خطاب الرئيس السادات أمام مجلس الأمة، 20 مايو1971
خطاب الرئيس السادات أمام مجلس الأمة، في 20 مايو 1971 (ثورة التصحيح).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
نص الخطاب
لو أذنتم لي وأذن السيد رئيس المجلس، أريد أن أتحدث إليكم كما تحدثت إلى الأمة من قبل حديثاً من القلب إلى القلب. فالمجال في الحقيقة ليس مجال للخطابة. من أجل ذلك أرجو أن تأذنوا لي أن أحدثكم من هذه المنصة.
بسم الله
(رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)
قبل ما أبدأ حديثي لكم وأكمل بقية القصة أريد أن أقول للشعب من خلالكم مانيش عايز أقول لكم أنتم بس أنا عايز أقول للشعب من خلالكم أن جلستكم اللي تحدث عنها السيد رئيس المجلس اللي عقدتوها على الفور واتخذتم فيها قرارتكم، تاني يوم بوحي من إرادتكم ومشاعركم، عايز أقول لكم زي ما حايجي في كلامي علشان وأنا بأحكي عن بقية الحقائق عايز أقول لكم أنكم حققتم أمنية لعبدالناصر.
صححتم وأنتم باحساسكم التلقائي المستمد من إحساس شعبنا اللي لا يمكن أن يخطئ أبداً. صححتم ما كان عبدالناصر مصراً أن يصححه وسأحكي لكم عنه. ولكن اليوم وأنا جاي ليكم علشان أتحدث إليكم لابد أن يكون حديثنا على مستوى أحداث الساعة وعلى مستوى المسؤولية التي نحملها جميعاً تجاه شعبنا. شعب 23 يوليه شعب 9 و10 يونيه، وشعب 15 مايو.
أيها الأخوة والأخوات: نريد الآن أن نتطلع إلى المستقبل. المستقبل هو الأولى باهتمامنا وحين نتطلع إلى المستقبل فلا شيئ إلاّ المعركة .. المعركة هي الأولى بتركيزي، ونريد أن نواصل مسيرة جمال عبدالناصر. فهي طريقه، ونريد أن نفتح الطريق أمام زحف تحالف قوى الشعب العاملة صانعة الحرية وصاحبة الاشتراكية ورائدة الوحدة.
لا نريد أن نتوقف طويلاً عند ما حدث خلال أربعة وعشرين ساعة في الأسبوع الماضي، ولو أنني سوف أتحدث إليكم فيه قليلاً ولكن يجب ألاّ نتوقف عنده.
لقد تعرضنا ولساعات قليلة فقط لخطر الانحراف عن طريق عبدالناصر. ولكنكم وشعبنا كله قَوَّم هذا الانحراف وصححه ويجب أن يستقيم بعد ذلك خطنا، ويجب أن يزداد عمقاً وأن يزداد اندفاعاً، وأقولها للتاريخ أن عملية التصحيح التي قام بها الشعب في 15 مايو في الأسبوع الماضي، لا تصنع زعامة جديدة لأنور السادات، ولا تعطي قيادة جديدة لأنور السادات .. ولكن قيمتها وأصالتها أنها تعطي القيادة والزعامة، ويجب أن تعطي القيادة والزعامة لتحالف قوى الشعب العاملة.
هذه بداية .. بغيرها نخطئ ولا يجب أن نخطئ أبداً .. وهذه علامة يجب أن نضعها أمامنا، بل هي علم يجب أن نرفعه فوق رؤوسنا حتى لا نخطئ أو نتوه .. أو يخطئ غيرنا ويتوه .. بكلمات بسيطة .. نحن على الطريق .. نحن على المسيرة .. نحن على الهدف استمراراً واتصالاً .. ارتباطاً وعهداً .. من يوم انتصار الثورة في يوليه 1952 إلى انتصار الوطنية في حرب السويس سنة 1956 .. إلى انتصار الاشتراكية في قوانين يوليه المجيدة سنة 1961 .. إلى انتصار ميثاق العمل الوطني في سنة 1962 .. إلى انتصار يومي 9 و10 يونيه 1967 .. إلى انتصار بيان 30 مارس سنة 1968 .. إلى انتصار إرادة الإنسان الحر .. إلى انتصار 15 مايو سنة 1971.
