تاريخ جسور مصر

من معرفة المصادر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كوبري قصر النيل

يعد الكوبري أول كوبري للعبور على النيل ، بدئ في انشائه عام 1869 وتم بناؤه في منتصف عام 1874 بطول 406 أمتار وعرض 10.5 أمتار منها 205 متر للرصيفين الجانبيين وطريق بعض 8 أمتار. الكوبري مزود بفتحتين ملاحييتين يتم المناورة بهما يدويا طول كل منها 32 مترا. وقد اسست دعائمه بالدبش العادي محاطا بطبقة من الجير الصلب. وتم تنفيذ أساساته بطريقة الهواء المضغوط ، وصممت فتحتاه لتحمل كل 40 طنا وكان الكوبري مناسب للأحمال الزائدة في ذلك الوقت فقد صمم لحمل عربات متتابعة وزن كل منها 6 أطنان أو أن يحمل حملا موزعا مقداره 400كم/متر ربع.

وكان المنشأ العلوي للكوبري عبارة عن جمالونين شبكيين تربطهما كمرات عرضية يرتكز عليها أرضية الطريق ، وكانت الفتحات الملاحية تدار يدويا بواسطة تروس بسيطة.

تم عمل تجربة تحميل الكوبري بواسطة مرور بطارية طوبجية (مدفعية) سفرية راكبة مكونة من 6 مدافع مع ذخيرتها وقد مرت هذه البطارية أولا بالخطوة المعتادة ثم مرت دفعة أخرى بخطوة الغاز ثم قسمت بعد ذلك إلى قسمين مرا سويا ووقفا دفعة واحدة ولم يحدث للكوبري اهتزاز يذكر ، وبلغت تكاليف انشائه 110 آلاف جنيه.

تلاحظ وجود نحر حول دعامات الكوبري وقامت وزارة الري بملئ النحر حول البغال بالدبش وحدث ميل بسيط في إحداها وتآكل في أجزائه الحديدة وقد عانة بغلتان من بغال الكوبري من تآكل المونة ورممتها مصلحة الطرق بملئها بالأسمنت السائل من الدخل وكحل العرانيس من الخارج وقد زادت حركة المرور على الكوبري وزادت الأحمال عن الأحمال المقدرة.

واضطرت مصلحة الطرق والكبارية إلى منع مرور العربات الثقيلة وعربات النقل البطيئة التي تعوق حركة السير ، وبعد اتخاذ الاجراءات الفنية الوقائة وادخال التعديل لحركة المرور عليه أكثر منمرة خوفا من حدوث خطر مفاجئ استقر الرأي على اقامة كوبري جديد يفي بحاجة النقل المتزايدة والحمولات الحديثة ويلائم مع ما وصلت إليه القاهرة من عمران وقد قام الملك فؤاد الأول بوضح حجر أساس الكوبري الجديد في 4 فبراير عام 1931 إحياء لذكرى والده فقد أطلق عليه اسم كوبري الخديوي إسماعيل الذي يطلق عليه حاليا اسم كوبري التحرير. طول الكوبري 382 مترا – عرض الكوبري 20 مترا – عدد الفتحات به 8 فتحات.

أساسات الكوبري:صناديق حديدية مملوءة بالخرسانة المسلحة.

دعامات الكوبري: من الخرسانة العادية المكسوة بالجرانيت وارد أسوان.

وزن الجزء المعدني: 336 طنا تمثل ضعف الكوبري القديم. حمل الفتحة: 186 طنا. أشرف على التنفيذ مهندسو مصلحة الطرق والكباري. تكاليف الإنشاء: 291955 جنيها. زمن الإنشاء: 30 شهرا ابتداء من 1/1/1931.


روعي في انشائه الناحية الفنية وتم تجميله ليناسب أهمية موقعه فأقيمت عند كل من مدخليه منارتان من حجر الجرانيت على رأس كل منها مصباح وأمامها واحد من الأسود الأربعة التي كانت قائمة على مدخلي الكوبري القديم احتفظ بها لتكون أثرا ناطقا بالوفاء لمنشئه الخديوي إسماعيل وعند نهاية الكوبري أنشئت شرفتان جميلتان على شاطئ النيل بكليهما سلم من رخام مصر البديع.

لتسهيل الملاحة أنشأت بالكوبري فتحة ملاحية بطول 68 مترا تعمل بالكهرباء ويستغرف فتحها 3.5 دقيقة مع توفير أسلوب تبادلي لفتحها يدويا وتم وقاية دعامات الكوبري بتزويد الممر الملاحي بعوامات لارشاد السفن وحماية صينية الدوران.

بدا العمل بهدم الكوبري القديم بعد أن ظل مستخدما للمرور من 10/2/1875 – 1/4/1872 إلأى 1/4/1931 أي تسعة وخمسين عاما. تم انشاء الكوبري في سنتين وشهرين وخمسة أيام وكان مقدارا لذلك سنتان وستة شهور. وقام الملك فؤاد الأول بافتتاحه يوم 6 يونيو عام 1933 ميلادية الموافق 13 صفر عام 1352 هجرية.


الشروطالفنية والمواصفات التي وضعتها مصلحة الطرق والكباري

تحديد المواصفات لسلامة الانشاء وطريقة التنفيذ وسلامة العمال

قامت المصلحة بتحديد جميع مواصفات الأجهزة التي ستستخدم في الكوبري وطريقة حساب جميع الأجزاء الحديدية. وجميع الأعمال الخرسانية اللازمة للأساسات وأرضية الكوبري وأطوال الخوزايق المسلحة اللازمة لأجنحة الكوبري ونسب الخرسانات حسب نوع استعمالها وقد قامت المصلحة بتحضير هذه المواصفات وأخدها من المواصفات الفنية المقررة لدى الحكومات الأجنبية والإنجليزية والفرنسية والألمانية التي تم تحضيرها بواسطة جمعيات المهندسين بها وأقرتها حكوماتها وأصبحت المرجع الأعلى في جميع أعمال المهندسين الفنية بها.

وضعت المصلحة جميع المواصفات اللازمة للقيسونات حيث حددت الآتي:

- سمك الحديد الواجب استعماله وطريقة تقويته.

- حجرة العمل والجهاز المخصص لضغط الهواء وازدواجه بحيث تعمل الوحدة التبادلية في حالة حدوث عطل في الوحدة الأصلية ، وضمانات الأمان التي تفتح إذا زاد الضغط عن المقرر وجهاز تبريد الهواء المشرف على عملية التعويض.

- الأجهزة الميكانيكية اللازمة لنقل مواد الحفر من حجرة العمل إلى الخارج.

- السقايل والخوزايق والشكالات اللازمة لتغويض القيسون رأسيا.

- طريقة ملئ حجرة الإدارة بالخرسانة بعد الانتهاء من التغويض وطريقة ملئ القيسون بالخرسانة.

- إنشاء مخدة خرسانية مسلحة أعلى القيسون بسمك 1 متر لضمان توزيع الحمل على القيسون بانتظام.


البغال والأكتاف

وضعت المصلحة المواصفات الآتية:

- حجم أجار الجرانيت المتسخدم واشتراط أن يكون محليا من أسوان.

- إنشاء التكسية بالجرانيت بحيث تكون الأحجار بالتوالي إحداها سهلا والآخر حملا (Header & Streatcher) وبالعكس في المدماك التالي على أن يكون هناك اتصال تام بين حجر الجرانيت والخرسانة الدخلية.

- تنحت الأحجار حسب الميول المتبينة بالرسم بدقة ويضبط كل مدماك بدقة على ميزان الماء بحيث يقره المهندس المباشر أولا بأول.

- يتم انشاء مخدة من الخرسانة المسلحة بسمك 0.5 متر لتوزيع الحمل على البغلة بانتظام.


