سن يأس الرجال.. حقيقة أم وهم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
سن يأس الرجال.. حقيقة أم وهم ؟
د.إيهاب عبدالرحيم محمد
الحديث عن سن اليأس لا يكاد يشير إلا النساء، برغم وجود ما يشابهه لدى الرجال
بين عمر 40 ـ 55 يمكن أن يتعرض الرجال لظاهرة مشابهة لسن اليأس في السيدات, وتسمى هذه الظاهرة (سن اليأس الذكري) Andropause, ( وقد اشتقت اللفظة الأجنبية من كلمتين يونانيتين andro بمعنى رجل, وPause بمعنى توقف, وهي تعني حرفيا (توقف النشاط الذكري)).. ولكن هل هذه الظاهرة حقيقة أم أنها ضرب من الخيال?
عندما تصل المرأة إلى أواخر الأربعينيات أو أوائل الخمسينيات من عمرها, تتعرض لتغيرات جسمانية مرتبطة بانخفاض الهرمونات الجنسية الأنثوية وتتوقف الدورة الحيضية لديها. وتصاحب هذه التغيرات في كثير من الأحيان بأعراض مثل الومضات الحارة, وتقلب المزاج أو الشعور بالحزن, والجفاف المهبلي, وتغيرات ضمورية في المهبل والجلد, وانخفاض الرغبة الجنسية, وفقدان متسارع للكتلة العظمية, مما يؤدي إلى تخلخل العظام (Osteoporosis). وتسمى هذه التغيرات في المرأة (سن اليأس الأنثوي) (Menopause ). ويمكن معالجة الأعراض والعلامات المتعلقة بهذه الحالة, عموما, بالاستعمال المتعقل للمعالجة التعويضية الهرمونية الطبيعية. ولسوء الحظ, فإن أغلب أطباء الأمراض النسائية اليوم لايستخدمون الهرمونات الأنثوية الطبيعية لتعويض الهرمونات المفقودة, لكنهم يستخدمون هرمونات اصطناعية لاتتوافق بصورة كاملة مع الهرمونات الأنثوية الطبيعية.
تسبب مفهوم سن اليأس الذكري في جدل أكبر بكثير من ذلك الذي سببه سن اليأس الأنثوي, حيث يجادل كثير من الأطباء بعدم وجود هذه الحالة أصلا. ويرجع جزء من سبب الخلاف إلى أنه, بالمقارنة مع النساء, لايظهر الرجال في هذه الحالة علامة خارجية محددة, وهي انقطاع الحيض عند النساء.وعلى الرغم من هذا, ومع أن النساء يظهرن هذه العلامة الخارجية الواضحة, فإن التغيرات التي تحدث في أجسامهن نتيجة لانقطاع الحيض, تحدث بشكل تدريجي على مدى شهور أو حتى سنوات عدة. وتسمى هذه الفترة, والتي تتعرض خلالها المرأة ربما لاضطرابات الدورة الحيضية, والتقلبات المزاجية وتغيرات جسمانية أخرى, بالفترة حول الإياسية (Peri _ Menopausal)
أعراض الإياس في الذكور
يبدأ الرجل غالبا في الشعور بحدوث تغيرات في جسمه بين سن الأربعين والخامسة والخمسين. وقد تترافق هذه التغيرات الجسمانية بتغيرات في المواقف الحياتية والحالة المزاجية. وفي خلال تلك المرحلة يبدأ الرجل في التشكك بصورة مستمرة في قيمه, وإنجازاته وتوجهاته في الحياة. وقد أدت الظاهرة الكلية المشتملة على هذه التغيرات إلى ظهور فكرة (أزمة منتصف العمر) (Mid _ life crisis)
وسنتعرض الآن للتغيرات الجسمانية التي اصطلح على تسميتها بالإياس الذكري أو سن اليأس الذكري, وسنستعرض مايحدث ومايمكن عمله لإبطاء هذه التغيرات الحتمية للتقدم في العمر.
