سُمُّنا المُفَضَّل

من معرفة المصادر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سُمُّنا المُفَضَّل

د.إيهاب عبد الرحيم محمد

قليل من الزئبق هو كل ما يحتاجه البشر لقتل أنفسهم بهدوء، وببطء، بصورة مؤكدة ..

لنبدأ بحقيقة لا جدال فيها: إن الزئبق mercury مادة سامة وخطيرة بصورة لا تصدق.. فنقطة واحدة منه على اليد البشرية قد تكون مميتة بصورة لاعكوسة، كما أن قطرة واحدة منه في بحيرة ضخمة تجعل كل السمك الموجود فيها غير مأمون أكله.

يعد الزئبق ، والذي كثيراً ما يشار إليه باسم الفرَّار (quicksilver)، المعدن الشائع الوحيد الذي يوجد سائلاً في درجة حرارة الغرفة. وقد اعتقد الخيميائيون ، بمن فيهم إسحق نيوتن الشاب، بأنه مصدر الذهب. أما في العصور الحديثة، فقد أصبح من المكونات الشائعة للطلاء، ومدرات البول diuretics ، ومبيدات الهوام pesticides، والبطاريات والمصابيح الفلورسنتية، وكريمات الجلد، والأدوية المضادة للفطريات، واللقاحات التي تعطى للأطفال، وموازين الحرارة، بطبيعة الحال. وربما كان بعضه موجوداً في فمك الآن: فحشوة الأسنان المسماة بالفضية تحتوي – في الحقيقة – على 50% من الزئبق.

والزئبق كذلك من النواتج الثانوية للعديد من العمليات الصناعية؛ ففي الولايات المتحدة ، تضخ محطات الكهرباء التي تدار بالفحم وحدها نحو 50 طنا من الزئبق في الهواء سنوياً. ويتحول هذا الزئبق إلى أمطار تهطل من السماء على المحيطات ، والبحيرات والأنهار ، والجداول المائية، حيث تتركز في لحوم الأسماك، والمحار، وكلاب البحر، والحيتان. وقد ذكرت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية FDA في العام الماضي أن هناك الكثير من الزئبق في البحر لدرجة يتوجب معها على النساء في سن الإنجاب أن يقيّدن استهلاكهن من أسماك المحيطات الكبيرة إلى الحد الأدنى. لكن هذا التحذير أتى متأخراً للغاية بالنسبة لكثير من الأمهات. وقد أظهر بحث شمل كافة الولايات المتحدة، أجرته مراكز مكافحة الأمراض CDC، أن واحدة من كل 12 امرأة في سن الإنجاب لديها "بالفعل " مستويات غير آمنة من الزئبق في الدم، وأن نحو 600.000 رضيعا في الولايات المتحدة قد يكونوا معرضين للخطر. لكن ذلك يستدعي سؤالاً حيوياً: معرضين لخطر ماذا؟

أصيب الأطفال المولودون للأمهات المصابات بتلوث الزئبق في منطقة خليج ميناماتا Minamata الياباني في عام 1956، بإعاقات عصبية وخيمة تشمل الصمم، والعمى، والتخلف العقلي، والشلل الدماغي؛ أما في بعض البالغين، فمن الممكن أن يؤدي التسمم بالزئبق إلى التنمل، والتعثر، والخَرف، والوفاة. يقول عالم السموم ألان ستيرن Stern، وهو أحد المشاركين في تقرير أصدره عام 2000 المجلس الوطني للبحوث NRCعن سمية الزئبق: "ليس سراً أن أقول بأن التعرض للزئبق بالغ السمية". لكن التعرضات العالية المستوى مثل تلك التي وقعت في ميناماتا لا يمكنها مساعدة العلماء على تحديد ما إن كان وجود ست حشوات فضية في أسنانك، إضافة إلى تناول شطيرة أسبوعيا من سلطة التونة ستصيبك بالتسمم أو تُسَمِّم جنيناً لم يولد بعد. يقول ستيرن:" السؤال الأهم هو: "ما هي تأثيرات التعرض المنخفض المستوى؟".

وتشير البيانات المتوافرة حالياً إلى أن التأثيرات السامة قد تظهر عند مستويات أقل مما قد يتوقعه الجميع. وتُظهر بعض الدراسات أن الأطفال الذين تعرضوا لكميات ضئيلة من الزئبق في الرحم لديهم منعكسات أبطأ، وإعاقات لغوية، إضافة إلى قصر فترات الانتباه. وفي البالغين، تظهر الدراسات الحديثة وجود رابطة محتملة بين أمراض القلب وبين ابتلاع الزئبق نتيجة لتناول الأسماك . وتدّعي مجموعات بحثية أخرى أن التعرض للزئبق مسؤول عن الإصابة بمرض باركنسون(الشلل الرعاش)، والتصلب المتعدد، ومرض ألزهايمر، وارتفاع معدلات الإصابة بالتوحد autism.

