شذرات الذهب في أخبار من ذهب: ج2

من معرفة المصادر

شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد.

http://www.shamela.ws تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة

الكتاب : شذرات الذهب - ابن العماد موافق للمطبوع

18 والواقدي قاضي بغداد أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد الأسلمي المدني العلامة أحد أوعية العلم روى عن ثور بن يزيد وابن جريج وطبقتهما وكان يقول حفظي أكثر من كتبي وقد تحول مرة فكانت كتبه مائة وعشرين حملا ضعفه الجماعة كلهم قال ابن ناصر الدين أجمع الأئمة على ترك حديثه حاشا ابن ماجه لكنه لم يجسر أن يسميه حين أخرج حديثه في اللباس يوم الجمعة وحسبك ضعفا بمن لا يجسر أن يسميه ابن ماجه اه. وقال الذهبي في كتابه المغني في الضعفاء محمد بن عمر بن واقد الأسلمي مولاهم الواقدي صاحب التصانيف مجمع على تركه وقال ابن عدي يروي أحاديث غير محفوظة والبلاء منه وقال النسائي كان يضع الحديث وقال ابن ماجه حدثنا ابن أبي شيبة حدثنا شيخ ثنا عبد الحميد بن صفوان فذكر حديثا في لباس الجمعة وحسبك بمن لا يجسر ابن ماجه أن يسميه اه قلت وقد كذبه أحمد والله أعلم. وقال ابن أبي الأهدل الإمام الواقدي أبو عبد الله محمد بن واقد وعشرين حملا وضعفه أهل الحديث ووثقوا كاتبه محمد بن سعد من تصانيفه كتاب الردة ذكر فيه المرتدين وما جرى بسببهم وكان المأمون يكرمه ويراعيه روى عنه قال كان لي صديقان أحدهما هاشمي وكنا كنفس واحدة فشكوت إليه عسرة فوجه إلي كيسا مختوما فيه ألف درهم فما استقر في يدي حتى جاءني كتاب صديقي الآخر يشكو مثل ذلك فوجهته إليه كما هو وخرجت إلى المسجد فبت في حياء من زوجتي ثم إن صديقي الهاشمي شكا إلى صديقي الآخر فأخرجه إليه بحالةه فجاءني به حين عرفه وقال اصدقني كيف خرج منك فعرفته الحكاية فتواجهنا وتواسيناه بيننا وعزلنا للمرأة مائة درهم ونمى الخبر إلى المأمون فوجه إلى كل منا ألف دينار وللمرأة ألفا وقد ذكر هذه الحكاية الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد أه كلام ابن الأهدل.

  • بشر بن عمر الزهراني كان ثقة متقنا ذا علم وحديث وكنيته أبو محمد.
  • أبو كامل مظفر بن مدرك الخراساني ثم البغدادي كان ثقة مأمونا أخذ أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وآخرين.
  • أبو نضر هاشم بن القاسم الخراساني قيصر نزل بغداد وكان حافظا قوالا بالحق سمع شعبة وابن أبي ذئب وطبققتهما ووثقه جماعة قال ابن ناصر الدين هو ثقة ماجد شيخ لأحمد بن حنبل اه.
  • الهيثم بن عدي أبو عبد الرحمن الطائي الكوفي الأخباري المؤرخ روى عن مجالد وابن إسحاق وجماعة وهو متروك الحديث وقال أبو داود السجستاني كذاب.
  • الفراء يحي بن زياد الكوفي النحوي نزل بغداد وحدث في مصنفاته عن قيس بن الربيع وأبي الأحوص وهو أجل أصحاب الكسائي كان رأسا في النحو واللغة قال ابن الأهدل في تاريخه الإمام البارع يحي بن زياد الفرائ كوفي أجل أصحاب الكسائي هو والأحمر قيل لولاه لما كانت عربيه لأنه هذبها وضبطها وقال ثمامة بن أشرس المعتزلي ذاكرت الفراء فوجدته في النحو نسيج وحده وفي اللغة بحرا وفي الفقه عارفا باختلاف القوم وفي الطب خبيرا وبأيام العرب وأشعارها حاذقا ولحن يوما بحضرة الرشيد فرد عليه فقال يا أمير المؤمنين إن طباع الأعراب والحضر اللحن فإذا تحفظت لم ألحن وإذا رجعت إلى الطبع لحنت صنف الفراء للمأمون كتاب الحدود في النحو وكتاب المعاني واجتمع لإملائه خلق كثير منهم ثمانون قاضيا وعمل كتابا على جميع القرآن في نحو ألف ورقة لم يعمل مثله وكل تصنيفه حفظا لم يأخذه بيده نسخة إلا كتاب على جميع القرآن في نحو ألف ورقة لم يعمل مثله وكل تصنيفه حفظا لم يأخذ بيده نسخة إلا كتاب ملازم وكتاب نافع وعجب له تعظيم الكسائي وهو أعلم بالنحو منه قال الفراء أموت وفي نفسي من حتى شيء لأنها تجلب الحركات الثلاثة ولم يعمل الفراء ولا باعها وإنما كان يفري الكلام وقطعت يد والده في مقتلة الحسين بن علي رضي الله عنه وكان يؤدب ابني المأمون فطلب نعليه يوما فابتدر إليهما يسبق إلى تقديمهما له فقال له المأمون ما أعز من يتبادر إلى تقديم نعليه وليا عهد المسلمين فقال ما كنت أدفعهما عن مكرمة سبقا إليها وشريفة حرصا عليها وقد أمسك ابن عباس بركابي الحسن والحسين وقد خرجا من عنده قال المأمون لو منعتهما لأوجعتك لوما فلا يحسن ترفع الرجل عن ثلاثة والده وسلطانه ومعلمه وأعطاهما عشرين ألف دينار وأعطاه عشرة آلاف وروى أن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة سأل الفقراء وهو ابن خالته عمن سها في سجود السهو فقال لا شيء عليه لأن المصغر لا يصغر وروى عن الكسائي انتهى كلام ابن الأهدل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سنة ثمان ومائتين

  • جاء سيل بمكة حتى بلغ الماء الحجر والباب وهدم أكثر من ألف دار ومات نحو من ألف إنسان.
  • وفيها سار الحسن بن الحسين بن مصعب الخزاعي إلى كرمان فخرج بها فسار لحربه أحمد بن أبي خالد فظفر به وأتى به المأمون فعفا عنه.
  • وفيها توفي الأسود بن عامر نب شاذان أبو عبد الرحمن ببغداد روى عن هشام ابن حسان وشعبة وجماعة قال ابن ناصر الدين كان ثقة حافظا وسعيد بن عامر الضبعي أبو محمد البصري أحد الأعلام في العلم والعمل روى عن يونس بن عبيد وسعيد بن أبي عروبة وطائفة قال أحمد بن حنبل ما رأيت أفضل منه وقال ابن ناصر الدين وأخذ عنه أحمد وغيره وقال يحي القطان هو شيخ المصر منذ أربعين سنة اه وتوفي في شوال وعبد الله بن السهمي الباهلي أبو وهب البصري روى عن حميد الطويل وبهز بن حكيم وطائفة وكان ثقة مشهورا توفي في المحرم ببغداد والفضل بن الربيع بن يونس الأمير حاجب الرشيد وابن حاجب المنصور وهو الذي قام بأعباء خلافة الأمين ثم اختفى مدة بعد قتل الأمين توفي في ذي القعدة قال ابن الأهدل هو وزير الرشيد بدلا عن البرامكة وقد كان بينه وبينهم أحن وشحناء دخل يوما على يحي بن خالد وابنه جعفر يوقع بين يديه فعرض عليه الفضل عشر رقاع للناس فلم يوقع له في واحدة منهن فجمع رقاعه وقال ارجعن خائبات وخرج وهو يقول ( عسى وعسى يثني الزمان عنانه * بتصريف حال والزمان عثور ) ( فتقضي لبانات وتشفي حسايف * ويحدث من بعد الأمور أمور ) والحسائف الضغائن فقال له يحي عزمت عليك يا أبا العباس إلا رجعت فرجع فوقع له فيها كلها ولم يمتد أمرهم بعدها وكانت نكبتهم على يده اه.
  • توفيت السيدة نفيسة بنت الأمير حسن بن زيد الحسن بن علي بن أبي طالب الحسنية صاحبة المشهد بمصر ولي أبوها إمرة الدينة للمنصور ثم حبسه دهرا ودخلت هي مصر مع زوجها إسحاق بن جعفر الصادق وتوفيت في شهر رمضان وقال ابن الأهدل وقيل قدمت مصر مع ابنها وكانت من الصالحات سمع عليها الشافعي وحملت جنازته يوم مات فصلت علي ولما ماتت هم زوجها إسحاق بحملها إلى المدينة فأبى أل مصر فدفنت بين القاهرة ومصر يقال أن الدعاء يستجاب عند قبرها قال الذهبي ولم يبلغنا شيء من مناقبها وللجهال فيها اعتقاد لا يجوز وقد يبلغ بهم إلى الشرك بالله فإنهم يسجدون للقبر ويطلبون منه المغفرة وكان أخوها القاسم بن حسن زاهدا عابدا قلت وسلسلتها في النسب وسماع الشافعي منها وعليها وحمله ميتا إلى بيتها أعظم منقبة فلم يكن ذلك إلا عن قبول وإقبال ويت وإجلال نفع الله بها ومبلغها انتهى ما قاله ابن الأهدل.
  • القاسم بن الحكم العرني الكوفي قاضي همدذان روى عن زكريا بن يحي ابن أبي زائدة وأبي حنيفة وجماعة وقد كان أراد الإمام أحمد أن يرحل إليه وخرج له الترمذي وقال في المغني وثقه النسائي وقال أبو حاتم لا يحتج به اه وقريش بن أنس البصري روى عن حميد وابن عون وجماعة قال النسائي ثقة إلا أنه تغير ومات في رمضان ومحمد بن مصعب القرقساني روى عن الأوزاعي وإسرائي وضعفه النسائي وغيره وهارونن بن بن علي المنجم الفاضل البغدادي صنق تاريخ المولدين جمع مائة وإحدى وستين شاعرا افتتحه بذكر بشار بن برد وختمه بمحمد بن عبد الملك ابن صالح واختار من شعرهم الزبد دون الزبد وصنف غير ذلك ويحي بن حسان التنيسي أبو زكريا روى عن معاوية بن سلام وحماد بن سلمة وطائفة وكان إمام حجة من جلة المصريين توفي في رجب ويحي بن بكير العبدي قاضي كرمان حدث عن شعبة وأبي جعفر الرازي والكبار وثقه ابن معين وغيره قال ابن ناصر الدين واسم أبيه قيس بن أبي أسيد بالتصغير وكان ثقة أخطأ في إسناد واحد مع كثرة حفظه اه ويعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري العوفي المدني نزيل بغداد سمع أباه وعاصم بن محمد العمري والليث بن سعد وكان إماما ثقة ورعا كبير القدر ويونس بن محمد البغدادي المؤدب الحافظ روى عن سفيان وفليح بن سليمان وطائفة وتوفي في صفر قال ابن ناصر الدين يونس بن محمد بن مسلم المكتب كان ثقة. اه


سنة تسع ومائتين

  • طال القتل بين عبد الله بن طاهر ونصر بن شبيب العقيلي إلى أن حضره في قلعة ونال منه فطلب نصر الأمان فكتب له المأمون أمانا وبعثه إليه فنزل وهدم الحصن.
  • توفي الحسن بن الأشيب أبو علي البغدادي قالضي طبرستان بعد قضاء الموصل روى عن شعبة وحريز بن عثمان وطائفة وكان ثقة مشهورا وحفص بن عبد الله السلمي أبو عمرو النيسابوري قاضي نيسابور سمع مسعرا ويونس بن أبي إسحاق وأكثر عن إبراهيم بن طهمان ومكث عشرين سنة يقضي بالآثار وكان صدوقا وأبو علي الحنفي عبيد الله بن عبد الحميد البصري روى عن قرة ن خالد ومالك ابن مغول وطائفة وعثمان بن عمر ن فارس العبدي البصري الرجل الصالح روى عن ابن عون وهشام بن حسان ويونس بن يزيد وطائفة توفي في ربيع الأول بالبصرة ويعلى بن عبيد الطنافسي أبو يوسف الكوفي روى عن الأعمش ويحي بن سعيد الأنصاري والكبار فعن أحمد بن يونس قال ما رأيت أفضل منه.

سنة عشر ومائتين

  • على ما قاله ابن الجوزي في الشذور عرس المأمون على بوران ففرش له يوم البناء حصير من ذهب ونثر عليه ألف حبة من الجوهر وأشعل بين يديه شمعة عنبر وزنها مائة رطل ونثر على القواد رقاع بأسماء صياع فمن وقعت بيده رقعة أشهد له الحسن بالضيعة وكان الحسن بن سهل يجري في مدة إقامة المأمون عنده على ستة وثلاثين ألف ملاح فلما أراد المأمون الأصعاد أمر له بألف ألف دينار وأقطعه مدينة الصلح وقال ابن الأهدل وفي سنة عشر ومائتين تزوج المأمون بوران بنت الحسن بن سهل بواسط وكان عرسا لم يسمع بمثله في الدنيا نثر فيه على الهاشميين والقواد الوجوه بنادق مسك فيها رقاع متضمنة لضياع وجوار ودواب ومن وقع في حجره بندقة ملك ما فيها رقاع متضمنة لضياع وجوار ودواب ومن وقع في حجره بندقة ملك فيها وأقام أبوها الجيش كله بضعة عشر يوما فكتب له المأمون بخراج فارس والأهواز سنة ودخل عليها في الليل الثالثة من وصوله فلما قعد عندها نثرت جدتها ألف درة فقال لها سلي حوائجك فقالت الرضى عن إبراهيم ابن المهدي ففعل ولما أصبح جلس للناس فقال له أحمد بن يوسف الكاتب باليمن والبركة وشدة الحركة والظفر في المعركة فقال يعرض بحيضها ( فارس ماض بحربته * صادقا بالطعن في الظلم ) ( رام أن يدمي فريسته * فاتقته من دم بدم ) انتهى ما قاله ابن الأهدل.
  • توفي أبو عمرو الشيباني إسحاق بن مرار الكوفي اللغوي صاحب التصانيف وله تسعون سنة وكان ثقة علامة خيرا فاضلا والحسن بن محمد بن أعين الحراني أبو علي مولى بني أمية روى عن فليح بن سليمان وزهير بن معاوية وطائفة.
  • علي بن جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحسن العلوي الحسيني روى عن أبيه وأخيه موسى وسفيان الثوري وكان من جلة السادة الأشراف ومحمد بن صالح بن بهيس الكلابي أمير عرب الشام وسيد قيس وفارسها وشاعرها والمقاوم لأبي العميطر السفياني والمحارب له حتى شتت جموعه فولاه المأمون دمشق وكانت له آثار حسنة.
  • مروان بن محمد الطاطري أبو بكر الدمشقي صاحب سعيد بن عبد العزيز كان إماما ثقة متقنا صالحا خاشعا منجلة الشاميين قال الطبراني كل من يبيع ثياب الكرابيس بدمشق يسمى الطاطري اه.
  • أو في التي قبلها كما جزم به ابن الجوزي وابن ناصر الدين أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي البصري اللغوي العلامة الأخباري احب التصانيف روى عن هشام بن عروة وأبي عمرو بن العلاء وكان أحد أوعية العلم قا ابن ناصر الدين حكى عنه البخاري في تفسير القرآن لبعض لغاته وكان حافظا لعلوم إماما في مصنفاته قال الدارقطني لا بأس به إلا أنه يتهم بشيء من رأي الخوارج أه وقال ابن الأهدل وفي سنة تسع ومائتين توفي معمر بن المثنى التيمي تيم قريش مولاهم كان مع استجماعه لعلوم جمة مقدوحا فيه بأنه يرى رأي الخوارج ويدخله في نسبه وغير ذلك وكانت تصانيفه نحو مائتي مصنف قرأ عليه الرشيد شيئا منها قل أبو نواس الأصمعي بلبل في قفص وأبو عبيدة أديم طوي على علم وخلف الأحمر جمع علوم الناس وفهمها وإنما قال ذلك لأن الأصمعي كان حسن العبارة وكان معمر سيء العبارة وحضر أبو عبيدة ضيافة لموسى بن عبد الرحمن الهلالي فوقع على ثوبه المرق فأقبل موسى يعتذر إليه فقال لا عليك فإن مرقكم لا يؤذي أي ما فيه دسم وله كتاب المجاز وسبب تصنيفه أنه سئل عن قوله تعالى ( ^ طلعها كأنه رؤوس الشياطين ) قيل له أن الوعد والإيعاد لا يكون إلا بما عرف وهذا لم يعرفه فقال خوطب العرب بقدر كلامهم كقول امرئ القيس ( أتقتلني والمشرفي مضاجعي * ومسنونة زرق كأنياب أغوال ) والغول لم يروها قط ولكنها مما يهولهم وله مع الأصمعي مناظرات وممن أخذ عنه أبو عبيد القاسم بن سلام اهكلام بن الأهدل والله أعلم.

سنة إحدى عشرة ومائتين

  • أمر المأمون فنودي برئت الذمة ممن ذكر معاوية بخير وأن أفضل الخلق بعد النبي رضي الله عنه.


الوفيات

وفيها توفي:

  • أبو الجواب أحوص بن جواب الكوفي روى عن يونس بن أبي إسحاق وسفيان الثوري وجماعة وخرج له مسلم وأبو داود والترمذي وغيرهم قال في المغني أحوص بن جواب صدوق قال ابن معين ليس بذاك الوي قال أبو حاتم صدوق، اه.
  • وأبو العتاهية إسماعيل بن القاسم العنزي الكوفي الشاعر المشهور مولى عنزة مولده بعين التمر بليدة بالحجاز قرب المدينة وأكثر الناس ينسبونه إلى القول بمذهب الفلاسفة وكان يقول بالوعيد وتحريم المكاسب ويتشيع على مذهب الزيدية وكان محيرا وهو من مقدمي المولدين ومن طبقة بشار بن برد وأبي نواس. أعطاه المهدي مة سبعين ألفا وخلع عليه ولما ترك الشعر حبسه في سجن الجرائم وحبس معه بعض أصحاب زيد الهاشمي حبس ليدل عليه فأبى فضربت عنقه وقيل لأبي العتاهية إن قلت الشعر وإلا فعلنا بك مثله فقاله فاطلقوه ويقال إن أبا نواس وجماعة من الشعراء معه دعا أحدهم بماء يشربه فقال عذب الماء فطابا ثم قال أجيزوا فترددوا ولم يعلم أحد منهم ما يجانسه في سهولته وقرب مأخذه حى طلع أبو العتاهية فقالوا هذا قال وفيم أنتم قالوا قال أحدنا نصف بيت ونحن نخبط في تمامه قال وما الذي قال قالوا عذب الماء فطابا فقال أبو العتاهية: "حبذا الماء شرابا." ومن رائق شعره قوله في عتبة جارية الخيزران وكان يهواها ويشبب بها وهو:
( بالله يا حلوة العينين زوريني * قبل الممات وإلا فاستزيريني )
( هذان أمران فاختاري أحبهما * إليك أولا فداعي الموت يدعوني )
( إن شئت مت فأنت الدهر مالكة * روحي إن شئت أن أحيا فتحميني )
( يا عتب ما أنت إلا بدعة خلقت * من غير طين وخلق الناس من طين )
( إني لأعجب من حب يقربني * ممن يباعدني منه ويعصيني )
( أما الكثير فلا أرجوه منك ولو * أطعمتني في قليل كان يكفيني )

وقوله في تشبيه البنفسج:

( ولازوردية تزهو بزرقتها * بين الرياض على حمر اليواقيت )
( كأنها ورقاق القضب بتحملها * أوائل النار في أطراف كبريت )

قال الشريف العباسي في شرح الشواهد كان أبو العتاهية في أول أمره يتخنث ويحمل زاملة المخنثين ثم كان يبيع الفخار ثم قال الشعر فبرع فيه وتقدم ويقال أطبع الناس بالشعر بشار والسيد الحميري وأبو العتاهية وحدث خليل بن أسد الفرشجاني قال أتانا أبو العتاهية إلى منزلنا فقال زعم الناس أني زنديق والله ما ديني إلا التوحيد فقلنا فقل شيئا نتحدث به عنك فقال:

( ألا إننا كلنا بائد * وأي بني آدم خالد )
( وبدؤهم كان من ربهم * ولك إلى ربهم عائد )
( فيا عجبا كيف يعصي الإله * أم كيف يجحده الجاحد )
( وفي كل شيء له شاهد * يدل على أنه واحد )

وكان من أبخل الناس مع يساره وكثرة ما جمع من الأموال. و"أبو العتاهية" لقب غلب عليه لأنه كان يحب الشهوة والمجون فكنى بذلك لعتوه انتهى ملخصاً.

  • وفيها أبو زيد الهروي سعيد بن الربيع البصري وكان يبيع الثياب الهروية روى عن قرة بن خالد وطائفة.
  • وفيها أو في سنة عشر وهو الصحيح يحيى السيلحيني بن إسحاق والسيلحين موضع بالحيرة كان ثقة صدوقا وطلق بن غنام النخعي الكوفي كاتب حكم شريك القاضي روى عن مالك ابن مغول وطبقته وهو وأبو زيد الهروي أقدم من مات من شيوخ البخاري.
  • وفيها عبد الله بن صالح العجلي الكوفي المقرئ المحدث والد الحافظ أحمد ان عبد الله العجلي نزيل المغرب قرأ القرآن على حمزة وسمع من إسرائيل وطبقته وأقرأ وحدث ببغداد.
  • وفيها عبد الرزاق بن همام العلامة الحافظ أبو بكر الصنعاني صاحب المصنفات روى عن معمر وابن جريج وطبقتهما. ورحل الأئمة إليه إلى اليمن وله أوهام مغمورة في سعة علمه عاش بضعا وثمانين سنة وتوفي في شوال قال ابن ناصر الدين وثقه غير واحد لكن نقموا عليه التشيع اه.
  • علي بن الحسين بن واقد محدث مرو وابن محدثها روى عن أبيه وأبي حمزة السكري وخرج له الأربعة قال في المغني علي بن الحسين بن واقد المروزي صدوق وثق وقال أبو حاتم ضعيف اه.
  • معلى بن منصور الرازي الفقيه نزيل ببغداد روى عن الليث ب سعد وغيره روى أنه كان يصلي فوقع عليه كور الزنانير فأتم صلاته فنظروا فإذا رأسه قد صار هكذا من الانتفاخ وهو من الثقات.

سنة اثنتي عشرة ومائتين

  • فيها جهز المأمون جيشا عليهم محمد بن حميد الطوسي لمحاربة بابك الخرمي وفيها أظهر المأمون القول بخلق القرآن مع ما أظهر في العام الماضي من التشيع فاشمأزت منه القلوب وقدم دمشق فصام بها رمضان ثم حج بالناس.

الوفيات

وفيها توفي:

  • الحافظ أسد بن موسى الأموي نزيل مصر ويقال أسد السنة روى عن شعبة وطبقته ورحل في الحديث وصنف التصانيف وهو أحد الثقات الأكياس.
  • الفقيه أبو حيان إسماعيل بن حماد بن حنيفة الإمام روى عن مالك بن مغول وجماعة وولي قضاء الجانب الشرقي ببغداد ثم ولي قضاء البصرة وكان موصوفا بالزهد والعبادة والعدل في الأحكام.
  • الحسين بن حفص الهمداني الكوفي قاضي أصبهان وفتيها أكثر عن سفيان الثوري وغيره وكان دخله في العام ألف درهم وما وجبت عليه زكاة وفيها المحدث خلاد بن يحي الكوفي بمكة روى عن عيسى بن طهمان وطبقته وهو من كبار شيوخ البخاري وزكريا بن عدي الكوفي روى عن جعفر بن سليمان وطائفة قال ابن عوف البزوزي ما كتبت عن أحد أفضل منه وحديثه في الصحيحين.
  • أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد الشيباني محدث البصرة توفي في ذي الحجة وقد نيف على التسعين سمع من يزيد بن أبي عبيد وجماعة من التابعين وكان واسع العلم ولم ير في يده كتاب قط قال عمر بن شيبة ما رأيت مثله وقال البخاري سمعت أبا عاصم يقول ما اغتبت أحدا قط منذ عقلت أن الغيبة حرام وروى عنه أحمد والبخاري وغيرهما وهو ثقة متقن.
  • أبو المغيرة عبد القدوس بن حجاج الخولاني الحمصي الحافظ محدث حمص سمع الأوزاعي وطبقته وأدركه البخاري وهو ثقة.
  • الفقيه أبو مروان عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون صاحب مالك كان فصيحا مفوها وعليه دارت الفتيا في زمانه بالمدينة.
  • مفتي الأندلس عيسى بن دينار الغافقي صاحب ابن القاسم وكان صالحا ورعا مجاب الدعوة مقدما في الفقه على يحيى بن يحيى.
  • أبو عبد الله محمد بن يوسف الفرياني الحافظ في أول السنة بقيسارية أكثر عن الأوزاعي والثوري أدركه البخاري ورحل إليه الإمام أحمد فلم يدركه بل بلغه موته بحمص فتأسف عليه وهو ثقة ثبت.

سنة ثلاث عشرة ومائتين

  • توفي أسد بن الفرات الفقيه أبو عبد الله المغربي صاحب مالك وصاحب المسائل الأسدية التي كتبها عن ابن القاسم وخالد بن مخلد القطواني أحد الحفاظ بالكوفة رحل وأخذ عن مالك وطبقته وقال أبو داود صدوق شيعي وعبد الله بن داود الخربي الحافظ الزاهد سمع من الأعمش والكبار وكان من أعبد أهل زمانه توفي بالكوفة في شوال وقد نيف على التسعين وهو ثقة وأبو عبد الرحمن المقرئ عبد الله بن يزيد شيخ مكة وقارئها ومحدثها روى عن ابن عون والكبار ومات في عشر المائة وقرأ القرآن سبعين سنة وعمرو بن عاصم الكلابي الثقة البصري روى عن طبقة شعبة قال في المغني صدوق مشهور قال بندار لولا شيء لتركته اه وفيها عبيد الله بن موسى البسي الكوفي الحافظ روى عن هشام بن عروة والكبار وقرأ القرآن على حمزة وكان إماما في الفقه والحديث والقرآن موصوفا بالعبادة والصلاح لكنه من رؤس الشيعة وعمرو بن أبي سلمة التنيسي الفقيه وأصله دمشقي روى عن الأوزاعي وطبقته قال في المغني ثقة وقال أبو حاتم لا يحتج بهاه وحمد بن سابق البغدادي روى عن مالك بن مغول وجماعة وقيل توفي في لسنة الآتية ومحمد بن عرعرة بن البرند الشامي البصري روى عن شعبة وطائفة توفي في شوال وفيها الهيثم بن جميل البغدادي الحافظ نزيل أنطاكية روى عن جرير بن حازم وطبقته وكان من ثقات المحدثين وصلحاتهم وإثباتهم ويعقوب بن محمد الزهري المدني الفقيه الحافظ روى عن إبراهيم بن سعد وطبقته وهو ضعييف يكتب حديثه.
  • وفيها قتل المأمون على جبلة الشاعر العكوك أحد المبرزين من الموالي في الشعر وكان ولد أعمى وقيل عمي صغيرا من الجدري حكى المبرد قال أخبرني على ابن القاسم قال قال لي علي بن جبلة زرت أبا دلف العجلي فكنت لا أدخل إليه إلا تلقاني بشره ولا أخرج عنه إلا تلفاني ببره فلما أكثر ذلك هجرته أياما حياء منه فبعث إلي أخاه معقلا فقال يقول لك الأمير هجرتنا وقعدت عنا فإن كنت رأت تقصيير فما مضى فاعذر فإننا نتلافاه في المستقبل ونريد فيما يجب من برك فكتبت إليه بهذه الأبيات
( هجرتك لم أهجرك من كفر نعمة * وهل يرتجى نيل الزيارة بالكفر )
( ولكنني لما أتيتك زائرا * فافرطت في بري عجزت عن الشكر )
( فم الآن لا آتيك إلا مسلما * أزورك في الشهرين يوما أو الشهر )
( فإن زدتني برا تزايدت جفوة * فلا نلتقي طول الحياة إلى الحشر )

فلما نظر فيها معقل استحسنها وكان أديبا شاعرا أشعر من أخيه أبي دلف فقال جودت والله وأحسنت أما إن الأمير سيعجب بهذه الأبيات والمعاني فلما أوصلها إلى أبي دلف استحسنها وكتب إلي بهذه الأبيات:

( ألا رب طيف طارق بسطته * وآنسته قبل الضيافة بالبشر )
( أتاني يرجيني فما حال دونه * ودون القرى مني ومن نائلي شري )
( رأيت له فضلا علي بقصده * إلي وبرا لا يعادله شكري )
( فلم أعد أن أدنيته وإبتدأته * ببشر وإكرام وبر على بر )
( وزودته مالاً سريعاً نفاده * وزودني مدحاً يقيم على الدهر )

ووجه الأبيات مع ووصيف وألف دينار فلذلك قلت فيه قصيدتي الغراء التي سارت واشتهرت في العجم والعرب

( إنما الدنيا أبو دلق * بين باديه و محتضره )
( فإذا ولى أبو دلف * ولت الدنيا على أثره )

حدث الزعفراني قال لما بلغ المأمون قول على بن جبلة في أبى دلف:

( كل من في الأرض من عرب * بين بادية حضره )
( مستعير منك مكرمة * يكسيها يوم مفتخره )

استشاط غضبا وقال ويل لابن الزانية يزعم أنا لا نعرف مكرمة إلا وهي استشاط غضباً وقال ويل وطلبه فهرب فكتب في طلبه وأخذه فحمل إليه فلما مثل بين يديه قال يا ابن اللخناء أنت القائل كيت وقرأ والبيتين اجعلتنا نستعير المكارم منه فقال غثيت أشكال بأى دلف وأما أنتم فقد أبانكم الله بالفضل عن سائر عباده لما اختصكم به من النبوة والكتاب والحكمة والملك ومازال يستعطفه حتى عفا عنه وقال بعض الرواة قتله وقال أما أني لا استحل دمك بهذا القول ولكني استحله بكفرك وجرأتك على الله سبحانه وإذ تقول فيعبد ضعيف مهين تسوى بينك وبين رب العزة

( أنت الذي تنزل الأيام منزلها * وتنقل الدهر من حال إلى حال )
( وما مددت مدى طرف إلى أحد * ألا قضيت بأرزاق وآجال )

حتف أنفه وممدح العكوك لحميد بن عبد العزيزي الطوسي إنما الدنيا حميد * وأياديه الجسام ) فإذ ولى حميد فعلى الدنيا السلام )

  • وفيه توفي اسحق بن مرار النحوي الغوي أحد الأئمة العلام أخذ عنه أحمد بن حنبل وأبو عبيد القاسم بن سلام ويعقوب بن السكيت وقال فيحقه عاش مائة وعشرين سنة وكان يكتب بيده إلى أن مات رحمه الله تعالى.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سنة أربع عشرة ومائتين

  • فيها التقى محمد بن حميد الطوسي وبابك الخرمي فهزمهم بابك وقتل الطوسي وفيها توجه عبد الله بن طاهر بن الحسين على إمرة خراسان وأعطاه المأمون خمسمائة ألف دينار وكان عبد الله من آداب الناس وأعلمهم بأيام الرب وسيأتي ذكره في سنة ثمان وعشرين ومائتين عند ذكر وفاته وكان من أخصائه وأخصاء والده عوف بن محلم الشاعر اختصه بمنادمعته طاهر بن الحسين فلما مات طاهر اعتقد عوف أنه يخلص من قيد الملازمة فلوى عبد الله بن طاهر هذا يده عليه وتمسك به واجتهد عوف التخلص منه فلم يقدر حتى خرج عبد الله من العراق يريد خراسان وعوف عديله يسامره ويحادثه فلما شارفوا الرى سحرة وقد أدلجوا فإذا بقمرى يغرد علىسروة بأشجى صوت وأرق نغمة فالتفت عبد الله إلى عوف فقال ألا تسمع هذا الصوت ما أرقه وأشجاه قاتل الله أبا كثير الهذلي حيث يقول:
( ألا ياحمام ألا يك فرخك حاضر * وغصنك مياد ففيم تنوح )

فقال عوف أيها الأمير أحسن واله أبو كثير وأجاد أنه كان في هذيل أربعون شاعراً من المحسنين دون المتوسطين وكان أبو كثير من أشعرهم وأشهرهم وأذكرهم وأقدرهم قال عبد الله أقسمنت عليك ألا أجزت هذا البيت فقال أصلح الله الأمير شيخ مسن وأمل على البديهة وعلى معارضة مثل أبي كثير وهو من قد علمت فقال سألتك بحق طاهر ألا أجزته فقال:

( أفى كل عام غربة ونزوح * أما للنوى من ونية فيريح )
( لقد طلح البين المشتر كائبي * فهل أرين البين وهوطليح )
( وأرقني بالري شجو حمامة * فنحت وذو الشوق المشت ينوح )
( على أنها ناحت ولم تذر عبرة * وتحت وأسراب الدموع سفوح )
( وناحت وفرخاها بحيث تراهما * ومن دون أفراخي مهامه فيح )
( ألا يا حمام الأيك فرخك حاضر * وغصنك مياد ففيم تنوح )
( أفق لا تنح من غير شيء فأنني * بكيت زماناً والفؤاد صحيح )
( ولوعاوشطت غربة دار زينب * فها أنا أبكى والفؤاد قريح )
( عسى جود عبد الله أن يعكس النوى * فتضحي عصا التطواف وهي طليح )
( فأن الغني يدنى الفتى من صديقه * وعدم الفتى بالمقترين طروح )

فاستعبر عبد الله ورق له لما سمع من تشوقه إلى أولاده وقال يا أبا محمل ما أحسن هذا حتى نرجع إلى أهلك وأمر له بثلاثين ألف درهم تققة ورحله ورده من موضعه فأدركته المنية قبل وصوله إلى أهله ولما رده عبد الله قال عوف:

( يا ابن بدلتني بالنشاط وبلغتها * قد أحوجت سمعى إلى ترجمان )
( وعوضتني من زماع الفتى * وهمه هم الهجين الهدان )
( وهمت بالأوطان وجداُ بها * وبالغواني أين مني الغوان )
( فقرباني بأبي أنتما * من وطني قبل إصفرار البنان )
( وقبل منعاي إلى نسوة * أوطانها حوران والرقتان )
( حبا قصور الشادباخ الحيا * من بعد عهدي وقصور المبان )

وهذه القصور التي ذكرها كلها بمرو ونيسابور وهي مساكن آل طاهر وكان عوف يألفها لكثرة غشيانه إياها ومقامه معهم فيها فلذلك دعا لها ومن شعر عوف:

( وكنت إذا صحبت رجال قوم * صحبتهم وشيمتي الوفاء )
( فأحسن حين يحسن محسونهم * وأجتنب الإساءة أساءوا )
( وأبصر ما يريبهم بعين * عليها من عيونهم غطاه )

وكان عوف من بلغاء الشعراء وفصائحهم واختصت به بنو طاهر ولزمهم لمزيد ميلهم إليه وكثرة منحهم له كأبي الطيب مع بني حمدان غير أن عوفاً لم يلحقه طمع أبي الطيب الذي فارق له بني حمدان وفيها توفي أحمد بن خالد الذهبي الحمصي راوي المغازي عن ابن اسحق وكان مكثراً حسن الحديث.

  • وأبو أحمد حسين بن محمد المؤدب ببغداد ونسبته بفتح الميم وضم الراء مع سكون الواو ويليها ذال مكسورة معجمة بعدها ياء النسبة نسبة إلى مرو الروذ من أشهر مدن خراسان وكان من ح حفاظ الحديث التقات روى عن ابن أبي ذئب وشبيان وأحمد بن حنبل وروى عنه أحمد أيضاً وغيره وفيها الفقيه عبد الله بن عبد الحكم أبو محمد المصري وله ستون سنة وكان من جلة أصحاب مالك أفضت إليه الرياسة بمصر بعد أشهب وسمع الموطأ على مالك يقال أنه دفع للشافعي عند قدومه ألف دينار وأخذ له من تاجر الفا ومن رجلين آخرين ألفا وله مصنفات في الفقه وهو مدفون إلى جانب الشافعي ووفيها معاوية بن عمرو الأزدي أبو عمرو البغدادي الحافظ المجاهد روى عن زائدة وطبقته وأدركه البحاري وكان بطلاً شجاعاُ معروفاُ بالإقدام كثير الرباط.

سنة خمس عشرة ومائتين

  • فيها دخل المأمون من درب المصيصة إلى الروم وافتتح حصن قرة عنوة وتسلم ثلاثة حصون بالإمان ثم قدم دمشق وفيها توفي الحافظ اسحق بن عيسى بن الطباع البغدادي نزيل أدنه سمع الحمادين وطائفة وفيها مفتي أهل بلخ أبو سعيد خلف بن أيوب العامري صاحب أبي يوسف سمع من عوف الأعرابي وجماعة من الكبار وكان زاهداً قدوة روى عنه يحيى ابن معين والكبار وفيها العلامة أبو زيد الأنصار ي سعيد بن أوس البصري اللغوي وله ثلاث وتسعون سنة روى عن سلمان التيمي وحميد الطويل والكبار و وصنف التصانيف وكان صدوقاً صالحاً وغلبت عليها النوادر كالأصمعي مع أن الأصمعي كان يقبل رأسه ويقول أنت سيدنا منذ خمسين سنة وكان سفيان الثوري يقول الأصمعي حفظ الناس وأبو عبيدة أجمعهم وأبو ريد أوثقهم وكان النضر بن شميل وأبو زيد اليزيدي في معاملة واحدة وصنف أبو زيد في اللغة نحو عشرين مصنفا وضجر شعبة يوما من إملاء الحديث فرأى أبا زيد في أخريات الحلقة فقال:
( استعجمت دار مي ما تكلمنا * والدار لو كلمتنا ذات أخبار )

ألا تعال يا أبا زيد فجاءة فتحادثا وتناشدا الأشعار فقال له بعض الحاضرين يا أبا بسطام تقطع إليك ظهور الإبل فتدعنا وتقبل على الأشعار فقلل أنا أعلم بالأصلح لي أنا والله الذي لا إله إلا هو في هذا أسلم مني في ذلك كأنه يروح قلبه عند السآمة ومثل هذا ما روى أن ابن عباس كان يقول لأصحابه أحمضوا وكما قال أبو الدرداء إني لأجم نفسي بشيء من الباطل لأستعين به على الحق وفيها محمد بن عبد الله الأنصاري بن المثنى أبو عبد الله قاضي البصرة وعالمها ومسندها سمع سليمان التيمي وحميد والكبار وعاش سبعا وتسعين سنة وهو من كبار شيوخ البخاري وهو ثقة مشهور وفيها محمد بن المبارك الصوري أبو عبد الله الحافظ صاحب سعيد بن عبد العزيز قال يحي بن معين كان شيخ بعد أبي مسهر وقال أبو داود هذا رجل الشام بعد أبي مسهر وهو شيخ الإسلام ومن كلامه السديد المتين كذب من ادعى محبة الله ويده في قصاع المترفين وفيها السكن مكي بن إبراهيم البلخي الحافظ روى عن هشام بن حسان والكبار وهو آخر من روى من الثقات عن يزيد بن أبي عبيد عاش نيفا وتسعين سنة وفيها أبو عامر قبيصة بن عقبة السوائي الكوفي العابد الثقة أحد الحفاظ روى عن قطر بن خليفة وطبقته وأكثر عن الثوري وهو أحد شيوخ الإمام أحمد قال إسحاق بن سيار ما رأيت شيخاً أحفظ منه وقال آخر كان يقال راهب الكوفة وكان هناد بن السرى إذا ذكره دمعت عيناه وقل الرجل الصالح وفيها محدث مرو على بن الحسين بن شقيق روى عن أبي حمزة السكرى وطائفة وعنه البخاري وغيره وكان محدث مرو وكان حافظاً كثير العلم كثير الكتب كتبت الكثير حتى كتب التوراة والإنجيل وجادل اليهود والنصارى ويجيى بن حماد البصرى الحافظ ختن أبي عوانة سمع شعبة وطبقته.

  • وفيها الأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة إمام العربية المجاشعي البصري كان يقول ما وضع سيبويه في كتابه شيئا إلا وعرضه علي وكان يرى أنه أعلم به مني وأنا اليوم أعلم به منه في العروض بحرا على الخليل وكان أجلع وهو الذي لا تنضم شفتاه على أسنانه والخفش صغر العينين مع سوء بصرهما ومصنفاته بضعة عشر مصنفا وأما الأخفش الأكبر فهو عبد الحميد أخذ عنه أبو عبيدة وسيبويه وهو مجهول الوفاة وأما الأخفش الصغير فهو علي بن سليمان البغدادي النحوي قاله ابن الأهدل وفيها كما قاله ناصر الدين بدل بن محبر اليربوعي ثقة حدث عنه البخاري وغيره.

سنة ست عشرة ومائتين

  • فيها غزا المأمون فدخل الروم وأقام بها ثلاثة أشهر وافتتح أخوه عدة حصون وأغار جيشه فغنموا وسبوا ثم رجع إلى دمشق ودخل الديار المصرية.
  • توفي أبو حبيب بن حبان بن هلال البصري الحافظ الثقة روى عن شعبة وطبقته قال الإمام أحمد إليه المنتهى في التثبت بالبصرة توفي في رمضان وكان قد امتنع من التحديث قبل موته بأعوام.
  • أبو العلاء الحسن بن سوار البغوي نزيل بغداد روى عن عكرمة ابن عمار وأقرانه وكان ثقة صاحب حديث وعبد الله بن نافع الأسدي الزبيري المدني الفقيه روى عن مالك وجماعة ووصفه الزبير بن بكار بالفقه والعبادة والصوم وخرج له مسلم والأربعة قال في المغني عبد الله بن نافع الصائغ عن مالك وثق وقال البخاري في حفظه شيء وقال أحمد بن حنبل لم يكن بذاك في الحديث انتهى وعبد الصمد بن النعمان البزاز ببغداد روى عن عيسى بن طهمان وطبقته وكان أحد الثقات ولم تقع له رواية في الكتب الستة.
  • العلامة أبو سعيد عبد الملك بن قريب الباهلي البصري الأصمعي اللغوي الأخباري سمع ابن عون والكبار وأكثر عن أبي عمرو بن العلاء وكانت الخلفاء تجالسه وتحب منادمته وعاش ثمانيا وثمانين سنة وله عدة مصنفات قاله في العبر وقال ابن الأهدل تصانيفه تزيد على ثلاثين روى عنه أنه قال احفظ أربعة عشر ألف أرجوزة منها المائة والمئتان وكان الشافعي يقول ما عبر أحد بأحسن من عبارة الأصمعي وعنه قال سألت أبا عمرو بن العلاء عن ثمانية آلاف مسئلة وما مات حتى أخذ عني مالا يعرفه فيقبله مني ويعتقده وعنه قال كنت بالبادية طوافا واكتب ما سمعت فقال لي أعرابي أنت كالحفظة تكتب لفظ اللفظة فكتبته أيضا وعنه قال رأيت شيخا بالبادية قد سقط حاجباه وله مائة وعشرون سنة وفيه بقية فسألته فقال تركت الحسد فبقي الجسد وأنشد:
( ألا أيها الموت الذي ليس تاركي * أرحني فقد أفنيت كل خليل )
( أراك بصيرا بالذين أحبهم * كأنك تنجو نحوهم بدليل )

ونوادره تحتمل مجلدات وإعطاء الرشيد والمأمون له واسع ولما صنف كتابا في الخيل مجلدا واحداً وصنف أبو عبيدة في ذلك خمسين مجلدا امتحنهما الرشيد فقرب لهما فرسا فلم يعرف أبو عبيدة أعيان الأعضاء وأما الأصمعي فجعل يسمى كل عضو ويضع يده عليه وينشد ما قالت العرب فيه فقال له الرشيد خذه قال فكنت إذا أردت أن أغضب أبا عبيدة ركبته إليه ورثني أبو العالية السامي الأصمعي فقال:

( لادر در بنات الأرض إذا فجعت * بالأصمعي لقد أبقت لنا أسفا )
( عش ما بدا لك في الدنيا فلست ترى * في الناس منه ولا من علمه خلقا )

ومن مسنده عن عائشة رضي الله عنها عن النبي قال إياكم ومحقرات الذنوب فإن لها من الله طالبا وبإسناده عن علي كرم الله وجهه إنه قال هذا المال لا يصلحه إلا ثلاث أخذه من حله ووضعه في حقه ومنعه من السرف وبإسناده قال قال النبي أنعم الله عليه فليحمد الله ومن استبطأ الرزق فليستغفر الله ومن حزبه أمر فليقل لا حول ولا قوة إلا بالله وقد أورده الحافظ ابن حجر في أسماء الرجال وقال فيه صدوق سني وجعله في الطبقة التاسعة من صغار أتباع التابعين كالشافعي ويزيد بن هارون وعبد الرزاق وغيرهم انتهى.

  • قاضي دمشق محمد بن بكار بن بلال العاملي أخذ عن سعيد بن عبد العزيز وطبقته وكان من العلماء الثقات ومحمد بن سعيد بن سابق محدث قزوين روى عن أبي جعفر الرازي وطبقته وهود بن خليفة الثقفي البكرواي البصري الأصم وله إحدى وتسعون سنة روى عن يونس بن عبيد وسليمان التيمي والكبار قال الإمام أحمد ما كان أضبطه عن عوف الأعرابي وقال ابن معين ضعيف وأبو يوسف محمد بن كثير الصنعاني ثم المصيصي روى عن الأوزاعي ومعمر وكان محدثا حسن الحديث.

سنة سبع عشرة ومائتين

  • في وسطها دخل المأمون بلاد الروم فنازللولوة مائة يوم ولم يظفر بها فنزل على حصارها عجيفا فخدعه أهلها وأسروه ثم أطلقوه بعد جمعة ثم أقبل عظيم الروم توفيل فأحاط بالمسلمين فجهز المأمون نجدة وغضب وهم بغزو قسطنطينية ثم فتر لشدة الشتاء وفيها كان الحريق العظيم بالبصرة حتى أتى على أكثرها فيما قيل وفيها وقيل في التي مضت توفي الحجاج بن منهال البصري أبو محمد الأنماطي السمسار كان سمسارا بأنماط وكان يأخذ من ك دينار حبة إذا باع بالسمسرة حدث عنه البخاري وغيره وسمع شعبة وطائفة وكان ثقة صاحب سنة وفيها شريح بن النعمان البغدادي الجوهري الحافظ يوم الأضحى روى عن حماد بن سلمة وطبقته وكان ثقة مبرزا وفيها موسى بن داود الضبي أبو عبيد الله الكوفي الحافظ سمع شعبة وخلقا كان مصنفا مكثرا مأمونا وقال ابن عمار كان ثقة زاهدا صاحب حديث وولى قضاء طرسوس حتى مات.
  • وهشام بن إسماعيل الدمشقي العطار أبو عبد الملك الخزاعي القدوة روى عن إسماعيل بن عياش وكان ثقة.

سنة ثماني عشرة ومائتين

  • فيها احتفل المأمون لبناء مدينة طوانة من أرض الروم وحشد لها الصناع من البلاد وأمر ببنائها ميلا في ميل وولي ولده العباس أمر ببنائها وفيها امتحن المأمون العلماء بخلق القرآن وكتب فيذلك إلى نائبه على بغداد وبالغ في ذلك وقام في هذه البدعة قيام متعبد بها فأجاب أكثر العلماء على سبيل الإكراه وتوقفت طائفة ثم أجابوا وناظروا فلم يلتفت إلى قولهم وعظمت المصيبة بذلك وتهدد على ذلك بالقتل ولم يصف من علماء العراق إلا أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح فقيدا وأرسلا إلى المأمون وهو بطرسوس فلما بلغا الرقة جاءهم الفرج بموت المأمون قال ابن الأهدل ومرض محمد بن نوح ومات بالطريق وهو الذي كان يشد أزر أحمد ويشجعه ولما مات المأمون عهد إلى أخيه المعتصم فامتحن الإمام أيضا وضرب بين يديه بالسياط حتى غشى ثم أطلقه وندم على ضربه ولحق من تولى ضربه عقوبات ظاهرة وكان المأمون يكنى بأبي العباس ويسمى بعبد الله وكان أبيض ربعة حسن الوجه أعين أديبا شجاعا له همة عالية في الجهاد ومشاركته في علوم كثيرة وكان في اعتقاده معتزليا شيعيا استقل بالخلافة عشرين سنة ومات وله ثمانون وأربعون سنة انتهى كلام ابن الأهدل وقال ابن الفرات روى يحي بن حماد الموكبي عن أبيه قال وصفت للمأمون جارية بكل ما توصف به امرأة من الجمال والكمال فبعث في شرائها فأتى بها في وقت خروجه إلى بلاد الروم فلما هم يلبس درعه خطرت بباله فأمر بإخراجها فأخرجت إليه فلما نظر إليها أعجب بها وأعجبت به فقالت ما هذا قال أريد الخروج إلى بلاد الروم فقالت يا سيدي قتلتني والله وتحدرت دموعها وأنشأت:
( سأدعو دعوة المضطر ربا * يثيب على الدعاء ويستجيب )
( لعل الله يكفيك حزنا * ويجمعنا كما تهوى القلوب )

فضمها المأمون إلى صدره وأنشد:

( فيا حسنها إذ يغتسل الدمع كحلها * وإذ هي تذري دمعها بالأنامل )
( صبيحة قالت في الوداع قتلتني * وقتلني بما قالت بتلك المحافل )

ثم قال للخادم احتفظ بها وأصح لها ما تحتاج إليه من المقاصير والجواري إلى وقت رجوعي فلولا ما قال الأخطل ( قوم إذا حاربوا شددوا مآزرهم * دون النساء ولو باتت بأطهار ) لأقمت قال فلما دخلت الجارية إلى منزلها وخرج المأمون اعتلت علة شديدة وورد نعي المأمون الله تعالى فلما بلغها ذلك تنفست الصعداء وقالت وهي تجود بنفسها

( إن الزمان سقانا من مرارته * بعد الحلاوة كاسات فأروانا )
( أبدى لنا تارة منه فاضحكنا * ثم انثنى تارة أخرى فأبكانا )

ثم شهقت شهقة واحدة فماتت-- اه. وحكي أن المأمون أتى بجارية فائقة الجمال بارعة الكمال وكان في رجلها عرج فلما نظر إليها المأمون أعجبه جمالها وساءه عرجها فقال للنخاس خذ بيد جاريتك فلولا عرجها لاشتريتها فقالت يا أمير المؤمنين إني وقت حاجتك إلى تكون رجلي بحيث لا تراها فأعجبه جوابها وأمر بشرائها وأن يعطي مولاها ما احتكم وحظيت عنده وكان له حليم شديد كان يقول والله إني لأخشى أن لا أثاب على الحلم والعفو لما رأى فيهما من اللذة ولو علم الناس ذلك لتقربوا إلي بالجناية وكان حسن المحاضرة لطيف المسامرة فمن ذلك ما ذكر أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني قال لما تواتر النقل عند المأمون عن يحي بن أكثم بن محمد بن قطن بن سمعان التميمي الأسدي المروزي القاضي بأنه يلوط أراد امتحانه استدعاه وأوصى مملوكا له بأن يقف عندهما وحده وإذا خرج المأمون يقف المملوك عند يحي و ينصرف وكان المملوك في غاية الحسن فلما اجتمعا في المجلس وتحادثا ساعة قام المأمون كأنه يقضي حاجة فوقف وتجسس المأمون عليهما وكان أمره أن يعبث بيحي فلما عبث به المملوك سمعه المأمون وهو يقول لولا أنتم لكنا مؤمنين فدخل المأمون وهو ينشد:

( وكنا نرجي أن نرى العدل ظاهرا * فأعقبنا بعد الرجاء قنوط )
( متى تصلح الدنيا ويصلح أهلها * وقاضي قضاة المسلمين يلوط )

وهذان البيتان لأبي حكيمة راشد بن إسحاق الكاتب وله فيه مقاطيع كثيرة انتهى كلام صاحب الأغاني وروى الحافظ أبو بكر أحمد صاحب تاريخ بغداد في تاريخه أن المأمون قال ليحيى بن أكثم من الذي يقول:

( قاض يرى الحد في الزناء ولا * يرى على من يلوط من باس )

قال أما تعرف يا أمير المؤمنين من قاله قال لا قال يقوله الفاجر أحمد بن أبي نعيم الذي يقول:

( لا أحسب الجور ينقضى وعلى ال * أمة وال من آل عباس )

قال فأفحم المأمون خجلا وقال ينبغي أن ينفي أحمد بن أبي نعيم إلى السند وهذا البيتان من أبيات أولها:

( انطقني الدهر بعد إخراس * لنائبات أطلن وسواسي )
( يا بؤس للدهر لا يزال كما * رفع ناسا يحطمن ناس )
( لا أفلحت أمة وحق لها * بطول نكس وطول إعكاس )
( ترضى بيحي يكون سائسها * وليس يحي لها بسواس )
( قاض يرى الحد في الزناء ولا * يرى على من يلوط من باس )
( يحكم للمرد العزيز على * مثل جرير ومثل عباس )
( فالحمد لله كيف قد ذهب ال * عدل وقل الوفاء في الناس )
( أميرنا يرتشي وحاكمنا * يلوط والرأس شر ما راس )
( لو صلح الدين واستقام لقد * قام على الناس كل مقياس )
( لا أحسب الدهر ينقضي وعلى ال * أمة وال من آل عباس )

انتهى وحكى أبو الفرج معافا بن زكريا النهرواني في كتاب الجليس والأنيس عن محمد السعدي قال وجه إلى القاضي يحي بن أكثم قاضي المأمون رحمهما الله فصرت إليه فإذا عن يمينه قمطرة مجلدة فجلست فقال افتح هذه القمطرة ففتحها فإذا بشيء قد خرج منها رأسه رأس إنسان وهو من أسفله إلى سرته زاغ في صدره سلعتان فكبرت وهللت وفزعت ويحي يضحك فقال بلسان فصيح زلق

( أنا الزاغ أبو عجوه * أنا ابن الليث واللبوة )
( أحب الراح والريحا * ن والنشوة والقهوة )
( فلا غدري بدا يخشى * ولا يحذر لي سطوة )
( ولي أشياء تستظرف * يوم العرس والدعوة )
( فمنها سلعة في الظه * ر لا تسترها الفروه )
( وأما السلعة الأخرى * فلو كان لها عروه )
( لما شكت جميع النا * س فيها أنها ركوة )

ثم قال يا كهل أنشدني شعرا غزلا فقال يحيى قد أنشدك فأنشده فأنشدته:

( أغرك أن أذنبت ثم تتابعت * ذنوب فلم أهجرك ثم ذنوب )
( وأكثرت حتى قلت ليس بصارمي * وقد يصرم الإنسان وهو حبيب )

فصاح زاغ زاغ ثم طار وسقط في القمطر فقلت ليحي أعز الله القاضي وعاشق أيضا فقلت أيها القاضي ما هذا قال هو ما ترى وجه به صاحب اليمن إلى أمير المؤمنين وما رآه بعد وكتب كتابا لم أفضضه وأظنه ذكر فيه شأنه وحاله انتهى وقال ابن خلكان رحمه الله رأيت في بعض الكتب أن المأمون رحمه الله كان يقول لو وصفت الدنيا نفسها لما وصفت بمثل قول أبي نواس )

( ألا كل حي هالك وابن هالك * وذو نسب في الهالكين عريق )
( إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت * له عن عدو في ثياب صديق )

انتهى. وقال المأمون الإخوان ثلاث طبقات طبقة كالغذاء لا يستغنى عنه أبدا وهم إخوان الصفاء وإخوان كالدواء يحتاج إليهم في بعض الأوقات وهم الفقهاء وإخوان كالداء لا يحاج إليهم أبدا وهم المنافقون وكان سبب وفاة المأمون رحمه الله تعالى أنه جلس على شاطئ نهر السدون ودلى رجليه في مائه فأعجبه برد مائه وصفاؤه فقال لو أكلنا رطبا وشربنا من هذا الماء البارد لكان حسنا فلم يخرج الكلام من فيه إلا ومواقع حوافر خيل البريد أقبلت من ازاد وعليها حقائب الرطب فحمد الله تعالى على ذلك وأكل منه فحم وتحركت عليه مادة في حلقه فبطت قبل بلوغها غايتها فكانت سبب وفاته كتب وصية هذا ما أشهد به عليه عبد الله بن هارون أمير المؤمنين أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ملكه ولا مدبر غيره وأنه خالق وما سواه مخلوق وأن محمدا عبده ورسوله وأن الموت حق والبعث والحساب حق والجنة والنار حق وأن محمداً عن ربه شرائع دينه وأدى النصيحة إلى أمته حتى توفاه الله إليه فصل الله عليه أفضل صلاة صلاها على أحد من ملائكته المقربين وأنبيائه والمرسلين وإني مقر بذنبي أخاف وأرجو إلا أني إذا ذكرت عفو الله رجوت فإذا أنا مت فوجهوني وغمضوني وأسبغوا وضوئي وأجيدوا كفني وليصل علي أقربكم مني نسبا وأكبركم سنا وليكبر خمسا ولينزل في حفرتي أقربكم مني قرابة وضعوني في لحدي وسدوا علي باللبن ثم احثوا التراب علي وخلوني وعملي فكلكم لا يغني عني شيئا ولا يدفع عني مكروها ثم قفوا بأجمعكم فقولوا خيرا إن علمتم وأمسكوا عن ذكر شر إن عرفتم ثم قال يا ليت عبد الله لم يكن شيئا باليته لم يخلق ثم قال لأخيه وولي عهده المعتصم يا أبا إسحاق ادن مني واتعظ بما ترى وخذ بسيرة أخيك واعمل في الخلافة إذا طوقكها الله عمل المريد لله الخائف من عقابه ولا تغتر بالله وامهاله فكأن قد نزل بك الموت ولا تغفل عن أمر الرعية فإنما الملك يقوم بهم ولا يتبين لك أمر فيه صلاح المسلمين إلا وقدمه على غيره وإن خالف هواك وخذ من قويهم لضعيفهم واتق الله في أمرك كله والسلام ثم قال هؤلاء بنو عمك لا تغفل عن صلاتهم فلنها واجبة عليك ثم تلا ( ^ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) وكانت وفاته يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من شهر رجب سنة ثماني عشرة ومائتين ونقله ابنه العباس إلى طرطوس فدفنه بها ووكل بقبره مائة من الجرس وأجرى على كل رجل منهم تسعين درهما في كل شهر وكان له عدة أولاد لم يشتهر منهم سوى العباس وعلي فأما العباس فكان مغرما بشراء الضياع والعقار وكان المعتصم مغري بجمع المال واقتناء الغلمان والعدة والرجال قاله ابن الفرات.

  • وفي هذه السنة عهد المأمون بالخلافة إلى أخيه المعتصم فأمر بهدم طوانة وبنقل ما فيها وبصرف أهلها إلى بلادهم وفيها دخل خلق من أهل بلاد همذان في دين الخرمية المجوس الباطنية وعسكروا فندب المعتصم لم أمير بغداد إسحاق بن إبراهيم بن مصعب فالتقاهم في ذي الحجة بأرض همدان فكسرهم وقتل منهم ستين ألفا وانهزم من بقي إلى ناحية الروم.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الوفيات

وفيها توفي:

  • بمصر إسحاق بن بكر بن مضر الفقيه وكان يجلس في حلقه الليث فيفي ويحدث قال في العبر لا أعلمه يروي عن غير أبيه وفيها بشر المريسي الفقيه المتكلم وكان داعية للقول بخلق القرآن هلك في آخر السنة ولم يشيعه أحد من العلماء وحكم بكفره طائفة من الأئمة روى عن حماد بن سلمة وعاش نيفا وسبعين سنة قاله في العبر وقال ابن الأهدل كان مرجئا داعية الأرجاء وإليه تنسب طائفة المريسية المرجئة. كان أبوه يهوديا صباغا في الكوفة وكان يناظر الشافعي وهو لا يعرف النحو فيلحن لحنا فاحشا. انتهى.
  • وفيها عبد الله بن يوسف التنيسي الحافظ أحد الأثبات أصله دمشقي وسمع من سعيد بن عبد العزيز ومالك والليث وفيها عالم أهل الشام أبو مسهر الغساني عبد الأعلى بن مسهر في حبس المأمون ببغداد في رجب لمحنة القرآن سمع سعيد بن عبد العزيز وتفقه عليه وولد سنة أربعين ومئة وكان علامة بالمغازي والأثر كثير العلم رفيع الذكر قال يحيى ابن معين منذ خرجت من باب الأنبار إلى أن رجعت لم أر مثل أبي مسهر وقال أبو حاتم ما رأيت أفصح منه وما رأيت أحدا في كورة من الكور أعظم قدرا ولا أجل عند أهلها من أبي مسهر بدمشق إذا خرج اصطف الناس يقبلون يده وقال ابن ناصر الدين هو ثقة.
  • وفيها عبد الملك بن هشام البصري النحوي صاحب المغازي هذب السيرة ونقلها عن البكائي صاحب ابن إسحاق وكان أديبا إخباريا نسابة سكن مصر وبها توفي ومحمد بن نوح العجلي ناصر السنة حمل مقيداً مع الإمام أحمد بن حنبل متزاملين فمرض ومات بغابة في الطريق يثبت أحمد ويشجعه قال أحمد ما رأيت أقوم بأمر الله منه روى عن إسحاق الأزرق ومات شابا رحمه الله قاله في العبر ومعلى بن أسد البصري أخو بهز بن أسد روى عن وهيب بن أسد وطبقته وكان ثقة مؤدبا ويحي البابلتي الحراني روى عن الأوزاعي وابن أبي ذئب وطائفة وليس بالقوي في الحديث.

سنة تسع عشرة ومائتين

  • فيها وقيل في التي بعدها امتحن المعتصم الإمام أحمد بن حنبل وضرب بين يديه بالسياط حتى غشي عليه فلما صمم ولم يجب أطلقه وندم على ضربه قاله في العبر وفيها توفي على بن عياش الألهاني الحمصي الحافظ محدث حمص وعابدها سمع من جرير بن عثمان وطبقته وذكر فيمن يصلح لقضاء حمص وفيها أبو أيوب سليمان بن داود بن علي الهاشمي العباسي سمع إسماعيل بن جعفر وطبقته وكان إماما حجة فاضلا شريفا روى أن أحمد بن حنبل أثنى عليه وقال يصلح للخلافة وعالم أهل مكة الحافظ أبو بكر عبد الله بن الزبير القرشي الحميدي روى عن فضيل بن عياض وطبقته وكان إماما حجة قال أحمد بن حنبل الحميدي والشافعي وابن راهويه كل كان إماما أو كلاما هذا معناه وصحب الحميدي الشافعي ووالاه بعد أن كان نافرا عنه وصحبه في رحلته إلى مصر قال ابن ناصر الدين حدث عنه البخاري وغيره من كبار الأئمة وفيها أبو نعيم الفضل بن دكين الملائي الحافظ محدث الكوفة روى عن الأعمش وزكريا ابن أبي زائدة والكبار قال ابن معين ما رأيت أثبت من أبي نعيم وعفان وقال أحمد كان يقظان في الحديث عارفا وقام في أمر الامتحان بما لم يقم غيره لما امتحنوه قال والله عنقي أهون من زري هذا ثم قطع زره ورماه وقال ابن ناصر الدين الفضل بن دكين هو عمرو بن حماد التيمي مولاهم الكوفي الملائي التاجر حدث عنه أحمد وإسحاق والبخاري وغيرهم وكان حافظا ثبتا فقيها واسع المجال شارك الثوري في أكثر من مائة من الرواة وكان غاية في إتقان ما حفظه ووعاه انتهى وفيها أبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي الكوفي الحافظ روى عن إسرائيل وطبقته قال ابن معين ليس بالكوفة أتقن منه وقال ابن ناصر الدين مالك بن إسماعيل النهدي مولاهم الكوفي ثقة متقن ذو فضل وأمانة وعبادة واستقامة على تشييع فيه كما كان أبو داود يحكيه انتهى وقال أبو حاتم الرازي كان ذا فضل وصلاح وعبادة كنت إذا نظرت إليه كأنه خرج من قبر ولم أر بالكوفة أتقن منه لا أبو نعيم ولا غيره وقال أبو داود كان شديد التشييع وفيها أبو الأسود النضر بن عبد الجبار المرادي المصري الزاهد روى عن الليث وطبقته قال أبو حاتم صدوق عابد شبهته بالقعنبي رحمهما الله.

سنة عشرين ومائتين

  • وفيها اتخذ المعتصم سر من رأى مسكنا وفيها عقد للأقمشين على حرب بابك الخرمي الذي هزم الجيوش وخرب البلاد منذ عشرين سنة ثم جهز محمد بن يوسف الأمين ليبنى الحصون التي خربها بابك فالتقى الأقمشين ببابك فهزمه وقتل من الخرمية نحو ألف وهرب بابك إلى موقان ثم جرت لهما أمور يطول شرحها وفيها غضب المعتصم على وزيره الفضل بن مروان وأخذ منه عشرة آلاف ألف دينار ثم نفاه واستوزر محمد بن عبد الملك بن الزيات وفيها تولى آدم بن أبي أياس الخراساني ثم البغدادي نزيل عسقلان روى عن ابن أبي ذئب وشعبة وكان صالحا ثقة قانتا لله لما احتضر قرأ الختمة ثم قال لا إله إلا الله ثم فارق قال أبو حاتم ثقة مأمون متعبد وخلاد بن خالد الصيرفي الكوفي قارئ الكوفة وتلميذ سليم تصدر للإقراء وحمل عنه طائفة وحدث عن الحسن بن صالح بن حي وجماعة قال أبو حاتم صدوق وعاصم بن يوسف اليربوعي الكوفي الخياط روى عن إسرائيل وجماعة وروى البخاري عن أصحابه وعبد الله بن جعفر الرقي الحافظ روى عن عبيد الله بن عمرو الرقي وطبقته وقد تغير حفظه قبل موته بسنتين وفيها أبو عمرو عبد الله بن رجا الغداني بالبصرة يوم آخر السنة وكان ثقة حجة روى عن عكرمة بن حماد وطبقته وعثمان بن الهيثم مؤذن جامع البصرة في رجب عن هشام بن حسان وابن جريج والكبار قال أبو حاتم كان باخرة يلقن وعفان بن مسلم الأنصاري مولاهم البصري الصفار أبو عثمان أحد أركان الحديث نزل بغداد ونشر بها علمه وحدث عن شعبة وأقرانه قال يحي بن معين أصحاب الحديث خمسة ابن جريج ومالك والثوري وشعبة وعفان وقال حنبل كتب المأمون إلى متولي بغداد يمتحن الناس فامتحن عفان وكتب المأمون فإن لم يجب عفان فاقطع رزقه وكان له في الشهر خمسمائة درهم فلم يجبهم وقال ( ^ وفي السماء رزقكم وما توعدون ) وقال ابن ناصر الدين جعل له عشرة آلاف دينار على أن يقف عن تعديل رجل وعن جرحه فأبى وقال لا أبطل حقا من الحقوق وفيها أبو عمر حفص بن عمر الضرير البصري صدوق وقالون القارئ قارئ أهل المدينة صاحب نافع وهو أبو موسى عيسى بن ميناء الزهري مولاهم المدني قال الذهبي في المغني حجة في القراءة لا في الحديث سئل عنه أحمد بن صالح فضحك وقال يكتبون عن كل أحد انتهى وفيها الشريف أبو جعفر محمد الجواد بن علي بن موسى الرضي الحسيني أحد الاثني عشر إماماً الذي تدعي فيهم الرافضة العصمة وله خمس وعشرون سنة وكان المأمون قد نوه بذكره وزوجه بابنته وسكن بها المدينة فكان المأمون ينفذ إليه في السنة ألف ألف درهم وأكثر ثم وفد على المعتصم فأكرم مورده وتوفي ببغداد آخر السنة ودفن عند جده موسى ومشهدهما ينتابه العامة بالزيارة وفيها أبو حذيفة النهدي موسى بن مسعود البصري المؤدب في جمادى الآخرة سمع أيمن بن بابك وطبقته قال أبو حاتم روى عن سفيان الثوري بضعة عشر ألف حديث وكان يصحف قال في لامغني موسى بن مسعود أبو حذيفة النهدي صدوق مشهور من مشيخة البخاري تكلم فيه أحمد ولينه وقال ابن خزيمة لا أحدث عنه وقال أبو حفص الفلاس لا يروي عنه من ينصف الحديث انتهى.

سنة إحدى وعشرين ومائتين

  • فيها كانت وقعة عظمى فكسر بابك الخرمي بغا الكبير ثم تقوى بغا وقصد بابك فالتقوا فانهزم بابك وفيها توفي أبو علي الحسن بن الربيع البجلي البوراني القصبي الكوفي روى عن قيس بن الربيع وطبقته وهو من شيوخ البخاري وكان ثقة ثبتا عابدا وعاصم بن علي بن عاصم الواسطي الحافظ أبو الحسن في رجب سمع ابن أبي ذئب وشعبة وخلقا وقدم بغداد فازدحموا عليه من كل مكان حتى حزر مجلسه بمائة ألف وكان ثقة حجة.
  • وفيها محدث مرو وشيخها عبد الله بن عثمان عبدان المروزي سمع شعبة وأبا حمزة السكري والكبار وعاش ستا وسبعين سنة وكان ثقة جليل القدر معظما تصدق في حياته بألف ألف درهم وروى عنه البخاري وغيره وفيها ألإمام الرباني أبو عبد الرحمن عبد الله بن سلمة بن قعنب الحارثي المدني القعنبي الزاهد سكن البصرة ثم مكة وتوفي بها في المحرم روى عن سلمة بن وردان وأفلح بن حميد والكبار وهو أوثق من روى الموطأ وخرج له أصحاب الكتب الستة قال أبو زرعة ما كتبت عن أحد أجل في عيني من القعنبي وقال أبو حاتم ثقة حجة لم أر أخشع منه وقال الخريبي حدثني القعنبي عن مالك وهو والله عندي خير من مالك وقال الفلاس كان القعنبي مجاب الدعوة وقال محمد بن عبد الوهاب الفرا سمعتهم بالبصرة يقولون القعنبي من الأبدال وفيها محمد بن بكير الحضرمي البغدادي حدث بأصبهان عن شريك وطبقته وقال أبو حاتم صدوق يغلظ أحيانا وفيها أبو همام الدلال محمد بن مجيب بصري مشهور روى عن الثوري وطبقته وفيها الفقيه هشام بن عبد الله الرازي الحنفي روى عن أبي ذئب ومالك وطبقتهما وكان كثير العلم واسع الرواية وفيه ضعف وقد جاء عنه أنه قال أنفقت في طلب العلم سبعمائة ألف درهم.

سنة اثنتين وعشرين ومائتين

  • فيها التقى الأقمشين والخرمية لعنهم الله وهزمهم ونجا بابك فلم يزل الأقمشين تحيل عليه حتى أسره وقد عاث هذا الملعون وأفسد البلاد والعباد وامتدت أيامه نيفا وعشرين سنة وأراد أن يقيم ملة المجوس بطبرستان واستولى على أذربيجان وغيرها وفي أيامه ظهر الماربان القائم بملة المجوس بطبرستان وقد بعث المعتصم في أول السنة خزائن أموال إلى الأقمشين ليتقوى بها وكانت ثلاثين ألف ألف درهم وافتتحت مدينة بابك في رمضان بعد حصار شديد فاختفى بابك في غيضة في الحصن وأسر جميع خواصه وأولاده وبعث إليهم المعتصم الأمان فخرقه وسبه وكان قوي النفس شديد البطش صعب المراس فطلع من تلك الغيضة يعرفها في الجبل وانقلب ووصل إلى جبال أرمينية فنزل على البطريق سهل فأغلق عليه وبعث يعرف الأقمشين فجاء الأقشينية فتسلموه وكان المعتصم قد جعل لمن جاء به حيا ألفي ألف درهم ومن جاء برأسه ألف ألف درهم وكان دخوله بغداد يوما مشهودا وفيها توفي أبو اليمان الحكم بن نافع البهراني الحمصي الحافظ روى عن جرير ابن عبد الحميد وطبقته وكان ثقة حجة كثير الحديث ولد سنة ثمان وثلاثين ومائة ومات في ذي الحجة وقد سئل أبو اليمان مرة عن حديث لشعيب بن أبي حمزة فقال ليس مناولة المناولة لم أخرجها إلى أحد وعمر بن حفص بن غياث الكوفي روى عن أبيه وطقته ومات كهلا في ربيع الأول وكان ثقة متقنا عالما وفيها أبو عمرو ومسلم بن إبراهيم الفراهيدي مولاههم البصي القصاب الحافظ محدث البصرة سمع من ابن عون حديثا واحدا ومن قرة بن خالد ولم يرحل لكن سمع من ثمانمائة شيخ بالبصرة وكان ثقة حجة أضر بآخره وكان يقول ما أتيت حراما ولا حلالاً قط أي لم يفعل إلا فرضا أو سنة توفي في صفر وفيها فقيه حمص ومحدثها يحي بن صالح الوحاظي ولد سنة سبع وثلاثين ومائة وسمع من سعيد بن عبد العزيز وفليح بن سليمان وطبقتهما وعين لقضاء حمص قال العقبلي هو حمصي جهمي وقال الجوزاني كان مرجئا خبيثا ووثقه غيره.

سنة ثلاث وعشرين ومائتين

  • أتى المعتصم ببابك الخرمي قال ابن الجوزي في الشذور أنبأنا محمد بن عبد الباقي أنبأنا على بن المحسن عن أبيه أن أخا بابك الخرمي قال له لما دخل على المعتصم بابابك أنك قد عملت ما لم يعمل أحد فاصبر الآن صبراُ لم يصبره أحد فقال له سترى صبري فأمر المعتصم بقطع أيدهما بحضرته فبدأ ببابك فقطعت يمينه فأخذ الدم فمسح به وبجهه وقال لئلا يرى في وجهي صفرة فيظن أني جزعت من الموت ثم قطعت أربعته وضربت عنقه وقذف في النار وفعل ذلك بأخيه فما فيهما من صاح وخرج المعتصم إلى عموريه فقتل ثلاثين ألفاً وسبى مثلها وطرح فيها النار وجاء ببابها إلى العراق فهو الذي يسمى باب العامة انتهى وتوج المعتصم ألاقشين ووصله بعشرين ألف ألف درهم نصفها له ونصفها لعسكره وفيها التقى المسلمون وعليهم الأقشين وطاغية الروم فاقتتلوا أياماً وكثرت القتلى ثم انهزم الملاعين وكان طاغيتهم في هذا الوقت توفيل بن ميخائيل بن جرجس لعنهم الله نزل على ريطرة في مائة ألف أياماً وافتتحها بالسيف ثم أغار على ملطية ثم أذله الله بهذه الكسرة وفيها توفي خالد بن خداش الهلبي البصرى المحدث في جمادى الآخرة روى عن مالك وطبقته وخرج له البخاري في التاريخ ومسلم والنسائي قال أبو حاتم وغيره صدوق وقال ابن المديني ضعيف وفيها أبو الفضل صدقة بن الفضل المروزي عالم أهل مرو ومحدثهم رحل وكتب عن ابن عين وطبقته وأقدم شيخ له أبو حمزة السكري قال بعضهم كان ببلده كأحمد بن حنبل ببغداد وفيها عبد الله بن صالح أبو صالح الجهني المصري الحافظ كاتب الليث بن سعد توفي في يوم عاشوراء وله ست وثمانون سنة حدث عن معاوية بن صالح وعبد العزيز الماجشون وخلق قال ابن معين أقل أحوال أبي صالح أنه قرأ هذه الكتب على الليث فأجازها له وقال ابن ناصر الدين روى عنه البخاري في الصحيح وله مناكير

(2/51) ________________________________________ 52 وقال الفضل الشعراني ما رأيت عبد الله بن صالح ألا يحدث أو يسبح وضعفه آخرون كما قال في العبر وفيها أبو بكر بن أبي الأسود واسمه عبد الله بن محمد بن حميد قاضي همذان سمع مالكا وأبا عوانة وكان حافظاً متقناً وفيها أبو بكر بن أبي الأسود واسمه عبد الله بن محمد بن حميد قاضي همذان سمع مالكاً وأبا عوانة وكان حافظاً متقناً وأبو عثمان عمرو بن عون الواسطي سمع الحمادين وظائفة قال أبو حاتم ثقة حجة وكان يحيى بن معين يطنب في الثناء عليه وقال ابن ناصر الدين هو ابن أخت عبد الرحمن بن مهدي حدث عنه البخاري وغيره وكان ثبتاً متقناً أنتهى وفيها محمد بن سنان العوفي أبو بكر البصري أحد الأثبات روى عن جرير ابن حازم وطبقته وفيها أبو عبد الله محمد بن كثير العبدي البصري المحدث روى عن حماد بن سلمة وطبقته قال ابن معين كيس صادق كثير الحديث وفيها معاذ بن أسد بالبصرة وهو مر وزي روى عن ابن المبارك وكان كاتبه وموسى بن إسماعيل أبو سلمة المنقري التبوذكي البصري الحافظ أحد أركان الحديث سمع من شعبة حديثاً وأحداً وأكثر عن حماد بن سلمة وطبقنه قال عباس الدوري كتبت عنه خمسة وثلاثين ألف حديث قال ابن ناصر الدين ثقة والحسن البوراني على ما ذكره ابن ناصر الدين وقال هو ثقة وشيخ للبخاري.

سنة أربع وعشرين ومائتين

  • زلزلت مدينة فمات منها أكثر من خمسة عشر ألفاً قاله في الشذور
  • ظهر مازيار بطبرستان وخلع المعتصم فسار لحربه عبد الله بن طاهر وظلم مزيار وعسف وصادر وخرب أسوار آمل والري وجرجان وجرت له حروب وفصول ثم اختلف عليه جنده إلى أن قتل في السنة الآتية.
  • توفي الأمير إبراهيم بن المهدي بن محمد بن منصور العباسي الأسود ولذلك ولضخامته يقال له التنين ويقال له ابن شكلة وهي أمه وكان أديبا فصيحا شاعرا محسنا رأسا في معرفة الغناء وأنواعه ولي إمرة دمشق لأخيه الرشيد وبويع بالخلافة ببغداد ولقب المبارك عندما جعل المأمون ولي عهده علي بن موسى الرضي فحاربه الحسن بن سهل فانكسر ثم حاربه حميد الطوسي فانكسر جيش إبراهيم وانهزم فاختفى وذلك لأنه استشار خاصته في أمره فكل أشار بقتله قائلا من ذاق حلاوة الخلافة لا تصح منه توبة إلا يحي بن أكثم فإنه أجاب بما معناه لقد سمعنا بمن جنى كجنايته كثيرا وإنه إذا قدر عليه قتل ولم نسمع أنه إذا قدر عليه عفى عنه فاجعل عفوك عنه خيرا ومكرمة تذكر إلى آخر الدهر فقبل رأي يحي وأطلقه مكرما.
  • إبراهيم بن أبي سويد البصري الزارع أحد أصحاب الحديث روى عن حماد بن سلمة وأقرانه قال أبو حاتم ثقة رضي وأيوب بن سليمان بن بلال له نسخة صحيحة يرويها عن عبد الحميد بن أبي أويس عن أبيه عن سليمان بن بلال ما عنده سواها.
  • أبو العباس حياة بن شريح الحضرمي الحمصي الحافظ سمع إسماعيل ابن عياش وطائفة وربيع بن يحي الأشناني البصري روى عن مالك بن مغول والكبار وكان ثقة صاحب حديث وبكار بن محمد بن عبد الله بن محمد بن سيرين السيريني روى عن ابن عون والكبار وفيه ضعف يسير وقال في المغني عن ابن عون قال أبو زرعة ذاهب الحديث انتهى.
  • سعيد بن أبي مريم الحكم بن محمد بن سالم الجمحي مولاهم المصري الثقة أحد أركان الحديث وله ثمانون سنة روى عن يحيى بن أيوب وأبي غسان محمد بن مطرف وطبقتهما من المصريين والحجازيين.
  • قاضي مكة أبو أيوب سليمان بن حرب الأزدي الواشحي البصري الحافظ في ريع الآخر وهو في عشر التسعين سمع شعبة وطبقته قال أبو داود سمعته يقع في معاوية وكان بشر الحافي يهجره لذلك وكان لا يدلس ويتكلم في الرجال وقرأ الفقه وقد ظهر من حديثه نحو عشرة آلاف حديث وما رأيت في يده كتابا قط وحضرت مجلسه المأمون من وراء ستر وقال ابن ناصر الدين هو ثقة ثبت.
  • أبو معمر المقعد وهو عبد الله بن عمرو المنقري مولاهم البصري الحافظ صاحب عبد الوارث قال ابن معين ثقة ثبت وقال ابن ناصر الدين كنيته أبو عمر حدث عن البخاري وغيره وهو ثقة.
  • عمرو بن مرزوق الباهلي مولاهم البصري الحافظ روى عن مالك بن مغول وطبقته قال محمد بن عيسى بن السكن ابن معين عنه فقال ثقة مأمون صاحب غزو وحمده.
  • وفيها أبو الحسن علي بن محمد المدائني البصري الأخباري صاحب التصانيف والمغازي والأنساب وله ثلاث وتسعون سنة سمع ابن ذئب وطبقته وكان يسرد الصوم ووثقه ابن معين وغيره.
  • العلامة العلم أبو عبيد القسم بن سلام البغدادي صاحب التصانيف سمع شريكا وابن المبارك وطبقتهما وقال ابن إسحاق بن راهويه الحق يجب لله أبو عبيد أفقه مني واعلم وقال أحمد أبو عبيد أستاذ وقال ابن ناصر الدين هو ثقة إمام فقيه مجتهد أحد الأعلام وكان إماما في القراءات حافظا للحديث وعلله الدقيقات عارفا بالفقه والتعريفات رأسا في اللغة ذا مصنفات انتهى وقال ابن الأهدل قيل أنه أول من صنف غريب الحديث وصنف نيفا وعشرين كتابا وعنه قال مكثت في الغريب أربعين سنة ووقف عليه عبد الله بن طاهر فاستحسنه وقال أن عقلا دعا صاحبه لمثل هذا حقيق أن لا يحوج إلى طلب المعاش وأجرى له كل شهر عشرة آلاف درهم ولي القضاء بمدينة طرسوس ثماني عشرة سنة وكان يقسم الليل أثلاثا صلاة ونوما وتصنيفا وكان أحمر الرأس واللحية يخضب بالحناء وكان مهيبا توفي بمكة بعد أن حج وعزم على الانصراف إلى العراق مع الناس قال فرأيت النبي الدخول عليه فمنعت فقيل لي لا تدخل عليه ولا تسلم وأنت خارج إلى العراق فقلت لا أخرج إذا فأخذوا عهدي على ذلك وخلوا بيني وبينه فسلمت عليه وصافحني فأقام بمكة حتى مات وعنه قال كنت مستلقا بالمسجد الحرام فجاءتني عائشة المكية وكانت من العارفات فقالت يا أبا عبيد لا تجالسه إلا بأدب ووإلا محاك من ديوان العلماء والصالحين وقال هلال نب العلاء الرقي من الله سبحانه على هذه الأمة بأربعة في زمانهم الشافعي ولولاه ما تفقه الناس في حديث رسول الله ولولاه ابتدع الناس ويحي بنت معين نفى الكذب عن رسول الله عبيد فسر غريب الحديث ولولاه اقتحم الناس الخطأ وكان أبو عبيد موصوفا بالدين وحسن المذهب والسيرة الجميلة والفضل البارع وأثنى عليه علماء وقته بما يطول ذكره انتهى وكان أبوه عبدا روما لرجل من أهل هراة.
  • أبو الجماهر محمد بن عثمان التنوخي الكفرسوسي سمع سعيد بن عبد العزيز وطبقته قال أبو حاتم ما رأيت أفصح منه ومن أبي مسهر وقال ابن ناصر الدين هو ثقة.
  • أبو جعفر محمد بن عيسى الطباع الحافظ نزيل الثغر بأدنة سمع مالكا وطبقته قال أب حاتم ما رأيت أحفظ للأبواب منه وقال أبو داود كان يتفقه ويحفظ نحوا من أربعين ألف حديث.
  • أبو النعمان محمد بن الفضل ويعرف بعارم السدوسي البصري الحافظ أحدأركان الحديث روى عن الحمادين وطبقتهما ولكنه اختلط بآخره وكان

سليمان بن حرب يقدمه على نفسه وكان حافظا ثبتا قد اختلط بآخره وزال عقله فيما يذكر ولم يظهر له بعد اختلاطه فيما قاله الدارقطني شيء منكر قال ابن ناصر الدين ويها على ما ذكره ابن ناصر الدين يزيد بن عبد ربه الزبيدي الجرجسي الثبت.

سنة خمس وعشرين ومائتين

  • فيها على ما قاله في لاشذور كانت رجفة بالأهواز عظيمة تصدعت منها الجبال وهرب أهل البلد إلى البر وإلى السفن وسقطت فيها دور كثيرة وسقط نصف الجامع ومكثت ستة عشر يوما وفيها توفي.
  • احترقت الكرخ فأسرعت النار في الأسواق فوهب المعتصم للتجار وأصحاب العقار خمسة آلاف درهم.
  • توفي الفقيه أصبغ بن الفرج أبو عبد الله المصري الثقة مفتي أهل مصر ووراق ابن وهب أخذ عن ابن وهب وابن القاسم وتصدر للأشغال والحديث قال ابن معين كان من أعلم خلق الله كلهم برأي مالك يعرفها مسئلة مسئلة متى قالها مالك ومن خالفه فيها وقال أبو حاتم هو أجل أصحاب ابن وهب وقال بعضهم ما أخرجت مصر مثل أصبغ وقد كان ذكر لقضاء مصر وله مصنفات حسان.
  • حفص بن عمر أبو عمر الحوضي الحافظ بالبصرة روى عن هشام الدستوائي والكبار قال أحمد بن حنبل ثقة ثبت لا يوجد عليه حرف واحد وقال ابن ناصر الدين هو ثقة.
  • سعدويه الواسطي سعيد بن سليمان الحافظ ببغداد روى عن حماد ابن سلمة وطبقته قال أبو حاتم ثقة مأمون لعله أوثق من عفان وقال صالح جزرة سمعت سعدويه يقول حججت ستين حجة وقال ابن ناصر الدين هو سعيد بن سليمان الضبي البزار رمى بالتصحيف وقال أبو حاتم ثقة انتهى.
  • أبو عبيدة شاذ بن فياض اليشكري البصري واسمه هلال روى عن هشام الدستوائي والكبار فأكثر.
  • أبو عمر الجرمي النحوي صالح بنإسحاق وكان دينا ورعا نبيلا رأسا في اللغة والنحو نال بالأدب دنيا عريضة وقال ابن الأهدل كان دينا ورعا حسن العقيدة صنف في النحو وناظر الفراء وحدث عنه المبرد وله كتاب في لاسير عجيب وكتاب غريب سيبويه والعروض وجرم المنسوب إليها في العرب كثيرة منهم جرم بن علقمة بن أنمار ومنهم جرم بن ريان انتهى.
  • فروة بن أبي المغزاء الكوفي المحدث روى عن شريك وطبقته.
  • الأمير أبو دلف قاسم بن عيسى العجلي صاحب الكرخ أحد الأبطال المذكورين الممدوحين والأجواد المشهورين والشعراء المجيدين وقد ولى إمرة دمشق للمعتصم يحكى عنه أنه قال يوما من لم يكن مغالبا في التشييع فهو ولد زنا فقال له ولده يا أبت لست على مذهبك فقال له أبوه لما وطئت أمك وعلقت بك ما كنت بعد استبريتها فهذا من ذاك وقال ابن الأهدل مدحه أبو تمام وغيره وله صنعة في الغناء وصنف كتاب البزاة والصيد والسلاح ومناسبة الملوك وغير ذلك كان لكثرة عطائه قد ركبته الديون فلما رآه ابنه دلف جالسا عريانا على أسوأ حال وأنشده أبياتا منها
( ولو كنا إذا متنا تركنا * لكان الموت راحة كل حي )
( ولكنا إذا متنا بعثنا * ونسأل بعده عن كل شيء )

وكان أبوه قد شرع في عمران مدينة الكرخ ثم أتمها هو وكان بها أولاده وعشيرته انتهى.

  • محمد بن سلام البيكندي الخافظ رحل وسمع من مالك وخلق كثير وكان يحفظ خمسة آلاف حديث وقال أنفقت في طلب العلم أربعين ألفا وفي نشره مثلها وقال ابن ناصر الدين به تخرج البخاري انتهى

سنة ست وعشرين ومائتين

فيها كما قال في الشذور مطر أهل تيماء مطرا وبردا كالبيض فقتل ثلثمائة وسبعين إنسانا وهدم دورا وسمع في ذلك صوت يقول ارحم عبادك اعف عن عبادك ونظر إلى أثر قدم طولها ذراع بلا أصابع وعرضها شبران من الخطوة إلى الخطوة خمسة أذرع أو ست فاتبعوا الصوت فجعلوا يسمعون صوتا ولا يرون شخصا.

  • غضب المعتصم على الأفشين وسجنه وضيق عليه ومنع من الطعام حتى مات أو خنق ثم صلب إلى جانب بابك وأتى بأصنام من داره أنهم بعبادتها فأحرقت وكان أقلف متهما في دينه وأيضا خافه المعتصم وكان من أولاد ملوك الأكاسرة واسمه حيدر بن كاوس وكان بطلا شجاعا مطاعا ليس في الأمراء أكبر منه وأيضا ظفر المعتصم بمازيار الذي فعل الأفاعيل بطبرستان وصلبه إلى جنب بابك والأفشين.
  • توفي أحمد بن عمرو النيسابوري سمع مسلم بن خالد الزنجي وطبقته ولزم محمد بن نصر المروزي فأككثر عنه قال الحاكم كان إمام عصره في العلم والحديث والزهد ثقة وإسحاق بن محمد الفروي المدني الفقيه روى عن مالك وطبقته وإسماعيل بن أبي أويس الحافظ أبو عبد الله الأصبحي المدني سمع من خاله مالكوطبقته وفيه ضعف لم يؤخره عن الاحتجاج به عند صاحبي الصحيحين وقال ابن ناصر الدين أثنى عليه أحمد والبخاري وتكلم فيه النسائي وغيره انتهى.
  • سعيد بن كثير بن عفير أبو عثمان المصري الحافظ العلامة قاضي الديار المصرية شاعراً كثير الاطلاع قليل المثل صحيح النقل ثقة روى عنه البخاري وغيره.
  • محدث الموصل غسان بن الربيع الأزدي روى عن عبد الرحمن بن ثابت ابن ثوبان وطبقته وكان ورعاً كبير القدر ليس بحجة وصدقة بن الفضل المروزي أبو الفضل البحر في العلوم روى عنه البخاري وغيره وكان شيخ مرو على الإطلاق قاله ابن ناصر الدين وحسين بن داود المصيصي المحتسب أبو على الحافظ لقبه سنيد وبه اشتهر أحد أوعية العم والأثر تكلم فيه أحمد وغيره ووثقه ابن حبان والخطيب البغدادي قاله ابن ناصر الدين ومحمد بن مقاتل المروزي شيخ البخاري بمكة روى عن ابن المبارك وطبقته.
  • شيخ خراسان الإمام يحيى بن يحيى بن بكر التميمي النيسابوري في صفر في نيسابور قال ابن راهويه ما رأيت مثل حيى بن يحيى ولا أحسبه رأى مثل نفسه ومات وهو إمام لأهل الدنيا سنة سبع وعشرين ومائتين فيها قدم على إمرة دمشق أو المغيث الرافعي فخرجت عليهم قيس لكونه صلب منهم خمسة عشر رجلاً وأخذوا خيل الدولة من المرج فوجه أبو المغيث إليهم جيشاً فهزموه ثم استفحل شرهم وعظم جمعهم وزحفوا على دمشق وحاصروها فجاء رجاء الحصارى الأمير في جيش من العراق ونزل بدير مران والقيسية بالمرج فوجه إليهم يناشدهم الطاعة فأبوا إلا أن يعزل أبو المغيث فأنذرهم القتال يوم الإثنين ثم كبسهم يوم الحد بكفر بطنا وكان جمهور القيسية بدومة فوضع السيف في كفر بطنا وسقبا وجسرين حتى قتل ألفاً وخمسمائة وقتلوا الصبيان ووقع النهب قاله في العبر.
  • توفي أحمد بن عبد الله بن يونس أبو عبد الله اليربوعي الكوفي الحافظ سمع الثوري وطبقته وعاش أربعاً و تسعين سنة قال أحمد بن حنبل لرجل سأله عمن اكتب قال أخرج إلى أحمد بن يونس اليربوعي فأنه شيخ الإسلام انتهى وهو من الثقات الإثبات وإبراهيم بن بشار الرمادي الزاهد صاحب سفيان بن عيينة قال ابن عدي سألت محمد بن أحمد الزريقي عنه فقال كان والله ازهد أهل زمانه وقال ابن حبان كان متقناً ضابطاً وأبو النضر اسحق بن إبراهيم الدمشقي الفراديس من أعيان الشيوخ بدمشق روى عن سعيد بن عبد العزيز وجماعة قال في المغني إسحق إبراهيم بن النضر الفرادنيسي مشهور ثقة قال ابن عدي له أحاديث غير محفوظة انتهى وإسماعيل بن عمرو البجلي محدث أصبهان وهو كوفي روى عن مسعر وطبقته وثقة ابن حبان وغيره وضعفه الدارقطني وهو مكثر عالى الإسناد.
  • الباني القدوة أبو نصر بشر بن الحرث المروزي الزاهد المعروف ببشر الحافي سمع من حماد بنزيد وإبراهيم بن سعد وطبقتهما وعني بالعمل ثم أقبل على شأنه ودفن كتبه حدث بشيء يسير وكان في الفقه على مذهب الثوري وقد صنف العلماء مناقب بشر وكراماته رحمه الله عاش خمساً وسبعين سنة وتوفي ببغداد في ربيع الأول قاله في العبر وقال السخاوي في طبقات الأولياء قال ابن حبان في الثقات أخباره وشمائله في التقشف وخفى الورع أشهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفها وكان وثوري المذهب في الفقه والورع جميعاً وقال الخطيب هو ابن عم على بن خشرم كان ممن فاق أهل عصره في الورع والزهد وتفرد بوفور العقل وأنواع الفضل وحسن الطريقة وعزوف النفس وإسقاط التكلف والفضول وكان كثر الحديث إلا أنه لم ينصب نفسه للرواية وكان يطرها ودفن كتبه لأجل ذلك وقال ابن الجوزي هو مروزي الأصل من قرية على ستة أميال من مرو ويقال لها ما ترسام ولم يملك بشر ببغداد ملكاً قط وكان لا يأكل من غلة بغداد ورعاً لأنها من أرض السواد التي لم تقسم وكان في حدائته يطلب لا علم ويمشي فيطلبه حافياً حتى اشتهر بهذا الإسم قال مسعر من طلب الحديث فليتقشف وليمش حافياً وصح عن رسول الله أنه قال من أغبرت قدماه في سبييل الله حرمهما الله على النار فرأى بشر أن طالب العلم يمشي في سبيل فأحب تعميم قدميه بالغبار ولم يتزوج بشر قط ولم يعرف النساء قيل له لما لا تتزوج قال لو أظلني زمان عمر وأعطاني كنت أتزوج وقيل له لو تزوجت تم نسكك قال أخاف أن تقوم بحقي ولا أقوم بحقها قال تعالى ( ^ ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ) وكان يعمل المغازل ويعيش منها حتى مات وكان لا يقبل من أحد شيئا عطية أو هدية سوى رجل من أصحابه ربما قبل منه وقال لو علمت أن أحدا يعطي لله لأخذت منه ولكن يعطي بالليل ويتحدث بالنهار وقال لابن أخته عمر يا بني اعمل فإن أثره في الكفين أحسن من أثر السجدة بين العيني وقال ليس شيء من أعمال البر أحب إلي من السخاء ولا أبغض إلي من الضيق وسوء الخلق وسئل أحمد بن حنبل عن مسألة في الورع فقال استغفر الله لا يحل لي أن أتكلم في الورع وأنا آكل من غلة بغداد لو كان بشر صلح أن يجيبك عنه فإنه كان لا يأكل من غلة بغداد ولا من طعام السواد يصلح أن يتكلم في الورع وقال بشر إذا قل عمل العبد ابتلى بالهم وقال ما من أحد خالط لحمه ودمه ومشاشة حب النبيفيرى النار وقال كانوا لا يأكلون تلذذا ولا يلبسون تنعما وهذا طريق الآخرة والأنبياء والصالحين فمن زعم أن الأمر غير هذا فهو مفتون ونظر إلى الفاكهة فقال ترك هذه عبادة ثم التفت إلى سجن باب الشام فقال ما هذا قالوا سجن فقال هذه الشهوات ادخلت هؤلاء هذا المدخل وقال الفكرة في أمر الآخرة تقطع حب الدنيا وتذهب شهواتها وقال من طلب الدنيا فليتها للذل قال جميع ذلك ابن الجوزي في مناقبه وأسند الخطيب عنه أنه قال لو لم يكن في لاقنعة شيء من التمتع بعز الغنى لكان ذلك يجزئ ثم أنشد:
( أفادتني القناعة أي عز * ولا عز أعز من القناعة )
( فخدمنها لنفسك رأس مال * وصير بعدها التقوى بضاعة )
( تحز حالين تغني عن بخيل * وتحظى في الجنان بصبر ساعة )

وأسند الخطيب عن أحمد بن مسكين قال خرجت في طلب بشر من باب حرب فإذا به جالس وحده فأقبلت نحوه فلما رآني مقبلاً خط بيده على الجدار وولى فأتيت موضعه فإذا هو قد خط بيده ( الحمد لله لا شريك له * في صحبه دائماً وفي غله ) فاعتزل الناس يا أخي ولا * تركن إلى من تخاف من دنسه ) قال عبد الله بن الإمام أحمد مات بشر قبل المعتصم بستة أيام وأسند عن أبي حسان الزيادي قال مات بشر.

