تاريخ الولايات المتحدة
تاريخ الولايات المتحدة هو كتاب يستعرض تاريخ الولايات المتحدة منذ القرن السادس عشر حتى القرن العشرين. الكتاب من تأليف عبد العزيز سليمان نوار ومحمود محمد جمال الدين، دار الفكر العربي، 1999.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مقدمة
لقد بدأت علاقات الولايات المتحدة بالشرق العربي في حوالي منتصف القرن الماضي أو قبل ذلك بقليل، ومنذ ذلك الحين – وحتى أصبحت الولايات المتحدة قوة دولية في مطلع القرن الحالي – اقتصرت علاقاتها بالعالم العربي على نشاط بعض الهيئات التبشيرية أولا، ثم الثقافية فيما بعد، حيث استمر ذلك حتى نهاية العقد الرابع. بدأت تلك العلاقات – لأسباب سياسية وجغرافية – في منطقة الخليج العربي ثم الساحل الشرقي للبحر المتوسط، وما لبثت هذه الصلات أن ازدادت أثناء الحرب العالمية الثانية من حيث النوعية والاتساع، حيث أصبحت تشمل – مع بداية العقد الخامس – مختلف النشاطات السياسية والاقتصادية والثقافية. هذا بالإضافة إلى هجرة أعداد لابأس بها من العالم العربي فترة ما بين الحربين إلى القارة الأمريكية. إن ازدياد وقوة هذه العلاقة يحتم على كلا الطرفين – العربي والأمريكي- أن يتعرف على تاريخ وحضارة الطرف الآخر. وبهذا فإن هذه الدراسة إنما هي محاولة لتعريف القارئ العربي – بصورة عامة وطالب الكلية والجامعة بصورة خاصة – بالخطوط الرئيسية لتاريخ هذا البلد.
وإن للكاتب هدفين رئيسين في وضع هذا الكتاب الأول، أن المكتبة العربية – حسب علمي – تفتقر إلى كتاب جامع شامل لهذا الموضوع باللغة العربية، وإن وجدت بعض الكتب فهي إما موجزة جدا لاتكاد تغطي إلا بعض الظواهر البارزة في هذا التاريخ ، وإما عامة لاتتناول خصوصيات هذا التاريخ في تتابع زمني متناسق ، وإما أنها تتناول فترات معينة من هذا التاريخ . لذلك كان هدفنا الأول هو محاولة سد بعض الفراغ في المكتبة العربية بوضع كتاب يعالج هذا الموضوع بصورة جامعة وشاملة لكل مراحل التاريخ الأمريكي . وأما الهدف الثاني فهو أن تدريس الكاتب لمادة التاريخ الأمريكي في جامعات أمريكية ثم في الجامعات العربية قد أشعره بمدى حاجة الطالب العربي إلى كتاب واحد باللغة العربية يعالج هذا الموضع . وعلى ذلك فإن هذا الكاتب لا يخفي بأن هدفه الرئيسي إنما هو خدمة ذلك الطالب . ومن هذه الناحية ، ونظرا للظروف الراهنة التي أصبحت علهيا العلاقات الأمريكية العربية ، فإننا نوصي بضرورة تقرير مادة التاريخ الأمريكي كمتطلب لطلبة كليات الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعات والكليات العربية، وأن تكون هذه المادة إلزامية بالنسبة لتخصصات المواد الاجتماعية (التاريخ والجغرافيا والاجتماع والاقتصاد).
وقد توخينا – في كتابنا – تبسيط وعرض الخطوط الرئيسية للتاريخ الأمريكي على شكل موضوعات متحدة . كل موضوع نعالجه في باب رئيسي مستقل . فوضعنا هذا الكتاب في جزأين : الأول يبدأ بالخلفية الأوروبية للكشوف الجغرافية للعالم الجديد – عهد إعادة البناء .. حيث ينتهي هذا الجزء بعام 1877 . أما الجزء الثاني فيبدأ بفترة نشوء الولايات المتحدة كقوة اقتصادية كبرى ، ويشمل : تطور الأمة الأمريكية – أمريكا كقوة دولية – من ازدهار إلى انحسار – من النظام الجديد إلى النظام المعتدل – الحكم الجمهوري المعتدل – الحدود الجديدة والأوقات العصيبة – وأخيرا ، أمة تنظر إلى الأمام.
ونحب أن نلفت الانتباه أننا وضعنا نصب أعيننا الابتعاد عن التفسيرات الشخصية التي غالبا ما تكون مثارا للخلاف بين المتخصصين ، ومثارا للإرباك في تفكير القارئ . ولذلك فقد ركزنا على عرض وشرح ملامح التاريخ الأمريكي الرئيسية ، كما اتفق عليها المتخصصون دون محاولة إعادة تفسيرها ، وبهذا فقد ابتعدنا عن أن تكون معالجتنا للموضوع موسوعية ، حيث تجنبنا ذكر الأحداث والأشخاص والتشريعات غير الهامة ، وتجنبنا ذكر العديد من الهيئات والمؤسسات الرسمية الثانوية التي لم تلعب دورا رئيسيا في مجرى ذلك التاريخ .
هذا ومن الصعوبات التي يواجهها الكاتب في مثل هذا الموضوع هي كيفية نقل الأسماء الأجنبية إلى اللغة العربية . وقد انبعث أسلوب كتابة أسماء الأعلام والأحداث كما هي بحروف عربية ، دون ترجمتها ، وكما تلفظ أصلا باللغة الإنجليزية ، ونظرا لكثرة استخدام الحروف الأولى فقط من أسماء الولايات ، فقد وضعنا – تسهيلا للقارئ – قائمة بمختصرات أسماء الولايات بما يتناسب والقارئ العربي .
ورغم قصر التاريخ الأمريكي – نسبيا – مقارنة بتواريخ بعض الشعوب الأخرى ، فإن مجالات البحث فيه وتوفر الوثائق الرسمية وغير الرسمية قد جعله كثير التشعب يزخر بمادة تاريخية غنية . وعلى ذلك ففي نهاية كل فصل اخترنا بعض المصادر الرئيسية له وذلك خدمة للقارئ الذي يرغب في زيادة الاطلاع أو التخصص . وفي نهاية الجزء الثاني ، اخترنا بعض المراجع العامة .
ولأن المصدر الرئيسي لأعمال وسلطات الحكومة الاتحادية الأمريكية إنما هو الدستور الأمريكي (1787) ومن قبله وثيقة إعلان الاستقلال (1776) ، فقد قمنا بترجتمتها – بتصرف – ووضعناهما كملاحق في نهاية كل جزء . هذا بالإضافة إلى ملاحق أخرى توضيحية : تاريخ التوسع الإقليمي – تطور الاتحاد الفيدرالي – الرؤساء ونواب الرؤساء – تطور عدد السكان – مراحل التوصل إلى تشريع قانوني .
وقد بذلنا جهدنا في الوصول إلى ما ابتغيناه من هذا الكتاب ، ونأمل في أن نكون قد حققنا الأهداف التي توخيانا وسعينا إليها . مع أن التاريخ الأمريكي لا يزال – أيضا – بكرا ، ومجالا مفتوحا أمام الباحثين والمؤرخين العرب الذين يحاولون صياغته وكتابته باللغة العربية.
الباب الأول: نشأة الشعب الأمريكي
إن تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية يبدأ في قارة أوروبا قبل أن تعرف هناك أمريكا ، وفي قارة أمريكا نفسها قبل أن يصلها الأوروبيون . ففي عهد كولومبوس كان الأوروبيون نشيطين ، يسيرون بخطوات سريعة ، حيث كانوا يكتشفون ويستكشفون العالم من جديد ، واصلين إلى آفاق وأماكن بعيدة .
إن اكتشاف كولومبوس الرائع والمحير لأراض جديدة كان قد شجع الآخرين على الكشف ، فمن إسبانيا والبرتغال ، ومن فرنسا وإنجلترا وبعض الأمم الأوروبية الأخرى ، اندفع كثير من المغامرين ، الذين خاطروا بحياتهم ، بأموالهم ، وبسمعاتهم ، لكي يصبحوا أغنياء ويكونوا إمبراطوريات جديدة .
أمريكا التي وجدوها كان يقطنها ملايين من الناس ، ولكنهم كانوا متناثرين في قارتين ، ولم يكن لدى هؤلاء الأمريكيين الأصليين السفر أو المعرفة العلمية التي تمكنهم من الوصول إلى أماكن أخرى ، وهكذا فقد أصولهم الأوروبيون بعالم لم يكونوا يعرفونه من قبل . وما كان يعني بالنسبة للأوروبيين النجاح وتكوين إمبراطوريات ، إنما كان يعني – بالنسبة للأمريكيين الأصليين – الصراع من أجل الحفاظ على أراضيهم وطريقة معيشتهم .
إن الآمال التي جلبها سكان (العالم القديم) إلى (العالم الجديد) – كانت متخلفة بقدر الاختلاف بين أممها وشعوبها : الطمع في الذهب أو حب المغامرة – حب العظمة أو شرف خدمة الحاكم – الهرب من ظلم حكومة جائرة – العبادةب الطريقة التي يرونها – الهرب من الفقر أو السجن – تكوين مزرعة يحلمون بها . وهنا البعض الذيحضر بدون أمل – إذ يستخدمون كعبيد في المزارع أو في المناجم والمطاحن . وبالتدريج ، وخلال ما يقرب من المائتي عام ، فقد صهرتهم الحياة في القارة الجديدة في بوتقة واحدة كونت منهم الشعب الأمريكي .
الفصل الأول: الكشوفات الجغرافية
يتفق مؤرخو العصر الحديث على القول بأن اكتشاف أمريكا إنما كان نتيجة حتمية لتوسع الحضارة الأوروبية في أواخر العصور الوسطى . لقد مثلت تلك الفترة في نظرهم تصاعدا مستمرا في سلطة أوروبا التجارية والسياسة ، وكان هذا الاكتشاف أهم حدث في ذلك التصاعد . وإن هذا التوسع الأوروبي قد جعل الوقت ناضجا لاكتشاف كريستوفر كولومبس (Columbus) ، ولو لم يكن كولومبس قد قام بهذا العمل ، لكان بالإمكان أن يقوم به شخص آخر . ومن ثم فحتى يمكن فهم حدث اكتشاف أمريكا ، فإنه لا بد من استعراض الخلفية التاريخية له في أوروبا ، ومن خلال ذلك فإننا سنرى بأن هذا الاكتشاف لم يكن عملية منعزلة بنفسها – وأهم عملية في ذلك – ولكنه كان خطوةف يطريق التوسع الأوروبي ككل . لقد كان الإسبانيون أول من قدم الحضارة الأوروبية إلى العالم الجديد ، وتلاهم في ذلك البرتغاليون ثم الفرنسيون ثم البريطانيون .
الخلفية التاريخية لأوروبا في عصر اكتشاف أمريكا
عاشت أوروبا في أواخر العصور الوسطى أحداثا وتغيرات هامة تفسر كيف ولماذا كان بالإمكان اكتشاف قارة جديدة الحروب الصليبية لقد قام مسيحيو أوروبا في الفترة بين عام 1095-1291 بشن سلسلة من الحروب الدينية في شرق البحر المتوسط ضد المسلمين . ورغم اختلاف المؤرخين في تفسير الدوافع لهذه الحروب ، فإنه يكاد يكون بينهم شبه إجماع على أن الغرض الأساسي منها إنما كان الاستيلاء على الأراضي المقدسة – بما فيها لاقدس التي ترتبط بحياة المسيح – طمعا من قادة ههذ الحملات في إنشاء دويلات لأنفسهم هناك .
كان للحروب الصليبية آثارها الفعالة على أوروبا . من أهم هذه الآثار أن الحملات العسكرية الصليبية عرّفت الأوروبيين على حضارة أناس كانت أكثر تقدما من الحضارة الأوروبية . وبهذا فقد اتسع أفق الأوروبيين لما حولهم . بالإضافة إلى ذلك ، فإن معرفة الأوروبيين لمنطقة شرق البحر المتوسط وجنوبها قد زاد من معلوماتهم الجغرافية . وأخيرا ، فقد تعلم الأوروبيون تقدير ومحبة الكثير من منتجات تلك المناطق ، وتجدر الملاحظة هنا بأن الشرق في ذلك الوقت كان أكثر تقدما من أوروبا في كثير من النواحي ، خصوصا الطب والعلوم ، في الحضارة واتساع المدن ، وفي تمتعهم بأنواع كثيرة من المأكل والملبس والحاجيات الأخرى .
ونتيجة للحروب الصليبية ، فقد أصبح الأوروبيين أكثر تقديرا لحاجيات آسيا بصورة عامة ، والتي لم يكونوا قد عرفوا مثلها من قبل ، من بينها الملابس وخصوصا الحارائر وأقمشتها المشجرة ، والسجاد الشرقي والأقمشة المصنوعة من القطن . كما تعلم الأوروبيون أيضا تذوق البهارات أثبتت منفعتها للأوروبيين في حفظ وجعل المأكولات أكثر شهية ، وبذلك ابتعدوا عن الروتين الأوروبي المعروف في الأكل ، وهكذا فقد كان التحصيل الحاصل للحروب الصليبية إنما هو زيادة التبادل التجاري بين أوروبا وآسيا .
صعوبة الحصول على الحاجيات الأسيوية
اتضح للأوروبيين صعوبة الحصول على هذه الحاجيات الآسيوية وكذلك ارتفاع أسعارها . وبذا فقد بدأوا يبحثون عن الوسائل المختلفة للحصول على هذه الحاجيات ، ورأوا ضرورة التغلب على ثلاث عقبات في هذا السبيل : أولا ، أن غلاء هذه الحاجيات إنما كان يرجع إلى طول الطريق التجارية التي تقطعها مما يزيد من تكليفها .
فمعظم هذه الحاجيات كان تأتي من الصين والهند وجزر الهند الشرقية وبلاد فارس وشرق البحر المتوسط . والبعض منها كان ينقل بواسطة القوافل عبر طرق برية طويلة ، وأحيانا كانت تستعمل الطرق البحرية ثم البرية . وقد كانت هذه الحاجيات تشحن بواسطة تجار إيطاليا من موانئ آسيا الصغرى (تركيا) ، ومن موانئ فلسطين ، أو الموانئ المصرية . بطبيعة الحال ، كان هذا الطريق الطويل – عدا من المصاعب المترتبة عليه – سببا في غلاء هذه الحاجيات عندما تصل غلى المستهلك الأوروبي . ثانيا ، كان نقص العملة الذهبية في أوروبا وعدم احتياج الشرق للحاجيات الأوروبية قد ضاعف في صعوبة دفع أثمان هذه الواردات الآسيوية ، وأخيرا ، فإن احتكار التجار الإيطاليين للتجارة مع آسيا قد زاد أيضا من ارتفاع أسعار تلك الحاجيات . وبناءا على ما تقدم فقد بدأ التجار الأوروبيين وكذلك الدول الأوروبية في التفكير في وسائل للتغلب على هذه المصاعب .
ظهور نظام الدولة الحديثة
تميزت قارة أوروبا عن غيرها من قارات العالم في العصور الوسطى بسيطرة النظام الإقطاعي عليها ، ذلك النظام الذي كان يعتبر في حد ذاته نظاما سياسيا واقتصاديا واجتماعيا . ولقد كانت سطوته من العوامل الرئيسية التي أخرت شعوب القارة ألأوروبية عن مماثليهم في القارة الأسيوية . غير أن سطوة النظام الإقطاعي هذه بدأت تضعف تدريجيا في أواخر العصور الوسطى ، وبدأ يفقد سلطته في الوقت السابق على اكتشاف أمريكا ويحل محله نظم ملكية استطاعت أن توحد كل الإقطاعيات في منطقة واحدة – (ظهور نظام الدولة بمعناها الحديث) . بوادر انهيار النظام الإقطاعي هذا بدأت تظهر أولا في البرتغال ثم إسبانيا ثم إنجلترا ثم فرنسا . يضاف إلى ذلك ، أن الزيادة في العلاقات التجارية مع آسيا منذ الحروب الصليبية كانت أدت إلى ظهور طبقة وسطى من بينها بعض التجار الأثرياء . وبما أن الملوك كانوا حماة للتجارة الداخلية والخارجية فإن التجار كانوا يقرضون الأموال ويدفعون الضرائب – عن طواعية – لهؤلاء الملوك مما ساعدهم على توسيع سلطتهم على النبلاء ، كان اختراع البارود قد ساعد الملوك أيضا على التغلب على رجال الإقطاع وبذلك كانوا قد اكتسبوا مناطق أكثر على حساب هؤلاء أو حرموهم من سلطنة الحكم التي تمتعوا بها فيما سبق ، وبناءا عليه فقد أصبح لهذه الدول الملكية الجديدة السيطرة على موارد كافة لتمويل الرحلات البحرية والقيام باستكشافات فيما وراء البحار . وبازدياد قوة هذه الدول ، فإن ملوكها بدأوا يحاولون كسب بعض الامتيازات لصالح دولهم على حساب الدول الأوروبية الأخرى . ونتيجة حتمية لكل ذلك فقد ظهر تنافس شديد بين الدول الأوروبية يعمل على توسيع السيطرة الإقليمية والتجارية .
الثورات التجارية والجغرافية
يشير المؤرخون إلى جميع التغيرات التي صاحبت النمو التجاري في أوروبا باسم (الثورة التجارية) . هذا التعبير يعني ظهور الطرق الحديثة في العمل التجاري مثل نظام البنوك واقتراض رأس المال بفائدة واستعمال النقود كوسيلة للتعامل ، والتجارة على نطاق واسع . هذه التغيرات كان قد تبعها تحول في الطرق التجارية إلى أوروبا ، فبدلا من التجارة عن طريق البحر المتوسط تحولت هذه الطريق إلى المحيط الأطلسي ، وفيما بعد استطاع التجار الأوروبيون القضاء على الاحتكار التجاري الإيطالي . هذا التوسع التجاري بكل مظاهره كان العامل الأساسي في حدث اكتشاف أمريكا .
وبزيادة معرفة الأوروبيين بالعالم الخارجي ، فقد ازدادت رغبتهم في الكشوف الجغرافية ، ماركو بولو (Marco polo) مثلا ، وبعض أفراد عائلته من التجار كانوا قد زاروا الصين ، وقد كتب هذا عن إقامته هناك والتي استمرت سبعة عشر عاما ، وهكذا فقد زادت هذه الكتابات من رغبة الأوروبيين في التجارة مع آسيا . كما أن المبشرين الذين سافروا إلى بلاد فارس والهند والصين ، وفيما بعد إلى اليابان ، كانوا قد ساهموا في زيادة المعلومات والتعامل مع الشرق الأقصى .
الرحالة السابقون لكولومبس
أصبح من السملم به الآن أن كولومبس لم يكن بالفعل أول أوروبي وطأت قدماه أرض العالم الجديد ، ولكن عديدا غيره كانوا قد سبقون ووصلوا شواطئ أمريا الشمالية في ظروف غامضة مما جعل آثارهم شبه معدومة وجعل أخبار رحلاتهم أشبه بالأساطير منها بالواقع التاريخي . فهناك دلائل كثيرة على أن أهل الشمال الأوروبي (Norsemen) والملقبون بالفايكنجز (Vikings) ، أولئك البحارة المهرة من أسكندنيفيا ، كانوا قد اكتشفوا أيسلندا وجرينلند ولبرادور قبل عام 1000 م. وفي تلك السنة كان البحار ليف أركسون (Lief Erickson) وقد اكتشف ما أسماه هو فنلندا – ويمكن أن تكون هي نيوانجلند الحالية – وقد أنشأ مستعمر عليها وكلنها لم تدم طويلا . وكان الباسكويز (Basques) يقومون برحلات بعيدة للصيد في المحيط الأطلسي ، وتوجد هناك كثير من الأقاويل والحكايات عن غير هؤلاء من البحارة الذين زاروا أرضا بعيدة جدا إلى الغرب .
التقدم في وسائل الإبحار
لقد شاهدت أوروبا في القرن الثاني عشر عددا من الاختراعات الجديدة في وسائل الإبحار وبناء السفن الكبيرة ، وقد ساعد هذا التقدم التكنولوجي البحارة على أن يذهبوا بعيدا عن البحر المتوسط ، فاختراع البوصلة وتطوير الاسطرلاب (آلة فلكية قديمة ذات صفائح) الذي سبق المزولة (آلة لتحقيق مركز السفينة بالنسبة إلى خطوط الطول والعرض) ، مكن البحارة من تحديد مواقعهم القديمة ، كما أمكن عمل خرائط وقياسات ساعدت البحارة في تحديد موقعهم ، وفي الاستفادة من اتجاهات الرياح والتيارات البحرية ، وتلافي الأخطار .
اكتشاف الطرق البحرية
لقد ظهرت أولى مساعي الاكتشاف في شبه جزيرة ليبيريا ، خصوصا في البرتغال . ويعتبر ذلك أمرا طبيعيا نظرا لموقع إسبانيا والبرتغال على المحيط الأطلسي وإشرافهما على أهم طرق المواصلات البحرية الدويلة في ذلك الوقت . يضاف إلى ذلك ، توفر الرغبة والاستعداد لدى شعبي البلدين في الانطلاق نحو آفاق جديدة باكتشاف مناطق مجهولة . وربما يمكن الإضافة بالقول إن تدين وتمسك شعبي البلدين بالمسيحية دفعهما إلى العمل على نشر هذه الديانة في أماكن مجهولة .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الأمير هنري والبرتغاليون
من أبرز رجال البرتغال الذين اهتموا بعمليات الاكتشاف ، كان الأمير هنري (1394-1460) ابن الملك جون الأول ملك البرتغال والذي عرف – فيما بعد – باسم هنري الملاح . لقد بدأ هذا الأمير حياته كقائد من قواد الأسطول البرتغالي ، وهو الذي احتل مدينة سبتا على شاطئ المغرب في سنة 1415 م ، حيث كانت أول خطوة استعمارية لبلاده في أفريقيا . ومنذ ذلك الوقت بدأ يهتم بأفريقيا بصورة خاصة ، ويمكن القول بأن هذا الأمير قاد بلاده في تقدم وسائل الإبحار والاستكشافات ، فلقد أنشأ مدرسة بحرية في قرية برتغالية اسمها ساجريس (Sagres) في أقصى الجنوب الغربي من ليبيريا ، كان غرضها دراسة فن الإبحار ، حيث بنى بجانبها – أيضا – مرصا ، وسرعان ما أصبحت هذه مركزا للدراسات الجغرافية والبحرية ومعه كثير من العلماء . ولقد تخرج من هذه المدرسة بحّارة استطاعوا أن يكتشفوا ساحل أفريقيا وأراض أخرى للبرتغال وفتحوا تجارة العاج والذهب والرقيق . وقد استمرت هذه الكشوفات تدريجيا بمحاذاة ساحل أفريقيا الغربي ، حيث استطاع البحار بارثولوميو دياز (Bartholomew Diaz) الدوران حول قرن أفريقيا الجنوبي – رأس الرجاء الصالح) سنة 1487 م .
ويتولى الملك عمانويل الأول الحكم في سنة 1495 م ، واندفع البرتغاليون بحماس وقوة في التوسع نحو الشرق ، حيث أمر هذا الملك بتجهيز حملة بقيادة البحار فاسكو دي جاما (Vasco de Gaama) سنة 1497م ، حيث وصلت تلك الحملة إلى شواطئ أفريقيا الشرقية التي كانت حتى ذلك الوقت وقفا على البحارة والتجار العرب . ومن الجدير بالذكر أن البحارة العرب كانوا قد خبروا طرق البحر الأحمر والمحيط الهندي والخليج العربي ، وكانت لهم فيها – قبل مجيء البرتغاليين – تجارب قديمة وخطوطا بحرية دائمة ومزدهرة ، لقد بدأ نشاط البحارة العرب هذا منذ مطلع القرن الحادي عشر الميلادي . ويعزى إليهم عموما حفظ أفكار بطليموس من الزوال وكتابتهم لعديد من مؤلفات الجغرافيا . وقام هؤلاء – أيضا – برسم العديد من الخرائط للمحيط الهندي وبحر الصين بما فيها من تيارات بحرية وجزر ومرافئ .
وبصورة خاصة ، فغن بحارا عربيا اسمه أحمد بن ماجد كان قدّم للبرتغاليين معلومات هامة عن طرق الوصول إلى الهند . وقد ساعد ابن ماجد – بالفعل – حملة دي جاما إلى شواطئ الهند ، حيث وصلها في شهر مايو سنة 1498م ، وتعرف على سواحلها الغربية ، ودرس أسواقها التجارية وما فيها من سلع وحاجيات طالما تمنى الأوروبيون الحصول علهيا دون وساطة أهل الشرق أو التجار الإيطاليين .
ورجوع حملة دي جاما إلى لشبونة سنة 1499م ، عائدين من الهند ومعهم الكثير من حاجياتهم ، فقد أعلن دي جاما للعالم اكتشاف طريق جديد يصل أوروبا بالهند دون المرور بالبحر المتوسط ، وهو حلم رواد البحّار والتجار الأوروبيين . وبهذا يكون دي جاما قد بدأ تجارة مربحة لبلاده مع الشرق الأقصى .
كولومبس والإسبانيون
لم يكن الإسبانيون أقل رغبة من البرتغاليين في اكتشاف بلدان جديدة ، وفي الترعف على طرق جديدة للتجارة مع الشرق ، تحررهم من سيطرة تجار المدن الإيطالية من جهة ، والدولة العثمانية بأساطيلها القوية في شرق البحر المتوسط من جهة ثانية ، خصوصا مع الهند . غير أن أسبانيا كانت قد انشغلت طوال القرن الخامس عشر – تقريبا – في سلسلة طويلة من الحروب مع المسلمين للتخلص من آخر ما تبقى لهؤلاء من معاقل في شبه جزيرة ليبيريا – دولة غرناطة – ولم يتم ذلك إلا في سنة 1492م. وبعد ذلك أصبح في مقدور فردناند وزوجته إيزابيل الاهتمام بأمور الإبحار والتوسع .
ولد كريستوفر كولومبس سنة 1451م في مدينة جنوا (إيطاليا) ، التي اشتهرت – آنئذ – بتقاليدها البحرية ، وبوجود أكبر مدرسة عالية للبحرية فيها ، في عائلة متواضعة . وقد عمل في صغره ، حائكا كأبيه ، ويقال بأنه – بعد ذلك – كان قد جاب في أنحاء البحر المتوسط مرات عديدة كتاجر . قصد كولومبس حوالي سنة 1475 م إلى لشبونة التي سبقه إليها أخوه الأكبر الذي كان يعمل بها كرسام خرائط وبائع كتب . وقد تعرف بواسطة أخيه على الوساط العاملة في البحر والمهتمة بصناعة السفن والدراسات الجغرافية والفلكية . وتزوج كذلك من فتاة برتغالية .ويقال بأنه كان ورث عن حميه – الذي كان من رجال حركة الاستعمار والتوسع البحري – مكتبة جغرافية ، انعكف على دراسة مافيها من مخطوطات وخرائط وخرائط . تأثر كولومبس ، منذ سنة 1480 م ، بالآراء المعروفة في أيامه والتي تقول بكروية الأرض ، ولذلك فإنه كان قد اقتنع بإمكانية الوصول إلى الشرق – جزر الهند الشرقية 0 عن طريق الإبحار غربا عبر المحيط الأطلسي ، وقد ترددت في عصره قصص البحارة الذين رأوا أرضا في أقصى الغرب من الأطلسي . ومن خلال حساباته فقد استنتج كولومبس بأن الذهاب إلى جزر الهند الشرقية ربما يكون أقصر عن طريق الغرب . وقد حاول ، منذ سنة 1486 م ، الحصول على معونة مالية من ملك البرتغال للقيام بهذا العمل ، ولكن طلبه رفض ، ليس فقط من قبل هذا الملك ؛ بل من قبل هنري السابع ملك إنجلترا في ذلك الوقت أيضا ، حيث رفضه نظرا لارتفاع تكاليفه .