المنشأ العلوي

  • تم تجهيز جميع المواصفات اللازمة لنوع الحديد الواجب استخدامه في كمرات الكوبري وكراسي الارتكاز والجهاز المحرك أخذت أغلبها من المواصفات البريطاينية (British standard Specification) (BSS).
  • وكذلك أسلوب قطع الحديد وطريقة تركيبه وطريقة البرشمة ومواصفات الصلب المصهور وجميع التجارب الميكانيكية التي ستجريها المصلحة على الحديد والبرشام.
  • وقد أجازت المصلحة استعمال الصلب عالي الشد (High ten-stile steel) إلا أنها لم توص به بعد فتح المظاريف حيث لم يكن هناك فرق كبير في التكاليف خصوصا وأن التجارب الميكانيكية وحدها لا تكفي لمعرفة صلاحية الحديد وضرورة عمل تحاليل كيماوية وتجارب متعددة يتعذر عملها في مصر (في هذا الوقت) كما أن الحديد العالي الشد لم يستعمل الا حديثا ولم تجد المصلحة عنه شيئا في المواصفات البريطانية المقررة وإنما توجد مواصفات عن بعض أنواع هذا الحديد.
  • حددت المصلحة جهود التشغل (Working stress) وحساب ضغط الهواء والمعاملات في حالة الأحمال المفاجئة وطريقة حساب الجهود الثانوية وتأثير الحرارة والجهود الناشئة من عملية التركيب والجهود الناشئة من ضغط المياه أثناء الفياضانات العالية.
  • اشترطت المصلحة أن يتحرك الكوبري تحركا أفقيا على درافيل على أن لا يحمل الحمور اي حمل رأسي كهربائي مع وجود اتصال بين الموتورين ليتحركا بالتضامن وبقوة واحدة.
  • تم تحديد طريقة حساب قوة هذه الموتورات والزمن اللازم لفتح الكوبري وغلقه وهو 5 دقائق.
  • اشترطت المصلحة بأن تركز أطراف الكوبري على خوابير ولادارة الكوبري لابد من إخراج هذه الخوابير ليصبح الكوبري مرتكزا على وسطه فقط وبذلك يمكن إدارته.
تتحرك الخوابير بواسطة موتورات مستقلة عن موتورات إدارة الكوبري مع وجود وسيلة اتصال (Interlocking system) بحيث لا يمكن تشغيل موتورات الإدارة قبل أن تخرج الخوابير من مكانها ويركب جهاز لقطع التيار الكهربائي إذا ما تجازوت الفتحة الملاحية المشوار المحدد كما يتم تزويدها بفرامل كهربائية تعمل ذاتية قبل نهاية المشوار فتقل السرعة تدريجيا حتى يقف الكوبري في مكانه بالظبط.
  • اشترطت المصلحة أن يكون على تابلوه غرفة الإدارة ، جميع الأجهزة اللازمة لقياس مقدار التيار وقوته وأجهزة بينان توضح لعامل التشغيل موضع الكوبري أثناء الدوران ولمبات كهربائية حمراء وخضراء تبين لعامل التشغل وضع الخوابير وأن كانت قد خرجت من مكانها فيمكن إدارة الكوبري.


حمولة الكوبري

  • حددت المصلحة حمولة الكوبري بثلاث قاطرات متحركة بجوار بعضها بحيث يبعد محور القاطرة عن محور الأخرى ثلاث أمتار.
  • وتتكون كل قاطرة من آلة جر ثقيلة زنة 22 طنا وثلاث عربات وزن كل واحدة 14 طنا.
  • وهذا الحمل أصغر حمل مقرر لكباري الطرق الزراعية البريطاينة حسب المواصفات التي قررتها وزارة النقل البريطانية عام 1922 ، وقد تم اقرار هذا النموذج بعد أن ظهر أثناء الحرب العظمى (الحرب العالمية الأولى) أن معظم الكباري الإنجليزية تحتاج إلى تقوية وتوسيع لتصلح لمرور آلات الجر الثقيلة وغيرها من المعدات الحربية التي لم تظهر إلا أثناء الحرب.


دهان الكوبري

حدد المصلحة مواصفات الدهان واشترطت أن تدهن جميع الأجزاء المعدنية بأربع طبقات الطبقة الأولى من السلاقون (Iron oxide) وتدهن بالمصنع. والطبقة الثانية من السلاقون وتدهن في موقع العمل قبل التركيب ، والطبقة الثالثة والرابعة من بوية تقرها المصلحة والمعمل الكيماوي ، على أن تكون الطبقتان من لونين مختلفين لتمكين المهندس المشرف على صيانة الكوبري مستقبلا من معرفة حالة الدهان ودرجة تأثيره بالتغيرات الجوية والزمن وخلافه.

تجارب الإستلام

اشترطت المصلحة ضرورة عمل التجارب اللازمة وفحص الكوبري فحصا دقيقا بواسطة لجنة تنتدبها الحكومة بعد انتهاء أعمال الانشاء كالآتي:

- تحميل التلتورات بحمل موزع مقداره 450 كجم/ متر مسطح وهو الحمل المقرر في الحساب على أن تظهر التجربة الجهود الناتجة من الحساب.

- مع وجود الحمل على التلتورات تمر ثلاثة صفوف من الهراسات أو آلات الجر الثقيلة مساوية أو معادلة للحمل المقرر في الحساب ويتحرك هذا الحمل ذهابا وايابا على كل فحة وبسرعات مختلفة حسب ما يتراءى لللجنة وأن تسير في الأماكن التي تسبب أقصى الجهود على أعضاء الكوبري ، ويجب أن تثبت التجربة أن الجهود المسموح بها والناتجة من الحساب كما يجب ألا يتجاوز الترخيم في الكمرات الرئيسية والفرعية أكثر من 15/1 من الترخيم الناتج من الحساب وأن يزول هذا الترخيم بمجرد إزالة الأحمال.

- يتم التأكد من مدة الفتح والغلق للفتحة الملاحية وألا تتجاوز المدة المحددة في الشروط وهي 5 دقائق كما تفحص جميع الأجهزة الميكانيكية والكهربائية الخاصة بتحريك الكوبري وتثبيته وارتكازه فحصا فنيا دقيقا على أن لا يظهر أي عيوب فنية بها.

- تفحص جميع أجزاء الكوبري سواء كانت المباني أو الأعمال الخرسانية بحيث لا يظهر فيها أي تشقق او عيوب.


العطاءات

تقدم في مناقصة إنشاء الكوبري 13 عطاء من بيوت هندسية كبيرة منها 5 شركات إنجليزية وثلاث شركات إيطالية وشركتان ألمانيتان وشركة فرنسية ونماسوية وبلجيكية.

وقامت المصلحة بدراسة كل هذه المشروعات ومراجعة رسوماتها وحساباتها ومراجعة الكميات والأسعار وعملت جميع الملاحظات الخاصة بكل مشروع وظهر اختلاف كبير في عدد الفتحات وعدد الكمرات ووزن الحديد ومكعبات المباني والتكلفة الاجمالية مما اضطر المصلحة لبذل مجهود كبير في عمل التوصية ، مراعية جمال التصميم ومتانته وتكاليفه خصوصا وإن كثيرا من التصميمات تحتاج إلى تعديلات إذا أوصلت المصلحة عليها.

وبعد مراعاة كل هذه العوامل رأت المصلحة إن أحسن العطاءات من حيث التصميم والمتانة وقيمة العطاء هي عطاءات شركة دورمان ولونج وكليفلاند وذلك بعد ادخال تعديلات كثيرة قبلت كلا الشركتين عملها إلا أن الأعمال الزخرفية وشكل الكمرات في تصميم دورمان لونج كانت جمل بكثير من تصميم كليفلاند وهذه الأعمال الزخرفية قام بها المهندس المعماري الشهير Sir John Burnet فانتهى الراي على التوصية على قبول عطاء دورمان لونج وأعطي له أمر التشغيل في 1/1/1931 وكان لا يمكن السماح له ببدء العمل قبل ذلك لضرورة بقاء الكوبري القديم لانعقاد المعرض الزراعي في هذا التاريخ.


تاريخ الجسور في مصر

الجسور والكباري

جسر بوسط النيل:

لما ازدادت قوة تيار النيل على نحاية بولاق اهتم الملك الناصر بذلك عام 738 هـ فطلب المهندسين من دمشق وحلب والعراق ومصر فلما تكاملوا عنده ركب بعساكر من قلعة الجبل إلى شاطئ النيل حيث نزل وبين يديه الأمراء وسائر أرباب الخبرة من المهندسين وأخبرهم بأمر جسور النيل فاقتضي الحال أني يعمل جسر فيما بين بولاق وناحية أنبوبة "وهي امبابة الآن من البر الغربي ليرد قوة التيار عن البر الشرقي إلى البر الغربي وأمر بجمع الناس وتسخيرهم للعمل فأنجزوه في مدة شهر واحدة واستعملوا فهي من الحجارة قدر ثلاثة وعشرون ألف مركب وكان هذا الجسر سببا في تحول ماء النيل عن بر القاهرة.

الكوبري فيما بين الجيزة والروضة:

لما أنشأ الملك الناصر الجسر السابق ذكره وتحول النيل عن القاهرة انشكفت أراضي كثيرة وصار الماء يخاض من بر مصر إلى القاهرة وارتفع ثمن الماء حتى ضج القوم وشكوا إلى السلطان الملك الكامل بن المالك الناصر فطلب المهندسين وركب السلطان بأمرائه من القلعة إلى شاطئ الني لوكان في بدء زيادته فاقتضي الرأي نقل التراب والشقاف من مطابخ السكر التي كانت بمصر والقائه بالروضة لعمل الجسر فنقل شئ عظيم من ذلك في المراكب إلى الروضة وعمل جسر من الجيزة إلى نحو المقياس في طول نحو ثلث ما بينهما من المسافة فعاد الماء إلى جهة مصر حتى على الماء الجسر بأسره وكان ذلك عام 747 وقتل الملك الكامل وتولى أخوه الملك المظفر فاستغاث به الشعب للغلاء الذي حدث في ثمن المياه فجمع المهندسين واتفقوا على اقامة جسر ليرجع الماء عن الجيزة إلى مصر والقاهرة وقدروا تكاليف المشروع بمائة وعشرين ألف درهم فضة فأمر بجمعها من أرباب الأملاك التي على شاطئ النيل ولكن كان هذا المبلغ كبيرا فرؤي توزيعه على الأمراء والجنود والكتاب وأصحاب الحوانيت والأعيان وسخر الناس في العمل وقد رؤي أنه من اللازم حفر خليج يجري موقع الجسر إلى بولاق فقرب الماء من القاهرة.