سنة سبع وعشرين ومائتين

عشية الأربعاء لعشر بقين من ربيع الأول وقد بلغ من السن خمساً وسبعين سنة وحشد الناس لجنازته وكان أبو نصر التمار وعلي بن المديني يصيحان في الجنة هذا والله شرف الدنيا قبل شرف الآخرة وأخرجت جنازته بعد صلاة الصبح ولم يحصل في القبر إلا في الليل وكان نهاراً صائفاً وقال عمر ابن اخته كنت أسمع الجن تنوح على خالي في البيت الذي كان فيه غير مرة وعن القاسم بن منبه قال رأيت بشراً في النوم فقلت ما فعل الله بك قال غفر لي وقال يا بشر قد غفرت لك ولكل من تبع جنازتك قال فقلت يا رب ولكل من أحبني قال ولك من أحبك إلى يوم القيامة انتهى ما أورده الخطيب مختصراً و فهيا أبو عثمان سعيد بن منصور الخراساني الحافظ صاحب السنن روى عن فليح بن سليمان وشريك وطبقتهما وجاور بمكة وبها مات في رمضان وقد روى البخاري عن رجل عنه وكان من الثقات المشهورين وسهل بن بكار البصري روى عن شعبة وجماعة.

  • محمد بن الصباح البغدادي البزاز المزني مولاهم الدولابي أبو جعفر روى عن شريك وطبقته وله سنن صغيرة وهو ثقة روى عنه أحمد والشيخان وغيرهم.
  • أبو الوليد الطيالسي هشام بن عبد الملك الباهلي مولاهم البصري الحافظ أحد أركان الحديث في صفر وله أربع وتسعون سنة سمع عاصم بن محمد العمري وهشام الدستوائي والكبار قال أحمد بن سنان كان أمير المحدثين وقال أبو زرعة كان إماما في زمانه جليلا عند الناس وقال أبو حاتم إمام فقيه عاقل ثقة حافظ ما رأيت في يده كتابا قط ابن وارة ما أراني أدركت مثله.
  • يحيى بن بشير الحريري الكوفي سمع بدمشق من معاوية بن سلام وجماعة وعمر دهرا وهو مجهول وفي ربيع الأول الخليفة المعتصم أبو إسحاق محمد بن هارون الرشيد بن المهدي العباسي وله سبع وأربعون سنة وعهد إليه بالخلافة المأمون وكان أبيض أصهب اللحية طويلها مربوعا مشرق اللون قويا إلى الغاية شجاعا شهما مهيبا وكان كثير اللهو مسرفا على نفسه وهو الذي افتتح عمورية من أرض الروم وكان يقال له المثمن لأنه ولد سنة ثمانين ومائة في ثامن شهر فيها وهو شعبان وتوفي أيضا في ثامن عشر من رمضان وهو ثامن الخلفاء من بني العباس وفتح ثمان فتوح عمورية ومدينة بابك ومدينة البط وقلعة الأحراف و مصر وأذربيجان وأرمينية وديار ربيعة ووقف في خدمة ثمانية ملوك الاقشين ومازيار وبابك وباطس ملك عمورية وعجيف ملك اشيا حيج وصول صاحب أسبيجاب وهاشم ناحور ملك طخارستان وكناسة ملك لاسند فقتل هؤلاء سوى صول وهاشم واستخلف ثمان سنين وثمانية أشهر وثمانية أيام وخلف ثمانية بنين وثماني بنات وخلف من الذهب ثمانية آلاف ألف دينار ومن الدراهم ثمانية عشر ألف ألف درهم ومن الخيل ثمانين ألف فرس ومن الجمال والبغال مثل ذلك ومن المماليك ثمانية آلاف وثمانية آلاف جارية وبنى ثمانية قصور وكان له أنفس سبعية إذا غضب لم يبال من قتل ولا ما فعل وقام بعده ابنه الواثق قال جميع ذلك في العبر ومن عجيب ما اتفق له أنه كان قاعدا في مجلس أنسه والكاس في يده فبلغه أن امرأة شريفة في الأسر عند علج من علوج الروم في عمورية وأنه لطمها على وجهها يوما فصاحب وامعتصماه فقال لها العلج ما يجيء إليك إلا على أبلق فختم المعتصم الكأس وناوله وقال والله ما شربته بعد فك الشريفة من الأسر وقتل العلج ثم نادى في العساكر المحمدية بالرحيل إلى غزو عمورية وأمر العسكر أن لا يخرج أحد منهم إلا على أبلق فخرجوا معه فس سيعين ألف أبلق فلما فتح الله تعالى عليه بفتح عمورية دخلها وهو يقول لبيك لبيك وطلب العلج صاحب الأسيرة الشريفة وضرب عنقه وفك قيود الشريفة وقال للساقي ائتني بكأسي المختوم ففك ختمه وشربه وقال الآن طاب شرب الشارب سامحه الله تعالى وجزاه خيراً.

سنة ثمان وعشرين ومائتين

  • غلا السعر بطريق مكة فبيعت راوية المساء بأربعين درهما وسقطت قطعة من الجبل عند جمرة العقبة فقتلت عدة من الحجاج.
  • توفي داود بن عمرو بن زهير بن عمرو بن جميل الضبي البغدادي سمع نافع بن عمر الجمحي وطائفة وكان صدوقاً صاحب حديث قال ابن ناصر الدين كنيته أبو سليمان حدث عنه أحمد ومسلم وغيرهما وان ثقة مبرزاً على أصحابه وكان أحمد بن حنبل أراد أن يركب داود يأخذ له بركابه انتهى.
  • حماد بن مالك الأشجعي الخراساني شيخ معمر مقبول الرواية روى عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر والأوزاعي.
  • أبو نصر التمار عبد الملك بن عبد العزيز الزاهد ببغداد في أول العام روى عن حماد بن سلمة وطبقته وكان ثقة ثبتا عالما عابدا قانتا ورعا يعد من الأبدال وعبيد الله بن محمد العيشي البصري الأخباري أحد الفصحاء الأجواد روى عن حماد بن سلمة قال يعقوب بن شيبة أنفق ابن عائشة على إخوانه أربعمائة ألف دينار في الله وعن إبراهيم الحربي قال ما رأيت مثل ابن عائشة وقال ابن حراش صدوق وقال ابن الأهدل أمه عائشة بنت طلحة ومن كلامه جزعك في مصيبة صديقك أحسن من صبرك وصبرك في مصيبتك أحسن من جزعك ووقف على قبر ابن له مات فقال:
( إذا ما دعوت الصبر بعدك والبكى * أجاب البكى طوعا ولم يجب الصبر )
( فإن ينقطع منك الرجاء فإنه * سيبقى عليك الحزن ما بقى الدهر )

وعنه قال ما أعرف كلمة بعد كلام الله ورسوله أخصر لفظا ولا أكمل وضعا ولا أعم نفعا من قول علي كرم الله وجهه قيمة كل امرئ ما يحسن ومن قوله أول الفراعنة سنان بن علوان بن عبيد بن عوج بن عمليق وهو صاحب القضية مع سارة وإبراهيم وأخدمها هاجر والثاني صاحب يوسف ريان بن الوليد وهو خيرهم يرجع نسبة إلى عمرو بن عمليق يقال أنه أسلم على يد يوسف والثالث فرعون موسى الوليد بن مصعب بن معاوية وهو أخبثهم يرجع إلى عمرو بن عمليق أيضا والرابع نوفل الذي قتله بخت نصر حين غزا مصر والخامس كان طوله ألفي ذراع وكان قصيراه جسر نيل مصر انتهى ما قاله ابن الأهدل.

  • علي بن عثام بن علي العامري الكوفي نزيل نيسابور سمع مالكا وطبقته وكان حافظا زاهدا فقيها أديبا كبير القدر توفي مرابطا بطرسوس روى مسلم في صحيحه عن رجل عنه.
  • أبو الجهم العلاء بن موسى الباهلي ببغداد وله جزء مشهور من أعلى المرويات روى فيه عن الليث بن سعد وجناعة قال الخطيب صدوق وخرج له الترمذي وقال في المغني العلاء الباهلي الرقي قال البخاري وغيره منكر الحديث فأما العلاء بن هلال البصري فما فيه تجريح انتهى.
  • محمد بن الصلت أبو يعلى الثوري ثم البصري الحافظ سمع الدراوردي وطبقته قال أبو حاتم كان يملي علينا التفسير من حفظه.
  • العتبي الأخباري وهو أبو عبد الرحمن محمد بن عبيد الله بن عمرو الأموي أحد الفصحاء الأدباء من ذرية عتبة بن أبي سفيان بن حرب وكان من أعيان الشعراء بالبصرة سمع أباه وسمع أيضا من سفيان بن عيينة عدة أحاديث والأخبار أغلب عليه قاله في العبر وقال ابن الأهدل روى عنه أبو الفضل الرقاشي وله عدة تصانيف ومن قوله
( رأين الغواني الشيب لاح بعارضي * فأعرضن عني بالخدود النواضر )
( وكن متى أبصرنني أو سمعنني * سعين يرفعن اللنوا بالمحاجر )
( فإن عطفت عني أعنة أعين * نظرن بأحداق المها والجآذر )
( فإني من قوم كرام ثناؤهم * لأقدامهم صيغت رؤوس المنابر )
( خلائف في الإسلام في الشرك قادة * بهم وإليهم فخر كل مفاخر )

وله وقد مات ولد له:

( أضحت بخدي للدموع رسوم * أسفا عليك وفي الفؤاد كلوم )
( والصبر يحمد في المواطن كلها * ألا عليك فإنه مذموم )

انتهى.

  • مسدد بن مسرهد بن مسربل بن مغربل بن مرعبل بن مطربل بن أرندل ابن سرندل بن عرندل بن ماسك بن المستورد الأسدي بالسكون ويقال بالتحريك كان يحي بن معين إذا ذكر نسب مسدد قال هذه رقية عقرب قال ابن الأهدل في شرحه للبخاري نسب مسدد قال هذه رقية عقرب قال ابن الأهدل في شرحه للبخاري نسب مسدد إذا أضيف إليه بسم الله الرحمن الرحيم كانت رقية من العقرب والخمسة الأول بصيغة المفعول والثلاثة الأخيرة أعجمية وكان مسدد أحد الحفاظ الثقات وهو ممن نفرد به البخاري دون مسلم انتهى وقال في العبر مسدد بن مسرهد الحافظ أبو الحسن البصري سمع جويرية بن أسماء وأبا عوانة وخلقا وله مسند في مجلد سمعت بعضه انتهى.
  • نعيم بن حماد أبو عبد الله الفارض الأعور منهم من وثقه والأكثر منهم ضعفه قال في المغني نعيم بن حماد أحد الأئمة وثقه أحمد بن حنبل وغيره وابن معين في رواية وقال في رواية أخرى يشبه له فيروى مالا أصل له وقال النسائي ليس بثقة وقال الدارقطني كثير الوهم وقال أبو حاتم محله الصدق وقال العباس بن مصعب وضع كتيبا في الرد على أبي حنيفة قال الأزدي كان يضع الحديث في تقوية السنة وحكايات مزورة في ثلب أبي حنيفة كلها كذب وكان من أعلم الناس بالفرائض انتهى ملخصا.
  • نعيم بن الهيضم الهروي ببغداد روى عن أبي عوانة وجماعة وهو من ثقات شيوخ البغوي.
  • أبو زكريا يحي بن عبد الحميد الحماني الكوفي الحافظ أحد أركان الحديث قال ابن معين ما كان بالكوفة من يحفظ معه سمع قيس بن الربيع وطبقته وهو ضعيف لكن وثقه ابن معين.

سنة تسع وعشرين ومائتين

  • فيها توفي الإمام أبو محمد خلف بن هشام البزاز شيخ القراء والمحدثين ببغداد سمع من مالك بن أنس وطبقته وله اختيار خالف فيه حمزة في أماكن وكان عابدا صالحا كثير العلم صاحب سنة رحمه اله تعالى وعبد الله بن محمد الحافظ أبو جعفر الجعفي البخاري المسندي لقب بذلك لأنه كان يتبع المسند ويتطلبه رحل وكتب الكثير عن سفيان بن عيينة وطبقته وكان ثبتا روى عنه البخاري وغيره.
  • نعيم بن حماد الخزاعي الفرضي المروزي الحافظ أحد علماء الأثر سمع أبا حمزة السكري وهشيما وطبقتهما وصنف التصانيف ولع غلطات ومناكير مغمورة في كثرة ما روى وامتحن بخلق القرآن فلم يجب وقيد ومات في الحبس رحمه الله تعالى قاله في العبر.
  • يزيد بن صالح الفراء أبو خالد النيسابوري العبد الصالح روى عن إبراهيم بن طهمان وقيس بن الربيع وطائفة وكان ورعا قانتا مجتهدا في العبادة قال في المغني يزيد بن صالح اليشكري النيسابوري الفراء مجهول قلت بل مشهور صدوق انتهى.

سنة ثلاثين ومائتين

  • توفي إبراهيم بن حمزة الزبيري المدني الحافظ روى عن إبراهيم بن سعد وطبقته ولم يلق مالكاً.
  • سيعد بن محمد الجرمي الكوفي روى عن شريك وحاتم بن إسماعيل وطائفة وكان صاحب حديث خرج له الشيخان وأبو داود وغيرهم قال في المغني سعيد بن محمد الجرمي عن حاتم بن إسماعيل وطائفة وكان صاحب حديث خرج له الشيخان وأبو داود وغيرهم قال في المغني سعيد بن محمد الجرمي عن حاتم بن إسماعيل ثقة إلا أنه شيعي ووثقه أبو جاود وخلق انتهى.
  • أمير المشرق أبو العباس عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي وله ثمان وأربعون سنة وكان شجاعاً مهيباً عاقلاً جواد كريماً يقال أنه وقع مرة على قصص بصلات بلغت أربعة آلاف ألف جرهم وقد خلف من الدراهم خاصة أربعين ألف درهم وقد تاب قبل موته وكسر آلات اللهو واستفك أسرى بألفي ألف درهم وتصدق بأموال كثيرة وفيه يقول أبو تمام وقد قصده من العراق من قصيدته المشهورة ( أمطلع الشمس تبغي أن تؤم بنا * فقلت كلا ولكن مطلع الجود ) وفي سفرة أبي تمام هذه ألف كتاب الحماسة فأنه حكم عليه البرد هناك ووقع على خزانة كتب فاختار منها الحماسة.
  • على بن الجعد أبو الحسن الهاشمي مولاهم البغدادي الجوهري الحفاظ محدث بغداد في رجب وله ست وتسعون سنة روى عن شعبة وابن أبي ذئب والكبار فأكثر وكان يحدث من حفظه قال البغوي أخبرت أنه مكث ستسن من الإسناد خر عنه البخاري وغيره وكان ثقة عجباً في حفظه لم يرو عنه مسلم لبدعة وتجهم كان فيه انتهى.
  • على بن محمد بن اسحق أبو الحسن الطنافسي الكوفي الحافظ محدث قزوين وأبو قاضيها الحسين سمع سفيان بن عيينة وطبقته فأكثر وثقة أبو حاتم وقال هو أحب غلي من ابن شيبة في الفضل والصلاح وعون بن سلام الكوفي وله تسعون سنة سمع أبا بكر النهشلي وزهير بن معاوية قال في المغني صدوق وقد لين
  • محمد بن إسماعيل بن أبي سمينة البصري الحافظ المجاهد روى عن معتمر ابن سليمان وطبقته.
  • الإمام الحبر أبو عبد الله محمد بن سعد الحافظ كاتب الواقدي وصاحب الطبقات والتاريخ ببغداد في جمادى الآخرة وله اثنتان وستون سنة روى عن سفيان بن عيينة وهشيم وخلق كثير قال أبو حاتم صدوق قال ابن الأهدل قيل أنه مكث ستين سنة يصوم يوماً ويفطر يوماً.
  • أبو غسان مالك بن عبد الواحد المسمعي البصري المحدث روى عن معتمر بن سلميان وطبقته وفي حدود الثلاثين إبراهيم بن موسى الرازي الفراء الحافظ أبو أسحق أحد أركان العلم رحل وسمع أبا الأحوص وخالد بن عبد الله الواسطي وطبقتهما قال أبو زرعة الحافظ كتبت عنه مائة ألف حديث وهو أتقن من أبي بكر بن أبي شيبة وأصح حديثاً.

سنة إحدى وثلاثين ومائتين

  • ورد كتاب الواثق على أمير البصرة يأمره بامتحان الأمة والمؤذنين بخلق القرآن وكان قد تبع أباه في امتحان الناس.
  • قتل أحمد بن نصر الخزاعي الشهيد كان من أولاد المراء فنشأ في علم وصلاح وكتب عن مالك وجماعة وحمل عن هشيم مصنفاته وما كان يحث ويزري على نفسه قتله الواثق بيده لامتناعه من القول بخلق القرآن ولكونه أغلظ للواثق في الخطاب وقال له يا صبي وكان رأساً في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فقام معه خلق من المطوعة واستفحل أمرهم فخافت الدولة من فتق يتم بذلك قال ابن الأهدل روى أنه صلب فاسود وجهه فتغيرت قلوب الناس ثم ابيض سريعاً فرؤى في النوم فقال لما صلبت رأيت رسول الله فأعرض عني بوجهه فاسود وجهي غضباً مسألته عن سبب أعراضه فقال حياء منك إذ قتلك واحد من أهل بيتي فابيض وجهي انتهى.
  • إبراهيم بن محمد بن عرعرة الشامي البصري أبو اسحق الحافظ ببغداد في رمضان سمع جعفر بن سليمان الضبعي وعبد الوهاب الثقفي وطائفة قال عثمان ابن خرزاذ ما رأيت أحفظ من أربعة فذكر منهم إبراهيم هذا.
  • أمية بن بسطام أبو بكر العيشي البصري أحد الإثبات روى عن ابن عمه يزيد بن زريع وطبقته.
  • عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي البصري أحد الأئمة روى عن عمه جويرية بن أسماء وجماعة قال أحمد الدرقي لم أر بالبصرة أحفظ منه وذكر لعلى ابن المديني فعظمه وقال ابن ناصر الدين كنيته أبو عبد الرحمن وهو حجة ثقة.
  • كامل بن طلحة وله ست وثمانون سنة روى عن مبارك بن فضالة وجماعة قال أبو حاتم لا بأس به وقال في المغني قال أبو داود رميت بكتبه وقال أحمد ما أعلم أحداً يدفعه بحجة وقال ابن معين ليس بشيء وقال أبو حاتم وغيره لا بأس به وقال الدارقطني ثقة انتهى.
  • ابن الأعرابي صاحب اللغة وهو أبو عبد الله محمد بن زياد توفي بسامرا وله ثمانون سنة وكان إليه المنتهى في معرفة لسان العرب قال ابن الأهدل هو مولى بني العباس أخذ عنه أبي معاوية الضرير والكسائي وأخذ عنه الحربي وثعلب وابن السكيت واستدرك على من قبله وله بضعة عشر مصنفاً منها كتاب النوادر وكتاب الخيل وكتاب تفسير الأمثال وكتاب معاني الشعر وكان يحضر مجلسه مائة مستفيد انتهى.
  • محمد بن سلام الجمحي البصري الأخباري الحافظ أبو عبد الله روى عن حماد بن سلمة وجماعة وصنف كتبا منها الشعراء وكان صدوقا.
  • أبو جعفر محمد بن المنهال البصري الضرير الحافظ روى عن أبي عوانة ويزيد بن زريع وجماعة وكان أبو يعلى الموصلي يفخم أمره ويقول كان أحفظ من بالبصرة وأثبتهم في وقته وهو من الثقات قال في العبر قلت ومات قبله ييسير أو بعده محمد بن المنهال العطار أخو حجاج بن منهال روى عن يزيد بن زريع وجماعة وكان صدوقا روى عن أبي يعلى الموصلي انتهى.
  • منجاب بن الحارث الكوفي روى عن شريك وأقرانه.
  • أبو علي هارون بن معرف الضرير ببغداد روى عن عبد العزيز الداوردي وطبقته وكان من حفاظ الوقت صاحب سنة.
  • الحافظ أبو زكريا يحي بن عبد الله بن بكير المخزومي مولاهم المصري في صفر سمع مالكا والليث وخلقا كثيرا وصنف التصانيف وسمع الموطأ من مالك سبع عشرة مرة قال ابن ناصر الدين هو صاحب مالك والليث ثقة وإن كان أبو حاتم والنسائي تكلما فقد احتج البخاري ومسلم في صحيحهما بما يرويه انتهى.
  • العلامة أبو يعقوب يوسف بن يحي البويطي الفقيه صاحب الشافعي ببغداد في السجن والقيد ممتحنا وكان عابدا مجتهدا دائم الذكر كبير القدر قال الشافعي ليس في أصحابي أعلم من البويطي وقال أحمد العجلي ثقة صاحب سنة وسمع أيضا من ابن وهب وقال الأسنوي في طبقاته كان ابن أبي الليث الحنفي يحشده فسعى به إلى الواثق بالله أيام المحنة بالقول بخلق القرآن فأمر بحمله إلى بغداد مع جماعة من العلماء فحمل إليها على بغل مغلولا مقيدا مسلسلا في أربعين رطلا من حديد وأريد منه القول بذلك فامتنع فحس ببغداد على تلك الحالة إلى أن مات يوم الجمعة قبل الصلاة وكان في كل جمعة يغسل ثيابه ويتنظف ويغتسل ويتطيب ثم يمشي إذا سمع النداء إلى باب السجن فيقول له السجان ارجع رحمك الله فيقول البويطي اللهم إني أجبت داعيك فمنعوني انتهى ملخصا.
  • أبو تمام حبيب بن أوس الحوراني مقدم شعراء العصر توفي في آخر السنة كهلا سئل الشريف الرضي عن أبي تمام والبحتري والمتنبي فقال أما أبو تمام فخطيب منبر وأما البحتري فواصف جؤذر وأما المتنبي فقائد عسكر وقال أبو الفتح بن الأثير في كتاب المثل السائر يصف الثلاثة وهؤلاء الثلاثة هم لات الشعر وعزاه ومناته الذين ظهرت على أيديهم حسناته ومستحسناته وقد حوت أشعارهم غرابة المحدثين وفصاحة القدماء وجمعت بين الأمثال السائرة وكلمة الحكماء أما أبو تمام فرب معان وصيقل ألباب وأذهان وقد شهد له بكل معنى مبتكر لم يمش فيه على أثر فهو غير مدافع عن مقام الأغراب الذي يبرز فيه على الأضراب ولقد مارست من الشعر كل أول وأخير ولم أقل ما أقول فيه إلا عن تنقيب وتنقير فمن حفظ شعر الرجل وكشف عن غامضه وراض فكره برائضه أطاعته أعنة الكلام وكان قوله في البلاغة ما قالت حزام فخذ مني في ذلك قول حكيم وتعلم ففوق كل ذي علم عليم وأما البحتري فإنه أحسن في سبك اللفظ على المعنى وأراد أن يشعر فغنى ولقد حا طرفي الرقة والجزالة على الاطلاق فبينا يكون في شظف نجد حتى يتشبب بريف العراق وسئل أبو الطيب عنه وعن أبي تمام وعن نفسه فقال أنا وأبو تمام حكيمان والشاعر البحتري قال ولعمري لقد أنصف في حكمه وأعرب بقوله هذا عن متانة علمه فإن أبا عبادة أتى في شعره بالمعنى المقدود من الصخرة الصماء في اللفظ المصوغ من سلاسة الماء فأدرك بعد المرام مع قربه من الإفهام وما أقول إلا أنه في معانيه بأخلاط الغالية ورقى في ديباجة لفظه إلى الدرجة العالية وأما أبو الطيب المتنبي فأراد أن يسلك مسلك أبي تمام فقصرت عنه خطاه ولم يعطه الشعر ما أعطاه لكنه حظى في شعره بالحكم والمثال واختص بالإبداع في وصف مواقف القتال قال وأنا أقول قولا لست فيه متأثما ولا منه متلثماً و ذلك أنه إذا خاض في وصف معركة كان لسانه أمضى من نصالها وأشجع من أبطالها وقامت أقواله لسامع مقام أفعالها حتى تظن الفريقين فيه تقابلاً والسلاحين فيه تواصلاً وطريقه في ذلك يضل بسالكه ويقوم بعذر تاركه ولا شك أنه كان شهد الحروب معسيف لادولة بن حمدان فيصف لسانه ومأداه إليه عيانه ومع هذا فأني رأيت الناس عادلين فيه عن سنن التوسط فأما مفرط فيه وأما مفرط وهو وأن انفرد في طريق وصار أبا عذره فأن سعادة الرجل كانت أكبر من شعره وعلى الحقيقة و فأنه كان خاتم الشعراء ومهما وصف به فهو فوق الوصف وفرق الإطراء ولقد صدق في قوله من أبيات يمدح به السيف الدولة
( لا تطلبن كريماً بعد رؤيته * أن الكرام بأسخاهم يداً ختموا )
( ولا تبال بعشر بعد شاعره * قد أفسد القول حتى أحمد الصمم )

انتهى ما قاله ابن الأثير وقال ابن الأهدل ألف أبو تمام كتاب الحماسة وكتاب فحول الشعراء جمع فيه بين الجاهلين والمخضرمين والإسلاميين وكتاب الإختايارات وجاب البلاد ومدح الخلفاء وغيرهم وكان قصد البصرة في جماعة من اتباعه وبه شاعرها عبد الصمد بن المعدل فخاف عبد الصمد أن يميل الناس إليه فكتب غليه قبل قدومه

( أنت بين اثنتين تبرز للنا * س وكلتاهما بوجه مذال )
( أي ماء يبقى بوجهك هذا * بين ذل الهوى وذل السؤال ) فلما وقف عليه رجع وكتب على ظهر ورقته:
( أفى تنظم قول الزور والفند * وأنت أنقص من لاشيء في العدد )
( أسرجت قلبك من غيظ علىحنق * كأنها حركات الروح في الجسد )
( أقدمت ويحك من هجوي على خطر * كالعير يقدم من خوف على الأسد )

قيل أن العير إذا شم رائحة الأسد وثب عليه فزعا ومدح أبو تمام الخليفة بحضرة أبي يوسف الفيلسوف الكندي فقال:

( إقدام عمر في سماحة حاتم * في حلم أحنف في ذكاء إياس )

فقال له الفيلسوف أتشبه الخليفة بأجلاف العرب فقال نور الله سبحانه شبه بمصباح في مشكاة للتقريب فقال للخليفة أعطه ما سأل فإنه لا يعيش أكثر من أربعين يوما لأنه قد ظهر في عينيه الدم من شدة الفكر وقيل قال إنه يموت قريبا أو شابا فقيل له وكيف ذلك فقال رأيت فيه من الذكاء والفطنة ما علمت أن النفس الروحانية تأكل جسمه كما يأل السيف المهند غمده فقال له الخليفة ما تشتهي قال الموصل فأعطاه إياها فمات سريعا وقد نيف على الثلاثين وبنى عليه أبو نهشل بن حميد قبة ورثاه جماعة منهم أبو نهشل بن حميد الذي ولاه الموصل فقال

( فجع القريض بخاتم الشعراء * وغدير روضتها حبيب الطائي )
( ماتا معا فتجاورا في حفرة * وكذاك كانا قبل في الأحياء )

ورثاه محمد بن عبد الملك الزيات وزير المعتصم فقال:

( نبأ أتى من أعظم الأنباء * لما ألم مقلقل الأحشاء )
( قالوا حبيب قد ثوى فأجبتهم * ناشدتكم لا تجعلوه الطائي )

انتهى ما قاله ابن الأهدل قلت ومن شعر أبي تمام هذه الأبيات الثلاثة وتطلب المناسبة بينهما وهي:

( لولا العيون وتفاح النهود إذا * ما كان يحسد أعمى من له بصر )
( قالوا أتبكي على رسم فقلت لهم * من فاته العين يذكي شوقه الأثر )
( إن الكرام كثير في البلاد وإن * قلوا كما غيرهم قل وإن كثروا )

سنة اثنتين وثلاثين ومائتين

  • فيها توفي الحكم بن موسى أبو صالح القنطري البغدادي الحافظ أحد العباد في شوال سمع إسماعيل بن عياش وطبقته.
  • عبد الله بن عون الخزاز الزاهد أبو محمد البغدادي المحدث وكان يقال أنه من الأبدال وروى عن مالك وطبقته توفي في رمضان قال السخاوي في طبقاته عبد الله الخزاز من كبار مشايخ الري ومن كبار فتيانهم قال عبد الله بن عبد الوهاب كان عبد الله الخزاز إذا دخل مكة يقول المجاورون طلعت شمس الحرم وقال الجنيد لا يأتينا م هذه الناحية مثل عبد الله الخزاز وقال يوسف بن لاحسين لم أر مثل عبد الله الخزاز ولا أرى عبد الله مثل نفسه انتهى.
  • عمرو بن محمد الناقد الحافظ أبو عثمان البغدادي نزيل الرقة وفقيها ومحدثها سمع هشيما وطبقته توفي في ذي الحجة ببغداد.
  • ابو يحي هارون بن عبد الله الزهري العوفي المكي المالكي الإمام القاضي نزيل بغداد تفقه بأصحاب مالك قال أبو إسحاق الشيرازي هو أعلم من صنف الكتب في مختلف قول مالك وقال الخطيب أنه سمع من مالك وأنه ولي قضاء العسكر ثم قضاء مصر.
  • يوسف بن عدي الكوفي نزيل مصر أخو زكريا بن عدي حدث عن مالك وشريك وكان محدثا تاجرا وفي ذي الحجة توفي الواثق بالله أبو جعفر وقيل أبو القاسم هارون بن المعتصم محمد بن الرشيد بن المهدي العباسي عن بضع وثلاثين سنة وكانت أيامه خمس سنين وأشهرا ولي بعهد من أبيه وكان أديبا شاعرا أبيض تعلوه صفرة حسن اللحية في عينيه نكتة دخل في القول بخلق القرآن وامتحن الناس وقوي عزمه ابن أبي داود القاضي ولما احتضر ألصق خده بالأرض وجعل يقول يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه واستخلف بعده أخوه المتوكل فأظهر السنة ورفع المحنة وأمر بنشر أحاديث الرؤية الصفات قاله في العبر قال ابن الجوزي في الشذور وسلم على المتوكل بالخلافة ثمانية كلهم أولاد خليفة المنتصر ابنه ومحمد بن الواثق وأحمد بن المعتصم وموسى بن المأمون وعبد الله بن الأمين وأبو أحمد بن الرشيد والعباس بن الهادي ومنصور بن المهدي وكانت عدة كل نوبة من نوب الفراشين في دار المتوكل أربعة آلاف فراش انتهى قال ابن الفرات كان الواثق مشغوفاً بحب الجواري واتخاذ السراري والتمتع بالنكحة روى أنه كان يحب جارية حملت إليه من مصر هدية فغضبت يوماً من شىء جرى بينه وبينها فجلست مع صاحبات لها فقالت لهن لقد هجرته منذ أمس وهو يروم أن أكلمه فلم أفعل فخرج من مرقده على غفلة فسمع هذا القول منها فأنشأ يقول:
( ياذا الذي بعذابي ظل مفتخراً * هل أنت ألا مليك جار إذ قدرا )
(لولا الهوى لتجارينا على قدر * وان أفق منه يوماً ما فسوف ترى )

فاصطلحا ولحنته وجعلت تغنيه به بقية يومه ذلك وقيل كان مع جارية فظنها نامت فقام إلى أخرى فشعرت به التي كان معها فقامت مغضبة فبعث إلى الخليع نامت فقام إلى أخرى فشعرت به التي كان معها فقامت مغضبة فبعث إلى الخليع البصري وأبره بقصته فقال:

( غضبت إذ زرت أخرى خلسة * فلها العتبي لدينا والرضا )
( يافدتك النفس كانت هفوة * فاغفريها واصفحى عما مضى )
( واتركى العذل على من قاله * وانسبي جورى إلى حكم القضا )
( فلقد نبهتني من رقدتي * وعلى قلبي كيزان الفضا )

فاصطلحا وأجازه وكان الواثق شديد الإعتزال وقام في أيام المحنة بخلق القرآن القيام الكلى وشدد على الناس في ذلك وكان شبب موته أن طبيه ميخائيل عبر عليه ذات يوم فقال له يا ميخائيل ابغ لي دواء للباه فقال يا أمير المؤمنين خف الله في نفسك النكاح يهد البدن فقال لا بد من ذلك فقال إذا كان ولا بد فعليك بلحم لا سبع اغله بالخل سبع غليات وخذ منه ثلاثة دراهم على الشراب وإياك أن تكثر منه تقع في الإستقساء ففعل الواثق ذلك وأخذ منه فأكثر لمحبته في الجماع فاستسقى بطنه فأجمع الأطباء أن لا دواء له إلا أن يسجر له تنور بحطب الزيتون وإذا ملىء جمراً نحى ما في جوفه وألقى فيه على ظهره ويجعل تحته وفوقه الأشياء الرطبة ويودع فيه ثلاث ساعات وإذا طلب ماء لم يسق فأن سقى كان تلفه فيه فأمر الواثق فصنع به كذلك وأخرج من التنور وهو في رأي العين أنه أحترق فلما أصاب جسمه روح الهواء اشتد عليه فجعل يخور كما يخور الثور ويصيح وردوني إلى التنور فاجتمعت جواريه ووزيره محمد بن الزيات فردوه إلى التنور فلما ردوه غليه سكن صياحه وأخرج ميتاً وقد عدت ميتته هذه من فضائل الإمام أحمد بن حنبل رشي الله عنه فأن المعتصم لم امتحنه للمقالة بخلق القرآن كان الواثق يقول له لم لا تقول بمقالة أمير المؤمنين قال لأنها باطلة قال لئن كان ما تقوله أنت حقاً أحرقني الله بالنار فما مات حتى رحق بالنار انتهى ما قاله ابن الفرات ملخصاً.

سنة ثلاث وثلاثين ومائتين

كما قاله ابن الجوزي في الشذور: رجفت دمشق رجفة شديدة من ارتفاع الضحى أي إلى ثلاث ساعات، كما قاله في العبر فانتقضت منها البيوت زالت الحجارة العظيمة وسقطت عدة طاقات من الأسواق على من فيها فقتلت خلقاً كثيراً وسقط بعض شرفات الجامع وانقطع ربع منارته وانكفأت قرية من عمل الغوطة على أهلها فلم ينج منهم إلا رجل واحد واشتدت الزلازل على أنطاكية والموصل ووقع أكثر من ألفي دار على أهلها فقتلهم ومات من أهلها عشرون ألفاً وفقد من بستان أكثر من مائتي نخلة من أصولها فلم يبق لها أثر. انتهى.

( يا طول ساعات ليل العاشق الدنف * وطول رعيته لنلجم في السدف )
( ماذا توارى ثيابي من أخي حرق * كأنما الجسم منه دقة الألف )
( ما قال يا أسفي يعقوب من كمد * إلا لطول الذي لاقى من الأسف )
( من سره أن يرى ميت الهوى دنفاً * فليستدل على الزيات وليقف )
  • وفيها يحيى بن أيوب المقابري أبو زكريا البغدادي العباد أحد أئمة الحديث والسنة روى عن إسماعيل بن جعفر وطبقته توفي في ربيع الأول وله ست وسبعون سنة.
  • وفيها الإمام أبو زكريا يحيى بن معين البغدادي الحافظ أحد الأعلام وحجة الإسلام في ذي القعدة بمدينة النبي متوجها إلى الحج وغسل على الأعواد التي غسل عليها النبي وعاش خمساً وسبعين سنة سمع هشيماً ويحيى بن أبي زائدة وخلائق وحدث عنه الإمام أحمد والشيخان وجاء عنه أنه قال كتبت بيدي هذه ستمائة ألف حديث يعني لمكرر وقال أحمد بن حنبل: "كل حديث لا يعرفه يحيى ابن معين فليس حديث". وقال ابن المدني: "انتهى علم الناس إلى يحيى بن معين". قال في العبر حديثه في الكتب الستة. وقال ابن الأهدل: "كان بينه وبينه أحمد مودة واشتراك في طلب الحديث ورجاله". وقيل لما خرج من المدينة إلى مكة سمع هاتفاً في النوم يقول يا أبي زكريا أترغب عن جواري فرجع وأقام بالمدينة ثلاثاً ومات رحمه الله وكان ينشد:
( المسأل يذهب حله وحرامه * طوعاً وتبقى في غد آثامه )
( ليس التقي بمتقٍ لإلهه * حتى يطيب شرابه وطعامه )
( ويطيب ما تحوى وتكسب كفه * ويكون فيحسن الحديث كلامه )
( نطق النبي لنا به عن ربه * فعلى النبي صلاته وسلامه )

سنة أربع وثلاثين ومائتين

قال في الشذور هبت ريح شديدة لم يعهد مثلها فاتصلت نيفاً وخمسين يوماً وشملت بغداد والبصرة والكوفة وواسط وعبدان والأهواز ثم إلى همذان فأحرقت الزرع ثم ذهبت إلى الموصل فمنعت الناس من الإنتشار وعطلت الأسواق وزلزلت هراة حتى سقطت الدور انتهى وفيها توفي أحمد بن حرب النيسابوري الزاهد الذي قال فيه يحيى بن حيى أن لم يكن من الأبدال فلا أدري من هم رحل وسمع من ابن عيينة وجماعة وكان صاحب غزو وجهاد ومواعظ ومصنفات في العلم وخرج له النسائي قال في المغني عن ابن عيينة له مناكير قال أبو حاتم وكان صدوقاً انتهى وفيها الأمير ايتاخ التركي مقدم الجيوش وكبير الدولة خافه المتوكل وعمل عليه بكل حيلة حتى قبض له نائبه على بغداد اسحق بن إبراهيم وأميت عطشاً وأخذ له المتوكل من الذهب ألف ألف دينار وفيها الإمام أبو خيثمة زهير بن حرب الشيباني الحافظ ببغداد في شعبان وله أربع وسبعون سنة رحل وكتب الكثير عن هشيم وطبقته وصنف وهو والد صاحب التاريخ أحمد بن أبي خيثمة قال ابن ناصر الدين زهير بن حرب بن شداد الحرثي مولاهم النسائي أبو حيثمة ثقة انتهى وفيها أبو أيوب سليمان بن داود الشاذ كوني البصري الحافظ الذي قال فيه صالح بن محمد ما رأيت أحفظ منه سمع حماد بن زيد وطبقته وكان آية فيك ثرة الحديث وحفظه ينظر بعلى بن المديني ولكنه متروك الحديث قاله في العبر وقال ابن ناصر الدين سلميان بن داود الشاذ كوني النقري أبو أيوب كان من كبار الحفاظ لكنه أتهم بالكذب وقال البخاري فيه نظر وقال ابن عدي سألت عبدان عنه فقال معاذ الله أن يتهم إنما كان قد ذهبت كتبه وكان يحدث حفظاً انتهى وفيها أبو جعفر النفيلي الحافظ أحد العلام عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل الحراني في ربيع الآخر عن سن عالية روى عن زهير بن معاوية والكبار قال أبو داود لم أر أحفظ منه قال وكان الشاذ كوني لا يقر لأحد بالحفظ إلا للنفيلي وقال أبو حاتم ثقة مأمون وقال محمد بن عبد الله بن نمير كان النفيلي رابع أربعة وكيع وابن المهدي وأبو نعيم وهو وفيها أبو الحسن بن بحر بن بري القطان البغدادي الحافظ بناحية الأهواز كتب الكثير عن عبد العزيز الداوردي وطبقته وقال ابن ناصر الدين هو على ابن بحر بن بري الفارسي البغدادي روى عنه أحمد وغيره ووثق انتهى وفيها علي بن المديني وهو الإمام أحد الأعلام أبو الحسن علي بن عبد الله ابن جعفر بن نجيح السعدي مولاهم البصري الحافظ صاحب التصانيف سمع من حماد بن زيد وعبد الوارث وطبقتهما قال البخاري ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند ابن المديني وقال أبو داود ابن المديني أعلم باختلاف الحديث من أحمد ابن حنبل وقال عبد الرحمن بن مهدي علي بن المديني أعلم الناس بحديث رسول الله بحديث سفيان بن عيينة توفي في ذي القعدة وله ثلاث وسبعون سنة وفيها محمد بن عبد الله بن نمير الحافظ أبو عبد الرحمن الهمذاني الكوفي أحد الأئمة في شعبان سمع أباه وسفيان بن عيينة وخلقا قال أبو إسماعيل الترمذي كان أحمد بن حنبل يعظم محمد بن عبد الله بن نمير تعظيما عجيبا وقال علي بن الحسين ابن الجنيد الحافظ ما رأيت بالكوفة مثله قد جمع العلم والسنة والزهد وكان فقيرا يلبس في الشتاء لبادةوقال ابن صالح المصري ما رأيت بالعراق مثله ومثل أحمد ابن حنبل جامعينلم أر مثلهما في لاعراق وفيها محمد بن بكير بن علي بن عطاء بن مقدم بن عطاء بن مقدم مولى ثقيف الحافظ أبو عبد الله المقدمي البصري توفي في أول السنة روى عن حماد بن زيد وطبقته وفيها المعافي بن سليمان الرسعني محدث رأس العين روى عن فليح بن سليمان وزهير بن معاوية وكان صدوقا وفيها شيخ الأندلس يحي بن يحي بن كثير الفقيه أبو محمد الليثي مولاهم الأندلسي في رجب وله اثنتان وثمانون سنة روى الموطأ عن مالك سوى فوت من الاعتكاف وانتهت وانتهت إليه رياسة الفتوى رياسة الفتوى ببلده وخرج له عدة أصحاب وبه انتشر مذهب مالك بناحيته وكان إماما كثير العلم كبير القدر وافر الحرمة كامل العقل خير النفس كثير العبادة والفضل كان يوما عند مالك فقدم فيل وخرج الناس ينظرون إليه ولم يخرج فقال له مالك لم لا تخرج تنظره فإنه ليس ببلدك فيل فقال إنما جئت من بلدي لأنظر إليك وأتعلم هديك وعلمك فقال له هل أنت عاقل الأندلس رحمه الله تعالى.

سنة خمس وثلاثين ومائتين

  • فيها كما قاله في الشذور أمر المتوكل بأخذ أهل الذمة بلبس الطيالس العسلية والزنانير وترك ركوب السروج ونهى أن يستعان بهم في الدواوين وأن يتعلم أولادهم في كتاتيب المسلمين ولا يعلمهم مسلم وفي ذي الحجة تغير ماء دجلة إلى الصفرة فبقي ثلاثة أيام ففزع الناس لذلك ثم صار في لون الورد انتهى وفيها توفي إسحاق بن إبراهيم الموصلي النديم أبو محمد كان رأسا في صناعة الطرب والموسيقا أديبا عالما أخباريا شاعرا محسنا كثير لافضائل سمع من مالك وهشيم وجماعة وعاش خمسا وثمانين سنة وكان نافق السوق عند الخلفاء إلى الغاية يعد من الأجواد وثقه إبراهيم الحربي قاله في العبر وقال ابن الأهدل كان المأمون يقول لولا ما سبق لإسحاق من الشهرة بالغناء لوليته القضاء فإنه أولى وأعف وأصدق وأكثر دينا وأمانة من هؤلاء القضاة لكن طعن فيه الخطابي كما نقله النواوي عنه وقال إنه معروف بالسخف والخلاعة وأنه لما وضع كتابه في الأغاني وأمعن في تلك الأباطيل لم يرض بما تزود من إثمها حتى صدر كتابه بذم أصحاب الحديث وزعم أنهم يروون مالا يدرون انتهى وقال ابن الفرات كان إسحاق رحمه الله من العلماء باللغة والفقه والكلام والأشعار وأخبار الشعراء وأيام الناس وكان كثير الكتب حتى قال ثعلب رأيت لإسحاق الموصلي ألف جزء من لغات العرب كلها سماعه وما رايت اللغة في منزل أحد أكثر منها في منزل إسحاق ثم منزل ابن الأعرابي وهو صاحب كتاب الأغاني الذي يروي عنه ابنه حماد وقد روى عنه أيضا الزبير بن بكار ومصعب بن عبيد الزبيري وأبو العيناء وميمون ابن هارون وغيرهم وقال أبو عون بن محمد الكلبي حدثنا محمد بن عطية العطوي الشاعر أنه كان عند يحي بن أكثم في مجلس له يجتمع الناس فيه فرآني إسحاق بن إبراهيم فأخذ يناظر أهل الكلام حتى انتصف منهم ثم تكلم في الفقه فأحسن وقاس واحتج وتكلم في الشعر واللغة ففاق من حضر فأقبل على يحي وقال أعز الله القاضي أفي شيء مما ناظرت فيه وحكيته نقص أو مطعن قال لا وكان إسحاق قد عمي قبل وفاه بسنتين حدث أبو عبد الله النديم قال لقيت إسحاق بن إبراهيم الموصلي بعد ما كف بصره فسألني عن أخبار الناس والسلطان فأخبرته ومن أخباره ما روى عنه أنه قال أخبرني رجل من بني تميم أنه خرج في طلب ناقة له قال فوردت على ماء من مياه طي فإذا خبا آن أحدهما قريب من الآخر وإذا في أحد الخباءين شاب كأنه الشن البالي فدنوت منه فرأيت من حاله ما رثيت له فسألته عن خبره فأعلمني أنه عاشق لابنة عم له وقد كان يأتيها فيتحدث مها وقد منع من لقياها فنحل لذلك جسمه وطال همه وأنشأ يقول:
( ألا ما للحليلة لا تعود * أبخل بالحليلة أم صدود )
( مرضت فعادني أهلي جميعا * فمالك لم أر فيمن يعود )
( وما استبطأت غيرك فاعلميه * وحولي من بني عمي عديد )
( فلو كنت السقيمة جئت أسعى * إليك ولم ينهنهني الوعيد )

قال فسمعت كلامه الذي عناها به فخرجت من ذلك الخباء كالبدر ليلة تمه وهي تقول:

( وعاق لأن أزورك ياخليلي * معاشر كلهم واش حسود )
( اشاعوا ما علمت من الدواهي * وعابونا وما فيهم رشيد )
( فلا يا حب ما طابت حياتي * وأنت تمرض فرد وحيد )

فتبادر النساء إليها وتعلقن بها وأحسن بها فوثب إلها فتبادر الرجال تحوه فتحلقوا به فجعلت تجذب نفسها والشاب يجذب نفسه حتى تخلصا فالتقيا واعتنقا ثم شهقا شهقة واحدة وخرا من قامتيهما متعانقين ميتين فخرج شيخ من تلك الأخبية فوقف عليهما وقال رحمكما الله أما والله لئن لم أجمع بينكما في حياتكما لأجمعن بينكما بعد وفاتكما ثم أمر بهما فغسلا وكفنا في كفن واحد وحفر لهما قبرا واحدا ودفنهما فيه فسألته عنهما فقال ابنتي وابن أخي بلغ بهما الحب إلى ما رأيت ففارقته وانصرفت ومن شعر إسحاق النديم رحمه الله ما كتبه إلى هارون الرشيد رحمه الله من أبيات:

( أرى الناس خلان الجواد ولا أرى * بخيلا له في العالمين خليل )
( وإني رأيت الخل يزري بأهله * فأكرمت نفسي أن يقال بخيل )
( ومن خير حالات الفتى لو علمته * إذا نال شيئا أن يكون ينيل )
( عطائي عطاء المكثرين تكرما * ومالي كما قد تعلمين قليل )
( وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى * ورأي أمير المؤمنين جميلا )

وفيها الأمير إسحاق بن إبراهم بن مصعب الخزاعي ابن عم طاهر بن الحسين ولي بغداد أكثر من عشرين سنة وكان يسمى صاحب الجسر وكان صارما سايسا حازما وهو الذ يطلب العلماء ويمتحنهم بأمر المأمون مات في آخر السنة وفيها سريج بن يونس البغدادي أبو الحرث الجمال العابد أحد أئمة أصحاب الحديث سمع إسماعيل بن جعفر وطبقته وهو الذي رأى رب العزة في المنام وهو جد أبي العباس بن سريج وفيها شيبان بن فروخ الأيلي وهو من كبار الشيوخ وثقلتهم روى عن جرير ابن حازم وطبقته قال عبدان كان عنده خمسون ألف حديث وفيها أبو بكر بن أبي شيبة وهو الإمام أحد الأعلام عبد الله بن محمد بن أبي شبية إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي صاحب التصانيف الكبار توفي في المحرم وله بضع وسبعون سنة سمع من شريك فمن بعده قال أبو زرعة ما رأيت أحفظ منه وقال أبو عبيد انتهى علم الحديث إلى أربعة أبي بكر بن أبي شيبة وهو أسردهم له وابن معين وهو أجمعهم له وابن المديني وهو أعلمهم به وأحمد بن حنبل وهو أفهم فيه وقال صالح جزرة أحفظ من رأيت عند المذاكرة أبو بكر بن أبي شيبة وقال نفطويه لما قدم أبو بكر بن أبي شيبة بغداد في أيام المتوكل حزروا مجلسه بثلاثين ألفاً قال ابن ناصر الدين كان ثقة عديم النظير وهرج له الشيخان وفيها عبد الله بن عمر القواريري البصري الحافظ أبو سعيد ببغداد في ذي الحجة و روى عن حماد بن زيد وطبقته فأكثر وقال صالح جزرة هو أعلم من رأيت بحديث أهل البصرة وقال ابن ناصر الدين هو عبيد الله بن عمر بن ميسرة ثقة وفيها وقيل سنة ست وعشرين أبو الهذيل العلاف محمد بن هذيل بن عبيد الله البصري شيخ المعتزلة ورأس البدعة وله نحو من مائة سنة قاله في العبر وكان يقول بفناء أهل النار.

سنة ست وثلاثين ومائتين

  • قال في الشذور فيها حجت سجاع أم المتوكل فشيعها المتوكل إلى النجف فلما صارت إلى الكوفة أمرت لكل رجل من الطالبيين والعباسيين بألف درهم ولابناء المهاجرين بخمسائة درهم وأمرت لكل امرأة من الهاشميات بخسمائة درهم.
  • وفيها أمر التوكل بهدم قبر الحسين بن علي وكن كثير البعض في على بن أبي طالب رضي الله عنه ولكنه منع من القول بخلق القرآن انتهى وفيها توفي إبراهيم بن المنذر الحزامي المدني الحافظ أبو إسحق محدث المدينة روى عن ابن عيينة والوليد بن مسلم وطبقتهما فأكثر وفيها أوفى التي قبلها وجزم به ابن ناصر الدين السمين محمد بن حاتم بن ميمون المروزي ثم البغدادي القطيعي أبو عبد الله وله كتاب تفسير القرآن وكان إماماً حافظاً من الموقين وثقة ابن عدي والدارقطني ولينه يحيى بن معين وخرج له مسلم وأبو داود وفيها أبو معمر القطيعي إسماعيل بن إبراهيم ببغداد روى عن شريك وطبقته وكان ثقة صاحب حديث وسنة وفيها وزير المأمون وحموه أبو محمد الحسن بن سهل وله سبعون سنة وكان سمحاً إلى الغاية جواداً ممدحاً يقال أنه أنفق على عرس بنته بوران على المأمون أربعة آلاف ألف دينار قال ابن الأهدل الحسن بن سهل السرخسي وسرخس مدينة من خراسان وكان موته لغلبه المرة السوداء لشدة حزنه على أخيه الفضل حين قتل معافصة في الحمام وكان عالي الهمة ممدحاً ودام في الوزارة كأخيه مدة طويلة وفيهما قال الشعر:
( تقول حليلتي لما رأتني * أشد مطيتي من بعد حل )
( أبعد الفضل ترتحل المطايا * فقلت نعم غلى الحسن بن سهل )

انتهى.

  • وفيها مصعب بن عبد الله بن مصعب الحافظ أبو عبد الله الأسدي الزبيري المدني النسابة الإخباري سمع مالكاً وطائفة قال الزبير كان عمى مصعب وجه قريش مروءة علماً وشرفاً وبياناً وقدراً وجاهاً وكان نسابة قريش عاش ثمانين سنة وكان ثقة وفيها هدبة بن خالد القيسي البصري أبو خالد سمع حماد بن سلمة ومبارك ابن فضالة والكبار فأكثر قال عبدان الأهوازي كما لا نصلى خلف هدبة مما يطول كان يبح في الركوع والسجود نيفاً وثلاثين تسبيحة وكان من أشبه خلق الله بهشام بن عمار لحيته ووجهه وكل شيء منه حتى صلاته.

سنة سبع وثلاثين ومائتين

  • وفيها على ما قاله في الشذور تم جامع سر من رأى فبلغت النفقة عليه ثملثمائة ألف وثمانية آلاف ومائتين واثني عشر دينار انتهى وفيها وثبت بطارقة أرمينية على متوليها يوسف بن محمد فقتلوه فجهز المتوكل لحربهم بغا الكبير فالتقوا عند دييل فكسرهم بغاو قتل منهم زهاء ثلاثين ألفاً وسبى وغنم ونزل بناحية تفليس وفيها غضب المتوكل على أحمد بن أبي جاود القاضي وآله وصادرهم وأخذ منهم ستة عشر ألف ألف درهم وفيها توفي حاتم الأصم أبو بعد الرحمن الزاهد صاحب المواعظ والحكم بخراسان وكان يقال له لقمان هذه الأمة قال أبو عبد الرحمن السلمي في طبقاته حاتم الأصم البلخي وهو حاتم بن عنوان ويقال حاتم بن يوسف كنيته أبو عبد الرحمن وهو من قدماء مشيخ خراسان ومن أهل بلخ صحب شقيق بن إبراهيم وكان استاذ أحمد بن حضرويه وهو مولى للمثنى بن يحيى البخاري ابن يقال له خشنام بن حاتم مات عند رباط يقال له راس سرود على جبل فوق واشجرد قال حاتم من دخل في مذهبنا هذا فليجعل على نفسه أٍبع خصال من الموت موت ابيض وموت اسود وموت أحمر وموت أخضر فالموت الأبيض الأخضر طرح الرقاع بعضها على بعض وقال أصب وهو مستقيم في أربعة أشياء فهو يتقلب في رضا الله أولها الثقة بالله ثم التوكل ثم الإخلاص ثم المعرفة والأشياء كلها تتم بالمعرفة وقال الوثق برزقة هو أن لا يفرح بالغنى ولا يغتم بالفقر ولا يبالي أصبح في عسر أو يسر وقال يعرف الإخلاص بالاستقامة والاستقامة بالرجاء والرجاء بالإرادة والإرادة بالمعرفة وقال أصل الطاعة ثلاثة أشياء الخوف والرجا والحب وأصل المعصية ثلاثة أشياء الكبر والحسد والحرص وقال إذا أمرت الناس بالخير فكن أنت أولى به وأحق واعمل فيما تأمر وكذا فيما تنهى وأسند في الحلية قال مر عصام بن يوسف بحاتم الأصم وهو يتكلم في مجلسه فقال يا حاتم تحسن تصلي قال نعم قال كيف تصلي قال حاتم أقوم بالأمر وامشي بالخشية وادخل بالنية وأكبر بالعظمة وأقرأ بالترتيل والتفكر وأركع بالخشوع وأسجد بالتواضع وأجلس للتشهد بالتمام وأسلم السبل والسنة وأسلمها بالإخلاص لله عز وجل وأرجع على نفسي بالحق وأخاف أن لا تقبل مني وأحفظه عني إلى الموت قال تكلم فأنت تحسن تصلي انتهى ما ذكره السلمي ملخصا قال ابن الجوزي ولم يكن أصم وإنما كانت امرأة تسأله فخرج منها صوت فخجلت فقال ارفعي صوتك حتى أسمع فزال خجلها وغلب عليه هذا الاسم وفيها عبد الأعلى بن حماد الحافظ في جمادى الآخرة روى عن حماد بن سلمة ومالك وخلق وكان ممن قدم على المتوكل فوصله بمال وعبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري البصري سمع أباه ومعمر بن سليمان قال أبو داود كان فصيحا يحفظ نحو أربعة آلاف حديث والفضيل بن الحسين الجحدري ابن أخي كامل بن طلحة سمع حماد بن يلمة والكبار وكان له حفظ ومعرفة وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن العباس بن عثمان المطلبي ابن عم الشافعي سمع الفضيل بن عياض وطائفة وكان كثير الحديث ثقة.
  • وفيها وثيمة بن موسى الوشاء سمى به لبيعة الوشي وهو نوع من ثياب الابرسيم وكان وثيمة أحد الحفاظ صنف كتاب أخبار الردة أجاد فيه وأوسع قال في المغني قال ابن حاتم يحدث عن سلمة بن الفضل بأحاديث موضوعة انتهى.

سنة ثمان وثلاثين ومائتين

  • فيها جاءت الروم في ثلثمائة مركب وأحرقوا كثير من ديار المسلمين ومسجد الجامع بدمياط وسبوا نساء مسلمات عدتهن ستمائة كما قاله في العبر قال ابن حبيب وفي صفر وجه عبد الله بن طاهر إلى المتوكل حجرا سقط بناحية طبرستان وزنه ثمانمائة وأربعون درهما ابيض فيه صدع وذكروا أنه سمع لسقوطه هدة أربعة فراسخ في مثلها وأنه ساخ في الأرض خمسة أذرع ذكره في الشذور وفيها توفي إسحاق بن راهوية وهو الإمام عالم المشرق أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن مخلد المروزي ثم النيسابوري الحافظ صاحب التصانيف سمع الداوردي وبقية وطبقتهما وعاش سبعا وسبعين سنة وقد سمع من ابن المبارك وهو صغير فترك الرواية عنه لصغره قال أحمد بن حنبل لا أعلم بالعراق له نظيرا وما عبر الجسر مثل إسحاق وقال محمد بن أسلم ما أعلم أحدا كان أخشى لله من إسحاق ولو كان سفيان حيا لاحتاج إلى إسحاق وقال أحمد بن سلمة أملى على إسحاق التفسير على ظهر قلبه وجاء من غير وجه أن إسحاق كان يحفظ سبعين ألف حديث قال أبو زرعة ما رؤى أحفظ من إسحاق توفي إسحاق ليلة نصف شعبان بنيسابور قاله في العبر وناظر الشافعي في بيع دور مكة فلما عرف فضله صحبه وصار من أصحاب الشافعي رضي الله عنه قاله ابن الأهدل وفيها بشر بن الحكم العبدي النيسابوري الفقيه والد عبد الرحمن توفي قبل إسحاق بشهر قال أبو زرعة ما رؤى أحد منه وقد رحل قبله ولقى مالكا والكبار وعني بالأثر وفيها بشر بن الوليد الكندي القاضي العلامة أبو الوليد ببغداد في ذي القعدة وله سبع وتسعون سنة تفقه على أبي يوسف وسم من مالك وطبقته وولي قضاء مدينة المنصور وكان محمود الأحكام كثير العبادة والنوافل وفيها الحسين بن منصور أبو علي السلمي النيسابوري الحافظ رحل وأكثر عن ابن عياش وابن عيينة وطبقتهما وعرض عليه قضاء نيسابور فاختفى ودعا الله فمات في اليوم الثالث وفيها طالوت بن عباد أبو عثمان الصيرفي البصري له نسخة مشهورة عالية روى عن حماد بن سلمة وطبقته وكان ثقة لم يخرجوا له شيئا وعمرو بن زرارة الكلابي النيسابوري وله ثمان وسبعون سنة روى عن هشيم وطبقته وكان ثقة صاحب حديث وعبد الملك بن حبيب مفتي الأندلس ومصنف الواضحة وغير ذلك في رابع رمضان وله أربع وستون تفقه بالأندلس على أصحاب مالك زياد ابن عبد الرحمن شبطون وغيره وحج سنة ثمان ومائتين فحمل عن عبد الملك ابن الماجشون وطائفة وهو في الحديث ليس بحجة قال في المغني عبد الملك ابن حبيب القرطبي الفقيه كثير الوهم صحفي وقد اتهم انتهى وفيها عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن الداخل الأموي صاحب الأندلس وقد نيف على الستين وكانت أيامه اثنتين وثلاثين سنة وكان محمود بن السيرة عادلا جوادا مفضلا له نظر في العقليات ويقيم للناس الصلوات ويهتم بالجهاد وفيها محمد بن بكار بن الريان ببغداد في ربيع الآخر سمع فليح بن سليمان وقيس بن الربيع والكبار وفيها أبو جعفر محمد بن الحسين البرجلاني مصنف الزهديات وشيخ ابن أبي الدنيا.
  • وفيها محمد بن عبيد بن حساب الغبرى بالبصرة روى عن حماد بن زيد طبقته وكان ثقة حجة ومحمد بن أبي السرى العسقلاني في شعبان سمع الفضيل بن عياض وطبقته وفيها أبو سعيد يحيى بن سليمان الجعفي الكوفي المقرىء الحافظ نزيل مصر وقيل في السنة التي قبلها سمع عبد العزيز الدراوردي وطبقته.

سنة تسع وثلاثين ومائتين

  • وفيها على ما قاله في الشذور أخذ المتوكل أهل الذمة بلبس رقعتين عسيليتين على الأقبية والداريع وأن يصبغ النساء مقانعهن عسليات وأن يقتصروا على ركوب البغال والحمير دون الخيل والبراذين وغزا بلاد الروم على بن يحيى الأرميني فقتل عشرة آلاف علج وسبى عشرة آلاف فارس ومن الدواب سبعة آلاف دابة وأحرق أكثر من ألف قرية ورجفت طبرية في الليل حتى مادت الأرض واصطكت الجبال ثم انقطع من الجبل المطل عليها قطعة ثمانين ذراعاً طولاً في خمسين ذراعاً فمات منها خلق كثير انتهى وفيها على ما قاله في العبر غزا المسلمون وعليهم على الأرمني حتى شارفوا القسطنطينية فأغاروا وأحرقوا ألف قرية وقتلوا وسبوا وفيها عزل يحيى بن أكثم من القضاء وصودر وأخذ منه مائة ألف درهم الفقيه في جمادى الأولى وأخذ عن أبي يوسف وسمع تمن مالك وجماعة وكان رئيساً مطاعاً فأخرج قتيبة من بلخ لعداوة بينهما وخرج له النسائي وهو شيخه قال في المغني ثقة فقيه فقيه قال أبو حاتم لا يشتغل به انتهى وفيها داود بن رشيد أبو الفضل الخوارزمي ببغداد في شعبان سمع إسماعيل ابن جعفر وطبقته وكان ثقة واسع الرواية وفيها صفوان بن صالح أبو عبد الملك مؤذن جامع دمشق روى عن الوليد ابن مسلم وطبقته وكان حنفي المذهب والصلت بن مسعود الجحدري قاضي سامراً في صفر روى عن حماد ابن زيد وطبقته وفيها عبد الله بن عمر بن أبان الكوفي مشكل روى عن أبي الأحوص وجماعة كثيرة وفيها عثمان بن محمد بن أبي العبسي الكوفي الحافظ وكان أكبر من أخيه أبي بكر رحل وطوف وصنف التفسير والمسند وحضر مجلسه ثلاثون ألفاً روى عن شريك وأبي الأحوص وخاق وروى عنه الشيخان وغيرهما وكان ثقة وفيها محمد بن يحيى بن مهران أبو جعفر الرازي الجمال الحفاظ رحل وطوف وروى عن فضيل بن عياض وخلق كثير وحدث عنه الشيخان وغيرهما وكان ثقة وفيها محمد بن أبي سمينة أبو جعفر البغدادي التمار الحافظ في ربيع الأول سمع المعافى بن عمران وطائفة وفيها محمود بن غيلان أبو أحمد المروزي الحافظ محمد مرو حج وحدث ببغداد عن الفضل بن موسى وابن عيينة وطائفة قال أحمد بن حنبل اعرفه بالحديث صاحب سنة حبس بسبب القرآن وقال ابن ناصر الدين حدث عنه الشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم وكان حافظاً ثقة انتهى وفيها وهب بن بقية الواسطي ويقال له وهبان روى عن هشيم وأقرانه.

سنة أربعين ومائتين

  • فيها كما قاله في الشذور أخذ أهل الذمة بتعليم أولادهم العبرانية والسريانية ومنعوا من العربية ونادى المنادي بذلك فأسلم منهم خلق كثير وفيها خرجت ريح من بلاد الترك فمرت بمرو فقتلت خلقاً كثيراً بالزكام ثم صارت إلى نيسابور وإلى همذان وحلوان ثم إلى العراق وأصاب أهل بغداد وسر من رأى حمى وسعال وزكام وقال محمد بن حكيم جاءت الكتب من المغرب أن ثلاثة عشر قرية من القير وإن خسف بها فلم ينج من أهلها إلا اثنان وأربعون رجلا سود الوجوه فأتوا القيروان فأخرجهم أهلها فقالوا أنتم مسخوط عليكم فبنى لهم العامل حظيرة خارج المدينة فنزلوها انتهى ما ذكره في الشذور وفيها توفي أحمد بن أبي داؤد على وزن فؤاد قاضي القضاة أبو عبد الله الأيادي وله ثمانون سنة وكان فصيحا مفوها شاعرا جوادا ممدحا رأسا في التجهم وهو لذي شغب على الإمام أحمد بن حنبل وأفتى بقتله قاله في العبر وقال ابن الأهدل كان عالما جوادا ممدحا معتزليا وكان له القبول عند المأمون والمعتصم وهو أول من بدأ الخلفاء بالكلام وكانوا لا يكلمون حتى يتكلموا وبسببه وفتياه امتحن الإمام أحمد وأهل السنة بالضرب والهوان على القول بخلق القرآن وابتلى ابن أبي دؤاد بعد ذلك بالفالج نحو أربع سنين ثم غضب عليه المتوكل فصادره هو وأهله وأخذ منهم ستة عشر ألف ألف درهم وأخذ من والده مائة ألف وعشرين ألف دينار وجوهرا بأربعين ألف دينار وقيل أنه صالحه على ضياعه وضياع أبيه بألف ألف دينار ولأحمد بن داؤد عطايا جزيلة وشفاعة إلى الخلفاء مقبولة وفيه يقول الشاعر:
( لقد أنست مساوي كل دهر * محاسن أحمد بن أبي دؤاد )
( وما سافرت في الأقطار إلا * ومن جدواك راحلتي وزادي )

وكان بينه وبين ابن الزيات شحناء ومهاجاة عظيمة انتهى ما قاله ابن الأهدل وفيها أبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي البغدادي الفقيه أحد الأعلام تفقه وسمع من ابن عيينة وغيره وبرع في العلم ولم يقلد أحدا قال أحمد بن حنبل أ ' رفه بالسنة منذ خمسين سنة وهو عندي سفيان الثوري انتهى قال ابن الأهدل صنف فجمع في تصنيفه بين الحديث والفقه واستعمل أولا مذهب أهل الرأي حتى قدم الشافعي العراق وصحبه فاتبعه وهو غير مقلد لأحد وقال به محمد بن الحسن غلبنا عليك هذا الحجازي يعني الشافعي فقال أجد الحق معه انتهى وقال ابن ناصر الدين هو ثقة مأمون مجتهد انتهى والحسن بن عيسى بن ماسرجس أبو علي النيسابوري توفي في أول السنة بطريق مكة وكان ورعا دينا ثقة أسلم على يد ابن المبارك وسمع الكثير منه ومن أبي الأخوص وطائفة ولما مر بغداد حدث بها وعدوا في مجلسه اثني عشر ألف محبرة وفيها أبو عمرو وخليفة بن خياط العصفري البصري الحافظ شباب صاحب التاريخ والطبقات وغير ذلك سمع من يزيد بن ربيع وطبقته وحدث عنه البخاري وغيره وكان ثبتا يقظا وسويد بن سعيد أبو محمد الهروي ثم الحدثاني نسبة إلى الحديثة التي تحت عانة سمع مالكا وشريكا وطبقتهما وكان مكثرا حسن الحديث بلغ مائة سنة قال أبو حاتم صدوق كثير التدليس قال في المغني سويد بن سعيد الحدثاني شيخ مسلم محدث نبيل له مناكير قال أبو حاتم صدوق وقال أحمد متروك وقال النسائي ليس بثقة وقال البخاري عمي وكان يقبل التلقين انتهى وسويد بن نصر المروزي رحل وكتب عن ابن المبارك وابن عيينة وعمر تسعين سنة وسحنون مفتي القيروان وقاضيه أبو سعيد عبد السلام بن سعيد بن حبيب التنوخي الحمصي الأصل ثم المغربي المالكي صاحب المدونة أخذ عن أبي القاسم وابن وهب وأشهب وله عدة أصحاب وعاش ثمانين سنة وعبد الواحد بن غياث المرثدي البصري سمع حماد بن سلمة وطبقته وفيها محدث خراسان أبو رجاء قتيبة بن سعيد الثقفي مولاهم البلخي ثم البغلاني الحافظ واسمه وقيل علي ولقبه قتيبة سمع مالكا والليث والكبار. ورحل العلماء إليه من الأقطار وكان من الأغنياء قال ابن ناصر الدين حدث عنه أصحاب الكتب إلا أن ابن ماجه وروى عنه أحمد وابن معين إليه المنتهى في الثقة انتهى وأبو بكر الاعين محمد بن أبي غياث الحسن بن طريف البغدادي الحافظ في جمادي الأولى سمع زيد بن الحباب وطبقته ورحل إلى الشام ومصر وجمع وصنف والليث بن خالد أبو الحرث المقرئ الكبير صاحب الكسائي وكان من أعيان أهل الأداء ببغداد وتوفي قبل الأربعين ومائتين تقريبا وسليمان بن أحمد الدمشقي ثم الواسطي لحافظ روى عن الوليد بن مسلم وجماعة وهو مضعف قال البخاري فيه نظر وفيها عبد العزيز بن يحي الكتاني المكي سمع من سفيان بن عيينة وناظر بشر المريسي في مجلس المأمون بمناظرة عجيبة غريبة فانقطع بشر وظهر عبد العزيز ومناظرتهما مشهورة مسطورة وعبد العزيز هو صاحب كتاب الحيدة وهو معدود في أصحاب الشافعي وفيها نصير بن يوسف الرازي النحوي المقري تلميذ الكسائي وعمر نبن زرارة الحدثي ثقة له نسخة مشهورة روى عن شريك وجماعة وفيها أبو يعقوب الأزرق صاحب ورش وكان مقرئديار مصر في زمانه واسمه يوسف بن عمرو بن يسار قال في حسن المحاضرة أبو يعقوب الأزرق يوسف بن عمرو بن يسار المدني ثم المصري لزم ورشا مدة طويلة وأتقن عنه الأداء وخلفه في الإقراء بالديار المصرية وانفرد عنه بتغليظ اللامات وترقيق الراءات قال أب الفضل الخزاعي أدركت أهل مصر والمغرب على أبي يعقوب عن ورش لا يعرفون غيرها انتهى وفيها أحمد بن المعدل بن غيلان العبدي البصري الفقيه المالكي المتكلم صاحب عبد الملك الماجشون كان فصيحا مفوها له عدة تفقه إسماعيلالقاضي والبصريون.

سنة إحدى وأربعين ومائتين

  • فيها على ما قاله في لاشذور ماجت النجوم في لاسماء وجعلت تطاير شرقا وغربا كالجراد من قبل غروب الشفق إلى قريب من الفجر ولم يكن مثل هذا إلا عند ظهر رسول الله وفيها توفي في ثاني عشر ربيع الأول بكرة الجمعة شيخ الأمة وعالم أهل العصر أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الذهلي الشيباني المروزي ثم البغدادي أحد الأعلام ببغداد وقد تجاوز سبعا وسبعين سنة بأيام وكان أبوه جنديا فمات شابا أول طلب أحمد للعلم في سنة تسع وسبعين ومائة فسمع أحمد من هشيم وإبراهيم ابن سعد وطبقتهما وكان شيخا أسمر مديد القامة مخضوبا عليه سكينة ووقار وقد جمع ابن الجوزي أخباره في مجلد وذلك البيهقي وشيخ الإسلام الهروي وكان إماما في الحديث وضروبه إماما في الفقه ودقائقه إماما في السنة ودقائقها إماما في الورع وغوامضه إماما في الزهد وحقائقه قاله في العبر وقال الحافظ عبد الغني في كتابه الكمال في أسماء الرجال أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال ابن أسد إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط ابن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعببن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفضى بن دعمي بن جذيلة بن أسد بن ربيعة بن نزار ابن معد ابن عدنان الشيباني أبو عبد الله خرج من مرو حملا وولد ببغداد ونشأ بها ومات بها ورحل إلى الكوفة والبصرة ومكة والمدينة واليمن والشام والجزيرة وسمع من سفيان بن عيينة وإبراهيم بن سعد ويحي بن سعيد القطان وهشيم بن بشير ومعتمر بن سليمان وإسماعيل بن علية ووكيع بن الجراح وعبد الرحمن بن مهدي وخلق وروى عنه عبد الرزاق بن همام ويحي بن آدم وأبو الوليد هشام ابن عبد الملك الطيالسي وأبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي والأسود بن عامر شاذان والبخاري ومسلم وأبو داود وأكثر عنه في كتاب السنن وروى الترمذي عن أحمد بن الحسن الترمذي عنه وروى النسائي عن عبد الله بن أحمد بن حنبل عنه وعن محمد بن عبد الله عنه ووى ابن ماجه عن محمد بن يحي الذهلي عنه وإبراهيم الحربي والأثرم وأبو بكر أحمد المروزي وعمر بن سعيد الدارمي ومحمد بن يحي الذهلي النيسابوري وخلق لا يحصون قال إبراهيم الحربي أدركت ثلاثة لن ير مثلهم أبدا يعجز النساء أن يلدن مثلهم رأيت أبا عبيد القاسم بن سلام ما أمثله إلا بجبل نفخ فيه روح ورأيت بشر بن الحرث ما شبهته إلا برجل عجن من قرنه إلى قدمه عقلا ورأيت أحمد كأن الله عز وجل له علم الأولين من كل صنف يقول ما شاء ويمسك ما شاء وعن الحسن بن العباس قال قلت لأبي مسهر هل تعرف أحدا يحفظ على هذه الأمة أمر دينها قال لا أعلم إلا شابا بالمشرق يعني أحمد بن حنبل وقال قتيبة بن سعيد لو أدرك أحمد بن حنبل عصر الثوري والأوزاعي ومالك والليث بن سعد لكان هو المقدم وقيل لقتيبة يضم أحمد بن حنبل إلى التابعين قال إلى كبار التابعين وقال يحي بن معين دخلت على أبي عبد الله أحمد بن حنبل فقلت له أوصني فقال لا تحدث المسند إلا من كتاب وقال علي بن المديني قال لي سيدي أحمد بن حنبل لا تحدث إلا من كتاب وقال يوسف بن مسلم قال حدث الهيثم بن جميل بحديث عن جميل بحديث عن هشيم فوهم فيه فقيل له خالفوك في هذا فقال من خالفني قالوا أحمد بن حنبل قال وددت أنه نقص من عمري وزيد في عمر أحمد بن حنبل وقيل لأبي زرعة من رأيت من المشايخ المحدثين أحفظ قال أحمد بن حنبل حزر كتبه اليوم الذي مات فيه فبلغ اثني عشر حملا وعدلا ما على ظهر كتاب منها حديث فلان ولا في بطنه حدثنا فلان وكل ذلك كان يحفظه من ظهر قلبه وروى عن أبي عبد الله أحمد بن حنبل إمام الحفاظ أنه قال إذا جاء الحديث في فضائل الأعمال وثوابها وترغيبها تساهلنا في إسناده وإذا جاء الحديث في الحدود والكفارات والفرائض تشددنا فيه وقال إبراهيم بن شماس خاض الناس فقالوا إن وقع في أمة محمد الحجة على وجه الأرض فاتفقوا كلهم على أن أحمد بن حنبل حجته انتهى ما قاله في الكمال ملخصا وقال ابن الأهدل كان أحمد من خواص أصحاب الشافعي وكان الشافعي يأتيه إلى منزله فعوتب في ذلك فأنشد:
( قالوا يزورك أحمد وتزوره * قلت الفضائل لا تفارق منزله )
( إن زارني فبفضله أو زرته فلفضله فالفضل في الحالين له )

رضي الله عنهما وكان أحمد يحفظ ألف ألف حديث قال الربيع كتب إليه الشافعي من مصر فلما قرأ الكتاب بكى فسألته عن ذلك فقال إنه يذكر أنه رأى الشافعي من مصر فلما قرأ الكتاب بكى فسألته عن ذلك فقال إنه يذكر أنه رأى النبي اكتب إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل واقرأ عليه مني السلام وقل له إنك ستمتحن على القول بخلق القرآن ف تجبهم نرفع لك علما إلى يوم القيامة قال الربيع فقلت له البشارة فخلع على قميصه وأخذت جوابه فلما قدمت على الشافعي وأخبرته بالقميص قال لا نفجعك به ولكن بله وادفع إلى ماءه حتى أكون شريكا لك فيه وكان يخضب بالحناء خضابا ليس بالقاني وحزر من حضر جنازته من الرجال فكانوا ثمانمائة ألف ومن النساء ستين ألفا وأسلم يوم موته عشرون ألفا من اليهود والنصارى والمجوس وحكى عن إبراهيم الحربي قال رأيت بشر لاحافي في لانوم كأنه خارج من مسجد الرصافة وفي كمه شيء يتحرك فقلت ما هذا في كمك فقال نثر علينا لقدوم روح أحمد لدر والياقوت فهذا ما التقطته انتهى ما ذكره ابن الأهدل ملخصا وفيها توفي جبارة بن المغلس الحماني الكوفي عن سن عالية روى عن شبيب ابن أبي شيبة النهشلي قال في لامغني جبارة ابن المغلس شيخ ابن ماجه واه قال ابن نمير صدوق كان يوضع له الحديث يعني فلا يدري وقال البخاري مضطرب الحديث قال أبو حاتم وقال ابن معين كذاب انتهى.

  • وفيها الحسن بن حماد أبو علي الحضرمي البغدادي سجادة روى عن أبي بكر بن عياش وكان ثقة صاحب سنة وله حلقة وأصحاب وفيها أبو ثوبة الحلبي واسمه الربيع بن نافع الحافظ سمع معاوية بن سلام وشريكا والكبار وروى أحد الثقات ونزل طرسوس فكان شيخها وعالمها وعبد الله بن منير بن عبد الرحمن المروزي الزاهد القانت الذي قال البخاري لم أر مثله روى عن يزيد بن هارون وطبقته وكان ثقة ويعقوب بن حميد بن كاسب المحدث مدني مشهور نزل مكة وروى عن إبراهيم بن سعد وطبقته وكان يكنى أبا يوسف قواه البخاري ووثقه ابن معين وضعفه جماعة وفيها عبيد الله بن سعيد السرخسي أبو قدامة اليشكري المولى الرضي العلامة الثقة روى عن الشيخان والنسائي وابن خزيمة أظهر لاسنة بسرخس ودعا إليها وحده وفيها الحسن بن إسحاق بن زياد حسنونة أحد الثقات روى عنه البخاري والنسائي وغيرهما.

سنة اثنتين وأربعين ومائتين

  • فيها على ما قاله في لاشذور رجمت قرية يقال لها لاسويداء بناحية مصر بخمسة أحجار فوقع حجر منها على خيمة أعرابي فاخترقت وزن منها حجر فكان عشرة أرطال فحمل أربعة إلى الفسطاط وواحد إلى تنيس وزلزلت الري وجرجان وطبرستان ونيسابور وأصبهان وقم وقاشان كلها في وقت واحد وتقطعت جبال ودنا بعضها من بعض وسمع للسماء والأرض أصوات عالية وزلزلت الدامغان فسقط نصفها على أهلها فهلك بذلك خمسة وعشرون ألفا وسقطت بلدان كثيرة على أهلها ووقع طائر أبيض دون الرخمة وفوق الرخمة على دلبة بحلب لسبع مضين من رمضان فصاح يا معشر الناس اتقوا الله الله الله حتى صاح أربعين صوتا ثم طار وجاء من الغد فصاح أربعين صوتا وكتب صاحب البريد بذلك وأشهد خمسمائة إنسان سمعوه ومات رجل في بعض كور الأهواز فسقط طائر أبيض فصاح بالفارسية وبالجورية في الشذور وفيها توفي أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري الفقيه قاضي المدينة ومفتيه في رمضان وله اثنتان وتسعون سنة تفقه على مالك وسمع منه الموطأ ولزمه مدة وسمع من جماعة وكان ثقة قال الزبير بن بكار مات وهو فقيه المدينة غير مدافع وفيها القاضي أبو حسان الزيادي وهو الحسن بن عثمان في رجب ببغداد وكان إماما ثقة أخباريا مصنفا كثير الاطلاع سمع بن زيد وطبقته قيل أن الشافعي نزل عليه ببغداد وفيها الحافظ أبو محمد الحسن بن علي الحلواني الخلال سمع حسين بن علي الجعفي وطبقته كان محدث مكة ثقة مكثرا قال إبراهيم بقي اليوم في الدنيا ثلاثة محمد بن يحي الذهلي بخراسان وأحمد بن الفرات بأصبهان والحسن بن علي الحلواني بمكة وفيها الإمام أبو عمرو عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان المقرئ إمام جامع دمشق قرأ على أيوب بن تميم وسمع من الوليد بن مسلم وطائفة قال أبو زرعة الدمشقي ما في الوقت اقرأ من ابن ذكوان وقال أبو حاتم صدوق قال في العبر قلت عاش سبعين سنة انتهى وفيها الإمام الرباني محمد بن أسلم الطوسي الزاهد صاحب المسند والأربعين وكان يشبه في وقته بابن المبارك رحل وسمع الحديث من يزيد بن هارون جعفر بن عون وطبقتهما وروى عنه إمام الأئمة ابن جزيمة وقال لم تر عيناي مثله وقال غيره وكان يعد من الأبدال وكان يقال له رباني هذه الأمة قال ابن ناصر الدين قيل أنه عليه لما مات ألف ألف إنسان وفيها أبو عبد الله محمد بن رمح التجيبي مولاهم المصري الحافظ في شوال سمع الليث وابن لهيعة قال النسائي ما أخطأ حديث واحد وقال ابن يونس ثقة ثبت كان أعلم الناس بأخبار بلدنا وفيها محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي الحافظ أبو جعفر صاحب التاريخ وعلل الحديث سمع المعافي بن عمران وابن عيينة وطبقتهما وكان عبيد العجلي يعظم أمره ويرفع قدره وقال النسائي ثقة صاحب حديث قال في المغني ثقة أساء أبو يعلى القول فيه انتهى وفيها نوح بن أبي حبيب القومسي الحافظ في رجب روى عن عبد الله بن إدريس ويحي القطان وطبقتهما وكان ثقة صاحب سنة وفيها يحي بن أكثم القاضي أبو محمد المروزي ثم البغدادي أحد الأعلام في آخر السنة بالربذة منصرفا من الحج وله بضع سبعون سنة سمع جرير بن عبد الحميد وطبقته وكان فقيها مجتهدا مصنفا قال طلحة الشاهد يحي بن أكثم أحد أعلام الدنيا قائم بكل معضلة غلب على المأمون حتى أخذ بمجامع قلبه وقلده القضاء وتدبير مملكته وكانت الوزراء لا تعمل الشيء إلا بعد مطالعته قاله في العبر وقال ابن الأهدل كان يني العقيدة غلب على المأمون حتى أخذ بمجامع قلبه وقلده القضاء وتدبير مملكته وكانت الوزراء لا تعمل الشيء إلا بعد مطالعته قاله في العبر وقال ابن الأهدل وكان سني العقيدة غلب على المأمون فقلده القضاء وتدبير مملكته ثم عزله المعتصم بابن أبي دؤاد ثم رده المتوكل وعزل ابن أبي دؤاد حتى طابت عقائد أهل السنة وكان يحي كثير المزاح واختلف المحدثون في توثيقه ولي قضاء البصرة وهو ابن ثماني عشرة سنة وقال له المأمون كم سنك فقال كعتاب بن أسيد حين أمره النبي مكة وسئل أحمد عما يذكر عنه من الهنات فأنكره إنكارا شديدا وله الأثر المحمود والمقام التام يوم نادى المأمون بتحليل المتعة فرده بصريح النقل حتى رجع واستغفر ولما استدعاه المأمون للقضاء نظر

102 إليه وكان ذميم الخلق فعلم أنه استحقره فقال يا أمير المؤمنين سلني إن كان القصد على لا خلقي فسأله عن المسألة المعروفة بالمأمونية وهي أبوان وابنتان ولم تقسم ولم تقسم التركة حتى ماتت إحدى البنتين عمن في المسألة فقال الميت الأول رجل أو امرأة فقال له إذا سألت عن الميت الأول فقد عرفتها انتهى ما قاله ابن الأهدل ملخصا قلت لأن الميت الأول فقد عرفتها انتهى ما قاله ابن الأهدل ملخصا قلت لأن الميت الأول كان رجلا فالأب وارث في المسألة الثانية لأنه أبو أب وإلا فلا لأنه أبو أم وروى أبو القاسم القشيري رحمه الله تعالى في الرسالة قال حكى أبو عبد الله الحسين بن عبد الله بن سعيد قال كان القاضي يحي بن أكثم صديقا لي وكان يودني وأورده فمات فكنت أشتهي أن أراه في المنام فأقول له ما فعل الله بك فرأيته ليلة في المنام فقلت ما فعل الله بك فقال غفر لي إلا أنه وبخني ثم قال لي يا يحي خلطت على نفسك في دار الدنيا فقلت يا رب اتكلت على حديث حدثني به أبو معاوية الضرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله قلت إني لأستحي أن أعذب شيبة بالنار فقال قد عفوت عنك يا يحي وصدق نبي إلا أنك خلطت على نفسك في دار الدنيا انتهى كلامه وأكتم بالمثناة والمثلثة العظيم لابطن.

سنة ثلاث وأربعين ومائتين

  • توفي أبو عبد الله أحمد بن سعيد الرباطي الأشقر الحافظ بنيسابور وقيل في سنة خمس أو ست وأربعين سمع وكيعا ورحل إلى عبد الرزاق وحدث عنه الأئمة سوى ابن ماجه وكان علامة مفيدا متقنا.
  • وفيها أبو عبد الله أحمد بن عيسى المصري المعروف بابن التستري سمع ضمام ابن إسماعيل وابن وهب ونزل بغداد وحدث عنه لاشيخان والنسائي وغيرهم قال في المغني عن ابن وهب ثقة كذبه ابن معين وقال النسائي لا بأس به انتهى.
  • وفيها إبراهيم بن العباس الصولي البغدادي أحد الشعراء المجيدين والكتاب المنشئين كان موصوفا بالبلاغة والبراعة وله ديوان مشهور فيه أشياء بديعة

103 قال دعبل لو تكسب إبراهيم بن العباس بالشعر لتركنا في غير شيء وقال ابن خلكان وله ديوان شعر كله نخب وهو صغير ومن رقيق شعره

( دنت بالناس عمن تناء زيارة * وشطت بليلى عن دنو مزارها )
( وإن مقيمات بمنعرج اللوى * لأقرب من ليلى وهاتيك دارها )

وله نثر بديع فمن ذلك ما كتبه عن أمير المؤمنين إلى بعض البغاة الخارجين يتهددهم ويتوعدهم وهو أما بعد فإن لأمير المؤمنين أناة فإن لم تغن عقب بعدها وعيدا فإن لم يغن أغنت عزائمه والسلام وهذا الكلام مع وجازته في غاية الإبداع فإنه ينشأ منه بيت شعر وهو

( أناة فإن لم تغن عقب بعدها * وعيدا فإن لم يغن أغنت عزائمه )

وكان يقول ما اتكلت في مكاتبتي إلا على ما يجلبه خاطري ويجيش به صدري انتهى ما قاله ابن خلكان ملخصا وفيها الزاهد الناطق بالحكمة الحرث بن أسد المحاسبي صاحب المصنفات في التصوف والأحوال روى عن يزيد بن هارون وغيره قال ابن الأهدل كان أحد الخمسة الجامعين بين العلمين في واحد هو والجنيد وأبو محمد وأبو العباس بن عطاء وعمرو بن عثمان المكي وله مصنفات نفيسة في السلوك والأصول ولم يأخذ من ميراث أبيه شيئا لأن أباه كان قدريا ومن قوله فقدنا ثلاثة أشياء حسن الوجه مع الصيانة وحسن القول مع الأمانة وحسن الإخاء مع الوفاء وهو أحد شيوخ الجنيد انتهى.

  • وفيها الفقيه أبو حفص حرملة بن يحي التجيبي المصري الحافظ مصنف المختصر والمبسوط وغيرهما روى عن ابن وهب مائة ألف حديث وتفقه بالشافعي وخرج له مسلم والنسائي قال في المغني هو شيخ مسلم صدوق يغرب قال أبو حاتم لا يحتج به وقال عبد الله بن محمد الفرهياني ضعيف وقال ابن عدي قد تبحرت في حديثه وقتشته الكثير فلم أجد له ما يضعف من أجله انتهى وقال الاسنوي حرملة بن يحي بن عبد الله المصري التجيبي نسبة إلى تجيب بتاء مثناة من فوق مضمونة وقيل مفتوحة ثم جيم بعدها ياء بنقطتين من تحت ثم موحدة وهي قبيلة نزلت بمصر وأصلها اسم امرأة وكان حرملة إماما حافظا للحديث والفقه صنف المبسوط والمختصر المعروف به سنة ست وستين ومائة وتوفي في شوال سنة ثلاث وأربعين ومائتين انتهى ملخصا.
  • عبد الله بن معاوية الجمحي البصري وقد نيف على المائة روى عن القاسم بن الفضيل الحداني والحمادين وكان ثقة صاحب حديث.
  • وفيها عقبة بن مكرم أبو عبد الملك العمي البصري الحافظ روى عن غندر وطبقته وكان ثبتا حجة ومات قبله بأعوام عقبة بن مكرم الضبي الكوفي روى عن ابن عيينة ويونس بن بكير ولم تقع له رواية في شيء من الكتب الستة.
  • محمد بن يحي بن أبي عمر أبو عبد الله العدني الحافظ صاحب المسند بمكة في آخر السنة روى عن الفضيل بن عياض والدراوردي وخلق وكان عبدا صالحا خيرا وقال مسلم وغيره هو حجة صدوق.
  • هارون بن عبد الله الحافظ أبو موسى البغدادي البزاز المعروف بالجمال رحل وسمع عبد الله بن نمير وابن أبي فديك وطبقتهما قيل إنه تزهد وصار يحمل بأجرة يتقوت بها.
  • هناد بن السري الحافظ الزاهد القدوة أبو السري الدارمي الكوفي صاحب كتاب الزهد روى عن شريك وإسماعيل بن عياش وطبقتهما فأكثر وجمع وصنف وروى عنه أصحاب الكتب الستة إلا البخاري.
  • أبو همام الوليد بن شجاع السكوني الحافظ الكوفي سمع شريكا وابن بكار وابن جعفر وطبقتهما قال في المغني ثقة مشهور قال أبو حاتم لا يحتج به انتهى.

سنة أربع وأربعين ومائتين

  • فيها على ما قاله في الشذور اتفق عيد الأضحى وعيد الفطر لليهود وشعانين النصارى.
  • وفيها توفي أحمد بن منيع الحافظ الكبير أبو جعفر البغوي الأصم صاحب المسند ببغداد في شوال سمع هشيما وطبقته وهو جد أبي القاسم البغوي لأمه وقد خرج له الجماعة لكن البخاري بواسطة واحد وكان أحد الثقات المشهورين وإبراهيم بن عبد الله الهروي الحافظ ببغداد في رمضان روى عن إسماعيل بن جعفر وكان من أعلم الناس بحديث هشيم وكان صواما عابدا تقيا في المغني إبراهيم ابن عبد الله الهروي شيخ الترمذي قال النسائي ليس بالقوي وقال أبو داود ضعيف وقد وثق انتهى.
  • وفيها إسحاق بن موسى الأنصاري الخطمي المدني ثم الكوفي أبو موسى قاضي نيسابور روى عن أبن عيينة وطبقته أطنب أبو حاتم الرازي في الثناء عليه وكان كثير الأسفار فتوفي بجوسية من أعمال حمص والحسن بن شجاع أبو علي البلخي الحافظ أحد أركان الحديث في شوال كهلا ولم ينشر حديثه سمع عبيد الله بن موسى وطبقته روى الترمذي عن رجل عنه قال ابن ناصر الدين الحسن بن شجاع بن رجاء البلخي أبو علي روى عنه البخاري وغيره وكان من نظراء أبي زرعة لكن لم يشتهر لموته كهلا قبل أوان السماع انتهى.
  • وفيها أبو عمار الحسين بن حريث المروزي الحافظ سمع جرير بن عبد الحميد وطبقته ولم يرحل وحمدوية وهو حميد بن مسعدة بن المبارك السامي البصري الثقة وأقرأ وسمع وحدث روى عنه أصحاب الكتب الستة إلا البخاري.
  • وفيها عبد الحميد بن بيان الواسطي روى عن خالد الطحان وهشيم فأكثر.
  • وفيها علي بن حجر الحافظ الإمام أبو الحسن السعدي المروزي نزيل نيسابور في جمادى الأولى وله نحو من تسعين سنة روى عن إسماعيل بن جعفر وشريك وخلق وكان من الثقات الأخيار ومحمد بن أبان أبو بكر المستلمي وكيع لقى ابن عيينة وابن وهب والكبار.
  • وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب الأموي البصري في جمادى الآخرة سمع أبا عوانة وطبقته وكان صاحب حديث ولي القضاء جماعة من أولاده وزفيها يعقوب بن السكيت النحوي أبو يوسف البغدادي صاحب كتاب إصلاح المنطق وتفسير دواوين الشعراء وغير ذلك سبق أقرانه في الأدب مع حظ وافر في السنن والدين وكان قد ألزمه المتوكل تأديب ابنه المعتز فلما جلس عنده قال له يا بني بأي شيء يحب الأمير أن يبتدئ من العلوم قال بالانصراف قال ابن السكيت فأقوم قال المعتز أنا أخف نهوضا منك فقام المعتز مسرعا فعثر بسراويله فسقط فالتفت خجلا فقال ابن السكيت:
( يصاب الفتى من عثرة بلسانه * وليس يصاب المرء من عثرة الرجل )
( فعثرته بالقول تذهب رأسه * وعثرته بالرجل تبري على مهل )

فلما كان من الغد دخل على المتوكل فقال له قد بلغني البيتان وأمر له بخمسين ألف درهم وقال أحمد بن محمد بن شداد شكوت إلى ابن لاسكيت ضائقة فقال هل قلت شيئا قلت لا قال فأقول أنا ثم أنشد

( نفسي تروم أمورا لست أدركها * ما دمت أحذر ما يأتي به القدر )
( ليس ارتحالك في كسب الغنى سفرا * لكن مقامك ف ضر هو السفر )

وقال ابن السكيت كتب رجل إلى صديق له قد عرضت لي قبلك حاجة فإن نجحت فالفاني منها حظي والباقي حظك وإن تعذرت فالخير مظنون بك والعذر مقدم لك والسلام وكان ابن السكيت يوما عند المتوكل فدخل عليه ابناه المعتز والمؤيد فقال له يا يعقوب أيما أحب إليك ابناي هذان أم الحسن والحسين فغض من ابنيه وذكر محاسن الحسن والحسين فأمر المتوكل الأتراك فداسوا بطنه وحمل إلى داره فمات من الغد وروى أنه قال له والله إن قنبرا خادم علي خير منك ومن ابنيك فأمر بسل لسانه من قفاه رحمه الله ورضي عنه ويقال أنه حمل ديته إلى أولاده

سنة خمس وأربعين ومائتين

  • فيها كما قاله في الشذور زلزلت بلاد المغرب حتى تهدمت الحصون والمنازل وكانت بأنطاكية زلزلة ورجفة قتلت خلقاً كثيراً وسقط منها ألف وخمسمائة دار ووقع من سورها نيف وتسعون برجاً وسمع أهلها أصواتاً هائلة لا يحسنون وصفها فتركوا المنازل وهرب الناس إلى الصحراء وسمع أهل تنيس صحية عالية دامت فمات منها خلق كثير وذهبت حباً بأهلها انتهى.
  • وفيها توفي أحمد بن عبدة بالبصرة سمع حمادين زيدو الكبار وورى الكثير واسحق بن أبي إسرائيل إبراهيم بن كامجر المروزي الحافظ في شوال ببغداد وله خمس وتسعون سنة سمع حماد بن زيد وطبقته وكان من كبار المحدثين قال ابن ناصر الدين هو ثقة لكن تكلم فيه انتهى.
  • وفيها إسماعيل بن موسى الفزاري الكوفي الشيعي المحدث ابن بنت السدى روى عن مالك وطبقته وروى عن عمر بن شاكر عن أنس بن مالك وخرج له أبو داود والترمذي وغيرهما قال في المغني إسماعيل بن موسى الفزاري السدى يترفض وقال أبو داود يتشيع انتهى.
  • وفيها ذو النون المصري أبو الفيض ثوبان ويقال الفيض بن إبراهيم أحد رجال الطريقة وواحد وقته كان أبوه نوبياً سعى به إلى المتوكل في سجنه وأهدى له طعام في السجن فكرهه لكون السجان حمله بيد هو لما أطاق اجتمع عليه الصوفية ببغداد في الجامع واستأذنوه في السماع وحضر حضرته القوال فأنشد
( صغير هواك عذبني * فكيف به إذا احتنكا )
( وأنت جمعت من قلبي * هوى قد كان مشتركا )

فتواجد ذو النون وسقط فانشج رأسه وقطر منه دم ولم يقع على الأرض فقام شاب يتواجد فقال له ذو النون الذي يراك حين تقوم فقعد الشاب قال بعضهم كان ذو النون صاحب أشراف والشاب صاحب أنصاف ومن كلامه علامة محب الله متابعة الرسول في كل أمر به قال السيوطي في كتاب حسن المحاضرة ذو النون المصري ثوبان بن إبراهيم أبو الفيض أحد مشايخ الطريق المذكورين في رسالة القشيري وهو أول من عبر عن علوم المنازلات وأنكر عليه أهل مصر وقالوا حدثت علما لم تتكلم فيه الصحابة وسعوا به إلى الخليفة المتوكل ورموه عنده بالزندقة وأحضروه من مصر على البريد فلما دخل سر من رأى وعظه فبكى المتوكل ورده مكرما وكان مولده باخميم حدث عن مالك والليث وابن لهيعة وروى عنه الجنيد وآخرون وكان أوحد وقته علما وورعا وحالا وأدبا مات في ذي القعدة سنة خمس وأربعين ومائتين وقد قارب التسعين قال السلمي كان أل مصر يسمونه بالزنديق فلما مات أظلت الطير الخضر جنازته ترفرف عليه أن وصل إلى قبره انتهى ما ذكره السيوطي.

