جزيرة الملابس
جزيرة الملابس هى مجموعة قصية للأطفال كتبتها الكاتبة غادة عبد المنعم وقد صدرت عن هيئة قصور الثقافة المصرية ضمن سلسلة قطر الندى وهى سلسلة لكتب الطفل تصدر نصف شهرية والقصص موجهة للطفل من سن 8 سنوات وحتى 12 عام. وتضم المجموعة قصتين هما جزيرة الملابس و بيلياتشوهات الفنجان'
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جزيرة الملابس
قصة: غادة عبد المنعم
بداية العام الجديد تقترب، والجميع مشغلون بالإعداد لحفل بداية العام. رحمة تفكر فى عرض مسرحى، تقوم بتمثيله هى وأصدقاؤها ، وتنتظر والدها ليصمم ويحيك لها ملابس العرض ، أما والدها فقد كان مشغولا بإعداد تصاميم أزياء للأطفال؛ ليقدم قبل بداية العام عرضًا لملابس جديدة وجميلة، يرتديها الأطفال فى العام الجديد. كان عصبيا ويردد أنه ينتظر الإلهام؛ لأنه لم يفكر بعد فى أجمل الملابس الشتوية للأطفال.
وهناك بعيدًا جدًا وسط المحيط التائه عن الزمن، والذى بمجرد دخول أى شخص فيه يفقد الزمن ـ تقع جزيرة الملابس، المحاطة بالسحب القطنية والصوفية الهشة، وسحب الموهير الناعمة جدا. جزيرة الملابس التى تسقط عليها أمطار من الموهير الناعم، فى رأس السنة.
هناك فى هذه الجزيرة، كانت تعيش الشجرة الأم، الأبونسية اللون، الجدة الكبرى لكل الشجيرات، والتى تعيش فى الجزيرة منذ آلاف الأعوام، و تطرح كل عام أجمل البلاطى الموهير والصوف والكشمير .. السوداء والبنية والرمادية الدافئة جدًا والراقية ، تحيطها بناتها شجيرات الملابس اللاتى لا تشبه إحداهن الأخرى، هن جميعا أخوات، ينحدر أصلهن من أم واحدة، و لكل منهن لون خشبى ورائحة عبقة مميزة ، ومن رائحة كل منهن ولونها يمكنك بسهولة استنتاج نوع الملابس التى تطرحها ..فالتى لها لون خشب أبيض، ورائحة هادئة، كاللبن الصابح، كانت تطرح ملابس خفيفة فاتحة، بلون الكريما والفزدق والسماء والورد،صفراء وسماوية وفزدقية للأطفال.
وتلك الشجرة التى لها لون الورد، ورائحة الياسمين كانت تطرح فساتين للفتيات الصغيرات ، أما ذات اللون الأزرق، ورائحة البحر المشبعة باليود، فكانت تطرح مايوهات جميلة .
كانت الملابس التى تطرحها الأشجار، تظهر صغيرة جدًا كملابس عقلة الأصبع، ثم تكبر مع الأيام، لتصبح صالحة للأطفال الصغار، ثم الأكبر سنًا بعضها يستمر فى النمو، ليتحول لملابس للكبار، وبعضها لم يكن يزيد حجمه عن ملابس الأطفال؛ لأن الأشجار التى تطرحها هى أشجار ملابس الأطفال..
فى جزيرة الملابس ـ أيضًا ـ كان يعيش حالم، الذى يبتكر أجمل الأحلام، وأروع التصاميم للملابس، وأبهج الاحتفالات، وأفضل العروض الفنية، وعروض الألعاب، وألذ أنواع الحلوى والأكلات. كان حالم سيد الابتكارات، وباعث الإلهام فى نفوس أفضل الطهاة، ومنسقى الزهور، ومهندسى الديكور، وسيدات البيوت اللاتى يقدمن الذ الأطعمة وأروع التنسيقات، وفى نفوس مصممى الأزياء؛ ليقدموا أجمل الملابس ، وكان إلى جوار كل ذلك، يحب أن يهمس فى آذان الأطفال الصغار؛ ليدلهم على أفضل الطرق للعب ولعمل أظرف وأمتع الحفلات.
فى كل عام، عندما يقترب موعد بداية العام الجديد، كانت الشجرة الأم، التى تعرف كل الموهوبين، فى تصميم الأزياء، تختار مصمم أزياء موهوبًا لتمده بالمزيد من الموهبة، وتبث فى أحلامه أجمل تصاميم الأزياء، ترسلها مع حالم، الذى يذهب بها فى الليل، إلى منام مصمم الأزياء، فيصحو المصمم صباحًا ويرسم أجمل الملابس..
