تصور افتراضي حول إدارة ناجحة لحرب 67
د.كمال خلف الطويل
تصور افتراضي حول إدارة ناجحة لحرب 67
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مقدمات 67
5/13/07
في مثل هذه الأيام من عام 67 جرت أحداث تلاحقت سراعا حتى وصلت في غضون أسابيع ثلاث من بدايتها إلى ذلك اليوم الحزين ... 5 حزيران . لماذا حدث ما حدث ؟ و كيف ؟ وما هي المعطيات والإرهاصات التي قادت لإنفلات أزمة هائلة من عقالها ؟
لفهم ذلك يحتاج المرء لأن يعود سنوات ثلاث إلى الخلف أي إلى بداية عام 64 عندما دعا عبد الناصر لمؤتمر قمة عربي يناقش مسألة تحويل إسرائيل لنهر الأردن ، و ما يترتب عليها من استتبا عات و نتائج . كان قرار انعقاد مؤتمر القمة يرمي إلى احتواء أي تفاعلات عنيفة -و بالسلاح -على الجبهة السورية بعد أن وصل إلى الحكم في سوريا عام 63 حزب البعث بكل فئاته المتناحرة داخل عباءته ، وكلها تسعى إلى فتح الملف الإسرائيلي ليكون موطئها لانتزاع مركز الجاذبية العربي من قاهرة عبد الناصر .
كان أيضا آخذا في الاعتبار أن إتمام إسرائيل لعملية تحويل الأردن مضافا إليه اقتراب وصولها من امتلاك القنبلة النووية سيمكنها من أن تقوى لدرجة تخل بميزان القوى الدقيق في المنطقة بشكل جذري و محسوس . كان أيضا متأثرا بانشغال مصر الواسع في حرب اليمن بكل ما يحمله من انشغال عن ساحة الصراع الرئيسية أي إسرائيل .
لذا كله كان تصور عبد الناصر أن جهدا عربيا مشتركا يعلو على الخلافات الجذرية مع البعث من جهة و مع الرجعية العربية من جهة أخرى ، يستطيع -و لو بقدر- أن يهيئ لعوامل جبه هذه العناصر المشكلة للموقف الرجراج . من هنا مشروعه بالمضي في تحويل روافد الأردن لتعويق إسرائيل عن الاستفادة منها ، و في إنشاء القيادة العسكرية العربية الموحدة لتكون جهة تنسيق فاعلة سواء لمطالب الدفاع أم الهجوم ( إن جاء وقته ) و في إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية لتكون صوت فلسطين ـ القضية الأم ـ بعد تغيب طال أمده ، وفي إطار العمل العربي الجامع . كان يتطلع أيضا عبر القمة إلى احتواء عربي لمشكلة اليمن المتفاقمة و ما تعبر عنه من حرب أهلية عربية بالسلاح تستنزف طاقات مصر بالتدريج .
ترافقت حركة عبد الناصر بجديدها الملفت مع غياب جون كيندي عن دفة السلطة في واشنطن ووصول رمز الحماقة الأمريكية الأبرز ليندون جونسون إلى سدة الحكم معبرا عن التحالف الصناعي ـ العسكري الحاكم و عن مشروعه القاري المهيمن . لم يكن جونسون مغمورا قبل رئاسته ، فهو بما يحمل من نوازع كان التجسيد الأبرز عن جموح القوة بأقصى تعابيرها ، وبما تبطنه من كراهية قاطعة لاستقلالية العالم الثالث و حركة الحياد الإيجابي و عدم الانحياز و لحركة الوحدة العربية ، و في كل هذه الميادين وقف عبد الناصر رمزا بارزا لا بد من ترويضه ، ومن ثم تقويضه . كان عام 64 مشهودا لجهة تنامي قامة عبد الناصر عربيا و دوليا ، فبعد مؤتمر القمة العربي الأول في يناير لحق مؤتمر القمة الأفريقي في القاهرة في يوليو ، وبعده مؤتمر القمة العربي الثاني في الإسكندرية ، و ليكون ختام المسك مؤتمر قمة عدم الانحياز في القاهرة في نوفمبر. كان ذلك أمرا يفوق حدود الاحتمال لدى إدارة جونسون التي باشرت سياسة مجابهة متعددة المناحي : أولها تسعير التدخل السعودي, و من خلفه المرتزقة الغربيون في اليمن ، و ذلك لتوريط الجيش المصري أكثر فأكثر في أوحال حرب لا تجد منها فكاكا .
ثانيها تضييق الخناق على الاقتصاد المصري بالتلويح بقطع المعونات الغذائية ثم القيام بذلك فعلا.
ثالثها استبدال الملك سعود بأخيه فيصل ليصبح قطبا عربيا و إسلاميا يقف لعبد الناصر بالمرصاد تحت رايات الإسلام- طبعا الأمريكي .
رابعها المؤامرات المتلاحقة لاختراق النظام, و من ثم الانقلاب على عبد الناصر أو قتله . في هذا الإطار الأخير نفهم الدعم السعودي ـ أي الأمريكي ـ لمحاولات بقايا الإخوان المسلمين الفارين و الباقين في التجمع ، و إعادة التنظيم كما وضح للعيان عام 65 . خامسها- وأهمها- تعزيز القوة الإسرائيلية و لو بشكل مباشر كما رأينا بدءا من أوائل 65, و خرقا لسياسة أمريكية طال إتباعها بتجنب تسليح إسرائيل مباشرة ، وإيكال ذلك لفرنسا و بريطانيا و ألمانيا ( كانت تباشير خرق تلك السياسة تزويد إسرائيل بصواريخ هوك عام 62) . كانت الولايات المتحدة تعتبر إسرائيل أداتها الأخيرة الحاسمة و الأوثق في تدمير عبد الناصر إن عجزت عن ذلك سواها من الوسائل ، ووصلت الولايات المتحدة إلى تلك القناعة في منتصف عام ,66 خصوصا بعد أن طور عبد الناصر سياسة النفس الطويل في اليمن ، والتي انخفض بها حجم قوات الميدان إلى فرقتين ، و بعد أن رفض عبد الناصر الخضوع لابتزاز المعونة الغذائية ، و بعد أن مضى قدما في عملية التطوير النووي- محددا عام 69 \ 70 تاريخا لامتلاك القنبلة النووية- ، وفي عملية تطوير الصواريخ البعيدة المدى و التي كانت عملية تدقيق موجهاتها تتعثر ، وفي عملية بناء مقاتلة متعددة الأغراض بالاشتراك مع الهند .
وجهت الولايات المتحدة إنذارها لعبد الناصر في مارس 65 بفتح مفاعله في أنشاص ,ومصانعه العسكرية للتفتيش و إلا ستباشر بتسليح إسرائيل بالطائرات و الدبابات ، ورفض عبد الناصر الإنذار .
أوعزت الولايات المتحدة وقتها للملك الجديد فيصل بالدعوة للحلف " الإسلامي " بغرض التصدي لحركة القومية العربية ، وعلى أرضية تبدو عقائدية ، فجمع تحت عباءته بهلوي و بورقيبة الصارخان في عدائهما للإسلام ، وقرينهما الهاشمي الذي لا يعرف من الإسلام إلا قشوره ، و كذلك العلوي أمير المؤمنين و الذي يعد من أفضل متذوقي الخمور في العالم .
كل ذلك جرى ما بين عامي 64 و 65 ، و لذا ما إن هلَ عام 66 حتى كان الفصال قد أوشك ، وذلك رغم محاولة أخيرة للإنقاذ تجلت في إيفاد أنور السادات- رئيس مجلس الشعب حينها- لواشنطن ، و باءت بالفشل الذريع ( فبراير 66 ) . هنا دخل على صورة الموقف العامة عامل جديد و هو وصول الجناح الراديكالي في حزب البعث إلى السلطة في سوريا ، على أنقاض الجناح التقليدي و عبر انقلاب دموي تزعمه صلاح جديد .
سلطة البعث الجديدة هذه راهنت أكثر فأكثر على لعب ورقة " العمل الفدائي " اتجاه إسرائيل معتبرة أن تلك الوسيلة الأنجع لتنال مكانها تحت الشمس ، مشرعنة وجودها و مضفية على نفسها مسحة الثورية غير المهادنة ، وموفرة لنفسها عامل تأثير في السياسات الإقليمية ، يجعل لها اعتبارا ملحوظا ، وفوق ذلك لاعبة ورقة البديل المطروح للزعيم المرهق عبد الناصر . هم ثلة من الشباب ذوي النزعة الطفولية اليسارية المغامرة ، كانت ترى لنفسها دورا يفوق بالقطع قدراتها حتى و لو حسنت النوايا . وجدت إسرائيل و من خلفها أمريكا في هذا النظام الجديد -على كل إزعاجاته- ضالتها لأنه يمكن من إبقاء سوريا خارج نطاق نفوذ عبد الناصر ، و تحت شعارات أين منها طرحه ، و من ثم فهو عند اللزوم الفخ المطلوب لإيقاع عبد الناصر أرضا حين يحين أوان التحرك الإسرائيلي لضربه . كانوا يعرفون مدى حساسية أمن و مصير سوريا لديه بغض النظر عن السلطة القائمة فيها ، و لذلك نلحظ كيف تصاعد العمل العسكري الإسرائيلي اتجاه الجبهة السورية خلال عام 66 بدءا من أيار بإشراك الطيران في قصف المواقع الحدودية ومشروع التحويل, و بتصعيد التهديدات اتجاهها لحد التلويح بالغزو .
قد يتساءل المرء ، لماذا لم تضرب إسرائيل في نوفمبر 66 سوريا بدلا من عملية السموع في الضفة الغربية للأردن ؟ هناك سببين : الأول رسالة صريحة لحسين بأن الضفة الغربية غدت فوق صفيح ساخن, و عليه بالتالي أن يتهيأ لتبعات ذلك ، و الثاني لإظهار عبد الناصر عاجزا عن حماية أي جبهة عربية, وكنمر من ورق .
لنا أن نذكر أن المشير عبد الحكيم عامر حاول جاهدا إقناع عبد الناصر باتخاذ خطوات مضادة في ديسمبر 66 ، ورفض عبد الناصر حينها .
لماذا رفض في ديسمبر 66 و قبل في مايو 67 ؟
قبل الإجابة يثور سؤال آخر : لماذا طلب القمة العربية في يناير 64 ، و استمر مرورا لسبتمبر 65 ، ثم أوقف عملية القمة في يوليو 66 ؟
الجواب عن السؤال الأخير أنه لم يعد قادرا على التعامل مع فيصل و مجموعته بعد انخراطهم المحموم في عملية الحلف الإسلامي ، و بعد أن عاد الفرز في المنطقة حادا و قاطعا .
عودة للسؤال الأول : ما الذي جرى في الشهور الستة ما بين السموع 66 و أحداث مايو 67 ؟ شيئان مهمان : الأول تصاعد التحدي الإسرائيلي المسلح اتجاه سوريا واصلا ذراه في الغارة الجوية فوق دمشق في 7 نيسان ، و الثاني تصاعد الحملة الإعلامية السعودية ـ الأردنية ، متهمة عبد الناصر بالاختباء وراء البوليس الدولي في سيناء ، وغزة ، وراضيا بالملاحة الإسرائيلية الحرة عبر خليج العقبة ، و الأهم من ذلك وصول التهديد الإسرائيلي لسوريا إلى حد الإعلان يوم 11 مايو من إسحاق رابين رئيس الأركان عن نية إسرائيل في غزو دمشق مصحوبا بتهديد مشابه من رئيس الوزراء ليفي أشكول . كان أنور السادات حينها في موسكو عندما أبلغه كوسيجين رئيس الوزراء السوفيتي أن معلوماتهم تنص على تخطيط إسرائيل لعدوان شامل على سوريا يوم 17 أيار ، وأنهم يحشدون لذلك قوة مجموعها 11 ـ 13 لواء ، وأن مصر مطالبة بالتحرك الفعال نصرة لسوريا ، وردعا لإسرائيل عن غزوها .
لم يكن السوفييت بأي مقياس يبغون إيصال الأمور ودفعها إلى الحرب ، و إنما كانوا يشعرون أن تحركا مصريا جادا بالحشد في سيناء يشبه ما تم في يناير 60 ، أثناء فترة الوحدة, كفيل بلجم إسرائيل عن المضي في خططها ، و بإنقاذ نظام صديق كان يشبه في قسماته ما كان عبد الكريم قاسم يمثله لهم في العراق من تقدمية يسارية بعيدة نوعا عن عبد الناصر ، رغم كل قناعتهم التي ثبتتها الأيام أن قيادته مسلم بها في التحليل الأخير .
زار غروميكو عبد الناصر في مارس 67 أي قبل نشوب الأزمة بأسابيع ، وكانت مطالبته –أي عبد الناصر- بالسلاح لا تجد ما يعتبره الاستجابة الكافية ، بل و كان له عيب عليهم لمدهم حبال الود مع إيران و خصمه الشاه ، و تساءل أمامهم هل أنتم جادون في الوقوف معنا إذا اتخذنا خطوات جذرية في المنطقة . كان جوابهم اطمئن فليس لنا إلا أن نكون مع حلفائنا من العرب إذا تأزمت الأمور . لكن ذلك أمر, وأنهم راضون عن كل تلك الخطوات أمر آخر تماما .
والحق أن السحب المنتشرة في سماء العلاقات المصرية الأمريكية كانت قد تكاثفت لدرجة انعدام الرؤية ، اذ شعر عبد الناصر أن أمريكا تلعب الورقة الإسرائيلية في تهديده و تركيعه ، وهو في المقابل أيقن أن لا خيار أمامه إلا بأن يرد و بنفس الورقة . الفيصل في هذه الرؤية للأمور كان مدى استعداد قواته المسلحة لحمل أعباء هذه المناورة . عاد السادات يوم 13 مايو مباشرة إلى منزل عبد الناصر ليجده مجتمعا بعبد الحكيم عامر يبحثان تطورات الوضع و التهديدات الإسرائيلية الفاقعة . كان عامر يجادل بحزم أن قواته قادرة على تبعات مهمة الردع بما تشمله من حشد كبير في سيناء و جاهزية لأعمال تعرضية فيما لو اجتاحت إسرائيل الجبهة السورية .
