خطاب إلى المجلس العسكرى - محمد أبو الغار
خطاب إلى المجلس العسكرى، د. محمد أبو الغار.
أكتب هذا المقال من نيويورك أثناء زيارة لإلقاء محاضرة عن الطب وأخرى عن الثورة، وأتابع ما يحدث فى مصر، ووجدت من واجبى أن أوجه هذا الخطاب لأنه لاشك فى أن المجلس العسكرى قد قام بحماية الثورة ورفض إطلاق النار على الشعب فى الأيام الحرجة فى أوائل الثورة، وثبت أن المجلس العسكرى كان رافضاً منذ البداية مشروع التوريث، وكان مستعداً للتحرك فى حالة حدوثه، وكان أعضاء المجلس الذين تحاوروا مع مجموعات من الشعب على وعى ودراية وأجادوا الاستماع وأعطوا انطباعاً جيداً لمن تحدث معهم، ولكن هناك نقاطاً مهمة أريد أن أتحدث فيها بكل صراحة مع المجلس:
أولاً: يعتقد الكثيرون أن المجلس قد ارتكب خطأً كبيراً عند تشكيل اللجنة التى وضعت مبادئ الدستور، لأن اللجنة لم تمثل جميع التوجهات، ويعتقد الكثيرون أيضاً أن المسؤول عن ذلك هو اللواء شاهين، العضو القانونى فى المجلس، وقد قيل لى إن الأستاذ صبحى صالح، المحامى، وهو عضو مكتب الإرشاد، ليس مناسباً لعضوية اللجنة، والزمن أثبت أنه لم يكن محايداً بعد التصريحات العنيفة المتتالية التى هاجم فيها بقوة أى أفكار أخرى، بل اعتبر أصحابها غير وطنيين ولا مسلمين، وقال أخيراً إن النقد الموجه له هو حملة ضد الإسلام، وكأنه والإسلام شىء واحد.
المشكلة الكبرى فى هذا المشروع أن الدستور أمر ثابت له استمرارية لمدة طويلة، بينما القانون متغير، نفترض أن البرلمان الأول بعد الثورة سوف يسيطر عليه الإخوان المسلمون، ويعنى ذلك أن الدستور سوف يضعه الإخوان، ونفترض أن مصر أصبحت فعلاً ديمقراطية وانتخب برلمان لا ينتمى للإخوان بعد 4 سنوات، فسوف يلتزم بالدستور الذى وضعه البرلمان الأول، ومن المفروض أن يكون الدستور مبنياً على مبادئ يتفق عليها جموع الشعب وليس حزباً واحداً فى فترة زمنية معينة. هذا هو الخطأ الأكبر الذى أوقعنا فيه اللواء شاهين، والذى سوف يؤدى إلى مشكلة دستورية تؤثر على مستقبل مصر كلها.
وجاء الخطأ الثانى أثناء الاستفتاء عندما تم الاستفتاء تحت رعاية إخوانية تقول للبسطاء وهم الأغلبية، بأن التصويت بـ«لا» يعنى أنكم ضد الدين، وأن ذلك يعنى إلغاء المادة الثانية من الدستور، وأن الأقباط سوف يحكمون مصر، ولم يعترض أحد من المجلس العسكرى على هذا التجاوز القانونى الصارخ، وهو أمر كان له تأثير بالغ على نتيجة الاستفتاء، لأن استخدام الدين مخالف للقانون، ولا يوجد ما يمنع حدوث نفس الشىء فى أى انتخابات مستقبلية، ومهما كانت الاعتراضات على اللجنة أو طريقة الاستفتاء ففى النهاية كانت إرادة الشعب واضحة ولابد من الاعتراف بها، ولكن على المجلس العسكرى أن يستمع إلى بعض اقتراحات فقهاء الدستور المحايدين، الذين لا يبغون سوى صالح الوطن، وهى قد تؤدى إلى إصلاح جزئى للأخطاء الجذرية التى حدثت قبل وأثناء الاستفتاء بما لا يتعارض مع رأى الأغلبية فى الاستفتاء، ومن ضمنها أن أى دستور لابد ألا يتعارض مع المعاهدات والمواثيق التى وقّعتها مصر، الخاصة بحقوق الإنسان وأفكار مشابهة كثيرة. وهناك الآن اعتراضات واسعة على مشروع قانون الانتخاب الذى يجب أن يأخذ وقته فى النقاش بحوارات جدية، لأن المشروع الحالى لن يؤدى إلى تمثيل جموع المصريين التى قامت بالثورة.
الأمر الأخير هو عتاب شديد بسبب موقف اللواء شاهين تجاه فصيل كبير من الشعب المصرى أثناء التظاهرة السلمية الضخمة الناجحة يوم الجمعة 27/5، وذلك بالاستهانة بها والتقليل من حقيقتها، وكأن المظاهرة موجهة ضده وليست تظاهرة لصالح مستقبل مصر ووضعها على الطريق الصحيح، وكذلك الشعور الشعبى بأن اللواء شاهين يسعى إلى التأثير على حرية الصحافة والإعلام وتخويف القائمين عليهما، أعتقد أن المجلس العسكرى يجب أن يكون محايداً فى موقفه من الجميع، وهو أمر للأسف أصبح يشك فيه الكثير من المصريين.
ثانياً: على المجلس العسكرى أن يكون أكثر حزماً ووضوحاً فى حل مشكلة الفتنة الطائفية والأمن المتردى فى مصر، ويبدأ ذلك الأمر بتطبيق القانون بحزم شديد، وأنا واثق أن الحل يكمن فى اتخاذ المجلس قراراً حازماً بأن كل من يحاول الاستيلاء من السلفيين على أحد مساجد وزارة الأوقاف سوف تتم محاكمته، وكل من يحاول الاعتداء على كنيسة سوف يحاكم فوراً بالقانون، وأن كل مسلم أو مسيحى يقوم بالاعتداء على آخر لأسباب طائفية سوف تطاله يد القانون.
وبالنسبة للشرطة هناك حلول يمكن اتخاذها بعد دراسة من لجان وطنية تقدم دراسة بسرعة إلى المجلس العسكرى.
ثالثاً: لابد من الدعوة لمؤتمر اقتصادى مصغر يمثل مختلف وجهات النظر الاقتصادية لدراسة الحلول السريعة والحلول طويلة الأمد حتى يصل إلى الشعب تصور حقيقى عن الموقف الاقتصادى بعيداً عن أى مبالغات وكيفية بدء الإصلاح الاقتصادى باتفاق الجميع لأن أمر الاقتصاد لا يمكن أن يُترك لفرد واحد.
رابعاً: إذا كان المجلس العسكرى يسعى إلى حوار قومى فليكن ذلك حواراً جدياً يمثل فيه كل أطياف الشعب ويفضل أن نبدأ بقانون الانتخاب، وفى الوقت نفسه لماذا إصرار المجلس العسكرى على عدم تغيير بعض القيادات العليا فى الدولة مثل قيادات الجامعات وترك الأمر يستفحل كما حدث فى كلية الإعلام؟
وأخيراً.. نحن نريد أن تعود الثقة بالكامل للمجلس العسكرى، وذلك لن يتأتى إلا بالحياد التام بين كل قوى الشعب وطوائفه.
قوم يا مصرى.. مصر دائماً بتناديك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .