حرب أكتوبر 1973، من وجهة النظر الإسرائيلية

حرب أكتوبر 1973، من وجهة النظر الإسرائيلية.[1]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مقدمة

سوف تنقضي سنوات عديدة إلى أن تتضح كافة التفاصيل وتنكشف الحقيقة بأكملها عن حرب عيد الغفران. وفي ذلك الوقت لن يكون هناك غير وجه واحد من العملة، فالوجه الآخر سوف ينكشف أيضا عندما يفتح العرب هم أيضا ملفاتهم، وإلى حين ذاك لا يمكن سرد كافة أسرار هذه الحرب. ومن الأمور المعقدة، أن كثير من الشخصيات،زعماء وقادة، يزعمون ـ كل واحد منهم ـ الحقيقة التي يراها هو، والكثير يتجاهل تفاصيل هامة. ولقد أدت صدمة الحرب في إسرائيل، إلى أن تسجيلات كثيرة بالقيادات ليست كاملة. ومنذ اللحظة التي بدأ البعض يكتب فيها عن حقائق وتفاصيل حرب يوم الغفران قوبلت ببعض التناقضات، وأحيانا ظهر ما يشبه قصة (وقائع) لبعض القادة الإسرائيليين.

من حق المصريين أن نقول إنهم عرفوا كيف يستفيدون بدروس كثيرة من حرب الأيام الستة وكذلك حرب الاستنزاف، فإنهم في حرب يوم الغفران نجحوا في استخدام معظم النظام الإلكتروني الحديث، لقد نجح العرب في التقدم بفضل تحسن جهازهم التقني، لأن العتاد الحديث ـ وما فيه من كميات كبيرة من أجهزة الرؤية الليلية وصواريخ مختلفة الأنواع ـ قد ساعدهم في استكمال النوعية. والأمر الذي كان يعتبر في حينه سهلا في الجيش الإسرائيلي ـ وهو التغلب على سلاح المشاة ـ أصبح صعبا في هذه الحرب.

أما الهزة في إسرائيل فكان مصدرها أساسا في الإحساس بأن الدولة أعيدت دفعة واحدة إلى مراحلها الأولى. فعلى الرغم من انتصاراتها في جميع الحروب .. وجدت إسرائيل نفسها فجأة بعد حرب يوم عيد الغفران تتخبط مرة أخرى في أخطار تؤثر على كيانها. ومرة أخرى أدركت إسرائيل أن الهزائم في معارك محلية كبيرة من شأنها أن تعرض وجودها للخطر. وعلى الرغم من انتصاراتها وقوتها العسكرية التي زادت وتطورت، فإنها لا تستطيع ردع أعدائها عن مهاجمتها.

إن الاعتقاد القائل بأن حرب يوم عيد الغفران كانت حربا محدودة، لأنها جرت في منطقة محدودة مجاورة لقناة السويس وفي هضبة الجولان، هو اعتقاد خاطئ تماما، فلقد كانت حربا شاملة، إلا أن المصريين اضطروا في البر إلى التركيز على مناطق معينة.

لقد حاربت إسرائيل في حرب يوم عيد الغفران بجناحيها، حيث يبعد كل جناح منها كثيرا عن المركز المأهول للبلاد. ومن الطبيعي أن الانتباه في الجيش الإسرائيلي، كان موجها أكثر إلى هذين الجناحين، حيث يوجد في أحدهما عدوها الكبير والقوي، وفي الثاني أكثر عدو متطرف من أعدائها. وتم ترك جبهة الوسط مع الأردن، وهي الأهم من الناحية الإستراتيجية، ومن ثم يجب على جيش الدفاع الإسرائيلي أن يكرس اهتمامه تجاه الجبهة الوسطى ـ خاصة إذا تغير النظام هناك ـ وكذلك تجاه الجبهة الشمالية في لبنان حيث قوي التطرف. وقد يحاول العرب مرة أخرى السعي نحو مفاجئة إسرائيل، وعلى إسرائيل إعداد قوة إستراتيجية تضمن لها توجيه ضربة ثانية "شديدة ومؤلمة للغاية إذا بادر العرب بالحرب".

لقد اقتحم العرب جدار الرعب، إنهم لم ينتصروا، ولكنها المرة الأولى التي لم يفشلوا فيها، ومنذ أحداث تلك الحرب والعرب يقولون بأن من ينجح مرة واحدة يستطيع أن يحاول مرة أخرى.

وبعد الزلزال في أكتوبر 1973، أصبح من المهم أن تحترس إسرائيل أضعاف المرات، وستكون تضحية بحياتها إذا استعدت للحرب المقبلة وفقا لطبيعة حرب عيد الغفران. ومن الواضح أن الحرب المقبلة ستكون أشد من سابقتها.

إن العرب بأموالهم الطائلة، ونفطهم المكدس، يستطيعون شراء أي سلاح حديث من الشرق والغرب، وسوف تتعمق الحرب الإلكترونية وتتسع، وسيصبح استخدام الصواريخ روتينيا، وسوف تعطي الصواريخ بُعدا حديثا للحروب في الشرق الأوسط، ولكن في واقع الأمر أن الصواريخ ذات الرؤوس التقليدية لا تحسم الحرب، ولكنها تستطيع التأثير على سيرها. لقد علمتنا حرب يوم الغفران أن أفضل مخابرات من شأنها أن تخطئ في تقديراتها وفي الظروف الجديدة لإسرائيل، فمن الواضح أن التوقع يتضاءل. إن صمود إسرائيل لا يتوقف على السلاح فقط، لأنه إلى جانب السلاح تحتاج إسرائيل إلى تنظيم أفضل ومراكز تقدير أفضل.

وفي المرحلة الحالية تعلو أهمية التسوية السياسية، فالوقت لا يعمل في صالح إسرائيل، وعليها أن تسعى إلى تسوية وسلام حقيقي، والمشكلة هي أن هذا الموضوع لا يتوقف عليها فقط، فهناك من العرب، المستعدون للوصول معها إلى تسوية، وهناك من يضع شروط للسلام تحمل في طياتها مخاطر كثيرة لوجود الدولة، وهو ما يجعل إسرائيل غير قادرة على قبول هذا النوع من التسوية. وفي نفس الوقت يجب على إسرائيل أن تستعد لحرب من شأن العرب أن يفرضوها عليها مرة أخرى، إن لدى إسرائيل قدرات عسكرية هائلة والعرب يعرفون ذلك جيداً. وهذا ما مكن إسرائيل من ردع العرب، فالبرغم من مرور خمسة وعشرون عاماً على حرب "كيبور" إلا أن العرب لم يحاولوا تهديد إسرائيل بحرب جديدة.


المبحث الأول: نظرية الأمن الإسرائيلية وطبيعة الأرض في مسرح العمليات

يقول أنتوني كوردسمان وإبراهام واجنر في كتابهما "دروس الحرب الحديثة ـ الصدمات العربية الإسرائيلية 1973 ـ 1989":

"لقد تأثر القتال بنوعين من طبيعة الأرض، الأول هو قناة السويس والصحراء الموجودة على جانبيها والثاني هو مرتفعات الجولان".

أولاً: طبيعة الأرض "بالمسرح السينائي"

إن شبه جزيرة سيناء منطقة صحراوية، تبلغ مساحتها 60 ألف كيلو متر مربع، وتتميز بالمناطق القفراء والوديان، وكثبان الرمال في الشمال والأرض الجبلية في الجنوب، ولقد عملت سيناء كمعبر بري للمهاجرين وجيوش الغزاة عبر التاريخ. وهي محاطة بالبحر من ثلاثة اتجاهات (البحر المتوسط ـ خليج السويس ـ خليج إيلات).

وعلى طول ساحل البحر المتوسط تتكون سيناء من 134 ميلا من أرض مسطحة جرداء ومستنقعات منتشرة مع وجود بعض الواحات والجبال. والجزء الغربي منها تحده قناة السويس التاريخية وخليج السويس بطول 311 ميلا. وفي الشرق يصل طول سيناء إلى 155 ميلا متضمنة خليج العقبة والحدود مع إسرائيل. والطرق الرئيسية تربط القنطرة والعريش في الشمال والإسماعيلية وأبو عجيلة في المنتصف. وفي الغرب تربط الطرق القسيمة والكونتلا ورأس النقب، مع العريش والحسنة ونخل.

والجزء الأدنى من سيناء يختلف في طبوغرافيته من أرض جبلية وعرة إلى كثبان رملية كثيفة، التي تخلق صعوبة للعمليات العسكرية بسبب المشاكل الإرادية وإعاقة الحركة والنقص العام في الغطاء الطبيعي لاستخدامه في الإخفاء. ولا يوجد سوى طريق واحد بين السويس ورأس سدر والطور وشرم الشيخ الذي يمكنه تسهيل النقل الثقيل.

وتمتد الصحراء شرق القناة في شكل متموج في مسافة حوالي خمسة أميال لتصل إلى خط من التلال الرملية، ومن هناك تمتد حتى منطقة المرتفعات الجبلية والتلال والتي يمر من خلالها عدد من الممرات مثل ممر مثلا وممر الجدي في الجنوب. أما المنطقة الشمالية من القنطرة وحتى بورسعيد فهي منطقة سبخات ملحية ويمر بها عدد من الطرق العرضية الموازية للقناة، مثل طريق يحمل اسم كودي "ليكسكون"، وموازي له وشرقه بحوالي خمسة أميال طريق المدفعية وتتميز سيناء بشبكة الطرق الطولية والعرضية والتي تحقق أعمال المناورة بنجاح.

بسبب طبيعة الأرض الوعرة، كان للحرب في سيناء تاريخ طويل للاستيلاء على الطرق الإستراتيجية والممرات والهيئات العالية المشرفة على هذه الطرق. ومع ذلك فإن الظروف السائدة هي الطبيعة الصحراوية للبيئة والتي تجعل إدارة عمليات عسكرية يعني الصراع مع تأثير الحرارة وتأثير الطبيعة على التأمين الإداري وضرورة وجود أرتال من فناطيس المياه ووسائل التبريد. هذا إلى جانب أن الحرارة المرتفعة تفرض قيوداً كبيرة على الأفراد العسكريين سواء من ناحية الأداء البدني أو من ناحية الضغط النفسي.

إن العمليات العسكرية الحديثة تؤكد على أهمية الوحدات المدرعة والميكانيكية وقوة النيران، ويرجع هذا إلى المزايا الميكانيكية والعسكرية المرتبطة بالأرض المفتوحة، حيث لا توجد بوجه عام أي نباتات مثل الأشجار والشجيرات التي تعوق التحرك أو تخفي الأنشطة العسكرية. فببساطة يصعب الاختفاء في الصحراء المفتوحة.

أما في الجنوب فالجبال شديدة الانحدار ووعرة بدرجة تحد من حركة المدرعات في محاور محددة من الطرق في كثير من المناطق الإستراتيجية.

وفي الوقت الذي توفر فيه الأرض المفتوحة القدرة على الحركة والمناورة للمدرعات، فإنها تسهل التعرض للقوة الجوية. وهذا يخلق بعدا آخر لحروب الصحراء، فالصراع بين الدبابات أصبح معقدا بسبب قدرة الطائرة على الضرب بسرعة وبتكرارية وفاعلية ضد الوحدات المدرعة على مسافات بعيدة من القواعد، فالمساحات الشاسعة والسماء الصحوة، ميزة كبيرة للقوات الجوية التي لا تتعرض لطبيعة الأرض الوعرة تحتها، إلا إذا وفرت هذه الأرض الإخفاء والوقاية ضد الأسلحة جو ـ أرض.

وهناك عنصر آخر في طبيعة الأرض في سيناء بسبب طبيعة الأرض، وهي تعرض الدفاعات الثابتة لتكتيكات المناورة والحصار. فالعزل عن المياه والأغذية يجعل هذه المواقع غير قادرة على البقاء أو الاحتفاظ بفاعليتها القتالية إلا لفترة محدودة للغاية. ولسوء الحظ بالنسبة للإسرائيليين اضطروا إلى إنشاء هذه المواقع الثابتة بسبب طبيعة سيناء، وفتوحاتهم في حرب يونيه 1967، ومع ذلك فلقد لعبت هذه النقط القوية دورا هاما في المراحل الأولى من حرب 1973، ولقد عرفت في مجموعها بخط بارليف.

الموانع ونظام الدفاع[1]

يبلغ طول قناة السويس 175 كم، وعرضها يراوح بين 180، 200 م، وعمق مياهها يراوح بين 16، 18 م، ومستوى سطح الماء ينخفض عن الشواطئ بمقدار مترين، وللقناة شواطئ شديدة الانحدار مكساة بألواح من المسلح، الذي يمنع المركبات المائية من نزول أو صعود شواطئها دون أعمال هندسية مسبقة، والتيار بالقناة سريع وقوي ويصل إلى 18 م/ دقيقة في الشمال، ويصل إلى 90 م/ دقيقة في الجنوب، ويتغير المد بها بحوالي 60 سم في الشمال، ويزداد إلى مترين عند السويس في الجنوب ويتغير اتجاه التيار كل ستة ساعات مع تغير المد. كل هذه العوامل أثرت على خطة عبور المصريين وخاصة ما يتعلق بالمشاكل الفنية لإنشاء المعديات وإنشاء الكباري.

لقد أنفق الإسرائيليون حوالي 268 مليون دولار لإنشاء سلسلة من الحصون والطرق والمنشآت الخلفية أطلق عليها خط بارليف بهدف الدفاع عن الشاطئ الشرقي للقناة. ولقد امتدت هذه الدفاعات أكثر من 160 كم على طول الشاطئ الشرقي للقناة من بور فؤاد شمالا إلى رأس مسلة على خليج السويس، وبعمق 30ـ35 كم شرقاً.

وغطت هذه الدفاعات مسطحا قدره حوالي 5000 كم2 واحتوت على نظام من الملاجئ المحصنة والموانع القوية وحقول الألغام المضادة للأفراد والدبابات، وتكونت المنطقة المحصنة من عدة خطوط مزودة بمناطق إدارية وتجمعات قوات مدرعة ومواقع مدفعية، وصواريخ هوك مضادة للطائرات، ومدفعية مضادة للطائرات، وخطوط أنابيب مياه، وشبكة طرق طولها 750 كم. وتمركزت مناطق تجمع المدرعات على مسافات من 5 – 30 كم شرق القناة. كما جهز 240 موقع للمدفعية بعيدة ومتوسطة المدى، كان من بينها 30 موقع محتل فعلاً. وكانت هذه الدفاعات ترتكز شمالا على البحر المتوسط. وفي الشرق جبال وسط سيناء وفي الجنوب جبال عجمة وخليج السويس.

إن القناة تُعد عائقاً مائياً أمام الآلاف من الرجال، والذي يتطلب الأمر لعبوره جهودا إدارية ضخمة وتخطيط جيد وصعوبات عديدة عند نقطة العبور، وخسائر بشرية نتيجة الحوادث والنيران المعادية. إنها عميقة وواسعة بدرجة يستحيل عبورها بدون وسائل عبور خاصة، ولسوء حظ الإسرائيليين فإن القوات المصرية لم تعبر في المكان وفي الوقت الذي خططته إسرائيل[2].

حاول الإسرائيليون تطوير نظام صُمّم لتحويل القناة إلى خندق مشتعل، من خلال وضع خزانات تحت الأرض، ووضع أنابيب لضخ البترول الذي يتم نثره على سطح القناة، عند ذلك يتم إشعال هذا البترول ليكون حاجزا من اللهب عند النقطة الحصينة. ومع ذلك وجد خلاف ملموس حول هذا التطوير عندما بدأت الحرب، فبعض المصادر الإسرائيلية تزعم أن النظام كان لا يعول عليه وتم هجره، وآخرون يصرون على أن النظام تم تشغيله وأن نقطة أو نقطتين كانتا تعملان، وزعم المصريون أنهم نفذوا عمليات ضفادع بشرية ضد هذا النظام وسدوا الأنابيب وعطلوها عن العمل.

كانت العقبة الدفاعية الأولى هي الجانب الخرساني للقناة (الشواطئ المكساة) التي صممت لتغطية الشاطئ الرملي، وهي ترتفع ثلاثة أقدام فوق سطح الماء في المد العالي وستة أقدام في حالة المد المنخفض. ويحدّ هذا الحاجز من الدخول إلى والخروج من القناة للوسائل البرمائية الخفيفة التي يمكن رفعها ميكانيكيا أو بالأفراد فوق الجانب الآخر، وعملياً فقد تطلبت استخدام الكباري العسكرية المتحركة المصممة لعبور الأنهار. وطبقاً لما قاله الجنرال ديان كانت القناة في حد ذاتها، واحدة من أحسن الخنادق المضادة للدبابات المتاحة وفوق الجوانب المقواة للقناة، أنشأ الإسرائيليون ساتراً ترابياً ضخماً امتد على طول مواجهة الضفة الشرقية للقناة بدءاً من جنوب القنطرة. وكان ارتفاع هذا الساتر يراوح بين 10 م، 25 م، واستخدم كوسيلة لإخفاء التحركات الإسرائيلية، وصُمّم ليمنع العبور بالمركبات البرمائية بفضل ميله الحاد.

يُعد هذا الساتر أول ساتر من ثلاث، وكان يشمل مواقع لإطلاق نيران المدفعية والمدرعات كل مائة متر، واحتوى على 22 موقعاً حصيناً بها 31 نقطة قوية، حولها 15 دائرة من الأسلاك الشائكة تفصلها حقول ألغام، وأجهزة إنذار مبكر، وشراك خداعية. وكانت النقط القوية ذات تصميم هندسي معقد، وتتكون من عدة طوابق بُنيَت بحيث تصل إلى قمة الساتر، وشملت المنشآت، في كل نقطة قوية، معدات طبية خط أول ومجموعة طبية وحمامات ومركز للكتابة والطباعة وصالة سينما وصالة ألعاب وتسلية. وكل دور من أدوار النقطة القوية كان يتكون من عدة ملاجئ خرسانية محصنة بقضبان سكك حديد وألواح من الصلب، ويفصلها عن الملاجئ الأخرى طبقات من القضبان الحديد مقواة بالخرسانة المسلحة والرمل وسلال حجارة سمكها من مترين إلى ثلاثة أمتار. وكانت كل دشمة خرسانية مجهزة ضد نيران المدفعية والدبابات، ولها عدة فتحات للرمي منها حيث تسمح بقطاع نيران كبير، وكانت الدشم تتصل بعضها البعض بخنادق مواصلات عميقة مكساة بألواح من الصلب وشكاير الرمل، وكان لهذه النقطة الحصينة القدرة على تحمل انفجار قنبلة زنة ألف رطل وبها احتياطي من كافة الاحتياجات؛ يمكنها الصمود أمام أي هجوم رئيسي. (اُنظر شكل جبهة قناة السويس)

واعتمد النظام الدفاعي، برمته، على نظام التعبئة، وكان يوجد به عدد محدود من الأفراد المدافعين في النقاط الحصينة من لواء القدس اللذين يؤدون مدة الاحتياط[3].

وفي مؤخرة الخط كان يوجد نظام من حقول الألغام مركزة حول النقط القوية، ولكنه لم يكن نظاما شاملا. وكان من المحتمل أن تكون هذه المناطق مغطاة بمصاطب للدبابات على الجسور الرئيسية وعلى خط الجسور الثاني. وكان الخط الثاني من الجسور مصمماً للدفاع ضد الهجمات التي تنجح في اختراق الجسور الأولى، وعلى طول المحاور الرئيسية كان يوجد خط ثالث من السواتر لتوفير غطاء إضافي ونيران جانبية للمناطق ذات الأهمية التكتيكية.

وخلف هذه الخطوط الدفاعية كانت توجد الاحتياطيات خفيفة الحركة في العمق، ومعظمها وحدات مدرعة. ولتسهيل خفة حركتها أنشئت شبكة طرق كثيفة لسرعة تحريك القوات. وكان الطريق العرضي رقم (1) الذي سمي لكسيكون Lexicon يقع على مسافة حوالي 1000 م من القناة، حيث صمم للربط بين النقط القوية لخط بارليف. وسمي الطريق العرضي رقم (2) طريق المدفعية، وكان مُخصصا لتحركات المدفعية العرضية، ويتمركز شرق هذا الطريق ستة مراكز قيادة وسيطرة، من أجل السيطرة على الخط الأمامي للنقط القوية من خط بارليف.

وكانت هذه المراكز مرتبطة بمراكز قيادة المناطق في الطاسة ورمانة وبير جفجاقة وأم خشيب.

كانت الطاسة تقع عند تقاطع الطريق الرئيسي بئر سبع ـ الإسماعيلية، والطريق العرضي، وكانت تضم مركز قيادة تحت الأرض ووحدات دعم على مستوى الفرقة، وممر للطائرات ومستودع رئيسي للأسلحة والمعدات والذخائر ومعدات المهندسين.

وعلى مسافة 50 كم شرق الطاسة، كانت تقع بئر جفجافه، والتي أطلق عليها الإسرائيليون اسم "ريفيديم" Refidim، وكانت تضم منشأة إدارية ضخمة "منطقة شئون إدارية"، ومطار كبير ومركز قيادة محصن تحت الأرض ومستودع إمداد رئيسي.

كان مركز القيادة الجنوبي يقع في أم خشيب شمال ممر الجدي، ويشرف على وادي غرب سيناء، وكان بالموقع مجمع كبير لوسائل المراقبة الإلكترونية ومعدات مراقبة بصرية ممتازة.

وعلى الضفة الغربية للقناة وفي مواجهة الإسرائيليين، كانت تتمركز القوات المصرية، يحميها ويخفيها نظام جيد من الهيئات الترابية الصناعية، وكان العنصر الرئيسي ساتر ترابي ضخم من الرمال ارتفاعه حوالي 20 م وعمقه حوالي 15 م وطوله 120 م، يمتد حتى منطقة الشط في الجنوب. وعلى مواجهة الساتر، تم إنشاء مصاطب عريضة أو أبراج لتوفير مواقع لنيران الدبابات والأسلحة المضادة للدبابات ضد النقط القوية الإسرائيلية، لقد رفع المصريون الشاطئ على الضفة الغربية إلى ارتفاع 130 قدماً، حيث وفرت القدرة في الإشراف على الساتر الإسرائيلي والنقط الحصينة ومصاطب الدبابات التي تحميها، كما أدى هذا الارتفاع إلى إمكانية مراقبة الخط الثاني من الدفاعات على طول طريق المدفعية الذي كان يبعد خمسة أميال. وكان رد الفعل الإسرائيلي الذي بادر به الجنرال "شمول جونين" قائد الجبهة الجنوبية، هو إنشاء هيئات ترابية لإخفاء الأنشطة على الخط الدفاعي الثاني، هذا إلى جانب تطوير خطط لإنشاء أبراج مراقبة، ولكنها لم تستكمل قبل أن تبدأ الحرب.

وعلى الساتر الترابي أو "المصاطب" المصرية تم تمركز وحدات من المقذوفات الموجهة المضادة للدبابات، ومدافع مضادة للدبابات في النقط المختلفة على طول الساتر، كما تم إنشاء طرق ترابية ممهدة إلى أعلى الساتر وإلى كل برج. وعلى بعد حوالي 15 – 25 كم خلف هذا النظام كان يوجد حزام من التحصينات، التي شملت أسلحة ومعدات الدعم والتأمين الإداري، وشملت مرابض المدفعية ومواقع صواريخ سام كذلك.

لقد وضعت الإستراتيجية المصرية للهجوم المفاجئ.. الإسرائيليين في موقف دفاعي غير مريح لم يتعودوا عليه.

أولاً: لم يسمح الإسرائيليون منذ حرب 1948 لأعدائهم العرب بأن يأخذوا المبادرة، فكانوا يهاجمون باستمرار، وتنفذ في العادة طبقا لخطة جيدة وضربات جوية ساحقة.

ثانياً: اعتمدت الفكرة الدفاعية، على الأقل في المرحلة الأولى، على نظام من التحصينات على كلا الجبهتين، كانت ثابتة ومن الممكن تطويقها وعزلها، ولسوء الحظ بالنسبة للإسرائيليين، فإن المشكلة كانت في تذبذب الأسس الإستراتيجية للقادة في الميدان، أي القيادة الجنوبية، ورئاسة الأركان لجيش الدفاع الإسرائيلي. وكانت النتيجة تغير فكرة الحاجز الدفاعي بمضي القوت من فكرة خط تعطيل ابتدائي، إلى دفاعات تعمل كمراكز مراقبة إلى خط قوي من التحصينات.

وفي كلتا الحالتين، استمرت الفكرة في التركيز على أهمية الاحتياطي المدرع المتحرك، الذي يهاجم الغزاة في المرحلة الأولى من الهجوم، ومع ذلك اختلف الجنرالات بارليف وشارون وجونين، حول دور النقط القوية في مواجهة الهجوم.

وطبقا لما ذكره الجنرال الإسرائيلي السابق "هيرتزوج"، كانت التحصينات فاشلة، لضعف قوتها البشرية، عندما بدأ المصريون الهجوم.

وعلى مر السنين تم التوصل إلى حل وسط، بين تصميم نقط قوية تصمد في وجه هجوم مصري عبر القناة، والعمل كنقاط مراقبة وإنذار، وبالنسبة للغرض الأول كانت ضعيفة ومتناثرة، وبالنسبة للغرض الثاني كان عدد الأفراد بها أكثر من اللازم، ولا يوجد أدنى شك في أن المصريين كانوا سينجحون في العبور، حتى بفرض تطبيق الفكرة الرئيسية لخط بارليف (بما في ذلك الخطة الإسرائيلية الكاملة بتحريك القوات إلى خط الجبهة)، وتنفيذها في الوقت المناسب من خلال زيادة حجم القوات الإسرائيلية بالخط الأمامي في حالة الطوارئ، وهو أمر كان سيصعب من مهمة هجوم القوات المصرية، وكان من الممكن أن يتكبدوا خسائر جسيمة جدا، بل وكان من المحتمل أن يفشل هجومهم[4]. "أوضاع القوات الإسرائيلية في سيناء سعت 1400 يوم 6 أكتوبر 1973. (اُنظر شكل أوضاع القوات يوم 6 أكتوبر)

ثانياً: طبيعة الأرض "في منطقة الجولان"

مرتفعات الجولان هضبة ترتفع من 600 قدم فوق وادي اليرموك في الجنوب إلى 9000 قدم وهي قمة جبل هيرمون في الشمال، وهي مجموعة من التلال البركانية تشبه الحائط، وتستطيع أن تحد من مرور المركبات، حتى الحديثة منها من جبل هرمون إلى طريق دمشق ـ القنيطرة والعديد من التلال البركانية توفر ميزة ممتازة ونقط مراقبة جيدة وفي الجنوب تعتبر المنطقة أكثر سهولة للتحركات.

لقد وضع خط يحد امتداد الحدود بعد حرب الستة أيام من وصلة الرافد في اتجاه القنيطرة، ومن تلك النقطة شمالا إلى جبل هيرمون، وتقع مجموعة أخرى من التلال في اتجاه الجنوب الغربي، وعند النظر في اتجاه الشمال الشرقي نجد أن الهضبة تنحدر في اتجاه الغرب إلى أن تنحدر بحدة من ارتفاع 2000 قدم إلى وادي حوله وبحر الجليل، والمنطقة جنوب شرق القنيطرة هضبة مسطحة تنحدر لأسفل في اتجاه الشرق إلى أن تصل إلى تلال على طول طريق "مسكين ـ دمشق".

وهناك خمسة طرق تتجه من مرتفعات الجولان إلى إسرائيل:

1. الطريق من كوبتزران إلى مسلة وجبل هيرمون.

2. طريق القنيطرة ـ نافاخ ـ بنات يعقوب.

3. طريق القنيطرة ـ خوشينايا ـ أريك برايد.

4. الطريق من جونين إلى وست "Gam La Rise".

5. طريق العال من بحر الجليل.

ويعبر الجولان طريقان من الشمال إلى الجنوب، الأول ويمر بطول خط وقف إطلاق النيران عام 1967، عرف باسم "الخط الأرجواني" Purple Line ، ويمتد من رافد إلى مسعدة. والثاني طريق يُعرف باسم "خط التابلاين" Tap Line أو خط أنابيب النفط، لأنه يسير بحذا خط أنابيب النفط الذي كان يخرج من المملكة العربية السعودية. كما يوجد عدد من الطرق الثانوية الأخرى ولكنها لا تتحمل المرور الثقيل.

طبيعة الدفاعات على هضبة الجولان

لما كانت مرتفعات الجولان تمثل جبهة طبيعية، بالمقارنة بخط بارليف، فإنها تمثل منطقة أصغر، يمكن فيها استخدام العوائق، رغم أنها لا تحتوي على قناة سويس، التي تمثل أكبر خندق مضاد للدبابات في العالم.

لقد استغل الإسرائيليون الفترة ما بين 1967 و1973 لجعل دفاعاتهم غير قابلة للاختراق بقدر المستطاع، إذ كانوا قلقين من احتمالات هجوم سوري عبر المرتفعات، وشمل هذا العمل إنشاء سلسلة من الموانع والتحصينات بكل المنطقة، ولكن مع التركيز على الحافة الشرقية للهضبة.

ثالثاً: نظرية الأمن الإسرائيلية

تقوم نظرية الأمن الإسرائيلية منذ الأعوام الأولى لدولة إسرائيل على الأسس التالية:

1. جيش نظامي صغير وجيش احتياطي كبير هو جيش الشعب "كل الشعب جيش".

2. سلاح جوي نظامي كبير، يجب أن يقوم بمهمتين ترتبطان بساحة القتال البرية:

الأولى: حماية سماء الدولة بهدف ضمان تعبئة وحدات الاحتياط وحركتها نحو الجبهات المختلفة دون مضايقة من جانب الأسلحة الجوية العربية.

الثانية: تعتبر المساعدة بالنيران للوحدات النظامية المستعدة للصد والتعطيل ابتداءً من الساعة الأولى من القتال، وكذلك لوحدات الاحتياط التي تنضم إلى وحدات الصد والتعطيل. وبذا يصبح السلاح الجوي، مصدراً لقوة نيران القوات البرية، في المعركة الدفاعية، وعلى وجه الخصوص قبل وصول وحدات المدفعية إلى ساحة القتال. وهذه المهمة لم توضع موضع الاختبار حتى عام 1973، والسبب في ذلك بسيطا، فخلال الـ 24 عاما الأولى من نهاية حرب التحرير لم يُعتد على دولة إسرائيل ولم تُهاجم بغرض احتلال أراضيها، ولم تخض حربا دفاعية تضطر فيها إلى تعبئة الاحتياط.

3. سلاح استخبارات نظامي، مهمته تقديم وتوفير الإنذار حول إمكانيات هجوم العدو، وذلك وفقا للحقائق على الطبيعة وليس وفقا لتقدير وتقييم نوايا العدو.

وبالإضافة إلى ما سبق، فإنه ابتداء من الأيام الأولى للدولة، كانت النظرية العسكرية تقضي بأنه طالما لا يوجد لدولة إسرائيل عمق جغرافي، وطالما أن احتلال إسرائيل يعني إنهاء وجودها كدولة، فإنه يجب أن يكون هناك دفاع صلب وقوي على حدود الدولة، ونقل الحرب إلى أراضي العدو في أسرع وقت ممكن.

والواقع لقد كانت حرب عيد الغفران هي المرة الأولى منذ عام 1949، التي هوجمت فيها إسرائيل على أيدي دولة عربية. وفي هذه الحرب، لم يقم السلاح الجوي بالمهمة الثانية المخصصة له، على ضوء نظرية الأمن، وهي المساعدة في صد هجوم العدو، وتقديم قوة نيران للقوات البرية في الحرب الدفاعية.

ومن المهم أن نعلم أن السلاح الجوي أبلغ بكل صراحة قبل نشوب حرب عيد الغفران، أنه لن يستطيع تخصيص مجهود لتنفيذ هذه المهمة على أقل تقدير خلال الـ 48 ساعة الأولى من الحرب. ولقد أقدم سلاح الطيران على تقديم هذا التقدير، لأنه كان يعلم أنه منذ عام 1970 فصاعدا، حدث تغيير هام وجوهري للغاية في توازن القوى الجوية بين إسرائيل وبين مصر وسورية. لقد وُضِعَتْ صواريخ أرض جو سوفيتية الصنع، ذات فاعلية على الجبهتين المصرية والسورية، والتي استطاعت أن تمنع السلاح الجوي من تقديم المساعدة للقوات البرية في معركة الصد. وهذه الـ48 ساعة، التي تحدث عنها السلاح الجوي، كانت مطلوبة له ـ هكذا كان يعتقد ـ من أجل تدمير الصواريخ أرض جو التي يمتلكها المصريين والسوريين.

لقد كان معنى بلاغ السلاح الجوي واضحا: إذ يعني، أن واحدا من الأعمدة الرئيسية في نظرية الأمن، قد انهار. وللأسف الشديد، فإنه يبدو أنه قد انهار في صمت خفيف، لأنه وفقا لنظرية الأمن، من الضروري على السلاح الجوي، أن يقدم المساعدة الجوية للقوات البرية، من أول ساعة للحرب. وحسب النظرية، كان السلاح الجوي يشكل عنصر النيران الأساسي، في مرحلة الصد الأولى. ولقد أبلغ السلاح الجوي، أنه لن يستطيع القيام بهذه المهمة.

أما العنصر الثالث، في نظرية الأمن الإسرائيلي، فهو سلاح الاستخبارات النظامي، والذي تنحصر مهمته في تقديم وتوفير الإنذار، حول إمكانية نشوب حرب، بمبادرة من العدو. والواقع أنه منذ إقامة الدولة وحتى عام 1967، كان رؤساء هيئة الأركان، ووزراء الدفاع، يفسرون مفهوم الإنذار، تفسيرا واضحا وجليا وبسيطا: الإنذار هو الإمداد بمعلومات، عن حقائق، على الطبيعة.

هذا يعني أن الإنذار ليس تقديرات، وليس مضاربة، حول ما يمكن أن يحدث، والإنذار الذي يحتم تعبئة الاحتياط غير مشروط بتقييم المعقولية. الإنذار يرتكز على مجموعة من المعلومات من مصادر مختلفة لتجميع المعلومات والتي تشير إلى وجود قوات وتحركات وحشود لجيوش العدو، التي تتيح الهجوم أو العدوان على إسرائيل، وحتى السادس من أكتوبر 1973 وُضع سلاح الاستخبارات في جيش الدفاع الإسرائيلي في عدة اختبارات، ففي حرب الأيام الستة في عام 1967، قدم التحذير أو الإنذار في الموعد، وكان الاختبار سهلا، وذلك لأن مصر لم تحاول على الإطلاق أن تخفي دخول قواتها إلى سيناء. وقبل حرب عيد الغفران كان هيكل تجميع المعلومات في الاستخبارات العسكرية، قد قدم لجيش الدفاع الإسرائيلي، صورة دقيقة واضحة للغاية عن كل كتيبة وكل لواء في جيش مصر وسوريا "تسليحها ـ تمركزها ـ انتشارها ـ قدرتها على البدء بالهجوم في أي وقت"، كما نجحت شعبة الاستخبارات العسكرية كذلك في أن تقدم خطط هجوم هذه الجيوش والتي كانت سليمة ودقيقة.

إذا كان الأمر كذلك، لماذا حدث التقصير في حرب عيد الغفران؟

لقد كانت أسباب الفشل والتقصير، في حرب عيد الغفران، أولا وقبل كل شيء، هي تلك الخاصة بقادة هيكل الدفاع، الذين تصرفوا بصورة تتناقض مع نظرية الأمن، لقد حصلوا على معلومات دقيقة ومفصلة، عن تحركات العدو وتمركز قواته. ولقد كانت هذه المعلومات وحدها، كفيلة بأن تطلع قادة الجيش، على الاحتمالات التي تهدد أمن إسرائيل، وهي الاحتمالات التي نشأت بحكم حشود قوات العدو على طول الحدود، واستعداداته للحرب، وهذه الحشود المعادية كانت من شأنها أن تمكن القوات المهاجمة، من تنفيذ هجومها خلال فترة زمنية قصيرة للغاية.

وعلى هذا يمكن القول، أن سلاح الاستخبارات قد وفر الإنذار والتحذيرات، سواء فيما يتعلق بعامل الزمن، أو بدرجة التفصيل والتوضيح والدقة. صحيح أن سلاح الاستخبارات قد أخطأ في تقييمه لنوايا العدو، عندما تصور أن احتمالات استغلال العدو قدرته في الهجوم الفوري، احتمالات ضعيفة ومنخفضة، ولكن هذه التقديرات، التي تستطيع حكومة إسرائيل أن تقبلها أو ترفضها، كان من المحظور أن تؤدي إلى منع تعبئة الاحتياط بصورة فورية. لقد أكدت نظرية الأمن الإسرائيلي أنه عندما تنشأ مثل هذه القدرة على الهجوم، في أعقاب تحركات وخطوات يقوم بها العدو، فمن الضروري أن يتمثل رد فعل إسرائيل، في صورة تعبئة الاحتياط، بصرف النظر عن تقدير وتقييم نوايا العدو. وهنا في بؤرة هذه القرارات الحاسمة حدث التقصير الكبير من جانب قادة هيكل الدفاع الإسرائيلي في عام 1973.

[1] الأرقام المذكورة، غير دقيقة، فهي تقديرية، أما القياسات الحقيقية، فقد كانت في حوزة الإدارة المصرية لهيئة قناة السويس، والتي على أساسها خطط المصريون، لعبور واقتحام القناة.

[2] تمنى كوردسمان أن تخطئ القيادة المصرية في التخطيط حتى يتمكن الجنود الإسرائيليين من قتل أكبر عدد من المصريين وتدمير معداتهم أثناء العبور، ويبدو أنه حزن لنجاح المصريين في العبور.

[3] ذكر أنتوني كوردسمان في موضع آخر من كتابه أن حجم القوات المدافعة عن خط بارليف تزيد عن فرقة.

[4] والواقع أن هذا التحليل هو مجرد رأي للكاتب، حيث يريد أن يثبت أن رأيه هو الأصوب وأن زملائه أخطئوا، ولكن كل ذلك لم يكن ليغير شيئا، لأن الخطة المصرية وضعت في الحسبان جميع الاحتمالات التي يمكن أن تحدث وخلال اقتحامها لخط بارليف


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المبحث الثاني: الدفاع عن مسرح العمليات الإسرائيلي

أولاً: الدفاع عن شبه جزيرة سيناء

لقد كان جيش الدفاع الإسرائيلي، بالفعل، هو "جيش الهجوم الإسرائيلي"، منذ نهاية حرب التحرير، وحتى حرب أكتوبر 1973. وعلى المستوى العسكري العملي، كانت كل حروب إسرائيل ـ باستثناء حرب عيد الغفران ـ حروبا هجومية. والسبب في ذلك، أن إسرائيل كانت دائما وأبدا هي البادئة بالهجوم، وهذا ليس سرا على أحد: إذ أنه نظرا لأن جيش الدفاع الإسرائيلي، جيش صغير، فقد أدرك قادة هيكل الدفاع، أن الطريق الوحيد ـ بالنسبة للجيش، الذي يعاني دائما وأبدا من نقص عدد ضباطه وأفراده ـ للوصول إلى إنجازات عسكرية، هو الإمساك بزمام المبادرة، في كل ما يتعلق بتحديد التوقيت والمكان والهدف، وهكذا فقط، يستطيع الجيش الأقل من الناحية الكمية والعددية، أن يحقق تفوقا عسكريا، محليا وزمنيا، وأن يحقق عن طريق ذلك، حسما في ساحة القتال. ومن الواضح أن المباغتة هي عنصر حتمي، في تحقيق التفوق المحلي والزمني أو المؤقت، ولذلك، فإن جيش الدفاع الإسرائيلي، كان "جيش هجوم ومباغتة". ففي عام 1956 "عملية كودست"، وفي عام 1967 "حرب الأيام الستة" تميزت الهجمات الإسرائيلية بالمباغتة. وفي عام 1982 "عملية سلام الجليل"، كانت إسرائيل هي المهاجمة، ولكنها في هذه المرة كانت تتمتع أيضا بالتفوق الكمي أمام العدو بحيث لم تكن هناك حاجة للمباغتة.

1. عام 1973 واللجوء للدفاع

حتى عام 1973، لم تكن لجيش الدفاع الإسرائيلي خبرة عملية، من أي نوع، في الحرب الدفاعية، وذلك لأنه منذ أن انتهت حرب التحرير، لم تتعرض دولة إسرائيل، لاعتداء، على أيدي الجيوش النظامية في الدول العربية، بهدف احتلال. وعلى هذا فقد تجمعت لدى جيش الدفاع الإسرائيلي خبرة كبيرة، في تخطيط العمليات الهجومية، ولم تكن له أي خبرة في الحرب الدفاعية الحديثة. ولم يتم بصورة عملية، دراسة المبادئ التي ترتكز عليها المعركة الدفاعية، أضف إلى ذلك، أن موضوع القتال الجوي، في المعركة الدفاعية لم تتم بصورة عملية، حتى عام 1973. ولم يحدث على الإطلاق حتى عام 1973، أن صادف سلاح الطيران صعوبة، في تنفيذ المهمتين البريتين المخصصتين له، في حالة الحرب، وهما:

أ. تأمين سماء الدولة، ضد محاولات تغلغل الأسلحة الجوية العربية، لمهاجمة مخازن الطوارئ، الخاصة بجيش الدفاع الإسرائيلي.

ب. مساعدة القوة النظامية، التي تعيق الهجوم العربي، في المرحلة الأولى للحرب. ووفقا لنظرية الأمن الإسرائيلية، فإن المرحلة الدفاعية في الحرب، يجب أن تكون قصيرة للغاية، وترتكز على قوة نظامية صغيرة، تتمتع بمعاونة مكثفة من السلاح الجوي. وعندما تنتهي هذه المرحلة، يتحول جيش الدفاع الإسرائيلي، دون تأخير، إلى الخطوات الهجومية.

ولم تكن التقديرات العملية، فيما يتعلق بتوازنات القوى، المطلوبة للدفاع عن حدود الدولة، ترتكز على خبرة جيش الدفاع الإسرائيلي، ولكنها تأثرت بالدرجة الأولى بحسابات حجم الجيش النظامي، وعلى وجه الخصوص، ما هو عدد الألوية المقاتلة، التي يستطيع أن يوفرها. وخلال عقدي الخمسينيات والستينيات، كانت وحدات الاحتياط، تساهم دائما فيما كان يطلق عليه اسم "الحفاظ على الخط" ، وذلك من أجل إتاحة الفرصة، للجيش النظامي لكي يتدرب.

وفي فترة ما بعد حرب الأيام الستة، تزايدت دفعات التجنيد بعض الشيء، وتزايد معها حجم الجيش النظامي. ولم تكن هذه الزيادة قادرة على تلبية كل الاحتياجات، والمهام، التي ألقيت على كاهل الجيش النظامي، ولكن الزعامة السياسية، أرادت أن تخفض العبء، الملقى على كاهل رجال الاحتياط، وعلاوة على ذلك، كانت هناك استهانة كبيرة بقدرة العرب العسكرية.. ونتيجة لذلك، نشأت بعد حرب الأيام الستة، توازنات قوى غير منطقية، من الناحية العسكرية. ولقد برز هذا الأمر بصفة خاصة، على طول مواجهة قناة السويس، فلقد كانت النية المعلنة، هي الاحتفاظ في خط القناة، بقوات كبيرة جدا، وكان المطلوب أيضا، هو توافر الثقة الكاملة، في قدرة السلاح الجوي، على العمل بصورة حرة، لحسم المعركة.

كان المطلوب من القيادات العسكرية الإسرائيلية.. هو حساب حجم التوازن العسكري، المطلوب تحقيقه على الخطـوط الدفاعية، التي وصلت إليها القوات الإسرائيلية عام 1967، وذلك من القوات البرية النظامية (مشاة ـ مدرعات ـ مدفعية ـ أسلحة أخرى)، من أجل إحباط التهديدات الكبيرة. وبطبيعة الحال فإن عناصر القوة المطلوب تحقيقها، ليست كمية فقط، إذ أن نظام الدفاع والخطط التنفيذية السليمة هما شرطان أساسيان لاستخدام جيش الدفاع الإسرائيلي بصورة ذكية وواعية. وهنا تبرز المشاكل التي تتعلق بمستوى استخدام القوات.

وفي حرب عيد الغفران وقبلها، برزت هذه الأخطاء بصورة واضحة، نتيجة لعدم الخبرة، في إدارة وخوض معركة دفاعية، ولكن هذا القصور، لا يعفي القيادة العليا من مسئوليتها، لأنه كان من الممكن التغلب على عدم الخبرة، عن طريق التخطيط الجيد. ولقد اعترف وزير الدفاع، موشي ديان، بذلك صراحة، وهو يتحدث عن الحرب، في مؤتمر طاقم القيادة العامة، يوم 14 فبراير 1974، حيث قال: "في أي شيء كان الخطأ.. في أننا لم نُجهزْ ما يكفي من القوات استعدادا لنشوب الحرب".

2. هدف الدفاع عن القناة

لقد كان الهدف من الدفاع عن القناة، هو منع عبورها، بواسطة عدد محدود من وحدات جيش الدفاع الإسرائيلي، من المشاة والدبابات[1] في مواجهة قوة مصرية، قوامها سبع فرق، تبلغ نحو 100 ألف جندي، 1300 دبابة، 1100 مدفع.

والواقع أن خطة الدفاع عن منطقة القناة، كانت مليئة بالأخطاء الفادحة، من الناحية العسكرية، صحيح أن هذه الخطة قد اعتمدت ـ من بين ما اعتمدت عليه ـ على الافتراض الأساسي، بأن السلاح الجوي الإسرائيلي، سوف يكون قادرا على تقديم المساعدة الفورية والمكثفة، للمدافعين عن القناة، في حالة حدوث هجوم مصري. ولكن تقرير القيادة الإسرائيلية، لاستخدام قواتها الجوية، لمعاونة القوات البرية، منذ الساعة الأولى للحرب.. كان مبالغا فيه وغير واقعي. باعتبار أنه خلال الـ 48 ساعة الأولى للحرب، سوف يضطر أولا للتعامل مع تشكيل صواريخ الدفاع الجوى، ويدمرها، أضف إلي ذلك أن الثقة الكاملة في تدمير هذه البطاريات، من الصواريخ أرض/جو ـ هي مسألة وقت فقط ـ لم يكن سليما، لأنها لم تقم علي دراسة فنية حقيقية، لا من ناحية القوة الحقيقية، ولا من الناحية التكنولوجية.

وعلي مستوى القوات البرية، فقد أخطأ جيش الدفاع الإسرائيلي، في تقديره لإدارة حرب دفاعية، لم يكن يمتلك الخبرة الكافية لإدارتها. وكانت لهذه الأخطاء التنفيذية، تأثيرها الكبير والحاسم، في كثير من الأحيان.

3. فكر الدفاع الثابت والدفاع المتحرك في نظرية القتال الإسرائيلية

انتهت حرب الأيام الستة، باحتلال كامل لشبه جزيرة سيناء، وتمركزت قوات جيش الدفاع الإسرائيلي، علي الضفة الشرقية لقناة السويس، وفي الضفة الغربية التي توجد بها مدن القناة، كانت مواقع القوات المصرية، كانت النية تتجه إلي عدم الانسحاب، بأي حال من الأحوال، دون التوصل إلي اتفاقية مباشرة مع مصر. وفور انتهاء الحرب، بدأ جيش الدفاع الإسرائيلي، ينظم صفوفه من أجل الدفاع عن سيناء.

وفي منطقة الممرات الجبلية، أقيمت مراكز السيطرة والرقابة، والحرب الإلكترونية الإيجابية والسلبية، التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية، وللسلاح الجوى. واحتلت وحدات الاستخبارات، أعلى نقطة، وهي، "جبل أم خشيب"، وبعد بضعة شهور تمركزت عناصر من السلاح الجوى، وكذا القيادة الجنوبية.

وخلال المرحلة الأولى: وضع جيش الدفاع، وحدات مشاة ومدرعات، على طول القناة، بهدف السيطرة على المنطقة، وإقامة نقط مراقبة، تطل على الضفة الغربية. ولقد افترض كثيرون، أن المصريين الذين تلقوا ضربة أليمة في الحرب، لن يتجرأوا على مهاجمة الجيش المنتصر. ولكن سرعان ما تبدد هذا الافتراض، خلال فترة زمنية قصيرة، فلقد بدأت مصر في عمليات القصف المدفعي والاغارات على المواقع، التي لم تكن لديها حماية مناسبة ضد المدفعية، وأخذت الخسائر في التزايد.

وفي ضوء الموقف السابق، بدأت المناقشات في هيئة الأركان العامة، وفي القيادة الجنوبية، بهدف تحديد أفضل السبل،لإقامة هيكل دفاعي في سيناء.وانحصرت في الجدل بين وجهتي النظر:

أ. الأولى: كانت تطالب بدفاع صلب، على خط المياه.

ب. الثانية: كانت تفضل دفاعا مرنا ومتحركا، في المنطقة الواقعة شرق القناة.

ولقد أيد رئيس الأركان، الجنرال "يشعيا هوجافيس "بالدفاع على خط المياه". أما الجنرالان "يسرائيل طال"[2]، والذي كان قائدا للقوات المدرعة في ذلك الوقت ـ وإرييل شارون[3]، والذي كان يشغل منصب رئيس إدارة التدريب، فقد أيدا الدفاع المرن المتحرك. ويؤكد كتاب "نظرية القتال" في جيش الدفاع الإسرائيلي، أن هناك أسلوبين للدفاع، هما الدفاع الثابت، والدفاع المتحرك.

· الدفاع الثابت: ويرتكز على، استخدام الجزء الأكبر من القوة، في هياكل دفاعية حصينة، وثابتة، مدعومة بهيكل من الموانع، على حين أن جزءا صغيرا من القوة، وهي القوة المدرعة، يتم استخدامها كاحتياطي لتنفيذ هجمات مضادة.

· الدفاع المتحرك: ويرتكز على، استخدام الجزء الأكبر من القوة، كاحتياطي متحرك، على حين أن جزءا صغيرا نسبيا من القوة، يستخدم في هياكل دفاعية ثابتة. وهذا الأسلوب القتالي، يتناسب بالدرجة الأولى، مع قوات المدرعات، التي تنفذ عمليات مناورة واسعة.

وطبقاً للنظريات الإسرائيلية، فإنه يتم اختيار الأسلوب الدفاعي، بناء على عدة اعتبارات، من أهمها:

أ. الدفاع الثابت: ويتم اختياره في الظروف التالية:

(1) عندما لا يكون هناك احتمال للتنازل عن الأرض، بسبب أهميتها، وبسبب عدم وجود عمق، (هذا الاحتمال يمكن أن يتم في سيناء، بعدم التنازل عن خط قناة السويس باعتباره خط حيوي).

(2) عندما تكون القوة الأساسية المدافعة، هي قوة مشاة، وفي سيناء، كان الاعتماد الأساسي، على القوة المدرعة.

ب. أما الدفاع المتحرك: فيتم إتباعه في الظروف التالية:

(1) عندما تكون المنطقة المدافع عنها، تتيح أو تحتم التنازل بصورة مؤقتة عن جزء منها.

(2) عندما يكون الجزء الأكبر من القوات، قوات مدرعة ومتحركة، ومن الممكن استغلال مواصفاتها وإمكانياتها وعلى وجه الخصوص في القتال المتحرك.

(3) عندما تكون ظروف الأرض والمناخ مناسبة للمناورة.

وكل هذه الشروط، التي تحتم وجود دفاع متحرك، كانت موجودة في سيناء.

4. اختيار نوعية الدفاع عن القناة في المنظور الإسرائيلي

كان المتبع بعد حرب الأيام الستة، استخدام أسلوب الدفاع المتحرك، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تسمح فيها إسرائيل ـ بدون أن يتعرض وجودها للخطر ـ بالتنازل عن الأرض، وأن تكسب الوقت لكي تستوعب أي هجوم مصري، في المنطقة الواقعة بين القناة وبين الممرات، لحين وصول قوات الاحتياط، وحتى يتمكن السلاح الجوي من الحصول على حرية العمل (السيطرة الجوية)، لتقديم المعاونة الجوية للقوات البرية.

وفي عام 1968، حسم الجنرال "حاييم بارليف" وكان رئيساً للأركان العامة، الموقف إلى صالح الدفاع الصلب، على خط المياه، ولم يتدخل وزير الدفاع موشي ديان، على الإطلاق، في الجدل بين النظريتين، ولم يعبر عن رأيه. وعندما تزايدت عمليات القصف المدفعي، وتزايد عدد المصابين، على طول القناة، تقرر إقامة هيكل من الموانع يكون قادرا على مواجهة عمليات القصف المدفعي المكثفة. وتم تخطيط هذا الهيكل الدفاعي، بواسطة طاقم، على رأسه الجنرال "إبراهام أدان"، وتضمن 28 موقعا "نقطة حصينة"، تم توزيعها على طول مواجهة الـ 160 كيلومتر، وهذا يعني أن المسافة بين الموقع والآخر كانت تصل إلى نحو 6 كم في المتوسط. وتم بناء هيكل المواقع أو "النقط الحصينة"، وشبكة الطرق الموصلة إليها، بمساعدة مقاولين مدنيين، ومعدات ميكانيكية ثقيلة، من مختلف أرجاء البلاد، وعند نهاية عملية البناء، تولد مصطلح "خط بارليف".

وعلى طول مواجهة القناة كان للقوات المصرية في غرب القناة خمس فرق مشاة وفرقتان مدرعتان تضم نحو ألف دبابة، 100 ألف جندي. وفي مواجهتهم بالضفة الشرقية نحو 1200 جندي ونحو 300 دبابة. وبالتالي تصل المقارنة إلى نحو ثلاثين ضعفا لصالح القوات المصرية[4].

وكان من الواضح ومنذ البداية أن جيش الدفاع الإسرائيلي في خط القناة، كان أقل من الناحية العددية بالمقارنة بالعدو الذي يقف أمامه، فكان لا يمكن لقوة تضم حوالي 300 دبابة (مجموعة عمليات إسرائيلية) أن تصمد في وجه هجوم لقوات عربية تزيد على ثلاثة أمثالها[5]، وبسبب المسافة الكبيرة بين المواقع المحصنة .. كان من الممكن عبور القناة، في عشرات المواقع نهارا، وفي مئات المواقع ليلا، دون أن تلاحظ ذلك، نقاط مراقبة جيش الدفاع الإسرائيلي.

وقد تأكد ذلك من خلال عمليات التصوير الجوي المصري، وعمليات العبور والكمائن التي نفذتها القوات المصرية، بين النقاط الحصينة، والعودة إلى الضفة الغربية للقناة فجرا، خلال عامي 1969 ـ 1970.

ولم يكن أرييل شارون "Ariel Sharon"، كقائد للمنطقة الجنوبية، يؤمن بإمكانية منع المصريين من عبور القناة، ولم يكن يخفي ذلك. ولذلك نجد، أنه طلب في مناقشات هيئة الأركان، بتخفيض حجم القوة المخصصة للدفاع عن النقاط الحصينة، على الضفة الشرقية للقناة، وكان يتبنى نظرية الدفاع المتحرك، للدفاع عن سيناء. وكذلك أكد الجنرال يسرائيل طال ذلك، إذ وضع أسس القتال المتحرك، بالمنطقة الواقعة بين القناة وبين الممرات.

وعاد الجدل مرة أخرى، حول أسلوب الدفاع عن سيناء .. عندما تولى الجنرال "ديفيد أليعازر"، مهام منصبه في بداية عام 1972، وعاد شارون وطال، إلى الحديث عن ضرورة إتباع أسلوب الدفاع المتحرك، والتخلي عن الاحتفاظ بخط المياه. وبالفعل، في ذلك الوقت ـ بعد عام ونصف من وقف إطلاق النار ـ كان خط بارليف، لا يضم سوى أعداد محدودة من القوات المدافعة.

وكان وزير الدفاع ورئيس الأركان، على علم بهذا الجدل والنقاش. وكانا يعلمان أن قائد المنطقة الجنوبية، الجنرال شارون، لا يؤمن بأسلوب الدفاع المفروض عليه، وأنه بأسلوبه هو، يقوم بتقويض خط بارليف، لأنه يرى فيه عبئا لا طائل منه، من الناحية العملية، وكان يجب أن يتم إعادة تقييم الوضع، طبقا لمفهوم الدفاع الثابت، منذ صيف عام 1970، عندما اتضح أن السلاح الجوي الإسرائيلي، غير قادر على مواجهة هيكل صواريخ الأرض/جو المصرية، على طول قناة السويس، وعمق الجبهة المصرية. وكان من المعروف أن نظرية الدفاع عن خط المياه، كانت ترتكز على المساعدة أو المعاونة الجوية الحاسمة، ابتداء من الساعة الأولى من القتال. ومع ذلك فإن القرار الخاص بالدفاع الصلب عن سيناء، الذي وضعه بارليف.. بدأ يتغير، وحدثت مسيرة مخالفة، مما أدى إلى وجود فجوة عميقة، بين الخطط العملية، وبين إمكانية تنفيذها، وكانت النتائج أليمة.

وقد أكد ذلك ديفيد أليعازر، رئيس الأركان، في شهادته أمام لجنة أجرانات: "إنني أبني على الدفاع عن خط المياه بمعاونة السلاح الجوي"[6].

وعلى هذا اعتمد الدفاع في خط القناة على:

أ. 28 موقعا (مشكلة في 31 نقطة على القناة، 11 نقطة في العمق).

ب. الاعتماد على المعاونة الجوية الفورية، لتلك القوات النظامية، المسئولة عن الدفاع عن سيناء، لم يكن له أي سند من الأساس، لأن السلاح الجوي، قد أبلغ هيئة الأركان العامة صراحة، أنه طالما لم يتغلب على هيكل الصواريخ الأرض/ جو، الموجودة على طول القناة، فإنه لن يستطيع أن يوجه إمكانياته لمساعدة القوات البرية.

وبناء على ذلك،فإنه من بين ثلاثة أعمدة رئيسية للدفاع عن خط القناة،كان هناك اثنان غائبان[7]:

الأول: هيكل المواقع الحصينة، وكان انهياره معروفا للجميع، ولكن لم يتم استخلاص النتائج، ولم يتم تغيير الخطط العملية أو التنفيذية.

الثاني: الاعتماد على معاونة جوية، للقوات البرية النظامية، ابتداء من أول ساعة للحرب، لم يكن له أي أساس يقوم عليه.

5. تحليل هيكل الدفاع عن سيناء طبقا لرأي الكاتب الإسرائيلي، الدكتور زئيف إيتان:

أ. المواقع الحصينة شرق القناة

بصفة عامة تمت إقامة 31 نقطة حصينة على طول القناة، 11 نقطة حصينة في العمق، على طول خط الجبهة، الممتد لمسافة 180 كم، منها 160 كم بطول القناة و20 كم على طول شاطئ البحر المتوسط. ولم تكن هذه هي عملية إغلاق محكمة، وبعض النقاط الحصينة أقيمت متقاربة، بين بعضها البعض، مثل مجموعة النقاط الحصينة "ميلانو" في القنطرة، والتي أقيمت على مسافة كيلومتر واحدا بين النقطة والأخرى. على حين كانت المسافة العادية هي حوالي 10 كم. وفي الفترة ما بين حرب الاستنزاف، وبين حرب عيد الغفران، ساد الهدوء خط القناة، وأصدر قائد القيادة الجنوبية، الجنرال شارون، أوامره بإغلاق بعض هذه النقاط الحصينة، وما بقي منها كان محتلا بنحو 60 جنديا، وكان هناك 24 دبابة، مخصصة للقتال داخل النقط الحصينة، وتابعة لها، وتتمركز إما داخل النقطة الحصينة، أو في مواقع قريبة منها.