هذه هي معالم الطريق وهي أعلامه لكي لا نخطئ أو يخطئ غيرنا .. لكي لا نتوه أو يتوه غيرنا .. ليس أمامنا من معركة اليوم ومن شاغل ولا يجب أن يكون أمامنا من شاغل اليوم إلاّ المعركة والمعركة وحدها.
من أجل ذلك فإنني أريد أن أتحدث إليكم عن المعركة في بداية حديثي الذي سأقسمه إلى قسمين .. القسم الأول عن المعركة والقسم الثاني عن بناء الدولة الجديدة، ثم الختام.
زي ما قلت لكم في اجتماع الهيئة البرلمانية وزي ما قلت لكم أنا فخور بكم مرة أخرى دلوقتي باقولها ..كان مقرر زي ما أظهرت التحقيقات وأنا في هذا ما بتعرضش للتحقيق لأنه في يد النائب العام .. إنما كان مقرر أن اجتماع الهيئة البرلمانية اللي فات يكون صورة من صور التهريج اللي أنا حكيت لكم عنها وحصلت في اللجنة المركزية، واجتمعوا وقرروا ووزعوا الأدوار، كل ده ماشي في التحقيقات الآن، وبيتساقطوا زي ما تتساقط أوراق الخريف تماماً.
ولكن شئ واحد منعهم زي ما قلت لكم في حديثي اللي فات عن التسجيل خافوا أن يثيروا شئ لأن إرادتكم كانت حتسحقهم .. قالوا كده.
كل يوم بتظهر أشياء جديدة وبتفتح جوانب مؤلمة ورهيبة، ولكن إرادة الله سبحانه وتعالى وصلابة شعبنا وأصالته ووعيه.
أعود إلى المعركة وزي ما حكيت لكم في الهيئة البرلمانية من أول يوم بعد 67 وإحنا بنسير في خطين متوازيين: الخط الأولاني هو البناء العسكري، والخط الثاني هو البناء السياسي .. هذا المجلس لما أتخذ قراره في 10 يونيه وفوض جمال عبدالناصر أن يعيد البناء العسكري والبناء السياسي .. ومن أول لحظة قرار المجلس كان يوم 10 يونيه سنة 67، يوم 11 يونيه سنة 67 كان جمال بيبدأ في بناء البناء العسكري مرة أخرى. وأمكن إن إحنا في خلال خمسة أشهر فقط أي في 23 نوفمبر سنة 67 أن نقدم أول خط دفاعي كامل يدرأ عن بلدنا، أي شئ خمسة أشهر فقط جهد وعرق قاموا به أبناءنا في القوات المسلحة حنفضل نذكره لهم عبر التاريخ، مش بس هذا، لا في خلال الشهور الخمسة دي وإحنا في مرارة الهزيمة وآلامها عملوا معركة رأس العش، ولما تذكر لكم تفاصيل معركة رأس العش حانفخر كلنا برغم ألم ومرارة الهزيمة ونفخر بجيشنا أبنائنا أولادنا. وقبل مايقوم الخط في 23 نوفمبر في أكتوبر انضربت أكبر مركب حربي عند اليهود الإسرائيليين وهي إيلات لأول مرة في تاريخ البحرية في العالم بصاروخ سجل لنا هذا في تاريخ العالم.
كان ماشي البناء العسكري، وضع له جمال الله يرحمه الجدول الزمني لإعداد القوات في 23 نوفمبر زي ما قلت لكم كان انتهى أول خط وقام وقف من خلف الخط بدأ إعداد بقية القوات ولازم أذكر هنا لكم في بيت الشعب وكممثلي للشعب وحملة رسالة عبدالناصر اللي أدعى البعض أنهم حملتها وطردتموهم من صفوفكم لازم أذكر لكم هنا أنه ما كان حايتيسر لنا أن ندبر في هذا البناء إلاّ بمعونة صديق شريف وهو الاتحاد السوفيتي.