  • وفيها سوار بن عبد الله بن سوار التميمي العنبيري البصري أبو عبد الله قاضي الرصافة ببغداد روى عن يزيد بن زريع وطبقته قال في المغني سوار بن عبد الله ابن قدامة العنبري ليس بشيء انتهى وكان من الشعراء لامجيدين ودحيم الحافظ الحجة أبو سعيد عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي قاضي فلسطين والأردن وله خمس وسبعون سنة سمع ابن عيينة والوليد بن مسلم وطبقتهما وروى عنه البخاري وغيره قال أبو داود لم يكن في زمانه مثله.
  • وفيها أبو تراب النخشي العارف واسمه عسكر بن الحصين من كبار مشايخ القوم صحب حاتم الأصم وغيره قل السخاوي في طبقاته عسكر بن حصين أبو تراب النخشي ويقال عسكر بن محمد بن حصين أحد فتيان خراسان والمذكورين بالأحوال السنية الرفيعة وأحد علماء هذه الطائفة صحب حاتم الأصم حتى مات ثم خرج إلى لاشام وكتب الحديث الكثير ونظر في كتب الشافعي ثم نزل مكة ثم كان يخرج إلى عبادان والثغر ويرجع إلى مكة ومات بين المسجدين ودخل البصرة وتزوج بها وصحب شقيفا البلخي قال أبو تراب من كان غناه بماله لم يزل فقيرا ومن كان غناه في قلبه لم يزل غنيا من كان غناه بربه فقد قطع عنه اسم الفقر والغنى لأنه دخل في حيز ما لا وصف له وقال ابن الجلاء قال أبو تراب إذا ألفت القلوب الإعراض عن الله صحبتها الوقيعة في الأولياء وقال أشرف القلوب قلب حي بنور الفهم عن الله عز وجل وقال ليس في العبادات شيء أنفع من إصلاح خواطر القلوب وقال إن الله ينطق العلماء في كل زمان بما يشاء كل أعمال ذلك الزمان وقال من أشغل مشغولا بالله عن الله أدركه المقت من ساعته دخل بغداد مرات واجتمع بالإمام أحمد بن حنبل فجعل الإمام أحمد يقول فلان ضعيف فلان ثقة فقال له أبو تراب لا تغتب العلماء فالتفت إليه الإمام أحمد وقال له ويحك هذا نصيحة ليس هذا غيبة انتهى ما ذكره السخاوي ملخصا.
  • وفيها محمد بن رافع أبو عبد الله القشيري مولاهم النيسابوري الحافظ سمع ابن عيينة ووكيعا وخلائق وروى عنه الشيخان وغيرهما وكان ثقة زاهدا صالحا قد أرسل إليه ابن طاهر نوبة خمسة آلاف درهم فردها ولم يكن لأهله يومئذٍ خبر.
  • وفيها محمد بن هشام التميمي السعدي قال ابن الأهدل كان ممدوحا بالحفظ وحسن الروية قال مؤرخ أخذ مني كتاب فحبسه ليلة ثم جاء به وقد حفظه وقال له سفيان ابن عيينة لا أراك تخطئ شيئا مما تسمع ثم قال له حدثني الزهري عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال يولد في كل سبعين سنة من يحفظ كل شيء قال وضرب بيده على جنبي وقال أراك منهم انتهى.
  • وفيها هشام بن عمار الإمام أبو الوليد السلمي خطيب دمشق وقارئها وفقيهها ومحدثها في سلخ المحرم عن سنتين وتسعين سنة روى عن مالك وطبقته وقرأ على عراك وأيوب بن تميم عن قراءتهما على يحي الذماري صاحب ابن عامر قال في المغني هشام بن عمار خطيب دمشق ومقرئها ثقة مكثر له ما ينكر قال أبو حاتم صدوق وقد تغير فكان كلما لقنه تلقن وقال أبو داود حدث بأربعمائة حديث لا أصل لها وقال ابن معين ثقة وقال مرة كيس كيس وقال النسائي لا بأس به وقال الدارقطني صدوق كبير المحل وقال صالح جزرة كان يأخذ على الروية انتهى كلام المغني.

سنة ست وأربعين ومائتين

  • فيها كما قاله في الشذور مطرت سكة يبلخ دما عبيطا وفيها توفي أحمد بن إبراهيم بن كثير أبو عبد الله العبدي البغدادي الدورقي الحافظ الثقة سمع جرير بن عبد الحميد وطبقته وصنف التصانيف الحسنة المقيدة وفيها أحمدبن أبي الحواري الزاهد الكبير أبو الحسن الدمشقي سمع أبا معاوية وطبقته وكان من كبار المحدثين والصوفية وأجل أصحاب أبي سليمان الداراني وله كلام في الحقائق منه ما ابتلى الله عبدا بشيء أشد من القسوة والغفلة وقالت له زوجته رابعة الشامية أحبك حب الإخوان لا حب الأزواج وكانت زوجته أيضا من كبار الصالحات الذاكرات وكانت تطعمه الطيب وتطيبه وتقول اذهب بنشاطك إلى أهلك وتقول عند تقريبها الطعام إليه كل فما نضج إلى بالتسبيح وتقول إذا قامت من الليل ( قام المحب إلى المؤمل قومه * كاد الفؤاد من السرور يطير ) وقال السخاوي في طبقات الأولياء في طبقات الأولياء أحمد بن أبي الحواري كنيته أبو الحسن وأبو الحواري اسمه ميمون من أهل دمشق صحب أبا سليمان الداراني وسفيان بن عيينة وأبا عبد الله النياحي وغيرهم وله أخ يقال له محمد يجري مجراه في الزهد والورع وابنه عبد الله ب أحمد بن أبي الحواري من الزهاد وأبوه أيضا كانمن العارفين والورعين فبيتهم بينت الورع والزهد ومن كلامه من عمل بلا اتباع سنة فعمله باطل وقال إني لا أقرأ القرآن فانظر في آية آية فيحار عقلي وأعجب من حفاظ القرآن كيف ينهيهم النوم ويسعهم أن يشتغلوا بتدبير الدنيا وهم يتلون كلام الرحمن أما لو فهموا ما يتلون وعرفوا حقه وتلذذوا به واستحلوا المناجاة به لذهب عنهم النوم فرحا بما رزقوا ووفقوا وقال الحافظ الذهبي في التذهيب قال محمد بن عوف الحمصي رأيت أحمد بن أبي الحواري صلى العتمة ثم قام يصلي فاستفتح بالحمد إلى (إياك نعبد وإياك نستعين ) فطفت الحائط كله ثم رجعت فإذا هو لا يجاوز إياك نعبد وإياك نستعين ثم نمت ومررت به سحرا وهو يقول إياك نعبد وإياك نستعين فلم يزل يرددها إلى الصبح انتهى ملخصا وفيها أبو عبد الله الحسين المروزي الحافظ صاحب ابن المبارك بمكة وقد سمع من هشيم والكبار وفيها أبو عمر الدوري شيخ المقرئين فيعصره وله ست وتسعون سنة وهو حفص بن عمر بن عبد العزيز بن صهبان المقرئ قرأ على الكسائي وإسماعيل بن جعفر ويحي اليزيدي وحدث عن طائفة وصنف في القراءات وكان صدوقا قرأ عليه خلق كثير قال أدركت حياة نافع ولو كان عندي شيء لرحلت إليه وفيها دعبل بن علي الخزاعي الشاعر المشهور الرافضي مدح الخلفاء والملوك وكان يحب الهجاء وقد أجازه عبد الله بن طاهر على أبيات ستين ألف درهم قال ابن خلكان قيل أن دعبلا لقب واسمه الحسن وقيل عبد الرحمن وقيل محمد وكنيته أبو جعفر وقيل أنه كان أطروشا وفي قفاه سامة كان شاعرا مجيدا إلا أنه بذيء اللسان مولعا بالهجاء والحط من أقدار الناس وهجاء الخلفاء ومن تدونهم وطال عمره فكان يقول لي خمسون سنة أحمل خشبتي على كتفي أدور على من يصلبني عليها فما أجد من يفعل ذلك وكان بين دعبل ومسلم بن الوليد الأنصاري اتحاد كثير وعليه تخرج دعبل في الشعر فاتفق أن ولي مسلم جهة في بعض بلاد خراسان وهي جرجان فقصده دعبل لما يعلمه من الصحبة التي بينهما فلم يلتفت مسلم إليه ففارقه وقال:
( غششت الهوى حتى تداعت أصوله * بنا وابتذلت الوصل حتى تقطعا )
( وأنزلت من بين الجوانح والحشا * ذخيرة ود طال ما قد تمتعا )
( فلا تعذلني ليس فيك مطمع * تخرقت حتى لم أجد لك مرقعا )
( وهبك يميني استأكلت فقطعتها * وصبرت قلبي بعدها فتشجعا )

ومن شعره في الغزل:

( لا تعجبي يا سلم من رجل * ضحك المشيب برأسه فبكى )
( يا ليت شعري كيف نومكم * يا صاحبي إذا دمي سفكا )
( لا تأخذا بظلامتي أحدا * قلبي وطرفي في دمي اشتركا )

ولما مات دعبل وكان صديقا للبحتري وكان أبو تمام قد مات قبله رثاهما البحتري فقل:

( قد زاد في كلفي وأوقد لوعتي * مثوى حبيب يوم مات ودعبل )

في أبيات انتهى ملخصا وفيها العباس بن عبد العظيم أبو الفضل العنبري البصري الحافظ أحد علماء السنة سمع يحي القطان وطبقته وتوفي في رمضان وكان من الثقات الأخيار ولوين اسمه محمد بن سليمان بن جعفر الأسدي البغدادي ثم المصيصي سمع مالكا وحماد بن زيد والكبار وعمر دهرا طويلا وجاوز المائة وكان كثير الحديث ثقة قاله في العبر وفيها محمد بن يحي بن فياض الزماني البصري روى عن عبد الوهاب الثقفي وطبقته فأكثر وحدث في آخر عمره بدمشق وبأصبهان والمسيب بن واضح الحمصي روى عن إسماعيل بن عياش والكبار وتوفي في آخر السنة قال أبو حاتم صدوق ويخطئ وفيها الفضل بن غسان الغلابي ببغداد روى عن عبد الرحمن بن مهدي وطبقته وله تاريخ مفيد.

سنة سبع وأربعين ومائتين

  • فيها توفي إبراهيم بن سعيد الجوهري أبو إسحاق البغدادي الحافظ مصنف المسند روى عن هشيم وخلق كثير مات مرابطا بعين زربة وكان من أركان الحديث خرج مسند أبي بكر الصديق في نيف وعشرين جزا.
  • وفيها أبو عثمان المازني النحوي صاحب التصانيف واسمه بكر بن محمد قال تلميذه المبرد لم يكن بعد سيبويه أعلم من أبي عثمان المازني بالنحو قال ابن خلكان كان في غاية الورع ومما رواه المبرد أن بعض أهل الذمة قصده ليقرأ أن بعض أهل الذمة قصده ليقرأ عليه كتاب سيبويه وبذل له مائة دينار في تدريسه إياه فامتنع أبو عثمان من ذلك قال فقلت له جعلت فداك أترد هذه المنفعة مع فاقتك وشدة إضافتك فقال إن هذا الكتاب يشتمل على ثلثمائة وكذا وكذا آية من كتاب الله عز وجل ولست أرى أن أمكن منها ذميا غيره على كتاب الله عز وجل وخشية له قال فاتفق إن غنت جارية بحضرة الواثق بقول العرجي
( أظلوم إن مصابكم رجلا * أهدي السلام تحية ظلم )

فاختلف من بالحضرة في أعراب رجلا فمنهم من نصبه وجعله اسم إن ومنهم من رفعه على أنه خبرها والجارية مصرة على أن شيخها أبا عثمان المازني لقنها إياه بالنصب فأمر الواثق بإشخاصه قال أبو عثمان فلما مثلت بين يديه قال ممن الرجل قلت من بني مازن قال أي الموازن أمازن تميم أم مازن قيس أم مازن ربيعة فقلت من مازن ربيعة فكلمني بكلام قومي وقال بااسبك لأنهم يقلبون الميم باء والباء ميما فكرهت أن أجيبه على لغة قومي لئلا أواجهه بالمكر فقلت بكر يا أمير المؤمنين ففطن لما قصدته وأعجب به ثم قال ما تقول في قول الشاعر أظلوم إن مصابكم رجلا * البيت أترفع رجلا أن تنصبه فقلت لب الوجه النصب يا أمير المؤمنين فقال ولما ذاك فقلت هو بمنزلة قولك إن ضربك زيدا ظلم فالرجل مفعول مصابكم وهو منصوب به والدليل عليه أن الكلام معلق إلى أن يقول ظلم فاستحسنه الواثق وقال هل لك من ولد قلت نعم يا أمير المؤمنين بنية قال ما قالت لك عند مسيرك قلت أنشدت قول الأعشى

( أيا أبتا لا ترم عندنا * فأنا بخير إذا لم ترم )
( أرانا إذا أضمرتك البلا * د نجفي وتقطع منا الرحم )

قال فما قلت لها قال قلت قول جرير

( ثقي بالله ليس له شريك * ومن عند الخليفة بالنجاح )

قال علي النجاح إن شاء الله تعالى ثم أمر لي بألف دينار وردني مكرما قال المبرد فلما عاد إلى البصرة قال لي كيف رأيت يا أبا العباس رددنا لله مائة فعوضنا ألفا انتهى ما ذكره ابن خلكان ملخصا.

  • وفيها في شوال قتل المتوكل على الله أبو الفضل جعفر بن المعتصم محمد بن الرشيد العباسي فتكوا به في مجلس لهوه بأمر ابنه المنتصر وعاش أربعين سنة وهو الذي أحيا السنة وأمات التجهم ولكنه كان فيه نصب ظاهر وانهماك على اللذات والمكاره وفيه كرم وتبذير وكان قد عزم على ابنه المنتصر وتقدم إليه بتقديم المعتز عليه لفرط محبته لأمه وبقي يؤذيه ويتهدده إن لم ينزل عن العهد واتفق مصادرة المتوكل لوصيف فتعاملوا عليه ودخل عليه خمسة في جوف الليل فنزلوا عليه بالسيوف فقتلوه وقتلوا وزيره الفتح بن خاقان معه ولما قتلا أصبح الناس يقولون قتل المتوكل والفتح بن خاقان دبر عليهما المنتصر ولد المتوكل وكان الناس على لسان واحد يقولون والله لا عاش المنتصر إلا ستة أشهر كما عاش شيرويه بن كسرى حيث قتل أباه فكان الأمر كذلك وكان قتله ليلة الأربعاء لثلاث خلون من شوال وكان للمتوكل خمسمائة وصيفة للفراش ولم يكن فيهن أحظى من صبيحة أم ولده المعتز وبسبب ميله إليها أراد أن يقدم ولدها بالعهد وكان اصغر من المنتصر وكان تقدم منه العهد للمنتصر ثم لأخويه من بعده وفي ذلك يقول السلمي
( لقد شد ركن الدين بالبيعة الرضا * وسار بسعد جعفر بن محمد )
( لمنتصر بالله أثبت عهده * وأكد بالمعتز ثم المؤيد )

ورزق المتوكل من الحظ من العامة لتركه الهزل واللهو إلا أنه كان يتشبه في الغضب بخلق الجبابرة وبلغ المتوكل أن صالح بن أحمد بن حنبل رأى ف ينومه قائلا يقول

( ملك يقاد إلى مليك عادل * متفضل بالعفو ليس بجائر )

فصدقه ذلك وروى علي بن الجهم قال لما أفضت الخلافة إلى المتوكل أهدى له الناس على أقدارهم فأهدى له محمد بن عبد الله بن طاهر ثلثمائة جارية من أصناف الجواري وكان فيهن جارية يقال لها محبوبة وقد نشأت بالطائف فوقعت من قلب المتوكل موقعا عظيما وحلت من نفسه محلا جسيما وكانت تسامره ولا تفارقه فغاضبها يوما وأمرها بلزوم مقصورتها وأمر أن لا يدخل الجواري عليها قال علي بن الجهم فبينا أنا عنده جالس يوما إذ قال لي يا علي رأيت البارحة كأنني صالحت محبوبة فقلت أقر الله عينيك وجعله حقيقة في اليقظة وأنا لفي ذلك إذ أقبلت وصيفة كانت تقف على رأسه فقالت يا أمير المؤمنين سمعت الساعة في منزل محبوبة غناء فقال لي يا علي قم بنا الساعة فأنا سنرد على بوادر ظريفة فأخذ بيدي وجعلنا نمشي رويدا لئلا يسمع حسنا فوقف على باب المقصورة وإذا بها تضرب بالعود وتغني

( أدور في القصر لا أرى أحدا * أشكو إليه ولا يكلمني )
( حتى كأني جنيت معصية * ليست لها توبة تخلصني )
( فهل شفيع لنا إلى ملك * قد زارني في الكرى وصالحني )
( حتى إذا ما الصباح لاح لنا * عاد إلى هجره فصار مني )

فنفر المتوكل طربا ونفرت معه لنفيره فخرجت حافية ثم أكبت على رجلي أمير المؤمنين ويديه ورأسه ثم قالت يا أمير المؤمنين رأيت البارحة في النوم كأني قد صالحتك قال لها وأنا والله رأيت مثل ذلك قالت فإن رأى أمير المؤمنين أن يتمم المنة فهو المنعم على كل حال فقال ادخل فأنا سنرد على ما نحب قال فمكثنا ثلاثة أيام ونحن كأننا في بعض رياض الجنة ووصلني بعد ذلك ببدرة فأخذتها وانصرفت قيل قرئ على المتوكل كتاب فيه ملاحم فمر القارئ فيه على موضع فيه إن الإمام العاشر من بني العباس يقتل في مجلسه على فراشه فقال ليت شعري من الشقي الذي يقتله ثم وجم فقيل له أنت الحادي عشر وعدوا إبراهيم بن المهدي من جملة الخلفاء فسرى عنه وقيل رأى المتوكل في منامه كأن دابة تكلمه فقال للبعض جلسائه ما تفسره ففسره له بشيء آخر ثم قال لبعض من حضر سرا حان رحيله لقوله تعالى ( ^ وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم ) وقيل رأى المتوكل في منامه رؤيا فقصها على الفتح بن خاقان وزيره فقال يا أمير المؤمنين أضغاث أحلام ولو تشاغلت بالشرب والغناء لسري عنك هذا فقطع عامة نهاره بالتشاغل فلما جاءه الليل أمر بإحضار الندماء والمغنين وجلس يقصره المعروف بالجعفري وعنده الفتح فقال للمغنين غنوا فغنوا ثم قام ولده محمد المنتصر ومعه الحاجب يشيعه فخلا الموضع فدخل عليه خمسة من الأتراك فقتلوه وقتلوا الفتح أيضا.

  • وفيها توفي سلمة بن شبيب أبو عبد الرحمن النيسابوري الحافظ الموثق في رمضان بمكة روى عن يزيد بن هارون وطبقته وقد روي عنه من الكبار أحمد ابن حنبل وأصحاب الكتب الستة إلا البخاري.
  • وفيها أو بعدها محمد بن مسعود الحافظ بن العجمي سمع عيسى بن يونس ويحي ابن سعيد القطان وطبقتهما ورابط بطرسوس قال محمد بن وضاح القرطبي هو رفيع الشأن فاضل ليس بدون أحمد بن حنبل يعني في العمل لا في العلم والله أعلم قاله في العبر.

سنة ثمان وأربعين ومائتين

  • فيها بل في التي قبلها كما جزم به في الشذور توفيت شاع أم المتوكل وكانت خيرة كثيرة الرغبة في الخير وخلفت من العين خمسة ألاف الف دينار وخمسين الف دينار ومن الجوهر قيمته الف الف دينار ولا يعرف أمراة رأت ابنها وهو جد وثلاثة أولاد ولاة عهود إلا هي قاله في الشذور وقيها توفي الإمام العلم أبو جعفر أحمد بن صالح الطبري ثم المصري الحافظ سمع ابن عيينة وابن وهب وخلقاً وكان ثقة قال محمد بن عبد الله بن نمير إذا جاوزت الفرات فليس أحد مثل أحمد بن صالح وقال ابن وارة الحافظ أحمد بن حنبل ببغداد وأحمد بن صالح بمصر وابن نمير بالكفوى و النفيلي بحران هؤلاء أركان الدين وقال يعقوب الفسوى كتبت عن الف شيخ حجتي فيما بينين وبين الله رجلان أحمد بن صالح وأحمد بن حنبل.
  • وفيها الحسين بن علي الكرابيسي الفقيه المتكلم أبو علي ببغداد وقيل مات في سنة خمس وأربعين تفقه على الشافعي وسمع من اسحق الأزرق وجماعة وصنف التصانيف وكان متضلعاً من الفقه والحديث والأصول ومعرفة الرجال والكراييس الثياب الغلاظ.
  • وفيها بغا الكبير أبو موسى التركي مقدم قواد المتوكل عنسن عالية وكان بطلاً شجاعاً مقداماً له عدى فتوح ووقائع بأشر الكثير مالحروب فما جرح قط وخلف أمولاً عظيمة.
  • وفيها أمير خراسان وبان أميرها طاهر بن عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي في رجب ولى امرة خراسان بعد أبيه ثمان عشرة سنة ووليها بعده ولده محمد بن طاهر عشرين سنة وقد حدث طاهر عن سليمان بن حرب.
  • وفيها عبد الجبار بن العلاء بن عبد الجبار أبو بكر البصري ثم المكي ثم العطار روى عن سفيان بن عيينة وطبقته وكان ثقة صاحب حديث وعبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد المصري سمع أباه وابن وهب وكان أحد الفقهاء وعيسى بن حماد زبة التجبي مولاهم المصري راوية الليث بن سعد والقسم بن عثمان الدمشقي الزاهد المعروف بالجوعي من كبار الصوفية والعارفين صحب أبا سليمان الداراني وروى عن سفيان بن عيينة وجماعة قال أبو حاتم صدوق.
  • وفيها محمد بن حميد الرازي أبو عبد الله الحافظ روى عن جرير بن عبد الحميد ويعقوب القمي وخلق وكان من أوعية العلم لكن لا يحتج به وله ترجمة طويلة أثنى عليه أحمد بن حنبل وقال ابن خزيمة لو عرفه أحمد لما أثنى عليه وقد خرج له أبو داود والترمذي وغيرهما قال الذهبي في المغني محمد بم حميد الرازي الحافظ عن يعقوب القمي وجرير وابن المبارك ضعف لا من قبل الحفظ قال يعقوب بن شيبة كثير المناكير وقال البخاري فيه نظر وقال أبو زرعة يكذب وقال النسائي ليس بثقة وقال صالح جزرة ما رأيت أحذق بالكذب منه ومن ابن الشاذ كوني انتهى ما قاله في المغني وفي ربيع الآخر المنتصر بالله أبو جعفر محمد بن المتوكل على الله جعفر ابن المعتصم محمد بن الرشيد بالخوانيق وكانت خلافته سبعة أشهر وعاش ستا وعشرين سنة وأمه رومية تسمى حبشة وكان ربعة جسيما أعين أقنى بطينا مليح الصورة مهيبا وكان كامل العقل محبا للخير محسنا إلى ال على بارا بهم وقيل إن أمراء الترك خافوه فلما حم دسوا إلى طبيبه ابن طيفور ثلاثين ألف دينار ففصده بريشة مسمومة وقيل سم في كمثرى قاله في العبر وقال ابن الأهدل قيل إن أمه جاءته عائدة فبكى وقال يا أماه عاجلت أبي فعوجلت ثم أنشأ يقول
( فما فرحت نفسي بدنيا أخذتها * ولكن إلى الملك القدير أصبر )
( ومالي شيء غير أني مسلم * بتوحيد ربي مؤمن وخبير )

وبايع الترك بعده لأحمد بن محمد المعتصم خوفا منهم أن يبايعوه لأحد من أولاد المتوكل فيقتلهم بأبيه وسموه المستعين انتهى ما ذكره ابن الأهدل وقال ابن الفرات قيل رأى المنتصر بالله ابه المتوكل على الله في منامه فقال له ويحك يا محمد ظللتني وقتلتني والله لامتعت بالدنيا بعدي وقد أجمعوا على أن المنتصر بالله مات مسموما وكان سبب ذلك أنه رأى باغر التركي في حفدته الأتراك فقال قتلني الله إن لم أقتلكم جميعا فبلغهم الخبر فسموه في ريشه الفاصد ومات وله من العمر خمس وعشرون سنة.

  • وفيها محمد بن زنبور أبو صالح المكي روى عن حماد بن زيد وإسماعيل بن جعفر وكان صدوقا.
  • وفيها محدث الكوفة أبو كريب محمد بن العلاء الهمداني الحافظ في جمادى الآخرة سمع ابن المبارك وعبد الله بن إدريس وخلائق وكان ثقة مكثرا.
  • وفيها أبو هشام الرفاعي محمد بن يزيد الكوفي القاضي أحد أعلام القرآن قرأ على سليم بن وسمع من أبي خالد الأحمر وابن فضيل وطبقتهما وكان إماما مصنفا في القراءات ولي القضاء ببغداد قال في المغني محمد بن يزيد أبو هشام الرفاعي قال أحمد العجلي لا بأس به وقال غيره صدوق وأما البخاري فقال رأيتهم مجمعين على ضعفه وروى ابن عقدة عن مطين عن ابن نمير كان يسرق الحديث انتهى.

سنة تسع وأربعين ومائين

  • فيها توفي الحسن بن الصباح الإمام أبو علي البزار سمع سفيان بن عيينة وأبا معاوية وطبقتهما وكان أحمد بن حنبل يرفع قدره وبجله ويحترمه وروى عنه البخاري وقال البخاري وقال أبو حاتم صدوق كانت له جلالة عجيبة ببغداد رحمه الله تعالى والبزار بالراء آخره لعله منسوب إلى بيع البزر وكذلك محمد بن السكن البزار وبشر بن ثابت البزار وخلف بن هشام البزار المقرى وكل من في البخاري ومسلم سوى هؤلاء الأربعة فهو البزاز بزايين وفيها رجاء بن مرجاء أبو محمد السمرقندي الحافظ ببغداد روى عن النضر ابن شميل فمن بعده قال الخطيب كان ثقة ثبتاً إماماً في الحفظ والمعرفة وعبد بن حميد الحافظ أبو محمد الكشي صاحب المسند والتفسير واسمه عبد الحميد فخفف سمع يزيد بن هارون وابن أبي فديك وطبقتهما وكان ثقة ثبتاً وفيها أبو حفص عمرو بن علي الباهلي البصرى الصيرفي الفلاس الحافظ أحمد الأعلام سمع معتمر بن سليمان وطبقته وصنف وعنى بهذا الشأن قلا النسائي ثقة حاف وقال أبو زرعة ذاك من فرسان الحديث وقال أبو حاتم كان أوثق من على بن المديني وفيها محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن سعية بن أبي زرعة الزهري مولاهم المصري أبو عبيد الله بن البرقي حدث عنه أبو داود والنسائي وغيرهما وهو صاحب كتاب الضعفاء قاله ابن ناصر الدين.

سنة خمسين ومائتين

  • وفيها توفي العلامة أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح المصري الفقيه مولى بني أمية روى عن ابن عيينة وابن وهب وشرح الموطأ وروى عنه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم وفيها أبو الحسن أحمد بن محمد البزي المقرىء مؤذن المسجد الحرام وشيخ الإقراء ولد سنة سبعين ومائة وقرأ على عكرمة بن سليمان وأبى الخريط وقرأ لعيه جماعة وكان لين الحديث حجة في القرآن قال الذهبي في المغني أحمد بن محمد ابن عبد الله البزي مقرىء مكة ثقة في القراءة وأما في الحديث فقال أبو جعفر العقيلي منكر الحديث يوصل الأحاديث ثم ساق له حديثاً متنه الديك الأبيض الأفرق حبيب وحبيب حبيبي وقال أبو حاتم ضعيف الحديث سمعت منه ولا أحدث عنه وقال ابن أبي حاتم روى حديثاً منكراً انتهى ما أورده الذهبي في المغني وفيها الحارث بن مسكين الإمام أبو عمرو قاضي الديار المصرية وله ست وتسعون سنة سأل الليث بن سعد وسمع الكثير من ابن عيينة وابن وهب وأخذ في المحنة فحبس دهراً حتى أخرجه المتوكل وولاه قضاء مصر وكان من كبار أئمة السنة الثقات قال السيوطي في حسن المحاضرة الحارث بن مسكين بن محمد بن يوسف الأموي أبو عمرو المصري الحافظ الفقيه العلامة روى عنه أبو داود والنسائي قال الخطيب كان فقيهاً على مذهب مالك ثقة في الحديث ثببتاً ولتصانيف ولد سنة أربع وخمسين ومائة ومات ليلة الحد لثلاث بقين من ربيع الأول سنة خمسين ومائتين انتهى.
  • وفيها ويقال في سنة خمس وخمسين الإمام أبو حاتم السجستاني سهل بن محمد النحوي المقرىء اللغوي صاحب المصنفات حملا لعربية عن أبي عبيدة والأصمعي وقرأ القرآن على يعقوب وكتب الحديث عن طائفة قومت كتبه يوم مات بأربعة عشر ألف دينار واشتراها ابن السكيت بدون ذلك مجاباة وفيها عباد بن يعقوب الأسدي الرواجني الكوفي الحافظ الحجة سمع من شريك والوليد بن أبي ثور والكبار قال ابن حبان كان داعية إلى الرفض وقال ابن خزيمة حدثنا الصدوق في روايته المتهم في دينه عباد بن يعقوب وروى عنه البخاري مقروناً بآخر وفيها عمرو بن بحر الجاحظ أبو عثمان البصري المعتزلي واليه تنسب الفرقة الجاحظية من المعتزلة صنف الكثير في الفنون كان برحاً من بحورا لعلم رأساً في الكلام والإعتزال وعاش تسعين سنة وقيل بقي إلى سنة خمس وخمسين أخذ عن القاضي أبي يوسف وثمامة بن أشرس وأبى اسحق النظام قال في المغني عمرو بن بحر الجاحظ المتكلم صاحب الكتب قال ثعلب ليس بثقة ولا مأمون تنتهي وقال غيره أحسن تأليفه وأوسعها فائدة كتاب الحيوان وكتاب البيان والتبيين وكان مشوه الخلق استدعاه المتوكل لتأديب ولده فلما رأه رده وأجازه وفلج في آخر عمره فكان يطلى نصفه بالصندل والكافور لفرط الحرارة ونصفه لآخر لو قرض بالمقاريض ما أحس به لفرط البرودة وسمى جاحظاً لجحوظ عينيه أي نتوءهما وكان موته بسقوط مجلدات العلم عليه وفيها الفضل بن مروان بن ماسرخس كان ويزر المعتصم وهو الذي أخذ له البيعة ببغداد وكان المعتصم يومئذ ببلاد الروم صحبة أخيه المأمون فاتق موت المأمون ببغداد وكان المعتصم يومئذ واعتد له المعتصم بها يداً عنده وفوض إليه الوزارة يوم دخلوه بغداد وهو يوم السبت مستهل شهر رمان سنة ثماني عشرة ومائتين وخلع عليه ورد أموره كلها إليه فغلب عليه لطول خدمته وتربيته إياه فاستقل بالأمور وكذلك كان أواخر دولة المأمون وكان نصراني الأصل قليل المعرفة بالعلم حسن المعرفة بخدمة الخلفاء وله ديوان رسائل وكتاب المشاهدات والأخبار التي شاهدها ومن كلامه مثل الكاتب كالدولاب إذا تعطل انكسر وكان قد جلس يوماً لقضاء أشغال الناس ورفعت إليه قصص العامة فرأى في جملتها ورقة مكتوب فيها
( تفرعنت يافضل بن مروان فاعتبر * فقبلك كان الفضل والفضل والفضل )
( ثلاثة أملاك مضوا لسبيلهم * أبادتهم الأقياد والحبس والقتل )
( وأنك قد أصبحت في الناس ظالماً * ستودى كما أودى الثلاثة من قبل )

أراد بالفضول الثلاثة الفضل بن يحيى البرمكي والفضل بن سهل والفضل ابن الربيع وذكر المرزباني والزمخشري في ربيع الأبرار أن هذه الأبيات للهيثم ابن فراس السامي من سامة بن لؤي وقال الصولي أخذ المعتصم من داره لما نكبه الف الف دينار وأخذ أثاثاً وآنية بألف دينار وحبسه خمسة أشهر ثم أطلقه ولزمه واستوزر أحمد بن عمار ومن كلام الفضل هذا الفضل هذا أيضاً لا تتعرض لعدوك وهو مقبل فإن إقباله يعينه عليك ولا تتعرض له وهو مدبر فأن ادباره يكفيك أمره وفيها كثير بن عبيد المذحجي الحذاء إمام جامع حمص أمه مدة ستين سنة قيل أنه ماسها في صلاة مدة أم حدث عن ابن عيينة وطائفة وكان عبداً صالحاً وأبو عمرو نصر بن علي الجهضمي وقيل علي بن نصر الجهضمي الصغير البصري الحافظ الثقة أحد أوعية العلم روى عن يزيد بن زريع وطبقته وعنه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم قال أبو بكر بن أبي داود كان المستعين طلب نصر بن علي ليوليه القضاء فقال لأمير البصرة حتى أرجع فاستخير الله فرجع وصلى ركعتين وقال اللهم إن كان لي عندك خير فاقبضني إليك ثم نام فنبهوه فإذا هو ميت رحمه الله تعالى مات في ربيع الآخر.

سنة إحدى وخمسين ومائتين

  • فيها توفي إسحاق بن منصور الكوسج الإمام الحافظ أبو يعقوب المروزي بنيسابور في جمادى الأولى سمع ابن عينة وخلقا وتفقه على أحمد وإسحاق وكان ثقة نبيلا وفيها بل في التي قبلها كما جزم به ابن خلكان وغيره الحسين بن الضحاك ابن ياسر الشاعر البصري المعروف بالخليع سمي سمي خليعا لكثرة مجونه وخلاعته كان مولى لولد سليمان بن ربيعة الباهلي الصحابي رضي الله عنه وأصله من خراسان وهو شاعر ماجن مطبوع حسن الافتنان في ضروب الشعر وأنواعه اتصل بمنادمة الخلفاء إلى ما لم يتصل إليه إسحاق النديم فإنه قاربه في ذلك وساواه وأول من نادمه منهم محمد الأمين بن هارون الرشيد ولم يزل مع الخلفاء بعده إلى أيام المستعين وهو في الطبقة الأولى من الشعراء المجيدين وبينه وبين أبي نواس ماجريات لطيفة ووقائع حلوة ومن شعره قوله
( صل بخدي خديك تلقى عجيباً * من معان يحار فيها الضمير )
( فبخديك للربيع رياض * وبخدي للدموع غدير )

وقوله:

( إذا خنتم بالغيب عهدي فما لكم * تدلون أدلال المقيم على العهد )
( صلوا وافعلوا فعل المدل بوصله * وألا تصدوا وافعلوا فعل ذي صد )

وعمر نحو المائة وفيها حميد بن زنجوية أبو أحمد النسائي الحافظ صاحب التصانيف منها كتاب الآداب النبوية والترغيب والترهيب وغيرهما وكان من الثقات روى عن النضر بن شميل وخلق بعده وفيها عمرو بن عثمان الحمصي محدث حمص كان ثقة عدلا روى عن إسماعيل ابن عياش وبقية وابن عيينة قال أبو زرعة كان أحفظ من محمد بن مصفى وفيها أبو التقى هشام بن عبد الملك اليزني الحمصي الحافظ الثقة المتقن روى عن إسماعيل بن عياش وبقية وكان ذا معرفة تامة.

سنة اثنتين وخمسين ومائتين

قتل المستعين بالله أبو العباس أحمد بن المعتصم محمد بن الرشيد العباسي ولد سنة إحدى وعشرين ومائتين وبويع بعد المنتصر وكان أمراء الترك قد استولوا على الأمر وبقي المستعين مقهورا معهم فتحول من سامرا إلى بغداد غضبان فوجهوا يعتذرون إليه ويسألونه الرجوع فامتنع فعهدوا إلى الحبس فأخرجوا المعتز بالله وحلفوا له وخلفوه وجاء أخوه أبو أحمد لمحاصرة المستعين فتهيأ المستعين ونائب بغداد بن طاهر للحرب وبنوا سور بغداد ووقع القتال ونصبت المجانيق ودام الحصار أشهرا واشتد البلاء وكثرت القتلى وجهد أهل بغداد حتى أكلوا الجيف وجرت عدة وقعات بين الفريقين قتل فيوقعة منها نحو الألفين من البغادنة إلى أن كاوا وضعف أمرهم وقوى أم المعتز ثم تخلى ابن طاهر عن المسعتين لما رأى البلاء وكاتب المعتز ثم سعوا في الصلح على خلع المستعين فخلع نفسه على شروط وكدة في أول هذه السنة ثم أنفذوه إلى واسط فاعتقل تسعة أشهر ثم أحضر غلى سامرا في آخر رمضان قله في العبر وقال ابن الأهدل اتفق الصلح على خلع السمعتين فخلع نفسه على شروط لم تف وشاور أصحابه في أي البلاد يسكن فأشار عليه بعضهم بالبصرة فقبل أنها حارة فقال أترونها أحر من فقد الخلافة فأقام حينئذ استدعاه المعتز وقتله وهو ابن خمس وثلاثين سنة وكانت مدته من يوم بويع إلى أن خلع ثلاث سنين وأشهراً وبين خلعه وقتله تسعة أشهر وفيه يقول حينئذ الكاتب المعروف بالحاسه:

( خلع الخليفة أحمد بن محمد * وسيقتل التالي له أو يخلع )
( أيها بني العباس أن سبيلكم * في قتل اعبدكم سبيل مهيع )
( رقعتم دنياكم فتمزفت * بكم الحياة تمزقاً لا يرقع )

وكان يقول في دعائه اللهم أذ خلعتني من الخلافة فلا تخلعني من رحمتك ولا تحرمني من جنتك انتهى وكان سبب قتله على ما ذكره ابن الفرات أن المعتز بالله حين هم بقتله كتب إلى محمد بن عبد الله بن طاهر فوجه أحمد بن طولون التركي في جيش فاخرج المستعين فلم وافى به القاطول قتله عليه وحمل رأسه إلى المعتز وكفن ابن طولون جثته ودفنه وقيل بلكان أحمد بن طولون وموكلا بالمستعين فوجه المعتز سعيد بن صالح في جماعة فحلمه وقتله بالقاطول وقيل أنه أدخله إلى منزله بسر من رأى فعذبه حتى مات وقيل بل ركبه معه في زورق وشد في رجليه حجراً وأغرقه وقيل بل وكل به رجلا من الأتراك وقال له اقتله فلما أتى إليه ليقتله قال له دعني حتى أصلى ركعتين فخلاه في الركعة الأولى وضرب رأسه وأتى المعتز برأسه وهو يلعب بالشطرنج فقيل له هذا رأس المخلوع فقال دعوه حتى أفرغ من الدست فلما افرغ دعاية ونظر إليه وأمر بدفنه وأمر لسعيد بن صالح بخمسين ألفا وولاه البصرة انتهى وكان المستعين ربعة خفيف العارضين أحمر الوجه مليحا بوجهه أثر جدري ويلثغ في السين نحو الثاء وكان مسرفا في تبذير الخزائن والذخائر سامحه الله تعالى.

  • وفيها إسحاق بن بهلول أبو يعقوب التنوخي الأنباري الحافظ سمع ابن عيينة وطبقته وكان من كبار الأئمة في القراءات وفي الحديث والفقه قال ابن صاعد حدث إسحاق بن بهلول بنحو خمسين ألف حديث من حفظه وعاش ثمانيا وثمانين سنة.
  • وفيهاأبو هاشم زياد بن أيوب الطوسي ثم البغدادي دلويه الحافظ سمع هشيما وطبقته وحدث عنه البخاري وأحمد وغيرهما وكان ثقة ثبتا وكان يقال له شعبة الصغير لإتقانه ومعرفته.
  • وفيها بندار محمد بن بشار بن عثمان بن داود بن كيسان العبدي البصري أبو بكر الحافظ الثقة في رجب سمع معتمر بن سليمان وغندر وطبقتهما قال أبو داود كتبت عنه خمسين ألف حديث.
  • وفيها محمد بن المثنى بن عبيد بن قيس بن دينار أبو موسى العتري البصري الزمن في ذي القعدة ومولده عام توفي حماد بن سلمة سمع معتمر بن سليمان وسفيان بن عيينة وطبقتهما وروى عنه الأئمة الستة وابن خزيمة وغيرهم وكان حجة حافظا.
  • وفيها يعقوب بن إبراهيم بن كثير بن زيد بن أفلح بن منصور بن كمزاحم أبو يوسف العبدي النكري الدورقي البغدادي الحافظ الثقة الحجة سمع هشيما وإبراهيم بن سعد وطبقتهما وروى عنه الستة وغيرهم.
  • وفيها بل في التي قبلها كما جزم به ابن ناصر الدين على الأفطس بن الحسن الذهلي قال في المغني علي بن الحسن الذهلي الأفطس النيسابوري عن ابن عيينة قال ابن الشرقي متروك الحديث انتهى.

سنة ثلاث وخمسين ومائتين

  • فيها توفي أحمد بن سعيد بن صخر الحافظ أبو جعفر الدارمي السرخسي أحد الفقهاء والأئمة سمع النضر بن شميل وطبقته وكان ثقة روى عنه الأئمة إلا النسائي وفيها أحمد بن المقدام أبو الأشعث البصري العجلي المحدث في صفر سمع حماد بن زيد وطائفة كثيرة قال في المغني ثقة ثبت وإنما ترك أبو داود الرواية عنه لمزاحه كان بالبصرة مجان يلقون صرة الدراهم ويرقبونها فإذا جاء من يرفعها صاحوا به وخجلوه فعلمهم أحمد أن يتخذوا صرة فيها زجاج فإذا أخذوا صرة الدراهم فصاح صاحبها وضعوا بدلها صرة الزجاج وقال النسائي ليس به بأس انتهى كلام المغني وفيها السري بن المغلس السقطي أبو الحسن البغدادي أحد الأولياء الكبار ولهنيف وتسعون سنة سمع من هشيم وجماعة وصحب معروفا الكرخي وله أحوال وكرامات قال ابن الأهدل هو خال الجنيد وأستاذه وتلميذ معروف الكرخي قال الجنيد دفع لي السري رقعة وقال هذا خير لك من سبعمائة فصه قال فيها:
( ولما ادعيت الحب قال كذبتني * فما لي أرى الأعضاء منك كواسيا )
( فما الحب حتى يلصق الظهر بالحشا * وتذبل حتى لا تجيب المنالديا )
( وتنحل حتى لا يبقى لك الهوى * سوى مقلة تبكي بها وتناجيا )

انتهى وقال السخاوي في طبقات الأولياء هو إمام البغداديين في الإشارات وكان يلزم بيته ولا يخرج منه لا يراه إلا من يقصده إلى بيته انقطع عن الناس وعن أسبابهم وأسند عن الجنيد قال ما رأيت أعبد من السري أتت عليه ثمان وتسعون سنة ما رؤى مضطجعا إلا في علة الموت وسئل عن المتصوف فقال هو اسم لثلاثة معان وهو الذي لا يطفئ نور معرفته نور ورعه ولا يتكلم بباطن ينققضه عليه ظاهر الكتاب ولا تحمله الكرامات من الله على هتك استار محارم الله انتهى ما ذكره السخاوى ملخصاً وفيها الأمير محمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي نائب بغداد كان جواداً ممدحاً قوى المشاركة جيد الشعر مات بالخوانيق وفيها وصيف التركي كان أكبر أمراء الدولة وكان قد استولى على المعتز واصطفى الأموال لنفسه وتمكن ثم قتل.

سنة أربع وخمسين ومائتين

  • وفيها قتل بغا الصغير الشرابي وكان دق تمرد وطغى وراح نظيره وصيف فتفرد واستبد بالأمور وكان المعتز بالله يقول لا أستلذ بحياة ما بقى بغا ثم أنه وثب فأخذ من الخزائن مائتي ألف دينار وسار نحو السند فاختلف عليه أصحابه وفارقه عسكره فذل وكتب يطلب الأمان وانحدر في مركب فأخذته المغاربة وقتله وليد المغربي وأتى برأسه فأعطاه المعتز عشرة آلاف دينار وفيها أبو الحسن على بن الجواد محمد بن الرضا على بن الكاظم موسى بن جعفر الادق العلوي الحسني المعروف بالهادي كان فقيهاً اماماً متعباً وهو أحد الأئمة الإثني عشر الذين تعتقد غلاة الشيعة عصمتهم كالأنبياء سعى به إلى المتوكل وقيل له أن في بيته سلاحاً وعدة ويريد القيام فأمر من هجم عليه منزلة فوجده في بيت مغلق وعليه مدرعة من شعر يصلى ليس بينه وبين الأرض فراش وهو يترنم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد فحمل إليه ووصف له حاله فما رآه عظمه وأجلسه إلى جنبه وناوله شراباً فقال ما خامر لحمى ولا دمى فاعفنى منه فأعفاه وقال له أنشدني شعراً فأنشده أبياتاً أبكاه بها فأمر له بأربعة آلاف دينار ورده مكرماً وإنما قيل العسكري لأنه سعى به إلى المتوكل أحضره من المدينة وهي مولده وأقره مدينة العسكر وهي سر من رأى سميت بالعسكر لأنه المعتصم حين بناها انتقل إليها بعسكره فسميت بذلك واقام بها صاحب الترجمة عشرين سنة فاسب غليها وفيها محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي الحافظ أبو جعفر ببغداد روى عن وكيع وطبقته وعنه البخاري وأبو داود والنسائي ويغرهم وان من كبار الحافظ الثقات المأمونين لما قدم ابن المديني بغداد قال وجدت أكيس القوم هذا الغلام المخرمي وفيها أبو أحمد المرار بن حموية الثقفي الهمذاني الفقيه سمع أبا نعيم وسيعد بن أبي مريم وكان موصوفاً بالحفظ وكثرة العلم وفيها العتبي صاحب العتيبة في مذهب مالك واسمه محمد بن أحمد بن عبد العزيز ابن عبتة الأموي العتبي القرطبي الأندلس الفقيه أحد الأعلام أخذ عن يحيى ورحل فأخذ بالقيروان عن سحنون وبمصر عن أصبغ وصنف المستخرجة وجمع فيها أشياء غريبة عن مالك وفيها مؤمل بن إهاب أبو عبد الرحمن الحافظ في رجب بالرملة روى عن ضمرة بن ربيعة ويحيى بن آدم وطبقتهما وفيها على ما جزم به ابن ناصر الدين أبو عاصم خشيش بن أصرم بن الأسود النسائي أخذ العلم عن الكبار وحدث عنه عدة منهم أبو داود والنسائي وغيرهم وكان ثقة.

سنة خمس وخمسين ومائتين

  • فيها فتنة الزنج وخروج العلوي قائد الزنج بالبصرة خرج بالبصرة فعسكر ودعا إلى نفسه وزعم أنه علي بن محمد بن أحمد بن علي بن عيسى بن الشهيد بن زيد بن علي ولم يثبتوا نسبه فبادر إلى دعوته عبيد أهل البصرة السودان ومن ثم قيل الزنج والتف إليه كل صاحب فتنة حتى استفحل أمره وهزم جيوش الخليفة واستباح البصرة وغيرها وفعل الأفاعيل وامتدت أيامه إلى أن قتل إلى غير رحمة الله في سنة سبعين وفيها خرج غير واحد من العلوية وحاربوا بالعجم وغيرها وفيها توفي الإمام الحبر أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن التميمي الدارمي السمرقندي الحافظ الثقة صاحب المسند المشهور رحل وطوف وسمع النضر بن شميل ويزيد بن هارون وطبقتهما قال أبو حاتم هو إمام أهل زمانه وقال محمد ابن عبد الله بن نمير غلبنا الدارمي بالحفظ والورع وقال رجاء بن مرجاما رأيت أعلم بالحديث منه وفيها قتل المعتز بالله أبو عبد الله محمد بن المتوكل جعفر بن المعتصم محمد بن الرشيد العباسي في رجب خلعوه وأشهد مكرها ثم أدخلوه بعد خمسة أيام إلى حمام فعطش حتى عاين الموت وهو يطلب الماء فيمنع ثم أعطوه ماء بثلج فشربه وسقط ميتا واختفت أمه صبيحة وسببقتله إن جماعة من الأتراك قالوا اعطنا أرزاقنا فطلب من أمه مالا فلم تعطه وكانت ذات أموال عظيمة إلى الغاية منها جوهر وياقوت وزمرد قوموه بألفي دينار ولم يكن إذ ذاك في خزائن الخلافة شيء فحينئذٍ أجمعوا على خلعه ورأسهم حينئذٍ صالح بن وصيف ومحمد بن بغا فلبسوا السلاح وأحاطوا بدار الخلافة وهجم على المعتز طائفة منهم فضربوه بالدبابيس وأقاموه في الشمس حافيا ليخلع نفسه فأجاب وأحضروا محمد بن الواثق من بغداد فأول من بايعه المعتز بالله وعاش المعتز ثلاثا وعشرين سنة وكان من أحسن أهل زمانه ولقبوا محمدا بالمهدي بالله قاله في العبر وقال ابن الفرات كانت وفاته في شعبان من هذه السنة وكان عمره اثنتين وعشرين سنة وثلاثة أشهر وكانت خلافته من يوم بويع له ببغداد بعد خلع المستعين بالله نفسه ثلاث سنين وستة أشهر وأربعة وعشرين يوما وأشهر ولد عبد الله بن المعتز الشاعر وبه كان يكنى انتهى وفيها محمد بن عبد الرحيم أبو يحي البغدادي الحافظ البزاز ولقبه صاعقة سمع عبد الوهاب بن عطاء الخفاف وطبقته وكان أحد الثقاث الإثبات المجودين وفيها محمد بن كرام أبو عبد الله السجستاني الزاهد شيخ الطائفة الكرامية وكان من عباد المرجئة قاله في العبر وقال في المغني محمد بن كرام السجزي العابد المتكلم شيخ الكرامية أكثر عن الجوبياري ومحمد بن تميم السعدي وكأنا ساقطين قال ابن حبان خذل حتى التقط من المذاهب أرادها ومن الأحاديث أوهاها وقال أبو العباس سراج شهدت البخاري ودفع إليه كتاب ابن كارم يسأله عن أحاديث فيها الزهري عن سالم عن أبيه يرفعه الإيمان لا يزيد ولا ينقص فكتب أبو عبد الله على ظهر كتابه من حدث بهذا استوجب الضرب الشديد والحبس الطويل وقال ابن حبان جعل ابن كرام الإيمان قولا بلا معرفة وقال ابن حزم قال ابن كزام الإيمان قول بلسان وأن اعتقد الكفر بقلبه فهو مؤمن قلت هذه أشنع بدعة وقوله في الرب جسم لا كالاجسام انتهى ما قاله الذهبي في المغني في الضعفاء وفيها موسى بن عامر المري الدمشقي سمع الوليد بن مسلم وابن عيينة وكان أبوه أبو الهندام عامر بن عمارة سيد قيس وزعيمها وفارسها وكان طلب من الوليد بن مسلم فحدث ابنه هذا بمصنفاته قال في المغني موسى بن عامر المري صاحب الوليد بن مسلم صدوق تكلم بلا حجة ولا ينكر له تفرده عن الوليد فأنه يكثر عنه انتهى.

سنة ست وخمسين ومائتين

كان صالح بن وصيف التركي قد ارتفعت منزلته وقتل المعتز وظفر بأمه صبيحة فصادرها حتى استصفى نعمتها وأخذ منها نحو ثلاثة آلاف دينار ونفاها إلى مكة ثم صادر خاصة المعتز وكتابه وهو أحمد بن أسرائيل والحسن بن مخلد وأبو نوح وعيسى بن إبراهيم ثم قتل أبا نوح وأحمد فلما دخلت هذه السنة أقبل موسى بن بغاو عبأ جيشه في أكمل أهبة ودخلوا سامرا ملبين قد أجمعوا على قتل صالح بن وصيف وهم يقولون قتل المعتز وأخذ أموال أمه وأموال الكتاب وصاحت العامه يا فرعون جاءك موسى ثم هجم موسى بمن معه على المهتدي بالله وأركبوه فرسأً وانتهبوا القصر ثم ادخلوا المهتدي دار با جور وهو يقول يا موسى ويحك ما تريد فيقول وتربة المتوكل لا نالك سوء ثم حلفوه لا يمالىء صالح ابن وصيف عليهم وبايعوه وطلبوا صالحاً يناظروه على أفعاله فاختفى وردوا المهتدي إلى داره وبعد شهر قتل صالح بن وصيف وفي رجب قتل المهتدي بالله أمير المؤمنين أبو اسحق محمد بن الواثق بالله هارون بن المعتصم محمد بن الرشيد العباسي وكانت دولته سنة وعمره نحو ثمان وثلاثين سنة وكان أسمر رقيقاً مليح الصورة ورعاً تقياً متعبداً عادلاً فارساً شجاعاً قوياً فيأمر الله خليقاً للامارة لكنه لم يجد ناصراً ولا معيناً على الخير وقيل أنه سرج الصوم مدة أمرته وكان يقنع بعض الليالي بخبز وزيت وخل وكان يشبه بعمر بن عبد العزيز وورد أنه كان له جبة صوف وكساء يتعبد فيه بالليل وكان قد سد باب الملاهي والغناء وحسم الأمراء عن الظلم وكان يجلس بنفسه لعلم حساب الدواوين بين يديه ثم أن الأتراك خرجوا عليه فلبس السلاح وأشهر سيفه وحمل عليهم فجرح أسروه وخلعوه ثم قتلوه إلى رحمة الله ورضوانه وأقاموا بعده المعتمد على الله قاله في العبر وقال ابن الفرات أرادوا أن يبايعوا المهتدي بالله على الخلافة فقال لا أقبل مبايعتكم حتى أسمع بأذني خلع المعتز نفسه فأدخلوه عليه فسلم عليه بالخلافة فقال لا أقبل مبايعتكم حتى اسمع بأذني خلع المعتز نفسه فأدخلوه عليه فسلم عليه بالخلافة وجلس بين يدي فقال له المراء ارتفع فقال لا أرتفع إلا أن يرفعني الله ثم قال للمعتز يا أمير المؤمنين خلعت أمر الرعية من عنقك طوعاً ورغبة وكل من كانت لك في عنقه بيعة فهو برىء منها فقال المعتز من الخوف نعم فقال خار الله لنا ولك يا أبا عبد الله ثم ارتفع حينئذ إلى صدر المجلس وكان أول من بايعه. وكان المهتدي ورعاً زاهداً صواماً لم تعرف له زلة وكان سهل الحجاب كريم الطبع يخاطب أصحاب الحوائج بنفسه ويجلس للمظالم ويلبس القميص الصوف الخشن تحت ثيابه على جلده وكان من العدل على جانب عظيم حبكى أن رجلاً من الرملة تظلم إلى المهتدي بالله من عاملها بأنصافه وكتب إليه كتاباً بخطه وختمه بيده وسلمه إلى الرجل وهو يدعو له فشاهد الرجل من رحمة المهتدي وبرهب الرعية وتوليته أمورهم بنفسه ما لم ير مثله فاهتز ووقع مغشياً عليه والمهتدي يعاينه فلما أفاق قال له المهتدي ما شأنك أبقيت لك حاجة قال ولا والله وكلني ما رجوت أن أعيش حتى أرى مثل هذا العدل فقال له المهتدي كما نفقت منذ خرجت من بلدك فقال أنفقت عشرين ديناراً فقال المهتدي أنا لله وإنا إليه راجعون كان الواجب علينا أن ننصفك وأنت في بلدك ولا نحوجك إلى تعب وكلفة وإذا أنفقت ذلك فهذه خمسون ديناراً من بيت المالك فأنى لا أملك مالا فخذها لنفقتك واجعلنا في حل من تعبك وتأخر حقك فبكى الرجل حتى غشى عليه ثانياً وبهت بعض الناس وبكى بعضهم فقال أحد الجماعة أنت والله يا أمير المؤمنين كما قال العشى:

( حكمتموه فقضى بينك * أبلج مثل القمر الزاهر )
( لا يقبل الرشوة في حكمه * ولا يبالي غبن الخاسر )

فقال المهتدي أما أنت فأحسن الله جزاءك وأما أنا فما رويت هذا الشعر ولا سمعت به ولكني أذ كر قول الله عز وجل ( ^ ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ) فما بقى في المجلس إلا من استغرق بالدعاء له بطول العمر ونفاذ الأمر وكان يقول ولم يكن الزهد في الدنيا والإيثار لما عند الله من طبعي لتكلفته فإن مصبي يقتضي لأني خليفة الله في أرضه والقائم مقام رسول الله النائب عنه في أمته وأنى لا ستحيي أن يكون لبني مروان عمر بن عبد العزيز وليس لبني العباس مثله وهم آل الرسول انتهى وفيها الزبير بن بكار الإمام أبو عبد الله الأسدي الزبيري قاضي مكة في 13 ذي القعدة سمع سفيان بن عيينة فمن بعده وصنف كتاب النسب ويغر ذلك وكان ثقة ولا يلتفت إلى من تكلم فيه كما قال ابن ناصر الدين وفيها ليلة عيد الفطر الإمام حبر الإسلام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة البخاري مولى الجعفين صاحب الصحيح والتصانيف ولد سنة أربع وتسعين ومائة وارتحل سنة عشر ومائتين فسمع مكي بن إبراهيم وأبا عاصم النبيل وأحمد بن حنبل وخلائق عدتهم ألف شيخ وكان من أوعية العلم يتوقد ذكاء ولم يخلف بعده مثله قاله في العبر وقال الحافظ عبد الغني في كتابه الكمال ما ملخصه محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن الغيرة بن بردزبة يكنى أبا عبد الله وبردزبة مجوسي مات عليها والمغيرة أسلم على يدي يمان البخاري وإلى بخارى ويمان هو أبو جد عبد الله بن محمد بن جعفر بن يمان وهذا هو الإمام أبو عبد الله الجعفي مولاهم البخارى صاحب الصحيح إمام هذا الشأن والمقتدى به فيه والمعول على كتابه بين أهل الإسلام رحل في طلب العلم إلى سائر محدثي الأمصار وكتب بخراسان والجبال ومدن العراق كلها وبالحجاز والشام ومصر قال ابن وضاح ومكى بن خلق سمعنا محمد بن إسماعيل يقول كتبت عن الف نفر من العلماء وزيادة ولم أكتب إلا عمن قال اٌيمان قول وعمل وعن أبي اسحق الريحاني أن البخاري كان يقول صنفت كتاب الصحيح بست عشرة سنة خرجته من ستمائة ألف حديث وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى وقال محمد ابن سليمان بن فارس سمعت أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري يقول رأيت النبي كأني واقف بين يديه وبيدي مروحة أذب عنه فسألت بعض العبرين فقال أنك تذب عنه الكذب فهو الذي حملني على إخراج الصحيح وقال أبو حامد أحمد بن حمدون الأعشى سمعت مسلم بن الحجاج يقول لمحمد بن إسماعيل البخاري لا يعيبك إلا حاسد واشهد أن ليس في الدنيا مثلك وقال أحمد بن حمدون الأعشى رأيت محمد بن إسماعيل في جنازة أبي عثمان سعيد بن مروان ومحمد بن يحيى يسأله عن الأسامي والكنى وعلل الحديث ويمر فيه محمد بن إسماعيل مثل السهم كأنه يقرأ قل هو الله أحد وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل سمعت أبي يقول ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل البخاري وروى أبو اسحق المستملي عن محمد بن يوسف الفربري أنه كان يقول سمع كتاب الصحيح من محمد بن إسماعيل تسعون ألف رجل وما بقى أحد يورى عنه غيري وقال محمد بن إسماعيل تسعون الف رجل وما بقى أحد يروى عنه غيري وقال محمد بن إسماعيل وقال بكر بن منير سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول أرجو أن ألقى الله عز وجل ولا يحاسبني أني اغتبت أحداً وقال عبد الواحد بن آدم الطواويسي رأيت النبي في النوم ومعه جماعة من أصحابه وهو واقف في موضع ذكره فسلمت عليه فرد السلام فقلت ما يوقفك يا رسول الله قال أنتظر محمد بن إسماعيل البخاري فلما كان بعد أيام بلغني موته فنظرنا فإذا هو قد مات في السماعة التي رأيت النبي فيها وقال بعد القدوس بن عبد الجبار السمرقندي جاء محمد بن إسماعيل إلى خرتنك قرية من قرى سمرقند على فرسخين وكان له أقرباء فنزل عليهم قال فسمعته ليلة من الليالي وقد فرغ من صلاة الليل يدعو ويقول الهم قد ضاقت على الأرض بما رحبت فاقبضني إليك قال فما تم الشهر عشرة ليلة خلت من شوال سنة أربع وتسعين ومائة وتوفي ليلة السبت عند صلاة العشاء ليلة الفطر ودفن يوم الفطر بعد صلاة الظهر لغرة شوال سنة ست وخمسين ومائتين وعاش اثنين وستين سنة إلا ثلاثة عشر يوماً انتهى مالخصته من الكمال. وقال ابن الأهدل بعد الإطناب في ذكره أجمع الناس على صحة كتابه حتى لو حلف حالف بطلاق زوجته ما في صحيح البخاري حديث مسند إلى رسول الله إلا وهو صحيح عنه كما نقله ما حكم بطلاق زوجته نقل ذلك غير واحد من الفقهاء وقروه ونقل الفوبري عنه قال ما وضعت في كتابي الصحيح حديثاً إلا وقد اغتسلت قبله وصليت ركعتين انتهى.

  • وفيها يحيى بن حكيم البصري المقوم أبو سعيد الحافظ سمع سفيان بن عيينة وغنذراً وطبقتهما قال أبو داود كان حافظاً متقناً.

سنة سبع وخمسين ومائتين

  • فيها وثب العلوى قائد الزنج على الأبلة فاستباحها وأحرقها وقتل بها نحو ثلاثين ألفاً فساق لحربه سعيد الحاجب فالتقوا فانهزم سعيد واستبحر القتل بأصحابه ثم دخلت الزنج البصرة وخربوا الجامع وقتلوا بها اثني عشر ألفاً فهرب باقي أهلها بأسوأ حال فخربت ودثرت وفيها قتل توفيل طاغية الروم قتله سيل الصقلبي وفيها توفي المحدث المعمر أبو على الحسن بن عرفة العبدي البغدادي المؤدب وله مائة وسبع سنين سمع إسماعيل بن عياش وطبقته وكان يقول كتب عني خمسة قرون قال النسائي لا بأس به وفيها زهير بن محمد بن قمير المروزي ثم البغدادي الحافظ سمع يعلى بن عبيد ورحل إلى عبد الرازق وكان من أولياء الله تعالى ثقة مأموناً قال البغوي ما رأيت بعد أحمد بن حنبل أفضل منه كان يختم في رمضان وفيها زيد بن أخزم الشهيد الطائي النبهاني البصري أبو طالب ثقة حدث عنه أصحاب الكتب إلا مسلماً وذبحته الزنج وفيها الحافظ أبو داود سليمان بن معبد السبخي المروزي روى عن النضر والرياشي أبو الفضل العباس بن الفرج قتلته الزنج بالبصرة ولثمانون سنة أخذ عن أبي عبيد ة ونحوه وكان إماماً في اللغة والنحو أخبارياً علامة ثقة خرج له أبو داود في سننه.
  • وفيها أبو سعيد الأشج عبد الله بن سعيد الكندي الكوفي الحافظ صاحب التصانيف في ربيع الأول وقد جاوز التسعين روى عن هشيم وبعد اله بن إدريس وخلق وكان ثقة حجة قال أبو حاتم هو إمام أ لزمانه وقال محمد بن أحمد الشوطي ما رأيت أحفظ منه.

سنة ثمان وخمسين ومائتين

فيها توجه منصور بن جعفر فالتقى الخبيث قائد الزنج وهو فقتل منصور في المصاف واستبيح ذلك الجيش فسار أبو أحمد الموفق أخو الخليفة في جيش عظيم فانهزمت الزنج وتقهقرت ثم جهز الموفق فرقة عليهم مفلح فالتقوا الزنج فقتل مفلح في المصاف وانهزم الناس وتحيز الموفق إلى الابلة فسير قائد الزنج جيشا عليهم يحي بن محمد فانتصر المسلمون وقتل في الوقعة خلق وأسروا يحي فأحرق بعد ما قتل ببغداد ثم وقع الوباء في جيش الموفق وكثر ثم كانت وقعة هائلة بين الزنج والمسلمين فقتل خلق من المسلمين وتفرق عن الموفق عامة جنده وفيها توفي أحمد بن بديل الإمام أبو جعفر اليامي الكوفي قاضي الكوفة ثم قاضي همذان روى عن أبي بكر بن عياش وطبقته وخرج له الترمذي وغيره وكان صالحا عادلا في أحكامه وكان يسمى راهب الكوفة لعبادته قال الدارقطني فيه لين وقال في المغني أحمد بن بديل الكوفي القاضي مشهور غير متهم قال ابن عدي يكتب حديثه مع ضعفه وقال النسائي لا بأس به انتهى وأبو علي أحمد بن حفص بن عبد الله السلمي النيسابوري قاضي نيسابور روى عن أبيه وجماعة وفيها أحمد بن سنان القطان أبو جعفر الواسطي الحافظ سمع أبو معاوية وطبقته وروى عنه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وصنف المسند وكتب عنه ابن حاتم وقال هو إمام أهل زمانه.

  • وفيها أحمد بن الفرات بن خالد بن مسعود الرازي الثقة أحد الأعلام في شعبان بأصبهان طوف النواحي وسمع أبا أسامة وطبقته وكان ينظر بأبي زرعة الرازي في لاحفظ وصنف المسند والتفسير وقال كتبت ألف ألف وخمسمائة ألف حديث ومحمد بن سنجر أبو عبد الله الجرجاني الحافظ صاحب المسند في ربيع الأول بصعيد مصر سمع أبا نعيم وطبقته وكان ثقة خيرا ومحمد بن عبد الملك بن زنجويه أبو بكر الحافظ البغدادي الغزال مات في جمادى الآخرة ببغداد وكان ثقة رحل إلى عبد الرزاق فأكثر عنه وصنف ومحمد بن يحي بن عبد الله بن خالد بن فارس أبو عبد الله الذهلي النيسابوري أحد الأئمة الأعلام الثقات سمع عبد الرحمن وطبقته وأكثر الترحال وصنف التصانيف وكان الإمام أحمد يجله ويعظمه قال أبو حاتم كان إمام أهل زمانه وقال أبو بكر بن أبي داود هو أمير المؤمنين في الحديث ويحي بن معاذ الرازي الزاهد حكيم زمانه وواعظ عصره توفي في جمادى الأولى بنيسابور وقد روى عن إسحاق بن سليمان الرازي وغيره وقال السلمي في طبقات الأولياء يحي بن معاذ بن جعفر الرازي الواعظ تكلم في علم الرجال فأحسن الكلام فيه وكانوا ثلاثة إخوة يحيى وإبراهيم وإسماعيل أكبرهم سنا إسماعيل ويحي أوسطهم وإبراهيم أصغرهم ولكلهم كانوا زهادا وأخوه إبراهيم خرج معه إلى خراسان وتوفي بين نيسابور وبلخ وأقام يحي ببلخ مدة ثم خرج إلى نيسابور ومات بها ومن كلامه من استفتح باب المعاش بغير مفاتيح الأقدار وكل إلى المخلوقين وقال العبادة حرفة وحوانيتها الخلوة وآلاتها المخادعة ورأس مالها الاجتهاد بالسنة وربحها الجنة وقال الصبر على الخلق من علامات الاخلاص وقال الدنيا دار الأشغال والآخرة دار الأهوال ولا يزال العبد مترددا بين الأشغال والأهوال حتى يستقر به القرار أما إلى جنة وإما إلى نار وقال على قدر حبك لله يحبك الخلق وعلى قدر خوفك من الله يهابك الخلق وعلى قدر شغلك بالله يشتغل في أمرك الخلق وسئل عن الرقص فقال
( دققنا الأرض بالرقص * على غيب معانيكا )
( ولا عيب على رقص * لعبد هائم فيكا )
( وهذا دقنا للأر * ض إذ ظفنا بواديكا )

انتهى ملخصاً

  • وفيها الفضل بن يعقوب الرخامي العالم الفاضل العلم الثقة.

سنة تسع وخمسين ومائتين

  • كان طاغية الزنج قد نزل البطيحة وشق حوله الأنهار وتحصن فهجم عليه الموفق فقيل من أصحابه خلقاً وحرق أكواخه واستنفذ من النساء خلقاً كثيراً فسار الخبيث إلى الأهواز ووضع السيف في الأمة فقتل خمسين ألفا وسبى مثلهم فسار لحربه موسى بن بغا فحاربه بضعة عشر شهرا وقتل خلق من الفريقين وفيها نزلت الروم لعنهم الله على ملطية فخرج أحمد القابوس في أهلها فالتقى الروم فقتل مقدمتهم الافريطشي فانهزموا ونصر الله المسلمين وفيها استفحل أمر يعقوب بن الليث الصفار ودوخ الممالك واستولى على إقليم خراسان وأسر محمد بن طاهر أمير خراسان وفيها توفي أحمد بن إسماعيل حذافة السهمي المدني صاحب مالك ببغداد وهو في عشر المائة ضعفه الدارقطني وغيره وهو آخر من حدث عن مالك وقال ابن عدي حدث بالبواطيل وفيها الإمام إبراهيم بن يعقوب أبو إسحاق الجوزجاني صاحب التصانيف سمع الحسين بن علي الجعفي وشبابة وطبقتهما وكان من كبار العلماء ونزل دمشق وجرح وعدل وهو من الثقات وحجاج بن يوسف الشاعر ابن حجاج الثقفي البغدادي أبو محمود الحافظ الكبير الثقة أحد الإثبات سمع عبد الرازق وطبقه وفيها عبا سويه وهو العباس بن يزد بن أبي حبيب أبوا لفضل البحراني البصري صدوق ثبت ثقة وفيها حيويه وهو محمد بن يحيى بن موسى الأسفرائي الحافظ محدث اسفرائين في ذي الحجة سمع سعيد بن عامر الضبعي وطبقته وبه تخرج الحافظ أبو عوانة وفيها اسحق بن إبراهيم بن موسى العصار الوزدولي أحد الثقات الأخيار وفيها الحافظ أبو الحسن محمود بن سميع الدمشقي صاحب الطبقات وأحد الأثبات سمع إسماعيل بن أبي أويس وطبقته قال أبو حاتم ما رأيت بدمشق أكيس منه.

سنة ستين ومائتين

وفيها كما قال في الشذور بلغ كر الحنطة مائة وخمسين ديناراً وأدم اشهرها فيها صال يعقوب بن الليث وجال وهزم الشجعان والأبطال وترك الناس بأسوأ حال ثم قصد الحسن بن زيد العلوي صاحب طبرستان فالتقوا فانهزم العلوي وتبعه يعقوب في تلك الجبال فنزلت على يعقوب كسرة سماوية ونزل على أصحابه ثلج عظيم حتى أهلكهم ورجع غلى سجستان بأسوأ حال وقد عدم من جيوشه أربعون ألفاً وذهبت عامة خيله وأثقاله وفيها توفي الإمام أبو علي الحسن بن محمد الصباح الزعفراني الفقيه الحافظ صاحب الشافعي ببغداد روى عن سفيان بن عيينة وطبقته وكان من أذكياء العلماء وروى عنه البخاري وأبو داود والترمذي وغيرهم ونسبته إلى زعفرانه قرية قرب بغداد ودرب الزعفران ببغداد الذي فيه مسد الشافعي ينسب غل هذا الإمام قال الشيخ أبو إسحق في طبقاته كنت أدرس فيه والزعفراني وأحمد بن حنبل وأبو ثور والكرابيسي رواة قديم الشافعي وروى الجديد المزني وحرملة والبويطي ويونس بن عبد الأعلى والربيع الجيزى والربيع المرادى والزعفراني هذا عدة مصنفات وفيها الحسن بن علي بن محمد بن عبد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق العلوي الحسيني أحد الاثني عشر الذين تعتقد الرافضة فيهم العصمة وهو والد المنتظر محمد صاحب السرداب وفيها حسين بن إسحاق الشعراني شيخ الأطباء بالعراق ومعرب الكتب اليونانية ومؤلف المسائل المشهورة وفيها ملك بن طوق الثعلبي أمير عرب الشام وصاحب الرحبة وبانيها.

سنة إحدى وستين ومائتين

فيها كانت الفتن تغلي وتستعر بخراسان بيعقوب بن الليث وبالأهواز بقائد الزنج وتمت لهما حروب وملاحم وفيهاتوفي أحمد بن سليمان الرهاوي الحافظ أحد الأئمة طوف وسمع زيد ابن الحباب وأقرانه وهو ثقة ثبت وفيها أحمد بن عبد الله بن صالح أبو الحسن العجلي الكوفي نزيل طرابلس المغرب وصاحب التاريخ والجرح والتعديل وله ثمانون سنة نزح إلى المغرب أيام محنة القرآن وسكنها روى عن حسين الجعفي وشبابة وطبقتهما قال ابن ناصر الدين كان إماما حافظا قدوة من المتقنين وكان يعد كأحمد بن حنبل ويحي بن معين وكتابه في الجرح والتعديل يدل على سعة حفظه وقوة باعه الطويل انتهى وفيها أبو بكر الأثرم أحمد بن محمد بن هانئ الطائي الحافظ الثبت الثقة أحد الأئمة المشاهير روى عن أبي نعيم وعفان وصنف التصانيف وكان من أذكياء الأمة قال ابن أبي يعلى في طبقاته أحمد بن محمد بن هانئ الطائي ويقال الكلبي الأثرم الإسكافي أبو بكر جليل القدر حافظ إمام سمع حرمي بن حفص وعفان ابن مسلم وأبا بكر بن أبي شيبة وعبد الله بن مسلمة القعنبي وإمامنا في آخرين. نقل عن إمامنا مسائل كثيرة وصنفها ورتبها أبوابا وروى عن الإمام قال سمعت أبا عبد الله يسأل عن المسح على العمامة قيل له تذهب إليه قال نعم قال أبو عبد الله ثبت من خمسة وجوه عن النبي كنت أحفظ الفقه والاختلاف فلما صحبت أحمد بن حنبل تركت ذلك كله وكان معه تيقظ عجيب حتى نسبه يحي ابن معين ويحي بن أيوب المقابري فقالا أحد أبوي الأثرم جنى وقال أبو القاسم ابن الجبلي قدم رجل فقال أريد رجلا يكتب لي من كتاب الصلاة ما ليس في كتب أبي شيبة قال فقلنا له ليس لك إلا أبو بكر الأ ثرم قال فوجهوا غليه ورقاً فكتب ستمائة ورقة من كتاب الصلاة قال فنظرنا فإذا ليس في كتاب ابن أبي شيبة منه شىء وقال الحسي بن علي بن عمر الفقيه قدم شيخان من خراسان للحج فحدثا فلما خرجا طلب قوم من أصحاب الحديث والمستملى وقعد الآخر ناحية وقعد الأثرم بينهما فكتب ما أملى هذا وما أملى هذا وقال الأثرم كنت عند خلف البزار يوم جمعة فلما قمنا من المجلس صرت إلى قرب الفرات فأردت أن اغتسل للجمعة فغرقت فلم أجد شيئاً أتقرب به إلى الله عز وجل أكثر عندي من أنقلت اللهم أن نجيتني لا توبن من صحبة حارث يعني المحاسبي قال الأثرم كان حارث في عرس لقوم فجاء يطلع على النساء من فوق الدار ابزين ثم ذهبت يخرجه يعني رأسه فلم يستطع فقيل له لم فعلت هذا فقال أردت أن اعتبر بالحور العين انتهى ملخصاً وفيها حاشد بن إسماعيل بن عيسى البخاري الحافظ بالشاش من إقليم الترك روى عن عبيد الله بن موسى ومكى بن إبراهيم وكان ثبتاً إماماً والحسن بن سليمان أبو علي البصري المعروف بقبيطة كان حافظاً ثقة إماماً نبيلاً والحسن بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب الأموي قاضي المعتمد (2/142) ________________________________________ 143 وكان أحد الأجواد الممدحين وفيها شعيب بن أيوب أبو بكر الصيرفي مقرئ واسط وعالمها قرأ على يحي ابن آدم وسمع من يحي القطان وطائفة وكان ثقة وأبو شعيب السوسي صالح بن زياد مقرئ أهل الرقة وعالمهم قرأ على يحي وروى عن عبد الله بن نمير وطائفة وتصدر لللإقراء وحمل عنه طوائف قال أبو حاتم صدوق وأبو يزيد البسطامي العارف الزاهد المشهور واسمه طيفور بن عيسى وكان يقول إذا نظرتم إلى رجل أعطى من الكرامات حتى يرتفع في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الشريعة قال أبو عبد الرحمن السلمي في طبقاته طيفور بن عيسى بن سروسان البسطامي وسروسان كان مجوسيا فأسلم وكانوا ثلاثة اخوة آدم أكبرهم وطيفور أوسطهم وعلي أصغرهم وكلهم ذكانوا زهادا عبادا ومات عن ثلاث وسبعين سنة وهو من قدماء مشايخ القوم له كلام حسن في المعاملات ويحكى عنه في الشطح أشياء منها ما لا يصح ويكون مقولا عليه قال أبو يزيد من م ينظر إلى شاهدي بعين الاضطرار وإلى أوقاتي بعين الاغترار وإلى أحوالي بعين الاستدراج وإلى كلامي بعين الافتراء وإلى عبراتي بعين الاجتراء وإلى نفسي بعين الازدراء فقد أخطأ النظر في ذكرت لأبي عثمان المغربي هذه الحكاية فقال لم أسمع لأبي يزيد حكاية أحسن منها وإنما تكلم عن عين الفناء أي قوله سبحاني وقال أبو يزيد لو صفا لي تهلية ما باليت بعدها بشيء وكتب يحي بن معاذ لأبي يزيد سكرت من كثرة ما شربت من كأس محبته فكتب إليه أبو يزيد في جوابه سكرت وما شربت من الدور وغيرك قد شرب بحور السموات والأرض وما روى بعد ولسانه خارج من العطش ويقول هل من مزيد وقال الجنيد كل الخلق يركضون فإذا بلغوا ميدان أبي يزيد هملجوا وكان أبو يزيد إذا ذكر الله يبول الدم وحكى عنه أنه قال نوديت في سري فقيل لي خزائننا مملؤة (2/143) ________________________________________ 144 من الخدمة فإن أردتنا فعليك بالذل والافتقار وحكى عنه صاحبه أبو بكر الأصبهاني أنه أذن مرة فغشى عليه فلما أفاق قال العجب ممن لا يموت إذا أذن انتهى ملخصا وفيها الإمام مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد كرشان القشيري النيسابوري صاحب الصحيح أحد الأئمة الحفاظ وأعلام المحدثين رحل إلى الحجاز والعراق والشام وسمع يحي بن يحي النيسابوري وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وعبد الله ابن مسلمة وغيرهم وقدم بغداد غير مرة فروى عنه أهلها وآخر قدومه إليها في سنة تسع وخمسين ومائتين وروى عنه الترمذي وكان من الثقات المأمونين قال محمد الماسرجسي سمعت مسلم بن الحجاج يقول صنفت هذا المسند الصحيح من ثلثمائة ألف حديث مسموعة وقال الحافظ أبو علي النيسابوري ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم في علم الحديث وقال الخطيب البغدادي كان مسلم يناضل عن البخاري حتى أوحش ما بينه وبين محمد بن يحي الذهلي بسببه وقال أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ لما استوطن البخاري وما وقع في مسئلة اللفظ فنادى عليه ومنع الناس من الاختلاف إليه حتى هجر وخرج من نيسابور في تلك المحنة وقطعه أكثر الناس غير مسلم فإنه لم يتخلف عن زياراته فأنهى إلى محمد بن يحي أن مسلم بن الحجاج على مذهبه قديما وحديثا وأنه عوتب على ذلك بالحجاز والعراق ولم يرجع عنه فلما كان مجلس محمد بن يحي قال في آخر مجلسه إلا من قال باللفظ فلا يحل له أن يحضر مجلسنا فأخذ مسلم الرداء فوق عمامته وقام على رؤوس الناس وخرج عن مجلسه وجمع كل ما كتب منه وبعث به على ظهر حمال إلى باب محمد بن يحي فاستحكمت بذلك الوحشة وتخلف عنه وعن زياراته ومحمد هذا هو محمد بن يحي بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب الذهلي النيسابوري كان أحد الحفاظ الأعيان روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي (2/144) ________________________________________ 145 وابن ماجه وكان ثقة مأمونا وكان سبب الوحشة بينه وبين البخاري أنه لما دخل البخاري مدينة نيسابور شنع عليه محمدبن يحي في مسئلة خلق اللفظ وكان قد سمع منه فلم يمكنه ترك الرواية عنه وروى عنه في الصوم والطب والجنائز والعتق وغير ذلك مقدار ثلاثين موضعا ولم يصرح باسمه لا يقول حدثنا محمد بن يحي الذلي بل يقول حدثنا محمد ولا يزد عليه أو يقول محمد ابن عبد الله وينسبه لجد أبيه انتهى من ابن خلكان ملخصا قل وقد مرت ترجمة محمد المذكور والله أعلم وقال في العبر مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري الحافظ أحد أركان الحديث وصاحب الصحيح وغير ذلك في رجب وله ستون سنة وكان صاحب تجارة بخان بحمس بنيسابور وله أملاك وثروة وقد حج سنة عشرين ومائتين فلقى القعنبي وطبقته سنة اثنتين وستين ومائتين لما عجز المعتمد على الله عن يعقوب بن الليث كتب إليه بولاية خراسان وجرجان فلم يرض حتى يوافى باب الخليفة وأضمر في نفسه الاستيلاء على العراق والحكم على المعتمد فتحول عن سامرا إلى بغداد وجمع أطرافه تهيأ للملتقى وجاء يعقوب فقدم المعتمد أخاه الموفق بجمهرة الجيش فالتقيا في رجب واشتد القتال فوقعت الهزيمة على الموفق ثم ثبت وأسرعت الكسرة على أصحاب يعقوب فولوا الأدبار واستبيح عسكرهم وكسب أصحاب الخليفة ما لا يحد ولا يوصف وخلصوا محمد بن طاهر وكان مع يعقوب في القيود ودخل يعقوب إلى فارس وخلع المعتمد على محمد بن طاهر أمير خراسان ورده إلى عمله وأعطاه خمسمائة ألف درهم وعاث جيوش الخبيث عند اشتغال العساكر فنهبوا البطيحة وقتلوا وأسروا فسار عسكر لحربهم فهزمهم وقتل منهم مقدم كبير يعرف بالصعلوك (2/145) ________________________________________ 146 وفيها توفي عمر بن شبة أبو زيد النميري البصري الحافظ العلامة الأخباري الثقة صاحب التصانيف حدث عن عبد الوهاب الثقفي وغندر وطبقتهما وكان ثقة وشبة لقب أبيه واسمه زيد لقب بذلك لأن أمه كانت ترقصه وتقول ( يا رب ابني شبا وعاش حتى دبا شيخا كبيرا حبا ) كذا رواه محمد بن إسحاق السراج عن عمر بن شبة وفيها أبو سيار محمد بن عبد الله بن المستورد أبو بكر البغدادي يعرف بأبي سيار ثقة خير قاله ابن ناصر الدين وفيها وجزم ابن ناصر الدين أنه في التي قبلها محمد بن الحسين بن إبراهيم ابن الحر بن زعلان العامري أبو جعفر بن اشكاب البغدادي حدث عنه عدة منهم البخاري وأبو داود والنسائي وكان صدوقا حفظا ثقة وفيها محمد بن عاصم الثقفي أبو جعفر الأصبهاني العابد سمع سفيان بن عيينة وأبا أسامة وطبقتهما قال إبراهيم بن أرومة ما رأيت مثل ابن عاصم ولا رأى مثل نفسه وفيها يعقوب بن شيبة السدوسي البصري الحافظ أحد الأعلام وصاحب المسند المعلل الذي ما صنف أحد أكثر منه ولم يتمه وكان سربا محتشما عين لقضاء القضاة ولحقه على ما خرج من المسند نحو عشرة آلاف مثقال وكان صدوقا قاله في العبر وقال ابن ناصر الدين ( يعقوب نجل شيبة بن صلت * سادهم رواية بثبت ) وقال في شرحها ابن صلت بن عصفور أبو يوسف السدوسي البصري نزيل بغداد ثقة انتهى.

سنة ثلاث وستين ومائتين

  • فيها توفي أحمد بن منيع بن سليط أبو الأزهر النيسابوري الحافظ وقيل سنة إحدى وستين رحل وسمع أبا ضمرة أنس بن عياض وطبقته ووصل إلى اليمن قال النسائي لا بأس به قال ابن ناصر الدين كان حافظا صدوقا من المهرة أنكر عليه ابن معين أربعين حديثا ثم عذره انتهى وفيها الحسن بن أبي الربيع الجرجاني الحافظ ببغداد سمع أبا يحي الحماني ورحل إلى عبد الرزاق وأقرانه وفيها الوزير عبيد الله بن يحي بن خاقان وزير المتوكل وقد نفاه المستعين إلى برقة ثم قدم بعد المستعين فوزر للمعتمد إلى أن مات وفيها محمد بن علي بن ميمون الرقي العطار الحافظ روى عن محمد بن يوسف الفرياني والقعنبي وأقرانهما قال الحاكم كان إمام أهل الجزيرة في عصره ثقة مأمون وفيها معاوية بن صالح الحافظ أبو عبيد الله الأشعري الدمشقي روى عن عبيد الله بن موسى وأبي مسهر وسأل يحي بن معين وتخرج به.

سنة أربع وستين ومائتين

  • فيها أغارت الزنج على واسط وهج أهلها حفاة عراة ونهبت ديارهم وأحرقت فسار لحربهم الموفق وفيها غزا المسلمون الروم وكانوا أربعة آلاف عليهم ابن كاوس فلما نزلوا البديدون تبعتهم البطارقة وأحدقوا بهم فلم ينج منهم إلا خمسمائة واستشهد الباقون وأسر أميرهم جريحا وفيها مات الأمير موسى بن بغا الكبير وكان من كبار القواد وشجعانهم كأبيه وفيها أحمد بن عبد الرحمن بن وهب أبو عبيد الله المصري المحدث روى الكثير عن عمه عبد الله وله أحاديث مناكير وقد احتج به مسلم قاله في العبر وفيها أحمد بن يوسف السلمي النيسابور ي الحافظ أحد الأثبات ويلقب حمدان كان ممن رحل إلى اليمن وأكثر عن عبد الرازق وطبقته وكان يقول كتبت عن عبيد الله بن موسى ثلاثين ألف حديث وكان ثقة وفيها المزني الفقيه أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل المصري صاحب الشافعي في ربيع الأول وهو في عشر التسعين قال الشافعي المزني ناصر مذهبي وكان زاهدا عابدا يغسل الموتى حسبة صنف الجامع الكبير والصغير ومختصره مختصر المزني والمنثور والمسائل المعتبرة والترغيب في العلم وكتاب الوثائق وغيرها وصلى لكل مسئلة في مختصره ركعتين فصار اصل الكتب المصنفة في المذهب وعلى منواله رتبوا ولكلامه فسروا وشرحوا وكان مجاب الدعوة عظيم الورع حكى عنه أنه كان إذا فاتته الجماعة صلى منفرداً خمساً وعشرين مرة ولم يتقدم عليه أحد من أصحاب الشافعي وهو الذي تولى غسله يوم مات قيل وعاونه الربيع ودفن إلى جنبه بالقارفة الصغرى ونسبته إلى مزينة بنت كلب بن وبرة أم القبيلة المشهورة انتهى وفيها أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم القرشي مولاهم الرازي الحافظ أحد الأئمة الأعلام في آخر يوم من السنة رحل وسمع من أبي نعيم والقعنبي وطبقتهما قال أبو حاتم لم يخلف بعده مثله علماً وفقهاً وصيانة وصدقاً وهذا مالا يرتاب فيه ولا أعلم في المشرق والمغرب من كان يفهم هذا الشأن مثله وقال اسحق بن راهويه كل حديث لا يحفظه أبو زرعة ليس له أصل وقال محمد بن مسلم حضرت أنا وأبو حاتم عند أبي زرعة والثلاثة رازيون فوجدناه في النزع فقلت لأبي حاتم إني لأستحي من أبي زرعة أن ألقنه الشهادة ولكن تعال حتى نتذاكر الحديث لعله إذا سمعه يقول فبدأت فقلت حدثني محمد بن بشار أنبأنا أبو عاصم النبيل أنا عبد الحميد بن جعفر فأرتج على الحديث كأني ما سمعته ولا قرأته فبدأ أبو حاتم فقال حدثنا محمد بن بشار أنا أبو عاصم النبيل أنا عبد الحميد بن جعفر عن صالح بن أبي عريب عن

(2/148) ________________________________________ 149 كثير بن مرة عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله من كان آخر كلامه لا إله إلا الله فخرجت روحه مع الهاء قبل أن يقول دخل الجنة وقال محمد أبو العباس المراودي رأيت أبا زرعة في المنام فقلت ما فعل الله بك فقال لقيت ربي عز وجل فقال يا أبا زرعة إني أوتي بالطفل فآمر به إلى الجنة فكيف بمن حفظ السنن على عبادي فأقول له تبوأ من الجنة حيث شئت قال ورأيته مرة أخرى يصلي بالملائكة في السماء الرابعة فقلت يا أبا زرعة بم نلت أن تصلى بالملائكة قال برفع اليدين وفيها يونس بن عبد الأعلى الإمام أبو موسى الصدفي المصري الفقيه المقرىء المحدث وله ثلاث وتسعون سنة روى عن ابن عيينة وابن وهب وتفقه على الشافعي وكان الشافعي يصف عقله وقرأ القرآن على ورش وتصدر للأقراء والفقه وانتهت إليه مشيخة بلده وكان ورعاً صالحاً عابداً كبير الشأن قال ابن ناصر الدين كان ركناً من أركان الإسلام.

سنة خمس وستين ومائتين

  • فيها توفي أحمد بن الخصيب الوزير أبو العباس وزر لمنتصر وللمستعين ثم نفاه المستعين إلى المغرب وكان أبوه أمير مصر في دولة الرشيد وفيها أحمد بن منصور أبو بكر الرمادي الحافظ ببغداد وكان أحد من رحل إلى عبد الرازق وثقة أبو حاتم وغيره وقال ابن ناصر الدين كان حافظاً عمدة وفيها إبراهيم بن هانىء النيسابوري الثقة العباد رحل وسمع من يعلى بن عبيد وطبقته قال أحمد بن حنبل إن كان أحد من الأبدال فإبراهيم بن هانىء وفيها سعدان بن نصر أبو عثمان الثقفي البغدادي البزار رحل في الحديث وسمع من ابن عيينة وأبى معاوية والكبار ووثقه الدارقطني وفيها صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام أبو الفضل قاضي أصبهان في رمضان وله اثنتان وستون سنة سمع من عفان وطبقته وتفقه على أبيه قال ابن أبي حاتم صدوق وفيها على بن حرب أبو الحسن الطائي الموصلي المحدث الأخباري صاحب المسند في شوال سمع ابن عيينة والمحابي وطبقتهما وعاش تسعين سنة وتوفي قبله أخوه أحمد بن حرب بسنتين وفيها أبو حفص النيسابوري الزاهد شيخ خراسان واسمه عمر بن مسلم وكان كبير القدر صاحب أحوال وكرامات وكان عجباً في الجود والسماحة وقد نفذ مرة بضعة عشر ألف دينار يستفك بها السارى وبات وليس له عشاء وكان يقول ما استحق اسم السخاء من ذكر العطاء أو لمحه بقلبه وقال حسن أدب الظاهر عنوان أدب الباطن والفتوة أداء الإنصاف وترك طلب الإنتصاب ومن لم يرب أفعاله وأحواله كل وقت بالكتاب والسنة ولميتهم خواطره فلا تعده من الرجال والإمام محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضى موسى الكظم بن جعفر الصادق العلوي الحسيني أبو القاسم الذي تلقبه الرافضة بالخلف وبالحجة وبالمهدي وبالمنتظر وبصاحب الزمان وهو خاتمة الإثني عشر إماماً عندهم ويلقبونه أيضاً بالمتظر فإنهم يزعمون أنه أتى السرداب بسامرا فاختفى وهم ينتظرونه إلى الآن وكان عمره لما عدم تسع سنين أو دونها وضلال الرافضه ما عليه مزيد قاتلهم الله تعالى وفيها العلامة محمد بن سحنون المغربي المالكي مفتي القيروان تفقه على أبيه وكان إماما مناظراً كثير التصانيف معظما بالقيروان خرج له عدة أصحاب وما خلف بعده مثله وفيها يعقوب بن الليث الصفار الذي غلب على بلاد الشرق وهزم الجيوش وقام بعده أخوه عمرو بن الليث وكانا شابين صفارين فيهما شجاعة مفرطة فصحبا صالح بن النضر الذي كان يقاتل الخوارج بسجستان فآل أمرهما إلى الملك فسبحان من له الملك ومات يعقوب بالقولنج في شوال بجناي سابور وكتب على قبره هذا قبر يعقوب المسكين وقيل أن الطيب قال له لادواء لك إلا الحقنة فامتنع منها وخلف أموالاً عظيمة منها من الذهب ألف ألف دينار ومن الدراهم خمسين ألف ألف درهم وقام بعده أخوه بالعدل والدخول في طاعة الخليفة وامتدت أيامه سنة ست وستين ومائتين فيها أخذت الزنج رامهر مز فاستباحوها قتلاً وسبيا وفيها خر ج أحمد بن عبد الله السجستاني وحارب عمرو بن الليث الصفار فظهر عليه ودخل نيسابور فظلم وعسف وفيها خرجت جيوش الروم ووصلت إلى الجزيرة فعاثوا وأفسدوا المحدثين في ذي الحجة ببغداد روى عن عباس العنبري وطبقته ومات قبل أوان الرواية قال ابن ناصر الدين فاق أهل عصره في الذكاء والحفظ ومحمد بن شجاع بن الثلجي فقيه العراق وشيخ الحنيفة سمع من إسماعيل ابن علية وتفقه بالحسن بن زياد اللؤلؤى وصنف اشتغل وهو متروك الحديث توفي ساجداً في صلاة العصر وله نحو من تسعين سنة قاله في العبر وقال في المغني محمد بن شجاع بن الثلجي الفقيه قال ابن عدي كان يضع الأحاديث في التشبيه ينسبها إلى أصحاب الحديث يلثبهم بذلك وفيها محمد بن عبد الملك بن مروان أبو جعفر الدقيقي الواسطي في شوال روى عن يزيد بن هارون وطبقته وكان إماماً ثقة صاحب حديث.