جسر الخليلي

هذا الجسر يقع فيما بين الروضة من طرفها البحري وبين الجزيرة الوسطى وكان السبب في إنشائه هو ازدياد تحول مياه النيل عن القاهرة بعد انشاء الجسر السابق وقد أقيم على خوزايق من خشب السنط طول كل منها ثمانية أذرع جعلت في صفين في طول ثلثمائية قصبة وعرض عشرة قصبات وسمرت فيها أفلاق النخل الممتدة وألقي بينها تراب كثير ومع ذلك ما ازداد الماء إلا إنطرادا عن بر القاهرة ومصر حتى لقد انكشف بعد عمل هذا الجسر شئ كثير من الأراضي التي كانت مغمورة بماء النيل وبعد النيل عن القاهرة بعدا لم يعهد له مثيل.


رسم سياسة إعادة التعمير على ثلاثة قواعد:

1- طاقة مياه الفسطاط القدين ، الذي بدأت تتحول عنه حركة الملاحة النهرية وحركة التفريغ والمناولة إلى مواني القاهرة النهرية في الشمال وهي المقسي وبولاق ، والتي تميز كل منها باتساع معمور الظهير ومساحة التشوين المكشوف على شواطئ كل منهما ، لهذا استبعدت الفسطاط الشرقية لكثرة خرائبها والحياة العائدة على استحياء في منطقة (مدينة مصر) في عهد العاضد الفاطمي ووزيره شيركوه في 1160/1168م (555 – 564 هـ) ، والذي أمر أعيان مصر المهجرين من مصر بعد الحريق بالعودة إليها ، فتراجع إليها الناس قليلا وعمروا ما حول الجامع.

2- تشجيع عملية إعادة التعمير بفتح القاهرة – المدينة الملكية للسكنى العامة بعد أن كان لا إلا الخليفة وعساكره وخواصه الذي يشرفهم لقربه فقط ، في وقت كان الطلب على السكن كبيرا من مهجري مدينة مصر المحروقة.

3- المشاركة في عملية إعادة تعمير منطقة الكيمان والخرائب داخل مصر – الاقهرة المسورة بتوجيه التعمير الدفاعي إلى هذه المناطق. فقد شرع صلاح الدين في بناء القلعة التي بدئ في بنائها في 1176م ، واستغرق بنائها اثنان وأربعون سنة ، وانتهت في عهد الملك الكامل ، وقامت على أقرب المناطق العالية من مدينة القاهرة ، وتعرف بقبة الهواء في اتجاه شرق كيمان مدينة القطائع.

  • ساعد عملية إعادة التعمير عدة عوامل مختلفة مثل:

1- استخدام أنقاض مدينة مصر في عملية إعادة التعمير ، وممات يجدرذكره أن رصيد المنطقة الوسطى (القطائع) قد نقل معظم أنقاضه في عهد بدر الجمالي بعد حرق العباسيين للقطائع (904م) ، وقرب بقاياها مع العسكر وقت الشدة الكبرى (1072م).

والموجة الثانية لنقل الأنقاضتلت حرق مدينة الفسطاط (1168م) ، فبعد فتح القاهرة لأهل مصر لإقامة مباني جديدة لم يجد أنقاضا ذات قيمة في منطقة القاطئع والعسكر والقريبة ، فجلبوها من مناطق أبعد من خرائب الفسطاط التي تحرقت حديثا.

2- هجرة نهر النيل لمجراه أمام مدينة مصر (الفسطاط الجديدة) في 1270م ، وطرح أرضا جديدة غرب مدينة مصر بطول المجرى ، من أمام مقياس النيل بالروضة حتى أمام كوبري قصر النيل الحالي ، وبلغ اتساع هذه الأراضي 290 مترا تقريبا.

وقد شجعت هذه الشقة اليابسة السيالة من شاطئ النيل على البناء عليها من الراغبين في الجبهة النهرية بمزاياها ، على النقيض من الظهير القابض من خرائب وكيمان الفسطاط الأصلية في الشرق.


3- هجرة كثير من المشارقة إلى أرض مصر بعد سقوط بغداد في أيدي التتار في 1258م. فيقول المقريزي (رأينا طوائف منهم بالفسطاط ، وعمرت حافتي الخليج الكبير والحسينية) في أعقاب الفترة الأيوبية مباشرة.

وقد اكتمل بناء القلعة في 1207م في عهد الملك الكامل ، وانتقلت دار الحكم إلى القلعة ، وأصبحت سكنا للجمد ، ورغب الأمراء والأغنياء في سكنى المناطق المحيطة بالقلعة. (أنظر شكل رقم 19 الذي يوضح القلعة كمدينة دفاعية ومقر الحكم في العهد الأيوبي والمملوكي ومحمد علي). كما تم تعمير جنوب شرق القاهرة المعزية (شرق قصبة القاهرة) في شرق الدرب الأحمر وفي شمال القلعة. كما اهتم الأيوبيون بمنطقة الإمام الشافعي ، واتخذوا مكانا قريبا منها مدفن الأسرة الأيوبية.

ولم يتقصر التعمير في الفترة الأيوبية على إعادة تعمير الجبهة الجنوبية ، بل نالت الجبهة الغربية الواقعة غرب الخليج المصري (الكبير) على شئ من اهتماماتهم التعميرية ، فلم تكن الأراضي الواقعة غرب الخليج قد نضجت فيزوغرافيا ، فقد كانت تحت سيطرة النهر قبل ذلك. فقد أقام الأيوبيون جسور تعمير هذه الأراضي ببناء ثلاث قناطر على الخليج لربط القطاع الشرقي المعمور (شرق الخليج المصري – مدينة القاهرة) والقطاع الغربي من أراضي الطرح القديم ، هذا فضلا عن قنطرة باب القنطرة الفاطمية (970م) الواقعة على رأس شارع الموسكي الحالي مع تقاطعه مع شارع الخلجي وقنطرة عبد العزيز بن مروان الواقعة عند فم الخليج قبل تقهقره (300 متر غرب جامع السيدة زينب) ، وأصبح لدى القاهرة حتى منتصف القرن الثالث عشر خمسة معابر على الخليج الكبير.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كوبري قصر النيل

هو أكبر كوبري في التاريخ للمرور على النيل أنشأه الخديوي اسماعيل عام 1819 ضمن احتفالات افتتاح قناة السويس وأفتتح في 10 فبراير 1871 ليربط بين القاهرة والجزيرة التي بني عليها قصره "الجزيرة" فندق ماريوت حاليا ، وخططها لتكون منتزه لأهل القاهرة التي اتسعت خارج حدودها وأسوارها القديمة في عهده وكان امتداد الطريق لقريتي الجيزة والدقي عبر كوبري الجلاء (كوبري الانجليز سابقا والذي عرفه العامة بكوبري بديعة لوجود كازينو الراقصة بديعة مصابني بجواره مكان فندق القاهرة شيراتون الحالي) وقد تم إزالة الكوبري القديم وأعيد انشائه في 4 فبراير 1931 وسمي بكوبري الخديوي إسماعيل مع الاحتفاظ بالسباع القديمة التي أتى بها الخديوي اسماعيل من فرنسا لتزيين مداخل الكوبري حتى كل من يسمى اسماعيل بأبو السباع حتى بعد العودة إلى الاسم القديم "قصر النيل" بعد عام 1952.

العمران – 19 اغسطس 1997 – كباري النيل ثقافة عمرانية

لكباري النيل أهميتها وتاريخا وثقافتها والقاء الضوء عليها ضرورة للاحتفاظ بما تبقى منها والحفاظ عليها بالنحو الذي يليق بتاريخها القديم ودقة انشائها ولأخذ العبرة والدرس منها كقدوة يحتذى بها المصممون والمهندسون عندما يشرعون في انشاء كباري جديدة.

يقول في هذا الصدد د. منير السمري أستاذ العمارة بكلية الفنون الجميلة: إن لكباري النيل داخل العمران ثقافتها المميزة التي لا تستمد فقط من الاعلام والمعرفة بخلفيات فنية وجمالية تخص تلك المنشآت في أوضاعها المختلفة بل أيضا في اهتمام ووعي فئات مختلفة بها فضلا عن المتخصصين. ثقافة هي جزء من ثقافة أكبر وهي ثقافة العمران يشارك في تكوينها مع علوم التخطيط وتصميم العمران والهندسة المدنية والعمارة تنسيق المواقع والتجميل فالكباري ليست منشآت تنحصر مهمتها في نقل البشر وأغراض الحياة من نقطة إلى أخرى بل هي منشآت كبرى مكلفة تعد إذا ما أحسن تقديمها رموزا وعلامات عمرانية تشير لمناطقها وربما لمدنها ككل. وتصبح مع مرور الوقت ومع تعود الناس عليها أجزاء عزيزة وذاكرة المدن.