ب. عدد الأفراد داخل المواقع الحصينة على مواجهة القناة

عند نشوب الحرب يوم 6 أكتوبر 1973، كان عدد النقاط الحصينة المحتلة بالجنود هي 16 نقطة فقط، وكان عدد الجنود الموجودين بها يصل إلى 450 فردا، بالإضافة إلى 55 فرداً "أطقم الدبابات"، ليصبح الإجمالي 505 فرد، لقي منهم 126 فرد مصرعهم، وسقط 162 فرد بالأسر، ونجا 153 فرداً. ومن الممكن أن نضيف إلى الـ505 فرد ، عدد 64 صمدوا في موقع "بودابست" الموجود في قطاع بور فؤاد.

ج. معاونة السلاح الجوي للقوات البرية

كان السلاح الجوي، مقيدا في نشاطه على مقربة من القناة، بسبب حائط الصواريخ، حيث مارس نشاطا قليلا، في اليوم الأول للحرب، وفي اليوم الثاني، وصل إجمالي عمليات السلاح الجوي في سيناء، إلى طلعة واحدة، في صباح ذلك اليوم، نتيجة للخسائر التي تكبدتها الطائرات.

ولو أن القادة قد فهموا، وأخذوا مأخذ الجدية، ما أبلغهم به السلاح الجوي، من أنه غير قادر على أن يقوم بالدور المطلوب منه، طبقا لنظرية الأمن، وهي معاونة القوات البرية بالنيران، ابتداء من الساعة الأولى للحرب. ولو أنهم فهموا، أنه قد نشأ وضعا إستراتيجيا جديدا، على جبهات القتال، لكان من الممكن أن نفترض، أنهم كانوا سيعيدون تقييم الموقف، فيما يتعلق بخطط الدفاع عن الحدود، وعلى أقل تقدير، في جبهة القناة، كان سيتخلون عن مبدأ وقف العدو وصده، عند خط المياه، واتخذوا أسلوب الدفاع المرن والمتحرك.

والظاهرة الغريبة، في الحرب بين مصر إسرائيل، قد تجلت بصفة خاصة في العمليات الجوية. وكانت نظرية الأمن، وخطط الحرب، في السلاح الجوي، تقول أنه سوف يحقق بقواه الذاتية، حرية العمل في سماء مسرح العمليات، وسوف يساعد القوات البرية، ولكن في الواقع لم يكن هناك أي سيناريو، مماثل لما حدث على الطبيعة، أو قريب منه.

أما الجنرال إبراهام أدان[8]، فيتحدث عن الخطة الدفاعية عن سيناء، في كتابه "على ضفاف قناة السويس، فيقول: "لقد شكل لجنة، من أجل تعديل خطة الدفاع عن سيناء، كانت التحصينات التي تضمنتها الخطة القديمة، قد تم إنشاؤها بالفعل. وتضمنت أساسيات الخطة المقترحة، إن المصريين سيقومون بعبور قناة السويس، في القطاعات التي تستند على المحاور الرئيسية، وهي: القنطرة ـ الفردان ـ الإسماعيلية ـ الدفرزوار ـ السويس، وكذلك الطرق أو المحاور المواجهة، والتي تؤدي إلى قناة السويس مثل المحور الأوسط ومحور الجدي ومتلا.

الخطة الرئيسية للدفاع الإسرائيلي عن حدودها، كان يطلق عليها الاسم الكودي "سيلا"، وكانت معظم القوات المحددة للخطة، هي من قوات الاحتياط، وكانت موزعة من أجل، العمل على الجبهات المختلفة. وعلى مستوى الجبهة الجنوبية، خصصت معظم القوات، بحيث تكون ملاصقة للضفة الشرقية لقناة السويس، بحيث تكون مركزة على المحاور الرئيسية، المنتظر عبور القوات المصرية منها. على أن يسمح الموقع الدفاعي الإسرائيلي، والذي تصل مواجهته إلى نحو 2 ـ 3 كيلومتر، بالدفاع عنه بقوة تصل إلى نحو لواء مشاة مدعم بالدبابات. وكان على الدبابات أن تتحرك من مواقعها، لاتخاذ مواقع إطلاق النيران، على المصاطب المحددة لها، على طول قناة السويس، وفي شرقها، أما المشاة، فتأخذ أوضاعها داخل التحصينات، وخارجها، لمواجهة الهجمات المصرية.

هذا وقد تضمنت الخطة بعض العيوب، وعلى سبيل المثال:

أ. أنها سوف تستخدم حجم كبير من القوات، تتخذ أوضاعها على الحافة الأمامية، أو الخط الدفاعي، من المنطقة الدفاعية.

ب. أن هذه القوة ستتحمل العبء الأكبر، حتى يستكمل تعبئة الاحتياطات، واتخاذها لأوضاعها، وبالتالي، من المحتمل أن تفقد القوة النظامية الصغيرة، داخل هذه التحصينات الضخمة، لأنها لن تكون قادرة على صد الهجمات المعادية، وقبل قيام الاحتياطيات المعبئة، بالهجمات المضادة.

وكان هناك أسلوبين من أجل الدفاع.. الأسلوب الأول، وهو الدفاع الثابت، والذي يؤدي إلى اتخاذ مواقع دفاعية ثابتة، ومن عدة خطوط. الأسلوب الثاني، وهو الدفاع المتحرك، والذي يتم من خلال اتخاذ القوات لخط من الستارة، تتضمن بالأساس عناصر الاستطلاع، على الحافة الأمامية للدفاع، وتكون مهمتهم، هي الإبلاغ بالمعلومات حول تحركات الجانب المعادي، وتأخير هجوم الجانب المعادي، أما القوات الرئيسية، فتتواجد في العمق، تتخذ مناطق قتل في شكل دفاع متحرك، يسمح باحتواء الجانب المعادي، ثم توجيه ضربات مضادة لتدميره. وكان الأسلوب الثاني، هو الأكثر واقعية، لاستخدام جيش الدفاع الإسرائيلي، والذي يتفوق في القوة المدرعة، القادرة على المناورة، وإدارة العمليات الهجومية، والتي لا تميل إلى اتخاذ الدفاع.

وفي النهاية، توصلت القيادة الإسرائيلية، إلى أنسب خطة دفاعية، عن جبهة قناة السويس، وهي المزج بين النظامين الدفاعيين، وهي أن تتواجد قوة نظامية مدافعة، عن الخط الدفاعي الأول، شرق القناة، والذي تكونه قوة الستارة، والتي يجب أن يتوفر بها الإمكانيات، لمنع القوات المصرية من العبور على المحاور الرئيسية، وإعطاء الإنذار للقوات الرئيسية. مع إنشاء خطوط دفاعية في العمق، تتخذ كخطوط نيران، للوحدات المدرعة، لتشكل أرض قتل، ضد القوات التي تمكنت من العبور، أما القوة المدرعة الرئيسية، والقادرة على توجيه الضربات والهجمات المضادة، فتتمركز في العمق وعلى المسافة التي تمكنها من الوصول إلى أهدافها، في أقل وقت ممكن لتنفيذ مهامها.

ووضعت الخطة في اعتبارها، أن العدو سيضطر أولا لاقتحام قناة السويس، كمانع مائي، ثم إقامة الكباري، ومهاجمة التحصينات الدفاعية، وهذه الإجراءات، من شأنها أن توفر الوقت الكافي، لتحريك قواتنا المدرعة، لمهاجمة العدو قبل أن يستطيع نقل دباباته، إلى الجانب الشرقي من القناة، وهذا سيمكن من تدمير مشاته، وإحباط عملياته الهندسية، لتمكين معداته الثقيلة من العبور.

وتطلبت الخطة، إنشاء عشرون محطة للإنذار المبكر من أجل توفير الاستطلاع للإلكتروني على مستوى الجبهة، ولعدم تحقيق المفاجأة ضد القوات الإسرائيلية. كما تم تكديس المؤن من طعام ومياه وخدمات طبية وذخائر للقوات المدافعة داخل المواقع الحصينة والتي تمكنهم من القتال لعدة أيام. مع تأمين هذه التحصينات بالألغام والأسلاك وخنادق المواصلات ومواقع إطلاق النار والدشم والملاجئ.

والواقع أن هذه التحصينات لم تكن لتمنع عمليات اقتحام قناة السويس، ولكن كانت مهمتها الأساسية هي توفير الإنذار، أما الدفاع الرئيسي فكان يستند على القوة المدرعة والمدعمة بالمشاة والتي تساندها المدفعية والقوات الجوية، ومن أجل تسهيل عملية المناورة ولسرعة وصول القوات وضعت الخطة إنشاء طريقين عرضيين، الأول يقع على مسافة 10 كم شرق القناة، وهذا الطريق سيمكن من المناورة بوحدات المدفعية وإمدادها بالذخائر، لذلك أطلق عليه طريق المدفعية، وبالقرب من هذا الطريق أنشأ خط الدفاع الأول الذي تتمركز عليه الوحدات المدرعة، والتي يمكنها الوصول خلال 30 – 60 دقيقة إلى خط التحصينات شرق القناة.

أما الطريق العرضي الثاني فكان يقع على مسافة 30 كم شرق القناة والذي استخدم من أجل المناورة بالمدرعات والإمدادات من قطاع إلى آخر، وهو ما يمكن من وصول حشد من المدرعات لتدمير القوات المعادية التي نجحت في العبور.

وتم عرض الخطة على قائد الجبهة الجنوبية التي وافق عليها، مع قيامه بإضافة بعض النقاط الحصينة في المحاور الهامة بقطاعات القنطرة والفردان والإسماعيلية وفي مواجهة ممري الجدي ومتلا. كذلك قام رئيس الأركان بإضافة بعض المواقع الحصينة في الشمال والجنوب في نهاية قناة السويس، كما قام اللواء شارون مدير التدريب بإضافة بعض التعديلات على طبيعة وشكل التحصينات بما يحقق الوقاية والمناورة للقوات.

أما اللواء طال، فقد وافق على الخطة.. وبهذا أصبحت الخطة قابلة للتنفيذ ولتطبيق هذه الخطة كان يجب تشغيل آلاف من المدنيين والعسكريين من أجل العمل تحت قيادة سلاح المهندسين من أجل تنفيذ هذه الخطة.

وفي يناير عام 1970، تولى اللواء شارون قيادة الجبهة الجنوبية، فبدأ يُعدل قليلا بالخطة، بحيث تصبح أكثر ميلا لخطة الدفاع المتحرك عنها من خطة الدفاع الثابت وأطلق على الخطة الدفاعية الإسرائيلية الاسم الكودي "شوفاك يونيم" والتي تعني باللغة العربية أبراج الحمام، وتقوم هذه الخطة بالأساس على القوات النظامية، والتي صممت من أجل مواجهة إفشال الهجمات المصرية لاقتحام قناة السويس، ولكن بالرغم من ذلك فإن هذه الخطة لم تبنى على أساس الدفاع عن سيناء بالقوات النظامية فقط، ولكن باستخدام الحجم الأكبر من القوات المدرعة التي يتم تعبئتها.

كانت الخطة تهدف بالأساس إلى تحقيق الآتي:

أ. استخدام القوات النظامية من أجل تأخير هجوم القوات المصرية وتكبيدها أكبر خسائر.

ب. إعطاء الإنذار الكافي الذي يسمح بتعبئة القوات الاحتياطية في الوقت المناسب.

ج. استخدام القوات المدافعة لتأمين الحدود الجنوبية، بينما يتم تحريك الاحتياطيات المدرعة من أجل شن الهجمات وبأقصى سرعة ممكنة.

كما خطط لاستخدام فرقتين مدرعتين من التعبئة، تعمل خلف الفرقة المدرعة الأمامية المدافعة عن سيناء، والتي ستكون على استعداد لتأمين الدفاع عن سيناء إذا تطلب الموقف ذلك، مع الاستعداد أيضا لعبور القناة إلى جهة الشرق بعد نجاح هجماتها المضادة. على أن تقوم القوات الجوية بالسيطرة على سماء الجبهة بتدمير الطائرات المصرية، ثم تقديم المعاونة للقوات البرية.

ويتساءل إيلي زعيرا في كتابه حرب يوم الغفران عن المهمة التي صدرت إلى جيش الدفاع الإسرائيلي للاحتفاظ بمنطقة القناة ومنع المصريين من احتلالها.

وهل كان من الممكن الاحتفاظ بخط المياه "القناة" كله بمواجهة 160 كم بواسطة حوالي ألف جندي تدعمهم نحو 200 دبابة في مواقع أمامية، على حين يقف في مواجهتهم حوالي 100 ألف جندي مصري، في الوقت المعروف فيه أن الخطة المصرية تقضي بعبور القناة على كامل مواجهتها وبصفة خاصة في القطاعات العريضة التي لا تخضع للمراقبة حتى من جانب جيش الدفاع الإسرائيلي[9]؟

هل المسموح به من الناحية الفنية، أن ندخل في حسابات قوة النيران، قوة السلاح الجوي الإسرائيلي على حين أن هذا السلاح كان يُحذر من أنه طالما لم يدمر بطاريات الصواريخ أرض/جو لن يكون قادرا على مساعدة القوات البرية؟

إذا كانت الإجابة على السؤالين السابقين بالنفي، إذا ما هو أسلوب الدفاع الصحيح؟ الدفاع الصلب "الثابت" أم من الأفضل استخدام أسلوب الدفاع المتحرك، الذي يتيح لمصر عبور القناة ويتيح لجيش الدفاع الإسرائيلي فرصة تنفيذ معركة دفاعية متحركة، وأن يتحول إلى الهجوم المضاد في المكان وفي التوقيت اللذين يختارهما جيش الدفاع الإسرائيلي، على حين يكون في مقدوره استغلال كامل قوته لتحقيق التفوق المطلوب؟

وإذا كان هذا هو أسلوب الدفاع المفضل، وهو الاحتمال الوحيد الذي يمتلك احتمال النجاح، فما هو إذا دور المواقع الموجودة على طول القناة؟ وإذا كان دورها هو أن تكون مواقع خارجية لأغراض المراقبة فقط، فإنه من اللحظة التي تبلغ فيها عن الإنذار وتعلن عن حدوث هجوم مصري من أجل عبور القناة، ينتهي دورها، وعليها الانسحاب وإخلاء معداتها وفقا لخطة مجهزة وسبق التدريب عليها سلفا، وليس هناك ضرورة عملية لاستمرار التمسك بالمواقع.

هل من المنطق إصدار أمر إلى سرايا وكتائب المدرعات في اليوم الأول من الهجوم المصري بأن تتحرك نحو القناة من أجل أن تلتحم مع المواقع الحصينة؟ ما هو الهدف؟ إخلاء المواقع؟ صد الهجوم المصري؟ لقد كانت النتيجة المباشرة لإصدار هذا الأمر هو فقدان (55) دبابة وجزء من أطقمها بدون تحقيق مكسب حقيقي.

الواقع أن التحليل العسكري يشير إلى خطأين وتقصير كما يقول إيلي زعيرا:

الخطأ الأول: وهو قرار الدفاع عن خط المياه، على حين كانت علاقات القوى، وحجم المنطقة، وطول خط الجبهة، لا تتيح ذلك، وبصورة قاطعة، كان هذا القرار غير قابل للتنفيذ في ظل علاقات قوى كهذه، إلا إذا كان المخطط قد وضع في حسابه أنه عندما ستشاهد كتيبة مصرية 2 جماعة من الجنود الإسرائيليين، سوف ترفع الكتيبة يديها وسوف تلقي بأسلحتها على الأرض.

الخطأ الثاني: ينبع من عدم فهم الوضع الحيوي الآخذ في التبلور في الشرق الأوسط، ومن عدم فَهْم مغزى هذا الأمر بالنسبة لملامح نظرية الأمن في دولة إسرائيل، وكما هو معروف فإن السلاح الجوي النظامي الكبير التي يساند القوات البرية النظامية الصغيرة هو أحد الأعمدة الرئيسية في نظرية الأمن الإسرائيلية. وكان من المفروض أن يكون السلاح الجوي هو مصدر النيران الرئيسي في المعركة الدفاعية، طالما أن قوات الاحتياط وعلى وجه الخصوص وحدات المدفعية، لم تصل بعد إلى الجبهة. ولكن من اليوم الذي حصل فيه الجيش المصري على طول القناة، على الحماية الفعالة ضد السلاح الجوي الإسرائيلي، عن طريق هيكل الصواريخ أرض/جو. اهتز توازن وميزان علاقات القوى بصورة شديدة، وأصبحت نظرية الدفاع عن القناة في أمس الحاجة إلى التغيير ولكن وزير الدفاع ورئيس الأركان لم يكونا على علم بأنه أمام أعينهما ينهار بناء نظرية الأمن ولو كانا قد أدركا ذلك لكان من الضروري أن يدرسا ما هو معنى ذلك وأن يفكرا في كيفية مواءمة الخطط العملية والتنفيذية للوضع الجديد.

التقصــير: ويتمثل في الامتناع عن الحسم، عندما تم تغيير رئيس الأركان في عام 1972، وتم تعيين أرييل شارون قائدا للمنطقة الجنوبية والذي طالب بتغيير نظرية الدفاع عن منطقة القناة. ومرة أخرى لم تتم مناقشة الموضوع بصورة جادة بواسطة القادة المسئولين وزير الدفاع ورئيس الأركان، اللذان لم يحسما الأمر في هذا الجانب أو ذاك، وتركا الوضع يتدهور. لم يحسم وزير الدفاع الخلاف بين وجهتي النظر، وكما يبدو فإنه خاف من أنه سوف يضطر هو نفسه إلى أن يتخذ موقفا في هذا الجانب أو ذاك، وأن يأخذ على عاتقه مسئولية مباشرة وصريحة في موضوع عملي تنفيذي له أهمية قصوى، وهذا ما لم يود موشي ديان أن يفعله.

وهكذا وقع هنا خطآن إستراتيجيان وتقصير زعامي قيادي، ومسئولية ذلك تقع على عاتق وزير الدفاع ورئيس الأركان، إذ أنه لا يمكن أنه يكون هناك شك في أن نظرية أمن إسرائيل وإستراتيجية الحرب هما جزء من مسئوليتهما[10].




[1] تواجد بالفعل على جبهة القناة صباح يوم 6 أكتوبر 1973، عدد 3 ألوية مدرعة "حيث يبلغ حجم اللواء الواحد 111 دبابة" بإجمالي نحو 336 دبابة، وهو أمر يخالف الادعاءات الإسرائيلية.

[2] عُين يسرائيل طال، قائداً لسلاح المدرعات، ثم نائباً لرئيس الأركان، ثم رئيساً لشعبة العمليات.

[3] تولى إرييل شارون بعد ذلك، قيادة الجبهة الجنوبية، ثم أحيل للتقاعد، ثم استدعي في حرب 1973، لتولي قيادة مجموعة عمليات مدرعة في الجبهة الجنوبية.

[4] المقارنات لا تحسب بهذا المنطق، ولكن يدخل في المقارنات جميع القوات التي ستشارك في العملية ومن ثم يجب أن يتم حساب مجموعات العمليات المدرعة الإسرائيلية التي سيتم تعبئتها خلال 24 ساعة.

[5] يقصد ثلاثة أمثالها في مقارنة الدبابات أي 1000 دبابة مصرية ضد 300 دبابة إسرائيلية ولكن هذا خطأ كبير كذلك لأن لإسرائيل مخازن طوارئ تضم 3 مجموعات عمليات مدرعة، على مسافة 120 كم، تتكون من أكثر من 1000 دبابة، وهي قادرة على القتال خلال 24 ساعة، ومن الممكن أن تتدخل في القتال، خلال اليوم الثاني، وبالتالي يجب حسابها في المقارنات.

[6] ذكر الجنرال "بنيامين بيليد"، قائد السلاح الجوي، في شهادته أمام لجنة أجرانات، أنه كان في حاجة إلى يوم واحد، لتدمير بطاريات الصواريخ أرض/جو، الموجودة على طول قناة السويس، ويوم آخر، من أجل تدمير السلاح الجوي المصري. وتسأله اللجنة هل هذا ينطبق أيضا على الدفاع الجوي السوري، وسلاح الطيران السوري، وإذا كان رده بالإيجاب فإن السلاح الجوي في حاجة إلى أربعة أيام من الحرب من أجل أن يتفرغ لمساعدة القوات البرية.

[7] يُقصد بالأعمدة الثلاثة: الدفاع الحصين شرق القناة ـ الاحتياطيات في العمق ـ المعاونة الجوية للقوات البرية.

[8] قاد الجنرال إبراهام أدان، إحدى مجموعات العمليات المدرعة الإسرائيلية، وهي المجموعة الرقم 162 المدرعة، وهو الذي نفذ الهجوم المضاد صباح يوم الاثنين 8 أكتوبر، وخسر معظم دباباته، وأطلق على هذا اليوم في إسرائيل اسم "الاثنين الأسود".

[9] يبالغ إيلي زعيرا في تقديره لهذا الموقف، حيث لا يحسب التوازن على هذا الأساس ولكن يحسب على تنظيم الدفاع ككل عن سيناء وليس على خط واحد من النقط الحصينة على قناة السويس، خاصة وأن القناة كانت مجهزة بمصاحب الدبابات في الفواصل بين النقط القوية والتي تحتل بالدبابات مع رفع درجات الاستعداد ولكن المفاجأة هي التي منعت القوات الإسرائيلية من الاحتلال الكامل للخطة الدفاعية.

[10] من الملاحظ أن إيلي زعيرا "مدير المخابرات"، يهاجم كل من وزير الدفاع ورئيس الأركان ويتهمهما بالتقصير، بسبب عدم حسم موضوع الدفاع عن قناة السويس. ولكن مع ذلك فإن المفاجأة التي حققتها القوات المصرية كانت وراء كل ما حدث من ارتباك بالخطة الدفاعية الإسرائيلية منذ اللحظة الأولى لبدء القتال.

[11] برزت هذه الفقرات في البند 171 من التقرير الأولي للجنة أجرانات، الموضوع 57، ص 8.

[12] هذا يوضح أن فكرة الدفاع الإسرائيلي قامت على أساس الدفاع الثابت بصفة أساسية وهذا يكذب ما ذكروه من أن خط بارليف لم تكن مهمته إحباط هجوم المصريين.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المبحث الثالث: التخطيط العربي للحرب "وجهة نظر إسرائيلية"

في نهاية شهر مارس 1973، قرر رئيسا مصر وسورية، شن الحرب في نهاية العام. والواقع أن خطط السادات للحرب اتخذت صوراً مختلفة، منذ طلب من الاتحاد السوفيتي في صيف عام 1972، إخراج العسكريين الروس من مصر. وما أن خرج الروس، أصبح السادات لا يخشى من يزعجه، إذا قرر الحرب.

ويذكر السادات، لأحد الصحفيين الغربيين، بعد الحرب.. أنه بعد خروج المستشارين السوفييت، أصبح ناقدوه، لا يستطيعوا الزعم بأن كل ما سوف تفعله مصر في المجال العسكري، ليس سوى إنجاز روسي، ومن صنع مستشاريه الأجانب. وبعد خروج الروس بأسبوع ـ وبالتحديد في أواخر يوليه 1972 ـ أصدر السادات أوامره إلى وزير حربية "الفريق أحمد صادق" للتخطيط للحرب.

وفي أكتوبر 1972، عرض صادق، خطة العملية "جرانيت-1"، وهي خطة لحرب محدودة، وتقوم بالأساس على تنفيذ إجراءين: إسقاط لواء مظلات مصري في سيناء، والذي يقوم بتنظيم الدفاع عن الأرض التي استولى عليها، وإلى جانب هذا تقوم حوالي 50 طائرة قتال مصرية بمهاجمة شرم الشيخ، وكرد فعل ستحاول إسرائيل القضاء على لواء المظلات، وتسرع مصر إلى مجلس الأمن، لإعلان وقف إطلاق النيران، وتتوقف النيران، بينما يرابط في سيناء لواء مظلات مصري. ويهتز الوضع السياسي، وتمارس الولايات المتحدة ضغوطا على إسرائيل للتسوية، من خلال انسحاب من سيناء"[1].

ولم يرتاح الرئيس المصري من تفاصيل الخطة، خاصة الشق الخاص بإسقاط لواء مظلات في سيناء. ويخرج بنتيجة مؤداها أن وزير حربيته ليس واثقا من القوات المصرية. إلى جانب تحذير صادق المستمر، من السلاح الجوي الإسرائيلي، ومن ضرب عمق الأراضي المصرية، التي لم تكن مستعدة للحرب.

وبعد مضي أسبوع من هذا الموقف، يقرر السادات تغيير وزير حربيته، ليحل أحمد إسماعيل محل الفريق صادق. وبالفعل استطاع أحمد إسماعيل، إقناع السادات، بأنه لا يجب على مصر الاكتفاء بإجراء محدود، إذ أن الإسرائيليين سيردون ردا شديداً مضاداً، على الحرب المحدودة. لذلك لا يجب الخوف من تنفيذ حرب شاملة، والتي من شأنها، أن تحقق نتائج أفضل بكثير من الحرب المحدودة. ووافق السادات، على التخطيط لعملية عبور واسعة النطاق، على مواجهة قناة السويس بالكامل. وفي 14 يناير 1973، تقدم أحمد إسماعيل إلى السادات، بخطة عبور شاملة، تحت مسمى العملية "جرانيت-2".

وبدأت مصر تستعد للهجوم، في شهر مايو 1973، وكانت المشكلة الرئيسية، هي استكمال إعداد الجيش، وإقناع السوريين بالانضمام للحرب.

وخلال شهر مارس 1973، أجرى الرئيس السادات، حديثًا صحفيًا مطولاً مع الصحفي الأمريكي "أرنودي بورشاجوف" المحرر لمجلة نيوزويك الأمريكية. وقال بورشاجوف للسادات، أن الخبراء العسكريين، يعتقدون بأن إسرائيل ستهزم المصريين، وأن السلاح الجوي الإسرائيلي، سوف يستخدم ضد أهداف في العمق المصري. ورد السادات على بورشاجوف قائلا: "أن الأحداث الأخيرة في حرب فيتنام، هي أكبر مثل له، فقد فَقَّد الفيتكونج في هجوم التات الكبير، حوالي 45 ألف فرد، وبالرغم من أن هذا الهجوم يُعد فشلا عسكريا، إلا أنه كان في نفس الوقت نقطة تحول سياسية لصالح الفيتكونج. وعندما عاد النزاع إلى الجمود، شن جيش فيتنام الشمالية هجوما شاملا، وفي هذا الهجوم فقد الشماليون أكثر من 70 ألف فرد، ومع هذا كله فقد انتصروا، إذ قرر الأمريكان التوقف عن الحرب، واضطروا للانسحاب". ويبدو من تعليق الرئيس السادات، أنه كان يسعى إلى تحقيق أهداف سياسية، وتحريك الوضع المتجمد، من أجل أن يؤدي إلى انسحاب إسرائيل.

وبنهاية مارس 1973، وصلت المعلومات إلى الاستخبارات الأمريكية، عن استعدادات المصريين لشن حرب قريبة. ويذكر أحد الشخصيات التي استقبلها السادات.. "لجوزيف سيسكو" مساعد وزير الخارجية الأمريكي، لشئون الشرق الأوسط، بأن السادات أبلغه، أنه خلال أسابيع معدودة، سوف يحقق وعده بالنسبة لشن الحرب. كما أبلغ أيضا ما دار بينه وبين السادات، إلى الدكتور هنري كيسنجر، ويوافق كيسنجر من حيث المبدأ، أن السادات سيشن الحرب ضد إسرائيل، ولكن ليس خلال بضعة أسابيع.

كما تقوم نفس الشخصية الغربية، بمقابلة السفير الإسرائيلي في واشنطن "سمحا دينيز" وإبلاغه بحديث السادات.

ولكن لم تقم مصر بالهجوم في شهر مايو ـ كما كان مقرراً ـ لأن حاكم سورية زعم بأن جيشه ليس مستعداً للحرب، كما طلبت القيادات العسكرية المصرية، من الرئيس السادات، تأجيل الموعد بضعة شهور، لاستكمال استعداداتهم.

وفي الثاني من إبريل 1973، وصل وزير الحربية المصري "أحمد إسماعيل"، إلى دمشق، للتفاهم بشأن الخطط الهجومية للجيشين، وبعد زيارة استغرقت ثلاثة أيام في هيئة الأركان السورية، عاد إلى مصر.. وفي السادس من مايو، توجه أحمد إسماعيل إلى بغداد، لمدة يومين، ثم زار بعدها دمشق.

كان تعليق القيادات العسكرية الإسرائيلية، أن هذه الزيارة، هي مجرد مقابلات تنسيق عادية، ولكن في الأردن، كان الإحساس مختلف، حيث شعروا بأهمية وطبيعة هذه الزيارات، وفي 13 مايو وزعت بين الضباط الكبار في الجيش الأردني، رسالة سرية، أبلغ فيها الملك حسين ضباطه بأن دولاً عربية معينة، تنوي شن الحرب قريباً، ولكن ليست هناك خطة ناضجة حالياً. وبعد مرور بضعة أيام تسربت رسالة الملك حسين، إلى الصحف اللبنانية.

وإن وزير الحربية المصري، الذي بدأ يتحرك من وراء الكواليس، أصبح هو المنسق الرئيسي للخطط الهجومية، وأحمد إسماعيل، يعتبر من القادة المحببين لدى الروس، بسبب تعلمه بالأكاديمية الحربية في "فرونز" عام 1957، ولقد تعين أحمد إسماعيل وزيراً للحربية، حيث كان يشغل منصب رئيس الاستخبارات العامة منذ مايو 1971. ويعتبر أحمد إسماعيل من القادة المصريين ذوي الاتجاه المعادي لإسرائيل، وقد سبق له أن شغل منصب رئيس هيئة الأركان المصرية خلال فترة حرب الاستنزاف. هذا وقد لعب الدافع الشخصي عنده، وعند رئيس الأركان سعد الدين الشاذلي دوراً هاماً في الإعداد للحرب.

وفي 19 مايو 1973، أذيع نبأ مفاجئ، بأن السادات قام بزيارة خاطفة لمدة 7 ساعات لدمشق، وفي 12 يونيه يكرر السادات زيارته لدمشق. والواقع أن هذه الزيارات السريعة لدمشق، كانت محل تساؤلات من الأجهزة الإسرائيلية، خاصة وأنه كان يأتي بعدها زيارات لوفد عسكري سوري إلى القاهرة.

وفي السادس من أغسطس 1973، سافر الدكتور حسن الخولي ـ كمبعوث شخصي للسادات ـ إلى الأردن، ثم تلاها زيارة قام بها الدكتور الخولي برفقة "الرفاعي" رئيس وزراء الأردن إلى دمشق للالتقاء بالرئيس الأسد.

والواقع أن الاستخبارات الإسرائيلية، لم تستطع أن تكتشف أن الرئيسين السادات والأسد يُعدان من خلال هذه الاجتماعات، الفصل الأخير من خطتهم العسكرية، وهي تأمين الجناح الأردني.

وفي 29 أغسطس 1973، وصل وزير الدفاع السوري، طلاس، إلى عمان، وبرفقته قائد القوات المغربية[2] في سورية، اللواء عبد السلام شعرواي، من أجل بحث إمكانية موافقة الملك حسين على نقل 2000 جندي مغربي إلى الأردن، ولكن الملك حسين يرفض الاقتراح. وفي 12 سبتمبر، انتهى اجتماع قمة القاهرة بين السادات والأسد وحسين، من أجل تحقيق المصالحة بين سورية والأردن.. ويُعد ذلك هو الثمن الذي دُفع للملك حسين، مقابل حماية الجناح السوري.

أولاً: حرب يوم الغفران هي أول حرب خطط فيها العرب بصورة جيدة

تعتبر حرب يوم الغفران، هي أول حرب خطط فيها العرب، بصورة أساسية، جاهدين على ألا يتركوا شيئا للصدفة. وهذه المرة كانت ميزة المبادرة والمباغتة للإستراتيجيين العرب، ففي سنة 1948، كانت لهم المبادرة في غزو أرض إسرائيل، ولكن كانت الخطة العربية وقتذاك خاطئة، وكانت على مستوى عسكري هابط، كذلك كان التنسيق بين الجيوش العربية رديئا.

وفي عام 1956، كانت إسرائيل هي التي بدأت الحرب، وكانت المبادرة في يد إسرائيل، واضطرت مصر للرد فقط. وهكذا كان الحال أيضا في حرب الأيام الستة عام 1967. لقد أعطى العرب لإسرائيل مبررا للحرب، بفرضهم الحصار البحري في مضايق تيران، وحشدهم لقوات عسكرية كبيرة في سيناء، ولكن المبادرة الهجومية كانت في يد إسرائيل. لقد كان عبد الناصر يأمل في أن ينتصر بالإجراءات السياسية فقط، بدون أن يحارب حقيقة. وكان العرب يتوقعون أن يقوم جيش الدفاع الإسرائيلي بتوجيه الضربة الأولى. وبالفعل دارت الحرب من البداية وفقا لخطط الهجوم الإسرائيلية.

وحرب الاستنزاف، "1968 ـ 1970"، كان المصريون هم المبادرون بالعمل، ولكن هذه كانت شبه حرب، استاتيكية في أساسها، وأهدافها محدودة. أما في حرب يوم الغفران في 1973، فكان العرب هم الذين حددوا موعد الحرب، واستفادوا من ميزة المبادرة والمباغتة معاً، إلى جانب التفوق الذي كان إلى جانبهم، من كميات السلاح وقوة النيران.

وفي أعقاب الهزائم المتكررة، استخلص العرب ـ ولو ببطء ـ الدروس والنتائج، وكانت أولاها أنه يوجد للجانب المبادر من البداية تفوق هائل، واحتمالات لا حدود لها، حتى إذا كان الجانب الثاني يمتاز بقدرة كبيرة على امتصاص المبادرة. وبإدراكهم أن لجيش الدفاع قدرة رد سريع، ومقدرة مناورة عالية، فقد توصلوا إلى أنه لا تكفي المبادرة الأولى، وإنما يجب السعي إلى أهم الإنجازات في بداية المعركة.. وحتى لا يرتبك الإجراء الثاني من الناحية العسكرية، فإنه يجب إعداد معركة صد سياسية ودبلوماسية، تمنع النصر عن إسرائيل، حيث يستطيعون الاعتماد من خلالها على مساندة الاتحاد السوفيتي وعلى مجلس الأمن الذي توجد فيه، أغلبية لمؤيدي العرب.

وهناك استخلاص آخر، مبني على التقدير القائل أن إسرائيل وجيشها، على استعداد لحرب خاطفة فقط، لأن إسرائيل ليست قادرة لأسباب اقتصادية، على تحقيق تعبئة عامة لأكثر من عشرين يوما، وأن احتياطي ذخيرتها، لا يكفي لأكثر من 14 يوما من القتال المكثف، وأن إسرائيل لا تستطيع أن تحارب في أكثر من جبهة واحدة. وقد كتب حسنين هيكل في بداية نشوب الحرب يقول: "إن خوف إسرائيل وكابوسها هو من احتمال الحرب في جبهتين".

وفي محاولاتهم تحليل الحساسيات السيكولوجية لدى الإسرائيليين، استخلص المصريون بالفعل، أن الوسيلة الرئيسية لانهيار إسرائيل من الناحية النفسية، هي إحداث خسائر فادحة. وقبل شن مصر لحرب الاستنزاف قال رئيس الأركان المصري: "أنه يكفي للمصريين أن يقتلوا كل يوم سبعة إسرائيليين، حتى يمكنهم قهر إسرائيل خلال بضعة شهور".

لذلك فقد قرر المصريون، أنه لا يكفي اتخاذ المبادرة، وإنما يجب العمل في جبهتين في آن واحد. وبعد الضربة المباغتة، يأتي التحول إلى حرب استنزاف متواصلة، مبنية على كميات السلاح الهائلة، وعلى الطاقة البشرية الكبيرة، التي ستتدفق من الدول العربية الأخرى. وفي حرب استنزاف متواصلة، سيحسم الكم العربي، الكيف الإسرائيلي.

وبعد أن وجدوا أنه لا احتمال للعمل ضد إسرائيل في ثلاث جبهات، سعت مصر وسورية، إلى تأمين الجناح الأردني، وتم التوصل إلى وعد مع الملك حسين، بأنه في أثناء الحرب، سوف يحشد قواته على حدود إسرائيل، من أجل ضمان عدم دخول جيش الدفاع الإسرائيلي إلى سورية من تجاه الجنوب، عن طريق الحدود الأردنية مع سورية. كما تم التوصل إلى اتفاق مماثل مع اللبنانيين، خوفا من اختراق إسرائيل للحدود معها عن طريق مرجعيون إلى داخل سورية. ولكي تعرف حكومتا الأردن ولبنان متى ستبدأ الحرب، قيل لهما عن احتمالات عامة لقيام الحرب مع إسرائيل، دون تحديد للموعد. كذلك لم تعرف حكومة بغداد موعد نشوب الحرب، ولكن صدر عنها وعد، بأنه في حالة اندلاع الحرب، سوف يرسلون قوات عراقية إلى الجبهة السورية. وكان على القوة العراقية أن تكون احتياطيا إستراتيجيا لمصر وسورية.

ثانياً: خطة الحرب

قامت الخطة العملية العربية، التي استكمل إطارها في 14 يناير 1973، على النقاط التالية:

1. البدء بانقضاض عام، من مئات كثيرة من الدبابات في كل جبهة من الجبهتين وعشرات الآلاف من المشاة. وحتى إذا نجمت خسائر كبيرة في المهاجمين، ففي الانقضاض الجماعي احتمال طيب لاجتياح الخطوط الإسرائيلية والتوصل إلى إنجازات فورية.

2. التليين المسبق بالمدفعية[3]، القصف من الجو يكون قصيراً، ويتركز بالأساس على أهداف داخل الجبهة وحولها. هكذا يتم ضمان المباغتة في الانقضاض الجماعي، لأن الانشغال بعمق إسرائيل، من شأنه أن يستنزف ويضر، بالسلاحين الجويين المصري والسوري، خلال المرحلة الأولى من الحرب. ومن ثم يجب المحافظة على القوات الجوية دون خسائر ـ على قدر الإمكان ـ للمرحلة الثانية من الحرب. وما ينقل إلى المطارات الأمامية، هو فقط تلك الطائرات التي سوف تشترك في المرحلة الأولى من المعركة، أما الطائرات الأخرى فيحافظ عليها في المطارات الخلفية.

3. أن جيش الدفاع الإسرائيلي، يضع على الخطوط الأمامية، قوات محدودة، لذا يجب السعي إلى تحقيق مباغتة كاملة، حتى يصبح من الممكن إنزال الضربة الأولى، قبل أن يتم تعبئة الاحتياطي الإسرائيلي.

4. لا ينشغل المهاجمون في المرحلة الأولى، بالمواقع الإسرائيلية، وإنما يتدفقون إلى الداخل، إذ يقوموا بعبور قناة السويس، ثم يقتحمون الدشم الإسرائيلية، ويتم الأمر نفسه في هضبة الجولان. وفي القناة، يبدأ سلاح المشاة هجومه، وهو يستخدم الزوارق، وبعد ذلك يقيم الجسور لعبور المدرعات، ومزيد من المشاة.

5. مع هبوط الليل، يتم استخدام الكوماندو المُبر جوا، حيث تقوم باحتلال الممرات ومحاور الطرق، وتكون مهمتهم إعاقة تعزيزات جيش الدفاع الإسرائيلي والاحتياطي، وإرباك العمليات الإسرائيلية، في الخطوط الخلفية من الجبهة.

6. من أجل زيادة صدمة الهجوم المباغت، يتم النظر في إمكانية ضرب أحد المراكز السكانية الكبرى في إسرائيل، من بعيد، بصواريخ جو/ أرض من نوع كيليت (مدى 100 كم).

7. تحددت أهداف العملية الهجومية، على الجبهتين المصرية والسورية، ومن خلال مرحلتين، كالآتي:

أ. المرحلة الأولى: وتهدف إلى احتلال قناة السويس في الجبهة المصرية، وكل هضبة الجولان، حتى نهر الأردن في الجبهة السورية.

ب. المرحلة الثانية: وتهدف إلى التوغل إلى ممري متلا والجدي في سيناء، واقتحام ما وراء نهر الأردن في محورين "جسر بنات يعقوب ـ ومن شمال بحيرة طبرية".

أما إذا حدث فشل، نتيجة لخطأ ما، يتوقف المهاجمون، ويتخذوا أوضاعاً دفاعية تستند على حشد من آلاف القطع المضادة للدبابات في الأمام، وحشد من المدرعات في العمق، وفي الخلف يقام حائط من عشرات بطاريات الصواريخ المضادة للطائرات. وفي أثناء ذلك يتدفق إلى الجبهة الاحتياطي الإستراتيجي من دول عربية أخرى.

اختير يوم الغفران ليكون يوم الهجوم، وكان الافتراض أنه ستتحقق المباغتة الكاملة في ذلك اليوم، باعتبار أن ذلك هو اليوم الوحيد الذي تتوقف فيه الإذاعة والتليفزيون في إسرائيل ولا توجد أية حركة في الشوارع، وسيجد زعماء إسرائيل، أنه من الصعب اتخاذ قرار لتعكير هذا اليوم المقدس، حيث يوجد معظم الشعب الإسرائيلي في المعابد.

ولكن، لم يتنبه العرب إلى أنه في ذلك اليوم بالذات، يتواجد جميع الإسرائيليين تقريبا في المعابد، أو في بيوتهم، ولذلك يُصبح من السهل تعبئتهم. أما في رأس السنة وفي عيد المظال، فيتواجد مئات الآلاف من الإسرائيليين في الطرق، ومن شأن سياراتهم أن تسد المحاور مع بداية الحرب والتعبئة العامة.

ثالثاً: خطة الهجوم المصري

يقول إيلي زعيرا في كتابه حرب يوم الغفران: "في يوم 16 إبريل1972، أرسلت الاستخبارات العسكرية، إلى وزير الدفاع وإلى رئيس الأركان وإلى رئيس العمليات، وإلى قيادة المنطقة الجنوبية، خطة الهجوم المصري على جبهة قناة السويس، وتضمنت هذه الوثيقة 40 صفحة مع إضافة عدد من الخرائط التي أمنت المعطيات التالية:

1. أهداف الهجوم

أ. عبور القناة على طول مواجهتها، بواسطة خمس فرق مشاة، وأن تتغلغل كل فرقة إلى عمق خمسة كيلو مترات وتتمركز للدفاع[4].

ب. بعد تمركز الفرق الخمس، تقوم الفرق المدرعة بعبور القناة، وتتقدم صوب الشرق في اتجاه الممرات الجبلية متلا والجدي، والطريق الرئيسي صوب الطاسة، والطريق الساحلي على ألا تبدأ هذه المرحلة إلا بعد نقل بطاريات الصواريخ أرض/جو، إلى الضفة الشرقية للقناة، بهدف توفير حماية جوية لفرق المدرعات.

2. التمركز

تستعد كل فرقة من فرق المشاة الخمس، لعبور قناة السويس، في القطاع المحدد والمعروف لها.

3. مناطق العبور

تنتشر مناطق العبور على طول قطاعات الفرق، على حين تتم عمليات العبور الأولى في المناطق الواسعة (الفواصل) بين المواقع الإسرائيلية.

4. الجسور (الكباري)

تم تحديد الأماكن الدقيقة للجسور، على الخرائط المرفقة بالدراسة، حيث تحدد لكل فرقة جسران.

ارتكزت الخطة المصرية، على عملية قصف مدفعي وجوي، مع عبور عدة آلاف من الجنود المصريين في الموجة الأولى، حتى تستكمل الفرق الخمس عبورها في موجات متتالية، ثم تتخندق على مسافة 4 – 5 كم شرق القناة ، ثم يستطرد زاعيرا قائلاً: "وطوال الأيام الأولى من الهجوم المصري، في حرب عيد الغفران، كانت خطة الهجوم هذه موضوعة أمامي لأقارن بين هذه الخطة، وبين التنفيذ المصري على الطبيعة، ولقد تم كل شيء حسب الخطة، التي كانت موجودة لدى جيش الدفاع الإسرائيلي منذ 16 إبريل 1972، باستثناء لواء واحد، اختلف مكان عبوره ببضعة كيلومترات.

"والواقع أن جيش الدفاع الإسرائيلي، لم يفاجئ بتخطيط العدو، بل أن التخطيط التفصيلي كان معروف لدينا، قبل الحرب بعام ونصف، وهكذا كنا قادرين على وضع الخطط العملية التي تقدم الرد المناسب على خطط العدو".

رابعاً: المشاكل التي واجهت المخطط المصري

1. التعامل مع القوات الجوية الإسرائيلية

لمواجهة هذه المشكلة، قدم الروس اقتراحا بخلق حائط من أكثف الصواريخ في العالم مكون من خليط من مختلف أنواع الصواريخ السوفيتية أرض/ جو "سام2، سام3، سام6" Sam - 2,3,6 بالإضافة إلى الأسلحة المضادة للطائرات التقليدية، والتي يمكن أن تحقق مظلة مؤثرة، فوق منطقة العمليات، على امتداد قناة السويس، وبهذه الشبكة من الصواريخ، يمكن شل تأثير التفوق الجوي الإسرائيلي، فوق منطقة العمليات، بدرجة مناسبة.

2. ضرب العمق المصري بالطائرات الإسرائيلية

وللتغلب على هذه المشكلة، أمد الروس المصريين بصواريخ سكود أرض/ أرض ذات مدى 300 كم، والتي يمكنها تهديد المناطق السكنية داخل إسرائيل، فقد تم التصور أن وجود مثل هذه الإمكانيات في أيدي المصريين، سيردع إسرائيل عن تنفيذ الإغارات العميقة، وبالفعل وصل أول إمداد من الصواريخ سكود إلى مصر في إبريل 1973، وكان ذلك آخر العوامل العسكرية المؤثرة، لاتخاذ الرئيس السادات قرار الحرب. وبالفعل في إبريل 1973، صرح الرئيس السادات لصحيفة إنترفيو Interview، بهذه الحقيقة، لكنه أجل الحرب حتى فترة أخرى، والتي تتناسب مع حركة المد والجذر في قناة السويس، والتي سيكون أنسب وقت لها، خلال شهري سبتمبر أو أكتوبر 1973.

3. مواجهة المدرعات الإسرائيلية شرق قناة السويس

كانت هناك مشكلة أخرى أمام المهاجم المصري، إذ سيواجه بحشود من المدرعات الإسرائيلية، بعد العبور بدقائق محدودة، وكان حل هذه المشكلة، هو إيجاد حشد كبير من الأسلحة المضادة للدبابات، على كل المستويات، باستخدام السلاح المضاد من الدبابات "ر ب ج ـ 7" R.P.J. - 7 والذي يضرب من الكتف، وكذا المقذوفات الموجهة المضادة للدبابات من نوع "ساجر Sagger"[5] ذات المدى 3000 ياردة، وهي أسلحة فردية يحملها الأفراد أو مركبة على مركبات من نوع البردم B.R.D.M. المدرعة حاملة الصواريخ على مستوى اللواء. وقد نفذت خطة ذكية للدفاع المضاد للدبابات، في مواجهة الاحتياطيات المدرعة الإسرائيلية.

خامساً: خطة التحرك المصري على المستوى العربي

اقتنع السادات بأهمية العمل العربي في هذه المرحلة الهامة، ومن ثم قام بزيارة للسعودية، وأقنع الملك فيصل بأن الحرب ضرورية، ومن المهم استخدام سلاح النفط لفاعلية هذا السلاح ضد الدول التي تعاون إسرائيل، كما أنها تضمن وحدة العالم العربي في هذه الحرب. وبالفعل اقتنع الملك فيصل بهذا الرأي، الذي استخدم هذا السلاح بكفاءة وفي الوقت المناسب.

سادساً: القوات المصرية في حرب أكتوبر 1973

1. حجم الجيش المصري

أ. أفراد: 800 ألف مقاتل.

ب. دبابات: 2200 دبابة.

ج. مدفعية: 2300 قطعة مدفعية.

د. وحدات صواريخ دفاع جوي: 150 كتيبة صواريخ مضادة للطائرات.

هـ. طائرات: 550 طائرة خط أول.

و. لواءا صواريخ أرض / أرض.

ز. تشكيلات: 5 فرق مشاة ـ ثلاثة فرق مشاة ميكانيكية - فرقتين مدرعتين ـ عدد من الألوية المستقلة.

وتحتوي كل فرقة مشاة على 120 دبابة، أما الفرق المشاة الميكانيكي فتضم لواءين مشاة ميكانيكي ولواء مدرع بإجمالي 160 دبابة، أما الفرقة المدرعة فتضم لواءين مدرعين ولواء مشاة ميكانيكي بإجمالي 250 دبابة.

ح. وحدات خاصة: 28 كتيبة صاعقة ـ 3 ألوية مظلات ـ لواء مشاة أسطول

2. الجيش الثاني

مسؤول عن النصف الشمالي للقناة والتي يسيطر عليها الفرقة 18 مشاة في الشمال من بورسعيد وحتى القنطرة وكوبري الفردان، الفرقة الثانية المشاة من كوبري الفردان وحتى شمال بحيرة التمساح ـ الفرقة 16 مشاة من بحيرة التمساح وحتى الدفرزوار في شمال البحيرات المرة.

3. الجيش الثالث

مسؤول عن القطاع الجنوبي من القناة، وتحت قيادته الفرقة السابعة المشاة، ومسئولة عن القطاع من البحيرات المرة حتى منتصف الطريق في القطاع الجنوبي لقناة السويس، والفرقة 19 مشاة وتتمركز جنوبا حتى مدينة السويس.

ويدعم كل فرقة في الاقتحام لواء مدرع "سحب من الفرق الميكانيكية أو المدرعة أو لواء مستقل".

سابعاً: تخطيط الهجوم السوري "وجهة نظر إسرائيلية"

خطط لبدء الهجوم في الساعة 2 ظهراً، يوم السبت 6 أكتوبر 1973، بحشد جوي وحشد مدفعي يستمر لمدة خمسين دقيقة، وتحت ستر هذه النيران، تتحرك القوات المدرعة السورية، مع تحرك آخر ثانوي ضد الموقع الإسرائيلي، في جبل الحرمون، بواسطة القوات المحمولة جواً (بالطائرات العمودية)، وكان هذا الموقع له درجة أهمية لإسرائيل، حيث يوفر لها مراقبة تغطي كل ميدان المعركة، وكذا طرق الاقتراب إلى دمشق، إضافة إلى أنه كان موقع رادار مثالي، وكذا للمعدات الإلكترونية. ويصل حجم القوة المدافعة عن الموقع حتى فصيلتين من المشاة.

1. في القطاع الشمالي: المدافع عنه باللواء السابع المدرع الإسرائيلي

يتم الهجوم عليه بواسطة الفرقة السابعة المشاة السورية، المدعمة بعناصر من الفرقة الثالثة المدرعة، واللواء المغربي.

2. في القطاعين الأوسط والجنوبي المدافع عنهما باللواء 188 المدرع الإسرائيلي

وهو يمثل اتجاه المجهود الرئيسي للقوات السورية، كان التخطيط للهجوم عليه بواسطة الفرقتان الخامسة والتاسعة المشاة يدعمها عناصر من الفرقة الأولى المدرعة، على أن ينطلق اللواء 90 المدرع السوري على طريق التابلاين.

3. تطوير الهجوم السوري اعتبار من منتصف ليلة الأحد 7 أكتوبر 1973

بنجاح الفرق المشاة في هجومها، والوصول لعمق عشرة كيلومترات، يتم دفع الفرقتين المدرعتين الثالثة والأولى:

أ. الفرقة الثالثة: وتطور هجومها في اتجاهين:

(1) الاتجاه الأول: في اتجاه القنيطرة ـ تل محافي.

(2) الاتجاه الثاني: في اتجاه أبو خريز.

ب. الفرقة الأولى المدرعة: وتطور هجومها في اتجاه الرفيد ـ كوزابيا.

نقاط الضعف في إعداد القوات السورية

افتقرت سورية إلى نظام قيادة وسيطرة، يناسب حجم قواتها في حرب أكتوبر 1973، وهذا ما كلفها الكثير، كان لدى هجومها البري قدرات قيادة وسيطرة فقير جدا. وهو ما أدى إلى أن العديد من الوحدات تقدمت دون سيطرة، كما أن وحدات كباري الاقتحام اللازمة لعبور الدبابات السورية للخنادق الإسرائيلية المضادة للدبابات كانت متواجدة خلف القوات السورية، وقد كلف ذلك سورية تحقيق ميزة المباغتة، وأعطى لإسرائيل الوقت الثمين لتنظيم دفاعاتها.

لقد قاتل السوريون بدون نظام قيادة وسيطرة فعال، ولم يكن لديهم قدرات استطلاع جوي حقيقية، أو قدره على تخطيط المهام، ولم يكن لديهم ضباط إدارة جويين أماميين، وزجوا بطائراتهم في القتال، مستخدمين طلعات جوية، كانت السيطرة عليها فقيرة، وألقت بمقاتلاتها في وجه قوة مقاتلات إسرائيلية أعلى تدريباً، وأحسن تنظيماً.

[1] الواقع أن الخطة "جرانيت-1" تختلف تماما عما ذكرته المراجع الإسرائيلية، حيث تدور فكرتها حول فكرة عبور القناة وإنشاء عدد من رؤوس الكباري الصغيرة (بحجم مجموعات سرايا) على الضفة الشرقية للقناة، وظلت هذه الخطة تفتقر لوجود نية حقيقية للقيام بعمل عسكري عبر القناة، إلى أن تغيرت القيادة العسكرية في أكتوبر 1972، حيث اتجه المخطط المصري منذ تخطيط العملية "جرانيت-2" إلى فكرة "العملية الحربية الشاملة".

[2] وصلت القوات المغربية إلى سورية في نهاية مارس 1973

[3] يقصد التمهيد النيراني بالمدفعية والذي استمر لمدة 53 دقيقة على الدفاعات الإسرائيلية.

[4] جاء في كتاب زئيف شيف، زلزال في أكتوبر، "أنه كان متوقع الهجوم في بعض قطاعات محددة وبقوات محدودة، وأنه لم يكن متصورا الهجوم بهذا الحجم من القوات، وهذا هو الرأي الأصوب".

[5] الاسم الروسي لها مالوتكا Malotka.

المبحث الرابع: خطة الخداع على مستوى المسرح

إن عظمة خطة الخداع المصرية، وسر نجاحها، يكمن في المفهوم "أنه من أجل تضليل جيش الدفاع الإسرائيلي، يجب أيضا تضليل الجيش المصري نفسه، حتى ساعة بداية الحرب" ومن أجل تضليل الجيش المصري، كان على السادات والمجموعة المحدودة من حوله ـ التي تعرف السر ـ تنفيذ ثلاث شروط لازمة:

1. التأكيد على السرية المطلقة لساعة الصفر ـ وعدم الإعلان عنها حتى كأوامر تحمل درجة سري للغاية ـ إلا في اللحظة الأخيرة.

2. إلغاء أية أعمال للتخطيط والاستطلاع، التي تسبق الحرب، لأن هذه الأعمال من شأنها أن تكشف للجيش الإسرائيلي، عن نوايا قريبة جدا للحرب.

3. إعداد خطة حرب شاملة وبسيطة، دون الحاجة إلى تخطيطات تفصيلية معقدة، مع الأخذ في الاعتبار إمكان إحداث تغيير في الأوضاع، مع بداية الحرب.

لقد نجح الجانب المصري في تنفيذ هذه الشروط، ونتيجة لذلك فقد تحدد أن تكون خطة عبور القناة بسيطة جداً. وهي أن تقوم جميع الوحدات المتمركزة منذ أشهر أو سنوات على طول القناة، بعبور القناة من قطاع تمركزها، وليس هناك داع لتحريك وحدات من قطاع إلى قطاع (إعادة تجميع القوات)، والتعرف من جديد على المنطقة، أي أن تعمل جميع الوحدات من أماكنها، ومهمتها هي عبور المانع المائي الذي يتمركزون على شاطئه، ثم التمركز على الضفة المقابلة، بالإضافة إلى ذلك، فإن جميع المناورات منذ بداية عام 1971، كان هدفها إعداد الجيش المصري لتنفيذ هذه الخطة البسيطة.

إن تطوير المناورة إلى حرب، هي نظرية روسية، وقد تم تنفيذ هذه النظرية بالفعل، عندما غزا الجيش السوفيتي تشيكوسلوفاكيا عام 1968.

ومن أجل التأكيد على إيهام الجيش الإسرائيلي، بأن مصر تقوم بمناورة، اتخذ المصريون عدة إجراءات، كانت ضرورية من وجهة نظرهم، لإبلاغ المخابرات الإسرائيلية بما يريدون، ولقد كانوا على حق، فمن خلال أجهزة جمع المعلومات المتطورة في جيش الدفاع الإسرائيلي، عُلم أن الجيش المصري ينوي إجراء مناورة شاملة، على غرار مناورات الخريف السنوية، وسوف تبدأ المناورة في الأول من أكتوبر 1973، وتنتهي يوم 7 أكتوبر 1973، وأن المصريين الذين ينوون القيام بمناسك الحج، سيتاح لهم ذلك بعد انتهاء المناورة، كما سيبدأ تسجيل أسماء الضباط الراغبين في الحج بدءاً من يوم9 أكتوبر 1973. ووحدات الاحتياط المشتركة في المناورة سيتم إنهاء استدعائها بداية من 4 أكتوبر 1973، وسيتم إشراك الدارسين في كلية القادة والأركان في هذه المناورة، حتى يوم 8 أكتوبر 1973، على أن تستأنف الدراسة في كلية القادة والأركان يوم 9 أكتوبر 1973.

وفي يوم 27 سبتمبر، تم تعبئة حوالي 120 ألف فرد، للاشتراك في المناورة "تحرير 41"، ثم أنهيّ استدعاء 20 ألف فرد منهم، وعادوا إلى منازلهم يوم 4 أكتوبر 1973، ولقد أنهى استدعاء هؤلاء الأفراد لتأكيد المعلومات التي نُقلت بالطرق المختلفة، والتي أفادت بإنهاء استدعاء وحدات الاحتياط المشتركة في المناورة، بداية من يوم 4 أكتوبر 1973. وهذه المعلومات كانت جزءاً من عملية الخداع، وهي معلومات حقيقية من أجل خلق انطباع معين لدى إسرائيل.

وبناءً على ذلك فقد كانت "شعبة المخابرات على علم مسبق بما سوف يحدث من إنهاء استدعاء الاحتياط يوم 4 أكتوبر 1973، وعندما حان الموعد تأكد صدق المعلومات على الواقع. وهذا الأمر أكد لضابط المخابرات المختص بتقدير الموقف، بأن الأمر ليس أكثر من مناورة.

وحتى تنجح خطة الخداع المصرية، كان لابد من إيجاد مبررات لكل ظاهرة في المنطقة:

فالمناورات الشاملة التي يقوم بها الجيش المصري للتدريب على عبور قناة السويس واحتلال سيناء، هي مناورات تكررت على مدى السنوات السابقة، بل ولقد تعود الجيش المصري عليها، ولم ير أحد في استدعاء قوات الاحتياط للاشتراك في المناورة، أو اقتراب وحدات الجسور وتحريك وحدات من القاهرة في اتجاه جبهة القناة ظاهرة غريبة. وما تم في المناورات السابقة حدث أيضا في هذه المناورة، فقد أصدرت إدارة المناورة التعليمات بانتهاء المناورة، وإنهاء استدعاء الاحتياط يوم 4 ـ 5 أكتوبر 1973، واستئناف الدراسة في المعاهد العسكرية ومراكز التدريب يوم 9 أكتوبر 1973.

