفضائل النيروز وكتاب الإمامة يذكر فيه فضائل على رضى الله عنه ويثبت إمامته على من تقدمه لأنه كان شيعيا وله غير ذلك وله رسائل بديعة ونظم جيد فمنه قوله ( وشادن جماله * تقصر عنه صفتي ) ( أهوى لتقبيل يدي * فقلت قبل شفتي ) وله في رقة الخمر ( رق الزجاج وراقت الخمر * فتشابها وتشاكل الأمر ) ( فكأنما خمر ولا قدح * وكأنما قدح ولا خمر ) وحكى أبو الحسين محمد بن الحسين الفارسي النحوي أن نوح بن منصور أحد ملوك بني ساسان كتب إليه ورقة في السر يستدعيه ليفوض إليه وزارته وتدبير مملكته وكان من جملة أعذاره إليه أنه يحتاج في نقل كتبه خاصة إلى أربعمائة جمل فما الظن بما يليق بها من التجمل وكان مولده لأربع عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة سنة ست وعشرين وثلثمائة باصطخر وقيل بالطالقان وتوفي ليلة الجمعة رابع عشرى صفر بالري ثم نقل إلى أصبهان ومن أخباره أنه لم يسعد أحد بعد وفاته كما كان في حياته غير الصاحب فإنه لما توفي أغلقت له مدينة الري واجتمع الناس على باب القصر ينتظرون خروج جنازته وحضر مخدومه فخر الدولة وسائر القواد وقد غيروا لباسهم فلما خرج نعشه من الباب صاح الناس بأجمعهم صيحة واحدة وقبلوا الأرض ومشى فخر الدولة أمام الجنازة مع الناس وقعد للعزاء أياما ورثاه أبو سعيد الرستمي بقوله ( أبعد ابن عباد يهش إلى السرى * أخوامل أو يستماح جواد ) ( أبى الله إلا أن يموتا بموته * فما لهما حتى المعاد معاد ) قال ابن الأهدل ومن كلامه في وصف الأئمة الثلاثة المتعاصرين أصحاب أبي الحسن الأشعري الباقلاني نار محرق وابن فورك صل مطرق والاسفرائيني (3/116)

116 بحر مغرق قال ابن عساكر كأن روح القدس نفث في روعه بحقيقة حالهم انتهى وفيها أبو الحسن الأذني بفتحتين نسبة إلى أذنة بلد بساحل الشام عند طرسوس القاضي علي بن الحسين بن بندار المحدث نزيل مصر روى الكثير عن ابن فيل وأبي عروبة ومحمد بن الفيض الدمشقي وعلي الغضايري وتوفي في شهر ربيه الأول وفيها الدار قطني بفتح الراء وضم القاف وسكون الطاء نسبة إلى دار القطن محلة ببغداد وهو أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود البغدادي الإمام الحافظ الكبير شيخ الإسلام إليه النهاية في معرفة الحديث وعلومه وكان يدعى فيه أمير المؤمنين وقال في العبر الحافظ المشهور صاحب التصانيف توفي في ذي القعدة وله ثمانون سنة روى عن البغوي وطبقته ذكره الحاكم فقال صار أوحد عصره في الحفظ والفهم والورع إماما في القراءات والنحو صادفته فوق ما وصف لي وله مصنفات يطول ذكرها وقال الخطيب كان فريد عصره وقريع دهره ونسيج وحده وإمام وقته انتهى إليه علم الأثر والمعرفة بالعلل وأسماء الرجال مع الصدق وصحة الاعتقاد والاضطلاع من علوم سوى علم الحديث منها القراءات وقد صنف فيها مصنفا ومنها المعرفة بمذاهب الفقهاء وبلغني أنه درس فقه الشافعي على أبي سعيد الاصطخري ومنها المعرفة بالأدب والشعر فقيل أنه كان يحفظ دواوين جماعة وقال أبو ذر الهروي قلت للحاكم هل رأيت مثل الدار قطني فقال هو لم ير مثل نفسه فكيف أنا وقال البرقاني كان الدار قطني يملى على العلل من حفظه وقال القاضي أبو الطيب الطبري الدار قطني أمير المؤمنين في الحديث انتهى كلام العبر وقال ابن قاضي شهبة قال الحاكم صار أوحد أهل عصره في الحفظ والفهم والورع وإماما في النحو والقراءة وأشهد أنه لم يخلف على أديم الأرض مثله توفي ببغداد ودفن (3/117)

117 قريبا من معروف الكرخي قال ابن ماكولا رأيت في المنام كأني أسأل عن حال الدار قطني في الآخرة فقيل لي ذلك يدعى في الجنة بالإمام انتهى ملخصا وفيها أبو حفص بن شاهين عمر بن أحمد بن عثمان بن أحمد بن محمد بن أيوب البغدادي الواعظ المفسر الحافظ صاحب التصانيف وأحد أوعية العلم توفي بعد الدار قطني بشهر وكان أكبر من الدار قطني بتسع سنين سمع من الباغندي ومحمد بن المجدر والكبار ورحل إلى الشام والبصرة وفارس قال أبو الحسين بن المهتدي بالله قال لنا ابن شاهين صنفت ثلثمائة وثلاثين مصنفا منها التفسير الكبير ألف جزء والمسند ألف وثلثمائة جزء والتاريخ مائة وخمسون جزءا قال ابن أبي الفوارس ابن شاهين ثقة مأمون جمع وصنف ما لم يصنفه أحد وقال محمد بن عمر الداودي كان ثقة بحاثا وكان لا يعرف الفقه ويقول أنا محمدي المذهب انتهى وممن أخذ عنه الماليني والبرقاني وخلق كثير وقال السيوطي في كتابه مشتهى العقول ومنتهى النقول منتهى التفاسير لابن شاهين ألف مجلد والمسند له ألف وخمسمائة مجلد ومداد تصانيفه انتهى إلى ثمانية وعشرين قنطارا قال ابن الجوزي قلت هذا من طي الزمان انتهى كلام السيوطي وفيها أبو بكر الكبشاني محمد بن إبراهيم النيسابوري الأديب الذي روى صحيح مسلم عن إبراهيم بن سفين الفقيه توفي ليلة عيد النحر ضعفه الحاكم لتسميعه الكتاب بقوله من غير أصل وقال في المغني غمزه الحاكم روى الصحيح من غير أصل انتهى وفيها أبو الحسن بن سكرة محمد بن عبد الله بن محمد الهاشمي البغدادي الشاعر المشهور العباسي المفلق ولا سيما في المجون والمزاح وكان هو وابن حجاج يشبهان في وقتهما بجرير والفرزدق ويقال أن ديوان ابن سكرة يزيد على خمسين ألف بيت قال الثعالبي في ترجمته هو شاعر متسع الباع في أنواع الإبداع فائق في قول (3/118)

118 الظرف والملح على الفحول والأفراد جار في ميدان المجون والسخف ما أراد وكان يقال أن زمانا جاد بمثل ابن سكرة وابن حجاج لسخي جدا ومن بديع تشبيهه ما قاله في غلام في يده غصن مزهر ( غصن بان بدا وفي اليد منه * غصن فيه لؤلؤ منظوم ) ( فتحيرت بين غصنين في ذا * قمر طالع وفي ذا نجوم ) وله غلام أعرج ( قالوا بليب بأعرج فأجبتهم * العيب يحدث في غصون البان ) ( أني أحب حديثه وأريده * للنوم لا للجري في الميدان ) وله أيضا ( أنا والله هالك * آيس من سلامتي ) ( أو أرى القامة التي * قد أقامت قيامتي ) وله ( قيل ما أعددت للبرد * فقد جاء بشده ) ( قلت دراعة عرى * تحتها جبة رعدة ) وله البتان اللذان ذكرهما الحريري في مقاماته وهما ( جاء الشتاء وعندي من حوائجه * سبع إذا القطر عن حاجاتنا حبسا ) ( كن وكيس وكانون وكاس طلا * مع الكباب وكل ناعم وكسا ) ومحاسن شعره كثيرة وتوفي يوم الأربعاء حادي عشر شهر ربيع الآخر وفيها الفقيه العلامة الورع الزاهد الخاشع البكاء المتواضع أبو بكر الأودني بالضم وفتح المهملة والنون نسبة إلى أودنة قرية من قرى بخارى شيخ الشافعية ببخارا وما وراء النهر أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد بن نصير كان علامة زاهدا ورعا خاشعا ومن غرائب وجوهه في المذهب أن الربا حرام في كل شيء فلا يجوز بيع شيء بجنسه روى عن الهيثم بن كليب الشاشي وطائفة ومات في شهر (3/119)

119 ربيع الآخر وقد دخل في سن الشيخوخة ومن تلامذته المستغفري قال ابن قاضي شهبة قال الحاكم كان من أزهد الفقهاء وأورعهم وأعبدهم وأبكاهم على تقصيره وأشدهم تواضعا وإنابة وقال الإمام في النهاية وكان من دأبه أن يضن بالفقه على من لا يستحقه وإن ظهر بسببه أثر الانقطاع عليه في المناظرة توفي بخارى انتهى ملخصا وفيها أبو الفتح القواس يوسف بن عمر بن مسرور البغدادي الزاهد المجاب الدعوة في ربيع الآخر وله خمس وثمانون سنة روى عن البغوي وطبقته قال البرقاني كان من الإبدال.

386 هـ

سنة ست وثمانين وثلثمائة فيها توفي أبو حلمد النعيمي أحمد بن عبد الله بن نعيم السرخسي نزسل هراة في ربيع الأول روى الصحيح عن الفربري وسمع من الدغولي وجماعة وفيها أبو أحمد السامري بفتح الميم وتشديد الراء نسبة إلى سر من رأى عبد الله بن الحسين بن حسون البغدادي المقرئ شيخ الإقراء بالديار المصرية مات في المحرم وله إحدى وتسعون سنة قرأ القرآن في الصغر فذكر أنه قرأ على أحمد بن سهل الأشناني وأبي عمران الرقي وابن شنبوذ وابن مجاهد وحدث عن أبي العلا محمد بن أحمد الوكيعي فاتهمه الحافظ عبد الغني المصري في لقيه وقال لا أسلم على من يكذب في الحديث وفي العنوان أن السامري قرأ على محمد بن يحيى الكسائي وهذا وهم من صاحب العنوان لأن محمد بن يحيى توفي قبل مولد السامري بخمس عشرة سنة أو هو عمد ابن السامري ويدل عليه قول محمد بن علي الصوري قد ذكر أبو أحمد أنه قرأ على الكسائي الصغير فكتب في ذلك إلى بغداد يسأل عن وفاة الكسائي فكان الأمر من ذلك بعيدا قال (3/120)

120 في العبر قلت ثم أمسك أبو أحمد عن هذا القول وروى عن ابن مجاهد عن الكسائي انتهى وفيها عبيد الله بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم بن محمد بن جميل أبو أحمد الأصبهاني روى مسند أحمد بن منيع عن جده ومات في شعبان وفيها الحربي أبو الحسن علي بن عمر الحميري البغدادي ويعرف أيضا بالسكري وبالصيرفي وبالكيال روى عن أحمد بن الصوفي وعباد بن علي السيريني والباغندي وطبقتهم ولد سنة ست وتسعين ومائتين وسمع سنة ثلاث وثلثمائة باعتناء أخيه وتوفي في شوال وفيها أبو عبد الله الختن الشافعي محمد بن الحسن الاستراباذي بكسر أوله والفوقية وسكون السين وفتح الراء الموحدة بعدها معجمة نسبى إلى استراباذ من بلاد مازندران بين سارية وجرجان وهو ختن أبي بكر الإسماعيلي وهو صاحب وجه في المذهب وله مصنفات عاش خمسا وسبيعن سنة وكان أديبا بارعا مفسرا منظرا روى عن عبد الملك بن عدي الجرجاني وتوفي في يوم عرفة قال الأسنوي نقل عنه الرافعي في كتاب الجنايات قبيل العاقلة بقليل أن السحر لا حقيقة له وإنما هو تخييل لظاهر الآية انتهى وفيها أبو طالب صاحب القوت محمد بن عطية الحارثة العجمي ثم المكي نشأ بمكة وتزهد وسلك ولقي الصوفية وصنف ووعظ وكان صاحب رياضة ومجاهدة وكان على نحلة أبي الحسن بن سالم البصري شيخ السالمية روى عن علي بن أحمد المصيصي وغيره قاله في العبر وقال ابن خلكان أبو طالب محمد بن علي بن عطية الحارثي صاحب كتاب قوت القلوب كان رجلا صالحا مجتهدا في العبادة ويتكلم في الجامع وله مصنفات في التوحيد لم يكن من أهل مكة وإنما كان من أهل الجبل وسكن مكة فنسب إليها وكان يستعمل الرياضة كثيرا حتى قيل أنه هجر الطعام زمانا واقتصر على أكل الحشائش المباحة فاخضر جلده (3/121)

121 من كثرة تناولها ولقي جماعة من المشايخ في الحديث وعلم الطريقة وأخذ عنهم ودخل البصرة بعد وفاة أبي الحسن بن سالم فانتهى إلى مقالته وقدم بغداد فوعظ الناس وخلط في كلامه فهجروه وتركوه قال محمد بن طاهر المقدسي في كتاب الأنساب أن أبا طالب المكي لما دخل بغداد واجتمع الناس عليه في مجلس الوعظ خلط في كلامه وحفظ عنه أنه قال ليس على المخلوقين أضر من الخالق فبعده الناس وهجروه وامتنع من الكلام بعد ذلك وله كتب في التوحيد وتوفي سادس جمادى الآخرة ببغداد ودفن بمقبرة الملكية بالجانب الشرقي وقبره هناك يزار رحمه الله انتهى بحروفه وفيها العزيز بالله أبو منصور نزار بن المعز معد بن المنصور إسماعيل بن القائم بالله محمد بن المهدي العبيدي الباطني صاحب مصر والشام وولى الأمر بعد أبيه وعاش العزيز اثنتين وأربعين سنة وكان شجاعا جوادا حليما وكان أسمر أصهب أعين أشهل حسن الخلق قريبا من الناس لا يحب سفك الدماء له أدب وشعر وكان مغرى بالصيد وقام بعده ابنه الحاكم وهو الذي اختط جامع مصر القاهرة وبنى قصر البحر وقصر الذهب وجامع القرافة قيل أنه كتب إلى صاحب الأندلس المرواني يهجوه ويذم نسبه فكتب إليه المرواني عرفتنا فهجوتنا ولو عرفناك لهجوناك وأجبناك والسلام فاشتد ذلك عليه وأفحمه لأن أكثر الناس لا يسلمون للعبيد بين نسبتهم إلى أهل البيت ووجد العزيز يوما رقعة على منبر الخطبة فيها

( إنا سمعنا نسبا منكرا * يتلى على المنبر بالجامع )
( إن كنت فيما تدعي صادقا * فانسب أبا بعد الأب الرابع )
( وإن ترد تحقيق ما قلته * فانسب لنا نفسك كالطابع )
( أو فدع الأشياء مستورة * وادخل بنا في النسب الواسع )

387 هـ

سنة سبع وثمانين وثلثمائة فيها توفي أبو القسم بن الثلاج عبد الله بن محمد البغدادي الشاهد في ربيع الأول وله ثمانون سنة روى عن البغوي وطائفة واتهم بالوضع وفيها أبو القسم عبيد الله بن محمد بن خلف بن سهل المصري البزار ويعرف بابن أبي غالب روى عن محمد بن محمد الباهلي وعلي بن أحمد بن علان وطائفة وكان من كبراء المصريين ومتموليهم وفيها وقيل في التي قبلها وبه جزم ابن ناصر الدين في بديعته فقال ( ابن أبي الليث نصر بن محمد النصيبيني المصري أبو العباس كان من الحفاظ الأيقاظ آية في الحفظ وفيها الإمام الكبير الحافظ ابن بطة أبو عبد الله بن عبيد الله بن محمد بن محمد ابن حمدان بن بطة العكبري الفقيه الحنبلي العبد الصالح توفي في المحرم وله ثلاث وثمانون سنة قال في العبر كان صاحب حديث ولكنه ضعيف من قبل حفظه روى عن البغوي وأبي ذر بن الباغندي وخلق وصنف كتابا كبيرا في السنة قال العتيقي كان مستجاب الدعوة انتهى كلام العبر وقال ابن ناصر الدين كان أحد المحدثين العلماء الزهاد ومن مصنفاته الإبانة في أصول الديانة انتهى وقال ابن أبي يعلى في طبقاته سمع من خلائق لا يحصون فإنه سافر الكثير إلى مكة والثغور والبصرة وغير ذلك وصحبه جماعة من شيوخ المذهب منهم أبو حفص البرمكي وأبو عبد الله بن حامد وأبو إسحق البرمكي في آخرين ولما رجع من الرحلة لازم بيته أربعين سنة فلم ير في سوق ولا رؤي مفطرا إلا في يوم الفطر والأضحى وأيام التشريق وقال عبد الواحد بن علي العكبري لم أر في شيوخ أصحاب الحديث ولا في غيرهم أحسن هيئة من ابن بطة وكان أمارا بالمعروف ولم يبلغه خبر منكر إلا غيره وقال محمد الجوهري سمعت أخي أبا عبد الله يقول رأيت النبي في المنام فقلت له يا رسول الله أي المذاهب خير وقال قلت إلى أي المذاهب أكون فقال ابن بطة ابن بطة ابن بطة فخرجت من بغداد إلى عكبرا فصادف دخولي يوم جمعة فقصدت الشيخ أبا عبد الله بن بطة إلى الجامع فلما رآني قال لي ابتداء صدق رسول الله صدق رسول الله وقال أبو عبد الله بن بطة ولدت يوم الاثنين لأربع خلون من شوال سنة أربع وثلثمائة وولد ابن منيع رحمه الله سنة أربع عشرة ومائتين ومات يوم الفطر سنة سبع عشرة وثلثمائة وقرأت عليه معجمه في نفر خاص في مدة عشرة أيام أو أقل أو أكثر وذلك في آخر سنة خمس عشرة وأول سنة ست عشرة وكان بعين ابن بطة ناصور وقد وصف له ترك العشاء فكان يجعل عشاءه قبل الفجر بيسير ولا ينام حتى يصيح وكان عالما بمنازل النيرين واجتاز بن بطة بالأحنف العكبري فقام له فشق ذلك عليه فأنشأ الأحنف ( لا تلمني على القيام فحقي * حين تبدو أن لا أمل القياما ) ( أنت من أكرم البرية عندي * ومن الحق أن أجل الكراما ) فقال ابن بطة متكلفا له الجواب ( أنت إن كنت لأعدمتك ترعى * لي حقا وتظهر الاعظاما ) ( فلك الفضل في التقدم والعلم * ولسنا نحب منك احتشاما ) ( فاعفني الآن من قيامك أولا * فسأجزيك بالقيام قياما ) ( وأنا كاره لذلك جدا * أن فيه تملقا وآثاما ) ( لا تكلف أخاك أن يتلقاك * بما يستحل فيه الحراما ) ( وإذا صحت الضمائر منا * اكتفينا أن نتعب الأجساما ) (3/124)

124 ( كلنا واثق بود أخيه * ففيم انزعاجنا وعلام ) ويقال أنه أفتى وهو ابن خمس عشرة سنة ومصنفاته تزيد على مائة رحمه الله تعالى وفيها ابن مردك أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن مردك البرذعي البزاز ببغداد حدث عن عبد الرحمن بن أبي حاتم وجماعة ووثقه الخطيب وتوفي في المحرم وكان عبدا صالحا وفيها فخر الدولة علي بن ركن الدولة الحسن بن بويه الديلمي سلطان الري وبلاد الجبل وزر له الصاحب بن عباد وكان ملكا شجاعا مطاعا جماعا للأموال واسع الممالك عاش ستا وأربعين سنة وكانت أيامه أربع عشرة سنة لقبه الطائع ملك الأمة وكان أجل من بقي من ملوك بني بويه وكان يقول قد جمعت لولدي ما يكفيهم ويكفي عسكرهم خمس عشرة سنة قال ابن الجوزي في كتابه شذور العقود توفي في قلعة بالري وكانت مفاتيح خزائنها مع ولده ولم يحضر فلم يوجد له كفن فابتيع من قيم الجامع الذي تحت القلعة ثوب فلف فيه واختلف الجند فاشتغلوا عنه حتى أراح فلم يمكنهم القرب منه فشد بالحبال وجر على درج القلعة من بعد حتى تقطع وكان قد ترك ألفي ألف دينار وثمانمائة وخمسة وستين ألفا وكان في خزانته من الجوهر والياقوت واللؤلؤ والبلخش والماس أربعة عشر ألفا وخمسمائة قطعة قيمتها ألف ألف دينار ومن أواني الفضة ما وزنه ثلاثة آلاف ألف من ومن الأثاث ثلاثة آلاف حمل ومن السلاح ألفا حمل ومن الفرش ألفان وخمسمائة حمل انتهى ما ذكره ابن الجوزي وفيها أبو ذر عمار بن محمد بن مخلد التميمي نزيل بخارى روى عن يحيى بن صاعد وجماعة ومات في صفر وروى عنه عبد الواحد الزبيري الذي عاش بعده مائة وثمان سنين وهذا معدوم النظير وفيها أبو الحسين بن سمعون الإمام القدوة الناطق بالحكمة محمد بن أحمد (3/125)

125 ابن إسماعيل البغدادي الواعظ صاحب الأحوال والمقامات روى عن أبي بكر بن أبي داود وجماعة وأملى عدة مجالس ولد سنة ثلثمائة ومات في نصف ذي القعدة ولم يخلف ببغداد مثله قال ابن خلكان وحيد دهره في الكلام على الخواطر وحسن الوعظ وحلاوة الإشارة ولطف العبارة أدرك جماعة من المشايخ وروى عنهم منهم الشيخ أبو بكر الشبلي رحمه الله وأنظاره ومن كلامه ما رواه الصاحب بن عباد قال سمعت ابن سمعون يوما وهو على الكرسي في مجلس وعظه يقول سبحان من أنطق باللحم وبصر بالشحم واسمع بالعظم إشارة إلى اللسان والعين والأذن وهذه من لطائف الإشارات ومن كلامه أيضا رأيت المعاصي نذالة فتركتها مروءة فاستحالت ديانة وله كل معنى لطيف كان لأهل العراق فيه اعتقاد كثير ولهم به غرام شديد وإياه عنى الحريري صاحب المقامات في المقامة الحادية والعشرين وهي الرازية بقوله رأيت بها بكره زمرة أثر زمرة وهم منتشرون انتشار الجراد ومستنون استنان الجياد ومتواصفون واعظا يقصدونه ويحلون ابن سمعون دونه ولم يأت في الوعاظ مثله دفن في داره بشارع العباس ثم انتقل يوم الخميس حادي عشر رجب سنة ست وعشرين وأربعمائة ودفن بباب حرب وقيل أن أكفانه لك تكن بليت بعد رحمه الله تعالى انتهى ملخصا وقال ابن الأهدل هو لسان الوقت المرجوع إليه في آداب الظاهر يذهب إلى أسد المذاهب مع ما يرجع إليه من صحة الاعتقاد وصحبة الفقراء وكان الباقلاني والاسفرائيني يقبلان يده ويجلانه وكان أول أمره ينسخ بالأجرة ويبر أمه فأراد الحج فمنعته أمه ثم رأت رسول الله وهو يقول دعيه يحج فإن الخيرة له في حجه في الآخرة والأولى فخرج مع الحاج فأخذهم العرب وسلبوه فاستمر حتى ورد مكة قال فدعوت في البيت فقلت اللهم أنك بعلمك غنى عن أعلامي بحالي اللهم ارزقني معيشة أشتغل بها عن سؤال الناس قال فسمعت قائلا يقول اللهم انه ما يحسن يدعوك اللهم ارزقه عيشا (3/126)

126 بلا مشقة فأعدت ثلاثا وهو يعيد ولا أرى أحدا وروى الخطيب أن ابن سمعون خرج من المدينة الشريفة إلى بيت الله ومعه تمر صيحاني فاشتهى الرطب فلما كان وقت الإفطار إذا التمر رطب فلم يأكله فعاد إليه من الغد فإذا هو تمر فأكله انتهى ملخصا أيضا وفيها أبو الطيب التيملي بفتح الفوقية وسكون التحتية وضم الميم ولام نسبة إلى تيم الله بن ثعلبة قبيلة وتيم اللات بطن من كلب لا أدري إلى أيهما ينسب صاحب الترجمة محمد بن الحسين الكوفي سمع عبد الله بن زيدان البجلي وجماعة وكان ثقة وفيها أبو الفضل الشيباني محمد بن عبد الله الكوفي حدث ببغداد عن محمد بن جرير الطبري والكبار لكنه كان يضع الحديث للرافضة فترك وفيها أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحق بن خزيمة السلمي النيسابوري روى الكثير عن جده وأبي العباس السراج وخلق واختلط قبل موته بثلاثة أعوام فتجنبوه وفيها محمد بن المسيب الأمير أبو الذواد العقيلي من أجل أمراء العرب تملك الموصل وغلب عليها في سنة ثمانين وثلاثمائة وصاهر بني بويه وتملك بعده أخوه حسام الدولة مقلد بن المسيب وفيها أبو القسم السراج موسى بن عيسى البغدادي وقد نيف على التسعين روى عن الباغندي وجماعة ووثقه عبيد الله الأزهري وفيها نوح بن الملك منصور ين الملك نوح بن الملك نصر بن الملك أحمد بن الملك إسماعيل الساماني أبو القسم سلطان بخارى وسمرقند وكانت دولته اثنتين وعشرين سنة وولى بعده ابنه منصور ثم بعد عامين توثب عليه أخوه عبد الملك بن نوح الذي هزمه السلطان محمد بن سكتكين وانقرضت الدولة السامانية قال ابن الفرات استولى أبو القسم محمود بن ناصر الدولة سكتكين (3/127)

127 وأخذ الملك من مجد الدولة وأسره وأنفذه مقيدا إلى خراسان وكتب إلى القادر بالله يعلمه بذلك فكتب إليه القادر عهدا على خراسان والجبال والسند والهند وطبرستان وسجستان ولقبه يمين الدولة وناصر الملة نظام الدين ناصر الحق نصير أمير المؤمنين قيل وكان قبل ذلك يلقب بمولى أمير المؤمنين ولقب بالسلطان وجلس على التخت ولبس التاج ودخل عليه البديع الهمذاني وامتدحه بأبيات يقول فيها ( أظلت شمس محمود * على أنجم سامان ) ( وأضحى آل بهرام * عبيدا لابن خاقان ) انتهى.

388 هـ

سنة ثمان وثمانين وثلثمائة فيها كما قال في الشذور كان البرد زائدا حتى جمدت جوب الحمامات وبول الدواب انتهى وفيها توفي أبو بكر أحمد بن عبدان بن محمد بن الفرج الشيرازي الحافظ كان من كبار المحدثين سأله حمزة السهمي عن الجرح والتعديل وعمر دهرا روى عن الباغندي والكبار وأول سماعه سنة أربع وثلثمائة توفي في صفر بالأهواز وكان يقال له الباز الأبيض قال ابن ناصر الدين كان واحد الثقات الحفاظ وفيها الحافظ المتقن أحمد بن عبد البصير القرطبي المتقن المجود قال ابن ناصر الدين معدود في حفاظ بلاده مذكور في محدثيه ونقاده انتهى وفيها حمد بن إبراهيم بن خطاب الخطابي البستي بضم الموحدة وسكون السين المهملة وبالفوقية نسبة إلى بست مدينة من بلاد كابل أبو سليمان كان أحد أوعية العلم في زمانه حافظا فقيها مبرزا على أقرانه وقال ابن الأهدل أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي البستي الشافعي صاحب التصانيف النافعة الجامعة منها معالم السنن وغريب الحديث وإصلاح غلط المحدثين وغيرها روى عن جماعة من الأكابر وروى عنه الحاكم وغيره ومن شعره ( وما غربة الإنسان في شقة النوى * ولكنها والله في عدم الشكل ) ( وإني غريب بين بست وأهلها * وإن كان فيها أسرتي وبها أهلي ) ومنه ( فسامح ولا تستوف حقك دائما * وأفضل فلم يستوف قط كريم ) ( ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد * كلا طرفي قصد الأمور ذميم ) ومنه ( ما دمت حيا فدار الناس كلهم * فإنما أنت في دار المداراة ) ( ولا تعلق بغير اله في نوب * إن المهيمن كافيك المهمات ) وسئل عن اسمه أحمد أو حمد فقال سميت بحمد وكتب الناس أحمد فتركته انتهى وفيها أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن عبد الله بن بكير البغدادي الصيرفي الحافظ روى عن إسماعيل الصفار وطبقته وكان عجبا في حفظ الحديث وسرده وروى عنه أبو حفص بن شاهين مع تقدمه وتوفي في ربيع الآخر عن إحدى وستين سنة وكان ثقة غمزه بعضهم قاله في العبر وفيها أبو الفضل الفامي عبيد الله بن محمد النيسابوري روى عن أبي العباس السراج وغيره وفيها أبو العلاء بن ماهان عبد الوهاب بن عيسى البغدادي ثم المصري روى صحيح مسلم عن أبي بكر أحمد بن محمد الأشقر سوى ثلاثة أجزاء (3/129)

129 من أجزاء الكتاب يرويها عن الجلودي وفيها أبو حفص عمر بن محمد بن عراك المصري المقرئ المجود القيم بقراءة ورش توفي يوم عاشوراء وقرأ على أصحاب إسماعيل النحاس وفيها أبو الفرج الشنبوذي محمد بن أحمد بن إبراهيم المقرئ غلام ابن شنبوذ قرأ عليه القراءات وعلي ابن مجاهد وجماعة واعتنى بهذا الشأن وتصدر للاقراء وكان عارفا بالتفسير وكان يقول احفظ خمسين ألف بيت من الشعر شواهد للقرآن تكلم فيه الدار قطني وفيها أبو بكر الاشتيخي بكسر أوله والفوقية وسكون المعجمة والتحتية ثم خاء معجمة مفتوحة ونون نسبة إلى اشتيخن من قرى الصغد محمد بن أحمد بن مت الراوي صحيح البخاري عن الفربري توفي في رجب بما وراء النهر وفيها أبو علي الحاتمي محمد بن الحسن بن مظفر البغدادي اللغوي الكاتب أحد الأعلام المشاهير المكثرين أخذ الأدب عن أبي عمر الزاهد غلام ثعلب وروى عنه أخبارا وأملاها في مجالس الأدب وروى عن غيره أيضا وأخذ عنه جماعة من النبلاء منهم القاضي التنوخي وغيره وله الرسالة الحاتمية التي شرح فيها ما جرى بينه وبين أبي الطيب المتنبي من إظهار سرقاته وإبانة عيوب شعره ولقد دلت على غزارة مادته وتوافر إطلاعه وذكر الحاتمي أنه اعتل فتأخر عن مجلس شيخه أبي عمر الزاهد فسأل عنه فقيل له أنه مريض فجاءه يعوده فوجده قد خرج إلى الحمام فكتب على بابه باسفيداج ( وأعجب شيء سمعنا به * عليل يزار فلا يوجد ) وفيها أبو بكر الجوزقي بالجيم والزاي نسبة إلى جوزق كجعفر قرية بنيسابور وأخرى بهراة محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا الشيباني الحافظ المعدل شيخ نيسابور ومحدثها ومصنف الصحيح روى عن السراج وأبي حامد بن الشرق (3/130)

130 وطبقتهما ورحل إلى أبي العباس الدغولي وإلى ابن الأعرابي وإسماعيل الصفار قال الحاكم انتقيت له فوائد في عشرين جزءا ثم ظهر بعدها سماعه من السراج واعتنى به خاله المزكي وتوفي في شوال عن اثنتين وثمانين سنة وقال ابن ناصر الدين من مصنفاته كتاب الصحيح المخرج على كتاب مسلم وكتاب المتفق والمفترق الكبير في نحو ثلثمائة جزء خطير انتهى وفيها أبو بكر الأدفوي محمد بن علي بن أحمد المصري المقرئ المفسر النحوي وأدفو بضم الهمزة وسكون المهملة وضم الفاء قرية بصعيد مصر قرب أسوان وكان خشابا أخذ عن أبي على جعفر النحاس فأكثر وأتقن رواية ورش على أبي غانم المظفر بن أحمد وألف التفسير في مائة وعشرين مجلدا وكان شيخ الديار المصرية وعالمها وكانت له حلقة كبيرة للعلم وتوفي في ربيع الأول سنة تسع وثمانين وثلثمائة تمادت الشيعة في هذه الأعصر في غيهم بعمل عاشوراء باللطم والعويل وبنضب القباب والزينة وشعار الأعياد يوم الغدير فعمدت غالية السنة وأحدثوا في مقابلة يوم الغدير يوم الغار وجعلوه بعد ثمانية أيام من يوم الغدير وهو السادس والعشرون من ذي الحجة وزعموا أن النبي وأبا بكر اختفيا حينئذ في الغار وهذا جهل وغلط فإن أيام الغار إنما كانت بيقين في صفر وفي أول شهر ربيع الأول وجعلوا بإزاء يوم عاشوراء بعده بثمانية أيام يوم مصرع مصعب بن الزبير وزار وأقبره يومئذ بمسكن وبكوا عليه ونظروه بالحسين لكونه صبر وقاتل حتى قتل ولأن أباه ابن عمة النبي وحواريه وفارس الإسلام كما أن أبا الحسين ابن عم النبي وفارس الإسلام فنعوذ بالله من الهوى والفتن ودامت السنة على هذا الشعار القبيح مدة سنين قاله في العبر (3/131)

131 وفيها توفي أحمد بن محمد بن عابد بالموحدة الأسدي الأندلسي القرطبي أبو عمر مات كهلا لم يبلغ التعمير وكان عنده حفظ وتحرير قاله ابن ناصر الدين وفيها أبو محمد المخلدي بفتح أوله واللام نسبة إلى جده مخلد الذي سيذكر الحسن بن أحمد بن محمد بن الحسن بن علي بن مخلد النيسابوري المحدث شيخ العدالة وبقية أهل البيوتات توفي في رجب وروى عن السراج وزنجويه اللباد وطبقتهما وفيها أبو علي زاهر بن أحمد السرخسي الفقيه الشافعي أحد الأئمة في ربيع الآخر وله ست وتسعون سنة روى عن أبي لبيد السامي والبغوي وطبقتهما قال الحاكم شيخ عصره بخراسان وكان قد قرأ على ابن مجاهد وتفقه على أبي إسحق المروزي وتأدب على ابن الأنباري وأخذ علم الكلام عن الأشعري وعمر دهرا وقال ابن قاضي شهبة كان يقول عند الموت لعن الله المعتزلة موهوا ومخرقوا ومات وله ست وتسعون سنة وفيها أبو محمد بن أبي زيد القيرواني المالكي عبد الله بن أبي زيد شيخ المغرب أبيه انتهت رياسة المذهب قال القاضي عياض حاز رياسة الدين والدنيا ورحل إليه من الأقطار ونجب أصحابه وكثر الآخذون عنه وهو الذي لخص المذهب وملأ البلاد من تآليفه حج وسمع من أبي سعيد بن الأعرابي وغيره وكان يسمى مالكا الأصغر قال الحبال توفي للنصف من شعبان وفيها أبو الطيب بن غلبون عبد المنعم بن عبد الله بن غلبون الحلبي المقرئ الشافعي صاحب الكتب في القراءات قرأ على جماعة كثيرة وروى الحديث و البغوي توفي في ربيع الآخر وفيها أبو الهيثم الكشميهني بالضم والسكون والكسر وتحتية وفتح الهاء نسبة إلى كشميهن قرية بمرو محمد بن مكي المروزي راوية البخاري عن الفربري توفي يوم عرفة وكان ثقة وله رسائل أنيقة وفيها قاضي القضاة لصاحب لصاحب مصر أبو عبد الله محمد بن النعمان بن محمد بن منصور الشيعي في الظاهر الباطني في الباطن ولد قاضي القوم وأخو قاضيهم قال ابن زولاق لم نشاهد بمصر لقاض من الرياسة ما شاهدناه له ولا بلغنا ذلك (3/132)

عن قاض بالعراق ووافق ذلك استحقاقا لما فيه من العلم والصيانة والهيبة وإقامة الحق وقد ارتفعت وتبته حتى أن العزيز أجلس معه يوم الأضحى على المنبر وزادت عظمته في دولة الحاكم ثم تعلل وتنقرس ومات في صفر وله تسع وأربعون سنة وولى القضاء بعده ابن أخيه الحسين بن علي الذي ضربت عنقه في سنة أربع وتسعين سنة تسعين وثلثمائة فيها توفيت أمة السلام بنت القاضي أحمد بن كامل بن شجرة البغدادية كانت دينة فاضلة روت عن محمد بن إسماعيل البصلاني وغيره وفيها ابن فارس اللغوي أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا بن محمد بن حبيب الرازي اللغوي كان إماما في علوم شتى خصوصا اللغة فإنه أتقنها وألف كتابه المجمل في اللغة وهو على اختصاره جمع شيئا كثيرا وله كتاب حلية الفقهاء وله رسائل أنيقة ومنه اقتبس الحريري صاحب المقامات ذلك (3/133)

133 الأسلوب ووضع المسائل الفقهية في المقامة الطيبية وهي مائة مسئلة وكان مقيما بهمذان وعليه اشتغل بديع الزمان الهمذاني صاحب المقامات وله أشعار جيدة فمنها قوله ( مرت بنا هيفاء مجدولة * تركية تنمى لتركي ) ( ترنو بطرف فاتر فاتن * أضعف من حجة نحوي ) وله أيضا ( اسمع مقالة ناصح * جمع النصيحة والمقه ) ( إياك أحذر أن تبيت * من الثقات على ثقة ) وله أيضا ( إذا كنت في حاجة مرسلا * وأنت بها كلف مغرم ) ( فأرسل حكيما ولا توصه * وذاك الحكيم هو الدرهم ) وله أيضا ( سقى همذان الغيث لست بقائل * سوى ذا وفي الأحشاء نار تضرم ) ( ومالي لا أصفى الدعاء لبلدة * أفدت بها نسيان ما كنت أعلم ) ( نسيت الذي أحسنته غير أنني * مدين وما في جوف بيتي درهم ) وله أشعار كثيرة حسنة توفي بالري ودفن مقابل مشهد القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني ومن شعره أيضا ( وقالوا كيف حالك قلت خير * تقضي حاجة وتفوت حاج ) ( إذا ازدحمت هموم الصدر قلنا * عسى يوم يكون به انفراج ) ( نديمي هرتي وأنيس نفسي * دفاتر لي ومعشوق السراج ) وفيها حبيش بن محمد بن صمصامة القائد أبو الفتح الكتامي ولي أمرة دمشق ثلاث مرات لصاحب مصر وكان جبارا ظلوما غشوما سفاكا للدماء وكثر ابتهال أهل دمشق إلى الله في هلاكه حتى هلك بالجذام في هذه السنة (3/134)

134 وفيها أبو حفص الكتاني عمر بن إبراهيم البغدادي المقرئ صاحب ابن مجاهد قرأ عليه وسمع منه كتابه في القراءات وحدث عن البغوي وطائفة توفي في رجب وله تسعون سنة وكان ثقة وفيها ابن أخي ميمي الدقاق أبو الحسين محمد بن عبد الله بن الحسين البغدادي روى عن البغوي وجماعة وله أجزاء مشهورة وتوفي في رجب وفيخا أبو الحسن محمد بن عمر بن يحيى العلوي الحسيني الرندي الكوفي رئيس العلوية بالعراق ولد سنة خمس عشرة وثلثمائة ورروى عن هناد بن السرى الصغير وغيره وصادره عضد الدولة وحبسه وأخذ أمواله ثم أخرجه شرف الدولة لما تملك وعظم شأنه في دولته فيقال أنه كان من أكثر علوى مالا وقد أخذ منه عضد الدولة ألف ألف دينار وفيها أبو زرعة الكشي محمد بن يوسف الجرجاني وكش قرية قريبة من جرجان سمع من أبي نعيم بن عدي وأبي العباس الدغولي وطبقتهما بنيسابور وبغداد وهمذان والحجاز وجمع وصنف الأبواب والمشايخ وجاور بمكة سنوات وبها توفي وفيها المعافى بن زكريا القاضي أبو الفرج النهرواني الجريري نسبة إلى مذهب ابن جرير الطبري لأنه تفقه عليه ويعرف أيضا بابن طرارا سمع من البغوي وطبقته فأكثر وجمع فأوعى وبرع في عدة علوم قال الخطيب كان من أعلم الناس في وقته بالفقه والنحو واللغة وأصناف الآداب وولى القضاء بباب الطاق وبلغنا عن الفقيه أبي محمد الباقي أنه كان يقول إذا حضر القاضي أبو الفرج فقد حضرت العلوم كلها ولو أوصى رجل بشيء أن يدفع إلى أعلم الناس لوجب أن يدفع إليه وقال البرقاني كان المعافى أعلم الناس وقال ابن ناصر الدين كان حافظا علامة ذا فنون من الثقات ومن مصنفاته التفسير الكبير وكتاب الجليس والأنيس انتهى ومن شعره (3/135)

135 ( الأقل لمن كان لي حاسدا * أتدري على من أسأت الأدب ) ( أسأت على الله في ملكه * بأنك لم ترض لي ما وهب ) ( فجازاك عني بأن زادني * وسد عليك وجوه الطلب ) وتوفي بالنهروان في ذي الحجة وله خمس وثمانون سنة وكان قانعا متعففا سنة إحدى وتسعين وثلثمائة فيها توفي أحمد بن عبد الله بن حميد بن زريق البغدادي أبو الحسن نزيل مصر كان من الثقات الأثبات روى عن المحاملي ومحمد بن مخلد وجماعة وكان صاحب حديث رحل إلى دمشق والرقة وفيها أحمد بن يوسف الخشاب أبو بكر الثقفي المؤذن بأصبهان روى عن الحسن بن دكه وجماعة كثيرة وفيها جعفر بن الفضل بن جعفر بن محمد بن موسى بن الفرات أبو الفضل بن حنزابة البغدادي وزير الديار المصرية وابن وزير المقتدر أبي الفتح حدث عن محمد بن هرون الحضرمي والحسن بن محمد الداركي وخلق وكان صاحب حديث ولد سنة ثمان وثلثمائة ومات في ربيع الأول قال الحافظ السلفي كان ابن حنزابة من الحفاظ الثقات يملي في حال وزارته ولا يختار على العم وأهله شيئا وكذا قال ابن ناصر الدين وقال غيرهما كان له عبادة وتهجد وصدقات عظيمة إلى الغاية توفي بمصر ونقل فدفن في دار اشتراها من الأشراف بالمدينة من أقرب شيء إلى قبر رسول الله وذكره الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق وأورد من شعره ( من أخمل النفس أحياها وروحها * ولم يبت طاويا منها على ضجر ) ( إن الرياح إذا اشتدت عراصفها * فليس ترمي سوى العالي من الشجر ) وقال ابن كثير الإحسان إلى أهل الحرمين واشترى بالمدينة دارا بالقرب من المسجد ليس بينها وبين الضريح النبوي على ساكنه أفضل الصلاة والسلام (3/136)

136 سوى جدار واحد وأوصى أن يدفن فيها وقرر مع الأشراف ذلك ولما مات حمل تابوته من مصر إلى الحرمين وخرجت الأشراف إلى لقائه وفاءا بما أحسن إليهم فحجوا به وطافوا ووقفوا بعرفة ثم ردوه إلى المدينة ودفنوه بالدار المذكورة انتهى كلام ابن عساكر ويقال أن بعضهم أنشد ( سر نعشه فوق الرقاب وطالما * سرى جوده فوق السحاب ونائله ) ( يمر على الوادي فتثنى رماله * عليه وبالنادي فتبكي أرامله ) رحمه الله تعالى وحنزابة بكسر الحاء المهملة وسكون النون وفتح الزاي وبعد الألف موحدة ثم هاء ساكنة هي أم أبيه الفضل بن جعفر والحنزابة في اللغة المرأة القصيرة الغليظة وفيها ابن حجاج الأديب أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن جعفر بن الحجاج البغدادي الشيعي المحتسب الشاعر المشهور ذو المجون والخلاعة والسخف في شعره كان فرد في زمانه في فنه فإنه لم يسبق إلى تلك الطريقة مع عذوبة ألفاظه وسلامة شعره من التكلف ويقال أنه في الشعر في درجة امرئ القيس وأنه لم يكن بينهما مثلهما لأن كل واحد منهما مخترع طريقة وله ديوان كبير يبلغ عشر مجلدات الغالب عليه الهز والمجون والهجو والرفث وكان شيعيا غاليا انتهى ومن جيد شعره وجده ( يا صاحبي استيقظا من رقدة * تزري على عقل اللبيب الأكيس ) ( هذي المجرة والنجوم كأنها * نهر تدفق في حديقة نرجس ) ( وأرى الصباقد غلست بنسيمها * فعلام شرب الراح غير مغلس ) ( قوما أسقياني قهوة رومية * من عهد قيصر دنها لم يمسس ) ( صرفا تضيف إذا تسلط حكمها * موت العقول إلى حياة الأنفس ) ومن شعره أيضا ( قال قوم لزمت حضرة أحمد * وتجنبت سائر الرؤساء ) (3/137)

137 ( قلت ما قاله الذي أحرز المعنى * قديما قبلي من الشعراء ) ( يسقط الطير حيث يلقتطالحب * ويغشي منازل الكرماء ) وهذا البيت الثالث لبشار بن برد وتوفي يوم الثلاثاء سابع عشرى جمادى الآخرة بالنيل وحمل إلى بغداد ودفن عنه مشهد موسى بن جعفر رضي الله عنه وكان أوصى أن يدفن عند رجليه ويكتب على قبره ( ^ وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ) ورآه بعد موته بعض أصحابه في المنام فسأله عن حاله فأنشد ( أفسد سوء مذهبي * في الشعر حسن مذهبي ) ( لم يرض مولاي على * سبي لأصحاب النبي ) ورثاه الشريف الرضي بقصيدة من جملتها ( نعوه على حسن ظني به * فلله ماذا نعى الناعيان ) ( رضيع ولاء له شعبة * من القلب مثل رضيع اللبان ) ( وما كنت أحسب أن الزمان * يفل مضارب ذاك اللسان ) ( بكيتك للشرد السائرات * تفتق ألفاظها بالمعاني ) ( ليبك الزمان طويلا عليك * فقد كنت خفة روح الزمان ) والنيل التي مات بها على وزن نهر مصر بلدة على الفرات بين بغداد والكوفة خرج منها جماعة من العلماء والأصل فيه نهر حفره الحجاج بن يوسف في هذا المكان آخذ من الفرات وسماه باسم نيل مصر وعليه قرى كثيرة وفيها أبو الحسن الجزري عبد العزيز بن أحمد الفقيه إمام أهل الظاهر في عصره أخذ عن القاضي بشر بن الحسين وقدم من شيراز في صحبة الملك عضد الدولة فاشتغل عليه فقهاء بغداد قال أبو عبد الله الصيمري ما رأيت فقيها أنظر منه ومن أبي حامد الأسفرائيني الشافعي وفيها أبو القسم عيسى بن الوزير علي بن عيسى بن داود بن الجراح البغدادي الكاتب المنشئ ولد سنة اثنتين وثلثمائة وتوفي في أول ربيع الأول. قال ابن أبي الفوارس كان يرمي بشيء من مذهب الفلاسفة وقال في العبر روى عن البغوي وطبقته وله أمال سمعنا منها انتهى وفيها حسام الدولة مقلد بن المسيب بن رافع العقيلي صاحب الموصل تملكها بعد أخيه أبي الذواد فكانت مدة الأخوين إحدى عشرة سنة وقد بعث القادر إلى مقلد خلع السلطنة واستخدم هو نحو ثلاثة آلاف من الترك والديلم ودانت له عرب خفاجة وله شعر حسن وهو رافضي قتله غلام له في مجلس أنس ودفن على الفرات بمكان يقال له شقبا بين الأنبار وهيت وحكى أن قاتله سمعه وهو يقول لرجل ودعه يريد الحج إذا جئت ضريح رسول الله فقف عنده وقل له عني لولا صاحباك لزرتك ولما مات رثاه جماعة من الشعراء منهم الشريف الرضي وكان ولده معتمد الدولة أبو المنيع قرواش غائبا عنه ثم تقلد الأمر من بعده وكان له بلاد الموصل والكوفة والمدائن وشقى الفرات وخطب في بلاده للحاكم العبيدي ثم رجع عن ذلك فوصلت الغز إلى الموصل ونهبوا دار قرواش وأخذوا منها ما يزيد على مائتي ألف دينار فاستنجد بنور الدولة أبي الأعرديس ابن صدقة فأنجده واجتمعوا على محارية الغز فنصرا عليهم وقتلوا منهم الكثير ومدحه أبو علي بن الشبل البغدادي الشاعر المشهور بقصيدة ذكر فيها هذه الواقعة منها قوله ( نزهت أرضك عن قبور جسومهم * فغدت قبورهم بطون الأنسر ) ( من بعد ما وطئوا البلاد وظفروا * من هذه الدنيا بكل مظفر ) ( فطووا رياح السد عن يأجوجه * ولقوا ببابك سطوة الاسكندر ) وكان قرواش المذكور يلقب مجد الدين وهو ابن أخت الأمير أبي الهيجاء صاحب أربل وكان أديبا شاعرا ظريفا وله أشعار سائرة فمن ذلك ما أورده أبو الحسن الباخرزي في كتابه دمية القصر (3/139)

139 ( لله در النائبات فإنها * صدأ اللئام وصيقل الأحرار ) ( ما كنت إلا زبرة فطبعتني * سيفا وأطلق صرفهن غراري ) وأورد له أيضا ( من كان يحمد أو يذم مورثا * للمال من آبائه وجدوده ) ( فإنا امرؤ لله أشكر وحده * شكرا كثيرا جالبا لمزيده ) ( لي أشقر مثل الغياث مغاور * يعطيك ما يرضيك من مجهوده ) ( ومهند عضب إذا جردته * خلت البروق تموج في تجريده ) ( ومثقف لدن اللسان كأنما * أم المنايا ركبت في عوده ) ( وبذا حويت المال إلا أنني * سلطت جود يدي على تبديده ) ما أحسن هذا الشعر وأمتنه وكان قرواش كريما نهابا وهابا جاريا على سنن العرب قيل أنه جمع بين أختين في النكاح فلامته العرب على ذلك فقال أخبروني ما الذي نستعمله مما تبيحه الشريعة وكان يقول ما في رقبتي غير خمسة من أهل البادية قتلتهم وأما الحاضرة فلا يعبأ الله بهم ودامت إمرته خمسين سنة فوقع بينه وبين أخيه بركة بن المقلد وكانا خارج البلد فقبض بركة عليه في سنة إحدى وأربعين وأربعمائة وحبسه في الخارجية إحدى قلاع الموصل وتولى مكانه ولقب بزعيم الدولة وأقام في الإمارة سنتين وتوفي سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة في ذي الحجة فقام مقامه ابن أخيه أبو المعالي قريش بن أبي الفضل بدران بن المقلد فأول ما فعل قتل عمه قرواش المذكور في حبسه في مستهل رجب سنة أربع وأربعين وأربعمائة ودفن بتل توبة شرقي الموصل.

392 هـ

سنة اثنتين وتسعين وثلثمائة فيها توفي الحاجبي أبو علي إسماعيل بن محمد بن أحمد صاحب الكشاني السمرقندي سمع الصحيح ممن الفربري ومات في هذه السنة أو في التي قبلها (3/140)

140 وفيها أبو محمد الضراب الحسن بن إسماعيل المصري المحدث راوي المجالسة عن الدينوري توفي في ربيع الآخر وله تسع وسبعون سنة وفيها الأصيلي الفقيه أبو محمد عبد الله بن إبراهيم المغربي الأندلسي القاضي أخذ عن وهب بن ميسرة وكتب بمصر عن أبي الطاهر الذهلي وطبقته وبمكة عن الآجري وببغداد عن أبي علي بن الصواف وكان حافظا عالما بالحديث رأسا في الفقه قال الدار قطني لم أر مثله وقال غيره كان نظير أبي محمد بن أبي زيد بالقيروان وعلى طريقته وهديه وفيها عبد الرحمن بن أبي شريح أبو محمد الأنصاري محدث هراة روى عن البغوي والكبار ورحلت إليه الطلبة وآخر من روى عنه عاليا أبو المنجا بن اللتي وتوفي في صفر وفيها أبو الفتح بن جني عثمان بن جني الموصلي النحوي صاحب التصانيف وكان أبوه مملوكا روميا لسليمان بن فهد بن أحمد الأزدي الموصلي وإلى هذا أشار بقوله ( فإن الصبح بلا نسب * فعلمي في الورى نسبي ) ( على أني أؤول إلى * قروم سادة نجب ) ( قياصرة إذا نطقوا * ازم الدهر ذو الخطب ) ( أولاك دعا النبي لهم * كفى شرفا دعاء نبي ) وله أشعار حسنة ويقال أنه أعور وأخذ عن أبي علي الفارسي ولازمه وله تصانيف مفيدة منها كتاب الخصائص وسر الصناعة والكافي في شرح القوافي والمذكر والمؤنث والمقصور والممدود والتذكرة الأصبهانية وغير ذلك ويقال أن الشيخ أبا إسحق الشيرازي أخذ منه أسماء كتبه وشرح ابن جني أيضا ديوان المتنبي شرحا سماه النشز وكان قد قرأ الديوان على (3/141)

141 صاحبه وكان المتنبي يقول ابن جني أعرف بشعري مني وكانت ولادة ابن جني بالموصل قبل الثلمائة وتوفي يوم الجمعة ثامن عشرى صفر ببغداد قال ابن خلكان وجني بكسر الجيم وتشديد النون وبعدها ياء وفيها الوليد بن بكر الغمري الأندلسي السرقسطي بفتحتين وضم القاف وسكون المهملة نسبة إلى سرقسطة مدينة بالأندلس أبو العباس الحافظ رحل بعد الستين وثلثمائة وروى عن الحسن بن رشيق وعلي بن الخصيب وخلق قال ابن الفرضي كان إماما في الفقه والحديث عالما باللغة والعربية لقي في الرحلة أزيد من ألف شيخ وقال غيره له شعر فائق وتوفي بالدينور وقال ابن ناصر الدين قال الحافظ عبد الرحيم الوليد هذا عمري أي بالعين المهملة ولكن دخل إفريقية فكان ينقط العين حتى سلم وقال إذا رجعت إلى الأندلس جعلت النقطة التي على العين ضمة وأراني خطه انتهى سنة ثلث وتسعين وثلثمائة فيها أمر نائب دمشق الأسود الحاكمي بمغربي فطيف به على حمار ونودي عليه هذا جزاء من يحب أبا بكر وعمر ثن ضرب عنقه رحمه الله ولا رحم قاتله ولا أستاذه الحاكم قاله في تاريخ الخلفاء ومات فيها كما قال ابن الأهدل وكيع الشاعر المتقدم في زمانه على أقرانه ومن شعره ( لقد قنعت همتي بالخمول * فصدت عن الرتب العالية ) ( وما جهلت طعم طيب العلا * ولكنها تؤثر العافية ) ونظم أبو الفتح االقضاعي المدرس بتربة الشافعي بالقرافة في هذا المعنى فقال (3/142)

142 ( بقدر الصعود يكون الهبوط * فإياك والرتب العالية ) ( وكن بمكان إذا سقطت * تقوم ورجلاك في عافية ) لكن المتنبي أخذ يعلو همته في نقض ما قالوا فقال ( إذا غامرت في شرف مروم * فلا تقنع بما دون النجوم ) ( فطعم الموت في أمر حقير * كطعم الموت في أمر عظيم ) انتهى وفيها أبو حفص أحمد بن محمد بن المرزبان الأبهري أبهر أصبهان سمع جزء لوين من محمد بن إبراهيم الخزوري سنة خمس وثلثمائة وكان أديبا فاضلا وفيها أبو إسحق الطبري إبراهيم بن أحمد المقرئ الفقيه المالكي المعدل أحد الرؤساء والعلماء ببغداد قرأ القرآن على ابن بويان وأبي عيسى بكار وطبقتهما وحدث عن إسماعيل الصفار وطبقته وكانت داره مجمع أهل القرآن والحديث وأفضاله زائد على أهل العلم وكان ثقة وفيها الجوهري صاحب الصحاح أبو نصر إسماعيل بن حماد التركي اللغوي أحد أئمة اللسان وكان في جودة الحفظ في طبقة ابن مقلة ومهلهل أكثر الترحال ثم سكن بنيسابور قال القفطي أنه مات مترديا من سطح جامع نيسابور في هذا العام قال وقيل مات في حدود الأربعمائة وقيل أنه تسودن وعمل له شبه جناحين وقال أريد أن أطير فأهلك نفسه رحمه الله قاله في العبر وقال السيوطي في طبقات النحاة قال ياقوت كان من أعاجيب الزمان ذكاء وفطنة وعلما وأصله من فاراب من بلاد الترك وكان إماما في اللغة والأدب وكان يؤثر السفر على الحضر ويطوف الآفاق دخل العراق فقرأ العربية على أبي علي الفارسي والسيرافي وسافر إلى الحجاز وشافه باللغة العرب العاربة وطاف بلاد ربيعة ومضر ثم عاد إلى خراسان ثم أقام بنيسابور ملازما للتدريس والتأليف وكتابة المصاحف والدفاتر حتى مضى لسبيله عن آثار جميلة (3/143)

143 وصنف كتابا في العروض ومقدمة في النحو والصحاح في اللغة مع تصحيف فيه في مواضع عدة تتبعها عليه المحققون قيل أن سببه أنه لما صنفه سمع عليه إلى باب الضاد المعجمة وعرض عليه وسوسة فانتقل إلى الجامع القديم بنيسابور فصعد سطحه وقال أيها الناس إني عملت في الدنيا شيئا لم أسبق إليه فسأعمل للآخرة أمرا لم يسبق إليه وضم إلى جنبيه مصراعي باب وتأبطهما بحبل وصعد مكانا عاليا وزعم أنه يطير فوقع فمات وبقي سائر الكتاب مسودة غير منقح ولا مبيض فبيضه تلميذه إبراهيم بن صالح الوراق فغلط فيه في مواضع انتهى كلام السيوطي ملخصا وفيها الطائع لله أبو بكر عبد الكريم بن المطيع لله الفضل بن المقتدر جعفر بن المعتضد أحمد الموفق العباسي دخل عليه بهاء الدولة وكان حق عليه لسبب فقبل الأرض ووقف ثم أومأ إلى جماعة من أصحابه كان واطأهم على فعل ما سنذكره فجذبوا الطائع لله من سريره ولفوه في كساء وأخرجوه من الباب المعروف بباب بدر وحملوه إلى دار المملكة ملفوفا على قفا فراش ثم أشهد عليه بخلع نفسه وسملت عيناه وقطع قطعة من إحدى أذنيه وكان بهاء الدولة قبض عليه في يوم السبت تاسع عشر شعبان سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة وفي ليلة الأحد ثالث رجب سنة إحدى وثمانين وثلثمائة سلم الطايع لله إلى القادر بالله فأنزله حجرة من حجر خاصته ووكل به من يحفظه من ثقات خدمه وأحسن ضيافته ومراعاة أموره غير أنه تقدم بجذع أنفه فقطع يسير من مارن أنفه مع ما كان قطع أولا من أذنه وتوفي الطائع لله يوم الثلاثاء سلخ شهر رمضان وكانت دولته أربعا وعشرين سنة وكان مربوعا أبيض أشقر مجدور الوجه كبير الأنف أنجر الفم شديد القوى في خلقه حدة واستمر مكرما محترما في دار عند القادر بالله إلى أن كات وله ثلاث وسبعون سنة وصلى عليه القادر وشيعه الأكابر ورثاه الشريف الرضي وفيها المنصور الحاجب أبو عامر محمد بن عبد الله بن أبي عامر القحطاني (3/144)

144 المعافري بالفتح وكسر الفاء وراء نسبة إلى المعافر بطن من قحطان الأندلسي مدبر دولة المؤيد بالله هشام بن المستنصر بالله الحكم بن بعد الرحمن الأموي لأن المؤيد بايعوه بعد أبيه وله تسع سنين وبقي صورة وأبو عامر هو الكل وكان حازما بطلا شجاعا غزاءا عادلا سايسا افتتح فتوحا كثيرة وأثر آثارا حميدة وكان لا يمكن المؤيد من الركوب ولا من الاجتماع بأحد إلا بجواريه وفيها المخلص أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن بن العباس البغدادي الذهبي مسند وقته سمع أبا القسم البغوي وطبقته وكان ثقة توفي في رمضان وله ثمان وثمانون سنة وفيها أبو القسم خلف بن القسم بن سهل الأندلسي الحافظ وهو إمام مقرئ مصنف ناقد قال ابن ناصر الدين في بديعته ( ثم فتى دباغ بن قاسم * شاع صلاح جمعه فلازم ) سنة أربع وتسعين وثلثمائة فيها توفي أبو عمر عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب السلمي بالضم والفتح نسبة إلى سليم قبيلة مشهورة منها العباس بن مرداس والعرباض بن سارية الأصبهاني المقرئ روى عن عبد الله بن محمد الزهري ابن أخي رسته وكتب الكثير وتوفي في ذي القعدة وفيها أبو الفتح إبراهيم بن علي بن سيبخت نزل مصر وحدث عن البغوي وأبي بكر بن أبي داود قال الخطيب كان سيئ الحال في الرواية توفي بمصر وفيها محمد بن عبد الملك بن صيفون أبو عبد الله اللخمي القرطبي الحداد (3/145)

145 سمع عبد الله بن يونس القبري وقاسم بن أصبغ وبمكة من أبي سعيد بن الأعرابي قال ابن الفرضي لم يكن ضابطا اضطرب في أشياء قاله في العبر وقال في المغني سمع ابن الأعرابي قال ابن الفرضي عدل صالح واضطرب في أشياء قرئت عليه لم يسمعها ولم يكن ضابطا انتهى وفيها يحيى بن إسماعيل الحربي المزكي أبو زكريا بنيسابور في ذي الحجة وكان رئيسا أديبا إخباريا متفننا سمع من مكي بن عبدان وجماعة سنة خمس وتسعين وثلثمائة فيها توفي التاهرتي بفتح الهاء وسكون الراء وفوقيه نسبة إلى تاهرت موضع بإفريقية أبو الفضل أحمد بن القسم بن عبد الرحمن التميمي البزاز العبد الصالح سمع بالأندلس من قاسم بن أصبغ وطبقته وهو من كبار شيوخ ابن عبد البر وفيها أبو الحسن الخفاف أحمد بن محمد بن عمر الزاهد النيسابوري مسند خراسان توفي في ربيع الأول وله ثلاث وتسعون سنة وهو آخر من حدث عن أبي العباس السراج وفيها الأخميمي بالكسر والسكون نسبة إلى أخميم بلد بصعيد مصر أبو الحسين محمد بن أحمد بن العباس المصري روى عن محمد بن ريان حبيب وعلي بن أحمد بن علان وطائفة وفيها أبو نصر الملاحمي محمد بن أحمد بن محمد البخاري راوي كتاب قراءة خلف الإمام وكتاب رفع الأيدي تأليف البخاري رواهما عن محمود بن إسحق وكان حافظا ثقة عاش ثلاثا وثمانين سنة وفيها عبد الوارث بن سفين أبو القسم القرطبي الحافظ ويعرف الأصم ألف جزء وعن الهيثم الشاشي ألف جزء وقال شيخ الإسلام الأنصاري أبو عبد الله بن مندة سيد أهل زمانه قاله جميعه في العبر وقال ابن ناصر الدين أبو عبد الله الإمام أحد شيوخ الإسلام وهو إمام حافظ جبل من الجبال ولما رجع من رحلته كانت كتبه أربعين حملا على الجمال حتى قيل أن أحدا من الحفاظ لم يسمع ما سمع ولا جمع ما جمع انتهى وقال ابن خلكان أبو عبد الله محمد بن يحيى بن منده العبدي الحافظ المشهور صاحب كتاب تاريخ أصبهان كان أوحد الحفاظ الثقات وهم أهل بيت كبير خرج منهم (3/146)

جماعة من العلماء ولم يكونوا عبديين وإنما أم الحافظ أبو عبد الله المذكور واسمها برة بنت محمد كانت من بني عبد ياليل فنسب إلى أخواله انتهى ملخصا وفيها الملاحمي أبو نصر محمد بن أحمد بن محمد بن موسى بن جعفر البخاري أبو نصر حدث عنه أبو الحسن الدار قطني وغيره وكان من الحفاظ المشهورين قاله ابن ناصر الدين.