أعاد السادات على مسامعهما معلومات السوفييت الطازجة ، وبين المعلومات و تأكيد الجاهزية تحرك عبد الناصر بحذر نسبي, إذ أمر برفع درجة الاستعداد للطوارئ ، وبنقل فرق خمس تدريجيا إلى سيناء وفق خطة قاهر الدفاعية, و بطلب إعادة إنتشار البوليس الدولي ليتجمع في قطاع غزة و شرم الشيخ ، وليخلي خط الحدود من العريش إلى ايلات . كان المراد إخراج قطاع غزة من نطاق التهديد في حال نشوب عمليات عسكرية ، وإبقاء وضع خليج العقبة على حاله دون المساس راهنا بالملاحة الإسرائيلية .
كان هذا القرار على قدر من التذاكي و السذاجة في حين واحد, بما ثبت من رفض يوثانت سكرتير الأمم المتحدة لهذا الطلب و تخييره لعبد الناصر بأحد أمرين إما القبول بالوجود و الانتشار الراهن للبوليس الدولي ، أو إجلائه بالكامل عن سيناء و غزة و بما يعنيه ذلك من إحراج لمصر ، و فرض خيار إغلاق الخليج عليه, و بما عناه ذلك أيضا من تبديل جوهري لخطة قاهر ، بما يشمل نشر قوات إضافية داخل القطاع و حوله .
أتى رد يوثانت في 18 مايو ، و ما كان على عبد الناصر إلا أن يأمر بإجلاء البوليس الدولي كله . السؤال يثور هنا ألم يكن رد يوثانت كفيلا بفتح الأعين على إمكانية فخ منصوب ؟ ما الذي حدا بعبد الناصر إلى أن يواصل المسير إلى نقطة أبعد ؟ هل كان محتما إغلاق الخليج حينها حتى و لو خلت شرم الشيخ من البوليس الدولي ؟
كان المنطقي بتحليل اليوم أن يقف عبد الناصر عند ذلك الحد ، وأن يغطي حركته المحدودة بعمل سياسي بارع كان يمكن له أن يجد تعبيراته في مكاشفة للأمة بأن له وحده حق تقرير وقت معركة مع إسرائيل ، و عندما يراه مناسبا , و بالدعوة لمؤتمر قمة يضم الدول المتحررة ( مصر ، العراق ، سوريا ، الجزائر ، اليمن ) يجعل منه أداة لاستحصال دعم عسكري ملموس من العراق و الجزائر لسوريا حتى لو تجرع السوريون ذلك بمرارة كما عهدهم ، و إبقاء حيز كبير من قواته في سيناء على مدى شهور لتصبح أكثر قابلية على التكيف مع مسرح عمليات مقبل ( نلحظ أنه منذ مارس 57 لم ترابط في سيناء إلا فرقة واحدة ) .
لنا أن نذكر أن تقدير عبد الناصر لاحتمال الحرب يوم حشد قواته في 14 مايو كان 20% ثم ارتفع إلى 50% يوم 18 مايو عندما سحب البوليس الدولي . إذن حينها- وحتى لو توقف عند ذاك- لكان احتمال الحرب قائما 50% . الأهم هو أن إسرائيل و أمريكا كانتا تريدان الحرب, و بالتالي فهما كانا سيتفننان بإيجاد المعاذير لذلك حتى و لو بقي خليج العقبة مفتوحا .
لم تكن حملة السعودية و الأردن لتهدأ لو توقف عبد الناصر . لربما أيضا بالغت إسرائيل في إبراز تحديها لعبد الناصر بتمرير سفن عسكرية إسرائيلية صراحة عبر الخليج و لتستفزه لإغلاقه ، و لربما قامت إسرائيل بعدوان على سوريا واسع النطاق بهدف جر مصر لعمل تعرضي من سيناء يوفر لها الذريعة للهجوم الكاسح . كل هذه سيناريوهات كانت ممكنة التحقيق, و بالتالي فظني أن الرجل قدر هذه العوامل مجتمعة و اقتنع بأن المضي قدما يفوق في مزاياه الجمود عند نقطة سابقة . في كلا الحالتين فحركته كانت أساسا محكومة بثقته في قدرة قواته على إدارة معركة دفاعية بنجاح معقول في سيناء.. و هنا مربط الفرس .
هل كان الأفضل أن يقف عند 18 مايو باحتمالاته البين بين أم أن يواصل ؟ في تقديري أن وقوفه كان الأجدى ، و لكان استطاع بماله من قدرة على إقناع الجماهير الحفاظ على مكتسباته و تبرير خطواته المتحركة منها و الساكنة ، و استيعاب أي استفزازات مقبلة ... أرجح ذلك . هنا نعود إلى 41 مايو لنقول أن الفريق أول محمد فوزي رئيس أركان الحرب ( الصوري ) أوفد إلى دمشق ليجد السوريين قلقين من تحرك عبد الناصر عندما جد الجد ، وهم يحلفون على الكتب السماوية أنه لا حشود هناك و لا من يحزنون .
هل أثر ذلك في قرار عبد الناصر يومها ؟ مطلقا .. و السبب هو أن حركته- بالحشود أم بدونها- كانت استباقية لما استشعره من تآمر أمريكي إسرائيلي عليه ، و لأن مواجهة محسوبة مع الاثنين أمر آن أوانه ، حتى و إن كان يضمر وقتا آخر للمعركة وهو عام 69 ـ 70 . السبب الرئيسي وراء قرار المواجهة هو قناعته منذ أوائل 66 أن إسرائيل أوشكت أن تتم بناء قنبلتها النووية الأولى ، وأن تحريكا عنيفا للوضع في المنطقة كفيل بفتح ملفها من جديد ووفق قواعد لعبة جديدة يكون فيها أهم المتحكمين . و علما أن رغبته كانت تقتصر على الحشد و بنسبة احتمال حرب لا تتجاوز 20% ، فهو كان قابلا لهكذا احتمال ، و حتى عندما تطورت النسبة تصاعدا إلى 50% كان ذلك في نطاق الاحتمال . الآن ما الذي قاده إلى قبول ارتفاع النسبة إلى 80% بإغلاق خليج العقبة ؟ هنا نصل إلى العامل الحاسم .
كانت القيادة العسكرية المصرية ممثلة بالمشير عبد الحكيم عامر تدفع و بقوة في اتجاه التصعيد مع إسرائيل . إن دل ذلك على شيء إنما يدل على أن ما قيل و كتب حول حرب اليمن و تأثيراتها على حرب 67 لم يكن دقيقا .
كان العسكر يعرفون أن فرقتين لهم بعيدتين عن مسرح العمليات المقبل ، ومع ذلك فهم كانوا مقبلين لا مدبرين على المواجهة, بل ما كانوا إلا راغبين في مواجهة فعلية, و ليس مجرد حشد و استعراض ، ودليل ذلك عمليتي فهد و أسد اللتين خطط لهما المشير عامر للانطلاق يوم 27 مايو بغرض احتلال إيلات و العوجة . إذن لم تكن المسألة لهم مجرد تهويش بل رغبة في الصدام ...و الآن و ليس غدا . كان المشير يصدق أنه قادر على المواجهة و بجدارة ، في سياق سعيه لتعزيز أوراقه في صراعه المفتوح و الصامت مع عبد الناصر .
لنا أن نتصور أداء عسكريا ناجحا في سيناء وما ترتبه ذلك من تعزيز حاسم لوضع المشير حتى و لو تزاوج بارتفاع أكبر لقامة عبد الناصر . كان المشير يظن أيضا أن حربا في سيناء هي الوحيدة الكفيلة بإغلاق ملف حرب اليمن ...و بانتصار .
إذن مشى المشير واثق الخطوة في اتجاه التصعيد راميا ثقله كله لإقناع عبد الناصر.
كان المشهد يوم 21 مايو في منزل عبد الناصر : التأم عقد اللجنة العليا للاتحاد الاشتراكي ليلتها, و كان البند الوحيد على جدول الأعمال هو إغلاق / عدم إغلاق خليج العقبة . كان الحشد في سيناء قد اكتمل يوم 20 مايو ، وعاد المشير من سيناء بعد أن أقال العديد من قادة الفرق و الألوية لفشلهم في إتمام مهام الحشود على الوجه المطلوب و استبدلهم بآخرين ثبت بعدها أن جلهم لم يكن حالهم بأفضل .
بدأ عبد الناصر بالكلام محددا محور الحديث في نقطة واحدة : نغلق الخليج إذا كانت القوات المسلحة قادرة على خوض معركة دفاعية في سيناء بنجاح, ونمتنع عن إغلاقه إذا صارحتنا بعدم قدرتها في الوقت الراهن . كان رد المشير فوريا و جاهزا : نحن جاهزون.. فلنغلق الخليج . عندها تتابع الأعضاء الآخرون زكريا محي الدين ، حسين الشافعي ، أنور السادات ، علي صبري ، مؤكدين أفضلية إغلاق الخليج طالما القوات المسلحة جاهزة . كان المعترض الوحيد هو صدقي سليمان رئيس الوزراء, ومنطوقه أن أولوية خطة التنمية يجب أن ترجح في هذا الوقت ، و لذا فهو ينصح بتأجيل المواجهة مع قناعته بوجاهة المعطيات المذكورة . لماذا كان التوقيت لهذا القرار مساء 21 مايو ؟ لسببين : عودة المشير من سيناء بعد إتمام الحشد, ووصول يوثانت في اليوم التالي في جهد وساطة كان عبد الناصر يشعر أنه يكون أقوى في التعامل معها لو تمت و إغلاق الخليج قد سبقها .
كيف كان تصور عبد الناصر لشكل المعركة التي ارتفعت احتمالاتها ل 80% ؟
توقي الضربة الإسرائيلية البادئة ، ثم إدارة معركة دفاعية على الأنساق الثلاثة وصولا للمضائق و تدمير قوات الهجوم الإسرائيلي ، وإجبارها على الانسحاب, بعد أن يفتح ملف الوضع الإسرائيلي في المنطقة على مصراعيه و بما يشمله من حقوق شعب فلسطين المجسدة في قرارات الأمم المتحدة 181و 194 .
كان تصوره أن الجيش السوري- على ضعفه- كفيل بالاحتفاظ بهضبة الجولان دفاعا ، وأن إسرائيل ستتورع عن غزو الضفة الغربية و احتلالها لما يحيقه ذلك من أخطار على وجود نظامها الحليف في عمان ، وأنه حتى لو راودت إسرائيل فكرة احتلال الضفة فإن النجاح النسبي في سيناء و الثبات في الجولان سيرغمها على الانسحاب من الضفة لاحقا .
ضمن هذا التصور أمر عبد الناصر القيادة العسكرية بتعديل خطة قاهر لتكفل حماية قطاع غزة من الاجتياح ( بعد خلوه من البوليس الدولي ), و بنشر قوات من شرم الشيخ تمنع الملاحة الإسرائيلية في الخليج . ترتب على هاتين الخطوتين إعادة انتشار لقوات سيناء ، كان يحتاج لقيادة جديرة على إحكام مستوجباته.
كيف اقتنع عبد الناصر بتأكيدات المشير عامر حول جاهزية القوات المسلحة ، وهو قبلها بشهور ثلاثة وقع مرسوم تسفيره مطرودا إلى يوغسلافيا بعد انكشاف أمر زواجه السري من برلنتي عبد الحميد ( والذي أجل تنفيذه ) ؟
ذلك لأنه كان معزولا تماما عن مجريات الأوضاع الحقيقية في القوات المسلحة منذ الانفصال السوري ، ولأنه يعلم حجم التسليح الذي ابتاعه من السوفييت ، وحجم البعثات التي أوفدت إلى فرونزي للتعلم و التدريب ، وما كان يخطر في باله أن هشاشة الوضع بلغت مبلغا يفوق التصور .
أيبرر هذا له تلك الخطيئة ؟ على العكس, فالمسؤول الأول عن هزيمة 67 و بالتحديد لجهة هولها و جسامتها ( غير المبررة ) هو عبد الناصر ، والسبب الأوحد هو إبقاؤه عبد الحكيم عامر على رأس القيادة العسكرية ... مهما كانت مخاطر التغيير . مثال واحد وساطع على العزلة المشار إليها كان أنه علم من السوفييت فجر يوم 27 مايو برسالة جونسون التي تحذر مصر من المضي قدما في خطتي فهد و أسد المقرر انطلاقهما ذات اليوم , و هو كان أخر العارفين . عندها أمر المشير تلفونيا بالتوقف على الفور ، ثم دعا لاجتماع القيادة العسكرية في اليوم التالي 28 مايو ، يلزمهم فيه بتجنب أية حماقات ، و بأن ينتظروا الخطوة الأولى من إسرائيل .
أكثر من ذلك عاد إليهم في 2 يونيو, و بعد تعيين موشي دايان وزيرا للدفاع يوم 1 يونيو ، ليقول أن الضربة آتية خلال يومين أو ثلاثة ، بل الأرجح الاثنين 5 يونيو موعدا لها ، و طالبهم بالتيقظ و الاستعداد .
الخلاصة
كانت توقعات عبد الناصر في معظمها صائبة, و الاستثناء الوحيد كان رد يوثانت يوم 18 مايو . أما قراراته فكانت في معظمها خاطئة و بالأخص منها قرار 21 مايو . بالمقابل ماذا كان يمكنه أن يفعل و هو يسمع رابين يهدد بالوصول إلى دمشق يوم 11 مايو ؟ الحشد في سيناء ، و بدون سحب ( أو إعادة انتشار ) للبوليس الدولي ـ وكما فعل بنجاح في يناير 60 ـ ثم الدعوة لمؤتمر خماسي يلزم فيه السوريين بقبول تواجد عسكري عراقي ـ جزائري عندهم ، ثم مكاشفة الأمة العربية بأن البوليس الدولي و خليج العقبة مسألتان لهما وقتهما ، وهو الذي يحدده وفق المصلحة العليا, ثم إجبار السوريين على وقف العمل الفدائي, ثم تسعير العمليات السرية في الخليج و ليبيا ، ثم المضي قدما و بعد وقت قصير في إزالة .... عبد الحكيم عامر .