سنة سبع وستين ومائتين

  • فيها دخلت الزنج واسطاً فاستباحوها ورموا النار فيها فسار لحربهم أبو العباس وهو المعتضد فكسرهم ثم التقاهم ثانياً بعد أيام فهزمهم ثم واقعهم ونازلهم وتصابروا على القتال شهرين فذلوا ووقع في قلوبهم رعب من أبي العباس بن الموفق ولجأوا إلى الحصون وحربهم في المراكب فغرق منهم خلق ثم جاء أبوه الموفق في جيش لم ير مثله فهزموا هذا وقائدهم العلوى غائب عنهم فلما جائته الأخبار بهزيمة جنده مرات ذل واختلف إلى الكنيف مراراً وتقطعت كبده ثم زحف عليهم أبو العباس وجرت له محروب يطول شرحها إلى أن برز الخبيث قائد الزنج بنفسه في ثلثمائة ألف فارس وراجل والمسلمون في خمسين ألفاً ونادى الموفق بالأمان فأتاه خلق ففت ذلك في عضد الخبيث ولم تجر وقعة لأن النهر فصل بي الجيشين قاله في العبر وقال في الشذور حراب أبو أحمد الموفق الزنج وكان بعض لطلب الدنيا قد استغوى جماعة من المماليك وقال إنكم في العذاب والخدمة فتخلصوا فصاروا يهبون البلاد ويقتلون البعاد فجاءبهم الموفق فاستنقذ من أيديهم زهاء خمسة عشر ألف امرأة من المسلمات كانوا قد تغلبوا عليهن فجئن منهم بالأولاد انتهى وفيها توفي إسماعيل بن عبد الله الحافظ أبو بشر العبدي الأصبهاني سموية سمع بكر بن بكار وأبا مسهر وخلقاً من هذه الطبقة قال أبو الشيخ كان حافظاً متقناً يذاكر بالحديث وقال ابن ناصر الدين ثقة وفيها المحدث اسحق بن إبراهيم الفارسي سادان في جمادى الآخرة بشيراز روى عن جده قاضي شيراز سعد بن الصلت وطائفة وثقة ابن حبان وفيها بحر بن نصر بن سابق الخلاني المصري سمع ابن وهب وطائفة وكان أحد الثقات الإثبات روى النسائي في جمعه لمسند مالك عن رجل عنه وفيها حماد بن اسحق بن إسماعيل الفقيه أبو إسماعيل القاضي وأخو

(2/152) ________________________________________ 153 إسماعيل القاضي تفقه على أحمد بن محمد المعذل وحدث عن القعنبي وصنف التصانيف وكان بصيراً بمذهب مالك وفيها عباس البرقفي ببغداد أحد الثقات العباد سمع محمد بن يوسف الفربابي وطبقته وفيها عبد العزيز منيب أبو الدرداء المروزي الحافظ رحل وطوف وحدث عن مكي بن إبراهيم وطبقته وفيها محمد بن عزيز الأيلي بأيلة روى عن سلامة بن روح ويغره قال في المغني قال النسائي صويلح وقال أبو أحمد الحاكم فيه نظر انتهى ويحي بن محمد بن يحيى أبو عبد الله الذهلي الحافظ شيخ نيسابور بعد أبيه ويقال له حيكان رحل وسمع من سليمان بن حرب وطبقته وكان أمير المطوعة المجاهدين ولما غلب أحمد الحجستاني على نيسابور وكان طلوماً غشوماً فخرج منها هارباً فخافت النيسابوريون كرته فاجتمعوا على باب حيكان وعرضوا في عشرة آلاف مقاتل فرد إليهم أحد فانهزموا واختفى حيكان وصحب قافلة ولبس عباءه فعرف وأتى به إلى أحمد فقتله قال ابن ناصر الدين هو ثقة وفيها يونس بن حبيب أبو بشر العجلي مولاهم الأصبهاني راوى مسند الطيالسي كان ثقة ذا صلاح وجلالة سنة ثمان وستين ومائتين فيها غزا نائب الثغور الشامية خلف التركي الطولوني فقتل من الروم ببضعة عشر ألفاً وغنموا غنيمة هائلة حتى بلغ السهم أربعين ديناراً وفيها كان المسلمون يحاصرون الخبيث مقدم الزنج فيم دينته المساماة بالمختارة (2/153) ________________________________________ 154 وفيها توفي الإمام محدث مرو أحمد بن سيار المروزي الحافظ مصنف تاريخ مرو في منتصف شهر ربيع الآخرة ليلة الإثنين سمع اسحق بن راهيويه وعفان وطبقتهما وكان يشبه في عصره بابن المبارك علما وزهداُ وكان صاحب وجه في مذهب الإمام الشافعي نقل عنه الرافعي أنه أوجب الأذان لجمعة دون غيرهما وأن الواجب من الأذانين لها هو الذي يفعل بين يدي الخطيب وفيها أبو عبد المؤمن أحمد بن شيبان الرملي في صفر روى عن أبن عيينة وجماعة ووثقة الحاكم وقال ابن حبان يخطىء وأحمد بن يونس الضبي الكوفي بأصبهان روى عن حجاج الأعور وطبقته وكان ثقة محتشماً وفي شوال أحمد بن عبد الله الحجستاني كان من أمراء يعقوب الصفار وكان جباراً عنيداً خرج على يعقوب وأخذ نيسابور وله حروب ومواقف مشهورى دبة غلمانه وقد سكر وفيها عيسى بن أحمد العسقلاني الحافظ وهو بغدادي نزل عسقلان محلة ببلخ روى عن ابن وهب وبقية وطبقتهما ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم الإمام أبو عبد الله المصري مفتي الديار المصرية تفقه بالشافعي وأشهب وروى عن ابن وهب وعدة قال ابن خزيمة ما رأيت أعرف بأقاويل الصحابة والتابعين منه وله مصنفات كثيرة وتوفي في نصف ذي القعدة.

سنة تسع وستين ومائتين

فيها ظفر المسلمون بدينة الخبيث وحصروه في قصره فلصاب الموفق سهم فتألم منه ورجع بالجيش حتى عوفى فحصن الخبيث مدينته وبنى ما تهدم وفيها تخيل المعتمد على الله من أخيه الموفق ولا ريب في أنه كان مقهوارً (2/154) ________________________________________ 155 مع الموفق فكاتب أحمد بن طولون اتفقا وسافر المعتمد في خواصه من سامراً يريد اللحاق بابن طولون في صورة متنزه متصيد فجاء كتاب الموفق غلى اسحق بن كنداخ يقول متى اتفق ابن طولون مع المعتمد لم يبق منكم باقية وكان إسحق على نصيبين في أربعة آلاف فبادر إلى الموصل فإذا بحراقات المعتمد وأمراؤه فوكل بهم وتلقى المعتمد بي الموصل والحديثه فقال يا إسحق لم منعت الحشم الدخول إلى الموصل فقال أخوك يا أمير المؤمنين في وجه العدو وأنت تخرج من مستقرك فمتى علم رجع عن قتال الخبيث في غلب عدوك على دار آبائك ثم كلم المعتمد بكلام قوى ووكل به وساقه وأصحابه إلى سامرا فتلقاه صاعد كاتب الموفق فتسلمه من إسحق وأنزله في دار أحمد بن الخصيب ومنعه من دخول دار لخلافة ووكل بالدار خمسمائة يمنعون من يدخل إليه وبقى صاعد يقف في خدمته ولكمن ليس له حل ولا ربط وأما إبن طولون فجمع الأمرام القضاة وقال قد نكث الموفق بأمير المؤمنين فاخلعوه من العهد فخلعوه إلا القاضي بكار فقيده وحبسه وأمر بلعنه الموفق على المنابر وفيها توفي إبراهيم بن منقذ الخولاني المصري صاحب ابن وهب وكان ثقة وفيها الأمير عيسى بن الشيخ الذهلي وكان قد ولى دمشق فاظهر الخلاف في سنة خمس وخمسين وأخذ الخزائن وغلب على دمشق فجاءه عسكر المعتمد فالتقاهم ابنه ووزيره فهزموا وقتل ابنه وصلب ويزره وهرب عيسى ثم استولى على آمد وديار بكرة مدة سنة سبعين ومائتين فيها التقى المسلمون والخبيث علي بن محمد العبقسى المدعي أنه علوي فاستظهروا عليه ثم وقعة أخرى قتل فيها وعجل الله بروحه إلى النار ولقد طال قتال المسلمين له وأجتمع مع الموفق نحو ثلاثمائة ألف مقاتل أجناد ومطوعة (2/155) ________________________________________ 165 وفي أخر الأمر التجأ الخبيث إلى جبل ثم تراجع هو وأصحابه إلى مدينتهم فحاربهم المسلمون فانهزم الخبيث وتبعهم أصحاب الموفق يأسرون ويقتلون ثم استقبل هو وفرسانه وحملوا على الناس فاز الوهم فجمل عليه الموفق والتحم القتال فإذا بفارس قد أقبل ورأس الخبيث في يده فلم يصدقه فعرفه جماعة من الناس فحينئذ ترجل الموفق وابنه المعتضد والأمراء فخروا سجداً لله وكبروا وسار الموفق فدخل بالرأس بغداد وعملت القباب وكان يوماً مشهوداً وآمن الناس وشرعوا يتراجعون إلى الأمصار التي أخذها الخبيث وكانت أيامه خمس عشرة سنة قال الصولي قتل من المسلمين الف الف وخمسمائة ألف قال وقتل في يوم واحد بالبصرة ثلاثمائة ألف وكان يصعد على المنبر فيسيب عثمان وعليا ومعاوية وعائشة وهو اعتقاد الأزارقة وكان ينادي في عسكره على العلوية بدرهمين وثلاثة وكان عند الواحد من الزنج العشر من العلويات يفترشهن وكان الخبيث خارجياً يقول لا حكم إلا الله وقيل كان زنديقاً يتستر بمذهب الخوارج وهو أشبه فإن الموفق كتب إليه وهو يحاربه في سنة سبع وستين يدعوه إلى التوبة والإنابة إلى الله مما فعل من سفك الدماء وسبى الحريم وانتحال النبوة والوحى فما زاده الكتاب إلا بجبرا وطغياناً ويقال أنه قتل الرسول فنازل الموفق مدينته الختارة فتأملها فإذا مدينة حصينة محكمة الأسوار عميقة الخنادق فرأى شيئاً مهولاً ورأى من كثرة المقاتلة ما أذهله ثم رموه رمية واحدى بالمجانيق والمقاليع والنشاب وضجوا ضجة ارتجلت منها الأرض فعمد الموفق إلى مكاتبة قواد الخبيث واستمالهم فاستجاب له عدد منهم فأحسن إليهم وقيل كان الخبيث منجماً يكتب الحروز وأول شيء كان بواسط فحبسه محمد بن أبي عون ثم أطلقه فلم يلبث أن خرج بالبصرة واستغوى السودان والزبالين والعبيد فصار أمره إلى ما صار ذكر جميع ذلك في العبر.

  • وفيها في ذي القعدة توفي أمير الديار المصرية والشامية أبو العباس أحمد ابن طولون وهو في عشر الستين قال القضاعي كان طائش السيف فأحصى من قتله صبرا أو مات في سجنه فكانوا ثمانية عشر ألفا وكان يحفظ القرآن وأوتى حسن الصوت به وكان كثير التلاوة وكان أبوه من مماليك المأمون مات سنة أربعين ومائتين وملك أحمد الديار المصرية ستة عشرة سنة قال ابن الجوزي في كتابه شذور العقود في التاريخ المعهود أحمد بن طولون وكان أبوه طولون تركيا من مماليك المأمون فولد له أحمد وكان عالي الهمة ولم يزل يترقى حتى ولى مصر فركب يوماً إلى الصيد فغاصت رجل دابة بعض أصحابه في مكان من البرية فأمر بكشف المكان فود مطلبا فإذا فيه من المال ما قيمته ألف ألف دينار فبنى الجامع المعروف بني مصر والقاهرة وتصدق ببعض فقال له وكيله يوماً ربما امتدت إلى الكف المظرفة والمعصم فيه السوار والكم الناعم أفأمنع هذه الطبقة فقال له ويحك هؤلاء المستورون الذين يحبسهم الجاهل أغيناء نم التعفف أحذر ترديداً امتدت إليك وكان يجري على أهل المساجد كل شهر ألف دينار وعلى فقراء الثغر كذلك وبعث إلى فقراء بغداد في مدو ولايته ما بلغ الفي ألف ومائتي ألف دينار وكان راتب مطبخه كل يوم ألف دينار ولما مرض خرج المسلمون بالمصاحف واليهود بالتوراة والنصارى بالإنجيل والمعلمون بالصبيان إلى الصحراء والمساجد يدعون له فلما أحس بالموت رفع يده وقال يا رب ارحم من جهل فقدان نفسه وأبطره حلمك عنه وخلف ثلاثة وثلاثين ولداً وعشرة آلاف ألف دينار وسبعة آلاف ألف وثلثمائة ألف دينار وكان بعض الناس يقرأ عند قبره فانقطع عنه فسئل عن ذلك فقال رايته في المنام فقال لي أحب أن يقرأ عندي فيمر بي آية إلا قرعت بها وقيل أما سمعت هذه في دار الدنيا انتهى ما ذكره ابن الجوزي وفيها أسيد بن عاصم الثقفي الأصبهاني أخو محمد بن عاصم رحل وصنف المسند وسمع من سعيد بن عامر الضبعي وطبقته وفيها أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن سعيه بن أبي زرعة الزهري المصري أبو بكر بن البرقي الحافظ عمدة قاله ابن ناصر الدين وفيها بكار بن قتيبة الثقفي البكرواي أبو بكرة الفقيه البصري قاضي الديار المصرية في ذي الحجة سمع أبا داود الطيالسي وأقرانه وله أخبار في العدل والعفة والنزاهة والورع ولاه المتوكل القضاء في سنة ست وأربعين وفيها أبو الحسن بن علي الإمام أبو سليمان الأصبهاني ثم البغدادي الفقيه الظاهري صاحب التصانيف في رمضان وله سبعون سنة سمع القعنبي وسليمان ابن حرب وطبقتهما وتفقه على أبي ثور وابن راهويه وكان ناسكا زاهدا قال ابن ناصر الدين تكلم أبو الفتح الأزدي وغيره فيه ومنعه أحمد بن حنبلمن الدخول عليه لقوله المعروف في القرآن بلغه الذهلي لأحمد وكتب به إليه وكان داود حافظا مجتهدا إمام أهل الظاهر انتهى ملخصا وقال ابن خلكان أبو سليمان داود بن علي بن خلف الأصبهاني الإمام المشهور المعروف بالظاهري كان زاهدا متقللا كثير الورع أخذ العلم عن إسحاق بن راهويه وأبي ثور وكان من أكثر الناس تعصبا للإمام الشافعي رضي الله عنه وصنف في فضائله والثناء عليه كتابين وكان صاحب مذهب مستقل وتبعه جمع كثير يعرفون بالظاهرية وكان ولده أبو بكر محمد بن علي على مذهبه وانتهت إليه رياسة العلم ببغداد قيل إنه كان يحضر مجلسه أربعمائة صاحب طيلسان أخضر قال داود حضر مجلسي يوما أبو يعقوب الشريطي وكان من أهل للبصرة وعليه خرقتان فتصدر لنفسه من غير أن يرفعه أحد وجلس إلى جانبي لي سل عما بدا لك فكأني غضبت منه فقلت له مستهزئا أسألك عن الحجامة فبرك ثم روى طريق أفطر الحاجم والمحجوم ومن أرسله ومن أسنده ومن وفقه ومن ذهب إليه من الفقهاء وروى اختلاف طرق احتجام رسول الله الحاجم أجره ولو كان حراما لم يعطه ثم روى طرقا أن النبي بقرن وذكر أحاديث صحيحة في الحجامة ثم ذكر الأحاديث المتوسطة مثل ما مررت بملأ من الملائكة ومثل شفاء أمتي في ثلاث وما أشبه ذلك وذكر الأحاديث الضعيفة مثل قوله عليه الصلاة والسلام لا تحتجموا يوم كذا ساعة كذا ثم ذكر ما ذهب إليه أهل الطب من الحجامة في كل زمان وما ذكروه فيها ثم ختم كلامه بأن قال وأول ما خرجت الحجامة من أصبهان فقلت له والله لأحضرت بعدك أحدا أبدا وكان داود من عقلاء الناس قال أبو العباس ثعلب في حقه كان عقل داود أكبر من علمه ونشأ ببغداد وتوفي بها سنة سبعين في ذي القعدة وقيل في شهر رمضان ودفن بالشوينزية وقيل في منزله وقال ولده أبو بكر محمد رأيت أبي داود في المنام فقلت له ما فعل الله بك فقال غفر لي وسامحني فقلت غفر لك فبم سامحك فقال يا بني الأمر عظيم والويل لمن لم يسامح رحمه الله انتهى ما ذكره ابن خلكان وفيها الربيع بن سليمان المرادي مولاهم المصري الفقيه صاحب الشافعي وهو في عشر المائة سمع من ابن معين وكان إماما ثقة صاحب حلقة بمصر قال الشافعي ما في القوم أنفع لي منه وقال وددت أني حسوته العلم وقال في المزني سيأتي عليه زمان لا يفسر شيئا فيخطئه وفي البويطي يموت في حديده وفي ابن عبد الحكم سيرجع إلى مذهب مالك والربيع هذا آخر من روى عن الشافعي بمصر وفيها أيضا الربيع بن سليمان الجيزي صاحب الشافعي أبو محمد وهو قليل الرواية عن الشافعي وكان ثقة روى عنه أبو داود والنسائي وتوفي بالجيزة وفيها زكريا بن يحي بن أسد أبو يحي المروزي ببغداد روى عن سفين وأبي معاوية قال الدارقطني لا بأس به وفيها العباس بن الوليد بن زيد العذري البيروتي المحدث العابد في ربيع الآخر وله مائة سنة تامة روى عن أبيه ومحمد بن شعيب وجماعة قال أبو داود كان صاحب ليل وفيها أبو البختري عبد الله بن محمد بن شاكر العنبري ببغداد في ذي الحجة سمع حسين بن علي الجعفي وأبا أسامة ووثقه الدارقطني وغيره وفيها محمد بن إسحاق أبو بكر الصاغاني ثم البغدادي الحافظ الحجة في صفر سمع يزيد بن هارون وطبقته قال النسائي ثقة صاحب حديث وكان مع إمامته وعلمه فيه تعظيم لنفسه وفيها محمد بن مسلم بن عثمان بن وارة أبو عبد الله الحافظ المجود سمع أبا عاصم النبيل وطبقته قال النسائي ثقة صاحب حديث وكان مع إمامته وعلمه فيه تعظيم لنفسه وفيها محمد بن هشام بن ملاس أبو جعفر النميري الدمشقي عن سبع وتسعين سنة روى عن مروان بن معوية الفزاري وغيره وكان صدوقا وفيها الفضل بن العباس الصائغ أبو بكر المروزي كان حافظا نقادا قال عجزت أن أغرب على البخاري وأنا أغرب على أبي زرعة بعدد شعره ذكره ابن ناصر الدين.

سنة إحدى وسبعين ومائتين

  • فيها وقعت الطواعين وكان ابن طولون قد خلع الموفق من ولاية العهد ومات وقام بعده ابنه خمارويه على ذلك فجهز الموفق ولده أبا العباس المعتضد في جيش كبير وولاه مصر والشام فسار بفلسطين وأقبل خمارويه فالتقى الجمعان بفلسطين وحمى الوطيس حتى احمرت الأرض من الدماء ثم انهزم خمارويه إلى مصر ونهبت خزائنه وكان سعد الأعسر كمينا لخمارويه فخرج على أبي العباس وهم غازون فأوقعوا بهم فانهزم هو وجيشه أيضا حتى وصل طرسوس في نفر يسير وذهبت أيضا خزائنه حواها سعد وأصحابه وفيها توفي عباس بن محمد الدوري الحافظ أبو الفضل مولى بني هاشم ببغداد في صفر سمع الحسين بن علي الجعفي وأبا النضر وطبقتهماوكان من أئمة الحديث الثقات وفيها أبو معشر المنجم كان قاطع النظراء في وقته حتى حكى أن بعض أكابر الدولة اختفى وخشى من المنجم أن يحكم بطرقه التي يستخرج بها الخبايا فأخذ طستا وملأه دما وعمل في الطست هاون ذهب وقعد على الهاون أياما فبحث المنجم في أمره وبقى مفكرا فقال له الملك فيم تفكر قال أرى المطلوب على جبل من ذهب والجبل في بحر من دم ولا أعلم في العالم موضعا على هذه الصفة فنادى الملك بالأمان للرجل فظهر وأخبرهم فتعجب الملك من صنيعهما وفيها عبد الرحمن بن منصور الحارثي البصري أبو سعيد صاحب يحي القطان يوم الأضحى بسامراء وفيه لين ومحمد بن حماد الظهراني الرازي الحافظ أحد من رحل إلى عبد الرزاق حدث بمصر والشام والعراق وكان ثقة عارفا نبيلا وفيها الحسن محمد بن سنان القزاز بصري نزل بغداد وروى عن عمر ابن يونس اليمامي وجماعة قال الدارقطني لا بأس به وقال أبو داود يكذب وفيها كيلجة واسمه محمد بن صالح بن عبد الرحمن أبو بكر الأنماطي ثقة ماجد ابن ناصر الدين.
  • وفيها يوسف بن سعيد بن مسلم الحافظ أبو يعقوب محدث المصيصة روى عن حجاج الأعور وعبيد الله بن موسى وطبقتهما قال النسائي ثقة حافظ وقال ابن ناصر الدين كان أحد الحفاظ المعتمدين والأيقاظ الصدوقين وفيها يحي بن عبدك القزويني محدث قزوين طوف ورحل إلى البلدان وسمع أبا عبد الرحمن المقري وعفان.

سنة اثنتين وسبعين ومائتين

  • فيها كما قاله في الشذور زلزلت مصر زلزالا أخرب الدور والجوامع وأحصى بها يوم واحد ألف جنازة وفيها البرلسي وهو إبراهيم بن سليمان بن داود الأسدي أسد خزيمة أبو إسحاق بن أبي داود ثبت مجود ذكره ابن ناصر الدين وفيها أحمد بن عبد الجبار العطاردي الكوفي في شعبان ببغداد في عشر المائة سمع أبا بكر بن عياش وعبد الله بن إدريس وطبقتهما وثقه ابن حبان وفيها أحمد بن الفرح أبو عتبة الحمصي المعروف بالحجازي روى عن بقية وجماعة قال ابن عدي هو وسط ليس بحجة وفيها أحمد بن مهدي بن رستم الأصبهاني الزاهد صاحب المسند رحل وسمع أبا نعيم وطبقته وفيها أبو معين الرازي الحسين بن الحسن وقيل محمد بن الحسين وكان من كبار الحفاظ والمكثرين الأيقاظ رحل وسمع سعيد بن أبي مريم وأبا سلمة التبوذكي وطبقتهما وسليمان بن سيف بن يحي بن درهم الطائي مولاهم الحراني أبو داود ثقة كذا ذكره ابن ناصر الدين وقال في العبر سليمان بن سيف الحافظ أبو داود محدث حران وشيخها في شعبان سمع ابن هارون وطبقته انتهى.

ومحمد بن عبد الوهاب الفراء النيسابوري الفقيه الأديب أحد أوعية العلم سمع حفص بن عبد الله وجعفر بنعون الكبار ووثقه مسلم وفيها محمد بن عبيد الله بن يزيد أبو جعفر بن المنادي المحدث في رمضان ببغداد وله مائة سنة وستة عشر شهرا سمع حفص بن غياث وإسحاق الأزرق وطبقتهما وفيها محمد بن عوف بن سفيان أبو جعفر الطائي الحافظ محدث حمص سمع محمد بن يوسف الفرياني وطبقته وكان من أئمة الحديث.

سنة ثلاث وسبعين ومائتين

  • فيها توفي إسحاق بن سيار النصيبيني محدث نصيبين في ذي الحجة سمع أبا عاصم وطبقته وفيها حنبل بن إسحاق الحافظ أبو علي ابن عم الإمام أحمد وتلميذه في جمادى الأولى سمع أبا نعيم الفضل بن دكين وأبا غسان مالك بن إسماعيل وعفان بن مسلم وسعيد بن سليمان وعارم بن الفضل وسليمان بن حرب وإمامنا أحمد في آخرين وحدث عنه ابنه عبيد الله أو عبد الله وعبد الله البغوي ويحي بن صاعد وأبو بكر الخلال وغيرهم وذكره ابن ثابت فقال كان ثقة ثبتا وقال الدارقطني كان صدوقا وكان حنبل رجلا فقيرا خرج إلى عكبرا فقرأ مسائله عليهم وخرج إلى واسط أيضا وقال حنبل جمعنا عمي يعني الإمام أحمد أنا وصالح وعبد الله يعني أبناء أحمد وقرأ علينا المسند وما سمعه منه يعني تاما غيرنا وقال لنا إن هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفا فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله إليه فإن وجدتموه فيه وإلا فليس بحجة ومات حنبل بواسط في جمادى الأولى انتهى ملخصا وفيها أبو أمية الطرسوسي محمد بن إبراهيم بن مسلم الحافظ سمع عبد الوهاب بن عطاء وشبابة وطبقتهما وكان من ثقات المصنفين قال ابن ناصر الدين هو صاحب المسند كان حافظا ثقة كبيرا وفيها الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد ابن عبد الله الميامي وهذه الطبقة قاله في العبر وقال ابن ناصر الدين محمد ابن يزيد بن ماجه أبو عبد الله الربعي مولاهم القزويني أحد الأئمة الإعلام وصاحب السنن أحد كتب الإسلام حافظ ثقة كبير صنف السنن والتاريخ والتفسير لم يحتو كتباه السنن على ثلاثين حديثاً في إسنادها ضعيف انتهى وقال ابن خلكان كان إماماً في الحديث عارفاً بعلومه وجميع ما يتعلق به ارتحل إلى العراق والبصرة والكوفة وبغداد ومكة والشام ومصر والري لكتب الحديث وله تفسير القرآن العظيم وتاريخ مليح وكتابه في الحديث أحد الصحاح الستة وأتت ولادته سنة تسع ومائتين وتوفي يوم الإثنين ودفن يوم الثلاثاء لثمان بقين من شهر رمضان وصلى عليه أخوه أبو بكر وتولى دفنه أخواه أبو بكر وأبو عبد الله انتهى وفيها أحمد بن الوليد الفحام أبو بكر البغدادي روى عن عبد الوهاب بن عطاء وطائفة وكان ثقة وفي صفر صاحب الأندلس محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام الأموي الأمير أبو عبد الله وكانت دولته خمساً وثلاثين سنة وكان فقيهاً عالماً فصيحاً مفوها رافعاً لعلم الجهاد قال بقي بن مخلد ما رأيت ولا سمعت أحداُ من الملوك افصح منه ولا أعقل وقال أبو المظفر بن الجوزي هو صاحب وقعة وادي سليط التي لم يسمع بمثلها يقال إنه قتل فيها ثلثمائة ألف كافر سنة أربع وسبعين ومائتين وفيها توفي أحمد بن محمد بن أبي الخناجر أبو علي الأطرابلسي في جمادى الآخرة روى عن مؤمل بن إسماعيل وطبقته وكان من نبلاء العلماء قاله في العبر وفيها الحسن بن مكرم بن حسان أبو علي ببغداد روى عن علي بن عاصم وطبقته ووثق وفيها خلف بن محمد الوسطي كردوس الحافظ سمع يزيد بن هرون وعلي بن عاصم وفيها عبد الملك بن عبد الحميد الفقيه أبو الحسن الميموني الرقي صاحب الإمام أحمد في ربيع الأول روى عن إسحق الزرق ومحمد بن عبد وطائفة وكان جليل القدر في أصحاب الإمام أحمد بن حنبل وكان سنة يوم مات دون المائة وكان أحمد يكرمه ويجله ويفعل معه مالا يفعل مع أحد غيره وقال صبحت أبا عبد الله على الملازمة من سنة خمس ومائتين إلى سنة سبع وعشرين قال وكنت بعد ذلك أخرج وأقدم لعيه الوقت بعد الوقت قال وكان أبو عبد الله يضرب لي مثل ابن جريج في عطاء من كثرة ما أسأله ويقول لي ما أصنع بأحد ما أصنع بك وقال الميموني قلت لأحمد من قتل نفسه يصلى الإمام عليه قال لا يصلى الإمام على من قتل نفسه ولا على من غل قلت فالمسلمون قال يصلون عليهما وقال المرادوي في أواخر الأنصاف عبد الملك بن عبد الحميد الميموني كان الإمام أحمد يكرمه وروى عنه مسائل كثيرة جداً ستة عشر جزءاً جزءين كبيرين انتهى وقال الحافظ ابن ناصر الدين في بديعة البيان ( عبد المليك الحافظ الميموني * روى علوم ديننا القويم ) وفياً في شرحها هو عبد الملك بن عبد الحميد بن ميمون بن مهران الميموني الجزري الرقي أبو الحسن وثقة النسائي وأبو عوانة وغيرهم انتهى وفيها محمد بن عيسى بن حيان المدائني روى عن سفيان بن عيينة وجماعة لينه الدارقطني وقال البرقاني لا بأس به قاله في العبر وقال في المغنى محمد بن عيسى ابن حيان المدائني صاحب ابن عيينة قال الدارقطني ضعيف متروك وقال غيره كان مغفلاً وقال الحاكم متروك انتهى.

سنة خمس وسبعين ومائتين

  • فيها توفي أبو بكر المروذي الفقيه أحمد بن محمد بن الحجاج في جمادى الأولى ببغداد وكان أجل أصحاب الإمام أحمد إماماً في الفقه والحديث كثير الصتانيف خرج مرة إلى الرباط فشيعه نحو خمسين ألفاً من بغداد إلى سامرا قاله في العبر وقال فيا لإنصاف كان ورعاً صالحاً خصيصاً بخدمة الإمام أحمد وكان يأنس به وينبسط إليه ويبعثه في حوائجه وكان يقول كل ما قلت فهو على لساني وأنا قلته وكان يكرمه ويأكل من تحت يده وهو الذي تولى إمائه لما مات وغسله روى عنه مسائل كثيرة وهو المقدم من أصحاب الإمام أحمد لفضله وروعة انتهى وفيها أحمد بن ملاعب الحافظ أبو الفضل المخزومي وله أربع وثمانون سنة سمع عبد الله بن بكر وأبا نعيم وطبقتهما وكان ثقة نبيلاً.

وفيها الإمام أبو داود السجستاني سليمان بن الأشعث بن إسحق بن بشير الأزدي صاحب السنن والتصانيف المشهورة في شوال بالبصرة وله بضع وسبعون سنة سمع مسلم بن إبراهيم والقعنبي وطبقتهما وطوف الشام والعراق ومصر والحجاز والجزيرة وخراسان وكان رأساً في الحديث رأساً في الفقه ذا جلالة وحرمة وصلاح وورع حتى أنه كان يشبه بشيخه أحمد بن حنبل قاله في العبر وقال ابن خلكان أبو داود سلميان بن الأشعث بن إسحق بن بشير بن شداد بن عمرو بن عمران الأزدي السجستاني أحد حفاظ الحديث وعلمه وعلله وكان في الدرجة العالية من النسك والصلاح طوف البلاد وكتب عن العارقين والخراسانيين والشاميين والمصريين والحرميين وجمع كتاب السنن قديماً وعرضه على الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه فاستحسنه واستجاده وعده الشيخ أبو إسحق الشيزاري في طبقات الفقهاء م جملة أصحاب الإمام أحمد بن حنبل وقال إبراهيم الحربي لما صنف أبو داود كتاب السنن الين لأبي داود الحديث كما الين لداود الحديث وكان يقول كتبت عن رسول الله خمسمائة ألف آلاف وثمانمائة حديث ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه ويكفى الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث أحدها قوله إنما الإعمال بالنيات والثاني قوله من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه والثالث قوله لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يرضى لأخيه ما يرضاه لنفسه والرابع قوله الحلال بين والحرام بين وبين ذلك أمور مشتبهات الحديث بكماله وجاءه سهل بن عبد الله التستري رحمه الله تعالى فقال له يا أبا داود لي إليك حاجة قال وما هي قال حتى تقول قضيتها مع الإمكان. قال قد قضيتها مع الإمكان قال اخرج لسانك الذي حدثت به عن رسول الله أقبله قال فأخرج لسانه فقبله وكانت ولادته في سنة اثنتين ومائتين وقدم بغداد مرارا ثم نزل إلى البصرة وسكنها وتوفي بها يوم الجمعة منتصف شوال سنة خمس وسبعين ومائتين رحمه الله تعالى وكان ولده أبو بكر عبد الله بن أبي داود سليمان من أكابر الحفاظ ببغداد عالما متفقا عليه إماما ابن إمام وله كتاب المصابيح وشارك أباه في شيوخه بمصر والشام وسمع ببغداد وخراسان وأصبهان وسجستان وشيراز وتوفي سنة ست عشرة وثلثمائة واحتج به ممن صنف الصحيح أبو علي الحافظ النيسابوري وابن حمزة الأصبهاني انتهى ما أورده ابن خلكان وفيها أي سنة خمس وسبعين يحي بن أبي طالب جعفر بن عبد الله بن الزبرقان أبو بكر البغدادي المحدث في شوال روى عن علي بن عاصم ويزيد ابن هارون وجماعة وصحح الدارقطني حديثه سنة ست وسبعين ومائتين فيها على ما ذكره في الشذور انفجر تل نهر الصلة عن شبه الحوض من حجر في لون المسن وفيه سبعة أقبر فيها سبعة أبدان صحاح أكفانهم جدد كأنهم ماتوا بالأمس انتهى وفيها جرت حروب صعبة بين صاحب مصر خمارويه وبين محمد بن أبي الساج ثم ضعف محمد وهرب إلى بغداد وفيها توفي الحافظ أبو عمرو أحمد بن حازم بن أبي هريرة بن أبي غرزة الغفاري محدث الكوفة في ذي الحجة صنف المسند والتصانيف وروى عن جعفر بن عون وطبقته قال ابن حبان كان متقناً وقال ابن ناصر الدين كان ثقة فيها الإمام بقى بن مخلد أبو عبد الرحمن الأندلسي الحافظ أحد الأئمة الأعلام في جمادى الآخرة وله خمس وسبعون سنة سمع يحيى بن يحيى الليثي ويحيى بن بكير وأحمد بن حنبل وطبقتهم وصنف التفسير الكبير والمسند الكبير قال ابن حزم أقطع أن هلم يؤلف في الإسلام مثل تفسيره وكان فقيهاً علامة مجتهداً قواماً ثبتاً عديم المثل وفيها الإمام أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري وقيل المروزي الإمام النحوي اللغوي صاحب كتاب المعارف وأدب الكاتب وغريب القرآن ومشكل الحديث وطبقات الشعراء وإعراب القرآن وكتاب الميسر والقداح وغيرها وكان فاضلاً ثقة سكن بغداد وحدث بها عن ابن راهويه وطبقته روى عنه ابنه أحمد وابن درستويه وكان موته فجاءة قيل إنه أكل هريسة فأصابته حراراة فصاح صيحة شديدة ثم أغمى عليه ثم أفاق فما يزال يتشهد حتى مات قاله ابن الأهدل وأبى إسحق إبراهيم بن سفين بن سليمان بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن زياد وأبى حاتم السجستاني وتلك الطبقة وتصانيفه كلها مفيدة منها غريب القرآن وغريب الحديث وعيون الأخبار ومشكل القرآن ومشكل الحديث وطبقات الشعراء والأشربة وإصلاح الغلط وغير ذلك وأقرأ كتبه ببغداد إلى حين وفاته وقيل إن أباه مروزي وأما هو فمولده ببغداد وقيل بالكوفة وأقام بالدينور قاضياً مدة فنسب إليها وكانت ولادته سنة ثلاث عشرة ومائتين وكانت وفاته فجاءة صاح صيحة سمعت من بد ثم أغمى عليه إلى وقت الظهر ثم اضطرب ساعة ثم هدأ فما يزال يتشهد إلى وقت السحر ثم مات رحمه الله تعالى (2/169) ________________________________________ 170 وكان ولده أبو جعفر أحمد بن عبد الله المذكور فقيهاً وروى عن أبيه كتبه المصنفة كلها وتولى القضاء بمصر وقدمها في ثامن عشر جمادى الآخرة سنة إحدى وعشرين وثلثمائة وتوفي بها في شهر ربيع الأول سنة إثنتين وعشرين وثلثمائة وهو على القضاء ومولده ببغداد انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصاً وقال الذهبي في المغني عبد الله بن مسلم بن قتيبة أبو محمد صاحب التصانيف صدوق سمع إسحق بن راهويه قال الحاكم أجمعت الأمة على أن القتيى كذاب قلت هذا بغى وتخرص بل قال الخطيب هو ثقة انتهى كلام الذهبي وفيها أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي البصري الحافظ أحد العباد والأئمة في شوال ببغداد روى عن يزيد بن هرون وطبقته ووثقه أبو داود قال أحمد بن كامل قيل عنه أنه كان يصلى في اليوم والليلة أربعمائة ركعة ويقال إنه روى من حفظه ستين ألف حديث قال ابن ناصر الدين في بديعة البيان ( ثم ابن عيسى الطرسوسي الدار * كأحمد بن حازم الغفاري ) ( عبد المليك ذا الرقاشي الثالث * كل رشيد عمدة وباحث ) انتهى وفيها محدث الأندلس قاسم بن محمد بن قاسم الأموي مولاهم القرطبي الفقيه له رحلتان إلى مصر وتفقه على الحرث بن مسكين وابن عبد الحكم وكان مجتهداً لا يقلد أحداً قال رفيقه بقي بن مخلد هو أعلم من محمد بن عبد الله بن عبد الحكم وقال لم يقدم لعينا من الأندلس أعلم من قاسم وقال محمد بن عمر ابن لبابة ما رأيت أفقه منه وروى عن إبراهيم بن المنذر الحرامي وطبقته وفيها محدث مكة محمد بن إسماعيل الصائغ أبو جعفر وقد قارب التسعين سمع أبا أسامة وشبابة وطبقتهما وفيها محمد دمشق أبو القاسم يزيد بن عبد الصمد سمع أبا مسهر والحميدي وطبقتهما وكان ثقة بصيراً بالحديث.

سنة سبع وسبعين ومائتين

  • فيها توفي حافظ المشرق أبو حاتم الرازي محمد بن إدريس الحنظلي شعبان وهو في شعر التسعين وكان بارع الحفظ واسع الرحلة من أوعية العلم سمع محمد بن عبد الله الأنصاري وأبا مسهر وخلقاً لا يحصون وكان ثقة جاريا ًفي مضمار البخاري وأبى الرازي وكان يقول مشيت على قدمي في طلب الحديث أكثر من ألف فرسخ وقال ابن ناصر الدين محمد بن إدريس بنا لمنذر بن داود بن مهران الحنظلي أبو حاتم الرازي كان في مضمار البخاري وأبى زرعة جارياً وبمعاني الحديث عالماً وفي الحفظ غالباً واثني عليه خلق من المحدثين وتوفي وهو في عشر التسعين انتهى وفيها المحدث أبو جعفر محمد بن الحسين بن أبي الحنين الحنيني الكوفي صاحب المسند روى عن عبيد الله بن موسى وأبي عبيد وطبقتهما وكان ثقة والإمام يعقوب بن سفين الفسوى الحافظ أحد أركان الحديث وصاحب المشيخة والتاريخ في وسط السنة وله بضع وثمانون سنة سمع أبا عاصم وعبيد الله بن موسى وطبقتهما وكان ثقة بارعاً عارفاً ماهراً.

سنة ثمان وسبعين ومائتين

  • فيها مبدأ ظهور القرامطة بسواد الكوفة وهو قوم خوارج زنادقة مارقة من الدين قال في الشذور وكان ابتداء أمرهم أن رجلاً قدم إلى سواد الكوفة فأظهر الزهد وجعل يسف الخوص ويأكل من كسبه ويصلى ويصوم ثم صار يدعو إلى إمام من أهل بيت رسول الله ويأخذ من كل من دخل في قوله ديناراً فاجتمع إليه جماعة فاتخذ منهم اثني عشر نقيباً وقال أنتتم كحوارى عيسى وكان قد آوى إلى بيت رجل يقال له كرميته فسمى باسمه ثم خفف فقيل قرمط انتهى.
  • وفيها توفي الموفق أبو أحمد طلحة ويقال محمد بن المتوكل ولى عهد أخيه المعتمد في صفر وله تسع وأربعون سنة وكان مكلاً مطاعاً وبطلاً شجاعاً ذا بأس وأيد ورأى وحزم حارب الزنج حتى أبادهم وقتل طاغيتهم وكان جميع امراء الجيوش إليه وكان حبباً إلى الخلق وكان المعتمد مقهوراً معه ميع امراء الجيوش إليه وكان محبباً إلى الخلق وكان المعتمد مقهوراً معه اعتراه نقرس فبرح به وأصاب رجله داء الفيل وكان يقول قد أطبق ديواني على مائة ألف مرتزق وما أصبح فيهم اسوأ حالاً مني واشتد ألم رجله واتفاخها إلى أن مات منها وكان قد ضيق على ابنه أبي العباس وخاف منه فلما احتضر رضى عليه ولما توفي ولا ه المعتمد ولاية العهد ولقبه المعتضد وكان بعض الأعيان يشبه الموفق بالمنصور في حزمه ودهائه ورأيه وجميع الخلفاء وإلى اليوم من ذريته قاله في العبر وفيها عبد الكريم بن الهيثم الدير عاقولي رحل وحصل وجمع وروى عن ابن نعيم وأبى اليمان وطبقتهما وكان أحد الثقات المأمونين وفيها بل في التي قبلها على ما جزم به ابن ناصر الدين عيسى بن غاث بن عبد الله بن سنان بن دلويه أبو موسى موثق متقن وفيها موسى بن سهل بن كثير الوشا بغداد في ذي القعدة وهو آخر من حدث عن ابن علية وإسحق الأزرق ضعفه الدارقطني وقيل في إسم أبيه وهب سنة تسع وسبعين ومائتين فيها نودي ببغداد لا يقعد على الطريق منجم ولا تباع كتب الكلام والفلسفة وفيها تمكن المعتضد أبو العباس أحمد بن الموفق طلحة من الأمور وأطاعته الأمراء حتى ألزم عمه المعتمد أن يقدمه في العهد على ابنه المفوض ففعل مكرهاً

(2/172) ________________________________________ 173 قال أبو العباس المذكور كان المعتمد على الله قد حبسني فرأيت في منامي وأنا محبوس أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه يقول لي أمر الخلافة يصل إليك فا عتضد بالله وأكرم بني قال فانتبهت ودعوت الخادم الذي كان يخدمني في الحبس وأعطيته فص خاتم وقلت له امض إلى النقاش وقل له انقش عليه المعتضد بالله أمير المؤمنين فقال هذه مخاطر بالنفس وأين الخلافة منا وغاية أملنا الخلاص منا لسجن فقلت امض لما أمرتك فمضى ونقش عليه ما قلت له بأوضح خط فقلت اطلب لي دواة وكاغداً فجاءني بهما فجعلت أرتب الأعمال وأولى العمال وأصحاب الدواوين فبينما أنا كذلك إذ جاء القوم وأخرجوني ثم إن المعتمد على الله فوض ما كان لنا صر دين الله الموفق لولده أحمد المذكور فاستبد بالأمر واستخف بعمه المعتمد ولم يرجع إليه في شيء من عقده وحله ثم أن أحمد المذكور دخل على عمه المعتمد على الله وقص عليه رؤياه التي رآها في الحبس وقال إن أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه ولاني هذا الأمر ومتى لم تخلع ابنك جعفراً من الخلافة طائعاً وإلا خلعته كارهاً فخلع المعتمد ابن هو جعل العهد لا بن أخيه أحمد المذكور وفيها في رجب توفي المعتمد على الله أحمد بن المتوكل على الله جعفر العباسي وله خمسون سنة وكانت خلافته ثلاثاً وعشرين سنة يومين وكان أسمر ربعة نحيفاً مدور الوجه صغير اللحية مليح العينين ث سمن واسرع إليه الشيب ومات فجاءة وأمه أم ولد أسمها قينان وله شعر متوسط وكان قد أكل رءوس جداء فمات من الغد بين المغنين والندماء فقيل سم في الارءوس وقيل نام فغمه في بساط وقيل سم في كأس الشراب فدخل عليه القاضي (2/173) ________________________________________ 174 والشهود فلم يروا به أثراً وكان منهمكاً في اللذات فاستولى أخوه على المملكة وحجر عليه في بعض الأشياء فاستصحب المعتضد الحال بعد أبيه وعن أحمد ابن يزيد قال كنا عند المعتمد وكان كثير العربدة إذا سكر فذكر حكاية قاله في العبر وامتد ملكه على المهانة يتدبر أخيه ولو شاء خلعه لخلعه قال ابن الفرات كان في خلافته محكوماً عليه حتى إنه احتاج ف ي بعض الأوقات إلى ثلثمائة دينار فلم يجدها في ذلك الوقت فقال ( اليس من العجائب أن مثلي * يرى ماقل ممتنعاً عليه ) ( وتؤخذ باسمه الدنيا جميعاً * وما من ذاك شيء في يديه ) ( إليه تحمل الأموال طراً * وبمنع بعض ما يجبي إليه ) وفيها توفي أحمد بن أبي خيثمة زهير بن حرب الحافظ أبو بكر النسائي ثم البغدادي مصنف التاريخ الكبير وله أربع وتسعون سنة سمع أبا نعيم وعفان وطبقتهما قال الدارقطني ثقة المأمون وفيها إبراهيم بن عبد الله بن عمر العبسي القصار الكفوي أبو إسحق آخر أصحاب وكيع وفاة وفيها جعفر بن محمد بن شاكر الصائغ ببغداد وله تسعون سنة روى عن أبي نعيم وطبقته وكان زاهداً عابداً ثقة ينفع الناس ويعلمهم الحديث وأبو يحيى عبد الله بن زكريا بن أبي ميسرة محمد مكة في جمادى الأولى روى عن أبي عبد الرحمن المقرى وطبقته وفيها الإمام أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك السلمي أبو عيسى الترمذي الضرير تلميذ أبي عبد الله البخاري ومشاركه فيما يرويه في عدة من مشايخه سمع منه شيخه البخاري وغيره وكان مبرزاً على الأقران آية ي الحفظ والإتقان قال ابن خلكان أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة (2/174) ________________________________________ 175 ابن موسى الضحاك السلمي الضرير البوغي الترمذي الحافظ المشهور أحد الأئمة الذين يقتدي بهم في علم الحديث صنف كتاب الجامع والعلل تصنيف رجل متقن وبه يضرب المثل وهو تلميذ أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري وشاركه في بعض شيوخه مثل قتيبة بن سعيد وعلى بن حجر وابن بشار وغيرهم انتهى قيل إنه ولد أكمه وفيها أبو الأحوص محمد بن الهيثم قاضي عكبراً في جمادى الآخر ة وكان أحد من عنى بهذا الشأن فروى عن عبد الله بن رجاء وسيعد بن عفير وطبقتهما وهو ثقة وأبو عبد الله محمد بن جابر بن حماد أحد أئمة زمانه والمبرز بالفضل على أقرانه قال ابن نصار الدين في بديعة البيان ( ثم أبن عيسى الترمذي محمد * طاب رحيب علمه فقيدوا ) ( مثل الفقيه المروزي النقاد * محمد بن جابر بن حماد ) انتهى.

سنة ثمانين ومائتين

  • فيها كما قال في الشذور زلزلت دبيل في الليل فاصبحوا فلم يبق من المدينة إلا اليسير فأخرج من تحت الهدم خمسون ومائة ألف ميت انتهى وفيها توفي القاضي أبو العباس أحمد بن محمد بن عيسى البرتي الفقيه الحافظ صاحب المسند روى عن أبي نعيم ومسلم بن إبراهيم وخلق وكان ثقة بصيراً بالفقيه عارفاً بالحديث وعلله زاهداُ عابداً كبير القدر من أعيان الحنيفة وفيها الإمام قاضي الديار المصرية أحمد بن أبي عمران أبو جعفر الفقيه الحنفي تفقه على محمد بن سماعة وحدث عن عاصم بنعلي وطائفة روى الكثير من حفظه لأنه عمي بمصر وهو شيخ الطحاوي في الفقه قال في حسن المحاضرة وثقة ابن يونس

(2/175) ________________________________________ 176 وفيها الإمام أبو عبد عثمان بن سعيد الدارمي السجزي الحافظ صاحب والتصانيف روى عن سليمان بن حرب وطبقته وكان جذعاً وقذى في أعين المسند المبتدعة قيما بالسنة ثقة حجة ثبتاً قال يعقوب بن إسحق الفروى ما رأينا أجمع منه أخذ الفقه عن البويطي والعربية عن ابن الأعرابي والحديث عن ابن المديني توفي في ذي الحجة وقد ناهز الثمانين قال الأسنوي هو أحد الحفاظ العلام تفقه على البويطي وطاف الآفاق في طلب الحديث وصنف المسند الكبير انتهى وفيها الحافظ أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل السلمي التمرذي أحد أعلام السنة سمع محمد بن عبد الله الأنصاري وسعيد بن أبي مريم وطبقتهما وجمع وصنف قال ابن ناصر الدين ثقة متقن وفيها حرب بن أسمعيل الكرماني صاحب الإمام أحمد حافظ فقيه نبيل نقل عن الإمام أحمد مسائل كثيرة قال ابن أبي يعلى في طبقاته كان حرب فقيه البلد وكان السطان قد جعله على أمر الحكم وغيره في البلد قال حرب سألت أحمد عن قراءة حمزة فقال لا تعجبني قال وقلت لأحمد الإدغام فكرهه وقال سمعت الإمام أحمد يكره إلا مالة مثل والضحى والشمس ضحاها يقول الناس يحتاجون إلى العلم مثل الخبز والماء لأن العلم يحتاج إليه في كل ساعة والخبز والماء في كل يوم مرة أو مرتين أنتهى ملخصاً وفيها أبو عمرو وقد قارب التسعين روى عن حجاج الأعور وخلق كثير وله شعر رائق قاله في العبر وقال ابن ناصر الدين تكلم فيه لمناكير عنده رواها عن أبيه انتهى (2/176) ________________________________________ 177 سنة إحدى وثماني ومائتين فيها توفي إبراهيم بن الحسين الكسائي الهمذاني بن ديزيل ويعرف بدابة عفان للزومة وكان ثقة جوالاً صالحاً يصوم صوم داو وسمع أيضاً أبا مسهر وأبا اليمان وطبقتهما وكان من أكثر الحفاظ حديثاً ويلقب أيضاً سيفنه قال ابن ناصر الدين هو ثقة مأمون وفيها الإمام أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو النصري الدمشقي الحافظ في جمادى الآخرة سمع أبا مسهر وأبا نعيم وطبقتهما وصنف التاصنيف وكان محدث الشام في زمانه قال ابن ناصر الدين علم حافظ ثبت وفيها الحافظ أبو عمرو وعثمان بن عبد الله بن خرزاذ الأنطاكي أحد أركان الحديث سمع عفان وسيعد بن عفير والكبار وقال محمد بن حمويه هو أحفظ من رأيت توفي في آخر السن وكان ثقة ثبتاً وفيها العلامة أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المواز الإسكندراني المالكي صاحب التصانيف أخذ عن أصبغ بن افرج وعبد الله بن عبد الحكم وانتهت إليه رياسة المذهب وإليه كن المنتهي في تفريغ السمائل سنة اثنتين وثمانين ومائتين فيها وقع الصلح بين المعتضد وخمارويه وتزوج المعتضد بابنة خماروية الملقبة قطر الندى على مهر مبلغه ألف ألف درهم فأرسلت إلى بغداد وبنى بها المعتضد وقوم جهازها بألف ألف دينار وأعطت ابن الحصاص الذي مشى في الدلالة مائة ألف درهم.

  • وفيها توفي الحافظ أبو إسحق الطوسي العنبري إبراهيم بن إسماعيل سمع يحيى بن يحيى التيمي فمن بعده وكان محدث الوقت زواهده به محمد بن أسلم بطوس صنف المسند الكير في مائتي جزء وفيها العلامة أبو إسحق إسماعيل بن إسحق بن إسماعيل بن حماد بن زيدي الأزدي مولاهم البصري الفقيه المالكي القاضي ببغداد في ذي الحجة فجاءة وله ثلاث وثمانون سنة وأشهر سمع مسلم بن إبراهيم وطبقته وصنف التصانيف في القراءات والحديث والفقه وأحكام القرآن والأصول وتفقه على أحمد بن المعذل وأخذ علم الحديث عن ابن المديني وكان إماماً في العربية حتى قال المبرد هو أعلم بالتصريف مني وفيها الحافظ أبو الفضل جعفر بن محمد بن أبي عثمان الطيالسي البغدادي في رمضان سمع عفان وطبقته وكان ثقة متحرياً غلى الغاية في التحديث وفيها الحافظ أبو محمد الحرث بن محمد بن أبي أسامة التميمي البغدادي صاحب المسند يوم عرفة وله ست وتسعون سنة سمع علي بن عاصم وعبد الوهاب بن عطاء وبقتهما قال الدارقطني صدوق وقيل فيه لين كان لفقره يأخذ على التحديث أجراً وفيها الحسين بن الفضل بن عمير البجلي الكوفي المفسر نزيل نيسابور كان آية في معان صاحب فنون وتعبد قيل إنه كان يصلى في اليوم والليلة ستمائة ركعة وعاش مائة وأربع سنين وروى عن يزيد بن هارون والكبار وفيها خماريويه بن أحمد بن طولون الملك أبو الجيش متولى مصر والشام وحمو المعتضد فتك به غلمان له روادهم في ذي القعدة بدمشق وعاش اثنين وثلاثين سنة وكان شهماً صارماً كأبيه قاله في العبر وقال ابن خلكان أبو الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون لما توفي أبوه اجتمع الجند على توليته مكانه فولى وهو ابن عشرين سنة وكانت ولايته في أيام المعتمد على

(2/178) ________________________________________ 179 الله وفي سنة ست وسبعين يحرك الإقشين محمد بن أبي الساج ديوذار بن يوسف من أرمينية والجبال في جيش عظيم وقصد مصر فلقيه خمارويه في بعض أعمال دمشق وانهزم الأقشين واستأمن أكثر عسكره وسار خمارويه حتى بلغ الفرات ودخل أصحابه لرقة ثم عاد وقد ملك من الفرات إلى بلاد النوبة فلما مات المعتمد وتلوى المعتضد الخلافة بارد غليه خمارويه بالهدايا والتحف فأقره على عمله وسال خمارويه بادر إليه خمارويه بالهدايا والتحف فأقره على عمله وسأله خمارويه أن يزوج ابنته قطر الندى واسمها أسماء للمكتفى بالله بن المعتضد وهو إذ ذاك ولى العهد فقال المعتضد بل أنا أتزوجها فتزوجها في سنة إحدى وثمانين ومائتين واله أعلم وكان صداقها ألف ألف درهم وكانت موصوفة بفرط الجمال والعقل حكى أن المعتضد خلا بها يوماً للأنس في مجلس أفرده لها ما أحضره سواها فأخذت الكأس منه فنام على فخذها فلما استثقل وضعت رأسه على وسادة وخرجت فجلست في ساحة القصر فاستيقظ فلم يجدها فاستشاط غضباً ونادى سائرحظاياي فتضعين رأسى على وسادة وتذهبين فقالت يا أمير المؤمنين لم أجهل قدر ما أنعمت علي به ولكن في ما أدبني به أبى أن قال لا تنامي مع القيام ولا تدلسي مع النيام ويقال إن المعتضد أراد بنكاحها افتقار الطولونية وكذا كان فإن أباها جهزها بجهاز لم يعلم مثله حتى قيل إنه كان لا ألف هاون ذهباً وشطر عليه المعتضد أن يحمل كل سنة بعد القيام بجميع وظائف مصر وأرزاق أجمادها مائتي ألف دينار فأقام على ذلك إلى أن قتله غلمانه بدمشق على فراشه ليلة الأحد لثلاث بقين من ذي القعدة سنة اثنتين وثمانين وعمره اثنتان وثلاثون سنة وقتل قتله أجمعون وحمل تابوته إلى مصر ودفن عند أبيه بسفح المقطم رحمهما الله تعالى وكان من أحسن الناس خطا انتهى ما أورده ابن خلكان وفيها الحافظ أبو محمد الفضل بن محمد بن المسيب البيهقي الشعراني طوف (2/179) ________________________________________ 180 الأقاليم وكتب الكثير وجمع وصنف روى عن سليمان بن حرب وسعيد بن أبي مريم وطبقتهما قال في المغني قال أبو حاتم تكلموا فيه وفيها محمد الفرج الأزرق أبو بكر في المحرم ببغداد سمع حجاج بن محمد وأبا النضر وطبقتهما قال في المغني محمد بن الفرج الأزرق له جزء معروف وهو صدوق تكلم الحاكم فيه لصحبته الكرابيسي وهذا تعنت انتهى وفيها العلامة أبو العيناء محمد بن القسم بن خلاد البصري الضرير اللغوي الأخباري وله إحدى وتسعون سنة وأضر وله أربعون سنة أخذ عن أبي عبيدة وأبي عاصم النبيل وجماعة وله نوادر وفصاحة وأجوبة مسكتة قاله في العبر وقال ابن خلكان أصله من اليمامة ومولده بالأهواز ومنشؤه بالبصرة وبها طلب الحديث وكتب الأدب وسمع منأبي عبيدة والأصمعي وأبي زيد الأنصاري والعتبي وغيرهم وكان من أفصح الناس لسانا وأحفظهم وكان من ظرائف العالم وفيه من اللسن وسرعة الجواب والذكاء ما لم يكن في أحد من نظرائه وله أخبار حسان وأشعار ملاح مع أبي علي الضرير وحضر يوما مجلس بعض الوزراء فتفاوضوا حديث البرامكة وكرمهم وما كانوا عليه البذل والأفضال فقال الوزير فقال الوزير قد أكثرت من ذكرهم ووصفك إياهم وإنما هذا تصنيف الوراقين وكذب المؤلفين فقال أبو العيناء فلم لا يكذب الوراقون عليك أيها الوزير فسكت الوزير وعجب الحاضرون من إقدامه عليه وشكا إلى عبد الله بن سليمان بن وهب الوزير سوء الحال فقال له أليس قد كتبنا إلى إبراهيم بن المدبر في أمرك قال نعم قد كتبت إلى رجل قد قصر من همته طول الفقر وذل الأسر ومعاناة الدهر فأخفق سعيي وخابت طلبتي فقال عبد الله أنت اخترته فقال وما علي أيها الوزير في ذلك وقد اختار موسى قومه سبعين رجلا فما كان فيهم رشيد واختار النبي الله بن سعد بن أبي سرح كاتبا فرجع إلى المشركين مرتدا واختار علي بن أبي طالب (2/180) ________________________________________ 181 أبا موسى الأشعري حكما له فحكم وإنما قال ذل الأسر لأن إبراهيم المذكور قد أسره علي بن محمد صاحب الزنج بالبصرة وسجنه فنقب السجن وهرب ودخل أبو العيناء على أبي الصقر إسماعيل بن بابك الوزير يوما فقال له ما الذي أخرك عنا يا أبا العيناء فقال سرق حماري قال وكيف سرق قال لم أكن مع اللص فأخبرك قال فهلا أتيتنا على غيره قال قعد بي عن الشراء قلة ايساري وكرهت ذلة المكاري ومنه العواري وخاصم علويا فقال له العلوي أتخاصمني وأنت تقول اللهم صل على محمد وعلى آله قال ولكني أقول الطيبين الطاهرين ولست منهم ووقف عليه رجل من العامة فلما أحسن به قال من هذا قال رجل من بني آدم فقال أبو العيناء مرحبا بك أطال الله بقاءك ما كنت أظن هذا النسل إلا قد انقطع وصر يوما إلى باب صاعد بن مخلد فاستأذن عليه فقيل هو مشغول بالصلاة فقال لكل جديد لذة وكان صاعد قبل الوزارة نصرانيا ومر بباب عبد الله بن منصور وهو مريض وقد صح فقال لغلامه كيف خبره فقال كما تحب فقال مالي لا أسمع الصراخ عليه ودعا سائلا ليعشيه فلم يدع شيئا إلا كله فقال يا هذا دعوتك رحمة فتركتني رحمة وكان بينه وبين ابن مكرم مداعبات فسمع ابن مكرم رجلا يقول من ذهب بصره قلت حيلته فقال ما أغفلك عن أبي العيناء ذهب بصره فعظمت حيلته وقد ألم أبو علي البصير بهذا المعنى يسير به إلى أبي العيناء ( قد كنت خفت يد الرما * ن عليك إذ ذهب البصر ) ( لم أدر إنك بالعمى * تغني ويفتقر البشر ) وقال له ابن مكرم يوما يعرض به كم عدد المكدين بالبصرة فقال مثل عدد البغائين ببغداد وروى عنه أنه قال كنت عند أبي الحكم إذ أتاه رجل فقال له وعدتني وعدا فإن رأيت أن تنجزه فقال ما أذكره فقال إن لم تذكره فلأن من تعده مثلي كثير وأنا لا أنساه لأن من أسأله مثلك قليل فقال أحسنت (2/181) ________________________________________ 182 لله أبوك وقضى حاجته وكان جده إلا كبر لقي علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأعياه المخاطبة معه فدعا عليه بالعمى له ولولده فكل من عمى من ولد جد أبي العينا فهو صحيح النسب فيهم هكذا قاله أبو سعد الطلمي وخرج من البصرة وهو بصير وقدم سر من رأى فاعتلت عيناه فعمى وعاد إلى البصرة ومات بها انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصاً.

سنة ثلاث وثمانين ومائتين

  • فيها ظفر المعتضد بهرون الشاري رأس الخوارج بالجزيرة وأدخل راكبا فيلا وزينت بغداد وفيها أمر المعتضد في سائر البلاد بتوريث ذوي الأرحام وإبطال دواوين المواريث في ذلك وكثر الدعاء له ذلك قد أبطل النيروز ووقيد النيران وأمات سنة المجوس وفيها التقى عمرو بن الليث الصفار وروافع بن هرثمة فانهزمت جيوش رافع وهرب وساق الصفار فأدركه بخوارزم فقتله وكان المعتضد قد عزل رافعا عن خراسان واستعمل عليها عمرو بن الليث في سنة تسع وسبعين فبقي رافع بالري وهادن الملوك المجاورين له ودعا إلى العلوي وفيها وصلت تقادم عمرو بن الليث إلى المعتضد من جملتها مائتا حمل مال وفيها توفي القدوة العارف أبو محمد سهل بن عبد الله التستري الزاهد في المحرم عن نحو من ثمانين سنة وله مواعظ وأحوال وكرامات وكان من أكبر مشايخ القوم ومن كلامه وقدر أي أصحاب الحديث فقال اجهدوا أن لا تلقوا الله إلا ومعكم المحابر وقيل له إلى متى يكتب الرجل الحديث قال حتى يموت ويصب باقي حبره في قبره وقال من أراد الدنيا والآخرة فليكتب الحديث فإن فيه منفعة الدنيا والآخرة وقال السلمي في الطبقات هو سهل بن عبد الله بن يونس بن عيسى بن عبد الله بن رفيع وكنيته أبو محمد أحد أئمة القوم وعلمائهم والمتكلمين في علوم الإخلاص والرياضيات وعيوب الأفعال صحب خاله محمد بن سوار وشاهد ذا النون المصري سنة خروجه إلى الحج وأسند الحديث وأنسد عنه قال الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا وإذا انتبهوا ندموا وإذا ندموا مل تنفعهم الندامة وقال شكر العلم العمل وشكر العلم زيادة العلم وقال ما من قلب و نفس إلا والله مطلع عليه في ساعات الليل والنهار فأي قلب أو نفس رأى فيه حاجة غلى سواه سلط لعيه إبليس وقال الذي يلزم الصوفي ثلاثة أشياء حفظ سره وأداه فرضه وصيانة فقره وقال من أراد أن يسلم من الغيبة فليسد على نفسه باب الظنون فمن سلم من الظن سلم نم التجسس ومن سلم من التجسس سلم ن الغيبة ومن سلم من الزور ومن سلم من الزور سلم من البهتان وقال ذروا التدبير والإختيار فأنهما يكدران على الناس عيشهم وقال الفتن ثلاثة فتنة العامة من إضاعة العلم وفتنة الخاصة من الرخص والتأويلات وفتنة أهل المعرفة أن يلزمهم حق في وقت فيؤخرونه إلى وقت الثاني وقال أصولنا ستة التمسك بكتاب الله والإقتداء بسنة رسول الله وأكل الحلال وكف الأذى واجتناب الآثام وأداء الحقوق وقال المعين إلا الله ولا دليل إلا رسول الله ولا زاد إلا التقوى ولا عمل إلا الصبر عليه وقال الأعمال بالتوفيق والتوفيق من الله ومفتاحه الدعاء والتضرع وطريقة سهل تشبه طريق الملامتية وله كرامات كثيرة وكان يعتقد مذهب مالك رضي الله عنهما انتهى ملخصاً وقال في الحليلة عامة كلامه في تصفية الأعمال من المعايب والإعلال وأسند عنه فيها أنه قال من كان اقتداؤه بالنبي لم يكن في قلبه اختيار لشيء من الأشياء سوى ما أحب الله ورسوله وقال الدنيا كلها جهل إلا العلم منها والعلم كله وبال إلا العمل به والعمل كله هباء منصور إلا

الإخلاص فيه والإخلاص أنت منه على وجل حتى تعلم هل قبل أملا انتهى ملخصاً أيضاً وقال الشيخ الكبر محي الدين محمد بن عربي الحاتمي الطائي رضى سهل بن عبد الله التستري رأيت إبليس فعرفته وعرف أتى عرفته فجرى بيننا كلام ومذاكرة كان من آخره أن قلت له لم تسجد لآدم فقال غيرة مني عليه أن أسجد لغيره فقلت هذا لا يكفيك بعد أن أمرك وأيضاً فآدم قبلة والسجود له تعالى ثم قلت له وهل تطمع بعد هذا في المغفرة فقال كيف لا أطمع وقد قال تعالى ( ^ ورحمتي وسعت كل شيء ) قال فوقفت كالمتحير ثم تذكرت ما بعدها فقلت إنها مقيدة بقيود قال وما هي قلت قوله تعالى بعدها ( ^ فسأكتبها للذين يتقون ) الآية قال فضحك وقال الله ما ظننت أن الجهل يبلغ بك هذا المبلغ أما علمت أن القيد بالنسبة إليك لا بالنسبة إليه قال فو الله لقد أفحمني وعلمت أنه طامع في مطمع انتهى فتأمل وفيها أبو محمد عبد الرحمن بن يوسف بن خراش المروزي ثم البغدادي الحافظ صاحب الجرح والتعديل أخذ عن أبي حفص الفلاس وطبقته قال أبو نعيم بن عدي ما رأيت أحفظ منه وقال بكر بن محمد الصيرفي سمعته يقول شربت بولي في طلب هذا الشأن خمس مرات وقال الذهبي في المغني قال عبدان كان يوصل المرسل وقال ابن ناصر الدين في بديعة البيان ( لابن خراش الحالة الرذيلة * ذا رافضي جرحه فضيلة ) وقال فيشرحها هو عبد الرحمن بن يوسف بن سعيد بن خراش أبو محمد كان حافظاً بارعاً من الحالين لكن لم ينفعه ما وعى هو رافضي شيخ شين صنف كتاباً في مثالب الشيخين قال الذهبي هذا والله الشيخ المغتر الذي ضل سعيه انتهى ما أورده ابن ناصر الدين ملخصاً.

  • وفيها توفي قاضي القضاة أبو الحسن على بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب الأموي البصري كان رئيساً معظماً ديناً خراً روى عن أبي الولي الطيالسي وجماعة قاله في العبر وفيها محمد بن سليمان بن الحرث أبو بكر الباغندي محدث واسطي نزل بغداد وحدث عن الأنصاري وعبيد الله بن موسى وكان صدوقاً وهو والد الحافظ محمد بن محمد فيها تمتام الحافظ أبو جعفر محمد بن غالب بن حرب الضبي البصري في رمضان ببغداد روى عن أبي نعيم وعفان وطبقتهما وصنف وجمع وهو ثقة وفيها عبد الله بن محمد بن ملك بن هاني أبو أحمد النيسابوري لقبه عبدوس كان من الأعيان قال ابن ناصر الدين في بديعة البيان:
( ثم الرضى تمتام الضبي * محمد بن غالب البصري )
( كذا فتى محمد عبدوس * كل جميل فاضل رئيس ).

سنة أربع وثمانين ومائتين

  • فيها كما قال في الشذور ظهرت ظلمة بمصر وحمرة في السماء شديدة حتى كان الرجل ينظر إلى وجه الأرض فيراه أحمر وكذلك الحيطان وغيرهما من العصر إلى العشاء فخرج الناس يدعون اله تعالى ويستغيثون إليه ووعد الناس المنجمون بالغرق فغارت المياه واحتاجوا إلى الإستسقاء انتهى وفيها كما قاله في العبر قال محمد جرير عزم المعتضد علىلعنة معاوية على المنابر فخوفه الوزير من اضطراب العامة فلم يلتفت إليه وتقدم إلى العامة بلزوم أشغالهم وترك الإجتماع ومنع القصاص من الكلام ومن اجتماع الحلق في الجوامع وكتب كتاباً ف يذلك واجتمع له الناس يوم الجمعة بناء على أن الخطيب يقرؤه فما قرىء وكان من إنشاء الوزير عبيد الله وهو طويل فيه مصايب ومعايب فقال القاضي يوسف بن يعقوب يا أمير المؤمنين أخاف الفتنة عند سماعه فقال إن تحركت العامة وضعت فيهم السيف قال فما تصنع بالعلوية الذين هم في كل ناحية قد خرجوا عليك وإذا سمع الناس هذا من فضائل أهل البيت مالوا إليهم وصاروا بسط السنة فأمسك المعتضد انتهى وفيها توفي محدث نيسابور ومفيدها أبو عمرو أحمد بن المبارك المستملي الحافظ سمع قتيبة وطبقته وكان مع سعة روايته راهب عصره مجاب الدعوة وفيها أبو يعقوب إسحاق بن الحر الحربي سمع أبا نعيم والقعنبي وكان ثقة صاحب حديث وفيها أبو عبادة الوليد بن عبيد الطائي المنبجي البحتري أمير شعراء العصر وحامل لواء القريض أخذ عن أبي تمام الطائي قال المبرد أنشدنا شاعر دهره ونسيج وحده أبو عبادة البحتري قال ابن الأهدل نسبة إلى بحتر جد من أجداده واسمه الوليد بن عبيد أخذ عن أبي تمام الطائي ومدح المتوكل ومن بعده وكان أقام ببغداد دهرا ثم رجع إلى الشام وعرض أول شعره على أبي تمام وهو بحمص فقال له أنت أشعر من أنشدني وكتب له بذلك فعظم وبجل وروى عنه قال لما سمع أبو تمام شعري أقبل على تقريظي والتقريض بالظاء والضاد مدح الإنسان في حياته بحق أو باطل وعنه قال لما أنشدت أبا تمام أنشد بيت أوس بن حجر بفتح الحاء والجيم
( إذا مقرم منا ذرا حد نابه * تخمط فينا ناب آخر مقرم )

وقال نعيت إلى نفسي فقلت أعيذك بالله فقال إن عمري ليس بطويل وقد نشأ لطيء مثلك فمات أبو تمام بعد هذا بسنة وقال لغلامه مرة وهو مريضا صنع لي مزورة وعنده بعض الرؤساء جاء عائدا له فقال ذلك الرئيس عندي طباخ من صفته كذا وكذا ونسى الرئيس أمرها فكتب إليه البحتري:

( وجدت وعدك زورا في مزورة * حلفت مجتهدا إحكام طاهيها )
( فلا شفى الله من يرجو الشفاء بها * ولا علت كف ملق كفه فيها )
( فاحبس رسولك عني أن يجيء بها * فقد حبست رسولا عن تقاضيها )

وله بيتان في هجو رجل اسمه شهاب وفي فمهم معنيهما عسروهما

( قد كنت أعهد أن الشهب ثاقبة * فقد رأيناه شهابا وهو مثقوب )
( في كفه الدهر أم في ظهره قلم * فنصفه كاتب والنصف مكتوب )

وأخبره كثيرة وكان شعره غير مرتب فرتبه أبو بكر الصولي على الحروف ثم جمعه على بن حمزة الأصبهاني على الأنواع مثل حماسة أبي تمام وسئل أبو العلاء المعري عنه وعن أبي تمام والمتنبي فقال هما حكيمان والشاعر البحتري انتهى. وقال ابن خلكان قال البحتري أنشدت أبا تمام شعرا لي في بعض بني حميد وصرت به إلى مال خطر فقال لي أحسنت أنت أمير الشعراء من بعدي فكان قوله هذا أحب إلى من جميع ما حويته وقال ميمون ابن مهران رأيت أبا جعفر أحمد بن يحي بن جابر بن داود البلاذري المؤرخ وحاله متماسكة فسألته فقال كنت من جلساء المستعين فقصده الشعراء فقال لست أقبل الأمن قال مثل قول البحتري في المتوكل

( فلو أن مشتاقا تكلف فوق ما * في وسعه لمشى إليك المنبر )

فرحت إلى داري وأتيته وقلت قد قلت فيك أحسن مما قاله البحتري فقال هته فأنشدته

( ولو أن برد المصطفى إذ لسته * يظن لظن البرد أنك صاحبه )
( وقال وقد أعطيته وكسيته * نعم هذه أعطافه ومناكبه )

فقال ارجع إلى منزلك وافعل ما آمرك به فرجعت فبعث لي سبعة آلاف دينار وقال ادخر هذه للحوادث من بعدي ولك على الجراية والكفاية ما دمت حيا ومن أخبار البحتري أنه كان له غلام اسمه نسيم فباعه فاشتراه أبو الفضل الحسن بن وهب الكاتب ثم إن البحتري ندم على بيعه وتتبعته نفسه فكان يعمل الشعر ويذكر فيه أنه خدع وأن بيعه له لم يكن عن مراده فمن ذلك قوله:

( أنسيم هل للدهر وعد صادق * فيما يؤمله المحب الوامق )
( مالي فقدتك ي المنام ولم تزل * عون المشوق إذا جفاه الشائق )
( اليوم جاز بي الهوى مقداره * في أهله وعلمت أني عاشق )
( فليهنأ الحسن بن وهب إنه * يلقى أحبته ونحن نفارق )

وكان البحتري كثيرا ما ينشد لبعض الشعراء ويعجبه قوله

( حمام الأراك ألا فاخبرينا * لمن تندبين ومن تعولينا )
( فقد شقت بالنوح منا القلو * ب وأبكيت بالندب منا العيونا )
( تعالى نقم مأتمنا للهموم * ونعول إخواننا الظاعنينا )
( ومسعد كن وتسعدننا * فإن الحزين يوافى الحزينا )

وأخباره ومحاسنه كثيرة فلا حاجة إلى الإطالة وكانت ولادته سنة ست أو سبع وقيل خمس وقيل اثنتين وقيل إحدى ومائتين والأول أصح وتوفي سنة أربع وقيل خمس وقيل ثلاث وثمانين ومائتين والأول أصح انتهى ما ذكره ابن خلكان ملخصا وفيها والصحيح أنه في التي قبلها كما جزم بها ابن الأهدل وقدمه ابن خلكان فقال توفي يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين وقيل ست وسبعين ومائتين أبو الحسن علي بن العباس بن جريج وقيل ابن جرجيس المعروف بابن الرومي مولى عبد الله بن عيسى بن جعفر المنصور صاحب النظم العجيب والتوليد الغريب يغوص على المعاني النادرة فيستخرجها من مكامنها ويبرزها في أحسن صورة ولا يترك المعنى حتى يستوفيه إلى آخره ولا يبقىفيه بقية وكان شعره غير مرتب ثم رتبه أبو بكر الصولي على الحروف وله القصائد المطولة والمقاطيع البديعة وله في الهجاء كل شيء ظريف وكذلك في المديح فمن ذلك قوله

( المنعمون وما منوا على أحد * يوم العطاء ولو منوا لما مانوا )
( كمضن بالمال أقوام وندهم * وفر وأعطى العطايا وهو يدان )

وله وقال ما سبقني أحد إلى هذا الحد

( آراؤكم ووجوهكم وسيوفكم * في الحادثات إذا دجون نجوم )
( منها معالم للهدى ومصابح * تجلوا الدجى والأخريات رجوم ) ومن معانيه البديعة قوله
( وإذا امرؤ مدح امرأ لنواله * وأطال فيه فقد أراد هجاءه )
( لو لم يقدر فيه بعد المستقى * عند الورود لما أطال رشاءه )

وقال في بغداد وقد غاب عنها في بعض أسفاره

( بلد صحبت بها الشيبة والصبا * ولبست ثوب العز وهو جديد )
( وإذا تمثل في الضمير رأيته * وعليه أغصان الشباب تميد )

وكان سبب موته أن الوزير أبا الحسن بن عبد الله وزير المعتضد كان يخاف من هجوه وفلتات لسانه فدس عليه مأكلا مسموما في مجلسه فلما أحس بالسم قام فقال له الوزير أين تذهب قال إلى الموضع الذي بعثتني إليه فقال سلم على والدي فقال ما طريقي على النار وخرج إلى منزله فأقام أياما ومات وكان الطبيب يتردد إليه ويعالجه بالأدوية النافعة للسم فزعم أنه غلط في بعض العقاقير قال نفطويه رأيت ابن الرومي يجود بنفسه فقلت ما حالك فأنشد:

( غلط الطبيب على غلطة مورد * عجزت موارده عن الإصدار )
( والناس يلحون الطبيب وإنما * غلط الطبيب إصابة المقدار )

وقال أبو عثمان الناجمة الشاعر دخلت على ابن الرومي أعوده فوجدته يجود بنفسه فلما قمت من عنده قال لي منشدا:

( أبا عثمان أنت حميد قومك * وجودك في العشيرة دون نومك )
( تزود من أخيك فما تراه * يراك ولا تراه بعد يومك )

وبالجملة فمحاسنه كثيرة وله في الطيرة أشياء معروفة فلا نطيل بذلك والله أعلم.

سنة خمس وثمانين ومائتين

  • فيها على ما قال في الشذور ارتفعت ريح صفراء بنواحي الكوفة ثم استحالت سوداء وارتفعت ريح البصرة كذلك ومطر وبرد في الواحدة مائة وخمسون انتهى وفيها وثب صالح بن مدرك الطائي في طيء فانتبهوا الركب العراقي وبدعوا وسبوا النسوان وذهب للناس ما قيمته ألف ألف دينار قاله في العبر وفيها توفي الإمام الحبر إبراهيم بن إسحاق بن بشير أبو إسحاق الحربي الحافظ أحد أركان لدين والأئمة والأعلام ببغداد في ذي الحجة وله سبع وثمانون سنة سمع أبا نعيم وعفان وطبقتهما وتفقه علىالإمام أحمد وبرع في العلم والعمل وصنف التصانيف الكثيرة وكان يشبه أحمد بن حنبل في وقته قال المراودي في الإنصاف كان إماما في جميع العلوم متقنا مصنفا محتسبا عابدا زاهدا نقل عن الإمام أحمد مسائل كثيرة جدا حسانا جيادا انتهى وفيها إسحاق بن إبراهيم الدبري المحدث راوي عبد الرزاق بصنعاء عن سن عالية اعتنى به أبوه وأسمعه الكتب من عبد الرزاق في سنة عشر ومائتين وكان صدوقا وفيها أبو العباس المبرد محمد بن يزيد الأزدي البصري إمام أهل النحو في زمانه وصاحب المصنفات أخذ عن أبي عثمان المازني وأبي حاتم السجستاني وتصدر للاشتغال ببغداد وكان وسيما مليح الصورة فصيخا مفوها أخباريا علامة ثقة توفي في آخر السنة قاله في العبر وقال ابن خلكان كان إماما في النحو واللغة وله التآليف النافعة في الأدب منها كتاب الكامل ومنها الروضة والمقتضب وغير ذلك أخذ الأدب عن أبي عثمان المازني وأبي حاتم السجستاني وأخذ عنه نفطويه وغيره من الأئمة وكان المبرد المذكور وأبو العباس أحمد ين يحي الملقب بثعلب صاحب كتاب الفصيح عالمين متعاصرين قد ختم بهما تاريخ الأدباء وفيهما يقول بعض أهل عصرهما من جملة أبيات وهو أبو بكر بن الأزهر:
( أبا طالب العلم لا تجهلن * وعذ بالمبرد أو ثعلب )
( تجد عند هذين علم الورى * فلا تك كالجمل الأجرب )
( علوم الخلائق مقرونة * بهذين في الشرق والمغرب )

وكان المبرد يحب في المناظرة بثعلب والاستنكار منه ثعلب يكره ذلك ويمتنع منه حكى جعفربن أحمد بن حمدان الفقيه الموصلي وكان صديقهما قال قلت لأبي عبد الله الدينوري ختن ثعلب لم يأبى ثعلب الاجتماع بالمبرد فقال لأن المبرد حسن العبارة حلو الإشارة فصيح اللسان ظاهر البيان وثعلب مذهبه مذهب المعلمين فإذا اجتمعا في محفل حكم للمبرد على الظاهر إلى أن يعرف الباطن انتهى ملخصاً.

سنة ست وثمانين ومائتين

  • فيها التقى إسماعيل بن أحمد بن أسد الأمير وعمرو بن الليث الصفار بما وراء النهر فانهزم أصحاب عمرو وكانا قد ضجروا منه ومن ظلم خراجه ولا سيما أهل بلخ فإنهم نالهم بلاء شديد من الجند فانهزم عمرو إلى بلخ فوجدها مغلوقة ففتحوا له والجماعة يسيرة ثم وثبوا عليه وقيدوه وحملوه إلى إسماعيل أمير ما وراء النهر فلما أدخل إليه قام له واعتنقه وتأدب فإنه كان في أمراء عمرو وغير واحد مثل إسماعيل وأكبر وبلغ ذلك المعتضد وبلغ ذلك المعتضد ففرح وخلع على إسماعيل خلع السلطنة وقلده خراسان وما وراء النهر وغير ذلك وأرسل إليه يلح عليه في إرسال عمرو بن الليث فدافع فلم ينفع فبعثه وأدخل على جمل بعد أن كان يركب في مائة ألف وسجن ثم خنق وقت موت المعتضد وفيها ظهر بالبحرين أبو سعيد الجنابي القرمطي وقويت شوكته وانضم إليه جمع من الأعراب فعاث وأفسد وقصد البصرة فحصنها المعتضد وكان أبو سعيد كيالا بالبصرة وجنابة من قرى الأهواز قال الصولي كان أبو سعيد فقيرا يرفو غربال الدقيق فخرج إلى البحرين وانضم إليه طائفة من بقايا الزنج واللصوص حتى تفاقم أمره وهزم جيوش الخليفة مرات وقال غيره ذبح أبو سعيد الجنابي في حمام بقصره وخلفه ابنه أبو طاهر الجنابي القرمطي الذي أخذ الحجر الأسود وفيها توفي أحمد بن سلمة النيسابوري الحافظ أبو الفضل رفيق مسلم في الرحلة إلى قتيبة قال ابن ناصر أحمد بن سلمة البزار أبو الفضل النيسابوري كان حافظا من المهرة له صحيح كصحيح مسلم انتهى وفيها الزاهد الكبير أحمد بن عيسى أبو سعيد الخزاز شيخ الصوفية وهو أول من تكلم في علم الفناء والبقاء قال الجنيد لو طالبنا الله بحقيقة ما عليه أبو سعيد الخزاز لهلكنا وعن أبي سعيد قال رأيت إبليس في المنام وهو عني ناحية فناديته فقال أي شيء أعمل بكم وأنتم طرحتم ما أخادع الناس به غير أن لي فيكم لطيفة وهي صحبة الأحداث وقال السلمي في التاريخ أبو سعيد إمام القوم في كل فن من علومهم بغدادي الأصل له في مبادئ أمره عجائب وكرامات مشهورة ظهرت بركته عليه وعلى من صحبه وهو أحسن القوم كلاما ما خلا الجنيد فإنه الإمام ومن كلامه كل باطن يخافه ظاهر فهو باطن وقال الاشتغال بوقت ماض تضييع وقت ثان وقال السخاوي في طبقاته قال أبو سعيد إن الله عز وجل لأرواح أوليائه التلذذ بذكره والوصول إلى قربه وعجل لأبدانهم النعمة بما نالوه من مصالحهم وأخذ لهم نصيبهم من كل كائن فعيش أبدانهم عيش الجنانيين وعيش أرواحهم عيش الربانيين لهم لسانان لسان في الباطن يعرفهم صنع الصانع في المصنوع ولسان في الظاهر يعلمهم علم الخالق في المخلوق وقال مثل النفس يظهر عند المحن والفاقة والمخالفة ما فيها ومن لم يعرف ما في نفسه كيف يعرف ربه وقال في معنى حديث جبلت القلوب على حب من أحسن إليها واعجبا ممن لا يرى محسنا إليه غير الله كيف لا يميل بكليته إليه قال ابن كثير وهذا الحديث ليس بصحيح لكن كلامه عليه من أحسن ما يكون انتهى وفيها عبد الرحيم بن عبد الله بن عبد الرحيم بن البرقي مولى الزهريين روى عن السيرة عن ابن هشام وكان ثقة وهو أخو المحدثين أحمد ومحمد وفيها علي بن عبد العزيز أبو الحسن البغوي المحدث بمكة وقد جاوز التسعين سمع أبا نعيم وطبقته وهو عم البغوي عبد الله بن محمد وكان فقيها مجاورا في الحرم وشيخه ثقة ثبتا وفيها بل في التي قبلها كما جزم به ابن ناصر الدين حيث قال في منظومته:
( كذا فتى سوادة السلامي * هلاكه رزية في العام )

وقال في شرحها هو عبد الله بن أحمد بن سوادة الهاشمي مولاهم البغدادي أبو طالب كان صدوقا من المكثرين انتهى ثم قال في المنظومة:

( وبعده ثلاثة فجازوا * ذا أحمد بن سلمة البزاز )

وتقدم الكلام عليه:

( كذا الفتى محمد بن سندي * كالخشني القرطبي عد )

وقال في شرحها محمد بن محمد بن رجاء بن السندي الاسفرايني أبو بكر وكان حافظاً ثبتاً تقوم به الحجة والإحتجاج وله مستخرج على صحيح مسلم بن الحجاج والثاني هو محمد بن عبد السلام بن ثعلبة القرطبي أبو الحسن ثقة انتهى وفيها محمد بن وضاح الحافظ الإمام أبو عبد الله الأندلسي محدث قرطبة وهو في عشر التسعين رحل مرتين إلى المشرق وسمع إسمعيل بن أويس وسعيد ابن منصور والكبار وكان فقيراً زاهداُ قانتاً لله بصيراً بعلل الحديث وفيها الكديمي وهو أبو العباس محمد بن يونس القرشي السامني الحافظ في جمادى الآخرة وقد جاوز المائة بيسير روى عن أبي داود الطياليسي وزوج أمه روح بن عبادة وطبقتهما وله مناكير ضعف بها قال في المغني هالك قال ابن حبان وغيره كان يضع الحديث على الثقات انتهى وقال ابن ناصر الدين كان من الحافظ الأعلام غير أنه أحد المتروكين ثقة إسمعيل الخطبي وكأنه خفى عليه أمره انتهى.

سنة سبع وثمانين ومائتين

  • في المحرم قصدت طى ركب العراق لتأخذه كعام أول بالمعدن وكانوا في ثلاثة آلاف وكان أمير الحاج أبو الأغر فواقعهم يوماً وليول والتحم القتال وجلت الأبطال ثم أيد الله الوفد وقتل رئيس طى صالح بن مدرك وجماعة من أشراف قومه وأسر خلق وانهزم الباقون ثم دخل الركب بالأسرى والرءوس على المراح وفيها سار العباس الغنوى في عسكر فالتقى أبا سعيد الجنابي فأسر العباس وانهزم عسكره وقيل بل أسر سائر العسكر وضربت رقابهم وأطلق العباس فجاء وحدث إلى المعتضد برسالة الجنابي أن كف عنا واحفظ حرمتك.
  • قال ابن الجوزي في الشذور ومن العجائب أن المعتضد بعث العباس بن عمر الغنوى في عشرة آلاف إلى حرب القرامطة فقبض عليهم القرامطة فنجا العباس وحدث وقتل الباقون وفيها غزا المعتضد وقصد طرسوس إلى أنطاكية وحلب وفيها سار الأمير بدر فبيت القرامطة وقتل منهم مقتلة عظيمة وفيها وفي الإمام أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل الشيباني البصري الحافظ قاضي أصبهان وصاحب المصنفات وهو في عشر التسعين في ربيع الآخر سمع من جده لأمه موسى بن إسمعيل وأبى الوليد الطياليسي وطبقتهما وكان إماما ًفقيهاً ظاهرياً صالحاً ورعاً بير القدر صاحب مناقب قال السخاوي في طبقاته أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل ورد أصبهان وسكنها وولى القضاء بعد وفاة صالح بن أ حمد بن حنبل وكان من الصيانة والعفة بمحل عجيب رؤى في النوم بعد موته بقليل فقيل ل ما فعل الله بك قال يؤنسني ربي قال الرائي فشهقت شهقة وانتبهت وقال ذهبت كتبي فأمليت من ظهر قلبي خمسين أف حديث وقيل له أيها القاضي بلغنا أن ثلاثة نفر كانوا بالبادية وهم يلقمون الرمل فقال واحد من القوم أنك قادر على أن تطعمنا خبيصاً على لون هذا الرمل فأذاهم بأعرابي وبيده طبق فسلم عليهم ووضع بين أيدهم طبقاً عليه خبيص حار فقال ابن أبي عاصم قد كان ذاك وكان الثلاثة عثمان بن صخر الزاهد استاذ أبي تراب النخشبي وأبو بتراب وأحمد بن عمرو وأي صاحب الترجمة وهو الذي دعا وقالبو موسى المديني دمع بين العلم والفهم والحفظ والزهد والعبادة والفقه من أهل البصرة قدم أصبهان وصحب جماع من النساك منهم أبو تراب النخشبي وسافر معه وقد عمر وكان فقيهاً ظاهري ألم ذهب وصنف الرد على داود الظاهري وكان بعد ما دخل في القضاء إذا سئل عن مسألة الصوفية يقول القضاء والدنية في علم الصوفية وكان يقول لا أحب أن يحضر مجلسي مبتدع ولا مدعي ولا طعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء ولا منحرف عن الشافعي وأصحاب الحديث رحمه الله تعالى وفيها زكريا بن يحي السجزي الحافظ أبو عبد الرحمن خياط السنة بدمشق وقد نيف على التسعين روى عن شيبان بن فروخ وطبقته وكان من علماء الأثر ثقة قيل توفي في سنة تسع وثمانين وبه جزم ابن ناصر الدين وفيها يحي بن منصور أبو سعيد الهروي الحافظ شيخ هراة ومحدثها وزاهدها في شعبان وقيل توفي سنة اثنتين وتسعين وفي رجها قطر الندى بنت الملك خمارويه بن أحمد بن طولون زوجة المعتضد وكانت شابة بديعة الحسن عاقلة رحمها الله تعالى.

سنة ثمان وثمانين ومائتين

  • فيها ظهر أبو عبد الله الشيعي بالمغرب فدعا العامة إلى الإمام المهدي عبيد الله فاستجابوا له وفيها كان الوباء المفرط بأذربيجان حتى فقدت الأكفان وكفنوا باللبود ثم بقي الموتى مطروحين في الطرق ومات أمير أذربيجان محمد بن أبي الساج وسبعمائة من خواصه وأقربائه وفيها بشر بن موسى الأسدي بن صالح بن شيخ بن عميرة البغدادي في ربيع الأول ببغداد روى عن هوذة بن خليفة والأصمعي وسمع من روح عبادة حديثا واحدا وكان ثقة محتشما كثير الرواية عاش ثمانيا وتسعين سنة وفيها ثابت بن قرة بن هارون ويقال ابن هارون الحاسب الحكيم الحراني كان في مبدأ أمره بحران ثم انتقل إلى بغداد فاشتغل بعلوم الأوائل فمهر فيها وبرع في الطب وكان الغالب عليه الفلسفة حتى قال ابن خلكان كان صائبي النحلة وله تآليف كثيرة في فنون من العلم مقدار عشرين تأليفا منها تارخ حسن وأحد كتاب اقليدوس فهذبه ونقحه وأوضح منه ما كان مشتبها وكان من أعيان أهل عصره في الفضائل وجرى بينه وبين أهل العلم مذهبه أشياء أنكروها عليه في المذهب فرفعوه إلى رئيسهم فأنكر عليه مقالته ومنعه من دخول الهيكل فناب ورجع عن ذلك ثم عاد بعد مدة إلى تلك المقالة فمنعوه من الدخول إلى المجمع فخرج من حران ونزل كفر توثا قرية كبيرة بالجزيرة الفراتية وأقام بها مدة إلى أن قدم محمد بن موسى من بلاد الروم راجعا إلى بغداد فاجتمع به فرآه فاضلا فصيحا فاستصحبه إلى بغداد وأنزله في داره ووصله بالخليفة فأدخله في جملة المنجمين فسكن بغداد وأولد أولادا منهم ولده إبراهيم بن ثابت بلغ رتبة أبيه في الفضل وكان من حذاق الأطباء ومقدم أهل زمانه في صناعة الطب وعالج مرة السري الرفاء الشاعر فأصاب العافية فعمل فيه وهو أحسن ما قيل في طبيب
( هل للعليل سوى ابن قرة شاف * بعد الإله وهل له من كاف )
( أحيا لنا رسم الفلاسفة الذي * أودى وأوضح رسم طب عاف )
( فكأنه عيسى بن مريم ناطقا * يهب الحياة بأبيسر الأوصاف )
( مثلث له قارورتي فرأى بها * ما اكتن بين جوانحي وشفافي )
( يبدو له الداء الخفي كما بدا * للعين رضراض الغدير الصافي )

ومن حفدة ثابت المذكور أبو الحسن ثابت بن سنان بن قرة وكان من صائبي النحلة أيضا وكان في أيام معز الدولة بن بويه وكان طبيبا عالما نبيلا يقرأ عليه كتاب بقراط وجالينوس وكان فكاكا للمعاني وكان سلك مسلك جده ثابت في نظره في الطب والفلسفة والهندسة وجميع الصناعات الرياضية للقدماء وله تصنيف في التاريخ أحسن فيه فائدة الحراني نسبة إلى حران وهي مدينة مشهورة بالجزيرة خرج منها علماء أجلاء منهم بنو تيمية وغيرهم ذكر ابن جرير الطبري في تاريخه إن هاران عم إبراهيم الخليل وأبو زوجته سارة هو الذي عمرها فسميت به ثم عربت به فقيل حران وكان لإبراهيم صلى الله عليه وعلى نبينا وبقية الأنبياء وسلم أخ يسمى بهاران أيضا وهو والد لوط عليه السلام وقال في الصحاح وحران اسم بلد والنسبة إليه حرنائي على غير قياس والقياس حراني على ما عليه العامة انتهى وفيها أي سنة ثمان وثمانين توفي مفتي بغداد الفقيه عثمان بن سعيد بن بشار أبو القسم البغدادي الأنماطي صاحب المزني في شوال وهو الذي نشر مذهب الشافعي ببغداد وعليه تفقه ابن سريج قاله في العبر وقال الأسنوي والأنماطي منسوب إلى الأنماط وهي البسط التي تفرش أخذ الفقه عن المزني والربيع وأخذ عنه ابن سريج قال الشيخ أبو إسحاق كان الأنماطي هو السبب في نشاط الناس للأخذ بمذهب الشافعي في لك البلاد قال ومات ببغداد سنة ثمان وثمانين ومائتين زاد ابن الصلاح في طبقاته وابن خلكان في تاريخه أنه في شوال نقل عنه الرافعي في الحيض وفي زكاة الغنم وغيرهما انتهى ما قاله الأسنوي وفيها معلى بن المثنى بن معاذ البصري المحدث روى عن القعنبي وطبقته وسكن بغداد وكان ثقة عارفا بالحديث وفيها الفقيه العلامة أبو عمر يوسف بن يحي المغامي الأندلسي تلميذ عبد الملك بن حبيب وصاحب التصانيف ألف كتابا في الرد على الشافعي واستوطن القيروان وتفقه به خلق كثير قاله في العبر.

