حقيقة نهب ثروات مصر (مقال)
حقيقة نهب ثروات مصر، كتبها صلاح حافظ في جريدة المصري اليوم، في 5 نوفمبر 2012.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
المقال
شاهدت على شاشات التليفزيون المصرى برنامجين على قناتى «ontv» للإعلامى يسرى فودة، والآخر على القناة الأولى «اتجاهات» للإعلامى عمرو الشناوى. لم أغضب مثلما غضبت من مشاهدتى هذين البرنامجين لكم البراهين الخاطئة التى أتى بها مصرى مغترب يدعى نايل الشافعى، التى كان يتحدث عنها بنبرة المتخصص والمحنك، لإثبات وجهة نظر غير واضحة المعالم.
كان لب الموضوع أنه يحاول أن يروج إلى أن ثروات مصر فى المياه الاقتصادية الخالصة منهوبة من جيرانها جميعا ألا وهم إسرائيل «بالرغم من عدم وجود حدود بحرية مشتركة مع مصر» وقبرص واليونان وكأن مصر فى غيبوبة ومخابراتها ودبلوماسيتها ومؤسساتها الفنية فى سبات عميق أما هو فالخبير المحنك الذى اكتشف هذه المؤامرة فى محاولة إثبات أن اكتشافات الغاز من حولنا يقع جميعها فى مياهنا الاقتصادية الخالصة ويتجاهل لأسباب غير معلومة أن الثروات التى تنهب هى ثروة فلسطين بواسطة جيرانها من الشرق.
ففى سبيل إثبات وجهة نظره غير الممنهجة جاء بنقاط ليست لها علاقة بلب الموضوع ومليئة بالأخطاء لإثبات أن الكل من الداخل والخارج متآمر ضد مصر ويعملون لمصحلة إسرائيل ودول الجوار بما فى ذلك شركة شل العالمية، أكبر شركات البترول.
إليكم مجموعة من تلك التلفيقات التى أتى بها:
- تخلى شركة شل عن امتياز NEMED بالرغم من اكتشافها أكبر حقل غاز بناء على إعلان رئيسها وقبل انتهاء مدة امتيازها: هذا الخبر غير صحيح بالمرة ولم يعلن رئيسها عن اكتشاف أكبر حقل غاز لأن ذلك لم يحدث وإلا وقعت الشركة تحت المساءلة القانونية للتلاعب بالأسواق من هذا الإعلان، أما الحقيقة فهى أن الشركة استنفدت فترات الاستكشاف بعد أن قامت بكامل التزاماتها المالية والفنية وصرفت ما يزيد على ستمائة مليون دولار، ولم تنجح فى إثبات وجود اكتشاف اقتصادى، وتنازلت لنا عن كم من المعلومات سوف يساعدنا على استكمال مراحل أخرى لاكتشاف الغاز المحتمل تواجده. هذا نموذج يحدث فى كل أنحاء العالم ومتكرر فى مصر منذ أن بدأنا العمل الاستكشافى منذ منتصف القرن الماضى.
- يدعى أن من المنطق والبديهى أن نتحرك سريعا بعد أى اكتشاف من حولنا والقيام بحفر آبار مجاورة لاكتشاف الغاز من حولنا: هذه هلوسة، حيث تستغرق الدراسات الاستكشافية عدة سنوات وبتكلفة مرتفعة جداً قبل أن يحدد بدقة أين يتم الحفر. وبعد ذلك يتكلف حفر البئر البحرية فى المياه العميقة مبالغ قد تزيد على مائتى مليون دولار ونتائجه غير مؤكدة ومخاطر الفشل تظل مرتفعة.
- تحدد خط الحدود بيننا وبين قبرص فى ظروف مريبة وبذلك يتهم وزارة خارجيتنا بالتواطؤ لصالح طرف ثالث.
- هناك غواصة تقوم بأعمال سيزمية فى أعماق البحر دون علمنا «Nautilus»، فى أغسطس ٢٠١٠، والحقيقة أن الغواصات لا تقوم بأعمال سيزمية، ومن المستحيل أن تدخل أى سفينة للأبحاث أو غيرها مياهنا الإقليمية دون موافقات مسبقة وإلا فإن أجهزتنا المخابراتية والأمنية تكون متواطئة. والأهم من ذلك أن هذه الغواصة لم تعمل لإسرائيل «كما ادعى» ولا فى منطقتها حسب الموقع الإلكترونى.
- محاولته تحديد موقع بئر بحرية على خريطة كنتورية للأعماق لغرض فى نفس يعقوب بينما تجاهل إحداثيات البئر المعتمدة التى لا يمكن الطعن عليها. كنتور الأعماق عبارة عن خطوط تقريبية لا تستعمل إلا بصورة إقليمية، أما الإحداثيات فهى التى ترسل لجميع الجهات بما فى ذلك الموانئ.
- ذكر أن المبدأ العام أن الخط البحرى الحدودى يكون بامتداد الخط البرى المستقيم، وكررها عدة مرات فى البرنامجين وبثقة كبيرة، واستخدم كلمة إنجليزية «principal of prolongation» لإثبات صحة حجته وهذا أخطر وأضل ما قيل، ولا يدل إلا على نية شيطانية لإثبات صحة ادعاءاته، أما فى الواقع فإنه لا يمت لحقيقة الأمر بأى صلة، وإنما رسم الخط البحرى أكثر تعقيداً من ذلك، ومنشؤه من الجنوب النقطة ٥٣ فى القرار الجمهورى رقم ٢٧ لسنة ٩٠ الصادر فى ٩ يناير ١٩٩٠ الخاص Egyptian baseline system الذى يحدد الشواطئ المصرية فى البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر والذى التزمت به شركة British gas فى امتياز البحث والتنقيب قبالة شواطئ غزة، والموقع فى ١٩٩٩ مع السلطة الفلسطينية، وكل ذلك مودع فى وثائق الأمم المتحدة.
- الزج بظاهرة جيولوجية خاصة بجبل تحت سطح المياه بحوالى ألف متر كان قد كُتب عنها مقالاً وذلك لإثارة المستمع غير المتخصص وفى الواقع أن هذه الظاهرة ليس لها أى معنى فى سياق الحديث من قريب أو من بعيد.
- والأكثرمن ذلك تلك الضحكة الصفراء على وجهه عندما تتحدث قامات مثل الأستاذ أحمد عبدالحليم، أو علماء مثل الجيولوجى مصطفى البحر بلا أى مبرر.
- كاتب هذه السطور نائب رئيس هيئة البترول الأسبق
ومتخصص فى شؤون الاستكشاف والاتفاقيات