شذرات الذهب في أخبار من ذهب: ج1

من معرفة المصادر

شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي خلق ما في الأرض جميعاً للإنسان وركبه في أي صورة شاء على أكمل وضع بأبهر إتقان وجعله بأصغريه القلب واللسان فهذا ملك أعضائه وهذا له ترجمان فإذا صلح قلبه صلح منه سائر الأركان وكان ذلك على فوزه بخيري الدارين أعظم عنوان وإذا فسد فسد جسده واستدل على خسرانه بأوضح برهان قضى سبحانه بأن يبلى ديباجة شبابه الجديدان ويصير حديثاً لمن بعده من أولى البصائر والعرفان وأعد تعالى له بعد النشأة الآخرة إحدى داري العز والهوان حكمة بالغة تجير فيها عقول ذوي الأذهان أحمده حمداً معترف بالتقصير مقر بأن إليه المصير وأشكره شكر من توالت عليه آلاؤه وتتابع عليه من فضله عطاؤه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله أمات وأحيا وخلق الزوجين الذكر والأنثى وألهم نفس كل متنفس الفجور والتقوى فأما أن يزكيها فيسعد أو يدسسها فيشقى قدم إلى عباده بالوعيد وقسمهم كما أخبر إلى شقي وسعيد وأحصى لكل عامل ما فعل من طارف وتليد حتى ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد وأشهد أن سيدنا محمدأً عبده ورسوله خير نبي أرسله ففتح به آذاناً صماً وأعيناً عمياء وقلوباً مقفلة أرسله على حين فترة من الرسل وطموس لمعالم الهدى والسبل فكانت بعثته أنفع للخليفة من الماء الزلال بل من الأنفس والأهل والصحب والمال إذ بمبعثه تمت للناس مصالح الدارين واتضح لها لهم أقوام الطريقين فطوبى لمن أمسى باتباع شريعته قرير العين وويل لمن نبذ ما جاء به ظهرياً وأخرج هدية من البين اللهم فصل وسلم عليه أفضل صلاة وأكمل سلام وآته الوسيلة والفضيلة وابعثه المقام المحمود أشرف مقام وعلى آله وأصحابه خير صحب وآل من بذلوا في طاعته رضاً لمرسله المهج ففازوا بجزيل الثناء وجميل الخلال وسعدوا بما نالوا من شريف المآل وعلى تابيعهم وأتباعهم بإحسان ما تعاقب الجديدان وأشرق النيران آمين وبعد فهذه نبذة جمعتها تذكرة لي ولمن تذكر وعبرة لمن تأمل فيها وتبصر من أخبار من تقدم من الآماثل وغبر وصار لمن بعده مثلاً سائراً وحديثاً يذكر جمعتها من أعيان الكتب وكتب الأعيان ممن كان له القدم الراسخ في هذا الشان إذ جمع كتبهم في ذلك إما عسر أو محال لا سيما من كان مثلي فاقد الجدة بائس الحال فتسليت عن ذلك بهذه الأوراق وتعللت بعلل عله يبرد أوام الاحتراق إذ هذا شأو لا يدرك دقه وجله فليكن كما قيل ما لا يدرك كله لا يترك كله أردت أن أجعله دفتراً جامعاً لوفيات أعيان الرجال وبعض ما اشتملوا عليه من المآثر والسجايا والخلال فإن حفظ التاريخ أمر مهم ونفعه من الدين بالضرورة علم لا سيما وفيات المحدثين والمتحملين لأحاديث سيد المرسلين فإن معرفة السند لا تتم إلا بمعرفة الرواة وأجل ما فيها تحفظ السيرة والوفاة فممن جمعت من كتبهم وكرعت من نهلهم وعلمهم مؤرخ الإسلام الذهبي وفي الأكثر على كتبه أعتمد ومن مشكاة ما جمع في مؤلفاته استمد وبعده من اشتهر في هذا الشأن كصاحب الكمال والحلية والمنهل وابن خلكان وغير ذلك من الكتب المفيدة والأسفار الجميلة الحميدة وسميته شذرات الذهب في أخبار من ذهب ورتبته على السنين من هجرة سيد الأولين والآخرين وأسأل الله تعالى أن يثقل به ميزان الحسنات وأن يجعله مقرباً إليه وإنما الأعمال بالنيات فأقول ومنه أطلب العون والقبول.


السنة 1هـ - 10 هـ

  • السنة الأولى من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل صلاة وتحية:

قدم النبي المدينة ضحى يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول وفيها توفى النقيبان أسعد بن زرارة النجاري والبراء بن معرور السلمي

  • في الثانية:

حولت القبلة وذلك في ظهر يوم الثلاثاء نصف شعبان وفيه فرض الصوم وفي سابع عشر من رمضان منها يوم الجمعة كانت وقعة بدر واستشهد من المسلمين أربعة عشر ستة من قريش وهم عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف المطلبي وعمرو بن أبي وقاص الزهري وذو الشمالين وعاقل بن البكير ومهجع مولى عمر وهو يماني من عك بن عدنان وهو أول قتيل قتل يومئذٍ وصفوان بن بيضاء ومن الأنصار ثمانية خمسة من الأوس وهم سعد بن خيثمة ومبشر بن عبد المنذر وزيد بن الحارث وعمير بن الجملة وروافع بن المعلى وثلاثة من الخزرج وهم حارثة بن سراقة وعوف بن الجملة وروافع بن المعلى وثلاثة من الخزرج وهم حارثة بن سراقة وعوف ومعوذ ابنا عفراء رضي الله تعالى عنهم أجمعين وقتل من الكفار سبعون وفيها توفيت رقية بنت رسول الله وفي شوال منها دخل رسول الله بعائشة رضي الله عنها وفيها بنى علي بفاطمة رضي الله عنهما وفيها توفي عثمان بن مظعون القرشي الجمحي وهو أول من مات من المهاجرين بالمدينة بعد رجوعه من بدر وقبّله النبي ميت وكان يزوره ودفن إلى جنب ولده إبراهيم وكان ممن حرم الخمر على نفسه قبل تحريمها وكان عابدا مجتهداً وسمع لبيد بن ربيعة ينشد ألا كل شيء ما خلا الله باطل فقال صدقت فلما قال وكل نعيم لا محالة زائل قال كذبت نعيم الجنة لا يزول فقال لبيد يا معشر قريش أكذب في مجلسكم فلطم بعض الحاضرين وجهه لطمة اخضرت منها عينه وذلك في أول الإسلام فقال له عتبة بن ربيعة لو بقيت في نزلي ما أصابك شيء وكان قد رد عليه جواره فقال له عثمان إن عيني الأخرى لفقيرة إلى ما أصاب أختها في سبيل الله وفيها ولد عبد الله بن الزبير وقيل في الأولى السنة الثانية في نصف رمضان منها ولد الحسن بن علي رضي الله عنهما وأما الحسين فمقتضى ما ذكروه في مدة عمرهما وتاريخ ولادتهما أن يكون ولد في الخامسة ولم يظهر كما سيأتي من تاريخ وفاتهما ما يقتضى ما ذكروه فليتأمل وقال القرطبي ولد الحسن في شعبان من الرابعة وعلى هذا ولد الحسين قبل تمام السنة من ولادة الحسن ويؤيده ما ذكره الواقدي أن فاطمة علقت بالحسين بعد مولد الحسن بخمسين ليلة وجزم النواوي في التهذيب أن الحسن ولد لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الخجرة وقيل لم يكن بين ولادتهما إلا طهر واحد وفي رمضان منها دخل صلى الله عليه وسلم بحفصة ودخل بزينب بنت جحش وبزينب بنت خزيمة العامرية أم المساكين وعاشت عنده نحو ثلاثة أشهر ثم توفيت وفيها تزوج عثمان أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيها تحريم الخمر ووقعة أحدي يوم السبت السابع من شوال وصحح بعضهم أنها في الحادي عشر منه وقتل فيها حمزة عم النبي بعد أن قتل جماعة وكان إسلامه في السنة الثانية وقيل في السادسة من المبعث ولم يسلم إخوته سوى العباس (1/10) ________________________________________ 11 وكانوا تسعة وقيل عشرة وقيل اثني عشر ولما وقف يوم أحد ورأى ما به من المثلة حلف ليمثلن بسبعين منهم فنزل قوله تعالى وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به الآية فق بل نصير وكفر عن يمينه وفي ذي القعدة منها كانت غزوة بدر الصغرى وغزوة بين النضير والصواب أنها في الرابعة السنة الرابعة في صفر منها غزوة بئر معونة ودانوا سبعين وقيل أربعين وفي ربيع الأول منها غزوة بني النضير نزلوا صلحا وارتحلوا إلى خيبر وفي محرمها غزوة ذات الرقاع وغزوة الخندق عند بعضهم وكان مقام الأحزاب فيها خمسة عشر يوماً و قيل أكثر من عشرين يوماً وفيها نزول التميم وقصة الإفك وبراءة عائشة رضي الله عنها السنة الخامسة في الصلاة الخوف عند بعضهم وغزوة دومة الجندل وغزوة ذات الرقاع عند بعضهم وقيل وغزوة الخندق بني قريظة وصحح في الروضة أن الخندق في الرابعة وبني قريظة في الخامسة وجزم ابن ناصر الدين أنهما في الخامسة كما سيأتي وهذا هو الصحيح لأنه توجه إلى بني قريظة في اليوم الذي انصرف فيه من الأحزاب وفيها توفي سعد بن معاذ سيد الأوس واهتز لموته عرش الرحمن السنة السادسة فيها بيعة الرضوان وموت سعد بن خولة الذي رثى له النبي أن مات بمكة قيل وفيها غزوة بني المصطلق وفيها فرض الحج وقيل (1/11) ________________________________________ 12

  • سنة خمس:

وكسفت الشمس ونزل حكم الطهارة السنة السابعة فيها غزوة حيبر وفتحها في صفر وأكرم بالشهادة بضعة عشر وتزوج رسول الله صفية وميمونة وأم حبيبة وجاءته مارية القبطية وقدم جعفر ومهاجرة الحبشة رضي الله عنهم وأسلم أبو هريرة رضي الله عنه وفيها عمرة القضاء السنة الثامنة فيها غزوة مؤتة واستشهد بها الأمراء الثلاثة زيد بن حارثة الذي نوه القرآن بقدره وذكره وجعله النبي هو وابنه كفؤاً للعربيات والقرشيات ثانيهم جعفر بن أبي طالب الطيار واستشهد وله إحدى وأربعون سنة ومناقبه عديدة قال له النبي أشبهت خلقي وخلقي وناهيك بها فضيلة ثالثهم عبد الله بن رواحة الخزرجي أحد النقباء الصادق في طلب الشهادة رضي الله تعالى عنهم أجمعين وفتح الله فيها على يد خالد بن الوليد وهي أول مشاهدة في الإسلام وفي رمضان منها فتح مكة وغزوة حنين في شوال ثم حصار الطائف ونصب النبي عليهم المنجنيق ثم رحل عنها عن غير فتح وأسلم أهلها في العام القابل وفيها غزوة ذات السلاسل وفيها غلا السعر فقالوا يا رسول الله سعر لنا فقال إن الله هو المسعر والقابض الباسط وفيها ولد إبراهيم بن رسول الله ووهب النبي صلى الله عليه وسلم لأبي رافع لما بشره بولادته عبداً وتنازعت الأنصار في رضاعته فدفعه إلى أبي سيف وزوجته أم سيف وتوفيت ابنته زينب وهي أكبر أولاده (1/12) ________________________________________ 13

  • السنة التاسعة:

فيها غزوة تبوك في رجب وحج أبو بكر بالناس ومات النجاشي في رجب وتوفيت أم كلثوم بنت رسول الله وعبد الله بن أبي سلول رأس المنافقين وكان موته في ذي القعدة وهو القائل لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فلما رجعوا من غزوة تبوك منعه ابنه عبد الله المفلح من دخول المدينة حتى يأذن له النبي وفيها قتل عمرو الثقفي قتله قومه أن دعاهم إلى الإسلام وكان من دهاة العرب وتوفي سهيل بن بيضاء الفهري وصلى عليه رسول الله في المدينة وقتل ملك الفرس وملكوا بورب بضم الباء الموحدة وبالراء وإليها الإشارة بقوله لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة.

  • السنة العاشرة:

فيها حجة الوداع ولم يحج بعد الهجرة سواها ولم ينضبط عدد حجاته قبلها كان نفلاً إذ فرض الحج كان في السنة السادسة كما تقدم وفيها توفي إبراهيم بن النبي وهو ابن سنة ونصف وكسفت الشمس يوم مات ذكر بعض الشافعية أن كسوفها يوم مات إبراهيم يرد على أهل الفلك لأنه مات في غير يوم الثامن والعشرين والتاسع والعشرين وهم يقولون لا تنكسف إلا فيها قال اليافعي وهذا يحتاج إلى نقل صحيح فإن العادة المستقرة المستمرة كسوفها في اليومين المذكورين وفيها أسلم جرير وظهر الأسود العنسي وكان له شيطان يخبره بالمغيبات فضل به كثير من الناس وكان بين ظهوره وقتله نحو من أربعة أشهر ولكن استطارت فتنته استطارة (1/13) ________________________________________ 14 النار وتطابقت عليه اليمن والسواحل كجاد عثر والشريحة والحردة وغلافقه وعدن وامتد إلى الطائف وبلغ جيشه سبعمائة فارس وكان عك بتهامة اليمن معترضون عليه وقد كانوا أول مرشد بعد رسول الله وتجمعوا على غمير رئيس بالأغلاب وأوقع بهم الطاهر بن أبي هالة ومعه مسروق العكي وبددهم وسماهم أبو بكر رضي الله عنه الأخابت وكثرتا الوفود فيها وقيل في التاسعة وكانت غزواته خمساً وعشرين وقيل سبعاً وعشرين وسراياه ستاً وخمسين وقيل غر ذلك والله أعلم الحادية عشرة فيها توفي النبي في وسط نهار الاثنين في ربيع الأول وما قيل أنه توفي في الثاني عشر فيه إشكال لأنه كانت وقفته في الجمعة في السنة العاشرة إجماعاً ولا يتصور مع ذلك وقوع الاثنين ثاني عشر شهر ربيع الأول من السنة التي بعدها فتأمل وبعث رسول الله على رأس أربعين فأقام بمكة ثلاثة عشر وقيل عشراً وقيل خمس عشرة وأقام بالمدينة عشراً بالإجماع وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة على الصحيح وولد عام الفيل في شعب بني هاشم وتوفي جده عبد المطلب وهو ابن ثمان على قول وشهد بناء قريش الكعبة وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة على قول وفي الصحيح أنه كان ينقل معهم الحجارة وهو صغير وكانوا يجعلون أزرهم على عواتقهم تقيهم الحجارة ففعل مثلهم فسقط مغشياً عليه فإن حمل على أن قريشاً بنت الكعبة مرتين أو في أمر غير بناء الكعبة فلا إشكال وإلا فأحد النقلين ساقط وتزوج خديجة وهو ابن خمس وعشرين سنة وهي بنت أربعين على الصحيح فيهما ورجح كثيرون أنها ابنة ثمان وعشرين وفرضت الصلاة بمكة ليلة الإسراء بعد النبوة بعشر سنين وثلاثة أشهر وفرض الصوم (1/14) ________________________________________ 15 بعد الهجرة وفرضت الزكاة قبل الصوم وقيل بعده وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك ابن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد ابن عدنان هذا المتفق عليه وجده هاشم هو الذي سن لقريش الرحلتين للتجارة ومات بغزة من أرض الشام البلدة التي ولد فيها الشافعي رحمه الله .

السنة 11هـ-21هـ

في السنة الحادية عشرة من الهجرة توفيت فاطمة بنت رسول الله بعد وفاة أبيها بستة أشهر تزوجها علي رضي الله عنه وهي بنت خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصف عمره إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر ولم يتزوج عليها حتى ماتت كأمها لم يتزوج عليها النبي حتى ماتت وغسل فاطمة أسماء بنت عميس وعلي دفنها ليلاً وفيها ماتت أم أيمن حاضنة رسول الله وأمه بعد أمه ومنزلتها من النبي ومنزلة زوجها وبنتها لا توصف ولا تكيف وخرجت مهاجرة وليس معها زاد ولا ماء فكادت تموت من العطش فلما كان وقت الفطر وكانت صائمة سمعت حساً على رأسها فرفعته لفإذا دلو برشاء أبيض معلق فشربت منه حتى رويت وما عطشت بقية عمرها وفيها مات عكاشة الأسدي أحد السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب وفيها قتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة في رهط من قومه بني حنظلة ممن منع الزكاة وكان مالك من دهاة العرب وكان عرض على خالد الصلاة دون الزكاة فقال خالد لا تقبل واحدة دون الأخرى فقال مالك كذلك كان يقول صاحبك قال خالد وما نراه لك صاحباً والله لقد هممت أن أضرب عنقك ثم تجادلا في الكلام فقال خالد إني قاتلك قال أو كذلك أمر صاحبك قال خالد وهذه ثانية بعد تلك والله لأقتلنك فكلمه عبد الله بن عمر وأبو قتادة في استبقائه (1/15) ________________________________________ 16 فأبى فقال مالك فابعثني إلى أبي بكر فيكون هو الذي يحكم في فقال خالد يا ضرار قم فاضرب عنقه فقام بضرب عنقه واشترى زوجه من الفيء وتزوجها فأنكر عليه عمر والصحابة وسأل عمراً أبا بكر قتل بمالك أو حده في زواج زوجته فقال أبو بكر إنه تأول فأخطأ فسأله عزله فقال ما كنت لأشيم أي أغمد سيفاسله الله عليهم أبداً ولمتمم بن نويرة في أخيه مراث كثيرة مشهورة من أعجمها قوله ( لقد لامني عند القبور على البكى * صحابي لتذارف الدموع السوافك ) ( فقالوا أتبكي كل قبر رأيته * لغير ثوى بين اللوى والدكادك ) ( فقلت لهم إن الشجا يبعث الشجا * دعوني فهذا كله قبر مالك ) ولحافظ دمشق ابن ناصر الدين قصيدة سماها بواعث الفكرة في حوادث الهجرة أحببت أن أثبتها لما فيها من الفوائد وهي ( سنو هجرة المختار فيها حوادث * فخذ نثرها من كل عام وأحكم ) ( مصلى قبا في أول ثم مسجدا * بنى وبيوتاً والصلاة فأتمم ) ( وحلف أذان جمعة مات أسعد * براء وعبد الله أسلم فاسلم ) ( وثان صيام فطرة أم كعبة * وغزوة ودان بواط لمغنم ) ( عسير وبدر عرس عائش مثله * البتول وموت لابن مظعون أكرم ) ( سويق سليم قينقاع ومسور * ومروان والنعمان سرواً بمقدم ) ( كذا ابن زبير مثل موت رقية * أبو بنت هند أنمار كانت بمعلم ) ( غزا أحداً في ثالث قتل حمزة * وذا أمر والخمر ردت فحرم ) ( وحمراء مع بدر أخيراً بناؤه * بزينب ذات البر كسباً لمعدم ) ( كذا حفصة مع أم كلثوم زوجت * أتى حسن قبل الحسين المقدم ) ( وفي رابع تزويج هند معونة * نضير وقصر والتيمم فافهم ) ( مريسيع إفك والرقاع وموعد * ورجم وموت أم المساكين عظم ) (1/16) ________________________________________ 17 ( وصلى لخوف ثم في الخمس حندق * قريظة سعد مات دومة قدم ) ( ضمام أتى اسلام عمرو وخالد * وعثمان الداري التزلزل فاعلم ) ( وفي سادس لحيان ذو قرد به * حديبية استسقى ابن خولة أعظم ) ( مقوقس أهدى والظهار وخاتم * لشيروية الطاعون حج لمسلم ) ( وخيبر في سبع صفية رملة * زواجهما ذو الحبس آبوا بأنعم ) ( قدوم أبي هر هدأنا عطية * قضا عمرة تزويج ميمونة أتمم ) وثامن عام مؤتة الفتح أسلموا * ومولد إبراهيم نجل المعظم ) ( حنين غلاء طائف نصب منبر * وبنت رسول الله زينب سلم ) ( بتسع تبوك والوفود وجزية * وحج أبو بكر وموت أم كلثم ) ( ومات ابن بيضا والنجاشي وعروة * قتيل ثقيف والسلولي فافهم ) ( لعان وإيلاء وبوران ملكت * لقتل فتى شيروية بتظلم ) ( وفي العاشر إبراهيم مات ومولد * لنجل أبي بكر محمد أعظم ) ( جرير اهتدى ضلت بأسود غنسة * كسوف بخلف حجة التم أعجم ) ( وسبع وعشرون المغازي ومثلها * سراياه مع عشرين أرخ لمقدم ) ( أصبنا لإحدى عشرة بنينا * فيا عظمه رزءاً لدى كل مسلم ) ( بها بايعوا الصديق ردة وابكين * لفاطمة مع أم أيمن واختم ) انتهى ما أورده ابن ناصر الدين وما ذكره في منظومته تقدم غالبة وبقيته مفهوم سوى قصة الظهار أحببت إيرادها لما فيها من الفوائد فأقول قال العلامة الشيخ علي الحلبي في سيرته وقبل خيبر وقيل بعد خيبر نزلت آية الظهار ( ^ قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها ) وسبب ذلك أن أوس بن الصامت لا عبادة بن الصامت كما قيل أي وكان شيخاً كبيراً قد ساء خلقه وفي لفظ كان به لمم أي من الجنون وكان فاقد البصر قال لزوجته خولة بنت ثعلبة وفي لفظ بنت خويلد وكانت بنت عمه وقد راجعته في شيء فغضب فقال (1/17) ________________________________________ 18 لها أنت على ظهر أمي وكان ذلك في زمن الجاهلية طلاقاً أي في كالطلاق في تحريم النساء ثم روادها عن نفسها فقالت كلا لا تصل إلي وقد قلت ما قلت حتى أسأل رسول الله لفظ إنه لما قال لها أنت علي كظهر أمي أسقط في يده وقال ما أراك إلا قد حرمت علي انطلقي إلى رسول الله فدخلت عليه وهو يمشط رأسه أي عنده ماشطة وهي عائشة تمشط رأسه وفي لفظ كان الظهار أشد الطلاق وأحرم الحرام إذا ظاهر الرجل من امرأته لم يرجع أبداً فأخبرته فقال لها ما أمرنا بشيء من أمرك ما أراك إلا قد حرمت عليه فقالت يا رسول الله والذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر الطلاق وإنه أبو ولدي وأحب الناس إلي فقال حرمت عليه فقالت أشكو إلى الله فاقتي وتركي بغير أحد وقد كبر سني ودق عظمي وفي لفظ أنها قالت اللهم إني أشكو إليك شدة وحدتي وما شق علي من فراقه وما نزل بي وبصبيتي قالت عائشة رضي الله عنها فلقد بكيت وبكى من كان في البيت رحمة لها ورقة عليها وفي لفظ قالت يا رسول الله إن زوجي أوس بن الصامت تزوجني وأنا ذات مال وأهل فلما أكل مالي وذهب شبابي ونفضت بطني وتفرق أهلي ظاهر مني فقال لها رسول الله أراك إلا قد حرمت عليه فبكت وصاحت وقالت أشكو إلى الله فقري ووحدتي وصبية صغار إن ضممتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إلي جاعوا وصارت ترفع رأسها إلى السماء فبينما فرغ رسول الله شق رأسه وأخذ في الآخر أنزل الله عليه الآية فسرى عنه وهو يبتسم فقال لها مريه فليحرر رقبة فقالت والله ماله خادم غيري قال فمريه فليصم شهرين متتابعين فقالت والله إنه لشيخ كبير إن لم يأكل في اليوم مرتين يندر بصره أي لو كان مبصراً فلا ينافى ما تقدم أنه كان فاقد البصر قال فليطعم مسكيناً فقالت والله مالنا اليوم وقية قال مريه فلينطلق إلى فلان يعني (1/18) ________________________________________ 19 شخصاً من الأنصار وأخبرني أن عنده شطر وسق من تمر يريد أن يتصدق به فليأخذه منه وفي رواية مريه فليأت أم المنذر بنت قيس فليأخذ منها شطر وسق من تمر فليتصدق به على ستين مسكيناً وليراجعك ثم أتته فقصت عليه القصة فانطلق ففعل وفي لفظ قال رسول الله فأنا سأعينه بفرق من تمر فبكت وقالت وأنا يا رسول الله سأعينه بفرق آخر قال قد أصبت وأحسنت فاذهبي فتصدقي به عنه ثم استوصي بابن عمك خيراً وفي رواية لما قال لها رسول الله ما أعلم إلا قد حرمت عليه قالت لها عائشة وراءك فتنحت فلما نزل عليه الوحي وسري عنه قال يا عائشة أين المرأة قالت ها هي هذه قال ادعها فدعتها قال النبي اذهبي فجيئي بزوجك فذهبت فجاءت به وأدخلته على النبي فإذا هو ضرير البصر فقير سيء الخلق فقال له أتجد رقبة قال لا وفي لفظ قال مالي بهذا من قدره قال أتستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال والذي بعثك بالحق إني إذا لم آكل المرة والمرتين والثلاثة يغشى علي وفي لفظ إني إذا لم آكل في اليوم مرتين كل بصري أي لو كان موجود قل فتستطيع أن تطعم ستين مسكيناً قال لا إلا أن تعينني بها فأعانه رسول الله فكفر عنه في رواية أنه أعطاه مكتلاً يأخذ خمسة عشر صاعاً فقال أطعمه ستين مسكيناً قال بعضهم وكانوا يرون أن عند أوس مثلها حتى يكون لكل مسكين نصف صاع وفيه أنه خلاف الروايات من أنه لا يملك شيئاً فقال علي أفقر مني فوالله الذي بعثك بالحق ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه مني فضحك رسول الله وقال اذهب به إلى أهلك وهذا أول ظهار وقع في الإسلام ومر عمر رضي الله عنه بخولة هذه في أيام خلافته فقالت قف يا عمر فوقف لها ودنا منها وأصغى إليها وأطالت الوقوف وأغلظت القول أي قالت لها ههيا يا عمر عهدنك وأنت تسمى عميراً وأنت في سوق عكاظ ترعى القيان بعصاك فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين فاتق الله في الرعية واعلم (1/19) ________________________________________ 20 أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد ومن خاف الموت خشي الفوت فقال لها الجارود قد أكثرت أيتها المرأة على أمير المؤمنين فقال عمر دعها وفي رواية فقال له قائل حبست الناس لأجل هذه العجوز قال وحك وتدري من هذه قال لا قال هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سموات هذه خولة بنت ثعلبة والله لو لم تتصرف عني إلى الليل ما انصرفت حتى تقضي حاجتها انتهى قالت ومما يناسب المقام ذكر ابن صياد فإن أخباره ولا بد بعد الهجرة ولكني لم أقف على تاريخها وسأثبته إن عثرت عليه فلنورد ما ورد منه مختصرا ًوليكن لفظ مشكاة المصابيح فإنه من أجمع ما رأيت فيه قال فيه باب ابن الصياد الفصل الأول عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه انطلق مع رسول الله بيده ثم قال أتشهد أني رسول الله فنظر إليه فقال أشهد أنك رسول الأميين ثم قال ابن صياد أتشهد إني رسول الله فنظر إليه فقال أشهد أنك رسول الأميين ثم قال ابن صياد يومئذٍ الحلم فلم يشعر حتى ضرب رسول الله ظهره بيده ثم قال ابن صياد أتشهد أني رسول الله فرصه النبي قال آمنت بالله وبرسله ثم قال لابن صياد ماذا ترى قال يأتيني صادق وكاذب قال رسول الله عليك الأمر ثم قال رسول الله إني خبأت لم خبيئاً وخبأ له يوم تأتي السماء بدخان مبين فقال هو الدخ فقال اخسأ فلن تعدو قدرك قال عمر يا رسول الله أتأذن لي فيه أضرب عنقه قال رسول الله إن يكن هو لا تسلط عليه وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله قال ابن عمر انطلق بعد ذلك رسول الله وأبي بن كعب الأنصاري يؤمان النخل التي فيها (1/20) ________________________________________ 21 ابن صياد وطفق رسول الله يتقى بجذوع النخل وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئاً قبل أن يراه وابن صياد مضطجع على فراشه في قطيفة له فيها زمزمة فرأت أن ابن صياد النبي وهو يتقى بجذوع النخل فقالت أي صاف وهو اسمه هذا محمد فتناهى ابن صياد قال رسول الله لو تركته بين قال عبد الله بن عمر قام رسول الله في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال إني أنذركموه وما من نبي إلا وقد أنذر قومه لقد أنذر نوح قومه ولكني سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه تعلمون أنه أعور وأن الله ليس بأعور متفق عليه وعن أبي سعيد الخدري قال لقيه رسول الله وأبو بكر وعمر يعني ابن صياد في بعض طرق المدينة فقال له رسول الله آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله ما ترى قال أرى عرشاً على الماء فقال رسول الله ترى عرش إبليس على البحر وما ترى قال أرى صادقين وكاذباً أو كاذبين وصادقاً فقال رسول الله عليه فدعوه رواه مسلم وعنه أن ابن صياد سأل النبي عن تربة الجنة فقال رسول الله ترى عرش إبليس على البحر وما ترى قال أرى صادقين وكاذباً أو كاذبين وصادقاً فقال رسول الله ( لبس عليه فدعوه رواه مسلم وعنه أن ابن صياد سأل النبي عن تربة الجنة فقال درمكة بيضاء مسك خالص رواه مسلم وعن نافع قال لقي ابن عمر ابن صياد في بعض طرق المدينة فقال له قولاً أغضبه فانتفخ حتى ملأ السكة فدخل ابن عمر على حفصة وقد بلغها فقالت له رحمك الله ما أردت من ابن صياد أما علمت أن رسول الله قال إنما يخرج من من غضبة يغضبها رواه مسلم وعن أبي سعيد الخدري قال صحبت ابن صياد إلى مكة فقل لي ما لقيت من الناس يزعمون أني الدجل ألست سمعت رسول الله يقول أنه لا يولد له وقد ولد لي أليس قد قال هو كافر وأنا مسلم أو ليس قد قال لا يدخل المدينة ولا مكة وقد أقبلت من المدينة وأنا أريد مكة ثم قال لي في آخر قوله أما والله إني لأعلم مولده ومكانه (1/21) ________________________________________ 22 وأين هو وأعرف أباه وأمه قال فلبسني قال قلت تباً لك سائر اليوم قال وقيل له أيسرك أنك ذاك الرجل قال فقال لو عرض علي ما كرهت رواه مسلم وعن ابن عمر قال لقيته وقد نقرت عينيه فقلت متى فعلت عينيك ما أرى قال لا أدري قلت لا تدري وهي في رأسك قال إن شاء الله خلقها في عصاك قال فنخر كأشد نخير حمار سمعت رواه مسلم وعن محمد بن المنكدر قال رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن الصياد الدجال قلت تحلف بالله قال إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي فلم ينكره النبي عليه الفصل الثاني عن نافع قال كان ابن عمر يقول والله ما أشك أن المسيح الدجال ابن صياد رواه أبو داود والبيهقي في كتاب البعث والنشور وعن جابر قال فقدنا ابن صياد يوم الحرة رواه أبو داود وعن أبي بكرة قال قال رسول الله أبو الدجال ثلاثين عاماً لا يولد لهما ولد ثم يولد غلام أعور أضرس وأقله منفعة تنام عيناه ولا ينام قلبه ثم نعت لنا رسول الله أبويه فقال أبوه طوال ضرب اللحم كان أنفه منقار وأمه امرأة فرضاً خية طويلة اليدين فقال أبو بكرة فسمعنا بمولد في اليهود بالمدينة فذهبت أنا والزبير بن العوام حتى دخلنا على أبويه نعت رسول الله فيهما فقلنا هل لكما ولد فقالا مكثنا ثلاثين عاماً لا يولد لنا ولد ثم ولد لنا غلام أعور أضرس وأقله منفعة تنام عيناه ولا ينام قلبه فخرجنا من عندهما فإذا هو منجدل في الشمس في قطيفة وله همهمة فكشف عن رأسه فقال ما قلتما قلنا وهل سمعت ما قلنا قال نعم تنام عيناي ولا نام قلبي رواه الترمذي وعن جابر أن امرأة من اليهود بالمدينة ولدت غلاماً ممسوحة عينه طالعة نابه فأشفق رسول الله أن يكون الدجال فوجده تحت قطيفة يهمهم فآذنته أمه فقالت يا عبد الله هذا أبو القسم فخرج من القطيفة فقال رسول الله ما لها قاتلها الله لو تركته لبين فذكر مثل معنى حديث ابن عمر فقال عمر ابن الخطاب ائذن لي يا رسول الله فأقتله فقال رسول الله إن يكن هو فلست (1/22) ________________________________________ 23 صاحبه إنما صاحبه عيسى بن مريم وألا يكن هو فليس لك تقتل رجلاً من أهل العهد فلم يزل رسول الله مشفقاً أن يكون هو الدجال رواه في شرح السنة انتهى ما ذكره في مشكاة المصابيح وقال أبو عبد الله الذهبي في كتابه تجريد الصحابة ما لفظه عبد الله بن صياد أورده ابن شاهين وقال هو ابن صائد وكان أبوه يهودي فولد له عبد الله أعور مختوناً وهو الذي قيل أنه الدجال ثم أسلم فهو تابعي له رواية قال أبو سعيد الخدري صحبني ابن صياد إلى مكة فقال لقد هممت أن آخذ حبلاً فأوثقه إلى شجرة ثم اختنق مما يقول الناس في وذكر الحديث وهو في مسلم انتهى ما قاله الذهبي السنة الثانية عشرة فيها غزوة اليمامة وقتل مسيلمة الكذاب وفتحت اليمامة صلحاً على يد خالد بن الوليد بعد أن استشهد من الصحابة رضي الله عنهم نحو أربعمائة وخمسين وقيل ستمائة وجملة القتلى من المسلمين ألف رجل ومائتا رجل وكان رأي أهل الردة على منع الزكاة دون غيرها فأجمع رأي أبي بكر على قتالهم وأبى سائر الصحابة واحتجوا عليه بقوله أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماؤهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله فقال أبو بكر الزكاة حق المال وقال والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي فانظر كيف منع من التعلق بعموم الخبر من وجهين أحدهما أنه بين أن الزكاة حق المال فلم يدخل مانعها في الخبر والثاني أنه خص الخبر في الزكاة كما خص في الصلاة فخص مرة بالخبر وأخرى بالنظر وهذا غاية ما ينتهي إليه المجتهد المحقق والعالم المدقق وفي ذي الحجة منها توفي صهر النبي زوج ابنته زينب أبو العاص بن الربيع العبشمي ابن أخت خديجة هالة بنت خويلد وكان النبي عليه ولما أسلم لم يجادله النبي النكاح على ابنته بل أبقاهما على نكاحها (1/23)


________________________________________ 24 السنة الثالثة عشرة فيها وقعة أجنادين بقرب الرملة واستشهد فيها جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ثم كان النصر والحمد لله وفيها بعث أبو بكر رضي الله عنه أمراء إلى الشام منهم أبو عبيدة وعمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة وبعث خالداً إلى العراق فافتتح الابلة وأغار على السواد وحاصر عين النمر وأرى الفرس ذلاً وهوانا ثم سار من العراق إلى الشام في برية ورمال لا يهتدى طريها ولحق بأمراء الشام فكان له الأثر العظيم وفي جمادى الآخرة منها توفي الخليفة أبو بكر الصديق عبد اله بن عثمان رضي الله عنه عن ثلاث وستين ومناقبه كثيرة مشهورة وفيه يقول أبو محجن الثقفي ( وسميت صديقاً وكل مهاجر * سواك يسمى باسمه غير منكر ) ( وبالغار إذ سميت بالغار صاحباً * وكنت رفيقاً للنبي المطهر ) ( سبقت إلى الإسلام والله شاهد * وكنت جليساً بالعريش المشهر ) ومناقبه وسوابقه في الإسلام لا تنحصر وكان رئيساً في الجاهلية وكان إليه الديات ومعرفة الأنساب والرؤيا وأسلم على يده جماعة وأعتق أعبداً افتداهم من أيدي المشركين يعذبونهم منهم بلال وعامر بن فهيرة ونص أن سبقه لغيره بواقر وقر في صدره وجاء أنه كان إذا تنفس يشم منه رائحة كبد مشوية وبينه وبين مرة بن كعب ستة آباء كالنبي سلمى أم الخير بنت صخر بن عامر تيمية أيضاً ولد بعد عام الفيل بسنتين وأربعة أشهر إلا أياماً وعاش بعدد ما سبقه النبي بالولادة واستخلف عمر فلم يختلف عليه اثنان والإجماع منعقد على صحة خلافته ودلائلها أشهر من أن تذكر لعن الله باغضيه قال محب الدين أبو جعفر محمد الطبري في كتابه الرياض النضرة في فضائل العشرة رضي الله عنهم وعن أبي ذر رضي الله عنه قال دخل (1/24) ________________________________________ 25 رسول الله منزل عائشة فقال يا عائشة ألا أبشرك قالت بلى يا رسول الله قال أبوك في الجنة ورفيقه إبراهيم الخليل عليه السلام وعمر في الجنة ورفيقه نوح عليه السلام وعثمان في الجنة ورفيقه أنا وعلى في الجنة ورفيقه يحيى بن زكريا وطلحة في الجنة ورفيقه داود عليه السلام والزبير في الجنة ورفيقه إسماعيل عليه السلام وسعد بن أبي وقاص في الجنة ورفيقه سليمان بن داود عليه السلام وسعيد في الجنة ورفيقه موسى بن عمران عليه السلام وعبد الرحمن بن عوف في الجنة ورفيقه عيسى عليه السلام وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة ورفيقه إدريس عليه السلام ثم قال يا عائشة أنا سيد ا لمرسلين وأبوك أفضل الصديقين وأنت أم المؤمنين خرجه الملا في سيرته انتهى وقال اللقانى في شرح الجوهرة افضل الصحابة أهل الحديبية وأفضل أهل الحديبية أهل أحد وأفضل أهل أحد أهل بدر وأفضل أهل بدر العشرة وأفضل العشرة الخلفاء الأربعة وافضل الأربعة أبو بكر الصديق رضي الله عنه قال قال رسول الله من أحسن القول في أصحابي فقد برىء من النفاق ومن أساء القول في أصحابي كان مخالفاً لسنتي ومأواه العمى قال أخبرني أبي قال أدركت أربعين شيخاً من التابعين كلهم حدثونا عن أصحاب رسول الله قال من أحب جميع أصحابى وتولاهم واستغفر لهم جعله الله تعالى يوم القيامة معهم في الجنة خرجه ابن عرفة العبدي وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله من أحب أصحابى وأزاجي وأهل بيتي ولم يطعن في أحد منهم وخرج من الدنيا على محبتهم كان معي في درجتي يوم القيامة خرجه الملا في سيرته وعن الأعمش قال خرجت في ليلة مقمرة أريد المسجد فإذا أنا (1/25) ________________________________________ 26 بشيء عارضني فاقشعر منه جسدي وقلت أمن الجن أم من الإنس من الجن فقلت مؤمن أم كافر فقال بل مؤمن فقلت هل فيكم من هذه الأهواء والبدع شيء قال نعم ثم قال وقع بينى وبين عفريت من الجن أختلاف في أبى بكر وعمر فقال العفريت أنهما ظلماً عليا واعتديا عليه فقلت بمن ترضى حكما فقال بإبليس فأتيناه فصصنا عليه القصة فحك ثم قال هؤلاء من شيعتي وأنصارى وأهل مودتي ثم قال ألا أحدثكم بحديث قلنا بلى قال أعلمكم أنى عبدت الله تعالى في السماء الدنيا ألف عام فسميت فيها العابد وعبدت الله في الثانية ألف عام فسميت فيها الزاهد وعبدت الله في الثالثة ألف عام فسميت فيها الراغب ثم رفعت إلى الرابعة فرأيت فيها سبعين ألف صف من الملائكة يستغفرون لمحبي أبي بكر وعمر ثم رفعت إلى الخامسة فرأيت فيها سبعين ألف ملك يلعنون مبغضى أبي بكر وعمر انتهى وفي الصحيحين أنه ذهب بثلاثة أضياف معه إلى بيته وجعل لا يأكل لقمة الآربا من أسفلها أكثر منها فشبعوا وصارت أكثر ما هي قبل ذلك فنظر إليها أبو بكر وامرأته فاذا هى أكثر مما كنت فرفعها إلى رسول الله وجاء إليه أقوام كثيرون فأكلوا منها ومات يوم وفاة أبي بكر أميره على مكة عتاب بن أسيد الأموي وكان من مسلمة الفتح وأمره النبي على مكة حين خرج إلى حنين والطائف ولم يزل عليها حتى توفي النبي ولما أن جاء الخبر بموت النبي اختفى وخاف على نفسه فقام سهيل بن عمرو وخطب خطبة بليغة ثبت الله بها قلوب الناس فصح في سهيل قول رسول الله عسى أن يقوم مقاماُ يحمد فيه السنة الرابعة عشرة فيها فتحت دمشق صلحاً من أبي عبيدة وعنوة من خالد ثم أمضيت صلحاً بعد مراجعة عمر وعزل خالداً بأبي عبيدة فقال خالد والله لو ولى عمر على امرأة (1/26) ________________________________________ 27 سمعت وأطعت وكان قد رأى تلك الأيام أن قلنسوته سقطت ففسرت بعزله وكان عمر قد أنفذه إلى العراق لشجاعته وإقدامه ثم عزله لتعزيزه بالمسلمين مع أن عمر أشار على أبي بكر أن ينفذه لقتال أهل الردة وكان في صلح أبي عبيدة لأهل دمشق أن لهم ما حملت إبلهم وأن لا يتبعوا إلى انقضاء ثلاثة أيام فتبعهم خالد بعد الثلاث فأدركهم بمرج الديباج فوضع فيهم السيف وقتل أميرهم وسبى بنت مليكهم فروجع عمر فيها وقد أرسل أبوها بمال عظيم في فدائها فأمر عمر بإطلاقها بغير مال أنه لا رغبة ولا رهبة له فيهم وفيها وقعة جسر أبي عبيدة على مرحلتين من الكوفة واستشهد من المسلمين بها نحو ثمانمائة منهم أو عبيدة بن مسعود والد المختار الكذاب وكان من جلة الصحابة رضي الله عنهم وفيها مصر عتبة بن غزوان البصرة وأمر ببناء مسجدها الأعظم وفتحت بعلبك وحمص صلحاً وهرب هرقل عظيم الروم من أنطاكية إلى القسطنطينية وفيها توفي أبو قحافة والد أبي بكر الصديق واسمه عثمان وكان أسلم يوم الفتح ومات عن أربع وتسعين سنة رضي الله عنه وعن ولده وذريته سنة خمس عشرة فيها وقعة اليرموك وكان المسلمون ثلاثين ألفاً والروم أزيد من مائة ألف الخمسة والستة في سلسلة لئلا يفروا فداستهم الخيل وقيل كان المسلمون خمسين ألفاً والروم ألف ألف والرماة فيهم مائة ألف ومعهم جبلة بن الأيهم الغساني في ستين ألفاً من منتصرة العرب فقدمهم الروم فانتقى لهم خالد ستين رجلاً من أشراف العرب فقاتلوهم يوماً كاملاً ثم نصر الله المسلمين وهرب جبلة ولم ينج منهم إلا القليل ثم التقى المسلمون مع الروم مرة بعد أخرى حتى أبادوهم بالقتل وهربت بقيتهم تحت الليل واستشهد في اليرموك جماعة من فضلاء المسلمين منهم عكرمة (1/27) ________________________________________ 28 ابن أبي جهل وكان قد حسن إسلامه بحيث أنه لا يقدر يثبت بصره في المصحف من كثرة الدم وعياش بن أبي ربيعة المخزومي وعبد الرحمن بن العوام أخو الزبير وعامر بن أبي وقاص أخو سعد وأما عتبة بن أبي وقاص فلم يكن مسلماً وهو الذي كسر رباعية لنبي وظهرت بها نجدة جماعة منهم الزبير والفضل بن العباس وخالد بن الوليد وعبد الرحمن بن أبي بكر في آخرين رضي الله عنهم وفي شوال منها وقعة القادسية وقيل كانت في ستة عشر وكان أمير المسلمين سعد بن أبي وقاص ورأس المجوس رستم معه الجالينوس وذو الحاجب وكان المسلمون سبعة آلاف والمجوس ستون ألفاً ومعهم سبعون فيلاً فحصرهم المسلمون في المدائن وقتلوا رؤساءهم الثلاثة وخلقاً واستشهد بها عمرو بن أم مكتوم الأعمى المذكور في قوله تعالى ( ^ إن جاءه الأعمى ) وأبو زيد الأنصاري وافتتحت الأردن عنوة إلا طبرية صلحاً وتوفي سعد بن عبادة سيد الخزرج بحوران قعد يول في حجر فخر ميتاً وسمع يومئذٍ صائح من الجن في داره بالمدينة يقول ) نحن قتلنا سيد ال * خزرج سعد بن عبادة ) ( قد رميناه بسهم * فلم يخط فؤاده ) سنة ست عشرة افتتحت حلب وأنطاكية صلحاً واختط مصر سعد بن أبي وقاص أي علم موضع البناء وحاصر المسلمون بيت المقدس مدة فقالوا للمسلمين لا تتبعوا أنفسكم فلن يفتحها إلا رجل له علامة عندنا فإن كان إمامكم بتلك العلامة سلمناها من غير قتال فلما وصل الخبر إلى عمر بذلك ركب راحلته ومعه غلام له يعاقبه الركوب وتزود شعيراً وتمراً وزيتاً ولبس مرقعة فلما قرب تلقاه المسلمون وسألوه تغيير (1/28) ________________________________________ 29 تلك الهيئة نفعل قليلاً ثم قال أقيلوني فرجع إلى هيئته الأولى فلما رآه الكفار كبروا وفتحوها وقالوا هو هذا وفيها ماتت مارية القبطية أم إبراهيم ابن رسول الله سنة سبع عشرة فيها استسقى عمر بالعباس رضي الله عنهما فسقوا ثم خرج عمر إلى الشام ورجع لما سمع بالطاعون بعد اختلاف بين الصحابة في الرجوع والقدوم على ما هو مقرر وفي سقياهم بالعباس يقول العباس بن عتبة بن أبي لهب ( بعمي سقى الله الحجاز وأهله * عشية يستسقى بشيبته عمر ) ( توجه بالعباس في الجدب راغباً * إليه فما أن زال حتى أتى المطر ) ( ومنا رسول الله فينا تراثه * فهل أحدها مفتخر ) وفيها زاد عمر في المسجد النبوي وافتتح أبو موسى الأشعري الأهواز وفيها كانت وقعة جلولاء وقتل من المشركين مقتلة عظيمة وبلغت الغنائم ثمانية عشر ألف ألف وقيل ثمانين ألف ألف وتزوج عمر أم كلثوم بنت فاطمة الزهراء رضي الله عنهم سنة ثماني عشرة فيها طاعون عمواس بناحية الأردن سمي بها لأنه منها ابتدأ لم يسمع بطاعون مثله في الإسلام واستشهد بها أبو عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة وأمير الأمراء بالشام وهو ابن ثمان وخمسين سنة واستشهد فيها الفضل وكان من أشجع الناس قلباً وأحسنهم وجهاً وأسخاهم يداً وله في الجود مآثر يضيق عنها هذا المختصر وفيه أيضاً استشهد سلطان العلماء وأعلم الأمة بالحلال والحرام معاذ بن جبل ورد أن العلماء تأتي تحت رايته يوم القيامة وقال له النبي إني أحبك (1/29) ________________________________________ 30 يا معاذ وكان من نضلاء الصحابة وفقهائهم وهو الذي بنى مسجد الجند باليمن وقيل بنى بعده ومات عن ست أو ثمان وثلاثين سنة وكان النبي اليمن على خمسة رجال خالد بن سعيد بن العاص على صنعاء والمهاجر ابن أمية على كندة وزياد بن لبيد على حضرموت ومعاذ بن جبل على الجند وأبو موسى على زيد وعدن والساحل وغيرها وفيها وقيل في التي بعدها مات يزيد بن أبي سفيان بن حرب أفضل اخوته أسلم عام الفتح وشهد حنيناً وأعطاه النبي ناقة وأربعين وقية فضة واستعمله أبو بكر على الشام وعمر بعده ثم استخلف بعده عمر أخاه معاوية وأقره عثمان إلى أن استقرت له الخلافة حتى مات خليفة حقاً رضي الله عنه وأبو جندل بن سهيل بن عمرو والعامري وقصته في صلح الحديبية مشهورة في الصحيح وسهيل بن عمرو والد أبي جندل وكان من سادات قريش وخطائهم ومن حلمه وصحة إسلامه أنه قدم المدينة في شيوخ من قريش فيهم أبو سفيان فاستأذنوا على عمر فأبطأ عليهم واستأذن بعدهم فقراء من المسلمين فأذن لهم فقال أبو سفيان عجباً يؤذن للمساكين والموالي وكبار قريش واقفين فقال سهيل اغضبوا على أنفسكم فإن الله دعا هؤلاء فأسرعوا ودعاكم فأبطأتم والله إن الذي سبقوكم إليه من الخير خير من هذا الذي تنافسون فيه من هذا الباب ولا أرى أحداً منكم يلحق بهم إلا أن يخرج إلى الجهاد لعل الله يرزقه الشهادة فخرج سريعاً إلى الشام وكان يتردد في مكة إلى بعض الموالي يقرئه القرآن فغيره بعض قريش فقال سهيل هذا والله الكبر الذي حال بيننا وبين الخير ولما رآه رسول الله مقبلاً يوم الحديبية قال قد سهل لكم من أمركم أي تفاؤلاً باسمه وفيها شرحبيل بن حسنة الكندي نسب إلى أمه وأبوه بن مطاع هاجر إلى الحبشة واستعمله عمر الكندي نسب إلى أمه وأبوه عبد الله بن مطاع هاجر إلى الحبشة واستعمله عمر على بعض الشام مات في طاعون عمواس والحرث بن هشام بن المغيرة أخو أبي (1/30) ________________________________________ 31 جهل بن هشام مات أيضاً في الطاعون المذكور وفيها افتتحت حران والموصل والسوس تستر سنة تسع عشرة افتتحت تكريت وقيسارية وتوفي أبو المنذر أبى بن كعب الخزرجي سيد القراء كان من علماء الصحابة ومناقبه أكثر من أن تحصر قيل توفي سنة اثنتين وعشرين.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

السنة 22هـ-32هـ

سنة عشرين فيها فتح عمرو بن العاص بعض ديار مصر وتوفى بلال بن رباح الحبشي وأمه وحمامه مولى أبى بكر ومؤذن رسول الله صادق الإسلام وعذب في ذات الله اشد العذاب وكانت أمر أنه عند موته تقول واحرباه فيقول بل واطرباه غدا نلتقي الأحبة محمداً وصحبه وكان موته بداريا من أرض الشام وقيل بدمشق ودفن عند الباب الصغير وعمره ثلاث وستون سنة وفيها توفيت أم المؤمنين زينب بنت جحش الأسدية التي زوجها الله رسوله أسرع أزواج النبي لحوقاً به وأطولهن يداً بالصدقة وهي التي كانت تسامى عائشة في الحظوة والمنزلة عند النبي وفيها مات أبو الهيثم بن التيهان الأنصاري الذي استضافه النبي وكرمه بذلك فقال ما أحد اليوم أكرم أضيافاً مني وأسيد بن حضير الأنصاري الأشهلي أحد النقباء الذي شاهد السكينة عياناً وكان إذا مشى سبقه نور عظيم روى البخاري أن عباد بن بشر وأسيد بن حضير خرجا من عند رسول الله في ليلة مظلمة فأضاء لهما طرف السوط فلما افترقا افترق الضوء معهما وعياض بن غنم الفهري نائب أبي عبيدة على الشام وأبو سفين الحرث بن عبد ا لمطلب الهاشمي ابن عمر النبي اسمه المغيرة وهو الذي كان أخذ يوم حنين بلجام بغلة النبي وثبت يومئذ معه وهو أخو (1/31) ________________________________________ 32 نوفل بن الحرث وسعد بن عامر الجحمي وهرقل ملك الروم وقيل أنه أسلم في الباطن سنة إحدى وعشرين افتتحت مصر وتوفي سيف الله خالد بن الوليد المخزومي عن ستين سنة على فراشه بعد ارتكابه عظيم الأخطار في طلب الشهادة وفتحه الفتوحات العظيمة ونكايته في أعداء الله تعالى وفيه عبرة لكل جبان وحاصر حصناً فقالوا لا نسلم حتى تشرب السم فشربه ولم يضره وفيها وقعة نهاوند دامت المصاف ثلاثة أيام ثم نزل النصر واستشهد أمير المؤمنين النعمان بن مقرن المزنى وكان من سادة الصحابة فنعاه عمر للناس يوم أصيب على المنبر وأخذ حذيفة بن اليمان الراية من بعده ففتح الله عليه واستشهد بها طليحة بن خويلد الأسدي وكان قد ارتد وادعى النبوة وكانت دعوته النبوة بجبل سمرقند من نجد ثم حسن إسلامه وكان يعد بألف فارس وفيها ولى عمر عمار بن ياسر أمامة الصلاة بالكوفة لم ا اشتكى أهلها سعد ابن أبي وقاص وولى عبد الله بن مسعود بيت المال وتوفي العلاء بن الحضرمي كان عامل النبي وكان يقول في دعائه يا عليم يا حليم يا على يا عظيم فيستجاب له دعا الله بأنهم يسقون ويتوضئون لم عدموا الماء ولا يقى بعدهم فجيب ودعا الله لما اعترضهم البحر ولم يقدروا على المرور عليه فمر هو والعسكر بخيولهم ودعا الله لما اعترضهم البحر ولم يقدموا على المرور عليه فمر هو والعسكر بخيولهم ودعا الله أن لا يروا جسده إذا مات فلم يجدوه في اللحد سنة اثنتين وعشرين فيها افتتحت أذربيجان على يد المغيرة بن شعبة ومدينة نهاوند صلحا والدينور مع همذان على يد حذيفة وطرابلس المغرب على يد عمرو بن العاص وافتتحت جرجان وتوفي أبي بن كعب على خلاف تقدم وهو أحد الأربعة (1/32) ________________________________________ 33 الذين جمعوا القرآن وأمر الله نبيه يقرأ عليه سورة لم يكن وسماه له وناهيك بها وقال له ليهنك العلم يا أبا المنذر سنة ثلاث وعشرين فيها توفى أبو حفص أمير المؤمنين عمر بن الخطاب القرشي العدوى شهيداً طعنه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة في ليال يقين من ذي الحجة بعد مرجعه من لحج وكان آدم شديد الأدمة طوالاً صليباً في دين الله لا تأخذه في الله لومة لائم ومناقبه أشهر من أن تذكر وأكثر من أتحصر وفي الأحاديث الصحاح من موافقة التنزيل له وتزكية النبي له فيوجهه وعز الإسلام بإسلامه واتسعت دائرة الإسلام في خلافته وبكراته ومناقبه وكراماته عديدة ولما طعنه أبو لؤلؤة في صلاة الصبح جعل الأمر شورى بين من بقى من العشرة وأخرج نفسه وبنيه من ذلك فأقضى الأمر بعد التشاور إلى عثمان وقد ثبت في الصحيحين عن النبي أنه قال قد كان في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن فيأتي أحد فعمر وفي الترمذي وغيره عن النبي أنه قال لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر وفي الترمذي أيضاً لو كان بعدي نبي لكان عمر وفي حديث آخر أن الله ضرب الحق على لسان عمر وقلبه وكان على بن أبي طالب رضي الله عنه يقول مانبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر ثبت هذا عنه من رواية الشعبي وقال ابن عمر وما كان عمر يقول لشيء أنى لأراه كذا إلا كان كما يقول وعن قيس بن طلق كما نتحدث أن عمر ينطبق على لسان مكل وكان عمر يقول اقتروبا من أفواه المطيعين واسمعوا منهم ما يقولون فإنه تنجلى لهم أمور صادقة وهذه الأمور التي أخبر أنها تنجلى للمطيعين هي الأمور التي يكشفها الله لهم فقد ثبت أن لا ولياء الله مخاطبات ومكاشفات ولا شك أن أفضل هؤلاء في هذه الأمة بعد أبي بكر عمر رضي الله عنه واستشهد وله ثلاث وستون سنة وقيل خمس وستون ومدة خلافته عشر سنين وسبعة أشهر وخمس ليال وقيل غير (1/33) ________________________________________ 34 ذلك ودف مع صاحبيه بإذن عائشة رضي الله عنها وفي آخر خلافته توفيت أم المؤمنين سودة بنت زمعة القرشية العامرية تزوجها بعد موت خديجة وقبل الهجرة بنحو ثلاث سنين وكانت قبله تحت السكران ابن عمها أخى سهيل بن عمرو وكانت طويلة جسيمة ووهبت نوبتها من القسم لعائشة رجاء أن تموت في عصمة النبي ص فتم لها ذلك والصحيح أنها توفيت سنة خمس وخمسين في خلافة معاوية والله أعلم وفيها مات قتادة بن النعمان الأنصاري الأوسى الذي ورد النبي عينه يوم أحد حين سقطت وكانت أحسن عينيه وسببه أن رماة المشركين كانوا يقصدونه بالرمى وكان أصحابه يقف الواحد منهم بعد الواحد في وجهه يتلقى عنه الرمى يفديه بنفسه حتى قتل عشرة وكان قتادة الحادي عشر فما استتم أ مر الوقعة وقد سالت عينه قال له أن لي زوجة وأنا ضنين بها محب لها وأنها تقذرني إذا رأتني على هذه الحال وأنا ما فعلت إلا لأنال الشهادة أو كلاماً هذا معناه فردها فكانت أضوأ عينيه وأحسنهما وفي ذلك يقول ابنه وقد ووفد على بعض خلفاء الأمويين فقال له من أنت فقال ( أنا ابن الذي سالت على الخد عينه * فردت بكف المصطفى أحسن الرد ) سنة أربع وعشرين في أولها بويع ذو النورين عثمان بن عفان الأموي بالخلافة بإجماع من المسلمين وكيفيتها مقررة في صحيح البخاري وغيره وهو من أهل السوابق والقدم في الإسلام هاجر الهجرتين وصلى إلى القبلتين وتزوج الإبنتين وجهز جيش العسرة بثلاثمائة بعير بأقتابها وأحلاسها والف دينار وغير ذلك وقال النبي ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم وتلاوته للقرآن في الصلاة وصدقانه وعبادته وحياؤه وحب النبي له أمر معلوم (1/34) ________________________________________ 35 وفيها توفي سارقة بن مالك بن جعثم المذكور في حديث الهجرة وكان نازلاً بعديد وهو منزل أم معبد المذكورة أيضاً في حديث الهجرة ولكليهما جرى معجزات من معجزات النبوة منها ما ذكره في ربيع الأبرار عن هند بنت الجون نزل رسول الله على خيمة خالتها أم معبد فقام من رقدته فدعا بماء فغسل يديه ثم تمضمض ومج في عوسجة إلى جانب الخيمة فأصبحنا وهي كأعظم دوحة وجاءت بثمر كأعظم ما يكون في لون الورس ورائحة العنبر وطعم الشهد ما أكل منها جائع إلا شبع ولا ظمآن إلا روى ولا سقيم إلا برىء ولا أكل من ورقها بعير ولا شاة إلا ودر لبنها فكنا نسميها المباركة وكان من البوادي من يستشفى بها ويتزود منها حتى أصبحنا ذات يوم وقد تساقط ثمرها واصفر ورقها ففزعنا فما راعنا إلا نعى رسول الله ثم أنها بعد ثلاثين سنة أصبحت ذات شوك من أسفلها إلى أعلاها وتساقط ثمرها وذهبت نضارتها فما شعرنا إلا بمقتل أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه فما أثمرت بعد ذلك اليوم فكنا ننتفع بورقها ثم أصبحنا وإذا بها قد نبع من ساقها دم عبيط وقد بذل ورقها فبينا نحن فزعين مهمومين إذا أتانا خبر مقتل الحسين ويبست الشجرة على أثر ذلك وذهبت والعجب كيف لم يشتهر أمر هذه الشجرة كما اشتهر أمر الشاة في قصة هي من أعلام القصص انتهى سنة خمس وعشرين فيها انتقض أهل الرى فغزاهم أبو موسى الأشعري وانتقض أهل الإسكندرية فغزاهم عمرو بن العاص فقتل وسبى استعمل فيها عثمان على الكوفة أخاه لأمه الوليد بن عقبة بن أبي معيط وجهز سليمان بن ربيعة الباهلي في أثنى عشر ألفاً إلى برذعة فقتل وسبى (1/35) ________________________________________ 36 سنة ست وعشرين فيها فتحت سابور على يد عثمان ابن أبي العاص فصالحهم على ثلاثة آلاف درهم قبل وفيها زاد عثمان رضي الله عنه في المسجده سنة سبع وعشرين فيها ركب معاوية في البرح لغزو قبرس وعزل عمرو بن العاص بعبد الله بن سعد بن أبي سرح وسبب العزل أنه غزا الإسكندرية ظانا نقض العهد فقتل وسبى ولم يصح عند عثمان نقضهم للعهد فأمر برد السبى وعزله فاعتزل عمرو في ناحية فلسطين وكان ذلك بدء المخالفة وغزا عبد الله بن سعيد اقليم إفريقية وافتتحها وأصاب الراجل الف دينار والفارس ثلاثة آلاف وقتل ملكهم جرير وتوفيت م حرام بنت ملحان بقبرس في هذه الغزاة وكانت مع زوجها عبادة بن الصامت سنة ثمان وعشرين فيها انتقض أهل أذربيجان فغزاهم الوليد بن عقبة ثم صالحوه وقيل فيها غزوة قبرس سنة تسع وعشرين فيها افتتح عبد الله بن عامر بن كريز مدينة اصطخر عنوة بعد قتال عظيم وعزل عثمان أبا موسى الأشعري عن البصرة وعثمان بن أبي العاص عن فارس وجمعهما لعبد الله بن عامر وهو ابن خال عثمان وأمره وهو ابن أربع وعشرين سنة فافتتح فارس وخراسان جميعاً في سنة ثلاثين وروى أنه لما ولد أتى به النبي فتفل في فيه فبلغه فقال له النبي إنك لسقا فكان لا يعالج أرضا إلا طهر له ماؤها وهو الذي عمل السقايات بعرفة وشق نهر البصرة وكان من الأجواد (1/36) ________________________________________ 37 وهو مجهول الوفاة

سنة ثلاثين فيها توفي حاطب بن أبى بلتعة صاحب القصة في غزوة الفتح نزل فيه قوله تعالى ( ^ يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء ) الآية وهو الرسول إلى المقوقس إن كان رسولاً فماله لم يدع على قزمه حين كذبوه وأخرجوه قال له حاطب فعيسى بن مريم أخذه قزمه ليقتلوه ويصلبوه فماله لم يدع عليهم فقال له أحسنت أنت حكيم جاء من عند حكيم فأهدى لنبي مارية وبعث معها طرفا وهدايا جميلة وفيها افتتح عبد الله بن عامر سجستان مع فارس وخراسان وهرب كسرى واعتمر عبد الله بن عامر واستخلف الأحنف ابن قيس وخراسان وهرب كسرى واعتمر عبد الله بن عامر واستخلف الأحنف ابن قيس على خراسان فاجتمعوا جمعاً لم يسمع بمثلهم فهزمهم الأحنف وكثرت الفتوح في هذا العام والخارج فاتخذ عثمان الخزائن وكان يأمر للرجل بمائة ألف سنة إحدى وثلاثين فيها توفى أبو سفيان بن حرب والد معاوية رضي الله عنهما وهو أموي وقيل توفي سنة ثلاث وثلاثين وفي صحيح مسلم أنه قال يا رسول الله ثلاث أعطينهن قال نعم فسأله تزويج أم حبيبة ابنته وأن يجعل معاوية كاتبه وأن يأمره فيقاتل الكفار كما قاتل المسلمين قال ابن عباس لو لا أنه طلب ذلك من رسول الله لم يعطه لأنه لم يكن يسال شيئاً إلا قال نعم وتزوج النبي لأم حبيبة قد كان تقرر قبل ذلك وهو مشرك وكان الولي غيره وإنما قال له نعم تطيباً لقلبه أو أن مرادك قد حصل وإن لم يكن حقيقة عقد وذهبت عينا أبى سفيان في الجهاد أحداهما يوم الطائف والثانية يوم اليرموك وكان يومئذ تحت راية ولده يزيد ومات وهو ابن ثمان وثمانين سنة أو تسعين سنة وصلى عليه معاوية وقيل عثمان ودفن بالبقيع (1/37) ________________________________________ 38 وفيها مات الحكم بن أبي العاص عم عثمان رضي الله عنه ووالد مروان كان النبي قد كرده إلى الطائف وبقى طريداً إلى زمن عثمان فرده إلى المدينة واعتذر بأنه قد كان شفع فيه إلى النبي فوعده برده وهو مؤتمن على ما قال وهو أحد الأسباب التي نقموا بها على عثمان رضي الله عنه سنة اثنتين وثلاثين فيها توفى العباس بن عبد المطلب عم رسول الله وأبو الخلفاء العباسيين حسن بلاؤه يوم حنين وكان رسول الله يكرمه وبحله وكذلك الخلفاء الراشدون من بعده وكان صيتا ينادى غلمانه من سلع وهم بالغابة فيسمعونه وذلك على ثمانية أميال وكان موته أول رمضان عن ست وثمانين سنة وصلى عليه عثمان رضي الله عنه وفيها عبد الرحمن بن عوف الزهري أحد العشرة من السابقين الأولين تصدق مرة بأربعين ألفا وبقافلة جاءت من الشام كما هي وفضائله كثيرة وهو من المقطوع لهم بالجنة وما يذكر أنه يدخل الجنة حبواً لغناه فلا أصل له وياليت شعري إذا كان هذا يدخلها حبواً ويتأخر دخوله لأجل غناه فمن يدخلها سابقاً مستقيماً وفي خلافة عثمان رضي الله عنه قتل عبيد الله بن معمر التيمي عن أربعين سنة برستاق ألف دينار وكانت لفتى أدبها أحسن الأدب فأملق فباعها وهو مغرم بها فأنشدت أبياتاً فيها ( عليك سلام لا زيارة بيننا * ولا وصل إلا أن يشاء ابن معمر ) فرفق لها عبيد الله وردها عليه وثمنها وفيها توفى عبد الله بن مسعود الهذلي وهو أحد القراء الأربعة ومن أهل السوابق في الإسلام ومن علماء الصحابة رضي الله عنهم أجمعين هاجر الهجرتين (1/38) ________________________________________ 39 وصلى إلى القبلتين وشهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة وسبب إسلامه أنه مر عليه النبي وهو يرعى غنما بمكة لعقبة بن أبي معيط فأخذ النبي منها شاة حائلاً وحلبها فشرب وسقى أبا بكر فقال له ابن مسعود علمني من هذا القول فمسح رأسه وقال إنك عليم معلم ومن كلامه رضي الله عنه لا يسأل أحدكم عن نفسه إلا القرآن فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله وإن كان يبغض القرآن فهو يبغض الله وقال رضي الله عنه الذكر ينبت الإيمان في القلب كما ينبت الماء البقل والغنى ينبت النفاق في القلب كما ينبت المساء البقل مات عن نيف وستين سنة ودفن بالبقيع وفيها أبو الدرداء الخزرجي الزاهد الحكيم أسلم بعد بدر وولى قضاء دمشق لمعاوية في خلافة عثمان وقالت له زوجته ما عندنا نفقة فقال له إن بين ايدينا عقبة لا يجوزها إلا المخفون وفيها أبو ذر جندب بن جنادة الغفاري صادق الإسلام واللسان قال رسول الله ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر وقصة إسلامه في ا لصحيح مشهورة وفيها زيد بن عبد الله بن عبد ربه الأنصاري الذي أرى الأذان وكان بدرياً .

السنة 33هـ-40هـ

سنة ثلاث وثلاثين فيها توفى المقداد بن الأسود في أرضه بالجرف وحمل إلى المدينة وشهد بدراً وقوله يومئذ مشهور مذكور وشجاعته معلومة وبالإتفاق أنه كان يزم بدر فارساً واختلف في الزبير ومرثد الغنوى وفيها غزا عبد الله بن سعيد بن أبي سرح الحبشة (1/39) ________________________________________ 40 سنة أربع وثلاثين فيها أخرج أهل الكوفة سعيد بن العاص ورضوا بأبي موسى الأشعري وكتبوا فيه إلى عثمان فأقره عليهم ثم رد عليهم سعيداً فخرجوا إليه ومنعوه الدخول وهو اليوم المذكور في صحيح مسلم المسمى بيوم الجرعة سنة خمس وثلاثين فيها مات أبو طلحة الأنصاري النقيب عن سبعين سنة وصلى عليه عثمان شهد بدراً وما بعدها وهو من أهل السوابق في الإسلام وهو ما لم تصدق بأحب أمواله إليه بيرحا قال في القاموس وبيرحا كفعيلاً موضع بالمدينة وفيها مات النقيب الآخر عبادة بن الصامت شهد رآ وما بعدها ووجهه عمر إلى الشام قاضياً ومعلماً فأقام بحمص ثم انتقل إلى فلسطين ومات بها وقيل بالرملة ودفن ببيت المقدس وفيها توفي عالم الكتاب به و بالآثار كعب الأحبار أسلم في زمن أبي بكر وروى عن عمر رضي الله عنه وفيها توفى عامر بن أبي ربيعة وعبد الله بن أبي ربيعة المخزومي ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلما لجند ومخاليفها من بلاد اليمن وفي آخرها حاصر المصريون أمير المؤمنين عثمان نحو شهرين وعشرين يوما ًثم اقتحم عليه أراذل من أوباش القبائل فقتلوه والصحيح أنه لم يتعين قاتله وكانوا أربعة آلاف واشتهر عنه أ نه قال لأرقائه عن اغمد سيفه فهو حر فأغمدوها إلا واحداً قاتل حتى قتل وكانوا مائة عبد وقيل أربعمائة وأن عليا رضي الله عنه أرسل إليه ابنه الحسن وقال له أن شئت أتيتك للنصر فقال إن رسول الله قال لي إن قاتلتهم نصرت عليهم أن لم تقاتلهم أفطرت عندنا الليلة وأنا أحب أن أفطر عند رسول الله وجاءه عبد الله بن سلام (1/40) ________________________________________ 41 لينصره فقال له اخرج إليهم فإنك خارجاً خير لي من داخل فخرج فقال لهم أيها الناس إن لله سيفاً مغموداً عليكم وإن الملائكة قد جاورتكم في بلدكم هذا الذي نزل فيه نبيكم فالله الله في هذا الرجل أن تقتلوه فتطردوا جيرانكم ويسل سيف الله المغمد فلا يغمد إلى يوم القيامة فقالوا اقتلوا اليهودي ولا شك أن الدماء المهراقة عقب قله والملاحم بين علي ومعاوية عقوبة من الله بقتل عثمان وانفتح باب الشر من يومئذٍ وقد صحت الأحاديث بأن له الجنة على بلوى تصيبه وأنه شهيد سعيد وقتلوه يوم الجمعة ثاني عشر ذي الحجة والمصحف بين يديه فتنضخ الدم على قوله تعالى ( ^ فسيكفيكم الله وهو السميع العليم ) وعمره يومئذٍ بضع وثمانون أو وتسعون سنة ومدة خلافته اثنتا عشرة سنة وأيام ودفن بالبقيع بموضع يعرف بحش كوكب وكان قد اشتراه ووقفه زاده في البقيع وكان إذا مر به يقول يدفن فيك رجل صالح وقوله قال لي النبي عندنا معناه أول شيء تستعمله على الريق يكون عندنا لا أنه فطر صائم إذ لم يكن يومئذٍ صائماً فإن يوم قتله كان ثاني أيام التشريق ولا يجوز صومه وفيه إشارة إلى قوله تعالى ( ^ ولا تحسب الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون ) وبشارة له بصدق الشهادة وفيه يقول حسان ( ضحوا بأشمط عنوان السجود به * يقطع الليل تسبيحاً وقرآناً ) إلى قوله ( لتسمعن وشيكاً في ديارهم * الله أكبر يا ثارات عثمانا ) وله أيضاً ( قتلتم ولي الله في جوف بيته * وجئتم بأمر جائر غير مهتدي ) ( فلا طهرت إيمان قوم تعاونوا * على قتل عثمان الرشيد المسدد ) (1/41) ________________________________________ 42 سنة ست وثلاثين فيها وقعة الجمل وتلخيصها أنه لما قتل عثمان صبراً توجع المسلمون وسقط في أيدي جماعة وعنوا بكيفية المخرج من تقصيرهم فيه فسار طلحة والزبير وعائشة نحو البصرة وكانت عائشة قد لقيها الخبر وهي مقبلة من عمرتها فرجعت إلى مكة وطلبوا من عبد الله بن عمر أن يسير معهم فأبى وقال مروان لطلحة والزبير على أيكما أسلم بالإمارة وأنادي بالصلاة فقال عبد الله بن الزبير على أبي وقال محمد بن طلحة على أبي فكرهت عائشة قوله وأمرت ابن اختها عبد الله بن الزبير فصلى بالناس ولما علم علي كرم الله وجهه بمخرجهم اعترضهم من المدينة ليردهم إلى الطاعة وينهاهم عن شق عصا المسلمين ففاتوه فمضى لوجهه وأرسل ابنه الحسن وعماراً يستنفران أهل المدينة وأهل الكوفة فخطب عمار وقال في خطبته إني لأعلم أنها زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة ولكن الله ابتلاكم ليعلم أتطيعونه أم تطيعونها ولما قدمت عائشة وطلحة والزبير البصرة استعانوا بأهلها وبيت مالها ووصل علي خلفهم واجتمع عليه أهل البصرة والكوفة فحاول صلحهم واجتماع الكلمة وسعى الساعون بذلك فثار الأشرار بالتحريش ورموا بينهم بالنار حتى اشتعلت الحرب وكان ما كان وبلغت القتلى يومئذٍ ثلاثة وثلاثين ألفاً وقيل سبعة عشر وقتل عشرة من أصحاب الجمل ومن عسكر علي رضي الله عنه نحو ألف وقطع على خطام جمل عائشة سبعون يداً من بني ضبة وهي في هودجها ثم أمر علي بعقره وكان رايتهم فحمى الشر وظهر علي وانتصر وكان قتالهم من ارتفاع النهار يوم الخميس إلى صلاة العصر لعشر ليال خلون من جمادى الآخرة ولما ظهر علي جاء إلى عائشة فقال غفر الله لك قالت ولك ما أردت إلا الإصلاح ثم أنزلها في دار البصرة وأكرمها واحترمها وجهزها إلى المدينة في عشرين أو أربعين امرأة ذوات الشرف وجهز معها أخاها محمداً وشيعها هو وأولاده وودعها رضي الله عنهم (1/42) ________________________________________ 43 وقتل يومئذٍ طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي قيل رماه مروان بن الحكم لحقد كان في قلبه عليه وكان هو وهو في جيش واحد وولده محمد بن طلحة السجاد وكان له ألف نخلة يسجد تحتها في كل يوم ومر به علي صريعاً فنزل ونفض التراب عن وجهه وقال هذا قتله بره بأبيه وتمنى الموت قبل ذلك وقتل يومئذٍ الزبير بن العوام القرشي الأسدي أحد العشرة قتله ابن جرموز غدراً بوادي السباع وقد فارق الحرب وودعها حين ذكره على قول النبي وأنت طظالم له ولما جاء ابن جرموز إلى علي ليبشره بذلك بشره بالنار وروى ابن عبد البر عن علي كرم الله وجهه أنه قال إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من أهل هذه الآية ( ^ ونزعنا ما صدورهم من غل ) ولا ينكر ذلك إلا جاهل بفضلهم وسابقتهم عند الله وقد روى عن النبي قال يكون لأصحابي من بعدي هنات يغفرها الله بسابقتهم معي يعمل بها قوم من بعدهم يكبهم الله في النار على وجوههم وكان الزبير بن العوام رضي الله عنه شجاعاً مقداماً مقطوعاً له بالجنة من أيسر الصحابة رضي الله عنهم ولو قيل أنه أيسرهم لما بعد يؤيد ذلك ما رواه البخاري في صحيحه في باب بركة الغازي في ماله حياً وميتاً من كتاب الجهاد أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما حسب دين أبيه فكان ألفي ألف ومائتي ألف وأنه أوصى بالثلث بعد الدين وأنه قضى دينه وأخرج ثلث الباقي بعد الدين وقسم ميراثه فأصاب كل زوجة من زوجاته الأربع ألف ألف ثم قال البخلري بعد ذلك فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف انتهى وقال ابن الهائم رحمه الله بل الصواب أن جميع ماله حسبما فرض تسعة وخمسون ألف ألف وثمانمائة ألف انتهى وصرح ابن بطال والقاضي عياض وغيرهما بأنما قاله البخاري غلط في الحساب وأن الصواب كما قال ابن الهايم وأجاب الحافظ شرف الدين الدمياطي رحمه الله بأن قول البخاري رحمه اله محمول على أن جملة المال حين الموت كانت ذلك دون الزائد في أربع سنين إلى حين القسمة انتهى (1/43) ________________________________________ ومناقب الزبير ومآثره يضيق عنها 44 هذا المختصر ولو لم يكن إلا مصاهرته للصديق فإنه كان زوج ابنته أسماء ذات النطاقين ورزق منها عبد الله وهو أول مولود ولد بالمدينة للمهاجرين وبه كنى النبي عائشة على الصحيح لكفى وقتل يومئذٍ زيد بن صوحان من خواص علي من الصلحاء الأتقياء وتوفي في تلك السنة حذيفة بن اليمان العبسي صاحب السر المكنون في تمييز المنافقين ولذلك كان عمر لا يصلي على ميت حتى يصلي عليه حذيفة يحشى أن يكون من المنافقين وسمى ابن اليمان لأن جده حالف بني الأشهل وهم من اليمن وفيها سلمان الفارسي المشهور بالفضل والصحبة الذي قال في حقه المصطفى منا أهل البيت وقصته مشهورة في طلب الدين وقوله تداولني بضعة عشر ربا حتى اتصلت بالنبي من وجوه أنه اشترى نفسه من مواليه يهود بكذا وكذا وقية وعلى أن يغرس لهم كذا وكذا ودية من النخل ويعمل عليها حتى تدرك فغرسها بيده المباركة إلا واحدة غرسها عمر فأطعم كل النخل من عامة إلا تلك الواحدة فقطعها غرسها فأطعمت وكان سلمان الفارسي وأبو الدرداء يأكلان من صفحة فسبحت الصحفة أو سبح ما فيها وفيها أمير مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح وهو من السابقين الأولين سنة سبع وثلاثين فيها وقعة صفين وهي صحراء ذات كدى وأكمات وتلخيص خبرها أن معاوية رضي الله عنه لما بلغه فراغ علي كرم الله وجهه من قصة العراق والجمل وسيره إلى الشام خرج من دمشق حتى ورد صفين في نصف المحرم فسبق إلى سهولة المنزل وقرب من الفرات فلما ورد عليهم علي يرجعهم إلى الطاعة والدخول تحت البيعة فلم يفعلوا ثم خرج عليهم لمنعهم إياه من الماء فلم يقبلوا فقاتلهم حتى نحاهم عنها ونزلها (1/44) ________________________________________ 45 وبنى مسجداً هناك على تل ليصل فيه جماعة وأقاما بصفن سبعة أشهر وقيل تسعة وقيل ثلاثة وكان بينهم قبل القتال نحو من سبعين زحفاً في ثلاثة أيام من أيام البيض وقتل من الفريقين ثلاثة وسبعون ألفاً وآخر أمرهم ليلة الهرير وهو الصوت شبه النياح فنيت نالهم واندقت رماحهم وانقصفت سيوفهم ومشى بعضهم إلى بعض وتقاربوا بما بقي من السيوف وعمد الحديد فلا تسمع إلا غمغمة وهمهمة القوم والحديد في الهام فلما صارت السيوف كالمناجل تراموا بالحجارة ثم جثوا على الركب فتحاثوا بالتراب ثم تكادموا بالأفواه وكسفت الشمس من الغبار وسقطت الألوية والرابات واقتتلوا من بعد صلاة الصبح إلى نصف الليل وذلك في شهر ربيع الأول قاله الإمام أحمد في تاريخه وقال غره في ربيع الآخر وقيل في صفر وكان عدد أصحاب علي مائة وعشرين أو ثلاثين ألفاً وأهل الشام مائة ألف وخمسة وثلاثين ألفاً وكان في جانب علي جماعة من البدريين وأهل بيعة الرضوان ورايات رسول الله منعقد على إمامته وبغى الطائفة الأخرى ولا يجوز تكفيرهم كسائر البغاة واستدل أهل السنة والجماعة على ترجيح جانب علي بدلائل أظهرها وأثبتها قوله بن ياسر تقتلك الفئة الباغية وهو حديث ثابت ولما بلغ معاوية ذلك قال إنما قتله الذي أخرجه وهو الزام لا جواب عنه وحجة لا اعتراض عليها وكان شبهة معاوية ومن معه الطلب بدم عثمان وكان الواجب عليهم شرعاً الدخول في البيعة ثم الطلب من وجوهه الشرعية وولي الدم في الحقيقة أولاد عثمان مع أن قتلة عثمان لم يتعينوا وكان ممن توقف عن القتال سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وأسامة بن زيد ومحمد بن سلمة وآخرون وممن قتل مع علي عمار بن ياسر ميزان العدل في تلك الحروب وهو الذي ملئ إيماناً من قرنه إلى قدمه واختلط الإيمان بلحمه ودمه وقتل وقد نيف على السبعين وقتل معه أيضاً ذو الشهادتين خزيمة بن ثابت (1/45) ________________________________________ 46 وكان متوقفاً فلما قتل عمار تبين له الحق وجرد سيفه وقاتل حتى قتل وأبو ليلى والد عبد الرحمن الفقيه ومن غير الصحابة عبيد الله بن عمر بن الخطاب قاتل الهرمزان صاحب تستر حين طعن أبوه عمر اتهمه لأن أبا لؤلؤة كان له به تعلق وكان على خيل معاوية وقتل أيضاً حامل راية علي هاشم بن عتبة بن أبي وقاص المعروف بالمر قال ويقال أنه من الصحابة وصاحب رجاله على عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي وأبو حسان قيس بن المكسوح المرادي أحد الأبطال وأحد من أعان على قتل الأسود العنسي قيل ووجد في قتلى أصحاب علي سيد التابعين أويس بن عامر المرادي القرني ذو المناقب الشهيرة من أمر النبي وعلياً إذا لقياه أن يطلبا منه الدعاء وهو سيد زهاد زمنه كان يلتقط ما على المزابل فإذا نبحه كلب قال له كل مما يليك وآكل مما يليني إن تجاوزت الصراط فأنا خير منك فأنت خير مني وقتل أيضاً صاحب رجالة معاوية قاضي حمص حابس الطائي وقتل أيضاً أحد أمرائه ذو الكلاع الحميري وهو الذي حطب الناس وحرضهم على القتال وقتل معه أيضاً أحد الأبطال الذيب بن الصباح الحميري قتل جماعة مبارزة ثم برز له علي فقتله وذكر أن علياً واجه معاوية في بعض تلك الزحوف فقال له ابرز إلي فإذا قتل أحدنا صاحبه استراح الناس فقال له عمرو العاص أنصفك الرجل فقال له معاوية أظنك طمعت فيها يعني الخلافة لأنك تعلم أنه قاتل من بارزه ولما أيقن أهل الشام بالهزيمة أشار عليهم عمرو ابن العاص يرفع المصاحف على الرماح والدعاء إلى حكم الله فأجاب علي إلى التحكيم فأنكر عليه بعض جيشه واختلفوا وخرجت عليهم الخوارج وقالوا لا حكم إلا لله وكفروا علياً ومعاوية وكان أمر الحكمين في رمضان وذلك أنه اجتمع من جانب علياً ومعاوية وكان أمر الحكمين في رمضان وذلك أنه اجتمع من جانب علي أبو موسى ومن معه من الوجوه ومن جانب معاوية عمرو بن العاص ومن معه بددومة الجندل فخلا عمرو بأبي موسى بعد الاتفاق عليهما وقال له (1/46) ________________________________________ نخلع علياً ومعاوية ثم يختار المسلمون من يقع عليه وكانت الإشارة إلى عبد الله 47 ابن عمر فلما خرجا إلى الناس قال عمرو لأبي موسى قم فتكلم أولاً لأنك أفضل وأكثر سابقة فتكلم أبو موسى بخلعهما ثم قام عمرو فقال إن أبا موسى قد خلع علياً كما سمعتم وقد وافقته على خلعه ووليت معاوية وقيل اتفقا على أن يخلع كل منهما صاحبه فخلع أبةو موسى وأثبت الآخر ثم سار أهل الشام وقد بنوا على هذا الظاهر ورجع أهل العراق عارفين أن الذي فعله عمرو خدديعة لا يعبأ بها وصح عن أبي وائل عن أبي ميسرة أنه قال رأيت قباباً في رياض فقيل هذه لعمار بن ياسر وأصحابه فقلت كيف وقد قتل بعضهم بعضاً فقال إنهم وجدوا الله واسع المغفرة وفي هذه السنة توفي خباب بن الأرت التميمي أحد السابقين البدريين وصلى عليه علي بالكوفة سأله عمر يوماً عما لقي من المشركين فقال لقد أوقدت نار وسحبت عليها فما أطفأها ألا ودك ظهري ثم أراه ظهره فقال عمر ما رأيت كاليوم سنة ثمان وثلاثين في شعبان منها قتلت الخوارج عبد الله بن خباب فأرسل إليهم علي ابن عباس فناظرهم بالتحكيم في اتلاف المحرم بالصيد والتحكيم بين الزوجين وبغير ذلك كما يأتي قريباً مفصلاً فرجع بعضهم وأضر الأكثر فسار إليهم علي فكانت وقعة النهروان وقيل أنها في العام القابل وفي شوال منها توفي صهيب بن سنان الرومي أحد السباق الأربعة وكان فيه دعابة يقال أنه كان بأحد عينيه رمد يأكل مع النبي رطباً فأمعن فقال ما معناه أنه يضر الرمد فقال آكل بالعين السليمة وفضائله عديدة وتوفي بالمدينة رضي الله عنه وفيه يقول عمر نعم الرجل صهيب لو لم يخف الله لم يعصه معناه لو لم يكن فيه خوف الله لمنعته قوة دينه من معصية الله فكيف وهو خائف (1/47) ________________________________________ 48 وفيها توفي سهل بن حنيف الأوسي في الكوفة شهد بدراً وما بعدها واستخلفه علي على المدينة حين خرج إلى العراق وولاه فارس وشهد معه صفين وتكلم بكلام عجيب مروى في البخارى وفيها قتل محمد بن أبي بكر الصديق وكان علي ولاه على مصر وكان علي قد تزوج بأمه أسماء بنت عميس ولما استقر في مصر جهز معاوية جيشاً وأمر عليهم معاوية بن خديج الكندي فالتقيا فانهزم عسكر محمد واختفى هو في بيت امرأة فدلت عليه فقتل وأحرق وقيل قتله عمرو بن العاص أو عمرو بن عثمان وفيها مات الأشتر النخعي وكان من الشجعان بعثه علي إلى مصر فسم في شربة عسل سنة تسع وثلاثين فيها.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

السنة 40هـ-60هـ

قيل في سنة إحدى وخمسين توفيت أم المؤمنين ميمونة بنت الحرث الهلالية بسرف بين مكة ومر وهو الموضع الذي بنى بها النبي فيه وذلك سنة تسع وكان الذي خطبها للنبي جعفر بن أبي طالب وجعلت أمرها إلى العباس وكان زوج أختها وفيها تنازع أصحاب على وأصحاب معاوية في إقامة الحج فأصلح بينهم أبو سعيد الخدري على أن يقيم الموسم شيبة بن عثمان الحجبي سنة أربعين فيها توفي خوات بن جبير الأنصاري البدري أحد الشجعان وأبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري نزل بدراً ساكناً ولم يشهدها على الصحيح وشهد العقبة وأبو سهل الساعدي بدري مشهور وقيل أنه بقي إلى سنة ستين وغيقيب بن أبي فاطمة الدوسي من مهاجرة الحبشة قيل وشهد بدراً. والأشعث بن قيس الكندي بالكوفة في ذي القعدة وكان شريفاً مطاعاً جواداً شجاعاً وله صحبة ارتد زمن الردة ثم أسلم وتزوج أخت أبي بكر بالمدينة فأمر غلمانه أن يذبحوا ما وجدوه من البهائم في شوارع المدينة ففعلوا فصاح الناس عليهم فقالوا أيها الناس قد تزوجت عندكم ولو كنت في بلادي لأولمت وليمة مثلي فاقبلوا ما حضر من هذه البهائم وكل من تلف له شيء فليأتني لثمنه وكان هاجر في أول الإسلام من اليمن في ثمانين رجلاً منهم عمرو بن معدي كرب الزبيدي ثم ارتدا زمن الردة وأسلما وحسن إسلامهما وحمدت مواقفهما وفيها استشهد أمير المؤمنين سامي المناقب أبو الحسنين علي بن أبي طالب الهاشمي رضي الله عنه ضربه عبد الرحمن بن ملجم الخارجي في يافوخه فبقى يوماً ثم مات وقتل ابن ملجم وأحرق وكان ذلك صبيحة يوم الجمعة وهو خارج إلى الصلاة سابع عشر رمضان وله ثلاث وستون سنة وقيل ثمان وخمسون وصلى عليه ابنه الحسن ودفن بالكوفة في قصر الإمارة عند المسجد الجامع وغيب قبره وخلافته أربع سنين واشهر وأيام قيل والسبب في قتل على كرم الله وجهه أن ابن ملجم خطب امرأة من الخوارج على قتل على ومعاوية وعمرو بن العاص فانتدب لذلك ابن ملجم والحجاج بن عبد الله الضمري ودادويه العنبري فكان من أمر ابن ملجم ما كان وضرب الحجاج معاوية في الصلاة بدمشق فجرح اليته قيل أنه قطع منه عرض النسل فلم يجبل معاوية بعدها و أما صاحب عمرو فقدم مصر لذلك فوجد عمراً قد أصابه وجع فيتلك الغذاة المعينة واستخاف على الصلاة خارجة ابن حذافة الذي كان يعدل ألف فارس فقتله يظنه عمراً ثم قبض فأدخل على عمرو فقال له أردت عمرا وأراد الله خارجة فصارت مثلاً وإلى فداء عمرو بخارجة أشار عبد الحميد بن عبدوية الأندلسي في بسامته بقوله وليتها اذفدت عمراً بخارجة فدت عليناً بمن شاءت من البشر وكان على رضى الله عنه ربعة إلى القصر ادعح العينين حسن الوجه أدم ضخم البطن عريض المنكبين لهما مشاش كالسبع أصلع ليس له شعر الامن خلفه عظيم اللحية وهو أول من أسلم عند كثير بن خديجة وعلى كل حال لم يشرك باله بالغاُ شهد المشاهد كلها وحمدت مواقفه وكان اللواء معه في كثرها وفضل على خالد بن الوليد في الشجاعة لأن شجاعة خالد فارساً وعلى فارساً وراجلاً ومناقبه لا تعد من أكبرها تزويج البتول ومؤاخاة الرسول ودخوله في الباهلة والكساء وحمله في أكثر الحروب اللواء وقول النبي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى وغير ذلك مما يطول ذكره ويعز حصره وقد نقل اليافعي الخلاف بين أهل السنة في المفاضلة بينه وبين عثمان وأختبار هو تفصيله على عثمان وأشار إلى ذلك في قصيدة جملتها خمسة وثلاثون بيتا منها:

( والظاهر الآن عندي ما أقول به * والله أعلم ما في باطن الحال )
( من بعد تفضيلنا الشيخين معتقدي 5 تفضيله قبل ذي النورين من تالى )

انتهى. والصحيح تفضيل عثمان كما هو معلوم ولما استقر الخوارج في حروراء بعد النهر وأن وكانوا استة آلاف مقاتل وقيل ثمانية آلاف أتاهم على وخطبهم وعظم فرجعوا معه إلى الكوفة وأشاعوا أن عليا تاب من التحكيم فأتاه الأشعث بن قيس فقال له أن الناس قائلون أنك رأيت الحكومة ضلالاً وتبت منها فقام في الناس وقال من زعم أن الحكومة ضلال فقد كذب فثارت الخوارج وخرجوا من المسجد فقيل له أنهم خارجون عليك فقال ما أقاتلهم حتى يقاتلوني وسيفعلون فبعث إليهم ابن عباس رضي الله عنهما يناظرهم فاحتج عليهم ابن عباس وبالتحكيم في اتلاف المحرم الصيد والتحكيم بني الزوجين وبأن النبي أمسك عن قتاله الهدنة يوم الحديبية فصدقوه في ذلك كله وقالوا له أن علياً محا نفسه من الخلافة بالتحكيم فقال لهم ابن عباس أن رسول الله محا اسم الرسالة يوم الحديبية فلم يزلها ذلك عنه فرجع منهم ألفان وبقى أربعة أو ستة آلاف أصروا وبايعوا عبد الله بن وهب الراسي فخرج بهم إلى النهروان فسار إليهم على وأوقع بهم وقتل منهم ألفين وثمانمائة منهم ذو الثدية علامة الفرقة المارقة ثم كلمهم أيضاً فأصروا وقالوا إن عمدت على جهاد العدو سرنا بين يديك وإن بقيت على التحكيم قاتلناك ثم قال لهم أيكم قاتل عبد الله بن خباب فقالوا كلنا قتله وكانوا قبل لقوا مسلماً ونصرانيا فأعفوا النصراني وقالوا احفظوا وصية نبيكم فيه وقتلوا المسلم ثم لقوا عبد الله بن خباب الصحابي وفي عنقه المصحف فقالوا إن المصحف يأمرنا بقتلك فوعظهم وذكرهم وحدثهم عن أبيه عن رسول الله يقبلوا وقالوا له ما تقول في أبي بكر وعمر فأثنى عليهما فقالوا ما تقول في علي قبل التحكيم وعثمان قبل الحدث فأثنى عليهما خيراً قالوا فما تقول في التحكيم والحكومة قال أقول إن علياً أعلم منكم وأشد توقياً على دينه فقالوا إنك لست تتبع الهدى فربطوه إلى جانب النهر وذبحوه فاندفق دمه على الماء يجري مستقيماً وروى أن رجلاً قال لعلي ما بال خلافة أبي بكر وعمر كانت صافية وخلافتك أنت وعثمان متكدرة فقال إن أبا بكر وعمر كنت أنا وعثمان من أعوانهما وكنت أنت وأمثالك من أعواني وأعوان عثمان وقال له رجل من اليهود ما أتى عليكم بعد نبيكم إلا نيف وعشرون سنة حتى ضرب بعضكم بعضاً بالسيف فقال رضي الله عنه فأنتم ما جفت أقدامكم من البحر حتى قلتم يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ومما رثى به علي كرم الله وجهه

( ألا قل للخوارج أجمعينا * فلا قرت عيون الشامتينا )
( أفي شهر الصيام فجمعتمونا * بخير الناس طراً ابتغينا )
( قتلتم خير من ركب المطايا * وذللها ومن ركب السفينا )
( ومن لبس النعال ومن حذاها * ومن قرأ المثانني والمئينا )
( وكل مناقب الخيرات فيه * وحب رسول العالمينا )

وبعد وفاة علي بويع لابنه الحسن رضي الله عنهما فتممت بأيامه خلافة النبوة ثلاثون سنة وظهر تصديق الخبر النبوي.

41 هـ

سنة إحدى وأربعين في ربيع الأول منها سار أمير المؤمنين الحسن بن علي بجيوشه نحو الشام وعلى مقدمته قيس بن سعد بن عبادة وسار معاوية بجيوشه فالتقوا في ناحية الأنبار فوفق الله الحسن في حقن دماء المسلمين وترك الأمر لمعاوية كما هو مقرر في صحيح البخاري وظهر حينئذٍ صدق الحديث النبوي فيه حيث قال إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ولما تم الصلح بشروطه برز الحسن بين الصفين وقال إني قد اخترت ما عند الله وتركت هذا الأمر لمعاوية فإن كان لي فقد تركته لله وإن كان له فما ينبغي أن أنازعه ثم قرأ ( ^ وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ) وكبر الناس فرحاً واختلطوا من ساعتهم وسمت سنة الجماعة وتمت الخلافة لمعاوية رضي الله عنه ولله الحمد وفيها توفيت أم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنها وقيل في سنة خمس وأربعين وكان النبي طلقها مرة فبكى عمر واشتد عليه فنزل جبريل وقال للنبي مرة فبكى عمر واشتد عليه فنزل جبريل وقال للنبي الله يأمرك أن تراجع حفصة بنت عمر رحمة لعمر وفي رواية فإنها صوامة قوامة وأنها زوجتك بالجنة وفيها مات صفوان بن أمية بن خلف القرشي الجمحي وكان من أشراف قريش ومسلمة الفتح وكان هرب يومئذٍ إلى جده فاستؤمن له فرجع وطلب من النبي شهرين فقال له لك أربعة وشهد حنيناً فاكثروا له غنائمها فقال أشهد بالله ما طابت بهذا إلا نفس نبي وحسن إسلامه وقدم المدينة فقال له النبي هجرة بعد الفتح فرجع إلى مكة وكان من الأغنياء قيل ملك قنطاراً من الذهب شهد اليرموك أميراً وفيها لبيد بن ربيعة الشاعر العامري الذي صدقه النبي إسلامه وقيل مات في خلافة عثمان بالكوفة عن مائة وخمسين سنة.

