حرب الاسابيع الخمس في ميزان المستقبل
7 / 11 / 07
حرب الاسابيع الخمس في ميزان المستقبل
في تاريخ الصراعات الكبرى شواهد شاخصة تومئ لحال الخائضين لهذا الصراع او ذاك, عند تلك اللحظة منه او تلك, وبما يرتسم في افقه من نذر جولة او جولات تمضي على طريق الصراع الطويل املاً بولوج باب حسمه عند ما يحين الحين .
و القاطع إن جولة صيف /2006/ من الصراع العربي الاسرائيلي كانت بامتياز معلماً لا تخطئه العين نحتاج-في ذكراها الأولى - إلى تقييم استدلالاته واسقاطاته بحزم الحصيف و صراحة المؤمن معاً في ان :
1- انها تجل من عنف منظم بين قطبي رحى هما "المؤسسة" الامريكية الحاكمة ومعها اسرائيل و الرجعية العربية من جهة, وتشكيل مقاوم في الاقليم: راسه وصدره في طهران .. جذعه في دمشق .. واطرافه في لبنان وفلسطين . و الاكيد إن اهم ما يعيق المؤسسة عن الاطباق على القرار العالمي هو فشلها في استكمال الهيمنة التامة على العالم العربي وحوضه الاسلامي, اذ من دون الاخيرة لا يصبح للاولى سبيل, في حين لو استكملت لانفتح السبيل اوتوستراداً عريضاً إلى الهيمنة القارية الشاملة, خصوصاً وشقه مصحوب باطباق الخناق على روسيا من كل جانب .
من هنا فما جرى في بنت جبيل له صدى في سانت بيترسبورغ و جوهانسبرغ و كراكاس وداكار ودلهي وسينكيانغ . هي حرب اقليمية عالمية مادتها مصير الاقليم ومآلها مصير العالم في القرن الواحد والعشرين .
2_ ما كان لهذا التشكيل المقاوم إن يستوي على الارض لولا قيامة المقاومة العراقية حال اتمام احتلال العراق ربيع /2003/ . كانت المدماك الاساسي الذي لولاه لاندحاح الاحتلال على شرق العراق و غربه, ولكانت مقاومته اصعب وامر مما هو الحال الان. لكن خصوصية الساحة العراقية وتعقيداتها لا توفر تجانساً متسقاً بين جنبات التشكيل, بل _على العكس_تتسبب بتخلخل مضر, فيه من الثغرات ما يعدل الثمرات .
أمامنا ايران.. وهي تخشى بأس عراق عروبي مفرط القوة واقليمي النفوذ, فتراها تدعم جماعات شيعية لاهم لها الا السلطة والثروة في عراق مشظى له من العراق اسمه ومن البلقان فحواه .. هي ايضاً تدعم جماعات شيعية اخرى تريد عراقاً عربياً موحداً ولكن بغلبة مذهبية تعتاش على مظلومية الثأر . و الفريد ان النفر الاول من تلك الجماعات له من الوشائج بالمؤسسة الحاكمة ما يستحق التوجس في طهران لولا قناعة الأخيرة بان اس واساس ما يجري منذ سنوات اربع هو فعل تقية استراتيجية تمشي مع المؤسسة مسافات قياسية, لكنها تصل الى خط النهاية وحدها وبعد ان تكون المؤسسة قد خارت قواها قبله .
على المقلب الاخر, فان المقاومة العراقية, و المنبثقة في صلبها من رحم سنة العراق العرب, سلكت منذ اليوم الاول سبيل ان الاحتلال ومن حالفه هما الهدف, وان جل الاسلحة مستباحة في خوض معركة كسر عظم تجبر المؤسسة على انهاء احتلالها, وتجبر حلفاءها وحلفاء ايران على العودة من حيث اتوا . ومن اكيد ان حرب تحريرتشن في مجتمع منقسم انقساماً عمودياً صارخاً, قضية شديدة التعقيد و الضراوة . ان نظرة طائر فوق المشهد العراقي تبرز العرب السنة وهم يقاتلون على جبهات ثلاث في اّن , الاحتلال الامريكي , الشيعية السياسية , والكردية السياسية .
هم في المقابل يتباينون بين غالبية اندمج فيها القومي بالاسلامي ,واقلية _ وان كبيرة _ميسمها سلفي جهادي .