د. كمال خلف الطويل
ملابسات 67
د.كمال خلف الطويل 5/30/067
ملابسات 67
الآن وقد انقضت عقود أربعة على حرب 67 فان جوانب ظليلة منها ما برحت مسربلة بالغموض وملفوفة باللبس, رغم إنجلاء قسماتها الرئيسية بفعل خروج الوفير من الوثائق إلى النور عبر تلك العقود.
والحق أن وفرة المادة التاريخية مصحوبة بالصراحة في تناولها تكفل سلامة التحليل ونفاذه إلى الحقيقة, أو ما تيسر من كبدها.
من هنا يقيني بأن زيارة جديدة لملابسات 67 أضحت لازمة لا من باب توثيق التاريخ فقط, إنما والأهم من باب فهم القوى المحركة للحوادث.. وهي التي لا زالت تحركها هذه الأيام:
1 – أن حرب 67 كانت حربا غير ضرورية ولا لازمة – من منطق عربي – بل وواجبة التلافي.
في "مقدمات 67" أشرت إلى أن يوم 18 مايو كان له أن يكون ذروة الأزمة, بمعنى الإكتفاء بسحب القوات الدولية من كامل سيناء وغزة دون المضي إلى إغلاق خليج العقبة, ثم مزاوجة ذلك بجهد عراقي – جزائري – مصري يهدف إلى تدعيم أوضاع الدفاع السورية وإلى ترويض منظمات العمل الفدائي- وبالأخص فتح- لتندرج في إطار استراتيجية مواجهة شاملة ومتدرجة.
كان في مقدور عبد الناصر التوقف عند تلك النقطة والتي عندها وصل احتمال الحرب إلى 50%.
وحتى لو خضع لاستفزاز إسرائيلي متصاعد, فإن حركة سياسية واسعة يقودها على محاور عدة- منها تصعيد تهديده لعروش عربية- كانت ستؤمن تهدئة أمريكية تعود بالصراع إلى جدليته غير القتالية.
2 – أن حرب 67 كانت حربا أمريكية بالقرار ثم الدعم, وحربا إسرائيلية بالتلزيم ثم الإستفادة.
وصل جونسون إلى القرار بالحرب أواسط 66 وبدأ الإعداد لها للتو حينها.
والثابت أن درجة ولوغ إدارة جونسون بالتواطؤ المباشر, بل والإشتراك الفاعل بالحرب بلغت مبلغا يصعب على المرء تصديقه لهول ما فيه من مغامرة معطوفة على البلادة ومصحوبة بالرعونة.
تدفقت طواقم البنتاغون و "الوكالة" على إسرائيل منذ آب 66 لترسم خطة عمليات تضمن – من الألف إلى الياء – سلامة أمن إسرائيل وهي تتقدم لخوض الحرب, ثم تمضي إلى ضمان انتصارها عندما تخوضها.
شملت الخطة تزويد إسرائيل بكل وسائل الحرب الإلكترونية القادرة على الشل والتشويش, وعلى ضمان مظلة جوية حامية تنطلق من سفن الأسطول السادس ان دعت الحاجة, وعلى توفير طواقم من الطيارين والفنيين من حملة الجنسية المزدوجة.
لكن المثير واللافت أنها شملت تدمير إحدى السفن الأمريكية-ليبرتي- في محيط المعارك لتلبيس التهمة لمصر حتى تقوم القوات الجوية الأمريكية بتوجيه ضربة جوية بالأسلحة النووية التكتيكية لمطار غرب القاهرة يكفل هولها ورمزيتها وطبيعة السلاح المستخدم فيها إسقاط نظام جمال عبد الناصر)عملية سيانيد/ لبيتر هونام.( والصاعق أن جونسون حاول الضعط على "تساحال"لتعبر قواته القنال يوم 9 يونية مواصلة زحفها الى القاهرة ضمانا لخلع عبد الناصر باليد. لم يثن الرجل الا موشي ديان مقنعا اياه بخطورة فعلة كهذه. لهذا المدى وصل الأمر بجونسون ورهطه. 3 – أن الهدف الأمريكي – وبالتالي الإسرائيلي – اليتيم من حرب 67 كان تدمير جمال عبد الناصر .. نظاما وفكرة ورمزا وقوة وأملا. تلك هي المسألة باختصار شديد مع نقطة آخر السطر. هذا يعني – وبصراحة – أن حرب 67 لم تكن – بالنية والتخطيط – حرب توسع إسرائيلية, ولا قصد منها أن تتمدد إسرائيل إلا – ولضرورات الحرب فقط – إلى خط العريش – رأس محمد في سيناء – مع شرم الشيخ وغزة – ويتم بالتالي طحن الجيش المصري في صحن سيناء ما بين هذا الخط وخط الحدود عبر معركة أسلحة مشتركة تخاض بالحركة والمناورة, وتصيب من عبد الناصر مقتلا عبرإلحاق هزيمة مرة بجيشه الذي أنفق عليه مئات الملايين لسنوات عشر وجهزه- بعون صحبه السوفيات- بالغالي والثمين. قدّر جونسون ورهطه مع نظرائهم الإسرائيليين أن هزيمة في سيناء تفتح أبواب القاهرة ومن ثم المشرق والمغرب ومن بعدهما العالم الثالث بأسره. 4- وبتحديد أدق, ما كان في البال والخاطر أن يصل جيش إسرائيل إلى ضفاف قناة السويس ولا إلى نهر الأردن – عبر ضفته الغربية – ولا إلى القنيطرة. كل هذا الانجاز يندرج تحت وصف المكاسب غير المقصودة. إن هزيمة لعبد الناصر تزيله من الخريطة السياسية كانت في قراءتهم كفيلة بفرض الصلح على العرب بما يشمله من نزع سلاح الجولان والضفة, وتعظيم مصادر المياه الإسرائيلية من الأردن وروافده وطبريا, وحق الوصول الآمن إلى حائط المبكى – بل وربما انتزاعه بطريقة ما – ..وفي هذا جل المراد إن لم يكن كله. لم تكن هناك خطة إسرائيلية لا لاحتلال الضفة ولا الجولان .. أبدا. كان هناك تقدير بأنه إن جرت الأمور على ما يرام وسنحت فرصة عمليانية ما فسنستهبلها بضم حائط المبكى (وباب المغاربة الذي يقود إليه)... وإن أضحت الفرصة غواية لا تقاوم فسنمضي إلى ضم البلدة القديمة .. وهذين الأمرين – أو أحدهما- سيكونا جائزتنا إذا أنجزنا لواشنطن هدفها الأوحد: عبد الناصر. 5- أن هزيمة 67 كانت أفدح بكثير مما أمل به مخططوها, ومن ثم – وبمنطوق عربي – جاوزت بكثير ما استحقت أن تكون بمقاييس تلك الأيام. بمعنى أدق فإن إدارة شبه ناجحة لحرب 67 كانت ممكنة, و حتى بعد فقدان الغطاء الجوي صبيحة الخامس من يونيو: "تصور افتراضي لإدارة ناجحة لحرب 67". والحاصل أن ما جعل عبد الناصر يدلف من 18 مايو (سحب القوات الدولية) إلى 21 مايو (إغلاق خليج العقبة) كان تأكيد قائده العسكري عبد الحكيم عامر أن جيشه قادر على خوض معركة دفاع ناجحة في سيناء. بذات المقدار فان ما أوصل هزيمة 67 إلى درجة الفداحة التي وصلتها كان فشل عبد الحكيم عامر – ذاته – في الإعداد لمعركة دفاع ناجحة ثم في إدارتها .. فشلا مبينا. هذا الاندياح الجغرافي من مساحة تشمل قطاع غزة وثلثي سيناء, إليهما مع باقي سيناء وكامل الضفة والجولان, كان غير محسوب ولا مقصود من جانب مخططي الحرب, بل جاءهم فوق طبق من ذهب بفعل هشاشة وركاكة أحوال مجابهيهم على المقلب الآخر. 6- أتوقف هنا لفحص كيف تصرف الملك حسين تجاه الأزمة وخلال الحرب: الثابت أن بدهية ارتباط النظام الهاشمي بالولايات المتحدة وإسرائيل لا تحتاج لكثيرسجال, لكنها – وباستمرار – واجبة الحضور في تبين ودرس تصرفات هذا النظام تجاه المحيط. عرف الملك منذ البداية أن قرار قصف عبد الناصر والخلاص منه بقوة السلاح الإسرائيلي قد اتخذ. كان ذلك في خلفية قراره بشن الحرب السياسية والأمنية على منظمة التحرير الفلسطينية – أيام الشقيري –في يونيو ,66 ثم في الإنخراط بحرب ضروس ضد نظام النيو – بعث السوري وصلت لحد رعاية وإنهاض إنقلاب مضاد من داخل أحشائه في سبتمبر 66 (سليم حاطوم), سواك عن إندراجه المحموم في عملية الحلف الإسلامي متضافرا مع رفاق له "مؤمنين" أضراب فيصل وبورقيبة وبهلوي وأيوب خان والصادق المهدي و "التنظيم الدولي" للإخوان المسلمين.
أتت عملية السموع في نوفمبر 66 لتربك الملك وحساباته .. سأل وتساءل: لماذا أنا وليس راعي فتح الأول – وليس الأخير – النيو بعث السوري؟
جاءه الجواب بـ: أ – تنبيها لك لتواكلك عن أداء مهمة تأمين حدود إسرائيل الشرقية بنجاح سيما وأن زمر فتح تعبرمن سوريا الموئل الرئيس. ب – تحذيرا وإنذارا لمن يفكر داخل الأردن – بضفتيه – في التعرض المسلح لإسرائيل بوسيلة بأن الوقاية خير من العلاج. جـ - تعرية وتعييرا لعبد الناصر بالفم الملآن: نحن نضرب حيثما كان وحينما نشاء وأنت أجبن من أن تنصر من نضرب .. بما يحمله ذلك من إشارات إستفزاز غير محتمل تكفل مع الوقت رد فعل هو المراد والمبتغى.
سارع جونسون لتطمين حسين بأن الغارة لا تعني تأييدا ضمنيا لنية إسرائيلية مبيتة في ضم الضفة الغربية إليها .. وكان يعني ذلك فعلا .. فالملك برهن عن جدارة قديرة في ضبط المسرح الفلسطيني الرئيس وقفله بالضبة والمفتاح. لكن الملك وصل مع نهاية 66 إلى قناعة تسربت لديه وترسخت ثم طفت إلى السطح سلوكا ونهجا بعد زهاء نصف عام.... مؤداها أن الأمور لا تسير على ما يرام بينه وبين الشعب الفلسطيني ولا يمكن لها أن تستمر على ذات المنوال . وها وأن العلم بنية تدمير الرجل قد توفر, وأن التدبير قادم في غضون العام التالي – 67 – ,إذن فالأحرى والأجدى أن يصحب ذلك تسليمه الضفة لإسرائيل لفترة يظنها لن تطول, تقوم خلالها إسرائيل بتوضيب هذا الشعب وتطويعه وإيصاله إلى أن يستجير منها بآل هاشم قانعا ببركتهم ومعاهدا إياهم على الطاعة والولاء ومتخليا عن أوهامه بالتحرير والوحدة والمنظمة وعبد الناصر. حينها يمكن للملك أن يفعل ما قتل جده دونه, وهو عقد صلح مع إسرائيل ناجز وكامل. ليس واضحا للآن فيما إذا كان الملك قد اشرك رعاته الأمريكيين في خطوط تفكيره, لكن الأكيد هو أن هامش تحركه كان دائما على قدر من السعة يسمح له بحركة يقدرها – وفق سياق السياسة الأمريكية العام- صائبة ومتوائمة مع الظروف والإمكانيات. صحيح أنه يعرف أن ابتلاع الضفة ليس مطروحا من قبل إسرائيل – ولا سيدها – لكنه - ولظروفه وتقديراته- يريد أن يلزّمها لإسرائيل مقاولة من الباطن من دون سابق تدبير معها, اذ هو قادر على إجراء التنسيق والتدبير بعد أن يهدأ غبار المعارك وبعد أن تستبين الصورة وتنجلي. تصرف الملك منذ قراره المبدئي أواخر 66 على النحو التالي: أ – سعّر هجومه الإعلامي على عبد الناصر معيرا إياه بالجبن بأمل أن يقع في مصيدة الإستفزاز موفرا الذريعة لضربه. ب – إستدعى عبد المنعم رياض مطلع مايو 67 – أي قبل بدء الأزمة بتهديد غزو سوريا يوم 11 مايو – ليصارحه برسالة لعبد الناصر مؤداها: إحذر من النيو بعث .. هم يريدون إسقاطك عبر دفعهم إياك لنصرتهم ومن ثم ضربك من إسرائيل. هل فعل ذلك حرصا على عبد الناصر؟ بالقطع لا .. هو أراد العكس تماما .. كيف؟ كان بيقين يعلم أن عبد الناصر لا يثق به بل ويجرّمه ويتمنى له كل سوء, ومن ثم فهو بالغريزة سيفعل عكس ما أراده الناصح. ألم تزل رسالة الغفران في رمضان 61 في ذاكرته؟ ألم يتلها انفصال سوريا .. ودور الملك فيه أساسي؟. إذن كان توقع الملك أن تدفع "النصيحة" عبد الناصر إلى إهمالها بل وربما فعل عكسها. جـ - قرر الملك يوم 22 مايو- يوم إغلاق خليج العقبة – أن يفعل ما في وسعه ليعفو عبد الناصر عنه و "لينضم" إليه في حركته المواجهة لإسرائيل. بدأت المراسيل عبر عبد المنعم رياض وغيره لكي يسامحه عبد الناصر ويسمح له بالقدوم والعودة لبيت الطاعة.