42 هـ

سنة اثنتين وأربعين فيها افتتح عبد الرحمن بن سمرة سجستان أو بعضها وافتتحت السند وفيها توفي عثمان الحجبي وفيها سار راشد بن عمر وشن الغارات وأوغل في بلاد السند.

43 هـ

سنة ثلاث وأربعين فيها افتتح عقبة بن نافع كوراً من بلاد السودان وسبى بشر بن أرطأة بأرض الروم وفي ليلة عيد الفطر توفي أبو عبد الله عمرو بن العاص القرشي السهمي بمصر أميراً لمعاوية كان من الدهاة المجربين أسلم في هدنة الحديبية وهاجر وولى إمرة جيش ذات السلاسل وكان من أجلاء قريش وذوي الحزم والرأي وحديث وفاته ونثبته عند النزع مذكور في صحيح مسلم وفيه عبرة وقال آخر أمره اللهم إنك أمرتنا فعصينا ونهيت فارتكبنا فلا أنا بريء فأعتذر ولا قوي فأنتصر ولكن لا إله إلا أنت م فاضت روحه رحمه الله تعالى ورضي عنه وفيها توفي عبد الله بن سلام الإسرائيلي حليف الأنصار من سبط يوسف ابن يعقوب صلى الله عليهما وسلم وقصة إسلامه مشهورة في الصحاح وشهد له النبي بالجنة وهو المراد عند بعض المفسرين بقوله تعالى ( ^ ومن عنده علم الكتاب ) وقوله تعالى ( ^ وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ) وفي صفر منها محمد بن مسلمة الأنصاري البدري وكان ممن اعتزل الفتنة واتخذ سيفاً من خشب ولزم المدينة حتى مات.

44 هـ

سنة أربع وأربعين في ذي الحجة منها توفي أبو موسى الأشعري اليمني الأمير نسب إلى الأشعر أخي حمير بن سبأ وكان من أهل السابقة والسبق في الإسلام هاجر من بلده زبيد نحو اثنين وخمسين رجلاً ورجع فركب البحر ألقتهم الريح إلى النجاشي بالحبشة فوقف مع جعفر وأصحاب حتى قدم معهم في سفينته وجعفر وأصحابه في سفينة أخرى وأسهم رسول الله جاء معهم ولم يسهم لمن غب غيرهم واستعمله النبي عدن واستعمله عمر على الكوفة والبصرة وفتحت علي يده عدة أمصار وقال علي فيه صبغ بالعلم صبغة وفيها افتتح عبد الرحمن بن سمرة كابل وغزا المهلب بن أبي صفرة أرض الهند وهزم العدو وفيها توفيت أم المؤمنين أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان الأموية هاجرت إلى الحبشة مع زوجها عبد الله بن جحش فتنصر هناك ومات فأرسل رسول الله عمرو بن أمية الضمري وكيلاً في زواجها فلما بشرت بذلك نثرت سوارين كانا في يدها وأصدقها النجاشي عن النبي أربعمائة دينار أو أربعة آلاف درهم وحضر عقدها جعفر وأصحابه.

45 هـ

سنة خمس وأربعين فيها غزا معاوية بن خديج أفريقية وتوفي فيها سنة إحدى وخمسين أبو خارجة زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري المقرئ الفرضي الكاتب عن ست وخمسين سنة قتل أبوه يوم بغاث وهو ابن ست وهاجر النبي وهو ابن إحدى عشرة واجتمع له شرف العلم والصحبة وأول مشاهدة الخندق وكان عمر وعثمان يستخلفانه على المدينة وكان ابن عباس يأتيه إلى بيته للعلم ويقول العلم يؤتى ولا يأتي وكان إذا ركب أخذ بركابه ويقول ابن عباس هكذا أمرنا أن نفعل بالعلماء فيأخذ زيد كفه ويقبلها ويقول هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا وفيها عاصم بن عدي سيد بني العجلان وكان قد رده النبي وسلم من بدر في شغل وضرب له بسهمه وقتل أخوه معن يوم اليمامة.

46 هـ

سنة ست وأربعين فيها ولى الربيع بن زياد الحارثي سجستان فزحف كابل شاه في جمع نت الترك وغيرهم فالتقوا على بست فهزمهم وفيها توفي عبد الرحمن بن خالد بن الوليد مسموما على ما قيل وكان أحد الأجواد وكان بيده لواء معاوية يوم صفين وكان أخوه مهاجر مع علي رضي الله عنه وقيل أن معاوية خطب الناس حين كبر وأسن واستشارهم فيمن يستخلفوكان مراده أن يشيروا بيزيد فأشاروا بعبد الرحمن بن خالد وغزا عبد الرحمن الروم غير مرة سنة سبع وأربعين فيها غزا رويفع بن ثابت الأنصاري أمير طرابلس أفريقية فدخلها ثم انصرف وفيها حج بالناس عنبسة بن أبي سفيان وفيها جمعت الترك فالتقى بهم عبد الله ابن سوار العبدي ببلاد القيفان فاستشهد عبد الله وعامة جنده وغلبت الترك على القيفان سنة ثمان وأربعين فيها توجه سنان بن سلمة بن المحبق الهذلي والياً على الهند عوض عبد الله ابن سوار وقتل بسجستان عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي وكان مولده بالحبشة والحارث بن قيس الجعفي صاحب ابن مسعود سنة تسع وأربعين في ربيع الأول منها سيد شباب أهل الجنة سبط رسول الله وريحانته أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما والأكثر عل أنه توفي سنة خمسين بالمدينة عن سبع وأربعين سنة ومناقبه كثيرة روى أنه حج خمساً وعشرين حجة ماشياً والجنائب بين يديه وخرج عن ماله ثلاث مرات وشاطره مرتين وأعطى إنساناً يسأله خمسين ألف درهم وخمسمائة دينار وأعطى حمال ذلك طيلسانه وقال يكون كراؤه من عندي ومر بصبيان معهم كسر خبز فاستضافوه فنزل عن فرسه وأكل معهم ثم حملهم إلى منزله فأطعمهم وكساهم وقال البدء لهم لأنهم لم يجدوا إلا ما أطعموني ونحن نجد أكثر منه وبلغه أن أبا ذرقال الفقر أحب إلي من الغنى والسقم أحب إلي من الصحة فقال يرحم الله أبا ذر أنا أقول من اتكل على حسن اختيار الله لم يحب غير ما اختاره سنة خمسين فيها توفي عبد الرحمن بن سمرة العبشمي من مسلمة الفح قال له النبي لا تسأل الإمارة الحديث افتتح سجستان وكابل أميراً لعبد الله بن عامر وفيها توفي كعب بن مالك الأنصاري السلمي مؤاخي طلحة بن عبيد الله وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا أو تاب الله عليهم واحد شعراء النبي المجيبين عنه عدوه وشهد المشاهد غير تبوك ذهب بصره في آخر عمره وهو القائل ( جاءت سخينة كي تغالب ربها * فليغلبن مغالب الغلاب ) فقال له النبي ر لقد شكرك الله يا كعب على قولك هذا ) وفيها مات المغيرة بن شعبة الثقفي أسلم عام الخندق وولى العراق لعمرو غيره وكان من رجال الدهر حزماً وعزماً ورأيا وجهاء يقال أنه أحصن ثلاثمائة امرأة قيل الف امرأة ولاه عمر البصرة ثم الكوفة وفيها توفيت أم المؤمنين صفية بنت حي بن أخطب الإسرائيلية الهارونية وكانت جميلة فاضلة كفاها فضلاً ونبلاً زواج النبي وأوتيت أجرها مرتين جاءت جاريتها عمر فقالت أن صفية تحب السبت وتصل اليهود فبعث إليها عمر يسألها عن ذلك فقالت أما السبت فلم أحبه وقد أبدلني الله يوم الجمعة وأما اليهود فإن لي فيهم رحماً وقالت للجارية ما حملك على هذا قالت الشيطان قالت اذهبي فأنت حرة وفيها غزا يزيد بن معاوية القسطنطينية في سنة إحدى سنة إحدى وخمسين فيها توفى سعيد بن زيد القرشي العدوى أحد العشرة المجاب الدعوة دعا على أروى لما كذبت عليه فقال اللهم أن كانت كاذبة فاعم بصرها واقتلها في أرضها فعميت ووقعت في حفرة من أرضها فماتت لم يشهد بدارً هو ولا عثمان أبن عفان ولا طلحة بن عبيد الله فأما عثمان فاحتبس على مرض زوجته رقية بنت طريق الشام وضرب لهما النبي سهمها من الغنيمة وفيها وقيل في التي تليها توفى أبو أيوب الأنصاري خالد بن زيد بالقسطنطينية وهم محاصرون لها وقبره تحت سورها يستقى به ويتبرك وكان عقيباً كثير المناقب وموضع بيته الذي نزل فيه رسول الله ص مدرسة تعرف بالشاهبية وفيه موضع يقال له المبرك يعنون مبرك ناقه رسول الله وفيها قتل حجر بن عدي وأصحابه بمرج عذراء من أرض الشام قيل قتلوا بأمر معاوية ولذا قال على كرم الله وجهه حجر بن عدي وأصحابه كأصحاب الأخدود ( وما نقموا من هم إلا أن يؤموا بالله العزيز الحميد فإن صح هذا عن على فيكون من باب الأخبار بالغيب لأنه توفى قبل كما تقدم وكان لحجر صحبة ووفادة وجهاد وعابدة وفيها على الأصح توفى جرير بن عبد الله البجلى بقر قيسا.

وفيها توفيت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية وقد تقدمت ترجمتها في سنة تسع وثلاثين سنة اثنتين وخمسين فيها توفي عمران بن حصين الخزاعي كثير المناقب ومن أهل السوابق بعثه عمر يفقه أهل البصرة وتولى قضاءها وكان الحسن البصري يحلف بالله ما قدمها خير لهم من عمران بن حصين وهو الراوي لحديث وصف المتوكلين الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وكان يسمع تسليم الملائكة عليه حتى اكتوى بالنار فلم يسمعهم عاماً ثم أكرمه الله برد ذلك أسلم هو وأبو هريرة عام خيبر واستقضاه عبد الله بن عامر على البصرة ثم استعفاه فأعفاه وفيها توفي كعب بن عجرة الأنصاري وكان من فضلاء الصحابة ومعاوية بن خديج الكندي التجيبي الأمير له صحبة ورواية وأبو بكرة بن نفيع بن الحارث وقيل ابن مسروح تدلى من حصن الطائف ببكرة للإسلام فلذا كنى بأبي بكرة وفيها وقيل في سنة إحدى أو أربع وخمسين توفي سيد بجيلة جرير بن عبد الله البجلي الأمير قال ما حجبني رسول الله منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم في وجهي اسلم سنة عشر وسكن الكوفة وبجيلة أم القبيلة وقيل هو أنمار أحد أجدادهم وفيهم يقول الشاعر ( لولا جرير هلكت بجيلة * نعم الفتى وبئست القبيلة ) قال عمر رضي الله عنه ما مدح من سب قومه ووجد عمر مرة من بعض جلسائه رائحة فقال عزمت على صاحب هذه الريح إلا قام فتوضأ فقال جرير اعزم علينا كلنا فعزم عليهم ثم قال يا جرير ما زلت شريفاً في الجاهلية والإسلام وسأله عمر عن الناس فقال هم كسهام الجعبة منها القائم الرائش والنصل الطائش.

53 هـ

سنة ثلاث وخمسين فيها توفي عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وكان من الزهاد الشجعان قتل يوم اليمامة سبعة شهد مع قريش بدراً وأحداً مشركاً وأسلم في هدنة الحديبية وله المشاهد الجميلة في نصر الإسلام ولما دعاه معاوية إلى البيعة ليزيد امتنع فبعث إليه بمائة ألف درهم فردها وقال لا أبيع ديني بدنياي وقصته معهم مشهورة في البخاري وذلك أنه قام حين دعى للبيعة فقال مروان هذا الذي نزل فيه ( ^ والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني ) الآية وذلك من كيد مروان وإنما أورده البخاري مرسلاً لبيان أثر عائشة الذي ردت به على مروان ولما بلغ عائشة خبر موته بمكة ارتحلت حتى وقفت على قبره وقالت ( وكنا كندماني جذيمة حقبة * من الدهر حتى قيل لن تتصدعا ) ( فلما تفرقنا كأني ومالكاً * بطول اجتماع لم نبت ليلة معا ) وفيها توفي زياد بن أمه المستحلق وكان يضرب بدهائه المثل ولاه معاوية العراقين وفيها أو في التي قبلها توفي عمرو بن حزم الأنصاري الخزرجي ولي نجران وله سبع عشرة سنة وفيها فيروز الديلمي قاتل الأسود العنسي له صحبة ورواية وفضالة بن عبيد الأنصاري قاضي دمشق لمعاوية وخليفته عليها سنة أربع وخمسين توفي فيها أسامة بن زيد الهاشمي الكلبي حبرسول الله حبه قدمه النبي على فضلاء الصحابة وجلة المهاجرين والأنصار على حداثة سنه ثوبان بن بجدد مولى رسول الله بن مطعم (1/59) ________________________________________ 60 النوفلي وكان من سادات قريش وحلمائها وقيل توفي سنة ثمان وخمسين وحسان بن ثابت الأنصاري الشاعر عن مائة وعشرين سنة مناصفة في الجاهلية والإسلام قيل وكذلك أبوه وجده وكان لسانه يصل إلى جبهته ومن قوله مخاطباً لأبي سفيان بن الحرث ( أتهجوه ولست له بكفؤ * فشركما لخيركما الفداء ) قيل وهذا أنصف بيت قالته العرب وفيها على خلاف حكيم بن خويلد بن أسد القرشي الأسدي ابن أخي خديجة الشريف الجواد أعتق في الجاهلية مائة رقبة وحمل على مائة بعير وفعل مثل ذلك في الإسلام وأهدى مائة بدنة وألف شاة وأعتق بعرقة مائة وصيف في أعناقهم أطواق الفضة منقوش فيها عتقاء الله عن حكيم بن حزام وباع دار الندوة بمائة ألف وتصدق بها فقيل له بعت مكرمة قريش فقال ذهبت المكارم ولدته أمه في الكعبة وعاش ستين سنة في الجاهلية وستين سنة في الإسلام ودفن في داره بالمدينة وهو من مسلمة الفتح وفيها أبو قتادة الأنصاري السلمي فارس رسول الله أحداً وما بعدها ومخرمة بن نوفل الزهري والد المسور وكان من المؤلفة قلوبهم وفيها غزا عبيد الله بن زياد فقطع نهر جيحون إلى بخارى وافتتح بعض البلاد وكان أول عربي عدا النهر وفيها علي ما رجحه الواقدي أم المؤمنين سودة بنت زمعة وتقدم أنها ماتت في خلافة عمر وهو الأصح وفيها توفي سعيد بن بريوع المخزومي من مسلمة الفتح عاش مائة وعشرين سنة وفيها عبد الله بن أنيس الجهني حليف الأنصار وكان أحد من شهد العقبة (1/60) ________________________________________ 61 سنة خمس وخمسين فيها توفي أبو إسحاق سعد بن أبي وقاص الزهري أحد العشرة ومقدم جيوش الإسلام في فتح العراق وأول من رمى بسهم في سبيل الله مجاب الدعوة وفداه النبي بأبويه وما دعا قط ألا استجيب له ومناقبه جمة وأبو اليسير كعب بن عمرو الأنصاري السلمي أسر العباس يوم بدر والأرقم ابن الأرقم المخزومي أحد السابقين وقيل توفي سنة ثلاث وخمسين سنة ست وخمسين فيها استعمل معاوية سعيد بن عثمان فغزا سمرقند فالتقى هو والصفد فكسرهم ثم صالحوه وكان معه من الأمراء المهلب واستشهد معه يومئذٍ قثم بن العباس بن عبد المطلب وكان يشبه بالنبي آخر من طلع من لحد النبي وفيها أم المؤمنين جويرية بنت الحرث المصطلقية وصلى عليها لعبيد الله بن زياد وتوفي عبد الله بن السعدي العامري له صحبة وفيها وقيل في سنة ثمان وخمسين في رمضان توفيت أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديقة بنت الصديق من أخص مناقبها ما علم من حب رسول الله وشاع من تخصيصها عنده ونزول القرآن في عذرها وبراءتها والتنويه بقدرها ووفاة رسول الله سحرها ونحرها وفي نوبته وريقها في فمه الشريف لأنه كان يأمرها أن تندى له السواك بريقها ونزول الوحي وهو في لحافها ولم يتزوج بكراً سواها وما حمل عنها من الفقه لم يحمل عن أحد سواها تزوجها وهي بنت تسع وتوفي بنت ثمان عشرة (1/61) ________________________________________ 62 وتوفيت عن خمس وستين سنة ونقل عنها علم كثير حتى ورد خذوا نصف دينكم عن الحميراء وفي رواية ثلثي دينكم وكانت من أكثر الصحابة وفتياً قال في معالم الموقعين والذين حفظت عنهم الفتوى من الصحابة مائة ونيف وثلاثون نفساً ما بين رجل وامرأة وكان المكثرون منهم سبعة عمر بن الخطاب وعلب بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعائشة أم المؤمنين وزيد بن ثابت وعبد الله ن عباس وعبد الله بن عمر قال أبو محمد بن حزم ويمكن أن يجمع من فتوى كل واحد منهم سفر ضخم قال وقد جمع أبو بكر محمد بن موسى بن يعقوب بن أمير المؤمنين المأمون فتياً عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في عشرين كتاباً وأبو بكر المذكور أحد أئمة الإسلام في العلم والحديث قال أبو محمد والمتوسطون منهم فيما روى عنهم من الفتيا أبو بكر الصديق وأم سلمة وأنس بن مالك وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وعثمان بن عفان وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن الزبير وأبو موسى الأشعري وسعد بن أبي وقاص وسلمان الفارسي وجابر بن عبد الله ومعاذ بن جبل فهؤلاء ثلاثة عشر يمكن أن يجمع من فتيا كل امرئ منهم جزء صغير جداً ويضاف إليهم طلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وعمران بن حصين وأبو بكرة وعبادة بن الصامت ومعاوية بن أبي سفيان والباقون منهم مقلون في الفتيا لا يروى عن الواحد منهم إلا المسألة والمسألتان والزيادة اليسيرة يمكن أن يجمع من فتيا جميعهم جزء صغير فقط بعد التقصي والبحث انتهى ملخصاً ما ذكره ابن القيم وكان من الآخذين عن عائشة الذين لا يكادون يتجاوزون قولها المتفقهين بها القاسم بن محمد بن أبي بكر ابن أخيها وعروة بن الزبير ابن أختها أسماء قال مسروق لقد رأيت مشيخة أصحاب رسول الله (1/62) ________________________________________ 63 يسألونها عن الفرائض وقال عروة بن الزبير ما جالست أحداً قط أعلم بقضاء ولا بحديث بالجاهلية ولا أروى للشعر ولا أعلم بفريضة ولا طب من عائشة رضي الله عنها وفيها توفي أبو هريرة عبد الرحمن عبد الرحمن بن صخر الدوسي قاله هشام وابن المديني وقيل سنة ثمان وخمسين قاله أبو معر ويحي بن بكير وجماعة وقيل سنة تسع وخمسين كان كثير العبادة والذكر حسن الأخلاق ولى إمرة المدينة وكان حافظ الصحابة وأكثرهم رواية قال الحافظ الذهبي المكثرون من رواية الحديث من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين أبو هريرة مروياته خمسة آلاف وثلثمائة وأربعة وسبعون ابن عمر ألفان وستمائة وثلاثون أنس ألفان ومائتان وستة وسبعون عائشة ألفان ومائتان وعشر ابن عباس ألف وستمائة وسبعون جابر ألف وخمسمائة وأربعون أبو سعيد ألف ومائة وسبعون على خمسمائة وستة وثمانون عمر خمسمائة وسبعة وثلاثون عبد الله بن مسعود ثمانمائة وثمانية وأربعون عبد الله بن عمر سبعمائة أم سلمة ثلاثمائة وثمانية وسبعون أبو موسى ثلثمائة وستون البراء بن عازب ثلثمائة وخمسة أبو ذر مائتان وأحد وثمانون سعد مائتان وأحد وسبعون أبو أمامة مائتان وخمسون سهل بن سعد مائة وثمانية وثمانون عبادة مائة وأحد وثمانون عمران مائة وثمانون معاذ مائة وسبعة وخمسون أبو أيوب مائة وخمسة وخمسون ثمان مائة وأربعة وستون جابر بن سمرة مثله أبو بكر الصديق مائة واثنان وثلاثون أسامة مائة واثنان وثمانون ثوبان مائة واثنان وسبعون سمرة بن جندب مائة واثنان وثلاثون النعمان بن بشير مائة واثنان وأربعون أبو مسعود مائة واثنان جرير مائة ابن أبي أوفى خمسة وتسعون انتهى ولبعضهم في المكثرين من رواية الحديث ( سبع من الصحب فوق الألف قد نقلوا * من الحديث عن المختار خير مضر ) (1/63) ________________________________________ 64 ( أبو هريرة سعد جابر أنس * صديقة وابن عباس كذا ابن عمر ) وكان في أبي هريرة دعابة وكان يخطب ويقول طرقوا لأميركم قيل هو أبو سعيد الخدري وكان يصلي خلف علي ويأكل على سماط معاوية ويعتزل القتال ويقول الصلاة خلف علي أتم وسماط معاوية أدسم وترك القتال أسلم استعمله عمر على البحرين وروى عنه أكثر من ثمانمائة رجل أسلم عام خيبر سنة سبع وصدقه الشيطان ونصحه فقد ثبت في الصحيح عن النبي حديث أبي هريرة لما وكله النبي بحفظ زكاة الفطر فسرق منه الشيطان ليلة بعد ليلة وهو يمسكه فيتوب فيطلقه فيقول له النبي فعل أسيرك البارحة فيقول زعم أنه لا يعود فيقول إنه سيعود فلما كان في المرة الثالثة قال له دعني أعلمك ما ينفعك إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي ( ^ الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) إلى آخرها فإنه لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فلما أخبر النبي صدقك وهو كذوب وأخبره أنه شيطان وفيه دليل على أن الإنسي أقوى وأشد من الجني كما اختاره الفخر الرازي سنة ثمان وخمسون فيها توفي جبير بن مطعم على خلاف في ذلك وشداد بن أوس الأنصاري نزيل بيت المقدس وعقبة بن عامر الجهني الصحابي أمير معاوية على مصر وكان فقيهاً فصيحاً مفوهاً وعبيد الله بن العباس بن عبد المطلب له صحبة ورواية ولي اليمن لعلي فسار إليه بشر بن أرطأة فذبح ولديه وكان أحد الأجواد أشاع بعض الناس أنه يدعو الناس للغداء ولا علم له فامتلأت رحبة بيته فقال ما شأنهم قالوا إنك دعوتهم فقال لا يخرجن منهم أحد وغداهم جميعاً ثم نادى مناديه أن يحضروا كل يوم (1/64) ________________________________________ 65 سنة تسع وخمسين فيها توفي أبو محذورة الجمحى المؤذن صحبة ورواية وكان من اندى الناس صوتاً وأحسنهم نغمة وفيها وقيل في التي تليها شيبة بن عثمان الحجبي العبدري سادن الكعبة وسعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية والد عمرو الأشدق والذي أقيمت عريبة القرآن على لسانه لأنه كان أشبههم لهجة برسول الله ولى الكوفة لعثمان وافتتح طبرستان وكان ممدحاً كريماً عاقلاً حليماً اعتزل الجمل وصفين ومولده قبل بدر وأبو عبد الرحمن عبد الله بن عامر بن كريز العبسي أمير عثمان على العراق له رواية وهو الذي افتتح خراسان وأصبهان وحلوان وكرمان واطراف فارس كلها .

سنة ستين فيها توفي معاوية بن أبي سفيان بدمشق في رجب وله ثمان وسبعون سنة ولى الشام لعمر وعثمان عشرين سنة وتملكها بعد على عشرين إلا شهراً وسار بالرعية سيرة جميلة وكان من دهاة العرب وحلمائها يضرب به المثل وهو أحد كتبة الوحي وهو الميزان في حب الصحابة ومفتاح الصحابة سئل الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه أيما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز فقال لغبار لحق بأنف جواد معاوية بين يدي رسول الله خير من عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه وأماتنا على محبته وفيها توفي سمرة بن جندب الفزارى في أولها نزيل البصرة وبلال بن الحارث المزنى وعبد الله بن مغفل المزنى نزيل البصرة من أهل بيعة الرضوان وفيها أو في التي قبلها أبو حميد الساعدي رضي الله تعالى عنهم أجمعين (1/65) ________________________________________ 66 وفيها عزل الوليد بن عقبة عن المدينة واستعمل عليها عمرو بن سعيد الأشدق فقدمها في رمضان فدخل عليه أهل المدينة وكان عظيم الكبر واستعمل على شرطته عمر بن الزبير لما كان بينه وبين أخيه عبد الله من البغضاء فأرسل إلى نفر من أهل المدينة فضربهم ضرباً شديداً لهواهم في أخيه عبد الله منهم أخوه المنذرين بن الزبير ثم جهز عمرو بن سعيد عمر بن الزبير في جيش نحو الفى رجل إلى أخيه عبد الله ببن الزبير فنزل بالأبطح وأرسل إلى أخيه بريمين يزيد وكان حلف ألا يقبل بيعته إلا أن يؤتى به في جامعة ويقال حتى أجعل في عنقك جامعة من فضة لا ترى ولا تضرب الناس بعضهم ببعض فإنك في بلد حرام فأرسل إليه أخوه عبد الله من فرق جماعته وأصحابه فدخل دار ابن علقمة فأتاه أخوه عبيدة فأجاره ثم أتى عبد الله فقال له قد أجرت عمرا فقال تجير من حقوق الناس هذا ما لا يصح أو ما أمرتك أن لا تجير هذا الفاجر الفاسق المستحل لحرمات الله ثم أقاد عمرا بكل من ضربه إلا المنذر وابنه فإنهما أبيا أن يستقيدا ومات تحت السياط سنة إحدى وستين استشهد فيها في يوم عاشوراء أبو بعيد الله الحسن بن علي بن أبي طالب سبط رسول الله وريحانته بكربلاء عن ست وخمسين سنة ومن أسباب ذلك أنه كان قد أبى من البيعة ليزيد حين بايع له أبوه الناس رابع أربعة عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر فلما مات معاوية جاءت كتب أهل العراق إلى الحسين يسألونه القدوم عليهم فسار بجميع أهله حتى بلغ كربلاء موضعاً بقرب الكونة فعرض له عبيد الله بن زيادة فقتلوه وقتلوا معه وليده عليا إلا كبر وعبد الله وأخواته جعفراً ومحمداً وعتيقاً والعباس إ لا كبر وابن أخيه قاسم بن (1/66) ________________________________________ 67 الحسن وأولاد عمه محمداً وعوناً ابنا عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ومسلم ابن عقيل بن أبي طالب وابنيه عبد الله وعبد الرحمن ومختصر ذلك أن يزيد لما بويع له بعد موت أبيه وكان أبوه بايع له الناس فأرسل يزيد إلى عاملة بالمدينة الوليد بن عتبة يأخذ له البيعة فأرسل إلى الحسين بن وعبد الله بن الزبير فأتياه ليلاً وقالا له مثلنا لا يبايع سراً بل على رؤوس الأشهاد ثم رجعا وخرجا من ليلتهما في بقية من رجب فقدم الحسين مكة وأقام بها وخرج منها يوم الترويه إلى الكوفة فبعث عبد الله بن زياد لحربه مر بن سعيد بن أبي وقاص وقيل أرسل عبيد الله ابن الحرث التيمي أن جعجع بالحسين أي أحبه الجعجاع المكان الضيق ثم أمر معمر بن سعيد في أربعة آلاف ثم صار عبيد الله بن زياد يزيد في العسكر إلى أن بلغوا اثنين وعشرين ألفاً وأميرهم عمر بن سعد بن أبي وقاص واتفقوا على قتله يوم عاشوراء قيل يوم الجمعة وقيل السبت وقيل الأحد بموضع يقال له الطف وقتل معه اثنان وثمانون رجلاً فيهم الحرث بن يزيد التيمي لأنه تاب آرخاً حين رأى منعم له من الماء وتضييقهم عليه قيل ووجد بالحسين رضى الله عنه ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة وقتل معه من الفاطميين سبعة عشر رجلاً وقال الحسن البصرى أصيب مع الحسين ستة عشر رجلاً من أهل بيته ما على وجه الأرض يومئذ له شبيه وجاء بعض الفجرة برأسه إلى ابن زياد وهو يقول أو قر ركابي فضة وذهباً أني قتلت الملك المحجبا قتلت خير الناس أماً وأباً فغضب لذلك وقال إذا علمت انه كذلك فلم قتلته والله لا لحقنك به وضرب عنقه وقيل إن يزيد هو الذي قتل القائل ولما تم قتله حمل رأسه وحرم بيته وزين العابدين معهم إلى دمشق كالسبايا قاتل الله فاعل ذلك وأخزاه ومن أمر به أو رضيه قيل قال لهم عند ذلك بعض الحاضرين ويلكم إن لم تكنوا أتقياء في دينكم فكونوا أحراراً في دنياكم والصحيح أن الرأس المكرم دفن بالبقيع إلى جنب أمه فاطمة وذلك أن (1/67) ________________________________________ يزيد بعث به إلى عامله بالمدينة عمرو بن سعيد الأشدق فكفنه 68 ودفنه والعلماء مجمعون على تصويب قتال على لمخالفيه لأنه الإمام الحق ونقل الإتفاق أيضاً على تحسين خروج الحسين على يزيد وخروج ان الزبير وأهل الحرمين على بني أمية وخروج ابن الأشعث ومن معه من كبار التابعين وخيار المسلمين على الحجاج ثم الجمهور رأوا جواز الخروج على من كان مثل يزيد الحجاج ومهم من جوز الخروج على كل ظالم وعد ابن حزم خروم الإسلام أربعة قتل عثمان وقتل الحسين ويوم الحرة وقتل ابن الزبير ولعلماء السلف في يزيد وقتلة الحسين خلاف في اللعن والتوقف قال ابن الصلاح والناس في يزيد ثلاث فرقب فرقة تحبه وتتولاه وفرقة تسبه وتلعنه وفرقة متوسطة ف يذلك لا تتولاه ولا تلعنه قال وهذه الفرقة هي المصيبة ومذهبها هو اللائق لمن يعرف سير الماضين ويعلم قواعد الشريعة الطاهرة انتهى كلامه ولا أظن الفرقة الأولى توجد اليوم وعلى الجملة فما نقل عن قتلة الحسين والمتحاملين عليه يدل الزندقة وانحلال الإيمان من قلوبهم وتهاونهم بمنصب النبوة وما أعظم ذلك فسبحان نم حفظ الشريعة حينئذ وشيد أركانها حتى انقضت دولتهم وعلى فعل الأمويين وأمرائهم بأهل البيت حمل قوله هلاك أمتي على أيدي أغيلة من قريش قال أبو هريرة لو شئت أن أقول بني فلان وبنى فلان لفعلت ومثل فعل يزيد فعل بشر بن ارطأة العامري أمير معاوية في أهل لبيت من القتل والتشريد حتى خد لهم الأخاديد وكانت له أخبار شنيعة ف يعلى وقتل ولدى عبيد الله بن عباس وخما صغيران على يدي أمهما ففقدت عقلها وهامت على وجهها فدعا عليه على أن يطيل الله عمره ويذهب عقله فكان كذلك خرف في آخر عمره ولم تصح ل صحبة وقال الدارقطني كانت له صحبة ولمتكن له استقامة بعهد النبي وقال التفازاني في شرح العقائد النسفية اتفقوا على اللعن على من قتل الحسين أو أمر به أو أجازه أو رضى به قال والحق أن رضا يزيد بقتل الحسين واستبشاره بذلك وإهانته أهلي (1/68) ________________________________________ بيت رسول الله مما تواتر معناه وإن كان تفصيله آحاداً قال فنحن 69 لا نتوقف في شأنه بل في كفره وإيمانه لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه وقال الحافظ ابن عساكر نسب إلى يزيد قصيدة منها ( ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل ) ( لعبت هاشم بالملك بلا * ملك جاء ولا وحى نزل ) فإن ضحت عنه فهو كافر بلا ريب انتهى بمعناه وقال الذهبي فيه كان ناصبياً فظاً غليظاً يتناول المسكر ويفعل المنكر افتتح دولته بقتل الحسين وختمها بوقعة الحرة فمقته الناس ولم يبارك في عمره وخرج عليه غير واحد بعد الحسين وذكر من خرج عليه وقال فيه في الميزان أنه مقدوح في عدالته ليس بأهل أن يروى عنه وقال رجل في حضرة عمر بن عبد العزيز أمير المؤمنين يزيد فضربه عمر عشرين سوطاً واستفتى الكيا الهراسى فيه فذكر فصلاً واسعاً من مخازيه حتى نفدت الورقة ثم قال ولو مددت بياض لمددت العنان في مخازى هذا الرجل وأشار الغزالي إلى التوقف في شأنه والتنزه عن لعنه مع تقبيح فعله وذكر ابن عبد البر والذهبي وغيرهما مخازى مروان بأنه أول من شق عصا المسلمين بلا شبهة وقتل النعمان ابن بشير أول مولود من الأنصار في الإسلام وخرج على ابن الزبير بعد أن بايعه على الطاعة وقتل طلحة بن عبيد الله يوم الجمل وإلى هؤلاء المذكورين والوليد بن عقبة والحكم بن أبي العاص ونحوهم الإشارة بما ورد في حديث المحشر وفيه فأقول يا رب أصحابي فيقال أنك لا تدري ما أحدثوا بعك ولا يرد على ذلك ما ذكره العلماء من الإجماع على عدالة الصحابة وأن المراد به الغالب وعدم الاعتداد بالنادر والذين ساءت أحوالهم ولا بسوا الفتن بغير تأويل ولا شبهة وقال اليافعي وأما حكم من قتل الحسين أو أمر بقتله ممن استحل ذلك فهو كافر وإن لم يستحل ففاسق فاجر والله أعلم وفيها توفى حمزة بن عمرو والأسلمي وله صحبة ورواية وأم المؤمنين هند المعروفة بأم سلمة وقيل توفيت سنة تسع وخمسين وهي (1/69) ________________________________________ 70 آخر أمهات المؤمنين موتاً تزوجها رسول الله بعد سنتين من الهجرة وحين خطبها اعتذرت بكبر السن والأولاد وكونها غيوراً فذكر النبي أنه كبير أيضاً وذو أولاد وأما الغيرة فأدعوا الله عز وجل أن يذهبها عنك فكان أزاوج النبي يتحاكمن إليها لعلمهن ببراءتها من الغيرة وهي صاحبة المشورة المباركة يوم الحديبية ورأت جبريل عليه السلام في صورة دحية الكلبى سنة اثنتين وستين فيها توفي بريدة الحصيب الصحابى الأسلمي وقبره بمرو وقد أسلم قبل بدر وعلقمة بن قيس النخعي الكوفي في الفقيه صاحب ابن مسعود وكان يشبه به واستفاه غير واحد من الصحابة أبو مسلم الخولاني اليمنى من سادات التابعين صاحب كرامات أجج يه الأسود العنسى ناراً عظيمة وألقه فيها فلم تضره فنفاه لئلا يرتاب الناس فيه فوفد على أبي بكر مسلماً فقال الحمد لله الذي لم يتمنى حتى أراني من أمه محمد من فعل به ما فعل بإبراهيم خليل الله واستبطئت سرية فبينما هو يصلي ورمحه مر كوزجاء طائر ووقع عليه وخاطبه مشيراً له أن السرية سالمة غانمة تقدم يوم كذا وكذا وكان كذلك وفيها توفى عبد المطلب بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب الهاشمي نزيل دمشق له صحبة ورواية وأمير مصر مسلمة بن مخلد الأنصاري له صحبة ورواية أيضاً وفيها غزا أسلم بن أحور خوارزم فصالحوه ثم عبر إلى سمرقند فصالحوه أيضاً سنة ثلاث وستسن كانت وقعة الحرة وذلك أن أهل المدينة خرجوا على يزيد لقلة دينه فجهز لهم مسلمة بن عقبة فخرجوا له بظاهر المدينة بحرة واقم فقتل من أولاد المهاجرين (1/70) ________________________________________ 71 والأنصار ثلثمائة وستة أنفس ومن الصحابة معقل بن سنان الأشجعي وعب الله بن حنظلة الغسيل الأنصاري وعبد الله بن زيد بن عاصم المازني الذي حكى وضوء النبي ومحمد بن ثابت بن قيس بن شماس ومحمد بن عمرو ابن حزم ومحمد بن أبي جهيم بن حذيفة ومحمد بن أبي بن كعب ومعاذ بن الحرث أبو حليمة الأنصاري الذي أقامه عمر يصلى التراويح بالناس وواسع بن حبان الأنصاري ويعقوب ولد طلحة بن عبيد الله التميمي وكثير بن أفلح أحد كتاب المصاحف التي أرسلها عثمان وأبو أفلح مولى أبي أيوب وذلك لثلاث بقين من ذي الحجة وهجر المسجد النبوي فلم يصل فيه جماعة أياماً ولم تمتد حياة يزيد بعد ذلك ولا أميره مسلم بن عقبة وفي ذلك يقول شاعر الأنصار ( فإن يقتلونا يوم حرة وأقم * فنحن على الإسلام أول من قتل ) ( ونحن تركناكم ببدر أذلة * وأبنا بأسياف لنا منكم نفل ) وفيها توفى أبو مسروق الأجذع الهمداني الفقيه العابد صاب ابن مسعود وكان يصلى حتى تورم قدماه وحج فما نام إلا ساجداً وعن الشعبي قال ما رأيت أطلب للعلم منه كان أعلم بالفتوى من شريح سنة أربع وستين في أولها هلك مسلم بن عقبة بهرشى بين مكة والمدينة جبل قريب من الجعفة متجهزاً لحرب ابن الزبير بعد ما استباح المدينة وفعل القبائح ابتلاه الله بالماء الأصفر في بطنه ومن العجب أنه شهد الحرة وهو مريض في محفة كأنه مجاهد ومات بزيد بعده بنيف وسبعين يوماً توفى بالذبحة وذات الجنب فينصف ربيع الأول بحمص وله ثمان وثلاثون سنة وصلى عليه ابنه معاوية وقيل ابنه خالد وكان شديد الأدمة كثير الشعر ضخماً عظيم الهامة فيوجهه أثر الجري (1/71) ________________________________________ 72 وكنيته أبو خالد قيل له أبوه معاوية رضي الله عنه بايعت لك الناس ومهدت لك الأمر ولم سيتخلف عن بيعتك إلا أربعة الحسين وبعد بالله بن عمر وابن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر فاستوص بالحسين خيراً لقرابته من رسول الله وأنه لحمه ودمه وأما عبد الله بن عمر فقد وقرته العبادة فليس له في الملك حاجة وأما عبد الرحمن فمغرم بالنساء فأذعنه بالمال وأما الذي يثب عليك وثب الأسد فكذا وكذا وذكر كلاماً معناه التحريض على قتاله وكانت ولايته ثلاث سنين وثمانية أشهر واثني عشر يوماً وعهد بالأمر إلى ابنه معاوية فبقى في المر شهرين أو أقل ومات وكان يذكر فيه الخير ومات وله أحدى وعشرون سنة وأبى أن يستخلف وقال لم أصب حلاوتها فلا أتحمل مرارتها ولما كان من أمر الحسين ما كان بقى ابن الزبير بمكة عائذاً بالبيت فجهز لحربه يزيد الحصين بن نمير السكوني فرمى الحصين الكعبة بالمنجنيق حتى تضعضع بنؤها وهي وقتل بحجر المنجنيق المسور بن مخزمة النوفلي له صحبة ورواية واحترق قرنا الكبش الذي فدى به إسماعيل وجاء نعى يزيد فترجل الحصين وبايع أهل الحرمين ابن الضحاك الفهري مختلف في صحبت وكان دعا إلى ابن الزبير ثم تركه ودعا إلى نفسه فانحاز عنه مروان في بني أمية إلى أرض حوران ووافاهم عبيد الله بن زياد من الكوفة مطروداُ من أهلها وتضعضع أمر بني أمية حتى كاد يندرس فنهض مروان لطلب الملك فالتقى هو والضحاك بعد قصص تطول فقتل الضحاك في الأنصاري الصحابي لينصر الضحاك فقتله أصحاب مروان وفيها توفي بالطاعون الوليد بن عقبة بن أبي سفيان بن حرب وكان جواداً حليماً عين للخلافة بعد يزيد ولى أمرة المدينة غير مرة وفيها توفى ربيعة الجرشي فقيه الناس زمن معاوية (1/72) ________________________________________ 73 وفيها نقض أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير الكعبة وبناها على قواعد إبراهيم على ما حدثته خالته عائشة رضي الله عنه أو أدخل الحجر في البيت وكان قد تشقق أيضاً من المنجنيق واحترق سقفه سنة خمس وستين فيها توجه مروان إلى مصر فملكها واستعمل عليها ابنه عبد العزيز ومهد قواعدها ثم عاد إلى دمشق ومات في رمضان وعهد بالأمر إلى ابنه عبد الملك وكان مروان فقيها وكان كاتب السر لابن عمه عثمان رضي الله عنه وكان قصيراً كبير الرأس واللحية دقيق القبة أو قص أحمر الوجه واللحية يلقب خيط باطل عاش ثلاثاً وستين سنة وفيها ولى خراسان المهلب بن أبي صفرة لابن الزبير وحارب الأزارقة وأباد منهم ألوفاً وفيها خرج سليمان بن صرد الخزاعي الصحابي والمسيب بن نجبة الفزاري صاحب على في أربعة آلاف يطلبون بدم الحسين ويسمى جيش التوابين وجيش السراة وكان مروان قد جهز ستين ألفاً مع عبيد الله بن زياد ليأخذ و العراق والتقوا بالجزيرة فانكسر سليمان وأصحابه وقتل هو والمسيب وطائفة وكان لسليمان صحبة ورواية وفيها مات على الصحيح عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي ولم يكن بينه وبين أبيه في الولادة إلا إحدى عشرة سنة وكان من فضلاء الصحابة وعبادهم المكثرين في الرواية وأسلم قبل أبيه وكان يلوم أباه على القيام في الفتن وحلف بالله أنه لم يرم في حرب صفين بمرح ولا سهم وإنما حضرها لعزم أبيه عليه ولقوله أطع أباك وفيها توفى الحرث بن عبد الله الهمداني الكوفي الأعور صحب على وابن مسعود وكان متهماً بالكذب وحديثه في السنن الأربعة (1/73) ________________________________________ 74 سنة ست وستين فيها توفي جابر بن سمرة السوائي الصحابي وقيل توفي سنة أبع وستين وكان أبوه صحابياً أيضاً وزيد بن أرقم الأنصاري وقيل في سنة ثمان وكان غزا مع النبي سبع عشرة غزوة وفيها قويت شوكة الخوارج واستولى نجدة الحرورى الخارجي على اليمامة والبحرين سنة سبع وستين فيها قتل عمرو بن سعد بن أبي وقاص وعبيد الله بن زياد وحصين بن نمير السكني الذي حاصر ابن الزبير وانصرف عنه وشرحبيل بن ذي الكلاع وكثيرون من دعاة الشر واصطلم عسكرهم وكانوا أربعين ألفاً وذلك أنه جهز المختر بن أبي عبيد الكذاب جيشاً قدر ثمانية آلاف مع إبراهيم بن الأشتر النخعي فكانت وقعة الحارث بأرض الموصل وقيل كانت في السنة التي بعدها وكانت ملحمة عظيمة انتقم الله فيها من أهل الجرم ونصبت رؤوسهم حيث نصب رأسه وشاهدهم نساء أهل البيت الكرام وبقى الوقوف بين يدي الملك العلام وفيها وقيل في التي قبلها توفى عدى بن حاتم الطائي وله مائة وعشرون سنة أسلم سنة سبع وأكرمه النبي وألقى له وسادة وقال إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه وفيها ثارت الفتنة بن أبن الزبير والمختار بن أبي عبيد الثقفي كان متلوناً كذباً يدعو مرة إلى محمد بن الحنيفة ومرة لابن الزبير حتى ادعى آخر أن جبريل يأتيه بالوحي من السماء فلما تحقق ابن الزبير سوء حاله بعث أخاه المصعب لحربه فقدم المصعب البصرة وتأهب منها واجتمع غليه جيش الكوفة فسار بهم جميعاً (1/74) ________________________________________ 75 وعلى مقدمته عباد بن عباد الحصين وعلى ميمنته المهلب بن أبي صفرة وعلى ميسرته عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي فجهز المختار لحربهم أمر بن شميط وكيسان فهزمهم مصعب وقتل أمر وكيسان وقتل من جيش مصعب محمد بن الأشعث الكندي ابن أخت أبي بكر وعبيد الله بن علي بن أبي طالب وقتل من جند المختار عمر الأكبر بن علي بن أبي طالب ثم سار جيش مصعب فدخلوا الكوفة وحصروا المختار بقصر الإمارة أياماً إلى أن قتله الله في رمضان وصفت العراق لمصعب سنة ثمان وستين فيها توفى عبد الله بن عباس الهاشمي حبر الأمة بالطائف عن إحدى وسبعين سنة كان يقال له البحر والحبر وترجمان القرآن وذلك أن النبي قال في دعائه له اللهم فقيه في الدين وعلمه التأويل وذهب بصره آخراً فقال ( أن يذهب الله من عيني نورهما * ففي لساني وقلبي منهما نور ) ( قلبي ذكى وذهني غير ذي وكل * وفي فمي صارم كالسيف مشهور ) ولد قبل الهجرة بثلاث سنين وكان جميلاً نبيلاً مجلسه مشحوناً بالطلبة في أنواع العلوم قال بعضهم حج معاوية وابن عباس فكان لمعاوية موكب بالولاية ولابن عباس موكب بالرواية والدارية قال ابن عباس فكان ضمنى رسول الله وقال الله علمه الحكمة وقال أيضاً دعاني رسول الله فمسح ناصيتي وقال اللهم علمه الحكم وتأويل الكتاب وقال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ما رأيت أحداً أعلم بالسنة ولا أجلد رأياً ولا أثقب نظراً حين ينظر من ابن عباس وكان عمر بن الخطاب يقول له قد طرأت علينا عضل أقضية أنت لها ولا مثالها وقال عطاء بن أبي رباح ما رأيت مجلساً قط أكرم من مجلس ابن عباس كثر فقها وأعظم إن أصحاب الفقه عنده وأصحاب القرآن عنده وأصحاب الشعر عنده (1/75) ________________________________________ 76 يصدرهم كلهم في واد واسع وقال مغيرة لابن عباس أني أصبت هذا العلم قال بلسان سئول وقلب عقول وقال مجاهد كان ابن عباس يسمى البحر من كثرة علمه وقال طاوس أدركت نحواً من خمسين من أصحاب رسول الله إذا ذكر ابن عباس شيئاً فخالفوه لم يزل بهم حتى يقررهم وقال ابن أبي نجيح كان من أصحاب ابن عباس يقولون ابن عباس أعلم من عمر ومن علي ومن عبد الله ويعدون ناساً فيثب عليهم الناس فيقولون لا تعجلوا علينا إن لم يكن أحد من هؤلاء إلا وعنده من العلم ما ليس عند صاحبه وكان ابن عباس قد جمعه كله وقال الأعمش كان ابن عباس إذا رأيته قلت أجمل الناس فإذا تكلم قلت أفصح الناس فإذا حدث قلت أعلم الناس وفيه عزل ابن الزبير أخاه مصعباً عن العراق وولاها ابنه حمزة وتوفي أبو شريح الخزاعي الكعبي ويقال له أيضاً العدوى وكان قد أسلم قبل فتح مكة وأبو واقد الليثي وكان ممن شهد الفتح وعاش بضعاً وسبعين سنة سنة تسع وستين فيها كان طاعون الجارف بالبصرة قال المدائني حدثني من أدرك الجارف قال كان ثلاثة أيام فمات في كل يوم نحو من سبعين ألفاً ومات لأنس بن مالك نحو سبعين ابناً ومات فيه عشرون ألف عروس وأصبح الناس في اليوم الرابع ولم يبق إلا اليسير من الناس وصعد ابن عامر المنبر يوم الجمعة فلم يجتمع معه إلا سبعة رجال وامرأة فقال ما فعلت الوجوه فقالت المرأة تحت التراب أيها الأمير وفيه مات قاضي البصرة أبو الأسود الدؤلي الذي أسس النحو بإشارة علي إليه وفيها قتل الخارجي الحروري قتله أصحابه واختلفوا عليه وقيل ظفر به أصحاب ابن الزبير (1/76) ________________________________________ 77 وفيها مات قبيصة بن خالد الأسدي وكان فصيحاً مفوهاً روى عبد الملك ابن عمير عنه قال قال لي عمر إني أراك شاباً فصيح اللسان فسيح الصدر وفيها أعاد ابن الزبير أخاه مصعباً وعزل ابنه حمزة وقصد هو عبد الملك بن مروان كل منهما الآخر ثم فصل بينهما الشتاء فوثب على دمشق في غيبة عبد الملك عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق وأراد الخلافة فجاء عبد الملك وجرى بينهما قتال وحصار ثم نزل إليه بالأمان وفيها كان بين الأزارقة وبين المهلب حرب شديد ودام القتال شهراً بسولاف سنة سبعين فيها غدر عبد الملك بعمرو بن سعيد الأشدق بعد أن أمنه وحلف له وجعله ولي عهده من بعده فذبحه صبراً وفيها توفي عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي وولد في حياة رسول الله جد عمر بن عبد العزيز من قبل أمه وقيل كانت وفاته لستين سنة وفيها مات مالك بن يخامر السكسكي صاحب معاذ وكان قد أدرك الجاهلية وفيها كان الوباء بمصر وفيها قال ابن جرير ثارت الروم وقووا على المسلمين لاختلاف كلمتهم فصالح عبد الملك ملك الروم على أن يؤدي كل جمعة ألف مثقال وهو أول وهن دخل على المسلمين والإسلام سنة إحدى وسبعين فيها توفي عبد الله بن أبي حدرد الأسلي ممن بايع تحت الشجرة وله روايات في غير الكتب الستة سنة اثنتين وسبعين فيها توفي أبو عمارة البراء بن عازب الأنصاري الحارثي نزيل الكوفة كان (1/77) ________________________________________ 78 من أقران ابن عمر استصغر يوم بدر ومعبد بن خالد الجهني صاحب لواء جهينة يوم الفتح له حديث واحد عن أبي بكر رضي الله عنهما وفيها على الصحيح توفي أبو بحر المعروف بالأحنف بن قيس التميمي السعدي كان من سادات التابعين يضرب بحلمه المثل فعن الحسن قال ما رأيت شريف قوم أفضل من الأحنف أدرك عهد النبي قومه بإشارته ولم يفد على رسول الله على عمر وله رواية عن عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم قال له معاوية ما أذكر صفين إلا وكانت في قلبي حرارة فقال الأحنف إن القلوب التي أبغضناكم بها لفي صدورنا وإن السيوف التي قاتلناكم بها لفي أغمادها ثم خرج فقالت أخت معاوية من هذا قال الذي غضب له ألف فارس من تميم لا يدرون فيما غضب ولما بايع معاوية لولده يزيد حسن له بعض الحاضرين ذلك فقال له معاوية فما تقول أنت يا أبا بحر فقال أخاف الله إن كذبت وأخافكم إن صدقت فقال معاوية جزاك الله من الطاعة خيراً وأمر له بألوف فلما خرجا قال له ذلك الرجل إني لأعلم ذم يزيد ولكنهم قد استوثقوا من هذه الأموال بالأبواب والأقفال نستخرجها بما سمعت فقال الأحنف إن ذا الوجهين خليق أن لا يكون له وجه عند الله ونقل الإمام الطرطوشي إن بعض الخلفاء سأل رجلاً عن الأحنف ابن قيس وعن صفاته فقال الرجل يا أمير المؤمنين إن شئت أخبرتك عنه بواحدة وإن شئت أخبرتك عنه بثنتين وإن شئت أخبرتك عنه بثلاث فقال أخبرني عنه باثنتين فقال كان الأحنف يفعل الخير ويحبه ويتوقى الشر ويبغضه قال فأخبرني عنه بثلاث قال كان لا يحسد أحداً ولا يبغى على أحد ولا يمنع أحداً حقه قال فأخبرني عنه بواحدة قال كان من أعظم الناس سلطاناً في قيامه على نفسه وفيها على الصحيح عبيدة السلماني المرادي الكوفي الفقيه المفتي أسلم في حياة النبي بعي وابن مسعود قال الشعبي كان يوازي شريحاً (1/78) ________________________________________ 79 في القضاء وفيها وقعة دير الجاثليق بالعراق وكانت وقعة هائلة بين مصعب وعبد الملك وذلك أن عبد الملك أفسد جيش مصعب بالأطماع ولما استظهر عبد الملك أرسل إلى مصعب بالأمان فأبى وقال مثلي لا ينصرف إلا غالباً أو مغلوباً فاثخنوه بالرمي ثم شد عليه زياد بن عمرو بن حبيسة فطعنه وقال يا لثارات المختار وانصرف إلى عبد الملك وقتل مع مصعب ولداه عيسى وعروة وإبراهيم ن الأشتر النخعي سيد نخع وفارسها ومسلم بن عمرو الباهلي واستولى عبد الملك على العراق وولاها بشراً وفيه يقول الشاعر ( قد استوى بشر على العراق * من غير سيف ودم مهراق ) وبعث الأمراء إلى الأمصار وبعث الحجاج إلى مكة لحرب ابن الزبير فقتله واستوى الأمر لعبد الملك من غير معارض سنة ثلاث وسبعين فيها توفي عوف ابن مالك الأشجعي الحبيب الأمين وكان ممن شهد فتح مكة وأبو سعيد بن المعلى الأنصاري له صحبة ورواية وربيعة بن عبد الله بن الهدير التيمي عم محمد بن المنكدر له رواية عن عمر وفيها نازل الحجاج ابن الزبير فحاصره ونصب المنجنيق على أبي قبيس ودام القتال أشهراً وتفرق عن عبد الله أصحابه فأخبر أمه بذلك واستشارها فقالت يا بني إن كنت قاتلت لغير الله فقد هلكت وأهلكت وإن كان لله فلا تسلم نفسك فقاتلهم ولم يزل يهزمهم عند كل باب حتى أصابته رمية في رأسه فنكس رأسه وهو يقول ( ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا * ولكن على أقدامنا تقطر الدما ) (1/79) ________________________________________ 80 فلما سقط قالت له وا أمير المؤمنين فعرفوه ولم يكونوا عرفوه من لباس الحديد فشدوا عليه من كل جانب وقتلوه قريباً من باب المسجد من ناحية الصفا وذلك في جمادى الأولى وطافوا برأسه فيمصر وغيرها قال النواوي في شرح مسلم مذهب أهل الحق أن ابن الزبير كان مظلوماً والحجاج ورفقته خارجون عليه ودخل الحجاج على أمه بعد قتله فقال كيف رأيتني صنعت بابنك فقالت أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك وقد أخبرنا رسول الله إن في ثقيف مبيراً وكذاباً فأما الكذاب فرأيناه يعني المختار وأما المبير فلا أخالك إلا إياه والمبير المهلك قتل وله اثنتان وسبعون سنة وكانت ولايته تنيف على ثمان سنين وكان ابن الزبير صواما وقواما مستغرق الساعات في الطاعات بطلا شجاعا ومناقبه شهيرة كثيرة رضي الله تعالى عنه وقتل معه عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف الجمخي رئيس مكة وابن رئيسها ولد في حياة النبي ولما حج معاوية قدم له ابن صفوان ألفي شاة وقتل معه أيضاً عبد الله بن مطيع بن الأسود العدوي الذي ولي الكوفة لابن الزبير قبل غلبة المختار وقتل مع عبد الرحمن بن عثمان بن عبد الله التيمي ممن أسلم يوم الحديبية وتوفيت أم عبد الله بن الزبير بن مصاب ابنها بيسير وهي أسماء بنت أبي بكر الصديق وهي في عشر المائة وهي من المهاجرات الأول ومن أهل السوابق في الإسلام وهي ذات النطاقين رضي الله عنها وفيها استوثق الأمر لعبد الملك بن مروان بمقتل ابن الزبير وولى الحجاج أمر الحجاز ونقض بناء ابن الزبير للكعبة وأعادها إلى بنائها في زمن النبي بمشاورة عبد الملك وسبب هدم ابن الزبير الكعبة أنها كانت قد تهدمت وتشعثت من حجر المنجنيق الذي كان يرمى به الحصين بن نمير وأصحابه وحدثته خالته عائشة أن (1/80) ________________________________________ 81 قريشاً قصرت بهم النفقة يعني الحلال التي كانوا جمعوها لبنائها فاقتصروا عن قواعد إبراهيم ستة أذرع أو سبعة وهي الحجر ولما عزم ابن الزبير على ذلك فرقت الناس وخرج بعضهم هارباً إلى الطائف وإلى عرفات ومنى وطلع ابن الزبير بنفسه واتخذ معه عبداً حبشياً دقيق الساقين رجاء أن يكون ذا السويقتين الحبشي الذي يهدم الكعبة وأما الحجاج فلم يهدمها إلا أنفه أن يبقى هذا الشرف والمكرمة لابن الزبير واختلفوا كم بنيت مرات فقيل سبعاً وقيل خمساً ومنشأ الخلاف أنها هل بنيت قبل إبراهيم أو هو أول من بناها سنة أربع وسبعين فيها توفي السيد الجليل الفقيه العابد الزاهد أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي وكان قد عين للخلافة يوم التحكيم مع وجود علي والكبار رضي الله عنهم وقال فيه النبي عبد الله رجل صالح وقال نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل فكان بعدها لا يرقد من الليل إلا قليلاً وكان من زهاد الصحابة وأكثرهم أتباعاً للسنن وأعرفهم عن الفتن وتم له ذلك إلى أن مات قيل اعتمر قريباً من ألف عمرة قال مالك بلغ ابن عمر ستاً وثمانين سنة أفتى في ستين منها ولما مات أمرهم أن يدفنوه ليلاً ولا يعلموا الحجاج لئلا يصلي عليه ودفن في ذات أذاخر يعني فوق القرية التي يقال لها العابدة وبعضهم يزعم أنه وبعضهم يزعم أنه في الجبل الذي فوق البستان على يمين الخارج من مكة إلى المحصب وتوفي بعده في تلك السنة أبو سعيد الخدري سعد بن مالك الأنصاري وكان من أعيان الصحابة وفقهائهم شهد الخندق وبيعة الرضوان وغيرهما وفيها توفي بالمدينة سلمة بن الأكوع الأسلمي وكان ممن بايع النبي الموت يوم الحديبية وكان بطلاً شجاعاً رامياً يسبق الفرس شداً وله سوابق ومشاهد محمودة (1/81) ________________________________________ 82 وفيها توفى بالكوفة أبو جحيفة السوائي ويقال له وهب الخير له صحبة ورواية وكان صاحب شرطة على رضى الله عنه وكان يقوم تحت منبره يوم الجمعة وقيل تأخر إلى بعد الثمانين وفيها توفى محمد بن حاطب بن الحرث الجمحي له صحبة ورواية وهو أو لمن سمى في الإسلام محمداً بعد رسول الله ورافع بن خديج الأنصاري الصحابي أسابه سهم يوم أحد فبقى النصل إلى أن مات في جسمه وأوس بن ضمعج الكفي في العابد وخرسة بن الحرة وقد ربى يتيماً في حجر عمر ونزل الكوفة وعاصم بن حمزة السلولى ومالك بن أبي عامر الأصبحي جد الإمام مالك له رواية عن عمر وعثمان وعبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي بالمدينة له رؤية ورواية وكان كثير الحديث والفتوى وعبد الله بن عمير الليثي سنة خمس وسبعين فيها حج عبد الملك بن مروان وخطب على منبر النبي وعزل الحجاج عن الحجاز وأمره على العراقين وفيها توفى العرباض بن سارية السلمى أحد أصحاب الصفة بالشام وعمرو بن ميمون الودي قدم مع معاذ من اليمن فنزل الكوفة وكان صالحاً قانتاً قيل حج مائة حجة وعمرة وكان إذا رؤى ذكر الله والأسود بن يزيد النخعي الكوفي الفقيه العابد كان يصلي في اليوم والليلة سبعمائة ركعة واستسقى به معاوية فسقوا (1/82) ________________________________________ 83 وبشر بن مروان الأموي أمير العراقين بعد مصعب وسليم بن عنزة التجبيبى قاضي وناسكها وقد حضر خطبة عمر بالجابية سنة ست وسبعين فيها وجه الحجاج زائدة بن قدامة الثقفي ابن عمر المختار لحرب شبيب بن قيس الخارجي الشيباني فاستظهر شبيب وقتل زائدة وهزم العساكر مرات واستفحل أمر شبيب سنة سبع وسبعين فيها بعث الحجاج لحرب شبيب عتاب بن ورقاء الرباحي بالباء الموحدة فلقى شبيب بسواد الكوفة فقتل شبيب أيضاً عتاباً وهزم جيشه ثم جهز الحجاج له الحرث بن معاوية الثقفي فقتل الحرث أيضاً فوجه الحجاج له أبا الورد البصرى فقتله أيضاً فوجه له طهمان مولى عثمان فقتله أيضاً ففرق الحجاج وسار بنفسه فاقتتلوا شديداً أشد القتال وتكاثروا على شبيب فانهزم وقتلت غزالة امرأة شبيب وكانت قد قاتلت في تلك الحروب قتالاً عجز عنه كمل الرجال وكانت بحيث يضرب بشجاعتها المثل وكانت نذرت أن تأتي مسجد الكوفة فتصلى فيه ركعتين بسورة البقرة وآل عمران فخرجت غليه في سبعين رجلاً ووفت نذرها فقال الناس ( وفت الغزالة نذرها * يارب لا تغفر لها ) وقال الشاعر في الحجاج بن يوسف ( أسد على وفي الحروب نعامة * فتخاء تنفر من صفير الصافر ) ( هلا كررت على غزالة في الوغى * بلى كان قلبك في جناحى طائر ) ونجا شبيب بنفسه في فوارس من أصحابه إلى الأهواز وبها محمد بن موسى ابن طلحة التيمي فخرج لقتاله فبارزه فقتله شبيب وسار إلى كرمان فتقوى ثم رجع إلى الأهواز فبعث إليه الحجاج سفين بن الأبرد الكلبي وحبيب بن (1/83) ________________________________________ 84 عبد الرحمن فاقتتلوا حتى حجز بينهم الليل ثم ذهب شبيب وعبر على جسر نهر دجيل فقطع به فغرق وقيل بل نفر به فرسه وعليه الحديد الثقيل فألقاه في الماء فقال بعض أصحابه أغراقاً يا أمير المؤمنين فقال ذلك تقرير العزيز العليم فألقاه دجيل ميتاً على ساحله فحمل على البريد إلى الحجاج فأمر بشق بطنه واستخرج قلبه فإذا هو كالحجر إذا ضرب به الأرض نبا عنها فشق فإذا قلب صغير كالكرة الصغيرة فشق أيضاً فوجد في داخله علقة دم وكانت شجاعته خارجة أكثر ما يكون في مائة نفس فيهزمون الألوف وفيها توفى أبو تميم الجيشاني وكان قرأ القرآن على معاذ وكان من عباد أهل مصر وعلمائهم سنة ثمان وسبعين فيها وثب الروم على ملكهم فنزعوه من الملك وقطعوا أنفه ونفوه إلى بعض الجزائر وفيها جرت حروب وملاحم بافريقية وولى فيها موسى بن نصير امرة المغرب كله وولى خراسان المهلب بن أبي صفرة وفيها توفى جابر بن عبد الله بن عمر بن حرام الإنصاري السلمي وهو آخر من مات من أهل العقبة عن أربع وتسعين سنة وهو من أهل بيعة الرضوان وأهل السوابق والسبق في الإسلام وكان كثير العلم وأبوه عبد الله بن عمرو ابن حرام مناقبه عديدة وفيها على الأصح زيد بن خالد من مشاهير الصحابة مات بالكوفة وله خمس وثمانون سنة وعبد الرحمن بن غنم الأشعري بالشام وكان من رؤوس التابعين بعثه عمر بفقه الناس قال مسهر هو رأس التابعين (1/84) ________________________________________ 85 وفيها وقيل في سنة ثمانين أبو أمية شريح بن الحرث الكندي ولى قضاء الكوفة لعمر فمن بعده خمساً وسبعين سنة ولم يتعطل فيها إلا ثلاث سنين امتنع فيها من القضاء وعاش على ما قال ابن قتيبة مائة وعشرين سنة واستعفى عن القضاء قبل موته بعام فأعفاه الحجاج وكان فيهاً نبيهاً شاعراً صاحب مزاح وكان له دربة في القضاء بالغة وهو أحد السادات الطلس وهم أربعة عبد الله بن الزبير وقيس بن سعد بن عبادة والأخنف بن قيس وشريح والأطلس الذي لا شعر بوجهه وحكى أن علياً دخل على شريح مع خصم له ذمى فقام له شريح فقال له على كرم الله وجهه هذا أول جورك فقال لو كان خصمك مسلماً لما قمت ويقال إنه قضى على علي وذلك أن ادعى على الذمى درعاً سقطت منه فقال للذمى ما تقول فقال مالى وبيدي فقال لعلى كرم الله وجهه ألك بينة أنها سقطت منك قال نعم فأحضر كلاً من الحسن وبعده قنبر فقال قبلت شهادة قنبر ورججت شهادة الحسن فقال على ثكلتك أمك أما بلغك أن النبي قال الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة فقال اللهم نعم غير أني لا أجيز شهادة الولد لوالده فقال لليهودي خذها فليس عندي غيرهما فقال اليهودي لكني أشهد أنها لك وان دينكم هو الحق قاضي المسلمين يحكم على أمير المؤمنين ويرضى أشهد أن لا غله إلى الله واشهد أن محمداُ رسول الله فدفع على الدرع له فرحاً بإسلامه وضرب شريح امرأة له تميمية ثم ندم فقال ( رأيت رجالاً يضربون نساءهم * فشلت يمينى حين أضرب زينباً ) ( فز ينب بدر والنساء كواكب * إذا طلعت لم تبق منهن كوكباً ) وذكر أن زياداً كتب إلى معاوية ضبطت لك العراق بشمالى و يمينى فارغة لطاعتك فولني الحجاز فبلغ ذلك عبد الله بن عمر وكان مقيماً بمكة فقال اللهم اشغل يمين زياد فأصابه الطاعون أو الا كلة في يمينه فجمع الأطباء فأشاروا بقطعها فاستشار شريحاً فقال اكره لك أن كانت لك مدة تعيش بلا يمين وإن كان قددنا أجلك (1/85) ________________________________________ 86 أن تلقى ربك مقطوع اليد فإذا قال لك لم قطعتها قلت بغضاً للقائك وفراراً من قضائك ومات نم يومه فلام الناس شريحاً حيث نصح له لبغضهم لزيادة فقال استشارني والمستشار مؤتمن وإلا لوددت أنه قطع يده يوماً ورجله يوماً وسائر جسده يوماً يوماً وتقدم إلى شريح رجلان في شتى فأقر أحدهما بما ادعى عليه ولم يعلم فقضى عليه شريح فقال اتقضى على بغير بينة فقال قد شهد عليك ثقة قال ومن ذلك قال ابن أخت خالتك وقال له آخر أين أنت أصلحك الله قال بينك وبين الحائط قال أتى رجل من أهل الشام قال مكان سحيق قال وتزوجت امرأة قال بالرفاء و البنين قال وولدت غلاماً قال ليهنك الفارس قال وشرطت لها داراً قال الشرط أملك قال اقض بيننا قال قد فعلت قال بم قال حدث امرأة حديثين فإن أبت فأربع وقال في الإشراف على مناقب الإشراف في ذكر المخضومين وذكر شريحاً منهم قال الفضل بن دكين بلغ شريحاً مائة وثمان سنين وتوفى سنة ست وسبعين وقال غيره من أهل العلم سنة ثمان وسبعين وكان ثقة ولى قضاء المصرين الكوفى والبصرة ومات بالكوفة رحمه الله انتهى وفيها قتل بسجستان أبو المقدم شريح بن هانىء المذحجى صاحب على وله مائة وعشرون سنة سنة تسع وسبعين فيها وقيل في التي قبلها رأس الخوارج قطري بن فجاءة التيمي عثر به فرسه فقتل وأتى الحجاج برأسه وكان الحجاج قد جهز إليه جيشاً بعد جيش وهو يهزمهم وممن قاتله سوادة أو سودة بن أبجر الدارمي وكان مجرباُ في الحروب ومن قوله يخاطب نفسه ( أقول لها وقد طارت شعاعا * من الأبطال ويحك ل اتراعى ) ( فإنك لو سألت بقاء يوم * على الأجل الذي لك لم تطاعى ) ( قصيراً في محال الموت صبرا * فما نيل الخلود بمستطاع ) (1/86) ________________________________________ 87 ( سبيل الموت غاية كل حي * وداعية لأهل الأرض داعى ) قال ابن قتيبة هو من كنانة من بني حرقوص بن مازن بن مالك بن عمرو ابن تميم وكان يكنى أبا نعامة وخرج زمن مصعب بن الزبير فبقى عشرين سنة يقاتل ويسلم عليه بالخلافة فوجه إليه الحجاج جيشاً بعد جيش وكان آخرهم سفيان بن الأبرد الكلبي فقتله وكان المتولى لذلك سودة بن أبجر بن الحرث الدارمي ولا عقب لقطري انتهى وفيها توفى عبد الله بن أبي بكرة وكان قد بعثه الحجاج أميراً على سجستان في العام الماضي وكان جواداً ممدحاً يعتق في كل يوم عيد مائة عبد وفيها مات عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي وفيها أصاب أهل الشام طاعون كادوا يفنون منشدته قال ابن جرير سنة ثمانين فيها بعث الحجاج على سجستان عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الكندي فلما استقر بها خلع الحجاج وخرج وكانت بينهما حروب يطول شرحها وفيها مات عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الهاشمي وهو آخر من رأى النبي من بني هاشم وكان مولده بالحبشة ويقال لم يكن في المسلمين أجود منه وله فيه أخبار طويلة وفي الصحيح أن ابن الزبير قال له أتذكر إذا تلقينا رسول الله أنا وأنت وابن عباس قال نعم فحملنا وترك وهذا من الأجوبة المسكتة لكن الذي في صحيح مسلم عن عبد الله بن أبي مليكة قال قال عبد الله بن جعفر لابن الزبير أتذكر إذا تلقينا رسول الله أنا وأنت وابن عباس فحملنا وتركك فلينظر ذلك وقال الإمام النووي في شرح مسلم وقد توهم القاضي أن القائل فحملنا وتركك ابن الزبير وجعله علطاً في رواية مسلم وليس كما قال بل صوابه ما ذكرناه أن القائل فحملنا وتركك هو ابن جعفر انتهى وقيل أن أجواد المسلمين عشرة منهم عبد الله بن جعفر وبعيد الله بن عباس (1/87) ________________________________________ 88 وطلحة الطلحات الخزاعي وفيها مات أبو إدريس الخولاني عائذ الله بن عبد الله فقيه أهل الشام وقاصهم وقاضيهم سمع من أبي الدرداء وطبقته وقال ابن عبد البر سماع أبى إدريس عندنا عن معاذ صحيح وفيها مات أسلم مولى عمر رضي الله عنه اشتراه عمر في حياة أبي بكر رضي الله عنه وهو من سبى عين النمر وكان فقيها نبيلاً وفيها صلب عبد الملك معبد الجهني في القدر وقيل بل عذبه الحجاج بأنواع العذاب وقتله توفي ملك عرب الشام حسان بن النعمان بن المنذر الغساني غازياً بالروم وفيها وقيل قبلها جنادة بن أبي أمية الأزدي بالشام له ولأبيه صحبه وحديثه في الصحيحين عن الصحابة وقد ولى غزو البحر لمعاوية وفيها على الأصح أبو عبد الرحمن جبير بن نفير الحضرمي نزيل حمص وكان من جلة التابعين روى عن أبي بكر وعمر وفيها توفي عبد الرحمن بن عبد القارىء أتى به أبوه النبي وهو صغير وروى عن جماعة منهم عمر وهو مدني وفيها مات اليون عظيم الروم وفيها حاصر المهلب بن أبي صفرة كش ونسف.