يبلغ اختلاط الاوراق مبلغه عندما نجد الجسم الراجح من الشيعية السياسية_وهو المعادي للاحتلال_على حال من الاحتراب مع العرب السنة لا منطق له ولا مسوغ . صحيح إن علم الثورات فيه مكان لخلط الاوراق ولفعل مالا يفعل طلبا لاعجاز المحتل عن تأمين الامن و النظام .. بما يشمله ذلك من ضرب في أوساط المدينين و خلافه.
لكن القصة هنا هي ماذا بعد الاحتلال, واي عراق هذا الذي سيكون, وشلالات الدم المراق هي من احجام لا مقاسات لها.
بكلمة ....اذا كان العراق العربي هو ما في العقول و القلوب فما من سبيل له الا بتآلف مقاومته سنية المادة مع الغالبية الوطنية العروبية من شيعته في جبهة واحدة تصل لقاسم مشترك ادنى مع طهران وتنأى اميال ضوئية عن غوايات الرجعية العربية .
يتطلب ذلك من طهران وقفة موضوعية مع النفس ومع المحيط ... مصلحتها الاكيدة هي في عراق موحد وقوي.ان عراقا منقسما وضعيفا هو وباء معد لها, وهي التي امة من شعوب يشكل الفرس فيها مالايزيد _ بل ربما ينقص _ عن النصف, وينتشر الباقون من ترك اذريين وتركمان وبلوش وكرد وعرب على كل اطراف الدولة بينما ثروة البلاد الرئيسة- أي النفط والغاز- هي في اقليم العرب خوزستان .
واذا كانت ايران تشعر بالقلق من عراق المستقبل _ إن خالف هواها _ بحجة انه شن عليها خرباً ضروسأً دمرت البشر و الحجر, فالحق ان تلك الحرب كانت ضرباً من طيش ارتكبه نظام بغداد يحمل اوزاره لعامين 80_82, ونال جزاءه عنه بهزيمته على ضفة قارون نهاية ربيع 82.
لكن استمرار تلك الحرب المجنونة لاعوام ستة تالية هو وزر نظام طهران و حلفائه بامتياز .
بالتالي فالتوجس متبادل, ولا حل له الا بصلح تاريخي نهائي على الطريقة الفرنسية _ الالمانية تنتقل بأعداء الماضي الى مصاف حلفاء المستقبل .
3_ إن رهان الاطالسة هو على تفعيل خط الفالق السني _ الشيعي انطلاقاً من بغداد, واشتعالاً في بيروت و المنامة و القطيف وصعدة وكراتشي وحيرات ودبي . كانت بروفته الحرب العراقية _ الايرانية, و طلقة البدء في بغداد, وصيحة النفير في سامراء . و الحق إن مطلب الاطالسة ليس اعمال الزلزال على مقياس ريختر /7/ فما فوق, وانما هزات خفيفة متواترة تكفل اصطراع المحليين وسطوة الغزاة. بذا يضمنون ولاء الاوليغاركيات الحاكمة ووداد الناقمين عليها في ان, ويضحون مرجعية الفصل والاحتكام بينهما, بل و بين أي من الجماعات الاهلية, واللواتي لن يكون لهن ناظم ولا عقد الا الاطالسة و اسرائيلهم, إن قدروا . في العراق خرج التفعيل عن مسارهم المأمول ليضحي كابوساً لامن احتلالهم وازلامه, وليهدد قدرة ادامة هذا الاحتلال.
في لبنان تمكنوا من اختطاف طائفة هي مادة الامة واحالتها إلى هيولى من الاستتباع و الرشوة و الخروج عن النص تبدو عسيرة الشفاء في وقت قريب.
في الخليج والجزيرة اسر حاكمة لا تفرق بين الوطن و الحيازة, ومسكونة بعقد تاريخية لا مكان لها بين العروبة و المواطنة ,و بالتالي فالنار تحت الرماد تنتظر فتيلاً لتشعله بينما تلك الاسر تنعم بيماماتها دون زرقة اعين .