يمكن تقسيم التغيرات الجسدية التي تحدث مع سن اليأس الذكري إلى: تغيرات بولية وجنسية, وتغيرات أكثر عمومية. وتتضمن التغيرات البولية ـ الجنسية, والتي قد تحدث بصورة مجتمعة أو متفرقة وبدرجات متفاوتة الشدة: انخفاض الرغبة الجنسية, وانخفاض الفعالية الجنسية أو صعوبة حدوث الانتصاب أو المحافظة عليه, والمشكلات المتعلقة بالقذف, وانخفاض الخصوبة. أما المشكلات البولية, فتتمثل في كثرة التبول خاصة أثناء الليل, وضعف تيار البول, والتردد خلال التبول, وصعوبة بدء التبول, والسلس البولي . وقد ترجع كل هذه التغيرات, كما سنرى, ولو جزئيا على الأقل, إلى قصور تدريجي في قدرة الخصيتين على إنتاج التستوستيرون, وهو الهرمون الجنسي الذكري. وتكون تلك التبدلات مناظرة للتغيرات التي تحدث في المرأة, والتي تتعرض في سن اليأس لانخفاض في الهرمونات الجنسية الأنثوية, أي الإستروجين والبروجستيرون.
أما الأعراض العامة للفترة الحرجة الذكرية, فتشمل:
1 ـ متلازمة من الأعراض المرضية العامة ـ مثل التعب, وفقدان القوة, وآلام عضلية, وانخفاض القدرة على تأدية الأنشطة الذهنية.
2 ـ متلازمة من الأعراض النفسية ـ العصبية, مثل الشعور بالضيق, والعصبية, والحزن, والأرق, ونقص التركيز, وفقدان الذاكرة.
3 ـ متلازمة من الأعراض العصبية ـ مثل الصداع, وآلام في مؤخرة الرأس وفي العجز, والتي تتشابه مع أعراض التهاب جذور الأعصاب.
4 ـ متلازمة من الأعراض القلبية ـ الوعائية, مثل الشعور بالألم في المنطقة القلبية, واضطراب نبض القلب, وارتفاع ضغط الدم الشرياني.
إن التستوستيرون, مثل كل الهرمونات الجنسية الأخرى, هو في تركيبه الكيميائي هرمون ستيرويدي. والستيرويدات هي مركبات عضوية (تحتوي على الكربون) يشتمل تركيبها الكيميائي على أربع حلقات. وبالإضافة إلى الهرمونات الجنسية ـ الإستروجين, والبروجستيرون, تتضمن المركبات الستيرويدية الأخرى المهمة للجسم فيتامين (د), والكوليسترول وهرمونات قشرة الغدة الكظرية ومنها الكورتيزون, والألدوستيرون, والهيدروكورتيزون والدي هيدرو إبي أندروستينيديون DHEA. ويعد الكوليسترول بمنزلة الأم لكل هذه المركبات.
يعمل التستوستيرون بشكل مباشر على العديد من أنسجة الجسم. لكن, هرمون ثنائي هيدروتستوستيرون, أو DHT ـ وهو هرمون مشتق من التستوستيرون ـ يزيد فعالية بكثير عن التستوستيرون ويؤثر على الغدة البروستاتية والأعضاء الجنسية الأخرى. ينتج الهرمون DHT داخل الغدة البروستاتية وبعض الأعضاء الأخرى, من التستوستيرون, بفعل الإنزيم 5 ألفا ريد كتاز. ودون الهرمون DHT, لايمكن أن تنمو الأعضاءالتناسلية الخارجية أو البروستاتا في الذكر. لذلك فإن الهرمون DHT ضروري للنمو والتطور الطبيعي للبروستاتا, كما أن وجوده ضروري أيضا لحدوث التضخم المرضي للبروستاتا, والمعروف باسم التضخم البروستاتي الحميد (BPH ) في الرجال المسنين. ولهذا السبب, تهدف المعالجات الحديثة لهذه الحالة لتقليل تكوّن الهرمون DHT بتثبيط الإنزيم 5 ألفا ريد كتاز. وقد وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية FDA على الترخيص بعدة أدوية لهذا الغرض, لعل من أشهرها عقار بروسكار.