السنة 80هـ-103هـ

سنة إحدى وثمانين فيها قام مع الأشعث عامة أهل البصرة من العلماء والبعاد فاجتمع له جيش عظيم ولقوا الحجاج يوم الأضحى فانكشف عسكر الحجاج وانهزم هو وتمت بينهما عدة وقعات حتى قيل كان بينهما أربع وثمانون وقعة في مائة يوم ثلاث وثمانون على الحجاج والآخرة له وفيها وقيل في التي بعدها توفى أبو القسم محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي (1/88) ________________________________________ 89 ابن الحنفية عن سبعين سنة إلا سنة وكلن جمع له بين الإسم والكنية ترخيصاً من النبي له قال لعلى سيولد لك غلام بعدي وقد نحلته اسمى وكنيتي ولا يحل لأحد من أمتي بعده وللعلماء في هذا تنازع وكان ابن الحنفية نهاية في العلم غاية في العبادة وتوقف عن حمل راية أبيه يوم الجمل وقال هذه مصيبة عمياء فقال له أبوه ثكلتك أمك أتكون عمياء وأبوك قائدها وروى نحو هذا في يوم صفين عنه وقيل له كيف دان أبوك يقحمك المالك دون أخويك فقال كانا عينيه وكنت يده فكان يتقى عن عينيه بيده وكان شديد القوة قيل استطال أبوه درعاً فقطعه من الموضع الذي علم له قيل ان ملك الروم وجه إلى معاوية رجلين أحدهما جسيم طويل والآخر قوى فقال عمرو بن العاص لمعاوية أما الطويل فعندنا كفؤه وهو قيس بن سعد بن عبادة ورأيك في الآخر فقال معاوية ههنا رجلان محمد ابن الخنيفة وعبد الله بن الزبير ومحمد هو اقرب الينا على كل حال فلما حضروا نزع قيس سروايله وروماها إلى العلج فبلغت ثندوته فاطرق العلج مغلوبا وقيل لاموا قيساً على خلع سروايله في المجلس فقال ( أردت لكيما يعلم القوم أنها * سراويل قيس والوفود شهود ) ( وأن لا يقولوا غاب قيس وهذه * سروايل عادي نمته ثمود ) وقال محمد بن الحنفية قولوا للعلج أن شاء جلس وأقمته كرها بيدي أو يقعدني وإن شاء فليكن هو القائم وأنا القاعد فاختار الرومي عن أقامته فانصرفا مغلوبين وعند الكيسانية أن ابن الحنفية لم يمت وأنه المهدي الذي يخرج في آخر الزمان وفي ذلك يقول كثيرة عزة ( ألا أن الأئمة من قريش * ولاة الحق أربعة سواء ) ( على والثلاثة من بنيه * هم الأسباط بهم خفاء ) (1/89) ________________________________________ 90 ( فبسط إيمان وبر * وسبط غيبته كربلاء ) ( وسبط لا يذوق الموت حتى * يقول الخيل يقدمها اللواء ) ( نراه مخيماً بجبال رضوى * مقيم عنده عسل وماء ) ولما اتسق المر لابن الزبير دعا محمداً وابن عباس إلى بيعته فقالا حتى يجتمع الناس على بيعتك ثم أراد ابن عباس بع تمهل أن يبايعه فأبى ابن الزبير فرد لعيه ابن عباس قولاً شديداً يتضمن التنويه بعبد الملك والغض منه وذلك مذكور في صحيح البخاري وفيها سويد بن غفلة الجعفي بالكوفة وقدم المدينة وقد دفنوا النبي ر ومولده عام الفيل كما قيل وكان فقيها أماماً عباداً قانعاً كبير القدر وفيها حجت أم الدرداء الكبرى صاية الحميرية وكان لها نصيب وافر م العلم والعمل ولها حرمة زائدة بالشام وقد خطبها معاوية بعد أبى الدرداء فامتنعت وقتل مع ابن الأشعث ليلة دجيل أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود الهذلي روى عن طائفة ولم يدرك السماع من والده وقتل معه ليلتئذ عبد الله بن شادا بن الهاد الليثي ابن خالد بن الوليد وكان فقيهاً كثير الحديث لقي كبار الحصباة وأدرك معاذ بن جبل سنة اثنتين وثمانين فيها استعرت الحرب بين الحجاج وابن الأشعث وبلغ جيش ابن الأشعث ثلاثة وثلاثين الف فارس ومائة وعشرين ألف راجل قاموا معه على الحجاج له تعالى وفيها توفى أبو عمر زاذان مولى كندة وقد شهد خطبة عمر بالجابية وكان من علماء الكوفة وفيها توفي المهلب بن أبي صفرة الأزدي أمير خراسان صاحب الحروب (1/90) ________________________________________ 91 والفتوح أمير عبد الملك بن مروان على خراسان قال أبو إسحاق السبيعي لم أر أميراً أيمن نقيبة ولا أشجع لقاء ولا أبعد ما يكره ولا أقرب مما يحب من المهلب ومولده عام الفتح ولأبيه صحبة وأبو صفرة هو ظالم بن سراق من أزد العتيك أزددبا ودبا بين عمان والبصرة وقال عبد الله بن الزبير هو سيد العراق وخلف أولاداً نجباً كراماً قيل بلغ عددهم ثلثمائة ولد وحمى البصرة من الشراه بعد جلاء أهلها عنها إلا من كانت به قوة فهي تسمى بصرة المهلب قال ابن قتيبة ولم يكن يعاب إلا بالكذب وكان ولي خراسان فعمل عليها خمس سنين ومات بمرو الروز من نواحي هراة بينها وبين بلخ واستخلف ابنه يزيد ابن المهلب ويزيد ابن ثلاثين سنة فعزله عبد الملك بن مروان برأي الحجاج ومشورته وولي قتيبة بن مسلم انتهى وفيها توفي أبو مريم زر بن حبيش الأسدي القاري بالكوفة وله مائة وعشرون سنة وكان عبد الله بن مسعود يسأله عن العربية وفيها قتل الحجاج كميل بن زياد النخعي صاحب علي رضي الله عنه وكان شريفاً مطاعاً شيعياً متعبداً وفيها قتل الشعثاء سليم بن أسود المحاربي الكوفي بظاهر البصرة وقتل محمد بن سعد بن أبي وقاص لقيامه مع ابن الأشعث وفيها توفي جميل بن عبد الله بن معمر العذري المتيم صاحب بثينة وكان هويها في الصغر فلما كبر خطبها فصد عنها فتيم بها وكان منزلها وادي القرى وهي عذرية أيضاً وتكنى أم عبد الملك ولما أكثر الشعر فيها قيل له لو قرأ القرآن كان خير ل فقال حدثني أنس قال قال رسول الله من الشعر لحكمة وكان كثير عزة راوية جميل وجميل راوية هدبة وهدبة راوية الحطيئة والحطيئة راوية زهير بن أبي سلمى المزني وابنه كعب وكان آخر أمر جميل أن وفد على عبد العزيز بن مروان بمصر فأحسن جائزته ووعده في أمر (1/91) ________________________________________ 92 بثينة وسأله المقام عنده فأقام قليلاً ومات هناك قال عباس بن سهل دخلت عليه وهو يجود بنفسه فقال يا عباس ما تقول في رجل لم يشرب الخمر قط ولم يزن ولم يقتل النفس ولم يسرق يشهد أن لا إله إلا الله قلت أظنه قد نجا من النار وأرجو له الجنة فمن هو قال أنا قلت تشببت ببثينة منذ عشرين سنة وأنت سالم منها قال لا تنالي شفاعة محمد وإني في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة إن كنت وضعت يدي عليها لريبة ثم مات وكان أوصى رجلاً أن يأتي حي بثينة فيعلو شرفاً ويصيح بهذين البيتين ( صرخ النعي وما كني جميل * وثوى بمصر بغير قفول ) ( قومي بثينة فاندبي بعويل * وابكي خليلاً دون كل خليل ) قال خرجت كأنها بدر في دجنهتتثنى في مرطها فقالت يا هذا إن كنت صادقاً فلقد قتلتني وإن كنت كاذباً فلقد فضحتني فقلت والله إني صادق وأخرجت حلته فلما رأتها صاحت وصكت وجهها وغشي عليها ساعة واجتمع نساء الحي يبكين معها ومن قوله فيها ( وخبر تماني أن تيماء منزل * لليلى إذا ما الصيف ألقى المراسيا ) ( فهذي شهور الروم عناقد انقضت * فما للنوى يرمي بلبلي المراميا ) في قصيدة وغلط بعضهم فجعلها لمجنون بني عامر وليس كذلك فإن تيماء من منازل بني عذرة واله أعلم سنة ثلاث وثمانين فيها قول الفلاس وهو الصحيح وقعة الجماجم بين الحجاج وابن الأشعث وكان شعارهم ياثارات الصلاة لأن الحجاج كان يميت الصلاة حتى يخرج وقتها فقتل مع ابن الأشعث أبو البختري الطائي مولاهم واسمه سعيد بن فيروز وكان من كبار فقهاء الكوفة روى عن ابن عباس وطبقته وغرق مع ابن الأشعث بدجيل عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الفقيه الكوفي المقري قال ابن سير رأيت أصحابه يعظمونه كالأمير أخذ عن عثمان وعلي ورأى عمر يمسح على الخفين (1/92) ________________________________________ 93 وفيها توفي ابن الجوزاء الربعي البصري واسمه أوس بن عبد الله روى عن عائة وجماعة وفيها توفي قاضي مصر عبد الرحمن بن حجيرة الخولاني روى عن أبي ذر وغيره وكان عبد العزيز بن مروان يرزقه في السنة ألف دينار فلا يدخرها سنة أربع وثمانين فيها افتتح موسى بن نصير أوربة من المغرب وبلغ عدد السبي خمسين ألفاً وفيها قتل الحجاج أيوب بن القرية وهي جدته لكن قال في القاموس القرية كجرية الحوصلة ولقب جماعة بنت جشم أم أيوب بن يزيد الفصيح المعروف الهلالي انتهى وكان أمياً نصيحاً وارتفع شأنه بالفصاحة والخطابة قدم على الحجاج فأعجبه وأوفده على عبد الملك ولما قام ابن الأشعث بعثه الحجاج إليه فقال إنما أنا رسول قال هو ما أقول لك ففعل ذلك وأقام عنده فلما هزم ابن الأشعث كتب الحجاج إلى عماله أن لا يجدوا أحداً من أصحاب ابن الأشعث إلا أرسلوه إليه أسراً فكان فيمن أرسلوا ابن القرية فسأله الحجاج عن البلدان والقبائل فقال أهل العراق أعلم الناس بحق وباطل وأهل الحجاز أسرع الناس إلى فتنة وأهجزهم فيها وأهل الشام أطوع الناس لخلفائهم وأهل مصر عبيد من خلب أي خدع وأهل البحرين نبط استعربوا وأهل عمان عرب استنبطوا وأهل الموصل أشجع أشجع الفرسان وأهل اليمن أهل أهواء وصبر عند اللقاء وأهل اليمامة أهل جفاء واختلاف وريف كثير وقرى يسير وأما القبائل فقال قريش أعظم أحلاما وأكرمها مقاما وبنو عامر بن صعصعة أطولها رماحاً وأكرمها صباحاً وثقيف أكرمها جوداً وأكثرها وفوداً وبنو زيد ألزمها للرايات وأدركها للثارات وقضاعة أعظمها أخطاراً وأكرمها نجاراً وأبعدها أثاراً والأنصار أثبتها مقاماً وأحسنها إسلاماً (1/93) ________________________________________ 94 وأكرمها أياما وتميم أظهرها جلداً وأكثرها عدداً وبكر بن وائل أثبتها صفوفاً وأحدها سيوفاً وعبد القيس أسبقها إلى الغايات وأصبرها تحت الرايات وبنو أسد أهل تجلد وجلد وعسر ونكد ولخم ملوك وفيهم نوك أي حمق وعك ليوث جاهدة في قلوب فاسدة وغسان أكرم العرب أحساباً وأثبتها أنساباً وأمنع العرب في الجاهلية أن تضام قريش في بلدة حمى الله دارها ومنع جارها وسأله عن مآثر العرب فقال كانت العرب تقول حمير أرباب الملك كندة ألباب الملوك ومذحج أهل الطعان وهمدان أحلاس الخيل والأزد أساس الناس وسأله عن الأراضي فقال الهند بحرها دروجيلها ياقوت وشجرها عود وورقها عطر وأهلها طغام وخراسان ماؤها حامد وغذاؤها جاحد وعمان بلد سديد وصيدها عبيد والبحرين كناسة بين المصراعين واليمن أصل العرب وأهل البيوت والحسب ومكة رجالها علماء جفاة ونساؤها كساة عراة والمدينة رسخ العلم فيها وظهر منها والبصرة شتاؤها جليد وحرها شديد وماؤها ملح وحربها صلح والكوفة ارتفعت عن حر البحر وسفلت عن برد الشام وطاب ليلها وكثر خيرها وواسط جنة بين حماة وكنية وما حملتها وكنتها قال البصرة والكوفة يحسدانها ودجلة والفرات يتجاذبان بإفاضة الخير عليها والشام عروس بين نسوة وجلوس وسأله عن الآفات فقال آفة الحلم الغضب وآفة العقل العجب وآفة العلم النسيان وآفة السخاء المن وآفة الكرم مجاورة اللئام وآفة الشجاعة البغي وآفة العبادة الفترة وآفة الزهد حديث النفس وآفة الحديث الكذب وآفة المال سوء التدبير وآفة الكامل من الرجال العدم قال فما آفة الحجاج بن يوسف قال لا آفة لمن كرم حسبه وطاب نسبه وزكا فرعه فقال أظهرت نفاقاً ثم قال اضربوا عنقه فلما رآه قتيلاً ندم وفيها ظفر أصحاب الحجاج بابن الأشعث فقتلوه بسجستان وطيف برأسه في البلدان واسم ابن الأشعث عبد الرحمن بن محمد وفيها توفي عبد الله بن الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب الهاشمي (1/94) ________________________________________ 95 وكان حنكه النبي عند ولادته ومات بعمان هارباً من الحجاج وهو ابن أخت معاوية وعتبة بن المنذر السلمي بالشام له صحبة وحديثان وعمران بن حطان السدوسي البصري أحد رِس الخوارج وشاعرهم البليغ وروح الحرامي وهو روح بن زنباع سيد حرام وأمير فلسطين كان ذا عقل ورأي وكان معظماً عند عبد الملك لا يكاد يفارقه وهو عنده بمنزلة وزيراً وكان صاحب علم ودين سنة خمس وثمانين فيها غزا محمد بن مروان بن الحكم أرمينية فأقام سنة وأمر ببناء أردبيل وبرذعة وفيها كانت وقعة بين المسلمين والروم بطوانة أصيب فيها المسلمون واستشهد نحو الألف وفيها توفي عبد العزيز بن مروان أبو عمر ولي مصر عشرين سنة وكان ولي العهد بعد عبد الملك عقد لهما أبوهما كذلك فلما مات عقد عبد الملك من بعده لولده وبعث إلى عامله على المدينة هشام بن إسماعيل المخزومي ليبايع له الناس فامتنع سعيد بن المسيب وصمم فضربه هشام ستين سوطاً وطيف به وروى عبد العزيز عن أبي هريرة وغيره وتوفي واثلة بن الأسقع الليثي أحد فقراء الصفة وله ثمان وتسعون سنة وكان شجاعاً ممدحاً فاضلاً شهد غزوة تبوك وعمروبن حريث المخزومي له صحبة ورواية ومولده قبل الهجرة وعمرو بن سلمة الجرمي البصري الذي صلى بقومه في عهد النبي صغره ويقال له صحبة وأسير بن جابر بالعراق وله أربع وثمانون سنة (1/95) ________________________________________ 96 وعمرو بن سلمة الهمذاني سمع عليا وابن مسعود ولم يخرجوا له في الكتب الستة شيئاً وهو مقل وعبد الله بن عامر بن ربيعة العنزي حليف آل عمر بن الخطاب روى عن النبي ليس بمتصل خرجه أبو داود وله رواية عن الصحابة رضي الله عنهم وفيها مات خالد بن يزيد بن معاوية الأموي كان له معرفة بالطب والكيمياء وفنون من العلم وله رسائل حسنة أخذ الصنعة عن راهب رومي ومن قوله في زوجته رملة بنت الزبير ( تجول خلاخيل النساء ولا أرى * لرملة خلخالاً يجول ولا قلبا ) ( أحب بني العوام من أجل حبها * ومن أجلها أحببت أخوالها كلبا ) جرى بينه وبين عبد الملك شيء فقال له عبد الملك ما أنت في العير ولا في النفير فقال خالد ويحك من العير والنفير غيري وجدي أبو سفيان صاحب العير وجدي عتبة صاحب النفير ولكن لو قت غنيمات الطائف يرحم الله عثمان لصدقت وأشار بذلك إلى جده الحكم نفاه النبي الطائف فرده عثمان سنة ست وثمانين فيها ولي قتيبة بن مسلم الباهلي خراسان وافتتح بلاد صاغان من الترك صلحا وافتتح مسلمة بن عبد الملك حصنين من بلاد الروم وفيها توفي أبو أمامة الباهلي الصحابي رضي الله عنه واسمه صدى بن عجلان نزيل حمص وقد قال كنت يوم حجة الوداع ابن ثلاثين سنة فيكون عمره مائة وست سنين وفيها وقيل سنة ثمان توفي عبد الله بن أبي أوفى الأسلمي وهو آخر الصحابة موتاً بالكوفة وآخر من مات من أهل بيعة الرضوان رضي الله عنهم بنص القرآن ولا يدخل أحد منهم النار بنص السنة (1/96) ________________________________________ 97 وفيها على الصحيح توفي عبد الله بن الحرث بن جزء الزبيدي آخر الصحابة موتاً بمصر وقميصه بن ذؤيب الخزاعي المدني الفقيه بدمشق روى عن أبي بكر وعمر قال مكحول ما رأيت أعلم منه وقال الزهري كان من علماء الأمة وفي شوال توفي عبد الملك بن مروان الخليفة أبو الوليد وله ستون سنة ولايته المجمع عليها بعد ابن الزبير ثلاث عشرة سنة وأشهر وكان أبيض طويلاً كبير العينين مشرف الأنف رقيق الوجه ليس بالبادن عده أبو زياد في الفقه في طبقة ابن المسيب وقال نافع لقد رأيت أهل المدينة وما بها شاب أشد تشميراً ولا أفقه ولا أنسك ولا أقرأ لكتاب الله من عبد الملك وولي بعده ابنه الوليد المشهور أن عبد الملك رأى كأنه بال في زوايا المسجد الأربع أو في المحراب أربع مرات فوجه إلى سعيد بن المسيب من يسأله فقال من ولده لصلبه أربعة تلي فكان كما قال ولي الوليد وسليمان وهشام ويزيد سنة سبع وثمانين فيها استعمل الوليد على المدينة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إلى أن عزله سنة ثلاث وتسعين بأبي بكر بن حزم وفيها ابتدئ بناء جامع دمشق ودام العمل في بنائه وزخرفته بالجد والاجتهاد أكثر من عشرين سنة وكان فيه اثنا عشر ألف صانع وهو أحد عجائب الدنيا لتركيبه على الفلك وفيها كانت ملحمة هائلة بناحية بخارى بين قتيبة والكفار ونصر الله الإسلام وفيها فتحت سردانية من المغرب وفيها توفي بحمص صاحب رسول الله بن عبيد السلمي وله أربع (1/97) ________________________________________ 98 وتسعون سنة والمقدام بن معد يكرب الكندي الصحابي وهو ابن إحدى وتسعين سنة ومات بحمص أيضاً سنة ثمان وثمانين فيها زحفت الترك وأهل فرغانة والصغد وعليهم ابن أخت ملك الصين في مائتي ألف فالتقاهم مسلمة وقيل قتيبة بن مسلم فكسرهم وهزمهم ولله الحمد وافتتح مسلمة جرثومة وطوانة وفيها توفي عبد الله بن بسر المازني بحمص وهو آخر من مات من الصحابة بحمص بل في الشام وأطلق الذهبي أنه آخر الصحابة موتاً وكلامه ينتقض بسهل بن سعد في سنة إحدى وتسعين وأنس بن مالك في نة ثلاث وتسعين على الأصح وأبي الطفيل فإن المشهور أنه آخر الصحابة موتاً وموته في سنة مائة لكن قيل إن ابن بسر مات سنة تسع وتسعين فعلى هذا يتجه أن يقال هو آخرهم موتاً سنة تسع وثمانين فيها جهز موسى بن نصير ولده عبد الله فافتتح جزيرتي ميروقة ومنورقة وجهز ولده الآخر مروان فغزا السوس الأقصى وبلغ السبي أربعين ألفاً وغزا مسلمة عمورية فالتقى الروم وهزمهم وفيها توفي على الصحيح عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري المدني مسح النبي ودعا له فوعى ذلك سمع من ابن عمر سنة تسعين فيها غزا قتيبة وردان خذاه الغزوة الثانية فاستصرخ عليه بالترك فالتقاهم قتيبة وكسرهم وفيها غزا مسلمة سورية وافتتح الحصون الخمسة (1/98) ________________________________________ 99 وفيها غدر ملك الطائفان واستعان بترك طرحان على قتيبة بن مسلم بأهل الطالقان فقتل منهمصبراً مقتلة لم يسمع بمثلها وصلب منهم سماطين كل سماط أربعة فراسخ في نظام واحد وفيها ولى إمرة مصر قرة بن شريكوكان جباراً ظالماً وتوفي أبو طيبان حصي أو حصين بن جند الجهني الكوفي والد قابوس وفيها علي الأصح خالد بن يزيد بن معاوية وتقدم ذكره وعبد الرحمن بن المسور بن مخرمة الزهري المدني الفقيه ومفتي مصر أبو الخير يزيد بن عبد الله اليزني تفقه بعقبة بن عامر سنة إحدى وتسعين فيها عزل الوليد عمه محمداً عن الجزيرة وأذربيجان وأرمينية وولى عليها أخاه مسلمة فغزا مسلمة في هذا العام إلى أن بلغ الباب الحديد وافتتح حصوناً ودائن وافتتح فيها قتيبة عدة مدائن بما وراء النهر وأرطأ الكفار ذلاً وخوفاً وحمل إليه طرخون القطيعة وفيها وقيل في سنة ثمان وثمانين توفي السائب بن يزيد الكندي ابن أخت النمر ال حج بي أبي مع النبي الوداع وأنا ابن سبع سنين ورأيت خاتم النبوة بين كتفيه وفيها مات أبو العباس سهل بن سعد الساعدي الأنصاري وقد قارب المائة وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة سنة اثنتين وتسعين فيها افتتح إقليم الأندلس علي يد طارق مولى موسى بن نصير وتمم موسى فتحه في سنة ثلاث وفيها توفي ملك بن أوس بن الحدثان النضري المدني وكان أدرك الجاهلية (1/99) ________________________________________ 100 ورأى أبا بكر وفيها قتل الحجاج إبراهيم بن يزيد التيمي الكوفي العابد المشهور ولم يبلغ أربعين سنة روى عن عمرو بن ميمون الاودي وجماعة وطويس المغني مولى أروى بنت كريز أم عثمان بن عفان وكان اسمه طاووساً فلما تخنث سمي طويساً وكان مجوداً في المغنى وإيا عنى الشاعر فيمدح معبد ( تغنى طويس والشريحي بعده * وما قصبات السبق إلا لمعبد ) وضرب المثل بشؤمه وقيل لأنه ولد يوم مات النبي يوم مات الصديق وختن يوم مقتل عمر وقد بلغ الحلم في ذلك اليوم وتزوج يوم قتل عثمان وقيل يوم مات الحسن بن علي رضي الله عنهم وهذا من عجائب الاتفاقات وكان مفرطاً في طوله مضطرباً في خلقه أحول العين انتقل عن المدينة إلى السويداء على مرحلتين منها في طريق الشام وتوفي هناك سنة ثلاث وتسعين فيها افتتح قتيبة بن مسلم عدة فتوح وهزم الترك ونازل سمرقند في جيش عظيم ونصب المجانيق عليها فجاءت نجدة الترك فاكمن لهم كميناً فالتقوا في نصف الليل فاقتتلوا قتالاً عظيماً ولم يفلت من الترك إلا اليسير وافتتحها صلحاً وبنى بها الجامع والمنبر وقيل صالحهم على مائة ألف فارس وعلى بيوت النار وعلى حلية الأصنام فسلبت ثم وضعت الأصنام بين يديه فكانت كالقصر لالعظيم فأحرقها ثم جمعوا ما بثي منها من مسامير الذهب والفضة فكانت خمسين ألف مثقال واستعمل على البلد ابنه عبد الله ورد إلى مرو وفيها كانت الفتوح بأرض المغرب والأندلس وبأرض الروم وبأرض الهند ولم يفتح المسلمون منذ خلافة عثمان مثل هذه الفتوح التي جرت بعد التسعين شرقاً وغرباً فلله الحمد والمنة وفيها توفي من سادات الصحابة خادم رسول اله أبو حمزة أنس بن (1/100) ________________________________________ 101 مالك الأناري النجاري وقيل توفي سنة تسعين أو إحدى أو اثنتين وتسعين قدم النبي وله عشر سنين فخدمه ودعا له بكثرة المال والولد والبركة فيهما وفيما أوتي فدفن لصلبه إلى مقدم الحجاج البصرة مائة وعشرين وكان نخله يثمر في العام مرتين وبلال بن أبي الدرداء روى عن أبيه وولى إمرة دمشق وأبو الشعثاء جابر بن زيد الذي قال فيه ابن عباس لو أن أهل البصرة نزلوا على قول أبي الشعثاء لأوسعهم علماً عما في كتاب الله عز وجل وأبو الخطاب عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة القرشي المخزومي الشاعر المشهور قيل لم يكن في قريش أشعر منه وهو كثير المجون والتغزل بالثريا ابنة علي بن عبد الله بن الحرث بن أمية بن عبد شمس الأموية التي جدتها قتيلةبالتصغير ابنة النضر بن الحارث المنشدة في قتيل أبيها يو بدر الأبيات وقال النبي سمعت شعرها قبل أن أقتله لما قتلته واستدل بهذا القول الصحيح أن النبي له أن يجتهد في الأحكام وكانت الثريا موصوفة بارعة الجمال وتزوجها سهيل بن عبد الرحمن بن عوف ونقلها إلى مصر وفيهما يقول عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة ( أيها المنكح الثريا سهيلاً * عمرك الله كيف يلتقيان ) ( هي شامي إذا ما استقلت * وسهيل إذا استقل يماني ) وهو القائل ( إن من أكب الكبائر عندي * قتل بيضاء خودة عطبول ) ( كتب القتل والقتال علينا * وعلى الغانيات جر الذيول ) ولد عمر في ليلة قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وذلك ليلة الأربعاء لأربع بقين من ذي الجة سنة ثلاث وعشرين وكان الحسن البصري يقول فيها أي حين رفع وأي باطل وضع يعني مقتل عمر ووضع عمر وكان جده أبو ربيعة يلقب بذي الرمحين وأبوه عبد الله أخو أبي جهل بن هشام لأمه توفي في سفينة (1/101) ________________________________________ 102 غرقاً وعمره سبعون سنة أو ثمانون وفيها على الصحيح وقيل سنة تسعين توفي أبو العالية رفيع بن مهران الرياحي مولاهم البصري المقرئ المفسر دخل على أبي بكر وقرأ القرآن على أبي وكان ابن عباس يرفعه على السرير وقريش أسفل وقال أو بكر بن أبي داود ليس بعد الصحابة أحد أعلم بالقرآن من أبي العالية وبعده سعيد بن جبير وقال ابن قتيبة حج أبو العالية ستين حجة وقال الأصمعي كان أبو العالية ومكحول جميلين يعني مكحول الأزدي وكان مزاحاً قال مسلم بن إبراهيم سألت أبا العالية عن قتل الذر فجمع منهن شيئاً كثيراً وقال مساكين ما أكيسهن ثم قتلهن وضحك وفيها توفي السيد الجليل زرارة بن أوفى العامري أبو حاجب قاضي البصرة قرئ في صلاة الصبح ( ^ فإذا نقر بالناقور فذلك يومئذٍ يوم عسير ) فخر ميتاً وفيها عبد الرحمن بن يزيد بن جارية الأنصاري المدني ولد في عهد النبي عن الصحابة وولى قضاء المدينة وعن الأعرج قال ما رأيت بعد الصحابة أفضل منه سنة أربع وتسعين فيها غزا قتيبة بن مسلم فرغانة فافتتحها بعد قتال عظيم وبعث جيشاً ففتحوا الشاش وفيها افتتح مسلمة سدرة من أرض الروم وتوفي الإمام السيد الجليل أبو محمد سعيد بن المسيب المخزومي المدني أحد أعلام الدنيا سيد التابعين وقال ابن عمر لو رأى رسول الله لسره وقال مكحول وقتادة والزهري وغيرهم ما رأينا أعلم من ابن المسيب قال علي بن المديني لا أعلم في التابعين أوسع علماً منه وهو عندي أجل التابعين وقال أحمد العجلي كان لا يأخذ العطاء وله أربعمائة دينار يتجر بها في الزيت وقال مسعر عن سعد ابن إبراهيم قال سمعت سعيد بن المسيب يقول ما أحد أعلم بقضاء قضاه رسول الله أبو بكر ولا عمر مني سمع من الصحابة وجل روايته عن أبي (1/102) ________________________________________ 103 هريرة وكان تزوج ابنته قال قتادة ما جمعت علم الحسن إلى علم أحد إلا وجدت له عليه فضلاً غير أنه كان إذا أشكل عليه شيء إلى ابن المسيب يسأله وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم لما مات العبادلة عبد الله بن العباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمرو بن العاص صار الفقه في جميع البلدان إلى الموالي فقيه مكة عطاء وفقيه اليمن طاووس وفقيه اليمامة يحي بن أبي كثير وفقيه البصرة الحسن البصري وفقيه الكوفة إبراهيم النخعي وفقيه الشام مكحول وفقه خراسان عطاء الخراساني إلا بالمدينة فإن الله تعالى حرسها بقرشي فقيه غير مدافع سعيد بن المسيب وهو من فقهاء المدينة جمع بين الحديث والتفسير والفقه والورع والعبادة وعنه قال حججت أربعين حجة وما فاتني التكبيرة الأولى منذ خمسين سنة وما نظرت إلى قفا رجل في الصلاة وعطل المسجد النبوي أيام الحرة ولم يبق فيه غيره وكان لا يعرف أوقات الصلاة إلا بهمهمة يسمعها داخل الحجرة المقدسة وخطب ابنته بعض ملوك بني أمية فزوجها فقيراً من الطلبة وسيرها إلى بيته ثم زارها بعد ذلك ووصلها بشيء من عنده وكانت ابنة أبي هريرة تحته وكان جابر بن الأسود على المدينة دعاه إلى بيعة ابن الزبير فأبى فضربه ستين سوطاً وضربه أيضاً هشام بن إسماعيل ستين ستين سوطا وطاف في المدينة في تبان من شعر وذلك انه دعاه إلى البيعة لسليمان والوليد بالعهد فلم يفعل وكان مولده لسنتين مضتا من خلافة عمر ووفاته بالمدينة وولد لسعيد محمد وكان نسابة فنفى قوماً من المخزومين فرفع ذلك إلى الوالي فجلده الحدي وكان لسعيد غيره من الولد وبرد مولاه قال له يا برد إياك أن تكذب على كما يكذب عكرمة على ابن عباس وقال كل حديث حدثكموه برد ليس مع غيره ما تنكرونه فهو كذب وبالجملة فمناقبه وما آثره تفوت الحصر وقد صنف فيها وفيها أيضاً توفى أحد فقهاء المدينة السبعة أبو محمد عروة ابن الزبير بن العوام الأسدي المدني الفقيه الحافظ (1/103) ________________________________________ جمع العلم والسيادة 104 والعبادة ولد في سنة تسع وعشرين وحفظ عن والده وكان يصوم الدهر ومات صائماً واشتهر أنه قطعت رجله وهو في الصلاة لاكلة وقعت فيها ولم يتحرك حتى لم يشعر الوليد بن عبد الملك بذلك وهو عنده حتى كويت فوجد رائحة الكي قال الزهري رأيته بحراً لا تكدره الدلاء ودخل على عبد الملك بعد قتل أخيه وسأله سيف الزبير فأخرجوا له السيوف فأخذ منها سيفاً مفللا فعرفه وبئره أعذب بئر في المدينة اليوم توفي في قرية له دون الفرع بضم الفاء وتسكين الراء من ناحية الربذة على أربع ليال من المدينة ذات نخل ومياه وهو شقيق عبد الله أمهما أسماء بنت أبي بكر بخلاف مصعب فإن أمه أخرى وكان بعد الملك بن مروان يقول من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى عروة بن الزبير وسبب ذلك أنهم اجتمعوا في المسجد الحرام وتمنوا وكان منية عروة الزهد في الدنيا والفوز بالجنة فلما نال كل امرىء منهم أمنيته كان في ذلك دليل على نيل أمنية عروة وقد نظم بعض الفضلاء فقهاء المدينة السبع فقال ( ألا كل من لا يقتدي بائمة * فقسمته ضيزي عن الحق خارجه ) ( خذهم عبيد الله عروة قاسم * سعيد سليمان أبو بكر خارجة ) وفيها مات أيضاً أحد الفقهاء السبعة أبوب كر بن عبد الرحمن بن الحرث ابن هشام بن المغيرة المخزومي الملقب براهب قريش لعبادته وفضله استصغر يوم الجمل فرد هو وعروة وكان مكفوفاً وأبوه الحرث من الصحابة وهو أخو أبي جهل لأمه وهذه السنة تسمى سنة الفقهاء السبعة لأنهم كانوا بالمدينة فيعصر واحد ينشر عنهم العلم والفتيا وكان في عصرهم جماعة من فقهاء التابعين مثل سالم بن عبد الله بن عمر وغيره فلم يكن لهم مثل مالهم وفيها زين العابدين على بن الحسين الهاشمي وولد سنة ثمان وثلاثين بالكوفة أو سنة سبع سمى زين العابدين لفرط عبادته وكان ورده في (1/104) ________________________________________ 105 اليوم والليلة ألف ركعة إلى أن مات وكان يوم استشهد والده مريضاً فلم يتعرضوا له وكان عبد الملك يحترمه ويجله وأمه سلامة وقيل غزالة بنت يزد جرد ملك فارس سميت ثالثة ثلاث من بناته في خلافة عمر أمر بيعهن فأشار علي بتقويمهن ويأخذهن من اختارهن فأخذهن علي فدفع واحدة لعبد الله بن عمر وأخرى لولده الحسين وأخرى لمحمد بن أبي بكر الصديق فولدت سالماً وزين العابدين والقسم بن محمد فهم بنو خالة وكان أهل المدينة يكرهون السراري ومن بر زين العابدين لأمه أنه كان لا يأكل معها في صحفة ويقول أخشى أن تسبق يدي إلى ما سبقت عينيها إليه ومن وقله أن لله عباداً عبدوه رهبة فتلك عبادة العبيد وآخرين عبدوه رغبة فتلك عبادة التجار وآخرين عبدوه شكراً فتلك عبادة الأحرار وتكلم فيه رجل وافترى عليه فقال له إن كنت كما قلت فأستغفر الله وإن لم أكن كما قلت فالله يغفر لك فقبل رأسه وقال جعلت فداك لست كما قلت فاغفر قال غفر الله لك فقال له الرجل الله أعلم حيث يجعل رسالاته وقصته مع هشام والفرزدق إن شاء الله تعالى قال الزهري ما رأيت أحداً أفقه من زين العابدين لكنه قليل الحديث وقال أبو حازم الأعرج ما رأيت هاشمياً أفضل منه وعن سعيد بن المسيب قال ما رأيت أورع منه وقال مالك بلغني أن علي بن الحسين كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة إلى أن مات وكان يسمى زين العابدين لعبادته وفيها وقيل سنة أربع ومائة أبو سلمة بن عبد الرحمن ب عوف الزهري المدني أحد الأئمة الكبار وقال الزهري أربعة وجدتهم بحوراً عروة وابن المسيب وأبو سلمة وعبيد الله (1/105) ________________________________________ 106 وفيها تميم بن طرفة الطائي الكوفي ثقة له عدة أحاديث سنة خمس وتسعين فيها أراح الله العباد والبلاد بموت الحجاج بن يوسف الثقفي الطائفي في ليلة مباركة على الأمة ليلة سبع وعشرين من رمضان وله ثلاث وقي لأربع أو خمس وخمسون سنة أو دونها وكان شجاعاً مقداماً مهيباً متفوهاً فصيحاً سفاكاً ولى الحجاز سنين ثم العراق وخراسان عشرين سنة وأقره الوليد على عمله بعد أبيه وقيل لابن سيرين رأيت حمامة بيضاء حسنة على سرادقات المسجد فجاء صقر فاختطفها فقال ابن سيرين إن صدقت رؤياك تزوج الحجاج ابنة جعفر الطيار فلما تزوجها قيل لابن سيرين من أين أخذت ذلك فقال الحمامة امرأة وبياضها حسنها والسرادقات شرفها فلم أر بالمدينة أنقى حسناً ولا اشرف من ابنة جعفر ولا صقر سلطان غشوم فلم أر أغشم من الحجاج وقال ابن قتيبية في المعار يكنى الحجاج أبا محمد وكان أخفض دقيق الصوت وأول ولاية وليها تبالة فلما رأها احتقرها وانصرف فقيل في المثل أحقر من تبالة على الحجاج وولى شرط أبان بن مروان في بعض ولايات أبان فلما خرج ابن الزبير وقوتل زمانا قال الحجاج لعبد الملك أني رأيت في المنام كأني أسلخ عبد الله بن الزبير فوجهني غليه فوجهه في ألف رجل وأمره أن ينزل الطائف حتى يأتيه أمره ففعل ثم كتب غليه بقتاله وأمده فحاصره حتى قتله ثم أخرجه فصلبه وذلك في سنة ثلاث وسبعون فولاه عبد المك الحجاز ثلاث سنين فكان يصلي بالموسم كل سنة ثم ولاه العراق وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة فوليها عشرين سنة وأصلحها وذلل أهلها وحدثني أبو اليمان عن جرير بن عثمان عن عبد الرحمن بن ميسرة عن أبي عذبة الحضرمي قال قدمت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه رابع أربعة من أهل الشام ونحن حجاج فبينا نحن عنده إذ أتاه خبر من العراق بأنهم قد حصبوا أمامهم فخرج إلى الصلاة ثم قال من ههنا من أهل الشام فقمت أنا و أصحابي فقال يا أهل الشام تجهزوا لأهل (1/106) ________________________________________ 107 العراق فإن الشيطان قد باض فيهم وقرج ثم قال اللهم قد لبسوا على فلبس عليهم الله معجل لهم بالغلام الثقفي الذي يحكم الجاهلية لا يقبل من محسنهم ولا يتجاوز عن مسيئهم انتهى وأم الحجاج الفارغة بنت همام بن عروة بنم سعود الثقفي ولدت الحجاج مشوهاً لا دبر له فنقب عند جبره وأبى أن يقبل هدي أمه وغيرها فيقال أن الشيطان تصور لهم في صورة الحرث بن كلدة وكان تزوج الفارعة قبل أبي الحجاج وكان حكيم العرب فقال له ما لقوه دم جدي يومين واليوم الثالث العقوه دم تيس أسود ثم دم ثعبان سالخ أيود والوا به وجهه وأخبرهم أنه يقبل الهدي في اليوم الرابع فلذلك كان لا يصبر عن سفك الدماء ويخبز أنه أكبر لذاته وله مقحمات عظائم وأخبار مهولة وكان معلماً قال ابن قتيبة كان يعلم بالطائف واسمه كليب وأبوه أيضاً يوسف كان معلماً وقال ملك ابن أبي يزيد في الحجاج ( فماذا عسى الحجاج يبلغ جهده * إذا نحن جاوزنا حفير زياد ) ( فلولا بنو مروان كان ابن يوسف * كما كان عبداً من عبيد أياد ) ( زمان هو العبد المقر بذله * يراوح غلمان القرى ويغادى ) وقال آخر ( أينسى كليب زمان الهزال * وتعليمه سورة الكوثر ) ( رغيف له فلكه ما يرى * وآخر كالقمر الأزهر ) يريد أن خبز المعلمين مختلف ولما حضرته الوفاة قالا للمنجم هل ترى ملكا يموت قال بلى ولست به رأى ملكا يموت يسمى كليباً قال أنا والله كليب كانت أمي سمتنى انتهى وتمثل حينئذ بقول عبيد بن سفيان العكلي ( يا رب قد حلف الأعداء واجتهدوا * أيمانهم انني من ساكني النار ) أحلفون على عمياء ويحهم * ما علمهم بعظيم العفو غفار ) وكان موته بالأكلة في بطنه سوغه الطبيب لحماً في خيط فخرج مملوءاً دوداً (1/107) ________________________________________ 108 وسلط أيضاً عليه بالرد فكان يوقد النار تحته وتأجج حتى تحرق ثيابه وهو لا يحس بها فشكا غلى الحسن البصري فقال ألم أكن نهيتك أن تتعرض للصالحين فلما أخبر الحسن بموته سجد شكراً وقال اللهم كما أمته فأمت سنته وكان قد رأى أن عينيه قلعتا وكان تحته هند بنت المهلب وهند بنت أسماء بن خارجة فطلقها ليتناول رؤياه بهما فمات ابنه محمد وجاءه نعي أخيه محمد من اليمن فقال هذا والله تأويل رؤياي محمد ومحمد في يوم واحد أنا الله وأنا إليه راجعون ثم قال من يقول شعراً فيسليني فقال الفرزدق ( أن الرزية لا رزية بعدها * فقدان مثل محمد محمد ) ( ملكان قد خلت المناس منها * أذ الحمام عليهما بالمرصد ) قبل قتل مائة ألف وعشرين ألفاً ووجد فيسجونه بعد موته ثلاثة وثلاثون ألفاً ووجد في سجونه بعد موته ثلاثة وثلاثون ألفاً لم يجب على أحد منهم قطع ولا صلب ويقال إن زياد ابن أبيه أراد يتشبه بعمر في ضبطه وسياسته فتجاوز الحد ولم يصب وأاد الحجاج أن يتشبه بزياد فدمر وأهلك وفي شعبان من السنة المذكورة قتل الحجاج قاتله الله سعيد بن جبير الوالي مولاهم الكوفي المقرئ المفسر الفقيه المحدث أحد الأعلام وله نحو من خمسين سنة أكثر من روايته عن ابن عباس وحدث في حياته بأذنه وكان لا يكتب الفتاوي مع ابن عباس فلما عمي ابن عباس كتب وروى أنه قرأ القرآن في ركعة في البيت الحرام وكان يؤم الناس في شهر رمضان فيقرأ ليلة بقراءة ابن مسعود وليلة بقراءة زيد بن ثابت وأخرى بقراءة غيرهما وهكذا أبدأ وقيل كان أعلم التابعين بالطلاق سعيد بن جبير وبالحج عطاء وبالحلال والحرام طاووس وبالتفسير مجاهد وأجمعهم لذلك سعيد بن جبير وقتله الحجاج وما على وجه الأرض أحد إلا وهو مفتقر إلى علمه وقال الحسن يوم قتله اللهم أعن على فاسق ثقيف والله لو أن أهل الأرض اشتركوا في قتله لكبهم الله في النار قال أبو اليقظان هو أي سعيد (1/108) ________________________________________ 109 مولى لبني والبة من بني أسد ويكنى أبا عبد الله وكان أسود وكتب لعبد الله بن عتبة بن مسعود ثم كتب لأبي بردة وهو على القضاء وبيت المال وكان سعيد مع عبد الرحمن بن محمد نب الأشعث بن قيس لما خرج على عبد الملك بن مروان فلما قتل عبد الرحمن وانهزم أصحابه من دير الجماجم هرب فلحق بمكة وكان واليها يومئذٍ خالد بن عبيد الله القسري فأخذه وبعث به إلى الحجاج مع إسماعيل ابن أوسط البجلي فقال له الحجاج يا شقي بن كسير أما قدمت الكوفة وليس يؤم بها الأعرابي فجعلتك إماماً فقال بلى قال أما وليتك القضاء فضج أهل الكوفة وقالوا لا يصلح للقضاء إلا عربي فاستقضيت أبا بردة وكان ابن أبي موسى الأشعري وأمرته أن لا يقطع أمراً دونك قال بلى قال أما جعلتك من سماري وكلهم رؤوس العرب قال بلى قال أما أعطيتك مائة ألف درهم تفرقها على أهل الحاجة في أول ما رأيتك ثم لم أسألك عن شيء منها قال بلى قال فما أخرجك علي قال بيعة كانت في عنقي لابن الأشعث فغضب الحجاج ثم قال أما كانت بيعة أمير المؤمنين عبد الملك في عنقك من قبل والله لأقتلنك وقال أبو بكر الهذلي لما دخل سعيد بن جبير على الحجاج قام بين يديه فقال له أعوذ منك بما استعاذت به مريم بنت عمران حيث قالت أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا فقال له الحجاج ما اسمك قال سعيد بن جبير قال شقي بن كسير قال أمي أعلم باسمي قال شقيت وشقيت أمك قال الغيب يعلمه غيرك قال لأوردنك حياض الموت قال أصابت إذا أمي قال فما تقول في محمد نبي ختم الله تعالى به الرسل وصدق به الوحي وأنقذ به من الهلكة إمام هدى ونبي رحمة قال فما تقول في الخلفاء قال لست عليهم بوكيل إنما استحفظت أمر ديني قال فأيهم أحب إليك قال أحسنهم خلقاً وأرضاهم لخالقه وأشدهم فرقاً قال فما تقول في علي وعثمان أفي الجنة هما أو في النار قال لو دخلتهما فرأيت أهلهما إذاً لأخبرتك فما سؤالك عن أمر غيب عنك قال فما تقول في عبد الملك بن مروان وإن قال (1/109) ________________________________________ مالك تسألني عن امرئ أنت واحدة من ذنوبه قال 110 فمالك لم تضحك قط قال ل أر ما يضحك كيف يضحك من خلق من تراب وإلى التراب يعود قال فإني أضحك من اللهو قال ليست القلوب سواء قال فهل رأيت من اللهو شيئاً ودعى بالناي والعود فلما نفخ بالناي بكى قال ما يبكيك قال ذكرني يوم ينفخ في الصور فأما هذا العود فمن نبات الأرض وعسى أن يكون قد قطع من غير حقه وأما هذا المغاش والأوتار فإنها سيبعثها الله معك يوم القيامة قال إني قاتلك قال إن الله عز وجل قد وقت لي وقتاً أنا بالغه فإن يكن أجلي قد حضر فهو أمر قد فرغ منه ولا محيص ساعة وإن تكن العافية فالله تعالى أولى بها قال اذهبوا به فاقتلوه قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له استحفظكها يا حجاج حتى ألقاك يوم القيامة فلما تولوا بهليقتلوه ضحك قال له الحجاج ما أضحكك قال عجبت من جرأتك على الله وحلم الله جل وعلا عنك ثم استقبل القبلة فقال وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين قال افتلوه عن القبلة قال فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم قال اضربوا به الأرض به قال منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى قال اضربوا عنقه قال اللهم لا تحل دمي ولا تمهله من بعدي فلما قتله لم يزل دمه يجري حتى علا وفاض حتى دخل تحت سرير الحجاج فلما رأى ذلك هاله وأفزعه فبعث إلى صادوق المتطيب فسأله عن ذلك قال لأنك قتلته ولم يهله ففاض دمه ولم يجمد في جسده ولم يخلق الله عز وجل شيئاً أكثر دماً من الإنسان فلم يزل به ذلك الفزع حتى منع النوم وجعل يقول مالي ولك يا سعيد بن جبير وكان في جملة مرضه كلما نام رآه آخذاً بمجامع ثوبه يقول يا عدو الله فيم قتلتني فيستيقظ مذعوراً ويقول مالي ولابن جبير وقتل ابن جبير وله تسع وأربعون سنة وقبره بواسط يتبرك به وفيها توفي مطرف بن عبد الله بن الشخير العامري البصري الفقيه العابد المجاب الدعوة روى عن علي وعمار (1/110) ________________________________________ 111 وحميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري سمع من خاله عثمان وهو صغير وكان عالماً فاضلاً مشهوراً والإمام الجليل فقيه العراق بالاتفاق أبو عمران إبراهيم بن يزيد النخعي أخذ عن مسروق والأسود وعلقمة ورأى عائشة وهو صغير والنخع من مذحج وقد عده ابن قتيبة في المعارف من الشيعة وقال عنه وكان مزاجاً قيل له إن سعيد بن جبير يقول كذا قال قل له يسلك وادي الترك وقيل لسعيد إنه يقول كذا قال قل له يقعد في ماء بارد ومات وهو ابن ست وأربعين سنة وقال ابن عون كنت في جنازة إبراهيم فما كان فيها إلا سبعة أنفس وصلى عليه عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد وهو ابن خاله انتهى ملخصاً وفيها أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري سنة ست وسبعين فيها توفي عبد الله بن بسر المازني بحمص كذا ورخه عبد الصمد بن سعيد وقد مر وفيها قلع الله تعالى قرة بن شريك القيسي أمير مصر وكان عسوفاً ظالماً قيل كان إذا انصرف الصناع من بناء جامع مصر دخله فدعا بالخمر والملاهي ويقول لنا الليل ولهم النهار قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الوليد بالشام وقرة بمصر والحجاج بالعراق وعثمان بن حيان بالحجاز امتلأت الأرض والله جوراً وفيها في جمادى الآخرة توفي الخليفة أبو العباس الوليد بن عبد الملك بن مروان الخليفة وكان ذميماً سائل الأنف يتبختر في مشية وأدبه ناقص حتى قيل أنه قرأ في الخطبة يا ليتها كانت القاضية بضم تاء ليت ودخل عليه أعرابي فقال من ختنك قال المزين فقال إنما فقال إنما يريد أمير المؤمنين من ختنك قال نعم فلان لكنه كان مع جوه كثير التلاوة للقرآن يختم في ثلاث وفي رمضان سبع عشرة ختمة وطاب حاله في دنياه ورزق سعادة عظيمة مع جانب من الدين فبنى جامع دمشق (1/111) ________________________________________ 112 وافتتح الهند والترك والأندلس وتصدق كثيراً وروى أنه قال لولا ذكر الله آل لوط في القرآن ما ظننت أحد يفعله وفي أواخرها قتل قتيبة بن مسلم بخراسان وقد وليها عشرين سنة قال خليفة خلع سليمان بن عبد الملك فقتلوه وكان بطلاً شجاعاً هزم الكفار غير مرة وافتتح عدة مدن سنة سبع وتسعين فيها توفي سعيد بن مرجانة صاحب أبي هريرة رضي الله عنه وقاضي المدينة طلحة بن عبد الله بن عوف الزهري أحد الطلحات الموصوفين بالجود روى عن عثمان وغيره وفيها أو في سنة ثمان توفي قس بن أبي حازم الأحمسي البجلي الكوفي وقد جاوز المائة سمع أبا بكر وطائفة من البدريين وكان أحد علماء المدينة بالكوفة وفيها أوفى سنة ست محمود بن لبيد الأنصاري الأشهلي قال البخاري له صحبة وذكره مسلم وغيره في التابعين وله عدة أحاديث قال بعض المحدثين حكمها الإرسال وفيها حج بالناس خليفتهم سليمان بن عبد الملك بن مروان فتوفى معه بوادي القرى أبو عبد الرحمن موسى بن نصير الأعرج الأمير الذي افتتح الأندلس وأكثر المغرب ولم يهزم له جيش قط وكان من رجال العالم حزما ورأيا وهمة ونبلا وشجاعة وإقداما وكان والده نصير على جيوش معاوية وكان الوليد بن عبد الملك أرسل إلى عمه وعامله على مصر عبد الله بن مروان أن أرسل موسى ابن نصير إلى أفريقية ففعل فقدمه معه جماعة من الجند وخرج عليها خارجة من البربر فوجه إليهم ولده عبد الله فسبى منهم مالم يسمع بمثله بلغ الخمس ستين ألف رأس وفي بعضها مائة وستين ألفاً ووقع قحط شديد فخرج بالناس مستسقياً (1/112) ________________________________________ 113 بشروط الاستسقاء وخطب الناس فقال له قائل ألا تدعو لأمير المؤمنين الوليد فقال هذا مقام لا يذكر فيه غير الله فسقوا وانتهت فتوجه إلى السوس الأدنى ونزل بقية البربر بالطاعة وولى عليهم والياً وولى على طنجة وأعمالها مولا طارق ابن زياد البربري ومهد البلاد ولم يبق منازع من البربر ولا من الروم وترك خلقاً كثيراً من العرب يعلمون الناس القرآن وفرائض الإسلام ولما تقررت القواعد كتب إلى طارق بطنجة يأمره بغزو بلاد الأندلس فركب البحر من سبتة إلى الجزيرة الخضراء وصعد على جبل يعرف اليوم بجبل طارق ورأى النبي الأربعة رضي الله عنهم يبشرونه بالفتح وهم يمشون على الماء وأمره النبي بالوفاء بالعهد والرفق بالمسلمين فجاءه ملك طليطلة في سبعين ألفاً ومعه العجل تحمل الأموال والمتاع فأمر طارق جيش المسلمين بالثبات والصبر والصدق والعدو أمامهم وكان النصر للمسلمين وافتتحوا إلى ساحل البحر المحيط ولله الحمد سنة ثمان وسبعين فيها غزا المسلمون قسطنطينية وعليهم مسلمة بن عبد الملك وافتتح يزيد بن المهلب بن أبي صفرة جرجان وفيها توفي أبو عمرو الشيباي الكوفي واسمه سعد بن إبليس عن مائة وعشرين سنة وكان يقرئ الناس بمسجد الكوفة وروى عن علي وابن مسعود وفيها أبو هاشم عبد الله بن محمد الحنفية الهاشمي المدني وهو الذي أوصى إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وصرف الشيعة إليه ودفع إليه كتباً وأسر إليها أشياء وفيها أو في التي بعدها توفي أبو عبد الرحمن الأسود بن يزيد النخعي الكوفي الفقيه العابد أدرك عمر وسمع من عائشة (1/113) ________________________________________ 114 وفيها على الصحيح توفي عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي الضرير أحد الفقهاء السبعة ومؤدب عمر بن عبد العزيز قال ابن الجوزي في كتاب ذم الهوى قدمت امرأة من هذيل المدينة فخطبها الناس وكادت تذهب بعقول أكثرهم لفرط جمالها فقال فيها عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ( أحبك حباً لو علمت ببعضه * لجدت ولم يصعب عليك شديد ) ( أحبك حباً لا يحبك مثله * قريب ولا في العاشقين بعيد ) ( وحبيك يا أمر الصبي مدلهي * شهيدي أبو بكر فذاك شهيد ) ( ويعلم وجدى قاسم بن محمد * وعروة ما ألقى بكم وسعيد ) ( ويعلم ما عندي سليمان علمه * وخارجة يبدي بنا ويعيد ) ( متى تسألى عما أقول فتخبري * فلله عندي طارف وتليد ) فقال سعيد بن المسيب فقد أمنت أن تسألنا ولو سألتنا ما طمعت أن نشهد لك بزور وهؤلاء الذين استشهد بهم وهو معهم فقهاء المدينة السبعة أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام والقسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وعروة ابن الزبير وسيعد بن المسيب وسليمان بن يسار وخارجة بن زيد بن ثابت وعبيد الله ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود صاحب الترجمة وفيها كريب مولى ابن عباس وكان كثير العلم كنزاً له كبير السن والقدر قال موسى بن عقبة وضع كريب عندنا عدل بعير من كتب ابن عباس وفيها الفقيه الفاضلة عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية نشأت في حجر عائشة فأكثرت الرواية عنها وهي العدل الضبطة لما يؤخذ عنها سنة تسع وتسعين فيها على خلاف توفى أبو الأسود ظالم بن عمرو الدؤلي قال ابن قتيبة هو ظالم بن عمرو بن جندل سفيان بن كنانة وأمه من بني عبد الدار بن قصى وكان عاقلاً حازماً بخيلاً وهو أول من وضع العربية وكان شاعراً مجيداً وشهد صفين (1/114) ________________________________________ 115 مع على بن أبي طالب وولى البصرة لابن عباس وفلج بالبصرة ومات بها وقد أسن فولد عطاء وأبا حرب وكن عطاء ويحيى بن يعمر العدواني يعجبا العربية بعد أبى الأسود ولا عقب لعطاء وأما حرب بن أبي الأسود فكان عاقلاُ شاعراً وولاه الحجاج جوخى فلم يزل عليها حتى مات الحجاج وقد روى الحديث عن أبي حرب وهو القائل لولده لا تجاودوا الله فإنه أجود وأمجد منكم ولو شاء أن يوسع على الناس كلهم حتى لا يكون محتاج لفعل وسمع رجلاً يقول من يعشى الجائع فعشاه ثم ذهب السائل ليخرج فقال هيهات على أن لا تؤذي المسلمين الليلة ووضع رجله في الأدهم انتهى وقال ابن الأهدل هو ظالم بن عمرو الديلي ويقال الدؤلي نسبة إلى الديل من كنانة وفتح بعضهم في النسببة لئلا تتوالى الكسرات كما قالوا في النسببة إلى النمر نمري وهي قاعدة مطوقة وكان من خواص علي وشهد معه صفين وكان من كمل الرجال وهو أول من وضع النحو حكى ولده أبو حرب قال أول ما وضع والدي باب التعجب وقيل له من أين لك النحو قال تلقنت حدوده من على رضي الله عنه انتهى وباع داراً ل ه بالبصرة فقيل له بعت دار ك فقال بل بعت جاري وكان جار سوء ودخل على بعض الولاة وعليه جبة رثة فقال يا أبا الأسود أما تمل هذه الجبة فقال رب مملوك لا يستطاع فراقه فأمر له بمائة ثوب فقال ( كساني ولم أستكسه فحمدته * أخ لك يعطيك الجزيل وناصر 9 ( وإن أحق الناس إن كنت شاطراً * بشكرك من يعطيك والعرض وافر ) ومن شعره أيضاً ( وما طلب المعيشة بالتمنى * ولكن ألق دلوك في الدلاء ) ( تجىء بمثلها طوراً وطوراً * تجىء بحمأة وقليل ماء ) وكان موسراً مبجلاً وعوتب في البخل فقال لو أطعنا الفقراء في مالنا أصبحنا مثلهم وروى أنه عشى سائلاً لحوحاً وقيده فقيل له في ذلك فقال لئلا يؤذي المسلمين الليلة وقيل له عند الموت أبشر بالمغفرة فقال وأين الحياء مما كانت منه (1/115) ________________________________________ 116 المغفرة وتوفي عن خمس وثمانين سنة وفيها توفي محمود بن الربيع الأنصاري الخزرجي المدني الذي عقل مجة مجها رسول الله وجهه من بئر في دارهم وله أربع سنين وفيها توفي عبد الله بن محير بن الجمحي الكي نزيل بيت المقدس وكان عابد الشام في زمانه قال رجاءبن حيوة أن تفخر علينا أهل المدينة بعابدهم ابن عمر فإنا نفخر عليهم بعابدنا ابن محيريز وإن كنت لأعد بقاءه أماناً لأهل الأرض وفي عاشر صفر مات الخليفة أبو أيوب سليمان بن عبد الملك الأموي وله خمس وأربعون سنة وكانت خلافته أقل من ثلاث سنين وكان فصيخاً فهماً محباً للعدل والغزو ذا همة عالية جهز الجيوش لحصار القسطنطينية وقرب ابن عمه عمر بن عبد العزيز وجعله وزيره ومشيره وعهد إليه بالخلافة وكان أبيض مليح الوجه يضرب شعره منكبيه وله محاسن قيل له حكيم عندي لك أن تأكل ولا تشبع وتنكح ولا تفتر ويسود شعرك ولا يبيض فقال كلهن يرغب عنهن العاقل فمع الأكل كثرة دخول المراحيض وشم الروائح المنتنة وفي كثرة النكاح الشغل بالنساء وتسويد الشعر تسويد نور الله تعالى وقال في مروج الذهب لما أفضى الأمر إلى سليمان صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله ثم قال الحمد لله ما شاء صنع وما شاء أعطى وما شاء منع ومن شاء رفع ومنشاء وضع أيها الناس الدنيا دار غرور وباطل وزينة وتقلب بأهلها فتضحك باكيها وتبكي ضاحكها وتخيف آمنها وتؤمن خائفها وتثرى فقيرها وتفقر مثريها عباد الله اتخذوا كتاب الله إماماً وارضوا به حكماً واجعلوه لكم هادياً دليلاً فإنه ناسخ ما قبله ولا ينسخه ما بعده واعلموا عباد الله أنه ينفى عنكم كيد الشيطان ومطامعه كما يجلو ضوء الصبح إذا أسفر إدبار الليل إذا عسعس ثم نزل وأذن للناس عليه وأقر (1/116) ________________________________________ 117 عمال من كان قبله على أعمالهم وأقر خالد بن عبد الله على مكة وكان سليمان صاحب أكل كثير يجوز المقدار كان شعبة في كل يوم من الطعام مائة رطل بالعراق وكان ربما أتاه الطباخون بالسفافيد التي فيها الدجاج المشوية وعليه الجبة الوشى المثقلة لنهمه وحرصه على الطعام يدخل يده في كمه حتى يقبض على الدجاجة وهي حارة فيفصلها وحدث المنقرى عن العتبي عن إسحق بن إبراهيم بن الصباح بن مروان وكان مولى لبني أميه من أرض البلقاء من أعمال دمشق وكان حافظاً لأخبار بني أمية قال لبس سليمان يوماً في جمعة من ولايته لباساً تشهر به وتعطر ودعا بتخت فيه عمائم وبيده رآه فلم يزل يعتم بواحد بعد أخرى حتى رضي منها وإحدى فأرخى من سدولها وأخذ بيده مخصرة وعلا منبره ناظراً في عطفيه وجمع حشمه وخطبته التي أرادها التي يريد يخطب بها الناس فأعجبته نفسه فقال أنا المالك الكريم الحجاب الكريك الوهاب فتمثلت له جارية وكان يتحظاها فقال لها كيف ترين أمير المؤمنين قالت أراه مني النفس وقرة العين لولا ما قال الشاعر قال وما قال قالت قال ( أنت نعم المتاع لو كنت تبقى * غير أن لا بقاء للإنسان ) ( ليس أنا يريبنا منك شيء * علم اله غير أنك فإن ) فدمعت عيناه وخرج على الناس باكياً فلما فرغ من خطبته وصلاته دعا بالجارية فقال لها ما دعاك إلى ما قلت لأمير المؤمنين فقالت والله ما رأيت أمير المؤمنين اليوم ولا دخلت عليه فأكبر ذلك ودعا بقيمة جوارية فصدقتها في قولها فراغ ذلك سليمان ولم ينتفع بنفسه ولم يمكث بعد ذلك إلا مدة حتى توفي وكان يقول قد أكلنا الطيب ولبسنا اللين وركبنا الفاره ولم تبق لي لذة إلا صديق أطرح معه فيما يبني وبينه مؤونة التحفظ ووقف سليمان على قبر ولده أيوب وبه كان يكنى فقال اللهم أني أرجوك له وأخافك عليه فحقق رجائي وآمن خوفي وبالجملة فإنه كان من أحسن بني أمية حالا ولو لم يكن له إلا ما عمر في مسجد دمشق وعهده (1/117) ________________________________________ 118 بالخلافة لعمر بن عبد العزيز لفي فرحمة الله تعالى وتجاوز عنه سنة مائة وفيها توفى أبو أمامة أسعد بن سهل بن حنيف الأنصاري الدوسي المدني ولد في حياة رسول الله في الدنيا روى أنه ولد عام أحد وأدرك من النبي ثمان سنين وكان عاقلاً حاضر الجواب يفضل علياً وثني على الشيخين ويترحم على عثمان والعجب أن ابن قتيبة عده من غالية الشيعة وممن يؤمن بالرجعة وكان يقول الشعر ومن قوله ( أتدعونني شيخاً وقد عشت حقبة * وهن من الزواج نحوي فوارع ) ( وما شاب رأسى عن سني تتابعت * على ولكن شيبتني الوقائع ) وقوله ( وبقيت سهماً في الكنانة واحداً * سيرمي به أو يكسر السهم كاسره ) وفيها بسر نبي سعيد المدني الزاهد العابد المجاب الدعوة روى عن عثمان وزيد ابن ثابت وله ولاء لني الحضرمي وفيها وقي لقبلها أو بعدها سالم بن أبي الجعد الكوفي من مشاهير المحدثين وخارجة بن زيد ثابت الأنصاري المدني المفتي أحد الفقهاء السبعة تفقه على والده وفيها أبو عثمان الهندي بعد الرحمن بن مل بالبصرة وهو أحد المخضرمين أسلم في عهد النبي وأدى الزكاة إلى عماله ولم يره وحج في الجاهلية وعاش مائة وثلاثين سنة وصحب سلمان اثنتي عشرة سنة (1/118) ________________________________________ 119 وشهر بن حوشب الأشعري الشامي كان كثير الرواية حسن الحديث وقرأ القرآن على ابن عباس وكان عالماً كبيراً وفيها حنش بن عبد الله الصنعاني صنعاء دمشق كان مع على بالكوفة ثم ولى عشور افريقية روى عن جماعة ومسلم بن يسار البصري روى عن أبي عمرو وغيره وكان من عباد البصرة وفقهائها قال ابن عوف كان لا يفضل عليه أحد في زمانه وقال ابن سعد كان ثقة فاضلاً عابداً ورعاً وعيسى بن طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي أحد أشراف قريش وعقلائها وعلمائها روى عن أبيه وجماعة سنة إحدى ومائة في رجب منها توفي الخليفة العادل أمير المؤمنين وخامس الخلفاء الراشدين أبو حفص عمر بن العزيز بن مروان الأموي بدير سمعان من أرض المعرة وله أربعون سنة وخلافته سنتين وستة اشهر وأيام كخلافة الصديق وكان ابيض جميلاً نحيف الجسم حسن اللحية بجهته أثر حافر فرس شجه وهو صغير فلذا كان يقال أشج بني أمية يذكر أن في التوراة أشج بني أمية تقتله خشية الله حفظ القرآن في صغره وبعثه أبوه من مصر إلى المدينة فتفقه بها حتى بلغ مرتبة الإجتهاد جده لأمه عاصم بن عمر بن الخطاب وذلك أن عمر خرج طائفاً ذات ليلة فسمع امرأة تقول لبنية لها اخلطى الماء في اللبن فقالت البنية أما سمعت منادى عمر بالأمس ينهى عنه فقال أن عمر لا يدري عنك فقالت البنية والله ما كنت لا طيعة علانية وأعصيه سراً فأعجب عمر عقلها فزوجها ابنه عاصماً فهي جدة عمر بن عبد العزيز قال السيد الجليل رجاء بن حيوة استشار في سليمان بن عبد الملك فيمن يعهد إليه بالخلافة فأشرت بعمر فقال فكيف ببني عبد الملك فقلت اكتب العهد واختمه وبايع لمن فيه ففعل فلما مات كتمنا موته ثم قلت (1/119) ________________________________________ 120 بايعو لأمير المؤمنين ثانياً على السمع والطاعة لمن في الكتاب ففعلوا فقلت أعظم الله أجركم في أمير المؤمنين ثم أخرجت الكتاب فوجموا ولم يقولوا شيئاً ثم خرجو في جناز ركباناً وخرج عمر يمشي فلما رجعوا أرسل عمر إلى نسائه من أرادت منكن الدنيا فلتلحق بأهلها فإن عمر قد جاءه شغل شاغل فسمعت النوائح في بيته يومئذ وقال أيضاً قومت ثياب عمرو هو يخطب باثني عشر درهما وكانت حلته قبل ذلك بألف درهم لا يرضاها وقال أن لي نفساً ذواقة تواقه كلما ذاقت شيئاً تاقت غلى ما فوقه فلما ذاقت الخلافة ولم يكن شيء في الدنيا فوقها تاقت إلى ما عند الله في الآخرة وذلك لا ينال إلا بترك الدنيا ومن كلامه رضى الله عنه ينبغي في القاضي خمس خصال بما يتعلق به والحلم عند الخصومة والزهد عند الطمع والإحتمال للأئمة والمشاورة لذوي العلم وعاتب مسلمة بن عبد الملك أخته فاطمة زوجة عمر في ترك غسل ثيابه في مرض فقال أنه لا ثوب له غيره وكان مع عدله وفضله حليماً رقيق الطبع ومن ألطف ما حكى عنه ما ذكره في روج الذهب قال كان رجل من المدينة أتى العراق فيطلب جارية وصفت له قارئة قوالة فسال عنها فوجدها ند قاضي البلد فأتاه ثم سأله أن يعرضها عليه فقال يا عبد الله لقد أجدت الشقة فيطلب هذه الجارية فما رغبتك فيها ملا رأى من شدة إعجابه قال أنها تغني فتجيد فقال القاضي ما علمت بهذا فألح عليه في عرضها فعرضها بحضرة ملاها القاضي فقال لها الفتى هات فتغنت ( إلى خالد حتى أنخنا بخالد * فنعم الفتى يرجى ونعم المؤمل ) ففرح القاضي بجاريته وسربها وغشية من الطرب مر عظيم حتى أ قعدها على فخذه وقال هات بأبي أنت وأمي شيئاً فتغنت ( أروح إلى القصاص كل عشية * أرجى ثواب اله فيعدد الخطا ) فزاد الطرب على القاضي ولم يدر ما يصنع فأخذ نعله فعلقهما في أذنه وجثى على ركبتيه وجعل يأخذ بإحدى أذنيه والنعل معلق فيها ويقول اهدوني فإني بدنة (1/120) ________________________________________ 121 فلما أمسكت قال للفتى يا حبيبي انصرف فقد منا فيها راغبين قبل أن نعلم أنها تقول ونحن الآن فيا أرغب فانصرف الفتى وبلغ ذلك عمر بن عبد العزيز فقال قاتله الله لقد استرقه الطرب وأمر بصرفه عن عمله فلما صرف قال نساؤه طوالق لو سمعها عمر لقال اركبوني فأني مطية فبلغ ذلك عمر فأشخصه وأشخص الجارية فلما دخلا على عمر قال له أعد ما قلت قال نعم فأعاده ثم قال للجارية قولي فتغنت ( كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا * أنيس ولم يسمر بمكة سامر ) ( بلى نحن كما أهلها فأبادنا * صروف والليالي والجدود العواثر ) فما فرغت حتى اضطرب عمر اضطراباً بيناً وأقبل يستعيدها ثلاثاً وقد بلت دموعه لحيته ثم أقبل على القاضي فقال لقد قاربت في يمينك ارجع إلى عملك راشداً انتهى وبالجملة فمناقبه عديدية قد أفردت بالتصنيف ومما رثاه به جرير ( لو كنت أملك والأقدار غالبة * تأتي رواحاً وتبييتاًو تبتكر ) ( رددت عن عمر الخيرات مصرعه * بدير سمعان لكان يغلب القدر ) وفيها أوفى سنة مائة توفى ربعى بن حراش أحد علماء الكوفة وبعادها قيل أنه لم يكذب قط وشهد خطبة عمر بالحديبية وحلف ولا يضحك حتى يعلم أفي الجنة هو أم في النار وفيها مقسم مولى ابن بعاس ولم يكن مولاه بل مولى عبد الله بن الحرث ابن نوفل وأضيف إلى ابن عباس لملازمته إياه ومحمد بن مروان بن الحكم الأمير ولد الخليفة مروان وكان بطلاً شجاعاً شديد البأس له عدة مصافات مع الروم وكان متولى الجزيرة وغيرها وفيها وقيل في سنة خمس وتسعين الحسن بن محمد بن الحنفية الهاشمي العلوي (1/121) ________________________________________ 122 روى أنه صنف كتاباً في الأرجاء ثم ندم عليه وكان من عقلاء قومه وعلمائهم وفيها استعمل يزيد بن عبد الملك أخاه مسلمة على امرة العرقين وأمره بمحاربة يزيد بن المهلب وكن قد خرج عليهم فحاربه حتى قتل في السنة الآتية قال الذهبي في العبر وممن توفى بعد ا لمئة إبراهيم بن عبد الله بن حنين المدني له عن أبي هريرة وإبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس الهاشمي المدني له عن أبن عباس وميمونة وعبد الله بن شقيق البصري سمع من عمر والكبار والقطامي الشعر المشهور ومعاذ العدوية الفقيه العبادة بالبصرة وعراك بن ملك المدني ومورق العجلي وبشير بن يسار المدني الفقيه وأبو السوار العدوى البصري صاحب عمران بن حصين الفقيه وأبو السوار العدوي البصري صاحب عمران بن حصين وعبد الرحمن بن كعب بن مالك الأنصاري وابن أخيه عبد الرحمن بن عبد الله وحفصة بنت سيرين الفقيه العابدة وعائشة بنت طلحة التيمية التي أصدقها مصعب بن الزبير مائة ألف دينار وعبد الرحمن بن أبي بكرة أول من ولد بالبصرة ومعبد بن كعب بن مالك وذو الرمة الشعر المشهور انتهى قلت وذو الرمة أحد فحول الشعراء واسمه غيلان وأحد العشاق المشهور ين من العرب وصاحبته مية ابنة مقاتل بن طليب بن قيس بن عاصم المنقري التميمي الذي قال فيه رسول الله حين وفد عليه هذا سيد أهل الوبر وهو أول من وأد البنات غيرة وأنفة وسبب فتنة بها أنه لحظها وهي خارجة من خبائها فخرق ثيابه أو جلوه ثم دنا يستطعم حديثها فقال أني مسافر وقد تخرقت أرادني فاصلحيها لي فقالت والله إني خرقاء والخرقاء التي لا تحسن العمل لكرامتا على (1/122) ________________________________________ 123 أهلها فشبب بالخرقاء أيضاً وهي مية يروى أن ذا الرمة لم ير مية قط إلا في برقع فأحب أن ينظر إلى وجهها فقال ( جزى الله البراقع من ثياب * عن الفتيان شراً ما بقينا ) ( يوارين الملاح فلا نراها * ويخفين القباح فيزدهينا ) فنزعت البرقع عن وجهها فقال ( على وجه مي مسحة من ملاحة * وتحت الثياب العار لو كان بادياً ) فنزعت ثيابها وقامت عريانة فقال ( ألم تر أن الماء يخبث طعمه * وأن كان لون الماء ابيض صافياً ) ( فواضعيه الشعر الذي لج فانقضى * بمي ولم أملك ضلال فؤادياً ) فقالت أتحب أن تذوق طعمه فقال إي والله فقالت تذوق الموت قبل أن تذوقه ومن شعر السائر قوله ( إذا هبت الأرواح من نحو جانب * به أهل مي هاج قلبي هبوبها ) ( هوى تذرف العينان منه إنما * هوى كل نفس أين حل حبيبها ) وكان ذو الرمة يشبب بخرقاء أيضاً ومن قوله فيها ( تمام الحج أن تقف المطايا * على خرقاء واضعة اللثام ) قيل كانت وفاته سنة سبع عشرة ومائة ولما حضرته الوفاة قال أنا ابن نصف الهرم أنا ابن أربعين سنة أنشد ( يا قابض الروح من نفس إذا أحتضرت * وغافر الذنب زحزني عن النار ) إنما قيل له ذو الرمة بقوله في الوتد أشهث باقي رمة التقليد والرمة بضم الراء الحبل البالي وبكسرها الحبل البالي وممن توفي بعد المائة على ما قاله في العبر أبو الأشعث اصنعاني الشامي وزياد الأعجم الشاعر وسعيد بن أبي هند والد عبد الله وأبو سلام (1/123) ________________________________________ 124 ممطور الحبشي الأسود وأبو بكر بن أبي موسى الأشعري القاضي انتهى سنة اثنتين ومائة كان أمير البصرة يزيد بن المهلب المتقدم آنفاً فلما تولى عمر بن عبد العزيز عزل يزيد بن المهلب وسجنه فلما توفى عمر أخرجه خواصه من السجن فوثب على البصرة وهرب منه عاملها عدى بن أرطأة الفزارى ونصب يزيد رايات سود وتسمى بالقحطاني وقال ادعو إلى سيرة عمر بن الخطاب فوجه إليه يزيد بن عبد الملك أخاه مسلمة فحاربه به وقتله في صفر في المعركة وقيل بل حبسه الحجاج وعذبه وهو الذي جزم به الأسنوي في طبقات وكان يزيد بن المهلب كريماً ممدحاً وكان المهالبة ي دولة الأمويين كالبرامكة في دولة العباسيين في الكرم وكان كثير الغزو والفتوح وفيها يزيد بن أبي مسلم الثقفي مولاهم مولى الحجاج وكاتبه وخليقته على العراق بعد موته وأقره الوليد وقال الوليد فيحقه مثلى ومثل الحجاج ويزد كرجان ضاع له درهم فلقى دينارً فضل يزيد لعقله وبلاغته واستحضره سليمان بعد موت الوليد فرآه ذميماً كبير البطن فقال لعن الله من أشركك في أمانته فقال يا أمير المؤمنين رأيتني والأمور مدبرة عنى ولو رأيتني وهي مقبلة إلى لعظمتني فقال قاتله الله ما أسد قوله وأغضب لسانه ثم قال له سليمان أترى صاحبك يعني الحجاج يهوى في النار أم قد استقر في قعرها فقال عن يمين الوليد ويسار عبد الملك فاجعله حيث أحبت وروى يحشر بين أبيك وأخيك فقال سليمان باستكتابه فقال له عمر بن عبد العزيز لا تحي ذكر الحجاج فقال أني كشفت عنه فلم أجد له خيانة في دينار ولا في درهم فقال عمر إبليس لم يخن فيهما وهذا قد أهلك الخلق فتركه سليمان وفيها توفي الضحاك بن مزاحم الهلالي بخراسان وثقة الإمام أحمد وغيره (1/124) ________________________________________ 125 ذكر أنه كان فقيه مكتب عظيم فيه ثلاثة آلاف صبى وكان يركب حماراً ويدور عليهم إذا عيى سنة ثلاث ومائة فيها توفى عطاء بن يسار المدني الفقيه مولى ميمونة مولى المؤمنين ثقة إمام كان يقضى بالمدينة روى عن كبار الصحابة قاله الذهبي وقال ابن قتيبة كان عطاء قاضياً ويرى القدر ويكنى أبا محمد ومات سنة ثلاث ومائة وهو ابن أربع وثمانين سنة انتهى وفيها الإمام أبو الحجاج مجاهد بن جبر الإمام الحبر المكي عن نيف وثمانين سنة قال خثيف كان أعلمهم بالتفسير وقال مجاهد عرضت القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة وقال له ابن عمر وددت أن نافعاً يحفظ حفظك وقال سملة بن كهيل ما رأيت أحداً أراد بهذا العلم وجه الله تعالى إلا عطاء وطاووساً ومجاهداً وقال الأعمش كنت إذا رأيت مجاهداً تراه مغموماً فقيل له في ذلك فقال أخذ عبد الله يعنى ابن عباس بيدي ثم قال أخذ رسول الله بيدي وقال لي يا عبد الله كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ومات مجاهد بمكة وهو ساجد وفسر ابن فتيبة النيف بثلاث فقال مات وهو ابن ثلاث وثمانين سنة وفيها مصعب بن سعد بن أبي وقاص الزهري المدني كان فاضلاً كثر الحديث روى عن على والكبار وفيها موسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي بالكوفة روى عن عثمان ووالدة وقال أبو حاتم هو أفضل اخوته بعد محمد وكان يسمى المهدي وفيها مقرىء الكوفة يحيى بن وثاب الكفي مولى لبني كاهل من بني أسد بن خزيمة توفي بالكوفة أخذ عن ابن عباس وطائفة ويزد بن الأصم العامري ابن خالة ابن عباس نزل الرقة وروى عن خالته ميمونة وطائفة (1/125)