سنة تسع وثمانين ومائتين

  • قال في الشذور فيها صلى الناس العصر يوم عرفة ببغداد في ثياب الصيف ثم هبت ريح فبرد الهواء حتى احتاجوا إلى التدفي بالنار وجمد الماء انتهى وفيها خرج بالشام يحي بن زكرويه القرمطي وقصد دمشق فحاربه طغج ابن جف متوليها غير مرة إلى أن قتل يحي في أول سنة تسعين وفيها توفي المعتضد أبو العباس أحمد بن الموفق ولي عهد المسلمين أبي أحمد طلحة بن المتوكل بن جعفر بن المعتصم العباسي في ربيع الآخر ومرض أياما وكانت خلافته أقل من عشر سنين وعاش ستا وأربعين سنة وكان أسمر نحيفا معتدل الخلق تغير مزاجه من إفراط الجماع وعدم الحمية في مرضه وكان شجاعا مهيبا حازما فيه تشيع ويسمى السفاح الصغير لأنه قتل أعداء بني العباس من مواليهم وغيرهم وكان قد حلب الدهر أشطريه وتأدب بصروف الزمان وكان من أكمل الخلفاء المتأخرين وولي الأمر بعده ولده المكتفي علي بن أحمد المعتضد قال ابن الفرات كان المعتضد بالله من أكمل الناس عقلا وأعلاهم همة مقداما سخيا وضع عن الناس السقاية وأسقط المكوس التي كانت تأخذ بالحرمين وضبط الأمر وكانت الخلافة قو وهى أمرها وضعف فأعزها الله تعالى بالمعتضد أم ولد تسمى صرار وكان له خادم يقال له بدر من أغزر الناس مروءة وأظرفهم وأحسنهم أدبا وكان المعتضد يحبه حبا شديدا قال أبو الحسن علي بن محمد الأنطاكي كنت يوما بين يدي المعتضد وهو مغضب إذ دخل عليه خادمه بدر فلما رآه تبسم وقال لي يا علي من هو قائل
( في وجهه شافع يمحو إساءته * من القلوب وجيها أينما شفعا )

قلت بقوله الحسن بن أبي القاسم البصري فقال لله دره أندني بقية هذا الشعر فأنشدته قوله

( ويلي على من أطار النوم فامتنعا * وزاد قلبي إلى أوجاعه وجعا )
( كأنما الشمس من أعطافه لمعت * يوما أو البدر من أزراره طلعا )
( مستقبل بالذي يهوى وإن كثرت * منه الذنوب ومعذور بما صنعا )

في وجهه شافع البيت قال فلما فرغت من إنشاده أجازني وانصرفت قال ابن حمدون كنت مع المعتضد يوما وقد انفرد من العسكر وتوسطنا الصحراء إذ خرج علينا أسد وقرب منا وقصدنا فقال لي يا ابن حمدون فيك خير قلت لا والله يا سيدي قال ولا تلزم لي فرسي قلت بلى فنزل عن فرسه ولزمتها وتقدم إلى الأسد وأنا أنظره وجذب سيفه فوثب الأسد عليه ليلطمه فتلقاه بضربة وقعت في جبهته فقسمها نصفين ثم وثب الأسد ثانية وثبة ضعيفة فتلقاه بضربة أخرى وقعت أبان بها يده ثم وثب المعتضد عليه فركبه ورمى السيف من يده وأخرج سكينا كانت في وسطه فذبحه من قفاه ثم قام وهو يمسح السكين والسيف بشعر الأسد وعاد ركب فرسه وقال إياك أن تخبر بهذا أحدا فإنما قتلت قال بابن حمدون فما حدثت بهذا إلا بعد موت المعتضد وكان الثوب يقيم عليه السنة والأقل والأكثر لا ينزعه عن بدنه لكقثرة اشتغاله بأمور الرعية ومات في يوم الجمعة تاسع عشر شهر ربيع الآخر وقيل مات ليلة الاثنين لسبع بقين من شهر ربيع الآخر ولما حضرته الوفاة أنشد:

( تمتع من الدنيا فإنك لا تبقى * وخذ صفوها ما إن صفت ودع الرقا )
( ولا تأمنن الدهر إني أمنته * فلم يبق لي حالا ولم يرع لي حقا )
( قتلت صناديد الرجال ولم أدع * عدوا ولم أمهل على ظنة خلقا )
( وأخليت دار الملك من كل نازع * فشردتهم غربا وشردتهم شرقا )
( فلما بلغت النجم عزا ورفعة * وصارت رقاب الخلق لي أجمعا رقا )
( رماني الردى سهما فأخمد جمرتي * فها أنا ذا في حفرتي عاجلا ألقى )
( ولم يغن عني ما جمعت ولم أجد * لدى ملك الأحياء في حيها رفقا )
( فيا ليت شعري بعد موتي ما أرى * أفي نعمة لله أم ناره ألقى )

ويقال إن إسماعيل بن بلبل وزير المعتضد ومقدم جيوشه عمل الوزير القسم بن عبيد الله عليه ووحش قلب المكتفي بالله عليه وكان في جهة فارس يحارب فطلبه المكتفى وبعث إليه أمانا وغدر به وقتله في رمضان وفيها بكر بن سهل الدمياطي المحدث في ربيع الأول سمع عبد الله بن يوسف التنيسي وطائفة ولما قدم القدس جمعوا له ألف دينار حتى روى لهم التفسير وفيها حسين بن محمد أبو علي القباني النيسابوري الحافظ صاحب المسند والتاريخ سمع إسحاق بن راهويه وخلقا من طبقته وكان أحد أركان الحديث واسع الرحلة كثير السماع يجتمع أصحاب الحديث إليه بنيسابور بعد مسلم وفيها الحسين بن محمد بن فهم أبو علي البغدادي الحافظ أحد أئمة الحديث أخذ عن يحي بن معين وروى الطبقات عن ابن سعد قال ابن ناصر الدين الحسين بن محمد بن عبد الرحمن بن فهم بن محرز البغدادي أبو علي الحافظ الكبير كان واسع الحفظ متقنا للأخبار عالما بالرجال والنسب والأشعار لكنه ليس بالقوي في سيره عند الدارقطني وغيره انتهى وفيها علي بن عبد الصمد الطيالسي ولقبه علان روى عن أبي معمر الهذليوطبقته وفيها عمرو بن الليث الصفار الذي كان ملك خراسان قتل في الحبس عند موت المعتضد لأنه كان له إياد علي المكتفي بالله فخاف الوزير أن يخرجه ويتمكن فينتقم من الوزير وفيها محمد بن محمد أبو جعفر التمار البصري صاحب أبي الوليد الطيالسي وفيها محمد بن هشام بن الدميك أبو جعفر الحافظ صاحب سليمان بن حرب ببغداد وهو والذي قبله من أكابر مشايخ الطبراني وفيها يحي بن أيوب العلاف المصري صاحب أسد السنة وهو أيضا من كبار شيوخ الطبراني والله أعلم.

سنة تسعين ومائتين

  • زاد أمر القرامطة وحاصر رئيسهم دمشق ورئيسهم يحي بن زكرويه وكان زكرويه هذا يدعى أنه من أولاد علي رضي الله عنه ويكتب إلى أصحابه من عبيد الله بن عبد الله المهدي المنصور بالله الناصر لدين الله القائم بأمر الله الحاكم بحكم الله الداعي إلى كتاب الله الذاب عن حريم الله المختار من ولد رسول الله فقتل وخلفه أخوه الحسين صاحب الشامة فجهز المكتفي عشرة آلاف لحربهم عليهم الأمير أبو الأغر فلما قاربوا حلب كبستهم القامطة ليلا ووضعوا فيهم السيف فهرب أبو الأغر في ألف نفس ودخل حلب وقتل تسعة آلاف ووصل المكتفي إلى الرقة وجهز الجيوش إلى أبي الأغر وجاءت من مصر العساكر الطولونية مع بدر الحمامي فهزموا القرامطة وقتلوا منهم خلقا وقيل بل كانت الوقعة بين القرامطة والمصريين بأرض مصر وأن القرمطي صاحب الشامة انهزم إلى الشام ومر على الرحبة وهيت ينهب ويسبي الحريم حتى دخل الأهواز.
  • وفيها دخل عبيد الله الملقب بالمهدي المغرب متنكرا والطلب عليه من كل وجه فقبض عليه متولي سجلماسة وعلى ابنه فحاربه أبو عبد الله الشيعي داعي المهدي فهزمه ومزق جيوشه وجرت بالمغرب أمور هائلة واستولى على المغرب المهدي المنتسب إلى الحسين بن علي أيضاً بكذبه وكان باطني الإعتقاد وهو الذي بني المهدية والباطنية فرقة من المبتدعة قالوا لظواهر القرآن بواطن مرادة غير ما عرف من معانيها اللغوية.
  • وفيها الحافظ أبو عبد الرحمن عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل الذهلي الشيباني ببغداد في جمادى الآخرة وله سبع وسبعون سنة كأبيه وكان إماما صخيراً بالحديث وعالمه مقدماً فيه وكان من أروى الناس عن أبيه وقد سمع من صغار شيوخ أبيه وهو الذي رتب من سد والده وروى عنه أبو القسم البغوي والمحاملي وأبو بكر الخلال وغيرهم وكان ثبتاً فهماً ثقة ولد في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة ومائتين يقال إن والده حفظه خمسة عشر ألف حديث ظهر قلب ثم قال له لم يقل النبي شيئاً من هذا فقال ولم أذهبت أيامي في حفظ الكذب قال لتعلم الصحيح فمن الآن احفظ الصحيح وروى عبد الله عن أبيه أنه قال قد روى عن رسول الله أنه قال نسمة المؤمن إذا مات طير تعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه وذكر أبو يعلى في المعتمد قال روى عبد الله عن أبيه قال أرواح الكفار في النار وأرواح الكفار في النار وأرواح المؤمنين في الجنة والأبدان في الدنيا يعذب الله من يشاء ويرحم من يشاء ولا نقول إنهما تفنيان بل هما على علم الله عز وجل باقيتان قال القاضي أبو يعلى وظاهر هذا أن الأرواح تنعم وتعذب على الإنفارد وكذلك الأبدان وقال عبد الله كان في دهليزنا دكان وكان إذا جاء إنسان يريد أبى أن يخلو معه أجاسه على الدكان وإذا لم يرد أن يخلو معه أخذ بعضادتي الباب وكلمه فلما كان ذات يوم جاء إنسان فقال لي قل لأحمد أبو إبراهيم السائح فخرج إليه أبي فجلسا على الدكان فقال لي أبى سلم عليه فإنه من كبار المسلمين أو من خيار المسلمين فسلمت عليه فقال لأبي حدثني يا أبا إبراهيم فقال له خرجت إلى الموضع الفلاني بقرب الدير الفلاني فأصابتني علة منعتني من الحركة فقلت في نفسي لو كنت بقرب الدير الفلاني لعل من فيه من الرهبان يداووني فإذا أنا بسبع عظيم يقصد نحوى حتى جاءني فاحتملني على ظهره حملا رفيقاً حتى ألقاني عند الدير فنظر الرهبان إلى حالى مع السبع فأسلمة اكلهم وهم أربعمائة راهب ثم قال أبو إبراهيم لأبي حدثني يا أبا عبد الله فقال له أبي كنت قبل الحج بخمس ليال أو أربع ليال فبينا أنا نائم إذ رأيت النبي فقال لي يا أحمد حج فانتبهت ثم أخذني النوم فإذا أنا النبي فقال لي يا أحمد حج فانتبهت وكان من شأني إذا أردت سفراً جعلت في مزود لي فتيتا ففعلت ذلك فلما أصبحت قصدت نحو الكوفة فلما انقضى بعض النهار إذا أنا بالكوفة فدخلت مسجد الجامع فإذا أنا بشاب حسن الوجه طيب الريح فقلت سلام عليكم ثم كبرت اصلى فلما فرغت من صلاتي قلت له رحمك الله هل بقى أحد يخرج إلا لحج فقال لي انتظر حتى يجيىء اخ من أخواننا فإذا أنا برجل فيمثل حالي فلم نزل نسير فقال الذي معي رحم كالله إن رأيت أن ترفق بنا فقال له الشاب إن كان معنا أحمد بن حنبل فسوف يرفق بنا فوقع في نفسي أنه الخضر فقلت للذي معي هل لك في الطعام فقال لي كل مما تعرف وآكل مما أعرف ولما أصبنا من الطعام غاب الشاب من بين أيدينا ثم رجع بعد فراغنا فلما كان بعد ثلاث إذا نحن بمكة ومات عبد الله يوم الأحد ودفن في آخر النهار لتسع بقين من جمادى الآخرة.
  • وفيها على ما ذكره ابن ناصر الدين وهذا لفظ بديعته ( بعد الإمام ابن الإمام المفضل * ذاك الرضى بن أحمد بن حنبل ) وأحمد الأبار وابن النضر * ذا أحمد قرطمة كالبحر ) ( محمد البوشنجي خذه الخامسا * وعد بالأذان ذاك السادسا ) فأما الأبار فهو أحمد بن علي بن مسلم النخشبي البغدادي محدث بغداد وكان ثقة فاضلا جامعا محصلا كاملا وأما ابن النضر فهو أحمد بن النضر ابن عبد الوهاب أبو الفضل النيسابوري حدث عنه البخاري وهو أكبر منه وكان البخاري ينزل عليه وعلى أخيه محمد بنيسابور وتحديثه عنهما في صحيحه مشهور وأما قرطمة فهو محمد بن علي البغدادي أبو عبد الله وكان أحد الأئمة الرحالين والحفاظ المجودين المعدلين وهذا غير قرطمة وراق سفيان بن وكيع فإن ذاك من المجروحين وأما البوشنجي فهو محمد بن إبراهيم بن سعيد بن عبد الرحمن بن موسى العبدي أبو عبد الله الفقيه المالكي كان رأسا في علم اللسان حافظا علامة من أئمة هذا الشأن قالفي العبر البوشنجي الإمام الحبر أبو عبد الله شيخ أهل الحديث بخراسان رحل وطوف وروى عن أحمد بن يونس ومسدد والكبار وكان من أوعية العلم قد روى عنه البخاري حديثا في صحيحه عن النفيلي وآخر من روى عنه إسماعيل بن نجيد انتهى وأما أبو الأذان فهو عمر بن إبراهيم بن سليمان بن عبد الملك الخوارزمي ثم البغدادي نزيل سامرا وكنيته أيضا أبو بكر كان من الثقات الأخيار وقال ابن ناصر الدين في بديعته أيضا ( وقبل تسعين قضى القويم * العنبري الطوسي إبراهيم ) قالها في شرحها هو إبراهيم بن إسماعيل الطوسي أبو إسحاق وكان حافظا علامة له رحلة إلى عدة أقطار وصنف المسند فأتقنه وأحكمه وكان محدث أهل عصره بطوس وزاهدهم بعد شيخه محمد بن أسلم انتهى.
  • وفيها أي سنة تسعين محمد بن زكريا الغلابي الأخباري أبو جعفر بالبصرة روى عن عبد الله بن رجاء الغداني وطبقته قال ابن حبان يعتبر بحديثه إذا روى عن الثقات وقال في المغني قال الدارقطني يضع الحديث انتهى.
  • وفيها محمد بن يحي بن المنذر أبو سليمان القزاز بصري معمر توفي في رجب وقد قارب المائة أو كملها روى عن سعيد بن عامر الضبعي وأبي عاصم والكبار.

سنة إحدى وتسعين ومائتين

فيها خرجت الترك في جيش لجب فاستنفر إسماعيل بن أحمد الناس عامة وكبس الترك في الليل فقتل منهم مقتلة عظيمة وكانت من الملاحم الكبار ونصر الله تعالى لكن أصيب المسلمون من جهة أخرى خرجت الروم في مائة ألف فوصلوا إلى الحديث فقتلوا وسبوا وأحرقوا ورجعوا سالمين فنهض جيش من طرسوس عليهم غلام زرافة فوغلوا في الروم حتى نازلوا أنطاكية مدينة صغيرة قريبة من قسطنطينية العظمى فافتتحوها عنوة وقتلوا من الروم نحو خمسة آلاف وغنموا غنيمة لم يعهد مثلها بحيث أنه بلغ سهم الفارس ألف دينار ولله الحمد وأما القرطمي صاحب الشامة واسمه حسين فعظم به الخطب والتزم له أهل دمشق بمال عظيم حتى ترحل عنهم وتملك حمص وسار إلى حماة والمعرة فقتل وسبى وعطف إلى بعلبك فقتل أكثر أهلها ثم سار فأخذ سلمية وقتل أهلها قتلا ذريعا حتى ما ترك بها عينا تطرف وجاء جيش المكتفي فالتقاهم بقرب حمص فكسروه وأسر خلق من جنده وركب هو وابن عمه الملقب بالمدثر فاخترقوا ثلاثتهم البرية فمروا بدالية بن طوق فأنكرهم وإلى تلك الناحية فقررهم فاعترف صاحب الشامة فحملهم إلى المكتفى فقتلهم وأحرقهم وقام القرامطة بعدهم أخوهما أبو الفضل وسار إلى أذرعات وبصرى من وران والبثينة من أعمال دمشق فخرج إليه السلطان حمدان حمدون التغلبي فهزمه القرمطي وسار إلى هيت وحرقها بالنار بعد قتل أهلها ورجع إلى ناحية البرفأ نفذ المكتفي جيشاً عظيماً فخاف أصحاب القرمطي إحاطة الجيوش بهم فقتله رجل منهم يعرف بأبى الذيب غيلة وحمل رأسه إلى المكتفي ثم خرج بعدهم من القرامطة زكرويه بن مهرويه وقيل هو أبو من تقدم ذكره وعاث في البلاد فأكثر فيه الفساد وقتل ثلاثة ركوب راجعة من الحج وبلغ عدد المقتولين منهم خمسين ألفاً وقيل أن هذا العدد في الركب الثالث وحده وخذلهم الله على يدي وصيف بن صول الجزري وأسر زكرويه جرياً وخذلهم الله على يدي وصيف بن صول الجزري وأسر زكرويه جريحاً ومات من الغد وحمل رأسه إلى المكتفي ببغداد.

  • وفيها توفي علامة الأدب أبو العباس ثعلب أحمد بن يحيى بن يزيد الشيباني مولاهم العبسى البغدادي شيخ اللغة والعربية حدث عن غير واحد وعنه غير واحد منهم الأخفش الصغير وسمع من القواريري مائة ألف حديث فهو من المكثرين وسيرته في الدين والصلاح مشهورة قاله ابن ناصر الدين وقال ابن مجاهد المصري قال ثعلب اشتغل أهل القرآن والحديث والفقه بذلك ففازوا واستغلت بزيد وعمر وليت شعري ما يكون حظى في الآخرة قال ابن مجاهد فرأيت النبي في المنام فقال لي أقرىء أبا العباس ثعلب عني السلام وقل له أنت ص احب العلم المستطيل قال العبد الصالح أبو عبد الله الروذباري أراد أن الكلام به يكمل والخطاب به يجمل وأن جميع العلوم تفتقر غليه صنف ثعلب التصانيف المفيدة منها كتاب الفصيح وهو صغير الحجم كبير الفائدة وكتاب القراءات وكتاب إعراب القرآن وغير ذلك وكان ثقة صالحاً مشهوراً بالحفظ والمعرفة وكان أصم فخرج من الجامع بعد العصر وفي يديه كتاب ينظر إليه وهو يمشى فصدمته فرس فألقته في هوة فأخرج منها وهو كالمختلط فمات في اليوم الثاني وكان حنبلياً قال ابن أبي يعلى في طبقاته قال ثعلب كنت أحب أن أرى أحمد بن حنبل فصرت إليه فلما دخلت عليه قال لي فيم تنظر فقلت في النحو والعربية فأنشدني أبو عبد الله أحمد بن حنبل
( إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل * خلوت ولكن قل على رقيب )
( ولا تحسبن الله يغفل ما مضى * ولا أن ما يخفى عليه يغيب )
( لهونا عن الأيام حتى تتابعت * ذهوب على آثارهن ذنوب )
( فيا ليت أن اله يغفر ما مضى * ويأذن في توباتنا فنتوب )

انتهى.

  • وفيها على بن الحسين بن الجنيد الرازي الحافظ الكبير الثقة أبو الحسن في آخر السنة ويعرف بالمالكي لتصنيفه حديث مالك طوف الكثير وسع أبا جعفر النفيلي وطبقته وعاش نيفاً وثمانين سنة وقنبل قارىء أهل مكة وهو أبو عمرو ومحمد بن عبد الرحمن المخزومي مولاهم المكي وله ست وتسعون سنة شاخ وهرم وقطع الإقراء قبل موته بسبع سنسن قرأن على أبي الحسن القواس ورحل إليه القراء وجاوروا وحملوا عنه.
  • وفيها القسم بن عبيد الله الوزير ببغداد وزر المعتضد وللمكتفي وكان أبوه أيضاً وزير المتضد وكان القسم قليل التقوي كثر الظلم وكان يدخله من ضياعه قي العام سبعمائة ألف دينار ولما مات أظهر الناس الشماتة بموته.
  • وفيها محمد بن أحمد بن البراء القاضي أبو الحسن العبدي ببغداد روى عن ابن المديني وجماعة.
  • وفيها محمد بن أحمد بن النظر بن سملة الجارودي أبو بكر الأزدي ابن بنت معوية بن عمرو وله خمس وتسعون سنة روى عن جده أو القعنبي وكان إماماً فظاً ثقة من الرؤساء
  • وفيها محدث مكة محمد بن علي بن زيد الصائغ في ذي القعدة وهو في عشر المائة روى عن القعنبي وسعيد بن منصور.
  • وفيها مقرئ أهل دمشق هرون بن عيسى بن موسى بن شريك المعروف بالأخفش صاحب ابن ذكوان في عشر المائة.

سنة اثنتين وتسعين ومائتين

فيها خرج عن الطاعة صاحب مصر هرون بن خمارويه الطولوني فسارت جيوش المكتفي لحربه وجرت لهم وقعات ثم اختلف أمراء هارون واقتتلوا فخرج ليسكنهم فجاءه سهم فقتله ودخل الأمير محمد بن سليمان قائد جيش المكتفي فتملك الإقليم واحتوى على الخزائن وقتل بضعة عشر رجلا وحبس طائفة وكتب بالفتح إلى المكتفي وقيل إنه هم بالمضي إى المكتفي أعني هارون فامتنع عليه أمراؤه وشجعوه فأبى فقتلوه غيلة ولم يمتع محمد بن سليمان فإنه أرعد وأبرق وخيف من غيلته وغلبته على بلاد مصر وكاتب وزير المكتفي القواد فقبضوا عليه وفيها خرج الخلنجي القائد بمصر وحارب الجيوش واستولى على مصر وفيها توفي القاضي الحافظ أبو بكر المروزي أححمد بن علي بن سعيد قاضي حمص في آخر السنة روى عن ابن الجعد وطبقته وحدث عنه الطبراني وغيره وكان ثقة أحد أوعية العلم وفيها الحافظ أبو بكر البزار أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري صاحب المسند الكبير في ربيع الأول بالرملة روى عن هدبة بن خالد وأقرانه وحدث في آخر عمره بأصبهان والعراق والشام قال الدارقطني ثقة يخطئ ويتكل على حفظه وقال في المغني أحمد بن عمرو وأبو بكر البزار الحافظ صاحب المسند صدوق قال أبو أحمد الحاكم يخطئ في الإسناد والمتن انتهى وفيها أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين بن سعد الحافظ أبو جعفر المهدي المصري المقرىء قرأ القرآن على أحمد بن صالح وروى عن سعيد ابن عفير وطبقته وفيه ضعف قال إن عدي يكتب حديثه وأبو مسلم الكجى إبراهيم بن عبد الله البصري الحافظ صاحب السنن ومسند الوقت في المحرم وقد قارب المائة وكملها سمع أبا عاصم النبيل والأنصاري والكبار وثقة الدارقطني وكان محدثاً حافظاً محتشماً كبير الشأن قيل أنه لما فرغوا من سماع السنن عليه وعمل لهم مأدبة غرم عليها ألف دينار تصدق بجملة منها ولما قدم بغداد ازدحموا عليه حتى حزر مجلسه بأربعين ألفاً وزيادة وكان في المجلس سبعة مستملين كل واحد يبلغ الآخر وفها إدريس بن عبد الكريم أبو الحسن الحداد المقرىء المحدث يوم الأضحى ببغداد وله نحو من تسعين سنة روى عن عاصم بن علي وطبقته وقرأ القرآن على خلف وتصدر للإقراء والعلم الدارقطني هو فوق الثقة بدرجة وفيها محدث واسط بحشل وهو الحافظ أبو الحسن أسلم بن سهل الرزاز روى عنده لأمه وهب بن بقية وطبقته وصنف التصانيف وهو ثقة ثبت وفيها قاضي القضاة أبو حازم عبد الحميد بن عبد العزيز الحنفي ببغداد وكان من القضاة العادلة له أخبار ومحاسن ولما احتضر كان يقول يا رب من القضاء إلى القبر ثم يبكي روى عن بندار.

  • وفيها عيسى بن محمد بن عيسى الطماني المروزي الغوي ذكر عنه ابن السبكي في طبقاته الكبرى قصة مطولة ملخصها قال الحاكم سمعت أبا زكريا يحيى بن محمد العنبري يقول سمعت أبا العباس عيسى بن محمد بن عيسى الطهماني المروزي يقول إني وردت في سنة ثمان وثلاثين ومائتين مدينة من مدائن خوارزم تدعى هزارنيف فخبرت أن بها امرأة من نساء الشهداء رأت رؤيا كأنها أطعمت شيئاً في منامها فهي لا تأكل شيئاً ولا تشرب من حين ذلك ثم مررت بتلك المدينة سنة اثنتين وأربعين ومائتين فرأيتها وحدثني بحديثها فلم أستقص عليها لحداثة سني ثم إني عدت إلى خوارزم في آخر سنة اثنتين وخمسين ومائتين فرأيتها باقية ووجدت حديثها شائعا مستفيضا وهذه المدينة على مدرجة القوافل وكان الكثير ممن ينزلها إذا بلغتهم قصتها أحبوا أن ينظروا إليها فلا يسألون عنها رجلا ولا امرأة ولا غلاما إلا عرفها ودل عليها فلما وافيت الناحية طلبتها فوجدتها غائبة على عدة فراسخ فمضيت في إثرها من قرية إلى قرية فأدركتها بين قريتين تمشي مشية قوية وإذا هي امرأة نصف جيدة القامة حسنة البدنة ظاهرة الدم متوردة الخدين ذكية الفؤاد فسايرتني وأنا راكب فعرضت عليها مركبا فلم تركبه وأقبلت تمشي معي بقوة وكان ذكر لي الثقات من أهل تلك الناحية إنه كان من يلي خوارزم من العمال يحصرونها الشهر والشهرين والأكثر في بيت يغلقون عليها ويوكلون بها من يراعيها فلا يرونها تأكل ولا تشرب ولا يجدون لها أثر بول ولا غائط فيبرونها ويكسونها ويخلون سبيلها فلما تواطأ أهل الناحية على تصديقها اقتصصتها عن حديثها وسألتها عن اسمها وشأنها كله فذكرت أن اسمها رحمة بنت إبراهيم وإنه كان لها زوج نجار فقير معيشته من عمل يده لا فضل في كسبه عن قوت أهله وأن لها منه عدة أولاد وأن الأقطع ملك الترك قتل من قريتهم خلقا كثيرا من جملتهم زوجها ولم يبق دار إلا حمل إليها قتيل قالت فوضع زوجي بين يدي قتيلا فأدركني من الجزع ما يدرك المرأة الشابة على زوج أبي أولاد قالت واجتمع النساء من قراباتي والجيران يسعدني على البكاء وجاء الصبيان وهم أطفال لا يعقلون من الأمر شيئا يطلبون الخبز وليس عندي ما أعطيهم فضقت صدرا بأمري ثم إني سمعت أذان المغرب ففزعت إلى الصلاة فصليت ما قضى لي ربي ثم سجدت أدعو وأتضرع إلى الله أسأله الصبر وأن يجبر يتم صبياني فنمت في سجودي فرأيت كأني في أرض خشناء ذات حجارة وأنا أطلب زوجي فناداني رجل أيتها الحرة خذي ذات اليمين فأخذت

212 ذات اليمين فدفعت إلى أرض طيبة الثرى ظاهرة العشب وإذا قصور وأبنية لا أحفظ أن أصفها أو لم أر مثلها وإذا أنهار تجري على وجه الأرض ليس لهاحافات فانتهيت إلى قوم جلوس خلقا عليهم ثياب خضر وقد علاهم النور فإذا هم الذين قتلوا في المعركة يأكلون على موائد بين أيديهم فجعلت أتخللهم وأتصفح وجوههم أبغي زوجي فناداني يا رحمة يا رحمة فيممت الصوت فإذا أنا به في مثل حال من رأيت من الشهداء ووجهه مثل القمر ليلة البدر وهو يأكل مع رفقة له قتلوا يومئذ معه فقال لأصحابه إن هذه لبائسة جائعة منذ اليوم أفتأذنون أن أناولها شيئا تأكله فأذنوا له فناولني كسرة خبز أشد بياضا من الثلج واللبن وأحلى من العسل والسكر وألين من الزبد والسمن فأكلتها فلما استقرت في جوفي قال اذهبي كفاك الله مؤونة الطعام والشراب ما حييت في الدنيا فانتبهت من نومي شبعاء رياء لا أحتاج إلى طعام ولا شراب وما ذقتهما من ذلك اليوم إلى يومي هذا ولا شيئا تأكل الناس قلت فهل تتغذى بشيء أو تشربي شيئا غير الماء فقالت لا قلت والحيض وأظنها قالت انقطع بانقطاع الطعم قلت فهل تحتاجين حاجة الرجال إلى النساء قالت أما تستحي مني تسألني عن مثل هذا قلت أي لعلي أحدث الناس عنك ولا بد أن أستقصي قالت لا أحتاج قلت أفتنامين قالت نعم أطيب نوم قلت فما ترين في منامك قالت مثل ما ترون قلت فتجدي لفقد الطعام وهنا في نفسك قالت ما أحسست بالجوع منذ طعمت ذلك الطعام وذكرت لي أن بطنها لاصق بظهرها فأمرت امرأة من نسائنا فنظرت فإذا بطنها كما وصفت وإذا بها قد اتخذت كيسا ضمنته القطن وشدته على بطنها كيلا ينقصف ظهرها إذا مشت هذا ملخص ما أورده ابن السبكي وقال ابن الأهدل فيها أي سنة اثنتين ومائتين عيسى بن محمد المروزي اللغوي وهو الذي رأى بخوارزم امرأة بقيت نيفا وعشرين سنة لا تأكل ولا تشرب وروى اليافعي عن الشيخ صفي الدين أنه ذكر أن امرأة ببحيرة مصر قامت ثلاثين سنة لا تأكل ولا تشرب في مكان واحد ولا تتألم بحر أو برد انتهى ما قاله ابن الأهد بحروفه وقاله في العبر وفيها أي سنة ثلاث وتسعين عيسى بن محمد أبو العباس الطهماني المروزي اللغوي كان إماما في العربية روى عن إسحاق بن راهويه وهو الذي رأى بخوارزم المرأة التي بقيت نيفا وعشرين سنة لا تأكل ولا تشرب وفيها محمد بن أحمد بن سليمان الإمام أبو العباس الهروي فقيه محدث صاحب تصانيف رحل إلى الشام والعراق وحدث عن أبي حفص الفلاس وطبقته وفيها يحي بن منصور الهروي أبو سعد أحد الأئمة الثقات في العلم والعمل حتى قيل إنه لم ير مثل نفسه روى عن سويد بن نصر وطبقته.

سنة ثلاث وتسعين ومائتين

  • فيها التقي الخليجي المتغلب على مصر وجيش المكتفي بالعريش فهزمهم أقبح هزيمة وفيها عاثت القرامطة بالشام وقتلوا وسبوا وما أبقوا ممكنا بحوران وطبرية وبصري ودخلوا السماوة فطلعوا إلى هيت فاستباحوها ثم وثبت هذه الفرقطة الملعونة على زعيمها أبي غانم فقتلوه ثم جمع رأس القوم زكرويه والد الصاحب الشامة جموعا ونازل الكوفة فعاقله أهلها ثم جاءه جيش الخليفة فالتقاهم وهزمهم ودخل الكوفة يصيح قومه يا ثارات الحسين يعنون صاحب الشامة والد زكرويه لا رحمه الله قاله في العبر وفيها سار فاتك المعتضدي فالتقى الخليجي فانهزم الخليجي وكثر القتل في جيشه واختفى الخليجي فدل عليه رجل فبعثه فاتك في عدة من قواده إلى بغداد فأدخلوا على الجمال وحبسوا وفيها توفي أبو العباس النائي الشاعر المتكلم عبد الله بن محمد بمصر قال ابن خلكان أبو العباس عبد الله بن محمد الناشي الأنباري المعروف باين شرشير الشاعر كان من الشعراء المجيدين وهو في طبقة ابن الرومي والبحتري وأنظارهما وهو النائي الكبر وكان نحوياً عروضياً متكلماً أصله من الأنبار وأقام ببغداد مدة طويلة ثم خرج إلى مصر وأقام بها إلى آخر عمره وكان متبحراً في عدة علوم من جملتها على المنطق وكان بقوة علم الكلام نقض علل النجاة وأدخل على قواعد العروض شبها ومثلها بغير أمثلة الخليل وكل ذلك لحذقه وقوة فطنته وله قصيدة في فنون من العلم على روى واحد تبلغ أربعة آلاف بيت وله تصانيف جميلة وله أشعار كثيرة في جوارح الصيد وآلاته وما يتعلق بها كأنه كان صاحب صيد وقد استشهد كشاجم بشعره في كتاب المصايد والمطارد في مواضع فمن ذلك قوله في طريدة في وصف باز
( لما تفرى الليل عن اثباجه * وارتاح ضوء الصبح لانبلاجه )
( غدوت أبغي الصيد في منهاجه * يا مقراً أبدع في نتاجه )
( ألبسه الخالق من ديباجه * وشيا يحار الطرف في اندراجه )
( في نسق منه وفي انعراجه * وزان فوديه إلى حجاجه )
( يزينة كفته نظم تاجه * منشرة تنبىء عن خلاجه )
( وظفره ينبىء عن علاجه * لو استضاء المرء في إدلاجه )
( بعينه كفته عن سراجه * )

ومن شعره في جارية مغنية بديعة الجمال

( فديتك لو أنهم أنصفوك * لردوا النواظر عن ناظريك )
( تردين أعيننا عن سواك * وهل ت نظر العين إلا إليك )
( وهم جعلوك رقيباً علينا * فمن ذا يكون رقيباً عليك )
( ألم يقرؤا ويحهم ما يرون * من وحي حسنك في وجنتيك )

وشرشير بكسر الشينين المعجمتين وبينهما راء ساكنة ثم ياء مثناة من تحتها وبعدها راء اسم طائر يصل إلى الديار المصرية في البحر في زمن الشتاء وهو أكبر من الحمام بقليل وهو كثير الوجود بساحل دمياط وباسمه سمى الرجل والله أعلم انتهى ملخصا وفيها محمد بن أسد المديني أبو عبد الله الزاهد كان يقال إنه مجاب الدعوة عمره أكثر من مائة سنة وحدث عن أبي داود الطيالسي بمجلس واحد قال في المغني محمد بن أسد المديني الأصبهاني آخر أصحاب أبي داود الطيالسي قال أبو عبد اله بن مندة حدث عن أبي داود بمناكير انتهى وفيها محمد بن عبدوس واسم عبدوس عبد الجبار بن كامل السراج الحافظ ببغداد في رجب روى عن علي بن الجعد وطبقته وحدث عنه الطبراني وهو ثقة وفيها أحمد بن محمد بن عبد الله بن صدقة البغدادي روى عنه ابن قانع والطبراني وغيرهما وكان إماما حافظا ذا دراية وعبدان عبد الله بن محمد بن عيسى بن محمد المروزي الحافظ النبيه حدث عنه الطبراني وغيره وكان من الأئمة الحفاظ سنة أربع وتسعين ومائتين فيها أخذ ركب العراق زكرويه القرمطي وقتل الناس قتلا ذريعا وسبى نساء وأخذ ما قيمة ألفي ألف دينار وبلغت عدة القتلى عشرين ألفا ووقع البكاء والنوح في البلدان وعظم هذا على المكتفي فبعث الجيش لقتاله وعليهم وصيف بن صوار تكين فالتقوا فأسر زكرويه وخلق من أصحابه وكان مجروحا فمات إلى لعنة الله بعد خمسة أيام فحمل ميتا إلى بغداد وقتل أصحابه ثم أحرقوا وتمزق أصحابه في البرية.

  • وفيها توفي الحافظ الكبير أبو علي صالح بن محمد بن عمرو الأسدي البغدادي جزرة محدث ما وراء النهر نزل بخارى وليس معه كتاب فروى بها الكثير من حفظه روى عن سعدويه الواسطي وعلي بن الجعد وطبقتهما ورحل إلى الشام ومصر والنواحي وصنف وجرح وعدل وكان صاحب نوادر ومزاح قال ابن ناصر الدين حدث عن خلق منهم يحي بن معين وعنه مسلم خارج صحيحه وغيره وهو ثقة ثبت انتهى وفيها صباح بن عبد الرحمن أبو الغصن العتقي الأندلسي المعمر مسند العصر بالأندلس روى عن يحي بن يحي وأصبغ بن الفرج وحنون قال ابن الفرضي بلغني أنه عاش مائة وثمانية عشر عاما وتوي في المحرم وعبيد العجل الحافظ وهو أبو علي الحسين بن محمد بن حاتم في صفر قال ابن ناصر الدين هو تلميذ يحي بن معين وحدث عنه الطبراني وكان من الحفاظ المتقنين وفيها محمد بن الإمام إسحاق بن راهويه القاضي أبو الحسن روى عن أبيه وعلي بن المديني قتل يوم أخذ الركب شهيدا وفيها محمد بن أيوب بن يحي بن الضريس الحافظ أبو عبد الله البجلي الرازي محدث الري يوم عاشوراء وهو في عشر المائة روى عن مسلم بن إبراهيم والقعنبي والكبار وجمع وصنف وكان ثقة ومحمد بن معاذ دران الحلبي محدث تلك الناحية أصله من البصرة روى عن القعنبي وعبد الله بن رجاء وطبقتهما ورحل إليه المحدثون وفيها محمد بن نصر المروزي الإمام أبو عبد الله أحد الأعلام كان رأسا في الفقه رأسا في الحديث رأسا في العبادة ثقة عدلا خيرا قا الحافظ أبو عبد الله بن الأحزم كان محمد بن نصر يقع على أذنه الذباب في الصلاة فيسيل الدم ولا يذبه كان ينتصب كانه خشبة وقال أبو إسحق الشيرازي كان من أعلم الناس بالإخلاق وصنف كتبا وقال شيخ في الفقه محمد بن عبد الله بن عبد الحكم كان محمد بن نصر عندنا إماما فكيف بخراسان وقال غيره لم يكن للشافعية في وقته مثله سمع يحيى بن يحيى ويبان بن فروخ وطبقتهما وتوفي في المحرم بسمرقند وهو في عشر التسعين قال الأسنوي في طبقاته محمد بن نصر المروزي أحد أئمة الإسلام قال فيه الحاكم هو الفقيه العباد العلام إمام أهل الحديث فيعصره بلا مدافعة وقال الخطيب في تاريخ بغداد كان من أعلم الناس باختلاف الصحابة ومن بعدهم ولد ببغداد سنة اثنتين ومائتين ونشأن بنيسابور وتفقه بمصر على أصحاب الشافعي وسكن سمرقند إلى أن توفي بها.

سنة أربع وتسعين ومائتين

ذكره النووي في تهذيبه نقل عنه الرافعي في مواضع منها أنه قال يكفي في صحة الوصية الإشهاد عليه بأن هذا خطى وما فيه وصيتي وإن لم يعلم الشاهد ما فيه وفي طبقات العبادي عنه أنه يكفي الكتابة بلا شهادة بالكلية والمعروف خلاف الأمرين ومنها أن الأخوة ساقطون بالجد والمروزي نسبة إلى مرو زوادوا عليها الزاي شذوذا وهي إحدى مدن خراسان الكبار فإنها أربعة نيسابور وهراة وبلخ ومرو وهي أعظمها وأما مرو الروذ فأنها تستعمل مقيدة والروذ براء مهملة مضمومة وذال معجمة هو النهر بلغة فارس والنسبة إلى الأولى مروزي وإلى الثانية مروذى بثلاث راءات وقد يخفف فيقال مروذي وبين المدينتين ثلاثة أيام انتهى ما ذكره الأسنوي ملخصاً وفيها الإمام موسى بن هرون بن عبد الله أبو عمران البغدادي البزاز الحافظ ويعرف أبوه بالحمال كان إمام وقته في حفظ الحديث وعلله قال أبو بكر الضبعي ما رأينا في حفاظ الحديث أهيب ولا أورع من موسى بن هرون سمع على بن الجعد وقتيبة وطبقتهما وقال ابن ناصر الدين هو محدث العراق حدث عنه خلق منهم الطبراني وكان إماما حافظا حجة.

سنة خمس وتسعين ومائتين

فيها توفي إبراهيم بن أبي طالب النيسابوري الحافظ أحد أركان الحديث روى عن إسحاق بن راهويه وطبقته قال عبد الله بن سعد النيسابوري ما رأيت مثل إبراهيم بن أبي طالب ولا رأي مثل نفسه وقال أبو عبد الله ابن الأخرم إنما أخرجت نيسابور ثلاثة محمد بن يحي ومسلم بن الحجاج وإبراهيم ابن أبي طالب وقال ابن ناصر الدين هو ثقة وإبراهيم بن معقل أبو إسحاق السانجني بفتح الجيم وسكون النون التي قبلها نسبة إلى سانجن قرية بنسف كان قاضي نسف وعالمها ومحدثها وصاحب التفسير والمسند وكان بصيرا بالحديث عارفا بالفقه والاختلاف روى الصحيح عن البخاري وروى عن قتيبة وهشام بن عمار وطبقتهما وفيها الحافظ أبو علي الحسن بن علي بن شبيب المعمري نسبة إلى جده لأمه محمد سفين بن حميد المعمري صاحب وعاش اثنتين وثمانين سنة وله أفراد وغرائب مغمورة في سعة علمه قال ابن ناصر الدين كان من أوعية العلم تكلم فيه عدة وقواه آخرون انتهى وقال في المغني تفرد برفع أحاديث تحتمل له انتهى وفيها الحكم بن معبد الخزاعي الفقيه مصنف كتاب السنة بأصبهان روى عن محمد بن حميد الرازي ومحمد بن المثنى وطبقتهما وكان من كبار الحنفية وثقاتهم وفيها أبو شعيب الحراني عبد الله بن الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الأموي المؤدب نزيل بغداد في ذي الحجة روى عن يحي البابلتي وعفان وعاش تسعين سنة وكان ثقة وأمير خراسان وما وراء النهر إسماعيل بن أحمد بن أسد بن سامان في صفر ببخارى وكان ذا علم وعدل وشجاعة ورأي وكان يعرف بالأمير الماضي أبي إبراهيم جمع بعض الفضلاء شمائله في كتاب وكان ذا اعتناء زائد بالعلم والحديث قاله في العبر وفيها أبو علي عبد الله بن محمد بن علي البلخي الحافظ أحد أركان الحديث ببلخ سمع قتيبة وطبقته وصنف التاريخ والعلل وفيها المكتفي بالله أبو الخليفة أبو الحسن علي بن المعتضد أحمد بن أبي أحمد الموفق بن المتوكل بن العتصم العباسي وله إحدى وثلاثون سنة وكان وسيما جميلا بديع الجمال معتدل القامة دري اللون أسود الشعر استخلف بعد أبيه وكانت دولته ست سنين ونصفا وتوفي في ذي القعدة وفيه يقول أحد أعيان الأدباء وقد أبان زوجته عن نشوز وعقوق ( قايست بين جمالها وفعالها * فإذا الملاحة بالخلاعة لا تفي ) ( والله لا راجعتها ولو أنها * كالبدر أو كالشمس أو كالمكتفي ) وقيل للمكتفي في مرضه الذي مات فيه لو وكلت بعبد الله بن المعتز ومحمد ابن المعتمد قال ولما قيل لأن الناس يرجفون لهما بالخلافة بعدك فتكون مستظهرا حتى لا يخرج الأمر عن أخيك جعفر فقال وأي ذنب لهما أليس هما من أولاد الخلفاء وإن يكن ذلك فليس بمنكر والله يؤتي الملك من يشاء فلا تتعرضوا لهما وكان المتفي كثير العساكر كثير المال يخص أهل بيته بالكرامة والحباء الكثير ولم يل الخلافة بعد النبي من اسمه علي إلا علي بن أبي طالب رضي الله عنه والمكتفي بالله ولما توفي المكتفي ولي بعده أخوه المقتدر وله ثلاث عشرة سنة وأربعون يوما ولم يل أمر الأمة صبى قبله وفيها عيسى بن مسكين قاضي القيروان وفقه المغرب أخذ عن سحنون وبمصر عن الحرث بن مسكين وكان إماماً ورعا خاشعاً متمكناً من الفقه والآثار مستجاب الدعوة يشبه بسحنون في سمته وهيئته أكرهه ابن الأغلب الأمير على القضاء فولى ولم يأخذ رزقا وكان يركب حماراً ويستقى الماء لبيته رحمه الله تعالى ومحمد بن أحمد بن جعفر الإمام أبو جعفر الترمذي الفقيه كبير الشافعية بالعراق قبل ابن سريج في المحرم وله أربع وتسعون سنة وكان قد اختلط في أواخر أيامه وكان زاهداً ناسكاً قانعاً باليسير متعففا قال الدارقطني لم يكن للشافعية بالعراق أرأس ولا أورع منه وكان صبوراً على الفقر روى عن يحيى ابن بكير وجماعة وكان ثقة قال الأسنوي كان أولاً أبو جعفر حنفياً فحج فرأى ما يتقضى انتقاله لمذهب الشافعي فتفقه علىالربيع وغيره من أصحاب الشافعي وسكن بغداد وكان وروعاً زاهداً متقللاً جداً كانت نفقته في الشهر أربعة دراهم نقل عنه الرافعي مواضع قليلة منها أن فضلات النبي طاهرة وأن الساجد للتلاوة خارج الصلاة لا يكبر للإفتتاح لا وجوباً ولا استحبابا وأنه إذا رمى إلى حربي فأسلم ثم أصابه السهم فلا ضمان والمعروف خلافه فيهن ولد في ذي الحجة سنة ثمانين وتوفي لإحدى عشرة ليلة خلت من المحرم سنة خمس وتسعين ومائتين وترمذ مدينة على طريق نهو جيحون وفهي ثلاثة أقوال الأول فتح التاء كسر الميم وهو المتدوال بين أولها والثاني كسرهما والثالث ضمهما قال وهو الذي يقول أهل المعرفة انتهى ملخصاً قال العلامة ابن ناصر الدين في بديعة

( ثم الحكيم الترمذي هواه * في ذلك الجرح الذي رماه )
( لكنه مجهول عند الأكثر * موتاً وفيها كن حيا حرر )

وقال في شرحها أي في سنة خمس وثمانين لأنه قدم فيها نيسابور وأخذ عن علمائهم المأثور ونم حينئذ جهلت وفاته عند الجمهور وهو محمد ابن علي بن بشر الترمذي الحكيم أبو عبد الله الزاهد الحافظ كان له كلام في إشارات الصوفية واستنباط معان غامضة من الأخبار النبوية وبعضها تحريف عن مقصده وبسبب ذلك امتحن وتكلموا في معتقده وله عدة مصنفات في منقول ومعقول ومن أنظفها نوادر الأصول انتهى وفيها أي سنة خمس وتسعين توفي الحافظ أبو بكر محمد بن إسماعيل الأسمعيلي أحد المحدثين الكبار بنيسابور له تصانيف مجودة ورحلة واسعة سمع اسحق ابن راهويه وهشام بن عمار.

سنة ست وتسعين ومائتين

دخلت والملأ يستصبون المقتدر ويتكلمون في خلافته فانفق طائفة على خلعه وخاطبوا عبد الله بن المعتز فأجاب بشرط أن لا يكون فيها حرب وكان رأسهم محمد بن داود بن الجارح وأحمد بن يعقوب القاضي والحسين بن حمدان واتفقوا على قتل المقتدر ووزيره العباس بن الحسن وفاتك الأمير فلما كان فيعاشر ربيع الأول ركب الحسين بن حمدان والوزير والأمراء فشد ابن حمدان على الوزير فقتله فأنكر فاتك قتله فعطف على فاتك فألحقه بالوزير ثم ساق ليثلث بالمقتدر وهو يلعب بالصوالجة فسمع الهيعة فدخل وأغلقت الأبواب ثم نزل ابن حمدان بدار سليمان بن وهب واستدعى ابن المعتز وحضر الأمراء والقضاة سوى خواص المقتدر فبايعوه ولقبوه الغالب بالله فاستوزر ابن الجراح واستحجب يمن الخادم ونفذت الكتب بخلافته إلى البلاد وأرسلوا إلى المقتدر ليتحول من دار الخلافة فأجاب ولم يكن بقي معه غير يونس الخادم ومونس الخازن وخاله الأمير غريب فتحصنوا وأصبح الحسين بن حمدان على محاصرتهم فرموه بالنشاب وتناخوا ونزلوا على حمية وقصدوا ابن المعتز فانهزم كل من حوله وركب ابن المعتز فرسا ومعه وزيره وحاجبه وقد شهر سيفه وهو ينادي معاشر العامة ادعوا لخليفتكم وقصد سامرا ليثبت بها أمره فلم يتبعه كثير أحد وخذل فنزل عن فرسه فدخل دار ابن الجصاص واختفى وزيره ووقع القتل والنهب في بغداد وقتل جماعة من الكبار واستقام الأمر للمقتدر ثم أخذ ابن المعتز وقتل سرا وصودر ابن الجصاص وقام بأعباء الخلافة الوزير ابن الفرات ونشر العدل واشتغل المقتدر باللعب وأما الحسين بن حمدان فأصلح أمره وبعث إلى ولاية قم وقاشان رجع إلى الكلام على ابن المعتز قال ابن خلكان رحمه الله تعالى أبو العباس عبد الله بن المعتز بن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد بن المهدي بن المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس المبرد وأبي العباس ثعلب وغيرهما وكان أديبا بليغا شاعرا مطبوعا مقتدرا على الشعر قريب المأخذ سهل اللفظ جيد القريحة حسن الإبداع للمعاني مخالطا للعلماء والأدباء معدودا من جملتهم إلى أن جرت له الكائنة في خلافة المقتدر واتفق معه جماعة من رؤساء الأجناد ووجوه الكتاب فخلعوا المقتدر يوم السبت لعشر بقين من شهر ربيع الأول سنة ست وتسعين ومائتين وبايعوا عبد الله المذكور ولقبوه المرتضى بالله وقيل المنصف بالله وقيل الغالب بالله وقيل الراضي بالله وأقام يوما وليلة ثم إن أصحاب المقتدر تحزبوا وتراجعوا وحاربوا أعوان ابن المعتز وشتتوهم وأدوا المقتدر تحزبوا وتراجعوا وحاربوا أعوان ابن المعتز وشتتوهم وأعادوا المقتدر إلى دسته واختفى ابن المعتز في دار أبي عبد الله بن الحسين المعروف بابن الجصاص الجوهري فأخذه المقتدر وسلمه إلى مونس الخادم الخازن فقتله وسلمه إلى أهله ملفوقا في كساء وقيل إنه مات حتف أنفه وليس بصحيح بل خنقه مونس وذلك يوم الخميس ثاني عشر ربيع الآخر سنة ست وتسعين ومائتين ودفن في خرابة بإزاء داره رحمه الله تعالى ومولده لسبع بقين من شعبان سنة سبع وأربعين وقال سنان بن ثابت سنة ست وأربعين ومائتين ثم قبض المقتدر على ابن الجصاص المذكور وأخذ منه المقتدر مقدار ألفي دينار وسلم له بعد ذلك مقدار سبعمائة ألف دينار وكان في ابن الجصاص غفلة وبله وتوفي يوم الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال سنة خمس عشرة وثلثمائة ولعبد الله المذكور من التصانيف كتاب الزهر والرياض وكتاب البديع وكتاب مكاتبات الإخوان بالشعر وكتاب الجوارح والصيد وكتاب السرقات وكتاب أشعار الملوك وكتاب الآداب وكتاب حي الأخبار وكتاب طبقات الشعراء وكتاب الجامع في الغناء وأرجوزة في ذم الصبوح ومن كلامه البلاغة البلوغ إلى المعنى ولم يطل سفر الكلام ورثاه علي بن بسام الشاعر بقوله ( لله درك من ميت بضيعة * ناهيك في العلم والآداب والحسب )

( ما فيه لو ولا لولا فتنقصه * وإنما أدركته حرقة الأدب )

ولابن المعتز أشعار رائقة وتشبيهات بديعة فمن ذلك قوله

( سقى المطيرة ذات الظل والشجر * ودير عبدون هطال من المطر )
( فطالما نبهتني للصبوح بها * في غرة الفجر والعصفور لم يطر )
( أصوات رهبان دير في صلاتهم * سود المدارع نعارين في السحر )
( مزنرين على الأوساط قد جعلوا * على الرؤوس أكاليلا من الشعر )
( كم فيهم من مليح الوجه مكتحل * بالسحر يطبق جفنيه على حور )
( حظته بالهوى حتى استقاد له * طوعا وأسلفني الميعاد بالنظر )
( وجاءني في قميص الليل مستترا * يستعجل الخطو من خوف ومن حذر )
( فقمت أفرش خدي في الطريق له * ذلا وأسحب أذيالي على الأثر )
( ولاح ضوء هلال كاد يفضحنا * مثل القلامة قد قدت من الظفر )
( وكان ما كان مما لست أذكره * فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر )

وله في الخمر المطبوخة وهو معنى بديع وفيه دلالة على أنه كان حنفي المذهب

( خليلي قد طاب الشراب المورد * وقد عدت بعد النسك والعود أحمد )
( فهات عقارا في قميص زجاجة * كياقوتة في دره تتوقد )
( يصوغ عليها الماء شباك فضة * له حلق بيض تحل وتعقد )

وقتني من نار الجحيم بنفسها * وذلك من إحسانها ليس يجحد ) وكان ابن المعتز شديد السمنة مسنون الوجه يخضب بالسواد ورأيت في بعض المجاميع أن عبد الله بن المعتز كان يقول أربعة من الشعراء سارت أسماؤهم بخلاف أفعالهم فأبو العتاهية سار شعره بالزهد وكان على الإلحاد وأبو نواس سار شعره باللواط وكان أزنى من قرد وأبو حكيمة الكاتب سار شعره بالعنة وكان أهب من تيس ومحمد بن حازم سار شعره بالقناعة وكان أحرص من كلب انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا وفي سنة ست وتسعين وصل إلى مصر أمير أفريقية زيادة الله بن الأغلب هاربا من المهدي عبيد الله وداعية أبي عبد الله الشيعي فتوجه إلى العراق وفيها أحمد بن حماد بن مسلم أخو عيسى زغبة التجيبي بمصر في جمادى الأولى روى عن سعيد بن أبي مريم وسعيد بن عفير وطائفة وعمر اربعا وتسعين سنة وفيها أحمد بن نجدة الهروي المحدث روى عن سعيد بن منصور وطائفة وفيها أحمد بن يحي الحلواني أبو جعفر الرجل الصالح ببغداد سمع أحمد ابن يونس وسعدويه وكان من الثقات وأحمد بن يعقوب أبو المثنى القاضي أحد من قام في خلع المقتدر تدينا ذبح صبرا وخلف بن عمرو العكبري مجشم نبيل ثقة روى عن الحميدي وسعيد بن منصور وفيها أبو حصين الوداعي بكسر المهملة ثم نسبة إلى وادعة بطن من همدان وهو القاضي محمد بن الحسين بن حبيب في رمضان صنف المسند وكان من حفاظ الكوفة الثقات روى عن أحمد بن يونس وأقرانه وفيها محمد بن داود الكاتب أبو عبد الله الأخباري العلامة صاحب المصنفات كان أوحد أهل زمانه في معرفة أيام الناس أخذ عن عمرو بن شيبة وغيره وقتل في فتنة ابن المنذر.

سنة سبع وتسعين ومائتين

  • قال ابن الجوزي في الشذور قال ثابت بن سنان المؤرخ رأيت في بغداد امرأة بلا ذراعين ولا عضدين ولهما كفان بأصابع معلقات في رأس كتفيها لا تعمل بهما شيئا وكانت تعمل أعمال اليدين برجليها ورأيتها تغزل برجليها وتمد الطاقة وتسويها انتهى وفيها عبيد بن غنام بن حفص بن غياث الكوفي أبو محمد راوية أبي بكر ابن أبي شيبة ومكان محدثا صدوقا خيرا روى عن جبارة بن المغلس وطبقته وفيها محمد بن أحمد بن أبي خيثمة زهير بن حرب أبو عبد الله الحافظ ابن الحافظ ابن الحافظ قال محمد بن كامل ما رأيت أحفظ من أربعة أحدهم محمد بن أحمد بن أبي خيثمة وكان أبوه يستعين به في تصنيف التاريخ سمع أبا حفص الفلاس وطبقته ومكات في عشر السبعين وفيها عمرو بن عثمان أبو عبد الله المكي الزاهد شيخ الصوفية وصاحب التصانيف في الطريق صحب أبا سعيد الخراز والجنيد وروى عن يونس بن عبد الأعلى وجماعة قال السخاوي في طبقاته عمرو بن عثمان بن كرب بن غصص المكي أبو عبد الله كان ينتسب إلى الجنيد وكان ينتسب إلى الجنيد وكان قريبا منه في السن والعلم وكان أحد الأعيان ولما ولي قضاء جدة هجره الجنيد فجاء إلى بغداد وسلم عليه فلم يجبه فلما مات حضر الجنيد جنازته ولم يصل عليه إماما ومن كلامه أعلم أن كل ما توهمه قلبك من حسنن أو بهاء أو أنس أو ضياء أو جمال أو شبح أو نور أو شخص أو خيال فالله بعيد من ذلك كله بل هو أعظم وأجل وأكبر ألا تسمع إلى قوله عز وجل ( ^ ليس كمثله شيء ) وقال ( ^ لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ) وقال المروءة التغافل عن زلل الإخوان وقال لا يقع على كيفية الوجد عبارة لأنه سر الله عند المؤمنين الموقنين انتهى ملخصا وفيها محمد بن داود بن علي الظاهري الفقيه أبو بكر أحد أذكياء زمانه وصاحب كتاب الزهرة تصدر للاشغال والفتوى ببغداد بعد أبيه وكان يناظر أبا العباس بن سريج وله شعر رائق وهو ممن قتله الهوى وله نيف وأربعون سنة قاله في العبر وفيها مطين وهو الحافظ أبو جعفر محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي الكوفي في ربيع الآخر بالكوفة وله خمس وتسعون سنة دخل على أبي نعيم وروى عن أحمد بن يونس وطبقته قال الدارقطني ثقة جبل وقال في الانصاف نقل عن الإمام أحمد مسائل حسانا جيادا وفيها محمد بن عثمان بن أبي شيبة الحافظ ابن الحافظ أبو جعفر العبسي الكوفي نزيل بغداد في جمادى الأولى وهو في عشر التسعين روى الكثير عن أبيه وعمه وأحمد بن يونس وخلق وله تاريخ كبير وثقة صالح جزرة وضعفه الجمهور وأما ابن عدي فقال لم أر له حديثا منكرا فأذكره قال ابن ناصر الدين كذبه عبد الله بن الإمام أحمد وضعفه آخرون وقال بعضهم هو عصا موسى تلقف ما يأفكون انتهى 3 وفيها موسى بن إسحاق بن موسى النصاري الخطمي بالفتح والسكون نسبة إلى بني خطمة بطن من الأنصار القاضي أبو بكر الفقيه الشافعي بالأهواز وله سبع وثمانون سنة ولي قضاء نيسابور وقضاء الأهواز وحدث عن أحمد بن يونس وطائفة وهو آخر من حدث عن قالون صاحب نافع القارئ وكان يضرب به المثل في ورعه وصيانته في القضاء وثقه ابن أبي حاتم وقطع ابن ناصر الدين بتوثيقه قال الأسنوي وكان يضرب به المثل في ورعه وصيانته في القضاء حتى إن الخليفة أوصى وزيره به وبالقاضي إسماعيل وقال بهما يدفع البلاء عن أهل الأرض وكان كثير السماع سمع أحمد بن حنبل وغيره وكان لا يرى متبسما فقالت له يوما امرأته لا يحل لك أن تحكم بين الناس فإن النبي لا يحل للقاضي أن يقضي وهو غضبان فتبسم انتهى ملخصا وفيها يوسف بن يعقوب القاضي أبو محمد الأزدي ابن عم إسماعيل القاضي ولي قضاء البصرة وواسط ثم ولي قضاء الجانب الشرقي وولد سنة ثمان ومائتين وسمع في صغره من مسلم بن إبراهيم وسليمان بن حرب وطبقتهما وصنف السنن وكان حافظا دينا عفيفا مهيبا وقال ابن ناصر الدين ثقة.

سنة ثمان وتسعين ومائتين

  • فيها ولي الحسين بن حمدان ديار بكر وربيعة وفيها خرج على عبيد الله المهدي داعياه أبو عبد الله الشيعي وأخوه أبو العباس وجرت لهما معه وقعة هائلة وذلك في جمادى الآخرة فقتل الداعيان وأعيان جندهما وصفا الوقت لعبيد الله فعصى عليه أهل طرابلس فجهز لحربهم ولده القائم أبا القاسم فأخذها بالسيف في سنة ثلثمائة وفيها توفي أبو العباس أحمد بن مسروق الطوسي الزاهد ببغداد في صفر وكان من سادات الصوفية ومحدثيهم روى عن علي بن الجعد وابن المديني وجمع وصنف وهو من رحال الرسالة القشيرية وصحب المحاسبي والسقطي ومحمد بن منصور الفارسي وغيرهم وقال جعفر الخلدي سألته عن مسألة في العقل فقال يا أبا محمد من لم يحترز بعقله من عقله لعقله هلك بعقله وقال الزاهد الذي لا يملك مع الله سببا وقال لا يصلح السماع إلا المذبوح النفس محترق الطبع ممحق الهوى صافي السر طاهر القلب عالي الهمة دائم الوجد تام العلم كامل العقل قوي الحال وإلا خسر من حيث يلتمس الربح وضل من حيث يطلب الهدى وهلك بما يرجو به النجاة وليس في علوم التصوف علم ألطف ولا في طرقه طريق أدق من علم السماع وطريق أهله فيه وقال كثرة النظر في الباطن تذهب بمعرفة الحق من القلب وتوفي في صغر وله أربع وثمانون سنة ودفن في مقابر حرب بغداد وفيها قاض يالأنبار وخطيبها البليغ المصقع أبو محمد بهلول بن إسحق بن بهلول بن حسان التنوخي نسبة إلى تنوخ قبائل أقاموا بالبحرين كان ثقة صاحب حديث سمع بالحجاز سعيد بن منصور وإسماعيل بن أويس وفيها شيخ الصوفية تاج العارفين أبو القسم الجنيد بن محمد القواريري الخزاز بالزاي المكرزة صحب خاله السرى والمحاسبي وغيرهما من الجلة وصحبه أبو العباس بن سريج وكان إذا أفحم مناظريه قال هذا من بركة مجلستي للجنيد واصل الجنيد من نهاوند ونشأ بالعراق وتفقه على أبي ثور وقيل كان على مذهب سفين الثوري وكان يقول من لم يحفظ القرآن ويكتب الحديث لا يقتدي به في هذا الأمر لأن علمنا مقيد بالكتاب والسنة وقال له خاله تكلم على الناس فاستصغر نفسه فرأى رسول الله يأمره بذلك فلما جلس لذلك جاءه غلام نصراني وقال ما معنى قوله اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله فأطرق ساعة ثم رفع رأسه وقال له أسلم فقد حان وقت إسلامك فأسلم الغلام ولما صنف عبد الله بن سعيد بن كلاب كتابه الذي ردفيه على جميع المذاهب سأل عن شيخ لا صوفية فقيل له الجنيد فسأله عن حقيقة مذهبه إفراد القدم عن الحدث وهجران الإخوان والأوطان ونسيان ما يكون وما كان فقال ابن كلاب هذا كلام لا يمكن فيه المناظرة ثم حضر مجلس الجنيد فسأله عن التوحيد فأجابه بعبارة مشتملة على المعارف ثم قال أعد على ل ابتلك العبارة ثم استعادة الثالثة فأعاده بعبارة أخرى فقال أمله على فقال لو كنت أجرده كنت أمليه فاعترف بفضله وقال الكعبي المعتزلي لبعض الصوفية رأيت لكم ببغداد شيخاً يقال له الجنيد ما رأت عيني مثله كان الكتبة يحضرونه لألفاظه والفلاسفة لدقة كلامه والشعراء لفصاحته والمتكلمون لمعانيه وكلامه ناء عن فهمهم وسئل السري عن الشكر والجنيد صبي يلعب فأجاب الجنيد هو أن لا يستعين بنعمه على معاصيه وسئل الجنيد عن العارف فقال من نطق عن سرك وأنت ساكت وقال الجنيد ما انتفعت بشيء انتفاعي بأبيات سمعتها قيل وما هي قال مررت بدرب القراطيس فسمعت جارية تغني من دار فأنصت لها فسمعتها تقول
( إذا قلت اهدى الهجر لي حلل البلى * تقولين لولا الهجر لم يطب الحب )
( وإن قلت هذا القلب أحرقه الهوى * تقولي بنيران الهوى شرف القلب )
( وإن قلت ما أذنبت قالت مجيبة * وجودك ذنب لا يقاس به ذنب )

فصعقت وصحت فبينما أنا كذلك إذا بصاحب الدار قد خرج وقال ما هذا يا سيدي فقلت له مما سمعت فقال هي هبة من ي إليك قلت قد قبلتها وهي حرة لوده الله تعالى ثم دفعتها لبعض أصحابنا بالرباط فولدت له ولداً نبيلاً ونشأ الجنيد أحسن نشء وحج على قدميه ثلاثين حجة وقال الجريري كنت واقفاً على رأس الجنيد في وقت وفاته وكان يوم جمعة ويوم نيروز الخليفة وهو يقرأ القرآن فقلت له يا أبا القاسم ارفق بنفسك فقال لي يا أبا محمد أرأيت أحدا أحوج إليه مني في هذا الوقت وهو ذا تطوي صحيفتي وكان قد ختم القرآن الكريم ثم بدأ بالبقرة فقرأ سبعين آية ثم مات رحمه الله تعالى ومناقبه كثيرة ولو أرسلنا عنان القلم لسودنا أسفارا من مناقبه رضي الله عنه ودفن بالشوينزية عند خاله سري السقطي رضي الله عنهما وفيها العلامة أبو يحي زكريا بن يحي النيسابوري المزكي شيخ الحنفية وصاحب التصانيف بنيسابور في ربيع الآخر وقد ناهز الثمانين روى عن إسحاق بن راهويه وجماعة وكان ذا عبادة وتقى وفيها الزاهد الكبير أبو عثمان الحيري سعيد بن إسماعيل شيخ نيسابور وواعظها وكبير الصوفية بها في ربيع الآخر وله ثمان وستون سنة صحب العارف أبا حفص النيسابوري وسمع بالعراق من حميد بن الربيع وكان كبير الشأن مجاب الدعوة قاله في العبر وقال السلمي في التاريخ هو رازي الأصل ذهب إلى شاه الكرماني ووردا جميعا إلى نيسابور زائرين لأبي حفص ونزلا محلة الحيرة في دار علكان وأقاما بها أياما فلما أراد الشاه الخروج خرجا جميعا إلى قرية أبي حفص على باب مدينة نيسابور وهي قرية سمى كوزذاباذ فقال أبو حفص لأبي عثمان إلى الشاه فقال الشاه أطع الشيخ فرجع مع أبي حفص إلى نيسابور وخرج الشاه وحده وقال أبو عثمان صحبت أبا حفص وأنا شاب فطردني مرة وقال لا تجلس عندي فقمت من عنده ولم أول ظهري عليه وانصرفت أمشي إلى وراء ووجهي إلى وجهه حتى غبت عنه وجعلت في نفسي أن أحفر على بابه حفرة وأدخل فيها ولا أخرج منها إلا بأمره فلما رأى ذلك مني أدناني وقربني وجعلني من خواص أصحابه وقال أبو عمرو بن نجيد في الدنيا ثلاثة لا رابع لهم أبو عثمان بنيسابور والجنيد ببغداد وأبو عبد الله بن الجلاء بالشام ومن كلامه من أمر السنة على نفسه قولا وفعلاً نطق بالحكمة ومن أمر الهوى على نفسه نطق بالبدعة لأن الله تعالى يقول ( ^ إن تطيعوه تهتدوا ) وقال موافقة الإخوان خير من الشفقة عليهم ودفن بنيسابور في مقبرة الحيرة على الشارع مع فبر أستاذه أبي حفص وفيها فقيه قرطبة ومسند الأندلس أبو مروان عبيد الله بن الإمام يحيى ابن يحيى الليثي في عاشر رمضان وكان ذا حرمة عظيمة وجلالة روى عن والده الموطأ وحمل عنه بشر كثير وفيها محمد بن يحيى بن سليمان أبو بكر المروزي في شوال ببغداد روى عن عاصم بن علي وأبي عبيد وفيها محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر بن الحسن الخزاعي أبو العباس الأمير ببغداد ودفن عند عمه محمد بن عبد الله سمع من إسحق بن راهويه وغيره وولى إمرة خراسان بعد والده سنة ثمان وأربعين وهو شاب ثم خرج عليه يعقوب الصافر وحاربه وأسره يعقوب في سنة تسع وخمسين ثم خلص من أسره سنة اثنتين وستين ثم بقى خاملاً إلى أن مات.

سنة تسع وتسعين ومائتين

  • قبض المقتدر على الوزير ابن الفرات ونبهت دوره ووقع النهب والخبطة في بغداد وفيها توفي شيخ نيسابور أبو عمرو أحمد بن نصر الخفاف الزاهد الحافظ سمع إسحق بن راهويه وجماعة قال الضبعي كنا نقول إنه يفي بمذاكرة مائة ألف حديث وقال ابن خزيمة يوم وفاته لم يكن بخارسان أحفظ للحديث منه وقال يحيى العنبري لما كبر أبو عمرو وأيس من الولد تصدق بأموال يقال قيمتها خمسون ألفاً وقال ابن ناصر الدين أحمد بن نصر بن إبراهيم الخفاف النيسابوري أبو عمر والحافظ الملقب بزين الأشراف وكان طوافاً حافظأً صائم الدهر كثير البر تصدق حين كبر بأموال لها شأن انتهى وقال العلامة ابن ناصر الدين في بديعته ( ثم أحمد بن نصر الخفاف * صالحهم راوية طواف ) ( ومثله عليك ذاك على * فتى سعيد بن بشير أجمل ) وقال في شرحها عليك هو على بن سعيد بن بشير بن مهران أبو الحسين الرازي كان حافظاً لم يكن بذاك وكان وإلى قرية بمصر انتهى وقال في المغني قال الدارقطني ليس بذاك تفرد بأشياء انتهى وأبو الحسن محمد بن أحمد بن كيسان البغدادي النحوي صاحب التصانيف قي القراءات والغريب والنحو كن أبو بكر بن مجاهد يعظمه ويقول هو ا نحى من الشيخين يعني ثعلباً والمبرد توفي في ذي القعدة ومحمد بن يزيد بن عبد الصمد المحدث أبو الحسن روى عن صفوان بن صالح وطبقته وكان صدوقاً وفيها محمد بن يحيى المعروف بحامل كفنه قال ابن الجوزي في الشذور كان قد حدث عن أبي بكر بن أبي شيبة أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر الخطيب قال بلغني أن المعروف بحامل كفنه توفي وغسل وصلى عليه ودفن فلما كان الليل جاءه نباش فنبش عنه فلما أحل أكفانه ليأخذها استوى قاعداً فهرب النباش فقام وحمل كفنه وجاء إلى منزله وأهله يبكون فطرق الباب فقالوا من هذا قال أنا فلان فقالوا يا هذا لا يحل لك أن تزيدنا على ما بنا فقال يا قوم افتحوا فأنا والله فلان فعرفوا صوته ففتحوا فعاد حزنهم فرحاً وسمى حامل كفنه ومثل هذا سعيد بن الخمس الكوفي فإنه لما دلى في قبره اضطرب فحلت عنه الأكفان فقام ورجع إلى منزله وولد له بعد ذلك ابنه ملك انتهى ما ذكره ابن الجوزي في الشذور.

سنة ثلاثمائة

قال في الشذور أيضاً فيها كثرت الأمراض ببغداد في الناس وكلبت الكلاب والدواب في البادية وكانت تطلب الناس والدواب فإذا عضت إنساناً هلك إنتهى وفيها توفي صاحب الأندلس أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن ابن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معوية الأموي المراواني في ربيع الآخر وكانت دولته خمساً وعشرين سنة ولى بعد أخيه المنذر في سنة خمس وسبعين وكان ذا صلاح وعبادة وعدل وجهاد يلتزم الصلوات في الجامع وله غزوات كبار أشهرها غزوة ابن حفصون وكان ابن حفصون قد نازل حصن بلى في ثلاثين ألفاً فخرج عبد الله من قرطبة في أربعة عشر ألفاً فالتقيا فانكسر ابن حفصون وتبعه عبد الله يأسر ويقتل حتى لم ينج منهم أحد وكان ابن حفصون من الخوارج وولى الأندلس بعده حفيد الناصر لدين الله عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله فبقى في الإمرة خمسين عاماً وفيها أبو الحصن علي بن سعيد العسكري الحافظ أحد أركان الحديث روى عن محمد بن بشار وطبقته وتوفي خراسان.

سنة إحدى وثلثمائة

فيها أدخل الحلاج بغداد مشهوراً على جمل وعلق مصلوباً ونودي عليه هذا أحد دعاة القرامطة فاعرفوه ثم حبس وظهر أنه أدعى الالهية وصرح بحلول اللاهوت في الأشراف وكانت مكاتباته تنبىء بذلك فاستمال أهل الحبس بإظهار السنة فصاروا يتبركون به قاله في العبر.

  • وفيها كما قال العلامة ابن ناصر الدين في بديعته
( وبكر بن أحمد بن مقبل * أفاد شأن الأثر المبجل )
( وتسعة مثاله ذا أحمد * البرديجي البرذعي والمسند )
(محمد بن مندة فسلم * كذا فتى العباس نجل الأخرم )
( مثل فتى ناجية ذا البربري * كالفريابي الدينوري جعفر )
(شبه الحسين ذا فتى إدريس * مثل الهسنجاني الرضى الرئيس )
( والهروي محمد ذا السامي * كالفرهياني العارف الإمام )

فأما الأول فهو بكر بن أحمد بن مقبل البصري الحافظ الثبت المجود روى عن عبد الله بن معوية الجمحي وطبقته وأما الثاني فهو أحمد بن هرون بن روح أبو بكر البرذعي نزيل بغداد كان من الثقات الأخيار ومشاهير علماء الأمصار وأما الثالث فهو محمد بن يحيى بن إبراهيم مندة بن الوليد بن سندة بن بطة ابن استندار وأسمه في رازان بن جهار يخت العبدي مولاهم الأصبهاني أبو عبد الله جد الحافظ أبي عبد الله محمد بن إسحق روى عن لوين وأبى كريب وخلق وحدث عنه الطبراني وغيره وكان من الثقات قال أبو الشيخ كان أستاذ شيوخنا وإمامهم وقيل إنه كان يجاري أحمد بن الفرات وينازعه وأما الرابع فهو محمد بن العباس بن أيوب بن الأخرم أبو جعفر الأصبهاني كان حافظا نبيها محدثا فقيها وأما الخامس فهو عبد الله بن محمد بن ناحية بن نجية أبو محمد البربري البغدادي كان حافظا مسندا صنف مسند ا في مائة واثنين وثلاثين جزءا وأما السادس فهو جعفر بن محمد بن الحسن بن المستفاض التركي أبو بكر الفرياني قاضي الدينور كان إماما حافظا علامة من النقادين وهو صاحب التصانيف رحل من بلاد الترك إلى مصر وعاش أربعا وتسعين سنة وكان من أوعية العلم روى عن علي بن المديني وأبي جعفر النفيلي وطبقتهما وأول سماعه سنة أربع وعشرين ومائتين قال ابن عدي كنا نحضر مجلسه وفيه عشرة آلاف أو أكثر وأما السابع فهو الحسين بن إدريس بن المبارك بن الهيثم الأنصاري الهروي أبو علي بن حزم وثقه الدارقطني وجزم ابن ناصر الدين بتوثيقه وكان حافظا من المكثرين رحل وصنف وروى عن سعيد بن منصور وسويد بن سعيد وخلق وأما الثامن فهو إبراهيم بن يوسف بن خالد بن إسحاق الرازي الهسنجاني بكسر الهاء والمهملة وسكون النون الأولى وجيم نسبة إلى هسنجان قرية بالري كان إماما عالما محدثا ثقة وأما التاسع فهو محمد بن عبد الرحمن الهروي السامي الحافظ في ذي القعدة طوف وروحل وروى عن أحمد بن حنبل وأحمد بن يونس والكبار ويكنى أبا أحمد ويقال أبا عبد الله وأما العاشر فهو عبد الله بن محمد بن سيار الفرهياني ويقال الفرهاذاني كان عالما خيرا من الأثبات وفيها وجزم صاحب العبر وغيره أنه في التي قبلها أحمد بن يحي بن الرواندي الملحد لعنه الله ببغداد وكان يلازم الرافضة والزنادقة قال ابن الجوزي كنت أسمع عنه بالعظائم حتى رأيت في كتبه ما لم يخطر على قلب إنه يقوله عاقل فمن كتبه كتاب نعت الحكمة وكتاب قضيب الذهب وكتاب الزمردة وقال ابن عقيل عجبي كيف لم يقتل وقد صنف الدامغ يدمغ به القرآن والزمردة يزري بها على النبوات قاله في العبر وقال ابن الأهدل ما ملخصه له مقالات في علم الكلام وينسب إليه الإلحاد وله مائة وبضعة عشر كتابا وله كتاب نصيحة المعتزلة رد فيه عليهم وأصحابنا ينسبونه إلى ما هو أصل من مذهبهم عاش نحو من أربعين سنة وراوند قرية من قرى قاسان بالمهملة من نواحي أصبهان قيل وهو الذي لقن اليهود القول بعدم نسخ شريعتهم وقال لهم قولوا إن موسى أمرنا أن نتمسك بالسبت ما دامت السموات والأرض ولا تأمر الأنبياء إلا بما هو حق انتهى والعجب من ابن خلكان كيف يترجمه ترجمة العلماء ساكتا عن عوارةه مع سعة اطلاعابن خلكان ووقوفه على إلحاده وقد اعترض جماعات كثيرة على ابن خلكان من أجل ذلك حتى قال العماد بن كثير هذا على عاداته من تساهله وغضه عن عيوب مثل هذا الشقي والله أعلم وفيها أو في التي قبلها كما جزم به في العبر حيث قال محمد بن أحمد بن جعفر الكوفي أبو العلاء الذهلي الوكيعي بمصر عن ست وتسعين سنة روى عن علي بن المديني وجماعة وفيها محمد بن الحسن بن سماعة الحضرمي الكوفي أبو عمرو في جمادى الأولى أيضا رويا كلاهما على ضعف فيهما عن أبي نعيم وفيها محمد بن جعفر الربعي البغدادي أبو بكر المعروف بابن الإمام في آخر السنة بدمياط وهو في عشر المائة روى عن إسماعيل بن أبي أويس وأحمد ابن يونس وفيها أبو الحسن مسدد بن فطن النيسابوري روى عن جده لأمه بشر بن الحكم وطبقته بخراسان والعراق قال الحاكم كان مزني عصره والمقدم في الزهد والورع انتهى فعد هؤلاء في الثلثمائة وفيها أي سنة إحدى وثلثمائة الحسن بن بهرام أبو سعيد الجنابي القرمطي صاحب هجر قتله خادم له صقلبي راوده في الحمام ثم خرج فاستدعى رئيسا من خواص الجنابي وقال السيد يطلبك فلما دخل قتله ثم دعا آخر كذلك حتى قتل أربعة ثم صاح النساء وتكاثروا على الخادم فقتلوه وكان هذا الملحد قد تمكن وهزم الجيوش ثم هادنه الخليفة وفيها سار عبيد الله المهدي المتغلب على المغرب في أربعين ألفا ليأخذ مصر حتى بقي بينه وبين مصر أياما ففجرت كبراء الخاصة النيل فحال الماء بينهم وبين مصر ثم جرت بينهم وبين جيش المقتدر حروب فرجع المهدي إلى برقة بعد أن ملك الإسكندرية والفيوم وفيها توفي أبو نصر أحمد بن الأمير إسماعيل بن أحمد الساماني صاحب ما وراء النهر قتله غلمانه وتملك بعده ابنه نصر وفيها أبو بكر أحمد بن عبد العزيز بن الجعد البغدادي الوشاء الذي روى الموطأ عن سويد وفيها المحدث المعمر بن حبان بن الأزهر أبو بكر الباهلي البصري القطان نزيل بغداد روى عن أبي عاصم النبيل وعمرو بن مرزوق وهو ضعيف وفيها ألأمير علي بن أحمد الراسبي أمير جند سابور والسوس وخلف ألف فرس وألف ألف دينار ونحو ذلك وفيها على ما قال ابن الأهدل الوزير ابن الفرات وكان عالما محبا للعلماء وبسبه سار الإمام الدارقطني من العراق إلى مصر ولم يزل عنده حتى فرغ من تأليف مسنده وكان كثير الإحسان إلى أهل الحرمين واشترى بالمدينة دارا ليس بينها وبين الضريح النبوي إلا جدار واحد ليدفن فيها ولما مات حمل تابوته إلى مكة ووقف به في مواقف الحج ثم إى المدينة وخرجت الأشراف إلى لقائه لسالف إحسانه ودفن حيث أمر وقيل دفن بالقرافة رحمه الله تعالى.

سنة اثنتين وثلثمائة

فيها عاد المهدي ونائبه حباسة إلى الإسكندرية فتمت وقعة كبيرة قتل فيها حباسة فرد المهدي إلى القيروان وفيها صادر المقتدر أبا عبد الله الحسين بن الجصاص الجوهري وسجنه وأخذ من الأموال ما قيمته أربعة آلاف ألف دينار وأما أبو الفرج بن الجوزي فقال أخذوا منه ما مقداره ستة عشر ألف ألف دينار عينا وورقا وقماشا وخيلا وقيل كانت عنده ودائع عظيمة لزوجة المعتضد قطر الندى بنت خمارويه وقال بعض الناس رأيت سبائك الذهب والفضة تقبن بالقبان من بيت ابن الجصاص وفيها أخذت طي الركب العراقي وتمزق الوفد في البرية وأسروا من النساء مائتين وثمانين امراة وفيها توفي العلامة فقيه المغرب أبو عثمان الحداد الإفريي المالكي سعيد ابن محمد بن صبيح وله ثلاث وثمانون سنة أخذ عن سحنون وغيره وبرع في العربية والنظر ومال إلى مذهب الشافعي وأخذ يسمى المدونة المدودة فهجره المالكية ثم أحبوه لما قام على أبي عبد الله الشيعي وناظره ونصر السنة وفيها إبراهيم بن شريك الأسدي الكوفي صاحب أحمد بن يونس ببغداد وحمزة بن محمد بن عيسى الكاتب صاحب نعيم بن حماد ببغداد وإبراهيم بن محمد الحسن بن مثوية العلامة أبو إسحاق الأصفهاني إمام جامع أصبهان وأحد العباد الحفاظ سمع محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ومحمد بن هاشم البعلبكي وطبقتهما وفيها محمد بن زنجوية القشيري النيسابوري صاحب إسحاق بن راهوية وفيها القاضي أبو زرعة محمد بن عثمان الثقفي مولاهم قاضي دمشق بعد قضاء مصر وكان جده يهوديا فأسلم وولي أبو زرعة قضاء مصر ثمان سنين والشام ما يزيد على العشرة وكان موثقا وكان أكولا يأكل سلة عنب وسلة تين قاله الذهبي في تاريخ الإسلام وفيها محمد بن محمد بن سليمان بن الحرث الواسطي ثم البغدادي أبو بكر الباغندي ولتدليسه رمى بالتجريح مع أنه كان حافظا بحرا قاله في المغني فيه لين قال ابن عدي أرجو أنه كان لا يتعمد الكذب وكان مدلسا انتهى وفيها ألإمام عبدوس عبد الرحمن بن أحمد بن عباد بن سعيد الهمذاني السراج أبو محمد كان ثقة فاضلا نبيلا.

سنة ثلاث وثلثمائة

فيها عسكر الحسين بن حمدان والتقى هو ورائق فهزم رائقا فسار لحربه مؤنس الخادم فحاربه وتمت لها خطوب ثم أخذ مؤنس يستميل أمراء الحسين فتسرعوا إليه ثم قاتل الحسين فأسره واستباح أمواله وأدخل بغداد على جمل وأعوانه ثم قبض على أخيه أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان وأقاربه وفيها توفيالإمام أحد الأعلام صاحب المصنفات التي منها السنن أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي نسبة إلى نسا مدينة بخراسان توفي في ثالث عشر صفر وله ثمان وثمانون سنة سمع قتيبة وإسحاق وطبقتهما بخراسان والحجاز والشام والعراق ومصر والجزيرة وكان رئيسا نبيلا حسن البزة كبير القدر له أربع زوجات يقسم لهن ولا يخلو من سرية لنهمته في التمتع ومع ذلك كان يصوم صوم داود ويتهجد قال ابن المظفر الحافظ سمعتهم بمصر يصفون اجتهاد النسائي في العبادة بالليل والنهار وأنه خرج إلى الغزو مع أمير مصر فوصف من شهامته وإقامته السنن في فداء المسلمين واحترازه عن مجالس الأمير وقال الدارقطني خرج حاجا فامتحن بدمشق وأدرك الشهادة فقال احملوني إلى مكة فحمل وتوفي بها في شعبان قال وكان أفقه مشايخ مصر في عصره وأعلمهم بالحديث قاله في العبر وقال السيوطي في حسن المحاضرة الحافظ شيخ الإسلام أحد الأئمة المبرزين والحفاظ المتقنين والأعلام المشهورين رجال البلاد واستوطن مصر فأقام بزقاق القناديل قال أبو علي النيسابوري رأيت من أئمة الحديث أربعة في وطني وأسفاري النسائي بمصر وعبدان بالأهواز ومحمد بن إسحاق وإبراهيم بن أبي طالب بنيسابور وقال الحاكم النسائي أفقه مشايخ أهل مصر في عصره وأعرفهم بالصحيح والسقيم من الآثار وأ ' رفهم بالرجال وقال الذهبي هو أحفظ م مسلم له من المصنفات السنن الكبرى والصغرى وهي إحدى الكتب الستة وخصائص علي ومسند علي ومسند مالك ولد سنة خمس وعشرين ومائتين قال ابن يونس كان خروجه من مصر في سنة اثنتين وثلثمائة ومات بمكة وقيل بالرملة انتهى ما قاله السيوطي وقال ابن خلكان قال محمد بن إسحاق الأصبهاني سمعت مشايخنا بمصر يقولون إن أبا عبد الرحمن فارق مصر في آخر عمره وخرج إلى دمشق فسئل عن معاوية وما روى من فضائله فقال أما يرضى معاوية أن يخرج رأسا برأس حتى يفضل وفي رواية ما أعرف له فضيلة إلا لا أشبع الله بطنك وكان يتشيع فما زالوا يدافعونه في خصيتيه وداسوه ثم حمل إلى مكة فتوفي بها وهو مدفون بين الصفا والمروة وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني لما داسوه بدمشق مات بسبب ذلك الدوس فهو مقتول وكان صنف كتاب الخصائص في فضل علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأهل البيت وأكثر روايته عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه فقبل له ألا صنفت في فضل الصحابة رضي الله عنه فقيل له ألا صنفت في فضل الصحابة رضي الله عنهم كتابا فقال دخلت دمشق والمنحرف عن علي كثير فأردت أن يهديهم الله بهذا الكتاب وكان إماما في الحديث ثقة ثبتا حافظا انتهى ملخصا وفيها الحافظ الكبير أبو العباس الحسن بن سفيان الشيباني النسوي نسبة إلى نسا مدينة بخراسان صاحب المسند والأربعين تفقه على أبي ثور وكان يفتي بمذهبه وسمع من أحمد بن حنبل ويحي بن معين والكبار وكان ثقة حجة واسع الرحلة قال الحاكم كان محدث خراسان في عصره مقدما في التثبت والكثرة والفهم والأدب والفقه توفي رمضان وقال ابن ناصر الدين الحسن ابن سفيان بن عامر أبو العباس الشيباني النسائي ويقال النسوي صاحب المسند الكبير وكتاب الأربعين وكان شيخ خراسان في وقته مقدما في حفظه وفقهه وأدبه وثقته وثبته قلبت عليه أحاديث وعرضت فردها كما كانت ورويت انتهى وفيها أبو علي الجبائي بالضم والتشديد نسبة إلى جبي بالقصر قرية بالبصرة وهو محمد بن عبد الوهاب البصري شيخ المعتزلة وأبو شيخ المعتزلة أبي هاشم وعن أبي علي أخذ شيخ زمانه أبو الحسن الأشعري ثم رجع عن مذهبه وله معه مناظرات في الثلاثة الإخوة وغيرها دونها الناس وسيأتي شيء منها في ترجمة الأشعري إن شاء الله تعالى وفيها أحمد بن الحسين بن إسحاق أبو إسحاق البغدادي المعروف بالصوفي الصغير روى عن إبراهيم الترجمان وجماعة قال في المغني وثقه الحاكم وغيره ولينه بعضهم انتهى وفيها أبو جعفر أحمد بن ذرح البغدادي المقرئ الضرير صاحب أبي عمرو الدوري تصدر للإقراء مدة طويلة وروى الحديث عن ابن المديني وفيها إسحاق بن إبراهيم النيسابوري البشتي روى عن قتيبة وخلق وقال ابن ناصر الدين هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر النيسابوري البشتي أبو يعقوب كان إماما حافظا صنف المسند في ثلاث مجلدات كبار وهو غير أبي محمد بن إسحاق بن إبراهيم بسين مهملة على الصحيح وهذا أي الثاني يروي عن هشام بن عمار توفي سنة سبع وثلثمائة وقد بينت ذلك في كتابي التوضيح انتهى قلت والبشتي بضم الباء وسكون المعجنة نسبة إلى بشت قرية بهراة وبلدة بنيسابور منها صاحب الترجمة وفيها إبراهيم بن إسحاق النيسابوري أبو إسحاق الأنماطي هو حافظ ثبت رحال وهو صاحب التفسير روى عن إسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل وكان الإمام أحمد ينبسط في منزله ويفطر عنده وفيها جعفر بن أحمد بن نصر الحافظ أبو محمد النيسابوري المعروف بالحصيري سمع إسحاق بن راهيوه وكان حافظا عابدا وعبد الله بن محمد بن يونس السمناني أبو الحسين أحد الثقات الرحالة سمع إسحاق وعيسى زغبة وطبقتهما وفيها عمر بن أيوب السقطي ببغداد روى عن بشر بن الوليد وطبقته وفيها محمد بن العباس الدرفس أبو عبد الرحمن الغساني الدمشقي الرجل الصالح روى عن هشام بن عمار وعدة ومحمد بن المنذر أبو عبد الرحمن الهروي الحافظ المعروف بشكر طوف وجمع وروى عن محمد بن رافع وطبقته قال ابن ناصر الدين وشكر هو محمد بن المنذر بن سعيد بن عثمان بن رجاء بن عبد الله بن العباس بن مرداسالسلمي الهروي القهندي أبو جعفر ويقال أبو عبد الرحمن ثقة انتهى سنة أربع وثلثمائة قال في الشذور فيها استوزر أبو الحسن بن الفرات فركب إلى داره فسقى الناس يومئذ في داره أربعين ألف رطل من الثلج انتهى وفيها غزا مونس الخادم بلاد الروم من ناحية ملطية وافتتح حصونا وأثر إثره وفيها توفي أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله المخرمي روى عن عبيد الله القواريري وجماعة ضعفه الدارقطني وقال في المغني قال الدارقطني ليس بثقة حدث ببواطيل انتهى وإسحاق بن إبراهيم أبو يعقوب المنجنيقي روى عن داود بن رشيد وطبقته وهو بغدادي نزل بمصر وكان يحدث عن منجنيق بجامع مصر فقيل له المنجنيقي قال ابن ناصر الدين عنه النسائي فيما قيل وله كتاب رواية الكبار عن الصغار والآباء عن الأنباء انتهى وفيها مات الأمير زيادة الله بن عبد الله الأغلبي من أمراء القيروان حارب المهدي الذي خرج بالقيروان ثم عجز عنه وهرب إلى الشام ومات بالرقة وقيل بالرملة وفيها الحافظ عبد الله بن مظاهر الأصبهاني شابا وكان قد حفظ جميع المسند وشرع في حفظ أقوال الصحابة والتابعين روى عن مطين يسيرا وفيها القسم بن الليث بن مسرور الرسعني العتابي أبو صالح نزيل تنيس روى عن المعافي الرسعني وهشام بن عمار وفيها يموت بن المزرع أبو بكر العبدي النضري الأخباري العلامة وهو في عشر الثمانين روى عن خاله الجاحظ وأبي حفص الفلاس وطبقتهما وقال ابن الأهدل هو ابن أخت أبي عمرو الجاحظ كان أديبا أخباريا صاحب ملح ونوادر وكان لا يعود مريضا خشية أن يتطيروا باسمه ومدحه منصور الضرير فقال

( أنت يحي والذي يك * ره أن يحيا يموت )

ستور الديباج فكانت ثمانية وثلاثين ألف ستر ومن البسط وغيرها ما يذهب بالبصر حسنا ومما كان في الدار مائة سبع مسلسلة ثم أدخل الرسول دار الشجرة وفيها بركة فيها شجرة لها أغصان عليها طيور مذهبة وورقها ألوان مختلفة وكل طائر يصفر لونا بحركات مصنوعة ثم أدخل إلى داره المسماة بالفردوس وفيها من الفرش والآلات ما لا يقوم وفيها أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن شيرويه بن أسد القرشي المطلبي النيسابوري أحد الحفاظ سمع إسحاق بن راهويه وأحمد بن راهويه وأحمد بن منيع وطبقتيهما وصنف التصانيف وكان ثقة وفيها محدث جرجان عمران بن موسى سمع هدبة بن خالد وطبقته ورحل وصنف وكان من الثقات الأثبات وتوفي في رجب وأبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي البصري مسند العصر في ربيع الآخر وله مائة سنة إلا بعض سنة وكان محدثا متقنا ثبتا أخباريا عالما روى عن مسلم بن إبراهيم وسليمان بن حرب وطبقتهما وفيهما القسم بن زكريا أبو بكر المطرز ببغداد روى عن سويد بن سعيد وأقرانه وقرأ على الدوري وأقرأ الناس وجمع وصنف وكان ثقة ومحمد بن إبراهيم بن أبان السراج البغدادي روى عن يحي الحماني وعبيد الله القواريري وجماعة وفيها محمد بن إبراهيم بن نصر أبو عبد الله المدني روى عن إسماعيل بن عمرو البجلي وجماعة ووثقه الحافظ أبو نعيم وفيها محمد بن إبراهيم بن حيون الأندلسي الحجازي أبو عبد الله ثقة صدوق.

