رأي ورؤى (مقال)
رأي ورؤى، مقال د. م ثروت الخرباوي، 30 أكتوبر 2012.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
المقال
لا أظن أن مثلًا ينطبق فى الدنيا على جماعة الإخوان مثل المثل القائل «أن تسمع بالمعيدى خير من أن تراه»، فإذا اعتبرنا أننا على مدار العقود الماضية ظللنا نسمع عن جماعة الإخوان، وكنا لسوء تصريفنا نسمع عنهم منهم (كما يقولون هم اسمع منا ولا تسمع عنا»، فإننا سنبصم بالعشرة أن هذه الجماعة مقدسة وربانية ومتجردة ولا تبحث عن المصالح الخاصة بل كل همها منصرف إلى الله والرسول ثم من بعدهما الوطن، وهذا على أساس أنهم يعرفون معنى الوطن.
ولكن شاءت الأقدار أن ينزل الأخ «المعيدى» صاحب المثل الوارد فى بداية هذا التحقيق إلى أرض الميدان، ثم إذا به يقفز على حكم البلاد قفزة مُضَرِيَّة، فأصبحنا نراه برلمانا فوزارة فرئيسا، بعد أن كنا نسمع عنه كشبح مختبئ فى الكواليس، فإذا به شديد الشبه بالمثل العربى القائل «شهاب الدين أضرَطُ من أخيه»، ولعلك أدركت أن شهاب الدين هو جماعة الإخوان، وأن أخاه هو الحزب الوطنى، هذا مِثل ذاك لا فارق بينهما إلا فى الاسم، أما الفعل والمحتوى فهو هو.
منظومة الحكم عند نظام مبارك، ولدى الحزب الوطنى، اعتمدت على شبكة من النسب والمصاهرات والعلاقات والتربيطات، وهذا هو الميثاق السرى الذى يقوم عليه الحكم الاستبدادى، فالحاكم المستبد لا يبحث عن الكفاءة ولكنه يبحث عن الولاء، لا يبحث عن أصحاب العقول، ولكنه يبحث عن حاملى الطبول، لذلك فإننا لو بحثنا فى أسماء الوزراء والمسؤولين فى عهد مبارك المستبد فسنجد أنهم كونوا فى ما بينهم شبكة متكاملة تعتمد على المصاهرة والقرابة والمصالح والشراكة، ولكن اللافت أن هذه الشبكة لم تتشكل أركانها إلا فى السنوات الأخيرة من حكم مبارك، بمعنى أن مبارك لم يصل إلى درجة إنشاء شبكة حكم تتواصل فى ما بينها من خلال المصاهرة والقرابة والعلاقات التجارية إلا بعد عشرين عاما من حكمه، لم يفعل ذلك إلا عندما استشعر ضعف نظامه وأنه لكى يبقى ويصلح فيه الإرث والتوارث يجب أن يعتمد على أصحاب الولاء، ومَن غير الأصهار وشركاء المال يتوافر فيهم الولاء الكامل؟ فالمركب الذى يُقِلّ الجميع إذا غرق فسيغرق بالجميع، ومن شأن الأقارب وأصحاب المصالح الذين ركبوا سفينة الحكم أن يتعاضدوا فى ما بينهم من أجل الاستمرار. ومع ذلك لم تفلح جهودهم فى الاستمرار، وعند الغرق فرت فئرانهم من السفينة المعطوبة. ولكن شهاب الدين، نقصد جماعة الإخوان، كعهدنا بها فعلت فى الشهور الأولى من جلوسها على كرسى الحكم ما فعله مبارك فى أواخر سنواته، حيث أنشأت منظومة حكم تعتمد فى المقام الأول وأيضا المقام الأخير على شبكة من المصاهرات والقرابة والشراكات المالية، وليصبح الحكم الإخوانى قائما على بزنس العائلات، وبزنس المال.
الاستبداد الذى ظهرت عليه جماعة الإخوان حتى وهى مضطهَدة وخارج دائرة الحكم هو الذى دفعها قطعا لمزاولة خطيئة أى مستبد جاهل تَسيَّد عليها وعلينا، وفى كتاب «طبائع الاستبداد» لعبد الرحمن الكواكبى يشرح كيف يتحول الذى عانى من الاستبداد عندما يحكم إلى حاكم يمارس نفس سلوك الحاكم الذى استبد به وقهره.
