سد النهضة الإثيوبي.. فوائد متعددة للسودان
سد النهضة الإثيوبي.. فوائد متعددة للسودان، هو مقال للخبير السوداني سلمان محمد سلمان.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
المقال
شغلت الوسائط الاعلامية وكافة النخب السياسية في الفترة الماضية بسد النهضة الاثيوبي خاصة بعد تغيير مجري النيل الذي تطلبته الاعمال الاولية لمحطة كهرباء السد .. تباينت المواقف والاراء حول قيام السد فبينما يري البعض ان السودان من اكثر المستفيدين من المشروع وان السد يوفر اكثر من 25 مليون دولار هي تكلفة ازالة الاطماء من الخزانات وقنوات الري في القطاع المروي بالبلاد، اضافة الى مساهمته في حجب الفيضانات وتنظيم سريان النيل اضافة الى مناقبه البيئية، وهناك فئة تناهض قيامه بحجة انة سيكون خصما على السودان خشية انهياره واغراق كافة المدن والبلدات بطول مجرى النيل.
مركز دراسات السلام والتنمية بجامعة بحري استضاف الدكتور سلمان محمد احمد سلمان الخبير المتخصص بنزاعات المياه بالبنك الدولي في محاضرة بعنوان : سد النهضة الاثيوبي : الفرص والتحديات ولما كان المتحدث من ابرز الشخصيات الملمة بصراعات المياه حول العالم تنشر (الصحافة) في المساحة التالية المحاضرة كاملة. يقع سدّ النهضة الاثيوبي (والذي كان يُعرف حتى وقتٍ قريب بسدِّ الألفية) على النيل الأزرق (والذي يُعرف في اثيوبيا بنهر أباي) على بعد حوالى 40 كيلومتر من الحدود مع السودان. ويُتوقع أن يقوم هذا السدّ بتوليد 6,000 ميقاواط من الطاقة الكهربائية (أي أكثر من مرتين ونصف من كهرباء السدّ العالي) عند اكتماله بعد أربع سنوات من بدء التنفيذ. وسوف يحجز السدّ 62 إلى 74 مليار متر مكعب من المياه، وهذه الكمية تساوي تقريباً ضِعف كمية مياه بحيرة تانا وأقل بقليل من نصف مياه بحيرة السد العالي (التي تبلغ سعتها 162 مليار متر مكعب). أشارت اثيوبيا إلى أن التكلفة الإجمالية للمشروع تبلغ 4,8 مليار دولار وأن الحكومة الإثيوبية ستقوم بتمويل المشروع من مواردها ومن خلال إصدار سندات للإثيوبيين. وتقوم الشركة الايطالية “ساليني” ببناء السدّ، ويُتوقّع أن تنضم شركاتٌ صينية إلى عملية البناء.
السودان والسد
تضاربت المواقف السودانية حول سدّ النهضة عندما أعلنت اثيوبيا قرارها بالشروع في بناء السدّ في شهر أبريل عام 2011. فقد أعلنت بعض الوزارات وأوضح بعض المسؤولين السودانيين ترحيبهم بالسدّ، بينما اعترضت عليه وزارات أخرى ورفضه مسؤولون آخرون. غير أنه بعد أشهر من ذلك الارتباك أصبح الموقف الرسمي والواضح للسودان هو تأييد قيام السدّ. ولهذا السدّ فوائد جمّة على السودان تتمثل في الآتي: أولاً: سوف يحجز سدّ النهضة جزءاً كبيراً من كميات الطمي الضخمة التي يحملها النيل الأزرق كل عام إلى السودان والتي تفوق كميتها خمسين مليون طن. وقد تسبّبت هذه الكميات الضخمة عبر السنين في فقدان خزاني سنار والروصيرص لأكثر من نصف الطاقة التخزينية للمياه والتوليدية للكهرباء. ولا بدّ أن الكثيرين منّا يتذكّرون انقطاع الكهرباء المتواصل في السودان حتى قبل بضعة أعوام بسبب “تراكم الطمي في توربينات خزان الروصيرص” كما كانت تخبرنا البيانات الرسمية للحكومة.