السنة 104هـ-130هـ

سنة أربع و مائة فيها وقعة بهرز أن دون الباب بفرسخين التقى المسلمون وعليهم الجراج الحكمي هم وابن خاقان فهزموهم بعد قتال عظيم وقتل خلق من الكار وفيها توفي خالد بن معدان الكلاعي الحمصي الفقيه العابد قيل كان يسبح كل يوم أربعين ألف تسبيحة سمعه صفوان يقول لقيت سبعين من الصحابة وقال يحيى بن سعيد ما رأيت ألزم للعلم منه وقال الثوري ما أقدم عليه أحداً وفيها وقيل في المائة عامر بن سعد بن أبي وقاص والزهري أحد الأخوة التسعة كان ثقة كثير الحديث فيها وقيل في سنة سبع أبو قلابة الجرمي عبد الله بن زيد البصري الإمام طلب للقضاء فهرب ونزل الشام فنزل بدارياً وكان رأساً في العلم والعمل سمع من سمرة وجماعة ومناظرته مع علماء عصره في القسامة بحضرة عمر بن عبد العزيز مشهورة في الصحيح وفيها وقيل في التي قبلها وقيل في سنة سمت أو سبع توفي أبو بردة عامر بن أبي موسى الأشعري قضى في الكوفة بعد شريح وله مكارم وما آثر مشهورة وولى القضاء في البصرة بعده ابنه بلال وكان ممدحاً وفيه يقول ذو الرمة ( رأيت الناس ينتجعون غيثاً * فقلت لصيدح انتجعى بلالاً ) يعني بصيدح ناقته وأبو موسى وبنوة كلهم ولى القضاء وفيها وقيل قبلها وقيل بعدها توفي فجاءة الإمام الحبر العلامة أبو عمرو عامر ابن شراحيل بن معبد الشعبي وهو من حمير و عدادة في همدان ونسب إلى جبل باليمن نزله حسان بن عمرو الحميري هو وولده ودفن فيه فمن كان منهم بالكوفى قيل لهم شعبيون ومن كان منهم بممصر والمغرب قيل لهم الأشعبون والأشعوب ومن كان منهم بالشام قيل لهم شعبانيون ومن كان منهم باليمن قيل لهم آل (1/126) ________________________________________ 127 ذي شعبين وكان نحيفاً ضئيلاً وقيل له مالنا نراك ضئيلاً قال إني زوحمت في الرحم وكان له ولد وأخ له في بطن واحد وقيل لأبي إسحاق أنت أكبر أم الشعبي فقال هو أكبر مني بسنتين حدثنا الرياشي عن الأصمعي أن أم الشعبي كانت من سبي جلولاء قال وهي قرية من ناحبة قارس وكان مولده لست سنين مضت من خلافة عثمان وكان كاتب عبد الله بن مطيع العدوي وكاتب عبد الله بن يزيد الخطمي عامر بن الزبير على الكوفة وكان مزاحاً حدثني أبو مرزوق عن جابر بن الصلت الطائي عن سعيد بن عثمان قال قال الشعبي لخياط مر به عندنا حب مكسور تخيطه فقال له نعم إن كان عندك خيط من ريح وحدثني بهذا الإسناد أن رجلاً دخل عليه ومعه في البيت امرأة فقال أيكما الشعبي فقال هذه قاله ابن عمر وهو يحدث بالمغازي فقال شهدتها وهو أعلم بها مني وعنه قال بعثني عبد الملك إلى ملك الروم فأقمت عنده أياماً فلما أردت الانصراف قال لي من بيت الملك أنت قلت بل رجل من العرب فدفع إلي رقعة وقال أدها إلى صاحبك فلما قرأها عبد الملك قال لي تدري ما فيها قلت لا قال فإن فيها عجبت من قوم فيهم مثل هذا لأنه لم يرك فقال عبد الملك بل حسدني عليك فأغراني بقتلك فبلغ ذلك ملك الروم فال ما أردت إلا ذاك وقال له أبو بكر الهذلي تحب الشعر فقال إنما يحبه فحول الرجال ويكرهه مؤنثوهم وقال ما أودعت قلبي شيئاً فخانني قط وقال إنما الفقيه من تورع عن محارم الله والعالم من خاف الله تعالى وقال اتقوا القاصر من العلماء والجاهل من المتعبدين وقال أدركت خمسمائة من الصحابة أو أكثر ودخل الشعبي مع زياد على هند بنت النعمان في ديرها فإذا هي وأختها جالستان عليهما ثياب سود قال الشعبي فما أنسى جمالها وقد كان كلمها للمغيرة بن شعبة في الزواج فقالت أردت أن يقال تزوج هند بنت النعمان بن المنذر أن ذلك غير كائن فقال لها زياد حدثيني عن ملككم وما كنتم فيه (1/127) ________________________________________ 128 قالت أجمل أم أفنن قال أجملي قالت أصبحنا وكل من رأيت عبد لنا وأمسينا وعدونا ممن يرحمنا قال المديني ابن عباس في زمانه وسفيان الثوري في زمانه وقال الشعبي ما كابت سوداء في بيضاء إلا حفظتها سنة خمس ومائة فيها التقى في رمضان منها الجراح الحكمي وخاقان ملك الترك ودام الحرب أياماً ثم نصر الله دينه وهزم الترك شر هزيمة وكان المصاف بناحية أرمينية وفيها توفي في شعبان منها الخلبفة يزيد بن عبد الملك بن مروان وجده لأمه يزيد بن معاوية عاش أربعاً وثلاثين سنة وولي أربع سنين وشهراً وكان أبيض جسيماً متلفاً المال أعطى حلاقا حلق له رأسه أربعة آلاف درهم ووقع مثل ذلك ليزيد بن المهلب أو لعله اشتبه على بعض المؤرخين اسمهما قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم لما استخلف قال سيروا سيرة عمر بن عبد العزيز فأتوه بأربعين شيخاً شهدوا له أن الخلفاء لا حساب عليهم ولا عذاب فأقبل على الظلم واتلاف المال والشرب والانهماك على سماع الغناء والخلوة بالقيان وكان ممن استولى على عقله جارية يقال لها حبابة وكانت تغنيه فلما كثر ذلك منه عزله أخوه مسلمة وقال له إنما مات عمر امس وكان من عدله ما قد علمت فينبغي أن تظهر للناس العدل وترفض هذا اللهو فقد افتدى بأعمالك في سائر أفعالك وسيرتك فارتدع عما كان عليه وأظهر الإقلاع والندم وأقام على ذلك مدة مديدة فغلظ ذلك على حبابة بعثت إلى الأحوص الشاعر ومعبد المغني وقالت انظرا ما أنتما صانعان فقال الأحوص في أبيات له ( ألا لا تلمه اليوم أن يتبلدا * فقد غلب المحزون أن يتجلدا ) ( إذا كنت ممنوعاً عن اللهو والصبا * فكن حجراً آمن يابس الصخر جلمدا ) (1/128) ________________________________________ 129 ( فما العيش إلا ما تلذ وتشتهي * وإن لام فيه ذو الشتان وفندا ) وغناه معبد فأخذته حبابة عنه فلما دخل عليها يزيد قالت يا أمير المؤمنين صوتاً واحداً وافعل ما بدا لك وغنته فلما فرغت منه جعل يردد قولها ( فما العيش إلا ما تلذ وتشتهي * وإن لام فيه ذو الشنان وفندا ) وعاد بعد ذلك إلى لهوه وقصفه ورفض ما كان عزم عليه وعن إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال حدثني ابن سلام قال ذكر يزيد قول الشاعر ( صفحنا عن بني ذهل * وقلنا القوم اخوان ) ( عسى الأيام أن يرجعن * قوماً كالذي كانوا ) ( فلما صرح الشر * فأضحى وهو عريان ) ( مشينا مشية الليث * غدا والليث غضبان ) ( بضرب فيه توهين * وتخضيع واقران ) ( وطعن كفم الزق * وهي والزق ملآن ) ( وفي الشر نجاة حي * ن لا ينجيك إحسان ) وهو شعر قديم يقال أنه للفند الزماني في حرب البسوس فقال لحبابة غنيني به بحياتي فقال يا أمير المؤمنين هذا شعر لا أعرف أحداً يغني به إلا الأحول المكي فقال نعم قد كنت سمعت ابن عائشة يعمل فيه ويترك قالت إنما أخذه عن فلان بن أبي لهب وكان حسن الأداء فوجه يزيد إلى صاحب مكة إذا اتاك كتابي هذا فادفع إلى فلان ابن أبي لهب ألف دينار لنفقة طريقه على ما شاء من دواب البريد ففعل فلما قدم عليه قال غنى بشعر الفند الزماني فغناه فأجادوا أحسن وأطرب فقال أعده فأعاده فأجاد وأطرب يزيد فقال له عمن أخذت هذا الغناء قال أخذته عن أبي وأخذه أبي عن أبيه قال لو لم ترث إلا هذا الصوت لكان أبو لهب رضي الله عنه ورثكم خيراً كثيراً فقال يا أمير المؤمنين إن أبا لهب مات كافرا (1/129) ________________________________________ 130 مؤذياً لرسول الله قد أعلم ما تقول ولكني داخلني عليه رقة إذ كان يجيد الغناء ووصله وكساه ورده إلى بلده مكرماً وبالجملة فأخباره من هذا القبيل كثيرة فلنحبس عنان القلم عن ذلك سامحه الله تعالى وفيها أوفي التي قبلها أو عدها مات عكرمة مولى ابن عباس أحد فقهاء مكة من التابعين الأعلام أصله من البربر وهب لابن عباس فاجتهد في تعليمه ورحل إلى مصر وخراسان واليمن وأصبهان والمغرب وغيرها وكانت الأمراء تكرمه وأذن له مولاه بالفتوى وقيل لسعيد بم جبير هل تلم أحداً أعلم منك فقال عكرمة ولما مات مولاه باعه ابنه علي من خالد بن يزيد بن معاوية باربعة آلاف دينار فقال له عكرمة بعت علم أبيك بأربعة آلاف درهم فاستقال فأقاله ثم أعتقه ثيل مات هو وكثير عزة في يوم واحد وصلى عليهما جميعاً فقيل مات أفقه الناس وأشعر الناس قال ابن قتيبة كان عكرمة يكنى أبا عبد الله وروى جرير عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث قال دخلت على علي بن عبد الله بن عباس وعكرمة موثوق على باب كنيف فقلت أتفعلون هذا بمولاكم فقال إن هذا يكذب على أبي ابن الخلال سمعت يزيد بن هارون يقول قدم عكرمة البصرة فأتاه أيوب وسليمان التيمي ويونس فبينما هو يحدثهم إذ سمع صوت غناء فقال عكرمة اسكتوا فسمع ثم قال قاتله الله لقد أجاد أو قال ما أجود ما غنى فأما سليمان ويونس فلم يعودا إليه وعاد أيوب قال يزيد وقد أحسن أيوب ثم قال ابن قتيبة وكمان عكرمة يرى رأي الخوارج وطلبه بعض الولاة فتغيب عند داود بن الحصين حتى مات عنده ومات سنة خمس ومائة وقد بلغ ثمانين سنة انتهى وقال ابن ناصر الدين احتج أحمد ويحي والبخاري والجمهور بما روى وأعرض عنه مالك لمذهبه وما كان يرى قال طاووس لو ترك من حديثه واتقى الله لشدت إليه الرحال انتهى وفيها على الأصح أبو رجاء العطاردي بالبصرة عن مائة وعشرين سنة وكان أسلم في حياة النبي عن عمر وطائفة قال بن قتيبة اسمه عمران بن تميم (1/130) ________________________________________ 131 ويقال عطارد بن برد ولد قبل الهجرة بإحدى عشرة سنة وهو من ولد عطارد بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة تميم ويقال أنه مولى لهم وقال أبو رجاء لما بلغني أن النبي في القتل هربنا فأصبنا شلو أرنب دفيناً فاستثرناه وقعدنا عليه وألقينا فوقه من بقول الأرض فلا أنسى تلك الأكلة حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال حدثنا زين العطاردي قال أتت أبا رجاء لمرأة في جوف الليل فقالت يا أبا رجاء إن لطارق الليل حقان بني فلان خرجوا إلى سفوان وتركوا شيئاً من متاعهم فانتقل وأخذ الكتب فأواها وصلى بنا الفجر وهي مسيرة ليلة للإبل انتهى وعده ابن ناصر الدين وغير من المخضرمين وقال عاش مائة وعشرين سنة وفيها الأخوين عبيد الله وعبد الله ابنا عبد الله بن عمر بن الخطاب وكان عبد الله وصى ابيه وروايتهما قليلة والمسيب بن رافع الكوفي سمع البراء وجماعة وسليمان بن بريدة بن الحصيب الأسلمي روى عن أبيه قال ابن سعد كان به صمم ووضح كثير وأصابه الفالج قبل موته بسنة قال ابن قتيبة أبان بن عثمان شهد الجمل مع عائشة وكان الثاني من المنهزمين وكانت أمه بنت جنيدب ابن عمرو ابن حممة الدوسي وكانت حمقاء تجعل الخنفساء في فمها وتقول حاجيتك ما في فمي وهي أم عمرو بن عثمان أيضاً وكان أبان أبرص أحول يلقب بقنعة وكانت عنده كلثوم بنت عبد الله بن جعفر عليها بعد الحجاج وعقبة كثير منهم عبد الرحمن بن أبان كان مجتهداً يحمل عنه الحديث انتهى وفيها توفي أبو صخر كثير بن عبد الرحمن صاحب عزة وإنما صغر لشدة (1/131) ________________________________________ 132 قصره وكان يحمق وهو من غلاة الشيعة الموقنين بالرجعة وكان بمصر وعزة بالمدينة فسافر ليجتمع بها فلقيها في الطريق متوجه إلى مصر وجرى بينهما كلام طويل ثم تمت في سفرها إلى مصر وتأخر كثير بعدها مدة ثم عاد إلى مصر فجاء والناس منصرفون من جنازتها وروى أن عزة دخلت على أم البنين ابنة عبد العزيز أخت عمر بن عبد العزيز وزوجة الوليد بن عبد الملك فقالت لها رأيت قولاً كثيراً ( قضى كل ذي دين فوفى غريمه * وعزة ممطول معنى غريمها ) ما هذا فقالت وعدته قبلة فتحرجت منها فقالت أم البنين أنجزيها وعلى إثمها فقيل إن أم البنين أعتقت عن ذلك رقاباً ويقال أنه لما سمحت له بالقبلة قبلها في فمها وقذف من فمه إلى فمها بلؤلؤة ثمينة وكان لكثير غلام عطار بالمدينة فباع من عزة نسوة معها نسيئة ثم علم أنها عزة فأبرأها فعلم كثير فأعتقه ووهبه العطر الذي عنده وحكى أن عبد الملك حين أراد الخروج لقتال مصعب بن الزبير عرضت زوجته عاتكة بنت يزيد بن معاوية فلم يقبل منها فبكت وبكى حشمها فقال عبد الملك قاتل الله كثيراً كأنه رأى موقفنا هذا بقوله ( إذا ما أراد الغزو لم يثن عزمه * حصان عليها نظم در يزينها ) ( نهته فلما لم ير النهي عاقه * بكت فبكى مما شجاها قطينها ) والقطين الخدم وذكر أن كثيراً كان يهوى كل حسن إما لشبهه بعزة أو استقلالاً ولهذا يقال فلان كثيري المحبة أي يحب مل من يعرض له لا يتقيد بمحبوب معين بخلاف العامري ذكر أن عزة تبدلت في غير زيها وتعرضت لكثير فراودها غير عالم بها فقالت اذهب إلى محبوبتك عزة فقال ومن عزة حتى تقاس بك فسفرت عن وجهها وشتمته فأطرق حياء ولمك يذكرها إلى سنة ثم بعد السنة أنشد تائيته الطنانة التي سارت بها الركيان التي مطلعها ( هنيئاً مريئاً غير داء مخامر * لعزة من أعراضنا ما استحلت ) (1/132) ________________________________________ 133 سنة ست وماية فيها استعمل هشام بن عبد الملك على العراق خالد بن عبد الله القسري فدخلها وقبض على واليها عمرو بن هبيرة القزاري فنقب له غلمانه السجن وهرب إلى الشام فاستجار بمسلمة بن عبد الملك ثم مات على القريب وقيها غزا المسلمون فرغانة والتقوا الترك فقتل في الوقعة ابن خاقان وانهزموا ولله الحمد وفيها غزا الجراح الحكمي وأوغل في بلاد الخزر فصالحوه وأعطوه الجزية وحج بالناس خليفتهم هشام وفيها توفي سالم بن عبد الله العدوي المدني الفقيه الزاهد العابد القدوة وكان شديد الأزمة خشن العيش يلبس الصوف ويخدم نفسه وقال ملك لم يكن أحد في زمانه أشبه بمن مضى من الصالحين منه قال أحمد وإسحاق أصح الأسانيد الزهري عن سالم عن أبيه وقيل ملك عن نافع ابن عمر والشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر وهي سلسلة الذهب دخل سليمان بن عبد الملك الكعبة فرأى سالماً واقفاً فقال له سلني حوائجك فال لا والله لا سألت في بيت الله غير الله وكان أبوه بقبله ويقول ألا تعجبون من شيخ يقبل شيخاً وقال ( يلومنني في سالم وألومهم * وجلدة بين العين والأنف سالم ) وفيها الإمام طاووس بن كيسان اليماني الجندي الخولاني أحد الأعلام علماً وعملاً أخذ عن عائشة وطائفة قال عمرو بن دينار ما رايت أحدً قط مثل طاووس ولما ولي عمر بن عبد العزيز كتب إليه طاووس إن أردت أن يكون عملك كله خيراً فاستعمل أهل الخير فقال عمر كفى بها موعظة توفي حاجاً بمكة قبل يوم التروية بيوم وصلى عليه هشام بن عبد الملك وأراد الخروج عليه فلم يقدر لكثرة الناس ووضع عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب السرير على كاهله وسقطت قلنسوته ومزق رداؤه من خلفه للزحام قيل أنه ولي صنعاء (1/133) ________________________________________ 134 والجند ووليه بعده ابنه عبد الله قيل سئل طاووس عن مسألة فقال أخاف إن تكلمت وأخاف إن أسكت وأخاف أن آخذ بين الكلام والسكوت وكان أعلم التابعين بالحلال والحرام وفيها أبو مجلز لاحق بن حميد البصري أحد علماء البصرة لحق كبار الصحابة كأبي موسى وابن عباس وكان ينزل خراسان وعقبه بها وكان عمر بن عبد العزيز ليسأله عنها وقال قرة بن خالد كان عاملاً على بيت المال وعلى ضرب السكة قال هشام بن حسان كان قليل الكلام فإذا تكلم كان من الرجال وفيها مات عبد الملك قاضي الكوفي بعد الشعبي رأى علياً وروى عن جابر وعنه قال كنت عند عبد الملك بقصر الكوفة فجيء برأس مصع بن الزبير فارتعت لذلك فقال مالك فقلت أعيذك بالله يا أمير المؤمنين كنت بهذا القصر مع عبيد الله بن زياد فرأيت رأس الحسين بن علي بن أبي طالب بين يديه ثم رأس عبيد الله بين يدي المختار في هذا المكان ثم رأيت رأس المختار بين يدي مصعب في هذا المكان ثم هذا رأس مصعب فأمر عبد الملك بهدم ذلك الطاق سنة سبع وماية فيها عزل هشام الجراح بن عبد الله الحكمي عن أذربيجان وأرمينية وولي أخاه مسلمة فغزا وافتتح في رمضان قيسارية عنوة وفيها توفي سليمان بن يسار أخو عطاء وهم عدة أخوة وكان يكنى أبا أيوب مات عن ثلاث وسبعين سنة وكان أحد فقهاء المدينة السبعة أخذ عن عائشة وطائفة قال الحسن بن محمد بن الحنفية سليمان بن يسار عندنا أفهم من سعيد بن المسيب وكان ابن المسيب يقول اذهبوا إليه فإنه أعلم من بقي اليوم (1/134) ________________________________________ 135 وفيها عطاء بن يزيد الليثي يكنى أبا محمد وهو من كنانة أنفسهم وهو صاحب تميم الداري روى عنه الزهري وتوفي وهو ابن اثنتين وثمانين سنة وفيها وقيل في سنة ثمان أو إحدى أو اثنتين وماية مات أيضاً أحد الفقهاء السبعة القسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني نشأ في حجر عمته عائشة فأكثر عنها قال يحي بن سعيد ما أدركنا أحداً نفضله بالمدينة على القسم بن محمد وعن أبي الزناد قال ما رأيت فقيهاً أعلم منه وقال ابن عيينة كان القسم أفضل أهل زمانه وعن عمر بن عبد العزيز قال لو كان أمر الخلاة إلى لما عدلت عن القسم أي وذلك لان سليمان بن عبد الملك عهد إلى عمر بالخلافة وليزيد من بعده وجاءه رجل فقال أنت أعلم أم سالم فقال ذاك مبارك سالم قال ابن إسحاق كره أن يقول هو أعلم فيكذب وأن يقول أنا أعلم فيزكى نفسه سنة ثمان ومائة فيها غزا أسد بن عبد الله القسري أمير خراسان فالتقاه الغور في جمع عظيم فهزمهم وفيها زحف ابن خاقان إلى أذربيجان وحاصر مدينة موقان ونصب عليها المجانيق فساق إليه المسلمون فهزموه وقتلوا من جيشه خلقاً ولكن استشهد ابن شعبة وجماعة وقيل سنة ست وفيها قيل سنة تسع أبو نضرة العبدي واسمه المنذر بن مالك أحد شيوخ البصرة أدرك علياً وطلحة والكبار وفيها يزيد بن عبد الله بن الشخير البصري أخو مطرف جليل القدر ثقة (1/135) ________________________________________ 136 مشهور لقي عمران بن حصين وجماعة وعاش نحوا من تسعين سنة وقيل بقي إلى سنة إحدى عشرة وكان موصوفاً بالعلم والصلاح والورع وفيها وقيل في سنة سبع عشرة محمد بن كعب القرظي الكوفي المولد والمنشأ ثم المدني روى عن كبار الصحابة وبعضهم يقول ولد في حياة النبي كبير القدر ثقة موصوفاً بالعلم والصلاح والورع قاله الذهبي سنة تسع ومائة فيها غزا معاوية ابن الخليفة هشام فافتتح حصن القطاسين وفيها توفي أبو نجيح يسار المكي مولى ثقيف ووالد عبد الله بن أبي نجيح روى عن أبي سعيد وجماعة وقال أحمد بن حنبل كان من خيار عباد الله وأبو حرب بن أبي الأسود الدؤلي البصري روى عن عبد الله بن عمر وجماعة سنة عشر ومائة فيها افتتح معاوية ولد هشام قلعتين من أرض الروم وفيها كانت وقعة الطين التقى مسلمة وطاغية الخزر بقرب باب الأبواب فاقتتلوا أياماً كثيرة ثم كان النصر ولله الحمد والمنة وذلك في جمادى الآخرة وفيها كانت وقعة بالمغرب أسر فيها بطريق المشركين وفيها توفي إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد اله التيمي وكان يسمى أسد قريش روى عن عائشة وجماعة وولي خراج الكوفة لابن الزبير والحسن بن أبي حسن البصري أبو سعيد إمام أهل البصرة وخير أهل زمانه ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر وسمع خطبة عثمان وشهد يوم الدار أبوه مولى زيد ابن ثابت وأمه مولاة أم سلمة وكان ربما أعطته أم سلمة ثديها في صغره تعلله به حتى تجيء أمه فيدر عليه فيروون أن علمه وفصاحته وورعه من بركة ذلك وكان جميلاً فصيحاً قال أبو عمرو بن العلاء ما رأيت أفصح من الحسن والحجاج قيل ولا أشعر من رؤبة والعجاج وقال ابن سعد في طبقاته كان جامعاً عالماً رفيعاً (1/136) ________________________________________ 137 فقيهاً حجة مأموناً عابداً ناسكاً كثير العلم فصيحاً جميلاً وسيماً انتهى ولما ولى ابن هبيرة العراق وخرسان نيابة عن يزيد بن عبد الملك استدعى الحسن وابن سيرين والشعبي وذلك في سنة ثلاث ومائة فقال لهم إن الخليفة كتب إلى بأمر فأقلده ما تقلد من ذلك الأمر فقال ابن سيرين والشعبي قلاً فيه بعض تقية فقال ما تقول يا حسن قال يا ابن هبيرة خف الله في يزيد ولا تخف يزيداً في اله فإن الله يمنعك من يزيد ولا يمنعك يزيد من الله ويوشك أن يبعث إليك ملكاً فيزيلك عن سريرك ويخرجك ن سعة قصرك إلى ضيق قبرك ثم لا ينجيك إل اعملك يا ابن هبيرة إياك أن تعصي الله فإنما جعل الله هذا السلطان ناصراً لدين الله تعالى وعباده ف لا تتركن دين الله وعباده لهذا السلطان فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فأضعف جائزة الحسن عليهما فقالا له قشقشنا فقشقش لنا والقشقشة الردىء من العطية وكتب إليه عمر بن عبد العزيز يقول له أني قد ابتليت بهذا الأمر فانظروا إلى أعوناً يعينوني عليه فكتب إليه الحسن أما أبناء الدنيا فلا تريدهم وأما أبناء الآخرة فلا يريدونه فاستعن بالله والسلام وله مع الحجاج وقعات هائلة وأما أبناء الآخرة فلا يريدونه فاستعن بالله والسلام وله مع ا لحجاج وقعات هائلة وسلمه اله من شره وربما حضر مجلسه فلم يقم بل يوسع له ويجلس إلى جنبه ولا يغير كلامه الذي هو فيه وقال أبو بكر الهذلي قال لي السفاح بأي شيء بلغ حسنكم ما بلغ فقلت جمع القرآن وهو ابن اثنتي عشرة سنة ثم لم يخرج من سورة إلى غيرها حتى يعرف تأويلها وفيما أنزلت ولم يقلب درهماً في تجارة ولا ولى سلطانا ًولا أمر بشيء حتى فعله ولا نهى عن شيء حتى وجعه فقال بهذا بلغ الشيخ ما بلغ وكان جل كلامه حكم ومواعظ بقوى عبارة وفصاحة وقال ابن قتيبة في المعارف وكان الحسن من أجمل أهل البصرة حتى سقط عن دابته فحدث بأنفه ما حدث وحدثني عبد الرحمن عن الأصمعي عن أبيه قال ما رأيت أحداً أعرض (1/137) ________________________________________ زنداً من الحسن كان عرضه شبراً وكان تكلم في شيء من القدر ثم رجع عنه وكان عطاء بن يسار قاضياً ويرى القدر 138 وكأن لسانه سحر وكان يأتي الحسن هو ومعبد الجهني فيسألانه ويقولان يا أبا سعيد إن هؤلاء الملوك يسفكون ماء المسلمين ويأخذون أموالهم ويقولون إنما تجري أعمالنا على قدر الله تعالى فقال كذب أعداء الله فتعلق عليه بمثل هذا وأشباهه وكان شبه برؤبة بن العجاج في فصاحة لهجته وعربيته ولم يشهد ابن سيرين جنازته لشيء كان بينهما وكان الحسن كاتب الربيع بن زياد الحارث بخراسان وقيل ليونس بن عبيد أتعرف أحداً يعمل بعمل الحسن فقال والله ما أعرف أحداً يقول بقوله فكيف يعمل بعمله ثم وصفه عنقه وإذ أقبل فكأنه أقبل من دفن حميمه وإذا جلس فكأنه أسير أمر بضرب عنقه وإذا ذكرت النار فكأنها لم تخلق إلا له انتهى ملخصاً وقال رجل قبل موته لابن سيرين رأيت طائراً أخذ حصاة من المسجد فقال أن صدقت رؤياك لابن سيرين رأيت طائراً أخذ حصاة من المسجد فقال إن صدقت صلاة العصر في الجامع ولم يكن ذلك منذ قام الإسلام رحمه الله تعالى ورضى عنه وفي شوال يوم الجمعة منها توفي شيخ البصرة إمام المعبرين محمد بن سيرين أبو بكر بعد موت الحسن بمائة يوم قالوا كان سيرين أبو محمد عبداً لأنس ابن مالك فكاتبه على شعرين ألفاً وأدى المكاتبة وكان من سبى بيسان وكان المغيرة افتتحها ويقال من سبى عين التمر وكانت امه صفية مولاة لأبي بكر الصديق طيبها ثلاث من أزواج النبي ودعون لها وحضر ملاكها ثمانية عشر بدرياً فيهم أبى بن كعب يدعو وهم يؤمنون وكان سيرين يكنى أبا عمرة وولد له ثلاث وعشرون ولداً من أمهات أولاد شتى وكان محمد بزازا وحبس بدين عليه وكان أصم وولد له ثلاثون ولداً من امرأة واجدة كان تزوجها عربية ول يبق منهم غير عبد الله بن محمد وولد محمد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان قال ذلك أنس بن سيرين قال وولدت أن السنة بقيت من خلافته ومات محمد عن سبع وسبعين سنة (1/138) ________________________________________ وقضى عنه ابنه عبد الله 139 ثلاثين ألفاً درهم وكان محمد بن سيرين كاتب أنس بن مالك بفارس قال الأصمعي كان الحسن سيداً سمحاً وإذا حدثك الأصم يعني ابن سيرين فاشدد يديك به وقتادة حاطب ليل وكان ابن سيرين إذا دخل منزلاً لم ير أحداً إلا ذكر اسم الله لصلاحه وكان يقول ما أهون الورع فقيل وكيف هو هين فقال إذا رابك شيء فدعه وقال رأيت يوسف النبي على نبينا وعليه الصلاة والسلام في النوم فقلت له على تعبير الرؤيا قال افتح فاك ففتحه فتفل فيه فأصبحت فإذا أنا أعبر الرؤيا قاله ابن قتيبة وكان ابن سيرين غاية في العلم نهاية في العبادة روى عن كثير من الصحابة وروى عنه الجم الغفير من التابعين وأريد على القضاء فهرب إلى الشام ثم أتى المدينة قال ابن عون لم أر مثله وقال هشام بن حسان حدثني أصدق من رأيت من البشر محمد بن سيرين وقال ابن عون لم أر مثل ابن سيرين وله في التعبير عجائب قال له رجل رأيت على ساق رجل شعرا كثيرا فقال بركبه دين ويموت في السجن فقال الرجل أنت هو فاسترجع ومات في السجن وعليه أربعون ألف درهم قضاها عنه ولده أو بعض اخوانه وقوم ماله بستمائة ألف درهم وقالت له امرأة رأيت كان القمر دخل في الثريا فنادى مناد من خلقي قضى على ابن سيرين فاصفر لونه وقام وهو آخذ ببطنه فقالت له عمته مالك قال زعمت هذه المرأة أني أموت إلى سبعة أيام فدفن في اليوم السابع وقال له رجل رأيت طائراً سمنا ما أعرفه تدلى من السماء فوقع على شجرة وجعل يلتقط الزهر ثم طار فتغير وجه ابن سيرين وقال هذا موت العلماء وفيها توفيت فاطمة بنت الحسين الشهيد رضي الله عنه التي أصدقها الديباج عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان ألف ألف درهم وتزوج أختها سكينة مصعب بن الزبير هي وعائشة بنت طلحة (1/139) ________________________________________ 140 وفيها مات مسلم البطين صاحب سعيد بن جبير بالكوفة وسليم بن عامر الكلاعي الحمصي قال الذهبي في العبر وقد أدرك النبي عن أبي الدرداء ونحوه انتهى وفيها عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أخو الفقيه عبيد الله إمام زاهد فأنت واعظ كثير العلم لقي ابن عباس والكبار وفيها توفي الشاعر أن المشهوران شاعرا العصر جرير والفرزدق قال ابن خلكان أجمعوا على أنه ليس في شعراء الإسلام مثلهما والأخطل وكان بينهما مهاجاة وتفاخر وفضل جرير بيوته الأربعة الفخر والمدح والهجاء ولتشبيب فالفخر في قومه ( إذا غضبت عليكبنو تميم * حسبت الناس كلهم غضابا ) والمدح قوله ( ألستم خير من ركب المطايا * وأندى العالمين بطون راح ) والهجاء قوله ( فغض الطرف إنك من نمير * فلا كعباً بلغت ولا كلابا ) والتشبيب قوله ( يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به * وهن أضعف خلق الله أركانا ) وقال اليافعي وقد رجح كثير من المتأخرين أو أكثرهم ثلاثة متأخرين أبا تمام والبحتري والمتنبي واختلفوا في ترجيح أيهم ورجح الفقيه حسين المؤرخ قول شرف الدين بن خلكان وذلك لأن الأولين سبقوا إلى ابتكار المعاني الجزيلة بالألفاظ البليغة وأحسن حالات المتأخرين أن يفهموا أغراضهم وينسجوا على منوالهم وتبقى له فضيلة السبق ويقال لجرير ابن الخطفاء ولعلها (1/140) ________________________________________ 141 أمه وأما أبوه فعطية وهو تميمي ومن أحسن قوله قصيدته في عبد الملك التي أولها ( أتصحو أم فؤادك غير صاح * عشية هم صحبك بالرواح ) يقال أنه لما أنشد عبد الملك هذا المطلع قال له بل فؤادك يا ابن الفاعلة وعده بعضهم من الورطات في حسن الابتداء ومن القصيدة المذكورة ( سأشكر إن رددت علي ريشي * وأنبت القوادم من جناحي ) ( ألستم خير من ركب المطايا * وأندى العالمين بطون راح ) وقال عبد الملك من مدحنا فليمدحنا بمثل هذا أو فليسكت ووهبه مائة ناقة فسأله الرعاء فوهبه ثمانية أعبد ورأى صحاف ذهب بين يديه فقال يا أمير المؤمنين والمحلب وأشار إليها بالقضيب وقال خذها لانفعتك وكان عمر بن عبد العزيز لا يأذن لأحد من الشعراء وغيره ولمامات الفرزدق بكى جرير وقال إني لأعلم أني قليل البقاء بعده ولقد كان نجمنا واحداً وبقي حزيناً وقال اطفأ موت الفرزدق جمرتي وأسال عبرتي وقرب منيتي فعاش بعده أربعين يوماً وقيل ثمانين وقد قارب المائة وأما الفرزدق فهو أبو الأخطل همام بن غالب التميمي المجاشعي من سراة قومه وأمه ليلى بنت حابس أخت الأقرع بن حابس تباري أبوه غالب هو وسحيم بن وثيل الرياحي نحر مائة ناقة ولم يكن عند سحيم هذا القدر فعجز ولما انتهت وانقضت المجاعة وزال الضر قال بنو رياح لسحيم جررت علينا عار الدهر لو نحرت مثله أعطيناك مكان كل ناقة ناقتين فنحر ثلثمائة وقال للناس شأنكم وإلا كل فنهى علي كرم الله وجهه عن أكلها فألقيت على كناسة الكوفة وفي ذلك يقول جرير في هجو الفرزدق (1/141) ________________________________________ 142 ( تعدون عقر النيب أفضل مجدكم * بني ضوطر لولا الكي المقنعا ) يقول هلا افتخرتم بالشجاعة وهدم الوليد بن عبد الملك بيعة النصارى فكتب إليه الأخرم ملك الروم أن من قبلك فإن أصابوا فقد أخطأت وإن أصبت فقد اخطأوا فقال له الفرزدق اكتب إليه ( ^ وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث ) إلى قوله تعالى ( ^ ففهمناها سليمان وكلاً آتينا حكماً وعلماً ) واجتمع الحسن البصري والفرزدق في جنازة نوار امرأة الفرزدق فقال له الفرزدق أتدري ما يقول الناس يا أبا سعيد يقولون اجتمع خير الناس وشر الناس فقال الحسن لست بخيرهم ولست بشرهم ولكن ما أعددت لهذا اليوم قال شهادة أن لا إله إلا الله منذ ستين سنة فقال الحسن نعم والله العدة وعن أبي عمرو بن العلاء قال شهدت الفرزدق وهو يجود بنفسه فما رأيت أحسن ثقة بالله منه وترجى له الزلفى والفائدة وعظيم العائدة بحميته في أهل بيت رسول الله لزين العابدين لما أراد استلام الحجز في زحمة الناس انفرجوا عنه هيبة ومحبة ولم تنفرج لهشام بن عبد الملك فقال شامي من هذا فقال هشام لا أعرفه خاف أن يرغب عنه أهل الشام فقال الفرزدق أنا أعرفه فقال الشامي من هو يا أبا فراس فقال ( هذا سليل حسين وابن فاطمة * بنت الرسول من انجابت به الظلم ) ( هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم ) ( إذا رأته قريش قال قائلهم * إلى مكارم هذا ينتهي الكرم ) ( هذا ابن خير عباد الله كلهم * هذا التقي النقي الطاهر العلم ) ( يسمو إلى ذروة العز التي عجزت * عن نيلها عرب الإسلام والعجم ) (1/142) ________________________________________ 143 ( يكاد يمسكه عرفان راحته * ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم ) ( بكفه خيزران ريحه عبق * من كف أروع في عرينيه شمم ) ( يغضى حياء ويغضى من مهابته * فما يكلم إلا حين يبتسم ) ( يبين نور الضحى من نور غرته * كالشمس ينجاب من إشراقها القتم ) ( مشتقة من رسول الله نبعته * طابت عناصره والخيم والشيم ) ( الله شرفه قدراً وعظمه * جرى بذاك له في لوحة القلم ) ( هو ابن فاطمة إن كنت جاهله * بجده أنبياء الله قد ختموا ) ( وليس قولك من هذا بضائره * العرب تعرف من أنكرت والعجم ) ( كلتا يديه غياث عم نفعهما * تستوكفان ولا يعروهما عدم ) ( سهل الخليقة لا تخشى بوادره * يزينه انان حسن الخلق والشيم ) ( حمال أثقال إذا فدحوا * حلو الشمائل تحلو عنده النعم ) ( لا يخلف الوعد ميمون نقيبته * رحب الفناء أريب حين يعتزم ) ( عم البرية بالإحسان فانقشعت * عنها الغيابة والإملاق والعدم ) ( من معشر حبهم دين وبغضهم * كفر وقربهم منجي ومعتصم ) ( إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم * أو قيل م خير أهل الأرض قيل هم ) ( لا يستطيع جواد بعد غايتهم * ولا يدانيهم قوم وإن كرموا ) ( هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت * والأسد أسد الشرى والبأس محتدم ) ( لا يقبض العدم ذكر الله ذكرهم * في كل بر ومختوم به الكلم ) ( يأبى لهم أن يحل الذم ساحتهم * خيم كرام وأيد بالندى هذا ناله الأمم ) (1/143) ________________________________________ 144 ( ما قال لا قط إلا في تشهده * لولا التشهد كانت لاؤه نعم ) فلما سمع هشام ذلك أنف وحبس عطاء الفرزدق أو حبسه هو فأنفذ له زين العابدين اثنى عشر ألف درهم فردها وقال مدحته لله لا للعطاء فقال زين العابدين أنا أهل البيت إذا وهبنا شيئاً لا نستعيده فقبلها الفرزدق وهذه القصيدة الموعود بها في ترجمة زين العابدين رضي اله عنه قال ي العبر في حدود عشر ومائة مات محمد بن عطاء العامري المدني أحد الأشراف وكانوا يتحدثون أنه لا يصلح للخلافة لهمته وسؤدده انتهى سنة إحدى عشرة ومائة فيها عزل مسلمة عن أذربيجان وأعيد الجراح الحكمي فافتتح مدينة البيضاء التي للخزر فجمع ابن خاقان جمعاً عظيماً وساق فنازل أردبيل وفيها توفي عطية بن سعد العوفي روى عن أبي هريرة وطائفة ضربه الحجاج أربعمائة سوط على أن يشتم عليا فلم يفعل وهو ضعيف الحديث قاله الذهبي وفيها القسم بن مخيمرة الهمذاني الكوفي نزيل الشام روى عن أبي سعيد وعلقمة وكان عالماً نبيلاً زاهداً رفيعاً سنة اثنتي عشرة ومائة فيها سار مسلمة في شدة البرد والثلج حتى جاوز الباب من بلاد الترك وافتتح المدن وحصوناً وافتتح معاوية بن هشام خرشنة من ناحية ملطية وفيها زحف الجراح الحكمي من بردذعة إلى ابن خاقان وهو محاصر أردبيل فالتقى الجمعان فاشتد وكسر المسلمون وقتل الجراح الحكمي رحمه الله وغلبت (1/144) ________________________________________ 145 الخزر لعنهم الله على أذربيجان وبلغت خيولهم إلى الموصل وكان بأساً شديداً على الإسلام قال الواقدي وكان البلاء عظيماً على المسلمني بمقتل الجراح وبكوا عليه روى أبو مسهر عن رجل أن الجراح قال تركت الذنوب أربعين سنة ثم أدركني الورع وكان من قراء أهل الشام وقال غيره ولي خراج خراسان لعمر ابن عبد العزيز وكان إذا مر بجامع دمشق يميل رأسه عن القناديل لطوله وفيها غزا الأشرس السلمي فرغانة فأحاطت به الترك وفيها أخذت الخزر أردبيل السيف فبعث هشام إلى أذربيجان سعيد بن عمرو الجرشي فالتقى الخزر فهزمهم واستنفذ سبياً كثيراً وغنائم ولطف الله تعالى وفيها أبو المقدام رجاء بن حيوة الكندي الشامي الفيه روى عن معاوية وطبقته وكان شريفاً نبيلاً كامل السؤدد قال مطر الوراق ما رأيت شامياً أفقه منه وقال مكحول هو سيد أهل الشام في افسهم وقال مسلمة الأمير في كندة رجاء بن حيوة وعبادة بن نسي وعدي بن عدي أن الله لينزل بهم الغيث وينصر بهم الأعداء بلغ يوماً عبد الملك قول من بعض الناس فهم أن يعاقب صاحبه فقالله رجاء يا أمير المؤمنين قد فعل الله بك ما تحب حيث أمكنك منه فاقعل ما يحبه الله من العفو فعفا عنه وأحسن إليه وفيها القسم بن عبد الرحمن الدمشقي الفيه الفاضل أدرك أربعين من المهاجرين والأنصار وطلحة بن مصرف اليامي الهمداني الكوفي كان يسمى سيد القراء قال أبو معشر ما ترك بعده مثله ولما علم إجماع أهل الكوفة على أنه أقرأ من بها ذهب ليقرأ على الأعمش رفيقه لينزل رتبته في أعينهم ويأبى الله إلا رفعته سمع عبد الله بن أبي أوفى وصغار الصحابة ومات كهلاً رحمة الله تعالى (1/145) ________________________________________ 146 سنة ثلاث بيروت العربية فيها التقى المسلمون والترك بظاهر سمرقند فاستشهد الأمير الخطير سورة ابن أبجر الدارمي عامل سمرقند وعامة أصحابه ثم التقاهم الجنيد المري فهزمهم وفيها أعيد مسلمة إلى ولاية أذربيجان وأرمينية فالتقى خاقان فاقتتلوا قتالاً عظيماً وتحاجر وإثم التقوا بعدها فانهزم خاقان وفيها غزا المسلمون وهم ثمانية آلاف وعليهم مالك بن شبيب الباهلي فوغل بهم في أرض الروم فحشدوا لهم والتقوا فانكسر المسلمون وقتل أميرهم مالك بن شبيب وقتل معه جماعة كثيرة منهم عبد الوهاب بن بخت مولى بني مروان وكان موصوفاً بالشجاعة والإقدام روى عن ابن عمر وأنس ووثقه أبو زرعة وكان معه في القتلى أبو يحي عبد الله الأنطاكي أحد الشجعان الذين يضرب بهم المثل وله مواقف مشهودة وكان طليعة جيش مسلمة وله أخبار في الجملة لكن كذبوا عليه وحملوه من الخرافات والكذب ما لا يحد ولا يوصف وفيها توفي فقيه الشام أبو عبد الله مكحول مولى بني هذيل أرسل عن طائفة من الصحابة وسمع من واثلة بن الأسقع وأنس وأبي أمامة الباهلي وخلق قال ابن إسحاق سمعته يقول طفت الأرض في طلب العلم وقال أبو حاتم ما أعلم أفقه من مكحول ولم يكن في زمنه أبصر بالفتيا منه ولا يفتي حتى يقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ويقول هذا رأيي والرأي يخطئ ويصي وقال سعيد بن عبد العزيز أعطوا مكحولاً مرة عشرة آلاف دينار فكان يعطي الرجل خمسين ديناراً وقال الزهري العلماء ثلاثة فذكر منهم مكحولاً وقال ابن قتيبة قال الواقدي هو من كابل مولى لامرأة من هذيل وقال ابن عائشة كان مكحول مولى لامرأة من قيس وكان سندياً لا يفصح قال نوح بن سفيان سأله بعض الأمراء عن القدر فقال أساهرانا وكان يقول بالقدر انتهى كلام ابن قتيبة (1/146) ________________________________________ 147 وقال ابن ناصر الدين في شرح بديعية البيان هو ابن أبي مسلم بن شاذل بن سفد بن شروان الكابلي الهذلي مولاهم الدمشقي أبو عبد الله وقيل كنيته أبو أيوب كان فقيه أهل دمشق وأحد أوعية العلم والآثار روى عن أبي أمامة وواثلة وأنس وخلق من الأخبار وروى تدليسا عن أبي وعبادة بن الصامت وعائشة والكبار وقال سعيد بن عبد العزيز كان مكحول أفقه من الزهري وكان بريئاً من القدر انتهى كلام ابن ناصر الدين وقال الذهبي في المغنى وثقة جماعة وقال ابن سعد ضعفه جماعة انتهى وفيها توفي معاوية بن قرة المزني البصري عن ثمانين سنة وكان يقول لقيت ثلاثين صحابياً ويوسف بن ماهك المكي روى عن عائشة وجماعة وقد لقيه بن جريح وغيره سنة أربع عشرة ومائة فيها عزل مسلمة عن أذربيجان والجزيرة ووليها مروان الحمار فسار مروان حتى جاوز نهر فأغار وقتل وسبي خلقاً من الصقالبة وفي رمضان على الأصح وقيل في سنة خمس عشرة توفي فقيه الحجاز أبو محمد عطاء بن أبي رباح أسلم من مولدي الجند وأمه سوداء تسمى بركة وكان صبياً نشأ بمكة وتعلم الكتاب بها وهو مولى لبني فهر وكان على ما قال ابن قتيبة أسود أفطس أشل أعرج ثم عمى بعد ذلك ومات وله ثمان وثمانون سنة وقال في العبر كان من مولدي الجند أسود مفلفل الشعر سمع عائشة وأبا هريرة وابن عباس قال أبو حنيفة ما رأيت أفضل منه وقال ابن جريج كان المسجد فراش عطاء عشرين سنة وكان من أحسن الناس صلاة وقال الأوزاعي (1/147) ________________________________________ 148 مات عطاء يوم مات وكان أرضى أهل الأرض عند الناس وقال إسماعيل بن أمية كان عطاء يطيل الصمت فإذا تكلم يخيل إلينا أنه يؤيد وقال غيره كان لا يفتر من الذكر انتهى كلامه في العبر انفرد بالفتوى بمكة هو ومجاهد وكان بنو أمية يصيحون في الموسم لا يفتى أحد غيره وما روى عنه أنه كان يرى إباحة وطء الإماء بإذن أهلهن وكان يبعث بهن إلى أضيافه فقد قال القاضي شرف الدين بن خلكان اعتقادي أن هذا لا يصح عنه فإنه لو رأى الحل فإن الغيرة والمروءة تمنعه عن ذلك قال اليافعي ينبغي أن يحمل بعثهن لسماع القول منهن نحو ما نقل عن بعض المشايخ الصوفية أنه كان يأمر جواريه يسمعن أصحابه وفيه أيضاً ما فيه فإن صح فيحمل على ما إذا لم تحصل فتنة بحضورهن وسماعهن إذا قلنا إن صوت المرأة ليس بعورة والله أعلم وفيها وقيل سنة ثمان أو تسع عشرة توفي أبو محمد علي بن عبد الله بن عباس جد السفاح والمنصور وكان سيداً شريفاً أصغر أولاد أبيه وأجمل قرشي على وجه الأرض وأوسمه وأكثره صلاة ولذلك دعي بالسجاد وكان له خمسمائة أصل زيتون يصلي تحت كل ركعتين فالمجموع ألف ركعة روى أن علياً جاء بن عباس يهنئه به يوم ولد وقال له شكرت الواهب وبورك لك في الموهوب ما سميته قال أو يجوز أن أسميه حتى تسميه ثم حنكه ودعا له وقال خدامك الخلائ والأملاك سميته علياً وكنيته أبا الحسن وقيل أنه ولد يوم قتل علي وهذا يناقض ما تقدم ولما كان زمن معاوية قال ليس لك اسمه وكنيته قد كنيته أبا محمد فجرت عليه وضربه الوليد بن عبد الملك مرتين مرة في تزوجه لمطلقة عبد الملك لبابة بنت عبد الله بن جعفر وسبب طلاق عبد الملك لها أنه عض على تفاحة وكان الخديم رمى بها إليها (1/148) ________________________________________ 149 فاستقذرتها والثانية في وقله أن الأمر سيكون في ولدي فطافوا به على بعير في أسوأ حالب وهو يقول والله ليكونن فيهم ودخل على هشام بن عبد الملك ومعه ابنا ابنه الخيفتان السفاح والمنصور فأوسع له على سريره وبره بثلاثين ألف دينار وأوصاه على بابني ابنه حين انفصل وكان إذا قدم مكة اشتغلت به قريش وأهل مكة إجلالا له وكان طوالاً جميلا صقيل كان طوله إلى منكب أبيه عبد الله وعبد الله إلى منكب أبيه العباس والعباس إلى منكب أبيه عبد المطلب ونفاه الوليد إلى الحمية بليدة بالبلقاء فولد له بها نيف وعشرون ولداً ذكراً ولم يزل ولده بها إلى أن زالت دولة بني أمية وتوفي عن ثمانين سنة بأرض البلقاء رحمه الله تعالى وفيها توفي السيد أبو جعفر الباقر بنعلي بن الحسين بنعلي بن أبي طالب ولد سنة ست وخمسين من الهجرة وروى عن أبي سعيد الخدري وجابر وعدة وكان من فقهاء المدينة وقيل له الباقر لأنه بقر العلم أي شقه وعرف أصله وخفيه وتوسع فيه وهو أحد الأئمة الإثني عشر على اعتقاد الإمامية قال عبد الله بن عطاء ما رأيت العلماء عند أحد أصغر منهم علماً عنده وله كلام نافع في الحكم والمواعظ منه أهل التقوى أيسر أله الدنيا مؤونة واكثرهم معونة أننسيت ذكروك وإن ذكرت أعانوك قوالين بحق الله قوامين بأمر الله ومنه أنزل الدنيا كمنزل نزلته وارتحلت عنه أو كمال أصبته في منامك فاستيقظت وليس معك منه شيء مات رضي الله عنه عنست وخمسين سنة ودفن بالبقيع مع أبيه وعم أبيه الحسن والعباس رضي الله عنهم وفيها وقيل في سنة سبع عشرة على بن رباح اللخمي المصري وهو في عشر المائة حم لعن عدة من الصحابة وولى غزو افريقية لعبد العزيز بن مروان فكان من علماء زمانه (1/149) ________________________________________ 150 وفيها توفي أبو عبد الله وهب بن منبه الصنعاني من أبناء الفرس الذين بعث بهم كسرى إلى اليمن قال قرأت من كتب الله اثنين وتسعين كتاباً مات بصنعاء روى عن ابن عباس قيل وأبى هريرة وغيره من الصحابة وولى القضاء لعمر بن عبد العزيز وكان شديد الإعتناء بكتب الأولين وأخبار الأمم وقصصهم بحث كان يشبه بكعب الأحبار في زمانه وله مصنف في ذكر ملوك حمير صغير وله أخوة أجلهم همام روى عن الصحابة وهو أكبر من وهب وهم من أبناء الفرس الذين سيرهم كسرى أنو شروان كما تقدم آنفاً وكان سيرهم مع أبي مرة سيف بن ذي يزن الحميري وكانوا ثمانمائة مقدمهم وهرز غرق منهم في البحر مائتان وسلم ستمائة قاله ابن إسحق وقال ابن قتيبة كانوا سبعة آلاف وخمسمائة ورجحه أبو القسم السهيلي إذ يبعد مقاومة الحبشة لستمائة وفي القصة أن سيفاً والفرس استظهروا على الحبشة فقتلوهم وملكوا سيفاً فأقام أربع سنين وقتله خدمه من الحبشة ولم يملك أهل اليمن بعده ملك غير أن أهل كل ناحية ملكوا رجلاً من حمير حتى جاء الإسلام ويقال أنها بقيت في إيدي الفرس إلى أن بعث النبي وباليمن عاملان منهم أحدهما فيروز الأسود الديلي والآخر زاد ويه فأسلما وهما الذان دخلا على الأسود العنسي مع قيس بن المكسوح لما أدعى الأسود النبوة فقتلوه وأولاد الفرس باليمن يدعون الأبناء منهم طاووس وعمرو بن دينار وغيرهم وورد أن كسرى أبرويز لما مزق كتاب النبي أرسل إلى عامله على صنعاء بإذان وهو الرابع بعد وهرز يأمره أن يسير إلى النبي فكتب إليه النبي يخبره أن الله وعدني أن يقتل كسرى فيوم كذا وكذا فانتظر ذلك فكان كما قال فأسلم بإذان وأهل اليمن هذا وقد قال ا لذهبي في المغنى وهب بن منبه ثقة مشهور قصاص خير ضعفه أبو حفص الفلاس (1/150) ________________________________________ 151 سنة حمس عشرة ومائة فيها وقيل في التي قبلها مات الحكم بن عتية مصغراً أبو محمد الكندي الكوفي ثقة ثبت فقيه إلا أنه ربما دلس والحكم بن عتيبة بن النهاس آخره مهملة العجلي قاضي الكوفة لا أعرف له رواية وهو عصري لذي قبله وإنه هو قال ابن حجر العسقلاني الكوفي مولى كندة الفقيه النبيه لكن قال الذهبي في المغنى هو مجهول وقال في العبر هو أبو محمد أبو محمد أخذ عن أبي جحفية السوائي وغيره وتفقه على إبراهيم النخعي قال المغيرة كان الحكم إذا قدم المدينة اخلوا له سارية النبي إليها وقال الأوزاعي قال لي عبدة بن أبي لبابة هل لقيت الحكم قلت لا قال فالقه فما بين لابتيها افقه منه انتهى والضحاك بن فيروز الديلمي الأنباري صحب ابن الزبير وعمل له بعض اليمن وقاضي مرو أبو سهل عبد الله بن بريدة الأسلمي عن مائة سنة روى عن أبي موسى وعائشة وطائفة وأبو يحي عمر بن سعيد النخعي وقد قارب المائة أو جاوزها وحديثه عن علي في الصحيحين وهو أكبر شيخ لمسعر وفيها توفي الجنيد بن عبد الرحمن المري الدمشقي الأمير ولي خراسان والسند وكان أجود قاله في العبر (1/151) ________________________________________ 152 سنة ست عشرة ومائة فيها توفي عدي بن ثابت الأنصاري قال في المغنى هو كوفى شيعى جلد ثقة مع ذلك وكان قاضي الشيعة وإمام مسجدهم قال المسعودي ما أدركنا أحداً أقول بقول الشيعة نم عدي بن ثابت وقال ابن معين شيعي مفرط وقال الدارقطني رافضي غال انتهى وفيها توفي عمرو بن مرة المرادي الكوفي الضرير سمع ابن أ [ يأو أوفى وجماعة وكان حجة حافظاً قال مسعر ما أدركت أحداً أفضل منه ومحارب بن داثر السدوسي قاضي الكوفى قال الحسن بن زياد اللولوى حدثنا أبو حنيفة قال كنا عند محارب بن دثار فتقدم إليه رجلان فادعى أحدهما على الآخر مالا فجحده المدعي عليه فسأله البينة فجاء رجل فشهد عليه فقال المشهود عليه لا والله الذي لا إله إلا هو ما شهد على بحق وما علمته إلا رجلاً صالحاً غير هذه الزلة فإنه فعل هذا الحقد كان في قلبه على وكان محارب متكئاً فاستوى جالساً ثم قال بإذاً الرجل سمعت ابن عمر يقول سمعت رسول الله يقول ليأتيز على الناس يوم تشيب فيه الولدان وتضع الحوامل ما في بطونها وتضرب الطير بأذنابها وتضع ما في بطونها م شدة ذلك اللويم ولا ذنب عليها وإن شاهد الزور لا تقار قدماه على الأرض حتى قذف به في النار فإن كنت شهدت بحق فاتق اللهو أقم على شهادتك وإن شهدت بباطل فاتق الله وغط رأسك واخرج من ذلك الباب فغطى الرجل رأسه وخرج من ذلك الباب وقال في المغنى ثقة ثبت مشهورة وقال ابن سعد لا يحتجون به انتهى سمع ابن عمر وطابراً وطائفة وهو من بني سدوس بن شيبان ويكنى أبا مطرف ولى قضاء الكوفة لخالد بن عبد الله القسري وتوفي في ولاية خالد بالكفوة (1/152) ________________________________________ 153 سنة سبع عشرة ومائة فيها حلت الترك بخراسان وانظم إليهم الحرث بن أبي سريج الخارجي فاقتتلوا وجاوزا نهر جيحون وأغاروا على مرو الروذ فسار إليهم أسد بن عبد الله القسري فالتقوا ونصر الله حزبه وقتلهم المسلمون قتلا ذريعاً وفيها افتتح مروان الحمار ثلاثة حصون وأسر الملك تومان شاه وبعث به إلى هشام فمن عليه وأعاده إلى ملكه وفيها توفي أبو الحباب بن سعيد بن يسار المدني مولى ميمونة روى عن أبي هريرة وجماعة وفيها توفي بالإسكندريه عبد الرحمن بن هرمز الأعرض المدني صاحب أبي هريرة وعبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة القرشي التيمي المدني عنسن عالية وقد ولى القضاء لابن الزبير ويكنى أبا بكر وأبا محمد روى عن جده وابن عباس وابن عمر وفي آخرين كان إمام الحرم وشيخه ومؤذنه الأمين وقاضي مكة والطائف زمن ابن الزبير وفيها فقيه دمشق عبد الله بن أبي زكريا الخزاعي كان عمر بن عبد العزيز يجلسه معه على السرير قال أبو مسهر كان يد أهل المسجد قيل بم سادهم قال بحسن الخلق قال في العبر أرسل عن أبي الدرداء وعبادة وهو ثقة قليل الحديث انتهى وفيها وقيل في سنة ثمان عشرة الحافظ أبو الخطاب قتادة بن دعامة السدوسي عالم أهل البصرة روى معمر عنه قال أقمت عند سعيد بن المسيب ثمانية أيام فقال لي في اليوم الثالث ارتحل يا أعمى عني فقد أنزقتني وقال قتادة ما قلت لمحدث قط أعد على قال ابن ناصر الدين مات بواسط في الطاعون وهو أبو الخطاب الضرير الأكمه مفسر الكناب آية في الحفظ إماماً في النسب رأساً في العربية واللغة وأيام العرب انتهى قال في العبر قال قتادة ما قلت لمحدث قط (1/153) ________________________________________ 154 أعده على وما سمعت شيئاً إلا وعاة قلبي وقال فيه مشيخه ابن سيرين قتادة أحفظ الناس وقال معمر سمعت قتادة يقول ما في القرآن آية وسمع فيها شيئاً انتهى وفيها موسى بن وردان المصري القاضي روى عن أبي هريرة وسعد وطائفة وعاش نيفاً وثمانين سنة قال أبو حاتم ليس به بأس وكان آخر أصحابه ضمام بن إسماعيل وفيها مات قاضي الجزيرة ميمون بن مهران الرقى أبو أيوب الفقيه كان من العلماء العاملين روى عن عائشة وأبي هريرة وطائفة وفيها مات فقيه المدينة أبو عبد الله نافع الديلي مولى عبد الله ابن عمر كان من جلة التابعين بعثه عمر بن عبيد العزيز إلى مصر يعلمهم السنن قال في العبر وقد روى نافع أيضاً عن عائشة وأبي هريرة وسكينة بنت الشهيد الحسين بن علي بالمدينة وأسمها أميمة وقيل أمينة وسكينة لقب وأمها الباب ابنة أمرىء القيس بن عدي تزوجها أي سكينة مصعب ابن الزبير ثم عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام ثم زي بن عمر وبن عثمان ابن عفان فأمره سليمان بن عبد الملك بطلاقها وجمالها وحسن خلقها مشهور ولها نوادر منها أنها لما سمعت مرثية عروة بن أذينة وكان من أعيان العلماء الصلحاء في أخيه بك وقوله فيها ( على بكر أخي فارقت بكراً * وأي العيش يصلح بعد بكر ) قالت سكينة ومن بكر أو ذاك الأسود الذي كان يمر بنا قيل نعم قالت لقد طاب بعده كل عيش حتى الخبز والزيت توفيت سكينة بالمدينة والعامة تزعم أنها بمكة في طريق العمرة (1/154) ________________________________________ 155 سنة ثماني عشرة ومائة فيها مات عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي أبو إبراهيم روى عن زينب ربيبة النبي فهو تابعي وثقة يحيى ابن معين وابن راهويه وهو حسن الحديث قاله في العبر وقال في المغني هو مختلف فيه وحدثيه حسن وفوق الحسن قال يحيى القطان إذا روى عنه ثقة فهو حجة وقال أحمد ربما احتججنا بحديثه وقال البخاري رأيت أحمد وإسحق وأبا عبيد وعامة أصحابنا يحتجون به فمن الناس بعدهم قتل ومع هذا القول لم يحتج به البخاري في صحيحه وقال أيوب الختياني كنت إذا أتيت عمرو بن شعيب غطيت رأسي حياء من الناس وقال ابن معين ليس بذاك وهو ثقة في نفسه إنما بلى كتاب أبيه عن جده وقال أبو زرعة إنما أنكروا عليه أنه روى صحيفة كانت عنده وقال أحمد ربما وحش القلب منه وله منا كير وثقة أسحق وصالح جزره وقال الأوزاعي ما رأيت قريشاً أكمل منه قال إسحق عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده كأيوب عن نافع عن ابن عمر وقال أحمد أيضاً إنما تليت حديثه ليعتبر اما ليكون حجة فلا وعن أبي داود وقيل له عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده حجة فقال لا ولا نصف حجة وقال ابن المديني عن القطان حديثه واه وقال ابن عدي ثقة في نفسه انتهى ما قاله الذهبي في المغني وقال شمس الدين بن القيم في كتابه أعلام الموقعين وقد احتج الأئمة الأربعة والفقهاء قاطبة بصحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ولا نعرف في أئمة الفتوى غلا من احتاج إليها واحتج بها وإنما طعن فيها من لم يتجمل أباء الفقه والفتوى كأبي حاتم البستي وابن حزم وغيرهما انتهى ما قاله ابن القيم وفيها عبادة بن نسى الكمدي قاضي طبرية كان شريفاً جليل القدر موصوفاً بالصلاح روى عن شداد بن أوس جماعة (1/155) ________________________________________ 156 وفيها في المحرم قاضي الشام أبو عمران عبد الله بن عامر اليحصبي الدمشقي وله سبع وتسعون سنة قرأ القرآن العظيم على الميغرة بن أبي شهاب عن قراءته على عثمان نفسه نصف القرآن وورد أيضاً أنه قرأت على أبي الدرداء وحدث عن فضالة عبيدة والنعمان بن بشير وولى قضاء دمشق رحمه الله تعالى وفيها عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي الحمصي وهو مكثر عن أبي هو غيره قال في العبر ولا أعلمه روى عن الصحابة وقد رأى جماعة منهم انتهى وعبد الرحمن بن سابط الجمحي المكي الفقيه روى عن عائشة وجماعة وفيها معبد بن خالد الجدلي الكوفي القاص روى عن جابر بن سمرة وجماعة وأبو عشانة المعافري بن يومن بمصر روى عن عقبة بن عامر وجماعة سنة تسع عشرة ومائة فيها غزا مروان غزوة السانحة فدخل من باب اللان فلم يزل يسير حتى طلع من باب الخزر ومر ببلنجر وسمرقند وانتهى إلى مدينة خاقان الترك فانهزم خاقان وفيها توفي إياس نب سلمة بن الأكوع المدني روى عن أبيه وفيها وقيل في سنة اثنتين وعشرين حبيب بن أبي ثابت الكفوي فقيه الكوفة ومفتيها مع حماد بن أبي سليمان وقال في العبر بل هو أجل من حماد وأكبر فإنه روى عن ابن عباس وابن عمر وخلق من التابعين وفيها سليمان بن أبي موسى الأشدق فقيه دمشق ومفتيها مولى بني أبية روى عن أبي أمامة و سملة وطائفة قال سعيد بن عبد العزيز كان أعلم أهل الشام بعد مكحول وقال ابن لهيعة ما لقيت مثله وقيس بن سعد المكي صاحب عطاء وكان مفتي أهل مكة فيوقته وفيها الأمير أبو شاكر معاوية ابن الخليفة هشام بن عبد الملك وكان أنبل أولاد أبيه جواداً ممد حاولي الغزو (1/156) ________________________________________ 157 ( ممرات وهو أحد أمراء الأندلس * وإسماعيل بن حماد بن أبي سلمة ) سنة عشرين وماية فيها وقيل سنة ثمان عشرة توفي أنس بن سيرين أخو محمد بن سيرين وله خمس وثمانون سنة روى عن ابن عباس وجماعة وفيها فقيه الكوفة أبو إسماعيل حماد بن أبي سلميان الأشعري مولاهم صاحب إبراهيم النخعي روى عن أنس بن مالك وسعيد بن المسيب وطائفة وكان جواداً سرياً محتشماً يفطر كل ليلة من رمضان خمس مائة إنسان وقال شعبة كان صدوق السان وعاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان الأنصاري شيخ محمد بن إسحاق وكان أخبارياً علامة بالمغازي يورى عن جابر وغيره وفيها توفي قاريء مكة أبو معبد عبد الله بن كثير المناني مولاهم الفارسي الأصل الداري العطار قرأ علىعبد الله بن السائب المخزومي وعلى مجاهد وحدث عن ابن الزبير وغيره وفضله وعلمه وشهرته تغني عن الإطناب في أوصافه وفيها توفي سيد أهل الجزيرة عدي بن عدي بن عميرة الكندي الأمير كان فقيهاً ناسكاً كبي ر الشأن ولأبيه صحبة وفيها توفي علقمة بن كرثد الحضرمي الكوفي قال في العبر كان تقياً في الحديث روى عن طارق ابن شهاب ولطارق وصحبة ما وقيس بن مسلم الجلي الكوفي صاحب طارق ويقال إنه ما رفع رأسه إلى السماء منذ زمان تعظيماً لله تعالى ومحمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي المدني الفقيه الثبت روى عن أسامة وأبي سعيد وطائفة وجده من المهاجرين وواصل الأحدب يروي عن أبي وائل وطبقته وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري قاضي المدينة وأميرها (1/157) ________________________________________ 158 عن نيف وثماني سنة يقال إنه كان أعلم الله المدينة بالقضاء وله خبرة بالسيرة قاله في العبر سنة إحدى وعشرين ومائة فيها غزا مروان فأتى بيت السرير فقتل وسبى ثم دخل حصن عومشك وفيها سرير ملكهم فهرب الملك ثم إن مروان صالحهم في العام على ألف راس ومائة ألف هدى ثم أنه سار حتى دخل مدينة أزر فصالحوه وصالحه تومان شاه على بلاده ثم سار حتى نازل حمرين وحاصرها شهرين ثم صالحهم وافتتح مسدارة صلحاً وتهيأ لمروان في هذه السنة من الفتوحات أمر عظيم ووقع في قلوب الترك والخزر منه رعب شديد وفيها قتل الإمام الشهيد زيد بن علي بن الحسين رضي الله عنهم بالكوفة وكان قد بايعه خلق كثير وحار بمتولى العراق يومئذ لهشام بن عبد الملك يوسف بن عمر الثقفي فقتله يوسف وصلبه ويوسف هذا هو ابن عمر أبوه عم الحجاج بن يوسف ولما خرج زيد يدعو إلى طاعته جاءته طائفة وقالوا تبرأ من أبي بكر وعمر حتى نبايعك فقال بل أتبرأ ممن تبرأ منهما فقالوا إذا ترفضك فسموا رافضة من يومئذ وسميت شيعته زيديه وكان من أمر زيد رضي الله عنه أن هشاماً لما عرف كماله واستجماعه لخلال الفضل كتب إلى عامله على الكوفة يوسف بن عمر بن أبي عقيل الثقفي بأمره أن يوجه زيداً إلى الحجاز ففعل فلما بلغ زيد العذيب لحقته الشيعة وأخبروه أن الناس مجمعة عليه ولم يزالوا به حتى رجع فأقام بالكوفة سنة يبايع الناس مختفيا ًوبالبصرة نحو شهر وكان ممن بايعه منصور بن المعتمر ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهلال بن (1/158) ________________________________________ 159 خباب بن الأرت قاضي وابن شبرمة ومسعر بن كدام وغيرهم وأرسل إليه أبو حنيفية بثلاثين درهم وحث الناس على نصره وكان مريضاً وكان قد أخذ عنه مثيراً وحضر معه من أهله محمد بن عبد الله النفس الزكية وعبد الله بن علي بن الحسين وان ظهروه ليلة الأربعاء من دار معاوية ابن إسحق الأنصاري لسبع بقين من المحرم سنة إحدى أو اثنتين وعشرين ومائة وقتل يوم الجمعة لثلاثة أيام من ظهوره وهو ابن ثلاث واربعين سنة استخرج بعدد فنه وصلب بالكناسة تربة بالكوفة أربع سنين ونسجت العنكبوت على عورته ثم أنزل وأحرق وذر رماده رضي الله عنه روى عن أبيه وجماعة وروى عنه شعبة ويأتي طرف من خبره في ترجمة هشام قريباً وفيها قتل أحد الشجعان والبطال أبو محمد البطال وله حروب ومواقف ولكن كذبوا عليه فأفرطوا ووضعوا له سيرة كبيرة تقرأ كل وقت يزيد فيها من لا يستحي من الكذب وفيها توفي قاضي دمشق نمير أوس الأشعري أحد شيوخ الأوزاعي وأبو عبد الله محمد بن يحيى بن حبان الأنصاري المدني وقد لقي ابن عمرو ورافع بن خديج وطائفة وكانت له حلقة لفتوى وفيها أوفى التي بعدها سلمة بن كهيل الكوفي روى عن جندب البجلي وطائفة وكان من أثبات الشيعة ولخائهم حمل عنه شعبة والثوري ومسلمة بن عبد الملك بن مروان الأموي الأميرة ويلقب بالجرادة الصفراء وكان موصوفاً بالشجاعة والإقدام والرأي والدهاء ولى أرمينية وإذربيجان غير مرة وإمرة العراقين وسار في مائة وعشرين ألفاً فغزا القسطنطينية في خلافة سليمان أخيه وروى عن عمر بن عبد العزيز (1/159) ________________________________________ 160 سنة اثنتين وعشرين ومائة فيها كانت بالمغرب حروب مزعجة وملاحم وخرجت طائفة كثيرة وبايعوا عبد الواحد الهواري والتفت عليه أمم من السرير ثم نصر عليهم المسلمون وقتلوا خلقاً كثيراً ويفها توفي قاضي البرة أبو واثلة إياس بن معاوية بن قرة المزني الليثي يضرب بذكائه وفطنته المثل روى عن أنس وجماعة ووثقة ابن معين ولا رواية له في الكتب ا الستة كان صاحب فراسة قال الحريري فذا المعيتي المعية ابن عباس وفراستي فراسة إياس وقال أبو تمام ( أقدام عمرو في شجاعة عنتر * في حلم أحنف في ذكاء إياس ) قيل لأبيه معاوية كيف ابنك لك قال كفاني أمر دنياي وفرغني لآخر وعنه قال رأيت في المنام كأني وأبي على فرسين معاً فلم أسبقه ولم يسبقني وعاش أبي ستاً وتسعين سنة وها أنا فيها فلما كان آخر لياليه قال الليلة استكملت عمري ونام فأصبح ميتا رحمه الله تعالى وفيها بكير بن عبد الله بن الأشج المدني الفقيه نزيل مصر وأحد شيوخ الليث بن سعد هو من صغر التابعين وزيد بن الحرث اليامي وروى عن إبراهيم النخعي وخلق من كبار التابعين وسيار أبو الحكم صاحب الشعبي وهو واسطي حجة مشهور ويزيد بن عبد الله بن قسيط الليثي المدني عن سن عالية لقي أبا هريرة وفيها أبو هاشم الرماني الواسطي واسمه يحيى كان يسكن قصر الرمان بواسط روى عن أبي العالية وجماعة (1/160) ________________________________________ 161 سنة ثلاث وعشرين ومائة فيها قتل بالمغرب كلثوم بن عياض القشيري في عدة من أمرائه واستبيح عسكره وتمزقوا هزمهم أبو يوسف الأزدي رأس الصفرية وكان كلثوم قد ولى دمشق لهشام ثم ولاه غزو الخوارج بالمغرب واتبعت الصفرية نم انكسر من المسلمين فثبت لهم بلخ القشيري ابن عمر كلثوم فكان النصر ولله الحمد وقتل في المعركة أبو يوسف الأزدي وفيها حج بالناس يزيد بن الخليفة هشام ومعه الزهري فأخذ عنه إذ ذاك مالك وابن عيينة وأهل الحجاز وفيها توفي ثابت البناني وهو ثابت بن أسلم و بنانة من قريش وهم رهط بن سعد بن لؤي وكانت بنانة أمهم فنسبوا إليها وكان من أنفسهم ويكنى أبا محمد سعد بن لؤي وكانت بناية أمهم فنسبوا إليها وكان من أنفسهم ويكنى أبا محمد وكان م سادة التابعين علماً وفضلاً وعبادة ونبلاً وكان من خواص أنس وروى عن غيره من الصحابة وربيعة بن يزيد الدمشقي القصير شيخ دمشق بعد مكحول استشهد بافريقية وقد لقي جبير بن نفير وطائفة قال نوح بن فضالة كان مفضلاً على مكحول وقال سعيد بن عبد العزيز لم يكن عندنا أحسن سمتاً في العبادة من ومن مكحول وسماك بن حرب الذهلي الكوفي أحد الكبار قال أدركت ثمانين من الصحابة وذهب بصرى فدعوت الله تعالى فرده على قال أحمد العجلي كان عاملاً بالشعر وأيام الناس فصيحاً وفيها أبو يونس مولى أبي هريرة وقد شاخ واسمه سليم بن جبير نزل مصر وأدركه الليث روى عن مولاه عن أبي هريرة ووثقه النسائي وفيها سيد القراء وعالم البصرة وعابدها محمد بن واسع الأزدي أخذ عن أنس ومطرف بن الشخير وطائفة وهو مقل روى خمسة عشر حديثاً ومناقبه مشهورة قال بعضهم كنت إذا وجدت فترة أو قسوة نظرت في وجهه فيذهب (1/161) ________________________________________ 162 ذلك جميعه عني أو قال شهراً وقال له مالك بن دينار وقد نبهه على بعض دقائق الورع ما أحوجني إلى معلم مثلك وفيها قارئ مكة بعد ابن كثير محمد بن عبد الرحمن بن محيصن ومنهم من يسميه عمر قال في العبر وأظنهما أخوين وله رواية شاذة في كتاب المبهج وغيره وقد روى عن صفية بنت شيبة وغيرها انتهى سنة أربع وعشرين ومائة فيها تمت وقعة كبيرة بالمغرب مع الصفرية ورأسهم ميسرة الحقير وذاق المسلمون منهم مشتاقاً وبلاء شديداً وفيها مات محمد بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة الأنصاري أحد الثقات وقد ولي إمرة المدينة لعمر بن عبد العزيز وأدركه ابن عيينة والقسم بن أبي بزة المكي روى عن أبي الطفيل وجماعة يسيرة وفي رمضان منها توفي الإمام أبو بكر محمد بن عبد الله بن عبيد الله بن شهاب سنة سمع من سهل بن سعد وأنس بن مالك وخلق قال ابن المديني له نحو ألفي حديث وقال عمر بن عبد العزيز لم يبق أعلم بسنة ماضية من الزهري وكذا قال مكحول وقال الليث قال ابن شهاب ما استودعت قلبي علماً فنسيته قال الليث فكان يكثر شرب العسل ولا يأكل شيئاً من التفاح الحامض وقال من أحب حفظ الحديث فليأكل الزبيب وقال أيوب ما رأيت أعلم من الزهري قال في العبر قلت وكان معظماً وافر الحرمة عند هشام بن عبد الملك أعطاه مرة سبعة آلاف دينار وقال عمرو بن دينار ما رأيت الدينار والدرهم عند أحد أهون منهما عند الزهري كائنها بمنزلة البعر انتهى ورأى عشرة من الصحابة رضي الله عنهم وكان إذا أقبل على كتبه لم يلتفت إلى شيء فقالت له امرأته والله إن هذه الكتب (1/162) ________________________________________ 163 أشد على ثلاث من ضرائر وقال ابن تيمية حفظ الزهري الإسلام نحوا من سبعين سنة وقال ابن قتيبة وكان أبو جده عبد الله بن شهاب شهد مع المشركين بدراً وكان أحد النفر الذين تعاقدوا يوم أحد لئن رأوا رسول الله أو ليقتلن دونه وهم عبد الله بن شهاب وأبي بن خلف وابن قميئة وعتيبة بن أبي وقاص وكان يزيد بن عبد الملك استقضى الزهري ولما مات دفن بماله على قارعة الطريق ليمر مار فيدعو له والموضع الذي دفن فيه آخر أعمال الحجاز وأول عمل فلسطين وبه ضيعة وأخو الزهري عبد الله بن مسلم وكان أسن من الزهري ويكنى أبا محمد وقد لقي ابن عمر وروى عنه وعن غيره ومات قبل الزهري انتهى ملخصاً سنة خمس وعشرين ومائة فيها توفي أبو سعيد بن أبي سعيد المقبري المحدث المكثر عن أبي هريرة وروى عن سعد بن أبي وقاص قال ابن سعد ثقة لكنه اختلط قبل موته بأربع سنين قال الذهبي في العبر قلت ما سمع منه ثقة في اختلاطه انتهى وفيها مات في ربيع الآخر الخليفة أبو الوليد هشام بن عبد الملك الأموي وكانت خلافته عشرين سنة وكانت داره عند الخواصين بدمشق فعمل منها السلطان نور الدين مدرسة وكان ذا رأي وحزم وحلم وجمع للمال عاش أربعاً وخمسين سنة وكان أبيض سميناً سديداً حسن الكلام شكس الأخلاق شديد الجمع للمال قليل البذل وكان حازماً متيقظاً لا يغيب عنه شيء من أمر ملكه قال المسعودي كان هشام أحول فظاً غليظاً يجمع الأموال ويعمر الأرض ويستجيد الخيل وأقام الجلبة فاجتمع له فيها من خيلة وخيل غيره أربعة آلاف فرس ولم يعرف ذلك في جاهلية ولا إسلام لأحد من الناس وقد ذكرت الشعراء ما اجتمع له من الخيل واستجاد الكساء والفرش وعدد الحرب (1/163) ________________________________________ 164 ولامتها واصطنع الرجال وقوي الثغور واتخذ القنى والبرك بمكة وغير ذلك من الآبار التي عليها داود بن علي في صدره الدولة العباسية وفي أيامه عمل الحرن فسلك الناس جميعاً في أيامه مذهبه ومنعوا ما في أيديهم فقل الأفضال وانقطع الرفد ولم ير زمان أصعب من زمانه وكان زيد بن علي يدخل على هشام فدخل عليه يوما بالرصافة فلما مثل بين يديه لم ير موضعاً يجلس فيه فجلس حيث انتهى به مجلسه فقال يا أمير المؤمنين ليس أحد يكبر عن تقوى الله فقال له هشام أسكت لا أم لك أنت الذي تنازعك نفسك في الخلافة وأنت ابن أمة فقال يا أمير المؤمنين إن لك جواباً إن أحببت أجبتك به وإن أحببت أمسكت عنك قال لا بل أجب قال إن الأمهات لا يقعدن بالرجال عن الغايات وقد كانت أم إسماعيل أمة لأم إسحاق صلى الله عليها فلم يمنعه ذلك إلى ابتعثه الله نبياً وجعله للعرب أبا وأخرج من صلبه خير البشر محمداً لي كذا وأنا ابن فاطمة وابن علي وقام وهو يقول ( شرده الخوف وأزرى به * كذاك من يكره حر الجلاد ) ( منخرق الخفين يشكو الوجا * ينكبه أطراف مرو حداد ) ( قد كان في الموت له راحة * والموت حتم في رقاب العباد ) ( إن يحدث الله له دولة * يترك آثار العدا كالرماد ) وعرض هشام يوماً الجند فمر به رجل من أهل حمص وهو على فرس نفور فقال له هشام ما حملك على أن ترتبط فرساً نفوراً فقال الحمصي لا والرحمن الرحيم يا أمير المؤمنين ما هو بنفور وإنما أبصر حولك فظن أنه عين عرون البيطار فنفر فقال له هشام تنح فعليك وعلى فرسك لعنة الله وكان عرون نصرانيا ببلاد حمص كأنه هشام في حوله وكشفته وبينما هشام ذات يوم جالساً وعنده الأبرش الكلبي إذ طلعت وصيفة لهشام عليها فقال للأبرش مازحها فقال لها الأبرش هبي لي حلتك فقالت (1/164) ________________________________________ 165 لأنت أطمع من أشعب فقال هشام ومن أشعب قال مضحكة بالمدينة وحدثه ببعض أحاديثه فضحك هشام وقال اكتبوا إلى إبراهيم بن هشام وكان عامله على المدينة في حمله إلينا فلما ختم الكتاب أطرق هشام طويلاً ثم قال يا أبرش هشام يكتب إلى بلد رسول الله إليه مضحك لاها الله ثم تمثل ( إذا أنت طاوعت الهوى قادك الهوى * إلى بعض ما فيه عليك مقال ) وأوقف الكتاب ودخل هشام بستاناً وله معه ندماؤه فطافوا به وفيه من كل الثمار فجعلوا يأكلون ويقولون بارك الله لأمير المؤمنين فقال وكيف يبارك لي فيه وأنتم تأكلونه ثم قال ادع قيمة فدعى به فقال له اقلع شجرة واغرس فيه زيتوناً حتى لا يأكل أحد منه شيئاً وكان أخوه مسلمة مازحه قبل أن يلي الأمر فقال له يا هشام أتؤمل الخلافة وأنت جبان بخيل قال أي والله العليم الحليم وذكر الهيثم بن عدي والمدايني وغيرهما إن السواس من بني أمية ثلاثة معاوية وعبد الملك وبهشام ختمت أبواب السياسة وحسن السير وإن المنصور كان في أكثر أموره وتدبيره وسياسته متبعاً لهشام في أفعاله لكثرة ما يستحسنه من أخبار هشام وسيره انتهى ملخصاً ومن نوادره ما روى أنه تمادى في الصيد فوقع على غلام فأمر ببعض الأمر فأبى الغلام وأغلظ له في القول وقال له لا قرب الله دارك ولا حيا في قصة طويلة فيها أنه أمر بقتله وقرب له نطع الدم فأنشأ الغلام يقول ( نبئت أن الباز علق مرة * عصفور بر ساقه المقدور ) ( فتكلم العصفور في أظفاره * والباز منهمك عليه يطير ) ( ما في ما يغني لبطنك شبعة * ولئن أكلت فإني لحقير ) ( فتعجب الباز المدل بنفسه * عجباً وأفلت ذلك العصفور ) فضحك هشام وقال يا غلام أحش فاه دراً وجوهراً (1/165) ________________________________________ 166 وفيها توفي أشعث بن أبي الشعث المحاربي الكوفي وآدم بن علي الشيباني الكوفي الذي روى عن ابن عمر وأبو جعفر بن أبي وحشية وإياس صاحب سعيد بن جبير وقد روي عن عباد بن شرحبيل الصحابي وأبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي والد المنصور والسفاح وله ستون سنة وكان جميلاً وسيماً مهيباً نبيلاً وكان دعاة العباسيين يكاتبونه ويلقبونه بالإمام وسبب الأمر العباسيين أن الشيعة كانت تقصد إمامة محمد بن الحنفية بعد أخيه الحسين ونقلوها بعده إلى ولده أبي هاشم فلما حضرت أبا هاشم الوفاة ولا عقب له أوصى إلى محمد بن علي المذكور ودفع إليه كتبه وصرف الشيعة إليه ولما حضرته الوفاة أوصى إلى ولده إبراهيم المعروف بالإمام فلما حبسه مروان بن محمد آخر ملوك الأمويين وعرف أنه مقتول أوصى إلى السفاح وهو أول خلفاء العباسيين وشرح القصة يطول وستورد تمامه في ترجمة السفاح إن شاء الله تعالى وفيها وقيل في سنة أربع زيد بن أبي أنيسة الجزري الرهاوي الجافظ أحد علماء الجزيرة وله أربعون سنة روى عن جماعة من التابعين قال الذهبي في المعنى هو ثقة نبيل قال أحمد في حديثه بعض النكرة وفيها أو بعدها زياد بن علاقة الثعلي الكوفي روى عن طائفة وكان معمراً أدرك ابن مسعود وسمع من جرير بن عبد الله وفيها صالح مولى التؤمة المدني وقد هرم وخرف لقي أا هريرة وجماعة (1/166) ________________________________________ 167 فيها ف جمادى الآخرة مقتل الخليفة الوليد بن يزيد بن عبد الملك بحصن البخراء بقرب تدمر وكانت خلافته سنة وثلاثة أشهر وكان من أجمل الناس وأقواهم وأجودهم نظماً ولكنه كان فاسقاً متهنتكاً زعم أخوه سليمان أنه راوده عن نفسه فقاموا عليه لذلك مع ابن عمه يزيد بن الوليد الملقب بالناقص لكونه نقص الجند أعطياتهم وبويع يزيد الناقص فمات في العشر من ذي الحجة من السنة عن ست وثلاثين سنة وبويع بعده أخوه إبراهيم بن الوليد فدعا الناس إلى القدر وحملهم عليه وسيأتي الكلام عليه بقية قريباً إن شاء الله تعالى قاله في العبر وقال المسعودي في مروج الذهب ظهر في أيام الوليد بن يزيد يحي بن زيد بن علي بن أبي طالب بالجوزجا من بلاد خراسان منكراً للظلم وما عم الناس من الجور فسير إليه نصر بن سيار سالم بن أحوز المازني فقتل يحي في المعركة بسهم أصابه في صدغه بقرية يقال لها أرعونة ودفن هنالك وقبره مشهور إلى هذه الغاية وليحي وقائع كثيرة ولما قتل ولي أصحابه يومئذٍ واحترزوا رأسه فحمل إلى الوليد وصلب جسده بالجوزجان فلم يزل مصلوباً إلى أن خرج أبو مسلم صاحب الدولة فقتل سالم بن أحوز وأنزل جثة يحي فصلى عليها ودفنت هنالك وأظهر أهل خراسان النياحة علي يحي بن زيد سبعة أيام في سائر عمائرها في حال أمنهم على أنفسهم من سلطان بني أمية ولم يولد في تلك السنة مولود بخراسان إلا وسمي يحي أو زيد لما داخل أهل خراسان من الجزع والحزن عليهم وكان ظهور يحي آخر سنة خمس وعشرين وقيل في سنة ست وعشرين (1/167) ________________________________________ 168 ومائة وكان يحي يوم قتل يكثر من التمثل بقول الخنساء ( نهين النفوس وهون النفس * يوم الكريهة أوفى لها ) وكان الوليد بن يزيد صاحب شراب ولهو وطرب وسماع للغناء وهو أول م حمل المغنين إليه من البلدان وجالس الملهين وأظهر الشرب والملاهي والعزف وفي أيامه كان ابن سريج المغني ومعبد والفريض وابن عائشة وابن محرز وطويس ودحمان المغنين وغلبت شهوة الغناء في أيامه على الخاص والعام واتخذ القيان وكان متهتكاً ماجناً خليعاً وطرب الوليد لليلتين خلتا من ملكه وأرق فأنشأ يقول ( طالت وبت أسقي السلافة * وأتاني نعي من بالرصافة ) ( فأتاني ببردة وقضيب * وأتاني بخاتم للخلافة ) ومن مجونه قولهعند وفاة هشام وقد أتاه البشير بذلك وسلم عليه بالخلافة ( إني سمعت خليلي * نحو الرصافة رنه ) ( أقبلت أسحب ذيلي * أقول ما حالهنه ) ( إذا بنات هشام * يند بن والدهنه ) ( يدعون ويلاً وعولاً * والويل حل بهنه ) ( أنا المخنث حقاً * إن لم انيلنهنه ) ومن مليح قوله في لاشراب ( وصفراء في الكاس كالزعفران * سباها لنا التجر من عسقلان ) ( تريك القذاة وعرض الإناء * ستر لها دون مس البنان ) ( لها حبب كلما صفقت * تراها كلمعة برق يماني ) ومن مجونه أيضاً على شرابه قوله لساقيه ( اسقني يا يزيد بالطر جهاره * قد طربنا وحنت المزمارة ) ( اسقني اسقني فإن ذنوبي * قد أحاطت فما لها كفارة ) والوليد يدعى خليع بني مروان وقرأ ذات يوم ( ^ واستفتحوا وخاب كل جبار (1/168) ________________________________________ 169 عنيد من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد ) فدعا بالمصحف فنصبه غرضاً وأقبل يرميه وهو يقول ( أتوعد كل جبار عنيد * فها أنا ذاك جبار عنيد ) ( إذا ما جئت ربك يوم حشر * فقل يا رب خرقني الوليد ) وذكر محمد بن يزيد المبرد أن الوليد ألحد في شعر له ذكر فيه النبي ذلك الشعر ( تلعب بالخلافة هاشمي * بلا وحي أتاه ولا كتاب ) ( فقل لله يمنعني طعامي * وقل لله يمنعني شرابي ) فلم يمهل بعد قوله هذا إلا أياماً حتى قتل انتهى ما ذكره في المروج ملخصاً وأم الوليد بنت أخي الحجاج بن يوسف الثقفية ويكنى أبا العباس وقصمه الله وهو ابن سبع وثلاثين سنة وقيل اثنتان وأربعون سنة ودفن بدمشق بين باب الجابية وباب الصغير وفيها توفي جبلة بن سحيم الكوفي روى عن ابن عمر ومعاوية وفي المحرم هلك خالد بن عبد الله القسري الدمشقي الأمير تحت العذاب وله ستون سنة وكان جواداً ممدحاً خطيباً مفوهاً خطب بواسط يوم أضحى وكان ممن حضره الجعد بن درهم فقال خالد في خطبته الحمد لله الذي اتخذ إبراهيم خليلاً وموسى كليماً فقال الجعد وهو بجانب المنبر لم يتخذ الله إبراهيم خليلاً ولا موسى كليماً ولكن من ورا ورا فلما أكمل خالد خطبته قال يا أيها الناس ضحوا قبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعدين درهم فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً ولا موسى كليماًفي كلام طويل ثم نزل فذبحه في أسفل المنبر فلله ما أعظمها وأقبلها من أضحية والجعد هذا من أول من نفىالصفات وعنه انتشرت مقالة الجهمية إذ ممن حذا حذوة في ذلك الجهم بن صفوان عاملها الله تعالى بعدله قال الذهبي في المغني الجعد بن درهم ضال مضل زعم أن الله تعالى لم يتخذ إبراهيم (1/169) ________________________________________ 170 خليلا تعالى الله عما يقول الجعد علوا كبيراً انتهى وقال فيه أيضاً خالد بن عبد الله القسري عن أبيه عن جده صدوق لكنه ناصبي جلد انتهى وقال ابن معين عن خالد هذا كان رجل سوؤ يقع في علي رضي الله عنه ولي العراق لهشام انتهى وقال ابن الأهدل في تاريخه عن خالد كان أمير العراق لهشام وكان أحد الأجواد كتب إليه هشام بلغني أن رجلاً قال لك إن الله كريم وأنت كريم جواد وانت جواد حتى عد عشر خصال والله لئن لم تخرج من هذا لأستحلن دمك فكتب إليه خالد إنما قال لي إن الله كريم يحب الكريم فأنا أحبك لحب الله إياك ولكن أشد من هذا مقام ابن سعي البجلي بحضرة أمير المؤمنين قائلاً خليفتك أحب إليك أم رسولك فقال بل خليفتي فقال أنت خليفة الله ومحمد رسوله والله لقتل رجل من بجيلة أهون من كفر أمير المؤمنين فكتب هشام إلى عامله على اليمن يوسف ابن عم الحجاج يقول اشفني من ابن النصرانية فسار يوسف من حينه واستعمل ولده الصلت مكانه ووصل العراق في سبعة عشر يوماً فوقع على خالد بالحيرة منزل النعمان بن المنذر على فرسخ من الكوفة فعذبه أشد تعذيب وجعل عليه كل يوم مالاً معلوماً إن لم يؤده ضاعف عذابه ومدحه أبو الشعث العبسي في السجن بقوله ( ألا إن خير الناس حياً وميتاً * أسير ثقيف عندهم في السلاسل ) ( لقد كان نهاضاً لكل ملمة * ويعطى اللهى فضلاً كثير النوافل ) ( وقد كان يقنى المكرمات لقومه * ويعطى العطا في كل حق وباطل ) فأنفذ إليه عطاء ذلك اليوم فاعتذر عن قبولها فأقسم عليه ليأخذنها وكان خالد فيما قيل من ذرية شق الكاهن وشق ابن خالة سطيح وكانا من أعاجيب الزمان كان سطيح جسداً ملقى بلا جوارح ووجهه في صدره ولم يكن له رأس ولا عنق وكان لا يقدر يجلس إلا إذا غضب فإنه ينتفخ فيجلس قيل وكان يطوي مثل الأديم وينقل من مكان إلى مكان وكان شق نصف (1/170) ________________________________________ 171 إنسان له يد ورجل وولداً في يوم واحد وهو اليوم الذي ماتت فيه طريقة الكاهنة الحميرية زوجة عمرو بن مزيقياء بن عامر بن ماء السماء وحين ولدا تفلت في أفواههما وماتت من ساعتها ودفنت بالجحفة انتهى ما أورده ابن الأهدل وفيها توفي دراج بن سمعان أبو السمح المصري القاص مولى عبد الله بن عمرو بن العاص قال السيوطي في حسن المحاضرة يقال اسمه عبد الرحمن ودراج لقب روى عن عبد الله بن الحارث بن جزء وعنه الليثي انتهى وفيها وقيل سنة ثمان سعيد بن مسروق والد سفيان الثوري وعمرو بن دينار أبو محمد الجمحي مولاهم اليمني الصنعاني الايناوي بمكة عن ثمانين سنة قال عبد الله بن أبي نجيح ما رأيت أحداً قط أفقه منه وقال شعبة ما رأيت في الحديث أثبت منه قال في العبر سمع ابن عباس وجابراً وطائفة انتهى وقال طاووس لابنه إذا قدمت مكة فجالس عمرو بن دينار فإن أذنيه قمع العلم والقمع بكسر القاف وفتح الميم إناء واسع الأعلى ضيق الأسفل يصب فيه الدهن إلى قارورة أو نحوها وقال ابن قتيبة هو مولى ابن باذان من فرس اليمن انتهى وفيها توفي عبد الرحمن بن القسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني الفقيه كان إماماً ورعاً كثير العلم وفيها على الصحيح سليمان بن حبيب المحاربي قاضي دمشق روى عن معاوية وجماعة قال أبو داود ولي قضاء دمشق أربعين سنة وعبد الله بن هبيرة السبائي المصري وله ست وثمانون سنة وعبيد الله بن أبي يزيد المكي صاحب ابن عباس ويحي بن جابر الطائي قاضي حمص قال ابن الأهدل وفي ذي الحجة منها مات يزيد بن الوليد بن عبد الملك وقد بلغ من السن أربعين سنة وولايته خمسة أشهر وله عقب كثير وفي (1/171) ________________________________________ 172 جداته من أمه كسراويتين وفي ذلك يقول مفتخراً ( أنا ابن كسرى وأنا ابن خاقان * وقيصر جدي وجدي مروان ) ومن خطبته يوم قتل الوليد أيها الناس والله ما خرجت أشراً ولا بطراً ولا حرصاً على الدنيا ولا رغبة في الملك وما بي إطراء نفسي إني لظلوم لها ولكني خرجت غضباً لله ولدينه لما ظهر الجبار العنيد المستحل لكل حرمة الراكب لكل بدعة الكافر بيوم الحساب وأنه لابن عمي في النسب وكفؤي في الحسب فلما رأيت ذلك استخرت الله في أمره وسألته أن لا يكلني إلى نفسي ودعوت إلى ذلك من أجابني حتى أراح الله منه العباد وطهر منه البلاد بحوله وقوته لا بحولي ولا قوتي انتهى سنة سبع وعشرين ومائة لما بلغ مروان بن محمد بن مروان وفاة يزيد الناقص سار من أرمينية في جيوشه يطلب الأمر لنفسه فجهز إبراهيم الخليفة أخويه بشراً ومسرورا في جيش كبير فهزم جيشهما وأسرهما ثم حاربه سليمان بن هشام بن عبد الملك فانهزم أيضاً فخرج إبراهيم للقائه وكان مروان نزل بمرج دمشق وبذل إبراهيم الأموال والخزائن فخذله أصحابه فخلع نفسه وبايع هو والناس مروان وفي هذه الفتنة قتل يوسف بن عمر الثقفي في السجن بدمشق وكان سجنه يزيد بن الوليد مع الحكم وعثمان ابن الوليد بن يزيد اللذين يقال لهما الجملان فلما ولي إبراهيم بن الوليد وغلبه مروان خافت جماعة إبراهيم أن يدخل مروان دمشق فيخرجهما مع يوسف فندبوا لقتلهم يزيد بن خالد بن عبد الله القسري فقتلهم وأدرك الثار بأبيه فجعل في رجلي يوسف حبلا وجرره الولدان في الشوارع ففعل يزيد بن خالد مثل ذلك في الموضع نعوذ بالله من سخطه وقتل أيضاً عبد العزيز ن الحجاج بن عبد الملك (1/172) ________________________________________ 173 وفيها توفي عبد الله بن دينار مولى ابن عمر بالمدينة قال ابن ناصر الدين كان ثبتا ثقة متقناً والسي الكبير الولي الشهير أبو يحي مالك بن دينار البصري الزاهد المشهور كان مولى لبني أسامة بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك وكان يكتب المصاحف بالأجرة أقام أربعين سنة لا يأكل من ثمار البصرة ولا يأكل إلا من عمل يده ووقع حريق بها فخرج متزراً بباريه وبيده مصحف وقال فاز المخففون وقيل له ألا تستسقي لنا فقال أنتم تنتظرون الغيث وأنا انتظر الحجارة وقال له رجل إن امرأتي حبلى منذ أربع سنين وأصبحت اليوم في كرب عظيم فادع الله لها فقال اللهم إن كان في بطنها جارية فأبدلها غلاماً فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب فجاء الرجل على رقبته غلام وقد استوت أسنانه وما قطع سراره وفيها توفي عمير بن هانئ العنسي بالنون الدراني روى عن معاوية في الصحيحين وعن أبي هريرة في السنن قال له عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أراك لا تفتر عن الذكر فكم تسبح كل يوم قال مائة ألف تسبيحة إلا أن تخطئ الأصابع قلت هذا صريح منه بأنه كان يعد التسبيح بأصابعه ولكن أورد أبو بكر ابن داود في التحفة أن أبا الدرداء كان يسبح كل يوم مائة ألف تسبيحة أيضاً ثم قال ما معناه وهذا دليل أنه كان يستعمل السبحة إذ يبعد ويتعذر أن يضبط مثل هذا العدد بغيرها وجعله من جملة الأدلة على السبحة بعد أن ذكر أيضاً أن أبا هريرة كان يسبح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة وسلسل إليه حديثاً بالسبحة والله أعلم وفيها قاضي المدينة سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني قال شعبة كان يصوم الدهر ويختم كل يوم وعبد الكريم بن مالك الجزري الحراني الحافظ كهلا قال في المغني ثقة مشهور وتوقف فيها ابن حبان وفيها وهيب بن كيسان المدني المؤدب عن سن عالية (1/173) ________________________________________ 174 وفيها أوفى سنة تسع إسماعيل السدي الكوفي في المفسر المشهور وفيها وقيل سنة ثمان توفي أبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي شيخ الكوفة وعللها له نحو المائة رأى علياوغزا الروم زمن معاوية قال في المعارف وهو من بطن من همدان يقال لهم السبيع قال شريك ولد أبوه إسحاق السبيعي في سلطان عثمان لثلاث سنين بقين منه ومات سنة سبع وعشرين ومائة وله خمس وتسعون سنة حدثنا عبد الرحمن عن عمه عن إسرائيل عن أبي إسحاق قال رفعني أبي حتى رأيت علي بن أبي طالب يخطب أبيض الرأس واللحية انتهى وقال عنه ابن ناصر الدين كان أحد أئمة الإسلام والحفاظ المكثرين وروى عن زيد بن أرقم انتهى سنة ثمان وعشرين ومائة فيها ظهر الضحاك بن قيس الخارجي وقتل متولي البصرة والموصل واستولى عليها وكثرت جموحه وأغار على البلاد وخاف مروان فسار إليه بنفسه فالتقى الجيشان بنصيبين وكان أشار على الضحاك أمراؤه أن يتقهقر فقال مالي في دنياكم من حاجة وقد جعلت لله على أن أيت هذا الطاغية أن أحم عليه حتى يحكم الله بيننا وعلى دين سبعة دراهم معنى منها ثلاثة آلاف فأحاطوا بذلك الخارجي فقتلوه في نحو ستة آلاف من الفريقين وقام بأمر الخوارج شيبان فتحيزهم وخندق وخندقوا على أنفسهم وجاء مروان فنازلهم وقاتلهم عشرة أشهر كل يوم يكسرونه وكانت فتنة هائلة تشبه فتنة ابن الأشعث مع الحجاج ثم رحل شيبان نحو شهرزور ثم إلى كرمان ثم كر إلى البحرين فقتل هناك وفيها خروج بسطام بن الليث بأذربيجان ثم قدم نصيبين في نيف وأربعين رجلاً فنهض لحربه عسكر الموصل فبيتهم وأصاب منهم ثم عاث بنصيبين ثم قتل (1/174) ________________________________________ 175 وفيها ولى العراقين يزيد بن عمر بن هبيرة وعزل عبد الله بن عمر بن عبد العزيز وقبض عليه ابن هبيرة نم واسط وبعث به إلى مروان مع ابن له فلم يزالا في حبسه حتى ماتا وفيها توفى بكر بن سوادة الجذامي المصري مفتي مصر وقد روى عن عبد اللهب نعمر وسهل بن سعد وجابر بن يزيد الجعفي من كبار لا محدثين بالكوفة روى عن أبي الطفيل ومجاهد وثقه وكيع وغيره وضعفه آخرون وأبو قبيل المعافري المصري حي بن هاني سمع عقبة وعبيد الله بن عمرو وعاصم بن أبي النجود الكوفي في الأسدي مولاهم أحد القراء السبعة كان حجة في القرآت صدوقاً في الحديث قرأ على أبي عبد الرحمن السلمي وغيره وأبو عمر أن الجوني البصري عبد الملك بن حبيب عن سن عالية سمع جندب بن عبد الله وجماعة وفيها على الأصح أبو حصين الأدجي عثمان بن عاصم سيد بني أسد الكوفة كان ثبتاً خيراً فاضلاً عثمانياً لقي جابر بن سمرة وطائفة وأبو الزبير المكي محمد بن مسلم أحد العقلاء والعلماء لقي عائشة و الكبار قال ابن ناصر الدين نقم عليه التدليس ومع ذلك فهو إمام حافظ واسع العلم رئيس انتهى وأبو جمرة الضبعي البصري نصر بن عمران صاحب ابن بعاس وفيها فقيه مصر وشيخها ومفتيها أبو رجاء يزيد بن أبي حبيب الأزدي مولاهم لقي عبد الله بن الحرث بن جزء وطائفة قال الليث هو عالمنا وسيدنا وفيها أبو التياح البصري صاحب أنس واسمه يزيد بن حميد قال أبو إياس ما بالبصرة أحد أحب إلى أن ألقى الله بمثل عمله نم أبى التياح وقال أحمد هو ثبت ثقة وفيها يحيى ين يعمر النحوي البصري لقي ابن عمر وابن عباس وغيرهما وأخذ النحو عن أبي الأسود وكان يفضل أهل البيت من غير تنقص لغيرهم (1/175) ________________________________________ 176 قال له الحجاج تزعم أن الحسن والحسين من ذرية رسول الله لتخرجن من ذلك أو الألفين الأكثر من ك شعراً فقال قال الله تعالى ومن ذريته داود وسليمان الآية و زكريا ويحيى وعيسى الآية وبين عيسى و إبراهيم أكثر مما بين الحسن والحسين ومحمد فقال له الحجاج خرجت ولقد قرأتها وما علمت بها قط ثم قال له الحجاج أين ولدت قال البصرة قال وأين نشأت قال بخراسان قال فمن أين هذه العربية قال رزق ثم كتب الحجاج إلى قتيبة بن مسلم أن أجعل يحيى بن يعمر على قضائك سنة تسع وعشرين ومائة في رمضان منها كان ظهور أبي مسلم الخراساني صاحب الدعوة بمرو وفيها توفي عالم المغرب وعابدها خالد بن أبي عمران التجيبي التونسي قاضي أفريقيه روى عن عروة وطبقته وسالم المدني أبو النضر وحديثه عن عبد الله بن أبي أوفى أجازه في الصحيحين وفيها وقيل في سنة إحدى وثلاثين على بن زيد بن جدعان القرشي التيمي البصري الضرير كان أحد أوعية العلم قال في العبر كان أحد علماء الشيعة وكان كثير الرواية ليس بالقوي انتهى وفيها على الصحيح يحيى بن أبي كثير صالح بن المتوكل وقيل اسم أبيه يسار وقيل نشيط وقيل دينار الطائي مولاهم كان أحد العلماء الأعلام الأثبات قال أيوب السختياني ما بقي على وجه الأرض مثل يحيى بن أبي كثير وقال في العبر هو أحد الأعلام في الحديث له حديث في صحيح مسلم عن أبي أمامة وآخر في سنن النسائي عن أنس فيقال لم يلقمها والله أعلم انتهى وفيها قارىء المدينة الزاهد العابد أبو جعفر يزيد بن القعقاع عن بضع وثمانين سنة أخذ عن أبي هريرة وابن عباس وقرأ عليه نافع وإلياس وله ذكر في سنين أبي داود وكان من أفضل أهل زمانه رؤى بعد موته على ظهر الكعبة وهو يخبر أنه من الشهداء الكرام (1/176) ________________________________________ 177 سنة ثلاثين ومائة فيها كانت فتنة الإباضية وهم المنسوبون إلى عبد الله بن أباض قالوا مخالفونا من أهل القبلة كفار ومرتكب الكبيرة موحد غير مؤمن بناء على أن الأعمال داخلة في الإيمان وكفروا علياً و : ثر الصحابة وكان داعيتهم في هذه الفتنة عبد الله بن يحيى الجندي الكندي الحضرمي طالب الحق وكانت لهم وقعة بقديد مع عبد العزيز بن عبد الله بن عمرو بن عثمان فقتل عبد العزيز ومن معه من أهل المدينة فكانوا سبعمائة أكثرهم من قريش منهم مخرمة بن سليمان الوالبي روى عن عبد الله بن جعفر وجماعة وبعدها سارت الخوارج إلى وادي القرى وليهم عبد الملك السعدي فقتلهم ولحق رئيسهم إلى مكة فقتله أيضاً ثم سار إلى تبالة وراء مكة بست مراحل فقتل داعيتهم الكندي وفيها توفي بالبصرة شعيب بن الحبحاب صاحب أنس وأبو الحويرث عبد الرحمن بن معاوية الأنصاري المدني وعبد العزيز بن رفيع المكي ثم الكفوي عن نيف وتسعين سنة روى عن ابن عباس وجماع وشيبة بن نصاح بن سرجس ابن يعقوب مولى أم سلمة ولا يعلم أحدروى عن نصاح إلا ابنه شيبة إمام أهل المدينة في القراءات في دهره قرأ على أبي هريرة وابن عباس وقال قالون كان نافع أكثر اتباعاً لشيبة بن جعفر عبد العزيز بن صهيب البصري الأعمى وكعب بن علقمة التنوخي المصري روى عن أبي تيم الجشاني وطائفة وفيها وقيل سنة إحدى وثلاثين السيد الجليل كبير الذكر محمد بن المنكدر التيمي (1/177) ________________________________________ 178 المدني قال ابن ناصر الدين هو محمد بن عبد الله بن الهدير بن معبد القرشي بن عامر ابن الحارث بن حارثة بن سعد بن تميم بن مرة أبو بعد اله ويقال أبو بكر القرشي التيمي أخو أبي بكر وعمر سمع أبا هريرة وابن عباس وجابراً وأنساً وابن المسيب وعدة أخر وهو من أضراب عطاء بن أبي رباح لكن تأخرت وفاته عن تلك الطبقة انتهى قيل هله أي العمال أفضل قال إدخال السرور على المؤمنين وقيل له أي الدنيا أحب إليك قال الافضال على الإخوان وكان يحج وعليه دين فقيل له أتحج وعليك دين فقال اعرضهم على الله قال مالك كنت إذا وجدت من قلبي قسوة آتى ابن المنكدر فأنظر إليه نظرة فأبغض نفسي أياما وكان من أزهد الناس وأبعدهم وكان له أخوان فقيهان عابدان أبو بكر ابن المنكدر وعمر بن المنكدر وسمع محمد عائشة وأبا هريرة وكان بيته مأوى الصالحين ومجتمع العابدين وفيها توفي أبو وجزة السعدي المدني بن عبيد الذي روى عن عمير بن أبي سلمة ويزيد الرشك بالبصرة روى عن مطرف ابن الشخير وجماعة وفيها توفي يزيد بن رومان المدني روى عن عروة وجماعة وقيل إنه قرأ على ابن عباس وهو من شيوخ نافع في القراءة (1/178) ________________________________________ 179 وقاضي دمشق يزيد بن عبد الرحمن بن مليك الهمداني الفقيه أخذ عن وائلة بن الأسقع وجماعة سنة إحدى وثلاثين ومائة فيها استولى أبو مسلم صاحب الدعوة على ممالك خراسان وهزم الجيوش وأقبلت سعادة بني العباس وولت الدنيا عن بني أمية وكان ابتداء دعوته بمرو وذلك أن أبا مسلم واسمه عبد الرحمن بن مسلم قام بالدعوة الهاشمية وابتداء أمره أن أباه مسلماً رأى أنه خرج من إحليله نار وارتفعت في السماء ووقعت في ناحية المشرق فقصها على مولاه عيسى بن معقل العجلي فقال له يولد لك غلام يكون له شأن فمات أبوه ووضعته أمه ونشأ عند عيسى بن معقل ثم حبس عيسى وأخوه إدريس جد أبي دلف العجلي الذي يمدح في بقايا عليهم من الخراج فكان أبو مسلم يختلف إليهما فوافق عندهم يوماً جماعة من نقباء الإمام محمد بن علي بن عبد الله بن عباس يدعون إلى بيعته سرا فمال إليهم أبو مسلم وسار معهم حتى قدموا على الإمام محمد بن علي بمكة فشكر فعلهم وأشار لأبي مسلم وقال له أنت ممن يتحرك في دولتنا ومات الإمام عقب ذلك وقد أوصى إلى ابنه إبراهيم فقدمت الدعاة على إبراهيم ومعهم أبو مسلم وهو غلام حزور فسلموا أبا مسلم إليه فكان يخدمه حضراً وسفراً ثم أرسله إلى خراسان فشهر الدعوة وهو ابن ثماني عشرة سنة وقيل ابن ثلاث وثلاثين سنة وكان يدعو إلى رجل من بني هاشم غير معين ثم أظهر الدعوة لإبراهيم بن محمد وكان إبراهيم بحران فقبض عليه مروان وجعل رأسه بحراب نورة وشد عليه فمات غما وهرب أخوه عبد الله السفاح فتوارى بالكوفة حتى أتته جيوش أبي مسلم من خراسان بعد وقعاته العظيمة (1/179) ________________________________________ 180 بأمراء الأمويين فبايعوه وسموه المهدي الوارث للإمامة وكان أبو مسلم معظماً يلقاه أبو ليلى القاضي فيقبل فنهى أبو ليلى فقال قبل أبو عبيدة يد عمر فقيل شبهته بعمر قال تشبهوني بأبي عبيدة ومن جوده أنه حج في ركبه فأقسم أن لا يوقد غير ناره وقام بمؤونتهم حتى قدم مكة ووقف بمكة خمسمائة وصيف يسقون الناس في المسعى وآخر أمره أنه لما ولى أبو جعفر المنصور بعد أخيه السفاح صدرت من أبي مسلم قضايا غيرت قلبه عليه من ذلك أنه كتب إليه كتاباً فبدأ بنفسه وخطب إليه عمته آسية وقد كان في ابتداء دولة المنصور قام عليه ابن أخيه ابن السفاح عبد الله فجهز إليه أبو جعفر أبا مسلم فهزمه وقبض خزانته وما معه فكتب إليه أبو جعفر المنصور احتفظ بما في يديك ولا تضيعه فشق ذلك على أبي مسلم وعزم على خلع المنصور ثم إن المنصور استعطفه ومناه وحفظها له وقال لمسلم بن قتيبة الباهلي ما ترى في أبي مسلم فقال لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فقال حسبك لأذن واعية قيل قيل وقد كان قيل لأبي مسلم أو رؤى له في الملاحم أنه يميت دولة ويحي دولة ويقتل بأرض الروم وكان المنصور برومية منزلاً سوى المدائن فنزلها وبنى فيها رومية وقدم أبو مسل من حجة على المنصور جماعة خلف سريره وقال لهم إذا دخل وعاتبته وضربت يداً على يد فأظهروا له واضربوا عنقه ففعلوا وأنشد حين رآه طريحا ( زعمت أن الكيل لا ينقضى * فاستوف بالكيل أبا مجرم ) ( اشرب بكأس كنت تسقى بها * أمر في الحلق من العلقم ) واختلف في نسب أبي مسلم فقيل من العرب وقيل من العجم وقيل من الأكراد وفي = لك يقول أبو دلامة ( أبا مجرم ما غير الله نعمة * على عبده حتى يغيرها العبد ) (1/180) ________________________________________ 181 أفي دولة المنصور حاولت غدره * ألا إن أهل الغدر آباؤك الكرد ) ( أبا مسلم خوفتني القتل فانتحى * عليك بما خوفتني الأسد الورد ) وكان يدعى هو أنه أبا سليط بن علي بن عبد الله بن عباس وقال الكتبي في غرر الخصائص قتل أبو مسلم ستمائة ألف انتهى وكان قتل المنصور له في سنة سبع وثلاثين ومائة وفي سنة إحدى وثلاثين مات الزاهد المشهور فرقد السبخي البصري حدث عن أنس وجماعة وفيه ضعف قال الذهبي في المغني فرقد السبخي أبو يعقوب قال البخاري في حديثه مناكير وقال يحي القطان ما تعجبني الرواية عنه عن سعيد بن جبير وثقة يحي بن معين وقال أحمد ليس بالقوي انتهى ومنصور بن زاذان البصري زاهد البصرة وشيخها روى عن أنس وجماعة وكان يصلي من بكرة إلى العصر ثم يسبح إلى المغرب وفيها قتل أبو مسلم الخراساني إبراهيم ن ميمون الصائغ ظلما روى عن عطاء ونافع وفيها توفي بالبصرة إسحاق بن سويد التميمي روى عن ابن عمر وجماعة وإسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر الدمشقي مؤدب أولاد عبد الملك بن مروان وكان زاهداً عابدا روى عن أنس وطائفة وفيها فقيه أهل البصرة أيوب السختياني أحد الأعلام كان من صغار التابعين قال شعبة كان سيد الفقهاء وقال ابن عيينة لم ألق مثله وقال حماد بن زيد كان أفضل من جالسته وأشده اتباعاً للسنة وقال ابن المديني له نحو ثمانمائة حديث وقال ابن ناصر الدين هو أيوب بن أبي تميمة كيسان أبو بكر السختياني البصري كان سيد العلماء وعلم الحفاظ ثبتاً من الأيقاظ انتهى وفيها الزبير بن عدي قاضي الري يروي عن أنس وجماعة وسمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث المخزومي المدني لقي كبار التابعين (1/181) ________________________________________ 182 وفيها أبو الزناد عبد الله بن ذكوان مولى رملة بنت شيبة بن ربيعة وكانت رملة تحت عثمان بن عفان وكان أبو الزناد أنه قال أصلنا من همدان وكان عمر بن عبد العزيز ولاه خراج العراق مع عبد الحميد بن زيد بن الخطاب ومات أبو الزناد فجاءة في مغتسله في شهر رمضان وهو ابن ست وستين سنة وكان فقيهاً أحد علماء المدينة لقي عبد الله بن جعفر وأنساً قال الليث رأيت أبا الزناد وخلقه ثلثمائة تابع من طالب علم وفقه وشعر وصنوف ثم لم يلبث أن بقي وحده وأقبلوا على ربيعة قال أبو حنيفة كان أبو الزناد أفقه من ربيعة وفيها عبد الله بن أبي نجيح المكي المفسر صاحب مجاهد كان مولى لبني مخزوم ويكنى أبا يسار وكان يقول بالقدر الذهبي في المغني عبد الله بن أبي نجيح المكي المفسر ثقة قال القطان لم يسمع التفسير كله من مجاهد بل كله عن القس ابن أبي بزة وقد ذكره الجوزجاني فيمن رمى بالقدر وهو وزكريا ن إسحاق وعبد الحميد بن جعر وإبراهيم بن نافع وابن إسحاق وعمر بن أبي زائدة وشبل ابن عباد وابن أبي ذئب وسيف ب سليمان انتهى وفيها محمد بن جحادة الكوفي يروي عن أنس وطائفة توفي في رمضان وهمام بن منبه اليماني صاحب أبي هريرة وكان من أبناء المائة قال أحمد كان يغزو فجالس أبا هريرة وكان يشتري الكتب لأخيه وهب وفيها واصل بن عطاء المعتزلي المتكلم كان ألثغ يبدل الراء غنياً وكان (1/182) ________________________________________ 183 يخلص كلامه بحيث لا تسمع منه الراء حتى يظن خواص جلسائه أنه غير ألثغ حتى يقال إنه دفعت إليه رقعة مضمونها أمر أمير الأمراء الكرام أن يحفر بئر على قارعة الطريق فيشرب منه الصادر والوارد فقرأ على الفور حكم حاكم الحكام الفخام أن ينبش جب على جادة الممشى فيسقى منه الصادي والغادي فغير كل لفظ برديفه وهذا من عجيب الاقتدار وقد أشارت الشعراء إلى عدم تكلمه بالراء من ذلك قول بعضهم ( نعم تجنب لا يوم العطاء كما * تجنب بن عطاء لفظة الراء ) ولما قالت الخوارج بتكفير أهل الكبائر وقالت أهل السنة بفسقهم قال واصل بن عطاء لا مؤمنون ولا كفار فطرده الحسن عن مجلسه وصار له شيعة قال السيد الشريف في التعريفات الواصلية أصحاب أبي حذيفة واصل بن عطاء قالوا بنفي القدرة عن الله تعالى وتقدس وبإسناد القدرة إلى العباد انتهى سنة اثنتين وثلاثين ومائة فيها ابتداء دولة العباسيين وبويع أبو العباس السفاح عبد الله بن محمد ابن علي بن عبد الله بن عباس بالكوفة وجهز عمه عبد الله بن علي لمحاربة مروان ابن محمد الجعدي فزحف مروان إليه في مائة ألف إلى أن نزل بالزاب دون الموصل فالتقوا في جمادى الآخرة فانكسر مروان واستولى عبد لله بن علي على الجزيرة وطلب الشام وهرب مروان إلى مصر فاتبعهم أيضاً فأدركهم بفلسطين فأوقع بهم بضعا وثمانين رجلا ثمعبر مروان النيل طالب الحبشة فلحقه صالح بن علي عم الساح فأدركه بقرية م قرى الفيوم من أرض مصر يقال لها بوصير فوافاه صائما ًوقد قدم له الفطور فسمع الصائح فخرج وسيفه مصلت فجعل يضرب بسيفه ويتمثل بقول الحجاج بن حكيم ( متقلدين صفائحا هندية * يتركن من ضربوا كأن لم يولد ) (1/183) ________________________________________ 184 ( وإذا دعوتهم ليوم كريهة * وافوك بين مكبر وموحد ) فقصدته الخيول من كل جانب وقتلوه وكان أهله وبناته في كنيسة هناك فأقبل خادمه بالسيف مصلتا يريد الدخول عليهم فأخذ وسئل عن مراده فقال أن مروان أمرني إذا تيقنت موته أن أضرب رقاب نسائه وبناته فأرادوا قتله فقال أن قتلتموني لتفقدن ميراث رسول الله قالوا فدلنا على ذلك أن كنت صادقاً فخرج بهم إلى رمل هناك فكشفوه فإذا فيه القضيب والبرد والقعب والمصحف فأخذوه وكان الذي تولى قتله عامر ابن إسماعيل الخراساني وهو صاحب مقدمة صالح ولما قتله دخل بيته وركب سريره ودعا بعشائه وجعل رأس مروان في حجر ابنته وأقبل يوبخها فقالت له يا عامر إن دهراً أنزل مروان عن فراشه وأقعدك عليه حتى تعشيت عشائه لقد أبلغ في موعظتك وعمل في ايقاظك وتنبيهك أن عقلت وفكرت ث قالت وأبتاه واأمير المؤمنيناه فأخذ عامراً الرعب من كلامها وبلغ ذلك أبا العباس السفاح فكتب إلى عامر يوبخه ويقول أم في أدب الله ما يخرجك عن عشاء مروان والجلوس على مهاده وقتل مروان وله تسع وخمسون سنة وقيل سبع وستون وإمارة خمس سنين وتسعة أشهر وأيام وقتل معه اخ لعمر بن عبد العزيز كان أد الفرسان وكان مروان بطلاً شجاعاً ظالماً أبيض ضخم الهامة ربعة أشهل العين كث الحية أسرع إليه الشيب ذكره المنصور مرة فقال لله دره ما كان أحزمه وأسوسه وأعفه عن الفيء قاله في العب وسار أولاد مروان وشيعتهم على شاطىء النيل إلى أن دخلوا ارض النوبة فأخرجهم ملكها ثم ساروا حتى توسطوا أرض البجة ميممين ناصع من ساحل بحر القلزم ولهم حروب مع من مروا به وهلك عبيد الله بن مروان في غده قتلاً وعطشاً وخرج أخوه عبد الله فيمن بقي غلى ساحل المعدن بناصع وأرض البجة وقطعوا البحر إلى جدة فظفر به (1/184) ________________________________________ 185 وأودع السجن إلى أيام الرشيد وهلك وروى أن عبد الله هذا حدث أب جعفر المنصور بما جرى له مع ملك النوبة وملخص القصة على ما ذكره صاحب العقد الفريد ذكر سليمان بن جعفر قال لكنت واقفاً على رأس المنصور ليلة وعنده جماعة فتذاكروا زوال ملك بني أمية فقال بعضهم يا أمير المؤمنين في حبسك عبد الله بن مروان بن محمد وقد كانت له قصة عجيبة م عملك النوبة فابعث غليه فاسأله عنها فقال المنصور يا مسيب علي به فأخرج وهو مقيد بقيد ثقيل وغل ثقيل فمثل بين يديه وقال السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته فقال له المنصور يا عبد الله أن رد السلام أمن ولم تسمح لك نفسي بذلك بعد ولكن اقعد فجاؤه بوسادة فقعد عليها فقال له بلغني أنه كانت لك قصة عجيبة مع ملك النوبة فما هي قال يا أمير المؤمنين والذي أكرمك بالخلافة ما أقدر على النفس من ثقل الحديد ولقد صدئ قيدي من رشاش البول وأصب عليه الماء في أوقات الصلوات فقال المنصور يا مسيب أطلق عنه حديدة فلما أطلقه قال يا أمير المؤمنين لما قصد عبد الله بن علي عم أمير المؤمنين إلينا كنت أنا المطلوب أكثر من الجماعة كلهم لأني كنت ولي عهد أبي من بعده فدخلت إلى خزانة لنا فاستخرجت منها عشرة آلاف دينار ثم دعوت عشرة من الغلمان وحملت كل واحد على دابة ودفعت إليه ألف دينار وأوقرت خمسة أبغل ما نحتاجه وشددت على وسطي جوهراً له قيمة مع شيء من الذهب وخرجت هارباً إلى بلد النوبة فسرت فيها ثلاثاً فوقعت على مدينة خراب فأمرت الغلمان فكسحوا منها ما كان قذراً ثم فرشوا بعض تلك الفرش ودعوت غلاماً لي كنت أثق به وبعقله فقلت انطلق إلى الملك وأقرئه عني السلام وخذ لي الأمان وابتع لي ميرة قال فمضى وأبطأ عني حتى سؤت ظناً ثم أقبل ومعه رجل آخر فلما دخل قعد بين يدي وقال لي الملك يقرأ عليك السلام ويقول لك من أنت وما جاء بك إلى بلادي أمحارب لي أم راغب إلى أم مستجير بي فقلت ترد على الملك السلام وتقول له (1/185) ________________________________________ أما محارب لك 186 فمعاذ الله وأما راغب في دينك فما كنت لأبغي بديني بدلا وأما مستجير بك فلعمري قال فذهب ثم رجع إلي وقال الملك يقرأ عليك السلام ويقول لك أنا صائر إليك غدا فلا تحدثن في نفسك حدثاً ولا تتخذ شيئاً من ميرة فإنها تأتيك وما تحتاج إليه فأقبلت الميرة فأمرت غلماني يفرشون تلك الفرش وأمت بفرش نصب له ومثله وأقبلت من غدأ رقب مجيئه فبينا أنا كذلك إذ أقبل غلماني وقالوا إن الملك قد أقبل فقمت بين شرفتين من شرف القصر أنظر إليه فإذا رجل قد لبس بردتين اتزر بإحداهما وارتدى بالأخرى حاف راجل وإذا عشرة معهم الحراب ثلاثة يقدمونه وسبعة خلفه قرب من الدار إذا أنا بسواد عظيم فقلت ما هذا قيل الخيل وإذا بها تزيد على عشرة آلاف عنان فكانت موافاة الخيل إلى الدار وقت دخوله فدخل إلي وقال لترجمانه أين الرجل فلما نظر إلي وثبت إليه فأعظم ذلك وأخذ بيدي فقبلها ووضعها على صدره وجعل يدفع البساط برجله فظننت أن ذلك شيئاً يجهلونه أن يطأوا على مثله حتى انتهى الفرش فقلت لترجمانه سبحان الله لم لا يقعد على الموضع الذي وطئ له فقال قل له ني ملك وحق على كل ملك أن يكون متواضعاً لعظمة الله سبحانه إذ رفعه ثم أقبل ينكث بإصبعه في الأرض طويلاً ثم رفع رأسه فقال لي كيف سلبت نعمتكم وزال عنكم هذا الملك وأخذ منكم وأنتم أقرب إلى نبيكم من الناس جميعاً فقلت جاء من هو أقرب قرابة إلى نبينا فسلبنا وطردنا وقاتلنا فخرجت إليك مستجيراً بالله ثم بك قال فلم كنتم تشربون الخمر وهو محرم عليكم في كتابكم فقلت فعل ذلك عبيد وأتباع وأعاجم دخلوا في ملكنا بغير رأينا قال فلم كنتم تركبون على دوابكم بمراكب الذهب والفضة والديباج وقد حرم عليكم ذلك قلت عبيد وأتباع وأعاجم دخلوا مملكتنا ففعلوا قال فلم كنتم أنتم إذا خرجتم إلى صيدكم تقحمتم على القرى وكلفتم أهلها مالاً طاقة لهم به الضرب الموجع (1/186) ________________________________________ 187 ثم لا يقنعكم ذلك حتى تمشوا في زروعهم فتفسدوها فيطلب دراج قيمته نصف درهم أو عصفور قيمته لا شيء والفساد محرم عليكم في دينكم فقلت عبيد وأتباع قال لا ولكنكم استحللتم ما حرم الله وفعلتم ما نهاكم عنه وأحببتم الظلم وكرهتم العدل فسلبكم الله عز وجل العز وألبسكم الذل ولله فيكم نقمة لم تبلغ غايتها بعد وإني أتخوف عليكم أن تنزل النقمة بك إذ كنت من الظلمة فتشملني معك فإن النقمة إذا نزلت عمت والبلية إذا حلت شملت فاخرج عني بعد ثلاثة أيام من أرضى فإني إن وجدتك بعدها أخذت جميع ما معك وقتلتك وقتلت جميع من معك ثم وثب وخرج فأقمت ثلاثاً وحرجت إلى مصر فأخذني وإليك وبعث بي إليك وها أنا الآن بين يديك والموت أحب إلي من الحياة فهم المنصور باطلاقه فقال له إسماعيل بن علي في عنقي بيعة قال فماذا ترى قال يترك في درامن دورنا ونجري عليه ما يليق به ففعل ذلك به انتهى قال ابن الأهدل وهرب عبد الرحمن بن معاوية بن هشام ابن عبد الملك وكثيرون من بنيأمية إلى المغرب واستولى على بلاد الأندلس ومخاليفها وورثها بطنا بعد بطن واستأمن سليمان بن هشام وابناه في نحو ثمانين رجلاً من بني أمية فأمنهم لاسفاح حتى قدم عليه الشديف بن ميمون مولى زين العابدين ( ظهر الحق واستبان مضياً * إذ رأينا الخليفة المهديا ) إلى قوله ( قد أتتك الوفود من عبد شمس * مستكينين قد أجادوا المطيا ) ( فاردد العذر وامض بالسيف حتى * لا تدع فوق ظهرها أمويا ) وأنشده أيضاً ( علام وفيم تترك عبد شمس * لها في كل راعية ثغاء ) ( أمير المؤمنين أبح دماهم * فإن تفعل فعادتك المضاء ) وأنشده أيضاً (1/187) ________________________________________ 188 أصبح الملك ثابت الأساس بالبهاليل من بني العباس غلى قوله ( فلهم أظهر المودة منهم * وبهم منكم كحد المواسى ) فلما سمع السفاح ذلك أمر بقتل جميعهم وأجاز الشديف بألف دينار ثم قال المنصور كأني بك يا شديف لأجل عطاياهم نقوم بها أودنا وأقسم بالله لئن فعلت لأقتلنك ففعل الشديف ذلك وانتهى خبره إليه تمكن منه ضربه حتى مات انتهى ما قابله ابن الأهدل وقال في العبر لما استولى عبد الله بن على الجزيرة وطلب الشام فهرب مروان إلى مصر وخذل وانقضت أيامه نزل عبد الله على دمشق فحاصرها وبها ابن عم مروان الوليد بن معاوية بن مروان فأخذت بالسيف وقتل بها من الأمويين عدة آلاف منهم أميرها الوليد وسليمان بن هشام ابن عبد الملك وسليمان بن يزيد بن عبد الملك وزرعة بن إبراهيم قال في المغني زرعة ابن إبراهيم عن عطاء قال أبو حاتم الرازي ليس بالقوى انتهى وفيها أب في سنة اثنتين وثلاثين ومائة توفي عبد الله بن طاووس بن كيسان اليماني النحوي روى عن أبيه وغيره قال معمر كان من أعلم النسا بالعربية وأحسنهم خلقاً وما رأيت ابن فقيه مثله ودخل مع مالك على المنصور فقال حدثني عن أبيك قال حدثني أبي أن أشد الناس عذاباً يوم القيامة رجل أشركه الله في سلطانه فأدخل عليه الجور في حكمه فأمسك المنصور قال مالك فضممت ثيابي خوفاً أن يصيبني دمه ثم قال له ناولني الدواة فلم يفعل فقال لم لا تناولني فقال أخاف أن تكتب بها معصية قال قوماً عني قال قوماً عني قال ذلك ما كنا نبغي قال مالك فمازلت أعرف فضله (1/188) ________________________________________ 189 وفيها ساحق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري الفقيه كان مالك لا يقدم عليه أحداُ لنبله عنده وإبراهيم بن ميسرة الطائفي صاحب أنس قال عليه أحداً لنبله عنده وإبراهيم بن ميسرة الطائفي صاحب أنس قال ابن عيينة أخبرنا إبراهيم بن ميسرة من لم تر عيناك والله مثله وفيها قتل خالد بن سملة بن العاص المخزومي الكوفي وكان قد هرب إلى واسط مع يزيد بن عمر بن هبيرة فقتله بنو العباس وفيها توفي سالم الأفطس الحراني الفقيه مولى بني أمية روى عن سعيد بن جبير وجماعة قتله عبد الله بن علي قال في المغني سالم الأفطس هو ابن عجلان تابعي مشهور وثقة بعضهم وخرج له البخاري قال الفسوى مرجىء معاند وقال ابن حبان يتفرد بالمعضلات انتهى وممن قتل في هذه السنة عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري وفيها توفي أبو عبد الله صفوان بن سليم المدني الفقيه القدوة روى عن أبن عمر وجابر وعدة قال أحمد بن حنبل ثقة من خيار عباد الله يستزل بذكره القطر وفيها عبد الله بن عثمان بن خيثم المكي روى عن أبي الطفيل وعدة قال في المغني وثقة ابن معين مرة ومرة قال لا أعرفه انتهى وفيها أبو عتاب منصور بن المعتمر السلمي الكوفي الحافظ أحد الأعلام أخذ عن أبي وائل وكبار التابعين وقال ما كتبت حديثاً قط وكان أحفظ أهل الكوفة صام أربعين سنة وقامها وعمى من البكاء وأكره على القضاء أي قضاء الكوفة وقضى شهرين وتوفي بالمدينة قال في المعبر يقال فيه يسير تشيع انتهى وفيها قتل بجامع دمشق في أخذها يوسف بن ميسرة بن حابس المقرىء العمى وله مائة وعشرون سنة روى عن معاوية والكبار وكان موصوفاً بالفضل والزهد كبير القدر وقتل بنهر أبي قطرس من الأردن الأمير (1/189) ________________________________________ 190 محمد بن عبد الملك بن مروان الأموي وله رواية عن أبيه وفي ذي القعدة قتل الأمير أبو بخالد يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري أمير العراقين لمروان وله خمس وأربعون سنة وهو آخر من جمع له العراقان وكان شهما ًطويلاً شجاعاً خطيباً مفوهاً جواجاً مفرط الكل ولما تواقع هو وبنو العباس هرب إلى واسط فحاصروه به وثبت معه معن بنزائدة الشيباني وكان وكان أبو جعفر المنصور أخو السفاح يعيره فيقول ابن هبيرة يخندق على نفسه كالنساء فأرسل إليه أبو هبيرة إن ابرز إلي فقال المنصور خنزير قال لأسد ابرز إلي فقال الأسد ما أنت بكفؤ لي قال الخنزير لأعرفن السباع إنك جبنت فال الأسد احتمال ذلك أيسر من تلطخ براثني بدمك ثم أمنه المنصور وغدر به وقال لا يعز ملك وأنت فيه وكان رزق ابن هبيرة في كل سنة ستمائة ألف وكان يأكل في يومه خمس أكلات عظام وقتل وهو ساجد وفيها كانت وقعة المسناة فقتل الأمير قحطبة بن شبيب الطائي المروزي أحد دعاة بني العباس وتأمر على الجيش في الحال ولده وفيها قتل سليمان أحد دعاة بني العباس وتأمر على الجيش في الحال ولده وفيها قتل سليمان بن كثير الخزاعي المروزي الأمير أحد نقباء بني العباس قتله أبو مسلم الخراساني وفي ذي الحجة قتل بمصر عبيد الله بن أبي جعفر الليثي مولاهم المصري الفقيه أحد العلماء والزهاد ولد سنة ستين قال محمد بن سعد كان ثقة يقية في زمانه قال ابن ناصر الدين من حكم كلامه إذا حدث المرء فأعجبه الحديث فليمسك وإن كان ساكناً فأعجبه السكوت فليتحدث انتهى سنة ثلاث وثلاثين ومائة فيها نازل طاغية الروم اليون بن قسطنطين ملطية وأخ عليهم بالقتال حتى سلموها بالأمان فهدم المدينة والجامع ووجه مع المسلمين عسكراً حتى يبلغوهم مأمنهم (1/190) ________________________________________ 191 وفيها بعث أبو مسلم الخراساني مراراً الضبي فقتل الوزير أبا مسلمة الخلال حفص بن سليمان السبيعي مولاهم الكوفي وزير آل محمد وفيه قيل هذا البيت ( إن الوزير وزير آل محمد * أودى فمن سناك كان وزيرا ) وفيها توفي أيوب بن موسى بن الأشدق عمر بن سعيد الأموي المكي الفقيه روى عن عطاء ومكحول قال في المغني عن بعض التابعين مجهول انتهى وقد خرج له أبو داود ومات بمكة الأمير داود بن علي بن عبد الله بن عباس وكان فصيحاً مفوها ولي إمرة المدينة وروى جماعة أحاديث قاله في العبر وفيها وقيل في سنة سعيد بن أبي هلال الليثي مولاهم المصري كهلا يروي عن التابعين وعمار الدهني دهن بن معاوية من بجيلة أو معاوية الكوفي روي عن أبي الطفيل وعدة وعياش بن عباس القتباني المصري روى عن التابعين ومغيرة بن مقسم الضبي مولاهم الكوفي الفقيه الأعمى أحد الأئمة روى عن أبي وائل وطبقته قال شعبة كان أحفظ من حماد بن أبي سلمة وقال مغيرة ما وقع في مسامعي شيء فنسيته وقال أحمد بن حنبل كان ذكياً حافظاً صاحب سنة وفيها أوفى التي قبلها توفي سيد أهل دمشق يحي بن يحي بن قيس الغساني ولى قضاء الموصل لعمر بن عبد العزيز وأخذ عن أبي إدريس الخولاني وغيره وكا ثقة إماماً ولا راوية في الكتب الستة سنة أربع وثلاثين ومائة فيها تحول الخليفة السفاح عن الكوفة ونزل الأنبار وفيها توفي بالبصرة أو هارون العبدي صاحب أبي سعيد الخدري أحد الضعفاء قال حماد بن زيد هو كذاب (1/191) ________________________________________ 192 والفقيه يزيد بن يزيد بن جابر الأزدي الدمشقي روى عن مكحول وطائفة قال أبو داود أجازه الوليد بن يزيد مرة بخمسين ألف دينار وذكر للقضاء فإذا هو أكبر من القضاء قاله في العبر وعن ابن عيينة قال لا أعلم مكحولاً خلف بالشام مثل يزيد بن يزيد الإمام وقال في المغني يزيد بن يزيد بن جابر صدوق مشهور لينه ابن قانع انتهى وفيها توجه من العراق موسى بن كعب إلى حرب منصور بن جمهور الكلبي الدمشقي حتى أتى السند فالتقى في اثني عشر ألفاًفهزم منصور ومات في البرية عطشاً وكان قدرياً سنة خمس وثلاثي ومائة فيها توفي أبو العلاء برد بن سنان الدمشقي نزل البصرة روى عن واثلة فمن بعده قال في المغني هو شامي لا يعرف انتهى وداود بن الحصين المدني مولى بني أمية روى عن عكرمة وجماعة قال في المغني داود بن الحصين أبو سليمان المدني عن عكرمة صدوق يغرب ووثقه غير واحد كابن معين وقال ابن المديني ما روى عن عكرمة فمنكر وقال أبو حاتم الرازي لولا أن مالكاً روى عنه لنزل حديثه وقال سفين بن عيينة كنا نتقي حديثه وقال أبو زرعة لئن قلت رمى بالقدر انتهى وفيها على الأصح أبو عقيل زهرة بن معبد التيمي بالإسكندرية عن سن عالية قال الدارمي زعموا أنه كان من الأبدال روى عن ابن عمرو وابن الزبير وفيها على الأصح عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني شيخ مالك والسفيانين روى عن أنس وجماعة وكان كثير العلم وفيها عطاء الخراساني نزيل بيت المقدس وهو كثير الإرسال عن الصحابة (1/192) ________________________________________ 193 وإنما سمع عن أبي بريدة والتابعين وولد سنة خمسين وكان يقول أوثق علمي في نفسي نشر العلم وقال ابن جابر كنا نغزو معه فكان يحي الليل صلاة الأنومة السحر وكان يعظنا ويحثنا على التجهد وفيها رابعة بنت إسماعيل المصرية العدوية شهيرة الفضل وقيل توفيت سنة خمس وثمانين ومائة ولا يصح اجتماع السري بها فإنه عاش حتى نيف على الخمسين ومائتين وروى أن سفيان الثوري قال بحضرتها واحزناه قالت لا تكذب وقل واقلة حزناه وسمعته يقول اللهم إني أسألك رضاك فقالت تسأل رضا من لست عنه براض ورآها بعض إخوانها في المنام فقالت هداياك تأتينا على أطباق من نور مخمرة بمناديل من نور وقبرها على رأس جبل يسمى الطور وبظاهر بيت المقدس وقيل ذلك قبر رابعة أخرى غير العدوية وقيل لها في منام ما فعلت عبيدة بنت أبي كلاب قالت سبقتا إلى الدرجات العلا قيل ولم ذلك قالت لم تكن تبالي على أي حال أصبحت من الدنيا وأمست سنة ست وثلاثين ومائة فيها توفي أشعث بن سوار الكندي الأفرق النجار بالكوفة لقى الشعبي وغيره قال في المغنى أشعث بن سوار الكوفي الأفرق التوايتي النجار مولى ثقيف روى عن الشعبي وغيره وهو من الضعفاء الذين روى لهم مسلم متابعة ضعه أحمد وابن معين والدارقطني وقد وثقه بعضهم وقال الثوري هو أثبت من مجالد انتهى وجعفر بن ربيعة المصري له عن أبي سلمة والأعرج وطائفة وحصين بن عبد الرحمن السلمي الكوفي الحافظ عن ثلاث وتسعين سنة (1/193) ________________________________________ 194 لقي جابر بن سمرة والكبار قال في المغني حصين بن عبد الرحمن الحارثي الكوفي مقل ما علمت أن أحدا وهاه انتهى وربيعة بن أبي عبد الرحمن فروخ الفقيه أبو عثمان المدني عام المدينة ويقال له ربيعة الرأي قيل له ذلك لأنه كا يتقوى بالرأي سمع أنساً وابن المسيب وكانت له حلقة للفتوى وأخذ عنه مالك وغيره وأدرك جماعة من الصحابة مات بالهاشمية مدينة بناها السفاح بالأنبار ويوم مات قال مالك ذهبت حلاوة الفقه وكان أقدمه السفاح للقضاء السفاح للقضاء وكان يكثر الكلام ويقول الساكت بين النائم والأخرس وتكلم يوما وعنده أعرابي فقال ما العي فقال الذي أنت فيه منذ اليوم وهو من الثقات كما قال ابن ناصر الدين وفيها زيد بن أسلم العدوي مولاهم الفقيه العابد لقى ابن عمر وجماعة وكانت له حلقة للفتوى والعلم بالمدينة قال أبو حازم الأعرج لقد رأيتنا في حلقة زيد ابن أسلم أربعين فقيها أدنى خصلة فينا التواسي بما في أيدينا ونقل البخاري أن زين العابدين بن علي بن الحسين كان يجلس إلى زيد بن أسلم وقال ابن ناصر الدين زيد بن أسلم القرشي العدوي العمري مولاهم المدني أوب عبد الله وقيل أبو أسامة الإمام الفقيه العلامة روى عن ابن عمر وسلمة بن الأكوع وأنس وأضرابهم وله تفسير القرآن يرويه عنه ابنه عبد الرحمن انتهى وفيها العلاء بن الحرث الحضرمي الفقيه الشامي صاحب مكحول روى عن عبد الله بن بسر وطائفة وكان مفتيا جليلا قاله في العبر وقال في المغني العلاء بن الحرث الدمشقي الفقيه صاحب مكحول قال أبو داود ثقة تغير عقله وقال البخاري منكر الحديث وقيل كان يرى القدر انتهى وفيها عطاء بن السائب بن مالك الثقفي الكوفي الصالح روى عن عبد الله ابن أبي أوفى وطائفه قال أحمد بن حنبل هو ثقة رجل صالح كان يختم كل ليلة من سمع منه قديما كان صحيحاً قاله في العبر وقال في المغني عطاء (1/194) ________________________________________ 195 ابن السائب تابعي مشهور حسن الحديث ساء حفظه بآخره قال أبو حاتم سمع منه حماد بن زيد قبل أن يتغير وقال رجل صالح وقال أيضاً من سمع منه قديما فهو صحيح وقال غيره ليس بالقوي وقال ابن معين لا يحتج بحديثه انتهى وفيها يحي بن إسحاق الحضرمي سمع أنساً وجماعة قال ابن سعد له أحاديث وكان صاحب قرآن وعربية انتهى وفي ذي الحجة مات السفاح أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله ابن عباس الهاشمي بالأنبار عن اثنتين وثلاثين سنة وهو أول خلفاء بني العباس وكان طويلاً أسن جميلاً حسن اللحية مات بالجدري وكانت دولته دون الخمس سنين وفي أيامه تفرقت الكلمة وخرج عن طاعته الناحية الغربية إلى بلاد السودان وإقليم الندل وتغلب على هذه الممالك خوارج وأمه ريطة من بني الحرث بن كعب بن كهلان وكان بنو أمية قد منعوهم من زواج الحارثيات لأنهم قيل لهم يزول ملكهم على يدا بن الحرثية فلما كان زمن عمر بن عبد العزيز واستأذنه والد السفاح فقال له تزوج من شئت وبويع له وهو ابن أربع وعشرين أو ثمان وعشرين وكان بينه وبين أبيه في اسن أربع عشرة سنة وسمى السفاح لأنه سفح دماء بني أمية وكان يجتمل من عبد الله بن الحسين المثنى مواجهته له بما يكره ويعطيه العطاء الجزيل وقال له أخوه المنصور يوماً في عبد الله بن الحسين وابنه محمد إن هؤلاء شنؤنا فآنسهم بإحسان فإن استوحشوا فالشر يصالح ما عجز عن ا لخير ولا تدع محمداً يمرح في أعنة العقوق فقال له لا سفاح من شدد نفر ومن لان تألف والتغال من سجايا الكرام ودخل على السفاح أبو بحيلة فسلم عليه وانتسب له وقال عبدك يا أمير المؤمنين وشاعرك أفتأذن لي في انشادك فقال له ألست القائل في مسلمة بن عبد الملك بن مروان ( أمسلم إني يا ابن كل خليفة * ويا فارس الهيجا ويا جبل الأرض ) ( شكرتك إن الشكر خبل من التقى * وما كل من أوليته نعمة يقضى ) (1/195) ________________________________________ 196 وأحييت لي ذكرى وما كان خاملاً * ولكن بعض الذكر أنيه من بعض قال فأنا يا أمير المؤمنين الذي أقول ( لما رأينا استمسكت يداكا * كنا أناساً نرهب الملاكا ) ( ونركب الأعجاز والأوراكا * من كل شيء ماخلا إلاشر كا ) ( فك لما قد قلت في سواكا * زور وقد كفر هذا ذاكا ) ( أنا انتظرنا قبلها أباكا * ثم أنتظرنا بعدها لقاكا ) ( ثم أنتظرناك لها إياكا * فكنت أنت للرجاء ذا كا ) فرضى عنه ووصله وأجاءه وكان أبو العباس إذا حضر طعامه ابسط الناس وجها فكان إبراهيم بن مخزمة الكندي إذا أراد أن يسأله حاجة أخرها إلى أن بحوائجك قال يدعوني إلى ذلك التماس النجح لمن أسال له فقال له أبو العباس أنك لحقيق بالسؤدد لحسن هذه الفطنة وكان إذا تعادى رجلان من أصحاب السفاح وبطانته لم يسمع من أحدهما في الآخر شيئاً ولم يقبله وإن كان القائل عنده عدلاً في شهادة وإذا اصطلح الرجلان لم يقبل شهادة واحد منهما لصاحبه ولا عليه ويقول أن الضغينة القديمة تولد العداوة المحصنة وتحمل على إظهار المسالمة وتحتها الأفعى التي إذا استمسكت لم تبق وكان في أول أيامه يظهر لندمائه ثم احتجب عنهم وذلك لسنة خلت من سكة وكان قعوده من وراء الستارة وإذا غناه أحد صوتا ًيطرب من وراء الستارة ويصيح بالمطرب له من المغنين أحسنت والله وأعد هذا الصوت وكان لا ينصرف عنه أحد من ندمائه ولا مطربيه إلا بصلة من مال أو كسوة يقول لا يكون سرورنا معجلاً ومكافأة من سرنا وأطربنا مؤجلاً وقد سبقه إلى هذا الفعل بهرام جور من ملوك الفرس وقد حضر أبو بكر الهذلي ذات يوم والسفاح مقبل عليه يحدثه بحديث لأنوشروان في بعض حروبه بالمشرق مع بعض الملوك فعصفت ريح شديدة فأذرت تراباً (1/196) ________________________________________ 197 وقطعا من الآجر من أعلى السطح إلى المجلس فجزع من حضر المجلس لوقعها وارتاع لها والهذلي شاخص نحو أبي العباس لم يتغير كما تغير غيره فقال له السفاح لله أنت يا أبا بكر لم أر كاليوم أما راعك ما راعنا ولا أحسنت بما ورد علينا فقال يا أمير المؤمنين ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وإنما للمرء قلب واحد فلما غمر بالسرور لفائدة أمير المؤمنين لم يكن فيه لحادث مجال وإن الله عز وجل إذا انفرد بكرامة أحد وأحب أن يفضي له ذكرها جعل تلك الكرامة على لسان نبيه أو خليفته وهذهكرامة خصصت بها فمال إليها ذهني وشغل بها قلبي فلو انقلبت الخضراء على الغبراء ما أحسنت بها ولا جمعت لها إلا بما يلزمني في نفسي لأمير المؤمنين أعزه الله فقال السفاح لئن بقيت لك لأرفعن منك ضبعاً لا تطيف به السباع ولا تنحط عليه العقبان ومما ذكر من أخباره واستفاض من آثاره ما ذكره البهلول بن العباس عن الهيثم بن عدي الطهماني عن يزيد الرقاشي قال كان السفاح تعجبه مسامرة الرجال وإني سمرت عنده ذات ليلة فقال يا يزيد أخبرني بأظرف حديث سمعته قلتيا أمير المؤمنين وإن كان في بني هاشم قال ذلك أعجب إلي قلت يا أمير المؤمنين نزل رجل من تنوخ بحي من بني عامر بن صعصعة فجعل لا يحط شيئاً من متاعه ألا تمثل بهذا البيت ( لعمرك ما تبلى سرابيل عامر * من اللؤم ما دامت عليها جلودها ) فخرجت إليه جارية فحادثته وآنسته وساءلته حتى أنس بها ثم قالت ممن أنت متعت بك فقال رجل من تميم قالت أتعرف الذي يقول ( تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا * ولو سلكت سبل المكارم ضلت ) ( أرى الليل بجلوة النهار ولا أرى * عظام المخازي عن تميم تجلت ) ( ولو أن برغوثا على ظهر قملة * يكر علىصفي تميم لولت ) فقال لا والله ما أنا من تميم قلت فممن أنت قال رجل من عجل قالت (1/197) ________________________________________ 198 أتعرف الذي يقول ( أرى الناس يعطون الجزيل وإنما * عطاء بني عجل ثلاث وأربع ) ( إذا مات عجلي بأرض فإنما * يشق له منها ذراع وأصبع ) فقال لا والله ما أنا عجل قالت فمن أنت قال رجل من بني يشكر قالت أتعرف الذي يقول ( إذا يشكري من ثوبك ثوبة * فلا تذكرون الله حتى تطهرا ) قال لا والله ما أنا من يشكر قال فمن أنت قال رجل من عبد القيس قالت اتعرف الذي يقول ( رأيت عبد القيس لاقت ذلا * إذا أصابوا بصلا وخلا ) ( وما لحا معتقاً قد صلا * باتوا يسلون الفساء سلا ) ( سل النبيط القصب المبتلا ) قال لا والله ما أنا من عبد القيس قالتفمن أنت قال رجل من باهلة قالت أتعرف الذي يقول ( إذا ازدحم الكرام على المعالي * تنحى الباهلي عن الزحام ) ( ولو كان الخليفة باهلياً * لقصر عن مناوأة الكرام ) ( وعرض الباهلي ولو توقى * عليه مثل منديل الطعام ) قال لا والله ما أنا من باهلة فمن أنت قال رجل من بني فرازة قال رجل من بني فزارة قالت أتعرف الذي يقول ( لا تأمنن فزاريا خلوت به * على قلوصك واكتبها بأسيار ) ( لا تأمنن فزاريا على حمر * بعد الذي ابتل ابر العير في النار ) قال لا والله ما أنا من فزارة قالت فمن أنت قال رجل من ثقيف قالت أتعرف الذي يقول ( أضل الناسبون أبا ثقيف * فما لهم أب إلا الضلال ) (1/198) ________________________________________ 199 ( فإن نسبت أو انتسبت ثقيف * إلى أحد فذاك هو المحال ) ( خنازير الحشوش فقتلوها * فإن دماءها لكم حلال ) قال لا والله ما أنا من ثقيف قالت فمن أنت قال رجل من بني عبس قالت أتعرف الذي يقول ( إذا عبسية ولدت غلاما * فبشرها بلؤم مستفاد ) قال لا والله ما أنا من عبس قالت فمن أنتقال رجل من ثعلبة قالت أتعرف الذي يقول ( فثعلبة بن قيس شر قوم * وألامهم وأغدرهم بجار ) قال لا والله أنا من بني ثعلبة قالت فمن أنت قال رجل من غنى قالت أتعرف الذي الذي يقول ( إذا غنوية ولدت غلاما * * فبشرها بحباط محيد ) قال لا والله ما أنا من غنى قالت فمن أنت قال رجل من بني مرة قالت أتعرف الذي يقول ( إذا مرية خضبت يداها * فزوجها ولا تأمن زناها ) قال لا والله ما أنا من بني مرة قالت فمن أنت قال رجل من بني ضبة قالت أتعرف الذي يقول ( لقد زرقت عيناك يا ابن معكبر * كما كل ضبي من اللؤم أزرق ) قال لا والله ما أنا من بني ضبة قالت فمن أنت قال رجل من بجيلة قالت أتعرف الذي يقول ( سألنا عن بجيلة أين حلت * لتخبر أين قر بها القرار ) ( قما تدري بجيلة حين تدعي * أقحطان أبوها أم نزار ) ( فقد وقعت بجيلة بين بين * وقد خلعت كما خلع العذار ) قال لا والله ما أنا من بجيلة قالت فمن أنت ويحك قال أنا رجل من الأزد قالت أتعرف الذي يقول (1/199) ________________________________________ 200 ( إذا أزدية ولدت غلاما * فبشرها بملاح مجيد ) قال لا والله ما أنا من الأزد فممن أنت ويلك أنا تستحي قال الحق قال رجل من خزاعة قالت أتعرف الذي يقول ( إذا افتخرت خزاعة في قديم * وجدنا فخرها شرب الخمور ) ( وباعت كعبة الرحمن جهرا * بزق بئس مفتخر الفجور ) قال لا والله ما أنا من خزاعة قالت فمن أنت قال رجل من سليم قالت أتعرف الذي يقول ( فما لسليم شتت الله أمرها * تنيل بايديها وتعي ايورها ) قال لا والله ما أنا من سليم قالت فمن أنت قال رجل من لقيط قالت أتعرف الذي يقول ( لعمرك ما البحار ولا الفيافي * بأوسع من فقاح بني لقيط ) ( لقيط شر منركب المطايا * وأنذل من يدب على البسيط ) ( ألا لعن الإله بني لقيط * بقايا سبية من قوم لوط ) قال لا والله ما أنا من لقيط فممن أنت قال رجل من كندة قالت فتعرف الذي يقول ( إذا ما افتخر الكندي * ذو البهجة والطرة ) ( فبالنسج وبالخف * وبالتيرك والحفرة ) ( فدع كندة للنسج * فاعلي فخرها عره ) قال لا والله ما أنا من كندة قالت فممن أنت قال رجل من خثعم قالت فتعرف الذي يقول ( وخثعم لو صفرت لها صفيرا * لطارت في البلاد مع الجراد ) قال لا والله ما أنا من خثعم فممن أنت قال رجل من طيء قالت (1/200) ________________________________________ 201 فتعرف الذي يقول ( وما طيء إلا نبيط تجمعت * فقالت طيايا كلمة فاستمرت ) ( ولو أن حرقوصاً يمد جناحه * على جبلي طي إذاً لا ستظلت ) قال لا والله ما أنا من طيىء قالت فممن أنت قال رجل من مزينة قالت اتعرف الذي يقول وهل مزينة إلا من قبيلة * لا يرتجى كرم منها ولادين ) قال لا والله ما أنا من مزينة قالت فممن أنت قال رجل من النخع قالت أعترف الذي يقول ( إذا النخع للئام عدواً جمعاً * تأذى الناس من ذفر اللئام ) ( وما يسموا إلى مجد كريم * وما هم في الصميم من الكرام ) قال لا والله ما أنا من النخع قالت فممن أنت قال رجل من لخم قالت اتعرف الذي يقول ( إذا ما انتمى قوم بفخر قديمهم * تباعد فجر الجود عن لخم جمعا ) قال لا والله ما أنا من لخم قالت فممن أنت قال رجل من جذام قالت اتعرف الذي يقول ( إذا كاس المداد أدير يوماً * لمكرمة تنحى عن جذام ) قال لا والله ما أنا من جذام قالت فممن أنت ويلك اما تستحي من كثرة الكذب قال أنا رجل من تنوخ وهو الحق قالت اتعرف الذي يقول (1/201) ________________________________________ 202 ( إذا تنوخ قطعت منهلاً * في طلب الغارات والثار ) ( أتت بخزي من آله السما * وشهرة في الأهل والخبار ) قال لا والله ما أنا من تنوخ قالت فممن أنت ثكلتك أمك قال أنا رجل من حمير قالت اتعرف الذي يقول ( ثبئت حمير تهجوني فقلت لهم * ما كنت احسبهم كانوا ولا خلقوا ) ( لأن جمير قوم لا نصاب لهم * كالعود بالقاع لا ماء ولا ورق ) ( لا يكثرون وإن طالت حياتهم * ولو يبول عليهم ثعلب غرقوا ) قال لا والله ما أنا من حمير قالت فممن أنت قال رجل من بحائر قالت اتعرف الذي يقول ( ولو صر صرارباً بأرض بحير * لماتوا واضحوا في التراب رميما ) قال لا واله ما أنا من بحاير قالت فممن أنت قال رجل من قشبرة قالت اتعرف الذي يقول ( بني قشير قتلت سيدكم فاليوم لا فدية ولا قود ) قال لا والله ما أنا من قشير قالت فممن أنت قال رجل من بين أمية قالت أفتعرف الذي يقول ( وهي بأمية بينانها * وهان على الله فقدانها ) ( وكان أمية فيما مضى * جرىء على الله سلطانها ) ( فلا آل حرب أطاعوا الرسو * ل ولم يتق الله مروانها ) ) قال لا والله ما أنا من بني أمية قالت فممن أنت قال رجل من بين هاشم قالت أفتعرف الذي يقول ( بني هاشم عودوا إلى نخلاتكم * فقد صار هذا التمر صاعاً بدرهم ) ( فإن قلتم رهط النبي محمد * فإن النصارى رهط عيى بن مريم ) ( قالت لا والله ما أنا من بني هاشم قالت فممن أنت قال رجل من همدان قالت أتعرف الذي يقول (1/202) ________________________________________ 203 ( إذا همدن دارت يوم حرب * رحاها فوق هامات الرجال ) ( رأيتهم يحثون المطايا * سراعاً هار بين من القتال ) قال لا والله ما أنا من همدان قالت فممن أنت قال رجل من قضاعة قالت أتعرف الذي يقول ( لا يفخرن قضاعي بأسرته * فليس يمن محض ولا مضر ) ( مذبذبين فلا قحطان والدهم * ولا نزار فخلوهم إلى سقلا ) قال لا والله ما أنا قضاعياً قالت فممن أنت قال رجل من شبان قالت أتعرف الذي يقول ( شيبان قوم لهم عديد * وكلهم مقرف لئيم ) قال لا والله ما أنا من شيبان قالت فممن أنت قال رجل من بني نمير قالت أتعرف الذي يقول ( فغض الطرف إنك من نمير * فلا كعباً بلغت ولا كلابا ) ( ولو وضعت فقاح بني نمير * على خبث الحديد إذاً لذاباً ) قال لا والله ما أنا من نمير قالت فممن أنت قال أنا رجل من تغلب قالت أتعرف الذي يقول ( ولا تطلبن خؤولة في تغلب * فالزنج أكرم منهم أخوالاً ) ( والتغلبي إذا تنحنح للقرى * حط استه وتمثل المثالا ) قال لا والله ما أنا من تغلب قالت فممن أن قال رجل من مجاشع قالت أتعرف الذي يقول ( تبكى المعنة من بنات مجاشع * ولهما إذا سمعت نهيق حمار ) ( قال لا والله ما أنا من مجاشع قالت فممن أنت قال أنا رجل من كلب (1/203) ________________________________________ 204 قالت أتعرف الذي يقول ( فلا تقربن كلباً ولا باب دارها * فما يطمع السارى يرى ضوء نارها ) قال لا و الله ما أنا من كلب قالت فممن أنت قال رجل من تميم قالت أتعرف الذي يقول ( تيمية مثل أنف الفيل عنبلها * تهدى الردى ببنان غير محذوم ) قال لا والله ما أنا من تميم قالت فممن أنت قال رجل من مجرم قالت أتعرف الذي يقول ( تمنيني سويق الكرم جرم * وما جرم وما ذاك السويق ) ( فما شربوه ملا كان حلاً * ولا غالي بها إذا قام سوق ) ( فلما أنزل التحريم فيها * إذا الجرمى منها لا يفيق ) قال لا والله ما أنا من جرم قالت فممن أنت قال رجل من سليم قالت أتعرف الذي يقول 3 ( إذا ما سليم جئتها لغذائها * رجعت كما قد جئت غرئان جائعاً ) قال لا واله ما أنا من سلم قالت فممن أنت قال رجل نم الموالي قالت أتعرف الذي يقول ( ألا من أراد اللؤم والفحش والخنا * فعند الموالى الجيد والطرفان ) قال أخطأت نسبي ورب الكعبة أنا رجل من الخوز قالت أتعرف الذي يقول ( لا بارك الله ربي فيكم أبداً * يا معشر الخوز إن الخوز في النار ) قال لا والله ما أنا من الخوز قالت ممن أنت قال من الأولاد حام قالت أتعرف الذي يقول ( ولا تنكحن أولاد حام فإنهم * مشاويه خلق الله حاشاً ابن أكوع ) قال لا والله ما أنا من ولد حام ولكني من ولد الشيطان الرجيم (1/204) ________________________________________ 205 قالت فلعنك ولعن أباك معك أتعرف الذي يقول ( ألا يا عباد الله هذا عدوكم * عدو نبي الله إبليس ينهق ) فقال لها هذا مقام العائذ بك قالت قم فأرخل خاسئاً مذموماً وإذا نزلت بقوم فلا تنشد فيهم شعراً حتى تعرف من هم لا تتعرض للمباحثة عن مساوىء الناس فلكل قوم إساءة وإحسان إلا رسل رب العالمين ومن اختاره الله من عباده وعصمه من عدوه وأنت كما قال جرير للفرزدق ( وكنت إذا حلت بدار قوم * رحلت بخزية وتركت عاراً ) فقال لها والله لا أنشدت بيت شعر أبداً فقال السفاح ائن كنت عملت هذا الخبر ونظمت فيمن ذكرت هذه الأشعار فلقد أحسنت وأنت سيد الكذابين وأن كان الخبر صدقاً وكنت فيما ذكرت محقاُ فإن هذه الجارية لمن أحضر الناس جواباً وأبصرهم بمثالب الناس قال المسعودي وللسفاح أخبار غير هذه وأسمار حسان أتينا على مبسوطها في كتابينا أخبار الزمان والأوسط انتهى سنة سبع وثلاثين ومائة في أولها بلغ عبد الله بن على موت ابن أخيه السفاح فدعا بالشام إلى نفسه وعسكر بدابق وزعم أن السفاح جعله ولى عهده من بعده وأقام شهوداً بذلك فجهز المنصور لحربه أبا مسلم الخراساني فالتقى الجمعان في نصيبين في جمادى الآخرة فاشتد القتال ثم انهزم جيش عبد الله وهرب هو إلى البصرة وبها أخوه وحاز فاشتد القتال ثم أنهزم جيش عبد الله وهرب هو إلى البصرة وبها أخوه وحاز أبو مسلم خزانته وكانت شيئاً عظيماً لأنه استولى على جميع نعمة بني أمية فبعث المنصور إلى أبي مسلم أن احتفظ بما في يده فصعب ذلك على أبي مسلم وأزمع على خلع المنصور ثم سار نحو خراسان فأرسل إليه المنصور يستعطفه ويمنيه وما زال به حتى وقع في براثنه فأقدم على قتله فقتله في (1/205) ________________________________________ 206 شعبان كما تقدم وفيها وقيل في غيرها توفي خصيف بن عبد الرحمن الجزرى الحراني روى عن مجاهد وسعيد بن جبير قال في المغني بن عبد الرحمن الجزري يكثر عن التابعين ضعفه احمد ويغره انتهى وفيها أوفي التي تليها توفي منصور بن عبد الرحمن العبدري الحجبي المكي ولد صفية بنت شيبة قال ابن عيينة كان يبكي عند كل صلاة فكانوا يرون أنه يذكر الموت ويزيد بن أبي زياد الكوفي عن نحو تسعين سنة روى عن مولاه عبد الله ابن الحرث بن نوفل الهاشمي وطائفة هو حسن الحديث روى له مسلم مقروناً بآخر قاله في العبر وقال في المغني يزيد بني أبي زياد الكوفي مشهور سيء الحفظ قال ابن حبان صدوق إلا أنه كبر وساء حفظه فكان يتلقن وقال يحيى ليس بالقوي وقال أيضاً لا يحتج بحديثه وقال ابن المبارك ارم به انتهى وفيها قتل أحد الأشراف بدمشق وجو عثمان بن سراقة الأزدي وكان قد توثب عند موت السفاح وسب بني العباس على منبر دمشق وبايع لهشام بن يزيد بن خالد بن معاوي الأموي فبغته مجيء صالح عما لسفاح فلم يقووا لحربه واختفى هشام وضرب عنق ابن سراقة سنة ثمان وثلاثين ومائة وفيها جاء طاغية الروم قسطنطين بن البون في مائة ألف ونزل بدابق بكسر الباء وهو المذكور في صحيح مسلم فلقيه صالح بن علي عم المنصور والسفاح (1/206) ________________________________________ 207 فهزمهم ولله الحمد وفيها توفي زيد بن واقد الدمشقي روى عن جبير بن نفير وكثير بن مرة وخلق قال في المغنى زيد بن واقد عن حميد وثقة أبو حاتم وسمع منه بالري وقال أبو زرعة ليس بشيء انتهى وفيها أبو شبل العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب المدني مولى الحرقة روى عن أبيه وأنس وطائفة قال أبو حاتم ما انكر من حديثه شيئاً وسليمان بن فيروز أبو اسحق الشيباني مولاهم الكوفي قال ابن ناصر الدين كان من الحفاظ الثقات والأئمة الإثبات انتهى وليث بن أبي سليم الكوفي قال في المغني قال أحمد مضطرب الحديث ولكن حدث عنه الناس وقال ابن معين ضعيف وقال ابن حبان اختلط في آخر عمره وقال أيضاً لا بأس به انتهى سنة تسع وثلاثين ومائة فيها نزل عسكر المسلمين فنزلوا ملطية وهي خراب فزرعوا أرضها وطبخوا كلسا لبنائها ورجعوا فبعث طاغية الروم من حرق الزرع وفيها توفي خالد بن يزيد المصري الفقيه كهلاً يروى عن عطاء والزهري وطبقتهما وعنه الليثي ويكنى أبا عبد الرحيم وفيها يزيد بن عبد الله بن أسامة ابن الهاد الليثي المدني الفقيه يروى عن شرحبيل بن سعد وطبقته من التابعين ويونس بن عبيد شيخ البصرة رأى أنساً وأخذ عن الحسن وطبقته قال سعيد بن عامر الضبعي ما رأيت رجلاً قط افضل منه وأله البصرة على ذاك وقال أبو حاتم هو أكبر من سليمان التيمي ولا يلغ سليمان منزلته وقال يونس ماك كتبت شيئاً قط يعني لذكائه وحفظه وقال ابن ناصر الدين رأى أنسا وسمع الحسن بن سيرين وغيرهما وكان إماماً علماً وحافظاً مقدماً ومتقناً محرراً انتهى (1/207) ________________________________________ 208 وصالح بن كيسان المؤدب ذكره ابن ناصر الدين في بديعة البيان فقال ( ثم أبو حازم المديني * صلاح المؤدب الأمين ) وقال في شحها هو صالح بن كيسان لمدني العالم مؤدب بني عمر بن عبد العزيز جاوز المائة سنة انتهى وقد رأيت كيف وصفه بالأمين وكفى بها منقبة سنة أربعين ومائة فيها نزل جبريل بن يحيى الأمير من جهة صالح بن علي مرابطاً بالمصيصة فأقام بها سنة حتى بناها وحصنها وفيها توفي فقيه واسط أبو العلاء أيوب بن أبي مسكين القصاب كهلاً أخذ عن قتادة وجماعة خرج له أبو داود والترمذي والنسائي قال في المغني أيوب بن مسكين أبو العلاء الواسطي القصاب قال أبو حاتم لا يحتج به انتهى وداود بن أبي هند البصري الفقيه وكان حافظً مبيناً نبيلاً روى عن سعيد ابن المسيب وأبي العالية واسم أبيه أبي هند دينار بن عذافر وقيل طهمان القشيري مولاهم قال ابن ناصر الدين كان داود مفتي أهل البصرة وأحد القانتين رأساً في العمل والعلم قدوة في الدين انتهى وفيها أبو حازم سلمة بن دينار المدني العرض عالم المدينة وزاهداها وواعظها سمع سهل بن سعد وطائفة وكان أشقر فارسياً وأمه رومية وولاؤه لبنى مخزوم قال ابن خزيمة ثقة لم يكن في زمانه مثله له حكم ومواعظ وأبو يزيد سهيل بن أبي صالح السمان المدني روى عن أبيه وطبقته وكان كثير الحديث ثقة مشهوراً أخذ عنه مالك والكبار وعمارة بن غزية المازني المدني يروى عن الشعبي وطبقته قال ابن سعد ثقة كثير الحديث (1/208) ________________________________________ 209 وعمرو بن قيس السكوني الكندي الحمصي وله مائة سنة تامة روى عن بعد الله بن عمر والكبار وذكر إسماعيل بن عياش أنه ادرك سبعين صحابياً وقال غيره كان عمرو بن قيس أميراً من دولة عبد الملك بن مروان وكان سيد أهل حمص وشريفهم ولى غزو الروم لعمر بن عبد العزيز سنة إحدى وأربعين ومائة قال المدائني فيها ظهرت الريوندية وهم قوم خراسانيون على رأى أبي مسلم صاحب الدعوة يقولون بتناسخ الأرواح وإن ربهم الذي يطعمهم ويسقيهم المنصور وأن الهيثم بن معاوية جبريل فأتوا قصر المنصور وطافوا فيه فقبض على مائتين من كبارهم فغضب الباقون وحفوا بنعش وحملوا هيئة جنازة ثم مروا بالسجن فشدوا على الناس وفتحوا السجن وأخرجوا اصحابهم وقصدوا المنصور في ستمائة مقاتل فأغلق البلد وحربهم العسكر مع معن بن زائدة ثم وضعوا فيهم السيف وأصيب يومئذ الأمير عثمان بن نهيك فاستعمل المنصور مكانه على الحرس أخاه عيسى وكان ذلك بالهاشمية حدث أبو بكر الهذلي قال اطلع المنصور فقال رجل إلى جانبي هذا رب العزة الذي يطعمنا ويرزقنا وفيها افتتح المسلمون طبرستان بعد حروب طويلة وأقام الحج صالح بن علي أمير الشام وفيها توفي موسى بن عقبة المدني صاحب المغازي روى عن أم خالد بنت خلد المخزومية ولها صحبة وعن عروة وطبقته قال الواقدي كان موسى فقيها يفتي قال ابن ناصر الدين في بديعة البيان ( موسى فتى عقبة الأديب * اسناده محرر قريب ) أي إلى النبي بمعنى علاي السند وقال في شرحها موسى (1/209) ________________________________________ 210 ابن عقبة بن ربيعة بن أبي عياش الأسدي مولاهم المدني أبو بمحمد مولى آل الزبير ابن العوام روى عن صاحبية وعدة من التابعين وكان متقنافقيها حافظاً نبيهاً صنف المغازي فأجاد ووصلت لغينا ولله الحمد بالإسناد انتهى وفيها موسى بن كعب التيمي المروزي أحد النقباء الإثني عشر نقباء بني العباس ولي أمرة مصر سبعة أشهر ومات وإبان بن تغلب قال في العبر الكوفي القارىء المشهور وكان من ثقات الشيعة يروى عن الحكم وطائفة انتهى وقال في المغني أبان بن تغلب ثقة معروف قال ابن عدي وغيره غال في التشيع وقال الجوزجاني زائغ مذموم المذهب ووثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم انتهى وقد خرج له مسلم والأربعة سنة اثنتين وأربعين ومائة فيها عزل عن مصر محمد بن الأشعث ووليها حميد بن قحطبة وولى الجزيرة والثغور عباس أوالمنثور وفيها توفي خالد الحذاء بن مهران البصري الحافظ يروى عن كبار التابعين وقد رأى أنسا وكان يجلس في الحذائين فنسب لغيهم ولقب الحذاء لجلوسه بينهم قال في المغني هو ثقة جبل والعجب من أبي حاتم يقول لا يحتج به انتهى وقال ابن ناصر الدين كان أحد الثقات الإثبات والأمير سليمان ابن عمر المنصور وكان جواداً ممدحاً وبلغت عطاياه في الموسم خمسة آلاف ألف درهم وولى إمرة البصرة وعاش ستين سنة وفيها عاصم بن سلمان الأخوال أحد حفاظ البصرة روى عن عبد الله بن سرجس وأنس وطائفة قال في الغني تابعي ثقة قال القطان ليس بالحافظ وقال الحاكم ليس بالحافظ عندهم انتهى وفيها أو في التي بعدها عمرو بن عبيد البصري العابد الزاهد المعتزلي القدرى صاحب الحسن ثم خالفه واعتزل حلقته فلذا قيل المعتزلة (1/210) ________________________________________ 211 قال في العبر قال الحسن رأيته في النوم يسجد للشمس وقال ابن الأهدل لما اعتزل واصل بن عطاء مجلس الحسن وطرده تحول إليه عمرو فسموا معزلة توفي بمران بتشديد الراء على طريق مكة وهو راجع منها ورثاه الخليفة المنصور ومدحه أيضاً في حياته والناس مختلفون فيه انتهى وقال في المغنى عمرو بن عبيد شيخ المعتزلة سمع الحسن كذبه أبو أيوب يونس وتركه ابن أبي شيبة انتهى وكانت له جرأة فأنه قال ابن عمر هو حشوى فانظر هذه الجرأة والإفتراء عامله الله بعدله وفيها محمد بن أبي إسماعيل الكوفي روى عن أنس وجماعة وقال شريك رأيت أولاد أبي إسماعيل أربعة ولدواء في بطن واحد وعاشوا وأبو هانىء حميد بن هانىء الخولاني المصري روى عن علي بن رباح وأدركه ابن وهب قاله في العبر سنة ثلاث وأربعين ومائة فيها ثارت الديلم وقتلوا خلائق من المسلمين فانتدب الناس لغزوهم وفيها سار الأمير محمد بن الأشعث إلى المغرب فالتقى الأباضية وقتل زعيمهم أبو الخطاب في المصاف وفيها توفي حجاج بن أبي عثمان الصواف أحد حفاظ البصرة روى عن الحسن وغيره وحميد الطويل واسم أبي حميد تيروية أحد الثقات التابعين البصريين كان قائماً يصلى فسقط ميتاً سمع أنسا وطائفة وكنيته أبو عبيدة ومات وله سبع وتسعون سنة ومكث أربعين سنة يصوم يوماً ويفطر يوماً ويصلى الفجر بوضوء (1/211) ________________________________________ 212 العشاء قاله ابن الأهدل قال ابن ناصر الدين هو حميد بن أبي حميد الطويل البصري أبو عبيد ة واسم أبيه تيرويه على الأشهر وهو خال حماد بن سلمة كان أماما حافظاً متقنا عمدة وكان من ثقات الرواة ولم يدع لثابت البناني علماً إلا حفظه منه ووعاه انتهى وفي ذي القعدة سليمان بن طرخان التيمي القيسي مولاهم أبو المعتمر الحافظ الإمام أحد مشايخ الإسلام روى عن أنس والحسن وغيرهما وكان عابداً صواماً قانتاً لله قواماً قال في العبر قال شعبة كان إذا حدث عن رسول الله تغير لونه وما رأيت أحذق منه وقال معتمر مكث أبي أربعين سنة يصوم يوما ًويفطر يوماً ويصلى الفجر بوضوء العشاء وعاش سبعاً وتسعين سنة انتهى لفظ العبر وفيها على الأصح ليث بن أبي سليم يروى عن مجاهد وطبقته وكان أحد الفقهاء قال الفضيل بن عياض كان أعلم أهل زمانه بالمناسك وقال الدارقطني كان صاحب سنة إنما أنكروا عليه جمعه بني عطاء وطاووس ومجاهد قد تقدم ذكره في سنة ثمان وثلاثين وفيها مطرف بن طريف الكوفي الزاهد روى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى وجماعة وفيها يحيى بن سعيد الأنصاري المدني الفقيه أبو سعيد أحد الأعلام ولى قضاء المنصور ومات بالهاشمية قبل أن تبني بغداد روى عن أنس وخلق قال أيوب السختياني ما تركت بالمدينة افقه منه وكان يحيى القطان يفضله ويقدمه على الزهري وقال الثوري كان من الحافظ وقال ابن المديني له نحو ثلاثمائة حديث (1/212) ________________________________________ 213 سنة أربع وأربعين ومائة وفيها سار جيش العراق والجزيرة لغزو الديلم وعلى الناس محمد بن السفاح وحج بالناس المنصور وأهمه شأن محمد بن بعد الله بن حسن وأخيه إبراهيم لتخلفهما عن الحضور عنده فوضع عليهما العيون وبذل الأموال وبالغ في تطلبهما لأنه عزف مرامهما وقبض على أبيهما فسجنه في بضعة عشر من أهل البيت وماتوا فيسجنه قيل طرحهم في بيت وطين عليهم حتى ماتوا ولما بلغ محمداً وفاة أبيه ثار بالمدينة وسجن متوليها وتتبع أصحابه وخطب الناس وبايعوه طوعاً وكرها واستعمل على مكة واليمن والشام عمالاً لم يتمكنوا وأحبه الناس حباً عظيماً وكان فيه من الكمال وخصال الفضل ويشبه النبي في الخلق والخلق واسمه واسم أبيه حتى قيل أن خاتمه بين كتفيه وكان أهل المدينة يعدون فيه من الكمال مالو جاز أن يبعث اله نبياً بعد محمد لكان هو وتكاتب هو المنثور مكاتبات عظيمة ولكليهما قول فصل جزل والحق والتحقيق في جانب محمد وقد كان المنصور والسفاح في خلافة الأمويين من الدعاة إلى محمد بن عبد الله هذا ولما أعيا المنصور والسفاح في خلافة الأمويين من الدعاة إلى محمد بن عبد الله هذا ولما أعيا المنصور أمره جهز إليه ابن عمه عيسى ابن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وقال لا أبالي أيهما قتل صاحبه لأن عيسى ولى العهد بعد المنصور على ما رتبه لهم السفاح فسار عيسى في أربعة آلاف وكتب إلى الإشراف يستميلهم فمال كثير منهم وتحصن محمد بالمدينة وأعمق خنادقها وزحف عليه عيسى وناداه بالأمان وناشده الله ومحمد لا يرعوى لذلك ولما ظهر له وتخاذل أصحابه اغتسل وتحنط وقاتلهم بنفسه قتالا شديداً ومعه ثمانون رجلاً وقتل بيده اثني عشر رجلاً ثم قتل واستشهد لثنتي عشرة ليلة من رمضان سنة خمس وأربعين وله اثنتان وخمسون سنة وقبره بالبقيع مشهور مزور وبعث برأسه إلى المنصور وكانت مدة قيامه (1/213) ________________________________________ 214 شهرين واثني عشر يوماً وخرج أخوه إبراهيم بالبصرة في هذه السنة أيضاً وقد كان سار إليها من الحجاز فدخلها سراً في عشرة أنفس فدعا غلى نفسه سراً وجرت له أمور وتهاون متولى البصرة في أمر إبراهيم حتى اتسع الخرق وخرج أول ليلة من رمضان تنزل إليه متولي الكوفة بالأمان ووجد إبراهيم في بيت المال ستمائة ألف ففرقها في أصحابه ولما بلغ المنصور خروجه تحول إلى الكفوى ليأمن غائله أهلها وألزم الناس لبس السواد وجعل يقتل ويجبس من اتهمه وبعث إبراهيم عاملاً إلى الأهواز وآخر إلى فارس وسائر البلدان فأتاه مقتل أبيه بالمدينة قبل عيد الفطر بثلاث فعيد من كسار وجهز المنصور لحربه خمسة آلاف فكان بينهما وقعات قتل فيها خلق عظيم ولم يبرح المنصور حتى قدم عيسى من المدينة فوجهه إلى إبراهيم وجعل المنصور لا يقلا له قرارا ولا يأوى إلى فراش خمسين ليلة كل ليلة يأتيه فتق من ناحية وعنده مائة ألف بالكوفة ولو هجم عليه إبراهيم بالكوفة ولا وقع به ولكنه قال أخاف أن يستباح الصغير والكبير فقيل له إذا كان هذا فلم خرجت عليه فالتقى الجمعان على يمين من الكوفة فظهر جيش إبراهيم وتهيأ له الفتح لولا حملة من عيسى بن موسى وظاهرة ابنا سليمان بن على فكسروا جيش إبراهيم وجاءه سهم فوقع فيحلقه فأنزلوه وهو يقول وكان أمر الله قدراً مقدوراً وبعثوا برأسه إلى المنصور وقتل وسنة ثمان وأربعون وهرب أهل البصرة بحراً وبراً وكان خرج مع إبراهيم كثير من القراء والعلماء منهم هشيم وأبو خالد الأحمر وعيسى بن يونس وعبادبن العوام ويزيد بن هارون وأبو حنيفة وكان يجاهر في أمره ويحث الناس على الخروج معه كما كان مالك يحث الناس على الخروج مع أخيه محمد وقال أبو اسحق الفزاري لأبي حنيفة ما اتقيت الله حيث حثثت أخي على الخروج مع إبراهيم فقتل فقال أنه كما لو قتل يوم بدر وقال شعبة والله لهي عندي بدر الصغرى (1/214) ________________________________________ 215 وقال ابن قتيبة في المعارف فأما الحسن بن الحسين بن على فولد عبد الله والحسن وإبراهيم وجعفراً وداود ومحمداً وكان عبد الله بن حسن بن حسن يكنى أبا محمد وان خيراً فاضلا ورؤى يوماً يمسح على خفيه فقيل له تمسح فقال نعم قد مسح عمر بن الخطاب ومن جعل عمر بينه وبين الله فقد استوثق وكان مع أبي العباس أي السفاح وكان له مكرماً وبه أنساً واخرج يوماً سفطاً فيه جوهر فقاسمه غياه وأراه بناء قد بناه وقال له كيف ترى هذا فقال متمثلاً ( ألم ترى حوشباً أمسى يبنى * قصوراً نفعها لبني يقبله ) ( يؤمل أن يعمر عمر نوح * وأمر الله يحدث كل ليلة ) فقال له أتتمثل بهذا وقد رأيت صنيعي بك فقال والله ما أردت بها سوءاً ولكنها أبيات حضرت فإن رأى أمير المؤمنين أن يحتمل ما كان مني فقال قد فعلت ثمرده إلى المدينة فلما ولي أبو جعفر ألح في طلب ابنيه محمد وإبراهيم ابني عبد الله وتغيباً بالبادية فأمر أبو جعفر أن يؤخذ أبوهما عبد الله وإخوته حسن وداود وإبراهيم وأن يشدوا وثاقا ويبعث بهم إليه فوافوه في طريق مكة بالربذة مكتفين فسأله عبد الله أن يأذن له عليه فأبى أبو جعفر فلم يروه حتى فارق الدنيا ومات في الحبس وماتوا وخرج ابناه محمد وإبراهيم على أبي جعفر وغلبا على المدينة ومكة والبصرة فبعث إليهما موسى بن عيسى فقتل محمدا بالمدينة وقتل إبراهيم بباخمرا على ستة عشر فرسخا من الكوفة وإدريس بن عبد الله ابن حسن أخوهما هو الذي سار إلى الأندلس والبربر وغلب عليهما انتهى وفيها أي في سنة أربع وأربعين توفي أبو مسعود سعيد بن إياس الجريري البصري محدث البصرة روى عن أبي الطفيل وعدة وكان إماماً حافظا ثبتا إلا أنه ساء حفظه وتغير قبل موته وفقيه الكوفة أبو شبرمة عبد الله بن شبرمة الضبي القاضي روى عن أنس (1/215) ________________________________________ 216 والتابعين قال أحمد العجلي كان عفيفاً صارماً عاقلاً يشبه النساك شاعرا جوادا وعقيل بن خلد الإيلي مولى بني أمية وصاحب الزهري لقي عكرمة وطائفة وكان حافظاً ثبتاً حجة وفي ذي الحجة مجالد بن سعيد الهمذاني الكوفي صاحب الشعبي لينوا حديثه وقد خرج له مسلم مقروناً بآخر سنة خمس وأربعين ومائة فيها خرجت الترك والخز بباب الأبواب وقتلوا واستباحوا بعض أرمينية وفيها أمر المنصور فأسست بغداد وابتدئ بإنشائها ورسم هيئتها وكيفيتها أولا بالمراد وفرغت في أربعة أعوام بالجانب الغربي وتحول غليها المنصور سنة ست وأربعين قبل تمامها وبغداد الآن أكثرها من الجانب الشرقي وفيها توفي الأجلح الكندي من مشاهير محدثي الكوفة روى عن الشعبي وطبقته قال في المغني أجلح بن عبد الله أبو جحيفة الكندي عن الشعبي شيعى لا بأس بحديثه ولينة بعضهم قال ابن أبي شيبة ضعيف انتهى وفيها وقيل في سنة سن إسماعيل بن أبي خالد البجلي مولاهم الوفي الحافظ أحد الأعلام سمع أبا جحيفة وابن أبي أوفى وخلقا وكان صالحاً ثبتا حجة وعمرو بن ميمون بن مهران الجزري الفقيه أخذ عن أبيه و مكحول وان يقول لو علمت أنه بقي على حرف من السنة باليمن لأتيتها وحبيب بن الشهيد البصري روى عن الحسن وأقرانه وأرسل عن أنس وجماعة وكان ثبتا كثير الحديث وعبد الملك بن أبي سليمان العرزمي الكوفي الحافظ أحد المحدثين الكبار (1/216) ________________________________________ 217 وكان شعبة مع جلالته يتعجب من حفظ عبد الملك روى عن أنس فمن بعده وكان يقال له منزان الكوفة كما ذكره ابن القيم وهو ثقة ثبت وعمرو بن عبد الله مولى غفرة عن سن عالية روى عن أنس والكبار قال أحمد أكثر أحاديثه مراسيل وليس به بأس وقال ابن معين ضعيف ومحمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي المدني روى عن أبي سلمة وطائفة وكان حسن الحديث كثير العلم مشهوراً أخرج له البخاري مقروناً بآخر ويحيى بن الحرث الذكارى مقرىء دمشق وإمام جامعها قرأ على ابن عامر وروى عن واثلة بن الأقع وخلق وورد أنه قرأ القرآن على واثلة بن الأسقع وعليه دارت قراءة الشاميين ويحيى بن سيعد التيمي تيم الرباب الكوفي وكان ثقة إماماً صاحب سنة روى عن الشعبي ونحوه سنة ست وأربعين ومائة في صفر تحول المنثور فنزل بغداد قبل استتمام بنائها وكان لا يلها أحد أبداً راكباً حتى أنعمه عيسى بن على شكا إليه المشي فلم يأذن له وفيها توفي أشعث بن عبد الملك الحمراني مولى حمران مولى عثمان روى عن ابن سيرين ويغره وكان ثبتاً ثقة حافظاً أما أشعث بن سوار فكوفي فيه ضعف وكذا أشعث الحداني الراوي عن أنس ليس بالقوى وفيها عوف الأعرابي البصري وكان صدوقاً شيعياً كثير الحديث روى عن أبي العالية وطائفة قال في المغنى ثقة مشهور قال بندار قدري رافضي يعني يتشيع انتهى وفيها محمد بن السائب أبو النصر الكلبي الوفي صاحب التفسير والأخبار (1/217) ________________________________________ 218 والأنساب اجمعوا على تركه وقد اتهم بالكذب والرفض وقال ابن عدي ليس لأحد أطول من تفسيره عنه قال سميت العرب شعوباً لأنهم تفرقوا من ولد إسماعيل عليه السلام ونم ولد قحطان تشعبوا والرعب كلهم بنوا إسماعيل إلا أربع قبائل السلف والأوزاع وحضرموت وثقيف وأول من تكلم بالعربية يعرب بن الهميسع بن نبت بن إسماعيل وكل نبي ذكر في القرآن فهو من ولد إبراهيم غير إدريس ونوح ولوط وهود وصالح وكأنه لم يستثن آدم لأنه أبو الكل قال ولم يكن في العرب نبي الأهود وصالح وإسماعيل ومحمد وروى ابن عباس ان أصحاب سفينة نوح كانوا ثمانين رجلاً فلما كثروا ملكهم نمرودبن كنعان بن حام بن نوح فلما كفروا بلبل ا له ألسنتهم وتفرقوا اثنين وسبعين لساناً وفهم الله العربية عمليق وأميم وطسم ابني لوذ بن سام وعاداً وعبيلاً بني عوص بن سام بن نوح انتهى كلام ابن الكبي وانظر ما في كلامه فإنه ذكر أول نم تكلم بالعربية يعرب من ذرية إسماعيل ثم ذكر أن الله فهمها عمليقاً ومن ذكر بعده من ذرية نوح وكلاهما مخالف لما جاء أن إسماعيل تعلم العربية من جرهم لما نشأ بينهم حتى قيل أن إبراهيم لما كان بني البيت يقول لإسماعيل هات هيك والهيك بالسريانية الحجر فيقول له إسماعيل خذ الحجر فهذا يتكلم بالسريانية وهذا بالعربية وقيل لما نزل أصحاب نوح من السفينة خلق الله في قلوبهم لغات مختلفة فتكلم كل مهم بلغة وفيها توفي هشام بن عروة بن الزبير الفقيه أحد حفاظ الحديث قال مسح ابن عمر برأسي ودعالي وقال وهيب قدم علينا هشام بن عروة فكان مثل الحسن وابن سيرين وحدث عن أبيه وعمه وكان ثبتا متقنا توفي ببغداد وصلى عليه (1/218) ________________________________________ 219 المنصور ودفن بمقبرة الخيز وأن قيل أنه ولد هو وعمر بن عبد العزيز والزهري وقتادة والأعمش ليلي قتل الحسين بنعلي في المحرم سنة إحدى وستين.

