رسالة النعمان إلى الرئيس قحطان الشعبي

من معرفة المصادر

رسالة النعمان الى الرئيس قحطان الشعبي


أحمد محمد النعمان

وجهة نظر

أربعون عاماً مضت على النصيحة المقدمة من الأستاذ أحمد محمد نعمان إلى الرئيس قحطان محمد الشعبي والتي حملها ولده الشهيد محمد أحمد نعمان بتاريخ :الثاني من ديسمبر 1967م الموافق أول أيام شهر رمضان المعظم من عام 1387هـ كانت هذه الرسالة تعبر بصدق وأمانة عن المشاعر الوطنية المخلصة الاستاذ /أحمد محمد نعمان وكذا حامل رسالته الأستاذ /محمد أحمد نعمان الذي كان لا تقل مكانته عن مكانة والده في الدهاء والحكمة اليمانية ولقد كان التوقيت في تحريرها ونقلها واختيار حاملها بمثابة (براءة ذمة ) من صاحب الخبرة والمعرفة والتجربة إلى قيادة تنقصها كل المقومات الأولية والأساسية لحكم البلاد المترامية الأطراف .

ولقد ركب الغرور القيادة والقاعدة معاً في الجبهة القومية ولم يعيروا رسالة حكيم اليمن الأستاذ/ أحمد محمد النعمان أي اهتمام وعملوا بعكس ما جاء في رسالته من نصائح ومواعظ قيمة لمن يتعظ وضرب لهم عدة أمثلة ولكن لم يصدقوا أنفسهم إلى ما توصلوا إليه لأن الجيش رسم له البريطانيون خطة قام بتنفيذها وعندما كان الجيش يخطئ في التنفيذ يدفع ثمن خطأه ومثال على ذلك: عندما حصل الخطأ بعدم إعطاء الغطاء الكامل لعملية إسقاط المسيمير عاصمة سلطنة الحواشب في 8 أغسطس /1967م والتي راح ضحيتها خمسة قتلى وخمسة عشر جريح من جيش الجنوب العربي وقد أسر في هذه العملية فيصل عبد اللطيف الشعبي ومحمد أحمد البيشي ومعهم نائب السلطان وأخيه غير الشقيق فضل بن محسن الحوشبي تم أسرهم من قبل قوات التنظيم الشعبي للقوى الثورية واقتيادهم إلى مدينة تعز وبعد ترحيل الشعبي والبيشي إلى القاهرة أعيد نائب السلطان إلى منطقته عبر منفذ (كرش) .


قحطان الشعبي


اللواء / سالم ناجي بن حلبوب لقد راح قحطان وحكومته وراحت عدة حكومات تعاقبت على حكم جنوب اليمن وبقيت رسالة الأستاذ / أحمد محمد النعمان خالدة في أذهان من يتعظ ويعتبر، ثم جاءت الطامة الكبرى في 13يناير /1986م وانتصرت الطغمة على الزمرة وإذا بهم يتجاوزون الأعراف وحقوق الإنسان في تعاملهم الوحشي مع بعضهم البعض وقد كانت الضحايا بالآلاف من الشعب المسكين وبدأت محاكمة المهزوم من قبل المنتصر وحكم على من حكم.. إلا أن الأمر المأساوي كان على الذين هم بين أيديهم وقد تم مناشدة حكام طغمة عدن من جميع دول العالم والمنظمات الدولية شرقها وغربها وكذا المنظمات الإنسانية والشخصيات العالمية والإسلامية والعربية واليمنية وكان من ضمنهم الأستاذ/ احمد محمد النعمان الذي وجه برسالة استعطاف لعلي سالم البيض طالباً تخفيف الإحكام على (فاروق علي احمد وزملائه) الذين يحاكمون من قبل الطغمة ولم تستجب القيادة لكافة المناشدات الدولية ولقد تطرق النعمان في رسالته إلى رسالته السابقة التي بعث بها إلى قحطان الشعبي بعد اثنين وسبعين ساعة من رحيل المستعمر وتولي الجبهة القومية السلطة في 30/11/1967م إذا كانت الزمرة والطغمة واليمين الرجعي واليسار الانتهازي قد تجاوزوا ماضيهم الأسود فنحن المعنيين برسالة الأستاذ/ احمد محمد النعمان لا زلنا نعاني مما ارتكبوه في حقنا وفي حق شعبنا اليمني طوال أربعين عاماً ( المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين) وللحقيقة التاريخية نذكر برسالة الأستاذ/ احمد محمد النعمان الذي كان مضمونها كما يلي:-

الابن والأخ الحبيب قحطان الشعبي والأبناء والأعزاء:


بعد التحية والتمنيات الطيبة والدعوات الصادقة اكتب إليكم هذه الرسالة العاجلة وقد حرصت على البدء بها في هذه اللحظة التي نتطلع فيها إلى مستقبل أفضل للجنوب الذي ابتلاه القدر بالاستعمار ما يقرب من قرن وثلث قرن فعزله عن الشمال سياسياً ولم يستطع أن يعزله أرضاً ورحمى وقربى وشعوراً وعاطفة وحباً، وقد لقي في السنوات الأخيرة من المحن والشدائد فوق ما يتحمل ويطيق وسالت دماء أبنائه على أرضه وذهبت أرواحهم في سبيل حريته واستقلاله ووزع أعداء الإنسانية الأحقاد والضغائن بين الأخ وأخيه والابن وأبيه ولكن لن نيأس من اللقاء الأخوي بين من كانوا بالأمس أعداء يحارب بعضهم بعضاً جهلاً وغباءً وتعصباً وعمى فاسترجعوا القلوب الشاردة وضمدوا الجراح ومسحوا بالدموع كل ما صبغت به أرضكم من الدماء واستعيدوا خلق أجدادكم الذين سجلوا لنا قانوناً إنسانياً في أدبهم وتقاليدهم وتاريخهم.