مضينا سنة 68 وحصلت الأحداث اللي حصلت فيها وكان الرئيس فرغ من وضع الجداول الزمنية علشان البناء العسكري، وبدأ يخطط علشان البناء السياسي، وكانت الأحداث اللي وقعت في 68 واللي حاول بعض العناصر استغلالها، وجه بيان 30 مارس وحصل انتخابات من القاعدة إلى القمة بالاتحاد الاشتراكي. في نفس هذا الوقت وبالتوازي تماماً كان ماشي البناء العسكري. البناء السياسي ماشي والبناء العسكري ماشي بأقوى وبكل قطرة دم في أبنائنا أبناء القوات المسلحة. 24 ساعة شغل تدريب وتلقى الأسلحة الحديثة والتدريبات العنيفة. وعمل مستمر وتفرغ وروح كلنا في يوم من الأيام حنقرى تفاصيلها إن شاء الله إنما بإذن الله بعد المعركة لأن ولادنا مش عاوزين يقولوا حاجة إلاّ لما يخلصوا معركتهم.
أما حصل البناء السياسي من القاعدة إلى القمة وقعت فيه أخطاء ـ وأذكروا دي لأني أنا جاي لكم فيها قدام، وأنا بأتكلم في الجزء الأخير من كلامي ـ وقعت أخطاء وسجلها عبدالناصر عنده، ومشينا ما توقفش المسيرة. البناء العسكري ماشي البناء السياسي ماشي. جت سنة 69 دخلنا حرب الاستنزاف. قواتنا المسلحة كل دقيقة بتتقدم خطوة إلى الأمام وبتدعم وبتزداد فاعلية ومقدرة وثقة وإيمان. إلى أن قامت ثورة السودان المجيدة في 25 مايو 69 ومن بعدها قامت ثورة ليبيا المجيدة في أول سبتمبر 69 بعد ما كانوا متصورين أعدائنا أن الخط التحرري انتهى وأننا على وشك أن نحاصر ونبقى وحدنا للإجهاز علينا استمرينا ومشينا. وجت سنة 70 وقلت لكم هنا في الهيئة البرلمانية بالتفصيل أزاي بدأت غارات العمق وانكشفت خطة إسرائيل بمساندة أمريكا في أواخر سنة 69 للإجهاز علينا عن طريق تفوق الطيران الإسرائيلي في الستة أشهر الأولى من سنة 70 وبدأت إسرائيل وتذكروا أن أنا حكيت لكم عن بدء هذه الإستراتيجية الجديدة والخطة الجديدة فهم في يوم 25 ديسمبر سنة 69 جم بـ 264 طيارة مع أن يوم 5 يونيه كانوا 210 أو 220 طيارة، يوم 25 ديسمبر 69 جم بـ 264 طيارة وغارات استمرت من 8 صباحاً إلى آخر ضوء، 4,30 مساءً، ومطلتش منا شئ أبداً ولا قللت من قوتنا ولا من خطنا ولا من روح قواتنا المسلحة ولا من أبطالنا شئ أبداً.
في هذا اليوم كان الرئيس الله يرحمه في الرباط ولما انتهت الغارات في الساعة 4,30 مساء. وكانوا طوال الوقت من 8 صباحاً إلى 4,30 مساء بيقذفوا بكل أحجام القنابل وأنواعها الزمنية وغير الزمنية وبتركيز بـ 264 طيارة. تذكروا إن أنا قلت لكم أن أنا أصدرت الأمر يومها أن تخلى بطاريات الصواريخ وتغير أماكنها قبل صباح اليوم التالي، وفوجئ اليهود لأنهم راميين قنابل زمنية لسه قدامها وقت على ما تنفجر. وجم في اليوم التاني يدوروا لم يجدوا البطاريات في أماكنها واضطروا يغيروا خطتهم على ما يستطلعوا تاني ويعودوا تاني للغارات. يعني ماقصروش ولادنا أبداً بل واجهوا كل هذا ومن وسط القنابل الزمنية ومن وسط غارات استمرت من 8 صباحاً إلى 4,30 مساء كملوا طول الليل وغيروا الأماكن ووضعوا البطاريات في الأماكن الجديدة، وفوجئ اليهود تاني يوم .. ماقصروش ولادنا أبداً.