وقد يعتبر البعض أن كل ما سلف يدخل فى نطاق الكلام النظرى، مقهور يحكمه مستبد، إذا ما وصل هذا المقهور إلى الحكم مارس نفس سلوك المستبد وطبق أفكاره ورؤاه، وقلده فى كل شىء حتى فى إنشاء شبكة المصالح.
والآن سنخرج من الكلام النظرى لندخل على العملى فورا، وعند جُهَيْنَةَ الخبر اليقين.
على خطى الحزب الوطنى تسير جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية، حزب الحرية والعدالة، بعد صعودهما إلى السلطة، لتتحول المصاهرات وصلات الدم والقرابة والنسب، والشراكة التجارية والبيزنس والمصالح المشتركة إلى بوابة سحرية للترقى فى مؤسسات الدولة بعد سيطرتهم عليها، تماما كما كان الوضع داخل الجماعة والتنظيم الإخوانى.
وزراء، ومحافظون، وأعضاء فى الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى، وقيادات فى المؤسسات التنفيذية تحقق إحكام السيطرة على مفاصل الدولة، وصولا إلى رئيس الجمهورية، د.محمد مرسى، بفريق رئاسى وهيئة استشارية، تجمع بينهم الصفقات السياسية والاقتصادية والعائلية، التى تمتد جذورها إلى الشبكة الأضخم والأهم داخل الجماعة.
عائلة الرئيس لها نصيب فى مقعدين فى السلطة، بالرئيس محمد مرسى نفسه، وزوج شقيقته، وحما ابنته أيضا الدكتور أحمد فهمى الذى تحول إلى أحد نجوم الحياة السياسية فى مصر بعد الثورة، والصعود السياسى للإخوان المسلمين، بعد فوزه، بترشيح الجماعة له على منصب رئيس مجلس الشورى بفضل صلة المصاهرة «المركَّبة».
سكرتير الرئيس أيضا المهندس المصرى كندى الجنسية، خالد القزاز، هو شريك خيرت الشاطر نائب المرشد العام، حسب أحد أشهر الفيديوهات الإخوانية على موقع «يوتيوب»، وأحد أهم كوادر حملته الانتخابية التى ورثها مرسى بعد ذلك، وأيضا أبرز مهندسى العلاقات الخارجية فى جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، حيث تلقى تعليمه فى كندا وأقام هناك لسنوات طويلة، وشغل بعد ثورة 25 يناير منصب «منسق العلاقات الخارجية بحزب الحرية والعدالة»، كما كان أحد أعضاء الوفد الإخوانى الشهير الذى سافر إلى واشنطن بالتزامن مع ترشيح الشاطر رئيسا للجمهورية، والتقى إعلاميين وسياسيين وأكاديميين أمريكيين وعقد ندوات مفتوحة، واجتماعات مشتركة مع شخصيات وجهات أمريكية منها مسؤولين كبار بمجلس الأمن القومى الأمريكى، ثم ويليام بيرينز وجيفرى فيتمان مساعدَى وزيرة الخارجية الأمريكية، وقام بزيارات لمقر البنك الدولى وغرفة التجارة الأمريكية، وتحدث أيضا فى مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية مرتين، فى نيويورك وواشنطن، وكذا فى معهد «بروكينجز»، ومؤسسة «كارنيجى».