إذا احتربت يوماً فسالت دماؤهاتذكرت القربى ففاضت دموعهـا


كونوا مدرسة أخلاقية إنسانية واضربوا المثل للذين يتخذون من السلطة وسيلة للانتقام والبطش وأعلنوا في هذه اللحظة التي تنتصرون فيها إن الجنوب لأبنائه جميعاً وان المسؤولية يتحملها القادرون عليها جميعاً وان الاستبعاد لأي مواطن لا يجوز أما العزل السياسي لمن أجرم في حق الشعب عامداً متعمداً ومحاسبته وعقابه فهذا متروك للعدالة.

اشعروا الجميع حتى الذين اختلفوا معكم وناصبوكم العداء إنكم فوق الخصومات وفوق الخلافات.

اجعلوا المخطئين يشعرون أنهم ليسوا أول من أخطأ أو ضل أو خدع أو غررت به الدعايات المضللة والشعارات الزائفة. أرجو إلا تستبد بنا نشوة الانتصار على إخواننا ومواطنينا مهما كان الخلاف فان أكثر الخلافات كما نعرف جميعاً كانت تغذى من خارج بلادنا ومن غير طبيعتنا وأخلاقنا. وانتصروا على أنفسكم وأهوائكم في هذه اللحظة وهذا هو الانتصار الحقيقي إن المسؤولية هي الأمانة التي عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبينا أن يحملنها وحملها الإنسان انه كان ظلوماً جهولاً.

لا تحرموا الوطن من أي عنصر يصلح لخدمته ويسد فراغاً ولو كان من ألد خصومكم فمن الخدمة للوطن والوفاء له الإنصاف الإنصاف (ولا يجرمنكم شنآن قوم على إلاَّ تعدلوا.. اعدلوا هو أقرب للتقوى).

إن علينا أن نستفيد نحن أبناء جنوب الجزيرة العربية من مصارع أشقائنا في شمال الجزيرة.. وكيف رجعوا بعد الاستقلال يعلن بعضهم بعضاً ويضرب بعضهم رقاب البعض وتمزقوا شيعاً وأحزاباً ولم يحصدوا سوى الهزيمة تلو الهزيمة والنكبة وراء النكبة ولقد جاءت نكسة 5 حزيران تكشف لنا إن الثورية الحاقدة الضاربة جلبت على الأمة العربية من العار والخزي والهزيمة ما لم تجلبه الرجعيات التي ثاروا ضدها ومزقت من الوحدة الوطنية لشعوبها ما لم تبلغه الأحزاب في العهود الرجعية.

إن الدعوة للوحدة العربية لم يتخذها الناعقون بها خلال السنوات الماضية إلاَّ مثاراً لتمزيق الوحدة الوطنية.

أنني كلما تذكرت إن اللاجئين من سوريا في لبنان بلغ عددهم سبعمائة إلف سوري فزعت فرعاً شديداً من عقلية الحكام الحاليين الذين يدعون لوحدة القوى الثورية في البلاد العربية فهل يريد هؤلاء التعاون مع زملائهم الثوريين في الأقطار الأخرى على تصفية المواطنين وتحويلهم إلى لاجئين؟

إن إسرائيل منذ خمسة أشهر تحتل المرتفعات السورية وما يقرب من محافظة كاملة ومع ذلك يقف حكام سوريا يبرقون ويرعدون ويحاربون المواطنين وكأنهم لا يحسون ولا يشعرون بوطأة الاحتلال فأين بهؤلاء القوم والويل كل الويل لمن يتخذ منهم قدوة حسنة.

يا قحطان إنني مشفق عليكم حقاً من ثقل المسؤولية ولكنني أعرف قحطان الإنسان معرفة تامة وأتمنى أن يكون زملاؤه متأثرين به إلى حد كبير.

ولذلك آمل أن تتوفر النوايا الطيبة وتتضافر الجهود لتحقيق الوحدة الوطنية بين أبناء الجنوب أولاً وقبل كل شيء وأن تتركز الجهود الكبيرة لتحقيق السلام النفسي وكسب الجبهة الداخلية في الجنوب كله وتطمين الخائفين والمتفزعين ودعوة الشاردين والتعاون مع كل من يرغب ملخصاً صادقاً في التعاون وتجدوننا معكم عاملين ومؤيدين وداعين وأنبهكم إلى أمر هام جداً ابتلينا به ومن التبشير لهم بالاشتراكية التي حولها الكثيرون إلى إباحية ملقة لنهب الناس وسلب أموالهم ولم يكسبوا من وراء ذلك سوى المزيد من الفقر والإفلاس.

راجعوا الشعارات التي ملأت أذهان الجماهير العربية خلال خمسة عشر عاماً وخاصة الوحدة والحرية والاشتراكية وماذا حقق الذين أطلقوا هذه الشعارات لشعوبهم إنهم لم يحققوا سوى الفرقة والاستبداد والفقر والحرمان وهزيمة 5 حزيران التي لا مثيل لها.

هذه كلمات أمينة مخلصة أرجو أن تلقى قبولاً من الجميع وأهنئكم من كل قلبي وأدعو الله لكم بالتوفيق والسداد.

والدكم

احمد محمد نعمان

1 رمضان المعظم 1387هـ

2 كانون الأول 1967م


ملاحظة هامة:

نذكر القراء بأن حامل الرسالة الأستاذ محمد احمد نعمان شغل وزير خارجية ثم سفير متجول للجمهورية العربية اليمنية وأغتيل في بيروت على أيدي عصابات تعمل لصالح النظام الشمولي بعدن.