رحلات كولومبس
وأخيرا ، بعد انهاء البلاط الإسباني من صراعه مع المسلمين وبمعاونة صديق من أحد رجال الدين المقربين من البلاط الملكي الإسباني ، استطاع كولومبس أن يقنع فردناند وإيزابيلا بأهمية مشروعه وذلك في أواخر إبريل سنة 1492 م . تتلخص شروط كولومبس في أنه إذا نجح في مشروعه ، فإنه سيعيّن نائبا للملك في المقاطعات المكتشفة . وأن يعطى عشرة بالمائة من الأرباح التي ستدرها التجارة مع هذه المناطق .
وهكذا بمعاونة الملك الإسباني المادية ، قام كولومبس في أوائل أغسطس سنة 1492 م في بعثه بحرية تتكون من ثلاث سفن هي سانتا ماريا ، نينا ، بنتا (Santa Maria, Nina, Pinta) . وقد وصل في أكتوبر إلى جزر البهاما ، ثم فيما بعد إلى كوبا ثم إلى هايتي . وقد اعتقد بأن هذه الأرض الجديدة إنما هي أطراف لجزر الهند الشرقية ، ولذلك فقد أطلق على سكانها الأصليين اسم (الهنود) (Indians) .
ولقد ترك كولومبس معسكرا في هايتي – أرض جمهورية هايتي الحالية – حيث كان هذا أول مؤسسة أوروبية في العالم الجديد (اكتشف كولومبس عند رجوعه في رحلة ثانية بأن الهنود قتلوا جميع الرجال فيه) . وفي منتصف مارس سنة 1493 م ، عاد كولومبس إلى إسبانيا من حيث انطلق ، ليخبر رجال البلاط الملكي باكتشافه الجديد .
البحارة الإسبانيون بعد كولومبس
قام كولومبس بعد رحلته الأولى بثلاث رحلات استكشافية إلى جزر الهند الغربية وسواحل أمريكا الوسطى ، ولكنه لم يستطع أن يحقق وعده للملك باحتكار تجارة البهارات مع الهند أو أن يكتشف ما كان قد سماه بمدن الذهب ، وهكذا مات مغضوبا عليه . ومن أبرز الرحلات بعد كولومبس ما قام به رجل إيطالي يدعى أمريكوس فسبوسيوس (Americus Vespucius) . لقد كان هذا من عائلة فلورنسية ، عمل أول حياته في السلك الدبلوماسي ثم التحق بخدمة آل مديتشي الإيطالية التي كان لها مصالح تجارية كبرى في البحر المتوسط ليشرف على تجارة تلك العائلة في إسبانيا . وبفضل علاقته مع رجال البحر – حيث كان يتولى تموين سفنهم – فقد بدأ يهتم بالعالم الجديد وبجميع معلومات كثيرة عنه .
وحتى وفاة كولومبس ، كان من المعتقد أن الأرض المكتشفة حديثا ليست إلا قسما من البر الأسيوي ، إلا ان بعض معاصري كولومبس – ومنهم فسبوسيوس – كان يراودهم الشك في صحة هذا الاعتقاد ، فقام فسبوسيوس بعدة رحلات إلى الأرض الجديدة لحساب إسبانيا مصب نهر لاياتا في الأرجنتين .
ولم يجد فسبوسيوس أي تشابه بين الشاطئ التي اكتشفها مع الشواطئ الهندية ، حيث كان لدى الأوروبيين معلومات كثيرة من الهند ، مأخوذة مما كتبه رحالة القرون الوسطى الذين زاروا تلك البلاد . وهذا مما دفع فسبوسيوس إلى الاعتقاد بأنه أمام قارة جديدة غير متصلةب العالم القديم . وهكذا فقد أطلق عالم جغرافي ألمالي اسم (أمريكا) على المنطقة الجديدة المكتشفة ، وذلك نسبة إلى أمريكوس . وفي سنة 1513 م قام الرحالة بالبوا (Balboa) بقيادة عدة مئات من الرجال عبر بنما ، إلى أن وصل المحيط الهادي ، وفي ملاحظته لذل المحيط من على الجبال هناك سماه (البحور الجنوبية) (South Seas) ، وادعى بملكية إسبانيا لكل الأراضي التي تحيط بهذه البحور . ثم قام فردناند ماجلان (Magellan) بالإبحار إلى إسبانيا (خارجا من إسبانيا غربا) في رحلة استغرقت من 1519-1522 م ، وبذلك أثبت كروية الأرض . كان ماجلان نفسه قد قتل في الفيليبين من أحد الرعايا هناك ، ولكن سفينة من سفنه كانت قد أكملت الرحلة .
اندفع الإسبانيون – فميا بعد – للتعرف على أرجاء الأرض الجديدة ، واكتشاف معالمها الداخلية في محاولة لاستعمارها واستثمار خبراتها .
الخط الفاصل
ونظرا لتنافس كل من الإسبانيين والبرتغاليين على الأراضي الجديدة المكتشفة فقد قام البابا بالتوسط بينهما بوضع خط بفصل بين ممتلكات كل منهما في المناطق المكتشفة ، وهذا مايعرف باسم معاهدة تورد سيلاس (Tordesillas) عام 1494 م ، والتي أخذت بموجبها إسبانيا معظم أمريكا الشمالية والوسطى والجنوبية ، وأخذت البرتغال آسيا . ولكن نظرا لاكتشاف البرازيل بواسطة بحار برتغالي : بيدرو كابرال (Pedro Cabral) عام 1500 م ، فقد اتفقت الدولتان على أن تكون البرازيل ملكا للبرتغال ، ولكن هذا التقسيم لم يمنع دولا أخرى من اكتشاف واستعمار أمريكا .
أمريكا قبل كولومبس
لم تكن القارة الجديدة – بطبيعة الحال – خالية من السكان ، ولا من الحضارات ، ولكن القسم الأكبر من سكانها كان قد تجمع في المناطق الوسطى من القارة . ويتفق معظم علماء الأجناس – الآن – على أن السكان الذين أسماهم كولومبس بالهنود إنما انحدروا من مهاجرين أتوا من آسيا إلى أمريكا عن طريق جزر آلوتيا Alutia (شمال غرب ألاسكا) بعد نهاية العصر الجليدي . والأرجح أن هؤلاء ينتمون إلى العنصر المغولي الذي ينتمي إليه الصينيون وأنهم هاجروا من شمال آسيا إلى شمال أمريكا وأخذوا يتجهون نحو الجنوب بحثا عن وسائل أفضل للمعيشة وظلوا فترة طويلة يعيشون على الصيد والقنص . ويجهل علماء الأجناس متى بدأت ههذ الشعوب بالانتقال إلى مرحلة الزراعة . ولكن هذا الانتقال ، على أية حال ، كان قد أجبرهم على الاستقرار وبالتالي أدى إلى قيام حضارات مزدهرة ، وأن بعضهم توصل إلى معرفة واستخدام المعادن .
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الحضارات كانت قد تطورت بصورة منعزلة تماما عن حضارات آسيا ، وبالتالي فليس بينهما تشابه . ويجب الإضافة إلى أن هذه الحضارات – ثلاث : الآزتكس ، الإنكاس ، الماياس (Aztecs, Incas, Mayas) .
وفيما يعرف الآن بالولايات المتحدة ، كانت الوحدة السياسية الرئيسية للهنود تتمثل في العشرة ، وكان رئيس العشيرة يمثل القائد العسكري ، بينما كان القائد السياسي والقضائي يسمى الساكيم (Sachem) ، كل الأرض كانتملكا للعشيرة والقبيلة (كل قبيلة كانت تنقسم إلى عشائر) ، حيث لم يعرف هؤلاء الملكية الفردية ولم يفهموها . أما ما سماه الرجل الأبيض (بوحشية) الهنود ، إنما تعلمها هؤلاء من الرجل الأبيض الذي شجع الهنود على الحرب بشراسة عندما ظهرت المنافسة بين البيض للتعامل مع الهنود .
ويمكن القول : إن مساهمة الهنود في الحضارة الأمريكية كانت نسبيا غير ملحوظة أولا ، أكبر مساهمة لهم كانت في مجال النباتات الزراعية ، فقد علموا الأوروبيين زراعة واستعمال بعض المحاصيل مثل : الذرة ،والبطاطا الحلوة والبيضاء ، القطن ، التبغ ، البنادورا ، وأنواعا كثيرة من البقول والكوسا ، والحيوان الوحيد الذي استأنسوه كان الكلب .. ثانيا ، إن عدد الهنود في المجتمع الأمريكي الآن بما يقارب عددهم وقت اكتشاف كولومبس ، كما أن الدم الهندي قد استدام نتيجة التزاوج مع البيض والعبيد .. ثالثا ، نجد أن بعض الأسماء الجغرافية ، كأسماء بعض الولايات ، الأنهار ، المدن ، وتابعة لتسميات هندية ، كما أن بعض التعابير في اللغة العامية الأمريكية لها أصل هندي مثل كوكس (Caucus) موكازين (Moccain) ، سكوتاش .. رابعا ، لقد علما الهنود أوائل المكتشفين الأوروبيين كيف يعيشون من الطبيعة عن طريق القنص والقبض على الحيوانات وكذلك الأعمال الخشبية ، وهكذا فقد مد الهنود هؤلاء المكتشفين بمعلومات جغرافية مفيدة .
توطن الإسبانيين في أمريكا
أنشأ المستوطنون ، الذين حضروا إلى هايتي في رحلة كولومبس الثانية عام 1493 ، أول مستوطنة إسبانية دائمة في أمريكا . وبمجيء عام 1515 م ، كان الإسبانيون قد احتلوا بورتوريكو ، (Porto Rico) ، جامايكا (Jamaica) ، وكوبا (Cuba) . ولقد خدمت هذه المستوطنات كمراكز لمد النفوذ الإسباني إلى القارة الأمريكية نفسها ، حيث أصبحت تمثل مراكز المراقبة الإسبانية على المستعمرات .
الاكتشافات والفتوحات الأولى
إن أكبر وأعظم فتوحات إسبانية في العالم الجديد كانت في التغلب على إمبراطوريتين هنديتين هما الأزتكس ، وإنكاس . فقد قام هرنان كورتيس (Hernan Cortes) بجيش بسيط في الفترة بين 1519-1521 بالتغلب على مونتزوما (Montezoma) قائد الأزتكس في أواسط المكسيك وأخضع المنطقة لنفوذه ، وفي مغامرة شبيهة قام فرانسسكو بيزارو (Francisco Pizaro) ، المولود عام 1568 م في أسبانيا ، بغزو وفتح إمبراطورية الإنكاس في بلاد البيرو وبوليفيا باسم العرش الإسباني وتأسيس مدينة ليما لتصبح عاصمة لممتلكاته . وقد غنم هذين القائدين كميات كبيرة من الذهب والفضة مما جعل الإسبانيون يطمعون في المزيد .
كان أول دخول للإسبانيين إلى ما يعرف الآن بالولايات المتحدة قد بدأ عام 1513 م عندما قام بونس دي ليون (Ponce de Leon) باكتشاف فلوريدا ، وقد قام بعده بانفيلو دي نارفيز (Panfilo de Narvaez) على رأس 600 رجل بالنزول في فلوريدا عام 1539 م. وقد استطاع هؤلاء السير إلى الشمال الغربي حتى وصلوا إلى أوكلاهوما ، وقد اكتشفوا نهر المسيسبي حيث دفن دي سوتو هناك . في المنطقة الجنوبية الغربية قام فرانسسكو كورونادو (Coronado) ، فميا بين 1540 و 1542 م ، بالخروج من المكسيك متجها إلى الشمال ، قاطعا نهر ريوجراند ، مكتشفا المناطق العليا في نيومكسكو ، تكساس ، أوكلاهوما ، كانساس . هذه الاكتشافات أعطت حقوقا إقليمية لإسبانيا في هذه المناطق تبعها فما بعد تكوين المستعمرات .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مستعمرات الإسبانيين
وبفشل الإسبانيين في الحصول على المعادن الثمينة التي جاءوا من أجلها أو بالتعرف على حضاارت هندية غنية يستفيدون منها في القارة الأمريكية ، فإنهم قد أهملوا تكوين أي مستعمرات في تلك المناطق ، ولكنهم أجبروا على ذلك نتيجة مجيء بعض الأوروبيين الآخرين مثل الفرنسيين ، الإنجليز الروس . وحتى يقاوم الإسبانيون احتلال الفرنسيين لساحل فلوريدا الشرقي ، قاموا بإنشاء أول مستعمر لهم سنة 1560 م تسمى سينت أوغستين (St. Augustine) . وقد كانت هذه أول مستعمرة للرجل الأبيض ضمن حدود ما يعرف الآن بالولايات المتحدة . ولقد كانت نيومكسكو ثاني منطقة يستوطن بها الإسبان ، حيث قام جون دي أوناتي باحتلال أعالي وادي ريوجراند ، ولقد أصبحت مستعمرة سانتا في (Santa Fe) التي أنشئت عام 1609 م عاصمة لنيومكسكو ، وفي سنة 1769 م أقيمت مستعمرة إسبانية في شمال كاليفورنيا سميت سان دييجو (San Diege) .
نظام الاستعمار الإسباني
في البداية أودع الملك أمر الفتوحات إلى قادة عسكريين (كونكو ستاد ورز) مثل كورتيس . وكان هؤلاء يقومون بالمراقبة السياسية والاقتصادية على السكان الأصليين ، حيث كان الملك الإسباني يمنح هؤلاء القادة قطعا من الأرض الكبيرة يقيمون عليها . فيما بعد أصبحت البعثات وإنشاء المراكز العسكرية وسيلة لمد النفوذ الإسباني على أمريكا . في كثير من الأحيان أنشئت المدن والمزارع والمناجم بواسطة شركات خاصة .
في كل مكان كانت سلطة الملك هي العليا . ولقد طبقت النظرية الميركنتلية تطبيقا صارما ، بحيث تسمح بتطوير المستعمرات لصالح البلد الأم ، ولم يسمح لغير الإسبانيين بالتجارة مع المستعمرات ، كما أن هذه التجارة كانت تحت مراقبة حكومية شديدة . ولقد أنشأ الملك مجلسا خاصا في إسبانيا لحكم المستعمرات سمي (مجلس جزر الهند) ، ومجلسا آخر في المستعمرات مكونا من نائبين للملك ، واحد في بيرو والآخر في المكسيك ، ولقد كان الملك هو الذي يعني كل الموظفين ، ويحكم المستعمرات مباشرة .
كشوف وعمليات الاستيطان الأوروبية الأخرى
لم يكن من المقبول بطبيعة الحال لدى الدول الأوروبية الأخرى أن تبقى مكتوفة الأيدي أمام الاكتشافات البرتغالية والإسبانية ، فقد اندفعت هذه الدول في مزاحمة عنيفة لاكتشاف أراض جديدة ، دون أن يؤثر عليهم تقسيم العالم الذي وضعه البابا في معاهدة ثوردسيلاس بين البرتغال وإسبانيا .
البريطانيون
كان جون كابوت (Cabot) بحارا إيطالي الأصل ، من مدينة جنوا ، مقيما في لندن منذ عام 1490 م ، حيث كان يعمل هناك بالتجارة . وبعد خبر اكتشاف أراض جديدة بواسطة كولومبس ، عرض كابوت على هنري السابع ملك بريطانيا – آنذاك – تمويل حملة بحرية تتجه في المحيط نحو الغرب . وقد وجدت فكرة كابوت هذه حماسا كبيرا في أذهان البريطانيين (حكومة وشعبا) ، وذلك لأنه كان يسود هناك اعتقاد قديم بوجود أرض وراء المحيط ، يضاف إلى ذلك ان الملك نفسه كان قد ندم كثيرا لأنه رفض تمويل رحلة كولومبس حين عرضها عليه قبل أن يتبناها فردناند وإيزابيل .
قام كابوت بأول رحلة له إلى أمريكا عام 1497 م ، حيث وصل إلى نيوفاوندلاند وكذلك إلى برادور على الشاطئ الشرقي لشمال القارة ، وقد أعقبها برحلة أخرى بعد ثلاث سنوات وصل فيها إلى جزيرة جرينلاند . لم يحقق كابوت مكاسب مالية عاجلة لبلاده ، لأنه لم يجد شعوبا يتجار معها ، إلا أن رحلاته كانت ذات أهمية كبرى ، إذ أنها أعطت بريطانيا الحجة وربما السند القانوني لادعاء ملكية مناطق شاسعة من الأراضي الجديدة . ولكن بريطانيا لم تبدأ فعلا باستعمار الأرض الجديدة إلا في مطلع القرن السابع ، وذلك لأن البريطانيين كانوا مشغولين في النصف الأول من القرن السادس عشر (زمن حكم هنري الثامن وإدوارد السادس وماري) بمشاكل داخلية مع الكنيسة وقضايا الإصلاح الديني ، استطاعت حسمها فقط بعد منتصف ذلك القرن ، وهكذا ففي عهد إليزابيث (1558-1603 م) الذي تميز بالازدهار والسلم الداخلي ، أظهر الإنجليز اهتماما كبيرا بالبحر وبصناعة السفن ، ومن ثم بدأوا بالتفكير الفعلي في استعمار أمريكا الشمالية .
في عام 1577 م ، ترك جون دريك (Drake) لندن في حملة بحرية عبر الأطلسي إلى الجنوب الغربي ، ودار حول قرن أمريكا الجنوبية ثم بمحاذاة ساحلها الغربي إلى الشمال ، مارا بسواحل أمريكا الوسطى إلى أن وصل إلى خليج سان فرانسسكو ؛ حيث قام بغارات بحرية على الأسطول الرأسي في الخليج ، ثم رجع إلى بريطانيا عام 1580 م .
أعقب دريك حملة هنري هدسن (Hudson) عام 1610 م . حيث مر بسواحل أمريكا الشمالية الشرقية ، متجها إلى الغرب بمحاذاة الساحل ، إلى أن دخل الخليج الذي عرف بعد ذلك باسمه .
الفرنسيون
جاء الفرنسيون إلى سواحل كندا ونيوفاوندلاند – في البداية – على شكل حملات صغيرة للصيد وتجارة الفراء وذلك حوالي عام 1504 م . وفي عام 1524 م ، أرسلت الحكومة الفرنسية أول مكتشفيها جوافاني فبرازلنو (Verazzano) إلى ساحل المحيط الأطلسي الشمالي للبحث عن المنفذ الشمالي الغربي في أمريكا الشمالية إلى المحيط الهادي .
وفيما بعد ، قام المكتشف كاكويس كارتييه (Cartier) بثلاث حملات في الفترة من 1533-1541 م ، حيث تتبع نهر سانت لورنس إلى أن وصل إلى منابعه العليا ، وبذلك فإنه أعطى الحق والسند القانوني لفرنسا للسيطرة على كندا . وبزيادة رغبة الفرنسيين في الاستفادة من تجارة الفراء فقد قام الرحالة سامويل دي شامبلين (Champlain) بإنشاء مستوطنة كويك عام 1608 . هذه البداية في الاستعمار الدائم بواسطة الفرنسيين في كندا ، كانت قد توسعت – فيما بعد – عن طريق المبشرين والتجار إلى داخل القارة وذلك بفضل وجود البحيرات الكبرى ونهر المسيسبي ، فقد قام كل من المبشر ماركيت (Marquette) وتاجر الفراء جوليت (Joliet) بالتغلغل في منطقة وادي المسيسبي عام 1673 م . وقد قام سير دو لاسال (Sier de la Salle) يتتبع نهر المسيسبي إلى مصبه في الجنوب في خليج المكسيك ، وأعلن سلطنة الفرنسيين عليه عام 1682 م ، وقد قتل لاسال بواسطة أتباعه أثناء رحلة استكشافية كان يقوم بها في الجنوب الغربي (تكساس) عام 1687 . وقد قام الفرنسيين بإنشاء مستوطنات بيلوكس (Biloxi) ، وموبيل (Mobile) ونيو أورليانز على خليج المكسيك بين 1699-1718 م .
ولقد قام الفرنسيون بإنشاء البعثات والمراكز التجارية المتفرقة وكذلك المستوطنات الزراعية في المناقط التي اكتشفوها وادعوا ملكيتها ، كما أنهم تاجروا مع الهنود ، وكونوا علاقات طيبة معهم لفترة طويلة من الزمن . ولكن امتداد النفوذ الفرنسي بدأ يتوقف ، عندما قام شاميلين بالتدخل بين القبائل الهندية ، محرضا قبيلة الجونكنز (Algonquins) بالهجوم على قبيلة إروكوس (Iroquis) عام 1609 م (لقد كانت القبائل الهندية في تلك المنطقة تحت ما يسمى بالاتحاد الكونفدرالي) . وعلى ذلك فإن هذا التدخل قبل شاملبين كان قد قلب قبيلة الإروكوس ضده ، بحيث أصبحت حليفة للهولنديين والبريطانيين ، وكان نتيجة ذلك وقف مد النفوذ الفرنسي جنوب مونتريال في كندا . وهذا يعلل عدم وجود مستعمرات فرنسية في وادي المسيسبي والجنوب الغربي قبل مجيء الاستعمار البريطاني ، أي أمريكا الشمالية ، وبذلك اقتصر الوجود الفرنسي على كندا فقط .
الهولنديون
إن البحث عن ممر عبر أمريكا المشالية – من الشمال الغربي – إلى المحيط الهادي ، كان قد دفع (شركة الهند الغربية الهولندية) إلى تكليف هنري هدسن البريطاني الجنسية والذي كان يعمل مع الشركة إلى الذهاب لاكتشاف ساحل الأطلسي الشرقي من فرجينا إلى نيوفاوندلاند عام 1609 م . وفي السنة التالية بدأ الهولنديون في تجارة الفراء مع الهنود في منطقة نهر هدسن . وفي عام 1624 م قامت تلك الشركة بإنشاء مستوطنة نيوأمستردام (نيويورك) على نهر هدسن وكذلك مستعمرة نيوفاوندلاند .
لقد استعمل الهولنديون نظام الباترون (Patron) لضمان تكوين المستوطنات ، وهذا يعني منح قطع كبيرة من الأرض لأشخاص أو شركات مقابل مساعدة هؤلاء لبعض العائلات الهولندية على الاستيطان ، وقد كانت تجارة الفراء هي أهم عمل تقوم به هذه المستوطنات . وقد استطاع الهولنديون التوسع غربا حتى نهر كونتكنت . وجنوبا ، استطاعوا الاستيلاء على بعض المستوطنات التي أنشأها السويديون على الديلاوير عام 1638 م .
السويديون
قام السويديون بتأسيس جزر الهند الغربية عام 1632 م بغرض العمل في التجارة ، وتمكنوا عام 1638 م من شراء قطعة أرض واسعة من الهنود ، أسوأ عليها مستعمرة عند مصب نهر الديلاوير ، أطلقوا علهيا اسم (السويد الجديدة) . وقد اعترض الهولنديون على نزول السويديون في اراض كانوا يعتبرونها ملكا لهم ، مما أدى إلى نزاع بين الدولتين ، استمر حتى عام 1665 م ، حيث استولى علهيا الهنود .
تسلسل تاريخي للأحداث الهامة
- 1487 : استطاع بوفيريو دياز الدوران حول رأس الرجاء الصالح
- 1492 : وصل كولومبس إلى أمريكا
- 1519 : بدأ ماجلان رحلته حول العالم التي أكملها في 1522
- 1565 : أنشأت إسبانيا مستوطنة وقلقة وسينت أوغستين (فلوريدا)
- 1608 : أنشأ شامبلين (الفرنسي) كويك
- 1624 : كونت شركة الهند الغربية الهولندية مستوطنة نيو أمستردام (نيويورك)
- 1638 : استوطن السويد في الديلاوير
- 1682 : أعلن لاسال النفوذ الفرنسي على وادي المسيسبي
- 1769 : بدأ الإسبانيون في توطن كاليفورنيا
مراجع الفصل الأول
1. D.B. Quinn. North America from Earliest Discovery to First Settlement (1977)
2. S.E. Morrison Admiral of the Wcean Sea (1942)
3. Wallac Notestein. The English people on the Eve of Colonization. (1954)
4. W.J. Eccles. France in America (1972)
5. Charles Gibson. Spain in America (1966
6. A.M. Josephy Jr. The Indian Heritage of America (1968)
الفصل الثاني: الاستعمار البريطاني في أمريكا الشمالية
لقد كان الاستعمار البريطاني متأخرا في الوصول إلى قارة أمريكا الشمالية . والسبب في ذلك هو أن ملوك التيودور (Tudor) كانوا قد انشغلوا في تثبيت حكمهم على العرش وفي تركيز السلطة في يد الملك وهكذا كانت رحلة جون كابوت عام 1497م ، هي أول رحلة تضع قدما على ساحل الأطلسي في يد الملك . ولكن كابوت لم يحاول إنشاء أي مستوطنات بريطانية هناك . بعد طلاق الملك هنري الثامن لزوجته الإسبانية كاثرين الكاثوليكية ، انشغلت بريطانيا فيما سمي بالعهد البروتستنتي وما صاحبه من نزاع بين لبروتستنت والكاثوليك . كما يجب ألا ننسى بأن قوة إسبانيا البحرية كانت عائقا في سبيل تكوين إمبراطورية بريطانيا في أمريكا ، ولكن بهزيمة الإسبان في موقعة الأرمادا عام 1588م ، أصبحت الطرق مفتوحة أمام تغلغل الاستعمار البريطاني في القارة الأمريكية.
ومما أفسح المجال أمام الإنجليز للعمل بنجاحهو عدم قدرة إسبانيا على تكريس سيادتها على كل الأراضي التي اكتشفتها في أمريكا . في النصف الثانيمن القرن السادس عشر بدأت تظهر في إسبانيا أعراض الانحلال والضعف لبضعة أسباب أهمها : أولا ، نوعية النظام الاقتصادي الذي طبقته في المناطق المكتشفة . لقد تبنت هذه الدولة نظاما اقتصاديا يعتبر الذهب وحده أساسا للثروة ، حيث ركز هؤلاء اهتمامهم على جمع أكبر مقدار من هذا المعدن ، ولم يهتمواب تطوير الزراعة أوالصناعة ، وقد أدى هذا إلى ظهور عوارض التضخم المالي وارتفاع الأسعار وانهيار اقتصاديات البلاد . هذا في الوطن الأم ، أما في المستعمرات فقد ركز الرواد الأوائل على جمع المعادن الثمينة فقط ، دون القيام بأية محاولات جديدة لاستثمار الموارد الطبيعية الأخرى خصوصا الزراعة . واكتفوا باستغلالا سكان المحليين بل وإبادتهم في معظم الأحيان .. ثانيا ، إصدار إيزابيل ملكة إسبانيا المراسيم الخاصة بطرد المسلمين واليهود من شبه جزيرة أيبيريا في مطلع القرن السادس عشر كان قد أفقد البلاد اليد العاملة الخبيرة في شئون الزراعة والتجارة والصناعة .. وأخيرا ، كان انشغال إسبانيا المتزايد في تأييد الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا وتدخلها في قضايا الإصلاح الديني قد أدى إلى إهمال متزايد لشئون المستعمرات الإسبانية في أمريكا .