إن فكرة تعويض التستوستيرون ليست بالجديدة. ونتيجة للاعتقاد بأنه المسئول عن المحافظة على الوظائف الجنسية والحيوية المضمحلة, استخدمت خلاصات الخصي الحيوانية للحقن في الرجال المسنين في مرحلة تاريخية مبكرة تعود إلى القرن التاسع عشر.
وفي إحدى التجارب العلمية البشعة التي جرت أحداثها في أوائل القرن العشرين, تم زرع الغدد التناسلية لنزلاء سجن سان كوينتين الذين ينفذ فيهم حكم الإعدام, في أجسام رجال كانوا يعانون من انخفاض الرغبة الجنسية. ولم يكن من الممكن الحصول على فائدة تذكر من هذه التجربة, بسبب رفض الجسم العنيف للأنسجة الأجنبية المزووعة, والذي لم تكن أسبابه معروفة في ذلك الوقت.
وقد أصبحت مستحضرات التستوستيرون الفموية والآمنة متوافرة منذ 50 سنة على الأقل, لكن لم يتم سوى أخيرا, مع الانتشار الواسع لاختبارات الدم التجارية الدقيقة, تشخيص نقص التستوستيرون بصورة علمية وليس اعتمادا على التخمين والأعراض فحسب.
ينظر أغلب أطباء المسالك البولية للاستعمال العلاجي للتستوستيرون,خاصة للرجال المصابين بتضخم البروستاتا, بقدر كبير من التشكك, نظرا لأن وجوده مهم لتطور التضخم البروستاتي الحميد. ومن الأسباب الأخرى لإحجام أطباء المسالك البولية عن استعمال التستوستيرون:
أ ـ روَّج المتحمسون الأوائل للتستوستيرون فكرة أن التستوستيرون يحمل المفتاح إلى (نبع الشباب), وهي نظرة يسخر منها الطب التقليدي.
ب ـ حقيقة أننا نعرف, ومنذ عقد الأربعينيات, أن نمو وانتشار سرطان البروستاتا كان معتمدا بشكل كبير على وجود التستوستيرون.
جـ ـ أدت إساءة استخدام نظائر التستوستيرون, أو المنشطات الستيرويدية, من قبل الرياضيين, إلى تصنيف التستوستيرون ومشتقاته كعقاقير خطرة.وتبدو أهمية التستوستيرون بالنسبة للوظائف الجنسية والبولية واضحة بشكل حدسي. أما ما لايظهر تماما فهو دور التستوستيرون في وظائف الجسم العامة. فالتستوستيرون هرمون ابتنائي, بمعنى أنه يساعد في بناء الأنسجة البروتينية, بما فيها العضلات, والعظام والأنسجة الرابطة. وهذا ما يمنح التستوستيرون دوره في الوقاية من تخلخل العظام ومعالجته سواء في الرجال أو النساء. ويفيد التستوستيرون أيضا في بناء كتلة العضلات, كما يعرف جميع ممارسي رفع الأثقال. ولسوء الحظ, فإن العديد من رافعي الأثقال وغيرهم من الرياضيين يسيئون استعمال النظائر الصناعية للتستوستيرون, والتي تسمى بالمنشطات الستيرويدية ـ بتناول جرعات مفرطة من هذه العقاقير, مما يمكن أن يؤدي لتأثيرات جانبية خطيرة. وقد يؤدي نقص التستوستيرون إلى ضعف العضلات والعظام. ويعد هذا النقص النسيجي للتستوستيرون من العلامات المميزة لسن اليأس الذكري.