في غرب اسيا احتداد خرج من رحم عام /79/ عام الاجتياح السوفيتي لأفغانستان وقيام الثورة الايرانية, ومن ثم صعود جهاديتين سنية وشيعية وجدتا للاقتتال متكاً وسبيلاً بتواز مع صراعهما, كل على حدة, مع الأطالسة. خط الفالق هذا يحتاج إلى ردم بهمة الجبابرة. والا فالزلزال عاصف بديار الاسلام عصفاً غير مأكول .
4_ ومن ثابت إن الوفاق بين السنة والشيعة هو ضرورة حياة وشرط مصير لكل من جناحي الامة بقطع النظر عن الاحجام والاوزان .
ولا يغرن احد منهما استقواءه _ موقوتاً كان ام مستداماً _بالاطالسة, فان اقدار الشعوب والدول ليست كلعبة البيضة والحجر ولاهي خاضعة لشطحات الفهلوة والتذاكي .
إن المقاومة اللبنانية تستطيع إن تبقى قوية بحاضنتها الشيعيةً, لكنها تضحي منيعة إن تزاوجت تلك الحاضنة ببيئة سنية مساندة بل ومشاركة .
إن المقاومة العراقية تقاتل على جبهة الاحتلال وجبهة اعوانه, لكن قدرتها تتضاعف _ على الاقل _ إن اتسقت في جهد تشاركي مع مفاعيل التيار الوطني للشيعية السياسية, وان وصلت مع الجار الايراني إلى كلمة سواء, او اقله احرفٌ منها .
إن المقاومة الفلسطينية هي في وجه من أوجهها جامعة للشرائط, بمعنى انها ساحة للتلاقي مبرأة من مظنات التمذهب.
واليقين عندي إن ثقافة المقاومة في الاقليم تحتاج إلى عملية فرز وغربلة تفصد القمح عن الزؤان :
على المقلب السني, فانه يتوجب التفريق بين الرأي في احزاب مذهبية النزوع و الحافز, وبين جمهور له في الوطن وعليه مالسنته بالتمام و الكمال .. اتحدث عن العراق وعن ضرورة تعامل مقاوميه مع جمهور الشيعة فيه برفق المواطنة وبفارق لا متناه عن تعاملها مع المحتل وأدواته .
و على المقلب الشيعي, فان تثقيف كوادر المقاومة اللبنانية _ ناهيك عن أي نظير عراقي _ ينحو منحىً جلي التمذهب, فيه عن المظلومية ما يفيض عن الراهن ومقتضياته . الكل يعرف مدى انضباطية ورفعة سلوك هذه الكوادر وتقيدها بالجوامع و المشتركات, لكن العاصم من زلات المستقبل لكوادر جيل تال هو في طيات الغيب دونما برهان ولا سند .
إن ثقافة المظلومية بالطريقة التي تعارف عليها الناس- أي وصل الماضي بالحاضر وكأن صفين و كربلاء و الجمل ما انفكت تنتظر خواتيمها- كفيلة بان تشعل أتوناً لا نعرف له أولا من اخر.
أنها مخالفة في الشكل والمضمون للمنظومة التاريخية العربية الإسلامية بعجرها وبجرها, بانقساماتها و جوامعها, بمواجعها وانتصاراتها.
الاثوب و الاجدر إن يكون التركيز على مظلومية الأمة كلها وظالميها ومظلوميها, وعلى المشتركات لا المفرقات. لا مستقبل لشيعة الاسلام الا وسط بيئة الغالبية من سنته ,وبأسلاك تواصل وصلات وصل تكفل انسياباً دافئاً تحت لافتة عالم الاسلام وامة العرب . غير ذلك سقط سقط متاع ليس فيه للأمة الاضرر بواح.
5_ والأكيد أكثر ان بيئة كل من هذه المقاومات ترتبط بعضها بالبعض بطرقة الأواني المستطرقة بما تحمله في لمعاتها من تأثر وتأثير. من هنا لا مجال للقول ان ما يجري هنا لا علاقة له بهناك او بالعكس. الكل يفعل وينفعل ويتفاعل .تلواً... فان قدراً من التناسق- او في أقله التساكن- يصبح قدراً مقدوراً لا مندوحة عنه, إن كان لدى المقاومات الحد الادنى من الجد والجدية .