كان سالم والد رحمة، أفضل مصمم أزياء للأطفال، ولأنه قد اجتهد كثيرا فى الأعوام السابقة، اختاراته الشجرة الأم هذا العام، لتبث له حلما رائعا، لاشك سوف يفجر داخله العديد من الأفكار، والتصاميم الجميلة للأطفال.
كان على حالم، أن يأخذ الحلم المغلف بالقطن الهش بنفسه، وأن يرسله لرأس سالم النائم، ثم يعود قبل احتفال الصباح، الذى تقيمه الجزيرة، بمناسبة العام الجديد. اجتمعت الشجيرات، وغلفت الحلم بالقطن المنفوش وأرسلته مع حالم؛ ليصل لسالم فى نومه.
لكن سالم لم يكن نائما، فى هذه الليلة، كان مستيقظا، يفكر فى ملابس جميلة للأطفال؛ لذا حمل ابنته الصغيرة رحمة، ووضعها فى فراشه، كان مشهدها وهى نائمة، يساعده على استلهام أفكار جديدة، حاول سالم كثيرا، دون أن يصل لنتيجة تعجبه، كان يردد لنفسه أنه ربما أفلس من الخيال، وأنه بعد ما قدمه من تصاميم رائعة فى الأعوام الماضية، يبدو أنه لم يعد لديه جديد ليقدمه هذا العام، فى فنه. اليأس بدأ يتسرب لنفسه، أخذ سالم يردد: " ربما يجب أن أعتزل فنى، وأكف عن تصميم الملابس، ربما يجب أن أبحث عن عمل آخر. ولكن أى عمل آخر؟! فتصميم الملابس وحياكتها هو كل ما أستطيع القيام به من عمل". كان يتأمل رحمة فى نومها.. رؤيتها تهدأ من اضطرابه وحزنه. ذهب ليعد كوب شاى ساخن.
حمل حالم الحلم الملون، المغلف بنتف القطن السماوية، والمشغول بألوان الشجر فى جزيرة الملابس، وطار به لبيت سالم ، لكن حالم لم يكن يفكر فى الحلم الذى يحمله، كان يفكر فى عرض الأحلام المبهر الذى سيقدمه فى احتفال الجزيرة فى صباح رأس السنة ، كان مشغول البال، وهو يقترب طائرا من بيت سالم.. وطاخ..!! اصطدم حالم بباب حجرة سالم، الذى كان يغلقه وهو فى طريقه للمطبخ، لعمل كوب شاى.. طاخ..!! تسرب الحلم بين يدى حالم، وانسرب من الفتحة الباقية بين الباب والحائط، ولأن الحلم لا يستطيع التفكير اتجه مباشرة تجاه السرير، وقبل أن يستطيع حالم الإمساك به كان قد استقر تماما فى رأس رحمة، النائمة على فراش والدها .. وبدأ الحلم الساحر فى التشكل أمام رحمة، التى كانت تبتسم سعيدة، وهى تطير بين نتف من القطن، تغمرها الألوان الناعمة، ومن أسفلها تمتد الاقمشة الناعمة لآلاف الأميال، صحت رحمة سعيدة، ونادت والدها، الذى جاء مسرعا يحمل كوب شايه، كانت سعيدة ومبتهجة ومندهشة، فرأس رحمة الصغير ة لم تشاهد من الحلم سوى جماله وروعته، لكنها لم تستطع تفسير الإلهام الذى يحتويه او تحويله لتصاميم..؟ حاولت رحمة شرح الحلم الرائع لوالدها، لكنها لم تستطع سوى التحدث عن مشاعر البهجة الرائعة، التى شعرت بها وهى تحلم، ضمها والدها وهو سعيد بفرحتها، وقد خففت سعادتها من الألم الذى يشعر به، لافتقاده الإلهام.
اقترب موعد العرض القادم لملابس رأس السنة، وظل سالم حزينا .. لقد شعر أن هناك شيئا تفتقر إليه تصميماته فى هذا العام، وظل يردد لقد ضاع منى الإلهام، كانت رحمة حزينة من أجل والدها وشعرت ـ دون أن تدرك سببا لذلك ـ أن هذا الحلم الرائع الذى حلمت به كان من حق والدها، وأنه لو كان هو من حلم به لكان قد رسم أجمل التصاميم .. حاولت كثيرا مساعدة والدها، وصف الحلم له، دون أن تتمكن من تحويل الحلم لكلمات. لم تكن رحمة الصغيرة موهوبة فى الرسم والتصميم لذا لم تستطع مساعدة والدها..
