دخل مصر من الاتصالات قد يفوق دخل سفن القناة

من معرفة المصادر

دخل مصر من الاتصالات قد يفوق دخل سفن القناة، مقال نشر في لومند دبلوماتيك، نائل الشافعي، مارس 2012.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المقال

كابلات الاتصالات البحريّة أضحت عصب الاقتصاد الحديث. ولكن في حين قامت حروب حول قناة السويس، لا أحد يهتمّ كيف تمرّ كابلات الاتصالات البحريّة في الممرّات الاستراتيجيّة، وكم تحصّل دول هذه الممرّات منها. أحد رجال الأعمال الاختصاصيين يقدّم دراسة حول الرهانات القائمة.

من الخطأ الظنّ أن مشكلة انقطاع كابلات الاتصالات البحريّة على السواحل المصريّة قد مرّت بسلام. فقد عرف الناس أنّ وراء شاشات الحواسيب تجري المعلومات في كابلات تحت البحر، لتحضر المعلومات بسرعة الضوء، وعرفوا أيضاً أنّ انقطاع تلك الكابلات يمكنه إلحاق ضرراً بالغاً بالاقتصاد. بدّدت مصر مئات الملايين من الدولارات في اليومين التاليين، بين توقيع عقد كابلٍ بحريّ بمبلغ 125 مليون دولار، وبين إنفاق مبلغٍ أكبر لشراء وصلات عاجلة بدلاً من القدرة المفقودة. لكن ماذا لو تكرّر الحادث؟ ماذا لو تعذّر إصلاح الكابلات بسرعة؟

ذات صباح خريفي عام 2000 في نيويورك اتصل بي جاري وينيك، مؤسّس شركة "جلوبال كروسينج"، لكابلات الاتصالات البحرية، متباهياً ومتسائلاً كم أدفع من الرسوم لإدخال كابلٍ في بناية معيّنة في حيّ منهاتن كنّا نتنافس على دخولها، فأخبرته أنّني أدفع 64,000 دولار شهرياً. فردّ عليّ بأنّه بصدد توقيع عقد لتمرير كابل بقناة السويس بمبلغ 10,000 دولار سنويّاً، وذلك لعلمه بأنّني مصري.

وينيك شخصية لا ينتهي الجدل حولها. فقد كان أحد مساعدي مايكل ميلكن، ملك السندات الهالكة Junk Bonds الذي اتـُهمت بالتسبّب في انهيار الاقتصادين الأمريكي والياباني في نهاية الثمانينات. وبينما سـُجـِن ميلكن لأقلّ من عامين (في فيلاّ بملعب غولف مزودة بخطوط هاتف دولية) خرج بعدها بثروةٍ تتعدّى 2.5 بليون دولار، يلهو بها في أروقة الحزب الجمهوري. أمّا صاحبنا وينيك فلم يـُدَن، واستغلّ ثورة الانترنت في التسعينات ليطلق شركة جلوبال كروسينج، وفكرتها ربط دول العالم بكابلات اتصالات بحرية. فالبحار مياه دولية لا تتطلّب دفع رسوم لمالك؛ والاستثناء الرئيسيّ هو قناة السويس. وقد جمع وينيك 17 بليون دولار من الأسهم في شركته، معظمها من صناديق استثمار المعاشات.

مكالمة وينيك شحذت فكرة كانت تختمر في رأسي. وفي زيارتي التالية للقاهرة في كانون الأوّل/ديسمبر 2000 قابلت الدكتور عاطف عبيد، رئيس الوزراء آنذاك لأعرضها عليه. ذكرت له مضمون المكالمة، وقلت له أنّه إن كانت قناة السويس قد شـُقت في القرن التاسع عشر لنقل البضائع بين الغرب والشرق، فإنّ عبقرية المكان قد تضاعفت في القرن الحادي والعشرين للحاجة إلى قناة السويس لنقل المعلومات بين الشرق والغرب. كلّ ما علينا هو تحديد التسعيرة المناسبة لمرور المعلومات في القناة، وتحصيل تلك الرسوم بدلاً من ترك هذه الكابلات إمّا لتمرّ شبه مجاناً. وقد بيّنت له أنّه لو أخذنا برسوم تمرير الكابلات في ميناء نيويورك (بالرغم من أن قناة السويس تفوقها أهميّة) وطبقناها على حجم مرور المعلومات كما يبيّنه أصحاب تلك الكابلات، فإن دخل قناة السويس السنويّ منها سيتعدّى 750 مليون دولار عام 2008، ويرتفع إلى 2 بليون عام 2015 بدون أيّ استثمارات من جانب مصر.