6_ إن أكدت حرب الاسابيع الخمس امراً فهو إن الصراع الدائر في الاقليم هو مع ثالوت: رأسه المؤسسة وضلعاه اسرائيل و الرجعية العربية .
قد يقول قائل ان هكذا تبيان مخالف لاصول السياسة, و التي تشتغل على مروحة من الالوان و الظلال لا على حد فاصل بين اسود و ابيض.
حسناً... يشترط ذلك اولاً فرز العدو من الصديق, وبحسم لا يعرف هوادة. عندها- وعندها فقط -يمكن للتكتيك إن يشتغل و بمرونة في خدمة الاستراتيجيا, لا ان يختلط الحابل بالنابل فيغدو حال التشكيل المقاوم كمن ضيع المشيتين .
إن التاريخ العربي الحديث بعد نكبة /48/ إن هو الا تكرار منمذج لتامر هذا الثالوث على الامة باشكال ووسائط مختلفة, منها الحروب المباشرة و حروب بالوكالة و الحصار الاقتصادي و مؤامرات الاغتيال و الحرب النفسية و الحروب الاهلية وخلافها من سبل . من يتناسى هذه الحقيقة العارية بحجة تلاوين السياسة وتعرجاتها يخسر أهم ناظم لإيقاع الصراع, وهو مشعر الوطنية من عداها, و الاستقلال من سواه, و العزة من نقيضها . أن تهادن هنا او هناك.. هذا الطرف من الثالوث ام غيره.. في ظرف موجب.. عند وقت ما.. في ساحة بعينها.. هو مما لا تثريب عليه, شريطة إن تمثل طبيعة هذا الطرف نصب الأعين, وان يجري التعامل معه وفق مقتضى تلك الطبيعة . وفي صراع حاسم كالذي يدور, يصبح التغافل عن هذه الأولوية ضرباً من خداع النفس و الغير لا يعود على صاحبه الا بالخسران المبين .
7_ ليس اكتشافاً للبارود القول إن خسارة تساهال امام المقاومة اللبنانية عنت اكثر مما بدا للعين لحظتها ... عنت ان ردعية تساهال قد بهتت, إن لم نقل تلاشت . ولعمري إن ذلك امر جلل في حسبان الاطالسة وتابعيهم الصهاينة .
إن تولد الانطباع بفقدان الردعية ناهيك عن حقيقته _ ........ هو نقلة حاسمة ونوعية في الصراع العربي-الاسلامي/ الثالوثي تعني إن أداة الردع الإقليمية لديه اصبحت شبه فعل ماضٍ بعد إن كانت المضارع و المستقبل .
و الجازم ان ذلك إن عنى شيئاً فهو ان استعادة تلك الردعية هي من الحتميات لا الفرضيات . من هنا وجوب جولة قادمة تعيد لتساهال هيبتها قبل ان تترسخ حقيقة تاكلها و اندثارها, ويصبح التعافي في خبر كان .
8_ بذات المقياس, فان "المؤسسة" وهي تغوص في اوحال الرافدين, تدرك إن هيبتها- ليس فقط في الإقليم بل على اتساع الكون كله- تقترب من حالة تذرر تذهب بريحها بأسرع واعنف مما قدر أحد .
إن مشروعها العراقي تعرض بدءا لتعثر , ما لبث إن وصل إلى ترنح , وهو يقترب حثيثا من لحظة السقوط على الارض .. إن لم تحزم المؤسسة امرها وتقرر الخروج السريع من الاتون, و اعادة تقييم الهيبة و الدور بما يكفل اندراجها في منظومة متعددة الاقطاب تصنع القرار العالمي دون تفرد او هيمنة من أوحد على أحد.
و القاطع إن المؤسسة لا زالت تريد الكعكة وأكلها في ان, و عبر استحواذها على قرار الطاقة العراقي, محمياً بقواعد عسكرية كبرى, يراد منها ايضاً إن تكون منصات انطلاق ما بين شرق المتوسط و سهوب اسيا الوسطى وجنوب الاورال .
هي ستقاتل عن هيبتها وفردانيتها وسعار الهيمنة عندها بالاسنان و الأظافر. .من هنا فلا منفذ لديها الا الهروب إلى الامام , وسبيل ذلك الضرب في الإقليم حول العراق يمنة ويسرة .