جلست رحمة على سطح منزلها فى مخبأ لعبها المعتاد، كانت حزينة من أجل والدها، لذا لم تأتها أية فكرة جيدة للعرض المسرحى الخاص بحفل رأس السنة، وكانت كلما فكرت فى حزن والدها شعرت بالذنب، وكلما استحال عليها التفكير فى فكرة جيدة للمسرحية، تشعر بمزيد من الذنب، لأنها وعدت زملاءها فى الفصل أن تساعدهم فى العثور على فكرة للعرض، كما وعدتهم أن والدها سيساعد فى تصميم وحياكة ملابس المسرحية، لقد وعدت أصدقاءها ويبدو أنها لن تستطيع الوفاء بوعدها . كان حالم يجلس بالقرب منها مهموما هو الآخر، لأنه قد تسبب فى كل هذه اللخبطة والأحزان وعدم الوفاء بالوعود، بعدم يقظته وتفكيره فى حفل رأس السنة بجزيرة الملابس، بينما كان يؤدى مهمة لو كان أتقنها لانتهت دون أن تأخذ وقت أو تسبب مشاكل..!! وكان شعوره الحزين المحبط هذا يلهيه عن إعداد عرض الأحلام الكبير، الذى سيقدمه فى جزيرة الملابس، والذى كان من المفروض أن يضم الكثير من أرقى أنواع الإلهام، الذى سيبث فى أحلام البشر فى العام الجديد، والذى سيساعد الشجيرات فى النمو، بعد أن تختار كل منها نوع الملابس الذى ستطرحه فى العام القادم.
كانت رحمة تجلس حزينة بجوار عمود فوق سطح المنزل، ووالدها يجلس حزينا قريبا من الشرفة، وحالم يردد نظره بينهما، من مكانه فى الهواء، بعد فترة تعب حالم من التشبث بالهواء، وكاد ينزلق ويسقط ، فجلس بالقرب من رحمة .. كان حزينا من أجلها هى ووالدها وتمنى لو يستطيع مساعدتهما ، كان صادقا جدا فى أمنيته ، ولأنه كان صادقا ويشاركهما بقلبه فى حزنهما، فجأة .. شعرت رحمة بشخص حزين يجلس إلى جوارها لقد شعرت به وشاهدته.
وجدت رجلا حزينا لطيف الشكل، بطرطوره الكبير، وملابسه الملونة يجلس بجوارها .. اندهشت.. متى جاء وجلس بجوارها!! ثم لاحظت أنه حزين، هو الآخر فقررت أن تسأله عن السبب.. قالت: لماذا أنت حزين هكذا؟ اندهش حالم لما أكتشف أن رحمة تراه. فالبشر لا يستطيعون رؤيته ، لكنه أدرك على الفور أن رغبته الصادقة فى مساعدتها هى التى جعلتها تراه.
حكى حالم لرحمة عن كل ما حدث، وعن جزيرة الملابس، والإلهام، ومن أين يأتى أحيانا، طلبت منه رحمة أن يساعدها فى عودة الحلم لوالدها، لكن حالم اعتذر، لأن هذا غير ممكن، لكنهما لم يستسلما، وبدآ يبحثان عن طريقة لعودة الإلهام لوالدها.
فى البداية حاولا تحويل الحلم لإشارات ، رسمت رحمة بمساعدة حالم مجموعة من الرسومات، وأخذتها لوالدها، وبدأت تحكى له عن حلمها الرائع، بينما كان حالم يقف ورائها، يساعدها على اختيار الكلمات المناسبة، حتى تقترب من الحلم وتجسده من جديد أمام والدها . كان والدها مهموما لذا طلب منها أن تتركه ، لكنها أصرت على أن يستمع اليها، أخذت تحكى له وتريه الرسومات، وبمرور الوقت أخذ والدها يشاهد الحلم .. يتجسد أمامه ويتخيله، ثم قام على الفور ليرسم تصاميم جديدة، استدعى فريق عمله وبدأوا فى إعداد النماذج وإرسال التصاميم للمصنع.. كل شىء كان يتم بسرعة فائقة لإنجاز أجمل ملابس العام الجديد.