ولكن كيف كانت الكباري الحديدية الأولى لعبور نهر النيل؟

يجيب د. منير السمري لقد كان عبور النيل قبل اقامة الكباري الحديدية الأولى عليه في أوائل القرن الماضي يتم بواسطة المراكب الشراعية أساسا وبواسطة كباري من وصلة واحدة عبارة عن مراكب متراصة مربوطة بعضها ببعض (كما حدثنا المقريزي) تربط ضاحية "مصر القديمة" أنذاك بطرف جزيرة الروضة ، ومنها إلى بلدة الجيزة ، ولكن تلك الكباري كانت كثيرا ما تنقطع لسبب شدة تيار الفيضان أو بلاء أجزائها.

وقد أقيمت أول معابر النهر متعددة الوصلات والدائمة من كباري "قصر النيل" الأول و"الإنجليزي" الحديدية في مواقع كباري "قصر النيل" والجلاء الحالية ذلك فيما بين أعوام 72-1871 بمناسبة توسعات القاهرة في اتجاه النهر ورغبة الخديوي اسماعيل في ربط تلك التوسعات بكل من الجزيرة والضفة الغربية له. إلا أن المعركة الحقيقية التي مكنت من عبور النهر من نقاط عديدة كانت هناك إلى جنوب القاهرة بحوالي 900 كم حيث أمكن اقامة خزان "اسوان" عام 1902 والذي كان من آثاره العمرانية الحد من أخطار الفيضان مع توافر التكنولوجيا المناسبة أمكن عبور النهر وتعمير المساحات حوله.

  • لماذا استخدم الحديد بالذات؟ وهل تم استخدام خامات أخرى؟

يؤكد أنه كانت نتيجة لإعادة الكشف عن خامات الحديد إبان الثورة الصناعية في اوروبا واستخدامها في العديد من المنشآت المدنية التي تحتاج لجسور واسعة أن انفردت خامة الحديد باقامة كباري نيل القاهرة الحديدية من أواخر القرن الماشي حتى الخمسينيات من القرن الحالي. ذلك في الوقت الذي بدأ فيه استخدام الخرسانة المسلحة في تشييدها أوائل هذا القرن. وهذه الكباري هي:

كباري "قصر النيل" الأول ، " الإنجليز" وأقيمت في التاريخ المشار إليه إلا أنها استبدلت في أعوام 33/ 1910م على الترتيب بصولات أعرض لكباري "قصر النيل الثاني" والجلاء الحالية وتعد أولى معابر النهر.

كباري "عباس" الجيزة حاليا ، "محمد علي" و"الملك الصالح" وتم استخدامها جميعا عام 1907 وتعد ثاني معابر النيل.

كباري "بولاق" (أبو العلا أو 26 يوليو أو الزمالك) واستخدما عام 1912 وتعد ثالث معابر النيل.

أما الرابعة فهي كوبري سكك حديد مصر (امبابة) والمتجع إلى الصعيد وأفتتح عام 1927 وكوبري الجامعة والسيالة وجاءت بعد 46 عاما من ثالث المعابر وافتتحا في أعوام 58-1959 على الترتيب وهي تعد آخر الكباري الحديدية.


  • كيف تم تخطيط تلك الكباري؟ وما هي مواطن الجمال فيها؟

يوضح د. منير السمري أن تخطيط تلك الكباري اعتمد على أن تكون أجزاء من محاور رئيسية تربط شرق المدينة بغربها عبر النهر من ناحية وأن تكون رموزا وعلامات عمرانية ضمن تلك المحاور من ناحية أخرى تلك المحاور التي جاءت بدورها كمحاور بصرية عمرانية متميزة تتابع بطولها أهم مناظر المدينة. فتجد محور شارع "التحرير" عبر طباري "قصر النيل" و"الجلاء" تربط على سبيل المثال مناطق الوزارات وجاردت سيتي بشرق النيل بالجزيرة ومناطق الدقي والجيزة غربا.

  • وهل كانت صور التشييد واحدة؟

لقد روعي في التشييد لتلك الكباري تنوع صور تشييدها فرغم أنها ما بين "الكوبري الجمالوني Truss Bridge" من ناحية و"الكوبري المعقود Arch Bridge" من ناحية أخرى فإنها قدمت تطبيقات متنوعة لكل منها ففي حين قدم كوبري الجلاء وغيره الجمالون الذي يرفع أرضية الكوبري أعلاه قدم كوبري "بولاق" (أبو العلا) الجمالون المرفوع الذي يعلو أرضية الكوبري ويحيط بالحركة فيه وهو ما قدمه كوبري "امبابة" للسكة الحديد على مستويين الأول لحركة السكة الحديد والثاني لحركة السيارات. كما تنافست كباري النوع الثاني في تقديم أجمل وأرق نسب لعقودها التي تتكرر في ايقاع ثابت موحد كما بالنسبة لكباري قصر النيل والجامعة أو عقد واسع كبير يحوطه عقدان أصغر كما بالنسبة لكوبري الزمالك الذي أزيل للأسف في الثمانينات مع تجديد طريق "15 يوليو" العلوي.

ويضيف د. منير السمري أنها كباري قدمها حيز النيل كأجمل ما يكون فالكباري الجمالونية يهياكلها التي تسمح برؤية حيزه يتخللها أخذت صورة قطعا من الدانتيلا عليه أما الكباري المعقودة فقد أظهرت حيزة تماسك ورقة أجسامها. هذا وقد زاد انعكاس صورة الكباري من النوعين على صفحة النهر منظرها عمقا وجمالا. وقد امتد التنوع في صور تشييد تلك الكباري الى صور عناصرها المعمارية والتنسيقية على نحو رائع آخر تنوع أكد عليه تكامل الظاهر بين عناصر الإنشاء والمعمار والتنسيق مما يعد درسا ونموذجا لانجاز مثل تلك الكباري.

كباري الاحتفاظ بها واستمرار تقديمها على النحو اللائق واجب وأخذ الدرس والعبرة في انجازها واجب آخر كما أن تداول المعرفة عنها وتعميق الشعور والفهم بما تضمه من قيم مختلفة أمر مطلوب وهام ليس للمهتم والمثقف العادي فقط بل وللشباب المتخصصين والدارسين أيضا.


قناطر النيل

1- قنطرة الخروبي: أو قنطرة باب الشعرية ، وقد بنيت في 1192م ، شمال فم باب الشعرية الحالي ، وقد أقيمت لتربط القاهرة من باب الفتوح بأرض الطبالة (حي الفجالة الحالي) وميناء القاهرة بالمقسي (باب الحديد حاليا).

2- قنطرة باب القنطرة: وقد أنشئت في 970م ، وكانت تقع جنوب غرب ميدان باب الشعرية على امتداد شارع أمير الجيوش (مرجش حاليا). وقد ربطت القاهرة الفاطمية بمينائها النهري في المقسي ، وكانت القنطرة الوحيدة للعاصمة وقتئذاك.

3- قنطرة الموسكي: وقد أقيمت تقريبا في الفةر (1171/1193م) أي في بداية الفترة الأيوبية ، وقد بنيت أمام شارع الموسكي الحالي. وقد كان قطاعه الغربي موجودا وقتذاك يبط الخليج وأرض العتبة وبركة الأزبكية (الأوبرا).

4- قنطرة باب الخرق: وكان موقعها بميدان باب الخلق الحالي ، وقد افتتحت قبيل نهاية الدولة الأيوبية (1241م).

5- قنطرة السد: وقتع على الامتداد الجنوبي الجديد للخليج المصري لربط حي السيدة زينب في الشرق وأرض حي المنيرة (قبل تعميرها ) في الغرب ، وتتراوح فترة انشائها بين 1259/1277و.

6- قنطرة الأوز: كانت تقع شمال غمرة ، وانشئت من أجل تسهيل العبور إلى بساتين البعل ، وكان يقع شمال القنطرة منظرة التاج ومنظرة الخمسة وجوه.

وببناء هذه القناطر أو المعابر تم فتح أراضي الضفة الغربية للخليج للتعمير ، وحكرت البساتين الواقعة في مخارج هذه القناطر الغربية.

فظهرت مبان الأهالي في مواجهة منظرة (قصر) اللؤلؤة الفاطمي بعد اهمال الأخيرة ، لكن أزيلت وقت المستعلي بالله ، وانتشرت على طول الطريق إلى المقسي (باب البحر) بعض مظاهر العمران المؤقت لكثرة حركة النقل من المدينة الفاطمية إلى مينائها.