وما شيين. وجت سنة 70 زي ما قلت لكم وابتدوا غارات العمق وسافر الرئيس الله يرحمه إلى الاتحاد السوفيتي وزي ما قلت ويجب أننا نحفظ له دائماً مكان الصديق الشريف .. قدموا لنا صواريخ سام 2 علشان حماية العمق، وقامت هنا أجهزتنا في بلدنا في خلال 40 يوماً تم عمل لا يمكن أن يتمه إلاّ دولة من الدول العظمى، كانت شركاتنا كلها مهندسينا كلهم بيشتغلوا في بناء المواقع الجديدة، في خلال 40 يوم تم عمل كان تمنه 40 مليون جنية، يعني كان اليوم بصرف فيه مليون جنية، تم انجازها ودخلت الصواريخ سام 2 وتوقفت غارات العمق في أواخر فبراير 70.
كل ده تحملناه ومع ذلك وحرصاً على السلام تذكروا أن الرئيس جمال في أول مايو سنة 70 وفي خطابه من شبرا وجه للرئيس نيكسون رسالة وقال له فيها إما أنك مش قادر تضغط على إسرائيل وأنا مستعد أصدقك إذا قلت لي هذه، مع أني لي رأي في هذا. وإما أنكم أنتم بتقديمكم المساعدات لإسرائيل من سلاح ومساعدات اقتصادية وكل ألوان المساعدات بتأيدوا احتلال أراضينا وبعتبر ده مشاركة منكم في العدوان علينا. بعدها جت مبادرة روجرز وحصل إيقاف النار وحكيت لكم بالتفصيل في الهيئة البرلمانية هنا المرحلة دي اللي انتهت بإيقاف إطلاق النار للمرة الأولى، ثم للمرة الثانية في نوفمبر بعد وفاة الرئيس، ثم امتناعنا شهر في فبراير بقرار من عندنا إحنا، امتنعنا عن إطلاق النار وفي خطابي أمامكم هنا في مجلس الأمة في 4 فبراير طلبت من المجتمع الدولي ومن أمريكا بوصفها اللي بتمد إسرائيل بكل شيء من رغيف العيش إلى الطائرة الفانتوم. طلبت أنها تقوم بدورها كقوة كبرى وتحدد موقفها.
في نفس هذا الخطاب وقدامكم تقدمت بمبادرة .. وقلت إن إحنا بنتقدم بمبادرة علشان ندفع بالقضية .. إحنا مستعدين نفتح قناة السويس للملاحة الدولية .. علشان نحرك القضية قصاد ما إسرائيل تبدأ المرحلة الأولى من الانسحاب داخل الجدول الزمني بتاع الانسحاب الكامل بإشراف يارنج والأمم المتحدة. حاولوا يلووا الكلام .. وحاولوا أن يفسروه أن ده حل جزئي .. أو ده حل منفصل أو ده اتفاق لوحده. وضحت موقفنا في أبريل اللي فات بصراحة وقلت .. وبأقول قدامكم النهاردة ولأول مرة علشان يسمع العالم كله. إحنا لما بنقول نفتح قناة السويس للملاحة الدولية، مش معناها إن إحنا حريصين نفتحها بأي تمن .. لا .. ده إحنا بنسهل للعالم ولأوروبا الغربية بالذات. وبنوري حسن نوايانا نحو السلام .. وعاوزين نحرك القضية .. ولكن إذا كان يفهم أن ده حل جزئي أو أن ده حل منفصل .. أو أن ده حل إحنا عايزينه بأي ثمن ما بنفتحهاش. بنردمها أحس.
مر الشهر بتاع الامتناع عن إطلاق النار، وردينا على يارنج وإسرائيل ما ردتش على يارنج. وتعنتت. وتحركنا السياسي ده بالمبادرة بتاعاتنا. وقبولنا للورقة اللي بعتها لنا يارنج، وامتناع إسرائيل ووقوفها بالشكل اللي وقفته فضح موقفها أمام العالم كله. ولما جاني روجرز هنا، وأنا حكيت لكم في الهيئة البرلمانية أول كلمة قالها .. قال أنا جاي وأقول إني لن أطلب من مصر شئ .. مصر فعلت كل ما عليها .. أنا باقول هذا الكلام والعالم كله سامعني الآن ومستر روجرز سامعه .. لن أطلب من مصر شئ. مصر فعلت كل ما عليها .. طيب نتكلم في المبادرة .. المبادرة في أول مايو أنا أعلنت شروطنا لها .. مستعدين، وباعلن أمامكم الآن إن إحنا لازلنا مستعدين ولكن بالشروط اللي أعلناها .. اللي هي ماهياش شروط حقيقية إنما هي اختيار السلام. وإذا كانت النوايا صحيح نحو السلام .. يبقى كلامنا يفهم وينفذ. أما إذا كانت النوايا غير كده للمراوغة أو لمحاولة تمييع القضية، واتخاذ من فتح قناة السويس أسلوب لتجميد القضية لسنين جاية .. أنا قلت لكم إحنا نردمها أحسن .. أبداً إحنا لا نقبل هذا .. وكلامنا واضح.