رحمة كانت سعيدة من أجل والدها، لكنها أدركت الآن أن مشكلتها فى البحث عن فكرة للعرض تبدو وكأنها لا حل لها، فلم يعد هناك سوى يوم واحد، لقد وعدها إن اتفقت هى وأصدقاؤها على فكرة المسرحية سينهى لها تصميم الملابس وحياكتها غدا، وهى حتى الآن لم تجد فكرة تحبها وتعجبها، لقد جاء أصدقاؤها لكى يقوموا ببروفات العرض ولابد أن يخرجوا بنتيجة اليوم..
حالم هو الآخر كان مرتبكا فحفل بداية العام فى جزيرة الملابس على وشك البدء وهو لم يعد بعد عرض الأحلام الخاص به، والذى سيقدمه فى حفل الجزيرة..
فتحت رحمة الباب لأصدقائها وعرفتهم بحالم الذى ظهر لهم فى صورة عروسة من القطن، كانت ملقاة من قبل على كرسى فوتيه الأنتريه بلا حركة، وقد دبت الحركة فيها الآن .
حكى لهم حالم عن مشكلته، وطلب منهم أن يسمحوا له بتركهم، ليذهب لإنهاء عمله، ثم اعتذر لهم لأن العام القادم قد لا يكون ممتلئا بالابتكارات، لكنهم أوقفوه وعرضوا عليه المساعدة، سيذكرون له كل الأشياء الجميلة التى يحلمون بها، وتلك التى يحلم بها أصدقاؤهم .. و.. المكتبة..؟ إنها عامرة بالكتب، ومن كل كتاب يمكنك استخراج مئات الأشياء التى حلم بها البشر، والتى يمكنها حل مشاكلهم.
قال سامح التفكير فى ابتكارات جديدة سهل..!! بدءوا بذكر أحلامهم، ثم أحلام زملائهم وأصدقائهم وأقاربهم، ثم ذهبوا للمكتبة وأخرجوا الكتب، وانهالوا على حالم بالأفكار. فجأة كأن طاقة من الأفكار والأحلام قد انفتحت لحالم، كان يرد عليهم :لا.. لا.. لا.. هذا لن يحدث قبل مائة عام نعم.. نعم ..هذا ممكن وهذا ؟ أيضا ممكن.. سيسعدنى أن ألهم أحد ما بهذه الفكرة.. نعم أعرف شخصا اقترب من انهاء هذا الاختراع..!! ولا يحتاج سوى بضعة تلميحات.. وضمن سيل الأحلام كان حلم سامح ببدلة خاصة ولوح تزلج يصل حتى القمر. وحلم نادية بنظارة تلتقط الصور بمجرد الرغبة فى ذلك ويمكنها رصد النجوم فى الفضاء ..!! وحلم ناجى بموتوسكل يتحول لعربة ويمكنه المشى فى أى نوع تربة على الرمال على البحر وعلى الصخور..!! وحلم نادر بجهاز كمبيوتر يتفاعل من الذهن البشرى والصوت والصورة الموجودان داخل عقولنا، بل ويمكنه تحليل الروائح يتصل بمستخدمينه بمجرد الرغبة فى ذلك..!! أما سوسن فقد كانت تحلم بأيس كريم يزيد من النحافة ويساعد فى بناء العضلات، ولا يختلف طعمه عن الأيس كريم العادى..!! كانت كل هذه الأحلام فى حيز المقبول والممكن بالنسبة لحالم وعدهم أنه لن يبدأ العام التالى إلا وسيكون هناك من اخترع تلك المنتجات، وربما تكون فى الأسواق بعد عام أو عامين. قال وليد ولكنها قد تكون مرتفعة الثمن وقد لا نستطيع شرائها قبل خمسة أو حتى .. عشرة أعوام..!! ضحك حالم وقال له اسمحوا لى باصطحابكم لجزيرة الملابس.. هناك يمكنكم مشاهدة احتفال العام الجديد الرائع، وهناك يمكننى صناعة نموذج لكل منكم من أمنيته التى يحلم بوجودها، على أن يكون استخدامه لها سرى، ولا يتعداكم، حتى يتم اختراع كل تلك الأمنيات وإنتاجها وبيعها فى الأسواق. قال كريم ولكن احتفال المدرسة غدا، ونحن لم نؤلف مسرحيتنا ونتدرب عليها بعد. حالم : ومن قال أنكم ستحتاجون للوقت للذهاب لجزيرة الملابس والعودة منها ، جزيرة الملابس خارج الزمن يمكنكم الذهاب وحضور الاحتفال والعودة ولن تفقدو ثانية واحدة من وقتكم ويمكنكم الاستفادة من الإحتفال المبهر لإعداد عرضكم المسرحى، و أنا واثق أن الشجرة الأم وبناتها وحفيداتها سيرحبون كثيرا بمساعدتكم ،ثم يمكنكم أن تستغلوا الليلة وغدا فى إعداد نص المسرحية. وافق الجميع واستعدوا للمغادرة حالا، جمع حالم الأفكار المكتوبة وتلك التى كانت مازالت معلقة فى الهواء وبعضها مما كان عالق بملابسه أو ملابس رحمة وأصدقائها ضم جميع الأفكار بين كفيه ثم أدخله رأسه .