اتصل د. عاطف بوزير المواصلات، د. أحمد نظيف، وطلب منه الاستماع لما أقوله، وكان ذلك. ثمّ استهلّ أحد مساعدي د. نظيف اللقاء بأنّ العقد مع جلوبال كروسينج قد تمّ توقيعه منذ أيام، ولا مجال للنقاش. ذكرت لهم أن الفرصة لم تـَفـُت إذ بإمكاننا طلب توقيع عقد صيانة لمرور هذا الكابل بالقناة بمبلغ 50 مليون دولار شهرياً، ولن تتواني الشركة عن التوقيع. ردّ المساعد فوراً بأنّ هذه ليست أخلاقنا. وتركت اللقاء متمتماً "ألا هل بلّغت".

مدّت جلوبال كروسينج بعض الكابلات بتكاليف باهظة، منها راتب سنوي لمؤسّسها وينيك قدره 600 مليون دولار، وبناء مقبرة له بمبلغ 70 مليون دولار بجبل الكرمل بالقدس. لكن مع انتهاء فقاعة الانترنت عام 2001، انهارت الشركة عام 2002. وأشهرت رابع أكبر إفلاس في تاريخ الولايات المتحدة. بيعت أصولها الشركة إلى مجموعة كارلايل (جورج بوش الأب والابن كانا من مستشاريها) وهتشسون هوامپوا (يملكها لي كا شنج، مالك هونج كونج تقريباً، والذي باع شركته للمحمول إلى أوراسكوم عام 2007) وتشاينا نتكوم (يملكها ابن تشيانج زيمين، رئيس الصين الأسبق) وباقي الأصول في العالم إلى سنجابور تكنولوجيز (ترأسها زوجة لي كوان يو، الحاكم السابق ووالدة الحاكم الحالي). وما يهمّنا هنا هو أنّه من غير الواضح ما إذا كانت مدّت قد مدّت فعلأً كابلاً عبر مصر أم أنّها ظلت مستأجرة لبعض شعيرات الألياف من كابلٍ آخر. وإذا كانت قد مدّت هذا الكابل فهل وقع ضمن الأصول الآسيويّة أم الرئيسية للشركة؟


ليس فقط "مجاناً" بل واستغلال للسوق المحلي

تمرّ الأعوام. وفي خريف 2006، يتصل بي بروستر كيل، مؤسّس أرشيف الانترنت، ليشكو من مشكلة متعلّقة بكابلات الاتصالات البحرية في مصر. بروستر تقاعد بعد أن باع شركته ألكسا لترتيب مواقع الانترنت حسب عدد الزوّار، وأنشأ مشروعاً لأرشفة الانترنت كل سّتة أشهر، وتخزين هذا الأرشيف في سان فرانسيسكو ولاهاي ومكتبة الإسكندرية. يتطلّب المشروع أن يتصل كلّ من المواقع الثلاث بالإنترنت بوصلة قدرها 2 جيجابت (بليون بت) في الثانية. اتصلت مكتبة الإسكندرية بشركة فلاج صاحبة أحد الكابلات المارّة بمصر. ولم يكن في مقدرة مكتبة الإسكندرية أن تحصل على أكثر من 145 ميجابت (مليون بت) في الثانية، دفعت فيها ما يقرب من مليون دولار سنوياً. تلك التوصيلة هي أقلّ من 1 على عشرة آلاف من قدرة كابل فلاج المارّ بمصر.