الأهم من ذلك، أن خالد القزاز، للمصادفة، هو نجل المهندس عدلى القزاز، كلمة السر الجديدة فى وزارة التربية والتعليم، بعد أن عُيّن مؤخرا مستشارا للوزير لـ«تطوير التعليم»، وسط هالة من الغموض، وعدم وجود أى صلة سابقة بالعملية التعليمية داخل الوزارة، وكذا انعدام المعلومات تقريبا، عن الوافد الجديد الذى لا يعرف عنه أحد شيئا، باستثناء بعض المعلومات المتناثرة لرئاسته لما يطلق عليه «التحالف المصرى لتطوير التعليم»، وعضويته فى مجلس إدارة جمعية أصحاب المدارس الخاصة، ورئاسته السابقة لمنطقة القاهرة للكرة الطائرة قبل سنوات طويلة، والأهم من كل ما سبق أنه صاحب «المقطم للغات»، المدارس الإخوانية الأشهر التى تلقى شهرة وإقبالا واسعا بين العائلات الإخوانية الكبرى، إلى درجة يُضطرّ معها بعض الأسر إلى نقل محل الإقامة إلى المقطم فى سبيل إلحاق أبنائهم بهذه المدرسة، التى تحولت بعد ذلك إلى مقر لعقد الدورات التدريبية لشباب الجماعة فى فصل الصيف، بينما كان السكرتير الحالى للرئيس المهندس خالد القزاز، يشارك فى إلقاء محاضرات التنمية البشرية فيها بنفسه، ثم بعد ذلك إلى غرفة عمليات سرية للإخوان فى أثناء الانتخابات البرلمانية، ثم فى الانتخابات الرئاسية وذلك تحت إشراف خيرت الشاطر نفسه، الذى كانت هذه المدرسة كلمة السر فى علاقته بالقزاز الابن والأب أيضا حيث كان نجل الشاطر ويدعى «حسن» تلميذا فى المدرسة فى أثناء المحاكمة العسكرية الأخيرة لوالده وعدد من قيادات الإخوان، عندما قررت المدرسة إعفاءه من المصاريف كاملة، وقد حفظ خيرت الشاطر الجميل لعدلى وولده خالد فنقلهما نقلة نوعية، ومن بعد شقة كانت الأسرة تسكنها أصبحت تسكن قصرا مشيدا على هضبة المقطم تتحاكى الأساطير عنه.
لم يقف رد الجميل عند ذلك الحد، فردّ الجميل الذى يترتب عليه الولاء والوفاء امتد إلى شخص آخر من عائلة القزاز هو الدكتور حسين القزاز.. الضلع الثالثة من «لوبى» عائلة القزاز داخل قصر الرئاسة، وأحد أبرز أعضاء الهيئة الاستشارية للرئيس محمد مرسى، والمستشار الاقتصادى لحزب الحرية والعدالة، وأحد أهم المؤسسين للجانب الاقتصادى فى «مشروع النهضة» كما روج له الشاطر، وأيضا العضو الاحتياطى بـ«تأسيسية الدستور»، والأهم أنه مسؤول التنظيم الدولى للإخوان فى الولايات المتحدة الأمريكية، وكذا ضابط الاتصال بين الإدارة الأمريكية وجماعة الإخوان المسلمين، عبر عقود من الهجرة لسنوات طويلة إلى أمريكا، فى «لوبى» عائلى ثلاثى الأضلاع الآن مخترق للدولة، بمؤسساتها التنفيذية والتشريعية.. بصلات دم ومصالح مشتركة بين قصر الرئاسة والهيئة الاستشارية وصولا إلى «التأسيسية» و«التربية والتعليم».
فى القصر الرئاسى أيضا يتصدر الدكتور عصام الحداد (المصرى إنجليزى الجنسية) المشهد، مساعدا لرئيس الجمهورية للشؤون الخارجية، وبطل أول صورة رسمية لمرسى داخل مكتبه الرئاسى، وواحد من خمسة رجال لم يفارقوا محمد مرسى منذ انتخابه رئيسا للجمهورية، فهو شريك الشاطر ورجله المقرب، ومسؤول العلاقات الخارجية فى حزب الحرية والعدالة، بعد أن وقع عليه اختيار الشاطر ليكون المشرف على حملته الانتخابية ثم حملة مرسى من بعده، ليصبح الحداد بعدها شريكا فى كل لقاءات الشاطر مع السفراء والمسؤولين والمندوبين الأجانب داخل مصر وخارجها، وذلك بحكم خبرة وعلاقات خارجية واسعة وإقامة لسنوات طويلة فى بريطانيا كان خلالها أحد قيادات التنظيم الدولى للإخوان هناك، بعد أن كان مسؤولا عن إخوان البوسنة والهرسك وكذا مستشارا للرئيس الشيشانى السابق على عزت بيجوفيتش.