أما كيف – وبأية صورة - يُحدث الزئبق ضرره السام، فلا يزال غير معروف على وجه التحديد. ومع ذلك، يتفق العلماء وصناع السياسات على أن المزيد من تنظيم استعماله أمر حتمي. وقد انتهت وكالة حماية البيئة الأمريكية EPA لوضع اللمسات الأخيرة على قانونها الأول المثير للجدل بخصوص تقليص انبعاثات الزئبق من محطات الطاقة في شهر مارس 2005، كما اجتمع مندوبون من برنامج الأمم المتحدة البيئي في أواخر فبراير من نفس العام لمناقشة إيجاد إجماع دولي للحد من استخدام الزئبق وانبعاثاته.

قبل عقد من الزمن، اتفق الباحثون والمشرِّعون على أن الرصاص، وهو معدن ثقيل آخر، يضر بصحة الأطفال عند مستويات تبلغ سُدس ما كان يعتقد في السابق، لكن العلماء احتاجوا إلى عقود لكي يتعرفوا بالتحديد على مجال والمستوى المنخفض للتسمم بالرصاص. ويعد الزئبق اليوم ملوثاً كلي الوجود. وقد يحتوي دم الأمريكي العادي على ميكروجرامات عديدة منه في كل لتر من دمه، وربما تضاعف العبء الجوي atmospheric burden من الزئبق ثلاث مرات منذ بداية العصر الصناعي. ومهما كان نوع الإجراء اللازم لحماية البشرية من حبها للزئبق، فمن الأفضل أن يتم في أقرب فرصة.

في أغسطس 1996، قامت كارين ويترهان Wetterhahn، وهي أستاذة الكيمياء بكلية دارتموث في مدينة هانوفر بولاية نيوهامبشير ، بإراقة بضع قطرات من مركب معملي يسمى ثنائي ميثيل الزئبق في إحدى يديها.. كانت ترتدي قفازات المختبر المصنوعة من اللاتكس، لذلك فلم تفكر بالأمر كثيرا. وقد رآها أحد زملائها في مؤتمر علمي في شهر نوفمبر التالي، وهو عالم السموم ڤاس أبوشيان Aposhian ، من جامعة أريزونا، والذي علّق على الأمر قائلاً :" قالت أنها تعتقد أنها أصيبت بنزلة برد". لكن عندما تم تشخيص ويترهان للإصابة بتسمم الزئبق، في يناير التالي، كان الوقت متأخراً جداً؛ فبرغم معالجتها لاحقاً لإفراغ الزئبق من جسدها، دلفت إلى حالة إنباتية في شهر فبراير، ومن ثم توفيت في شهر يونيو التالي.

ولا يستطيع العلماء تفسير سبب احتياج الزئبق أحياناً لشهور لكي يظهر تأثيراته، ويقول توم كلاركسون Clarkson ، وهو عالم بالسموم في المركز الطبي لجامعة روشستر:" لو علمنا ذلك، لعرفنا الكثير عن كيفية تسميم الزئبق للمخ".

تعتمد درجة سمية الزئبق على نمط التعرض وطريقة وصوله إلى الجسم ؛ فبوسعك ابتلاع النوع السائل من الزئبق العنصري elemental دون خوف كبير لأنه لا يخترق بسهولة بطانة المعدة والأمعاء. ومن ناحية أخرى، فالزئبق السائل يتبخر في درجة حرارة الغرفة، فإذا استنشقت هذا البخار فسينتقل مباشرة من الرئتين إلى تيار الدم ومنه إلى الدماغ. ومن الممكن أن يتسبب بخار الزئبق المنبعث من ميزان حرارة مكسور إلى تسميم جو غرفة كاملة- وهو أحد الأسباب التي دعت بعض المدن والعديد من الولايات لحظر بيع موازين الحرارة المحتوية على الزئبق.