ركبوا الهواء معه ثم عبروا السحب لأعلى . وهناك شاهدوا حالم على حقيقة لأول مرة بينما وقعت العروسة فى يد رحمة بلا حراك. طفوا بين السحب، قطعوا مسافة لا يعلمون فى أى اتجاه ثم أخذوا فى النزول من جديد، وسط سحب صوفية وسحب من الكشمير الملبد ثم سحب قطنية وكتانية خفيفة وأخرى من الموهير الناعم.
وأخيرا.. أطلوا بأنظارهم على جزيرة الملابس من أعلى . شاهدوا الشجرة الأم المهيبة، التى تظهر من أعلى منطقة فى السماء، وكانوا كلما اقتربوا ظهرت لهم المزيد من الشجيرات الرائعة، نزلوا لأرض الجزيرة فشاهدوا الملابس التى تتدلى من الشجيرات والملابس الذابلة التى وقعت على الأرض وشاهدوا كائنات "البى بيى" التى تعتنى بالملابس، تقطفها وتغلفها وتحفظها حتى موعد ارسالها للأرض، وتجمع الملابس التى نضجت؛ والتى سقطت على الأرض، تفرق بين الناضجة والذابلة والمجففة تحول المجففة لملابس جلدية، وتحاول معالجة الملابس الذابلة. كما شاهدوا مخلوقات "النينا" الطائرة التى تشبه فراشات حرير بأحجام ضخمة؛ وتنتج كافة أشكال الخيوط وأنواعها، الخيوط التى يصنع منها ن الاكسسوارات الخاصة بالملابس ، شاهدوا أيضا دودات ضخمة تسمى "لوك" يرقات العتة وكلاهما يعيش على التغذى على ثمار الأشجار من الملابس وافسادها، وفى الحقيقة هم السبب فى ظهور موضة الملابس المقطعة فبعد أن تمكن حالم من تسويق الثمار التالفة للأشجار فى موضة الدرتى جينز، استطاع إبتكار موضة الملابس الممزقة والمرقعة لتسويق الملابس التى تفسدها هذه الدودات وكما يقول حالم معظمها يعمل بشكل قانونى الآن، فقد تعلم الجميع فى الجزيرة تقبل الآخرين بعد سنين من الحروب والمنافسات .
اندهش الأصدقاء لأن شجيرات جزيرة الملابس تتحرك وتتكلم تندهش وتبتهج وتحزن، تركب عربات من نوع خاص ولكنها تفضل دائما المشى فهو مفيد لقوتها، وعندما تقرر الراحة تقف فى موضعها وتمد جزورها لتنغرس فى الأرض حيث تتغذى وترتاح، هناك قوانين كثيرة تنظم عملية الحركة والطعام ومواقع الراحة حتى لا تعتدى شجرة على الأخرى، وحتى تتغذى الشجيرات كلها وتنال بعدالة القسط الواجب من الطعام لنمو ثمارها، وهى عندما تتحرك تجمع جزورها حولها وتسير زحفا على الأرض بليونة فائقة.
شاهدوا طريقة جمع الثياب وقطفها بحرص ثم تغليفها وإرسالها للأرض وكواكب أخرى كأفخر أنواع الثياب، الثياب التى لا يرتديها سوى الصفوة وبعض من المساكين والفقراء؛ ممن ترسل لهم الشجرة بنفسها؛ وطبقا لقائمة تعرفها وتجددها كل عام ملابس خاصة.
رحبت الأشجار بالأصدقاء واعتذرت الشجرة الأم لأنها لم تكن فى شرف استقبالهم فوق الجبل الوسيط فعمرها الكبير وحجمها الضخم يمنعانها من الحركة والتنقل بحرية كباقى الأشجار والشجيرات.
كان الاحتفال رائعا ومليئا بالأفكار التى اقترحوها وفى آخر الحفل حان وقت المفاجأة فإلى جوار نماذج من أمنياتهم والتى صنعها لهم حالم، منحتهم الشجرة الكبرى – بنفسها - هدية الجزيرة، نماذج منسوجة باتقان، تمثل الحياة والكائنات على جزيرة الملابس.