سنة ست وثلثمائة

  • فيها وقبلها أمرت أم المقتدر في أمور الأمة ونهت لركاكة ابنها فإنه لم يركب للناس ظاهرا منذ استخلف إلى سنة إحدى وثلثمائة ثم ولى ابنه عليا إمرة مصر وغيرها وهو ابن أربع سنين وهذا من الوهن الذي دخل على الأمة ولما كان هذا العام أمرت أم المقتدر ثم القهرمانة أن تجلس للمظالم وتنظر في القصص كل جمعة بحضرة القضاة وكانت تبرز التواقيع وعليها خطها وفيها توفي أحمد بن الحسن بن عبد الجبار أبو عبد الله الصوفي ببغداد روى عن علي بن الجعد ويحي بن معين وجماعة وكان ثقة صاحب حديث مات عن نيف وتسعين سنة وفيها القاضي أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج البغدادي شيخ الشافعية وصاحب التصانيف في جمادى الأولى وله سبع وخمسون سنة وستة أشهر وكان يقال له الباز الأشهب ولي قضاء شيراز وله من المصنفات أربعمائة مصنف روى الحديث عن الحسن بن محمد الزعفراني وجماعه قال الأسنوى قال شيخ أبو إسحاق كان ابن خلكان وأخذ الفقه عن القسم الأنماطي وعنه أخذ فقهاء الإسلام ومنه انتشر مذهب الإمام الشافعي في اكثر الآفاق وكان يناظر أبا بكر محمد بن داود الظاهرى وحكى أنه قال له أبو بكر يوما أكلمك من الرجل فتجيبني من الرأس فقال له هكذا البقر إذا جفت أظلافها دهنت قونها وكان يقال له في عصره إن الله تعالى بعث عمر بن عبد العزيز على رأس المائة من الهجرة فأظهر كل سنة وأمات مدة وروى عن احمد بن عبيد بن ناصح وأبي يزيد القراطيسي وطبقتهما وكان صاحب حديث له مصنفات كثيرة في الحديث والزهد وكان مقدم زمانه في الوعظ قال السيوطي في حسن المحاضرة قال ابن كثير ارتحل إلى مصر فأقام بها حتى عرف بالمصري روى عنه الدارقطني وغيره وكان له مجلس وعظ عظيم مات في ذي القعدة وله سبع وثمانون سنة انتهى ملخصا وفيها علي بن محمد بن خمشاد أبو الحسن النيسابوري الحافظ العدل الثقة أحد الأئمة سمع الفضل بن محمد الشعراني وإبراهيم ديزيل وطبقتهما ورحل وطوف وصنف وله مسند كبير في أربعمائة جزء وأحكام في مائتين وستين جزءا توفى فجأة في الحمام وله ثمانون سنة قال أحمد بن إسحاق الضبعي صحبت علي بن خشمان في الحضر والسفر فما أعلم أن الملائكة كتبت عليه خطيئة وفيها محمد بن عبد الله بن دينار أبو عبد الله النسابوري الفقيه الرجل الصالح سمع السري بن خزيمة وأقرانه قال الحاكم كان يصوم النهار ويقوم الليل ويصبر على الفقر ما رأيت في مشايخنا أصحاب الرأي أعبد منه سنة تسع وثلاثين وثلثمائة فيها دخل سيف الدولة بن حمدان بلاد الروم في ثلاثين ألفا فافتتح حصونا وسبى وغنم فأخذت الروم عليه الدروب فاستولوا على عسكره قتلا وأسرا ونجا هو في عدد قليل ووصل من سلم في أسوأ حال وفيها أعادت القرامطة الحجر الأسود إلى مكانه وكان بحكم بذل لهم في رده خمسين ألف دينار فلم يردوه وقالوا أخذناه بأمر وإذا ورد أمر رددناه فردوه وقالوا رددناه بأمر من أخذناه بأمره لتتم مناسك الناس قاله في الشذور ومن حافظ على الفرائض في أول مواقيتها ومن رأى الأفعال كلها ومن الله فهو موحد وسئل ما تقول في الرجل يدخل البادية بلا زاد قال هذا من فعل رجال الله قيل فإن مات قال الدية على القاتل وقال اهتمامك بالرزق يزيلك عن الحق ويفقرك إلى الخلق وسئل مرة عن علم الصفات فقال
( كيفية المرء ليس يدركها * فكيف كيفية الجبار في القدم )
( هو الذي أحدث الأشياء مبتدعا * فكيف يدركه مستحدث النسم ) انتهى وفيها حاجب ابن أركين الفرغاني الضرير المحدث روى عن أحمد بن إبراهيم الدورقي وجماعة وله جزء مشهور والحسين بن حمدان الغلبي ذبح في حبس المقتدر بأمره وفيها الإمام أبو محمد عبدان بن أحمد بن موسى الأهوازي الجواليقي الحافظ الثقة صاحب التصانيف سمع سهل بن عثمان وأبا بكر بن أبي شيبة وطبقتيهما وكان يحفظ مائة ألف حديث ورحل إلى البصرة ثماني عشرة مرة توفي في آخر السنة وله تسعون سنة وأشهر وفيها محمد بن خلف بن وكيع القاضي أبو بكر صاحب التصانيف روى عن الزبير بن بكار وطبقته وولي قضاء الأهواز قال في المغني مشهور له تأليف قال ابن المنادي فيه لين انتهى وفيها الفقيه أبو الحسن منصور بن إسماعيل بن عمر التميمي الضرير أصله من رأس عين بلدة بالجيزة له مصنفات في مذهب الشافعي حسان وشعر جيدا أصابته فاقة في سنة قحط فنادى بأعلى صوته فوق داره الغياث الغياث يا أحرار نحن فقراء وأنتم تجار إنما تحسن المواساة في الشد لا حين ترخص الأسعار فسمعه جيرانه فأصبح على بابه مائة حمل بر قال الأسنوي كان فقيها متصرفا في علوم كثيرة لم يكن في زمانه في مصر مثله قال الشيخ أبو إسحاق قرأ على أصحاب الشافعي وأصحاب أصحابه وله مصنفات في الفقه مليحة منها الهداية والمسافر والواجب والمستعمل وغيرها وله شعر مليح وكان شاعرا خبيث اللسان في الهجو وكان جنديا ومن شعره
( لي حيلة فيمن ينم * وليس في الكذاب حيله )
( من كان يخلق ما يقول * فحيلتي فيه قليله ) وله أيضاً
( الكلب أحسن عشرة * وهو النهاية في الخساسه )
( ممن ينازع في الريا * سة قبل أوقات الرياسه )

نقل عنه الرافعي في الجنايات أن مستحق القصاص يجوز له استيفاءه بغير إذن الإمام انتهى ملخصاً.

سنة سبع وثلثمائة

فيها كما قال في الشذور انقض كوكب عظيم وتقطع ثلاث قطع وسمع بعد انقاضه صوت رعد عظيم هائل من غير غيم وفيها كانت الحرب والأراجيف الصعبة بمصر ثم لطف الله وأوقع المرض في المغاربة ومات جماعة من أمرائهم واشتدت علة القائم محمد بن المهدي وفيها دخلت ا لقرامطة البصرة فنبوها وسبوا وفيها توفي أبو العباس الإشناني أحمد بن سهل المقرىء المجود صاحب عبيد بن الصباح وكان ثقة روى الحديث عن بشر بن الوليد وجماعة وفيها أبو يعلى الموصلي أحمد بن علي المثنى بن يحيى التميمي الحافظ صاحب المسند روى عن علي بن الجعد وغسان بن الربيع والكبار وصنف التصانيف وكان ثقة صالحاً متقناً توفي وله تسع وتسعون سنة وفيها أبو بحيى زكريا بن يحيى الساجي البصري الحافظ محدث البصرة روى عن هدبة بن خالد وطبقته وله كتاب في علل الحديث قال الأسنوي منسوب إلى الساج وهو نوع من الخشب كان أحد الأئمة الفقهاء الحفاظ الثقات ذكره الشيخ أبو إسحاق في طبقاته فقال أخذ عن الربيع والمزني وصنف كتاب اختلاف الفقهاء وكتاب علل الحديث وتوفي بالبصرة انتهى وفيها أبو بكر عبد الله بن مالك بن سيف التجيبي مقرئ الديار المصرية روى عن محمد بن رمح وتلا في جمادى الآخرة وعمر دهرا طويلا وفيها أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري المحدث روى عن جبارة بن لمغلس وطائفة وفيها محمد بن علي بن مخلد بن فرقد الداركي الأصبهاني آخر أصحاب إسماعيل بن عمرو البجلي وآخر أصحابه أبو بكر بن المقري وفيها محمد بن هارون أبو بكر الروياني الحافظ الكبير صاحب المسند روى عن أبي كريب وطبقته وله تصانيف في الفقه وكان من الثقات وفيها أبو عمران الجوني موسى بن سهل بالبصرة وسكن بغداد وكان ثقة رحالا حافظا سمع محمد بن رمح وهشام بن عمار وطبقتهما وفيها الحافظ أبو محمد الهيثم بن خلف الدوري ببغداد روى عن عبيد الله بن عمر القواريري وطبقته وجمعوصنف وكان ثقة ويح بن زكريا النيسابوري أبو زكريا الأعرج أحد الحفاظ بمصر وهو عم محمد بن عبد الله بن زكريا بن حيوة النيسابوري دخل مصر (2/251) ________________________________________ 252 على كبر السن وروى عن قتيبة وابن راهويه سنة ثمان وثلثمائة فيها ظهر اختلال الدولة العباسية وجيشت الغوغاء ببغداد فركب الجند وسبب ذلك كثرة الظلم من الوزير حامد بن العباس فقصدت العامة داره فحاربتهم غلمانه وكان له مماليك كثيرة فدام القتال أياماً وقتل عدد كثر ثم استفحل البلاء ووقع النهب في بغداد وجرت فيها فتن وحروب بمصر وملك العبيديون جيزة الفسطاط فجزعت الخلق وشرعوا في الهرب وفيها توفي الحافظ أبو الحسن علي بن سراج بن أبي الأزهر المصري وكان من الضعفاء لفسقه بشرب المسكر قال الحافظ ابن ناصر الدين في بديعة البيان ( ثم على بن سراج المصري * حوله شاربه ففر ) ( أي حوله عن عدالة إلى الفسق وعدم قبول الرواية شربه المسكر ففر أي انفر منه وهو أمر من الفرار وفيها إبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه أبو إسحق النيسابوري الرجل الصالح راوي صحيح مسلم روى عن محمد بن رافع ورحل وسمع ببغداد والكوفة والحجاز وقيل كان مجاب الدعوة قاله في العبر وفيها أبو محمد إسحق بن أحمد الخزاعي مقرىء أهل مكة وصاحب البزي روى مسند العدلي عن المصنف وتوفي في رمضان وهو في عشر التسعين وعبد الله بن وهب الحافظ الكبير أبو محمد الدينوري سمع الكثير وطوف الأقاليم وروى عن أبي سعيد الأشج وطبقته قال ابن عدي سمعت عمر بن سهل يرميه بالكاذب وقال الدارقطني متروك وقال أبو علي النيسابوري بلغني أن أبا ذرعة كان يعجز عن مذاكرته وقال ابن ناصر الدين كان حافظاً رحالاً لكنه عند الدارقطني وغيره من المتروكين وقد قبله قوم وصدقوه فيما ذكره ابن عدي وعنه نقلوه انتهى وفيها أبو الطيب محمد بن المفضل بن سلمة بن عاصم الضبي الشافعي صاحب ابن سريج أحد الأذكياء صنف الكتب وهو صاحب وجه وكان يرى تكفير تارك الصلاة ومات شابا وأبوه وجده من أئمة العربية وفيها المفضل بن محمد أبو سعيد الجندي محدث مكة روى عن إبراهيم بن محمد الشافعي والعدني وجماعة ووثقه أبو علي النيسابوري وفيها أبو الفرج يعقوب بن يوسف وزير العزيز بن المعتز العبيدي صاحب مصر وكان يعقوب أولا يهوديا يزعم أنه من ولد السموأل بن عاد ياء صاحب حصن الأبلق باليمن وكان في خدمة كافور الإخشيدي وبعد وفاة كافور ولي الوزارة للعزيز وكان يحب العلم والعلماء وقال له العزيز في مرضه لو كنت تشتري لاشتريتك بملكي وولدي ولما مات صلى عليه ودخل قبره قاله ابن الأهدل وهي من غلطاته فإنه في هذا التاريخ لم يكن وجد وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى سنة تسع وثلاثمائة فيها أخذت الإسكندرية واستردت إلى نواب الخليفة ورجع العبيدي إلى المغرب وفيها قتل أبو عبد الله الحسين بن منصور بن محمد الفارسي الحلاج وكان محمى مجوسيا قال في العبر تصوف الحلاج وصحب سهل بن عبد الله التستري ثم قدم بغداد فصحب الجنيد والنوري وتعبد فبالغ في المجاهدة والترقب ثم فتن ودخل عليه الداخل من الكبر والرياسة فسافر إلى الهند وتعلم السحر فحصل له به حال شيطاني وهرب منه الحال الإيماني ثم بدت منه كفريات أباحت دمه وكسرت صنمه واشتبه على الناس السحر بالكرامات فضل به خلق كثير كدأب من مضى ومن يكون إلى مقتل الدجال الأكبر والمعصوم من عصمة الله وقد جال هذا الرجل بخراسان وما وراء النهر والهند وزرع في كل ناحية زندقية فكانوا يكاتبونه من الهند بالمغيث ومن بلاد الترك بالمقيت لبعد الدار عن الإيمان وأما البلاد القريبة فكانوا يكاتبونه من خراسان بأبي عبد الله الزاهد ومن خورستان بالشيخ حلاج الأسرار وسماه أشياعه ببغداد المصطلم وبالبصرة المحير ثم سكن بغداد في حدود الثلثمائة وقبلها واشترى أملاكاً وبنى داراً وأخذ يدعو الناس إلى أمور فقامت عليه الكبار ووقع بينه وبين الشبلي والفقيه محمد بن داود الظاهري والزير علي بن عيسى الذي كان في وزارته كابن هبيرة في وزارته علماً وديناً وعدلاً فقال ناس ساحر فأصابوا وقال ناس به مس من الجن فما أبعدوا لأن الذي كان يصدر منه لا يصدر منه عاقل إذ ذلك موجب حتفه أو هو كالمصروع أو المصاب الذي يخبر بالمغيبات ولا يتعاطى بذلك حالاً ولا إن ذلك من قبيل الوحي ولا الكرامات وقال ناس من الأغتام بل هذا رجل عارف ولى لله صاحب كرامات فليقل ما شاء فجهلوا من وجهين أحدهما أنه ولى والثاني أن الولي يقول ما شاء فلن يقول إلا الحق وهذه بلية عظيمة ومرضة مزمنة أعياء الأطباء داءها وراج بهرجها وعز ناقدها والله المستعان قال أحمد بن يوسف التنوخي الزرق كان الحلاج يدعو كل وقت إلى شيء على حسب ما يستبله طائفه أخبرني جماعة من أصحابه أنه لما افتتن به الناس بالأهواز لما يخرج لهم من الأطعمة في غير وقتها والدراهم ويسميها دراهم القدرة حدث الجبائي بذلك فقال هذه الأشياء تمكن الحيل فيها ولكن أدخلوه بيتاً من بيوتكم وكلفوه أن يخرج منه جزرتي شوك فبلغ الحرج قول فخرج من الأهواز وروى عن عمرو بن عثمان المكي أنه لعن الحلاج وقال قرأت آية من القرآن فقال يمكنني أن أؤلف مثلها وقال أبو يعقوب الأقطع زوجت بنتي بالحلاج فبان (2/254) ________________________________________ 255 لي بعد أنه ساحر محتال وقال الصولي جالست الحرج فرأيت جاهلاً يتعاقل وعيبياً يتبالغ وفاجراً يتزهد وكان ظاهره أنه ناسك فإذا علم أن أهل بلد يرون الإعتزال صار معتزلياً أو يرون التشيع تشيع أو يرون التسنن تسنن وكان يعرف الشعبذة والكيماء والطب ويتنقل في البلدان ويدعى الربويية ويقول للواحد من أصحابه أنت أدم ولذا أنت نوح ولهذا أنت محمد ويدعى التناسخ وإن أرواح الأنبياء انتقلت إليهم وقال الصولي أيضاً قبض على الراسي أمير الأهواز على الحلاج في سنة إحدى وثلثمائة وكتب إلى بغداد يذكر أن البينة قامت عنده أن الحلاج يدعى الربوبية ويقول بالحلول فحبس مدة وكان يرى الجاهل شيئاً من شعبذته فإذا وثق به دعاه إلى أنه إله ثم قيل إنه سنى وإنما يريد قتله الرافضة ودافع عن نصر الحاجب قال وكان في كتبه أنه مغرق قوم نوح ومهلك عاد وثمود وكان الوزير حامد قد وجدله كتاباً فيه أن المرء إذا عمل كذا وكذا من الجوع والصدقة ونحو ذلك أغناه ذلك عن الصوم والصلاة والحج فقام عليه حامد فقتل وافتي جماعة من العلماء بقتله وبعث حامد بن العباس بخطوطهم إلى المقتدر فتوقف المقتدر فراسله إن هذا قد ذاع كفره وادعاؤه الربوبية وإن لم يتقل افتتن به الناس فإذن في قتله فطلب الوزير صاحب الشرطة وأمره أن يضربه ألف سوط فإن لم يمت والأقطع أربعته فأحضر وهو يتبختر في قيده فضرب ألف سوط ثم قطع يده ورجله ثم حزر رأسه وأحرقت جثته وقال ثابت بن سنان انتهى إلى حامد في وزارته أمر الحلاج وأنه قد موه على جماعة من الخدم والحشم وأصحاب المقتدر بأنه يحيى الموتى وأن الجن يخدمونه ويحضرون إليه ما يريد وكان محبوساً بدار الخلافة فأحضر جماعة إلى حامد فاعترفوا أن الحلاج إليه وأنه يحيى الموتى ثم وافقوه وكاشفوه وكانت زوجة السمرى عنده في الإعتقال فأحضرها حام فسألها فقالت قد قال مرة زوجتك بأبنى وهو بنيسابور وأن جرى (2/255) ________________________________________ 256 منه ما تكرهين فصومى واصعدي على السطح على الرماد وافطري على الملح واذكري ما تكرهينه فأني اسمع وأرى قالت وكنت نائمة وهو قريب مني فما احسست إلا وقد غشيني فانتبهت فزعة فقال إنما جئت لأوقظك للصلاة وقالت لي بنته يوماً اسجدى له فقلت أو يسجد أحد لغير الله وهو يسمعني فقال نعم اله في السماء واله في الأرض وقال ابن باكويه سمعت حمد بن الحلاج يقول سمعت احمد بن فاتك تلميذ والدي يقول بعد ثلاث من قتل والدي رأيت رب العزة في المنام فقلت يا رب ما فعل الحسين بن منصور قال كاشفته بمعنى فدعا الخلق إلى نفسه فأنزلت به ما رأيت وقال يوسف بن يعقوب النعماني سمعت محمد بن داود بن علي الأصبهاني الفقيه يقول أن كان ما أنزل اله على نبيه حقاً فما يقول الحلاج باطل وعن أبي بكر بن سعدان قال إلى الحلاج تؤمن بي حتى ابعث لك بعصفورة تطرح من زرقها على ذا مناً نحاسا فيصير ذهباً قلت أفتؤمن بي حتى ابعث إليك بفيل يستلقي فتصير قوائمه في السماء فإذا أردت أن تخفيه أخفيته في عينك فابهته وكان مموهاً مشعوذاً انتهى كلام العبر بحروفه وفي تاريخ ابن كثير قال وقد صحب الحلاج جماعة من سادات المشايخ كالجني وعمرو بن عثمان المكي وأبي الحسين النوري قال الخطيب البغدادي والصوفية مختلفون فيه فأكثرهم نفى أن يكون الحلاج منهم وقبله أبو العباس بن عطاء ومحمد بن جعفر الشيرازي وأبو القسم النصر أباذي وصححوا حاله ودونوا كلامه حتى قال ابن خفيف وهو محمد بن جعفر الشيرازي الحسين بن منصور علام رباني وعوتب النصر اباذي في شيء حكى عن الحلاج في الروح فقال إن كان بعد النبيين والصديقين موحد فهو الحلاج وقال السلمي سمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت الشبلي يقول كنت أنا والحسين بن منصور شيئاً واحداً إلا أنه أظهر وكتمت قال الخطيب والذي نفاه من الصوفية نسبوه إلى الشعبذة في فعله وإلى الزندقة في عقيدته وعقده (2/256) ________________________________________ 257 وأجمع الفقهاء أنه قتل كافراً وكان ممخر قامموهاً مشعبذاً وبهذا قال أكثر الصوفية فيه منهم طائفة كما تقدم أجملوا القول فيه وغرهم ظاهره ولم يطلعوا على باطنه ولا باطن قوله ولما أنشد لأبي عبد الله بن خفيف قول الحلاج ابن منصور ( سبحان من أظهر ناسوته * سرسنى لاهوته الثاقب ) ( ثم بدا في خلقه ظاهراً * في صورة الآاكل والشارب ) ( حتى لقد عاينه خلقه * كخطة الحاجب بالحاجب ) فقال ابن خفيف على من يقول هذا لعنة الله فقيل له إن هذا من شعر الحلاج فقال ق يكون مقولاً عليه ولما كان يوم الثلاثاء لتسع بقين من ذي القعدة سنة تسع وثلثمائة أحضر الحلاج إلى مجلس الشرطة بالجانب الغربي فضرب نحو ألف سوط ثم قطعت يداه ورجلاً ثم ضربت عنقه وأحرقت جثته بالنار ونصب رأسه على سور الجسر الجديد وعلقت يداه ورجلاه إلى جانب رأسه وذكر السلمى بسنده قال أبو بكر بن ممشاد حضر عندنا بالدينور رجل ومعه خلاة فوجدوا فيها كتاباً للحلاج عنوانه من الرحيم الرحمن إلى فلان بن فلان يدعوه إلى الضلالة والإيمان به فبعث بالكتاب إلى بغداد فسئل الحلاج عن ذلك فأقر أنه كتبه وعلى هذا جرى ما جرى انتهى ما قاله ابن كثير نقله عنه السخاوي وفيها توفي أبو العباس أحمد بن محمد بن سهل بن عطاء الأدمي الزاهد أحد مشايخ الصوفية القانتين الموصوفين بالإجتهاد في العبادة قيل أنه كان ينام في اليوم والليلة ساعتين ويختم القرى كل يوم سئل ما المرءة قال إن لا يستكثر له عملاً وقال ألزم نفسه آداب السنة نور الله قلبه بنور المعرفة ولا مقام أشرف من مقام متابعة الحبيب في أوامره وأفعاله وأخلاقه والتأدب بآدابه قولاً وفعلاً وعزماُ ونية وعقداً وقال العلم الكبر الهيبة والحياء فمن (2/257) ________________________________________ 258 عرى عنهما عرى عن الخيرات وقال من حرم الآداب حرم جوامع الخيرات وقال أصح العقول عقل وافق التوفيق وشر الطاعات طاعة أورثت عجباً وخير الذنوب ذنب أعقب توبة وندما توفي في ذي القعدة بالعراق وفيها حامد بن محمد بن شعيب أبو العباس البلخي المؤدب ببغداد روى عن شريح بن يونس وطائفة وكان ثقة عاش ثلاثاً وتسعين سنة وعمرو بن إسمعيل بن أبي غيلان أبو حفص الثقفي البغدادي سمع على بن الجعد وجماعة ووثقه الخطيب وفيها أبو بكر محمد بن الحسين بن المكرم البغدادي بالبصرة وكان أحد الحفاظ المبرزين روى عن بشر بن الوليد وطبقته وفيها عبد الرحمن بن عبد المؤمن بن خالد المهلبي الأزدي أبو محمد وكان من الثقات الحافظ والإثبات الأيقاظ ومحمد بن خلف بن المرزبان أبو بكر البغدادي الإخباري صاحب التصانيف روى عن الزبير بن بكار وطبقته وكان صدوقاً وفيها محمد بن أحمد بن راشد بن معدان الثقفي مولاهم أبو بكر الأصبهاني ابن معدان كان حافظاً رحالاً كثير المصنفات.

سنة عشر وثلثمائة

فيها كما قال في الشذور انبثق بواسط تسعة عشر بثقاً أصغرها مائتا ذراع وأكبرها ألف ذراع وغرق من أمهات القرى ألف وثلثمائة قرية انتهى وفيها توفي الحافظ الكبير الثقة أبو جعفر أحمد بن يحيى سمع أبا كريب وطبقته وروى عنه ابن حبان والطبراني وكان مع حفظه زاهداً خيراً قال أبو إسحق بن حمزة الحافظ ما رأيت أحفظ منه وقال ابن المقرى فيه حدثنا تاج المحدثين فذكر حديثاً

  • وفيها إسحق إبراهيم بن محمد بن جميل أبو يعقوب الأصبهاني الراوي عن أحمد بن منيع مسنده عنسن عالية قال حفيده عبيد الله بن يعقوب عاش جدي مائة وسبع عشرة سنة وفيها أبو شيبة داود بن إبراهيم بن روزبة البغدادي بمصر روى عن محمد ابن بكار بن الريان وطائفة قال في المغني داود بن إبراهيم بن روزبة أبو شيبة معروف صدوق أخطأ ابن الجوزي ووهاه مرة على أنه لم يذكره في الضعفاء انتهى وفيها على العباس البجلي الكفوي المقامني أبو الحسن روى عن أبي كريب وطبقته وفيها على الصحيح أوفي سنة إحدى عشرة أو ست عشرة أبو إسحق إبراهيم أبن محمد بن السري بن سهل الزجاج النحوي قال ابن خلكان كان من أهل العلم والأدب والدين المتين وصنف كتاباً في معاني القرآن وله كتاب المالي وكتاب ما فسر من جمع المنطق وكتاب الإشتقاق وكتاب العروض وكتاب النوادر وكتاب الأنواء وغيرها وأخذ الأدب عن المبرد وثعلب وكان يخرط الزجاج ثم تركه واشتغل بالأدب فنسب إليه واختص بصحبة الوزير عبيد الله بن سليمان وعلم ولده القاسم الأدب ولما استوز القاسم أفاد بطريقته مالا جزيلاً وحكى أبو على الفارسي النحوي قال دخلت مع شيخنا أبي إسحق على القسم بن عبيد الله الوزير فورد الخادم فساه بسر فاستبشره ثم نهض فلم يكن بأسرع من عاد وفي وجهه أثر الوجوم فسأله شيخنا عن ذلك فقال له كانت تختلف إلينا جارية لأحدى القينات فسمتها أن تبيعني إياها فامتنعت من ذلك ثم أشار لعيها أحد من ينصحها بأن تهديها إلى رجاء أن أضاعت لها ثمنها فلما جاءت أعلمني الخادم بذلك فنهضت مستبشراً لأفتضاضها فوجدتها قد حاضت فكان مني ما ترى فأخذ شيخنا الدواة وكتب ( فارس ماض بحربته * حاذق بالطعن بالظلم ) ( رام أن يدمى فريسته * فاتقته من دم بدم ) انتهى ملخصاً وفيها أبو بشر الدولابي وهو محمد بن أحمد بن حماد الأنصاري الرازي الحافظ صاحب التاصنيف روى عن بندار محمد بن بشار وخلق وعاش ستا وثمانين سنة قال أبو سعيد بن يونس كان من أهل الصنعة وكان يضعف وروى عنه ابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني قال الدارقطني تكلموا فيه وقال ابن عدي أبن حماد متهم قاله ابن درباس توفي الدولابي بين مكة والمدينة وفيها الحبر البحر الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ والمصنفات الكثيرة سمع إسحق بن إسرائيل ومحمد بن حميد الرازي وطبقتهما وكان مجتهداُ لا يقلد أحداُ قاله في العبر قال إمام الأئمة ابن خزيمة ما أعلم على الأرض أعلم من محمد بن جرير وقال أبو حامد الأسفرائني الفقيه لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل تفسير محمد بن جرير لم يكن كثيراً وكذلك أثنى ابن تيمية على تفسيره للغاية ومولده بآمل طبرستان سنة أربع وعشرين ومائتين وتوفي ليومين بقيا نم شوال وكان ذا زاهد وقناعه وتوفي ببغداد وممن أخذ عنه العلم محمد الباقرحي والطبراني وخلق قال الخطيب كانت الأئمة تحكم بقوله وترجع إلى رأيه لمعرفته وفضله جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره وذكر له ترجمة طويلة وفيها على الصحيح العلام المحدث أبو العباس محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني محدث فلسطين روى عن صفوان بن صالح المؤذن ومحمد بن رمح

(2/260) ________________________________________ 261 والكبار وعنه ابن عدي وأبو علي النيسابوري وخلق وكان حافظا ثقة ثبتا وفيها تقريبا أبو عمران الرقي موسى بن جرير المقرئ النحوي صاحب أبي شعيب السوسي تصدر لللإقراء مدة وفيها الوليد بن أبان الحافظ أبو العباس الأصبهاني بأصبهان وكان ثقة صنف المسند والتفسير وطوف الكثير وحدث عن أحمد بن الفرات الرازي وطبقته وعنه أبو الشيخ والطبراني وأهل اصبهان سنة إحدى عشرة وثلثمائة فيها دخل أبو طاهر سليمان بن الحسن الجنابي القرمطي البصرة في الليل في ألف وسبعمائة فارس نصبوا السلالم على السور ونزلوا فوضعوا السيف في البلد وأحرقوا الجامع وهرب خلق إلى الماء فغرقوا وسبوا الحريم واستمروا سبعة عشرة يوما يحملون ما أرادوا من الأموال والحريم والله المستعان فيها توفي أبو جعفر أحمد بن حمدان بن علي بن سنان الحيري النيسابوري الحافظ الزاهد المجاب الدعوة والد المحدث أبيعمرو بن حمدان روى عن عبد الرحمن بن بشر بن الحكم وطبقته وصنف الصحيح على شرط مسلم وكان يحي الليل وفيها أبو بكر الخلال أحمد بن محمد بن هارون البغدادي الفقيه الحبر الذي أنفق عمره في جمع مذهب الإمام أحمد وتصنيفه تفقه على المروزي وسمع من الحسن بن عرفة وأقرانه وروى عن تلميذه أبو بكر عبد العزيز بن جعفر يعرف بغلام الخلال ومحمد بن المظفر الحافظ وغير واحد قال ابن ناصر الدين هو رحال واسع العلم شديد الاعتناء بالآثار له كتاب السنة ثلاث مجلدات كبار وكتاب العلل في عدة أسفار وكتاب الجامع وهو كبير جليل المقدار انتهى في ربيع الأول (2/261) ________________________________________ 262 وفيها عبد الله بن إسحاق المدائني الأنماطي ببغداد عن عثمان بن أبي شيبة وطبقته وكان ثقة محدثا وعبد الله بن محمود السعدي أبو عبد الرحمن محدث مرو وعبد الله بن عروة الهروي الحافظ أبو محمد وكان من الأثبات الثقات صنف وسمع أبا سعيد الأشج وطبقته وروى عنه أبو منصور الهروي وآخرون وفيها الحافظ الكبير أبو حفص عمر بن محمد ب بجير الهمداني السمرقندي صاحب الصحيح والتفسير وذو الرحلة الواسعة روى عن عيسى بن حماد زغبة وبشر بن معاذ العقدي وطبقتها وعنه محمد بن محمد بن صابر واعين بن جعفر السمرقندي وعاش ثمانيا وثمانين سنة وكان صدوقا وفيها تقريبا محمد بن إبراهيم بن شعيب أبو الحسين الغازي كان رحالا ثقة قال ابن ناصر الدين في بديعة البيان ( وبعد بضع عشرة المجازي * محمد الجرجاني ذاك الغازي ) انتهى وفيها إمام الأئمة أبو بكر بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري الحافظ صاحب التصانيف شيخ الإسلام ولد سنة اثنتين وعشرين ومائتين وروى عن علي بن حجر وابن راهويه ومحمود بن غيلان وخلق وعنه البخاري ومسلم خارج صحيحهما ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم وأبو علي النيسابوري قاله ابن برداس وهو حافظ ثبت إمام رحل إلى الشام والحجاز والعراق ومصر وتفقه على المزني وغيره قال الحافظ أبو علي النيسابوري لم أر مثل محمد بن إسحاق وقال أبو زكريا العنبري سمعت ابن خزيمة يقول ليس لأحد مع رسول الله إذا صح الخبر عنه وقال أبو علي الحافظ كان ابن خزيمة يحفظ الفقهيات من حديثه كما يحفظ القارئ (2/262) ________________________________________ 263 السورة وقال ابن حبان لم ير مثل ابن خزيمة في حفظ الإسناد والمتن وقال الدارقطني كان إماما معدوم النظير وقال الأسنوي في طبقاته صار ابن خزيمة إمام زمانه بخراسان رحلت إليه لطلبة من الآفاق قال شيخه الربيع استفدنا من ابن خزيمة أكثر مما استفاد منا وكان متقللا له قميص واحد منها أنه إن رجع في الأذان ثنى الإقامة وإلا أفردها ومنها أن الركعة لا تدرك بالركوع انتهى ملخصا وفيها أبو العباس محمد بن شاذل النيسابوري سمع ابن راهويه وأبا مصعب وخلقا وكان يختم القرآن في كل يوم ومحمد بن زكريا الرازي الطبيب العلامة صاحب المصنفات في الطب والفلسفة وإنما اشتغل بعد أن بلغ الأربعين وكان في صباه مغنيا بالعود قاله في العبر وقال ابن الأهدل هو الطبيب الماهر أبو بكر محمد بن زكريا الرازي المشهور وله في الطب كتاب الحاوي والأقطاف وكتاب المنصور وحجمه صغير جمع فيه بين العلم والطب والعمل ومن قوله مهما أمكن العلاج بالأغذية فلا يعالج بالأدوية والمفرد أولى من المركب وكان شغله بالطب بعد أربعين من عمره انتهى وفيها حامد بن العباس الوزير كان يخدمه ألف وسبعمائة حاجب قاله ابن الجوزي في الشذور سنة اثنتي عشرة وثلثمائة فيها كما قال في الشذور ورد الخبر بأن أبا طاهر الجنابي نسبة إلى جنابة بلد البحرين ورد الهبير فلقى حاج سنة إحدى عشرة في رجوعهم وأنه (2/263) ________________________________________ 264 قتل منهم قتلا مسرفا وسبى من اختار من الرجال والنساء والصبيان والجمال وكان الرجال ألفين والنساء نحوا من خمسمائة وسار بهم إلى هجر وترك باقي الحاج مكانه بلا زاد ولا جمال فماتوا بالعطش وحصل له ما حرز بألف ألف دينار ومن الطيب والأمتعة بنحو ألف ألف وكان سنة يومئذ سبع عشرة سنة وفيها ألح مونس الخادم ونصر الحاجب وهرون ابن خال المقتدر على المقتدر حتى أذن في قتل علي بن محمد بن الحسن بن الفرات وولده المحسن فذبحا وعاش ابن الفرات إحدى وسبعين سنة وعاش بعد حامد بن العباس نصف سنة وكان جبارا فاتكا كريما سايسا متمولا كان يقدر على عشرة آلاف ألف دينار وقد وزر للمقتدر ثلاث مرات وقيل كان يدخله من ملاكه في العمن أمأأااااممميتتتتتتنيننتنيتب أملاكه في العام ألفا ألف دينار قاله في العبر وكان علي بن الفرات هذا وأخوه أبو العباس آية في معرفة حساب الديوان وكان ولده المحسن متمولا أيضا وكان اختفى ثم ظفر به في زي امرأة قد خضب يديه فعذب وأخذ خطه بثلاثة آلاف ألف دينار وولى الوزارة عبيد الله بن محمد الخاقاني فعذب بني الفرات واصطفى أموالهم فيقال أخذ منهم ألفي ألف دينار وفيها افتتح المسلمون فرغانة إحدى مدائن الترك وفيها توفي الحافظ أحمد بن عمرو بن منصور الأموي مولاهم الأندلسي محدث الأندلس أبو جعفر روى عن يونس بن عبد الأعلى والربيع بن سليمان وغيرهما وكان بصيرا بعل الحديث إماما فيه وفيها الحسن بن علي بن نصر الطوسي أبو علي الخراساني يعرف بكردس الحافظ المشهور روى عن محمد بن رافع وبندار وإسحاق الكوسج وعنه محمد ابن جعفر البستي وأحمد بن محمد بن عبدوس وأبو أحمد الحاكم وله تصانيف تدل على معرفته قال في المغني قال أبو أحمد الحاكم تكلموا في روايته كتاب النسب عن الزبير انتهى (2/264) ________________________________________ 265 وفيها علي بن الحسن بن خلف بن قديد أبو القسم المصري المحدث وله بضع وثمانون سنة روى عن محمد بن رمح وحرملة وفيها عبد الرحمن بن أحمد بن عباد الثقفي الهمداني المعروف بعبدوس الحافظ المجود أبو محمد روى عن محمد بن عبيد الأسدي ويعقوب الدورقي وعنه أحمد بن عبيد الأسدي وأبو أحمد الغطريفي وأبو أحمد الحاكم وكان ثقة متقنا وفيها محمد بن سليمان بن فارس أبو أحمد الدلال النيسابوري انفق أموالا جليلة في طلب العلم وأنزل البخاري عنده لما قدم نيسابور وروى عن محمد ابن رافع وأبي سعيد الأشج وكان يفهم ويذاكر ومحمد بن محمد بن سليمان الحافظ الكبير أبو بكر بن الباغندي أحد أئمة الحديث في ذي الحجة ببغداد وله بضع وتسعون سنة روى عن علي بن المديني وشيبا بن فروخ وطوف بمصر والشام والعراق روى أكثر حديثه من حفظه قال القاضي أبو بكر الأبهري سمعته يقول أجبت في ثلثمائة ألف مسئلة في حديث النبي الأسماعيلي لا أتهمه ولكنه خبيث التدليس ومصحف أيضا وقال الخطيب رأيت كافة شيوخنا يحتجون به وقال في المغني قال ابن عدي أرجو أنه كان لا يتعمد الكذب وكان مدلسا انتهى وفيها أبو بكر بن المجدر وه محمد بن هارون البغدادي روى عن داود ابن رشيد وطبقته وكان معروفا بالانحراف عن علي رضي الله عنه قال في المغني محمد بن هارون بن المجدر أبو بكر صدوق مشهور فيه نصب وانحراف انتهى (2/265) ________________________________________ 266 سنة ثلاث عشرة وثلثمائة فيها كما قال في الشذور انقض كوكب قبل مغيب الشمس بأربع ساعات من ناحية الجنوب إلى الشمال فأضاءت منه الدنيا وكان له صوت كصوت الرعد وفيها سار ونزل القرمطي على الكوفة فقاتلوه فغلب على البلد ونهبه فندب المقتدر مؤنسا وأنفق في الجيش ألف ألف دينار فسار القرمطي عن الكوفة وتسلم الأنبار وعاث في البلاد وعظم ضرره ولم يقدر عليه وفيها توفي أحمد بن عبد الله ب سابور الدقاق القة ببغداد وكان واسع الرحلة روى عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي نعيم الحلبي وعدة وفيها أبو العباس أحمد بن محمد بن الحسين الماسرجسي سمع من جده لأمه الحسن بن عيسى بن ماسرجس وإسحاق وشيبان بن فروخ وفيها جماهر بن محمد بن أحمد أبو الأزهر الأزدي الزملكاني روى عن هشام بن عمار وطبقته وفيها ثابت بن حزم السرقسطي اللغوي العلامة قال ابن الفرضي كان مفتيا بصيرا بالحديث والنحو واللغة والغريب والشعر وعاش خمسا وتسعين سنة روى عن محمد بن وضاح وطائفة وفيها عبد الله بن زيدان بن بريد أبو محمد البجلي الكوفي عن إحدى وتسعين سنة روى عن أبي كريب وطبقته قال محمد بن أحمد بن حماد الحافظ لم ترعيني مثله كان ثقة حجة كان أكثر في مجلسه يا مقلب القلوب ثبت قلبي على طاعتك مكث نحو ستين سنة لم يضع جنبه على مضربه وكان صاحب ليل وعلى بن عبد الحميد الغضايري نسبة إلى الغضار بالغين المعجمة وهو الإناء الذي يؤكل فيه أبو الحسب بحلب في شوال روى عن بشر بن الوليد والقواريري وعدة وقال حججت من حلب ماشيا أربعين حجة (2/266) ________________________________________ 267 وعلي بن محمد بن بشار أبو الحسن وأبو صالح البغدادي الزاهد شيخ الحنابلة أخذ عن صالح بن أحمد بن حنبل والمروذي وجاء عنه أنهقال أعرف رجلا منذ ثلاثين سنة يشتهي أن يشتهي ليترك لله ما يشتهي فلا يجد شيئا يشتهي قاله في العبر وقيل له كيف الطريق إلى الله فقال كما عصيت الله سرا تطيعه سرا حتى يدخل إلى قلبك لطائف البر وكان له كرامات ظاهرة وانتشار ذكر في الناس يتبرك الناس بزيارته قاله السخاوي وقال ابن أبي يعلى في الطبقات حدثنا إسماعيل الصابوني ثنا إسحاق بن إبراهيم العدل ثنا محمد بن أحمد بن حماد الوراق ثنا أبو الحسن القتات الصوفي ثنا أبو صالح الحسن بن بشار العبد الصالح حدثني عبد الله بن أحمد قال مرت بنا جنازة ونحن قعود على مسجد أبي فقال أبي ما كان صنعة صاحب الجنازة قالوا كان يبيع على الطريق قال في فنائه أو فناء غيره قالوا في فناء غيره قال عز على عز على إن كان في فناء يتيم أو غيره فقد ذهبت أيامه عطلا ثم قال قم نصلي عليه عسى الله أن يكفر عنه سيأته قال فكبر عليه أربع تكبيرات ثم حملناه إلى قبره ودفناه ونام أبي في تلك الليلة وهو مغتم به فإذا به نحن بامرأة قالت نمت البارحة فرأيت صاحب الجنازة الذي مررت معه فإذا نحن بامرأة قالت نمت البارحة فرأيت صاحب الجنازة الذي مررت وهو يجري في الجنة جريا وعليه حلتان خضراوان فقلت له ما فعل الله بك قال غضبان على وقت خروج روحي فصلى على أحمد بن حنبل فغفر لي ذنوبي ومتعني بالجنة وأنبأنا على المحدث عن أبي عبد الله الفقيه أنه قال إذا رأيت البغدادي يحب أبا الحسن بن بشار وأبا محمد البربهاوي فاعلم أه صاحب سنة وكان ابن بشار يقولمن زعم أن الكفار يحاسبون ما يستحي من الله ثم قال من صلى خلف من يقول هذه المقالة يعيد انتهى ملخصا أي خلافا للسالمية فإنهم يقولون بحساب الكفار كالمسلمين والحق إنهم تحصى أعمالهم ويطالعون عليها ويقرعون بها تقريعا من (2/267) ________________________________________ 268 غير وزن وحساب لقوله تعالى ( ^ فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ) والله أعلم وفيها محمد بن إبراهيم الرازي الطيالسي روى عن إبراهيم بن موسى الفراء وابن معين وخلق قال الدارقطني متروك روى عن سويد وأبا مصعب وطبقتهما قال في المغني محمد بن إبراهيم بن زياد الطيالسي عن ابن معين قال الدارقطني متروك وضعفه أبو أحمد الحاكم انتهى وفيها أبو العباس محمد بن إبراهيم بن مهران السراج الحافظ صاحب التصانيف روى عن قتيبة وإسحاق وخلق وعنه الشيخان خارج صحيحهما وكان إمام هذا الشأن قال أبو إسحاق المزكي سمعته يقول ختمت عن رسول الله عشر ألف ختمة وضحيت عنه اثني عشر ألف أضحية قال محمد بن أحمد الدقاق رأيت السراج يضحي كل أسبوع وأسبوعين أضحية لم يجمع أصحاب الحديث عليها وقد ألف السراج مستخرجا على صحيح مسلم وكان أمارا بالمعروف نهاء عن المنكر عاش سبعا وتسعين سنة وفيها أبو قريش محمد بن جمعة بن خلف القهستاني الأصم الحافظ المتقن الثقة الرحال صاحب المسندين على الرجال وعلى الأبواب أكثر من التطواف وروى عن أحمد بن منيع وطبقته سنة أربع عشرة وثلثمائة فيها كما قال في الشذور وقع حريق في نهر طابق فاحترقت منه ألف دار واشتد برد الهواء في كانون الأول فتلف أكثر نخل بغداد وسوادها وجمدت الخلجان والآبار ثم جمدت دجلة حتى عبرت الدواب عليها وفيها أخذت الروم لعنهم الله ملطية عنوة واستباحوها ولم يحج أحد من العراق خوفا من القرامطة ونزح أهل مكة عنها خوفا منهم وفيها أبو بكر أحمد بن محمد بن عمر التيمي المنكدري الحجازي نزيل (2/268) ________________________________________ 269 خراسان روى عن عبد الجبار بن العلاء وخلق قال الحاكم له أفراد وعجائب ومحمد بن محمد بن النفاح بن بدر أبو الحسن بغدادي حافظ خير متعفف توفي بمصر في ربيع الآخر روى عن إسحاق بن أبي إسرائيل وطبقته وفيها محمد بن عمر بن لبابة أبو عبد اله القرطبي مفتي الأندلس كان رأسا في الفقه محدثا أديبا أخباريا شاعرا مؤرخا توفي في شعبان وولد سنة خمس وعشرين ومائتين روى عن أصبغ والعتبي وطبقتهما من أصحاب يحي بن يحي وتفقه به خلق وفيها نصر بن القسم أبو الليث البغدادي الفرائضي الفرائضي روى عن شريح بن يونس وأقرانه وكان ثقة من فقهاء أهل الري سنة خمس عشرة وثلثمائة فيها كان أول ظهور الديلم وأول من غلب منهم على الري لبكى بن النعمان وفيها أخذت الروم سميسياط واستباحوها وضربوا الناقوس في الجامع فسار مونس بالجيوش ودخل الروم وتم مصاف كثيرة هزمت فيها الروم وقتل منهم خلق وأما القرامطة فنازلت الكوفة فسار يوسف بن أبي الساج فالتقاهم فأسر يوسف وانهزم عسكره وقتل منهم عدة وسار القرمطي إلى أن نزل غربي الأنبار فقطع المسلمون الجسر فأخذ يتحيل في العبور ثم عبروا وأوقع بالمسلمين فخرج نصر الحاجب ومونس فعسكروا بباب الأنبار وخرج أبو الهيجاء بن حمدان وإخوته ثم ردت القرامطة فما جسر العسكر عليهم وهذا خذلان إلهي فإن القرامطة كانوا ألفا وسبعمائة من فارس وراجل والعسكر أربعين ألف فارس ثم أن القرمطي قتل ابن أبي الساج وجماعة منهم ثم سار إلى هيت فبادر العسكر وحصنوها فرد القرمطي إلى البرية فدخل الوزير ابن عيسى على المقتدر وقال قد تمكنت هيبة هذا الكافر (2/269) ________________________________________ 270 من القلوب فخاطب السيدة في مال تنفقه في الجيش وإلا فمالك إلا أقاصي خراسان فأخبر أمه فأخرجت خمسمائة ألف دينار وأخرج المقتدر ثلثمائة ألف دينار ونهض ابن عيسى في استخدام العساكر وجددت على بغداد الخنادق وعدمت هيبة المقتدر من القلوب وشتمته الجند قاله في العبر وفيها توفي الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن شهريار الرازي ثم النيسابوري صاحب التصانيف وله أربع وخمسون سنة رحل وأدرك إبراهيم بن عبد الله القصار وطبقته بخراسان والري وبغداد والكوفة والحجاز وأبو القسم عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني الفقيه قاضي دمشق ثم قاضي الرملة روى عن يونس بن عبد الأعلى وطبقته وكان له حلقة بمصر للفتوى قال ابن يونس خلط ووضع أحاديث وقال في المغني كذبه الدارقطني وفيها أبو الحسن علي بن سليمان البغدادي النحوي وهو الأخفش الصغير روى عن ثعلب والمبرد قال ابن خلكان روى عن المبرد وثعل وغيرهما وروى عن المرزباني وأبو الفرج المعافى وغيرهما وهو غير الأخفش الأكبروالأخفش الأوسط وكان بين ابن الرومي وبين الأخفش المذكور منافسة وكان الأخفش يبادر داره ويقول عند بابه كلاما يتأذى به وكان ابن الرومي كثير التطير فإذا سمع كلامه لا يخرج ذلك اليوم من بيته فكثر ذلك منه فهجاه ابن الرومي بأهاج كثيرة وهي مثبتة في ديوانه وكان الأخفش يحفظها ويوردها استحسانا لها في جملة ما يورده وافتخارا أنه نوه بذكره إذ هجاه فلما علم ابن الرومي ذلك أقصر عنه وقال المرزباني لم يكن الأخفش المذكور بالمتسع في الرواية للأخبار والعلم بالنحو وما علمته صنف شيئا البتة ولا قال شعرا وكان إذا سئل عن مسئلة في النحو ضجر وانتهر من يسأله ومات فجأة ببغداد ودفن بمقبرة بردان والأخفش هو صغير العين مع سوء بصرها انتهى ملخصا (2/270) ________________________________________ 271 وفيها محمد بن الحسين أبو جعفر الخثعمي الكوفي الأشناني أحد الأثبات روى ببغداد عن أبي كريب وطبقته وفيها محمد بن الفيض أبو الحسن الغساني محدث دمشق روى عن صفوان ابن صالح والكبار وتوفي في رمضان عن ست وتسعين سنة ومحمد بن المسيب الأرغياني الحافظ الجوال الزاهد المفضال شيخ نيسابور الإسفنجي روى عن محمد بن رافع وبندار ومحمد بن هاشم البعلبكي وطبقتهم وكان يقول ما أعلم منبرا من منابر الإسلام بقي علي لم أدخله لسماع الحديث وقال كنت أمشي في مصر وفي كمي مائة جزء في الجزء ألف حديث قال الحاكم كان دقيق الخط وكان هذا كالمشهور من شأنه وعاش اثنتين وتسعين سنة قال ابن ناصر الدين حدث عن خلق وكان من العباد المجتهدين والزهاد البكائين انتهى سنة ست عشرة وثلثمائة فيها دخل القرمطي الرحبة بالسيف واستباحها ثم نازل الرقة وقتل جماعة بربضها وتحول إلى هيت فرجموه بالحجارة وقتلوا صاحبه أبا الزوار فسار إلى الكوفة ثم انصرف وبنى دارا سماها دار الهجرة ودعا إلى المهدي وتسارع إليه كل مريب ولم يحج أحد ووقع بين المقتدر وبين مونس الخادم واستعفى ابن عيسى من الوزارة وولي بعده أبو علي بن مقلة الكاتب وفيها توفي بنان الحمال بن محمد بن حمدان بن سعيد أبو الحسن الزاهد الواسطي نزيل مصر وشيخها كان ذا منزلة عظيمة في النفوس وكانوا يضربون بعبادته المثل صحب الجنيد وحدث عن الحسن بن محمد الزعفراني وجماعة وثقه أبو سعيد بن يونس وقال توفي في رمضان وخرج في جنازته أكثر أهل مصر وكان شيئا عجيبا وقال السيوطي في حسن المحاضرة جاءه (2/271) ________________________________________ 272 رجل فقال لي على رجل مائة دينار وقد ذهبت الوثيقة وأخشى أن ينكر فادع لي فقال له إني رجل قد كبرت وأنا أحب الحلوى فاذهب فاشتر لي رطلا وأتني به حتى أدعوا لك فذهب الرجل فاشترى فوضع له البائع الحلوى في ورقة فإذا هي وثيقته بالمائة دينار فجاء إلى الشيخ فأخبره فقال خذ الحلوى فاطعمها صبيانك وقال السخاوي هو من جلة المشايخ والقائلين بالحق له المقامات المشهورة والآيات المذكورة كان أستاذ أبي الحسن النوري قال بنان من كان يسره ما يضره متى يفلح وقال إن أفردته بالربوبية أفردك بالعناية والأمر بيدك إن نصحت صافوك وإن خلطت خلوك وقال أجل أحوال الصوفية الثقة بالمضمون والقيام بالأموامر ومراعاة السر والتخلي من الكونين بالتشبث بالحق وقال رؤية الأسباب جملة على الدوام قاطعه عن مشاهدة المسبب والإعراض عن الأسباب يؤدي بصاحبه إلى ركوب البواطل وقال ليس بمتحقق في الحب من راقب أوقاته أو تجمل في كتمان حبه حتى يهتك ويفتضح ويخلع العذار ولا يبالي عما يرد عليه من جهة محبوبة أو بسببه ويتلذذ بالبلاء كما تتلذذ الأغيار بأسباب النعم وأنشد على أثره ( لحاني العاذلون فقلت مهلا * فإني لا أرى في الحب عارا ) ( وقالوا قد خلعت فقلت لسنا * بأول خالع خلع العذارا ) وأسند في الحلية عن أبي علي الروذباري قال كان سبب دخولي مصر حكاية بنان وذلك أنه أمر ابن طولون بالمعروف فأمر أن يلقى بين يدي السبع فجعل السبع يشمه ولا يضره فلما أخرج من بين يدي السبع قيل له ما الذي كان في قلبك حين شمك السبع قال كنت أتفكر في اختلاف الناس في سؤر السباع ولعابها واحتال عليه أبو عبيد الله القاضي حتى ضرب سبع درر فقال له حبسك الله بكل درة سنة فحبسه ابن طولون سبع سنين ومن كلامه ( الحر عبد ما طمع * والعبد حر ما قنع ) (2/272) ________________________________________ 273 وبنان بضم الباء الموحدة ونون وبعد الألف نون ولقب بالجمال لأنه خرج إلى الحج سنة وحمل على رقبته زاده وكان متوكلا فرأته عجوز في البادية فقالت أنت حمال ما أنت متوكل ما ظننت أ الله يرزقك حتى حملت إلى بيته وفيها أبو بكر عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث الحافظ السجستاني ابن الحافظ ولد بسجستان سنة ثلاثين ومائتين ونشأ بنيسابور وغيرها وسمع من محمد بن أسلم الطوسي وعيسى بن زغبة وخلائق بخراسان والشام والحجاز ومصر والعراق وأصبهان وجمع وصنف وكان عنده عن أبي سعيد الأشج ثلاثون ألف حديث وحدث بأصبهان من حفظه بثلاثين ألف حديث وقال ابن شاهين كان ابن أبي داود يملي علينا من حفظه وكان يقعد على المنبر بعد ما عمي ويقعد تحته بدرجة ابنه أبو معمر وبيده كتاب يقول له حديث كذا فيسرد من حفظه حتى يأتي على المجلس وقال محمد بن عبد الله بن الشخير كان زاهدا ناسكا وقال عبد الأعلى بن أبي بكر بن أبي داود صلي على أبي ثمانين مرة وممن روى عنه ابن المظفر والدارقطني وأبو الحاكم غيرهم وقال في المغني عبد الله بن سليمان السجستاني ثقة كذبه أبوه في غير حديث انتهى وفيها محمد بن خريم أب بكر العقيلي محدث دمشق في جمادى الآخرة روى عن هشام بن عمار وجماعة وفيها العلامة أبو بكر بن السراج واسمه محمد بن السري البغدادي النحوي صاحب الأصول في العربية له مصنفات كثيرة منها شرح كتاب سيبويه أخذ عن المبرد وغيره وأخذ عنه السيرافي وغيره ونقل عنه الجوهري في صحاحه قال في العبر كان مغرى بالطرب والموسيقى انتهى وقال ابن الأهدل من شعره ( ميزت بين جمالها وفعالها * فإذا الملاحة بالجناية لا تفي ) ( حلفت لنا أن لا تخون عهودنا وكأنما حلفت لنا أن لا تفي ) (2/273) ________________________________________ 274 ( والله لا كلمتها ولو أنها * كالبدر أو كالشمس أو كالمستكفي ) قال اليافعي يحسن استعارة هذه الأبيات لوصف الدنيا وفيها محمد بن عقيل بن الأزهر البلخي الحافظ شيخ بلخ ومحدثها صنف المسند والتاريخ وغير ذلك وسمع علي بن خشرم وعباد بن الوليد الغبري وطبقتهما ومنه عبد الله الهندواني وعبد الرحمن بن أبي شريح وكان حسن الحديث وفيها أبو عوانة يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد الاسفراييني الحافظ صاحب الصحيح المسند رحل إلى الشام والحجاز واليمن ومصر والجزيرة والعراق وفارس وأصبهان وروى عن يونس بن عبد الأعلى وعلى بن حرب وطبقتهما وعنه أبو علي النيسابوري والطبراني ثقة جليل وعلى قبره مشهد باسفرنئين وكان مع حفظه فقيها شافعيا إماما سنة سبع عشرة وثلثمائة فيها حج بالناس منصور الديلمي فدخلوا مكة سالمين فوافاهم يوم التروية عدو الله أبو طاهر القرطمي فقتل الحجيج قتلا ذريعا في المسجد وفي فجاج مكة وقتل أمير مكة ابن محارب وقلع باب الكعبة واقتلع الحجر الأسود وأخذه إلى هجر وكان معه تسعمائة نفس فقتلوا في المسجد ألفا وسبعمائة نسمة وصعد على باب البيت وصاح أنا بالله وبالله أنا يخلق الخلق وأفنيهم أنا وقيل إن الذي قتل لفجاج مكة وظاهرها زهاء ثلاثين ألفا وسبى من النساء والصبيان نحو ذلك وأقام بمكة ستة أيام ولم يحج أحد قال محمود الأصبهاني دخل قرمطي وهو سكران فصفر لفرسه قبال عند البيت وقتل جماعة ثم ضرب الحجر الأسود بدبوس فكسر منه قطعة ثم قلعة وبقي الحجر الأسود بهجر نيفا وعشرين سنة (2/274) ________________________________________ 275 وفيها قتل بمكة الإمام أحمد بن الحسين أبو سعيد البرذعي شيخ حنفية بغداد أخذ عنه أبو الحسن الكرخي وقد ناهز أمره داود الظاهري فقطع داود لكنه معتزلي وفيها الحافظ الشهيد أبو الفضل محمد الجارودي بن أحمد بن عمار الجارودي الهروي قتل بباب الكعبة وهو آخذ بحلقة الباب روى عن أحمد بن نجدة وطبقته ومات كهلا وفيها أحمد بن محمد بن أحمد بن حفص بن مسلم أبو عمرو والجبري نسبة إلى جبر بالفتح والتديد جد كان أحمد هذا مزكي من كبار مشايخ نيسابور ورؤسائها روى عن محمد بن رافع والكوسج ورحل وطوف وتوفي في ذي القعدة وحرمي بن أبي العلاء المكي نزيل بغداد وهو أبو عبد الله أحمد بن محمد ابن أبي خميصة الشروطي كاتب أبي عمر القاضي روى كتاب النسب عن الزبير بن بكار وفيها القاضي المعمر أبو القسم بدر بن الهيثم اللخمي الكوفي نزيل بغداد روى عن أبي كريب وجماعة قال الدارقطني كان نبيلا بلغ مائة وسبع عشرة سنة وفيها الحسن بن محمد أبو علي الداركي محدث أصبهان في جمادي الآخرة روى عن محمد بن حميد الرازي ومحمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة وطائفة وفيها البغوي أبو القسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ليلة عيد الفطر ببغداد وله مائة وثلاث سنين وشهر وكان محدثا حافظا مجودا مصنفا انتهى إليه علو الإسناد في الدنيا فإنه سمع في الصغر بعناية جده لأمه أحمد بن منيع وعمه علي بن عبد العزيز وحضر مجلس عاصم بن علي وروى الكثير عن علي بن الجعد ويحي الحماني وأب ينصر التمار وعلي بن المديني وخلق وأول (2/275) ________________________________________ 276 ما كتب الحديث سنة حمس وعشرين ومائتين وكان ناسخا مليح الخط نسخ الكثير لنفسه ولجده وفيها علي بن أحمد بن سليمان الصيقل أبو الحسن المصري ولقبه علان المعدل روى عن محمد بن رمح وطائفة وتوفي في شوال عن تسعين سنة وفيها محمد بن أحمد بن زهير أبو الحسن الطوسي حافظ مصنف سمع إسحا الكوسج وعبد الله بن هاشم وطبقتهما وفيها محمد بن زبان بن حبيب أبو بكر المصري في جمادي الأولى سمع زكريا بن يح كاتب العمري ومحمد بن رمح وعاش اثنتين وتسعين سنة وفيها التجم المشهور صاحب الزيج والأعمال محمد بن جابر التباني توفي بموضع يقال له الحضر وهي مدينة بقرب الموصل وهي مملكة الشاطرون وكان حاصرها ازدشير وقتله وأخذها ذكره ابن هشام في السيرة وفيها نصر بن أحمد البصري الشاعر وكان أميا وله الأشعار الفائقة منها ( خليل هل أبصرتما أو سمعتما * بأحسن من مولى تمشي إلى عبد ) ( أتى زائرا من غير وعد وقال لي * أجلك عن تعليق قلبك بالوعد ) ( فما زال نجم الوصل بيني وبينه * يدور بأفلاك السعادة والسعد ) سنة ثمان عشرة وثلثمائة هبت ريح من المغرب في آذار وحملت رملا أحمر يشبه رمل الصاغة فامتلأت منه أسواق بغداد في الجانبين وسطحها ومنازلها قاله في الشذور وفيها توفي القاضي أبو جعفر أحمد بن إسحاق بن بهلول بن حسان التنوخي الحنفي الأنباري الأديب أحد الفصخاء البلغاء وله سبع وثمانون سنة روى عن أبي كريب وطبقته وولي قضاء مدينة المنصور عشرين سنة وله مصنف في نحو الكوفيين وفيها أحمد بن محمد بن المغلس البزاز أخو جعفر كان ثقة نبيلا روى (2/276) ________________________________________ 277 عن لوين وعدة وفيها إسماعيل بن داود بن وردان المصري روى عن زكريا كاتب العمري ومحمد بن رمح ووفي في ربيع الآخر عن اثنتين وتسعين سنة وفيها أبو بكر الحسن بن علي بن بشار بن العلاف البغدادي المقرئ صاحب الدوري وكان أديبا طريفا نديما للمعتضد ثم شاخ وعمي قال ابن خلكان كان من الشعراء المجيدين وحدث عن أبي عمرو الدوري المقرئ وحميد بن سعيد البصري وغيرهما وكان ينادم الإمام المعتضد بالله وحكى قال بت ليلة في دار المعتضد مع جماعة من ندمائه فأتانا خادمه ليلا وقال يقول أمير المؤمنين أرقت الليلة بعد انصرافكم فقلت ( ولما أنتبهنا للخيال الذي سرى * إذا قفر والمزار بعيد ) وقال قد ارتج على تمامه فمن أجازه بما يوافق غرضي أمرت له بجائزة قال فارتج على الجماعة وكلهم شاعر فاضل فابتدرت وقلت ( فقلت لعيني عاودني النوم واهجعي * لعل خيالا طارقا سيعود ) فرجع الخادم ثم عاد فقال أمير المؤمنين يقول لقد أحسنت وأمر لك بجائزة وكان لأبي بكر المذكور هر يأنس به وكان يدخل أبراج الحمام التي لجيرانه ويأكل أفراخها وكثر ذلك منه فأمسكه أربابها وذبحوه فرثاه بهذه القصيدة وقد قيل إنه رثي بها عبد الله بن المعتز وخشى من الإمام المقتدر أن يتظاهر بها لأنه هو الذي قتله فنسبها إلى الهر وعرض به في أبيات منها وكانت بينهما صحبة أكيدة وذكر صاعد اللغوي في كتاب الفصوص قال حدثني أبو الحسن المرزباني قال هويت جارية لعلي بن عيسى غلاما لأبي بكر بن العلاف الضرير ففطن بهما فقتلا جميعا وسلخا وحشى جلودهما تبنا فقال وأبدعه وعددها خمسة وستون بيتا وطولها يمنع من الإتيان بجميعها (2/277) ________________________________________ 278 فنأتي بمحاسبتها وفيها أبيات مشتملة على حكم فنأتي بها وأولها ( يا هر فارقتنا ولم تعد * وكنت عندي بمنزل الولد ) ( فكيف تنفك عن هواك وقد * صرت لنا عدة من العدد ) ( تطرد عنا الأذى وتحرسنا * بالغيب من حية ومن جرد ) ( وتخرج الفأر من مكامنها * ما بين مفتوحها إلى السدد ) ( يلقاك في البيت منهم مدد * وأنت تلقاهم بلا مدد ) ( لا عدد كان منك منفلتا * منهم ولا واحد من العدد ) ( وكان يجري ولا سداد لهم * أمرك في بيتنا على السدد ) ( حتى اعتقدت الأذى لجيرتنا * ولم تكن للأذى بمعتقد ) ( وحمت حول الردى بظلمهم * ومن يحم حول حوضه يرد ) ( وكان قلبي عليك مرتعدا * وأنت تنساب غير مرتعد ) ( تدخل برج الحمام متئدا * وتبلغ الفرخ غير متئد ) ( أطعمك ألغى لحمها فرأى * قتلك أصحابها من الرشيد ) ( حتى إذا داوموك واجتهدوا * وساعد النصر كيد مجتهد ) ( صادوك غيظا عليك وانتقموا * منك وزادوا ومن يصد يصد ) ( ثم شفوا بالحديد أنفسهم * منك ولم يرعووا إلى أحد ) ( فلم تزل للحمام مرتصدا * حتى سقيت الحمام بالرصد ) ( لم يرحموا صوتك الضعيف كما * لم ترث منها لصوتها الغرد ) ( وكنت بدد شملهم زمنا * فاجتمعوا بعد ذلك البدد ) ( كأن حبلا حوى بجودته * جيدك للخنق كان من مسد ) ( كأن عيني تراك مضطربا * فيه وفي فيك رغوة الزبد ) ( وقد طلبت الخلاص منه فلم * تقدر على حيلة ولم تجد ) ( فجدت بالنفس والبخيل بها * أنت ومن لم يجد بها تجد ) (2/278) ________________________________________ 279 ( فما سمعنا بمثل موتك إذ * مت ولا مثل غيشك النكد ) ( عشت حريصاً يقوده طمع * ومت ذا قاتل بلا قود ) ( فلم تخف وثبة الزمان كما * وثبت في البرج وثبة الأسد ) ( عاقبة الظلم لا تنام وإن * تأخرت مدة من المدد ) ( أردت أن تأكل الفراخ ولا * يأكلك الدهر أكل مضبطهد ) ( هذا بعيد من القياس وما * أعزه في الدنو والبعد ) ( لا بارك الله في طعام إذا * كان هلاك النفوس في المعد ) ( كم دخلت لقمة حشاشره * فأخرجت روحه من الجسد ) ( ما كان أغناك عن تصعد لا برج ولو كان جنة الخلد ) ( قد كنت في نعمة وفي دعة * من العزيز المهيمن للرغد ) انتهى ما أورده بابن خلكان ملخصاً ومات عن مائة سنة وفيها أبو عروبة الحسين بن أبي معشر محمد بن مودود السلمي الحراني الحافظ محدث حران وهو فيعشر المائة روى عن اسمعيل بن موسى السدي وطبقته وعنه أبو حاتم بن حبان وأبو أحمد الحاكم وكان عارفاً بالرجال رحل إلى الجزيرة والشام والعراق ورحل إليه الناس وفيها سعيد بن عبد العزيز أبو عثمان الحلبي الزاهد نزيل دمشق صحب سريا السقطي وروى عن أبي نعيم عبيد بن هشام الحلبي وأحمد بن أبي الحواري وطبقتهما قال أبو أحمد الحاكم كان من عباد الله الصالحين وفيها أبو بكر عبد الله بن محمد بن مسلم الأسفرايني الحافظ المصنف وله ثمانون سنة روى عن الحسن بن محمد الزعفراني وطبقتهما ورحل الكثير وكان ثبتاً مجوداً (2/279) ________________________________________ 280 وفيها محمد بن إبراهيم الحافظ الأوحد العلامة أبو بكر بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري شيخ الحرم روى عن محمد بن ميمون ومحمد بن إسماعيل السائغ وخلق وعنه ابن المقرىء ومحمد بن يحيى الدمياطي وغيرهما وكان مجتهداً لا يقلد أحداً وله تآليف حسان قال ابن ناصر الدين هو شيخ الحرم ومفتيه ثقة مجتهد فقيه وفيها محمد بن إبراهيم بن نيروز أبو بكر الأنماطي سمع أبا حفص وطبقته وفيها يحيى بن محمد بن صاعد الحافظ الثقة الحجة أبو محمد البغدادي مولى بن هاشم في ذي القعدة وله تسعون سنة عنى بالأثر وجمع وصنف وارتحل إلى الشام والعراق ومصر والحجاز وروى عن لوين وطبقته قال أبو علي النيسابوري لم يكن بالعراق في أقران ابن صاعد أحد في فهمه والفهم عندنا أجل من الحفظ وهو فوق أبي بكر بن أبي داود في الفهم والحفظ انتهى وممن روى عنه أبو القسم البغوي والدراقطني وخلق وقال الدارقطني هو ثقة ثبت حافظ سنة تسع عشرة وثلاثمائة فيها على ما قاله في الشذور قدم مؤتمن الخادم وكان قد خاف من الهجرى فضل بالقافلة عن الجادة فحدث أصحابه انهم رأوا في البرية آثاراً عجيبة وصوراً لناس من حجارة ورأوا امرأة قائمة على تنور وهي من حجر والخبز من حجر انتهى وفيها استولي مردوايج الديلي على همذان وبلاد الجبل إلى حلوان وهزم عسكر الخليفة وفيها استوحش مونس الخادم من الوزير والمقتدر فأخذ يتعنت على المقتدر ويحتكم عليه في إبعاد ناس وتقديم يغرهم ثم خرج مغاضباً بأصحابه إلى الموصل فاستولى الوزير على حواصله وفرح المقتدر بالوزير وكتب اسمه على السكة وكان مونس في ثمان مائة فحارب جيش الموصل وكانوا (2/280) ________________________________________ 281 ثلاثين ألفا فهزمهم وملك الموصل في سنة عشرين ولم يحج أحد من بغداد وأخذ الديلمي الدينور وفتك بأهلها ووصل إلى بغداد من انهزم ورفعوا المصاحف على القصب واستغاثوا وسبوا المقتدر وغلقت الأسواق وخافوا من هجوم القرامطة وفيها توفي أبو الجهم أحمد بن الحسين بن أحمد بن طلاب الدمشي المشغراني خطيب مشغرا وقع من على الدابة فمات لوقته روى عن هشام بن عمار وطائفة وفيها الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الملك بن مروان القرشي الدمشقي محدث دمشق في رجب روى عن موسى بن عامر المري ويونس بن عبد الأعاى وطبقتهما وفيها قاضي الجماعة أبو الجعد أسلم بن عبد العزيز الأموي الأندلسي المالكي في رجب وهو من أبناء التسعين وكان نبيلا رئيسا كبير الشأن رحل فسمع من يونس بن عبد الأعلى والمزني وصحب بقي بن مخلد مدة وأضر بآخر عمره وضعف من الكبر وفيها أبو سعيد الحسن بن علي بن زكريا البصري العدوي الكذاب ببغداد روى بوقاحة عن عمرو بن مرزوق ومسدد والكبار قال ابن عدي كان يضع الحديث قاله في العبر وفيها الكعبي شيخ المعتزلة أبو القسم عبد الله بن أحمد البلخي قال ابن خلكان أبو القسم عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي البلخي العالم المشهور كان رأس طائفة من المعتزلة يقال لهم الكعبية وهو صاحب مقالات ومن مقالاته إن الله سبحانه وتعالى ليست له إرادة وإن جميع أفعاله واقعة منه بغير إرادة ولا مشيئة منه لها وكان من كبار المتكلمين وله اختيارات في علم الكلام انتهى وفيها القاضي أبو عبيد بن جويرية البغدادي علي بن الحسين بن حرب (2/281) ________________________________________ 282 الفقيه الشافعي قاضي مصر وهو من أصحاب الوجوه روى عن أحمد بن المقدام والزعفراني وطبقتهما قال أبو سعيد بن يونس كان شيئا عجبا ما رأينا مثله لا قبله ولا بعده وكان تفقه على مذهب أبي ثور وفيها محمد بن الفضل البلخي الزاهد أبو عبد الله نزيل سمرقند وكان إليه المنتهى في الوعظ والتذكير يقال إنه مات في مجلسه أربعة أنفس صحب أحمد ان حضرويه البلخي وهو آخر من روى عن قتيبة وقد أجاز لأبي بكر بن المقرئ وقال السخاوي هو محمد بن الفضل بن العباس بن حفص أبو عبد الله أصله من بلخ خرج منها لسبب المذهب فدخل سمرقند ومات بها وهو من جلة مشايخ خراسان ولم يكن أبو عثمان يميل إلى أحد من المشايخ ميله إليه وقال أبو عثمان لو وجدت في نفسي قوة لرحلت إلى أخي محمد بن الفضيل فأستروح سري برؤيته قال ابن الفضل الدنيا بطنك فبقدر زهدك في بطنك زهدك في الدنيا وقال العجب ممن يقطع الأودية والقفار والمفاوز حتى يصل إلى بيته وحرمه وكعبته لأن فيه آثار أنبيائه كيف لا ينقطع عن نفسه وهواه حتى يصل إلى قلبه فإن فيه آثار مولاه وتوحيده ومعرفته وقال أنزل نفسك منزلة من لا حاجة له فيها ولا بد له منها فإن من ملك نفسه عز ومن ملكته نفسه ذل وقال ست خصال يعرف بها الجاهل الغضب من غير شيء والكلام في غير نفع والعطية في غير موضعها وإفشاء السر والثقة بكل أحد ولا يعرف صديقه من عدوه وقال خطأ العالم أضر من عمل الجاهل وقال من ذاق حلاوة العلم لم يصبر عنه ومن ذاق حلاوة المعاملة أنس بها وقال العلوم ثلاثة علم بالله وعلم من الله وعلم مع الله فالعلم بالله معرفة صفاته ونعوته والعلم من الله علم الظاهر والباطن والحلال والحرام والأمر والنهي والأحكام والعلم مع الله هو علم الخوف والرجاء والمحبة والشوق وقال ثمرة الشكر الحب لله والخوف من الله وقال ذكر اللسان كفارة ودرجات وذكر القلب زلفى وقربات وذكر السر مشاهدة ومناجاة انتهى ملخصا وفيها محدث الأندلس أبو عبد الله محمد بن فطيس بن واصل الغافقي الألبيري الفقيه الحافظ روى عن محمد بن أحمد العتبي وأبان بن عيسى ورحل وسمع من أحمد ابن أخي ابن وهب ويونس بن عبد الأعلى وطبقتهم وصنف وجمع وسمع بأطرابلس المغرب من أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي الحافظ قال الفرضي كان ضابطا نبيلا صدوقا وكانت الرحلة إليه حدثنا عنه غير واحد وتوفي في شوال عن تسعين سنة وفيها المؤمل بن الحسن بن عيسى بن ماسرجس الرئيس أبو الوفاء النيسابوري لم يدرك الأخذ عن أبيه وأخذ عن إسحاق الكوسج والحسين الزعفراني وطبقتهما وكان صدر نيسابور وروى أن أمير خراسان ابن طاهر افترض منه ألف ألف درهم وقال أبو علي النيسابوري خرجت لأبي الوفاء عشرة أجزاء وما رأيت أحسن من أصوله فأسل إلى مائة دينار وأثوابا.