تتكوّن رسوم مرور الكابلات في نيويورك من عناصر عديدة، أخذ منها 10% من قدرة الكابل المارّ للاستخدام المجانيّ للتعليم والصحّة والمكتبات والأمن؛ بالإضافة إلى تحصيل 5% من إجمالي الدخل المتحقّق من مرور الكابل. أيقظت هذه المشكلة في ذهني قضيّة الكابلات في مصر بعد أن دعاني بروستر إلى حضور مؤتمر المكتبات الرقمية العالميّة المنعقد في الإسكندرية في تشرين الثاني/نوفمبر 2006. حاولت أثناء وجودي بالقاهرة الوصول لحلّ لتلك المشكلة. فقابلت وزير الاتصالات، الدكتور طارق كامل، وعدد من مسؤولي الاتصالات، أقسم لي أحدهم بأنّه ليس هناك أيّ كابل مارّ في قناة السويس بالرغم من عرضي عليه خرائط رسميّة عالمية لهيئات دوليّة معنية تفصـِّل عدد وقدرات الكابلات المارّة. ولدى سؤالي له هل يمكن أن يكون مبعث الاختلاف هو أنّ تلك الكابلات تمرّ بمحاذاة القناة بدلاً من داخلها، انتفض قائلاً "طبعاً تفرق"، إلاّ أنه رفض نقاش تعريفة مرور المعلومات أو الكابلات. تأثـُر الهند بانقطاع كابل أمام الإسكندرية يثبت أن الكابل (أو الكابلات) الذي يربط شبه القارة الهندية والخليج بباقي الانترنت يمرّ عبر مصر. فكم تحصل مصر من رسوم مقابل هذا العبور؟

وفي 24 أيلول/سبتمبر 2006، قبيل حضوري للمؤتمر بمكتبة الإسكندرية، حصلت شركة سعودية مصرية جديدة على موافقة لتمرير كابل في قناة السويس، ولتسهيل الحصول على الموافقة قدّمت تلك الشركة دراسة مقارنة لتعريفات الكابلات البحرية في مختلف الدول بدءاً من بوتسوانا حتّى "الولايات المتحدة". وخلصت المقارنة إلى أنّ التعريفة المناسبة تتراوح من 7 إلى 10 آلاف دولار في السنة! وعلى ما أفهم أنّه تمّ إقرار تعرفة قريبة من هذا النطاق. ليس لدى بوتسوانا أيّ سواحل لتضع تسعيرة كابلات بحرية تستحقّ أن تحذو مصر حذوها. أمّا تعريفة الولايات المتحدة، فهي على الأقل عشرة آلاف ضعف التعرفة التي تدّعي الدراسة استخدامها هناك.

عودة إلى الكابلات المقطوعة

بين عامي 2008 و2010 حدث ست أو سبع انقطاعات في الكابلات البحرية التي توصل الشرق الأوسط والهند بباقي الانترنت. هكذا انقطع كابل فالكون أمام ميناء بندر عباس الإيراني، ولم تعلن السلطات الإيرانية عنه في حينه إلاّ أنّ الأمر تسرّب لاحقاً. ثمّ انقطع كابل فلاج آسيا أوروبا أمام ساحل الإسكندرية وكذلك كابل سي-مي-وي-4 إمّا قبالة الإسكندرية أو قبالة مرسيليا (أو قبالة المينائين في آنٍ واحد). ثم انقطع كابل فالكون بين مسقط ودبي. تلاه انقطاع كابل الدوحة-حلول بين قطر والإمارات. وأخيراً انقطع كابل سي-مي-وي-4 أمام جزيرة پــِنانگ بماليزيا.

كابلات الاتصالات هي من روافع القيمة الجيوستراتيجية لأيّ دولة، بل يذهب هيوجل إلى وصفها بالجهاز العصبي للدولة [1]. فالإمبراطورية البريطانية حرصت على مدّ كابلات التلغراف بين جميع مستعمراتها. ثم حلّت محلها الولايات المتحدة ونشرت شبكات التلغراف اللاسلكية، ثم الكابلات النحاسية، وشبكات الميكروويف وصولاً إلى الألياف الضوئية. تعتمد أهميّة الدولة أو الشركة على مدى تفاعلها مع الجوار. لذلك نجد أنّ من أوائل ظواهر النهضة الهنديّة الحديثة في مطلع القرن الحادي والعشرين، هو عمل الشركات الهندية الكبرى (تاتا ورليانس) على ربط قاعدتها الصناعيّة في الهند بباقي العالم عبر اقتناء وإدارة جميع الكابلات التي تربط أوروبا بآسيا. فكلّ من شركتي الكابلات البحرية فلاج وتايكو قد أصبحتا مملوكتين لشركتين هنديتين، هما: رليانس وتاتا VSNL. وكابل سي مي وي-3 أنشأته فرانس تليكوم، إلاّ أن إدارته تقوم بها شركة الهواتف الهندية تاتا إنديكوم. وكابل سي مي وي-4 أنشأته فرانس تليكوم إلا أن إدارته تقوم بها شركة التليفونات الهندية VSNL.