396 هـ

سنة ست وتسعين وثلثمائة فيها توفي أبو عمر الباجي أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي اللخمي الإشبيلي الحافظ العلم المشهور في المحرم وله ثلاث وستون سنة وكان يحفظ عدة مصنفات وكان إماما في الأصول والفروع وفيها أبو الحسن بن الجندي أحمد بن محمد بن عمران البغدادي ولد سنة ست وثلثمائة وروى عن البغوي وابن صاعد وهو ضعيف شيعي وفيها أبو سعد بن الإسماعيلي شيخ الشافعية وابن شيخهم إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم الفقيه وقد روى عن الأصم ونحوه وكان صاحب فنون وتصانيف توفي ليلة الجمعة وهو يقرأ في صلاة المغرب ( ^ إياك نعبد وإياك نستعين ) ففاضت نفسه وله ثلاث وستون سنة رحمه الله قاله في العبر وقال ابن قاضي شهبة العلامة أبو سعد بن الإمام أبي بكر الإسماعيلي الجرجاني شيخ الشافعية بها أخذ العلم عن أبيه قال فيه حمزة السهمي كان إمام زمانه مقدما في الفقه والأصول والعربية والكتابة والشروط والكلام صنف في أصول الفقه كتابا كبيرا وتخرج على يده جماعة مع الورع والمجاهدة والنصح للإسلام والسخاء وحسن الخلق قال القاضي أبو الطيب ورد بغداد فأقام بها سنة ثم حج وعقد له الفقهاء مجلسين تولى أحدهما أبو حامد الاسفرائيني والآخر أبو محمد الباني وقال الشيخ أبو إسحق جمع بين رياسة الدين والدنيا بجرجان انتهى وفيها أبو الحسين الكلابي عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد محدث دمشق ويعرف بأخي تبوك ولد سنة ست وثلثمائة وروى عن محمد بن خريم وسعيد بن عبد العزيز الحلبي وطبقتهما قال عبد العزيز الكتاني كان ثقة نبيلا مأمونا توفي في ربيع الأول وفيها أبو الحسين الحلبي علي بن محمد بن إسحق القاضي الشافعي نزيل مصر روى عن علي بن عبد الحميد الغضايري ومحمد بن إبراهيم بن نيروز وطبقتهما ورحل إلى العراق ومصر وعاش مائة سنة وفيها البحيري صاحب الأربعين المروية أبو عمرو محمد بن أحمد بن جعفر النيسابوري المزكي الحافظ الثقة روى عن يحيى بن منصور القاضي وطبقته قال الحاكم كان من حفاظ الحديث المبرزين في المذاكرة توفي في شعبان وله ثلاث وستون سنة وفيها ابن المأمون أبو بكر محمد بن الحسن بن الفضل العباسي الثقة المشهور روى عن أبي بكر بن زياد النيسابوري وطائفة وهو جد أبي الغنائم عبد الصمد بن المأمون وفيها ابن زنبور أبو بكر محمد بن عمر بن علي بن خلف بن زنبور الوراق ببغداد في صفر روى عن البغوي وابن صاعد وابن أبي داود قال الخطيب ضعيف جدا.

397 هـ

سنة سبع وتسعين وثلثمائة فيها كان ظهور أبي ركوة وهو أموي من ذرية هشام بن عبد الملك كان يحمل الركوة في السفر ويتزهد ولقي المشايخ وكتب الحديث ودخل الشام واليمن وهو في خلال ذلك يدعو إلى القائم من بني أمية ويأخذ البيعة على من يستجيب له ثم جلس مؤدبا واجتمع عنده أولاد العرب فاستولى على عقولهم وأسرا إليهم أنه الإمام ولقب نفسه الثائر بأمر الله وكان يخير بالمغيبات ويمخرق عليهم ثم أنه حارب متولي تلك الناحية من المغرب وظفر به وقوى بما حواه من العسكر ونزل ببرقة فأخذ من يهودي بها مائتي ألف دينار وجمع له أهلها مائتي ألف دينار أخرى وضرب السكة باسمه ولعن الحاكم فجهز لحربه ستة عشر ألفا وظفروا به وأتوا به إلى الحاكم فقتله ثم قتل قائد الجيش الذين ظفروا به وفيها توفي أصبغ بن الفرج الطائي الأندلسي المالكي مفتي قرطبة وقاضي بطليوس وأخو حامد الزاهد وفيها أبو الحسن بن القصار علي بن عمر البغدادي الفقيه المالكي صاحب كتاب مسائل الخلاف قال أبو إسحق الشيرازي لا أعرف كتابا في الخلاف أحسن منه وقال أبو ذر الهروي هو أفقه من لقيت من المالكية وفيها أبو الحسن بن القصار علي بن محمد بن عمر الرازي الفقيه الشافعي قال الخليلي هو أفضل من لقيناه بالري كان مفتيها قريبا من ستين سنة أكثر من عبد الرحمن بن أبي حاتم وجماعة وكان له في كل علم حظ وعاش قريبا من مائة سنة وفيها ابن واصل الأمير أبو العباس أحمد كان يخدم بالكرخ وهم يسخرون منه ويقول بعضهم إن ملكت فاستخدمني فتنقلت به الأحوال وخرج وحارب وملك سيراف بالبصرة ثم قصد الأهواز وكثر جيشه والتقى السلطان بهاء الدولة وهزمه ثم أخذ البطائح وأخذ خزائن متوليها مهذب الدولة فسار لحربه فخرج الملك أبو غالب فعجز ابن واصل عنه واستجار بحسان الخفاجي ثم قصد نزار ابن حسونة فقتل بواسط في صفر من هذه السنة.

398 هـ

سنة ثمان وتسعين وثلثمائة فيها كانت فتنة هائلة ببغداد قصد رجل شيخ الشيعة ابن المعلم وهو الشيخ المفيد وأسمعه ما يكره فثار تلامذته وقاموا واستنفروا الرافضة وأتوا دار قاضي القضاة أبا محمد بن الأكفاني والشيخ أبا حامد بن الأسفرائيني فسبوهما وحميت الفتنة ثم إن السنة أخذوا مصحفا قيل أنه على قراءة ابن مسعود فيه خلاف كثير فأمر الشيخ أبو حامد والفقهاء بتحريقه فأحضر بمحضر منهم فقام ليلة النصف رافضي وشتم من أحرق المصحف فأخذ وقتل فثارت الشيعة ووقع القتال بينهم وبين السنة واختفى أبو حامد واستظهرت الروافض وصاحوا الحاكم يا منصور فغضب القادر بالله وبعث خيلا لمعاونة السنة فانهزمت الرافضة وأحرقت بعض دورهم وذلوا وأمر عميد الجيوش بإخراج ابن المعلم من بغداد فأخرج وحبس جماعة ومنع القصاص مدة وفيها زلزلت الدينور فهلك تحت الردم أكثر من عشرة آلاف وزلزلت سيراف والسبب وغرق عدة مراكب ووقع برد عظيم وزن أكبر ما وجد منه فكانت مائة وستة دراهم وفيها هدم الحاكم العبيدي كنيسة القيامة بالقدس لكونهم يبالغون في إظهار شعارهم ثم هدم الكنائس التي في مملكته ونادى من أسلم وإلا فليخرج من مملكتي أو يلتزم بما آمر بتعليق صلبان كبار على صدورهم وزن الصليب أربعة أرطال بالمصري وبتعليق خشبة كيد المكمدة وزنها ستة أرطال في عنق اليهودي إشارة إلى رأس العجل الذي عبدوه فقيل كانت الخشبة على تمثال رأس عجل وبقي هذا سنوات ثم رخص لهم الردة لكونهم مكرهين وقال ننزه مساجدنا عمن لا نية له في الإسلام قاله في العبر وفيها توفي البديع الهمذاني أبو الفضل أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد الحافظ المعروف ببديع الزمان صاحب المقامات المشهورة والرسائل الرائقة كان فصيحا مفوها وشاعرا مفلقا روى عن أبي الحسين أحمد بن فارس صاحب المجمل وعن غيره ومن رسائله المال إذا طال مكثه ظهر خبثه وإذا سكن متنه تحرك نتنه وكذلك الضيف يسمج لقاؤه إذا طال ثواؤه ويثقل ظله إذا انتهى محله والسلام لا مشعر الحرم ومني الضيف لا مني الخيف وقبلة الصلات لا قبلة الصلاة ومن شعره من جملة قصيدة طويلة ( وكاد يحيك صوب الغيث منسكبا * لو كان طلق المحيا يمطر الذهبا ) ( والدهر لو لم يخفف والشمس لو نطقت * والليث لو لم يصد والبحر لو عذبا ) (3/150)

151 وله كل معنى حسن من نظم ونثر وكانت وفاته بمدينة هراة مسموما وقال الحاكم أبو سعيد عبد الرحمن بن دوست جامع رسائل البديع توفي البديع رحمه الله تعالى يوم الجمعة حادي عشر جمادى الآخرة قال الحاكم المذكور وسمعت الثقات يحكون أنه مات من السكتة وعجل دفنه فأفاق في قبره وسمع صوته بالليل وأنه نبش عنه فوجدوه قد قبض على لحيته ومات من هول القبر انتهى والحريري به اقتدى في مقاماته وإياه عني بإنشاده ( ولو قبل مبكاها بكيت صبابة * بسعدي شفيت النفس قبل التندم ) ( ولكن بكت قبلي فهيج لي البكا * بكاها فقلت الفضل للمتقدم ) وفيها ابن لال الإمام أبو بكر أحمد بن علي بن أحمد الهمذاني قال شيرويه كان ثقة أو حد زمانه مفتي همذان له مصنفات في علوم الحديث غير أنه كان مشهورا بالفقه له كتاب السنن ومعجم الصحابة وعاش تسعين سنة والدعاء عند قبره مستجاب قاله في العبر وقال الأسنوي ابن لال بلامين بينهما ألف معناه أخرس أخذ عن أبي إسحق المروزي وابن أبي هريرة وكان ورعا متعبدا أخذ عنه فقهاء همذان ونقل عنه الرافعي قولا أن الأخوة للأبوين ساقطون في مسئلة المشركة ولد سنة سبع وثلثمائة انتهى ملخصا وفيها أبو نصر الكلاباذي نسبة إلى كلاباذ محلة ببخارى الحافظ المشهور أحمد بن محمد بن الحسين أخذ عن الهيثم بن كليب الشاشي وعبد المؤمن بن خلف النسفي وطبقتهما وعنه المستغفري وقال هو أحفظ من بما وراء النهر اليوم ووثقه الدار قطني وصنف رجال صحيح البخاري وغيره وعاش خمسا وسبعين سنة وفيها القاضي الضبي أبو عبد الله الحسين بن هرون البغدادي ولي قضاء مدينة المنصور وقضاء الكوفة وأملى الكثير من المحاملي وابن عقدة وطبقتهما قال الدار قطني وهو غاية في الفضل والدين عالم بالأقضية عالم بصناعة المحاضر والترسل موفق في أحواله كلها رحمه الله (3/151)

152 وفيها البافي بالموحدة والفاء نسبة إلى باف قرية من قرى خوارزم أبو محمد عبد الله بن محمد البخاري الخوارزمي نزيل بغداد الفقيه الشافعي العلامة تفقه على أبي علي بن أبي هريرة وأبي إسحق المروزي وهو من أصحاب الوجوه قال ابن قاضي شهبة كان ماهرا في العربية وتفقه به جماعة منهم أبو الطيب والماوردي قال الخطيب كان من أفقه أهل وقته في المذهب بليغ العبارة يعمل الخطب ويكتب الكتب الطويلة من غير روية وقال الشيخ أبو إسحق كان فقيها أديبا شاعرا مترسلا كريما درس ببغداد بعد الداركي وتوفي في المحرم انتهى ملخصا وفيها الببغاء الشاعر أبو الفرج عبد الواحد بن نصر المخزومي النصيبيني مدح سيف الدولة والكبار ولقبوه بالببغاء لفصاحته وثيل للثغة في لسانه ذكره الثعالبي في يتيمة الدهر وقال هو من أهل نصيبين وبالغ في الثناء عليه وذكر جملة من رسائله ونظمه ومن شعره ( يا سادتي هذه روحي تودعكم * إذ كان لا الصبر يسليها ولا الجزع ) ( قد كنت أطمع في روحي الحياة لها * والآن إذ ينتم لم يبق لي طمع ) ( لا عذب الله روحي بالبقاء فما * أظنها بعدكم بالعيش تنتفع ) وله أيضا ( ومهفهف لما اكتست وجناته * خلع الملاحة طرزت بعذاره )

( لما انتصرت على أليم جفائه * بالقلب كان القلب من أنصاره )
( كملت محاسن وجهه فكأنما اقتبس * الهلال النور من أنواره )
( وإذا ألح القلب في هجرانه * قال الهوى لا بد منه فداره )

وله وهو معنى بديع ( وكأنما نقشت حوافر خيله * للناظرين أهلة في الجلمد )

( وكأن طرف الشمس مطروف وقد * جعل الغبار له مكان الأثمد )

وأكثر شعر الببغاء جيد ومقاصده فيه جميلة وكان قد خدم سيف الدولة ابن حمدان مدة وبعد وفاته تنقل في البلاد وتوفي يوم السبت سلخ شعبان وقال الخطيب في تاريخه توفي ليلة السبت سابع عشرى شعبان وقال الثعالبي سمعت الأمير أبا الفضل الميكالي يقول عند صدوره من الحج وحصوله ببغداد سنة تسعين وثلثمائة رأيت بها أبا الفرج الببغاء شيخا عالي السن متطاول الأمد قد أخذت الأيام من جسمه وقوته ولم تأخذ من ظرفه وأدبه انتهى والببغاء بفتح الباء الأولى وتشديد الثانية وفتح الغين المعجمة وبعدها ألف ووجد بخط أبي الفتح بن جني النحوي الففغا بفاءين والله أعلم وفيها أبو القسم بن الصيدلاني نسبة إلى بيع الأدوية والعقاقير عبد الله بن أحمد ابن علي روى مجلسين عن ابن صاعد وهو آخر الثقات من أصحابه وروى عن جماعة وتوفي في رجب ببغداد.

399 هـ

سنة تسع وتسعين وثلثمائة فيها كما قال ابن الجوزي في المنتظم أخذ بنو زغب الهلاليون لركب البصرة ما قيمته ألف ألف دينار وفيها توفي أحمد بن أبي عمران أبو الفضل الهروي الزاهد القدوة نزيل مكة روى عن محمد بن أحمد بن محبوب المروزي وخيثمة الأطرابلسي وطائفة وصحب محمد بن داود الرقي وروى عنه خلق كثير وفيها أبو العباس البصير أحمد بن محمد بن الحسين الرازي الحافظ البارع الثقة روى عن عبد الرحمن بن أبي حاتم وإسماعيل عليه وسمع بنيسابور من أبي حامد بن بلال وطائفة وكان من أركان الحديث وقد ولد أعمى وفيها النامي الشاعر البليغ أبو العباس أحمد بن محمد الدارمي المصيصي كان من الشعراء المفلقين ومن فحول شعراء عصره وخواص مداح سيف الدولة (3/153)

154 ابن حمدان وكان عنده تلو أبي الطيب المتنبي في الرتبة وكان فاضلا أديبا مقدما في اللغة عارفا بالأدب وله أمال أملاها بحلب وروى عن أبي الحسين علي بن سليمان الأخفش وابن دستويه وأبي عبد الله الكرماني وأبي بكر الصولي وعنه أبو القسم الحسين بن علي بن أبي أسامة الحلبي وأخوه أبو الحسين أحمد وأبو الفرج الببغا والقاضي أبو طاهر وصالح بن جعفر الهاشمي ومن محاسن شعره قوله من جملة قصيدة ( أمير العلى أن العوالي كواسب * علاءك في الدنيا وفي جنة الخلد ) ( يمر عليك الحول سيفك في الطلى * وطرفك ما بين الشكيمة والبلد ) ( ويمضي عليك الدهر فعلك للعلى * وقولك للتقوى وكفك للرفد ) ومن شعره أيضا ( أحقا أن قاتلتي زرود * وأن عهودها تلك العهود ) ( وقفت وقد فقدت الصبر حتى * تبين موقفي أني الفقيد ) ( وشكت في عذالي فقالوا * لرسم الدار أيكما العميد ) وله مع المتنبي وقائع ومعارضات في الأناشيد وحكى أبو الخطاب بن غون الحريري النحوي الشاعر أنه دخل على أبي العباس النامي قال فوجدته جالسا ورأسه كالثغامة بياضا وفيه شعرة واحدة سوداء فقلت له يا سيدي في رأسك شعرة سوداء فقل نعم هذه بقية شبابي وأنا أفرح بها ولي فيها شعر فقلت أنشدنيه فأنشد ( رأيت في الرأس شعرة بقيت * سوداء تهوى العيون رؤيتها ) ( فقلت للبيض إذ تروعها * بالله إلا رحمت غربتها ) ( فقل لبث السواد في وطن * تكون فيه البيضاء ضرتها ) ثم قال يا أبا الخطاب بيضاء واحدة تروع ألف سوداء فكيف حال سوداء بين ألف بيضاء (3/154)

155 وفيها أبو الرقعمق بفتح الراء والقاف وسكون العين المهملة وفتح الميم وبعدها قاف لقب له الشاعر المفلق صاحب المجون والنوادر أبو حامد أحمد بن محمد الأنطاكي قال فيه الثعالبي في اليتيمة هو نادرة الزمان وجملة الإحسان وممن تصرف بالشعر في أنواع الهزل والجد وأحرز قصب السبق وهو أحمد الشعراء المجيدين وهو في الشام كابن حجاج بالعراق فمن غرر محاسنه قوله يمدح ابن كلس وزير العزيز العبيدي صاحب مصر ( قد سمعنا مقاله واعتذاره * وأقلنا ذنوبه وعثاره )

( والمعاني لمن عنيت ولكن * بك عرضت فاسمعي يا جاره )
( من تراديه أنه أبد الدهر * تراه محللا أزراره ) ( عالم أنه عذاب من الله * متاح لأعين النظاره )
( هتك الله ستره فلكم هتك * من ذي تستر أستاره ) ( سحرتني ألحاظه وكذا كل * مليح ألحاظه سحاره ) ( ما على مؤثر التباعد والأعراض * لو آثر الرضا والزياره ) ( وعلى أنني وإن كان قد عذب * بالهجر مؤثر إيثاره )
( لم أزل لا عدمته من حبيب * أشتهي قربه وآبى نفاره )

ومن مديحها

( لم يدع للعزيز في سائر الأرض * عدوا إلا وأخمد ناره )
( كل يوم له على نوب الدهر * وكثر الخطوب بالبذل غاره ) ( ذويد شأنها الفرار من البخل * وفي حومة الندى كراره )
( هي فلت عن العزيز عداه * بالعطايا وكثرت أنصاره )
( هكذا كل فاضل يده تمسي * وتضحي نفاعة ضراره )

وأكثر شعره جيد وهو على أسلوب شعر صريع الدلاء القصار البصري وأقام بمصر زمانا طويلا وأكثر شعره في ملوكها ورؤسائها وتوفي يوم الجمعة ثاني عشرى شهر رمضان وقيل في شهر ربيع الآخر بمصر على قول وفيها خلف بن أحمد بن محمد بن الليث البخاري صاحب بخارى وابن صاحبها كان عالما جليلا مفضلا على العلماء عاش بضعا وسبعين سنة وروى عن عبد الله بن محمد الفاكهي وطبقته مات شهيدا في الحبس ببلاد الهند وفيها أبو مسلم الكاتب محمد بن أحمد بن علي البغدادي بمصر في ذي القعدة كان آخر من روى عن البغوي وابن صاعد وابن أبي داود روى كتاب السبعة لابن مجاهد عنه وسمع بالجزيرة والشام والقيروان وكان سماعه صحيحا من البغوي في جزء واحد وما عداه مفسود وقال في المغني هو آخر أصحاب البغوي ضعف قال الصوري بعض أصوله عن البغوي وغيره جياد وقال أبو الحسن المحدث العطار ما رأيت في أصول ابن مسلم عن البغوي صحيحا غير خبر واحد وما عداه مفسود انتهى وفيها ابن زمنين الإمام أبو عبد اله محمد بن عبد الله بن عيسى المريى الأندلسي الالبيري نزيل قرطبة وشيخها ومفتيها وصاحب التصانيف الكثيرة في الفقه والحديث والزهد سمع من سعيد بن فحلون ومحمد بن معويه القرشي وطائفة وكان راسخا في العلم متفننا في الآداب مقتفيا لآثار السلف صاحب عبارة وإنابة وتقوى عاش خمسا وسبعين سنة وتوفي في ربيع الآخر ومن كتبه اختصار المدونة ليس لأحد مثله وفيها أبو الحسن علي بن عبد الرحمن بن أحمد بن يونس الصدفي بضم الصاد المهملة المنجم صاحب الزيج المصري الحاتمي المشهور وزيجه يعرف بزيج ابن يونس وهو زيج كبير في أربع مجلدات بسط فيه القول والعمل عمله للعزيز العبيدي صاحب مصر وكان أبله مغفلا رث الهيئة إذا ركب ضحك منه الناس لطوله وسوء حالته وله إصابة بديعة في النجامة لا يشاركه فيها أحد وأفنى عمره في النجوم والتسيير والتوليد وله شعر رائق قال الأمير المختار في كتابه تاريخ مصر بلغني أنه طلع إلى الجبل المقطم وقد وقف للزهرة فنزع ثوبه وعمامته ولبس ثوبا أحمر ومقنعة حمراء تقنع بها وأخرج عودا فضرب به والبخور بين يديه فكان عجبا من العجب وقال المختار أيضا كان ابن يونس المذكور مغفلا يعتم على طرطور طويل ويجعل رداءه فوق العمامة وكان طويلا وإذا ركب ضحك الناس منه لشهرته وسوء حاله ورثاثة ثيابه وكان له مع هذه الهيئة إصابة بديعة غريبة في النجامة لا يشاركه فيها أحد كان أحد الشهود وكان متفننا في علوم كثيرة وكان يضرب بالعود على جهة التأدب به وله شعر حسن منه قوله

( احمل نشر الريح عند هبوبه * رسالة مشتاق لوجه حبيبه )
( بنفسي من تحيا النفوس بقربه * ومن طابت الدنيا به وبطيبه )
( وجدد وجدى طارق منه في الكرى * سرى موهنا في خفية من رقيبه )
( لعمري لقد عطلت كأسي لبعده * وغيبتها عني لطول مغيبه )

قال الحاكم العبيدي صاحب مصر وقد جرى في مجلسه ذكر ابن يونس وتغفله دخل إلى عندي يوما ومداسه في يده فقبل الأرض وجلس وترك المداس إلى جانبه وأنا أراه وهو بالقرب مني فلما أن أراد أن ينصرف قبل الأرض وقدم المداس ولبسه وانصرف وإنما ذكر هذا في معرض غفلته وبلهه قال المسبحي وكانت وفاته يوم الاثنين ثالث شوال فجأة وخلف ولدا متخلعا باع كتبه وجميع تصنيفاته بالأرطال في الصابونيين.

400 هـ

سنة أربعمائة فيها أقبل الحاكم قاتله الله على التأله والدين وأمر بإنشاد دار العلم بمصر وأحضر فيها الفقهاء والمحدثين وعمر الجامع الحاكمي بالقاهرة وكثر الدعاء له فبقي كذلك ثلاث سنين ثم أخذ يقتل أهل العلم وأغلق تلك الدار ومنع من فعل كثير من الخير وفيها توفي ابن خرشيد قوله أبو إسحق إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن خرشيد قوله الأصبهاني التاجر في المحرم وله ثلاث وتسعون سنة دخل بغداد سنة إحدى وعشرين وثلثمائة وسمع من ابن زياد النيسابوري وابن عقدة والمحاملي وكان أسند من بقي بأصبهان رحمه الله تعالى وفيها أبو مسعود الدمشقي إبراهيم بن محمد بن عبيد الحافظ مؤلف أطراف الصحيحين روى عن عبد الله بن محمد بن السقا وأبي بكر بن المقرئ وطبقتهما وكان عارفا بهذا الشأن ومات كهلا فلم ينشر حديثه توفي في رجب وفيها الفقيه الزاهد السيد الجليل الصالح الورع جعفر بن عبد الرحيم اليمني من واحي الجند سأله وإليها الإقامة عندهم فقال بشرطين أحدهما الاعفاء عن الحكم والثاني أن لا يأكل من طعام الوالي شيئا فاتفق يوما أنه حضر عقدا عند الوالي فقال الوالي هذا الموز أهداه لي فلان وذكر رجلا من أهل الحل فأكل جعفر اثنتين ثم تقيأهما في الدهليز ولما تولاها الصليحي سأله تولية القضاء فقال لا أصلح لها فغضب وخرج من عنده فأمر جنده أن يلحقوه ويقتلوه فضربوه بسيوفهم فلم تقطع شيئا مع تكرير الضرب فأعلموا الصليحي فأمرهم بالكتمان وسئل الفقيه عن حاله حين الضرب فقال كنت أقرأ يس فلم أشعر بذلك قاله ابن الأهدل وفيها ابن ميمون الطليطلي بالضم والفتح والسكون وكسر الطاء الثانية ولام (3/158)

159 نسبة إلى طليطلة مدينة بالأندلس أحمد بن محمد بن محمد بن عبيدة الأموي أبو جعفر بن ميمون كان أحد الحفاظ المتقنين والعلماء المتقين والفقهاء الورعين المتزهدين قاله ابن ناصر الدين وفيها أبو محمد القصار عبد الوهاب بن أبي محمد عبد الرحيم بن هبة الله القصار كان حافظا متقنا وفيها أبو نعيم الاسفرائيني عبد الملك بن الحسن راوي المسند الصحيح عن خال أبيه أبي عوانة الحافظ وكان ثقة صالحا ولد في ربيع الأول سنة عشر وثلثمائة واعتنى به أبو عوانة وأسمعه كتابه وعمر فازدحم عليه الطلبة وأحضروه إلى نيسابور وفيها وقيل في التي بعدها أبو الفتح البستي الشاعر المفلق علي بن محمد الكاتب شاعر وقته وأديب ناحيته صاحب الطريقة الأنيقة في التجنيس الأنيس البديع التأسيس فمن ألفاظه البديعة قوله من أصلح فاسده أرغم حاسده من أطاع غضبه أضاع أدبه عادات السادات سادات العادات من سعادة جدك وقوفك عند حدك الرشوة رشاء الحاجات أجمل الناس من كان للأخوان مولى الفهم شجاع العقل المنية تضحك الأمنية حد العفاف الرضا بالكفاف ومن نادر شعره ( إن هز أقلامه يوما ليعملها * أنساك كل كمي هز دابله ) ( وإن أقر على رق أنامله * أقر بالرق كتاب الأنام له ) وله ( إذا تحدثن في قوم لتؤنسهم * بما تحدث من ماض ومن آت ) ( فلا تعيدن حديثا إن طبعهم * موكل بمعاداة المعادات ) وله ( تحمل أخاك على ما به * فما في استقامته مطمع ) (3/159)

160 ( وإني له خلق واحد لحاكم أحد خلفاء الباطنية لأن رسل الحاكم تكررت إلى صاحب الموصل قرواش بن مقلد فأفسدوه ثم سار قرواش إلى الكوفة فأقام بها الخطبة للحاكم وبالمدائن وأمر خطيب الأنبار بذلك فهرب وأبدى قرواش صفحة الخلاف وعاث وأفسد فقلق القادر بالله وأرسل إلى الملك بهاء الدولة مع ابن الباقلاني المتكلم فقال قد كاتبنا أبا علي عميد الجيوش في ذلك ورسمنا بأن ينفق في العسكر مائة ألف دينار فإن دعت الحاجة إلى مجيئنا قدمنا ثم أن قرواش بن مقلد خاف الغلبة فأرسل يتعذر وأعاد الخطبة العباسية ولم يحج ركب العراق لفساد الوقت وفيها توفي أبو علي عميد الجيوش الحسين بن أبي جعفر وله إحدى وخمسون سنة كان أبوه من حجاب عضد الدولة فخدم أبو علي بهاء الدولة وترقت حاله فولاه بهاء الدولة نائبا عنه بالعراق فأحسن سياستها وحميت أيامه (3/160)

161 وبقي عليها ثمانية أعوام وسبعة أشهر فأبطل عاشوراء الرافضة وأباد الحرامية والشطار وقد جاء في عدله وهيبته حكايات وفيها أبو عمر بن المكوى أحمد بن عبد الملك الإشبيلي المالكي انتهت إليه رياسة العلم بالأندلس في زمانه مع الورع والصيانة دعى إلى القضاء بقرطبة مرتين فامتنع وصنف كتاب الاستيعاب في مذهب مالك في عشر مجلدات توفي فجأة عن سبع وسبعين سنة وفيها أبو عمر بن الجسور أحمد بن محمد بن أحمد بن سعيد الأموي مولاهم القرطبي روى عن قاسم بن أصبغ وخلق ومات في ذي القعدة وهو أكبر شيخ لابن حزم وفيها أبو عبيد الهروي أحمد بن محمد بن محمد صاحب الغريبين وهو الكتاب المشهور جمع فيه غريب القرآن وغريب الحديث وهو من الكتب النافعة السائرة في الآفاق قال الأسنوي ذكره ابن الصلاح في طبقاته ولم يوضح حاله وقد أوضحه ابن خلكان فقال كان من العلماء الأكابر صحب أبا منصور الأزهري وبه انتفع وكان ينسب إلى تعاطي الخمر توفي في رجب سنة إحدى وأربعمائة سامحه الله تعالى انتهى كلام الأسنوي وفيها أبو بكر الحنائي نسبة إلى الحناء المعروف عبد الله بن محمد بن هلال البغدادي الأديب نزيل دمشق روى عن يعقوب الجصاص وجماعة وكان ثقة وفيها عبد العزيز بن محمد بن النعمان بن محمد بن منصور قاضي القضاة للعبيديين وابن قاضيهم وحفيده قاضيهم قتله الحاكم وقتل معه قائد القواد حسين بن القائد جوهر وبعث من حمل إليه رأس قاضي أطرابلس أبي الحسين علي بن عبد الواحد البري لكونه سلم عزاز إلى متولي حلب (3/161)

162 وفيها أبو مسعود إبراهيم بن محمد بن عبيد الدمشقي كان حافظا صدوقا دينا من الفهماء قاله ابن ناصر الدين وفيها أبو الحسن العلوي الحسني النيسابوري محمد بن الحسين بن داود شيخ شيخ الأشراف سمع أبا حامد بن الشرقي ومحمد بن إسماعيل المروزي صاحب علي بن حجر وطبقتهما وكان سيدا نبيلا صالحا قال الحاكم عقدت له مجلس الإملاء وانتقيت له ألف حديث وكان يعد في مجلسه ألف محبرة توفي فجأة في جمادى الآخرة رحمه الله تعالى وفيها أبو علي الخالدي الذهلي منصور بن عبد الله الهروي روى عن أبي سعيد بن الأعرابي وطائفة قال أبو سعيد الإدريسي هو كذاب سنة اثنتين وأربعمائة فيها كتب محضر ببغداد في قدح النسب الذي تدعيه خلفاء مصر والقدح في عقائدهم وأنهم زنادقة وأنهم منسوبون إلى ديصان بن سعيد الخرمي أخوان الكافرين شهادة يتقرب بها إلى الله شهدوا جميعا أن الناجم بمصر وهو منصور ابن نزار الملقب بالحاكم حكم الله عليه بالبوار إلى أن قال فإنه صار يعني المهدي إلى المغرب وتسمى بعبيد اله وتلقب بالمهدي وهو ومن تقدمه من سلف الأنجاس أدعياء خوارج لا نسب لهم في ولد علي رضي الله عنهم ولا يعلمون أن أحدا من الطالبيين توقف عن إطلاق القول في هؤلاء الخوارج لأنهم أدعياء وقد كان هذا الإنكار شائعا بالحرمين وأن هذا الناجم بمصر وسيلة كفار وفساق لمذهب الثنوية والمجوسية معتدون قد عطلوا الحدود وأباحوا الفروج وسفكوا الدماء وسبوا الأنبياء ولعنوا السلف وادعوا الربوبية وكتب في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعمائة وكتب خلق في المحضر منهم الشريف المرتضى وأخوه الشريف الرضي وجماعة من كبار العلوية والقاضي أبو محمد الأكفاني (3/162)

163 والإمام أبو حامد الاسفرائيني والإمام أبو الحسين القدوري وخلق وفيها عمل يوم الغدير ويوم الغار لكن بسكينة وفيها توفي الوزير أحمد بن سعيد بن حزم أبو عمرو الأندلسي والد العلامة أبي محمد كان كاتبا مفتيا لغويا متبحرا في علم اللسان وفيها أبو الحسين السوسنجردي بالضم وفتح السين المهملة الثانية وسكون النون والراء وكسر الجيم آخره مهملة نسبة إلى سوسنجرد قرية ببغداد أحمد بن عبد الله بن الخضر البغدادي المعدل روى عن ابن البحيري وجماعة وكان ثقة صاحب سنة وفيها قاضي الجماعة أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن فطيس الأندلسي القرطبي صاحب التصانيف الطنانة منها كتاب أسباب النزول في مائة جزء وكتاب فضائل الصحابة والتابعين في مائتين وخمسين جزءا وكان من جهابذة الحفاظ والمحدثين جمع ما لم يجمعه أحد من أهل عصره بالأندلس وكان يملي من حفظه وقيل أن كتبه بيعت بأربعين ألف دينار قاسمية وولى القضاء والخطابة سنة أربع وتسعين وثلثمائة وعزل بعد تسعة أشهر وقد ولى الوزارة أيضا وتوفي في ذي القعدة وله أربع وخمسون سنة وسمع من أحمد بن عون وطبقته وفيها الحسين بن علي بن العباس بن الفضل بن زكريا بن النضر بن شميل بن سويد النضري الهروي كان حافظا مشهورا عمدة قاله ابن ناصر الدين وفيها أبو إسحق إبراهيم بن محمد بن حسين بن شنظير الأموي أبو إسحق كان حافظا ذا ورع وصيام وقيام كثير قاله ابن ناصر الدين أيضا وفيها أبو عمرو وعثمان الباقلاني نسبة إلى بيع الباقلا البغدادي الزاهد كان عابد أهل بغداد في زمانه رحمه الله تعالى (3/163)

164 وفيها أبو الحسن الداراني علي بن داود القطان المقرئ حدث عن خيثمة وقرأ على أبي النضر الأخرم وولى إمامة جامع دمشق قال رشا بن نظيف لم ألق مثله حذقا وإتقانا في رواية ابن عامر وهو الذي طلع كبراء دمشق وطلبوه لإمامة الجامع فوثب أهل داريا بالسلاح فمانعوهم وقالوا لا ندع لكم إمامنا حتى يقدم أبو محمد بن أبي نصر فقال أما ترضون أن يسمع الناس في البلاد أن أهل دمشق احتاجوا إليكم في إمام فقالوا رضينا فقدمت له بغلة القاضي فأبى وركب حماره وسكن في المنارة وكان لا يأخذ على الصلاة ولا الإقراء أجرا ويقتات من أرض له وفيها أبو الفتح فارس بن أحمد الحمصي المقرئ الضرير أحد أعلام القرآن أقرأ بمصر عن عبد الباقي بن السقا والسامري وجماعة وصنف المنشافي القراءات وعاش ثمانيا وستين سنة وفيها ابن جميع أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد الغساني الصيداوي صاحب المعجم المروي رحل وكتب الكثير بالشام والعراق ومصر وفارس روى عن أبي روق الهزاني والمحاملي وطبقتهما ومات في رجب وله سبع وتسعون سنة وسرد الصوم وله ثمان عشرة سنة إلى أن مات ووثقه الخطيب وفيها ابن النجار أبو الحسن محمد بن جعفر بن محمد بن هرون التميمي الكوفي النحوي المقري آخر من حدث في الدنيا عن محمد بن الحسين الأشناني وابن دريد قال العتيقي هو ثقة توفي بالكوفة في جمادى الأولى وقال الأزهري كان مولده في سنة ثلاث وثلثمائة في المحرم وفيها ابن اللبان الفرضي العلامة أبو الحسين محمد بن عبد الله بن الحسن البصري روى سنن أبي داود عن ابن داسه وسمعها منه القاضي أبو الطيب الطبري قال الخطيب انتهى إليه علم الفرائض وصنف فيها كتبا انتهى وكان يقول ليس في الأرض فرضى إلا من أصحابي وأصحاب أصحابي أو لا يحسن (3/164)

165 شيئا قال الأسنوي نقل عنه ارافعي في مواضع منها أن زكاة الفطر لا تجب وكذا قال ابن قاضي شهبة وقال أيضا انتهى إليه علم الفرائض وصنف فيه كتبا منها كتاب الإيجاز مجلد نفيس وكتبا كثيرة ليس لأحد مثلها ولديه علوم أخر وبنيت له مدرسة ببغداد وكان يدرس بها قال الشيخ أبو إسحق كان إماما في الفقه والفرائض وعنه أخذ الناس الفرائض وممن أخذ عنه أبو أحمد بن أبي مسلم الفرضي أستاذ أبي حامد الاسفرائيني في الفرائض انتهى ملخصا وفيها أبو عبد الله الجعفي محمد بن عبد الله بن الحسين الكوفي القاضي المعروف بالهرواني نسبة إلى هراة مدينة بخراسان أحد الأئمة الأعلام في مذهب الإمام أبي حنيفة روى عن محمد بن القسم المحاربي وجماعة قال الخطيب قال من عاصره بالكوفة لم يكن بالكوفة من زمن ابن مسعود رضي الله عنه إلى وقته أفقه منه وقال لي العتيقي ما رأيت مثله بالكوفة وقال في العبر ولد سنة خمس وثلثمائة وقد قرأ عليه أبو علي غلام الهراس وفيها منتجب الدولة لولو الشراوي ولى نيابة دمشق للحاكم وعزل بعد ستة أشهر ولما هموا بالقبض عليه من دار العقيقي وكان نازلا بها عبأ أصحابه ووقع القتال بالبلد بين الفريقين إلى العتمة وقتل جماعة ثم طلع لولو من سطح فاختفى فنودي عليه في البلد من جاء به فله ألف دينار فدل عليه رجل وحبس فجاء أمر الحاكم بقتله فقتل وفيها ابن وجه الجنة أبو بكر يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود القرطبي الخزاز شيخ ابن حزم روى عن قاسم بن أصبغ وطائفة وكان عدلا صالحا سنة ثلاث وأربعمائة فيها سبق رجل بدوي اسمه فليتة بن القرى الحاج إلى واقصة في ستمائة (3/165)

166 إنسان من بني خفاجة قبيلته فغور المياه وطرح الحنظل في مصانع البرمكي والريان وغورهما فلما جاء الركب إلى العقبة حبسهم ومنعهم العبور إلا بخمسين ألف دينار فخافوا وضعفوا وعطشوا فهجم الملعون عليهم فلم تكن عندهم منعة وسلموا أنفسهم فاحتوى على الجمال بالأحمال فاستاقها وهلك الركب إلا القليل فقيل أنه هلك خمسة عشر ألف إنسان فأمر فخر الدولة الوزير علي بن مزيد فسار فأدركهم بناحية البصرة فظفر بهم وقتل طائفة كثيرة وأسر والد فليتة والاشتر وأربعة عشر رجلا ووجد أموال الناس قد تمزعت فانتزع ما أمكنه فعطشوا الأسرى على جانب دجلة يرون الماء ولا يسقون حتى هلكوا وفيها توفي أبو القسم إسماعيل بن الحسن الصرصري بفتح الصادين المهملتين نسبة إلى صرصر قرية على فرسخين من بغداد سمع أبا عبد الله المحاملي وابن عقدة قال البرقاني ثقة صدوق وفيها بهاء الدولة السلطان أبو نصر بن السلطان عضد الدولة ركن الدولة ابن بويه الديلمي صاحب العراق وفارس توفي بأرجان في جمادى الأولى وله اثنتان وأربعون سنة وكانت أيامه بضعا وعشرين سنة ومات بعلة الصرع وولى بعده ابنه سلطان الدولة فبقي في الملك اثني عشر عاما وفيها الحسن بن حامد بن علي بن مروان أبو عبد الله البغدادي إمام الجنبلية في زمانه ومدرسهم ومفتيهم قال القاضي أبو يعلى كان ابن حامد مدرس أصحاب أحمد وفقيههم في زمانه وله المصنفات العظيمة منها كتاب الجامع نحو أربعمائة جزء في اختلاف العلماء وكان معظما مقدما عند الدولة وغيرهم وقال غيره روى عن النجاد وغيره وتفقه على أبي بكر عبد العزيز وكان قانعا يأكل من النسخ ويكثر الحج فلما كان في هذا العام حج وعدم فيمن عدم إذ أخذ الركب قاله في العبر وقال القاضي حسين في طبقاته له المصنفات في العلوم المختلفات منها الجامع في المذهب نحو من أربعمائة جزء وله شرح الخرقي (3/166)

167 وشرح أصول الدين وأصول الفقه سمع أبا بكر بن مالك وأبا بكر الشافعي وأبا بكر النجاد وأبا علي بن الصواف وأحمد بن سلم الحنبلي في آخرين وقال أبو عبد اله بن حامد أعلم عصمنا الله وإياك من كل زلل أن الناقلين عن أبي عبد الله رضي الله عنه ممن سميناهم وغيرهم إثبات فيما نقلوه وأمناء فيما فيما دونوه وواجب تقبل كل ما نقلوه وإعطاء كل رواية حظها على موجبها ولا تعل رواية وإن انفردت ولا ينسب إليه في مسئله رجوع إلا ما وجد ذلك عنه نصا بالصريح وإن نقل كنت أقول به وتركناه فإن عرى عن حد الصريح في الترك والرجوع أقر على موجبه واعتبر حال الدليل فيه لا اعتقاده بمثابة ما اشتهر من روايته وقد رأيت بعض من يزعم أنه منتسب إلى الفقه يلين القول في كتاب إسحق بن منصور ويقول أنه يقال أن أبا عبد الله رجع عنه وهذا قول من لا ثقة له بالمذهب إذ لا أعلم أن أحدا من أصحابنا قال بما ذكره ولا أشار إليه وكتاب ابن منصور أصل بذاته حاله يطابق نهاية شأنه إذ هو في بدايته سؤالات محفوظة ونهايته أنه عرض على أبي عبد الله فاضطرب لأنه لم يكن يقدر أنه لما سأله عنه مدون فما أنكر عليه من ذلك حرفا ولا رد عليه من جواباته جوابا بل أقره على ما نقله واشتهر في حياة أبي عبد الله ذلك بين أصحابه فاتخذه الناس أصلا إلى آخر أوانه ولابن حامد المقام المشهود في أيام القادر بالله بحيث سمع الخليفة الكلام فخرجت الجائزة السنية له من أمير المؤمنين فردها مع حاجته إلى بعضها فضلا عن جميعها تعففا وتنزها انتهى ما قاله القاضي حسين ملخصا وفيها القاضي أبو عبد الله الحليمي الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم البخاري الفقيه الشافعي صاحب التصانيف أخذ عن أبي بكر القفال الشاشي (3/167)

168 وهو صاحب وجه في المذهب قال ابن قاضي شهبة قال الحاكم أوحد الشافعيين بما وراء النهر وأنظرهم وآدبهم بعد أستاذيه أبوي بكر القفال والأودني وكان مفننا فاضلا له مصنفات مفيدة نقل منها الحافظ أبو بكر البيهقي كثيرا وقال في النهاية كان الحليمي رجلا عظيم القدر لا يحيط بكنه علمه الأغواص ولد سنة ثمان وثلاثين وثلثمائة ومات في جمادى وقيل في ربيع الأول ومن تصانيفه شعب الإيمان كتاب جليل في نحو ثلاث مجلدات وآيات الساعة وأحوال القيامة فيه معان غريبة لا توجد في غيره انتهى ما قاله ابن قاضي شهبة ملخصا وفيها أبو علي الروذباري الحسين بن محمد الطوسي راوي السنن عن ابن داسة توفي في ربيع الأول وأكثر عنه البيهقي وفيها أبو الوليد الفرضي عبد الله بن محمد بن يوسف القرطبي الحافظ مؤلف تاريخ الأندلس قال ابن عبد البر كان فقيها عالما في جميع فنون العلم في الحديث والرجال قتلته البربر في داره وقال أبو مروان بن حبان وممن قتل يوم فتح قرطبة الفقيه الأديب الفصيح ابن الفرضي وواروه من غير غسل ولا كفن ولا صلاة ولم ير مثله بقرطبة في سعة الرواية وحفظ الحديث والافتنان في العلوم والأدب البارع ولى قضاء بلنسية وكان حسن البلاغة والحفظ وروى أنه تعلق بأستار الكعبة وسأل الله الشهادة قال في العبر وعاش اثنتين وخمسين سنة وقال ابن ناصر الدين كان حافظا من الثقات وفيها أبو الحسن القابسي علي بن محمد بن خلف المعافري القيرواني الفقيه شيخ المالكية أخذ عن ابن مسرور الدباغ وفي الرحلة عن حمزة الكتاني وطائفة وصنف تصانيف فائقة في الأصول والفروع وكان مع تقدمه في العلوم حافظا صالحا تقيا ورعا حافظا للحديث وعلله منقطع القرين وكان ضريرا وفيها ابن الباقلاني القاضي أبو بكر بن الطيب بن محمد بن جعفر (3/168)

169 البصري المالكي الأصولي المتكلم صاحب المصنفات وأوحد وقته في فنه روى عن أبي بكر القطيعي وأخذ علم النظر عن أبي عبد الله بن مجاهد الطائي صاحب الأشعري وكانت له بجامع المنصور حلقة عظيمة قال الخطيب كان ورده في الليل عشرين ترويحة في الحضر والسفر فإذا فرغ منها كتب خمسا وثلاثين ورقة من تصنيفه قاله في العبر وقال ابن الأهدل سيف السنة القاضي أبو بكر محمد بن الطيب المشهور بابن الباقلاني الأصولي الأشعري المالكي مجدد الدين على رأس المائة الرابعة على الصحيح وقيل جدد بأبي سهل الصعلوكي صنف ابن الباقلاني تصانيف واسعة في الرد على الفرق الضالة حكى أن ابن المعلم متكلم الرافضة قال لأصحابه يوما وقد أقبل ابن الباقلاني جاءكم الشيطان فلما جلس ابن الباقلاني قال قال الله تعالى ( ^ ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا ) وكان ورعا لم تحفظ عنه زلة ولا نقيصة وكان باطنه معمورا بالعبادة والديانة والصيانة وقال الطائي رأيته في النوم بعد موته وعليه ثياب حسنة في رياض خضرة نضرة وسمعته يقرأ ( ^ في عيشة راضية في جنة عالية ) ورأيت قبل ذلك حسن حالهم فقلت من أين جئتم فقالوا من الجنة من زيارة القاضي أبي بكر انتهى ملخصا وقال ابن تيمية القاضي أبو بكر محمد بن الخطيب الباقلاني المتكلم وهو أفضل المتكلمين المنتسبين إلى الأشعري ليس فيهم مثله لا قبله ولا بعده قال في كتاب الإبانة تصنيفه فإن قال قائل فما الدليل على أن الله وجها ويدا قيل له ( ^ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) وقوله تعالى ( ^ ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ) فأثبت لنفسه وجها ويدا فإن قال فما أنكرتم أن يكون وجهه ويده جارحة قلنا لا يجب هذا كما لا يجب إذا لم نعقل حيا عالما قادرا إلا جسما أن نقضي نحن وأنتم بذلك على الله سبحانه وتعالى وكما لا يجب في كل شيء كان قائما بذاته أن يكون جوهرا لأنا وإياكم لا نجد قائما بنفسه في شاهدنا إلا كذلك وكذلك الجواب (3/169)

لهم إن قالوا فيجب أن يكون علمه وحياته وسمعه وبصره 170 وسائر صفاته عرضا واعتلوا بالوجود قال فإن قال فهل تقولون أنه في كل مكان قيل له معاذ الله بل هو مستو على عرشه كما أخبر في كتابه فقال ( ^ الرحمن على العرش استوى ) وقال تعالى ( ^ إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) وقال تعالى ( ^ أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض ) ( ^ أم أمنتم من في السماء ) قال ولو كان في كل مكان لكان في بطن الإنسان وفمه والحشوش والمواضع التي يرغب عن ذكرها ولوجب أن يزيد بزيادة الأمكنة وينقص بنقصانها انتهى ملخصا فرحمه الله تعالى ورضي عنه وفيها أبو بكر الخوارزمي محمد بن موسى شيخ الحنفية ومن انتهت إليه رياسة المذهب في الآفاق أخذ عن أبي بكر أحمد بن علي الرازي وسمع من أبي بكر الشافعي قال البرقاني سمعته يقول ديننا دين العجايز ولسنا من الكلام في شيء وقال القاضي الصيمري ما شاهد الناس مثل شيخنا أبي بكر الخوارزمي في حسن الفتوى وحسن التدريس دعى إلى القضاء مرة فامتنع وتوفي في جمادى الأولى قاله في العبر وفيها أبو رماد الرمادي شاعر الأندلس يوسف بن هرون القرطبي الكندي الأديب أخذ عن أبي علي القالي وغيره وكان فقيرا معدما ومنهم من يلقبه بأبي حنيش قال الحميدي في كتاب جذوة المقتبس أظن أحد آبائه كان من أهل رمادة موضع بالمغرب وهو شاعر قرطبي كثير الشعر سريع القول مشهور عند الخاصة والعامة هنالك لسلوكه في فنون كثيرة من المنظوم مسالك نفق عند الكل حتى كان كثير من شيوخ الأدب في وقته يقولون فتح الشعر بكندة وختم بكندة يعنون امرأ القيس ويوسف بن هرون والمتنبي وكانا متعاصرين وصنف كتابا في الطير وسجن مدة ومدح أبا إسماعيل القالي عند دخوله الأندلس في سنة ثلاثين وثلثمائة بقصيدة طنانة منها

( من حاكم بيني وبين عذولي * الشجو شجوي والعويل عويلي )
( في أي جارحة أصون معذبي * سلمت من التعذيب والتنكيل ) ( إن قلت في بصري فثم مدامعي * أو قلت في كبدي فثم غليلي ) ( وثلاث شيبات نزلن بمفرقي * فعلمت أن نزولهن رحيلي ) ( طلعت ثلاث في نزول ثلاثة * واش ووجه مراقب وثقيل )
( فعزلنني عن صبوتي فلئن ذللت * لقد سمعت بذلة المعزول ) ومنها في المديح ( روض تعاهده السحاب كأنه * متعاهد من عهد إسماعيل ) ( قسه إلى الأعراب تعلم أنه * أولى من الأعراب بالتفضيل ) ( حازت قبائلهم لغات فرقت * فيهم وحاز لغات كل قبيل ) ( فالشرق خال بعده فكأنما * نزل الخراب بربعه المأهول ) ( فكأنه شمس بدت في غربنا * وتغيبت عن شرقهم بأفول )
( يا سيدي هذا ثنائي لم أقل * زورا ولا عرضت بالتنويل ) ( من كان يأمل نائلا فأنا امرؤ * لم أرج غير القرب من تأميلي ) وله في غلام ألثغ من جملة أبيات قوله
( لا الراء تطمع في الوصال ولا أنا * الهجر يجمعنا فنحن سواء ) ( فإذا خلوت كتبتها في راحتي * وبكيت منتحبا أنا والراء ) وله فيه أيضا
( أعد لثغة في الراء لو أن واصلا * تسمعها ما أسقط الراء واصل ) وقال ابن بشكوال في كتاب الصلة يوسف بن هرون الرمادي الشاعر من أهل قرطبة يكنى أبا عمر كان شاعر أهل الأندلس المشهور المقدم ذكره على الشعراء روى عن أبي علي البغدادي يعني القالي كتاب النوادر من تأليفه وقد أخذ عنه أبو عمر بن عبد البر قطعة من شعره رواها عنه وضمنها بعض تآليفه قال ابن حبان وتوفي يوم العنصرة فقيرا معدما ودفن بمقبرة كلع انتهى كلامه ويوم العنصرة رابع عشرى حزيران وهو موسم للنصارى مشهور ببلاد الأندلس وفي هذا اليوم حبس الله الشمس على يوشع بن نون عليه السلام وفيه ولد يحيى بن زكريا عليهما السلام.

404 هـ

سنة أربع وأربعمائة فيها توفي أبو الفضل السليماني الحافظ وهو أحمد بن علي بن عمر البيكندي نسبة إلى بيكند بلد على مرحلة من بخارى البخاري محدث تلك الديار طوف وسمع الكثير وأكثر عن علي بن إسحق المادراني والأصم وطبقتهما وجمع وصنف قال ابن ناصر الدين كان إماما حافظا من الثقات وتوفي في ذي القعدة وله ثلاث وتسعون سنة وفيها أبو الطيب الصعلوكي سهل بن الإمام أبي سهل محمد بن سليمان العجلي النيسابوري الشافعي مفتي خراسان ومجدد القرن الرابع على قول روى عن الأصم وجماعة قال الحاكم هو أنظر من رأينا وقال ابن خلكان كان أبو الطيب المذكور مفتي نيسابور وابن مفتيها أخذ الفقه عن أبيه أبي سهل الصعلوكي وكان في وقته يقال له الإمام وهو متفق عليه عديم المثل في علمه وديانته وسمع أباه ومحمد بن يعقوب الأصم وابن مسطور وأقرانهم وكان فقيها أديبا متكلما خرجت له الفوائد من سماعاته وقيل أنه وضع له في المجلس أكثر من خمسمائة محبرة وجمع رياسة الدنيا والآخرة وأخذ عنه فقهاء نيسابور وتوفي في المحرم قال عبد الواحد اللخمي أصاب سهل الصعلوكي رمد فكان الناس يدخلون عليه وينشدونه من النظم ويروون من الآثار ما جرت العادة به فدخل الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي وقال أيها الإمام لو أن عينيك رأتا وجهك لما رمدت فقال له الشيخ سهل ما سمعت بأحسن من هذا الكلام وسر به ولمامات والده كتب إليه أبو النصر عبد الجبار يعزيه في والده رحمه الله تعالى (3/172)

173 ( من مبلغ شيخ أهل العلم قاطبة * عني رسالة محزون وأواه ) ( أولى البرايا بحسن الصبر ممتحنا * من كان فتياه توقيعا عن الله ) انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا وقال ابن قاضي شهبة نقل عنه الرافعي وعن والده أنهما قالا أن طلاق السكران لا يقع وسئل سهل عن الشطرنج فقال إذا سلم المال من الخسران والصلاة من النسيان فذلك أنس بين الأخوان وكتبه سهل بن محمد بن سليمان وله إلى عبد القيس أحمد بن إبراهيم بن أحمد ابن فراس المكي العطار مسند الحجاز في وقته وله ثلاث وتسعون سنة تفرد بالسماع عن محمد بن إبراهيم الديبلي وغيره وفيها كما قال ابن الجوزي في شذور العقود بدر بن خسنويه الكردي من أمراء الجبل لقبه القادر ناصر الدولة وعقد له لواءا وكان يبر العلماء والزهاد والأيتام وكان يتصدق كل جمعة بعشرة آلاف درهم ويصرف إلى الأساكفة والحذائين بين همذان وبغداد ليقيموا للمنقطعين من الحاج الأحذية ثلاثة (3/173)

174 آلاف دينار ويصرف إلى أكفان الموتى كل شهر عشرين ألف درهم واستحدث في أعماله ثلاثة آلاف مسجد وخان للغرباء وكان ينقل للحرمين كل سنة مصالح الطريق مائة ألف دينار ثم يرتفع إلى خزانته بعد المؤن والصدقات عشرون ألف ألف درهم انتهى وفيها بكر بن شاذان أبو القسم البغدادي الواعظ الزاهد قرأ على زيد بن أبي بلال الكوفي وجماعة وحدث عن ابن قانع وجماعة قال الخطيب كان عبدا صالحا توفي في شوال قال الذهبي وقرأ عليه جماعة وفيها أبو علي بن خمكان الحسن بن الحسين بن حمكان بحاء مهملة بعدها ميم مفتوحتان وكاف الهمداني الفقيه الشافعي نزيل بغداد روى عن عبد الرحمن بن حمدان الجلاب وجعفر الخلدي وطبقتهما وعنى بالحديث والفقه قال ابن قاضي شهبة روى عنه أنه قال كتبت بالبصرة عن أربعمائة وسبعين شيخا وروى عنه أبو القسم الأزهري وكان يضعفه ويقول ليس بشيء في الحديث قال ابن كثير له كتاب في مناقب الشافعي ذكر فيه مذاهب كثيرة وأشياء تفرد بها وكنت قد كتبت منه شيئا في ترجمة الإمام فلما قرأتها على شيخنا أبي الحجاج المزي أمرني أن أضرب على أكثرها لضعف ابن حمكان انتهى وفيها أبو الحسن المجبر أحمد بن محمد بن موسى بن القسم بن الصلت البغدادي روى عن إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي وأبي بكر بن الأنباري وجماعة كثيرة ضعفه البرقاني وغيره وتوفي في رجب وله إحدى وتسعون سنة وفيها أبو محمد بن الأكفاني قاضي القضاة عبد الله بن محمد الأسدي البغدادي حدث عن المحاملي وابن عقدة وخلق قال أبو إسحق إبراهيم بن أحمد الطبري من قال أن أحدا أنفق على أهل العلم مثله فقد كذب أنفق على أهل العلم مائة ألف دينار وقال الذهبي ولى قضاء العراق سنة ست وتسعين وعاش تسعا وثمانين سنة

  • وفيها الإدريسي الحافظ أبو سعد عبد الرحمن بن محمد بن محمد الاستراباذي نزيل سمرقند ومحدثها ومؤرخها سمع الأصم فمن بعده والف الأبواب والشيوخ وقال ابن ناصر الدين هو عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن عبد الله بن الحسن ابن منوبه أبو سعد الاستراباذي محدث سمرقند ومصنف تاريخها وتاريخ بلده كان حافظا متقنا راسخا مؤلفا انتهى وفيها أبو علي الحسن بن أحمد بن محمد بن الليث أبو علي الشيرازي الكشي المقري الفقيه الشافعي كان حافظا ناقدا قاله ابن ناصر الدين وفيها أبو نصر بن نباتة التميمي السعدي عبد العزيز بن عمر بن محمد بن أحمد ابن نباتة بن حميد بن نباتة بن الحجاج بن مطر بن خالد بن عمرو بن رباح بن سعد كان شاعرا مجيدا جمع بين حسن السبك وجودة المعنى وكان يعاب بكبر فيه طاف البلاد ومدح الملوك والوزراء والرؤساء وله في سيف الدولة غرر القصائد ونخب المدائح وكان قد أعطاه فرسا أدهم أغر محجلا فكتب إليه
( يا أيها الملك الذي أخلاقه * من خلقه ورواؤه من رأيه ) ( قد جاء بالطرف الذي أهديته * هاديه يعقد أرضه بسمائه ) ( أولاية أوليتها فبعثته * رمحا سبيب العرف عقد لوائه ) ( نحتل منه على أغر محجل * ماء الدجنة قطرة من مائه )
( وكأنما لطم الصباح جبينه * فاقتص منه فخاض في أحشائه ) ( متمهلا والبرق في أسمائه * متبرقعا والحسن من أكفائه ) ( ما كانت النيران يكمن جرها * لو كان للنيران بعض ذكائه ) ( لا تغلق الألحاظ في إعطافه * إلا إذا كفكفت من غلوائه ) ( لا يكمل الطرف المحاسن كلها * حتى يكون الطرف من اسرائه ) وله فيه أيضا من قصيدة
( قد جدت لي باللها حتى ضجرت بها * وكدت من ضجري أثني على البخل )
( إن كنت ترغب في أخذ النوال لنا * فاخلق لنا رغبة أولا فلا تنل )
( لم يبق جودك لي شيئا أؤمله * تركتني أصحب الدنيا بلا أمل )

ومعظم شعره جيد وله ديوان كبير وجرى له مع ابن العميد أشياء تقدم ذكر شيء منها في ترجمته وتوفي يوم الأحد بعد طلوع الشمس ثالث شوال ودفن في مقبرة الخيزران ببغداد وقال أبو الحسن محمد بن نصر البغدادي عدت ابن نباتة في اليوم الذي توفي فيه فأنشدني ( متع لحاظك من خل تودعه * فما أخالك بعد اليوم بالواري ) وودعته وانصرفت فأخبرت في طريقي أنه توفي وقال أبو علي محمد بم وشاح سمعت ابن نباتة يقول كنت يوما قائلا في دهليزي فدق على الباب فقلت من فقال رجل من أهل الشرق فقلت ما حاجتك فقال أنت القائل ( ومن لم يمت بالسيف مات بغيره * تنوعت الأسباب والداء واحد ) فقلت نعم فقال أرويه عنك فقلت نعم فمضى فلما كان آخر النهار دق على الباب فقلت من فقال رجل من أهل تاهرت من المغرب فقلت ما حاجتك فقال أنت القائل ومن لم يمت بالسيف البيت فقلت نعم وعجبت كيف وصل شعري إلى الشرق والغرب وفيها أبو عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدون بن نعيم بن البيع الضبي الطهماني النيسابوري الحافظ الكبير ولد سنة إحدى وعشرين وثلثمائة واعتنى به أبوه فسمعه في صغره ثم هو بنفسه وكتب عن نحو ألفي شيخ وحدث عن الأصم وعثمان بن السماك وطبقتهما وقرأ القراءات على جماعة وبرع في معرفة الحديث وفنونه وصنف التصانيف الكثيرة وانتهت إليه رياسة الفن بخراسان لا بل بالدنيا وكان فيه تشيع وحط على معوية وهو ثقة حجة قاله في العبر وقال ابن ناصر الدين له مصنفات كثيرة منها المستدرك على (3/176)

177 الصحيحين وهو صدوق من الإثبات لكن فيه تشيع وتصحيح واهيات انتهى وقال ابن قاضي شهبة طلب العلم في صغره وأوله سماعه سنة ثلاثين ورحل في طلب الحديث وسمع على شيوخ يزيدون على ألفي شيخ وتفقه على ابن أبي هريرة وأبي سهل الصعلوكي وغيرهم أخذ عنه الحافظ أبو بكر البيهقي فأكثر عنه وبكتبه تفقه وتخرج ومن بحره استمد وعلى منواله مشى وبلغت تصانيفه ألفا وخمسمائة جزء قال الخطيب البغدادي كان ثقة وكان يميل إلى التشيع قال الذهبي هو معظم للشيخين بيقين ولذي النورين وإنما تكلم في معاوية فأوذي قال وفي المستدرك جملة وافرة على شرطهما وجملة وافرة على شرط أحدهما لكن مجموع ذلك نصف الكتاب وفيه نحو الربع مما صح سنده وفيه بعض الشيء معلل وما بقي وهو الربع مناكير وواهيات لا تصح وفي ذلك بعض موضوعات قد علمت عليها لما اختصرته توفي فجاءة بعد خروجه من الحمام في صفر وقد أطنب عبد الغافر في مدحه وذكر فضائله وفوائده ومحاسنه إلى أن قال مضى إلى رحمة الله ولم يخلف بعده مثله وقد ترجمه الحافظ أبو موسى المديني في مصنف مفرد انتهى كلام ابن شهبة ملخصا وقال ابن خلكان والبيع بفتح الباء الموحدة وكسر الياء المثناة من تحتها وتشديدها وبعدها عين مهملة وإنما عرف بالحاكم لتقليده القضاء انتهى وفيها ابن كج القاضي أبو القسم يوسف بن أحمد بن كج بفتح الكاف وتشديد الجيم وهو في اللغة اسم للجص الذي يبيض به الحيطان الكجي نسبة إلى جده هذا الدينوري صاحب الإمام أبي الحسين بن القطان وحضر مجلس الداركي ومجلس القاضي أبي حامد المروزي انتهت إليه الرياسة ببلدة في المذهب ورحل الناس إليه رغبة في علمه وجوده وكان يضرب به المثل في حفظ المذهب وحكى السمعاني أن الشيخ أبا علي السبخي انصرف من عند الشيخ أبي حامد (3/177)

178 واجتاز به فرأى علمه وفضله فقال له يا أستاذ الاسم لأبي حامد والعلم لك فقال ذاك رفعته بغداد وحطتني الدينور قتله العيارون ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان وكان يضرب به المثل في حفظ مذهب الشافعي وكان أيضا محتشما جوادا ممدحا وهو صاحب وجه ومن تصانيفه التجريد قال في المهمات وهو مطول وقد وقف عليه الرافعي.