موقف الأربعة الكبار بأعيده امامكم وأنا قلته أمامكم في الهيئة البرلمانية .. فرنسا موقف شريف يقوم على العدالة .. ويقوم على إيمانها بأنها قوة كبرى لها التزاماتها نحو سلام العالم وليس نحو سيادة شريعة الغاب في هذا العالم .. الاتحاد السوفيتي أنا في غير حاجة أن أشرح موقفه لكم لأن إحنا كل واحد فينا لمسه .. الاتحاد السوفيتي من بدء القضية سياسياً .. اقتصادياً .. عسكرياً واقف معانا .. الاتحاد السوفيتي في الأيام السوداء بتاعة الهزيمة لما حتى زي ما قلت لكم في الهيئة البرلمانية هنا شمت فينا بعض قرايبنا .. لا هو ما شمتش فينا .. قدم السلاح .. قدمه وماقلش تعالوا أمضوا معانا العقد، وحاسبوني .. قدم علشان يوقفنا على رجلينا .. زي ما قلت لكم سياسياً .. عسكرياً .. اقتصادياً .. بشرف وأمانة وبدون أي قيد أو شرط.
بريطانيا أمامكم هنا قررت في الهيئة البرلمانية أن موقفها تَحَوَلَ تحول جذري بقبولها الاشتراك في قوة الأمن الدولية، وهي تعلم أن إسرائيل تقاوم هذا .. بل أكثر من هذا قررت أمامكم هنا أن إحنا بنرحب بهذا الموقف الشجاع الذي أخذته حكومة المحافظين ووضع سياسة مستقلة لبريطانيا. يأتي موقف أمريكا .. جه ليه روجرز وأنا حكيت لكم هنا تفاصيل ما جرى .. وزي ما قلت لكم بدأ حديثة أنه ليس هناك ما أطلبه من مصر .. فقد أدت مصر كل ما عليها .. وباحط قدامكم الحقيقة ومن خلالكم للشعب. إحنا بنشتغل في حدود هدفين أساسيين. لا تفريط في شبر من أرضنا .. ولا مساومة على حقوق فلسطين.
شرحت لروجرز كل هذا بمنتهى الصراحة، وزي ما قلت في أول مايو أن أنا قابلته بعقل مفتوح. وقلب مفتوح مع ما في ذهني وما في رأسي من غارات السبع عشر ساعة، لأن القنابل كانت أمريكية .. طيارات أمريكية .. زي ما قلت الطيارين نصفهم جنسية نصفها أمريكي ونصفها إسرائيلي. كل هذا برغم كل هذا ومن أجل السلام ومن أجل أن أثبت للعالم كله وأرضي ضميري نحو أبنائي الأبطال اللي على القنال اليوم، واللي لما قابلتهم ماسكهم بالعافية باحوشهم بالعافية من أجل أن أحفظ روح واحد فيهم. وأنا قابلت روجرز بعقل مفتوح وقلب مفتوح وأنا مش من أنصار التشنج. أنا ما بتشنجش.