كانوا سعداء وبعد الحفل حملوا هداياهم التى ستساعدهم على اخراج مسرحيتهم وعادوا للأرض مرة أخرى. وجد سالم والد رحمة عندما عاد ليلا، البيت ممتلأ بالملابس والنماذج المنسوجة بشكل متقن ورائع، ووجد رحمة وزملاؤها يتدربون، اندهش وسألهم من أين حصلوا على كل هذه الديكورات والملابس فأجابت رحمة لقد حصلنا عليها من صديق وحكت لوالدها حكاية جزيرة الملابس.
فى اليوم التالى، قدمت رحمة وأصدقاؤها مسرحيتهم المدرسية، عن جزيرة الملابس ، ومن يومها والجميع يعرف جزيرة الملابس وحالم صانع الإلهام.
بليتشوهات الفنجان
قصة: غادة عبد المنعم
كان عم ماندو يجلس وحيدا، واضعا يده أسفل ذقنه ، كان يقول لنفسه.. هاهو ابنى الوحيد قد ذهب لمدينة أخرى ليكمل تعليمه الجامعى، أما أنا سأبقى هنا وحيدا فى دكان تصليح العرائس هذا، ليس معى أحد، أو لدى أى أصدقاء سأبقى وحيدا تماما.
نظر عم ماندو لصورة زوجته الراحلة قسمة وابتسم فى حزن. ثم قال لها:" لقد فقدت كل أحبائى كما فقدتك، فقدت كل أصدقائى واحدا.. وراء الآخر، أحدهم سافر لبلاد بعيدة، والأخر يسكن مدينة أخرى، وحتى ابنى “سانتو” هاهو يتركنى ويعيش بعيدا، كم أفقده.."
أخذ عم ماندو يجول بناظريه فى دكانه، من حوله.. كان يشاهد العرائس التى أحضرها أصحابها الصغار ليصلحوها، .تمنى لو كانت هذه العرائس تتكلم، ليتمكن من مصادقتها ، لكنه أدرك أنه حتى لو كانت هذه العرائس تتكلم وتتحرك، فإنها ستتركه بمجرد أن يصلحها، لتذهب لأصحابها الأصليين.
عندما فكر فى أن العرائس قد تتركه، وتعود لأصحابها، ليبقى هو وحيدا تماما، أخذ يبكى ، كان يمسك بيده كوبه المفضل الكوب الذى انكسرت كل الأكواب، وبقى وحده رفيقه طوال السنين الماضية كلها، والذى يحب أن يسميه فنجان البليتشوهات، لم يكن الكوب فنجان، حيث لم يكن له طبق يوضع تحته، كان مجرد كوب مرسوم عليه أربعة من البليتشوهات ، لكن عم ماندو كان يحب تسميته كذلك.. فنجان البليتشوهات ..!!
أخذ عم ماندو يتأمل البليتشوهات الأربعة المرسومة على الفنجان "ميجو"و "بيجو" و"ميشو" و"بيشو" ويربط عليهم فى حنان وهو يشرب باقى الشاى ويبكى وحيدا.
وضع عم ماندو الكوب بجوار الكوميدينو، واستلقى على الكنبة، وحيدا، داخل دكانه، الذى أصبح منذ ماتت زوجته - منذ فترة طويلة - مكان سكنه الوحيد ، تطلع مرة أخرى لصورة زوجته المتوفاة، الموضوعة على الحائط ، لاحظ أنها معوجة لأن أحد المسمارين اللذان يحملاها قد وقع ؛ لكنه كان فى طريقه للنوم؛ لذا قال لها أرجو ألا تغضبى عندما أصحو سأثبت الصورة، وبينما يستسلم للنوم شاهد الحجرة، كانت غير مرتبة، وشاهد الشباك، منذ زمن طويل لم ينظر من الشباك. قال عم ماندو لنفسه :" سأصلح كل ذلك غدا، وسأضع الكنبة فى مواجهة الشباك، لأتمكن من رؤية الشمس، وهى تشرق كل يوم ، سأفعل كل هذا غدا، نعم..غدا.. قبل أن أبدا فى إصلاح “اللعب” " كانت دموع عم ماندو مازالت تسقط وهو يستسلم للنوم.
نام عم ماندو، لم يعرف كم من الوقت نام، صحا ودكانه ممتلء بالدخان، كان الشباك مفتوح والسحب تدخل من الشباك وتملأء الحجرة بدخانها الهش.