على المحك هيبيتين و ردعيتين, واحدة كونية و الثانية اقليمية, و كلاهما الان تحت التهديد بالفتك.
كيف السبيل اذن ؟... أن تضرب إيران بالنووي التكتيكي و بما يؤمن مسألتين: اخافة العالمين وحسم الضربة .
لماذا ايران ؟ لانها مرتكز الممانعة في الاقليم, ولان نظامها يتبنى سياسات "قومية عربية" تصب في خانة مشروع قيادة اسلامي -عالمثالثي لا مجال للتهادن معه او القبول به .
إن الفيتو الاطلسي على القدرة النووية الايرانية ما كان له إن يكون لو استقر القرار في طهران في يد زمر موالية للاطلسي ومتنائية عن العرب وقضاياهم, بل و متآمرة على هذه القضايا كما كان النظام الشاهنشاهي حرباً على حركة القومية العربية وكانت هي حرباً عليه .
القصة هي من يملك القرار في طهران ؟ و المطلب هو قطع رأس النظام وبعدها فلبديله الذرة والسلاح وما شاء من الألعاب و المقتنيات.
و الوارد في الحسابات هو أن تقرر المؤسسة المضي في هذا السبيل عبر بوابة هجوم بدئي بالطيران الإسرائيلي على بضعة مواقع نووية, ترد ايران بعدها بزخم لاهب, فتدك بالنووي حسماً وخلاصاً.
هل ستفعلها المؤسسة ؟ المسألة في يد جنرالات البنتاغون, وهم في احتراب داخلي مكتوم لا تبدو نهايتها واضحة بعد
هل تفيض موجبات الحسم عن مخاطر المواجهة؟
قراءة هادئة لحوافز المؤسسة تشي بان نظام طهران ليس من الصنف الذي يمكن عقد "صفقة كبرى" معه, وهو الذي يقبع فوق برزخ يصل قزوين بالخليج ,أي انه في الجغرافيا التي لامكان فيها الا لأتباع او عبيد .
في عرف المؤسسة ان للطاقة سيد اوحد يمنح ويمنع هو في واشنطن, و تأمين ذلك تأبيد لأمريكية القرن, بينما الفشل في نيله وصفة ماسحة لتلك الأمركة . اذن الطاقة و الهيبة تشترطان فتح طهران ومن ثم موسكو _ وحديثها في مكان اخر _ و الموجب الثالث هو تمكين اسرائيل من وكالة الاقليم, ولتشكل مع بريطانية و استراليا و اليابان واثيوبيا, و احتمالاً الهند, نادي وكلاء اقاليم المعمورة المعتمدين لدى السيد الأوحد.
و الحال أن محاولات العمل السري و الاعلامي و الاقتصادي و النفسي المضادة باءت و تبوء بالفشل تلو الفشل في مس امن نظام طهران قيد انملة, ثم إن واشنطن تدرك إن في حوزته وسائل شتى للرد المضاد و الفاعل إن هوجمت ايران تقليدياً .
ورغم اية محاذير لاستخدام السلاح النووي _ واهمها إن ذلك سيبرر استخدام كل قادر عليه, و لكل متردد استعماله _الا أن السبيل الاوحد المتاح والذي لازال قادراً على الردع في المدى المتوسط هو النووي ولاشيء سواه . ولذا فرجحان الضربة يكاد يعني رجحان نوويتها .
يتساءل المرء هل يمكن استبدال الرأس و الصدر بالجذع-سوريا- لكونه على السطح ايسر واقل عنتاً؟
إن احتمال اختيارها لتكون بديل ايران كهدف يضعف عند حسبان ان الاخيرة ستنخرط في الحرب نصرة وعقاباً وردعاً عن مزيد.
اذن .. تعود القصة إلى نقطة الحرج, وهي عظم القدرة الايرانية على الحاق خسائر جسيمة بالخصم, حتى و التدخل الامريكي حينها اكيد, لكنه سيكون بعد إن يقع الفأس بالرأس . الاجدى هو حرمان ايران من جل هذه القدرة عبر استهدافها بالنووي بدءاً.