ثانياً: سوف يُطيل سدّ النهضة عمر خزان الروصيرص بحجزه لكمية الأشجار والحيوانات والمواد الأخرى الضخمة التي يجرفها النيل الأزرق وقت اندفاعه الحاد في شهري يوليو وأغسطس من كل عام.
ثالثاً: سوف يوقف سدّ النهضة الفيضانات المدمّرة التي تجتاح مدن النيل الأزرق في السودان كل سنواتٍ قليلة، وسوف ينظّم انسياب النيل طوال العام في السودان، بدلاً من موسميته الحالية التي يفيض فيها النيل في أشهر ثلاث هي يوليو وأغسطس وسبتمبر. إن الحديث عن وقف سدّ النهضة للري الفيضي (أي الري من مياه الفيضانات) في السودان قولٌ مردود. فالسودان فشل في استعمال نصيبه من مياه النيل (كما سنناقش لاحقاً). فما معنى الحديث عن الري الفيضي إذا كنا لا نستعمل نصيبنا الثابت من مياه النيل؟ إنه حديثٌ عن النوافل قبل أداء الفروض.
رابعاً: إن انسياب النيل الأزرق على مدى العام سوف يساعد في التغذية المتواصلة كل أشهر السنة للمياه الجوفية في المنطقة بدلاً من تغذيتها فقط في الأشهر الثلاث التي يفيض فيها النيل الأزرق، وسوف ينظم توليد الكهرباء من سد مروي ويساعد على تعدد الدورات الزراعية المروية. خامساً: وعدت اثيوبيا ببيع كهرباء السدّ للسودان ومصر بسعر التكلفة. وهذا السعر هو حوالى ربع التكلفة لتوليد الكهرباء في خزان مروي والسدّ العالي. وقد بدأ السودان بالفعل في الاستفادة من الكهرباء التي تقوم اثيوبيا بتوليدها من الأنهر الأخرى، خصوصاً من سدّ تكزي على نهر عطبرة، بعد توقيعه على اتفاقية مع اثيوبيا لشراء الكهرباء منها.
هل لاثيوبيا حقوق في مياه النيل؟
إن اثيوبيا هي المصدر لحوالى 86% من مياه النيل، وأن السودان ومصر قد وضعا أيديهما بمقتضى اتفاقية مياه النيل لعام 1959 على كل مياه النيل ولم يتركا قطرةً واحدةً لدول حوض النيل التسعة الأخرى. إن لاثيوبيا حقوقاً بمقتضى القانون الدولي والمنطق والعدالة في مياه النيل. فالنظرية الأساسية التي ينبني عليها القانون الدولي هي نظرية الانتفاع المنصف والمعقول والمساواة بين جميع دول الحوض. وهذه النظرية هي المنطلق الأساسي لاتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بقانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية. وكان السودان قد صوّت لصالح الاتفاقية في جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة في 21 مايو عام 1997 وأشاد بالاتفاقية، لكنه لم يوقّع أو ينضم للاتفاقية بعد. وتحتاج الاتفاقية إلى تصديق 35 دولة لتدخل حيز التنفيذ. ويُتوقع أن تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ العام القادم بعد أن صادقت عليها 30 دولة حتى الآن، بينما تُعِدَّ أكثرُ من خمس دولٍ في الوقت الراهن العدّة للتصديق عليها.
كما أن مذكرة التفاهم التي أنشأت مبادرة حوض النيل والتي وقّع عليها كلٌ من السودان ومصر في مدينة دار السلام في تنزانيا في 22 فبراير عام 1999 قائمةٌ أساساً على مبدأ الانتفاع المنصف والمعقول. ويظهر ذلك بخطٍ عريض في الصفحة الرئيسية للموقع الالكتروني لمبادر ة حوض النيل. (يجب هنا عدم الخلط بين مذكرة التفاهم هذه واتفاقية عنتبي التي يرفضها السودان ومصر والتي وقّعت عليها ستٌ من دول المنبع في مايو عام 2010).