تواصل رفض عبد الناصر أسبوعا بالكامل إلى أن لان واستجاب, وفي ذهنه الاستفادة العمليانية القصوى من الساحة الأردنية خصوصا واحتمال الحرب أصبح 80% بعد إغلاق الخليج. قدّر الملك أنه ان تمنع عن التعلق بثوب عبد الناصر سيتسبب في حرب أهلية وقودها الشعب الفلسطيني في مواجهة الجيش الأردني وما يحمله ذلك من حتمية ضياع العرش, أما إن انخرط في ركبه فيضحي قادرا على تبرير خسارته –الطوعية- للضفة بحجة أن مصر ذاتها هزمت – وهو المرجح لذلك حسب معلوماته – وبالتالي فلا تثريب عليه. حينها ينصرف إلى ترتيباته الجديدة مع إسرائيل برعاة الراعي الكبير. لذا لم يثبط عزيمته رفض عبد الناصر البدئي والمهين لطلباته بالحضور للقاهرة – وهي ما ألمح لها عبد الناصر في خطابه يوم 26 مايو – بل ثابر حتى نال ما رغب – ولحسابات عبد الناصر العلميانية أساسا – ووصلها في 30 مايو ليعقد مع عبد الناصر ومن ثم مع عبد الرحمن عارف وأحمد الشقيري إتفاق الدفاع المشترك الرباعي. ما الذي أراده عبد الناصر من الإتفاق؟: أ – إقامة قاعدة إنذار إرادي في عجلون تؤمن للطيران المصري مصدر معلومات مضمون تحميه من غائلة المفاجأة. ب – نقل كتائب صاعقة إلى الضفة الغربية تستطيع التحرك إلى العمق الإسرائيلي أثناء الحرب. ما كان أمام الملك إلا قبول الطلبين على ما فيهما من خطر على إسرائيل,وتحمل المخاطرة بإغضابها, بل وواشنطن. لكنه قدرأن إسرائيل قادرة على تعطيل الخطر الأول عبر تفعيل عميل لها عالي المستوى في الدفاع الجوي المصري (أطفال جدعون لغوردون توماس)...و أن كتائب الصاعقة ستكون تفصيلا في مشهد معقد تتحرك فيه كثبان الرمال بسرعة شديدة تجعله هامشي التأثير. كيف تصور الملك دوره في رسم شكل الحوادث؟ بشن هجوم رمزي في القدس – جبل المكبر – يظهره محاربا ذو بأس, فيما الأوامر لقواته عبر قادتها الموثوقين- هي بفض الإشتباك خلال يومين لا أكثر, والإنسحاب على عجل عبر الأردن. سبق ذلك قيامه بإخراج طائراته ف – 5 من الأردن حماية لها من التدمير, ولعلمه أن دخول القوات العراقية الأردن يرفع احتمال الحرب من 80% إلى 100%. صبيحة الخامس من يونيو وصل الملك طلب الحكومة الإسرائيلية منه الإمتناع عن إطلاق النار مع ضمان عدم المس به إن فعل. وحينما أعمل ما انتوى عمله لاحت أمام إسرائيل فرصة اقتناص حائط المبكى والبلدة القديمة, ثم – مع الإنسحاب الطوعي الشامل للجيش الأردني – الضفة الغربية بأسرها, فاقتنصتها غير هيابة ولا وجلة, ووفق تصور أن القدس للضم والباقي للإبتزاز واستحصال الصلح الكامل. تم ذلك في 7 يونيو علما أن صبيحة ذاك الأربعاء شهدت إخطارا إسرائيليا ثانيا طلب سحب وحدات الصاعقة المصرية من الضفة,وتأمين الوصول الآمن لحائط المبكى مع الاكتفاء بهذا القدر .. ماذا كان جواب الملك العملي؟ تريدون جزءا وأعطيكم الكل .. للإعارة والتأديب ثم الإعادة ووفق قواعد عمل جديدة مريحة لي ولكم. 7 – نأتي الآن إلى النيو- بعث السوري وموقعه من الصراع: نقطة البدء هي محاولة حسم مسألة شاعت وفاحت وتفشت وهي اتهام الكثيرين لنظام النيو – بعث بـ "بيع" الجولان.
ولما كان الجولان نفسه غير وارد في خطة الهجوم الإسرائيلية المبدئية فإن الإتهام ببيعه المسبق يصبح ضعيف البينة. و الحاصل أن الارتباك والهلع قد دبا في صفوف نظام النيو بعث ما بين 14 – 23 مايو – أي خلال فترة الحشد المصري في سيناء وما صاحبها من سحب للقوات الدولية ثم إغلاق لخليج العقبة – وحنق رموزه لأن عبد الناصر جاوز في حركته حد ما يأملونه من دعم, موصلا المنطقة إلى أزمة حادة يعلو فيها منسوب احتمال الحرب بتصاعد محموم .. وهم ليسوا جاهزين لها ولا يبغونها بل ويخشونها حتى النخاع. لنلاحظ تصرفاتهم خلال أيام الحرب: لقد لبدوا في أماكنهم قابعين ساكنين ومكتفين بإطلاق قذائف المدفعية عبر خط الهدنة دون أي إشتباك تعرضي جاد ناهيك عن هجوم... بل هم فشلوا في حماية طيرانهم من التدمير على الأرض رغم أن فترة 3 ساعات من الإنذار توفرت لهم بينما الطيران المصري يحترق بصواعق النار. وليداروا ذلك القصور غير المبرر شنوا غارة على مصفاة حيفا باءت بالفشل, ثم سكنوا إلى أنفسهم يرقبون تدهور أحوال الجيش المصري وإخلاء الضفة العربية ممنين النفس بنجاتهم من عاصفة النار المحيقة طالما قد خفضوا رؤوسهم ولسان حالهم يردد: أستر يارب.
والطريف أنهم في اليوم الثاني للحرب أرسلوا للأردن – بناء على طلب عبد المنعم رياض – لواء مشاة لدعم جبهته, فما إن وصل حتى عاد على عقبيه مضيعا المشيتين. سارت الأمور وفق مناهم لأيام أربع. وعندما صدر قرار وقف إطلاق النار مساء الخميس 8 يونيو كادوا أن يشربوا نخب النجاة.
بعدها بقليل وصلتهم من عبد الناصر برقية تحذرهم من أي نشاط عسكري ملموس حفاظا على سلامة الجيش السوري, ومطالبا-لذلك- بالإلتزام بالقرار الدولي. هذه البرقية عنت لهم أمرين: الأول والأكيد أنهم الآن في العراء وأن عبد الناصر قد خرج من المعركة وبهزيمة سافرة وبالتالي فليس لديهم مصدر أمن وأمان أمام إسرائيل بعد اليوم، والثاني وغير الأكيد أن إسرائيل قد ابتلعت سيناء وغزة والضفة.. فما الذي يوقفها دون الجولان؟
هنا دبت الحيرة وسرى القلق, وبدأ مسلسل الاحتماء بموسكو ومناشدتها التدخل, ثم توسيط فرنسا وإسبانيا والفاتيكان لكف يد إسرائيل عن المزيد مقابل ضمانات بوقف العمل الفدائي من الجولان وإحياء إتفاق الهدنة. ما الذي جرى ما بين 7 و9 يونيو في واشنطن بخصوص التمدد الإسرائيلي؟ ما نصّت عليه خطة "اصطياد الطاووس" من احتلال شمال ووسط سيناء حتى خط العريش – رأس محمد لم يعد لازما ولا منطقيا التوقف عنده, اذ أن انتصار إسرائيل الكاسح على الجبهة المصرية متمثلا في: أ – تدمير الطيران المصري يوم 5 يونيو ب – صدور قرار الإنسحاب الشامل من سيناء عصر يوم 6 يونيو عنى لواشنطن نهاية عبد الناصر... لذا فمكافأة إسرائيل على هذا الإنجاز المهول وبهذه السرعة القياسية, ورفع درجتها من أداة تنفيذية إلى شريك إقليمي صغير, واجبة والآن. من هنا الضوء الأصفر لتل أبيب بالإنطلاق في كل الإتجاهات. سبب اضافي لهذا السماح هو تعظيم أوراق الإبتزاز والإخضاع للرسمية العربية عندما تحين لحظة التفاوض عقب وقف المعارك. والحق أن إدارة المعركة الدفاعية على المقلب السوري ما كان لها أن تكون أفضل مما جرت عليه, والقائمون عليها ضباط أصاغر سياسيين لا خبرة لهم لا بأمور الحرب ولا حتى بأمور السلام, وصلوا إلى السلطة بعد أن أفرغوا الجيش من مئات عديدة من الضباط من شتى الرتب, والذين خضع العديد منهم لدورات متقدمة في أكاديمية فرونزي السوفياتية, بل ونال بعضهم دورات مؤهلة في دول أوروبية عدة. وليس صحيحا أن دفاعات الجولان وطوبوغرافيته كانتا كفيلتان بتأمينه من خطر الخرق و الاجتياح فتلك مقولة لا تصمد أمام علم الحرب, لكن الأكيد بالمقابل أن التهاوي المريع الذي حدث صبيحة السبت 10 حزيران كان بفعل هواة وقعوا في مطب هو في جزء كبير منه من صنع أيديهم ولم يحسنوا تدبر الخروج منه بأقل الخسائر. قضوا يوم الجمعة 9 يونيو يحثون السوفيات على إنجادهم وهم في وحشتهم تجاه قوة إسرائيل المنفردة بهم. صعقوا لما سمعوا بعبد الناصر يستقيل. دبّ فيهم الذعر وقلّت الحيلة فظنوا أن فطنتهم قد توفر عليهم المزيد من الانحسار بل والسقوط. لذا اجتهد بعضهم صبيحة السبت فطلعوا بفكرة أن الإنسحاب من الجولان سيوفر دمشق, وها قد انسحب المصريون من سيناء والأردنيون من الضفة... إذن لا غضاضة. إن كان من سمة لأداء العسكرية العربية في حرب 67 فهو الإرتجال المميت. حتى الإنسحاب لم يجيدوه. عبد الحكيم عامر يأمر في الثالث من عصر الثلاثاء 7 يونيو بالإنسحاب الشامل خلال 24 ساعة إلى غرب القنال, ثم يأمر حافظ أسد فجر السبت 10 يونيو بالإنسحاب الفوري والشامل إلى سعسع وحتى قبل وصول قوات الهجوم الإسرائيلية إلى القنيطرة عاصمة الجولان ... هذا سواك عن حسين يأمر بالإنسحاب الشامل من الضفة قبل بدء المعارك.
يلخص أداء الجبهتين السورية والأردنية أن مجموع شهداء "معارك" الأولى هو قرابة 160 شهيد, بينما لم يصل عدد شهداء الثانية إلى 20 شهيد. في المقابل فبفضل عبد الحكيم عامر بلغ عدد شهداء الجبهة المصرية عشرة آلاف شهيد ناهيك عن خمسة آلاف أسير. واللافت أن رجالات النيو – بعث تبادلوا التهم حول ارتباط هذا أو ذاك منهم بمخابرات أجنبية هذا فضلا عن اتهامات رماها سامي الجندي (عرب ويهود) وخالد الحسن (عرفات: إرهابي أم صانع سلام لآلن هارت) وخليل بريز (سقوط الجولان) بحق النظام, شملت عقد صفقة بيع مسبقة. نسب الأستاذ هيكل في ربيع 2001 إلى حافظ أسد إتهامه أعضاء في اللجنة العسكرية للبعث بالإرتباط بالمخابرات البريطانية. قبلها اتهم عبد الكريم الجندي عضو اللجنة في وصيته حافظ أسد بالإرتباط بدوائر أجنبية, بل وأشاع رفاقه قصة اجتماع أسد في مايو 65 – وهو قائد لسلاح الجو وعضو في القيادة القومية – بجورج تومبسون وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية في لندن عند زيارته "الطبية" لها حينها. الراجح عندي أن كل هذه الاتهامات تندرج تحت باب الكيد السياسي والمبالغة في استخدام كل أسلحة التشهير في إطار الخصومة السياسية, فلا إتهام أسد منطقي ولا إتهامه اياهم واقعي. لاهم باعوا ولا اشتروا.. ونوادر الجندي والحسن لا تصمد أمام حقائق التاريخ الوثائقية .. والقصة كلها أن نتيجة القصور فاقت ما تتسبب به خيانة. 8 – هناك أيضا العامل الفلسطيني وبالتحديد فتح: الثابت أن انقسام لجنة فتح المركزية عام 64 حول مسألة الولوج الفوري بالعمل المسلح أو تأجيله لظروف أكثر مناسبة حسمت لصالح الجناح المستعجل والذي على رأسه عبد الرحمن القدوة وخليل الوزير. نال ذلك استحسان نظام البعث الراعي لفتح, بما حمله ذلك من إحراج مزدوج لعبد الناصر تنامى طيلة عامي 65 و 66 إلى أن أضحى صاعق تفجير أحسنت إسرائيل الإستفادة منه لتبريرضربتها- الامريكية التكليف– عام 67. واللافت أن مستعجلي فتح كانوا يرددون علنا رغبتهم في توريط عبد الناصر. عندما اضطروا لتفسير ذلك بعد الهزيمة قالوا لقد كنا نظن الرجل قادرا على خوض حرب ناجحة لكنه متخاذل وجبان وكل ما علينا كهو تحفيزه على الإقدام والنهوض. أمامنا هنا نموذج من "قادة" هم أقرب إلى الهواة المبتدئين منهم إلى "ثوار" يحسنون حسابات الحرب والسلام, وقياسات الرغبة والقدرة, ومواءمات التقدم والسكون. أشار كثير من المتشككين إلى حقيقة أن فتح نشأت في الكويت أي تحت أعين المخابرات البريطانية وبالتالي فهم –بشكل أم بآخر – مرتبطون بها مثل حبل الوريد. والحق أن ذلك غير أمين. سكتت عنهم تلك المخابرات لا لحبها لما ينتوون عمله .. أبدا, وإنما لأنهم –بنواتهم الإخوانية الكبيرة – خصوم طبيعيون لعدوها الأكبر والألد .. عبد الناصر. كان توقيتهم قصير النظر ومبتسر. لقد تصرفوا كلاعبين بالبيضة والحجر فتلاعب بهم الآخرون واستعمل مخططوا الحرب ذريعتهم أفضل استعمال. 9 – لا مندوحة في سياق "الملابسات" من تناول العامل السوفياتي لشدة ما علق به من لبس وما اكتنفه من غموض: بداية فهم – وبحسابات القوة وتوازناتها – راعوا دوما أن الشرق الأوسط منطقة مصالح غربية .. ولكن ليس بانفراد أو تفرد. هي لهم أيضا منطقة مصالح مهمة يريدون تثميرها والحفاظ عليها بمآقيهم. بعد 63 آمنت موسكو بحتمية اعترافها بقيادة جمال عبد الناصر في محيطه الإقليمي, خصوصا وأنه من فتح أبواب لها أبواب أفريقيا على مصراعيها,ناهيك عن العالم العربي ذاته. وعندما وصل للسلطة في دمشق نظام قريب اليها –النيوبعث-أرادت موسكو من عبد الناصر حمايته و عقلنته في ان,وهذا ماصارحه به كوسيجن عندما زاره في القاهرة في مايو 66 , وتجلى في ضغطها للوصول الى اتفاق دفاع مشترك بين البلدين في نوفمبر من نفس العام. وعندما قدمت موسكو المعلومات يوم 13 مايو -عبر زائرها أنور السادات-لعبد الناصر بأن إسرائيل توشك –في غضون أيام أربع – على شن هجوم شامل على سوريا بقوة 17 لواء,كانت مخلصة في نواياها, وفي ذهنها أن يكرر عبد الناصر في مايو 67 ما فعله في يناير 60 إزاء تهديد مماثل حينها لاأكثرولاأقل. والطريف أن كثيرا من المصادرجزمت بعدم وجود حشد كهذا خلال الايام التالية,لكن الأكيد أيضا أن المعلومات تحدثت عن نية وعن موعد تقريبي أما الفتح التعبوي لا يحتاج مدة طويلة لإنجازه. ورغم أن مصادر المعلومات الأساسية شملت – بين عديدها – شاه إيران- وبقصد نصب فخ -إلا أن تصريحات ليفي أشكول في 11 مايو وإسحق رابين في 12 مايو لا تقول إلا بما أشارت إليه تلك المعلومات بحذافيرها أي القرار بالوصول إلى دمشق وتغيير نظامها وإيقاف عمليات فتح. يحسن الإنتباه بعد ذلك إلى أن عبد الناصر لم يستشر موسكو حول طبيعة الخطوات التي اتخذها عبر مايو بل اكتفى بالإبلاغ .. العلني. هم نصحوه بعد إغلاق خليج العقبة بالتهدئة والنزول عن السلم, أي أنهم لم يرغبوا بحرب تجعل عبد الناصر أكثر احتياجا لهم .. كما ردد كثيرون. والثابت أن هزيمة عبد الناصر كانت هزيمة لهم, وهو بالضبط ما شعروا به فسارعوا للمساعدة في بناء قدرة إزالة آثارها. الملحوظة الوحيدة على تصرف الثلاثي الحاكم في موسكو حينها هي خشيته من نصب جسر استعواض جوي منذ الثلاثاء 6 يونيو – قياسا بما فعل طيلة أيام حرب أكتوبر. سبب ذلك في قراءتي هو عدم توقعه – الثلاثي – أن تعني خسارة الطيران خسارة الحرب, لعلمهم أن القدرة على الإنسحاب المنظم مع الإشتباك بالنيران كفيلين بتحديد الخسارة وإتاحة المجال أمام إعادة تنظيم لاحقة. ما توقعوه هو بالضبط ما كان ممكنا ومنطقيا وعلميا أن يحدث .. لا ما حدث فعلا.
