دقت الساعة
قصيدة إلى دقت الساعة، للشاعر الفلسطيني معين بسيسو:
ليس ذنبي إن كان للنور قبر في بلادي وللمكافح قبر
وتفشّى الظلام كالداء لا يوقف طوفانه المدمّر فجر
إنّني أكتب الحقيقة لكن ثورة الحق في بلادي كفر
قلمي في الحديد في ظلمة السجن طريح مكبّل لا يصرّ
نفسي حائم يفتّش في الظلمة عن منفذ ولا يستقرّ
أبدا أرفع العيون إلى الباب ولا حامل شعاعا يمرّ
وإذا ما سمعت دمدمة الريح تدوّي قلت العواصف كثر سوف تجتاح حائط السجن يوما فوراء القضبان يلهث حرّ غير أنّ الأيام تمضي وتمضي وأنا شمعة تذوب وفكر وأمدّ الأنفاس مدّ فريق أين من موجه الشديد المفرّ أين شعبي لقد تذكّرت أنّي لي دين في عنقه لي عمر أين أنفاسه تحطّم قيدي أين ثاراته أما لي ثأر ؟
إنّ شعبي العملاق في القمقم مثلي وفوقه الليل بحر
ويعاني الذي أعاني وهل يفرح نسر وفي السلاسل نسر !
وهو لا بدّ حاطم قيده الأسود يوما والنصر يتلوه نصر فإذا الصرخة الكبيرة تدوّي وإذا العالم المقّيد حرّ
البساط الكبير يفرش للظافر قومي إفرشيه فاليوم خمر
وغد نحن من صنعنا غد العالم عمّدانه الأيادي الحمر
للملايين يفرحون به العمر فما فيه ظلمة أو قفر
قد جعلنا الإنسان أثمن ما فيه له الأرض والسماء مقرّ
وجعلناه كالرياح طليقا غده في يديه نور وزهر
غدنا أيها القريب لقد أوشك يمشي على الطريق الفجر
نحن لن نترك السلاح وفي الأرض أسارى وآسرون وأسر
ساومونا على الحياة كما شاؤوا وما للحياة سوق وسعر
وإذا ما صلاهم قلم الحر شعاعا يلقيه في الأرض فكر
صرخوا صرخة الغراب على الجيفة واستنسروا وكرّوا وفرّوا
ثمّ صاحوا بالشعب وهو دموع عتقّت في كؤوسهم فهي خمر
إنّ تمثالك المقدّس يا شعب حطام بكلّ أرض يجرّ
قتلوه فخذ بثأرك يا شعب فللميّت المقدّس ثأر
غير أنّ الذي ينادون سدّت أذنه الريح والصّباح الأغرّ
وعلى ضوئه تراءى له الوحش وقدّامه الضحايا الكثر
أيها الشعب أيها الميت الحيّ بأرض منها القبور تفرّ
هكذا تصنع النعوش لكي ترقد فيها وأنت يا شعب زهر
خالد العطر مثقل بندى الفجر ولكن لا يطرد الجوع عطر
هكذا قدّروك ميتا على الأرض وأيامهم لشمسك قبر
يمضغون السنين من عمرك النضر ويلقونها ومالك عمر
أنظر الصين كيف ثارت على الموت وفي الصين للملايين نصر
كيف هدّت جدران معبدها الرحب وفيه الأصنام بيض وصفر صرخات العبيد في أذنيها جمعت فالعبيد بعث ونشر
ورياح تسوقها مثلما ساق الدهور البطاء في الأرض دهر
ضربت موعدا له أمم الأرض فطارت به الجياد الحمر
دقّت الساعة الرهيبة وانشقّ عن المارد المخدّر ستر
أسندته إلى الجدار الأعاصير كسكران نال منه السّكر
وشظايا الكؤوس غائصة فيه كما غاص في حشا الأرض جذر
نسمات الصباح يا حلم التائه يمشي والقفر شوك وجمر بلّلي وجهه وشدّي خطاه فطريق الكفاح صعب ووعر
ملأته الأشواك والدم والدمع ولكّنه الممرّ الممرّ
أيها الشرق كان ظلّك في الأرض سحابا يمرّ ما فيه قطر
تشرب البوم من جداولك الخضر وتروى وليس ترويك بئر
أورثوك القيود عن صنم مات فأشقاك في حياتك قبر
هم لصوص التاريخ كم سرقوا منه شعوبا مصّوا دماها وفرّوا
وهم المالئون أرض أمانيك ظلاما يضلّ فيه الفجر
غير أنّ الحياة أقوى من الموت ولن يهزم الحياة القبر
هي كالبحر مدّها الأمل الهادر طول السنين واليأس جزر
يكشف الصخر حين يرجع بالموج ولن ينجي الغريق الصخر