وكذلك يتحد الزئبق مع العناصر الأخرى مكوناً أملاحاً ومركبات عضوية ذات درجة سمية متفاوتة. وثنائي ميثيل الزئبق- وهو المادة التي سمَّمت عالمة الكيمياء بكلية دارتموث – وهو شكل تخليقي من الزئبق العضوي والذي نادراً ما يوجد خارج المختبرات؛ لذلك فإن مركباً عضوياً أبسط – هو ميثيل الزئبق – يكتسب أهمية أكبر بكثير، ذلك أنه الشكل الذي يوجد في لحوم الأسماك. وتمثل الأطعمة البحرية واحداً من أكثر مصدرين شيوعاً للتعرض للزئبق في البالغين. وبرغم أن تركيزات الزئبق في الهواء والمياه في ازدياد، فهي لا تزال أقل بكثير من أن تدعو للخطر. لكن البكتيريا تعالج الزئبق الموجود في البحيرات والمحيطات وتحولها إلى شكل يتراكم في الأنسجة الحية؛ تلتهم العوالق البحرية البكتيريا، وتُلتَهم بدورها من قبل الأسماك الصغيرة. ومع كل وجبة، يرتفع تركيز الزئبق. وبعد ذلك تقوم الأسماك الأكبر بالتهام الأسماك الصغيرة، مما يزيد تركيز الزئبق في أنسجتها بصورة أكبر؛ فالأسماك الموجودة عند قمة سلسلة الطعام Food chain تحتوي على أعلى تركيزات الزئبق. ويمكن للأنواع التي حددتها مؤخراً لجنة استشارية من الإدارة FDA- وهي الضواري الضخمة مثل أسماك التونة من نوع ألباكور albacore، وأسماك القرش و أبوسيف swordfish – أن تحتوي على تركيزات للزئبق في أنسجتها تزيد بمائة مرة عما تحتويه الأسماك الصغيرة.

ويمر ميثيل الزئبق الموجود في لحوم الأسماك بسهولة عبر الأمعاء البشرية وصولاً إلى تيار الدم، ومنه إلى جميع الأعضاء والأنسجة. ويبدو أن تأثيره يبلغ أقصاه في الدماغ، لأن هذا المركب ينجذب بشدة إلى جزيئات دهنية تسمى الشحميات lipids، والمعروف أن الدماغ يحتوي على أعلى تركيزات الشحميات في سائر أعضاء الجسم. ويعبر ميثيل الزئبق الحائل الدموي الدماغي BBB الواقي، عن طريق الارتباط بأحد الأحماض الأمينية الأساسية الذي يمتلك بروتينات حاملة خاصة به تعمل على نقله إلى خلايا الدماغ. وبمجرد وصوله إلى خلايا الدماغ، يتحول بعضه إلى شكل لا عضوي يلتصق ويعطِّل العديد من البروتينات والإنزيمات البنيوية اللازمة لعمل الخلايا.

يقول بويد هارلي Harley، وهو عالم بالكيمياء الحيوية في جامعة كنتاكي:" يمكن للزئبق تدمير الوظيفة البيولوجية لأي بروتين يرتبط به". وقد علم الباحثون مقدار الزئبق الذي يمكن للجسم تحمله من الدراسات التي أجروها على ضحايا التسمم المأسوي، مثل اليابانيين الذين أصابهم المرض نتيجة لتناول أسماك خليج ميناماتا ، والعراقيين الذين تناولوا الحبوب المعالجة بمواد حافظة مشتقة من ميثيل الزئبق في أوائل السبعينيات من القرن العشرين. لكن هذه الدراسات لا تظهر الحد الأدنى اللازم من الزئبق لإحداث الأذى. عند تشخيصها، كان دم عالمة دارتموث يحتوي على 4000 ميكروجرام من الزئبق لكل لتر، كما يمكن لغذاء يحتوي على كمية كبيرة من الأسماك أن يسبب وجود مستويات تبلغ نحو 25 ميكروجراما من الزئبق لكل لتر من الدم، هو مقدار يقل بكثير عن الجرعة المميتة، لكنه قد لا يزال غير آمن أيضاً.

وتستحوذ المخاوف حول السمية المنخفضة المستوى علىمناقشات العلماء حول مصدر آخر واسع الانتشار للتعرض للزئبق؛ وهو الزئبق العنصريelemental mercury ، والذي يمثل 50% من حشوات الأسنان الفضية، وينبعث عنه غبار الزئبق، تماماً كما يفعل الزئبق السائل. ويمثل الغبار المنطلق عن الملغم السني المصدر الرئيسي لكمية الزئبق التي تتراوح بين 1-8 مجم، والتي يحتويها كل لتر من الدم، والتي توجد، حسب بعض المصادر، وفي دم الأمريكي البالغ المتوسط. وتتلاقى تلك الكمية بصورة مقلقة مع المستوى الحالي الذي تعتبره وكالة حماية البيئة آمناً، وهو 5.8ميكرو جرام/لتر. إلا أن المستويات الآمنة لوكالة حماية البيئة مبنية على التعرض للزئبق الميثيلي، والذي نعرف عنه أكثر؛ لكن لا توجد دراسات بشرية لتقييم التعرض المديد لمستويات منخفضة من بخار الزئبق. وقد أشارت إحدى الدراسات إلى حدوث شذوذات عصبية وسلوكية طفيفة في أطباء الأسنان، والذين يستخدمون ما مجموعه 300 طنا متريا من الزئبق في الحشوات السنية ( الملغم) سنوياً، والذين كثيراً ما يحتوي بولهم على 2-5 أضعاف التركيز النمطي من الزئبق.