سبب آخر – ربما – هو رغبتهم في عدم التعجل بالتصعيد توقيا من تصعيد أمريكي مناظر. لنتذكر أن صدام 67 جرى في خضم إذاقة موسكو لواشنطن علقم فيتنام. 10 – لا تكتمل الصورة إلا بإيلاء موضوع حرب اليمن نصيبه من القصة: والحال أن مبالغات جسيمة في وصف تأثير هذه الحرب على الأداء المصري في حرب 67 تناسلت حينا بعد آخر, فيما فحص جاد لهذه المقولة يسمها على الفور بالخطل. كان لمصر في مايو 67 ثمانية ألوية في اليمن.. فيما كان في سيناء 27 لواء عشية إغلاق خليج العقبة. ثم أن ثلاثة من ألوية اليمن الثمانية تم سحبها من اليمن إلى سيناء خلال فترة الأزمة – قبيل الحرب –, هذا فضلا عن أن كل القوات الجوية والبحرية كانت في مصر عشية الحرب.
ليست اليمن سببا في القصور لكن القصور في اليمن وقبلها في سوريا وبعدها في الحرب كان بفضل قيادة عبد الحكيم عامر. 11 – ومع اليمن نصل إلى الدور السعودي في قصة 67: ما إن خلع سعود عن العرش في نوفمبر 64 إلا وكانت طلقة الاستعداد لتشكيل محور مجابهة عبد الناصر في المنطقة برعاية واشنطن قد أطلقت. والحاصل أن فيصل – الملك الجديد والوثيق الصلة بها – بدأ ترتيباته مع خريف 65 تحت عنوان الحلف الإسلامي, والذي ضم إلى جانبه حسين الأردن وبهلوي إيران وخان باكستان وبورقيبة تونس إضافة لحزب الأمة السوداني وتنظيم الإخوان الدولي. شمل نشاط الملك الجديد تعظيم دعم نظامه لملكيي اليمن لدرجة أن يأذن بترتيبات سرية مع إسرائيل – عقدها عدنان خاشقجي ودافيد كيمشي أواخر 64 في باريس – تشمل تموين طائرات النقل الإسرائيلية العسكرية لمواقع الملكيين داخل الشمال اليمني بالذخيرة والعتاد, وكذلك بتنسيق عملية تحشيد المرتزقة الأوروبيين بالألوف لخوض حرب استنزاف للجيش المصري في اليمن جنبا إلى جنب مع الملكيين, ثم به يقوم بالتنسيق مع المحتل البريطاني في الجنوب اليمني لذات الغرض. صعد فيصل عام 65 عتبة تمويل وتسليح متشددي إخوان مصر – عبر الساحة السودانية – للقيام باغتيال عبد الناصر. والشاهد أن فشل الحلف والاستنزاف ومحاولة الإغتيال في إضعاف عبد الناصر والذي انطلق – على العكس – في عملية هجوم مضاد صاخبة شملت الإعلام والعمل الخفي معا – بما في ذلك الساحة السعودية ذاتها بالنسبة للأخير –أوصل فيصل لقناعة مؤداها أن على الولايات المتحدة بذل جهد حاسم لصيد الرجل يجاوز في مداه الضغط الإقتصادي والتآمر الإستخباراتي والتعرض الإعلامي ويفيض عن أذى حرب الإستنزاف في اليمن ... وحتى لو كانت الأداة في الوصول لذاك المبتغى هي ضربة عسكرية قاضية تنفذها إسرائيل. ولعل مراجعة محاضر اللقاءات بين فيصل والسفير الأمريكي في بلاده وبين الأول وجونسون أثناء زيارته له في يونيو 66 تشي إلى أي مدى وصل فيصل في تحريض جونسون على التحرك لحسم قصة عبد الناصر... مرة وللأبد. 12 – ورغم إئتلاف الثالوث- المؤسسة الأمريكية الحاكمة وإسرائيل والرجعية العربية- على هدف تحطيم عبد الناصر إلا أن التوقيت كان عليه أن ينتظر حتى تنجز إسرائيل بناء قدرتها النووية .. وهو ما بلغته مع نهاية 66 بالتواقت مع صدور الأمر لها بالتأهب لشن عملية "إصطياد الطاووس" في زهاء عام. لماذا كل هذا الحذر؟
لسبب أساسي وهو أنه رغم قناعة البنتاغون ولانغلي بتفوق إسرائيل النوعي – بل والكمي – على مصر, خصوصا بعد جرعات الدعم الأخيـرة -والتي بدأت منذ ربيع 65 وقاربت درجة الإنخراط المباشر في ربيع 67-.. فإن الراعي الأمريكي وأداته الإسرائيلية كانا يعلمان جيدا أن إدارة مصرية ناجحة لمعركة دفاعية كفيلة بتقليص مسافة التفوق ذاك بل وربما جعله محدود التأثير الميداني بل ومحو إسقاطه السياسي المراد.
وإذا انضافت على ذلك متغيرات غير مرئية سلفا – من صوب الشمال السوري و/أو الشرق الأردني, إذن لتحولت الحكاية من هزيمة متوقعة إلى احتمال رجحان عربي يتوجب إجهاضه وإبطال مفاعيله... ومن هنا السلاح النووي. نفس هذا السلاح كان السبب المكتوم الرئيسي – وليس الوحيد – في تغيير عبد الناصر وجهته من تأجيل لأية مواجهة مع إسرائيل إلى حدود عام 70 إلى قبول المخاطرة باحتمالها في 67. من يقرأ تصريحه في فبراير 66 حول حتمية شن حرب وقائية على إسرائيل إن تأكد من حيازتها على السلاح النووي يستطيع أن يستنتج أن هذا الهاجس صاحبه بتنام مضطرد إلى أن أحس من لهجة التهديد الإسرائيلي 11 – 12 مايو 67 أن منسوبها لابد يعكس إتكالها على سلاح رادع غير معلن. بالمقابل فمن يستذكر أسابيع الأزمة الثلاث: 14 مايو – 4 يونيو لا بد يدرك مدى التوتر والقلق, بل والعصبية التي لازمت قادة إسرائيل رغم ثقتهم بقوتهم وبراعيهم .. لدرجة أن الذعر دبّ في صفوفهم يوم 17مايو حين قامت طائرات استطلاع مصرية بالتحليق فوق مفاعل ديمونة, ولحد أن رئيس أركانهم رابين سقط مغشيا عليه بعد يوم من إغلاق خليج العقبة – 23 مايو – مصابا بانهيار عصبي لم يبرأ منه إلا بعد أيام .. بل ولعتبة أن يذهب القادة العسكريين بعد أسبوع لينذروا رئيس حكومتهم بتوقيع قرار الحرب وإلا فسيقومون بانقلاب عسكري يذهب بالبلاد لخوضها بينما يرسلونه لمنزله.
من هنا أقول أنه, وحتى بافتراض انعدام امكانية تلافي الهزيمة في 67, إلا أن حجمها ومداها وفداحتها ما كان لها بحال من الأحوال أن تصل للدرك الذي وصلته لو توفرت على إدارة المعركة قيادة تخوضها وفق قواعد علم الحرب.... لا أكثر ولا أقل. وبأي مقياس فإن الهزيمة – على شدتها غير المبررة – ليست نهاية تاريخ, ولا يجوز التحدث عنها وكأنها لا زالت معنا صباح مساء.
ما على المرء إلا أن يراجع "سنوات كيسنجر في البيض الأبيض" ليدرك كم كان عامي 69 – 70 من أمّر السنوات على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط... لماذا؟
لأن إرادة مقاومة سياسية أمسكت بأعنة الموقف فيه, فأشعلت طوق نار حول إسرائيل وصل بها إلى أن أصبحت تنزف دما يوما بعد يوم بما يفوق قدرتها على الاحتمال, وبما أفسح الطريق أمام جولة ثانية ترد آثار67 ,وتأخذ المنطقة إلى موازين قوى جديدة تحسر التمدد الإسرائيلي, وتبطل مفعول التمادي الأمريكي, وتفسح الدرب لنظام عربي جديد ذي مرجعية مركزية ناظمة – يعود ليضحي واحدا من خمس صناع للقرار العالمي: ماوتسي تونغ, وديغول, ورئيس الولايات المتحدة, وسكرتير عام الحزب الشيوعي السوفياتي, و ... جمال عبد الناصر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الجزء الثاني
3 يناير 2004 (تصور افتراضي حول إدارة ناجحة لأزمة 67)
ينطلق هذا التصور من التعامل مع تطورات أزمة 67 كما وقعت, مع استدخال وقائع افتراضية على سلّم هذه التطورات في محاولة لاستبيان هل كان ممكنا إدراكها بنجاح – كما كان يأمل صناع القرار حينها – فيما لو حدثت هذه الوقائع.
بادئ ذي بدء فخلفية هذه الورقة هي ورقة سابقة كتبت بتاريخ 23 أيار/ مايو 2000 عنوانها "مقدمات 67". ومن هنا تنطلق هذه الورقة من حتمية أن أزمة 67 واقعة.
في 13 أيار/ مايوعقد عبد الناصر اجتماعا مطولا مع المشير عامر لبحث معلومات سوفيتية حول حشود بقوة 3 فرق على الحدود السورية وبهدف غزو الجولان السوري يوم 17 مايو/أيار.
اتفق الاثنان على رفع حالة التأهب القصوى في القوات المسلحة ونقل ما يقرب من 5 فرق – بينها فرقة مدرعة وفرقتان آليتان – إلى سيناء لتنضم للفرقة الثانية مشاة المرابطة هناك, وطلب إعادة انتشار قوات الطوارئ الدولية بتجميعها في غزة وسحبها من خط رفح – إيلات, مع إبقائها في شرم الشيخ, وأخيرا إيفاد رئيس أركان الحرب الفريق أول محمد فوزي إلى دمشق لفحص المعلومات السوفيتية ميدانيا وللتنسيق مع السوريين في حالة نشوب عمليات عسكرية.
كان تقدير عبد الناصر لاحتمال الحرب بعد تطبيق هذه القرارات هو 20 بالمائة.
إلى الآن كل شيء سليم.
• الخطأ في التطبيق هو "علنية" نقل القوات في مظاهرة صاخبة عبر شوارع القاهرة. الأجدى كان سرية وتدرج نقل القوات كما حدث في كانون الثاني/يناير 60 عندما انتقلت 3 فرق لسيناء نصرة لجيش الإقليم السوري الأول دون أن يكشف بن غوريون ذلك إلا بعد حدوثه.
فائدة ذلك هو تخفيف الاحتقان وتوفير القدرة على النزول من السلم إن دعا الأمر.
