ثلاثة جدران لحجرة التعذيب

من معرفة المصادر

للشاعر الفلسطيني معين بسيسو:

(عند طلوع الفجر )

ساقاومْ...

ما زالَ في الجدارِ صفحةٌ بيضاءْ

ولم تذبْ أصابعُ الكفينِ بعدُ...

هناكَ من يدَقْ

برقيةٌ عبر الجدارْ

قدْ أصبحتْ أسلاكُنا عروقُنا

عروقُ هذه الجدرانْ...

دماؤنا تصبُّ كلُّها،

تصبُّ في عروقِ هذه الجدرانْ...

برقيةٌ عبرَ الجدارْ

قد أغلقوا زنزانةً جديدهْ

قد قتلوا سجينْ...

قد فَتَحوا زنزانةً جديدهْ

قد أحضروا سجينْ...

(عندما ينتصف النهار )

قد وضعُوا أمامي الورقْ،

قد وضعُوا أمامي القلمْ

قد وضعوا مفتاحَ بيتي في يدَي

الورقُ الذي أرادوا أن يُلطِّخوهُ

قال: قاومْ َ

والقلمُ الذي أرادوا أن يُمرِّغوا جبينَهُ في الوحلِ

قالَ: قاومْ

مفتاحَ بيتي قالَ: باسمِ كلِّ حجرٍ

في بيتكَ الصغيرِ قاومْ

ونقرةٌ على الجداره

برقيةٌ عبرَ الجدارِ من يدٍٍ محطّمهْ

تقولُ: قاومْ

والمطرُ الذي يسقطُ

يضربُ سقفَ حجرةِ التعذيبْ

كلُّ قطرةٍ

تصيحُ: قاومْ...

(بعد غروب الشمس)

لا أحدٌ معي

لا أحدٌ يسمعُ صوتَ ذلك الرجلْ

لا أحدٌ يراهُ

في كلِّ ليلةٍ وحينما الجدرانْ

تُغْلقُ والأبوابْ...

يخرجُ من جِراحَي التي تسيلْ

وفي زنزانتي يسيرْ

كانَ أنا،

وكانَ مثلما كنتُ أنا...

فمرةً أراهُ طفلاً

ومرةً أراهُ في العشرينْ

كانَ عزائيَ الوحيدْ

وحبيَ الوحيدْ

كان رسالتي التي أكتبها في كلِّ ليلةٍ

وكانَ طابعَ البريدْ

للعالم الكبيرْ

للوطنِ الصغيرْ

في هذهِ الليلةِ قد رأيتُهُ

يخرجُ من جراحي، ساهماً معذباً حزينْ

يسيرُ صامتاً ولا يقولْ

شيئاً كأنهُ يقولْ:

لن تراني مرةً ثانيةً لو اعترفتْ

لو كتبتْ...