يقول هالي، والذي يصرِّح على الملأ بمخاطر حشوات الأسنان:" أعتقد أن الزئبق الميثيلي الموجود في السمك هو أقل مصادر تعرضنا للزئبق سمية". ولم يتم اختبار سلامة حشوات الأسنان الفضية مطلقاً، يقول أبوشيان: " لن يتم حل لغز الملغم حتى نقوم بإجراء تجربة إكلينيكية مثل تلك التي نجريها على المعدات الطبية الأخرى". أما ستيرن، والذي يرى أن القضية تزداد تعقيداً باحتمال حدوث ذعر وملاحقات قضائية، فيقول :" ليس من الواضح حقا ما الذي يحدث للملغم السني، إنه مثل وكر الثعابين". وتتضمن الدروس المستفادة من حادثة ميناماتا أن الزئبق، مثله مثل الرصاص، أشد تأثيراً على الأجنة منه على الأمهات اللائي يحملنها، أو على البالغين عموماً. وفي تلك الحادثة اليابانية ، ولدت الأمهات اللاتي لم تظهر عليهن علامات واضحة للتسمم، أطفالاً مصابين بتشوهات وخيمة. يقول فيليب جراندجين Grandjean، وهو عالم بالوبائيات في كلية الصحة العامة بجامعة هارڤارد:" كان من الواضح أن هناك اختلاف رئيسي في قابلية الإصابة بالتسمم بين الدماغ النامي والدماغ البالغ. عندما شاهدنا التسمم الوخيم في ميناماتا، جعلنا ذلك نتساءل عما إذا كان الزئبق شبيهاً بالرصاص".

أظهرت الدراسات المتعلقة بالرصاص أن حاصل الذكاء IQ ينخفض بمعدل درجتين أو ثلاث درجات تقريباً لكل تضاعف في التعرض قبل الولادة وفي الفترة التالية للولادة مباشرة. ولاكتشاف ما إن كان للزئبق تأثيرات مشابهة، يقوم جراندجين مع بال ڤيهة Weihe من جامعة جنوب الدانمرك ، بإجراء أكبر دراسة حتى الآن على استعراف cognitionوسلوك الأطفال في مجموعة سكانية تتعرض بصورة روتينية لمستويات منخفضة من الزئبق. تتضمن دراسته في جزر فارو Faeroe Islands الدانمركية 1000 زوجا من الأمهات وأطفالهن وتستغرق نحو 20 سنة. وفي سنة نمطية، يستهلك سكان جزر فارو 1000 حوتا مرشدا pilot whale، أو حوت واحد لكل 50 من سكان تلك الجزر. يقول جراندجين " إنهم ينتمون إلى واحد من أكثر شعوب العالم استهلاكا للسمك".

يعد لحم الحيتان من أكثر الأطعمة البحرية تلوثاً ( بالزئبق) ، لأن الحيتان تقع عند قمة سلسلة الغذاء. وحتى لو كان الأمر كذلك، فالزئبق المحتوى في لحوم الحيتان أقل بصورة ملحوظة منذ ذلك الموجود في أسماك ميناماتا المفرطة السمية. وقد أشارت تجربة سابقة أجريت على آكلي أسماك القرش في نيوزيلندا أن مستويات مرتفعة نسبياً من الزئبق في شعر الأم خلال الحمل ترتبط بفقدان طفلها لثلاث نقاط في اختبارات حاصل الذكاء IQ وفي تلك الدراسة، حُددِّت المستويات المرتفعة على أنها 6 أجزاء في المليون أو أكثر في ساق الشعرة hair shaft.

قام جراندجين بإعطاء مجموعة من الاختبارات المعرفية والنمائية المعتمدة لأطفال جزر فارو في سن7 و14 سنة وتشير نتائج بحثين إلى أن حاصل الذكاء ينخفض بمعدل 1.5 نقطة لكل تضاعف في التعرض قبل الولادي للزئبق.

وقد خلص تقرير عام 2000 للمجلس الوطني للأبحاث NRC إلى أن الخطر الموثق في دراسة جراندجين " يرجح أن يكون كافياً للتسبب في زيادة عدد الأطفال الذين يتوجب عليهم بذل مجهود أكبر لمجاراة أقرانهم في الدراسة". يقول جراندجين:"لقد علمنا بوجود استجابة عند مستويات منخفضة . إنها ليست خسارة ضخمة ، لكن من المؤكد أنه ليس تافها."

ومع ذلك، ففي دراسة وبائية طويلة المدى أجريت في جزر سيشل في المحيط الهندي، لم يعثر كلاركسون أخرى حتى الآن على " أي" تأثير على النمو العصبي بسبب التعرض قبل الولادي لمستويات منخفضة من الزئبق في الأطعمة البحرية. ويعلق على ذلك قائلاً:" لا يمكننا استبعاد التأثيرات الناجمة عن التعرض لمستويات تصل إلى 20 جزءاً في المليون أو حتى 12 جزءاً في المليون ." لكنه يخلص إلى عدم وجود خطر متدرج يمتد إلى أدنى مستويات التعرض.