عندما قدم الطلب إلى يوثانت بسحب القوات الدولية من خط رفح-إيلات قوبل بالرفض وبتخيير مصر بين الانسحاب الكامل أو إبقاء الحال على ما عليه. قرر عبد الناصر سحب القوات الدولية بالكامل وهذا صحيح وتم ذلك في 18 أيار/مايو. يومها رفع عبد الناصر احتمال الحرب إلى 50 بالمائة. • عند ذلك المفصل كان على عبد الناصر أن يلتقط أنفاسه ويعيد حساباته. وتحت أي طائل كان عليه أن يتورع عن المضي قدما في خطوة إغلاق خليج العقبة لأنها باختصار تعني حتمية الحرب. صحيح أن توقفه في المنتصف سيوفر الحجة للرجعية العربية في القول إنه جبن وتردد وأن مصداقيته لا يبرهن عليها إلا إغلاق الخليج. لكن مضار حملة إعلامية كهذه تقصر عن الوصول لحافة الهاوية وما تعنيه من حتمية حرب لم يتم الاستعداد لها تماما. • البديل لمزيد من التصعيد كان الدعوة لمؤتمر قمة مصغر يضم مصر وسوريا والعراق والجزائر يطرح فيه عبد الناصر برنامجا للاستعداد للخطوات التالية في الوقت المناسب. ضمن البرنامج نقل فرقتين عراقيتين لجنوب سوريا مع قاعدة جوية تكون قادرة على إسناد الجبهة السورية في حالة الحرب وعلى دخول الأردن وفتحه كجبهة ثالثة أيضا... أيضا نقل قرابة فرقة جزائرية مع بعض الأسراب إلى الجبهة السورية لنفس الهدف... أيضا إعارة الطيارين الناصريين المسرحين في كل من سوريا والعراق للخدمة في القوات الجوية المصرية... أيضا الاستعداد لإطلاق وحدات جيش التحرير الفلسطيني (حطين في سوريا وعين جالوت في غزة مع نقل القادسية من العراق لسورية) في عمليات فدائية من الجولان وغزة وفق التخطيط العسكري للجبهتين... أيضا تفعيل القيادة العربية الموحدة لتشرف على المسرح الميداني للجبهتين المصرية والسورية (علي عامر وعبد المنعم رياض). • في ذات الوقت كان على عبد الناصر مخاطبة الأمة بصراحته المعهودة شارحا طبيعة التحدي وأسلوبه لمواجهته بحزم وتعقل في آن, وأن أي تصعيد لا يكون وفق مصلحة الأمة في التوقيت المناسب يصب في قناة أعدائها, فاضحا مزايدات الرجعية العربية ومستنهضا شعوب الجزيرة والخليج وليبيا وإيران والأردن للثورة على حكامها مركزا على موضوع القواعد الأجنبية في هذه البلدان وعلى توريد البترول الإيراني لإسرائيل. • كان على عبد الناصر تخفيض التوتر في المنطقة بعد مضي أسابيع قليلة, بحيث تسحب القوات المحتشدة في سيناء تدريجيا وصولاً الى احتفالات عيد الثورة في 23 تموز/يوليو, مع إبقاء الفرقة الثانية مشاة – كما المعتاد – في سيناء وتضاف إليها فرقة ثانية تبقى في قطاع غزة – في تعديل على خطة قاهر للدفاع عن سيناء – لحمايته خصوصا مع البدء في عمليات فدائية تعرضية منه. • بالمقابل كان عبد الناصر قد سحب 2-3 لواء من اليمن من أصل مجموع 8 ألوية متواجدة هناك ولأغراض الاحتشاد لاحقا في سيناء مع تصعيد موقوت. • كان على عبد الناصر فتح معركة سياسية في الأمم المتحدة لمناقشة ملف قراراتها الخاصة بالقضية الفلسطينية والأخص قراري 181 للتقسيم و194 للعودة, ودعوة الجمعية العامة لدورة استثنائية لمناقشة تطبيق القرارين. • مع اكتمال حشد القوات في سيناء يوم 20 أيار/مايو وضح أن كفاءة بعض القيادات الميدانية كانت تحت الوسط, وبالتالي فالحجة عند عبد الناصر أمام المشير قاطعة بأن التغيير واجب, و من ثم التهيؤ لتصعيد آت وفق توقيت مناسب.
على سبيل المثال كان عدد الطيارين لا يزيد عن 200 طيار .. كانت القواعد الجوية خالية من الدشم .. كان خط الدفاع الثاني (الحسنة – لحفن) غير مهيء هندسيا (مقابل التجهيز الهندسي لخط الدفاع الأول نخل - الشيخ زويد ومقابل التجهيز الطبيعي لخط المضائق) .. كان هناك تضارب بين قيادة الجيش الميداني وقيادة الجبهة .. كان نظام الاحتياط متهالكاً, ومعه كانت متقادمة أنماط قيادات الطيران والبحرية. إذن هي فرصة لإعادة تنظيم القيادة العسكرية, بحيث توحد قيادتي الجبهة والجيش الميداني, وتستبدل قيادات الفرق والألوية الرديئة بقيادات كفؤة, وتبنى التجهيزات الهندسية لخط الدفاع الثاني ولدشم المطارات, وتجري عملية تكثيف وتوسيع صفوف طلبة الكلية الجوية, ويبنى نظام احتياط جديد يشمل تجنيد حملة المؤهلات... حتى وإن اقتضت كل هذه الخطوات الإبقاء مؤقتا على المشير في منصب نائب القائد الأعلى.
• كانت تلك فرصة يضغط فيها عبد الناصر على نظام النيو – بعث في دمشق لإشراك القوى الوحدوية في الحكم, ولوقف نشاطات حركة فتح وغيرها من سوريا. • كانت واجبة عند هذه المحطة عملية تقييم جادة لإمكانيات مفاعل انشاص النووي وتطويره لتقصير فترة الانتظار قبل الحصول على مقدرة تصنيع الرؤوس النووية, متزاوجة مع تسريع صناعة أجهزة توجيه صواريخ أرض-أرض. • كان منطقيا تحويل منظمة التحرير الفلسطينية إلى كيان ذي سيادة على قطعة من أرض فلسطين, عبر إنشاء جمهورية فلسطين العربية في قطاع غزة لتكون منطلقا لعملية التحرير المستقبلية. يترافق ذلك مع سحب الاعتراف "الواقعي" بضم الضفة الغربية للأردن واعتبارها جزءا من الدولة الفلسطينية وطلب اعترافات دولية بهذه الدولة من معسكر عدم الانحياز, وقبل الكل من سوريا والعراق والجزائر واليمن. • في ضوء ذلك كله كان يتوجب الابتعاد عن حافة الهاوية لعامين مقبلين على الأقل ..تتم خلالهما الخطة الخمسية الثانية للتنمية ..ومعها مشاريع التطوير الذري والصاروخي وزيادة عدد الطيارين وباقي متعلقات التطوير العسكري. من هنا, فربما كان مفصل 69/70 هو الملائم لإغلاق خليج العقبة, وقبول المخاطرة المحسوبة بحرب مع إسرائيل تهدف إلى فرص تطبيق قرار 181 وإحقاق حق العودة , على أن تسبق الإغلاق عملية تسخين فدائية تستمر شهورا وتكفل توفير افتتاحية المواجهة التالية.
(تصور افتراضي حول إدارة ناجحة "لحرب" 67)
ينطلق هذا التصور من التعامل مع وقائع حرب 67 كما جرت, مع استدخال وقائع افتراضية على سلم هذه المجريات في محاولة لاستبيان هل كان ممكنا إدارتها بنجاح – كما كان يأمل صناع القرار حينها – فيما لو حدثت هذه الوقائع.
نقطة البداية هي إطاعة تحذير عبد الناصر مساء الجمعة 2 حزيران/يونيو بأن ضربة جوية إسرائيلية شاملة على الأبواب ولن تتأخر عن الاثنين 5 حزيران/يونيو.
تنفيذ التحذير عملياتيا يعني نقل القاذفات الثقيلة توبوليف-16 والقاذفات الخفيفة اليوشن-28 لمطارات السودان لإبعادها عن مدى الطيران الإسرائيلي مع سحب كل المقاتلات والقاذفات من مطارات سيناء الأربعة وتوزيعها على مطارات الصعيد مع إطلاق مظلة جوية فوق الداخل تتوزع على اتجاهات ثلاث (الشرق والشمال والشمال الغربي) وتتركز حول فترتي الفجر/الصباح والغروب/المساء.
لو تم ذلك لحدث واحد من أمرين: إما أن تصرف إسرائيل النظر عن ضربتها الجوية وتفكر ببدائل تستجلب الطيران المصري إلى معركة جوية طاحنة تسفر عن هزيمته (مثل شن هجوم جوي شامل على الأردن و/أو سوريا أو بدء العمليات البرية في سيناء أولا), أو تشن الضربة, على أية حال, مع استهداف الطيران المصري في الجو وليس على الأرض.
في كلا الحالتين فإن الهزيمة الجوية المصرية واقعة, وبخسائر كبيرة في الطيارين, لكن خسائر الطيران الإسرائيلي ستكون ملحوظة أيضا, ولن تتمكن حينها من السيادة الجوية, بل في أقصى الأحوال من التفوق الجوي (درجة أقل من السيطرة). الآن: الإفتراض التالي هو بعد التسليم بنجاح الضربة الجوية الإسرائيلية على الطيران المصري وأيضا على الأرض كما حدث فعلا.
يمكن القول إن ذلك متغير هام ولكنه بكل المقاييس غير حاسم. كانت إدارة رصينة للمعارك كفيلة بامتصاص مفعول السيادة الجوية والاشتباك مع المهاجم في معركة تعرضية تجمع ما بين الصمود على خط الدفاع الأول – المحصن هندسيا – والمناورة بالقوات على مراحل, وفق تصور أن خط المضائق هو خط الدفاع الأخير. بداية فإن توزع قوات سيناء عشية الحرب كان شديد السوء. الفرقة السابعة مشاة المسؤولة عن المحور الشمالي خرجت شمالا عن نطاقها المحصن في الشيخ زويد (شمال العريش) لترابط ما بينه وبين رفح في سعي لتأمين دفاع عن جنوب القطاع يمنع عزله عن سيناء. والثابت أن الهدف السياسي من وراء هذه الرغبة معقول بل وواجب, لكن تكليفات القوات المناط بها هذا الواجب جاوزت قدرتها على الأداء مما انتهى بالفرقة السابعة إلى أن تصبح سهلة الإختراق من القلب ومن الأجناب معا وهي نتيجة أودت بالفرقة إلى أن تصبح يسيرة المنال رغم قتالها الدفاعي المشهود طيلة اليوم الأول من الحرب وقبل أن يستشهد قائدها اللواء عبد العزيز سليمان وينفتح الباب على مصراعيه إلى العريش كبرى حواضر سيناء. أما الفرقة الثانية مشاة والمسؤولة عن المحور الأوسط, فكانت قد خرجت أيضا عن نطاق خطها المحصن هندسيا في أبو عجيلة إلى القسيمة تحت تأثير المراد من خطوات الحشد الأولي في الاقتراب من خط الحدود لجذب الجهد الإسرائيلي من الشمال السوري إلى الجنوب المصري. كان قائد الفرقة هو اللواء محمد كامل, والذي لم يكن على مستوى هذه القيادة. أما الفرقة السادسة الآلية والمسؤولة عن المحور الجنوبي, فهي لم تتمدد فقط من خطها المحصن هندسيا في نخل بل جاوزت تمد شمالا إلى الكونتيلا (القريبة من الحدود) وتحت نفس تأثير التوزع القديم. وليكتمل المشهد الأليم فلقد أضاف المشير عامر أواخر أيار/مايو قوة خاصة مؤلفة من لواء مجحفل (لواء مظلات ناقص مع كتائب مدرعة ومدفعية وملحقات) إلى المحور الجنوبي قادها اللواء المظلي سعد الشاذلي ورابطت على بعد 20 كم غرب الكونتيلا. ذهب ذهن المشير تلك الأيام بعيدا نحو اليقين بأن محور الهجوم الرئيسي سيكون من الجنوب مما يمكن القوات الإسرائيلية من تطويق المحورين الأوسط والشمالي من ذلك الاتجاه. خط الدفاع الثاني (غير المجهز هندسيا) والممتد من بير حسنة جنوبا إلى بير لحفن شمالا كانت ترابط عليه الفرقة الثالثة الآلية معززة على جانبها الأيسر بلواء مدرع مستقل. تولى قيادة الفرقة ضابط سياسي من أنصار المشير هو اللواء عثمان نصار والذي لم يكن مشهودا له بالكفاءة. أما خط الدفاع الثالث فكان السفح الشرقي لمضائق سيناء الثلاث (متلا جنوبا وجفجافة في الوسط ورمانة في الشمال) ورابطت عليه الفرقة الرابعة المدرعة, وهي جوهرة العسكرية المصرية تاريخيا. أما قائدها فكان اللواء صدقي الغول وهو أيضا ممن لم يكونوا الأكثر كفاءة. والمعلوم أن خط المضائق محصن بشكل طبيعي ويمكن الثبات عنده, إن توفرت القوات وتوفرت لها قيادة حسنة. تبقى شرم الشيخ, وهي لم تكن في الأساس ضمن حسابات خطة قاهر الدفاعية (التي أقرت في كانون الأول/ديسمبر 66), لكن تطورات أزمة 67 أملت إرسال العديد من الكتائب (مظلات ومشاة ومدفعية) إليها إضافة للواء مشاة في الطور. أما قطاع غزة فكان مكان مرابطة لواء عين جالوت الفلسطيني معززا ببعض الوحدات المصرية والعراقية الصغيرة. ما الذي كان ممكنا فعله يوم 5 حزيران/يونيو لما يكفل تلافي هزيمة مذلة بل والثبات في معركة دفاعية معقولة النجاح؟ 1 - أن يتولى جمال عبد الناصر بنفسه مقاليد القيادة العسكرية العليا, بما يشمله ذلك من الانتقال شبه الدائم والإقامة في مركز العمليات. المعلوم أن عبد الناصر ذهب للمركز في الصباح بعد سماعه لأصوات الغارات الجوية على مطارات القاهرة والتقى فيه بعبد الحكيم عامر بعد عودته الكسيرة من رحلة الرعب في السماء قاصدا سيناء وعائدا من سماء القنال إلى مطار القاهرة المدني ليستقل تاكسي أجرة إلى المركز. (بالمناسبة فالراجح عندي أن إسرائيل تعمدت عدم قتل المشير بإسقاط طائرته ذلك الصباح لأنها أرادته أن يعود, لمعرفتها بقلة درايته وكفاءته, عكسما كان الحال يوم 28 تشرين الأول/أكتوبر 56 عندما أرادت اصطياده في السماء وهو عائد من دمشق عشية العدوان الثلاثي لكنها فشلت ونجحت في اصطياد طائرة مرافقيه عوضا عنه). يمكن هنا تفهم أن يعطي عبد الناصر فرصة لعامر ليقود خصوصا وأن أخبار إسقاط الطائرات الإسرائيلية الغزير كانت تتلاحق قبل أن يتبين كذب معظمها. لكن الأكيد أن هذه الفرصة ما كان ينبغي لها أن تزيد عن ساعات قلائل لا تتعدى عصر ذلك اليوم, وحتى يتم تجميع بيانات الخسائر الحقيقية للطرفين.