غرب ميدان باب اخلق الحالي كانت معدية فريح تنقل الأهالي إلى الضفة الغربية للخليج للنزهة حتى قام إبن التبان – رئيس الأسطول الفاطمي – بالبناء غرب الخليج في مواجهة ميدان باب الخلق وحي الحبانية ، وتقاطر عليه الناس للسكنى حتى عرف الجانب.

وفي وقت الفيضان حيث تفتح سدود الترع والخلجان يغطي مياه الفيضان وجه الأرض وكأنها بحر حقيقي تبدو القرى فيه كأنها جزر لا يمكن الوصول إليها والتنقل فيها إلا بواسطة القوارب أو فقو الجواميس وفوق الجسور الممتدة ما بين أجزاء البلاد.

وتنقسم الجسور إلى نوعين من الجسور ، أولها الجسور السلطانية ، وكانت تمتد منفعتها لسائر البلاد ، لذا كان يشرف على بنائها وصيانتها الديوان السلطاني ، وقد وصفت بأنها بمثابة السور المحيط بالمدينة ، وثاني هذه الجسور هي الجسور البلدية ويقتصر نفعها على ناحية دون أحرى لذا فإن مسئولية انشائها تقع على أجزاء الأقاليم والفلاحين ، وقد وصفت بأنها تماثل الدور الواقعة داخل نطاق سور المدينة (الجسور السلطانية) فإنه مسئولية صيانتها كل صاحب دار في المدينة.

وتم حفر الخليج الناصرية في عهد السلطان محمد بن قلاوون (1326م) لدى الأراضي الجديدة التي طرحها النيل لتحويلها إلى بساتين وزراعات ، وكان يبدأ من النيل جنوبي القصر العيني ثم يتجه شمالا بشرق حتى ميدان رمسيس بالقرب من جامع أولاد عنان (النور حاليا) ، ثم ينعطف شرقا حتى الفجالة حتى يلتقي بالخليج المصري (الكبير) قرب ميدان الظاهر. وكان يغدي البرك الذي يمر بها أو القريبة منه في مجرى النيل المهجور مثل بركة بطن البقرة (عرفت بالأزبكية بعد إنكماشها) والطبالة والقمر والفوالة وقرموط والشقاف والناصرية. كما حفرت خلجان أخرى مثل خليج فم الخور وخليج فم الذكر وخليج قنطرة الفخر.


ربط الأراضي الجديدة بالقاهرة

زادت حركة إنشاء الكبارية على الخلجي المصري لربط القاهرة في شرق الخليج المصري بالأراضي الجديدة التي تم تأمينها من الفياضانات ، وشق القنوات بها واستزراعها بإنشاء مزيد من القناطر عددها المقريزي بأربعة عشرة قنطرة. وقنطرة على كل من خليج فم الخليج وخليج الذكر ، وعلى الخليج الناصري كانت توجد خمس قناطر ، وكانت تبنى من الحجارة وتعدم أساساتها بالرصاص والكلس ، وكانت بعض القناطر من الضخامة بحيث تسمح بمرور المراكب تحتها.

والقناطر الحديثة هي على التوالي من الشمال إلى الجنوب (حتى السادسة فقط) :

1- القنطرة الحديثة: وتقع شرق تقاطع الخليج المصري والخليج الناصري وشارع الظاهر غرب ميدان الظاهر الحالي بميدان غمرة ، وتم إنشائها في 1324م ، وقد سماها علي مبارك بقناطر الظاهر.

2- قنطرة الأمير حسن: وتم إنشائها في 1298م ، في عهد الناصر بن قلاوون وكانت تقع امام جامع البنات (بعد محكمة باب الخلق) في الشرق والمناصرة في الغرب.

3- قنطرة سنقر (درب الجماميز) : وقد قامت في 1330م ، وكانت تقع على امتداد السكة التي كانت تفصل بين حي الحبانية وبركة الفيل على رأس الشارع المعروف الآن بشارع اسماعيل باشا أبو جبل بالقرب من مدخل الحلمية الجديدة. وتربط الأحياء المذكورة في الشرق (الحبانية وبركة الفيل) ورحبة عابدين في الغرب.

4- قنطرة قطز دمر أو درب الجماميز: تم إنشاؤها في 1315م ، على الخليج بالقرب من شارع مجلس الشعب الجديد ، وقد غلب تسميتها بدرب الجماميز على اسم الذي أقامها لكثرة أشجار الجميز على ضفتي شارع بورسعيد (الخليج المصري وقتذاك) التي كانت معروفة بجاميز السعدية ، وكانت تربط حي الحلمية الجديد ومنطقة السقايين بعابدين وشمال الحنفي والناصرية بالسيدة زينب في الغرب.

5- قنطرة عمر شاه: وقد أقيمت في 1385م ، وكانت تقع حسب خريطة الحلمية الفرنسية أمام حارة عمر شاه بالجانب الغربي من الخليج بالقرب من النهاية الشمالية لميدان السيدة زينب لتربط منطقة الحوض المرصود في شرق الخليج وجنوب حي الحنفي والناصرية في الشرق.

6- قنطرة السباع: أنشأها الظاهر بيبرس (1259/1277م) ، وكان موقعها بميدان السيدة زينب أمام المسجد الحالي ، وقد ربطت حي السيدة جنوب المسجد والحنفي والناصرية في الشمال.

7- قنطرة بني وائل ، أو الويلي ، بناها الناصر محمد بن قلاوون في 1325م ، وكانت تقع عند الوايلي الكبير.

8- قنطرة الأميرية أو الوايلي الجديدة: وأنشئت أيضا في 1325م.

ولا تخدم الحركة العمرانية بين ضفتي الخليج المصري سوى القناطر الممتدة بين القنطرة الجديدة (بميدان الظاهر) وقنطرة السد ، وتضم إحدى عشر قنطرة هي الخروبي – باب الحرق ن سنقر – درب الجماميز – عمر شاه – السباع – السد – باب القنطرة – باب الشعرية – الموسكي – قنطرة الأمير حسن ، بفاصل قدره 417 مترا بني كل قنطرة والأخرى.

ورغم أن هذا الفاصل يعتبر كبيرة لكنه يعد إنجازا كبيرا ، إذا عرفنا أن الفاصل في العهد الأيوبي كان 1670 مترا ، أي أن حركة إنشاء القناطر (الكباري) في العهد المملوكي استهدفت تقليل الفاصل بين القناطر إلى ربع ما كانت عليه في الفترة الأيوبية السابقة ، والتي كانت تخدم عمليات العبور وقتها قناطر باب القنطرة والموسكي وعبد العزيز بن مروان (انظر شكل رقم 23 الذي يوضح نمو العاصمة في الفترة 1170 / 1801 وتطور إنشاء القناطر على الخليج المصري).

وقد قام المماليك بربط القاهرة والأراضي الجديدة ومدينة مصر من ناحية وبين الجيزة من ناحية أخرى بواسطة جسر جديد أنشأه الظاهر بيبرس عبر جزيرة الروضة ، وكان هذا الجسر من النوع المؤقت مبني من الخشب ليعبر عليه الجنود.


أنماط التعمير وتطور جبهاته

يعد إنحسار النهر ونشأة أراضي جديدة تعاقب عليها أنماط مختلفة من التعمير متعاقبة وزاحفة من الشرق حيث مدينة القاهرةى (شرق الخليج) إلى الغرب في اتجاه نهر النيل وجزره.

4- التعمير الزراعي:

من الطبيعي أن أول تفكير للقاهريين في الإنتفاع بأراضي الطرح الجديدة هو الاتجاه نحو زراعتها لأنها لم تكن قد نضجت بعد ، فكانت أكثر ليونة ولا تحتاج إلى الري لإرتفاع الماء الباطني فيها ، ومن هنا جائت تسميتها باللوق.

فقد كانت الأراضي الجديدة الاولى بعد إنحساء النيل في القرن التاسع الميلادي ، تنقسم بساتينها إلى قسمين ، أولهما بساتين جنان الزهري في الجنوب (عابدين والناصرية) ، وثانيهما بستان المقسي (فيما بين الأوبرا ورمسيس) ، هذا فضلا عن بساتين أخرى أبعد .

الاستخدامات السطانية و العامة:

1- ميدان الظاهرة لكرة الفحرة والفروسية والرماية ، وقد أنشأه الظاهر بيبرس – مؤسس الدولة المملوكية – غرب الميدان الصالحي الذي أقامه الصالح نجم الدين أيوب في باب اللوق ، والذي تخلى عنه أن وامتد هذا الميدان في أراضي ميدان الاسماعيلية وشمال جاردن سيتي.


وقد ألغي هذا الميدان وتحول إلى بستان متنوع من الأشجار والزهور في عهد السلطان قلاوون ، ثم أقطعه للأمير قوصون ، الذي أنشأ فيه زربيه تطل على النيل ، فعرفت المنطقة بخط زريبة قوصون.