فالحداد رجل الأعمال الإخوانى الشهير وصاحب المجموعة العربية للتنمية «إنتربيلد» لتنظيم المعارض، ونائب جمعية تنمية الأعمال «ابدأ» التى يترأسها حسن مالك، هو الصاعد أيضا بسرعة الصاروخ فى الجماعة بمجرد خروج خيرت الشاطر من السجن عقب الثورة، إذ قام الشاطر بإدخاله مكتب الإرشاد بالتعيين لا بالانتخاب فى الرابع من فبراير الماضى، فى نفس التوقيت الذى تم فيه تصعيد فيه شقيقه رجل الأعمال الإخوانى السكندرى أيضا المهندس مدحت الحداد، أبرز رجال أعمال الجماعة بعد خيرت الشاطر وحسن مالك، وصاحب عدد كبير من الشركات فى مجالات المقاولات، والاستثمار العقارى، والتصدير والاستيراد، إلى جانب تنظيم المعارض مثل الشركة العربية للتعمير، والشركة العربية للاستيراد والتصدير، والجمعية التعاونية للأعمال الهندسية.
الحداد أيضا هو والد المهندس الشاب جهاد الحداد المسؤول عن ملف العلاقات الخارجية وكبير مستشارى مشروع النهضة الذى روّج له الشاطر، والموجود منذ اللحظة الأولى إلى جوار مرسى أيضا فى قصر الرئاسة، فى الوقت الذى لا يعلم فيه له أحد حتى الآن أى صفة رسمية تبرر وجوده فى هذا المكان، بينما يتمتع الحداد الابن أيضا بنفوذ عائلى خرافى داخل الجماعة بحكم مصاهرته لعضو مكتب إرشاد آخر هو د.محمود أبو زيد، إذ تزوج جهاد الحداد ابنته، بينما كانت ابنته الثانية فاطمة أبو زيد عضوا فى لجنة وضع الدستور الأولى، هذا ناهيك بصلة نسب أخرى بين جهاد الحداد وعضو مكتب إرشاد ثالث هو محمد إبراهيم زوج خالته، الأمر الذى وضع جهاد الحداد بشكل مباشر فى بؤرة الدائرة المقربة من خيرت الشاطر، ويتوقع معه بقاؤه بجوار الرئيس بزعم تنفيذ مشروع النهضة، مشكلا لوبيًا عائليا آخر داخل قصر الرئاسة مع والده، بينما لم يتحدد حتى هذه اللحظة الوضع الجديد فيه كذلك لوليد الحداد، أحد أبرز الكوادر الشابة لحزب الحرية والعدالة الذى يجرى «تلميعه» إعلاميا حتى الآن على قدم وساق، تمهيدا لتصعيده سياسيا فى أقرب وقت.
فى القصر الرئاسى أيضا يسكن ثلاثة من أهم كوادر التنظيم الدولى للإخوان، تربط بينهم المصلحة الواحدة والبيزنس المشترك والشراكة الوطيدة مع الشاطر، الرجل الحديدى فى الجماعة.. الأول هو الدكتور أحمد عبد العاطى مدير مكتب رئيس الجمهورية، والمنسق العام السابق للحملة الانتخابية لخيرت الشاطر ثم لمحمد مرسى من بعده.. أحد كوادر التنظيم الدولى للإخوان المسلمين، ومسؤول طلاب الإخوان تنظيميا على مستوى العالم، والأمين العام السابق أيضا لـ«الاتحاد الإسلامى العالمى للمنظمات الطلابية».. شريك الشاطر فى واحدة من أهم شركاته هى شركة «الحياة للأدوية» التى كان يدير فرعها فى الجزائر ويستقبل العمالة الإخوانية من المصريين للعمل فيها بتكليف من الشاطر، ثم فى أثناء فترة هروبه من حكم بالسجن أيضا فى قضية ميليشيات الأزهر، قبل أن تقوم الجماعة بتسليمه قبل أسابيع فقط من إعلان دفعها بمرشح لرئاسة الجمهورية، لتتم إعادة محاكمته وتسفر عن حصوله على حكم بالبراءة فى القضية وخروجه من باب المحكمة العسكرية فى نفس اليوم، ليتولى بعد ذلك منصبه مباشرة فى الحملة الانتخابية.
والثانى هو المهندس أسعد الشيخة، نائب رئيس ديوان رئيس الجمهورية، ورجل الأعمال الإخوانى البارز الذى ظهر فى المشهد الشهير للرئيس فى ميدان التحرير ممسكا لمرسى بالميكروفون لمدة 10 دقائق فى أثناء إلقائه خطاب ميدان التحرير.