وما فعلته الهند ستفعله كافّة الدول "شرق السويس" لتحسين الوضع الجيوستراتيجي والتجاري لكلّ منها. فلا غرو أن نسمع خططاً سعودية وإماراتية لمدّ كابلات من سنغافورة شرقاً إلى إيطاليا غرباً (عبر مصر) [2]. وعلى الصعيد الإقليمي نشاهد الكابل السعودي السوداني SAS-1 حقيقة واقعة، في حين أن الكابل المصري السوداني يبقى كلاماً منذ أعلن من عقدٍ ونيّف.

سباق التسلّح وحروب المعلومات

إحدى الجولات الحالية في سباق التسلّح هي حرب المعلومات. ولقد رأينا كيف تمّ قطع إستونيا عن العالم الخارجي لأكثر من ثلاثة أسابيع في نيسان/إبريل 2007 بهجمات متلاحقة من الهاكرز [3]. ورأينا بدء تنفيذ الصين لنطاق عناوين علويّ للانترنت باللغة الصينية، أي لا يمرّ على قلب الانترنت الحالي في واشنطن. وكذلك نتابع الأخبار والتسريبات عن أحدث أجيال الغواصات النوويّة وهي مخصّصة للتنصّت على كابلات الاتصالات. تقوم تلك الغواصات بقطع الكابلات البحرية، ثم توصيلها بسرعة بعد أخذ تفريعة للتنصّت. كما أعلنت إسرائيل عن نشر شبكة اتصالات استشعار في قاع البحر المتوسط والبحر الأحمر [4] تحسباً لهجومٍ من غواصات إيران. ويشهد بحرا اوخوتسك وبارنتس في شمال المحيط الهادي حرباً مستعرة في صمت بين أمريكا وروسيا منذ الثمانينات للتنصّت وقطع كابلات الاتصالات بين الطرفين [5].

أثارت حوادث انقطاع الكابلات ذعراً في الهند لحجم استثمارات الهند في هذا المجال وللأهمية الاستراتيجية التي أسبغوها عليها. والسبب الآخر الذي لا يقلّ أهمية هو مدى اعتماد الهند على الاقتصاد المعلوماتي. لذلك رأت الهند خطورة الاعتماد على كابلات تمرّ عبر مصر والشرق الأوسط دون بديلٍ جغرافيّ لذلك المسار. لذلك فأول ردود الأفعال من شركتي تاتا تليكوم ورليانس كان خطط جديدة سريعة لإنشاء كابلات بديلة تصل للغرب عبر المحيط الهادي ورأس الرجاء الصالح [6].

مصر كمحور للاتصالات الدولية

تزداد قيمة مصر كعضو فاعل في اقتصاد العولمة، كما قيمة شركاتها المرتبطة بالاقتصاد العالمي، عطاءً وأخذاً. لذلك فعلى مصر وشركاتها أن تعمل على ربط مصر بباقي العالم بأكبر عدد ممكن من وسائل الاتصالات على التوازي. ويتمّ هذا الربط على محورين: (1) زيادة ربط الاتصالات المصرية بالشبكة العالمية عبر وسائل بديلة مترادفة (بحراً وأرضاً وجواً) (2) جذب اقتصادات العالم الكبرى لاستخدام كابلات تمرّ عبر مصر. حتماً تتطلّب الكابلات المقترحة استثمارات عالية إلاّ أن مردودَيتها الاقتصادية والسياسية فائقة السرعة.