هذا الضعف الإسباني كان قد أعطى العرش البريطانيمزيدامن الحرية للعمل والتدخل في شئون أمريكا الشمالية . ففي الفترة بين 1550-1588 م ، مارست بريطانيا أعمال القرصنة في البحار بتأييد من ملكتهم إليزابيث . فالبحارة البريطانيون من أمثال كافنديش ، وهو كنز ، ودريك ، كانوا قد حصلوا على شهرتهم بفضل جرأتهم الكبيرة في مهاجمة السفن الإسبانية المحملة بالذهب في عودتها من العالم الجديد ، وكانت هذه الهجمات قد جعلت فيليب الثاني ملك إسبانيا يقرر مهاجمة القتال البريطاني في محاولة لغزو الجزر البريطانية إلا انه فشل في ذلك .
البداية
كما كان الحال معا لكثير من الدول الأوروبية ، كان الدافع الأساسي للاكتشافات البريطانية في أمريكا هو البحث عن ممر عبر أمريكا إلى المحيط الهادي ، ومن ثم إلى آسيا . بعد موت الملكة إليزابيث أصبحت ابنة هنري الثامن – التي تعتنق البروتستنتية في أوروبا في ذلك الوقت ، ومن ثم بدأت هناك منافسة وصراع حاد مع إسبانيا التي كانت زعيمة الدول الكاثوليكية . في البداية كان هذا الصراع من جهة البريطانيين متركزا على القيام بغارات ضد المستوطنات الإسبانية في أمريكا ، ومحاولة القرصنة والهجوم على السفن التجارية الإسبانية في عرض البحر .
كلاب البحر
في الستينيات (منذ عام 1560) قام جون هوكنز (John Hawkins) – قائد ماسمي بكلاب البحر – بإيعاز من الملكة إليزابيث بغارات ضد السفن الإسبانية في البحر الكاريبي وفي موانئه، كما اشترك هوكنز في تجارة الرقيق من أفريقيا. وفي السبعينات قام السير فرانسيس دريك (Francis Drake) بغارات على المستعمرات الإسبانية في جزر الهند الغربية. ومن رحلاته المشهورة: إقلاعه إلى المحيط الهادي والإغارة على سفن التجارة الإسبانية على ساحل أمريكا الغربي ووصوله شمالا إلى سان فرانسيسكو، ومن كاليفورنيا قام بالرجوع إلى إنجلترا عن طريق المحيط الهادي وبهذا كان ثاني رحّالة – بعد ماجلان – يدور حول الكرة الأرضية ونتيجة لأعماله ضد إسبانيا أعطته الملكة إليزابيث لقب (نايت) (Knight) . وقد تبع ذلك حربا مكشوفة بين بريطانيا وإسبانيا. وكانت هزيمة الأخيرة في موقعة الأرمادا قد أعطت بريطانيا السلطة العليا في البحار، ومن ثم استطاعت أن تمد نفوذها الاستعماري إلى أمريكا.
بداية فاشلة
قبل خمس سنوات تقريبا من غرق الأسطول في الأرمادا كانت إليزابيث ملكة بريطانيا قد حاولت تأسيس أول مستعمرة لها في الأرض الجديدة . ففي سنة 1583 م منحت الملكة أحد محاربيها القدامى السير همفري جلبرت (Hamphry Gilbert) امتيازا يقضي بأن يسكن ويمتلك الأراضي البعيدة والوثنية التي لا يملكها أمير مسيحي . وكان اختيار جلبرت أن ينزل في المنطقة المسماة حاليا نيوفاوندلاند ، إلا أن هذه المحاولة فشلت وفقد قائدها في عاصفة بحرية في طريق عودته .
وبعد بضع سنوات من المحاولة الأولى ، عهدت الملكة إلى أحدمقربيها وهو السير والتر رالي (Walter Raleih) بأن يجد مكانا ينزل فيه الإنجليز ، وأعطته امتيازا خاصا باستقلال الأراضي الساحلية الممتدة من خليج سانت لورنس في الشمال حتى فلوريدا في الجنوب على أن يقدم مقابل ذلك للعرش البريطاني خمس ما يكتشفه أو يحصل عليه من معادن ثمينة . وعلى ذلك ففيما بين سنتي 1585-1587 م كان رالي قد أرسل ثلاث حملات إلى جزيرة رونوك – مقابل ساحل كارولينا الشمالية – فشلت الحملتان الأوليتان ، ونجح في الحملة الثالثة عام 1587 م في تكوين مستوطنة على الساحل ، وأطلق رالي على تلك الأرض اسم (فرجينيا) تيمنا بالملكة العذراء ، ولكن عند إبحار سفينة من بريطانيا لتوصيل الإمدادات لهذه المستوطنة عام 1590 م ، فإن رجال السفينة لم يجدوا أي أثر للمستوطنين هناك .
وهكذا انقضى القرن السادس عشر ، دون أن ينجح الإنجليز في إقامة أي مستعمرة ثانية لهم في العالم الجديد . غير أن أهمية تلك الحملات تكمن في أنها أعطت البحارة البريطانيين خبرة في التعامل مع البيئة الجديدة وفي طرق الإبحار ، بحيث أدركوا أهمية اختيار المكان المناسب الذي يلائم قدراتهم وإمكانياتهم البحرية في ذلك الوقت . وهكذا فإن فرص نجاح الحملات الثانية كانت أفضل ، كما أن انتصار بريطانيا على الأسطول الإسباني قد زاد من شجاعة وإصرار البريطانيين وحماسهم لهذا العمل . وقد تمثل هذا الإصرار في مشاركة رجال الأعمال وعامة الناس في محاولة الاستثنار فيما وراء البحار ، وبذلك بدأت تظهر شركات تهدف إلى تشجيع حركة الاستيطان في أمريكا ، وقد لاقت الدعوة إلى الهجرة إقبالا من الناس بسبب الأزمات الاقتصادية والبطالة . كما أن بعض من كانوا على خلاف مع كنيسة الدولة الرسمية وجدوا في العالم الجديد ملجأ يمارسون فيه عباداتهم بحرية تامة .
دوافع الاستعمار البريطاني
دافع القادة البريطانيون لمدة طويلة ، ولأسباب متعددة ، عن فكرة تكوين مستعمرات بريطانية في أمريكا وكانت هزيمة الإسبانفي الأرمادا ، والخبرة والتجارب التي قامت بها حملات جلبرت ورالي ، قد مهدت الطريق للنجاح في هذا السبيل .
الدوافع الاقتصادية
تلك كانت أهم الدوافع التي شجعت عملية الاستيطان البريطاني وأهمها ما يلي : أولا ، زيادة الفائض من رؤوس الأموال ، حيث دفع هذا بأصحاب الأعمال الأثرياء على البحث عن وسائل لاستغلال رؤوس أموالهم ، كما أن الشكرات المساهمة قامت ببيع جزء من أسهمها إلى بعض المغامرين بهدف مشاركة هؤلاء في المصرايف والمخاطر التي تترتب على عمل غير مضمون العواقب وبذلك ظهرت عملية الاستيطان كمشاريع قامت بها شكرات أو رجال أثرياء ، ثانيا ، انتشار نظرية الميركانتلزم الاقتصادية في أوروبا ، أكد حاجة بريطانيا في الحصول على المعادن الثمينة – فقد أمل البريطانيون في الحصول على الذهب في المستعمرات ، ثالثا ، حاجة بريطانيا كذلك في الحصول على المواد الأولية – بدلا من أن تشتريها بالذهب من بلدان أجنبية – دفعت على تشجيع إنشاء المستعمرات في الخارج حتى يكون هذه مصادر للمواد الأولية التي تحتاجها بريطانيا – والتي كانت تستوردها – وأهمها المواد اللازمة للبحرية (الصواري ، القطران ، الزفته) ، والأخشاب ، والسكر ، والتبغ ، ومنتجات المناطق الاستوائية ، رابعا ، الحاجة إلى جعل المستعمرات سوقا للصناعات البريطانية الزائدة ، وخامسا ، رغبة بعض الناس في الحصول على أرض لأنفسهم ، وذلك لتحسن أوضاع حياتهم ، ساعد على التشجيع على الهجرة والتوطن في أماكن بعيدة .
الدوافع الدينية
كان ظهور عهد الإصلاح البروتستنتي في إنجلترا في ذلك الوقت قد دفع إلى ظهور فئات دينية ترغب في القيام بعبادتها الخاصة بدلا من أن تخضع لكنيسة واحدة في البلاد – الكنيسة الإنجليكانية . وبما أن الوحدة الدينية كانت مختلطة بالوحدة السياسية فقد عمل الملوك البريطانيون على إجبار الناس على إطاعة تعاليم الكنيسة المتبعة ، وبذلك فقد تعرض كل الخارجين على هذا النظام إلى الاضطهاد ، وهكذا حاول المضطهدون الهروب إلى أمريكا حيث الأراضي الواسعة والفرص المغرية لهم للقيام بالعبادات التي تتفق مع ما تمليه عليهم ضمائرهم . ومن بين هؤلاء المهاجرين الدينيين كانت جماعات من الكاثوليك ، والبيوريتانز ، والكويكرز . هذا إلى جانب الرغبة لدى المتدينين في قلب الهنود إلى الديانة البروتستنتية . كل هذه إذن كانت الدوافع القوية التي ساعدت على الهجرة والاستيطان في العالم الجديد .
الدوافع السياسية والاجتماعية
أولا ، إن وجود فائض من السكان تحت ظل نظام اقتصادي معين قد دفع إلى البحث عن وسائل للتنفيس عن هذه الزيادة ، كما أن تجمع ملكية الأرض في أيدي معدودة نتيجة ضغط النظام الإقطاعي قد أدى إلى طرد المؤجرين عن الأرض لتحويلها إلى مراع لتربية الأغنام ومن ثم إنتاج الأصواف ذات الأرباح العالية ، وقد اضطر كثير من الناس في الأرياف للبحث عن العمل ، وهكذا كانت الهجرة وسيلة لحل هذه المشكلة الاجتماعية ؛ ثانيا ، حب المغامرة للبحث عن فرص وتجارب جديدة – قد شجع البعض إلى الذهاب إلى أمريكا ؛ ثالثا ، الرغبة في الحرية السياسية دفعت جماعات أخرى إلى الهجرة فيما وراء البحار ، وأخيرا فإن الحكومة البريطانية كانت تعمل على إضعاف النفوذ الإسباني عن طريق إنشاء مراكز عسكرية لها في الخارج.
عملية ناجحة - مستعمرة جيمس تاون
عند وفاةالملكة إليزابيث خلفها على العرش جيمس الأول عام 1603 م . لقد اعتبر جيمس أن من حقه أن يرث كلا لشاطئ الشرقي لأمريكا الشمالية الواقع بين خطي العرض 34 و 45 شمالا ، وفي عام 1606 م أعطى الملك حقا رسيما لشركة مساهمة تدعى (شركة فرجينيا) بالقيام بتكوين مستوطنات في الخارج ، تلك الشركة كانت مكونة من فرعين أحدهما في مدينة لندن ويسمى (شركة لندن) والآخر في مدينة بليموث ويسمى (شركة بليموث) . وبموجب هذا الحق فقد أعطي شركة لندن امتيازا بتأسيس مستعمرات في الأراضي الواقعة بين خطوط العرض 34 و 41 شمالا . وقد نص أحد بنود الامتياز على أن يتمتع سكان هذه المستعمرات بالحصانات والحريات التي يمكن أن يتمتعوا بها لو بقوا في وطنهم الأم ، كما أعطيت الشركة حتى صك النقود وفرض الضرائب وسن القوانين هناك مع المحافظة على سلطان العرش.
وفي ربيع عام 1607 م اتجهت ثلاث سفن إنجليزية وعلى ظهرها مائة وخمسة رجال إلى ساحل أمريكا الشرقي ، حيث حطت رجالها على أرض منخفضة في خليج شيزابيك عند مصب نهر جيمس ، وقد أطلق على المنطقة اسم فرجينيا ، نسبة إلى الشركة ، وعلى المستعمرة اسم جيمس تاون نسبة إلى الملك . ولم يكتب لهذه المستوطنة النجاح الكامل إلا بعد بضعة سنوات ، نظرا للظروف القاسية التي لاقوها في سنواتهم الأولى ، ولم يستمر هؤلاء في مكانهم الجديد إلا بفضل جرأة وحزم وإقدام أحد زعمائهم ويسمى (جيمس سميث) .
إن ماتحملته هذه المستعمرة من صعوبات يرجع إلى : أولا ، إن اختيار الموقع كان غير موفق ، حيث كان ذلك في منطقة تحيط بها المستنقعات ومن ثم مليئة بالملاريا ؛ ثانيا ، عدم وجود دافع الكد والعمل لدى الأفراد طالما أنهم كانوا شركاء في الأرباح بغض النظر عن الجهد الذي يبذله أي واحد منهم ؛ ثالثا ، الجهد البسيط في التأقلم مع مثل هذه البيئة والانتفاع مما فيها من خيرات ؛ رابعا ، عدم ملاءمة المستوطنين لهذا النوع من العمل – فمعظمهم من الرجال الذين لم يتعودواع لى ما يتطلبه الاستيطان من عمل وجهد شاق ؛ وأخيرا ، ضياع الوقت في البحث عن الذهب وعن ممر إلى جزر الهند الغربية .
كان تقديم زراعة التبغ – الذي كانت له سوق مربحة في أوروبا – عام 1612 م من قبل جون رولف (John Rolfe) هو العامل الأساسي في بداية النجاح لهذه المستعمرة ، كما وصلت ، في عام 1614 م ، سفينتان محملتنا بالمواد الغذائية التي كانوا في أشد الحاجة إليها ، وكذلك بعض المهاجرين وعدد من الحيوانات الداجنة . وفي عام 1616 م ، ألغي نظام المشاركة ووزعت الأرض على المستوطنين لتعطيهم دافعا أكبر إلى العمل . وقد زيدت الأيدي العاملة عن طريق استيراد العمال المتعاقدين .
وفي عام 1619 م ، وقعت ثلاثة أحداث أدت إلى تقرير مستقبل المستعمرة : الأول ، وصول سفينة من إنجلترا تحمل تسعين فتاة برسم الزواج مما سمح السكان بالتزايد دون الاعتماد على المهاجرين من الوطن الأم ، الثاني ، حلول مركب هولندي في شهر آب يحمل عبيدا للبيع ، وقد لاقى هؤلاء رواجا كبيرا مما أدى إلى انتشار الرقيق في المستعمرة وهذا بدوره أدى إلى توسع كبير في الزراعة وخاصة زراعة التبغ ، والثالث ، في عام 1609 م كان الميثاق الجديد المستعمرة قد أعطى السلطة العليا للحاكم ، مع وجود مجلس استشاري له ؛ وكلاهما معين من قبل الشركة . في 30 يوليو 1619 ، عقد مندوبو السكان وعددهم إثنان وعشرون (حيث انتخبت كل مزرعة اثنين ممثلين عنها) ومعهم حاكم المستعمرة ومستشاروه الستة اجتماعا في كنيسة البلدة . وكان في ذلك ظهور أول جمعية تمثيلية للسكان في أمريكا وقد عهد إليها بسن التشريعات الخاصة بالمستعمرة بعد استشارة الحاكم والمجلس الاستشاري . وستبقى هذه الجمعية المنتخبة طيلة عهد الاستعمار وحتى استقلال أمريكا ، أحد أهم المراكز التي تمارس الديمقراطية في العالم الجديد .
في عام 1622 م ، تعرضت المستعمرة لهجوم كبير من الهنود قتل فيه 357 رجل ، وهذا دفع الملك إلى إجبار شركة فرجينيا على التخلي عن ميثاقها ، وعلى حل الشركة وجعل المستعمرة تابعة للبلاط الملكي في عام 1624 م .
وكمستعمرة ملكية ، فإن الحكم في فرجينيا كان في يد الحاكم ومجلس استشاري يعاونه ، ويعين هؤلاء من قبل الملك ، ثم (مجلس الممثلين) (Assembly) الذي كان منتخبا من قبل المستوطنين حيث كانت له سلطات تشريعية . في الواقع أن فرجينيا كانت تتمتع بدرجة كبيرة من الحكم الذاتي .
في عام 1676 م ، قامت فرجينيا بانتفاضة يشار إليها (انتفاضة بيكون) . كان حاكم المستعمرة في ذلك الوقت السير وليام بيركلي (William Berkely) ، حيث حكم المستعمرة من 1642 – 1677 م . لقد كان بيركلي يميل إلى طريقة حكم الملك شارل الثاني (كان شارل يدعم كبار المزارعين والأثرياء في إنجلترا) ، حي كان يميل إلى تدعيم كبار المزارعين على ساحل فرجينيا ويهمل مصالح المستوطنين في الداخل (على الحدود الغربية المستعمرة) ، أولئك الذين كانوا تحت خطر الهنود ، وقد زاد من عضب هؤلاء فشل حكومة المستعمرة في حمايتهم من غارات الهنود . لذلك أحد سكان هذه المناطق على عاتقهم تنظيم حملة ضد الهنود ، دون إذن من الحاكم ، ولقد كان قائد هذه الحملة مهاجر جديد مثقف من إنجلترا اسمه ناتانيال بيكو (Nathaniel Bacon) . لم يجرؤ بيركلي على معاقبة بيكون على عمله ، ولكنه دعا إلى تكوين مجلس تمثيلي جديد ، وقد قام هذا المجلس بسن إصلاحات عديدة تتعارض مع رغبة الملك ، كما سمح المجلس أيضا لبيكون بالقيام بحملة أخرى ضد الهنود ، وبينما كان بيكون مشغولا في حملته قام بتنظيم قوة عسكرية ضده ، وقد رد بيكون على ذلك بالزحف على عاصمة المستعمرة – جيمس تاون – وأحرقها وأجبر الحاكم على الهروب . في هذا الوقت توفي بيكون بسبب الملاريا . وهكذا استطاع بيركلي أن يعيد سلطته على جيمس تاون ويشنق عددا كبيرا من الثوار ، وهذا دفع الملك شارلي الثاني إلى استدعائه إلى انجلترا عام 1677 م ، غضبا عليه . هذا الحادث كان له أهميته في العهد الاستعماري في أمريكا ، حيث أنه أعطي مثالا لما جاء بعده عام 1776 م – الثورة الأمريكية – وذلك في أن الحدثين كان قد قام بهما طبقات المزارعين الغربيين الذين كانت لهم شكاوي ضد حكم الأرستقراطية الكبرى في الشرق .
تأسيس المستوطنات الشمالية (نيو إنجلند)
في كثير من الأحيان يشار إلى الدافع الديني باعتباره الدافع الوحيد الذي شجع توين المستعمرات البريطانية في منطقة إنجلترا الجديدة – المشال الشرقي من ساحل الأطلسي ، ولكن لا يجب أن ننسى بأن الدافع الاقتصادي ربما كان له نفس الأهمية في هذا الشأن .
مستعمرة پليموث
في عام 1630، أصدر الملك البريطاني امتيازا جديدا بقضي استعمار كل الأراضي الواقعة بين خطي العرض 40 ، 48 شمالا، أي الأراضي المعروفة باسم إنجلترا الجديدة، وقد كان معظم المهاجرين إلى هذه الأراضي من أولئك الذين تعرضوا للاضطهاد الديني في إنجلترا بصورة خاصة وفي القارة الأوروبية بشكل عام. فجماعة المتدينين الانفصاليين (Separatists) في بريطانيا كانت تؤمن بضرورة استقلال كل مذهب ديني بحيث يضع تعاليمه بنفسه دون تدخل الكنيسة الأنجليكانية، ولكن هذه الكنيسة رفضت السماح لهذا النظام، وبذلك بدأت جماعة الانفصاليين تعارض سلطة الكنيسة الأنجليكانية باعتبارها سلطة تعسفية مما عرض الجماعة للاضطهاد الديني. وعلى ذلك فقد قررت فئة منهم تسكن مدينة سكروبي الإنجليزية الهجرة إلى هولندا، ولكنهم لم يرغبوا في أن يصبح أبنائهم رعايا هولنديين فعزموا على الهجرة إلى العالم الجديد. وقد تولت جماعة من التجار الإنجليز في لندن تمويل هجرته مقابل حصة من الصادرات التي تعهدوا بإرسالها إلى إنجلترا في المستقبل. وقد انضم إلى هذه الجماعة أناس من لندن رغبوا في الهجرة بحثا عن حياة أفضل. وعلى ظهر سفينة سموها مايفلاور (Mayflower) غادر هؤلاء الحجاج – هكذا كانوا يسمون أنفسهم – مرفأ پليموث في إنجلترا في 16 سبتمبر عام 1620. وكانت وجهتهم ڤرجينيا.
وعندما أجبرت العواصف السفينة أن تجنح عن طريقها ، ووجد الحجاج بأنهم سينزلون على أرض خارج حدود منطقة ڤرجينيا، واتفقوا فيما بينهم على وضع ما سموه ميثاق مايفلاور. لقد تعهد الجميع في هذا الميثاق على طواعية نظام للحكم تكون فيه الكلمة الأولى للغالبية، وفي عام 1621، حصل هؤلاء على ملكية الأرض التي نزلوا عليها بكتابة ميثاق مع مجلس نيو إنگلند (Council of New England) الذي خلف شركة فرجينيا، وقاموا بتأسيس مدينة صغيرة أسموها پليموث في ولاية مساتشوستس الحالية.
وبجانب الزراعة، فقد زاول هؤلاء تجارة الفراء. كان أو شتاء قضاه الحجاج – هناك – قاسيا مما أدى إلى موت أكثر من نصفهم. وظل تطور المستعمرة بطيئا، ولم يزد عدد سكانها على 300 نسمة. في البداية كان الحاكم ومعاونيه يجتمعون مع كل السكان للقيام بإصدار التشريعات الضرورية للمستوطنات، وتنظيم المحاكم، وقد سميت هذه الاجتماعات في كل مستوطنة بامس (اجتماعات القرية) (Town Meeting) ومن هنا جاءت تسمية (Township)، وهذه تعتبر بمثابة ديمقراطية مباشرة في الحكم. وفيما بعد، بازدياد عدد السكان، وباستحالة اجتماع الكل في مكان واحد، فقد أصبحت البلدان الأبعد تختار ممثلين عنها لحضور الاجتماع التشريعي العام. كان وليام برادفورد (William Bradford) هو أول حاكم لمستعمرة بليموث، وقد دام حكمه حوالي ثلاثين عاما. في عام 1686، أصبحت بليموث جزءا من (اتحاد نيو إنجلند) الدينية الكاملة للجميع.
كونيكتيكت
إن وجود أرض خصبة حول نهر كونيكتيكت ومغريات تجارة الفراء كان الدوافع الرئيسية حول إنشاء هذا المستوطنة ، أما الخلافات حول الأمور الدينية والسياسة فقد كانت عبارة عن دوافع ثانوية في تأسيسها . وهكذا قام توماس هوكر (Thomas Hocker) في عام 1636 م بقيادة جماعة من المهاجرين من نواحي بوسطن متجها إلى الغرب ، وأنشأوا مستعمرة هارت فورد (Hart Ford) ، وفي نفس العام أقيمت مستوطنات أخرى بواسطة مهاجرين من منطقة ماستشوستس . وفي عام 1639 م قام سكان هذه المستوطنات بكتابة ما أسموه (قوانين كونيكتيكت الرئيسية) (Fundamental Orders of Connecticut) التي وضعت نظام الحكم في هذه المستوطنات ، وتعتبر هذه القوانين أول دستور مكتوب للحكم في أمريكا . وقد تضمن هذا الدستور حكومة تمثيلية لكونيكتيكت سميت (المحكمة العامة) ، وقد جمعت المحكمة في يدها سلطات تشريعية وقضائية وإدارية بحيث تسبه المحكمة العامة في ماستشوستس .
وكانت جماعة بيوريتان لندن قد أنشأت ما سمته بمستوطنة نيوهيفن عام 1637 م بقيادة كل من القسيس جون دافنبورت (John Davenport) والتاجر ثوفيلس إيثون (Theophilus Eaton) . هذه المستعمرة التي سكنها البيوريتان فقط ، كانت قد تعرضت لعدة متاعب بحيث اضطرت في عام 1662 م بأن تنضم إلى كونيكتيكت تحت ميثاق واحد بين المستعمرتين .
نيوهامشير، ومين
في عام 1623 م ، وهبت الحكومة البريطانية قطعتين من الأرض شمال ماستشوستس ؛ واحدة للكابتن جون ميسون (John Mason) والأخرى إلى لاسيد فردناندو جورجيس (Ferdenando Gorges) . أما الأول فقد أخذ الجزء الغربي وسماه نيوهامشير ، وأما الثاني فقد أخذ الجزء المحاذي للساحل وسماه مين . وعندما لم ينجح القادمون الجدد في عملية التوطين فقد استوطن هذه المناطق مهاجرون من ماستشوستس ، وأصبحت حكومة المناطق الجديدة تابعة لمستعمرة الخليج (Bay colony) . وفي عام 1679 م جعل الملك شارك الثاني نيوهامشير مستعمرة مستقلة ، أما مين فقد بقيت جزءا من ماستشوستس إلى أن دخلت الاتحاد الفيدرالي عام 1820 م .
أما الجزء المتبقي من نيوإنجلند والذي يدعى فيرمونت (Vermont) فإنها كانت جزءا من نيويورك إلى أن قبلت كولاية مستقلة في الاتحاد الفيدرالي عام 1791 م . وعندما عارضوا حكم البيوريتانيين الديني فقد أجروا على المغادرة أو اختاروا طواعية أن يتركوا بوسطن ، وكان جون ونثروب من أشهر قادة بوسطن وقد خدم كحاكم معظم الفترةمن 1630-1650 م .
مستعمرة رود آيلند
عدم التسامح الديني الذي سيطر على حكام ماستشوستس كان لابد من أن يؤدي إلى معارضة بعض سكان المستعمرة ، وكل معارضة كما قلنا كان يحكم عليهاب الطرد . وهذا ما حصل مع روجر وليامز (Roger William) أحد سكان ماستشوستس . لقد كان قسيسا مثقفا تخرج من جامعة كامبردج ، وقد جلب على نفسه غضب ومعارضة حكام بوسطن البيوريتان لاختلافه معهم في الرأي بخصوص طريقة الحكم في بوسطن . لقد آمن وليامز بضرورة فصل الكنيسة عن الحكومة ، ودعى إلى استقلال كل طائفة لوحدها (بمعنى أنه عارض حكم البيشوبس (Bishops) . كما آمن بالحرية الدينية للفرد ، ودعا إلى أن الطريقة الشرعية الوحيدة للحصول على الأرض إنما يجب أن تكونعن طريق شرائها من الهنود . وهكذا كان لابد لوليامز من الرحيل ؛ حيث اتجه إلى جنوب بوسطن ، وأسس هناك ، مع ما لحقه من أتباع ، مستعمرة رود أيلند ، التي أصبحت تجمع فيها عدة مستوطنات .