الشيخة الذى كان محكوما عليه بالسجن 5 سنوات فى قضية ميليشيات الأزهر، هو أيضا شريك خيرت الشاطر فى شركة «إم سى آر للمقاولات» وكذلك شركة «مصر للمقاولات»، وهو أيضا أحد الذين تولوا إدارة شركة «الحياة للأدوية» فى الجزائر مع أحمد عبد العاطى، الذى تم تسليمه وحصل معه على البراءة فى جلسة واحدة، بالإضافة إلى الشريك الرابع، والثالث فى لوبى الحلفاء الجدد داخل قصر الرئاسة، الدكتور محمد محمود حافظ، المتهم السابق أيضا فى نفس القضية، وعضو الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة، المشهور بـ«شبيه خيرت الشاطر» وأيضا «الراجل اللى واقف ورا محمد مرسى»، فقد ظهر معه فى كل تحركاته منذ فوزه فى الانتخابات الرئاسية.
فى حركة المحافظين الجديدة وقع الاختيار أيضا على عضو مكتب الإرشاد المهندس محمد على بشر، ليكون رأس حربة الجماعة محافظا للمنوفية، وذلك وفق حسابات الإخوان وخطتهم المحسوبة جيدا لغزو المحافظات التى تلقوا منها الصفعة التصويتية فى انتخابات الرئاسة... صحيح أن بشر هو أحد القيادات المعروفة بميولها الإصلاحية، غير أن هذه الميول لم تتجاوز فى أى لحظة من اللحظات المناوشات الأليفة التى لا تتعدى الخط الأحمر للمعارضة المسموح بها فى مكتب الإرشاد، فى نفس الوقت الذى لم يخرج فيه بشر أيضا من حسابات شبكة المصالح العائلية فى الجماعة بحكم صلة النسب مع واحد من أهم وأبرز أعضاء مجموعة «الصقور» فى الجماعة، هو الدكتور محمود حسين أمين عام الجماعة، الذى تزوج نجله المهندس ياسر سارة ابنة بشر.
فى نفس الوقت الذى لا تزال ترتبط فيها المصالح التنظيمية والمالية لمحافظ كفر الشيخ الجديد أيضا المهندس سعد الحسينى بشكل كامل بالجماعة، فى ما يعتبر من أبرز أهل البيزنس والسلطة فى الإخوان، فهو صاحب شركة «المدائن للإنشاءات الهندسية»، التى ُتعتبر إحدى أضخم شركات المقاولات فى الدلتا.
رجل الأعمال الإخوانى الأشهر حسن مالك، أحد قطبى الإمبراطورية الاقتصادية للجماعة ورئيس جمعية تنمية الأعمال «ابدأ»، ورئيس لجنة «تواصل» المنوط بها تحقيق الاتصال بين رجال الأعمال ومؤسسة الرئاسة، التى أظهرت نفوذا لا حدود له فى كل سفريات الرئيس محمد مرسى، وتحديد شخصيات رجال الأعمال فى الوفود المصاحبة له خلال الفترة الماضية، هو واحد من أهم أعضاء الشبكة العائلية للإخوان فى السلطة والجماعة، فزوجته هى جيهان عليوة شقيقة رجل أعمال إخوانى آخر هو محمد سعد عليوة صاحب شركة «الحجاز لتوظيف الأموال» فى التسعينيات، وأنجب منها مالك أبناءه السبعة: معاذ وخديجة وعمر وأنس وحمزة وعائشة وأحمد، ويشاركونه جميعا فى إدارة إمبراطوريته الاقتصادية، كما هو الحال أيضا مع بنات خيرت الشاطر، إذ أسست إحدى بناته مجموعة مدارس «جنى دان».
فضلا عن أن مالك أيضا هو حلقة الوصل بين عائلتين من أشهر العائلات الإخوانية هما عائلتا أبو الفتوح والزعفرانى، إذ تزوجت شقيقته الأولى بالدكتور خالد الزعفرانى القيادى الإخوانى السابق وابن عم إبراهيم الزعفرانى عضو مجلس شورى الجماعة السابق أيضا، والثانية بأحمد أبو الفتوح الشقيق الأصغر للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح.