أخذ الدخان يتجمع فى هيئة رجل ضخم من الثلج ، فتح عم ماندو عينه غير مصدق، اقترب من رجل الثلج، حاول الإمساك به ، وجد أنه رجل من الدخان، ووجد أنه يبتسم له.
أشار رجل الدخان - الذى يشبه رجل من ثلج – لعم ماندو لكى يجلس، فى تلك اللحظة فوجئ عم ماندو ببليتشوهات الفنجان الأربع يغادرون أماكنهم على سطح الفنجان، ويخرجون للحجرة، إقترب كل منهم من عم ماندو، كل منهم نظر جيدا فى عينيه ، ربط على كتفه، وابتسم..
ثم بدأوا فى تغيير كل شىء فى الحجرة، حملوا الكنبة وعليها عم ماندو ووضعوها فى الجانب الآخر للحجرة، فى مواجهة الشباك، لترى الشمس وهى تشرق وتغرب كل يوم، ثم بحركة دائرية واحدة من الرجل الدخانى كانت الحجرة قد نظفت تماما .
رصوا كل العرائس و”اللعب” القديمة التى تحتاج لإصلاح على الرف ثم أخذوا يقذفونها لعم ماندو واحدة وراء الأخرى، وعم ماندو الذى بنظرة واحدة، يعرف بخبرته موضع الخلل، وكيفية إصلاحه ، أخذ يصلح واحدة بعد أخرى ، ويقذفها لهم فيعيدوها لمكانها وسط “اللعب” التى تم اصلاحها.
أصبحت الحجرة فى منتهى البهاء ، تشع بالنظافة والجمال، فقد ثبتوا براويز الصور التى تساقطت، وأزالوا التراب عن الأرفف، ووضعوا زهورا فى الزهرية القديمة، التى لم يوضع فيها زهور منذ وفاة زوجة ماندو ، ووضعوا مفارش نظيفة على الأثاث وغسلوا الستائر وجففوها، وعلقوها، وصلحوا الراديو القديم، الذى خرجت منه الموسيقى أخيرا.
حدث كل شىء كأنه لعبة سحرية، كانوا يتحركون وكأن موسيقى خاصة بهم، لا يسمعها غيرهم، تتدفعهم للحركة كأنهم يرقصون.
ثم فجأة أمسكوا بيد عم ماندو، وطاروا به من الشباك، عبروا به السحب الحقيقية فى السماء. طارووا، ووصلوا بعد ربع ساعة من الطيران لقرية.. قرية يعرفها عم ماندو ، يعرفها جيدا ، نزلوا أمام نافذة بيت، نعم أنه بيت أخت عم ماندو، كانت تتناول العشاء مع زوجها وابنيها "ماندو" الصغير و"لامع" ، وضعت أمامهم طبق اللحم وقالت مبتسمة: "إن خالكم ماندو يحب هذه الوجبة كثيرا، ويفضلها من صنع يدى.." ابتسمت مرة أقخرى وقالت:" لقد اشتقت إليه كثيرا، سنذهب لزيارته فى المدينة.. فى الصيف القادم، وربما.. أرسلنا له ليزورنا هنا قريبا ، لقد افتقدته كثيرا".
أكد زوجها عم تحسين على كلامها وقال: "سنرسل له ليزورنا، لعله يعانى من الوحدة الآن؛ بعد سفر “سانتو” للدراسة فى الجامعة ، سنرسل له ليزورنا قريبا".
أراد عم ماندو أن يدق على النافذة لتسمعه أخته ، لكن ميجو سحبه من يده، وارتفع به من جديد ، من جديد، طاروا فى السماء حتى وصلوا للمدينة، التى تقع فيها جامعة ابنه “سانتو” ، هلل عم ماندو من السعادة سيرى ابنه “سانتو” ويطمئن عليه..!
هبطوا هم الخمسة ميشو وبيشو وميجو وبيجو والعم ماندو فى ساحة واسعة أمام عدة مبان نظر ميشو وبيشو حولهم ثم رفعا عم ماندو من جديد ليطل على شباك فى الدور الثالث.
كان “سانتو” فى الداخل ممسكا كتاب ونائم، إلى جواره كوب شاى، مرسوم على الكوب بلياتشو صغير، لكن الغطاء كان مرفوعا عن "سانتو" والجو بارد، هم عم ماندو بالدخول ليفرد الغطاء على ابنه، لكنه شاهد زميل ابنه فى الحجرة يغطيه، ثم يسحب الكتاب ويضعه بجواره. ابتسم عم ماندو ونظر لميشو وبيشو، اللذان أشارا لميجو وبيجو ليصعدا واكملوا جميعا الطيران.