وللتستوستيرون تأثيرات استقلابية مؤثرة, فهو يلعب دورا في منع ومعالجة الداء السكري, وهو مرض يتسم بارتفاع سكر الدم لأن خلايا الجسم تكون غير قادرة على تناول السكر واستقلابه بشكل صحيح. يدخل السكر خلايا الجسم كنتيجة لفعل الإنسولين, بالإضافة إلى مستقبلات الإنسولين الموجودة على الخلايا. وقد يؤدي اضطراب مستقبلات الإنسولين هذه إلى انخفاض السكر الداخل إلى الخلايا, ونتيجة لذلك تحدث زيادة سكر الدم المميزة للداء السكري. ويساعد التستوستيرون مستقبلات الإنسولين على أن تعمل بكفاءة أكبر, مما يقلل الميل نحو الإصابة بالداء السكري, والذي يزيد مع التقدم في العمر. انخفاض الإنتاج
وعلى ذلك, فقد يؤدي انخفاض إنتاج الخصيتين للتستوستيرون مع التقدم في العمر, لحدوث العديد من التغيرات العاطفية والعقلية والجسمية, التي ترى خلال الفترة الإياسية في الرجال. السؤال إذن يدور حول مدى استفادة الرجال من تناول التستوستيرون الطبيعي بجرعات فيزيولوجية مقننة لتعويض انخفاض معدلات التستوستيرون المصاحبة لسن اليأس الذكري. ويتشابه ذلك بشكل مباشر مع استعمال الهرمونات الأنثوية الطبيعية ـ الإستروجين والبروجستيرون ـ خلال سن اليأس في النساء. وعلاوة على ذلك, فكما أن النساء الشابات قد يستفدن من تناول الهرمونات الجنسية الأنثوية الطبيعية, إذا انخفضت معدلات هذه الهرمونات لأسباب متعددة, يمكن للرجال الأصغر سنا أن يستفيدوا من تناول التستوستيرون الطبيعي إذا انخفضت مستوياته في أجسامهم.
وماذا بعد?
يهدف (سن اليأس الذكري) للإشارة إلى نهاية سن الرشد وإعداد الرجال لسن الرشد الثاني. فكر بالحياة وكأنك تتسلق جبلا. وفي نقطة ما بين سن الأربعين والخامسة والخمسين, يصل أغلب الرجال لقمة هذا الجبل. وخلال أغلب فترات التاريخ البشري, كان الرجال يتعرضون ـ بعد تلك المرحلة ـ (لانحدار) سريع ينتهي بوفاتهم. أما الآن, ولأول مرة في التاريخ, يمكننا تجربة دورة الحياة البشرية الكاملة ـ أي أنه بات بوسعنا أن نعايش النصف الثاني من الحياة.يتضمن مرور سن اليأس الذكري السفر الطويل أسفل (جبل) سن الرشد الأول وخلال الوادي الواقع تحته. ولكي نكمل الرحلة, علينا أن نترك المتاع الذي استخدمناه خلال سن الرشد الأول وأن ننمي اهتمامات, وقوة, وتصميم جديدة, لترشدنا خلال رحلة سن الرشد الثاني.
لذلك يمكن اعتبار سن اليأس الذكري, بدلا من علامة على بداية النهاية, على أنه يشير في الحقيقة إلى البداية. فهو يخبرنا بانتهاء مرحلة سن الرشد الأول, وأننا مستعدون لبداية سفر طويل فوق ذلك الجبل الجديد المؤدي إلى سن الرشد الثاني.
يعتقد البعض أن سن اليأس الذكري هو الطريق إلى النسيان, ونهاية قوتنا الجنسية. لكن سن اليأس الذكري ـ بالنسبة لأولئك الذين يمتلكون الشجاعة الكافية لسلوك ذلك الطريق ـ هو الممر إلى الفترة العاطفية, والمنتجة, والهادفة الأهم في حياة الإنسان, وهو الوقت المناسب:
1 ـ للإعداد لسن الرشد الثاني.
2 ـ للانتقال من ضغط (الأداء) الجنسي إلى بهجة (الإنجاز) الجنسي.
3 ـ لتركيز أكثر على الكينونة وأقل على العمل.
4 ـ للارتباط بالرجال الآخرين كأصدقاء وحلفاء, بدلا من اعتبارهم كمنافسين.
5 ـ لوضع حجر الأساس لتكون غنيا, صحيحا, وحكيما.
6 ـ لإنهاء الصراع بين الجنسين والعثور على الألفة, والبهجة, والحب مع شريك الحياة.