أما عدد الضباط الذين كانوا يعلمون بتطوير المناورة إلى حرب، فقد كان محدوداً جداً. وعندما حاصرت مجموعة عمليات الجنرال آدن (برن).. الجيش الثالث، قامت بأسر مئات من الجنود المصريين ومن بينهم ضباط من قيادة الجيش، ومن بين هؤلاء الضباط الذين تم أسرهم ضابط برتبة عقيد من قيادة الدفاع الجوي. وخلال الاستجواب الذي أجري له في معسكر الأسرى، في جنوب سيناء قال: "يوم 6 أكتوبر 1973 وفي الساعة الواحدة والنصف، تم استدعاء ضباط القيادة ـ وهو من ضمنهم ـ إلى مكتب قائد الجيش، وعندما دخلوا إلى مكتبه وجدوه يصلي، وعندما أنهى صلاته أبلغهم أن المناورة قد تطورت إلى حرب حقيقية، وفي هذه اللحظة سمعوا أزيز طائرات القتال المصرية المتجهة لمهاجمة أهداف في سيناء".

ولقد اتضح أيضا أن بعض ضباط القيادة، لم يعلموا بالسر، حتى لحظة نشوب الحرب وبذلك أخذ المصريون على عاتقهم مخاطر عدم التنسيق، والعمل غير المنظم للقوات. ولكن هذه المخاطر كانت محسوبة ولازمة، خصوصاً وأن الخطة كانت بسيطة، وهي قيام كل وحدة بعبور القناة في قطاعها.

لقد اعتبر المصريون، أن خطة الخداع المصرية قد حققت نجاحاً كبيراً ولذلك فإن القصص التي كُتبت عن الحرب، والتي نشرها كل من الصحفي "محمد حسنين هيكل" والجنرال "سعد الشاذلي" رئيس الأركان العامة السابق، عن حرب يوم الغفران امتلأت بالتفصيلات الدقيقة لخطط التمويه والإعداد لها.

وعن خطة الخداع المصرية ـ يقول زعيرا نقلاً عن حسنين هيكل: "إن المباغتة وطريقة تنفيذها، شغلت القيادة العليا لفترة طويلة، وقد نجحت القيادة في إيجاد أساليب إيجابية وسلبية، تضمن المباغتة على المستوى الإستراتيجي والعملياتي والتكتيكي. وأحد العناصر الرئيسية التي ساعدت على تحقيق المباغتة، هو إعداد خطة للخداع الإستراتيجي، في مصر وسورية، على مستوى التنظيم الرسمي، ومن خلال التعاون بين العناصر المتعلقة بالأمر. وكان لابد أن تتفق خطة الخداع الإستراتيجي مع خطة الخداع العسكرية حتى يتحقق الآتي:

1. خداع إسرائيل عن احتمال قيام القوات المسلحة المصرية بعمليات هجومية، في الوقت القريب.

2. الحفاظ على السرية الكاملة، فيما يتعلق بالهجوم.

3. التأكيد على سرية الموعد المحدد، لبداية الحرب.

ولذلك صدرت تعليمات للجهاز السياسي، والإعلامي، للتعاون من أجل تضليل إسرائيل، عن النوايا المصرية والسورية في الهجوم، وتم التنسيق المطلوب بسرية كاملة، كما تم تحديد خطوط العمل.

وقد اعتمدت فكرة الخداع الإستراتيجي، على تنسيق جهود وزارات الإعلام والخارجية والدفاع، ولقد بدأ هذا التنسيق قبل بداية العمليات بحوالي خمسة أو ستة شهور، لتنفيذ الخطة، وإصدار التصريحات التي تخفي طبيعة الاستعدادات العسكرية المصرية للقتال، وهو الهجوم الذي سيتم خلال فترة وجيزة، وكذا تضليل إسرائيل عن التوقيت الحقيقي لبداية العمليات، وقد تم تنسيق ذلك بالكامل، مع الجانب السوري، على المستوى الإستراتيجي وأيضا على المستوى العسكري.

كما يقول زعيرا نقلاً عن سعد الشاذلي: "خلال يومي 29 ـ 30 سبتمبر 1973، أي قبل أسبوع من الهجوم. أصدر الرئيس السادات تعليمات لنا، بإعطاء السوفيت فكرة غير واضحة ومشوشة، عما يمكن أن يحدث مستقبلاً، حيث تلقى اللواء فؤاد نصار رئيس جهاز الاستخبارات بوزارة الدفاع، تعليمات للاتصال بكبير ضباط الاتصال السوفيت، الجنرال "ساماجودسكي" يوم 2 أكتوبر 1973، وإبلاغه بوجود معلومات لدينا تفيد بأن إسرائيل تقوم بالإعداد لعملية إغارة، وأن يسأل "ساماجودسكي" بالطبع عما إذا كانت موسكو يمكنها الحصول على تفاصيل أخرى.

وفي يوم 4 أكتوبر 1973 أبلغ نصار، كبير ضباط الاتصال، السوفيت، بأنه قد تأكدت المعلومات لدينا من أن إسرائيل على وشك القيام بعملية إغارة، على مستوى واسع، وربما توجه لنا ضربة جوية كبيرة، وأننا نستعد فقط لهذا التهديد.

ويبدو أن "ساماجودسكي" بدأ يشك فيما يقال، فلقد حدثت أمور كثيرة، حيث كان لا يزال هناك 100 خبير سوفيتي، يعملون في وحدات الصواريخ المصرية، وبعض الوحدات الفنية، وهؤلاء أخبروا بالطبع قادتهم، عما يحدث، كما أن الخبراء السوفيت الموجودين في سورية أبلغوا كذلك قادتهم، عن الاستعدادات الموجودة في سورية.

وعلى أية حال، أصبح واضحاً في يوم 4 أكتوبر 1973، أن السوفيت واثقون من أن الحرب على الأبواب، أما الذي لم نتوقعه، وكان بمثابة مباغتة بالنسبة لنا، أنه في الساعات المتأخرة من مساء 4 أكتوبر 1973، أسرع الخبراء السوفيت الذين يقيمون في القاهرة، هم وعائلاتهم إلى المطار، وأقلعوا إلى موسكو، كما جاء رد الفعل أيضا في سورية، بالترحيل السريع للنساء والأطفال إلى روسيا، بحراً وجواً.

والواقع عن أن الإعلان عن توقيتات الحرب، في الفترة من 1971 – 1973، كان جزءا من خطة الرئيس السادات في الخداع، وكانت شعبة الاستخبارات الإسرائيلية على علم بخطط الخداع هذه، وكانت مستعدة لها. وفي ديسمبر 1972، وربيع 1973، وصلت معلومات تفيد أن الحرب وشيكة (خلال عدة أسابيع). وكان تقدير شعبة الاستخبارات أن المعلومة التي وصلت في نهاية 1972 وربيع 1973، بشأن نشوب الحرب في هذه التوقيتات، هي معلومة غير صادقة، ولكن كانت هناك أجهزة أخرى داخل إسرائيل[1]، تؤكد أن احتمالات الحرب، هي احتمالات كبيرة طبقا للمعلومات التي لديها.

وفي نهاية 1972، فإن وزير الدفاع ورئيس الأركان العامة، لم يوافقا على تقديرات الموساد، ووافقا على تقديرات شعبة الاستخبارات. أما في ربيع 1973، فإن ديان وأليعازر وافقا على تقديرات الموساد، ورفضا تقديرات شعبة الاستخبارات.

وفي عام 1971، أعلن الرئيس السادات، أن هذا العام هو "عام الحسم" في الحرب ضد إسرائيل، وتقدم الجنرال الشاذلي رئيس الأركان العامة المصري ـ الذي كان يعرف قدرات الجيش المصري، وعدم استعداده للحرب ـ بشكوى إلى الجنرال صادق وزير الحربية في هذا الصدد. وجاء في شكواه أن كل هذه التصريحات من شأنها أن تهبط من معنويات الجيش. ورد عليه صادق، بأنه تحدث حول هذا الموضوع مع الرئيس، وأن الرئيس يهتم بالخداع السياسي.

ويقول إيلي زعيرا، أن التوقيت المحتمل للحرب، عرض على السادات في إبريل 1973، أثناء زيارة سرية قام بها الرئيس الأسد لمصر، ومن هذه التوقيتات مايو، أغسطس، سبتمبر، أكتوبر. ويذكر السادات أن أنسب هذه التوقيتات كان شهر أكتوبر 1973، باعتبار أن الجبهة السورية اعتباراً من شهر نوفمبر لا تصلح للعمليات العسكرية بسبب الأحوال الجوية، وأنه ـ أي السادات ـ أبلغ الأسد، بأنه قرر الدخول في الحرب هذا العام، ووافق الأسـد على ذلك، واتفقا على ألا تبدأ الحرب إلا بعد تشكيل مجلس أعلى مشترك للقوات المسلحة المصرية ـ السورية. وقد شكل هذا المجلس المشترك الفعل في أغسطس 1973، لكي يحدد الإجراءات الأخيرة للحرب.

وفي يوم 25 سبتمبر مثل "المنبع"[2] أمام رئيسة وزراء إسرائيل جولدا مائير وأبلغها أن الحرب على وشك أن تنشب.

وعلى ضوء هذه الأمور، كان السؤال الذي يطرح نفسه، هل المعلومات التي وصلت إلى الوكالة (جهاز الموساد)، كانت تشتمل على معلومات حقيقية للخداع، وهي معلومات تم التأكد من مصداقيتها ولسنوات طويلة في الاستخبارات الإسرائيلية، وذلك بهدف تضليل مخابرات إسرائيل عن نوايا السادات؟

إن الإجابة على هذا التساؤل ليست بسيطة، وتتداخل فيها اعتبارات، تتصل بمكانة بعض الجهات المختلفة، ومع ذلك يجب بحث هذا الأمر، بعيون مفتوحة وبفطنة كبيرة.

والواقع أن جزءا من هذه المعلومات، قد اشتمل على معلومات مؤكدة، وهو الأمر الذي يعتبر بمثابة حلم، لأي جهاز مخابرات في العالم، وقد بحثت هذه المعلومات وتم التأكد من صدقها، ولكن فيما يتعلق بتوقيت الحرب، فإن المعلومات كانت تحتوي على بيانات من نوع آخر، وهي بيانات لم تكن صحيحة، وكما قيل فإن المعلومات أشارت إلى أن مصر تنوي القيام بحرب في ديسمبر 1972. ولكن جميع المطبوعات التي تناولت الحرب والتي كتبها قادة ورجال سياسة مصريون بعد حرب أكتوبر 1973، لم تشر أبدا إلى ذلك.

وبعد ذلك أشارت إلينا (المعلومات)، أن مصر وسورية تنويان الحرب في إبريل أو مايو 1973، وهو الأمر الذي أدى إلى رفع درجة الاستعداد في إسرائيل، ولكننا نعرف اليوم، أن القرار بتحديد موعد الحرب قد اتخذ فقط في 13 أغسطس 1973، أثناء لقاء سري بين وزير الدفاع السوري وضباطه ووزير الدفاع المصري وضباطه.

وفي ديسمبر 1972 وربيع 1973، أعطت المعلومات التي وصلت إلى إسرائيل، إنذار قبل عدة أسابيع من الموعد المفترض للحرب، ولكن بعد عشرة أيام من تحديد قادة الجيش المصري والسوري للتوقيتات المحتملة للحرب، أبلغتنا المعلومات التي وصلت إلى "الوكالة" بأن السادات قد أجل موعد الحرب إلى نهاية العام. ومن ناحية أخرى فإن الإنذار باحتمال نشوب الحرب، وصل إلى الموساد قبل 40 ساعة من ساعة الصفر، وهي فترة حسب تقديرات المصريين ليست لها قيمة عسكرية كبيرة، لأن هذه الفترة لن تتيح لجيش الدفاع الإسرائيلي تعبئة قوات الاحتياط ونقلها إلى القناة.

أما الإنذار الذي وصل قبل فجر يوم السبت، فقد كان بمثابة تأكيد ـ وفي هذه المرة تحدد اليوم والساعة ـ للمعلومة التي حصلت عليها الموساد قبل ذلك بثلاثين ساعة، ولكن هذه المرة ضُلل الموساد عمداً في البداية فيما يتعلق بساعة الصفر (6 مساء بدلا من 2 بعد الظهر). ويبدو من هذا .. أن الغرض لم يحتوي على تأكيد قاطع للشك، إلا أن المعلومة كانت جزءاً من خطة الخداع المصرية، وهو أمر من شأنه أن يؤكد هذه الشكوك.

من أسس عمل المخابرات، الحصول على المعلومات من مصادر مختلفة، ولذلك فمن المهم توضيح الموضوع من مصادر أخرى، ليس لها علاقة بمصادر المخابرات العسكرية أو الوكالة، وهي المطبوعات العلنية.

ففي كتاب "Yamani, The Inside Story"، الذي كتبه جيفري روبنسون، ونشر عام 1988، يصف يماني الذي كان وزيراً للنفط السعودي، زيارة الرئيس السادات للسعودية في أغسطس 1973، حيث يقول: "وكما اتضح فإن الملك فيصل علم بخطة الحرب، لقد سافر السادات إلى السعودية في أغسطس، لكي يخبر الملك فيصل بصفة خاصة عن الحرب، أين وكيف، ولكنه لم يقل متى. وكان من الضروري وجود الملك فيصل في الصورة، باعتباره أكثر الحكام احتراما وأهمية في الخليج، ولذلك من الطبيعي أن يخبره السادات بنواياه، ولكنه لم يخبر السعوديين متى ستبدأ الحرب، ليس خوفا أن يبلغ السعوديون الولايات المتحدة، وأن يصل الخبر إلى إسرائيل، لا ولا، فلم يكن هناك سبب يدعو لأن يكشف أكثر من أن الحرب على الأبواب. لقد قال السادات للملك فيصل أن الحرب ستنشب قريبا، قريبا جدا، ولكنه لم يذكر متى.

كان اللقاء سري للغاية، حسبما قال "يماني" وزير النفط السعودي. كما أوضح يماني سبب إطلاع السادات.. الملك فيصل على خطته، فهو يقول أن الملك فيصل كان من أكثر حكام الخليج أهمية واحتراما، ومن الطبيعي أن يلتقي السادات مع الملك فيصل ويبلغه بخطته. (وهناك اعتقاد آخر، وهو الاعتقاد الأكثر قبولا لدى الخبراء في الولايات المتحدة: وهو أن اللقاء جاء لتنسيق خطة وقف ضخ النفط، ويقول الخبراء أن السادات قد طلب من الملك فيصل في حالة نجاح الهجوم المصري "أي إذا ما استطاع المصريون احتلال رأس جسر على الضفة الشرقية للقناة" أن توقف دول الخليج ضخ النفط للغرب).

ويتساءل زعيرا في كتابه حرب يوم الغفران: هل كان من الطبيعي بالنسبة للسادات، أن يقوم بزيارة الملك فيصل في أغسطس 1973 قبل نشوب الحرب في أكتوبر 1973، أو قبل ديسمبر 1972؟ وهذا يؤكد أن السادات لم يكن ينوي خوض الحرب إلا في أكتوبر 1973.

ومن هنا فقد صدقت جميع تقديرات شعبة الاستخبارات حتى قبل حرب يوم الغفران، وهناك تأكيدات أخرى في هذا الشأن، نجدها في كتب زعماء مصر وقادتها خلال هذه الفترة. فهم يؤكدون، أن توقيت المعركة لم يتحدد إلا بعد لقاء الإسكندرية في الفترة من 21 – 23 أغسطس 1973، ويتضح من ذلك أن جميع المعلومات السابقة عن توقيتات الحرب، كانت معلومات خداعية.

ويكمن في وعي مصر، اعتقاد راسخ، بأن مصر قد هوجمت مرتين خلال عامي 1956، 1967 عن طريق المباغتة، وليس هناك شك في أن هذه الحقيقة، قد دفعت رئيس مصر إلى استخدام الخداع والمباغتة في خطته لمهاجمة إسرائيل.

إن الخداع هو العنصر الرئيسي في الحرب المباغتة، فلم يكن في الهجوم المصري السوري على إسرائيل أي عنصر آخر يختلف من ناحية التخطيط والتنفيذ، والحقيقة أنه كان بالإمكان توقع تحقيق مصر وسورية الإنجازات ضخمة بسبب التفوق العددي، وذلك خلال الـ 48 ساعة الأولى من الحرب إذا أمكن تحييد السلاح الجوي الإسرائيلي، ولكن العنصر الوحيد الذي تم إعداده جيدا وتنفيذه بكفاءة كبيرة، كان عنصر الخداع المصري، وهو العنصر الذي ساهم أكثر من أي شيء آخر في عدم فهم طبيعة الإعدادات المصرية لعبور القناة.

فهل كانت مصر تهدف إلى إيهام إسرائيل بحصولها على معلومات عن النوايا تمكنها من توقع موعد الحرب؟ هل هذه هي خطة الرئيس السادات شخصيا؟ لماذا لم يصل أي جزء عن سفر السادات إلى السعودية ولقائه مع الملك فيصل في أغسطس 1973؟ ولماذا لم تصل معلومات عن اللقاء المصري ـ السوري في الفترة من 21 – 23 أغسطس 1973، ولماذا لم تصل معلومات تفيد أن السادات توصل يوم 22 سبتمبر إلى اختيار السادس من أكتوبر 1973 كموعد مناسب للحرب؟

ولماذا وصلت معلومات تفيد أن السادات قد أرجأ الحرب إلى نهاية العام؟ وكيف لم تصل أية معلومات تحذيرية إلا قبل ساعة الصفر بأربعين ساعة؟، بينما مصدر معلوماتنا قد علم يوم 15 سبتمبر أن الحرب على الأبواب أي قبل عشرين يومًا من نشوب الحرب؟.

حسب اعتقادي، فإن ما تم إخفاؤه من معلومات بشأن هدف زيارة السادات للسعودية ولقائه مع الملك فيصل، وكذلك عن اللقاء المصري ـ السوري في الإسكندرية في أغسطس 1973، وكذلك القرار الحقيقي والوحيد عن موعد الحرب ضد إسرائيل، ووصول معلومة في نفس الوقت تفيد أن السادات قد أرجأ الحرب إلى نهاية العام، كل ذلك يشهد على أن (المنبع) لمعلوماتنا، كان تتويج نجاح خطة الخداع المصرية.

وإذا ما اتضح أيضا أن (المعلومة) كانت جزءاً من خطة خداع الرئيس السادات، أو أمراً ما، فذلك سوف يحسب كأكبر نجاح لمصر في حرب يوم الغفران.

وعن خطة الخداع العربية، يقول الكاتب الإسرائيلي زئيف شيف: "قام العرب بتسريب الأنباء إلى الصحف، بأنهم يؤمنون بتحقيق تسوية سلمية في الشرق الأوسط، وفي خط مواز لذلك بدأوا في ترويج الأنباء التي تقول بأن أسلحة مصر وسورية ليست مستعدة للحرب على الإطلاق، وأن شبكة الدفاع الجوي في مصر، وبطاريات الصواريخ المضادة للطائرات، في حالة فنية ضعيفة، وكذلك صلاحية استخدام الصواريخ منخفضة، وتعلل المصريون بعدة أسباب، من بينها أنه بعد مغادرة المستشارين السوفيت لمصر، انخفضت قدرات صواريخ الدفاع الجوي. كما خرجت الأنباء من سورية تقول بأن الطيارين السوريين ليسوا راضين عن طائرات الميج، وأضافت بأنه يوجد جفاء بين السوريين ومستشاريهم الروس، وأن دمشق مهتمة بشراء سلاح حديث من الغرب.

كان من الواضح للمسؤولين عن خطة الخداع، أن العملية سوف تكون معقدة وصعبة، عندما يبدأ حشد القوات على مقربة من الحدود، ولذلك فقد حركوا الجيوش إلى مقربة من الحدود، عدة مرات وأعادوها إلى أماكنها. وكانت هناك مناورة مماثلة في شهر مايو 1973، وقد راقبوها في إسرائيل، وبعد فترة وجيزة أعيد جزء من الجيوش إلى المؤخرة. وعندما بدأ حشد الجيوش العربية في أواخر سبتمبر 1973، استعدادا للحرب يوم الغفران.. كانوا في جيش الدفاع الإسرائيلي يتذكرون ما حدث في شهر مايو، عندما قامت في إسرائيل ضجة على لا شيء.

ومن الواضح أن خطة الخداع العربية لم تكن تنجح، لو لم يحافظ جيدا على سر موعد الحرب. ففي سورية عرف ثلاثة أشخاص فقط بهذا الموعد وهم "الرئيس ووزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان العامة". ولم يتلق القادة العرب في الميدان، معلومات عن الحرب، إلا قبل الهجوم بأيام معدودة، وكانت التحركات إلى الجبهة تتم خلال الليل فقط، ولم يكن يسمح للجنود الجدد الذين وصلوا إلى الجبهة بالدخول إلى مدن القناة أو القرى، في المناطق الزراعية المجاورة، وألغيت جميع الإجازات اعتبارا من 28 سبتمبر.

وقبل اقتحام قناة السويس بنصف ساعة، شوهد بعض الجنود المصريين يسيرون على طول القناة وهم يرتدون الملابس الداخلية فقط وبدون سلاح، وكان البعض يربطون قمصانهم فوق سراويلهم ليظهروا أن هذا يوم عادي.

لقد أحدثت المعلومات التي وصلت يومي 4، 5 أكتوبر 1973، تشكك لدى القيادة الإسرائيلية، ولكن ازدادت الشكوك يوم 6 أكتوبر 1973، فمع بزوغ الفجر، اقتنعت حكومة إسرائيل، بأن حربا سوف تنشب في مساء هذا اليوم، حيث وصل نبأ حديث من مصدر مهم للغاية. وقال النبأ، أن العرب سوف يطلقون النار في غروب الشمس، كما قيل للمسؤولين، لسبب ما، أن العرب سوف يبدأون العمل في الساعة 1800 مساء.

عموماُ، لقد كانت خطة الخداع العربية متكاملة، وتحققت كما ينبغي. حقا أن إسرائيل أحست خلال مرحلة معينة بما يجري، ولكنها لم تصدق ما يجري أمام عينيها، وهذه المرة تغلب المكر العربي، على الفطنة والريبة اليهودية.

المباغتة من منظور جيش الدفاع الإسرائيلي

لم يكن الهجوم المباغت من السوريين والمصريين هو المباغتة الوحيدة لجيش الدفاع الإسرائيلي، ففي المجالين التكتيكي والفني أيضاً، كانت هناك مباغتات متعددة للقوات الإسرائيلية، تدل على خطأ كبير.

في هذه الحرب استخدم العرب أسلحة كثيرة، لم تعرف عنها استخبارات الجيش الإسرائيلي. ومن الممكن بثقة أن نشير إلى نوعين من الأسلحة،التي لم تكن معروفة لإسرائيل:

1. طراز من صاروخ "كيليت"، وهو صاروخ جو ـ أرض، الذي يواكب في نهاية طيرانه ترددات هوائيات الرادار. لقد أطلق المصريون هذه الصواريخ وفي حالة واحدة أصابت ـ وفقا للتقديرات الأمريكية ـ شبكة الرادارات الإسرائيلية في سيناء.

2. مدفع ذو قطر 180مم، لا منافس له في مدى عمله، وتصل قذائفه إلى مسافة 44 كم[3]، وقد فاجأ وجود هذا المدفع الاستخبارات الأمريكية أيضا.

وكانت هناك أسلحة أخرى، استخدمت للمرة الأولى في حرب عيد الغفران، ولكن كان الجيش الإسرائيلي يعلم بوجودها. ومن بينها صواريخ أرض ـ جو من نوع SA-6 [4] وصاروخ أرض ـ أرض من نوع فروج Frog-7. كذلك كانت المرة الأولى لظهور الدبابة الروسية من نوع "تي ـ 62" T-62 التي تحمل مدفعا جديدا قطره 115مم، وكذلك إحدى حاملات الجنود الروسية[5].

إن جيش الدفاع الإسرائيلي لم يباغت من الأشياء التي علم بأمرها، وإنما بوغت من الأشياء التي لم يتم حسابها، الأشياء التي علم بها الجيش الإسرائيلي، ولكن لم يتم تقديرها كما ينبغي من ناحية تأثيرها في ميدان القتال، ولذلك لم يستعد لها.

أنه ما كان يجب أن تكون هناك مباغتة على الإطلاق في العبور المصري، وفي المعدات وفي الوسائل التي استخدمت خلاله. لقد كانت هناك معلومات سابقة في الجيش الإسرائيلي، عن كل هذه المعدات التي استخدمها المصريون في الحرب (الجسور ـ المعابر ـ الزوارق بمختلف أنواعها ـ طوافات وقطع بحرية أخرى). فمنذ حوالي سنتين قبل حرب يوم الغفران، باع الروس في أوروبا، فيلما دعائيا يبين مناورة عبور كبرى على نهر دنيفر، وكان من الممكن أن نرى في هذا الفيلم جميع المعدات التي حصل عليها المصريون، وكيف يمكن تشغيلها. ولقد اشترى الجيش الإسرائيلي هذا الفيلم وشاهده آلاف الضباط.

والأكثر من ذلك، لقد شاهد أفراد كثيرون من الجيش الإسرائيلي، ومن بينهم كبار القادة، شاهدوا المصريين في مناورة عبور. لقد قرر سلاح المهندسين المصري أن أفضل نمط لعبور قناة السويس، هو في قناة السويس نفسها. وعند منطقة البلاح، في المكان الذي تنقسم فيه القناة إلى فرعين، حيث قام المصريون بتدريب عبور في وضح النهار. ولقد تم تصوير المناورة بكل تفاصيلها، وكان من الممكن تحديد المراحل الحساسة في مثل هذا العبور. ولقد عرض هذا الفيلم أيضا على كثيرين من أفراد الجيش الإسرائيلي.

كما عرف الجيش الإسرائيلي أيضا، بأن المصريين ينوون استخدام مدافع مياه جبارة من أجل تحطيم الساتر الترابي[6]، الذي ارتفع شرق القناة. وقد جرب المصريون هذه الخراطيم، أمام أبصار الأفراد، الذين كانوا في المواقع. وبعد واحدة من هذه التجارب ـ عندما كانت توجد وحدة مظلات على خط القناة ـ سُئل العميد رفائيل إيتان، عن رأيه في أسلوب الخراطيم، فرد قائلا: "بأنه أسلوب جيد، وسينجح في تقديره".

لقد عرف جيش الدفاع الإسرائيلي، ولكنه لم يستعد كما ينبغي لمنع العبور. وحتى السلاح المضاد للدبابات، الذي كان في يد المصريين والسوريين لم يكن من الضروري أن يباغت الجيش الإسرائيلي هكذا. إن الصاروخ المضاد للدبابات ساجر (مالوتكا) هو "صديق" قديم. لقد عرف الجيش الإسرائيلي، أن الروس رفضوا أن يبيعوا هذا الصاروخ للمصريين، وبعد ذلك باعه الروس بكميات كبيرة للجيشين. وعلى الحدود في الجنوب والشمال، أطلقت هذه الصواريخ على الجيش الإسرائيلي. وفي جبهة قناة السويس، وأصابت العديد من الدبابات الإسرائيلية.

أما السلاح المضاد للدبابات الآخر، "الـ آر بي جي-7"، فإنه بكل تأكيد لم يكن يجب أن يباغت الجيش الإسرائيلي، لقد تحدث الجنود عن هذا السلاح منذ بداية الحرب، كما لو أنه سلاح كتف جديد. وهذا النوع من الأسلحة، معروف لدى الجيش الإسرائيلي منذ زمن بعيد، عرفوا أنها قاتلة، وتتغلب على أي درع دبابات وتخترق بسهولة جدار المركبات نصف مجنزرة.

لقد عرف الجيش الإسرائيلي، وبوغت، كانت المباغتة من الكميات الضخمة التي استخدمت، وبخاصة في الجيش المصري. أن عدم معرفة أن هذا السلاح قد وزع في وحدات المشاة بكميات كبيرة، وأنه قد تشكلت وحدات جديدة لاقتناص الدبابات، هو بالتأكيد فشل استخباراتي كبير، ولكن هل كان هذا فشل الاستخبارات فقط؟

والواقع أنه لا تكفي المعرفة بالخواص الفنية للأسلحة الموجودة لدى العدو، المهم أكثر هو ترجمة المعلومات الفنية إلى ردود عملية. إنهم في المستوى الأعلى، في القيادات، عرفوا كل شيء عن هذه الأسلحة. ولكنهم لم يساعدوا الرجال في الميدان، على فهم المعاني، وعلي سبيل المثال، لقد عرفوا مدى صواريخ ساجر، ولكن هل تدرب قائد الكتيبة وقائد السرية في القوات النظامية والاحتياطي، على كيفية مواجهة هذا السلاح؟ وهل تعلم قائد فصيلة الدبابات وتدرب على التهرب من صواريخ ساجر؟.

الرد: لا، الجيش الإسرائيلي عرف، ولكن لم يستعد لأسلوب القتال، الذي استخدم فيه كميات ضخمة من الأسلحة المضادة للدبابات.

[1] من ضمن هذه الأجهزة جهاز الموساد الإسرائيلي.

[2] مصدر معلومات عربي لصالح إسرائيل، وقيل أنه شخصية عربية هامة.

[3] مدى عمل المدفع الأمريكي عياره 175مم هو 31 كم.

[4] هي نفسها الصواريخ الروسية من نوع Sam-6.

[5] يقصد الحاملة المدرعة "ب م ب ـ1".

[6] صدر مقال في صحيفة دافار الإسرائيلية، الصادر في 6/10/1973، بأن إسرائيل لم تكن تتوقع تحطيم الساتر الترابي بمضخات من المياه وهذا يدل على أن مدافع المياه كانت مباغتة بالفعل، لأن موشي ديان توقع قبل الحرب عدم قدرة إقامة الجسور المصرية قبل 48 ساعة، وهذه دلالة أخرى على مباغتتهم بمدافع المياه.

المبحث الخامس: الأحداث التي سبقت حرب أكتوبر 1973 "وجهة نظر إسرائيلية"

يمكن إسناد حرب "يوم كيبور" أو يوم الغفران إلى نهاية حرب الأيام الستة عام 1967، حيث لم ينتهِ بعد، أثر تلك الهزيمة على القادة العرب. ولكن الرئيس السادات أدرك إستراتيجية طويلة المدى يتم إقامتها على التزاوج بين التحركات السياسية والعمل العسكري، وذلك لاستعادة شبه جزيرة سيناء، وكذلك الأراضي التي فقدت في حرب الأيام الستة عام 1967. وقد استخلص السادات أنه مهما قامت مصر بأي أعمال عسكرية، ومهما كانت محدودة، فإن رد الفعل الإسرائيلي سيكون شديدا، وعلى ذلك فلم يكن هناك بديل لمصر، ومن ثم كان لا بد من شن أكبر هجوم ممكن.

كان الفكر السابق لدى بعض القيادات الإسرائيلية ـ ومنهم وزير الدفاع "الجنرال موشي ديان" ـ أن القوات المصرية لن تستطيع أن تشن حربًا، لعدم استكمالهم بعض النواحي، هو الفكر السائد والمسيطر عليهم. وهكذا ففي منتصف صيف عام 1973، أعلن الجنرال ديان رأيه، بأنه لا توجد حرب وشيكة مع المصريين، وكانت خطة الخداع المصرية تشجع مثل هذه الأفكار الإسرائيلية الخاطئة.

والحقيقة، فقد كان المصريون يشنون حملة تضليل كلاسيكية، والتي أثبتت كفاءتها، وكان المصريون قد درسوا واستوعبوا، دروس حرب الأيام الستة، وبدءوا يخططون لمواجهة القوات الجوية الإسرائيلية، من خلال حائط الصواريخ، وكذلك مواجهة حشود المدرعات الإسرائيلية، من خلال إيجاد حشد كبير من الأسلحة المضادة للدبابات.

وفي أغسطس 1973، بدأت المرحلة النهائية من التخطيط، بتعاون مصري ـ سوري، وكان يوم كيبور "يوم التكفير اليهودي" هو اليوم الذي تم اختياره ليكون هو يوم الهجوم، وذلك لسببين: الأول، أن حالة الاستعداد في هذا اليوم تكون في أدني درجاتها، أما الثاني، فهو تطابق هذا التوقيت، مع حالة المد والجزر، والتيارات المناسبة، في قناة السويس.

أولاً: تولي الجنرال شموئيل جونين للقيادة الجنوبية

في الأول من يوليه عام 1973، عين الجنرال شموئيل جونين، قائداً عاماً للقيادة الجنوبية، بدلاً من الجنرال أرييل شارون، الذي اعتزل الخدمة العاملة، وتحول للزراعة والسياسة. وكان جونين من جيل صبرا الشجعان، فقد ولد في القدس. تولى قيادة اللواء السابع المدرع في حرب الأيام الستة، وقام بعدة معارك، أبرزته كأحد القادة المميزين، في القوات الإسرائيلية، وجرح عدة مرات.

كانت القيادة الجنوبية الإسرائيلية، مسؤولة عن كل الجزء الجنوبي من إسرائيل (النقب وسيناء)، حيث تمتد على طول الساحل الشرقي لقناة السويس[1]، وهي منطقة صحراوية.

لم يكن جونين سعيداً بما وجده في القيادة الجنوبية، وخاصة في عمل الأركان، ومستوى الانضباط، ومن ثم بدأ في إحداث بعض التغيرات. كما عدل في النظام الدفاعي، على امتداد القناة، حيث استخدم عددًا من النقط القوية الحصينة، والتي سبق إغلاقها، وبدأ في بناء مصاطب الدبابات، على امتداد خط الدفاع الثاني، وهو ما يؤمن اشتباك الدبابات على خطوط نيران في العمق ضد أي عدو يقوم بعبور القناة، كذلك عدل في الخطط، وتجهيز الأرض، بحيث يمكن لإسرائيل عبور قناة السويس إذا لزم الأمر.

خلال زيارات جونين لقواته، على امتداد قناة السويس، لاحظ أن المصريين قاموا بزيادة ارتفاع الردم على الجانب الغربي للقناة، لارتفاع يصل إلى 130 قدم، ومنه يمكن رؤية جميع التحصينات الإسرائيلية ومصاطب الدبابات، وكذلك يعطي المصريين القدرة على ملاحظة خط الدفاع الثاني، الواقع على طريق المدفعية (الطريق العرضي رقم 2). وإزاء هذا الوضع، أمر الجنرال جونين، بإنشاء ساتر ترابي أمام خط الدفاع الثاني، بحيث يخفي أي نشاط قائم شرق هذا الخط، عن أعين المصريين. كما أمر أيضا بإنشاء أبراج، تحقق الملاحظة بعيدة المدى، بارتفاع 230 قدما، لتمكين القوات الإسرائيلية من المراقبة داخل عمق الجبهة المصرية، ولكن ثبت أن ذلك كان متأخرا جدا، كما تم إنشاء مستودعات وقود تحت النقط القوية، ويمتد منها خطوط أنابيب ليمكن منها رش غشاء رقيق من الوقود على القناة، ثم إشعالها كهربائيا من داخل التحصينات، وبذا تتحول أجزاء من القناة، إلى خندق من اللهب، (وقد قام المصريون بسد الأنابيب حتى لا يتدفق السائل منها إلى القناة). وبدأت القيادة الإسرائيلية في عمل الاختبارات على هذه الصهاريج لتشغيلها عند اللزوم، فبدأ مجموعة من المهندسين بقيادة شيمون طال صباح يوم 6 أكتوبر 1973 بإجراء الاختبار بدءا من النقطة القوية في منطقة الفردان (هزايون Hazaion) ثم انتقلت إلى موقع الدفرزوار والمسمى بـ "حاتزمد" ولكن أثناء الاختبار كانت المدفعية المصرية بدأت في ضرب نيران التمهيد.

ثانياً: الاشتباك الجوي على الجبهة السورية (13 سبتمبر 1973)

في 13 سبتمبر حلّق سرب من الطائرات المقاتلة الإسرائيلية شمالا فوق البحر المتوسط، على مقربة من الساحل السوري في مواجهة الميناء السوري طرطوس، الذي يبعد عن إسرائيل بأكثر من 200 كيلو متر وحاولت طائرات الميج السورية اعتراض الطائرات الإسرائيلية. واستمر القتال أقل من خمس دقائق بين 16 طائرة ميج 21 سورية و12 طائرة إسرائيلية (فانتوم وميراج). وأسقطت 9 من طائرات الميج، وأصيبت طائرة ميراج إسرائيلية، تمكن طيارها من إسقاط طائرة ميج ثم هبط إلى البحر بالمظلة. وقد قامت الطائرات الإسرائيلية بتغطية الطيار، الذي هبط، إلى أن وصلت هليوكوبتر إسرائيلية وأنقذته، هو وطيار سوري أيضا، كان على مقربة منه في البحر. وفي أثناء ذلك أسقطت 4 طائرات ميج 21 أخرى حاولت عرقلة عملية الإنقاذ فكانت ضربة شديدة للسوريين.

في هيئة الأركان العامة لجيش الدفاع الإسرائيلي، كانوا مقتنعين بأن السوريين لن يستطيعوا الامتناع عن الرد. ولكن كان الاعتقاد هو أن السوريين سوف يكتفون بضربة واحدة، باشتباك واسع يستمر ساعات معدودة، وأثيرت إمكانية قيام قوات مدرعة سورية باختراق هضبة الجولان والسيطرة على إحدى المواقع الهامة ولو لعدة ساعات.

وفي اليوم التالي للمعركة الجوية، جاء في صحف لبنان أن السوريين ينقلون جيشا من حدود الأردن إلى جبهة إسرائيل، وكان التفسير في إسرائيل هو أن هذه حركة سورية مجاملة لحسين، بعد تجدد العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين. ولكن نتيجة للمعركة الجوية، فإن هذا النبأ يكفي لزيادة الاستعداد الإسرائيلي في هضبة الجولان، حيث تم نقل بعض بطاريات المدفعية من الجبهة الجنوبية إلى الجولان.

وتسربت عمدا من دمشق خطة تضليل عربية، جاء فيها أن خلافا بين حكومة دمشق ومستشاريها الروس، قد حدث عقب المعركة الجوية، وأن السلاح الجوي السوري، ليس راضيا عن الطائرات الروسية، وأن دمشق تطالب بشدة بطائرات ميج 25 للمواجهة مع إسرائيل، كما أفادت المعلومات عن وجود سخط على الروس وأن دمشق قيدت تحركات المستشارين السوفيت في سورية.

ثالثاً: حشود سورية على جبهة الجولان

لم تخف الأنباء السابقة، المعلومات التي وصلت إلى أجهزة المخابرات الإسرائيلية، عن وجود حشود سورية على طول الحدود، ويجري تعزيزها. كما كشف وزير الدفاع (موشي ديان) عند زيارته لمستوطنات هضبة الجولان يوم 26 سبتمبر، أن هناك شبكة من صواريخ الدفاع الجوي قد أقامها السوريون على مقربة من الحدود، وأن هذه الشبكة قد كبرت بشكل متزايد مؤخرا وأصبحت لا تقل كثيرا عن مثيلتها في مصر.

وحذر ديان نظام الحكم في دمشق، بأن جيش الدفاع الإسرائيلي، سوف يرد بشدة وبقوة، إذا تعرض له السوريون. وفي الوقت نفسه، كانت استعدادات الحرب السورية ـ المصرية على أشدها.

اتفق موشي ديان مع قائد القيادة الشمالية الألوف "اسحق حوفي"، باستمرار حركة الرحلات والنزهات في هضبة الجولان في رأس السنة. ولم يَدُرْ في ذهن قائد القيادة الشمالية، أنه بعد عشرة أيام، سوف يواجه السوريين في معركة مريرة، دفاعاً عن كيان إسرائيل.

ومنذ عدة شهور والألوف "حوفي"، يحاول إقناع القيادة الإسرائيلية، بأن الخطر الكبير على إسرائيل يتوقع في الجبهة الشمالية بصفة خاصة، وليس من تجاه مصر. وفي لقائه يوم 26 سبتمبر مع موشي ديان ودافيد أليعازر، أكد مرة ثانية بأن الحدود مع سورية خطرة للغاية، ولذلك يجب أن توجه إليها إجراءات مضاعفة، باعتبار أنه ليس هناك عائق طبيعي على الجبهة مع سورية مثل وجود قناة السويس على الجبهة مع مصر. وأن الجيش السوري القائم أساسا على المدرعات والوحدات الآلية، يوجد بالفعل بجوار خط وقف النار، ويكفيه أن ينقل الدبابات وينطلق، والانتقال من تشكيل دفاعي إلى تشكيل هجومي، هو أمر بسيط، ومن الصعب الإحساس به. كما أن الجيش السوري في السنتين الأخيرتين ازدادت قوته، وأصبح لا يقل حجما عن الجيش المصري. وبينما في الجنوب توجد صحراء سيناء، والتي تفصل بين الجيش المصري والمراكز السكانية في إسرائيل، فإننا نجد في الشمال أن الجيش السوري قريب لمستوطنات الجليل، فإذا نجح في دفع جيش الدفاع الإسرائيلي عن هضبة الجولان، فإنه سينقل الحرب إلى قلب إسرائيل، كما أن سورية تمتلك صواريخ أرض أرض، من نوع فروج، والتي تستطيع قصف منطقة الجليل.

أضف إلى ما سبق، أن المسافة التي تقطعها الطائرات السورية، للوصول إلى قلب إسرائيل، لم تتغير، بينما في الجنوب، استطاعت إسرائيل أن تسيطر على المطارات المصرية في سيناء، وقامت بتحييد المطارات المصرية، على طول قناة السويس، في الجانب الغربي لها. وباعتبار أن جيش الدفاع الإسرائيلي، يقوم دائما على أساس معاونته بواسطة سلاحه الجوي القوي، فإن إقامة السوريون لشبكة كثيفة من صواريخ أرض ـ جو، سيجعله ـ أي السلاح الجوي ـ يعمل أولاً للقضاء على بطاريات الصواريخ في خط الجبهة، وبعد ذلك فقط يستطيع أن يلتفت إلى مدرعات العدو المهاجمة.

وتقرر بناء على ما سبق، اعتماد مبلغ من المال، لاستكمال شبكة الموانع المضادة للدبابات، في هضبة الجولان، وبث ألغام كثيفة، على طول مواجهتها. لم تكن تلك الإجراءات كافية إلا أنهم في إسرائيل لم يكونوا يشعرون، باقتراب العاصفة. قال الألوف "حوفي" بعد ذلك: "أن أكبر مباغتة لي في الحرب، كانت نشوبها، وعلى الرغم من أنني فكرت بأن من الممكن أن تنشب، إلا أنني لم أؤمن بأنها ستنشب".

بل والأمر العجيب، أن إسرائيل أقنعت الولايات المتحدة، بعدم الاهتمام بالأنباء التي تتدفق عليها، عن نية العرب واستعداداتهم. وفي ملفات الاستخبارات المركزية الأمريكية (C.I.A)، تجمعت المعلومات بأن مصر وسورية تعتزمان بدء الحرب، ويسأل مسؤول أمريكي كبير محدثه الإسرائيلي قائلا: "هل تعرفون أنهم يعدون هجوما على إسرائيل؟" فيرد عليه المسؤول الإسرائيلي قائلا: "أننا لا نؤمن بأن هذا سيحدث، فالحشود في مصر هي حشود مناورات الخريف، وسورية تخشى جيش الدفاع الإسرائيلي" وينجح في تهدئة المسؤول الأمريكي.

وفي ليلة السبت 29 سبتمبر، كان كل من رئيسة الوزراء، وإسرائيل جاليلي وزير الدولة، وناثان بيليد وزير الهجرة، وموشي ديان وزير الدفاع، مجتمعين في مكتب جولدا مائير بتل أبيب، لكي يتابعوا في قلق المأساة التي كانت تجري في مطار فيينا، حيث قام بعض الإرهابيين الفلسطينيين باحتجاز مجموعة من مهاجري الاتحاد السوفيتي اليهود. ولم يشر أحد منهم خلال هذا الاجتماع، إلى التطور المقلق على الحدود السورية، وعلى ضفتي قناة السويس.

وفي 30 سبتمبر، طارت جولدا مائير إلى ستراسبورج، لإلقاء كلمة في اجتماع البرلمان الأوروبي، وفي طريق عودتها، توقفت يوما في فيينا، لكي تجتمع بمستشار النمسا "برونوكرايسكي"، وخلال هذا الاجتماع الدرامي، أكد رئيس الوزراء الاشتراكي ـ الذي كان قد رضخ منذ قليل لتهديدات الإرهابيين العرب ـ لجولدا مائير، أنه سيفي بالوعد الذي قطعه للفلسطينيين، بإغلاق معسكر عبور اللاجئين في شوناو.

رابعاً: توتر على الحدود مع سورية

في أواخر سبتمبر 1973، توصل نائب رئيس هيئة الأركان العامة، الجنرال "إسرائيل تال"، إلى استنتاج مؤداه، أن السادات رئيس مصر، استعد للهجوم في شهر مايو، ولكنه أجل هذا الهجوم، لأن الأسد في سورية لم يكن مستعداً. وبعد ذلك بدأ الأسد في استكمال قواته، بالحصول على كم كبير من الدبابات "تي-62"، وصواريخ أرض أرض "فروج"، وكميات هائلة من الصواريخ المضادة للطائرات، ثم بدأ السوريون في تعزيز شبكة الدفاع الجوي في الجبهة، وكل ذلك حتى يكون مستعداً، في توقيت اتفق مع السادات عليه.

وفي الأول من أكتوبر 1973، نشرت الصحف الإسرائيلية أنباء عن توتر على الحدود. وذكرت صحيفة هاآرتس في إحدى صفحاتها الداخلية، عن استعداد في هضبة الجولان، بعد أن نقل السوريون وحدات عسكرية من حدودهم مع الأردن. استمدت الصحف الإسرائيلية معلوماتها من مصادر إسرائيلية، وهذه المصادر، طلبت من الصحفيين تخفيف الأخبار، حتى لا تتسبب في إحداث ذعر داخل إسرائيل، وإقلاق العرب، كما أوضحت هذه المصادر للصحفيين، أن هذا التوتر ناجم عن المعركة الجوية الكبيرة يوم 13 سبتمبر، والسوريون هم القلقون، ولا يجب على الشعب الإسرائيلي أن ينزعج.

وتقدمت سورية في اليوم نفسه، بشكوى إلى رئيس هيئة مراقبي الأمم المتحدة، أوضحت فيها، بأن إسرائيل وجهت إلى هضبة الجولان كتيبتي دبابات، وأن هذا الأمر من شأنه أن يحدث توتر في المنطقة، وتحولت الشكوى السورية إلى إسرائيل.

خامساً: الموقف بالولايات المتحدة الأمريكية قبل اندلاع الحرب

الواقع أن الشرك المصري كان جاهزاً تماماً، يوم الجمعة 5 أكتوبر[2]، فقد اجتمع هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي، بالدكتور محمد حسن الزيات "وزير الخارجية المصري"، وجرى اجتماعهما في جو هادئ، وتناول الحديث مبادرة السلام التي كان كيسنجر يفكر في القيام بها، بعد الانتخابات التشريعية في إسرائيل، التي كان ينتظر إجراؤها يوم 29 أكتوبر. ولم يدرك كيسنجر إلا بعد اندلاع الحرب، أن الزيات الذي كان بالضرورة علي علم بتاريخ الهجوم، قد قام بدوره خير قيام، في مناورة التضليل، التي وضعت حساباتها في أدق تفاصيلها.

[1] وصف موشي ديان القناة بأنها من أفضل الخنادق المحفورة المضادة للدبابات، حيث الشاطئ ذو الميل الحاد، وتم تقويتها بالخرسانة، وتوجد أتربة ورمال نتيجة حفر القناة، تجمعت على امتداد الشاطئ الشرقي مكونة حاجزاً بارتفاع 18 ـ 30 قدم، وقام المهندسون الإسرائيليون بتعلية هذا الساتر في المناطق الهامة إلى ارتفاع 75 قدم، ويتغير المد والجزر بالقناة كما يختلف مستوى حد المياه من قدم واحد إلى ستة أقدام من أجزاء مختلفة بالقناة.

[2] تم الاجتماع في الساعة العاشرة صباح يوم الجمعة 5 أكتوبر 1973 بتوقيت نيويورك.

المبحث السادس: الموقف على الجبهة المصرية في الأول من أكتوبر 1973

يوم الاثنين الأول من أكتوبر 1973، أُبلغ كل من رئيس الأركان العامة، ووزير الدفاع في إسرائيل، عن طريق الاستخبارات العسكرية، أن المصريين يعززون قواتهم المرابطة على الضفة الغربية لقناة السويس. وفضلاً عن ذلك، استمرت المعلومات ترد من المصادر المختلفة، تزيد من تحذيراتها وإنذاراتها، وتقول في صراحة بأن مصر تستعد للهجوم. ووضعت الاستخبارات الإسرائيلية احتمالاتها، بأن الأمر قد يكون بسبب مناورات الخريف، على الأقل بالنسبة لمصر[1].

وقبل أن تعود جولدا مائير إلى إسرائيل، وجه موشي ديان الدعوة لانعقاد مجلس صغير في مكتبه، اقتصر على جنرالات الجيش الرئيسيين. وبدأ المجلس في تحليل متعمق للموقف، ولكن أحداً لم يجسر على القول بأن كل هذه التحركات في القوات، ليست مناورات عادية، ولكنها استعدادات لحرب شاملة. وأبدى ديان قلقه ومخاوفه، وطلب وضع تقرير مكتوب حول الموقف، واختتم التقرير بعبارة، أن هناك "احتمالاً ضئيلاً لحرب عامة"، وفي هذا الوقت أخذت المعلومات القادمة من مراكز المراقبة المتقدمة، على هضبة الجولان، وعلى طول القناة، تتدفق على مقر رئاسة الأركان، وكان بعضها يؤكد ما كان معروفاً من تحركات الجيوش المعادية، كما أن المصريين يضعون في المياه على طول قناة السويس دعائم، يبدو أن الغرض منها حمل بعض الجسور.

وعلى جبهة قناة السويس، أبلغ أفراد الملاحظة، عن حركة كبيرة من القوات المصرية على مقربة من القناة، كما أبلغت عن نقل قوافل زوارق ووسائل عبور. وتجمعت المعلومات في أجهزة الاستخبارات الميدانية بالجبهة، ولكن هذه التفاصيل كانت لا تتمشى مع تقديرات فرع الاستخبارات في هيئة الأركان العامة، بأن الجيش المصري يستعد لمناورة كبيرة "تحرير 41".

ويكتب "سيمان طوف"، أحد ضباط الاستخبارات، في تقريره الذي يقدمه إلى قيادته، ذاكرا فيه: "أنه من المحتمل أن تكون (تحرير 41) هي تمويه لعمل حقيقي"، ويقوم قائده بإلغاء هذا التقرير، ويبلغه بأن هذا التقرير يناقض تقرير فرع الاستخبارات، ولذلك فالأجدر به أن يوافق على شطب استنتاجه. ويصمت "سيمان طوف"، فعلاقته مع قائده متوترة منذ فترة، وحدثت بينهما عدة مشادات، ولكن "طوف" يؤكد مرة ثانية في تقرير في يوم تالي نفس هذا الاستنتاج.

وفي فرع الاستخبارات في هيئة الأركان العامة، كان رئيس اتجاه سورية، أكثر تشاؤما من زميله المسؤول عن الاتجاه المصري. أنه ليس متفهماً، لما يجري وراء قناة السويس، ولكنه مقتنع بأن الجيش السوري ينوي شيئا جدياً، ولكن لا يوجد في الاستخبارات من يشاركه آرائه، ولكنه يجد عزاءً كبيراً، في اتفاق رأيه، مع قائد القيادة الشمالية (حوفي)، بأن الموقف خطير على هضبة الجولان.

أولاً: الموقف يوم الثلاثاء 2 أكتوبر 1973

في مساء يوم الثلاثاء 2 أكتوبر 1973، دعا أحد كبار الضباط في الجيش، مراسلي الصحف اليومية، إلى لقاء قصير، وأبلغهم أن حشود القوات العربية على الحدود السورية، وعلى الضفة الغربية لقناة السويس قد لوحظت بشكل واضح. ولكن رئيس الأركان يرى أن احتمال نشوب الحرب احتمال ضئيل. ثم ناشد الصحفيين بألا يرددوا ما تقوله وكالات الأنباء، مما يثير الحديث عن "وجود توتر متزايد على الحدود". وقال الضابط الإسرائيلي الكبير: "عبثا يحاولون إحداث تصاعد".

ولقد ترتب على ذلك، ابتداء من اليوم التالي، أن أصبحت الأنباء العسكرية لا تشغل في الصحف الإسرائيلية إلا خبرا متواضعا. والأكثر من ذلك أنه ابتداء من ذلك اليوم، راحت الرقابة الإسرائيلية تمنع نشر جميع الأنباء التي ترد إلى المراسلين الصحفيين من مصادرهم الخاصة.

ثانياً: اجتماع مجلس الحرب الإسرائيلي (3 أكتوبر 1973) وتقدير الموقف سياسياً وعسكرياً

مع نهاية شهر سبتمبر وبداية شهر أكتوبر 1973، بدأت تصل المعلومات إلى شعبة الاستخبارات، عن استعدادات متزايدة للقوات المصرية والسورية، بجانب خطوط وقف إطلاق النار، لقد تم دراسة هذه المعلومات، واستخلاص الاستنتاجات منها، وإبلاغها إلى قيادة الدفاع.

إن الوثائق والتقارير التي تصف المشاورات وتقديرات المواقف السياسية والعسكرية التي سبقت نشوب حرب يوم الغفران بعدة أيام، تعطي صورة دقيقة وشاملة عن فكر وتقديرات زعماء الدولة ورئيس الأركان العامة وقادة الأركان.

أما تقرير الموقف الأكثر تفصيلاً، فقد تم إعداده يوم الأربعاء 3 أكتوبر 1973، أي قبل ثلاثة أيام من نشوب الحرب، كما تم إعداد تقديرين آخرين للموقف يوم الجمعة 5 أكتوبر 1973، وصل أحدهما إلى وزير الدفاع الساعة 9 صباحاً، ووصل الثاني إلى مكتب رئيسة الوزراء الساعة 30ر11 صباحاً.

وتحليل تقديرات الموقف، يعطي إيضاحا دقيقا للأعمال والأخطاء، التي سبقت حرب يوم الغفران، ومنها يمكننا أن نتعرف على وجهات النظر الخاصة بكل من المشتركين في هذه المفاوضات، المتعلقة ببحث احتمالات نشوب الحرب، وأسلوب إدارة الحرب إذا ما نشبت، وأهداف الحرب، وكيفية الاستعداد لها.

لقد دارت المشاورات، العسكرية السياسية، يوم 3 أكتوبر 1973 في القدس، في أهم جلسة قبل الحرب، اشترك فيها عدد من القادة ورجال الاستخبارات. وفي هذه الجلسة يكتسب الخطأ الإستخباراتي لجيش الدفاع الإسرائيلي، صبغة رسمية. ومنذ اللحظة التي تنتهي فيها هذه الجلسة، فإن هذا الخطأ لن يعد خطأ جيش الدفاع الإسرائيلي فقط، وإنما خطأ الحكومة كذلك، فقد علمت ولم تتحرك.

كانت تلك الجلسة، تمثل مجلس الحرب في إسرائيل، فهي ليست جلسة حكومية شكلية، تعقد بكامل هيئتها، ولكنها تعقد في الإطار المعروف باسم "المطبخ" برئاسة رئيسة الوزراء الإسرائيلية "جولدا مائير"، التي عادت تواً من رحلتها في الخارج. وكان الوزراء المشتركون في هذا اللقاء هم: "إيجال آلون ـ إسرائيل جاليلي ـ موشي ديان" ، ومن رجال الجيش حضرها "دافيد أليعازر رئيس الأركان العامة الإسرائيلية، والجنرال بنيامين بيليد قائد السلاح الجوي، ومساعد رئيس فرع الاستخبارات لشئون البحوث، تات الوف (عميد)، أرييه شاليف"، (تغيب الوف إيلي زاعيرا رئيس شعبة الاستخبارات عن الجلسة لمرضه) كما حضر أيضا مدير عام ديوان رئيسة الوزراء، "مردخاي جازيت"، ومستشارها وسكرتيرها العسكري، تات الوف "إسرائيل ليئور"، و"يشعياهو رفيف" السكرتير العسكري لوزير الدفاع، وأرييه براون مساعد وزير الدفاع، وأفبير شيلو رئيس مكتب رئيس الأركان العامة، وإيلي مزراحي مدير مكتب رئيسة الوزراء.

كان وزير الدفاع هو الذي طلب من جولدا مائير عقد الاجتماع، لدراسة الموقف على الحدود، ولكي يشركها في مخاوفه. وكانت هذه المرة الأولى، التي يقدم فيها ديان ورجاله في إطار مجلس الوزراء المصغر "المطبخ"، تقريراً كاملاً عن التطورات الأخيرة على حدود سورية ومصر.

اتضح في الجلسة أن استخبارات جيش الدفاع الإسرائيلي، لديها تفاصيل عديدة، ومن مصادر مختلفة، عما يجري في جيوش سورية ومصر، وعن استعدادهما. والفاصل دقيق كالشعرة بين هذه المعلومات الكثيرة، والقرار بأن هذه الجيوش تنوي فعلا شن الحرب قريبا جدا. وعلى ضوء المعلومات المعروضة أمام وزراء "المطبخ" ، فإن التقرير القائل أن الحرب الآن هي "احتمال بسيط"، هو قرار شاذ، وبعيداً بالنسبة للمسؤولية التي يأخذها المقررون على أنفسهم.

كان آرييه شاليف (Aryeh Chalev)، هو المتحدث الرئيسي من بين رجال الجيش. وأكثرت جولدا من التقصي والسؤال، وطلبت تفاصيل من ديان ومن رئيس الأركان العامة وكذلك من قائد السلاح الجوي. تناول شاليف ما أبلغه (المنبع)[2] شخصياً خلال لقائه السري مع رئيسة الوزراء، والذي أكد فيه النوايا الهجومية لسورية ومصر فقد سرد أنباءً مزعجة عن نوايا سورية للدخول في معركة قريبا، ووصف الخطة السورية، حسبما هي معروفة بجهاز الاستخبارات العسكرية، احتلال مرتفعات الجولان بالكامل، بواسطة ثلاث فرق مشاة، وفرقتين مدرعتين.

أما فيما يتعلق بمصر، فقد ذكر شاليف أخباراً مزعجة كذلك، وكان هناك خبر مثير للقلق من مصدر واحد، قد وصل يوم 30 سبتمبر، ويشير الخبر إلى أن مصر تنوي الهجوم على سيناء، بينما تهاجم سورية مرتفعات الجولان في التوقيت نفسه، ثم انتقل بعد ذلك إلى استعراض استعدادات العدو، وقال عن الموقف في المنطقة: توجد حالة طوارئ على الجانب السوري، وتشكيل القوات يتكون من حشود ضخمة، من الجيش السوري، تتمركز ما بين دمشق والجبهة. وقد انتشرت هذه القوات، منذ بداية شهر سبتمبر، وتم تعزيزها بعد 13 سبتمبر، وقال أن هناك اختلاف في حشد القوات، عن المعلومات المتيسرة لديه عن الموقف على الجبهة السورية، في مارس 1973 ومن هذه الاختلافات:

1. وجود سربين من الطائرات المقاتلة من طراز سوخوي ـ 7 في المطارات المتقدمة.

2. دفع كتيبة كباري إلى الجبهة.

3. دفع أعداد كبيرة من وحدات مدفعية القيادة العامة إلى الجبهة.

4. تعزيز شبكة الصواريخ أرض جو، وتعاظم القدرات السورية في مجال الدفاع الجوي، فبينما كانت توجد كتيبة واحدة جنوب دمشق في أوائل أكتوبر 1973، أصبح المتمركز الآن هو 31 كتيبة صواريخ.

وعن المناورة المصرية، ذكر شاليف، أن المعلومات التي تم الحصول عليها، تم إبلاغها للوزراء الذين اشتركوا في الجلسة. وكان تقديره للموقف يعتمد على ظاهرتين:

· الأولى: حالة الطوارئ في سورية.

· الثانية: المناورة في مصر.

وهاتين الظاهرتين يمكن أن تؤدي إلى أن هناك أمراً مشتركاً بينها، فإذا كان هناك أمراً مشترك فعلاً، فمعناه احتمالات حرب شاملة.