سنة عشرين وثلثمائة

لما استفحل أمر مرداويج الديلمي لاطفة الخليفة وبعث إليه بالعهد واللواء والخلع وعقد له على أذربيجان وأرمينية وإيران وقم ونهاوند وسجستان وفيها نهب الجند دار الوزير فهرب وسخم الهاشميون وجوههم وصاحوا الجوع الجوع للغلاء لأن القرمطي ومونسا منعوا الجلب وتسلل الجند إلى مونس وتملك الموصل ثم تجهزوا في جمع عظيم فأمر المقتدر هارون بن غريب أن يلتقي بهم فامتنع ثم قالت الأمراء للمقتدر أنفق في العساكر فعزم على التوجه إلى واسط في الماء ليستخدم منها ومن البصرة والأهواز فقال له محمد ابن ياقوت اتق الله ولا تسلم بغداد بلا حرب فلما أصبحوا ركب في موكبه وعليه البردة وبيده القضيب والقراءة والمصاحف حوله والوزير خفه فشق بغداد إلى الشماسية وأقبل مونس في جيشه وشرع القتال فوقف المقتدر على تل ثم جاء إليه ابن ياقوت وأبو العلاء بن حمدان فقالا تقدم فأبى فألحوا عليه فتقدم وهم يستدرجونه حتى صار في وسط المصاف في طائفة قليلة فانكشف جيش مونس الخادم البربر فجاء علي بن بليق فترجل وقال مولاي أمير المؤمنين وقبل الأرض وقيل رماه بحربة وحز رأسه بالسيف وحمل على رمح ثم سلب ما عليه وبقي مهتوك العورة حتى ستر بالحشيش ثم حفر له حفرة فطم وعفا أثره وذلك لثلاث بقين من شوال وهو ابن الفضل جعفر بن المعتضد بالله أحمد بن الموفق طلحة بن المتوكل ابن المعتصم العباسي وفي أيامه اضمحلت دولة الخلافة العباسية وصغرت وسمع أمير الأندلس بذلك فقال أنا أولى بإمرة المؤمنين فلقب نفسه أمير المؤمنين الناصر لدين عبد الرحمن وبقي في الخلافة إلى سنة خمسين وثلثمائة ولا شك أن حرمته ودولته كانت أمتن من دولة المقتدر ومن بعده وقد خلع المقتدر مرتين وأعيد وكان ربعة جميل الصورة أبيض مشربا حمرة أسرع الشيب إلى عارضيه وعاش ثمانيا وثلاثين سنة وكانت خلافته خمسا وعشرين سنة إلا أياما وكان جيد العقل والرأي لكنه كان يؤثر اللعب والشهوات غير ناهض بأعباء الخلافة كانت أمه وخالته والقهرمانة يدخلن في الأمور والكبار والولايات والحل والعقد قال الوزير علي بن عيسى ما هو إلا لا يترك النبيذ خمسة أيام وكان ربما يكون في إصابة الرأي كأبيه وكالمأمون ومن العجائب أنه لم يل الخلافة من اسمه جعفر إلا هو والمتوكل وكلاهما قتل في شوال وندم مونس على قتله وقال لتقتلن كلنا ثم بايعوا القاهر فصادر بعض خواص المقتدر وعذب أمه حتى ماتت معلقة وبالغ في الظالم وستوزر ابن مقلة وكان المقتدر مسرفا مبذرا محق الذخائر حتى إنه أعطى بعض جواره الدرة اليتيمة التي وزنها ثلاثة مثاقيل وقال إنه ضيع من الذهب ثمانين ألف ألف دينار وكان في دراه عشرة آلاف خصى من الصقالبة وأهلك نفسه بيده يسوء تدبيره وخلف عدة أولاد منهم الراضي بالله محمد والمتقي لله إبراهيم والأمير إسحاق ولد القادر والمطيع لله وذكر طبيبه ثابت بن سنان في تاريخه إن المقتدر أتلف نيفا وسبعين ألف ألف دينار وفيها توفي الحافظ محدث الشام أبو الحسن أحمد بن عمر بن يوسف بن موسى بن جوصا سمع كثير بن عبيد وطبقته وعنه الطبراني وحمزة الكتاني وأبو علي الحافظ والحاكم حط عليه حمزة الكتاني وأثنى عليه الدارقطني وجمع وصنف وتبحر في الحديث قال أبو علي النيسابوري كان ركنا من أركان الحديث وقال محمد بن إبراهيم كان ابن جوصا بالشام كابن عقدة بالكوفة وقال غيره كان ابن جوصا كثير الأموال يركب البغلة وتوفي في جمادى الأولى وقال الدارقطني تفرد بأحاديث ولم يكن بالقوي وفيها أبو بكر أحمد بن القسم بن نصر أخو أبي الليث الفرائضي ببغداد في ذي الحجة وله ثمان وتسعون سنة روى عن لوين وإسحاق بن أبي إسرائيل وعدة وفيها الحافظ الجوال أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبيد بن جهينة روى عن أبي زرعة الرازي والزعفراني وعنه أهل الري وقزوين منهم أحمد بن علي بن حسن الرازي وأبو بكر بن يحي الفقيه وغيرهما قاله ابن درباس وفيها أبو العباس عبد الله بن عتاب بن الزفتي محدث دمشق وله ست وتسعون سنة روى عن هشام بن عمار وعيى بن حماد زغبة وخلق قال أبو أحمد الحاكم رأيناه ثبتا وفيها الحافظ الثقة أبو القسم عبد الله بن محمد بن عبد الكريم ابن أخي أبي زرعة الرازي روى عن يونس بن عبد الأعى وأحمد بن منصور الرمادي وطبقتهما وفيها أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر الفربري صاحب البخاري وقد سمع من علي بن خشرم لما رابط بفرير وكان ثقة ورعا توفي في شوال وله تسع وثمانون سنة وكانت ولادته سنة إحدى وثلاثين ومائتين ورحل إليه الناس وسمعوا منه صحيح البخاري وهو أحسن من روى الحديث عن البخاري وفربر بفتح الفاء والراء والسكون الباء الموحدة وفي آخره راء ثانية وهي بليدة على طرف جيجون مما يلي بخارى قاله ابن خلكان وفيها أو قبلها أو بعدها توفي القاضي الحافظ محمد بن يحي العدني قاضي عدن ونزيل مكة سمع منه مسلم بن الحجاج والترمذي وروى عن سفيان بن عيينة وطبقته روى عنه الترمذي أنه قال حججت ستين حجة ماشيا على قدم قاله ابن الأهدل وفيها الحافظ الكبير أبو بكر محمد بن هارون بن خمدون بن خالد النيسابوري الثقة الإمام روى عن الذهلي وعيس بن أحمد والربيع المرادي وعنه محمد ابن صالح بن هاني وأبو علي الحافظ ووثقه الحاكم قاله ابن برداس وفيها قاضي القضاة أبو عمر محمد بن يوسف بن يعقوب بن إسماعيل الأزدي مولاهم البغدادي وكان من خيار القضاة حلما وعقلا وجلالة وذكاء وصيانة ولد بالبصرة سنة ثلاث وأربعين ومائتين وروى عن يزيد بن أحزم والحسن ابن أبي الربيع وجماعة حمل عنهم في صغره وولي قضاء مدينة المنصور في خلافة المعتضد ثم ولي قضاء الجانب الشرقي للمقتدر ثم ولي قضاء القضاة (2/286) ________________________________________ 287 سنة سبع عشرة وثلثمائة وكان له مجلس في غاية الحسن كان يقعد للإملاء والبغوي عن يمينه وابن صاعد عن يساره وابن زياد والنيسابوري بين يديه وقد حفظ من جده حديثا وهو ابن أربع سنين وفيها ميمون بن عمر الإفريفي المالكي أبو عمر الفقيه قاضي القيروان وقاضي صقلية عاش مائة سنة أو أكثر وكان آخر من روى بالمغرب عن سحنون وعن أبي مصعب الزهرة وزمن في آخر عمره وهرم وفيها أبو علي الحسين بن صالح بن خيران البغدادي قال الأسنوي كان إماما جليلا وربما كان يعيب على ابن سريج في القضاء ويقول هذا الأمر لم يكن في أصحابنا إنما كان في أصحاب أبي حنيفة وطلبه الوزير ابن الفرات بأمر الخليفة للقضاء فامتنع فوكل بمناولة بعض الجيران فبلغ الخبر إلى الوزير فأمر بالإفراج عنه وقال ما أردنا بالشيخ أبي علي إلا خيرا أردنا أن يعلم أن في مملكتنا رجلا يعرض عليه قضاء القضاة شرقا وغربا وفعل به مثل هذا وهو لا يقبل توفي رحمه الله تعالى يوم الثلاثاء لثلاث عشرة بقيت من ذي الحجة انتهى ملخصا وتفقه به جماعة وفيها أبو عمر الدمشقي الزاهد من كبار مشايخ الصوفية وساداتهم روى عنه أنه قال كما فرض الله تعالى على الأنبياء إظهار المعجزات فرض الله على الأولياء كتمان الكرامات لئلا يفتتنوا بها سنة إحدى وعشرين وثلثمائة فيها بدت من القاهر شهامة وإقدام فتحيل حتى قبض على مونس الخادم وبليق وابنه علي بن بليق ثم أمر بذبحهم وطبف برؤوسهم ببغداد ثم أمر بذبح يمن وابن زبرك فاستقامت بغداد وأطلقت أرزاق الجند وعظمت هيبة القاهر (2/287) ________________________________________ 288 في النفوس ثم أمر بتحريم القيان والخمر وقبض على المغنين ونفى المخانيث وكسر آلات إلا أنه كان لا يكاد يصحو من السكر ويسمع القينات قاله في العبر وفيها توفي أبو حامد ويقال أبو تراب أحمد بن حمدون بن أحمد بن عمارة بن رستم الأعمشي النيسابوري الحافظ وأبوه حمدون القصار كان أعمى من الموثقين وكان قد جمع حديث الأعمش كله وحفظه فلقب بذلك سمع محمد بن رافع وأبا سعيد الأشج وطبقتهما ومنه أبو الوليد الثقة وأبو علي الحافظ والحاكم قال ابن برداس لا بأس به وكان صاحب بسط ودعابة وفيها أحمد بن عبد الوارث بن جرير الأسواني العسال في جمادى الآخرة وهو آخر من حدث عن محمد بن رمح ووثقه ابن يونس وفيها أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي الأزدي الخجري المصري شيخ الحنفية الثقة الثبت سمع هارون بن سعيد الأيلي وطائفة من أصحاب ابن عيينة وابن وهب ومنه أحمد بن القسم الحساب والطبراني وصنف التصانيف منها العقيدة السنية وبرع في الفقه والحديث توفي في ذي القعدة وله اثنتان وثمانون سنة قال ابن يونس كان ثقة ثبتا لم يخلف مثله وقال الشيخ أبو إسحاق انتهت إليه رياسة الحنفية بمصر وقرأ أولا على المزني قيل وكان ابن أخته فقال له يوما والله لا جاء منك شيء فغضب وانتقل إلى جعفر ابن عمران الحنفي ففاق أهل عصره وكان يقول بعد رحم الله أبا إبراهيم يعني المزني لو كان حيا لكفر عن يمينه وصنف كثيرا ونسبته إلى طحاقرية بصعيد مصر وفيها أبو علي أحمد بن علي بن رزين الباشاني بهراة روى عن علي ابن خشرم وسفيان بن وكيع وطائفة من الثقات (2/288) ________________________________________ 289 وفيها الأمير تكين الخاصة ولى دمشق ثم مصر وبها مات ونقل إلى بيت المقدس وفيها أبو يزيذ حاتم بن محبوب الشامي بهراة حج وسمع محمد بن زنبور وسلمة بن شبيب وان ثقة والحسن بن محمد بن النضر أبو علي بن أبي هريرة بأصبهان روى عن إسمعيل بن يزيد القطان وأحمد بن الفرات وعنه ابن مندة وهو من أكبر شيوخه وفيها أبو هاشم عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب البصري الجبائي شيخ المعتزلة وابن شيخهم توفي في شعبان ببغداد وفيها أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد بن عتاهية الأزدي البصري اللغوي العلامة صاحب التصانيف أخذ عن الرياشي وأبى حاتم السجستاني وابن أخي الأصمعي وعاش ثمانياً وتسعين سنة قال أحمد بن يوسف الزرق ما رأيت احفظ من ابن دريد ما رأيته قرىء عليه ديوان إلا وهو يسابق في قراءته وقال الدارقطني تكلموا فيه قاله في العبر وقال ابن خلكان إمام عصره في اللغة والآداب والشعر الفائق قال المسعودي في كتاب مروج الذهب في حقه كان ابن دريد ببغداد ممن برع في زماننا هذا في الشعر وانتهى في اللغة لم يوجد مثله في فهم كتب المتقدمين وقام مقام الخليل بن أحمد فيها وكان يذهب بالشعر كل مذهب فطوراً يجزل وطوراً يرق وشعره أكثر من أن نحصيه فمن جيد شعره قصيدته المقصورة التي أولها ( إما ترى رأسى حاكي لونه * طرة صبح تحت أذيال الدجى ) ( واشتعل المبيض فيم سوده * مثل اشتعال النار في جمر الغضا ) وكان من تقدم من العلماء يقول إن ابن دريد أعلم الشعراء وأشعر العلماء ون مليح شعره قوله ( عزراء لو جلت الخدور شعاعها * للشمس عند شروقها لم تشرق ) (2/289) ________________________________________ 290 ( غصن على دعص تأود فوقه * قمر تألق تحت ليل مطبق ) ( لو قيل للحسن احتكم لم يعدها * أو قيل خاطب غيرها لم ينطق ) ( فكأننا من فرعها في مغرب * وكأننا من وجهها في مشرق ) ( تبدو فيهتف بالعيون ضياؤها * الويل حل بمقلة لم تطبق ) تبدو ولادته بالبصرة في سكة صالح سنة ثلاث وعشرين ومائتين ونشأ بها وتعلم فيها وسكن عمان وأقام بها ثنتي عشرة سنة ثم عاد إلى البصرة وسكنها زماناً ثم خرج إلى نواحي فارس وصحب ابني ميكال وكانا يومئذ على عمالة فارس وعمل لهما كتاب الجمهروة وقلداه ديوان فارس فكانت تصدر كتب فارس عن رأيه ولا ينفذ أمر إلا بعد توقيعه فأفاد معمها اموالا عظيمة وكان لا يمسك درهماً سخاء وكرماً ومدحهما بقصيدته المقصورة فوصلاه بعشرة آلاف درهم ثم انتقل إلى بغداد وعرف الإمام المقتدر بالله خبره ومكانه بالعلم فأمر أن يجري عليه خمسون ديناراً في كل شهر ولم تزل جارية عليه إلى حين وفاته وكان واسع الرواية لم ير أحفظ منه وسئل عنه الدارقطني أثفة هو أم لا فقال تكلموا فيه وقيل إنه كان يتسامح فيا لرواية فيسند إلى كل واحد ما يخطر له وقال أبو منصور الزهري البغوي دخلت عليه فرأيته سكران فلم أعد إليه وقال ابن شاهين كنا ندخل عليه فنستحي من العيدان المعلقة والشراب المصفى وذكر أن سائلاً سأله شيئاً فلم يكن عنده غيردن من نبيذ فوهبه له فأنكر عليه أحد غلمانه وقال تصدق بالنبيذ فقال لم يكن عندي شيء سواه ثم أهدى له بعد ذلك عشر دنان من النبيذ فقال غلامه أخرجنا دناً فجاءنا عشرة وينسب إلأيه من هذه الأمور شيء كثير وعرض له فالج فسقى التريقان فشفى ثم عاوده الفالج بعد حول لغداء ضار تناوله فبطل من محزمه إلى قديمة وكان مع هذا الحال ثابت العقل صحيح الذهن يرد فيما يسأل رداً صحيحاً وقال المرزباني قال لي ابن دريد سقطت من منزلي بفارس فانكسرت (2/290) ________________________________________ 291 ترقوتي فسهرت ليلتي فلما كان آخر الليل غمضت عيني فرأيت رجلا طويلا أصفر الوجه كوسجا دخل علي وأخذ بعضادتي الباب وقال أنشدني أحسن ما قلت في الخمر فقلت ما ترك أو نواس لأحد شيئا فقال أنا أشعر منه فقلت من أنت فقال أنا أبو ناجية من أهل الشام وأنشدني ( وحمراء قبل المزج صفراء بعده * أتت بين ثوبي نرجس وشقائق ) ( حكت وجنة المعشوق صرفا فسلطوا * عليها مزاجا فاكتست لون عاشق ) فقلت له أسأت فقال ولم قلت حمراء فقدمت الحمرة ثم قلت بين ثوبي نرجس وشقائق فقدمت الصفرة فهلا قدمتها على الأخرى فقال وما هذا الاستقصاء يا بغيض وتوفي يوم الأربعاء لثنتي عشرة ليلة بقيت من شعبان ودريد بضم الدال المهملة وفتح الراء وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها دال مهملة وهو تصغير ادرد والادرد الذي ليس فيه سن وهو تصغير ترخيم لحذف الهمزة من أوله كما تقول في تصغير أسود سويد وأزهر زهير انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا وفيها محمد بن هارون أبو حامد الحضرمي محدث بغداد في وقته وله نيف وتسعون سنة روى عن إسحاق بن أبي إسرائيل وأبي همام السكوني وفيها محمد بن مكحول البيروتي وهو أبو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد السلام الحافظ الثقة الثبت سمع محمد بن هاشم البعلبكي وأبا عمير بن النحاس وطبقتهما بمصر والشام والجزيرة وعنه أبو سليمان بن زين وأبو محمد بن ذكوان البعلبكي والحاكم وفيها محمد بن نوح الحافظ أبو الحسن الجنديسابوري الثقة روى عن الحسن بن عرفة وغيره وعنه الدارقطني وغيره وفيها مؤنس الخادم الملقب بالمظفر عن نحو تسعين سنة وكان أمير معظما شجاعا منصورا لم يبلغ أحد من الخدام منزلته إلا كافور صاحب مصر (2/291) ________________________________________ 292 سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة فيها انفرد عن مرداويج الديلمي أحد قواده الأمير علي بن بويه والتقى هو ومحمد بن ياقوت أمير فارس فهزم محمدا واستولى على مملكة فارس وهذا أول ظهور بني بويه وكان بويه من أوساط الناس يصيد السمك بين الديلم فملك أولاده الدنيا وكنية بويه أبو شجاع ونسبه متصل إلى بن بابك من الأكاسرة وكان له ثلاثة أولاد شجعان في خدمة ابن كالي الديلمي وأسماؤهم عماد الدولة أبو الحسن علي وركن الدولة الحسن ومعز الدولة الحسين وفيها قتل القاهر الأمير أبا السرايا نصر بن حمدان والرئيس بن إسماعيل النوبختي بالضم نسبة إلى نوبخت جد وقيل قتلهما إسحاق بن إسماعيل النوبختي بالضم نسبة إلى نوبخت جد وقيل قتلهما ابن أخيه أبو أحمد ابن المكتفي بلا ذنب وتفرعن وطغى وأخذ أبو علي بن مقلة وهو مختف يراسل الخواص من المماليك ويحشدهم على القاهر ويوحشهم منه فما برح على أن اجتمعوا على الفتك به فركبوا إلى الدار والقاهر سكران نائم وقد طلعت الشمس فهرب الوزير في إزار وسلامة الحاجب فوثبوا على القاهر فقام مرعوبا وهرب فتبعوه إلى السطح وبيده سيف فقالوا انزل فأبى فقالوا نحن عبيدك فلم تستوحش منا فلم ينزل ففوق واحد منهم سهما وقال انزل فأبى وإلا قتلتك فنزل فقبضوا عليه في جمادى الآخرة وأخرجوا محمد بن المقتدر ولقبوه الراضي بالله ووزر ابن مقلة قال الصولي كان القاهر أهوج سفاكا للدماء قبيح السيرة كثير الاستحالة مدمن الخمر كان له حربة يحملها فلا يضعها حتى يقتل إنسانا ولولا جودة حاجبه سلامة لأهلك الحرث والنسل وستأتي بقية ترجمته عند ذكر وفاته في سنة تسع وثلاثين وثلثمائة إن شاء الله تعالى وفيها هلك مرادويج الديلمي بأصبهان وكان قد عظم سلطانه وتحدثوا (2/292) ________________________________________ 293 أنه يريد قصد بغداد وكان له ميل إلى المجوس وأساء إلى أصحابه فتواطأوا على قتله في الحمام وبعث الراضي بالعهد إلى علي بن بويه على البلاد التياستولى عليها والتزم بحمل ثمانية آلاف ألف درهم في العام وفيها اشتهر محمد بن علي الشلمغاني ببغداد وشاع أنه يدعي الآلهية وأنه يحي الموتى وكثر أتباعه فأحضره ابن مقلة عند الراضي بالله فسمع كلامه وأنكر الآلهية وقال إن لم تنزل العقوبة بعد ثلاثة أيام وأكثره تسعة أيام وإلا فدمي حلال وكان هذا الشقي قد أظهر الرفض ثم قال بالتناسخ والحلول ومخرق على الجهال وضل به طائفة وأظهر شأنه الحسين بن روح زعيم الرافضة فلما طلب هرب إلى الموصل وغاب سنين ثم عاد وادعى الآهية فتبعه فيما قيل الذي وزر المقتدر الحسين بن الوزير القسم ابن الوزير عبيد الله بن وهب وأما بسطام وإبراهيم بن أبي عون فلما قبض عليه ابن مقلة كبس بيته فوجد فيه رقاعا وكتبا مما قيل عنه يخاطبونه في الرقاع بما لا يخاطب به البشر وأحضر فأصر على الإنكار فصفعه ابن عبدوس وأما ابن أبي عون فقال إلهي وسيدي ورازقي فقال الراضي للشلمغاني أنت زعمت أنك لا تدعي الربوبية فما هذا فقال وما علي من قول ابن أبي عون ثم أحضروا غير مرة وجرت لهم فصول وأحضرت الفقهاء والقضاة ثم أفتى الأئمة بإباحة دمه فأحرق في ذي العدة وضربت عنق ابن أبي عون ثم أحرق وهو فاضل مشهور صاحب تصانيف أدبية وكان أعنى ابن أبي عون من رؤساء الكتاب وشلمغان بالشين والغين المعجمتين من أعمال واسط وقتل الحسين بن القاسم الوزير وكان في نفس الراضي منه ولم يحج أحد من بغداد إلى سنة سبع وعشر ين خوفا من القرامطة وفيها توفي أبو عمر أحمد بن خالد بن الخباب القرطبي حافظ الأندلس وكان أبوه يبيع الحباب روى عن بقي بن مخلد وطائفة وعنه ولده محمد ومحمد بن أبي وليم (2/293) ________________________________________ 294 قال القاضي عياض كان إماماً في فقه مالك وكان في الحديث لا ينازع وارتحل إلى اليمن فأخذ عن إسحق الدبري وعاش بضعاً و سبعين سنة وصنف التصانيف وفيها قاضي مصر أبو جعفر أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة حدث بكتب أبيه كلها من حفظه بمصر ولم يكن معه كتاب وهي أحد وعشرون مصنفاً وولى قضاء مصر شهراً ونصفاً وفيها العارف الزاهد القدوة خير النساج أبو الحسن البغدادي وكانت له حلقة يتكلم فيها وعمر جاهراً فقيل إنه لقي سرياً السقطي وله أحوال وكارمات وفيها المهدي عبيد الله والد الخلفاء الباطنية العبيدية الفاطمية افترى أنه من ولد جعفر الصادق وكان بسلمية فبعث دعاته إلى اليمن والمغرب وحاصل الأمر أنه استولى على مملكة المغرب وامتدت دولته بضعاً وعشرين سنة ومات في ربيع الأول بالمهدية التي بناها وكان يظهر الرفض ويبطن الزندقة قال أبو الحسن القابسي صاحب الملخص الذي قتله عبيد الله وبنوه بعده في دار النحر التي يعذب فيها في العذاب ما بين عالم وعابد ليردهم عن الترضي على الصحابة فاختار الموت أرعبة آلاف رجل وفي ذلك يقول بعضهم من قصيدة ( وأحل دار النحر في أغلاله * من كان ذا تقوى وذا صلوات ) وقال ابن خلكان أبو محمد عبيد الله الملقب بالمهدي وجدت في نسبة اختلافاً كثيرا ًقال صاحب تاريخ القيروان هو عبيد الله بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن أبي طالب رضي الله عنه وقال غيره هو عبيد الله بن محمد بن إسمعيل ابن جعفر المذكور وقيل هو عبيد الله بن التقى وفيه اختلاف كثير وأهل العلم بالنساب المحققون ينكرون دعواه في النسب وقيل إن المهدي لما وصل إلى سجلماسة ونما خبره إلى اليسع وهو مالكها وهو آخر ملوك بني مدرار وقي له إن هذا الفتى يدعو إلى بيعة أبي عبد الله الشيعي بإفريقية أخذه اليسع (2/294) ________________________________________ 295 واعتقله فلما سمع أبو عبد الله الشيعي باعتقاله حشد جميعا ًكثراً من كتامة وغيرها وقصد سجلماسة لا ستنفاذه فلما بلغ اليسع خبر و صوللم قتل المهدي في السجن فلما دنت العساكر من البلد هرب اليسع فدخل أبو عبد الله إلى السجن فوجد المهدي مقتولاً وعنده رجل من أصحابه كان يخدمه فخاف أبو بعد الله أن ينتقض عليه ما دبره من الأمر إن عرفت العساكر بقتل المهدي فأخرج هذا الرجل وقال هو المهدي وهو أول من قام بهذا الأمر من بيتهم وادعى الخلافة بالمغرب وكان داعية أبا عبد الله الشيعي ولما استثبت له الأمر قتله وقتل أخاه وبني المهدية بإفريقية ولما فرغ من بنائها في شوال سنة ثمان وثلثمائة بني سور تونس وأحكم عمارتها وجدد فيها مواضع فنسبت إليه وملك بعده ولده القائم ثم المنصور ولد القائم ثم المعز بن المنصور وهو الذي سير القائد جوهراً وملك الديار المصرية وبنى القاهرة واستمرت دولتهم حتى انقرضت على يد السلطان صلاح الدين رحمه الله تعالى وكانت ولادته في سنة تسع وخمسين وقيل ستين ومائتين بمدينة سلمية وقيل بالكوفة ودعى له بالخلافة على منابر زقادة والقيروان يوم الجمعة لتسع بقين من شهر ربيع الآخرة سنة سبع وتسعين ومائتين بعد رجوعه من سجلماسة وكان ظهوره يوم الأحد لسبع خلون من ذي الحجة سنة ست وتسعين ومائتين وخرجت بلاد المغرب عن ولاية بني العباس انتهى ما قاله ابن خلكان ملخصاً وفيها أبو جعفر محمد بن إبراهيم الديبلي محدث مكة نسبة إلى ديبل بفتح أوله وضم الباء مدينة قرب السند وتوفي في جمادى الأولى روى عن محمد بن زنبور وطائفة وفيها أبو جعفر محمد بن عمرو والحافظ صاحب الجرح والتعديل عداده في أهل الحجاز روى عن إسحق الدبري وأبي إسمعيل الترمذي وخلق (2/295) ________________________________________ 296 وعنه أبو الحسن محمد بن نافع الخزاعي وأبو بكر بن المقرى قال الحافظ أبو الحسن القطان أبو جعفر ثقة القدر عالم بالحديث مقدم بالحفظ وتوفي بمكة في شهر ربيع الأول وفيها الزاهد أبو بكر محمد بن علي بن جعفر الكتاني شيخ الصوفيه المجاور بمكة أخذ عن أبي سعيد الخزاز وغيره وهو مشهور قال السخاوي في طبقاته قال المرتعش الكتاني سراج الحرم صحب الجنيد والخزاز والنوري وأقام بمكة مجاوراً إلى أن مات بها ومن كلامه روعة عند انتباه عن غفلة وانقطاع عن حظ من الحظوظ النفسانية وارتعاد من خوف القطيعة أفضل من عبادة الثقلين وقال وجود العطاء من الحق شهود الحق بالحق لألحق دليل على كل شيء ولا يكون شيء دونه دليل عليه وقال إذا صح الإفتقار إلى الله صح الغناء به لأنهما حالان لا يتم أحدهما إلا بصاحبه وقال الشهوة زمام الشيطان من أخذ بزمامه كان عبده وقال العارف من يوافق معروفه في أوامره ولا يخالفه في شيء من أحواله ويتحبب إليه بصحبة أوليائه ولا يفتر عن ذكره طرفة عين وقال الصوفي من عزمت نفسه عن الدنيا تطرفاً وعلت همته عن الآخرة وسخت نفسه بالكل طلباً وشوقاً لمن له الكل وقال من طلب الراحة عدم الراحة انتهى ملخصاً وفيها أبو علي محمد بن أحمد بن القسم الروذباري البغدادي الزاهد المشهور الشافعي قال الأسنوي وهو بارء مضمومة وواو ساكنة ثم ذال معجمة مفتوحة ثم باء موحدة بعد الألف راء مهملة وياء النسب كان فقيهاً نحوياً حافظاً للأحاديث عارفاً بالطريقة له تصانيف كثيرة وأصله من بغداد من أبناء الوزراء والكبار يتصل نسبه بكسرى فصحب الجنيد حتى صار أحد أئمة الوقت وشيخ الصوفية وكان يقول أستاذي في التصويف الجنيد في الحديث إبراهيم الحربي وفي الفقه ابن سريج وفي النحو ثعلب ومن شعره (2/296) ________________________________________ 297 ( ولو مضى الكل مني لم يكن عجبا * وإنما عجبي للبعض كيف بقى ) ( أدرك بقية روح فيك قد تلفت * قبل الفراق فهذا آخر الرمق ) سكن مصر وتوفي بها وقد اختلف في اسمه فقال الخطيب وبن السمعاني إنه محمد وقال ابن الصلاح في الطبقات أحمد وقيل الحسن انتهى ملخصا سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة فيها تمكن الراضي بالله بحيث أنه قلد ولديه وهما صغيران إمرة المشرق والمغرب وفيها محنة ابن شنبوذ القارئ كان يقرأ في المحراب بالشواذ فطلبه الوزير ابن مقلة وأحضر القاضي والقراء ابن مجاهد فناظره فأغلظ للحاضرين في الخطاب ونسبهم إلى الجهل فأمر الوزير بضربه لكي يرجع فضرب سبع درر ودعا على الوزير بقطع اليد فقطعت وسيأتي تمام القصة عند ذكر وفاته إن شاء الله تعالى وفيها هاشت الجند وطلبوا أرزاقهم وأغلظوا لمحمد بن ياقوت وأخرجوا المحبوسين ووقع القتال ونهبت الأسواق وبقي البلاء أياما ثم أرضاهم ابن ياقوت وبعد أيام قبض الراضي بالله على ابن ياقوت وأخيه المظفر وعظم شأن الوزير ابن مقلة وتفرد بالأمر ثم هاجت عليه الجند فأرضاهم بالمال وفيها استولت بنو عبيد الرافضة على مدينة جنوة بالسيف وفيها فتنة البربهاري شيخ الحنابلة فنودي أن لا يجتمع اثنان من أصحابه وحبس جماعة منهم وهرب هو وفيها وثب ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان أمير الموصل على عمه سعيد بن حمدان فقتله لكونه فقتله لكونه أراد أن يأخذ منه الموصل فسار لذلك ابن مقلة في الجيش فلما قرب من الموصل نزح عنها ناصر الدولة ودخلها ابن (2/297) ________________________________________ 298 مقلة فجمع منها نحو أربعمائة ألف دينار ثم أسرع إلى بغداد لتشويش الحال ثم هزم ناصر الدولة جيش الخليفة ودخل الموصل وفيها أخذ أبو طاهر القرمطي لعنه الله الركب العراقي وانهزم الأمير لؤلؤ وبه ضربات وقتل خلق من الوفد وسبيت الحريم وهلك محمد بن ياقوت في السجن وسلم إلى أهله وأخذ الراضي بالله ماله وأملاكه ومعاملاته وأطلق أخاه المظفر بن ياقوت بشفاعة الوزير ابن مقلة بعد أن حلف له أن يواليه بخير ولا ينحرف عنه ولا يسعى له ولا لولده بمكروه ثم غدر به وقبض عليه بعد أن جمع عليه الحجرية فاجتمعوا مع المظفر بن ياقوت وقبضوا على ابن مقلة في سنة أربع وثلاثين وسعوا في عزله من الوزارة وقطع يده كما يأتي إن شاء الله تعالى وفيها جمع محمد بن رائق أمير واسط وحشد وتمكن وأضمر الخروج وفيها توفي الحافظ أبو بشر أحمد بن محمد بن عمرو بن مصعب الكندي المصعبي المروزي روى عن محمود بن آدم وطائفة وهو أحد الوضاعين الكذابين مع كونه كان محدثا إماما في السنة والرد على المبتدعة قاله في العبر وقال ابن ناصر الدين في بديعته ( كالواضع الموهن المكذب * ذاك الفقيه أحمد بن مصعب ) وفيها الحافظ أبو طالب أحمد بن نصر البغدادي روى عن عباس الدوري وطبقته ورحل إلى أصحابعبد الرزاق وكان الدارقطني يقول هو أستاذي قال ابن ناصر الدين هو ثقة مأمون وفيها نفطويه النحوي أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة العتكي الواسطي صاحب التصانيف روى عن شعيب بن أيوب الصريفيني وطبقته وعاش ثمانين سنة وكان كثير العلم واسع الرواية صاحب فنون ولد سنة أربع وأربعين أو سنة خمسين ومائتين بواسط وسكن بغداد ومات بها يوم (2/298) ________________________________________ 299 الأربعاء لست خلون من صفر بعد طلوع الشمس بساعة ودفن ثاني يوم بباب الكوفة قال ابن خالويه ليس في العلماء من اسمه إبراهيم وكنيته أبو عبد الله سوى نفطويه ومن شعره ما ذكره أبو علي القالي في كتاب الأمالي وهو ( قلبي أرق عليك من خديكا * وقواي أوهى من قوى جفنيكا ) ( لم لا ترق لمن يعذب نفسه * ظلما ويعطفه هواه عليكا ) وفيه يقول أبو عبد الله محمد بن زيد بن علي بن الحسين الواسطي المتكلم المشهور صاحب كتاب الإمامة وكتاب إعجاز القرآن الكريم وغيرهما ( من سره أن لا يرى فاسقا * فليجتهد أن لا يرى نفطويه ) ( أحرقه الله بنصف اسمه وصير الباقي صاخا عليه ) وتوفي أبو عبد الله محمد المذكور سنة سبع وقيل ست وثلثمائة ونفطويه بكسر النون وفتحها والكسر أفصح قال الثعالبي لقب نفطويه لدمامته وأدمته تشبيها بالنفط وزيدويه نسبة إلى سيبويه لأنه كان يجري على طريقته ويدرس كتابه وفيها الحافظ أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي الجرجاني الحافظ الجوال الفقيه الاستراباذي سمع على حرب وعمر بن شب وطبقتهما قال الحاكم كان من أئمة المسلمين سمعت أبا الوليد الفقيه يقول لم يكن في عصرنا من الفقهاء أحفظ للفقهيات وأقوال الصحابة بخراسان من أبي نعيم الجرجاني ولا بالعراق من أبي بكر بن زياد وقال أبو علي النيسابوري ما رأيت بخراسان بعد ابن خزيمة مثل أبي نعيم كان يحفظ الموقوفات والمراسيل كلها كما نحفظ نحن المسانيد انتهى وله كتاب الضعفاء في عشرة أجزاء وممن أخذ عنه ابن صاعد مع تقدمه وأبو علي الحافظ وأبو سعيد الأزدي قال الخطيب كان أحد الأئمة من الحفاظ لشرائع الدين مع صدق وتيقظ وورع انتهى وفيها قاضي الكوفة أبو الحسن علي بن محمد بن هارون الحميري الكوفي الفقيه روى عن أبي كريب والأشج وكان يحفظ عامة حديثه (2/299) ________________________________________ 300 وفيها على بن الفضل بن طاهر بن نصر أبو الحسن البلخي الحافظ الثقة الجوال روى عن أحمد بن سيار المروزي وأبي حاتم الرازي وهذه الطبقة وعنه الدارقطني وقال ثقة حافظ وابن شاهين قال الخطيب كان ثقة حافظاً جوالاً في الحديث صاحب غرائب وفيها أبو عبيد المحاملي القسم بن إسمعيل بن محمد الضبي القاضي الإمام العلامة الحافظ البحر ولد سنة خمس وثلاثين وأخذ عن الفلاس والدورقي وغيرهما وعنه دعلج والدارقطني وابن جميع وأثني عليه الخطيب وفيها موسى بن العباس أبو عمران الجويني نحدث عن جماعة وعنه جماعة صنف على صحيح مسلم مصنفاً صار له عديلاً وكان حافظاً مجرداً ثقة ثبيلاً وكان يقوم الليل يصلى ويبكي طويلاً قاله ابن ناصر الدين وفيها أبو الحسن محمد بن أحمد بن عمارة الدمشقي العطار وله ست وتسعون سنة روى عن أبي هاشم الرفاعي وطبقته وفيها الحافظ محمد بن أحمد بن أسد الهروى الأصل السلام بالبغدادي أبو بكر بن البستنبان نسبة إلى حفظ البستان كان إماماً ثقة ثبتاً سنة أربع وعشرين وثلثمائة فيها كما قال في الشذور اشتد الجوع وكثر الموت فمات بأصبهان نحو مائتي ألف وفيها ثارت الغلمان الحجرية وتحالفوا واتفقوا ثم قبضوا على الوزير ابن مقلة وأحرقوا داره ثم سلم إلى الوزير عبد الرحمن فضربه وأخذ خطه بألف ألف دينار وجرى له عجائب من الضرب والتعليق ثم عزل عبد الرحمن ووزر أبو جعفر محمد بن القسم الكرخي وكان ياقوت والد محمد والمظفر بعسكر مكرم يحارب على بن بويه لعصيانه فتمت له أمور طويلة ثم قتل وقد شاخ وتغلب ابن رائق وابن بويه على (2/300) ________________________________________ 301 المالك وقلت الأموال على الكرخي فعزل بسليمان بن الحسن فدعت الضرورة الراضي بالله إلى أن كاتب محمد بن رائق ليقدم فقدم في جيشه إلى بغداد وبطل حينئذ أمر الوزارة والدواوين فاستلوي ابن رائق على الأمور وتحكم في الموال وضعف أمر الخلافة وبقى الراضي معه صورة قاله فيا لعبر وفيها توفي أحمد بن بقي بن مخلد أبو عر الأندلسي قاضي الجماعة الناصر لدين الله ولي عشرة أعوام وروى الكتب عن أبيه وفيها أبو الحسن جحظة البرمكي النديم وهو أحمد بن جعفر بن موسى ابن يحيى بن خالد بن برمك الأديب الأخباري صاحب الغناء واللحان والنوادر قال ابن خلكان كان فاضلاً صاحب فنون وأخبار ونجوم ونوادر وكان من ظرفاء عصره وهو من ذرية البرامكة وله الأشعار الرائقة فمن شعره ( أنا ابن أناس نول الناس جودهم * فأضحوا حديثاً للنوال المشهر ) ( فلم يخل من إحسانهم لفظ مخبر * ولم يخل من تقريضهم بطن دفتر ) وله أيضاً ( فقلت لها بخلت على يقظى * فجودى في المنام لمستهام ) ( فقالت لي وصرت تنام أيضاً * وتطمع أن أزورك في المنام ) وله أيضاً ( أصبحت بين معاشر هجروا الندى * وتقبلوا الأخلاق من أسلافهم ) ( قوم أحاول نيلهم فكأنما * حاولت نتف الشعر نم آنافهم ) ( هات استقنيها بالكبير وغنى * ذهب الذين يعاش في أكنافهم ) وله ( يا أيها الركب الذين فراقهم إحدى البليه * ) ( يوصيكم الصب المقيم بقلبه خير الوصيه * ) ومن أبياته السائرة قوله (2/301) ________________________________________ 302 ( ورق الجو حتى قيل هذا * عتاب بين جحظة والزمان ) ولابن الرومي فيه وكن مشوه الخلق ( نبئت جحظة يستعير جحوظه * من فيل شطرنج ومن سرطان ) ( وارحمتا لمنادميه تحملوا * أم اليعون للذة الآذان ) وتوفي بواسط وقيل حمل تابوته من واسط إلى بغداد وجحظة بفتح الجيم لقب عليه لقبه به عبد الله بن المعتز انتهى ملخصاً وفيها ابن مجاهد مقرىء العراق ابو بكر بن أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد روى عن سعدانبن نصر والرمادي وخلق وقرأ على قنبل وأبى الزعراء وجماعة وكان ثقة بصيراً بالقراءات وعللها عديم النظير توفي في شبعان عن ثمانين سنة وفيها ابن المغلس الداودي وهو العلامة أبو الحسن عبد الله بن أحمد بن محمد بن المغلس البغدادي الفقيه أحد علماء الظاهر له مصنفات كثيرة وهرج له عدة أصحبا تفقه على محمد بن داود الظاهري وفيها ابن زياد النيسابوري أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد بن واصل الفقيه الشافعي الحافظ صاحب التصانيف والرحلة الواسعة سمع محمد بن يحيى الذهلي ويونس الصدفي وغيرهما ومنه ابن عقدة والدارقطني ما رأيت أحفظ من ابن زياد كان يعرف زيادات الألفاظ وأثني عليه الحاكم وهو ثقة قال الأسنوي ولد في أول سنة ثمان وثمانين ومائتين ورحل في طلب العلم إلى العراق والشام ومصر وقرأ على المزني وبرع في العلم وسكن بغداد وصار إماماً للشافعية بالعراق وسمع من جماعة كثيرة روى عنه جماعة منهم الدارقطني وقال إنه أفقه المشايخ وإنه لم ير ممثله أقام أربعين سنة لا ينام الليل ويصلى الصبح بوضوء العشاء وصنف كتاباً منها كتاب الربا انتهى ملخصا وفيها قاضي حمص أبو القسم عبد الصمد بن سعيد الكندي روى عن محمد (2/302) ________________________________________ 303 ابن عوف الحافظ وعمران بن بكار وطائفة وجمع التاريخ وفيها الإمام العلامة البخر الفهامة أبو الحسن الأشعري على بن إسماعيل ابن أبي بشر المتكلم البصري صاحب المصنفات وله بضع وستون سنة أخذ عن زكريا السجي وعلم الجدل والنظر عن أبي علي الجبائي ثم على المعتزلة ذكر ابن حزم أن للأشعري خمسة وخمسين تصنيفاً وأنه توفي في هذا العام وقال غيره توفي سنة ثلاثين وقيل بعد الثلاثين وكان قانعاً متعففاً قاله في العبر قلت ومما بيض به وجوه الحق الأبلج ولصدور أهل الإيمان والعرفان أثلج منائرته مع شيخه الجبائي التي بها قصم ظهر كل مبتدع مرائي وهي كما قال ابن خلكان سأل أبو الحسن المذكور أستاذه أبا علي الجبائي عن ثلاثة إخوة كان أحدهم مؤمناً برا تقيا والثاني كان كافراً فاسقاً شقياً والثالث كان صغيراً فماتوا فكيف حالهم فقال الجبائي أما الزاهد ففي الدرجات وأما الكفار ففي الدركات وأما الصغير فمن أهل السلامة فقال الأشعري إن أراد الصغير أين يذهب إلى درجات الزاهد هل يؤذن له فقال الجبائي لا لأنه يقال له أخوك إنما وصل إلى هذه الدرجات بسبب طاعته الكثيرة وليس لك تلك الطاعات فقال الأشعري فإن قال ذلك التقصير ليس من ي فإنك ما أبقيتني ولا أقدرتني علىالطاعة فقال الجبائي يقول الباري جل وعلا كنت أعلم لو بقيت لعصيت وصرت مستحقاً للعذاب الأليم فراعيت مصلحتك فقال الأشعري فلو قال الأخ الأكبر يا إله العالمين كما علمت حاله فقد علمت حالي فلم راعيت مصلحته دوني فانقطع الجبائي ولهذه المناظرة دلالة على أن الله تعالى خص من شاء برحمته وخص آخر بعذابه وإلى أبي الحسن انتهت رياسة الدنيا في الكلام وكان في ذلك المقدم المقتدي الإمام قال فيكتابه الإبانة في أصول الديانه وهو آخر كتاب صنفه وعليه يعتمد أصحابه في الذب عنه عند نم يطعن عليه فصل في إبانة (2/303) ________________________________________ 304 قول أهل الحق والسنة فإن قال قائل قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة فعرفونا قولكم الذي به تقولون وديانتكم التي بها تدينون قيل له قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها التمسك بكلام ربنا وسنة نبينا وما روى عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ونحن بذلك معتصمون وبما كان يقول أبو عبد الله أحمد بن حنبل نضر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته قائلون ولما خالف قوله مخالفون لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل الذي أبان الله به الحق ودفع به الضلال وأوضح المنهاج وقمع به بدع المبتدعين وزيغ الزائغين وشك المشاكين فرحمة الله عليه من إمام مقدم وجليل معظم وكبير مفهم وجملة قولنا إنا نقر بالله وملائكته وكتبه ورسله وبما جاء من عند الله وبما رواه الثقات عن رسول الله نرد من ذلك شيئا وإنه واحد لا إله إلا هو فرد صمد لم يتخذ صاحبة ولا ولدا وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من القبور وأن الله مستو على عرشه كما قال ( ^ الرحمن على العرش استوى ) وأن له وجها كما قال ( ^ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) وأن له يدين بلا كف كما قال ( ^ بل يداه مبسوطتان ) وأن له عينين بلا كيف كما قال ( ^ تجري بأعيننا ) وأن من زعم أن أسماء الله غيره كان ضالا وندين بأن الله يقلب القلوب بين أصبعين من أصابع الله عز وجل يضع السموات على أصبع والأرضين على أصبع كما جاءت الرواية عن رسول الله الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ونسل الروايات الصحيحة عن رسول الله رواها الثقات عدلا عن عدل ونصدق بجميع الروايات التي رواها وأثبتها أهل النقل من النزول إلى السماء الدنيا وأن الرب عز وجل يقول هل من سائل هل من مستغفر وسائر ما نقلوه وأثبتوه خلافا لأهل الزيغ (2/304) ________________________________________ 305 والتضليل ونقول إن الله يجيء يوم القيامة كما قال ( ^ وجاء ربك والملائكة صفا صفا ) وأن الله يقرب من عباده كيف شاء كما قال ( ^ ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) وكما قال ( ^ ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ) انتهى ملخصا وقد ذكر ابن عساكر في كتابه الذب عن أبي الحسن الأشعري ما يقرب من ذلك إن لم يكن بلفظه ولعمري إن هذا الإعتقاد هو ما ينبغي أن يعتقد ولا يخرج عن شيء منه إلا من في قلبه غش ونكد وأنا أشهد الله على أنني أعتقده جميعه وأسأل الله الثبات عليه وأستودعه عند من لا تضيع عنده وديعة ولحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وصلى الله على سيدنا محمد معلم الخيرات وفيها علي بن عبد العزيز بن مبشر أبو الحسن الواسطي المحدث سمع عبد الحميد ابن بيان وأحمد بن سنان سنة خمس وعشرين وثلثمائة فيها كما قال في الشذور صارت فارس في يد على بويه والري وأصبهان والجبل في يد الحسن بن بويه وديار بكر ومضر والجزيرة في يد بني حمدان ومصر والشام في يد محمد بن طغج والأندلس في يد عبد الرحمن بن محمد الأموي وخراسان في يد نصر بن أحمد واليمامة وهجر وأعمال البحرين في يد أبي طاهر القرمطي وطبرستان وجرجان في يد الديلم ولم يبقى في يد الخليفة غير مدينة السلام وبعض السواد وفيها أشار محمد بن رائق على الراضي بأن ينحدر معه إلى واسط ففعل ولم تمكنه المخالفة فدخلها يوم عاشوراء المحرم وكانت الحجاب أربعمائة وثمانين نفسا فقرر ستين وأبطل عامتهم وقلل أرزاق الحشم فخرجوا عليه وعسكروا (2/305) ________________________________________ 306 فالتقاهم ابن رائق فهزمهم وضعفوا وتمزقت الساجية والحجرية فأشار حينئذ على الراضي بالتقدم إلى الأهواز وبها عبد الله البريدي ناظرها وكان شهما مهيبا حازما فتسحب إليه خلق من المماليك والجند فأكرمهم وأنفق فيهم الأموال ومنع الخراج ولم يبق مع الراضي غير بغداد والسواد مع كون ابن رائق يحكم عليه ثم رجع إلى بغداد ووقعت الوحشة بين ابن رائق أبي عبد الله البريدي وجاء القرمطي فدخل إلى الكوفة فعاث ورجع وأذن ابن رائق للراضي أن يستوزر أبا الفتح الفضل بن الفرات فطلبه من الشام وولاه والتقى أصحاب ابن رائق وأصحاب البريدي غير مرة وينهزم أصحاب ابن رائق وجرت لهم أمور طويلة ثم إن البريدي دخل إلى فارس فأجاره على ابن بويه وجهز معه أخاه أحمد لفتح الأهواز ودام أهل البصرة على عصيان ابن رائق لظلمه فحلف إن ظفر بها ليجعلنها رمادا فجدوا في مخالفته وقلت الموال على محمد بن رائق فساق إلى دمشق وزعم أن الخليفة ولاه إياها ولم يجسر أحد أن يحج خوفا من القرمطي وفيها توفي وكيل أبي صخرة أبو بكر أحمد بن عبد الله البغدادي النحاس وقد قارب التسعين روى عن الفلاس وجماعة وفيها أبو حامد الشرقي الحافظ البارع الثقة المصنف أحمد بن محمد بن الحسن تلميذ مسلم روى عن الذهلي وأحمد بن الأزهر وأبي حاتم وخلق وعنه ابن عقدة والعسال وأبو علي وكان حجة وحيد عصره حفظا وإتقانا ومعرفة وحج مرات وقد نظر إليه ابن خزيمة فقال حياة أبي محمد تحجز بين الناس وبين الكذب عن رسول الله في رمضان عن خمس وثمانين سنة وفيها إبراهيم بن عبد الصمد بن موسى بن محمد أبو علي الأمير أبو إسحاق الهاشمي في المحرم وهو آخر من روى الموطأ عن أبي مصعب (2/306) ________________________________________ 307 وفيها أبو العباس الدغولي محمد بن عبد الرحمن الحافظ الثبت الفقيه روى عن عبد الرحمن الحافظ الثبت الفقيه روى عن عبد الرحمن بن بشر بن عبد الرحمن بن بشر بن عبد الحكم ومحمد بن إسماعيل الأحمسي وطبقتهما وعنه أبو علي الحافظ والجوزقي وكان من أئمة هذا الشأن ومن كبار الحفاظ أثنى عليه أبو أحمد بن عدي وابن خزيمة وغيرهما وفيها مكي بن عبدان أبو حامد التميمي النيسابوري الثقة الحجة روى عن عبد الله بن هاشم والذذهلي وطائفة ولم يرحل وفيها ابو مزاحم الخاقاني موسى بن الوزير عبد الله بن يحي بن خاقان البغدادي المقرئ المحدث السني وفد على أبي بكر المروزي وعباس الدوري وططائفة وفيها الحافظ الثقة أبو حفص عمر بن أحمد بن علي بن علك المروزي والجوهري روى عن سعيد بن مسعود والدوري وعنه ابن المظفر والدارقطني وانه أحفظ منه وفيها الحافظ الثقة العدل مموس وهو إبراهيم بن محمد بن يعقوب الهمذاني البزار من كبار أئمة هذا الشأن سنة ست وعشرين وثلثمائة فيها أقبل البريديفي مدد من ابن فانهزم من بين يديه يحكم لأن الأمطار عطلت نشاب جنده وقسيهم وتقهقروا إلى واسط وتمت فصول طويلة وأما ابن رائق فإنه وقع بينه وبين ابن مقلة فأخذ ابن مقلة يراوغ ويكاتب فقبض عليه الراضي بالله وقطع يده ثم بعد أيام قطع ابن رائق لسانه لكونه كاتب بحكم بجيوشه من واسط وضعف عنه ابن رائق فاختفى ببغداد ودخل بحكم فأكرمه الراضي ولقبه أمير الأمراء وولاه الحضرة وفيها توفي أبو ذر أحمد بن محمد بن سليمان الباغندي روى عن عمر بن شبة (2/307) ________________________________________ 308 وعلى بن اشكاب وطائفة وفيها عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن الحجاج أبو محمد أبو محمد الرشيديني المهري المصريالناسخ عن سن عالية روى عن أبي الطاهر بن السرح وسلمة بن شبيب وفيها محمد بن القاسم أبو عبد الله المحاربي الكوفي روى عن أبي كريب وجماعة وفيه ضعف قال في المغني محمد بن القاسم بن زكريا المحاربي مشهور ضعيف يقال كان يؤمن بالرحمة انتهى سنة سبع وعشرين وثلاثمائة فيها كما قال في الشذور جاء مطر عظيم وفيه برد كل واحدة نحو الأوقتين فسقطت حيطان كثيرة ببغداد وكان الحج قد بطل من سنة سبع عشرة وثلثمائة إلى هذه السنة فكتب أبو علي محمد بن يحي العلوي إلى القرامطة وكانوا يحبونه أن يذموا للحجاج ليسير بهم ويعطيهم من كل جمل خمسة دنانير ومن المحمل سبعة فاذموا لهم فحج الناس وهي أول سنة مكس فيها الحاج انتهى وفيها صاهر بحكم ناصر الدولة بن حمدان وفيها استوزر الراضي أبا عبد الله البريدي وفيها توفي عبد الرحمن بن أبي حاتم واسم أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر الحافظ العلم الثقة أبو محمد بن الحافظ الجامع التميمي الرازي توفي بالري وقد قارب التسعين رحل به أبوه في سنة خمس وخمسين ومائتين فسمع من أبي سعيد الأشج والحسن بن عرفة وطبقتهما وروى عنه حسينك التميمي وأبو أحمد الحاكم وغيرهما قال أبو يعلى الخليلي أخذ علم أبيه وأبي زرعة وكان بحرا في العلوم ومعرفة الرجال صنف في الفقه واختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار ثم قال وكان (2/308) ________________________________________ 309 زاهدا بعد من الأبدال وقال ابن الأهدل هو صاحب الجرح والتعديل والعلل والمبوب على أبواب الفقه وغيرها وقال يوما من يبني ما تهدم من سور طوس وأضمن له عن الله الجنة فصرف فيه رجل ألفا فكتب له رقعة بالضمان فلما مات دفنت معه فرجعت إلى ابن أبي حاتم وقد كتبعليها وقد وفينا عنك ولا تعد انتهى وفيها أبو الفتح الفضل بن جعفر بن محمد بن موسى بن الفرات الوزير بن خزابة الكاتب وزر للمقتدر في آخر أيامه ثم وزر للراضي بالله ثم رأى لنفسه التروح خوفا من فتنة ابن رائق فأطعمه في تحصيل الأموال من الشام ليمد بها وشخص إليها فتوفي بالرملة كهلا وفيها محدث حلب الحافظ أبو بكر محمد بن بركة القنسريني برداعس روى عن أحمد بن شيبان الرملي وأبي أمية الطرسوسي وطبقتهما وعنه شيخه عثمان ابن حوراد الحافظ وأبو بكر الربعي وعدد كثير وكان من علماء هذا الشأن وصفه بالحفظ ابن ماكولا والحاكم أبو أحمد وضعفه الدارقطني وفيها أبو بكر محمد بن جعفر الخرائطي السامري مصنف مكارم الأخلاق وغيرها سمع الحسن بن عرفة وعمر بن شبة وطبقتهما وتوفي بفلسطين في ربيع الأول وقد قارب التسعين وفيها محدث الأندلس محمد بن قاسم بن محمد الأموي أبو عبد الله التياني القرطبي أكثر عن أبيه وبقي بن مخلد ومحمد بن وضاح ومطين والنسائي وعن ولده أحمد بن محمد وخلد بن سعيد وسليمان بن أيوب وكان عالما ثقة ورحل بأخرة فسمع من مطين والنسائي وأكثر وتوفي في آخر العام وفيها أبو نعيم الرملي وهو محمد بن جعفر بن نوح الحافظ كان علامة ثبتا قاله ابن ناصر الدين (2/309) ________________________________________ 310 وفيها إسحاق بن إبراهيم بن محمد الجرجاني البحري الحافظ الثقة محدث جرجان أبو يعقوب روى عن محمد بن بسام وإسحاق الديري والحرث بن أبي أسامة وعنه ابن عدي والإسماعيلي قال الخليلي حافظ ثقة مذكور قاله ابن برداس وفيها مبرمان النحوي مصنف شرح سيبويه وما أتمه وهو أبو بكر محمد بن علي العسكري أخذ عن المبرد وتصدر بالأهواز وكان مهيبا يأخذ من الطلبة ويلح ويطلب حمال طبلية فيحمل إلى داره من غير عجز وربما انبسط وبال على الحمال وينتقل بالتمر ويحذف بنواة الناس قاله في العبر سنة ثمان وعشرين وثلثمائة فيها كما قال في الشذور انبثق بنواحي الأنبار فاجتاح القرى وغرق الناس والبهائم والسباع وانصب في الصراه ودخل الشوارع في الجانب الغربي وتساقطت الدور والأبنية انتهى وفيها التقى سيف الدولة بن حمدان الدمستق لعنه الله وهزمه وفيها عزل اليريدي من الوزارة بسليمان بن مخلد بإشارة بحكم وفيها استولى الأمير محمد بن رائق على الشام فالتقاه الإخشيد محمد ابن طغج فانهزم أبو نصر وأسر كبار أمرائه ثم قتل أبو نصر في المصاف وفيها توفي الوزير أحمد بن علي بن حسن بن مقلة الكاتب صاحب الخط المنسوب وقد وزر للخلفاء غير مرة ثم قطع يده ولسانه وسجن حتى هلك وله ستون سنة قاله في العبر وقال غيره كان سبب موت ابن مقلة أنه أشار على الراضي بمسك ابن رائق فبلغ ابن رائق فحبس ابن مقلة ثم أخرج وقطعت يده فكان يشد القلم عليها ويكتب ويتطلب الوزارة أيضا ويقول (2/310) ________________________________________ 311 إن قع يده لم يكن في حد ولم يعقه عن عمله ثم بلغ ابن رائق دعاؤه عليه وعلى الراضي فقطع لسانه وحبس إلى أن مات في اسوأ حال ودفن مكانه ثم نبشه أهله فدفنوه في مكان آخر ثم نبش ودفن في موضع آخر فمن الإتفاقات الغريبة أنه ولى الوزارة ثلاث مرات وقال ابن خلكان وأقام ابن مصلة في الحبس مدة طويلة ثم لحقه ذرب ولم يكن له من يخدمه فكان يستقى الماء لنفسه من البئر يجذب بيده اليسرى جذبه وبفمه جذبه وله أشعار في شرح حاله وما انتهى أمره إليه ورثى يده فمن ذلك قوله ( ما سئمت الحياة لكن توثقت بأيمانهم فبانت يمينى ) ( بعت ديني لهم بدنياي حتى * حرموني دنياهم بعد جيني ) ( ولقد حطت ما ستطعت بجهدي * حفظ أرواحهم فما حفظو بي ) ( ليس بعد اليمين لذة عبش * ياحياتي بانت يميني فبيني ) ومن شعره أيضاً ( وإذا رأيت فتى بأعلى رتبة * في شامخ من عزه المترفع ) ( قالت لي النفس العروف بقدرها * ما كان أولاني بهذا الموضع ) وله ( إذا مامات بعضك فابك بعضاً * فإن البعض من بعض قريب ) وهو أول من نقل هذه الطريقة من خط الكوفيين إلى هذه الصورة ومن كلامه إنى إذا أحببت تهالكت وإذا بغضت أهلكت وإذا رضيت آثرت وإذا غضبت أثرت ومن كلامه يعجبني من يقول الشعر تأدباً لا تكسباً ويتعاطى الغناء تطرباً لا تطلبا وله كل معنى مليح في النظم والنثر وكان ما أصابه نتيجة دعاء أبي الحسن بن شنبوذ عليه بقطع اليد وقد تقدم ذكر سبب ذلك ويأتي قريباً في هذه السنة وكانت ولادة ابن مقلة يوم الخميس (2/311) ________________________________________ 312 بعد العصر حادي عشرى شوال سنة اثنتين وسبعين ومائتين رحمه الله تعالى وفيها أبو عبد الله أحمد بن علي بن علي بن العلاء الجوزجاني ببغداد وله ثلاث وتسعون سنة وكان ثقة صالحاً بكاء روى عن أحمد المقدام وجماعة وفيها محدث دمشق أبو الدحداح أحمد بن محمد بن إسماعيل التميمي سمع موسى بن عامر ومحمد بن هاشم البعلبكي وطائفة وقال الخطيب كان مليا بحديث الوليد بن مسلم وفيها أحمد بن محمد بن عبد ربه القرطبي وقرطبة مدينة كبيرة دار مملكة الأندلس وكان ابن عبد ربه أحد الفضلاء وهو أموي بالولاء وحوى كتابه العقد كل شيء وله ديوان وشعر جيد قاله ابن الأهدل وقال في العبر مات وله اثنتان وثمانون سنة وشعره في الذروة العليا سمع من بقى بن مخلد ومحمد بن وضاح انتهى وفيها العلامة أبو سعيد الأصطخري الحسن بن أحمد بن يزيد شيخ الشافعية بالعراق روى عن سعدان بن نصر وطبقته وصنف التصانيف وعاش نيفا وثمانين سنة وكان موصوفاً الزهد والقناعة وله وجه في المذهب قال الأسنوي كان هو وابن سريج شيخي الشافعية ببغداد صنف كتباً كثيرة منها آداب القضاء استحسنه الأئمة وكان زاهداً متقللاً من الدنيا وكان في اخلاقه حدة ولاه المقتدر بالله سجستان ثم حسبة بغداد ولد سنة أربع وأربعين ومائتين وتوفي ببغداد سنة ثمان وعشرين وثلثمائة زاد ابن خلكان أنه توفي يوم الجمعة ثاني عشر جمادى الآخرة وقيل رابع عشر ودفن بباب حرب واصطخر بكسر الهمزة وفتح الطاء وجوز بعضهم فتح الهمزة حكاه النووي في الحيض من شرح المهذب وفيها الحسين بن محمد بن أبو عبد الله بن المطيقي البغدادي ثقة روى عن محمد بن منصور الطوسي وطائفة (2/312) ________________________________________ 313 وفيها أبو محمد بن الشرقي عبد الله بن محمد بن الحسن أخو الحافظ حامد وله اثنتان وتسعون سنة سمع عبد الرحمن بن بشر وعبد الله بن هاشم وخلقاً قال الحاكم رأيته وكان أوحد وقته فيم عرفة الطب لم يدع الشراب إلى أن مات فضعف بذلك وقال في المغني تكلموا فيه إدمانه المسكر انتهى وفيها قاضي القضاة ببغداد أبو الحسين عمر بن قاضي القضاة أب يعمر محمد ابن يوسف بن يعقوب الأزدري كان بارعاً في مذهب مالك عارفاً بالحديث صنف مسنداً متقناً وسمع من جده ولم يتكهل وكان من أذكياء الفقهاء وفيها أبو الحسن محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت بن شنبوذ المقرىء أحد أئمة الأداء قرأ على محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت بن شنبوذ المقرىء أحد النحاس وطائفة كثيرة وعنى بالقراءات أتم عناءة وروى الحديث عن عبد الرحمن بن محمد بن منصور الحارثي و محمد بن الحسين الحنيني وتصدر للأقراء ببغداد وقد امتحن في سنة ثلاث وعشرين كما مر وكان مجتهدً فيما فعل رحمه الله قاله في العبر وقال ابن خلكان كان من مشاهير القراء وأعيانهم وكان ديناً وفيه لسلامة صدر وفيه حمق وقيل إنه كان كثير اللحن قليل العلم وتفرد بقراءت شواذ وكان يقرأ بها في المحراب فأنكرت عليه وبلغ ذلك الوزير ابن مقلة الكاتب المشهور وقيل له إنه يغير حروفاً من القرآن ويقرأ بخلاف ما أنزل فاستحضر في أول شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة واعتقله في داره أياماً فلما كان يوم الأحد سابع الشهر المذكور استحضر الوزير المذكور أبا الحسن عمر بن محمد وأبا بكر أحمد بن موسى ابن العباس بن مجاهد المقرىء وجماعة من أهل القرآن واحضر ابن شنبوذ المذكور ونوظر بحضرة الوزير فأغلظ في الجواب للوزير والقاضي وأبى بكر بن مجاهد ونسبهم إلى قلة المعرفة وعيرهم بأنهم ما سافروا في طلب العلم كما سافرو واستصبى أبا الحسن المذكور فأمر الوزير أبو علي بضربه فأقيم (2/313) ________________________________________ 314 فضرب سبع درر فدعا وهو يضرب على الوزير بأن يقطع الله يده ويشتت شمله فكان الأمر كذلك ثم أوقفوه على الحروف التي كان يقرأ بها فأنكر ما كان شنيعاً وقال فيما سواه إنه قرأ قوم فاستتابوه فتاب وقال إنه قد رج عما كان يقرؤه وإنه لا يقرأ إلا بمصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه وبالقراءة المتعارفة التي يقرأ بها الناس فكتب الوزير عليه محضراً بما قاله وأمره أن يكتب خطه في آخره فكتب ما يدل على توبته ونسخة المحضر سئل محمد بن أحمد المعروف بابن شنبوذ عما حكى عنه أنه يثرؤه وهو إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فأمضوا إلى ذكر الله فاعترف به وعن وتجعلون شكر كم أنكم تكذبون فاعترف به وعن فاليوم ننجيك بندائك فاعترف به وعن تبت يدا أبي لهب وقد تب فاعترف به وعن إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض فاعترف به وعن ولتكن منكم فئة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويستعينون بالله على ما أصابهم وأولئك هم المفلحون فاعترف به وعن إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض فاعترف به وتاب عن ذلك وكتب الشهود الحاضرون شهادتهم في المحضر حسبما سمعوه من لفظه وكتب ابن شنبوذ ما في هذه الرقعة صحيح وهو قولي واعتقادي وأشهد الله عز وجل وسائر من حضر على نفسي بذلك ومتى خلفت ذلك أوبان مني غيره فأمير المؤمينن ف يحل من دمي وسنة وذلك يوم الأحد سابع ربيع الآخر سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة وشنبوذ بفتح الشين المعجمة والنون وضم الباء الموحدة وسكون الواو وبعدها ذال معجمة انتهى ملخصاً وفيها محدث الشام أبو العباس محمد بن جعفر بن محمد بن هشام بن ملاس (2/314) ________________________________________ 315 النمري مولاهم الدمشقي في جمادى الأولى روى عن موسى بن عامر وأبي إسحق الجوزجاني وخلق وهو من بيت حديث وفيها أبو علي الثقفي محمد بن عبد الوهاب النيسابوري الفقيه الواحد أحد الأئمة وله أربع وثمانون سنة سمع في كبره من موسى بن نصر الرازي وأحمد بن ملاعب وطبقتهما وكان له جنازة لم يعهد مثلها وهو من ذرية الحجاج قال أبو الوليد الفقيه دخلت على ابن سريج فسألني على من درست الفقه قلت على أبي على الثقفي قال لعلك تعنى الحجاجي الأزرق قلت نعم قال ماجائنا من خراسان أفقه منه وقال أبو بكر الضبعي ما عرفنا الجدل والنظر حتى ورد أبو علي الثقفي من العراق وذكره السلمي في طبقات الصوفية قاله في العبر وقال السخاوي في طبقات الأولياء لقي أبا حفص وحميدون القصار وكان إماماً في علوم الشرع قال لبعض أصحابه لا تفارق هذه الخلال الأربع صدق القول وصدق العمل وصدق المودة وصدق الأمانة وقال من صحب الأكابر على غير طريق الحرمة حرم فوائدهم وبركات نظرهم ولا يظهر عليه من أنوارهم شيء وقال غلبه هواه توارى عنه عقله وقال لا تلتمس تقويم مالا يستقيم ولا تأديب من لا يتأدب وقال يامن باع كل شيئ بلا شيء واشترى لا شيء بك لشيء وتوفي ليلة الجمعة الثالث والعشرين م جمادى الأولى ودفن في مقبرة قر بنيسابور وهو ابن تسع وثمانين سنة ووعظ مرة فذم الدنيا والركون إليه ثم تمثل بقول بعضهم ( من نال من دنياه أمنية * أسقطت الأيام منها الألف ) انتهى وفيها الإمام العلامة ابن الأنباري أبو بكر محمد بن القسم بن بشار النحوي اللغوي صاحب المصنفات وله سبع وخمسون سنة سمع في صغره من الكديمي وإسمعيل القاضي وأخذ عن أبيه وثعلب وطائفة وعنه الدارقطني (2/315) ________________________________________ 316 وغيره قال أبو علي القالي كان شيخنا أبو بكر يحفظ فيما قيل ثلثمائة ألف بيت شاهد في القرآن وقال محمد بن جعفر التميمي ما رأينا احفظ من الأنباري ولا أغزر بحرا حدثوني عنه أنه قال أحفظ ثلاثة عشر صندوقا قال وحدثت عنه أنه كان يحفظ مائة وعشرين تفسيرا بأسانيدهما وقيل عنه إنه أملي غريب الحديث في خمسة وأربعين ألف ورقة قاله في العبر وقال ابن ناصر الدين كان في كل فن إمامه وكان إملاؤه من حفظه ومن أماليه المدققة غريب الحديث في خمسة وأربعين ألف ورقة انتهى وكان سائر ما يصنفه ويمليه من حفظه لا من دفتر ولا كتاب وفيها أبو الحسن المزين علي بن محمد البغدادي شيخ الصوفية صحب الجنيد وسهل بن عبد الله وجاور بمكة قال السلمي في طبقاته أقام بمكة مجاورا بها ومات بها وكان من أروع المشايخ وأحسنهم حالا قال الذنب بعد الذنب عقوبة الذنب والحسنة بعد الحسنة ثواب الحسنة وقال ملاك القلب في التبري من الحول والقوة ورؤى يوما متفكرا واغرورقت عيناه فقيل له مالك أيها الشيخ فقال ذمكرت أيام تقطعي في إرادتي وقطع المنازل يوما فيوما وخده متى لأولئك السادة من أصحابي وتذكرت ما أنا فيه من الفترة عن شريف الأحوال وأنشد ( منازل كنت تهواها وتألفها * أيام كنت على الأيام منصورا ) وقال المعجب بعمله مستدرج والمستحسن لشيء من أحواله ممكور به والذي يظن أنه موصول فهو مغرور وروى وهو يبكي بالتنعيم يريد أن يحرم بعمرة وينشد لنفسه ( أنا في دمعي فأبكيكا * هيهات مالي طمع فيكا ) فلم يزل كذلك إلى أن مات ممكة شرفها الله تعالى وأسند الخطيب عنه أنه قال الكلام من غير ضرورة مقت من الله للعبد (2/316) ________________________________________ 317 وفيها أبو محمد المرتعش عبد الله بن محمد النيسابوري الزاهد أحد مشايخ العراق صحب الجنيد وغيره وكان يقال إشارات الشبلي ونكت المرتعش وحكايات الخلدي قاله في العبر وقال السخاوي في طبقاته عبد الله بن محمد النيسابوري من محلة بالحيرة صحب أبا حفص وأبا عثمان والجنيد وأقام ببغداد ثلاث إشارات الشبلي ونكت المرتعش وحكايات الخلدي وكان مقيما في مسجد الشونيزية مات ببغداد ومن كلامه سكون القلب إلى غير المولى تعجيل عقوبة من الله في الدنيا وقال ذهبت حقائق الأشياء وبقيت أسماؤها فالأسماء موجودة والحائق مفقودة والدعاوي في السرائر مكنونة والألسنة بها فصيحة والأمور عن حقوقها مصروفة وعن قريب تفقد هذه الألسنة وهذه الدعاوي فلا يوجد لسان صادق ولا مدع صادق وقال الوسوسة تؤدي إلى الحيرة والإلهام يؤدي إلى زيادة فهم وبيان وقال أصول التوحيد ثلاثة أشياء معرفة الله تعالى بالربوبية والإقرار له بالوحدانية ونفى الأنداد عنه جملة وسئل بماذا ينال العبد حب الله تعالى قال بغض ما أبغض الله وهو الدنيا والنفس وسئل أي الأعمال أفضل فقال رؤية فضل الله عز وجل ( إن المقادير إذا ساعدت * ألحقت العاجز بالحازم ) وقيل له إن فلانا يمشي على الماء فقال عندي إن مكنه الله من مخالفة هواه فهو أعظم من المشي على الماء قال أبو عبد الله الرازي حضرت وفاته في مسجد الشونيزية فقال انظروا ديوني فنظروا فقالوا بضعة عشر درهما فقال انظروا خريقاتي فلما قربت منه قال اجعلوها في ديوني وأرجو أن الله عز وجل يعطيني الكفن ثم قال سألت الله ثلاثا عند موتي فأعطانيها سألته أن يميتني على العقل رأسا برأس وسألته أن يجعل موتي في هذا المسجد فق صحبت فيه أقواما وسألته أن يكون حولي من آنس به (2/317) ________________________________________ 318 وأحبه وغمض ومات بعد ساعة رحمه الله تعالى ورضي عنه وعنا وعن جميع المسلمين انتهى ملخصا وفيها محمد بن قاسم بن محمد بن سيار الحافظ الإمام أبو عبد الله البياني القرطبي عن أبيه وبقي بن مخلد ومحمد بن وضاح ومطين والنسائي وعنه ولده أحمد بن محمد وخلد بن سعد وسليمان بن أيوب وكان عالما ثقة قاله ابن برداس وفيها على مقاله ابن ناصر الدين في بديعته ( وحامد بن أحمد الزيدي * كلامه حلاوة شهدي ) قال في شرحها هو حامد بن أحمد بن محمد بن أحمد أبو أحمد المروزي نزيل طرسوس قيل له الزيدي لجمعه حديث زيد بن أبي أنيسة دون غيره من المحدثين انتهى سنة تسع وعشرين وثلثمائة في ربيع الأول استخلف المتقي لله فاستوزر أبا الحسن أحمد بن محمد بن ميمون فقدم أبو عبد الله اليزيدي من البصرة وطلب الوزارة فأجابه المتقي وولاه ومشى إلى بابه ابن ميمون وكانت وزارة ابن ميمون شهرا فقامت الجند على أبي عبد الله يطلبون أرزاقهم فخافهم وهرب بعد أيام ووزر بعده أبو إسحاق محمد بن أحمد القرار يطي ثم عزل بعد ثلاثة وأربعين يوما ووزر الكرخي فعزل بعد ثلاثة وخمسين يوما فلم ير أقرب من مدة هؤلاء وهزلت الوزارة وضؤلت لضعف الدولة وصغر الدائرة وأما بحكم التركي فنزل واسط واستوطنها وقرر مع الراضي أنه يحمل إلى خزانته في كل سنة ثمانمائة ألف دينار بعد أن يريح الغلة من مؤنة خمسة (2/318) ________________________________________ 319 آلاف فارس يقيمون بها وعدل وتصدق وكان ذا عقل وافر وأموال عظيمة ونفس غضبة خرج يتصيد فأساء إلى كراد هناد فاستفرد به عبد أسود فطعنه برمح فقتله في رجب وكان قد أظهر العدل وبنى دار ضيافة بواسط وابتدأ بعمل المارستان وهو الذي جدده عضد الدولة بالجانب الغربي وكانت أموله كثيرة فكان يدفنها في داره وفي الصحاري وكان يأخذ رجالا في صناديق فيها مال إلى الصحراء ثم يفتح عليهم فيعاونوه على دفن المال ثم يعيدهم في الصناديق ولا يدرون إلى أي موضع حملهم فضاعت أمواله بموته والدفائن ونقل من داره وأخرج بالحفر منها ما يزيد على ألفي ألف عينا وورقا وقيل للرورحارية خذوا التراب بأجرتكم فأبوا فأعطوا ألف درهم وغسل التراب فخرج منه ست وثلاثون ألف درهم وفيها توفي البربهاري أبو محمد الحسن بن علي الفقيه القدوة شيخ الحنابلة بالعراق قالا وحالا وكان له صيت عظيم وحرمة تامة أخذ عن المروذي وصحب سهل بن عبد الله التستري وصنف التصانيف وكان المخالفون يغلظون قلب الدولة عليه فقبض على جماعة من أصحابه واستتر هو في سنة إحدى وعشرين ثم تغيرت الدولة وزادت حرمة البربهاري ثم سعت المبتدعة به فنودي بأمر الراضي في بغداد لا يجتمع اثنان من أصحاب البربهاوي فاختفى إلى أن مات في رجب رحمه الله تعالى قاله في العبر وقال القاضي أبو الحسين بن أبي يعلى في طبقاته الحسن بن علي بن خلف أبو محمد البربهاوي شيخ الطائفة في وقته ومتقدمها في الإنكار على أهل البدع والمباينة لهم باليد واللسان وكان له صيت عند السلطان وقدم عند الأصحاب وكان أحد الأئمة العارفين والحفاظ للأصول المتقنين والثقات المأمونين صحب جماعة من أصحاب إمامنا أحمد رضي الله عنه منهم المروذي وصحب سهل التستري وصنف البربهاوي كتبا منها شرح كتاب السنة ذكر فيه احذر صغار المحدثات من الأمور فإن صغار البدع (2/319) ________________________________________ 320 تعود حتى تصير كباراً وكذلك كل بدعة احدثت في هذه الأمة كان أولها صغيراً يشبه الحق فاغتر بذلك م ندخل فيها ثم لم يستطع المخرج منها فعظمت وصارت ديناً يدان به يخالف الصراط المستقيم وخرج من الإسلام فانظر رحمك الله كل من سمعت كلامه من أهل زمانك خاصة فلا تعجلن ولا تدخلن في شيء منه حتى تسأل وتنظر هل كتكلم فيه أحد من أصحاب النبي أو أحد العلماء فإن أصبت فيه أثراً عنهم فتمسك به ولا تجاوزه بشيء لا تختر عليه شيئاً فتسقط في النار وأعلم رحمك الله أنه لا يتم اسلام عبد حتى يكون متبعاً مصدقاً مسلماً فمن زعم أنه قد بقي شيئ من أمر الإسلام لم يكفوناه أصحاب رسول الله فقد كذبهم وكفى بهذا فرقه وطعنا عليهم فهو مبتدع ضال مضل محدث في الإسلام ما ليس فيه وأعلم أن الكلام في الرب تعالى محدث وهو بدعة وضلالة ولا يتكلم في الرب سبحانه وتعالى إلا بما وصف به نفسه في القرآن وما بين رسول الله لأصحابه وهو جل ثناؤه واحد ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ربنا عز وجل أول بلامتي وآخر بلامنتهي يعلم السرو أخفى على عرشه استوى وعلمه بكل مكان لا يخلو من علمه مكان ولا يقول في صفات الرب لم وكيف الإشاك في الله تبارك وتعالى والقرآن كلام الله وتنزيله ونوره وليس بمخلوق لأن القرآن نم الله وما كان من الله فليس بمخلوق وهكذا قال مال بن أنس والفقهاء قبله وبعده والماء فيه كف روه الإيمان بالرؤية يوم القيامة يرون الله تعالى بأعين رؤسهم وهو يحاسبهم بلا حاجب ولا ترجمان والإيمان بالميزان يوم القيامة يوزن فيه الخير والشر له كفتان ولسان والإيمان بعذاب القبر ومنكر ونكير والإيمان بحوض رسول الله ولك لنبي حوضه إلا صالح النبي فإن حوضه ضرع ناقته والإيمان بشفاعة رسول الله للمذنبين الخاطئين يوم القيامة وعلى الصراط (2/320) ________________________________________ 321 ويخرجهم وما من نبي إلا وله شفاعة وكذلك الصديقون والشهداء والصالحون والله عز وجل بعد ذلك يتفضل كثيرا على من يشاء والخروج من النار بعد ما احترقوا وصاروا فحما والإيمان بالصراط على جهنم بأخذ الصراط من شاء الله ويجوز زمن شاء الله ويسقط في جهنم من شاء ولهم أنوار على قدر إيمانهم والإيمان بالله والأنبياء والملائكة والأيمان بالجنة والنار أنهما مخلوقتان الجنة في السماء السابعة وسقفها العرش والنار تحت الأرض السابعة السفلى وهما مخلوقتان قد علم الله عدد أهل الجنة ومن يدخلها وعدد أهل النار ومن يدخلها لا يفنيان أبدا بقاؤهما مع بقاء الله أبد الآبدين ودهر الداهرين وآدم صلى الله عليه وسلم كان في الجنة الباقية المخلوقة فأخرج منها بعد ما عصى الله عز وجل والإيمان بالمسيح والإيمان بنزول عيسى صلى الله عليه وسلم ينزل فيقتل الدجال ويتزوج ويصلي خلف القائم من آل محمد ويدفنه المؤمنون والإيمان بأن الإيمان قول وعمل ونية وإصابة يزيد وينقص يزيد ما شاء الله وينقص حتى لا يبقى منه شيء وأفضل هذه الأمة والأمم كلها بعد الأنبياء صلوات الله عليهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم أفضل الناس بعد هؤلاء طلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وكلهم يصلح للخلافة ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله الذي بعث فيهم المهاجرون الأولون والأنصار وهم من صلى للقبلتين ثم أفضل الناس بعد هؤلاء من صحب رسول الله أو شهرا أو سنة أو أقل من ذلك أو أكثر يترحم عليهم ويذكر فضلهم ويكف عن زللهم ولا يذكر أحد منهم إلا بخير لقول رسول الله ذكر أصحابي فأمسكوا واعلم إن أصول البدع أربعة أبواب يتشعب من هذه الأربعة اثنان وسبعون هوى ويصير كل واحد من البدع يتشعب حتى (2/321) ________________________________________ 322 تصير كله إلى ألفين وثمانمائة مقالة كلها ضلالة وكلها في النار إلا واحدة وهي من آمن بما في هذا الكتاب واعتقده من غير ريبة في قلبه ولا شكوك فهو صاحب سنة وهو ناج أن شاء الله واعلم أنا لرجل إذا أحب مالك بن أنس وتولاه فهو صاحب سنة وإذا رأيت الرجل أبا هريرة وأسيدا وأيوب ابن عون ويونس بن عبيد الله وعبد الله بن إدريس الأنصاري والشعبي ومالك ابن مغول ويزيد بن زريع ومعاذ بن معاذ ووهب بن جرير وحماد بن زيد وحماد بن سلمة ومالك بن أنس والأوزاعي وزائدة بن قدامة وأحمد بحنبل والحجاج بن منهال وأحمد بن نصر وذكرهم بخير وقال بقولهم فاعلم أنه صاحب سنة واعلم أن من تبع جنازة مبتدع لم يزل في سخط الله عز وجل حتى يرجع وقال الفضيل بن عياض آكل مع اليهودي والنصراني ولا آكل مع مبتدع وأحب أن يكون بيني وبين صاحب بدعة حصن من حديد وذكر أبو الحسين بن بشار قال تنزه البربهاري من ميراث أبيه عن تسعين ألف درهم وكانت له مجاهدات ومقامات في الدين كثيرة وكان المخالفون يغلظون قلب السلطان عليه ففي سنة إحى وعشرين وثلثمائة تقدم ابن مقلة بالقبض على البربهاري فاستتر وقبض جماعة من كبار أصحابه وحملوا إلى البصرة فعاقب الله ابن مقلة على فعله ذلك بأن سخط عليه القاهر ووقع له ما وقع ثم تفضل الله عز وجل وأعاد البربهاري إلى حشمته وزادت حتى إنه لما توفي أبو عبد الله بن عرفة المعروف بنفطويه وحضر جنازته أماثل أبناء الدين والدنيا كان المقدم على جماعتهم في الإمامة البربهاوي وذلك في صفر سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة في خلافة الراضي وفي هذه السنة زادت حشمة البربهاوي وعلت كلمته وظهر أصحابه وانتشروا في الإنكار على المبتدعة فبلغنا أن البربهاوي اجتاز بالجانب الغربي فعطس فشتمه أصحابه فارتفعت ضجتهم حتى سمعها الخليفة لو تزل المبتدعة يوغرون قلب الراضي على البربهاري (2/322) ________________________________________ 323 حتى نودي في بغداد أن لا يجتمع من أصحاب البربهاري نفسان فاستتر وتوفي في الاستتار رحمه الله تعالى وحدثني محمد بن الحسن المقرئ قال حكى لي جدي وجدتي قالا كان أبو محمد البربهاري قد اختفى عند أخت توزون بالجانب الشرقي في درب الحمام في شارع درب السلسلة فبقي نحوا من شهر فلقه قيام الدم فقالت أخت توزون لخادمها لما مات البرهاري عندها مستترا انظر من يغسله فجاء بالغاسل فغسله وغلق الأبواب حتى لا يعلم أحد ووقف يصلي عليه وحده فاطلعت صاحبة المنزل فرأت الدار ملأى رجالا بثياب بيض وخضر فلما سلم لم تر أحدا فاستدعت الخادم وقالت اهلكتني مع أخي فقال يا ستي رأيت ما رأيت فقالت نعم فقال هذه مفاتيح الباب وهو مغلق فقالت ادفنوه في بيتي وإذا مت فادفنوني عنده في بيت القبة فدفنوه في دارها وماتت بعده بزمان فدفنت في ذلك المكان ومضى الزمان عليه وصار تربة انتهى ما أورده ابن يعلى ملخصا جدا وفيها القاضي أبو محمد عبد الله بن أحمد بن زبر الربعي البغدادي وله بضع وسبعون سنة سمع عباسا الدوري وطبقته وولي قضاء مصر ثلاث مرات آخرها في ربيع الأول من هذا العام فتوفي بعد شهر ضعفه غير واحد في الحديث ولهعدة تصانيف قال في المغني عبد الله بن أحمد بن ربيعة بن زبر القاضي ضعف روى عن عباس الدوري وابن داود السجزي قال الخطيب كان غير ثقة انتهى وفيها الحامض المحدث وهو أبو القسم عبد الله بن محمد بن إسحاق المروزي ثم البغدادي روى عن سعدان بن نصر وطائفة وفيها أبو نصر محمد بن حمدويه بن سهل بن يزداد المروزي ثم الغازي الحافظ الثقة روى عن أبي السنجي ومحمود بن آدم وطائفة وعنه ابن (2/323) ________________________________________ 324 القواس والدارقطني وقال هو ثقة حافظ وفيها أبو الفضل البلعمي الوزير محمد بن عبيد الله أحد رجال الدهر عقلا ورأيا وبلاغة روى عن محمد بن نصر المروزي وغيره وصنف كتاب تلقيح البلاغة وكتاب المقالات وفيها الراضي بالله الخليفة أبو إسحاق محمد وقيل أحمد بن أبي أحمد بن المتوكل العباسي ولد سنة سبع وتسعين ومائتين من جارية رومية اسمها ظلوم وكان قصيرا أسمر نحيفا في وجهه طول استخلف سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة وهو آخر خليفة له شعر مدون وآخر خليفة انفرد بتدبير الجيوش إلى خلافة المتقي وآخر خليفة خطب يوم الجمعة إلى خلافة الحاكم العباسي فإنه خطب أيضا مرتين وأخر خليفة جالس الندماء ولكنه كان مقهورا مع أمرائه مرض في ربيع الأول بمرض دموي ومات وكان سمحا كريما محبا للعلماء والأدباء سمع الحديث من البغوي توفي في نصف ربيع الآخر وله إحدى وثلاثون سنة ونصف وفيها أبو بكر يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن بهلول أبو بكر التنوخي الأنباري الأزرق الكاتب في آخر السنة بغداد وله نيف وتسعون سنة روى عن جده والحسن بن عرفة وطائفة سنة ثلاثين وثلثمائة فيها كان الغلاء المفرط والوباء ببغداد وبلغ الكر مائتين وعشرة دنانير وأكلوا الجيف وفيها وصلت الروم غارت على أعمال حلب وبدعوا وسبوا عشرة آلاف نسمة وفيها أقبل أبو الحسين علي بن محمد البريدي في الجيوش فالتقاه المتقي وابن (2/324) ________________________________________ 325 رائق فكسرهما ودخلت طائفة من الديلم دار الخلافة فقتلوا جماعة وهرب المتقي وابنه رائق إلى الموصل واختفى وزيره أبو إسحاق القراريطي ووجدوا في الحبس كوتكين وكان قد عثر عليه ابن رائق فسجنه فأهلكه البريدي ووقع النهب في بغداد واشتد القحط حتى بلغ الكر ثلثمائة وستة عشر دينارا وهذا شيء لم يعهد في العراق ثم غرق عم البلاء بزيادة دجلة فبلغت عشرين ذراعا وغرق الخلق ثم خامر توزون وذهب إلى الموصل وأما ناصر الدولة بن حمدان فإنه جاءه محمد بن رائق إلى خيمته فوضع رجله في الركاب فشب به الفرس فوقع فصاح ابن حمدان لا يفوتنكم فقتلوه ثم دفن وعفا قبره وجاء ابن حمدان إلى المتقى فقلده مكان ابن رائق ولقبه ناصر الدولة ولقب أخاه عليا سيف الدولة وعاد وهما معه فهرب البريدي من بغداد وكانت مدة استيلائه عليها ثلاثة أشهر وعشرين يوما ثم تأهب البريدي فالتقاه سيف الدولة بقرب المدائن ودامم القتال يومين فكانت الهزيمة أولا على بني حمدان والأتراك ثم كانت على البريدي وقتل جماعة من أمراء الديلم وأسر آخرون ورد إلى واسط بأسوأ حال وساق وراءه سيف الدولة ففر إلى البصرة وفيها توفي في رجب بمصر أبو بكر محمد بن عبد الله الصيرفي الشافعي له مصنفات في المذهب وهو صاحب وجه روى عن أحمد بن منصور الرمادي قال الأسنوي كان إماما في الفقه والأصول تفقه على ابن سريج وله تصانيف موجودة منها شرح الرسالة وكتاب في الشروط أحسن فيه كل الإحسان قال القفال الشاشي كان الصيرفي أعلم الناس بالأصول بعد الشافعي انتهى وفيها أبو حامد أحمد بن محمد بن يحي بن بلال النيسابوري روى عن الذهلي والحسن الزعفراني وطبقتهما بخراسان والعراق ومصر وفيها أبو يعقوب النهرجوري شيخ الصوفية إسحاق بن محمد صحب (2/325) ________________________________________ 326 الجنيد وغيره وجاوره مدة وكان من كبار العارفين قال السخاوي في طبقاته صحب الجنيد وعمر المكي وأبا يعقوب السوسي وغيرهم من المشايخ أقام بالحرم سنين كثيرة مجاورا ومات بها كان أبو عثمان المغربي يقول ما رأيت في مشايخنا أنور م النهرجوري قال الفناء هو فناء رؤية قيام العبد الله والبقاء رؤية قيام اله في الأحكام وقال الصدق موافقة الحق في السر والعلانية وحقيقة الصدق القول بالحق في مواطن الهلكة وقال العابد بعبد الله تحذيرا والعارف يعبد الله تشويقا وقال في قوله من الناس بسوء الظن أو كما قال بسوء الظن في أنفسكم بأنفكم لا بالناس وقال مفاوز الدنيا تقطع بالإقدام ومفاوز الآخرة تقطع بالقلوب وقال من كان شبعه بالطعام لم يزل جائعا ومن كان غناه بالمال لم يزل فقيرا ومن قصد بحاجته الخلق لم يزل جائعا ومن كان غناه بالمال لم يزل فقيرا ومن قصد بحاجته الخلق لم يزل محروما ومن استعان في أمره بغير الله لم يزل مخذولا وقال الدنيا بحر والآخة ساحل والمركب التقوى والناس سفر وقال لا زوال لنعمة إذا شكرت ولا بقاء لها إذا كفرت وقال اليقين مشاهدة الإيمان بالغيب وقال من عرف الله لم يغتر بالله انتهى ملخصا وفيها تبوك بن أحمد بن تبوك السلمي بدمشق روى عن هشام بن عمار وفيها المحاملي القاضي أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل الضبي البغدادي في ربيع الآخر وله خمس وتسعون سنة وهو ثقة مأمون وأول سماعه في سنة أربع وأربعين من أبي هشام الرفاعي وأقدم شيخ له أحمد بن إسماعيل السهمي صاحب ملك قال أبو بكر الداودي كان يحضر مجلس المحاملي عشرة آلاف رجل يكتبون عنه وقال ابن درباس روى عن الفلاس والدورقي وغيرهما وعنه دعلج والدارقطني وابن جميع أثنى عليه الخطيب انتهى وفيها قاضي دمشق أبو يحي زكريا بن أحمد بن يحي بن موسى خت البلخي الشافعي وهو صاحب وجه روى عن أبي حاتم الرازي وطائفة (2/326) ________________________________________ 327 ومن غرائب وجوهه إذا شرط في القراض أن يعم لرب المال مع العامل جاز قاله في العبر وقال الأسنوي فارق وطنه لأجل الدين ومسح عرض الأرض وسافر إلى أقاصي الدنيا في طلب الفقه وان حسن البيان في النظر عذب اللسان في الجدل وذكره ابن عساكر في تاريخ الشام فقال كان أبوه وجده عالمين وولاه المقتدر بالله قضاء الشام وتوفي بدمشق في ربيع الأول وقيل في ربيع الآخر ونقل عنه الرافعي أنه كان يرى أن القاضي يزو نفسه بامرأة هو وليها قال وحكى عنه إنه فعله لما كان قاضياً بدمشق قال العبادي في الطبقات قال أبو سهل الصعلوكي رأيت ابنه من هذه المرأة يكدى بالشام انتهى ملخصاً وفيها عبد الغافر بن سلامة أبو هاشم الحمصي بالبصرة وله بضع وتسعون سنة روى عن كثير بن عبيد وطائفة وفيها عبد الله بن يونس القيري الأندلسي صاحب بقي بن مخلد وكان كثير الحديث مقبولاً وفيها عبد الملك بن أحمد بن أبي حزة البغدادي الزيات روى عن الحسن ابن عرفة وجماعة وهو نم كبار شيوخ ابن جميع وفيها الحافظ أبو الحسن علي بن محمد بن عبيد البغدادي البزار روى عن عباس الدوري ويحيى بن أبي طالب وعنه الدارقطني وبان جميع وثقة الخطيب وغيره ووصفوه بالحفظ وفيها محمد بن عبد الملك بن أيمن القرطبي أبو عبد الله الحافظ وله ثمان وسبعون سنة رحل إلى العراق سنة أربع وتسعين وصنف كتاباً على سنن أبي داود وسمع من محمد بن إسماعيل الصائغ ومحمد بن الجهم السمري (2/327) ________________________________________ 328 وطبقتهما وعنه ابنه أحمد قال ابن درباس هو مسند الأندلس وهو ثقة ثقة وفيها عمر بن سهل بن إسمعيل الحافظ المجود أبو حفص الدينوري رحال روى عن إبراهيم بن أبي العيش وأبي قلابة الرقاشي وعنه أبو القسم بن ثابت الحافظ وصالح بن أحمد الهمداني ذكره أبو يعلى في الإرشاد فقال ثقة أمام عالم وفيها محمد بن عمر بن حفص الجورجيري بأصبهان سمع أسحق بن القيض ومسعوه بن يزيد القطان وطبقتهما وفيها محمد بن يوسف بن بشر أبو عبد الله الهروي الحافظ غندر من أعيان الشافعية والرحالين في الحديث سمع الربيع بن سليمان والعباس بن الوليد البيروتي وطبقتهما ومنه الطبراني والزبير بن عبد الواحد وهو ثقة ثبت وفيها الزاهد العباد أبو صالح صاحب المسجد المشهور بظاهر باب شرقي يقال اسمه مفلح وكان من الصوفية العارفين سنة إحدى وثلاثين وثلثمائة فيها كما قال في الشذور وافى جراد زائد عن الحد حتى بيع كل خمسين رطلاً بدرهم واستعان به الفقراء على الغلاء وفي التي قبلها ظهر كوكب عظيم ذو ذنب منتشر فبقى ثلاثة عشر يوماً ثم اضمحل واشتد الغلاء والمرض انتهى وفيها قلل ناصر الدولة بن حمدان رواتب المتقى وأخذ ضياعه وصادر (2/328) ________________________________________ 329 العمال وكرهه الناس وزوج بنته بابن المتقى على مائتي ألف دينار وهاجت الأمراء بواسط على سيف الدولة فهرب وسار أخوه ناصر الدولة إلى الموصل فهبت داره واقبل توزون فدخل بغداد فولاه المتقى امرة الأمراء فلم يلبث إن وقعت بينهما الوحشة فرجع توزون إلى واسط ونزح خلق من بغداد من تتابع الفتن والخوف إلى الشام ومصر وبعث المتقى خلعاً إلى أحمد بن بويه فسر بها وفيها أبو روق الهزاني أحمد بن محمد بن بكير بالبصرة وقيل بعدها وله بضع وتسعون سنة روى عن أبي حفص الفلاس وطائفة وبكر بن أحمد بن حفص التنيسي الشعراني روى عن يونس بن عبد العلى وطبقته بمصر والشام وحبشون بن موسى أبو نصر الخلال ببغداد في شعبان وله ست وتسعون سنة روى عن الحسن بن عرفة وعلى بن اشكاب وفيها أبو علي حسن بن سعد بن إدريس الحافظ الكتامي القرطبي قال ابن ناصر الدين كان من الحفاظ الصالحين لكنه لم يكن بالضابط المتين وقال في العبر سمع من بقى بن مخلد مسنده وبمصر من أبى يزيد القراطيس وباليمن من إسحق الدبري وبمكة وبغداد وكان فقيهاً مفتياً صالحاً عاش ثمانيا ًوثمانين سنة قال ابن الفرضي لم يكن بالضابط جداً انتهى وفيها أبو بكر محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة السدوسي ببغداد في ربيع الآخر سمع من جده مسند العشرة ومسند العباس وهو ابن سبع سنين وسمع من الرمادي وأناس ووقه الخطيب وفيها أبو بكر محمد بن إسمعيل الفرغاني الصوفي استاذ أبي بكر الرقي وكان من العبابدين وله بزة حسنة ومعه مفتاح منقوش يصلى ويضعه بين يديه كأنه تاجر وليس له بيت بل ينطرح في المسجد ويطوي أياماً (2/329) ________________________________________ 330 وفيها الزاهد أبو محمود عبد الله بن محمد بن منازل النيسابوري المجرد على الصحة والحقيقة صحب حمدون القصار وحدث بالمسند الصحيح عن أحمد بن سلمة النيسابوري وكان له كلام رفيع في الإخلاص والمعرفة قاله في العبر وقال السخاوي من أجل مشايخ نيسابور له طريقة ينفرد بها وكان عالما بعلوم الظاهر كتب الحديث الكثير ورواه ومات بنيسابور ومن كلامه لا خير فيمن لم يذق ذل المكاسب وذل السؤال وذل الرد وقال بلسانك عن حالك ولا تكن بكلامك حاكيا عن أحوال غيرك وقال إذا لم تنتفع أنت بكلامك كيف ينتفع به غيرك وقال لم يضيع أحد فريضة من الفرائض إلا ابتلاه الله بتضييع السنن ولم يبتل أحد بتضييع السننإلا أوشك أن يبلى بالبدع وقال التفويض مع الكسب خير من خلوه عنه وقال من عظم قدره عند الناس يجب أن يحتقر نفسه عنده وقال أحكام الغيب لا تشاهد في الدنيا ولكن لا تشاهد فضائح الدعاوي وقال لو صح لعبد في عمره نفس من غير رياء ولا شرك لآثر بركات ذلك عليه آخر الدهر وقال لا تكن خصما لنفسك على الخلق وكن خصما للخلق على نفسك انتهى ملخصا وفيها أبو الحسن علي بن محمد بن سهل الدينوري الصائغ الزاهد أحد المشايخ الكبار بمصر في رجب كان صاحب أحوال ومواعظ سئل عن الاستدلال بالشاهد عن الغائب فقال كيف يستدل بصفات من يشاهد ويعاين ويمثل على من لا يشاهد في الدنيا ولا يعاين ولا مثل له ولا نظير وقال من فساد الطبع التمني والأمل وقال كان بعض مشايخنا يقول من تعرض لمحبته جاءته المحن والبلايا وقال أهل المحبة في لهيب شوقهم إلى محبوبهم يتنعمون في ذلك اللهيب أحسن مما يتنعم أهل الجنة فيما أهلوا له من النعيم وقال محبتك لنفسك هي التي تهلكها وسئل ما المعرفة فقال رؤية المنة في كل الأحوال والعجز عن (2/330) ________________________________________ 331 أداء شكر المنعم من كل الوجوه والتبري من الحول والقوة في كل شيء وقال من توالت عليه الهموم في الدنيا فليذكر هما لا يزول يستريح منها وقال الأحوال كالبروق فإذا أثبتت فهو حديث النفس وملازمة الطبع ومن حلو كلامه من أيقن لغيره فماله أن يبخل بنفسه وفيها محمد بن مخلد العطار أبو عبد الله الدوري الحافظ ببغداد سمع يعقوب الدورقي وأحمد بن إسماعيل السهمي وخلائق وعنه الدارقطني وآخرون وكان معروفا بالثقة والصلاح والاجتهاد في الطلب وله تصانيف توفي في جمادى الآخرة وله سبع وتسعون سنة وفيها صاحب ما وراء النهر أبو الحسن نصر بن الملك أحمد بن إسماعيل الساماني بقي في المملكة بعد أبيه ثلاثين سنة وثلاثين يوما وولي بعده ابنه نوح وفيها هناد بن السري بن يحي الكوفي الصغير روى عن أبي سعيد الأشج وجماعة وفيها الجصاص أبو يوسف يعقوب بن عبد الرحمن بن أحمد البغدادي الدعاء روى عن أحمد بن إسماعيل السهمي وعلي بن اشكاب وجماعة وله أوهام وغلطات قال في المغني قال الخطيب في حديثه وهم كثير انتهى سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة قال في الشذور فيها اشتد الغلاء وكثرت اللصوص حتى تحارس الناس بالليل بالبوقات انتهى وفيها قتل أبو عبد الله البريدي أخاه أبا يوسف لكونه عامل عليه ابن بويه ونسبه إلى الظلم ولم يحج الركب لموت القرمطي الطاغية أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد الجنابي في رمضان بهجر من الجدري أهلكه الله به فلا رحم الله فيه مغرز (2/331) ________________________________________ 332 إبرة وقام بعده أبو القسم الجنابي قاله في العبر وفيها توفي الحافظ ابن عقدة أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الكفوي الشيعي أحد أركان الحديث سمع من الحسن بن علي بن عفان ويحيى بن أبي طالب وخلق لا يحصون ومنه الطبراني وابن عدي والدراقطني وغيرهم ولم يرحل إلى غير الحجاز وبغداد لكنه كان آية من الآيات في الحفظ حتى قال الدارقطني اجمع أهل ببغداد إنه لم ير بالكفوة من زمن ابن مسعود رضي الله عنه إلى زمن ابن عقدة احفظ منه وسمعته يقول أنا أجيب في ثلثمائة ألف حديث من حديث أهل البيت وبينى هاشم وروى عن أبن عقدة قال احفظ مائة ألف حديث بإسنادها وإذا كر بثلثمائة ألف حديث وقال أبو سعيد الماليني تحول ابن عقدة مرة فكانت كتبه ستمائة حمل قال في العبر قلت ضعفوه واتهمه بعضهم بالكذب وقال أبو عمران حبوية كان يملى مثالب الصحابة فتركته انتهى وعقدة لقب أبيه وفيها محمد بن بشر أبو بكر الزبيري العكري روى عن بحر بن نصر الخولاني وجماعة وعاش أربعاً وثمانين سنة وفيها محمد بن الحسن أبو بكر القطان النيسابوري في شوال روى عن عبد الرحمن بن بشر وأحمد بن يوسف والسلمي والكبار وفيها محمد بن محمد بن أبي حذيفة أبو علي الدمشقي المحدث روى عن أبي أمية الطرسوسي وطبقته وفيها الإمام ابن ولاد النحوي وهو أبو العباس أحمد بن محمد بن الوليد التميمي المصري من صنف كتاب الإنتصار لسيبويه على المبرد وكان شيخ الديار المصرية في العربية مع أبي جعفر النحاس.