406 هـ

سنة ست وأربعمائة فيها توفي الشيخ أبو حامد الاسفرائيني أحمد بن أبي طاهر محمد بن أحمد الفقيه شيخ العراق وإمام الشافعية ومن إليه انتهت رياسة المذهب قدم بغداد صبيا فتفقه على ابن المرزبان وأبي القسم الداركي وصنف التصانيف وطبق الأرض بالأصحاب وتعليقته في نحو خمسين مجلدا وكان يحضر درسه سبعمائة فقيه توفي في شوال وله اثنتان وستون سنة وقد حدث عن أبي أحمد بن عدي وجماعة قاله في العير وقال ابن شهبة ولد سنة أربع وأربعين وثلثمائة واشتغل بالعلم قال سليم وكان يحرس في درب وكان يطالع الدرس على زيت الحرس وأفتى وهو ابن سبع عشرة سنة وقدم بغداد سنة أربع وستين فتفقه على ابن المرزباني والداركي وروى الحديث عن الدار قطني وأبي بكر الإسماعيلي وأبي أحمد بن عدي وجماعة وأخذ عن الفقهاء والأئمة ببغداد وشرح المختصر في تعليقته التي هي في خمسين مجلدا ذكر فيها خلاف العلماء وأقوالهم ومآخذهم ومناظرتهم حتى كان يقال له الشافعي وله كتاب في أصول الفقه قال الشيخ أبو إسحق انتهت إليه رياسة الدين والدنيا ببغداد وجمع مجلسه ثلثمائة متفقه واتفق الموافق والمخالف على تفضيله وتقديمه في جودة الفقه وحسن النظر ونظافة العلم وقال الخطيب أبو بكر حدثونا عنه وكان ثقة وقد رأيته وحضرت تدريسه وسمعت من يذكر أنه كان يحضر درسه سبعمائة فقيه وكان الناس يقولون لو رآه الشافعي لفرح به توفي في شوال ودفن في داره ثم نقل سنة عشر وأربعمائة إلى باب حرب انتهى ما أورده ابن شهبة ملخصا وفيها أبو مناد باديس بن منصور بن بلكين بن زيري بن مناد الحميري الصنهاجي المغربي الملك متولي إفريقية للحاكم العبيدي وكان ملكا حازما شديد البأس إذا هز رمحا كسره ومات فجأة وقام بعده ابنه المعز قال ابن خلكان وكانت ولايته بعد أبيه المنصور وكان مولده ليلة الأحد لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة أربع وسبعين وثلثمائة بأشير ولم يزل على ولايته وأموره جارية على السداد ولما كان يوم الثلاثاء تاسع عشرى ذي القعدة سنة ست وأربعمائة أمر جنوده بالعرض فعرضوا بين يديه وهو في قبة الإسلام جالس إلى وقت الظهر وسره حسن عسكره وبهجة زينتهم وما كانوا عليه وانصرف إلى قصره ثم ركب عشية ذلك النهار في أجمل مركوب ولعب الجيش بين يديه ثم رجع إلى قصره شديد السرور بما رآه من كمال حاله وقدم السماط فأكل مع خاصته وحاضري مائدته ثم انصرفوا عنه وقد رأوا من سروره ما لم يروه منه قط فلما مضى مقدار نصف الليل من ليلة الأربعاء سلخ القعدة قضى نحبه رحمه الله تعالى فأخفوا أمره ورتبوا أخاه كرامة بن المنصور ظاهرا حتى وصلوا إلى ولده المعز فولوه وتم له الأمر وذكر في كتاب الدول المنقطعة أن سبب موته أنه قصد طرابلس ولم يزل على قرب منها عازما على قتالها وحلف أن لا يرحل عنها إلى أن يعيدها فدنا للزراعة فاجتمع أهل البلد إلى المؤدب محرز وقالوا يا ولي الله قد بلغك ما قاله باديس فادع الله أن يزيل عنا بأسه فرفع يديه إلى السماء وقال يا رب باديس اكفنا باديس فهلك في ليلته بالذبحة والصنهاجي بضم الصاد المهملة وكسرها وسكون النون وبعد الألف جيم نسبة إلى صنهاجة قبيلة مشهورة من حمير وهي بالمغرب قال ابن دريد صنهاجة بضم الصاد لا يجوز غير ذلك انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا (3/179)

180 وفيها أبو علي الدقاق الحسن بن علي النيسابوري الزاهد العارف شيخ الصوفيه توفي في ذي الحجة وقد روى عن ابن حمدان وغيره قال الشيخ عبد الرؤف المناوي في كتابه الكواكب الدرية في تراجم الصوفيه ما ملخصه الحسن بن علي الأستاذ أبو علي الدقاق النيسابوري الشافعي لسان وقته وإمام عصره كان فارها في العلم متوسطا في الحلم محمود السيرة مجهود السريرة جنيدي الطريقة سري الحقيقة أخذ مذهب الشافعي عن القفال والحصري وغيرهما وبرع في الأصول وفي الفقه وفي العربية حتى شدت إليه الرحال في ذلك ثم أخذ في العمل وسلك طريق التصوف وأخذ عن النصراباذي قال ابن شهبة وزاد عليه حالا ومقالا وعنه القشيري صاحب الرسالة واه كرامات ظاهرة ومكاشفات باهرة قيل له لم زهدت في الدنيا قال لما زهد في أكثرها أنفت عن الرغبة في أقلها قال الغزالي وكان زاهد زمانه وعالم أوانه وأتاه بعض أكابر الأمراء فقعد على ركبتيه بين يديه وقال عظني فقال أسألك عن مسئلة وأريد الجواب بغير نفاق فقال نعم فقال أيما أحب إليك المال أو العدو قال المال قال كيف تترك ما تحبه بعدك وتستصحب العدو الذي لا تحبه معك فبكى وقال نعم الموعظة هذه ومن كلامه من سكت عن الحق فهو شيطان أخرس وقال من علامة الشوق تمني الموت على بساط العوافي كيوسف لما ألقي في الجب ولما أدخل السجن لم يقل توفني ولما تم له الملك والنعمة قال توفني وكان كثيرا ما ينشد ( أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت * ولم تخف شر ما يأتي به القدر ) ( وسالمتك الليالي فاغتررت بها * وعند صفو الليالي يحدث الكدر ) وقال صاحب الحزن يقطع من الطريق في شهر ما لا يقطعه غيره في عام وقال السماع حرام على العوام لبقاء نفوسهم مباح للزهاد لحصول مجاهداتهم مستحب لأصحابنا لحياة قلوبهم وقال لو بن وليا لله مر ببلدة للحق أهلها بركة (3/180)

181 مروره حتى يغفر لجاهلهم وقال قال رجل لسهل أريد أن أصحبك قال إذا مات أحدنا فمن يصحب الباقي قال الله قال فاصحبه الآن انتهى ما أورده المناوي وفيها أبو القسم الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري الطيب روى عن محمد بن أحمد بن دلويه صاحب البخاري وأبي حامد بن بلال وجماعة وتفرد بالسماع من غير واحد توفي يوم النحر عن سن عالية وفيها أبو أحمد الفرضي عبيد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبي مسلم المقرئ شيخ بغداد قرأ على أحمد بن بويان وسمع من يوسف البهلول الأزرق والمحاملي قال الخطيب كان ثقة ورعا دينا وقال العتيقي ما رأينا في معناه مثله وقال الأزهري إمام من الأئمة وقال الذهبي عاش اثنتين وثمانين سنة وفيها أبو الهيثم عتبة بن خيثمة التميمي النيسابوري القاضي شيخ الحنفية بخراسان كان عديم النظير في الفقه والفتوى تفقه على أبي الحسين قاضي الحرمين وأبي العباس التبال وسمع لما حج من أبي بكر الشافعي وجماعة وولى نيسابور تسع سنين وفيها الإمام أبو بكر بن فورك بضم الفاء وفتح الراء الأستاذ محمد بن الحسن بن فورك الأصبهاني المتكلم صاحب التصانيف في الأصول والعلم روى مسند الطيالسي عن أبي محمد بن فارس وتصدر للإفادة بنيسابور وكان ذا زهد وعبادة وتوسع في الأدب والكلام والوعظ والنحو قال الأسنوي في طبقاته أقام بالعراق مدة يدرس ثم توجه إلى الري فسمعت به المبتدعة فراسله أهل نيسابور والتمسوا منه التوجه إليهم ففعل وورد نيسابور فبنى له بها مدرسة دار فأحيا الله تعالى به أنواعا من العلوم وظهرت بركته على المتفقهة وبلغت (3/181)

182 مصنفاته قريبا من مائة تصنيف ثم دعى إلى مدينة غزنة من الهند وجرت له بها مناظرات عظيمة فلما رجع إلى نيسابور رسم في الطريق فمات فنقل إلى نيسابور فدفن بها ونقل عن ابن حزم أن السلطان محمود بن سبكتكين قتله لقوله أن نبينا ليس هو رسول الله اليوم لكنه كان رسول الله انتهى كلام الأسنوي ملخصا وفيها الشريف الرضي نقيب العلويين أبو الحسن محمد بن الحسين بن موسى بن محمد الحسيني الموسوي البغدادي الشيعي الشاعر المفلق الذي يقال أنه أشعر قريش ولد سنة تسع وخمسين وثلثمائة وابتدأ بنظم الشعر وله عشر سنين وكان مفرط الذكاء له ديوان في أربع مجلدات وقيل أنه حضر مجلس أبي سعيد السيرافي فسأله ما علامة النصب في عمر فقال بغض على فعجبوا من حدة ذهنه ومات أبوه في سنة أربعمائة أو بعدها وقد نيف على التسعين وأما أخوه الشريف المرتضى فتأخر قاله في العبر وقال ابن خلكان ذكره الثعالبي في اليتيمة فقال ابتدأ بقول الشعر بعد أن جاوز عشر سنين بقليل وهو اليوم أبدع أبناء الزمان وأنجب سادات العراق يتحلى مع محتده الشريف ومفخره المنيف بأدب ظاهر وفضل باهر وحظه من جميع المحاسن وافر ثم هو أشعر الطالبيين من مضى منهم ومن غبر على كثرة شعرائهم المفلقين ولو قلت أنه أشعر قريش لم أبعد عن الصدق ويشهد بما أخبرته شاهد عدل من شعره العالي القدح الممتنع عن القدح الذي يجمع إلى السلامة متانة وإلى السهولة رصانة ويشتمل على معان يقرب جناها ويبعد مداها وكان أبوه يتولى قديما نقابة الطلبيين ويحكم فيهم أجمعين والنظر في المظالم والحج بالناس ثم ردت هذه الأعمال كلها إلى ولده المذكور في سنة ثلاث وثمانين وثلثمائة وأبوه حي ومن غرر شعره ما كتبه إلى الإمام القادر بالله من جملة قصيدة:

( عطفا أمير المؤمنين فإننا * في دوحة العلياء لا نتفرق )
( ما بيننا يوم الفخار تفاوت * أبدا كلانا في المعالي معرق )
( إلا الخلافة بينتك فإنني * أنا عاطل منها وأنت مطوق )

ومن قوله أيضاً:

( رمت المعالي فامتنعن ولم يزل * أبدا يمانع عاشقا معشوق )
( فصبرت حتى نلتهن ولم أقل * ضجرا دواء الفارك التطليق )

وله من جملة أبيات

( يا صاحبي قفالي واقضيا وطرا * وحدثاني عن نجد بأخبار )
( هل روضت قاعة الوعساء أم مطرت * خميلة الطلح ذات البان والغار )
( أم هل أبيت ودار دون كاظمة * داري وسمار ذاك الحي سماري )
( تضوع أرواح نجد من ثيابهم * عند القدوم لقرب العهد بالدار )

وذكر ابن جني أنه تلقن القرآن بعد أن دخل في السن فحفظه في مدة يسيرة وصنف كتابا في معاني القرآن فجاء نادرا في بابه وقد عنى بجمع ديوانه جماعة وأجود ما جمع الذي جمعه أبو حكيم الحيري وحكى أن بعض الأدباء اجتاز بدار الشريف الرضي بسر من أرى وهو لا يعرفها وقد أخنى عليها الزمان وذهبت بهجتها وأخلقت ديباجتها وبقايا رسومها تشهد لها بالنضارة وحسن البشارة فوقف عليها متعجبا من صروف الزمان وطوارق الحدثان وتمثل بقول الشريف الرضي المذكور

( ولقد وقفت على ربوعهم * وطلولها بيد البلى نهب )
( فبكيت حتى ضج من لغب * نضوى وعج بعذلي الركب )
( وتلفتت عيني فمذ خفيت * عنها الطلول تلفت القلب )

فمر به شخص فسمعه ينشد الأبيات فقال هل تعرف هذه الدار لمن قال لا قال هذه الدار لقائل هذه الأبيات الشريف الرضي فتعجب من حسن الاتفاق وكانت ولادة الرضي سنة تسع وخمسين وثلثمائة ببغداد وتوفي بكرة يوم الخميس سادس المحرم وقيل صفر سنة ست وأربعمائة ببغداد ودفن في داره بخط مسجد الأنباريين بالكرخ وخربت الدار ودثر القبر ومضى أخوه المرتضى أبو القسم علي إلى مشهد موسى بن جعفر لأنه لا يستطيع أن ينظر إلى تابوته وصلى عليه الوزير فخر الملك في الدار مع جماعة كثيرة انتهى ما أورد ابن خلكان ملخصا وفيها كما قال ابن ناصر الدين أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الوهاب الاسفرائيني كان حافظا زائدا بالحفظ على أقرانه قال في بديعة البيان

( محمد بن أحمد ذاك أبو * بكر وفا تحفظا فقربوا )

407 هـ

سنة سبع وأربعمائة فيها كما قال في الشذور ورد الخبر بتشعث الركن اليماني من البيت الحرام وسقوط حائط بين يدي قبر النبي ووقوع القبة الكبير التي على الصخرة ببيت المقدس.

  • وفيها توفي أبو بكر الشيرازي أحمد بن عبد الرحمن الحافظ مصنف كتاب الألقاب كان أحد من عنى بهذا الشأن وأكثر الترحال في البلدان ووصل بلاد الترك وسمع من الطبراني وطبقته قال عبد الرحمن بن مندة مات في شوال.
  • وفيها أبو سعيد الخركوشي بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء وضم الكاف آخره معجمة نسبة إلى خركوش سكة بنيسابور عبد الملك بن أبي عثمان النيسابوري الواعظ القدوة صنف كتاب الزهد وكتاب دلائل النبوة وغير ذلك قال الحاكم لم أر أجمع منه علما وزهدا وتواضعا وإرشادا إلى اله زاده الله توفيقا وأسعدنا بأيامه وقال الذهبي روى عن حامد الرفا وطبقته وتوفي في جمادى الأولى.
  • وفيها أبو الفضل الفلكي علي بن الحسين بن أحمد بن الحسن بن القسم بن الحسن بن علي الهمداني كان حافظا بارعا متقنا لهذا الشأن له كتاب المنتهى في الكمال في معرفة الرجال كتبه في ألف جزء ولم يبيضه فيما يقال قاله ابن ناصر الدين.
  • وفيها أبو عبد الله محمد بن أحمد بن شاكر القطان مؤلف فضائل الشافعي توفي في المحرم روى عن عبد الله بن الورد وطائفة.
  • وفيها أبو الحسين المحاملي محمد بن أحمد بن القسم بن إسماعيل الضبي البغدادي الفقيه الشافعي الفرضي شيخ سليم الرازي روى عن إسماعيل الصفار وطائفة.
  • وفيها الوزير فخر الملك أبو غالب بن الصيرفي محمد بن علي بن خلف وزير بهاء الدولة أبي نصر بن عضد الدولة بن بويه وبعد وفاته وزر لولده سلطان الدولة أبي شجاع فناخسرو ولد فخر الملك بواسط يوم الخميس ثاني عشرى شهر ربيع الآخر سنة أربع وخمسين وثلثمائة وكان من أعظم وزراء آل بويه على الإطلاق بعد ابن العميد والصاحب بن عباد وكان أبوه صيرفيا وكان هو واسع النعمة فسيح مجال الهمة جم الفضائل والأفعال جزيل العطايا والنوال قصده جماعة من أعيان الشعراء ومدحوه بنخب المدائح منهم مهيار الديلمي وأبو نصر بن نباتة السعدي له فيه قصائد مختارة منها قصيدته النونية التي من جملتها
( لكل فتى قرين حين يسمو * وفخر الملك ليس له قرين )
( أنخ بجنابه واحكم عليه * بما أملته وأنا الضمين )

قال بعض علماء الأدب مدح بعض الشعراء فخر الملك بعد هذه القصيدة فأجازه إجازة لم يرضها فجاء إلى ابن نباتة وقال أنت غريتني وأنا مدحته إلا ثقة بضمانك فأعطني ما يليق بقصدي فأعطاه من عدنه شيئا رضي به فبلغ ذلك فخر الملك فسير لابن نباتة جملة مستكثرة لهذا السبب ومدائح فخر الملك مستكثرة ولأجله صنف أبو بكر محمد بن الحاسب الكرجي كتاب الفخري في الجبر والمقابلة وكتاب الكافي في الحساب ورفع إليه رجل شيخ رقعة يسعى فيها بهلاك شخص فكتب فخر الملك في ظهرها السعاية قبيحة وإن كانت صحيحة فإن كنت أجريتها مجرى النصح فخسرانك فيها أكثر من الربح ومعاذ الله أن نقبل من مهتوك في مستور ولولا أنك في خفارة من شيبك لقابلناك بما يشبه مقالك ونردع به أمثالك فاكتم هذا العيب واتق من يعلم الغيب والسلام ومحاسن فخر الملك كثيرة ولم يزل في عزه وجاهه وحرمته إلى أن نقم عليه مخدومه سلطان الدولة لسبب اقتضى ذلك فحبسه ثم قتله بسفح جبل قريب من الأهواز يوم السبت سابع عشرى ربيع الأول وقيل آخره ودفن هناك ولم يستقص دفنه فنبشت الكلاب قبره وأكلته ثم أعيد دفن رمته فشفع فيه بعض أصحابه فنقلت عظامه إلى مشهد هناك فدفنت في السنة التي بعدها.

  • أبو الحسن أحمد بن عبد العزيز بن أحمد التميمي البغدادي في ذي القعدة بمصر وله إحدى وتسعون سنة روى عن المحاملي ومحمد بن مخلد وله جزء واحد رواه عنه الصوري والحبال.
  • وفيها عطية بن سعيد الأندلسي القفصي بفتح القاف وسكون الفاء نسبة إلى قفصة بلدة في طرف إفريقية كنيته أبو محمد كان حافظا صوفيا زاهدا علامة مكثرا خيرا قاله ابن ناصر الدين.
  • وفيها ابن البيع أبو محمد عبد الله بن عبيد الله بن يحيى البغدادي المؤدب صاحب المحاملي وثقه الخطيب ومات في رجب.
  • وفيها اليزدي أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر الجرجاني محدث أصبهان روى عن محمد بن الحسين القطان والأصم وطبقتهما وتوفي في رجب.
  • وفيها أبو الفضل الخزاعي محمد بن محمد بن جعفر بن عبد الكريم الجرجاني المقرئ مصنف كتاب الواضح وكان كثير التطواف في طلب القراءات أخذ عن الحسن بن سعيد المطوعي وطبقته وكان غير ثقة ولا صادق قاله في العبر.
  • وفيها أبو عمر البسطامي محمد بن الحسين بن محمد بن الهيثم الفقيه الشافعي قاضي نيسابور وشيخ الشافعية بها رحل وسمع الكثير ودرس المذهب وأملى على الطبراني وطبقته قال ابن شهبة سمع بالعراق والأهواز وأصبهان وسجستان وأملى وحدث وأقرأ المذهب وكان في ابتداء أمره يعقد مجلس الوعظ والتذكير ثم تركه وأقبل على التدريس والمناظرة والفتوى ثم ولى قضاء نيسابور سنة ثمان وثمانين وثلثمائة فأظهر أهل الحديث من الفرح والاستبشار ما يطول شرحه وكان نظير سهل الصعلوكي حشمة وجاها وعلما فصاهره سهل وجاء بينهما جماعة سادة فضلاء توفي في ذي القعدة سنة ثمان وقيل سبع وأربعمائة انتهى.

409 هـ

سنة تسع وأربعمائة فيها قرئ في الموكب كتاب بمذاهب السنة وقيل فيه من قال أن القرآن مخلوق فهو كافر حلال الدم قاله في الشذور.

  • وفيها توفي أبو الحسين بن المتيم أحمد بن محمد بن أحمد بن حماد البغدادي الواعظ في جمادى الآخرة له جزء مشهور روى عن المحاملي وجماعة.
  • وفيها ابن الصلت الأهوازي أحمد بن محمد بن أحمد بن موسى بن هارون بن الصلت ولد سنة أربع وعشرين وثلثمائة وسمع من المحاملي وابن عقدة وجماعة وهو ثقة.
  • وفيها عبد الله بن يوسف بن أحمد بن مامويه الشيخ أبو محمد المعروف بالأصبهاني وإنما هو أردستاني بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح المهملة فسكون المهملة ففتح الفوقية نسبة إلى أردستان بلد قرب أصفهان وقيل هو بكسر الهمزة نزل نيسابور وكان من كبار الصوفية وثقات المحدثين الرحالة روى عن أبي سعيد بن الأعرابي ومحمد بن الحسين القطان وجماعة وتوفي في رمضان وله أربع وتسعون سنة.
  • وفيها عبد الغني بن سعيد بن علي بن سعيد بن بشر بن مروان الأزدي المصري السمرقندي صاحب التصانيف كان ثقة صاحب سنة حافظا علامة من تآليفه كتاب المؤتلف والمختلف مات في سابع صفر وله سبع وسبعون سنة روى عن عثمان بن محمد السمرقندي وإسماعيل بن الجراب والدار قطني وطبقتهم ورحل إلى الشام فسمع من الميانجي وطبقته وكان الدار قطني يفخم أمره ويرفع ذكره ويقول كأنه شعلة نار وكان منصور الطرسوسي خرجنا نودع الدار قطني بمصر فبكينا فقال تبكون وعندكم عبد الغني وفيه الخلف وقال البرقاني ما رأيت بعد الدار قطني أحفظ من عبد الغني وقال ابن خلكان انتفع به خلق كثير وكانت بينه وبين أبي أسامة جنادة اللغوي وأبي علي المقري الأنطاكي مودة أكيدة واجتماع في دار الكتب ومذاكرات فلما قتلهما الحاكم صاحب مصر استتر بسبب ذلك الحافظ عبد الغني خوفا أن يلحق بهما لاتهامه بمعاشرتهما وأقام مستخفيا مدة حتى حصل له الأمن فظهر وقال أبو الحسن علي بن بقا كاتب الحافظ عبد الغني سمعت الحافظ عبد الغني يقول رجلان جليلان لزمهما لقبان قبيحان معاوية بن عبد الكريم الضال لم يكن ضالا وإنما ضل في طريق مكة وعبد الله بن محمد الضعيف كان ضعيفا في جسمه لا في حديثه انتهى ملخصا.
  • وفيها القسم بن أبي المنذر الخطيب أبو طلحة القزويني راوي سنن ابن ماجه عن أبي الحسن القطان عنه توفي في هذا العام أو في الذي بعده.

410 هـ

سنة عشر وأربعمائة فيها كما قال في الشذور ورد إلى القادر كتاب من عين الدولة محمود بن سبكتكين يذكر ما افتتحه من بلاد الهند فيه أني فتحت قلاعا وحصونا وأسلم زهاء عشرين ألفا من عباد الأوثان وسلموا قدر ألف ألف درهم من الورق وبلغ عدد الهالكين منهم خمسين ألفا ووافى العبد مدينة لهم عاين فيها زهاء ألف قصر مشيد وألف بيت للأصنام ومبلغ ما في الصنم ثمانية وتسعون ألف مثقال وثلثمائة مثقال وقلع من الأصنام الفضة زيادة على ألف صنم فحصل منهم عشرون ألف ألف درهم وأفرد خمس الرقيق فبلغ ثلاثة وخمسين ألفا واستعرض ثلثمائة وستة وخمسين فيلا انتهى وقال الذهبي وكان جيشه ثلاثين ألف فارس سوى الرجالة والمطوعة وقال ابن الأهدل فتح ما لم يبلغه أحد في الإسلام وبنى فيها أي الهند مساجد وكسر الضنم المشهور بسر منات وهو عند كفرة الهند يحيى ويميت ويقصدونه لأنواع العلل ومن لم يشف منهم احتج بالذنب وعدم الإخلاص ويزعمون أن الأرواح إذا فارقت الأجساد اجتمعت إليه على مذهب أهل التناسخ ويتركها فيمن شاء وإن مد البحر وجزره عبادة له ويتحفه كل ملوك الهند والسند بخواص ما عندهم حتى بلغت أوقافه عشرة آلاف قرية وخدمه من البراهمة ألف رجل وثلثمائة يحلقون رءوسهم ولحاهم عند الورود وثلثمائة امرأة يغنون ويضربون عند بابه وبين قلعة الصنم وبلاد المسليمن مسيرة شهر مفازة قليلة الماء صعبة المسلك لا تهتدي طرقها فأنفق محمود ما لا يحصى في طلبها حتى وصلها وفتحها في ثلاثة أيام ودخل بيت الصنم وحوله أصنام كثيرة من الذهب المرصع بالجوهر محيطة بعرشه يزعمون أنها الملائكة فأحرق الصنم ووجد في أذنه نيفا وثلاثين حلقة فسألهم محمود عن تلك الحلق فقالوا كل حلقة عبادة ألف سنة كلما عبدوه ألف سنة علقوا في أذنه حلقة ولهم فيه أخبار طويلة انتهى وفيها توفي الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني صاحب التفسير والتاريخ والتصانيف التي منها المستخرج على صحيح البخاري لست بقين من رمضان وقد قارب التسعين سمع بأصبهان والعراق وروى عن أبي سهل بن زياد القطان وطبقته وعنه عبد الرحمن بن مندة وأخوه عبد الوهاب وخلق كثير وكان إماما في الحديث بصيرا بهذا الشأن وفيها الحافظ أبو بكر الشيرازي أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن موسى الفارسي الجوال صاحب كتاب ألقاب الرجال كان حافظا صدوقا متقنا ذكره ابن ناصر الدين في بديعته وأثنى عليه وعده من الحفاظ لكن جزم بموته في السنة التي بعدها وفيها أبو القسم الشيباني عبد الرحمن بن عمر بن نصر الدمشقي المؤدب في رجب روى عن خيثمة وطبقته واتهموه في لقى أبي إسحق بن أبي ثابت ويذكر عنه الاعتزال قاله في العبر وفيها أبو بالوية المزكي أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن بالويه النيسابوري آخر من روى عن محمد بن الحسين القطان وكان ثقة نبيلا وجيها توفي فجاءة في شعبان وكان يملى في داره وفيها ابن بابك الشاعر المشهور عبد الصمد بن منصور بن الحسن بن بابك أحد الشعراء المجيدين المكثرين ديوانه في ثلاث مجلدات وله أسلوب رائق في نظم الشعر وجاب البلاد ومدح الرؤساء وبابك بفتح الموحدتين قال له الصاحب ابن عباد أنت ابن بابك فقال ابن بابك فأعجب به غاية الإعجاب ومن شعره

( وأغيد معسول الشمائل زارني * على فرق والنجم حيران طالع )
( فلما جلى صبح الدجى قلت حاجب * من الصبح أو قرن من الشمس لامع )
( إلى أن دنا والسحر رائد طرفه * كما ريع ظبي بالصريمة راتع )
( فنازعته الصهباء والليل دامس * رقيق حواشي البرد والنسر واقع )
( عقارا عليها من دم الصب بعضه * ومن عبرات المستهام فواقع )
( تذر إذا شحت عيونا كأنها * عيون العذارى شق عنها البراقع )
( معودة غصب العقول كأنها * لها عند ألباب الرجال ودائع )
( فبتنا وظل الوصل دان وسرنا * مصون ومكتوم الصبابة ذائع )
( إلى أن سلا عن ورده فارط الغطا * ولاذت بأطراف الغصون السواجع )
( قولي أسير السكر يكبو لسانه * فتنطق عنه بالوداع الأصابع )

وله أيضا

( يا صاحبي امزجا كاس المدام لنا * كيما يضيء لنا من نورها الغسق )
( خمرا إذا ما نديمي هم يشربها * أخشى عليه من اللالاء يحترق )
( لو رام يحلف أن الشمس ما غربت * في فيه كذبه في وجهه الشفق )

وله بيت من قصيدة وهو الغاية رقة

( ومربي النسيم فرق حتى * كأني قد شكوت إليه ما بي )

وتوفي ببغداد رحمه الله تعالى (3/191)

192 أبو عمر بن مهدي عبد الواحد بن محمد بن عبد الله الفارسي ثم البغدادي البزاز آخر أصحاب المحاملي وإبن مخلد وإبن عقدة قال الخطيب ثقة توفي في رجب وله إثنتان وتسعون سنة وفيها القاضي أبو منصور الأزدي محمد بن محمد بن عبد الله الفقيه شيخ الشافعية بهراة ومسند البلد رحل وسمع ببغداد من احمد بن عثمان الأدمي وبالكوفة من إبن دحيم وطائفة توفي فجاءة في المحرم وفيها أبو طاهر محمد بن محمد محمش بميم مفتوحة وحاء مهملة ساكنة بعدها ميم مكسورة ثم شين معجمة إبن علي بن داود بن أيوب الأستاذ الزيادي الفقيه الشافعي عالم نيسابور ومسندها ولد سنة سبع عشر ة وثلثمائة وسمع سنة خمس وعشرين من أبي حامد بن بلال محمد بن الحسين القطان وعبد الله بن يعقوب الكرماني وخلق وأملى ودرس وكان قانعاً متعففاً له مصنف في علم الشروط وروى عنه الحاكم مع تقدمه عليه وأثنى عليه وعرف بالزيادي لأنه كان يسكن ميدان زياد بن عبد الرحمن وقال ابن السمعاني إنما سمي بذلك نسبة إلى بعض أجداده وفيها هبة الله سلامة بن أبي القسم البغدادي المفسر مؤلف كتاب الناسخ والمنسوخ وجد رزق الله التميمي لأمه كان من أحفظ الأئمة للتفسير وكان ضريراً له حلقة بجامع المنصور سنة إحدى عشر وأربعمائة فيها كان الغلاء المفرط بالعراق حتى أكلوا الكلاب والحمر وفيها توفي أبو نصر النرسي أحمد بن محمد بن أحمد بن حسنون البغدادي الصدوق الصالح روى عن ابن البختري وعلي بن إدريس الستوري وفيها الحاكم بأمر الله أبو علي منصور بن عبد العزيز نزار بن المعز العبيدي صاحب مصر والشام والحجاز والمغرب فقد في شوال وله ست وثلاثون سنة قتلته أخته ست الملك بعد أن كتب إليها ما أوحشها وخوفها واتهمها بالزنا فدست من قتله وهو طليب بن دواس المتهم بها ولم يوجد من جسده شيء وأقامت بعده ولده ثم قتلت طليبا وكل من اطلع على أمر أخيها وكان الحاكم شيطانا مريدا خبيث النفس متلون الاعتقاد سمحا جوادا سفاكا للدماء قتل عددا كثيرا من كبراء دولته صبرا وأمر بشتم الصحابة وكتبه على أبواب المساجد وأمر بقتل الكلاب حتى لم يبق في مملكته منها إلا القليل وأبطل الفقاع والملوخية والسمك الذي لافلوس له وأتى بمن باع ذلك سرا فقتلهم ونهى عن بيع الرطب ثم جمع منه شيئا عظيما وحرقه وأباد أكثر الكروم وشدد في الخمر وألزم الذمة بحمل الصلبان والقرامى في أعناقهم كما قدمناه وأمرهم بلبس العمائم السود وهدم الكنائس ونهى عن تقبيل الأرض له ديانة منه وأمر بالسلام فقط وأمر الفقهاء ببث ذلك واتخذ له مالكيين يفقهانه ثم ذبحهما صبرا ثم نفى المنجمين من بلاده وحرم على النساء الخروج فما زلن ممنوعات سبع سنين وسبعة أشهر حتى قتل ثم تزهد وتأله ولبس الصوف وبقي يركب حمارا ويمر وحده في الأسواق ويقيم الحسبة بنفسه ويقال أنه أراد يدعى الآلهية كفرعون وشرع في ذلك فخوفه خواصه من زوال دولته فانتهى وكان المسلمون والذمة في ويل وبلاء شديد معه قال ابن خلكان والحاكم المذكور وهو الذي بنى الجامع الكبير بالقاهرة بعد أن شرع فيه والده فأكمله هو وبنى جامع راشدة بظاهر مصر وكان المتولي بناءه الحافظ عبد الغني بن سعيد والمصحح لقبلته ابن يونس المنجم وأنشأ عدة مساجد بالقرافة وحمل إلى الجامع من المصاحف والآلات الفضية والستور والحصر ما له قيمة طائلة وكان يفعل الشيء وينقصه وكان الحاكم المذكور سيء الاعتقاد كثير التنقل من حال إلى حال ابتدأ أمره بالتزيي بزي آبائه وهو الثياب المذهبة والفاخرة والعمائم المنظومة بالجواهر النفيسة وركوب السروج الثقيلة المصوغة ثم بدا له بعد ذلك وتركه على تدريج بأن انتقل منه إلى المعلم غير المذهب ثم زاد الأمر به حتى لبس الصوف وركب الحمر وأكثر من طلب أخبار الناس والوقوف على أحوالهم وبعث المتجسسين من الرجال والنساء فلم يكن يخفى عليه رجل ولا امرأة من حواشيه ورعيته وكان مؤاخذا بيسير الذنب لا يملك نفسه عند الغضب فأفنى رجالا وأباد أجيالا وأقام هيبة عظيمة وناموسا وكان يقتل خاصته وأقرب الناس إليه وربما أمر بإحراق بعضهم وربما أمر بحمل بعضهم وتكفينه ودفنه وبناء تربة عليه وألزم كافة الخواص بملازمة قبره والمبيت عنده وأشياء من هذا الجنس يموه بها على أصحاب العقول السخيفة فيعتقدون أن له في ذلك أغراضا صحيحة ومع هذا القتل العظيم والطغيان المستمر يركب وحده منفردا تارة وفي الموكب أخرى وفي المدينة طورا وفي البرية آونة والناس كافة على غاية الهيبة والخوف منه والوجل لرؤيته وهو بينهم كالأسد الضاري فاستمر أمره كذلك مدة ملكه وهو نحو إحدى وعشرين سنة حتى عن له أن يدعى الآلهية ويصرح بالحلول والتناسخ ويحمل الناس عليه وألزم الناس بالسجود مرة إذا ذكر فلم يكن يذكر في محفل ولا مسجد ولا على طريق إلا سجد من يسمع ذكره وقبل الأرض إجلالا له ثم لم يرضه ذلك حتى كان في شهر رجب سنة تسع وأربعمائة ظهر رجل يقال له حسن بن حيدرة الفرغاني الأخرم يرى حلول الآله في الحاكم ويدعو إلى ذلك ويتكلم في إبطال الثواب وتأول جميع ما ورد في الشريعة فاستدعاه الحاكم وقد كثر تبعه وخلع عليه خلعا سنية وحمله على فرس مسرج في موكبه وذلك في ثاني رمضان منها فبينما هو يسير في بعض الأيام تقدم إليه رجل من الكرخ على جسر طريق المقياس وهو في الموكب فألقاه عن فرسه ووالى العرب عليه حتى قتله فارتج الموكب وأمسك الكرخي فأمر به فقتل في وقته ونهب الناس دار الأخرم بالقاهرة وأخذ جميع ما كان له فكان بين الخلع عليه وقتله ثمانية أيام وحمل الأخرم في تابوت وكفن بأكفان حسنة وحمل أهل السنة الكرخي ودفنوه وبنوا على قبره ولازم الناس زيارته ليلا ونهارا فلما كان بعد عشرة أيام أصبح الناس فوجدوا القبر منبوشا وقد أخذت جثته ولم يعلم ما فعل بها انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا وفيها القاضي أبو القسم الحسن بن الحسين بن المنذر البغدادي قاضي ميافارقين ببغداد في شعبان وله ثمانون سنة كان صدوقا علامة بالفرائض روى عن ابن البختري وإسماعيل الصفار وجماعة وفيها أبو القسم الخزاعي علي بن أحمد بن محمد البلخي راوي مسند الهيثم بن كليب الشاشي عنه وقد روى عنه جماعة كثيرة وحدث ببلخ وبخارى وسمرقند ومات في صفر ببخارى عن بضع وثمانين سنة سنة اثنتي عشرة وأربعمائة فيها توفي أبو سعد الماليني نسبة إلى مالين قرية مجتمعة من أعمال هراة أحمد ابن محمد بن أحمد بن عبد الله الهروي الصوفي الحافظ الثقة المتقن طاووس الفقراء قال الخطيب كان ثقة متقنا صالحا وقال غيره سمع بخراسان والحجاز والشام والعراق ومصر وحدث عن أبي أحمد بن عدي وطبقته وكتب الكتب الطوال وأكثر التطواف إلى أن مات وتوفي بمصر في سابع عشر شوال وفيها الحسن بن عمر بن برهان الغزال أبو عبد الله البغدادي الثقة حدث عن ابن البختري وطبقته وفيها أبو محمد الجراحي عبد الجبار بن محمد بن عبد الله بن أبي الجراح المرزباني المروزي روى جامع الترمذي عن المحبوبي سكن هراة وروى بها الكتاب قال أبو سعد السمعاني هو ثقة صالح إن شاء الله تعالى توفي سنة اثنتي عشرة قاله في العبر وفيها غنجار الحافظ صاحب تاريخ بخارى محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان ابن كامل أبو عبد الله البخاري روى عن خلف الخيام وطبقته قال ابن ناصر الدين كان حافظا ثقة مصنفا وفيها ابن رزقويه الحافظ أبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رزق البغدادي البزاز روى عن ابن البختري ومحمد بن يحيى الطائي وطبقتهما قال الخطيب كان ثقة كثير السماع والكتابة حسن الاعتقاد مديما للتلاوة أملى بجامع المدينة مدة سنين وكف بصره بآخره ولد سنة خمس وعشرين وثلثمائة وقال الأزهري أرسل بعض الوزراء إلى ابن رزقويه بمال فرده تورعا توفي في جمادى الأولى وفيها الحافظ أبو الفتح بن أبي الفوارس محمد بن أحمد بن فارس البغدادي المصنف الثقة في ذي القعدة وله أربع وسبعون سنة من جعفر الخلدي وطبقته قال الخطيب كان ذا حفظ ومعرفة وأمانة مشهورا بالصلاح والانتخاب على المشايخ وكان يملي في جامع الرصافة وفيها أبو عبد الرحمن السلمي محمد بن الحسين بن موسى النيسابوري الصوفي الحافظ شيخ الصوفية صحب جده أبا عمر بن نجيد وسمع الأصم وطبقته وصنف التفسير والتاريخ وغير ذلك وبلغت تصانيفه مائة قال محمد ابن يوسف النيسابوري القطان كان يضع للصوفية وقال الخطيب قدر أبي عبد الرحمن عند أهل بلده جليل وكان مع ذلك مجودا صاحب حديث وله بنيسابور دويرة للصوفية توفي في شعبان قاله جميعه في العبر وقال ابن ناصر الدين حدث عنه أبو القسم القشيري والبيهقي وغيرهما وهو حافظ زاهد لكن ليس بعمدة وله في حقائق التفسير تخريف كثير انتهى وفيها صريع الدلاء قتيل الغواشي محمد بن عبد الواحد البصري الشاعر الماجن صاحب المقصورة المشهورة ( قلقل أحشائي تباريح الجوى * ) قال ابن خلكان هو علي بن عبد الواحد أبو الحسن وقيل أبو الحسن محمد بن عبد الله بن عبد الواحد القصار البصري الشاعر المشهور ذكره الرشيد أحمد بن الزبير في كتاب الجنان فقال كان يسلك مسلك أبي الرقعمق وله قصيدة في المجون ختمها ببيت لو لم يكن له سواه لبلغ درجة الفضل وأحرز معه قصب السبق وهو ( من فاته العلم وأخطاه الغنى * فذاك والكلب على حال سوا ) وكانت وفاته في رجب فجأة من شرقة لحقته عند الشريف الطحاوي وغالب ظني أنه توفي بمصر وفيه قال أبو العلاء المعري ( دعيت بصارع فتداركته * مبالغة فرد إلى فعيل ) كان طلب منه شرابا وما يليق به فسير إليه قليل نفقة واعتذر بهذه الأبيات انتهى ملخصا وفيها أبو العباس منير بن أحمد بن الحسين بن منير الخشاب المصري المعدل شيخ الخلعي روى عن علي بن عبد الله بن أبي مطر وجماعة قال الحبال كان ثقة لا يجوز عليه تدليس توفي في ذي القعدة سنة ثلاث عشرة وأربعمائة فيها تقدم بعض الباطنية من المصريين فضرب الحجر الأسود بدبوس ثلاث مرات وقال إلى متى يعبد الحجر ولا محمد ولا علي أفيمنعني محمد مما أفعله فإني اليوم أهدم هذا البيت فاتقاه أكثر الحاضرين وكاد يفلت وكان أحمر أشقر جسيما طويلا وكان على باب المسجد عشرة فوارس ينصرونه فاحتسب رجل فوجأه بخنجر ثم تكاثروا عليه فهلك وأحرق وقتل جماعة ممن اتهم بمعاونته واختبط الوفد ومال الناس على ركب المصريين بالنهب وتخشن وجه الخنجر وتساقط منه شظايا يسيرة وتشقق وظهر مكسوره أسمر يضرب إلى صفرة مجببا مثل حب الخشخاش فعجن الفتات بالمسك واللك وحشيت الشقوق وطليت فهو بين لمن تأمله وفيها توفي بشيراز سلطان الدولة أبو شجاع بن بهاء الدولة أبي نصر بن عضد الدولة الديلمي صاحب العراق وفارس ولى السلطنة بعد أبيه وهو صبي وأرسل إليه القادر بالله خلع الملك إلى شيراز وقد قدم بغداد في وسط سلطنته وكانت دولته ضعيفة متماسكة وعاش اثنتين وعشرين سنة وخمسة أشهر وفيها أبو القسم صدقة بن محمد بن أحمد بن محمد بن القسم بن الدلم القرشي الدمشقي الثقة الأمين محدث دمشق ومسندها روى عن أبي سعيد بن الأعرابي وأبي الطيب بن عبادل وطائفة ومات في جمادى الآخرة وفيها أبو المطرف القنازعي الفقيه عبد الرحمن بن مروان القرطبي المالكي ولد سنة إحدى وأربعين وثلثمائة وسمع من أبي عيسى الليثي وطبقته وقرأ القراءات على جماعة منهم علي بن محمد الأنطاكي ورحل فأكثر عن الحسن بن رشيق وعن أبي محمد بن أبي زيد ورجع فأقبل على الزهد والانقباض ونشر العلم والإقراء والعبادة والأوراد والمطالعة والتصنيف فشرح الموطأ وصنف كتابا في الشروط وكان أقرأ من بقي بالأندلس وفيها أبو القسم عبد العزيز بن جعفر بن خواشتي أبو القسم الفارسي ثم البغدادي المقرئ مسند أهل الأندلس في زمانه ولد سنة عشرين وثلثمائة وسمع من إسماعيل الصفار وابن داسه وطبقتهما وقرأ بالروايات على أبي بكر النقاش وعبد الواحد بن أبي هاشم وكان تاجرا توفي في ربيع الأول وقد أكثر عنه أبو عمرو الداني وفيها علي بن هلال أبو الحسن بن البواب صاحب الخط المنسوب كتب على محمد بن أسد وأخذ العربية عن ابن جني وكان في شبيبته مزوقا دهانا في السقوف ثم صار يذهب الختم وغيرها فبرع في ذلك ثم عنى بالكتابة ففاق فيها الأوائل والأواخر ووعظ وعبر الرؤيا وقال النظم والنثر ونادم فخر الملك أبا غالب الوزير ولم يعرف الناس قدر خطه إلا بعد موته لأنه كتب ورقة إلى كبير يشفع فيها في مساعدة إنسان بشيء لا يساوي دينارين وقد بسط القول فيها فلما كان بعد موته بمدة بيعت تلك الورقة بسبعة عشر دينارا قال الخطيب كان رجلا دينا لا أعلمه روى شيئا وقال ابن خيرون كان من أهل السنة توفي في جمادى الأولى ودفن جوار الإمام أحمد بن حنبل ورثاه بعضهم بقوله ( استشعر الكتاب فقدك سالفا * وقضت بصحة ذلك الأيام ) ( فلذلك سودت الدوى كآبة * أسفا عليك وشقت الأقلام ) وفيها أبو الفضل الجارودي محمد بن أحمد بن محمد الهروي الحافظ في شوال عنه قال حدثنا إمام أهل المشرق الجارودي وقال أبو النصر الفامي كان عديم النظير في العلوم خصوصا في علم الحفظ والتحديث وفي التقلل من الدنيا والاكتفاء بالقوت وحيدا في الورع قاله في العبر وفيها المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان البغدادي الكرخي ويعرف أيضا بابن المعلم عالم الشيعة وإمام الرافضة وصاحب الكثيرة قال ابن أبي طي في تاريخ الإمامية هو شيخ مشايخ الصوفية ولسان الإمامية رئيس الكلام والفقه والجدل وكان يناظر أهل كل عقيدة مع الجلالة العظيمة في الدولة البويهية قال وكان كثير الصدقات عظيم الخشوع كثير الصلاة والصوم حسن اللباس وقال غيره كان عضد الدولة ربما زار الشيخ المفيد وكان شيخا ربعة نحيفا أسمر عاش ستا وسبعين سنة وله أكثر من مائتي مصنف كانت جنازته مشهورة شيعه ثمانون ألفا من الرافضة والشيعة وأراح الله منه وكان موته في رمضان رحمه الله قاله في العبر.

414 هـ

سنة أربع عشرة وأربعمائة فيها توفي أبو القسم تمام بن محمد بن عبد الله بن جعفر البجلي الرازي ثم الدمشقي الحافظ ولد الحافظ أبي الحسين في ثالث المحرم وله أربع وثمانون سنة روى عن خيثمة وأبي علي الحضايري وطبقتهما قال الكتاني كان ثقة لم أر أحفظ منه في حديث الشاميين وقال أبو علي الأهوازي ما رأيت مثله في معناه قال أبو بكر الحداد ما رأينا مثل تمام الحفظ والخير وفيها أبو عبد الله الغضايري الحسين بن الحسن بن محمد بن حليس المخزومي البغدادي روى عن الصولي والصفار وجماعة قال الخطيب كتبنا عنه وكان ثقة فاضلا مات في المحرم وفيها الحسين بن عبد الله بن محمد بن إسحق بن أبي كامل الاطرابلسي العدل روى عن خال أبيه خيثمة وطائفة بدمشق ومصر وفيها أبو عبد الله بن فتحويه الحسين بن محمد بن الحسين الثقفي الدينوري بنيسابور في ربيع الآخر وكان ثقة مصنفا روى عن أبي بكر السني وعيسى بن حامد الرخجي وطبقتهما وحصل له خشمة ومال وفيها أبو الحسن بن جهضم علي بن عبد الله بن الحسن بن جهضم الهمذاني شيخ الصوفية بالحرم ومؤلف كتاب بهجة الأسرار في التصوف روى عن (3/200)

201 أبي سلمة القطان وأحمد بن عثمان الأدمي وعلي بن أبي العقب وطبقتهم وأكثر الناس عنه وطال عمره قال ابن خيرون قيل أنه يكذب وقال غيره اتهموه بوضع الحديث وفيها الإمام أبو الحسن بن ماشاذه علي بن محمد بن أحمد بن ميله الأصفهاني الفقيه الفرضي الزاهد روى عن أحمد بن حكيم وأبي علي المصاحفي وعبد الله بن جعفر بن فارس وطائفة وأملى عدة مجالس قال أبو نعيم وبه ختم كتاب الحلية ختم المتحقق بطريقة الصوفية بأبي الحسن لما أولاه الله من فنون العلم والسخاء والفتوة كان عارفا بالله فقيها عاملا له الحظ الجزيل من الأدب وقال أبو نعيم أيضا كانت لا تأخذه في الله لومة لائم كان ينكر على المشبهة بالصوفية وغيرهم فساد مقالتهم في الحلول والإباحة والتشبيه وفيها أبو عمر الهاشمي القسم بن سعد بن عبد الواحد العباسي البصري الشريف القاضي من ولد الأمير جعفر بن سليمان ولد سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة وسمع من اللؤلؤي سنن أبي داود ومن أبي العباس الأثرم وعلي بن إسحق المادراي وطائفة قال الخطيب ثقة أمينا ولى قضاء البصرة ومات بها في ذي القعدة وفيها الحافظ أبو سعيد النقاش محمج بن علي بن عمر بن مهدي الأصبهاني الحنبلي صاحب التصانيف في رمضان روى عن ابن فارس وإبراهيم الجهمي وأبي بكر الشافعي وطبقتهم وكان ثقة صالحا قاله في العبر وقال ابن ناصر الدين كان حافظا إماما ذا إتقان رحل وطوف وصنف مع الصدق والأمانة والتحرير وفيها أبو الفتح هلال بن محمد بن جعفر بن سعدان الحفار ببغداد وله اثنتان وتسعون سنة روى عن ابن عياش القطان وابن البختري وطائفة قال الخطيب صدوق كتبنا عنه (3/201)

202 وفيها أبو زكريا المزكي يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى النيسابوري شيخ العدالة ببلده كان صالحا زاهدا ورعا صاحب حديث كأبيه أبي إسحق المزكي روى عن الأصم وأقرانه ولقى ببغداد النجاد وطبقته وأملى عدة مجالس ومات في ذي الحجة سنة خمس عشرة وأربعمائة فيها توفي أبو الحسن المحاملي شيخ الشافعية أحمد بن محمد بن أحمد بن القسم ابن إسماعيل الضبي تفقه على والده أبي الحسين وعلي الشيخ أبي حامد الاسفرائيني ورحل به أبوه فأسمعه بالكوفة من أبي السر البكائي ومات في ربيع الآخر عن سبع وأربعين سنة وكان عديم النظير في الذكاء والفطنة صنف عدة كتب قال الشيخ أبو حامد هو اليوم أحفظ للفقه مني وحكى ابن الصلاح عن الفقيه سليم أن المحاملي لما صنف كتبه المقنع والمجرد وغير ذلك من كتب أستاذه أبي حامد ووقف عليها قال نثر الله عمره فما عاش إلا يسيرا حتى مات ونفذت فيه دعوة الشيخ أبي حامد ومن تصانيفه المجموع قريب من حجم الروضة مشتمل على نصوص كثيرة وكتاب رؤس المسائل مجلدان وكتاب عدة المسافر وغير ذلك وفيها أبو العباس أحمد بن محمد بن الحاج بن يحيى الإشبيلي المعدل بمصر في صفر سمع عثمان بن محمد السمرقندي وأبا الفوارس الصابوني وطبقتهما بمصر والشام وانتقى عليه أبو نصر السجزي وفيها القاضي عبد الجبار بن أحمد أبو الحسن الهمذاني الاستراباذي المعتزلي صاحب التصانيف عمر دهرا في غير السنة وروى عن أبي الحسن علي بن إبراهيم بن سلمة القطان وعبد الله بن جعفر بن فارس وطبقتهما قال ابن قاضي شهبة في طبقاته عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار بن أحمد بن الخليلي القاضي (3/202)

203 أبو الحسن الهمداني قاضي الري وأعمالها وكان شافعي المذهب وهو مع ذلك شيخ الاعتزال وله المصنفات الكثيرة في طريقم وفي أصول الفقه قال ابن كثير في طبقاته ومن أجل مصنفاته وأعظمها كتاب دلائل النبوة في مجلدين أبان فيه عن علم وبصيرة جيدة وقد طال عمره ورحل الناس إليه من الأقطار واستفادوا به مات في ذي القعدة سنة خمس عشرة وأربعمائة انتهى كلام ابن شهبة بحروفه وفيها العيسوي أبو الحسن علي بن عبد الله بن إبراهيم الهاشمي العباسي البغدادي قاضي مدينة المنصور مات في رجب وحدث عن أبي جعفر بن البحتري وطائفة وفيها أبو الحسين بن بشران علي بن محمد بن عبد الله بن بشران بن محمد الأموي البغدادي المعدل سمع ابن البختري وطبقته قال الخطيب كان صدوقا ثبتا تام المروءة ظاهر الديانة ولد في سنة ثمان وعشرين وثلثمائة وتوفي في شعبان كتبنا عنه وفيها الجرجرائي بفتح الجيمين والراء الثانية نسبة إلى جرجرايا بلد بين بغداد وواسط محمد بن إدريس بن الحسن بن ذئب نزيل بخارا وبها مات كان من الحفاظ الأثبات ودفن ببيكند أبو حفص عمر بن محمد النسفي في كتابه القند في حفاظ سمرقند وذكره ابن ناصر الدين في الحفاظ ولكن جزم بوفاته في السنة التي قبلها في بديعته ( الجرجائي فتى إدريس * دار يروم تحفة النفوس ) وفيها أبو الحسين القطان محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل الأزرق البغدادي الثقة ولد سنة خمس وثلاثين وثلثمائة وتوفي في رمضان روى عن إسماعيل الصفار ومحمد بن يحيى بن علي بن حرب وطبقتهما وكان مكثرا وفيها أبو عبد الله القيرواني محمد بن سفين صاحب كتاب الهادي في (3/203)

204 القراءات تفقه على أبي الحسن القابسي ورحل فأخذ القراءات عن ابن غلبون وغيره قال أبو عمرو الداني كان ذا فهم وحفظ وعفاف سنة ست عشرة وأربعمائة فيها مات السلطان شرف الدولة ونهبت خزائنه وتسلطن جلال الدولة أبو طاهر ولد بهاء الدولة بن عضد الدولة وهو يومئذ بالبصرة فخلع على وزيره علم الدين شرف الملك أبي سعيد بن ماكولا ثم أن الجند عدلوا إلى الملك أبي كاليجار ونوهوا باسمه وكان ولي عهد أبيه سلطان الدولة فخطب لهذا ببغداد واختبط الناس وأخذت العيارون الناس جهارا وكانوا يمشون بالليل بالشمع والمشاعل ويكبسون البيت ويأخذون صاحبه ويعذبونه إلى أن يقر لهم بذخائره وأحرقوا دار الشريف المرتضى ولم يخرج ركب من بغداد وفيها توفي الحصيب بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن الحصيب أبو الحسين القاضي المصري حدث عن أبيه وعثمان بن السمرقندي وطائفة وفيها أبو محمد النحاس عبد الرحمن بن عمر المصري البزاز في عاشر صفر وكان مسند الديار المصرية ومحدثها عاش بضعا وتسعين سنة وسمع بمكة من ابن الأعرابي وبمصر من أبي الطاهر المديني وعلي بن عبد الله بن أبي مطر وطبقتهما وأول سماعه في سنة إحدى وثلاثين وثلثمائة وفيها أبو الحسن التهامي علي بن محمد الشاعر له ديوان مشهور دخل مصر يكتب من حسان بن مفرج فظفروا به وقتلوه سرا في جمادى الأولى قال ابن بسام الأندلسي في كتاب الذخيرة في حقه كان متميز الإحسان ذرب اللسان مخلى بينه وبين ضروب البيان يدل شعره على فوز القدح دلالة النسيم (3/204)

205 على الصبح ويعرب عن مكانه من العلوم إعراب الدمع عن سر الهوى المكتوم وقال ابن خلكان له ديوان شعر صغير أكثره نخب ومن لطيف نظمه قوله من جملة قصيدة طويلة يمدح بها الوزير أبا القسم ( قلت لخلي وثغور الربا * مبتسمات وثغور الملاح ) ( أيهما أحلى ترى منظرا * فقال لا أعلم كل أقاح ) وله مرثية في ولده وكان قد مات صغيرا وهي في غاية الحسن ولم يمنعني من الإتيان بها إلا أن الناس يقولون هي محذورة فتركتها ولكن من جملتها بيتان في الحساد ومعناهما غريب ( إني لأرحم حاسدي لحرما * ضمت صدورهم من الأوغار ) ( نظروا صنيع الله بي فعيونهم * في جنة وقلوبهم في نار ) ومنها في ذم الدنيا ( جبلت على كدر وأنت تريدها * صفوا من الأقذاء والأكدار ) ( ومكلف الأيام ضد طباعها * متطلب في الماء جذوة نار ) ( وإذا رجوت المستحيل فإنما * تبنى الرجاء على شفير هار ) ومنها ( جاورت أعدائي وجاور ربه * شتان بين جواره وجواري ) ( وتلهب الأحشاء شيب مفرقي * هذا الشعاع شواظ تلك النار ) وله بيت بديع من قصيدة وهو ( وإذا جفاك الدهر وهو أبو الورى * طرا فلا تعتب على أولاده ) ورآه بعض أصحابه بعد موته في النوم فقال له ما فعل الله بك قال غفر لي قال بأي الأعمال قال بقولي في مرثية ولدي ( جاورت أعدائي وجاور ربه * شتان بين جواره وجواري ) انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا (3/205)

206 وفيها أبو بكر القطان محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الطائي الداراني المعروف أيضا بابن الخلال كان زاهدا صالحا روى عن خيثمة وجماعة كثيرة وفيها أبو عبد الله بن الحذاء القرطبي محمد بن يحيى التميمي المالكي المحدث عاش ثمانين سنة وروى عن أبي عيسى الليثي وأحمد بن ثابت وطبقتهما وحج فأخذ عن أبي القسم عبد الرحمن الجوهري وأبي بكر المهندس وطبقتهما وتفقه على أبي محمد الأصيلي وألف في تعبير الرؤيا كتاب البشرى في عشرة أسفار وولى قضاء إشبيلية وغيرها وفيها مشرف الدولة السلطان أبو علي بن السلطان بهاء الدولة بن السلطان عضد الدولة الديلمي ولى مملكة بغداد وكان يرجع إلى دين وتصوف وحياء عاش ثلاثا وعشرين سنة وثلاثة أشهر وكان مدة ملكه خمسة أعوام وخطب بعده لجلال الدولة بن بويه ثم نودي بعد أيام بشعار كاليجار سنة سبع عشرة وأربعمائة فيها توفي قاضي العراق ابن أبي الشوارب أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن العباس بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب الأموي قال الخطيب كان نزها عفيفا سمع من عبد الباقي بن قانع ولم يحدث وعاش ثمانيا وثمانين سنة قد ولي القضاء أربعة وعشرون نفسا من أولاد محمد بن عبد الملك ابن أبي الشوارب منهم ثمانية ولوا قضاء القضاة هذا آخرهم وفيها أبو العلاء صاعد بن الحسن الربعي البغدادي اللغوي الأديب نزل الأندلس وصنف الكتب وروى عن أبي بكر القطيعي وطائفة قال ابن بشكوال كان يتهم بالكذب وقال ابن خلكان صاعد بن الحسن بن عيسى الربعي البغدادي اللغوي صاحب كتاب الفصوص روى بالمشرق عن أبي سعيد (3/206)

207 السيرافي وأبي علي الفارسي وأبي سليمان الخطابي ودخل الأندلس في أيام هشام بن الحكم وولاية المنصور بن عامر في حدود ثمانين وثلثمائة وأصله من بلاد الموصل ودخل بغداد وكان عالما باللغة والأدب والأخبار سريع الجواب حسن الشعر طيب المعاشرة فأكرمه المنصور وزاد في الإحسان إليه والأفضال عليه وكان مه ذلك محسنا للسؤال حاذقا في استخراج الأموال وجمع كتاب الفصوص نحا فيه منحى القالي في أماليه وأثابه عليه خمسة آلاف دينار وكان يتهم بالكذب في نقله فلهذا رفض الناس كتابه ولما دخل مدينة دانية وحضر مجلس الموفق مجاهد بن عبد الله العامري أمين البلد وكان في المجلس أديب يقال له بشار وكان أعمى يا أبا العلاء فقال لبيك فقال ما الجر نفل في كلام العرب فعرف أبو العلاء أنه وضع هذه الكلمة وليس لها أصل في اللغة فقال له بعد أن أطرق ساعة هو الذي يفعل بنساء العميان ولا يفعل بغيرهن ولا يكون الجر نفل جرنفلا حتى لا يتعداهن إلى غيرهن فخجل بشار وضحك من كان حاضرا وتوفي صاعد بصقلية ولما ظهر للمنصور كذبه في النقل وعدم تثبته رمى كتاب الفصوص في البحر لأنه قيل له جميع ما فيه لا صحة له فعمل فيه بعض شعراء عصره ( قد غاص في البحر كتاب الفصوص * وهكذا كل ثقيل يغوص ) فلما سمع صاعد هذا البيت أنشد ( عاد إلى عنصره إنما * يخرج من قعر البحور الفصوص ) وله أخبار كثيرة في الامتحان انتهى ملخصا وفيها أبو بكر القفال المروزي عبد الله بن أحمد شيخ الشافعية بخراسان صار إمام الخراسانيين كما أن القفال الكبير الشاشي شيخ طريقة العراقيين لكن المروزي أكثر ذكرا في كتب الفقه ويذكر مطلقا وإذا ذكر الكبير قيد بالشاشي قال ابن قاضي شهبة عبد الله بن أحمد بن عبد الله المروزي الإمام (3/207)

208 الجليل أبو بكر القفال الصغير شيخ طريقة خراسان وإنما قيل له القفال لأنه كان يعمل الاقفال في ابتداء أمره وبرع صناعتها حتى صنع قفلا بآلاته ومفتاحه وزن أربع حبات فكلام كان ابن ثلاثين سنة أحسن من نفسه ذكاء فأقبل على الفقه فاشتغل به على الشيخ أبي زيد وغيره وصار إماما يقتدى به فيه وافقه عليه خلق من أهل خراسان وسمع الحديث وحدث وأملى قال الفقيه ناصر العمرى لم يكن في زمان أبي بكر القفال أفقه منه ولا يكون بعد مثله وكنا نقول انه ملك في صورة إنسان وقال الحافظ أبو بكر السمعاني في أماليه أبو بكر القفال وحيذر زمانه فقها وحفظا ورعا وزهدا وله في المذهب من الآثار ما ليس لغيره من أهل عصره وطريقته المهذبة في مذهب الشافعي التي حملها عنه أصحابه امتن طريقة وأكثرها تحقيقا رحل إليه الفقهاء من البلاد وتخرج به أئمة وذكر اقلاضي الحسين أن أبا بكر القفال كان فب كثير من الأوقات يقع عليه البكاء في الدرس ثم يرفع رأسه فيقول ما أغفلنا عما يراد بنا وقال الشيخ أبو محمد اخرج القفال يده فإذا على كفه آثار فقال هذا أثار عمل في ابتداء شيبتي وكان مصابا بإحدى عينيه انتهى ما أورده ابن شبهة ملخصا وفيها الحافظ أبو حازم معمرو بن أحمد المسعودي الذهلي النيسابوري الأعرج يوم عيد الفطر وكان صدوقا كتب عن عشرة أنفس عشرة آلاف جزء قاله ابن الاهدل وقال الخطيب كان ثقة صادقا حافظا عارفا انتهى وفيها أبو محمد السكري عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار البغدادي صدوق مشهور روى عن اسمعيل الصفار وجماعة وتوفي في صفر وفيها أبو الحسن الحمامي مقرئ العراق على ابن أحمد بن عمر البغدادي قرأ القراءات على النقاش وعبد الواحد بن أبي هاشم وبكار وزيد بن أبي بلال وطئفة وبرع فياه سومع من عثمان بن السماك وطبقته وانتهى إليه علو الإسناد في القرآن وعاش تسعا وثمانين وتوفي في شعبان (3/208)

209 وفيها أبو حفص العكبري عملا بن احمد بن عثمان البزار روى عن محمد ابن يحيى الطائي وجماعة وعاش سبعا وتسعين سنة ووثقه الخطيب وفيها اوب نصر بن الجندي محمد بن أحمد بن هرون الغساني الدمشقي إمام الجامع ونائب الحكم ومحدث البلد روى عن خيثمة وعلى بن أبي العقب وجماعة قال الكتاني كان ثقة مأمونا توفي في صفر سنة ثمان عشرة وأربعمائة قال في الشذور جائ فيها برد وزن البردة رطلان وأكثر وفيها اجتمعت الحاشية ببغداد وصمموا على الخليفةحتى عزل أبا كاليجار وأعيدت الخطبة لجلال الدولة أبي طاهر وفيها ورد كتاب الملك محمود بن سبكتكين بما فتحه من بلاد الهند وكسره صنم سومنات وانهم فتنوا به وكانوا يأتونه من كل فج عميق ويقربون له القرابين حتى بلغت أوقافه عشرة آلاف قرية وامتلأت خزانة الصنم بالأموال وله ألف نفس يخدمونه وثلثمائة يلحقون حجاجه وثلثمائة يغنون فاستخار العبد في الانتداب له ونهض في شعبان سنة ست عشرة وأربعمائة في ثلاثين ألف فارس سوى المطوعة ووصلنا إلى لبد الصم وملكنا الصنم والبلد وأوقدت النيران على الصنم حتى تقطع وقتلنا خمسين ألفا من أهل البلد وتقدم طرف من ذلك في سنة عشر وفيها توفي أبو اسحق الإسفرائيني إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران الأصولي المتكلم الشافعي أحد الأعلام وصاحب التصانيف روى عن دعج وطبقته وأملى مجالس وكان شيخ خراسان في زمانه توفي يوم عاشوراء وقد نيف على الثمانين وهو شيخ خراسان يقال انه بلغ رتبة الاجتهاد وله المصنفات الكثيرة منها الجامع في أصول الدين خمس مجلدات وتعليقة في أصول الفقه (3/209)

210 وغير ذلك وخرج له مابو عبد الله الحاكم عشرة أجزاء وذكره في تاريخه لجلالته وقد مات الحاكم قبله قال في حقه قد أقر له العلماء بالتقدم قال وبنى له مدرسة لم يبن مثلها فدرس بها وبه تفقه القاضي أبو الطيب الطبري والقيشري والبهيقي وكان يقول أتشهى أن أموت بنيسابور ليصلي على جميع أهلها فتوفي بها يوم عاشوراء ثم نقل إلى بلده إسفرائين ودفن في مشهده المعروف وفيها أبو القسم بن المغربي الوزير واسمه حسين بن علي الشيعي لما قتل الحاكم بمصر أباه وعمه واخوته هرب وقصد حسان بن مفرج الطائي ومدحه فاكرم مورده ثم وزر لصاحب ميافارقين احمد بن مروان الكردي وله شعر رائق وعدة تآليف عاش ثمانيا وأربعين سنة وكان من ادهى البشر وأذكاهم وفيها أبو القسم السراج عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله القرشي النيسابوري الفقيه روى عن الأصم وجماعة وكان من جلة العلماء توفي في صفر وفيها عبد الوهاب بن الميداني محدث دمشق وهو ابن الحسين بن جعفر ابن علي روى عن أبي على بن هرون اتهم في ورايته عنه وروى عن أبي عبد الله بن مروان وخلق قال الكتاني ذكر أبو الحسين أنه كتب بقنطار حبر وكان فيه تساهل وفيها أبو بكر النسائي محمد بن زهير الشافعية بنسا وخطيب البلد روى عن الأصم وأبي سهل بن زياد القطان وطبقتهما وفيها أبو الحسن محمد بن محمد بن أحمد بن الروزبهان البغدادي وروى عن الستورى وابن السماك وجماعة وتوفي في رجب قال الخطيب (3/210)

211 صدوق وفيها معمر بن أحمد بن محمد بن زياد أبو منصور الاصبهاني الزاهد شيخ الصوفية في زمانه بأصبهان روى عن الطبراني وأبى شيخ ومات في رمضان وفيها مكى بن محمد بن الغمر أبو الحسن التميمي الدمشقي المؤدب مستملى القاضي الميانجى أكثر عنه وعن أحمد بن البرامى وهذه الطبقة ورحل إلى بغداد فلقى القطيعي وكان ثقة وفيها أبو القسم اللالكائي هبة الله بن الحسن الطبري الحافظ الفقيه الشافعي محدث بغداد تفقه على الشيخ أبي حامد وسمع من المخلص وطبقته وبالري من جعفر بن فناكى قال الخطيب كان يحفظ ويفهم صنف كتابا في شرح السنة في مجلدين وكتاب رجال الصحيحين ثم خرج أيامه إلى الدينور فمات بها في رمضان كهلا سنة تسع عشرة وأربعمائة فيها توفي ابن العالى أبو الحسين احمد بن محمد بن منصور البوشنجي خطيب بوشنج روى عن محمد بن أحمد بن دسيم وأبى أحمد بن عدي وطبقتهما بهراة وجرحان ونيسابور توقي في رمضان وفيها عبد المحسن بن محمد الصوري شاعر محسن بديع القول قال ابن خلكان أبو محمد عبد المحسن بن محمد بن أحمد بن غالب الصورى الشاعر المشهور أحد المتقنين الفضلاء المجيدين الأدباء شعره بديع الألفاظ حسن المعاني رائق الكلام مليح النظام من محاسن أهل الشام له ديوان شعر أحسن فيه كل الإحسان فمن محاسنه ( أترى بثأر أم بدين * علقمت محاسنها بعيني ) (3/211)

