رصاصات بيضاء للأيام السوداء، ممدوح عدوان
رصاصات بيضاء للأيام السوداء، للشاعر السوري ممدوح عدوان.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
القصيدة
حين أتاني النبأُ الدامي في عَجَلهْ
لم أسألْ نفسي : مَن قَتَله ؟
فالأسئلة عن القاتل ماتتْ
منذ اختنق الأخوة تحت رداء من صمت في أيلولْ
وتعلّق عنقودُ نجومٍ بمشانق سوداء على النيلْ
منذ نضوب الماء من المُدُن العربيهْ
ورجال ، كالأشجار ، اقتُلعوا
وابتُلعوا في الرمل المتحرّكْ
غرقوا شبراً شبراً .. رجلاً رجلاً
ما مُدَّتْ لهمُ يدْ
لم يتحرك حولهمُ غير كلام كحبال يمتدْ
يتحول بعد الخنق رثاءً وأكاليلْ
وحصاراً من جوقات وطبولْ
وعلى مفترقات دروب الثورة
بين حقول الفلاحين
في الحارات المهجورة ، بين صفوف الشعب المعزولْ
يترصدنا القَتَلَهْ
ولذا لم أسأل نفسي يوماً :
من منهم سيكون القاتل ؟
بل كنت أقولْ :
من منا سيكون المقتولْ ؟
لم أبك عليه ، بكيت الوطن المشلولْ
وهو يعد فجائعه في صمتٍ
ويحولها مسبحة بلهاء
كنت وحيداً أنصت للأرض الخرساء
والأرض تئن وترمقني وَجلهْ
وأنا أحسبها خجله
منذ أتانا بسلالات الحزن المكبوتْ
كنت أرى آثار خطاه دماءْ
كنت أرى دمه يتصببُ من بحر الظلمات إلى بيروتْ
ومن البصرة حتى بيروتْ
والمُدُن العربية في الذل تموتْ
كنت أراه
يرفع رجلاً لا تبرح هذي الأرض الجرداء
محتقناً بالغضب الموقوتْ
أعرفه وطناً يبحث عن رَجُلٍ
رجلاً يبحث عن قبرٍ
مدناً تتهاوى تحت براكين الغُرَباء
وأراه نبياً يرفض رحلات الإسراء
هذا زمنٌ يتفجّر فيه الرعدُ من الأرضِ
وتهطلُ من غيم الثورة فيه الأشلاء
يصطكّ الجائع بالجوع ، فتبرق رايات الشُهَداء
هذا زمن صار الفقر بذاراً فيه ،
مواسمه قهر ودماء
هذا زمن الخيبات المتصله
والجثث المتناثرة من المدن إلى الصحراء
فيه يصير القبر هواء
ويصير الكفن دماء
ويصير عزاء الناس تألّق إسم قتيلْ
تلك علامات ظهور الفقراء
يأتون الأرض المنهوبه
وسلاح الآتي ليس سوى دمه
وبه في الساحات يصولْ
ويجيء القتل فلا يسأل أحد عن إسم القاتلْ
بل يسأل عن إسم المقتولْ
حين يغيب الوجه ، وتحسب صاحبه قد ماتْ
يتكسر غصن في غابات مشتعله
تصرخ أشلاء القتلى تطلب ماء أو ثأراً
فتجمد بين حلوق الندابين الأصواتْ
ويجيء الصوت الحامل رائحة الأمواتْ :
"ما دام الفقر هواء نتنفسه
لن ينقطع مجيء الفقراء ما دام الفقر لدينا مرضاً
ينقله الآباء إلى الأبناء
لن تنهينا الأيام السوداء المحتقنه
فلدى الفقراء رصاصات بيضاء للأيام السوداء
تصنع يوماً أطول من ألف سنه
ولديهم أحقاد مختزنه
تتفجر منها الأرض برعد آخرْ
ينطق متهماً قدام الجمع المذهولْ
يعلن أسماء القتله
وتعددها معه أشلاء المقتولْ"