ويقول شاليف في تحليله عن التأهب السوري، أن هذا التأهب دفاعي واضح، واتخذ التقرير شكل آخر بعد المعركة الجوية في 13 سبتمبر، وعلى الرغم من أن التأهب يبدو دفاعيا، فإنه يوجد فيه استثناءات، ومثال ذلك، تقديم حجم كبير من وحدات المدفعية إلى الجبهة، ونقل كتيبة كباري بالقرب من الخطوط، كذلك فتح عدد من أسراب القتال إلى المطارات الأمامية، وفوق كل ذلك تقريب عشرات من كتائب صواريخ الدفاع الجوي إلى الجبهة، إضافة إلى وجود حشود كبيرة من المدرعات. علاوة علي أنه من الممكن أن يتحول هذا التعزيز الدفاعي، إلى الشكل الهجومي في حالة الحرب، من خلال هذه الاستعدادات.

ثم انتقل شاليف لشرح ما يحدث على الجانب المصري. حيث أوضح أن المناورة المصرية قد شملت الأفرع الرئيسية جميعها، وشملت جميع قياداته. وفي إطار هذه المناورة حرك المصريون القوات تجاه الجبهة، كما قاموا بتزويد وحداتهم بالذخائر، كما أن المصريين يتصرفون كما لو أن هذه ليست مناورة، ولكنه شيء حقيقي. ولكن هناك أنباء مؤكدة، بأنها مناورة فقط، ودرجة الاستعداد لدى القوات المصرية هي درجة الاستعداد الكاملة، ولكنهم اعتادوا على ذلك في جميع مناوراتهم بالماضي، خوفاً من أن يهاجمهم جيش الدفاع الإسرائيلي أثناء التدريب.

ومع كل الشواهد السابقة قال شاليف: "فحسب اعتقادي، وحسب تقدير يستند على المعلومات التي توفرت لدينا مؤخرا، فإن مصر تعتقد أنها غير قادرة الآن على الدخول في حرب، ولذلك فإن احتمالات وقوع حرب مشتركة "سورية ـ مصرية" لا تبدو مقبولة، وفي اعتقادي أيضا أن ما يحدث في مصر هو مناورة فقط، وأن سورية لن تستطيع أن تحارب بدون مصر.

وبدأت جولدا مائير في التساؤل، هل يمكن للسوريين أن يبدأوا الحرب، ويجروا المصريين إليها؟

ويجيب شاليف: أن الأسد هو شخص واقعي، وزعيم متزن، وهادئ بالطبع، حقا يوجد لسورية العشرات من كتائب الصواريخ، وهي تشعر بالثقة في نفسها، ولكن لن تخرج إلى الحرب بمفردها. ويخشى الأسد، أن يصل جيش الدفاع الإسرائيلي إلى دمشق، وليس من المعقول أن يخرج السوريون إلى الحرب الآن، والحشد السوري تم كما يبدو خوفا من أن تهاجم إسرائيل. ومن الجائز أن الفكر السوري، يتجه إلى القيام بعمل محدود، كرد فعل على إسقاط طائراتهم، ولكن هذا الاحتمال كذلك، هو احتمال ضئيل. فالسوريون يذكرون يوم 8 يناير، عندما رد جيش الدفاع الإسرائيلي بشدة، على انتهاك وقف إطلاق النار من جانبهم.

والواقع أن شاليف لم يكن وحيدا في تقديراته، حيث أن الجنرال دافيد أليعازر يوافق تماما على تقدير الاستخبارات. حيث لا ينفي احتمال هجوم مصري سوري، ولكن ليس في هذه المرحلة، كما أن سورية لن تهاجم بمفردها. وإذا حدث أن هاجمت ذات مرة، فإن الإنذار الاستخباراتي سيكون قصير جدا، وبالأخص إذا كان الهجوم صغيراً ومحدوداً. ومن الجائز أن يخترق السوريون المنطقة، ولكن لا يحتلون مستوطنات، وبالتأكيد ليست كل الهضبة. ويوضح أليعازر، أنه من المحتمل أن السوريين، يريدون خلق حالة من التوتر والإجهاد، لدى إسرائيل، بسبب غضبهم من إسقاط طائراتهم، مع أنه في مواجهة مئات الدبابات والمدافع عندهم، تقف فقط بضع عشرات من الدبابات و12 مدفع فقط.

والواقع أن دافيد أليعازر، لم ينفي إمكانية قيام سورية بالهجوم من خلال حشدها الحالي، ولكنه كان لا يعتقد بإمكانية قيامها بذلك، حيث قال: "سوف أبدأ بالنتائج المستخلصة، بالرغم من أنني لا أستطيع إثباتها جميعا. في هذه المرحلة فأنا أعتقد أننا لا نواجه هجوماً مشتركاً، من مصر وسورية، وأنا أعتقد أن سورية بمفردها لا تنوي مهاجمتنا، بدون مشاركة من مصر. توجد تخطيطات مشتركة، وهي موجودة دائما، ونحن دائما ما يصلنا توقيتات عن احتمالات الحرب. وما عرفناه عن التوقيتات السابقة، كان أحيانا أكثر واقعية، مما نعرفه الآن، أي عندما كانت تصلنا توقيتات محتملة عن نوايا السادات، فأنا أعتقد أن هذه التوقيتات كانت تشير إلى احتمالات أكثر جدية لوقوع هجوم فوري، وبشكل أكثر تأكيداً مما تشير إليه الاحتمالات الآن، إن وقوع هجوم مصري ـ سوري مشترك، هو احتمال قائم، ولكن مثل هذا الهجوم يكون دالة على موقف سياسي وعسكري، وهو أمر يمكن أن يحدث في يوم من الأيام، وأنا لا أعتقد بوجود مخاطر حرجة خلال الفترة القريبة القادمة. كما أنني أريد أن أوضح أنه من الناحية الفنية فهناك احتمال قائم، لوقوع هجوم، خلال فترة إنذار قصيرة جدا، خلال زمن قصير جدا، هجوم من مصر وسورية، وذلك لأن أسلوب الاستعدادات المتبع، في جيوش سورية ومصر، يختلف تماما عن أسلوب الاستعدادات المتبع في إسرائيل، فهم لديهم قوات مستعدة دائما على الخطوط. وهذا الأمر متبع منذ سنوات، فهم يحاربون ويستعدون طبقا للنظرية السوفيتية والتي تقول إنه يجب أن تكون الاستعدادات للدفاع مشكلة من قوات ضخمة، بحيث يمكن تطوير الدفاع إلى هجوم، وهذا الأمر يثبت احتمالات الهجوم من الناحية الفنية، حيث يمكن تحويل تشكيلات الدفاع الضخمة إلى الهجوم،

وهذا يصح فيما يتعلق بحرب شاملة مشتركة سورية ـ مصرية، وينطبق ذلك على الجيش السوري، فالجيش السوري يتمركز بقوات ضخمة، ويستعد أمام مرتفعات الجولان، وهو من الناحية الفنية، يمكنه اجتياز الخطوط والاحتلال، وإذا ما تم ذلك فإن الجيش السوري يمكنه تحقيق إنجازات محلية. هذا الأمر وارد منذ سنوات، ويجب أن أقول أن هذه الاحتمالات واردة الآن، أكثر من السنوات الماضية، بسبب أنظمة الصواريخ المضادة للطائرات السورية، والتي تؤمن لها نوعاً من الثقة، في إمكانية حماية القوات التي ستتحول إلى الهجوم، بهذه الصواريخ، فهي ستؤمن لهم الحماية فوق مرتفعات الجولان".

ثم ينتقل بعد ذلك رئيس الأركان العامة، ليطرح على رئيسة الوزراء، ووزير الدفاع، عرضين فيما يتعلق بالدفاع عن مرتفعات الجولان:

· الأول: بواسطة القوات النظامية، وهو المقترح الذي فضله أليعازر.

· الثاني: بواسطة تعزيزات من قوات الاحتياط.

وأوصى إليعازر، بالإبقاء على الأسلوب الحالي بالتعزيزات المحدودة، والتي تتكون في الجبهة السورية، من لواء مدرع وعدد من بطاريات المدفعية، بالإضافة إلى استعداد القوات الجوية، كما أكد أليعازر، أنه في حالة إطلاق سورية لصواريخ أرض أرض، أو في حالة مهاجمة المستوطنات، فيمكن الرد الفوري عليها، باستخدام الصاروخ الجديد (همفري)، والذي يصل إلى مشارف دمشق. إذن فجيش الدفاع، لديه القدرة على الوصول وضرب شمال سورية، وكذلك ضرب دمشق، كما يمكنه التغلب على الأنظمة الصاروخية، والعمل بحرية داخل الجبهة، كذلك يمكننا تحمل المخاطر والعمل في الجولان.

وعلى هذا الأساس، انتهى رئيس الأركان إلى التوصية، بالاعتماد على القوات النظامية في الدفاع عن مرتفعات الجولان، مع تعزيز القوات، ولكن ليس من خلال تعبئة قوات الاحتياط، مع رفع درجة استعداد القوات الجوية، وهو أمر سيتيح لها إمكانية تنفيذ المهام السابقة[3].

لقد سبق أن أوضح قادة القوات الجوية، لرئيس الأركان العامة، "أن السلاح الجوي لن يمكنه المعاونة للقوات البرية بفاعلية، طالما لم يتم تدمير أنظمة الصواريخ الجوي السورية"، ولكن يبدو أن رئيس الأركان العامة، لم يفهم مغزى الموقف. فهو يعتقد أن القوات الجوية، ربما تخسر طائرتين أو ثلاثا، ولكن في واقع الأمر، فإن السلاح الجوي، يمكنه أن يؤدي مهمته، ويقدم المعاونة، وبكفاءة، للقوات النظامية، ويصد الهجوم البري السوري. إن التقدير الذاتي المبالغ، وغير الواقعي، لقدراتنا، قد ورد على سبيل المثال، في ملحوظة أثارها رئيس الأركان العامة في الجلسة نفسها، فقد قال:"أنا مضطر لأن أقول، حسب اعتقادي، أن هذا الوضع يثير غضبهم "يقصد السوريين " بدرجة ما، فلديهم 600 دبابة أمام 60 دبابة إسرائيلية[4]، ولديهم ما بين 500 ـ 600 مدفع أمام 12 مدفعاً لإسرائيل، وربما هذا الأمر يثير غضبهم إلى حد ما، ويريدون أن يجرونا إلى التوتر.

والواقع أن رئيس الأركان، بدلا من أن يستخلص النتائج العسكرية اللازمة، دخل في تحليلات نفسية للموقف السوري، بالرغم من المخاطر التي يمكن أن تواجه القوات الإسرائيلية، في حالة الهجوم السوري على الجولان، لأن السوريين لديهم تفوق في الأوضاع الحالية بنسبة 10 : 1 للدبابات، 50 : 1 بالنسبة للمدفعية، هذا بالإضافة إلى أن مرتفعات الجولان مغطاة بصواريخ أرض/ جو سورية بما لا ييقصد تيح للقوات الجوية القدرة علي العمل بكفاءة.

كما أكد مدير الاستخبارات العسكرية، أنه قادر على أن يعطي الإنذار قبل أربع وعشرين ساعة من اندلاع الحرب وكان إيجال آلون هو وحده الذي لم يقتنع بذلك وقال: "إنني اعتقد أنه لا ينبغي التقليل من شأن الإجراءات التي اتخذها المصريون، ولست أعتقد أنها تهدف إلى إيقاعنا في خطأ، إن هناك شيئا ما خطير يتهيأ".

أدت الثقة المتزايدة، لقادة الدفاع في إسرائيل، بعد انتصار يونيه 1967، إلى اعتمادهم على قوات محدودة في الجولان، وأدى ذلك إلى خلل في ميزان القوى بين جيش الدفاع الإسرائيلي وسورية في الجولان، كان من شأنه أن يدفع السوريين إلى القيام بالهجوم، بل ويضمن نجاح هذا الهجوم، فالقيادة السورية قد حمت قوتها بمظلة من الصواريخ أرض/ جو، ويمكنهم التنسيق مع مصر كذلك، ثم يهاجمون بعدها.

أما موشي ديان، فقد أعطى تقديرات سليمة عن أنظمة الصواريخ أرض / جو السورية، حيث قام بإعداد هذه التقديرات بنفسه، كعادته. وبالرغم من أن لجنة أجرانات ذكرت أن ديان لم يكن له تقديرات خاصة به، إلا أنه في الواقع، قد أجرى مقارنة عن سورية ومصر، قال فيها: "فيما يتعلق بسورية فتوجد معلومتان، وربما لم يتم التأكد من صحتهما بعد:

المعلومة الأولى، وتم طرحها، تشير إلى أن السوريين قد حشدوا أنظمتهم الصاروخية المضادة للطائرات، في الجزء الجنوبي، أي أنه بالإمكان الآن قصف دمشق، وكذا بعض المناطق العسكرية في المناطق الحساسة جدا، وبالرغم من ذلك، فقد ركزت سورية دفاعات قوية جداً، على الخطوط الأمامية، ومعنى ذلك، أن السوريين لا يخشون من احتمالات الهجوم عليهم، كما أنهم لا يعتقدون أننا سوف نسعى لاحتلال عدة كيلومترات أخرى من الخط الأمامي. التفسير الوحيد تقريبا لهذه التوزيعات، للحشود السورية، هو أن السوريين يريدون تقوية الخط الأول، وتعزيز قدراتهم، للعمل في مرتفعات الجولان، تحت مظلة من الصواريخ أرض/ جو، حتى أن مرتفعات الجولان أصبحت مغطاة تقريبا بشبكة من الصواريخ ليست موجودة حول دمشق، وعلى هذا فليس من المنطقي أن تكون هذه التشكيلات دفاعية، كما أن السوريين يمكنهم من الناحية الطبوغرافية إذا ما نجحوا في استعادة الجولان، أن يبنوا لأنفسهم خطاً مشابها للخط الإسرائيلي على قناة السويس، كما أن الروس يؤكدون لسورية على إمكانية استعادتها للجولان، وبذلك فإن سورية ترى نفسها في موقف، يمكنها من استعادة كل ما فقدته في حرب الأيام الستة نظريا، وبخطوة مؤمنة بمظلة صاروخية تمتلكها الآن، وبعد ذلك سيكون لسورية خط دفاعي، هو عبارة عن عائق طبيعي.

أما المعلومة الثانية، التي لم تطرح اليوم، فهي إذا ما عبر المصريون قناة السويس في موجة واحدة، إلى مسافة عشرة أو عشرين كم، فالمسافة إلى ممر متلا هي 40 كم, فإذا فكر المصريون في هذه الخطوة، فسوف يجدون أنفسهم في موقف صعب، بعد الوثبة الأولى، وذلك سوف يكلفهم كثيراً. فبعد عبورهم لقناة السويس، سيجدون أنفسهم في منطقة ممتدة، وسنواجههم من كل جانب، وبذلك سيجد المصريون أنفسهم في وضع أصعب مما هو عليه الآن، حيث أن قناة السويس تعتبر مانعاً مائياً بالنسبة لهم، وإذا ما عبر المصريون قناة السويس فسوف يصبحوا مكشوفين.

كان موشي ديان يدرك أن الاستعدادات السورية هي استعدادات هجومية وليست دفاعية، وأن السوريين يقومون بتأمين جبهة القتال دفاعياً، أمام الطيران الإسرائيلي، وبشكل أكبر من تأمينهم للعاصمة دمشق. وبالتالي توصل ديان إلى أن هذه الاستعدادات المتزايدة من جانب سورية ليست استعدادات دفاعية. على عكس أفكار الجنرال دافيد أليعازر "رئيس الأركان العامة"، الذي فسر ذلك بأن ميزان القوة أغضب سورية، ولذلك فإن سورية تريد إغضاب إسرائيل. وبطبيعة الحال لم يسقط ديان في هذا الخطأ.

بالرغم من تفهم موشي ديان لهذا الموقف، إلا أنه لم يطلب تعبئة قوات الاحتياط، لتعزيز القوات الموجودة على الحدود، وفي نفس الوقت بالغ رئيس الأركان العامة في قدرات جيش الدفاع الإسرائيلي، فهو لم يدرك أن وجود هذه الحشود من الصواريخ السورية، معناه نوايا هجومية، وأن سلاح الطيران قد فقد القدرة على العمل، في مرتفعات الجولان، وأن القوات النظامية الإسرائيلية المحدودة، سوف تضطر للدخول في حرب بدون معاونة جوية.

هذه التقديرات الصحيحة للموقف والتي توضح الاستعدادات الحربية على الجبهتين السورية والمصرية، لم يتخذ حيالها رد فعل، ولم يصدر أية توصية بشأنها، وكل ما ذكره وزير الدفاع عن الجبهة المصرية: أنه إذا ما عبر المصريون قناة السويس، فسوف يجدون أنفسهم في موقف صعب للغاية، لأن قناة السويس تعتبر حاليا بمثابة مانع طبيعي لهم.

أما رئيسة الوزراء، فقد عبرت عن فهمها للموقف، بكلمات قليلة، من خلال توجيه السؤال إلى وزير الدفاع بقولها: "لنفترض أن مصر وسورية يتحركان ليبدأ الحرب، فأنا أوافق على المفهوم الذي يفرق بين وضع كل من مصر وسورية، وأعتقد أنه لا خلاف على ذلك، فالمصريون يمكنهم عبور قناة السويس، ولكنهم سيكونون بعيدين عن قواعدهم، إذن ماذا سيعود عليهم في النهاية؟". لقد تساءلت رئيسة الوزراء عن الأسباب التي تدعوا المصريين إلى عبور قناة السويس، وما هي الفائدة التي ستعود عليهم من ذلك؟، وكأنها لم تدرك أن استعادة مصر لقناة السويس، هو أمر يتعلق بالكرامة الوطنية لمصر. فالواقع أن رئيسة الوزراء لم تستطع أن تعي المغزى النفسي والوطني لاستعادة قناة السويس، وأثر ذلك على استعادة الكرامة العربية.

ففي عام 1956، عندما كان عبد الناصر في بداية زعامته، أراد القيام بعمل يكسبه احتراما ومجدا، ويوطد وضعه كزعيم للأمة العربية كلها، وقد اختار عبد الناصر تأميم قناة السويس، بالرغم من أنه يدرك المخاطر الناجمة عن هذا الموضوع، ولكنه بالرغم من ذلك فقد أمم قناة السويس.

وفي عام 1956، اشتركت إسرائيل مع كل من بريطانيا وفرنسا، لإعادة القناة للسيطرة الإنجليزية ـ الفرنسية، ونجحت العملية عسكرياً، جزئياً، ولكنها منيت بفشل سياسي ذريع، وبعد ضغوط أمريكية ـ سوفيتية قوية، اضطرت الدول الثلاث للجلاء عن جميع المناطق التي احتلتها، وحينئذ وصلت شهرة عبد الناصر إلى القمة. ولم يمر أحد عشر عاماً، وفي يونيه 1967، نجحت إسرائيل، وبمفردها، في تحقيق ما لم تستطع كل من إنجلترا وفرنسا وإسرائيل تحقيقه، عام 1956.

وفي عام 1973، كانت القناة مغلقة منذ ست سنوات، خربت مدنها، وهجرها مليون ونصف من سكانها، وأصبحوا لاجئين، فهل لم تدرك رئيسة الوزراء ذلك؟ يبدو أن الأمر كذلك، لأنه قبل ذلك بعام، اقترح موشي ديان انسحاب جيش الدفاع الإسرائيلي من سيناء، وتمكين مصر من إعادة إصلاح القناة وفتحها، ولكن جولدا مائير رفضت هذا الاقتراح بشدة.

إن استعادة قناة السويس واقتحام خط بارليف، كانت من أولى الرغبات الوطنية وأهمها، ولقد صرح بذلك أكثر من مرة كل من عبد الناصر والسادات، ولم يكن هناك أي سبب يدعو إلى التشكيك في جدية هذه التصريحات. ولقد كان من المتوقع أن تدرك رئيسة الوزراء ذلك، ولا تتساءل: "ماذا سيعود على المصريين من استعادتهم لقناة السويس؟".




[1] كان الفريق أحمد إسماعيل، وزير الحربية المصري، قد ذكر بعد وقف القتال: "لقد نشرنا في صحيفة الأهرام خبرا يقول أنه سمح للضباط والجنود بتأدية فريضة الحج، كما أعلنا أن وزير الحربية الروماني سوف يصل إلى القاهرة يوم 8 أكتوبر 1973، لقد أرسلنا الدبابات إلى ضفة القناة، ولكن القيادة العامة كانت تعيد في كل ليلة، لواء كاملا إلى الخطوط الخلفية، لكي تعطي الانطباع بأن تحركات القوات تتم في نطاق المناورات.

[2] أحد عملاء إسرائيل، ولم يُحدد اسمه.

[3] الواقع أن تحليلات اليعازر، فيما يتعلق باستخدام القوات الجوية، هي تحليلات غير منطقية، فالمهمة الأولى (حرب شمال سورية) والمهمة الثانية (ضرب دمشق) لن تكون فيها معاونة فورية، للقوات البرية النظامية، التي تواجه هجوما بريا سورية في الجولان، والمهمة الثالثة، وهي تدمير تشكيلات صواريخ الدفاع الجوي، فيعتقد رئيس الأركان إمكانية تنفيذ هذه المهمة في يوم واحد، وبأمان كامل، ولكن الأحداث أثبتت، أن هذه التقديرات كانت خاطئة، أما فيما يتعلق بالمهمة الرابعة، وهي استخدام القوات الجوية في معاونة القوات البرية، فهي أنسب المهام، حسب نظريات الدفاع، ولكن الواقع أن السلاح الجوي، لن يمكنه تقديم المعاونة للقوات البرية بفاعلية، طالما لم يتم تدمير أنظمة صواريخ الدفاع الجوي السورية.

[4] كان يوجد لإسرائيل في جبهة الجولان 170 دبابة وليس (60) دبابة.

[5] تسفيكا زاميرا، هو رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي.

[6] قرر رئيس الأركان الإعلان عن حالة الاستعداد (ج) في الجيش النظامي، وقبل ذلك كانت هناك حالة استعداد أقل في هضبة الجولان، ولكن الحالة الآن تشمل كل جيش الدفاع الإسرائيلي، وقد أصدر الأوامر إلى كل الوحدات في الساعة الحادية عشر صباحا. والمعروف أنه يوجد في جيش الدفاع الإسرائيلي ثلاث درجات استعداد، الدرجة الأعلى فيها هي حالة الاستعداد (ج)، والأكثر منها هو الأمر بالدخول في المواقع وانتظار ضرب النار. وحالة الاستعداد (ج) ليست متكررة في جيش الدفاع الإسرائيلي، فهي من الناحية العملية تعتبر أمر انتظار وتشتمل على إلغاء الإجازات في الجيش النظامي، كما تقيم هيئة الأركان في مركز القيادة. ومع رفع درجات الاستعداد صدرت التعليمات إلى إذاعة الجيش بأن تكون في حالة استعداد كاملة في يوم عيد الغفران، لاحتمال استئناف الإرسال من أجل نداء الاستدعاء لرجال الاحتياط، وطلب من الشرطة تجهيز سيارات مزودة بمكبرات الصوت ليمكن الإعلان عن حالة التعبئة.

[7] يقصد بذلك التحذيرات بالحرب، التي أبلغتها وكالة الاستخبارات الأمريكية لرئيسة الوزراء، ووزير الدفاع، عن طريق الموساد، وهي مشابهة للتحذيرات التي تلقتها رئيسة الوزراء، من "المنبع" قبل عدة أيام من ذلك.

[8] إن منع عبور قناة السويس، كان أحد الأهداف المعلنة للحكومة، ولجيش الدفاع الإسرائيلي، طبقا لما أوضحه رئيس الأركان لرئيسة الوزراء في إبريل 1973.

[9] لقد أنهى رئيس الأركان تقديره للموقف، بقرار عدم استدعاء الاحتياط في هذه المرحلة، وقد اشترط رئيس الأركان استدعاء الاحتياط، بوجود شواهد مؤكدة أن لدى كل من مصر وسورية، النية الجادة للقيام بالهجوم، ووضع في اعتباره أنه سيتلقى المزيد من المعلومات، خلال الساعات القادمة، حول نيتهم القيام بأي هجوم مباغت. وهذا يؤكد أن رئيس الأركان، قرر تأجيل استدعاء الاحتياطي، حتى تصله معلومات مؤكدة، عن نوايا بدء الحرب، وهذا الاتجاه يختلف مع تقرير وزير الدفاع، بأن الحرب قد تحدث غدا. وقد أكد رئيس شعبة الاستخبارات في كتابه (حرب يوم الغفران)، الصفحة 207، أنه لم يقدم وعدا بإحضار شواهد تدل على نوايا هجومية مصرية أو سورية، وأن ما ذكره أليعازر لا أساس له من الصحة.

[10] من الواضح أن حاييم بارليف، كان يعتقد في التقدير الإسرائيلي، بأن الدبابات التي توجد في حالة استعداد دفاعية، قادرة على وقف وصد قوة تفوقها خمسة أضعاف.

المبحث السابع: القتال شرق القناة يوم 6 أكتوبر

في أغسطس 1973، كان المصريون قد بدأوا المراحل النهائية للتخطيط، واختاروا عيد كيبور أو يوم التكفير اليهودي "السادس من أكتوبر 1973"، يوم بدء الحرب. إذ أن حالة الاستعداد في الجيش الإسرائيلي ستكون في أدنى مستوياتها في ذلك اليوم.

في منتصف سبتمبر 1973، حدث اشتباك جوي بين الطائرات الإسرائيلية والسورية، فوق البحر المتوسط، وأسقط خلالها ثلاثة عشر طائرة سورية، وعلى ذلك فقد فسرت التعبئة والحشود السورية بهضبة الجولان على أنها رد فعل للمعركة الجوية. وفي مصر كانت هناك مشروعات تدريبية يتم تنفيذها، ولكن لم تقدرها المخابرات بأكثر من كونها مناورات، وقد حدث مثل هذا النوع من التدريب وهذه الحشود المصرية على امتداد قناة السويس، دون أن ينطوي ذلك على شيء خطير، فقد كانت هذه التدريبات متكررة كل عام[1].

كانت فكرة الدفاع الإسرائيلي قد وضعت في إطار قدرات وإمكانيات الدولة والتي لا يمكنها الاحتفاظ بحجم كبير من القوات في الخدمة العاملة في جميع الأوقات، لذلك نظمت إسرائيل قواتها المسلحة بالاعتماد على ثلاثة عناصر:

1. استخبارات ماهرة وكفء، والتي يجب أن تعطي إنذاراً مبكراً بما يمكن معه تعبئة الاحتياطيات في الوقت المناسب.

2. جيش عامل صغير الحجم قادر على القتال في مراحل الحرب الأولى، ويمكنه التصدي للمهاجمين وتعطيلهم على حدود الدولة لحين استكمال التعبئة.

3. قوات جوية على استعداد كامل دائماً للتدخل في أي وقت، لمعاونة القوات البرية الإسرائيلية وإحباط أي هجوم معادي.

وقد خصصت هذه العناصر الثلاثة لكسب الوقت والتمسك بالخط الدفاعي، حتى يتم تحريك الاحتياطيات ودفعها إلى مسرح القتال، وفي حرب 1973، كان هناك خطأ ما، فقد باغت العرب إسرائيل، وسواء كان التقصير من عنصر الاستخبارات، الذي لم يتيح إنذاره فرصة كافية لتعبئة القوات الاحتياطية. أو من القيادة العليا التي لم تفسر ما تحت بصرها من معلومات، من كافة المصادر، التفسير الكافي، فقد تمت المباغتة، كما أرادها المصريون.

في الساعة الثانية ظهر يوم 6 أكتوبر 1973، قامت الجيوش المصرية والسورية بالهجوم في وقت واحد وزُجت الحشود العربية على امتداد الحدود الإسرائيلية الشمالية والجنوبية. أخطر الجنرال دافيد أليعازر في رئاسة الأركان على وجه السرعة. وبالرغم من التقييم الهادئ الذي تم بواسطة الاستخبارات العسكرية، والتي اتجهت لتفسيره بطريقة منطقية، إلا أنه تم رفع حالة استعداد القوات الإسرائيلية إلى الحالة (ج) ـ خلال اجتماع عاجل للوزارة الإسرائيلية يوم الجمعة 5 أكتوبر 1973ـ بناء على طلب من أليعازر، كما سمح بالتعبئة المحدودة للاحتياطات المدرعة. وفي الصباح الباكر يوم 6 أكتوبر 1973، عندما أكدت معلومات الاستخبارات أن مصر وسورية ستهاجمان في نفس اليوم وافقت القيادة السياسية على التعبئة الجزئية لأغراض الدفاع، في حدود "100 ألف جندي" ولم تُوافق على مقترحات أليعازر، بتنفيذ التعبئة الشاملة، والقيام بضربة إجهاض بالقوات الجوية ضد الدولتين.

ومع بدء الهجوم المصري السوري، في الساعة الثانية ظهراً، تم استدعاء الاحتياطي بسرعة، وكان أغلب الشعب الإسرائيلي في الصلاة بالمعابد أو بالمنازل، وهكذا اندفع الجنود إلى وحداتهم بعد استبدال رداء الصلاة بالشدة الميدانية، وعادت إسرائيل تقاتل ثانية ولكن في سبيل بقائها هذه المرة.

خلال المرحلة الأولى للقتال في الفترة من 6 – 9 أكتوبر 1973، كان المصريون قد وضعوا خططها بدقة، وتم الإعداد المسبق لأدق التفاصيل، والتدريب عليها، وتضمنت عبور إحدى عشر لواءً في النسق الأول "عبر القناة"، ثلاثة في منطقة القنطرة وشمالها، وأربعة في منطقة الإسماعيلية والدفرزوار، وأربعة بمنطقة جنيفة والسويس. كانت الفرق المشاة المصرية، تعبر في قطاعات كل فرقة في قطاع مواجهته 4 – 5 أميال. الموجة الأولى تستولي على الساتر الترابي وتتمسك به بشدة، الموجة الثانية تتجاوز الأولى لمسافة 200 ياردة، وتتوقف في أماكنها خلال الساعة الأولى للهجوم، الموجة الثالثة والرابعة كان عليهما الانتشار في المواجهة والعمق لتحقيق الاتصال والربـط بين الموجات الأولى والثانية، بعدها تعبر أسلحة الدعم للكتائب المهاجمة، وتتقدم القوة كلها، لمسافة 1 - 2 ميل شرق القناة، بينما تهاجم مجموعات الاقتحام النقط القوية، وتنشئ كل فرقة من الفرق الخمس في الشرق رأس كوبري بعمق 3.5 ميل، وتدافع عنه إلى حين عبور الدبابات والمدفعية، والتي بوصولها يبدأ توسيع رؤوس الكباري إلى عمق 6 - 8 ميل. تستعد القوات المصرية، التي عبرت إلى الشرق، لمواجهة هجمات الوحدات المدرعة الإسرائيلية على الخط المعزز، بالأسلحة المضادة للدبابات والألغام، فطبقاً للتدريبات التي مارسوها طوال السنين السابقة، كان يعرفون أن الدبابات الإسرائيلية لن تتركهم يتقدمون، دون أن تهاجم، بل كانوا يعلمون أنها ستحاول سحقهم وإلقاءهم في القناة مرة أخرى.

كان في مواجهة الهجوم المصري طبقاً للخطة الإسرائيلية، مجموعة عمليات مدرعة بقيادة الجنرال ألبرت ماندلر[2]، وكان إجمالي القوات تحت قيادته 280 دبابة مُشكَّلة في ثلاثة ألوية، إضافة إلى لواء مشاة. وكان معظم هذه القوات تعمل كاحتياطيات قريبة في شرق سيناء مستعدة لتوجيه الهجمات المضادة ضد القوات المصرية، التي تنجح في الوصول إلى خط بارليف.

داخل تحصينات خط بارليف، وصل حجم الجنود الإسرائيليين، نحو 500 جندي إسرائيلي، من لواء القدس، حيث يخدم معظمهم فترة الاستدعاء السنوي، وكانوا قليلي الخبرة في القتال. (اُنظر شكل جبهة قناة السويس)

وفي الساعة الواحدة و45 دقيقة حضر ماندلر اجتماع في مركز قيادة الجبهة، مع الجنرال جونين، قائد الجبهة الجنوبية، والذي عاد منذ دقائق من مؤتمر رئيس الأركان. أصدر جونين أوامره لبدء تحريك الوحدات المدرعة، لاحتلال خط الجبهة والمصاطب على طول القناة وعمقها، تجاه الشرق[3]، ولكن الحرب كانت قد بدأت، وبدأ القصف المكثف للمدفعية والهجمات الجوية على مطارات ومراكز القيادة في سيناء.

أولاً: السادس من أكتوبر 1973 "عيد الغفران"

اجتمعت رئيسة الوزراء الإسرائيلية صباح يوم 6 أكتوبر 1973، مع سفير الولايات المتحدة الأمريكية في إسرائيل، "كينيت كيتينج" والذي كان يعلم منذ يومين بالحشود العربية، وأعرب عن قلقه للمسؤولين الإسرائيليين بهذه المعلومات. وخلال اجتماعه مع جولدا مائير قالت له: "أنهم يذهبون للحرب، والآن ليس لدينا شك، يجب تحذيرهم قبل فوات الأوان، يجب منع سفك الدماء". ويكتفي كيتينج بسؤال واحد: "هل ستسبقي وتطلقين النار؟"، وترد جولدا: "لا .. سأبذل كل ما في وسعي لإقناع زملائي بألا نكون البادئين بفتح النيران". ويبعث السفير الأمريكي في إسرائيل، برسالة عاجلة عن حديثه مع رئيسة وزراء إسرائيل إلى وزير الخارجية "هنري كيسنجر" الذي يتصل، بدوره، فوراً، برئيس الولايات المتحدة الأمريكية "ريتشارد نيكسون" في مقر إجازته بفلوريدا.

ويصدر الرئيس الأمريكي أوامره لوزير خارجيته، باستخدام الخط الأحمر فورا وإبلاغ الكرملين بالخطر المنتظر، وكذلك إبلاغ سكرتير عام الأمم المتحدة "كورت فالدهايم" بما يجري. ويتفقان على إرسال رسالة عاجلة أيضاً إلى رئيس مصر.

كان وزير الخارجية المصري "الدكتور حسن الزيات" موجودا في نيويورك حيث اتصل به هنري كيسنجر وقال له: "ما فائدة أعمالكم؟ إن إسرائيل تعرف كل شيء، وفي خلال يومين ستعبئ احتياطياتها وتقوم بشن هجوم مضاد حاسم، فكروا في الأمر". ويعد الزيات بنقل ما قاله الدكتور كيسنجر، ويقوم بالاتصال بالرئيس السادات، الذي كان موجوداً في غرفة العمليات الرئيسية.

1. قائد القيادة الجنوبية يصدر أوامره بالاستعداد للحرب

وفي الوقت الذي كان كيسنجر يتحدث فيه مع رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، كان جونين قائد الجبهة الجنوبية يتصل تليفونياً من قيادة الأركان العامة في تل أبيب بالجنرال ماندلر في قيادته الميدانية في سيناء ويبلغه أنه قد صدر أمر بتعبئة الاحتياط، ويؤكد أن الهجوم العربي سيبدأ في الساعة السادسة مساء، ويبلغه بإعطاء الأوامر للاستعداد، ولكن بدون تحريك الدبابات.

ويضيف جونين موضحاً: "لا أريد أن يرى المصريون من سواترهم حركة الدبابات، أنهم يستطيعون ملاءمة نيران مدفعيتهم مع تغير حالة التأهب لدينا، ولا أريد أن يكون لديهم إنذار بأننا مستعدون، كما يجب الاحتراس من التصعيد، خاصة إذا لم يكن هناك نية لدى المصريين أساساً لإطلاق النار".

ويتقبل ماندلر هذه التعليمات، ولكنه غير راضي عن الجدول الزمني الذي تحدد له، إذ لو كان المصريون ينوون إطلاق النار، في السادسة مساء، فيجب التبكير بتحريك الدبابات، فالساعة الخامسة تعتبر وقتاً متأخراً جداً. هناك ضرورة لساعتين على الأقل لاستعداد خطة الدفاع التي تسمى "أبراج الحمام"، ومن ثم يُعدل جونين أوامره لبدء تحرك المدرعات في الساعة الرابعة بعد الظهر.

2. الاستعداد للحرب

أصدر ماندلر أوامره، في الساعة الواحدة ظهراً، إلى المواقع بامتصاص الضرب، وهذا التعبير لا يعني الدخول في التحصينات والإعداد للحرب، إنما تعني فقط ارتداء الملابس الواقية والخوذات الصلبة، ووضع الأسلحة في دشمها، والاستعداد لعمليات القصف، كما كانوا يفعلون، في حرب الاستنزاف.

ويتصل قائد القطاع الشمالي بألبرت ماندلر، ليستوضح، هل من الممكن تحريك المدرعات؟ ويرد ألبرت قائلا: "لا! لا تحرك الدبابات".

ويقوم قائد القطاع الأوسط والجنوبي، بجمع قادة الوحدات الفرعية، ويعرف هؤلاء منهما، أن المصريين سوف يطلقون النار في الساعة السادسة مساء، ويجب أن يكونوا مستعدين قبل الموعد بساعة أي في تمام الساعة الخامسة مساءً لتنفيذ الخطة الدفاعية "أبراج الحمام".

وفي نفس الوقت كانت مجموعة من أفراد سلاح المهندسين، تفحص منشآت الإشعال، حيث أبلغوا هذا الصباح، أن الأنابيب المخصصة للتغذية بالوقود إلى حافة القناة معطلة، كان يجب أن يقوموا بالإصلاح، ولكن الوقت كان متأخراً فقد بدأت الحرب.

منذ بضع ساعات انطلقت مركبات جيش الدفاع إلى الطرق لاستدعاء الاحتياط، حيث يتم تجميعهم في مناطق التجمع الخلفية، ويتجهون منها إلى مخازن الوحدات للتزود بالعتاد ثم الإسراع إلى الجبهة، كان الكثيرين من أفراد الاحتياط موجودين أما في المنازل أو المعابد، وبالتالي يسهل تجميعهم.

في حوالي الساعة الثانية خرج الجنرال ألبرت ماندلر، يرافقه نائبه وضابط فرع العمليات وضابط الإشارة، لتفقد مركبات مجموعة قيادته، وبينما هم يمرون بين المركبات، سمعوا فجأة هدير الطائرات، وتطلع ألبرت وضباطه إلى أعلى ليشاهدوا طائرات ميج مصرية تهاجم مطار رفيديم (الميلز) لقد بدأت الحرب.

وبينما يدخل ماندلر وضباطه بسرعة إلى مركز قيادتهم، يتصل جونين بماندلر ويقول له: يجدر بك أن تحرك الوحدات المدرعة إلى الأمام، وعدم الانتظار إلى الرابعة. ويرد ماندلر قائلا: نعم يجدر! إنهم يقصفون رفيديم الآن!. ويتصل ماندلر على الفور بقائد اللواء المسؤول عن القطاع الأوسط والجنوبي، ويصدر له الأوامر بالإسراع بتحريك الدبابات، وفي هذه اللحظة تمر فوق رأسه طائرات الميج المصرية وتلقي بقنابلها على مقربة من قيادته.

3. بدء الحرب

وفي تل أبيب تدوي صفارات الإنذار، وتتدفق السيارات العسكرية الكثيرة والحافلات الخاوية في الشوارع. وفي الشرفات والنوافذ يقف الكثيرون يتطلعون ويسألون ماذا حدث؟.

كان السلاح الجوي هو أقل القوات تأثراً بالمباغتة، كان أمر الاستعداد لتوجيه ضربة وقائية مسبقة، قد جعل الأسراب متأهبة، ومعظم الطائرات مسلحة، ومُعَدّة للتحليق، وعندما جاءتهم أنباء إطلاق المصريين والسوريين للنار، كانوا مستعدين للانطلاق فوراً وتنفيذ المهام التي يكلفون بها.

كانت الطائرات المصرية المهاجمة تبلغ حوالي 200 طائرة، اتجهت 12 طائرة منها إلى شرم الشيخ، لقد اندلعت الحرب على طول المائة والستين كيلومتراً، بمحاذاة قناة السويس، ومنذ الساعة الثانية بعد الظهر وآلاف القنابل والدانات تنفجر في جميع أنحاء الجبهة. قصفت الطائرات منطقة شلومو (شرم الشيخ)، عند الطرف الجنوبي من شبه جزيرة سيناء، كما قصفت منشآت الميناء العسكري ومطار أوفيرا (مطار شرم الشيخ). وبعد الهجوم وفور أن ابتعدت الطائرات المصرية، اندفعت نحو السماء أعمدة النيران والدخان، وسارع الجنود الذين بوغتوا بالهجوم إلى مواقعهم، وبعد بضعة دقائق، بدأت دوي المدافع، تحاول عبثا إسقاط الطائرات المصرية. ثم جاءت موجة ثانية من الطائرات المصرية بعد لحظات، واستطاعت أن تقصف المطار ومركز الاتصال في شرم الشيخ.

قصفت الطائرات المصرية أبو رديس كذلك مدينة النفط على الضفة الشرقية لخليج السويس. وحرصت هذه الطائرات على تجنب إصابة آبار النفط وآلات الضخ.

ثانياً: الهجوم على المواقع الإسرائيلية في خط بارليف

كانت المواقع الحصينة في خط بارليف، على طول مواجهة القناة، مكونة من ملاجئ خرسانية تحت الأرض، يحيط بها ساتر مرتفع من التراب يغطي مواقع إطلاق النار. وخنادق تربط بين مواقع إطلاق النار مغطاة في بعض المناطق ومكشوفة في مناطق أخرى. (اُنظر شكل أوضاع القوات يوم 6 أكتوبر)

وفي داخل المنشأة الدفاعية، التي صنعت جوانبه من الصاج المموج، أحس الجنود بأن الأرض زلزلت تحت أقدامهم، وتساقطت الأتربة، وتطايرت شظايا الأسمنت المسلح، وبدأت النداءات في طلب الاستغاثة، وكثر القتلى والجرحى داخل المواقع الدفاعية من جراء القصف الكثيف للمدفعية. كان المصريون يطلقون الهاونات من عيار 240مم لدك الحصون، وأصيب الأحياء من جنود المواقع بحالة هستيرية، وطلبت جميع المواقع معاونة القوات الجوية والمدفعية، ودعم المدرعات كذلك، ووُعِدُوا جميعاً، بوصول الدعم إليهم في أسرع وقت.

انقضت الموجات الأولى من القوات المصرية، المهاجمة من المشاة، وسيطروا بسرعة على الضفة الشرقية للقناة، في المرحلة الأولى للعبور كان هناك حوالي عشرة آلاف جندي مصري على الضفة الشرقية ومن أجل تقويض السواتر الترابية على حافة القناة، استخدم المصريون طلمبات المياه بضغط كبير، ويتسبب ضخ المياه في شق الساتر الترابي. لقد عبر المصريون القناة بمئات الزوارق، وكما يبدو كان المصريون يتوقعون مقاومة شديدة، ولذلك فإنهم يعبرون في أماكن كثيرة، حتى تكون فرصة النجاح كبيرة.

لم يمض ثوان على بدء قصف المدفعية، ألاّ وغُطت مياه قناة السويس بمئات من القوارب، وبداخلها رجال، راحوا يجدفون بكل قوتهم، ليعبرون العائق المائي من الغرب إلى الشرق، لقد ظن الجميع أنه حلم، قال البعض: "هذا غير معقول إنه حلم المصريون يعبرون القناة".

بوغت جنود المراقبة الإسرائيليون فوق الأبراج، بآلاف من الجنود المصريين فوق الساتر الترابي، على الضفة الشرقية للقناة، وأخذوا يتدفقون في كل اتجاه، إنهم يقتربون من الأسلاك الشائكة ويفجرونها، بينما قاذفات اللهب تطلق نيرانها على المواقع الإسرائيلية.

بعد بداية القصف بعشرين دقيقة، ظهرت الدبابات البرمائية على صفحة مياه البحيرة المرة، عند كبريت. كانت هذه المركبات المدرعة البرمائية هي أول من دخل سيناء[4].

احتلت الموجة الأولى من المهاجمين الساتر الترابي، الذي أقامه جيش الدفاع الإسرائيلي، كما سيطرت على أماكن إقامة الجسور. واستخدم المصريون سلالم من الحبال لتسلق الساتر الترابي، وكلما وصلت موجة من العابرين تتقدم الموجات السابقة حوالي 200 م، شرق القناة.

بعد نجاح الموجات الأولى في العبور بدأت القوات المصرية في إلقاء بأجزاء المعديات والكباري في الماء، وربط كل جزء بالآخر، كما بدأوا في إنشاء كباري للمشاة، وعلى هذه الكباري بدأت تتدفق الموجات التالية من الجنود. وفي غضون ساعات قليلة، نجح المصريون في أن ينقلوا إلى سيناء، أكثر من 40 ألف جندي مشاة، كما بدأ أفراد سلاح المهندسين، في إقامة كباري لعبور المدرعات، ليبدأ في الساعة الثامنة مساءً عبور الدبابات المصرية إلى الشرق.

لم تكن المدفعية الإسرائيلية، القليلة العدد، ذات فاعلية في مقاومة المصريين على طول مواجهة الدفاع، كما لم تستطع أن تؤثر على أماكن العبور الكثيرة، وكانت القوات القليلة لجيش الدفاع الإسرائيلي في خط بارليف تجد صعوبة في صد ذلك الطوفان من أفراد المشاة.

اتبع المهاجمون تكتيكا سليما، فقلة منهم فقط هي التي تهاجم الحصون، والجزء الأكبر يلتف حولها لحصارها، لقد كان الهدف الرئيسي للمصريين، هو عزل هذه الحصون، ثم التقدم لمسافة 10 ـ 12 كم شرقي القناة.

أذهلت قوة وحجم النيران الكثيف للمدفعية المصرية، الجنود في حصونهم، وكذلك قادة إسرائيل الذين كانوا يتلقون بلاغات متشابهة عن الموقف من كل المواقع، "المصريون يعبرون بأعداد كبيرة". وعندما تحركت الدبابات، وقعت تحت نيران المدفعية، ثم تلقفتها الصواريخ المضادة للدبابات، ولم يصل إلى هدفه إلا أعداد قليلة العدد والفاعلية.

هكذا انقضتْ اللحظات الأولى من حرب عيد الغفران على خط بارليف، وبالرغم من الأوامر التي صدرت بالتأهب الدفاعي على الخطوط، فإن المباغتة كانت كاملة، فلم يكن يتصور أحد عبور آلاف من الجنود المصريين في وقت وجيز.

بدأت تتجمع المعلومات لدى قيادة جبهة سيناء عن اتجاهات العبور، وحجم الخسائر من القتلى والجرحى، وبدءوا يدركون أنه عبور شامل، ولكن صورة القتال مازالت غير واضحة.

في الساعة الرابعة انقطع الاتصال مع الموقع المحصن في الكيلومتر 10 جنوبي رأس العش "بالقطاع الشمالي". وكان قائد هذا الحصن قد أبلغ مع بدء العبور أن الجنود المصريين يهاجمونه، حيث سمعت أصوات القتال بوضوح في أجهزة الاتصال، ولكن الاتصال قطع، ولا يُعرف ماذا حدث. وتصل إشارات قادة الوحدات المدرعة إلى قائد الجبهة عن تزايد خسائرهم، وفي البداية اعتقد القادة الإسرائيليون أن دبابات جيش الدفاع الإسرائيلي سوف تكتسح المشاة المصريين بسهولة، ولكن المعلومات تؤكد أن القوات المصرية تواجه الدبابات وتدمرها، وتكرر في أجهزة الاتصال، إشارة ذات مضمون واحد: "إنهم يطلقون علينا آلاف الصواريخ والمقذوفات، وعدد الدبابات يتناقص من كثرة الإصابات، إن صواريخ ساجر تعطيهم ذراعا طويلة أكثر من رشاشات الدبابات". ومع تزايد خسائر الدبابات، أصدر الجنرال جونين أوامره لقادة الوحدات المدرعة بعدم الاقتراب كثيراً، وأن يطلقوا النار على المشاة المصريين من مسافات كبيرة. ومع هبوط الظلام يتحسن الموقف قليلاً، حيث يمكن أن يُوفر ملجأً آمنا للدبابات من صواريخ "ساجر".

وفي مخازن الطوارئ الإسرائيلية يزداد الضغط على أفراد المخازن، الجميع يريدون تسلم الأسلحة، ويضطر المسؤولون عن المخازن لتسليم الأسلحة بعجلة دون التقيد بالنظم واللوائح. كانت المشكلة عدم وجود العتاد الكافي للجميع، فهناك نقص في الرشاشات، والرشاشات في العربات المدرعة بدون مساند، بل أن بعض الدبابات بدون رشاشات، وبعضها بدون أجهزة التنشين، إنهم يذهبون للحرب وهم غير مستعدين كما يجب.

بعد ساعات يصل رئيس الأركان الجنرال دافيد أليعازر، إلى قيادة الجبهة الجنوبية، ويقدم له الجنرال جونين تقريره عن الموقف، حيث يوضح التقرير أن جزءا كبيرا من الدبابات أصبح غير صالح تماما، سواء نتيجة للإصابات أو الأعطال الفنية، كان الموقف سيئ للغاية أمام القيادة الإسرائيلية.

ثالثاً: موقف السلاح الجوي الإسرائيلي

في الساعة الثانية والنصف، أصدر قائد السلاح الجوي الجنرال باني بيليد أوامره بتخصيص العديد من الطائرات التي عملت في صد الهجوم الجوي المصري، لتهاجم المصريين على طول جبهة القناة. كان لدى الطيارين ساعتين فقط قبل حلول الظلام. وفي الظلام سيكونون مقيدين في عملياتهم. كانت التعليمات التي صدرت هي ضرب أي هدف يظهر لهم، وهي مهمة صعبة، لأن المصريين يعبرون بالفعل، وقد تداخلوا مع الجنود الإسرائيليين، ومن الصعب التمييز بين هؤلاء وأولئك. وخلال هاتين الساعتين خرجت حوالي 200 طلعة تجاه قناة السويس وخليج السويس، لم تستطع الطائرات التعامل مع بطاريات الصواريخ، وكانت أهدافها محددة ضد الفرق المصرية التي تعبر القناة، وخلال هاتين الساعتين فقد السلاح الجوي خمس طائرات سكاي هوك وطائرة فانتوم.

كان بيان جيش الدفاع الإسرائيلي، عن بدء الحرب قصيرا جدا: "ابتداءً من الساعة الثانية، تهاجم القوات المصرية والسورية سيناء وهضبة الجولان في الجو والبحر والبر، وبعد سلسلة من الغارات الجوية على مواقعنا، بدأت القوات المترجلة في هجوم بري، وقد عبرت قوات مصرية قناة السويس في عدة أماكن، وبدأت قوات سورية في الهجوم بالمدرعات والمشاة على طول الخط في هضبة الجولان وتعمل قوات جيش الدفاع الإسرائيلي ضد المهاجمين، وتجري في الجبهتين معارك في الجو وفي البر".

رابعاً: تطور الموقف القتالي على جبهة القناة وصمود بعض المواقع الحصينة

في الساعة الثالثة بعد الظهر، كان واضحا "لماندلر" أن المصريين يشنون هجوما كبيرا على طول المواجهة. وبعد ساعة وضح أن عبور القناة كان عملية برمائية كبيرة وتم بكل القوات المصرية. لقد حاول جونين فهم المعركة، في مركز قيادته، من خلال التقارير التي وصلته، وتمكن من خلال وسائل الاتصال معرفة ما يدور في كل نقطة قوية على امتداد القناة، وحاول لمدة ساعتين التعرف على اتجاه المجهود الرئيسي للعدو، وفي الحقيقة كان تقدير المصريين أن غياب المجهود الرئيسي وعدم وضوحه سيؤدي إلى تأخير الهجوم المضاد الإسرائيلي. وفي الساعة الرابعة أصبح واضحا لجونين أنه لا يوجد مجهود رئيسي، ولكن كان العبور أكثر نجاحاً في القطاع الشمالي للقناة عن القطاع الجنوبي.

واصلت النقط الحصينة في خط بارليف تحمل نيران المهاجمين، وحاولت صد هجمات القوات المصرية، ولكن المصريين تمكنوا من اختراقها. وصدرت الأوامر للجنود الإسرائيليين للجوء إلى الملاجئ الوقائية للحماية من نيران المصريين. كان رد فعل كل نقطة يمثل انعكاسا لدور القادة المحليين، ولكن في حالات كثيرة كان الضباط هم أول المصابين، وبعض النقط استطاعت أن تقاوم الهجمات المصرية.

فعلى سبيل المثال: استطاعت التحصينات في القطاع الشمالي للقناة[5] وهو موقع التينة، شمالي القنطرة، بالرغم من جرح قائد الموقع إلا أن ضابط الصف "أورليف" استطاع أن يصمد حتى صباح اليوم التالي 7 أكتوبر 1973 لهجمات المصريين، وبالرغم من خسائر أفراد الموقع، إلا أنه استطاع أن يسحب باقي القوة والجرحى بعد أن نفذت ذخائرهم، في مركبة نصف جنزير، والتي تمكنت من الانسحاب بالرغم من النيران الكثيفة، وتمكنوا من عبور المدق داخل منطقة المستنقعات، وفي النهاية وصلوا إلى الخطوط الإسرائيلية بالعمق[6].

ومثال آخر في الجنوب من قناة السويس، كان موقع لسان بور توفيق (المسمى "كواي Kwai")، ويواجه هذا الموقع مدينة بورتوفيق، وكان يضم 24 فردا من الجيش النظامي بقيادة "شلومو أردينست"، وقد تمكن هذا الموقع من صد هجوم قوة من المصريين التي كانت تعبر القناة، وأغرقت معظم قواربها. وفي مساء يوم الأحد 7 أكتوبر 1973 بدأت وحدة مصرية بمحاولة اختراق التحصينات من الجنوب، بمساعدة قاذفات اللهب، وقاموا بإشعال النيران بمخازن الوقود بالنقطة الحصينة، وقامت الحامية بصد المهاجمين بالقتال المتلاحم. واستمر هذا الموقع ولمدة ثلاثة أيام ـ وهو محاط بالمياه من ثلاثة أجناب، ومتصل بالأرض بطريق واحد بعرض ستة ياردات ـ يتحمل نيران المدفعية الكثيفة ونيران الدبابات والهجمات المستمرة من الجنود المصريين.

وفي صباح يوم الثلاثاء 9 أكتوبر 1973 لم يتبقى بالموقع سوى عشرة أفراد من المقاتلين، علاوة على عدد من الأفراد الإداريين منهم الطبيب والممرض والطباخ. وفي يوم الخميس 11 أكتوبر 1973 طلبت القيادة من أردنست الصمود لمدة 48 ساعة أخرى، واقترح الطبيب الذي زاد عدد الجرحى لديه بأن يتم التسليم عن طريق الهلال الأحمر. وفي صباح السبت 13 أكتوبر 1973 وبعد أن نفذت معظم الذخائر، قام قائد الموقع بالاستسلام عن طريق الصليب الأحمر[7]. لقد فقد الأمل في وصول أي نجده إليه.

مثال آخر: لموقع بودابست Budapest والذي يقع شرقي بور فؤاد بنحو 15 كم، كان يقوده "موفي اشكنازي". وكان بالموقع فصيلة مشاة وفصيلة دبابات. تمكنت قوة الكوماندوز المصرية، من عزل الموقع من جهة الشرق بعد إبرارها بحرا شرقي الموقع بمسافة كيلومترين، وحاولت القوة المصرية الهجوم من غرب النقطة، ولكنها فشلت، وقد تعرض هذا الموقع للهجمات الجوية المصرية العنيفة، وتمكنت قوة الكوماندوز المصرية التي عزلت الموقع من إيقاع قوة دعم مدرعة إسرائيلية كانت قادمة لنجدة الموقع، في كمين استطاع أن يدمر هذه القوة. بينما استمرت المدفعية الثقيلة في قصف الموقع بلا انقطاع.

انسحبت قوة الكوماندوز المصرية تحت ضغط هجمات الاحتياطي المدرع الإسرائيلي مساء يوم الثلاثاء 9 أكتوبر 1973، وواصلت القوات الجوية المصرية قصف الموقع يوم الأربعاء 10 أكتوبر 1973. وفي الحادي عشر من أكتوبر 1973 تم تغيير قوة الموقع، بعدما تحملته من خسائر، بقوة أخرى جديدة. ومرة أخرى تم عزل بودابست بواسطة وحدة من الصاعقة المصرية، ولم تتمكن القوات الإسرائيلية من فتح الطريق شرقاً إلا بعد قتال عنيف قامت به القوات الإسرائيلية، واستمر الاحتفاظ بهذا الموقع حتى نهاية الحرب، وكان الموقع الوحيد من خط بارليف الذي لم يسقط في أيدي المصريين. ولكنه استنزف جزءً غير يسير من الاحتياطيات، لفتح الطريق إليه، كلما قطعه المصريون.

أثبتت بعض المواقع قدرتها على تحمل نيران المدفعية المصرية، والهجمات المستمرة، بل أن بعض المواقع قاتلت قتالاً مريراً حتى قتل وجرح كل من فيها. ولكن أسوأ ما واجهه الخط الإسرائيلي من التحصينات، هو عدم وضوح الرؤية للموقف على طول القناة حتى صباح يوم الأحد 7 أكتوبر 1973.

1. ديان يعد بتدمير القوات المصرية

في الساعة الرابعة بعد ظهر يوم السبت 6 أكتوبر 1973، يلتقي وزير الدفاع بالصحفيين، ويقول لهم: "غدا مساءً عندما يصل الاحتياط إلى الجبهة، سوف تبدأ الحرب الحقيقية، وسوف نحول المنطقة إلى مقبرة كبرى لهم. سوف يدمر جيش الدفاع الإسرائيلي، المصريين، بضربة شديدة، وسوف ينتهي القتال بانتصارنا في الأيام القادمة.

2. الخطة "يوفاني يوئيم" أو أبراج الحمام وتنفيذ الهجمات المضادة بالألوية المدرعة

في مركز قيادة ماندلر، كانت صورة الموقف على امتداد القناة غير واضحة كذلك، فقد كانت وحداته المدرعة تتحرك في اتجاه القناة، ولكن لم تكن هناك دلائل واضحة عن موقفها وكان التقدير العام أن العبء الرئيسي للهجوم سيقع على القطاع الشمالي. ولذا فقد تم توجيه اللواء المدرع بقيادة الكولونيل "جابى أمير" في اتجاه الشمال، وتوجيه اللواء المدرع الأخر بقيادة الكولونيل آمنون ريشيف في المنتصف، بينما أمر اللواء المدرع الثالث بقيادة الكولونيل "دان شمرون" بالتحرك من خلال ممر الجدي والاتجاه صوب جنوب البحيرات.

3. أعمال قتال القطاع الشمالي

بمجرد تحرك قوات الكولونيل "جابي أمير في القطاع الشمالي، قامت المدفعية المصرية بفتح النيران على وحداته، ولذلك فقد قسم قواته في مجموعات، وحاول تحقيق الاتصال بالمواقع الحصينة. أرسل جابي مجموعة قتاله الأولى إلى حصن "مفركت Mifreket" شمال جزيرة البـلاح، ولكنها دمرت. وتقدمت مجموعة القتال الثانية إلى شرقي القنطرة، للاتصال بالموقع الحصين "ميلانو Milano" وفشلت في الوصول إليه. خلال مساء يوم السبت، قام جابي بتوجيه ثلاث هجمات متتالية، ولكنه لم يحقق أي نجاح وفي صباح الأحد اصدر الجنرال كلمان ماجن، قائد القطاع الشمالي، أوامره إلي جابي بالانسحاب وإخلاء خسائره الكـبيرة، كما صدرت التعليمات بإخلاء تحصينات "مفركت". واستطاعت دبابتين من قوات جابي من الوصول إلى القناة، وتدمير أحد الكباري المصرية بالقرب من الفردان وسرعان ما دُمرت هاتين الدبابتين بالأسلحة المصرية.