وقد يقول قائل إن عبد الناصر كان ضعيف التأثير في القوات المسلحة, لكن موقف الحرب هو بحد ذاته عامل كاف لبسط التأثير بالزخم كله, فالمنطقة كلها ومصيرها في الميزان, وليست مبررة بحال من الأحوال حالة الاعتصام في مكتب المنزل التي مارسها عبد الناصر طيلة ما تبقى من يوم 5 ويومي 6 و 7 حزيران/يونيو وحتى مساء الخميس 8 حزيران/يونيو, والاكتفاء بوجود ضابط اتصال بين مكتبه والقيادة العسكرية.
كان الواجب والحيوي والمطلوب أن يعود عبد الناصر إلى مركز العمليات عصر الإثنين 5 حزيران/يونيو ليطلب كشف حساب عن خسائر مصر في الطيران وعن حقيقة خسائر إسرائيل فيه وعن تطور المعارك على الأرض واتجاه الهجوم البري الرئيسي. أضحى واضحا مع ذلك الوقت أن الفرقة السابعة مشاة- وهي التي تلقت جهد الهجوم الإسرائيلي الرئيسي- أصبحت في حالة حرجة تهدد بالانهيار, وأن 80 بالمائة من الطائرات المصرية قد حطمت على الأرض. بداية إذن كان على عبد الناصر أن يدخل مركز العمليات ليبقى فيه مزاولا صلاحياته كقائد أعلى للقوات المسلحة, ولا ضير في بقاء المشير إلى جانبه, لكن القرار هو حصرا في يد الرئيس. 2 - كان في وسع عبد الناصر وضمن حدود المتاح أن يأمر بالخطوات التالية على أن يتم تنفيذها منذ الغروب وحتى فجر 6 حزيران/يونيو, أي طيلة ساعات الليل ولتلافي تأثير الطيران الإسرائيلي صاحب السيادة الجوية: 1 – إعادة الفرقة السادسة الآلية من الكونتيلا جنوبا/غربا للاحتشاد في خطها المحصن في نخل. 2 - إعادة الفرقة الثانية مشاة من القسيمة جنوبا/غربا للاحتشاد في خطها المحصن في أبو عجيلة. 3 - نقل اللواء المجحفل/الشاذلي من غرب الكونتيلا إلى بير حسنة ضمن نطاق الفرقة الثالثة الآلية على خط الدفاع الثاني. 4 - تكليف اللواء المدرع المستقل غرب بير لحفن لشن هجوم مضاد على قوات المحور الشمالي الإسرائيلية بهدف تخفيف الضغط عن الفرقة السابعة مشاة والدفاع عن العريش لمنع احتلالها. 5 - عزل اللوائين محمد كامل وعثمان نصار وتعيين اللواء سعد الشاذلي قائدا للفرقة الثالثة الآلية واللواء سعدي نجيب قائدا للفرقة الثانية مشاة، أضف إلى عزل اللواء صدقي الغول واستبداله باللواء عبد الغني الجمسي قائدا للفرقة المدرعة الرابعة. 6 - دمج قيادة الجهة وقيادة الجيش الميداني في قيادة ميدانية واحدة يقودها الفريق أول عبد المحسن مرتجى ورئيس أركانه الفريق صلاح محسن ومدير عملياته اللواء أحمد إسماعيل. 7 - بافتراض فشل الهجوم المضاد باتجاه العريش فجر 6 حزيران/يونيو, تتمسك الفرق الثانية والثالثة والسادسة على المحورين الأوسط والجنوبي لخط الدفاع الأول وفي قاطع خط الدفاع الثاني بمواقعها لأيام عدة, مع المناورة بها حسب الحاجة العملياتية لتنكفئ الثالثة إلى خط الدفاع الثالث وتتبعها الثانية والسادسة عند الحاجة, ويتم التمسك بخط المضائق بقوة 4 فرق وألوية داعم لآخر طلقة وآخر رجل. 3 - إرسال علي صبري برا إلى بنغازي ليطير منها إلى موسكو ليلة 5/6 حزيران/يونيو بطلب إرسال جسر جوي سوفياتي إلى مطار الماطة لنقل مقاتلات قاذفة (ميج وسوخوي) تعيض خسائر الصباح, وبطلب الإصرار على قرار سريع من مجلس الأمن لوقف إطلاق النار والعودة إلى خطوط 4 حزيران/يونيو.
يترافق ذلك مع دعوة مصر- بالتشارك مع كتلة عدم الانحياز- الجمعية العامة للأمم المتحدة لدورة استثنائية عاجلة تبحث الموقف الراهن وتوفر ضغطا على واشنطن للجم إسرائيل عند ذلك الحد.
هل كان السوفيات تحت زعامة الثلاثي الحذر (بريجنيف وكوسين وبودغورني) ليستجيبوا لطلب عبد الناصر بالجسر الجوي؟
الإجابة تعتمد على إحساسهم بأن مصر قادرة على إدارة دفاع معقول في سيناء, وعلى تخويفهم – بإسناد عراقي وجزائري – من مخاطر تركها في العراء أمام الهجمة الإسرائيلية المسنودة إسرائيليا بما تشمله من تحطيم سمعة السوفيت وسمعة سلاحهم ومعه نفوذهم. يترافق ذلك مع الدعوة لمؤتمر قمة عربي فوري واستثنائي في القاهرة ومع إرسال زكريا محي الدين إلى يوغوسلافيا وفرنسا والهند لجذبهم إلى دائرة الضغط. إذن فإن صمود قوات خط الدفاع الأول على المحورين الأوسط والجنوبي لعديد من الأيام كانت كفيلة بعزل الاندفاع الهجومي الإسرائيلي في المحور الشمالي وحده مع تعريض أجنابه في اتجاه خط الدفاع الثاني للانكشاف والتعرض. بعد ذلك تنسحب قوات الخطين الأول والثاني تدريجيا إلى المضائق في وقفة أخيرة وناجحة. إذا تساوى ذلك مع استعادة الطيران المصري سلاحه وصعوده إلى السماء في إسناد للقوات البرية المدافعة ومعيقا للسيطرة الجوية الإسرائيلية ففي هذا المزيد من النجاح في إطالة الصمود على الخط الأول وفي إنجاح الخط الثاني في عمله التعرضي. إذا ترافق ذلك مع حملة عربية وعالمية للضغط, فهذا ما يؤمن إخراجا جيدا لنتائج الحرب تجعل حصاد إسرائيل شبه هشيم رغم احتلالها لقطاع غزة وربما لصحن سيناء... ففي الحروب ما يحسم النتائج هو خسائر المقاتلين والمعدات ومعها انكسار الإرادة السياسية وليس احتلال الأرض بحد ذاته. النقطة الواجب لحظها هنا هي أن عملية إعادة التنظيم كانت يجب أن تشمل انسحاب قوات شرم الشيخ ليلة 5/6 حزيران/يونيو وتجمعها في الطور لاحتمال الانتفاع بها في تعزيز مضيق متلا الجنوبي لاحقا. لعل طلبا من عبد الناصر لقمة القاهرة الطارئة بوقف تصدير البترول والغاز فورا إلى أمريكا وبريطانيا مع تخفيض إنتاجه بنسبة 50% ولمدة شهر كان كفيلا بإثناء واشنطن عن السماح لإسرائيل بالاستمرار في الحرب. هل كان يجرؤ فيصل السعودية- وحمى الحرب مستعرة- على رفض طلب عبد الناصر؟ أشك .. رغم العلم بدوره الموثق في تحريض واشنطن على أمر إسرائيل بشن الحرب آملا في الخلاص من خصمه اللدود عبد الناصر. نقطة أخيرة وهي أن عملية إعادة التنظيم- كما شملت في سيناء توحيد قيادة القوات الميدانية بتشكيل جديد- كان يجب أن تشمل نقل هيئة أركان الحرب إلى مركزها التبادلي في الإسماعيلية على أن يبقى القائد الأعلى – ونائبه – في القاهرة مع ضباط اتصال ومع المستشار الفريق أول علي عامر (قائد القيادة العربية الموحدة المشلولة), وأيضا عزل المسؤولين عن تدمير الطيران وهم بالتحديد قائده الفريق أول صدقي محمود ورئيس أركانه الفريق أول جمال عفيفي وقائد الطيران في سيناء اللواء عبد الحميد الدغيدي وقائد الدفاع الجوي اللواء إسماعيل لبيب, وتعيين الفريق مدكور أبو العز قائدا للقوات الجوية والفريق عبد المجيد الرافعي رئيسا لأركانها واللواء حسن كامل قائدا للدفاع الجوي, واغتنام الفرصة لعزل الفريق أول سليمان عزت قائد القوات البحرية ورئيس أركانه الفريق محمود ناشد وتعيين اللواء فؤاد ذكرى قائدا لها واللواء عبد المعطي العربي رئيسا لأركانه. لعل قصة حزيران/يونيو 67 وعدم استثمارها لتقليل الخسائر وكبح الفوز الإسرائيلي بل وجعله مهزوزا غير ذي قيمة, أكثر مأساوية من نجاح إسرائيل الأولي لأنه باختصار كان يمكن تحويل الهزيمة الكاسحة إلى نصف هزيمة/ نصف نصر لو تعامل عبد الناصر مع حوادث اليوم الأول بالحزم والحسم الذي بدا عليه بعد 10 حزيران/يونيو.
الجزء الثالث 24 مايو 2007
ينطلق هذا التصور من التعامل مع وقائع حرب 67 كما جرت, مع استدخال وقائع افتراضية على سلم هذه المجريات في محاولة لاستبيان هل كان ممكنا إدارتها بنجاح – كما كان يأمل صناع القرار حينها – فيما لو حدثت هذه الوقائع.
نقطة البداية هي إطاعة تحذير عبد الناصر مساء الجمعة 2 حزيران/يونيو بأن ضربة جوية إسرائيلية شاملة على الأبواب, ولن تتأخر عن الاثنين 5 حزيران/يونيو.
تنفيذ التحذير عملياتيا يعني نقل القاذفات الثقيلة توبوليف-16 والقاذفات الخفيفة اليوشن-28 لمطارات السودان لإبعادها عن مدى الطيران الإسرائيلي, مع سحب كل المقاتلات والقاذفات من مطارات سيناء الأربعة وتوزيعها على مطارات الصعيد, مع إطلاق مظلة جوية فوق الداخل تتوزع على اتجاهات ثلاث (الشرق والشمال والشمال الغربي) وتتركز حول فترتي الفجر/الصباح والغروب/المساء.
لو تم ذلك لحدث واحد من أمرين: إما أن تصرف إسرائيل النظر عن ضربتها الجوية وتفكر ببدائل تستجلب الطيران المصري إلى معركة جوية طاحنة تسفر عن هزيمته (مثل شن هجوم جوي شامل على الأردن و/أو سوريا أو بدء العمليات البرية في سيناء أولا), أو تشن الضربة, على أية حال, مع استهداف الطيران المصري في الجو وليس على الأرض.
في كلا الحالتين فإن الهزيمة الجوية المصرية واقعة, وبخسائر كبيرة في الطيارين, لكن خسائر الطيران الإسرائيلي ستكون ملحوظة أيضا, ولن تتمكن حينها من السيادة الجوية, بل في أقصى الأحوال من التفوق الجوي (درجة أقل من السيطرة).
الآن: الإفتراض التالي هو بعد التسليم بنجاح الضربة الجوية الإسرائيلية على الطيران المصري وأيضا على الأرض كما حدث فعلا.
يمكن القول إن ذلك متغير هام ولكنه بكل المقاييس غير حاسم.
كانت إدارة رصينة للمعارك كفيلة بامتصاص مفعول السيادة الجوية والاشتباك مع المهاجم في معركة تعرضية تجمع ما بين الصمود على خط الدفاع الأول – المحصن هندسيا – والمناورة بالقوات على مراحل, وفق تصور أن خط المضائق هو خط الدفاع الأخير.
بداية فإن توزع قوات سيناء عشية الحرب كان شديد السوء.
الفرقة السابعة مشاة المسؤولة عن المحور الشمالي خرجت شمالا عن نطاقها المحصن في الشيخ زويد (شمال العريش) لترابط ما بينه وبين رفح في سعي لتأمين دفاع عن جنوب القطاع يمنع عزله عن سيناء.
والثابت أن الهدف السياسي من وراء هذه الرغبة معقول بل وواجب, لكن تكليفات القوات المناط بها هذا الواجب جاوزت قدرتها على الأداء مما انتهى بالفرقة السابعة إلى أن تصبح سهلة الإختراق من القلب ومن الأجناب معا وهي نتيجة أودت بالفرقة إلى أن تصبح يسيرة المنال رغم قتالها الدفاعي المشهود طيلة اليوم الأول من الحرب وقبل أن يستشهد قائدها اللواء عبد العزيز سليمان وينفتح الباب على مصراعيه إلى العريش كبرى حواضر سيناء.