من ناحية ثانية، يمكن لمصر جذب تدفّق معلومات الاقتصادات الكبرى للمرور عبرها، من خلال إغراء كابلات قوى العالم الفاعلة، من دول وشركات. فمجموعة الكابلات الواصلة بين الولايات المتحدة والصين كلّها تمر عبر فوالق زلازل المحيط الهادي. ويمكن لمصر اقتراح مسار رديف بديلٍ عبر أراضيها، والمشاركة في التكاليف. عناصر الجذب قد تتضمّن دعماً لسعر الكهرباء المطلوبة لمحطات التكرار، وكذلك فنادق اتصالات تتمكّن فيها الكابلات من تبادل المعلومات (مما يخلق صناعات معلوماتية بأكملها، مثل التخزين للتسليم لاحقاً Store-and-Forward للبرامج الإعلامية باستغلال فروق التوقيت). ولهذا يجب دعوة شركات الاتصالات (وليس معدّات الاتصالات) الفاعلة على ساحة الكابلات العالمية لأن يكون لها مصالح في مصر، بالتحديد ڤـِرايزون الأمريكية وكي دي دي اليابانية وتشاينا نتكوم الصينية وروس تليكوم. أمّا حول شراء مصر لكابل بحري خاصّ بها، فهو لا يفيد في شيء لناحية أمن الاتصالات، إذ لا تتوفر لهذا الكابل أي من أسباب المنعة، سياسيّة كانت أو تكنولوجية. يجب على مصر عند شرائها كابل بحري أن تؤمّن وجود شركاء دوليين نافذين يهمّهم استمرار عمل الكابل وبالتحديد شركات الاتصالات الأربع المذكورة أعلاه.

من ناحية أخرى يمكن لدولة مصر وشركاتها استخدام المسارات الأرضية قدر المستطاع كرديفٍ للمسارات البحرية. ولرخص تكاليف مدّ الكابلات الأرضية، فإن التكاليف المجتمعة للمقترحات الأربع التالية ضمن هذه الفئة ستكون أقلّ من مبلغ 125 مليون دولار الذي تمّ توقيعه لإنشاء كابل بحريّ بين سيدي كرير ومارسيليا. وستربط هذه الردائف الأرضيّة مصر بنفس الشبكات العالمية ولكن بترادف عالي: o شمال إفريقيا: اوراسكوم لها حصص في شركات هواتف في تونس والجزائر. لذلك فمن مصلحتها، كما هي من مصلحة مصر، مدّ كابلات أرضية تربط مصر بدول شمال إفريقيا. وهذا الكابل يمكن ربطه بأوروبا من خلال أربع خطوط غاز أنشئت في السنوات الخمس الماضية لتصدير غاز شمال إفريقيا إلى أوروبا. o شرق إفريقيا: لتوفير منافذ جغرافية رديفة يمكن لمصر مدّ كابل إلى بورسودان ومصوع كمنفذين بحريين للشبكة الأرضية المصرية. o المشرق العربي: بسهولة ورخص يمكن تمديد كابل اتصالات مربوطاً على ظهر كابل الربط الكهربائيّ للأردن وسوريا ولبنان وتركيا. o الجزيرة العربية: ربط شرم الشيخ بنفق أنابيب مرافق إلى شمال السعودية.

وهناك ثروة هبطت على مصر من السماء ببيعها جزءٍ من طيف التردّدات لشبكة المحمول الثالث، مثل ما كان الأمر في الصومال والولايات المتحدة. ومن الحصافة تخصيص جزء منها لتشييد بنية تحتية تدعم اقتصاد المعلومات، وهي بالأساس مدّ الألياف الضوئية إلى كلّ منزل، وهو هدف باهظ التكاليف، ولكن لا بديل عنه في جميع الدول المتقدمة والطامحة للتقدم [7]. ويجب ألاّ ننخدع بتكنولوجيا دي إس إل DSL، فهي مُسكــِّن موضعي مؤقّت للشبكات القديمة، تتمكّن من خلاله من ضخ كمّ أكبر قليلاً من المعطيات على كابلات النحاس المتهالكة إلى أن تتمكّن شركات الاتصالات من استبدال الشبكات النحاسية بشبكات ألياف ضوئية. كما يجب ألاّ ننتظر حتّى نفاجأ بتطبيقات وصناعات تتطلّب سعة حزمة عريضة لا تستطيع الشبكات النحاسية التعامل معها، الأمر الذي سيضاعف من المشاكل البنيوية في الاقتصاد. هكذا يجب العمل على إدراج كابلات ألياف مع كلّ مشروع جديد يتطلب حفراً أم مدّاً هوائياً، سواء كان أنابيب غاز أو ماء أو مجاري أو كهرباء، فالتكلفة الرئيسية هي في الحفر والتمديد.