212 ( لحظها وقوامها * ما في المهند والردينى ) ( وبجهها ماء الشبا * ب خليط نار الوجنتين ) ( بكرت على وقالت أختر خصلة من خصلتين * ) ( أما الصدود أو الفرا * ق فليس عندي غير ذين ) ( فأجبتها ومدامعى * تنهل فوق الوجنتين ) ( لا تفعلى أن حال صد * ك أو فراقك حان حيني ) ( وكأنما قلت انهض * فمضت مسارعة لبني ) ( ثم استقلت أين حلت عيسها رميت بأين * ) ( ونوائب أظهرن أيامي إلى بصورتين * ) ( سودتها و أطلتها * فرأيت يوما ليلتين ) ومنها ( هل بعد ذلك من يعرفني النضار من اللجين * ) ( فلقد جهلتهما لبعد العهد بينهما وبيني * ) ( مكتسبا بالشعر يا * بئس البضاعة في اليدين ) ( كانت كذلك قبل أن * يأتي على بن الحسين ) ( فاليوم حال الشعر ثا * لثة كحال الشعرتين ) ( أغنى وأعفى مدحه * العافين عن كذب ومين ) وهذه القصيدة عملها عبد المحسن في علي بن الحسين والد الوزير أبي القسم المغربي ولها حكاية ظريفة وهي أنه كان بمدينة عسقلان رئيس يقال له ذو المنقبتين فجاء بعض الشعراء وامتدحه بهذه القصيدة وجاء في مديحها ( ولك المناقب كلها * فلم اقتصر على اثنتين ) فأصغى الرئيس إلى إنشاده واستحسنها وأجزل جائزته فلما خرج من عنده قال له بعض الحاضرين هذه القصيدة لعبد المحسن فقال أعلم هذا وأحفظ القصيدة (3/212)

213 ثم أنشدها فقيل له كيف عملت معه هذا العمل من الإقبال عليه والجائزة السينية فقال لم افعل ذلك إلا لأجل البيت الذي ضمنها وهو قوله ( ولك المناقب كلها * فلم اقتصرت على اثنتين ) فإن هذا البيت ليس لعبد المحسن وأنا ذو المنقبتين فاعلم قطعا أن هذا البيت ما عمل إلا في وهو في نهاية الحسن واجتاز الصورى يوما بقبر صديق له فأنشد ( عجبا لي وقد مررت على قبرك كيف اهتديت قصد الطريق * ) ( أتراني نسيت عهدك يوما * صدقوا ما لميت من صديق * ) انتهى ملخصا ومن شعره ( بالذي ألهم تعيبي ثناياك العذابا * ) ( مالذي قالته عينا ك لقلبي فأجابا * ) وفيها أبو الحسن الرزاز على بن أحمد بن محمد بن داود البغدادي توفي في ربيع الآخر وله أربع وثمانون سنة روى عن أبي عمرو بن السماك وطبقته وقرأ على أبي بكر بن مقسم قال الخطيب كان كثير السماع والشيوخ والى الصدق ما هو وفيها أبو بكر الذكواني محمد بن أبي علي أحمد بن عبد الرحمن بن محمد الهمذاني الأصبهاني المعدل المحدث الصدوق عاش ستا وثمانين سنة ورحل إلى البصرة والكوفة والأهواز والرى والنواحي وروى عن أبي محمد بن فارس وأبي احمد القاضي العسال وفاروق الخطابي وطبقتهم وله معجم وتوفي في شعبان وفيها أبو عبد الله بن الفخار محمد بن عمر بن يوسف القرطبي الحافظ شيخ المالكية وعالم أهل الأندلس روى عن أبي عيسى الليثي وطائفة وكان زاهدا عابدا متألها عارفا بمذاهب العلماء واسع الدائرة حافظا للمدونة عن ظهر قلب (3/213)

214 والنوادر لابن أبي زيد مجاب الدعوة قال القاضي عياض كان احفظ الناس واحضرهم علما وأسرعهم جوابا وأوقفهم معلى اختلاف العلماء وترجيح المذاهب حافظا للأثر مائلا إلى الحجة والنظر وقال الذهبي عاش ستا وسبعين سنة وفيها أبو الحسن محمد بم محمد بن محمد بن إبراهيم بن مخلد البزار ببغداد في ربيع الأول الأشناني قال الخطيب كان صدوقا جميل الطريقة له أنسة بالعلم والفقه على مذهب أبي حنيفة والله أعلم سنة عشرين وأربعمائة فيها وقع برد عظام إلى الغاية كل واحدة رطل وأكثر حتى قيل أن بردة وجدت تزيد على قنطار وقد نزلت في الأرض نحوا من ذراع فكانت كالثور البارك وذلك بالنعمانية من العراق وهبت ريح لم يسمع بمثلها قلعت الأصول العاتية من الزيتون والنخيل وفيها توفي أبو بكر المنقي أحمد بن طلحة البغدادي في ذي الحجة وكان ثقة روى عن النجاد وعبد الصمد الطستي وفيا أبو الحسن بن البادا أحمد بن علي بن الحسن بن الهيثم البغدادي في ذي الحجة روى عن سهل بن زياد وابن قانع وطائفة قال الخطيب كان ثقة من أهل القرآن والأدب والفقه على مذهب مالك وفيها صالح بن مرداس أسد الدولة الكلابي كان من أمراء العرب قال ابن خلكان كان من عرب البادية وقصد مدينة حلب وبها مرتضى الدولة بن الجراح غلام أبي الفضائل أبي نصر بن سيف الدولة نيابة عن الظاهر بن (3/214)

215 الحاكم العبيدي صاحب مصرفا فاستولى عليها وانتزعها منه وكان ذا بأس وعزيمة وأهل وعشيرة وشوكة وكان تملكه لها في ثالث عشر ذي الحجة سنة سبع عشرة وأربعمائة واستقر بها ورتب أمورها فجهز إليه الظاهر المذكور أمير الجيوش أنوشكين الذر برى في عسكر كثيف والدز برى بكسر الدال المهملة والباء الموحدة وبينهما زاي وفي الآخر راء نسبة إلى دزبر بن دويتم الديلمي وهو بالدال أو الياء أيضا وكان بدمشق نائبا عن الظهار وكان ذا شهامة وتقدمة ومعرفة بأسباب الحرب فخرج متوجها إليه فلما سمع صالح الخبر خرج إليه وتقدم حتى تلاقيا على الأقحوانة فتصافا وجرت بينهما مقتلة انجلت عن قتل صالح المذكور في جمادى الأولى وهو أول ملوك بني مرداس المتملكين بجلب والأقحوانة بضم الهمزة بلدة بالشام من أعمال فلسطين بالقرب من طبرية انتهى ملخصا وفيها الحسين بن عي بن محمد البردغى الهمذاني سكن سمر قند وكان أحد محدثيها وكان سنوطا والسنوط الذي لا لحية له أصلا قال ابن ناصر الدين لم يكن للبردغى في وجهه شعرة سوى حاجبيه وأشفار عينيه وفيها أبو القسم الطرسوسى عبد الجبارين أحمد شيخ الأقراء بالديار المصرية واستاذ مصنف العنوان قرأ على أبي أحمد السامرى وجماعة وألف كتاب المجتبي في القراءات وتوفي في ربيع الأخر وفيها أبو محمد التميمي عبد الرحمن بن أبي نصر عثمان بن القسم بن معروف الدمشقي رئيس البلد ويعرف بالشيخ العفيف روى عن إبراهيم بن أبي ثابت وخيثمة وطبقتهما وعاش ثلاثا وتسعين سنة وقال أبو الوليد الدر بندى كان خيرا من ألف مثله اسنادا واتقانا وزهدا مع تقدمه وقال رشا بن نظيف شاهدت سادات فما رأيت مثل أبي محمد بن أبي نصر كان قرة عين وقال عبد العزيز الكتاني توفي في جمادي الآخرة فلما أر أعظم من جنازته حضرها جميع (3/215)

216 أهل البلد حتى اليهود والنصارى وكان عدلا مأمونا ثقة لم ألق شيخا مثله زهدا وورعا وعبادة ورياسة رحمه الله تعالى وفيها ابن العجوز عبد الرحيم بن أحمد الكتامي المالكي قال القاضي عياض كان من كبار قومه واليه كانت الرحلة بالمغرب وعليه دارت الفتوى وفي عقبة أئمة بخباء أخذ عن ابن أبي زيد وأبى محمد الأصيلي وغيرهما وفيها عبد الرحمن بن أحمد الشير نخشيري وشير نخشير من قرى مر وقاله ابن الأهدل أيضا وفيها أبو الحسن الربعي على بن عيسى البغدادي شيخ النخو ببغداد أخذ على أبي سعيد السيرافي وأبي على الفارسي وصنف شرح الإيضاح لأبي علي وشرح مختصر الجرمى ونيف على التسعين وقيل أن أبا على قال قولوا لعلى البغدادي لو سرت من المشرق إلى المغرب لم تجد أحدا منك وكان قد لازمه بضع عشرة سنة وفيها أبو نصر العبكري محمد بن أحمد بن الحسين البقال والد أبي منصور محمد بن محمد روى عن أبي علي بن الصواف وجماعة وهو ثقة وفيها أبو بكر الرباطي محمد بن عبد الله بن أحمد روى عن أبي أحمد العسال والجعابي وطائفة وأملى مجالس وتوفي في شعبان وفيها المسجى الأمير المختار عبد الملك بن محمد بن عبيد الله بن احمد الحراني الأديب العلامة صاحب التآليف وكان رافضيا جاهلا له كتاب القضايا الصائبة في التنجيم في ثلاثة آلاف ورقة وكتاب الأيدان والعبادات في ثلاثة آلاف وخمسمائة ورقة وكتاب التلويح والتصريح في الشهر ثلاث مجلدات وكتاب تاريخ مصر وكتاب أنواع الجماع في أربع مجلدات وعاش أربعا (3/216)

217 وخمسين سنة قاله في العبر سنة إحدى وعشرين وأربعمائة فيها توفي القاضي أو بكر الحيري أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حفص الحرسي النيسابوري الشافعي في رمضان وله ست وتسعون سنة وكان رئيسا محتشما أماما في الفقه انتهى إليه علو الإسناد فروى عن أبي على الميداني والأصم وطبقتهما وأخذ ببغداد عن أبي سهل القطان وبمكة عن الفاكهى وبالكوفة وجرجان وتفقه على أبي الوليد الفقيه وحذق في الأصول والكلام وولى قضاء نيسابور روى عنه الحاكم في تاريخه وآخر من حدث عنه الشيروي وقد صم بآخره حتى بقى لا يسمع شيئا ووافق شيخه الأصم وصنف في الأصول والحديث وفيها أبو الحسين السليطي بفتح المهلمة وكسر اللام نسبة إلى سليط جد أحمد بن محمد بن الحسين النيسابوري العدل النحوي في جمادي الأولى روى عن الأصم وغيره وفيها أبو عمر بن دراج أحمد بن محمد بن العاص بن أحمد بن سليمان بن عيسى بن دراج الأندلسي القسطلى بفتح القاف وسيكون المهلمة وفتح الطاء وتشديد اللام نسبة إلى قسطلة مدينة بالأندلس يقال لها قسطلة دراج الشاعر الكاتب الأديب شاعر الأندلس الذي قال فيه ابن حزم لو لم يكن لنا من فحول الشعراء إلا أحمد بن دراج لما تأخر عن شأو حبيب والمتنبى وكان من كتاب الإنشاء في أيام المنصور بن أبي عامر وقال الثعالبي كان مصقع الأندلس كالمتنبى مصقع الشام ومن نظمه قصيدته الرائية التي عارض بها أبا نواس (3/217)

218 وأول قصيدة ابن دراج ( ألم تعلمى أن الثواء هو النوى * وان بيوت العاجزين قبور ) ( تخوفي طول السفار وأنه * لتقبيل كف العامري سفير ) ( دعيني أرد ماء المفاوز آجنا * إلى حيث ماء المكرمات نمير ) ( فإن خطيرات المهالك ضمن * لراكبها أن الجزاء خطير ) ومنها في وصف وداعه لزوجته وولده الصغير ( ولما تدانت للوداع وقد هفا * بصبرى منها أنه وزفير ) ( تناشدني عهد المودة والهوى * وفي المهد مبغوم النداء صغير ) ( عيني بمرجوع الخطاب ولحظه * بموقع أهواء النفوس خبير ) ( تبوأ ممنوع القلوب ومهدت * له أذرع محفوفة ونحور ) ( فكل مفداة الترائب مرضع * وكل محياة المحاسن ظبير ) ( عصيت شفيع النفس فيه وقادنى * رواح لتدآب الثرى وبكور ) ( وطار جناح البين بي وهفت بها * جوانح من ذعر الفراق تطير ) ( لئن ودعت مني غيورا فأنني * على عزمتي من شجوها لغيور ) ( ولو شاهدتني والهواجر تلتظى * على ورقراق السراب يمور ) ( اسلط حر الهاجرات إذا سطا * على حر وجهي والأصيل هجير ) ( وأستنشق النكباء وهي لوافح * واستوطئ الرمضاء وهي تفور ) ( وللموت في عين الجبان تلون * وللذعر في سمع الجرئ صفير ) ( لبان لها إني من البين جازع * وإني على مض الخطوب صبور ) ( أمير على غول التنايف ماله * إذا ريع إلا المشرفى وزير ) ( ولو بصرت بي والسرى جل عزمتي * وجرسى لجنان الفلاة سمير ) ( ودارت نجوم القطب حتى كأنها * كؤوس مهى والي بهن مدير ) ( وقد خليت طرق المجرة إنها * على مفرق الليل البهيم قتير ) (3/218)

219 ( وثاقب عزمى والظلام مروع * وقد غض أجفان النجوم فتور ) ( لقد أيقنت لن المنى طوع همتي * وإني بعطف العامري جدير ) وهي طويلة وغالب شعره مستحسن وديوانه في مجلد وكانت ولادته في المحرم سنة سبع وأربعين وثلثمائة ومات ليلة الأحد لست عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة وفيها أبو إبراهيم إسمعيل بن ينال المروزى المحبوبي نسبة إلى جده محبوب سمع جامع الترمذي من أستاذهم محمد بن أحمد بن محبوب وهو آخر من حدث عنه توفي في صفر عن سبع وثمانين سنة قال أبو بكر السمعاني كان ثقة عالما أدركت نفرا من أصحابه وفيها أبو عبد الله المعاذى بضم الميم وبالذال المعجمة نسبة إلى معاذ جد سمع من أبي العباس الأصم مجلسين فقد ومات في جمادي الأولى قاله الذهبي وقع لنا حديثه من طريق شيخ الإسلام وفيها أبو عبد الله الحمال الحسين بن إبراهيم الأصبهاني روى عن أبي محمد ابن فارس وجماعة ومات في ربيع الأول وله جزء معروف وفيها أبو علي البجاني بجانة الأندلس الحسين بن عبد الله بن الحسين ابن يعقوب المالكي وله خمس وتسعون سنة حمل عنه ابن عبد البر وأبو إسماعيل العباس العذري والكبار وكان أسند من بقي بالمغرب في رواية الواضحة لعبد الملك بن حبيب سمعها من سعيد بن فحلون في سنة ست وأربعين وثلثمائة عن يوسف المغامي عن المؤلف (3/219)

220 وفيها حمام بن أحمد القاضي أبو بكر القرطبي قال ابن حزم كان واحد عصره في البلاغة وسعة الرواية ضابطا أكثر عن أبي محمد الباجي وأبي عبد الله بن مفرج وولى قضاء يابرة وتوفي في رجب وله أربع وستون سنة وفيها أبو سعيد الصيرفي محمد بن موسى بن الفضل النيسابوري كان ينفق على ألأصم ويخدمه بماله فاعتنى به الأصم وسمعه الكثير وسمع أيضا من جماعة وكان ثقة توفي في ذي الحجة وفيها السلطان محمود بن سبكتكتين سيف الدولة أبو القسم بن الأمير ناصر الدولة أبي منصور كان أبوه أميرا للغزاة الذين يغيرون من بلادهم ما وراء النهر على أطراف الهند فأخذ عدة حصون وقلاع وافتتح ناحية بست وكان كراميا وأما محمود فافتتح غزنة ثم بلاد ما وراء النهر ثم استولى على سائر خراسان وعظم ملكة ودانت له الأمم وفرض على نفسه غز والهند كل سنة فافتتح منه بلادا واسعة وكان ذا عزم وصدق في الجهاد قال عبد الغافر الفارسي كان صادق النية في إعلاء كلمة الله تعالى مظفرا في غزواته ما خلت سنة من سنى ملكه عن غزوة أو سفرة وكان ذكيا بعيد الغور من موفق الرأي وكان مجلسه مورد العلماء قال ابن خلكان وملك بلاد خراسان وانقطعت الدولة السامانية منها وذلك في سنة تسع وثمانين وثلثمائة واستثبت له الملك وتبوأ سرير المملكة وقام بين يديه أمراء خراسان سماطين مقيمين برسم الخدمة وملتزمين حكم الهيبة وأجلهم بعد الآذن العام على مجلس الأنس وأمر لكل واحد منهم وحاشيته من الخلع والصلات ونفائس الأمتعة ما لم يسمع بمثله وإتسقت (3/220)

221 الأمور عن آخرها في كنف إيالته واستوثقت الأعمال في ضمن كفالته ثم أنه ملك سجستان في سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة بدخول قوادها وولاة أمورها في طاعته من غير قتال ولم يزل يفتح بلاد الهند إلى أن انتهى إلى حيث لم تبلغه في الإسلام راية ولم تتل به سورة قط ولا آية فدحض عنها أدناس الشرك وبنى بها مساجد وجوامع وتفصيل حاله يطول شرحه وذكر شيخنا ابن الأثير في تاريخه أن بعض الملوك بقلاع الهند أهدى له هدايا كثيرة من جملتها طائر على هيئة القمري من خاصيته انه إذا حضر الطعام وفيه سم دمعت عيناه وجرى منها ماء وتحجر فإذا حل ووضع على الجراحات الواسعة ألحمها وذلك في سنة أربع عشرة وأربعمائة وذكر أما الرحمين أبو المعالي عبد الملك الجويني في كتابه الذي سماه مغيث الخلق في اختيار الأحق أن السطان محمود المذكور كان على مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه وكان مولعا بعلم الحديث وكانوا يسمعون الحديث من الشيوخ بين يديه وهو يسمع وكان يستفسر الأحاديث فوجد أكثرها موافقا لمذهب الشافعي رضي الله عنه فوقع في خلده حكمة ذلك فصار شافيعا وذكر قصة القفال في الصلاة بين يديه على كل من المذهبين وبالجملة فمنا قبه كثيرة وسيرته أحسن السير ومولده ليلة عاشوراء سنة إحدى وستين وثلثمائة وتوفي بغرنة وقبره بها يزار ويدعى عنده وقد صنف في حركاته وسكناته وأحواله لحظة لحظة رحمه الله تعالى وتوفي في جمادي الأولى سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة فيها توفي القادر بالله الخليفة أبو العباس أحمد بن الأمير اسحق بن المقتدر جعفر بن المعتضد العباسي توفي ليلة الحادي عشر من ذي الحجة وله سبع وثمانون سنة وكانت خلافته إحدى ورأبعين سنة وثلاثة أشهر وكان أبيض كث اللحية طويلها يخضب شيبه قال الخطيب كان من الديانة وأدامة (3/221)

222 التهجيد وكثرة الصدقات على صفة اشتهرت عنه صنف كتابا في الأصول فيه فضل الصحابة رضي الله عنهم وتكفير المعتزلة القائلين بخلق القرآن فكان يقرأ أكل جمعة ويحضره الناس مدة وقال أبو الحسن الأبهري أرسلني بهاء الدولة إلى القادر بالله فسمعته ينشد ( سبق القضاء بكل ما هو كائن * والله يا هذا لرزقك ضامن ) ( تعنى بما يفنى وتترك ما به * تغنى كأنك للحوادث آمن ) ( أو ما ترى الدنيا ومصرع أهلها * فاعمل ليوم فراقها يا خائن ) ( يا عامر الدنيا أتعمر منزلا * لم يبق رلاعنه صنف كتابا في الأصول فيه فضل الصحابة رضي الله عنهم وتكفير المعتزلة القائلين بخلق القرآن فكان يقرأ أكل جمعة ويحضره الناس مدة وقال أبو الحسن الأبهري أرسلني بهاء الدولة إلى القادر بالله فسمعته ينشد ( سبق القضاء بكل ما هو كائن * والله يا هذا لرزقك ضامن ) ( تعنى بما يفنى وتترك ما به * تغنى كأنك للحوادث آمن ) ( أو ما ترى الدنيا ومصرع أهلها * فاعمل ليوم فراقها يا خائن ) ( يا عامر الدنيا أتعمر منزلا * لم يبق فيه مع المنية ساكن ) ( الموت شيء أنت تعلم أنه * حق وأنت بذكره متهاون ) ( أن المنية لا تؤامر من أتت * في نفسه يوما ولا تستأذن ) فقلت الحمد الله الذي وفق أمير المؤمنين لا نشاد مثل هذه الأبيات فقال بل الله لمنة إذا أهلمنا لذكره ووفقنا لشكره ألم تسمع قول الحسن البصري في أهل المعاصي هانوا عليه فعصوه ولو عزوا عليه لعصمهم وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء قال الذهبي كان في هذا العصر رأس الأشعرية أبو إسحق الإسفرائيني ورأس والمعتزلة القاضي عبد الجبار ورأس الرافضة الشيخ المفيد ورأس الكرامية محمد بن الهيضم ورأس القراء أبو الحسن الحمامى ورأس المحدثين الحافظ عبد الغني بن سعيد ورأس الصوفية أبو عبد الرحمن السلمى ورأس الشعراء أبو عمر ابن دراج ورأس المجودين ابن البواب ورأس الملوك السلطان محمود بن سكتكين قلت ويضم إلى هذا رأس الزنادقة الحاكم بأمر الله (3/222)

ورأس اللغويين الجوهري ورأس النجاة ابن جنى ورأس البلغاء البديع ورأس الخطباء ابن نباتة ورأس المفسرين أبو القسم بن حبيب النيسابوري ورأس الخلفاء القادر فإنه من أعلامهم تفقه وصنف وناهيك بأن الشيخ تقي الدين بن الصلاح عدة من الفقهاء الشافعية 223 وأرده في طبقاتهم ومدته في الخلافة من أطول المداد انتهى ما أورده السيوطي وقال الذهبي لما مات القادر بالله للبيعة فقال إن الأمير حسن بن عيسى بن المقتدر قام وقامت الأتراك على القائم بالرسم الذي للبيعة فقال إن القادر لم يحلف مالا وصدق لأنه كان من أفقر الخلفاء وصالحهم على ثلاثة آلاف دينار ليس إلا وعرض القائم خانا وبستانا للبيع وصغر دست الخلافة إلى هذا الحد انتهى وفيها أبو القسم الكتاني طلحة بن علي بن الصقر البغدادي كان ثقة صالحا مشهورا عاش ستا وثمانين سنة ومات في ذي القعدة وروى عن النجاد وأحمد ابن عثمان الأدمى ودعلج وجماعة وفيها أبو المطرف بن الحصار قاضي الجماعة بالأندلس عبد الرحمن بن أحمد ابن سعيد غرسية مات آخر الكهولة وكان عالما بارعا ذكيا متفننا فقيه النفس حاضر الحجة صاحب سنة توفي في شعبان وفيها القاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر أبو محمد البغدادي المالكي أحد الأعلام سمع من عمر بن سنبك وجماعة وتفقه على ابن القصار وابن الجلاب ورأى أبا بكر الابهري وانتهت إليه رياسة المذهب قال الخطيب لم ألق في المالكية أفقه منه ولي قضاء بادرايا وتحول في آخر أيامه إلى مصر فمات بها في شعبان وقد ساق القاضي ابن خلكان نسب القاضي عبد الوهاب إلى مالك بن طوق الثعلبي صاحب الرحبة قاله في العبر وقال أبو إسحق الشيرازي سمعت كلامه في النظر وكان فقيها متأدبا شاعرا له كتب كثيرة في كل فن وعاش ستين سنة وذكره ابن بسام في كتاب الذخيرة فقال كان فقيه الناس ولسان أصحاب القياس وقد وجدت له شعرا معانيه أجلى من الصبح وألفاظ أحلى من الظفر بالنجح ونبت به بغداد كعادة البلاد بذوي فضلها وكحكم (3/223)

الأيام في محسنى أهلها فودع ماءها وظلها وحدثت أنه شيعه يوم فصل عنها من أكابرها وأصحاب 224 محابرها جملة موفروة وطوائف كثيرة وألأنه قال لهم لو وجدت بين ظهرانيكم رغيفين كل غداة وعشية ما عدلت ببلد بلوغ أمنيةن وفي ذلك يقول ( سلام الله على بغداد في كل موطن * وحق لها منى سلام مضاعف ) ( فو الله ما فارقتها عن قلي لها * وإني بشطى جانبيها لعارف ) ( ولكنها ضاقت على بأسرها * ولم تكن إلا رزاق فيها تساعف ) ( وكانت كخل كنت أهوى دنوه * وأخلاقه تنأى به وتخالف ) واجتاز بطريقة بمعرة النعمان وكان قاصدا مصر وبالمعرة يومئذ أبو العلاء فأضافه وفي ذلك يقول من أبيات ( والمالكي ابن نصر زار في سفر * بلادنا فحمدنا النأي والسفرا ) ( إذا تفقه أحيا مالكا جدلا * وينشر الملك الضليل أن شعرا ) ثم توجه إلى مصر فحمل لواءها وملأ أرضها وسماءها وأمتع سادتها وكبراءها وتناهت إليه الغرائب وإنثالت في يديه الرغائب فمات لأول ما وصلها من أكلة اشتهاها فأكلها وزعموا أنه قال وهو يتقلب ونفسه تتصعد وتتصوب لا اله إلا الله إذا غشنا متناوله أشعار رائقة ظريفة فمن ذلك قوله ( ونائمة قبلتها فتنبهت * فقالت تعالوا فاطلبوا اللص بالحد ) ( فقلت لها إني فديتك غاضب * وما حكموا في غاضب بسوي الرد ) ( خذيها وكفى عن أثيم ظلامة * وإن أنت لم ترضي فألفا على العد ) ( فقالت قصاص يشهد العقل أنه * على كبد الجاني ألذ من الشهد ) ( فباتت يميني وهي هميان خضرها * وباتت يساري وهي واسطة العقد ) ( فقالت ألم أخبر بأنك زاهد * فقلت بلى ما زالت أزهد في الزهد ) وكانت ولادته ببغداد يوم الخميس سابع شوال سنة اثنتين وستين وثلثمائة توفي ليلة الاثنين رابع عشر صفر بمصر ودفن بالقرافة الصغرى فيما بين قبة الشافعي رضي الله عنه وباب القرافة وكان أبوه من أعيان الشهود ببغداد (3/224)

225 وكان أخوه أبو الحسن محمد بن نصر أديبا فاضلا صنف كتاب المفاوضة للملك العزيز جلال الدولة أبي منصور بن أبي طاهر بن جمع فيه ما شاهده وهو من الكتب الممتعة في ثلاثين كراسة وله رسائل ومولده ببغداد في إحدى الجمادين سنة اثنتين وسبعين وثلثمائة وتوفي يوم الأحد سابع عشرى شهر ربيع الأول سنة سبع وثلاثين وأربعمائة بواسط وكان قد أصعد إليها من البصرة فمات بها وتوفي أبوهما أبو الحسن على يوم السبت ثاني شهر رمضان سنة إحدى وتسعين وثلثمائة قاله ابن خلكان وفيها أبو الحسن الطرازي على بن محمد بن محمد بن أحمد عثمان البغدادي ثم النيسابوري الأديب روى عن الأصم وأبي حامد بن حسنويه وجماعة وبه ختم حديث الأصم توفي في الرابع والعشرين من ذي الحجة وفيها أبو الحسن بن عبد كويه على بن يحيى بن جعفر أمام جامع أصبهان في المحرم حج وسمع باصبهان والعراق والحجاز وحدث عن أحمد بن بنذار الشعار وفاروق الخطابي وطبقتهما وأملى عدة مجالس وفيها محمد بن مروان ابن زاهر أبو بكر الأبادي الإشبيلي المالكي أحد أركان المذهب كان واسع الرواية عالي الإسناد عاش ستا وثمانين سنة وحدث عن محمد ابن معوية القرشي وأبي علي القالي وطائفة وهو والد الطبيب عبد الملك وجد الطبيب العلامة الرئيس أبي العلاء زهر وفيها محمد بن يوسف القطان الحافظ أبو أحمد الأعرج النيسابوري مات كهلا ومل ينشر حديثه روى عن أبي عبد الله الحاكم وطبقته ورحل إلى العراق والشام ومصر وفيها أبو نصر المفسر منصورين بن الحسين بنيسابور مات قبل الطرازي وحدث عن الأصم وغيره (3/225)

226 وفيها يحيى بن عمار الأمام أبو ذكريا الشيباني السجستاني الواعظ تزيل هراة روى عن حامد الرفا وطبقته وكان له القول التام بتلك الديار لفصاحة وحسن موعظته وبراعته في التفسير والسنة وخلف أموالا كثيرة ومات في ذي القعدة وله تسعون سنة سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة فيها سار الملك المسعود بن محمود بن سبكتكين فدخل أصبهان بالسيف وقتل عالما لا يحصون وفعل مالا تفعله الكفرة وفيها توفي أبو القسم الحرقي عبد الرحمن بن عبيد الحربي المحدث قال الخطيب كان صدوقا غير أن سماعه في بعض ما رواه عن النجاد كان مضطربا مات في شوال وله سبع وثمانون سنة وفيها أبو الحسن النعيمي علي بن أحمد بن الحسن بن محمد البصري الحافظ روى عن طائفة ومات كهلا قال الخطيب كان حافظا حاذقا متكلما شاعرا وقال ابن ناصر الدين كان شديد العصبية في السنة والديانة وإتهم بوضع حديث في صباه ثم تاب ولازم الثقة والصيانة وفيها أبو الفضل الكاغدى منصور بن نصر السمرقندي مسند ما وراء النهر روى عن الهيثم الشاشي ومحمد بن عبد الله بن حمزة توفي بسمر قندي في ذي القعدة وقد قارب المائة سنة أربع وعشرين وأربعمائة فيها كما قال في العبر اشتد الخطب ببغداد بأمر الحرامية وأخذوا أموال الناس عيانا وقتلوا صاحب الشرطة وأخذوت لتأجر ما قيمته عشرة آلاف دينار (3/226)

227 وبقي الناس لا يجسرون إن يقولوا فعل البرجمي فوخا منه لب يقولوا عنه القائد أبو علي وإشتهر عنه إنه لا يتعرض لامرأة ولا يدع أحدا يأخذ شيئا عليها وفيها توفي أبو علي الفشيذ يزجي بفتح الفاء وكسر المعجمة وتحتيتين ساكنتين وفتح المهملة بينهما والزاي وجيم نسبة إلى فشيديزة بلد الحسين ابن الخضر البخاري قاضي بخارا وشيخ الحنفية في عصره روى عن محمد بن محمد بن صابر وجماعة توفي في شعبان وقد خرج له عدة أصحاب وفيها أبو طاهر الدقاق حمزة بن محمد بن طاهر الحافظ أحد أصحاب الدار قطني كان البرقاني يخضع لمعرفته وعلمه وفيها الأمام أبو محمد بن ذنين عبد الله بن عبد الرحمن نبن عثمان الصدفي الطليطلي روى عن أبي جعفر بن عون الله وطبقته وأكثر عن أبي محمد بن أبي زيد القيرواني وعن أبي بكر المهندس وأبي الطيب بن غلبون بمصر وكان زاهدا عابدا خاشعا مجاب الدعوة منقطع القرين عديم النظر مقبلا على الأثر والسنة أمارا بالمعروف لا تأخذه في الله لومة لائم مع الهيبة والعزة وكان يعمل كرمه بنفسه وفيها أبو بكر الأردستاني بفتح الهمزة فسكون الراء ففتح المهملة فسكون المهملة ففتح الفوقية نسبة إلى إردستان بلد قرب إصبهان وقيل بكسر الهمزة والدال محمد بن إبراهيم الحافظ العبد الصالح روى صحيح البخاري عن إسماعيل بن حاجب وروى عن أبي حفص مبن شاعين وهذه الطبقة (3/227)

228 سنة خمس وعشرين وأربعمائة فيها كما قال في الشذور هبت ريح سوداء بنصيبين فقلعت من بساتينها كثيرا ورمت قصرا مبينا بآخر وحجارة وكاس ووقع هناك برد في أشكال الأكف والنا مرد والأصابع وزلزلت الرملة فهدم نحو من نصفها وخسف بقرى وسقط بعض حائط بيت المقدس وسقطت منارة وجامع عسقلان وجزر البحر نحو ثلاثة فراسخ فخرج الناس يتتبعون السمك والصدف فعاد الماء فأخذ قوما منهم انتهى وفيها الحافظ الكبير الثقة البرقاني بالفتح نسبة إلى برقان قرية بخوارزم أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمى الفقيه الشافعي مولده بخوارزم سنة ست وثلاثين وثلثمائة وسمع بها بعد الخمسين من أبي العباس بن حمدان وجماعة وببغداد من أبي علي بن الصواف وطبقته وبهراة وبنيسابور وجرجان ومصر ودمشق قال الخطيب كان ثبتا ورعا لم في شيوخنا أثلت منه عارفا بالفقه كثير التصنيف ذا حظ من علم العربية صنف مسندا ضمنه ما اشتمل عليه الصحيحان وجمع حديث الثورى وحديث شعبة وطائفة وكان حريصا على العلم منصرف الهمة إليه وقال أبو محمد الخلال كان البرقاني نسيج وحدة وقال الاسنوي كان المذكور إماما حافظا ورعا مجتهدا في العبادة حافظا للقرآن قال الشيخ في طبقاته تفقه في صباه وصنف في الفقه ثم اشتغل بعلم الحديث فصار فيه إماما وقال ابم الصلاح كان حريصا على العلم منصرف الهمة إليه لم يقطع التصنيف إلى حين وفاته قال وعاده الصورى في آخر جمادى الآخرة فقال له سألت الله أن يؤخر وفاتي حتى يهل رجب فقد روى أن فيه الله تعالى عتقاء من النار فعسى أن أكون منهم فاستجيب له انتهى كلام الأسنوي وفيها أبو علي بن شاذان البزار الحسن بن أبي بكر أحمد بن إبراهيم بن (3/228)

229 الحسن بن محمد بن شاذان البغدادي ولد سنة تسع وثلاثين وثلثمائة وسمعه أبوه من أبي عمرو بن السماك وأبي سهل بن زياد والعباداني وطبقتهم فاكثر وطال عمره وصار مسند العراق قال الخطيب كان صدوقا صحيح السماع يفهم الكلام على مذهب ألاشعري سمعت أبا القسم الأزهري يقول أبو علي أوثق من برأ في الحديث وتوفي في آخر يوم من السنة ودفن من الغد في أول سنة وعشرين وفيها ابن شبانة العدل أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الهمذاني روى عن أبي القسم عبد الرحمن بن عبيد وطائفة وكان صدوقا وفيها أبو الحسن الجوبري بفتح الجيم والموحدة نسبة إلى جوبر قرية بدمشق عبد الرحمن بن محمد بن يحيى بن ياسر التميمي الدمشقي كان أبوه محدثا فأسمعه الكثير من علي بن أبي العقب وطائفة وكان أميا لا يقرأ ولا يكتب وفيها عبد الوهاب بن عبد الله بن عمر أبو نصر المرى الدمشقي بن الحيان الشروطي الحافظ روى عن أبي عمر بن فضالة وطبقته وصنف كتبا كثيرة قاله الكتاني ومات في شوال وفيها أبو الفضل الهروى الزاهد بن إبراهيم روى عن أبي بكر الإسمعيلي وبشر بن أحمد الإسفرائيني وطبقتهما وكان فقيها عالما ذا زاهد وصدق وورع وتبتل وفيها أبو بكر بن مصعب التاجر محمد بن علي بن إبراهيم الأصبهاني روى علي ابن فارس وأحمد بن جعفر السمسار وجماعة وتوفي في ربيع الأول سنة ست وعشرين وأربعمائة فيها زاد بلاء الحرامية وجاهروا بأخذ الأموال وبإظهار الفسق والفجور (3/229)

230 والفطر في رمضان حتى تملكوا بغداد في المعنى وفيها أبو عامر بن شهيد أحمد بن عبد الملك بن مروان بن ذي الوزارتين أحمد بن عبد الملك بن عمر بن شهيد الأشجعي القرطبي الشاعر حامل لواء البلاغة والشعر بالأندلس قال ابن حزم توفي في جمادي الأولى وصلى عليه أبو الحرم جمهور ولم يخلف له نظيرا في الشعر والبلاغة وكان سمحا جوادا عاش بضعا وأربعين سنة وفيها أبو محمد بن الشقاق عبد الله بن سعيد كبير المالكية بقرطبة ورأس القراء توفي في رمضان وله ثمانون سنة أخذ عن أبي عمر بن المكوى وطائفة وفيها أبو بكر المنيني محمد بن رزق الله نب أبي عمرو والاسود خطيب منين روى عن علي بن أبي العقب والحسين بن أحمد بن أبي ثاب وجماعة قال أبو الوليد الدار بندي لم يكن بالشام يكتنى بأبي بكر غير وكان ثقة وقال الكتاني توفي في جمادي الأولى وله أربع وثمانون سنة وكان يحفظ القرآن بأحرف وفيها أبو عمرو الرزجاهي بفتح الراء والجيم وسكون الزاي نسبة إلى رزجاه قرية ببسطام محمد بن عبد الله بن أحمد البسطامي الفقيه الأديب المحدث تفقه على أبي سعد الصعلوكي وأكثر عن ابن عدي وطبقته ومات في ربيع الأول وله خمس وثمانون سنة وكان يقرئ العربية قاله في العبر والله تعالى أعلم سنة وسلع وعشرين وأربعمائة فيها توفي أبو إسحق الثعالي أحمد نب محمد بن إبراهيم النيسابوري المفسر روى عن أبي محمد المخلدي وطبقته من أصحاب السراج وكان حافظا واعظا رأسا في التفسير والعربية والديانة قاله في العبر وقال ابن خلكان كان أو حد زمانه في علم التفسير وصنف التفسير الكبير الذي فاق غيره من التفاسير وله كتاب العرائس في قصص الأنبياء وغير ذكره السمعاني وقال يقال له (3/230)

231 الثعلبي وهو لقب له وليس بنسب قال بعض العلماء وقال أبو القسم القيشري رأيت رب العزة عز وجل في المنام وهو يخاطبني وأخاطبه فكان في إثناء ذلك أن قال الرب تعالى اسمه أقلب الرجل الصالح فالتفت فإذا أحمد الثعالبي مقبل انتهى ما قاله ابن خلكان مختصرا وفيها أبو النعمان تراب بن عمر بن عبيد المصري الكاتب روى عن أبي أحمد بن الناصح وجماعة توفي في ربيع الآخر بمصر وله خمس وثمانون سنة وفيها أبو القسم السهمي حمزة بن يوسف الجرحاني الثقة الحافظ من ذرية هشام من العاص سمه سنة أربع وخمسين من محمد بن أحمد بن إسمعيل الصرام صاحب محمد بن الضريس ورحل إلى العراق سنة ثمان وستين فأدرك أن ماسي وهو مكثر عن ابن عدي الإسمعيلي وكان من أئمة الحديث حفظا ومعرفة واتقانا وفيها أبو الفضل الفلكي علي بن الحسين الهمداني الحافظم رحل الكثير وروى عن أبي الحسين بن بشران وأبي بكر الحيري وطبقتهما ومات شابا قبل أوان الرواية ولو عاش لما تقدمه أحد في الحفظ والمعرفة لفرط ذكائه وشدة اعتنائه وقد صنف كتاب المنهتى في الكمال في معرفة الرجال ألف جزة لم يبضه قال شيخ الإسلام الأنصاري ما أريت أحدا أحفظ من أبي الفضل ابن الفلكي ومات بنيسابور وكان جده يلقب بالفلكي لبراعته في الهيئة والحساب وفيها أبو علي الجياني الحسين بن محمد الغساني الأندلس المحدث له كتاب تقييد المهمل إجاد فيه وأحسن وكان من أفراد الحفاظ مع معرفة الغريب والشعر والنسب وحسن الحظ وجيان بلدة كبيرة بالأندلس وجيان أيضا من أعمال الري قاله ابن الأهدل وفيها الظاهر لا عزاز دين الله علي بن الحاكم منصور بن العزيز العبيدي (3/231)

232 المصري صاحب مصر والشام بويع أبهي وشرعت دولتهم في انحطاط منذ ولي وتغلب حسان بن مفرج الطائي على أكثر الشام وأخذ صالح بن مرداس حلب وقوى نائبهم على القيروان وقد وزر للظاهر الوزير نجيب الدولة على بن أحمد الجرجراي وكان هذا اقطع اليدين من المرفقين قطعهما الحاكم في سنة أربع وأربعمائة فكان يكتب العلامة عند القاضي القضاعي قال ابن خلكان قطعت يداه في شهر ربيع الآخر سنة أربع وأربعمائة على باب القصر البحري بالقاهرة وحمل إلى داره وكان يتولى بعض الدواوين فظهرت عليه خيانة فقطع بسببها ثم بعد ذكل ولى ديوان النفقات سنة تسع وأربعمائة ثم وزر للظاهر في سنة اثنتي عشرة وأربعمائة وهذا كله بعد أن انتقل في الخدم بالأرياف والصعيد وكانت علامته في الكتابة الحمد الله شكرا لنعمته واستعمل العفاف والأمانة الزائدة من الاحتراز والتحفظ وفي ذلك يقول جاسوس الملك ( يا احمقا اسمع وقل * ودع الرقابة والتحامق ) ( أأقمت نفسك في الثقا * ت وهبك فيما قلت صادق ) ( قمن الأمانة والتقي * قطعت يداك من الموافق ) وهو منسوب إلى جرجرايا بفتح الجيمين قرية من ارض العراق وكانت ولادة الظاهر يوم الأربعاء عاشر شهر رمضان سنة وتسعين وثلثمائة بالقاهرة وكانت ولايته بعد فقد أبيه بمدة لأن أباه لما فقد كان الناس يرجون ظهوره ويتتبعون آثاره إلى أن تحقق عدمه فأقاموا ولده المذكور وتوفي ليلة الأحد منتصف شعبان بالمقص بالموضع المعروف بالدكة من القاهرة وتوفي وزيره الجراجري سنة ست وثلاثين في سابع شهر رمضان وكانت وزارته للظاهر ولولده المستنصر سبع عشرة وثمانية أشهر عشر يوما ولما توفي الظاهر بايعوا بعده ولده المستنصر وهو صبي (3/232)

233 وفيها محمد بن المزكي أبي إسحق إبراهيم بن محمد بن يحيى أبو عبد الله النيسابوري مسند نيسابور في زمانه روى عن أبيه وحامد الرفا ويحيى بن منصور القاضي وأبي بكر بن الهيثم الأنباري وطبقتهم وسمع منه الشيروي سنة ثمان وعشرين وأربعمائة فيها توفي أبو بكر الأصبهاني اليزدي أحمد بن محمد بن منجويه الحافظ تزيل نيسابور ومحدثها صنف التصانيف الكثيرة ورحل ووصل إلى بخارا وحدث عن أبي بكر الإسمعيلي وأبي بكر بن المقرئ وطبقتهما روى عنه شيخ الإسلام وقال هو احفظ من رأيت من البشر قاله في العبر وتوفي في المحرم وله إحدى وثمانون سنة وقال ابن ناصر الدين كان أحد الحفاظ المجودين ومن أهل الورع والدين ثقة من الإثبات صنف على الصحيحين وجامع الترمذي وسنن أبي داود مصنفات انتهى وفيها أبو بكر بن النمط أحمد بن محمد بن الصقر البغدادي المقرئ الثقة العابد روى عن أبي بكر الشافعي وفاروق وطبقتهما وفيها أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن حمدان البغدادي الفقيه شيخ الحنفية بالعراق انتهت إليه رياسة المذهب وعظم جاهه وبعد صيته وكان حسن العبارة في النظم وسمع الحديث وروى عنه أبو بكر الخطيب صاحب التاريخ وصنف في الذهب المختصر المشهور وغيره وكان يناظر الشيخ أبا حامد الإسفرائيني الفقيه الشافعي ويبالغ في تعظيمه بحيث حكى عنه ابن خلكان انه كان يفضل الإسفرائيني على الشافعي وهذا عجب عجاب وكانت ولادة القدورى سنة اثنتين وستين وثلثمائة وتوفي يوم الأحد خامس رجب من هذه السنة ببغداد ودفن من يومه بداره في درب أبي خلف ثم نقل إلى تربة في شارع المنصور فدفن بجانب أبي بكر الخوارزمي الفقيه الحنفي (3/233)

224 وفيها أبو علي بن سينا الرئيس الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا صاحب التصانيف الكثيرة في الفلسفة والطب وله من الذكاء الخارق والذهن الثاقب ما فاق به غيره وأصله بلخى ومولده ببخارا وكان أبوه من دعاة الإسمعيلية فأشغله في الصخر وحصل عدة علوم قبل أن يحتلم وتنقل في مدائن خراسان والجبال وجرجان ونال حشمة وجاها وعاش ثلاثا وخمسين سنة وقال ابن خلكان في ترجمة ابن سينا اغتسل وتاب وتصدق بما معه على الفقراء ورد المظالم وأعتق مماليك وجعل يختم في كل ثلاثة أيام ختمة ثم مات بهمذان يوم الجمعة في شهر رمضان قاله في جميعه في العبر وقال ابن خلكان كان أبوه من العمال الكفاة تولى العمل بقرية من ضياع بخارا يقال لها خرمثين من أمهات قراها وولد الرئيس أبو علي وكذلك أخوه بها واسم أمه ستارة وهي من قرية يقال لها أفشنة بالقرب من خرمثين ثم انتقلوا إلى بخارا وتنقل الرئيس بعد ذلك في البلاد واشتغل بالفنون وحصل كالعلوم والفنون ولما بلغ عشر سنين من عمره كان قد أتقن علم القرآن العزيز والأدب وحفظ أشياء من أصول الدين وحساب الهند والجبر والمقابلة ثم توجه نحوهم الحكيم أبو عبد الله الناتلي فأنزله أبو الرئيس عنده فابتدأ أبو علي يقرأ عليه كتاب ايساغوجي وأحكم عليه علم المنطق واقليدس والمجسطي وفاته أضعافا كثيرة حتى أوضح له رموزه وفهمه اشكالات لم يكن الناتلي يدريها وكان مع ذلك يختلف في الفقه إلى إسمعيل الزاهد يقرأ ويبحث ويناظر ونظر في الفصوص والشروح وفتح الله تعالى عليه أبواب العلوم ثم رغب بعد ذلك في علم الطب وتأمل الكتب المصنفة فيه وعالج تأدبا لا تكسبا وعلمه حتى فاق فيه على الأوائل والأواخر في أقل مدة (3/234)

235 وأصبح فيه عديم القرين فقيد المثيل واختلف إليه فضلا هذا الفن يقرءون عليه أنواعه والمعالجات المقتبسة من التجربة وسنة إذ ذاك نحو ست عشرة سنة وفي مدة اشتغاله لم ينم ليلة واحدة بكمالها ولا اشتغل في النهار بسوي الطالعة وكان إذا أشكلت عليه مسئلة توضأ وقصد الجامع وصلى ودعا الله عز وجل أن يسهلها عليه ويفتح مغلقها له وذكر عند الأمير نوح الساماني صاحب خراسان في مرضه فأحضره وعالجه حتى برئ واتصل به وقرب منه ودخل دار كتبه وكانت عديمة المثل فيها من كل فن الكتب المشهورة بأيدي الناس وغبرها وحصل نخب فرائدها واطلع على أكثر علومها واتفق بعد ذلك احتراق تلك الخزانة فتفرد أبو علي حصله منها وينسبه إلى نفسه ولم يستكمل ثماني عشرة سنة من عمره إلا وقد فرغ من تحصيل العلوم بأسرها التي عاناها وتوفي أبوه وسن أبي علي اثنتان وعشرون سنة وكان يتصرف هو ووالده في الأحوال ويتقلدون للسلطان الأعمال وسار إلى همذان وتولى الوزارة لشمس الدولة ثم تشوش العسكر عليه فأغاروا على داره ونهبوها وقبضوا عليه وسألوا شمس الدولة قتله فامتنع ثم أطلق فتواري ثم مرض شمس الدولة بالقولنج فأحضره لمداواته وأعاده وزيرا ثم مات شمس الدولة وتولى تاج الدولة فلم يستوزره فتوجه إلى أصبهان وبها علاء الدولة بن كاكويه فأحسن إليه وكان أبو علي قوي المزاج وتغلب عليه قوة الجماع حتى أنهكته ملازمته وأضعفته ولم يكن يداوي مزاجه فعرض له قولنج فحق نفسه في يوم واحد ثمان مرات فقرح بعض أمعائه وظهر له سحج واتفق سفره مع علاء الدولة فحدث له الصرع الحادث عقيب القولنج فأمر باتخاذ دانقين من كرفس في جملة ما يحقن به فجعل الطبيب الذي يعالجه فيه خمسة دراهم فازداد السحج (3/235)

236 به من حدة الكرفس وطرح بعض غلمانه في بعض أدويته شيئا كثيار من الأقيون وكان سببه أن غلمانه خانوه في شيء فخافوا عاقبة آمره عند برئه وكان منذ حصل له الألم يتحامل ويجلس مرة بعد أخرى ولا يحتمى ويجامع فكان يصلح أسبوعا ويمرض أسبوعا ثم قصد علاء الدولة همذان ومعه الرئيس فحصل له القولنج في الطريق ووصل إلى همذان وقد ضعف جدا وأشرفت قوته على السقوط فأهمل المداواة وقال المدبر الذي في بدنى قد عجز عن تدبيره فلا تنفعني المعالجة ثم اغتسل وتاب وتصدق بما معه على الفقراء ورد المظالم على من عرفه وأعتق مماليكه وجعل يختم في كل ثلاثة أيام ختمة ثم مات في التاريخ المذكور وكان نادرة عصره في معرفته وذكائه وتصانيفه وصنف كتاب الشفاء في الحكمة والنجاة والإشارات والقانون وغير ذلك ما يقارب مائة مصنف ما بين مطول ورسالة في فنون شتى وهل رسائل بديعة منها ورسالة بديعة منها رسالة حتى بن يقظان ورسالة سلامان ورسالة الطير وغيرها وانتفع الناس بكتبه وهو أخذ فلاسفة المسلمين ومن شعره قوله في الفنس ( هبطت إليك من المحل الأرفع * ورقاء ذات تعزز وتمنع ) ( محجوبة عن كل مقلة عارف * وهي التي سفرت ولم تتبرقع ) ( وصلت على كره إليك وربما * كرهت فارقك وهي ذات تفجع ) ( انفت وما ألفت فلما واصلت * ألفت مجاورة الخراب البلقع ) ( وأظنها نسيت عهودا بالحمى * ومنازلا بفراقها لم تقنع ) ( حتى إذا اتصلت بهباء هبوطها * من ميم مركزها بذات الأجرع ) ( علقت بها ثاء الثقيل فأصبحت * بين المعالم والطلول الخضع ) ( تبكي وقد ذكرت عهودا بالحمى * ودنا الرحيل إلى الفضاء الأوسع ) (3/236)

237 وغدت تغرد فوق ذروة شاهق * والعلم يرفع كل من لم يرفع ) ( وتعود عالمة بكل خفية * في العالمين فخرقها لم يرقع ) ( فهبوطها إذا كان ضربة لازم * لتكون سامعة لما لم تسمع ) ( فلأي شيء أهبطت من شاهق * سام إلى قعر الحضيض الأوضع ) ( إن كان أهبطها الآلة لحكمة * طويت عن الفطن اللبيب الأروع ) ( إذ عاقها الشرك الكثيف فصدها * قفص عن الأوج الفسيح الأرفع ) ( فكأنها برق تألق بالحمى * ثم إنطفى فكأنه لم يلمع ) ومن المنسوب إليه قوله ( اجعل غذاءك كل يوم مرة * أحذر طعاما قبل هضم طعام ) ( واحفظ منيك ما استطعت فانه * ماء الحياة يراق في الأرحام ) وفضائله كثيرة مشهورة وكانت ولادته في سنة سبعين وثلثمائة في شهر صفر وتوفي بهمذان يوم الجمعة من شهر رمضان ودفن بها وكان الشيخ كمال الدين بن يونس رحمه الله يقول أن مخدومه سخط عليه واعتقله فمات في السجن وكان يقول ( رأيت ابن سينا يداوي الرجا * ل وفي السجن مات أخس الممات ) ( فلم يشف ما نابه بالشفا * ولم ينج من موته بالنجاة ) انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا وقال ابن الأهدل قال اليافعي طالعت كتابه الشفا وما اجدره بقلب الفاء قافا لاشتماله على فلسفة لا ينشرح لها قلب متدين والله أعلم بخاتمته وصحة توبته وقد كفره الغزالي في كتابه المنقذ من الضلال وقال ابن الصلاح لم يكن من علماء الإسلام بل كان شيطانا من شياطين الأنس وأثنى عليه ابن خلكان انتهى كلام ابن الأهدل أيضا وقد تقدم ذكره مع ترجمة الفارابي فليراجع (3/237)

238 وفيها ذو القرنين أبو المطاع المطاع بن الحسن بن عبد الله بن حمدان وجبه الدولة بن ناصر الدولة الموصلي الأديب الشاعر الأمير ولي إمرة دمشق سنة إحدى وأربعمائة وعزل بعد أشهر من جهة الحاكم ثم وليها لابنه الظاهر سنة اثنتي عشرة وعزل ثم وليها ثالثا سنة خمس عشرة فبقى إلى سنة تسع عشرة وله وشعر فائق منه قوله ( إني لأحد لا في أسطر الصحف * إذا رأيت عناق اللام للألف ) ( وما أظنها طال اعتناقها * إلا لما لقيا من شدة الشغف ) وتوفي في صفر وفيها أبو طاهر البغدادي عبد الغفار بن محمد المؤدب روى عن أبي بكر الشافعي وأبي علي الصواف وعاش ثلاثا وثمانين سنة وفيها أبو عمرو الغدادي عثمان بن محمد بن يوسف بن دوست صدوق روى عن النجاد وعبد الله بن إسحق الخراسان وتوفي في صفر وفيها أبو الحسن الحنائي على بن محمد بن إبراهيم الدمشقي المقرئ المحدث الحافظ الناقد الزاهد روى عن عبد الوهاب الكلابي وخلق ورحل إلى مصر خرج لنفسه معجما كبير قال الكتاني توفي شيخنا وأستاذنا أبو الحسن في ربيع الأول وكنا من العباد وكانت له جنازة عظيمة ما رأيت مثلها وعاش ثمانيا وخمسين سنة وفيها أبو علي الهاشمي الحنبلي محمد بن أحمد بن أبي موسى البغدادي صاحب التصانيف ومن إليه انتهت رياسة المذهب اخذ عن أي الحسن التميمي وغيره وحدث عن ابن المظفر وكان رئيسا رفيع القدر بعيد الصيت قال أن أبي يعلي في طبقاته كان سامى الذكر له القدم العالي والحظ الوافر عند الأمامين القادر بالله والقائم بأمر الله صنف الإرشاد في المذهب وشرح كتاب الخرقي وكانت حلقته بجامع حلقته بجامع المنصور يفتى ويشهد قرأت على المبارك بن عبد الجبار (3/238)

239 من أصله في حلقتنا بجامع المنصور قلت له حدثك القاضي الشريف أبو علي قال باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب الديانات حقيقة الإيمان عند أهل الأديان الاعتقاد بالقلب والنطق باللسان إن الله عز وجل واحد أحد فرد صمد لا يغيره الأبد ليس له والد ولا ولد وإنه سميع بصير بديع قدير حكيم خبير على كبير ولي نصير قوي مجير ليس له شبه ولا نظير ولا عون ولا ظهير ولا شريك ولا وزير ولا ند ولا مشير سبق الاشياء فهو قديم قدمها وعلم كون ووجودها في نهاية عدمها لم تملكه الخواطر فتكفيه ولم تدركه الأبصار فتصفه ولم يخل من علمه مكان فيقع به التأيين ولم يعدمه زمان فينطلق عليه التأوين ولم يتقدمه دهر ولا حين ولا كان قبله كون ولا تكوين ولا تجري ما هيته في مقال ولا تخطر كيفيته ببال ولا يدخل في الأمثال والأشكال صفاته كذاته ليس بجسم في صفاته جل أن يشبه بمبتدعاته أو يضاف إلى مصنوعاته ليس كمثله شيء وهو لسميع البصير أراد ما العالم فاعلوه ولم عصمهم لما خالفوه ولو شاء أن يطيعوه جميعا لا طاعوه خلق الخلائق وأفعالهم وقدر أرزاقهم وآجالهم لا سمي له في أرضه وسمواته على العرش استوى وعلى الملك احتوى وعلمه محيط بالأشياء كذلك سئل أحمد ابن محمد بن حنبل عن قوله عز وجل ( ^ ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر هو معهم أينما كانوا ) فقال علمه القرآن الله تعالى وصفة من صفات ذاته غير محدث ولا مخلوق كلام رب العالمين في صدور الحافظين وعلى ألسن الناطقين وفي سماع السامعين وبأكف الكاتبين بملاحظة الناظرين برهانه ظاهر وحكمه قاهر ومعجزه باهر وان الله تعالى كلم موسى تكليما وتجلى للجبل فجعله دكا هشيما وإنه خلق النفوس وسواها وألهمها فجورها وتقواها والإيمان بالقدر خيره وشره وحلوه ومره وإن مع كل عبد رقيبا وعتيدا وحفيظا وشهيدا يكتبان (3/239)

240 حسناته ويحصيان سيئاته وإن كل مؤمن وكافر وبر وفاجر يعاين عمله عند حضور منيته ويعلم مصيره قبل ميتته وان منكرا ونكيرا إلى كل أحد ينزلان سوى النبيين فيسألان ويمنحان عما يعتقده من الإيمان وإن المؤمن يحبر في قبره بالنعيم والكافر يعذب الأليم وإنه لا محيص لمخلوق من القدر المقدور ولن يتجاوز ما خط في اللوح المسطور وإن ساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور وإن الله جل اسمه يعيد خلقه كما بدأهم ويحشرهم كما ابتدأهم من صفايح القبور وبكون الحيتان في تخوم البحور وأجواف السباع وحواصل النسور وإن الله تعالى يتجلى في القيامة لعباده الأبرار فيرونه بالعيون والأبصار وأنه يخرج أقواما من النار فيسكنهم دار القرار وأنه يقبل شفاعة محمد المختار في أهل الكبائر والأوزار وإن الصراط حق تجوزه الأبرار وإن حوض رسول الله حق يرده المؤمنون ويذا عنه الكفار وإن الإيمان غير مخلوق وهو قول باللسان واخلاص بالجنان وعمل بالاركان يزيد بالطاعة وينقص بالاوزار وان محمد خاتم النبيين وافضل المرسلين وامته خير أمة أجمعين وافضلهم القرن الذين شاهدوه وامنوا به وصدقوه وافضل القرن الذين صحبوه أربع عشرة مائة بايعوه بيعة الرضوان وأفضلهم أهل بدر نصروه وأفضلهم أربعون في الدار كنفوه وأفضلهم عشرة عزروه ووقروه شهد لهم بالجنة وقبض وهو عنهم راض وأفضل هؤلاء العشرة الأبرار الخلفاء الراشدون المهديون الأربعة الأخيار وأفضل الاربعى أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم على عليهم الرضوان وأفضل القرون بعدهم القرن الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يتبعونهم وإن نتوالى أصحاب محمد عليه السلام بأسرهم ولا نبحث عن اختلافهم في أمرهم ونمسك عن الخوض في ذكرهم إلا بأحسن الذكر لهم وإن نتوالى أهل القبلة ممن ولي حرب المسلمين على (3/240)

241 ما كان منهم من علي وطلحة والزبير وعائشته ومعوية رضوان الله عليهم ولا تدخل فيما شجر بينهم اتبعا لقول رب العالمين ( ^ والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا باليمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا انك رءوف رحيم ) وذكر أبو علي بن شوكة قال اجتمعنا جماعة من نالفقهاء فدخلنا على القاضي أبي علي بن أبي موسى الهاشمي فذكرنا له فقرنا وشدة ضرنا فقال لنا اصبروا وفان الله سيرزقكم ويوسع عليكم وأحدثكم في مثل هذا ما تطيب به قلوبكم اذكر سنة من السنين وقد ضاق بي الأمر شيء عظيم حتى بعت رجلا دارى ونفذ جميعه ونقضت الطبقة الوسطى من داري وعبت أخشابها وتقوت بثمنها وقعدت في البيت لم أخرج وبقيت سنة فلما كان بعد سنة قالت لي المرأة الباب يدق فقلت افتحي له الباب ففعلت فدخل رجل فسلم على فلما رأى حالي لم يجلس حتى أنشدني وهو قائم ( ليس من شدة تصيبك إلا * سوف تمضي وسوف تكشف كشفا ) ( لا يضق ذرعك الرحيب فان النار يعلو لهيبها ثم نطفا * ) ( قد رأينا كان أشفى على الهلك فراته نجاته حين أشفى * ) ثم خرج عن ولم يقعد فتفاءلت بقوله فلم يخرج اليوم حتى جاءني رسول القادر بالله ومعه ثياب ودنانير وبغلة بمركب ثم قال لي أجب أمير المؤمنين وسلم إلى الدنانير والثياب والبغلة فغيرت من حالي ودخلت الحمام وصرت إلى القادر بالله فرد إلى قضاء الكوفة وأعمالها وأثر حالي أو كما قال مولده في ذي القعدة سنىة خمس وأربعين وثلثمائة ووفاته في ربيع الآخر ودفن بقبر أمامنا انتهى ما قاله ابن أبي يعلى مخلصا وفيها أبو علي العكبري الحسن بن شهاب بن الحسن بن علي بن شهاب الفقيه الثقة الأمين ولد بعكبرا في محرم سنة وخمس وثلاثين وثلثمائة وقيل سنة إحدى وثلاثين وسمع الحديث على كبر السن من ابن الصواف وطبقته ولازم أبا (3/241)

242 عبد الله بن بطة إلى حين وفاته وله اليد الطولي في الفقه والأدب والأقراء والحديث والشعر والفتيا وقال الخطيب سمعت البرقاني وذكر بحضرته ابن شهاب فقال ثقة أمين وقال ابن شهاب كسبت في الوراقة خمسة وعشرين ألف درهم راضية وكنت أشتري كاغدا بخمسة دراهم فكتب فيه ديوان المتنبي في ثلاث ليال وأبيعه بمائتي درهم وأقله بمائة وخمسين درهما وقال ابن شهاب أقام أخي أبو الخطاب معي في الدار عشرين سنة ما كلمته وأشار إلى أنه كان ينسب إلى الرفض وصنف أبو علي المصنفات في الفقه والفرائض والنحو وتوفي في رجب ودفن بعكبرا وقال الأزهري اخذ السلطان من تزكة ابن شهاب ما قدره ألف دينار سوى ما خلفه من الكروم والعقار وكان أوصى بثلث ماله لمتفقهة الحنابلة ولم يعطوا شيئا وقيل انه صلى سبعين سنة التراويح وفيها ابن باكويه الأمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله نب عبيد الله الشيرازي الصوفي أحد المشايخ الكبار وصاحب محمد بن خفيف رحل وعني بالحديث وكتب بفارس والبصرة وجرجان وخراسان وبخاري ودمشق والكوفة واصبهان فأكثر وحدث عن أبي أحمد بن عدي والقطيعي وطبقتهما قال أبو صالح المؤذن نظرت في أجزائه فلم أجد عليها آثار السماع وأحسن ما سمعت عيه الحكايات قاله في العبر وفيها مهيار بن مرزويه الديلمي أبو الحسنخ الكاتب الشاعر المشهور كان مجوسيا فأسلم على يد أستاذه في الأدب الشريف الرضى فقال له ابن برهان يا مهيار انتقلت من رواية إلى زواية في النار فإنك كنت مجوسيا ثم صرت سبابا لأصحاب رسول الله وكان شاعرا مجيدا مقدما على شعراء عصره وديوانه في ثلاث مجلدات ذكر ابن الأثر في تاريخه أن إسلامه كان سنة أربع وتسعين وثلثمائة قال وكان شاعرا جزل القول مقدما على أهل وقته وهو رقيق الحاشية طويل النفس في قصائده وذكره أبو بكر الخطيب (3/242)

243 في تاريخ بغداد وأثنى عليه وأثنى عليه الباخرزي في كتابة دمية القصر فقال في حقه هو شاعر له في مناسك الفضل مشاعر وكاتب تجلي تحت كل كلمتين من كلماته كاعب وما في قصيدة من قصائده بيت يتحكم عليه بلووليت فهي مصبوبة في قوالب القلوب وبمثلها يعتذر الزمان المذنب عن الذنوب وذكره أبو الحسن علي بن بسام في كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة وبالغ في الثناء عليه وذكر شيئا من شعره ومن غرر قصائده قصيدته التي مطلعها ( وبكر العارض تحدوه النعامي * وسقيت الري يا دار أماما ) ومن ذلك قصيدته المشهور التي أولها سقى دارها بالرقمتين وحياها وكذلك قوله من قصديته الطنانة السائرة ( بطرفك والمسحور يقسم بالسحر * أعدما رماني أم أصاب ولا يدري ) ( تعرض بي في القانصين مسددا * إشارة مدلول السهام على النحو ) ( رنا اللحظة الأولى فقلت مجرب * وكررها أخرى فأحسست بالشر ) ( فهل ظن ما قد حرم الله من دمي * مباحا له أم نام قومي عن الوتر ) وهي طويلة حسنة في بابها ومن نظمه الحسن قصيدته التي أولها وهو من مطلع البدور ( بكى النار سترا على الموقد * وغار مغالطة المنجد ) إلى غير ذلك من نظمه اللطيف سنة تسع وعشرين وأربعمائة فيها توفي أبو عمر الطملنكي بفتحات وسكون النون نسبة إلى طلمنكة مدينة بالأندلس أحمد بن محمد بن عبد الله بن عيسى المعافرى بالفتح وكسر الفاء وراء نسبة إلى المعافر بطن من قحطان الأندلسي المقرئ المحدث الحافظ (3/243)