قام تقرير عام 2000 للمجلس الوطني للأبحاث بتقييم دراسات جزر فارو، وسيشل، ونيوزيلندا،وأوصى بأن تقوم وكالة المحافظة على البيئة بوضع معايير للسلامة safety standards بناء على نتائج دراسة جراندجين الأكثر رصانة. وقد قامت الوكالة بذلك بالفعل. والأفضل من ذلك أنها أضافت عامل شك مقداره عشرة أضعاف – وهو هامش للسلامة للوقاية من المجهولات العلمية والفروق الفردية في الاستجابة للسم. ويخفض عامل الشك عتبة التسمم إلى 5.8 مجم/لتر من الدم، و1.2 جزء في المليون في الشعر. والمشكلة في معاملات الأمان أنها تخلق حالة تسممية توسطية toxicological limbo بين الجرعات الضارة بصورة مؤكدة، وبين المستويات التي هي أعلى عن كونها مأمونة. وبالتالي، فعندما اكتشفت الدراسات المسحية لمراكز مكافحة للأمراض CDC أن واحدة من بين كل 12 امرأة أمريكية في سن الإنجاب – أي 8% منهن- لديها مستويات من الزئبق في دمها أعلى من الحد المأمون، فإن مضامين ذلك ليست واضحة، سواء بالنسبة لهن أو بالنسبة للأطفال الذين تحملنهم . يقول عالم الوبائيات توم سينكسSinks:" لا يخبرنا ذلك بوجود خطر ما". أما كلاركسون فيقول:" تتلخص فكرة معامل الأمان safety factor برمتها في حماية الناس؛ وبالتالي لا يمكنك قلبها لاستخدامها كمؤشر على من يكون معرضاً للخطر؛ فإذا كانت لديك مستويات تزيد عن معامل الأمان قليلاً ، فذلك لا يعني بالضرورة أنك في خطر." وهذا النوع من المراجحة hedging، بالإضافة إلى تضارب نتائج الدراسات السكانية، يدع للمنظمون مساحة واسعة من التذبذب. وعلى سبيل المثال، فالإدارة FDA تستخدم معاملاً للأمان أكثر مرونة للزئبق، بناء على دراسات أجريت خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين؛ ففي حين أن المستوى المأمون لدى وكالة حماية البيئة EPA بالنسبة للتعرض اليومي للزئبق هو 0.1 ميكروجرام لكل كيلوجرام ( نحو 2.2 رطل ) من وزن الجسم، يصل المعدل نفسه لدى الإدارة FDA إلى 0.4 ميكروجرام لكل كيلوجرام لكل يوم – والفرق هنا هو أربعة أضعاف كمية الزئبق بالجسم.

ولا تنتهي المخاوف المتعلقة بالتعرض المبكر للزئبق عند الولادة؛ فحتى وقت قريب،كان كثير من الرضّع يتلقون حقناً تحتوي على الزئبق ضمن برنامج تفرضه الولايات وتحترمه الهيئة الطبية. وكان مصدر الزئبق هنا هو مركب يدعى ثيميروزال thimerosal تم استخدامه كمادة حافظة في اللقاحات وغيرها من الأدوية منذ ثلاثينيات القرن العشرين . وفي عام 1999، أوصت الإدارة FDA بعدم استخدام هذا العقار مجدداً في صنع لقاحات الأطفال، فقامت الشركات الصانعة بسحبه من جميع لقاحاتها المضادة للأنفلونزا. لكن بعض العلماء، وكثير غيرهم من الآباء المحزونين مقتنعون بأن الثيميروزال الذي احتوت عليه لقاحات الأطفال، قد سبب بالفعل، أو على الأقل حَفّز، الانتشار الوبائي للتوحد autism في الولايات المتحدة. ويقدر عدد المصابين اليوم بالتوحد في الولايات المتحدة بنحو 400.000 ، وهو الذي كان يعد في السابق اضطراباً عصبياً نادراً يتميز بالانسحاب الاجتماعي، وصعوبة التواصل، وبحركات لا إرادية تكرارية . وبرغم وجود خلاف حول الأعداء الدقيقة للمصابين، فإن معدلات التوصل إلى تشخيص تلك الحالة يبدو أنها ارتفعت بصورة حادة خلال العقد الأخير. وفي ولاية كالفيورنيا، بلغ معدل الإصابة بالتوحد في عام 2002 ستة أضعاف مثيله في عام 1987. وخلال تلك الفترة، أضاف المسؤولون الصحيون الفيدراليون أربعة أنواع جديدة من اللقاحات إلى جدول التطعيم الخاص بالأطفال ، كما أن كمية الزئبق التي تعطى روتينياً للرضّع خلال الأشهر السنة الأولى من الحياة قد تضاعفت أو زادت عن الضعف. وطوال عقد التسعينيات من القرن العشرين، كان الطفل البالغ من العمر ثلاثة أشهر يتلقى ما يصل إلى 63 ميكروجراماً من الزئبق خلال زيارة واحدة للطبيب – وهو ما يصل تقريباً إلى نحو 100 ضعف مستوى الأمان المحدد من قبل وكالة حماية البيئة. وبوصول الطفل إلى سن ستة أشهر، تبلغ كمية الزئبق التي يتعرض لها ، إذا كان تلقى كافة تطعيماته الإجبارية، إلى 188 ميكروجراماً – وذلك عبر سلسلة من تسعة تطعيمات على الأقل.