كما أنّ حادثة انقطاع الكابل قد بيّنت أهميّة أن تحتفظ كلّ دولة في العالم بطرق متعدّدة للبقاء على اتّصال، وبينها السواتل (الأقمار الصناعية). فكلفة الساتل الواحد هي نحو 50 مليون دولار (مصر دفعت أضعاف ذلك في اليومين التاليين لانقطاع الكابل في قرارات غير متأنية، فالظرف لم يتح التأني).

الكابلات البحريّة في السويس هي في الأخصّ علاقة مع الهند

عندما اشترت اوراسكوم تليكوم شركة المحمول من هتشسون هوامپوا بهونج كونج، كان جزء من الشبكة المشتراة أصلاً في الهند، ولذا وجب الحصول على موافقة الحكومة الهندية على صفقة البيع. لكن مجلس الأمن القومي الهندي رفض الصفقة في بيان أصدره في أيلول/سبتمبر 2006 [8]، والسبب الذي قالته هو أنّ أوراسكوم تستثمر فيها أموال الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وأنّها أكبر شركة اتصالات في پاكستان ولها نصيب كبير في بنگلادش، تاركاً للقارئ الاستنتاج. وخلص المجلس إلى أّن وجود أوراسكوم في الهند ليس في صالح الأمن القومي الهندي لأنّ هذا التواجد سيتيح لها الوصول لقطاع المعلومات والاتصالات الهنديّ. ولم تحلّ زيارة نجيب ساويرس بصحبة وزير خارجية مصر أحمد أبو الغيط حينها المشكلة، ممّا اضطر أوراسكوم للانسحاب من الهند.

في أثناء مشكلة اوراسكوم في الهند، افتتح وزير الاتصالات الهندي كابل فالكون من السويس إلى مومباي بمكالمة مع وزير الاتصالات المصري د. طارق كامل [9]. فهل تطرّق الحديث إلى مشكلة أوراسكوم في الهند؟ وهل هناك من يمسك الإيقاع بعلاقات مصر التجارية والسياسية مع الهند.

إلاّ أنّه حتى لو تخلّينا عن مبدأ المعاملة بالمثل، فإنّه لا يجب أن نتخلّى عن مبدأ فرض تعرفة واقعية على الكابلات المارّة بمصر، وأكبر أربع كابلات فيهم ملك أو في إدارة الهند.

إذاً يجب إعادة حساب تعرفة مرور المعلومات في برّ وقناة مصر. وهناك عدّة بدائل مطروحة.

يقوم البديل الأوّل على تعرفة خماسية، تتناسب مع القيمة السوقية التي يكتسبها الكابل المارّ في مصر. ويجب أن تتكون من عناصر متعددة: • الرسوم التنظيمية الأساسية يحصّلها الجهاز القومي للاتصالات، ويمكن أن تـُنشأ على نمط نظيرتها وكالة الاتصالات الاتحادية FCC (طلب مد كابل: 10 آلاف دولار؛ 1.47 دولار لكلّ مناظر لخط تليفون DS0 (64 كيلوبت/ثانية) شغال (مـُضاء) كل سنة، أي 3600 دولار لكل دائرة STM-1 مضاءة تمرّ عبر مصر كل سنة).

• رسوم مرور وصيانة الكابلات عبر مصر (بدون توقّف)، تجبيها مصلحة السواحل ويمكن أن تـُنشأ على نمط نظيرتها لدى الإدارة الوطنية للمحيطات والطقس NOAA والتي تحدّد رسوماً مختلفة حسب الحساسية البيئية للمنطقة (حق استخدام غير قابل للنقض لمدة 20 عاماً: 120,000 دولار لكل ميل؛ حق المرور في حرم محميّة طبيعية أو منطقة أثرية (كالإسكندرية الغارقة) [10]).

• رسوم محطات الإنزال والتكرار يحصّلها الجهاز القومي للإتصالات( 1 مليون دولار مقابل الترخيص لكل محطة إنزال تدفع مرة واحدة؛ الحق في استخدام 3% من شعرات الألياف الضوئية غير المضاءة بالكابل (بحدّ أدنى أربع شعرات) لأغراض غير تجاريةّ (تعليمية، صحية) من نيويورك إلى بومباي.