244 عالم أهل قرطبة صاحب التصانيف وله تسعون سنة روى عن أبي عيسى الليثي وأحمد بن عون الله وحج فأخذ بمصر عن أبي بكر الأدفوي وأبي بكر المهندس وخلق كثير وكان خبيرا في علوم القرآن تفسيره وقراءاته واعرابه وأحكامه ومعانيه وكان من ثقة صاحب سنة واتباع ومعرفة بأصول الديانة قال ابن بشكوال كان سيفا مجردا على أهل الاهواء والبدع قامعا لهم غيورا على الشريعة شديدا في ذات الله تعالى وفيها أبو يعقوب القراب اسحق بن إبراهيم بن محمد السرخسي ثم الهروى الحافظ محدث هراة وله سبع وسبعون سنة روى عن زاهر بن أحمد السرخسي وخلق كثير وزاد عدد شيوخه على ألف ومائتي نفس وصنف تصانيف كثيرة وكان زاهدا صالحا مقلا من الدنيا وفيها يونس بن عبد الله بن محمد بن مغيث قاضي الجماعة بقرطبة أبو الوليد ويعرف بابن الصفار وله إحدى وتسعون سنة روى عن محمد بن معوية القرشي وأبي عيسى الليثي والكبار وتفقه على أبي بكر ذرب وولى القضاء مع الخطابة والوزارة ونال رياسة الدين والدنيا وكان فقيها الحا عدلا حجة علامة في اللغة والعربية والشعر فصيحا مفوها كثيرا المحاسن له مصنفات في الزهد وغيره توفي في رجب قاله في العبر سنة ثلاثين وأربعمائة فيها قويت شوكة الغز وتملك بنو سلجوق خراسان وأخذوا البلاد من السلطان مسعود وفيها لقب أبو منصور بن السلطان جلال الدولة بالملك العزيز وهو أول من لقب بهذا النوع من ألقاب ملوك زماننا في العبر (3/244)

245 وفيها توفي أبو نعيم الأصبهاني أحمد نب عبد الله بن أحمد الحافظ الصوفي الأحول الشافعي سبط الواهد محمد بن يوسف البنا بأصبهان في المحرم وله أربع وتسعون سنة اعتنى به أبوه وسمعه في سنة أربع وأربعين وثلثمائة وبعدها وتفرد في الدنيا يعلو الإسناد مع الحفظ والاستجار من الحديث وفنونه روى عن ابن فارس والعسال وأحمد بن معبد السمسار وأبي علي بن الصواف وأبي بكر بن خلاد وطبقتهم بالعراق والحجاز وخراسان وصنف التصانيف الكبار المشهورة في الأقطار منها كتاب حلية الأولياء قال ابن ناصر الدين ولما صنف كتاب حلية الأولياء حملوه إلى نيسابور فبيع بأربعمائة دينار ولا يلتفت إلى قول من تكلم فيه لأنه صدوق عمدة كما لا يسمع قول أبي نعيم في ابن مندة وكلام كل منهما في الآخرة غير مقبول انتهى وقال ابن النجار هو تاج المحدثين وأحد أعلام الدين وفيها أبو بكر الاصبهاني أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن الحرث التميمي المقرئ النحوي سكن نيسابور وتصدر للحديث ولاقراء العربية وروى عن أبي الشيخ وجماعة وروى السنن عن الدار قطني وتوفي في ربيع الأول وله إحدى وثمانون سنة وفيها أبو عبد الرحمن الجيزي إسماعيل بن أحمد النيسابوري الضرير المفسر روى عن زاهر السرخسي وطبقته وصنف التصانيف في القراءات والتفسير والوعظ والحديث وكان أحد والأئمة قال الخطيب قدم علينا حاجا ونعم الشيخ كان علما وأمانة وصدقا وخلقا ولد سنة إحدى وستين وثلثمائة وكان معه صحيح البخاري فقرأت جميعه عليه في ثلاثة مجالس وقال عبد الغافر كان من العلماء العاملين نفاعا للخلق مباركا وفيها أبو زيد الدبوسي بفتح الدال المهلمة وضم الموحدة لمخلففة ومهملة (3/245)

0 إلى دبوسية بلد بين بخارا وسمر قند عبد الله بن عمر بن عيسى الحنفي القاضي العلامة كان أحد من يضرب به المثل في النظر واستخراج الحجج وهو أول من أبرز علم الخلاف إلى الوجود وكان شيخ تلك الديار توفي ببخاري وفيها أبو القسم بن بشران عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن بشران بن محمد الأموي مولاهم البغدادي الواعظ المحدث مسند وقته ببغداد في ربيع الآخر وله إحدى وتسعون سنة سمع النجاد وأبا سهل القطان وحمزة الدهقان وطبقتهم قال الخطيب وكان ثقة ثبتا وكان الجمع في جنازته يتجاوز الحد ويفوت الاحصاء رحمه الله تعالى وفيها أبو منصور الثعالي عبد الملك بن محمد بن اسمعيل النيسابوري الأديب الشاعر صاحب التصانيف الاديبة السائرة في الدنيا عاش ثمانين سنة قال ابن بسام صاخ\حب الذخيرة كان في وقته راعي بليغات العلم وجامع أشتات النثر والنظم رأس المؤلفين في زمانه وأما المصنفين بحكم أقرانه سار ذكره سير المثل وضربت إليه آباط الإبل وطلعت دواوينه في المشارق والمغارب طلوع النجم في الغياهب وتآليفه أشهر مواضع وأبهر مطالع وأكثر روا لها وجامع من أن يستوفيها حد أو وصف أو يوفيها حقوقها نظم أو رصف وذكر له طرفا من النثر وأورد شيئا من نظمه فمن ذلك ما كتبه إلى الأمير أبي الفضل الميكالي ( لك في المفاخر معجزات جمة * أبدا لغيرك في الورى لم تجمع ) ( بحران بحر في البلاغة شانه * شعر الوليد وحسن لفظ الأصمعي ) ( كالنور أو كالسحر أو كالبدر أو * كالوشي في برد عليه موشع ) ( شكرا فكم من فقرة لك كالغني * وافي الكريم بعيد فقر مدقع ) ( وإذا تبين نور شعرك ناضرا * فالحسن بين مرصع ومرصع ) ( ارجلت فرسان الكلام ورضت أفراس البديع وأنت أمجد مبدع * ) (3/246)

247 ( ونقشت في فص الزمان بدائعا * تزرى بآثار الربيع الممرع ) وله من التآليف يتيمة الدهر في محاسن اله العصر وهو أكبر كتبه وأحسنها وأجمعها وفيها يقول ابن قلاقس ( أبيات أشعار اليتيمة * أبكار أفكار قديمه ) ( ماتوا وعاشت بعدهم * فلاك سميت اليتيمه ) وله أيضا كتاب الفقه اللغة وسحر البلاغة وسر البراعة وفي كتبه دلالة على كثرة اطلاعه وله أشعار كثيرة وكانت ولادته سنة خمسين وثلثمائة وتوفي في هذه السنة أو التي قبلها ونسبته إلى خياطة جلود وعملها قيل له ذلك لانه كان فراء وفيها الحوفي أبو الحسن علي بن إبراهيم بن سعيد صاحب اعراب القرآن في عشر مجلدات كان أماما في العربية والنحو والأدب وله تصانيف كثيرة قال في العبر هو تلميذ الأدفوى انتفع به أهل مصر وتخرجوا يه في النحو انتهى وقال السيوطي في حسن المحاضرة هو من قرية يقال لها شبرا من أعمال الشرقية انتهى وقال أيضا في لباب الأنساب والحوفي بالفاء نسبة إلى حوف وكنت أظن أنها قرية بمصر حتى رأيت في تاريخ البخاري أنها من عمان قلت بل هي ناحية بمصر كبيرة معروفة قرى كثيرة وحزم به ياقوت رحمه الله تعالى وغيره انتهى وفيها أبو عمران الفاسي موسى بن عيسى بن أبي حاج البربري الغفجومي نسبة إلى غفجوم بطن من زنانة قبيلة من البربر بالمغرب شيخ المالكية بالقيروان وتلميذ أبي الحسن القابسي دخل الأندلس وأخذ عن عبد الوارث (3/247)

248 ابن سفيان وطائفة وحج مرات وأخذ علم الكلام ببغداد عن ابن البلاقاني قرأ على الحمامي وكان أمام في القراءات بصيرا بالحديث رأسا في الفقه تخرج به خلق في المذهب ومات في شهر رمضان وله اثنتان وستون سنة سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة فيها توفي أبو الحسن بشرى بن عبد الله الرومي القاضي ببغداد يوم الفطر وكان صالحا صدوقا روى عن أبي بكر بن الهيثم الانباري وخلق وفيها ابن دوما أبو علي الحسن بن الحسين النعالي ببغداد ضعيف ألحق نفسه في طباق روى عن أبي بكر الشافعي وطائفة وفيها أبو العلاء الاستوائب صاعد بن محمد بن أحمد النيسابوري الحنفي قاضي نيسابور ورئيس الحنفية وعالمهم توفي في آخر السنة روى عن اسمعيل بن نجيد وجماعة وعاش سبعا وثمانين سنة وفيها ابن الطبيز أبو القسم عبد الرحمن بن عبد العزيز الحلبي السراج الرامي نزيل دمشق وله مائة سنة روى عن محمد بن عيسى العلاف وابن الجعابي وجماعة تفرد في الدنيا عنهم وهو ثقة توفي في جمادي الأولى وفيه تشيع آخر من روى عنه الفقيه نصر المقدشي وفيها أبو عمرو القسطاني بالضم إلى قسطانة قرية بين الري وساوة عثمان بن أحمد القرطبي إشبيلية سمعه أبوه الموطأ من أبي عيسى الليثي وسمع من أبي بكر بن السليم وابن القوطى وجماعة وكان خيرا ثقة توفي في صفر وله ثمانون سنة وفيها أبو بكر وأبو حامد بن علي كان من الحفاظ الإيقاظ والمحدثين قال ابن ناصر الدين (3/248)

249 وفيها أبو العلاء الواسطي محمد بن علي بن أحمد بن يعقوب القاضي المقرئ المحدث قرأ بالروايات على جماعة كثيرة جرد العناية لها وأخذ بالدينور عن الحسين بن محمد بن حبش روى عن القطيعي ونحوه حكى عنه الخطيب أشياء نوجب ضع المسدد بن علي أبو المعمر الاملوكي بضم أوله واللام نسبة إلى املوك بطن زمن ردمان قبيلة من رعين كان خطيب حمص سمع الميانجي وجماعة ثم سكن دمشق وأم بمسجد سوق الأحد قال الكتاني فيه تساهل وفيها المفضل بن اسمعيل بن أبي بكر أحمد بن إبراهيم الإسمعيلي الرجاني المعمر الشافعي مفتى جرجان ورئيسها ومسندها كان من أذكياء زمانه روى عن جده وطائفة كثيرة وتوفي في ذي الحج سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة فيها توفي المستغفري الحافظ أبو العباس جعفر بن محمد بن المعتز بن المستغفر ابن الفتح النسفي صاحب التصانيف الكثيرة روى عن زاهر السرخسي وطبقته عاش ثمانين سنة وكان محدث ما وراء النهر في زمانه قال ابن ناصر الدين كله (3/249)

250 حافظا مصنفا ثقة مبرزا على أقرانه لكنه يروي الموضوعات من غير تبين وفيها أبو القسم الطحان عبد الباقي بن محمد البغدادي الثقة عاش ثمانيا وثمانين سنة وروي عن ابن الصواف وغيره وفيها أبو حسان المزكي محمد بن أحمد بن جعفر شيخ التزكية والحشمة بنيسابور وكان فقيها ثقة صالحا خيرا حدث عن محمد بن اسحق الضبعي وابن نجيد وطبقتهما وفيها أبو طاهر الغباري محمد بن أحمد بن محمدا الحنبلي له النبل والفضل صحب جماعة منهم أبو الحسن الجزري وكانت له حلقتان أحداهما بجامع المنصور والاخرى بجامع الخليفة وتوفي في ذي القعدة وله ثمانون سنة وفيها محمد بن عمر نب نكير النجار أبو بكر البغدادي المقرئ عن ست وثمانين سنة روى عن أبي بحر البر بهاري وابن خلاد النصيبني وطائفة سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة فيها توفي أبو نصر الكسار القاضي أحمد بن الحسين الدينوري سمع سنة النسائي من ابن السني وحدث به في شوال من السنة وفيها أبو الحسين بن فاذشاة الرئيس أحمد بن محمد بن الحسين الاصبهاني الثاني الرئيس راوي المعجم الكبير عن الطبراني توفي في صفر وقد رمى بالتشيع والاعتزال وفيها أبو عثمان القرشي سعيد بن العباس الهروي المزكي الرئيس في المحرم وله أربع وثمانون سنة روى عن أبي حامد الرفا وأبي الفضل بن حميرويه وطائفة وتفرد بالرواية عن جماعة وفيها أبو سعيد النصروي عبد الرحمن بن حمدان النيسابوري مسند وقته (3/250)

251 وراوى مسند اسحق راهوايه عن السمذي روى عن ابن نجيد وأبي بكر القطيعي وهذه الطبقة توفي في صفر وهو منسوب إلى جده نصر ويه وفيها أبو القسم الزيدي الحراني على بن محمد بن علي العلوي الحسيني الحنبلي المقرئ فو شوال بحران وهو آخر من روى عن النقاش القراءات والتفسير وهو ضعيف قال عبد العزيز الكتاني وقد سئل عن شيء ما يكفي علي بن محمد الزيدي أن يكذب حتى يكذب عليه قال في العبر وكان صالحا رابانيا انتهى وفيها مات الفقيه المشهور سالم بن عبد الله الهروي المعروف بغويلة تصغير غول وهو معدود في طبقة الشيخ أبي محمد وهو الذي قيل أنه ما عبر جسر بغداد مثله قاله ابن الأهدل وفيها عالم همذان عبد الله بن عبدان حكى عنه شيرويه في كتابه المنامات انه قال رأيت الحق في النوم فقال ما يدل على أنه يخاف على الإعجاب قاله ابن الأهدل أيضا فانظر إلى هذا واضعافه مما وقع لكبراء الأمة كالإمام الأعظم والإمام أحمد والإمام القيشري وصاحب هذه الترجمة وأضعافهم من أخبارهم برؤيته تعالى في المنام وقول المتكلمين بجوازها حتى قال اللقاني في شرح الجوهري وأما رؤيته تعالى مناما فجائزة اتفاقا وهي حق فان الشيطان لا يتمثل به تعالى كما لا يتمثل بالأنبياء والى قول بعض الحنفية رضي الله تعالى عنهم ويكفر من قال رأيت الله في المنام انتهى ولكن لا ينبغي إطلاق اللسان بالتفكير في مثل هذا قال التمر تاشي في شرح تنوير الأبصار في أول باب المرتد ما لفظه وفي فتح القدير ومن هزل بلفظ كفر ارتد وان لم يعتقد للاستخفاف فهو ككفر العناد والألفاظ التي يكفر بها تعرف في الفتاوي انتهى مع أنه لا يفتي بشيء منها بالكفر إلا فيما اتفق المشايخ عليه لا تفاق كلمتهم في الفتاوي وغيرها أنه لا يفتي بتفكير (3/251)

252 مسلم أمكن حمل كلامه على محمل حسن أو كان في كفره اختلاف ولو رواية ضعيفة قال شيخنا وهو الذي تحرر من كلامهم ثم قال فعلى هذا فأكثر ألفاظ التفكير المذكور لا يفتي بالتفكير بها وقد ألزمت نفسي أن لا أفتي بشيء منها انتهى كلام التمر تاشي بحروفه وفيها أبو الحسن بن السمسار علي بن موسى الدمشقي حدث عن أبيه وأخويه محمد وأحمد وعلي بن أبي العقب وأبي عبد الله بن مروان والكبار وروى عن البخاري عن أبي زيد المروزي وانتهى إليه علو الإسناد بالشام قال الكتاني كان فيه تساهل ويذهب إلى التشيع توفي في صفر وقد كمل التسعين وفيها أبو القسم المعتمد بن عباد القاضي محمد بن إسمعيل بن عباد بن قريش اللخمي الإشبيلي الذي ملكه أهل اشبيلية عليهم عند ما قصدهم الظالم يحيى بن علي الادريسي اللملقب بالمستعلي وكانت لصاحب قرطبة واشبيلية وما والاهما من جزيرة الأندلس وفيه وفي أبيه المعتضد يقول بعض الشعراء ( من بني المنذر وهو انتساب * زاد في فخره بنو عباد ) ( فتيهلم تلد سواها المعاليظ * والمعالي قليلة الأولاد ) وكان من بلاد الشرق من أهل العري المدينة الفاصلة بين الشام ومصر في أول الرمل من جهة الشام فتوجه به أبوه إلى المغرب فاستو طناقرية تومين من إقليم طشاتة من ارض اشبيلية ومحمد هذا أول من نبغ في تلك البلاد وتقدم بإشبيلية إلى أن ولى القضاء بها فأحسن السياسة مع الرعية وتلطف بهم فومقته القلوب وكان يحيى المستعلي صاحب قرطبة مذموم السيرة فتوجه إلى إشبيلية محاصرا لها فلما نزل عليها اجتمع رؤساء إشبيلية وأعيانها وأتو القاضي محمد (3/252)

253 المذكور وقالوا له ترى ما حل بنا من هذا الظالم وما أفسد من أموال الناس فقم بنا نخرج إليه ونملكك ونجعل الأمر لك ففعل ووثبوا علي يحيى فركب إليهم وهو سكران فقتل وتم الأمر لمحمد ثم ملك وبعد ذلك قرطبة وغيرها قبل له بعد تملكه واستيلائه على البلاد أن هشام بن الحكم في مسجد بقلعة رباح فأرسل إليه من أحضره وفوض الأمر إليه وجعل نفسه بين يديه وفي هذه الواقعة يقول الحافظ أبو محمد بن حزم الظاهري في كتابه نقط العروس أعجوبة لم يقع في الدهر مثلها فإنه ظهر رجل يقال له خلف الحضري بعد نيف وعشرين سنة موت هشام بن الحكم المنعوت بالمؤيد وادعي انه هشام فبويع وخطب له على جميع منابر الأندلس في أوقات شتى وسفك الدماء وتصادمت الجيوش في أمره وأقام المدعي أنه هشام نيفا وعشرين سنة والقاضي محمد بن إسمعيل في رتبة الوزير بين يديه والأمر إليه ولم يزل كذلك إلى أن توفي المدعو هشام فاستبد القاضي محمد بالأمر بعده وكان من أهل العلم والأدب والمعرفة التامة بتدبير الدول ولم يزل ملكا مستقلا إلى أن توفي يوم الأحد تاسع عشرى جمادي الأولى ودفن بقصر إشبيلية وقيل أنه عاش إلى قريب خمسين وأربعمائة واختلف أيضا في مبدأ استيلائه فقيل سنة أربع عشرة وهو الذي ذكره العماد الكاتب في الخريدة وقيل سنة أربع وعشرين ولما مات محمد القاضي قام مقامه ولده المعتضد بالله عباد انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا وفيها السلطان مسعود بن السلطان مسعود بن السلطان محمود بن سبكتكين تملك بعد أبيه خراسان والهند وغزته وجرت له وخطوب مع نبي سجلوق وظهروا على ممالكه وضعف أمره فقتله امراؤه سنة أربع وثرثين وأربعمائة فيها كانت الزلزلة العظمي بتبريز فهدمت أسوارها وأحصى من هلك تحت (3/253)

254 الردم فكانوا أكثر من أربعين ألفا وفيها توفي أبو ذر الهروي عبد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن غفير الأنصاري الحافظ الثقة الفقيه المالكي نزيل مكة روى عن أبي الفضل بن حميرويه وأبي عمر بن حيويه وطبقتهما وروى الصحيح ثلاثة من أصحاب الفر برى وجمع لنفسه معجما وعاش ثمانيا وسبعين سنة وكان ثقة متقنا دينا عابدا ورعا بصيرا بالفقه والأصول أخذ علم الكلام عن ابن البلاقاني وصنف مستخرجا على الصحيحين وكان شيخ الحرم في عصره ثم أنه تزوج بالسروات وبقي يحج كل عام ويرجع وفيها أبو محمد الهمذني عبد الله بن غالب بن تمام المالكي مفتي أهل سبتة وزادهم وعالمهم دخل الأندلس وأخذ عن أبي بكر الزبيدي وأبي محمد الاصيلي ورحل إلى القيروان فروى عن أبي محمد بن أبي زيد بمصر عن أبي بكر المهندس وكان علامة متيقظا ذكيا في العلوم فصيحا مفوها قليل النظير توفي في صفر عن سن عالية سنة خمس وثلاثين وأربعمائة فيها استولى طغر لبك السلجوقي على الري وخسر بها عس كره بالقتل والنهب حتى لم يبق بها إلا نحو ثلاثة آلاف نفس وجاءت رسل طغر لبك إلى بغداد فأرسل القاضي الماوردي إليه بذم مما صنع في البلاد ويأمره بالإحسان إلى الرعية فتلقاه طغر لبك واحترمه إجلاله لرسالة الخليفة واتفق موت جلال الدولة السلطان ببغداد بالخوانيق وكان ابنه الملك العزيز بواسط وكان جلال الدولة ملكا جليلا سليم الباطن ضعيف السلطنة مصرا على اللهو والشرب ومهملا لأمر الرعية عاش اثنتين وخمسين سنة وكانت دولته سبع عشرة سنة وخلف عشرين ولدا بنين وبنات ودفن بدار (3/254)

255 السلطنة ببغداد ثم نقل وفيها توفي أبو الحزم جهور بن محمد بن جهور أمير قرطبة ورئيسها وصاحبها ساس البلد أحسن سياسة وكان من رجال الدهر حزما وعزما ودعاء ورأيا ولم يتسم بالملك وقال أنا أدبر الناس إلى أن يقوم لهم من يصلح فجعل ارتفاع الأموال بأيدي الاكابر وديعة وصير العوام جنداً وأعطاهم أموال مضاربة وقرر عليهم السلاح والعدة وكان يشهد الجنائز ويعوج المرضي وهو بزي الصالحين لم يتحول من داره السلطنة وتوفي في المحرن عن إحدى وسبعين سنة وولى بعده ابنه أبو الوليد وفيها أبو القسم الازهري عبيد الله بن أحمد بن عثمان بن الغبدادي الصيرفي الحافظ كتب الكثير وعنى بالحديث وروى عن القطيعي وطبقته توفي في صفر عن ثمانين سنة وفيها جلال الدولة سلطان بغداد أبو طاهر فيروز جرد بن بهاء الدولة أبي نصر بن الملك عضد الدولة أبي شجاع بن ركن الدولة بن بويه الديلمي وولى بعده ابنه الملك العزيز أبو منصور فضعف وخاف وكاتب للاثنين معا وفيها أبو بكر الميماسي محمد بن جعفر بن علي الذي روى الموطأ عن يحيى بن بكير عن ابن وصيف توفي في شوال وهو من كبار شيوخ نصر المقدسي وفيها أبو الحسين محمد بن عبد الواحد بن رزمة البغدادي البزار روى عن أبي بكر بن خلاد وجماعة قال الخطيب صدوق كثير السماع مات في جمادي الأولى وفيها أبو القسم المهلب أحمد بن أبي صفرة الاندلسي الأسدي قاضي المرية اخذ عن أبي محمد الأصيلي وأبي الحسن القابسي وطائفة وكان من أهل الذكاء المفرط والاعتناء التام بالعلوم وقد شرح صحيح البخاري وتوفي في شوال في سن الشيخوخة.

436 هـ

سنة ست وثلاثين وأربعمائة فيها دخل السلطان أبو كاليجار بغداد وضربت له الطبول في أوقات الصلوات الخمس ولم تضرب لأحد قبله إلا ثلاث مرات وفيها توفي في تمام بن غالب أبو غالب بن التيان القرطبي لغوي الأندلس بمرسية له مصنف بديع في اللغة وكان علامة ثقة في نقله ولقد أرسل إليه صاحب مرسية الأمير أبو الجيش مجاهد ألف دينار على أن يزيد في خطبة هذا الكتاب انه ألفه لأجله فامتنع تورعا وقال ما صنفته إلا مطلقا وفيها أبو عبد الله الصيمري بفتح الصاد المهملة والميم وسكون الياء وراء آخره نسبه إلى صيمر نهر بالبصرة عليه عدة قرى الحسين بن علي الفقيه أحد الأئمة الحنفية ببغداد روى عن أبي الفضل الزهري وطبقته وولى قضاء ربع الكرخ وكان ثقة صاحب حديث مات في شوال وله خمس وثمانون سنة وفيها أبو الشريف المرتضى نقيب الطالبين وشيخ الشيعة ورئيسهم بالعراق أبو طالب علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن زيد العابدين بن الحسين ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنه الحسيني الموسوى وله إحدى وثمانون سنة وكان إماما في التشيع والكلام والشعر والبلاغة كثير التصانيف متجرا في فنون العلم أخذ عن الشيخ المفيد وروى الحديث عن سهل الديباجي الكذاب وولى النقابة بعده ابن أخيه عدنان بن الشريف الرضي قال ابن خلكان كان إماما في علم الكلام والشعر والأدب وله تصانيف على مذهب الشيعة ومقالة في أصول الدين وله ديوان شعر إذا وصف الطيف أجاد فيه وقد أستعمله (3/256)

257 في كثير من المواضع وقد اختلف في كتاب نهج البلاغة المجموع من كلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه هل هو جمعه أم جمع أخيه الرضى وقد قيل انه ليس من كلام علي وإنما الذي جمعه ونسبه إليه هو الذي وضعه والله أعلم وله الكتاب الذي سماه الدرر والغرر وهو في مجالس أملاها تشتمل على فنون في معاني الأدب تكلم فيها على النحو واللغة وغير ذلك وهو كتاب ممتع يدل على فضل كثير وتوسع في الاطلاع على العلوم وذكره ابن بسام في آخر كتاب الذخيرة فقال كان الشريف أما ائمة العراق على الاختلاف والاتفاق إليه فزع علماؤها وعنه أخذ عظامؤها صاحب مدارسها وحمى سالكها وآنسها ممن سارت أخباره وعرفت به أشعاره وحمدت في ذات الله مآثره وآثاره إلى تواليفه في الدين وتصانيفه في أحكام المسلمين مما يشهد له أنه فرع تلك الأصول ومن ذاك البيت الجليل وأورد له عدة مقاطيع فمن ذلك قوله ( ضن عني بالنزر إذانا يقظا * ن وأعطى كثيره في المنام ) ( والتقينا كما اشتهينا ولا عيب سوى أن ذاك في الأحلام * ) ( وإذا كانت الملاقاة ليلا * فالليالي خير من الأيام ) ومن ذلك أيضا ( يا خليلي من ذؤابة قيس * في التصابي رياضة الأخلاق ) ( عللاني بذكركم تطرباني * واسقياني دمعي بكأس دهاق 9 ( وخذا النوم عن جفوني فإني * قد خلعت الكرى على العشاق ) فما وصلت هذه الأبيات إلى البصري الشاعر قال المرتضي خلع ما لا يملك على من لا يقبل ومن شعره أيضا ولما تفرقنا كما شاءت النوى * تبين ود خالص وتودد ) ( كأني وقد سار الخليط عشية * اخوجنة مما أقوم وأقعد ) وله (3/257)

258 ( قل لمن خده من اللحظ دام * رق لي من جوانح فيك تدمى ) ( يا سقيم الجفون من غير سقم * لا تلمني أن مت فيهن سقما ) ( خاطرت في هواك بقلب ركب البحر فيك إما وإما ) وحكى الخطيب أبو زكريا يحيى بن علي التبريزي اللغوي أن أبا الحسن علي ابن احمد بن سلك الفالي بالفاء نسبة إلى فالة الجودة فدعته الحاجة إلى بيعها فباعها واشتراها الشريف المرتضى بستين وتصفحها فوجد فيها أبياتا بخط الفالي وهي ( انست بها عشرين حولا وتبعها * لقد طال وجدي بعدها وحنيني ) ( وما كان ظني إنني سأبيعها * ولو خلدتني في السجون ديوني ) ( ولكن لضعف وافتقار وصبية * صغار عليهم تستهل عيوني ) ( فقلت ولم أملك سوابق عبرة * مقالة مكوى الفؤاد حزين ) ( وقد تخرج الحاجات يا أم مالك * كرائم من مولى بهن صننين ) فيقال أنه بعث إليه وملح المرتضي وفضائله كثيرة وكانت ولادته في سنة خمس وخمسين وثلثمائة وتوفي يوم الأحد خامس عشرى شهر ربيع الأول ببغداد ودفن في داره عشية ذلك النهار رحمه الله تعالى انتهى ملخصا وفيها أبو عبد الرحمن النيلي محمد بن عبد العزيز بن عبد الله شيخ الشافعية بخراسان وله ثمانون سنة روى عن أبي عمرو بن حمدان وجماعة قال الاسنوي كان إماما في المذهب أدبيا شاعرا صالحا زاهدا ورعا سمع وحدث وأملى وطال عمره ولد سنة سبع وخمسين وثلثمائة وله ديوان شعر ومنه ( ما حال من أسر الهوى ألبابه * ما حال من كسر التصابي نابه ) ( نادى الهوى أسماعه فأجابه * حتى إذا ما جاز أغلق بابه ) ( أهوى لتمزيق الفؤاد فلم يجد * في صدره قلبا فشق ثيابه ) (3/258)

259 انتهى ملخصا وفيها أبو الحسين البصري محمد بن علي بن الطيب شيخ المعتزلة وصاحب التصانيف الكلامية وكان من أذكياء زمانه توفي ببغداد في ربيع الآخر وكان يقرئ الاعتزال ببغداد وله حلقة كبيرة قاله في العبر وقال ابن خلكان كان جيد الكلام مليح العبارة غزير المادة إمام وقته وله التصانيف الفائقة في الأصول منها المعتمد وهو كتاب كبير ومنه اخذ فخر الدين وانتفع الناس بكتبه وسكن بغداد وتوفي بها يوم الثلاثاء خامس ربيع الآخر ودفن بمقبرة الشونيز وصلى عليه القاضي أبو عبد الله الصميري انتهى ملخصا سنة وسبع وثلاثين أربعمائة فيها وقيل في التي قبلها وه حزم ابن ناصر الدين أبو حامد أحمد بن محمد بن أحيد بن عبد الله بن ماما الاصبهاني كان حافظا بصيرا بالآثار وله ذيل على تاريخ بخارا الغنجار وفيها أبو نصر المنازى أحمد بن يوسف السيلكي الكاتب كان من أعيان الفضلاء وأماثل الشعراء وزر لأبي نصر وأحمد بن مروان الكردي صاحب مي فارقين وديار بكر أرسله إلى القسطنطينية مرارا وجمع كتبا كثيرة ثم وقفها على جامع ميا فراقين وجامع آمد وهي موجودة بخزائن الجامعين ومعروفة بكتب المنازي وكان قد اجتمع بأبي العلاء المعزي بمعرة النعمان فشكا أبو العلاء إليه حاله وأنه منقطع عن الناس وهم يؤذونه فقال ما لهم ولك وقد تركت لهم الدنيا والآخرة فقال أبو العلاء والآخرة أيضا والآخرة أيضا وجعل يكررها ويتألم لذلك وأطرق فلم يكلمه إلى أن قام وكان قد اجتاز في بعض أسفاره بوادي بزاعا فأعجبه حسنه وما هو عليه فعمل فيه هذه الأبيات (3/259)

260 وقانا لفحة الرمضاء واد * وقاه مضاعف الغيث العميم ) ( نزلنا دوحه فحنا علينا * حنو المرضعات على الفطيم ) ( يصد الشمس أني واجهتنا * فيحجبها ويأذن للنسيم ) ( يروع حصاه حالية العذارى * فتلمس جانب العقد النظيم ) ذكر أنه عرض هذا القصيد في جماعة من الشعراء على أبي العلاء المعري فقال له أنت أشعر من بالشام ثم بعد خمس عشرة سنة عرض عليه مع جماعة من الشعراء قوله ( لقد عرض الحمام لنا بسجع * إذا أصغى له ركب تلاحى ) ( شجى قلب الخلى فقيل غنى * وبرج بالشجى فقيل ناحا ) ( وكم للشوق في أحشاء صب * إذا اندملت اجدها جراحا ) ( ضعيف الصبر عنك وإن تقاوي * وسكران الفؤاد وإن تصاحا ) ( كذلك بنو الهدى سكرى صحاة * كاحداق المها مرضى صحاحا ) ( فقال أبو العلاء من بالعراق عطفا على قوله السابق أنت أشعر من بالشام ومن شعره أيضا ( ولي غلام طال في دقة * كخط اقليدس لا عرض له ) ( وقد تناهى عقله خفة * فصار كالنقطة لا جزء له ) والمنازي بفتح الميم والنون نسبة إلى مناز جرد بزيادة مكسورة وهي مدينة عند خرت برت وهي غير مناز كرد القلعة التي من أعمال خلاط وفيها أبو محمد القيسي مكي بن أبي طالب حموش بن حمد بن مختار القيسي المقرئ أصله من القيروان وانتقل إلى الأندلس وسكن قرطبة وهو من أهل التبحر في العلوم خصوصا القران كثير التصنيف والتصانيف عاش اثنتين وثمانين سنة ورحل غير مرة وحج وجاور وتوسع في الرواية وبعد صيته وقصده النالس من النواحي لعلمه ودينه وولى خطابة قرطبة لأبي الزم جهور وكان ( مشهورا بالصلاح واجابة الدعوة حسن الفهم والخلق جيد الدين والعقل وحج أربع حجج متوالية ثم رجع من مكة إلى مصر ثم القيروان ثم ارتحل إلى الأندلس ثم صنف التصانيف الكثيرة منها الهداية إلى بلوغ النهاية في معاني القرآن الكريم وتفسيره وأنواع علومه وهو سبعون جزءا وكتاب التبصرة في القراءات في خمسة أجزاء وهو من أشهر تآليفه وكتاب المأثور عن مالك في أحكام (3/260)

القرآن وتفسيره عشرة أجزاء وكتاب مشكل المعاني والتفسير خمسة عشر جزءا ومصنفاته تفوت العد كثيرة ومن نظمه قوله من قصدة ( عليك باقلال الزيارة إنها * إذا كثرت كانت إلى الهجر مسلكا ) ( ألم ترأن الغيث يسأم دائما * ويطلب بالأيدي إذا هو أمسكا ) سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة فيها توفي أبو علي البغدادي الحسن بن محمد بن إبراهيم المالكي مصنف المروضة في القراءات العشر وفيها أبو محمد الجويني نسبة إلى جوين ناحية كبيرة من نواحي نيسابور تشتمل على قرى كثيرة عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيوية بمثناتين تحت أولادهما مضمومة مشددة والثانية مفتوحة شيخ الشافعية ووالد أما الحرمين قال ابن شبهة في طبقاته كان يلقب ركن الإسلام اصله من قبيلة من العرب قرأ الدب بناحية جوين على والده والفقه على أبي يعقوب الابيوردى ثم خرج إلى نيسابور فلازم أبا الطيب الصعلوكي ثم رحل إلى مرو لقصده القفال فلازمه حتى برع عليه خلافا ومذهبا وعاد إلى نيسابور سنة سبع وأربعمائة وقعد للتدريس والفتوى وكان إمما في التفسير والفقه والأدب مجتهدا في العبادة ورعا مهيبا صاحب جد ووقار قال شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني لو كان (3/261)

262 الشيخ أبو محمد في بني إسرائيل لنقلت إلينا أوصافه وافتخروا به وقال أبو سعيد عبد الواحد بن أبي القسم القيشري صاحب الرسالة أن المحققين من أصحابنا يعتقدون فيه من الكمال انه لو جاز أن يبعث الله تعالى نبيا في عصره لما كان إلا هو توفي بنسيابور في ذي القعدة قال الحافظ أبو صالح المؤذن غسلته فلما لفقته في الاكفان رأيت يده اليمنى إلى الابط منيرة كلون القمر فتحيرت وقلت هذه بركة فتاويه وصنف تفسيرا كبيرا يشتمل على عشرة أنواع من العلوم في كل آية وله تعليقه في الفقه متوسط والفروق مجلد ضخم والسلسلة مجلد وكتاب المختصر وهو مختصر المزني وكتاب التبصرة مجلد لطيف غالبه في العبادات وغير ذلك انتهى كلام ابن شبهة وقال الأسنوي وكان له أخ فاضل يقال له أبو الحسن على رحل وسمع الكثير وعقد له مجلس الإملاء بخراسان وكان يعرف بشيخ الحجاز غلب عليه التصوف وصنف فيه كتابا حسنا سماه كتاب السلوة مات في ذي القعدة سنة ثلاث وستين وأربعمائة انتهى سنة تسع وثلاثين وأربعمائة فيها توفي أبو محمد الخلال الحسن بن حمد بن الحسن الغبدادي الحافظ في جمادي الأولى وله سبع وثمانون سنة روى عن القطيعي وأبي سعيد الحرقي وطبقتهما قال الخطيب كان ثقة له معرفة خرج المسند على الصحيحين وجمع أبوابا وتراجم كثيرة قال في العبر آخر من روى عنه أبو سعيد أحمد بن الطيوري وفيها على بن منير بن أحمد الخلال أبو الحسن المصري الشاهد ذي القعدة روى عن الذهلي وأبي احمد بن الناصح وفيها النذير الواعظ أبو عبد الله محمد بن أحمد الشيرازي روى عن اسمعيل ابن حاجب الكشاني وجماعة ووعظ ببغداد فازدحموا عليه وشغفوا به و رزق (3/262)

263 قبولا لم يرزقه أحد وصار يظهر الوهد ثم انه تنعم قبل الصلات فأقبلت الدنيا عليه وكثر مريدوه ثم انه على الجهاد فسارع إليه الخلق من الاقطار واستجمع له جيش من الطوعة فعسكر بظاهر بغداد وضرب له الطبل وسار ثهم إلى الموصل واستفحل أمره فصار إلى اذريبجان وضاهي أمير بن البغدادي أنفذه والده أبو طاهر إلى أبي يعلي فدرس عليه وانجب وأفتى وناظر وجلس بعد موت أبيه في حلقته سنة أربعين وأربعمائة فيها مات السلطان أبو كاليجار واسمه مرزبان بن سلطان الدولة بن بهاء الدولة اليدلمي البويهي نسبة إلى بويه مات بطريق كزمان وقصدوه في يوم ثلاث مرات وكان معه نحو أربعة آلاف من الترك والديلم فنهبت خزائنه وخزيمه وجواريه وطلبوا شيراز فلسطنوا ابنه الملك الرحيم أبا نصر وكانت مدة أبي كاليجار أربع سنين وكان مولده بالبصرة سنة تسع وتسعين وثلثمائة سامحه الله (3/263)

264 وفيها أقام المعز بن باديس الدعوة بالمغرب للقائم بأمر الله العباسي وخلع طاعة المستنصر فبعث المستنصر جيشا من العرب يحاربونه فذلك أول دخول العربان إلى إفريقية وهم بنو رياح وبنو زغبة وتمت لهم أمور يطول شرحها وفيها توفي في الحليمي أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن نصر المصري الوراق يوم الاضحى وله إحدى وثمانون سنة روى عن أبي الطاهر الذهلي وغيره وفيها الحسن بن عيسى بن المقتدر بالله جعفر بن المعتضد الأمير أبو محمد العباسي روى عن مؤدبه أحمد اليشكري وكان رئيسا دينا حافظا لأخبار الخلفاء توفي في شعبان وله نيف وتسعون سنة وفيها أبو القسم عبيد الله بن أبي حفص عمر بن شاهين روى عن أبيه وأبي بحر البر بهارس والقطيعي وكان صدوقا عالي الإسناد توفي في ربيع الأول وفيها أبو طالب أحمد بن عبد الله بن سهل المعروف بابن البقال الحنبلي صاحب الفتيا والنظر والمعرفة والبيان والإفصاح واللسان سمع أبا العباس عبد الله نب موسى الهاشمي وأبا بكر بن شاذان في آخرين ودرس الفقه على أبي عبد الله نب حامد وكانت له حلقة بجامع المنصور وله المقامات المشهورة بدار الخلافة من ذلك قوله بالديوان والوزير يومئذ حاجب النعمان الخلافة بيضة والحنبليون حضانها ولئن انقسمت البيضة عن مدح فاسد الخلافة خيمة والحنبليون طنا بها ولئن سقطت الطنب لتهوين الخيمة وغير ذلك وتوفي في شهر ربيع الأول ودفن بمقبرة امامنا وفيها على بن ربيعة أبو الحسن التميمي المصري البزار رواية الحس بن رشيق توفي في صفر وفيها أبو ذر محمد بن إبراهيم بن علي الطالحاني بسكون اللام نسبة إلى صالحان محلة باصبهان الاصبهاني الواعظ روى عن أبي الشيخ ومات في ربيع الأول (3/264)

265 أبو عبد الله الكارزيني بن حمد بن الحسين الفارسي المقرئ نزيل الحرم ومسند القراء توفي فيها أو بعدها وقد قرأ القراءات على المطوعي قرأ عليه جماعة كثيرة وكان من أبناء التسعين قال الذهبي ما علمت فيه جرحا وفيها مسند أصبهان أبو بكر بن ريذة محمد بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم الأصبهاني التاجر راوية أبي القسم الطبراني توفي في رمضان وله أربع وتسعون سنة قال يحيى بن منده ثقة أمين كان أحد وجوه الناس وافر العقل كامل الفضل مكرما لأهل العلم حسن الخط يعرف طرفا من النحو واللغة وفيها مسند العراق أبو طالب بن غيلان محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان الهمذاني البغدادي البزار سمع من أبى بكر الشافعي أحد عشر جزءا وتعرف بالغيلانيات لتفرده بها قال الخطيب كان صدقا صالحا دنيا وقال الذهبي مات في شوال وله أربع وتسعون سنة وفيها أبو منصور السواق محمد بن محمد عثمان البغدادي البندار وثقه الخطيب ومات في آخر العام عن ثمانين سنة روى عن القطيعي ومخلد بن جعفر سنة إحدى واربعين وأربعمائة فيها توفي أبو علي أحمد بن عبد الرحمن بن عثمان بن القسم بن أبي نصر التميمي الدمشقي المعدل أحد الأكابر بدمشق روى عن يوسف الميانجي وجماعة وفيها أبو الحسن العتيقي أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي التاجر السفار المحدث روى عن علي بن محمد بن سعيد الرزاز واسحق بن سعد النسوي وطبقتهما وجمع وخرج على الصحيحين وكان ثقة فهما توفي في صفر وفيها أبو العابس البرمكي احمد بن عمر بن أحمد بن إبراهيم بن اسمعيل الحنبلي سمع أبا حفص بن شاهين وأبا القسم بن حبابة قال الخطيب كتبت عنه وكان صدوقا (3/265)

266 سألته عن مولده فقال في ذي الحجة سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة ومات في ليلة الخميس الثالث والعشرين من جمادي الآخرة ودفن في مقبرة أمامنا أحمد وصحب أباه وقرأ على أبي عبد الله بن حامد وفيها أبو الحسن أحمد بن المظفر بن أحمد بن مزداد الواسطى العطار راوي مسند مسدد عن ابن السقا توفي في شعبان وفيها أبو القسم الافليلي وافليل قرية بالشام ثم القرطبي إبراهيم ابن محمد بن زكريا الزهري الوقاصي توفي في ذي القعدة بقرطبة وله تسع وثمانون سنة روى عن أبي عيسى الليثي وأبي بكر الزبيدي وطائفة وولى الوزارة لبعض أمراء الأندلس كان رأسا في اللغة والشعر أخبار يا علامة صادق اللهجة حسن الغيب صافي الضمير عنى بكتب جمة وشرح ديوان المتنبي شرحا جيدا وهو مشهور وفيها أبو الحسن بن سختام الفقيه على بن إبراهيم بن نصرويه بن سختام ابن هرثمة الغزني الحنفي السمر قندي المفتي رحل ليحج وحدث ببغداد ودمشق عن أبيه ومحمد بن أحمد بن مت الأشيتيخني وجماعة وحدث في هاذ العام وتوفي أو بعدهع في عشر الثمانين وفيها أبو حمصه أبو الحسن علي بن عمر الحراني ثم المصري الصواف عنده مجلس واحد حمزة الكتاني يعرف بمجلس البطاقة توفي في رجب قاله في العبر وفيها قرواش بن مقلد بن المسيب الأمير أبو المنيع معتمد الدولة القيلي صاحب الموصل كانت دولته خمسين سنة وكان أديبا شاعرا نهابا وهابا على دين الأعراب وجاهليتهم وتقدم الكلام عليه (3/266)

267 وفيها أبو الفضل السعدي محمد بن أحمد بن عيسى البغدادي الفقيه الشافعي تلميذ أبي حامد الاسفرائيني وراوي معجم الصحابة للبغوي عن ابن بطة توفي في شعبان وقد روى عن جماعة كثيرة بالعراق والشام ومصر وفيها أبو عبد الله الصوري محمد بن علي بن عبد الله بن رحيم الساحلي الحافظ أحد أركان الحديث توفي ببغداد في جمادي الآخرة وقد نيف على الستين روى عن ابن جميع والحافظ عبد الغني المصري ولزمه مدة وأكثر عن المصريين والشاميين ثم رحل إلى بغداد فلقى بها ابن مخلد صاحب الصفار وهذه الطبقة قال الخطيب كنا من أحرص الناس على الحديث وأكثرهم كتبا له وأحسنهم معرفة لم يقدم علنا أفهم منه وكان دقيق الخط يكتب ثمانني سطرا في ثمن الكاغد الخراساني وكان يسرد الصوم وقال أبو الوليد الباجي هو أحفظ من رأيناه وقال أبو الحسين بن الطيوري ما رأيت أحفظ من الصوري وكان بفردعين وكان متفننا يعرف من كل علم وقوله حجة وعنه أخذ الخطيب علم الحديث وله شعر فائق وقال ابن ناصر الديم كان آية في الإتقان مع حسن خلق ومزاح مع الطالبين وكان خطه دقيقا مع التحرير والمعرفة الزائدة كتب صحيح البخاري في سبعة ةأطباق من الورق البغدادي وفيها السلطان مودود صاحب غزته بن السلطان مسعود بن محمود بن سبكتكين وكانت عشر سنين ومات في رجب وله تسع وعشرون سنة واقاموا بعده ولده وهو صبي صغير ثم خلعوه سنة اثنتين واربعين وأربعمائة فيها عبن ابن النسوي لشرطة بغداد فاتفقت الكلمة من السنة والشيعة انه متى ولى نزحوا عن البلد ووقع الصلح بهذا السبب بين الفريقين وصار أهل الكرخ يترجمون على الصحابة وصلوا في مساجد السنة (3/267)

268 وخرجوا كلهم إلى زيادة المشاهد وتحابوا وتواددوا وهذا شيء لم يعهد من دهر قاله في العبر وفيها أبو الحسين الثوري أحمد بن علي البغدادي المحتسب روى عن ابن لولو وطبقته وكان ثقة صاحب الحديث وفيها الملك العزيز أبو منصور بن الملك جلال الدولة بن بويه توفي بظاهر ميافارقين وكانت مدته سبع سنين وكان أديبا فاضلا له شعر حسن وفيها أبو الحسن بن القزويني على بن عمر الحربي الواهد القدوة شيخ العراق روى عن أبي عمر بن حيوية وطبقته قال الخطيب كان أحد الزهاد ومن عباد الله الصالحين يقرئ ويحدث ولا يخرج إلا إلى الصلاة وعاش اثنتين وثمانين سنة توفي في شعبان وغلقت جميع بغداد يوم دفنه ولم أر جمعا أعظم من ذلك الجمع وقال المناوي في طبقات الأولياء أخذ النحو عن أبي جنى وكان شافعيا تفقه على الداركي وسمع حديثا كثيرا ومن كراماته أنه سمع الشاة تذكر الله تعالى تقلو لا اله إلا الله وكان يتوظأ للعصر فقال لجماعته لا تخرج هذه الشاة غدا للمرعى فأصبحت ميتة وقال بعضهم مضيت لزيارة قبره فحصل ما يذكر الناس عنه من الكرامات فقلت ترى ايش منزلته عند الله وعلى قبره مصحف ففتحته فإذا في أول ورقة منه ( ^ وجيها في الدنيا والآخرة ) وقال الماوردي صليت خلفه وعليه ثوب مطرز فقلت في قلبي أين المطرز من الزهد فلما قضى قال سبحان الله المطرز لا ينقص أحكام الزهد وكرره ثلاثا وقال ابن هبة صليت خلفه العشاء بالحربية فخرج وأنا معه بالقنديل بين يديه فإذا أنا بموضع أطوف به مع جماعة ثم عدنا إلى الحربية قبل الفجر فأقسمت عليه أين كنا قال أن هو إلا عبد أنعمنا عليه ذلك البيت الرحام وله حكايات كثيرة تدل على أن الله أكرمه بطى الأرض وقال ابن الدلال كنت أقرأ على ابن فضلان فقال وقد جرى ذكر كرامات القزويني (3/268)

269 لا تعتقد أن أحدا يعلم ما في قلبك غخرجت فدخلت على القزويني فقال سبحان الله مقاومة معارضه روى عن المصطفى انه قال أن تحت العرش ريح هفافة تهب إلى قلوب العارفين وروى عنه كان فيمن مضى قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي فعمر وقال بعضهم أصابتني ريح المفاصل حتى زمنت لأجلها فأمر القزويني يده عليها من وراء كمه فقمت من ساعتي معافي وقال ابن طاهر أدركت سفرا وكنت خائفا فدخلت للقزويني أسأله الدعاء فقال قبل أن أسأله من أراد سفرا ففزع من عدو أو وحش فليقرأ لا يلاف قريش فإنها أمان من كل سوء فقراتها فلم يعرض لي عارض حتى الآن ولما مات أغلقت البلد لمشهده ولم ير في الإسلام بعد جنازة أحمد بن حنبل أعظم من جنازته انتهى ما أورده الشيخ عبد الرءوف المناوي ملخصا وفيها أبو القسم الثمانيني بلفظ العدد نسبة إلى ثمانين قرية بالموصل وهي أول قرية بنيت بعد الطوفان سميت بعدد الجماعة الذين خرجوا من السفينة مع نوح عليه السلام فأنهم كانوا ثمانين وهي عند الجبل الجودي عمر بن ثابت الضرير النحوي أحد أئمة العربية بالعراق أخذ النحو عن أبي الفتح بن جنى وأخذ عنه الشريف أبو المعمر يحيى بن محمد بن طباطبا العلوي الحسني وكان هو وأبو القسم بن برهان والعوام يقرءون على الثمانيني وتوفي في ذي القعدة انتهى ملخصا وفيها محمد بن عبد الواحد بن زوج الحرة أبو الحسن أخو أبي يعلي وأبي عبد الله وكان أوسط الثلاثة روى عن ابن لولو وطائفة وفيها أبو طاهر بن العلاف محمد بن علي بن محمد البغدادي الواعظ روى عن القطيعي وجماعة وكان نبيلا وقورا له حلقة للعلم بجامع المنصور (3/269)

270 سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة فيها على ما قاله في الشذور ظهر كوكب له ذؤابة غلب نوره على نور الشمس وسار سيرا بطيئا ثم انقض ج ; أحكام وفيها كما قال في العبر في صفر زال الأنس بين السنة والشيعة وعادوا إلى أشد ما كانوا عليه وأحكموا الرافضة سوق الكرخ وكتبوا على الأبراج محمد وعلى خير البشر فمن رضى فقد شكر ومن أبي فقد كفر واضطرمت الفتنة وأخذت ثياب الناس في الطرق وغلقت الأسواق واجتمع للسنة جمع لم ير مثله وهجموا دار الخلافة فوعدوا بالخير وثار أهل الكرخ والتقي الجمعان وقتل جماعة ونبشت عدة قبور للشيعة مثل العوني والناسي والجذوعي وطرحوا النيران في التراب وتم على الرافضة خزى عظيم فعمدوا إلى خان الحنفية فأحرقوه وقتلوا مدرسهم أبا سعد السرخسي رحمه الله وقال الوزير إن وأخذنا الكل خربت البلد انتهى وفيها توفي أبو علي الشاموخي بضم الميم وخاء معجمة نسبة إلى شاموخ قرية بنواحي البصرة الحسن بن علي علي المقرئ بالبصرة وله جزء مشهور روى فيه عن احمد بن حمد بن العباس صاحب أبي خليفة وفيها علي بن شجاع الشيباني أبو الحسن المصقلي بفتح أوله والقاف نسبة إلى مصقله جد الاصبهاني الصوفي في ربيع الأول روى عن الدار قطني وطبقته وأسمع ولديه كثيرا وفيها أبو القسم الفارسي علي بن محمد بن علي مسند الديار المصرية أكثر عن احمد بن الناصح والذهلي وابن رشيق وتوفي في شوال وفيها محمد بن عبد السلام بن سعدان أبو عبد الله الدمشقي روى عن جمح بن القسم وأبي عمر بن فضالة وجماعة وتوفي يوم عرفة وعنده ستة أجزاء (3/270)

271 وفيها أبو الحسن بن صخر الأزدي القاضي محمد بن علي بن محمد البصري بزييد في جمادي الآخرة عن سن عالية أملى مجالس كثيرة عن أحمد بن جعفر وخلق سنة أربع واربعين وأربعمائة فيها كما قال في الشذور كانت بأرجان والأهواز وتلك النواحي زلازل انقلعت منها الحيطان فحكى من يعتمد على قوله انه كان قاعدا في إيوان داره فانفرج حتى رأى السماء من وسطه ثم رجع إلى حاله وفيها توفي أبو غانم الكراعي أحمد بن علي بن الحسين النضري صاحب الحرث بن أبي أسامة وكان حافظ خراسان ومسندها في وقته أتخر من روى عنه حفيده وفيها أبو علي بن المذهب الحسن بن علي بن محمد التميمي البغدادي الواعظ راوية المسند لأحمد قال الخطيب كان سماعه للمسند من القطيعي صحيحا إلا في أجزاء فإنه ألحق اسمه فيها وعاش تسعا وثمانين سنة قال ابن نقطة لو بين الخطيب في أي مسند هي لأتى بالفائدة وقال الذهبي توفى في تاسع عشرى ربيع الآخر وفيها رشأ بن نظيفق بن ما شاء الله أبو الحسن الدمشقي المقرئ المحدث قرأ بدمشق ومصر وبغداد بالروايات روى عن أبي مسلم الكاتب وعبد الوهاب الكلابي وطبقتهما قال الكتاني توفي في المحرم وكان ثقة مأمونا انتهت إليه الرياسة في قراءة ابن عامر وفيها المححدث أبو القسم الازجي عبد العزيز بن علي الخياط روى عن ابن عبيد العسكري ولعي بن لولو وطبقتهما فاكثر توفي في شعبان وله ثمان وثمانون سنة وكان صاحب حديث وسنة وفيها أبو نصر السجزي نسبة إلى سجستان الحافظ عبيد الله بن سعيد بن (3/271)

272 حاتم الوائلي البكري مصر نزيل مصر توفي بمكة في المحرم وكان متقنا مكثرا بصيرا والحجاز والسنة واسع الرواية رجل بعد الأربعمائة فسمع بخراسان والعراق والحجاز ومصر وروى عن الحاكم وأبي أحمد الفرضي وطبقتهما قال الحافظ ابن طاهر سألت الحبال عن الصوري والسجزي أيهما احفظ فقال السجزي أحفظ من خمسين مثل الصوري وله كتاب الابانة في القران وفيها أبو عمرو الداني عثمان بن سعيد القرطبي بن الصير في الحافظ المقرئ أحد الأعلام صاحب المصنفات الكثيرة منها التيسير توفي بدانية في شوال وله ثلاث وسبعون سنة قال ابتدأت بطلب العلم سنة ست وثمانين وثلثمائة ورحلت إلى المشرق سنة سبع وتسعين فكتبت بالقيروان ومصر قال الذهبي سمع من أبي مسلم الكاتب وبمكة من احمد بن فراس وبالمغرب من أبي الحسن القابسي وقرأ القراءات على عبد العزيز بن جعفر الفارسي وخلف بن خاقان وطاهر بن غلبون وجماعة وقال ابن بشكوال كان أحد الأئمة في علم القران روايته وتفسيره ومعانيه وطرقه واعرابه وله معرفة بالحديث وطرقه ورجاله وكان جيد الضبط من أهل الحفظ والذكاء واليقين دينا ورعا سينا وقال غيره كان مجاب الدعوة مالكي المذهب وفيها أبو الفتح القرشي ناصر بن الحسين العمري المروزي الشافعي مفتي أهل مرو تفقه على أبي بكر القفال وأبي الطيب الصعلوكي وروى عن أبي سعيد عبد الله الرازي صاحب ابن الضريس وعبد الرحمن بن أبي شريح وعليه تفقه البهيقي وكان فقيرا متعففا متواضعا قال ابن شبهة صار عليه مدار الفتوي والتدريس والمناظرة وصنف كتبا كثيرة توفي بنيسابور في ذي القعدة سنة خمس واربعين وأربعمائة فيها توفي في تاج الأئمة مقرئ الديار المصرية أبو العباس أحمد بن علي بن (3/272)

273 هاشم المصري قرأ علي عمر بن عراك وأبي عدي وجماعة ثم رحل وقرأ علي أبي الحسن الحمامي وتوفي في شوال في عشر التسعين قال السيوطي في حسن المحاضرة أقرأ الناس دهرا طويلا بمصر وحدث عنه أبو عبد الله محمد بن أحمد الرازي في مشيخته وفيها أبو اسحق البرمكي إبراهيم بن عمر البغدادي الحنبلي روى عن القطيعي وابن ماسي وطائفة قال الخطيب كان صدوقا دينا فيها على مذهب أحمد له حلقة للفتوى توفي يوم التروية وله أربع وثمانون سنة وقال ابن أبي يعلي في طبقاته له إجازة من أبي بكر عبد العزيز بن مردك قال حدثنا عبد الرحمن ابن أبي حاتم قال حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل قال وذكر عنده يعني أبيه رجل فقال يا بني الفائز من فاز غدا ولم يكن لأحد عنده تبعة ولد البرمكي في شهر رمان سنة إحدى وستين وثلثماية وتوفي في ذي الحجة ودفن في مقبرة أمامنا وكانت حلقته بجامع المنصور انتهى ملخصا وفيها أبو سعد السمان اسمعيل بن علي الرازي الحافظ سمع بالعراق ومكة ومصر والشام وروى عن المخلص وطبقته قال الكتاني كان من الحفاظ الكبار زاهدا عابدا يذهب إلى الاعتزال وقال الذهبي كان متبحرا في العلوم وهو القائل من لم يكتب الحديث لم يتغرغر بحلاوة والإسلام وله تصانيف كثيرة يقال انه سمع من ثلاثة آلاف شيخ وكان رأسا في القراءات والحديث والفقه بصيرا بمذهبي أبي حنيفة والشافعي لكنه من رؤوس المعتزلة انتهى كلام الذهبي وفيها أبو طاهر الكاتب محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحيم مسند اصبهان ورواية أبي الشيخ توفي في ربيع الآخر وهو في عشر التعسين وكان ثقة صاحب رحلة إلى أبي الفض الزهري وطبقته (3/273)

274 وفيها أبو عبد الله العلوي محمد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمن الكوفي سمند الكوفة في ربيع الأول روى عن المكاي وطائفة سنة ست وأربعين وأربعمائة فيها توفي أبو علي الأهوازي الحسن بن علي بن إبراهيم المقرئ المحدث مقرئ أهل الشام وصاحب التصانيف ولدسته اثنتين وستين وثلثمائة وعنى بالقراءات ولقي فيها الكبار كابى الفرج الشبوذي وعلي بن الحسين الغضا يري وقرأ بالأهواز لقالون في سنة ثمان وسبعين وثلثمائة وروى الحديث عن نصر المرجي والمعافي الجريري وطبقتهما وهو ضعيف أتهم في لقي بعض الشيوخ توفي في ذي الحجة وفيها أبو يعلي الخليلي الخليل بن عبد الله بن أحمد القزويني أحد ائمة الحديث روى عن علي بن أحمد بن صالح القزويني وأبى حفص الكتاني وطبقتهما وكان أحد من رحل وتعب وبرع في الحديث قال ابن ناصر الدين أبو يعلي القاضي كان إماما حافظا من المصنفين وله كتاب الإرشاد في معرفة المحدثين وفيها أبو محمد بن اللبان التيمي عبد الله بن محمد الاصبهاني قال الخطيب كان أحد أوعية العلم سمع أبا بكر بن المقرئ وأبا طاهر المخلص وطبقتهما وكان ثقة صحب ابن الباقلاني ودرس عليه الأصول وتفقه على أبي حامد الاسفرائيني وقرا القراءات وله مصنفات كثيرة سمعته يقول حفظت القرآن ولي خمس سنين مات باصبهان في جمادي الآخرة وفيها محمد بن عبد الرحمن بن عثمان بن أبي نصر أبو الحسين التميمي المعدل الرئيس مسند دمشق وابن مسندها سمع أبا بكر المميانجي وأبا سليمان بن زبر وتوفي في رجب (3/274)

275 سنة سبع وأربعين وأربعمائة فيها توفي أبو عبد الله القادسي الحسين بن أحمد بن حمد بن حبيب البغدادي البزاز روى عن أبي بكر القطيعي وغيره ضعفه الخطيب وفيها أيضا رفض توفي في ذي القعدة وفيها قاضي القضاة أبو عبد الله بن ماكولا الحسين بن علي بن جعفر العجلي الجربا ذقاني بفتح الجيم والموحدة والقاف وسكون الراء والذال المعجمة نسبة إلى جربا ذقاني بلد بين جرجان واسترا ياذ واخرى بين أصلهان والكرج لا أدري إلى أيهما ينسب كان شافعي المذهب قال الأسنوي هو من ولد الأمير أبي دلف العجلي ويعرف بابن ما كولا وهو الأمير أبو نصر مصنف الاكمال في أسماء الرجال تولى أبو عبد الله المذكور قضاء القضاة ببغداد سنة عشرين وأربعمائة قال الخطيب كان عارفا بمذهب الشافعي وسمه من ابن منده باصبهان قال ولم نر قاضيا أعظم نزاهة منه ولد سنة ثمان وستين وثلثمائة ومات في شوال وهو على قضائه انتهى ما قاله الأسنوي وفيها حكم بن محمد بن حكم أبو العاص الجذامي نسبة إلى جذام قبيلة باليمن القرطبي مسند الأندلس حج فسمع من أبي محمد بن أبي زيد وإبراهيم بن علي التمار وأبي بكر بن المهندس وقرأ على عبد المنعم بن غلبون وكان صالحا ثقة ورعا صلبا في السنة مقلا زاهدا توفي في ربيع الآخر بضع وتسعين سنة وفيها أبو الفتح سليم بن أيوب بن سليم بالتصغير فيهما الرازي الشافعي المفسر صاحب التصانيف والتفسير وتلميذ أبي حامد الأسفرائيني روى عن أحمد بن محمد النصير وطائفة كثيرة وكان رأسا في العلم والعمل غرق في بحر القلزم في صفر بعد قضاء حجه قال ابن قاضي شهبة تفقه وهو كبير لأنه كان اشتغل في صدر عمره باللغة والنحو والتفسير والمعاني ثم لازم الشيخ (3/275)

276 أبا حامد وعلق عنه تعليق ولما توفي الشيخ أبو حامد جلس مكانه ثم انه سافر إلى الشام وأقام بثغر صور مرابطا ينشر العلم فتخرج عليه أئمة منهم الشيخ نصر المقدسي وكان ورعا زاهدا يحاسب نفسه على الأوقات لا يدع وفتا يمضي بغير فائدة قال الشيخ أبو اسحق انه كان فقيها أصوليا وقال أبو القسم بن عساكر بلغني أن سليما تفقه بعد آت جاوز الأربعين وغرق في بحر القلزم عند ساحل جدة بعد الحج في صفر ومن تصانيفه كتاب التفسير سماه ضياء القلوب وغير ذلك من الكتب النافعة وسئل ما الفرق بين مصنفاتك ومصنفات رفيقك المحاملي يعرض السائل بأن تلك أشهر فقال الفرق أن تلك صنفت بالعراق ومصنفاتي صنفت بالشام انتهى وفيها أبو سعيد اسمعيل بن علي بن الحسين بن زنجويه الرازي كان حافظا علامة تاريخ الزمان وهو معتزلي المذهب وهو أمام في عدة علوم ومن كلامه من لم يكتب الحديث لم يتغرغر بحلاوة الإسلام قاله ابن ناصر الدين وجزم انه توفي في هذه السنة وقد تقدم الكلام عليه في سنة خمس وأربعين قريبا وفيها عبد الوهاب بن الحسين بن برهان أبو الفرج البغدادي الغزال روى عن أبي عبد الله العسكري واسحق بن سعد وخلق وسكن صور وبهما مت في شوال عن خمس وثمانين سنة وفيها أبو أحمد الغندجاني بضم الغين المعجمة وسكون النون وفتح المهملة وجيم نسبة إلى غندجان مدينة بالأهواز عبد الوهاب بن علي بن حممد بن موسى ىروى تاريخ البخاري عن أحمد بن عبدان الشيرازي وفيها أبو القسم التنوخي علي بن أبي علي المحسن بن علي البغدادي روى عن علي بن محمد بن كيسان والحسين بن محمد العسكري وخلق كثير وأول سماعه في سنة سبعين قال الخطيب صدوق متحفظ في الشهادة ولي قضاء المدائن ونحوها قال ابن خيرون قيل كان راية الرفض والاعتزال مات في ثاني المحرم قاله في العبر (3/276)