لقد منيت الهجمات المضادة لقوات جابي، بخسائر كبيرة ولم يتبقى من اللواء سوى عشرون دبابة فقط. وطوال يوم الأحد انشغل جابي في حصر خسائره، وإعادة تجميع ما تبقى من قواته.

4. أعمال قتال القطاع المركزي (الأوسط)

كلف اللواء المدرع بقيادة أمنون ريشيف بالقيام بالهجمات المضادة في اتجاه المحور الأوسط، وعندما أمر ريشيف قواته بالاندفاع إلى المواقع السابق تخطيطها بالقرب من القناة، تعرضت دباباته إلى نيران الصواريخ المضادة للدبابات والسلاح الفردي المضاد للدبابات ر ب ج ـ 7 فقد سبقته وحدات القنص المصرية لاحتلالها، كـما فتحت الدبابات المصرية نيرانها من السائر الترابي بالضفة الغربية للقناة من مواقع تسيطر على طـرق الاقتراب للحصون الإسرائيلية، ودمرت دبابات ريشيف ولم يتبقى من لواء أمنون ريشيف سوء دبابتين استمرتا في القتال في المنطقة المواجهة للإسماعيلية، واستمرت موجات المشاة المصرية في التقدم، ولم يعد هناك أثراً للواء ريشيف.

5. أعمال قتال القطاع الجنوبي

نتيجة لتعرض اللواء المدرع تحت قيادة دان شمرون[8]، لهجمات الطائرات المصرية في الساعة الثانية ظهراً، قام بتقسيم قواته إلى ثلاثة مجموعات:

· المجموعة الأولى بقوة كتيبة مدرعة وتعمل خلال ممر متلا.

· المجموعة الثانية، بقوة كتيبة مدرعة وتعمل خلال ممر الجدي.

· المجموعة الثالثة بقوة كتيبة مدرعة في النسق الثاني وتعمل خلف المجموعة الثانية. وبذلك أصبحت مواجهة لواء شمرون تصل إلى نحو 35 ميلاً في المنطقة الواقعة بين تقاطع الطرق بمنطقة البحيرات المرة وحتى رأس مسلة جنوباً[9].

كانت القوات المصرية في هذا القطاع متفوقة بنسبة كبيرة على قوات دان شمرون حيث وصلت نسبة التفوق في الدبابات فقط إلى نسبة 6 : 1. وكان هدف شمرون تحقيق الاتصال بمختلف النقط الحصينة الإسرائيلية في هذا القطاع، والتي تم محاصرتها بواسطة القوات المصرية. عندما بدء لواء شارون التحرك في الساعة الرابعة بعد ظهر يوم 6 أكتوبر 1973، كانت قوته 100 دبابة، وفي الساعة الثامنة صباح يوم 7 أكتوبر 1973 أصبح المتبقي منها 23 دبابة فقط. لقد فقد شمرون ثلثي دباباته ورجاله خلال ليلة واحدة من القتال، ولم يستطع تحقيق الاتصال بأي نقط حصينة.

كان مؤكداً لدى قيادة الجبهة الجنوبية مساء يوم السبت 6 أكتوبر 1973، أن القوات المدرعة لم تستطع الوصول إلى المواقع الحصينة، وأن الهجمات المضادة لم تحقق أي نجاحٍ، حتى صباح يوم الأحد 7 أكتوبر 1973. وفي مساء يوم السبت توجه الجنرال دافيد أليعازر إلى الجنرال جونين قائد الجبهة الجنوبية، ونصحه بإصدار الأوامر بسحب الأفراد من النقط القوية الحصينة، التي تتعرض للخطر، مع الإبقاء على النقط القوية التي تعيق تطوير الهجوم المصري شرقاً.

خلال ليلة 6/7 أكتوبر 1973 تمكنت وحدات الكباري المصرية من إنشاء الكباري عبر القناة، حيث تعرضت هذه الكباري في اليوم التالي للهجمات الجوية الإسرائيلية، والتي اسـتطاعت إتلاف الكثير منها. وبالرغم من ذلك، فقد تمكن المهندسون المصريون من سرعة إصلاحها وتشغيلها، واستمر تدفق القوات المصرية دون توقف.

وفي نهاية يوم 6 أكتوبر 1973، وجد الجنرال "ماندلر" أنه فقد اكثر من ثلثي دباباته، التي بدأ بها القتال. ووجد جونين أنه لا توجد معاونة جوية حقيقية، ولا يوجد أي حل للموقف المتأزم حتى تصل الاحتياطيات.

[1] كانت هذه التدريبات جزء من خطة الخداع المصرية التي كانت ناجحة بدرجة كبيرة.

[2] من أشـهر قادة المدرعات الإسرائيلية، قتل خلال الحرب يوم 13 أكتوبر 1973، كان يُعْرَفْ بأنه من أكثر ضباط جيش الدفاع الإسرائيلي انضباطاً والتزاماً، كان قليل الكلام، يبلغ من العمر 45 عاما، كان قائداً للواء المدرع خلال حرب عام 1967 في جبهة الجولان، حيث تمكن من اختراق الخط الدفاعي السوري في الجولان.

[3] كان جونين قد اتصل قبل عودته من تل أبيب، أثناء حضوره "مؤتمر رئيس الأركان" وأبلغ ماندلر بأن يبدأ تحريك المدرعات لاتخاذ أوضاعها في الساعة الخامسة مساء وقبل بدء الهجوم المصري الذي كانت قد وصلت المعلومات لديهم بأنه سيبدأ في السادسة مساءً.

[4] يقصد وحدات اللواء 130 مشاة أسـطول التي عبرت من منطقة البحيرات والتي تكونت من 2 كتيبة برمائية وكتيبة دبابات برمائية.

[5] واسمها الرمزي بالعبرية "كتوبا Ktuba"

[6] الموقع المشار إليه هو إحدى النقط القوية في رقبة الأوزة شمالي القنطرة، وهناك مبالغة بطبيعة الحال في سرد هذا الحادث، لأن أفراد الموقع قاموا بالانسحاب قبل الهجوم عليهم يوم 6 أكتوبر 1973 ناجين بحياتهم وقبل الأسر أو القتل.

[7] نظرا لانعزال هذا الموقع عن الجبهة فقد صدرت التعليمات من القيادة المصرية بمحاصرة هذا الموقع حتى يتم استسلامه من أجل الحصول على أعداد كبيرة من الأسرى الإسرائيليين"، وبالفعل نجح الحصار في تحقيق هذا الهدف، وكان يمكن نسف الموقع بالكامل بواسطة المهندسين المصريين وقتل من فيه، ولكن كان هناك هدف أهم، هو الحصول على أسرى.

[8] دان شمرون هو من جيل الصابرا ومولود في كوبوتز، وكان ضابط في سلاح المظلات، وهو الذي قام بعملية عنتيبي، لفك أسرى الأفراد الإسرائيليين المحتجزين في أوغندا، والمعروف أن دان شمرون تولى منصب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي فيما بعد.

[9] تقع رأس مسلة على مسافة 12 ميلاً جنوب السويس.

المبحث الثامن: القتال شرق القناة يومي 7، 8 أكتوبر

أولاً: أعمال قتال يوم 7 أكتوبر 1973

1. إغلاق باب المندب

في اليوم الثاني للحرب، كانت الأنباء جنوب البحر الأحمر، تعلن بأن البحرية المصـرية، حاولت إغراق ناقلة نفط محملة بالوقود متجهة إلى ميناء إيلات. كان ذلك يعنى أن هناك حصاراً بحرياً على إسرائيل من جنوب البحر الأحمر. فالممر البحري الجنوبي، أصبح مغـلقاً أمام حركة السفن الإسرائيلية، والمصريون يفرضون حصاراً بحرياً، على مقربة من مضيق باب المندب، بقوة بحرية مكونة من مدمرتان وغواصتان. ورغم أن السفن المصرية قديمة، ولكنها تكفي لمنع مرور السفن التجارية، خاصة أن الأسطول البحري الإسرائيلي بالبحر الأحمر فقيراً جداً، فقد كان السلاح البحري يعتمد على زوارق صغيرة وسريعة، ولكن قصيرة المدى.

بإغلاق ممر النفط إلى إيلات، كان من الضروري أن تعتمد إسرائيل على مخزونها من احتياطي الطوارئ. فحتى النفط كان يجلب من آبار أبورديس في سيناء، لم يعد متاحاً، بعد بدء الحرب.

2. الموقف على القناة

صباح يوم 7 أكتوبر 1973 أبلغ رئيس الأركان الجنرال أليعازر"، الجنرال جونين قائد الجبهة الجنوبية، بأنه لا يستطيع تقديم معاونه جوية في الوقت الحالي للجبهة الجنوبية، بسبب الموقف الخطر في جبهة الجولان، فقد وصلت القوات السورية في بعض الأماكن إلى منحـدرات الجولان، والخطورة أن يتمكنوا من الوصول إلى المستوطنات.

انتشرت القوات الإسرائيلية على جبهة القناة مع صباح يوم 7 على الطريق العرضي المسمى طريق المدفعية، الذي يقع على مسافة 9 كيلومترا شرق القناة، وأصبحت معظم الحصون محاصرة، وصدرت لها الأوامر بالصمود بمفردها في حالة عدم القدرة على الانسحاب، وأنها يمكنها أن تتلقى معاونه محدودة من المدفعية والطـائرات. لقد أصبحت الحصون في واقع الأمر مراكز للملاحظة، فهي المصدر الوحيد الذي يمكنه إبلاغ المعلومات بالرؤية المباشرة عما يجرى على طول الجبهة.

خلال ليلة 6/7 أكتوبر 1973، كان المصريون قد أقاموا 11 كوبرياً على القناة، معظمهم في القطاع الأوسط والشمالي من القناة. وعلى هذه الكباري تم خلال الليل، وحتى الصباح، نقل خمس فرق مشاة بدباباتهم ومركباتهم. وبقى بعض منها لازال يعبر حتى صباح يوم 7 في القطاع الجنوبي من القناة حيث تأخر إنشاء الكباري لمشاكل تتعلق بالتربة، وكان الواضح أن الدبابات والمركبات تعبر بدون إزعاج.

أما المدرعات الإسرائيلية فقد فقدت معظم قادتها إذ قتل العديد من قادة الفصائل. وأصبحت المدرعات في وضع بالغ السوء، فبعضها قد احترق، والبعض الآخر تعطل واستسلم كثير من الناجين للقوات المصرية التي صادفتهم، وقتل وجرح أعداد أخرى، ولم يعد من الممكن إعادة تجهيز الوحدات المدرعات الإسرائيلية، التي انخفضت كفاءتها بشكل ملحوظ.

اتخذ قائد القوات الجوية، الجنرال بيليد قراراً بتدمير الكباري، وبالفعل ففي الساعة الثانية يوم 7 أكتوبر 1973 أمر بتحويل جزء من الطيران الإسرائيلي من العمل على الجبهة الشمالية إلى الجبهة الجنوبية، لتدمير الكباري المصرية على قناة السويس. (اُنظر شكل الهجوم على رؤوس الكباري)

ولم تكن هذه الأهداف من السهل ضربها، فالمصريون يطلقون سحباً من الدخان تغطي الكباري.كذلك يقيمون بعض الكباري الهيكلية، ويستغل أفراد المهندسين المصريين، الفترات التي يهدأ فيها القصف، ويلقون إلى الماء بمعديات جديدة، ويستبدلون الأجزاء التي أصيبت.وكلما ازدادت الإصابات في الكباري، اتبع المصريون أساليب أخرى. ففي فترات التوقف بين عبور القوات يقومون بفك أجزاء من الكباري من ناحية ويربطونها إلى الجانب الشرقي من القنـاة. يصبح من الصعب على الطيارين الإسرائيليين تحديد مكان الكباري وضربها. ولكي تستطيع الطائرات القيام بضرب كوبري مربوطاً إلى الساتر الشرقي، يصبح عليها أن تنقض من ناحية الغرب، أي من ناحية الجانب المصري، المكدس بالصواريخ والمدفعية المضادة للطائرات، وبعد أن تنتهي الغارة الجوية الإسرائيلية المحدودة الزمن يعود المصريون لتركيب الكباري ومدها من جديد.

في الجنوب من القناة تحاول وحدات الجيش الثالث بقيادة اللواء عبد المنعم واصل، أن تتقدم نحو محوري متلا والجدي. وفي القطاع الأوسط من القناة الفردان يوجد رأس جسر من قوات الجيش الثاني بقيادة اللواء سعد مأمون، أما في الشمال فقد استطاع المصريين أن يسيطروا بسرعة على القطاع الشمالي كله من القنطرة إلى بور سعيد.

كانت الدبابات المصرية تتقدم، لمعاونة المشاة في تطوير الهجوم، وكانت المشاة مستمرة في التقدم والاختراق، حيث تحميهم مئات من الصواريخ المضادة للدبابات من نوع "ساجر" بعضها مركب على حاملات جنود، والغالبية محمول بيد الجنود في حقائب صغيرة وتعاونهم عشرات الدبابات. كان تقدم وحدات المشاة المصرية ببطء ولكنه مستمر، ولا توجد مدفعية إسرائيلية كافيه لإيقافها، والدبابات التي كانت موجودة في سيناء مع بداية الحرب، لم يتبقى منها سوى الثلث.

لقد سيطر المصريون على القناة، ولكن مازالت بعض المواقع صامدة، كان المصريون يحققون انتصارات تكتيكية، بعد أن نجحت عملية العبور. في الوقت الذي كان لازال القادة الإسرائيليين والوزراء، مقتنعين بإمكانية سحق الوحدات المصرية، وإلقائهم بعيدا إلى ما وراء القناة كانت القوة الرئيسية، المدافعة عن سيناء قد تآكلت. وأصبح جيش الدفاع الإسرائيلي على جبهة قناة السويس غير قادر على الصمود.

واستمرت البيانات العسكرية الإسرائيلية الغامضة في التحدث عما سيلاقيه المصريون على أيد القوات الإسرائيلية، وعن المواقع الجديدة التي يحتلها جيش الدفاع الإسرائيلي، دون ذكر لما حدث للمواقع القديمة، أو أين هي قوات خط بارليف الخارقة.

3. أعمال قتال يوم 7 أكتوبر 1973

كان القتال شرساً طوال يوم الأحد 7 أكتوبر 1973، وكانت الهجمات اليائسة مستمرة، دفعت مجموعة العمليات المدرعة في سيناء بقيادة ألبرت ماندلر، ثمناً باهظاً، لها فكلما حاولت الاتصال بأحد المواقع الحصينة المحاصرة، ردت على أعقابها مدحورة، وفقدت العديد من دباباتها.

اقتحم المصريون الخط الأول للدفاع الإسرائيلي، ودمروا الوحدات الإسرائيلية التي أرسلت لتعزيزه. لقد كان قتال اليومان الأول والثاني من الحرب في منتهى القسوة، كلف الإسرائيليين، خسائر عالية، ويبدو أن ذلك لم يكن كافياً ليدركوا أن كل شئ قد اختلف هذه المرة.

4. التعزيز بالتشكيلات المدرعة من عمق سيناء (الاحتياطات العملياتية)

منذ يوم السادس من أكتوبر 1973 بدأت الأفراد الاحتياط في التوجه إلى مخازن الطوارئ، وبدأت فصائل وسرايا الدبابات في التقدم سريعاً نحو الشرق، ولم يكن من الممكن بالطبع، أن تدفع إلى القتال فوراً، عند وصولها فرادى، كان لا بد من الانتظار حتى تكتمل في حشد قوي ومناسب.

تعرضت للقوات المدرعة الاحتياطية أثناء تقدمها من العمق لكمائن مصرية. ففي المحور الشمالي تلتقي قوات الكولونيل "ناتك" من مجموعة العمليات الرقم 162 بقيادة الجنرال آدن، برجال الكوماندو المصريين، عندما وصل دبابات ناتك إلى مشارف رمانة، وأثناء إنزال الدبابات من على الناقلات، انهالت بغتة نيران شديدة من الصـواريخ والأسلحة المضادة للدبابات والرشاشات على القوات الإسرائيلية، كانت النيران تنطلق من الشجيرات على جانبي الطريق، وتشتعل النيران في الدبابات، ويلقى 7 من أفراد الجيش الإسرائيلي مصرعهم ويصاب 21 فرد آخـرون. وبدأت معركة مطاردة مستمرة خلف أفراد الكوماندو المصريين، الذين لم يزد عددهم عن 150 فرداً ويقاتل أفراد الكوماندو بشراسة حتى يُـقتل معظمهم وينسحب الباقين، بعد أن تمكنوا من تعطيل الاحتياطيات لعدة ساعات. لقد كانت تلك مهمتهم، وقد نجحوا فيها رغم خسائرهم العالية.

بعد اجتماع في قيادة الجبهة الجنوبية، تقرر أن يكون يوم 8 أكتوبر 1973، هو اليوم الحاسم في الحرب، بتوجيه ضربة مضادة بمجموعتي عمليات مدرعتين، الأولى "المجموعة الرقم 162" بقيادة الجنرال ابراهام آدن والثانية "المجموعة الرقم 143" بقيادة الجنرال أرييل شارون. خصص القطاع الشمالي لهجوم آدن والقطاع الأوسط لهجوم شارون، مع تثبيت القطاع الجنوبي بما تبقى من دبابات ماندلر "المجموعة الرقم 252 المدرعة".

في المساء كانت القوات المصرية، قد أعدت نفسها لصد الهجمات المضادة المتوقعة، بعد أن تقدمت داخل سيناء لمسافة 10 ـ 12 كيلو متراً. كانت جميع وحدات المشاة المصرية قد أتمت عبورها وكذلك الألوية المدرعة الملحقة على الفرق المشاة.

ثانياً: أعمال قتال يوم 8 أكتوبر 1973

1. الموقف الأمريكي من نتائج الحرب واستعواض الخسائر الإسرائيلية

لم يرد الأمريكيون على مطالب إسرائيل من السلاح، ويزداد قلق رئيسة الوزراء وتجرى اتصالا مع السفير "دينيتز"، والملحق العسكري العميد جور. ويرسل رئيس بعثة وزارة الدفاع "بوندى درور" الذي انتقل من نيويورك إلى واشنطن، تقريرا يقول فيه أنه قد تم تجميع عتاد عسكري ضخم، والصعوبة الرئيسية هي نقل هذا العتاد، الذي تم تجميعه، إلى إسرائيل، فلا توجد وسائل نقل كافيه، ولن تكفي الطائرات المدنية لمثل هذه العملية، وحتى الطائرات المؤجرة لن تسد النقص.

كانت تلك إحدى المشاكل التي أزعجت مستشاري الرئيس الأمريكي، فقد وافقت الولايات المتحدة على أن تقدم للجيش الإسرائيلي تعويضا كاملا عن كل الأسلحة التي يفقدها في الحرب، وعندما وصلت المطالب الإسرائيلية إلى واشنطن، ذهلوا في البداية من الكميات المطلوبة، ومن عدد الأسلحة التي فقدت في اليومين الأولين للحرب. ويتضح لمستشار الرئيس الأمريكي أن مطالب إسرائيل من الصعب نقلها بإمكانيات النقل الإسرائيلي، ومن ثم فلابد أن تتدخل الولايات المتحدة لتنقل بنفسها هذا العتاد من خلال جسر جوى، ولم تكن كل المطالب تعويضاً عن الخسائر، فقد دس الإسرائيليون بينها أسلحة ومعدات لم تكن لديهم من قبل، ولكنها تمكنهم من أداء أفضل، خاصة الذخائر الشديدة الفاعلية، والمبرمجة.

من جهة أخرى فإن الدعاية الإسرائيلية قد تمكنت من فتح صنابير التبرع من اليهود في أوروبا وأمريكا والمتعاطفين مع إسرائيل، وتطوع كثير من الجنود السابقون بالدول الأوروبية وأمريكا للقتال إلى جانب جيش الدفاع الإسرائيلي.

2. مناقشة خطة الهجوم المضاد يوم 8 أكتوبر 1973

الساعة الرابعة مساء يوم 7 أكتوبر 1973، قام الجنرال دافيد أليعازر بعرض خطة هجوم يوم 8 أكتوبر 1973 على كل من جولدا مائير رئيسة الوزراء وموشي ديان وزير الدفاع. كان أليعازر يركز على القيام بالهجوم المضاد ضد القوات المصرية شرقي القناة في صباح يوم 8 أكتوبر 1973، بواسطة مجموعتي الجنرال آدن والجنرال شارون، لتدمير القوات المصرية شرق القناة، ثم العبور إلى الضفة الغربية لقناة السويس. وأكد أليعازر على أن هذه العملية تتصف بالمخاطرة الكبيرة. في نفس الوقت لم يوافق أليعازر، على فكرة ديان، باحتلال خط دفاعي جديد في العمق، أمام الجبهة المصرية. خاصة بعد أن توجه إلى سيناء وشاهد الموقف على الطبيعة، حيث يمكنه التأكيد على إمكانية نجاح الهجوم المضاد. وشرح أليعازر فكره الخطة وتفاصيلها، واستطاع إقناع الحاضرين بها.

قبل انتهاء مساء يوم 7 أكتوبر 1973، قام الجنرالان آدن وماجن، بالاستطلاع بطائرة خفيفة، في المنطقة بين بالوظة (على المحور الشمالي) ورفيديم في المليز على المحور الأوسط، ثم توجها إلى قيادة الجبهة. وفي الساعة السابعة إلا ربعاً حضر الجنرال دافيد أليعازر رئيس الأركان، وتوجه الجميع إلى مركز قيادة الجنرال جونين، قائد الجبهة الجنوبية، حيث كان قد سبقهم كل من إسحاق رابين "رئيس الأركان السابق" والجنرال جونين قائد الجبهة الجنوبية، ونائبه الجنرال أوري بن آري والجنرال ماندلر قائد الوحدات المدرعة المدافعة عن سيناء منذ بدء الحرب. كان الجميع يعلمون أن جيش الدفاع الإسرائيلي قد واجه 24 ساعة صعبة للغاية.

وجه رئيس الأركان سؤاله إلى الجنرال آدان Adan "المعروف باسم برن Bern"، عن الموقف في قطاعه! وبدأ أدان في شرح الموقف بشكل عام على الجبهة وبصفة خاصة في القطاع المحدد له، وكذا موقف تحركات وحداته التي تتقدم من العريش تجاه القنطرة. وشرح آدن المعركة التي دارت بين وحداته والكوماندو المصريين، والتي أوقعته في الكمائن بالقرب من بالوظة (منطقة روماني Romani) حسب الأسماء العبرية، كما قص ما عرفه من بعض القادة مثل "الوش" و "كلمان" و "جابى"، حول الأحداث التي دارت على الجبهة قبل وصوله.

أعطى آدن أمثله عن تحسن المستوى القتالي للجنود المصريين، وكيف استطاع أفراد الكوماندو إغلاق الطريق بين العريش والقنطرة، باستخدام النيران المؤثرة ضد قواته بالرغم من شن الهجوم ضدهم وقتل العديد منهم.

ثم اتجه أليعازر بالسؤال إلى جونين، لماذا لم يحضر شارون حتى الآن هذا الاجتماع ؟ ورد جونين قائلاً: لقد بلغت شارون بالحضور ولكن يبدو أن هناك سوء فهم، وأنه سيصل متأخراً.

لم يكن الجنرال شارون قد وصل بعد، رغم ذلك فقد بدأ جونين يلخص الموقف على الجبهة المصرية، وكيف تحملت قواته العديد من الخسائر في الرجال والدبابات والطائرات بالقول: "والآن بعد اقتراب الاحتياطيات من الخطوط الأمامية، فأننا سنلقي الضوء على الخطوات القادمة التي سنقوم باتخاذها. لقد وردت معلومات الاستطلاع بأن المصريين لديهم 12 كوبري، منتشرين على طول القناة، كما تتمركز له خمس فرق مشاة كاملة شرق القناة، وتم عبور مئات من الدبابات على طول مواجهة القناة. تتركز الدبابات المصرية في ثلاثة مناطق رئيسية، الأولى في منطقة القنطرة بالقطاع الشمالي، والثانية في منطقة الفرادن بالقطاع الأوسط، والثالثة في اتجاه ممر متلا بالقطاع الجنوبي، ولكن لم يتضح اتجاه المجهود الرئيسي لهم بعد.

بدأ جونين يستعرض الخطة لتدمير المصريين في الشرق، والتي تتلخص في قيام قوات آدن بالهجوم في جنوب القنطرة وقوات شارون بالهجوم بالقرب من مدينة السويس، أما قوات ماندلر فستبقى كاحتياطي لمراقبة تطورات الموقف، وفي مرحلة تالية يتم تركيز الهجوم في قطاع ضيق بالجـزء الجنوبي من الجبهة والعبور إلى الضفة الغربية بقوة مجموعتي عمليات.

عندما جاء دور الجنرال آدن أوضح رأيه في الخطة، إذ كان يرى عدم إمكان عبور أو حتى الاقتراب من القناة في هذه المرحلة. بل أن محاولة تخليص الجنود في النقط الحصينة المحاصرة سيكلفه الكثير من القوات، وربما يفشل في النهاية، كانت قوات آدن لم تكتمل بعد ففي فجر يوم 8 أكتوبر 1973 سوف يكون قد اكتمل له نحو 200 دبابة، أما الباقي فسيصل في منتصف اليوم، كذلك لم يكن متوفراً لديه مدفعية كافية، إذ كان لديه عشر قطع مدفعية فقط، أمّا باقي وحدات المدفعية، فلن تصل إلاّ في منتصف أو نهاية اليوم، علاوة على أن أحد الألوية المدرعة (وهو لواء أرييه) فما زال متحركاً، ولن يصل قبل ظهر يوم 8 أكتوبر 1973. اقترح آدن الاقتصار على هجوم مضاد محدود، لاستعادة المبادرة من المصريين، وهو ما يوقف تطوير المصريين لهجومهم شرقاً مؤقتاً، وتدمير أي قوة مدرعة مصرية تحاول اختراق عمق الدفاعات الإسرائيلية. أما العبور للغرب فمن الممكن أن يتم في النصف الثاني من يوم 8 أو في يوم 9.

لخص الجنرال دافيد أليعازر الموقف النهائي كآلاتي: في الغد "أي يوم 8 أكتوبر " من الممكن شن هجوم مضاد محدود وتدريجياً، من القنطرة في اتجاه الجنوب بواسطة مجموعة عمليات آدن، أما مجموعة عمليات شارون، فستكون مهمتها الأساسية خلال النصف الأول من اليوم هو العمل كاحتياطي لقوات آدن، من أجل احتواء القوات المصرية. تستمر مجموعة عمليات ماندلر في الدفاع لتثبيت القطاع الجنوبي من الجبهة. وفي النصف الثاني من اليوم يهاجم شارون من القطاع الأوسط والاتجاه جنوباً بمحاذاة القناة، وخلال هذه المرحلة يستمر ماندلر باحتواء وتثبيت القوات المصرية والعمل كاحتياطي عام. أكد الجنرال أليعازر أن هذه الهجمات سوف تنفذ بمعاونة مكثفة من المدفعية ومن الطيران، كما يجب أن تتم هذه الهجمات بعيداً عن مناطق تأثير حشود المشاة المصرية المدعمة بالأعداد الكبيرة من الصواريخ والأسلحة والمضادة للدبابات، وكذلك بعيداً عن المصاطب الموجودة في غرب القناة، والتي تطلق منها الدبابات والأسلحة المضادة للدبابات، نيرانها على أجناب القوات الإسرائيلية.

3. الجنرال جونين يجرى تعديلاً بالخطة

كانت مجموعة عمليات الجنرال أبراهام آدن مكونة من ثلاثة ألوية مدرعة" بها 200 دبابة، ويقودها ثلاثة من أكفأ قادة المدرعات في إسرائيل. خطط آدن للهجوم على نسق واحد وإذ يهاجم بلوائي ناتك وجابى ويحتفظ بلواء "آرييه" في الاحتياط. كان اتجاه الهجوم من الشمال إلى الجنوب، في القطاع من جنوب القنطرة إلى الفردان والدفرزوار شرق، في خط موازى للقناة للداخل عنها بمسافة 3 كم، على أن يتحرك لواء آرييه على الطريقين الموصلين من الطريق العرضي رقم 3 إلى القناة وهما طريقا مآديم Maadim وسبونتانى Spontani خلف لوائى ناتك وجابى. والذين سيتقدما بالوثبات[1].

وفي الساعة الرابعة صباح يوم 8 أكتوبر 1973 بدأ تحرك لوائي ناتك Natke وجابى Gabi في اتجاه الغرب أما لواء آرييه Arieh فلم يكن قد وصل بعد، حيث لازال متحركا على الطريق من العريش إلى رمانه، حيث يتجه منها جنوباً ليصل إلى المحاور المحددة له (طريقي مآديم، وسبونتاني). (اُنظر شكل خطة الهجوم الإسرائيلي)

لم تشمل الخطة التي حددها رئيس الأركان، موضوع العبور غرب القناة، ولكن ركزت على الهجوم على رؤوس كباري القوات المصرية من أجل تدميرها، وعلى أهمية الابتعاد عن القناة، لعدم التعرض للخسائر[2]. أما العبور غرباً، فكان من المفترض أن تصدر به تعليمات لاحقاً، عندما يتم تدمير القوات المصرية في الشرق، أو بظهور بوادر النجاح في ذلك، وهو ما قصده رئيس الأركان، عندما سأشار إلى ذلك الجزء من الخطة في شرحه، وحتى يرفع من معنويات قادة المجموعات، والذي كان يعرف عنهم العنف البالغ في القتال، منذ حربي 56، 67.

شملت تعليمات الجنرال جونين إلى قادة المجموعات، بعض التعديلات، التي لم يأت ذكرها من قبل في تعليمات رئيس الأركان، خلال مؤتمر يوم 7 أكتوبر 1973. كما أن هذه التعليمات لم تتضمن عناصر عديدة معتادة لتأمين قوات الهجوم المضاد، منها على سبيل المثال: تعليمات التعاون ـ والجدول الزمني لتنفيذ المعاونات من المدفعية والطيران، الكلمات الرمزية لتنفيذ مراحل العمليات، وتحديد مهمة كل قوة بالتفصيل. كما كان من الواضح أن التعليمات صدرت عامة وغير كاملة بل أن هذه التعليمات لم تصل إلى بعض المشاركين في الخطة.

كانت تعليمات رئيس الأركان تؤكد على القيام بهجمات محدودة والبعد عن القناة، وبدلاً منها أكد الجـنرال جونين في تعليماته على مسح المنطقة بين الطريق العرض رقم 2 (طريق المدفعية) والضفة الشرقية للقـناة، وهزيمة وتدمير القوات المصرية الموجودة في هذه المنطقة، والاتصال بالقوات الإسرائيلية التي لازالت داخل النقط القوية الحصينة على القناة، ونجدتها مع الاستعداد للعبور إلى الضفة الغربية للقناة. وهي مراحل لم يكن رئيس الأركان قد أمر بها، بل على العكس، قد حذر من بعضها، خاصة الاقتراب من القناة، أو التورط في عمليات تطهير.

وفي الساعة الثامنة صباح يوم 8 أكتوبر 1973، كان المتيسر من الدبابات في المجموعات الثلاث لا يزيد عن 530 دبابة، منها 200 دبابة في مجموعة أدان، و180 دبابة في مجموعة شارون، أما مجموعة ماندلر فأصبحت تضم 150 دبابة، بعد استعواض نسبة من خسائرها. وكانت هذه الأعداد في رأى الجنرال جونين، كافية للقيام بالهجوم المضاد.

كان الموقف الحقيقي مختلف كلية[3]. إلا أن القادة استمروا في الاستعداد لتنفيذ الهجوم المضاد يوم 8 أكتوبر 1973. كان من الواضح أن هناك سوء فهم لدى القيادات المختلفة بجيش الدفاع الإسرائيلي. فلم تكن هناك لغة مشتركة بين رئاسة الأركان وقيادة الجبهة الجنوبية، وبالتأكيد لم تكن هناك أيضا لغة مشتركة بين قيادة الجبهة الجنوبية وبين قادة القوات التي تخوض الحرب تحت قيادتها.

4. بدء القتال يوم 8 أكتوبر 1973 (اُنظر شكل الهجوم قبل ظهر 8 أكتوبر)

في أول ضوء يوم 8 أكتوبر 1973، بدأ الطيران الإسرائيلي في مهاجمة القوات المصرية في قطاع الهجوم المضاد، ولسوء الحظ قاموا أيضا بمهاجمة لواء "ناتك". كما أبلغ ناتك في تقريره أنه شاهد الدبابات المصرية على مسافة كيلومترين إلى الغرب من قواته.

وفي الساعة السابعة صباحاً، قرر الجنرال آدن تحريك لواء آرييه الذي يعمل كاحتياطي، والذي وصل منه حتى ذلك الوقت اثنان وستون دبابة، على الطريق العرضي المسمى طريق المدفعية Arty Road، من خلال محورين. أما لوائي النسق الأول وهما لواءا ناتك وجابى فقد تقدما بعيدا إلى الغرب، نحو طريقي "هازيزيت"، و"ليكسيكون"[4]، وبدأت الوحدات تتعرض لنيران المدفعية المصرية المعادية، وفي نفس الوقت بدأت طائرات الميج في مهاجمة قوات "ناتك".

وفي الساعة السابعة وثلاثة وخمسون دقيقة صدرت الأوامر للهجوم، من الشمال إلى الجنوب، ولكن لسوء الحظ كانت وحدات ناتك قد اصطدمت مع القوات المصرية في القنطرة شرق، وكان من الصعب تخلصه من القتال. تعدلت الخطة، ليقوم لواءا جابي وآرييه بالهجوم جنوبا في اتجاه البحيرات المرة، تجاه النقط القوية في شمال البحيرات (ميزاميد Matzmed) يتحرك جابي في القطاع الغربي في منطقة التلال الواقعة بين طريق المدفعية وطريق ليكسيكون Lexicon. أما آرييه فيتحرك شرق جابى. كما صدرت التعليمات إلى "ناتك" للبقاء كما هو في مواجهة القنطرة، على أن يكون مستعداً، وبأوامر، للتقدم جنوباً خلف لوائي النسق الأول، للعمل كاحتياطي وصدرت التعليمات إلى جابى للعمل على تحقيق الاتصال بالنقط القوية "هيزايون Hizayon" و "بــركان Purkan"[5] شمال الإسماعيلية شرق.

بعد عشر دقائق من إعطاء الجنرال جونين أمر الهجوم، أبلغ الجنرال آدان أن وحداته تتعرض لقصف مدفعية مركز، ولنيران وحدات اقتناص الدبابات من الكوماندو المصرية، وطلب من الجنرال جونين تقديم المعاونة له بنيران المدفعية والطيران. وحتى تتجنب القوات الخسائر الكبيرة أصدر جونين أوامره بعدم الاقتراب من القناة مضطراً.

وبدأ لوائي نسق أول في التقدم تحت تأثير نيران المدفعية، وفي الساعة التاسعة وصل لواء جابى بالقرب من هافراجا Havraga"[6]. تلك المنطقة التي أصبحت في الساعات التالية ساحة المعركة الرئيسية في يوم 8 أكتوبر 1973. أمّا الجنرال آدن "فقد اتخذ منطقة "زراكور Zrakor"[7] مركزاً للملاحظة له، لمراقبة سير القتال.

أبلغ ناتك Natke بتقدمه غرباً على المحور المؤدى إلى الفردان وتمكن قواته من تدمير 7 دبابات مصرية، كما قام بقصف المنطقة التي يمكن فيها أطقم المقذوفات الموجهة المضادة للدبابات، وأصبح جاهزا الآن للتقدم تجاه الجنوب. (اُنظر شكل هجوم مجموعة عمليات آدن)

أما جابى Gabi فقد أبلغ قائد المجموعة، أن قواته قتلت بعض المصريين، وأسرت البعض الآخر، وأنه تقدم بنجاح على طريقي أروف Arov، وهى الوصلة المتجهة إلى جنوب البلاح، وهفيفا Haviva وهى الوصلة المؤدية إلى الفردان.

في الساعة التاسعة والربع، طلب قائد الجبهة الجنوبية، تقرير عن الموقف من الجنرال آدن، الذي ابلغه بأنه يحقق نجاحاً في تقدمه، وأنه سيتقدم في اتجاه الموقع الحصين في الفردان، كما طلب مساندة جوية لإسكات مواقع المدفعية المصرية التي تؤثر بشدة على وحداته، على أن يوجه نيرانها مجموعات الإدارة الجوية المرافقة له. وتساءل آدن عن الأسبقية التي يعطيها لتنفيذ مهمته: هل هي تدمير أكبر كم من القوات المصرية، أو تحقيق الاتصال بالنقطة القوية في الفردان أو العبور غرباً، وكان رد جونين هو تنفيذ كل ذلك وأكثر منه.

كانت تعليمات الجنرال جونين واضحة إلى آدن بالاتجاه جنوباً بأقصى سرعة، والعبور من خلال كوبري الدفرزوار عند الموقع الحصين ميزاميد Matzmed وإنشاء رأس كوبري غرب القناة على وصلة أبو سلطان (طريق "هافيت Hafit road").

كان لواء "ناتك" مشتبكاً مع دبابات اللواء 15 مدرع المصري (دباباته من نوع تي ـ 62 T-62)، في جنوب القنطرة. أما جابي فكان مشتبكاً مع دبابات ومواقع صواريخ مضادة للدبابات ساجر في منطقة النخيل "3 كم شرقي القناة"، على طريق اروف Arov وهي الوصلة المؤدية إلى جنوب البلاح.

طلب الجنرال جونين الساعة التاسعة وأربعون دقيقة معرفة الموقف من الجنرال آدن، الذي أبلغه أن وحدات الفرقة مشتبكة في معركة بالقرب من هيزايون عند كوبرى الفردان، وأن الاتصال بموقع الفردان سيتأخر، وطلب مرة أخرى مساندة الطيران، ولكن آدن تملكته الدهشة عندما علم من جونين أن الطيران قام بتقديم المعاونة بالفعل، وأن الطيران لا يستطيع الآن الاشتراك في هجمات أخرى[8]. أكد آدن أهمية حصوله على مساندة جوية لاستكمال هجومه تجاه الفردان.

بعد ربع ساعة اتصل جونين مرة ثانية، وطلب من آدن، الإسراع في هجومه جنوبا إلى منطقة البحيرات المرة لتحقيق الاتصال بمنطقتي "ميسورى" و"المزرعة الصينية" على مسافة 25 كم جنوب البلاح ورد آدن قائلاً أنا لست مرتاحا لهذا الانتشار الممتد للقوات، ولكن إذا كان هذا بالضرورة، فإنني سأحاول". ومن ثم رد جونين "بالطبع هو أمر مهم جدا، والأهم هو محاولة العبور بقوة صغيرة غرباً والتي سيكون لها تأثير كبير في تغيير الموقف العسكري".

في الساعة العاشرة وصل طائرة عمودية، الجنرال آرى بن آرى، نائب قائد الجبهة الجنوبية، إلى مركز ملاحظة الجنرال آدن، حاملاً رسالة عاجلة، تفيد بأن القوات المصرية بدأت تنهار، وأكد على أهمية الإسراع بالهجوم، لتدميرها. ولتنفيذ ذلك، كان لابد من سحب لواء ناتك "من القنطرة، مع ترك قوة صغيرة أمام اللواء 15 مدرع المصري، والتقدم على وجه السرعة على طريق "ليكسيكون"، وتدمير أي قوات مصرية متمركزة غرب الطريق أثناء التقدم.

صدرت التعليمات إلى ناتك للإسراع بالتقدم جنوباً، للاشتراك في الهجوم، ثم صدرت التعليمات إلى جابي للإسراع بتحقيق الاتصال بالنقطة القوية في الفردان، على أن يكون مستعداً للعبور غرباً كمرحلة تالية، ولكن جابي كان قد وقع بالفعل تحت تأثير نيران المدفعية المصرية وكذا نيران الدبابات والصواريخ الموجهة المضادّة للدبابات، وأصبح مشكوكاً في إمكانية تنفيذ التعليمات، في الوقت المناسب. لذلك طلب آدن دعمه بإحدى الكتائب المدرعة من مجموعة شارون والمتمركزة بالقرب من قواته، كما طلب دعمه بنيران المدفعية والطيران. ولكن شارون لم يعطي أي تعليمات لذلك، إذ يبدو أن شارون كان يتجاهل تعليمات جونبن متعللاً بأنه متحركاً بالمجموعة جنوباً، لذلك فإنه لا يستطيع أن يدعم آدن بأي جزء من قواته.

اتصل دافيد أليعازر رئيس الأركان بالجنرال جونين الساعة الحادية عشر وخمسة وعشرون دقيقة، وناقش معه خطة شارون للهجوم عند منطقة البحيرات المرة، وأكد جونين أن شارون لن يصـل إلى خـط بدء المهمة قبل 4 ـ 5 ساعة من بدأ تحركه[9]. وكانت الخطة التي سبق تصديق الجنرال أليعازر عليها هي أن يقوم بالهجوم من الشمال إلى الجنوب وبالتحديد من القطاع الجنوبي للبحيرات المرة حتى شمال الخليج، على أن يكون مستعداً للعبور لاحتلال مدينة السويس، ولكن شارون قام بتعديل الخطة حيث أراد الهجوم من الجنوب إلى الشمال، حيث أن ذلك طبقا لمقترحاته سيحقق له سرعة القضاء على المصريين.

بدأت دبابات آدن في التقدم تحت ستر نيران المدفعية، بعد أن أصبح بكل كتيبة دبابات من ألويته المدرعة ما لا يزيد عن 20 دبابة، علاوة على بعض وحدات المدفعية بالكاد تكمل ثلاثة كتائب مدفعية.

في الساعة الواحدة والنصف ظهراً توقفت القوات، بعد أن واجهت نيران كثيفة من الدبابات والصواريخ الساجر (المالوتكا) المصرية، وازداد حجم الخسائر نتيجة لتدمير الدبابات والمركبات نصف جنزير بفعل النيران الكثيفة.

خلال الربع ساعة التالية، بدأت تظهر بوادر الفشل، فقد أبلغ ناتك أن دباباته قد تدمرت، واشتعلت فيها النيران الواحدة بعد الأخرى، وطالب بسرعة دعمه بالقوات، وبدأ الجنرال آدن يتحسس مرارة الهزيمة، فالدبابات تحترق، وحاول السيطرة على هدوئه. تحمل لواء ناتك خسائر جسيمة، فصدرت له الأوامر بالانسحاب مع البقية الباقية من دباباته. أما أرييه فقد أوضح في بلاغه، أن قواته بهذا الحجم الصغير لا تستطيع أن تحقق مهمتها، في مواجهة القوات المصرية في قطاع هجومه، كما أن عدد من دباباته دمرت في منطقة نوزيل Nozel وأن إحدى الوحدات المدرعة المصرية تواجهه من الجنوب.

أبلغ ناتك الساعة الثانية والنصف ظهراً أنه فقد الاتصال مع أحد قادة كتائبه، وهو الكولونيل عساف ياجوري، وأن لديه اعتقاد بأن شيئاً خطأ قد حدث. وفي نفس الوقت بدأ آرييه يواجه القوات المصرية التي عبرت كوبري الفردان، وبدأت تهاجمه من الشمال إلى الجنوب، ووقعت وحداته تحت تأثير نيران المدفعية كذلك، وفتحت الدبابات من شرق القناة وغربها النيران عليه، إضافة إلى وقوع بعض الدبابات في كمين صواريخ مضادة للدبابات من نوع ساجر، أجهز على عدد كبير منها.

قفزت أطقم الدبابات والمركبات المدرعة من المركبات المحترقة. ولم يتبقى من لواء ناتك خلال دقائق سوى أربعة دبابات، وقتل وجرح العديد من قادة السرايا والفصائل وأطقم الدبابات، وهناك البعض الذين لم يعرف موقفهم ويبدو أنهم أسروا، لقد فقد ناتك 54 فرداً من رجاله في هذا اليوم الكئيب. لقد كانت ضربة شاقة ومريرة، ومن الصعب وصف الإحساس بهذه الساعات الطويلة، خاصة أن الاتصالات كانت صعبة للغاية، إذ كان المصريون يعيقون الاتصال على الشبكات اللاسلكية، مستخدمين عناصر الحرب الإلكترونية، في مباغتة قاسية وحرجة للقوات الإسرائيلية.

أما آرييه، فقد طلب بسحب ما تبقى من دباباته، إذ أن المصريين يطبقون عليه، وأنهم في طريقهم لقطع الطريق بينه وبين الطاسة. وفي هذه اللحظة بدأت تتساقط قذائف المدفعية حول مركز ملاحظة آدن، كما غطى الدخان والرمال للمنطقة المحيطة به. وأصبح الموقف المحيط بالقيادة مخيف كذلك، وتأثرت الاتصالات وقتل ضابط الإشارة "يوسف ديشيف"، كما أن العديد من أفراد مركز القيادة قد جرحوا. وكان موقفاً صعباً في الوقت الذي يجري فيه إخلاء الخسائر قرر آدن الانسحاب من قطاع الفردان، وبدون تردد، فلقد فقد كل لواء مدرع ما يقرب من كتيبة أو أكثر من الدبابات خلال وقت قصير.

بدأت القوات المصرية هجومها بنحو مائة دبابة في الساعة الخامسة مساءً، وأصبح المطلب الرئيسي لقادة ألوية آدن هو المعاونة العاجلة بالطيران، فالمصريون يتقدمون بأعداد كبيرة، وليست لدى وحدات آدن الإمكانيات لصدها. وتعرض جابي وأرييه لهجوم ثقيل، ولم يكن لديهم ما يمكنهم من إيقاف هذا الهجوم.

كان هجوم القوات المصرية على محورين: الأول من اتجاه الفرقة الثانية المشاة من شمال الطريق الأوسط، والثاني من اتجاه الفرقة 16 مشاة من جنوب الطريق ومن الاتجاهين كان يتقدم الآلاف من المشاة المدعمة بالدبابات. كانت القوات الإسرائيلية قد أصبحت صغيرة الحجم بعد الخسائر التي تعرضت لها وغير منظمة ومرهقة في آن واحد. ولم يعد هناك فرصة أمام آدن للنجاة سوى بالانسحاب السريع.

أصدر آدن التعليمات إلى وحداته بالانسحاب ليحافظ على ما تبقى من دباباته والتي لم تتعدى 120 دبابة، استعداداً للقتال في اليوم التالي.

يعلق الجنرال شارون "Sharon" في كتابه المقاتل "Warrior" على القتال الذي دار في ذلك اليوم: "خلال الأربع ساعات الأولى للقتال فقدنا 200 دبابة، من 300 دبابة، التي تمثل النسق الأول للوحدات المدرعة. كنا ندفع بالوحدات الصغيرة، واحدة تلو الأخرى، في مهام لا أمل فيها، وفشلت جميع الهجمات المضادة السريعة، التي قامت بها الوحدات المدرعة".

ويستطرد قائلاً: "لقد كان رأيي، من أجل إحباط هجوم المصريين ـ وهو ما قلته للجنرال جونين ـ لا بدّ أن نركز هجومنا بمجموعتين مدرعتين في قطاع صغير من الجبهة". ورد جونين قائلاً: "لا نستطيع ذلك فالقوة الوحيدة التي نمتلكها الآن من هذا الموقع "يقصد الطاسة" وحتى تل أبيب والتي تستطيع أن تقوم بعمل هجومي هي مجموعتك". وعندما قال ذلك رددت قائلاً: "أن هدف المصريين ليس تل أبيب، إنما هدفهم هو عبور قناة السويس والتقدم شرق إلى مسافة 5 ـ 7 أميال، لأنهم لا يستطيعون التقدم أكثر من ذلك حتى لا يفقدوا تأمين وحدات الدفاع الجوى لهم".

خلال الاجتماع الذي تم مساء يوم 7 أكتوبر 1973 في قيادة الجبهة اتصل بي الجنرال موشي ديان وقال: إريك (يقصد شارون)، نحن نضع آمالنا وحساباتنا عليك، من أجل تغيير الموقف على الجبهة المصرية".

"في الساعة الحادية عشر إلا ربعاً صباح يوم 8 أكتوبر 1973، تلقى شارون أمراً بالتحرك لاستغلال نجاح آدن، والهجوم جنوباً، وكان عليّه التحرك نحو 70 ميلاً جنوباً، من أجل يهاجم رأس كوبري للمصريين في تلك المنطقة، ثم العبور غرباً بالقرب من مدينة السويس، فسر شارون ذلك على أن قوات آدن قد حققت نجاحاً كاسحاً، في اتجاه قوات الجيش الثاني. وكان ذلك غير حقيقي تماماً، ونتج عن هذا التفسير الخاطئ، تحرك مبكر لقوات شارون، وعندما احتاج آدن دعم بجزء منها، لم تكن في وضع يمكنها أن تقدم الدعم المطلوب، إلا بعد ساعات طويلة، يكون فيها القتال قد انتهى.

5. نتائج أعمال قتال يوم 8 أكتوبر 1973

ارتفعت خسائر القوات الإسرائيلية بدرجة كبيرة، فلم يحدث قط خلال الحروب السابقة أن فقد الجيش الإسرائيلي مثل هذه الأعداد من القتلى والجرحى، وطوال هذه الساعات الرهيبة كان القسم الطبي في الجيش يعمل بغير توقف، وكان الأطباء العسكريون يقومون بالعمليات الجراحية الدقيقة في ضوء البطاريات الكهربية.

كانت مئات من الدبابات تشترك في المواجهة، بل وحدث تداخل بين القوات، بل أن معارك الدبابات التي وقعت خلال الحرب العالمية الثانية في شمال أفريقيا لم تتسع إلى هذا الحد الذي بلغته حرب عيد الغفران. كانت الدبابات الإسرائيلية تقاتل وهي تنسحب لتنجو من الدمار، وللمرة الأولى، فأنها تعطلت في أرض العدو وبداخلها القتلى والجرحى، بغير أن يستطيع أحد تخليصهم منها، لقد قتل أو أسر عدد كبير من أطقم الدبابات التي تم تدميرها.

وكان على أي قائد إسرائيلي، يتقرر دخوله في اتصال مباشر مع المصريين، أن يختار في ظرف ثوان معدودة بين تخليص الجرحى أو الاشتباك مع من يهاجمه.

لقد فقدت قوات الجنرال آدن في ذلك اليوم جانباً كبيراً من قواتها، وكانت قوات الجنرال ماندلر قد سبقتها، فقد نزلت بها خسائر فادحة طوال يومي 6 و7 أكتوبر 1973.

[1] أسلوب الضرب مع الحركة وهو تكتيك قديم معروف.

[2] كان الهدف هو الابتعاد عن نيران القوات المصرية غرب القناة مباشرة، والتي تم احتلالها بالدبابات والصواريخ المضادة للدبابات المصرية.

[3] يقصد أن الموقف الحقيقي على الجبهة كان مختلفاً، فمعظم قوات ماندلر قد أصيب بخسائر فادحة، وأصبحت غير قادرة على شن هجمات مضادة جديدة، وقوات آدن أصيب إحدى لواءاتها بخسائر في كمين مصري أثناء تقدمه قرب بالوظه، كما أن المدفعية لا تتعدى 10 قطع، وتفتقر كل القوات لعنصر المشاة، كما وجهت القوات الجوية مجهودها الرئيسي إلى الجبهة السورية بعيداً عن القناة.

[4] وهى الطرق الموصلة إلى شرقي البلاح.

[5] هيزايون Hizayon وهي النقط القوية بالفردان، وبركان Purkan وهي النقط القوية رقم 6 في شمال شرق بحيرة التمساح.

[6] منطقة في شمال شرق بحيرة التمساح تقع في تقاطع طريق المدفعية `الطريق العرضي الرقم 2` والوصلة القادمة إلى البلاح.

[7] تقع زراكور Zrakor، على طريق المدفعية في المنتصف بين الطريق الواصل من الطريق العرضي رقم (3) إلى البلاح `المسمى مآديم Maadim، والطريق الواصل بين الطريق العرضي الرقم 2 ووصلة الفردان والمسمى (سبونتاني) Spontani.

[8] كان الطيران في ذلك الوقت يركز معظم طلعاته على الجبهة السورية.

[9] كان شارون قد صدرت له التعليمات بالتحرك في الساعة الحادية عشر إلا ربعاً، يوم 8 أكتوبر 1973.

المبحث التاسع: القتال شرق القناة من يوم 9 أكتوبر حتى 14 أكتوبر

أولاً: أعمال قتال يوم 9 أكتوبر 1973

في صباح يوم 9 أكتوبر 1973، كان شارون يسعى لإحراز نصراً لم يحققه زملاؤه الجنرالات مندلر وآدن، ويبعد الصورة السيئة التي ظهر عليها بالأمس لعدم الإسراع بمعاونة آدن. اختار شارون ميدان المعركة بنفسه، حيث تتدرج ارتفاعات الأرض من الغرب إلى الشرق، ويسهل على المهاجم من الشرق الاندفاع بشدة في اتجاه المدافع في الغرب. واختار هدف هجومه ليكون في اتجاه الدفرزوار وهي الأرض التي تسمح له بتحقيق نجاح، حيث سبق له أن درب قواته على مثل هذا الهجوم والعبور من قطاع الدفرزوار عندما كان قائداً للجبهة الجنوبية.

وعلى المستوى السياسي داخل إسرائيل، كان هذا اليوم يوماً صعباً لموشي ديان، الذي انتابته أزمة تشاؤم لم يفق منها، كان ديان يتحدث إلى مرؤوسيه، وإلى القيادة السياسية طالباً الانسحاب إلى الخط الثاني، و"كان يقصد الانسحاب إلى خط المضايق".

ويقول ديان للصحفيين المذهولين، "ليس لدينا الآن قوة لإلقاء المصريين وراء القناة، بدون أن نستنزف قواتنا تماما تقريباً، إذا حاولنا ذلك، فسوف نفقد قوتنا ونظل في دولة إسرائيل بدون قوة، ما يجب علينا أن نفعله هو الاستعداد في خطوط أخرى. وهكذا أيضا في الجزء الجنوبي من سيناء، فهناك الطريق مفتوح، علينا أن نقيم خطا دفاعيا في مكان ما بين القناة وسلسلة الجبال بحيث لا يستطيعون اجتيازه، وهم لن يستطيعوا اجتياز هذا الخط إذا استعددنا جيداً، وسيظهر أمام العالم كله أننا لسنا أقوياء أكثر من المصريين".

قررت رئيسة الوزراء، تعيين حاييم بارليف مساعداً لقائد الجبهة الجنوبية الجنرال جونين. ولم يكن جونين راضياً على الإطلاق عن هذا القرار.

من وجهه أخرى فقد استطاع المصريون أن يدعموا قواتهم، على طول القناة، بنحو 700 دبابة، وتمكنوا من إصلاح الجسور التي أصيبت، وتدفقت عليهم الإمدادات الكثيرة من الدول العربية والسوفيت، واستطاعوا أن يمدوا خطوط المياه والوقود وكوابل الاتصال تحت سطح الماء في القناة.

لقد أصبحت المشكلة الرئيسية لجيش الدفاع الإسرائيلي، هي عدد الدبابات الصالحة للعمل، فلقد أصبح عدد كبير غير صالح للاستعمال إما لأسباب فنية، أو من الإصابات المباشرة، رغم نجاح الأطقم الفنية في إعادة الكثير منها إلى المعركة، وهو ما أدى إلى ارتفاع عدد الدبابات في فرقة آدن نسبياً.

1. القتال في قطاع الدفرزوار يوم 9 أكتوبر 1973

صباح يوم 9 أكتوبر 1973 وبعد عودة مجموعة العمليات الرقم 143 المدرعة إلى مكان تمركزها جنوب الطريق الأوسط ليلة 8/9 أكتوبر 1973، أصدر شارون أوامره إلى قادة الألوية الثلاث، (آمنون ريشيف، حاييم اريز، وتوفيا رفيف) بالاستعداد لخوض معركة حاسمة من أجل احتواء الهجوم المصري. وحدد لكل واحد منهم قطاع هجومه، فكان على حاييم الهجوم على منطقة هاموتال Hamutal "جنوب الطريق الأوسط"، أما توفيا فيهاجم منطقة ماكشير Machshir، بين الطريق الأوسط ووصلة الدفرسوار، وعلى آمنون تحقيق الاتصال مع النقطة القوية بوركان شمال الإسماعيلية شرق. (اُنظر شكل هجوم مجموعة عمليات 143 مدرع)

في الصباح الباكر استطاع عدد من الدبابات والمركبات المدرعة من لواء آمنون، أن تخترق غرباً على طريق تاليسمان Talissman، (الطريق الأوسط)، في المنطقة شمال "هاموتال" أي في الشمال الشرقي لبحيرة التمساح"، ولكن الصواريخ المصرية تمكنت من تدمير 3 مركبات مدرعة منها.

كما اصطدمت عناصر لواء توفيا بهجوم لللواء 14 مدرع المصري، ومن ثم قرر شارون دفع عناصر مدرعة للهجوم في مناطق تليفزيا Televizia وماكشير على الطريق العرضي الرقم (2) جنوب الطريق الأوسط "طريق تليسمان" من أجْل السيطرة على تقاطع الطريق الأوسط مع الطرق العرض الرقم (2).

وفي الساعة السابعة صباحاً هاجم لواء (حاييم) منطقة هاموتال، وبدأت المصاعب تواجهه، إذ اصطدم بعناصر المشاة المخندقة، المدعمة بالصواريخ المضادة للدبابات، وأصبح في موقف معقد للغاية، لقد قاتل الرجال بشجاعة، ولكن القوات المصرية لم تترك له فرصة وتصاعدت خسائره بسرعة، فكل قادة السرايا الثلاث من إحدى الكتائب وكذلك قادة الفصائل وقادة أطقم الدبابات أصيبوا، حتى دبابة قائد الكتيبة أصيبت. ووافق قائد اللواء على الانسحاب بينما يتم إخلاء الخسائر، لم يكن باقي سوى 7 دبابات فقط سليمة، من إجمالي 24 دبابة.

بينما القتال دائر بين الجانبين، تمكنت قوة صغيرة من لواء آمنون من دبابتين وأربع مركبات مدرعة التقدم على طريق "تاليسمان" بالقرب من منطقة هاموتال، كان عليهم إخلاء الأفراد المحاصرين في الموقع رقم 6 Purkan، واتجهوا نحو الغرب لمقابله الأفراد المنسحبين من الموقع، حيث استطاعوا بالفعل أن يقابلوهم، إلا أن النيران المصرية لاحقتهم، وأصيبت 3 مركبات مدرعة دفعة واحدة، واضطروا إلى حمل الأفراد المنسحبين، والبالغ عددهم نحو ثلاثين فرداً، بالمركبة الرابعة وفي الدبابتين.

بينما القتال يدور في منطقة هاموتال، قرر الجنرال شارون، أن يستولى على الهدف، ماكشير "Machshir"[1] وكلف لواء "توفيا" Tovia بهذه المهمة، الذي قرر الهجوم من اتجاه الشرق، ولكن الاقتراب من هذا الطريق كان صعبا، خاصة أن هذه المنطقة تقع تحت تأثير نيران المدفعية المصرية. قتل قائد الكتيبة المكلف بالهجوم، بل أن نائب قائد اللواء الذي تولى قيادة هذه الكتيبة قتل هو الآخر وفشل الهجوم وتوقف لواء "توفيا" إلى الشرق من "ماكشير". بعد ساعتين تقريباً (الساعة التاسعة والنصف صباحاً).

تقدم اللواء 14 مدرع المصري (60 دبابة) في اتجاه هاماديا Hamadia، وهـي المنطقـة الواقعـة بين وصلة الدفرزوار مع الطريق العرض الرقم 2، فوجهت نيران وحدات المدفعية الإسرائيلية ضده، واشتبكت معه الدبابات في معركة استمرت نحو الساعة، تمكنت القوات الإسرائيلية خلالها تدمير 35 دبابة في مقابل دبابتين إسرائيليتين، وفي الساعة العاشرة والنصف بدأت الوحدات المدرعة المصرية في التراجع.