اين مكان الاطراف من الصراع؟
كلاهما - لبنان وفلسطين - سيكونا ميدان التحام, سواء ضرب الرأس ام الجذع. هذا اولا....أما ان يبدأ باحداهما _بكل ما للتعبير من معنى _ فسيكون في حالة لبنان تكراراً مضخماً لفضيحة الاسابيع الخمس, وفي فلسطين _غزة لن يزيد عن مغطس من النشادر فيه من الفشل ما يعدل أي نصر.. قيمة واضافة .
بالمقابل, فان اشغال المقاومة اللبنانية عن جهدها الاساسي امام اسرائيل في نزاع داخلي مسلح مع حلفاء الاخيرة المحليين هو واجب اليوم عندهم . و اللافت إن قرار المقاومة بالتمنع عن الاشتباك المحلي هو على قدر من الحكمة لا حد له, لكنه عملياً غير كفيل بوأده في المهد طالماهناك من يريد الاشتباك اصالة ووكالة . ما بين ذلك وبين تسليط سلطة اوسلو على المقاومة في الضفة, يكون هدف شل الاطراف قد احكم بالقدر المستطاع .. او هكذا الامل.
و القاطع إن كل تلك الرهانات على الاستفراد و التطويق و الشل و خلافه هي- كعادة اصحابها- اقرب للخيبة منها للتحقق .
يصل هذا بي للقول ان حرباً اقليمية واسعة هي السيناريو الارجح, وان مبتدأها في ايران وخبرها في الشام, بينما الرافدين واسطة العقد في منظومة اشتباك يحدد مصير القرن .
متى يصل الصراع لحوافه اللاهبة ؟
هو لن يتأخر عن شباط 2008 الا اذا دب الرشد في اوصال المؤسسة فسكنت إلى هدأة تعيد فيها حساباتها وفق قراءة هادئة وموضوعية لمحركات الحوادث تصل بها إلى خلاصات استراتيجية جديدة, سمتها العقل ولحمتها القناعة وسداها التواضع . مشعر ذلك هو اعلان نية الانسحاب التام _ لا الجزئي _ من العراق في غضون فترة لا تتأخر عن ربيع 2008.
هل لذلك من سبيل ؟
شواهد فيتنام 69_72 تشي بعسرة ذلك و ضعف احتماله .
لكن ثقل الخيبة الان يدفع في اتجاه تماه جزئي مع هكذا سيناريو, يتذاكى على الغير بالغواية و الحيلة, فيتنازل في الشكل و طفيفاً في الجوهر, ثم يعلن "النصر" على طريقته, بأمل إن يتستر ذلك على هيبة تكاد تذوي امام الابصار, وعلى جيبة انفختت بتريليون دولار للان واخر على الطريق, وعلى ما ينوف من ثلاثين الفاً من الجرحى و المعوقين و خلفهم عشرات الالوف من المصابين عقلياً ونفسياً ناهيك عن قرابة خمسة الاف قتيل بين جندي ومرتزق.
هذه الفهلوة التكتيكوستراتيجية لن يقبضها احد, فمن يعجز عن حماية احتلاله بحوالي 300 الف جندي ومرتزق لن ينجزها بخمسين الفاً مهما جند من اعوان وعملاء ليس فيهم من يصل لكعب نجويين فان ثيو في السياسة والحرب. سيكفل هذا السيناريو تمديد اجل المواجهة في العراق لشهور او عام او عامين, لكنه سيتكفل بتهاوي الاحتلال بأيسر مما لو بقي عديده على المنسوب الراهن.
إن اعادة انتشار قوات الاحتلال بالصيغة اعلاه لن يكون سبباً في الرضا بمقاومة الاقليم وتركها تتمكن في الارض, بل الاصح ان تكون حافزاً على التحرك المضاد بظن إن التخفف من بعض اثقال العراق يمنحها رشاقة في الحركة تفضل مكبلات الاحتشاد فيه.
باعادة الانتشار ام بعدمه, فان مواجهة اقليمية لا تقع حتى شباط 2008 لابد لها ان تنتظر ولوج ادارة جديدة مطلع 2009 .
بالتالي فنحن امام مساحة لاتزيد عن عامين ,يتقرر فيها مصير الاقليم و العرب و العالم... وعلى هذه الارض لاسواها... ومع هذه الأمة لاعداها .
من هنا مروا جميعاً... ومن هنا يلفظون.
د. كمال خلف الطويل