وبخلاف الإمبراطورية الاقتصادية المشتركة كذلك بين الشاطر ومالك بمجموعة من الشركات تصل إلى 70 شركة منها شركة «مالك لتجارة الملابس الجاهزة والمنسوجات وخيوط الغزل»، ويدخل كل من أشقاء مالك والشاطر أيضا شريكا فيها، نجد عزة أحمد توفيق زوجة خيرت الشاطر بنفسها أيضا شريكا منفردا مع حسن مالك فى شركة «سيوة لاستصلاح الأراضى»، ويأتى من بعدها بهاء الشاطر، الساعد اليمنى لشقيقه خيرت فى إدارة مشروعاته الاقتصادية، إذ كان بهاء الشاطر هو مدير معارض السلع المعمرة بنقابة المهندسين، الخطوة الأولى التى انطلقت منها الإمبراطورية الاقتصادية للشاطر ومالك بعد ذلك، فكان يلجأ كل من الشاطر ومالك إلى تسجيل بعض الشركات باسم بهاء تحايلا على نظام مبارك، كما هو الحال فى شركة «المستقبل» المملوكة لمالك والشاطر والمسجلة باسمه، فى تجسيد حىّ لعمق المصالح المشتركة والعلاقات العائلية فى منظومة النفوذ الاقتصادى والسياسى داخل الجماعة.
أيضا تُعتبر عائلة خيرت الشاطر، وزيجات بناته، على وجه التحديد، نموذجا إخوانيا صارخا للحرص على حماية المصالح التنظيمية والسياسية والاقتصادية بروابط الدم وعلاقات المصاهرة.. فزوج شقيقة الشاطر الصغرى هو الدكتور محمود غزلان الذى صعد إلى طبقة الحكم فى الجماعة، بعد زواجه بفاطمة الشاطر، وإنجابه منها أبناءه محمد وياسر وأنس وعبد الرحمن ويحيى، ويقترب بعد هذه الزيجة من دائرة نفوذ تنظيمية بلا حدود، ويتحول إلى أحد رجال أعمال الجماعة البارزين، بعد أن أصبح ضمن «طبقة الصفوة» الذين قررت الجماعة على مدار سنوات أن تكتب أموالها بأسمائهم هربا من الملاحقة القانونية، فدخل غزلان شريكا مع خيرت الشاطر فى شركة «الواحة «، أحد المشروعات الزراعية الكبرى التى تم استغلال فيها خبرة غزلان كأستاذ فى كلية الزراعة جامعة الزقازيق، حيث امتلكت هذه الشركة مزارع ضخمة لتربية الأبقار وإنتاج الألبان فى الكيلو 110 طريق مصر-الإسكندرية الصحراوى، بخلاف مجال المبانى والمقاولات الذى ظهر فيه اسم محمود غزلان بثقل، خصوصا فى شراكته مع رجل الأعمال الأشهر عبد الرحمن سعودى فى شركة «التنمية العمرانية» التى كان غزلان عضو مجلس إدارتها.
تزوجت رضوى صغرى بنات خيرت الشاطر بعبد الرحمن على أحد القيادات الشابة بقسم نشر الدعوة بالجماعة، بينما تزوجت ابنته سمية إخوانيا بارزا آخر هو الدكتور الصيدلى خالد أبو شادى الذى يشغل منصبا قياديا فى قسم نشر الدعوة والتربية ويحقق نجاحا منقطع النظير فى مجال الدعوة، بحيث لا يخلو بيت إخوانى من مؤلفاته الدعوية وسيديهات الإنشاد والأذكار الخاصة به، كما تلقى ندواته إقبالا منقطع النظير بين الشباب الإخوانى، وهو ابن القيادى التاريخى بالجماعة أحمد أبو شادى.
عائشة أيضا زوجة الدكتور محمد الحديدى مسؤول الإخوان المسلمين فى ألمانيا لسنوات، ونجل صالح الحديدى أحد أعمدة النظام الخاص فى الإخوان. سارة كذلك هى زوجة للإخوانى الشاب المهندس حازم ثروت، وحفصة زوجة للدكتور مصطفى حسن ومريم زوجة أحمد على درويش.