قرر شارون استغلال النجاح والهجوم بلواءين في اتجاه منطقتي، تليفزيا وميسوري شرق طوسون، واستمر القتال لمدة أربعة ساعات تكرر خلالها الهجوم أربع مرات، واستطاعت دبابات شارون تدمير الدبابات المصرية، وفي المقابل خسرت مجموعة شارون 40 دبابة. قرر شارون دفع لواء توفيا للقتال من الشرق إلى الغرب على ثلاثة محاور لمهاجمة منطقة ماكشير من الشمال ومنطقة تليفزيا من اتجاه "هاموتال" والاتجاه الثالث من كيشوف Kishuf في الجنوب في اتجاه ميسوري وهي مناورة صعبة. وقعت القوات المهاجمة بين هاموتال وماكشير تحت تأثير الصواريخ الساجر، ودُمر منها 13 دبابة وتركت 7 دبابات منهم لم يتم إخلاءها، وتم إخلاء بعض الجرحى وفقد 12 فرد لم يتم العثور عليهم. أمّا القوة المهاجمة تجاه "تليفزيا" فقد وقعت هي الأخرى تحت تأثير نيران الصواريخ المضادة للدبابات وقتل قائد الكتيبة، ودمر عدد من دباباته، فاضطر شارون لإصدار أوامره بالتوقف عن الهجوم. كانت خسائر لواء توفيا خلال هذا القتال، تدمير 25 دبابة.

في الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر، أصدر شارون أوامره إلى آمنون بالهجوم على جانبي وصلة الدفرزوار، طريق أكافيش Akavish Road، وهي الوصلة القادمة من الطاسة على الطريق الأوسط إلى موقع الدفرزوار شمال البحيرات المرة والثاني على الطريق الممهد جنوبه وقعت الكتيبة المتقدمة على طريق أكافيش (وصلة الدفرسوار) في ستارة مضادة للدبابات دمرت الدبابات الأربع الأمامية منها، فتراجعت الكتيبة المهاجمة على هذا المحور إلى "كيشوف Kishuf"، على الاتجاه الآخر قتل قائد الكتيبة المهاجم في اتجاه "تليفزيا"، واستمرت الكتيبة في القتال تحت قيادة نائبه حتى استطاعت الاستيلاء على "تليفزيا".

تكرر الهجوم مرة ثانية بعد ساعة، وقبل حلول الظلام، بمساعدة لواء من قوات آدن واستمر الهجوم حتى الساعة السادسة والنصف مساءً ولم يحقق هو الآخر أي نجاح يُذكر.

وجنوباً من طريق "اكافيش"، حدث أمر ملفت للنظر، فقد تمكنت عناصر الاستطلاع المدرعة، بقيادة المقدم " يوآف " من الوصول إلى أقصى الغرب على طريق ليكسيكون، شمال البحيرات المرة، دون أن يواجه بأي مقاومة من المصريين، واكتشفت منطقة غير مغطاة بالنيران، ولا يراقبها المصريون تسمح ببدء أي هجوم دون أي مواجهة، كانت تلك نقطة حاسمة في تاريخ المعارك بعد ذلك[2]. على الفور اتصل شارون، بالجنرال جونين، واقترح عليه أن يترك وحدة الاستطلاع في هذه المنطقة، لكي تقوم بالإعداد للعبور من هذا القطاع في الصباح التالي. لم يوافق رئيس الأركان على هذه الفكرة، وأمر بعودة وحدة الاستطلاع إلى منطقة " كيشوف "، ولكن شارون لم ينفذ ذلك، ومرة ثانية، حاول إقناع جونين بأن فرصة ذهبية يمكن استغلالها، ولكن رئيس الأركان لم يقتنع بالفكرة وأمر بعودة الوحدة مرة أخرى، واضطر شارون لإصدار الأوامر بعودة وحدته، إلا أنها لم تعُد إلا في صباح اليوم التالي.

كان على المصريين في ذلك اليوم أن يستمروا في تطوير هجومهم، حتى الوصول برأس الكوبري إلى طريق عرضي "المدفعية"، والتقدم على طريق الخليج صوب رأس سدر، ولكنهم لم يستطيعوا تحقيق تقدم يذكر على محور الطريق الأوسط وجنوباً في الوقت الذي حققوا فيه عدة نجاحات بالقطاع الجنوبي.

أمّا قوات ماندلر فقد أصبحت وبعد إمدادها ببعض الدبابات، مكونة من 145 دبابة، موزعة على محوري متلا والجدي على الطريق العرضي وعلى مدخل الممرين كنسق ثاني للجبهة. وقد صدت كل محاولات المصريين للهجوم تجاه ممر الجدي، ولكنهم حققوا نجاحاً في قطاع متلا، فلقد وقع لواء "دان" تحت تأثير هجوم ثقيل من الفرقة السابعة المشاة المصرية وبالرغم من قيام "دان" بتدمير 20 دبابة مصرية، إلا أن المصريين تمكنوا من الاستيلاء على الأرض المرتفعة في منطقة الكثيبات الجنوبية والاستيلاء على الطريق العرضي الرقم 3 "Lateral Road" بالقرب من موقع (نوتسا) Notsa على محور متلا.

وفي الساعة الثانية ظهراً، تمكنت القوة الإسرائيلية المدافعة عن رأس سدر، وهي قوة من المظلات، من إيقاف تقدم القوة المصرية التي دفعتها القيادة المصرية تجاه رأس سدر محدثة فيها العديد من الخسائر، في الوقت الذي قام فيه الطيران الإسرائيلي بمهاجمة هذه القوة مما زاد من حجم خسائرها، فتوقفت وفقد قائدها السيطرة على قواته التي تبعثرت في كافة الاتجاهات.

2. نتائج قتال يوم 9 أكتوبر 1973

نجحت القوات الإسرائيلية في إيقاف هجوم القوات المصرية، وصدها، حيث لم تنجح في كسب أرض جديدة، حتى نهاية الحرب، رغم هجمات المصريين اليومية، وتمكنت القوات الإسرائيلية من التعامل مع المقذوفات الموجهة المضادة للدبابات، باستخدام ستائر الدخان، والنيران الكثيفة للمدفعية، وبذلك استطاعت تقليل تأثير الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات.

ثانياً: يوم 10 أكتوبر 1973

كانت إسرائيل تحارب جيوشاً عربية، ولكنها كانت أيضاً تواجه الإمدادات الكبيرة من الاتحاد السوفيتي، خاصة إلى سورية، فمخازن الاتحاد السوفيتي تقع على بعد حوالي ساعتَي طيران من سورية، كما تحركت عشرات السفن محملة بالإمدادات من مواني البحر الأسود.

ويزداد من يوم لآخر تورط الاتحاد السوفيتي في الحرب، حيث تتدفق المعدات والأسلحة والذخائر بكميات كبيرة إلى السوريين والمصريين. وتتجسس السفن السوفيتية المنتشرة في البحر المتوسط لحسابهما، إذ تتنصت على الشبكات الإسرائيلية[3].

أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد كانت تعرف الموقف أكثر، وكانت مساعدتها لإسرائيل مهمة بالفعل، إذ وصل يوم 9 أكتوبر 1973، إلى إسرائيل، استعواضاً للطائرات التي خسرتها في أيام القتال الأربعة الأولى، بل أن تلك الطائرات وصلت وعليها علامات السلاح الجوى الإسرائيلي، ويمكن أن تدخل المعركة بعد وصولها مباشرة، وحتى يوم 10 أكتوبر 1973، كان السلاح الجوى الإسرائيلي قد فقد 66 طائرة، وجزء كبير من الطيارين والملاحين قتلوا أو اعتبروا بمثابة مفقودين. كذلك كان المسؤولون الأمريكيون يؤكدون أنه من المهم جداً أن تقوم إسرائيل بتلقين العرب درساً لا ينسوه.

توجه حاييم بارليف رئيس الأركان السابق إلى الجبهة الجنوبية لتولى منصبه، كمستشار لرئيس الأركان بالجبهة الجنوبية. وقبل سفره استعرض بارليف تجارب العبور التي قام بها الجيش الإسرائيلي. كان جونين منزعجاً من وجود بارليف في مركز قيادته، ورغم أن بارليف حاول طمأنته إلا أنه ظل متوتراً.

1. القتال على الجبهة الجنوبية

هبط معدل القتال على الجبهة الجنوبية، وخفت حدته قليلاً ولم يعد هناك سوى عمليات محدودة، ولا توجد معارك كثيرة، ومع حلول الظلام يبدأ الجانبان المصري والإسرائيلي، في مراجعة ما تم طوال اليوم وحصر الخسائر، والاستعداد لإحباط محاولات الطرف الآخر للقيام بعمليات ليلية، وكذلك الإعداد لأعمال قتال الغد.

من نتائج القتال في الأيام الماضية، لاحظ الإسرائيليون، أن أي هجوم مصري، يسبقه عمليات قصف مدفعية شديدة، إذ يكثر المصريون من الاستعانة بضباط الملاحظة الأماميين، وهؤلاء يتوغلون بين الخطوط الإسرائيلية ومن ورائها، ويديروا نيران مدافعهم من مواقع قريبة من الأهداف المضروبة، وفي خلال أيام تعلم جنود الجيش الإسرائيلي، أن قصف المدفعية المباغت عليهم معناها ـ أحيانا كثيرة ـ وجود مجموعة من رجال الملاحظة المصريين مختبئة على مقربة منهم، وبينما النيران على أشدها، يبدءون في البحث عن ضباط الملاحظة المصريين.

كانت الخسائر في أفراد الدبابات كبيرة، وأثناء القتال ظهر قادة أصاغر، تولوا مهام قيادية بعد أن قتل قادتهم، وهناك أطقم دبابات لم يغمض لهم جفن منذ بدأت الحرب، أنهم يقاتلون من الصباح إلى المساء دون أن يعرفوا ماذا يجرى في القطاع المجاور.

كان معدل التغيير في المواقف سريعاً، لدرجة أن العديد من الدبابات قد تغير تشكيل أطقمها، حيث إن الدبابات التي بها جرحى تخلى إلى الخلف، وبعد إخلائهم يتم تشكيل أطقم جديدة للدبابات، وهناك أفراد دبابات استبدلوا ثلاث دبابات أو أكثر، أنهم يحاربون مع أفراد طاقم لم يعرفوهم من قبل، وفي حالات كثيرة لقي أفراد دبابات جدد مصرعهم بدون أن يعرفهم زملائهم في الطاقم. وفي فرقة آدن فقد طاقم إحدى الدبابات قائدهم، الذين تدربوا معه، وعملوا معه طوال سنوات، وعندما يحضرون جثته إلى محطة التجميع، يصعد إلى الدبابة قائد جديد من الاحتياط، وفي خلال حوالي ساعة يلقى مصرعه هو الآخر، ويعودون مرة أخرى. ولا يصدق الرجال في محطة التجميع أعينهم، من مشهد الدبابة وهي عائدة للمرة الثالثة، وهي تحمل معها هذه المرة أيضاً جثة القائد، ويرفضون هذه المرة العودة إلى الدبابة. فالطاقم مذهول بحيث لا يستطيع القتال.

كانت حرب لم يألفها الإسرائيليون، يعالج فيها الأطباء جنوداً كثيرين، مصابين بصدمة القتال، مئات المصابين بهذه الصدمة، والكثير منهم يحتاج إلى علاج نفسي، هناك من نسوا أسماءهم، وهؤلاء يجب إرسالهم سريعاً إلى المستشفيات في الخلف.

2. موقع قطع بورفؤاد

بعد خمسة أيام من الحصار، نجحت قوة ماجن اقتحام الموقع المحصن المحاصر على ساحل البحر والمعروف لدى المصريين باسم موقع قطع بور فؤاد، والذي يسمى لدى القيادة الإسرائيلية باسم "موقع بودابست"، حيث تمكنت عناصر المظلات بالتعاون مع الدبابات وبجهد مشترك من اقتحام الطريق الساحلي إلى هذا الموقع من اتجاه الشرق، وكان هذا الموقع الوحيد الصامد في القتال إلى النهاية. كان هناك موقع آخر لا زال محاصر، في لسان بور توفيق، ولا زال صامداً.

الجديد في الموقف بعد أربعة أيام قتال طويلة، وصول تعزيزات جديدة إلى الجبهة، خاصة وحدات المدفعية، حيث وصلت العديد من وحدات الهاوتزر عيار 155مم، والهاونات الثقيلة عيار 160 مم، والهاونات 120مم.

3. أعمال القتال الرئيسية على الجبهة المصرية يوم 10 أكتوبر 1973

بدأت هجمات القوات المصرية الساعة العاشرة صباح يوم 10 أكتوبر 1973، لتوسيع رؤوس الكباري، ولكن بقوة محدودة، لا تتعدى كتائب مشاة أو دبابات، وأشتد القتال بين الجانبين وتدمر لكل طرف عدد من الدبابات.

تركز هجوم المصريين في اتجاه "هافيفا"، في شرق قطاع الفردان، وبدأت قوات آدن تدعم أوضاعها لصد الهجوم المصري، وبدأت الكاتيوشا المصرية تصب نيرانها على وحدات فرقة آدن.

تمكنت القوات الإسرائيلية من صد الهجوم وإحداث تدمير في بعض الدبابات، وأبلغت عناصر الاستطلاع عن تحركات القوات المدرعة المصرية على الاجناب، فاتجهت إليهم الدبابات الإسرائيلية لملاقاتهم وتمكنت من تدميرهم، ومع ذلك استمر ضغط وحدات المشاة، وتصاعدت الخسائر الإسرائيلية حيث قتل بعض قادة السرايا ونواب قادة الكتائب، واستطاعت الصواريخ "ساجر" والقواذف ر. ب. ج ـ 7 التي تطلق من مسافات قصيرة أن تدمر العديد من الدبابات الإسرائيلية مجدداً. كان الموقف خطيراً، سرعان ما وجهت نيران المدفعية على القوات المصرية المهاجمة، بتوقف الهجوم من شدة النيران، وتراجع المصريون غرباً على طريق "أروف Arov" "شمال الفردان"، تاركين العديد من الخسائر خلفهم، لقد أطلقت وحدات المدفعية الإسرائيلية 4700 قذيفة على مدار هذا اليوم، تزن نحو 250 طن، واستطاعت المدفعية الإسرائيلية من معاونة القوات، على الرغم من القصف المضاد عليها من المدفعية المصرية.

وعاود المصريون هجومهم بعد ساعتين (الواحدة ظهراً) بآلالاف من جنود المشاة المدعمة بالدبابات، بدأ الهجوم هذه المرة من (أروف) في اتجاه زراكور "Zrakor"، شرق البلاح، ووقعت القوات الإسرائيلية تحت ضغط الهجوم المصري، ووقع العديد من الخسائر في لواء جابي من قوات آدن، كما وقعت القوات الإسرائيلية تحت تأثير نيران المدفعية والكاتيوشا المصرية، ودمرت العديد من الدبابات في منطقة "هافراجا Hafraga" "جنوب شرق البلاح"، استمرت الهجمات المصرية في الضغط على وحدات آدن شرق الفردان والبلاح. حتى تمكن لواء جابي من إيقاف الهجوم المصري تجاه اروف بعد أربعين دقيقة عصيبة من بدءه. ومع ذلك فقد استطاع المصريين أن يوقعوا العديد من الخسائر في الدبابات الإسرائيلية باستخدامهم الدقيق للصواريخ "ساجر".

وفي الساعة الثانية عاود المصريون هجومهم، تحت ستر نيران مدفعيتهم، التي تمكنت من تدمير عدد من الدبابات الإسرائيلية، ولكن هذا الهجوم لم يحقق نجاحاً، بسبب كثافة نيران المدفعية الإسرائيلية، والتي بدأت تؤثر على الهجوم المصري. كرر المصريين الهجوم في قطاع لواء "ناتك"، على محور الطريق الأوسط، بإعداد كبيرة من الدبابات والمركبات المدرعة المصرية والآلاف من المشاة، واستمر القتال لمدة ساعة كاملة، لم يكن لدى "ناتك" وحدات مشاه، وهو في حاجة شديدة إلى دعم من المشاة على وجه السرعة، لقد تحملت دباباته العديد من الخسائر، وكانت نقطة ضعف كبيرة، أن الوحدات المدرعة لا تعمل معها وحدات من المشاة، إذ كانت المشاة محملة في المركبات نصف جنزير ولا يمكنها مرافقة الدبابات.

مع تزايد حجم الخسائر في قوات آدن، قرر الجنرال جونين سحب إحدى كتائب دباباته واستبدالها بأخرى أقل خسائر على حساب وحدة أخرى. التي حدثت بها مزيد من الخسائر.

ثالثاً: أعمال قتال يوم 11 أكتوبر 1973

قامت وحدات كوماندوز إسرائيلية بالإغارة خلف الخطوط المصرية، إذ نقلت قوة من المظلين بالطائرات العمودية إلى جبل عتاقة غرب السويس، وقصفوا على مدى 25 دقيقة إحدى مراكز القيادة المصرية، في السهل الواقع تحتهم، ورغم أنها عملية ثانوية إلا أنها ساهمت في رفع الروح المعنوية للمظليين وقيادتهم، وليزداد الاعتماد عليهم في المراحل التالية.

وعلى طول القناة توقف الهجوم المصري، واستطاعت وحدات الجيش الإسرائيلي أن تتوقف على طريق المدفعية (الطريق العرضي الرقم 2)، وكان من الواضح أن القوات المصرية تسعى للسيطرة على هذا الطريق، والقطاعات على جانبه، وكذلك على التلال المجاورة له.

إلا أنه يبدو أن المصريين كانوا غير قادرين على استكمال المرحلة الثانية من هجومهم، لاقتحام متلا والجدي، لذلك يديرون حرب استنزاف ضد القوات الإسرائيلية، ويتمسكون برؤوس كباري الفرق الخمس شرق القناة. فكرت القيادة الإسرائيلية، منذ هذا اليوم، كيفية استعادتها للتوازن على الجبهة المصرية، خاصة بعد تصفية الموقف تقريباً على الجبهة السورية لمصلحة إسرائيل، بفضل الأسلحة الأمريكية. وكان التوازن المطلوب غير متيسر إلا بالعبور غرب القناة، واختراق مؤخرة القوات المصرية.

أصبح عبور القناة ضرورة، وقد تدرب الجيش الإسرائيلي على مثل هذا إلاحتمال، وفي القيادة الجنوبية ملفات تفصيلية عنه. كما قامت القوات بمناورة كاملة على هذا النمط، عندما كان شارون قائداً لقيادة الجبهة الجنوبية، وفي نفس المنطقة تقريباً، تقرر أن يكون العبور عند البحيرة المرة، حيث تركت القيادة المصرية ثغرة كبيرة بين الجيشين، وكذلك كانت طبيعة الأرض تسمح بالهجوم من هذا الاتجاه، كما أن غرب القناة به قناة مائية عذبة واحدة، ومن وراءها سهل كبير تستطيع المدرعات أن تعمل فيه بحرية.

رابعاً: أعمال قتال يوم 12 أكتوبر 1973

خلال الليل فشلت محاولة الكوماندوز البحري[4] للوصول عن طريق خليج السويس، إلى حصن اللسان (موقع لسان بورتوفيق) المحاصر من كل جانب، والذي يطل على بور توفيق ومدينة السويس، لقد ظل هذا الحصن يقاتل منذ بدء القتال يوم 6 أكتوبر 1973 تحت قيادة "شلومو أردي نست" وهو ملازم يبلغ من العمر 21 سنه، وكان معه 37 فرداً من بينهم كثير من الجرحى، وخمسة قتلى.

وخلال ليلة 11/12 أكتوبر 1973، تقرر القيام بجهد أخير لتخليص أفراد الحصن، بواسطة وحدة كوماندوز بحرية، باستخدام الزوارق، وبعد اقتراب رجال الكوماندوز من هدفهم، فتحت المدفعية المصرية نيران كثيفة عليهم من كل جانب، وأصابت الشظايا العديد من الزوارق. كان لاكتشاف العملية مبكراً، أثره في الخسائر العديدة التي لحقت بالكوماندوز البحرية ومن ثم صدرت الأوامر بالإسراع بالعودة وإلغاء العملية.

في المقابل، وفي نفس اليوم استسلم 25 فرداً من الكوماندوز المصريين، الذين كانوا قد أبروا بالقرب من الطاسة من عدة أيام، بعد انتهاء ذخائرهم ومؤنهم، فاستسلموا لأفراد الاستطلاع دون قتال.

طار بارليف إلى هيئة الأركان العامة، ومعه خطة العبور المقترحة بخطوطها العامة، فقد كانت عملية عبور القناة إلى الغرب يحتاج إلى تصديق، ليس فقط من هيئة الأركان، ولكن أيضاً من وزير الدفاع ومن الحكومة، فهي العملية خطرة، وقد تؤثر على الموقف السياسي[5]. واجتمع مجلس الحرب برئاسة رئيس الوزراء من أجل مناقشة خطة العبور كان هدف العبور ترجيح الكفة في الحرب، ودفع المصريين لطلب وقف إطلاق نار، وهو الطريق الوحيد للضغط على المصريين.

بدأ بارليف في شرح الخطة وتفاصيلها الأساسية واحتمالات النجاح فيها، وقد أيد كل من رئيس هيئة الأركان العامة وقائد السلاح الجوى الجنرال "بيليد" الخطة على الفور.

كان هناك رأي مضاد للخطة برفض العبور، على أساس أن عبور عائق مائي في منطقة يدور فيها قتال شرس يُعَدّ من أصعب المواقف وأكثرها مخاطرة، وأن العبء الأكبر سيقع على وحدات الاحتياط، كما أن لدى المصرين قوات مدرعة بحجم كبير على الجانب الآخر من القناة، ويمكنها مع بدأ عبور القوات الإسرائيلية، تدمير هذه الهجمات، وقد رصد تدريبها سابقاً على تلك المهمة. إضافة لذلك فإن القوات الإسرائيلية في الغرب ستحاصر بين القوات المصرية في الشرق والقوات الباقية في الغرب. وكان هذا الرأي يرى أنه لإنجاح خطة العبور إلى الغرب، في وجود الفرق المدرعة المصرية هناك، وإنما من الممكن التفكير في ذلك، إذا تحركت من أماكنها.

بدأ وزير الدفاع الإسرائيلي يؤيد عملية العبور، أما ايجال الون فهو مقتنع ولكنه لا يستطيع إبداء رأيه إلا بعد أن يرى عن كثب الموقف على الطبيعة، ويتحدث مع القادة المحليين، ورأى ألون الانتظار لحين قيام المصرين بهجومهم أولاً ليحركوا دباباتهم ثم يأتي الدور على القوات الإسرائيلية للمعركة الحاسمة.

وفي هذه الأثناء، تصل الأنباء من الجبهة أن المصريين بدأو في نقل الفرقتين الثقيلتين إلى سيناء، عبر الكباري، وهذا يدل على أن المصريين في نيتهم الهجوم، وأنه خلال يوم من المنتظر أن ينتهي عبور المدرعات المصرية، وبذلك تكون القيادة المصرية قد حشدت نحو 1200 دبابة، لهذا الغرض، وتصبح المنطقة غربيّ القناة خالية من وحدات مدرعة مؤثرة، ومن ثم اتفق المجلس على تأجيل العبور، حتى يبدأ الهجوم المصري ويتم إحباطه وتدميره.

خامساً: أعمال قتال يوم 13 أكتوبر 1973

لم يهاجم المصريون كما كان متوقعاً، في هذا اليوم، ويبدو أن القوات المصرية لم تستكمل استعدادها بعد، ولكن استمرت القوات المصرية طوال اليوم في قصف القوات الإسرائيلية، بشدة وكثافة عالية.

واستطاعت القوات الإسرائيلية، خلال ذلك اليوم أن تستكمل الوحدات الأمامية وتستعوض الخسائر في الأفراد والأسلحة والمعدات والدبابات، كما استكملت الذخائر وأدخلت أسلحة جديدة إلى الخدمة، مثل الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات من نوع تو TOW، وهو السلاح الذي عليه الاعتماد في المرحلة التالية لتدمير الهجوم المصري[6].

كذلك بدأ السلاح الجوى الإسرائيلي ينشط مرة ثانية، فقصف مدينة بور سعيد وضواحيها، وألقى آلاف القنابل على الجبهة المصرية.

وفي مركز القيادة بالجبهة الجنوبية، بدأت مراجعة الخطة الدفاعية، لصد هجوم المدرعات المصرية الذي أصبح وشيكا الآن. وبات الجميع ينتظر الهجوم المصري لاتخاذ قرار العبور، وتحديد توقيته ومداه.

لم تكن كل الأخبار سارة في ذلك اليوم فقد حدث أمران:

الأمر الأول: استسلام أفراد موقع الحصن، في لسان بورتوفيق (موقع ماسرك Masrek) إلى رجال الصليب الأحمر، وباستسلامهم، انتهت قصة خط بارليف، وأصبح تاريخاً إلى جانب ما سبقه من خطوط دفاعية حصينة، لم يصمد أيهم عندما هوجم.

الأمر الثاني: كان مقتل الجنرال ابراهام ماندلر "البرت" قائد مجموعة العمليات الرقم 252 في سيناء، بواسطة نيران المدفعية المصرية. لقد أصاب حادث مقتل البرت الروح المعنوية للقوات الإسرائيلية في الجبهة الجنوبية بصدمة خطيرة، فقد كان أحد القادة المحببين في سلاح المدرعات الإسرائيلية[7] وقد تعين بدلاً منه، الجنرال "كلمان ماجن" الذي كان قائداً للقطاع الشمالي لسيناء.

تحددت مقابلة قادة المجموعات الثلاث، مع رئيس هيئة الأركان العامة في الطاسة، وبدأ يراجع معهم المعركة القادمة المنتظرة يوم 14 أكتوبر 1973، وكان مع رئيس الأركان الجنرال بارليف.

وعلى الجبهة السورية وفي اليوم الثامن من الحرب (13 أكتوبر 1973)، كان قد وصل هجوم الجيش الإسرائيلي إلى نهايته، وتوقف على خط جديد شرق الخط الذي بدأ منه الهجوم السوري في 6 أكتوبر 1973، بعد أن استطاع صد القوات العراقية والأردنية التي دخلت المعركة هناك.

سادساً: فشل الهجوم المصري للتطوير شرقاً (14 أكتوبر 1973)

مع الضغط الإسرائيلي على الجبهة السورية، ناشدت دمشق، القاهرة، الإسراع بشن هجوم على جبهة القناة، لتخفيف الضغط عليهم في الشمال، ولكن الموقف في الجبهة السورية كان قد انتهي، تماماً، وأصبحت المسافة إلى دمشق قصيرة. كانت القاهرة مقتنعة بأن الأوان قد حان، ولكنهم لا يعرفون أن الموقف في سورية قد هدأ، وأن السلاح الجوى الإسرائيلي لم يعد مشغولاً على الجبهة السورية.

1. بدء الهجوم المصري

بدأت القوات المصرية تنفيذ المرحلة الثانية، من معارك القناة في الساعة السادسة صباحاً، بعد أن حشد في سيناء حوالي 1200 دبابة و14 وحدة صواريخ مضادة للطائرات لتأمينها ضد الهجمات الجوية الإسرائيلية المتوقعة. بدأ الهجوم بقصف مدفعية مركز، بمئات المدافع والهاونات، لمدة ثلاثين دقيقة. واشترك السلاح الجوى المصري بجهد متواضع في التمهيد النيراني، وكان من بين الطائرات المهاجمة طائرات ميراج أرسلتها ليبيا إلى مصر. وقد تسبب ذلك في إحجام رجال الدفاع الجوى الإسرائيلي عن التعامل معها، مقتنعين بأنها طائرات إسرائيلية.

بعد انتهاء التمهيد النيراني، بدأت المدرعات في التحرك، ويهاجم المصريون على طول الجبهة، ويستخدمون نحو "800 أو 1000 دبابة" دفعة واحدة، ومن ناحية أخرى، وبمقارنة عدد الدبابات، وقوة النيران، فإن هذه المعركة، كانت من أكبر معارك الدبابات منذ الحرب العالمية الثانية.

والواقع أن المصريين لم ينجحوا في تركيز قوتهم الكبيرة في نقطة واحدة أو نقطتين، فالجهد كان مشتتاً على طول عشرات الكيلومترات، حيث توزعت الهجمات على خمسة محاور، الأمر الذي أضعف من تأثيرها.

في القطاع الجنوبي من الجبهة، (قطاع عمليات مجموعة ماجن)، حاولت الفرقة الرابعة المدرعة المصرية القيام باختراق عميق، ولكن ـ في الواقع ـ لم يركز المصريون في هذا الاتجاه سوى لواء مدرع واحد، استطاع أن يتقدم صوب ممر متلا، وكان هو المكان الوحيد الذي استطاع فيه المصريون أن يتوغلوا لعمق أكثر من 20 كيلو متراً على الطريق المؤدى إلى متلا، واستعدت دبابات ماجن لمواجهة الهجوم، ونجحت بالفعل في تثبيته وتدمير العديد من دباباته، واستطاع السلاح الجوى أن يركز هجماته ضد اللواء المدرع المصري الذي يقاتل وحده على هذا العمق. وانتهت المعركة بتدمير وإصابة 51 دبابة مصرية، ولم يعد إلى رأس الكوبري الذي بدأت منه الهجوم سوى 30 دبابة فقط، ولم يصب من دبابات الجيش الإسرائيلي سوى دبابتين فقط.

وفي قطاعات أخرى على مواجهة الجبهة، فَقَد المصريون دبابات عديدة، حيث قام المظليون بصد الوحدات المصرية الآلية التي حاولت الهجوم في اتجاه رأس سدر، كما تمكن السلاح الجوى الإسرائيلي من تدمير معظم مركباتها.

وفي القطاع الشمالي، عند القنطرة تم تدمير عدة دبابات من اللواء 15 مدرع المصري[8].

وفي القطاع الأوسط من الجبهة كانت المعركة الكبرى، ولم تستطع الفرقة 21 المدرعة، التي تهاجم بكامل قوتها، أن تتقدم أكثر من عدة كيلومترات خارج رأس الكوبري، حيث دُمِّر لها العشرات من الدبابات.

بدأ الهجوم المصري في التراخي الساعة الثانية ظهراً. وفي الساعة الثالثة، فقد الهجوم قوته الدافعة ووصل إلى نهايته، وتبين من التقارير، على طول مواجهة الجبهة، أن الجيش الإسرائيلي حقق مكسباً كبيراً، بتدمير أعداد كبيرة من الدبابات المصرية، ووفقاً للإحصاءات الدقيقة، فقد أصيبت 264 دبابة مصرية، وهو ما لم يحدث في أيام القتال السابقة كلها منذ بداية الحرب، أما القوات الإسرائيلية فأصيب لها عشر دبابات فقط.

كانت نتائج الهجوم المصري للتطوير شرقاً، مشجعة لاتخاذ قرار العبور غرباً، إذ كانت خسائر المصريين كبيرة وإن توزعت على محاور الهجوم كالآتي:

أ. في القطاع الشمالي، صد الجنرال آدن القوات المصرية بعد أن كبدهم تدمير نحو 50 دبابة مصرية.

ب. في القطاع الأوسط، لم تحقق القوات المصرية أية نجاح أمام قوات شارون، حيث تمكن لواء ريشيف من اتخاذ أوضاع جيدة لدباباته على المرتفعات، وسمح للمصريين بالتقدم، إلى مسافة 100 ياردة، قبل أن تفتح الدبابات والصواريخ المضادة للدبابات الإسرائيلية نيرانها عليهم، وعندما انتهت المعركة كان قد تم تدمير حوالي 93 دبابة مصرية، بينما تكبد لواء ريشيف ثلاثة دبابات فقط. كذلك استطاع لواء حاييم (جنوب ريشيف) صد الهجوم المصري في مواجهته. وبنهاية اليوم فقدت الفرقة 21 المدرعة ما مجموعة مائة وعشرة دبابات.

ج. وفي القطاع الجنوبي صدت قوات ماجن الهجوم المصري، على محوري الجدي ومتلا. كانت الوحدات المدرعة الإسرائيلية من لواء شمرون في انتظارها على ممر متلا واستطاعت أن تدير معركة شرسة استمرت عدة ساعات، دمرت خلالها ما يقرب من 50 دبابة من اللواء الثالث المدرع من الفرقة الرابعة المدرعة، إضافة إلى أعداد كبيرة من المركبات المدرعة والمدافع.

د. واستطاع الطيران الإسرائيلي أن يركز هجماته على الوحدات المدرعة المصرية التي أصبحت خارج مدى صواريخ الدفاع الجوي، على كل المحاور، بعد أن فقدت الجبهة السورية خطورتها.

هـ. بدا واضحاً أمام وزير الحربية المصري، أن قواته أصبحت معرضة بدون الحماية الرئيسية من الدفاع الجوى، فأمر بانسحابها والعودة مرة أخرى إلى داخل رؤوس الكباري. لقد كانت تكتيكات القيادة المصرية ضعيفة، وكان اليوم كله لمصلحة القوات الإسرائيلية، وكانت هذه المعركة نقطة تحول في حرب سيناء.

في مساء يوم 14 أكتوبر 1973، اتصل بارليف برئيسة الوزراء تليفونياً، ليخبرها بنتائج القتال بنفسه ويوصي بالتصديق على العبور غرباً. في نفس مساء ذلك اليوم، كانت إسرائيل كلها حزينة فللمرة الأولى يذكر عدد القتلى والذي بلغ على الجبهتين 656 فرد، ولكن الواقع كان هناك كثيرون قد قتلوا، ولكن الإحصاء الدقيق لم يكن انتهى بعد صدرت التعليمات في وقت لاحق إلى قيادة الجبهة الجنوبية للاستعداد بالعبور في الليلة التالية، ولم يعد أحد يعترض على الخطة.

2. الجسر الجوى الأمريكي

خلال يوم 14 أكتوبر 1973، وبعد أن وضح انكسار الهجوم المصري، استمرت طائرات النقل العملاقة الأمريكية من النوع C - 141 Star Lifter في رحلاتها وهي طائرة قادرة على حمل حمولة 120 طن، وشاركت طائرات شركة العال الإسرائيلية في نقل العتاد كذلك، وقد هبطت 12 طائرة محملة بالعتاد في اللد، وتواصل طائرات العال عملها ولكن العبء الأكبر على عاتق الطائرات الأمريكية، إذ هبط 25 طائرة منها خلال 24 ساعة في عدة مطارات. والواقع أن جزءاً من العتاد الذي يصل بالطائرات الأمريكية كان مطلوباً على وجه السرعة لنقله إلى الجبهة قبل الهجوم، فالجيش الإسرائيلي يستهلك كميات كبيرة من الذخائر، واحتياطي الذخيرة لمواصلة الحرب، كان أحد الموضوعات الهامة في مناقشات هيئة الأركان العامة، خاصة وأنه لا توجد أي دلالات على وقف إطلاق نيران قريباً، فالعرب لا يتحدثون عن ذلك.

[1] تقع في الجنوب الشرقي من بحيرة التمساح شرق الطريق العرض رقم 2 وجنوب الطريق الأوسط وجنوب منطقة "هاميتال".

[2] يقصد في اتجاه جنوب الجيش الثاني (في قطاع الفرقة 16 المشاة) والمدافعة عن قطاع الدفرسوار.

[3] أثناء الحرب، أطلق الاتحاد السوفيتي خمسة أقمار عسكرية، وهناك قمر عسكري آخر هو كوزموس 603 الذي أطلق للفضاء قبل الحرب، حيث يستطيع أن يمر يومياً فوق منطقة القتال، وهكذا كانت الاستخبارات السوفيتية تحصل على صورة واضحة لما يحدث في ميادين القتال.

[4] يسمون أحياناً الضفادع البشرية، أو الصاعقة البحرية.

[5] كانت الخطة معدة، بكل تفاصيلها منذ أن كان بارليف رئيساً للأركان العامة، وشارون قائداً للجبهة الجنوبية، واحتاجت لتعديلات بسيطة، لتتمشى مع الموقف الحقيقي في 1973.

[6] كانت الصواريخ تو، ضمن الأسلحة الجديدة، التي وصلت إسرائيل خلال الجسر الجوي الأمريكي، وهو نوع متقدم من الصواريخ المضادة للدبابات، يتفوق على نظيره السوفيتي (ساجر) الذي يستخدمه المصريون.

[7] كان أبراهام ماندلر نمسوي الأصل حيث هرب مع أمه وهو صبى من النازيين، ووصل قبيل الحرب العالمية الثانية كمهاجر إلى أرض فلسطين، وأنضم إلى الجيش الإسرائيلي في حروب الاستقلال وتدرج ببطء إلى رتبة الجنرال.

[8] لم يفقد هذا اللواء سوى 17 دبابة في هذه المعركة.

المبحث العاشر: القتال شرق القناة من يوم 15 أكتوبر حتى 17 أكتوبر

بعد ظهر يوم 15 أكتوبر 1973، بدأت القوات الإسرائيلية في الاستعداد للهجوم لتنفيذ عملية رأس الجسر في الغرب، وتألفت القوات المكلفة بالعبور من:

1. قوة من المظليين متحركة بمركبات مدرعة، وكانت مهمتها الاستيلاء على مواقع على الضفة الغربية للقناة، وأن تسهل إقامة رأس الجسر.

2. مجموعة عمليات مدرعة تتقدم صوب الغرب، لحماية عملية الاختراق، وكانت الخطة تقضى بأن تعبر هذه المجموعة الجسر، وأن تنضم إلى وحدات المظليين بمجرد أن تصل كافه المعدات إلى الضفة الغربية.

عرضت خطة العبور في مركز قيادة الجبهة، أمام قادة الوحدات المشتركة وعشرات من ضباط الأركان وكلفت القوات بالمهام التالية:

كلفت مجموعة شارون المدرعة، بأصعب مهمة وهي إقامة رأس الجسر، وهي أكبر مجموعة بالجبهة حجماً كما أن ضباطها وقائدها يعرفون أرض العملية جيداً، وسبق تدريبهم في مناورة على هذه الأرض، وكان على قوات شارون أن تنقل إلى غرب القناة المظليين والمدرعات، وتنشأ الجسور في قطاع العبور. وكانت الجسور ستنقل إلى مكان العبور على طريقين متوازيين: الطريق الأول هو طريق (أكافيش Akavish)[1]، والطريق الثاني (طرطور Tartur)[2]. (اُنظر شكل عملية العبور في الدفرزوار)

وكان يجب العمل على أن تظل الطرق مفتوحة، لتمر منها بعد ذلك قوات آدن لتعبر على الجسور التي سيقيمها شارون، إلى غرب القناة، وتنتشر غرباً في قطاع الدفرزوار، للوصول إلى السويس، والاستيلاء عليها، كهدف سياسي.

تنفذ قوات شارون هجومها على محورين:

الأول: أحد الأولوية المدرعة يضغط على القوات المصرية من الشرق إلى الغرب، في منطقة المزرعة الصينية Chinese Farm عند الدفرسوار شرق.

الثاني: لواء مدرع آخر يهاجم من شمال البحيرة المرة الكبرى من الجنوب إلى الشمال للضغط على الدفاعات المصرية من الجنب، والتوغل حتى الموقع المخصص كساحة إسقاط لمعدات العبور.

تعبر قوة من المظليين أولاً، مدعمة بكتيبة دبابات، على معديات، من شمال البحيرة المرة الكبرى، من المساحة المخصصة بعد تأمينها وتعمل كمقدمة لمجموعة العمليات، وخلال ليلة 15/16 أكتوبر 1973 تطهر المنطقة المختارة في الغرب، بحيث يمكن إنشاء رأس جسر غرب القناة، في قطاع الدفرزوار، قبل أول ضوء يوم 16. كتيبة الدبابات التي ستعبر مع المظليين إلى غرب القناة، تتجه أولا إلى المنطقة الزراعية، حيث تكلف بمهاجمة عدد من قواعد الصواريخ المضادة للطائرات، وتدميرها، لفتح ثغرة في حائط الصواريخ المصري، حتى يمكن للقوات الجوية الإسرائيلية أن تعمل بحرية.

بعد نجاح شارون في إقامة الكباري وتأمينها، يتم عبور قوات الجنرال آدن عليها لتتجه جنوباً في اتجاه جنيفة.

لقد سبق ذلك إعداد الكباري وتمركزت على الطرق المؤدية إلى الدفرزوار منتشرة، كذلك تم إعداد المعديات التي سيتم العبور عليها من خلال البحيرات المرة كذلك، حيث تتمركز جميع معدات العبور بالقرب من الطاسة على الطريق الأوسط. أدت هذه التحركات إلى ازدحام المحاور كلها، خاصة أن الدبابات هي التي تقوم بجر أجزاء الجسور، وهي عملية صعبة ومعقدة.

أولاً: تنفيذ الخطة (اُنظر شكل الخطة إبيراي هاليف)

بدأت المعديات تتحرك بعد آخر ضوء، إلى شمال البحيرات المرة، وفي الساعة التاسعة مساءً وصلت أولى هذه المعديات، وتجمع المظليون عند نقط العبور ومعه الكتيبة المدرعة فرع تشكيل الاقتحام عند منطقة مزاميد (Matzmed)[3]. لم يشعر المصريون بتجميع تلك القوات، ولم تطلق طلقة واحدة في هذا الاتجاه إذ انشغلوا بالقتال الدائر على جانبهم الأيمن وهي محاولات قوات شارون لضغط المواقع المصرية من الجنوب إلى الشمال. وبدأت وحدات المهندسين في أنزال المعديات في المياه استعداداً للعبور، وانتظروا إشارة عناصر الاستطلاع بتأمين منطقة العبور في غرب القناة لبدء العبور.

في نفس الوقت الذي تحركت فيه قوات المظليين في اتجاه نقطة العبور كانت قوات شارون تشن هجومًا خداعيًا بكتيبتَي دبابات من لواء توفيا، بعيداً عن اتجاه الهجوم الرئيسي، على طريق باتون، في اتجاه طريق ميسوري، لجذب الاحتياطيات المصرية ونيران المدفعية في هذا الاتجاه.

وفي المساء، بدأ الهجوم الرئيسي، من أقصى الجنوب من شمال البحيرة المرة الكبرى، في اتجاه الدفرزوار، من الجنوب إلى الشمال، وبمحاذاة القناة. واستطاعت بعض الدبابات، أن تصل إلى المنطقة الإدارية للفرقة 16 مشاه، من الجيش الثاني، وهي منطقة مكدسة بالعربات والحفر العميقة، والتكديسات الإدارية. في البداية اعتقد المصريون أن أمامهم عناصر من قواتهم فلم يتعرضوا لها حتى، أطلقت عليهم النيران، واشتعلت المواد المكدسة والمركبات، وساد الذعر المنطقة.

ومع منتصف الليل بدأ هجوم قوات شارون على المزرعة الصينية، وهي أرض تسمح بإخفاء القوات، لاحتوائها على مصارف وترع جافة. كان يجب على قوة شارون المكلفة بواجب الاستيلاء على المزرعة، أن تتقدم إلى موقع النقطة القوية التي يطلق عليها المصريون اسم موقع الدفرزوار (مزاميد) وفي حالة نجاح هذا الهجوم، سيمكن فتح طريقي "أكافيش" و"طرطور Tirtur" للمرور إلى الغرب.

كان لواء "ريشيف" المكون من أربعة كتائب دبابات وثلاث كتائب مشاة محملة على عربات نصف جنزير، شكل في ثلاثة مجموعات قتال. استطاعت مجموعة القتال الأولى التقدم غرباً إلى طريق ليكسكون، حيث عبرت المزرعة الصينية، وهاجمت في اتجاه الشمال، لمحاولة الوصول إلى موقع "مزاميد". أما مجموعة القتال الثانية، فقد هاجمت شرق لكيكسون، في اتجاه شمال شرق إلى "ميسورى". بينما هاجمت المجموعة الثالثة في اتجاه الشمال الشرقي على طريق طرطور وطريق "أكافيش". وتحركت قوة من سريتين مظليين وسرية دبابات خلف المجموعة الأولى لتطهير المزرعة الصينية.

بعد منتصف الليل، تزايد تركيز نيران المدفعية المصرية حول المزرعة الصينية، وقوبلت قوات ريشيف بمقاومة عنيفة، تم خلالها تدمير 11 دبابة من إحدى كتائبه، فقد نشر المصريون في المنطقة دبابات كثيرة، ومركبات محملة بصواريخ مضادة للدبابات، وكان القمر مكتملاً، يساعد المصريين على الرؤيا، وغطت نيران المدفعية المصرية محوري "أكافيش وطرطور" والمؤديين إلى البحيرة المرة كذلك. وانهالت النيران من الخلف على دبابات (رافي) التي أسرعت لنجدة القوة التي تقاتل في المزرعة الصينية، واشتعلت النيران في المركبات المدرعة وازداد حجم الخسائر، وبقى القتلى داخل المركبات المدرعة دون القدرة على إخلائهم.

دفع لواء آمنون في قطاع طريق (جاسبي) Gaspi في الجنوب من كيشوف[4] Kishuf، وكان النسق الأول مكون من ثلاثة كتائب دبابات، خلفها النسق الثاني 3 سرايا ومع حلول الظلام بدأ آمنون هجومه على مواجهة 3 كيلومترات. وكان الموقف قد تغير تماماً، فقد قامت القوات المصرية المتمركزة على طريق "طرطورـ ليكسيكون" بفتح نيران دباباتها ومدفعيتها والصواريخ المضادة للدبابات، مستغلين ضوء القمر لتوجيه وحداتهم إلى الأماكن المناسبة وتركيز نيرانهم بدقة. من صعوبة الموقف، وقوع دبابات آمنون في حقل ألغام مصري، أعطب العديد من الدبابات، واختلطت الدبابات المصرية مع الإسرائيلية، وكان من الصعب التمييز بينهما، فالدبابات تشتعل هنا وهناك، وأصبح من الصعب فتح نيران الدبابات لأنه يمكن أن تكون دبابات إسرائيلية، وزادت الخسائر في صفوف قوات آمنون، وأصبح من الصعب إخلاء الخسائر في الأفراد والدبابات المعطلة. أحدثت نيران القوات المصرية والألغام خسائر كبيرة في القوات الإسرائيلية، فعلى سبيل المثال لم يتبقى في كتيبة دبابات (أمرام) سوى ست دبابات فقط من 23 دبابة، كما لم يتبقى في كتيبة "الموج" سوى 10 دبابات.

وفي الساعة الحادية عشرة والنصف مساءً قرر شارون أن يستمر في الهجوم حتى يتمكن من عبور القناة، لذلك دفع لواء داني للوصول إلى طريق "ناهالا ـ ليكسكون"، ثم التقدم نحو موقع الدفرزوار (مازميد Matzmed). بالرغم من الخسائر التي تكبدها داني، في مركباته النصف جنزير، إلا أنه استطاع أن يصل بكتيبتين مخفضتين القوة، "نتيجة لخسائرهما"، بالقرب من موقع مازميد (موقع الدفرزوار).

في الساعات الأولى يوم 16 أكتوبر 1973، بدأت قوة المظليين، في العبور من شمال البحيرات المرة تحت قيادة قائد اللواء، داني Danny، وكانت القوة مكونة من 750 فرد مسلحين بالأسلحة الخفيفة والرشاشات والأسلحة المضادة للدبابات، مشكلة من كتيبة مظلات وكتيبة دبابات، واستمرت عملية العبور، دون أية مقاومة أو تأثير نيراني، من جانب القوات المصرية، فلم يكن يتوقعوا العبور إلى الغرب. وفي الساعة الثالثة والنصف فجراً أعطى داني إشارة وصول قوته إلى الضفة الغربية، وهي الإشارة المتفق عليها تحت اسم "أكابولكو Acoupulco" وهكذا نجحت القوات الإسرائيلية في إقامة رأس جسر على الضفة الغربية فجر يوم 16 أكتوبر 1973. (اُنظر شكل الخطة إبيراي هاليف)

وطوال ليلة 15/ 16: فشلت أربعة محاولات للهجوم بواسطة لواء آمنون:

1. المحاولة الأولى: في الساعة الواحدة والنصف فجر يوم 16، على محور طريق طرطور، إذ تمكنت وحدات الدبابات من الاختراق في الفاصل بين لواءات الفرقة 16 المشاة المصرية، ولكن الإصابات الكثيرة في الدبابات أدت إلى توقف الهجوم.

2. المحاولة الثانية: في الساعة الثالثة فجر يوم 16، كانت بهدف التقدم على محور طرطور كذلك، لفتح الطريق إلى الدفرزوار، لعبور القوات، ولكن من البداية، أصيب عدد من الدبابات بواسطة أفراد المشاة المصريين المسلحين بالقواذف المضادة للدبابات ( ر ب ج ـ7)، وتوقف الهجوم مرة أخرى.

3. المحاولة الثالثة: قام آمنون في الساعة الرابعة صباحاً، دفع كتيبة النسق الثاني وهي كتيبة آلية، بقيادة " شونرى Shuneri" ولكن نيران المصريين دمرت مركباته النصف جنزير الواحدة بعد الأخرى، ولم يتبقى منه سوى مركبتين.

4. المحاولة الرابعة: في الساعة الخامسة والربع صباحاً، اشترك لواء توفيا، من بقايا لواء آمنون، وتقدموا على محور أكافيش Akafish، إلى أن اصطدموا بالنيران المصرية، ودمرت ثلاث دبابات وجرح نائب قائد اللواء وفشلت هذه المحاولة كذلك.

بلغت خسائر آمنون حوالي 60 دبابة أما خسائره في الأفراد فقد كانت أكثر من (120) فردًا بين قتيل وجريح أو مفقود، وأصبح لواء آمنون خارج القتال مؤقتاً، لحين إمداده بدبابات وأطقم من الاحتياط.

ثانياً: محاولات الهجوم يوم 16 أكتوبر 1973

قرر شارون دعم لواء آمنون حتى يمكنه الاستمرار في الهجوم ، فألحق عليه كتيبة دبابات من لواء حاييم، وكتيبه أخرى من لواء (توفيا)، وأصدر أوامره إلى آمنون للقيام بمحاولة جديدة لفتح طريق طرطور، على أن يبدأ الهجوم الساعة السابعة صباحاً. ويتم فتح هذا الطريق من اتجاه الشمال الشرقي، ولكن آمنون لم يستطع التقدم كثيراً، فقد أصيبت دباباته بقصفة من الصواريخ من تجاه المزرعة الصينية، واضطرت إلى الانسحاب.

حاول آمنون مرة سادسة، بعد المحاولة السابقة مباشرة، ولكن دمّرت المقاومة المصرية عدداً آخر دباباته، واضطر للانسحاب، مع إخلاء نحو 20 جريح من جنوده.

وفي حوالي الساعة الثانية صباحاً، بدأت محاولة جديدة للهجوم من اتجاه الشرق، وشمال طريق طرطور، وأصيبت 3 دبابات من القوة المهاجمة، وفشل الهجوم مجدداً.

كانت المحاولة الأخيرة لآمنون في الساعة التاسعة إلا عشر دقائق صباح يوم 16 أكتوبر 1973 واستطاع خلالها أن يستولي على تقاطع وصلة طرطور مع طريق ليكسيكون، مستتراً ببقايا الدبابات المصرية المحترقة والأسلحة المضادة للدبابات التي تركها المصريون. وأصبح طريق أكافيش مفتوحاً، أما طريق طرطور فلا يزال مغلق. (اُنظر شكل عملية العبور في الدفرزوار)

وفي الساعة التاسعة صباح يوم 16 أكتوبر 1973، تقدم حاييم ومعه كتيبة دبابات وكتيبة مظليين على محور (أكافيش)، للمرور إلى نقطة العبور على الساحل الشرقي للبحيرات المرة، ولكنهم وقعوا تحت تأثير نيران الصواريخ المصرية، ودُمّرَتْ 4 دبابات، فأصدر حاييم أوامره إلى جنود المظلات بالعودة، واتجه ومعه باقي كتيبة الدبابات جنوباً.

1. دعم القوات غرب القناة

صدرت الأوامر صباح يوم 16 أكتوبر 1973 إلى حاييم للعبور على المعديات إلى الغرب، للاشتراك في تدمير وحدات صواريخ الدفاع الجوى المصري، غرب القناة، بالتعاون مع قوة مظلات داني، التي سبق عبورها ليلة 15/16.

في الساعة العاشرة صباحاً، بدأت قوة حاييم في العبور على المعديات، من قطاع شمال البحيرات المرة، ومعه عشرون دبابة و7 مركبات مدرعة، وبمجرد وصوله بدأ يتجه غرباً، ولعمق 20 كيلو مترا من القناة، حيث استطاع أن يدمر في طريقه عدة مواقع صواريخ دفاع جوى للمصريين، محدثاً ثغرة كبيرة في وسائل الدفاع الجوى المصرية، كما باغت قوة مدرعة مصرية، تقدر بكتيبة دبابات، واستطاع أن يدمر منها 10 دبابات و25 مركبة مدرعة. وفي الساعة الرابعة بعد الظهر عاد مرة أخرى إلى منطقة رأس الكوبرى، بالقرب من المعديات.

كانت قوات شارون، بعد قتال ليله 15/16 وصباح يوم 16 أكتوبر 1973، منهكة وغير قادرة على الاستمرار في الهجوم. وفشلت في تحقيق هدفين رئيسيين وهما:

أ. الأول كان عدم القدرة على إنشاء ممر آمن إلى موقع الدفرزوار من أجل إقامة الجسور لعبور القوات.

ب. أما الثاني فكان أكثر خطورة، حيث لم يصل جسر حتى ذلك الوقت إلى نقطة العبور على القناة، ومن ثم أصبحت القوة الموجودة في غرب القناة في خطر.

وإزاء هذا الموقف الصعب، أصدرت القيادة أوامرها بإيقاف نقل دبابات إلى الضفة الغربية للقناة، وأن تبذل الجهود للتركيز على الهجوم في شرق القناة، وأن يتم إشراك قوات آدن مع قوات شارون، لاستكمال فتح محوري أكافيش وطرطور للوصول إلى الدفرزوار (مازميد).

لقد أصبحت ساحة القتال مليئة بالدبابات والمركبات المدرعة المدمرة من الجانبين. حوالي 50 دبابة إسرائيلية مدمرة في هذه المنطقة، وكذلك نحو 150 دبابة ومركبة مدرعة مصرية، لقد دمرت كل منها الأخرى من مسافات قصيرة جداً بسبب التداخل بينهما، قد أصبح الطريق مملوءاً بجثث القتلى من الإسرائيليين والمصريين. لا يمكن تصور هذا الموقف بأي صورة، لبشاعته، لقد فقدت القوات الإسرائيلية خلال هذه المعركة ما يقرب من 300 قتيل، ومئات من الجرحى.

2. هجوم قوات آدن يوم 16 أكتوبر 1973

نَسّقْ آدن وشارون جهودهما، ونظما تعاوناً بين قواتهما، وتم الاتصال بين القوتين من خلال لواء (ناتك) من قوات آدن، كان الهدف الذي حدد للقوتين هو فتح محوري "أكافيش" Akavish وطرطور "Tirtur".

وفي الساعة الثالثة ظهراً بدأت قوات آدن هجومها من جنوب "ميسوري"، واستمر الهجوم حتى الساعة الرابعة، دون أن يحرز آدن أي نجاح. كانت أي محاولة للتقدم عبر الأرض المكشوفة، تواجه بالصواريخ المضادة للدبابات والتي تطلق نيرانها من عدة اتجاهات، من مواقعها بالمزرعة الصينية. واقترح آدن على قيادة الجبهة أن يتم تطهير منطقة المزرعة بالمشاة ليلاً، ووافقت القيادة على هذه الفكرة، والواقع أن شارون لم يحاول جدياً الاستيلاء على المزرعة الصينية.

عندما فشل آدن في فتح محوري أكافيش ـ طرطور، تقرر إشراك لواء المظليين بقيادة (عوزي)[5] في الهجوم، مع قوات آدن، ولكن عوزي لم يكن قد وصل بعد، إذ لن يصل قبل مضي 5 ساعات، وعلى آدن الاعتماد على نفسه، "أي القتال بدباباته فقط" من أجل فتح محاور الطرق.

وصل موشى ديان إلى قيادة الجبهة الجنوبية عصر يوم 16 أكتوبر 1973، واجتمع مع الجنرال جونين، لدراسة الموقف معه، وأوضح جونين، أن شارون لم ينفذ المهمة لإقامة رأس الكوبري حتى ذلك الوقت، ولكنه أكد على أنه سيتم خلال الليل "أي ليلة 16/17" فتح الطريقين المؤديين إلى الدفرزوار، وإذا لم يستطع تنفيذ ذلك، سيخلي القوات التي عبرت إلى الضفة الغربية من خلال البحيرات المرة. كذلك أوضح الجنرال بارليف أن المعاونة الجوية لم تكن ذات فائدة مؤثرة، بسبب التداخل الكبير بين القوات المصرية والإسرائيلية.

أكد ديان على ضرورة فصل القوات المتضادة، حتى يمكن استخدام السلاح الجوى بكفاءة. وأنتظر الجميع ما يمكن أن يحدث مساءً، لقد نجح المصريون في إيقاف القوة الدافعة للهجوم الإسرائيلي.

أما مدير الاستخبارات الإسرائيلي "إيلي زعيرا"، فقد أوضح أن القوات المصرية لم تهتم حتى الآن بالتعامل مع القوات التي عبرت غرباً، سواء باستخدام القوات الجوية، أو باستخدام الاحتياطيات. كذلك كان تقدير رئيس الأركان، بأن العملية تعتبر قد نجحت جزئياً حتى الآن. وتوقع أنه خلال الليل سيمكن إحداث تغيير في الموقف، وعبور مزيد من القوات، من خلال الجسر المنتظر إنشاؤه إلى غرب القناة.

أكد جونين على أن شارون وآدان سيمكنهما فتح المحاور وإقامة الكباري، ولكن ديان يكرر ثانية: "إني أقبل الاستمرار، ولكن يجب تحديد خط أحمر، للحظة التي تُـعاد فيها جميع القوات من الجانب الثاني، إذا لم يتم إقامة الكوبري حتى تلك اللحظة". وفي ذلك الوقت استطاع شارون أن يعبر من خلال البحيرة المرة إلى الضفة الغربية للقناة، حيث استمع من رجاله عن المعارك التي دارت غرب القناة، وعن دهشة المصريين الذين صادفوهم، ويرى شارون ضرورة تعديل الخطة بأن يقوم هو بالعبور وليس آدن، على أن تقوم قوات آدن بتأمين رأس الكوبري، بمعنى أن يتم تبادل المهام بين قوات شارون وقوات آدن.

لم يكن شارون يريد الانتظار حتى يقام الكوبري، وإنما كان يفكر في نقل قواته على المعديات، حتى يباغت المصريين بحشد كبير من القوات، قبل أن تتدخل احتياطياتهم.

3. الموقف السياسي لأطراف الصراع

أ. الموقف في مصر

من الواضح أن القيادة العليا في مصر، لم تكن تعرف بالضبط، ما كان يحدث في شمال البحيرة المرة وغربي قناة السويس، وفي قيادة الجيش الثاني، يعتقدون أن قوة إسرائيلية صغيرة عبرت القناة، وأنها مجرد قوة إغارة صغيرة، سوف تعود بسرعة، وإلا ستباد بسهولة. ويتحدث الرئيس السادات أمام جلسة خاصة لمجلس الشعب، ويصف تسلسل المعارك، وفي نفس الوقت أعرب عن استعداده لوقف إطلاق النار، ولكن بشرط أن تنسحب إسرائيل إلى حدود عام 1967. ومن الواضح أن التقارير من الجبهة ليس فيها ما يزعج، إن تفكير السادات مشغول بضيفه وهو رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي "كوسيجين". ويأمر أحمد إسماعيل وزير الحربية قائد الجيش الثاني بألا يسمح للقوة الإسرائيلية بعمل ما يحلو لها، ولذلك أصدر له التعليمات بأن يوجه إليها الضربات من المدرعات والكوماندوز للقضاء عليها، ولكن قائد الجيش الثاني يقوم بتهدئة وزير الحربية ويعد بالهجوم في نفس اليوم.