أنا أعرف أنا عاوز أيه. لا تفريط في شبر واحد من أرضنا، ولا مساومة على حقوق شعب فلسطين. وباتكلم بصراحة بعقل مفتوح وبقلب مفتوح وتناقشنا طويلاً ساعتين ونص، كان معانا وزير الخارجية. قلت له أنا ما باطلبش منك شئ لأنك لسه ما سافرتش لإسرائيل. لكن لما تسافر أنا أريد انك بعد ما ترجع للولايات المتحدة أن تحدد أمريكا موقفها لأن الثلاثة الكبار مواقفهم متحددة النهاردة، فاضل موقف أمريكا عنصر أساسي في المشكلة، لأنها بتمون إسرائيل زي ما قلت وزي ما باقول من رغيف العيش إلى الفانتوم. وراح إسرائيل وأرسل لي كلام إسرائيل، وحللت هذا الكلام في اجتماع مع الدكتور محمود فوزي رئيس الوزراء ومع وزير الخارجية، وكان منضم لنا فيه السيد حسين الشافعي نائب رئيس الجمهورية، واديت تعليماتي للسيد نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية أن يرسل ردنا اليوم بعد هذه الجلسة مباشرة إلى أمريكا على الأسس التالية أمامكم وللشعب وللعالم: قضية فتح قناة السويس ليست قضية منفصلة ولا حل جزئي وإنما هي مرحلة من مراحل الانسحاب الكامل في الجدول الزمني. لن نقبل المناقشة في عبور قواتنا المصرية إلى الضفة الشرقية. لن نقبل مد وقف إطلاق النار إلى ما لا نهاية طالما أن هناك جندي أجنبي واحد على أرضنا. وأرضنا هي ما قبل 4 يونيه بالنسبة لنا وللأرض العربية كلها.
السيد وزير الخارجية اعد الرد بعد هذه الجلسة مباشرة ليسلمه وبنطلب من أمريكا أن تحدد موقفها. كفى تبادل مذكرات روجرز جه عندنا وسمع كلامنا وشافنا وتناقشنا في كل شئ بمنتهى الحرية والقلب والعقل المفتوح. راح إسرائيل وشافهم. الآن على أمريكا أن تحدد موقفها بوضوح. المسالة تخص الحرب أو السلام. والمسألة لا تحتاج مرة أخرى إلى تبادل المذكرات رايحة وجاية والمناقشات الفلسفية واللعب بالألفاظ والكلام ده انتهى. الكلام اللي حايروح النهارة وعلى الأسس اللي قلت لكم عليها هذا هو موقفنا ويجب أن تحدد أمريكا موقفها صراحة أمام العالم. ويجب أن تعلم أمريكا أن دولة من 2 مليون ونص ليست لها مقومات الدولة هي إسرائيل لأنها تعيش عالة على شيك بيجي بـ 500 مليون دولار أو بـ 1000 مليون دولار، وشوية لن نستطيع أن نقوم بمثل ما نقوم به بدون تأييد ومساندة ومساعدة أمريكا. يجب أن تعلم أمريكا وأنا قلت لروجرز ولعله لا يغضب إذا كنت باذيع هذا السر إنما لازم أقوله أمامكم وأنا قلته يمكن في الهيئة البرلمانية، قلت له أنا لا أقبل أنكم تقولوا إن إحنا بنقنع إسرائيل وحتى لا أقبل أنكم تمارسوا الضغط على إسرائيل، وإنما أنا أطلب رسمياً أن يبلغ الرئيس نيكسون أن المطلوب اليوم ما دمنا نتحدث عن السلام وأنت جيت عندنا وشفتنا وشفت أن إحنا فعلاً جادين نريد السلام، وأنا اطلب من الرئيس نيكسون رسمياً أن يعصر إسرائيل عصراً إذا كان الكلام عن السلام. إذا كانوا يريدون السلام فنحن للسلام. أما الكلام اللي جه من إسرائيل فلا يعنيني في شئ اللي جابه سيسكو لأن إسرائيل لسه راكبها غرور الانتصار ولسه راكبها الغرور النازي وبيحاولوا لسه يعيشوا في أحلام وأوهام الماضي أنا ما يهمني ده كله. أنا بيهمني أن تحدد أمريكا موقفها، لأن أنا الآن أمام مواقف تاريخية لازم تتحدد تماماً لأنها مسألة السلم أو الحرب. ده الجزء الأول اللي أردت أن أتحدث لكم فيه عن المعركة، وزي ما قلت لكم عقب اجتماعنا مباشرة سيتولى السيد محمود رياض نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية تسليم الرد لأمريكا على الأسس اللي أنا قلتها وحكتها عليكم لكي تكون واضحة لكم وللشعب.