277 وفيها ذخيرة الدين ولي العهد محمد بن القائم بأمر الله عبد الله بن القادر بأمر الله أحمد توفي في ذي القعدة وله ست عشرة سنة وكان قد ختم القرآن وحفظ الفقه والنحو والفرائض وخلق سرية حاملا فولدت ولد اسماه جده عبد الله فهو المقتدي الذي ولى الخلافة بعد جده وفيها حمد بن علي بن يحيى بن سلوان المازني ما عنده سوى نسخة أبي مسهر وما معها توفي في ذي الحجة وهو ثقة قاله في العبر سنة ثمان وأربعين وأربعمائة فيها تزوج القائم بأمر الله بأخت طغر لبك وتمكن القائم وعظمت الخلافة بسلطنة طغر لبك وفيها كان القحط الشديد بديار مصر والوباء المفرط وكانت العراق تمون بالفتن والخوف والنهب من جماعة طغر لبك ومن الأعراب ومن البساسيري قال ابن الجوزي في الشذور ثم وقع الغلاء والوباء في الناس وفسد الهواء وكثر الذباب واشتد الجوع حتى أكلوا الميتة وبلغ المكوك من برز البقلة سبعة دنانير والسفر جلة والرمانة دينار والخيارة واللينوفرة دينار وعم الغلاء والوباء جميع البلاد وورد كتاب من مصر أن ثلاثة من اللصوص نقبوا دارا فوجودا عند الصباح موتى أحدهم على باب البيت والثاني على رأس الدرجة والثالث على الثياب المكروه انتهى وفيها توفي عبد الله بن الوليد بن سعيد أبو محمد الأنصاري الاندلسي الفقيه المالكي حمل عن أبي حمد بن أبي زيد وخلق وعاش ثمانيا وثمانين سنة وسكن مصر وتوفي بالشام في رمضان وفيها أبو الحسين عبد الغافر بن محمد بن عبد الغافر الفارسي ثم النيسابوري (3/277)

278 راوي صحيح مسلم عن أبي عمرو يه وغريب عن مؤلف كمل خمسا وتسعين سنة ومات في خامس شوال وكان عدلا جليل القدر وفيها أبو الحسن القالي نسبة إلى قالي من ديار بكر علي بن أحمد بن علي المؤدب الثقة روى عن أبي عمر الهاشمي وطبقته وفيها أبو الحسن الباقلاني علي بن إبراهيم بن عيسى البغدادي روى عن القطيعي وغيره قال الخطيب لا بأس به وفيها أبو حفص بن مسرور عمر بن أحمد بن عمر النيسابوري الزاهد روى عن ابن نجيد وبشر الاسفرائيني وأبي سهل الصعلوكي وطائفة قال عبد الغافر هو أبو حفص القاص لما وردى الزاهد الفقيه كان كثير العبادة والمجاهدة كانوا يتبركون بدعائه وعاش تسعين سنة ومات في ذي القعدة وفيها أبو الطفال أبو الحسن محمد بن الحسين بن محمد النيسابوري ثم المصري المقرئ البزاز التاجر ولد سنة تسع وخمسين وثلثمائة وروى عن ابن حيوية وابن رشيق وطبقتهما وفيها ابن الترجمات محمد بن الحسين بن علي الغزى شيخ الصوفية بديار مصر روى عن حمد بن أحمد الحيدرى وعبد الوهاب الكلاني وطائفة ومات في جمادي الأولى بمصر وله خمس وتسعون سنة وكان صدوقا قاله في العبر وفيها أبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن بشران الأموي البغدادي راوي السنن عن الدار قطني توفي في جمادي الأولى وكان ثقة حسن الأصول وفيها أبو الحسين هلال بن المحسن بن أبي اسحق إبراهيم بن زهرون بن حيون الصابي الحراني الكاتب وهو حفيد أبي اسحق الصابي الرسائل المشهورة سمع هلال المذكور علي الفارسي النحوي وعلي بن عيسى الرماني (3/278)

279 وغيرهم وذكره الخطيب في تاريخ بغداد وقال كتبنا عنه وكان صدوقا وكان أبوه المحسن صائبا على دين جده إبراهيم واسلم هلال المذكور في آخر عمره وسمع العلماء في حال كفره لأنه كان يطلب الأدب وله كتاب الأماثل والأعيان ومبتدى بن هلال ذا فضائل وتواليف نافعة منها التاريخ الكبير ومنها الكتاب الذي سماه الهفوات النادرة من المغفلين والسقطات البادرة من المغفلين الملحوظين والسقطات البادرة من المغفلين المحظوظين وكانت ولادة هلال المذكور في شوال سنة تسع وخمسين وثلثمائة وتوفي ليلة الخميس سابع عشر رمضان رحمه الله سنة تسع وأربعين وأربعمائة فيها كما قال في الشذور بلغت كارة الخشكار أي النخالة عشرة دنانير ومات من الجوع خلق كثير وأكلت الكلاب وورد كتاب من البخاري انه وقع في تلك الديار وباء حتى أخرج في يوم ثمانية عشر ألف جنازة وأحصى من مات إلى تاريخ هذا الكتاب ألف ألف وستمائة وخمسون آلفا وبقيت الأسواق فارغة والبيوت خالية ووقع الوباء باذر بيجان وأعمالها والأهواز وأعمالها وواسط والكوفة وطبق الأرض حتى كان يحفر للعشرين والثلاثين زبية فيلقون فيها وكان سببه الجوع وباع رجل أرضا له بخمسة أرطال خبز فأكلها ومات في الحال وتب الناس كلهم وأراقوا الخمور وسروا المعازف وتصدقوا بمعظم أموالهم ولزموا المساجد وكان كل من اجتمع بامرأة فأشار بأصبعه إلى بيت في الدار فإذا بجانبه خمر فقلبوها فمات وتوفي رجل كان أربعة أنفس ليلا إلى المجسد فماتوا ودخل رجل على ميت مسجي بلحاف فاجتذبه عنه فمات (3/279)

280 وطرفه في يده انتهى وفيها توفي أبو العلاء المعري أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي اللغوي الشاعر صاحب التصانيف المشهورة والزندقة المأثورة والذكاء المفرط والزهد الفلسفي وله ست وثمانون سنة جدر وهو ابن ثلاث ستين فذهب بصره ولعله مات على الإسلام وتاب من كفرياته وزال عنه الشك قاله في العبر وقال ابن خلكان الشاعر اللغوي كان متضلعا من فنون الأدب قرأ النحو واللغة على أبيه بالمعرة وعلى محمد بن عبد الله بن سعد النحوي بحلب وله التصانيف الكثيرة المشهورة واالرسائل المأثورة وله من النظم لزوم مالا يلزم وهو كبير يقع في خمس مجلدات أو ما يقاربها وله سقط الزند أيضا وشرحه بنفسه وسماه ضوء السقط وله كتاب الهمزة والردف أكثر من مائة مجلد وله غير ذلك وأخذ عنه أبو القسم بن المحسن التنوخي والخطيب أبو زكريا التبريزي وغيرهما وكانت ولادته يوم الجمعة عند مغيب الشمس سابع عشرى شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلثمائة بالمعرة وعمى من الجدري أول سنة سبع وستين غشى يميني عينيه بياض وذهبت اليسرى جملة قال الحافظ السلفي أخبرني أبو محمد عبد الله بن الوليد بن غريب الايادي أنه دخل مع عمه على أبي العلاء يزوره فرآه قاعدا على سجاده لبد وهو شيخ قال فدعا لي ومسح على رأسي وكان صبيا قال وكأني انظر إليه الآن والى عينه إحداهما نادرة والاخرى غائرة جدا وهو مجدر الوجه نحيف الجسم وكان يقول كأنما نظر المتنبي إلي بلحظ الغيب حيث يقول ( أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبى * وأسمعت كلماتي من به صمم ) وشرح ديوان أبي تمام وسماه ذكرى حبيب وديوان البحتري وسماه عبث الوليد وديوان المتنبي وسماه معجز أحمد وتكلم على غريب أشعارهم ومعانيها ومآخذهم من غيرهم وما أخذ عليهم وتولى الانتصار لهم والنقد في بعض المواضع (3/280)

281 عليهم والتوجيه في أماكن لخطئهم ودخل بغداد سنة ثمان وتسعين وثلثمائة ودخلها ثانيا سنة تسع وتسعين وأقام بها سنة وسبعة أشهر ثم رجع إلى المعرة ولزم منزله وشرع في التصنيف وأخذ عنه الناس وسار إليه الطلبة من الآفاق وكاتبه العلماء والوزراء أهل الاقداد سومى نفسه رهن الحبسين للزومه منزله ولذهاب عينيه ومكث مدة خمس وأربعين سنة لا يأكل اللحم تدينا لأنه كان ير رأى الحكماء المتقدمين وهم لا يأكلونه كيلا يذبحون الحيوان ففيه تعذيب له وهم لا يرون إيلام جميع الحيوانات وعمل الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة ومن شعره في اللزوم ( لا تطلبن بآلة لك رفعة * قلم البليغ بغير جد مغزل ) ( سكن السما كان السماء كلاهما * هذا له رمح وهذا أعزل ) وتوفي ليلة الجمعة ثالث وقيل ثاني شهر ربيع الأول وقيل ثالث عشره وبلغني انه أوصى أن يكتب على قبره ( هذا جناه أبي علي وما جنيت على أحد * ) وهو أيضا متعلق باعتقاد الحكماء فأنهم يقولون إيجاد الولد واخراجه إلى هذا العالم جناية عليه لأنه يتعرض لحوادث والآفات وكان مرضه ثلاثة أيام ومات في اليوم الرابع ولم يكن عنده غير بني عمه فقال لهم في اليوم الثالث اكتبوا عني فتناولوا الدواة والأقلام فأملى عليهم غير الصواب فقال القاضي أبو محمد التنوخي أحسن الله عزاءكم في الشيخ فأنه ميت فمات ثاني يوم والمعري نسبة إلى معرة النعمان بن بشير الأنصاري رضي الله عنه انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا وقال ابن الأهدل حضر مرة مجلس الشريف المرتضي ببغداد وكان الشريف يغض من المتنبي والمعري يثني عليه فقال المعري لو لم يكن من شعره إلا قوله ( لك يا منازل في القلوب منازل * لكفاه فأمر الشريف بإخراجه ) (3/281)

282 وقال ما أراد القصيدة فأنها ليست من غرر قصائده وإنما أراد البيت الذي فيها وهو قوله ( وإذا أتتك مذمتي من ناقص * فهي الشهادة لي بأني كامل ) انتهى وقال غيره قيل ولد أعمى وترك أكل البيض واللبن واللحم وحرم اتلاف الحيوان وكان فاسد العقيدة يظهر الكفر ويزعم أن له باطنا وانه مسلم في الباطن وأشعاره والدالة على كفره كثيرة منها ( أتى عيسى فأبطل شرع موسى * وجاء حمد بصلاة خمس ) ( وقالوا لأبني بعد هذا * فضل القوم بين غد وأمس ) ( ومهما عشت في دنياك هذي * فما يخليك من قمر وشمس ) ( إذا قلت المحال رفعت صوتي * وإن قلت الصحيح أطلت همسي ) وقال ( تاه النصاري والحنيفة ما اهتدت * ويهود بطرى والمحبوس مضله ) ( قسم الورى قسمين هاذ عاقل * لا دين فيه ودين لا عقل له ) انتهى وفيها أبو مسعود البجلي أحمد بن محمد بن عبد الله بن عبد العزيز الرازي الحافظ وله سبع وثمانون سنة توفي في المحرم ببخارا وكان كثير الترحال طوف وجمع وصنف الأبواب وروى عن أبي عمرو بن حمدون وحسينك التميمي وطبقتهما وهو ثقة قال ابن ناصر الدين كان حافظا صدوقا بين الأصحاب تاجرا تقيا صنف على الأبواب وفيها أبو عثمان الصابوني شيخ الإسلام اسمعيل بن عبد الرحمن النيسابوري الشافعي الواعظ المفسر المصنف أحد الالاعم روى عن زاهر السرخسي وطبقته وتوفي في صفر وله سبع وسبعون سنة وأول ما جلس للوعظ وله عشر سنين قال ابن ناصر الدين كان إماما حافظا عمدة مقدما في الوعظ والأدب وغيرهما من العلوم وحفظه للحديث وتفسير القرآن معلوم ومن مصنفاته كتاب الفصول في الأصول وقال الذهبي كان شيخ خراسان في زمانه وقال ابن قاضي شبهة (3/282)

283 فتوفي ولولده هذه سنين فأجلس مكانه وحضر أول مجلس أئمة الوقت في بلده كالشيخ أبي الطيب الصعلوكي والأستاذ أبى بكر بن فورك والأستاذ أبي اسحق الاسفرائيني ثم كانوا يلازمون مجلسه ويتعجبون من فصاحته وكمال ذكائه وحسن إيراده وقال عبد الغافر الفارسي كان أوحد وقته في طريقه وعظ المسلمين سبعين سنة وخطب وصلى في الجامع نحوا من عشرين سنة وكان حافظا كثير السماع والتصنيف حريصا على العلم سمع الكثير ورحل وزرق العزة والجاه في الدين والدنيا وكان جمالا في البلد مقبولا عند الموافق والمخالف مجمعا على أنه عديم النظير وكان سيف السنة وأفعى أهل البدعة وقد طول عبد الغافر في ترجمته واطنب في وصفه وقال الحافظ أبو بكر البهيقي شيخ الإسلام صدقا وامام المسلمين حقا أبو عثمان الصابوني انتهى ملخصا وفيها ابن بطال مؤلف شرح البخاري أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال القرطبي روى عن أبي المطرف القنازعي ويونس بن عبد الله القاضي وتوفي في صفر وفيها أبو عبد الله الخبازي محمد بن علي بن محمد النيسابوري المقرئ عن سبع وسبعين سنة روى عن أبيه القراءات وتصدر وصنف فيها وحدث عن أبي محمد الخلدي وطبقته وكان كبير الشأن وافر الحرمة مجاب الدعوة آخر من روى عن الفراوي وفيها أبو الفتح الكراجكي أي الخيمى رأس الشيعة وصاحب التصانيف محمد بن علي مات بصور في ربيع الآخر وكان نحويا لغويا منجما طبيبا متكلما متنفننا من كبار أصحاب الشريف المرتضي وهو مؤلف كتاب تلقين أولاد المؤمنين سنة خمسين وأربعمائة فيها توفي الونى صاحب الفرائض استشهد في فتنة البساسيري وهو أبو (3/283)

284 عبد الله طاهر بن عبد الله بن طاهر القاضي أحد الأعلام عن أبي أحمد الغطريفي وجماعة وتفقه بنيسابور على أبي الحسن الماسرجسي وسكن بغداد وعمر مائة وسنتين قال الخطيب كان عارفا بالأصول والفروع محققا صحيح المذهب قال الشيخ أبو اسحق الشيرازي في الطبقات ومنهم شيخنا وأستاذنا أبو الطيب الطبري وتوفي عن مائة وسنتين ولم يختل عقله ولا تغير فهمه يفتى مع الفقهاء ويستدرك عليهم الخطأ ويقضي ويشهد ويحضر المواكب إلى أم مات تفقه بآمل على الزجاجي صاحب ابن القاص وقرأ على أبي سعيد الإسماعيلي وأبي القسم بن كج بجرجان ثم ارتحل إلى بغداد وعلق عن أبي محمد البافي صاحب الداركي وحضر مجلس أبي حامد ولم أر ممن رأيت أكمل اجتهادا وأشد تحقيقا وأجود نظرا منه شرح مختصر المزني وصنف في الخلاف والمذهب والأصول والجدل كتبا كثيرة ليس لأحد مثلها ولازمت مجلسه بضع عشرة سنة ودرست أصحابه في مجلسه بأذنه ورتبني في حلقته وسألني أن أجلس في مجلسته للتدريس ففعلت في سنة ثلاثين وأربعمائة أحسن الله عني حزاءه ورضى عنه وقال الخطيب البغدادي كان أبو الطيب ورعا عارفا بالأصول والفروع حققا حسن الخلق صحيح المذهب اختلفت إليه وعلقت عنه الفقه سنين وقال سمعت أبا بكر محمد بن حمد المؤدب سمعت أبا محمد الباقي يقول أبو الطيب أفقه من أبي حامد الأسفرائيني وسمعت أبا حامد يقول أبو الطيب أفقه من أبي محمد البافي وعن القاضي أبي الطيب انه رأى النبي الله في المنام وقال له يا فقيه وانه كان يفرح بذلك ويقول سماني رسول الله فقيها وقال القاضي أبو بكر الشامي قلت للقاضي أبي الطيب وقد عمر لقد متعت بجوارحك أيها الشيخ فقال ولما لا وما عصيت الله بواحدة منها قط أو كما قال وقال ابن الأهدل بلغ أبو الطيب مبلغا في العلم (3/284)

285 والديانة وسلامة الصدر وحسن السمت والخلق وعليه تفقه الشيخ أبو اسحق الشيرازي ووى القضاء ببغداد بربع الكرج دهرا طويلا وعاش مائة وستين ويقال وعشرين ولم يضعف جسده ولا عقله حتى حكى انه اجتاز بنهر يحتاج إلى وثبة عظيمة فوثب وقال أعظما حفظهما الله في صغرها فقواها في كبرها وكان يحضر المواكب في دار الخلافة ويقول الشعر ومن شعره ما ألغز به على أبي العلاء المعري ( وما ذات در لا يحل لحالب * تناولها واللحم منها محلل ) في أبيات في هذا المعنى فأجابه المعري ارتجالا ( جوابان عن هذا السؤال كلاهما * صواب وبعض القائلين مضلل ) ( فمن ظنه كرما فليس بكاذب * ومن طنه نخلا فليس يجهل ) ( يكلفني القاضي انحلال مسائل * هي البحر قدرا با أعز وأطول ) فأجابه القاضي يثنى عليه وعلى علمه وبديهته فأجابه المعري أيضا ( فؤادك معمور من العلم آهل * وجدك في كل المسائل مقبل ) ( فان كنت بين الناس غير ممول * فأنتمن الفهم المصون ممول ) ( كأنك من في الشافعي مخاطب * ومن قلبه تملى فما تتمهل ) ( وكيف يرى علم ابن إدريس دارسا * وأنت بايضاح الهدى متكفل ) ( تجملت الدنيا بأنك فوقها * ومثلك حقا من به يتجمل ) وفيها أبو الفتح بن شيطا مقرئ العراق ومصنف التذكار في القراءات العشر عبد الواحد بن الحسين بن أحمد أخذ عن الحمامي وطائفة وحدث عن محمد بن إسماعيل البراق وجماعة وتوفي في صفر وله ثمانون سنة وفيها أبو الحسين علي بن بقا المصري الوراق الناسخ محدث ديار مصر روى عن القاضي أبي الحسن الحلبي وطائفة وكتب الكثير وفيها الماوردي أقضي القضاة أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصي (3/285)

286 الشافعي مصنف الحاوي والاقناع وأدب الدنيا والدين وكان أماما في الفقه والأصول والتفسير بصيرا بالعربية ولي قضاء بلاد كثيرة ثم سكن بغداد وعاش ستا وثمانين سنة تفقه على أبي القسم الصيمري بالبصرة وعلى أبي حامد ببغداد وحدث عن الحسن الجيلي صاحب أبي خليفة الجمحي وجماعة أتخر من روى عنه أبو العز بن كادش قال ابن قاضي شبهة هو أحد أئمة أصحاب الوجوه قال الخطيب كان ثقة من وجوه الفقهاء الشافعين وله تصانيف عدة في أصول الفقه وفروعه وفي غير ذلك وكان ثقة ولي قضاء بلدان شتى ثم سكن بغداد وقال ابن خيرون كان رجلا عظيم القدر متقدما عند السلطان أحد الأئمة له التصانيف الحسان في كل في من العلم وذكره ابن الصلاح في طبقاته واتهم بالاعتزال في بعض المسائل بحسب ما فهم عنه في تفسيره في موافقة المعتزلة فيها ولا يوافقهم في جميع أصولهم وما خالفهم فيه أن الجنة مخلوقة نعم يوافقهم في القول في القدر وهي بلية على البصريين توفي في ربيع الأول سنة خمسين بعد موت أبي الطيب بأحد عشر يوما عن ست وثمانين سنة وذكر ابن خلكان في الوفيات انه لم يكن أبرز شيئا من مصنفاته في حياته وإنما أوصى رجلا من أصحابه إذا حضره الموت أن يضع يده في يده فأن رآه قبض على يده فلا يخرج من مصنفاته شيئا وان رآه بسط يده أي علامة فبولها فليخرجها ومن تصانيفه الحاوي قال الأسنوي ولم يصنف مثله و كتاب الأحكام السلطانية وهو تصنيف عجيب مجلد والإقناع مختصر يشتمل على غرائب والتفسير ثلاث مجلدات وأدب الدين والدنيا وغير ذلك انتهى ما ذكره ابن شبهة ملخصا وقال ابن الأهدل لما خرج الماوردي من بغداد إلى البصرة أنشد أبيات ابن الأحنف ( أقمنا كارهين لها فلما * القناها خرجنا مكرهينا ) ( وما حب البلاد بنا ولكن * أمر العيش فرقة هوينا ) (3/286)

287 ( خرجت أقر ما كانت لعيني * وخلفت الفؤاد رهينا ) وهو منسوب إلى بيع الماورد انتهى وفيها أبو القسم الخفاف عمر بن الحسين البغدادي صاحب المشيخة روى عن ابن المظفر وطبقته وفيها أبو منصور السمعاني محمد بن عبد الجبار القاضي المروزي الحنفي والد العلامة أبي المظفر السمعاني مات بمرو في شوال وكان أماما ورعا نحويا لغويا علامة له مصنفات وفيها منصور بن الحسين الثاني بالنون نسبة إلى التنائية وهي الدهقنة ويقال لصاحب الضياع والعقار أبو الفتح الاصبهاني المحدث صاحب ابن المقرى كان من أروى الناس عنه توفي في ذي الحجة وكان ثقة وفيها الملك الرحيم أبو نصر بن الملك أبي كاليجار بن الملك سلطان الدولة بن بهاء الدولة بن عضد الدولة بن ركن الدولة الحسن بن بويه الديلمي آخر ملوك الديلم مات محبوسا بقلعة الري في اعتقال طفر لبك سنة إحدى وخمسين وأربعمائة فيها توفي ابن سميق أبو عمر أحمد بن يحيى بن أحمد بن سميق القرطبي نزيل طليطلة ومحدث وقته روى عن أبي المطرف بن فطيس وابن أبي زمنين وطبقتهما وكان قوي المشاركة في عدة علوم حتى في الطب مع العبادة والجلالة وعاش ثمانين سنة وفيها الأمير المظفر أبو الحرث أرسلان بن عبد الله البساسيري التركي مقدم الاتراك ببغداد يقال انه كان مملوك بها الدولة بن بويه وهو الذي خرج على الأمام القائم بأمر الله ببغداد وكان قدمه على جميع الأتراك وقلده الأمور بأسرها وخطب له على منابر العراق وخوزستان فعظم آمره وهابته الملوك ثم (3/287)

288 خرج على الأمام القائم بأمر الله من بغداد وخطب للمستنصر العبيدي صاحب مصر فراح القائم إلى أمير العرب محي الدين أبي الحرث مهارش بن المجلي العقيلي صاحب الحديثة وأعانه فآواه وقام بجميع ما يحتاج إليه مدة سنة كاملة حتى جاء طغر لبك السلجوقي وقاتل اليوم الذي خرج منها بعد حول كامل وكان ذلك من غريب الاتفاق وقصته مشهورة قتله عسكر السلطان طغر لبك السلجوقي ببغداد يوم الخميس منتصف ذي الحجة وطيف برأسه في بغداد وصلب قبالة باب النوبي والبساسيري بفتح الباء الموحدة والسين المهملة وبعد الألف سين مكسورة ثم ياء ساكنة مثناة من تحتها وبعدها راء هذه النسبة إلى بلدة بفارس يقال لها بسا وبالعربية فسا والنسبة إليها بالعربية فسوي ومنها الشيخ أبو علي الفارسي النحوي أهل فارس يقولون في النسبة إليها البساسيري وهي نسبة شاذة على خلاف الأصل وكان سيد أرسلان المذكور من بسافنسب إليه الملوك وأشتهر بالبساسيري قالن ابن خلكان وفيها أبو عثمان النجيرمي بفتح النون والراء وكسر الجيم نسبة آلة نجيرم محلة بالبصرة سعيد بن محمد بن أحمد بن محمد النيسابوري محدث خراسان ومسندها روى عن جده أبي الحسين وأبي عمرو بن حمدان وطبقتهما ورحل إلى مرو واسفرائين وبغداد وجرجان وتوفي في ربعي الآخر وفيها أبو المظفر عبدالله بن شيب الضبي مقرئ أصبهان وخطيبها وواعظها وشيخها وزاهدها أخذ القراءات عن أبي الفضل الخزاعي وسمع من أبي عبد الله بن مندة وغيره وتوفي في صفر وفيها أبو الحسن الزورزني بفتح الزايين وسكون الواو نسبة إلى زوزن بلدة بين هراة ونيسابور على بن محمود بن ماخرة شيخ الصوفية ببغداد في رمضان عن خمس وثمانين سنة وكان كثير الأسفار سمع بدمشق من عبد الوهاب (3/288)

289 الكلابي وجماعة وفيها أبو طالب العشاري محمد بن علي بن الفتح الحرني الصالح روى عن الدار قطني وطبقته وعاش خمسا وثمانين سنة وكان جسده طويلا فلقبوه العشاري وكان فقيها حنبليا تخرج على أبي حامد وقبله على ابن بطة وكان خيرا عالما زاهدا قال ابن أبي يعلي في طبقات الحنابلة كان العشارى من الزهاد صحب أبا عبد الله بن بطة وأبا حفص البرمكي وأبا عبد الله بن حامد وقال ابن الطيوري قال لي بعض أهل البادية أنا إذا قحطنا استسقينا بابن العشاري فنسقي وقال لما قدم عسكر طغر لبك لقي بعضهم ابن العشاري في يوم الجمعة فقال له إيش معك يا شيخ قال ما معى شيء ونسى أن في جيبه نفقة ثم ذكر فنادى بذلك القائل له وأخرج ما في جيبه وتركه بيده وقال هذا معي فهابه ذلك الشخص وعظمه ولم يأخذه وله كرامات كثيرة مولده سنة ستين وثلثمائة وموته يوم الثلاثاء تاسع عشرى جمادي الأولى سنة إحدى وخمسين وأربعمائة ودفن في مقبرة أمامنا بجنب أبي عبد الله بن طاهر وكان كل واحد منهما زوجا لأخت الآخر انتهى ملخصا سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة فيها توفي الماهر أبو الفتح أحمد بن عبيد بن فضا الحلبي الموازيني الشاعر المفلق بالشام وفيها علي بن حميد أبو الحسن الذهلي إمام مجامع همذان وركن السنة والحديث بها روى عن أبي بكر بن لال وطبقته وقبره يزار ويتبرك به وفيها القزويني محمد بن أحمد بن علي المقرئ شيخ الاقراء بمصر أخذ عن طاهر بن غبون وسمع من أبي الطيب والد طاهر وعبد الوهاب الكلابي وطائفة وتوفي في ربيع الآخر قال في حسن المحاضرة وقرأ عليه يحيى الخشاب وعلى بن بليمة انتهى (3/289)

290 وفيها ابن عمروس أبو الفضل محمد بن عبيد الله البغدادي الفقيه المالكي قال الخطيب انتهت إليه الفتوى ببغداد وكان من القراء المجودين حدث عن ابن شاهين وجماعة وعاش ثمانين سنة سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة فيها توفي أبو العباس بن نفيس شيخ القراء أحمد بن سعيد بن أحمد بن نفيس المصري في رجب وقد نيف على التسعين وهو أكبر شيخ لابن الفحام قرأ على السامرى وأبي عدى عبد العزيز وسمع من أبي القسم الجوهري وطائفة وانتهى إليه علو الإسناد في القراءات وقصد من الأفاق وفيها صاحب ميافارقين وديار بكر نصر الدولة أحمد بن مروان بن دوستك الكردي أبو نصر كان عاقلا حازما عادلا لم يفتحه الصبح مع أنهما كه على اللذات وكان له ثلثمائة وستون سرية يخلو كل ليلة بواحدة وكانت دولته إحدى وخمسين سنة وعاش سبعا وسبعين سنة وقام بعده ولده نصر قال ابن خلكان ملك البلاد بعد أن قتل أخوه أبو سعيد سنة وقام بعده ولده نصر قال ابن خلكان ملك البلاد بعد أن قتل أخوه أبو سعيد منصور بن مروان في قلعة الهتاخ ليلة الخميس خامس جمادي الأولى سنة إحدى وأربعمائة وكان رجلا مسعودا عالى الهمة حسن السياسة كثير الحزم قضى من اللذات وبلغ من السعادة ما يقصر الوصف عن شرحه وكان قد قسم أوقاته فمنها ما ينظر فيه في مصالح دولته ومنها ما يتوفر فيه على لذاته والاجتماع بأهله وخلف أولادا كثيرة وقصده شعراء عصره ومدحوه وخلدوا مدائحه في دواوينهم ومن جملة سعاداته انه وزر له وزير أن كانا وزيري خليفتين أحدهما أبو القسم الحسين ابن علي المعروف بابن المغربي صاحب الديوان الشعر والرسائل والتصانيف المشهورة كان وزير خليفة مصر وانفصل عنه وقدم على الأمير أبي نصر المذكور فوز له مرتين والآخر فخر الدولة أبو نصر بن جهير كان وزيره ثم انتقل إلى وزارة بغداد ولم يزل على سعادته وقضاء أوطاره إلى أن توفي (3/290)

291 تاسع عشرى شوال انتهى ملخصا وفيها أبو مسلم عبد الرحمن بن غزو النهاوندي العطار حدث عن أحمد بن فراس العبقسي وخلق وكان ثقة صدوقا وفيها أبو أحمد المعلم عبد الواحد بن احمد الأصبهاني راوي مسند أحمد بن منيع عن عبيد الله بن جميل وروى عن جماعة وتوفي في صفر وفيها علي بن رضوان أبو الحسن المصري الفيلسوف صاحب التصانيف كان رأسا في الطب وفي التنجيم من أذكياء زمانه بديار مصر وفيها أبو القسم السمساطي واقف الخانكاة قرب جامع بني أمية بدمشق وسميساط بضم السين المهملة الأولى وفتح الميم والسنين الثانية بينهما مثناة تحتية وآخره طاء مهملة بلد بالشام علي بن محمد بن يحيى السلمي الدمشقي روى عن عبد الوهاب الكلابي وغيره وكان بارعا في الهندسة والهيئة صاحب حشمة وثروة واسعة عاش ثمانين سنة قال في القاموس سميساط كطر يبال بسينين بلد بشاطئ الفرات منه الشيخ أبو القسم علي بن محمد بن يحيى السلمي الدمشقي السميساطي من أكابر الرؤساء والمحدثين بدمشق وواقف الخانقاه بها انتهى وفيها قريش بن بدران بن مقلد بن المسيب العقيلي أبو المعالي صاحب الموصل وليها عشر سنين وذبح عمه قوراش بن مقلد صبرا ومات بالطاعون عن إحدى وخمسين سنة وقام بعد ابنه شرف الدولة مسلم الذي استولى على ديار ربيعة ومصر وحلب وحاصر دمشق فكاد أن يملكها وأخذ الحمل من بلاد الروم وفيها أبو سعد الكنجرودي بفتح الكاف والجيم بينهما جيم ساكنة واخره دال المهملة نسبة إلى كنجرود قرية بنيسابور ويقال لها خنزورذ محمد (3/291)

292 ابن عبد الرحمن بن محمد النيسابوري الفقيه النحوي الطبيب الفارس قال عبد الغافر له قدم في الطب والفروسية وأدب السلاح وكان بارع وقته لاستجماعه فنون العلم حدث عن أبي عمرو بن حمدان وطبقته وكان مسند خراسان في عصره وتوفي في صفر سنة أربع وخمسين وأربعمائة فيها زادت دجلة أحدا وعشرين ذراعا وغرقت بغداد وبلاد وفيها التقى صاحب حلب معز الدولة ثمال بن صالح الكلابي وملك الروم علي ارتاح من أعمال حلب وانتصر المسلمون وغنموا وسبوا حتى يبعت السرية الحسناء بمائة درهم وبعدها يسير توفي ثمال بحلب وفيها توفي أبو سعد بن أبي شمس النيسابوري أحمد بن إبراهيم بن موسى المقرئ المجود الرئيس الكامل توفي في شعبان وهو في عشر التسعين روى عن أبي محمد المخلدي وجماعة وروى الغاية في القراءات عن ابن مهران المصر وفيها أبو محمد الجوهري الحسن بن علي الشيرازي ثم البغدادي المقنعي لأنه كان يتطيلس ويلفها من تحت حنكة انتهى إليه علو الرواية في الدنيا وأملى مجالس كثيرة وكان صاحب حديث روى عن أبي بكر القطيعي وأبي عبد الله العسكري وعلي بن لولو وطبقتهم وعاش نيفا وتسعين سنة وتوفي في سابع ذي القعدة وفيها أبو نصر زهير بن الحسن السرخسي الفقيه السافعي مفتى خراسان اخذ ببغداد عن أبي حامد الاسفراييني ولزمه وعلق عنه تعليقة مليحة وروى عن زاهر السرخسي والمخلص وجماعة وتوفي بسرخس وقيل توفي سنة خمس وخمسين قاله في العبر وقال الأسنوي ولد بسرخس بعج السبعين وثلثمائة (3/292)

293 وتفقه على الشيخ أبي حامد وبرع في الفقه وسمع الكثير من جماعة منهم زاهر السرخسي ورجع إلى سرخس ودرس واسمع إلى زمان سنة خمس وخمسين وأربعمائة انتهى وفيها عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن بن بندار العجلي أبو الفضل الرازي الأمام المقرئ الزاهد أحد العلماء العاملين قال أبو سعد السمعاني كان مقرئا كثير التصانيف زاهدا خشن العيش قانعا منفردا عن الناس يسافر وحده ويدخل البراري سمع بمكة من ابن فراس وبالري من جعفر بن فناكي وبنيسابور من السلمى وبنسا من محمد بن زهير النسوي وبجرجان من أبي نصر بن الاسمعيلي وبأصبهان من ابن منده الحافظ وببغداد والبصرة والكوفة وحران وفارس ودمشق ومصر وكان من أفراد الدهر قاله في العبر وفيها أبو حفص الزهراوي عمر بن عبيد الله الذهلي القرطبي محدث الأندلس مع ابن عبد البر توفي في صفر عن ثلاث وتسعين سنة روى عن عبد الوارث بن سفيان وأبي محمد بن أسد والكبار ولحقته في آخر عمره فاقة فكان يستعطى وتغير ذهنه وفيها القضاعي القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر بن علي بن حكمون المصري الفقيه الشافعي قاضي الديار المصرية ومصنف كتاب الشهاب و كتاب مناقب الأمام الشافعي وأخباره و كتاب الأنباء عن الأنبياء وتواريخ الخلفاء و كتاب خطط مصر قال ابن ماكولا كان متفننا في عدة علوم لم أر بمصر من يجري مجراه وقال في العبر روى عن أبي مسلم الكاتب فمن بعده وذكر السمعاني في الذيل في ترجمة الخطيب البغدادي انه حج سنة خمس وأربعين وأربعمائة وحج تلك السنة القضاعي المذكور وسمع منه الحديث انتهى وتوفي يمصر في ذي الحجة وصلى عليه يوم جمعة بعد العصر (3/293)

294 وفيها المعز بن باديس بن منصور بن بلكين الحميري الصنهاجي صاحب المغرب وكان الحاكم العبيدي قد لقبه شرف الدولة وأرسل له الخلعة والتقليد في سنة سبع وأربعمائة وله تسعة أعوام وكان ملكا جليلا عالي الهمة محبا للعلماء جوادا ممدحا أصيلا في الامرة حسن الديانة حمل أهل مملكته على الاشتغال بمذهب مالك وخلع طاعة العبيديين في أثناء أيامه وخطب لخليفة العراق فجهز المستنصر لحربه جيشا وطال حربهم له وخرجوا حصون برقة وافرايقية وتوفي في شعبان بالبرص وله ست وخمسون سنة قاله في العبر وقال ابن خلكان كان واسطة عقد أهل بينه وكانت حضرته محط الامال وكان مذهب أي حنيفة رضي الله عنه بأفريقية أظهر المذاهب فحمل المعز المذكور جميع أهل المغرب على التمسك بمذهب مالك بن أنس رضي الله عنه وحسم مادة الخلاف في المذاهب واستمر الحال في ذلك إلى الآن وكان المعز يوما جالسا في مجلسه وعنده جماعة من الأدباء وبين يديه أترجة ذات أصابع فأمرهم المعز أن يعملوا فيها شيئا فعمل أبو الحسن بن رشيق القيرواني الشاعر المشهور بيتين ( أترجمة سبطة الأطراف ناعمة * تلقي العيون بحسن غير منحوس ) ( كأنما بسطت كفا لخالقها * تدعو بطول بقاء لابن باديس ) انتهى ملخصا سنة خمس وخمسين وأربعمائة فيها دخل السلطان أبو طالب محمد بن ميكال سلطان الغز المعروف بطغر لبك بغداد فنزلوا في دور الناس وتعرضوا لحرمهم حتى أن قوما من الاتراك صعدوا إلى جامات الحمامات ففتحوها ثم نزلوا فهجموا عليهن وأخذوا من أرادوا منهن وخرج لباقيات عراة ثم في ليلة الاثنين خامس عشر صفر زفت ابنة القائم بأمر الله إلى طغر لبك وضربت لها سرادق من دجلة إلى الدار وضربت البوقات (3/294)

295 عند دخولها إلى الدار فجلست على سرير ملبس بالذهب ودخل السلطان فقبل الأرض وخرج من غير أن يجلس ولم تقم له ولا كشفت برقعها ولا أبصرته وانفذ لها عقدين فاخرين وقطعة ياقوت حمراء ودخل من الغد فقبل الأرض أيضا وجلس على سرير ملبس بالفضة بإزائها ساعة ثم خرج وأنفذ لها جواهر كثيرة وفرجية مكللة بالحب ثم أخرجها معه من بغداد على كره إلى الري قال في العبر وهو أول ملوك السلجوقية وأصلهم من أعمال بخارا وهم أهل عمود أول ما ملك هذا الري ثم نيسابوري ثم أخذ أخوه داود بلخ وغيرهما واقتسما الممالك وملك طغر لبك العراق وقمع الرافضة وزال به شعارهم وكان عادلا في الجملة حليما كريما محافظا على الصلوات يصوم الخميس والاثنين ويعمر المساجد ودخل بابنة القائم وله سبعون سنة وعاش عقما ما بشر بولد ومات بالري وحملواتا بوته فدفنوه بمر وعند قبر أخيه داود بن جعفر بيك انتهى وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء وفي سنة أربع وخمسين زوج الخليفة بنته بطغر لبك بعد أن دافع بكل ممكن وانزعج واستعفى ثم لان الملك برغم منه وهذا أمر لم ينله أحد من ملوك بني بويه مع قهرهم للخلفاء وتحكمهم فيه قلت والان زوج خليفة عصرنا ابنته من واحد من مماليك السلطان فضلا عن السلطان فأنا الله وأنا إليه راجعون ثم قدم طغر لبك في سنة خمس فدخل بابنة الخليفة وأعاد المواريث والمكوس وضمن بغداد بمائة وخمسين ألف دينار ثم رجع إلى الري فمات بها في رمضان فلا عفا الله عنه وأقيم في السلطنة بعده ابن أخيه عضد الدولة الب أرسلان صاحب خراسان وبعث إليه القائم بالخلع والتقليد قال الذهبي هو أول من ذكر بالسلطان على منابر بغداد وبلغ ما لم يبلغه أحد من الملوك وافتتح بلادا كثيرة من بلاد النصاري واستوزر نظام الملك فأبطل ما كان عليه الوزير قبله عميد الملك من سب الأشعرية فانتصر للشافعية وأكرم إمام الحرمين وأبا القسم القيشري وبنى النظامية قيل وهي أول مدرسة بنيت (3/295)

296 للفقاء انتهى كلام السيوطي وطفر لبك بضم الطاء المهملة وسكون الغين المعجمة وضم الراء وسكون اللام وفتح الموحدة وبعدها كاف هو اسم تركي مركب من طغر ل وهو بلغة الترك علم الطائر معروف عندهم وبه سمى الرجل وبك معناه أمير وفيها أحمد بن محمود أبو طاهر الثقفي الأصبهاني المؤدب سمع كتاب العظيمة من أبى الشيخ وما ظهر سماعه منه إلا بعد موته وكان صالحا ثقة سينا كثير الحديث توفي في ربيع الأول وله خمس وتسعون سنة روى عن أبي بكر بن المقرئ وجماعة وفيها سبط بحرويه أبو القسم إبراهيم بن منصور السلمي الكيراني الاصبهاني صالح ثقة عفيف روى عن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الرازي وأبي محمد المخلدي وطبقتهما وكان صوفيا مطبوعا ينوب عن أخيه في الوعظ توفي في ربيع الآخر وقد جاوز الثمانين وفيها محمد بن محمد بن حمدون السلمي أبو بكر النيسابوري آخر من روى عن أبي عمرو بن حمدان توفي في المحرم سنة ست وخمسين وأربعمائة فيها على ما قاله في الشذور غزا السلطان أبو الفتح ملكشاه الروم ودخل بلدا لهم فيه سبعمائة ألف دار والف بيعة ودير فقتل مالا يحصى وأسر خمسمائة ألف وفيها نازل الب أرسلان هراة فأخذها من عمه ولم يؤذه وتسلم الري وسار إلى أذربيجان وجمع الجيوش وغزا الروم فافتتح عدة حصون وهابته الملوك (3/296)

297 وعظم سلطانه وبعد صيته وتوفر الدعاء له لكثرة ما افتتح من بلاد النصاري ثم رجع إلى أصبهان ومنها إلى كرمان وزوج ابنه ملكشاه بابنة خاقان صاحب ما وراء النهر وابنه أرسلان شاه بابنة صاحب غزته فوقع الائتلاف واتفقت الكلمة والله الحمد وفيها توفي الحافظ عبد العزيز بن محمد بن محمد بن عاصم الاستغداد يزي بضم أوله والفوقية وسكون السين المهملة الغين المعجمة ثم مهملتين بينهما ألف ثم تحتية وزاي نسبة إلى استغداد يزة من قر نسف النخشبي ونخشب هي نسف روى عن جعفر المستغفري وابن غيلان وطبقتهما بخراسان وأصبهان والعراق والشام ومات كهلا وكان من كبار الحفاظ الرحالين والأئمة المخرجين المصنفين وفيها أبو القسم عبد الواحد بن علي بن برهان العكبري النحوي صاحب التصانيف قال الخطيب كان مضطلعا بعلوم كثيرة منها النحو واللغة والنسب وأيام العرب والمتقدمين وله أنس شديد بعلم الحديث وقال ابن ماكولا سمع من ابن بطة وذهب بموته علم العربية من بغداد وكان أحد من يعرف الأنساب لم أر مثله وكان فقيها حنفيا أخذ علم الكلام عن أبي الحسين البصري وتقدم فيه وقال ابن الأثير له اختيار في الفقه وكان يمشي في الأسواق مكشوف الرأس ولا يقبل من أحد شيئا مات في جمادي الآخرة وقد جاوز الثمانين وكان يميل إلى أرجاء المعتزلة ويعتقد أن الكفار لا يخلدون في النار قاله في العبر وفيها ابن رشيق القيرواني أبو علي الحسن بن رشيق أحد الأفاضل البلغاء له التصانيف الحسنة منها كتاب العمدة في صناعة الشعر ونقده وعيوبه و كتاب الأنموذج والرسائل الفائقة والنظم الجيد قال ابن بسام في كتاب الذخيرة بلغني انه ولد بالمسيلة وتأدب بها قليلا ثم ارتحل إلى القيروان سنة ست وأربعمائة (3/297)

298 وقال غيره ولد بالمهدية سنة وتسعين وثلثمائة وأبوه مملوك رومى من موالى الازد وكانت صنعة أبيه في بلده المحمدية الصياغة فعلمه أبوه صنعته وقرأ الأدب بالمحمدية وقال الشعر وتاقت نفسه إلى التزيد منه وملاقاة أهل الأدب فرحل إلى القيروان واشتهر بها ومدح صاحبها واتصل بخدمته ولم يزل بها إلى أن هجم العرب القيروان وقتلوا أهلها وأخربوها فانتقل إلى جزيرة صقلية واقام بها إلى أن مات ومات في هذه السنة وقيل سنة ثلاث وستين وأربعمائة وهو الأصح ومن شعره ( احب أخي وان أعرضت عنه * وقل على مسامعه كلامي ) ( ولي في وجهه تقطيب راض * كما قطبت في وجه المدام ) ( ورب تقطب من غير بغض * وبغض كان من تحت ابتسام ) ومن شعره ( يا رب لا اقوي على دفع الأذى * وبك استعنت على الضعيف المؤذي ) ( مالي بعثت إلى ألف بعوضة * وبعثت واحدة إلى نمروذ ) ومن شعره ما حكاه ابن بسام ( أسلمني حب سليمانكم * إلى هوى أيسره القتل ) ( قالت لنا جند ملاحاته * لما بدا ما قالت النمل ) ( قوموا ادخلوا أمسكنكم قبل أن * تحطمكم أعينه النجل ) ومن لطيف شعره ما نقله الدميري ( فكرت ليلة وصلها في صدها * فجرت بقايا أدمعي كالعندم ) ( فطفقت أمسح مقلتي في نحرها * إذا عادة الكافور أمساك الدم ) ومن تصانيفه أيضا قراضة الذهب وهو كتاب لطيف الجرم الكبير الفائدة رحمه الله تعالى وفيها أبو شاكر عبد الواحد بن محمد التجيبي القنبري نزيل بلنسية أجاز له (3/298)

299 أبو محمد بن أبي زيد وسمع من أبي محمد الأصيلي وأبي حفص بن بابك وولى القضاء والخطابة ببلنسية وعمر وفيها أبو محمد بن حزم العلامة على بن احمد بن سعيد بن حزم بن غالب ابن صالج الأموي مولاهم الفارسي الأصل الاندلسي القرطبي الظاهري صاحب المصنفات مات مشردا عن بلده من قبل الدولة ببادية ليلة بفتح اللامين وبينهما موحدة بلدة بالأندلس بقرية له ليومين بقيا من شعبان عن اثنتين وسبعين سنة روى عن أبي عمر بن الجسور ويحيى بن مسعود وخلق أول سماعة سنة تسع وتسعين وثلثمائة وكان إليه المنتهى في الذكاء وحدة الذهن وسعة العلم بالكتاب والسنة والمذاهب والملل والنحل والعربية والآداب والمنطق والشعر مع الصدق والديانة والحشمة والسودد والرياسة والثروة وكثرة الكتب قال الغزالي وجدت في أسماء الله تعالى كتابا لأبي محمد بن حزم يدل على عظم حفظه وسيلان ذهنه وقال ابن صاعد في تاريخه كان ابن حزم أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام وأوسعهم مع توسعه في علم اللسان والبلاغة والشعر والسير والأخبار اخبرني ابينه الفضل انه اجتمع عنده بخط أبيه من تآليفه نحو أربعمائة مجلد قاله في العبر وقال ابن خلطان كان حافظا عالما بعلوم الحديث مستنبطا للأحكام من الكتاب والسنة بعد أن كان الشافعي المذهب فانتقل إلى مذهب أهل الظاهر وكان متفننا في علوم جمة عاملا بعلمه زاهدا في الدنيا بعد الرياسة التي كانت ولأبيه من قبله في الوزارة وتدبير الملك متواضعا ذا فضائل وتآليف كثيرة وجمع من الكتب في علم الحديث والمصنفات والمسندات شيئا كثيرا وسمع سماعا جما وألف في فقه الحديث كتابا سماه كتاب الإيصال إلى الفهم و كتاب الخصال الجامعة نحل شرائع الإسلام في الواجب والحلال والحرام والسنة والإجماع أورد فيه أقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين (3/299)

300 رضي الله عنهم أجمعين وله كتاب في مراتب العلوم وكيفية طلبيها وتعلق بعضها ببعض و كتاب إظهار تبديل اليهود والنصاري التوراة والانجيل وبيان ناقض ما بأيديهم من ذلك مما لا يحتمل التأويل وهاذ معنى لم يسبق إليه وكتاب التقريب بحد المنطق والمدخل إليه بالألفاظ العامية إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة وكان له كتاب صغير سماه نقط العروس جمع فيه كل غريبة ونادرة وقال الحافظ أبو عبد الله محمد بن فتوح ما رأينا مثله مما اجتمع له مع الذكاء وسرعة الحفظ وكرم النفس والتدين وما رأيت من يقول الشعر على البديهة أسرع منه قال أنشدني لنفسه ( لئن أصبحت مرتحلا بجسمي * فروحي عندكم أبدا مقيم )

( ولكن للعيان لطيف معنى * له سأل المعاينة الكليم )

وله

( وذو عذل فيمن سباني بحسنه * يطيل ملامي في الهوى ويقول )
( أفي حسن وجه لاح لم تر غيره * ولم تدر كيف الجسم أنت قتيل ) ( أفي حسن وجه لاح لم تر غيره * ولم تدر كيف الجسم أنت قتيل )
( فقلت له أسرفت في اللوم ظالما * وعندي رد لو أردت طويل ) ( أمل تر أني ظاهري وأنني * على ما بدا حتى يقوم دليل )

وروى له الحافظ الحميدي

( أقمنا ساعة ثم ارتحلنا * وما يغني المشوق وقوف ساعه ) ( كان الشمل لم يك ذا اجتماع * إذا ما شئت البين اجتماعه )

وكان ابن حزم كثير الوقوع في العلماء المتقدمين لا يكاد أحد يسلم من لسانه فنفرت عنه القلوب واستملل من فقهاء وقته فمالوا على بغضه وردوا قوله وأجمعوا على تضليله وشنعوا عليه وحذروا سلاطينهم من فتنة ونهوا عوامهم عن الدنوا إليه والأخذ فأقصته الملوك وشردته عن بلاده وقال ابن العريف كان لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقين انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا

  • وفيها ابن النرسي أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد حسنون البغدادي في صفر عن تسع وثمانين سنة روى في مشيخته عن محمد بن اسمعيل الوراق وطبقته وفيها قتلمش بن إسرائيل بن سلجوق الملك شهاب الدولة وابن عم السلطان طغر لبط كانت له قلاع وحصون بعراق العجم فعصى على قرابته السلطان الب أرسلان ووافقه فقتل في المعركة وهو جد سلاطين الروم السلجوقية وكان بطلا شجاعا وفيها أبو الوليد الدر بندي نسبة إلى دربند باب الأبواب الحسن بن محمد بن علي بن محمد البلخي طوف البلاد وحصل الإسناد وهو حافظ صدوق من المكثرين لكنه ردئ الحفظ بيم المحدثين قاله ابن ناصر الدين وفيها المطرز صاحب المقدمة اللطيفة محمد بن علي بن محمد بن صالح السلمي الدمشقي أبو عبد الله النحوي المقرئ في ربيع الأول روى عن تمام وجماعة أتخر من حدث عنه النسيب في فوائده وفيها أبو سعيد الخشاب محمد بن علي بن محمد النيسابوري المحدث خادم أبي عبد الرحمن السالمي روى عن أبي محمد المخلدي والخفاف وطائفة وفيها عمبد ةالملك الوزير أبو نصر محمد بن منصور الكندري وزير السلطان طغر لبك وكان من رجال العالم حزما ورأيا وشهامة وكرما وقد جب مذاكيره لأمر ثم قتله ألب أرسلان بمرو الروذ في آخر العام وحمل رأسه إلى نيسابور قاله في العبر وقال ابن خلكان أستوزره السلطان طغر لبك السلجوقي ونال عنده الرتبة العالية والمنزلة الجليلة ولم يكن لأحد من أصحابه معه كلام وهو أول وزير كان لهذه الدولة ولو لم تكن له منقبة إلا صحبة إمام الحرمين أبي المعالي الشافعي على ما ذكره ابن السمعاني في ترجمته أبي المعالي المذكور في كتاب الذيل فأنه قال عبد الأطناب في وصف إمام الحرمين وذكر تنقله في

(3/301)

302 البلاد ثم قال وخرج إلى بغداد وصحب العميد الكندري أبا نصر مدة يطرف معه ويلتقي في حضرته بالأكابر من العلماء ويناظرهم حتى تهذب في النظر وشاع ذكر قال ابن خلكان وهذا خلاف ما ذكره شيخنا ابن الأثير في تاريخه في سنة ست وخمسين وأربعمائة فأنه قال ابن الوزير المذكور كان شديد التعصب على الشافعية كثير الوقيعة في الشافعي رضي الله عنه حتى بلغ في تعصبه انه خطب السلطان الب أرسلان السلجوقي في لعن الرافضة على منابر خراسان فأذن له في ذلك فأمر بلنهم وأضاف إليهم الأشعرية فأنف من ذلك أئمة خراسان منهم أبو القسم القشيري وأمام الحرمين الجويني وغيرهما ففارقوا خراسان وأقام إمام الحرمين بمكة أربع سنين يدرس ويفتي فلهذا قيل له أما الحرمين فلما جاءت الدولة النظامية أحضر من انتزج منهم وأكرمهم وأحسن إليهم وقتل انه تاب عن الوقيعة في الشافعي رحمه الله فإن صح فقد أفلح وكان عميد الملك ممدحا مقصدا للشعراء مدحه جماعة من أكابر شعراء عصره منهم الباخرزي وصردر وفيه يقول قصيدته النونية ( أكذا يجازي ود كل قرين * أم هذه شيم الظباء العين ) ( قصوا على حديث من قتل الهوى * أن التأسى روح كل حزين ) ( ولئن كتمتم مشفقين لقد درى * بمصارع العذري والمجنون ) ومنها ( ووراء ذياك المقبل مورد * حصباؤه من لؤلؤ مكنون ) ( أما بيوت النحل بين شفافهم * منضودة أو حانة الزرجون ) ومنها ( وخشيت من قلبي الفرار عليهم * حتى لقد طالبته بضمين ) ومنها ( يا عين مثل قذاك رؤية معشر * عار على ديناهم والدين ) (3/302)

303 ( لم يشبهوا الإنسان إلا انهم * متكونون من الحما المسنون ) ( نجس العيون فان رأتهم مقاتي * طهرتها ونزحت ماء جفوني ) ( أنا أن هم حسبوا الذخائر دونهم * وهم إذا عدوا الفضائل دوني ) ( لا يشمت الحساد أن مطامعي * عادت إلى بصفقة المغبون ) ( لا يستدير البدر إلا بعدما * أبصرته في الضيم كالعرجون ) ( فإذا عميد الملك حلى ربعه * ظفرا بفأل الطائر الميمون ) وهي طويلة طنانة آخرها ( شهدت علاه أن عنصر ذاته * مسك وعنصر غيره من طين ) ولما قام بالمملكة ألب أرسلان أفره على حاله وزاد في إكرامه ورتبته ثم أنه سيره إلى خوارزم شاه ليخطب له ابنته فارجف اعداؤه انه خطبها لنفسه وشاع ذلك بن الناس فبلغ عميد الملك العبر تغير قلب مخدومه عليه فعمد إلى لحيته فحلقها والى مذاكيره فجبها فكان ذلك سبب سلامته من ألب أرسلان وقيل أن السلطان خصاه ثم أن الب ارسلان عزله ونقله إلى مرو الروذ وحبسه في دار وكان في حجرة تلك عياله وكانت له بنت واحدة لا غير فلما احس بالقتل دخل الحجرة وأخرج كفنه وودع عياله وأغلق باب الحجرة وأغتسل وصلى ركعتين وأعطى الذي هم بقتله مائة دينار نيسابورية وقال حقي عليك أن تكفنني في هذا الثوب الذي غسلته في ماء زمزم وقال لجلاده قل للوزير نظام الملك بئس ما فعلت علمت الأتراك قتل الوزراء وأصحاب الديوان ومن حفر مهواة وقع فيها ومن سن سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ورضى بقضاء الله المحتوم وقتل يوم الأربعاء سادس عشرى ذي الحجة وعمره يومئذ نيف وأربعون سنة ومن العجائب انه دفنت مذاكيره بخوارزم وأريق دمه بمرو الروذ ودفن جسده بقرية كندر وجمجمته ودماغه بنيسابور وحشيت جثته بالتبن ونقلت إلى كرمان وفي ذلك عبرة لمن اعتبروا كندر قرية من قرى (3/303)

304 طرثيت من نواحي نيسابور انتهى ملخصا.