وتجب الإشارة إلى أن اتفاقية مياه النيل لعام 1959 (والتي أُبْرِمتْ بين السودان ومصر فقط) نفسها قد اعترفت بحقوق الدول النيلية الأخرى في مياه النيل، إلا أنها وضعت إجراءات في غاية من الغطرسة والاستعلاء لكي تنال هذه الدول حقوقها. فعلى هذه الدول تقديم طلب لمصر والسودان للسماح لها باستعمال أي قدرٍ من مياه النيل. وتعطي الاتفاقية مصر والسودان حق رفض الطلب. وإذا تمّ قبول الطلب فتحدّد مصر والسودان الكمية المسموح لهذه الدولة باستعمالها، وتقوم الهيئة الفنية المشتركة بين مصر والسودان بمراقبة عدم تجاوز هذا القدر من المياه.
إن مثل هذا النص الاستعلائي الاقصائي لا يولّد الأ الغبن، لذا لم يكن غريباً أن تجاهلته بقية الدول (بل وظلّت تسخر منه باستمرار)، وبدأت تستخدم في مياه النيل حتى دون التحدث عن استعمالاتها كما فعلت وتفعل اثيوبيا وتنزانيا ويوغندا. ولم تؤثر هذه الاستعمالات على السودان بعد لأن السودان قد فشل في استخدام أكثر من 350 مليار متر مكعب من نصيبه من مياه النيل المنصوص عليه في اتفاقية مياه النيل منذ توقيع الاتفاقية عام 1959. فنصيب السودان بموجب الاتفاقية هو 18,5 مليار متر مكعب، بينما لم تَزِدْ استعمالات السودان على 12 مليار متر مكعب في العام خلال كل هذه الفترة، كما أكّد ذلك وزير الري والموارد المائية السابق. وقد أثرنا مراراً هذه المسألة الخطيرة وضرورة معالجتها على وجه السرعة لأنه سيكون من الصعب على السودان رفع معدّل استخداماته من مياه النيل إلى ما يزيد عن 12 مليار متر مكعب سنوياً بسبب اعتماد مصر الآن على ما فشل السودان في استخدامه خلال الخمسين عام الماضية.
بعد ساعاتٍ من إعلان اثيوبيا بناء سدّ النهضة في أبريل عام 2011، قام السودان ومصر بالاحتجاج بشدّةٍ على السدّ بحجة أنه سيسبّب أضراراً بالغة ويقلّل كميات المياه التي سيحملها النيل الأزرق لهما. اقترحت اثيوبيا تكوين لجنة من عشرة أعضاء تشمل عضوين من كلٍ من مصر والسودان واثيوبيا، وأربعة أعضاء آخرين من خارج دول حوض النيل لتنظر في أي أضرارٍ قد تنتج من سدّ النهضة وتقترح الحلول اللازمة للتقليل من هذه الأضرار. قبل السودان ومصر هذا المقترح بترحابٍ حار. فهذه أول مرة في تاريخ نهر النيل تتمّ الدراسة والنقاش لمشروعٍ على حوض النيل بهذه الصورة المتحضّرة والودّية. وقد تكوّنت اللجنة وبدأت أعمالها ورفعت تقريرها في نهاية شهر مايو هذا العام.