ب. الموقف في الاتحاد السوفيتي

في الكرملين كانوا يدركون، أن الحرب في الشرق الأوسط وصلت لمفترق طرق، وأن العرب غير قادرين على تحقيق مكاسب عسكرية أخرى أو حسم القتال لمصلحتهم، فقد استنفذوا قوتهم ولم يعد لديهم احتياطيات للاستمرار. ومن الآن من المحتمل أن يتحدوا فقط، ولكن إسرائيل قادرة على إحداث مباغتة. في سورية يقف الإسرائيليون من دمشق على مدى المدافع . ويقوم الجسر الجوى الروسي، بنقل كميات كبيرة من العتاد العسكري إلى الجيش السوري، ولكن الطائرات الإسرائيلية بدأت تتدخل في إزعاج حركة الجسر الجوى في أنحاء سورية. وقد اقتربت اللحظة التي سيكون فيها على الاتحاد السوفيتي العمل على وقف المعارك.

ج. الموقف في إسرائيل

قالت جولدا مائير في خطابها بالكنيست يوم 16 أكتوبر 1973 في عبارة قصيرة "في هذه اللحظة تعمل قوة من الجيش في الجانب الغربي من القناة" وتناول رئيس المعارضة مناحم بيجين كذلك، في حديثه الإشارة إلى عملية الجيش الإسرائيلي وراء القناة، لم يكن بيان رئيسة الوزراء يشتمل على تفاصيل، ولكنهم في القيادة الجنوبية غير راضين عن بيانها، كان من الأفضل الانتظار إلى الغد، حتى تتضح نتائج العمليات. فالموقف مازال حرجاً، بالنسبة إلى القوات الموجودة في الغرب.

4. الموقف العسكري مساء يوم 16 أكتوبر 1973

أصبح الجهد الرئيسي للقوات الإسرائيلية موجهاً كله لاقتحام المحورين، الذي يجب نقل معدات العبور عليهما. إذ يدافع مئات من رجال المشاة المصريين على أحد المحورين، ومن ثَمّ يتقرر أن يتم هجوم ليلى بواسطة المظليين الإسرائيليين لدفع المواقع المصرية شمالاً، وبدأت قوات المظليين، المنقولة بالطائرات العمودية في الوصول إلى الطاسة للاشتراك مع قوات آدن. في الساعة الحادية عشر والنصف مساءً، بدأ هجوم لواء المظليين، بدون معاونة مدفعية أو طائرات، كما لا ترافقهم الدبابات. ويقاتل المظليون أثناء تقدمهم على الطريق في معارك عنيفة، ويتوقفوا تحت تأثير نيران المدافع المصرية التي تطلق عليهم النيران من شمال الطريق، ويكتشف المظليون بغتة أنهم توغلوا داخل موقع مصري، مستعد لهم تماماً. حاول المظليون الانقضاض على مواقع الأسلحة، ولكن النيران المصرية تلاحقهم من مسافة قريبة وتتفرق عناصر المظليين في جماعات صغيرة متناثرة، غير ذات فاعلية بعد أن أصيبوا بخسائر كبيرة.

ومع بزوغ الفجر، كانت بقايا المظليين ما زالوا في المنطقة دون أن يحققوا المهمة التي جاءوا من أجلها، وأصبحت المشكلة كيف يمكن إنقاذهم وإخلاء الجرحى والقتلى منهم؟ وعند الفجر كان لا بد من إرسال قوة مدرعة لإنقاذهم.

ثالثاً: أعمال قتال يوم 17 أكتوبر 1973 (اُنظر شكل أعمال قتال يوم 17 أكتوبر)

استغلت القيادة الجنوبية، انشغال المصريين في القتال مع بقايا المظليين (حيث رفضت القيادة فكرة سحبهم، وأمرت باستمرارهم مع إخلاء الجرحى فقط)، وأمرت آدن أن يحرك قواته إلى الجنوب ليمكنه الوصول إلى نقطة العبور. كذلك أمكن أثناء قتال المظليين مع المصريين، نقل مزيد من الدبابات بالمعديات إلى الغرب، لتصل أعدادها إلى 36 دبابة. وبتحقيق الهدف من بقاء المظليين مشتبكين مع المواقع المصرية، تم سحبهم في مجموعات صغيرة، مستبدلين بدبابات من قوة شارون، لتأمين المنطقة التي استولوا عليها، واستمرار شغل المصريين، عما يجري في الجنوب.

1. الهجمات المضادة المصرية (شرق القناة)

كانت المعلومات والشواهد تفيد بأن القيادة المصرية قد قررت شن هجوم مضاد من اتجاهين: الاتجاه الأول بواسطة الفرقة 21 مدرعة من الجيش الثاني إذ تقوم بالهجوم المضاد من الشمال إلى الجنوب في اتجاه البحيرات المرة، بينما يدفع الجيش الثالث، اللواء 25 مدرع من الجنوب إلى الشمال في خط موازي للبحيرات المرة. الاتجاه الثاني كان من الغرب إذ قررت القيادة المصرية، دفع وحدات من الكوماندوز ومعها نحو 50 دبابة من اللواء الثاني المدرع من الفرقة الرابعة المدرعة في اتجاه الدفرزوار، كما صدرت التعليمات إلى القوة الفلسطينية المتمركزة في معسكرات فايد، لاستخدام أسلحتها المضادة للدبابات، على الطريق الموازية للبحيرات المرة غرب القناة.

لمواجهة هذا الموقف دفع الجنرال آدن لواء (ناتك) جنوباً لتأمين القطاع الجنوبي من أي هجوم من اتجاه الجيش الثالث.

وفي الساعة الثامنة إلا ربعاً صباح يوم 17 أكتوبر 1973، شن آدن هجوم بقوة 4 كتائب مدرعة من لواء توفيا ولواء ناتك في اتجاه ميسوري والمزرعة الصينية، واستطاعت وحدات (توفيا) أن تصل إلى وصلة طرطور Tirtur، في المسافة القريبة من ميدان القتال. واجه توفيا وجابي مصاعب كبيرة من الهجمات المضادة للمدرعات المصرية ولكن الضغط استمر، واستطاعت الوحدات أن تدفع بالمركبات المدرعة إلى محور أكافيش. وقبل أن ينتصف النهار كان الطريق قد فُتح أمام القوات الإسرائيلية، وبدأت الأرتال في التحرك، ويبدو أن الفرقة 16 المشاة المصرية الذي يدور القتال داخل مواقع لواءها الأيمن قد بدأت في الانكسار، واستطاعت وحدات توفيا وناتك أن تصد هجوم مدرعات المصريين وتدمر العديد من دباباتهم التي حاولت الهجوم من تجاه الشمال نحو الجنوب. دفع الجيش الثاني باللواء 14 مدرع واللواء الأول مدرع من الفرقة 21 مدرع للقيام بالهجوم المضاد، في اتجاه كل من توفيا وجابي، بينما اللواء 18 مشاة آلي يقوم بالهجوم المضاد في اتجاه "المزرعة الصينية" والتي كان يبدو أن معركة دبابات كبيرة ستحدث بالقرب منها.

وصلت معلومات من عناصر الاستطلاع، تقدم رتل مدرع من الجنوب من اتجاه الجيش الثالث المصري، متحركاً على الطريق الموازي لساحل البحيرات المرة، إلى الشمال من موقع كبريت شرق (بوتزر) Botzer. على الفور أرسلت كتيبتان مدرعتان من فرقة آدن لتحتل التلال المسيطرة على الطريق الموازى للبحيرات في كمين للواء 25 مدرع المصري المتقدم على هذا الطريق، واختيرت أرض القتل المناسبة لتدمير اللواء المدرع المصري المتحرك على محور ليكسيكون "الطريق العرضي" في بطء، وكان الكمين في انتظارهم للترحيب بوصولهم" ولكنهم لم يصلوا بعد.

وعلى الجانب الآخر تمكنت قوات آدن بالتعاون مع لواء من قوات شارون، صد الهجوم المضاد لوحدات الفرقة 21 مدرع، وبدأت معركة بين الدبابات من الجانبين على مساحة ممتدة من الأرض حتى حدود المزرعة الصينية. استطاعت المدرعات الإسرائيلية أن توقف الهجوم المصري وأن تدفعه للتراجع، كذلك استطاعت الصواريخ ساجر أن تحد من قدرات القوات الإسرائيلية على التحرك أو الاختراق في عمق القوات المصرية.

في الساعة الثالثة ظهراً، كان يبدو أن الأحداث تسير في الطريق الصحيح، فالكمين مستعد لملاقاة اللواء 25 مدرع، بينما الكتائب المدرعة تواصل الضغط على محور طرطور، ووحدات الفرقة 16 المشاة المصرية بدأت في التراجع، وقد وصلت بعض الدبابات الإسرائيلية إلى مواقع الدفرزوار، وبدأ المهندسون في إقامة الجسر.

2. معركة اللواء 25 مدرع

وقع اللواء 25 مدرع المصري فريسة سهلة أمام كمين المدرعات الإسرائيلي، وخلال دقائق محدودة احترقت 38 دبابة وحاملة جنود، ومن ثم بدأت باقي القوة في الارتداد، ولكن الدبابات الإسرائيلية تواصل تدميرها وتشعل النيران في عدد آخر من الدبابات والمركبات المدرعة. وفي الساعة الثالثة والربع، كان معظم دبابات اللواء 25 مدرع قد دمرت في الكمين.

قبل أن يتمكن المهندسون الإسرائيليون، من إعداد الجزء الأخير من الجسر، هاجمت الطائرات المصرية المنطقة وأصابت جزء كبير من الجسر بصاروخ، تحتاج عملية إصلاحها إلى وقت طويل نسبياً.

في الساعة الثالثة والنصف أصبح الجسر الأول معد للعبور، ولكن قوات آدن لم تكن جاهزة للعبور، ويستغل شارون الموقف ويطلب السماح بعبور قواته في البداية، ولكن رئيس الأركان العامة "دافيد أليعازر" لا يوافق على مقترح شارون.

ويصدر له الأوامر بتأمين رأس الجسر. واستمر التعطيل عند رأس الكوبري لمدة كبيرة، ويضغط على آدن لبدء العبور وفي الساعة الثامنة مساءً يبدأ آدن في العبور غرباً بقواته ووصلت قوات آدن إلى الغرب، مع بداية غارة جوية ليلية للمصريين على رأس الجسر في منطقة الدفرزوار، بكثافة غير عادية، ويبدو أن المصريين أحسوا بخطر القوات الإسرائيلية، التي بدأت تتجمع غرب القناة، لكن في النهاية أصبحت الدبابات الإسرائيلية في الغرب، وصاح القادة في أجهزة الاتصال اللاسلكية، "لقد عبرنا، نحن الآن في أفريقيا".

[1] الوصلة القادمة من الطريق الأوسط إلى البحيرات المرة.

[2] الوصلة القادمة من طريق أكافيش إلى الدفرزوار، والمعروفة باسم وصلة الدفرزوار.

[3] هي منطقة فناء كبير محاط بسور ويقع في شمال البحيرة المرة الكبرى.

[4] جنوب وصلة الدفرزوار مع تقاطع الطريق العرضى رقم 2.

[5] تقرر في هذا اليوم نقل لواء مظلات من جنوب سيناء بقيادة عوزي إلى منطقة القتال في الدفرزوار لمساندة الهجوم.

المبحث الحادي عشر: أعمال قتال القوات الإسرائيلية غرب وشرق القناة (18 – 28 أكتوبر)

أحدث نجاح القوات الإسرائيلية إلى غرب القناة، تحولاً كبيراً في مسار حرب أكتوبر 1973، وكانت بمثابة مباغتة تامة للقوات المصرية، في نفس الوقت الذي أعطى دفعة كبيرة للقوات الإسرائيلية، وأعاد لها الثقة بنفسها، أما المستفيد الحقيقي من ذلك العبور فقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كانت تحض إسرائيل على أمرين:

1. الأمر الأول ألا يهزم السلاح الأمريكي في مواجهة السلاح السوفيتي، بالصورة التي تحققت عام 1971 في الحرب الهندية ـ الباكستانية.

2. الأمر الثاني أن تضع إسرائيل في اعتبارها أحداث ما بعد الحرب، خاصة المفاوضات والصراع من أجل المستقبل. فبقدر ما تحقق إسرائيل من توازن أو نصر، ينعكس ذلك على نتائج المفاوضات، والولايات المتحدة لا تقبل أن يفرض عليها شروط المنتصر، لذلك يجب أن تحقق إسرائيل نصراً ما، يساعدها على إدارة جيدة للمباحثات المستقبلية.

كان هناك كذلك عوامل مؤثرة على الشعب الإسرائيلي، في الداخل، فقد كانت حالته المعنوية منخفضة بدرجة كبيرة من تأثير نتائج الأيام الأولى للحرب، وقد وضحت الصورة الأولية للهزيمة في موقفين هامين:

أولهما، تصريح الرئيس الإسرائيلي، عندما زار القيادة العسكرية الإسرائيلية، واطلع على الموقف، حيث وبخ جنرالات الجيش الإسرائيلي قائلاً: "عليكم أن تدفعوا ثمن غروركم، ولا أعرف كيف ستواجهون شعب إسرائيل بعد ما حدث".

وثانيهما، إلحاح واستجداء السيدة جولدا مائير رئيسة الوزراء، في حديثها مع الرئيس الأمريكي نيكسون، لتستعجل الإمداد بالمعدات والأسلحة لإنقاذ إسرائيل وحتى بكت في حديثها الهاتفي وقالت له: "لا أعرف كيف سأواجه عائلات القتلى الكثيرين في تلك الحرب..".

لذلك كان هناك إصرار إسرائيلي، لتنفيذ العملية "إبيراي هاليف"[1] رغم تكاليفها الباهظة، ونتائجها المشكوك فيها.

في البداية نجحت القوات الإسرائيلية في صد الهجوم المصري الذي شنته لتخفيف الضغط عن سورية. بعدها، بدأت القوات الإسرائيلية في استعادة أداءها وبدء الموقف يتحول على الجبهة المصرية، كما تحول على الجبهة السورية، لمصلحة إسرائيل.

كانت الخطة أبيراي هاليف، قد وضعت على أساس تحقيق المهام خلال 3 – 4 يوم قتال[2] بمعنى أن تكون قد حققت مهامها بالاستيلاء على مدينة السويس يوم 18 أكتوبر 73. لم يتحقق ما خططته القيادة الإسرائيلية، وبقيت القوات الإسرائيلية تقاتل في شرق القناة إلى نهاية يوم 17 أكتوبر 1973، عدا لواء المظلات المدعم بكتيبة الدبابات، والذي نجح في العبور من خلال البحيرات المرة ليلة 15/16 أكتوبر 1973، وسبب قلقا شديدا للجنرال موشي ديان "خشية أن يبيده المصريين". وكان التأخير في العبور بسبب القتال الضاري بين القوات المصرية والإسرائيلية، برغم أن الخطة استهدفت الاختراق في شريحة من الأرض بمواجهة 5 كيلومترات فقط على أقصى الجانب الأيمن للجيش الثاني في الفاصل بين الجيشين، وكان التأخير يؤثر تماما على إمكانية نجاح الخطة، ويزيد من الخسائر في الجانب الإسرائيلي.

كانت الخطة نفسها قد تعدلت يوم 17 أكتوبر 1973، بسبب ضغوط الجنرال شارون على القيادة العامة وقيادة الجبهة لتحقيق مجد شخصي لنفسه، وتقرر أن يركز شارون هجوم قواته شمالاً في اتجاه الإسماعيلية (وهي الأقرب لمنطقة العبور) بينما تنطلق مجموعتي آدن وماجن جنوباً في اتجاه السويس. وقد تم ذلك برغم عدم ثقة القيادة في شارون نفسه.

أولاً: تعديل الخطة "أبيراي هاليف" يوم 17 أكتوبر 1973

كانت الخطة الأصلية، تقضي باستيلاء قوات الجنرال آرييل شارون "مجموعة العمليات الرقم 143 المدرعة" على ممر شرق القناة وتؤمنه، وإنشاء المعبر عند الدفرزوار من جسرين، لتنطلق قوات الجنرال إبراهام آدان "مجموعة العمليات الرقم 162 المدرعة" لحصار القوات المصرية والتقدم إلى السويس والاستيلاء عليها كهدف إستراتيجي. بانتهاء عبور قوات آدن، تتسلم مجموعة العمليات الرقم 252 المدرعة بقيادة الجنرال كلمان ماجن مسؤولية تأمين المعبر، وتتجمع قوات الجنرال شارون لتنطلق خلف المجموعة 162، وتستكمل باقي مهام الخطة.

أدى تعثر الجنرال شارون في أعمال قتال 15/16 أكتوبر 1973، وخسارته لحوالي ربع قواته المدرعة، واشتراك الجنرال آدن في فتح الممر الآمن، إلى تغير جوهري في الموقف. لذلك عُقِدْ مؤتمر في كيشوف "Kishuf" مركز قيادة آدن[3] لتعديل الخطة الأصلية طبقاً للموقف، ونتج عن المؤتمر القرارات التالية:

1. الموافقة على عبور باقي اللواء المدرع الرقم 421 على المعديات إلى الغرب، ويوضع تحت قيادة آدن بمجرد عبوره (كان هذا اللواء من قوات شارون أصلاً). وقد نجح اللواء في العبور وانضم لقوات المظليين والدبابات الإسرائيلية في الغرب.

2. يستكمل شارون مهامه في تأمين الممر ورأس الجسر.

3. يعبر آدن بقواته إلى الغرب، وبعدها يستلم ماجن مهمة التأمين، ليعبر شارون بقواته غرباً كذلك.

حاول شارون إقناع ديان، بعبور لواء آخر من قواته إلى الغرب مبكراً (لواء أمنون) إلا أن ديان لم يتخذ قراراً مخالفاً.

لجأ شارون إلى الجنرال بارليف، الذي اقتنع برأيه، وأمر بعبور لواء أمنون إلى الغرب، لتتغير الخطة[4] والتي تتلخص في الآتي:

1. تعدل مهمة الجنرال شارون لتكون توسيع رأس الجسر شرق وغرب القناة، والاتجاه شمالا نحو الإسماعيلية. على أن تكون أحد مسؤولياته هو تأمين المعبر في الدفرزوار.

2. تعبر قوات الجنرال كلمان ماجن (المجموعة الرقم 252) وتندفع خلف قوات الجنرال آدن في اتجاه السويس.

3. يكون الاندفاع الإسرائيلي نحو الجنوب على شكل مروحة: آدن (برن) إلى اليسار وماجن إلى اليمين وللخلف، وبذلك يزداد العمق أثناء التقدم، كما يتم خلق قاعدة وطيدة للمقاومة في حالة حدوث أي تعثر على الجبهة.

كان لا بد من إجراءات ثلاث لتنفيذ التعديل في الخطة:

1. الإجراء الأول نفذه شارون بإصداره الأوامر إلى قائد اللواء 14 مدرع "آمنون ريشيف" لمهاجمة المزرعة الصينية من الغرب، قبل أن تعبر قواته إلى الضفة الغربية للقناة، ثم الضغط لتوسيع الممر الآمن شرق القناة، إلى مسافة 5كم طبقاً للمخطط، وقد نفذ آمنون ذلك حرفياً على حساب الخسائر التي تزايدت في وحداته، حتى وصفها ديان، عند زيارته للمنطقة في اليوم التالي، بالمعارك الوحشية.

2. الإجراء الثاني كان إجراءً تنفيذياً لإنجاح الخطة، حيث لا يمكن أن تعبر ثلاث مجموعات مدرعة "143، 162، 252" من خلال جسر واحد، لذلك فقد أصدر الجنرال شارون أوامره في الصباح الباكر يوم 18 أكتوبر 1973، إلى نائبه "العميد يعقوب إيفن" بسرعة إنشاء الجسر "سابق التجهيز" إلى جوار جسر المعديات الذي نجحت المهندسين الإسرائيليين في إنشائه ليلة 17/18 أكتوبر 1973.

وقد بدأ تحريك الجسر اعتبارا من صباح يوم 18 أكتوبر 1973، حيث كانت تجره مجموعة مكونة من 12 دبابة إسرائيلية، كان ينزلق ببطء شديد على الرمال، ولم تكن عملية الجر سهلة فقد كانت حبال الجر المصنوعة من أسلاك سميكة والتي تربط الدبابات بالجسر تنقطع كثيراً أثناء التحرك، فتضطر القافلة إلى التوقف لإصلاحها، علاوة على القصف المركز من المدفعية المصرية، التي كانت تطلق نيرانها من رأس كوبري الفرقة 16 مشاة شرق القناة، مما أثر على سير القافلة وأعاقها أحياناً. وقد تسبب ذلك في وقوع خسائر عديدة في الأفراد والمعدات. وصل الجسر إلى منطقة تقاطع الطرق، شرق مكان إقامة المعبر مباشرة، ليتعرض لغارة جوية مصرية من طائرات الميج، وقد كلفت تلك الغارة الإسرائيليين ثمنا باهظا، فقد قتل خلالها المقدم "جوني تان" رئيس المهندسين العسكريين، وكان يعد من أمهر الخبراء الإسرائيليين في إقامة الجسور، علاوة على معرفته التامة بمنطقة العبور وأسلوب تركيب الجسر بها.

أدى مقتل تان إلى أن يتولي نائب شارون المهمة بنفسه، إذ أن أية خطوة خاطئة ستؤدي إلى فشل عملية إقامة الجسر بأكملها. ويحدد خط السير الذي لا يؤدي إلى غرسه في الرمل الكثيفة. واستطاع أن يصل بالجسر إلى المعبر، قبل آخر ضوء يوم 18 أكتوبر 1973، وعند منتصف الليل، انتهى المهندسون العسكريون من إقامته على القناة، على بعد حوالي 200 م من شمال الجسر الأول.

وفي يوم 19 أكتوبر 1973، تمت إقامة جسر ثالث من المعديات "البونتون" شمال الجسر الثاني. وكانت الجسور الثلاثة مقامة في ساحة عبور واحدة على مواجهة حوالي 500 م، خصصت لها جميع وسائل التأمين الأرضي، وضد الطائرات، علاوة على وجود احتياطيات من "البراطيم" ومعدات هندسية، ويتمركز حولها كتائب المهندسين المختصة بتشغيل تلك المعابر، علاوة على وحدات طبية وإدارية لخدمة القوات واستقبال المصابين من الضفة الغربية للقناة. وتولى قيادة ساحة العبور يعقوب إيفن نائب قائد المجموعة 143 المدرعة.

3. كان الإجراء الثالث، يخص توازن القوات الإسرائيلية في الشرق، إذ بانتقال مجموعات العمليات المدرعة الثلاث للشرق، لا بد أن تحل محلها وحدات أخرى، لذلك استدعيت قوات من الحدود المصرية الإسرائيلية، لتتخذ أوضاعها أمام القوات المصرية في الشرق، وتؤمن الممر إلى الغرب.

ثانياً: أعمال القتال يوم 18 أكتوبر 1973 (اُنظر شكل أعمال قتال يوم 18 أكتوبر)

بدأت وحدات الجنرال آدن في العبور اعتباراً قبل منتصف الليل بقليل، يتقدمها مجموعة قتال صغيرة ثم مجموعة قيادة آدن ثم اللواء 460 مدرع، ثم اللواء 600 مدرع وكل منهم بقوة 70 دبابة، وبقي اللواء 217 شرق القناة كاحتياط لتأمين عبور المجموعة وقد عبر في اليوم التالي. وواجهت قوات آدن مصاعب عديدة أثناء عبورها، إذ تعرضت لقصف مركز من المدفعية المصرية، أحدثت خسائر في اللواء 460 (لواء المقدمة) ودمر أجزاء من الجسر استغرق إصلاحه وقتاً غالياً.

وفي أول ضوء، صباح يوم 18 أكتوبر 1973، أصبح لإسرائيل ثلاث ألوية مدرعة، ولواء مظلات في الغرب، تحت قيادة الجنرال آدن.

1. صدي للهجوم المضاد المصري (معركة المجموعة الرقم 162 المدرعة)

أصدر الجنرال آدن أوامره إلى لوائي المدرعات بتوسيع رأس الجسر فوراً، والاستناد على الترعة الحلوة (ترعة السويس الموازية للقناة، وتبعد عنها حوالي 4 كم وقد صادف التقدم مقاومة من القوات المصرية، وخصوصاً محاولة عبور الترعة الحلوة من خلال الكباري أو "المخاضات"، حيث تعرضت بعض الدبابات إلى إصابات مباشرة من الصواريخ المصرية، من بعض الكمائن المختفية في المزروعات، وبين الأشجار. لذلك أمر الجنرال آدن بسحب المفارز ومقدمات الوحدات إلى شرق الترعة الحلوة، وخطط أن تقصف المدفعية الإسرائيلية من الضفة الشرقية للقناة "عيار 175 مم، و155 مم المنطقة أمامه.

حصلت عناصر الاستطلاع، ومصادر معلومات أخرى، عن معلومات عن تحرك لواء مدرع مصري من شرق القاهرة، إلى الجيش الثاني المصري في الغرب، لشن هجوم مضاد ضد القوات الإسرائيلية في منطقة الدفرزوار. أتخذ آدن قراره بوضع لواء جابي على اليسار، بمهمة صد الهجوم المضاد المصري، ولواء نتكا على اليمين، بمهمة تطويق اللواء المدرع المصري بعد صده، كما طلب مساندة من القوات الجوية، التي بادرت بالإغارة على اللواء أثناء تقدمه، وهو ما دفع قائد اللواء المصري للإسراع في اتجاه القوات الإسرائيلية، ليلتحم بها ويضعف من تأثير الهجوم الجوي الإسرائيلي على قواته. وقع اللواء المدرع المصري الرقم 23، في ستارة من الصواريخ المضادة للدبابات، مدعمة بالدبابات من لواء جابي، حيث أجبرته على التوقف، ليقع تحت نيران كثيفة من المدفعية الإسرائيلية في الشرق.

أما اللواء المدرع الإسرائيلي الآخر "لواء نتكا"، فقد تقدم إلى وصلة سرابيوم لتطويق القوات المصرية، فاصطدم بعناصر من اللواء 116 مشاة المصري (حوالي سرية مشاة) عند تقاطع طريقي سرابيوم والمعاهدة "موقع Arel كما يسميه الإسرائيليون، حيث دارت معركة غير متكافئة، تمكن اللواء خلالها من إحداث خسائر كبيرة في تلك السرية. ثم اتجه "نتكا" بلوائه جنوبا عبر طريق المعاهدة في اتجاه تقاطع وصلة أبو سلطان، حيث المواقع الرئيسية للواء 116 مشاة في منطقة "Tsach" كما كان يطلق عليها الإسرائيليون، ولم تكن معركته سهلة مثل المعركة السابقة، حيث تعرضت دباباته إلى نيران مركزة، اضطر معها إلى الاتجاه غربا متجنبا الهجوم على الموقع المصري.

2. معارك المظلات الإسرائيلية غرب القناة:

تحدد للواء المظلات الإسرائيلي، مهام أخرى لتأمين المحاور الشمالية من المعبر، حيث ستعمل قوات الجنرال شارون بعد عبورها حيث دارت معركة قاسية بين كتيبة مظلات إسرائيلية من اللواء 35 مظلات، وعناصر صاعقة مصرية كانت تؤمن تلك المحاور خسرت فيها كتيبة المظلات جزء غير يسير من قوتها بين قتيل وجريح، في معركة استمرت أربع ساعات، حتى تمكنت قوة نجدة من لواءها، من التدخل وتأمين انسحابها[5].

3. تدمير قواعد الصواريخ المصرية

أصدر الجنرال جونين أوامره إلى الجنرال آدن لدفع بعض وحداته للإغارة على مواقع الصواريخ أرض / جو المصرية، في منطقة جنوب الإسماعيلية، وقد شدد جونين على تلك المهمة الحيوية، حتى يمكن للطائرات الإسرائيلية تنفيذ مهامها. وعلى الفور أصدر الجنرال آدن أوامره، بتخصيص كتيبة مدرعات من كل لواء، للقيام بإغارات على مواقع الصواريخ في العمق. نجحت كتيبة لواء "نتكا" من تدمير موقعي صواريخ مصرية على عمق حوالي 20 كم، وعادت إلى لوائها قبل آخر ضوء، في الوقت الذي نجحت فيه كتيبة لواء "جابي" في تدمير موقع آخر على مسافة 10 كم واضطرت للارتداد بعد اشتباكها مع قوات مصرية. مكنت تلك الإغارات الطيران الإسرائيلي من تقديم معاونة فعالة إلى قوات آدن في صباح اليوم التالي، بحرية، لم تكن متاحة من قبل.

4. استكمال عبور القوات الإسرائيلية غرباً

بنجاح الجنرال آدن في صد الهجوم المضاد المصري، وتوسيع رأس الجسر، طلب من قائد القيادة الجنوبية الإسرائيلية، ضم اللواء المدرع التابع له، حتى يتسنى تحقيق المهام المخططة، وقد صدق الجنرال جونين على الطلب، وعبر اللواء 217 ليلة 18/19، وانضم على قوات آدن. وبذلك استكمل آدن مجموعته بالكامل، لتعمل غرب القناة، في اتجاه السويس.

في نفس الوقت فقد عبرت المجموعة الرقم 252 المدرعة بقيادة الجنرال كلمان ماجن، القناة غرباً، بقوة لواءين مدرعين اللواء 401 بقيادة "دان شمرون" ، اللواء 164 بقيادة "باروم" واللواء 166 آلي بقيادة "بنتشاس".

في شرق القناة، استمرت أعمال القتال لقوات الجنرال شارون حيث هاجم "لواء أمينون" المزرعة الصينية، وموقع الطالية (ميسوري) حيث واجهته مقاومة عنيفة، ونجح جزئياً في المزرعة الصينية، ولم يحقق أي نجاح في اتجاه الطالية.

ثالثاً: أعمال قتال يوم 19 أكتوبر 1973

بصباح يوم 19 أكتوبر 1973 كانت القوات الإسرائيلية غرب القناة تتكون من:

1. مجموعة عمليات الجنرال آدان بالكامل (ثلاثة ألوية مدرعة).

2. مجموعة عمليات الجنرال كلمان ماجن بالكامل، وتتكون من (لوائين مدرعين ـ لواء مشاة آلي).

3. مجموعة عمليات الجنرال شارون تتكون من لواء مدرع ولواء مظلات.

أي أن إجمالي القوات الإسرائيلية غرب القناة كانت ستة ألوية مدرعة، لواء مشاة آلي ولواء مظلي.

كان الموقف الإداري لتلك القوات صعب، فقد كانت أرتال التمويل متوقفة في منطقة الجسور، ولم تتمكن معظمها من العبور ليلة 18/19، مما وضع القوات المقاتلة في موقف حرج. كذلك فإن الكثيرين من الأفراد الإداريين تعرضوا لنيران المدفعية المصرية وحدثت فيهم خسائر كبيرة.

وقع العبء الرئيسي للقتال على وحدات آدن، التي قاتلت على محورين متوازيين في اتجاه الجنوب. إذ اندفع لواء نتكا في اتجاه الغرب شمال وصلة أبو سلطان "Sacranut" للوصول إلى الهيئات المرتفعة شمال شرق تقاطع وصلتي أبو صوير وأبو سلطان "Maktsera"، حيث اصطدم مع لواء مدفعية الميدان المصري التابع للفرقة 23 مشاة آلية، ودارت معركة لمدة ثلاث ساعات كاملة (من الساعة 1000 - 1300) استخدم فيها اللواء الإسرائيلي أسلوب الضرب على مسافات بعيدة مع الحركة، إطلاق ذخائر ضد الأفراد (حتى لا يتمكن لواء المدفعية من إطلاق دانات مباشرة ضد الدبابات الإسرائيلية). وقد انتهت المعركة بإحداث خسائر كبيرة في لواء المدفعية وانسحابه غربا في اتجاه موقع عثمان أحمد عثمان بعد أن ألحق خسائر محدودة في الدبابات الإسرائيلية، وآخرها عدة ساعات غالية.

بعدها انحرف لواء نتكا غرباً، عبر وصلة أبو صوير، المتجهة إلى طريق مصر / السويس فاصطدم بمقاومة عنيفة مرة أخرى عند تقاطع وصلة أبو صوير مع طريق فايد[6] "Miznefet" وحتى يتخلص نتكا من المعركة، فقد طلب من الجنرال آدن نجدة، حيث أرسل له كتيبة دبابات من اللواء الاحتياطي، لتثبيت الموقع المصري، بينما ترتد قوات نتكا، وقد نجحت تلك العملية تماماً، وتمكن نتكا من الاتجاه شرقاً مرة أخرى ليهاجم المقاومات المصرية المبعثرة في طريقه، جنوباً على محور طريق فايد ـ البحيرة المرة، حيث تمكن في نهاية اليوم من الاستيلاء على أرض هبوط فايد، والتي كانت ذات فائدة لإمداد القوات الإسرائيلية في الغرب.

أما اللواء الآخر، "لواء جابي"، فقد تقدم منذ الصباح في اتجاه الغرب متفاديا موقع كتيبة مشاة من اللواء 116، في تقاطع أبو سلطان مع طريق المعاهدة. وقد واجه هذا اللواء أول حادث إطلاق صاروخ أرض/ جو ضد الدبابات، وذلك عندما اقترب من أحد مواقع الصواريخ، فأطلق عليه الموقع، صاروخاً في خط مرور مسطح، ومر الصاروخ فوق القوة المدرعة، وأحدث ذعرا شديدا، ثم سقط بعيدا على مسافة حوالي 500مترا من مركز قيادة الجنرال آدن.

انطلق لواء جابي المدرع على طريق المعاهدة، بمحاذاة قناة السويس، في اتجاه فايد، بهدف الاستيلاء على المطار، ولكن المقاومات المصرية حالت دون تحقيق مهمة اللواء، ولم يتمكن من الوصول إلى المطار. قبل أن يحل الظلام، أمر الجنرال آدن اللوائين المدرعين بتأمين منطقة جبل جنيفة الذي يمثل منطقة حيوية رئيسية، وذلك خشية أن تصل إليه قوات مصرية، تعرقل تقدم القوات بعد ذلك. أما اللواء المدرع الثالث من قوات آدن، فقد ظل في الاحتياط، ولم يشترك في أعمال قتالية خلال هذا اليوم باستثناء كتيبة مدرعة واحدة، التي دعمت نتكا لفترة من الوقت.

1. أعمال قتال مجموعة العمليات الرقم 252 مدرع

كانت المهمة الأولى لتلك المجموعة، هو تطهير جيوب المقاومة المصرية التي يتركها آدن أثناء تقدمه السريع جنوباً، لذلك وجهت تلك القوات جهودها ضد تقاطعات محوري سرابيوم، وأبو سلطان مع طريق المعاهدة، وكانت تدافع عن تلك المناطق عناصر من اللواء 116 مشاة آلي المصري، ودارت معارك، انتهت لمصلحة القوات الإسرائيلية، التي كانت تملك تفوق كبير في القوات.

بانتهاء تلك المعارك، اندفعت المجموعة 252 عبر الأراضي المفتوحة، في اتجاه الجنوب، والجنوب الغربي، لحماية الجانب الأيمن ومؤخرة قوات آدن. كان هدفها النهائي، هو قطع الطريق الرقم 12، شمال طريق القاهرة/ السويس، ثم قطع طريق القاهرة/ السويس الرئيسي. وبذا يتم عزل الجيش الثالث ومدينة السويس عن طريق إمداداتهما القادم من القاهرة.

2. أعمال قتال المجموعة الرقم 143 المدرعة

في الصباح عبر اللواء 14 مدرع "لواء آمنون"، لينضم إلى مجموعته ولتستكمل قوات شارون كل عناصرها، لتصبح لوائين مدرعين، ولواء مظلات. ويبقى لها في الشرق لواء مدرع + كتيبة دبابات تعمل كاحتياط لقائد الجبهة في الشرق.

كانت الخطة تقضي بأن يتم الضغط بقوات شارون من شرق القناة وغربها، على القوات المصرية (الجناح الأيمن للجيش الثاني المصري) بهدف تدميره، وإخلاء المنطقة حتى مدينة الإسماعيلية، والاستيلاء عليها.

وقد بوغت الجنرال شارون، بالأعمال القتالية الناجحة التي قام بها لواء المظلات 182 المصري، في اليوم السابق، واحتلاله لمصاطب الدبابات المسيطرة على ميدان المعركة شرق وغرب القناة. لذلك، كان المجهود الرئيسي للمجموعة 252 في هذا اليوم، السيطرة على مصاطب الدبابات على طول الضفة الغربية للقناة، وكلف اللواء 421 مدرع بهذه المهمة ومعه، واللواء 242 مظلي بقيادة "داني مات"، حيث شنوا هجوما عنيفا من الجنوب إلى الشمال ضد كل مصطبة منفردة بذاتها من أجل تطهيرها، يعاونهم جهود كثيفة من الطيران الإسرائيلي، والمدفعية، وقد نجح اللواءان في تطهير المصاطب حتى سرابيوم "منتصف المسافة ما بين الدفرزوار والإسماعيلية" بعد معارك طاحنة مع المظلات المصرية.

كذلك كان على المجموعة توسيع رأس الجسر الإسرائيلي غرب القناة، وامتداده شمالا وغربا، ومحاولة القضاء على القوات المصرية المنتشرة فيه[7]. اصطدم لواء آمنون بالعديد من المقاومات وتكبد خسائر كبيرة، ولم ينجح في التقدم سوى في المناطق الصحراوية الخالية، أما المناطق الزراعية، فلم يحقق فيها نجاحات تذكر.

وفي شرق القناة، تولت مسؤولية التأمين مفرزتين منفصلتين كل منهما تتكون من لواء مشاة آلي ولواء مدرع، حيث تولت مجموعة ساسون مهمة تأمين المنطقة من بورسعيد وحتى الطريق الأوسط في سيناء، ومجموعة "جراينت إسرائيل" تأمين المنطقة من الطريق الأوسط وحتى السويس. وكانت المهام الرئيسية لتلك المفارز هي تنشيط الدفاعات الرئيسية أمام القوات المصرية لشغلها، وعدم قيامها بمعاونة القوات التي تهاجم أو الاندفاع في ثغرة الاختراق لسدها.

في الوقت نفسه، استمر اللواء المدرع من قوات شارون في توجيه هجماته ضد الجانب الأيمن للفرقة 16 مشاة المصرية.

بنهاية يوم 19 أكتوبر 1973 كانت القوات الإسرائيلية في منطقة غرب القناة تتكون من سبعة ألوية مدرعة، لواء مشاة آلي، لوائين مظليين إذ عبر لواء مظلي "بقيادة العقيد أوزي عوزي" ليلة 18/19، وانضم إلى المجموعة الرقم 143 مدرع بقيادة الجنرال شارون، لتصبح الفرقة مكونة من لواءين مدرع، ولواءين مظلات.

حث الجنرال ديفيد أليعازر رئيس الأركان الإسرائيلي ـ أثناء زيارة للقوات الإسرائيلية في منطقة الدفرزوار ـ الجنرال شارون للاستيلاء على مدينة الإسماعيلية بأسرع ما يمكن. على اعتبار أن سقوطها سيكون له تأثير رئيسي في تحول مجريات الحرب لمصلحة إسرائيل، وحصار الجيش الثاني أيضا إلى جانب الجيش الثالث، وبالتالي تكون كل القوات المصرية محاصرة شرق القناة، ويمكن أسرها. وعلق شارون على تلك الخطة قائلا: "هذه حرب رهيبة لم يكن لها شيء مشابه من قبل. إن حرب الأيام الستة لم تكن إلا معركة واحدة فقط".

رابعاً: أعمال قتال القوات الإسرائيلية حتى وقف إطلاق النيران (20 ـ 22 أكتوبر 1973)

اعتباراً من يوم 20 أكتوبر 1973، كانت اتجاهات السياسة الدولية شرقاً وغرباً، تتجه إلى إصدار قرار بوقف إطلاق النيران، تتفق عليه القوتان الأعظم "الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي". وكانت الولايات المتحدة تحث إسرائيل، عن طريق طاقم التخطيط الأمريكي الملحق على القيادة الإسرائيلية، ومن خلال الاتصالات السياسية المباشرة، للإسراع بتحقيق أوضاع مناسبة، لخطوط وقف إطلاق النار، التي تصل إليها القوات الإسرائيلية عند إصدار قرار مجلس الأمن.

لذلك، فقد نشطت القوات الإسرائيلية في محاولة تنفيذ مهامها، وساعدها على ذلك حرية عمل الطيران الإسرائيلي على الجبهة المصرية، خاصة في منطقة جنوب الإسماعيلية وحتى السويس، نتيجة للثغرة التي حدثت في نظام الدفاع الجوي المصري، في هذا الاتجاه. وتآكل الاحتياطيات المصرية المحدودة، التي كانت تؤمن الضفة الغربية لقناة السويس، مع استمرار تمسك القوات المصرية بأوضاعها شرق القناة، وعدم سحب أي قوات إلى الغرب إلا في نطاق محدود[8].

بذلت القوات الإسرائيلية أقصى الجهود للحصول على نصر سريع باستغلال التفوق الساحق على المحاور التي كان عليها دفاعات ضعيفة، أو لم يكن بها دفاعات أصلا، وقد اصطدمت بمقاومة عنيفة أحياناً، خلال مراحل القتال غرب القناة. (اُنظر شكل التقدم الإسرائيلي غرب القناة)

1. أعمال قتال المجموعة الرقم 163 المدرعة، قوات الجنرال إبراهام آدن (20 ـ 22 أكتوبر 1973)

كانت بداية عمل مجموعة آدن يوم 20 أكتوبر 1973، الاستيلاء على نقاط الفصل الهامة بين الجيشين المصريين الثاني والثالث غرب القناة، لذلك تقدم لواء "جابي" على طريق المعاهدة، في اتجاه فايد بهدف الاستيلاء على مطار فايد، حيث واجهته مقاومة عنيفة من قوات الدفاع عن المطار، علاوة على العوائق التي أقامتها تلك القوات، لعرقلة تقدم القوات الإسرائيلية أمامها، مما أجبر الجنرال آدن على إمداد ذلك اللواء، بكتيبة مشاة إضافية، وكتيبة مهندسين، حتى يمكنه التغلب على المقاومات والعوائق، وقد نجح في ذلك وأقتحم دفاعات المطار في الساعة العاشرة صباح يوم 20 أكتوبر 1973، حيث وجد أن القوات المصرية قد نسفت منشآت المطار قبل انسحابها منه.

وبسقوط مطار فايد، أتيحت فرصة ثمينة للقوات الإسرائيلية لإنشاء رأس جسر جوي على الضفة الغربية للقناة، وأصبح في إمكان القيادة الجنوبية الإسرائيلية، إمداد قواتها على الضفة الغربية بالإمدادات الإدارية العاجلة، كذا إخلاء الجرحى بسرعة.

وعلى الاتجاه الغربي من لواء جابي، كان يعمل اللواءان الآخران لقوات آدن في تنسيق تام للاستيلاء على سلسة المرتفعات الهامة في تلك المنطقة، حيث تمكنا من الاستيلاء على جبل شبراويت والجوزة الحمراء، ثم على جبل جنيفة ذو الأهمية الإستراتيجية بعد معركة شرسة مع القوات المصرية التي كانت تدافع عنه، وكان من المهم احتلاله، بحكم سيطرته على الأرض على القطاع الساحلي، علاوة على تحكمه في سلسلة الطرق والمحاور التي تؤدي إلى الشمال والجنوب والغرب. "وقد ظل جبل جنيفه محور المعارك المتتالية بين القوات المصرية والإسرائيلية، حيث حاولت كل منهما الاحتفاظ به تحت سيطرته، لذلك شنت القوات المصرية هجمات مضادة طوال يوم 21 أكتوبر 1973 لمحاولة استعادته من القوات الإسرائيلية، ولكنها لم تنجح نظرا للسيطرة التامة الذي يحققها الجبل إلى مسافات بعيدة، وقد تكبد الطرفان خسائر جسيمة خلال المعارك التي دارت حول هذا الجبل الهام."

وفي خلال ليلة 21/22 أكتوبر 1973، كان هناك اتصالا لاسلكيا بين الجنرال جونين قائد القيادة الجنوبية، والجنرال آدن، بشأن موقف القوات في الغرب قبل وقف إطلاق النيران، الذي سيتحدد مع آخر ضوء يوم 22 أكتوبر 1973، وقد أصدر جونين تعليماته بأن تبذل القوات أقصى جهدها للانطلاق غرباً، للاستيلاء على الشاطئ الغربي للبحيرات المرة بالكامل والوصول إلى مجرى قناة السويس الرئيسي جنوب البحيرات قبل إيقاف إطلاق النيران، حتى تتحسن أوضاع القوات الإسرائيلية غرب القناة، ولا تكون محاصرة في منتصف الطريق الذي يمثل تهديدا لها، وتحقيق مهامها بحصار الجيش الثالث الميداني، وهو الهدف الرئيسي "للعملية".

ولتحقيق هذا الهدف، جمع الجنرال آدن كل قواته، واندفع بقوة في اتجاه الجنوب، مستخدما أسلوب "الانقضاض السريع" بالدبابات، لإجبار القوات المصرية التي تعترض طريق تقدمه على الهروب من مواقعها الدفاعية[9].

ولتنفيذ ذلك هاجمت المجموعة بالكامل على خط واحد "لواء جابي في اليمـين، نتكا في الوسط وحاييم في اليسار"، وهاجمت على مواجهة واسعة، وبأقصى سرعة ممكنة. ولكنها اصطدمت بمقاومات عنيفة، اضطرتها إلى تقليل معدل تقدمها في بعض الاتجاهات وتوقفها في اتجاهات أخرى، نتيجة لارتفاع معدل الخسائر، برغم التفوق الكبير الذي كانت تحققه أمام القوات المصرية المحدودة، التي كانت تتحصن في جيوب على المحاور الرئيسية.

وقد أدى الطيران الإسرائيلي مهامه لمساندة القوات في الغرب بكفاءة عالية، وبطلعات كثيفة مستمرة طوال اليوم ولكن رغم ذلك، فإن الجنرال آدن حتى توقيت وقف إطلاق النيران، الذي تحدد له الساعة السادسة واثنان وخمسون دقيقة مساء يوم 22 أكتوبر 1973، بتوقيت القاهرة، لم يستطع الوصول إلى المجرى الرئيسي لقناة السويس، وظل محاصراً في منتصف منطقة البحيرات المرة.

2. أعمال قتال مجموعة العمليات الرقم 252، الجنرال كلمان ماجن (20 ـ 22 أكتوبر 1973)

تقدمت قوات ماجن في الأرض الصحراوية المفتوحة بسرعة، في اتجاه الغرب من قوات الجنرال آدن وتمكنت من تحقيق أهدافها بسرعة، وقد تمكن الجنرال ماجن من التغلب على المقاومات المحدودة في طريق تقدمه، وتمكن من الاستيلاء على جبل غرة الذي يسيطر تماما على طريق الرقم 12 شمالي طريق السويس/ القاهرة بعد معركة محدودة، كان التفوق المطلق فيها للإسرائيليين، الذين هاجموا الجبل بعد تمهيد نيراني كثيف، من القوات الجوية الإسرائيلية.

تمكنت قوات ماجن من الاستيلاء على وادي سد الجاموس الذي يتحكم في الطرق المؤدية إلى جبلي غرة، وجنيفة، وقد أدى ذلك إلى سيطرة كاملة للإسرائيليين على تلك المنطقة الهامة، المتحكمة في محاور الطرق، وتمكنت قوات ماجن كذلك قبل إيقاف إطلاق النيران، أن تستولي على أحد الهيئات الهامة "التبة الزلطية" التي لا تبعد أكثر من 5 كم من تقاطع وصلة جنيفة مع طريق القاهرة/ السويس الصحراوي "الرئيسي"[10].

3. أعمال قتال مجموعة عمليات الرقم 142 المدرعة، الجنرال إرييل شارون (شرق وغرب القناة في اتجاه الإسماعيلية، 20 ـ 22 أكتوبر 1973)

كان الجنرال شارون مصمماً على الاستيلاء على مدينة الإسماعيلية. ومنذ الصباح يوم 20 أكتوبر 1973 بدأت الطائرات الإسرائيلية هجوماً عنيفاً على مدينة الإسماعيلية وباقي مدن القناة، وقصف مواقع الصواريخ أرض/ جو بالقذائف الحديثة، التي أمدتها بها الولايات المتحدة، وكذلك على أماكن تجمع القوات المصرية على مركز الجيش الثاني في منطقة معسكر الجلاء، قبل أن تستأنف القوات البرية، المكونة من لوائين مدرعين ولواء مظلات هجومها، ضد لواء المظلات المصري، الذي يحتل مصاطب الدبابات في الغرب، وضد المحاور الرئيسية المؤدية إلى مدينة الإسماعيلية، في نفس الوقت القيام بتوسيع وتطهير رأس الكوبري في اتجاه الغرب، وحتى شرق طريق المعاهدة، مع السيطرة على طريق أبو صوير العرضي.

لم تتمكن قوات شارون من إحداث اختراقات رئيسية في اتجاه الإسماعيلية يوم 20 أكتوبر 1973، بينما نجحت جزئياً في الاستيلاء على بعض مصاطب الدبابات حتى منطقة طوسون، والاتصال مع دفاعات الإسماعيلية.

وفي يوم 21 أكتوبر 1973، وبعد أن أبلغته قيادة المنطقة الجنوبية أن قرار وقف إطلاق النيران على وشك الصدور من مجلس الأمن، ازداد تصميم شارون على الاستيلاء على مدينة الإسماعيلية، والتي سيحقق سقوطها شهرة لاسمه، وتحدث دوياً سياسياً كبيراً على المستوى العالمي، مما سيكسبه شهرة واسعة ومجداً عسكرياً كبيراً.

كان شارون يعلم أن الوصول إلى الإسماعيلية، يمر من خلال العديد من الطرق الزراعية المحدودة السعة، علاوة على وجود مناطق كثيفة بالأشجار التي يمكن للكوماندوز المصرية قتال قواته خلالها، ولكنه أصر على التغلب على كل تلك العقبات من خلال هجوم ليلي، بالتقدم على جميع الطرق المتيسرة، مع تركيز جهوده على الطريق الساحلي "في اتجاه جبل مريم"، والطريق الأوسط "طريق المعاهدة".

وفي ليلة 21/22 أكتوبر 1973، شن شارون هجوماً ليلاً عنيفاً، بعد تمهيد كثيف بالمدفعية والطيران، ولكن قواته فشلت في اختراق الدفاعات المصرية، حيث تكبدت خسائر كبيرة اضطرته إلى إيقاف الهجوم، وسحب القوات. كرر شارون الهجوم نهاراً، في اليوم التالي (22 أكتوبر 1973) عند الظهر، وبعد أن قامت القوات الجوية الإسرائيلية بقصف متواصل على طول المواجهة، تقدمت قوات شارون على محور "أبو عطوة" وصلت الخسائر حوالي 50 فردا من المظليين، وتدمير دبابتين أغلقتا المحور ولم تتمكن أي دبابات إسرائيلية أخرى من التقدم، على محور "نفيشة" دمرت الصاعقة المصرية 3 دبابات وعربتين مدرعتين، وعدداً كبيراً من الأفراد، أغلقت المحور. في نفس الوقت، فلم تتمكن أي قوات إسرائيلية من التقدم لاختراق دفاعات منطقة "جبل مريم".

عندما حل موعد إيقاف النيران، مع وجود الكثير من الجرحى الإسرائيليين في ميدان المعركة، لم يكن بالإمكان القيام بمعركة أخرى حاسمة، لذلك طلب شارون من الجنرال بارليف طائرات عمودية لإخلاء الجرحى، ولكن طلبه رُفض لعدم تمكن تلك الطائرات من الهبوط بالقرب من ميدان المعركة، واضطر شارون أن يأمر قواته بضرورة الاعتماد على أنفسهم في النجاة، واستمرت عملية الإخلاء حوالي أربعة ساعات.

4. العمليات القتالية شرق القناة (20 ـ 22 أكتوبر 1973)

كان القيادة الجنوبية الإسرائيلية مصممة على ضرورة الاستيلاء على موقع ميسوري (الطالية)، الذي استولى عليه المصريون في المرحلة الأولى للحرب والذي يمثل هيئة ذات أهمية، تزيد من ترابط دفاعات الفرقة 16 مشاة المصرية وتماسكها، والذي بسقوطه، تنهار الدفاعات في رأس كوبري تلك الفرقة شرق القناة.

شن اللواء 247 مدرع الإسرائيلي هجومه، في منتصف يوم 21 أكتوبر 1973، على موقع الطالية، من اتجاهين، كل بقوة كتيبة مدرعة، واستخدم أسلوب الانطلاق السريع نحو الهدف، لسرعة تحقيق المهمة، وإنزال الردع بالمصريين المدافعين عن الموقع. ولكنه فشل فشلاً ذريعاً، حيث واجهته القوات المصرية، بصلابة، وقوة نيران حطمت 20 دبابة مهاجمة، وأسرت 12 فردا إسرائيليا من أطقمها، لم يتمكنوا من الهرب. أمام تلك النتائج ومع إصرار البعض في القيادة الجنوبية على معاودة الهجوم، تدخل الجنرال بارليف، وألغى المهمة، حتى لا يتزايد حجم الخسائر في القوات الإسرائيلية.

خامساً: قرار وقف إطلاق النار الرقم 338

في حوالي الساعة السابعة صباحا يوم 22 أكتوبر 1973 "بتوقيت منطقة القتال"، أصدر مجلس الأمن القرار رقم 338 بوقف إطلاق النيران، وكان القرار يتضمن ثلاث فقرات هي:

1. دعوة جميع الأطراف المشتركة في القتال الحالي إلى وقف إطلاق النيران وإلى إنهاء كل نشاط عسكري فورا، على أن يتم ذلك في وقت لا يتجاوز 12 ساعة من صدور هذا القرار. وذلك على المواقع التي تحتلها هذه الأطراف في ذلك التوقيت.

2. دعوة الأطراف المعنية إلى البدء فورا بعد وقف إطلاق النار، في تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242، بجميع أجزائه.

3. البدء في مفاوضات فورية بين الأطراف المعنية، في الوقت الذي يتم فيه وقف إطلاق النار، تحت إشراف مناسب، بغية تحقيق سلام دائم وعادل في الشرق الأوسط.

سادساً: استكمال المهام الإسرائيلية في ظل وقف إطلاق النيران

كان موقف القوات الإسرائيلية صعباً عند وقف إطلاق النيران، فالقوات متداخلة مع القوات المصرية، وطريق إمدادها يعتمد على شريان دقيق يسهل قطعه، ولم يتحقق الهدف السياسي من عملية العبور إلى الغرب، فمدينة الإسماعيلية لم يتمكن شارون من دخولها، والسويس مازالت بعيدة عن الحد الذي وصل إليه آدن وماجن، لذلك تلقي قادة المجموعات في الغرب توجيهاً من القيادة الجنوبية مساء يوم 22 أكتوبر 1973، بمراعاة وقف إطلاق النيران إذا التزم به المصريون، أما إذا لم يحترموه، فإن عليهم استكمال المهام المسندة إليهم. وكأنما يوحي لهم، بما هم عازمون على فعله، وليتعللوا بعدم التزام المصريين بوقف إطلاق النار.

اعتباراً من صباح يوم 23 أكتوبر 1973، استأنفت المجموعتان 162، 252، الإسرائيليتان هجومها في اتجاه الجنوب، وفي نفس الاتجاهات المحددة سابقاً. على أن يتجه الجنرال ماجن إلى ميناء الأدبية جنوب السويس، بينما يتجه الجنرال آدن إلى مدينة السويس ذاتها.

حرص الجنرال آدن على تأمين خطوط مواصلاته، إذ يمر بالكثير اتجاه عمل قواته من منطقة مليئة بالمعسكرات والمواقع المصرية السابقة، ومناطق الأشجار الكثيفة، لذلك اتسم تقدم القوات الإسرائيلية بالبطء النسبي. في نفس الوقت، أصدر آدن أوامره بسرعة تطهير طريق المعاهدة والمناطق الزراعية المحيطة به حتى لا تشكل تهديدا لقواته المتقدمة، وقد تم إمداد فرقته بوحدات مشاة نقلت بواسطة طائرات عمودية، وأتوبيسات، حيث كون منها لواء مشاة من خمسة كتائب محملة على عربات مدرعة، إضافة إلى ألويته الثلاث، وقد أسند آدن قيادة هذا اللواء، إلى القائد الثاني للمجموعة "الجنرال دوفيك".

تحسباً لصدور قرار ثاني بإيقاف النيران، حرص آدن على تحقيق الاتصال بمدينة السويس يوم 23 أكتوبر 1973، فقسم قواته إلى جزئين، الأول بقيادته ويشمل على لوائين مدرعين للانطلاق جنوبا بأقصى سرعة لتحقيق الهدف بالاتصال بمدينة السويس، والجزء الثاني بقيادة نائبه ومهمته الأساسية هي التطهير والقضاء على المقاومة المصرية.

تمكن آدن من الوصول إلى جنوب السويس واستولى على منطقة الزيتية، على مسافة 5 كم جنوب غرب السويس، وعزلت مدينة السويس تماماً عن القاهرة، كذلك أدى الاختراق السريع إلى اهتزاز المواقع الدفاعية المصرية، مما حقق سهولة مهاجمتها بعد ذلك. (اُنظر شكل جبهة القناة يوم 24 أكتوبر)

انطلق الجنرال ماجن في الأراضي المفتوحة، وحقق أول مهامه بالوصول إلى علامة كم 101" على طريق القاهرة/ السويس، حيث قام بتأمينها بقوة صغيرة، ثم انطلق في اتجاه جبل عتاقة[11] حيث تمكن من الاتصال بوحدة مظلات تم إبرارها على السفوح الشمالية لجبل عتاقة وكانت مهمتها تدمير عناصر الحرب الإلكترونية المصرية فوق الجبل، ثم واصلت قوات ماجن تقدمها، في اتجاه الجنوب الشرقي حتى وصلت إلى مصنع الأسمدة الكيماوية القديم على خليج السويس "على بعد حوالي 3 كم جنوب الزيتية".

كلف ماجن، دان شمرون، "والذي وصلت إجمالي دباباته إلى 17 دبابة فقط من 90 دبابة كان اللواء قد عبر بها إلى الغرب"، بالتقدم إلى ميناء الأدبية (حوالي 15 كم جنوب مدينة السويس)، والاستيلاء عليه، وتأمين القوات البحرية الإسرائيلية، التي ستصله ليلاً.

وقد فوجئت الحامية البحرية في ميناء الأدبية بدخول الدبابات الإسرائيلية إليها في منتصف ليلة 23/24 أكتوبر 1973، حيث دارت معركة قصيرة غير متكافئة، سيطر بعدها الإسرائيليون على الميناء.

لم يكن الجنرال جونين مطمئناً على سلامة العناصر المدرعة الصغيرة الحجم، التي تركها الجنرال ماجن لإغلاق طريق السويس/ القاهرة عند علامة كم 101 إذا تعرضت لهجوم مصري، لاستعادتها. لذلك أصدر أوامره بأن يترك ماجن نقط صغيرة في الأدبية لتأمينها، على أن تعود قواته لتؤمن الطريق بين القاهرة والسويس. وعند عودة قوات ماجن، اصطدمت بموقع مصري حصين، حيث دارت معركة عنيفة انتهت بعودة الدبابات الإسرائيلية إلى الأدبية مرة أخرى.