2- الميدان الناصري ، أقامه الناصر محمد بن قلاوون من الميدان الظاهري في جنوب منطقة جاردن سيتي والقصر العيني ، وأنشأ بجانبه زريبت ، وحفر بركة الناصرية الواقعة شرق ميدانه حتى حي الحنفي لاستعمال طينها في عمل الزريبة والبناء.

3- حفر الناصر الخليج لاناصري في 1326م ، ويأخذ من النيل عند القصر العيني ، ويستمر في اتجاه الشمال الشرقي حتى يتصل بالخليج المصري غرب ميدان الظاهر ، ليفي بمتطلبات استزراع الأراضي الجديدة التي طرحها النهر في القرن الثالث عشر . وتطور استخدام هذا الخليج إلى الترفيه والملاحة ، وقامت عليه الكباري لربط أجزاء قسم قصر النيل وجاردن سيتي والإسماعيلية بمناطق عابدين والسيدة زينب.

4- جزيرة العبيط ، عرفت بالأراضي المحصورة بين الخليج الناصري غربا ونهر النيل بجزيرة تجاوزا – لاحاطتها بالمياه ، وقد اتسعت هذه المنطقة بهجرة النهر نحو الغرب في القرنين الأخيرين ، ولكنها كانت أكثر ضيقا واتساعا في عرضها في العصر المملوكي. فكان أقصى اتساع لها عند ميدان عبد المنعم رياض وشارع الأنتكخانة حتى ميدان طلعت حرب (570 مترا) ، لذا كانت تتمتع بميزات هامة ساعدت على تعميرها ، فقد كانت مكتظة بالمترددين للنزهة وسميت بجزيرة العبيط

نسبة إلى جامع العبيط (جامع عمر مكرم حاليا) الذي احتوى ضريح الشيخ العبيط والشيخ زيدان ، ويقع شمال جامع الطبريسي (الشيخ الأربعين).

5- القصر العيني : فقد أنشئ في عام 1466م ، وبناه أحمد العيني المتولي قضاة الحنفية بمصر ، وأحد الأعيان في منتصف القرن الخامس عشر ، وتحول إلى أملاك الدولة بعد نفيه وموته في المنفى. وكان يستعمل في النزهة في بداية العهد العثماني أو دار للضيافة ، وتحول إلى مستشفى في وقت الحملة الفرنسية لعلاج الجنود الفرنسسين ، واستمر استخدامه هكذا في عهد محمد علي حتى الوقت الحالي.

6- أنشئ بالقرب من القصر العيني على النيل موردة مياه يتجمع سقاة القاهرة عندها ، لغرف مياه النيل وحملها لتوزيعها ، وربما نسب إلى هذه الوردة شارع المواردي الممتد من سكة حديد حلوان حتى فم الخليج.

7- الامتداد الجديدة للخليج ونقل مخرجه إلى ميدان فم الخليج الحاليز فلكي ينقل الصالح نجم الدين أيوب فم الخليج إلى موقعه الحالي بعد تقهقهر نهر النيل في القرن الثالث عشر ، وحفر جزئه الواقع جنوب ميدان السيدة زينب فامتد من الفم السابق إلى جنوب شارع المبتديان (جنوب مطابع دار الهلال) ، وينثني جنوب شرق سكة حديد حلوان في خط مستقيم وملاصقا لها حتى يلتقي مع شارع السد الحالي عند مقام أبي الريش تقريبا ، ويمتد مع شارع قنطرة فم الخليج الحالي حتى ميدان فم الخليج.

وكان الخليج يسد بجسر حتى يفيض النيل ، ويتم قطع الجسر في عيد وفاء النيل في إحتفال سلطاني وشعبي مهيب توزع فيه الأرزاق والهدايا ، لذا كانت منطقة فم الخليج متنزه هاما ، ومن المناطق التي تحظى باهتمام السلاطين والملوك.

هذه هي أهم المنشآت التي قامت في الشقة اليابسة الملاصقة للنيل جنوب ميدان التحرير ابتداء من الميدان الظاهري والناصري في شمال وجنوب جاردن سيتي ثم القصر العيني وموردة المياه السلطانية ثم ميدان فم الخليج حتى الجسر والقنطرة ومكان الاحتفال السنوي.

ثانيا: القناطر وتطور إمكانية الوصول:

تطورت حركة إنشاء القناطر على الجزء الجنوبي من الخلجي المصري ، فلم يكن توجد قبل 1242م ، أي نهاية العصر الأيوبي سوى قنطرة عبد العزيز بن مروان القديمة أمام مسجد السيدة زينب حيث كان فم الخليج القديم يقع غربها ، لكن عندما تم انشاء الإمتداد الجنوبي في عهد الصالح نجم الدين إلى فم الخليج الحالي ، أنشأ قنطرة لاسد في 1242م قبل تقطاع الخليج المصري بشارع السد ، فأهملت القنطرة القديمة وصار العبور بين الضفتين بواسطة قنطرة السد والسباع.


وكانت عبارة عن مراكب مربوطة ببعض ، وتوضع عليها ألواح ، ثم يتم تكسيتها بالتراب ، فيمكن العبور عليها دون إعاقة حركة المياه تحتها.

وأعيد بناء جسر الفسطاط - الروضة بعد الفتح العربي ، وجدد الجسرين العباسيون في 832م ، وكان رأس هذا الجسر يقابل دار النحاس بالفسطاط مقابل كوبري الملك الصالح الحالي او شمالا منه بقليل. وفي 1240م أقام الصالح نجم الدين أيوب جسرا بين الفسطاط وجزيرة الروضة ، كان هذا الجسر القديم عرضه 11.55 متر ، لذا كانت جزيرة الروضة أقدم الجزر النيلية اتصالات بالضفة الشرقية للقاهرة.

وكان آخر معبر بنفس النمط فيما بين الروضة والعاصمة في نهاية 1819 م لعبور مواكب استقبال ابراهيم باشا بعد تغلبه على الوهابيين. ولم يمضي سوى خمسة عقود حتى أقيم معبر جديد يربط المدينة بجزيرة الزمالك والجيزة وليس الروضة وهو كوبري قصر النيل وكوبري الجلاء في عهد اسماعيل (1872). وكان طول قنطرة النيل الحديدية 402 مترا وعرضها 1040 مترا ، وقد فرضت على حركة مرور الحيوانات والدواب والعربات والمشال والسكان (عدا الأطفال حتى ست سنوات والغزال) رسم عبور. وهدم هذا الكوبري في 1831 ، وأعيد بناؤه في 1933 بعد زيادة عرضه . أما كوبري الجلاء الذي يقابل كوبري قصر النيل (التحرير) قد تم إنشاؤه في 1877 ، أعيد بناؤه في 1914 بطول 145 مترا وعرض 19 مترا (وسبعة أمتار للأرصفة).

وظل معبر قصر النيل – الجلاء يربط القاهرة بالضفة الغربية للنيل في الفترة (1872 – 1908) ، حتى أقيم كوبري الملك الصالح على سيالة الروضة الشرقية وكوبري عباس في 1903 ، وأفتتح في 1907 ، وكذلك كوبري محمد علي الذي يربط الروضة بالمدينة أمام مستشفى القصر العيني ، ويبلغ طو قنطرة الملك الصالح 93 مترا ، وعرضها 15 مترا ويبلغ طول طوبري عباس المكمل له 535 مترا وعرضه 20 مترا. وهذا هو المعبر الثاني الذي يربط القاهرة بالجيزة بعد معبر قصر النيل – الجلاء. أما كوبري محمد علي ليس له ما يكمله غربا ، بل يساعد على زيادة كفاءة الحركة المرورية للمعبر الثاني ، ويبلغ طوله 67 مترا وعرضه 15 مترا.

وفي 1912 بدئ في إنشاء كوبري بولاق المتحرك ، ويبلغ طوله 270 مترا وعرضه 20 مترا ، وافتتح في 1912 ، ويكمله كوبري الزمالك المتحرك الذي تم إنشاؤه في 1912 أيضا ، ويبلغ طوله 125 مترا وعرضه 1605 من الأمتار. وبهذا اكتمل المعبر الثالث الذي يربط حي بولاق في القاهرة والعجوزة في الضفة الغربية (انظر شكل رقم 26 الذي يوضح تطور انشاء المعابر النيلية والمسافة الفاصلة بينها في بداية القرن العشرين).

أما المعبر الرابع فيتألف من كوبري واحد هو كوبري إمبابة الذي تم انشاؤه في 1913 لمرور السكك الحديدية المتجهة إلى الوجه القبلي عليه. وهو من الكباري الثابته ، ويتألف من طابقين ، أحدهما للنقل البطئ والمشاه والآخر للخط الحديدي والمركبات.

وبهذا تم انشاء أربعة معابر في أربعين عاما تربط القاهرة في الضفة الشرقية بالجزر النيلية (كالزمالك والروضة) والضفة الغربية. وبعد أربعين سنة أخرى بدأت حركة انشاء الكباري من جديد تلبية لكثافة الحركة المرورية بين ضفتي القاهرة الكبرى الشرقية والغربية ، فتم إنشاء من قِبل tghreed radi


أ- إن فارق سرعة النقل الحديدي عن العربات المجرورة سيؤدي إلى تطور إمكانية نمو المدينة من مساحة قدرها 6.7 كيلو متر مربع إلى 13.5 كم2 على اساس سرعة متوسطة للنقل الحديدي تبلغ 16 كم في الساعة.