كان يجب أن يكون الهمُّ الأساسي للسودان ومصر هو الفترة الزمنية التي ستملأ اثيوبيا فيها بحيرة سدّ النهضة. فكلما طالت تلك الفترة كلما قلّت التأثيرات السلبية المتمثّلة في نقص كميات مياه النيل التي ستصل للسودان ومصر. وقد أوضحنا أن هذه المسألة يجب أن تكون جوهر المفاوضات مع اثيوبيا بدلاً من الارتباك الحالي الذي تتمّ فيه الموافقة في القاهرة والخرطوم على قيام السدّ يوماً، ومعارضته اليوم الآخر. كما تجب الإشارة هنا إلى أن مياه النيل الأزرق التي سوف يتمّ استخدامها لتوليد الكهرباء في سدِّ النهضة تعود بعد ذلك للنيل الأزرق وتواصل انسيابها للسودان ومصر. كما أن اثيوبيا قد أوضحت مراراً وتكراراً أنه لن تكون هناك استخدامات أي مياهٍ من سد النهضة لأغراض الري (وأكّدت ذلك طبيعة منطقة السد الصخرية). كيف يمكن إذن أن يسبّب سد النهضة أي أضرار للسودان ومصر؟
تواصل التحضير لبناء السدّ خلال فترة عمل اللجنة الدولية ولم يتوقّف لأن مرجعية اللجنة لا تشمل إيقاف أو إلغاء قيام السدّ. ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أن بناء أي سدٍّ يتطلب تغيير مجرى النهر ليتمَّ البناء في مجرى النهر الأصلي، وتتمُّ إعادة النهر لمجراه الطبيعي الأصلي بعد اكتمال العمل في السدّ. وهنا يبرز الارتباك الكبير في الموقف المصري والسوداني. فقد وافق السودان ومصر على قيام سدّ النهضة واشتركا في اللجنة الدولية التي ظلّت تجتمع على مدى أكثر من عام منذ قيامها، بينما تواصل بناء السدّ. وكما ذكرنا من قبل فإن مرجعية اللجنة التي قبلها السودان ومصر وشاركا بموجبها في أعمال اللجنة منذ أكثر من عام لا تشمل وقف أو إلغاء قيام السدّ. عليه لا بُدّ من التساؤل عن أسباب هذه الضجّة الضخمة التي أثارها سفير السودان في القاهرة، وأثارتها ولا تزال تثيرها مصر حول تحويل مجرى النيل الأزرق والدعوة للحرب بسبب ذلك. إن القول بضرورة انتظار صدور تقرير اللجنة الدولية قبل تحويل مجرى النيل الأزرق قولٌ مردود لأن مرجعية اللجنة كما ذكرنا من قبل لا تشمل وقف بناء السدّ. إن مرجعية اللجنة التي قبلها السودان ومصر وشاركا بموجبها في أعمال اللجنة تتمثّل فقط في التحقيق من وجود أي آثارٍ سلبية وأضرار للسودان ومصر من سد النهضة، والعمل على التقليل من هذه الآثار السلبية والأضرار. كما أن القول بأن تحويل مجرى النيل الأزرق هو خرقٌ للقانون الدولي لأنه تمّ بدون إخطارٍ للسودان ومصر قولٌ يناقض الواقع أيضاً. فالسودان ومصر عضوان فاعلان في اللجنة الدولية التي لديها ما لديها من معلوماتٍ عن سدّ النهضة منذ أكثر من عام. وهذا الوضع هو في حقيقة الأمر، وبمقتضى القانون الدولي، أكثر من الإخطار. ولا بد هنا من إثارة مسألة الإخطار بالنسبة لسدّود السودان ومصر: هل قام السودان ومصر بإخطار أية دولة من دول النيل بالسدود التي بناها السودان ومصر على نهر النيل؟ الإجابة هي أنه لم يتم إخطار أية دولةٍ أو حتى مدّها بأبسط المعلومات عن هذه السدود. لماذا إذن الحديث عن ضرورة الإخطار من طرف اثيوبيا فقط بينما رفض السودان ومصر ويرفضان حتى اليوم إخطار أية دولة بأيٍ من مشاريعهما على نهر النيل؟
يثير بعض الكتاب والسياسيين المصريين مسألة انهيار سدّ النهضة ويخوّفون السودانيين بأن انهيار السدّ سوف يغرق السودان ويدمّر كل أرجائه من الحدود مع اثيوبيا وحتى حلفا القديمة (والتي أغرقها السدّ العالي مع 27 قرية أخرى، ومع 200,000 فدان من الأراضي الزراعية الخصبة، ومليون شجرة نخيل وحوامض، ومع آثار تاريخية لا تُقدّر بثمن).