سابعاً: الهجوم على مدينة السويس (24 أكتوبر 1973)

استمر الطيران الإسرائيلي في قصف مدينة السويس وما حولها طوال يومي 23، 24 أكتوبر 1973 بهدف القضاء على أي مقاومات بها والتمهيد للقوات الإسرائيلية باقتحامها. وفي التاسعة والنصف صباح 24 أكتوبر 1973 بدأ الهجوم الإسرائيلي بعدة مفارز من لوائي آرميه، وجابي، حيث خصصت مفرزة بقوة كتيبة مدرعة مدعمة بالمظلات للتقدم من عدة محاور رئيسية مؤدية إلى قلب المدينة، وتمكنت المفرزة الأولى من الوصول إلى ساحة محافظة السويس، واصطدمت أخرى بمقاومات عنيفة أوقفتها، ثم تقدمت القوة الرئيسية من لواء آرميه للهجوم على السويس من اتجاه منطقة المثلث في عدة موجات متتالية، وصلت الأولى منها إلى ميدان الأربعين. (اُنظر شكل خطة الهجوم على السويس)

وبدأت المقاومة المصرية تنفذ خطتها، التي كانت تعتمد على قتل الإسرائيليين داخل المدينة، وليس على أطرافها، وبإشارة متفق عليها، انهالت المقذوفات "ر ب ج" على الدبابات والعربات المدرعة، من كمائن أحكمت إغلاق الطرق الرئيسية داخل المدينة. وأصيب الجنود الإسرائيليون بارتباك شديد وذعر، حيث قفز بعضهم من الدبابات وأخذ يحتمي بالمباني، وحاول البعض الآخر الاتجاه بدباباته أو عربته إلى طريق جانبي فاصطدمت المركبات والدبابات ببعضها البعض، وبالمباني، وفقدت قوات آرميه القدرة على الحركة. توقفت موجات الهجوم الإسرائيلية التالية عن الدخول إلى المدينة، وقفلت عائدة، فقد قتل أو جرح قادة الدبابات العشرون التي دخلت السويس، ووصلت إلى ميدان الأربعين.

هزت تلك المعركة القيادة الإسرائيلية، إذ انهارت القوات المهاجمة بسرعة، تحت وطأة هجوم شعبي جارف، اكتسح القوات المدرعة والآلية والمظلية، وقتل عدد كبير، وجرح عدد أكبر، وأُسر البعض وهرب البعض الآخر في المباني متحيناً فرصة للعودة إلى قواته. وأشرف جونين بنفسه على أعمال الإخلاء للجرحى والقتلى، ووجه القوات المحاصرة داخل المدينة، للخروج منها، ليلاً[12].

وقد كانت معركة السويس من أصعب العمليات التي واجهتها القوات الإسرائيلية خلال قتالها غرب القناة، حيث كبدت فرقة الجنرال آدن الكثير من الخسائر[13].

ثامناً: وقف إطلاق النيران

صدر القرار رقم 339 يوم 23 أكتوبر 1973، ولم يحترم كذلك، ثم صدر القرار الرقم 340 يوم 27 أكتوبر 1973 وتم الالتزام به من الطرفين، بوصول قوات الطوارئ الدولية والمراقبين الدوليين يوم 28 أكتوبر 1973.

[1] الاسم الذي أطلق على العملية الهجومية لعبور القوات الإسرائيلية غرب القناة وهو يعني باللغة العربية (القلب الشجاع)، وسماها البعض الغزالة Gazel نتيجة خطأ في الترجمة من العبرية للإنجليزية، شاع بعد ذلك.

[2] يقول الجنرال آدان في كتابه على ضفتي القناة، أن الخطة قدر لها أن تستغرق يوم للعبور، ويوم آخر للقتال للوصول إلى السويس، ثم يوم ثالث للاستيلاء على السويس.

[3] كيشوف هو موقع مركز قيادة الفرقة 162 مدرعة بعد إعادة تجميعها في المنطقة شمال شرق البحيرات المرة، وهو يقع على `كثيب الحبشي`.

[4] كان السبب الرئيسي في التغيير هو وجود قوات الجنرال شارون بالكامل عدا اللواء في الضفة الغربية، تعمل في اتجاه الشمال بمفردها، بينما كان تحقيق المهام في الجنوب يتطلب مجموعتين كاملتين.

[5] بلغت خسائر كتيبة المظلات الإسرائيلية، 11 قتيلاً، و27 جريحاً.

[6] كانت الخطة المصرية هي تركيز الجهود (بالقوات المحدودة المتوفرة) لمنع العدو الإسرائيلي من الاختراق غربا لمسافات كبيرة وقد اصطدم لواء نتكا بإحدى كتائب الفرقة الرابعة المدرعة التي كانت تنفذ تلك المهمة.

[7] كانت قوات الصاعقة المصرية، وبعض الوحدات الفرعية المنتشرة في هذه المنطقة للدفاع عن المحاور الرئيسية وإحباط محاولات القوات الإسرائيلية للسيطرة على منطقة جنوب الإسماعيلية، وقد نجحت في ذلك إلى حد كبير وأرهقت قوات شارون وتسببت في إصابتها بخسائر كبيرة.

[8] نظرا لأن الأوضاع الجديدة كانت تشكل تهديدا للجيش الثالث الميداني المصري. فقد صدرت إليه التعليمات، بدفع الاحتياطيات الإدارية من غرب القناة إلى شرق القناة لضمان استمرارية قدرة الوحدات القتالية في الشرق على الصمود. كذلك صدرت الأوامر بسحب بعض القوات من المدرعات والمشاة للقيام بمهام الدفاع والتأمين، ومنع القوات الإسرائيلية من التقدم غربا على طريق السويس أو دخول مدينة السويس أو الاستيلاء على بعض الأهداف الحيوية الهامة. وقد نفذ ذلك.

[9] هذا الأسلوب، نفذه آدن، بناء على تجربة حرب 67، وقد لاقت تلك الطريقة نجاحا وقتها. ولكن في حرب أكتوبر 73، لم تجد نفس النجاح، نتيجة لتغير الأسلوب المصري في القتال، ونتيجة لتغير العقيدة القتالية نفسها. وقد تحطمت فرقة آدن نفسها عند استخدام ذلك الأسلوب في معركة الاثنين الحزين يوم 8 أكتوبر 73 في مواجهة الفرقة الثانية المشاة المصرية.

[10] هذا التقاطع يقع عند علامة ترقيم كم 105 القاهرة / السويس.

[11] كانت قوة المجموعة قد انخفضت من 180 دبابة عبر بها ماجن إلى غرب القناة، لتصبح 50 دبابة فقط نتيجة للخسائر الشديدة والأعطال التي أصابت الفرقة.

[12] كان جونين يستخدم صور جوية ملتقطة حديثاً، ومكبرة، لوصف الطريق إلى الخارج، للقوات المحاصرة في المدينة.

[13] بلغت الخسائر 80 قتيلاً، وعددًا كبيرًا من الجرحى، إضافة إلى ما يزيد عن 10 دبابات وأكثر من 20 مركبة مدرعة دمرت.

المبحث الثاني عشر: حرب أكتوبر 1973 على الجبهة السورية "وجهة نظر إسرائيلية"

أولاً: اجتماعات في الأركان العامة الإسرائيلية قبل الهجوم

في مبنى الأركان العامة المتعدد الطوابق، وفى حجرة مدير الاستخبارات، يستمع المراسلون العسكريون لعرض من الجنرال إيلى زعيرا، مدير الاستخبارات العسكرية، ويوضح زعيرا الموقف قائلاً: إذا بدأ العرب بإطلاق النار، فانهم سوف يزعمون بعد ذلك أننا بدأنا الحرب".

وقبل الساعة الثانية بدقائق معدودة، يدخل سكرتير مدير المخابرات ويقدم إليه ورقة. وينظر زعيرا في الورقة بسرعة، ثم يخرج من الحجرة مسرعا ويقول للصحفيين "سيكون كل شئ على ما يرام". ويضيف قائلاً لأحد الصحفيين الذي سأل هل حدث شيء خاص: "لا شيء" لقد كان مكتوباً على الورقة التي تلقاها زعيرا: "فتح المصريون والسوريون النار".

وفى طابق آخر من المبنى، يستعد رئيس الأركان العامة للتباحث مع قائد القيادة الشمالية، إسحاق جوفى. حول خطته في الدفاع إذا أطلق السوريون النار. ويصل إلى الجلسة قائد السلاح الجوى السابق، في حرب الأيام الستة، الجنرال مردخاى هود. وكان قائد السلاح الجوى "باني بيليد"، قد اتفق مع هود صباح اليوم، على أن يتجه هود إلى الشمال، ويعمل مستشاراً لقائد القيادة الشمالية لشئون الطيران. وبينما يتباحث القادة، يسمع صوت في غرفة العمليات يصيح أيها القائد، لقد فتح السوريون النار، وكذلك في القناة‍".

وفى غرفة جلسات الحكومة، كان الوزراء المجتمعون، مع رئيسة الوزراء يتباحثون كذلك، فقد سأل أحد الوزراء: ماذا على إسرائيل أن تفعله إذا أطلقت مصر النار وحدها. هل على جيش الدفاع الإسرائيلي أن يعمل أيضاً ضد السوريين؟ يعترض بنحاس سابير، وزير الخزانة، على محاربة السوريين إذا هاجم المصريون فقط. وأثناء الحديث، يدخل السكرتير العسكري لجولدا مائير، وينحني على جولدا، ويهمس في أذنها، فترتفع عينها وتقول: "لقد بدأ السوريون والمصريون الحرب".

ثانياً: الموقف على الجبهة السورية

كان حجم القوات السورية في الجولان خمس فرق، إضافة إلى عدة ألوية مستقلة ووحدات إسناد من مختلف الصنوف. وقد وضعت ثلاث فرق مشاة في الخط الأول (النسق العملياتي الأول)، مستعدة للدفاع، في حالة حدوث هجوم إسرائيلي وقائي، ومباغت. كما يمكنها التحول للهجوم من نفس أوضاعها الدفاعية، وهو ما تدربت عليه، طوال السنوات الماضية. كانت الألوية المدرعة المستقلة في الخط الثاني (النسق العملياتي الثاني)، وعليها مساندة الفرق المشاة في الدفاع بشن هجمات مضادة، في المناطق المحتمل اختراقها بواسطة القوات الإسرائيلية، كما كانت مكلفة بدعم الفرق المشاة (بواقع لواء مدرع، لكل فرقة مشاة) عند التحول للهجوم. أما الفرق المدرعة، فقد كانت تتمركز في الخلف بالقرب من الخط الثالث، في مناطق انتشار، وكانت مكلفة بتدمير القوات المدرعة الإسرائيلية، التي نجحت الفرق المشاة والألوية المدرعة المستقلة في صدها على الخط الثاني، أو تدفع لاستكمال تدمير القوات الإسرائيلية والوصول إلى نهر الأردن، عند التحول للهجوم.

كانت الفرق المشاة الثلاث هي الفرقة السابعة بقيادة العميد عمر إبراش، والتاسعة بقيادة العميد حسان تركماني، والخامسة بقيادة العميد على أصلان. وكل فرقة مع لواء مدرع مستقل به حوالي 130 دبابة. أما الفرق المدرعة فقد كانت الفرقة الأولى بقيادة العقيد جيهاني، الفرقة الثالثة بقيادة العميد مصطفى سرايا، وبكل فرقة 250 دبابة.

يصل إجمالي القوات السورية المستعدة لشن الهجوم 1500 دبابة يساندها حوالي 1000 مدفع من مختلف الأعيرة، ونظام دفاع جوي متكامل، يعتمد على الصواريخ الموجهة المختلفة المدى، تشكل حائط صد للطائرات الإسرائيلية، قريب الشبه بالحائط المصري.

وعلى الجانب الآخر تدافع القوات الإسرائيلية، في لوائين مدرعين، هما اللواء السابع في القطاع الشمالي، واللواء 188 في القطاع الجنوبي، بإجمالي 170 دبابة، وتدعمها حوالي 60 قطعة مدفعية. كانت مواقع القوات الإسرائيلية، على امتداد خط الجبهة، الذي يصل إلى 45 ميل، مكونة من 17 موقع حصين، يدعم كل موقع فصيلة دبابات (3 دبابة)، بينما تمركزت ثلاثة احتياطيات، في العمق القريب، لتحقيق التوازن الدفاعي.

ثالثاً: الخطة السورية للهجوم

بنيت الخطة السورية على أساس الهجوم بالفرق المشاة الثلاث: السابعة والخامسة والتاسعة، وبمجرد عبورها الخندق المضاد للدبابات تنشئ رؤوس جسور على الجانب الآخر، ثم تتقدم الفرقتان الأولى والثالثة المدرعتين وتندفعا خلال الفرق المشاة بسرعة، لتكتسح فلول الوحدات الإسرائيلية، ويكون هدف المدرعات السورية الوصول لنهر الأردن لتحرر الجولان.

كانت الخطة تقضي باحتلال كل مرتفعات الجولان، بنهاية يوم 7 أكتوبر 1973، ثم إعادة تنظيم الدفاع على طول نهر الأردن.

وحتى يمكن تنفيذ ذلك المخطط، كان على الفرق المشاة الثلاث، المدعمة بالدبابات، تدمير الدفاعات الإسرائيلية غرب الخندق، ومتابعة التقدم إلى عمق عشرة كيلومترات، لتهيئ الموقف لاندفاع الفرقتان المدرعتان، الأولى والثالثة، التي عليها مواصلة اختراقها من أجل الوصول إلى نهر الأردن كمهمة نهائية، والاستعداد لصد وتدمير احتياطيات العدو التي ستسرع حتماً لمقابلة الفرق السورية المدرعة وصدها، ويصبح الدخول معها في معارك تصادمية عنيفة أمراً وارداً، يجب الاستعداد له.

كان مخططاً أن يتم الهجوم السوري على محورين:

الأول في الشمال: عند مدخل القنيطرة حيث يشارك في الهجوم نحو 200 دبابة.

الثاني في القطاع الأوسط: يتم هجوم في شعبتين ويتم بقوة 600 دبابة كالآتي:

· الشعبة الأولى: في اتجاه معسكر نافح وجسر بنات يعقوب على نهر الأردن.

· الشعبة الثانية: تتجه إلى الجنوب نحو رامات مجشيمين وال ـ عال، ثم تطور الهجوم صوب مصب نهر الأردن في بحيرة طبرية، وجسر أريك على نهر الأردن. (اُنظر خريطة أوضاع القوات السورية)

رابعاً: بدء الهجوم السوري يوم 6 أكتوبر 1973

في الساعة الثانية ظهر يوم السبت، السادس من أكتوبر 1973، بدأ الهجوم السوري بقصف جوى ثم بتمهيد نيراني بحشد كبير من المدفعية، استمر لمدة خمسون دقيقة، وتحت ستر هذا الهجوم، تحركت القوات السورية من مواقعها الدفاعية نحو الخندق المضاد للدبابات، على طول خط وقف إطلاق النيران (الخط الأرجواني)، وبدأت في إنشاء ممرات، في الخندق المضاد للدبابات، باستخدام معدات هندسية خاصة، حتى يمكن للدبابات أن تعبر عليها لتنطلق نحو الطريق العرضي "مسعدة ـ القنيطرة ـ رميزا". وفي اتجاه جبل حرمون، انطلقت الطائرات العمودية، محملة بقوات من المغاوير (صاعقة) لتهاجم المواقع الإسرائيلية على الجبل[1]. كانت القوة الإسرائيلية في هذا الموقع نحو 50 فرداً، محصنة داخل مواقع تؤمنها من نيران المدفعية والقصف الجوى، ولكن نظام الدفاع عن الموقع لم يكن قد استكمل بالكفاءة المطلوبة.

خامساً: الهجوم على موقع حرمون

في الساعة الثانية بعد الظهر، فتحت المدفعية السورية نيرانا كثيفة على قلعة جبل حرمون (جبل الشيخ) على ارتفاع 2000 م فوق سطح البحر، عند أقصى الشمال من الأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967. وقد بنيت هذه القلعة الحصينة في عمق الجبل وبين الصخور. وسارع جنود الموقع إلى مواقع إطلاق النار، محاولين الاختباء من قذائف المدفعية السورية.

وعلى حين غرة، وعلى طول الوديان الصغيرة المواجهة لهم، ظهرت مجموعة من الطائرات العمودية من أربع طائرات حاولت الهبوط في منخفض قريب، أصيبت إحداها بنيران المدافع المضادة للطائرات الإسرائيلية، وتمكنت الأخريات من الهبوط، وبدأت القوة السورية في الاندفاع نحو الموقع لمهاجمته، اضطر الهجوم المباغت، أفراد الحامية إلى ترك مواقع إطلاق النار والدشم، وتسللوا إلى داخل الملاجئ الحصينة في باطن الأرض، انتظاراً لوصول الطيران الإسرائيلي والتعزيزات طبقاً لخطة الدفاع المدربين عليها. وكانت ملاجئ مغطاة بطبقة سميكة من صخور البازلت، وتبرز منها عدة مواسير للتهوية، وتحت الطبقة الصخرية، التي يمكن أن تصمد لأية قنابل أو قذائف لدى السوريين، أنشئ مبنى من ثلاث طوابق في باطن الأرض، ذو حوائط سميكة من الأسمنت المسلح، وأبواب من الصلب. خلال فترة وجيزة، تمكن السوريون من محاصرة الموقع من الخارج، وبعضهم في الوصول لإحدى فتحات الطوارئ في الدشمة من الخارج وتمكنوا من فتحها والتدفق إلى الداخل. بدء السوريون في اقتحام المبنى من الداخل، ودمروا أجهزة الرادار الإسرائيلية التي صادفتهم.

كان من الصعب على السوريين اقتحام الأبواب الفولاذية المغلقة من الداخل، لذلك ألقوا قنابل الدخان في فتحات التهوية، واضطر الجنود الإسرائيليين إلى الخروج من الملاجئ رافعي الأيدي، وسقط الموقع في أيدي السوريين بكل ما فيه من معدات. والواقع أن المعدات الإلكترونية التي استولى عليها السوريون، كانت ذات قيمة كبيرة للسوفيت، لذلك بدأت القوات السورية في فكها من أماكنها فوراً، لنقلها بالطائرات العمودية إلى دمشق.

سادساً: الهجوم على الجولان

بدأ السوريون هجومهم بتمهيد نيراني من المدفعية بأكثر من ألف مدفع، مركزين نيرانهم على المواقع الأمامية ومراكز القيادة وشبكة الاتصالات ومواقع المدفعية والدفاع الجوى، وتقدمت القوات المشاة نحو الدفاعات الإسرائيلية، ولم تكن أمام السوريين أية عقبة طبيعية تعطلهم، وفى بعض النقاط، كان يتعين عليهم أن يعبروا الخندق المضاد للدبابات، وهو خندق عريض ذو جوانب حادة الميول، ولكن لم يكن ذلك سوى عقبه فنية. وحتى يمكن للسوريين أن ينطلقوا، كان لابد من مهاجمة أو حصار التحصينات الإسرائيلية المتناثرة، والمزودة بكافة أنواع الأسلحة المضادة للدبابات.

اعتمد الهجوم السوري أساساً على سرعة دفع الفرقتين المدرعتين، التي ستهاجم على ثلاثة اتجاهات، ولم يكن من مهامها مهاجمة المواقع الحصينة الإسرائيلية، إنما كان عليهما الانطلاق وبسرعة نحو نقاط الاتصال وطرق المواصلات الرئيسية في الجولان، مركز بَيْن هجومهما على القطاع الأوسط والجنوبي من الجبهة.

بدأ السوريون في إقامة الجسور عند أول الساتر الترابي، مستخدمين آلات جرف آلية لردم الخندق، إضافة إلى استخدام الكباري، وكان من الصعب على الإسرائيليين إصابة تلك المعدات حيث لا يصل مدى الأسلحة المضادة للدبابات إليها، إلا أن الطائرات الإسرائيلية تمكنت من تدمير عدة دبابات كانت تستعد للعبور على الكباري.

في القطاع الشمالي من الجولان، هوجم اللواء السابع المدرع الإسرائيلي، بواسطة الفرقة السابعة المشاة، مدعمة بعناصر من الفرقة الثالثة المدرعة ولواء مغربي. وفى القطاع الأوسط، حيث يدافع اللواء 188 المدرع الإسرائيلي، وحيث يتركز المجهود الرئيسي للقوات السورية، هاجمت الفرقتان الخامسة والتاسعة المشاة تدعمهما عناصر من الفرقة الأولى المدرعة، وخلال عدة ساعات، تمكنت عناصر من اللواء 188 مدرع من إيقاف الهجوم المدرع السوري، على طريق التابلاين، بقوة اللواء 90 مدرع السوري.

وعلى الاتجاهات الأخرى، من نقطة الاتصال عند (الرفيد) شددت القوات السورية هجومها، وحاصرت المواقع الإسرائيلية الحصينة وعزلها تماماً.

كان السوريون يتقدمون بسرعة كبيرة، حتى أن السلاح الجوى الإسرائيلي، كان يجد صعوبة في معاونة القوات الإسرائيلية المدافعة في اليوم الأول للقتال، فالدبابات السورية قريبة جداً من الدبابات الإسرائيلية، وزادت وحدات الصواريخ المضادة للطائرات السورية من صعوبة عمل الطيارين الإسرائيليين، الذين أصبحوا يخشونها، بعد أن فقدوا زملاء لهم.

واصل السوريون هجوهم في المساء، إذ كانت دباباتهم مجهزة للرؤية الليلية بالأشعة تحت الحمراء. كان تناثر الوحدات المدرعة الإسرائيلية في مواجهة كبيرة، أحد العوامل التي سهلت على القوات المدرعة السورية الاختراق بسرعة، وتدمير الجزء الأكبر من القوات الإسرائيلية المدافعة.

تمكنت الدبابات السورية فى منتصف ليلة 6/7 أكتوبر 1973 من الوصول على مسافة عدة كيلومترات من معسكر نفاخ "على الطريق الرئيسي" بين جسر بنات يعقوب والقنيطرة والذي كانت قيادة المنطقة الشمالية تفتح مركز قيادتها فيه. وفى الثانية صباحاً، اضطر قائد المنطقة الشمالية إلى إخلاء مركز قيادته من معسكر نفاخ[2].

في الساعات الأولى من يوم 7 أكتوبر 1973 بدأت وحدات الاحتياط في الوصول إلى الجبهة، للاشتراك في صد الهجوم السوري وفى الوقت نفسه قامت وحدات الصواريخ أرض أرض السورية بإطلاق الصواريخ على مستوطنات وادي يزراعيل وكان القصف غير الدقيق، والواقع أنهم كانوا يحاولون قصف مطار رامات دافيد.

وفى الساعة الثانية فجراً وصل موشى ديان وزير الدفاع إلى مركز قيادة السلاح الجوى، وأبلغ بليد بأنه "يجب التغاضي عن الجبهة المصرية فالموقف على الجبهة مع سورية رهيب، وليس هناك ما يوقفهم، وطلب منه تركيز جهود السلاح الجوى على الجبهة السورية".

وطوال الليل، استمرت المدرعات السورية في التقدم مخترقة هضبة الجولان ومتجهة نحو هدفها، نهر الأردن. وكان الإسرائيليون المحاصرون في النقط الدفاعية الحصينة يبلغون عن أعداد المدرعات السورية المتحركة واتجاهاتها.

سابعاً: أعمال قتال يوم 7 أكتوبر 1973 (اُنظر خريطة أقصى مدى للاختراق السوري)

في صباح يوم الأحد 7 أكتوبر 1973، كان اللواء 188 مدرع قد دمر، تقريباً، بكامله وأصبح ما يقرب من 90% من رجال هذا اللواء ما بين قتلى أو جرحى، بما فيهم قائد اللواء، ونائبه، ولم يبقى من اللواء من الضباط القدامى، سوى ضابط الاستخبارات.

وأصبح الموقف على طول خطوط وقف إطلاق النار، في مرتفعات الجولان، أكثر خطورة، بل يدعو إلى اليأس. ففي السادسة من صباح هذا اليوم، تمكنت الفرقة الأولى المدرعة السورية، من اكتساح معسكر الخشنية، في قلب مرتفعات الجولان، واكتسحت سفوحه واتجهت إلى الغرب لتصل إلى نهر الأردن الذي أصبح قريباً، كما اجتازت أيضا قرية اليهودية، وهى قرية عربية مهجورة، واستطاعت أن تصل إلى التل المشرف على الطريق الجديد الذي يتجه من شمال بحيرة طبرية إلى "الماجور"، داخل مرتفعات الجولان.

انطلقت الفرقة الأولى المدرعة (أكثر القوات السورية نجاحاً، وتوغلاً في الدفاعات الإسرائيلية) من تقاطع الرفيد على خط وقف إطلاق النار إلى قلب هضبة الجولان عند الخشنيه، ثم تفرقت إلى ثلاثة اتجاهات: الأول إلى الغرب، حيث وصل سريعا إلى التلال التي تطل على منخفض طبرية عند الصنوبر، ثم انطلق منها بسرعة نحو مضيق (مافورهاما) للاستيلاء على المحور الجنوبي المؤدى من هضبة الجولان إلى سهل الأردن بالقرب من جسر بنات يعقوب.

أمّا الاتجاهان الآخران فقد تقدما دون أن يصطدما بأية قوة تعوق تقدمهما في اتجاه طبرية، وتمكنت الدبابات السورية من الوصول إلى نحو 1000 ياردة من محطة الضخ الرئيسية في القناة المائية، وهى القناة التي تعتبر الشريان الحيوي الذي يوصل المياه إلى إسرائيل[3].

1. الموقف مساء يوم الأحد 7 أكتوبر 1973

أ. الموقف السوري

على المحور الشمالي، تمكنت الوحدات المدرعة الإسرائيلية، من تعطيل تقدم لواء مدرع سوري، من الفرقة الثالثة المدرعة على طريق دمشق ـ القنيطرة.

في القطاع الأوسط والجنوبي تمكنت المدرعات السورية المندفعة من تقاطع الرفيد من تطوير هجومها في الساعة الرابعة بعد الظهر، في اتجاه نفاخ الواقعة غرب الهضبة. واندفعت في اتجاه جسر "بنات يعقوب" بهدف فصل الجولان في جزأين، على امتداد عرض الهضبة، كما اندفع جزء من الدبابات السورية نحو وادي الحولة، حيث استطاعت السيطرة على هذا الوادي الممتد أمامها، والسيطرة كذلك على الطريق المؤدى إلى قلب الهضبة.

في الساعة الحادية عشرة مساءً وبعد سبع ساعات من القتال تمكن السوريون من محاصرة نفاخ[4] بالدبابات، على مسافة 20 كم من خط وقف إطلاق النار. وكان يمكن لهذا الموقف أن يحقق نصراً حاسماً للسوريين، فالطريق مفتوح أمامهم إلى (جسر بنات يعقوب)، ثم إلى (اروش بينا) و(كريات شمونه)، ثم إلى الجليل الأعلى.

ب. الموقف الإسرائيلي:

أخذت ظلال النكبة تخيم في اليوم السابع من أكتوبر 1973، على دولة إسرائيل، حتى أن بنحاس سابير وزير المالية، علق فيما بعد، قائلاً: "لم تكن هناك سوى خطوة واحدة، ثم تُباد إسرائيل تماماً".

خلال هذه الساعات الحاسمة، كانت الهزيمة العسكرية تتهدد إسرائيل، وهي بالنسبة لإسرائيل لا تعنى احتلالاً، أو ضياع استقلال، ولكنها تعنى ببساطة محواً كاملاً من فوق الخريطة الجغرافية. لذلك فإن إسرائيل لا يمكنها أن تسمح بهزيمة عسكرية. وفى مساء الأحد كانت فرقة مدرعة إسرائيلية قد تمت تعبئتها ودفعت إلى القطاع الجنوبي من الجولان، حيث اندفعت بسرعة، واستطاعت أن توقف تقدم القوات السورية، التي كانت تقاتل منذ ما يقرب من 32 ساعة دون توقف. وتمكنت القوات الإسرائيلية من إيقاف السوريين عند (نفاخ)، ودفعت المدرعات الإسرائيلية كذلك لإيقاف التقدم السوري، من اتجاه (مات مجشيميم).

على المحور الشمالي، قاتل اللواء السابع المدرع، بقيادة العقيد "افيجدور بن جال" وحدات الفرقة السابعة المشاة السورية، المدعمة بلواء مدرع من الفرقة الثالثة المدرعة، واستمرت المعركة طول يوم 7 أكتوبر 1973، والأيام التالية، حيث تمكنت المدرعات السورية من اختراق هذا الخط. لقد قاتل اللواء السابع قتالا مستميتاً حتى لم يبق منه سوى سبعه دبابات فقط، وخسرت القوات السورية معظم دباباتها على هذا المحور، حتى سميت المنطقة التي دار فيها هذا القتال باسم "وادي الدموع"، إلا أن حدة الهجوم السوري قد كسرت وأمكن إيقافه.

على المحور الأوسط والجنوبي، كلفت مجموعة العمليات المدرعة، بقيادة العميد موشي بيليد[5] والتي تم تعبئتها اعتباراً من يوم 6 أكتوبر 1973 ـ وكانت مخصصة للعمل احتياطي قيادة عامة ـ بالتحرك مساء الأحد على طريق آل عال. حيث تمكنت من إيقاف الفرقة التاسعة المشاة السورية على طريق آل عال ـ الرفيد.

كما تقدمت مجموعة عمليات "دان لاند" على طريق الخشنية وفى نفس الوقت قام اللواء 20 مدرع الإسرائيلي بالهجوم على يمين مجموعة بيليد القائمة بالهجوم المضاد، حيث تمكن من الوصول إلى تل فارس بعد أن دمر نحو 35 دبابة من اللواء 46 المدرع السوري. كانت المقاومة السورية عنيفة، واستطاعت القوات السورية أن تواصل تقدمها عبر المدق السلطاني. ولكن انتهى هذا اليوم، بصد جميع محاولات التقدم السورية على جميع المحاور.

انتهى اليوم السابع من أكتوبر 1973، وبعد انقضاء أكثر من ثلاثة ساعات من القتال، إذ بإسرائيل التي كانت تعتبر حتى ذلك الوقت قوة عسكرية، يضرب ببسالتها الأمثال، تكافح من أجل البقاء، بعد أن أصبحت مهددة بالدمار الكامل.

2. دور القوات الجوية الإسرائيلية في القتال يومي 6، 7 أكتوبر 1973

نجح الطيران الإسرائيلي في تدمير عدد كبير من المدرعات السورية، ولكنه لم يتمكن من إيقاف اندفاع ألف ومائتي دبابة. كما كان الطيران السوري نشط كذلك بصورة ظاهرة. تركزت جهود الطيران الإسرائيلي على الخطوط الخلفية للقوات السورية، ولتحييد الطيران السوري كذلك، لذلك قصفت النقاط الإستراتيجية والمطارات والمنشآت العسكرية، كما قصف مركز قيادة السلاح الجوى السوري، ومبنى وزارة الدفاع كذلك، والمطارات ومعامل تكرير النفط والجسور وصهاريج الوقود، وتم تدمير منشآت تكرير النفط في حمص التي اندلعت فيها النيران، كما تم تدمير معظم محطات توليد الطاقة الكهربائية، وأصيب مبنى محطة الإذاعة إصابة بالغة. وركزت هجمات الطائرات الفانتوم ضد تجمعات المدرعات السورية في ناحية الخشنيه".

ثامناً: أعمال قتال يوم الاثنين 8 أكتوبر 1973

فشلت محاولة لواء جولاني، في إعادة احتلال موقع حرمون الجبلي. إذ اتجهوا إلى الموقع من طريقين، الطريق الرئيسي بالدبابات والنصف مجنزرات، والطريق الآخر الجبلي بالمشاة، وكان الكوماندوز السوريون، ينتشرون حول التلال المحيطة بالموقع، وعلى الطريق إليه، وهي خطة تكتيكية صحيحة، فالدفاع عن الموقع يجب أن يكون على خط قريب والآخر بعيد، وقد اربك الدفاع السوري، الهجوم الإسرائيلي، ولم تنجح وحدات جولانى، في الوصول إلى الموقع.

1. الهجوم السوري يوم 8 أكتوبر 1973 على محاور الجولان

لم يستمر الهجوم السوري على معدل التقدم النشط الذي كان عليه يومَي 6 و7 أكتوبر 1973، في الوقت الذي بدأت فيه قوات احتياط أخرى للجيش الإسرائيلي تتدفق إلى الجبهة، كانت الطرق والمحاور مزدحمة بالدبابات السورية، والتي تتفوق على المركبات نصف جنزير الإسرائيلية وتستطيع إصابتها بسهولة.

بدفع السوريون الفرقة الثالثة المدرعة ومعها بعض كتائب الكوماندوز، في هجوم مضاد قوي بالقرب من القنيطرة، أصبحت معظم وحدات الجيش السوري، على اتصال مباشر مع الجيش الإسرائيلي، واستمر الهجوم السوري سبع ساعات قتالية منذ الصباح، في قتال ضد المدرعات الإسرائيلية. كانت الخسائر على الجانبين فادحة، وقد نفذت ذخائر معظم الدبابات الإسرائيلية، التي لم تدمر، ولم تستطع أطقم إخلاء الجرحى والقتلى الاقتراب من الدبابات المدمرة بحثاً عن قتلى بداخلها، من شدة القتال.

2. القوات الإسرائيلية تتمكن من صد الهجوم السوري

بنهاية يوم 8 أكتوبر 1973، تمكنت القوات الإسرائيلية من استعادة تل فارس وهو تل مرتفع ويقع بين الخشنية والرفيد، لذلك كان أحد أهداف الهجوم السوري لتطويق الجولان. كما تمكنت القوات الإسرائيلية، من صد هجمات القوات السورية، وتدميرها، في القطاع الجنوبي من الجبهة. أمّا المواقع الإسرائيلية الحصينة فإن نصفها استمر في المقاومة، بالرغم من حصارها بواسطة القوات السورية.

تاسعاً: أعمال قتال يوم 9 أكتوبر 1973

كانت أحد القرارات الهامة التي اتخذتها القيادة الإسرائيلية لإدارة الحرب في ذلك اليوم، هو القرار بنقل المجهود الرئيسي للقوات الإسرائيلية إلى الجبهة السورية، وهو قراراً صعب. اعتاد الجيش الإسرائيلي في حروبه السابقة أن ينقل بنجاح جهوده من جبهة إلى جبهة، يهاجم في جبهة ويصد في جبهات أخرى. في الماضي، كانت الأسبقية تعطى في الغالب للجبهة المصرية، وبعدها توجه الضربات إلى الجبهات الأخرى، مثلما حدث عام 1967. وتنتهي المناقشات في هيئة الأركان العامة إلى قرار من اليعازر، بإرسال الاحتياطيات الإستراتيجية على وجه السرعة إلى الجبهة السورية. لتصل إلى هضبة الجولان في أشد اللحظات حرجاً، في الوقت الذي وصل الهجوم السوري لأقصى ما يمكنه، واحتاج إلى قوات جديدة، للمحافظة على معدل تقدمه، ولم يكن متيسر أي قوات لتدفع في القتال.

في الساعات الأولى لصباح يوم 9 أكتوبر 1973، تمكنت القوات الإسرائيلية من تطهير جيب الخشنية. وأصبحت خسائر السوريين مئات الدبابات والمركبات المدرعة. وردت القوات السورية بإطلاق عشرات من الصواريخ أرض/ أرض من نوع فروج 7 "Frog - 7". ولم تكن هذه الصواريخ تستهدف المواقع الإسرائيلية فقط، بل كانت موجهة كذلك ضد بعض المناطق المدنية، على مسافة 70 كم من الجبهة، وسقط بعضها فوق قرى وادي جيزيل، كما سقط البعض الآخر على مستعمرات بتسمار ها آميك، ونهاريا، وكفار باروخ، وساريد، وايفاف وجعفات يواف وكان رد فعل القيادة الإسرائيلية قصف دمشق.

وفى قطاع الخشنيه، دارت أهم ساعات قتال هذا اليوم في هضبة الجولان، حيث كان الموقع الوحيد الذي تحتشد فيه قوة كبيرة من المدرعات، كان قد تمكن بيليد من صدها، وحاولت الألوية المدرعة لمجموعة عمليات بيليد ـ ومعظمها من الاحتياط ـ أن تحاصر الفرقة المدرعة السورية، ولكنها لم تنجح في ذلك، واستطاعت القوات المدرعة السورية، أن تفلت من الحصار ونشب قتال تصادمي عنيف بين اللواء 79 مدرع بقيادة بورى اور من مجموعة دان لانر واللواء 91 المدرع السوري بقيادة فياض، واستطاعت الدبابات الإسرائيلية من تدمير معظم اللواء السوري.

كانت الخطة الإسرائيلية تقضي بهجوم مجموعة عمليات دان لانر من الغرب والشمال، بينما تهاجم مجموعة عمليات بيليد من الجنوب، وبذلك يمكن تطويق المدرعات السورية وتدميرها، على أن يساند الهجوم بهجمات للقوات الجوية الإسرائيلية والتي استطاعت القضاء على عدد كبير من مواقع الصواريخ أرض/ جو، لتصبح القوات المدرعة السورية تحت تأثير هجمات القوات الجوية الإسرائيلية.

لتنفيذ الهجوم المضاد، قام بيليد بدفع اللواء 14 مدرع، لمواصلة تقدمه شرقاً، لتحقيق أقصى اختراق ممكن في صفوف القوات السورية، بينما تمكن بيليد من الاستيلاء على المرتفعات الحاكمة، بجوار تل فارس، وعلى الجانب الأيمن للواء 14، دفع اللواء 16 المدرع للهجوم مدعماً بالمعاونة الجوية القريبة، حيث اصطدم باللواء الرابع الآلي من الفرقة الأولى المدرعة السورية، وتمكن الهجوم الإسرائيلي من الضغط على الفرقة الأولى السورية، التي بدأت في التراجع تحت ستر الظلام. حاول اللواء 15 مشاة آلي من الفرقة الثالثة المدرعة السوري التدخل في المعركة، لتخفيف الضغط عن الفرقة الأولى المدرعة السورية، ولكنه فشل في تحقيق هدفه.

سارع الإسرائيليون لاستغلال نجاحهم في صد وإيقاف تقدم الدبابات السورية، فبدأوا يعدوا للقيام بضربة مضادة تمكنهم من اختراق صفوف القوات السورية، التي بدأت ترتد في بعض المواضع.

القطاع الشمالي من الجبهة السورية

كان هدف القيادة الإسرائيلية إحداث ثغرة في اتجاه المحور الشمالي. للتمهيد للضربة المضادة ركز الطيران الإسرائيلي هجومه على مواقع الصواريخ المضادّة للطائرات، بحشد كثيف من الطلعات الجوية ونجح الهجوم الجوى المتواصل في تدمير15 موقع للصواريخ السورية، مقابل سقوط أربع طائرات إسرائيلية.

عاشراً: أعمال قتال يوم 10 أكتوبر 1973

1. السلاح البحري الإسرائيلي

كانت قوة السلاح البحري الإسرائيلي الرئيسية 14 سفينة صواريخ حديثة، من بينها اثنتان كبيرتان، تم بناؤهما في إسرائيل، وجميعها مزودة بصواريخ سطح/ سطح من طراز جبرائيل. وكان السلاح البحري الإسرائيلي يعتمد على المساندة الجوية القريبة، مثله مثل القوات الإسرائيلية في كل فروعها. في صباح يوم 10 أكتوبر 1973، قصفت البحرية الإسرائيلية أهدافاً إستراتيجية في سورية، أمطرت مواني اللاذقية وطرطوس وبانياس بالصواريخ. وفي الوقت نفسه، كانت القوات الجوية الإسرائيلية، تكثف هجماتها، لشل المطارات والقواعد الجوية، وكان هدف القيادة العليا الإسرائيلية، تعطيل الجسر الجوي، الذي بدأ السوفيت يقيمونه، ليمدوا القوات السورية بالأسلحة عوضاً عما فقدته مستخدمين في ذلك طائراتهم الضخمة من نوع أنتينوف 22 Antinove-22.

2. تطور القتال على الجبهة السورية يوم 10 أكتوبر 1973 (اُنظر خريطة تطور القتال على الجبهة السورية)

مع أول ضوء يوم 10 أكتوبر 1973 بدأت مجموعة العمليات المدرعة الإسرائيلية بقيادة بيليد في استئناف هجومها المضاد، بهدف الاستيلاء على "تل كدن"، الذي يتمركز عليه مركز القيادة المتقدم للقيادة السورية. ولكن (بيليد) يتكبد خسائر كبيرة في هجومه، إذ يواجه بسد قوي من الصواريخ المضادة للدبابات، أقامها السوريون حول التل ويصدر جوفى، قائد المنطقة الشمالية الإسرائيلية، أوامره بالتوقف مؤقتاً، في المواقع التي وصلت إليها دبابات بليد.

إلى الشمال من مجموعة بليد، كانت مجموعة عمليات لانر تواصل هجومها المضاد ضد الخشنية، دافعة اللواء 79 مدرع بقيادة العقيد أور من الجنوب، واللواء 17 مدرع بقيادة العقيد سريج من الشمال. وأصبحت المنطقة بين تقاطع طرق الخشنية وتل فارس مزدحمة بالدبابات الإسرائيلية المهاجمة. واستطاعت قوات لانر تقليص جيب الخشنية، أمّا بيليد، فقد صدرت إليه التعليمات بالتحرك في اتجاه تل فارس.

في منتصف اليوم، أي بعد أربعة أيام قتال، اندفعت القوات السورية عبر الدرب السلطاني، في هجوم كثيف ضد القوات الإسرائيلية. كان الهدف منه الاختراق، وفصل القوات الإسرائيلية عن بعضها، إلا أن قوات الهجوم وقعت في منطقة، بين فرقة بيليد، وفرقة لانر، وتمكنت القوات الإسرائيلية من تدمير لواءين مدرعين سوريين، ويصبح "جيب الخشنية" أكبر ساحة للدبابات والمركبات السورية المدمرة.

استطاع اللواء 17 المدرع الإسرائيلي، بقيادة العقيد سريج، من مجموعة عمليات لانر، والذي تصل قوته إلى نحو 50 دبابة. تدمير أضعاف قوته من الدبابات السورية، بينما انسحب السوريون أمام الهجمات الإسرائيلية العنيفة، بعد قتال شرس، فقدت فيه القوات المدرعة السورية مئات الدبابات الحديثة، من نوع ت 62 T62 السوفيتية، ومئات أخرى من المركبات المدرعة، وبدأت القوات السورية في التراجع شرق الخط الأرجواني مرة أخرى، تلاحقها القوات الإسرائيلية. وانقلبت الأوضاع على جبهة الجولان بعد أربعة أيام من القتال المضني بين الطرفين.

3. دعم سورية بقوات عربية

حصلت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية على معلومات تفيد، بأن الدول العربية قررت دعم الجبهة السورية، بقوات مدرعة وآلية. وأن القوات العراقية بدأت تتحرك بالفعل، من الحدود العراقية السورية في اتجاه الجولان مباشرة، كما وصلت معلومات بأن التعزيزات ستصل من السعودية والكويت والأردن. وكان الوقت هو العامل الحيوي للطرفين فإما تتمكن هذه القوات من تقديم معاونة للقوات السورية، أو تتمكن القوات الإسرائيلية من إنهاء القتال على الجبهة وحسمه لمصلحتها، بالوصول إلى خط حيوي، يجبر السوريون على التوقف عن إطلاق النار، وكان هذا الخط هو ذلك الكنتور، شرق هضبة الجولان، والذي يُمكن القوات الإسرائيلية من السيطرة على الأرض حتى دمشق.

4. هيئة الأركان العامة الإسرائيلية تعيد تقدير الموقف

في مساء يوم الأربعاء 10 أكتوبر 1973، عقد رئيس الأركان العامة مؤتمر للقادة في مبنى القيادة، لدراسة الموقف على الجبهة السورية، وكان هناك رأيان:

· الرأي الأول: يرجح تعزيز الأوضاع الإسرائيلية على طول الدرب السلطاني واتخاذ أوضاع دفاعية.

· الرأي الثاني: يطالب باستمرار الهجوم داخل سورية، واستغلال الفرصة، لمزيد من المكاسب.

أوضح اليعازر مزايا وعيوب كل مقترح، وكان ديان لا يميل لتنفيذ المقترح الثاني، حتى لا يكون مبرراً لتدخل سوفيتي لحماية دمشق، ورأى اليعازر تنفيذ المقترح الثاني على أن يتم الاختراق لنحو 12 ميلاً في عمق الحدود السورية وهو الخط الذي يمكن للقوات الإسرائيلية الدفاع عنه، ويمكن منه أيضا تهديد دمشق بالمدفعية طويلة المدى، كما كان اليعازر يعتقد أن هذا الخط سيؤدى إلى حياد سورية، (التوقف عن القتال) ويمكن لإسرائيل تركيز جهودها الرئيسية على الجبهة المصرية.

وفي اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر برئاسة جولدا مائير، وافقو على اقتراح دافيد اليعازر، باستمرار الضغط على سورية. صدرت الأوامر إلى القيادة الشمالية، بمواصلة الهجوم المضاد اعتباراً من يوم الخميس 11 أكتوبر 1973، والضغط على السوريين في اتجاه دمشق.

5. قرار قائد الجبهة الشمالية

تنفيذاً لأوامر القيادة العامة قرر حوفي (قائد الجبهة الشمالية)، الهجوم في القطاع الشمالي للجولان، وقد اختار هذه المنطقة لأنها أقصر المحاور إلى دمشق حيث تبعد 30 ميلا عنها، وتجعل القوات المهاجمة تستند على عائق يؤمن جانب القوات المهاجمة كما كانت ميول جبل الحرمون الغير صالحة لتحرك الدبابات. وكانت الخطة تقضي بتقدم قوات لانر، دافعة أمامها اللواء السابع المدرع بقيادة روفائيل ايتان، ثم يتقدم خلفه باقي الألوية المدرعة، وهى اللواء 79 مدرع بقيادة اور، واللواء 17 مدرع بقيادة سريج، ويقومان بتطوير الهجوم، ومهاجمة التحصينات الرئيسية على طريق دمشق، وفى حالة النجاح يقدم اللواء السابع المعاونة لهما، وسترهما بالنيران من المرتفعات في الشمال، وحددت الساعة الحادية عشر صباحاً، يوم الخميس 11 أكتوبر 1973 لبدء الهجوم. كما تقرر دفع باقي مجموعة لانر لتطوير الهجوم اعتباراً من الساعة الواحدة ظهراً.

6. الاختراق على الجبهة السورية يومي 11، 12 أكتوبر 1973 (اُنظر خريطة الاختراق على الجبهة السورية)

هاجم ايتان بلواءه، في المنطقة الجبلية من القطاع الشمالي، وهي منطقة تضعف الدفاعات السورية فيها. وتتقدم قوة ايتان، في ستر جبل حرمون (جبل الشيخ)، لتؤمن جناحها الأيسر، متخذه أقصر الطريق إلى دمشق.

اندفعت القوات بعد ذلك في اتجاه الدفاعات السورية عند قرية خان أرنبة، وكان عليها أن تطور الهجوم لتستولي على تل شمس ومزرعة بيت جن، حيث تلتف القوات المهاجمة بجزء من الدبابات لتطويق هذه المواقع، بينما يهاجم الجزء الآخر بالمواجهة محاولاً تدمير المواقع بالنيران، فقد كان خان أرنبة من المواقع القوية، التي جهزها السوريون بدفاع مضاد للدبابات يستند على صواريخ المضادّة للدبابات بكثافة. كانت مهمة المظليين من كتيبه (حازي) تطهير جانبي الثغرة. كانت القيادة العامة، والقيادة الشمالية كذلك، تعلمان مدى صعوبة القتال عند (خان أرنبه) إذ يتوقع أن يكون صعباً للغاية، كما توقعت أن تتحمل القوات المهاجمة خسائر كبيرة.

اختيرت نقطة الاختراق، باعتبارها أقل الدفاعات السورية قوة في الشمال، ولكن كان من الضروري المرور خلال حقول الألغام السورية، في منطقة صخرية صلبة، كثيرة المرتفعات، كثيرة الأشجار.

وعلى المحور الجنوبي من الجبهة يتقدم اللواء 188[6] كمقدمة لمجموعة بيليد المدرعة، بمهمة الاستيلاء على قطنا والمعسكرات السورية عند حالس، على أن الهجوم بالقوة الرئيسية للمجموعة.

حادي عشر: الهجوم يوم 11 أكتوبر 1973

في الساعة الحادية عشر صباح يوم 11 أكتوبر 1973، بدأ اللواء السابع المدرع هجومه في الأرض الجبلية، كما عبرت وحدات اللواء 188 الدرب السلطاني. كان في مواجهة اللواء السابع المدرع الإسرائيلي، لواء مشاة مغربي، مدعم بحوالي 40 دبابة ينتشر على طرق الاقتراب إلى مزرعة بيت جن. وفى الجنوب منه، كانت مواقع اللواء 68 مشاة السوري، ومعه 35 دبابة، وقد تورطت الوحدات الأمامية المهاجمة في حقول الألغام واندفعت عناصر المهندسين المرافقة لها، وكذلك الدبابات المجهزة بمعدات خاصة في تلك الحقول لفتح الثغرات، وبدأ الاختراق بمعاونه المدفعية والقوات الجوية، وتمكن اللواء السابع المدرع الإسرائيلي من الاختراق في المنطقة الشجرية في أقصى الشمال، وبعد قتال مرير، تمكن تدريجياً من اختراق الأرض المرتفعة، ثم استولى على تقاطع حوار، وأجبر اللواء 68 مشاة السوري، من الفرقة السابعة المشاة من الانسحاب[7].

طورت قوات لانر الهجوم في اتجاه مزرعة بيت جن وحاولت القوات المدرعة السورية، القيام بالهجوم المضاد، ولكنها لم تحقق أي نجاح، واستمر القتال حول المزرعة، ست ساعات متواصلة، ولم ينتهي إلا في آخر ضوء يوم 11 أكتوبر 1973، بسقوط مزرعة بيت جن، والتلال المحيطة بها في أيدي القوات الإسرائيلية، كلف اللواء المشاة الجولانى للدفاع عنها على الفور.

1. الهجوم على التل الأحمر وقرية الدروز:

في ظهر يوم الخميس 11 أكتوبر 1973، تمكن ايتان بعد هجوم ناجح، من الاستيلاء على التل الأحمر المشرف على خان أرنبة من الشمال، وبعد ظهر يوم الخميس استولى على قرية الدروز (حرفا). وفي صباح يوم الجمعة 12 أكتوبر 1973 استولت القوات الإسرائيلية (مجموعة عمليات ايتان) على تقاطع طرق جنوب التل الأحمر، وتمكنت وحدات اللواء 188، من مهاجمة الهيئات المسيطرة على طريق دمشق ـ تل شمس والاستيلاء عليها، بعد ثلاث هجمات متتالية لعنف المقاومة السورية وكثافة نيرانها، والتي استطاعت أن تحدث العديد من الخسائر في الدبابات الإسرائيلية التي أبطأت من حركتها لصعوبة فتح ثغرات للدبابات، وفشلت المحاولات لتطوير الهجوم عبر السهل الغير صالح للتحرك.

تمكنت إحدى كتائب اللواء 188، من المرور عبر ممر أكتشفه قائدها حيث تمكنت ثمانية دبابات من الوصول إلى الميول الخلفية لتل شمس، ودمرت عشرة دبابات سورية، اندفعت باقي كتيبة الدبابات الإسرائيلية، تحت ستر القصف المدفعي، لمهاجمة تل شمس، وفشل الهجوم رغم ذلك، لصعوبة الأراضي الجبلية في هذه المنطقة، علاوة على الاستخدام السيئ للمدرعات بقتالها في منطقة جبلية دون مشاة مرافقة لها.

2. استمرار الهجوم بمجموعة عمليات لانر

مساء يوم 11 أكتوبر 1973 اندفعت وحدات مجموعة لانر على طريق دمشق الرئيسي لاستكمال المهمة، حيث اندفع اللواء 17 مدرع بقيادة العقيد سريج واصطدم بستارة مضادة للدبابات، أخفاها السوريون جيداً، في أحراش المنطقة. وكلف ذلك الصدام، لواء سريج العديد من الخسائر لذلك قرر لانر دفع اللواء 79 مدرع لمعاونته. وكرر اللواءان الهجوم قبل آخر ضوء، ونجحت سرية دبابات الوصول إلى تقاطع طريق خان أرنبة. وعلى الفور اصدر لانر أوامره إلى قائد اللواء 79 مدرع لاستغلال نجاح اللواء 17 مدرع واحتلال خان ارنبه، وتبعه اللواء 19 مدرع والذي انضم إلى مجموعة لانر، ثم تحرك اللوائين 79 مدرع، 19 مدرع على محورين في اتجاه جبا، حيث تمكنا من الاستيلاء على تل شعار.

دفع السوريون دباباتهم للقيام بهجوم مضاد، وتمكنوا من قطع الطريق الرئيسي في خان ارنبه، وتهديد وحدات لانر باستغلال المشاة السورية المسلحة بالأسلحة المضادة للدبابات الخفيفة، ر ب ج 7 R.P.J.7 ، والتي تسللت في الظلام وكمنت بين الصخور في السهل البركاني، وحولت المنطقة إلى مصيدة قتل حقيقية للدبابات الإسرائيلية. للتخلص من هذا الموقف الصعب، دفع لانر كتيبة مظلات ظلت طوال الليل، تقصف القوات السورية وتحاول إخلاء الجرحى الإسرائيليين.

3. تدخل القوات العربية في الجبهة السورية (11 ـ 12 أكتوبر 1973)

في الحادي عشر من أكتوبر 1973، تدخلت القوات العراقية، في القتال، ودفعت الفرقة الثالثة المدرعة العراقية قواتها في هجوم مضاد قوي على أجناب القوات الإسرائيلية مع تقدم قوات سورية على محور دمشق كناكر، ورغم أن الهجمات المضادة لم تستطع وقف التقدم الإسرائيلي شرق الخط الأرجواني، إلا أنها تمكنت من تقليل معدل تقدمه مقابل خسائر فادحة للجانبين.

كانت المعارك محتدمة في القطاع الجنوبي بين العراقيين والإسرائيليين في تل عنتر، وكفر الشمس وناسج وتل المال وتل مسحره، حيث شارك اللواء 40 المدرع الأردني في معارك هذا التل، بينما اتجهت قوة إسرائيلية أخرى لتوقف هجوم مضاد آخر شنه السوريون عند تل شمس. وهاجم السوريون مرة أخرى جنوب أم باطنة، وهاجمت القوات المغربية المدعومة بقوات سورية، قوة إسرائيلية عند عرنة في أقصى الشمال.

شعرت القيادة الإسرائيلية بحالة التوتر التي انتابت القيادة السورية، بدفعها احتياطياتها، والقوات العربية المساندة لها، في هجمات مضادة متقاربة زمنياً، وعلى محاور واتجاهات مختلفة، بغية إيقاف تقدم القوات الإسرائيلية، التي اقتربت كثيراً من العاصمة السورية دمشق (40 كم جنوب غرب)، يتقدمها هجمات جوية متواصلة على الطرق المؤدية إلى دمشق، وقصف متلاحق للأهداف الحيوية في العاصمة السورية. وتمكنت قوات حوفي من صد الهجمات المضادة كلها واستمرت في التقدم كذلك، ولكن بمعدل بطئ للغاية، وتحول هدفها من الإسراع إلى مشارف دمشق، إلى اقتراب حذر، بغية السيطرة على المرتفعات الحاكمة واحدة تلو الأخرى.

ثاني عشر: الموقف الداخلي السوري

بعد أن تمكنت إسرائيل من صد الهجوم السوري، ثم التحول إلى هجوم مضاد عام ووصلت إلى خط جديد، شرق الخط الأرجواني أصبح الموقف الداخلي في سورية متوتراً. وكان الرئيس الأسد قلقاً جداً يحاول الحصول على قرار بوقف إطلاق النار بينما الأمريكيون يماطلون، ويعطلون اتخاذ مجلس الأمن لذلك القرار، حتى تتمكن إسرائيل، بمساعدة الأسلحة الأمريكية التي تتدفق عليها بالجسر الجوي الأمريكي المباشر إلى المطارات المتقدمة، من إحراز نصر إستراتيجي يمكنها من المساومة فيما بعد. وحاول الأسد الضغط على المصريين، ليطورا هجومهم لجذب جزء من المجهود الجوي والهجمات المدرعة الإسرائيلية في اتجاههم، مما يخفف الضغط عن سورية، ووعدت القيادة المصرية، ودفعت احتياطياتها للتطوير شرقاً يوم 14 أكتوبر 1973. وطلب السوريون من السوفيت مؤازرتهم سياسياً. وصدرت عن موسكو تهديدات من خلال وسائل الإعلام وبالوسائل الدبلوماسية، لإسرائيل ومن يساندها، وقدم السفير السوفيتي بالولايات المتحدة أناتولى دوبرنين "تهديداً" لوزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر ذاكراً أن القوات السوفيتية المنقولة جواً، على استعداد للتحرك للدفاع عن دمشق فوراً.

ثالث عشر: الموقف الإسرائيلي

اتخذت إسرائيل قرار بعدم مهاجمة دمشق، لتأثير ذلك عربياً وعالمياً، بالإضافة إلى النتائج المشكوك فيها، بغزو مدينة بحجم كبير من السكان، قد يكون مكلفاً للغاية. كذلك، هناك اعتبار للمصالح السوفيتية، في تأمين دمشق، لذلك اتفقت القيادة الإسرائيلية فيما بينها على الاكتفاء بالهجمات الجوية، لتدمير الأهداف العسكرية السورية، ومواقع الصواريخ أرض/ أرض، وأرض/ جو، وتحسين أوضاع القوات الإسرائيلية على الجبهة السورية، والتي أصبحت في وضع، يساعد الإسرائيليين في أي مفاوضات يدخلونها بعد الحرب.

[1] كان هذا الموقع يمثل أهمية كبيرة للقيادة الإسرائيلية حيث يؤمن لها ملاحظة ومراجعة، تغطى كل ميدان المعركة، وكذا طرق الاقتراب إلى دمشق، إضافة إلى احتوائه على موقع رادار مثالي والعديد من المعدات الإلكترونية، وكانت التحصينات فوق الجبل خرسانية، قوية وسميكة.

[2] قبل الوف حوفي، قائد المنطقة الشمالية، نصيحة الجنرال هود مستشاره، وأخلى مركز قيادته الأمامي بسرعة إلى موقع تبادلي مجهز من قبل. وقد أناب قائد القطاع الشمالي في إدارة القتال على هضبة الجولان حتى يتم الانتقال.

[3] كانت المستعمرات الإسرائيلية في وادى الحولة وحول طبرية وفى سهل الأردن، قد تم إخلائها يوم 5 أكتوبر 1973 أى في الليلة السابقة للهجوم.

[4] يضم هذا الموقع مركزا للقيادة، حيث كان القائد الإسرائيلي يعتقد أنه بعيد عن الخط الأول للقتال، ولكنه فوجئ بالمدرعات السورية تقترب منه بسرعة، فانتقلت لمكان آخر.

[5] موسى بيليد رجل ضخم الجثة، تدرج في مختلف الوظائف القيادية بجيش الدفاع الإسرائيلي، حتى وصل إلى قائد فرقة مدرعة، ثم وصل إلى قائد فيلق، وهو رجل حاسم، من إحدى القرى الزراعية في وادي جزريل.

[6] تم استكمال اللواء بعد الخسائر التي تحملها خلال معركة يومي 6، 7 وقد أعيد تنظيم وتسليح هذا اللواء بسرعة ودفع مرة ثانية إلى المعركة.

[7] حكم على قائد هذا اللواء وهو العقيد الدرزي رفيق حلاوي بالإعدام رمياً بالرصاص، بعد محاكمته عسكرياً، إذ اصدر الأوامر بانسحاب اللواء دون قتال.

الأشكال

الخرائط

المصادر والمراجع