السنة 61هـ-80هـ

سنة إحدى وستين وفيها أوفى التي تليها يزيد بن أبي عبيد صاحب سلمة بن الأكوع ومولاه بالمدينة سنة سبع وأربعين ومائة فيها بدعت الكفرة الترك بناحية ارمينية وقتلوا أمما ودخلوا تفليس فالتقاهم المسمون فلم ينصروا وهزم أميرهم جبريل بن يحيى وقتل مقدمهم الآخر حرب الريوندي الذي تنسب إليه الحربية ببغداد وفيها ألح المنصور وتحيل بكل ممكن على ابن عمه ولى العهد عيسى بن موسى بالرغبة والرهبة حتى خلع نفسه كرها وقيل بل عوضه عشرة آلاف ألف درهم وعلى أن يكون أيضاً ولى عهده بعد المهدي بن المنصور وفيها توفي عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز بن مروان الأموي حدث عن مجاهد وجماعة وكان عالماً فقيهاً نبيلاً قال في المغني وثقة جمعة وضعفه أبو مسهر انتهى وخرج له ابن عدي وفيها انهدم الحبس على الأمير عبد الله بن علي الذي هزم مروان وافتتح دمشق وكان من رجال الدهر حزماور أياودهاء وشجاعة وهو عم المنصور سجنه المنصور سراً وقيل أنه قتله سرا ًوهدم الحبس قصداً وفيها الإمام أبو عثمان عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوى العمري المدني وكان أوثق اخواته وأفضلهم وأكثرهم علماً وصلاحاً وبعادة روى عن القسم وسالم ونافع وفيها هشام بن حسان الأزدي القردوسي الحافظ محدث البصرة وصحب الحسن وأبن سيرين قال ابن عينية كان أعلم الناس بحديث الحسن (1/219) ________________________________________ 220 وقيل كان عنده ألف حديث وقال في المغني هشام بن حسان ثقة مشهور روى شعيب بن حرب عن شعبة قال كان خشبياً ولم يكن يحفظ قلت وذكره العقيلي في كتابه فروى بإسناده عن ابن المديني قال كان أصحابنا يثبتون هشام ابن حسان وكان يحيى يضعف حديثه وكان الناس يرون أنه أرسل حديث الحسن عن حوشب وقال عرعرة بن البرند ذكر لجرير بن حازم هشام بن حسان فقال ما رأيته عند الحسن قط قلت وأنكر عليه حديثه عن محمد بن عبيدة بنقض الوضوء أذى المسلم انتهى سنة ثمان وأربعين ومائة فيها توجه حميد بن قحطبة في جيش كثيف إلى ثغر أرمينية وفيها توفي الإمام سلالة النبوة أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين بن علي بن الحسين الهاشمي العلوي وأمه فروة بنت القسم بن محمد ابن أبي بكر فهو علوي الأب بكري ألم روى عن أبيه وجده القسم وطبقتهما وكان سيج بني هاشم في زمنه عاش ثمانيا وستين سنة وأشهراً وولد سنة ثمانين بالمدينة ودفن بالبقيع ي قبة أبي ه وجده وعم جده الحسن وقد ألف تلميذه جابر بن حباب الصوفي كتاباً في ألف ورقة يتضمن رسائله وهي خمسمائة وهو عند الأمامية من الأثني عشر بزعمهم قيل إنه سأل أبا حنيفة عن محرم كسر رباعية ظبى فقال لا أعرف جوابها فقال أما تعلم إن الظبي لا يكون له رباعية وقال في المغني جعفر بن محمد بن علي ثقة لم يخرج له البخاري وقدو وثقة ابن معين وابن عدي وأما القطان فقال مجالد أحب غلى منه انتهى وفي ربيع الأول توفي الإمام أبو محمد سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي مولاهم الأعمش روى عن ابن أبي أوفى أبي وائل والكبار وكان محدث (1/220) ________________________________________ 221 الكوفة وعالمها قال ابن المديني للأعمش نحو ألف وثلثمائة حديث وقال ابن الكوفة وعالمها ابن المديني للأعمش نحو ألف وثلثمائة حديث وقال ابن عيينة كان أقرأهم لكتاب الله وأعلمهم بالفرائض وأحفظهم للحديث وقال يحي القطان هو علامة الإسلام قال وكيع بقي الأعمش قريباً من سبعين سنة ولم تفته التكبيرة الأولى وقال الخريبي ما خلف أعبد منه وما يرويه عنه مالك فهو إرسال لأنه لم يسمع منه وكان فيه مزاح خرج إلى الطلبة يوماً وقال لولا إن في منزلي من هو أبغض إلي منكم ما خرجت وطلبه رجل ليلح بينه وبين زوجته فقال الرجل لزوجته لا تنظري إلى عموشة عينيه وخموشة ساقيه فإنه إمام فقالت ما لديوان الرسائل أريده فقال ما أردت إلا أن تعرفها عيوبي وقال له حائك ما تقول في شهادة الحائك فقال تقبل مع عدلين وذكر عنده حديث من نام عن قيام الليل بال الشيطان في أذنه فقال ما عمشت عيني إلا من بول الشيطان وكتب إليه هشام بن عبد الملك أن أكتب لي فضائل عثمان ومساوئ علي فأخذ كتابه ولقمه شاة عنده وقال لرسوله هذا جوابك فألح عليه الرسول في جواب وتحمل عليهبإخوانه وقال إن لم آت بالجواب قتلني فكتب بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فلو كان لعثمان مناقب أهل الأرض فعليك بخويصة نفسك والسلام وقال فيالمغني الأعمش ثقة جبل ولكنه يدلس قال وهب بن زمعة سمعت ابن المبارك يقول إنما أفسد حديث ولكنه يدلس قال وهب بن زمعة سمعت ابن المبارك يقول إنما أفسد حديث أهل الكوفة الأعمش وأبو إسحاق انتهى قلت والتدليس ليس كله قادحا ولنذكر تعريفه وما يقدح منه وما لا يقدح لأن ذك لا يخلو عن فائدة فأقول التدليس له معنيان لغوي واصطلاحي فاللغوي كتمان العيب في مبيع أو غيره ويقال دالسه خادعه كأنه من الدلس وهو الظلمة لأنه إذا غطى عليه الأمر أظلمه عليه وأما في الاصطلاح أي اصطلاح المحدثين والأصوليين فهو قسمان قسم من مضر يمنع (1/221) ________________________________________ 222 القبول وهو تدليس المتن وهو محرم وفاعله مجوح ويسمى المدرج أيضاً مثاله أن يدخل الراوي للحديث شيئاً من كلامه فيه أولاً أو آخر أو وسطاً على وجه يوهم أنه من جملة الحديث الذي رواه ويسمى تدليس المتون وفاعله عمداً مرتكب محرما مجروح عند العلماء لما فيه من الغش أما لو اتفق ذلك من غير قصد من صحابي أو غيه فلا يكون ذلك محرماً ومن ذلك كثير أفرده الخطيب البغدادي بالتصنيف ومن أمثلته حديث ابن مسعود في التشهد قال في آخره وإذا قلت هذا فإن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد وهو من كلامه لا من الحديث المرفوع لما قاله البيهقي ولخطيب والنووي وغيرهم والقسم الثاني غير مضر لكنه مكروه مطلقا عن الحنابلة وله صور إحداها أن يسمى شيخه في روايته باسم له غير مشهور من كنية أو لقب أو اسم أو نحوه كقول أبي بكر بن مجاهد المقرئ الإمام حدثنا عبد الله بن أبي أوفى يريد به عبد الله بن أبي داود السجستاني وهو كثير جداً ويسمى هذا تدليس الشيوخ وأما تدليس الإسناد وهو أن يروي عمن لقيه أو عاصره ما لم يسمعه منه موهما سماعه منه قائلاً قال فلان ونحوه وربما لم يسقط شيخه ويسقط غيره ومثله بعضهم بما في الترمذي عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين ثم قال هذا حديث لا يصح لأن الزهري لم يسمعه من أبي سلمة ثم ذكر أن بينهما سليمان بن أرقم عن يحي بن أبي كثير وإن هذا وجه الحديث قال ابن الصلاح هذا القسم مكروه جداً ذمه أكثر العلماء وكان شعبة من أشدهم ذماً له وقال مرة التدليس أخو الكذب ومرة لأن أزني أحب إلي من أدلس وهذا إفراط منه محمول على المبالغة في الزجر عنه الصورة الثانية أن يسمى شيخه باسم شيخ آخر لا يمكن أن يكون رواه عنه كما يقول تلامذة الحافظ أبي عبد اله الذهبي حدثنا أبو عبد الله الحافظ (1/222) ________________________________________ 223 تشبيها بقول البيهقي فيما يرويه عن شيخه أبى عبد الله الحاكم حدثنا أبو عبد الله الحافظ وهذا لا يقدح لظهور المقصود والصورة الثالثة أن يأتي في التحديث بلفظ يوهم أمراً لا قدح في إيهامه ذلك كقوله حدثنا وراء النهر موهما نهر جيحون وهو نهر عيسى ببغداد والحيرة ونحوها كمصر فلا حرج في ذلك قاله الآمدي لأن ذلك من باب الأغراب وأن كان فيه أيهام الرحلة إلا أنه صدق في نفسه ومن فعله بصورة الثلاثة متأولا قبل عند أمد وأصحابه والأكثر من الفقهاء والمحدثين ولم يفسق لأنه صدر من الأعيان المقتدي بهم حتى قيل لم يسلم منه إلا شعبة والقطان ولكن من عرف به عن الضعفاء لم تقبل روايته حتى يبين سماعه عند المحدثين وغيرهم والإسناد المعن عن بلا تدليس بأي لفظ كان متصل عند أحمد والأكثر من المحدثين وغيرهم عملاً بالظاهر والأصل عدم التدليس حكاه ابن عبد البر في التمهيد اجماعاً واله سبحانه وتعالى اعلم وفيها أو في التي قبلها وهو الصحيح رؤبة بن العجاج المصري التيمي السعدي كان هو وأخوه من المدونين في الرجز ليس فيه شعر من أن الرجز شعر على الصحيح وكان عارفاً باللغة وحشيها وغريبها والروبة جريرة اللبن وهي أيضاً قطعة من الليل والحاجة والرؤبة بالهمز القطعة من الخشب يشعب بها الإناء والجميع بضم الراء وسكون الواو الإ أسم هذا الرجل والقطعة من الخشب فإنهما بالهمز وفيها شبل بن عباد قارىء أهل مكة وتلميذ ابن كثير حدث عن أبي الطفيل وطائفة وعمرو بن الحرث المصري الفقيه حدث عن ابن أبي مليكة وطبقته قال أبو حاتم الرازي كان احفظ الناس في زمانه وقال ابن وهب ما رأيت أحفظ منه ولم يكن له نظير في الحفظ (1/223) ________________________________________ 224 ومحمد بن الوليد الزبيدي الحمصي القاضي عالم أهل حمص أخذ عن مكحول وعمرو بن شعيب وخلق وقال أقمت مع الزهري عشر سنين بالرصافة وقال الزهري عنه قد احتوى هذا على ما بين جنبي من العلم وقال محمد بن سعد كان أعلم الشاميين بالفتوى والحديث والعوام بن حوشب شيخ واسط روى عن إبراهيم النخعي وجماعة قال يزيد بن هارون كان صاحب أمر بالمعروف ونهي عن المنكر وفي رمضان قاضي الكوفة ومفتيها أبوب عد الرحمن محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى الأنصاري الفقيه لم يدرك أباه وسمع الشعبي وطبقته قال أحمد ابن يونس كان أفقه أهل الدنيا وكان صاحب قرآن وسنة قرأ عليه حمزة الزيات وكان صدوقاً جائز الحديث قاله في العبر ومات وهو على القضاء وفيها محمد بن عجلان المدني روى عن أبيه وأنس وطائفة وكان عابداً ناسكاً صادقاً له حلقة بمسجد النبي للفتوى روى له مسلم مقروناً بآخر وكان مولى لقريش سنة تسع وأربعين ومائة وفيها غزا الناس بلاد الروم وعليهم العباس بن محمد فمات في الغزاة أكثر امرأته وفيها توفي بالكوفة زكيا ينب أبي زائدة الهمذاني القاضي والد يحيى روى عن الشعبي وغيره قال في المغنى صدوق مشهور قال أبو زرعة صويلح وقال أبو حاتم لين الحديث يدلس وثقة أبو داود وقال يدلس انتهى وفيها عيسى بن عمر النحوي قال ابن قتيبة كان صاحب تقعير في كلامه واستعمال للغريب فيه وفي قراءته وضربه بوسف بن عمر بن هبيرة في سبب وهو يقول والله إن كانت إلا أثياباً في أسفاط قبضها عاشروك انتهى (1/224) ________________________________________ 225 وقال ابن الأهدل عيسى بن عمر النحوي الثقفي البصري مولى خالد ابن الوليد نزل في ثقيف فنسب إليهم وكان صاحب غريب في لفظه ونحوه وحكى أنه سقط عن حمار فاجتمع عليه الناس فقال مالك تكأ كأتم على كتكأ كئكم على ذي جنة افترقوا عني معناه مالكم تجمعتم على كتجمعكم على مجنون افترقوا عني فقالوا أن شيطانه هندي وهو شيخ سيبويه وله كتاب الجامع في النحو وهو المنسوب إلى سيبويه وله أيضاً الإكمال وصنف نيفاً وسبعين كتابا صفيا لنحو ولم يبق منها سوى الجامع والكمال لأنها كانت احترقت إلا هذين وكن سيبويه رحل إليه وعاد ومعه الجامع فسأله الخليل عن عيسى فأخبره بأخبار وأراه الجامع فقال الخيل ( ذهب النحو جميعاً كله * غير ما أحدث عيسى بن عمر ) ( ذاك إكمال وهذا جامع * وهما للناس شمس وقمر ) وهو شيخ سيبويه والخليل وأيى عمرو بن العلاء وعيسى هذا هو الذي هذب النحو ورتبه انتهى ملخصاً مزيداً فيه وفيها توفي كهمس بن الحسن البصري روى عن أبي الطفيل وجماعة والمثنى بن الصباح اليماني بمكة روى عن مجاهد وعمرو بن شعيب وجماعة وكان من أعبد الناس وفي حديثه ضعف سنة خمسين ومائة فيها خرجت أهل خراسان على المنصور مع الأمير استأذنيس حتى اجتمع له فيما قيل ثلاثمائة ألف مقاتل ما بين فارس وراجل سائرهم من أهل هراة وسجستان واستولى على أكثر خراسان وعظم الخطب فنهض لحربه الأخثم المرو وذي فقتل الأخثم واستبيح عسكره فسار حازم بن خزيمة فيجيش عظيم بالمرة فالتقى الجمعان وصبر الفريقان وقتل خلق حتى قيل إنه قتل في هذه (1/225) ________________________________________ 226 الوقعة سبعون ألفاً وانهزم أستاذ سيس في طائفة إلى جبل وكانت هذه الوقعة في السنة الآتية سقناها استطراداً ثم أمر حازم بالأسرى فضربت أعناقهم كلهم وكانوا أربعة عشر ألفاً ثم حاصر أسنادسيس مدة ثم نزل على حكمهم فقيد هو وأولاده وأطلق أصحابه وكانوا ثلاثين ألفاً وفيها توفي إمام الحجاز أبو الوليد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الرومي ثم المكي مولى بني أمية عن أكثر من سبعين سنة أخذ عن عطاء وطبقته وهو أول من صنف الكتب بالحجاز كما أن سعيد ب أبي عروبة أول من صنف بالعراق قال أحمد كان من أوعية العلم قال ي العبر ولم يطلب العلم إلا في الكهولة ولو سمع في عنفوان شبابه لحمل عن غير واحد من الصحابة فإنه قال كنت أتتبع الأشعار العربية والأنساب حتى قيل لي لو لزمت عطاء فلزمته ثمانية عشر عاما قال ابن المديني لم يكن في الأرض أعلم بعطاء بن أبي رباح من ابن جريج وقال عبد الرزاق ما رأيت أحداً أحسن صلاة من ابن جريج وقال خالد بن نزار الايلي رحلت بكتب ابن جريج سنة خمسين ومائة لألقاه فوحجدته قد مات رحمه الله تعالى انتهى كلامه في العبر وقال ابن الأهدل هو أول من صنف المتب في الإسلام كان باليمن مع معن بن زائدة قال فحضر وقت الحج وخطر بباله فول عمر بن أبي ربيعة ( بالله قولي له من غير معتبة * ماذا أردت بطول المكث في اليمن ) ( إن كنت حاولت دينا أو نعمت بها * فما أجدت لترك الحج من ثمن ) قال فدخلت على معن فأخبرته إني عزمت على الحج قال م تذكره من قبل فأخبرته بما بعثني فجهزني وانطلقت انتهى وقال في المعارف ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وجريج كان عبداً لأم حبيب بنت جبير وكانت تحت عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسد فنسب إلى ولائه وولد سنة اثنين عام الجحاف والجحاف سيل كان بمكة حدثني أبو حاتم (1/226) ________________________________________ 227 عن الأصمعي عن أبي هلال قال كان ابن جريج احمر الخضاب روى الواقدي قال حدثنا عبد الرحمن بن أبي زياد قال شهدت ابن جريج جاء إلى هشام بن عروة فقال يا أبا المنذر الصحيفة التي أعطيتها إلى فلان هي حديثك قال نعم قال الواقدي فسمعت ابن جريج بعد ذلك يقول حدثنا هشام بن عروة ما لا أحصى قال وسألته عن قراءة الحديث عن المحدث قال ومثلك يسأل عن هذا إنما اختلف الناس في الصحيفة يأخذها ويقول أحدث بما فيها ولم يقرأها وأما إذا قرأها فهو والسماع سواء انتهى كلام المعارف قلت وهذا مذهب مالك وجماعة وأما عند الحنابلة فالسماع أعلى رتبة ويشهد لمذهبهم العقل والذوق والله أعلم وفيها مات أبو الحسن مقاتل بن سليمان الأزدي مولاهم الخراساني المفسر وقال في المغني مقاتل بن سليمان البلخي هالك كذبة وكيع النسائي انتهى وقال ابن الأهدل كان نبيلا واتهم في الرواية قال مرة سلوني عمادون العرش فقيل له من حلق رأس آدم لما حج وقال له آخر الذرة أو النملة معاؤها في مقدمها أو مؤخرها فلم يدرك ما يقول وقال ليس هذا من علمكم لكن بليت به لعجبي بنفسي وسأله المنصور لما خلق الله الذباب فقال ليذل به الجبابرة وقال الشافعي الناس عيال على مقاتل بن سليمان في التفسير وعلى زهير بن أبي سلمة في الشعر وعلى أبي حنيفة في الفقه وعلى الكسائي في النحو وعلى ابن إسحاق في المغازي وفيها توفي الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي مولى بني تيم الله بن ثعلبة ومولده سنة ثمانين رأى أنساً وغيره نظم بعضهم من لقي من الصحابة فقال ( لقي الإمام أبو حنيفة ستة * من صحب طه المصطفى المختار ) ( أنساً وعبد الله نجل أنيسهم * وسيه ابن الحارث الكرار ) ( وزاد ابن أوفى وابن واثلة الرضى * واضمم إليهم معقل بن يسار ) ولكن لم تثبت له رواية عن أحد منهم وإنما روي عن عطاء بن أبي رباح (1/227) ________________________________________ 228 وطبقته وتقفه على حماد بن سليمان وكان من أذكياء بني آدم الفقه والعبادة والورع والسخاء وكان لا يقبل جوائز الدولة بل ينفق ويؤثر من كسبه له دار كبيرة لعمل الخز وعنده صناع وأجراء رحمه الله تعالى قال الشافعي الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة وقال يزيد بن هارون ما رأيت أورع ولا أعقل من أبي حنيفة وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف قال بينهما أنا أمشي مع أبي حنيفة أذ سمعت رجلاً يقول لآخر هذا أبو حنيفة لا ينام الليل فقال والله لا يتحدث عن بما لم أفعل فكان يحيى الليل صلاة وجعاء وتضرعاً وقد روى أن المنصور وسقاه السم فمات شهيداً رحمه الله سمه لقيامه مع أبراهيم قاله في العبر وذكر الحافظ العامري في تأليفه الرياض المستطابة وكذلك ملخصه صالح ابن صلاح العلائي ومن خطه نقلت أن الإمام أبا حنيفة رأى عبد الله بن الحرث ان جزء الصحابي وسمع منه قوله من تفقه في دين الله كفاه الله همة ورزقه من حيث لا يحتسب انتهى وقال ابن الأهدل نقله المنصور عن الكوفة إلى بغداد ليوليه القضاء فأبى فخلف عليه ليفعلن فخلف أن لا يفعل وقال أمير المؤمنين أقدر منى على الكفارة فأمر به إلى الحبس وقيل أنه ضربه وقيل سقاه سما لقيامه مع إبراهيم الشبه بن عبد الله بن حسن فمات شهيداً وقيل أنه أقام في القضاء يومين ثم اشتكى ستة أيام ومات وكان ابن هبيرة قد أراده على القضاء يومين ثم اشتكى ستة أيام ومات وكان ابن هبيرة قد أراده على القضاء في الكوفة أيام مروان الجعدي فأبى وضربه مائة سوط وعشرة أسواط كل يوم عشرة وأصر على الإمتناع فخلى سبيله وكان الإمام أمد إذا ذكر ذلك ترحم عليه انتهى وقد قال في الإشباه والنظائر لم اجلس أبو يوسف رحمه الله للتدريس من غير اعلام أبي حنيفة أرسل إليه أبو حنيفة رجلاً فسأله عن خمس مسائل الأولى قصار جحد الثوب وجاءه به مقصوراً أهل يستحق الإجرام لا فأجاب أبو يوسف يستحق الأجر فقال له الرجل أخطأت فقال لا يستحق فقال أخطأت ثم قال له الرجل أن كانت القصارة قبل الجحود استحق وإلا فلام الثانية هل الدخول في الصلاة بالفرض أم بالسنة فقال (1/228) ________________________________________ 229 بالفرض فقال أخطأت فقال بالسنة فقال أخطأت فتحير أبو يوسف فقال الرجل بهما الأن التكبير فرض ورفع اليدين سنة الثالثة طير سقط في قدر على النار فيه لحم ومرق هل يؤكلان أم لا فقال أبو يوسف يؤكلان فخطأه فقال لا يؤكلان فخطأه ثم قال إن كان اللحم مطبوخاً قبل سقوط الطير يغسل ثلاثاً ويؤكل وترمي المرقة وإلايرمي الكل الرابعة مسلم له زوجة ذمية ماتت وهي حامل منه تدفن في أي المقابر فقال في مقابر اليهود يا لأنهم يوجهون قبورهم إلى القبلة ولكن يحول وجهها عن القبلة حتى يكون وجه الولد إلى القبلة لأن الولد في البطن نكون وجهه إلى ظهر أمه الخامسة أم ولد لرجل تزوجت بغير اذن مولاها هل تجب العدة من المولى فقال تجب فخطأه ثم قال الرجل ان كان الزوج دخل بها لا تجب وإلا وجبت فعلم أبو يوسف تقصيره فعاد إلى أبي حنيفة فقال تزبيت قبل أن تحصرم كذا في إجارات الفيض انتهى كلام الأشباه والله أعلم وبه التوفيق وفيها أوفى التي قبلها وهو الصحيح الحجاج بن ارطأه قال ابن ناصر الدين في بديعة البيان ( ثم أبو ارطأة الحجاج * مدلس قد طمس الحجاج ) أي العظم المستدير حول العين ويقال ويقال بل هو الأعلى الذي تحت الحاجب قال في المغني حجاج بن أرطأة النخعي الكوفي من كبار الفقهاء تركه ابن مهدي والقطان وقال أحمد لا يحتج به وقال ابن عدي ربما أخطأ ولم يتعمد وقد وثق وقال ابن معين أيضا صدوق يدلس خرج له مسلم مقروناً بغيره انتهى وقد خرج له الأربعة وابن حبان وفيها عمر بن محمد بن يزيد بن عبد الله بن عمر العمري بعسقلان روى عن سالم بن عبد الله وظائفة ولم يعقب وكان من السادة العبادة قال الثوري لم يكن في آل عمر أفضل منه وقال أبو عاصم النبيل كان من أفضل أهل زمانه (1/229) ________________________________________ 230 وعثمان بن الأسود المكي روى عن سيعد بن جبير ومجاهد وطاووس سنة إحدى وخمسين ومائة وفيها قدم المهدي من الري إلى بغداد ليراها فأمر أبوه ببناء الرصافة للمهدي في الجانب الشرقي مقابلة وجعل له حاشية وحشمة والده في زي الخلافة وجدد البيعة بالخلافة للمهدي من بعده من بعد المهدي لعلي بن موسى وفي رجب توفي الإمام عبد الله بن عون شيخ أهل البصرة وعالمهم روى عن أبي وائل والكبار قال هشام بن حسان لمتر عيناي مثل ابن عون وقال قرة كنا نعجب من ورع ابن سيرين فأنساه ابن عون قوال عبد الرحمن بن مهدي ما كان بالعراق أعلم بالسنة من ابن عون وقال أبو إسحاق هو ثقة فيكل شيء وفيها محمد بن أسحق بن يسار المطلبي مولاهم المدني صاحب السيرة رأى أنسا وسمع الكثير من ا لمقبري والأعرج وهذه الطبقة وكان بحراً من بحور العلم ذكياً حافظاً طلابه للعلم أخارياً نسابة علامة قال شعبة هو أمير المؤمنين في الحديث قال ابن معين هو ثقة وليس بحجة وقال أحمد بن حنبل هو حسن الحديث قاله في العبر وقال ابن الهدل لا تجهل أمانته ووثقه الأكثرون في الحديث ولم يخرج له البخاري شيئاً وخرج له مسلم حديثاً واحداً من أجل طعن مالك فيه وإنما طعن فيه مالك لأنه بلغه أنه قال هاتوا حديث مالك فأنا طبيب بعلله ونم كتب ابن إسحاق أخذ عبد الملك بن هشام وكل من تكلم في السير فعليه اعتماده توفي ببغداد ودفن في مقبرة الخيزران أم الرشيد نسبت المقبرة غليها لأنها أقدم من دفن فيها وهي بالجانب الشرقي انتهى وقال بعض المحدثين ابن إسحق ثقة مالم يعنعن فيخشى منه التدليس انتهى وقال ابن ناصر الدين كان بحراً من بحور العلم صدوقاً مختلفاً فيه جرحاً وتوثيقاً انتهى وفيها حنظلة بن أبي سفيان بن عبيد الرحمن بن صفوان بن أمية الجمحى المكي (1/230) ________________________________________ 231 روى عن مجاهد وطبقته والوليد بن كثير المدني بالكوفة روى عن بشير بن يسار وطائفة وكان عارفاً بالمغازي والسير ولكنه أباضى قاله في العبر والإباضة هم المنسوبون إلى عبد الله بن أباض قالوا مخالفونا من أهل القبلة كفار ومرتكب الكبيرة موحد غير مؤمن بناء على أن الأعمال داخلة في الإيمان وكفروا عليا واكثر الصحابة قال الذهبي في المغني الوليد بن كثير المخزومي ثقة حديثه في الكتب الستة سمع سعيد بن أبي هند والكبار قال أبو داود ثقة إلا أنه أباضى وقال ابن سعد ليس بذاك انتهى وفيها سيف بن سليمان لمكي روى من جاهد وغيره قال في المغني ثقة إلا أنه رمى بالقدر انتهى وفيها أو في التي تليها صالح بن علي الأمير عم المنصور وأمير الشام وهو الذي أمر ببناء أذنه التي في يد صاحب سيس وقد هزم الروم يوم دابق وكانوا مائة ألف وفيها قتلت الخوارج غبيلة معن بن زائدة الشيباني الأمير بسجستان وكان قد وليها عام أول وكان أحد الأبطال والأجواد وكان مع بني أمية متنقلاً في ولاياتهم مواليا لابن هبيرة وقاتل معه المنصور فلما قتل ابن هبيرة وخاف معن فاختفى فلما كان يوم الهاشمية وهو يوم مشهود ثار فيه جماعة من أهل خراسان على المنصور وكانت وقعتهم بالهاشمية التي بناها السفاح بقرب الكوفة وكان معن متوارياً بالقرب منهم فخرج متنكراً وقاتل قتالاً شديداً أبا فيه عن نجدته وفرقهم فلما أفرج عن المنصور قال له من أنت فكشف اللثام وقال أنا طليبك يا أمير المؤمنين فأمنه وأكرمه وصار من خواصه وقاله أنت الذي أعطيت مروان بن أبي حفص مائة ألف درهم على قوله ( معن بن زائدة الذي زيدت به * شرفاً على شرف بنو شيبان ) فقال إنما أعطيته على قوله (1/231) ________________________________________ 232 ( مازالت يوم الهاشمية معلما * بالسيف دون خليفة الرحمن ) ( فمنعت حوزته وكنت وقاية * من وقع كل مهند وسنان ) فقال أحسنت ودخل عليه أعرابي وهو جالس على سريره فأنشده ( تذكر إذ قميصك جلد كبش * وإذ نعلاك نم جلد البعير ) ( وفي يمناك عكاز طويل * تهش به الكلاب عن الهرير ) قال نعم أعرف ذلك ولا أنساه فقال ( فسبحان الذي أعطاك ملكاً * وعلمك الجلوس على السرير ) قال بحمد الله لا بحمدك قال ( فأقسم لا أحييك ابن معن * مدى عمري بتسليم الأمير ) ( قال إذاً والله لا أبالي فقال ( فمر لي يا ابن زائدة بمال * فأبى قد عزمت على المسير ) قال لغلامه أعطه ألف ألف درهم فقال ( قليل ما أمرت به وأني * لأطمع منك بالشيء الكثير ) قال يا غلام زده ألف درهم فقال ( ملكت الجود والأنصاف جمعاً * فبذل يديك كالبحر الغزير ) فقال يا غلام ضاعف له الحساب فاضعف له ورأى راكباً محثا ناقته فقال لحاجبه لا تحجب هذا فلما مثل بين يديه أنشد ( أصلحك الله قل ما بيدي * فما أطيق العيال إذ كثروا ) ( ألحم دهر على كلكله * فأرسلوني إليك وانتظروا ) فأخذته اريحية وقال والله لأعجلن أوبتك إليهم فأعطاه مائة ناقة والف دينار وهو لا يعرفه ولما طلب المنصور سفيان الثوري فر سفيان إلى اليمن فكان يقرأ على الناس أحاديث الضيافة ليضيف وهو يكتفي عن سؤالهم فاتهم بسرقة ورفع إلى معن بن زائدة فتعرفه حتى عرفه فقال اذهب حيث شئت فلو كنت تحت (1/232) ________________________________________ 233 قدمى ما أخرجتك ولما عظم صيته له جماعة من الخوارج في ضيعة له بسجستان فقتلوه وهو يحتجم فتبعهم ابن أخيه فقتلهم جميعهم ورثاه الشعراء ومن أحسن ذلك قول مروان بن أبي حفصة في قصيدته التي أولها ( مضى لسبيله معن وأبقى * مكارم لن تبيد ولن تنالا ) واستنشده إياها جعفر البرمكي فأنشده فبكى وأجازه بستمائة دينار وروى أنه دخل على المهدي بن المنصور فمدحه فقال له ألست القائل ( وقلنا لا ترحل بعد معن * فقد ذهب النوال ولا نوالاً ) وأمر بإخراجه ثم وفد عليه في العام المقبل وكانت الشعراء أنما تدخل الخلفاء فيكل عام مرة ثم مدحه بقصيدته التي يقول فيها طرقتك زائرة فأعجب بها وهيمائة بيت أعطاه مائة ألف درهم وهي أول إجازة بمائة ألف أعطيها شاعرا في خلافة العباسيين سنة اثنتين وخمسين ومائة فيها توفي إبراهيم بن أبي عبلة أحد الأشراف والعلماء بدمشق عن سن عالية روى عن أبي أمامة وواثلة بن الأسقع وخلق كثير وفيها عباد بن منصور والناجي روى عن كعكرمة وجماعة وولى قضاء البصرة نلك الأيام لإبراهيم بن عبد الله بن حسن الحسني وليس بالقوى في الحديث وأبو حرة واصل بن عبد الرحمن البصري روى عن الحسن وطبقته قال شعبة هو اصدق الناس وقال أبو داود الطيالسي كان يختم كل ليلتين وفيها وقيل بعدها يونس بن يزيد الأبلي صاحب الزهري وأوثق أصحابه وقد روى عن القسم وسالم وجماعة وتوفي بالصعيد قال ابن ناصر الدين ( بعدهما فتى يزيد يونس * ذاك الإمام المكثر المدرس ) وقال في شرحها يونس بن يزيد بن أبي النجاد حجة ثقة انتهى ملخصاً (1/233) ________________________________________ 234 سنة ثلاث وخمسين ومائة فيها غلبت الخوارج الأباضية على أفريقية وهزموا عسكرها وقتلوا متوليها عمر بن حفص الأزدي وكان رأسهم ثلاثة أبو حاتم الأباضي وأبو عاد وأبو قرة الصفرى وكان أبو قرة في أربعين ألفاً فارس وأمم لا يحصون من الرجالة وفيها الزم المنصور الناس بلبس القلانس المفرطة الطول وتسمى بالدنية لشبهها بالدن وكانت تعمل من كاغد ونحوه على قصب ويعمل عليها السواد شبه الشربوش وفيها توفي أبو زيد أسامة بن زيد الليثي مولاهم المدني روى عن سعيد المسيب فمن بعده وخرج له مسلم والأربعة وابن حبان قال في المغني صدوق اختلف قول يحيى لاقطان فيه وقال أحمد ليس بشيء وقال ابن أبي شيبة ليس بالفوى وقال ابن عدي ليس به بأس انتهى وأبو خالد ثور بن يزيد الكلاعي الحافظ محدث حمص روى عن خالد ابن معدان وطبقته قال يحيى القطان ما رأيت شاباً أوثق من وكفى به الشهادة وقال أحمد كان يرى القدر ولذلك نفاه أهل حمص وخرج له البخاري والأربعة قال في المغني ثقة مشاهير القدرية انتهى والفقيه أبو محمدا لحسن بن عمارة الكوفي قاضي بغداد روى عن ابن أبي مليكة والحكم وطبقتهما وهو اه باتفاقهم والضحاك بن عثمان الحزامي المدني عن نافع وجماعة و خرج له مسلم والأربعة قال في المغني قال يعقوب بن شبية صدوق في حديثه ضعف لينه القطان انتهى وعبد الحميد بن جعفر اللأنصاري المدين عن المقري وجماعة وخرج (1/234) ________________________________________ 235 له مسلم والأربعة قال في المغني صدوق ضعفه القطان وفيه قدرية انتهى وفيها فطر بن خليفة أبو بكر الكوفي الخياط روى عن أبي الطفيل وأبي وائل وخلق وهو مكثر حسن الحديث روى البخاري له مقروناً ومحل بن محرز الضبي الكوفي قال في المغني عن أبي وائل صدوق لم يخرجوا له في الكتب الستة شيئاً قال يحيى القطان وسط لم يكن بذاك ووثقه غير واحد وقال أبوحاتم لا يحج به وممن وثقه أحمد وله في الأدب للبخاري انتهى وفي رمضان معمر بن راشد الأزدي مولاهم البصري الحافظ أبو عروة صاحب الزهري كهلاً رأى جنازة الحسن وأقدم شيوخه موتا قتادة قال أحمد ليس نضم معمراً إلى أحد الأ وجدته فوقه وقال غيره كان معمر خيراً وهو أول من ارتحل في طلب الحديث إلى اليمن فلقى بها همام بن منبه صاحب أبي هريرة وله الجامع المشهور في السير أقدم من الموطأ وقال في المغني ثقة أمام له أوهام احتملت له قال أبو حاتم صالح الحديث وما حدث به بالبصرة ففيه أغاليط وقد قال أحمد بن حنبل ليس نظم معمارً إلى أحد إلا وجدته فوقه انتهى وقال ابن ناصر الدين معمر بن راشد بن أبو راشد أبي عمرة والأزدي مولاهم البصري عالم اليمن ثقة حجة ورع انتهى وفيها موسى بن عبيدة الربذي بالمدينة روى عن نافع وطبقته وكان صالحاً ضعيفاً باتفاق قاله في العبر وفيها على الأصح وقيل في التي بعدها هشام بن أبي عبد الله الحافظ البصري الدستوائي لأنه كان يتجر في الثياب المجلوبة من دستوى وهي من الأهواز سماه أبو داود أمير ا لمؤمنين وقال شعبة ما من الناس أحد يقول إنه طلب الحديث لله إلا هشام الدستوائي وهو أعلم بتحديث قتادة منى وقال شاذ بن فياض بكى هشام حتى فسدت عينه قاله في العبر وقال ابن قتيببة هو هشام بن أبي عبد الله سنبر مولى لبني سدوس يرمي بالقدر انتهى (1/235) ________________________________________ 236 وهشام بن الغاز الجرشي الدمشقي متولي بين المال للمنصور روى عن مكحول وطبقته وكان من ثقات الشاميين وعلمائهم وفيها وهيب بن الورد الولي الشهير صاحب المواعظ والحائق روى عن حميد بن قيس الأعرج وجماعة كان لا يأكل ما في الحجاز تورعاً عما اصطفاه الولاة لأنفسهم ومواشيهم سنة أربع وخمسين ومائة فيها أهم المنصور أمر الخوارج واستيلاؤهم على المغرب فسار إلى الشم وزار بيت المقدس وجهز يزيد بن حاتم في خمسين ألف فارس وعقد له على المغرب فبلغنا أنه أنفق على ذلك الجيش ثلاثة وستين ألف الف فافتتح يزيد إفريقية وهزم الخوارج وقتل كبارهم واستعمل المنصور على قضاء دمشق يحيى ابن حمزة فبقى قاضياً ثلاثين سنة وفيها توفي فقيه الجزيرة وعالمها جعفر بن برقان الجزري صاحب ميمون ابن مهران روى له البخاري في التاريخ ومسلم والأربعة قال في المغني جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران قال أحمد يخطىء في حديث الزهري وقال ابن خزيمة لا يحتج به وقد و ثقة أحمد في رواية وبان معين والفسوى وابن سعد انتهى وفيها وزير المنصور وأبو أيوب سليمان بن مخلد وقيل ابن داود المورياني نسبة إلى موريان من قرى الأهواز هم المنصور ايوقع به لتهم الحقته وكان كلما دخل هم بذلك ثم يترك أذا رآه فقيل كان معه دهن فيه سحر فشاع في العامة دهن أبي أيوب ثم أوقع به بعد وعذبه حتى مات وفيها توفي أشعب الطامع ويعرف بابن أم حميد روى عن عكرمة وسالم وله نوادر وملح في الكمع والتطفيل أشهر من أنت تذكر وفيها عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الدمشقي محدث محدث دمشق روى عن أبي الأشعث (1/236) ________________________________________ 237 الصنعاني قال في الغني من ثقات الدماشقة أثنى عليه جماعة والعجب من البخاري كيف أورده الضعفاء وما ذكر ما يدل على لينه بل قال قال الوليد كان عنده كتاب سمعه وكتاب لم يسمعه انتهى وقد روى عن خلق من التابعين وفيها قرة بن خالد السدوسي البصري صاحب الحسن وابن سيرين قال يحيى القطان وكان من أثبت شيوخنا والحكم بن أبان العدني روى عن طاووس وجماعة وكان شيخ أهل اليمن وعالمهم بعد يعقوب قال أحمد العجلي وعلامهم بعد يعقوب قال أحمد العجلي ثقة صاحب سنة كان إذا هدأت العيون وقف في البحر غلى ركبتيه يذكر الله حتى يصبح وفيها مقرىء البصرة الإمام أبو عمرو بن العلاء بن عمار التميمي المازني البصري أحد السبعة وله أربع وثمانون سنة قرأ على أبي العالية الرياحي وجماعة وروى عن أنس وإياس قال أبو عمر وكنت رأساً والحسن حي ونظرت في العلم قبل أن أتين وقال أبو عبيدة كان أبو عمرو أعلم الناس بالقرآن والعربية والشعر وأيام العرب قال وكانت دفاتره ملء بيت إلى السقف ثم تنسك فأخرقها قاله في العبر وقال ابن الأهدل فاحترقت كتبه فلما رجع إلى علمه الأول لم يكن عنده إلا ما حفظه وهو في النحو في الطبقة الرابعة من على قال الأصمعي سألته عن ألف مسألة فأجابني فيها بألف حجة وفيه يقول الفرزدق مفتخراً ( مازلت أفتح أبواباً وأغلقها * حتى أتيت أبا عمرو بن عمار ) وكنيته اسمه على الصحيح وكان إذا دخل رمضان لم ينشد بيتاً حى ينقضى ودخل يوماً على سليمان بن علي عم السفاح فسأله عن شيء فصدقه فلم يعجبه فخرج أبو عمرو وهو يقول ( أنفت من الذل عند المل * ك وأن أكرموني وأن قربوا ) (1/237) ________________________________________ 238 يسمى المصحف من اتقانه ويدعى الميزان لنقده وتحرير لسانه قاله ابن ناصر الدين وقال في العبر أخذ عن الحكم وقتادة وخلق وكان عنده نحو ألف حديث قال يحيى القطان ما رأيت أثبت منه وقال شعبة كنا نسمى مسعراً المصحف وقال أبو نعيم مسعر أثبت من سفيان وشعبة انتهى وفيها عثمان بن أبي العاتكة الدمشقي القاص روى عن عمير بن هانىء العنسي وجماعة وفيها وقال ناصر الدين سنة أربع جعفر بن برقان الرقى أبو عبد الله الكلابي مولاهم ذكر النسائي وغيره أنه ليس به بأس وهو معدود في حفاظ الرجال وكان أمياً لا يدري الكتابة فيما يقال انتهى وقد تقدم الكلام عليه قريباً في سنة أربع وفيها حماد الرواية بن أبي ليلى الديلمي الكوفي مولى لابن زيد الخيل الطائي الصحابي كان حماد من أعلم الناس بآثر العرب وأشعارها وهو الذي جمع السبع الطوال قال له الوليد بن يزيد الأموي لم سميت الراوية قال لأني أروى لكل شاعر سمعت به أو لم أسمع وأمين بين قديمها وحديثها قال له كم تحفظ من الشعر قال كثير لكني أنشد على كل حرف مائة قصيدة كبيرة سوى المقطعات من شعر الجاهلية دون الإسلام فامتحنه في ذلك فوجده كما قال فأمر له بمائة ألف و وهبه هشام مائة ألف درهم سنة ست وخمسين ومائة فيها توفي سعيد أي عروبة الإمام أبو النضر العدوى شيخ البصرة وعلامها وأول من دون العم بها وكان قد تغير حفظه قبل موته بعشر سنين روى عن أبي رجاء العطاردي وابن سيرين والكبار وخرج له ابن عدي قال في المغني وثقة ابن معين وأحمد وهو ثقة أمام تغير حفظه قال أبو حاتم هو قبل أن يختلط (1/238) ________________________________________ 240 ثقة انتهى وقال ابن ناصر الدين قيل أنه كان يقول بالقدر سراً انتهى وعده ابن قتيبة في القدرية وعبد اله بن شوذب البلخي ثم البصري نزيل بيت المقدس روى عن الحسن وطبقته وكان كثير العلم جليل القدر قال كثير بن الوليد كنت إذا رأيت ابن شوذب ذكرت الملائكة وعاش سبعين سنة وفيها شيخ افريقية وقاضيها وأول من ولد بها من المسلمين عبد الرحمن ابن زياد بن أنعم الشعباني الإفريقي الزاهد الواعظ روى عن أبي عبد الرحمن الحبلي وطبقته وقد وفد على المنصور فوعظه بكلام حسن وليس بقوى في الحديث وعمر بن ذر الهمذاني الكوفي الواعظ البليغ روى عن أبيه ثقة لكنه رأس في الأرجاء انتهى وفيها على بن أبي حملة الدمشقي المعمر أدرك معاوية وروى عن أبي إدريس الخولاني والكبار وقد وثقه أحمد غيره وفيها وقيل سنة ثمان قارىء الكوفة أبو عمارة حمزة بن حبيت التيمي مولى تيم الله بن ربيعة الكوفي الزيات الزاهد أحد السبعة قرأ على التابعين وتصدر للأقراء فقرأ عليه جل أهل الكوفة وحدث عن الحكم بن عيينة وطبقته وكان رأساً في القرآن والفرائض قدوة في الورع قال حمزة القرآن ثلثمائة ألف حرف وثلاثة وسبعون ألف حرف ومائتان وخمسون ورأى الحق سبحانه في المنام وضمخه بالغالية وسمع منه وهو منام مشهرو سنة سبع وخمسين ومائة فيها على ما في الشذور بني المنصور قصره الذي على شاطىء دجلة ويدعى الخلد وحول الأسواق من المدينة إلى باب الكرخ وباب الشعير والمحول (1/240) ________________________________________ 241 ووسع طرق المدينة وأرباضها وعقد الجسر بباب الشعير انتهى وفيها توفي الحسين بن وأقد المروزي قاضي مرو روى عن عبد الله بن بريدة وطبقته وروى له العقيلي وابن حبان قال الذهبي في المغني واقد المروزي عن ابن بريدة صدوق استنكر أحمد بعض حديثه انتهى وفي صفر إمام الشاميين أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي الفقيه روى عن القسم بن مخيمرة وعطاء وخلق كثير من التابعين وكان رأساً في العلم والعمل جم المناقب ومع علمه كان بارعاً في الكتابة والترسل قال الهقل بن زياد أجاب الأوزاعي عن سبعين ألف مسألة وقال إسماعيل بن عباس سمعت الناس سنة أربعين ومائة يقولون الأوزاعي اليوم علام الأمة وقال عبد الله الخريبي كان الأوزاعي أفضل أهل زمانه وقال الوليد بن مسلم ما رأيت أكثر اجتهادا في العبادة من الأوزاعي وقال أبو مسهر كان الأوزاعي يحيى الليل صلاة وقرآنا وبكاء ومات في الحمام اغلقت عليه زوجته باب الحمام ونسيته فمات و رثاه بعضهم فقال ( جاد الحيا بالشام كل عشية * قبرا تضمن لحده الأوزاعي ) ( قبرا تضمن طود كل شيعة * سقيا له من عالم نفاع ) ( عرضت له الدنيا فاقلع معرضا * عنها بزهد أيما اقلاع ) وجاء رجل إلى بعض المعبر فقال رأيت البارحة كان ريحانة رفعت إلى السماء من ناحية المغرب حتى توارت في السماء فقال إن صدقت رؤياك فقد مات الأوزاعي فوجدوه قد مات تلك الليلة وما حج لقيه سفيان الثوري بذي طوى فأخذ بحطام بعيره ومشى وهو يقول طرقوا للشيخ قال ابن ناصر الدين الأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعي الدمشقي الثقة المأمون ولد ببعلبك سنة ثمان وثمانين وكان عالم الأمة منفرداً بالسيادة مع اجتهاد في أحياء الليل أجاب في سبعين ألف مسئلة للقصاد دخل حماما في بيته نهاراً وأدخلت معه زوجته (1/241) ________________________________________ 242 في كانون فحما ونارا ثم أغلقت عليه غير متعمدة فهاج الفحم بالنار فمات من ذلك والأوزاع قرية بدمشق اتصل اتصل بها العمران وهي المحلة التي تسمى الآن بالعقيبة انتهى وقال في المعارف حدثنا البجلي أن اسمه عبد الرحمن بن عمرو من الأوزاع وهم بطن من همدان وقال الواقدي كان يسكن ببيروت ومكتبه باليمامة فلذلك سمع من يحي بن أبي كثير ومات ببيروت سنة سبع وخمسين ومائة وهو ابن اثنتين وسبعين سنة انتهى كلام العبر وقال النووي في شرح المهذب في باب الحيض وأما الأوزاعي فهو أبو عمرو بن عمرو من كبار تابعي التابعين وأئمتهم البارعين كان إمام أهل الشام في زمنه أفتي في سبعين ألف مسألة وقيل ثمانين ألفا توفي في خلوة في حمام ببيروت مستقبل القبلة متوسدا يمينه سنة سبع وخمسين ومائة قيل هو منسوب إلى الأوزاع قرية كانت خارج باب الفراديس من دمشق وقيل قبيلة من اليمن وقيل غير ذلك انتهى وفي تهذيب النووي عن عبد الرحمن ابن مهدي قال الأئمة في الحديث أربعة الأوزاعي ومالك وسفيان الثوري وحماد بن زيد انتهى وقال أبو حاتم الأوزاعي إمام متبع لما سمع وذكر أبو إسحاق الشيرازي في الطبقات أن الأوزاعي سئل عن الفقه يعني استفتى وله ثلاث عشرة سنة انتهى وفيها محمد بن عبد الله ابن أخي الزهري المدني عن عمه وأبيه وفيها مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام بالمدينة روى عن أبيه وطائفة وضعفه ابن معين وفيها يوسف ابن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي روى عن جده وعن الشعبي قال ابن عيينة لم يكن في ولد إسحاق أحفظ منه (1/242) ________________________________________ 243 سنة ثمان وخمسين ومائة فيها صادر المنصور خالد بن برمك وأخذ منه ثلاثة آلاف درهم ثم رضي عنه وأمره على الموصل وفيها توفي أفلح بن حميد الأنصاري المدني روى عن القسم وأبي بكر بن حزم وفيها حيوة بن شريح أبو زرعة قال السيوطي في حسن المحاضرة حياة بن شريح بن صفوان التجيبي أبو زرعة المصري الفقيه الزاهد العابد أحد العباد والعلماء السادة عن يزيد بن أبي حبيب وعنه الليث سئل عنه أبو حاتم فقال هو أحب إلي من الليث بن سعد ومن الفضل بن فضالة وقال ابن المبارك ما وصف لي أحد ورأيته إلا كانت رؤيته دون صفته إلا حياة بن شريح فإن رؤيته كان أكبر من صفته عرض عليه قضاء مصر فأبى انتهى وقال ابن ناصر الدين الإمام القدوة كان كبير الشأن مجاب الدعوة انتهى وقال في العبر صحب يزيد بن أبي حبيب وروى عن يونس مولى أبي هريرة وطبقته وكان مجاب الدعوة انتهى وفيها زفر قال في العبر زفر بن الهذيل بن قيس من بني العنبر ويكنى أبا الهذيل وكان قد سمع الحديث وغلب عليه الرأي ومات بالبصرة وكان أبوه الهذيل على أصبهان انتهى وقال في العبر زفر بن الهذيل العنبري الفقيه صاحب أبي حنيفة وله ثمان وأربعون سنة وكان ثقة في الحديث موصوفا بالعبادة نزل البصرة وتفقهوا عليه وفيها عبيد الله بن أبي زياد الرصافي الشامي صاحب الزهري وثقة الدارقطني لصحة كتابه وما روى عنه إلا حفيده حجاج بن أبي منيع وفيها عبد الله بن عياش الهمذاني الكوفي صاحب الشعبي ويعرف بالمنتوف وعوانه بن الحكم البصري الإخباري (1/243) ________________________________________ 244 وفيها كما قال ابن الجوزي في الشذور نزل المنصور قصره المسمى بالخلد على دجلة ثم حج وتوفي ببئر ميمون وكانت مدة خلافته إحدى وعشرين سنة وأحد عشر شهرا وأربعة عشر يوما وهو محرم وأخذت البيعة لمهدي انتهى قال في العبر توجه المنصور للحج فأدركه أجله يوم سادس ذي الحجة عند بر ميمون بظاهر مكة محرماً فأقام الموسم الأمير إبراهيم بن يحيى بن محمد صبى أمرد وهو ابن أخي المنصور واستخلف خفيف اللحية رحب الجبهة كأن عينيه لسانان ناطقان تقبله النفوس وكان يخالطه أبهة الملك بزي أولى النسك ذا حزم وعزم ودهاء ورأى وشجاعة وعقل وفيه جبروت وظلم انتهى وقال ابن الأهدل كان لا يبالي أن يحرس ملكه بهلاك من كان وكان قد روى العم وعرف الحلال والحرام وساس هو وبنوه ملكهم سياسة الملوك وولى بعده المهدي وكان المنصور استأذن أخاه السفاح في الحج فجاءه نعي السفاح في بعض الطريق فسار مسرعاً حتى دخل دار الخلافة وظفر بالأموال وتقررت قواعده ولما أراد إنشاء مدينة السلام بعد أن مكث سنة يتردد فقال له راهب كان هناك ما تريد قال أريد أن أبني ههنا مدينة قال الراهب أن صاحبها يقال له مقلاً فقال المنصور أنا والله كنت أدعي بذلك في الكتاب ثم قال له منجمه احكم الآن بالبناء فإنه يتم بناؤها ولا يكون لها في الدنيا نظير قال ثم ماذا قال ثم تخرب بعد موتك خراباً ليس بالصحراء ولكن دون العمران فوضع المنصور أول لبنة بيده وقال ( ^ بسم الله الرحمن الرحيم إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين ) ولما تم بناؤها وانتقل غلى قصره وقف يتأمل باب القصر فإذا عليه مكتوب ( ادخل القصر لا تخاف زوالا * بعدستين من سنيك ترحل ) فوقف مليا وتغرغرت عيناه ثم قال لعبة لغافل وفسحة لجاهل وكان وقوفه (1/244) ________________________________________ 245 أنه حسب ما بقي من عمره من المولد إلى تمام ستين انتهى قال المدائني خرجت مع المنصور في حجته التي مات فيها فسألني عن سني فقلت ثلاث وستون فقال وأنا فيها وهي دقاقة الأعناق فنزلنا منزلاً فوجد مكتوباً على الحائط ( أبا جعفر حانت وفاتك وانقضت * سنوك وأمر الله لاشك نازل ) ( أبا جعفر هل كاهن أو منجم * يرد قضاء الله أم أنت جاهل ) فجعل يراه وينظر إليه ولا نرى نحن شيئاً وذكر النووي في تهذيبه واقعة جرت له مع سفيان الثوري وذلك أنه أرسل لقتل سفيان قبل دخوله مكة فجاء سفيان إلى الفضيل وسفيان بن عيينة فضرع لهما وجلس بينهما فقالا اتق الله ولا تشمت بنا الأعبد فقام سفيان إلى البيت وأخذ برتاجه وقال برئت منها ندخلها أبو جعفر فلم يدخلها إلا ميتاً انتهى وفيها أيضاً مات طاغية الروم قسطنطين بن اليون إلى اللعنة سنة تسع وخمسين ومائة فيها ألح المهدي على ولي العهد عيسى بن موسى بكل ممكن وبالرغبة والرهبة في خلع نفسه ليولي العهد لولده موسى الهادي فأجاب خوفا فأعطاه المهدي عشرة آلاف درهم وإقطاعات وفيها بنى المهدي مسجد الرصافة وأعتق الخيزران وتزوجها وفيها توفي الإمام أبو الحرث محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحرث بن أبي ذئب هشام بن شعبة القرشي العامري المدني الفقيه ومولده سنة ثمان روى عن عكرمة ونافع وخلق قال أحمد بن حنبل كان يشبه بسعيد بن المسيب وما خلف مثله كان أفضل من مالك إلا أن مالكاً أشد تنقية للرجال وقال الواقدي كان ابن أبي ذئب يصلي الليل أجمع ويجتهد في العبادة فلو قيل له إن القيامة تقوم غدا (1/245) ________________________________________ 246 ما كان فيه مزيد من الاجتهاد وقال أخوه أنه كان يصوم يوما ويفطر يوماً ثم سرده وكان شديد الحال يتعشى بالخبز والزيت وكان من رجال العالم صرامة وقولا بالحق وكان يحفظ حديثه لم يكن له كتاب وقال أحمد دخل ابن أبي ذئب على أبي جعفر يعني المنصور فلم يهله أن قال له الظلم ببابك فاش وأبو جعفر أبو جعفر حياه أبو المنصور فلم يقم له قيل له لا تقوم لأمير المؤمنين فقال إنما يقوم الناس لرب العالمين وفيها عبد العزيز بن أبي رواد بمكة روى عن عكرمة وسالم وطائفة وخرج له الأربعة قال في المغني عبد العزيز بن أبي رواد صالح الحديث ضعفه ابن الجنيد وقال ابن حبان روى عن نافع عن ابن عمر نسخة موضوعة انتهى وقال في العبر توفي بمكة روى عن عكرمة وسالم وطائفة قال ابن المبارك كان من أعبد الناس وقال غيره كان مرجئاً انتهى فقالت ما هذا فقيل زواج عبد العزيز فانتبهت فإذا هو مات وفيها عكرمة بن عمار اليمامي روى عن طاووس وجماعة وخرج ه الأربعة ومسلم قال عاصم بن علي كان مستجاب الدعوة وآخر من روى عنه يزيد بن عبد الله اليمامي شيخ ابن ماجه قال في المغني صدوق مشهور قال القطان أحاديثه عن محي بن أبي كثير ضعيفه وقال أحمد ضعيف الحديث ووثقه ابن معين وغيره قال الحاكم أكثر مسلم الاستشهاد به وقال البخاري لم يكن له كتاب فاضطرب حديثه انتهى كلام المغني وعمار بن رزيق الضبي الكوفي روى عن منصور والأعمش وكان كبير القدر عالما خيرا قال أبو أحمد الزيتوني لبعضهم لو كنت اختلفت إلى عمار لكفاك أهل الدنيا وفيها عيسى بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب المدني ولقبه رباح (1/246) ________________________________________ 247 روى عن أبيه وعن سعيد بن المسيب وهو أكبر شيخ للقعنبي وفي أولها مالك بن مغول البجلي الكوفي روى عن الشعبي وطبقته وكان كثير الحديث ثقة حجة قال ابن عيينة قال له رجل اتق الله فوضع خده بالأرض وفيها يونس بن أبي إسحاق السبيعي عن سن عالية روى عن أنس وكبار التابعين وكان صدوقا كثير الحديث قالعبد الرحمن بن مهدي وغيره لم يكن به بأس وفيها أمير خراسان حميد بن قحطبة بن شبيب الطائي وقد ولي أيضا الجزيرة ومصر سنة ستين ومائة حج المهدي بالناس ونزع كسوة الكعبة كلها حتى جردها ثم طلا البيت بالخلوف وقسم في سفره ثلاثينألف درهم وحملت معه ووصل إليه من مصر ثلاثمائة ألف دينار ومن اليمن مائة ألف فقسم ذلك كله وفرق من الثياب مائة ثوب وخمسين ألف ثوب وسع في مسجد رسول الله ابن الجوزي في شذو العقود وفيها افتتح المسلمون وعليهم عبد الملك المسمعي مدينة كبيرة بالهند وحمل محمد بن سليمان الأمير الثلج حتى وافى به مكة للمهدي وهذا شيء لم يتهيأ لأحد وتوفي في غزوة الهند في الرجعة بالبحر الربيع بن صبيح البصري صاحب الحسن وقد قال فيه شعبة هو عندي من سادات المسلمين وقال أحمد لا بأس به وفيها لثلاث بقين من جمادى الآخرة توفي أبو بسطام شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي الأزدي مولاهم الواسطي شيخ البصرة وأمير المؤمنين في الحديث روى عن معاوية بن قرة وعمرو بن مرة وخلق من التابعين قال الشافعي لولا شعبة ما عرف الحديث بالعراق وقال أبو زيد الهروي رأيت شعبة يصلي حتى ترم قدماه وكان موصوفا بالعلم والزهد والقناعة والرحمة والخير وكان رأسا في العربية والشعر وسلم ثلاثة شعبة بن الحجاج ويحي بن سعيد القطان ومالك بن أنس (1/247) ________________________________________ 248 وفيها توفي المسعودي عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الكوفي روى عن الحكم بن عتبة وعمرو بن مرة وخلق وخرج له الأربعة قال أبو حاتم كان أعلم أهل زمانه بحديث ابن مسعود وتغير قبل موته بسنة أو سنتين وقال ابن حبان كان صدوقا إلا أنه اختلط في آخر عمره وقال آخر كان حسن الحديث سنة إحدى وستين ومائة فيها أمر المهدي ببناء القصور بطريق مكة واتخاذ المصانع وتجديد الأميال وحفر الركايا وزاد في جامع البصرة وأمر بنزع المقاصير وتقصير المنابر وتصييرها إلى المقدار الذي عليه منبر رسول الله ففعل ذلك قاله في الشذور وفيها كان ظهور عطاء المقنع الساحر الملعون الذي ادعى الربوبية بناحية مرو واستغوى خلائق لا يحصون قال ابن خلكان في تاريخه عطاء المقنع الخراساني لا أعرف اسم أبيه وكان مبدأ أمره قصارا من أهل مرو وكان يعرف شيئاً من السحر والنيرجات فادعى الربوبية من طريق المناسخة وقال لأشياعه والذين اتبعوه إن الله تعالى تحول إلى صورة آدم عليه السلام فلذلك قال للملائكة اسجدوا فسجدوا له إلا إبليس فاستحق بذلك السخط ثم تحول من صورة آدم إلى صورة نوح ثم إلى صورة واحد فواحد من الأنبياء عليهم السلام والحكماء حتى حصل في صورة أبي مسلم الخراساني ثم زعم أنه انتقل منه إليه فقبل قوم دعواه وعبدوه وقاتلوا دونه مع ما عاينوا من عظيم ادعائه وقبح صورته لأنه كان مشوه الخلق أعور وإنما غلب على عقولهم بالتمويهات التي أظهرها لهم بالسحر والنيرجات وكان في جملة ما أظهر لهم صورة قمر يطلع (1/248) ________________________________________ 249 فيراه الناس من مسيرة شهرين من موضعه ثم يغيب فعظم اعتقادهم فيه وقد ذكر أبو العلاء المعري هذا القمر في قوله ( أفق إنما البدر المقنع رأسه * ضلال وغى مثل بدر المقنع ) وإليه أشار ابن سناء الملك بقوله ( إليك طائعاً فلا بدر المقنع طالعاً * بأسحر من ألحاظ بدري المعمم ) ولما اشتهر أمر ابن المقنع وانتشر ذكره ثار عليه الناس وقصدوه في قلعته التي كان قد اعتصم بها وحصروه فلما أيقن بالهلاك جمع نساءه وسقاهن سماً فمتن ثم تناول شربة من ذلك السم فمات ودخل المسلمون قلعته فقتلوا من فيها من شياعه وأتباعه وذلك في سنة ثلاث وستين ومائة لعنه الله تعالى ونعوذ بالله من الخذلان انتهى ملخصا وقال ابن الأهدل بعد كلام طويل كان لا يسفر عن وجهه لقبح صورته ولذلك قيل له المقنع ثم اتخذ وجهاً من ذهب فتقنع به وعبده خلق كثير وقاتلوا دونه وانتدب لحربه سعيد الجرشي ولما أحسن بالغلبة استعمل سماً وسقى نساءه ثم شربه فماتوا كلهم انتهى ملخصاً أيضاً وفيها توفي أبو دلامة زند بالنون بن الجون صاحب النوادر أنشد المهدي لما ورد عليه ببغداد ( إني حلفت لئن رأيتك سالماً * بقرى العراق وأنت ذوافر ) ( لتصلين على النبي محمد * ولتملأن دراهماً حجري ) فقال المهدي أما الأولى فنعم فقال جعلت فداك لا تفرق بينهما فملأ له حجره دراهم واستدعى طبيباً لعلاج وجع فداواه على شيء معلوم فلما برأ قال لهأبو دلامة والله ما عندنا شيء ولكن ادع المقدار على يهودي وأشهد لك أنا وولدي فمضى الطبيب إلى القاضي محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وقيل عبد الله ابن شبرمة فادعى الطبيب وأنكر اليهودي فجاء بأبي دلامة وابنه وخاف أبو دلامة أن يطالبه القاضي بالتزكية فأنشد في الدهليز بحيث يسمعه القاضي (1/249) ________________________________________ 250 ( إن الناس غطوني تغطيت عنهم * وإن بحثوا عني ففيهم مباحث ) ( وإن نبشوا ابئري نبشت بئارهم * ليعلم قوم كيف تلك البثابث ) فقال له القاضي كلامك مسموع وشهادتك مقبولة ثم غرم القاضي المبلغ من عنده ونوادره كثيرة جدا وهو مطعون فيه وليست له رواية وفي شعبان منها توفي الإمام أبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري الفقيه سيد أهل زمانه علماً وعملاً وله ست وستون سنة روى عن عمرو بن مرة وسماك ابن حرب وخلق كثير قال ابن المبارك كتبت عن ألف شيخ ومائة شيخ ما فيهم أفضل من سفيان وقال شعبة ويحي بن معين وغيرهما سفيان أمير المؤمنين في الحديث وقال أحمد بن حنبل لا يتقدم على سفيان في قلبي أحد وقال يحي بن قطان ما رأيت أحفظ من الثوري وهو فوق مالك في كل شيء وقال سفيان ما استودعت قلبي شيئاً قط فخانني وقال ورقاء لم ير الثوري مثل نفسه وكان سفيان كثير الحط على المنصور لظلمه فهم به وأراد قتله فما أمهله الله وأثنى عليه أئمة عصره بما يطول ذكره وكان أقسم برب البيت أن المنصور لا يدخلها أي الكعبة وفي رواية قال برئت منها يعني الكعبة إن دخلها منصور ودخل على المهدي فسلم عليه تسليم العامة فأقبل عليه المهدي بوجه طلق وقال نفر ههنا أتظن أن لو أردناك بسوء لم نقدر عليك فما عسى أن نحكم الآن فيك فقال سفيان إن تحكم الآن في يحكم فيك ملك قادر عادل يفرق بين الحق والباطل فقال له الربيع مولاه ألهذا الجاهل أن يستقبلك بهذا ائذن لي في ضرب عنقه فقال المهدي ويلك اسكت وهل يريد هذا وأمثاله إلا أن نقتلهم فتشقى بسعادتهم اكتبوا عهده على قضاء الكوفة على أن لا يعترض عليه فيها حكم فخرج فرمى بالكتاب في دجلة وهرب فطلب فلم يقدر عليه وتولى قضاءها عنه شريك بن عبد الله النخعي فقال فيه الشاعر ( يحرز سفيان ففر بدينه * وأمسى شريك مرصداً للدراهم ) (1/250) ________________________________________ 251 ومات سفيان بالبصرة متواريا وكان صاحب مذهب قال ابن رجب وجد في آخر القرن الرابع سفيانيون ومناقبه تحتمل مجلدات ورآه بعضهم بعد موته فسأله عن حاله فقال ( نظرت إلى ربي عياناً فقال لي * هنيئاً رضائي عنك يا ابن سعيد ) ( لقد كنت قواماً إذا ظلم الدجى * بعبرة مشتاق وقلب عميد ) ( فدونك فاختر أي قصد أردته * وزرني فأنى منك غير بعيد ) وفيها في أولها توفي أبو الصلت زائدة بن قدامة الثقفي الكوفي الحافظ روى عن زياد بن علاقة وطبقته وقال أبو حاتم ثقة صاحب سنة وقال الطيالسي كان لا يحضر صاحب بدعة ومن حرب بن شداد اليشكري البصري روى عن شهر بن حوشب والحسن ويحيى بن أبي كثير قال في المغني حرب بن شداد عن أبن أبي كثير ثقة كان يحيى القطان يحدث عن وقال يحيى بن معين صالح انتهى وقد خرج له الشيخان وأبو داود والترمذي وغيرهم وفيها سعيد بن أبي أيوب المصري وقد نيف على الستين روى عن زهرة ابن معبد وجماعة وفيها ورقاء بن عمر اليشكري الكوفي بالمدائن روى عن عبيد الله بن أبي يزيد ومنصور وطبقتهما قال في المغني ثقة ثبت قال القطان لا يساوي شيئاً انتهى قال أبو داود الطيالسي قال لي شعبة عليك بورقاء فإنك لن تلقى مثله حتى ترجع وقال أحمد كان ثقة صاحب سنة وفيها هشام بن سعد قال في المغني هشام بن سعد مولى بني مخزوم صدوق مشهور ضعفه النسائي وغيره وكان يحيى القطان لا يحدث عنه وقال أحمد ليس هو محكم للحديث وقال ابن عدي مع ضعفه النسائي وغيره وكان يحيى بن القطان لا يحدث عنه وقال أحمد ليس هو محكم للحديث وقال ابن عدي مع ضعفه يكتب حديثه وقال ابن معين ليس بذاك القوى قال الحاكم روى له مسلم في الشواهد انتهى وفيها داود بن قيس المدني الفراء الدباغ روى عن المقبري وطبقته (1/251) ________________________________________ 252 وأبو جعفر الرازي عيسى بن ماهان روى عن عطاء بن أبي رباح والربيع ابن أنس الخراساني وكان زميل المهدي إلى مكة وفيها قال ابن الأهدل أو في سنة أربع وتسعين إمام النحو عمرو بن عثمان المعروف بسيبويه الحارثي مولاهم أخذ النحو عن عيسى بن عمر واللغة عن أبي الخطاب الأخفش الأكبر وغيره قيل ولم يقرأ عليه كتابه قط وإنما قرىء بعد موته على الأخفش قال بأن سلام سألت سيبويه عن قوله تعالى ( ^ فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها الأقوم يونس ) بأي شيء نصب قوم قال إذا كانت إلا بمعنى لكن نصب قيل وكان أعلم المتقدمين والمتأخرين بالنحو ولم يصنف فيه مثل كتابه وكان الخليل إذا جاءه سيبويه يقول مرحباً بزائر لا يمل وتناظر هو الكسائي في مجلس الأمين فظهر سيبويه بالصواب وظهر الكسائي بتركي بالحجة والتعصب انتهى كلام ابن الأهدل وقال الشمني في حاشيته على المغني أما سيبويه فعمرو بن عثمان بن قنبر أبو بشر طلب الآثار والفقه ثم صحب الخليل وبرع في النحو وهو مولى لبنى الحارث بن كعب ويكنى أيضاً أبا الحسن وتفسير سيبويه فعمرو بن عثمان بن قنبر أبو بشر طلب الآثار والفقيه ثم صحب الخليل وبرع في النحو وهو مولى لنى الحارث بن كعب ويكنى أيضاً أبا الحسن وتفسير سيبويه بالفارسية رائحة التفاح قال إبراهيم الحربي سمى بذلك لأن وجنتيه كانتا كأنهما تفاحتان قال المبرد كان سيبويه وحماد بن سلمة أعلم بالنحو من النضر بن شميل والأخفش وقال ابن عائشة كنا مجلس مع سيبويه في المسجد وكان شاباً جميلاً نظيفاً قد تعلق من كل علم بسبب مع حداثة سنه وقال أبو بكر العبدي النحوي لما ناظر سيبويه الكسائي ولم يظهر سأل من يرغب من الملوك في النحو فقيل له طلحة بن طاهر فشخص إليه إلى خراسان فمات في الطريق ذكر بعضهم أنه مات سنة ثمانين ومائة وهو الصحيح كذا قال الذهبي ويقال سنة أربع وتسعين ومائة انتهى كلام الشمني وما قاله هو الصواب وانظر تناقض ابن الأهدل كيف ذكر موته (1/252) ________________________________________ سنة إحدى وستين وذكر أن ما جريته مع الكسائي في مجلس الأمين وما أبعد هذا 253 التناقض فلعله لم يتأمل وأما صاحب مغني اللبيب عن كتب الأعاريب فقد ذكر ذلك وذكر أن المناظر كانت عند يحى بن خالد البرمكي فلنورد عبارته بحروفها وأن كان فيها طول لما فيها من الفوائد فنقول قال ابن هشام في المغنى مسئلة قالت العرب قد كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو هي وقالوا أيضاً فإذا هو إياها وهذا هو الوجه الذي أنكره سيبويه لما سأله الكسائي وكان من خبرهما أن سيبويه قدم على البرامكة فعزم يحيى بن خالد على الجمع بينهما فجعل لذلك يوماً فلما حضر سيبويه تقدم إليها الفراء وخلف فسأله خلف عن مسئلة فأجاب فيها فقال له أخطأت ثم سأله ثانية وثالثة وهو بجيبه ويقول له أخطات فقال هذا سوء أدب فأقبل عليه الفراء فقال أن في هذا الرجل حدة وعجلة ولكن ما تقول فيمن قال هؤلاء أبون ومررت بأبين كيف تقول على مثال ذلك من وأيت أو أويت فأجابه فقال أعد النظر فقال لست أكلمكما حتى بحضر صاحبكما فحضر الكسائي فقال سيبويه فإذا هو هي ولا يجوز النصب وسأله عن أمثال ذلك نحو خرجت فإذا عبد الله القائم أو القائم فقال كل ذلك بالرفع فقال له الكسائي العرب ترفع كل ذلك وتنصبه فقال يحيى قد اختلفتما وأنتما رئيساً بلديكما فمن يحكم بينكما فقال له الكسائي هذه العرب ببابك قد سمع منهم أهل البلدين فيحضرون ويألون فقال جعفر ويحيى انصفت فحضروا فوافقوا الكسائي فاستكان سيبويه فأمر له يحيى بعشرة آلاف درهم فخرج إلى فارس فأقام بها حتى مات ولم يعد إلى البصرة فيقال أن العرب أرشو على ذلك أو أنهم علموا منزلة الكسائي ولم ينطقوا بالنصب وأن سيبويه قال ليحيى مرهم أن ينطقوا بذلك فإن ألسنتهم لا تطوع به ولقد أحسن الإمام الأديب (1/253) ________________________________________ 254 أبو الحسن بن محمد الأنصاري إذ قال في منظومته في النحو حاكيا هذه الواقعة والمسألة ( والعرب قد تحذف الأخبار بعد إذا * إذا عنت فجأة الأمر الذي دهما ) ( وربما نصبوا بالحال بعد إذا * وبعد ما رفعوا من بعدها ربما ) ( فإن توالى ضميران اكتسى بهما * وجه الحقيقة من إشكاله غمما ) ( لذاك أعيت على الإفهام مسئلة * اهددت إلى سيبويه الحتف والغمما ) ( قد كانت العقرب العوجاء أحسبها * قدما أشد من الزنبور وقع حمى ) ( وفي الجواب عليها هل إذا هو هي * أو هل إياها قد اختصما ) ( وخطأ ابن زياد وابن حمزة في * ما قال فيها أبا بشر وقد ظلما ) ( وغاظ عمراً علي في حكومته * يا ليته لم يكن في أمرها حكما ) ( كغيظ عمرو علياً في حكومته * يا ليته لم يكن في أمره حكما ) ( وفجع ابن زياد كل منتحب * من أهله إذ غدا منه يفيض دما ) ( كفجعة ابن زياد كل منتحب * من أهله إذ غدا منه يفيض دما ) ( فظل بالكر مكظوما وقد كربت * بالكرب أنفاسه أن يبلغ الكظما ) ( قضت عليه بغير الحق طائفة * حتى قضى هدرا ما بينهم هدما ) ( من كل جور حكما من سدوم قضى * عمرو بن عثمان مما قضى سدما ) ( حساده في الورى عمت فكلهم * تلفيه منتقدا للقول منتقما ) ( فما النهى ذمما فيهم معارفها * ولا المعارف في أهل النهى ذمما ) ( فأصبحت بعده الأنفاس كامنة * في كل صدر كأن قد كظ أو كظما ) ( وأصبحت بعده باكية * في كل طرس كدمع سح وانسجما ) (1/254) ________________________________________ 355 ( وليس يخلو امرؤ من حاسد إضم * لولا التنافس في الدنيا لما اضما ) ( والغبن في العلم أشجى محنة علمت * وأبرح الناس شجواً عالم هضما ) انتهى كلام ابن هشام وقال شارحه الشمني ويقال إن هذه الواقعة كانت سبب علة سيبويه التي مات بها انتهى حتى أن الناس لا تعرف غيره وربما تشير إليه أبيات حازم المتقدمة والله أعلم سنة اثنتين وستين ومائة فيها أمر المهدي أن يجري على المجذمين وأهل السجون في سائر الآفاق وفيها احتفل لغزو الروم وسار لحربهم الحسن بن قحطبة في ثمانين ألفا سوى المطوعة فأغار وحرق وسبى ولم يلق بأسا وفيها ظهرت المحمرة ورأسهم عبد القهار واستولوا على جرجان وقتلوا خلائق فقصده عمر بن العلاء من طبرستان فقتل عبد القهار وخلق من أصحابه وفيها توفي السيد الجليل والزاهد النبيل أبو إسحاق إبراهيم بن أدهم البلخي الزاهد بالشام روى تعن منصور ومالك بن دينار وطائفة قال في العبر وثقه النسائي وغيره وكان أحد السادات انتهى قلت في كلام العبر ما يشعر بأن هناك من لم يوثقه ولهذا تعجب اليافعي من نقل الذهبي لتوثيقه عن واحد وغيره مع ظهور فضله وكراماته واجتهاده عند الخاص والعام حتى يقال إنه بلغ رتبة الاجتهاد فقيل له لم لم تتكلم في العلوم وتنفع الناس فقال كلما هممت بشيء من ذلك يمنعني أمور منها إذا قال الله تعالى يوم القيامة ( ^ وامتازوا اليوم أيها المجرمون ) مع من أكون في كلام يطول وكان أول انقطاعه إلى الله تعالى بعد أن كان أحد الملوك أنه سمع هاتفاً من قربوس سرجه وروى أنه قعد تحت رمانة وسعه ومحمد بن المبارك الصوري فصلياً تحتها فخاطبته الرمانة بأن يأكل منها شيئا فأخذ رمانتين فأكل واحدة وناول صاحبه الأخرى وكانت قصيرة حامضة (1/255) ________________________________________ 256 فعادت حلوة عالية تثمر فيكل عام مرتين وسميت رمانة العابدين ومناقبه وكراماته لا تحصى ونشعره رحمه الله تعالى ( تركت الخلق طرافي رض كما * ويتمت العيال لكي أراكا ) ( فلون قطعتني في الحب اربا * لما حن الفؤاد إلى سواكا ) والله أعلم وفيها وقيل سنة ستين داود نصير الطائي الكوفي الزاهد وكان أحد من يرع في الفقه ثم اعتزل روى عن عبد الملك بن عمير وجماعة كان عديم النظير زهداً وصلاحاً قاله في العبر ومن كلامه رحمه الله تعالى صم عن الدنيا واجعل فطرك الموت وفر من الناس فراراك من الأسد وفيها قاضي العراق أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أ بي سبرة القرشي العامري المدني أخذ عن زيد بن أسلم وجماعة وهو متروك الحديث ولي القضاء بعده القاضي أبو يوسف وفيها أبو المنذر زهير بن محمد التيمي المروزي الخارساني نزل الشام ثم الحجاز وحدث عن عمرو بن شعيب وطائفة وخرج له العقيلي قال في المغني زهير ابن محمد التيمي المروزي عن ابن النكدر ثقة له غرائب ضعفه ابن معين وقال البخاري روى أهل الشام عنه منا كير انتهى وفيها أو قبلها يزيد بن إبراهيم التستري ثم البصري روى عن الحسن وعطاء والكبار وكان عفان يثني عليه ويرفع أمره قال في المغني يزيد بن إبراهيم التستري عن ابن سير بن ثقة قال ابن معين في قتادة ليس بذاك انتهى وفيها شبيب بن شيبة المنقري البصري كان فصيحاً بليغاً اخبارياً روى عن الحسن وابن سيرين وخرج له الترمذي قال في المغني ضعفوه في الحديث انتهى وأبو سفيان حرب بن سريج المنقري البصري البزار روى عن ابن مليكة وجماعة قال ابن عدي أجرو أنه لا بأس به (1/256) ________________________________________ 257 وأبو مودود عبد العزيز بن أبي سليمان المدني القاص عن سن عالية رأى ابا سعيد الخردي وروى عن السائب بن يزيد وجماعة قال ابن سعد كان من أهل الفضل والنسك يعظ ويذكر قال في العبر وآخر من روى عنه كامل ابن طلحة وفيها حريز بن عثمان بن جبر بن أسعد الرحبي المشرق الحمصي قال ابن ناصر الدين هو أحد الحفاظ المشهورين وهو معدود في صفار التابعين وهو من الإثبات لكنه لسبيل النصب سالك وذكر أبو اليمان أنه كان ينال من رجل ثم ترك ذلك انتهى وقال الذهبي في المغني هو تابعي صغير ثبت لكنه ناصبي انتهى سنة ثلاث وستين ومائة وفيها قتل المهدي جماعة من الزنادقة وصرف همته إلى تتبعهم وأتي بكتب من كتبهم فقطعت بحضرته بحلب وفيها توفي إبراهيم بن طهمان الارساني بنيسابور روى عن عمرو بن دينار وطبقته قال اسحق بن راهويه كان صحيح الحديث ما كان بخراسان أكثر حديثاً منه قال في المغني ثقة مشهور ضعفه محمد بن عبد الله بن عمار قال أحمد كان مرحباً انتهى وأرطأة بن المنذر الألهاني الحمصي سمع سعيد بن المسيب والكبار وكان ثقة حافظاً زاهداً معمراً قال أبو اليمان كنت أشبه أحمد بن حنبل بأرطأة بن المنذر وبكير بن معروف الدامغاني المفسر قاضي نيسابور بدمشق روى عن أبي الزبير المكي وجماعة قال النسائي ليس به بأس وفيها عيسى بن علي عم المنصور روى عن أبيه وقال ابن معين ليس به بأس وشعيب بن أبي حمزة بن دينار الحمصي مولى بني أمية وصاحب الزهري (1/257) ________________________________________ 258 قال أحمد بن حنبل رأيت كتبه وقد ضبطها وقيدها قال وهو عندنا فوق يونس وعقيل وقال على بن عياش كان عندنا من كبار الناس وكان من صنف آخر في العباد وفيها موسى بنعلي بن رباح اللخمي المصري عن أبيه وطائفة وولي إمرة ديار مصر للمنصور ست أعوام وهمام بن يحيى العوذي مولاهم البصري روى عن الحسن وعطاء وطائفة وكان أحد أركان الحديث ببلدة قال أحمد هو ثبت في كل مشايخه وفيها يحيى بن أيوب الغافقي المصري روى عن بكير بن الأشج وجماعة وكان لا يحتج به وقال النسائي ليس بالقوى وقال الدارقطني في بعض حديثه اظطراب وقد ذكر ه ابنعدي في كامله وقال هو عندي صدوق ومن غرائبه حدثنا ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء ولا لتماروا به السفهاء ولا لتجبروا به المجالس فمن فعل ذلك فالنار النار وهو معروف بيحيى بن أيوب انتهى كلام المغني وفيها أو في حدردوها أبو غسان محمد بن مطرف المدني روى عن محمد ابن المنكدر وطبقته سنة أربع وستين ومائة وفيها أقبل ميخائيل البطريق وطاراد الأرمني لعنهما الله في تسعين ألفا ففشل عبد الكريم ومنع المسلمين من الملتقي وردفهم المهدي بضرب عنقه وسجنه قاله في العبر وفيها توفي أبو إسحق بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي المدني شيخ آل طلحة عن سن عالية روى عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وعن عميه موسى (1/258) ________________________________________ 259 وعيسى وآخر من روى عنه بشر بن الوليد الكندي وهو متروك الحديث قاله في العبر وأبو معاوية شيبان النحوي نزل بغداد وروى عن الحسن وطائفة بعده وكان كثير الحديث عارفاً بالنحو صاحب حروف وقراءات ثقة حجة قاله في العبر وعبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون المدني الفقيه روى عن الزهري وطبقته وكان إماماً مفتياً صاحب حلفه قال ابن ناصر الدين كان من العلماء الربانين والفقهاء المنصفين انتهى فال ابن خلكان قال ابن الماجشون عرج بروح أبي فوضعناه على سريره للغسل فدخل غاسل يغسله فرأى عرقا يتحرك في أسفل قدمه فأقبل إلينا وقال أرى عرقاً يتحرك ولا أرى أن أعجل على فما غسلناه واعتللنا على الناس بالأمر الذي رأيناه وفي الغد جاءنا الناس وغدا الغاسل عليه فرأى العرق على حاله فاعتذرنا إلى الناس فمكث ثلاثاً على حاله ثم أنه استوى جالساً فقال ائتوني بسويق فأتى به فشربه فقلنا خبرنا بما رأيت قال عرج بروحي فصعد بني الملك حتى أتى السماء السابعة فقيل له من معك قال الماجشون فقيل له لم يأذن له بعد بقي من عمره كذا وكذا سنة وكذا وكذا شهراً وكذا وكذا يوماً وكذا وكذا ساعة ثم هبط فرأيت النبي وأبا بكر عن يمينه وعمر عن يساره وعمر بن عبد العزيز بين يديه فقلت للملك من هذا فقال عمر بن بن عبد العزيز قلت أنه قريب المقعد من رسول الله قال أنه عمل بالحق في زمن الجور وأنهما أي أبا كبر وعمر عملا بالحق في زمن الحق انتهى وعد الذهبي في كتابه العلو الماجشون عبد العزيز هذا ممن قال بالجهة وأقام الدليل والتعليل على ذلك فراجعه وفيها مبارك بن فضلة البصرى مولى قريش قال بأن ناصر الدين المبارك ابن فضالة بن أبي أمية كان كثير التلديس فتكلم فيه وذكر أبو زرعة وغيره (1/259) ________________________________________ 260 أن المبارك إذا قال حدثنا فهو ثقة مقبول انتهى وقال في العبر روى عن الحسن وبكر المزني وطائفة وكان من كبار المحدثين والنساك وكان يحيى القطان يحسن الثناء عليه وقال أبو داود مدلس فإذا قال حدثنا فهو ثبت وقال مبارك جالست الحسن ثلاث عشرة سنة وقال أحمد ما رواه عن الحسن يحتج به انتهى وخرج له الترمذي وأبو داود والعقيلي وفيها أو في التي تليها عبد الله بن العلاء بن زيد الربيعي الدمشقي يروي عن القسم و مكحول وكان من أشراف البلد عمر تسعين سنة سنة خمس وستين ومائة وفيها غزا المسلمون غزوة مشهورة وعليهم هارون الرشيد وهو صبي أمرد وفي خدمته الربيع الحاجب فافتتحوا ماجدة من الروم والتقوا الروم وهزموهم ثم ساروا حتى وصلوا خليج قسطنطينة وقتلوا وسبوا وصالحتم ملكة الروم على مال جليل فقيل إنه قتل من الروم ف هذه الغزوة المبارك ة خمسون ألفاً وغنم المسلمون مالاً يحصى حتى بيع الفرس بدرهم والبغل الجيد بعشرة دراهم وفيها توفي سليمان بن المغيرة البصري عالم أهل البصرة في وقته روى عن ابن سيرين وثابت قال شعبة هو سيد أهل البصرة في وقته روى عن ابن سيرين وثابت قال شعبة هو سيد أهل البصرة قال الخريبيي ما رأيت بصرياً افضل من هو قال أحمد ثبت ثبت وعبد الرحمن بن ثوبان الدمشقي الزاهد عن تسعين سنة روى عن خالد ابن معدان وطبقته قال أحمد بن حنبل كان عباد أهل الشام وذكر من فضله وقال أبو داود كان مجاب الدعوة وكانت فيه سلامة وما به بأس وقال أبو حاتم ثقة ومعروف بن مشكان قارىء أهل مكة واحد أصحاب ابن كثير وقد سمع من عطاء وغيره (1/260) ________________________________________ 261 وفيها وهيب بن خالد أبو بكر البصري الحافظ روى عن منصور وطائفة كثيرة قال عبد الرحمن بن مهدي كان من أبصر أصحابه بالحديث والرجال وقال أبو حاتم يقال لم يكن بعد شيبة أعلم بالرجال منه وفيها خالد بن برمك وزير السفاح وجد جعفر البرمكي عن خمس وسبعين سنة وكان يتهم بالمجوسية قاله في العبر وفي آخر يوم منها أبو الأشهب العطاردي جعفر بن حيان بالبصرة روى عن أبي رجب العطاردي والكبار وعاش خمساً وتسعين سنة سنة ست وستين ومائة وفيها قبض المهدي على وزيره يعقوب بن داود لكونه اعطاه هاشمياً من ولد فاطمة ليقتله فاصطنعه وهربه فظفر به الأعوان وكان يعقوب شيعيا يميل إلى الزيدية ويقربهم وفيها استقضى المهدي أبا يوسف وأخذ البيعة لهارون بعد موسى وسماه الرشيد قاله ابن الجوزي في الشذور وفيها توفي أبو معاوية صدقة بن عبد الله السمين من كبار محدثي دمشق روى عن القسم أبي عبد الرحمن وطائفة وخرج له الترمذي والنسائي والعقيلي قال في المغني ضعفه أحمد والبخاري وغيرهما انتهى وفيها معقل بن عبيد الله الجزري من كبار علماء الجزيرة روى عن عطاء ابن أبي رباح وميمون بن مهران والكبار قال في المغني صدوق مشهور ضعفه ابن معين وحدث انتهى وفيها أبو بكر النهشلي الكفوي وفي اسمه أقوال قال في المغني أبو بكر النهشلي الكوفي صدوق تكلم فيه ابن حبان اميه عبد الله على الصحيح وقد وثقه أحمد وابن معين والعجلي انتهى قال في العبر روى عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري وجماعة وآخر أصحابه موتاً جبارة بن المغلس انتهى (1/261) ________________________________________ 262 سنة سبع وستين ومائة وفيها جد ا لمهدي فيطلب الزنادق في الأفاق وأكثر الفحص عنهم وقتل طائفة وفيها أمر بالزيادة في المسجد الحرام وغرم عليه أملاً عظيمة وأدخلت فيه دور كثيرة وفيها كان الوباء العظيم بالعراق وفيها توفي حماد بن سملة بن دينار البصر ي الحافظ في آخر السنة سمع قتادة وأبا جمرة الضبعي وطبقتهما كان سيد أهل وقته قال وهيب بن خالد حماد ابن سلمة سيدنا وأعلمنا وقال ابن المديني كان عند يحيى بن ضريس عن حماد بن سلمة عشرة آلاف حديث وقال عبد الرحمن بن مهدي لو قيل لحماد بن سملة أنك تموت غدا ما قدر أن يزيد ف يالعمل شيئاً وقال شهاب البخلي كان حماد بن مسلمة يعد من الأبدال وقال غيره كان فصيحاً مفوهاً إماماً في العربية صاحب سنة له تصانيف في الحديث وكان بطاينيا فروى سوار بن عبد الله عن أبيه قال كنت آتي حماد بن سملة في سوقة فإذا ربح في وثب حبة أو حبتين شد جبوبه وقام وقال موسى بن إسماعيل لو قلت أني ما رأيت حماد بن سلمة ضاحاً لصدقت كان يحدث أو يسبح أو يقرأ أو يصلي قد قسم النهار على ذلك وقلت وهو أحد الحمادين وأجلهما صاحبي المذهبين أحدهما هذا والثاني حماد ابن زيد بن درهم وتأخر موته عن هذا وسنتكلم عليه أن شكاء الله تعالى قال صاحب الجواهر المضية في طقات الحنيفة في آخرها فائدة الحمادان حماد بن زيد بن درهم وحماد بن سلمة بن دينار ولقد ألطف عبد الله بمعاوية حيث قال حدثنا حماد ابن سلمة بن دينار وحماد بن زيد بن درهم وفضل ابن سملة على ابن زيد كفضل الدينار على الدهرم انتهى والله أعلم وفيها الحسن بن صالح بن حي الهمداني فقيه الكوفة وعابدها روى عن (1/262) ________________________________________ 263 سماك بن حرب وطبقته وقال أبو نعيم ما رأيت أفضل منه وقال أبو حاتم ثقة حافظ متقن وقال ابن معين يكتب رأى الحسن بن صالح يكتب رأى الأوزاعي هؤلاء ثقات وقال وكيع الحسن بن صالح يشبه بسعيد بن جبير كان هو وأخوه على وأمهما قد جزؤا الليل ثلاثة أجزاء فماتت فسما الليل سهمين فمات على فقام الحسن الليل كله قال في العبر قلت مات على سنة أربع وخمسين وهما توأم اخرج لهما مسلم انتهى وقال في المعارف يكنى الحسن أبا عبد الله وكان يتشبع وزوج عيسى بن زيد بن علي ابنته واستخفى معه في مكان واحد حتى مات عيسى بن زيد وكان طلبهما المهدي فلم يقدر عليهما ومات الحسن بعد عيسى بستة أشهر انتهى وفيها الربيع بن مسلم الجمحي مولاهم البصري وكان من بقايا أصحاب الحسن ومفضل بن مهلهل السعدي الكوفي صاحب منصور قال أحمد العجلي كان ثقة صاحب سنة وفضل وفقه لما مات الثوري جاء أصحابه إلى المفضل فقالوا تجلس لنا مكانه قال ما رأيت صاحبكم يحمد مجلسه وفيها فقيه الشام بعد الأوزاعي أبو محمد سعيد بن عبد العزيز التنوخي عن نحو ثماني سنة أحذ عن مكحول و ربيعة القصير ونافع مولى ابن عمر وخلق وكان صالحاً قانتاً خاشعاً قال ما قمت إلى صلاة إلا مثلت لي جهنم وقال الحاكم هو لأهل الشام كما لك لأهل المدينة وفيها أبو روح سلام بن مسكين البصري روى عن الحسن والكبار وقال أبو سملة التبوذ كي كان من أبعد أهل زمانه وأبو شريح عبد الرحمن بن شريح المعافري بالأسكندرية روى عن أبي قبيل وطبقته وكان ذا عبادة وفضل وجلالة قال السيوطي في حسن المحاضرة ذكره ابن حبان في الثقات انتهى (1/263) ________________________________________ 264 وأبو عقيل يحيى بن المتوكل المدني ببغداد روى عن بهية وابن المنكدر وليس بالقوى عندهم قاله في العبر وعبد العزيز بن مسلم بالبصرة روى عن مطر الوارق وطائفة وكان عابداً قدوة روى عنه يحيى السليحيني وقال كن من الإبدال والقسم بن الفضل الحداني بالبصرة روى عن ابن سيرين والكبار وكان كثير الحديث قال ابن مهدي هو من مشايخنا الثقات وقد خرج له مسلم والأربعة قال في المغني القسم بن الفضل الحداني عن أبي نضرة وغيره صدوق وثقة ابن معين وأورده العقيلي في الضعفاء فما تكلم فيه بما يضعفه قط انتهى وأبو هلال محمد بن سليم الراسي بالبصرة روى عن الحسن والكبار وثقة أبو داود هلال محمد بن سليم الراسي بالبصرة روى عن الحسن والكبار وثقة أبو داود وغيره وهو حسن الحديث قاله في العبر ومحمد بن طلحة بن مصرف اليامي الكوفي في أحد المكثرين الثقات يروي عن أبي هو طبقته وفيها أبو حمزة محمد بن ميمون المروزي السكري ارتحل وأخذ عن زياد بن علاقة ونحوه وكان شيخ بلده في الحديث والفضل والعبادة قال ابن ناصر الدين هو شيخ خراسان كان ثقة ثبتا كريما يقري الضيف ويبالغ في إكرامه ولقب بالسكري لحلاوة كلامه انتهى وفيها أبو بكر الهذلي البصري الإخباري أحد الضعفاء واسمه سلمى روى عن الشعبي ومعاذة العدوية والقدماء وفيها قتل في الزندقة بشار بن برد البصري الأعمى شاعر العصر قال ابن الأهدل بشار بن برد العقيلي مولاهم الشارع المشهور كان أكمه جاحظ العينين فصيحاً مفوها وكان يمدح المهدي فرمى عنده بالزندقة فضربه حتى مات وقد نيف على السبعني قيل كان يفضل النار على الطين ويصوب رأى إبليس في امتناعه من السجود لآدم وينسب إليه هذا البيت (1/264) ________________________________________ 265 ( الأرض مظلمة والنار مشرقة * والنار معبودة مذ كانت النار ) قيل فتشت كتبه فلم يوجد فيها شيء مما رمى به وقيل أن هجا صالح بن داود أخا يعقوب الوزير فقال ( هم حملوا فوق المنابر صالحاً * أخاك فصمت من أخيك المنابر ) فقال يعقوب للمهدي أن بشاراً هجاك بقوله ( خليفة يزني بعماته * يلعب بالدف وبالصولجان ) ( أبدلنا الله به غيره * ودس موسى في حر الخيزاران ) والخيزارن امرأة المهدي واليها تنسب دار الخيزارن بمكة فقتله المهدي انتهى وقال ابن قاضي شهبة زنادقة الدنيا أربع بشار بن برد وابن الرواندي وأبو حيان التوحيدي وأبو العلاء المعري انتهى سنة ثمان وستين ومائة وفيها غزا المسلون الروم لنقضهم الهدنة وفيها سار سعيد الجرشي في سبعين ألفاً إلى طبرستان وفيها مات السيد الأمير أبو محمد الحسن بن زيد بن السيد الحسن بن علي ابن أبي طالب شيخ بني هاشم في زمانه وأمير المدينة للمنصور ووالد السيدة نفسية وخافه المنصور فحبسه ثم أخرجه المهدي وقربه ولم يزل معه حتى مات معه بطريق مكة عن خمس وثمنين سنة روى عن أبيه وخرج له النسائي قال في المغني ضعفه ابن معين وقواه يغره انتهى وفيها أبو الحجاج خارجة بن مصعب السرخسي من كبار المحدثين بخراسان رحل وأخذ عن زيد بن أسلم وطبقته وهو صدوق كثير الغلط لا يحتج به قاله في العبر وسيعد بن بشير البصري ثم الدمشقي المحدث المشهور أكثر عن قتادة (1/265) ________________________________________ 266 وطبقته قال أبو مسهر لم يكن في بلدنا أحفظ منه وقال أبو حاتم محله الصدق وضعفه غيره قال البخاري يتكلمون في حفظه وقيس بن الربيع أو محمد الأسدي الكوفي أحد علماء الحديث مع ضعفه على أن ابن عدي قال فيه عامة رواياته مستقيمة والقول فيه مال شعبة وأنه لا بأس به وقال عفان ثقة وقال أبو الوليد حضر شريك القاضي جنازة قيس ابن الربيع فقال ما ترك بعده مثله روى عن محارب بن زياد وطبقته وفيها الأمير عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس العباسي ولي عهد السفاح بعد أخيه المنصور وقد ذكرنا أن المهدي خلعه وقد توفي أبوه شاباً سنة ثمان ومائة وفليح بن سليمان المدني مولى الخطاب روى عن نافع وطبقته واحتج به الشيخان وكان ثقة مشهورا كثير العلم لينه ابن معين وفيها مندل علي العنزي الكوفي روى عن عبد الملك بن عمير وطبقته وكان صدوقا مكثرا في حديثه لين ونافع بن يزيد المصري عن جعفر بن ربيعة وطبقته وكان أحد الثقات سنة تسع وستين ومائة فيها عزم المهدي على أن يقدم هارون في العهد ويؤخر موسى الهادي فطلبه وهو بجرجان ففهما ولم يقدم فهم بالمسير إلى جرجان لذلك وفيها لثمان بقين من المحرم ساق المهدي واسمه محمد بن عبد الله بن أبي جعفر عبد الله ابن محمد بن علي بن عباس العباسي خلف صيد فدخل الوحش خربة فدخل الكلاب خلفه وتبعهم المهدي فدق ظهره في باب الخرب لشدة سوقه فتلف لساعته وقيب بل أمل طعاما سمته جاري لضرتها فلما وضع يده فيه جسرت أن تقول هياته لضرتي فيقال كان إنجاصا فأكل واحدة وصاح من جوفه