صحيحٌ أنه لو انهار سدّ النهضة فستكون له آثار كارثية على السودان. ولكن لو انهار السدّ العالي فستكون آثاره الكارثية أكبر على مصر. ولو انهار سدّ مروي فستغرق معظم المدن والقرى السودانية حتى حلفا القديمة. ولو انهار خزان الروصيرص فستغرق كل المدن والقرى على ضفافه حتى الخرطوم. انهيار السدود ونتائجه الكارثية إذن ليس حكراً على سدّ النهضة.
إن التقانة التي تبني بها الشركات العالمية (مثل ساليني) السدود اليوم متقدمة عشرات المرات على التقانة التي بنى بها الاتحاد السوفيتي السدّ العالي قبل نصف قرنٍ من الزمان، وبنى بها الايطاليون خزان الروصيرص في ستينيات القرن الماضي، وبنى بها الصينيون سدّ مروي قبل أعوام. لماذا إذن سينهار سدّ النهضة ابن تقانة العصر الحالي ولن ينهار السدّ العالي أو خزان الروصيرص أو سدّ مروي أبناء تقانة القرن الماضي؟
إن اثيوبيا (أو أية دولة أخرى) لن تصرف خمسة مليار دولار من أموال شعبها على سدٍّ وتهمل موضوع سلامة ذلك السدّ. كما أنه لا توجد شركة في العالم تبني السدود ولا تهتم بأمر سلامة هذه السدود. فالشركات تهتم بسمعتها أكثر من الدول لأن بقاءها وتنافسيتها في عالم اليوم يعتمد على جودة أدائها. فسجلُّ كل دولةٍ وشركةٍ (بل وحتى كل فردٍ) كتابٌ مفتوحٌ في عالم اليوم الاسفيري.
كما أن القول أن سدّ النهضة يقع في منطقة زلزالٍ (وعليه فهو معرّضٌ للانهيار) قولٌ مردودٌ أيضاً. فنحن لم نسمع عن أي زلزالٍ في اثيوبيا إطلاقاً. ولو كانت المنطقة منطقة زلزال لانهار خزان الروصيرص، ابن الخمسين عام، والذي يقع في نفس المنطقة الجغرافية لسدّ النهضة، ولما كان هناك معنى لصرف مئات الملايين من الدولارات لتعلية خزان الروصيرص في نفس وقت بناء سدّ النهضة.
إن التعاون والتفاوض مع اثيوبيا وبقية دول حوض النيل بحسن نية وصدق حول حقوق هذه الدول تحت مظلة اتفاقية عنتبي لحوض النيل هو الضمانة الوحيدة للاستفادة القصوى من مياه الحوض. ولن يحافظ السودان ومصر على حقوقهما بالاستعلاء والإقصاء والهتافات والآراء القانونية التي تعتمد على العنتريات أكثر من اعتمادها على القانون. إن السودان يحتاج الآن أكثر من أي وقتٍ مضى (بعد ذهاب بترول الجنوب) لاستعمال كل نصيبه من مياه النيل واسترداد السلفة المائية التي منحها لمصر عام 1959. كما أن مصر تحتاج إلى مياهٍ إضافية لتوقف استيراد أكثر من 60% من احتياجاتها من القمح كما تفعل الآن (مصر هي أكبر مستوردٍ للقمح في العالم رغم الاستعمالات الضخمة والمهولة لمياه النيل، والتي تتكوّن حالياً من كل نصيبها وثلث نصيب السودان من مياه النيل). لكن هذه الزيادات في مياه النيل لن تتأتّى إلا بالتعاون التام وبحسن نية وصدق مع دول حوض النيل الأخرى، والتخلّي عن سياسة الاستعلاء والإقصاء والتهديد التي ظلّ السودان ومصر يمارسانها لأكثر من نصف قرنٍ من الزمان، والتي لم تولّد إلا الغبن والإصرار من هذه الدول على انتزاع حقوقها، بأي ثمنٍ، كما يحدث الآن. [/JUSTIFY][/SIZE]