وبرغم أن الخطوة التي اتخدتها الإدارة FDA عام 1999 قد قللت كمية هذا التعرض كثيراً ، فلا تزال بعض لقاحات الأنفلونزا التي تعطى للرضّع تحتوي على 12.5 ميكروجراما من الزئبق ميكروجرام لكل جرعة- وهو أكثر من عشرة أضعاف مستوى الأمان اليومي المحدد من قبل الوكالة FDAبالنسبة لطفل لا يزيد وزنه على 20 رطلاً.

وتورّط الأدلة الظرفية بدورها الزئبق في إحداث التوحد ؛ فبعض أعراض التوحد تتشابه مع أعراض التسمم بالزئبق، وقد جمّع هالي أدلة مستقاة من عينات الشعر، على أن الأطفال التوحديين لا تتخلص أجسامهم من الزئبق بنفس الكفاءة التي تفعل بها ذلك أجسام الأطفال الأسوياء. وربما كانوا مصابين بقابلية وراثية تسمح بتراكم المزيد من الزئبق في أنسجتهم ، كما يقول.وقد يجعلهم ذلك أكثر حساسية للقاحات vaccines المحتوية على الزئبق، وللتعرض المستمر المنخفض الحدة من حشوات أسنان أمهاتهم. وفي العام الماضي، أخبر أبوشيان لجنة من المعهد الطبي في العاصمة واشنطن بأنه" من المدهش بالنسبة لي أن أحداً لم يقم بتحليل أنسجة الأطفال المصابين بالتوحد لمعرفة ما إن كانت تحتوي على كميات مفرطة من الزئبق؛ وهو أمر لا بد بالفعل من القيام به ". وهناك مصادر أخرى للشك أيضاً ؛ فنوع الزئبق الموجود في الثيميروزال – وهو مركب عضوي اسمه إيثيل الزئبق- هو أقل مركبات الزئبق تعرضاً للدراسة والبحث. وعندما يتجادل العلماء بخصوص سميته، فهم يعتمدون نمطياً على البيانات المتعلقة بميثيل الزئبق، وهو ما قد يمثل نمطياً مماثلاً من التعرّض. ويختلف الخبراء حتى على ما إن كان إيثيل الزئبق يمكن عبور الحائل الدموي الدماغيBBB( رغم أنه يعبره في أغلب الاحتمال). وقد قالت عالمة السموم بولي ساجر Sager، من المعهد الوطني للحساسية والأمراض المُعدية، للجنة المعهد الطبي أنه " لا توجد هناك طرق جيدة لمعرفة ما إن كان إيثيل الزئبق يعبر الحائل الدماغي الدماغي".

وقد خَلُص المعهد الطبي في مايو 2004 إلى أنه لا يمكن الادعاء بوجود علاقة سببية بين اللقاحات المحتوية على الزئبق وبين التوحد، لكن العديد من الباحثين المستقلين اشتكوا من أن دخولهم إلى قاعدة البيانات الفيدرالية عن اللقاحات قد مُنع بصورة متكررة ، وقاعدة البيانات تلك قد تزودهم بأدلة عن وجود مثل تلك العلاقة السببية. ويستمر عدد قليل من العلماء، وبمن فيهم هالي وطبيب الأعصاب ريتشارد ديث Deth، من جامعة نورث وسترن بمدينة بوسطن، في دراسة الآليات المحتملة لمثل هذا الارتباط . وقد ذكر تقرير لديث في عام 2004، على سبيل المثال، أن مادة ثيميروزال تقوم، في الخلايا العصبية البشرية، بتثبيط تفاعل كيميائي يدعى المَثيلة methylatian، وهو ذو أهمية حيوية بالنسبة للنشاط الجيني، والذي يثبَّط أيضاً لدى التعرض للرصاص.