أنتقل إلى النقطة الثانية: النقطة الثانية هي بناء الدولة، وأنا قلت في أول مايو انه جنب الخط البناء العسكري، وجنب العمل السياسي اللي متوازي مع العمل العسكري، واللي ظهرت نتائجه لنا ده واللي كان العمل العسكري وقواتنا دعم كبير له في المرحلة اللي فاتت. قواتنا العسكرية غيرت في العمل السياسي وخلت العمل السياسي يحسوا به ويحسوا بنا ويفهمونا أكثر. جنب ده انا باقول فيه خط أساسي لا يجب أن نهمله بل يجب أن نسير فيه تماماً بالتوازي مع الخطوط الاثنين، مع المعركة، مع العمل السياسي النشط في كل الجبهات لابد أن يسير بناء الدولة الحديثة على العلم والإيمان في نفس الوقت وبنفس القوة اللي إحنا ماشيين فيها على الخطين الاثنين دول.
أنا بأعتبر بناء الدولة خدمة للمعركة وتدعيم للمعركة. لما نيجي نتكلم عن بناء الدولة، لابد نأخذ في حسابنا كل ما وقع في الماضي، سواء قبل 67 أو بعد 67 أو يوم 14 مايو. عايزين نبني المجتمع الجديد اللي إحنا نريده لنفسنا. مجتمع الحرية مجتمع الكرامة، مجتمع يحس فيه كل فرد بالأمن والطمأنينة على يومه وعلى غده وعلى أبنائه من بعده، أما نيجي نبني هذا المجتمع في تقديري لابد أن يكون المدخل الصحيح له هو عمل الدستور الدائم. وقبل ما أقول وأشرح لكم رأي في هذا عايز أقول أنه يجب أن يكون دستورنا مستمد من واقعنا، ومن ترابنا من هنا. إحنا عندنا تجربة بقالها 19 سنة ثورة 23 يوليه ومرت بتجارب ومحن وأزمات وخرجت منها منتصرة قوية بفضل صلابة الشعب. عندنا تقاليد مبنية عبر آلاف السنين. عندنا فوق كل شئ وقبل كل شئ رسالة الإيمان.
تعلمنا أنه لو أراد البشر كلهم أن يصيبوا أي فرد بشئ لا يريده له الله لا يصيبوه به أبداً. تعلمنا رسالة الإيمان أن أرضنا طيبة وطاهرة، وأنها تستحق من أن إحنا نحبها ونقدسها وندافع عنها ونتفانى فيها .. أتعلمنا أيضاً أنه يحتاج العالم النهاردة درجات تحت اسم العلم جرفت الشعوب إلى مادية رهيبة ساءت فيها القيم وضاعت فيها الأخلاق، إحنا ما نقدرش نعيش من غير قيم ولا أخلاق، لأن الإيمان في ديننا. عايز وإحنا بنحط الدستور أصلكم انتو اللي حاكلفكم بوضع الدستور زي ما حاقول لكم دلوقتي ـ عايز وإحنا بنحط الدستور نرجع للقرية أصلنا ونعرف إن فيه عيب، لأن في القرية هناك علمونا ونشأنا أن فيه حاجة اسمها العيب، نعرف أن فيه حدود لكل شئ ما هياش سايبة. مش كل شئ سايب. إحنا نعرف كلنا لما تبقى العيلة في القرية رب العيلة فيها راجل حازم تبقى العيلة محترمة في القرية وبنعرف كمان أن القرية كلها بتبقى روح واحدة لما بيحصل ميتم ممكن يأجلوا الفرح علشان ما يسمعوش الزغاريد التانيين. وبنعرف أن يوم ما بيحتاج واحد علشان يحرت أرضه بيقوم زميله يروح يودي بهايمه ومحراته ويروح يشتغل وياه ويساعده عايز الدستور يتفصل على كده، مش بالقرية .. لا .. أنا عايزه يتفصل علشان مصر كلها تبقى قرية واحدة في هذا الشان ما فيش مكان لا للعيب ولا للتسيب في القيم والوفاء لازم الوفاء. كل من يؤدي لهذا البلد خدمة لازم البلد ترد له بوفاء وكل من يسيء إلى هذا البلد لازم يعامل!!