ب- إن وجود أهم محاور خطوط الضواحي في إتجاه الشمال (خط) كوبري الليمون – شبين القناطر ) وفي إتجاه الجنوب (خط جنوب حلوان) سيؤدي إلى تمدد العاصمة وسهولة إمكانية النمو في إتجاه الشمال والجنوب ، مع معلومية أن النمو في إتجاه الشرق محدد بحافة مرتفاعت المقطم ، وإن النمو في إتجاه الغرب سيكون على حساب الأراضي الواقعة فيما بين كتلة المدينة في الشرق ومعمور الأراضي الحافة بالنيل (كتلة بولاق – جاردن سيتي والاسماعيلية أو التحرير) في الغرب ، وهي شقة مساحية محدودة ستتآكل بفعل النمو العمراني في الفترة القصيرة التالية ، وإن مجال التعمير بعيد المدى والأعمق سيكون في اتجاه الشمال والجنوب مع محاور النقل الحديدي.


الكباري بين مراحل العلاقة بين ضفتي القاهرة الكبرى

لقد مرت الضفة الشرقية للنيل (القاهرة) والضفة الغربية له (أراضي محافظة الجيزة المقابلة للقاهرة) بعدة مراحل تطورية من علاقات التفاعل عبر الزمن:

  • العلاقة التوأمية المتوازنة ، فمدينة القاهرة والجيزة مدينتين توأمتين كانتا حتى منتصف القرن التاسع عشر ، وقرئان هذه العلاقة التوأمية المتوازنة هي:

أ- أن المدينتين ذات نشأة عربية ، فالفسطاط النوية الاولى للقاهرة على الضفة الشرقية ، والجيزة مدينة عربية تقابلها قامت في وقت معاصر لقيام الفسطاط.

ب- وقوعهما على فضتي نهر النيل ، ويربطهما جسر الفسطاط - الروضة – الجيزة منذ النشأة الأولى.

ج- اعتماد كل منهما على الآخر في تبادل الوظائف والخدمات ، فالقاهرة كانت تعتمد على الجيزة في الترفيه والترويج ونواة هذه الوظيفة منطقة أهرامات الجيزة الأثرية ، ووظيفة الحماية ضد الأخطار القادمة من الجنوب والغرب لوجود حصن الجيزة ، وتعتمد الجيزة على القاهرة في الأنشطة التجارية لوجود ميناء الفسطاط وبولاق ، وكذلك الخدمات التي نمت بنمو العاصمة.


  • تطور إمكانية الوصول بين القاهرة والجيزة ، وتطور الجيزة كضاحية للقاهرة:

أ- كان جسر الفسطاط – الروضة – الجيزة وسيلة الاتصال الوحيدة بين الضفتين ، ولما اندثر حلت محله معدية تصل الضفتين جنوب جزيرة الروضة والمقياس بين مصر القديمة وشياخة ثالثة بندر الجيزة القديم.

كما كانت توجد معدية ثانية تربط ميناء بولاق النهري القديم بالضفة المقابلة له في الغرب ، حيث كانت توجد قرى أنبوبة (إمبابة) وتاج الدول وكفر الشوام وكفر الشيخ إسماعيل وجزيرة إمبابة ، التي كان تقع جنوب مخرج كوبري إمبابة قبل إنشائه.

ب- عندما تم إنشاء سكة حديد الوجه القبلي إبتدأ بتوصيلة في 1867 امتدت إلى أسيوط في البداية ، واستكمل في العقود التالية. وكانت بولاق الدكرور محطة البداية بالنسبة لخط الصعيد ، واستكمل في العقود التالية. وكانت بولاق الدكرور محطة البداية بالنسبة لخط الصعيد ، كما كانت محطة (باب الحديد) حطة بداية ونهاية الشبكة في الدلتا. وكان يربط خطوط الشبكة في الوجه القبلي والبحري معدية تجارية بين بولاق وإمبابة لنقل الركاب والبضائع المنقولة بالشبكتين في الاتجاهين. وكان التحول من السكة الحديد إلى المعدين ومنها إلى السكة الحديد أو وسيلة أخرى أثره الاقتصادي في إزدهار العمران لقرى إمبابة في الجانب الغربي ، والتحمت القرى السابقة ، وكونت مجمع تلاحمات قروية كانت النواة الرئيسية لبندر إمبابة القديم.

ج- لم يكن الاتصال بين الضفتين شبه ميسور للمشاة إلا بعد إنشاء قنطرة قصر النيل في بداية السبعينيات من القرن التاسع عشر (1871م) لتربط الضفة الشرقية بجزيرة الزمالك ، ولكن لم يصبح الاتصال بأراضي الجيزة إلا بعد إنشاء كوبري الجلاء في 1877. وأنشئ كوبري أبو العلا ليربط الضفتين في 1890 ، وتم ربط شبكتي سكك حديد الدلتا والصعيد بواسطة توصيلة كوبري إمبابة ، وأصبحت محطة بداية خط الصعيد في إمبابة . وتخدم النقل الداخلي في الضفة الغربية (الجيزة) محطات إمبابة – بولاق الدكرور – الجيزة. وتوالى إنشاء الكباري مثل كوبري أبو العلا في 1912 لربط بولاق بشمال جزيرة الزمالك ، ، وكوبري الزمالك لربط الجزيرة بجنوب إمبابة ، وكوبري محمد علي في 1908 لربط القاهرة بشمال جزيرة الروضة ، وكوبري الملك الصالح وكوبري عباس في 1908 لربط مصر القديمة بجنوب الروضة وبندر الجيزة في الغرب.



. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

القوى المولدة للنمو في بداية القرن العشرين

تضم القوى المولدة للنمو في العاصمة المصرية في هذه الفترة مجموعة متغيرات تتعلق بالنقل وامكانية الوصول ، مثل تطور الشبكة الطرقية وشبكة المعابر على النيل وشبكة الترام المستحدثة ، وهذه المجموعة من القوى توسع من دائرة امكانية النمو ، مع متغيرات أخرى ساعدت على نمو العاصمة مثل ازدهار السوق العقاري والتحول الديموغرافي الذي طرأ على مجتمع العاصمة ، وأخيرا ما ترتب على مشروعات التحكم في النيل من تأمين أراضي الطرح الجديدة بالعاصمة من الفياضانات العالية.


تأمين أراضي الطرح من الفيضان سبق الاشارة في الفصول السابقة أن نهر النيل هجر مجراه وطرح أراضي وسط المدينة الحالي غرب شارع الجمهورية ، وكانت هذه الأراضي الجديدة هدف موجات من التعمير في فترات العصر الوسيط ولكن حل بها الخراب بفعل فياضانات النهر العالية.

وكان آخر انحسار للنهر في اتجاه الغرب في منتصف القرن التاسع عشر ، وظهرت شقة يابسة تنحصر بين شارع جسر البحر الأعظم وامتداده في شارع أبي الفرج في الشرق وشاطئ النيل الحالي في الغرب ، مما أظهر ساحل روض الفرج كضاحية حديثة.

ولكن التعمير الدائم لأراضي الطرح الجديدة والقديمة لم يتأت الا بعد المحاولات الجادة لضبط النهر حتى أمكن تأمين العاصمة والأراضي الجديدة من أخطاره. ولم يكن هذا هدفا وحيدا وراء ضبط النهر ، بل كان التحول من الري الحوضي إلى الري الدائم من أجل زراعة المحاصيل الجديدة التي أدخلها محمد علي مثل القطن الذي أدخل مصر في 1820م.

فقد كان التباين بين أعلى إيراد مائي للنيل وهو 151 مليار متر 3 في عام 1878/1879 وأدنى إيراد بلغ 42 مليار متر 3 حدث في عام 13/1914 . كما أن ايراد النهر في أي سنة في الفترة (1912 – 1957) ، يتفاوت بين عجز واضح في الفترة بين فبراير وآخر يوليه وبين فاضه في شهور السنة المتبقية.

وقد بدأ محمد علي في النصف الأول من القرن التاسع عشر برنامجه في الجمع بين الري الحوضي والري الدائم ، ويتلخض هذا البرنامج فيما يلي:

- إكمال جسور النيل وتقويتها لحماية الأراضي المنزرعة قطنا من الفيضان قبل جني المحصول.

- حفر أطوال جديدة من الترع الصيفية (العميقة) وتحويل جانب كبير من الترع النيلية إلى ترع صيفية صالحة لتمرير تصرفات الصيف المنخفضة من النيل لزراعة محصول القمح.