ومات من الغد عن (1/266) ________________________________________ 267 ثلاث وأربعين سنة وكانت خلافته عشر سنين وشهرا وكان جوادا ممدحا محبباً إلى الناس وصولاً لأقاربه حسن الأخلاق حليما قضاباً للزنادقة وكان طويلاً أبيض مليحاً يقال إن المنصور خلف في الخزائن مائة ألف ألف وستين ألف ألف درهم ففرقها المهدي ولم يل الخلافة أحداً أكرم منه ولا أبخل من أبيع ويقال أنه أعطى شاعرا مرة خمسين ألف دينار ويقال أنه استضاف أعرابيا وقد انفرد عن جيشه في طلب صيد حتى جهد وعطش فسقاه لبناً مشوبا فكتب له بخمسمائة ألف فأيسر ذلك الأعرابي وكثرت موشيه وبقي مرصدا للحاج وسمي مضيف أمير المؤمنين وقال في مروج الذهب حدث الفضل بن الربيع قال خرج المهدي يوما متنزها ومعه عمرو بن ربيع مولاه وكان شاعراً فانقطع عن المعسكر والناس في الصيد وأصاب المهدي جوع شديد فقال لعمرو ويحك ارتد إنسانا نجد عنده ما نأكل قال فما زال عمرو يطوف إلى أن وجد صاحب مبقلة وإلى جانبها كوخ له فصعد إليه فقال له عمرو أما عندك شيء يؤكل قال نعم رقاق من شعير ورثيث وهذا البقل والكراث فقال له المهدي إن كان عندك زيت فقد أكملت قال نعم عندي فضلة منه فقدم إليهما ذلك فأكلا أكلا كثيرا وجعل المهدي يستطيب أكله ويمعن فيه حتى لم يكن فيه فضل فقال لعمرو قل شيئا تصف فيه ما نحن فيه فقال عمرو ( إن من يطعم الرثيثاء بالزي * ت وخبز الشعير بالكراث ) ( لحقيق بصفعة أو بثينتي * ن لسوء الصنيع أو بثلاث ) فقال له المهدي بئس والله ما قلت ولكن أحسن من ذلك أن تقول ( لحقيق ببدرة أو بثنتي * ن لحسن الصنيع أو بثلاث ) ووافى المعسكر ولحقته الخزائن والخدم والمواكب فأمر لصاحب المبقلة بثلاث بدر دراهم وغار فرس المهدي مرة أخرى وقد خرج للصيد فوقع إلى خباء أعرابي وهو جائع فقال يا أعرابي هل عندك من قرى فإني ضيفك وأنا جائع فقال أراك طرير آسمينا (1/267) ________________________________________ 268 جسيما عميما فإن احتملت الموجود قربنا لك ما يحضر قال هات ما عندك فأخرج له خبز ملة فأكلها وقال طيبة هات ما عندك فأخرج له لبنا فسقاه فقال طيب هات ما عندك فأخرج له فضلة نبيذ في زكرة فشرب الأعرابي وسقاه فلما شرب قال له المهدي تدري من أنا قال لا والله قال أنا من خدم الخاصة قال قد بارك الله لك في موضعك وحياك من كنت ثم شرب الأعرابي قدحا وسقاه فلما شرب قال يا أعرابي أتدري من أنا قال نعم ذكرت لي أنك من خدم الخاصة قال لست كذلك فمن أنت قال أنا أحد قواد المهدي قال رحبت دارك وطاب مزارك ثم شرب الأعرابي قدحا وسقاه فلما شرب الثالث قال يا أعرابي أتدري من أنا قال نعم زعمت أنك أحد قواد المهدي قال فلست كذلك أنا أمير المؤمنين بنفسه فأخذ الأعرابي زكرته فوكاها فقال له المهدي اسقنا قال لا والله لا شربت منها جرعة فما فوقها قال ولم قال سقيتك واحداً فزعمت أنك من خدم الخاصة فاحتملنالها لك ثم سقيناك أخرى فزعمت أنك من قواد المهدي فاحتملناها لك ثم سقيناك أخرى فزعمت أنك أمير المؤمنين ولا والله ما آمن أن أسقيك الرابعة فتقول أنا رسول الله فضحك المهدي وأحاطت به الخيل ونزل به أبناء الملوك والأشراف فطار قلب الأعرابي ولم يكن همه إلا النجاة فجعل يشتد في عدوه فرد إليه فقال لا بأس عليك وأمر له بصلة جزيلة من مال وكوة فقال أشهد أنك الآن صادق ولو ادعيت الرابعة والخامسة وضمه في خواصه وأجرى له رزقا انتهى كلام المسعودي وأول من هنأه وعزاه وأجازه أبو دلامة حيث يقول ( عيناي واحدة ترى مسرورة * بأمانها جذلاً وأخرى تذرف ) ( تبكي وتضحك تارة ويسوءها * ما أنكرت ويسرها ما تعرف ) ( فيسوءها موت الخليفة محرما * ويسرها إن قام هذا إلا رأف ) ( هلك الخليفة يا أمة أحمد * وأتاكم من بعده من يخلف ) (1/268) ________________________________________ 269 وقال علي بن يقطين كنا مع المهدي بما سبذان فقال لي يوما أصبحت جائعا فأتني بأرغفة ولحم بارد ففعلت ثم دخل البهو فنام ثم نمنا نحن في الرواق فانتبهنا لبكائه فبادرنا إليه مسرعين فقال ما رأيتم ما رأيت قلنا ما رأينا شيئاً قال وقف على رجل لو أنه في ألف رجل ما خفي على صوته ولا صورته فقال ( كأني بهذا القصر قد باد أهله * وأوحش منه ربعه ومنازله ) ( وصار عميد القوم من بعد بهجة * وملك إلى قبر عليه جنادل ) ( فلم يبق إلا ذكره وحديثه * تنادى عليه معولات حلائله ) قال علي فما أتت على المهدي بعد رؤياه هذه إلا إلا عشرة أيام حتى توفي رحمه الله وفيها لما مات المهدي أرسلوا بالخاتم والقضيب إلى الهادئ فأسرع إلى البريد ودخل بغداد وبالغ في طلب الزنادقة وقتل منهم عدة وفيها خرج الحسين بن علي بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب الخسني بالمدينة وبايعه عدد كثير وحارب العسكر الذي بالمدينة وقتل مقدمتهم خالد البربذي ثم تأهب وخرج في جمع إلى مكة فالتف عليه خلق كثير فأقبل ركب العراق معهم جماعة من أمراء العباس في عدة وخيل فالتقوا بفخ فقتل الحسين في مائة من أصحابه وقتل الحسن بن محمد بن عبد الله بن حسن الذي خرج أبوه زمان المنصور وهرب إدريس بن عبد الله بن حسن إلى المغرب فقام معه أهل طنجة وهو جد الشرفاء الإدريسيين ثم تحيل الرشيد وبعث من سم إدريس فقام بعده ابنه إدريس بن إدريس وتملك مدة وفيها توفي أبو السليل عبيد الله بن إياد بن لقيط الكوفي وله عن أبيه (1/269) ________________________________________ 370 نسخو وكان عريف قومه بني سدوس قال في المغني عبيد الله بن إياد بن لقيط ثقة قيل إن بعض روايته صحيحة قاله ابن قانع وفيها كما قال ابن ناصر الدين نافع بن عمر الجمحي القرشي المكي كان محدث مكة حافظا ثبتا قال عبد الرحمن بن مهدي كان من أثبت الناس قالفي المغني نافع ابن عمر الجمحي حجة قال أحمد ثقة ثبت وقال ابن سعد ثقة فيه شيء انتهى ومحمد بن مطرف المدني ثقة عمدة ومعاوية بن سلام بن أبي سلام ممطور الحبشي الشامي الدمشقي كان ثقة متقناً وجرير بن حازم الأزدي البصري أحد فصحاء البصرة ومحدثيها عمر دهرا واختلط بآخره فحجبه ابنه وهب فلم يرو شيئاً في اختلاطه روى عن الحسن والكبار وحضر جنازة أبي االطفيل بمكة وقيل توفي جرير هذا سنة سبعين جزم به في العبر وفيها أبو سعيد المؤدب ببغداد واسمه محمد وهو جزري روى عن عبد الكريم الجزري وحماد بن أبي سليمان وهو مؤدب موسى الهادي وفيها نافع بن أبي نعيم أبو عبد الرحمن وقيل أبو رويم الليثي مولاهم قارئ أهل المدينة وأحد السبعة قال موسى بن طارق سمعته يقول قرأت على سبعين من التابعين وقال الليث حججت سنة ثلاث عشرة ومائة وأمام الناس في القراءة نافع بنأبي نعيم وقال مالك نافع أمام الناس في القراءة قال في المغني وثقة ابن معين وقال أحمد كان تؤخذ عنه القراءة وليس بشيء في الحديث انتهى وكا إذا قرأ يشم من فيه ريح المسك ولذا قال في الشاطبية ( فأما الكريم السر في الطيب نافع * ) وفيها ثابت بن يزيد الأحول البصري له عن هلال بن خباب وجماعة وكان من ثقات الشيوخ (1/270) ________________________________________ 271 سنة سبعين ومائة في أحد ربيعها توفي الخليفة أبو محمد موسى الهادي بن المهدي وكان طويلاً ابيض جسيما مات من قرحة أصابته وقيل قتلته أمه لاخيزران لما هم بقتل أخيه الرشيد فعمدت لما وعك إلى أن غمته وعاش بضعاً وعشرين سنة فالله يسامحه فلقد كان جباراً ظالم النفس قال في العبر وقال في مروج الذهب كان موسى قاسي القلب شرس الأخلاق صعب المرام كثير الأدب محبا له وكان شديداً شجاعا بطلا جوادا سمحا حدث يوسف بن إبراهيم الكاتب صاحب إبراهيم بن المهدي عن إبراهيم أنه كان واقفاً بين يديه وهو على حمار له ببستانه المعروفة ببغداد إذ قيل له قد ظفر برجل من الخوارج فأمر بإدخاله إليه فلما قرب الخارجي إليه أخذ الخارجي السيف من بعض الحرس وأقبل يريد موسى فتنحيت وكل من كان معي وأنه لواقف على حماره ما يتحلحل فلما أن قرب منه صاح موسى اضربا عنقه وليس وراءه أحد منا فأوهمه فالتفت الخارجي وجمع موسى نفسه ثم طفر عليه فصرعه وأخذ السيف من يده فضرب به عنقه قال فكان خوفنا منه أكثر من الخارجي فوالله ما أنكر علينا تنحينا ولا عذلنا ولم يركب حمارا بعد ذلك اليوم ولا فارقه سيف انتهى وحدث عبد الله بن الضحاك عن الهيثم بن عدي قال وهب المهدي لموسى الهادي سيف عمرو ابن معدي كرب الصمصامة فدعا به موسى بعد ما ولى الخلافة فوضعه بين يديه ودعا بمكتل دنانير وقال لحاجبه ائذن للشعراء فلما دخلوا أمرهم أن يقولوا في السيف فبدأهم ابن يامين البصري فقال ( حاز صمصامة الزبيدي عمرو * من جميع الأنام موسى الأمين ) ( سيف عمرو وكان فيما سمعنا * خير ما أغمدت عليه الجفون ) ( أوقدت فوقه الصواعق نارا * ثم شابت به الذعاف المنون ) (1/271) ________________________________________ 272 ( وإذا ما شهرته بهر الشم * س ضياء فلم تكد تستبين ) ( وكأن الفرند والجوهر الجا * ري في صفيحتيه ماء معين ) ( وما يبالي إذا الضريبة حانت * أشمال سطت به أم يمين ) فقال الهادي لك السيف والمكتل فخذهما ففرق المكتل على الشعراء وقال دخلتم معي وحرمتم من أجلي وفي السيف عوض ثم بعث إليه الهادي فاشترى منه السيف بخمسين ألفا ًانتهى وكان عيسى ب دأب من أهل الحجاز وكان أكثر أهل عصره أدبا وعلما ومعرفة بأخبار الاس وأيامهم وكان الهادي كلفا به يقول له يا عيسى ما استطلعت بك يوما ولا ليلة ولا غبت عني إلا ظننت أني لا أرى غيري فذكر عيسى هذا أنه رفع إلى الهادي أن رجلا من أرض المنصورة من بلاد السند من أشرافهم وأهل الرياسة منهم من آل المهلب بن أبي صفرة ربى غلاما سند ياً أو هنديا وأن الغلام وخصاه ثم عالجه إلى أن برأ فأقام مدة وكان لمولاه ابنان أحدهما طفل والآخر يافع فاب الرجل عن منزله وعاود وقد أخذ السندي الصبيين وصعد بهما إلى أعالي سور الدار إذ دخل مولاه فرفع رأسه فإذا هو بابنيه مع الغلام على السور فقال يا فلان عرضت ابني للهلاك فقال دع ذا عنك والله إن لم تجب نفسك بحضرتي لأرمين بهما فقال له الله الله في وفي ابني قال دع ذا عنك فوالله ما هي إلا نفسي وإني لأسمح بها من شربة ماء وأهوى ليرمي بهما فأسرع مولاه فأخذ مدية وجب نفسه فلما رأى الغلام أنه قد فعل رمى بهما بالصبيين فتقطعا وقال ذلك الذي فعلت فعلت بفعلك بي وقتلى هذين زيادة فأمر الهادي بالكتاب إلى صاحب السند بقتل الغلام وتعذيبه بأفظع ما يكون من العذاب وأمر بإخراج كل سندي في مملكته فرخص السندي في أيامه حتى كانوا يتداولون بالثمن اليسير وقال ابن داب قال لي الهادي هلم بنا إلى ذكر فضائل البصرة والكوفة (1/272) ________________________________________ 273 وما زادت به كل واحدة منهما على الأخرى قال قلت ذكر عن عبد الملك ابن عمير أنه قال قدم علينا الأحنف بن قيس الكوفة مع مصعب بن الزبير فما رأيت شيخا قبيحا إلا وقد رأيت في وجه الأحنف منه شيئاً كان صعل الرأس أغضفا لأذن باخق العين ناتئ الوجه مائل الشدق مترا كب الأسنان ولكنه كان إذا تكلم جلي عن نفسه فجعل يفاخرنا ذات يوم بالبصرة ونفاخره بالكوفة فقلنا الكوفة أغذى وأمرأ وأفسح وأطيب فقال له رجل والله ما أشبه الكوفة إلا بإنسانه قبيحة الوجه كريمة الحسب لا مال لها فإذا ذكرت حاجتها كف الناس عنها وما أشبه البصرة إلا بعجوز ذات عوارض موسرة فإذا ذكرت ذكر يسارها وذكرت عوارضها فكف عنها طالبها فقال الأحنف أنا البصرة فإن أسفلها قصب وأوسطها خشب وأعلاها رطب نحن أكثر ساجا وعاجا وديباجا ونحن أكثر قيدا ونقدا والله ما آتي البصرة إلا طائعاً ولا أخرج منها إلا كارها قال فقام إليه شاب من بكر بن وائل فال يا أبا بحر ما بلغت في الناس ما بلغت فوالله ما أنت بأجملهم ولا بأشرفهم ولا بأشجعهم قال ابن أخي بخلاف ما أنت فيه قال وما ذاك قال بتركي ما لا يعنيني كما عناك من امرئ ما لا يعنيك انتهى وحدث عدة من ذوي المعرفة بأخبار الدولة أن موسى قال لهارون أخيه كأني بك تحدث نفسك بتمام الرؤيا وتؤمل ما أنت منه بعيد ومن دونه خرط القتاد فقال هارون يا أمير المؤمنين من تكبر وضع ومن تواضع رفع ومن ظلم خذل وإن وصل الأمر إلي وصلت من قطعت وبررت من حرمت وصيرت أولادك أعلى من أولادي وزوجتهم بناتي وقضيت بذلك حق الإمام المهدي فانجلى عن موسى الغضب وبان لاسرور في وجهه وقال ذلك الظن بك يا أبا جعفر أدن مني فقام هارون فقبل يده ثم ذهب ليعود إلى مجلسه فقال له موسى والشيخ الجليل والملك النبيل لا جلست إلا معي في صدر المجلس ثم قال يا خزائني احممل إليه الساعة ألف ألف دينار فإذا فتح الخراج فاحمل إليه (1/273) ________________________________________ 274 نصفها فلما أراد هارون الرشيد الانصراف قدمت دابته إلى البساط قال عمرو الرومي فسألت الرشيد عن الرؤيا فقال قال المهدي رأيت في منامي كأني دفعت إلى موسى قضيبا فأما قضيب موسى فأروق أعلاه قليلا وأما قضيب هارون فأروق من أوله إلا آخره فقص الرؤيا على الحكم بن إسحاق الصيمري فكان يعبرها فقال له يملكان جميعا فأما موسى فتقل أيامه وأما هارون فيبلغ آخر ما عاش وتكون أيامه أحسن الأيام ودهره أحسن الدهور قال عمرو الرومي فلما أفضت الخلافة إلى هارون زوج ابنته حمدونة من جعفر بن موسى وفاطمة من إسماعيل بن موسى ووفى له بكل ما وعده وفيها بويع الرشيد ومن الاتفاق العجيب أن الرشيد سلم عليه بالخلافة عمه سليمان بن المنصور وعم أبيه المهدي وهو العباس بن محمد وعم جده المنصور وهو عبد الصمد بن علي ذكره ابن الجوزي في الشذور وفيها توفي الربيع بن يونس أبو الفضل حاجب المنصور والمهدي وله مع لمنصور أمور منها أن المنصور قال له يوما سلني حاجتك قال أن تحب ابني قال إن المحبة تقع بأسباب قال قد أمكنك الله من أنواع سببها قال كيف قال تفضل عليه فيحبك قال لا والله قد أحببته قبل إيقاع السبب كذنوب الصبيان وشفاعته كفاعة العريان وأشار إلى قول الورد ( ليس الشفيع الذي يأتيك متزرا * مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا ) وقال له يوما يا ربيع ما أطيب الحياة لولا الموت فقال ما طيبها إلا الموت يعني الموت بموت من قبلك إليك الخلافة وفيها يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي وكان أرسله (1/274) ________________________________________ 275 المنصور لحرب الخوارج واستمر واليا على إفريقية خمس عشرة سنة وكان من الممدحين الأجواد وكذلك أخوه روح بن حاتم وكان روح متوليا على السند وتولى لخمسة من الخلفاء السفاح والمنصور والمهدي والهادي والرشيد ولم يتفق مثل هذا إلا لأبي موسى الأشعري عمل للنبي الأربعة بعده وكان يتعجب الناس من بعد ما بين ابني حاتم يزيد وروح فاتفق أن الرشيد عزل روحا عن السند فلحق بإفريقية فدفنا في قبر واحد بإفريقية وفي يزيد بن حاتم يقول الشاعر ( وإذا تباع كريمة أو تشتري * فسواك بائعها وأنت المشتري ) ( وإذا تخيل من سحابك لامع * صدقت مخيلته لدى المستمطر ) ( وإذا الفوارس عددت أبطالها * عدوك في أبطالهم بالخنصر ) ووفد عليه أشعب صاحب النوادر في الطمع فمدحه ببيتين فأجزل عطيته وفيها مات إمام اللغة والعروض والنحو الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي وقيل سنة خمس وسبعين ومائة وهو الذي استنبط علم العروض وحصر أقسامه في خمس دوائر واستخرج منها خمسة بحراً وزاد فيها الأخفش بحرا سماه الخبب قبل الخليلدعا بمكة أن يرزقه الله علماً لم يسبق إليه وهو في اختراعه بديهة كاختراع أرسطاطاليس علم المنطق ومن تأسيس بناء كتاب العين الذي يحصر لغة أمة من الأمم وهو أول من جمع حروف المعجم في بيت واحد فقال صف خلق خود كمثل الشمس إذ بزغت * يحظى الضجيع بها نجلاء معطار ) وقال تلميذه النضر بن شميل جاءه رجل من أصحاب يونس يسأله عن مسألة فأطرق الخليل يفكر وأطال حتى انصرف الرجل فعاتبناه فقال ما كنتم قائلين (1/275) ________________________________________ 276 فيها قلنا كذا وكذا قال فإن قال كذا وكذا قلنا نقول كذا وكذا فلم يزل يغوص حتى انقطعنا وجلسنا تفكر فقال ابن المجيب يفكر قبل لجواب وقبيح أن يفكر بعده وقال وقال ما أجيب بجواب حتى أعرف ما على فيه من الإعتراضات والمؤاخذات وكان مع ذلك صالحاً قانعاً قال النضر أقام في خص بالبصرة لا يقدر على فلس وعلماء قد انتشر وكسب به أصحابه الأموال قال وسمعته يقول إني لأغلق على بابي يجاوزه همي وقيل للخيل وقد اجتمع مع ابن المقفع كيف رأيته فقال عليمه أكثر من عقله وقيل لابن المقفع كيف رأيت الخليل قال عقله أكثر من علمه وقرأ عليه رجل في العروض فلم يفهم فقال له الخليل قطع هذا البيت ( إذا لم تسطع شيئاً فدعه * وجاوزه إلى ما تستطيع ) قال الخليل فشرع الرجل في تقطيعه على مبلغ علمه ثم قام فلم يرجع إلى فعجبت من فطنته لما قصدته في البيت مع بعد فهمه ويقال أن أباه أول من سمى أحمد بعد النبي وكان شاعراً مفلقاً مطبوعاً ومن شعره ( وما هي إلا ليلة ثم يومها * وحول إلى حول وشهر إلى شهر ) ( مطايا يقربن الجديد إلى البلى لغيره * ويدنين ما يحوى الشحيح من الوفر ) وكان من الزهد في طبقة لا تدرك حتى قيل أن بعض الملوك طلبه ليؤدب له أولاده فأتاه الرسول وبين يديه كسر يابسة يأكلها فقال له قل لمرسلك مادام يلقى مثل هذه لا حاجة به إليك ولم يأت الملك وسأله الأخفش لم سميت بحر الطويل طويلا قال لأنه تمت أجزاؤه والبسيط لأنه انبسط على حد الطويل والمديد لتمدد سباعية حول خماسيه والكامل لكمال أجزائه السباعيه ليس فيه غيرها والوافر لوفور أجزائه لأن فيه ثلاثين حركة لا تجتمع في غيره والرجز لاضطرابه كاضطراب قوائم الناقة الرجزاء (1/276) ________________________________________ 277 والرمل لأنه يشبه رمل الحصير يضم بعضه إلى بعض والهزج لأنه يتصرف شبه هزج الصوت والسريع لسرعته على اللسان والمنسرح لان سراحه وسهولته والخفيف لأنه أخف السباعيات والمقتضب لأنه اقتضب من الشعر لقلته والمضارع لأنه ضارع المقتضب والمجتث لأنه اجتث أي قطع من طول دائرته والمتقارب لتقارب أجزائه وأنها خماسية كلها يشبه بعضها بعضا انتهى قيل لما دخل الخليل البصرة لمناظرة أبي عمرو بن العلاء جلس إليه ولمتكلم بشيء فسئل عن ذلك فقال هو رئيس منذ خمسين سنة فخفت أن ينقطع فيفتضح في البلد وقال الواجي في تفسيره الإجماع منعقد على أنه لم يكن أحد أعلم بالنحو من الخليل قاله ابن الأهدل وقال في العبر الخليل بن أحمد الأزدي البصري أبو عبد الرحمن صاحب العربية والعروض روى عن أيوب السختياني وظائفة وكان أماماً كبير القدر خيراً متواضعاً فيه زهد وتعطف صنف كتاب العين في اللغة انتهى وفيها مجنون ليلى قيس بن الملوح بن المزاحم اشتهر بعشق ليلى في الدنيا وهو أحد بني كعب بن عامر بن صعصعة وقد أنكر قوم وجوده قائلين هو كالعنقاء وهذا غلط فإن اشتهار عشقه لليلى أشهر من أن يخفي وأثبته علماء السير وأما ليلى فإنها بنت مهدي وقيل بنت ورود من بني ربيعة كانت من أجمل النساء شكلاً وأدباً وابتداء أمرهما أنهما كانا صغيرين يرعيان أغناماً لقومهما فعلق كل منهما بصاحبه ولم يزالا على ذلك حتى كبرا واشتهر أمرهما فحجبت ليلى عنه فزال عقله وقال 30 تعلقت ليلى وهي ذات ذؤابة * ولم يبد للاتراب من ثديها حجم ) ثم كان يأتي الحي على غفلة من أهله فلما كثر ذلك خرج أبو ليلى ومعه نفر من قومه إلى مروان بن الحكم فشكوا إليه ما أصابهم من قبيس ابن الملوح وسألوه الكتاب إلى عامله يمنعه من كلام ليلى وأن وجده أهل ليلى عندها يكون دمه هدرا فملا بلغ قيساً ذلك قال (1/277) ________________________________________ 278 ( ألا حجبت ليلى أميرها * على يمينا جاهدا لا أزورها ) ( وواعدني فيها رجل أبوهم * أبي وأبوهم حشيت لي صدورها ) ( على غير شيء غير أنى أحبها * وإن فؤادي عند ليلى أسيرها ) فلما يئس منها ذهب عقله بالكلية ولعب بالتراب والحصى وضنيت ليلى أيضاً من فراقه ثم تزوجت ليلى فصار المجنون يدور في الفلوات عريانا ينشد الأشعار ويأنس بالوحوش ثم وجد بعد حين ملقى بين الأحجار ميتاً فاحتملوه إلى الحي وغسلوه ودفنوه وبكوا عليه وكان أبو ليلى أشد القوم جزعا وبكاء وقال ما علمت أن الأمر يبلغ إلى هذا ولكني كنت أمر عربيا أخاف العار ولو علمت أن الأمر يفضي إلى هذا ما أخرجتها عن يده ويقال أنها أيضاً ضنيت عليه وماتت أسفا ودفنت قريبا منه وأمرهما أشهر من أن يذكر والله أعلم وفيها توفي عبد الله بن جعفر المخرمي روى عن عمة أبيه أم بكر بنت المسور بن مخرمة وجماعة من التابعين وخرج له مسلم والأربعة وكان قصيرا ذميما قال الواقدي كان عالما بالمغازي والفتوى وقال الذهبي في المغني عبد الله بن جعفر المخرمي المدني ثقة وهاه ابن حبان فقط انتهى وفيها محمد بن مهاجر الحمصي روى عن نافع وطبقته وآخر من حدث أبو ثوبة الحلبي وأبو معشر السندي واسمه نجيح بن عبد الرحمن المدني صاحب المغازي والأخبار مشهور عن أصحاب أبي هريرة ليس بالعمدة قال ابن معين كان أميا يتقى من حديثه المسند وقال صاحب العبر روى عن محمد بن كعب القرظي والكبار واستصحبه المهدي معه لما حج إلى بغداد وقال يكون بحضرتنا ويفقه من حولنا بألف دينار وكان أبيض أزرق سمينا وقيل له السندي من قبيل اللقب بالضد انتهى (1/278) ________________________________________ 279 وفيها الوزير أبو عبد الله معاوية بن يسار مولاهم كاتب المهدي ووزيره وكان من خيار الوزراء صاحب علم وفضل ورواية وعبادة وصدقات روى عن منصور بن المعتمر وفيها أو في حدودها محمد بن جعفر بن أبي كثير المدني مولى الأنصاري أخذ عن زيد بن أسلم وطبقته وكان ثقة كثير العلم وأسباط بن نصر الهمذاني الكوفي المفسر صاحب إسماعيل السدي والله أعلم قال في المغني وثقه ابن معين وضعفه أبو نعيم قال النسائي ليس بالقوي توقف فيه أحمد اتهى وقد خرج له البخاري في التاريخ ومسلم والأربعة سنة إحدى وسبعين ومائة فيها أمر الرشيد بإخراج الطالبين إلى مدينة الرسول وخرجت الخيزران إلى مكة في رمضان فأقامت بها إلى وقت الحج وحجت قاله ابن الجوزي في الشذور وفيها على الأصح توفي حبان بن علي العنزي أخو مندل وكان من فقهاء الكوفة وهو ضعيف روى عن عبد الملك بن عمير وطبقته وأبو المنذر سلام بن سليم المزني البصري ثم الكوفي النحوي لمقرئ أخذ عن عاصم بن أبي النجود وأبي عمرو وحدث عن ثابت البناتي وغيره وهو شيخ يعقوب الحضرمي وفيها أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المدني أخو عبيد الله بن عمر روى عن نافع وجماعة وكان محدثا صالحا قال أحمد لا بأس به قال ابن الأهدل كان آية في العلم غاية في العبادة واجه الرشيد بالإنكار والموعظة الغليظة في المسعى فقال يا هارون قال لبيك يا عم قال انظر هل تحصيهم يعني الحجيج قال ومن يحصيهم قال أعلم أن كلا منهم يسأل عن نفسه وأنت تسأل (1/279) ________________________________________ 280 عن كلهم ثم قال والله إن الرجل ليسرف في ماله فيستحق الحجر فكيف من يسرف في أموال المسلمين انتهى وفيها أبو الشهاب الحناط عبد ربه بن نافع الكوفي روى عن عاصم الأحول وطبقته وتوفي كهلا وقيل توفي في التي بعدها قال ف المغني صدوق وليس بذاك الحافظ انتهى وخرج له الشيخان وفيها أو نحوها مات الأمير يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة المهلبي البصري أحد الشجعان المذكورين ولي أمرة الغرب مدة طويلة وولى إمرة مصر قبل ذلك سبع سنين وعبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن حنظلة بن الغسيل المدني رأى سهل ابن مسعود وروى عن عكرمة والكبار وكان كثير الحديث ثقة جليلاً سنة اثنتين وسبعين ومائة فيها توفيت الخيزران زوجة المهدي وأم الهادي والرشيد ولم تلد امرأة خليفتين غير ثلاثة ولادة بنت العباس العبسية تزوجها عبد الملك بن مروان فولدت له الوليد وسليمان فوليا الخلافة والثالثة الخيزران اشتراها المهدي ثم أعتقها فولدت له الهادي والرشيد ووليا الخلافة ويلحق بهؤلاء خاتون جارية ملكشاه فإنها ولدت محمدا وسنجرا وكلاهما ولي السلكنة وكان كبير القدر قاله في الشذور ولما ماتت الخيرزان خرج خلف جنازتها ولدها الرشيد وعليه جبة وطيلسان أزرق قد شدبه وسطه وهو آخذ بقائمة السرير حافيا في الطين حتى أتى مقابر قريش فغسل رجليه وصلى عليها ونزل قبرها وفيها توفي الإمام أبو محمد سليمان بن بلال المدني مولى أبي بكر الصديق (1/280) ________________________________________ 281 روى عن عبد الله بن دينار وطبقته قال ابن سعد كان بربرياً جميلاً حسن الهيئة عاقلاً كان يفتي بالمدينة وولى خراج المدينة وكان من الثقات الأثبات وفيها أمير دمشق الفضل بن صالح بن على العباس ابن عم المنصور وهو الذي أنشأ القبة الغريبة التي بجامع دمشق وتعرف بقبة المال وفي جمادى الأولى مات صاحب الأندلس الأمير أبو المطرف عبد الرحمن ابن معاوية بن الخليفة هشام بن عبد الملك الأموي الدمشقي المعروف بالداخل فر إلى المغرب عند زوال دولتهم فقامت معه اليمانية وحارب يوسف الفهري متولي الأندلس وهزمه وملك قرطبة في يوم الأضحى سنة ثمان وثلاثين ومائة وامتدت أيامه وكان عالماً حسن السيرة عاش اثنتين وستين وولى بعده ابنه هشام وبقيت الأندلس لعقبه إلى حدود الأربعمائة وفيها أوفى في سنة ست وسبعين صالح المري الزاهد وأعظ البصرة روى عن الحسن وجماعة وحديثه ضعيف قال عفان كان شديد الخوف من الله إذا قص كأنه ثكلى وخرج له الترمذي قال في المغني صالح بن بشر المري الزاهد عن الحسن تركه أبو داود والنسائي وضعفه غيرهما انتهى ومهدي بن ميمون المعولى مولاهم البري الناقد الثقة روى عنبي رجاء العطاردي وابن سيرين والكبار والوليد أبي ثور هو ابن عبد الله الهمداني الكوفي عن زياد بن علاقة وجماعة وهو ضعيف وفي حدودها معاوية بن سلام بن الأسود بن سلام ممطور الحبشي ثم الشامي روى عن أبيه والزهري وجماعة قال يحيى بن معين أعده محدث أهل الشام والله أعلم (1/281) ________________________________________ 282 سنة ثلاث وسبعين ومائة فيها وقيل سنة أربع توفي إسماعيل بن زكريا الخلفاني الكوفي ببغداد روى عن العلاء بن عبد الرحمن وطبقته وعاش خمساً وستين سنة قال في المغني صدوق شيعي قال الميموني قلت لأحمد بن حنبل كيف هو قال أما الأحاديث المشهورة التي يرويها فهو فيها مقارب الحديث ولكنه ليس ينشرح الصدر له قال الميموني وسمعت ابن معين يضعفه وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه حديثه مقارب وعن ابن معين أيضاً هو ثقة قال العقيلي حدثنا إبراهيم ابن الجنيد حدثنا أحمد بن الوليد بن أبان حدثني جدي حسين بن حسن حدثني خالي إبراهيم سمعت إسماعيل الخالفاني يقول الذي نادى من جانب الطور عنده على بن أبي طالب قال وسمعته يقول هو الأول والآخر على ابن أبي طالب قلت هذا لم يثبت عن الخلفاني وأن صح عنه فهو زنديق عدو الله انتهى ما قاله الذهبي في المغني وفيها أمير البصرة وفارس محمد بن سليمان بن علي ابن عم المنصور وله إحدى وخمسون سنة وكان الرشيد يبالغ في تعظيمه وإكرامه ولما مات احتوى الرشيد على خزائنه وكانت خمسين ألف ألف درهم وفي رجب الإمام الكبير أبو خيثمة زهير بن معاوية الجعفي الكوفي نزيل الجزيرة ومحدثها وحافظها روى عن سماك بن حرب وقال كان احفظ من عشين شعبة وفيها أبو سيعد سلام بن أبي مطيع البصري روى عن أبي عمر أن الجوني وطائفة قال أحمد بن حنبل ثقة صاحب سنة وقال ابن حبان لا يجوز أن يتحتج بما انفرد به وقال ابن عدي لا بأس به وليس بمستقيم الحديث في قتادة خاصة وله غرائب (1/282) ________________________________________ 283 ويعد من خطباء أهل البصرة وقال الحاكم منسوب إلى الغفلة وإلى سوء الحفظ انتهى وقد خرج له الشيخان وغيرهما وفيها نوح الجامع وهو أبو عصمة نوح بن أبي مريم الفقيه قاضي مرو ولقب بالجامع لأنه أخذ الفقه عن أبي حنيفة وابن أبي ليلى والحديث عن حجاج بن أرطأة والمغزي عن ابن إسحق والتفسير عن مقاتل وهو متروك الحديث قاله في العبر وعبد الرحمن بن أبي الموالي المدني مولى آل علي رضي الله عنه روى عن أبي جعفر الباقر وطائفة وضربه المنصور أربعمائة سوط على أن يدله على محمد بن عبد الله بن حسن فلم يدله وكان من شيعته قاله في العبر قال في المغني عبد الرحمن ابن أبي الموالي مشهور ثقة خرج مع ابن حسن قال أمد حديثه في الإستخارة منكر قلت خرجه البخاري وقد قال ابن عدي رواه غير واد كما رواه ابن أبي الموالي انتهى وجويرية بن أسماء بن عبيد الضبعي البصري روى عن نافع والزهري وكن ثقة كثير الحديث سنة أربع وسبعين ومائة وفيها حج الرشيد فبدأ بالمدينة فقسم فيا مالا عظيماً ووقع الوباء بمكة فأبطأ في دخولها ثم دخلها فقضى طوافه وسيعه ولم ينزل مكة قاله في الشذور وفيها توفي في جمادى الآخرة الإمام أبو عبد الرحمن بع الله بن لهيعة الحضرمي قاضي مصر الحافظ روى عن الأعرج وعطاء بن رباح وخلق كثير قال أحمد بن صالح المصري كان ابن لهيعة صحيح الكتاب طلابة للعلم وقال زيد بن الحباب سمعت سفيان الثوري يقول عند ابن لهيعة الأصول (1/283) ________________________________________ 284 وعندنا الفروع وقال أحمد بن حنبل من كان بصر مثل ابن لهيعة و في كثرة حديثه وضبطه واتقانه وقال ابن معين ليس بذاك القوى انتهى وخرج له الترمذبي وأبو داود وغي هما قال في المغني قال بعض الناس ما روى عنه مثل ابن وهب وابن المبارك فهو أجود وأقوى انتهى وقال السويطي في حسن المحاضرة ابن لهيعة عبد الله ابن عقبة بن لهعة الحضرمي المصري أبو عبد الرحمن الفقيه قاضي مصر ومسندها عن عطاء وعمرو بن دينار والعرض وخلق وعنه الثوري والأوزاعي وشعبة وماتوا قبله وابن المبارك وخلق وثقة أحمد وغيره وضعفه يحيى القطان وغيره انتهى وفيها بكر بن مضر المصري عن نيف وسبعين سنة قال ابن ناصر الدين كان إماماً حجة من افاضل أهل زمانه طويل الحزن وخازناً لسانه انتهى روى عن أبي قبيل المعافري وطائفة وأكثر عنه قتيبة وكنيته أبو عبد الملك وفيها عبد الرحمن بن أبي الزناد المدني ببغداد وكان فقيها مفتياً قال ابن معين واثبت الناس في هشام بن عروة قال في العبر قلت وروى الكثير عن أبيه وطبقته وفيه ضعف يسير انتهى وفيها يعقوب بن عبد الله الأشعري القمي رحل وحمل عن زيد بن أسلم وأكثر عن جعفر بن أبي المغيرة القمى قال في المغني صالح الحديث محدث أهل قم يروى عن جعفر بن أبي المغيرة وليث قال النسائي ليس به بأس وقال الدارقطني ليس بالقوى انتهتى وفيها الأمير روح بن حاتم بن قبيصة بن المهلب أخو يزيد أحد القواد الكبار ولى إمرة الكوفة وغيرها (1/284) ________________________________________ 285 سنة خمس وسبعين ومائة وفيها عقد الرشيد للأمين وهو ابن خمس سنين وفيها هاجت العصية بين القيسية واليمينة بالشام ورأس القيسية أبو الهيذام المري وقتل بينهما بشر كثير واتصلت فتنتهما إلى زمننا هذا وفيها توفي شيخ الديار المصرية وعالمها أبو الحرث الليث بن سعد الفهمي مولاهم الفقيه وأصله فارسي أصبهاني قال في حسن المحاضرة الليث بن سعد ابن عبد الرحمن الفهمي أبو الحرث المصري أحد العلام ولد بقرقشندة سنة أربع وستين وروى عن الزهري وعطاء ونافع وخلق وعنه ابن شعيب وابن المبارك وآخرون قال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث صحيحه وكان قد اشتغل بالفتوى في زمانه بمصر وكان سرياً من الرجال نبيلاً سخياً له ضيافة وقال يحيى بن بكير ما رأيت أحداً أكمل من الليث كان فقيه النفس عربي اللسان يحسن القرآن والنحو ويحفظ الحديث والشعر حسن المذاكرة وقال الشافعي كان الليث أفقه من مالك إ لا أنه ضيعه أصحابه قال ابن كثير وقد حكى بعضهم أنه ولى القضاء بمصر وهو غريب وقال الذهبي في العبر كان نائب مصر وقاضيها من تحت أوامر الليث وإذا رابه من أحد شيء كاتب فيه بعزل وقد اراد المنصور أن يلي إمرة مصر فامتنع مات يوم الجمعة رابع عشر شعبان سنة خمس وسبعين ومائة انتهى ما قاله السيوطي في حسن المحاضرة وقال ابن الهدل أراده المنصور لولاية مصر فأبي وتولى قضاءها وروى أن الإمام مالكا اهدى له صينية رطباً فأعادها مملوءة ذهباً وكان يتخذ لأصحابه الفالوذج وكان يدخله في سنته ثمانون ألف دينار وما وجبت عليه زكاة وكان لا تغذى كل يوم حتى يطعم ثلاثمائة وستين مسكيناً انتهى ولعله أراد يصبح على كل سلامي من أحكم (1/285) ________________________________________ 286 صدقة الحديث وقال في العبر كان اتبع للأثر من مالك وقال يحيى بن بكير الليث أفقه من مالك لكن الخطوة لمالك انتهى وفيها أبو عبد الله حزم بن أبي حزم القطعي أخو سهيل روى عن الحسن وجماعة قال أبو حاتم هو من ثقات من تبقى من أصحاب الحسن وفيها داود بن عبد الرحمن العطار المكي روى عن عمرو بن دينار وجماعة قال الشافعي ما رأيت أورع منه وفيها قاضي الكوفة أبو عبد الله القسم بن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي المسعودي روى عن عبد الملك بن عميرو طبقته قال حمد كان ثقة صاحب نحو وشعر وقال أبو حاتم كان أروى الناس للحديث والشعر وأعلمهم بالعربية والفقه وقال ابن ناصر الدين في شرحه لبديعة البيان له كان إماماً علامة ثقة قاضي الكوفة لم يأخذ على القضاء رزقاً مدة ولايته وكان من أروى الناس للآثار وأعلمهم بالفقه والعربية والأشعار انتهى سنة ست وسبعين ومائة وفيها افتتح المسلمون مدينة دبسة من أرض الروم بعد حرب طويل وفيها اشتد البلاء والقتل بين القيسية واليمنية بالشام واستمرت بينهم أحن وأحقاد ودماء يهيجون لأجلها في كل وقت وإلى اليوم وفيها توفي قاضي بغداد للرشيد أبو عبد لله سعيد بن عبد الرحمن الجمحي المدني روى عن عبد الرحمن بن القسم وطبقته وكان من أولى العلم والصلاح وخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم قال في المغني ثقة لينة الفسوى انتهى وفيها وقيل في التي تليها عبد الواحد بن زياد العبدي مولاهم البصري روى عن كليب بن وائل وطائفة كثيرة قال في المغني عبد الواحد بن زياد عن الأعمش وغيره صدوق يغرب قال ابن معين ليس بشيء وقال أبو داود الطيالسي (1/286) ________________________________________ 287 عمد إلى أحاديث كن يرسلها العمش فوصلها كلها ولينة القطان انتهى وفيها أبو عوانة الوضاح مولى يزيد بن عطاء اليشكري البزاز الحافظ أحد الأعلام قال ابن ناصر الدين أبو عوانة الواسطي البزاز كان أحد الحفاظ الثقات الإعيان قال يحيى القطان أبو عوانة من كتابه أحب إلى من شعبة من حفظه انتهى رأى الحسن وروى عن قتادة وخلق وقال يحيى القطان ما أشبه حديثه بحديث سفيان وشعبة وقال عفان هو عندنا أصح حديثاً من شعبة وقال غيره هو من سبى جرجان قاله في العبر وفيها حماد بن أبي حنيفة الإمام وكان من أهل الخير والصلاح والفقه مذهب أبيه قال في المغني عن أبيه ضعفه ابن عدي انتهى وكان ابنه إسماعيل بن حماد قاضي البصرة فعزل يحيى بن أكثم ولما خرج منها إسماعيل مسافراً شيعه يحيى قال إسماعيل كان لنا جار طحان رافضى له بغلان فسمى أحدهما أبا بكر والآخر عمر فرمحه أحدهما فقتله فقال جدى أبو حنيفة انظروا الذي رمحه فلا تجدونه إلى الذي سماه عمر فوجدوه كذل سنة سبع وسبعين ومائة فيها توفي عبد الواحد بن زيد البصري الزاهد الذي قيل أنه صلى الغداة بوضوء العشاء أربعين سنة ومن مواعظه قوله إلا تستحيون من طوله ملا تستحيون روى عن الحسن وجماعة وهو متروك الحديث قاله في العبر وفيها شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي أبو عبد الله أحد الأعلام عن نيف وثمانين سنة روى عن سملة بن كهيل والكبار سمع منه إسحق الأزرق تسعة آلاف حديث قال ابن المبارك هو أعلم بحديث بلده من سفيان الثوري وقال النسائي ليس به باس وقال غيره فقيه إمام لكنه يغلط قال ابن ناصر الدين استشهد له البخاري ووثقه ابن معين واخرج له مسلم متابعة انتهى (1/287) ________________________________________ 288 ووفيها محمد بن مسلم الطائفي المكي روى عن عمرو بن دينار وجماعة قال ابن مهدي كتبه صحاح وموسى بن أعين الحراني رحل إلى العراق وأخذ عن عبد الله بن محمد بن عقيل وطبقته فأكثر وأبو خلد يزيد بن عطاء اليشكري الواسطي روى عن علقمه بن مرثد وطبقته وليس بالقوى قاله في العبر وقد مر مولاه أبو عوانة وفيها أوفى حدودها عبد العزيز بن المختار البصري الدباغ حدث عن ثابت البناني وجماعة سنة ثمان وسبعين ومائة فيها فوض الرشيد أموره كلها إلى يحيى بن خالد بن برمك قاله في الشذور وفيها فوض توفي جعفر بن سليمان الضبعي بالبصرة روى عن أبي عمران الجوني وطائفة وكان أد علماء البصرة وفيه تشيع أخذ ذلك عنه عبد الرازق باليمن قاله في العبر وقال ابن ناصر الدين هو أبو سليمان كان من ثقات الشيعة والزهاد ولم يكن قوياً ومع كثرة علومه قيل كان أمياً انتهى وفيها عبثر بن القسم أبو زيد الوفي روى عن حصين بن عبد الرحمن وجماعة ذكره أبو داود فقال ثقة ثقة وعبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي مولاهم ا لمديني نزيل البصرة ووالد على بن المديني روى عن عبد الله بن دينار وطبقته وهو ضعيف الحديث سنة تسع وسبعين ومائة وفيها كانت فتنة الوليد بن طريف الشارى الخارجي وأحد الشراة وهم الخوارج سموا بذل لقولهم شرينا أنفسنا في طاعة الله أي بعناها بالجنة حين (1/288) ________________________________________ 289 فارقتنا الأئمة الجبابرة وكان الوليد أحد الشجعان وندب الرشيد لحربه يزيد بن زائدة ابن أخي معن بن زائدة الشيباني ومكث يزيد مدة يما كره ويخادعه وكانت البرامكة منحرفة عن يزيد فقالوا للرشيد إنه مداهن فأسل غليه يتوعده فناجزه يزيد فظفر به وكان الوليد ينشد في المصاف ( أن الوليد بن طريف الشارى * فسورة لا يصطلي بنار ) ولما انهزم تبعه يزيد بنفسه حتى أدركه على مسافة بعيدة فقتله واحتز رأسه ولما قتل لبست أخته الفارعة عدة حربها وحملت فضرب يزيد بلممرح قرينها وقال اغربي غرب الله عنك فقد فضحت العشيرة فانصرفت ولها في أخيها مراث كثيرة شهيرة وفيها اعتمر الرشيد في رمضان ثم رجع إلى المدينة فأقام بها إلى وقت الحج ثم حج بالناس فمشى من مكة إلى مني ثم إلى عرفات وشهد المشاهد والمشاعر ماشياً وفيها توفي إمام دار الهجرة أبو عبد الله مالك بن أنس الحميري الأصبحي شهير الفضل كان طوالاً جسمياً عظيماً الهامة أبيض الرأس واللحية أشقر أزرق العين يلبس الثياب العربية البيض وإذا اعتم جعلها تحت ذقنه ويسدل طرفها بين كتفيه روى أنه قال ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك وقل رجل كنت أعلم منه ومات حتى يستفتيني قال اليافعي أخبر بنعمة الله وكان مالك عظيم لمحبة لرسول الله مبالغاً في تعظيم حديثه حتى كان لا يركب في المدينة مع ضعفه وكبر سنه ويقول لا أركب في بدل فيها جسد رسول الله مدفون قال الشافعي قال لي محمد بن الحسن أي أعلم صاحبنا أو صاحبكم يعني أبا حنيفة ومالكاً رحمهما الله تعالى قلت على الإنصاف قال نعم قلت أنشدك الله من أعلم بالقرآن قال صاحبكم قلت فمن أعلم بالسنة قال صاحبكم قلت فمن أعلم بأقاويل الصحابة قال صاحبكم قلت فما بقي إلا القياس وهو لا يكون إلى على هذه الياء وكان مالك يشهد الصلوات (1/289) ________________________________________ 290 الخمس والجمعة ويصلى على الجنائز ويعود المرضى ويقضى الحقوق وأكثر جلوسه في المسجد ثم ترك ذلك فكان يصلي وينصرف وترك حضور الجنائز ثم ترك الكل وسعى به إلى جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس وقيل له أنه لا يرى خلافتكم فضربه به سبعين سوطاً ومدت يده حتى انخلعت فلم يزل بعد ذلك في رفعة كأنما كان السياط حلياً حلى به ولما ورد المنصور المدينة أراد أن يقيده منه فقال والله ما ارتفع سوط منها عن بدني إلا وقد وجعلته فيحل لقرابته من رسول الله وقيل ضرب لفتوى لمتوافق أغراضهم وقيل أنه حمل إلى بغداد وقال له واليها ما تقول في نكاح المتعة فقال هو حرام فقيل له ما تقولن في قول عبد الله بن عباس فيها فقال كلام غيره فيها أوفق لكتاب الله تعالى وأصر على القول بتحريمها فطيف به على ثور مشوهاً فكان يرفع القذر عن وجهه ويقول يأهل بغداد من لم يعرفني فليعرفني أنا مالك بن أنس فعل بي ماترون لأقول بجواز ازنكاح المتعة ولا أقول به ثم بعد ذلك لم يزيده الله تعالى الأرفعة وكان ذلك كالتميمة له فجزأه الله تعالى عن نفسه والأمة خيراً وحدث عتيق بن يعقوب الزبيدي قال قدم هرون الرشيد المدينة وكان قد بلغه أبن مالك بن أنس عنده الموطأ يقرؤه على الناس فوجه إليه البرمكي فقال اقرئه السلام وقل يحمل إلى كالكتاب ويقرؤه على فأتاه البرمكي فقال اقرئه السلام وقل له أن العلم يؤتي ولا يأتي فأتاه البرمكي فأخبره وكان عنده أبو يوسف القاضي فقال يا أمير المؤمنين يبلغ أهل العراق أنك وجهت إلى مالك في أمر مخالفك إعزم عليه فبينما هو كذلك إذ دخل مالك فسلم وجلس فقال له الرشيد يا ابن أبي عامر ابعث إليك تخالفني فقال يا أمير المؤمنين اخبرني الزهري عن خارجة بن زيد عن أبيه قال كنت أكتب الوحي بين يدي رسول الله لا يستوي القاعدون من المؤمنين وابن أم مكتوم عند النبي فقال يا رسول الله (1/290) ________________________________________ 291 إني رجل ضرير وقد أنزل الله عليك في فضل الجهاد ما قد علمت فقال النبي فخدي ثم أغمي على النبي جلس النبي يا زيد اكتب غير أولي الضرر ويا أمير المؤمنين حرف واحد بعث فيه جبريل والملائكة عليهم السلام من مسيرة خمسين ألف عام ألا ينبغي لي أن أعزه وأجله وأن الله تعالى رفعك وجعلك في هذا الموضع بعملك فلا تكن أنت أول من يضيع عز العلم فيضيع الله عزك فقام الرشيد يمشي مع ملك إلى منزله ليسمع منه الموطأ فأجلسه معه على المنصة فلما أراد أن يقرأه على مالك قال لي تقرؤه على ما قرأته على أحد منذ زمان قال فيخرج الناس عني حتى أقرأه أنا عليك فقال إن العلم إذا منع من العامة لأجل الخاصة لم ينفع الله تعالى به الخاصة فأمر معن بن عيسى القزاز ليقرأه عليه فلما بدأ ليقرأه قال مالك لهارون يا أمير المؤمنين أدركت أهل العلم ببلدنا وأنهم ليحبون التواضع للعلم فنزل هارون عن المنصة وجلس بين يديه وسمعه رحمهما الله تعالى وقال أبو عبد الله الحميدي الأندلسي أنشدني والدي أبو طاهر إبراهيم ( إذا قيل من نجم الحديث وأهله * أشار أولو الألباب يعنون مالكا ) ( إليه تناهى علم دين محمد * فوطأ فيه للرواة المسالكا ) ( ونظم بالتصنيف أشتات نشره * وأوضح ما قد لولاه حالكا ) ( وأحيا دروس العلم شرقا ومغربا * تقدم في تلك المسالك سالك ) ( وقد جاء فيالآثار من ذاك شاهد * على أنه في العلم حص بذالكا ) ( فمن كان ذا طعن على علم مالك * ولم يقتبس من نوره كان هالكا ) يشير بقوله وقد جاء في الآثار إلخ إلى حديث تضرب الإبل أكبادها إلى عالم المدينة لا ترى أعلم منه وقال الشافعي رضي الله عنه إذا ذكر العلماء فمالك (1/291) ________________________________________ 392 النجم وقال معن الفزاز وجماعة حملت بمالك أمه ثلاث سنين وقيل أنه بكى في مرضه موته وقال والله لوددت إني ضربت في كل مسئلة أفتيت بها وليتني لم أفت بالرأي وتوفي بالمدينة ودفن بالبقيع عن أربع وثنانين سنة وقيل تسعين ولما مات قال ابن عيينة ما ترك على وجه الأرض مثله وفيها توفي خالد بن عبد الله الواسطي الطحان الحافظ وله سبعون سنة روى عن سهيل بن أبي صالح وطبقته قال إسحاق الأزرق ما أدركت أفضل منه وقال أحمد كان ثقة صالحا بلغني أنه اشترى نفسه من الله تعالى ثلاث مرات وأبو الأحوص سلام بن سليم الكوفي روى عن زياد بن علاقة وطبقته وكان أحد الحفاظ الأثبات قال أحمد العجلي ثقة صاح سنة واتباع وآخر من روى عنه هناد وفي رمضان إمام أهل البصرة حماد بن زيد بن درهم الأزدي مولاهم البصري الضرير أبو إسماعيل كان من أهل الورع والدين قال ابن مهدي ل أرقط أعلم بالسنة منه وهو أحد الحمادين صاحبي المذهبين المشهورين وقال عبد الرحمن بن مهدي أئمة الناس أربعة الثوري بالكوفة ومالك بالحجاز وخماد بن زيد بالبصرة والأوزاعي بالشام وقال يحي التميمي ما رأيت شيخا أفضل من حماد بن زيد وقال أحمد العجلي حماد بن زيد قفة كان حديثه أربعة حديث يحفظها ولم يكن له كتاب وقال ابن معين ليس أحد أثبت من حماد بن زيد وفيها الهقل بن زياد الدمشقي كاتب الأوزاعي قال ابن معين ما كان بالشام أوثق منه وقال مروان الطاطري كان أعلم الناس بالأوزاعي وبمجلسه وفتياه وقال ابن ناصر الدين هو الهقل بن زياد بن عبيد السكسي مولاهم الدمشقي اسمه محمد فلقب بهقل إماماً مفتيا من الثقات انتهى (1/292) ________________________________________ 293 سنة ثمانين ومائة فيها هاج الهوى والعصبية بالشام بين اليمانية والنزارية وتفاقم الأمر واشتد الخطب وفيها كانت الزلزلة العظمى بمصر التي سقط منها رأس منارة الإسكندرية وفيها نزل الرشيد الرقة واتخذها وطنا وفيها توفي إسماعيل بن جعفر مولاهم المدني قارئ المدينة بعد نافع ومحدثها بعد مالك روى عن عبد الله بن دينار والعلاء بن عبد الرحمن وطائفة قال ابن ناصر الدين كان إماماً مقرئاً أميناً عالما ثقة مأمونا انتهى وفيها عبد الوارث بن سعيد أبو عبدة العنبري مولاهم التنوري البصري كان على بدعة فيه أجمع علىلاحتجاج به الشيخان وباقي أئمة الأثر قاله ابن ناصر الدين وفيها بشر بن منصور السليمي الأزدي البصري الزاهد روى عن أيوب وطبقته قال ابن المديني ما رأيت أحدا أخوف لله منه وكان يصلي كل يوم خمسمائة ركعة وقال عبد الرحمن بن مهدي ما رأيت أحداً أقدمه عليه في الورع والرقة وفيها حفص بن سليمان الغاضري الكوفي قاضي الكوفة وتلميذ عاصم وقد حدث عن علقمة بن مرثد وجماعة وعاش تسعين سنة وهو متروك الحديث حجة في القراءة قاله في العبر وفيها صدقة بن خالد الدمشقي قرأ على يحي الدماري وروى عن التابعين وكان من ثقات الشاميين وفيها أبو وهب عبيد الله بن عمر الرقي الفقيه محدث الجزيرة ومفتيها روى عن عبد الملك بن عمير وطبقته قال محمد بن سعد كان ثقة لم يكن أحد ينازعه في الفتوى في دهره وفضيل بن سليمان النميري بالبصرة روى عن أبي حازم الأعرج وصغار (1/293) ________________________________________ 294 التابعين قال في المغني عن منصور بن صفية فيه لين قال أبو حاتم وغيره ليس بالقوي وقال أبو زرعة لين وقال عياش عن ابن معين ليس بثقة انتهى وفيها مبارك بن سعيد أخو سفيان الثوري أبو عبد الرحمن الكوفي الضرير ببغداد روى عن عاصم بن أبي النجود وطائفة وهو ثقة وفيها فقيه مكة أبو خالد مسلم بن خالد الزنجي وله ثمانون سنة روى عن ابن أبي مليكة والزهري وطائفة وقال أحمد بن محمد الأزرق كان فقيها عابداً يصوم الدهر وضعفه أبو داود وغيره ولقب بالزنجي في صغره وكان أشقر وعليه تفقه الشافعي وفيها أبو المحياة يحي بن يعلى التيمي الثقة الكوفي روى عن سلمة بن كهيل وطائفة وعمر واسن وفيها أمير الأندلس أبو الوليد هشام بن الداخل عبد الرحمن بن معاوية الأموي المرواني وله سبع وثلاثون سنة وولي الأمر ثمانية أعوام وكان متواضعا كثير الصدقات وقام بعده ابنه الحكم سنة إحدى وثمانين ومائة فيها أحدث الرشيد في صدور كتبه لاصلاة على النبي وفيها غزا الرشيد وافتتح حصن الصفصاف من أرض الروم بالسيف وسار عبد الملك بن صالح بن علي العباسي حتى بلغ أنقرة وافتتح حصنا وفيها توفي الإمام محدث الشام ومفتي أهل حمص أبو عتبة إسماعيل بن عياش العنسي عن بضع وسبعين سنة روى عن شرحبيل بن مسلم ومحمد بن زياد الألهاني وخلق من التابعين بالشام والحرمين قال ابن معين هو ثقة في الشاميين وقال يزيد بن هارون ما لقيت شاميا ولا عراقيا أحفظ منه وما أدري ما الثوري وقال ابن عدي يحتج به في حديث الشاميين خاصة وقال أبو اليمان (1/294) ________________________________________ 295 كان إسماعيل جارنا فكان يحيى الليل وقال داود بن عمرو ما حدثنا إسماعيل إلا من حفظه كان يحفظ نحوا من عشرين الف حديث وقيل توفي سنة اثنتين وثمانين ومناقبه كثيرة وفيها أبو المليح الرقي عن نيف وتسعين سنة وأسمه الحسن بن عمر روى عن ميمون بن مهران والزهري والكبار ووثقه أحمد غيره وفيها حفص بن ميسرة الصناعني بعسقلان روى عن زيد بن أسلم وطبقته وكان ثقة صاحب حديث والمعمر أبو أحمد خلف بن خليفة الكوفي ببغداد وقد جاوز المئة بعام رأى عمر بن حريث الصحابي وروى عن محارب بن دثار وجماعة قال أبو حاتم صدوق قلت هو أقدم شيخ للحسن بن عرفة قاله في العبر وفيها وقيل سنة ثمانين أبو معاوية عباد بن عباد بن المهلب البصري أحد المحدثين والأشراف روى عن أبي جمرة الضبعي صاحب ابن عياش وغيره قال في المغني عباد بن عباد المهلبي ثقة مشهور وقد قال أبو حاتم لا يحتج به وذكره ابن سعد في الطبقات فقال لم يكن بالقوى انتهى وفي رمضان توفي الإمام العلم أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك الحنظلي مولاهم المروزي الفقيه الحافظ الزاهد ذو المناقب وله ثلاث وستون سنة سمع هشام بن عروة وحميد الطويل وهذه الطبقة وصنف التصانيف الكثيرة وحديث نحو من عشرين ألف حديث قال أحمد بن حنبل لم يكن في زمان ابن المبارك أطلب للعمل منه وقال شعبة ما قدم علينا مثله وقال أبو إسحاق الفزاري ابن المبارك أمام المسلمين وعن شعيب بن حرب قال ما لقي ابن المبارك مثل نفسه وكانت له تجارة واسعة كان ينفق على الفقراء في السنة مائة ألف درهم قال ابن ناصر (1/295) ________________________________________ 296 الدين الإمام العلامة الحافظ شيخ الإسلام وأحد أئمة الأنام ذو التصانيف النافعة والرحلة الواسعة حدث عنه ابن معين وابن منيع وأحمد بن حنبل وغيرهم جمع العلم والفقه والأدب والنحو واللغة والشعر وفصاحة العرب مع قيام الليل والعبادة قال الفضيل بن عياض ورب هذا البيت ما رأت عيناي مثل ابن المبارك انتهى وقال ابن الأهدل تفقه بسفيان الثوري ومالك بن أنس وروى عنه الموطأ وكان كثير الانقطاع في الخلوات شديد الورع وكذلك أبوه مبارك روى أنه نظر بستانا لمولاه فطلب منه رمانة حامضة فجاءه برمانة حلوة فقال له أنت ما تعرف الحلو من الحامض قال لا قال ولم قال لأنك لم تأذن لي فيه فوجده كذلك وعظم قدره عند مولاه حتى كان له بنت خطبت كثيرا فقال له يا مبارك من ترى نزوج هذه البنت فقال الجاهلية كانوا يزوجون للحسب واليهود للمال والنصارى للجمال وهذه الأمة للدين فأعجبه عقله وقال لأمها مالها زوج غيره فتزوجها فجاءت بعبد الله وكان واحد وقته وفيه يقول القائل ( إذا سار عبد الله من مرو ليلة * فقد سار منها نورها وجمالها ) ( إذا ذكر الأحبار في كل بلدة * فهم أنجم فيها وأنت هلالها ) وقد صنف في مناقبه وعد بعضهم ما جمع من خصال الخير فوجدها خمسا وعشرين فضيلة وكان يحج عاما ويغزو عاما فإذا حج قبض نفقة إخوانه وكتب على كل نفقة اسم صاحبها وينفق عليهم ذهابا وإيابا من أنفس النفقة ويشتري لهم الهداية من مكة والمدينة فإذا رجعوا اتخذ سماطا عليه من جفان الفالوذج نحو خمس وعشرين فضلا عن غيره فيطعم إخوانه ومن شاء الله ثم يكسوهم جديداً ويرد إلى كل منهم نفقته وذلك أنه كانت له تجارة واسعة قال سفيان الثوري وددت عمري كله بثلاثة أيام من أيام ابن المبارك قيل مات بهيت بالكسر بلد بالعراق منصرفا من غزوة وقيل مات في برية سائحا مختار للعزلة وكان كثيرا ما يتمثل بهذين البيتين (1/296) ________________________________________ 297 ( وإذا صاحبت فاصحب صاحباً * ذا حياء وعفاف وكرم ) ( قائلاً للشيء لا إن قلت لا * وإذا قلت نعم قال نعم ) انتهى وقال في العبر كان أستاذه تاجراً فتعلم منه وكان أبوه تركيا وأمه خوارزمية وقال عبد الرحمن بن مهدي كان ابن المبارك أعلم من سفيان الثوري قلت كان رأساً في العلم رأسا في الذكاء رأسا في الشجاعة والجهاد رأسا في الكرم وقبره بهيت ظاهر يزار رحمه الله تعالى انتهى وفيها أبو الحسن علي بن هاشم بن البريد الكوفي الخزاري يروي عن الأعمش وأقرانه وخرج له مسلم والأربعة وكان شيعيا جلدا قاله في المغني قال ابن حبان روى المناكير عن المشاهير انتهى وفيها قاضي مصر أبو معاوية المفضل بن فضالة القتباني الفقيه روى عن يزيد بن أبي حبيب وطائفة من كثيرة وكان زاهدا ورعا قانتاً مجاب الدعوة عاش أربعا وسبعين سنة قال في المغني ثقة حجة قال ابن سعد منكر الحديث انهى وفيها بالإسكندرية يعقوب بن عبد الرحمن القارئ المدني روى عن يزيد ابن أسلم وطبقته فأكثر سنة اثنتين وثمانين ومائة فيها سملت الروم عيني طاغيتهم قسطنطين وملكوا عليهم أمه وفيها توفي عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدوي العمري مولاهم المدني روى عن أبيه وجماعة وهو ضعيف كثير الحديث وفيها عبيد الله بن عبد الرحمن الأشجعي الكوفي الحافظ سمع من هشام بن عروة وجماعة وقال سمعت من سفيان الثوري ثلاثين ألف حديث وقال ابن معين ما بالكوفة أعلم بالثوري من عبيد الله الأشجعي وفيها عمار بن محمد الثوري الكوفي ابن أخت سفيان الثوري روى عن منصور (1/297) ________________________________________ 298 والأعمش وعدة قال ابن عرفة كان لا يضحك وكنا لا نشك أنه من الأبدال انتهى وخرج له مسلم والنسائي وغيرهما قال في المغني ابن حبان استحق الترك انتهى وفيها أبو سفيان المعمري محمد بن حميد البصري نزيل بغداد وكان محدثا مشهورا رحل إلى معمر فلقب بالمعمري وفيها الوليد بن الموقري البلقاوي والموقر حصن بالبلقاء وهو من ضعفاء أصحاب الزهري وفيها على الأصح عالم أهل الكوفة يحي بن زكريا بن أبي زائدة الكوفي الحافظ روى عن أبيه عاصم الأحول وطبقتهما وعاش ثلاثا وستين سنة قال ابن المديني انتهى العلم في زمانه إليه وكان من أصحاب أبي حنيفة وكان ثبتاً متقنا وفيها الحافظ الثبت المتقن أبو معوية يزيد بن زريع العيشي وقيل التيمي البصري محدث أهل البصرة ثقة ماهر روى عن أيوب السختياني وطبقته وقال أحمد بن حنبل كان ريحانة البصرة ما أتقنه وما أحفظه وقال يحي بن لاقطا ما كان هنا أحد أثبت منه وال نصر بن علي الجهضمي رأيت يزيد بن زريع في النوم فقلت له ما فعل بك قال دخلت الجنة قلت بماذا قال بكثرة الصلاة وفي شهر ربيع الآخر القاضي أبو يوسف واسمه يعقوب بن إبراهيم الكوفي قاضي القضاة وهو أول من دعى بذلك تفقه على الإمام أبي حنيفة وسمع من عطاء بن السائب وطبقته قال يحي بن معين كان القاضي أبو يوسف يحب أصحاب الحديث ويميل إليهم وقال محمد بن سماعة كان أبو يوسف يصلي بعدما ولي القضاء كل يوم مائتي ركعة وقال يحي بن يحي النيسابوري سمعت أبا يوسف يقول عند وفاته مل ما أفتيت به فقد رجعت عنه إلا ما وافق السنة وكان مع سعة علمه أحد الأجواد الأسخياء قال أبو حاتم يكتب حديثه وقال أحمد بن حنبل صدوق قال جميع ذلك في العبر (1/298) ________________________________________ 299 وقال ابن الأهدل تفقه عل أبي حنيفة وخالفه في مواضع وروى عنه محمد بن الحسن الشيباني وأحمد بن حنبل ويحي بن معين وأكثر العلماء على تفضيله وتعظيمه ولي القضاء للمهدي وابنيه وذكر المؤرخون أن له استحسانات يخالف فيها وروى أنه قال عند وفاته كل ما أفتيت به فقد رجعت عنه إلا ما وافق الكتاب والسنة وقال اللهم إنك تعلم أني لم أجر في حكم حكمت فيه بين اثنين من عبادك متعمدا ولقد اجتهدت في الحكم فيما يوافق سنة نبيك يعرف أمرك ولا يخرج عن الحق وهو يعلمنه وروى أن زبيدة ابنة جعفر امرأة الرشيد أرسلت إليه بمال وعند جلساؤه فقال بعضهم قال رسول الله أهديت له هدية فجلساؤه شركاؤه فيها فقال أبو يوسف يحفظ التفسير والمغازي وأيام العرب وكان أقل علومه الفقه ولم يكن أبو حنيفة مثله وهو أول من نشر علم أبي حنيفة وسأله الأعمش عن مسئلة فأجابه فقال من أين قال من حديثك الذي حدثتنيه أنت فقال يا يعقوب إني لأعرف الحديث قبل أن يجتمع أبواك وما عرفت تأويله إلا الآن وتناظر هو وزفر بن الهذيل عند أبي حنيفة فأطالا فقال أبو حنيفة لزفر لا تطمع في رياسة بلد فيها مثل هذا وكان يقول العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك وعاش قريبا من سبعين سنة انتهى ما قاله ابن الأهدل وقال ابن ناصر الدين أحمد بن حنبل أول ما كتبت الحديث اختلفت إلى أبي يوسف القاضي فكتبت عنه وكان أبو يوسف أميل إلينا من أبي حنيفة ومحمد وقال الفلاس أبو يوسف صدوق كثير الغلط انتهى وقال ابن قتيبة في المعارف هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن حبتة من بجيلة وكان سعد بن ختبة استصغر يوم أحد ونزل الكوفة ومات بها وصلى عليه زيد بن أرقم وكبر عليه خمسا وكان (1/299) ________________________________________ 300 أبو يوسف يروي عن الأعمش وهشام بن عروة وغيرهما وكان صاحب حديث حافظ ثم لزم أبا حنيفة فغلب عليه الرأي وولي قضاء بغداد فلم يزل بها إلى أن مات وابنه يوسف ولي القضاء أيضاً بالجانب الغربي في حياة أبيه وتوفي سنة اثنتين وتسعين ومائة انتهى كلام ابن قتيبة وقال ابن خلكان هو أول من غير لباس العلماء إلى هذه الهيئة التي هم عليها في هذا الزمان وكان ملبوس الناس قبل ذلك شيئاً واحد لا يتميز أحد عن أحد بلباسه انتهى وقال غير واحد كان يحفظ في المجلس الواحد والخمسين حديثا بأسانيدهما قال ابن الفرات في تاريخه روى على ابن حرملة عن أبي يوسف رحمه الله قال كنت أطلب الحديث والفقه وأنا مقل رث المنزل فجاء أبي يوما وأنا عند أبي حنيفة فانصرفت معه فقال يا بني أنت محتاج إلى المعاش وأبو حنيفة وسأل عني فلما أتيته بعد تأخيري عنه قال ما خلفك قلت الشغل بالمعاش وطاعة والدي فلما أردت الانصراف أومأ إلي فجلست فلما قام الناس دفع إلي صرة وقال استعن بهذه والزم الحلقة وإذا فقدت هذه فاعلمني فإذا فيها مائة درهم فلزمت مجلسه حتى بلغت حاجتي وفتح الله لي ببركته وحسن نيته فانتج من العلم المال فأحسن الله مكافأته وغفر له وقال ابن عبد البر كان أبو يوسف القاضي فقيها عالماً حافظاً ذكر أنه كان يعرف بالحديث وأنه كان يحضر التحديث فيحفظ خمسين حديثا وستين حديثا ثم يقوم فيمليها على الناس وكان كثير الحديث وكان جالس محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلة ثم جالس أبا حنيفة رضي اله عنهما وكان الغالب عليه مذهبه وربما كان يخالفه أحياناً في المسئلة وكان يقول في دبر كل صلاة اللهم اغفر لي ولأبي حنيفة ثم قال ابن عبد البر ولا أعلم قاضيا كان إليه تولية القضاء في الآفاق من المشرق إلى المغرب إلا أبا يوسف في زمانه وهو أول من لقب بقاضي القضاة وقال محمد بن جعفر أبو يوسف مشهور الأمر ظاهر الفضل (1/300) ________________________________________ 301 وهو أفقه أهل عصره ولم يتقدم عليه أحد في زمانه وكان بالنهاية في العلم والحلم والرياسة والقدر والجلالة وهو أول من وضع الكتب في أصول الفقه على مذهب أبي حنيفة وأملي المسائل ونشرها وبث علم أبي حنيفة في أقطار الأرض وقال الصيمري بلغني أن الرشيد رحمه الله مشى في جنازة أبي يوسف رحمه الله تعالى وصلى عليه بنفسه ودفنه في مقبرة أهله في مقابر قريش بكرخ بغداد بقرب أم جعفر زبيدة وقال الرشيد حين دفن أبو يوسف ينبغي لأهل الإسلام إن يعزي بعضهم بعضاً بأبي يوسف قيل رأى معروف الكرخي ليلة وفاة أبي يوسف كأنه دخل الجنة فرأى قصرا قد فرشت مجالسه وأرخيت ستوره وقام ولدانه قال معروف فقلت لمن هذا القصر فقيل لأبي يوسف القاضي فقلت سبحان اله وبم استحق هذا من الله تعالى فقالوا بتعليمه الناس العلم وصبره على أذاهم قيل مرض أبو يوسف رحمه الله في حياة أبي حنيفة رضي الله عنه مرضا شديداً فقيل له توفي فقال لا فقيل من أين علمت هذا قال لأنه خدم العلم ولم يجن ثمرته لا يموت حتى يجنى ثمرته فاجتبى ثمرته بأن ولي القضاء وتوفي وله سبعمائة ركاب وكان ذهب فصدق أبو حنيفة رضي الله عنه في الفراسة انتهى ما ذكره ابن الفرات وفيها وقيل قبلها أو بعدها توفي يونس بن حبيب النحوي أحد الموالي المنجبين أخذ الأدب عن أبي عمرو بن العلاء وغيره وهو في الطبقة الخامسة من الأدب بعد علي كرم الله وجهه اختلف إليه أبو عبيد أربعين سنة وأبو زيد عشر سنين وخلف الأحمر عشرين سنة وله عدة تصانيف وكان يقول فرقة الأحباب سقم الألباب وينشد ( شيئان لو بكت الدماء عليهما * عيناي حتى يؤذنا بذهاب ) ( لم يبلغا المعشار من حقيهما * شرخ الشباب وفرقة الأحباب ) ومات يونس وله مائة سنة وسنتان وفيها وقيل في التي قبلها مروان بن أبي حفصة الشاعر اليمامي روي أنه مدح الرشيد بقصيدته السبعين التي يقول فيها (1/301) ________________________________________ 302 ( إليك قصرنا النصف من صلواتنا * مسيرة شهر بعد شهر نواصله ) ( ولا نحن نخشى أن يخيب رجاؤنا * لديك ولكن أهنأ البر عاجله ) أعطاه سبعين ألف جرهم قبل أن يتمها ومن أجود شعره قوله فيمعن بن زائدة قصيدته اللامية وفضل بها على شعراء أرضه وأعطاه ثلاثمائة ألف درهم ومدح ولده مروان شراحيل بن معن بقوله ( يا أكرم الناس من عجم ومن عرب * و ياذوي الفضل والإحسان والحسب ) ( اعطى أبوك أبي مالا فعاش به * فاعطني مصل مما أعطى أبوك أبي ) ( ما حل أرضا أبي ثاوأبوك بها * إلا وأعطاه قنطاراً من الذهب ) فأعطاه قنطاراً والقنطار ألف أوقية ومائتنا أو قية وقيل غير ذلك ومثل هذه الحكاية ما روى أنه لما حبس عمر بن الخطاب رضي الله عنه الحطيئة في هجوه للناس كتب إليه ( ماذا تقول لا فراخ بذي مرح * حمر الحواصل لا ماء ولا شجر ) ( القيت كا سبهم في قعر مظلمة * فارحم عليك سلاما لله يا عمر ) ( أنت الذي قام فيهم بعد صاحبه * القت إليك مقاليد النهى البشر ) ( ما آثروك بها إذ قدموك لها * لكن لأنفسهم قد كانت الأثر ) فأطلقه وشرط عليه أن يكف لسانه فقال له إذ منعتني التكسب بلساني فأكتب لي إلى علقمة بن وقاص بن علاقة العامري فامتنع عمر فقيل له يا أمير المؤمنين ما عليك في ذلك فاكتب له فإنه ليس من عمالك وقد تشفع بك إليه فكتب ورحل إليه فصادف الناس منصرفين من جنازته وولده واقف على قبره فأنشد الحطيئة ( لعمري لنعم المرء من آل جعفر * بحوران أمسى علقته الحبائل ) ( فإن تحي لا أملك حياتي وأن تمت * فما في حياتي بعد موتك طائل ) ( وما كان بين يلو لقيتك سالماً * وبين الغنى إلا ليال قلائل ) (1/302) ________________________________________ 303 فقال له ابنه كم ظننت أنه كان يعطيك فقال ناقة يتبعها مائة فأعطاه إياها سنة ثلاث وثمانين ومائة فيها كان خروج الخزر لعنهم الله ومن قصصهم ان ستيت ابنة مالك الترك خاقان خطبها الأمير الفضل بن يحيى البرمكي وحملت إليه في عام أول فماتت في الطريق ببرذعة فرد من كن معها في خدمتها من العساكر واخبروا خاقان أنها قتلت غيلة فاشتد غضبه وتجهز للشر وخرج بجيوشه من الباب الحديد وأوقع بأهل الإسلام وبالذمة وقتل وسبى وبدع وبلغ السبى مائة ألف وعظمت المصيبة على المسلمين فأنا لله وإنا إليه راجعون فانزعج هرون الرشيد واهتز لذلك وجهز البعوث فاجتمع المسلمون وطردوا العدو عن ارمينية ثم سدوا الباب الذي خرجوا منه قال في العبر وفيها توفي الإمام أبو معاوية هشيم بن بشير السلمي الواسطي محمد بغداد روى عن الزهري وطبقته قال يعقوب الدورقي كان عند هشيم عشرون ألف حديث وقال عبد الرحمن بن مهدي هو احفظ للحديث من الثوري وقال يحيى القطان هو احفظ منم رأيت بعد سفيان وشعبة وقال ابن الدنيا حدثني من سمع عمرو بن عون يقول مكث هشيم يصلى الفجر بوضوء العشاء عشر سنين قبل موته وقال أحمد كان كثير التسبيح وقلا ابن ناصر الدين في شرح بديعة البيان له هشيم بن بشير بن أبي خازم قاسم بن دينار السلمي أبو معاوية الواسطى نزيل بغداد كان من الحفاظ الثقات التقنين لكنه معدود في المدلسين ومع ذلك فقد اجمعوا على صدقه وأمانته وثقته وعدالته وأمانته قال وهب بن جرير قلنا لشعبة نكتب عن هشيم قال نعم ولو حدثكم عن ابن عمر فصدقوه انتهى وفيها الواعظ ابن السماك أبو العباس محمد بن صبيح الكوفي الزاهد مولى بني عجل روى عن الأعمش وجماعة وكان كبير القدر دخل على الرشيد فوعظه وخوفه ومن كلامه من جرعته الدنيا حلاوتها لميله إليها جرعته الآخرة (1/303) ________________________________________ 304 مرارتها لتجافيه عنها روى أن الرشيد استفتاه في يمين حلفها أنه من أهل الجنة فقال له هل قدرت على معصية فتركتها من مخافة الله عز وجل قال نعم قال قال الله عز وجل ( ^ وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى ) فيمينك بارة قال اليافعي وإنما المراد بالآية استمرار الخوف إلى الموت وقال الفقيه حسين استدلال ابن السماك صحيح لأن الظاهر أن كل مسلم يدخلها وإنما الأشكال لو قال يدخلها دون مجازاة وغاية ما فيه الشك والحنث لا يقع به والله أعلم انتهى قلت وما قاله الفقيه حسين جار على القواعد الفقهية لعدم تحقيق أنه من غير أهلها والله أعلم وقال في المغني محمد بن صبيح بن السماك الواعظ سمع الأعمش قال ابن نمير صدوق ليس حديثه بشىء وفيها السيد الجليل أبو الحسن موسى الكاظم بن جعفر الصادق ووالد على ابن موسى الرضى ولد سنة ثمان وعشرين ومائة روى عن أبيه قال أبو حاتم ثقة إمام من أئمة المسلمين وقال غيره كان صالحاً عابداً جواداً حليماً كبير القدر بلغه عن رجل الأذى له فبعث بألف دينار وهو أحد الأئمة الإثني عشر المعصومين على اعتقاد الأمامية سكن المدينة فأقدمه المهدى بغداد وحبسه فرأى المهدي في نومه علياً كرم الله وجهه وهو يقول له يا محمد فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم فاطلقه على أن لا يخرج عليه ولا على أحد بنيه واعطاه ثلاثة آلاف وردوه إلى المدينة ثم حبسه هارون الرشيد في دولته ومات في حبسه وقيل أن هارون قال رأيت حسينا في النوم قد أتى بالحربة وقال إن خليت عن موسى هذه الليلة وإلا نحرتك بها فخلاه وأعطاه ثلاثين ألف درهم وقال موسى رأيت النبي وقال لي يا موسى حبيت ظلماً فقل هذه الكلمات لا تبيت هذه الليلة في الحبس يا سامع كل صوت يا سائق الفوت يا كاسى العظام لحما ومنشرها بعد الموت أسألك باسمائك لحسنى وباسمك الأعظم الكبر المخزون المكنون الذي لم يطلع عليه (1/304) ________________________________________ 305 احد من المخلوقين يا حليما ذا أناة المعروف الذي لا ينقطع ابداً فرج عني وأخباره كثيرة شهيرة رضي الله عنه وفيها شيخ أصبهان وعالمها أبو المنذر النعمان بن عبد السلام التيمي تيم الله ابن ثعلبة وكان فقيهاً إماماً زاهدا عابداً صاحب تصانيف أخذ عن الثوري وأبي حنيفة وطائفة وفيها الفقيه أبو عبد الرحمن يحيى بن حمزة الحضرمي الببتلهى قاضي دمشق ومحدثنا وله ثمانون سنة قال دحيم هو ثقة عالم روى عن عروة بن رويم وأقرانه من التابعين وولى القضاء نحو ثلاثين سنة قال في المغني يحيى بن حمزة قاضي دمشق صدوق وقال عباس عن ابن معين كان يرمي بالقدر وقال ابن معين صدقة أحب غلى منه وقال أبو حاتم صدوق وقال ابن سعد صالح الحديث انتهى سنة أربع وثمانين ومائة وفيها توفي الفقيه أبو إسحق إبراهيم بن سعد الزهري العوفى المدني قاضي المدينة ومحدثها وله خمس وسبعون سنة وقيل توفي في العام الماضي سمع أباه والزهري وجماعة قال الحافظ عبد الغني في كتابه الكمال في المساء الرجال روى عنه شعبة وابن مهدي وأبو داود الطيالسي وأحمد بن حنبل وغيرهم قال أحمد ويحيى وأبو حاتم ثقة وقال أبو زرعة لا بأس به وقال أبو داود سمعت أحمد بن حنبل قال كان وكيع كف عن حديث إبراهيم بن سعد ثم حدث عنه بعد قلت لم قال لا أدري إبراهيم ثقة وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وربما اخطأ في الحديث وقدم بغداد فنزلها هو وعياله وولده ولى بها بيت المال لهارون وقال ابن عدي هو من ثقات المسلمين حدث عن حماد من الأئمة ولم يتخلف أحد من الكبار عنه بالكوفة والبصرة وبغداد وقال أبو بكر الخطيب (1/305) ________________________________________ 306 حدث عنه يزيد بن عبد الله بن الهادي والحسين بن سيار الحراني وبين وفاتيهما مائة واثنتا عشرة سنة روى له الجماعة انتهى كلام الكمال ملخصاً وفيها الفقي إبراهيم بن يحيى الأسلمي مولاهم المدني روى عن الزهري وابن المنكدر وطبقتهما يروى الشافعي فيقول اخبرني من لا اتهم وقل كان قدرياً وقال أحمد بن حنبل كان معزليا قدرياً جهمياً كل بلاء فيه لا يكتب حديثه وقال البخاري جهمي تركه الناس وقال ابن عدي لم أر له حديثاً منكراً إلا عن شيوخ يحتملون وله كتاب الموطأ أضعاف موطأ مالك قاله في العبر فيها الزاهد العمري بالمدينة واسمه عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر الخطاب روى عن أبيه وكان إماماً فاضلاً رأساً في الزهد والورع ووثقه النسائي وفيها فقيه أهل المدينة أبو تمام عبد العزيز أبي حازم سلمة بن دينار أخذ عن أبيه وزيد بن أسلم وطائفة قال أحمد بن حنبل لم يكن بالمدينة بعد مالك افقه منه وقال ابن سعد ولد سبع وماية ومات ساجداً رحمه اله انتهى وقد احتج به أصحاب الصحاح وفيها على بن غراب الكوفي القاضي روى عن هشام بن عروة وطبقته وخرج له العقيلي والنسائي قال في المغني وثقه الدارقطني وقبله ابن معين وقال أبو داو دتركوا حديثه وقال السعدي ساقط وقال ابن حبان حدث بالموضوعات وكان غالياً في التشيع انتهى وفيها مروان بن شجاع الجزري ببغداد روى عن خصيف وعبد الكريم ابن مالك قال في المغني وثق وقال أحمد لا بأس به وقال ابن حبان يروى المقلوبات عن الثقات انتهى (1/306) ________________________________________ 307 وفيها أوفى التي مضت نوح بن قيس الحداني الطاحي البصري روى عن محمد بن واسع وطبقته سنة خمس وثمانين ومائة وفيها وقيل في التي تليها توفي الإمام الغازي القدوة أبو إسحق الفزاري إبراهيم ابن إبراهيم ابن محمد بن الحرث الكوفي نزيل ثغر المصيصة روى عن عبد الملك بن عمير وطبقته ومن جلالته روى عنه الأوزاعي حديثاً فقيل من حدثك بهذا قال حدثني الصادق المصدوق أبو أسحق الفزراي وقال الفضيل بن عياض ربما أشتقت إلى المصيصة ما بي فضل الرباط بلا لارى ابا إسحق الفزاري وقال غيره كان إماماً قانتاً مجاهداً مرابطاً آخر بالمعروف إذا رأى بالثغر مبتدعاً أخرجه قال ابن ناصر الدين إبراهيم بن محمد بن الحرث بن أسماء الكوفي الفزاري أبو إسحق الحجة الأمام شيخ الإسلام ثقة متقن وقال أبو داود الطيالسي ما أبو إسحق الفزاري وما على وجه الأرض أفضل منه انتهى وفيها الأمير عبد الصمد شيخ آل عباس وبقية عمومة المنصور روى عن أبيه عن جده ابن عباس ولى أمرة البصرة ودمشق وكان فيه عجائب منها أنه ولد سنة أربع وماية وولد أخوه محمد أبو السفاح المنصور سنة ستين وماية فبينهما ست وخمسون سنة ومنها أن يزيد حج بالناس سنة خمس ومائة وحج عبد الصمد بالناس سنة خمسين ومائة وهما في النسب إلى بعد مناف سواء ومنها أنه أدرك السفاح والمنصور وخما ابن أخيه ثم أدرك الرشيد ومات في أيامه وقال يوماً للرشيد هذا مجلس فيه أمير المؤمنين وعمه وعم عمه وعم عم عمه وذلك أن سليمان بن جعفر عم الرشيد والعباس عم سليمان وعبد الصمد عم العباس ومنها أنه ولد وقد نبتت أسنانه ومات بها ولم تتغير وكانت أسنانه قطعة واحدة من (1/307) ________________________________________ 308 اسفل ومنها أنه طارت ريشتان فلصقت بعينيه فذهب بصره وفيها يزيد بن مرثد الغنوي ابن أخي معن بن زائدة وإلى أرمينية واذربيجان وأحد الفتيان الشجعان وقد سبق أن الرشيد لما أهمه شأن الوليد بن طريف الشيباني الخارجي جهزه فتله وروى أنه سلحه يومئذ سيف النبي الفقار وقال خذه فإنك ستنصر به وقال فيه مسلم بن الوليد الأنصاري ( اذكرت سيف رسول الله سنته * وسيف أول من صلى ومن صاما ) يعني علياً رضي الله عنه إذا كان هو الضراب به وكان سبب وصول ذي الفقار يعني علياً رضي الله عنه إذ كان هو الضراب به وكان سبب وصول ذي الفقار إلى العباسيين أن محمد بن عبد الله النفس الزكية دفعة إلى تاجر كان له عليه أربع مائة دينار واشتراه من جعفر بن سليمان قال الأصمعي رأيته وفيه مصان عشرة فقارة وهي الثقوب والدحل انتهى وقد قيل أنه كان ينفرق أحياناً مع على رضي الله عنه حتى يقال أن قتل به عمرا وحييا في ضربه ويشير إلى ذلك قول شرف الدين عمر بن الفارض رحمه الله تعالى ( ذو الفقار اللحظ منها ابداً * والحشا مني عمرو وحيي ) وفيها ضمام بن إسماعيل المصري بالأسكندرية روى عن أبي قتبيل المعافري قال أبو حاتم كان صدوقاً متعبداً ولم يخرجوا له شياَ في الكتب الستة وهو من مشاهير المحدثين وقال في المغني لينه بعض الحفاظ انتهى وفيها عمر بن عبيد الطنافسي الكوفي روى عن زياد بن علاقة والكبار ووثقه أحمد وابن معين وفيها على الأصح المعافي بن عمران أبو مسعود الأزدي علام أهل الوصل وزاهدهم رحل وطاف وسمع من ابن جريج وطبقته ذكره سفيان الثوري فقال هو ياقوتة العلماء وقال محمد بن عبد الله بن عمار الحافظ لم ألق أفضل منه وقال ابن سعد كان ثقة فاضلا صاحب سنة وكان ابن المبارك وهو أسن (1/308) ________________________________________ 309 منه يقول حدثني ذلك الرجل الصالح وفيها يوسف بن يعقوب بن أبي سلمة الماجشون المزني ابن عم عبد العزيز ابن الماجشون روى عن الزهري وابن ا لمنكدر وكان كثير العلم وفيها أمير بدمشق للرشيد محمد بن إبراهيم الإمام بن علي بن علي بن عباس العباسي سنة ست وثمانين ومائة فيها حج الرشيد ومعه ابناه فأعطى أهل مكة والمدينة ما مبلغه ألف ألف دينار وخمسون ألف دينار وكتب لوليده واشهد عليهما بما فيه من وفاء كل واحد منهما لصاحبه قاله في الشذور وفيها سار على بن عيسى بن ماهان في الجيوش من مرو فالتقى هو وأبو الخصيب بنسا فظفر بأبي الخصيب واستقامت خراسان لرشيد وفيها توفي حاتم بن إسماعيل المدني روى عن هشام بن عروة وطبقته وكان ثقة كثر الحديث وقيل مات في التي تليها وحسان بن إبراهيم الكرماني قاضي كرمان روى عن عاصم الأحول وجماعة قال في المغني حسان بن إبرهيم الكرماني ثقة قال النسائي ليس بالقوى وقال أبو زرعة لا بأس به انتهى وقد خرج له الشيخان وأبو داود وفيها خالد بن الحرث أبو عثمان البصري الحافظ روى عن أيوب وخلق قال الإمام أحمد إليه المنتهى في الثبت بالبصرة قال ابن ناصر الدين خالد بن بني العنبر من تميم كان من الحفاظ الثقات المأمونين انتهى وفيها سفيان بن حبيب البصري البزاز روى عن عاصم الأحوال وطائفة قال أبو حاتم ثقة أعلم الناس بحديث سعيد بن أبي عروبة (1/309) ________________________________________ 310 وفيها أوفى التي تليها عباد بن العوام الواسط ببغداد روى عن أبي مالك الأشجعي وطبقته وكان صاحب حديث واتقان وعيسى غنجار أبو أحمد البخاري محدث ما وراء النهر رحل وحمل عن سفيان الثوري وطبقته قال الحاكم هو إمام عصره طلب العلم على كبر السن وطوف يروى عن أكثر من مائة شيخ من المجهولين وحديثه عن الثقات مستقيم وفيها فقيه المدينة أبو هاشم المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي وله اثنتان وستون سنة روى عن هشام بن عروة وطبقته قال الزبير بن كبار عرض عليه الرشيد قضاء المدينة فامتنع فاعفاه وصله بألفي دينار وكان فقيه المدينة بعد مالك قال في المغني وثقه غير واحد وضعفه أبو داود انتهى وفيها عبد الواحد بن زياد العبدي مولاهم البصري أبو بشر ويقال أبو عبيدة وثقة أحمد وغيره واحتج به الشيخان في الصحيح لكنها لم يخرجا عنه شيئاً ما أنكر عليه الأحاديث إلي وصلها عن الأعمش وكانت مرسلة ليده وبشر بن المفضل بن لاحق الرقاشي مولاهم البصري أبو إسماعيل حدث عنه اسحق بن راهويه وأحمد بن حنبل وابن المدني واشباههم إليه المنتهى في التثبيت في البصرة كان ثقة مشهورا ًوكان يصلى كل يوم أربعمائة ركعة ويصوم يوماً ويفطر يوماً سنة سبع وثمانين ومائة فيها على ما قاله في العبر خلعت الروم من المالك الست ريتي وهلكت بعد أشهر وأقاموا عليهم نقفور والروم تزعم أن نقفور من ولد حفنة الغساني الذي تنصر وكان نقفور قبل الملك يلي الديوان فكتب نقفور هذا الكتاب (1/310) ________________________________________ 311 من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب أما بعد فإن الملكة كانت قبل إقامتك مقام الرخ وأقامت نفسها مقام البيذق فحملت إليك من أموالها وذلك لضعف النساء وحمقهن فإذا قرأت كتابي هذا فاردد ما حصل قبلك وافتد نفسك وإلا فالسيف بيننا فلما قرأ الرشيد الكتاب اشتد غضبه وتفرق جلساؤه خوفا من بادرة تقع منه ثم كتب بيده على ظهر الكتاب من هارون أمير المؤمنين إلى نفقور كلب الروم قرأت كتابك يا ابن الكافرة والجواب ما تراه دون أن تسمعه ثم ركب من يومه وأسرع حتى نزل مدينة هرقلة وأوطأ الروم ذلا وبلاء فقتل وسبى وذل تفقور وطلب الموادعة على خراج يحمله فأجابه فلما رد الرشيد إلى الرقة نقض نفقور وطلب الموادعة على خراج يحمله فأجابه فلما رد الرشيد إلى الرقة نقض نفقور فلم يجسر أحد أن يبلغ الرشيد حتى عملت الشعراء أبياتاً يلوحون بذلك فقال أوقد فعلها راجعا في مشقة الشتاء حتى أناخ بفنائه ونال مراده وفي ذلك يقول أبو العتاهية ( ألا نادت هرقلة بالحراب * من الملك الموفق للصواب ) ( غدا هارون يرعد بالمنايا * ويبرق بالمذكرة الصعاب ) ( ورايات يحل النصر فيها * تمر كأنها قطع السحاب ) وفيها غضب الرشيد على البرامكة وضرب عنق جعفر بن يحي البرمكي الوزير أحد الأجواد الفصحاء البلغاء وكان قد تفقه على القاضي أبي يوسف فلأجل ذلك كانت توقيعاته على منهج الفقه وكتب إلى بعض العمال أما بعد فقد كثر شاكوك وقل شاكروك فأما اعتدلت وأما اعتزلت وقال يهودي للرشيد إنك تموت هذه السنة فاغتم وشكا إلى جعفر فقال جعفر لليهودي كم عمرك أنت قال كذا وكذا مدة طويلة فقال للرشيد اقتله حتى تعلم أنه كذب فقتله وذهب ما عنده وكان جعفر يتحكم في مملكة الرشيد بما أراد من غير مشاورة فينفذها الرشيد وأول من ولى الوزارة منهم خالد بن برمك للسفاح وسبب قتله أمور انضم بعضها إلى بعض منها أنه زوج الرشيد جعفراً العباسة لغرض اجتماع والمحرمية (1/311) ________________________________________ 312 وشرط عليه ألا يجتمع بها فقدر الاجتماع لحصول رغبة من العباسة حكى الشيخ شهاب الدين بن أبي حجلة في ديوان الصبابة أن العباسة كتبت إلى جعفر قبل مواقعته إياها ( عزمت على قلبي بأن يكتم الهوى * فصاح ونادى إنني غير فاعل ) ( فإن لم تصلني بحت بالسر عنوة * وإن عنفتني في هواك عواذلي ) ( وإن كان موت لا أموت بغصتي * وأقررت قبل الموت إنك قاتلي ) فواقعها وحملت منه وولدت سرا فأرسلت الولد إلى مكة ثم اتصل خبره بالرشيد ومنها أن الرشيد سلم لجعفر يحي بن عبد الله بن الحسن المثنى وكان قد خرج عليه وأمره بحبسه عنده فرق له جعفر لقرابته من رسول الله به فأطلقه فلم بلغ الرشيد اطلاقه أضمرها له وقال قتلني الله على البدعة إن لم أقتله ومنها أنه رفعت إليه رقعة لم يعرف صاحبها مكتوب فيها ( قل لأمين الله في أرضه * ومن إليه الحل والعقد ) ( هذا ابن يحي قد غدا مالكاً * مثلك ما بينكما حد ) ( أمرك مردود إلى أمره * وأمره ليس له رد ) ( ونحن نخشى أنه وارث * ملكك أن غيبك اللحد ) ( ولن يباهي العبد أربابه * إلا إذا ما بطر العبد ) ومع ذلك فقد كان الرشيد رأى لإقبال الناس على البرامكة وكثرة اتباعهم وأشاعهم مع الادلال العظيم منهم ومع الإغراء من أعدائهم كالفضل بن الربيع وغيره ومع ذلك فكان الرشيد إذا ذكرت مساوئهم عنده يقول ( ألوا ملاماً لا أبا لأبيكم * عن القوم أوسدوا المكان الذي سدوا ) ولما أذن الله سبحانه ببلائهم ظهرت منامات وعلامات ولغيرهم وإشارات تطول منها أن يحي بن خالد حج فتعلق يأستار الكعبة وقال اللهم إن كان رضاك في أن تسلبني نعمتك فاسلبني وإن كان رضاك في أن تسلبني (1/312) ________________________________________ 313 أهلي وولدي فاسلبني إلا الفضل ثم رجع وقال اللهم إنه قبيح بمثلي أن يستثني عليك اللهم والفضل ومنها ما حكى سهل بن هارون قال كنت أكتب بين يدي يحي بن خالد البرمكي فأخذته سنة فقال طرقني النوم فقلت ضيف كريم إن قربته روحك وإن منعته عذبك قال فنام فوافق ناقة وانتبه مذعورا فقال ذهب والله ملكنا رأيت منشدا أنشدني ( كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا * أنيس ولم يسمر بمكة سامر ) فأجبته ( بلى نحن كنا أهلها فأبادنا * صروف الليالي والجدود العواثر ) فقال جعفر بن يحي بن خالد بعد أيام ومنها أن جعفر وقف على كنيسة بالحيرة فيها حجر مكتوب لا تفهم كتابته فقال هاتوا من يترجمه وقد جعلت ما فيه فألا لما أخافه من الرشيد فإذا فيه ( إن من بني المنذر عام انقضوا * بحيث شاد البيعة الراهب ) ( أضحوا ولا يرجوهم راغب * يوما ولا يرهبهم راهب ) ( تنفح بالمسك ذفاريهم * والعنبر الورد له قاطب ) ( فأصبحوا أكلا لدود الثرى * وانقطع المطلوب والطالب ) فحزن جعفر ومنها أن الرشيد لما نزل بالأنبار وفي صحبته جعفر وكانت ليلة السبت لانسلاخ المحرم وقيل أول ليلة من صفر من هذه السنة مضى جعفر إلى منزله فأتاه أبو ركاب الأعمى الطنبوري فاستحضروه فاستحضره وجواريه خلف الستارة يضربن وأبو ركاب يغنيه ( فلا تبعد فكل فتى سيأتي * عليه الموت يطرق أو يغادي ) ( وكل ذخيرة لا بد يوما * وإن بقيت تصير إلى نفاد ) ( ولو فوديت من حدث الليالي * فديتك بالطريف وبالتلاد ) فتطير جعفر ودخل عليه الرسول يريد قتله في تلك الحال وعلى تلك (1/313) ________________________________________ 314 الهيئة وذكر الطبري في تاريخه الكبير في حوادث سنة سبع وثمانين وماية أن الرشيد دعى ياسر غلامه وقال امض فأتني برأس جعفر فأتى ياسر منزل جعفر ودخل عليه هجما بلا إذن وأبو ركاب يغنيه فقال له جعفر يا ياسر سررتني بإقبالك وسؤتني بدخولك بلا إذن فقال ياسر الأمر أكبر من ذلك أمير المؤمنين أمرني بكذا فقال دعني لأدخل فأوصي قال لا سبيل إلى ذلك قال فأسير معك لمنزل أمير المؤمنين بحيث يسمع كلامي قال لك ذلك ومضينا إلى منزل أمير المؤمنين بحيث يسمع كلامي قال لك ذلك ومضيا إلى منزل أمير المؤمنين ودخل ياسر عليه غرفته فأخذ رأس جعفر ودخل به إلى الرشيد فوضعه بين يديه فنظر إليه وبكى ثم قال يا ياسر جئني بفلان وفلان فلما أتاه بهما قال لهما اضربا عنق ياسر فإني لا أقدر أن أرى قاتل جعفر ففعلا انتهى وقيل غير ذلك في كيفية قتله ثم أمر الرشيد في تلك الليلة بتوجيه من أحاط يحي بن خالد وولده الفضل وبقية أولاده ومن كان منه بسبيل فحبسوا واستمر يحي والفضل في لاسجن إلى أن ماتا ولهما قصائد طنانة تستعطف الرشيد عليهم لم ينتج منها شيء ثم فرق الرشيد الكتب من ليلته في جميع البلدان والأعمال في قبض أموالهم وأخذ وكلائهم ولما أصبح بعث بحثه جعفر بن يحي مع جماعة منهم مسرور الخادم وأمرهم بقطعها وصلبها فقطعت قطعتين فصلت قطعة على الجسر الأعلى وقطعة على الجسر الأسفل ونصب رأس جعفر على الجسر الأوسط وأمر الرشيد بالنداء في جميع البرامكة أن لا أمان لمن آوى أحدا منهم ومنع الناس من التقرب إلى جعفر فرأى أبا قابوس الرقاشي قائما تحت جذعه يزمزم بشعر يرثيه فقال له ما كنت قائلا تحت جذعه يزمزم بشعر يرثيه فقال له ما كنت قائلا تحت جذع جعفر قال أو ينجيني منك الصديق قال نعم قال ترحمت عليه وقلت ( أمين الله وهب فضل بن يحي * لنفسك أيها الملك الهمام ) ( وما طلبي إليك العفو عنه * وقد قعد الوشاة به وقاموا ) (1/314) ________________________________________ 315 ( أرى سبب الرضا فيه قويا * على الله الزيادة والتمام ) ( نذرت على فيه صيام عام * فإن وجب الرضا وجب الصيام ) ( وهذا جعفر بالجسر تمحو * محاسن وجهه ريح قتام ) ( أقول له وقمت لديه نصباً * إلى أن كاد يفضحني القيام ) ( أما والله لولا قول واش * وعين للخليفة لا تنام ) ( لطفنا حول جذعك واستلما * كما للناس بالركن استلام ) ( فما أبصرت مثلك يا ابن يحي * حسام فله السيف الحسام ) ( على اللذات في الدنيا جميعا * لدولة آل برمك السلام ) فلما سمع هارون الرشيد ذلك اطرق مليا واستعبر ثم قال رجل أولى جميلا فقال جميلا يا غلام ناد بأمان أبي قاموس ولا يعارض ولا يحجب عنا بعد في مهم من مهماته ثم استصفى الرشيد أموال البرامكة وأخذ ضياعهم وأموالهم ومتاعبهم فوجد لهم مما حباهم به اثني عشر ألف ألف ووجد من سائر أموالهم ثلاثين ألف ألف وستمائة ألف وستة وسبعين ألفا وأما غير الأموال من الضياع والغلات والأواني فشيء لا يصف أله ولا يعرف أيسره فضلا عن جميعه إلا من أحصى الأعمال وعرف منتهى الآجال وما ذكرنا قطرة من بحر من أخبارهم والله أعلم أنه كان قد كفاني مؤونة الدنيا فاكفه مؤونة الآخرة وفيها توفي محمد بن عبد الرحمن الطفاوي من شيوخ أحمد وثقوه وقال أبو زرعة منكر الحديث انتهى ورباح بن زيد الصنعاني صاحب معمر قال أحمد كان خياراً ما أرى في زمانه كان خيراً منه انقطع في بيته وعبد الرحيم بن سليمان الرازي نزيل الكوفة كان ثقة صاحب حديث له (1/315) ________________________________________ 316 تصانيف روى عن عاصم الأحوال وخلق وعبد السلام بن حرب الملائي الكوفي الحافظ وله ست وتسعون سنة روى عن أيوب الختياني وطبقته قال في المغني صدوق قال ابن سعد فيه ضعف انتهى وخرج له العقيلي وقال ابن ناصر الدين عبد السلام بن حرب البصري ثم الكوفي أبو بكر الملائي كان مسنداً ثقة معمراً في حديثه لين انتهى وعبد العزيز بن عبد الصمد البصري الحافظ روى عن أبي عمران الجوني والكبار وكان يكنى أبا عبد الصمد قال ابن ناصر الدين كان حافظاً من الثقات والمشايخ الإثبات انتهى وفيها أبو محمد عبد العزيز بن محمد الدراوردي المدني روى عن صفوان ابن سليم وخلق وكان فقيهاً صاحب حديث قال يحيى بن معين هو اثبت من فليح وفيها على بن نصر بن علي الجهضمي والد نصر بن علي روى عن هشام الدستوائي وأقرانه وأبو الخطاب محمد بن سواء السدوسي البصري لمكفوف الحافظ سمع من حسين المعلم وأكثر عن أبي عروبة وفيها الإمام أبو محمد معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي الحافظ أحد شيوخ البصرة وله إحدى وثمانون سنة روى عن أبيه ومنصور وخلق لا يحصون قال قرة بن خالد معتمر عندنا بدون أبيه وقال غيره كان عابداً صالحاً حجة ثقة وفيها معاذ بن مسلم الكوفي النحوي شيخ الكسائي عن هو مائة سنة وهو الذي سارت فيه هذه الكلمة ( إن معاذ بن مسلم رجل * ليس لميقات علمه أمد ) الأبيات قال في المغني معاذ بن مسلم عن شرحبيل بن السمط مجهول انتهى وفي محرم هذه السنة توفي شيخ الحجاز الإمام أبو على الفضيل بن عياض (1/316) ________________________________________ 317 التيمي المروزي الزاهد المشهور أحد العلماء الأعلام قال فيه ابن المبارك ما بقي على ظهر الأرض أفضل من الفضيل بن عياض وكان قدم الكوفة شاباً فحمل عن منصور وطبقته قال شريك القاضي فضيل حجة لأهل زمانه وقال ابن ناصر الدين الفضيل بن عياض بن مسعود بن بشر أبو علي التيمي اليربوعي المروزي إمام الحرم شيخ الإسلام قدوة الأعلام حدث عنه الشافعي ويحيى القطان وغيرهما وكان إماماً ربانياً كبير الشأن ثقة نبيلاً عابداً زاهداً جليلاً انتهى قال الذهبي في القسطاس في الذنب عن الثقات فضيل بن عياض ثقة بلا نزاع سيد قال أحمد بن أبي خيثمة سمعت قطبة بن العلاء يقول تركت حديث فضيل بن عياض لأنه روى أحاديث ازرى على عثمان بن عفان رضى الله عنه وحدثنا عبد الصمد بن زيد الصانع قال ذكر عند الفضيل وأنا أسمع أصحاب رسول الله فقال اتبعوا فقد كفيتم أبو بكر وعمر وعثمان وعلى رضي الله عنهم قلت لا يقبل قول قطبة ومن هو قطبة حتى يسمع قوله واجتهاده فالفضيل روى ما سمع ولم يقصد غضا ولا أزراء على أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه فعل ما يسوغ أفبمثل هذا يقول تركت حديثه فهو كما قيل رمتني بدائها وانسلت وقطبة فقد قال البخاري فيه نظر وضعفه النسائي وغيره وأما فضيل فاتقانه وثقته لا حاجة بنا لذكر أقوال من اثنى عليه فأنه راس في العلم والعمل رحمه الله تعالى انتهى كلام القسطاس وقال ابن الأهدل أبو عليى الفضيل بن عياض قال ابن المبارك ما على ظهر الأرض أفضل منه وقال شريك هو حجة لأهل زمانه وقال له الرشيد ما أزهدك قال أنت أزهد مني لأني زهدت في الدنيا الفانية وأنت زهدت في الآخرة الباقية وقال له يا حسن الوجه أنت الذي أمر هذه الأمة والعباد بيدك وفي عنقك لقد تقلدت أمراً عظيماً فبكى الرشيد وأعطى كل واحد من الحاضرين نم العلماء والبعاد بدرة وهي عشرة آلاف درهم فك لقبلها إلا الفضيل فقال له سفيان (1/317) ________________________________________ 318 أين عيينة أخطأت إلا صرفتها في أبواب البر فقال يا أبا محمد أنت فقي البلد وتغلط هذا الغلط لو طابت لأولئك طابت لى وقال إذا أحب الله عبد أكثر غمه وإذا أبغض وسع عليه دنياه وقال لو عرضت على الدنيا بحذافيرها لا أحاسب عليها لكنت أتقذرها كالجيفة وقال لو كانت لي دعوة مستجابة لما أجعلها إلا للإمام لأنه إذا صلح أمن العباد والبلاد وكان ولده منابر الصالحين ولد الفضيل رضي الله عن بسمرقند وقدم الكوفة شاباً وسمع نم منصور وطبقته ثم جاور بمكة إلى أن مت وقبره بالأبطح مشهور مزور انتهى كلام ابن الأهدل وفيها على ما قاله ابن الأهدل ايضاً توفي يعقوب بن داود السلمي كان كاتب إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن المثنى لما خرج على المنصور وكان عنده صنوف من العلم فظفر به المنصور فحبسه في المطبق وأطلقه المهدي وكان من خواصه إلى أن ظهر له منه تعلق ببعض العلويين فرده إلى المطبق وبقى فيه إلى جانب من دولة الرشيد فرأى قائلاً يقول ( حنا على يوسف رب فأخرجه * كم قعر دب وبيت حوله غمم ) قال فمكثت بعده حولاً آخر ثم رأيت قائلاً يقول ( عسى فرج يأتي به الله أنه * له كل يوم في خليقته أمر ) قال فمكثت بعده حولاً آخر ثم رأيت قائلاً يقول ( عسى الهم الذي أمسيت فيه * يكون وراء فرج قريب ) ( فيأمن خائف ويفك عان * ويأتي أهله النائي الغريب ) فأخرجت صبيحة ذلك اليوم فلما رأيت الضوء ذهب بصرى فجيء بي إلى الرشيد فأحسن إلى ورد على مالى ثم أن الرشيد خيره بين المقام عنده وبين الذهاب فاختار الذهاب إلى مكة فجاوربها حتى مات رحمه الله تعالى وفيها إبراهيم بن ماهان الموصلى التيمي مولاهم المعروف بالنديم صاحب (1/318) ________________________________________ 319 الغناء ومخترع الإلحان فيه وأول خليفة سمعه المهدي حكى أن الرشيد هوى جارية فغاضبته مرة وأنف منها فهجرها فقال في ذلك العباس بن الأحنف بسؤال جعفر البرمكي ( راجع أحبتك الذين هجرتهم * إن المتيم قلما يتجنب ) ( إن التجنب إن تطاول منكما * دب السلو له فعز المطلب ) وأمر جعفر إبراهيم الموصلي أن يغني الرشيد ففعل فبادر وترضاها فسالت الجارية عن السبب فأخبرت فحملت لكم منهما مالا جزيلاً وكانت وفاة إبراهيم بالقالولنج وله مصنفات كثيرة في الفقه وغريب الحديث والنوادر والشعر وغير ذلك والله تعالى أعلم سنة ثمان وثمانين ومائة فيها غزا المسلمون الروم وعليهم إبراهيم بن جبريل من درب الصفاف والتقوا فجرح الملك نقفور ثلاث جراحات وانهزم وقتل من جيشه أربعون الفاً وأخذ منهم أربعة آلاف دابة وحج الرشيد بالناس في هذه السنة وفيها عرس المأمون بام عيسى بنت عمه موسى الهادي وفيها توفي محدث الري الحافظ أبو عبد الله جرير بن عبد الحميد الضبي وله ثمان وسبعون سنة روى عن منصور وطبقته من الكوفيين ورحل إليه الناس لثقته وسعة علمه ورشدين بن سعد المهري محدث مصر لكنه ضعيف وفيه دين صلاح روى عن زياد بن فائد وحميد بن هاني وخلق كثير قال السيوطي في حسن المحاضرة هو أبو الحجاج المصري من عقيل ويونس بن يزيد وعنه قتيبة وأبو كريب وهاه ابن معين وغيره وقال ابن كان رجلاً صالحاً لا يشك (1/319) ________________________________________ 320 في صلاحه وفضله فادر كته فغلة الصالحين فخلط في الحديث انتهى وعبدة بن سليمان الكلابي الكوفي روى عن عاصم الأحول وطبقته قال أحمد ثقة وزيادة مع صلاح وشدة فقر وكنيته أبو محمد وفيها وقيل سنة تسعين عتاب بشر الحراني صاحب خصيف وكان صاحب حديث قال في المغني عتاب بن بشير الجزري عن خصيف قال بعضهم أحاديثه عن خصيف منكرة وقال ابن معين ثقة انتهى وقد خرج له البخاري وأبو داود و النسائي وفيها عقبة بن خالد السكوني روى عن هشام بن عروة وطبقته وفيها او سنة تسعين محمد بن زيد الواسطي روى عن إسماعيل ابن خالد وجماعة وعمر بن أيوب المصولي المحدث الزاهد رحل وسمع من جعفر بن برقان قال ابن معين ثقة مأمون وقال ابن عمار مارأيته يذكر الدنيا وفيها مقرىء الكوفة سليم عيسى الحنفي مولاهم صاحب حمزة تصدر لإقراء الناس مدة وعليه دارت قراءة حمزة وروى عن الثوري قال العقيلي مجهول وفيها على الصحيح الإمام أبو عمرو عيسى بن ويونس بن أبي اسحق السبيعي رأى جده وسمع الإمام أبو عمرو عيسى بن أبي إسحق السبيعي رأى جده وسمع من أسماعيل بن أبي خلد وخلق من طبقته ورورى عنه من الكبار حماد بن سلمة وهو أكبر منه ذكر لابن المديني فقال بخ بخ ثقة مأمون وقال أحمد بن داود الحداني سمعت عيسى بن يونس يقول لم يكن في أسناني ابصر بالنحو مني فدخلتني منه نخوة فتركته وقال أحمد بن حنبل الذي كنا نخبر أن عيسى كان يغزو سنة ويحج سنة فقدم بغاد في شيء من أمر الحصون فأمر له بمال فلم يقبل وفيها يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية الكوفي روى عن العلاء بن المسيب (1/320) ________________________________________ 321 وجماعة وكان من عباد المحدثين قال أحمد العجلي قالوا له دواء عينيك ترك البكاء قال جبرهما إذا سنة تسع وثمانين ومائة فيها الفداء الذي لم يسمع بمثله حتى لم يبق بأيدي الروم مسلم الإودي به وفيها توهم الرشيد في علي بن عيسى بن ماهان أمير خراسان الخروج فسار حتى نزل بالري فبادر إليه على بأموال وجواهر وتحف تتجاوز الوصف فأعجب الرشيد ورجه على عمله وفيها توفي في صحبة الرشيد شيخ القراءات والنحو الإمام أبو الحسن علي بن جمزة الأسدي الكوفي الكسائي أحد السبعة قرأ على حمزة وأدب الرشيد وولده الأمين وهو من تلامذة الخليل قال الشافعي من أراد أن يتبحر في النحو فهو من عيال الكسائي وعنه قال من تبحر في النحو اهتدى إلى جميع العلوم وقال لا أسأل عن مسئلة في الفقه إلا أجبت عنها من قواعد النحو فقال له محمد بن الحسن ما تقول فيمن سها في سجود السهو يسجد قال لا لأن المصغر لا يغر وله مع اليزيزدي وسيبويه مناظرات كثيرة توفي بالري صحبة هارون وفي ذلك اليوم مات محمد بن الحسن الحنفي فقال الرشيد دفنت العربية والفق باري اليوم ومع تبحر الكسائي في النحو والعربية لم يكن له معرفة بالشعر وقيل له الكسائي لأنه احرم في كساء وقيل لأنه جاء غلى حمزة ضائفاً بكساء فقال حمزة من يقرأ فقيل صاحب الكساء فبقى عليه اللقب وأما محمد بن الحسن المذكور فكان فصيحاً بليغاً قال الشافعي لو قلت أن القرآن نزل بلغة محمد بن الحسن لفصاحت لقلت وصنف الجامع الكبير والجامع الصغير وكان منشؤه بالكوفة وتفقه بأبي حنيفة ثم بأبي يوسف قال الشافعي ما رأيت سميناً ذكياً إلا محمد بن الحسن قال في العبر قاضي القضاة (1/321) ________________________________________ 322 وفقيه العصر أبو عبد الله محمد بن الحسن الشيباني مولاهم الكفوي المنشأ ولد بواسط وعاش سبعاً وخمسين سنة وسمع أبا حنيفة ومالك بن مغول وطائفة وكان من أذكياء العالم قال أبو عبيد ما رأيت أعلم بكتاب الله منه وقال الشافعي لو أشاء أن أو قل نزل القرآن بلغه محمد بن الحسن لقلت لفصاحته وقد حملت عنه وقربختي وقال محمد خلف أبي ثلاثين ألف درهم فانفقت نصفها على النحو والشعر وانفقت الباقي على الفقه قال الخطيب وولى القضاء بعد محمد ابن الحسن علي بن حرملة التيمي صاحب أبي حنيفة انتهى كلام العبر وقال ابن الفرات محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني الإمام الرباني صاحب أبي حنيفة رضي الله عنه أصله مشقي من أهل قرية حرستا قدم أبوه والعراق فولد محمد برأسك سنة اثنتين وثلاثين ومائة وقيل سنة إحدى وقيل سنة خمس وثلاثين ونشأ بالكوفة وطلب الحديث وسمع سماعاً كثراً وجالس أب حنيفة وسمع منه ونظر في الرأى وغلب لعيه وعرف به وكان من أجمل الناس وأحسنهم قال أبو حنيفة لوالده حين حمله إليه احلق شعر ولدك وألبسه الخلقان من الثياب لا يفتن به من رآه قال محمد فخلق ولدي شعري وألبسني الخلقان فزدت عند الخلق جمالاً وقال الشفعي رحمه الله أول ما رأيت محمدا صوقد اجتمع الناس عليه فنظرت إليه فكان من أحسن الناس وجهاً ثم نظرت إلى جنبيه فكأنه عاج ثم نظرت إلى لباسه فكان من أحسن الناس لباساً ثم سألته عن مسئلة فيه الخلاف فقوى مذهبه ومر فيها كالسهم وكان الشافعي رضي الله عنه يثني على محمد بن الحسن ويفضله وقد توتر عنه بألفاظ مختلفة قال ما رأيت أحداً سئل عن مسالة فيها نظر إلا رأيت الكراهية فيوجهه إلا محمد بن الحسن وقال ما رأيت أعلم بكتاب الله من محمد بن الحسن ولا افصح منه وقال ما رأيت رجلاً أعلم بالحلال والحرام والعلل والناسخ والمنسوخ من محمد بن الحسن وقال لو أنصف (1/322) ________________________________________ 323 الناس لعلموا أنهم لم يروا مثل محمد بن الحسن ما جالست فيها قط أفقه ولا أفتق لسانه بالفقه منه أنه كان يحسن من الفقه وأسبابه أشياء تعجز عنها الأكابر وقيل للشافعي قد رأيت مالكاً و سمعت منه ورافقت محمد بن الحسن فأيهما كان أفقه فقال محمد بن الحسن أفقه نفساً من وقال أبو بعيد قدمت على محمد ابن الحسن فرأيت الشافعي عنده فسأله عن شيء فأجابه فاستحسن الجواب فكتبه فرآه محمد فوهب له دراهم وقال له الزم إن كنت تشتهي العلم فسمعت الشافعي رحمه الله تعالى يقول لقد كتبت عن محمد وقر بعير ذكر لأنه يحمل الكثير ولولاه ما أنفتق لي من العلم ما انفتق وكان محمد قاضياً للرشيد بالرقة وكان كثير البر بالإمام الشفعي رضي الله عنه في قضاء ديونه والإنفاق عيه من ماله وإعارة ا لكتب حتى يقال انه دفع لح حمل بعير كتباً وقد ذكر بعض الشفعية أن محمد بن الحسن وشيء بالإمام الشفعي رضي الله عنه إلى الخليفة بأنه يدعى أنه يصلح للخلافة وكذا أبو يوسف رحمهما الله وهذا بهتان وافتراء عليهما والعجب منهم كيف نسبوا هذا غليهما مع علمهم بأن هذا لا يليق بالعلماء ولا يقبله عقل عاقل انتهى ما ذكره ابن الفرات ملخصاً قلت ويصدق مقال ابن الفرات ما ذكره حافظ المغرب الثقة الحجة الثبت إن عبد البر المالكي في ترجمة الشافعي رضي الله عنه قال حمل الشافعي من الحجاز مع قوم من العلوية تسعة وهو العاشر إلى بغداد وكان الرشيد بالرقة فحملوا من بغداد إلى الرقة وأدخلوا عليه ومعه قاضيه محمد بن الحسن لشيباني وكان صديقاً للشافعي وأحد الذين جالسوه في العلم وأخذوا عنه فلما بلغه أن الشفعي في القوم الذين اخذوا من قريش واتهموا بالطعن على هارون الرشيد اغتم فضربت أعناقهم إلى أن بقي حدث علوي من أهل ا لمدينة قال الشفعي وأنا فقال للعلوي أنت الخارج علينا والزاعم أني لا أصلح للخلافة فقال أعوذ بالله أن أدعي ذلك وأقوله فأمر بضرب عنقه فقال له العلوي أن كان لابد من قتلى (1/323) ________________________________________ فانظرني إلى أن 324 أكتب إلى أمي عجوز لم تعلم خبري فأمر بقتله فقتل ثم قدمت ومحمد بن الحسن جالس معه فقال لي مثل ما قال لفتى يا أمير المؤمنين ليت بطالبي ولا علوي وإنما ادخلت في القوم بغياً وغنما أنا رجل من بني عبد المطلب ابن عبد مناف بن قصي ولى مع ذلك حظ من العلم والفقه والقاضي يعرف ذلك أنا محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن يزيد بن هاشم ابن عبد المطلب بن عبد مناف فقال لي أنت محمد بن إدريس فقلت نعم يا أمير المؤمنين فقال لي ما ذكرك لي محمد بن الحسن ثم عطف على محمد بن الحسن فقال يا محمد ما يقول هذا هو كما يقوله قال بلى وله محل من العلم كبير وليس الذي رفع عنه من شأنه قال فخذه إليك حتى أنظر في أمره فأخذني محمد رحمه الله وكان سبب خلاصي لما أراد الله عز وجل منه هذا لفظ ابن عبد البر بعينه فيجب على كل شافعي إلى يوم القيامة أن يعرف هذا محمد بن الحسن ويدعو له بالمغفرة وقال إن خلكان قال الربيع بن سليمان كتب الشافعي رحمه الله إلى محمد بن الحسن رحمه الله وقد طلب منه كتباله ليستنسخها فأخرت عنه ( قل لمن لم ترعينا * من رآه مثله ) ( ومن كأن من رآ * ه قد رأى من قبله ) ( العلم ينهى أهله * أن يمنعوه أهله ) ( لعله يبذله * لأهله لعله ) ويسمى محمد ابن أبي حنيفة وهو ابن خالة الفراء صاحب النحو واللغة انتهى ملخصاً وفيها توفي أبو محمد عبد الأعلى بن عبد الأعلى الشامي البصري القرشي أحد علماء الحديث سمع من حميد الطويل وطبقته قال ابن ناصر الدين صدوق من الإثبات لكنه رمى بالقدر وتكلم فيه بندار ولينه ابن سعد فيا لطبقات انتهى وقال في المغني صدوق قال ابن سعد لم يكن با القوى قلت ورمى بالقدر انتهى (1/324) ________________________________________ 325 وفيها أبو خالد الأحمر سليمان بن حيان الكوفي أحد الكبار عن أبي مالك الأشجعي وخلق من طبقته قال ابن ناصر الدين هو سليمان بن حيان أبو خالد الأزدي الجعفري الكوفي قال ابن معين وابن عدي عنه صدوق ليس بحجة ووثقه غيرهما انتهى وفيها قاضي الموصل علي بن مسهز أبو الحسن الكوفي الفقيه روى عن أبي مالك الأشجعي وأقرانه قال أحمد هو أثبت من أبي معاوية في الحديث وقال أحمد العجلي ثقة جامع للفقه والحديث وحكام بن سلم الرازي يروي عن حميد الطويل وطبقته وفيها وقيل قبلها بعام يحي بن اليمان العجلي الكوفي في الحافظ روى عن هشام بن عروة وإسماعيل بن أبي خالد وطائفة ذكره أبو بكر بن عياش فقال ذاك راهب وعن وكيع قال ما كان أحد من أصحابنا احفظ منه كان يحفظ في المجلس وخمسمائة حديث ثم نسى وقال ابن المديني صدوق تغير من الفالج وقال ابن ناصر الدين يحي بن اليمان العجلي الكوفي أبو زكريا قرأ القرآن على حمزة الزيات وحدث عن جماعة كان صدوقا من حفاظ هذا الشأن فلج فتغير حفظه فغلط فيما يرويه ومن ثم تكلم من تكلم فيه انتهى وفيها أوفى حدودها محمد بن مروان السدي الصغير الكوفي المفسر صاحب الكلبي وهو متروك الحديث سنة تسعين ومائة فيها استعد الرشيد وأمعن في بلاد الروم فدخلها في مائة ألف وبضعة وثلاثين ألفا سوى المجاهدين تطوعا وبث جيوشه في نواحيها وفتح هرقلة ولما افتتحها خربها وسبى أهلها وكان مقامه عليها شهرا وسارت فرقة فافتتحت حصن الصقالبة وفرقة افتتحت حصن الصفصاف وملقونية وركب حميد بن معيوف في البحر فغزا قبرص وسبى (1/325) ________________________________________ 326 وأحرق وبلغ السبي من قبرس ستة عشر ألفا وكان فيه أسقف قبرس فنودي عليه فبلغ ألفي دينار وبعث نقفور الجزية عن رأسه وامرأته وخواصه فكان ذلك خمسين ألف دينار وبعث إلى الرشيد يخضع له ويلتمس منه أن لا يخرب حصونا سماها فاشترط عليه الرشيد ألا يعمر هرقلة وأن يحمل في العام ثلثمائة ألف دينار وكتب إليه نقفور أما بعد فلي إليك حاجة أن تهب لي لابني جارية من سبي هرقلة كن خطبتها له فاستعفى بها فأحضر الرشيد الجارية فزينت وأرسل معها سرادقا وتحفا فأعطى نقفور الرسول خمسين ألفا وثلمائة ثوب وبراذين ذكره في العبر وفيها كما قال ابن الجوزي في الشذور أسلم الفضل بن سهل على يد المأمون وكان مجوسيا وفيها توفي الفقيه أسد بن عمرو البجلي الكوفي صاحب أبي حنيفة وقاضي بغداد قال في المغني أسد بن عمرو أبو المنذر عن ربيعة الرأي لينه البخاري وقال يحي كذوب وقال أحمد صدوق وقال ابن عدي لم أر له شيئا منكرا انتهى وفيها قارئ مكة في زمنه إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين المخزومي مولاهم المعروف بالقسط وله تسعون سنة وهو آخر أصحاب ابن كثير وفاة قرأ عليه الشافعي جماعة وفيها أبو عبيدة الحداد البصري نزيل بغداد واسمه عبد الواحد بن واصل روى عن عوف الأعرابي وعدة وكان حافظا متقنا وعبيدة بن حميد الكوفي الحذاء الحافظ وله بضع وثمانون سنة روى عن الأسود بن قيس ومنصور والكبار وكان صاحب قرآن وحديث ونحو أدب الأمين بعد الكسائي وكان من الأثبات وعمر بن علي المقدمي أبو جعفر البصري وكان حافظا مدلسا كان يقول حدثنا أو يقول سمعت ثم يسكت ثم يقول هشام بن عروة وينوي القطع قال (1/326) ________________________________________ 327 ابن ناصر الدين عمر بن علي بن عطاء المقدمي لكنه شديد التدليس انتهى وفيها عطاء بن مسلم الخفاف كوفي صاحب حديث ليس بالقوي نزل حلب وروى عن محمد بن سوقة وطبقته وفيها حميد بن عبد الرحمن الرواسي الكوفي روى عن الأعمش وطبقته قال أبو بكر بن أبي شيبة قل من رأيت مثله قال في المغني عن الضحاك لا يعرف انتهى وفيها يحي بن خالد بن برمك البرمكي توفي في سجن الرشيد وله سبعون سنة قال ابن الأهدل وبرمك من مجوس بلخ ولا يعلم إسلامه وكان خالد قد ولى وزارة السفاح قال المسعودي ولم يبلغه أحد من بنيه لا يحي في شرفه وبعد همته ولا موسى في شجاعته ونجدته وكان المهدي قد جعل الرشيد في حجر يحي فعلمه الأدب وكان يدعوه أبا فلما ولى دفع إليه خاتمه وقلده أمره وفي ذلك يقول الموصلي ( ألم تر أن أشمس كانت سقيمة * فلما ولي هارون أشرق نورها ) ( أمين أمين الله هارون ذو الندى * فهارون واليها وهذا وزيرها ) ومن كلام يحي ثلاثة أشياء تدل على عقول أربابها الهدية والكتاب والرسول وكان يقول لبنيه اكتبوا أحسن ما تسمعون واحفظوا أحسن ما تكتبون وتحدثوا بأحسن ما تحفظون وفي بنيه يقول الشاعر ( أولاد يحي أربع * كأربع الطبائع ) ( فهم إذا اختبرتهم * طبائع الصنائع ) وفيه يقول العتابي ( سألت الندى والجود حران أنتما * فقالا كلانا عبد يحي بن خالد ) ( فقلت شراء ذلك الملك قال لا * ولكن إرثا والدا بعد والد ) وكان يقول إذا أقبلت فانفق فإنها لا تفنى وإذا أدبرت فانفق فإنها لا تبقى (1/327) ________________________________________ 328 وقال يدل على حلم الرجل سوء أدب غلمانه وحكى أنه كتب أبياتا قبل موته يخاطب الرشيد ( سينقطع التلذذ عن أناس * أداموه وتنقطع الهموم ) ( ستعلم في الحساب إذا التقينا * غدا عنه الإله من الظلوم ) ( ألا يا بائعاً دينا بدنيا * غرورا لا يدوم لها نعيما ) ( تخل من الذنوب فأنت منها * على أن لست ذا سقم سقيم ) ( تنام ولم تنم عنك المنايا * تنبه للمنية يا تؤوم ) ( تروم الخلد في دار التفاني * وكم قد رام قبلك ما تروم ) ( إلى ديان يوم الدين نمضي * وعند الله تجتمع الخصوم ) ولم يزل يحي بن خالد وابنه الفضل في الرافقة وهي الرقة القديمة المجاورة للرقة الجديدة وهي البلد المشهورة الآن على شاطئ الفرات ويقال لهما الرقتان تغليبا كالعمرين في حبس الرشيد إلى أن مات يحي في الثالث من المحرم سنة تسعين وهو ابن سبعين سنة وصلى عليه ابنه الفضل بن يحي ودفن في شاطئ الفرات في ربض هرثمة ووجد في جيبه رقعة فيها مكتوب بخطه وقد تقدم الخصم والمدعي عليه في الأثر والقاضي هو الحكم العدل الذي لا يجور ولا يحتاج إلى بينة ولما قرأ الرشيد الرقعة بكى يومه كله واستمر أياما يتبين الأسى في وجهه ونام يحي فمات المأمون يقول لم يكن ليحي بن خالد ولولده أحد في الكفاية والبلاغة والجود والشجاعة انتهى سنة إحدى وتسعين ومائة فيها أمر الرشيد بتغيير هيئة أهل الذمة وفيها توفي سلمة بن الأبرش قاضي الري وأروى المغازي عن ابن إسحاق وهو مختلف في الاحتجاج به ولكنه في (1/328) ________________________________________ 329 ابن إسحاق ثقة وفيها الإمام أبو عبد الله عبد الرحمن ب القاسم العتقي مولاهم المصري الفقيه صاحب مالك وله ستون سنة وقد أنفق أموالا كثيرة في طلب العلم ولزم مالكا مدة وسأله عن دقائق الفقه قال السيوطي في حسن المحاضرة عبد الرحمن بن القاسم ابن خالد العتقي المصري أبو عبد الله الفقيه راوية المسائل عن مالك روى عن ابن عيينة وغيره وعنه أصبغ وسحنون وآخرون قال ابن حبان كان حبرا فاضلا فقه على مذهب مالك وفرع على أصوله ولد سنة ثمان وعشرين ومائة ومات في صفر سنة إحدى وتسعين ومائة وكان زاهدا صبورا مجانبا للسلطان انتهى وفيها الفضل بن موسى السناني شيخ مرو ومحدثها وسينان من قرى مرو ارتحل وكتب الكثير وحدث عن هشام بن عروة وطبقته قال ابو نعيم الكوفي هو أثبت من ابن المبارك وقال وكيع أ ' رفه ثقة صاحب سنة وقال ابن ناصر الدين كان ثقة متقنا من كبار أهل مرو صاحب سنة وفيها محمد بنسلمة الحراني الفقيه محدث حران ومفتيها روى عن هشامابن حسان وطبقته قال ابن سعد كان ثقة فاضلاً له رواية وفتوى ومجالد بن الحسن الأزدي المهلبي البصري نزيل المصيصة وهيبت وقال أبو عبيد كان من خير من رأيت ومعمر بن سليمان الرقي روى عن إسماعيل بن أبي خالد وطبقته وكان من أجلاء المحدثين ذكره الإمام أحمد فذكر من فضله وهيبته وقال أبو عبيد كان من خير من رأيت سنة اثنيتن وتسعين ومائة فيها أول ظهور الخرامية بأروا بجبال أذربيجان فغزاهم حازم بن خزيمة أو عبد الله بن مالك فسبى ذراريهم وبيعوا ببغداد (1/329) ________________________________________ 330 وفيها هدم حائط جامع المنصور وأعيد بناؤه وزيد في توسعته وفيها توفي الإمام الكبير أبو محمد عبد الله بن إدريس الأودي الكوفي الحافظ العابد روى عن حصين بن عبد الرحمن وطبقته وقد روى عن مالك مع قدمه وجلاله قال أحمد بن حنبل كان عبد الله بن إدريس نسيج وحده وقال ابن عرفة ما رأيت بالكوفة أفضل منه وقال أبو حاتم هو إمام من أئمة المسلمين حجة وقال غيره لم يكن بالكوفة أعبد لله منه عاش اثنتين وسبعين سنة وقال ابن ناصر الدين نسيج وحده علما وعملا وعبادة وورعا وكان إذا لحن أحد في كلامه لم يحدثه انتهى وفيها علي بن ظبيان العبسي الكوفي القاضي أبو الحسن ولي قضاء الجانب الشرقي ببغداد ثم ولي قضاء القضاة وروى عن أبي حنيفة وإسماعيل بن أبي خالد وكان محمود الأحكام دينا متواضعا ضعيف الحديث وفيها الفضل بن يحي بن خالد البرمكي أخو جعفر البرمكي مات في السجن وقد ولي أعمالاً جليلة وكان أندى كفاً من جعفر مع كبر وتيه له أخبار في لاسخاء المفرط حتى أنه وصل مرة بعض أشراف العرب بخمسين ألف دينار قاله في العبر وقال ابن الأهدل قال مرة يزيد الدمشقي ولد للفضل ولد فقام الشعراء يوم سابعة يهنئونه فنثر عليهم الدنانير مطيبة بالمسك وأخذوا وأخذت معهم ولما خرجوا وخرجت استدعاني فقال أحب أن تسمعني في المولود شيئاً فاستعفيته فقال لا بد ولو بيتا واحدا فقلت ( ونفرح بالمولود من آل برمك * لبذل الندى والجود والمجد والفضل ) ( ونعرف فيه اليمن عند ولاده * ولا سيما إن كان من ولد الفضل ) فأمر لي بعشرة آلاف درهم فلما نكبوا اتصل بي الولد في أسوأ حال فقلت له كل ما ترى من المال من أجلك فخذه فلا وارث لي وأنا أعيش في فضلك حتى أموت فبكى وأبى فعزمت عليه في البعض فأبى وكان آخر عهدي (1/330) ________________________________________ 331 به وكان الفضل كثير البر بأبيه حتى في السجن وكان في السجن ينشد قول أبي العتاهية ( إلى الله فيما نالنا نرفع الشكوى * ففي يده كشف المضرة والبلوى ) ( خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها * فلسنا من الأموات فيها ولا الأحبا ) ( إذا جاءنا السجان يوما لحاجةٍ * عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا ) ولما بلغ الرشيد خبر موته قال أمري قريب من أمره فكان كذلك انتهى ما قاله ابن الأهدل وقال ابن خلكان كان الفضل بن يحي بن خالد بن برمك البرمكي من أكثرهم كرما مع كرم البرامكة وسبعة جودهم وكان أكرم من أخيه جعفر وكان جعفر أبلغ في الرسائل والكتابة منه وكان هارون الرشيد قد ولاه الوزارة قبل جعفر وأراد أن ينقلها إلى جعفر فقال لأبيهما يحي يا أبت وكان يدعوه يا أبت إني أريد أن أجعل الخاتم الذي لأخي الفضل لجعفر وكان يدعو الفضل يا أخي فإنهما متقاربان في المولد وكانت أم الفضل قد أرضعت الرشيد واسمها زبيدة من مولدات الدينة والخيزران أم الرشيد أرضعت الفضل فكانا أخوين من الرضاع وفي ذلك قال مروان بن أبي حفصة يمدح الفضل ( كفى لك فضلا أن أفضل حرة * غذتك بثدي والخليفة واحد ) ( لقد زنت يحي في امشاهد كلها * كما زان يحي خالداً في المشاهد ) وقال الرشيد ليحي قد احتشمت من الكتاب إليه في ذلك فاكفنيه فكتب والده إليه قد أمر أمير المؤمنين بتحويل الخاتم من يمينك إلى شمالك فكتب إليه الفضل قد سمعت ما قاله أمير المؤمنين في أخي وأطعت ما انتقلت عني نعمة صارت إليه ولا غربت عني رتبة طلعت عليه فقال جعفر لله أخي ما أنفس نفسه وأبين دلائل الفضل عليه وأقوى منة العقل فيه وأوسع في البلاغة ذرعه وكان الرشيد قد جعل محمداً في حجر الفضل بن يحي والمأمون في حجر جعفر فاختص كل واحد منهما بمن في حجره ثم إن الرشيد قلد الفضل عمل (1/331) ________________________________________ 332 خراسان فتوجه إليها وأقام بها مدة فوصل كتاب صاحب البريد بخراسان إلى الرشيد ويحي جالس بين يديه ومضمون الكتاب أن الفضل بن يحي متشاغل بالصيد وإدمان اللذات عن النظر في أمر الرعية فلما قرأ الرشيد رمى به إلى يحي وقال يا أبت اقرأ هذا الكتاب واكتب إليه بما يردعه عن هذه فكتب يحي على ظهر كتاب صاحب البريد حفظك اله يا بني وامتع بك قد انتهى إلى أمير المؤمنين ما أنت عليه من التشاغل بالصيد ومداومة اللذات عن النظر في أمر الرعية ما أنكره فعاود ما هو أزين بك فإنه من عاد إلى ما يزينه وترك ما يشينه لم يعرفه أهل بلده إلا به والسلام وكتب في أسفله هذه الأبيات ( انصب نهارا في طلاب العلى * واصبر على فقد لقاء الحبيب ) ( حتى إذا الليل أتى مقبلا * واستترت فيه عيون الرقيب ) ( فكابد الليل بما تشتهي * فإنما الليل نهار الأريب ) ( كم من فتى تحسبه ناسكا * يستقبل الليل نهار الأريب ) ( غطى عليه الليل أستاره * فبات في لهو وعيش خصيب ) ( ولذة الأحمق مكشوفة * يسعى بها كل عدو رقيب ) والرشيد ينظر إلى ما يكتب فلما فرغ قال قد أبلغت يا أبت ولما ورد الكتاب على الفضل لم يفارق في المسجد إلى أن انصرف من عمله ومن مناقبه أنه لما ولى خراسان دخل إلى بلخ وهي وطنهم وبها النوبهار وهو بيت النار التي كانت المجوس تعبدها وكان جدهم برمك خادم ذلك البيت فأراد الفضل هدم ذلك البيت فلم يقدر لإحكام بنائه فهدم منه ناحية وبنى فيها مسجدا انتهى ملخصا وفيها مفتي الأندلس وخطيب قرطبة صعصعة بن سلام الدمشق أخذ عن الأوزاعي ومالك والكبار وأخذ عنه عبد الملك ب حبيب وجماعة (1/332) ________________________________________ 333 سنة ثلاث وتسعين ومائة فيها سار الرشيد إلى خراسان ليمهد قواعدها وكان قد بعث في العام الماضي هرثمة بن أعين فقبض له على الأمير علي بن عيسى بن ماهان بحيلة وخديعة واستصفى أمواله وخزائنه فبعث بها فوافت الرشيد وهو بجرجان على ألف وخمسمائة حمل ثم سار إلى طوس في صفر وهو عليل وكان رافع بن الليث قد استولى عل ما وراء النهر وعصى فالتقى جيشه وعليهم أخوه هم وهرثمة فهزمهم وقتل أخو رافع وملك هرثمة بخارا وفي ذي القعدة توفي الإمام العلم بشر بن علية الأسدي مولاهم البصري وايم أبيه إبراهيم بن مقسم وعلية أمه سمع أيوب وطبقته قال يزيد بن هارون دخبت البصرة وما بها أحد يفضل الحديث على ابن علية وقال أحمد إليه المنهى في التثبت بالبصرة وقال ابن معين كان ثقة ورعا تقيا وقال شعب ابن علية سيد المحدثين وقال ابن ناصر الدين كان ثبتا متقنا لم يحفظ عنه خطأ فيما يرويه وشهرته بأمه علية دون أبيه انتهى وبعده بأيام توفي محمد بن جعفر غندر الحافظ أبو عبد الله البصري صاحب شعبة عشرين سنة قال ابن معين كان من أصح الناس كتابا وقال غيره مكث غندر خمسين سنة يصوم يوما ويفطر يوما وقال ابن ناصر الدين روى عنه أحمد وابن المديني وغيرهما كان أصح الناس كتابا في زمانه وكان فيه بعض تغفل مع اتقانه انتهى وفيها مجالد بن يزيد الحراني محدث رحال عن يحي بن سعيد الأنصاري وطبقته وفيهافي ذي الحجة أبو عبد الله مروان بن معاوية الفزاري الكوفي (1/333) ________________________________________ 334 الحافظ نزيل دمشق وابن عم أبي إسحاق روى عن حميد الطويل وطبقته قال أحمد ثبت حافظ وقال ابن المديني ثقة فيما روى عن المعروفين وقال ابن ناصر الدين كان ثقة حجة لكنه يكتب عمن دب ودرج فينظر في شيوخه وفيها الإمام أبو بكر بن عياش الأسدي مولاهم بن عياش الأسدي مولاهم الكوفي في الحناط شيخ الكوفة في القراءة وله بضع وتسعون سنة كان أجل أصحاب عاصم قطع الأقراء قبل موته بتسع عشرة سنة وقال ابن المبارك ما رأيت أحدا أسرع إلى السنة من أبي بكر ابن عياش وقال غيره كان لا يفتر من التلاوة قرأ اثنتي عشرة ألف ختمة وقيل أربعين ألف ختمة وفيها العباس بن الأحنف أحد الشعراء المجيدين ولا سيما في الغزل ومن شعره ( إذا هي لم تأتيك إلا بشافع * فلا خير في ود يطكون بشافع ) ( فأقسم ما تركي عتابك عن قلى * ولكن لعلمي أنه غير نافع ) ( وإني وإن لم ألزم الصبر طائعا * فلا بد منه مكرها غير طائع ) وفي ثلاث جمادى الآخرة توفي هارون الرشيد أبو جعفر بن المهدي محمد ابن المنصور بن عبد الله العباسي بطويس روى عن أبيه عن وجده ومبارك بن فضالة وحج مرات في خلافته وغزا عدة غزوات حتى قيل فيه ( فمن يطلب لقاءك أو يرده * فبالحرمين أو أقصى الثغور ) وكان شهما شجاعا حازما جوادا ممدحا فيه دين وسنة مع انهماكه على اللذات والقيان وكان أبيض طويلا سمينا مليحا وقد وخطه الشيب وورد أنه مان يصلي في اليوم مائة ركعة إلى أن مات ويتصدق كل يوم من بيت ماله بألف درهم وكان يخضع للكبار ويتأدب معهم وعظه الفضيل وابن السماك وغيرهما وله مشاركة في الفقه والعلم والأدب قاله في العبر وقال ابن الفرات كان الرشيد يتواضع لأهل العلم والدين ويكثر من (1/334) ________________________________________ 335 بحاضرة العلماء والصالحين قال علي بن المديني سمعت أبا معاوية الضرير يقول أكلت مع الرشيد طعاماً يوماً من الأيام فصب على يدي رجل لا أعرفه فقال هارون يا أبا معاوية تدري من يصب على يديك قلت لا قال أنا قلت أنت أمير المؤمنين قال نعم إجلالا للعلم ودخل عليه منصور بن عمار فأدناه وقربه فقال له منصور لتواضعك في شرفك أحب إلينا من شرفك فقال له يا أبا السر ي عظني وأوجز فقال من عف في جماله وواسى من ماله وعدل في سلطانه كتبه الله من الأبرار في الدين قال علي بن صالح كان مع الرشيد بان أبي مريم المدني وكان مضاحكاً محداثاً فكها وكان الرشيد لا يصبر عن محادثته وكان قد جمع إلى ذلك المعرفة بأخبار أهل الحجاز ولطائف المجان فبلغ من خصوصيته به أنه أنزله منزلاً في قصره وخلطه ببطانته وغلمانه فجاءت ليلة وهو نائم وقد طلع الفجر فكشف اللحاف عن ظهره ثم قال له كيف أصبحت فقال يا هذا ما أصبحت بعد مر إلى عملك قال ويلك قم إلى الصلاة فقال هذا وقت صلاة أبي الجارود وأنا من أصحاب أبي يوسف القاضي فمضى وتركه نائماً وقام الرشيد إلى الصلاة وأخذ يقرأ في صلاة الصبح ( ^ ومالي لا أعبد الذي فطرني ) وأرتج عليه فقال له ابن أبي مريم لا أدري والله لم لا تعبده فما تمالك الرشيد أن ضحك في صلاته ثم التفت إليه كالمغضب وقال يا هذا ما صنعت قطعت على الصلاة قال و الله ما فعلت إنما سمعت منك كلاماً غمني حين سمعته فضحك الرشيد وقال إياك والقرآن والدين ولك ما شئت بعدهما وكان للرشيد فطنة وذكاء قال الأصمعي تأخرت عن الرشيد ثم جئته فقال كيف كنت يا أصمعي قلت بت والله بليلة النابغة فقال أنا والله وهو ( فبت كأني ساورتني ضئيلة * من الرقش في أنيابها السم ناقع ) فعجبت من ذكائه وفطنته لما قصدته ودخل الأصمعي على الرشيد ومعه بنية له فقال له الرشيد قبلها فسكت الأصمعي فقال قبل ويلك فقال الأصمعي (1/335) ________________________________________ 336 في نفسه أن فعلت قتلني ثم قام فوضع كمه على رأسها ثم قبل فقال والله لو أخطأت هذا لضربت عنقك وكان الرشيد رحمه الله يحب الحديث وأهله وسمع الحديث من مالك بن أنس وإبراهيم بن سعد الزهري وأكثر حديثه عن آبائه وروى عنه القاضي أبو يوسف والإمام الشافعي رضي الله عنهما ذكر ذلك ابن الجوزي ومما رواه الرشيد عن النبي عقوا أولادكم فإنها نجاة لهم منكل آفة وكان كثير البكاء من خشية الله تعالى سريع الدمعة عند الذكر محباً للمواعظ قال يحى بن أيوب العابد سمعت منصور بن عمار يقول ما رأيت اغزر دمعا عند الذكر من ثلاثة فضيل بن عياض وأبى عبد الرحمن الزاهد وهارون الرشيد ودخل الإمام الشافعي رضي الله عنه على الرشيد فقال له عظني فقال على شرط رفع الحشمة وترك الهيبة وقبول النصيحة قال نعم قال أعلم أن من أطال عنان الأمل في الغرة طوى عنان الحذر في المهلة ومن لم يعول على طريق النجاة خسر يوم القيامة إذا امتدت يد الندامة فبكى هارون ووصله بمال جزيل ودخل ابن السماك على الرشيد فاستسقى الرشيد ماء فقال له ابن السماك بالله يا أمير المؤمنين لو منعت هذه الشربة بكم تشتريها قال بملكي قال لو منعت خروجها بكم كنت تشتريه قال بملكي فقال أن ملكاً قيمته شر به ماء لجدير أن لا ينافس فيه وكان للرشيد شعر حسن منه ( ملك الثلاث الغانيات عناني * وحللن من قلبي بكل مكان ) ( مالي تطاوعني البرية كلها * وأطيعهن وهن فيعصياني ) 0 ما ذاك إلا أن سلطان الهوى * وبه قوين أعز من سلطاني ) وكان نقش خاتم الرشيد العظمة والقدرة لله انتهى ما قاله ابن الفرات ملخصاً وقال ابن قتيبة في المعارف وأفضت الخلافة إلى هارون الرشيد سنة سعين ومائة وبويع له في اليوم الذي توفي فيه موسى ببغداد وولد له ابنه عبد الله المأمون ليلة أفضت الخلافة إليه في صبيحتها وأمه الخيزران (1/336) ________________________________________ 337 وكانت تنزل الخلد ببغداد في الجانب الغربي كان يحيى بن خالد وزيره وابناه الفضل وجعفر ينزلون في رجبة الخلد ثم ابتني جعفر قصره الدور ولم ينزله حتى قتل وحج هارون بالناس ست حجج آخرها سنة ست وثمانين ومائة وحج معه في هذه السنة ابناه ووليا عهده محمد الأمين وبعد الله المأمون وكتب لك واحد منهما على صاحبه كتاباً وعلقه في الكعبة فلما انصرف نزل الأنبار ثم حج بالناس سنة ثمان وثمانين وقتل جعفر بن يحيى بالعمر موضع بقرب الأنبار سنة تسع وثمانين ومائة آخر يوم من المحرم وبعث بجثته إلى بغداد ولم يزل يحيى ابن خالد وابنه الفضل محبوسين حتى ماتا بالرقة وخرج الوليد بن طريف الشاري في خلافته وخزم غير مرة عسكره فوجه إليه يزيد بن مزيد فظفر به فقتله وخرج بعده حراشة الشارى أيضاً وقتل هارون أنس بن أبي شيخ وهو ابن أبي اخلد الحذاء الحدث وكان أنس صديقاً الجعفر بن يحى وصلبه بالرقة وكان يرمي بالزندقة وكذلك البرامكة يرمون بالزندقة غلا من عصم اله منهم ولذلك قال الأصمعي فيهم ( إذا ذكر الشرك في مجلس * اثارت قلوب بني برمك ) ( وإن تليت عندهم آية * اتواباً بالأحاديث عن مردك ) وغزا هارون سنة تسعين ومائة الروم فافتتح هرقلة وظفر ببنت بطريقها فاستخلصها لنفسه فلما انصرف ظهر رافع بن ليث بن نصر بن سيار بطخارستان مباينا لعلي بن عيسى فوجه إليه هرثمة لمحاربته وأشخاص على بن عيسى إليه فلما قدم عليه أمر بحبسه واستصفى أمواله وأموال ولده وتوجه هارون سنة اثنتين وتسعين ومائة ومعه المأمون نحو خراسان حتى قدم طوس فمرض بها ومات وقبره هناك وكانت وفاته ليلة السبت لثلاث خلون من جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين ومائة وقد بلغ من السن سبعاً وأربعين سنة وكانت ولايته ثلاثاً وعشرين سنة وشهرين وسبعة عشري يوماً ومن ولد هارون محمد أمه زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر (1/337) ________________________________________ 338 والمأمون واسمه عبد الله وأمه تسمى مراجل والمؤتمن واسمه القاسم وصالح وأبو عيسى وأبو إسحاق المعتصم وحمدونة وغيرهم انتهى ما قاله ابن قتيبة وقال ابن الأهدل وفي إمرة الرشيد وأخيه الهادي ثم قام يحي بن عبد الله بن الحسن المثنى وبث دعاته في الأرض وبايعه كثيرون من أهل الحرمين واليمن ومصر والعراقين وبايعه من العلماء محمد بن إدريس الشافعي وعبد ربه بن علقمة وسليمان بن جرير وبشر بن المعتمر والحن بن صالح وغيرهم وكان هذا في زمن الهادي فلما فتش عنه الرشيد وأخذ عليه بالرصد والطلب وأمعن في ذلك فلحق يحي بخاقان ملك الترك وأقام عنده سنتين وستة أشهر والكتب ترد عليه من هارون وعماله يسألونه تسليم يحي فأبى وقال لا أرى في ديني الغدر وهو رجل من ولد نبيكم شيخ عالم وقيل أنه أسلم على يديه سرا ثم رحل يحي من عنده إلى طبرستان ثم إلى الديلم فانفذ هارون في طلبه الفضل بن يحي البرمكي في ثمانين ألف رجل وكاتبه ملك الديلم من الري وبذلوا له من الأموال حتى انخدع ولما فهم يحي فشله قبل أمان الرشيد بالإيمان المغلظة وكتب له بذلك نسختين نسخة عنده ونسخة عند يحي البرمكي فلما قدم عليه أظهر بره وكرامته وأعطاه مالا جزيلا ثم خرج إلى المدينة بإذنه وقيل بإذن الفضل دونه وفرق المال بالمدينة على قرابته وقضى دين الحسين بن علي وحج ولم يزل آمنا حتى وشى به عبد الله بن مصعب الزبيري فقال يحي إن هذا قد كان بايع أخي محمدا ومدحه بقوله ( قوموا بأمركم ننهض بنصرتنا * إن الخلافة فيكم يا بني الحسن ) واليوم يكذب علي ويسعى بي إليك فصدقه هارون وعذره ومات ابن مصعب في اليوم الثالث قيل وسبب نقض أمان يحي أنه قال له الرشيد في مناظرات عددها ويحي في كلها يقيم له الحجة على نفسه اتقاء لشره حتى قال له من أقرب إلى رسول الله منا فاستعفاه فلم يعفه وكرر ذلك (1/338) ________________________________________ 339 مرارا فلم يعفه فقال له يحي بعد لجاج عظيم لو بعث رسول الله له أن يتزوج فيكم فقال الرشيد نعم قال فنحن له أن يتزوج فينا قال لا قال فهذه حسب فأنف الرشيد وغضب وطلب الفقهاء فاستفتاهم في نقض أمان يحي فأحجم بعضهم وتكلم بعضهم بوجب العلم أنه لا سبيل إلى نقضه وقال بعضهم هذا رجل شق عصا المسلمين وسفك الدماء لا أمان له فأمر الرشيد بحبسه وضيق عليه حتى مات محبوسا وقيل أنه شد إلى جدار وسمر على يديه ورجليه وسد عليه المنافذ حتى مات وقيل أنه وقع في رقعة ودفعها إلى يحي بن خالد وخرج عليه بوقوفه بين يدي الله إلا كتمها إلى موت ثم يدفعها إلى هارون فدفعها بعد موته إلى هارون فإذا فيها بسم الله الرحمن الرحيم يا هارون المستعدى عليه قد تقدم والخصم بالأثر والقاضي لا يحتاج إلى بيته وأما إدريس بن عبد الله بن الحسن المثنى فإنه لما انفلت من وقعة فخ لحق بالمغرب ومعه ابن أخيه محمد بن سليمان الذي قتل بفخ فتمكن بها ودعى ونشر دعوته وأجابوه واستعمل ابن أخيه على أدنى المغرب من تاهرت إلى فاس وبقى بها وولده يتوارثونها وانتشر ملكهم واستقر ويقال إن إدريس بن إدريس فقام بالأمر إحدى وعشرين سنة وأوصى إلى ابنه إدريس المثلث وكان أحد العلماء قال صاحب كتاب روضة الأخبار وهم على ذلك إلى هذه الغاية يتوارثون المغرب والبربر ويقال إن عبد المؤمن القائم اليوم بأرض المغرب ينسب إلى بني الحسن بن علي ظهر على الأندلس سنة أربعين وخمسمائة وفيه يقول الشاعر من قصيدة طويلة ( ما هز عطفيه بين البيض والأسل * مثل الخليفة عبد القائم بن علي ) وقدج ملكوا المغرب كلهم والأندلس إلى يومنا هذا وهي سنة سبع وعشرين وستمائة انتهى ما قاله ابن الأهدل وفيها وقيل بعدها فقيه الأندلس زياد بن عبد الرحمن اللخمي شبطون صاحب مالك وعليه تفقه يحي بن يحي قبل أن يرحل إلى مالك وكان زياد ناسكا ورعا أريد على (1/339) ________________________________________ 340 القضاء فهرب وفيها قتل نقفور ملك الروم في حرب برجان وكانت مملكته تسعة أعوام وملك بعده ابنه شهرين وهلك زوج أخته ميخائيل بن جرجس لعنهم الله تعالى سنة أربع وتسعين ومائة فيها وثبت الروم على ملكهم ميخائيل فهرب وترهب وقام بعده ليون القائد وفيها مبدأ الفتنة بن الأمين والمأمون وكان الرشيد أبوهما قد عهد بالعهد للأمين ثم بعده المأمون وكان المأمون على إمرة خراسان فشرع الأمين في العمل على خلع أخيه ليقدم ولده ابن خمس سنين وأخذ ببذل الأموال لقواد ليقوموا معه في ذلك ونصحه أولو الرأي فلم يرعو حتى آل الأمر إلى أن قتل وفي آخرها توفي الإمام أبو عمر حفص بن غياث بن طلق النخعي قاضي الكوفة وقاضي بغداد روى عن الأعمش وط بقته وعاش خمسا وسبعين سنة قال يحي القطان حفص أوثق أصحاب الأعمش وقال سجادة كان يقال ختم القضاء بحفص ابن غياث وقال ابن معين جميع ما حدث به حفص بالكوفة وبغداد فمن حفظه وقال حفص والله ما وليت القضاء حتى حلت لي الميتة وقال ابن ناصر الدين كان حفص ثقة متقنا تكلم في بعض حفظه وفيها سويد بن عبد العزيز الدمشقي قاضي بعلبك قرأ القرآن على يحي الذماري روى عن أبي الزبير المكي وعاش بعضا وثمانين سنة وعفوه وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي محدث البصرة روى عن أيوب السختياني ومالك بن دينار ومالك بن دينار وطبقتهما وقال الفلاس كانت غلته في السنة أربعين ألفا ينفقها كلها على أصحاب الحديث وقال أبو إسحاق النظام المتكلم وذكر (1/340) ________________________________________ 341 عبد الوهاب هو والله أحلى من أمن بعد خوف وبره بعد سقم وخصب بعد جدب وغنى بعد فقر ومن طاعة المحبوب وفرج المكروب وقال ابن ناصر الدين هو ثبت متقن ومحمد بن حرب بن عدي الخولاني الأبرش الحمصي قالضي دمشق روى عن الزبيدي فأكثر وعن محمد بن زياد الألهاني وكان حافظا مكثرا ويحي بن سعيد بن أبان الأموي الكوفي الحافظ ولقبه جمل روى عن الأعمش وخلق وحمل المغازي عن ابن إسحاق واعتنى بها وزاد فيها أشياء وقال ابن ناصر الدين يحي بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص بن الأحيحة أبو أيوب القرشي الأموي الكوفي كان ثبتا حافظا نبيلا كان يلقب جملا عنده عن الأعمش غرائب ووهم من جعله أحد الاخوة عمر الأشدق وعبد الله وعنبسة إنما ذلك أخو أبان جد يحي المذكور وكان من التابعين انتهى وفيها استشهد في غزوة أبو علي شقيق البلخي الزاهد شيخ خراسان سافر مرة في صحبته ثلثمائة مريد وهو شيخ حاتم الأصم وفيها سالم بن سالم البلخي الزاهد روى عن ابن جريج وجماعة وكان صواما قواما عجبا في الأمر بالمعروف وقال أبو مقاتل السمرقندي سالم في زماننا كعمر بن الخطاب في زمانه قال في العبر قلت هو وشقيق ضعيفان في الحديث انتهى وفيها عمر بن هارون البلخي روى عن جعفر الصادق وطبقته وكان كثير الحديث بصيرا بالقراءات تركوه في العبر (1/341) ________________________________________ 342 سنة خمس وتسعين ومائة لما تيقن المأمون أن الأمين خلعه تسمى بإمام المؤمنين وكوتب بذلك وجهز الأمين علي بن عيسى بن ماهان في جيش عظيم أنفق عليهم أموالا لا تحصى وأخذ علي معه قيد فضة ليقيد به المأمون بزعمه فبلغ إلى الري وأقبل طاهر بن الحسين الخزاعي في نحو أربعة لاف فأشرف على جيش ابن ماهان وهم يلبسون السلاح وقد امتلأت الصحراء بهم بياضا وصفرة في العدد المذهبة فقال طاهر هذا ما لا قبل لنا به ولكن اجعلوها خارجية واقصدوا القلب ثم قبل ذلك ذكروا ابن ماهان الأيمان التي في عنقه للمأمون فلم يلتفت وبرز فارس من جند ابن ماهان فحمل عليه طاهر بن الحسين فقتله وشد داود سياه على علي بن عيسى بن ماهان فطعنه وصرعه وهو لا يعرفه ثم ذبحه بالسيف فانهزم جيشه فحمل رأسه على رمح واعتق طاهر مماليكه شكرا لله وشرع أمر الأمين في سفال وملكه في زوال قيل أنه لما بلغ قتل ابن ماهان وهزيمة جيشه كان يتصيد سمكا فقال لليزيدي ويلك دعني كوثر قد صاد سمكتين وأناما صدت شيئا بعد وندم في الباطن على خلع أخيه وطمع فيه أمراؤه ولقد فرق عليهم أموالا لا تحصى حتى فرغ الخزائن وما نفعوه وجهز جيشا فالتقاهم طاهر أيضا بهمذان فقتل في لامصاف خلق كثير من الفريقين وانتصر طاهر بعد وقعتين أو ثلاث وقتتل مقدم جيش الأمين عبد الرحمن الأساوي أحد الفرسن المذكورين بعد أن قتل جماعة وزحف طاهر حتى نزل بحلوان وفيها ظهر بدمشق أبو العميطر السفياني فبايعوه بالخلافة واسمه علي بن عبد الله بن خالد الخليفة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان فطرد عاملها الأمير سليمان بن المنصور فسير إليه الأمين عسكرا لحربه فنزلوا الرقة ولم يقدموا عليه قاله في العبر (1/342) ________________________________________ 343 وفيها توفي إسحاق بن يوسف الأزرق محدث واسط روى عن الأعمش وطبقته وكان حافظا عابدا يقال أنه بقي عشرين سنة لم يرفع رأسه إلى السماء قال ابن ناصر الدين إسحاق بن يوسف بن مرداس القرشي الواسطي أبو محمد حدث عنه خلق منهم وابن معين كان من الحفاظ النقاد والصلحاء العباد انتهى وفيها بشر بن السري البصري الأفوه نزيل مكة كان فصيحا بالمواعظ مفوها ذا صلاح وقال أحمد كان متقنا للحديث عجبا روى عن مسعر والثوري وطبقتهما قال في المغني بشر بن لاسري أبو عمرو والأفوه وثقة ابن معين وغيره وأما الحميدي أبو بكر فقال كان جهميا لا يحل أن يكتب عنه وقال ابن عدي يقع في حديثه منكر وهو في نفسه لا بأس به قلت رجع عن التجهم انتهى وفيها أبو معاوية الضرير محمد بن معاوية الكوفي الحافظ ولد سنة ثلاث عشرة ومائة ولزم الأعمش عشر سنين قال أبو نعيم سمعت الأعمش يقول لأبي معاوية أما أنت قد ربطت رأس كيسك وكان شعبة إذا توقف في حديث الأعمش راجع أبا معاوية وسأله عنه وقال ابن ناصر الدين أبو معاوية محمد ابن خازم الضرير التيمي السعدي كان حافظا ثبتا محدث الكوفة وكان من الثقات وربما دلس وكان يرى الأرجاء فيقال إن وكيعا لم يحضر جنازته لذلك انتهى وفيها عبد الرحمن بن محمد المحاربي الحافظ روى عن عبد الملك بن عمير وخلق قال وكيع ما كان أحفظه للطوال توفي بالكوفة وفيها أوفى التي مضت عثام بن علي الكوفي روى عن عروة بن (1/343) ________________________________________ 344 هشام والأعمش وفيها أو في الماضية محمد بن فضيل بن غزوان الضبي مولاهم الكوفي الحافظ روى عن حصين بن عبد الرحمن وطبقته قال في المغني ثقة مشهور لكنه شيعي قال ابن سعد بعضهم لا يحتج به انتهى وفيها محدث الشام أبو العباس الوليد بن مسلم الدمشقي وله ثلاث وسبعون سنة توفي بذي المروة راجعا من الحج في المحرم روى عن يحي الذماري ويزيد ابن أبي مريم وخلائق وصنف التصانيف قال ابن جوصاء لم نزل نسمع أنه من كتب مصنفات الوليد صلح أن يلي القضاء وهي سبعون كتابا وقال أبو مسهر كان مدلسا ربما دلس عن الكذابين وقال ابن ناصر الدين الوليد ابن مسلم الدمشقي أبو العباس الأموي مولاهم كان إماماً حافظا عالم الدمشقيين لكنه فيما ذكره أبو مسهر وغيره كان مدلسا وربما دلس عن الكذابين وهو واسع العلم صدوق من الإثبات انتهى وفيها يحي بن سليم الطائفي الحذ = اء بمكة وكان ثقة صاحب حديث روى عن عبد الله بن عثمان بن خيثم وطبقته قال الخليل في الإرشاد أخطأ يحي في أحاديث ثم ذكر حديث ابن عمران أن النبي من مر بحائط فليأكل منه ولا يتخذ خبنه قال الخليل لم يسنده عن النبي عن بن عمر عن عمر وقال في المغي يحي بن سليم الطائفي مشهور وثقة ابن معين وقال النسائي ليس بالقوي وقال أحمد رأيته يخلط في الأحاديث فتركته انتهى وقال ابن ناصر الدين روى عنه الشافعي وكان بعده من الأبدال وفي بعض أحاديثه مقال انتهى (1/344) ________________________________________ 345 سنة ست وتسعين ومائة فيها توثب الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان ببغداد فخلع الأمين في رجب وحبسه ودعا إلى بيعة المأمون فلم يلبث الجند عليه فقتلوه وأخرجوا الأمين وجرت أمور طويلة وفتنة كبيرة وفيها توفي قاضي البصرة أبو المثنى معاذ العنبري في ربيع الآخر روى عن حميد الطويل وطبقته وكان أحد الحفاظ قال يحي القطان ما بالبصرة ولا بالكوفة ولا بالحجاز أثبت من معاذ بن معاذ وقال أحمد كان ثبتا وما رأيت أعقل منه وفيها قاضي شيراز ومحدثها سعد بن الصلت الكوفي روى عن الأعمش وطبقته وكان حافظا قال سفيان ما فعل سعد بن الصلت قالوا ولي القضاء قال ذره وقع في الحش قال في العبر قلت آخر من روى عنه سبطه إسحاق بن إبراهيم شادان انتهى وفيها أبو نواس الحسن بن هانئ الحكمي الأديب شاعر العراق قال ابن عيينة هو أشعر الناس وقال الجاحظ ما رأيت أعلم منه قال ابن الأهدل كان أبوه من جند مروان الصغير الأموي فتزوج امرأة بالأهواز فولدت أبا نواس فلما ترعرع أصحبته أبا أسامة الشاعر فنشأ على يديه وقدم به بغداد فبرع في الشعر وعداده في الطبقة الأولى من المولدين وشعره عشرة أنواع وقد اعتنى بشعره جماعة فجمعوه ولهذا يوجد ديوانه مختلفا وكان المأمون يقول لو وصفت الدنيا نفسها ما بلغت قول أبي نواس ( ألا كل حي هالك وابن هالك * وذو نسب في الهالكين عريق ) (1/345) ________________________________________ 346 ( إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت * له عن عدو في ثياب صديق ) وكفى بأبي نواس لذؤابتين كانتا على عاتقه تنوسان وأثنى عليه ابن عيينة وعلماء عصره بالفصاحة والبلاغة وقال أبو حاتم لو كتبت بيته هذين بالذهب لما كثر وهما ( ولو أني استزدتك فوق مابي * من البلوى لأعوزك المزيد ) ( ولو عرضت على الموتى حياتي * يعيش مثل عيسى لم يريدوا ) وله نوادر حسان رائقة واقترح عليه الرشيد مرات أن ينظم له على قضايا خفية يعرفها في داره ونسائه فيأتي على البديهة بما لو حضرها وعاينها لم يزد على ذلك انتهى كلام ابن الأهدل ومن لطيف شعره قوله بديها وهو من ألطف بديهة وأبدعها ( ودار ندامى عطلوها وأدلجوا * بها أثر منهم جديد ودارس ) ( مساحب من جر الزقاق على الثرى * وأضغاث ريحان جنى ويابس ) ( ولم أدر منهم غير من شهدت به * بشرقي ساباط الديار البسابس ) ( حبست بها صحبي فجددت عهدهم * وإني على أمثال تلك لحابس ) ( أقمنا بها يوما ويوما وثالثا * ويوما له يوم الترحل خامس ) ( تدار علينا الراح في عسجدية * حبتها بأنواع التصاوير فارس ) ( قرارتها كسرى وفي جباتها * مهى تدريها بالقسى الفوارس ) ( وللماء ما ذرت عليه جيوبها * وللراح ما دارت عليه القلانس ) وقد اختلف في معنى قوله أقمنا بها يوما ويوما إلخفقال ابن هشام ثمانية أيام وقال الدماميني في شرح المغني سبعة لأن يوم الترحل ليس من أيام الإقامة فليتأمل وقال ابن الفرات أبو نواس الحسن بن هانئ البصري مولى الحكم بن سعد العشيرة سمى سعد العشير لأنه لم يمت حتى ركب معه من ولده وولد ولده مائة رجل وتوفي وعمره اثنتان وخمسون سنة والحسن أحد المطبوعين وكان كثير المجون قيل عاتب أبو العتاهية الحسن على (1/346) ________________________________________ 247 مجونه فقال الحسن ( والنفس لا تقلع عن غيها * ما لم يكن منها لها زاجر ) فقال أبو العتاهية وددت أن هذا البيت بشعري كله ورأى رجل الحسن في النوم فقال ما فعل الله بك وقال رحمني بأبيات قلتها وهي ( يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة * فلقد علمت بأن عفوك أعظم ) ( إن كان لا يرجوك إلا محسن * فبمن يلوذ ويستجير المجرم ) ( أدعوك رب كما أمرت تضرعا * ولئن رددت يدي فمن ذا يرحم ) ( ما لي إليك وسيلة إلا الرجا * وجميل ظني ثم أني مسلم ) انتهى وقال الحصري في كتابه قطب السرور قال ابن نوبخت توفي أبو نواس في منزلي فسمعته يوم مات يترنم بشيء فسألته فأنشدني ( باح لساني بمضمر السر * وذاك أني أقول بالدهر ) ( وليس بعد الممات منقلب * وإنما الموت بيضة المر ) والتفت إلى من حوله فقال لا تشربوا الخمر صرفا فإني شربتها صرفا فأحرقت كبدي ثم طفى انتهى فإنا لله وإنا إليه راجعون سنة سبع وتسعين ومائة فيها حوصر الأمين ببغداد وأحاط به أمراء المأمون وهم طاهر بن لاحسين وهرثمة بن أعين وزهير بن المسيب في جيوشهم وقاتلت مع الأمين الرعية وقاموا معه قياما لا مزيد ودام الحصار سنة واشتد البلاء وعظم الخطب وفيها توفي الإمام الحبر أبو محمد عبد الله بن وهب الفهري مولاهم المقري أحد الأعلام في شعبان ومولده سنة خمس وعشرين ومائة بعام أو بعامين وروى عن ابن جريج وعمرو (1/347) ________________________________________ 248 ابن الحرث وخلق وتفقه بمالك والليث قال أبو سعيد بن يونس جمع ابن وهب بين الفقه والرواية والعبادة لوه تصانيف كثيرة وقال أحمد بن صالح المصري حدث ابن وهب بمائة ألف حديث ما رأيت أحدا أكثر حديثا منه وقال ابن خداش قرئ على ابن وهب كتابه في أهوال القيامة فخر مغشيا عليه فلم يتكلم بكلمة حتى مات بعد أيام وقال يونس بن عبد الأعلى كان أرادوه على القضاء فتغيب قاله في العبر وقال ابن الأهدل صحب مالكا عشرين سنة وصنف الموطأ الكبير والصغير وحدث بمائة ألف حديث وكان مالك يكتب إليه في المسائل ولم يكن يفعل هذا لغيره وقال ابن وهب عالم وابن القاسم فقيه وكتب إليه الخليفة في قضاء مصر فاختبأ ولزم بيته فاطلع عليه بعضهم يوما فقال له يا أبن وهب ألا تخرج فتقضي بين الناس بكتاب الله وسنة رسوله فقال أما علمت أن العلماء يحشرون مع الأنبياء والقضاة مع السلاطين وقرئ عليه كتاب الأهوال منجامعه فغشي عليه فحمل إلى داره فمات لحينه رحمه الله تعالى انتهى وفيها محدث الشام الإمام أبو محمد بقية بن الوليد الكلاعي الحمصي الحافظ ومولده سنة عشر ومائة روى عن محمد بن زياد الألهاني وبحير بن سعد والكبر وأخذ عمن دب ودرج وتفقه بالأوزاعي وكان مشهورا بالتدليس كالوليد بن مسلم وقال ابن معين إذا روى عن ثقة فهو حجة وقال بقية قال لي شعبة إني لأسمع منك الحديث لو لم أسمعها لطرت قاله في لاعبر وقال ابن (1/348) ________________________________________ 349 ناصر الدين بقية بن الوليد بن صايد الحميري الكلاعي الحمصي أبو محمد محدث الشام كان إماما مكثرا ويدلس عن المتروكين لك إذا قال حدثنا أو أخبرنا فهو مقبول انتهى وفيها شعي ب حرب المدائني الزاهد أحد علماء الحديث روى عن مالك ابن مغول وطبقته قال الطيب بن إسماعيل دخلنا عليه وقد بنى له كوخا وعنده خبز يابس يأكله وهو جلد وعظم قال أحمد بن حنبل حمل على نفسه في الورع وفيها شيخ الأقراء بالديار المصرية أبو سعيد عثمان بن سعيد القيرواني ثم المصري ورش صاحب نافع وله سبع وثمانون سنة قال السيوطي في حسن المحاضرة ورش وهو عثمان بن سعيد أبو سعيد المصري وقيل أبو عمرو وقيل أبو لاقسم أصله قبطي مولى آل الزبير بن العوام ولد سنة عشر ومائة وأخذ القراءة عن نافع وهو الذي لقبه بورش لشدة بياضه وقيل لقبه بالورشان ثم خفف انتهت إليه رياسة الأقراء بالديار المصرية في زمانه وكان ماهرا في العربية انتهى وفيها محمد بن فليح بن سليمان المدني روى عن هشام بن عروة وطبقته قال ي المغني ثقة قال أبو حاتم ليس بذاك القوي انتهى وفيها قاضي صنعاء وعالمها هشام بن يوسف الصنعاني أخذ عن معمر وابن جريج وجماعة قال ابن معين هو أثبت من عبد الرزاق في ابن جريج وقال ابن ناصر الدين كان ثقة برز وفاق على أقرانه وفيها الإمام العلم أبو سفيان وكيع بن الجراح الرواسي في المحرم راجعا من الحج يفيد وله سبع وستون سنة روى عن الأعمش وأقرانه قال ابن معين كان معين في زمانه كالأوزاعي في زمانه وقال أحمد م رأيت أوعى للعلم (1/349) ________________________________________ 350 ولا أحفظ من وكيع وقال القعنبي كنا عند حماد بن زيد فخرج وكيع فقالوا هذا راوية سفيان قال إن شئتم أرجح من سفيان وقال يحي بن أكثم صحبت وكيعا فكان يصوم الدهر ويختم القرآن كل ليلة وقال أحمد ما رأت عيني مثل وكيع قط وقال ابن معين ما رأيت أحفظ من وكيع كان يحفظ حديثه ويقوم الليل ويسرد الصوم ويفتي بقول أبي حنيفة قال وكان يحي القطان يفتي بقوله أبضا وقال ابن ناصر الدين وكيع بن الجراح بن مليح بن عدي بن فرس الرواسي الكوفي أبو سفيان محدث العراق ثقة متقن ورع قال أحمد بن حنب ما رأيت رجلا قط مثل وكيع في العلم والحفظ والإسناد والأموات مع خشوع وورع انتهى سنة ثمان وتسعين ومائة في المحرم ظفر طاهر بن الحسن بعد أمور يطول شرحها بالأمين فقتله ونصب رأسه على رمح وكان مليحا أبيض جميل الوجه طويل القامة عاش سبعا وعشرين سنة واستخلف ثلاث سنين وأياما وخلع في رجب سنة ست وتسعين وحارب سنة ونصفا وهو ابن زبيدة بنت جعفر بن المنصور وكان مبذرا للأموال قليل الرأي كثير اللعب لا يصلح للخلافة سامحه الله ورحمه قاله في العبر وكتبت زبيدة إلى المأمون تحرضه على قتل طاهر بن الحسين قاتل ابنها الأمين فلم يلتفت إليها فكتبت إليه ثانية بقول أبي العتاهية ( ألا أن ريب الدهر يدني ويبعد * ويؤنس بالآلاف طورا ويفقد ) ( أصابت لريب الدهر مني يدي يدي * فسلمت للأقدار والله أحمد ) ( فقلت لريب الدهر إن ذهبت يد * فقد بقيت والحمد لله لي يد ) ( إذا بقى المأمون لي فالرشيد لي * ولي جعفر لم يفقدا ومحمد ) تعني بجعفر أباها وبمحمد ابنها الأمين وقال ابن قتيبة في المعارف بويع محمد الأمين (1/350) ________________________________________ 351 ابن هارون بطوس وولي أمر البيعة صالح بن هارون وقدم عليه به جاء رجاء الخادم للنصف من جمادى الآخرة فحطب الناس وبويع ببغداد واخرج من الحبس من كان أبوه حبسه فاخرج عبد الملك بن صالح والحسن بن علي بن عاصم وسالم أبن سالم والهيثم بن عدي ومات إسماعيل بن علية وكان على مظالم محمد في ذي القعدة سنة ثلاث وتسعين ومائة فولى مظالمه محمد نب عبد الله الأنصاري نم ولد أنس بن مالك والقضاء ببغداد وبعث إلى وكيع بن الجراح فأقدمه بغداد على أن يسند إليه أموراً من أموره فأبى وكيع أن يدخل في شيء وتوجه وكيع إلى مكة فمات في طريق مكة واتخذ الفضل بن الربيع وزيراً وجعل إسماعيل بن صبيح كاتبه وجعل العباس بن الفضل بن الربيع حاجبه فأغرى الفضل بينه وبين المأمون فنصب محمد ابنه موسى بن محمد لولاية العهد بعده وأخذ البيعة له ولقبه الناطق بالحق سنة أربع وتسعين ومائة وجعله في حجر على بن عيسى وأمر علياً بالتوجه إلى خرسان لحرب المأمون سنة خمس وتسعين ومائة فوجه المأمون هرثمة من مرو وعلى مقدمة طهر بن الحسين فالتقى على بن عيسى وطهر بالري فاقتتلوا فقتل على بن عيسى وجماعة من ولده في شهر رمضان سنة خمس وتسعين ومائة وظفر طاهر بجميع ما كان معه من الأموال والعدة والكراع فوجه محمد بن عبد الرحمن بن جبلة الأنباري فالتقى هو وطاهر بهمذان فقتله طاهر ودخل همذان واجتمع طاهر وهرثمة فأخذ طاهر على الأهواز وأخذ هرثمة على الجادة طريق حلوان ووجه الفضل ابن سهل زهير بن المسيب على طريق كرمان فأخذ كرمان ثم دخل البصرة ولما أتى طاهر الأهواز وجد عليها والياً من المهالبة لمحمد فقتله واستولى على الأهواز ثم سار إلى واسط وسار هرثمة إلى حلوان ووثب الحسين بن علي بن عيسى ببغداد في جماعة فدخل على محمد وهو في الخلد فأخذه وحبسه في برج من أبراج مدينة أبي جعفر فتوقضت عساكر محمد من جميع الوجوه وتغيب الفضل بن الربيع (1/351) ________________________________________ 352 يومئذ فلم ير له أثر حتى دخل المأمون بغداد ووده الحسين بن علي إلى هرثمة وطاهر يحثمها على بغداد ووثب أسد الحربي وجماعة فاستخرجوا محمداً وولده واعتذروا إليه وأخذوا الحسين بن علي فأتوه به فعفا عنه بعد أن اعترف ذنبه وتاب منه أو أقرانه مخدوع مغرور فأطلقه فلما خرج من عنده وعبر الجسر نادى ياما مأمون يا منصور وتوجه نحو هرثمة وتوجهو في طلبه فأدركوه بقرب نهر وين فقتلوه وأتوا محمداً برأسه وصار هرثمة إلى نهروين ونزل طاهر باب الأنبار وصار زهير بن المسيب بكلو اذي ولم يزالوا في محاربة وكان طاهر كاتب القاسم بن هارون المؤتمن وكان نازلاً في قصر جعفر بن يحيى بالدور وسأله أن يخرج ففعل وسلم إليه القصر ولم يزل الأمر على محمد مختلاً حتى لجأ إلى مدينة أبي جعفر وبعث إلى هرثمة أني أخرج إليك الليلة فلما خرج محمد صار في أيدي أصحاب طاهر فأتوا به طاهراً فقتله من ليلته فلما أصبح نصب رأسه على الباب الحديد ثم أنزل وبعث به إلى خرسان مع أبن عمه محمد بن الحسن ابن مصعب ودفنت جثته في بستان مؤنسة انتهى ما قاله ابن قتيبة وقال ابن الفرات ما ملخصه لما صار محمد الأمين بمدينة أبي جعفر علم قواده أنه ليس معهم عدة الحصار فأتوه وقالوا لا بقاء لنا وقد بقي من خيار خيلك سبعة آلاف فرس فاختر لها سبعة آلاف رجل تخرج إلىالجزيرة فتفرض الفروض فعزم على ذلك فبلغ الخبر طاهر فكتب إلى سليمان بن أبي جعفر ومحمد بن عيسى والسدي بن شاهك لئن لم تردون عن هذا الرأي لا قتنصن ضياعكم ولا سبعين في هلا ككم فدخلوا إلى محمد وقالوا أن خرجت أخذوك أسراً وتقربوا بك فرجع إلى قبول الأمان والخروج إلى هرثمة فقالوا له الخروج إلى طاهر خير فقال أنا اكره ذلك لأني رأيت في المنام كأني على حائط رقيق وطاهر يحفره حتى هدمه وهرثمة مولانا وبمنزلة الوالد أثق به قال إبراهيم بن المهدي بعث إلى محمد الأمين ليلة وقد خرج إلى قصر لينفرج مما كان فيه وشرب وسقاني ودعا (1/352) ________________________________________ 353 جارية اسمها ضعف لتغنيه فتطيرا إبراهيم من اسمها فغنته كليب لعمري كان أكثر ناصراً * وأيسر ذنباً منك ضرج بالدم ) فتطير محمد وقال غنى هذا فغنت ( ما زال يعدو وعليهم ريب دهرهم * حتى تفانوا وريب الدهر عداء ) فغضب وقال غنى غير هذا فغنت وما ورب السكون والحركات * الأبيات فقال قومي لا بارك الله ) عليك فقامت وعثرت بقدح من بلور كان يسميه رباح فكسرته فقال إبراهيم أما ترى ما كان ما أظن أمري إلا قد اقترب قال بل أعز ملكك وكبت عدوك فسمعا صارخاً من جدلة يقول قضى الأمر الذي فيه تستفتيان فقال يا إبراهيم أما تسمع فقال ما أسمع شيئاً وقد كان سمعه فقتل بعد ليلتين ومنح طاهر محمداً الأمين ومن معه الماء والدقيق فهم محمد بالخروج إلى هرثمة فلما بلغ طاهر اشتد عليه وقال أنا فعلت ما فعلت به ويكون الفتح لهرثمة فرضى بذلك فلما علم الهرش الخبر تقرب إلى طاهر وقال مكر بك وقال أن الخاتم والبرد والقضيب يحمل مع محمد الأمين إلى هرثمة فاغتاظ وكمن حول القصر الرجال فلما خرج محمد وصار في الحراقة مع هرثمة خرج طاهر وأصحابه فرموها بالحجارة وغرقوها فسبح الأمين وخرج إلى بستان موسى وإخراج رجل من الملاحين هرثمة وكان به نقرس فلما خرج محمد الأمين أخذه إبراهيم بن جعفر البلخي ومحمد بن حميد وهو ابن أخي شكلة أم إبراهيم بن المهدي والقىء عليه إزاراً من أزر الجند وحمل إلى دار إبراهيم بن جعفر بباب الكوفة وكان أحمد بن سلام صاحب المظالم ممن غرق مع هرثمة فأخذ فكان مع محمد الأمين في دار إبراهيم بن جعفر فقال له الأمين ادن منى وضمني إليك فأنى أجد وحشة شديدة ففعل وكان على كتفيه خرقة فنزع أمد ثوبه وقال ألبسه فقال دعني فهذا لي من الله خير كثير في هذا الموضع ثم دخل عليه حميرويه غلام قريش مولى طاهر في جماعة فأخذ (1/353) ________________________________________ 354 محمد وسادة وضربه بها وأخذ السيف من يده فصاح بأصحابه فقتلوه ونصب طاهر رأسه ثم بعث رأسه المأمون والرداء والقضيب قال الموصلي كتب أحمد بن يوسف إلى المأمون عن لسان طاهر بقتل محمد الأمين أما بعد فإن المخلوع قسيم أمير المؤمنين في النسب واللخمة قد فرق الله بينه وبينه في الولاية والحرمة لمفارقته عصم الدين وخروجه من الأمر الجامع للمسلمين قال الله عز وجل في ابن نوح على نبينا وعليه السلام أنه ليس من أهلك أنه عمل غير صالح ولا طاعة لأحد في معصية الله ولا قطيعة إذا كانت في جنب الله ثم انشد طاهر بعد قتل الأمين ( ملكت الناس قسراً واقتداراً * وقتلت الجبابرة الكابرا ) ( ووجهت الخلافة نحو مرو * إلى المأمون تبتدر ابتدارا ) ( وسوف أدين قيس الشام ضربا * يطير من رؤسهم الشرارا ) قيل أتى محمد الأمين بأسد فاطلقه فقصد محمد فاستتر منه بمرفقة ثم يده فضربه في أصل أذنه فخر الأسد ميتا وزالت كل قصبة في يده من موضعها وكان الأمين رحمه الله سبطا انزع صغير العينين جميلا طويلا بعيد ما بين المنكبين ويكنى أبا موسى وقيل أبا عبد الله انتهى وفيها توفي في أول رجب شيخ الحجاز وأحد الأعلام أبو محمد سفيان بن عيينة الهلالي والزهري والكبار قال الشافعي لولا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز وقال ابن وهب لا أعلم أحدا أعلم بالتفسير من ابن عيينة وقال أحمد العجلي كان حديثه نحوا من سبعة آلاف حديث لم يكن له كتب وقال بهز ابن أسد ما رأيت وقال ابن ناصر الدين هو الإمام العلم محدث الحرم روى عنه الأعمش وابن جريج وشعبة وهم من شيوخه والشافعي وابن المبارك وأحمد وخلق قال أحمد ما رأيت أعلم بالسنن منه وحج سفيان (1/354) ________________________________________ 355 سبعين حجة وقال الشافعي ما رأيت أحدا فيه من الفتيا ما فيه ولا أكف عن الفتيا منه وفي جمادى الآخرة أبو سعيد عبد الرحمن بن مهدي البصري اللؤلؤي الحافظ أحد أركان الحديث بالعراق وله ثلاث وستون سنة وروى عن هشام الدستوائي وخلق وأول طلبه سنة نيف وخمسين ومائة فكتب عن صغار التابعين أيمن بن نابل وغيره وقال أحمد بن حنبل هو أفقه من يحي القطان واثبت من وكيع وقال ابن المديني كان عبد الرحمن بن مهدي أعلم الناس لو حلفت بين الركن والمقام لحلفت أني لم أر مثله أعلم منه قلت وكان أيضا أسا في العبادة رحمه الله تعالى قاله في العبر وهو أحد الموالي إلى المنجمين من البصريين وقال ابن ناصر الدين عبد الرحمن بن مهدي بن حسان الأزدي مولاهم وقيل العنبري البصري اللؤلؤي أبو سعيد الحافظ المشهور والإمام المنشور كان فقيها مفتيا عظيم لاشأن وهو فيما ذكره أحمد أفقه من يحي بن القطان وأثبت من وكيع في الأبواب انتهى وفيها الأمام أبو يحي معن بن عيسى المدني القزاز صاحب مالك روى عن موسى بن علي بن رباح وطائفة وكان ثبتا ثقة حجة صاحب حديث قال أبو حاتم هو أثبت أصحاب مالك وأوثقهم وفي صفر الإمام أبو سعيد يحي بن سعيد القطان البصري الحافظ أحد الأعلام وله ثمان وسبعون سنة روى عن عطاء بن السائب وحميد وخلق قال أحمد بن حنبل ما رأيت بعيني مثله وقال ابن معين قال لي عبد الرحمن بن مهدي لا ترى بعينيك مثل يحي القطان عشرين سنة فما أظن أنه عصى الله قط وقال ابن معين أقام يحي القطان عشرين سنة يختم كلليلة ولم يفته الزوال ف يالمسجد أربعين سنة وقال ابن ناصر الدين يحي بن سعيد بن فروخ التيمي مولاهم البصري أبو سعيد القطان الأحول سيد الحفاظ في زمانه والمتنهي إليه في هذا الشأن بين أقرانه انتهى وفيها أبو عبد الرحمن مسكين بن بكير الحراني روى عن جعفر بن برقان (1/355) ________________________________________ 356 وطبقته وكان مكثرا ثقة وفيها انتدب محمد بن صالح بن بهيش الكلابي أمير عرب الشام لحرب السيناني ولمن قام معه من الأموية وأخذ منهم دمشق وهرب أبو العميطر السفياني في إزار إلى المزة وجرت بين أهل المزة وداريا وبين ابن بهيش حروب ظهر فيها عليهم فاستولى على دمشق وأقام الدعوة للمأمون قاله في العبر سنة تسع وتسعين ومائة فيها قتنة ابن طباطبا العدوى وهو محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم ابن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ظهر بالكوفة وقام بأمره أبو السري الشي بن منصور الشيباني وشرع الناس إلى ابن طباطبا وغلب على الكوفة وكثر جيشه فسار لحربه زهير بن المسيب في عشرة آلاف فالتقوا فهزم زهير واستبيح عسكره وذلك في سلخ جمادى الآخرة فلما كان من الغد اصبح ابن طباطبا ميتاً فقيل أن أبا السريا سمه لكونه لم ينصفه في الغنيمة وأقام بعده في الحال محمد بن محمد بن يزيد على الحسنى شاب أمرد ثم جهز الحسن ابن سهل جيشاً عليهم عبدوس المروذي فالتقوا فقتل عبدوس وأسر عمه وقتل خلق من جيشه وقوى العلوين ثم استولى أبو السريا على واسط فسار لحربه هرثمة بن أعين فالتقوا فقتل خلق من أصحاب السرايا وتقهقر إلى الكوفة ثم التقوا ثانيا وعظمت الفتنة وفيها توفي إسحق بن سليمان الرازي الكوفي الأصل روى عن ابن أبي ذئب وطبقته وكان عباد خاشعاً يقال أنه من الإبدال وحفص بن عبد الرحمن البلخي ثم النيسابوري أبو عمر قاضي نيسابور روى عن عاصم الأحول وأبي حنيفة وطائفة وكان ابن المبارك يزوره ويقول هذا اجتمع فيه الفقه والوقار والورع وقال في المغني صدوق قال أبو حاتم مضطرب الحديث انتهى (1/356) ________________________________________ 357 وفيها أبو مطيع الحكم بن عبد الله البلخي الفقيه صاحب أبي حنيفة وصاحب كتاب الفقه الكبر وله أربع وثمانون سنة ولي قضاء بلخ وحدث عن ابن عروف وجماعة قال أبو داود كان جهمياً تركوا حديثه وبلغنا أن أبا مطيع كان من كبار الآمرين بالمعروف و الناهين عن المنكر وفيها شعيب بن الليث بن سعد المصري الفقيه وفيها عبد الله بن نمير الخراقي أبو هشام الكوفي أحد أصحاب الحديث المشهورين روى عن هشام بن عروة وطبقته وعاش بضعاً وثمانين سنة وثقه ابن معين وغيره والخارفي نسبة إلى خارف بطن من خمدان نزلوا الكوفة وعمرو بن محمد النقري الكوفي والعنقر هو المرز نجوش روى عن ابن جريج وطبقته وكان صاحب حديث ومحمد نب شعيب بن شابور الدمشقي بيروت روى عن عروة بن رويم وطبقته وكان من علماء المحدثين وعقلائهم المشهورين وفيها يونس بن بكير أبو بكر الشباني الكوفي الحافظ صاحب المغازي روى عن العمش وخلق قال ابن معين صدوق وقال ابن ناصر الدين كان صدوقاً شيعياً من مورطي الأعيان وقال ابن معين ثقة إلا أنه مرجىء يتبع الشيطان ولينة يغر واحد وروى له مسلم متابعة والبخاري في الشواهد انتهى وقال في المغني صدوق مشهور شيعي روى له مسلم أحاديث في الشواهد لا الأصول قال ابن زرعة أما في الحديث فلا أعلمه مما ينكر عليه وقال أبو داود ليس بحجة عندي سمع هو والبكائي من ابن أسحق بالري وقال النسائي ليس بالقوى انتهى وفيها وقيل في التي تليها سيار بن حاتم العنزي البصري صاحب القصص والرقائق ورواية جعفر بن سلميان الضبعي وقد خرج له الترمذي والنسائي ويغرهما ووثقه ابن حبان قال في المغني صالح الحديث فيه خفة ولم يضعف انتهى (1/357) ________________________________________ 358 سنة مائتين فيها أحصى ولد العباس فبلغوا ثلاثة وثلاثين ألفا ما بين ذكر وأنثى قاله ابن الجوزي في الشذور وفي أولها هرب أبو السرايا والعلويون من الكوفة إلى القادسية وضعف سلطانهم فدخل هرثمة الكوفة وأمن أهلها ثم ظفر أصحاب المأمون بأبي السرايا ومحمد بن محمد العلوي فأمر الحسن بن سهل بقتل أبي السرايا وبعث بمحمد إلى المأمون وخرج بالبصرة بالحجاز آخرون فلم تقم لهم قائمة بعد فتن وحروب وفيها طلب المأمون هرثمة بن أعين فشتمه وضربه وحبسه وكان الفضل ابن سهل الوزير يبغضه فقتله في الحبس سرا وفيها قتلت الروم عظيمهم اليون وكانت أيامه سبع سنين ونصف وأعادوا الملك إلى ميخائيل الذي ترهب وفيها توفي أسباط بن محمد الكوفي وكان ثقة صاحب حديث روى عن الأعمش وطبقته قال في المغني أسباط بن محمد القرشي ثقة ومشهور قال ابن سعد ثقة فيه بعض الضعف انتهى وفيها أبو ضمرة أنس بن عياض الليثي المدني وله ست وتسعون سنة روى عن سهيل بن أبي صالح وطبقته وكان مكثر أصدوقا وقال ابن ناصر الدين أنس بن عياض الليثي المدني أبو حمزة محدث المدينة كان من الثقات المتقنين انتهى وسلم بن قتيبة بالبصرة روى عن يونس بن أبي إسحاق وطبقته وأصله خراساني وفيها عبد الملك بن الصباح المسمعي الصنعاني البصري روى عن ثور بن يزيد وابن عون وفيها عمر بن عبد الواحد السلمي الدمشقي ولد سنة ثمان عشرة ثمان عشرة ومائة وقرأ القراءات على يحي الذماري وحدث عن جماعة وكان من الثقات الشاميين وفيها قتادة بن الفضل الرهاوي رحل وسمع من الأعمش وعدة (1/358) ________________________________________ 359 وفيها أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك الديلمي مولاهم المدني الحافظ روى عن سلمة بن وردان وكان كثير الحديث قال في المغني محمد ابن إسماعيل بن أبي فديك ثقة مشهور قال ابن سعد وحده ليس بحجة انتهى وفيها أبو عبد الله أمية بن خالد أخو هدبة روى عن شعبة والثوري وفيها صفوان بن عيسى القسام بالبصرة يروي عن يزيد بن عبيد وطبقته وفيها محمد بن الحسن الأسدي الكوفي بن الثل روى عن فطر بن خليفة وطبقته قال في المغني محمد بن الحسن الأسدي عن الأعمش وعنه داود بن عمر وقال ابن معين ليس بشيء انتهى وفي صفر محمد بن حمير السليحي محدث حمص روى عن محمد بن زياد الألهاني وطائفة وثقة ابن معين ودحيم وقال أبو حاتم لا يحتج به وقال يعقوب الفسوي ليس بالقوي وقال الدارقطني خرجه بعض شيوخنا ولا بأس به وفيها أبو إسماعيل مبشر بن إسماعيل الحلبي روى عن جعفر بن برقان وطبقته وكان صاحب حديث وإتقان قال في المغني مبشر بن إسماعيل الحارثي ثقة مشهور تكلم فيه بلا حجة انتهى ومعاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي روى عن أبيه وابن عون وطائفة وكان صاحب حديث له أوهام يسيرة قال في المغني معاذ بن هشام الدستوائي صدوق وقال ابن معين صدوق ليس بحجة وقال ابن عدي أرجو أنه صدوق وقال غيره له غرائب وافرادات انتهى وفيها المغيرة بن سلمة المخزومي بالبصرة قال ابن المديني ما رأيت قرشيا أفضل منه ولا أشد تواضعا أخبرني بعض جيرانه أنه كان يصلي طول الليل وروى عن القسم بن الفضل الحداني وطبقته (1/359) ________________________________________ 360 وفيها القاضي أبو البختري وهب القرشي المدني ببغداد وكان جوادا محتشما حتى قيل أنه كان إذا بلغ ظهر عليه السرور بحيث أنه يظن أنه هو المبذول له روى عن هشام بن عمرو وطائفة واتهم بالكذب قال ابن قتيبة أبو البختري هو وهب بن وهب بن وهب بن كثير بن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي قدم بغداد فولاه هارون القضاء بعسكر المهدي ثم عزله فولاه مدينة الرسول بكار ابن عبد الله وجعل إليه حربها مع القضاء ثم عزل فقدم بغداد فتوفى بها سنة مائتين وكان ضعيفا في الحديث انتهى وقال في المغني كذبه أحمد وغيره انتهى وهو الذي وضع حديث المسابقة بذي الجناح وفيها القدوة الزاهد معروف الكرخي أبو محفوظ صاحب الأحول والكرامات كان من موالي علي بن موسى الرضى كان أبواه نصرانيين فاسلماه إلى مؤدبهم فقال له إن الله ثالث فقال بل هو الله أحد فضربه فهرب وأسلم على يد علي بن موسى الرضي ورجع إلى أبويه فأسلما واشتهرت بركاته وإجابة دعوته وأهل بغداد يستسقون بقبره ويسمونه ترياقا مجربا قال مرة لتلميذه السري السقطي إذا كانت له إذا كانت لك إلى الله حاجة فاقسم عليه بي وكان من المحدثين ومن كلامه علامة مقت الله للعبد أن يراه مشتغلا بما لا يعنيه من أمر نفسه وقال طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب وانتظار الشفاعة بلا سبب نوع من الغرور وارتجاء رحمة من لا يطاع جهل حمق (1/360) ________________________________________