أما التقرير الذي أثار المخاوف لأول مرة حول احتمال وجود علاقة بين اللقاحات وبين داء التوحد، فقد نشر في مجلة " لانسيت" Lancetالطبية البريطانية في عام 1998. وقد وصف التقرير حالة ثمانية أطفال يعانون من مشكلات للحصبة، والنكاف، والحصبة الألمانية MMR. قامت المجلة، وغالبية المؤلفين المشاركين في المقالة، بالتنصل من مسؤوليتهم عن المقالة لأن المؤلف الرئيسي لم يكشف عن كونه قد تلقى أموالاً للقيام بأبحاث لحساب أولياء الأمور الذين يسعون لمقاضاة الشركات الصانعة للقاحات. وبرغم ذلك، فإن عدد الآباء الراغبين في تطعيم أطفالهم بهذا اللقاح قد انخفض في المملكة المتحدة من 90% عام 1998 إلى أقل من 80% في عام 2004؛ وقد واجه المسؤولون الصحيون في الولايات المتحدة تلك الشكوك المتعلقة بالتطعيم بأن أوصوا بإزالة الثيميروزال من لقاحات الأطفال. وبرغم أن الثيميروزال قد يثبت لاحقاً أنه غير مؤذ، إلا أن التهديد الذي يواجه الصحة العامة، والمتمثل في انخفاض معدلات التطعيم، لم يكن بالإمكان تجاهله. وتوجد نفس الموازنة بين المنافع والمخاطر فيما يتعلق بموضوع وجود الزئبق في لحوم الأسماك؛ فالتقرير الحالي للجنة الاستشارية للدلائل الغذائية يوصى بأن يتناول المرء وجبتين من السمك على الأقل كل أسبوع. فالأسماك غنية بالأحماض الدهنية من نوع أوميجا -3، والتي أثبتت فائدتها في الوقاية من أمراض القلب، وهي القاتل رقم 1 في الولايات المتحدة. يقول الدكتور سنيك من المراكز CDC:" نحن نعلم أن الزئبق مادة ضارة، ونعلم أن الأقل منه أفضل بكثير ، كما نعلم أن الأسماك والرخويات أطعمة مغذية للغاية: فهي غنية بالبروتينات، والڤيتامينات، كما تحتوي على دهون صحية".

لكن الأدلة المقلقة تشير إلى أن الزئبق الميثيلي الموجود في الأسماك قد " يسبب" أمراض القلب ؛ فقد أظهرت دراسة استغرقت سبع سنوات أجريت على 1800 رجلاً في فنلندا، أن أولئك الذين يتناولون كميات أكبر من الأسماك تتضاعف لديهم احتمالات الإصابة بالنوبات القلبية مقارنة بمن يحتوي نظامهم الغذائي على كمية أقل من الأسماك. وقد أظهر نفس الرجال نفس النسبة المرتفعة لخطر الوفاة بسبب أمراض الشرايين التاجية والأمراض القلبية الوعائية عموماً. وقد اكتشفت دراسة جراندجين في جزر فارو أن التعرض قبل الولادة للزئبق يسبب زيادة معتبرة في ضغط الدم بين الأطفال البالغة أعمارهم سبع سنين. وأسوأ ما يميز هذه البيانات المثيرة للجدل حول الأمراض القلبية هو أن التأثيرات الضارة تحدث مع مستويات للتعرض للزئبق تساوي أو تقل عن تلك المسببة لأية نتيجة تسممية، بما فيها تلك التغيرات العصبية الطفيفة التي لوحظت في دراسة جزر فارو. وفي آخر فحص أجراه جراندجين على الأطفال في سن الرابعة عشرة، وجد تضاعفاً في معدلات وقوع بعض التأثيرات السامة للأعصاب في وجود خمسة أجزاء في المليون من الزئبق في عينات الشعر. وفي الدراسة الفنلندية، كانت عينات الشعر المأخوذة من الرجال ذوي النسبة المضاعفة من خطر الإصابة بأمراض القلب، تحتوي على جزأين في المليون من الزئبق فقط؛ كان أولئك الرجال يأكلون ما يزيد قليلاً على أونصة من السمك يومياً. ويخمن ستيرن أن 10% من الرجال الأمريكيين قد يكون يتناولون ما يكفي من السمك لرفع خطر إصابتهم بأمراض القلب. يقول :" هناك تفاعل بين الزئبق وبين زيوت السمك، مما يجعل الأمر معقداً للغاية، لأن كلاَ منهما يأتي من نفس المصدر".