في البداية عندما حكم على وليامز بالخروج عام 1635 م ، هرب إلى هنود نرقنست (Narragansett) . وفي عام 1636 م بدأ مستوطنة بروفدنس (Providence) التي أصبحت أساسا لرود أيلند . ظهر هناك معارض آخر لنظام الحكم في بوسطن ، وهذه المرة كانت السيدة آن هتشنسون (Anne Hutchinson التي أوجدت نزاعا في بوسطن بسبب معارضتها للحكم الديني ، وبذل خرجت وأتباعها من بوسطن وأنشأت مستوطنة بورتسموث (Portsmouth) عام 1638 م بالقرب من بروفدنس – مستوطنة وليامز . في عام 1693 م ظهرت معارضة في بورتسموث كان قائدها وليام كود نقتون (William Coddington) حيث أجبر أهالي المستوطنة هذه المجموعة على ترك بورتسموث ، فرحل هؤلاء وكونوا لهم مستوطنة في نيوبورت (New Port) . هذا وقد ظهر معارض آخر في بوسطن يدعى صامويل نيوبورت (Samuel Gorton) ، وعندما أجبر على الرحيل قام بإنشاء مستوطنة ووروك (Warwick) عام 1643 م . وبهذا أصبح عدد المستوطنات في رود أيلند أربعة . في عام 1644 م استطاع وليامز الحصول على ميثاق من البرلمان بالبريطاني بالسماح بوجود أربع مستوطنات في رود آيلند ، وفي عام 1663 م أعطى البرلمان لهم ميثاقا دائما حيث ضمن هذا الميثاق الحرية (Dominion of New England) ، وفي عام 1691 م ، انضمت إلى مستعمرة ماستشوستس .
وبسرعة أخذت بعد ذلك تتوطد الأمور على ساحل ماستشوستس وخاصة بعد أن وفدت جماعات كثيرة من البيوريتانيين ، حيث كان هؤلاء يعترضون على الكنيسة البروتستانتية البريطانية ، دون أن يفكروا في الانفصال عنها ؛ إنما كانوا يريدون تنقيتها . وقد لقي هؤلاء نجاحا سريعا بسبب تنظيمهم مما جعل عددهم يزداد بسرعة .
مستعمرة خليج ماستشوستس
مستعمرة خليج مساتشوستس هي أولى المستعمرات التي أنشأتها جماعة الپيوريتان، وقد كانت هذه أكبر وأكثر أهمية من مستعمرة پليموث، وقد بدأت كمشروع تجاري للصيد البحري وفيما بعد وفد إليها آلاف من البيوريتانيين الذين يعملون في الزراعة. في عام 1629، قام منشئو المستعمرة الأولين بالحصول على ميثاق بالحكم الذاتي للمستعمرة، وتعتبر سنة 1630 البداية الرسمية لهذه المستعمرة ، عندما عين جون ونثروپ (John Winthrop) حاكما لها حيث استقر بقرابة ألف من أتباعه في جهة سميث بوسطن ، وفيما بعد ظهرت قرى جديدة محيطة ببوسطن بين 1630-1640، نتيجة موجة من الهجرة أطلق علهيا (الهجرة الكبرى) ، حيث جاء حوالي 25.000 من البيوريتان إلى مساتشوستس للهرب من اضطهاد الكنيسة الأنجليكانية خلال حكم تشارلز الأول.
كان نظام الحكم في مساتشوستس (ثيوقراطيا) (Theocratic) – حكم رجال الدين . فقد آمن القادة بأن الكنيسة يجب أن تسيطر على الحكومة حتى يمكنها تطبيق التعاليم الدينية – وتلك كانتتعاليم قائد الإصلاح الديني جون كالڤن (John Calvin)، وبناء عليه فإن أعضاء الكنيسة فقط هم الذين سمح لهم بالتصويت والمشاركة في الحكومة. وحسب ميثاق المستعمرة فقد سمح للأحرار (Freemen) – أولئك الذين لا ينتسبون إلى الكنيسة، حيث كان عددهم إثنى عشر شخصا – بالاشتراك في اختيار المجلس الاستشاري للحاكم. وقد توسع أساس المشاركة في الحكومة في عام 1630 عندما أصبح عدد الأحرار مائة وتسعة. وفي عام 1634، عندما أراد المجلس التشريعي في المستعمرة فرض ضرائب على سكان القرى المجاور، فقد طالب هؤلاء بحق تمثيلهم في المجلس وقد أعطي لهم هذا الحق. وبعد عام 1644 بدأ ممثلوا السكان يجتمعون منفردين وبذلك ظهر نظام المجلسين: أعوان الحاكم (المجلس الاستشاري)، ثم المجلس المنتخب ، وأصبحت مهمتهم ليس فقط فرض الضرائب بل سن القوانين أيضاً. ومع ذلك فقد كانت الحكومة بعيدةعن أن تكون ديمقراطية. حيث أن قليلا من السكان قد أصبحوا أحرارا – بحيث يحق لهم الانتخاب – وكان رجال الكنيسة هم الذين يرشحون هؤلاء للحصول على حريتهم.
اتحاد نيو إنجلند الكونفدرالي
نظرا للأخطار العسكرية اليت تعرضت لها مستعمرات نيو إنجلند من القبائل الهندية ،ومن الهولنديين في الجنوب الغربي ، ومن الفرنسيين في الشمال (كندا) فقد ظهرت أول فكرة لجمع هذه المستعمرات في وحدة واحدة عام 1643 م . وقد تكون الاتحاد من أربع مناطق : ماستشوستس ، بليموث ، كونتكيكت ونيوهيفن . وقد استمر هذا الاتحاد حتى عام 1674 ، ولكنه لم يكن فعالا إلا حتى عام 1665 م . أما (الخوارج) في رود آيلند فلم يسمح لهم بالانضمام إلى الاتحاد . وقد كانت كل منطقة ترسل اثنين من الممثلين عنها ليقرروا سياسة الاتحاد تجاه القبائل الهندية ، والعلاقة مع الدول الأجنبية ، وحسم الخلافات الداخلية بين المناطق . وقد انحل الاتحاد لعدم تعاون منطقة ماستشوستس .
تأسيس المستوطنات الجنوبية
جيمع المستوطنات الجنوبية أنشئت بواسطة عقود خاصة ، ما عدا فرجينيا وديلاوير (Virginia, Delaware) حيث أنشئتا كشركات تجارية .
مريلاند
كان السير / جورج كالفرت (George Calvert) قد حصل من الحكومة البريطانية على قطعة الأرض تعتبر منحة وتمتد من نهر البوتوماك حتى خط عرض 496º ، وذلك لتوطين بعض الكاثوليك البريطانيين الذين تعرضوا للاضطهاد الديني في عام 1632 م . وعندما توفي كالفرت آلت الملكية إلى ابنه سيليوس كالفرت (Cecilius Calvert) . وفي عام 1634 م أنشئت أول مستوطنة في سينتميري (St. Mary) ، وقد نمت أحواهلا منذ البداية كمستوطنة زراعية ، واستفادت من خبرات فرجينيا (لأنها مستوطنة أقدم) وكذلك من المساعدات المادية التي قدمتها تلك المستعمرة . لقد كانت سينت ميري(لأنها مستوطنة أقدم) وكذلك من المساعدات المادية التي قدمتها تلك المستعمرة . لقد كانت سينتميري نموذجا للمستوطنات الخاصة ، فقد كان كالفرت يؤجر إقطاعيات كبيرة (1000-3000 هكتار) لبعض اللوردات الكبار ، وهؤلاء يؤجرونها إلى صغار المزارعين ، وهكذا فقد انتقل النظام الإقطاعي البريطاني إلى أمريكا . ولم يكن لصغار المزارعين أي واجبات تجاه اللوردات الكبار إلا أن يدفعوا ضريبة صغيرة ،وهكذا بصورة فعلية ، فقد كان صغار الملاك هم الذين يملكون الأرض .
من حيث نظام الحكم فقد كانيرأس المستوطنة حاكم يعاونه مجلس تنفيذي كلاهما معين من قبل صاحب العقد (كالفرت) ، بالإضافة إلى مجلس عام ينتخبه صغار الملاك . ونظرا لاتساع رقعة الأرض ولاختلاف الناس ؛ فقد نمت من ميريلاند الأفكار الديمقراطية والتسامح الديني أكثر من غيرها من المستعمرات . ففي عام 1649 م وافق المجلس العام على قانون التسامح الديني (Toleration Act) حيث كان هذا ضروريا نتيجة لكثرة المهاجرين البروتستنت والبيوريتان من فرجينيا ، وعندما زاد عدد البروتستنت على الكاثوليك فقد ظهرت ضرورة حماية العبادة الدينية لكل المؤمنين بالمسيحية .
في عام 1650 م حصل المجلس العام على حقوق تشريعية ، وأصبح يجتمع بصورة مستقلة . وقد زادت هذه الحقوق بعد انتفاضة بيكون في فرجينيا .
توطين مناطق الكارولانيا
مايسمى حاليا شمال وجنوب كارولاينا مع كقطعة واحدة في جنوب مستوطنة فرجينيا إلى ثمانية من أصدقاء الملك شارل الثاني عام 1663 م . وقد بدأ توطين هذه المناطق بنجاح في عام 1670 م ، عندما قامت حملة استكشافية بإنشاء مدينة شارل (Charles Town) ، وفيما بعد سميت شارلستون (Charleston) ، وقد طلب أصحاب المنحة من الفيلسوف جون لوك بأن يكتب لهم نظاما للحكم في هذه المنطقة ، وقد أطلق عليه (الدستور الأساسي لكارولاينا) . وقد أصبح هذا الدستور مثالا للنظام الإقطاعي ، مما جعل السكان لا يرغبونه ، نظرا لاختلاف الظروف في العالم الجديد ، وهكذا كان مصيره الفشل . ومع مرور الزمن فقد عمل هؤلاء لأنفسهم نظام حكم يناسبهم .
فشلت هذه المناطق في تأسيس نظام زراعي ناجح ، وبالتالي فقد اتجهوا إلى تجارة الجلود مع القبائل الهندية في الجنوب الغربي . وبمجيء عام 1700م نجحوا في زراعة الأرز الذي أصبح يجلب لهم أرباحا عالية ، وهذا دفعهم إلى استيراد الرقيق لفلاحة الأرض ، وهكذا ظهر نظام الاعتماد على الرق في العالم الجديد .
استقل القسم الشمالي من هذه المنطقة في عام 1729 م ، عندما باع أصحاب العقد الأول حقهم إلى الملك ، وازدهرت في المناطق الوسطى منه مستوطنات جديدة . وباستقلال هذه المنطقة عن شارلستون ، ظهر فيها مجتمع ديمقراطي تتكون غالبيته من صغار الملاك ، حيث اختلف هذا تماما عن النظام الأرستقراطي الذي ظهر في فرجينيا وكارولاينا الجنوبية .
جورجيا
كانت هذه آخر مستوطنة بريطانية أنشئت في أمريكا الشمالية ، وقد تأسست هذه المنطقة يمنح جيمس أوجليثورب (James Oglethorpe) – الذي كان يرأس مجلسا خيريا – عقدا لمنطقة من الأرض في عام 1732 م ، وفي السنة الثانية فقد بدأ أوائل المهاجرين يصلون إلى المنطقة وأسسوا مدينة سفانا (Savana) . وكان هؤلاء المهاجرين قد حضروا من مناطق مختلفة من الجزر البريطانية : اسكتلندا ، سالزبورج ، ويلز ، بالإضافةإلى إنجلترا .
أهم البواعث التي ساعدت على إنشاء جورجيا كانت : أولا ، خلق منطقة تفصل بين الكارولاينا وبين الإسبانيين في فلوريدا إلى الجنوب ؛ ثانيا ، ليجعلها ملجأ لأصحاب الديون الذين كاوا في سجون بريطانيا ؛ وثالثا ، لجعلها ملجأ لأولئك البروتستنت الذين تعرضوا للاضطهاد الديني في أوروبا ؛ وأخيرا ، لمحاولة إقناع الهنود باعتناق المسيحية . وقد كانت الخطة بأن يعتمد الاقتصاد على صغار الملاك لإنتاج الحرير والنبيذ ، ولكن لم تنجح هذه الخطة إلا عندما وضعت قوانين ضد الملكيات الكبيرة وضد الرق ، وهكذا فقد رأى هذا إلى ظهور نظام اقتصادي يشبه ذلك الذي في كارولاينا الجنوبية . في عام 1751 م ، أصبحت جورجيا مستوطنة ملكية .
تأسيس المستوطنات الوسطى
أصبحت المستوطنات الوسطى بريطانية في عهد الملك شارل الثاني ، بعد رجوع ملوك الستيوارت إلى الحكم . كاندوق يورك وكذلك وليام بن (William Penn) من المؤسسين لكل من نيويورك ، بنسلفانيا ، نيوجيرسي ، وديلاوير . كانت الأخيرة تشبه إلى حد كبير المستوطنات الجنوبية ، وقد ظل حاكما بنسلفانيا إلى حين مجيء الثورة الأمريكية عام 1776 م .
نيويورك
أنشئت هذه المستوطنة أصلا بواسطة الهولنديين ، وقد استوى علهيا البريطانيون بعد حروب ثلاثة مع الهولنديين خلال القرن السابع عشر . فقد وجد البريطانيون بأنها تفصل مستوطناتهم الجنوبية عن الشمالية ، وبذلك تشكل خطرا على القسمين ، كما أنها كانت تنافسهم في تجارة الفراء . ولذلك فقد منح الملك شارل الثاني أخيه دوق يورك في عام 1664 م الأرض الواقعة بين كونيكتيكت وديلاوير ، وأعانه بأسطول بحري للاستيلاء عليها . وقد استطاع الدوق الاستيلاء علهيا في نفس السنة ، وغير اسمها إلى نيويورك . وقد كانت أل المستوطنات ديمقراطية نظرا للحكم الفردي الذي تمتع به الدوق في المنطقة .
بنسلفانيا
كان وليام بن قد أنشأ مستوطنة على غرار أوجلثورب في جورجيا ، وكان باعثه على ذلك حتى تكون ملجأ للكويكرز من الاضهاد الديني الذين تعرضوا له في أوروبا . في عام 1681 م منح الملك شارل الثاني هذه المنطقة إلى بن كسداد لدين كان عليه لوالد وليام . وقد تمتعت هذه المستوطنة – التي أطلق عليها وليام (التجربة المقدسة) – بحرية العبادة وبنظام حكم مستقل . وقد باع وليام الأرض إلى الكويكرز وإلى بعض المهاجرين الألمان . كما تمتعت أيضا بحسن المناخ والاستفادة من المهاجرين الأولين إليها . كان بحكم المستوطنة مجلس تشريعي واحد ، ولكن هذا النظام لم ينساب المستوطنين نظرا لاتساع رقعة الأرض ، حيث كان يكره هؤلاء دفع الضريبة الصغيرة إلى صاحب العقد .
حرية النظام في ههذ المستوطنة استرعت انتباه الكثير من المهاجرين ، وهكذا فقد نمت أحواهلا بسرعة شديدة . كان الإعلان عن نظام الحكم في هذه المستوطنة في ألمانيا قد استرعى انتباه الكثير من المتطرفين الدينيين هناك ؛ خصوصا رخص الأرض والحرية الدينية . وعلى ذلك فقد شملت هذه المستوطنة أنواعا متباينة من المهاجرين أكثر من أي مستوطنة أخرى في أمريكا الشمالية .
ديلاوير (Delaware) أنشئت هذه المستوطنة أصلا بواسطة السويديين ، ثم احتلها الهولنديون ، وفيما بعد أصبحت ضمن المنطقة التي منحها الملك شارل الثاني :إلى أخيه دوق يورك . في عام 1682 م اشترى هذه المستوطنة من دوق يورك حتى يحصل على مخرج إلى البحر لمستوطنة بنسلفانيا . في عام 1702 م ، أعطى لهذه المستعمرة حق انتخاب مجلسها العام ، ولكن بقيت عائلة بن صاحبة الحق فيها ؛ ومن ثم كانت تعين حاكم المستوطنة .
مستوطنات وست إنديز
لم يستوطن البريطانيون في الأرض اليابسة فقط ، وإنما قاموا بإنشاء مستوطنات أخرى بحرية مقابل الساحل الشرقي لقارة أمريكا المشالية . فقد قام السيد جورج سومرز (George Somers) بإنشاء مستوطنة في جزيرة برميودا عام 1612 م وذلك لزراعة التبغ ، ثم استوطن بريطانيون آخرون في جزيرة باربادوز (Barbados) عام 1625 م ، وكذلك فيما بعد سينت كريستوفر (Saint Christopher) عام 1823 م وذلك لغرض زراعة قصب السكر في هذه المناطق ، حيث أصبح المحصول الرئيسي لها . أما جزيرة جاميكا فقد حصل عليها البريطانيون بعد حرب مع إسبانيا عام 1655 م ؛ حيث استخدمت أيضا لزراعة قصب السكر معتمدة على جلب الرقيق للعمل في الأرض . وقد اتضح بأن هذه المستوطنات البحرية كانت مريحة للبريطانيين أكثر بكثير من المستوطنات في الأرض اليابسة في كل ساحل الأطلنطي الغربي .
تسلسل تاريخي لأهم الأحداث التاريخية
- 1497 : استكشافات جون كابوت لساحل أمريكا الشمالي ، كانت أول محاولة بريطانية في أمريكا الشمالية .
- 1587 : بدأ رالي مستوطنته في جزيرة رونوك .
- 1588 : انتصار بريطانيا على إسبانيا في حرب الأرمادا .
- 1607 : إنشاء مستوطنية جيمس تاون .
- 1620 : إنشاء مستوطنة بليموث .
- 1634 : إنشاء مستوطنة سانت ميري (ميريلاند) .
- 1636 : روجر وليامز بدا استيطان رود آيلند .
- 1664 : استولى البريطانيون على نيوفوند لاند (نيويورك) .
- 1670 : ابتداء استيطان شارلس تاون ، كارولاينا .
- 1676 : انتفاضة بيكون .
- 1733 : إنشاء مستوطنة سفانا (جورجيا) .
مراجع الفصل الثاني
1- T.J. Wertenbaker. The First American (1927)
2- W.F. Craven. The Colonies in Transition (1968)
3- C.M. Andrews. The Colonial Periold in American History (4 vols., 1935-1938).
4- C.L.Beer. Orinins of the British Colonial System (1908)
الفصل الثالث: النظام السياسي والاقتصادي في المستعمرات
لقد اقتبست الولايات الأمريكية ، خلال فترة لااستعمار البريطاني لها ، كثيرا من أنظمة بريطانيا السياسية ، كما أن بريطانيا نفسها استفادت من خبرتها في حكم تلك المستعمرات في تكوين نظام استعماري عام يمكن تطبيقه في مناطقها الاستعمارة الأخرى . وتجدر الملاحظة بأن نظام الحكم الإنجليزي في أمريكا كان أكثر ليونة من أي نظام استعماري في العالم الجديد . من ناحية أخرى ، فقد حددت جغرافية ساحل الأطلسي الغربي الموارد الطبيعية للمستعمرات البريطانية فيه ، كما أن ههذ الموارد بدورها كانت قد أثرت في التكوين الاقتصادي للمستعمرات بحيث أصبح بالإمكان تقسيمها إلى ثلاث مناطق متمايزة : المشالية (إنجلترا الجديدة) ، الوسطى ، والجنوبية .
إن المواثيق الي منحتها بريطانيا (نظام الحكم لتكوين المستعمراتكات قد أعطت لكسان تلك المستعمرات حكما ذاتيا شبه مستقل عن البلد الأم ، ونظرا لبعد المسافة بين البلد الأم والمستعمرات ، فقد أهملت بريطانيا تطبيق نظام صارم علهيا . وهكذا فقد كان لهذين العاملين أثرهما في أن تتمتع المستعمرات البريطانية بحرية نسبية أكثر منها في أي مستعمرات أخرى في العالم الجديد .
أنواع المستعمرات
هناك ثلاثة أنواع من المستعمرات : الأول ، المستعمرات المملوكة (proprietary) حيث تنقسم إلى قسمين ك إما مملوكة من قبل شركة مساهمة ، او من قبل من شخص واحد أو اثنين . لقد كان هناك أربع مستعمرات مملوكة من قبل شركات مساهمة ، واثنتنان مملوكتان من قبل أشخاص وهما جورجيا ونيويورك ، الثاني ، مستوطنات المشاركة (حكم ذاتي) ، وتختلف هذه عن سابقتها بان كل مستوطنة كان لها (دستورها الخاص الذي يعطي لسكانها حق الإشراف على شئونها المحلية والسياسية والمالية . والثالث ،المستعمرات الملكية ، وقد نشأت هذه بجعل بعض المستعمرات تحت الإشراف المباشر على تلك المستعمرات . إن العقود التي منحها الملك لسكان المستعمرات قد أصبحت (دساتير تحكمها ، كما أعطت بريطانيا الحق لسكان المستعمرات في أن يبقوا كرعايا لحكومة البلد الأم ، وهذا يختلف عما كانت تطبق السلطات الاستعمارية الأخرى في مستعمراتها في الخارج ، حيث لم تعتبر هذه السلطات سكان المستعمرات كرعايا للحكومة الأمة كما فعلت بريطانيا .
نظام الحكم
الحاكم العام ، المجلس التنفيذي ، المجلس العام
لقد تشابه نظام الحكم في كل المستعمرات البريطانية في أمريكا . مركز الحاكم العام قد بدأ باعتباره رئيسيا تنفيذيا لشركة مساهمة ، ولكنه تحول – فيما بعد – إلى مركز سياسي . في المستعمرات المملوكة كان الحاكم العام يعين من قبل الملك – صاحب المستعمرة ، في مستعمرات المشاركة كان الحاكم ينتخب من قبل سكان المستعمرة ؛ أما في المستعمرات الملكية فقد كان الحاكم يعين من قبل الملك . أما المجلس التنفيذي فيشبه في مهماته وطريقة تعيينة تلك الطرق المتعة مع الحاكم العام ، ما عدا ماستشوستس حيث كان المجلس التنفيذي فيها منتخبا من قبل المحكمة العامة . سلطات الحاكم العام كانت تنفيذية : تطبيق القوانين ، تعيين موظفي المستعمرة ، رئاسة قوة البوليس المحلية ، كما كان له حق النقص في الأمور التشريعية . وتجب الملاحظة بأن مركز الحاكم العام في المستعمرات البريطانية كان حرجا ، فمع أنه يجب عليه أن يطبق أوامر أولئك الذين عينوه ، إلا أنه كان يتقاضى مستحقاته المالية من قبل سكان المستعمرة .
لم يكن هناك فصل حاسم بين سلطات الحكم الثلاث . لقد كان الحاكم والمجلس التنفيذي يمثلان المحكمة العليا ، وكان المجلس العام يخدم كمجلس أعلى تشريعي . المجلس العام كان منتخبا من قبل السكان ، ويفصل تماما عن المجلس التنفيذي . من الملاحظ بأنه كان هناك صراع دائم بين الحاكم وبين المجلس العام ، وكان الأخير يتخذ من حقه في الموافقة على لاميزانية العامة وسيلة لإجبار الحاكم على بعض المكاسب ، وقد جاء هذا أيضا في مستعمرات المشاركة . لقد كانت المجالس العامة تعتبر فرض الضرائب ووضع الميزانية من حقها فقط ، وليس للحاكم العام أي شأن بها .
نظام الانتخاب والتوظيف
إذا قورنت حقوق الانتخاب في ذلك الوقت بتلك في وقتنا الحاضر . فيمكن القول بأنها كانت صارمة إلى حد كبير ، كان المطلب الديني (ضرورة انتماء الفرد إلى كنيسة معينة) سببا في حرمان الكثير من الانتخاب في القرن السابع عشر ، ولكنها خفت كثيرا في القرن الثامن عشر . كان حق الانتخاب محظورا فقط في الرجال ، ومع ذلك فإن تلك المستعمرات تمتعت بحقوق أكثر حتى من المستعمرات الحيوية فلم يكن لها مثل هذا الحق ، بحيث يمكن القول بأن المجالس العامة إنما هي عبارة عن سلطة أوليغاركية (سلطة المجموعة) . فالممثلون في هذه المجالس كان يجب أن يكونوا من أصحاب الإقطاعيات الكبيرة ، وهؤلاء كان معظمهم يسكنون في المناطق الساحلية . ولم توجد هناك أحزاب سياسية منظمة ، وهكذا فإن مصالح السكان في الداخل كانت تختلف عن مصالح أولئك الإقطاعيين على الساحل ، وبالتالي فقد كانت المناطق الداخلية تعارض سياسة هؤلاء الإقطاعيين في كثير من الأحوال كانت المناطق الداخلية تقوم بانتفاضات ضد السلطات الإقطاعية على الساحل ، ومن أبرز هذه الأحداث انتفاضة بيكون .
الحكم المحلي
في المستعمرات الحيوية ، كانت الكاونتي (County) تمثل الوحدة الأساسية للحكم المحلي (كما كان الحال في إنجلترا) ، ويعتبر البوليس (County Sherif) والقضاة المحليين من أكبر موظفي المستعمرة ، ويعين هؤلاء في العادة من قبل حاكم الولاية ، كانت كاونتي منقسمة إلى وحدات تسمى كل منها باريش (Parish) . في نيو إنجلند كانت الوحدة الأساسية تسمى قرية (Township) وكان لهذه مجلس محلي منتخب هو الذي يقوم بإدارة الشئون المحلية ، وكان هؤلاء يعينون الممثلين في المجالس العامة للمستعمرة أما المستعمارت الوسطى فكانت تطبق مزيجا من النظامين الشمالي والجنوبي ، أما القضاة في هذه المستعمرات فكانوا يعينون من قبل الحاكم العام .
القانون البريطاني والتعالمي الدينية كانت هي القانون العام المطبق في المستعمرات . وكانت العقوبات هنا تختلف عنها في إنجلترا ، فالجلد والتعليق من الأيدي والحرق بالنار وكرسي الإغراق كانت تقوم مقام السجن أو الإعدام في إنجلترا .
المراقبة الاستعمارية
نظريا كان الغرض من إنشاء المستعمرات هو أن تدر نفعا على الحكومة البريطانية أو الرعايا البريطانيين الذين يملكونها .