  • 1*ج 2

@2 سنة إحدى ومائتين فيها عمد المأمون إلى علي بن موسى العلوي فعهد إليه بالخلافة ولقبه بالرضي وأمر الدولة بترك السواد ولبس الخضرة وأرسل إلى العراق بهذا فعظم هذا على بني العباس الذين ببغداد ثم خرجوا عليه وأقاموا منصور بن المهدي ولقبوه بالمرتضى فضعف عن الأمر وقال إنما أنا خليفة المأمون فتركوه وعدلوا إلى أخيه إبراهيم بن المهدي الأسود فبايعوه بالخلافة ولقبوه بالمبارك وخلعوا المأمون وجرت بالعراق حروب شديدة وأمور عجيبة وفيها أول ظهور بابك الخرمي الكافر فعاث وأفسد وكان يقول بتناسخ الأرواح وفيها توفي أبو أسامة حماد بن أسامة الكوفي الحافظ مولى بني هاشم وله إحدى وثمانون سنة روى عن الأعمش والكبار قال أحمد ما أثبته لا يكاد يخطئ وقال ابن ناصر الدين ثقة كيس وفيها حماد بن مسعدة بالبصرة روى عن هشام بن عروة وعدة وكان ثقة صاحب حديث وفيها جرير بن عمارة بن أبي حفصة البصري روى عن قرة بن خالد وشعبة وفيها سعد بن إبراهيم بن سعد الزهري العوفي قاضي واسط سمع أباه وابن أبي ذئب وفيها علي بن عاصم أبو الحسن الواسطي محدث واسط وله بضع وتسعون سنة روى عن حصين بن عبد الرحمن وعطاء بن السائب والكبار وكان يحضر مجلسه ثلاثون ألفا وقال وكيع أدركت الناس والحلقة لعلي بن عاصم بواسط وضعفه غير واحد لسوء حفظه وكان إماماً ورعا صالحا جليل القدر وفيها قتل المسيب بن زهير أكبر قواد المأمون وضعفه أمر الحسن بن سهل بالعراق وهزم جيشه مرات ثم ترجح أمره وحاصل القصة أن أهل بغداد أصابهم بلاء عظيم في هذه السنوات حتى كادت تتداعى بالخراب وجلا خلق من أهلها عنها للنهب والسبي والغلاء وخراب الدور قال ابن الأهدل ولما عجز بنو العباس (2/2) ________________________________________ 3 وتكرر عفو المأمون عنهم وجهوا إليه زينب بنت سليمان بن على عمة جده المنصور فقالت يا أمير المؤمنين إنك على بر أهلك العلويين والأمر فينا أقدر منك على برهم والأمر فيهم فلا تطعمن أحداً فينا فقال يا عمة والله ما كلمني أحد في هذا المعنى بأوقع من كلامك هذا ولا يكون إلا ما تحبون ولبس السواد وترك الخضرة أهله وكان ميل المأمون للعلويين اصطناعا ومكافأة لفعل علي كرم الله وجهه ولما ولي الإمامة لبني هاشم خصوصا بني العباس وفيها توفي يحي بن عيسى العسلي الكوفي الفاخوري بالرملة روى عن الأعمش وجماعة وهو حسن الحديث سنة اثنتين ومائتين فيها خلع أهل بغداد المأمون لكونه أخرج الخلافة من بني العباس وبايعوا إبراهيم بن المهدي وتزوج المأمون بوران بنت الحسن بن سهل وزوج ابنته أم حبيب علي بن موسى الرضي وزوج ابنته أم الفضل محمد بن علي بن موسى قاله ابن الجوزي في الشذور وفيها على الصحيح توفي حمزة بن ربيعة في رمضان بفلسطين روى عن الأوزاعي وطبقته وكان من العلماء المكثرين قال ابن ناصر الدين حمزة بن ربيعة الدمشقي القرني مولاهم كان ثقة مأمونا اه وفيها أبو بكر بن عبد الحميد بن أبي أويس المدني أخو إسماعيل روى عن أبي ذئب وسليمان بن بلال وطائفة قال في المغني ثقة أخطأ الأزدي حيث قال كان يضع الحديث اه وقد خرج له الشيخان وفيها أبو يحي عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني الكوفي روى عن الأعمش وجماعة قال أبو داود وكان داعية إلى الإرجاء وقال النسائي ليس بالقوي وفيها أبو حفص عمر بن شبيب المسلي الكوفي روى عن عبد الملك بن عمير (2/3) ________________________________________ 4 والكبار قال النسائي ليس بالقوي وقال أبو زرعة واهي الحديث وضعفه الدارقطني وفيها يحي بن المبارك اليزيدي المقرئ النحوي اللغوي صاحب التصانيف الأدبية وتلميذ أبي عمرو بن العلاء وله أربع وسبعون سنة وهو بصري نزل بغداد قال ابن الأهدل عرف اليزيدي لصحبته يزيد بن منصور خال المهدي وتأدب بنيه أخذ عن الخليل وغيره وله كتاب النوادر في اللغة وغيره ولما قدم مكة أقبل على العبادة وحدث بها عن أبي عمرو ن العلاء وروى عنه ابنه محمد وأبو عمرو والدوري وأبو شعيب السوسي وغيرهم وخالف أبو عمرو في حروف يسية وكان يجلس هو والكسائي في مجلس واحد ويقرئان الناس وتنازعا مرة في مجلس المأمون قبل أن يلي الخلافة في بيت شعر فظهر اليزيدي وضرب بقلنسوته الأرض وقال أنا أبو محمد فقال المأمون والله لخطأ الكسائي مع حسن أدبه أحسن من صوابك مع سوء أدبك فقال إن حلاوة الظفر أذهبت عني حسن التحفيظ وكان الكسائي يؤدب الأمين ويأخذ عليه حرف حمزة وهو يؤدب المأمون ويأخذ عليه حرف أبي عمرو اه وفيها الفضل بن سهل ذو الرياستين وزير المأمون فقتله بعض أعدائه في حمام بسرحس فانزعج المأمون وتأسف عليه وقتل به جماعة وكان من مسلمة المجوس وقال ابن الأهدل الفضل بن سهل وزير المأمون السرخسي وكان محتدا في علم النجوم كثير الإصابة فيه من ذلك أن المأمون لما أرسل طاهرا لحرب الأمين وكان طاهر ذا يمينين أخبره أنه يظفر بالأمين ويلقب بذي اليمينين وكان كذلك واختار لطاهر وقتا عقد له فيه اللواء وقال عقدته لم خمسا وستين لا يحل فكان كذلك ووجد في تركته أخبار عن نفسه أنه يعيش ثماني وأربعين سنة ثم يقتل بين الماء والنار فعاش هذه المدة ثم دس عليه خال المأمون غالب فدخل عليه الحمام (2/4) ________________________________________ 5 بسرخس ومعه جماعة فقتلوه في السنة المذكورة وقيل في التي تليها وله ثمان وأربعون سنة وأشهر وقد مدحه الشعراء فأكثروا من ذلك قول سالم بن الوليد الأنصاري من قصيدة له ( أقمت خلافة وأزلت أخرى * جليل ما أقمت ما أزلتا ) اه فيها استوثقت الممالك للمأمون وقدم بغداد في رمضان من خراسان واتخذها سكنا وفيها في الحجة حدث بخراسان زلازل أقامت سبعين يوما وهلك بها خلق كثير وبلاد كثيرة وفيها غلبت السوداء على عقل الحسن بن سهل حتى شد في الحديد وفيها توفي أزهر بن سعد السمان أبو بكر البصري روى عن سليمان التيمي وطبقته وعاش أربعا وتسعين سنة قال ابن ناصر الدين كان ثقة من فضلاء الأئمة وعلماء الأمة وقال ابن الأهدل كان يصحب لمنصور قبل خلافته فجاء يسلم عليه بالخلافة ويهنئه فحجبه فترصد يوم جلوسه العام فقال ما جاء بك قال جئت مهنئا للأمير فأعطاه ألفا وقال لا تعد فقد قضيت التهنئة فجاءه من قابل فسأله فقال سمعت بمرضك فجئت عائدا فأمر له بألف وقال قولوا له لا تعد فقد قضيت وظيفة العيادة وأنا قليل المرض ثم جاء من قابل فسأله سمعت منك دعاءاً فأردت أتحفظه فقال إنه غير مستجاب لأني دعوت به أن لا تعود فعدت اه وفي ذي القعدة الإمام حسين بن علي الجعفي مولاهم الكوفي المقرىء الحافظ روى عن الأعمش وجماعة قال أحمد بن حنبل ما رأيت أفضل منه ومن سعي ابن عامر الضبعي وقال يحيى بن يحيى النيسابوري أن بقي أحد من الأبدال فحسين الجعفي وكان مع تقدمه في العلم رأساً في الزهد والعبادة وقال ابن ناصر الدين هو ثقة وكمان يقال له راهب الكوفة (2/5) ________________________________________ 6 وفيها الحسين بن الوليد النيسابوري رحل وأخذ عن مالك بن مغول وطبقته وقرأ القرآن على الكسائي وكان كثير الغزو والجهاد والكرم وفيها خزيمة بن خازم الخراساني الأمير أحد القواد الكبار العباسية وداود بن يحي بن يمان العجلي ثقة وزيد بن الخباب أبو الحسين الكوفي سمع مالك بن مغول وخلقا كثيرا وكان حافظا صاحبي حديث واسع الرحلة صابرا على الفقر والفاقة وفيها عثمان بن عبد الرحمن الحراني الطرائفي وكان يتبع طرائف الحديث فقيل له الطرائقي روى عن هشام بن حسان وطبقته وهو صدوق وعلي بن موسى الرضي الإمام أبو الحسن الحسيني بطوس وله خمسون سنة وله مشهد كبير بطوس يزار روى عن أبيه موسى الكاظم عن جده جعفر سنة وله مشهد كبير بطوس يزار روى عن أبيه موسى الكاظم عن جده جعفر ابن محمد الصادق وهو أحد الأئمة الاثني عشر في اعتقاد الإمامية ولد بالمدينة سنة ثلاث أو إحدى وخمسين وماية ومات بطوس وصلى عليه المأمون ودفنه بجنب أبيه الرشيد وكان موته بالحمى وقيل بالسم وكان المأمون أرسله إلى أخيه زيد بن موسى وقد قام بالبصرة ليرده عن ذلك فقال على زيد ما تريد بهذا فعلت بالمسلمين الأذى وتزعم أنك من ولد فاطمة والله لأشد الناس عليك رسول الله زيد ينبغي لمن أخذ برسول الله يعطي به ولما بلغ كلامه المأمون وبكى وقال في المغني علي بن موسى بن جعفر الرضي عن آبائه قال ابن طاهر يأتي عن آبائه بعجائب قلت الشأن في صحة الإسناد إليه فإنه كذب عليه وعلى جده اه وفيها أبو داود الحفري عمر بن سعد بالكوفة روى عن مالك بن مغول ومسعر وكان من عباد المحدثين قال أبو حمدون المقرئ لما دفناه تركنا بابه مفتوحا ما خلف شيئا وقال ابن المديني ما رأيت بالكوفة أعبد منه وقال وكيع إن كان يدفع بأحد في زماننا فيأتي داود الحفري (2/6) ________________________________________ 7 وفيها عمر بن عبد الله بن روين السامي النيسابوري رحله وسمع محمد بن اسحق وطبقته قال سهل بن عمار لم يكن بخراسان أنبل منه وفيها أبو حفص عمر بن يونس اليمامي روى عن عكرمة بن عمار وجماعة وكان ثقة مكثراً وفيها محمد بن بكر البرساني بالبصرة روى عن ابن جريج وكان أحد الثقات الأدباء الظرفاء ومحمد بن بشر العبدي الكوفي الحافظ روى عن العمش وطبقته قال أبو داود هو احفظ من كان بالكوفة في وقته وقال ابن ناصر الدين محمد بن بشر العبدي الكوفي أبو عبد الله ثقة أحفظ من كان بالكوفة اه ومحمد بن عبد الله أبو أحمد الزبيري الأسدي مولاهم الكوفي روى عن يونس ابن إسحق وطبقته وقال أبو حاتم كان ثقة حافظاً عابداً مجتهداً له أوهام وأبو جعفر محمد بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين الحسيني المدني الملقب بالديباج روى عن أبيه وكان قد خرج بمكة سنة مائتين ثم عجز وخلع نفسه وأرسل إلى المأمون فمات بجرجان ونزل المأمون في لحده وكان عاقلاً شجاعاً يصوم يوماً ويفطر يوماً يقال أنه جامع وافتصد ودخل الحمام في يوم فمات فجاءة وفيها مصعب بن المقدام الكوفي روى عن ابن جريج وجماعة وفيها النضر بن شميل بن خرشة بن يزيد بن كلثوم المازني مازن بن مالك بن عمرو ابن تيم بن مرأ بو الحسن البصري نزيل مرووعالمها كان أماماً حافظاً جليل الشأن وهو أول من أظهر السنة بمرو وجميع رأساً وجميع بلاد خراسان روى عن حميد وهشام بن عروة والكبار وكان رأساً في الحديث رأساً في ا للغة والنحو ثقة صاحب سنة قال ابن الأهدل ضاقت معيشته بالبصرة فرحل إلى خرسان فشيعه من البصرة نحو من ثلثمائة عالم فقال لهم لو وجدت كل يوم كليجة باقلاء مافارقتكم فيهم فيه من تكفل له بذلك وأقام (2/7) ________________________________________ 8 بمرو واجتمع له هناك مال سمع النضر من هشام بن عروة وغيره من أئمة التابعين وسمع عليه ابن معين وابن المدني وغيرهم وروى المأمون يوماً عن هشيم بسنده المتصل إلى رسول الله إذا تزوج المرأة لدينها وجمالها فيها سداد من عوز بفتح السين فرده النضر وقال هو بكسر السين فقال له المأمون تلحنني فأقصر فقال إنما لحن هشيم وكان لحانة لأن السداد بالفتح القصد في الدنيا والسبيل وبالكسر البلغة وكل ما سددت به شيئاً فهو سداد يعني بكسر السين ومنه قول العرجي ( أضاعوني وأى فتى أضاعوا * ليوم كريهة وسداد ثغر ) فأمر له بجائزة جزيلة والعرجي المذكور منسوب إلى العرج منزلة بين مكة والمدينة شاعر مشهور أموي حبسه محمد بن هشام المخزومي أمير مكة وخال عبد الملك لما شبب بأمه فأقام في الحبس سبع سنين ومات فيه عن ثمانين سنة وبعد البيت المذكور ( وصبر عند معترك المنايا * وقد شرعت أسنتها بنحري ) وفيها الوليد بن القسم الهمذاني الكوفي روى عن الأعمش وطبقته وكان ثقة وفيها الوليد مزيد العذري البيروتي صاحب الأوزاعي وفيها الإمام الحبر أبو زكريا يحيى بن آدم الكوفي المقرىء الحافظ الفقيه أخذ القراءة عن أبي بكر بن عياش وسمع من يونس بن أبي أسحق ونصر بن خليفة وهذه الطبقة وصنف التصانيف قال أبو أسامة كان بعد الثوري في زمانه يحيى ابن آدم وقال أبو داود يحيى بن آدم واحد الناس وذكره ابن المديني فقال رحمه الكوفي الأحوال أبو زكريا روى عنه أحمد واسحق وغيرهما وكان إماماً علامة من المصنفين حافظاً ثقة فقيهاً من المتقنين اه (2/8) ________________________________________ 9 سنة أربع ومائتين فيها أعاد المأمون لبس السواد وفيها في سلخ رجب توفي فقيه العصر والإمام الكبير والجليل الخطير أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي المطلبي بمصر وله أربع وخمسون سنة أخذ عن مالك ومسلم بن خالد الزنجي وطبقتهما وكان مولده بغزة ونقل إلى مكة وله سنتان قال المزني ما رأيت أحسن وجهاً من الشافعي إذا قبض على لحيته لا تفضل عن قبضته وقال الزعفراني كان خفيف العارضين يخضب بالحناء وكان حاذقاً بالرمى يصيب تسعة من العشرة وقال الشافعي استعلمت اللبان سنة الحفظ فأعقبني صب الدم سنة قال يونس بن عبد الأعلى لو جمعت أمة لوسعهم وقال اسحق بن راهويه لقيني أحمد بن حنبل بمكة فقال تعالى حتى رأيت رجلاً لم تر عيناك مثله قال الشافعي سميت ببغداد ناصر الحديث وقال أبو داود ما أعلم للشافعي حديثاً خطأ وقال الشافعي ما شيء أبغض إلى من الكلام وأهله قاله في العبر وقال السيوطي في حسن المحاضرة الإمام الشافعي أبو عبد الله محمد ابن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف جد رسول الله والسايب جده صحابي أسلم يوم بدر وكذا ابنه شافع لقي النبي وهو مترعرع ولد الشافعي سنة خمسين وماية بغزة أو بعسقلان أو اليمن أو مني أقوال ونشأ بمكة وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين والموطأ وهو إبن عشر وتفقه على مسلم بن خالد الزنجي مفتي مكة وأذن له في الإفتاء وعمره خمس عشرة سنة وأخذوا عنه وأقام بها حولين وصنف بها كتابه القديم ثم عاد إلى مكة ثم خرج إلى بغداد سنة ثمان وتسعين فأقام بها شهراً ثم خرج إلى مصر وصنف به كتبه الجديدة (2/9) ________________________________________ 10 كالأئم وال مالي الكبرى والإملاء الصغير ومختصر البويطي ومختصر المزني ومختصر الربيع والرسالة والسنن قال ابن زولاق صنف الشافعي نحواً من مائتي جزء ولم يزل بها ناشراً للعلم ملازماً للإشتغال إلى أن أصابته ضربة شديدة فمرض بسببها أياماً ثم مات يوم الجمعة سلخ رجب سنة أربع ومائتين قال ابن عبد الحكم لما حملت أم الشافعي به رأبت كأن المشتري خرج من فرجها حتى انقض بمصر ثم وقع في كل بلد منه شظية فتأوله أصحاب الرؤيا أنه يخرج عالم يخص علمه أهل مصر ثم يتفق في سائر البلدان وقال الإمام أحمد أن الله تعالى يقيض للناس في كل راس مائة سنة من يعلمهم السنن وينفى عن رسول الله الكذب فنظرنا فإذا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز وفي رأس المائتين الشافعي وقال ابن الربيع كان الشافعي يفتي وله خمس عشرة سنة وكان يحيى الليل إلى أن مات وقال أبو ثور كتب عبد الرحمن بن مهدي إلى الشافعي أن يضع له كتاباً فيه معاني القرآن ويجمع مقبول الأخبار فيه وحجة الإجماع وبيان الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة فوضع له كتاب الرسالة قال الأسنوي الشافعي أول من صنف في أصول الفقه باجماع وأول من قرر ناسخ الحديث من منسوخه وأول من صنف في أبواب كثيرة من الفقه معروفة اه كلام السيوطي وكان يقول ودت أن لو أخذ عني هذا العلم من غير أن ينسب إلى منه شيء وقال ما ناظرت أحداً إلا وددت أن يظهر الله الحق على يديه وكان يقول لأحمد بن حنبل يا أبا عبد الله أنت أعلم بالحديث مني فإذا صح الحديث فأعلمني حتى أذهب إليه شامياً كان أو كوفياً أو بصرياً وكان رضي الله عنه مع جلالة قدره شاعراً مفلقاً مطبوعاً فمن شعره الرائق الفائق قوله ( وما هي إلا جيفة مستحيلة * عليها كلاب همهن اجتذابها ) ( فإن تجتنبها كنت سلما لأهلها * وأن تجتذبها نازعتك كلابها ) (2/10) ________________________________________ 11 ( ماحك جلدك مثل ظفرك * فتول أنت جميع أمرك ) ( وإذا بليت بحاجة * فاقصد لمعرف بقدرك ) وقوله معارضاً لابن الأزرق وهو الغاية في المناة ( إن الذي رزق اليسار ولم ينل * أجراً ولا حمداً لغير موفق ) ( فإذا سمعت بأن مجدوداُ حوى * عوداً فأتمر في يديه فصدق ) ( وإذا سمعت بأن مجذوذاً أتى * ماءاً لير به فغاض فحقق ) ( لو أن بالحيل الغنى لوجدتني * بنجوم ارجاء السماء تعلقي ) ( لكن من رزق الحجا حرم الغنى * ضدان مفترقان أي تفرق ) 0 وأحق خلق الله بالهم امرؤ * ذو همة يبلى برزق ضيق ) ( وما الدليل على القضاء وكونه * بؤس اللبيب وطيب عيش الحمق ) وله ( من نال متى أو علقت بذمته * أبرأته لله شاكر منته ) ( أأرى معوق مؤمن يوم الجزا * أو أن أسوء محمداً في امته ) وقال ( إذا المرء أفشى لصديقه * ودل عليه غيره فهو أحمق ) ( إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه * فصدر الذي أودعته السر أضيق ) 0 ومما ينسب إليه ( على ثياب لو تباع جميعها * بفلس لكان الفلس منهن أكثرا ) ( وفيهن نفس لو تقاس بمثلها * نفوس الورى كانت أعزو أكبرا ) وفيها قاضي ديار مصر اسحق بن الفرات أبو نعيم التجيبي صاحب مالك قال الشافعي ما رأيت بمصر أعلم باختلاف الناس من اسحق بن الفرات رحمه الله وقد روى اسحق رحمه الله أيضاً عن حميد بن هاني والليث بن سعد وغيرهما (2/11) ________________________________________ 12 وفي ثامن عشر شعبان أشهب بن عبد العزيز أبو عمرو والعامري صاحب مالك وله أربع وستون سنة وكان ذا مال وحشمة وجلالة قال الشافعي ما أخرجت مصر أفقه من أشهب لولا طيش فيه وكان محمد بن عبد الله بن عبد الحكم سمعت أشيب يدعوه على الشافعي بالموت فبلغ ذلك الشافعي فقال ( تمنى رجال أن أموت وأن أمت * فتلك طريق لست فيها بأ وحد ) ( فقهل للذي يبغي خلاف الذي مضى * تزود لأخرى مثلها فكأن قد ) ومكث أشهب بعد الشافعي شهراً قال ابن عبد الحكم وكان قد اشترى من تركة الشافعي عبداً فاشتريت ذلك العبد من تركه الشافعي عبداً فاشتريت ذلك العبد من تركه أشهب وفيها أبو على الحسن بن زياد اللؤلؤى الكوفي قاضي الكوفة وصاحب أبي حنيفة وكان يقول كتبت عن ابن جريج اثني عشر اأف حديث قال في العبر ولم يخرجوا له في الكتب الستة لضعفه وكان أساً في الفقه اه وفيها الإمام أبو داود الطيالسي واسمه سليمان بن داود البصري الحافظ صاحب المسند كان يسرد من حفظه ثلاثين ألف حديث قال الفلاس ما رأيت احفظ منه وقال عبد الرحمن بن مهدي هو أصدق الناس قال في العبر قلت كتب عن ألف شيخ منهم أبوعون وطبقته اه وقال ابن ناصر الدين الحافظ الكبير من الحفاظ على حفظه قال عمر بن شيبة كتبوا عن أبي داود من حفظه أربعين ألف حديث اه وقيل أنه أكل حب البلادر لأجل الحفظ والفهم فأحدث له جزاماً وبرصا وفيها شجاع بن الوليد الكفوي أبو بدر قال ابن ناصر الدين كان ثقة ورعا عابداً متقنا اه وقال في العبر كان من صلحاء المحدثين وعلمائهم روى عن الأعمش والكبار قال سفيان الثوري ليس بالكفوة أبعد من شجاع بن الوليد اه وفيها أبو بكر الحنفي عبدا لكبير بن عبد المجيد أخو أبي على الحنفي بصرى مشهور صاحب حديث روى عن خيثم بن غزال وجماعة (2/12) ________________________________________ 13 وفيها أبو نصر عبد الوهاب بن عطاء الخفاف بصري صاحب حديث واتقان سمع من حميد وخالد الحذاء وطائفة قال ابن ناصر الدين عبد الوهاب بن عطاء العجلي الخفاف أبو نصر أحد علماء البصرة والحفاظ الهرة جاء توثيقه عن الدارقطني وابن معين وتكلم فيه البخاري وغيره بأنه ليس بالقوى فقيه لين اه وفيها هشام بن محمد بن السائب الكلبي الأخباري النسابة صاحب كتاب الجمهرة في النسب ومصنفاته تزيد على مائة وخمسين تصنيفاً فيال التاريخ والأخبار وكان حافظاً علامة إلا أنه متروك الحديث فيه رفض روى عن أبيه وعن مجالدين سعيد ويغرهما قاله في العبر سنة خمس ومائتين فيها توفي اسحق بن منصور السكوني الكوفي روى عن إسرائيل وطبقته وفيها أبو عبد الله بسر بن بكر الدمشقي ثم التنيسي محدث تنيس حدث عن الأوزاعي وجماعة زفي جمادى الأولى أبو محمد روح بن عبادة القيسي البصري الحافظ روى عن ابن عون وابن جريج وصنف في السنن والتفسير وغير ذلك وعمر دهراُ قال ابن ناصر الدين روح بن عبادة بن العلاء بن حسان القيسي البصري أبو محمد ثقة مكثر مفسر انتهى وفيها الزاهد القدوة أبو سليمان الدارني العنسي أحد الإبدال كان عديم النظير زهداً وصلاحاً وله كلام رفيع في التصوف والمواعظ من كلامه من أحسن في نهاره كوفيء في ليلة ومن أحسن في ليله كوفيء في نهاره ومن صدق في ترك شهوة ذهب الله بها من قلبه والله أكرم من أن يعذب قلباً ترك شهوة له وأفضل الأعمال خلاف هوى النفس وله كرامات و خوارق ونسبته إلى داريا قربة بغوطة دمشق أو داران قيل وهذا الصحيح والعنسى نسبة إلى عنس بن مالك رجل من مذحج (2/13) ________________________________________ 14 وفيها أوفى التي قبلها وبه جزم ابن ناصر الدين أبو عامر العقدي عبد الملك ابن عمرو والبصري أحد الثقات المكثرين روى عن هشام الدستوائي قال ابن ناصر الدين كن أماماُ أميناً ثقة مأموناً وفيها محمد بن عبيد الطنافسي الحدب الكوفي الحافظ سمع هشام بن عروة والكبار قال ابن سعد كان ثقة صاحب سنة وقال ابن ناصر الدين هو وأخواه يعلى وعمر من الموثقين اه وفيها قارىء أهل البصرة يعقوب بن أسحق الحضرمي مولاهم المقرىء النحوي أحد العلام قرأ على أبي المنذر سلام الطويل وسمع من شعبة وأقرانه تصدر للأقراء والتحديث وحمل عنه خلق كثير وله في القراءة رواية مشهورة ثامنة على قراءة السبعة رواها عنه روح بن عبد المؤمن وغيره واقتدى به البصريون وأكثرهم على مذهبه بعد أبى عمرو بن العلاء وقد حافظ البغوي في تفسيره على رواية قراءته وقراءة أبي جعفر يزيد بن القعقاع وذكر سندهما إلى رسول الله قال أبو حاتم السستاني كان يعقوب الحضرمي أعلم من أدركنا في الحروف والإختلاف في القرآن العظيم وتعليله ومذاهبه ومذاهب النحو بين فيه وكتابه الجامع جمع فيه بين عامة الإختلاف ووجوه الفراءات ونسب كل حرف إلى منن قرأ به سنة ست ومائتين وفيها استعمل المأمون على بغداد اسحق بن إبراهيم الخزاعي فوليها مدة وهو الذي كن يمتحن الناس بخلق القرآن في أيام ا لمأمون والمعتصم والواثق وفيها كان المد الذي غرق منه السواد ذهبت الغلات وفيها نكث بابك الخرمي عيسى بن محمد بن أبي خالد وفيها استعمل المأمون على تجارته نصر بن شيث وولاه الديار المصرية (2/14) ________________________________________ 15 وفيها في رجب توفي أبو حذيفة اسحق بن بشر البخاري وصاحب المبتدأ روى عن إسماعيل بن أبي خالد وابن جريح والكبار فأكثر وأغرب وأتى بالطامات فتركوه وفيها في ربيع الأول حجاج بن محمد المصيصي العور صحب ابن جريج وأحد الحفاظ الثقات المتقنين المكثرين الشابطين قال أحمد ما كان أصح حديثه وأضبطه وأشد تعاهده للحروف وشبابة بن سوار المدايني الحافظ روى عن ابن أبي ذئب وطبقته وكان ثقة مرجئاً وفي رمضان عبد الله بن نافع المدني الصائغ الفقيه صاحب مالك روى عن زيد بن أسلم وطائفة قال أحمد بن صالح كان أعلم الناس برأى مالك وحديثه وقال أحمد بن حنبل لم يكن صاحب حديث بل كان صاحب رأى مالك ومفتي المدينة وخرج له مسلم والأربعة قال في المغني عبد الله بن نافع الصائغ عن مالك وثق وقال البخاري في حفظه شيء قال أحمد بن حنبل لم يكن بذاك في الحديث اه وفيها محاضر بن المورع الكوفي روى عن عاصم الأحول وطبقته وهو صدوق وقد خرج له مسلم وأبو داود والنسائي قال في المغني عن الأعمش وغيره قال أبو زرعة صدوق وقال أبو حاتم ليس بالقوي وقال أحمد كان مغفلاً جداً لم يكن من أصحاب الحديث أه وفيها قطرب النحوي صاحب سيبويه وهو الذي سماه قطراً لأنه كان يبكر في المجيء إليه فقال ما أنت إلا قطرب ليل وهي دويبة لا تزال تدب ولا تهتدي فغلب عليه وكنية قطرب أبو على واسمه محمد بن المستنير البصري اللغوي كان من أئمة عصره صنف معاني القرآن وكتاب الإشتقاق وكتاب القوافي وكتاب النوادر وكتاب الأزمنة وكتاب الأصول وكتاب الصفات وكتاب (2/15) ________________________________________ 16 العلل في النحو وكتاب الأضداد وكتاب خلق الإنسان وكتاب خلق الفرس وكتاب غريب الحديث وكتاب الهمز وكتاب فعل وأفعل وكتاب الرد على الملحدين في متشابه القرآن وغير ذلك وهو أول نم وضع المثلث في اللغة وتبعه البطليوسي والخطيب وكان يعلم أولاد أبي دلف العجلي وفيها مؤمل بن إسماعيل في رمضان بمكة وكان من ثقات البصر روى عن شعبة والثوري وفيها أبو العباس وهب بن جرير بن حازم الأزدي البصري المحافظ أكثر عن أبيه وابن عون وعدة وفيها الإمام الزياتي يزيد بن هارون أبو خالد الواسطي الحافظ روى عن عاصم الأحول والكبار قال علي بن المديني مارأيت رجلاً قط احفظ من يزيد ابن هارون يقول احفظ أربعة وعشرين ألف حديث بإسنادها ولا فخر وقال يحيى بن يحييى التميمي هو احفظ من وكيع وقال أحمد بن سنان القطان كان هو وهشيم معروفان بطول صلاة الليل والنهار وقال يحيى بن أب يطالب سمعت من يزيد ببغداد وكان يقال أن في مجلسه سبعين ألفاً وقال ابن ناصر الدين كان حافظاً إماماُ ثقة مأموناً مناقبه جمة خطيرة قال شعيب سمعت يزيد يقول احفظ أٍربعة وعشرين ألف حديث ولا فخر واحفظ للشاميين عشرين ألفاً لا أسأل عنها اه سنة سبع ومائتين فيها توفي طاهر بن الحسين فجاءة على فراشه وحم ليلة وكان تلك الأيام قد قطع دعوة المأمون وعزم على الخروج عليه فأتى الخبر إلى المأمون بأنه خلعه فما أمسي حتى جاءه الخبر بموته وقام بعده ابنه طلحة فأقره المأمون على خراسان فوليها سبع سنن وبعده ولى أخوه عبد الله قال ابن الأهدل طاهر بن الحسين الخزاعي وقيل مولاهم الملقب ذا اليمينين كان جواداُ شجاعاً ممدحاً وهو الذي قتل (2/16) ________________________________________ 17 الأمين وكان المأمون قد أخدمه غلاماه رباه وأمره أن رأى منه ما يريبه سمه فلما تمكن طاهر من خراسان قطع خطبة المأمون أي وخطب لنفسه فأصبح يوم السبت ميتا واستخلف المأمون ولده طلحة بن طاهر وقيل جعله نائبا لأخيه عبد الله بن طاهر وسيأتي ذكر ولده عبد الله سنة ثلاثين وولد ولده سنة ثلثمائة أه وفيها أبو عون جعفر بن عون بن جعفر بن عمرو حريث المخزومي العمري الكوفي عن نيف وتسعين سنة سمع من الأعمش وإسماعيل بن أبي خالد والكبار قال أبو حاتم صدوق وعبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد التميمي التنوري أبو سهل روى عن أبيه هشام الدستوائي وشعبة وكان ثقة صاحب حديث قال ابن ناصر الدين كان محدث البصرة وأحد الثقات اه وفيها عمر بن حبيب العدوي البصري في أول السنة روى عن حميد الطويل ويونس بن عبيد وجماعة وولي قضاء الشرقية للمأمون قال ابن عدي هو مع ضعفه حسن الحديث وقال في المغني عمر بن حبيب العدوي القاضي عن هشام بن عروة كذبه ابن معين وقال النسائي ضعيف وقال ابن عدي مع ضعفه يكتب حديثه اه وفيها قراد أبو نوح بن غزوان عبد الرحمن بن غزوان الخزاعي توفي ببغداد وحدث عن عوف وشعبة وطائفة قال أحمد بن حنبل كان عاقلا من الرجال وقال ابن المديني ثقة وقال ابن معين ليس به بأس وكثير بن هشام الكلابي الرقي رواية جعفر بن برقان توفي ببغداد في شعبان وفيها محمد بن عبد الله بن كنانة الأسدي النحوي الأخباري الكوفي سمع هشام بن عروة والأعمش ومات في شوال على الصحيح قال في المغني محمد بن كنانة الأسدي عن الأعمش وثقه ابن معين وغيره وقال أبو حاتم لا يحتج به أه (2/17) ________________________________________