غير أن الزهراء كُبرَى بنات خير الشاطر تحديدا، هى خيط البداية فى شبكة العلاقات المالية والتنظيمية المهمة له داخل الجماعة، فزوجها المهندس أيمن عبد الغنى مدير أعمال الشاطر، والمتهم معه فى قضية ميليشيات الأزهر، هو حاليا نائب رئيس قسم الطلبة بجماعة الإخوان المسلمين، وكذلك شقيق كل من الدكتور محمد عبد الغنى عضو مجلس شورى الجماعة، ومسؤول القسم السياسى السابق بالجماعة، وكذلك الدكتور عمر عبد الغنى مسؤول مكتب إدارى جنوب القاهرة.
أيمن عبد الغنى هو نفسه أحد رجال الأعمال الإخوان، فهو شريك للقيادى فى حزب الحرية والعدالة ورجل الأعمال الإخوانى أحمد شوشة فى شركة «إليجى» بالجزائر، ناهيك بأن شوشة أيضا هو شريك خيرت الشاطر فى شركة «المدائن للمقاولات والإنشاءات»، والذى ظهر على الساحة السياسية التنظيمية مؤخرا بعد الإفراج عنه كعضو بمكتب إدارى شرق القاهرة.
فى نفس التوقيت الذى تم التصعيد فيه لباقى شركاء خيرت الشاطر ورجاله الذين أصبحوا بعد ثورة 25 يناير نجوما فى المشهد السياسى الإخوانى، كالدكتور حسام أبو بكر شريك الشاطر وصاحب شركة «هيونداى للمصاعد» الذى تم تصعيده إلى عضوية مكتب الإرشاد بعد الثورة مباشرة.
الدكتورعصام العريان القائم حاليا بأعمال رئيس حزب الحرية والعدالة ومستشار رئيس الجمهورية نفسه كذلك، وإن لم يتزوج من جماعة الإخوان المسلمين، فزوجته فاطمة فضل، هى شقيقة د.صلاح فضل الذى كان أحد المحكوم عليهم فى قضية الفنية العسكرية، إلا أن ابنته أيضا قد تزوجت الدكتور أحمد مصطفى أحد القيادات الإخوانية الشابة بنقابة الأطباء.
الجميع باسثناءات معدودة وعلى مدار أكثر من ثمانية عقود هى عمر الجماعة، يصعد إلى طبقة الصفوة الحاكمة من بوابة علاقات النسب والمصاهرات التنظيمية.
منها صعد د.محمد بديع المرشد العام نفسه بعد خروجه من سجون عبد الناصر، بعد زواجه بسمية ابنة القيادى الإخوانى التاريخى محمد الشناوى الطيار السابق وعضو النظام الخاص فى عهد البنا الذى تحول بديع بفضله إلى أحد أخلص رجال مصطفى مشهور الذى كان صديقا حميما للشناوى.
ومن خلالها لحق به الدكتور محمود عزت نائب المرشد العام، الذى حالفه الحظ بزواج شقيقته وفاء عزت طالبة الثانوى وقتها بعضو النظام الخاص أيضا وأحد أبرز كوادر الإخوان وقتها محمد مهدى عاكف، رغم فارق السن الكبير بينهما، 20 عاما كاملة، وكذلك شقيقته الثانية التى تزوجت قياديا إخوانسل آخر هو محمود عامر الذى أصبح فى ما بعد رئيس مكتب إدارى المنزلة.
كذلك تحمل وفاء مشهور، عضو مجلس الشورى عن حزب الحرية والعدالة، على كتفيها أيضا تاريخا من علاقات النسب والمصاهرة فى الإخوان، فهى ابنة مصطفى مشهور المرشد الخامس للجماعة، وزوجة الدكتور محمد عبد الجواد، أحد بُناة التنظيم الدولى، وعضو مكتب الإرشاد السابق بجماعة الإخوان المسلمين.
فى دائرة شبكة العلاقات والمصاهرات والمال كلام مباح وكلام يعتبره الإخوان غير مباح، ومن الكلام غير المباح الحاج عباس السيسى رحمه الله وقرابة بعض الشخصيات الجديدة فى الحكم له، وصلة العمل التى ربطت رئيس الوزراء الحالى هشام قنديل بخيرت الشاطر فى الثلث الأول من التسعينيات، وما خفى كان أعظم وأسوأ وأفظع وأشد إفزاعا.