- تنفيذ مشروع بناء القناطر الخيرية في الفترة 1843 – 1863 ، وارتبط بالمشروع حفر الرياحات الثلاث الهامة – التوفيقي والمنوفي والفيومي – في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، وهي قنوات توصيل (Carrier) للمياه تتميز عن ترع التعذية التي تتفرع منها ، وتروي الأراضي الزراعية مباشرة مثل ترعة البوعية التي حفرها محمد علي أيضاز

وقد استمرت محاولات ضبط النهر في الفترات التالية مثل مشروعات تعلية القناطر الخيرية إلى ارتفاع 3.75 مترا بدلا من متر ونصف في الفترة (1861 – 1890) ، وبناء خزان أسوان في الفترة (1895 – 1902) ، وقناطر زفتى (1901 – 1903) ، وتعلية خزان أسوان في 19090 – 1912. واستمرات أعمال ضبط النهر في المراحل التالية ، فتمت تعلية خزان أسوان الثانية (1929 – 1923) ، وبناء سد جبل الأولياء (1933 – 1937) ، وقناطر الدلتا (1937 – 1938) ، وقناطر ادفينا (1946 – 1951) ، والسد العلاي في السيتنيات من القرن والعشرين ، والمحاولا مستمرة بأعالي النيل.

ومن الطبيعي أن يمتد التعمير الواثق إلى أراضي الطرح التي تعاقبت عليها موجات التعمير والخراب حتى تحولت إلى كيمان ومنافع بعد جلاء الفرنسيين عن القاهرة ومصر. وأزيلت هذه الكيمان وردمت المناقع وتم تخطيطها وإقامة أحياء جديدة ، وتشغلها الآن منطقة الأعمال المركزية وحي دواوين الحكومة ، لذا تسجل أقسام هذه المنطقة في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين معدلات نمو سكاني كبيرة ، فقد سجل قسم الأزبكية معدلا يبلغ 4.6% سنويات في الفترة (1897 – 1907) ، والموسكي 3.3% وعابدين 3.1% ، ولكن قسم قصر النيل تأخر في ارتفاع معدل نموه السكاني إلى الفترة (1917 – 1927) حيث بلغ معدل النمو وقتها 4.6% سنويا. كما أن أراضي الطرح الحديثة في شبرا وروض الفرج والساحل سجلت معدلات نمو تبلغ أكثر من ثلاثة أمثال المعدل العام للعاصمة.


ومن الطبيعي أن يتجمد النمو نحو الشمال حتى تأتي المدينة في نموها على الموارد الموضعية الحخديدة التي تدخل في دائرة اعادة التوازن. والشكل رقم 51 يبين ميكانيزم حركة المدينة التوازنية ، فالشكل (أ ، ب) شكل المدينة الواقعي المستطيل في بداية القرن العشرين (1886م) ونفس مساحة المدينة المستطيل بعد تحويله إلى شكل دائري (الشكل الطبيعي للمدينة) والدائرة الصغرة لمساحة المدينة الدائرية كما يجب أن تكون في عهد الترجل ، والشكل في إجماله يوضح تضخم المدينة وإفراط نموها الأفقي.

والشكل يصور رد فعل المدينة بعد إزالة العائق الغربي (النيل) بنشأة الكباري فإن المدينة ستتحول إلى الشكل الدائري بالنمو غربا ، فيرسم الدائرة التي تمثل مساحة المدينة المستطيلة من مركزها الجغرافي في نهاية القرن التاسع عشر (ميدان الازبكية) ونجدها تضم مساحة واسعة من تلال الحافة الشرقية تبلغ 3.92 كم2 ، وستضم مثلها من تلال الحافة في الجنوب ، أي ستضم 7.84 كم2 (25.8% من مساحة المدينة) ، وستضم المدينة مساحة 3.92 كم2 من أراضي الضفة الغربية. ولكن قهر العمران للحواف الشرقية أمر غير ممكن ، وبالتالي كان لزاما أن تتزحزح المدينة غربا بقلبها بمساحة تبلغ 11.76 كم2 (هي قيمة مساحة نمو المدينة في أراضي الحواف الشرقية والجنوبية الغربية أي خارج المواقع الثابتة).

وبرسم الدائرة التوازنية التي تمثل مساحة المدينة العمرانية في نهاية القرن التاسع عشر ، وبحيث تتماس مع الحواف الشرقية والجنوبية للقاهرة (التي لا يمكن قهرها) نجدها تبرز عبر النيل وتحدد قطاعات موضعيا تبلغ مساحته (11.1كم2) يختلف عمقه من مكان إلى آخر ، فيضم الجزر النيلية كالزمالك والروضة ، ويشمل قطاعات يمتد من كوبري إمبابة شمالا حتى منتصف كوبري الجيزة والجامعة (جنوبا) ، ويبلغ تعمقه للداخل حتى نادي الصيد والمدينة الجامعية لجامعة القاهرة.

ويلاحظ أن مركز دائرة التوازن المضغوطة والممثلة لمساحة المدينة في نهاية القرن التاسع عشر ستقع شمال كوبري 6 أكتوبر مباشرة ، بحيث يبعد عن ميدان الأزبكية (الأوبرا) قلب المدينة الجغرافية بتحركها كيلو ونصف في إتجاه الغرب مع انحراف بسيطة نحو غرب الجنوب الغربي من ميدان الأوبرا.

درجة تدفق العمران عبر المعابر:

ولقد بدأت حركة إنشاء الكباري و1871 بنشأة كوبري قصر النيل ، ولكي يصل الضفة الشرقية بجزيرة الزمالك ، ولم يكن هناك كوبري على البحر الأعمى (فرع النيل الشرقي) ، ليتم نشأة المعبر بين ضفتي القاهرة ، وعلى هذا الأساس يمكن أن نعتبر أن أقدم المعابر الحديثة على النيل والذي يربط الضفتين هو معبر كوبري إمبابة ، حيث شيد في العقد الأخير من القرن التاسع عشر (1891) لربط شبكتي حديد الدلتا والوجه القبلي ، ويأتي معبر قصر النيل – البحر الأعمى (الجلاء) في المقام الثاني (1901) حيث شيد كوبري قصر النيل (1871) والكوبري الأعمى (1901) ، ثم يأتي معبر الملك الصالح – عباس (الجيزة) في المقام الثالث (1902) ، ثم معبر بولاق – الزمالك (الانجليز) في المقام الرابع حيث شيد كوبري بولاق في (1908) تلاه كوبري الزمالك في 1912.

واستنأفت حركة إنشاء الكبارية مرة أخرى بعد ما يقارب من نصف قرن ، فتم إنشاء كوبري الجامعة ليكون مع كوبري سيالة الروضة وكوبري محمد علي (1902) المعبر الخامس ، وفي 1976 أي بعد عقدين من الزمن تقرياب تم تشييد المعبر السادس ، ممثلا في كوبري 6 أكتوبر جنوب بولاق مباشرة.

وقد سبق أن أشرنا أن نهر النيل أعاق النمو نحو الغرب حتى إنتهاء الفترة الأولى لنشأة الكباري (1912) ، كما خلقت المحددات الطبوغرافية طاقة مكبوتة ، مثلت إضافة تراكمية للنمو في المستقبل بعد زوال أحد هذه المحددات الطبيعية (النيل) ، وسيظهر أثرها في نمو المدينة العمراني الأفقي نحو الغرب في الفترات التالية لنشأة المعابر.

وقد حددت حركة المدينة التوازنية إطارا للموارد الموضعية اللازمة للنمو العمراني الأفقي فيما بين كوبري إمبابة في الشمال وما بين كوبري عباس والجامعة في الجنوب بعمق يصل إلى نادي الصيد في المنتصف (النظر شكل 52) ، وحركة المدينة التوازنية هذه أولى القوى الدينامية غربا لاصلاح التشوه الخلقي لكائن القاهرة الناتج عن الظروف الموضعية القهرية ، وبالتالي من الأفضل تسميتها بطاقة المدينة التعويضية أو طاقة النمو غير الطبيعية لأهميتها وخطورتها في إصلاح هيكل نمو المدينة.

لكن ليس من المتوقع أن يكون النمو العمراني الأفقي في الضفة الغربية حلقيا نصف دائريا بطول المدينة من الشمال إلى الجنوب ، وذكل لأنه من غير الممكن على أي ساكن في الضفة الشرقية العبور إلى مواجهته في الضفة الغربية ، ولكن تتحكم في عمليات العبور بين الضفتين المعابر التي أقيمت 1916 ، وهم أربعة ، ومعبر بولاق – الزمالك ومعبر قصر النيل – الجلاء ، ومعبر الملك الصالح – عباس.

ومن الطبيعي أن هذه المعابر تمثل أعناق زجاجة ترتفع فيها كثافة الحركة إلى حد الاختناق ، وذلك لأنها تختصر إتصال الضفتين في أشرطة أو أنابيب ضيقة ، إذ تلتقي محاور الحركة الداخلة إلى مداخل الكباري لتلتقي وتختزل في معبر واحد ، ثم تتشعع من مخرجها إلى الاتجاهات المختلفة.