457 هـ

سنة سبع وخمسين وأربعمائة فيها دخل السلطان الب أرسلان إلى ما وراء النهر فنازل جند وجده سلجوق مدفون بها فنزل صاحب إلى خدمته فأحسن إليه واقرة بها وفسها توفي أحمد بن محمد بن نعيم عثمان النيسابروي الصوفي روى صحيح البخاري عن محمد بن عمر بن شبة وروى عن أبي طاهر بن خزيمة والمخلدي والكبار وانتقى عليه البهيقي وتوفي بغزته في ربيع الأول وله مائة سنة وزيادة وقد رحل بنفسه في الحديث سنة ثمان وسبعين وثلثمائة سنة ثمان وخمسين وأربعمائة فيها كما قال ابن الأثير وابن اجوزي والذهني والسيوطي ولدت بنت لها رأسان ورقبتان ووجهان على بدن واحد ببغداد بباب الأزح وماتت وفيها كما قال في الشذور ظهر كوكب عيظم كبير له ذؤابة عرضها نحو ثلاثة أذرع وطوله أذرع كثيرة ولبثت ليال كثيرة ثم غاب ثم وقد اشتد نوره كالقمر وبقي عشرة أيام حتى اضمحل ووردت كتب التجار بأنه في الليلة الاخيرة من طلوع هذا الكوكب غرقت ستة وعشرون مركبا وهلك فيها نحو من ثمانية عشر ألف إنسان وكان من جملة المتاع الذي فيها عشرة آلاف طبلة كافور وكانت الزلزلة بخراسان ولبثت أياما فتصدعت منها الجبال وخسف بعدة قرى انتهى وفيها توفي البهيقي الأمام العم أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي الخسر وجردى بضم الخاء المعجمة وسكون السين المهملة وفتح الراء الأولى وكسر الجيم آخره مهملة نسبة إلى خسرو جرد قرية بييهق الشافعي الحافظ صاحب التصانيف قال ابن ناصر الدين كان وحاد زمانه وفرد حفظا وانتقانا وثقة وعمدة وهو (3/304)

305 شيخ خراسان وله السنن الكبرى والصغرى والمعارف و كتاب الأسماء والصفات ودلائل النبوة والآداب والدعوات والترغيب والترهيب والزهد وغير ذلك انتهى وقال في العبر توفي في عاشر جمادى الأولى بنيسابور ونقل تابوته إلى بيهق وعاش أربعا وسبعين سنة لزم الحاكم مدو وأكثر عن أبي الحسن العلوي وهو أكبر شيوخه وسمع ببغداد من هلال الحفار وبمكة والكوفة وبلغت تصانيفه ألف جزء ونفع الله بها المسلمين شرقا وغربا بالأمانة الرجل ودينه وفضله وإتقانه فالله يرحمه انتهى وقال ابن قاضي شبهة قال عبد الغافر في الدلائل كان علي سيرة العلماء قانعا من الدنيا باليسير متجملا في زهده وورعه وذكر غيره انه سرد الصوم ثلاثين سنة وقال إمام الحرمين ما من شافعي إلا وللشافعي عليه منة إلا البيهقي فان له على الشافعي منه لتصانيفه في نصرة مذهبه ومن تصانيفه المبسوط في جميع نصوص الشافعي منة لتصانيفه في نصرة مذهبه ومن تصانيفه المبسوط في جميع نصوص الشافعي و كتاب الخلاف وكتاب دلائل النبوة و كتاب البعث والنشور ومناقب الشافعي ومناقب أحمد و كتاب الاعتقاد مجلد وغير ذلك من المصنفات الجامعة المفيدة انتهى ملخصا وقال ابن خلكان وهو أول من جمع نصوص الشافعي في عشر مجلدات وكان أكثر الناس نصرا لمذهب الشافعي وطلب إلى نيسابور لنشر العلم فأجاب وانتقل إليها انتهى ملخصا أيضا وفيها عبد الرزاق بن عمر بن شمامة أبو الطيب الأصفهاني التاجر روى عن ابن المفرئ وفيها أبو الحسن بن سيدة علي بن إسماعيل المرسي العلامة صاحب المحكم في اللغة وكان أعمى ابن أعمى رأسا في العربية حجة في نقلها قال أبو عمر الطلمنكي أتوني بمرسية ليسمعوا مني غريب المصنف فقلت أنظروا من يقرأ لكم فأتوني برجل أعمى هو ابن سيدة فقرأه من حفظه فعجبت قال ابن خلكان كان إماما في اللغة والعربية حافظا لهما وقد جمع في ذلك جموعا من ذلك كتاب (3/305)

306 المحكم في اللغة وهو كتاب كبير جامع مشتمل على أنواع اللغة وله كتاب المخصص في اللغة أيضا وهو كبير و كتاب الانيق في شرح الحماسة في ست مجلدات وغير ذلك من المصنفات وكان ضريرا وأبوه ضريرا وكان أبوه أيضا قيما بعلم اللغة وعليه اشتمل ولده في أول أمره ثم على أبي العلاء صاعد البغدادي وقرأ على أبي عمر الطلمنكي وتوفي بحضرة دانية عشية يوم الأحد سادس عشرى جمادي الآخرة وعمره ستون سنة أو نحوها رأيت على ظهر مجلد بخط بعض فضلاء الأندلس ابن ابن سيده المذكور كان يوم الجمعة قبل يوم الأحد المذكور صحيحا سويا إلى وقت صلاة المغرب فدخل المتوضأ فأخرج منه وقد سقط لسانه وانقطع كلامه فبقى على تلك الحال إلى العصر من يوم الأحد ثم توفي رحمه الله وسيده بكسر السين المهملة وسكون التحتية وفتح الدال المهملة وبعدها هاء ساكنة والمرسى بضم الميم وسكون الراء وبعدها سين مهملة نسبة إلى مرسية ومفي شرق الأندلس انتهى ملخصا وفيها العبادي القاضي أبو عاصم محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله ابن عباد الهروي شيخ الشافعية وصاحب التصانيف تفقه على القاضي أبي منصور الازدي وبيسابور على أبي عمر البسطامي وكان دقيق النظر أماما واسع العلم له المبسوط وأدب القاضي والهادي و كتاب المياه و كتاب الأطعمة و كتاب الزيادات وزيادات الزيادات و كتاب طبقات الفقهاء وأخذ عنه أبو سعيد الهروس وولده أبو الحسن العبادي وغيرهما قال أبو سعد السمعاني كان إماما ثبتا مناظرا دقيق النظر سمع الكثير وتفقه وصنف كتبا في الفقه مات في شوال وفيها أبو يعلي بن الفراء شيخ الحنابلة القاضي الحبر محمد بن الحسين بن محمد ابن خلف البغدادي صاحب التصانيف وفقيه العصر كان إماما لا يدرك قراره ولا يشق غباره عاش ثمانيا وسبعين سنة وحدث عن أبي الحربي والمخلص وطبقتهما وأملى عدة مجالس وولى قضاء الحريم وتوفي في تاسع عشر رمضان (3/306)

307 وتفقه على أبي عبد اللع بن حامد وغيره وجميع الطائفةة معترفون بفضله ومغترفون من بحره قال في العبر سنة تسع وخمسين وأربعمائة في ذي القعد منها فرغت المدية النظامية والتي أنشأها نظام الملك ببغداد وقرر لتدريسها الشيخ أبا اسحق واجتمع الناس فلم يحضر لأنه لقيه صبي فقال كيف تدرس في مكان مغضوب فاختفى فلما أيسوا من حضوره درس ابن الصباغ مصنف الشامل فلما وصل الخبر إلى الوزير أقام القيامة على العميد أبي سعيد فلم يزل يرفق بأبي اسحق حتى درس بها ولكنه كان يصلي في غيرها لعلمه أن أكثر آلاتها غصب وفيها توفي ابن طوق أبو نصر أحمد بن عبد الباقي بن الحسن الموصلي الراوي عن نصر المرجي صاحب أبي يعلي توفي بالموصل في رمضان وله سبع وسبعون سنة وفها أبو بكر أحمد بن منصور بن خلف المغربي ثم النيسابوري روى عن أبي الفضل بن خزيمة وطائفة وتوفي في رمضان وكان بزازا وفيها أبو القسم الحنائي صاحب الأجزاء الحنائيات الحسين بن محمد بن إبراهيم الدمشقي المعدل الصالح وله ثمانون سنة روى عن عبد الوهاب الكلابي والحسن بن محمد بن درستويه وطائفة وفيها أبو مسلم الأصبهاني الأديب المفسر المعتزلي محمد بن علي بن محمد آخر أصحاب ابن المقرئ موتا له تفسير في عشرين مجلدا توفي في جمادي الآخرة وله ثلاث وتسعون سنة قاله في العبر (3/307)

308 سنة ستين وأربعمائة فيها على ما قال ابن الأثير وابن الجوزى واللفظ له كانت زلزلة بفلسطين وغيرها أهلكت من أهل الرملة خمسة آلفا ووقعت شرا فتان من مسجد رسول الله وانشقت الأرض عن كنوز من المال وانشقت صخرة بيت المقدس ثم عادت فالتأمت وغار البحر من الساحل مسيرة يوم وساح في البرد ودخل الناس إلى أرضه يلتقطون فرجع عليهم فأهلك خلقا كثيرا منهم وبلغت هذه الزلزلة إلى الرحبة والكوفة وفيها توفي الباطرقاني بكسر الطاء المهملة وسكون الراء بالقاف نسبة إلى باطرقان من قرى أصبهان أبو بكر أحمد بن الضفل الأصبهاني المقرئ الأستاذ توفي في صفر عن ثمان وثمانين سنة وله مصنفات في القراءات وكان صاحب حديث وحفظ روى عن أبي عبد الله نب منده وطبقته وفيها ابن القطان أبو عمر بن محمد بن عيسى القرطبي المالكي رئيس المفتين بالأندلس وله سبعون سنة روى عن يونس بن عبد الله القاضي وجماعة وفيها خديجة بنت محمد بن علي الشاهجانية الواعظة ببغداد كتبت بخطها عن جماعة وتوفيت في المحرم عن أربع وثمانين سنة وفسها عائشة بنت الحسن المور كانية الأصبهانية روت عن أبي عبد الله ابن منده وفيها عبد الدائم بن الحسين الهلالي الحوراني ثم الدمشقي آخر أصحاب عبد الوهاب الكلابي عن ثمانين سنة سنة إحدى وستين وأربعمائة في نصف شعبان مناه احترق جامع دمشق كله من حرب وقع بين الدولة (3/308)

309 فضربوا بالنار دارا مجاورة للجامع فقضى الأمر واشتد الخطب وأتى الحريق على سائره ودثرت محاسنه وانقضت مدة ملاحته قال في العبر وفيها توفي الفوراني أبو القسم عبد الرحمن بن محمد بن فوران بالضم المروزي شيخ الشافعية وتلميذ القفال وذو التصانيف الكثيرة وعنه أخذ أبو سعيد المتولي صاحب التتمة وكان صاحب النهاية يحط على الفوراني بلا حجة قال الأسنوي تفقه على القفال وبرع حتى صار شيخ الشافعية وصنف الإبانة وهو كتاب معروف كثير الوجود والعميد وهو غريب عزيز الوجود انتهى ملخصا وفيها عبد الرحيم التميمي بن أحمد البخاري الحافظ أبو زكريا ذو الرحلة الواسعة سمع ببخارا من الحليمي وبخراسان من أبي يعلي المهلبي وبدمشق من تمام وبمصر من عبد الغني وببغداد من أبي عمر بن مهدي قال ابن ناصر الدين كان من الحفاظ الثقات والرحالين الإثبات انتهى وعاش تسعا وسبعين سنة وفيها أبو الحسين محمد بن مكي بن عثمان الأزدي المصري روى بمصر ودمشق عن أبي الحسن الحلبي ومحمد بن أحمد الأخميمي وطبقتهما وتوفي في جمادي الأولى بمصر وله ست وسبعون سنة ووثقه الكتاني وغيره وفيها مقرئ مصر أبو الحسين نصر بن عبد العزيز الفارسي الشيرازي شيخ ابن الفحام قرأ القراءات على السوسنجردى وابن الحمامي وجماعة وروى الحديث عن أبي الحسين بشران وحدث عنه دوزبة بن موسى سنة اثنتين وستين وأربعمائة فيها كما قال في الشذور كانت زلزلة بالرملة فذهب أكثرها وعم ذلك بيت المقدس وانخسفت إيلة كلها وانجفل وقت الزلزلة حتى انكشفت أرضه ثم عاد انتهى (3/309)

310 وفيها كما قال في العبر نزلت جيوش الروم فنزلوا على منبج واستباحوها وأسرعوا الكرة لفرط القحط ابيع فيهم رطل الخبز بدينار وفيها أقيمت الخطبة العباسية بالحجاز وقطعت خطبة المصريين لاشتغالهم بماهم فيه من القحط والوباء الذي لم يسمع في الدهور بمثله وكان الخراب يستولي على وادي مصر حتى أن صاحب مرآة الزمان نقل أن امرأة خرجت وبيدها مد جوهر فقالت من يأخذه بمد بر فلم يلتفت إليها أحد فألقته في الطريق وقالت هذا ما نفعني وقت الحاجة فلا أريده فلم يلتفت أحد إليه وفيها توفي القاضي الحسين بن محمد بن أحمد أبو علي المرور وذي شيخ الشافعية في زمانه واحد أصحاب الوجوه تفقه على أبي بكر القفال وهو والشيخ أبو علي أنجب تلامذته وروى عن أبي نعيم الاسفراييني قال عبد الغافر كان فقه خراسان وكان عصره تاريخا به وقال الرافعي في التذنيب انه كان كبيرا غواصا في الدقائق من الأصحاب الغر الميامين وكان يلقب بحبر الأمة وقال النووي في تهذيبه وله التغليق الكبير وما أجزل فوائده وأكثر فروعه المستفادة وله الفتاوي المشهورة و كتاب أسرار الفقه وغير ذلك وممن أخذ عنه أبو سعيد المتولي والبغوي قال ويقال أن أبا المعالي تفقه عليه أيضا ومتى أطلق القاضي في كتب متأخري المراوزة فالمراد المذكور وقال ابن الأهدل متى أطلق القاضي في فروع الشافعية فهو هو وفي كتب أصول اله السنة فهو الباقلاني وإذا قالوا القاضيان فهو هو وعبد الجبار المعتزلي وإذا قالوا الشيخ فهو أبو الحسن الأشعري وإذا أطلقته الفقهاء فهو أبو محمد الجويني والد اثنتان وثمانون سنة ولم يكن بالعراق أعلم منه باللغة روى عن أحمد بن عبيد ين يبري وطبقته (3/310)

311 وفيها شعبة النسفي الحافظ أبو الليث أحمد بن جعفر بن مدني بن عيسى بن عدنان بن محمود النسفي الكائني الملقب شعبة ختن الأمام جعفر المستغفري وهو الذي بشعبة لقبه لما رأى من حذقه وحفظه وأعجبه سمع وهو شاب بسمر قندي الكثير وحدث بها وهو شيخ كبير وذكره في حفاظ سمر قند أبو حفص النسفي في كتابه القند ابن ناصر الدين وفيها أبو عبد الله محمد بن عتاب الجذامي مولاهم المالكي مفتي قرطبة وعالمها ومحدثها ورعها توفي في صفر ومشي في جنازت احمد بن عباد وله تسع وسبعون سنة روى عن أبي المطرف القنازعي وخلق سنة ثلاث وستين وأربعمائة فيها كما قال ابن الأهدل خرج أرمانوس في مائتي ألف فارس من الروم والفرنج والكنرج بالزاي والجيم وأرسل إليه السلطان ألب أرسلان يريد المهادنة فأبى فاستعد للشهادة وعهد إلى ولده ملكشاه ثم حمل عليهم في خمسة عشر ألف فارس فأعطاه الله النصر وقتل ما لا يحصى وأسر كثيرا وجيء بملكهم إلى بين يديه فضربه بيده ثم فاداه بألف ألف وخمسمائه سنة وزوده عشرة آلاف دينار انتهى وفيها توفي أبو حامد الأزهري أحمد بن الحسن بن محمد بن الحسن بن الأزهر النيسابوري الشروطي الثقة روى عن محمد المخلدي وجماعة ومات في رجب عن تسع وثمانين سنة وأخر أصحابه وجيه وفيها أبو بكر الخطيب أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي البغدادي الحافظ أحد الأئمة الأعلام وصاحب التآليف المنتشرة في الإسلام ولد في جمادي الآخرة سنة اثنتين وتسعين وثلثمائة وسمع أول سنة ثلاث وأربعمائة وتفقه في (3/311)

312 مذهب الشافعي على القاضي أبي الطيب الطبري وأبي الحسن المحاملى وغيرهما وروى عن أبي عمر بن مهدي وابن الصلت الأهوازي وطبقتهما قال ابن ماكولا كان أحد الأعيان ممن شاهدناه معرفة وحفظا واثباتا وضبطا لحديث رسول الله وتفننا في علله وأسانيده وعلما بصحيحه وغريبه وفرده ومنكرع قال ولم يكن للبغداديين بعد الدار قطني مثله ابن السمعاني كان مهيبا وقروا ثقة متحريا حجة حسن الحظ كثير الضبط فصيحا ختم به الحافظ وقال غيره كان يتلو في كل يوم وليلة ختمه وكان حسن القراءة جهورى الصوت وله تاريخ بغداد الذي لم يصنف مثله وقال ابن الأهدل تصانيفه قريب من مائة مصنف في اللغة وبرع فيه ثم غلب عليه الحديث والتاريخ وكان الشيخ أبو اسحق يراجعه في الحديث ويعمل بقوله وحمل نعشه يوم مات وكان أبو بكر بن أزهر الصوفي قد أعد لنفسه إلى جانب قبر بشر الحافي وكان يبيت فيه في الاسبوع مرة ويقرأ فيه القرآن كله وكان الخطيب قد أوصى أن يدفن إلى جانب بشر الحافي فسال المحدثون ابن أزهر أن يؤثرهم بقبره للخطيب فامتنع فألح عليه الشيخ أبو سعيد الصوفي فسمح فدفن فيه الخطيب وكان قد تصدق بجميع ماله وهو مائتا دينار على العلماء والفقراء وأوصى أن يتصدق بثيابه ووقف كتبه على المسلمين ولم يكن له عقب انتهى وفيها ابن زيدون شاعر الأندلس أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب بن زيدون المخزومي الأندلس القرطبي الشار المشهور قال ابن بسام صاحب الذخيرة في حقه كان أبو الوليد غاية منثور ومنظوم وخاتمة شعراء بني مخزوم أحد من جر الأيام جرا وفات الأنام طرا وصرف السلطان نفعا وضرا ووسع البيان نظما ونثرا إلى أدب ليس للبحر تدفقه ولا للبدر تألقه وشعر ليس للسحر بيانه ولا للنجوم الزهر اقترانه وخط من النثر غريب المباني شعري الألفاظ والمعاني وكنا من أبناء وجوه الفقهاء بقرطبة وبرع أدبه وجاد (3/312)

313 شعره وعلا شأنه وأنطلق لسانه ثم انتقل من قرطبة إلى المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية سنة إحدى وأربعين فجعله من خاوصه يجالسه في خلواته ويركن إلى إشاراته وكان معه في صورة وزير وذكر له شيئا كثيرا من الرسائل والنظم فمن ذلك قوله ( بيني وبينك ما لو شئت لم يضع * سر إذا ذاعت الأسرار لم يذع ) ( يا بايعا حظه مني ولو بذلت * لي الحياة بخطى منه لم أبع ) ( يكفيك أنك أن حملت قلبي ما * لا تستطيع قلوب الناس يستطع ) ( ته واحتمل واستطل اصبر وعزاهن * وول أقبل وقل اسمع ومر أطع ) ومن شعره ( ودع الصبر محب ودعك * ذائع من سره ما استودعك ) ( يقرع السن على أن لم يكن * زاد في تلك الخطا إذا شيعك ) ( يا أخا ابدر سناء وسنا * حفظ الله زمانا أطلعك ) ( أن يطل بعدك ليلى فلكم * بت أشكو قصر الليل معك ) وله القصائد الطنانة ومن بديع قصائده القصيدة النونية التي منها ( نكاد حين تناجيكم ضمائرنا * يقضي علينا الأسى لولا تأسين ) ( حالت لبعدكم أيامنا فغدت * سودا وكانت بكم بيضا ليالينا ) ( بالأمس كنا ولا نخشي تفرقنا * واليوم نحن وما يرجي تلاقينا ) وهو طويلة كل أبياتها نخب وله في ولادة الرسالة الطنانة وكذا الرسالة الجهورية وشرح كل من رسالتيه هاتين وما جرياته مع ابن جهور لما حبسه وفر منه بعد أن استعطفه لكل ممكن فلم يطلقه مشهورة فلا نطيل بها وفيها أبو علي حسان بن سعيد المنيعي نسبة إلى منيع جد كان حسان هذا رئيس مرو الروذ الذي عم خراسان ببره وافضاله وأنشأ الجامع المنيعي وكان يكسي في العام نحو ألف نفس وكان أعظم من وزير رحمه الله روى عن أبي (3/313)

314 طاهر بن محمش وجماعة وكان خطيب جامعه أمام الحرمين واصل ماله من التجارة حتى قال السلطان في مملكتي من لا يخافني وإنما الله عز وجل يعنيه وكان على قدم من الجد والاجتهاد والمعرفة روى عنه البغوي وجماعة قال الاسنائي هو من ذرية خالد بن الوليد رضي الله عنه وفيها أبو عمر المليجي بالفتح والتحتية نسبة إلى مليج بلد بمصر عبد الواحد ابن أحمد بن أبي القسم الهروي المحدث راوي الصحيح عن النعيمي في جمادي الآخرة وله ست وتسعون سنة سمع بنيسابور من المخلدي وأبي الحسين الخفاف وجماعة وكان صالحا أكثر عنه محي السنة وفيع كريمة بنت أحمد بن محمد بن حاتم أم الكرام المروزية المجاورة بمكة روت الصحيح عن الكشميهني وروت عن زاهر السرخسي وكانت تضبط كتابها وتقابل بنسخها لهم فهم ونباهة وما تزوجت قط وقيل إنها لغت المائة قاله في العبر وعدها ابن الأهدل من الحفاظ وفيها أبو العنايم بن الدجاجي محمد بن علي البغدادي روى عن علي بن عمر الحربي وابن معروف وجماعة توفي في شعبان وله ثلاث وثمانون سنة وفيها أبو علي محمد بن وشاح الزينبي روى عن أبي حفص بن شاهين وجماعة قال الخطيب كان معتزليا وقال في العبر توفي في رجب وفيها العلامة العلم الحافظ أبو عمر بن عبد البر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي أحد الأعلام وصاحب التصانيف توفي في سلخ ربيع الآخر وله خمس وتسعون سنة وخمسة أيام روى عن سعيد ابن نصر وعبد الله بن أسد وابن صيفون وأجاز له من مصر أبو الفتح بن سيبخت الذي يروي عن أبي القسم البغوي وليس لأهل المغرب أحفظ منه مع (3/314)

315 الثقة والدين والنزاهة والتبحر في الفقه والعربية والأخبار قاله في العبر وقال ابن خلكان إمام عصره في الحديث والاثر وما يتعلق بهما روى بقرطبة عن أبي القسم خلف بن القسم الحافظ وأبي عمر الباجي وأبي عمر الطلمنكي وأضعافهم وكتب إليه من أهل المشرق أبو القسم السقطي المكلي وعبد الغني بن سعيد الحافظ وأبو ذر الهروي وغيرهم قال القاضي علي بن سكرة سمعت شيخنا القاضي أبا الوليد الباجي يقول لم يكن بالأندلس مثل أبي عمر بن عبد البر في الحديث قال الباجي أيضا أبو عمرا احفظ اله المغرب وقال أبو علي الحسين الغساني الأندلسي ابن عبد البر شيخنا من أهل قرطبة بها طلب العلم وتفقه ولزم أبا عمر وأحمد بن عبد الملك الفقيه الإشبيلي وكتب بين يديه ولزم أبا الوليد بن الفرضي الحافظ وعنه أخذ كثيرا من علم الحديث ودأب في طلب العلم وتفنن فيه وبرع براعة فاق فيها من تقدمه من رجال الأندلس وألف في الموطأ كتبا مفيدة منها كتاب التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ورتب أسماء شيوخ مالك على حروف المعجم وهو كتاب لم يتقدمه أحد إلى مثله وهو سبعون جزءا قال أبو محمد بن حزم لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله فكيف أحسن منه ثم وضع كتاب الأستذكار لمذاب علماء الامصار فيما تضمنه الموطأ من المعاني والآثار شرح فيه الموطأ على وجهه ونسق أبوابه وجمع في أسماء الصحابة به كتابا جليلا مفيدا سماه الاستيعاب وله كتاب جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله و كتاب الدرر في اختصار المغازي والسير و كتاب العقل والعقلاء وما جاء في أوصافهم وكتاب صغير في القبائل العرب وأنسابهم وغير ذلك وكان موفقا في التأليف معانا عليه ونفع الله به وكان مع تقدمه في علم الأثر وبصره في الفقه ومعاني الحديث له بسطة كبيرة في علم النسب وفارق قرطبة وجال في غرب الأندلس وسكن دانية من (3/315)

316 بلادها وبلنسية وشاطبة في أوقات مختلفة وتولى قضاء الأشبون وشنترين في أيام ملكها المظفر بن الأفطس وصنف كتاب بهجة المجالس وأنس المجالس في ثلاثة أسفار جمع فيه أشياء مستحسنة تصلح للمذاكرة والمحاضرة انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا وذكر ابن عبد البر المذكور والده أبا محمد عبد الله بن محمد بن عبد البر وأنه توفي في شهر ربيع الآخر سنة ثمانين وثلثمائة رحمه الله وكان ولده أبو محمد عبد الله بن يوسف من أهل الأدب البارع والبلاغة وله رسائل وشعر فمن شعره ( لا تكثرن تأملا * وأحبس عليك عنان طرفك ) ( فلربما أرسلته * فرماك في ميدان حتفك ) قيل انه مات سنة ثمان وخمسين وأربعائة سنة أربع وستين وأربعمائة فيها توفي أبو الحسين جابر بن يس البغدادي الحنائي روى عن أبي حفص الكتاني والمخلص وفيها المعتضد بالله أبو عمر وعباد بن القاضي محمد بن اسمعيل بن عباد اللخمي صاحب إشبيلية ولى بعد أبيه وكان شهما مهيبا صارما ذا هيبة مقداما جرى على سنن أبيه ثم تلقب بأمير المؤمنين وقتل جماعة صبرا وصادر آخرين ودانت له الملوك قاله في العبر وقال ابن خلكان قال أبو الحسن علي بن بسام صاحب الذخيرة في حقه ثم افضى الأمر بعد محمد القاضي إلى عباد سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة وتسمى أولا بفخر الدولة ثم بالمعتضد قطب رحى الفتنة ومنتهى غاية المحنة ناهيك من رجل لم يثبت له قائم ولا حصيد ولا سلم منه قريب ولا بعيد جبار أبرم الأمر وهو متناقض وأسد فرس الطلا وهو رابض مشهور (3/316)

317 يتحاماه الدهاه وجبار لا تأمنه الكماه متعسف اهتدى ومنبت قطع فما أبقى ضبط شأنه بين قائم وقاعد حتى طالت يده واتسع بلده وكثر عديده وعدده وكان قد أوتى أيضا من جمال الصورة وتمام الخلقة وفخامة الهيئة وسباط البنان وثقوب الذهن وحضور الخاطر وصدق الحدس ما فاق على نظرائه ونظر مع ذلك في الأدب قبل ميل الهوى به إلى طلب السلطان أدنى نظر بأذكى طبع حصل لثقوب ذهنه على قطعة وافرة علقها من غير تعمد لها ولا أمعان في غمارها ولا أكثار من مطالعتها ولا منافسة في اقتناء صحائفها أعطته سجيته على ذلك ما شاء من تحبير الكلام وقرض قطعا من الشعر وهي في معان أمدته فيها الطبيعة وبلغ فيها الإرادة واكتتبها الأدباء للبراعة جمع هذه الخلال الظاهرة إلى جود كف بارى السحاب بها وأخبار المعتضد في جميع انحائه وضروب أفعاله بديعة وكان ذا كلف بالنساء فاستوسع في اتخاذهن وخلط في أجناسهن فانتهى في ذلك إلى مدى لم يبلغه أحد من نظرائه ففشا نسله لتوسعته في النكاح وقوته عليه فذكر انه كان له من الولد نحو العشرين ذكورا ومن الإناث مثلهم واورد له عدة مقاطيع فمن ذلك قوله ( شربنا وجفن الليل يغسل كحله * بماء صباح والنسيم رقيق ) ( معتقة كالتبر أما بخارها * فضخم واما جسمها فدقيق ) ولولده المعتمد فيه من جملة أبيات ( سميدع يهب الآلاف متبديا * ويستقل عطاياه ويعتذر ) ( له يد كل جبار يقلبها * لولا نداها لقلنا إنها الحجر ) ولم يزل في عز سلطانه واغتنام مساره حتى أصابته علة الذبحة فلم تطل مدتها ولما أحسن بتداني حمامه استدعى مغنيا يغنيه ليجعل ما يبدأ به فالأول فأول ما غنى ( نطوي الليالي علما أن ستطوينا * فشعشعيها بماء المزن واسقينا ) فتطير من ذلك ولم يعش بعده سوى خمسة أيام وقبل انه ما غنى منها إلا خمسة (3/317)

318 آبيات وتوفي يوم الاثنين غرة جمادي الآخرة ودفن ثاني يوم بمدينة إشبيلية وقام بالمملكة بعده ولده أبو القسم محمد انتهى ملخصا وفيها ابن حيدر أبو منصور بكر بن محمد بن محمد بن علي بن حيدر النيسابوري التاجر ويلقب بالشيخ المؤتمن روى عن أبي الحسين الخفاف وجماعة وكان ثقة حدث بخراسان والعراق وتوفي في صفر سنة خمس وستين وأربعمائة فيها كما قال السيوطي في تاريخ الخلفاء اشتد الغلاء بمصر حتى أكلت امرأة رغيفا بألف دينار انتهى وفيها قتل أبو شجاع محمد بن جعرى بك داود بن مكائيل بن سلجوق بن دقاق الملقب عضد الدولة ألب أرسلان وهو ابن أخي السلطان طغر بك وتقدم ذكره واستولى ألب أرسلان على الممالك بعد عمه طغر بك وعظمت مملكته ورهبت سطوته وفتح من البلاد ما لم يكن لعمه مع سعة ملك عمه فقصد هذا بلاد الشام فانتهى إلى مدينة حلب وصاحبها يومئذ محمود بن نصر بن صاح بن برداس الكلابي فحاصره مدة ثم جرت المصالحة بينهما فقال ألب أرسلان لا بد له من دوس بساطى فخرج إليه محمود ذليلا ومعه أمه فتلقاهما بالجميل وخلع عليهما وأعادهما إلى البلد ورحل عنهما قال المأموني في تاريخه قيل انه لم يعبر الفرات في قديم الزمان ولا حديثه في الإسلام ملك تركي قبل ألب أرسلان فانه أول من عبرها من ملوك الترك ولما عاد عزم على قصد بلاد الترك وقد كمل عسكره مائتي ألف فارس أو يزيدون فمر على جيحون في سادس ربيع الأول يقال لها فربر ولتلك البليدة حصن على شاطئ جيحون في سادس ربيع الأول من هذه السنة فاحتضر إليه أصحابه مستحفظ يقال له يوسف الخوارزمي كان (3/318)

319 قد ارتكب جريمة في أمر الحسن فحمل مقيدا فلما قرب منه أن تضرب له أربعة أوتاد لتشد أطرافه الأربعة إليها ويعذبه ثم يقتله فقال له يوسف يا مخنث مثلي يقتل هذه القتلة فاحتد السلطان وأخذ القوس والنشابة وقال حلوه من قيوده فحل فرماه فأخطأه وكان مدلا برميه فلام يخطئ فيه وكان جالسا على سريره فينزل فعثر ووقع على وجهه فبادره يوسف المذكور وضربه بسكين كانت معه في خاصرته فوثب عليه فارس أمرني فضربه في رأسه بمرزبة فقتله فانتقل ألب أرسلان إلى خيمة أخرى مجروحا وأحضر وزيره نظام الملك وأوصى به إليه وجعل ولده ملكشاه أبو شجاع محمد ولي عهده ثم توفي يوم السبت عاشر الشهر المذكور وكانت ولادته سنة أربع وعشرين وأربعمائة وكانت مدة مملكته تسع سنين وشاهر ونقل إلى مرو ودفن عند قبر أبيه داود وعمه وطغر لبك ولم يدخل بغداد ولا رآها مع إنها كانت داخلة في مملكته وهو الذي بنى على قبر الأمام أبي حنيفة رضي الله عنه القبة وبني بغداد مدرسة أنفق عليها أموالا عظيمة وألب أرسلان بفتح الهمزة وسكون اللام وبعدها باء موحدة اسم تركي معناه شجاع أسد فالب شجاع وأرسلان أسد وقال في العبر كان ألب أرسلان في آخر دولته من أعدل الناس وأحسنهم سيرة وأرغبهم في الجهاد وفي نصر الإسلام وكان أهل سمر قند قد خافوه وابتهلوا إلى الله وقرأوا الختم ليكفيهم أمر ألب أرسلان فكفوا انتهى ملخصا وفيها ابن المأمون أبو الغنائم عبد الصمد بن علي بن محمد الهاشمي العباسي البغدادي في شوال وله تسع وثمانون سنة سمع جده أبا الفضل بن المأمون والدار قطني وجماعة قال أبو سعد السمعاني كان ثقة نبيلا مهيبا تعلوه سكينة ووقار رحمه الله وفيها أبو القسم القيشري عبد الكريم بن هوزان النيسابوري الصوفي (3/319)

320 الزاهد شيخ خراسان وأستاذ الجماعة ومصنف الرسالة توفي في ربيع الآخر وله تسعون سنة روى عن أبي الحسين الخفاف وأبي نعيم وطائفة قال أبو سعد السمعاني لم ير أبو القسم مثل نفسه في كماله وبراعته جمع بين الشريعة والحقيقة رحمه الله قاله في العبر وقال السخاوي عبد الكريم بن هوزان بن عبد الملك ابن طلحة بن محمد القيشري أبو القسم المفسر المحدث الفقيه الشافعي المتكلم الأصولي الأديب النحوي الكاتب الشاعر الصوفي لسان عصره وسيد وقته سيد لم ير مثل نفسه في كماله وبراعته جمع بين علمي الشريعة والحقيقة وصنف التفسير الكبير قبل العشر والاربعمائة وخرج في رفقه إلى الحج فيها الإمام أبو محمد الجويني وأحمد بن الحسين البهيقي الأمام وكان أملح خلق الله وأظرفهم شمائل ولد سنة ست وسبعين وثلثمائة في ربيع الأول وتوفي في صبيحة يوم الأحد قبل طلوع الشمس سادس عشر ربيع الآخر ودفن في المدرسة بجانب شيخه أبي علي الدقاق ولامس أحد ثيابه ولا كتبه ولا دخل بيته إلا بعد سنين احتراما وتعظيما له قال السبكي ومن تصانيفه التفسير الكبير وهو من أجود التفاسير وأوضحها والرسالة المشهورة المباركة التي قل ما تكون في بيت وينكب والتحبير في التذكير وأدب الصوفية ولطائف الاشارات و كتاب الجواهر وعيون الأجوبة في أصول الأسئلة و كتاب نكت أولى النهى و كتاب أحكام السماع وغير ذلك ومن شعره ( لا تدع خدمة الأكابر وأعلم * أن في عشرة الصغار الصغارا ) ( وابغ من في يمينه لك يمن * وترى في اليسار منه اليسارا ) انتهى ملخصا وقال ابن خلكان توفي أبوه وهو صغير وقرأ الأدب في صباه وكانت له قرية مثقلة الخراج بنواحي استوا فرأى من الرأي أن يحضر إلى نيسابور يتعلم طرفا من الحساب ليتولى الاستيفاء ويحمي القرية من الخراج فحضر نيسابور على هذا العزم فاتفق حضوره مجلس الشيخ أبي علي الحسين (3/320)

321 ابن علي النيسابوري المعروف بالدقاق وأقبل عليه وتفرس يه النجابة وجذبه بهمته وأشار عليه بالأشتغال بالعلم فخرج إلى درس أبي بكر محمد بن أبي بكر الطوسي وشرع في الفقه حتى فرغ من تعليقه ثم اختلف إلى الأستاذ أبي اسحق الاسفرائيني وقعد يسمع درسه أياما فقال له الأستاذ هذا العلم لا يحصل بالسماع ولا بد من الضبط بالمتابة فاعاج عليه جميع ما سمعه في تلك الأيام فعجب منه وعرف محله أكرمه وقال هل ما تحتاج إلى درس بل يكفيك أن تطالع مصنفاتي فقعد وجمع بين طريقته وطريقة ابن فورك ثم نظر في كتب القاضي أبي بكر الباقلاني وهو مع ذلك يحضر مجلس أبي علي الدقاق وزوجة ابنته مع كثيرة أقاربها وبعد وفاة أبي علي سلك مسلك المجاهدة والتجريد وأخذ في التصنيف وسمع من جماعة مشاهير الحديث ببغداد والحجاز وكان له في الفروسية واستعمال السلاح يد بيضاء واما مجالس الوعظ والتذكير فهو أمامها وعقد لنفسه مجلس الإملاء في الحديث سنة سبع وثلاثين وأربعمائة وذكره الباخرزي في كتاب ديمة القصر فقال لو قرع الصخر بسوط تحذيره لذاب ولو ربط إبيلس في مجلسه لتاب وذكره الخطيب في تاريخه وقال قدم علينا يعنى إلى بغداد في سنة ثمان وأربعين وحدث ببغداد وكتبنا عنه وكان ثقة وكان يقص وكان حسن الموعظة مليح الإشارة وكان يعرف الأصول على مذهب ألاشعري والفروع على مذهب الشافعي ومن شعره ( سقى الله وقتا كنت أخلو بوجهكم * وثغر الهوى في روضة الأنس ضاحك ) ( أقمنا زمانا والعيون قريرة * وأصبحت يوما والجفون سوافك ) وفي رسالته بيتان حسنان وهما ( ومن كان في طول الهوى ذاق سلوة * فأني من ليلى لها غير ذائق ) ( وأكثر شيء نلته من وصالها * أماني لم تصدق كخطفة بارق ) وكان والده أبو نصر عبد الرحيم إماما كبيرا أشبه أباه في علوه ومجالسه (3/321)

322 ثم واظب درس إمام الحرمين حتى وصل طريقه في المذهب والخلاف ثم خرج للجم فوصل إلى بغداد وعقد بها مجلس وعظ وحصل له قبول عظيم وحضر الشبيخ أبو اسحق الشبرازي مجلسه وأطبق علماء بغداد أنهم لم يروا مثله وجرى له مع الحنابلة خصام بسبب الاعتقاد لأنه تعصب للا شاعرة وانتهى الأمر إلى فتنة قتل فيها جماعة من الفريقين وتوفي بنيسابور ضحوة نهار الجمعة سابع عشرى جمادي الآخرة سنة أربع عشرة وخمسمائة ودفن بالمشهد المعروف بهم والقيشري بالضم والفتح نسبة إلى قيشر بن كعب قبيلة كبيرة انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا وفيها صردر الشاعر صاحب الديوان أبو منصور علي بن الحسين بن علي بن الفضل الكاتب الشاعر المشهور أحد نجباء شعراء عصره جميع بين جودة السبك وحسن المعنى وعلى شعره حلاوة رائقة وبهجة فائقة وله ديوان شعر وهو ضغير وما ألطف قوله من جملة قصيدة ( نسائل عن ثمامات بحزوى * وباب الرمل يعلم ما عنينا ) ( وقد كشف الغطاء فما نبالي * أصرحنا بذكرك أم كنينا ) ( الله طيف منك يسعى * بكايات الكرى زورا ومينا ) ( مطيته طوال الليل جفنى * فكيف شكا إليك وحافينا ) ( فأمسينا كأنا ما افترقنا * وأصبحنا كأنا ما التقينا ) وقوله في الشيب ( لم أبك أن رحل الشباب وإنما * أبكي لأن يتقارب الميعاد ) ( شعر الفتى أوراقه فإذا ذوى * جفت على آثاره الأعواد ) وله في جارية سوداء وهو معنى حسن ( علقتها سوداء مصقولة * سواد قلبي صفة فيها ) ( ما انكسف البدر على تمه * ونوره إلا ليحكيها ) (3/322)

323 ( لأجلها الأزمان أوقاتها * منزوجات بلياليها ) وإنما قيل له صردر لأن أباه كان يلقب صر بعر لشحه فلما نبغ ولده المذكور وأجاد في الشعر قيل له صردر وقد هجاه البياضي الشاعر فقال ( لئن لقب الناس قدما أباك * وسموه من شحه صربعوا ) ( فأنك تنشر ما صره * عقوقا له وتسميه شعرا ) ولعمري ما أنصف هذا الهاجي فان شعره بارد وإنما العدو لا يبالي بما يقول وكانت وفاته في صفر في قرية بطريق خراسان وكانت ولادته قبل الأربعمائة قاله ابن خلكان وفيها أبو سعد السكري علي بن موسى بن عبد الله بن عمر النيسابوري السكري وكان حافظا مفيدا من حفاظ خراسان قاله ابن ناصر الدين وفيها أبو جعفر بن المسلمة محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن الحسن السلمي البغدادي كان ثقة نبيلا عالي الإسناد كثير السماع متين الديانة توفي في جمادي الأولى عن إحدى وتسعين سنة وهو آخر من روى عن أبي الفضل الزهري وأبي محمد بن معروف وفيها أبو الحسن الآمدي علي بن محمد بن عبد الرحمن الحنبلي ويعرف قديما بالبغدادي نزل ثغر آمد وأخذ عن اكابر أصحاب القاضي أبي يعلي قال ابن عقيل فيه بلغ من النظر الغاية وكان له مروءة يحضر عنده الشيخ أبو اسحق الشيرازي وأبو الحسن الدامغاني وكانا فقيهين فيضيفهما بالأطعمة الحسنة ويتكلم معهما إلى أن يمضي من الليل أكره وكان هو المتقدم على جميع أصحاب القاضي أبي لعي وقال القاضي الحسين وتبعه ابن السمعاني أحد الفقهاء الفضلاء والمناظرين الأذكياء وسمع من أبي القسم بن بشران وأبي اسحق البرمكي وابن المذهب وغيرهم وجلس في حلقه النظر والفتوى بجامع المنصور في موضع ابن حامد ولم يزل يدرس ويفتي ويناظر إلى أن خرج من بغداد ولم يحدث (3/323)

324 ببغداد بشيء لأنه خرج منها في فتنة البساسيري في سنة خمسبن وأربعمائة إلى آمد وسكن بها واستوطن ودرس الفقه إلى أن مات بها في هذه السنة والصحيح انه توفي في سنة سبع وستين أو ثامن وستين كما جزم به ابن رجب وله كتاب عمدة الحاضر وكفاية المسافر وهو كتاب جليل يقول فيه ذكر شيخنا ابن أبي موسى فالظاهر انه تفقه عليه أيضا وفيها ابن الغريق الخطيب أبو الحسين محمد نب علي بن محمد بن علي بن محمد بن عبيد الله بن عبد الصمد بن محمد بن الخليفة المهتدي بالله محمد بن الواثق العباسي سيد بني العباس في زمانه وشيخهم مات في ذي الحجة وله خمس وتسعون سنة وهو آخر من حدث عن ابن شاهين والدار قطني وكان ثقة نبيلا صالحا متبتلا كان يقال له راهب بني هاشم لدينه وعبادته وسرده الصوم وفيها هناد بن إبراهيم أبو المظفر النسفي صاحب مناكير وعجائب روى عن القاضي أبي عمر الهاشمي وغنجار وطبقتهما وعدة ابن ناصر الدين من الحفاظ وقال في حقه هناد بن إبراهيم بن محمد بن نصر أبو المظفر النسفي القاضي وكان من المحدثين المكثرين والحفاظ المشهورين لكنه ضعيف مكثر من رواية الموضوعات وفيها أبو القسم الهذلي يوسف بن علي بن جبارة المغربي المتكلم النحوي صاحب كتاب الكامل في القراءات وكان كثير الترحال وصل إلى بلاد الترك في طلب القراءات المشهورة والشاذة سنة ست وستين وأربعمائة * فيها كان الغرق الكثر ببغداد فهلك خلق تحت الردم وأقيمت الجمعة في الطيار على ظهر الماء وكان المج كالجبال بوعض المحال بالكلية وبقيت (3/324)

325 كأن لم تكن وقيل أن ارتفاع الماء بلغ ثلاثين ذراعا وفها اوفي أبو سهل الحفصي محمد بن أحمد بن عبيد الله المروزي راوي الصحيح عن الكشميهني كان رجلا عاميا مباركا سمع منه نظام الملك وأكرمه وأجزل صلته قاله في العبر وفيها أوفى التي قبلها كما جزم به ابن قاضي شبهة طاهر بن عبد الله أبو الربيع الايلاقي بالكسر والتحتية نسبة إلى ايلاق ناحية من بلاد الشاش التركي قال ابن شبهة من أصحابنا أصحاب الوجوه تفقه بمرو على القفال وببخاري على الحليمي وبنيسابور على الزيادي وأخذ الأوصل عن أبي اسحق الاسفرائيني وتفقه عليه أهل الشاش وكان إمام بلاده وفيها أبو محمد الكتاني عبد العزيز بن أحمد التميمي الدمشقي الصوفي الحافظ روى عن تمام المرادي وطبقته ورحل سنة سبع عشرة وأربعمائة إلى العراق والجزيرة قال ابن ماكولا مكثر متقن وقال الذهبي توفي في جمادي الآخرة وفها أبو بكر العطار محمد بن إبراهيم بن علي الحافظ الأصبهاني مستملى الحافظ أبي نعيم روى عن ابن مردويه والقاضي أبي عمر الهاشمي وطبقتهما قال الدقاق كان م الحفاظ يملى من حفظه توفي في صفر وفيها ابن حيوس الفقيه أبو المكارم محمد بن سلطان الغنوي الدمشقي الفرضي روى عن خاله أبي نصر الجندي وعبد الرحمن بن أبي نصر وتوفي في ربيع الآخر وفيها أبو بكر يعقوب بن احمد الصيرفي النيسابوري المعد ل روى عن أبي محمد المخلدي والخفاف توفي في ربيع الأول سنة سبع وستين وأربعمائة فيها عمل السلطان ملكشاه الرصد وانفق عليه أموالا عظيمة قال (3/325)

326 السيوطي فيها جمع نظام الملك المنجمين وجعلوا النيروز أول نقطة من الحمل وكان قيل ذلك عند دخول الشمس نصف الحوت وصار ما فعله النظام مبدأ التقاويم انتهى وفيها توفي أبو عمر بن الحذاء محدث الأندلس أحمد بن محمد بن يحيى القرطبي مولى بن أمية حضه أبوه علي الطلب في صغره فكتب عن عبد الله ابن أسد وعبد الوارث وسعيد بن نصر والكبار في سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة وانتهى إليه علو الإسناد بقطرة وتوفي في ربيع الآخر عن سبع وثمانين سنة وفيها القائم بأمر الله أبو جعفر عبد الله بن القادر بالله أحمد بن اسحق بن المقتدر العباسي توفي في شعبان وله ست وسبعون سنة وبقى في الخلافة أربعا وأربعين سنة وتسعة أشهر وأمه أرمنية كان ابيض مليح الوجه مشربا حمرة ورعا دينا كثير الصدقة له علم وفضل من خير الخلائف ولا سيما بعد عوده إلى الخلافة في نوبة البساسيري فأنه صار يكثر الصيام والتجهد غسله الشريف أبو جعفر بن أبي موسى شيخ الحنابلة وبويع حفيده المقتدي بأمر الله عبد الله بن محمد بن القائم قاله في العبر وقال ابن افلرات أول من بايعه الشريف أبو القسم المرتضى وأنشده ( فأما مضى جبل وانقضى * فمنك لنا جبل قد رسا ) ( وأما فجعنا ببدر التمام * فقد بقيت منه شمس الضحى ) ( فكم حزن في محل السروروكم * ضحك في خلال البكى ) وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء ولد القائم في نصف ذي القعدة سنة إحدى وتسعين وثلثمائة وأمه أم ولد أرمنية اسمها بدر الدجى وقيل قطر الندى ول الخلافة بعد موت أبيه سنة اثنتين وعشرين وكان ولى عهده في الحياة وهو الذي لقبه بالقائم بأمر الله قال ابن الاثير كان جميلا مليح الوجه ورعا دينا زاهدا عالما قوى اليقين بالله كثير الصدقة والصبر له عناية بالأدب ومعرفة حسنة بالكتابة (3/326)

327 مؤثراً للعدل والإحسان وقضاء الحوائج لا يرى المنع من شيء طلب منه ولم يزل أمره مستقيماً إلى أن قبض عليه في سنة خمسين وسجنه البساسيري في عانة فكتب وهو في السجن قصة وأنفذها إلى مكة فعلقت في الكعبة فيها إلى الله العظيم من المسكين عبده اللهم انك العالم بالسرائر المطلع على الضمائر اللهم انك غني بعلمك وإطلاعك على خلقك عن أعلامى هذا عبد قد كفر نعمك وما شكرها وألغى العواقب وما ذكرها أطغاه حلمك حتى تعدى علينا بغياً وأساء إلينا عتوا وعدوا اللهم قل الناصر وإغتر الظالم وأنت المطلع العالم المنصف الحاكم بك نعتز عليه وإليك نهرب من يديه فقد تعزر علينا بالمخلوقين ونحن نعتز بك قد حاكمنا إليك وتوكلنا في إنصافنا منه عليك ورفعنا ظلامتنا هذه إلى حرمك ووثقنا في كشفها بكرمك فأحكم بيننا بالحق وأنت خير الحاكمين ومات القائم ليلة الخميس الثالث عشر من شعبان وذلك أنه إفتصد فإنحل موضع الفصد وخرج منه دم كثير فإستيقظ وقد إنحلت قوته فطلب حفيذه ولي عهده عبد الله بن محمد ووصاه ثم توفى انتهى ملخصاً وفيها أبو الحسن الداودي جمال الإسلام عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن المظفر البوشنجي شيخ خراسان علماً وفضلاً وجلالة وسنداً روى الكثير عن أبي محمد بن حموية وهو آخر من حدث عنه وتفقه على القفال المروزي وأبي الطيب الصعلوكي وأبي حامد الإسفراييني توفي في شوال وله أربع وتسعون سنة وصحب أبا علي الدقاق وأبا عبد الرحمن السلمي ثم استقر ببوشنج للتصنيف والتدريس والفتوى والتذكير وصار وجه مشايخ خراسان بقي أربعين سنة لا يأكل اللحم لما نهب التركمان تلك الناحية وبقي يأكل السمك فحكي له أن بعض الأمراء أكل على حافة النهر الذي يصاد منه السمك ونفض في النهر ما فضل فلم يأكل السمك بعد ذلك ومن شعره ( كان في الاجتماع من قبل نور * فمضى النور وأدلهم الطلام ) ( فسد الناس والزمان جميعاً * فعلى الناس والزمان السلام ) وفيها أبو الحسن الباخرزي الرئيس (3/327)

الأديب علي بن حسن بن أبي الطيب 328 مؤلف كتاب دمية القصر كان رأسا في الكتابة والانشاء والشعر والفضل والاحائر القصب في نظمه ونثره وكان في شبابه مشتغلا بالفقه على مذهب الأمام الشافعي رضي الله عنه واختص بملازمة درس أبي محمد الجويني ثم شرع في فن الكتابة واختلف إلى ديوان الراسئل فارتفعت به الأحوال وانخفضت ورأى من الدهر العجائب سفرا وحضرا وغلب أدبه على فقهه فاشتهر بالأدب وعمل الشعر وسمع الحديث وصنف كتاب دمية القصر وعصره أهل العصر وهو ذيل يتيمة الدهر للثعالبي وجمع فيها خلقا كثيرا وقد وضع على هذا الكتاب أبو الحسن علي بن زيد كتابا سماه وشاح الدمية وهو كالذيل لها وكالذب سماه السمعاني الذيل وللباخرزي ديوان شعر مجلد كبير والغالب عليه الجودة فمن معانية الغريبة قوله ( وإني لأشكو لسع أصداغك التي * عقاربها في وجنتيك تحوم ) ( وأبكى لدر الثغر منك ولى أب * فكيف يديم الضحك وهو يتم ) وقوله في شدة البرد ( كم مؤمن قرصته أظفارالشتا * فغدا لسكان الجحيم حسودا ) ( وترى طيور الماء في وكناتها * تختار حر النار والسفودا ) ( وإذا رميت بفضل كأسك في الهوى * عادت عليك من العميق عقودا ) ( يا صاحب العودين لا تهملهما * حرق لنا عودا وحرك عودا ) وقوله من جملة أبيات ( يا فاق الصبح من لألاء غرته * وجاعل الليل من أصداغه سكنا ) ( بصورة الوثن استعبدتني وبها * فتنتني وقديما هجت لي شجنا ) ( لا غروان أحرقت نار الهوى كبدي * فالنار حق على من يبعد الوثنا ) وقتل الباخرزي في الأندلس وذهب دمه هدرا وباخرز بالباء الموحدة وفتح الخاء المعجمة وبعد الراء زاي ناحية من نواحي نيسابور تشتمل على قرى (3/328)

329 ومزارع خرج منها جماعة من الفضلاء وفيها أبو الحسن بن صصري علي بن الحسين بن أحمد بن محمد الثعلبي الدمشقي المعدل روى عن تمام الرازي وجماعة وتوفي في المحرم وفيها أبو بكر الخياط مقرئ العراق محمد بن علي بن محمد بن موسى الحنبلي الرجل الصالح سمع من اسمعيل بن الحسن الصرصري وأبي الحسن المحبر وقرأ علي أبي أحمد الفرضي وأبي الحسن السوسنجردي وجماعة قال ابن الجوزي ما يوجد في عصره في القراءات مثله وكان ثقة صالحا وقال المؤتمن الساجي كان شيخا ثقة في الحديث والقراءات مثله وكان ثقة صالحا وقال المؤتمن الساجي كان سخا ثقة في الحديث والقراءة صالحا صبورا على الفقر وقال أبو ياسر البرداني كان من الباكئين عند الذكر أثرت الدموع في خديه وقال ابن النجار كان شيخ القراء في وقته مفردا بروايات وكان عالما ورعا متدينا وذكر الذهبي في طبقات القراء فقال كان كبير القدر عديم النظير بصيرا بالقرآن صالحا عابدا ورعا ناسكا بكاء قانتا خشن العيش فقيرا متعففا ثقة فقيها على مذهب أحمد وآخر من روى عنه بالإجازة أبو الكرم الشهر زورى وقال ابن الجوزي توفي ليلة الخميس ثالث جمادي الأولى سنة ثمان وستين وفيها محمود بن نصر بن صالح بن مرداس الأمير عز الدولة الكلابي صاحب حلب ملكها عشرة أعوام وكان شجاعا فارسا جوادا ممدحا بداري المصريين والعباسيين لتوسط داره بينهما وولى بعده ابنه نصر فقتله بعض الأتراك بعد سنة سنة ثمان وستين وأربعمائة فيها توفي أبو علي غلام الهراس مقرئ واسط الحسن بن القسم الواسطي ويعرف أيضا بإمام الحرمين كان أحد من عنى بالقراءات ورحل فيها إلى البلاد (3/329)

330 وصنف فيها قرأ علي أبي الحسن السوسنجردي والحمامي وطبقتهما ورحل القراء إليه من الآفاق وفيه لين قاله في العبر وفيها عبد الجبار بن عبد الله بن إبراهيم بن برزة أبو الفتح الرازي الواعظ الجوهري التاجر روى عن علي بن محمد القصار وطائفة وعاش تسعين سنة آخر من حديث عنه اسمعيل الحمامي وفيها أبو نصر التاجر عبد الرحمن بن علي النيسابوري المزكي روى عن يحيى بن اسمعيل الحربي النيسابوري وجماعة وفيها أبو الحسن الواحدي المفسر علي بن أحمد النيسابوري تلميذ أبي اسحق الثعلبي وأحد من برع في العلم وكان الشافعي المذهب روى عن كتبه عن أبي محمش وأبي بكر الحيري وطائفة وكان رأسا في اللغة والعربية توفي في جمادي الآخرة وكان من أبناء السبعين قال ابن قاضي شبهة كان فقيها أمما في النحو واللغة وغيرهما شاعرا وأما التفسير فهو إمام عصره فيه أخذ التفسير عن أبي اسحق الثعلبي واللغة عن أبي الفضل العروضي صاحب أبي منصور الأزهري والنحو عن أبي الحسن القهندزي بضم القاف والهاء وسكون النون وفي آخره زاي الضرير صنف الواحدي البسيط في نحو ستة عشر مجلدا والوسيط في أربع مجلدات والوجيز ومنه أخذ الغزالي هذه الأسماء وأسباب النزول و كتاب نفي التحريف عن القرآن الشريف و كتاب الدعوات و كتب تفسير أسماء النبي و كتاب المغازي و كتاب الأغراب في الأعراب وشرح دويان المتنبي واصله وأصله من ساوة من أولاج التجار وولد بنيسابور ومات بها بعد مرض طويل في جمادي الآخرة سنة ثمان وستين ونقل عنه في الروضة في مواضع من كتاب السير في الكلام على الإسلام وفيها ابن عليك أبو القسم علي بن عبد الرحمن بن الحسن النيسابوري روى عن أبي نعيم الاسفرائيني وجماعة وقال ابن نقطة حدث عن أبي الحسين الخفاف (3/330)

331 ومات في رجب بتفليس وفيها أبو بكر الصفار محمد بن القاسم بن حبيب بن عبدوس النيسابوري الشافعي أحد الكبار المتقنين تفقه على أبي محمد الجويني وجلس بعده في حلقته وروى عن أبي نعيم الاسفرائيني وطائفة وتوفي في ربيع الآخر قال الاسنوي وهو جد الفقهاء المعروفين في نيسابور بالصفارين كان إماما فاضلا دينا خيرا سليم الجانب محمود الطريقه مكثيرا من الحديث والاملاء حسن الاعتقاد والخلق بهي المنظر متجملا مق لة ذات اليد وكان من أبناء المشايخ والبيوتات والمياسير انتهى وفيها على بن الحسين بن أحمد بن إبراهيم بن جدا أبو الحسن العكبري ذكره ابن شافع في تاريخه فقال هو الشيخ الزاهد الفقيه الامار بالمعروف والنهاء عن الالمنكر سمع أبا علي بن شاذان والبرقاني وأبا القسم الخرقي وابن بشران وغيرهم وكان فاضلا خيرا ثقة صينا شديدا في السنة على مذهب أحمد وقال القاضي الحسين وابن السمعاني كان شيخا صالحا كثير الصلاة حسن التلاوة للقرآن إذا لسن وفصاحة في المجالس والمحافل وله في ذلك كلام منثور وتصنيف مذكور مشهور وفيها أبو القسم المهرواني يوسف بن محمد الهمداني الصوفي العبد الصالح الذي خرج له الخطيب خمسة أجزاء روى عن أبي أحمد الفرضي وأبي عمر ابن مهدي ومات في ذي الحجة وفيها يوسف بن محمد بن يوسف أبو القسم الخطيب محدث همذان وزاهدها روى عن أبي بكر بن للا وأبي أحمد القاضي وأبي عمر بن مهدي وطبقتهم وجمع ورحل وعاش سبعا وثمانين سنة وفيها البياض الشاعر أبو جعفر مسعود بن عبد العزيز بن المحسن بن (3/331)

332 الحسن بن عبد الرزاق المشهور المجيدين في المتأخرين وديوان شعره صغير وهو في غاية الرقة وليس فيه من المديح إلا اليسير فمن أحسن شعره قصيدته القافية التي أولها ( أن غاض دمعك والركاب تساق * مع ما بقلبك فهو منك نفاق ) ( لا تحبس اه الجفون فأنه * لك يا لديغ هواهم درياق ) ( أحذر مصاحبة العذول فأنه * مغر فظاهر عذله اشفاق ) ( لا يبعدن زمن مضت أيامه * وعلى متون غصونها أوراق ) ( أيام نرجسنا العيون ووردنا * حمر الخدود وخمرنا الأرياق ) ( ولنا بزوراء العراق مواسم * كانت تقام لطيبها أسواق ) ( فلئن بكت عيني دما شوقا إلى * ذاك الزمان فمثله يشتاق ) ( أن الأغليمة الأولى لولاهم * ما كان طعم هوى الملاح يذاق ) ( وكأنما أرماحهم بأكفهم * أجسامهم ونصولها الأحداق ) ( شنوا الإغارة في القلوب بأعين * لا يرتجى لأسيرها إطلاق ) ( واستعذبوا ماء الجفون فعذبوا آلأسرار حتى ذرت الآماق ) ( ونمى الحديث بأنهم نذر وآدمى * أولى دم يوم الفراق يراق ) وشعره كله على هذا الاسلوب وقيل له البياضي لأن أحد أجداده كان في مجلس بعض الخلفاء مع جماعنة من العباسيين وكانوا قد لبسوا سوادا ما عداه فأنه لبس بياضا فقال الخليفة من ذلك البياضي فثبت الاسم عليه واشتهر به طوفيها ابن حابار مكى بن عبد الله الدينوري أبو بكر اجتهد في هذا الشأن وهو حافظ قاله ابن ناصر الدين سنة تسع وستين وأربعمائة فيها توفي أبو الحسن احمد بن عبد الواحد بن أبي الحديد السلمي أحد (3/332)

333 رؤساء دمشق وعدولها روى عن جده أبي بكر محمد بن أحمد نب عثمان وجماعة وسمع بمكة من ابن جهضم توفي في ربيع الأول في عشر التسعين قاله في العبر وفيها حاتم بن محمد بن الطرابلسي أبو القسم التميمي القرطبي المحدث المتقن منسد الأندلس في ذي القعدة وله إحدى وتسعون سنة روى عن عثمان بن نابل وأبي المطرف بن فطيس وطبقتهما ورحل فأكثر عن أبي الحسن القابسي وسمع بمكة من ابن فراس العبقسي وكان فقيها مفتيا وفيها حيان بن خلف بن حسين بن حيان أبو مروان القرطبي الأديب مؤرخ الأندلس ومسندها توفي في ربيع الأول وله اثنتان وتسعون سنة سمع من عمر بن نايل وله كتاب المبين في تاريخ الأندلس ستون مجلدا و كتاب المقتبس في عشر مجلدات وقد رؤى في النوم فسئل عن التاريخ الذي عمله فقال لقد ندمت عليه إلا أن الله غفر لي بلطفه واقالني وقال ابن خلكان ذكره أبو علي الغساني فقال كان عالي السن قوي المعرفة متبحرا في الآداب بارعا فيها صاحب لواء التاريخ بالأندلس أفضح الناس فيه وأحسنهم نظما له لزم ابن الحباب النحوي وصاعد الربعي وأخذ عنه كتابه المسمى بالفصوص وسمع الحديث وسمعته يقول التهنئة بعد ثلاث استخفاف بالمودة والتعزية بعد ثلاث اغراء بالمصيبة وتوفي في يوم الأحد لثلاث بقينمن ربيع الأول ووصفه الغساني بالصديق فيما حكاه في تاريخه انتهى ملخصا وفيها حيدرة بن علي الأنطاكي أبو المنجا المعبر حدث بدمشق عن عبد الرحمن ابن أبي نصر وجماعة قال ابن الأكفاني كان يذكر انه يحفظ في علم التعبير عشرة آلاف ورقة وأكثر وفيها أبو الحسن طاهر بن أحمد بن بابشاد المصري الجوهري النحوي صاحب التصانيف دخل بغداد تاجرا في الجوهر وأخذ عن علمائها وخدم بمصر في ديوان الإنشاء وكان كتاب الإنشاء لا يتقدمون بكتبهم حتى تعرض (3/333)

334 عليه وله مراتب على ذلك ثم تزهد ورغب عن الخدمة واستغنى بالله ولزم بيته فكان ملطوفا به حتى مات وسببه انه شاهد سنورا أعمى في سطح الجامع يرقى إليه بقوته سنور آخر ويخدمه فكان له فيه عبرة ومن تصانيفه المقدمة وشرحها وشرح الجمل وشرح كتاب الأصول لابن السراج ومسودات توفي قبل تمامها قريب من خمسة عشر مجلدا قيل انه مات مترديا من غرفة واصله من الديلم وبابشاد كلمة أعجمية يتضمن معناها السرور والفرح وفيها وجزم ابن ناصر الدين في التي قبلها عمر بن علي بن أحمد بن الليث الليثي البخاري أبو مسلم الحافظ الجوال تكلم يحيى بن مندة فيه وكان فيه تدليس وعجب بنفسه وتيه وفيها أو في التي قبلها وهو الصحيح أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زكريا الجرجاني الزنجي كان حافظا ثقة قاله ابن ناصرالدين وفيها كركان الزاهد القدوة أبو القسم عبد الله نب علي الطوسي شيخ الصوفية وصاحب الدويرة والأصحاب روى عن حمزة المهلبي وجماعة ومات في ربيع الأول وفيها أبو محمد الصريفيني عبد الله بن محمد بن عبد الله بن هر امرد المحدث خطيب صريفين توفي في جمادي الآخرة عن خمس وثمانين سنة روى عن أبي القسم ابن حبابة وأبي حفص الكتاني وكان ثقة وفيها عبيد الله بن لحسين الفراء أبو القسم بن القاضي أبي يعلى ذكر أخوه في الطبقات وانه ولد يوم السبت سابع شعبان سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة وقرأ بالروايات علي أبي بكر الخياط وابن البنا وأبي الخطاب الصوفي وغيرهم وسمع الحديث من والده وجده لامه جابر بن يس وغيرهم ورحل في طلب الحديث والعلم إلى واسط والبصرة والكوفة وعكبرا والموصل والجزيرة وآمد وغير ذلك وكان يتكلم مع شيوخ عصره وكان والده يأتم به في صلاة التراويح (3/334)

335 إلى أن توفي وكان أكبر أولاد القاضي أبي يعلي وكان ذا عفة وديانة وصيانة حسن التلاوة للفراءة كثير الدرس له معرفة بعلومه وله معرفة بالجرح والتعديل وأسماء الرجال والكنى وغير ذلك من علوم الحديث وله خط حسن ولما وقعت فتنة ابن القشيري خرج إلى مكة فتوفي في مضيه إليها بموضع يعرف بمعدن البقرة أواخر ذي القعدة وله ست وعشرون سنة وثلاثة أشهر ونيف وعشرون يوما تقريبا رحمه الله تعالى وفيها أبو الحسن البرداني محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن بن علي بن الحسين ابن هرون الفرضي الآمين والد الحافظ أبي علي ولد بالبردان وسمع الكثير من ابن رزقويه وابن بشران وابن شاذان والبرقاني وخلق وروى عنه ولداه أبو علي وأبو ياسر قال ابن النجار كان رجلا صالحا صدوقا حافظا لكتاب الله تعالى عالما بالفرائض وقسمة التركات كتب بخطه الكثير وخرج تخاريج وجمع فنونا من الأحاديث وغيرها وقال ابن الجوزى كان ثقة عالما صالحا أمينا توفي يوم الخميس تاسع عشرى ذي القعجة وله كتاب فضيلة الذكر والدعاء سنة سبعين وأربعمائة فيها توفي أبو صالح المؤذن أحمد بن عبد الملك بن علي النيسابوري الحافظ محدث خراسان في زمانه روى عن أبي نعيم الاسفراييني وأبي الحسن العلوي والحاكم وخلق ورحل إلى أصبهان وبغداد ودمشق في حدود الثلاثين وأربعمائة وله ألف حديث عن ألف شيخ وثقة الخطيب وغيره ومات في رمضان عن اثنتين وثمانين سنة وله تصانيف ومسودات وفيها أبو الحسين بن النقور أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي البزار المحدث الصدوق روى عن علي الحربي وأبي القسم بن حبابة وطائفة وكان يخذ على نسخة طالوت دينارا أفناة بذلك الشيخ أبو اسحق لأن الطلبة كانوا يفوتونه (3/335)

336 الكسب لعياله مات في رجب عن تسعين سنة وفيها أبو نصر بن طلاب الخطيب الحسين بن أحمد بن محمد القرشي مولاهم الدمشقي خطيب دمشق روى عن ابن جميع مجمعه وعن أبي بكر بن أبي الحديث وكان صاحب مال وأملاك وفيه عدالة وديانة توفي في صفر وله إحدى وتسعون سنة وفيها عبد الله بن الحلال أبو القسم بن الحافظ أبي محمد الحسن بن محمد البغدادي سمعه أبوه من أبي حفص الكتاني والمخلص ومات في صفر عن خمس وثمانين سنة قال الخطيب كان صدوقا وفيها أبو جعفر بن أبي موسى شيخ الحنابلة عبد الخالق بن عيسى بن أحمد كان ورعا زهدا علامة كثير الفنون رأسا في الفقه شديدا على المتبدعة نافذ الكلمة روى عن أبي القسم بن بشران وقد أخذ في فتنة ابن القشيري وحبس أياما قاله في العبر وقال ابن السمعاني كان إمام الحنابلة في عصره بلا مدافعة مليح التدريس حسن الكلام في المناظرة ورعا زاهدا متقنا عالما بأحكام القرآن والفرائض مرضى الطريقة وقال ابن عقيل كان يفوق الجماعة من مذهبه وغيرهم في علم الفرائض وكان عند الإمام يعني الخليفة معظما حتى أنه وصى عند موته بأن يغسله تبركابه وكان حول الخليفة ما لو كان غيره لأخذه وكان ذلك كفاية عمرة فو الله ما التفت الي شيء منه بل خرج ونسى مئزره حتى حمل إليه قال ولم يشهد منه انه شرب ماء في حلقته مع شدة الحر ولا غمس يده في طعام أحد من أبناء الدنيا وقال ابن رجب له تصانيف عدة منها رءوس المسائل وشرح المذهب وله جزة في أدب الفقه وفي فضائل أحمد وترجيح مذهبه وتفقه عليه طائفة من أكابر المذهب كالحلواني والقاضي أبي الحسين وغيرهم وكان معظما عند الخاصة والعامة زاهدا في الدنيا إلى الغاية قائما في إنكار المنكرات بيده ولسانه مجتهدا في ذلك وتوفي (3/336)

337 رحمه الله ليلة الخميس سحرا خامس شهر صفر وصلى عليه يوم الجمعة ضحى بجامع المنصور وأم الناس أخوه الشريف أبو الفضل ولم يسع الجامع الخلق ولم يتهيأ لكثير منهم الصلاة ولم يبق رئيس ولا مرءوس إلا حضره إلا من شاء الله ودفنوه في قبر الأمام امد وما قدر أجد أن يقول للعوام لا تنبشوا قبر الأمام أحمد وادفنوه بجنبه فقال أبو محمد التميمي من بين الجماعة كيف كيف تدفنونه في قبر الأمام أحمد وبنت أحمد مدفونة معه فأن جاز دفنه مع الأمام لا يجوز دفنه مع بنته فقال بعض العوام اسكت فقد زوجنا بنت أحمد من الشريف فسكت التميمي ولزم الناس قبره تلك الأيام عشرة آلاف ختمة ورآه بعضهم في المنام فقال له ما فعل الله بك قال لما وضعت في قبري رأيت قبة من درة بيضاء لها ثلاثة أبواب وقائل يقول هذه لك أدخل من أي أبوابها شئت وفيها أبو القسم بن منده عبد الرحمن بن محمد بن اسحق بن محمد بن يحيى ابن إبراهيم بن الوليد بن منده بن بطة بن استندار واسمه الفيرزان بن جهان بخت العبدي الاصبهاني الأمام الحافظ ابن الحافظ الكبير أبي عبد الله بن منده ومنده لقب إبراهيم جده الأعلى ذكره ابن الجوزى في طبقات الحنابلة وترجمه في تاريخه فقال ولد سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة وسمع أباه وأبا بكر بن مردويه وخلقا كثيرا وكان كثير السماع كبير الشأن سافر البلاد وصنف التصانيف وخرج التخاريج وكان ذا وقار وسمت وأتباع فيهم كثيرة وكان متمسكا وسمت واتباع فيهم كثرة وكان متمسكا بالسنة معرضا عن أهل البدع آمر بالمعروف ناهيا عن المنكر لا يخاف في الله لومة لائم وقال ابن السمعاني كان كبير الشأن جليل القدر كثير السماع واسع الرواية سافر إلى الحجاز وبغداد وهمذان وخراسان وصنف التصانيف وقال سعد بن محمد الزنجاني حفظ الله الإسلام برجلين أحدهما بأصبهان والآخر بهراة عبد الرحمن بن منده وعبد الله الأنصاري وقال يحيى بن منده كان عمي سيفا علي (3/337)

338 أهل البدع وهو أكبر من أن ينبه عليه مثلى كان والله آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر وفي الغدو والآصال ذاكرا ولنفسه في المصالح قاهرا أعقب الله من ذكر بالشر الندامة وكان عظيم الحلم كبير العلم قرأت عليه قول شعبة من كتبت عنه حديثا فأنا له عبد فقال من كتب عني حديثا فأنا له عبد وقال ابن تيمية وكان أبو القسم بن منجه من الأصحاب وكان يذهب إلى الجهر بالبسملة في الصلاة وقال ابن منده في كتابه الرد على الجهمية التأويل عند أصحاب الحديث نوع من الكذب وقال في العبر كان ذا سمت ووقار وله أصحاب وأتباع وفيه تسنن مفرط أوقع بعض العلماء في الكلام في معتقده وتوهموا فيه التجسيم وهو برئ منه فيما علمت ولكن لو قصر من شأنه لكان أولى به أجاز له زاهر ابن أحمد السرخسي وروى الكثير عن أبيه وأبي جعفر الابهري وطبقتهما وسمع بنيسابور من أصحاب الأصم وبمكة من ابن جهضم وبهمذان والدينور وشيراز وبغداد وعاش تسعا وثمانين سنة انتهى كلام العبر وفيها أبو بكر بن حمدويه أحمد بن محمد بن أحمد بن يعقوب الرزاز المقرئ الزاهد ذكره ابن الجوزى في الطبقات والتاريخ ولد يوم الأربعاء لثمان عشرة ليلة خلت من صفر سنة إحدى وثمانين وثلثمائة وحدث عن خلق كثير منهم ابن بشران وابن القواس وهو آخر من حدث عن أبي الحسين بن سمعون وتفقه على القاضي أبي يعلي وكان ثقة زاهدا متعبدا حسن الطريقة وحدث عنه الخطيب في تاريخه وتوفي يوم السبت رابع عشرى ذي الحجة قال ابن نقطة حمدويه بضم الحاء والميم المشددة أيضا وبالياء.