النظام التجاري البريطاني
كانت النظرية الميركانتلية (التجارية) ، التي شاعت في أوروبا في العصر الحديث هي التي كانت ، تتبعها بريطانيا في حكم مستعمراتها الأمريكية ، مع أن بريطانيا كانت أقل حماسة في تطبيق تلك النظرية من الدول الأوروبية الأخرى . وتتمثل هذه النظرية في الآتي . كان هناك تنافس حاد بين الدول الأوروبية لامتلاك مستعمرات لها فيما وراء البحار ، مما جعل خطر الحرب دائما يهدد علاقات هذه الدول ، وكان الغرض من وجود هذه المستعمرات هو الاستفادة من مواردها الطبيعية بحيث تدر أرباحا زائدة على البلد الأم ، هذه الأرباح كانت توضع على شكل احتياطي ذهب مخزون للاستعمال في حالة الحرب مع دولة أخرى . وهكذا فقد كان وجود المستعمرات البريطانية يخدم هذه الفكرة لأنها كانت مصدرا رئيسيا لقصب السكر ، الأخشاب ، الأسماك ، كما كانت تمثل مواني مختلفة تستعملها بريطانيا في مواصلاتها ، ولهذا فإن إنجلترا كانت تشجع إنتاج المواد الأولية ، وتفرض قوانين ضد الصناعات المحلية حتى تكون المستعمرات سوقا لبيع المنتجات المصنوعة في البلاد الأم . من هذه الناحية ، كانت بريطانيا صارمة في تطبيق نظام المراقبة على التجارة وعلى نوعية الناقلات التي تستعمل لهذا الغرض .
الإدارة الاستعمارية البريطانية
كانت مستعمرات بريطانيا في قارة أمريكا المشالية أول مستعمرات لتلك الدولة فيما وراء البحار ، وعلى هذا فقد كان ينقص الحكومة البريطانية عامل التجربة في إدارة تلك المستعمرات . لقد كانت هناك ثلاثة عوامل لها الأثر الأكبر في تشكيل نظام الحكم البريطاني في المستعمرات ، الصراع المحلي في بريطانيا بين الملك والبرلمان ، بين بريطانيا والقارة الأمريكية . هذه العوامل أعطت المستعمرات الأمريكية الفرصة في أن تتمتع بحرية نسبية لتحكم نفسها بنفسها . وبمجيء آل ستيوارت إلى الحكم عام 1660 م ، فقد وضعت الإدارة الاستعمارية تحت إشراف الملك والمجلس التابع له ، ومن ثم قام الملك بتعيين ما يسمى بالمجلس التجاري الذي أصبحت مهمته القيام بتوصيات للملك بخصوص إدارة هذه المستعمرات ، وكان البرلمان البريطاني يقوم بوضع التشريعات الضرورية لتنفيذ هذه التوصيات . وهكذا فقد كان مجل الملك والبحرية البريطانية وكذلك المحاكم تنظر في قضايا كثيرة تتعلق بتطبيق هذا النظام افداري ، ولقد تعلم سكان المستعمرات أن يتجنبوا كثيرا من هذه القوانين التي كانوا يرون في تطبيقها ضررا على أنفسهم .
قوانين البحرية
لقد وضعت بريطانيا هذه القوانين لتحكم نظام التجارة والبحرية بينها وبين مستعمراتها الأمريكية ، تلك القوانين كانت تؤكد المصالح البريطانية أولا . من أهم هذه القوانين كان قانون عام 1660 ، وقد كان الغرض منه حظر نقل البضائع داخل الإمبراطورية على السفن البريطانية فقط ، حيث تطّلب هذا القانون بأن البضائع المتبادلة يجب أن تنقل على سفن معينة من البضائع التي لا يسمح بيعها إلا داخل الإمبراطورية البريطانية مثل : السكر ، التبغ ، القطن ، الأخشاب . وفيما بعد أضيف إلى القائمة : الأرز ، الفراء ، الحديد . وحتى يمكن إفادة المستعمرات فقد حرمت زراعة التبغ داخل بريطانيا او استيراده من بلد آخر .
وفي عام 1663 م وضعت الحكومة البريطانية قانونا آخر فرضت بموجبه على واردات المستعمرات البريطانية من الدول الأوروبية بأن تمر على موانئ بريطانية لدفع الضريبة هناك ، ولكن الحكومة البريطانية كانت تدفع تعويضات لسكان المستعمرات بحيث تجعل أسعار هذه المواد رخيصة على السكان ، كما أنها كانت مستوردة مباشرة من الدول الأوروبية . لقد حاول الأمريكيون تجاهل هذه القوانين ، ولذلك كثرت شكاوي رجال الجمارك البريطانيين ضدهم وبناءا عليه فقد قام الملك جيمس الثاني ، لمحاولة سد هذه الثغرة ، بوضع قانون جديد عام 1669 م .
لقد فرض قانون 1669 م على حكام المستعمرات بحلف اليمين بتطبيق قوانين البحرية بشكل صارم ، وكل من يخالف ذلك يتعرض للعقوبة . لقد عهد إلى المجلس التجاري الذي كان يتبع الملك مباشرة بأن يقوم بتنفيذ هذه القوانين ، كما أعطى لرجال الجمارك حتى إيقاف السفن المشبوهة وتفتيشها .
أما قانون 1733 م فقد حرم على السمتعمرات البريطانية في أمريكا أن تستورد السكر من المستعمرات الأوروبية الأخرى في منطقة البحر الكاريبي ، وأجبرهم على استيراد السكر فقط من الجزر الخاضعة لبريطانيا . وقد فرض هذا القانون ضرائب عالية على المخالفين ، ولكن هذا القانون لم يطبق بشكل فعال .
التنظيمات الخاصة بالصناعات والعملة
كانت الحكومة البريطانية تريد منع أي منافسة للصناعة البريطانية من قبل المستعمرات ، ولذلك فقد أقرت بعض القوانين التي تمنع قيام بعض الصناعات في هذه المستعمرات من هذا هذه القوانين قانون الأصواف لعام 1699 م الذي منع إنتاج الملابس الصوفية في المستعمرات الأمريكية ، ثم قانون القبعات عام 1732 م الذي منع إنتاج القبعات . ثم قانون الحديد عام 1750 م الذي منع إنتاج المصنوعات التي يكون فيها الحديد عاملا أوليا . هذه التنظيمات لم يكن لها أثر فعال على المستعمرات الأمريكية ؛ حيث أن هذه المستعمرات في الواقع كانت معتمدة اعتمادا كليا على الصناعات البريطانية . صك العملات كان يعتمد على تشريعات تقوم بها المجالس العامة في المستعمرات حسب التنظيمات التي يضعها البرلمان البريطاني ، أو حسب تعاليم الحكام في الولايات ؛ أولئك الذين كانوا يتلقون أوامرهم من البرلمان .
أثر القوانين البحرية
محاولة بريطانيا السيطرة على تجارة المستعمرات كان لها محاسنها ومساوئها على اقتصاد هذه المستعمرات ، كانت المساعدات المالية التي تدفعها الحكومة لإنتاج بعض المزروعات قد ساعدت المزارعين في المستعمرات على الحفاظ والاستمرار في الزراعة ، كما كانت الحكومة البريطانية تدفع مساعدات مالية لأصحاب المخازن البحرية والأخشاب التي تستعمل لصناعة السفن . ومن ذلك نرى بأن هذه التنظيمات إنما فسرت لصالح سكان المستعمرات ، وإذا لم يكن الأمر كذلك فإن تطبيقها لم يكن فعالا . وبناءا عليه ، ففي عهد السيد روبرت والبول (Robert Walpole) ودوق نيوكاسل (1721-1763 م) اتبعت الحكومة البريطانية سياسة (غضر النظر) عن تطبيق هذه القوانين . كما لا يجب أن ننسى بأن تجارة المستعمرات كانت تستفيد من حماية البحرية البريطانية لها في عرض البحر .
الحالة الاقتصادية في المستعمرات
إنتاج المحاصيل الزراعية ووجود المواد الأولية كانت تكّون الدعائم الرئيسية لاقتصاد المستعمرات وبطبيعة الحال ، فإن المواد الطبيعية كانت قد حددت نوع الحياة الاقتصادية في المستعمرات . أما الصناعة المحلية فإنها تعتمد على ما هو موجود من المواد الأولية .
الزراعة في المستعمرات الشمالية
تشمل هذه المستعمرات كل من نيوهامشير ، ماستشوستس ، كونيكتيكت ، ورود آيلند . خصوبة التربة مع وجود مناطق صخرية مع تعرج السواحل كان قد حدد نوعية اقتصاد هذه المستعمرات . قد مارس السكان هنا الزراعة وتربية المواشي والصيد والتجارة . وجود الشاواطئ الخرية الكثيرة التعرجات ساعد على بناء المرافئ الكثيرة ، كما أن وجود الغابات الكثيفة في المناطق الغربية قد وفر الأخشاب اللازمة لصناعة السفن . مجاري المياه الكثيرة المتدفقة من الجبال سمحت بإقامة المطاحن ومصانع السكر ومناشر الأخشاب . وهكذا فإن هذه الإمكانيات الكبيرة المتوفرة قد اعطت فرصا ثمينة للسكان الجدد . وبخلاف السكان في المستعمرات الأخرى فإن السكان هنا كانوا يقومون بتطوير المناطق الجديدة ، كعمل جماعي ، وكانوا يتركون بيوتهم للعمل في الحقول ؛ بدلا من أن يسكنوا على الأرض التي يزرعونها كما هي الحال في المستعمرات الأخرى . ولكن الحالة الأخيرة – السكني على المناطق الزراعية – قد أصبحت هي الطريقة المتبعة في كل المستعمرات في وقت لاحق . على العموم كانت هذه المستعمرات قادرة على كفاية نفسها بنفسها .
الزراعة في المستعمرات الوسطى
تشمل هذه المستعمرات : نيويورك ، نيوجرسي ، ديلاوير ، وبنسلفانيا . لقد كانت هذه تسمى (مستعمرات الخبز) لأنها كانت تنتج الحبوب بانواعها . فقد كان القمح هو المحصول الرئيسي ، ويتبع ذلك الذرة حيث تزرع في كل هذه المستعمرات ، كما شملت هذه الزراعة أيضا زراعة علف الأبقار والفواكه والخضراوات ، وبما أن هذه المستعمارت كانت (مستعمرات مملوكة) فقد كانت الأرض تعطى للأفراد مقابل أجرة يدفعونها . وكثيرا ما كان هؤلاء المؤجرين يتفادون دفع الأجرة وبالتدريج فقد أصبحوا ملاكا للأرض مقابل ثمن إسمي . وكما في ولاية فرجينيا – في الجنوب – فإن الأرض كان يمكن الحصول عليها كحق فردي بدلا من شرائها مباشرة ؛ حيث لم تصح فكرة البيع قاعدة متبعة إلا في القرن الثامن عشر . أما مصدر الأيدي العاملة الرئيسي فهو لخدمة المتعاقدين . المزارع هنا في العادة كانت صغيرة .
الزراعة في المستعمرات الجنوبية
تشمل هذه المستعمرات ، مريلاند ، فرجينيا ، كاولاينا (جنوبية وشمالية) ، ثم جورجيا . خصوبة التربة ، ثم نوع المناخ في هذه المنطقة (الحار الرطب) ، بالإضافة إلى وجود منطقة ساحلية تخترقها النهيرات العديدة الصالحة لسير السفن . كل هذه العوامل ساعدت على إيجاد اقتصاد يعتمد على تصدير المحاصيل الزراعية . كان التبغ هو المحصول الزراعي الرئيسي في مناطق ميري لاند وفرجينيا وكارولاينا ، وقد اشتهرت الأخيرة أيضا بالأرز والنيلة (مادة تستخدم في صباغة الملابس) . وقد كانت هذه المحاصيل تستبدل بالمنتجات البريطانية والأوروبية . أما جورجيا فقد كانت تنتج النيلة والقطن ، ولكن المحصول الأخير لم يصبح رئيسي الإنتاج إلا بعد عهد الثورة الأمريكية . الزراعة هنا كانتتمارس على نطاق واسع بسبب الاعتمدا على الرقيق المستورد ، كان إنتاج هذه المستعمرات يزيد على استهلاكها ، وبهذا كان يتوفر لديها فائض للتصدير ، وبذلك أصبحت حياة سكانها متعلقة إلى حد كبير بمستوى الأسعار في أوروبا .
لقد ظهرت الإقطاعيات الزراعية الكبيرة فيم ناطق الساحل ، وأصبح الإقطاعيون يسيطرون على الحياة السياسية والاجتماعية في الجنوب ويتوسع أصحاب الإقطاع في زيادة أراضيهم ؛ اضطر صغار المزارعين إلى الهجرة نحو الغرب ؛ حيث كانوا يقومون بزراعة التبغ والمحاصيل التي يعتاشون منها . وهكذا فقد وجد في هذه المنطقة مجتمع أرستقراطي في أسسه واتجاهاته ، فكبار ملاك الأراضي كانوا يحتكرون حق التمثيل في مجلس المستعمرة ، كما كانوا يتولون إدارة شئونها ؛ وتأتي بعدهم طبقة العبيد الأرقاء المحرومين من كل الحقوق ،ولم توجد طبقة متوسطة بين الفريقين كما هو الحال في الشمال .
الزراعة في مناطق الحدود
توفر الأرض الخصبة المشاع دفع السكان الذين لايملكون أرضا إلى الزحف نحو مناطق الحدود واستصلاح أراض يعيشون منهنا . وفيما عدا مناطق نيوإنجلند ، فإن الهجرة نحو الغرب كان يقوم بها أفراد يعتبرون كرواد . لقد كان هؤلاء الرواد يقومون ببناء البيوت الخشبية الصغيرة في وسط الغابات ، وكانوا يسوون الأرض ويتخلصون من الشجيرات الصغيةر للقيام بزراعة الذرة والخضراوات ، وبناءا عليه ، فقد كانت البلطة والبندقية هما السلاح الرئيسي لمثل هذه العلمية ، وقد كان الرائد يعول نفسه أيضا عن طريق صيد الطيور في الغابات . كانت الحياة بسيطة ولكنها قاسية وبذلك فقد اشتهر هؤلاء الرواد بالاعتماد على النفس والجلافة ، وكثيرا ماكان هؤلاء يشترون الأرض ويستصلحونها بالإستدانة من أرستقراطيي الساحل الشرقي ، ونظرا لما كان يتحمله هؤلاء من الديون ، ونظرا لاستغلال الأرستقراطية الشرقية فإن هلم هؤلاء كانوا يعتبرون بان مصالحهم السياسية والاقتصادية ، إنما تتعارض مع مصالح هذه الأرستقراطية ، وهكذا فيمكن القول بانه منذ بداية التاريخ الأمريكي كانت قد تعارضت مصالح الساحل مع مصالح أولئك الذين يقطنون في الداخل .
الصناعة
كان بناء السفن من الصناعات الرئيسية التي تركزت في المستعمرات الشمالية ، أما المستعمرات الوسطى والجنوبية فقد كانت تبني بعض السفن الكبيرة ، ولقد وجدت المخازن البحرية في كل المستعمرات . كارولاينا المشالية اشتهرت بالزفتة والقطران والنفط . ولقد وجدت المتاجر في كل المستعمرات لإنتاج الأخشاب سواء لغرض التصدير أو الاستعمال المحلي .
المستعمرات الشمالية كانت تستورد الدبس من الجزر المحاذية لساحل الأطلسي الشرقي ، وكانت تحول كميات كبيرة منه إلى المشروب الروحي (رم) للتصدير والاستهلاك المحلي . كان الحديد يوجد في كل المستعمرات ، وبعد عام 1750 م . فقد أصبحت بنسلفانيا أكثر المناطق إنتاجا لهذه المادة الأولية . في المستعمرات الشمالية والوسطى كان إنتاج المواد الأولية يعتمد على أصحاب الحرف . طحن الحبوب كان من الأعمال الرئيسية في نيويورك بنسلفانيا حيث وجد في هاتين المستعمرتين أكبر المطاحن في أمريكا ، أما المستعمرات الأخرى ، فكانت تنتج الطحين للاستهلاك المحلي فقط . صناعة الملابس كانت فقط للاستهلاك المحلي ، وكانت تعتمد على الأصواف والكتان ، وقليلا ماكان يستعمل القطن ، واعتمدت المستعمرات على بريطانيا في استيراد المبلابس . بجانب صناعة الملابس ، شملت الصناعات المحلية حفظ الأطعمة وصناعة الأثاث والأدوات الزراعية . عدم وجود مواد أولية تستبدل بعض الصناعات في مستعمرات نيوإنجلند شجع على ازدهار الصناعة في هذه المستعمرات .
صيد الأسماك وتجارة الفراء
مع أن كل المستعمرات كانت تعمل في تجارة الفراء ، إلا أن مركز هذه التجارة كان في منطقة ألباني (نيويورك) في اشمال ، وكذلك في منطقة شارلستون في الجنوب حيث كانت تصدر كثيرا من الجلود .
كان صيد الأسماك والحيتان من الحرف الرئيسية في المستعمرات الشمالية الذي كان يشغل مئات السفن على مدار السنة في السواحل الشمالية الشرقية من ساحل الأطلسي ، وكان يصدر إلى الجزر الساحلية لتغذية الرقيق الذين يعملون في الإقطاعيات الكبيرة ، وكذلك إلى بعض الدول الأوروبية الكاثوليكية .
التجارة
وجود بعض المناطق الجبلية الصخرية جعل سكان المستعمرات الشمالية يتجهون إلى البحار ، ليس من أجل صيد الأسماك فحسب ، بل من أجل القيام بعملية النقل البحري من الساحل الأمريكي الشرقي والجزر المحاذية له . ولقد كانت سفن المستعمرات الشمالية تحمل الأغذيةمن ساحل الأطلسي حيث تستبدل هذه بالدبس والسكر والزنجبيل وبعض صكوك التبديل التي كانت تستخدم لدفع أثمان البضائع المستوردة من إنجلترا . وبعد سنة 1697 م (حيث ظهرت الإقطاعات الكبيرة) فإن المستعمرات الشمالية بدأت تتعامل في تجارة الرقيق . كان الدبس المستورد من الجزر الساحلية يحول إلى مشروب روحي في المستعمرات المشالية ، وكانت هذه المشروبات بدورها تستبدل بالرقيق ، وكاني نقل هؤلاء إلى الجزر الساحلية هذا وقد تعاملت المستعمرات الوسطى أيضا في تجارة الرقيق .
المستعمرات الجنوبية كانت تصدر الحبوب والتبغ والأرز والنيلة إلى إنجلترا لاستبدالها ببعض المنتجات الصناعية .
مشاكل العملة
نظرا لاعتماد المستعمرات على اسستيراد كل حاجياتها من البلد الأم ، فقد سبب هذا ندرة الحاجيات في هذه المستعمرات ؛ لأن تلك الحاجيات كانت تستخدم كوسيلة للاستبدال . كانت المستعمرات تحصل على الذهب عن طريق تجارتها مع أفريقيا وجزر الهند الغربية (الجزر المحاذية لساحل الأطلسي الشرقي) . كان الدولار الإسباني هو العملة الرئيسية التي تستخدمها المستعمرات في تجارتها مع الخارج . وكانت المجالس التشريعية في المستعمرات تصك العملات ، حتى تخفف العبء عن كاهل موازيتها التجارية ، وكان البرلمان البريطاني قد حظر صك مثل هذه العملات نظرا لانخفاض قيمتها في كثير من الأحيان . في عام 1764م ، أصدر البرلمان البريطاني تشريعا يمنع منعا باتا صدور مثل هذه العملات .
حالة العمل والعمال
توطن الأرض الجديدة واستغلال مواردها الطبيعية الكثيرة كان يستلزم وجود الأيدي العاملة الكثيرة . انخفاض ثمن الأرض ، وسهولة عملة الشراء ، ساعدت المهاجرين الفقراء الذين حضروا للعمل على التملك السريع . وهكذا فقد كان الطلب على العمال سواء حرفيين أو غير حرفيين دائما في ازدياد ، وبالتالي فقد كان هناك ندرة دائمة في توفر العدد المطلوب .
كان مصدر العمال الرئيسي هو أولئك الذين تعاقدوا للحضور على شريطة العمل فترة تتراوح بين 3 – 7 سنوات مقابل أجرة نقلهم إلى أمريكا . في أمريكا كان هؤلاء يعطون إلى من يدفع عنهم أكبر ثمن ، وقد سمي هؤلاء (بالعمال المتعاقدين) . لقد كان هؤلاء دون أية مدخرات مالية ، وغالبيتهم كانوا من المستدينين في بريطانيا أو الذين كانوا يخدمون مدة حكم عليهم هناك . لم يكن لهؤلاء أثر كبير في تطوير القارة الأمريكية .
ويجب أن نفرق هنا بين العمال المتعاقدين وطبقة أخرى من العمال تسمى ردمبشنرز(Redemptioners) ، وتمثل هذه طبقة من العمال حضروا بعائلاتهم ولديهم بعض المدخرات ، كما أنهم قد حضروا بدافع من أنفسهم ، لذلك فقد كانت مساهمتهم في المجتمع الجديد أكبر . ولقد استقر قسم كبير منهم في منطقة بنسلفانيا ، حيث انه بعدانتهاء مدة عقود عملهم ، كانوا يعطون قطعةمن الأرض مساحتها خمسون هكتارا ، بالإضافة إلى الأدوات الزراعية والملابس . كانت هذه الطبقة تمثل غالبية عظمى في كثير من المستعمرات .
العبودية
كانت طبقة الرقيق تمثل مصدرا كبيرا للعمال في أمريكا . المستعمرات الشمالية كانت تستخدم عددا كبيرا من الهنود الحمر ، أو انت تستبدلهم بالرقيق الوسد من جزر الهند الغربية . وقد استخدم الهنود الحمر أيضا في المستعمرات الجنوبية . ولكن يجب الملاحظة بأن الهنود الحمر لم يستطيعوا أن يتأقلموا كرقيق ، ولذلك فقد بدأ استيراد الرقيق من أفريقيا في عام 1619 م ، عندما بيعوا لأول مرة في جيمس تاون . وقد ازداد استيراد هؤلاء الرقيق غلى المستعمرات الجنوبية ، خصوصا بعد عام 1713 م ، حيث كانوا يستخدمون في زراعة الأرز ، والنيلة ، والتبغ . وقد كان أصحاب الإقطاعيات الكبيرة يفضلون استخدام الرقيق السوء عن غيرهم لقدرتهم على السيطرة عليهم أكثر . في البداية ، قبلت المستعمرات المشالية فكرة وجود الرقيق ، ولكن الظروف الاقتصادية هنا لم تناسب وجودهم تماما ، كما كان الحال في المستعمرات الجنوبية .
تسلسل تاريخي للأحداث الهامة
- 1916 : بيع أول عبيد في جيمس تاون .
- 1643 : نظمت مستوطنات نيوإنجلند في اتحاد كونفدرالي .
- 1651 : سنت بريطانيا أول قوانين التجارة البحرية على المستعمرات .
- 1685 : بدأ اتخاذ نيوإنجلند (دومنيون) .
- 1721 : بدأت بريطانيا في عهد رئيس الوزراء والبول في إهمال تطبيق القوانين التجارية حتى سنة 1763 م
مراجع الفصل الثالث
1. L.W. Labaree. Royal Government in America (1930)
2. D.J. Boorstin. The Americans: The Colonial Experience (1958)
3. L.C. Gray: History of Agriculture in the Southern United Sates (1933)
4. E.R. Johnson. History of the Domestic and Foreign Commerce of the United States (1922).
5. D.B. Davis. The Problem of Slavery in Western Culture (1966)
الفصل الرابع: الحياة الاجتماعية والفكرية في المستعمرات
كان نوع الحياة في المستعمرات الأمريكية – بريطانيا ، في البداية ، ولكن نظرا لاختلاف الظروف في البيئة الجديدة ، فقد بدأ هذا يخلق – تدريجيا – نوعا مستقلا من الحياة . هذه الظروف البيئية تمثلت أولا في وجود الأرض المشاع التي كانت في حاجة إلى استيطان ومن ثم استمرارية (الزحف الحضاري) من الساحل الشرقي نحو الغرب داخل قارة أمريكا الشمالية . هذه العملية خلقت إنسانا جديدا – متقشفا ، ومعتمدا كلية على نفسه . وثانيا ، يجب الملاحظة بأن هؤلاء المهاجرين كانوا مختلفين في خلفياتهم التاريخية والجنسية والاجتماعية ، وأن وجودهم مجتمعين في بيئة جديدة ؛ كان قد أدى إلى خلق مجتمع جديد ، قومية جديدة – ما يسميه علماء الاجتماع (الانصهار الحضاري) .
سكان المستعمرات البريطانية
كانت نسبة زيادة السكان في أمريكا مرتفعة جدا . يرجع هذا إلى العوامل الآتية : استمرارية الهجرة واتساع رقعة الأرض المشاع الذي اعطى فرصا كثيرة للمهاجرين للعمل ولتكوين النفس ؛ ارتفاع نسبة المواليد نظرا لممارسة الزواج ؛ ثم الرغبة في تكوين عائلات كبيرة للمساعدة في استصلاح الأراضي .
=هجرة غير البريطانيين
المهاجرين الذين حضروا في فترة الاستعمار البريطاني كانوا يشكلون ثلاث فئات : بلاتين ألمان (Palatine Germans) ، ومن أسكتلندا وأيرلندا (Scottch – Irish) ، ثم الرقيق السود .
بدأت هجرة الألمان هنا بعد عام 1710 م ، عندما وافق البرلمان البريطاني على منح الجنسية لكل بروتستنتي يحضر غلى أمريكا . لقد كان هؤلاء يتركون بلدهم بسبب عوامل الفقر والحروب والاضطهاد الديني ، ولقد استقر هؤلاء في الداخل (بعيدا عن الساحل) في مناطق بنسلفانيا حيث توفر الأرض واتساعها . وأصبحوا – فيما بعد – يسمون بهولنديو بنسلفانيا (Penn-Dutch) .
وقد لحق – بهؤلاء الألمان – مهاجرونمن شمال أسكتلندا وأيرلندا هؤلاء المسيحيون البربسبتاريون حضروا إلى أمريكا لكي يتجنبوا اضطهاد الكنيسة الأنجلكانية والكاثوليكية في أيرلندا ، هذا بالإضافة إلى ندرة الموارد الاقتصادية هناك . وكانت منطقة استيطانهم تقع إلى لاغرب والجنوب الغربي من المهاجرين الألمان الذين سبقوهم في المناطق الجبلية في فرجينيا والكارولاينا . بالإضافة إلى هذا كانت هناك مجموعات من المهاجرين الفرنسيين الهوجونوت (البروتستنت) الذين استوطنوا في الكارولاينا . الأيرلنديون كانوا يحضرون في دفعات متتابعة خلال هذه الفترة الاستعمارية ، وقد فقد الكثير منهم شخصيتهم الأولى بانخراطهم في المجتمع الجديد . الأسكتلنديون استوطنوا في الكارولاينا وجورجيا . الهولنديون كانوا في نيويورك ، بعض السويسريين والسويد استوطنوا في وادي ديلاوير حيث كانوا يمثلون جزءا من السكان في العالم الجديد .
الطبقات الاجتماعية
بالرغم من وجود التمايز الطبقي في العالم الجديد ، إلا أنه تجنب الملاحظة بأن هذا التمايز كان أقل حدة بكثير مما هو عليه في أوروبا ، في ذلك الوقت . الأرستقراطية الجديدة في أمريكا كانت تتمثل في : الموظفين الكبار ، رجال الدين ، الحرفيين ، كبار رجال السفن والتجار ، وكبار الإقطاعيين الذين كانوا من أصل بريطاني .