• رسوم الصيانة التي يجب أن تفرضها هيئة قناة السويس (أو بديلها) على غرار مدينة نيويورك؛ حيث تحتفظ المدينة بملكيّة كل الكابلات والأنابيب والأنفاق ثم تمنح الشركات حق استخدام الكابلات لمدّة محدّدة لا تتعدّى 25 عاماً (وديعة قدرها 20 مليون دولار طوال فترة وجود الكابل؛ 5% من إجمالي الدخل المترتب من تمرير الكابل؛ حق استخدام 5% من شعيرات الألياف المضاءة للمدارس والمستشفيات والشرطة، إلخ؛ رسم صيانة سنوي: 2.05 دولار للقدم الطولي، أي 6,000 دولار للكيلومتر كل سنة).

• الضرائب الوطنية والبلدية على الجهة المالكة أو المشغلة للكابل (رسم وطنيّ: 3% من إجمالي الدخل المتحقق بسبب مرور الكابل؛ رسم إقليمي (للمحافظة) : 2% من إجمالي العائدات من مبيعات الكابل المارّة من خلال محطة الإنزال بالمحافظة).

البديل الثاني: اختيار حامل حصري للمعلومات عبر لقناة السويس:

وهناك بديل ثاني يقوم على اختيار حامل حصري للمعلومات عبر قناة السويس؛ على أساس مزاد عالمي ولمدّة محدّدة (خمس سنوات على سبيل المثال). وحفاظاً على البيئة وتوفيراً لنفقات الصيانة العالية، يقوم الجهاز القومي للاتصالات بوضع كابلين كبيرين (ألف شعرة ضوئية) بين الإسكندرية وسفاجا في مسارين مختلفين. ويصبح على الكابلات الراغبة في المرور عبر مصر تسليم محتواها في الإسكندرية وأخذه من سفاجا. مثل أنبوب سوميد للنفط الذي يمكن ناقلات النفط من تفريغ حمولتهم في السويس و أخذها من الإسكندرية. وتتمّ المحاسبة على أساس سعر السوق للمحتوى الضوئي أو الصوتي أو البياني.

أيّاً كان الخيار، يمكن لمصر أن تحصّل من الكابلات المقترحة ما يزيد عن 750 مليون دولار، قد يرتفع إلى 2 بليون عام 2015 بدون أيّ استثمارات حكوميّة، أي ما يتعدى دخل قناة السويس من السفن في غير أوقات الحروب.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر

هوامش

[1] Hugill, Peter: “Global Communications Since 1844: Geopolitics and Technology”, Baltimore, MD: The Johns Hopkins University Press, 1999. راجع أيضاً الكسندر دوغين: "أسس الجيوبولتيكا"، ترجمة: عماد حاتم، بيروت: دار الكتاب الجديد، 2004

[2] اعلان افتتاح الكابل السعودي السوداني في 2003، وفيه يحدّد المسئول السعودي هدف مدّ كابل يربط السعودية بسنغافورة وإيطاليا (عبر مصر). إلاّ أنه بالرغم من فورة أسعار النفط فلم تقم السعودية بعد بإنشاء هذا الكابل، معتمدة على الكابلات الهنديّة. انظر http://www.saudinf.com/main/y5810.htm

[3] http://www.gamerswithjobs.com/node/32131

[4] جريدة الأخبار البيروتية، الخميس 21 شباط/فبراير 2008

[5] انظر كتاب "خدعة الرجل الأعمى" الذي يعطي تاريخاً مثيراً لتلك الحرب المستعرة لأكثر من عقدين ولم تضع ازارها بعد. الكتاب ظل على قائمة النيويورك تايمز لأفضل الكتب مبيعاً لفترة طويلة. Sontag, S. & Drew, C. “Blind Man’s Bluff”, New York City: HarperCollins, 2000

[6] لقاء صحفي متلفز مع ڤينود كومار، على موقع مجلة فوربس، 14 فبراير 2008: http://www.forbes.com/video/?video=...

[7] بالإضافة لوصلات الألياف الضوئية والإيثرنت، فالصين كان فيها 2.69 مليون مودم كابل بنهاية عام 2007، والعدد ينمو بوتيرة 6% سنوياً، كما ورد في http://www.instat.com/catalog/apcat...

[8] http://www.realpolitik.in/Oct-Nov%2...

[9] http://www.rcom.co.in/webapp/Commun...

[10] كما يمكن لمصلحة السواحل أن توصي بإلحاح على صاحب الكابل أن يتبرّع لمجهودات الحفاظ على البيئة في المناطق التي يمرّ بها كابله.