أما الفرقة الثانية مشاة والمسؤولة عن المحور الأوسط, فكانت قد خرجت أيضا عن نطاق خطها المحصن هندسيا في أبو عجيلة إلى القسيمة تحت تأثير المراد من خطوات الحشد الأولي في الاقتراب من خط الحدود لجذب الجهد الإسرائيلي من الشمال السوري إلى الجنوب المصري. كان قائد الفرقة هو اللواء محمد كامل, والذي لم يكن على مستوى هذه القيادة.
أما الفرقة السادسة الآلية والمسؤولة عن المحور الجنوبي, فهي لم تتمدد فقط من خطها المحصن هندسيا في نخل بل جاوزت تمد شمالا إلى الكونتيلا (القريبة من الحدود) وتحت نفس تأثير التوزع القديم.
وليكتمل المشهد الأليم فلقد أضاف المشير عامر أواخر أيار/مايو قوة خاصة مؤلفة من لواء مجحفل (لواء مظلات ناقص مع كتائب مدرعة ومدفعية وملحقات) إلى المحور الجنوبي قادها اللواء المظلي سعد الشاذلي ورابطت على بعد 20 كم غرب الكونتيلا.
ذهب ذهن المشير تلك الأيام بعيدا نحو اليقين بأن محور الهجوم الرئيسي سيكون من الجنوب مما يمكن القوات الإسرائيلية من تطويق المحورين الأوسط والشمالي من ذلك الاتجاه.
خط الدفاع الثاني (غير المجهز هندسيا) والممتد من بير حسنة جنوبا إلى بير لحفن شمالا كانت ترابط عليه الفرقة الثالثة الآلية معززة على جانبها الأيسر بلواء مدرع مستقل.
تولى قيادة الفرقة ضابط سياسي من أنصار المشير هو اللواء عثمان نصار والذي لم يكن مشهودا له بالكفاءة.
أما خط الدفاع الثالث فكان السفح الشرقي لمضائق سيناء الثلاث (متلا جنوبا وجفجافة في الوسط ورمانة في الشمال) ورابطت عليه الفرقة الرابعة المدرعة, وهي جوهرة العسكرية المصرية تاريخيا. أما قائدها فكان اللواء صدقي الغول وهو أيضا ممن لم يكونوا الأكثر كفاءة.
والمعلوم أن خط المضائق محصن بشكل طبيعي ويمكن الثبات عنده, إن توفرت القوات وتوفرت لها قيادة حسنة.
تبقى شرم الشيخ, وهي لم تكن في الأساس ضمن حسابات خطة قاهر الدفاعية (التي أقرت في كانون الأول/ديسمبر 66), لكن تطورات أزمة 67 أملت إرسال العديد من الكتائب (مظلات ومشاة ومدفعية) إليها إضافة للواء مشاة في الطور.
أما قطاع غزة فكان مكان مرابطة لواء عين جالوت الفلسطيني معززا ببعض الوحدات المصرية والعراقية الصغيرة.
ما الذي كان ممكنا فعله يوم 5 حزيران/يونيو لما يكفل تلافي هزيمة مذلة بل والثبات في معركة دفاعية معقولة النجاح؟
1 -1- أن يتولى جمال عبد الناصر بنفسه مقاليد القيادة العسكرية العليا, بما يشمله ذلك من الانتقال شبه الدائم والإقامة في مركز العمليات.
المعلوم أن عبد الناصر ذهب للمركز في الصباح بعد سماعه لأصوات الغارات الجوية على مطارات القاهرة والتقى فيه بعبد الحكيم عامر بعد عودته الكسيرة من رحلة الرعب في السماء قاصدا سيناء وعائدا من سماء القنال إلى مطار القاهرة المدني ليستقل تاكسي أجرة إلى المركز.
(بالم{بالمناسبة فالراجح عندي أن إسرائيل تعمدت عدم قتل المشير بإسقاط طائرته ذلك الصباح لأنها أرادته أن يعود, لمعرفتها بقلة درايته وكفاءته, عكسما كان الحال يوم 28 تشرين الأول/أكتوبر 56 عندما أرادت اصطياده في السماء وهو عائد من دمشق عشية العدوان الثلاثي لكنها فشلت ونجحت في اصطياد طائرة مرافقيه عوضا عنه).
يمكن هنا تفهم أن يعطي عبد الناصر فرصة لعامر ليقود خصوصا وأن أخبار إسقاط الطائرات الإسرائيلية الغزير كانت تتلاحق قبل أن يتبين كذب معظمها.
لكن الأكيد أن هذه الفرصة ما كان ينبغي لها أن تزيد عن ساعات قلائل لا تتعدى عصر ذلك اليوم, وحتى يتم تجميع بيانات الخسائر الحقيقية للطرفين.
وقد يقول قائل إن عبد الناصر كان ضعيف التأثير في القوات المسلحة, لكن موقف الحرب هو بحد ذاته عامل كاف لبسط التأثير بالزخم كله, فالمنطقة كلها ومصيرها في الميزان, وليست مبررة بحال من الأحوال حالة الاعتصام في مكتب المنزل التي مارسها عبد الناصر طيلة ما تبقى من يوم 5 ويومي 6 و 7 حزيران/يونيو وحتى مساء الخميس 8 حزيران/يونيو, والاكتفاء بوجود ضابط اتصال بين مكتبه والقيادة العسكرية.
كان الواجب والحيوي والمطلوب أن يعود عبد الناصر إلى مركز العمليات عصر الإثنين 5 حزيران/يونيو ليطلب كشف حساب عن خسائر مصر في الطيران وعن حقيقة خسائر إسرائيل فيه, وعن تطور المعارك على الأرض واتجاه الهجوم البري الرئيسي.
أضحى واضحا مع ذلك الوقت أن الفرقة السابعة مشاة- وهي التي تلقت جهد الهجوم الإسرائيلي الرئيسي- أصبحت في حالة حرجة تهدد بالانهيار, وأن 80 بالمائة من الطائرات المصرية قد حطمت على الأرض.
بداية إذن كان على عبد الناصر أن يدخل مركز العمليات ليبقى فيه مزاولا صلاحياته كقائد أعلى للقوات المسلحة, ولا ضير في بقاء المشير إلى جانبه, لكن القرار هو حصرا في يد الرئيس.
2 - كان في وسع عبد الناصر وضمن حدود المتاح أن يأمر بالخطوات التالية, على أن يتم تنفيذها منذ الغروب وحتى فجر 6 حزيران/يونيو, أي طيلة ساعات الليل ولتلافي تأثير الطيران الإسرائيلي صاحب السيادة الجوية:
1 – 1- إعادة الفرقة السادسة الآلية من الكونتيلا جنوبا/غربا للاحتشاد في خطها المحصن في نخل.
2 - إعادة الفرقة الثانية مشاة من القسيمة جنوبا/غربا للاحتشاد في خطها المحصن في أبو عجيلة.
3 - 2- نقل اللواء المجحفل/الشاذلي من غرب الكونتيلا إلى بير حسنة ضمن نطاق الفرقة الثالثة الآلية على خط الدفاع الثاني.
4 - 3- تكليف اللواء المدرع المستقل غرب بير لحفن لشن هجوم مضاد على قوات المحور الشمالي الإسرائيلية بهدف تخفيف الضغط عن الفرقة السابعة مشاة والدفاع عن العريش لمنع احتلالها.
5 - عزل اللوائين محمد كامل وعثمان نصار وتعيين اللواء سعد الشاذلي قائدا للفرقة الثالثة الآلية واللواء سعدي نجيب قائدا للفرقة الثانية مشاة، أضف إلى عزل اللواء صدقي الغول واستبداله باللواء عبد الغني الجمسي قائدا للفرقة المدرعة الرابعة.
6 - دمج قيادة الجهة وقيادة الجيش الميداني في قيادة ميدانية واحدة يقودها الفريق أول عبد المحسن مرتجى, ورئيس أركانه الفريق صلاح محسن, ومدير عملياته اللواء أحمد إسماعيل.
7- بافتراض فشل الهجوم المضاد باتجاه العريش فجر 6 حزيران/يونيو, تتمسك الفرق الثانية والثالثة والسادسة على المحورين الأوسط والجنوبي لخط الدفاع الأول وفي قاطع خط الدفاع الثاني بمواقعها لأيام عدة, مع المناورة بها حسب الحاجة العملياتية لتنكفئ الثالثة إلى خط الدفاع الثالث وتتبعها الثانية والسادسة عند الحاجة, ويتم التمسك بخط المضائق بقوة 4 فرق وألوية داعم لآخر طلقة وآخر رجل.
3 -
3- 3-إرسال علي صبري برا إلى بنغازي ليطير منها إلى موسكو ليلة 5/6 حزيران/يونيو بطلب إرسال جسر جوي سوفياتي إلى مطار الماطة لنقل مقاتلات قاذفة (ميج وسوخوي) تعيض خسائر الصباح, وبطلب الإصرار على قرار سريع من مجلس الأمن لوقف إطلاق النار والعودة إلى خطوط 4 حزيران/يونيو.
يتر يترافق ذلك مع دعوة مصر- بالتشارك مع كتلة عدم الانحياز- الجمعية العامة للأمم المتحدة لدورة استثنائية عاجلة تبحث الموقف الراهن وتوفر ضغطا على واشنطن للجم إسرائيل عند ذلك الحد.
هل كان السوفيات تحت زعامة الثلاثي الحذر (بريجنيف وكوسين وبودغورني) ليستجيبوا لطلب عبد الناصر بالجسر الجوي؟
الإجابة تعتمد على إحساسهم بأن مصر قادرة على إدارة دفاع معقول في سيناء, وعلى تخويفهم – بإسناد عراقي وجزائري – من مخاطر تركها في العراء أمام الهجمة الإسرائيلية المسنودة إسرائيليا بما تشمله من تحطيم سمعة السوفيت وسمعة سلاحهم ومعه نفوذهم.
يترافق ذلك مع الدعوة لمؤتمر قمة عربي فوري واستثنائي في القاهرة, ومع إرسال زكريا محي الدين إلى يوغوسلافيا وفرنسا والهند لجذبهم إلى دائرة الضغط.
إذن فإن صمود قوات خط الدفاع الأول على المحورين الأوسط والجنوبي لعديد من الأيام كانت كفيلة بعزل الاندفاع الهجومي الإسرائيلي في المحور الشمالي وحده مع تعريض أجنابه في اتجاه خط الدفاع الثاني للانكشاف والتعرض.
بعد ذلك تنسحب قوات الخطين الأول والثاني تدريجيا إلى المضائق في وقفة أخيرة وناجحة.
إذا تساوى ذلك مع استعادة الطيران المصري سلاحه وصعوده إلى السماء في إسناد للقوات البرية المدافعة ومعيقا للسيطرة الجوية الإسرائيلية ففي هذا المزيد من النجاح في إطالة الصمود على الخط الأول وفي إنجاح الخط الثاني في عمله التعرضي.
إذا ترافق ذلك مع حملة عربية وعالمية للضغط, فهذا ما يؤمن إخراجا جيدا لنتائج الحرب تجعل حصاد إسرائيل شبه هشيم رغم احتلالها لقطاع غزة وربما لصحن سيناء... ففي الحروب ما يحسم النتائج هو خسائر المقاتلين والمعدات ومعها انكسار الإرادة السياسية وليس احتلال الأرض بحد ذاته.
النقطة الواجب لحظها هنا هي أن عملية إعادة التنظيم كانت يجب أن تشمل انسحاب قوات شرم الشيخ ليلة 5/6 حزيران/يونيو وتجمعها في الطور لاحتمال الانتفاع بها في تعزيز مضيق متلا الجنوبي لاحقا.
لعل طلبا من عبد الناصر لقمة القاهرة الطارئة بوقف تصدير البترول والغاز فورا إلى أمريكا وبريطانيا مع تخفيض إنتاجه بنسبة 50% ولمدة شهر كان كفيلا بإثناء واشنطن عن السماح لإسرائيل بالاستمرار في الحرب.
هل كان يجرؤ فيصل السعودية- وحمى الحرب مستعرة- على رفض طلب عبد الناصر؟
أشك .. رغم العلم بدوره الموثق في تحريض واشنطن على أمر إسرائيل بشن الحرب آملا في الخلاص من خصمه اللدود عبد الناصر.
نقطة أخيرة, وهي أن عملية إعادة التنظيم- كما شملت في سيناء توحيد قيادة القوات الميدانية بتشكيل جديد- كان يجب أن تشمل نقل هيئة أركان الحرب إلى مركزها التبادلي في الإسماعيلية, على أن يبقى القائد الأعلى – ونائبه – في القاهرة مع ضباط اتصال ومع المستشار الفريق أول علي عامر (قائد القيادة العربية الموحدة المشلولة), وأيضا عزل المسؤولين عن تدمير الطيران وهم بالتحديد قائده الفريق أول صدقي محمود ورئيس أركانه الفريق أول جمال عفيفي وقائد الطيران في سيناء اللواء عبد الحميد الدغيدي وقائد الدفاع الجوي اللواء إسماعيل لبيب, وتعيين الفريق مدكور أبو العز قائدا للقوات الجوية والفريق عبد المجيد الرافعي رئيسا لأركانها واللواء حسن كامل قائدا للدفاع الجوي, واغتنام الفرصة لعزل الفريق أول سليمان عزت قائد القوات البحرية ورئيس أركانه الفريق محمود ناشد وتعيين اللواء فؤاد ذكرى قائدا لها واللواء عبد المعطي العربي رئيسا لأركانه.
لعل قصة حزيران/يونيو 67 وعدم استثمارها لتقليل الخسائر وكبح الفوز الإسرائيلي بل وجعله مهزوزا غير ذي قيمة, أكثر مأساوية من نجاح إسرائيل الأولي لأنه باختصار كان يمكن تحويل الهزيمة الكاسحة إلى نصف هزيمة/ نصف نصر, لو تعامل عبد الناصر مع حوادث اليوم الأول بالحزم والحسم الذي بدا عليه بعد 10 حزيران/يونيو.