ونظرا لتوفر الموارد الاقتصادية فقد دفع هذا إلى ارتفاع الأوضاع الاجتماعية في المجتمع الجديد . وهنا يجب التمييز بين الأرستقراطيين من كبار الموظفين في المستعمرات الذين كانوا من أصل بريطاني ، وبين أولئك الذين استطاعوا تحسين أوضاعهم الاقتصادية نظرا لتوفر وغنى البيئة .
الطبقة الوسطى كانت تتمثل في : المزارعين ، التجار ، والفنيين . وكانت هذه الطبقة تمثل الغالبية العظمى من سكان المستعمرات . الطبقة الثالثة تتمثل في العمال الأحرار غير الحرفيين . هذا بالإضافة إلى طبقة رابعة متميزة تتمثل في : الخدمة المتعاقدون (Indentured Servants) ، وكذلك الرقيق السود .
الأديان في المستعمرات
لقد كان للدين والنظرة الدينية أثر فعال ، يزيد بكثير عما هي الحال الآن ، في تشكيل أفكار السكان في تلك الفترة . وبما أن البروتستنت المتطرفين المتطرفة وجدت لها ظروفا بيئية مناسبة في العالم الجديد ، وبالتالي فقد ازدهرت أكثر بكثير مما كان عليه الحال في أي بلد آخر . إن تنوع الخلفيات الدينية التي حضرت إلى أمريكا ، كان قد أدى إلى خلق التسامح الديني بالتدريج في العالم الجديد – أكثر من أي بلد آخر .
البيوريتان في نيو إنجلند
لقد كان للصفات التي تمتعت بها هذه الطبقة الدينية أكبر الأثر على الحياة في المجتمع الجديد أكثر من أي فئة دينية أخرى . من صفاتهم الدينية ما يأتي : أولا ، أنهم كانوا من أتباع جون كالفن الذين يؤمنون بأن الإنسان مسير وليس مخير .. ثانيا ، بأن الرب هو الذي قرر بالفعل لؤلئك الذين سينقذهم في الآخرة ، وبالتالي فإن كثيرا من البيوريتان كانوا من المتصوفين ، وذلك ليعرفوا فيما إذا كانوا من المختارين من قبل الرب ، وكانوا يهتمون بتحسين أوضاعهم وكذلك أوضاع الآخرين .. ثالثا ، كانوا يؤمنون بقانون أخلاقي صارم ، وأصدروا بعض القوانين التي تحرم العمل يوم الأحد ، وتجبر على الذهاب إلى الكنيسة . ومع أن هذه الفئة حضرت إلى أمريكا لتتمتع بالحرية الدينية ، إلا أنها اضطهدت كثيرا من الفئات الدينية الأخرى في أمريكا ، مثل البابتست (المعمدانيين) (Baptists) ، والكويكرز واليهود والكاثوليك ، وغيرهم . ومع ذلك تجب الملاحظة بأن هذا عمل قامت به معظم الديانات الأخرى في خلال القرن السادس عشر . من حيث التنظيم الكنسي ، فإن البيوريتان كانوا يعتبرون كونجرجيشنال (Congregational) ومعنى هذا أنهم يؤمنون بان كل كنيسة يجب أن تكون حرة من أي سيطرة عليا خارجية (خارج الكنيسة) . كانت الفئة الدينية الرئيسية في رود آيلند هي المعمدانية ، حيث بدأوا تحت رئاسة روجر وليامز .
الدين في المستعمرات الوسطى
كان تعدد الأديان من المظاهر الرئيسية التي تجب ملاحظتها في هذه المستعمرات . كانت فئة الكويكرز تمثل الغالبية العظمى في بنسلفانيا ونيوجيرسي ؛ الأسكتلنديون الأيرلنديون جلبوا مجموعة من اللوثريين (Lutherans) ، والمينونايتز (Mennonites) ، والمورافيين (Moravians) ؛ كثير من البيوريتانز استوطنوا في نيوجيرسي . أما في نيويورك فقد كان هناك فئات من الهولنديين المصلحين (Dutch Reformed) ، وكذلك الألمان المصلحين (German Reformed) . ولكن لم يكن لمنطقة نيويورك صفة دينية غالية ، كما هو الحال في مناطق أخرى .
الدين في المستعمرات الجنوبية
كانت جماعات الكنيسة الأنجلكانية هي الفئة الغالية في المناطق الساحلية ، وكان مفروضا على السكان ضرورة مساندة الكنيسة بجميع التبرعات لها . أما ميريلاند فقد كان يقطنها فئة كبيرة من الكاثوليك .وجود أتباع الكنيسة الأنجلكانية الذين كانوا يتمتعون بالطلاقة الاجتماعية والانفتاح على الحياة ميز الجنوب عن الشمال (البيوريتان ) ، ذلك الذي عرف التطرف الديني . أما البريستاربين والمعمدانيين والكويكرز فقد استوطنوا في المناطق الداخلية في الجنوب .
محاكمات السحرة
كان الاعتقاد بالسحر الديني ظاهرة شائعة في القرن السابع عشر ، في كل من أوروبا وأمريكا . لقد ظهرت في منطقة سالم (Salem) عام 1692 م هستيريا دينية شديدة لدى السكان . وقد بدأت هذه نتيجة اتهام سنتين صغيرتين ، كانتا تستمعان لتعاويذ اثنين من الخدمة من جزر الهند الغربية لبعض النساء الكبار في السن بأنهم (أي النساء) قد ألقين عليهما اللغتين . ونتيجة لهذه الاتهامات فقد أعدم تسعة عشر شخصا ، قبل أن توقف المحاكمة التي كان نتيجتها تعرض أشخاص مرموقين للمحاكمة . كل ذلك أدى إلى فقدان في بعض قادة البيوريتان .
التسامح الديني
كان للأفكار الدينية الأثر الفعال في تشكيل نظريات معتقديها ، وبالتالي فقد أثر في نظرة كل فئة دينية إلى غيرها من الفئات ، مما أدى إلى انعدام التسامح وإلى التاجر الديني المستمر . الخلافاتا لتي ظهرت داخل الكنيسة البرستارية أدت إلى تفرع هذه الكنيسة إلى فئات مختلفة يكره الكثير ، منها ، ليس فقط الكاثوليك ، بل بعض الفئات داخل الكنيسة البروتستنتية نفسها . عدم التسامح الديني هذا كان ظاهرة ملحوظة ، حيث أن حق التصويت في الانتخابات مثلا كان محظورا في منطقة ما ، إلا على الفئة التي تدين بنفس المعتقدات الكاثوليك الذيني يعيشون في الشمال ليس لهم حق التصويت . عدم التسامح الديني لدى البيوريتان في الشمال مثلا أدى إلى نفي الخارجين عن هذه المعتقدات وإلى معاقبتهم بالضرب وبالسجن أو حتى بالإعدام .
التسامح الديني ظهر كضرورة حتمية في منطقة ميريلاند ، ولكنه كان جزءا رئيسيا من معتقدات المنشئ الأول (تجربة بن المقدسة) . انتشار فكرة التنوير (Enlightenment) شجع على تخفيف أثر المعتقدات الدينية علىحياة الناس خلال القرن السابع عشر . وهكذا فإن فضيحة سالم كانت قد أعدمت الثقة في قيادة البيوريتان ، كما أن هجرة فئات دينية أخرى إلى هناك قد أضعفت من نفوذ البيوريتان فيما بعد . وهكذا فإنه يمكن التعميمي بالقول بأن فكرة التسامح الديني قد وحدت طريقها في وقت مبكر في أمريكا – منذ بداية القرن الثامن عشر .
عصر اليقظة الكبير
ظهور الأفكار الدنيوية ، وانتشار فكرة التنوير في أواخر القرن السابع عشر – أديا إلى رد فعل قوي لصالح الدين في القرن الثامن عشر . رد الفعل هذا أطلق عليه في أمريكا ما يسمى بعصر اليقظة (Great Awakening) ، والتي وصلت أوجها في منتصف القرن الثامن عشر . وقد بدأت إثر تعاليم جوناتان إدواردز (Jonathan Edwards) الثيولوجي المتدين (ماستشوستس) . ومن هناك امتدت هذه الحركة إلى كل المستعمرات الأمريكية ،وخصوصا في المناطق البعيدة عن الساحل ، حيث أصبح لها أثر فعال كبير . وقد صاحب هذها لحركة كثير من الحماس والعاطفة الدينية مما أدى إلى اعتناقها من قبل الكثير من السكان .
من نتائج هذه الحركة أنها زادت من عضوية الكنائس الصغيرة التي كانت في طريق الاضمحال ، وأنها طعمت الدين بعاطفة قوية عازمة ؛ وكحركة ديمقراطية فإنها جلبت انتباه الطبقات الفقيرة ، وبالتالي فقد أضعفت الكنيسة الأنجليكانية والسلطة البريطانية عموما ، وأخيرا فإنها دفعت علىزيادة الاهتمام بالأمور الإنسانية ، ورفعت من القيم الأخلاقية والمعنوية ، ومن ثم أدت إلى إنشاء بعض الكليات الجامعية الدينية .
حضارة المستعمرات
بطبيعةا لحال ، كان كل ما هو بريطاني سواء في مجال اللغة ، الأدب ، القانون ، العادات ، الدين ، والأفكار ، قد سيطر على حضارة المستعمرات البريطانية في أمريكا .
التعليم
إيمان البيوريتان الصارم في المستعمرات الشمالية بضرورة التعليم للفرد أدى إلى أن تكون تلك المنطقة رائدة في النواحي التعليمية في أمريكا . إن قانون عام 1674 م قد فرض إنشاء مدارس عامة ابتدائية في كل قرية يزيد سكانها على الخمسين عائلة ، وبمجيء عام 1689 م فقد أصبح التعليم الابتدائي إجباريا في كل مناطق نيو إنجلندا ماعدا رود آيلند . أما في المستعمرات الوسطى فلم يكن هناك نظام عام للتعليم لأن هذا كان يعتبر من واجبات الكنيسة ، حيث أن ذهاب الأطفال للكنيسة إنما يعتبر تعليما بالنسبة لهم في الجنوب أيضا لم يوفر القانون ضرورة وجود التعليم العام الإجباري ، ولكن كانت بعض العائلات الغنية تتشارك في نوفمبر الملقنين الخاصين لأطفالها .
المدارس الثانوية الوحيدة التي توفرت في نيو إنجلند كانت تتمثل في تعليم قواعد اللغة اللاتينية . الكليات التسع التي أنشئت هناك قبل الثورة الأمريكية كانت كلها مدعومة من الفئات الدينية وكانت كلية هارفارد أولها ، حيث أنشئت في عام 1636 م ، وتبعها كلية وليام آند ميري عام 1693 ، ثم كلية بيل عام 1701 م ، لقد كان هناك بعض الكليات لتخريج رجال الدين ، ولذلك كان اهتمامها مقصورا على تعليم اللغات الكلاسيكية القديمة ودراسة الأديان .
الصحافة الدورية
أنشئت أول مطبعة في المستعمرات في عام 1639 م ؛ وطبعت أول جريدة في عام 1690 م ، أول جريدة دورية تطبع كانت بوسطن نيوز – ليتر (Boston Newsletter) عام 1704 م . وبمجيء عام 1765 م فقد كان هناك 43 جريدة دورية تطبع في امريكا . هذه الجرائد الأسبوعية كانت تطبع بعض الأخبار المحلية ، الإعلانات ، وبعض المقالات من صحف بريطانية . وكان أول حدث في تاريخ الصحافة الأمريكية هو عندما حوكم الصحفي جون بيتر زينجر (John Petter Zinger) المحرر في صحيفة نيويورك الأسبوعية ، عام 1735 م ، بتهمة التشهير بحاكم نيويورك العام السيد / كوسبي . وكانت براءته نقطة تحول في تاريخ حرية الصحافة . طبعت أول مجلةف ي عام 1741 م ، وطبعت أول موسوعة صغيرة في عام 1739 م في نيو إنجلند . هذه الموسوعات كانت تطبع سنويا ، وتتضمن معلومات عملية كثيرة ، وبعض الأضاحيك ، والحكم ، وكانت تخدم كرزنامة ومرشد فلكي . كان من أشهر هذه الموسوعات هي موسوعة (رتشارد الفقير) (Richard Almanac) التي كان يكتبها بنجامين فرانكلين (1732-1757 م) .
الأدب في المستعمرات
موضوعات الكتابات الأولى كانت تهتم بأفكار تدور حول إنشاء المستعمرات . كان الإنتاج الأدبي في نيوإنجلند من أكثر الإنتاجات الأدبية في المستعمرات في القرن السابع عشر ، وكان هذا الإنتاج محصورا في المواضيع الدينية وتاريخ المستعمرات . ومن المعروف أن الإنتاج الأدبي يستوجب وجود أناس مثقفين ، ومن هذه الناحية فقد أصبحت فلادلفيا منذ عام 1740 م مركزا أدبيا للمستعمرات . وتجب الملاحظة بأن الموضوعات المحلية كانت تعالج في الكتابات الأدبية . وكان أول رائد يهتم بالكتابة عن المستعمرات بصورة عامة إنما هو الشاعر فليب فرينو (Philip Freneau) في عقد السبعينات من القرن الثامن عشر .
آثار عصر التنوير
لقد آمن الأوروبيون في العصور الوسطى بأن الكتاب المقدس إنما يحتوي على كل التفسيرات للعالم المحيط بهم . ظهور عصر التنوير أو ما سمي بعصر العقل (Age of Reason) قد بدأ عن طريق نيكولاس كوبر نيكوس (Nicolas Copernicus) العالم الفلكي البولندي وأشباهه الذين تحدوا طرق التفكير في العصور الوسطى . وقد أثبت كوبر نيكوس بأن مركز الوجود إنما هو الشمس وليست الأرض . هذه التعاليم قد زادت من الشكوك في صحة تفكير إنسان العصور الوسطى ، وأدت إلىظهور المبادئ العلمية مثل الملاحظة والتجربة والتعليل كوسائل لتفسير الوجود المحيط بالإنسان . وهكذا فبتطبيق نظم التعليل الجديدة ، فإن الاعتماد على التفسير الديني لفهم الوجود الإنساني قد نقص إلى حد كبير .
نظم التفكير الجديدة جعلت الإنسان الأوروبي والأمريكي يتجه إلى تطبيق القوانين العلمية لتحسين وضعه في الحياة الدنيوية ؛ بدلا من أن يتقبل اوضاعه البائسة في حياته الدنيا في سبيل حياة أخرى بعد الموت . وهكذا فقد ظهرت فئة من المتعلمين الذين حاولوا التوفيق بين الدينوالعلم مثل كوتون ماثر (Cotton Mather) الرائد البيوريتاني . وبمجيء عام 1700 م كانت أمريكا تحتضن الأفكار الإنسانية والدنيوية الحرة ، وأصبح الناس في المستعمرات يتقبلون الأفكار الجديدة وضرورة إعطاء الفرد حرية الاختيار . وقد حاول الفلاسفة البحث عن قوانين طبيعة تفسر سلوك الإنسان الاجتماعي . وهكذا فإن حريات الإنسان الطبيعية قد اتخذت سببا لتعليل الثورة ضد أي استبداد سياسي .
كان بنجامين فرانكلين من أشهر العلماء في المستعمرات الأمريكية . لقد اهتم هذا بفكرة جعل العلم وسيلة لخدمةالإنسان في حياته العملية ، وقد اخترع فرنا لصهر الحديد ، ودرس الحرارة والكهرباء ، وأسهم في كثير من التجارب والاكتشافات . عالم النبات جون بارترام (John Bartram) ، من ولاية بنسلفانيا ، قام بملاحظات عديدة لأنواع النبات في المستعمرات ،وقام بزراعة أول حديقة نباتية تمثل أنواع النبات في أمريكا.
أثر المفكرين الأوروبيين
لقد أثر كثير من الفلاسفة وعلماء الاجتماع الأوروبيين على الفكر الأمريكي من أمثال هؤلاء الفيلسوف الإنجليزي جون لوك (John Locke) في كتابه (نوعان من الحكم) (1690 م) (Two Treaties of Government) الذي أكد بأن للإنسان (حقوقا طبيعية) مثل حق الحياة ، الحرية ، الملكية . وقد فسر وجود المجتمع بما سماه (العقد الاجتماعي) ، حيث أن الحكومات قد تكونت لغرض ضمان حقوق أفرادها ،ولكنه كان يؤمن بشرعية الثورة ضد الحكام ، إذا نقض هؤلاء حقوق محكوميهم . ومن أمثال هؤلاء المفكرين أيضا كان جان جاك روسو الفرنسي في كتابه (العقد الاجتماعي) (1762 م) ، حيث آمن هذا بحرية الإنسان ، وبأهمية العدالة والمساواة لتحسين وضع الإنسان ، ونقض فكرة حق الملوك الإلهي . الاقتصادي البريطاني آدم سميث (Adam Smith) في كتابه (ثروة الأمم) (1776 م) (The Wealth of Nations) وضع تفسيرات طبيعية لسلوك الإنسان الاقتصادي ، وكان يؤمن بفكرة (دعه يعمل ، دعه يمر) (Laissez Fair – Laisse Passe) ، وكان يؤمن بضرورة عدم تدخل الحكومة في الشئون الاقتصادية للمجتمع مثل الضرائب ، الاحتكارات ، وكل الأنظمة الخاصة بهذه الشئون .
وحدانية الإله
لقد اعتنق كثير من مفكري السمتعمرات فكرة الإيمان بوحدانية الإله التي وجدت في أوروبا في ذلك الوقت . هذه الفكرة كانت تعني بأن الفكرة الدينية القائمة على العلم والتعليل إنما تنفي التعاليم القديمة التي كانت تؤمن بفكرة القوى الخارقة ، وهاجمت هذه الفكرة أيضا فكرة المتاجرات الدينية التي انتشرت في القرن السابع عشر . لقد آمن أصحاب الوحدانية الإلهية بأن الإله إنما يتصرف في الوجود حسب قوانين طبيعية ، وأنه لا يتدخل في حياة الإنسان اليومية . وكان من المؤمنين بوحدانية الإله في امريكا ، بنجامين فرانكلين ، توماس جفرسون ، توماس بين .
العوامل المساعدة والمعارضة للتعاون بين المستعمرات
هناك عوامل مشتركة ربطت بين المستعمرات البريطانية المحاذية لساحل الأطلسي ، والتي جعلتها – فيما بعد – تقوم بعمل مشترك من أجل الحصول على استقلالها . هذه العوامل جعلت هذه المستعمرات تختلف عن بعض المستعمرات البريطانية التي وجدت في قارات آخرى . وفي الوقت نفسه فقد كانت هناك عوامل مفرقة تعمل ضد العوامل الأولى . من ضمن العوامل المساعدة على الوحدة كان هناك عامل رئيسي واحد – أخذ يظهر تدريجيا فيما بعد – ألا وهو الوحدة في المعارضة للاستبداد الملكي البريطاني في المستعمرات .
العوامل الموحدة
أولا ، مع الزيادة التدريجية في عدد السكان ، وتحسين الطرق والمواصلات البحرية ، أمكن التغلب على العوائق الجغرافية ؛ وكل ذلك أدى إلى تقدم التجارة بين المستعمرات ، كما كان إنشاء نظام للبريد من قبل البريطانيين قد زاد من وسائل الاتصال ؛ خصوصا بعد تعيين بنجامين فرانكلين مديرا عاما للبريد . ثانيا ، اشتراك كل المهاجرين إلى أمريكا في عامل نفسي واحد ألا وهو كونهم حضروا إلى بيئة جديدة ؛ تطلبت التقشف والمواظبة والاعتماد على النفس ، ومن ثم فقد توجه جميعهم إلىم عارضة الاستبداد الملكي البريطاني . ثالثا ، تعرض الجميع لخطر مشترك وهو القبائل الهندية الموجودة في القارة الأمريكية . رابعا ، عوامل : اللغة الواحدة ، الأدب ، العادات والتقاليد المشتركة . خامسا ، بعض النظم السياسي التي وجدت هنا جعلت المجتمع الجديد يحوز على صفات عامة تفرقه عن المجتمع الأول الذي حضروا منه – المجتمع البريطاني – من هذه النظم استعمال الدساتير المكتوبة ، والمعارضة المشتركة ضد سلطة الحكام في المستعمرات ، وطريقة الانتخاب بالبطاقة المكتوبة ، والاعتبار الكبير الذي يكنه السكان لفكرة الحكم عن طريق التمثيل .
العوامل المفرقة
أولا ، رغم تحسن الطرق والمواصلات ، فمازال للعوائق الجغرافية أثرها الفعال في خلق العراقيل مثل : الأنهر الواسعة ، والاتساع الجغرافي ، وبعد المسافة ، مثلا ، بين ماستشوستس في الشمال وجورجيا في الجنوب .. ثانيا ، اختلاف المناخ والتربة بين المستعمرات خلق ظروفا اقتصادية متباينة وبالتالي كان هذا عائقا في سبيل التعاون .. ثالثا ، الاختلاف الطبقي الذي مازال موجودا ، بقي عاملا مساعدا على التفرقة ، غير انه رغم التباين بين صغار المزارعين وكبار الملاك ، بين سكان الساحل وبين المناطق الداخلية ، بين المدينين والمدانين ، فإنهم جميعا كانوا يتفقون في المعارضة لعدو مشترك وهو السلطة البريطانية .. رابعا ، فقد حضر هؤلاء المهاجرون من مناطق جغرافية وخلفيات دينية وتاريخه متباينة ، مما جعلهم مختلفين عن بعضهم البعض في البداية ، غير انه ينمو التسامح ، والتزاوج ، ووجود الخطر المشترك ، فإنه سرعان ما بدأت وطأة هذه العوائق تخف تدريجيا .. وخامسا ، ظهور الكثير من النزاعات بين المستعمرات حول الحدود ، الجمارك ، وشئون العملة .
تسلسل تاريخي للأحداث الهامة
- 1517 : بدأ مارتن لوثر عهد الإصلاح الديني في ألمانيا .
- 1534 : انفصلت الكنيسة البريطانية عن الكنيسة الكاثوليكية .
- 1636 : أنشئت جامعة هارفارد .
- 1639 : نظمت جماعة البابتست (المعمدانيون) .
- 1647 : سن قانون التعليم العالي الابتدائي لأول مرة في نيو إنجلند .
- 1701 : أنشئت جامعة بيل .
- 1704 : طبعت أول جريدة دورية (بوسطن نيوزليتر) .
- 1735 : محاكمة زينجر كانت بمثابة سابقة في تطبيق حرية الصحافة .
مراجع الفصل الرابع
1. Carl Bridenbough. Cities in the Wilderness (1938)
2. louis B. wright. The Cultural Life of the American Colonies (1957)
3. H.F.May. The Enlightenment in America (1976)
4. J.T. Main The Social Structure of Revolutionary America (1965)
5. R.E. Brown. Middle – Class Democracy and The Revolution in Massachusetts (1955)
الفصل الخامس: الحرب داخل المستعمرات
تمثل الخطر المشترك ذد المستعمرات – في البداية – في الهنود الحمر ، ولكن عندما أصبحت بريطانيا إمبراطورية استعمارية منافسة لمثيلاتها في أوروبا ، كان لا بد من اشتراك مستعمراتها في أمركيا في الكفاح ضد الدول الاستعماريةالمنافسة لبريطانيا – فرنسا وإسبانيا . على ذلك فقد كانت المستعمرات الأمريكية طرفا في الصراع مع الهنود الحمر من جهة ، ثم فرنسا وإسبانيا من جهة أخرى ، طيلة القرن الثامن عشر .
الحرب مع الهنود
الحرب مع الهنود : سبقت الإشارة إلى أن أراضي الشمال القارة الأمريكية لم تكن مأهولة بالسكان ولا موطنا لحضارات زاهية عند بدء عملية الاستيطان البريطاني فيها كما كانت الحال في أمريكا الوسطى حتى وصل الإسبان إليها . إلا أن شمال تلك القارة – على أية حال – كان موطنا لعديد من قبائل الهنود الحمر ، موزعة في الغابات وحول مجاري الأنهار والأودية ، حيث كانت تمارس حياة كثيرة التخلف إذا ما قيست بالرجل الأوروبي الأبيض أو حتى بيجرانهم هنود الجنوب – في أمريكا الوسطى والجنوبية ، حيث تركزت حياة هؤلاء الهنود على الصيد والزراعة البدائية في بطون الأودية .
حتى وصل الإنجليز إلى الشواطئ الأمريكية ؛ لم يقابلهم السكان الأصليون بروح عدائية في معظم الأحوال ، بل كثيرا ماكانوا يظهرون رغبة في التعامل مع الرجل الأبيض بمقايضة الفراء والتبغ مقابل ماعند المهاجرين من مصنوعات وزجاجيات أو بعض المشروبات الروحية . ونظرا لاتساع رقعة الأرض ؛ فلم يكن الهنود يعارضون في نزول المهاجرين الذين كانوا في معظم الأحيان ومنذ البداية يسعون إلى الحصول على موافقة السكان الأصليين على تملكهم للأرض التي يقيمون عليها عن طريق اتفاقيات مكتوبة ، لم يجد الهنود أي مانع في بصم أصابعهم علهيا نظرا لجهلهم بالكتابة . على أية حال لم ير الهنود أية قيمة لهذه الاتفاقيات وذلك لجهلهم بمضمونها ؛ إضافة إلى ذلك أن فكرة التملك وانتقال الملكية العقارية كانت غريبة على مداركهم تماما.
ولكن بعد رحلة ليست طويلة ، بدأ الهنود يدركون ماهية الخطر الأبيض ، فالمهاجرون أصبحوا يتزايدون باستمرار ، ولم يعودوا يبنون قراهم – كما كان الحال في البداية – على الشاطئ ، بل أخذوا يزحفون في بنائها إلى الداخل ، كما أن هؤلاء المهاجرين بدأوا يتوغلون في الغابات بحثا عن الصيد ، مزاحمين في ذلك الرجل الهندي في موارد رزقه الأساسية ، وهكذا بدأ تصادم المصالح يؤدي إلى اعتداءات وحوادث قتل فردية في أول الأمر ، تخولت بعد ذلك إلى جماعية ، وكانت نتيجتها في معظم الأحيان لصالح الرجل الأبيض نظرا لتفوقه في السلاح ولتقدمه في وسائل القتال الأخرى .
في البداية ، كانت الصدامات مع الهنود المحلية ، ولكن بزيادة المنافسة بين الدول الأوروبية المتواجدة في القارة حاول كل منها مخالفة الهنود ضد القوة الأوروبية المنافسة . حصل هذا عند ظهور المنافسة بين بريطانيا وفرنسا في البداية . وهكذا فمع مرور الزمن اشتعلت نيران حرب متقطعة بين الرجل الأبيض وبين السكان الأصليين ، تخللها فترات سلم قلق ، وامتدت من فلوريدا جنوبا حتى أراضي الداكوتا شمالا ودامت حوالي قرنين من الزمن .