مرة أخرى وجد عم ماندو نفسه يطير، لكنه هذه المرة، كان يطير فوق مكان لا يعرفه، عم ماندو سأل بيجو : "ما هذا المكان" أشار له بيجو إشارة معناها ألا يتعجل. إنه بيت به حديقة جميلة، وتحت إحدى شجيرات الحديقة، يجلس رجل يشبه عم ماندو كثيرا، وفى نفس العمر تقريبا، عرفه عم ماندو فى التو، إنه عم شادى.. عم شادى صديق طفولته . هبط عم ماندو بجوار عم شادى، وهمس من خلفه: شادى.. التفت عم شادى، ثم قام واقترب منه،تفحص وجهه جيدا، وقال وهو غير مصدق :ليس معقولا ، لقد كنت أفكر فيك الآن ..!! هل أنت حقا ماندو.. صديق طفولتى ..!! إنها أفضل مفاجأة تحدث لى منذ سنين، جلس عم ماندو مع عم شادى يتكلمان، ويحكيان ما جرى لهما فى السنين الطويلة الماضية، التى مرت دون أن يلتقيا.
بعد ساعتين من الحوار الحميم سأل عم شادى عم ماندو: "كيف أتيت، وأى وسيلة مواصلات استخدمتها، ثم من دلك على عنوانى ؟ " أشار عم ماندو للسماء.. وقال: من هنا..!! فى هذه اللحظة تيقظ ميجو، وبيجو، وميشو، وبيشو . وبحركة واحدة، وسط دهشة عم شادى، حملوا عم ماندو، وطاروا معه.
أخيرا عادوا لمدينتهم ، لكنهم لم يكونوا فى طريقهم للبيت ، كانوا فى طريقهم لمكان آخر، لقد حطوا فى حديقة واسعة أمام قبر ..نعم إنه قبر الخالة قاسمة، زوجة عم ماندو ، أمام القبر كانت هناك سيدة تبتسم ، اقترب عم ماندو منها، وكان يبدو مندهشا ، نعم إنها الخالة قاسمة.. زوجته. أمسكت خالة قاسمة يد عم ماندو، ووسط اندهاشه أخبرته أنها سعيدة؛ لأنه إستطاع تربية ابنهما “سانتو” جيدا، ولأنه قام بتشجيعه على دخول الجامعة، رغم معرفته أنه سيقاسى من ابتعاده عنه ، ثم فجأة طارت الخالة قاسمة زوجة العم ماندو واختفت من أمامه..!!وصوتها يتردد من حوله، كانت تردد: "أنا دائما معكما..!!"
تلفت عم ماندو حوله فلم يجد ميشو، بيشو، ميجو، ولابيجو.. كان وحيدا ، لكنه كان سعيدا، وقادرا على أن يمشى حتى بيته، وصل عم ماندو لبيته منهكا من المشى، ومن السعادة ، نام نوما عميقا، وهو يعرف أنه ليس وحيدا.
صحا عم ماندو فى الصباح، ليشاهد شروق الشمس من فوق فراشه، فوق الكنبة القديمة، المريحة، التى أصبحت فى مواجهة الشباك، كانت الحجرة مازالت نظيفة، والراديو يصدر موسيقى ، وهناك زهرة زرقاء موضوعة فى الزهرية، وكان طيف زوجته يغادر الشباك.
لوح عم ماندو للطيف، وقام ليكمل عمله فى إصلاح “اللعب”.. صنع الشاى، وصبه فى الفنجان، وهو يتأمل البليتشوهات المرسومة عليه، واندهش كيف لم يفكر فى زيارة أصدقائه، وأخته وأبنائها من قبل.
فكر أن أول ما سيفعله، ما أن يتم عمله فى إصلاح اللعب والعرائس، هو أن يذهب لزيارة أخته. أنهى عم ماندو عمله، وزع اللعب على أصحابها، ونوى السفر لزيارة أخته، وقبل أن يغادر بيته كتب خطابا لأبنه، طلب منه أن يهتم بزميله فى الحجرة، وأن يكون لطيفا وطيبا معه.
وبينما كان عم ماندو فى طريقه لمحطة القطار، إشترى زهرة زرقاء، ووضعها على قبر زوجته، ثم ركب القطار ليقوم بزيارة أخته.
المصادر
- سلسلة كتب قطر الندى الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية
- الكاتبة غادة عبد المنعم