471 هـ

سنة إحدى وسبعين وأربعمائة فيها توفي أبو علي بن البنا الفقيه الواهد الحسن بن أحمد بن عبد الله الحنبلي البغدادي الأمام المقرئ المحدث الفقيه الواعظ صاحب التصانيف ولد سنة ست وتسعين وثلثمائة وقرأ القراءات السبع على أبي الحسن الحمامي وغيره وسمع الحديث علي القاضي أبي يعلى وهو من قدماء أصحابه وحضر عند ابن أبي موسى وناظر في مجلسه وتفقه أيضا علي أبي الفضل التميمي وأخيه أبي الفرج وقرأ عليه القرآن جماعة مثل عبد الله البارع وأبى العز القلانسى وغيرهما وسمع منه الحديث خلق كثير وقرأ عليه الحافظ الحميدي كثيرا ودرس الفقه كثيرا وأفتى زمانا طويلا وصنف كتبا في الفقه والحديث والفرائض وأصول الدين وفي علوم مختلفات قال ابن الجوزى ذكر عنه انه قال صنف خمسمائة مصنف وتراجم كتبه مسجوعة وقال ابن شافع كتبت الحديث عن نحو من ثلثمائة شيخ ما رأيت فيهم من كتب بخطه اكثر من ابن البنا قال وقال لي هو رحمه الله ما رأيت بعيني من كتب أكثر مني قال وكان طاهر الأخلاق حسن الوجه والشبية محبا لأهل العلم مكرما لهم وتوفي رحمه الله ليلة السبت خامس رجب ودفن بباب حرب رحمه الله وفيها أبو يعلى حمزة بن الكيال البغدادي الفقيه الحنبلي ذكره ابن أبي يعلى في طبقاته وانه ممن تردد إلى والده زمانا مواصلا وسمع منه علما واسعا وكان عبدا صالحا ملازما لبيته ومسجده حافظا للسانه معتزلا عن الفتن توفي يوم الأربعاء سابع عشرى شهر رمضان ودف ن بمقبرة باب الدير وفيها أبو علي الوخشي بالفتح والسكون نسبة إلى وخش بلد بنوا حي لخ الحسن بن علي البلخي الحافظ الثقة المكثر الكبير رحل وطوف وجمع وصنف وعاش ستا وثمانين سنة روى عن تمام الرازي وأبي عمر بن مهدي وطبقتهما بالشام والعراق ومصر وخراسان وكان من الثقات وفيها أبو القسم الزنجاني سعد بن علي بن محمد بن علي بن الحسين شيخ الحرم. والحافظ كان حافظا قدوة علما ثقة زاهدا نزيل الحرم وجار بيت الله روى عن أبي عبد الله بن نظيف الفراء وعبد الرحمن بن ياسر وخلق سئل محمد بن طاهر المقدسي عن أفضل من رأى فقال سعد الزنجاني وشيخ الإسلام الأنصاري فقيل له أيهما أفضل فقال الأنصاري كان متفننا وأما الزنجاني فكان أعرف بالحديث منه وسئل اسمعيل التيمي عنه فقال أما كبير عارف بالسنة وقال ابن الاهدل كان صاحب كرامات وآيات يزدحم الناس عليه عند الطواف كازدحامهم على الحجر وقال غيره توفي في أول سنة إحدى وسبعين أو في آخر سنة سبعين عن تسعين سنة وفيها عبد الباقي بن محمد بن غالب أبو منصور الازجي العطار وكيل القائم والمقتدي صدوق جليل روى عن المخلص وغيره وتوفي في ربيع الآخر وفيها أبو القسم عبد العزيز بن علي الانماطي ابن بنت السكري روى عن المخص قال عبد الوهاب الانماطي هو ثقة وآخر من روى عنه ابن الطلاية الزاهد وتوفي في رجب وفيها عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني أبو بكر النحوي صاحب التصانيف منها المغني في شرح الايضاح ثلاثون مجلدا وكان شافعيا أشعريا قاله في العبر وقال ابن قاضي شبهة كان شافعي المذهب متكلما على طريقة ألاشعري وفيه دين وله فضيلة تامة في النحو وصنف كتبا كثيرة فمن أشهرها كتاب الجمل وشرحه و كتاب العمدة في التصريف و كتاب المفتاح وشرح الفتحة في مجلد وغير ذلك أخذ النحو يجرجان عن أبي الحسين محمد بن الحسن الفارسي ابن أخت الشيخ أبي علي الفارسي وأخذ عنه علي بن أبي زيد الفصيحي وذكره السلفي في معجمه فقال دخل عليه لص وهو في الصلاة فأخذ جميع ما وجد والجرجاني ينظر إليه ولم يقطع صلاته وله نظم فمنه (3/340)

341 ( كبر على العقل لا ترضه * ومل إلى الجهل ميل هائم ) ( وعش حمارا تعش سعيدا * فالسعد في طالع البهائم ) انتهى ملخصا وفيها أبو عاصم الفضيلي الفقيه الفضيل بن يحيى الهروي شيخ أبي الوقت توفي في جمادي وله ثمان وثمانون سنة قال في الهبر وقال الاسنوي في ترجمة والد هذا أبو محمد اسمعيل بن الفضيل الهروى المعروف بالفضيلي نسبة إلى جد له يسمى الفضيل هو الفحل المقدم والإمام المقدم في فنون الفضل وأنواع العلم توفي سنة ثمان وثمانين وأربعمائة قال وهو والد الأمام أبي عاصم الصغير الهروي كذا نقله ابن الصلاح في طبقاته وانشد له ( تعود آيها المسكين صما * فنعم جواب من آذاك ذاكا ) ( وان عوفيت مما عبت فافتح * بحمد للذي عافاك فاكا ) وذكر الذهبي أن أبا عاصم الفقيه واسمه الفضيل ممن توفي سنة إحدى وسبعين فإن كان كذلك فيكون الابن قد مات قبل والدة بنحو العشرين انتهى كلام الاسنوي قلت وعلى هذا فالأب جاوز المائة فلا ريب والله أعلم وفيها أبو الفضل القومساني نسة إلى قومسان من نواحي همذان محمد بن عثمان بن زبرك شيخ عصره بهمذان فضلا وعلما وجلالة وزهادة وتفننا في العلوم مات عن بضع وسبعين سنة روى عن علي بن أحمد بن عبدان وجماعة وفيها محمد بن أبي عمران أبو الخير المرندي بفتحتين وسكون النون ومهملة نسبة إلى مرند بلد باذريبجان الصغار أخر أصحاب الكشميهني ومن به ختم سماع البخاري عاليا ضعفه ابن طاهر.

472 هـ

سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة فيها توفي أبو علي الحسن بن عبد الرحمن لشافعي المكي الحناط المعدل روى عن احمد بن فراس العبقسي وعبيد الله بن أحمد السفطي وتوفي في ذي القعدة وفيها محمد بن أبي مسعود عبد العزيز بن محمد أبو عبد الله الفارسي ثم الهروي روى عن جزء أبي الجهم وغير ذلك عن أبي محمد السريجي في شوال وفيها أبو منصور العكبري محمد بن محمد بن أحمد الأخباري النديم عن تسعين سنة وهو صدوق روى عن محمد بن عبد الله الجعفي وهلال الحفار وطائفة وتوفي في شهر رمضان وفيها هياج بن عبيد الزاهد القدوة أبو محمد الحطيني نسبة إلى جد كان حطيبا قال هبة الله الشيرازي أما هياج الزاهد الفقيه ما رأت عيناي مثله في الزهد والورع وقال ابن طاهر بلغ من زهده انه يوالي ثلاثة أيام لكن يفطر على ماء زمزم فإذا كان اليوم الثالث من أتاه بشيء أكله وكان قد نيف على الثمانين وكان يعتمر في كل يوم ثلاث عمر على رجليه ويدرس عدة دروس لأصحابه وكان يزور النبي في كل سنة من مكة حافيا ذاهبا وراجعا روى عن أبي ذر الهروي وطائفة وقال السخاوي في طبقاته هياج ابن عبيد بن الحسين أبو محمد الفقيه الحطيني الزاهد المقيم بالحرن كان أوحد عصره في الزهد والورع وكان يصوم ويفطر بعد ثلاث ولم يكن يدخر شيئا ولا يملك غير ثوب واحد وكان يزور النبي في كل سنة (3/342)

343 ماشيا حافيا وكذلك عبد الله بن عباس بالطائف ويأكل بمكة أكله وبالطائف أخرى ولم يلبس نعلا منذ دخل الحرم وأقام بالحرم نحو أربعين سنة لم يحدث بالحرم وإنما كان يحدث بالحل حين يخرج للأحرام بالعمرة وكان قد ناف على مائة سنة إستشهد في وقعة وقعت بين أهل السنة والرافضة فحمله أميرها محمد بن هاشم وضربه ضرباً شديداً على كبر السن ثم حمل إلى منزله في مكة فمات قيل انه مات يوم الأربعاء بين الصلاتين انتهى ملخصاً سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة فيها توفي أبو القسم الفضل بن عبد الله المحب الواعظ النيسابوري آخر أصحاب أبي الحسن الخفاف موتا روى عن العلوي وغيره وفيها أبو التفيان بن حيوس الأمير مصطفى الدولة محمد بن سلطان بن محمد بن حيوس بن محمد بن المرتضى بن محمد بن القسم بن عثمان اللغوي الشاعر المشهور كان يدعى بالأمير لأن أباه كان من أمراء العرب وهو من فحول الشعراء الشاميين المجيدين له ديوان شعر كبير لقى جماعة من الملوك والأكابر ومدحهم وأخذ جوائزهم وكان منقطعا إلى نبي مرداس أصحاب حلب وله فيهم قصائد نفيسة وكان قد أثرى وحصلت له نعمة ضخمة من بني مرداس فبنى دارا بمدينة حلب وكتب على بابها من شعره ( دار بنيناها وعشنا بها * في نعمة من آل مرداس ) ( قوم نفوا بؤسي ولم يتركوا * على للأيام من باس ) ( قل لبني الدنيا ألا هكذا * فليصنع الناس مع الناس ) ومن غرر قصائده السائرة قوله من قصيدة ( هو ذاك ربع المالكية فاربع * وأسأل مصفيا عافيا عن مربع ) ( واستسق للأمن الخوالي بالحمى * غر السحائب واعتذر عن أدمعي ) ( فلقد فنين أمام دان هاجر * في قربه ووراء ناء مزمع ) (3/343)

344 ( لو تخبر الركبان عني حدثوا * عن مقلة عبري وقلب موجع ) ( ردى لنا زمن الكثيب فأنه * زمن متى يرجع وصالك يرجع ) ( لو كنت عالمة بأدنى لوعة * لرددت أقصى نيلك المسترجع ) ( بل لو قنعت من الغرام بمظهر * عن مضمر بين الحشا والأضلع ) ( أغنيت أثر تعتب ووصلت عقب تجنب وبذلت بعد تمنع * ) ( ولو إنني أنصفت نفسي صنتها * عن أن أكون كطالب لم ينجع ) ( إني دعوت ندى الكرام فلم يجب * فلأشكرن ندى أجاب وما دعى ) ( ومن العجائب والعجائب جمة * شكرى بطئ عن ندى متسرع ) وله بيت مفرد في شرف الدولة سالم بن قريش ( أنت الذي نفق الثناء بسوقه * وجرى الندى بعروقه قبل الدم ) ولما وصل ابن الخياط الشاعر إلى حلب كتب لأبي الفتيان المذكور ( لم يبق عندي ما يباع بدرهم * كفاك مني منظري عن مخبري ) ( إلا بقية ماء وجه صنتها * عن أن تباع وقد وجدتك مشتري ) ( فقيل له لو قال وأنت نعم المشتري كان أحسن وكانت ولادة ابن حيوس يوم السبت سلخ صفر سنة أربع وسبعين وثلثمائة فيكون عمر تسعة وتسعين سنة وهو شيخ ابن الخياط الشاعر المشهور وحيوس بالحاء المهملة والياء التحتية المشددة وفي شعراء المغاربة ابن حبوس بالباء الموحدة سنة أربع وسبعين وأربعمائة فيها توفي أبو الوليد الباجي سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب التجيبي القرطبي بالمرية في رجب عن إحدى وسبعين سنة روى عن يونس بن عبد الله نب مغيث ومكى بن أبي طالب وجاوز ثلاثة أعوام ولازم أبا ذر الهروي وكان يمضي معه إلى السراة ثم رحل إلى بغداد والى دمشق وروى عن عبد الرحمن (3/344)

345 ابن الطيوري وطبقته بدمشق وابن غيلان وطبقته ببغداد وتفقه علي أبي الطيب الطبري وجماعة وأخذ الكلام بالموصل عن أبي جعفر السمناني وسمع الكثير وبرع في الحديث والفقه والأصول والنظر ورد إلى وطنه بعد ثلاث عشرة سنة بعلم جم مع الفقر والقناعة كان يضرب ورق الذهب للغزل ويعقد الوثائق ثم فتحت عليه الدنيا وأجزلت صلاته وولى قضاء أماكن وصنف التصانيف الكثيرة قال أبو علي بن سكرة ما رأيت أحدا على سمته وهيئته وتوقير مجلسه قال في العبر وقال ابن خلكان كان من علماء الأندلس وحفاظها سكن شرق الأندلس ورحل إلى المشرق سنة ست وعشرين وأربعمائة فأقام بمكة مع أبي ذر الهروي ثلاثة أعوام وحج فيها أربع حجج ثم رحل إلى بغداد وأقام بها ثلاثة أعوام يدرس الفقه ويملي الحديث ولقى بها سادة من العلماء كأبي الطيب الطبري وأبي إسحق الشيرازي وأقام بالموصل مع أبي جعفر السمناني عاما يدرس عليه الفقه وكان مقامه بالمشرق نحو ثلاثة أعوام وروى عن الحافظ أبي بكر الخطيب وروى الخطيب أيضا عنه وقال أنشدني أبو الوليد الباجي لنفسه ( إذا كنت أعلم علما يقينا * بأن جميع حياتي كساعه ) ( فلم لا أكون ضنينا بها * واجعلها في صلاح وطاعه ) وصنف كتبا كثيرة منها التعديل والتجريح فيمن روى عنه البخاري في الصحيح وغير ذلك وممن أخذ عنه أبو عمر بن عبد البر صاحب الاستيعاب وبينه وبين ابن حزم الظاهري مناظرات ومجالس انتهى ملخصا وقال ابن ناصر الدين أنكروا عيه في قصة حديثه الكتابة وشنعوا عليه ذلك وقبحوا عند العامة جوابه وقال قائلهم ( برئت ممن شرى دنيا بآخرة * وقال أن رسول الله قد كتبا ) انتهى (3/345)

346 وفيها أبو القسم بن البسري علي بن أحمد البغدادي البندار قال أبو سعد السمعاني كان صالحا ثقة فهما ورعا مخلصا عالما سمع المخلص وجماعة وأجاز له ابن بطة ونصر المرجى وكان متواضعا حسن الأخلاق ذا هيبة ووقار توفي في سادس رمضان وفيها وجزم ابن رجب انه توفي في التي قبلها علي بن محمد بن الفرج بن إبراهيم البزار الحنبلي المعروف بابن أخي نصر العكبري ذكره ابن الجوزى في الطبقات وقال سمع من أبي علي بن بابشاد والحسن بن شهاب العكبري وكان له تقدن في القرآن والحديث والفقه والفرائض وجمع إلى ذلك النسك والورع وذكر ابن السمعاني نحو ذلك ثم قال كان فقيه الحنابلة بعبكرا والمفتي بها وكان خيرا ورعا متزهدا ناسكا كثير العبادة وكان له ذكر شائع في الخير ومحل رفيع عند أهل بلده وروى عنه إسماعيل بن السمر قندي وأخوه وغيرهما وفيها أبو بكر محمد بن المزكي أبي ذكريا يحيى بن إبراهيم بن محمد النيسابوري المزكي المحدث من كبار الطلبة كتب عن خمسمائة نفس وأكثر عن أبيه وأبي عبد الرحمن السلمي والحاكم وروى عنه الخطيب مع تقدمه وتوفي في رجب رحمه الله وفيها وجزم ابن خلكان وابن الأهدل انه في التي قبلها قال ابن الأهدل وفي سنة ثلاث وسبعين أبو الحسين علي بن محمد الصليحي القائم باليمن كان أبوه قاضيا ياليمن سيء العقيدة وكان الداعي عامر بن عبد الله الرواحي يتردد إليه لرياسته وصلاحه فاستمال الداعي ولده المذكور وهو دون البلوغ قيل انه رأى حليته في كتاب الصور وتنقل حاله وما يؤول إليه وهو عندهم من الذخائر القديمة المظنونة فاطلعه على ذلك وكتمه عن أبيه وأهله ومات الرواحي على القرب من ذلك وأوصى له بكتبه فعكف على درسها مع فطنته فلم يبلغ الحلم حتى تضلع من علوم الباطنية الضلالية الأوهامية الإسمعيلية متبصرا في علم التأويل (3/346)

347 المخالف لمفهوم التنزيل ثم صار يحج بالناس دليلا في طريق السررات والطائف خمس عشرة سنة وشاع في الناس أنه يملك اليمن بأسره وكان يكره من يقول له ذلك فلما كان سنة تسع وعشرين وأربعمائة ارتقى جبل مسور وهو أعلى جبال اليمن ذروة ومعه ستون رجلا قد حالفهم بمكة على الموت فلما صعده لم ينتصف النهار حتى أحاط به عشرون ألف ضارب وقالوا أن نزلت وألا قتلناك بالجوع فقال لهم لم أفعل ذلك إلا خشية أن يركبه غيرنا ويملكونكم فإن تركتموني وإلا نزلت فانصرفوا عنه فبنى فيه بعد هذا واستعد بأنواع العدة واستفحل أمره وكان يدعو للمنتصر العبيدي الباطني صاحب مصر خفية ويخاف من نجاح صاحب تهامة اليمن ويداريه حتى قتله بالسم مع جارية جميلة أهداها له بالكدراء ثم استأذن المنتصر في إظهار الدعوة فأذن له فطوى البلاد وافتتح الحصون سريعا وقال في خطبته في جامع الجند في مثل هذا اليوم يخطب على منبر عدن ولم يكن ملكها بعد فقال بعض من حضر سبوح قدوس فالله أعلم قالها استهزاءا أو تعظيما وكلا الأمرين لا ينبغي وان كان أحدهما أهون من الآخر فكان كما قال فقام ذلك الإنسان وغلا في القول ودخل في بيعته ومذهبه واستقر ملكه في صنعاءوولى حصون اليمن غير أهلها وحلف أن لا يولى تهامة الامن وزن له مائة ألف دينار فوزنتها زوجته أسماء بنت شهاب عن أخيها سعد بن شهاب فولاه وقال يا مولاتنا أني لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب فتبسم وقال هذه بضاعتنا ردت إلينا وعزم على الحج في سنة ثلاث وسبعين في ألفي فارس منهم من آل الليحي مائة وستون شخصا واستخلف ولده أحمد المكرم فنزل بقرب المهجم بضيعة تسمى أم البهم وبئر أم معبد فهجمه سعيد الاحول بن نجاح الذي كان قتله بالسم ولم يشعر عسكره ونواحي جيشه إلا وقد قتل فانزعوا وفزعوا وكان أصحاب الأحول سبعين رجلا رجالة بيد كل واحد منهم جريدة في رأسها مسمار حديث تركوا جادة الطريق وسلكوا (3/347)

348 الساحل فوصلوا في ثلاثة أيام وكان الصليحي قد سمع بهم وأرصد لهم نحو خمسة آلاف من الحبشة فاختلفت طريقهم ولما رآهم الصليحي مع ما هم فيه من التعب والجوع والحفاء ظن أنهم من جملة عسكره فقال له أخوه اركب فهذا والله الأحول فلم يبرح الصليحي من مكانه حتى وصل إليه الأحول فقتله وقتل أخاه وسائر الصليحيين وصالح بقية العسكر وقال إنما أخذت بثأرى ثم رفع راس الصليحي على رأس عود المظلمة وقرأ القارئ ( ^ قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء ) الآية ورجع الأحول إلى زبيد سالما غانما وكان قد قام بالدعوة الباطنية قبل الصليحي هلي بن فضل من ولد جنفر بن سبأ سنة سبعين ومائتين وملك تهامة وجبالها وطرد الناصر بن الهادي والله أعلم انتهى ما أورده ابن الأهدل اليمنى في تاريخه وفيها قتيبة العثمانين أبو رجا النسفي قتيبة بن محمد بن محمد بن أحمد بن عثمان كان حافظا مشهورا قاله ابن ناصر الدين سنة خمس وسبعين وأربعمائة فيها توفي محدث أصبهان ومسندها عبد الوهاب بن الحافظ أبي عبد الله محمد ابن اسحق بن مندة أبو عمرو والعبدي الاصبهاني الثقة المكثر سمع أباه وأبا خرشيد قوله وجماعة وتوفي في جمادي الآخرة وفيها محمد بن أحمد بن علي السمسار أبو بكر الأصبهاني روى عن إبراهيم ابن خرشيد قوله وجماعة وتوفي في شوال وله مائة سنة روى عنه خلق كثير وفيها أبو الفضل المطهر بن عبد الواحد البارني الاصبهاني توفي فيها أوفى حدودها روى عن ابن المرزبان الابهري جزء لوين وعن ابن منده وابن خرشيد قوله (3/348)

349 وفيها عبد الرحمن بن محمد بن ثابت النابتي الخرقي منسوب إلى خرق بخاء معجمة مفتوحة ثم راء ساكنة بعدها قاف قرية من قرى المعروف بمفتي الحرمين تفقه أولا بمرو على البوراني ثم بمرو الروذ على القاضي الحسين ثم ببخارا على أبي سهل الابيوردى ثم ببغداد على الشيخ أبي اسحق الشيرازي وسمع الحديث وأسمع ثم حج وجاور بمكة سنة ثم رجع إلى وطنه وسكن قريته واشتغل بالزهد والفتوى إلى أن مات في شهر ربيع الأول.

476 هـ

سنة ست وسبعين وأربعمائة فيها عزم أهل حران وقاضيهم ابن جلبة الحنبلي على تسليم حران إلى جنق أمير التركمان لكونه سنيا وعصوا على مسلم بن قريش صاحب الموصل لكونه رافضيا ولكونه مشغولا بمحاصرة دمشق مع المصريين كانوا يحاصرون بها تاج الدولة تنش فأسرع إلى حران ورماها بالمجانيق وأخذها وذبح القاضي وولديه رحمهم الله تعالى قاله في العبر وفيها توفي الشيخ أبو اسحق الشيرازي إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزا ياذى الشافعي جمال الدين أحد الأعلام وله ثلاث وثمانون سنة تفقه بشيراز وقدم بغداد وله اثنتان وعشرون سنة فاستوطنها ولزم الاضي أبا الطيب إلى أن صار معيده في حلقته وكان انظر أهل زمانه وأفصحهم وأورعهم وأكثرهم تواضعا وبشرا وانتهت إليه رياسة المذهب في الدنيا روى عن أبي علي بن شاذان والبرقاني ورحل إليه الفقهاء من الاقطار وتخرج به أئمة كبار ولم يحج ولا وجب عليه لأنه فقيرا متعففا قانعا باليسير ودرس بالنظامية وله شعر حسن توفي في الحادي والعشرين من جمادي الآخرة قاله في العبر وقال ابن قاضي شبهة قال الشيخ أبو اسحق كنت أعيد كل قياس ألف مرة فإذا فرغت أخذت قياسا أخر على هذا وكنت أعيد كل درس مائة مرة وإذا كان (3/349)

350 في المسئلة بيت يستشهد به حفظت القصيدة التي فيها البيت وكانت الطلبة ترحل من الشرق والغرب إليه والفتاوي تحمل من البر والبحر إلى بين يديه قال رحمه الله لما خرجت في رسالة الخليفة إلى خراسان لم أدخل بلدا ولا قرية إلا وجدت قاضيها أو خطيبها أو مفتيها من تلامتي وبنيت له النظامية ودرس بها إلى حين وفاته ومع هذا فكان لا يملك شيئا من الدنيا لغ به الفقر حتى كان لا يجد في بعض الأوقات قوتا ولا لباسا وكان طلق الوجه دائم البشر كثير البسط حسن المجالسة يحفظ كثيرا من الحكايات الحسنة والأشعار وله شعر حسن قال أبو بكر الشاشي الشيخ أبو اسحق حجة الله تعالى على أئمة العصر وقال وابن السمعاني أن الشيخ أبا اسحق قال كنت نائما ببغداد فرأيت رسول الله ومعه أبو بكر وعمر فقلت يا رسول الله بلغني عند أحاديث كثيرة عن ناقلي الأخبار وأريد أن أسمع منك خبرا أتشرف به في الدنيا وأجعله ذخيرة للآخرة فقال لي يا شيخ وسماني شيخا وخاطبني به وكان يفرح بهذا ثم قال قل عني من أراد السلامة فليطلبها في سلامة غيره وقد أخذ هذا المعنى بعضهم فنظمه في أبيات هي كالشرح لهذا الخبر فقال ( إذا شئت أن تحيا ودينك سالم * وحظك موفور وعرضك صين ) ( لسانك لا تذكر به عورة امرئ * فعندك عورات وللناس ألسن ) ( وعينك أن أبدت إليك معايبا * قوم فقل يا عين للناس أعين ) ( وصاحب بمعروف وجانب من اعتدى * وفارق ولكن بالتي هي أحسن ) وقال ابن الأهدل لما قدم الشيخ نيسابور رسولا من جهة المقتدر تلقاه الناس وحمل إمام الحرمين الغاشية بين يديه وناظره فغلبه الشيخ بقوة الجدل قيل له ما غلبتني إلا بصلاحك ولما شافهه المقتدر بالرسالة قال له وما يدريني أنك الخليفة ولم أرك قبلها فتبسم وطلب من عرفه به وتراكب الناس عليه في بلاد العجم حتى تمسحوا بأطراف ثيابه وتراب نعليه ومن شعره رضي الله عنه (3/350)

351 ( سألت الناس عن خل وفي * فقالوا ما إلى هذا سبيل ) ( تمسك أن ظفرت بود حر * فإن الحر في الدنيا قليل ) وذكر النووي في تهذيبه أن الشيخ أبا اسحق كان طارحا للتكلف وروى انه بسؤال وهو عند دكان خباز أو بقال فأخذ قلمه ودواته وأجاب على السؤال ثم مسح بالقلم ثوبه وعلى الجملة فأنه ممن أطبق الناس على فضله وسعة علمه وحسن سمعته وصلاحه مع القبول التام من الخاص والعام وقد أثنى عليه علماء وقته بما يطول شرحه وقال فيه عاصم بن الحسين ( تراه من الذكاء نحيف جسم * عليه من توجده دليل ) ( إذا كان الفتى ضخم المعاني * فليس يضره الجسم النحيل ) وله مؤلفات كثيرة شهيرة رحمه الله تعالى وفيها أبو الوفاء طابر بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن القواس البغدادي الفقيه الحنبلي الزاهد الورع ولد سنة تسعين وثلثمائة وقرأ القرآن على أبي الحسن الحمامي وسمح الحديث من هلال الحفار وأبي الحسين بن بشرانن وغيرهم وتفقه أولا على القاضي أبي الطيب الطبري الشافعي ثم تركه وتفقه على القاضي أبي يعلى ولازمه حتى برع في الفقه وأفتى ودرس وكانت له حلقة بجامع المنصور للفتوى والمناظرة وكان يقلي المختصرات من تصانيف شيخة القاضي أبي يعلي ويلقى مسائل الخلاف وكان إليه المنتهى في العبادة والزهد والورع وذكره ابن السمعانيفي تاريخه فقال من أعيان فقهاء الحنابله وزهادهم كان قد أجهد نفسه في الطاعة والعبادة واعتكف في بيت الله خمسين سنة وكان يواصل الطاعة ليله بنهاره وكان قارئا للقرآن فقيها ورعا خشن العيش انتهى وكانت له كرامات ظاهرة ذكر ابن شافع في ترجمة صاحبه أبي الفضل ابن العالمة الاسكاف المقرئ انه كان يحكي من كرامات الشيخ أبي الوفاء أشياء عجيبة منها أنه قال كنت أحمل معي رغيفين كل يوم فأعبر يعني في السفينة (3/351)

352 برغيف وأمشي إلى مسجد الشيخ فأقرأ ثم اعود ماشيا إلى ذلك الموضع فأنزل بالرغيف الآخر فلما كان يوم من الأيام أعطيت الملاح الرغيف فرمى به واستقله فألقيت إليه الرغيف الآخر وتشوش قلبي لما جرى وجئت إلى الشيخ فقرأت عليه عادتي وقمت على العادة فقال لي قف ولم تجر عادته قط بذلك ثم أخرج من تحت وطائه قرصا فقال أعبر بهذا وفيها عبد الله بن أحمد بن عبد الوهاب بن جلبة البغدادي ثم الحراني الخراز أبو الفتح قاضي حران اشتغل ببغداد وتفقه بها على القاضي أبي يعلى وسمع الحديث من البرقاني وأبي طالب العشاوي وأبي علي بن شاذان وغيرهم ثم استوطن حران وصحب بها الشريف أبا القسم الزيدي وأخذ عنه وتولى بها القضاء قال عنه ابن السمعاني كان فقيها واعظا فصيحا وقال ابن أبي يعلى كان يلي قضاء حران من قبل الوالد كتب له عهدا بولاية القضاء بحران وكان ناشر للمذهب داعيا إليه وكان مفتي حران وواعظها وخطيبها ومدرسها وقال ابن رجب له تصانيف كثيرة وسمع منه جماعة منهم هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي ومكي الدميلي وغيرهما وفي زمانه كانت حران لمسلم بن قريش صاحب الموصل وكان رافضيا فعزم القاضي أبو الفتج على تسليم حران إلى حبق أمير التركمان لكونه سنيا فأسرع ابن قريش إلى حران وحصرها ورماها بالمجانيق وهدم سورها وأخذها ثم قتل القاضي أبا الفتح وولديه وجماعة من أصحابه وصلبهم على السور وقبورهم بحران تزار رحمه الله عليهم وذكر ابن تميمة في شرح العمدة أن أبا الفتح بن جلبة كان يختار استحباب مسح الأذنين بماء جديد بعد مسحها بماء الرأس وهو غريب جدا وفيها أبو محمد عبد الله بن عطاء بن عبد الله بن أبي منصور بن الحسن ابن إبراهيم الإبراهيمي الهروي المحدث الحافظ أحد الحفاظ المشهورين الرحالين سمه بهراة من عبد الواحد المليحي وشيخ الإسلام الأنصاري (3/352)

353 وبيوشنج من أبي الحسن الداودي وبنيسابور من أبي القسم القيشري وجماعة وببغداد من ابن النقور وطبقته وبأصبهان من عبد الوهاب وعبد الرحمن ابني منده وجماعة وكتب بخطه الكثير وخرج التاريخ للشيوخ وحدث وروى عنه أبو محمد سبط الخياط وابن الزعفراني وآخر من روى عنه أبو المعالي بن المحاس ووثقة طئفة منهم المؤتمن الساجي وقال شهردار اليدلمي عنه كان صدوقا حافظا متقنا واعظا حسن التذكير وقد تكلم فيه هبة الله السقطي والسقطي مجروح لا يقبل قوله وقد رد قوله ابن السمعاني وابن الجوزى وغيرهما وتوفي في طريق مكة بعد عوده منها على يومين من البصرة وفيها أبو الخطاب علي بن أحمد بن عبد الله المقرئ الصوفي المؤدب البغدادي ولد سنة اثنتين وتسعين وثلثمائة وقرأ علي أبي الحسن الحمامي وغيره بالسبع وقرأ عليه خلق كثير منهم أبو الفضل بن المهتدي وروى عنه الحديث أبو بكر بن عبد الباقي وغيره وله مصنف في السبعة وقصيدة في السنة وقصيدة في عدد الآي وكان من شيوخ الاقراء ببغداد المشهورين ومن حنابلتها المجتهدين وكان سابقا شافعيا ثم رأى الأمام أحمد وسأله عن أشياء وأصبح وقد تحنبل وصنف في معتقدهم وفيها أبو حليم الحنبري نسبة إلى خبر بنواحي شيراز كان فقيها صالحا وكان يكتب في مصحف فألقى القلم من يده واستند وقال والله أن هذا هو موت هنى طيب ثم مات رحمه الله تعالى قاله ابن الأهدل وفيها البكري أبو بكر المقرئ الواعظ م دعاة الأشعرية وفد على نظام الملك بخراسان فنفق عليه وكتب له سجلا أن يجلس بجوامع بغداد فقدن وجلس ووعظ ونال من الحنابلة سبا وتكفيرا ونالوا منه ولم تطل مدته قال في العبر.

  • وفيها أبو طاهر محمد بن أحمد بن محمد أبي الصقر اللخمي الانباري الخطيب في جمادي الآخرة وله ثمانون سنة سمع بالحجاز والشام ومصر وأكبر مشايخه ابن أبي نصر التميمي وفيها مقرئ الأندلس في زمانه أبو عبد الله محمد بن شريج الرعيني الاشبيلي المقرئ مصنف كتاب الكافي و كتاب التذكير توفي في شوال وله أربع وثمانون سنة وقد حج وسمع من أبي ذر الهروي وجماعة.

477 هـ

سنة سبع وسبعين وأربعمائة فيها توفي إسماعيل بن مسعدة بن إسماعيل بن الأمام أبي بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي الجرجاني أبو القسم صدر عالم نبيل وافر يد في النظم والنثر روى عن حمزة السهمي وجماعة وعاش سبعين سنة وروى الكامل لابن عدي وفيها بني بنت الصمد بن عي أم الفضل وأم عربي الهرثمية الهروية لها جزء مشهور ترويه عن عبد الرحمن بن أبي شريح توفيت في هذه السنة اوفي التي بعدها وقد استكملت تسعين سنة وفيها أبو سعد عبد الله بن الأمام عبد الكريم بن هوزان القيشري النيسابوري أكبر الاخوة في ذي القعدة وله أربع وستون سنة روى عن القاضي أبي بكر الحيري وجماعة وعاشت أمه فاطمة بنت أبي علي الدقاق بعده أربعة أعوام قال ابن الأهدل الأمام الكبير البارع أبو سعيد كانت فيه أوصاف قل أن يحتويها إنسان أو يعبر عناه لسان وكان أبوه يحترمه ويعامله معاملة الأقران لما ظهر له منه وفيها عبد الرحمن بن محمد بن عفيف البوشنجي آخر أصحاب عبد الرحمن ابن أبي شريح موتا وهو من كبار شيوخ أبي الوقت.

  • وفيها أبو نصر بن الصباغ عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد البغدادي الشافعي أحد الأئمة ومؤلف الشامل كان نظير الشيخ أبي اسحق ومنهم من يقدمه على أبي اسحق في نقل المذهب وكان ثبتا حجة دينا خيرا ولي النظامية بعد أبي اسحق ثم كف بصره وروى عن محمد بن الحسين القطان وأبي علي بن شاذان وكان مولده في سنة أربعمائة توفي في جمادي الأولى ببغداد ودفن في داره قال في العبر وقال ابن شهبة كان ورعا نزها ثبتا صالحا زاهدا فقيها أصوليا محققا قال ابن عقيل كملت له شرائط الاجتهاد المطلق وقال ابن خلكان كان ثبتا صالحا له كتاب الشامل وهو من أصح كتب أصحابنا وأتقنها أدلة قال ابن كثير وكان من أكابر أصحاب الوجوه ومن تصانيفه كتاب الكامل في الخلاف بيننا وبين الحنفية و كتاب الطريق السالم والعمدة في أصول الفقه وفيها أبو علي الفارمذي بفتح الفاء والراء والميم ومعجمة نسبة إلى فارمذ قرية بطوس الفضل بن محمد الزهاد شيح خراسان قال ابن عبد الغافر هو شيخ الشيوخ في عصره المنفرد بطريقته في التذكير التي لم يسبق إليها في عبارته وتهذيبه وحسن آدابه ومليح إستعارته ورقة الفاظه دخل بنيسابور وصحب القشيري وأخذ في الاجتهاد البالغ إلى أن قال وحصل له عند نظام الملك خارج عن الحد روى عن أبي عبد الله بن باكويه وجماعة وعاش سبعين سنة توفي في ربيع الآخر قاله في لعبر وقال الشيخ عبد الرؤف المناوي في طبقات الأولياء كان عالما شافيعا عارفا بمذاهب السلف ذا خبرة بمناهج الخلف وأما التصوف فذاك عشه الذي منه درج وغابه الذي ألفه ليثه ودخل وخرج تفقه علي الغزالي الكبير وأبي عثمان الصابوني وغيرهما وأخذ عنه حجة الإسلام وجد واجتهد وكان ملحوظا من القشيري بعين العناية موفرا عليه منه طريق الهداية حتى فتح عليه لوامع من أنواع المجاهدة وصار من مذكورى الزمان ومشهورى المشايخ وكان لسان الوقت وقال السمعاني كان لسان خراسان وشيخها وصاحب الطريقة الحسنة في تربية المريدين وكان مجلس روضة ذات أزهار وفيها محمد بن عمار أبو بكر المهري ذو الوزارتين شاعر الأندلس كان هو وابن زيدون كفرسي رهان وكان ابن عمار قد اشتمل عليه المعتمد وبلغ الغاية إلى أن استوزره ثم جعله نائبا على مرسية فخرج عليه ثم ظفر به المعتمد فقتله قال ابن خلكان وكانت ملوك الأندلس تخاف ابن عمار لبذاءة لسانه وبراعة احسانه لا سيما حين اشتمل عليه المعتمد على الله بن عباد صاحب غرب الأندلس وأنهضه جليسا وسميرا وقدمه وزيرا ومشيرا ثم رجع إليه خاتم الملك ووجهه أميرا وقداتي عليه حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا فتبعته المواكب والمضارب والجنائب والنجائب والكتائب وضربت خلفه الطبول ونشرت على رأسه الرايات والبنود فملك مدينة تدمير واصبح راقي منبر وسرير مع ما كان فيه من عدم السياسة وسوء التدبير ثم وثب على مالك رقة ومستوجب شكره ومستحقه فبادر إلى عقوقه وغش حقوقه فتحيل المعتمد عليه وسدد سهام امكايد إليه حتى حصل في يده قنيصا وأصبح لا يجد له محيطا إلى أن قتله المعتمد بيده ليلا في قصره بمدينة إشبيلية وكانت ولادته في سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة ولما قتله المعتمد رثاه صاحبه ابن وهبون الأندلسي بقوله من جملة قصيدة
( عجبا له ابكيه ملء مدامعي * وأقول لا شلت يمين القاتل ) ومن مشاهير قصائد ابن عمار
( ادر الزجاجة فالنسيم قد انبرى * والنجم قد صرف العنان عن السرى )
( والصبح قد أهدى لنا كافوره * لما استرد الليل منا العنبرا )

ومن مديحها وهي في المعتمد بن عباد

( ملك إذا ازدحم الملوك بمورد * ونحاه لا يردون حتى يصدرا )
( اندى على الأكباد من قطر الندى * وألذ في الأجفان من سنة الكرى )
( قداح زند المجد لا ينفك عن * نار الوغى إلا إلى نار القوى )

ومن جملة ذنوبه بيتان هجاه وهجا ابنه المعتضد بهما وهما

( مما يقبحح عندي ذكر أندلس * سماع معتضد غيها ومعتمد )
( أمساء مملكة في غير موضعها * كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد ) وكان أقوى الأسباب عللا قتله انه هجاه بشعر ذكر فيه أم نبيه المعروفة بالرميكية منها ( تخيرها من بنات الهجان * رميكية لا تساوي عقالا ) ( فجاءت بكل قصير الذراع * لئيم النجادين عما وخالا ) وهذه الرميكية كانت سرية المعتمد اشتراها من رميك بن حجاج فنسبت إليه وكان قد اشتراها في أيام أبيه المعتضد وأفرط في الميل إليها وغلبت عليه وأسمها اعتماد وهي التي أغرت المعتمد على قتل ابن عمار لكونه هجاها وفيها مسعود بن ناصر الشحري أبو سعيد الركاب الحافظ رحل وصنف وحدث عن أبي حسان المزكي وعلي بن بشر بن الليثي وطبقتهما ورحل إلى بغداد وأصبهان قال الدقاق ولم أر أجود اتقانا ولا أحسن ضبطا منه توفي بنيسابور في جمادي الأولى سنة ثمان وسبعين وأربعمائة فيها أخذ الأدقيش لعنه الله مدينة طليطلة من الأندلس بعد حصار سبع سنين فطغى وتمرد وحلمت إليه ملوك الأندلس الضريبة حتى المعتمد بن عباد ثم استعان المعتمد على حربه باللثمين وأدخلهم الأندلس وفيها توفي أبو العبا س العذري احمد نب عمر بن أنس بن دلهاث الاندلسي الدلائي ودلايه من عمل المرية كان حافظا محدثا متقنا مات في شعبان وله خمس وثمانون سنة حج سنة ثمان وأربعمائة مع أبويه فجاورا ثمانية أعوام. وصحب هو أبا ذر فتخرج به وروى عن أبي الحسن بن جهضم وطائفة ومن جلالته أن امامي الأندلس ابن عبد البر وابن حزم رويا عه وله كتاب دلائل النبوة وفيها أبو سعد المتولي عبد الرحمن بن مأمون النيسابوري شيخ الشافعية وتلميذ القاضي الحسين وهو صاحب التتمة تمم به الإبانة لشيخه أبي القسم الفوراني تفقه بمرو علي الفوراني وبمرو الروذ علي القاضي حسين وببخارا علي أبي سهل الابيوردي وبرع في الفقه والأصول والخلاف قال الذهبي كان فقيها محققا وحبرا مدقا وقال ابن كثير هو أحد أصحاب الوجوه في المذهب كان فقيها محققا وحبرا مدققا وقال ابن كثير هو أحد أصحاب الوجوه في المذهب وصنف التتمة ولم يكمله وصل فيه إلى القضاء وأكمله غير واحد ولم يقع شيء من تكملتهم على نسبته وصنف كتابا في أصول الدين و كتابا في الخلاف ومختصرا في الفرائض ومولده بنيسابور سنة ست وقيل سبع وعشرين وأربعمائة وتوفي ببغداد في شوال قال ابن خلكان ولم أقف على المعنى الذي سمى به المتولى وفيها أبو المعالي أحمد بن مرزوق بن عبد الرزاق الزعفراني الحنبلي المحدث سمع الكثير وطلب بنفسه وكتب بخطه قال أبو علي البرداني كان همته جمع الحديث وطلبه حدث باليسير عن أحمد بن عمر بن الأحصر وأبي الحسين العكبري وغيرهم وروى عنه البرداني وقاله انه مات ليلة الثلاثاء مستهل المحرم وفيها أبو معشر الطبري عبد الكريم بن عبد الصمد الطبري القطان المقرئ نزيل مكة وصاحب كتاب التخلي وغيره قرا بحران على أبي القسم الزيدي وبمكة على الكارزيني وبمصر على جماعة وروى عن أبي عبد الله ابن نظيف وجلس للأقراء بمكة وفيها إمام الحرمين أبو المعالي الجويني عبد الملك بن أبي محمد عبد الله بن يوسف الفقيه الشافعي ضياء الدين أحد الأئمة الأعلام قال ابن الأهدل تفقه على والده في صباه واشتغل به مدته فلما توفي والده أتى على جميع مصنفاته ونقلها ظهرا لبطن وتصرف فيها وخرج المسائل بعضها على بعض ولم يرض بتقليد والده من كل وجه حتى أخذ في تحقيق المذهب واخلاف وسلك طريق المباحثة والمناظرة وجمع الطرق بالمطالعة حتى أربى على المتقدمين وأنسى مصنفات الأولين توفي والده وهو دون العشرين سنة فأقعد مكانه للتدريس وكان يتردد إلى المشايخ في أنواع العلوم حتى ظهرت براعته ولما ظهر التعصب بين الأشعرية والمتبدعة خرج إلى مكة فجاور بها أربع سنين ينشر العلم ولهذا قيل له إمام الحرمين ثم رجع مضى نوبة التعصب إلى نيسابور في ولاية ألب أرسلان السجلوقي ثم قدم بغداد فتولى تدريس النظامية والخطابة والتذكير والإمامة وهجرت له المجالس وانغمر ذكر غيره من العلماء وشاعت مصنفاته وبركاته وكان يقعد بين يديه كل يوم نحو ثلثمائة رجل من الطلبة والائمة وأولاد الصدور وحصل له من القبول عند السطان ما هو لائق بمنصبه بحيث لا يذكر غيره والمقبول من انتمى إليه وقرأ عليه وصنف النظامي والغياثي فقوبل بمل يليق به من الشكر والخلع الفائقة والمراكب الثمينة ثم قلد رعاية الأصحاب ورياسة الطائفة وفوض إليه أمر الأوقاف وسار إلى أصبهان بسبب مخالفة الأصحاب فقابله نظام الملك بما هو لائق بمنصبه وعاد إلى نيسابور وصار أكثر عنايته بنهاية المطب في دراية المذهب وأودعه من التدقيق والتحقيق ما تعلم به مكانته من العلم والفهم واعترف أهل وقته بأنه لم يصنف في المذهب مثله وصنف الشامل في أصول الدين والإرشاد والعقيدة النظامية وغياث الأمم في الإمامة ومغيث الخلق في اختيار الأحق والبرهان في أصول الفقه وغيرها وكان مع رفعة قدره وجلالته له حظ وافر من التواضع فمن ذلك انه لما قدم عليه أبو الحسن المجاشعي تلمذ له وقرأ عليه كتاب اكسير الذهب في صناعة الأدب من تصنيفه وقد تقدم انه حمل بين يدي الشيخ أبي اسحق الغاشية وقد أثنى عليه علماء وقته بما يطول شرحه من ذلك قول الشيخ أبي اسحق تمتعوا بهذا الأمام فأنه نزهة هذا الزمان وقال له في أثناء كلامه با مفيد أهل المشرق والمغرب أنت إمام الأئمة اليوم وقال المجاشعي ما رأيت عاشقا للعلم في أي فن كان مثل هذا الأمام وكان لا يستصغر أحدا حتى يسمع كلامه ولا يستنكف أن يغزو الفائدة إلى قائلها ويقول استفدتها من فلان وإذا لم يرض كلامه زيفه ولو كان إذا شرع في حكايات الأحوال وعلوم الصوفية ومجلس الوعظ والتذكير بكى طويلا حتى يبكي غيره لبكائه وربما زعق ولحقه الاحتراق لعظيم لا سيما إذا أخذ في التفكير وسمع الحديث من جماعة كثيرة وأجاز له أبو نعيم صاحب الحلية وسمع سنن الدار قطني من ابن عليك وكان يعتمد تلك الأحاديث في مسائل الخلاف ويذكر الجرح والتعديل في الرواية وروى أن والده في ابتداء أمره كان ينسخ بالأجرة حتى اجتمع له شيء فاشترى به جارية صالحة ووطئها فلام وضعت أما الحرمين أوصاها أن لا ترضعه من غيرها فأرضعته يوما جارة لهم فاجتهد الشيخ في تقييئها حتى تقايأها وكان رما لحقته فترة بعد إمامته فيقول لعل هذه من بقايا تلك الرضعة ولما مات لحق الناس عليه ما لا يعهد لغيره وغلقت أبواب البلد وكشف الرءوس حتى ما اجترأ أحد من الأعيان يغطى رأسه وصلى عليه ولده أبو القسم بعد جهد عظيم من الزحام ودفن في داره بنيسابور ثم نقل بعد سني إلى مقبرة الحسين وكسر منبره في الجامع وقعد الناس للعزاء أياما وكان طلبته نحو أربعمائة يطوفون في البلد نائحين عليه وكان عمره تسعا وخمسين سنة وآثاره في الدين باقية وان انقطع نسله ظاهرا فنشر علمه يقوم مقام كل نسب ومن كلامه في كتابه الرسالة النظامية اختلف مسالك العلماء في هذه الظواهر فرأى بعضهم تأويلها والتزم ذلك في أي الكتاب وما يصح من السنن وذهل أئمة السلف إلى الاكفاف عن التأويل وإجراء الظواهر على موادرها وتفويض معانيها إلى الرب قال والذي نرتضيه رايا وندين الله به عقدا ابتاع سلف الأمة والدليل السمعي القاطع في ذلك أن إجماع الأمة حجة متبعة وهو مستند الشريعة وقد درج صحب رسول الله على ترك التعرض لمعانيها ودرك ما فيها وهم صفوة الإسلام والسمتقلون بأعباء الشريعة وكانوا لا يألون جهدا في ضبط قواعد الملة والتواصي بحفظها وتعليم الناس ما يحتاجون إليه منها فول كان تأويل هذه الظواهر مشروعا أو محتوما لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة وإذا انصرم عصرهم على الاضراب عن التأويل كان ذلك هو الوجه المتبع فحق على كل ذي دين أن يعتقد تنزيه الباري عن صفات المحدثين ولا يخوض في تأويل المشكلات ويكل معناها إلى الرب فليجر آية الاستواء والمجيء وقوله ( ^ لما خلقت بيدي ) ( ^ ويبقي وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) وقوله ( تجري بأعيننا ) وما صح من أخبار الرسول كخبر النزول وغيره على ما ذكرنا انتهى بحروفه ومن شعر أبي المعالي ( نهاية أقدام العقول عقال * وغاية آراء الرجال ضلال )
( وأرواحنا في وحشة من جسومنا * وغاية دنيانا أذى ووبال ) وذكر المناوي في شرحه على الجامع الصغير ما نصه وقال السمعاني في الذيل عن الهمذاني سمعت أبا المعالي يعني إمام الحرمين يقول قرأت خمسين آلفا في خمسن آلفا ثم حلبت أهل الإسلام بإسلامهم فيها وعلومهم الظاهرة وركبت البحر الخضم وغصت في الذي نهى أهل الإسلام عنه كل ذلك في طلب الحلق وهو يأمن التقليد والان رجعت من العمل إلى كلمة الحق عليكم بدين العجائز فإن لم يدركني الحق بلطفه وأموت على دين العجائز وتختم عاقبة أمري على

(3/361)

362 الحق وكلمة الإخلاص وألا فالويل لابن الجويني انتهى بحروفه فرحمه الله ورضى عنه وفيها أبو علي بن الوليد شيخ المعتزلة محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن الوليد الكرخي وله اثنتان وثمانون سنة أخذ عن أبي الحسين البصري وغيره وبه انحرف ابن عقيل عن السنة قليلا وكان ذا زاهد وورع وقناعة وتعبد وله عدة تصانيف ولما افتقر جعل ينقض داره ويبيع خشبها ويتقوت وكانت من حسان الدور ببغداد قاله في العبر وفيها قاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني محمد بن علي بن محمد الحنفي تفقه بخراسان ثم ببغداد على القدورى وسمع من الصورى وجماعة وعاش ثمانين سنة وكان نظير القاضي أبي يوسف في الجاه والحشمة والسؤدد وبفي في القضاء دهرا دفن في القبة إلى جانب الأمام أبي حنفية رحمهما الله تعالى وفيها مسلم الملك شرف الدولة أبو المكارم بن الملك أبي المعالي قريش بن بدران بن مقلد العقيلي صاحب الجزيرة وخلب وكان رافضيا اتسعت ممالكه ودانت له العرب وطمع في الاسيلاء على بغداد عند موت طفر لبك وكان شجاعا فاتكا مهيبا ماكرا التقي هو الملك سلمان بن قتملش السجلوقي صاحب الروم على باب إنطاكية فقتل في المصاف سنة تسع وسبعين وأربعمائة فيها كانت وقعة الزلاقة بين الأدفوش والمعتمد بن عباد ومعه الملثمون فأتوا الزلاقة من أعمال بطليوس فالتقى الجمعان فوقعت الهزيمة على الملاعين وكانت ملحمة عظيمة في أول جمعة من رمضان وجرح المعتمد عدة جراحات سليمة وطابت للملثمين فعمل أميرهم ابن تاشفين على ملكها.

  • وفيها أعيدت الخطبة العباسية بالحرمين وقطعت خطبة العبيديين وفيها كما قال السيوطي في تاريخ الخلفاء أرسل يوسف بن تاشفين صاحب سبتة ومراكش إلى المعتمد أن يسلطنه وان يقلده ما بيده من البلاد فبعث إليه الخلع والاعلام والتقليد ولقبه بأمير المؤمنين ففرح بذلك وسربه فقهاء المغرب وهو الذي انشأ مدينة مراكش وفيها توفي أبو سعيد النيسابوري شيخ الشيوخ ببغداد أحمد بن محمد بن دوست كان كبير الحرمة في الدولة له رباط مشهور ومريدون وكان نظام الملك يعظمه وفيها أبو القاسم اسمعيل بن زاهر النوقاني بالفتح والسكون كما قال السيوطي وبالضم كما قال الاسنوي نسبة إلى نوقان مدينة بطوس النيسابوري الشافعي الفقيه وله اثنتان وثمانون سنة روى عن أبي الحسن العلوي وعبد الله بن يوسف وابن محمش وطائفة ولقى ببغداد أبا الحسن بن بشران وطبقته وأملى وأفاد وفيها طاهر بن محمد أبو عبد الرحمن الشحامي المستملى والد زاهر روى عن الحيري وطائفة وكان فقيها صالحا ومحدثا عارفا بصر تام بالشروط توفي في جمادي الآخرة وله ثمانون سنة وفيها أبو علي التستري علي بن أحمد بن علي البصري السقطي راوي السنن عن أبي عمر الهاشمي وفيها أبو الحسن علي بن فضال المجاشعي القيرواني صاحب المصنفات في العربية والتفسير توفي في ربيع الأول وكان من أوعية العلم تنقل بخراسان وصحب نظام الملك وفيها أبو الفضل محمد بن عبيد الله الصرام النيسابوري الرجل الصالح روى عن أبي نعيم الاسفراييني وأبي الحسن العلوي وطبقتهما وتوفي في شعبان
  • وفيها مسند العراق أبو نصر الزبيني محمد بن محمد بن علي الهاشمي العباسي آخر أصحاب المخلص ومحمد بن عمر الوراق توفي في جمادي الآخرة وله اثنتان وتسعون سنة وأربعة أشهر وكان ثقة خيرا وفيها القاضي أبو علي ناصر بن إسماعيل النوقاني الحاكم قال عبد الغافر كان فاضلا كبيرا من وجوه أصحاب الشافعي حسن الكلام في المناظرة درس سنين بنوقان وأجرى بها القضاء على وجهه وقتل بها شهيدا قاله الأسنوي سنة ثمانين وأربعمائة فيها توفي مقرئ الأندلس عبد الله بن سهل الأنصاري المرسي اخذ القراءات عن أبي عمر الطلمنكي وأبي عبد الله محمد بن سفيان ومكي وجماعة وفيها شافع بن صالح بن حاتم بن أبي عبد الله الجيلي أبو محمد قدم بغداد بعد الثلاثين وأربعمائة وسمع من أبي علي بن المذهب والعشاري وابن غيلان والقاضي أبي يعلى وعليه تفقه وكتب معظم تصانيفه في الأصول والفروع ودرس الفقه بمسجد الشريف أبي جعفر وخلفه أولاده من بعده في ذلك حتى عرف المسجد بهم قال ابن الجوزي كان متعففا متقشفا ذا صلاح وقال ابن السمعاني كتب التصانيف في مذهب الأمام احمد كلها ودرس الفقه وتوفي يوم الثلاثاء سادس عشرى صفر وفيها عبد الله بن نصر الحجازي أبو محمد الزاهد قال ابن الجوزى سمع الحديث وصحب الزهاد وتفقه على مذهب أحمد وكان خشن العيش متعبدا وحج على قدميه بضع عشرة حجة وتوفي في ربيع الأول وفي آخر يوم من هذه السنة وهو يوم الأحد سلخ ذي الحجة أبو بكر محمد ابن علي بن الحسين الحزار الحريمي الحنبلي ودفن بباب حرب طلب الحديث وسمع من أبي الغنائم بن المأمون والعشاري وغيرهما وكتب بخطه

(3/364)

365 الحديث والفقه وحدث باليسير وسمع منه أبو طاهر بن الرحبي القطان وأبو المكارم الظاهري وفيها فاطمة بنت الشيخ أبي علي الحسن بن علي الدقاق الزاهد زوجة القشيري كانت كبيرة القدر عالية الإسناد من عوابد زمانها روت عن أبي نعيم الاسفراييني والعلوي والحاكم وطائفة توفيت في ذي القعدة عن تسعين سنة وفهيا فاطمة بنت الحسن بن علي الاقرع أم الفضل البغدادية الكاتبة التي جودوا على خطها وكانت تنقل طريقة ابن البواب حكت أنها كتبت ورقة للوزير الكندري فأعطاها ألف دينار وقدروت عن أبي عمر بن مهدي الفارسي وفيها السد المرتضي ذو الشرفين أبو المعالي محمد بن محمد بن زيد العلوي الحسيني الحافظ قتله الخاقان بما وراء النهر مظلوما وله خمس وسبعون سنة روى عن أبي علي بن شاذان وخلق وتخرج بالخطيب ولازمه وصنف التصانيف وحدث بسمر قند وأصبهان وبغداد وكان متمولا معظما وافر الحشمة كان يفرق في العام نحو العشرة آلاف دينارا ويقول هذه زكاة مالي.

481 هـ

سنة إحدى وثمانين وأربعمائة فيها توفي أبو بكر الغورجي بالضم وفتح الراء وجيم إلى غورة قرية بهراة أحمد بن عبد الصمد الهروي راوي جامع الترمذي عن الجراحي توفي في ذي الحجة وفيها أبو اسحق الطيان إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الاصبهاني القفال صاحب ابارهيم بن خورشيد قوله توفي في صفر وفيها أبو إسماعيل الأنصاري شيخ الإسلام عبد الله بن محمد بن علي الهروي الصوفي القدوة الحنبلي الحافظ أحد الأعلام توفي في ذي الحجة وله ثمانون سنة وأشهر سمع من بد الجبار الجراحي وأبي منصور محمد بن محمد الأزدي وخلق كثير وبنيسابور من أبي سعيد الصيرفي وأحمد السليطي صاحبي الأصم وكان قذى في أعين المتبدعة وسيفا على الجهيمة وقد امتحن مرات وصنف عدة مصنفات وكان شيخ خراسان في زمانه غير مدافع قاله في العبر ومن شعره

( سبحان من أجمل الحسنى لطالبها * حتى إذا ظهرت في عبده مدحا )
( ليس الكريم الذي يعطي ليمدحه * أن الكريم الذي يثنى بما منحا )

وفيها عثمان بن محمد بن عبيد الله المحمى كالمرمي نسبة إلى محمد جد أبو عمرو المزكي بنيسابور في صفر روى عن أبي نعيم الاسفراييني والحاكم وفيها ابن ماجه الابهري أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسن الاصبهاني وابهر أصبهان قرية وأما أبهر زنجان فمدينة عاش خمسا وتسعين سنة وتفرد في الدنيا بجزء لوين عن ابن المزربان الابهري سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة فيها توفي أحمد بن محمد بن صاعد بن محمد أبو نصر الحنفي رئيس نيسابور وقاضيها وكبيرها روى عن جده والقاضي أبي الحرى وطائفة وكان يقال له شيخ الإسلام وكان مبالغا في التعصب في المذهب فأغرى بعضا ببعض حتى لعنت الخطباء أكثر الطوائف في دولة طغر لبك فلما مات طغر لبك خمد هذا ولزم بيته مدة ثم ولى القضاء وفيها أبو اسحق الحبال الحافظ إبراهيم بن سعيد النعماني مولاهم المصري عن تسعين سنة سمع أحمد بن بريال والحافظ عبد الغني ومنير بن أحمد وطبقتهم وكان يتجر في الكتب وكانت بنو عبيد قد منعوه من التحديث في أواخر عمره وكان ثقة صالحا حجة ورعا كبير القدر وفيها الحسن بن أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن عبد الواحد بن محمد بن أحم بن عثمان بن الوليد بن أبي الحديد أبو عبد الله السلمي الدمشقي الخطيب نائب الحكم بدمشق روى عن عبد الرحمن بن الطيير وطائفة وعاش ستا وستين سنة.

  • وفيها القاضي أبو منصور بن سمكويه محمد بن أحمد بن علي الأصبهاني الحافظ المكثر توفي في شعبان له تسع وثمانون سن وهو آخر من روى عن أبي علي البغدادي وابن خرشيد قوله ورحل واخذ بالبصرة من أبي عمر الهاشمي بعض السنن أو كله وفيه ضعف وفيها أبو الخير محمد بن أحمد بن عبد الله بن زر الاصبهاني روى عن عثمان البرجي وطبقته وكان واعظا زاهدا وأم مدة بجامع أصبهان وفيها الطبسي بفتح الطاء المهملة والموحدة التحتية ومهملة نسبة إلى طبس مدينة بين نيسابور وأصبهان وكرمان محمد بن أحمد بن أبي جعفر المحدث مؤلف كتاب بستان العارفين روى عن الحاكم وطائفة توفي في شهر رمضان وكان صوفيا عابدا ثقة صاحب حديث وسنة.

483 هـ

سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة فيها كانت فتنة هائلة لم يسمع بمثلها بين السنة والرافضة وقتل بينهم عدد كثير وعجز والى البلد واستظهرت السنة بكثرة من معهم من أعوان الخليفة واستكانت الشيعة وذلوا ولزموا التقية وأجابوا إلى أن كتبوا على مساجد الكرخ خير الناس بعد رسول الله أبو بكر وفيها توفي خواهر زاده الحنفي شيخ الطائفة بما وراء النهر وهو أبو بكر محمد بن الحسين البخاري القديدي مصغرا نسبة إلى قديد بين مكة والمدينة شرفهما الله تعالى روى عن منصور الكاغدى وطائفة وبرع في المذهب وفاق الأقران وطريقته أبسط طريقة للأصحاب وكان يحفظها وتوفي في جمادي الأولى ببخاري وفيها عاصم بن الحسن أبو الحسين العاصمي الكرخي الشاعر المشهور روى عن ابن تميم وعن أبي عمر بن مهدي وكان شاعرا محسنا ظريفا صاحب ملح ونوادر مع الصلاح والعفة والصدق مرض في آخر عمره فغسل ديوان شعره ومات في جامدي الآخرة عن ست وثمانين سنة وفيها أبو نصر الترياقي عبد العزيز بن محمد الهروي راوي الترمذي سوى آخر جزء منه الجراحي كان ثقة أديبا عاش أربعا وتسعين سنة وترياق من قرى هراة وفيها أبو الحسن علي بن أحمد بن علي بن عبد الله بن محمد بن الحسين الطبري الروياني نزل بخارا وبها مات وكان حافظا مكثرا أحد النقاد قاله ابن ناصر الدين وفيها أبو بكر التفسلي بفتح فسكون وبعد اللام سين مهملة نسبة إلى تفليس بلد بأذر بيجان محمد بن إسماعيل بن محمد النيسابوري المولد الصوفي المقرئ روى عن حمزة المهلبي وعبد الله بن يوسف الاصبهاني وطائفة ومت في شوال وفيها العلامة أبو بكر الخجندي بخاء معجمة مضمومة ثم جيم مفتوحة وسكون النون ومهملة نسبة إلى خجندة مدينة بطرف سيحون محمد بن ثابت ابن الحسن الشافعي الواعظ نزيل أصبهان ومدرس نظاميتها وشيخ الشافعية بها ورئيسها كان إليه النتهى في الوعط توفي في ذي القعدة قال الاسنوي له يد باطشة في النظر والأصول انتشر علمه في الآفاق وتخرج به وبكلامه جماعة وتفقه على أبي سهل الابيوردي وسمع الحديث من جماعة وحدث عنهم وكان حسن السيرة م رؤساء الأئمة حشمة ونعمة وكان له ولد يقال له أبو سعيد أحمد تفقه على والده حتى برع في المذهب وسمع وحدث ولما مات أبوه فوض تدريس النظامية إلى غيره فلزم بيته إلى أن مات في شعبان سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة عن ثمان وثمانين سنة، قاله ابن السمعاني.

  • وفيها أبو نصر محمد بن سهل السراج الشاذياخي بشين معجمة وسكون الذال المعجمة وتحتية وخاء معجمة نسبة إلى قرية بنيسابور أو إلى شاذخ ببلخ آخر أصحاب أبي نعيم عبد الملك الاسفراييني روى عن جماعة وكان ظريفا نظيفا لطيفا توفي في صفر عن تسعين سنة وفيها أبو الغنائم أبي عثمان محمد بن علي بن حسن بغدادي متميز صدوق روى عن أبي عمر بن مهدي وجماعة وفيها فخر الدولة بن جهير الوزير أبو نصر محمد بن محمد بن جهير الثعلبي ولي نظر حلب ثم وزر لصاحب ميافارقين ثم وزر للقائم بأمر الله مدة وكان من رجال العالم ودهاة بني آدم وكان رئيسا جليلا خرج من بيتهم جماعة من الوزراء والرؤساء ومدحهم أعيان الشعراء فمنهم صردر المتقدم ذكر وهي من غرر قصائده ومشاهيرها وأولها
( لجاجة قلب ما يفيق غرورها * وحاجة نفس ليس يقضي يسيرها )
( وقفنا صفوفا في الديار كأنها * صحفية ملقاة ونحن سطورها )
( يقول خليلي والظباء سوانح * أهذا الذي تهوى فقلت نظيرها )
( لئن شابهت أجيادها وعيونها * لقد خالفت أعجازها وصدورها )
( فيا عجبا منها يصيد أنيسها * ويدنو على ذعر إلينا نفورها )
( وأم ذاك إلا أن غزلان عامر * تيقن أن الزائرين صقورها )
( ألم يكفها ما قد جنته شموسها * على القلب حتى ساعدتها بدورها )
( نكصنا على الأعقاب خوف إناثها * فما بالها تدعو نزال ذكورها )
( ووالله ما أدري غداة نظرننا * أتلك سهام أم كؤوس تديرها )
( فإن كن من نبل فأين حفيفها * وإن كن من خمر فأين سرورها )
( أيا صاحبي استأذنا لي خمارها * فقد آذنت لي في الوصول خدورها )

(3/369)