في المراحل الأولى لهذا الصراع كان الهنود – نتيجة لشعورهم بأن مصالحهم مهددة – هم الذين يبادرون إلى استخدام العنف . ففي منطقة فرجينيا اندلعت حرب كبرى عام 1622 م استمرت أربع عشرة سنة ، ففي شهر مارس من ذلك العام قام القائد الهندي أوبيشانكانو (Opechancanough) زعيم القبائل الهندية القاطنة حول مستعمرة فرجيينيا بهجوم صاعق على قرى المستعمرة حيث قتل حوالي 346 مستوطنا بريطانيا ، ولم ينج من هذا الهجوم سوى العاصمة جيمس تاون ، ولمدة أربعة عشر عاما استمرت المعارك بأعمال العنف والتخريب من قبل الفريقين . وقد عقد صلح بين الطرفين في عام 1636 م ، ولكنه لم يدم إلا سنوات قليلة بادر بعدها الزعيم الهندي إلى تنظيم مذبحة في عام 1644 م ذهب ضحيتها حوالي 500 شخص من البيض . لم تتوقف هذه الحرب إلا حين وفق المهاجرون البيض إلى أسر أوبيشانكانو وإعدامه . وكما هي العادة ، فكلما انهزم الهنود كانوا يجبرون على التخلي عن قسم كبير من الأرض التي كانوا يعيشون عليها . فيما بعد قامت – هناك – حرب عام 1676 م ، كان من نتيجتها قيام (انتفاضة بيكون) التي رأينا بأنها كانت احتجاجا من قبل سكان المناطق الغربية ضد السلطات التي لم تكن توفر لهم الحماية الكافية .
في نيوإنجلند كان البيوريتانز يكرهون الهنود الحمر كراهية شديدة ، وفي حروبهم معهم كانوا يقتلون الرجال ويأخذون النساء والأطفال كرقيق . ففي سنة 1937 م ، اشتعلت هناك نيران حرب عرفت باسم (حرب البيكو) (Pequot War) . وقد بدأت هذه الحرب بمقتل تاجر بريطاني مما أدى إلى سلسلة من التدابير الانتفاضية من الفريقين ، وكانت قبيلة البيكو دائما تريد الثأر لنسائها وأطفالها الذين أصبحوا رقيقا للرجل الأبيض في أواخر شهر مايو عام 1637 م تسلل الكابتن ميسون مع فريق من جنوده الإنجليز نحو قرية قبيلة البيكو ، فحاصرها ، وأضرموا فيها النيارن ،وكانت حصيلة هذا الهجوم إحراق 600 رجل وامرأة وطفل من الهننود بعد هذه الحرب سادت فترة من الهدوء التي في منطقة نيو إنجلند لمدة أربعين سنة .
فيما بعد ، يتزايد عدد المهاجرين ، وتكاثر مدنهم ومستعمراتهم ، بدأ الصراع بين الرجل الأبيض والرجل الهندي يمر في مرحلة ثانية تتميز بشعور الهنود بضرورة التنظيم والتعاون ونبذ الخلافات القبلية لهذه الاتفاقيات العسكرية ، شن الهنود الحمر بين عام 1675 وعام 1715 م ثلاثة حروب ضد المستعمرات البريطانية ، أشهرها حرب الملك فيليب عام 1675 م التي قامت ضد مستعمرة بلجوت والتي كانت تقضي عليها (وقد سميت الحرب بهذا الاسم لأن المستوطنين البريطانيين كانوا قد أطلقوا اسم الملك فيليب على ميتاكوميت زعيم القبائل المحاربة ، بدأت هذه الحرب عندما استولى المستوطنون في نيو إنجلند على كثير من الأراضي الهندية ، وكانوا يحاولون السيطرة على سلوك الرجل الهندي ، ولهذا شاع القتل والتنكيل والسرقة في مناطق الحدود ، وتعرضت معظم مناطق نيو إنجلند للأخطار . ونتيجة لهذه الحروب فقد أحرق الكثير من المستوطنات ، ومرة أخرى كان هناك مئات من القتلى الهنود ، وقد بيع قسم كبير منهم كعبيد ، ولم تتوقف هذه الحرب إلا بمقتل زعيم الهنود فيهجوم مباغت في سنة 1676 م . ومما امتازت به هذه المرحلة انتشار حرب العصابات على طول الحود الداخلية بين قبائل الهنود والقرى الأمامية ، وكثيرا ما أدت هذه الاضطرابات إلى انعكاسات على الوضع السياسي في كل المستعمرات . فيما بعد ذلك كانت الحروب مع الهنود كحلفاء لفرنسا او بريطانيا .
ولكن لا بد من الإشارة إلى أنه رغم جو العداء المتزايد ، فإن فئة من الرجل الأبيض كانت ذات إرادة حسنة ورغبة في معاملة الهنود معاملة إنسانية عادلة ، ومن هؤلاء على سبيل المثال وليم بن مؤسس ولاية بنسلفانيا الذي كان دائما على علاقات طيبة مع جيرانه الهنود والنصف الآخر من البيض ، وقد صادق زعمائهم وكان يحضر احتفالاتهم الدينية كواحد منهم ، ويشارك في طقوسهم وأعيادهم ، سياسة الود والصداقة التي اتبعها الكويكرز أيضا منعت اندلاع الحروب مع الهنود في المناطق الوسطى من المستعمرات البريطانية .
في منطقة نيويورك ، أظهر المهاجرون ميلا دائما إلى التعايش السلمي مع الهنود ، وذلك لأن القبائل الهندية في تلك المنطقة – التي تنتمي إلى عنصر يسمى ايروكويز – كانت قد كونت اتحادا فيما بينها يعرف باسم (الأمم الخمس) . لقد كان لهؤلاء مجلس أعلى يدير شئونهم ، وكان المهاجرون يهابونهم كثيرا لما عرف عنهم من شدة وشراسة من جهة ، ولكون أراضيهم تتاخم من جهة الداخل الأراضي الفرنسية ، ولذلك فقد عوملوا دائما بعدل واحترام تلافيا لقيام اتحاد بينهم وبين الفرنسيين .
الحروب الأولى مع فرنسا
كانت إسبانيا هي المنافسة الأولى لبريطانيا فيما وراء البحار، ولكن هزيمة الإسبان من قبل بريطانيا في حرب الأرمادا ، كان قد قضي على الخطر الإسباني لساحل الأطلسي الشرقي .
كان الهولنديون هم الفئة الثانية التي تحدت بريطانيا (في منتصف القرن السابع عشر) ، وبعد ثلاثة حروب استطاعت بريطانيا أن تقضي على الخطر الهولندي في أمريكا المشالية ، وغيرت اسم مستعمرتهم نيو أمستردام إلى نيويورك .
وهكذا فقد أصبح الوجود الفرنسي في امريكا الشمالية هو الوجود الأوروبي الرئيسي الذي كان باستطاعته أن يتحدى السلطة البريطانية هناك .
لقد بينا سابقا (في الفصل الأول) كيف أن الفرنسيين كانوا قد أقاموا لهم مواطئ قدم في القارة الشمالية قبل وصول المهاجرين البريطانيين الأوائل إليها ، وكان ذلك في أقصى شمال القارة ؛ أي في كندا الحالية .
وهكذا ، وبفضل جهود المكتشفين الفرنسيين لم ينقض القرن السابع عشر إلا وكانت الممتلكات الفرنسية في أمريكا تضم قسما كبيرا من بلاد كندا ووادي المسيسيبي والقسم الأوسط الغربي من أراضي الولايات المتحدة حاليا . ههذ مساحات أكبر بكثير من أراضي المستعمرات الإنجليزية التي تمتد على طول الأراضي الساحلية الممتدة من كندا في المشال حتى فلوريدا في الجنوب والممتدة غربا حتى حوض المسيسيسبي .
إلا ان أراضي الإمبراطورية الفرنسية الواسعة لم تكن تضم في مطلع القرن السابع عشر اكثر 18.000 مهاجر فرنسي ، وهذا رقم ضئيل بالنسبة لامتداد رقعة الأرض .
لقد حاول الفرنسيون أن يعوضوا عن ضعفهم العددي بالتحالف مع الهنود حيث وثقوا صلاتهم بكثير من قبائلهم وتزاوجوا معهم . وهكذا فإن الاصطدام مع المستعمرات البريطانية أخذ يقترب تدريجيا ، ومع مطلع القرن الثامن عشر ، بات واضحا أنه لابد من أن يخوض الفريقان حربا فاصلة لتكريس سيادة أحدهما على العالم الجديد .
لقد سميت الحروب البريطانية – الفرنسية في أمريكا الشمالية (بحرب المائة سنة الثانية) (1689-1815 م) .
أسباب هذا الحروب
كانت العلاقة بين المستعمرات الإنجليزية والفرنسية في أمريكا في بداية عهد الاستعمار علاقة طيبة إلى حد كبير ، ولكن منذ أن ظهر الخلاف بين فرنسا وإنجلترا في أوروبا عقب تولي وليم أورنج عرش بريطانيا عام 1688 م ، وفرار الملك جيمس الثاني المتعصب للكاثوليكية ، وتأييد لويس الرابع عشر لهذا الأخير فقد أخذ الصراع في أوروبا ينعكس على الأحداث في القارة الأمريكية ، ويتزايد هذا الصراع في أوروبا – الذي شغل القسم الأكبر من القرن الثامن عشر ، فقد أصبح الخلاف بين المستعمرات الفرنسية والإنجليزية في قارة أمريكا يشتد ويقوى أيضا .
إضافة إلى ذلك ، فإن التعصب الديني والصراع بين الكاثوليك والبروتستنت في أوروبا ، كان قد انتقل إلى العالم الجديد وزاد من حدة الخلاف بين المستعمرات الفرنسية والبريطانية هناك .
ثم إن تضارب المصالح بين الدولتين الأوروبيتين في العالم الجديد خصوصا حول السيطرة على تجارة الفراء – التي كانت مصدرا مهما من مصادر الثروة في العالم الجديد – كان قد أدى إلى صراع على المناطق المنتجة للفراء . مناطق الصيد المهمة تركزت في السانت لورانس في كندا ومنطقة نهر الهدسون التابعة لبريطانيا ، ولما كانت حيوانات هذه المناطق آخذة في الانقراض ، فكان لا بد إذن من قيام صراع حول مناطق الصيد في الداخل حيث كانت فرنسا هي المسيطرة هناك ، وهذا جعل الجانبين وجها لوجه داخل القارة .
وبناءا على ذلك ، فحتى تحمي فرنسا مواقعها في الداخل ، قامت منذ مطلع القرن الاثمن عشر بإقامة سلسلة من الحصون والقلاع بشكل نصف دائري تمتد من كوبيك في الشمال حتى مصب المسيسيبي على خليج المكسيك في الجنوب ، وذلك في محاولة لتطويق المستعمرات الإنجليزية ومنع توسعها نحو الغرب .
وهنا تجدر الإشارة إلى إمكانيات كل من الدولتين في العالم الجديد ؛ لأن ذلك سيعطينا فكرة عن نتيجة هذا الصراع . في منتصف القرن الثامن عشر بلغ عدد سكان المستعمرات البريطانية نحو مليون ونصف المليون نسمة ، بينما لم يزد عدد سكان كندا من الفرنسيين عن ثمانين ألفا ، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى رفض الحكومة الفرنسية قبول مهاجرين من غير الكاثوليك حتى ولو كانوا فرنسيين ، وهذا مما حدا بالهجنوت المهاجرين من فرنسا إلى الاستقرار في المناطق الوسطى من المستعمرات البريطانية من ناحية أخرى فإن الفرنسيين كانوا يطبقون النظام الإقطاعي في ملكية الأرض . وفي كندا حيث حصوا البلاء بالملكيات الكبيرة وفرضوا على الفلاح الفرنسي الصغير في كندا نفس الالتزامات التي كانت مفروضة علهيم في فرنسا ، مما جعل الفلاحين في كندا يتحولون إلى التجارة بدلا من العمل في الزراعة . كانت النتيجة عدم ازدياد موارد المستعمرات ، وامتناع الفلاحين الفرنسيين على المدى الطويل عن الهجرة إلى العالم الجديد .
إضافة إلى ذلك ، فإن الحكومة الفرنسية كانت قد ركزت كل اهتمامتها العسكرية على شئون القارة الأوروبية في الوقت الذي كان فيه الأسطول البريطاني – المتفوق في البحار – يعمل على توثيق الصلات بين الجزر البريطانية ومستعمراتها في القارة الأمريكية ، كما أن ضيق مساحة المستعمرات البريطانية كان قد ساعد على توثيق الاتصال بين السكان وعلى قدرتهم في تنظيم أمورهم الدفاعية .
ويجب ألا ننسى بأن أكثر الحروب التي قامت بين المستعمرات الفرنسية والبريطانية طيلة القرن الثامن عشر ، إنما كانت انعكاسا وامتدادا لحروب الدولتين في أوروبا .
أهم هذه الحروب : أولا ، حرب الملك وليام (1689-1697 م) وهي أول حرب تشترك فيها مستعمرات بريطانيا في أمريكا في حرب مع دولة خارج القارة الأمريكية . لقد قامت مستعمارت نيو إنجلند بالاستيلاء على بورت رويال ، وعلى نوفا سكوتيا ، في نفس الوقت الذي فشلت فيه بريطانيا في الاستيلاء على كندا . هذا وكانت منطقة نيوإنجلند قد تعرضت نتيجة هذه الحروب إلى كثير من الغارات الهندية . انتهت هذه الحرب بمعاهدة ريزويك (Ryswick) عام 1697 م ، دون حصول أي طرف من الأطراف على أي مكاسب إقليمية .
ثانيا ، حرب الملكة آن (1701-1713م) ، حيث أدت إلى سلسلة من الاصطدامات ، كان أبرز ما فيها مشاركة الهنود في المعارك خصوصا في منطقة نيو إنجلند، واستطاعت مستعمرات نيو إنجلند الاستيلاء مرة أخرى على بورت رويال ، كما قامت بمعونة المستعمرات الوسطى والقوات البريطانية بالقارة على مونتيريال في كندا ، ولكن هذه الحملة فشلت فشلا ذريعا نتيجة تحطم السفن الناقلة في نهر سانت لورانس ، ومع ذلك كانت نتيجتها هزيمة بريطانيا للحليفتين فرنسا وإسبانيا . انتهت ههذ الحرب بصلح أوترخت (Utrecht) عام 1713 م ، الذي كان من نتيجة حصول بريطانيا بمقتضاه على : نوفاسكوتيا ، نيوفاوندلاند ، ومنطقة خليج هدسن في قارة أمريكا الشمالية ، وعلى منطقة جبل طارق في إسبانيا . إضافة إلى ذلك ، استطاعت بريطانيا – نتيجة هذه الحرب – احتكار تجارة الرقيق مع أمريكا الجنوبية لمدة ثلاثين عاما . ثالثا ، حرب الملك جورج (1740-1748) ، نتيجة لتعرض مناطق نيوإنجلند للغارات الهندية التي كانت تشجعها فرنسا، ونتيجة لمنافسة فرنسا لبريطانيا في مناطق الصيد على الساحل في تجارة الفراء ، فقد قام سكان نيو إنجلند بتنظيم حملة ضد مدينة لويسبرغ على جزيرة رأس بوتون ، ومع أن الحملة انت ناجحة في عام 1745 م ، إلا أن نتيجة هذه الحرب لم تكن حازمة ، حيث انتهت بصلح (أي لاشابيل) (Aix – La Chapelle) عام 1748 م ، الذي بمقتضاه أعيدت منطقة لويسبرغ إلى السيطرة الفرنسية .
حروب بريطانيا ضد الهنود والفرنسيين
حرب بريطانيا ضد الهنود والفرنسيين (1756-1763 م) ، والتي سميت في أوروبا بحرب السبع سنوات ، قامت في أمريكا الشمالية بسبب الصراع على وادي الأوهايو . كانت نتيجتها أن قضت بريطانيا على النفوذ الفرنسي كلية في قارة أمريكا الشمالية .
الخلفية التاريخية لهذه الحرب : كان عدد الفرنسيين في قارة أمريكا الشمالية يقارب المائة ألف نسمة عام 1750 م ، وقد أزعج هؤلاء وجود مليونين من المستعمرين البريطانيين الذين كانوا مستمرين في عملية الزحف داخل القارة الأمريكية إلى الغرب ، وقد زعمت كل من الدولتين السيطرة على مناطق شرق المسيسيبي في عام 1749 م كان الملك جورج الثاني قد منح مساحة 200.000 هكتار غرب جبال اليقني (غرب أوهايو) إلى شركة الأوهايو ، التي كانت تتكون من مجموعة من مضاربي الأراضي من فرجينيا . ومن بنسلفانيا ، فإن تجار الفراء قد اجتاحوا تلك المنطقة ، مهددين بالسيطرة على التجارة مع الهنود . نتيجة لذلك فقد قامت فرنسا بإنشاء سلسلة من التحصينات ضد الغزوات البريطانية . ولذلك فقد قام حاكم فرجينيا العام بإرسال جورج واشنطن ، الذي كان فقد في الثاني والعشرين من العمر ، على رأس قوة عسكرية لإنذار الفرنسيين بالخروج من منطقة الأوهايو الشمالية . وقد اندلعت الحرب باشتباك واشنطن مع الفرنسيين في منطقة جريت ميدو (Great Meadow) في عام 1754 م ، واضطر واشنطن – نتيجة لهذا الاشتباك – التخلي عن القلعة الخاصة التي بناها لهذا الغرض والتي كانت تسمي فورت نسيتي (Fort Necessity) ، ونجح الفرنسيون في إقامة قلعة خاصة لهم تسمى فورت جوجوسني (Fort Duguesene) .
كونجرس ألباني (Albany Congress) : وللاستعداد لاحتمالات الحربا لمقبلة ، فقد قامت بريطانيا بتشجيع المستعمرات على التعاون فميا بينها . وهكذا فإن ممثلين من سبع مستعمرات قد اجتمعوا في ألباني (منطقة نيويورك) عام 1754 ، للعمل على الوحدة فيما بينهم لمجابهة خطر الحرب الهندية الفرنسية المقبلة ، وكان بنجامين فرانكلين هو الذي اقترح ما سمي بخطة (اتحاد ألباني) . وكان من مضمون هذه الخطة تكوين هيئة تمثيلية (كونجرس) مع إعطائها السلطة بالتفاوض مع الهنود ، تكوين جيش ، فرض الضرائب ومراقبة الأراضي العمومية . وقد وافق الممثلون الحاضرون على هذه الخطة ، ولكن المجالس التشريعية في المستعمرات – بتركيزها فقد على مصالحها المحلية – قد رفضت التخلي عن أي سلطاتها إلى هيئات خارجة عنها ، أهمية هذا المؤتمر أنه يعتبر سابقة لمؤتمرات لاحقة كان الغرض منها تشجيع التعاون بين المستعمرات المختلفة .
المميزات التي تمتعت بها الأطراف المتحاربة : أولا ، البريطانيون ، كانوا يمثلون أكبر قوة بحرية في العالم في ذلك الوقت ، وكان لبريطانيا حليف قوي في أوروبا وهو فردريك الأكبر ؛ كان عدد سكان المستعمرات البريطانية في أمريكا يفوق بكثير عدد الفرنسيين هناك بنسة 1:15 ، إن زعامة وليام بت (Pitt) قد رفعت من الروح العسكرية والمعنوية لدى القوات البريطانية ؛ كما أنه كان على الفرنسيين أن يحموا مناطق واسعة جدا ، في حين أن المستعمرات البرطيانية كانت محدودة المساحة ومتنوعة في اقتصادياتها وصناعتها .
ثانيا ، الفرنسيون ، تتمثل العوامل المساعدة لحربهم مع بريطانيا في الآتي : كانت القبائل الهندية القوية حليفة لهم ، في حين أن قبائل الأروكوس – حلفاء بريطانيا 0 قد وقفوا على الحياد ؛ كانت المستعمرات الفرنسية في ا/ريكا أكثر تنظيما وخضوعا للسلطات الفرنسية من المستعمرات البريطانية هناك التي كانت في بعض الأحيان تتصرف وكأنها ولايات مستقلة ، إلا في شعورها بتواجد خطر جدي يهددها ؛ كما أن الفرنسيين قد تمتعوا بوحدة قيادتهم ، بنيما كان البريطانيون – ينقصهم في البداية 0 هذا النوع من الوحدة .
الحملات العسكرية لهذه الحروب : بدأ الجنرال إدوارد برادوك (Edward Braddock) القائد العام للقوات البريطانية في أمريكا الشمالية في شق طريق من ميريلاند داخل الغابات متجها إلى الشمال الغربي ، وذلك بغرض الاستيلاء على القلعة الفرنسية في فوت دوكوسن ، ولكن جيش برادوك كان قد تعرض لكمين فرنسي ، ولذلك فشل قبل وصوله إلى القلعة بحوالي سبعة اميال وذلك في عام 1755 م . وفي عام 1756 م ، امتدت هذه الحرب إلى داخل القارة الأوروبية نفسها . في خلال السنتين الأوليتين من الحرب تعرضت الجيوش البريطانية في أمريكا لهزائم شنعاء من قبل الفرنسيين .
وبمجيء وليام بت كرئيس للوزراء عام 1758 ، فإن مد الحرب بدأ يتجه لصالح بريطانيا ، ففي تلك السنة استطاع البريطانيون احتلال ثلاث قلاع فرنسية في مناطق متفرقة : لويسبرغ ، قلعة فرونتناك على ساحل بحيرة أوتتاريو ، وبلعة دوكوسن . وفي السنة التالية ، هزمت بريطانيا القوات الفرنسية في منطقة الكويك في كندا . وبمجيء عام 1760 م ، فإن البريطانيين كانوا قد استولوا على مونتريال ، وبذلك أصبحت الحرب منهية . قامتب ريطانيا بنقل الفرنسيين الأكاديين من نوفاسكوتيا إلى مناطق لويزيانا . ولكن الغارات الهندية على الحدود تسببت في قتل الكثير من عائلات المستوطنين في نيوإنجلند . ونتيجة لهذه الانتصارت فقد اضطرت فرنسا أخيرا إلى التسليم في عام 1763 م .
معاهدة باريس عام 1763 م : من شروط هذه المعاهدة ؛ تخلت فرنسا لبريطانيا عن كل ممتلكاتها في كندا في شرق نهر المسيسيبي ؛ آلت جزر الهند الغربية التي خضعت لفرنسا وحليفتها إسبانيا إلى أصحابها الأصليين ؛ تخلت إسبانيا لبريطانيا عن فلوريدا في مقابل إرجاع كوبا إلى الحكم الإسباني ، وتأكيد بقاء بريطانيا في الممتلكات التي احتلتها من فرنسا في القارة الهندية .
نتائج الحرب الفرنسية الهندية : بالنسبة للمستعمرات البريطانية في أمريكا ، فغنها بدأت تشعر بعدم حاجتها إلى حماية بريطانية ، وذلك لزوال الخطر الفرنسي من القارة ألأمريكية . وبمعنى آخر فإن أهم نتائج هذه الحرب هو ازدياد ثقة سكان المستعمرات البريطانية بأنفسهم ، وزيادة شعورهم أيضا باهميتهم نظرا للمساهمة المالية والعسكرية الفعالة في هذها لحروب ، كما دفعهم أيضا إلى الاستهانة بالقدرة العسكرية البريطانية التي تعرضت لهزائم كبيرة في السنوات الأولى من الحرب . من ناحية أخرى ، فإن اشتراكهم في الحرب قد عودهم على التعاون فيما بينهم ، وتنسيق جهودهم لما فيه خيرهم العام ، كما أبرز من بينهم قيادات عسكرية لعبت دورا هاما في الحرب ، وفوق كل ذلك فإن زوال الحكم الفرنسي كان قد فتح أمام المستوطنين الأمريكيين إمكانية التوسع نحو الغرب دون حدود أو قيود ز
بالنسبة لبريطانيا ، فإنها لحظت إهمال مستعمراتها الأمريكية في دعم الحرب مع فرنسا ؛ حيث أن هذه المستعمرات كانت تتاجر بحرية مع الفرنسيين في كندا وكذلك جزر الهند الغربية ، وهكذا فقد بدأت الحكومة البريطانية معاملة صارمة للمستعمرات لترغمها على تقديم المعونات العسكرية والمالية التي كانت ترى بأنها في صالح الإمبراطورية ككل . ومن ناحية أخرى ، كان على بريطانيا مجابهة مشاكل الحكم لسكان المناطق التي احتلتها : الهنود الحمر غرب جبال الأبلاش ، ثم السكان الفرنسيين في منطقة كوبيك في كندا . في محاولتها إيجاد حل لهذه المشاكل ، فإن بريطانيا تعرضت لعداء شديد من قبل رعاياها في المستعمرات .
تسلسل تاريخي للأحداث الهامة
- 1637: حرب البيكوت .
- 1675: حربا لملك فيليب
- 1689: بدأت حرب الملك وليام ، وانتهت بمعاهدة ريزويك عام 1697 م .
- 1702: بدأت حرب الملكة آن ، وانتهت بمعاهدة اوترخت عام 1713 م .
- 1754: بدأت الحرب مع الهنود والفرنسيين مجتمعين ، وانتهت بمعاهدة باريس 1736 م .
- 1763: حرب البونتياك مع الهنود ؛ إعلان 1763 م .
مراجع الفصل الخامس
1. H.H. Peckham. The Colonial Wars (1963)
2. E.W. Gibson. British Empire Before the American Revolution (1936-1968). See early volumes.
3. Francis Parkman, Montcalm and Wolfe ane Conspiracy of Pontiac.
الباب الثاني: نشأة الأمة الأمريكية 1763-1800
كان انتصار الثورة الأمريكية، كما ذكر أحد المؤسسين الأوائل، إنما يشبه محاولة جعل ثلاث عشرة ساعة تدق في الوقت نفسه. كانت المستعمرات البريطانية شديدة الاختلاف فيما بينها لدرجة يمكن معها القول بأنه من المفارقات العجيبة أنها وصلت إلى نفس الفكرة في نفس الوقت. لقد أنشئت هذه المستعمرات في فترات مختلفة ، ولأغراض متنوعة، واستمرت في طريقها نحو الاستقلال في ثلاثة عشر اتجاها. لقد كان من الصعب الاتفاق بينسكان أي ولاية من الولايات، وهكذا فقد كان جعل ثلاث عشرة مستعمرت تسلك طريقا واحدة، إنما كان يبدو شبه مستحيل . تلك كانت هي المشكلة الرئيسية التي واجهت المستعمرات في حرب الاستقلال.
ولكن هذا الاختلاف بين المستعمرات اتضح بأنه سلاحها السري في حرب الاستقلال. فإذا كان سكان المستعمرات متناثرين في مساحات شاسعة، وإذا افتقدوا وجود مركز واحد لهم؛ فإن ذلك سبب الاضطراب لأعدائهم، فالمستعمرات كانت كأخطبوط بعدة رؤوس، وكان يمكنها أن تحافظ على بقائها رغم فقدان البعض منها. كان ذلك هو الذي أزعج العسكريين البريطانيين، وهذا هو الذي جعل من شبه المستحيلات أن ينتصر البريطانيون في تلك الحرب.
ومع نجاح هذه المستعمرات في حرب الاستقلال، وفي الوقت الذي كانت تظهر فيه أمة جديدة إلى الوجود؛ فإن ذلك التنوع الغريب بين تلك المستعمرات كان من أهم المشكلات التي واجهت بناء أمة واحدة. فكل ولاية جديدة كانت تريد أن تتصرف كدولة مستقلة لوحدها، وكان من الصعب على هذه الولايات أن ترى ضرورة أن تعمل مجتمعة . ففي السنوات الأولى للاستقلال، وتحت دستور كونفدرالي واحد، كان الأمريكيون يتحسسون طريقهم لكي يعرفوا ماذا يعني ان يكونوا سكانا لأمة واحدة.