وقد ذكر تقرير المجلس الوطني للأبحاث أن المستوى المنخفض للتلوث بالزئبق قد يضر أيضاً بالجهازين المناعي والتناسلي؛ كما يتم استقصاء علاقة الزئبق بأمراض ألزهايمر، وباركنسون ، واضطراب نقص الانتباه والتصلب المتعدد. لكن الكثير التأثيرات النمائية developmental effects للتعرض المنخفض المستوى سيصعب التعرف عليها، كما يقول ستيرن، لأن العضو المصاب أو الوظيفة المعنية ستظل ضمن حدود الطبيعي؛ فمعدلات الذكاء لدى أطفال جزر فارو، على سبيل المثال، لم تكن منخفضة بصورة مرضية؛ وقد احتاج الأمر لتحليلات إحصائية متعمقة لإثبات أنها، ببساطة، أقل مما كان من الممكن أن تصل إليه فيما عدا ذلك. وبالمثل، فبالنسبة لأمراض القلب، باعتبارها أكبر قاتل في الولايات المتحدة، هناك الكثير من المتباينات المربكة. يقول ستيرن :" يشبه الأمر كأنك تبحث عن إشارة وسط الكثير من الضوضاء". وربما زادت قوة الإشارة كثيراً في القريب العاجل؛ ففي حين أن التلوث بالزئبق لم يعد يمثل تهديداً في معظم اللقاحات التي تعطى للأطفال، فمن المرجح أن يزداد الأمر سوءاً في الأسماك؛ فقد ذكر تقرير المجلس الوطني للأبحاث أنه" بسبب التأثيرات المفيدة لاستهلاك الأسماك،هناك حاجة لأن يكون الهدف البعيد المدى هو خفض تركيزات ]الزئبق الميثيلي[ في الأسماك، عوضاً عن استبدال الأسماك في النظام الغذائي بأطعمة أخرى". لكن هذا الهدف لا يقل عن كونه غير واقعي... فقد كان الزئبق من العناصر التي توجد طبيعياً في جو الأرض قبل زمن طويل من قيام المولدات التي تدار بالفحم، وغرف حرق النفايات الطبية ومحطات إنتاج الكلور – القلوي بطرح المزيد منه في الجو. ويتسرب بعض الزئبق إلى الهواء عندما تنفجر البراكين وتتفتت erode الجبال. ومن المنطقي أن الزئبق ظل يتراكم في لحوم السمك ، والمحار والثدييات البحرية منذ أن بدأ البشر في تناولها لأول مرة – وهذا هو الأرجح سبب وجود بروتين يدعى ميتالوثيون metallothione في أجسام البشر،والذي يساعد في إزالة سمية الزئبق وغيره من المعادن الثقيلة. لكن الأنشطة البشرية تتسبب في ارتفاع مُحتوى الغلاف الجوي من الزئبق بنسبة 1.5% سنوياً، حسب هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية ، كما أن هذه المشكلة عالمية. ونحو نصف كمية الزئبق المترسبة في تربة ونهيرات الولايات المتحدة تأتي عبر المحيط الهادئ من آسيا. وفي عام 2004، وجد تقرير للأمم المتحدة أن السم يمكنه أن يرتحل آلاف الأميال عبر الغلاف الجوي ليلوث المناطق البكر وغير المسكونة، مثل القطب الشمالي .ومع ذلك، فقد تهربت الولايات المتحدة حتى الآن من محاولات برنامج الأمم المتحدة للبيئة لإقناعها بالتوقيع على بروتوكول مُلزم لتقليل التلوث بالزئبق في جميع أنحاء العالم. وخلال عقد التسعينيات من القرن العشرين، حققت الولايات المتحدة تقدماً معتبراً في تقليص الانبعاثات من محطات حرق النفايات الطبية والبلدية، كما أن عدد الولايات أصدرت مذكرات إرشادية محلية قد ارتفع من 27إلى 48 العقد الأخير. وبسبب المخاوف المتزايدة، تزداد اللجان الاستشارية بخصوص الزئبق بسرعة أكثر بكثير من مثيلاتها المتعلقة بأي ملوث آخر. وتقوم وكالة حماية البيئة حالياً باستكمال الخطوات النهائية لإصدار قانون يحد من انبعاثات مرافق الطاقة التي تدار بالفحم، والتي تنتج 42% من التلوث المحلي بالزئبق في الولايات المتحدة. وقد كان العرض المبدئي للوكالة يسعى لخفض قدره 70% في الانبعاثات بحلول عام 2018، لكن علماء البيئة يجادلون بأن قانون الهواء النظيف يدعو للوصول إلى خفض في الانبعاثات يصل إلى 90% بحلول عام 2008 .وفي عام 1992، قام مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية بمقاضاة وكالة حماية البيئة لعدم الالتزام بالمعايير المتضمنة في القانون المذكور، وقد توصل الطرفان إلى تسوية في عام 1994. ووفقاً لشروط الاتفاقية بينهما، كان من المطلوب أن تقوم الوكالة بإصدار قانون للحد من الانبعاثات بحلول شهر مارس 2005.