سنة ثلاث وثلاثين وثلثمائة

  • حلف توزرون ايماناً صعبة للمتقي لله فسار التقي من الرقة واثقاً بأيمانه في المحرم فلما قرب من الأنبار جاء توزون وتلقاه وقبل الأرض وأنزله في مخيم ضربه له ثم قبض على الوزير أبي الحسين بن أبي علي بن مقلة وكحل المتقى لله فسمل عينيه وأدخل بغداد مسمولاً مخلوعاً وتوفي في شعبان سنة خمسين وقيل سنة سبع وخمسين وثلثمائة وله ستون سنة وبويع عبد الله بن المكتفي ولقب المستكفي بالله فلم يحل الحول على توزون واستولى أحمد بن بويه على واسط والبصرة والأهواز فسار توزون بعلة الصوع واشتد الغلاء على ابن بويه فرد إلى الأهواز ورد توزون إلى بغداد وقد زاد به الصرع وفيها تملك سيف الدولة بن حمدان حلب وأعمالها وهرب متوليها يانس المونسي إلى مصر فجهز الخشيد جيشاً فالتقاهم سيف الدولة على الرستن فهزمهم وأسر منهم ألف نفس وافتتح الرستن ثم سار إلى دمشق فملكها فسار الأخشيد ونزل على طبرية فخامر خلق من عسكر سيف الدولة إلى الأخشدي فرد سيف الدولة وجمع وحشد فقصده إلاخشيد فالتقاه بقنسرين وهزمه ودخل حلب وهرب سيف الدولة وأما بغداد فكان فيها قحط لم ير مثله وهرب الخلق وكان النساء يخرجن عشرين وعشراً يمسك بعضهن ببعض يصحن الجوع الجوع ثم تسقط الواجدة بعد الواحدة ميتة فأنا لله وإنا إليه راجعون قاله في العبر وفي شوال مات أبو عبيد الله البريدي وقام أخوه أبو الحسين مقامه وكان البريدي هذا على ما قال ابن الفرات ظلوماً عسوفاً وكان أعظم أسباب الغلاء

(2/333) ________________________________________ 334 ببغداد لأنه صادر الناس في أموالهم وجعل على كل كر من الحنطة والشعير خمسة دنانير فبلغ ثمن كر الحنطة ثلثمائة دينار وستة عشر دينارً ث افتتح الخراج في آذار وحصد أصحابه الحنطة والشعير وحملوه بسنبلة إلى منازلهم ووظف الوظائف على أ هل الذمة وعلى سائر المكيلات وأخذ أموال التجار غصباً وظلمهم ظلماً لم يسمع بمصله واستتر أكثر العمال لعظم ما طالبهم به فسبحان الفعال لما يريد وفيها توفي الحافظ فلسطين أبو بكر أحمد بن عمرو بن جابر الطحان بالرملة رحل إلى الشام والجزيرة والعراق وروى عن العباس بن الوليد رحل إلى الشام والجزيرة والعراق وروى عن العباس بن الوليد البيروتي وطبقته وعنه ابن جميع وطبقته وفيها علىما قال ابن درباس الحافظ محدث الشام خيثمة بن سليمان حيدرة الطرابلسي أبو الحسن أحد الثقات روى عن أحمد بن الفرج وطبقته وعنه ابن جميع وابن مندرة وغيرهما قال الخطيب ثقة ثقة وفيها قال ابن ناصر الدين ( مثل الإمام المغربي حز الأدب * ذاك الفتى محمد أبو العرب ) كان ثقة حافظا نبيلا كتب بيده ثلاثة آلاف كتاب وخمسمائة كتاب وفيها أبو علي الؤلؤي محمد بن أحمد بن عمرو البصري راوية السنن عن أبي داود لزم أبا داود مدة طويلة يقرأ السنن للناس سنة أربع وثلاثين وثلثمائة فيها كما قال في الشذور دخل معز الدولة وأبو الحسين بن بويه على المستكفي فظنهما يريدان تقبيل يده فناولهما يده فنكساه عن السرير ووضعا عمامته في عنقه وجراه ونهض أبو الحسين وحمل المستكفي راجلا إلى دار أبي الحسن فاعتقل وخلع من الخلافة انتهى أي وسلمت عيناه أيضا وحبس في دار (2/334) ________________________________________ 335 الخلافة إلى أن توفي في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وثلثمائة وسنة ستة وأربعون سنة وقال في الشذور وفي هذه السنة الغلاء حتى ذبح الصبيان وأكلوا وأكل الناس الجيف وصارت العقار والدور تباع برغفان خبز واشترى لمعز الدولة كر دقيق بعشرين ألف درهم انتهى وفيها اصطلح سيف الدولة والإخشيد وصاهره وتقرر لسيف الدولة حلب وحمص وأنطاكية وفيها تداعت بغداد للخراب من شدة القحط والفتن والجور وهلك توزون بعلة الصرع في المحرم بهيت وفيها توفي كما قال ابن ناصر الدين ( بعدّ فتى يس المضعف * الهروي أحمد المصنف ) وهو أحمد بن محمد بن يس الهروي الحافظ الحداد أبو إسحاق مصنف تاريخ هراة وهو ليسبالقوي وفيها أبو الفضل أحمد بن عبد الله بن نصر بن هلال السلمي الدمشقي في جمادى الأولى وله بضع وتسعون سنة تفرد بالرواية عن جماعة وحدث عن موسى بن عامر المري ومحمد بن إسماعيل بن علية وطبقتهما وفيها الصنوبري الشاعر أبو بكر أحمد بن محمد بن الحسين الضبي الحلبي وشعره في الذروة العليا وفيها الحسين بن يحي أبو عبد الله المتوثى القطان في جمادى الآخرة ببغداد وه خمس وتسعون سنة روى عن أحمد بن المقدام العجلي وجماعة وآخر من حدث عنه هلال الحفار وفيها عثمان بن محمد أبو الحسين الذهبي البغدادي بحلب روى عن أبي بكر ابن أبي الدنيا وطبقته وفيها ابن إسحاق المادرائي أبو الحسن محدث البصرة روى عن علي بن (2/335) ________________________________________ 336 حرب وطائفة وفيها قاضي القضاة أبو الحسن أحمد بن عبد الله الخرقي ولي قضاء واسط ثم قضاء مصر ثم قضاء بغداد في سنة ثلاثين وكان قليل العلم إلى الغاية إنما كان هو وأبوه وأهله من كبار العدول فتعجب الناس من ولايته لكنه ظهرت منه صرامة وعفة وكفاءة قاله في العبر وفيها الوزير العادل أبو الحسن علي بن عيسى بن داود بن الجراح البغدادي الكاتب وزر للمقتدر ثم للقاهر وكان محدثا عالما دينا خيرا كبير الشأن على الإسناد روى عن أحمد بن بديل والحسن الزعفراني وطائفة وعاش تسعين سنة وكان في الوزراء كعمر بن عبد العزيز في الخلفاء قال أحمد بن كامل القاضي سمعت الوزير علي بن عيسى يقول كسبت سبعمائة ألف دينار أخرجت منها في وجوه البر ستمائة ألف دينار آخر من روى عنه ابنه عيسى في أمالية قاله في العبر وفيها الإمام العلامة الثقة أبو القسم الخرقي عمر بن الحسين البغدادي الحنبلي صاحب المختصر في الفقه في الفقه بدمشق ودفن بباب الصغير قاله في العبر وقال ابن أبي يعلى في طبقاته قرأ على من قرأ على أبي بكر المروذي وحرب الكرماني وصالح وعبد الله ابني إمامنا له المصنفات الكثيرة في المذهب لم ينتشر منها إلا المختصر في الفقه لأنه خرج من مدينة السلام لما ظهر فيها سب الصحابة رضوان الله عليهم وأودع كتبه في درب سليمان فاحترقت الدار التي كانت فيها ولم تكن انتشرت لبعده عن البلد قرأ عليه جماعة من شيوخ المذهب منهم أبو عبد الله بن بطة وأبو الحسن التميمي وأبو الحسن بن سمعون وغيرهم قرأت بخط أبي إسحاق البرمكي أن عدد مسائل المختصر ألفان وثلثمائة مسئلة انتهى ملخصا وقال ابن خلكان وكان والده أيضا من الأعيان روى عن جماعة رحمهم الله تعالى أجمعين والخرقي بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء (2/336) ________________________________________ 337 وبعدها قاف هذه النسبة إلى بيع الخرق والثياب انتهى وفيها الحافظ أبو علي محمد بن سعيد القشيري الحراني نزيل الرقة ومؤرخها روى عن سليمان بن سيف الحراني وطبقته وعنه محمد بن جامع الدهان وغندر البغدادي وابن جميع وهو ثقة ثبت وفيها الأخشيد أبو بكر محمد بن طغج بن جف التركي الفرغاني صاحب مصر والشام ودمشق والحجاز وغيرها وصاحب سرير الذهب والخشيد لقب لكل من ملك فرغانة وكان الأخشيد ملكها وولاه خلفاء العباسيين الأمصار حتى عظم شأنه قال في العبر والأخشيد بالتركي ملك الملوك وطغج عبد الرحمن وهو من أولاد ملوك فرغانة وكان جده جف من الترك الذين حملوا إلى المعتصم فأكرمه وقربه ومات في العام الذي قتل فيه المتوكل فاتصل طغج بابن طولون وكان من كبار امرائه وكان الأخشيد شجاعاً حازماً يقظاً شديد البطش لا يكاد أحد يجر قوسه توفي بدمشق في ذي الحجة وله سنت وستون سنة ودفنوه ببيت المقدس وكان له ثماينة آلاف مملوك انتهى ما قاله في العبر وقال ابن خلكان وذكر محمد بن عبد الملك الهمذاني في تاريخه الصغير الذي سماه عيون السير أن جيشه كان يحتوي على أربعمائة ألف رجل وأنه كن جباناً وله ثمانية آلاف مملوك يحرسه فيكل ليلة الفان منهم ويوكل بجانب خيمته الخدم إذا سافر ثم لا يثق حتى يمضي إلى خيم الفراشين فينام فيها ولم يزل على مملكته وسعادته إلى أن توفي في الساعة الرابعة نم يوم الجمعة ثاني عشرى الحجة سنة أربع وثلاثين وثلثمائة بدمشق وحمل تابوته إلى بيت المقدس فدفن به ثم قال ابن خلكان وهو استاذ كافور الأخشيدي وفاتك المجنون ثم قام كافور لمذكور بتربية ابني مخدومة احسن قيام وهما أبو القسم انوجور وأبو الحسين علي انتهى ملخصاً وفيها القائم بأمر الله أبو القسم نزار بن المهدي عبيد الله الدعى الباطني (2/337) ________________________________________ 338 صاحب المغرب وقد سار مرتين إلى مصر ليملكها فما قدر له وكان مولده بسلمية في حدود الثمانين ومائتين وقام بعده ابنه المنصور إسماعيل وفيها الشبلي أبو بكر دلف بن جحدر وقيل جعفر بن يونس وهذا هو المكتوب على قبره الزاهد المشهور صاحب الأحوال والتصوف قرأ في أول أمره الفقه وبرع في مذهب مالك ثم سلك وصحب الجنيد وكان أبوه من حجاب الدولة قال السخاوي في تاريخه أصله من أسر وشنة من قرية من قراها بقال لها شبلية ومولده بسير من رأى كان خاله أمير الأمراء بالإسكندرية وكان الشبلي حاجب الموفق وكان أبوه حاجب الحجاب وكان الموفق جعل لطعمته دماوند ثم حضر الشبلي يوما فجلس خير النساج فتاب فيه ورجع إلى دماوند وقال أنا كنت حاجب الموفق وكان ولايتي بلدتكم هذه فاجعلوني في حل فجعلوه في حل وجهدوا أن يقبل منهم شيئا فأبى وصار بعد ذلك واحد زمانه حالا ويقينا وقال شيخه الجنيد لا تنظروا إلى الشبلي بالعين التي ينظر بعضكم إلى بعض فإنه عين من عيون الله وكان الشبلي فقيها عالما كتب الحديث الكثير وقال محمد بن الحسن البغدادي سمعت الشبلي فقيها عالما كتب الحديث الكثير وقال محمد بن الحسن البغدادي سمعت الشبلي يقول أعرف من لم يدخل في هذا الشأن حتى أنفق جميع ملكه وغرق في هذه الدجلة التي ترون سبعين قمطرا مكتوبا بخطه وحفظ الموطأ وقرأ بكذا قراءة عني به نفسي وقال كتبت الحديث عشرين سنة وجالست الفقهاء عشرين سنة وصحب الجنيد ومن في عصره وصار أوحد العصر حالا وعلما وتوفي في ذي الحجة ودفن بالخيزرانية ببغداد بقرب الإمام الأعظم وله سبع وثمانون سنة وورد أنه سئل إذا اشتبه على المرأة دم بدم الاستحاضة كيف تصنع فأجاب بثمانية عشر جوابا للعلماء انتهى ملخصا سنة خمس وثلاثين وثلثمائة فيها تملك سيف الدولة بن حمدان دمشق بعد موت الإخشيد فجاءته (2/338) ________________________________________ 339 جيوش مصر فدفعته إلى الرقة بعد حروب وأمور واصطلح معز الدولة بنبويه وناصر الدولة بن حمدان وفيها كما قال في الشذور ملكت الديالم الجانب الشرقي أي من بغداد ونهبت سوق يحي وغيره فخرج الناس حفاة مشاة من بغداد إلى ناحية عكبرى هاربين النساء والصبيان فتلفوا من الحر والعطش حتى إن امرأة كانت تنادي في الصحراء أنا ابنة فلان ومعي جوهر وحلي بألف دينار رحم الله من أخذه وسقاني شربة ماء فما التفت إليها أحد فوقعت ميتة وفيها توفي أبو العباس بن القاص أحمد بن أبي أحمد الطبري الشافعي وله مصنفات مشهورة تفقه على ابن سريج وتفقه عليه أهل طبرستان وتوفي بطرسوس قال ابن السمعاني والقاص هو الذي يعظ ويذكر القصص عرف أبوه بالقاص لأنه دخل بلاد الديلم وقص على الناس الأخبار المرغبة في الجهاد ثم دخل بلاد الروم غازيا فبينما هو يقص لحقه وجد وخشية فمات رحمه الله تعالى قاله النووي في تهذيبه وقال ابن خلكان أن صاحب الترجمة وهو أبو العباس هو الذي مات في حالة من الوجد والغشية وله تصانيف صغيرة الحجم كبيرة الفائدة منها التلخيص والمفتاح وأدب القضاء وكتاب دلائل القبلة وأكثره تاريخ وحكايات عن أحوال الأرض وعجائبها وتصنيف في إحرام المرأة وتصنيف في الكلام على قوله يا أبا عمير ما فعل النغير وفيها الطبري المحدث أبو بكر محمد بن جعفر الصيرفي في بغداد وكان ثقة مأمونا روى عن الحسن بن عرفة وطائفة وفيها الصولي أبو بكر محمد بن يحي البغدادي الأديب الأخباري العلامة صاحب التصانيف أخذ الأدب عن المبرد وثعلب وروى عن أي داود السجستاني وطائفة الأعلى هو صول ملك جرجان وكان الصولي حسن الاعتقاد جميل (2/339) ________________________________________ 340 الطريقة يضرب به المثل في لعب الشطرنج ويعتقد كثيرون إنه الذي وضعه وإنما وضعه صصه بن داهر وقيل ابن يلهب وقيل ابن قاسم وضعه لملك الهند شهرام واسمه بلهيث وقيل ماهيت وكان أزدشير بن بابك أول ملوك الفرس الأخيرة قد وضع النرد ولذلك قيل له نردشير لأنهم نسبوه إلى واضعه المذكور وجعله مثالا للدنيا وأهله فرتب الرقعة اثني عشر بيتا بعدد شهور السنة ومن الجهة الأخرى اثني عشر بيتا بعدد البروج وجعل القطع ثلاثين بعدد أيام الشهر وجعل الفصوص فيما يرمي به من كل جهتين سبعة بعدد أيام الأسبوع وجعل ما يأتي به اللاعب مثالا للقضاء والقدر فتارة له وتارة عليه فافتخرت ملوك الفرس بذلك فلما وضع صصه الشطرنج قضت حكماء ذلك العصر وعرضه على ملك الهند المذكور أ ' جبه وفرح به كثيرا وأمر أن يكون في بيت الديانة ورآه أفضل ما علم لأنه آلة للحرب وعز للدين والدنيا وأساس لكل عدل فأظهر الشكر على ما أنعم عليه به في ملكه وقال له اقترح على ما تشتهي فقال له اقترحت أن تضع حبة قمح في البيت الأول ولا تزال تضعها حتى تنتهي إلى آخرها فمهما بلغ تعطيني فاستصغر الملك ذلك وأنكر عليه كونه قابله بالنرز وقد كان أضمر له شيئا كثيرا فقال ما أريد إلا هذا فأجابه إلى مطلوبه وتقدم له به فلما حسبه أرباب الديوان قالوا ما عندنا ولا في ملكنا ما يفي به ولا ما يقاربه فكانت أمنيته أعجب من وضعه وكيفية تضعيفه وما انتهى إليه التضعيف مما شاع وذاع فلا نطيل به ولكن ما انتهى إليه التضعيف على ما قاله ابن الأهدل وهو آخر بيت من أبيات الرقعة الأربعة والستين إلى ستة عشر ألف مدينة وثلثمائة وأربع وثمانين مدينة وقال ابن الأهدل أيضا ومن المعلوم قطعا أن الدنيا ليس فيها مدن أكثر (2/340) ________________________________________ 341 من هذا العدد فإن دور كرة الأرض بطريق الهندسة وهو ثمانية آلاف فرسخ بحيث لو وضعنا طرف حبل على أي موضع من ألأرض وأدير الحبل على كرة الأرض ومسح الحبل كان أربعة وعشرين ألف ميل وهي ثمانية آلاف فرسخ وذلك قطعي لا شك فيه وقد أراد المأمون أن يقف على حقيقة ذلك فسأل بني موسى بن شاكر وكانوا قد انفردوا بعلم الهندسة فقالوا نعم هذا قطعي فسألهم تحقيقه معاينة فسألوا عن صحراء مستوية فقيل صحراء سنجار ووطأة الكوفة فخرجوا إليها ووقفوا في موضع واحد ثم أخذوا ارتفاع القطب الشمالي وضربوا في ذلك الموضع وتدا وربطوا حبلا طويلا ثم مشوا إلى الجهة الشمالية على الاستواء من غير انحراف إلى يمين أو شمال بحسب الأمكان فلما فرغ الحبل نصبوا وتدا آخر في الأرض وربطوا فيه حبلا آخر ومضوا إلى جهة الشمال حتى انتهوا إلى موضع أخذوا فيه ارتفاع القطب المذكور فوجدوه قد زاد على الارتفاع الأول درجة فمسحوا ذلك القدر الذي قدروه من الأرض بالحبال فبلغ ستة وستين ميلا وثلثي ميل وجميع الفلك ثلثمائة وستون درجة لأن الفلك مقسوم باثني عشر برجا وكل برج ثلاثون درجة فضربوا عدد درج الفلك الثلثمائة والستين في ستة وستين ميلا وثلثين التي هي حصة كل درجة فكانت الجملة أربعة وعشرين ألف ميل وهي ثمانية آلاف فرسخ قال فعلى هذا يكون دور كرة الأرض مسيرة ألف مرحلة وذلك مسيرة ثلاث سنين إلا ثمانين يوما بسير النهار دون الليل لأن المرحلة ثمانية فراسخ والفرسخ ثلاثة أميال وهذا ينافي ما اشتهر أن الأرض مسيرة خمسمائة سنة ويعلم من ذلك أيضا أن في كل ثلاث مراحل إلا خمسة أميال وثلث في السير إلى جهة الشمال يرتفع القطب درجة ويكون عرض تلك البلد أزيد من التي ابتدئ السير منها بدرجة ومما يدل على هذا أن عرض المدينة المشرفة يزيد على عرض مكة المعظمة ثلاث درج والله أعلم انتهى (2/341) ________________________________________ 342 ما أورده ابن الأهدل ملخصا وقال المسعودي ذكر لي أن الصولي في بدء دخوله على الإمام وقد كان ذكر له تخريجه في اللعب بالشطرنج وكان الماوردي اللاعب متقيدا عنده متمكنا من قلبه معجبا به للعبه فلما لعبا جميعا بحضرة المكتفي حسن رأيه في الماوردي وتقدم على نصرته وتشجيعه وتنبيهه حتى أدهش ذلك الصولي في أول وهلة فلما اتصل اللعب بينهم وجمع له الصولي متانته وقصد قصده غلبه غلبا لا يكاد يرد عليه شيء وتبين حسن لعب الصولى للمكتفي فعدل عن موالاة الماوردي وقال عاد ماء وردك بولا وصنف الصولي المصنفات الحسان منها كتاب الوزراء وكتاب الورقة وكتاب أخبار القرامطة وكتاب الغرر وكتاب أخبار أبي عمرو بن العلاء وجمع أخبار جماعة من الشعراء ورتبه على حروف المعجم وكلهم من المحدثين وكان ينادم الخلفاء وكان أغلب فنونه أخبار الناس وله رواية واسعة ومحفوظات كثيرة وتوفي بالبصرة مستترا لأنه روى خبرا في حق علي كرم الله وجهه فطلبه الخاصة والعامة فلم يقدروا عليه وكان قد خرج من بغداد لضائقة لحقته وفيها الهيثم بن كليب الحافظ أبو سعيد الشاشي صاحب المسند ومحدث ما وراء النهر عن عيسى بن أحمد البلخي وأبي عيسى الترمذي والدوري وآخرين وعنه علي بن أحمد الخزاعي ومنصور بن نصر الكاغدي وآخرون وهو ثقة سنة ست وثلاثين وثلثمائة فيها كما قال في الشذور وظهر كوكب عظيم ذو ذنب منتشر طوله نحو ذراعين فبقى ثلاثة عشر يوما ثم اضمحل انتهى وفيها ظفر المنصور العبيدي بمخلد بن كيداد وقتل قواده ومزق جيشه (2/342) ________________________________________ 343 وفيها توفي الحافظ أبو الحسين أحمد بن المنادي واسم المنادي جعفر بن محمد بن جعفر بن أبي داود عبيد الله البغدادي وله ثمانون سنة صنف وجمع وسمع من وغيره ومنه أحمد بن نصر الشذائي وغيره قال الخطيب كان صلب الدين شرس الأخلاق مع كونه ثقة وفيها حاجب بن أحمد بن يرحم أبو محمد الطوسي وهو معمر ضعيف الحديث زعم أنه ابن مائة وثمان سنين وحدث عن محمد بن رافع والذهلي والكبار قاله في العبر وقال في المغني حاجب بن أحمد الطوسي شيخ مشهور لقيه ابن مندة ضعفه الحاكم وغيره في اللقى انتهى وفيها أبو العباس الأثرم محمد بن أحمد بن حماد المقرئ البغدادي وله ست وتسعون سنة روى عن الحسن بن عرفة بن شبة والكبار وتوفي بالبصرة وفيها الحكيمي مكبرا نسبة إلى حكيم جد محمد بن أحمد بن إبراهيم الكاتب ببغداد في ذي الحجة روى عن زكريا بن يحي المروزي وطبقته وفيها الميداني أبو علي محمد بن أحمد بن محمد بن معقل النيسابوري في رجب فجأة وكان عنده جزء عن الذهلي وهو الذي تفرد به سبط السلفي وفيها أبو طاهر المحمد باذي نسبة إلى محمد اباذ محلة خارج نيسابور محمد بن الحسن بن محمد النيسابوري أحد اللسان روى عن أحمد بن يوسف السلمي وطائفة ببغداد عن عباس الدوري وذويه وكان إمام الأئمة ابن خزيمة إذا شك في لغة سأله (2/343) ________________________________________ 344 سنة سبع وثلاثين وثلثمائة فيها كان الغرق ببغداد وبلغت دجلة أحدا وعشرين ذراعا وهلك خلق تحت الهدم وفيها قوى معز الدولة على صاحب الموصل ابن حمدان وقصده ففر ابن حمدان إلى نصيبين ثم صالحه على حمل ثمانية آلاف ألف في السنة وفيها خرجت الروم لعنهم الله وهزمهم سيف الدولة على مرعش وملك مرعش وفيها توفي أبو إسحاق القرميسيني نسبة إلى قرميسين مدينة بالعراق إبراهيم ابن شيبان شيخ الصوفية ببلاد الجيل صحب إبراهيم الخواص وساح بالشام ومن كلامه علم الفناء والبقاء يدور على إخلاص الوحدانية وصحة العبودية وما كان غير هذا فهو من المغاليط والزندقة قال السخاوي له مقامات في الورع والتقوى يعجز عنها الخلق وكان متمسكا بالكتاب والسنة لازما لطريقة المشايخ والأئمة المتقدمين قال عبد الله بن منازل وقد سئل عنه هو حجة الله على الفقراء وأهل الدب والمعاملات ومن كلامه من أراد أن يتعطل ويتبطل فليلزم الرخص والذي ذكره اليافعي في نشر المحاسن عنه من أراد أن يتعطل أو يتبطل أو يتنطل فليلزم الرخص ومعنى يتنطل من قول العرب فلان ناطل يعنون ليس بجيد بل ساقط ويقولون نطل الخز من التنور إذا سقط منه ووقع في الرماد ومن كلامه إذا سكن الخوف القلب أحرق محل الشهوات فيه وطرد عنه رغبة الدنيا وحال بينه وبين النوم وبعد فإن الذي قطعهم وأهلكهم محبة الراكنين إلى الدنيا وقال يا بني تعلم العلم لأدب الظاهر واستعمل الورع لأدب الباطن وإياك أن يشغلك عن الله شاغل فقل من أعرض عنه فأقبل عليه وقال الخلق محل الآفات وأكثر منهم آفة من يأنس بهم أو يسكن إليهم وقال صحبت أبا عبد الله المغربي ثلاثين سنة فدخلت عليه يوما وهو (2/344) ________________________________________ 345 يأكل فقال لي أذن وكل معي فقلت له أني قد صحبتك منذ ثلاثين سنة لم تدعني إلى طعامك إلا اليوم فما بالك دعوتني اليوم فقال لأن النبي قال لا يأكل طعامك إلا تقى ولم يظهر لي تقاك إلا اليوم وفيها محمد بن علي بن عمر أبو علي النيسابوري المذكر أحد الضعفاء سمع من أحمد بن الأزهر وأقرانه ولو اقتصر عليهم لكان مسند خراسان ولكنه حدث عن محمد بن رافع والكبار قاله في العبر وقال في المغني محمد بن علي ابن عمر المذكر النيسابوري شيخ الحاكم لا ثقة ولا مأمون انتهى وفيها عمر المذكر بن إبراهيم بن محمد الجرجاني البحري أبو يعقوب حافظ ثقة قال ابن ناصر الدين 0 غسحق البحري ذا الجرجاني * شيخ زكا لحفظه المعاني ) سنة ثمان وثلاثين وثلثمائة فيها كما قال في الشذور وقعت فتنة بين السنة والشيعة ونهبت الكرخ وفيها ولى قضاء القضاة أبو السائب عتبة بن عبد الله ولم يحج ركب العراق وفيها توفي المستكفي بالله أبو القسم عبد الله بن المكتفي بالله على بن وحبس حتى مات وله ست وأربعون سنة وكان ابيض جميلاً ربعة أكحل اقنى خفيف العارضين وأمه أمة وكانت مدة خلافته سنة واحدة وأربعة أشهر وما زال مغلوباً على أمره مدة خلافته والله أعلم وفيها أحمد بن سليمان بن ريان أبو بكر الكندي الدمشقي الضرير ذكر أنه ولد سنة خمس وعشرين ومائتين وأنه قرأ على أحمد بن يزيد الحلواني وأنه سمع من هشام بن عمار وابن أبي الحواري وروى عنه تمام الرازي (2/345) ________________________________________ 346 وعبد الرحمن بن أبي نصر ثم تركا الرواية عنه لما تبين أمره قال الحافظ عبد الغني الأزدي كان غير ثقة وقال عبد العزيز الكتاني كان يعف بابن ريان العابد لزهده وروعه وفيها أبو جعفر النحاس أحمد بن محمد بن إسماعيل المرادي المصري النحوي كان ينظر بابن الأنباري ونفطويه وله تصانيف كثيرة وكان مقتراً على نفسه في لباسه وطعامه توفي في ذي الحجة قال السيوطي في حسن المحاضرة وقد أخذ عن الأخفش الصغير وغيره وروى الحديث عن النسائي ومن مصنفاته تفسير القرآن والناسخ والمنسوخ وشرح أبيات سيبويه وشرح المعلقات غرق تحت المقياس ولم يدر أين ذهب انتهى وفيها إبراهيم بن عبد الرازق الأنطاكي المقرىء مقرىء أهل الشام في زمانه قرأ على قنبل وهرون الأخفش وعثمان بن خرزاذ وصنف كتاباً في القراءات الثمان وروى الحديث عن أبي أمية الطرسوسي وقيل توفي في السنة الآتية وفيها أبو إسحق إبراهيم بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي ثابت السامري القاضي نزيل دمشق ونائب الحكم بها وصاحب الجزء المشهور روى عن الحسن بن عرفة وسعدان بن نصر وطائفة من العراقيين والشاميين والمصريين وثقه الخطيب وتوفي في ربيع الآخر والسامري بفتح الميمي وتشديد الراء نسبة إلى سر من رأى مدينة فوق بغداد وفيها أبو لعي الخضايري الحسن بن حبيب الدمشقي الفقيه الشافعي روى عن الربيع بن سليمان وابن عبد الحكم وحدث بكتاب الأم للشافعي رضى الله عنه قال الكتاني هو ثقة نبيل حافظ لمذهب الشافعي مات في ذي القعدة وفيها عماد الدولة أبو الحسن علي بن بويه بن فناخسر الديلمي صاحب بلاد فارس وهو أول من ملك من أخوته وكان الملك معز الدولة أحمد أخوه (2/346) ________________________________________ 347 يتأدب معه ويقدمه على نفسه عاش بضعا وخمسين سنة وكانت أيامه ست عشرة سنة وملك فارس بعده ابن أخيه عضد الدولة بن ركن الدولة وذكر أبو محمد هارون بن العباس المأموني في تاريخه أن عماد الدولة المذكور اتفقت له أسباب عجيبة كانت سببا لثبات ملكه منها أنه لما ملك شيراز في أول ملكه اجتمع أصحابه وطالبوه بالأموال ولم يكن معه ما يرضيهم به وأشرف أمره على الإنحلال فاغتم لذلك فبينا هو مفكر وقد استلقى على ظهره في مجلس قد خلا فيه للتفكير والتدبير إذ رأى حية خرجت من موضع من سقف ذلك المجلس ودخلت موضعا آخر منه فخاف أن تسقط عليه فدعا بالفراشين وأمرهم بإحضار سلم وأن تخرج الحية فلما صعدوا وبحثوا عن الحية وجدوا ذلك السقف يفضي إلى غرفة بين سقفين فعرفوه ذلك فأمرهم بفتحها ففتحت فوجد فيها عدة صناديق من المال والمصاغات قدر خمسمائة ألف دينار فحمل المال إلى بين يديه وسر به وأنفقه في رجاله وثبت أمره بعد أن كان أشفى على الانخرام ثم إنه قطع ثيابا وسأل عن خياط حاذق فوصف له خياط كان لصاحب البلد قبله فأمر بإحضاره وكان أطروشا فوقع له إنه قد سعى به إليه في وديعة كانت عنده لصاحبه وإنه طالبه بهذا السبب فلما خاطبه حلف أنه ليس عنده إلا اثنا عشر صندوقا لا يدري ما فيها فعجب عماد الدولة من جوابه ووجه معه من حملها فوجد فيها أموالا وثيابا بجملة عظيمة فكانت هذه الأسباب من أقوى دلائل سعادته ثم تمكنت حاله واستقرت قواعده وكانت وفاته يوم الأحد سادس جمادى الأولى بشيراز ودفن بدار المملكة وأقام في الملك ستة وعشرين سنة وقيل إنه ملك في جمادى الأولى بشيراز ودفن بدار المملكة وأقام في الملك ستة وعشرين سنة وقيل إنه ملك في جمادى الآخرة سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة ولم يعقب وأتاه في مرضه أخوه ركن الدولة واتفقا على تسليم بلاد فارس إلى عضد الدولة فتسلمها وفيها علي بن محمد أبو الحسن الواعظ المصري وهو بغدادي أقام بمصر (2/347) ________________________________________ 348 مدة روى عن أحمد بن عبيد بن ناصح وأبي يزيد القراطيسي وطبقتهما وكان صاحب حديث له مصنفات كثيرة في الحديث والزهد وكان مقدم زمانه في الوعظ قال السيوطي في حسن المحاضرة قال ابن كثير ارتحل إلى مصر فأقام بها حتى عرف بالمصري روى عنه الدارقطني وغيره وكان له مجلس وعظ عظيم مات في ذي القعدة وله سبع وثمانون سنة انتهى ملخصا وفيها علي بن محمد بن سختونة بن خمشاد أبو الحسن النيسابوري الحافظ العدل الثقة أحد الأئمة سمع الفضل بن محمد الشعراني وإبراهيم ديزيل وطبقتهما ورحل وطوف وصنف وله مسند كبير في أربعمائة جزء وأحكام في مائتين وستين جزءا توفي فجأة في الحمام وله ثمانون سنة قال أحمد بن إسحاق الضبعي صحبت علي بن خمشاد في الحضر والسفر فما أعلم أن الملائكة كتبت عليه خطيئة وفيها محمد بن عبد الله بن دينار أبو عبد الله النيسابوري الفقيه الرجل الصالح سمع السري بن خزيمة وأقرانه قال الحاكم كان يصوم النهار ويقوم الليل ويصبر على الفقر ما رأيت في مشايخنا أصحاب الرأي أعبد منه سنة تسع وثلاثين وثلثمائة فيها دخل سيف الدولة بن حمدان بلاد الروم في ثلاثين ألفا فافتتح حصونا وسبى وغنم فأخذت الروم عليه الدروب فاستولوا على عسكره قتلا وأسرا ونجا هو في عدد قليل ووصل من سلم في أسوأ حال وفيها أعادت القرامطة الحجر الأسود إلى مكانه وكان بحكم بذل لهم في رده خمسين ألف دينار فلم يردوه وقالوا أخذناه بأمر وإذا ورد أمر رددناه فردوه وقالوا رددناه بأمر من أخذناه بأمره لتتم مناسك الناس قاله في الشذور (2/348) ________________________________________ 349 وفيها توفي الحافظ أبو محمد بن إبراهيم الطوسي البلاذري الصغير روى عن ابن الضريس وطبقته قال الحاكم كان واحد عصره في الحفظ والوعظ خرج صحيحا على وضع مسلم وهو ثقة وفيها حفص بن عمر الأردبيلي أبو القسم الحافظ محدث أذربيجان وصاحب التصانيف روى عن أبي حاتم الرازي ويحيى بن أبي طالب وطبقتهما وعنه ابن لال وغيره وكان رحالاً مصنفاً والأردبيلي بالفتح وسكون الراء وضم الدال المهملة وكسر الموحدة وسكون التحتية نسبة إلى أردييل من بلاد أذربيجان وفيها قاضي الإسكندرية علي بن عبد الله بن أبي مطر المعارفي نسبة إلى المعافر بطن من قحطان الإسكندراني الفقيه أبو الحسن المالكي وله مائة سنة روى عن محمد بن عبد الله بن ميمون صاحب الوليد بن مسلم وغيره وفيها القاضي ابن الأشناني أبو الحسين عمر بن الحسن ببغداد روى عن محمد بن عيسى بن حيان المدائني وابن أبي الدنيا وعدة وضعفه الدارقطني وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن احمد الأصبهاني الصفار روى عن أسيد بن أبي عاصم وطبقته وصنف في الزهد وغيره وصحب العباد وكان من أكثر الحافظ حديثاً قال الحاكم هو محدث عصره مجاب الدعوة لم يرفع رأسه إلى السماء نيفاً وأربعين سنة توفي في ذي القعدة وله ثمان وتسعون سنة وفيها القاهر بالله أبو منصور محمد بن المعتضد بالله أحمد بن طلحة بن جعفر العباسي سملت عيناه وخلع في سنة اثنتين وعشرين وكانت خلافته سنة وسبعة أشهر وكان ربعة أسمر أصهب الشعر طويل الأنف فاتكاً ظالماً سيء (2/349) ________________________________________ 349 السيرة كان بعد الكحل والعمى حبس تارة ويترك أخرى فوقف يوماً بجامع المنصور بن الصوف وعليه مبطنة بيضاء وقال تصدقوا على فأنا من عرفتم فقام أبو عبد الله بن أبي موسى الهاشمي فأعطاه خمسمائة درهم ثم منع لذلك من الخروج فقيل أنه أراد أن يشنع بذلك على المستكفي ولعله فعل ذلك في أيام القحط توفي في جمادى الأولى وله ثلاث وخمسون سنة وفيها محدث بغداد أبو جعفر محمد بن عمرو بن البختري الرزاز وله ثمان وثمانون سنة روى عن سعدان بن نصر ومحمد بن عبد الملك الدقيقي وطائفة وفيها أبو نصر الفارابي صاحب الفلسفة محمد بن محمد بن طرخان التركي ذو المصنفات المشهورة في الحكمة والمنطق والموسيقى التي من ابتغى الهدى فيها أضله الله وكان مفرط الذكاء قدم دمشق ورتب له سيف الدولة كل يوم أربعة دراهم إلى أن مات وله نحو من ثمانين سنة قاله في العبر وقال ابن الأهدل قيل هو أكبر فلاسفة المسلمين لم يكن فيهم من بلغ رتبته وبه أي بتآليفه تخرج أبو على بن سينا وان يحقق كتاب ارسطاطاليس وكتب عنه في شرحه سبعون سفراً ولم يكن في وقته مثله ولم يكن في هذا الفن أبصر من الفارابي وسئل من أعلم أنت أو أرسطاطاليس فقال لو أدركته لكنت أكبر تلامذته ويقال أن آلة الصابون من وضعه قال الفقيه حسين هؤلاء الثلاثة متهمون في دينهم يعنى الفارابي والكندي وابن سينا فلا تغتر بالسكوت عنهم انتهى ما أورده ابن الأهدل ملخصاً وقال ابن خلكان هو أكبر فلاسفة المسلمين لم يكن فيهم من بلغ رتبته في فنونه والرئيس أبو علي بن سيناء بكتبه تخرج وبه انتفع في تصانيفه وكان الفارابي رجلاً تركيا ولد في بلده ونشأ بها ثم خرج من بلده وتنقلت به الأسفار إلى أن وصل إلى بغداد وهو يعرف اللسان التركي وعدة لغات غير العربي فشرع في اللسان العربي فتعلمه واتقنه غاية (2/350) ________________________________________ 351 الإتقان ثم اشتغل بعلوم الحكمة ولما دخل بغداد كان بها أب بشر متى بن يونس الحكيم المشهور وهو شيخ كبير وكان يعلم الناس فن المنطق وله إذ ذاك صيت عظيم وشهرة وافية ويجتمع في حلقته خلق كثير من المشتغلين وهو يقرأ كتاب أرسطاطاليس في المنطق ويملي على تلاميذه شرحه سبعون سفرا ولم في ذلك الوقت مثله أحد في فنه وكان حسن العبارة في تأليفه وكان يستعمل في تصانيفه البسط والتذليل حتى قال بعض علماء هذا الفن ما أرى أبا نصر الفارابي أخذ طريق تفهيم المعاني الجزلة بالألفاظ السهلة إلا من بشر يعني المذكور وكان أبو نصر يحضر حلقته في غمار تلامذته فأقام أبو نصر برهة ثم ارتحل إلى مدينة حران وفيها يوحنا بن جيلان الحكيم النصراني فأخذ عنه طرفا من المنطق أيضا ثم إنه قفل إلى بغداد راجعا وقرأ بها علوم الفلسفة وتناول جميع كتب أرسطاطاليس وتمهر في استخراج معانيها والوقوف على أغراضه فيها ويقال إنه وجد كتاب النفس لأرسطاطاليس وعليه مكتوب بخط أبي نصر الفارابي قرأت السماع الطبيعي لأرسطا طاليس أربعين مرة وأرى أني محتاج إلى معاودة قراءته ورأيت في بعض المجاميع أن أبا نصر لما ورد على سيف الدولة وكان مجلسه مجمع الفضلاء في جميع المعارف وكان سلطان الشام يومئذ فدخل عليه وهو بزي الأتراك وكان ذلك زيه دائما فقال له سيف الدولة اقعد فقال حيث أنا أم حيث أنت ثم تخطى رقاب الناس حتى انتهى إلى مسند سيف الدولة وزاحمه فيه حتى أخرجه عنه وكان على رأس سيف الدولة مماليك وله معهم لسان خاص يسارهم به قل أن يعرفه أحد فقال لهم بذلك اللسان إن هذا الشيخ قد أساء الأدب وإني مسائله عن أشياء إن لم يعرفها فاخرقوا به فقال له أبو نصر بذلك اللسان أيها الأمير اصبر فإن الأمور بعواقبها فعجب سيف الدولة منه وقال له لا أتحسن هذا اللسان قال نعم أحسن أكثر من سبعين لسانا فعظم عنده ثم أخذ يتكلم مع العلماء (2/351) ________________________________________ 352 الحاضرين في المجلس في كل فن فلم يزل كلامه يعلو وكلامهم يسفل حتى صمت الكل وبقي يتكلم وحده ثم أخذوا يكتبون ما يقوله فصرفهم سيف الدولة وخلا به فقال له هل لك أن تأكل شيئا قال لا قال فهل تشرب قال لا قال فهل تسمع فقال نعم فأمر سيف الدولة بإحضار القيان فحضر كل ماهر في هذا الفن بأنواع الملاهي فلم يحرك أحد منهم آلة إلا وعابه أبو نصر وقال أخطأت فقال سيف الدولة وهل تحسن في الصناعة شيئا قال نعم ثم أخرج من وسطه خريطة فتحها وأخرج منها عيدانا فركبها ثم لعب بها فضحك كل منفي المجلس ثم فكها وغير تركيبها وركبها تركيبا آخر وضرب بها فبكى كل من في المجلس ثم فكها وغير تركيبها وحركها فنام مل من في المجلس حتى البواب فتركهم نياما وخرج ويحكى أن الآلة المسماة بالقانون من وضعه وهو أول من ركبها هذا التركيب وكان منفردا بنفسه لا يجالس الناس وكان مدة مقامه بدمشق لا يكون غالبا إلا في مجتمع المياه ومشتبك الرياض ويؤلف هناك كتبه ويأتيه المشتغلون عليه وكان أكثر تصانيفه فصولا وتعاليق ويوجد بعضها ناقصا مبتورا وكان أزهد الناس في الدنيا لا يحتفل بأمر مكسب ولا مسكن وأجرى عليه سيف الدولة من بيت المال كل يوم أربعة دراهم وهو الذي اقتصر على القناعة ولم يزل على ذلك إلى أن توفي بدمشق وصلى عليه سيف الدولة في أربعة من خواصه وقد ناهز ثمانين سنة ودفن بظاهر دمشق خارج باب الصغير وتوفي متى بن يونس ببغداد في خلافة الراضي هكذا حكاه ابن صاعد القطبي في طبقات الأطباء والفارابي بفتح الفاء والراء وبينهما ألف وبعد الألف الثانية باء موحدة نسبة إلى فاراب وتسمى في هذا الزمان أترار وهي مدينة فوق الشاش قريبة من مدينة بلاساغون وجميع أهلها على مذهب الشافعي رضي الله عنه وهي قاعدة من قواعد مدن الترك ويقال لها فاراب الداخلة ولهم فاراب الخارجة وهي في أطراف بلاد فارس انتهى (2/352) ________________________________________ 353 ما أورده ابن خلكان ملخصا وبالجملة فأخبر وعلومه وتانيفه كثيرة شهيرة ولكن أكثر العلماء على كفره وزندقته حتى قال الإمام الغزالي في كتابه المنقذ من الضلال والمفصح عن الأحوال لا نشك في كفرهما أي الفارابي وابن سينا وقال فيه أيضا وأما الآلهيات ففيها أكثر أغاليطهم وما قدروا على الوفاء بالرهان على ما شرطوا في المنطق ولذلك كثر الاختلاف بينهم فيه ولقد قرب مذهب أرسطاطاليس فيها من مذهب الإسلاميين الفارابي وابن سينا ولكن مجموع ما غلطوا فيه يرجع إلى عشرين أصلا يجب تكفيهم في ثلاثة منها وتبديعهم في سبعة عشر ولإبطال مذهبهم في هذه المسائل العشرين صنفنا كتاب التهافت وأما المسائل الثلاث فقد خالفوا فيها كافة الإسلاميين وذلك قولهم أن الأجسام لا تحشر وأن المثاب والمعاقب هي الروح روحانية لا جسمانية ولقد صدقوا في إثبات الروحانية فإنها قائمة أيضا ولكن كذبوا في إنكار الجسمانية وكفروا بالشريعة فيما نطقوا به ومن ذلك قولهم إن الله يعلم علم الكليات دون الجزئيات وهذا أيضا كفر صريح بل الحق أنه لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ومن ذلك قولهم بقدم العالم وأزليته ولم يذهب أحد من المسلمين إلى شيء من هذه المسائل وأما ما وراء ذلك مننفيهم الصفات وقولهم أنه عالم بالذات لا بعلم زائد وما يجري مجراه فمذهبهم فيه قريب من مذهب المعتزلة ولا يجب تكفير المعتزلة وقال فيه أيضا القسم الثالث الآلهيون وهم المتأخرون مثل سقراط وهو أستاذ أفلاطون وأفلاطون أستاذ أرسطاطاليس وهو الذي رتب لهم المنطق وهذب العلوم وخمر لهم ما لم يكن مخمرا من قبل وأوضح لهم ما كان انمحى من علومهم وهم بحملتهم ردوا على الصنفين الأولين من الدهرية والطبيعية وأوردوا في الكشف عن فضائحهم ما أغنوا به غيرهم وكفى الله المؤمنين القتال بتقابلهم ثم رد أرسطاطاليس على أفلاطون وسقراط ومن كان قبله (2/353) ________________________________________ 354 من الآلهيين ردا لم يقصر فيه حتى تبرأ عن جميعهم إلا أنه استبقى أيضا من رذائل كفرهم وبدعتهم بقايا لم يوفق للنزوع عنها فوجب تكفيهم وتكفير شيعهم من الإسلاميين كابن سينا والفارابي وأمثالهما على أنه لم يقم بعلم أرسطاطاليس أحد من المتفلسفة الإسلاميين كقيام هذين الرجلين وما نقله غيرهم ليس يخلو عن تخطيط يتشوش فيه قلب المطالع حتى لا يفهم ومالا يفهم كيف يرد أو قبل ومجموع ما صح عندنا من فلسفة أرسطاطاليس بحسب نقل هذين الرجلين ينحصر في ثلاثة أقسام قسم يجب التفكير به وقسم يجب التبديع به وقسم لا يجب انكاره أصلاً انتهى ما قاله حجة الإسلام الغزالي فرحمه الله تعالى رحمة واسعة فانظر ما يجر إليه علم المنطق وما يترتب عليه للمتوغل فيه ولهذا حرمه أعيان الإجلاء كابن الصلاح والنواوي والسيوطي وابن نجيم في أشباهه وابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهم وإن كان أكثر الحنابلة على كراهته قال الشيخ مرعي في غاية المتهى مالم يخف فساد عقيدة أي فيحرم والله تعالى أعلم بالصواب سنة أربعين وثلاثمائة فيها سار الوزير أبو محمد الحسن بن محمد المهلبي بالجيوش وقد استوزر عام أول فالتقى القرامطة فهزمهم واستباح عسكرهم وعاد بالأسارى وفيها جمع سيف الدولة جيشاً عظيماً ووغل في بلاد الروم فغنم وسبى شيئاً كثيراً وعاد سالماً وأمن الوقت وذلت القرامطة وحج الركب وفيها توفي ابن العرابي المحدث الصوفي القدوة أبو سعيد أحمد بن محمد ابن زياد بن بشر بن درهم البصري نزيل مكة في ذي القعدة وله أربع وتسعون سنة روى عن الحسن الزعفراني وسعد بن نصر وخلق كثير وعنه ابن المقرى وابن مندة وابن جميع وخلائق وكان ثقة نبيلاً عارفاً عابداً ربانياً كبير القدر (2/354) ________________________________________ 355 بعيد الصيت وجمع وصنف ورحلوا إليه قال السخاوي وصنف للقوم كتباً كثيرة وصحب الجنيد وعمرو بن عثمان المكي والنووي وغيرهم قال السلمي سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت أبا سعيد بن الأعرابي يقول بمكة ثبت الوعد والوعيد عن الله تعالى فإذا كان الوعد قبل الوعيد فالوعيد تهديد وإذا كان الوعيد قبل الوعد فالوعيد منسوخ وإذا اجتمعا معا فالغلبة والثبات للوعد فالوعد حق العبد والوعيد حق الله تعالى والكريم يتغافل عن حقه ولا يهمل ولا يترك ما عليه وقال إن الله تعالى طيب الدنيا للعارفين بالخروج منها وطيب الجنة لأهلها بالخلود فيها فلو قيل للعارف أنك تبقى في الدنيا لمات كمداً ولو قيل لأهل الجنة إنكم تخرجون منها لماتوا كمداً فطابت الدنيا بذكر الخروج وطابت الآخرة بذكر الخلود وقال اشتغالك بنفسك يقطعك عن عبادة ربك واشتغالك بهموم الدنيا يقطعك عن هموم الآخرة واشتغالك بمداراة الخلق يقطعك عن الخالق ولا عبد اعجز من عبد نسي فضل ربه وعد عليه تسبيحه وتكبيره التي هي إلى الحياء منه أقرب من طلب ثواب عليه وافتخاربه وقال الذهبي وكان شيخ الحرم فيوقته سنداً وعلماً وزهداً وعبادة وتسليكاً وجمع كتاب طبقات النساك وكتاب تاريخ البصرة وصنف في شرف الفقر وفي التصوف ومن كلامه أخسر الخاسرين نم أبدى للناس صالح أعماله وبارز بالقبيح من هو أقرب إليه من حبل الوريد انتهى ما أورده السخاوي ملخصاً وفيها أبو إسحق المروزي إبراهيم بن أحمد شيخ الشافعية وصاحب ابن سريج وذو التصانيف انتهت إليه رياسة مذهب الشافعي ببغداد وانتقل في آخر عمره إلى مصر فمات في رجب ودفن عند ضريح الشافعي رضي الله عنهما قال الأسنوي كان إماماً جليلاً غواصاً على المعاني ورعاً زاهداً أخذ عن ابن سريج وانتهت إليه رياسة العلم ببغداد وانتشر الفقه عن أصحابه في البلاد (2/355) ________________________________________ 356 قال العبادي وخرج من مجاشه إلى البلاد سبعون إماما وحكى عنه حكاية غريبة متعلقة بالقافة فقال حكى الصيدلاني وغيره عن القفال عن الشيخ أبي زيد عن أبي إسحاق قال ان لي جار ببغداد وله مال ويسار وكان له ابن يضرب إلى سواد ولون الرجل لا يشبهه وكان يعرض بأنه ليس منه قال فأتاني وقال عزمت على الحج وأكثر قصدي إن استصحب ابني وأريه بعض القافة فنهيته وقلت لعل القائف يقول ما تكره وليس لك ابن غيره فلم ينته وخرج لما رجع قال إني استحضرت مجلسا وأمرت بعرضه عليه في عدة رجال كان فيهم الذي يرمي بأنه منه وكان معنا في الرفقة وغيبت عن المجلس فنظر القائف فيهم فلم يلحقه بأحد منهم فأخبرت بذلك وقيل لي أحضر فلعله يلحقه بك فأقبلت على ناقة يقودها عبد لنا أسود كبير فلما رفع بصره علينا قال الله أكبر ذاك الراكب أبو هذا الغلام والقائد الأسود أبو الراكب فغشى على من صعوبة ما سمعت فلما رجعت ألححت على والدتي فأخبرتني أن أبي طلقها ثلاثا وقد بلغ ثلاثا ثم ندم فأمر هذا الغلام بنكاحها للتحليل فعل فعلقت منه وكان ذا مال كثير وقد بلغ الكبر وليس له ولد فاستلحقتك ونكحني مرة ثانية انتهى كلام الأسنوي قال ابن خلكان وتوفي لتسع خلون من رجب والمروزي بفتح الميم وسكون الراء وفتح الواو وبعدها زاي هذه النسبة إلى مرو والشاهجان وهي إحدى كراسي خراسان وهم أربع مدن هذه ونيسابور وهراة وبلخ وإنما قيل لها مرو الشاهجان لتتميز عن مرو الروذ والشاهجان لفظ عجمي تفسيره روح الملك انتهى ملخصا وفيها أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن أيوب الطوسي الأديب ثقة رحال مكثر أقام علي أبي حاتم مدة وجاور لأجل يحي بن أبي ميسرة وفيها أبو علي الحسين بن صفوان البردعي بالمهملة نسبة إلى بردعة بل (2/356) ________________________________________ 357 بأذربيجان صاحب أبي بكر بن أبي الدنيا توفي ببغداد في شعبان فيها العلامة أبو محمد عبد الله بن محمد بن يعقوب بن الحرث البخاري الفقيه شيخ الحنفية بما وراء النهر ويعرف بعبد الله الإستاذ وكان محدثا ًجوالاً رأساً في الفقه وصنف التصانيف وعمر اثنتين وثمانين سنة وروى عن عبد الصمد بن الفضل وعبيد الله بن واصل وطبقتهما قال أبو زرعة أحمد بن الحسين الحافظ هو ضعيف وقال الحاكم هو صاحب عجائب عن الثقات قاله في العبر وفيها أبو القسم الزجاجي نسبة إلى الزجاج النحوي عبد الرحمن بن إسحق النهاوند صاحب التصانيف أخذ عن أبي إسحق الزجاج وابن دريد وعلى ابن سليمان الأخفش وقد انتفع بكتابه الجمل خلق لا يحصون فقيل أنه جاوز مدة بمكة وصنفه فيها وكان إذا فرغ من الباب طاف أسبوعاً وجدعاً الله بالمغفرة وأن ينفع الله بكتابة وقراءته قال بعض المغاربة لكتابه عندنا مائة وعشرون شرحاً اشتغل ببغداد ثم بحلب ثم بدمشق ومات بطبرية في رمضان وفيها قاسم بن أصبغ الحافظ الإمام محدث الأندلس أبو محمد القرطبي مولى بني أمية ويقال له البياني وبيانه محلة بقرطبة وهو ثقة انتهى إليه التقدم في الحديث معرفة وحفظاً وعلو اسناد سمع بقي بن مخلد وأقرانه ومنه حفيده قاسم بن محمد وعبد الله بن محمد الباجي والقاسم بن محمد بن غسلون وغيرهم ورحل سنة أربع وسبعين ومائتين فسمع محمد بن إسماعيل بمكة وأبا بكر ابن أبي الدنيا وأبا محمد بن قتيبة ومحمد بن الجهم وطبقتهم ببغداد وإبراهيم القصار بالكوفة وصنف كتاباً على وضع سنن أبى داود لكونه فاته لقيه يسيراً قبل موته بثلاثة أعوام ومات في جمادى الأولى وفيها أبو جعفر محمد بن يحيى بن عمر بن علي بن حرب الطائي الموصلي (2/357) ________________________________________ 358 قدم بغداد وحدث بها عن جده وعن جد أبيه وثقه أبو حازم العبدوي ومات في رمضان وفيها أبو الحسن الكرخي شيخ الحنفية بالعراق واسمه عبد الله بن حسين ابن دلال روى ن إسماعيل القاضي وغيره وعاش ثمانين سنة انتهت إليه رياسة المذهب وخرج له أصحاب أئمة وكان قانعا متعففا عابدا صواما قواما كبير القدر سنة إحدى وأربعين وثلثمائة فيها على ما قال في الشذور ولي قضاء القضاة ببغداد عبد الله بن العباس بن الحسين بن ابي الشوارب والتزم كل سنة بمائتي ألف درهم وهو أول من ضمن القضاء ثم الحسبة والشرطة وفيها اطلع الوزير المهلبي على جماعة من التناسخية فيهم رجل يزعم أن روح على رضي الله عنه انتقلت إليه وفيهم امرأة تزعم أن روح فاطمة رضي الله عنها انتقلت إليه وآخر يدعي أن جبريل فضربهم فتستروا بالانتماء إلى أهل البيت وكان ابن بويه شيعيا فأمر بإطلاقهم وفيها أخذت الروم مدينة سروج فاستباحوها وفيها توفي أبو الطاهر المدائني أحمد بن محمد بن عمرو الحامي محدث مصر في ذي الحجة روى عن يونس بن عبد الأعلى وجماعة وفيها أبو علي الصفار إسماعيل بن محمد البغدادي النحوي الأديب صاحب المبرد سمع الحسن بن عرفة وسعدان بن نصر وطائفة وتوفي في المحرم وله أربع وتسعون سنة وفيها أحمد بن عبيد بن إسماعيل البصري الصفار أبو الحسن حدث عنه (2/358) ________________________________________ 359 الدارقطني وغيره وهو ثقة إمام قاله ابن ناصر الدين وفيها المنصور أبو الطاهر إسماعيل بن القائم بن المهدي عبيد الله العبيدي الباطني صاحب المغرب حارب مخلد بن كنداد الأباضي الذي كان قد قمع بني عبيد واستولى على مماليكهم فأسره المنصور فسلخه بعد موته وحشا جلده وكان فصيحا مفوها بطلا شجاعا يرتجل الخطب مات في شوال وله تسع وثلاثون سنة وكانت دولته سبعة أعوام قاله في العبر وقال ابن خلكان ذكر أبو جعفر المروذي قال خرجت مع المنصور يوم هزم أبا يزيد فسايرته وبيده رمحان فسقط أحدهما مرارا فمسحته وناولته إياه وتفاءلت له فأنشدته ( فألقت عصاها واستقر بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر ) فقال ألا قلت ما هو خير من هذا وأصدق ( ^ وأوحينا إلى موسى أن الق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين ) فقلت يا مولانا أنت ابن رسول الله ما عندك من العلم اي لأن المنصور من الفاطمية بويع المنصور هذا يوم وفاة أبيه القائم وكان أبوه قد ولاه محاربة أبي يزيد الخارجي عليه وكان هذا أبو يزيد مخلد بن كيداد رجلا من الأباضية يظهر التزهد وأنه قام غضبا لله تعالى ولا يركب غير حمار ولا يلبس إلا الصوف وله مع القائم والد المنصور وقائع كثيرة وملك جميع مدن القيروان ولم يبق للقائم إلا المهدية فأناخ عليها أبو يزد وحاصرها فهلك القائم في الحصار ثم توفي المنصور فاستمر على محاربته وأخفى موت أبيه وصابر الحصار حتى رجع أبو يزيد عن المهدية ونزل على سوسة وحاصرها فخرج المنصور من المهدية ولقيه على سوسة فهزمه ووالي عليه الهزائم إلى أن أسره يوم الأحد خامس عشري محرم سنة ست وثلاثين وثلثمائة فمات بعد أسره بأربعة أيام من جراحة كانت به فأمر (2/359) ________________________________________ 360 بسلخ جسده وحشا جدله قطعنا وصلبه وبنى مدينة في موضع الوقعة وسماها المنصورية واستطونها وخرج في شهر رمضان سنة إحدى وأربعين من المنصورية إلى مدنية جلولاء ليتنزه بها ومعه حظيته قضيب وكان مغرماً بها فأمطر الله عليهم برداً كثيراً وسلط عليهم ريحاً عظيماً فخرج منها إلى المنصورية فاعتل بها فمات يوم الجمعة آخر شوال وكان سبب علته أنه لما وصل المنصورية أراد دخول الحمام ففنيت الحرارة الغريزية منه ولازمه السهر فأقبل أبو اسحق يعالجه والسهر باق على حاله فاشتد ذلك على المنصور فقال لبعض الخدام أما بالقيروان طبيب يخلصني من هذا فقال ههنا شاب قد نشأ يقال له إبراهيم فأمر بإحضاره فحضر فعرفه حاله وشكا إليه ما به فجمع له شيئاً ينومه وجعله في قنينة على النار وكلفه شمها فلما أدمن شمه نام وخرج إبراهيم مسروراً بما فعل وجاء إسحق إليه فقالوا إنه نائم فقال إن كان صنع له شيئاً ينام منه فقد مات فدخلوا عليه فوجدوه ميتاً فأرادوا قتل إبراهيم فقال إسحق ماله ذنب إنما داواه بما ذكره الأطباء غير أنه جهل اصل المرض وما عرفتموه ذلك وذلك أني كنت أعالجه وانظر في تقوية الحرارة الغريزية وبها يكون النوم فلما عولج بمايطفيها علمت أنه قد مات ودفن بالمهدية ومولده بالقيروان في سنة اثنتين وقيل إحدى وثلثمائة وكانت مدة خلافته سبع سنين وستة أيام انتهى ملخصاً فيها أوفى التي قبلها كما جزم به ابن ناصر الدين البتلهي بفتحتين وسكون اللام نسبة إلى بيت لهيا من أعمال دمشق واسمه محمد بن عيسى بن أحمد بن عبيد الله أبو عمرو والقزويني نزيل بيت لهيا كان من الرحالين الحفاظ الثقات قال ابن ناصر الدين في بديعته ( ومات بعد مغرب شموساً * البتلهى محمد بن عيسى ) فسكن التاء وحرك اللام ضرورة (2/360) ________________________________________ 361 وفيها محمد بن أيوب بن الصموت الرقي نزيل مصر روى عن هلال بن العلاء وطائفة وهو من الضعفاء قال في المغني ضعفه أبو حاتم وفيها محمد بن حميد أبو الطيب الحوراني روى عن عباد بن الوليد وأحمد ابن منصور الرمادي ومات في عشر المائة وفيها محمد بن النضر أبو الحسن بن الأخرم الربعي قارئ أهل دمشق قرأ على هارون الأخفش وغيره وكانت له حلقة عظيمة بجامع دمشق لإتقانه ومعرفته سنة اثنتين وأربعين وثلثمائة فيها كما قال في الشذور حدثت علة مركبة من الدم والصفراء فشملت الناس وعمت الأهواز وبغداد وواسط والبصرة وكان يموت أهل الدار كلهم انتهى وفيها رجع سيف الدولة من الروم مظفرا منصورا قد أسر قسطنطين ابن الدمستق وكان بديع الحسن فبقى عنده مكرما حتى مات وفيها توفي العلامة أبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب الضبعي بالضم والفتح ومهملة نسبة قال السيوطي إلى ضبيعة بن قيس بطن من بكر بن وائل وضبيعة بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان انتهى وكان الضبعي هذا شيخ الشافعية بنيسابور سمع بخراسان والعراق والجبال فأكثر وبرع في الحديث وحدث عن الحرث ابن أبي أسامة وطبقته وأفتى نيفا وخمسين سنة وصنف الكتب الكبار في الفقه والحديث وقال محمد بن حمدون صحبته عدة سنين فما رأيته ترك قيام الليل قال الحاكم وكان الضبعي يضرب بعقله المثل وبرأيه وما رأيت في مشايخنا أحسن صلاة منه وكان لا يدع أحدا يغتاب في مجلسه وفيها أحمد بن عبيد الله أبو جعفر الأسداباذي نسبة إلى أسداباذ بليدة قرب همذان الهمذاني الحافظ روى عن ابن ديزيل وإبراهيم الحربي قال ابن ناصر الدين وفي نسبة قول ثان وهو أحمد بن عبيد بن إبراهيم بن محمد (2/361) ________________________________________ 362 ابن عبيد أبو جعفر الهمذاني كان أحد الحفاظ المعدودين انتهى وفيها إبراهيم بن المولد وهو إبراهيم بن أحمد بن محمد بن المولد الرقي أبو الحسن الزاهد الصوفي الواعظ شيخ الصوفية أخذ عن الجنيد وجماعة وحدث عن عبد الله بن جابر المصيصي ومن كلامه من تولاه الله برعاية الحق أجل ممن يؤديه بسياسة العلم وقال القيام بأدب العلم وشرائعه يبلغ بصاحبه إلى مقام الزيادة والقبول وقال عجبت لمن عرف أن له طريقا إلى ربه كيف يعيش مع غيره والله تعالى يقول ( ^ وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له ) وقال من قام إلى الأوامر لله كان بين قبول ورد ومن قام إليها بالله كان مقبولا لا شك وفيها الحسن بن يعقوب أبو الفضل البخاري العدل بنيسابور روى عن أبي حاتم الرازي وطبقته ورحل وأكثر وفيها أبو محمد عبد الله بن شوذب الواسطي المقرئ محدث واسط وله ثلاث وتسعون سنة روى عن شعيب الصريفيني ومحمد بن عبد الملك الدقيقي وكان من أعيان القراء وفيها عبد الرحمن بن حمدان أبو محمد الهمذاني الجلاب أحد أئمة السنة بهمذان رحل وطوف وعني بالأثر وروى عن أبي حاتم الرازي وهلال بن العلاء وخلق كثير وفيها أبو القسم علي بن محمد القاضي ولد بأنطاكية سنة ثمان وسبعين ومائتين وقدم بغداد لأبي حنيفة وسمع في حدود الثلاثمائة وولي قضاء الأهواز وكان من أذكياء العالم راوي للأشعار عارفا بالكلام والنحو له ديوان شعر ويقال أنه حفظ ستمائة بيت في يوم وليلة قاله في العبر وقال ابن خلكان أبو الحسن علي بن محمد بن أبي الفهم داود ن إبراهيم بن تميم بن جابر بن هانئ بن زيد بن عمر بن مريط بن سرح بن نزار بن عمرو ابن الحرث وهو أحد ملوك تنوخ الأقدمين أنطاكي كان عالما بأصول (2/362) ________________________________________ 363 المعتزلة والنجوم قال الثعالبي في حقه هو من أعيان أهل العلم والأدب وأفراد الكرم وحسن الشيم وكان يتقلد قضاء البصرة والأهواز بضع سنين وحين صرف عنه ورد حضرة سيف الدولة بن حمدان زائرا ومادحا فأكرم مثواه وأحسن قراه وكتب في معناه إلى الحضرة ببغداد حتى أعيد إلى عمله وزيد في رزقه ورتبته وكان الوزير المهلبي وغيره من وزراء العراق يميلون إليه ويتعصبون له ويعدونه ريحانة الندماء وتاريخ الظرفاء وكان في جملة الفقهاء والقضاة الذين ينادمون الوزير المهلبي ويجتمعون عنده في الأسبوع ليلتين على اطراح الحشمة والتبسط في القصف والخلاعة وهم القاضي أبو بكر بن قريعة وابن معروف والتنوخي المذكور وغيرهم وما منهم إلا أبيض اللحية طويلها وكذلك كان المهلبي فإذا تكامل الأنس وطاب المجلس ولد السماع وأخذ الطرب منهم مأخذه وهبوا ثوب الوقار للعقار وتقلبوا في أعطاف العيش من الخفة والطيش ووضع في يد كل واحد منهم طاس ذهب فيه ألف مثقال مملوءا شرابا قطربليا فيغمس لحيته فيه بل ينقعها حتى تشرب أكثره ويرش بعضهم بعضا ويرقصون بأجمعهم وعليهم المصبغات ومخارق المنثور والبرم فإذا صحوا عادوا كعادتهم في التوقر والتحفظ بأبهة القضاء وحشمة المشايخ الكبراء وأورد من شعره ( وراح من الشمس مخلوقة * بدت لك في قدح من نهار ) ( هواء ولكنه جامد * وماء ولكنه غير جار ) ( كأن المدير لها باليمين * إذا مال للسقى أو باليسار ) ( تدرع ثوبا من الياسمين * له فردكم من الجلنار ) وأورده له أيضا ( رضاك شباب لا يليه مشيب * وسخطك داء ليس منه طبيب ) ( كأنك من النفوس مركب * فأنت إلى كل النفوس حبيب ) (2/363) ________________________________________ 364 وحكى أبو محمد الحسن بن عسكر الصوفي الواسطي قال كنت ببغداد في سنة إحدى وعشرين وخمسمائة جالسا على دكة بباب أبرز للفرجة إذ جاء ثلاث نسوة فأنشدني الأبيات وزادت إحداهن بعد البيت الأول ( إذا ما تأملتها وهي فيه * تأملت نورا محيطا بنار ) فهذا النهاية في الابيضاض * وهذا النهاية في الاحمرار ) فحفظت الأبيات منها فقالت لي أين الموعد تعني التقبيل أرادت مداعبته بذلك وقال الخطيب إنه ولد بأنطاكية يوم الأحد لأربع بقين من ذي الحجة سنة ثمان وسبعين ومائتين وقد بغداد وتفقه بها على مذهب أبي حنيفة وسمع الحديث وتوفي بالبصرة يوم الثلاثاء سابع شهر ربيع الأول سنة اثنتين وأربعين وثلثمائة انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا وفيها الإمام أبو العباس السياري القاسم بن القسم بن مهدي ابن ابنة أحمد بن سيار المروزي الشيرازي الزاهد المحدث شيخ أهل مرو من كلامه الخطرة للأنبياء والسوسة للأولياء والفكرة للعوام والعزم للفتيان وقيل له بماذا يروض المريد نفسه وكيف يروضها قال بالصبر على الأوامر واجتناب المناهي وصحبة الصالحين وخدمة الرفقاء ومجالسة الفقراء والمرء حيث وضع نفسه ثم تمثل وأنشأ يقول ( صبرت على اللذات لما تولت * وألزمت نفسي صبرها فاستمرت ) ( وكانت على الأيام نفسي عزيزة * فلما رأت عزمي على الذل ذلت ) ( فقلت لها يا نفس موتي كريمة * فقد كانت الدنيا لنا ثم ولت ) ( خليلي لا والله ما من مصيبة * تمر على الأيام إلا تجلت ) ( وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى * فإن أطعمت تاقت وإلا تسلت ) وفيها حقيقة المعرفة أن لا يخطر بقلبك ما دونه وقال المعرفة حياة القلب بالله وحياة القلب مع الله وقال لو جاز أن يصلي ببيت شعر لجاز أن يصلي بهذا البيت (2/364) ________________________________________ 365 ( أتمنى على الزمان محالا * أن ترى مقلتاي طلعة حر ) وفيها أبو الحسين الأسواري محمد بن أحمد بن محمد الأصبهاني وأسوارية من قرى أصبهان سمع إبراهيم بن عبد الله القصار وأبا حاتم ورحل وجمع وفيها محمد بن داود بن سليمان أبو بكر النيسابوري شيخ الصوفية والمحدثين ببلده الحافظ الثقة طوف وكتب بهراة ومرو والري وجرجان والعراق والحجاز ومصر والشام والجزيرة وصنف الشيوخ والأبواب والزهديات توفي في شهر ربيع الأول وسمع محمد بن أيوب بن الضريس وطبقته ومنه الحاكم وابن مندة وابن جميع.

سنة ثلاث وأربعين وثلثمائة

  • وقعة الحدث وهو مصاف عظيم جرى بين سيف الدولة والدمستق وكان الدمستق لعنه الله قد جمع خلائق لا يحصون من الترك والروس والبلغار والخزر فهزمه الله بحوله وقوته وقتل معظم بطارقته وأسر صهره وعدة بطارقة وقتل منهم خلق لا يحصون واستباح المسلمون ذلك الجمع واستغنى خلق قاله في العبر.
  • وفيها توفي خيثمة بن سليمان بن حيدررة الأطرابلسي الحافظ الثقة محدث الشام روى عن العباس بن الوليد البيروتي ومحمد بن عيسى الدائني وطبقتهما بالشام وثغورها والعراق واليمن وتوفي في ذي القعدة وله ثلاث وتسعون سنة وغير واحد يقول إنه جاوز المائة وثقه الخطيب.
  • وفيها الستوري أبو الحسن علي بن الفضل بن إدريس السامري روى جزءا عن الحسن بن عرفة يرويه محمد بن الرونهان شيخ أبي القاسم بن أبي العلاء المصيصي عنه وثقه العتيقي.
  • وفيها شيخ الكوفة أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن عقبة الشيباني عن نيف وتسعين سنة روى عن إبراهيم بن أبي العنبس القاضي وجماعة قال ابن حماد الحافظ كان شيخ المصر والمنظور إليه ومختار السلطان والقضاة صاحب جماعة وفقه وتلاوة توفي في رمضان.

سنة أربع وأربعين وثلثمائة

  • فيها أقبل أبو علي بن محتاج صاحب خراسان وحاصر الري فوقع بها وباء عظيم فمات عليها ابن محتاج.
  • وفيها مات أبو الحسين أحمد بن عثمان بن بويان البغدادي المقرئ بحرف قالون وله أربع وثمانون سنة.
  • وفيها أحمد بن عيسى بن جمهور الخشاب أبو عيسى ببغداد روى أحاديث عن عمر بن شبة وبعضها غرائب رواها عنه ابن رزقويه وعمر مائة سنة قال الذهبي في كتابه المغني في الضعفاء أحمد بن عيسى التنيسي الخشاب السبيبي قال الدارقطني ليس بالقوي وأسرف ابن طاهر فقال كذاب يضع الحديث قلت نعم رأيت للخشاب في موضوعات ابن الجوزي الأمناء ثلاثة أنا وجبريل ومعوية فصدق ابن طاهر انتهى.
  • وفيها أبو يعقوب الأذرعي إسحاق بن إبراهيم العابد صاحب الحديث والمعرفة سمع أبا زرعة الدمشقي ومقدام بن داود الرعيني وطبقتهما وكان مجاب الدعوة كبير القدر ببلد دمشق.
  • وفيها بكر بن محمد بن العلاء العلامة أبو الفضل القشيري البصري المالكي صاحب التصانيف في الأصول والفروع روى عن أبي مسلم الكجي ونزل مصر وبها توفي في ربيع الأول>
  • أبو عمرو بن السماك عثمان بن أحمد البغدادي الدقاق مسند بغداد في ربيع الأول وشيعه خلائق نحو الخمسين ألفا روى عن محمد بن عبد الله ابن المنادي ويحي بن أبي طالب وطبقتهما وكان صاحب حديث كتب المصنفات الكبار بخطه.
  • وفيها العلامة أبو بكر بن الحداد المصري شيخ الشافعية محمد بن أحمد بن جعفر صاحب التصانيف ولد يوم وفاة المزني وسمع من النسائي ولزمه ومن ابن أبي الدنيا ومن القراطيسي وغيرهم ومنه يوسف بن قاسم القاضي وغيره وكان غير مطعون فيه ولا عليه وهو صاحب وجه في المذهب متبحر في الفقه مفنن في العلوم معظم في النفوس ولي قضاء الأقاليم وعاش ثمانين سنة وكان يصوم صوم داود عليه السلام ويختم في اليوم والليلة وكان جدا كله قال ابن ناصر الدين صنف في الفقه الفروع المبتكرة الغريبة وكتاب أدب القاضي والفرائض في نحو مائة جزء عجيبة وقال ابن خلكان كان ابن الحداد فقيها محققا غواصا على المعاني تولى القضاء بمصر والتدريس وكانت الملوك والرعايا تكرمه وتعظمه وتقصده في الفتاوي والحوادث وكان يقال في زمنه عجائب الدنيا ثلاث غضب الجلاد ونظافة السماد والرد على ابن الحداد وكان أحد أجداده يعمل في الحديد ويبيعه فنسب إليه انتهى ملخصا وقال الأسنوي به افتخرت مصر على سائر الأمصار وكاثرت بعلمه بحرها بل جميع البخار إليه غاية التحقيق ونهاية التدقيق كانت له الإمامة في علوم كثيرة خصوصا الفقه ومولداته تدل عليه وكان كثير العبادة وأخذ عن محمد بن جرير لما دخل بغداد رسولا فيي إعفاء ابن جربويه عن قضاء مصر وصنف كتاب الباهر في الفقه في مائة جزء وكتاب جامع الفقه وكتاب أدب القضاء في أربعين جزءا وكتابه الفروع المولدات معروف وهو الذي اعتنى الأئمة بشرحه وكان حسن الثياب رفيعها حسن المركوب وكان يوقع للقاضي ابن جربويه وباشر قضاء مصر مدة لطيفة بأمر أميرها عند شغوره فسعى غيره من بغداد تفويضه لذلك الغير وحج فمرض في الرجوع ومات يوم دخل الحجاج إلى مصر وهو يوم الثلاثاء لأربع بقين من المحرم سنة أربع وأربعين وثلثمائة وعمره تسع وسبعون سنة وأشهر هذا هو الصحيح وقيل توفي سنة خمس وأربعين واقتصر عليه النووي في تهذيبه وابن خلكان في تاريخه ثم دفن يوم الأربعاء بسفح المقطم عند أبويه انتهى ملخصا أيضا.
  • وفيها محمد بن عيسى بن الحسن التميمي العلاف روى عن الديمي وطائفة وحدث بمصر وحلب.
  • وفيها الإمام محمد بن محمد أبو النضر بنون وضاد معجمة الطوسي الشافعي مفتي خراسان كان أحد من عنى أيضا بالحديث ورحل فيه روى عن عثمان ابن سعيد الدارمي وعلي بن عبد العزيز وطبقتهما وصنف كتابا على وضع مسلم وكان قد جزأ الليل ثلثا للتصنيف وثلثا للتلاوة وثلثا للنوم قال الحاكم كان إماما بارع الأدب ما رأيت أحسن صلاة منه كان يصوم النهار ويقوم الليل ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويتصدق بما فضل عن قوته وسمعت منه كتابة المخرج على صحيح مسلم قال وقلت له متى تتفرغ للتصنيف مع ما أنت عليه من هذه الفتاوي فقال قد جزأت الليل ثلاثة أجزاء جزءا للتصنيف وجزءا للصلاة والقراءة وجزءا للنوم وله نحو ستين سنة يفتي لم يؤخذ عليه في شيء قال وسمعت أبا حامد الإسماعيلي يقول ما يحسن بواحد منا أن يحدث في مدينة هو فيها وتوفي ليلة السبت الثالث عشر من شعبان.
  • وفيها أبو عبد الله محمد بن يعقوب محمد بن يوسف بن الأخرم الشيباني الحافظ محدث نيسابور صنف المسند الكبير وصنف الصحيحين وروى عن علي بن الحسن الهلالي ويحي بن محمد الذهلي وعنه أبو بكر السبيعي ومحمد بن إسحاق ابن مندة وأبو عبد الله الحاكم وغيرهم ومع براعته في الحديث والعلل والرجال لم يرحل من نيسابور وعاش أربعا وتسعين سنة.
  • الإمام العلامة المحرر المصنف محمد بن زكريا بن الحسين النسفي أبو بكر كان حافظا مجودا عارفا قاله ابن ناصر الدين وفيها أبو زكريا يحي بن محمد العنبري نسبة إلى العنبر بن عمرو بن تميم جد النيسابوري العدل الحافظ الأديب المفسر روى عن محمد بن إبراهيم البوشنجي وطبقته ولم يرحل وعاش ستا وسبعين سنة قال الحافظ أبو علي النيسابوري أبو زكريايحفظ ما يعجز عنه وما أعلم أني رأيت مثله.

سنة خمس وأربعين وثلثمائة

  • فيها غلبت الروم على طرسوس فقتلوا من أهلها ألفا وثمانمائة رجل وسبوا وحرقوا قراها وفيها قصد رورنهان الديلمي العراق فالتقاه معز الدولة ومعه الخليفة فهزم جيشه وأسر رورنهان وقواده وفيها توفي العباداني أبو بكر أحمد بن سليمان بن أيوب روى ببغداد عن الزعفراني وعلي بن حرب وعدة وعاش سبعا وتسعين سنة وهو صدوق العباداني بفتح العين وتشديد الباء الموحدة ودال مهملة نسبة إلى عبادان بواحي البصرة وفيها ألإمام أبو بكر غلام السباك وه أحمد بن عثمان البغدادي شيخ الإقراء بدمشق قرأ على الحسن بن الحباب صاحب البزي والحسن بن الصواف صاحب الدوري وفيها أبو القسم بن الجراب إسماعيل بن يعقوب البغدادي التاجر وله ثلاث وثمانون سنة روى عن موسى بن سهل الوشاء وطبقته وسكن مصر وفيها أبو أحمد بكر بن محمد المروزي الدخمسيني بالضم والباقي بلفظ العدد لقب به هذا لأنه أمر لرجل بخمسين فاستزاده خمسين فسمى الدوخمسيني ثم حذفوا الواو للخفة وكان بكر هذا محدث مرو رحل وسمع أبا قلابة الرقاشي وكان فصيحاً أديباً أبار نديماً وقي بل توفي سنة ثمان وأربعين وفيها أبو علي بن أبي هريرة شيخ الشافعية واسمه حسن بن حسين البغدادي أحد أئمة الشافعية تفقه بابن سريج ثم بأبي اسحق المروزي وصحبه إلى مصر ثم عاد بأبي بغداد ومات في رجب وكان مظلماً عند السلاطين فمن دونها قال ابن خلكان وله مسائل في الفروع ودرس ببغداد وترج به خلق كثير وانتهت إليه إمامة العراقيين انتهى ملخصاً وفيها عثمان بن محمد بن أحمد أبو عمرو السمرقندي وله خمس وتسعون سنة روى بمصر عن أحمد بن شيبان الدملي وأبي أمية الطرسوسي وطائفة قاله في حسن المحاضرة وفيها علي بن إبراهيم بن سلمة الحافظ العلامة الثقة الجامع أبو الحسن القزويني القطان الذي روى عن ابن ماجه سننه رحل العراق واليمن وروى عن أبي حاتم الرازي وطبقته كابن ماجه وعنه الزبير بن عبد الواحد وابن لال وغيرهما قال الخليلي أبو الحسن شيخ عالم بجميع العلوم التفسير والفقه والنحو واللغة وفضائله أكثر من أن تعد سرد الصوم ثلاثين سنة وكان يفطر على الخبز والملح وسمعت جماعة من شيوخ فزوين يقولون لم ير أبو الحسن مثل نفسه في الفضل الزاهد وفيها أبو بكر محمد بن العباس بن نجيج البغدادي البزار وله اثنتان وثمانون سنة وكان يحفظ ويذاكر روى عن أبي قلابة الرقاشي وعدة وفيها أبو عمر الزاهد صاب ثعلب واسمه محمد بن عبد الواحد المطرز البغدادي اللغوي قيل أنه أملى ثلاثين ألف وروقة في اللغة من حفظه وكان ثقة إماماً آية في الحفظ والذكاء وقد روى عن موسى الوشى وطبقته قال ابن الأهدل استدرك على فسيخ شيخه ثعلب في جوء لطيف ومصنفاته تزيد على العشرين وكان لسعة حفظه تكذبه أدباء وقته ووثقه المحدثون في الرواية قيل لم يتكلم في اللغة أحد أحسن من كلام أبي عمر الزاهد وتصانيفه أكثر ما يمليها من حفظه من غير مراجعة الكتب انتهى وفيها الوزير الماذرائي أبو بكر محمد بن علي البغدادي الكاتب وزر لخمارويه صاحب مصر وعاش نحو التسعين سنة واحترقت سماعاته وسلم له جزآن سمعهما من العطاردي وكان من صلحاء الكبراء وأما معروفه فاليه المنتهي حتى قيل أنه أعتق في عمره مائة ألف رقبة قاله المسجي ذكره في العبر والماذراني بفتح الذال المعجمة نسبة إلى ماذرا جد وفيها مكرم بن أحمد القاضي أبو بكر البغدادي البزاز سمع محمد بن عيسى المدائني والدير عاقولي وجماعة ووثقه الخطيب وفيها المسعودي المؤرخ صاحب مروج الذهب وهو أبو الحسن علي بن أبي الحسن رحل وطوف في البلاد وحقق من التاريخ مالم يحققه غيره وصنف في أصول الدين وغيرها من الفنون وقد ذكرها في صدر مروج الذهب وهو غير المسعودي الفقيه الشافعي وغير شارح مقامات الحريري قاله ابن الأهدل وتوفي في جمادي الآخرة.

سنة ست وأربعين وثلثمائة

  • فيها قل المطر جداً ونقص البحر نحواً من ثماني ذراعاً وظهر فيه جبال وجزائر وأشياء لم تعهد وكان الري فيما نقل ابن الجوزي في منظمته زلازل عظيمة وخسف ببلد الطالقان في ذي الحجة ولم يفلت من أهلها إلا نحو من ثلاثين رجلاً وخسف بخمسين ومائة قرية من قرى الري قال وعلقت قرية بين السماء والأرض بمن فيها نصف يوم ثم خسف بها.
  • توفي أحمد بن مهران أبو احسن السيرافي المحدث بمصر في شعبان روى عن الربيع المرادي والقاضي بكرا وطائفة وفيها أحمد بن جعفر بن أحمد بن معبد أبو جعفر الأصبهاني السمسار شيخ أبي نعيم في رمضان روى عن أحمد بن عصام وجماعة قال الذهبي في شيخ أبي نعيم في رمضان روى عن أحمد بن عصام وجماعة قال الذهبي في الغني قال ابن الفرات ليس بثقة وحكى ابن طاهر أنه مشهور بالوضع وفيها أبو محمد أحمد بن عبدوس العنزي الطرايفي نسبة إلى بيع الطرائف وهي الأشياء الحسنة المتخذة من الخشب توفي بنيسابور في رمضان روى عن عثمان بن سعيد الدارمي وجماعة وفيها إبراهيم بن عثمان أبو القسم بن الوازن القيرواني شيخ المغرب في النحو واللغة مات يوم عاشوراء حفظ كتاب سيبويه والمصنف الغريب وكتاب العين واصلاح المنطق وأشياء كثيرة وفيها محدث اسفرائين أبو محمد الحسن بن محمد بن إسحق الأسفرائيني رحل مع خاله الحافظ أبي عوانة فسمع أبا مسلم الكجي وطبقته توفي في شعبان وفيها محدث الأندلس أبو عثمان سعيد بن مخلوف في رجب وله أربع وتسعون سنة روى عن بقي بن مخلد بن وضاح ولقى في الرحلة أبا عبد الرحمن النسائي وهو آخر من روى عن يوسف المغامي حمل عنه الواضحة لابن حبيب وفيها محدث اصبهان عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس الرجل الصالح أبو محمد في شوال وله ثمان وتسعون تفرد بالرواية عن جماعة منهم محمد ابن عاصم الثقفي وسموية وأحمد بن يونس الضبي.
  • وفيها أبو الحسين عبد الصمد بن علي الطستي الوكيل ببغداد في شعبان وله ثمانون سنة روى عن أبي بكر بن أبي الدنيا وأقرانه جزء معروف وفيها الحافظ الكبير أبو يعلى عبد المؤمن بن خلف التميمي النسفي الثقة وله سبع وثمانون سنة رحل وطوف وسمع أبا حاتم الرازي وطبقته وعنه عبد الملك الميداني وأحمد بن عمار بن عصمة وأبو نصر الكلاباذي وكان عظيم القدر عالماً زاهداً كبيراً وصل في رحلته إلى اليمن وكان مفتيا ًظاهرياً أثرياً أخذ عن أبي بكر بن داود الظاهري وفيها أبو العباس المحبوبي محمد بن أحمد بن محبوب المروزي محدث مرو وشيخها ورئيسها توفي في رمضان وله سبع وتسعون سنة روى جامع الترمذي عن مؤلفة وروى عن سعيد بن مسعود صاحب النضر بن شميل وأمثاله وفيها أبو بكر بن داسة البصري التمار محمد بن بكر بن محمد بن عبد الرازق راوي السنن عن أبي داود وفيها محدث ما وراء النهر أبو جعفر محمد بن محمد بن عبد الله بن حمزة البغدادي نزيل سمرقند في ذي الحجة انتقى عليه أبو علي النيسابوري أربعين جزءاً روى عن أبي بكر بن أبي الدنيا وأحمد بن عبيد الله النرسي والكبار وكان كثير الأسفار للتجارة ثبتاً رضا وفيها محدث خراسان ومسند العصر أبو العباس الأصم محمد بن يعقوب ابن يوسف بن معقل بن سنان الأموي مولاهم النيسابوري المعقلي المؤذن الوراق بنيسابور في ربيع الآخر وله مائة الأسنة حدث له الصمم بعد الرحلة ثم استحكم به وكان يحدث من لفظه حدث في الإسلام نيفاً وسبعين سنة وأذن سبعين سنة وكان حسن الأخلاق كريماً ينسخ بالجرة وعمر دهراً ورحل إليه خلق كثير قال الحاكم ما رأيت الرحالة في بلد أكثر منهم إليه رأيت جماعة من الأندلس ومن أهل فارس على بابه وقال الذهبي في العبر قلت سمع من جماعة من أصحاب سفيان بن عيينة وابن وهب وكانت رحلته مع والده في سنة خمس وستين ومائتين. وسمع بأصبهان والعراق ومصر والشام والحجاز والجزيرة انتهى وقال ابن برداس حدث عن أحمد بن سنان الرملي وأحمد بن يوسف وأحمد بن الزهر وعنه أبوب عد الله بن الأخرم وأبو عمر والحيرى ومؤمل بن الحسن قال الحاكم حدث في الإسلام ستاً وسبعين سنة ولم يختلف في صدقه وصحة سماعه انتهى وفيها مسند الأندلس أبو الحرم وهب بن ميسرة التميمي الفقيه كان إماما ًفي مذهب مالك محققاً له بصيراً بالحديث وعلله مع زهد وورع روى الكثير عن محمد بن وضاح وجماعة ومات في شعبان في عشر التسعين.

سنة سبع وأربعين وثلثمائة

  • فيها كما قال في الشذور كانت زلازل فقتلت خلقاً كثيراً وخرجت وفيها أقبلت الروم لبلاد المسلمين وعظمت المصيبة وقتلوا خلائق وأخذوا عدة حصو بنواحي آمد وميافارقين صم وصلوا إلى قنسرين فالتقاهم سيف الدولة بن حمدان فعجز عنهم وقتلوا معظم رجاله وأسروا أهله ونجا هو في عدد يسير وفيها توفي القاضي أبو الحسن بن خرام وهو أحمد بن سليمان بن أيوب الأسدي الدمشقي روى عن بكار بن قتيبة القاضي وطائفة وناب في قضاء بلده وهو آخر من كانت له حلقة بجامع دمشق يدرس فيها مذهب الأوزاعي وفيها المحدث أبو علي أحمد بن الفضل بن خزيمة ببغداد في صفر عن بضع وثمانين سنة سمع أبا قلابة الرقاشي وطائفة وفيها أبو الحسن الشعراني إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد بن المسيب النيسابوري العابد الثقة روى عن جده ورحل وجمع وخرج لنفسه.
  • وفيها حمزة بن محمد بن العباس أبو أحمد الدهقان العقبي بفتحتين نسبة إلى عقبة وراء نهر عيسى ببغداد توفي ببغداد وروى عن العطاردي ومحمد ابن عيسى المدائني والكبار وهو أكبر شيخ الملك بن بشران وفيها أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه الفارسي النحوي ببغداد في صفر وله تسع وثمانون سنة روى عن يعقوب الفسوى تاريخه ومشيخته وقدم بغداد في صباه فسمع من عباس الدوري وطبقته بعناية ابيه ثم أقبل على العربية حتى برع فيها وصنف التصانيف ولم يضعفه أحد بحجة قاله في العبر وفيها أبو عبد الله الزبير بن عبد الواحد بن محمد بن زكريا بن صالح الهمذاني ثم الأسداباذي الثقة روى عن الحسن بن سفيان وغيره وعنه أبو عبد الله الحاكم وابن مندة وغيرهما قال الخطيب كان حافظاً متقناً وفيها أبو الميمون عبد الرحمن بن عبد الله بن الراشد البجلي الدمشقي الأديب المحدث سمع بكار بن قتيبة وأبا زرعة وخلقاً كثيراً وبلغ خمسا ًوتسعين سنة وفيها الحافظ البارع أبو سعيد بن يونس وهو بعد الرحمن بن أحمد ابن يونس بن عبد الأعلى الصدفي بفتحتين وفاء نسبة إلى الصدف بكسر الدال المهملة قبيلة من حمير المصري صاحب تاريخ مصر توفي في جمادى الآخرة وله ست وستون سنة وأقدم شيوخه أحمد بن حماد زغبة وأقرانه وقال ابن ناصر الدين كن من الأئمة الحافظ والإثبات الإيقاظ انتهى وفيها علي بن عبد الرحمن بن عيسى بن زيد بن ماتي الكوفي الكاتب أبو الحسين ببغداد وله ثمان وتسعون سنة روى عن إبراهيم بن عبد الله القصار وإبراهيم بن أبي العنبس القاضي وفيها محمد بن أحمد بن الحسن أبو عبد الله الكسائي المقرىء بأصبهان روى عن عبد الله بن محمد بن النعمان وطبقته.
  • وفيها أبو الحسين محمد بن عبد الله بن جعفر بن عبد الله بن الجنيد الرازي ثم الدمشقي الحافظ والد الحافظ تمام سمع بخراسان والعراق والشام وسكن دمشق وصنف وجمع وأقدم شيخ له محمد بن أيوب بن الضريس وروى عنه ولده تمام الرازي وثقة عبد العزيز الكتاني قاله ابن درباس وفيها أبو علي محمد بن القسم بن معروف التميمي الدمشقي الخباري قال الكتاني حدث عن أبي بكر أحمد بن على المروزي بأكثر كتبه وأتهم في ذلك وقيل إن أكثرها إجازة وكان صاحب دنيا يحب المحدثين ويكرمهم وعاش أربعاً وستين سنة قاله في العبر وقال في المغني له جزء سمعناه اتهم في أخباره عن أبي بكر أحمد بن علي انتهى.

سنة ثمان وأربعين وثلثمائة

  • فيها كما قال الشذور اتصلت الفتن بين الشعية والسنة وقتل بينهم خلق كثير وفيها استنصرت الكلاب الروم على المسلمين فظفروا بسرية فأسروها وأسروا أميرها محمد بن ناصر الدولة بن حمدان ثم أغاروا على الرها وحران فقتلوا وسبوا وأخذوا حصن الهارونية وأحرقوه وكروا على ديار بكر وفي هذه المدة عمل الخطيب عبد الرحيم بن نباتة خطبه الجهاديات يحرض الإسلام على الغزاة وفيها توفي النجاد أبو بكر أحمد بن سليمان بن الحسن بن إسرائيل بن يونس البغدادي الفقيه الحافظ شيخ الحنابلة بالعراق وصاحب التصانيف والسنن سمع أبا داود السجستاني وإبراهيم الحربي وعبد الله بن الإمام أحمد وهذه الطبقة ومنه ابن مالك وعمر بن شاهين وابن بطة وصاحبه أبو جعفر العكبري وابن حامد وأبو الفضل التميمي وغيرهم وكانت له حلقتان في جامع المنصور، حلقة قبل الصلاة للفتوى على مذهب الإمام وبعد الصلاة لإملاء الحديث واتسعت رواياته وانتشرت أحاديثه ومصنفاته وكان رأسا في الفقه رأسا في الحديث قال أبو إسحاق الطبري كان النجاد يصوم الدهر ويفطر على رغيف ويترك منه لقمة فإذا كان ليلة الجمعة أكل تلك اللقم إني استفضلها وتصدق بالرغيف وقال أبو علي بن الصواف وكان أحمد بن سلمان النجاد يجيء معنا إلى المحدثين ونعله في يده فقيل له بم لا تلبس نعلك قال أحب أن أمشي في طلب حديث رسول الله حاف فلعله ذهب إلى قوله ألا أنبئكم بأخف الناس يعني حسابا يوم القيامة بين يدي الملك الجبار المسارع إلى الخيرات ماشيا على قدميه حافيا أخبرني جبريل إن الله تعالى ناظر إلى عبد يمشي حافيا في طلب الخير وقال أبو بكر النجاد تضايقت وقتا من الزمان فمضيت إلى إبراهيم الحربي فذكرت له قصتي فقال اعلم إني تضايقت يوما حتى لم يبقى معي إلا قيراط فقالت الزوجة فتش كتبك وانظر ما لا تحتاج إليه فبعه فلما صليت عشاء الآخرة وجلست في الدهليز أكتب إذ طرق علي الباب طارق فقلت من هذا فقال كلمني ففتحت الباب فقال أطفئ السراج فطفيتها فدخل الدهليز فوضع فيه كاره وقال اعلم أنا أصلحنا للصبيان طعاما فأجبنا الكارة وقال تصرفه في حاجتك وأنا لا أعرف الرجل وتركني ونصرف فدعوت الزوجة وقلت لها اسرجي فأسرجت وجاءت وإذا الكارة منديل له قيمة وفيه خمسون وسطا فيكل وسط لون من الطعام وإذا إلى جانب الكارة كيس فيه ألف دينار قال النجاد فقمت من عنده فمضيت إلى قبر أحمد فزرته ثم انصرفت فبينا أنا أمشي إلى جانب الخندق إذ لقيني عجوز من جيراننا فقالت لي أحمد فأجبتها فقالت مالك مغموم فأخبرتها فقالت اعلم أن أمك أعطتني قبل موتها ثلثمائة درهم وقالت لأي أخبئي هذه عندك فإذا رأيت ابني مضيقا مغموما فأعطيه إياها فتعال معي حتى أعطيك إياها فمضيت معها فدفعتها إلي وقال النجاد حدثنا معاذ بن المثنى ثنا جلاد بن أسلم ثنا جلاد بن أسلم ثنا محمد ابن فضيل عن ليث عن مجاهد كلهم قال في قول الله عز وجل ( ^ عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) قال يجلسه معه على العرش وتوفي النجاد وقد كف بصره ليلة الثلاثاء لعشر بقين من ذي الحجة ودفن صبيحة تلك الليلة عند قبر بشر بن الحرث وعاش خمسا وتسعين سنة وفيها الخلدي أبو محمد جعفر بن محمد بن نصير البغدادي الخواص الزاهد شيخ الصوفية ومحدثهم والخلدي بالضم والسكون المهملة نسبة إلى الخلد محله ببغداد سمع الحرث بن أبي أسامة وعلي بن عبد العزيز البغوي وطبقتهما قال السخاوي هو جعفر بن محمد بن نصير أبو محمد الخواص البغدادي المنشأ والمولد صحب الجنيد وعرف بصحبته وصحب النوري ورويم والجريري وغيرهم من مشايخ الوقت وكان المرجع إليه في علوم القوم وكتبهم وحكاياتهم وسيرهم قال عندي مائة ونيف وثلاثون ديوانا من دواوين الصوفية وحج قريبا من ستين حجة وتوفي ببغداد وقبره بالشونيزية عند قبر السري السقطي والجنيد ومن كلامه لا يجد العبد لذة المعاملة مع لذة النفس لأن أهل الحقائق قطعوا العلائق وقال الفرق بين الرياء والإخلاص أن المرائي يعمل ليرى والمخلص يعمل ليصل وقال الفتوة احتقار النفس وتعظيم حرمة المسلمين وقال لرجل كن شريف الهمة فإن الهمم تبلغ بالرجل لا المجاهدات وقال جعفر ودعت في بعض حجاتي المزين الكبير الصوفي فقلت زودني شيئا فقال إن ضاع منك شيء وأردت أن يجمع الله بينك وبين إنسان فقل يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد اجمع بيني وبين كذا وكذا فإن الله يجمع بينك وبين ذلك الشيء أو ذلك الإنسان قال فما دعوت الله بتلك الدعوة في شيء إلا استجبت توفي ليلة الأحد لتسع خلون من شهر رمضان انتهى ملخصا وقال في العبر حج ستا وخمسين خجة وعاش خمسا وتسعين سنة انتهى وفيها علي بن محمد بن الزبير القرشي الكوفي المحدث أبو الحسن حدث عن ابني عفان وإبراهيم بن عبد الله القصار وجماعة وثقه الخطيب ومات في ذي القعدة وله أربع وتسعون سنة وفيها محمد بن أحمد بن علي بن أسد البردعي الأسدي بن حرارة وحرارة لقب أبيه وكان محمد هذا حافظا كبيرا نقادا مكثرا والبردعي بفتح الباء والدال المهملة وسكون الراء نسبة إلى بردعة بلد أذربيجان وفيها أبو بكر محمد بن جعفر الأدمي القارئ بالألحان حدث عن أحمد بن عبيد بن ناصح وجماعة وقيل إنه خلط قبل موته.

سنة تسع وأربعين وثلثمائة

قال في الشذور وفي هذه السنة أسلم من الترك مائتا ألف حزكاه انتهى وفيها أوقع نجا غلام سيف الدولة بالروم فقتل وأسر وفرح المسلمون وفيا تمت وقعة هائلة ببغداد بين السنة والرافضة وقويت الرافضة بيني هاشم وبمعز الدولة وعطلت الصلوات في الجوامع ثم رأى معز الدولة المصلحة في القبض على جماعة من الهاشميين فسكنت الفتنة وفيها حشد سيف الدولة ودخل الروم فأغار وقتل وسبى فرجعت إليه جيوش الروم فعجز عن لقائهم وكر في ثلثمائة ونهبت خزانته وقتل جماعة من أمرائه والله المستعان وفيها توفي أب الحسين أحمد بن عثمان لأدمي العطشي بفتحتين ومعجمة نسبة إلى سوق العطش ببغداد توفي في ربيع الآخر وله أربع وتسعون سنة روى عن العطاردي وعباس الدوري والكبار

  • وفيها أبو الفوارس الصابوني قال في حسن المحاضر أبو الفوارس الصصابوني أحمد بن محمد بن حسين بن السندي الثقة المعمر مسند ديار مصر عن يونس بن عبد الأعلى والمزني والكبار وآخر من روى عنه ابن نظيف مات في شوال وله مائة وخمس سنين وفيها العلامة أبو الوليد حسان بن محمد القرشي الأموي النيسابوري الفقيه شيخ الشافعية بخراسان وصاحب ابن سريج صنف التصانيف وكان بصيرا بالحديث وعلله خرج كتابا على صحيح مسلم روى عن محمد بن إبراهيم البوشنجي وطبقته وعنه الحاكم وغيره وهو ثقة أثنى عليه غير واحد وهو صاحب وجه في المذهب وقال فيه الحاكم هو إمام أهل الحديث بخراسان وأزهد من رأيت من العلماء وأعبدهم توفي في ربيع الأول عن اثنتين وتسعين سنة وفيها أبو علي الحافظ الحسين بن علي بن يزيد بن داود النيسابوري الثقة أحد الأعلام توفي في جمادى الأولى بنيسابور وله اثنتان وسبعون سنة قال الحاكم هو واحد عصره في الحفظ والإتقان والورع والمذاكرة والتصنيف سمع إبراهيم بن أبي طالب وطبقته وفي الرحلة من النسائي وأبي خليفة وطبقتهما وكان باعقة في الحفظ كان ابن عقدة يخضع لحفظه وفيها عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم الخراساني أبو محمد المعدل وكان ابن عم أبي القسم البغوي سمع أحمد بن ملاعب ويحي بن أبي طالب وطبقتهما قال الدارقطني لين وفيها أبو طاهر بن أبي هاشم القراء بالعراق وهو عبد الواحد بن عمر بن محمد البغدادي صاحب التصانيف وتلميذ ابن مجاهد روى عن محمد بن جعفر القتات وطائفة ومات في شوال عن سبعين سنة وفيها أبو أحمد العسال القاضي واسمه محمد بن أحمد بن إبراهيم قاضي أصبهان سمع محمد بن أسد المديني وأبي بكر بن أبي عاصم وطبقتهما ورحل وجمع وصنف وكان من أئمة هذا الشأن قلا أبو نعيم الحافظ كان من كبار الحفاظ وقال ابن مندة كتبت عن ألف شيخ لم أر فيهم أتقن من أبى أحمد العسال وقال ابن ناصر الدين كان حافظاً كبيراً متقناً وقال في العبر قلت توفي في رمضان وله نحو نم ثمانين سنة أو : ثر وقال ابن درباس وروى عنه أولاده أبو عامر وأبو جعفر وهو أحد الأئمة في الحديث فهماً واتقاناً وأمانة وقال أبو بكر بن علي هو ثقة مأمون قال أبو يعلى في الإرشاد له أبو أحمد العسال حافظ متقن علام بهذا الشأن انتهى ما قاله ابن درباس وفيها الحافظ ابن سعد البزاز الحاجي وأسمه عبد الله بن أحمد بن سعد ابن منصور أبو محمد النيسابوري الحاجي البزاز الحافظ الثبت روى عن محمد البوشنجي وإبراهيم بن أبي طالب والسراج وطبقتهم وعنه أبو عد الله الحاكم وغيره قال الحاكم كتب الكثير وجمع الشيوخ والموات والملح ووثقه ابن شيرويه وفيها ابن علم الصفار أبو بكر محمد بن عبد الله بن عمرويه البغدادي صاحب الجزء المعروف المشهور قال الخطيب جميع ما عنده جزء ولم أسمع أحداً يقول فيه إلا خيراً قال في العبر سمع محمد بن إسحق الصاغاني ويغره ومات في شعبان ويقال أنه جاوز المائة انتهى.


(2/381) ________________________________________

  • 1*ج 3

@1 آمنة الأسعد كتاب شذرات الذهب أبي الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي (3/1) ________________________________________

سنة خمسين وثلثمائة

  • فيها كما قال في الشذور وقع برد كل بردة أوقيتان وأكثر فقتل البهائم والطيور انتهى وفيها بنى معز الدولة ببغداد دار السلطنة في غاية الحسن والكبر غرم عليها ثلاثة عشر ألف ألف درهم وقد درست آثارها في حدود الستمائة وبقى مكانها دحلة يأوي إليها الوحش وبعض أساسها موجود فإنه حفر لها في الأساسات نيفا وثلاثين ذراعا وفيها توفي أبو حامد أحمد بن علي بن الحسن بن حسنويه النيسابوري التاجر سمع أبا عيسى الترمذي وأبا حاتم الرازي وطبقتهما قال الحاكم كان من المجتهدين في العبادة ولو اقتصر على سماعه الصحيح لكان أولى به لكنه حدث عن جماعة أشهد بالله أنه لم يسمع منهم وفيها أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة القاضي أبو بكر البغدادي تلميذ محمد بن جرير وصاحب التصانيف في الفنون ولى قضاء الكوفة وحدث عن محمد بن سعد العوفى وطائفة وعاش تسعين سنة توفي في المحرم قال الدار قطني ربما حدث من حفظه بما ليس في كتابه أهلكه العجب وكان يختار لنفسه ولم يقلد أحدا وقال ابن رزقويه لم تر عيناي مثله وقال في المغني أحمد بن كامل القاضي بغدادي حافظ قال الدار قطني كان متساهلا انتهى وفيها أبو سهل القطان أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد البغدادي المحدث الإخباري الأديب مسند وقته روى عن العطاردي ومحمد بن عبيد الله المنادى وخلق وفيه تشيع قليل وكان يديم التهجد والتلاوة والتعبد وكان كثير الدعابة قال البرقاني كرهوه لمزاح فيه وهو صدوق توفي في شعبان وله إحدى وتسعون سنة وفيها أبو محمد الخطبي إسماعيل بن علي بن إسماعيل البغدادي الأديب الإخباري صاحب التصانيف روي عن الحارث بن أبي أسامة وطائفة وكان يرتجل الخطب ولا يتقدمه فيها أحد فلذا نسب إليها وفيها أبو علي الطبري الحسن بن القاسم شيخ الشافعية ببغداد درس الفقه بعد شيخه أبي علي بن أبي هريرة وصنف التصانيف كالمحرر والإفصاح والعدة وهو صاحب وجه قال الأسنوي وصنف في الأصول والجدل والخلاف وهو أول من صنف في الخلاف المجرد وكتابه فيه يسمى المحرر سكن بغداد ومات بها والطبري نسبة إلى طبرستان بفتح الباء الموحدة وهو إقليم متسع مجاور لخراسان ومدينته آمل بهمزة ممدودة وميم مضمومة بعدها لام وأما الطبراني فنسبه إلى طبرية الشام انتهى ملخصا وفيها أبو جعفر بن برية الهاشمي خطيب جامع المنصور عبد الله بن إسماعيل ابن إبراهيم بن عيسى بن المنصور أتى جعفر في صفر وله سبع وثمانون سنة وهو في طبقة الواثق في النسب روي عن العطاردي وابن أبي الدنيا وفيها توفي خليفة الأندلس وأول من تلقب بأمير المؤمنين من أمراء الأندلس الناصر لدين الله أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله المرواني وكانت دولته خمسين سنة وقام بعده ولده المتنصر بالله وكان كبير القدر كثير المحاسن أنشأ مدينته الزهراء وهي عديمة النظير في الحسن غرم عليها من الأموال ما لا يحصى قاله في العبر وقال الشيخ أحمد المقري المتأخر في كتابه زهر الرياض في أخبار عياض وكانت سبتة مطمح همم ملوك العدوتين وقد كان للناصر المرواني صاحب الأندلس عناية واهتمام بدخولها في إيالته حتى حصل له ذلك ومنها ملك المغرب وكان تملكه إياها سنة تسع عشرة وثلثمائة وبها اشتد سلطانه وملك البحر بعدوية وصار المجاز في يده ومن غريب ما يحكى أنه أراد الفصد فقعد في المجلس الكبير المشرف بأعلى مدينته بالزهراء واستدعى الطبيب لذلك وأخذ الطبيب المبضع وحبس يد

(3/3) ________________________________________