الفصل السادس: الطريق إلى الثورة - سياسة جديدة ورد فعل (1763-1776)
شعور المستعمرات بحاجتها الماسة إلى الحماية البريطانية من أي أخطار (داخل القارة وخارجها) أرغمها على تقبل الوجود البريطاني سواء تعارضت مصالحها الاقتصادية مع بريطانيا أو توافقت ، ولكن مع نمو المستعمرات التدريجي ، وتزايد قدرتها على حماية نفسها ، في الوقت الذي زادت فيه المراقبة البريطانية على شئونها الاقتصادية ؛ لم تجد هذه المستعمرات بدأ من العمل المشترك لمحاولة الحصول على استقلالها .
وهكذا فإن عزم بريطانيا على تطبيق سياسة جديدة تدعم مركزها في مستعمراتها الأمريكية ، كان قد دفعها إلى وضع وتنفيذ نظم جديدة لهذا الغرض ابتداء من عام 1763 م ، حيث أن الحرب الفرنسية الهندية مع بريطانيا كانت قد أظهرت ضرورة إيجاد تغييرات جذرية في النظام الإداري المتبع مع المستعمرات . تتابع التنظيمات التي ابتدعها الملك والبرلمان البريطاني كانت في النهاية قد أدت إلى عداوة سكان المستعمرات ، ومن ثم كان لها أثرها في جلب الثورة الأمريكية فيما بعد (1776 م) . وبمجيء جورج الثالث إلى العرش البريطاني (1760 م) ، فقد عزم على أن يحكم ليس بالاسم بل بالفعل أيضا ، ونتيجة لذلك قام بابتداع إدارة سياسة جديدة زاد بمقتضاها السلطة الفعلية للحكومة البريطانية على سمتعمراتها ، ليس في داخل بريطانيا فحسب ؛ بل في جهات الإمبراطورية البريطانية ككل .
برنامج جرنفيل (1763-1766)
كان رئيس الوزراء البريطاني جورج جرنفيل (Grenville) الذي جاء إلى الحكم سنة 1763 المسئول المباشر أمام الملك عن وضع السياسة الجديدة.
الاحتياجات الأولى
إن محاولة تطبيق قوانين جديدة للضريبة على المستعمرات – حتى قبل إنهاء الحرب الفرنسية الهندية – كان قد دفع إلى ظهور احتياجات كثيرة داخل المستعمرات على مثل هذه السياسة . من ضمن هذه القوانين مايسمى بقانون (إعلام المساعدة) (Write of Assistance) ، حيث أعطت بريطانيا بمقتضاه الحق لموظفي الجمارك في تفتيش أي منطقة مشبوهة بتهريب البضائع . وفي سنة 1761 م ، قام محام بارز من بوسطن يدعى (جيمس أوتس) (James Otis) بتحدي شرعية هذا القانون ، ولكن المحاكم دعمت القانون الجديد ، ودعت إلى تطبيقه في كل المستعمرات البريطانية ، وهكذا فقد أدت مناقشة أوتس إلى تنوير الرأي العام بأن هذا القانون إنما يعتبر عملا استبداديا مناقضا للحقوق الطبيعية للإنسان البريطاني .
في قضية بارسون (Parson's Cause) ، فإن الرأي العام قد شحن بالعداوة ضد الحكومة البريطانية حيث دافعوا في هذه القضية عما اعتبروه حقوقا طبيعية لهم بصفتهم رعايا بريطانيين . فحوى هذه القضية أن الحاكم العام في فرجينيا كان قد سن قانونا بتخسيس مستحقات رجال الدين ، مما أدى بهؤلاء إلى الشكوى إلى مجلس الملك الخاص (Privy Council) بشأن العدول عن هذا القانون ، وعندما وافق مجلس الملك على شكاوي رجال الدين ، فقد طلب هؤلاء بإرجاع ما خصم من هذه المستحقات نتيجة العواطف التي أشعلها باتريك هنري (Patrick Henry) سنة 1763 م . وكان من مهمة الموظفين البريطانيين وضع سياسة تخص الهنود ، مع تنظيم تجارة الفراء ، وإيجاد نظام إداري حكومي لهذه المناطق .
لهذا الغرض فقد أعلنت بريطانيا مايسمى (بإعلان 1763 م) الذي قررت بمقتضاه اعتبار جبال اليقني الحد الغربي الذي يفصل بين يفصل بين مناطق الهنود الحمر وبين المستوطنين البيض ، ورجل المستوطنون الذين تعدوا هذا الحد إلى حيث أتوا ، كما أجبر كل من يريد التجارة مع الهنود البيض أن يحصل على رخصة بذلك ، كما منع البيض من شراء الأراضي من الهنود .
هذا القانون كان قد أدى إلى عداوة المستوطنين والتجار ومضاربي الأرض للحكومةالبريطانية ، ونتيجة للضغط الذي تعرضت له الحكومة من ههذ الفئات ، وخصوصا مضاربي الأرض ؛ فإن هذا القانون لم يطبق بصورة فعالة ، وهكذا فإن الخط الفاصل الذي اقترحته الحكومة بدأ بزحف تدريجيا نحو الغرب ليشمل الأراضي التي كان يضع مضاربو الأرض أعينهم علهيا . كما أن المستوطنين أنفسهم قد تحدوا القانون وزحفوا بمستوطناتهم تدريجيا نحو الغرب في اتجاهات ثلاثة : اتجاه منطقة بتسبرغ ، تجاه وادي واتوفا في شرق تنيسي ، ثم جهة وسط كنتكي الخصبة ؛ حيث تزعمهم في هذه المحاولة شخص يدعى دانيال بون (Danielle Boone) . ونتيجة لأعمال المستوطنين هذه وإجحافهم بحقوق الهنود في الأرض ، فقد قام الأخيرون بما يسمى بحرب (لورد دنمور) Lord Dunmore's في كنتكي سنة 1774 م .
برنامج ضريبة جرنفيل
من أجل دعم القلاع العسكرية البريطانية التي كانت تحمي المستعمرات من هجمات الهنود ، ومن أجل تخفيف الضرائب على التجار واللوردات البريطانيين ، فقد وجدت الحكومة لزاما علهيا بأن تزيد من الضرائب المفروضة على مستعمراتها في أمريكا . لقد جاءت هذه الضرائب في وقت كانت الحرب الفرنسية الهندية وقد أنضبت مدخرات المستعمرات من عينات التبادل ، وكويسلة لتحصيل هذه الضرائب ، فإن الحكومة البريطانية قد قامت بتطبيق التالي ؛ وضعت هناك مراقبة شديدة ضد التهريب بتعيين سفن للمراقبة ، كما منحت إدارة الجمارك سلطات أوسع ، وأعلنت ضرورة محاكمة المتهمين دون استخدام محلفين ؛ وضعت قانون السكر سنة (1764 م) ، وقد سبق هذا قانون الدبس (1733 م) ، حيث أنقصت الحكومة مقدار الضريبة المفروضة على الدبس المستورد من الفرنسيين أو جزر الهند التابعة لإسبانيا ، ولكنها في الوقت نفسه بدأت تطبيقا فعليا للقانون بحذافيره (بينما في حالة القانون الأول لم تراع الحكومة فكرة التطبيق الصارم للقانون) ؛ إصدار قانون العملة سنة 1764 م ، حيث بمقتضاه منعت الحكومة البريطانية المستعمرات من صك العملة ؛ إصدار قانون الطوابع حيث استلزم ضرورة شراء طوابع حكومية لغرض كتابة العقود أو الأعمال التي تكون الدوائر البريطانية طرفا فيها . وأخيرا قانون الإسكان 1765 م ؛ حيث طلبت الحكومة البريطانية من المجالس التشريعية في المستعمرات بأن تهيئ أماكن السكن وتدفع نفقات الغرف عن عشرة آلاف جندي بريطاني يخدمون في المستعمرات .
المعارضة ضد هذه القوانين
لقد تركزت المعارضة الرئيسية في المستعمرات حول قانون الطوابع ، وذلك لأن هذا كان عبارةعن ضريبة محلية فرضها البرلمان البريطاني على المستعمرات . لقد كانت هذه فكرة جديدة لم يسبق تطبيقها أو إعلانها في أي من مستعمرات بريطانيا فيما وراء البحار ، كما أنها أثرت على الفئات السكانية التي كان لها أثرها على الرأي العام ككل مثل المحامين، والصحفيين، والتجار.
هذا القانون ألهب مشاعر الرأي العام ، خصوصا بعد أن قام المجلس التشريعي في مستعمرة فرجينيا بإعلان مايسمى (بمقررات فرجينيا) ، واعتبرتها إجحافا بحقوق المجالس التشريعية في المستعمرات حيث لم يعترف المجلس بمثل هذ الضريبة ، وكان يرى أن المجالس التشريعية وحدها هي صاحبة الحق و النقض في فرض أي ضرائب محلية جديدة ، وقد تبع قرار فرجينيا هذا قرارا من المجلس التشريعي في مستعمرة ماستشوستس (1765 م) ، حيث سجل هذا أول اجتماع رسمي ضد هذا القانون ، وقد أقر هذا المجلس بأنه ليس من حق البرلمان البريطاني فرض أي ضرائب على المستعمرات لأنها غير ممثلة في البرلمان (لاضريبة دون تمثيل).
وهكذا فقد قامت الجماهير بأعمال شغب في جهات متعددة من المستعمرات ، وقام ما سموا (بأبناء الحرية) (Sons of Liberty) بأعمال التهديد وحرق هذه الطوابع ، وأجبروا موظفي الطوابع على الاستقالة . وقد فرضت المجالس التشريعية في المستعمرات مقاطعة البضائع البريطانية ، هذه المقاطعة أجرت الحكومة البريطانية على أنه تلغي قانون الطوابع ، كما أنها تغاضت عن تطبيق قوانين السكر والعملة .
ولكن البرلمان البريطاني رفض نقص حقه في فرض الضرائب المحلية على المستعمرات ، واعتبر بان سكان المستعمرات إنما هم ممثلون في البرلمان بصفة (Virtual Representation) كأي رعايا بريطانيين آخرين . ولهذا فقد سن البرلمان مايسمى (بقانون الإعلان) سنة (1766) (Declaratory) ،مؤكدا حقه في فرض الضرائب على المستعمرات في كل الأحوال . بالنسبة لقانون الإسكان فإن مستعمرات نيويورك ،وكذلك ماستشوستس ، قد رفضت لامساهمة في تحمل مصاريف الجنود البريطانيين .
برنامج تاونسند
جاء روكنجهام (Rockingham) رئيسا للوزراء بعد جرنفيل ، وقد اتبع هذا سياسة المصالحة مع المستعمرات مما دفع بالملك البريطاني إلى معارضته ، واتهموه بمحالفة سكان المستعمرات على حساب مصالحهم ، وهكذا أجبروه على الاستقالة ، وجاء بعده تاونسند (Townshend) كرئيس للوزراء . وهكذا عزم الأخير على مواجهة مشكلة الضرائب في المستعمرات ، وبموت تاونسند ، آلت هذه السياسة إلى خلفه نورث .
قرارات تاونسند سنة 1767
أمر تاونشند مستعمرة نيويورك بحل المجلس التشريعي فيها الذي رفض الموافقة على قانون الإسكان ؛ حتى يجعل منهم قدوة لبقية المستعمرات وحتى لايجلب سخط المستعمرات ككل ، لقد قرر تاونشند فرض الضرائب على استيراد الزجاج ، الرصاص ، الورق ، الدهان والشاي – كانت هذه الضرائب مقبولة من قبل السكان ، كما أوجد إدارة جديدة للجمارك وأعطاها السلطة القانونية الكافية لتمتع حوادث التهريب بأي حال من الأحوال.
معارضة المستعمرات
قام التجار في بوسطن بإعلان مقاطعتهم للوردات البريطانية ، احتجاجا على القوانين الجديدة ، وقامت كثير من المستعمرات بتأييدهم في هذا العمل . وفي بوسطن ، تزعم حركة الاحتجاج هذه شخص يدعى صمويل آدمز (Samuel Adams) ، الذي أقنع المجلس التشريعي في بوسطن بأن يعلن مايسمى (بالرسالة الوزعة) (Circular Letter) التي عارض المجلس بمقتضاها حق البرلمان في فرض الضرائب على المستعمرات . في بنسلفانيا تزعم مثل ههذ الحركة شخص يدعى جون دكنسون في كتاباته (رسائل من مزارع) . لقد اعترف السكان في المستعمرات بحق البرلمان البريطاني ، وقد أشعل أدمز عواطف الجماهير باختلاقه الأكاذيب ضد قوات الحامية البريطانية في بوسطن . وعندما هاجمت الجماهير القوات البريطانية هناك (كان يطلق عليها المستعمرون لفظ أصحاب المعاطف الحمراء) ، فقد قام الجنود بإطلاق النار عليها مما أدى إلى إصابة وموت البعض منهم . وحتى يزيد من إشعال عواطف الجماهير ، فإن آدمز اتخذ من هذا الحادث ذريعة لزيادة هجومه ، وسمي الحادث (مذبحة بوسطن 1770 م) ، ومع أن وزارة اللورد نورث قد أوصت بتطبيق هذه القوانين ؛ إلا أن البرلمان لم يوافق عليها ونقضها جميعا ماعدا الضريبة على الشاي .. وهكذا شعر سكان المستعمرات بأنهم قد حازوا على انتصارهم الثاني .
فترة هدوء (1770-1773)
بعد نقض قوانين تاونسند، ساد المستعمرات هدوء نسبي مما أدى إلى تحسين الأحوال الاقتصادية . لقد حز هذا الهدوء النسبي في نفوس المتطرفين من أمثال جون آدمز الذي كانوا يتوقون نحو الاستقلال التام عن بريطانيا ، ومع أنهم لم يجرؤوا على المطالبة العلنية بذلك ، إلا انهم نجحوا في إبقاء شعلة المعارضة ، حيث نظموا في 1772 م ما سموه بلجان المراسلة في كل أنحاء المستعمرات ، وكان الغرض منها الدعاية ضد الحكومة البريطانية المبالغة في التركيز على أخطاء البريطانيين ، بالدفاع عما سموه بحق المستعمرات .
في 1772، قام مهربو رود آيلند بحرق سفينة المراقبة البريطانية ، وفي شمال غرب مستعمرة كارولاينا الشمالية ، ظهرت هناك حرب أهلية صغيرة ؛ حيث قام رجال الحدود بالاحتجاج الشديد ضد أعمال حاكم المستعمرة نترفون ، بغرض ماسموه بضرائب باهظة ، سوء المحاكم ، وقلة التمثيل – كل هذه الأعمال يقال بأنها كانت نتيجة تحريض من طبقة التجار . وفي بنسلفانيا قامت هناك حركة باكستون بويز . وذلك بالاحتجاج على إهمال الحكومة لحماية السكان من الهنود الحمر . هذه الحركات الغربية كانت تمثيلا للإجحاف الذي مر به سكان هذه المناطق ضد الطبقات العليا الحاكمة على ساحل الأطلسي .
نتائج قانون الشاي لسنة 1773
كان اللورد نورث قد سن هذا القانون بغرض إنقاذ شركة الهند الشرقية من الإفلاس .
قانون الشاي
منحت شركة الهند الشرقية بمقتضى هذا القانون حق تصدير الشاي إلى المستعمرات البريطانية ، وكانت الشركة في نفس الوقت معفاة من دفع أي ضريبة على التصدير ، ما عدا ضريبة إسمية صغيرة تحت قانون تاونشند . لقد مكن القانون الجديد الشركة من بيع الشاي بأسعار أرخص حتى من أسعار المهربين ، ومن ثم أصبحت هذه الشركة تحتكر تجارة الشاي مع المستعمرات ، ولم يكن هذا احتكارا فحسب ؛ ولكنه كان احتكارا لصالح شركة بريطانية بحتة .
وعندما شعر تجار الشاي بأن هذا بشكل خطرا على مستقبل تجارتهم ، فإنهم بدأوا يميلون لتأييد المتطرفين في المستعمرات ، وقاموا بتشجيع الأخيرين على منع تفريغ الشاي في المواني ، وفي بوسطن كان صمويل آدمز وجماعته المتطرفة مسئولين عن تنظيم ما سمي (بحفلة شاي بوسطن) (1773 م) ، وتبعت ذلك موانئ أخرى في المستعمرات ، حيث قام المتطرفون بإغراق الشاي في البحر ، كما شجعوا المستهلكين على استعمال القهوة والشوكولاته بدلا من الشاي .
القوانين الإلزامية (1774)
قرر اللورد نورث رئيس الوزراء والملك جورج الثالث اتخاذ سياسة حازمة تجاه ماستشوستس على الأخص – التي قادت المستعمرات الأخرى في التنكيل ضد الحكومة البريطانية . هذه السياسة تقتضي تنفيذ أربع مقررات وافق عليها البرلمان البريطاني وهي : إغلاق ميناء بوسطن حتى يدفع الأهالي تعويضا للبضاعة التي خصرت ؛ تخفيض سلطات المجلس التشريعي في ماستشوستس ؛ عدم محاكمة المتهمين من موظفي الحكومة البريطانية داخل المستعمرة ، وأخيرا إرغام المجلس التشريعي على تهئية المآوي والمآكل للحامية البريطانية الموجودة هناك .
قانون كويك (1774)
كان هذا القانون خاصا بالرعايا الفرنسيين الذين أصبحوا تحت الحكم البريطاني بعد هزيمة فرنسا ، وقد سن البرلمان البريطاني هذا القانون حيث يقضي بمد حدود منطقة كويك لتشمل المنطقة شمال الأوهايو وشرق نهر المسيسبي ؛ واعترف بشرعية الكنيسة الكاثوليكية في كل كويك ؛ كما أعطى الرعايا الكاثوليك حقوقهم السياسية.
هذا القانون سبب عداوة البروتستنت الأمريكيين ، لأنهم ظنوا بأنه ربما يكون خطوة أولى نحو تدعيم شرعية الكنيسة الأنجليكانية التي تختلف قليلا عن الكاثوليكية في أمريكا ضد حقوق البروتستنت ، كما اعترف القانون بحرية العبادة للكاثوليك ، مع السماح بتطبيق القانون المدني الفرني عليهم – ذلك القانون لم ينص على ضرورة استخدام المحلفين ، كما هو الحال في القانون المدني البريطاني . وهكذا فقد حتى مضاربو الأراضي بأن القانون سيمنع نشاطهم في المناطق الغربية ، كما أن تجار الفراء كانوا يخشونمن سلطة الموظفين البريطانيين الموجودين في مونتريال .
المؤتمر القاري الأول
إعلان القوانين الإلزامية ، وقانون كويك ، دفعت المجلس التشريعي المحلول في فرجينيا إلى الدعوة إلى اجتماع قاري لممثليه عن كل المستعمرات ليعقد في فلادلفيا في سبتمبر عام 1774 م ، وهكذا فبدلا من أن يؤدي القانون إلى تأديب ماستشوستس – كما أرادت الحكومة البريطانية – فإنه دفع إلى تكوين ممثلين مختارين من المجالس التشريعية في المستعمرات للاجتماع لحسم الأمور المتافقمة مع البريطانيين .
كان عدد المتطرفين في هذا المؤتمر يفوق بكثير عدد المعتدلين . وقد وافق المؤتمر على القرارات الآتية : أولا : قرارات سفوك ؛ حيث رفض – فيها – المؤتمر الاعتراف بشرعية القوانين الإلزامية وقانون كويك . ثانيا ، إعلان (حقوقهم وشكاوهم) (Rights and Greavances) ضد الحكومة البريطانية ، حيث طالبوا بإلغاء كل القوانين الشتريعية التعسفية التي أقرتها الحكومة منذ سنة 1763 م ، وبذلك فقد أبرزوا فكرة النظرية السياسية الأمريكية التي بمقتضاها عارضوا حق البرلمان البريطاني في فرض ضرائب على المستعمرات (لاضريبة بدون تمثيل) ثالثا ، تكوين لجنة قارية يكون من شأنها تنظيم المقاطعة ضد التجارة البريطانية ، رابعا ، وافق المؤتمر على أن يجتمع في السنة المقبلة . وأخيرا ، رفض المؤتمر الموافقة على ما يسمى (بخطة جالوي) (Galloway Plan) ، والتي اقترحها بعض المعتدلين ، حيث طالبوا فيها بتكوين اتحاذ مع بريطانيا على أساس تكوين برلمان واحد للمستعمرات البريطانية تكون له سلطات تشريعية في كل المستعمرات مع ضرورة موافقة البرلمان البريطاني على قرارات هذا البرلمان .
الاستقلال
الغالبية العظمى من سكان المستعمرات لم تعتنق فكرة الاستقلال منذ البداية . ولكن الذي دفعها إلى ذلك ، إنما هو لجوء الملك جورج الثالث إلى استعمال القوة .
لكسنجتون وكونكورد
كانا لمؤتمر القاري قد وافق على الاستعداد للدفاع ، وبدأ سكان ماستشوستس يجمع الذخيرة ، وتدريب الرجال على مجابهة السلطات البريطانية . وكان الجنرال توماس جيج (Thomas Gage) قد أرسل فرقة من بوسطن مكونةمن ألف جندي في ليلة 18 إبريل سنة 1775 م للذهاب إلى بلدة كوكورد المجاورة للاستيلاء على مخزن بارودللمتطرفين ، وان رجل الاستطلاع بول ريفر قد أبلغ النبأ لجماعته في كونكورد ، ومن ثم اجتمع هؤلاء في بلدة لكسنجتون لمقابلة القوة البريطانية . وتبادل إطلاق النار الذي قتل فيه عدد من الثوار ، ثم من بعدها تقدمت الفرقة البريطانية إلى كونكورد حيث وجدت أن جميع الأسلحة قد نقلت من ذلك المكان . في رطيق عودة الفرقة إلى بوسطن ، فإنها خسرت حوالي 273 جنديا حيث نصب لها المزارعون كمينا على الطريق . انتشرت نباء هذه الحادثة في كل المستعمرات . وهكذا يمكن القول بأن هذه الحادثة إنما كانت البداية للكفاح المسلح الأمريكي ضد الحكم البريطاني .
المؤتمر القاري الثاني سنة 1775
اجتمع المؤتمر (حسب الخطة التي قررت في المؤتمر السابق) في 10 مايو سنة 1775 م ، كانت فئةا لمعتدلين فيه تريد تأجيل إعلان الاستقلال ، ولكن المؤتمر أقر خطة لتكوين جيش بقيادة جورج واشنطن . ومع ذلك اقترح المؤتمر (التماس غصن الزيتون) الذي أراد المجتمعون بمقتضاه مصالحة بريطانيا . ولكن الملك رفض هذا الاقتراح ، ومن ثم قام –المؤتمر فيما بعد – بإعلان الأسباب والدوافع التي أدت بهم إلى حمل السلاح . ومما تجدر ملاحظته هنا بأن المؤتمر لم يكن يسعى نحو إعلان الاستقلال لحظة اجتماعه هذه ، وكل ما أرادوه هو العودة إلى أوضاع ما قبل سنة 1763 م .
الأسباب المباشرة لإعلان الاستقلال
تجدر الملاحظة بأنه كانت هناك اشتباكات عسكرية طيلة السنة السابقة على المؤتمر القاري الثاني ، فلماذا إذن تحولت الفكرة من المصالحة مع بريطانيا إلى إعلان الاستقلال عنها ؟ إجابة على هذا السؤال تكمن فيما يلي : أولا ، لقد انزعج الأمريكيون من استخدام بريطانيا للجنود المرتزقة خصوصا الألمان ، الهنود الحمر والعبيد ؛ ثانيا ، قرار البرلمان بإغلاق المواني الأمريكية إلى حين قبول القوانين الجديدة لم يترك للأمريكيين سوى اللجوء إلى إعلان الاستقلال الذي سيمكنهم من الحصول على مساعدات أجنبية ؛ ثالثا ، كتابات توماس بين ؛ خصوصا (شعور عام) (Common Sense) كانت قد ألهمت عواطف الجماهير ، وكان يهاجم فيها الملك جورج مباشرة ، ويبين محاسن إعلان الاستقلال . وأخيرا الغالبية العظمى من المؤتمرين في سنة 1775م كانت من الفئة المتطرفة ، حيث أن عددا كبيرا من المعتدلين قد استدل بممثلين من هذه الفئة .
إعلان الاستقلال
عين الكونجرس القاري لجنة برئاسة (توماس جفرسون) لكتابة إعلان الاستقلال قام الكونجرس بإعلان قرار الاستقلال في الثاني من يوليو ، وفي الرابع منه سنة 1776 م وافق الكونجرس على هذا القرار الذي بين أسباب فصم العلاقة بين المستعمرات والبلد الأم . كان جفرسون قد قام بكتابة الإعلان ، ولكن الكونجريس أخرى علهي بعض التعديلات . وقد أشير في خاتمة هذا الإعلان بأن نظرية (جون لوك) هي الأساس الفكري للثورة ، وفي القسم الثاني سرد الإعلان شكاوي المستعمرات ضد الملك جورج الثالث ، وفي القسم الأخير أعلن استقلال المستعمرات الثلاث عشرة عن بريطانيا.
صدر هذا الإعلان ، قوّى مركز المتطرفين في المستعمرات . وتجدر الإشارة إلى أن السكان كانوا قد انقسموا إلى قسمين : ما سمي (بالوطنيين) (Partiots) الذين آمنوا بضرورة حمل السلاح للدفاع عن الاستقلال ، وما سمي (بالمخلصين) (Loyalists) أولئك الذين مازالوا يريدون الوصول إلى طريقة سلمية بالتسوية أو المصالحة مع بريطانيا ، وبإعلان ضرورة الكفاح المسلح من أجل الحصول على الاستقلال ، فإن فرنسا قد بدأت في إعطاء المساعدة السرية للمستعمرات ، وبهذا فإنها ساهمت في إيجاد شرخ في صرح الإمبراطورية البريطانية .
الأسباب الرئيسية للثورة الأمريكية
أسباب الثورة كثيرة التعقيد ، ولكن ذكر العوامل الآتية ربما يساعد على فهم الظروف التي دفعت بالمستعمرات إلى إعلان استقلالها عن البلد الأم .
أولا : لقد تعودت المستعمرات طيلة فترة استعمارها على نوعمن الاستقلال والحرية التي لم يتمتع بها حتى سكان بريطانيا نفسها ، كما وأن بريطانيا طيلة القرن والنصف من الاستعمار لم تكن جادة في تطبيق قوانين صارمة تجحف بالسكان . وأن مجيء الكثير من المهاجرين إلى القارة الجديدة إنما كان غرضهم البحث عن حياة حرة طليقة . وهكذا عندما تغيرت السياسة البريطانية – فيما بعد – عام 1763 م ، واتجهت في تطبيق القوانين ؛ خصوصا تلك الخاصة بضرورة مساهمة المستعمرات في نفقات الحرب مع فرنسا ، ولم يكن السكان على استعداد أن يتقبلوا مثل هذه القوانين لعدم تعودهم عليها ، حتى أن حزب (الوقز) البريطاني نفسه كان يعارض في تطبيق هذه السياسة . ثانيا ، سياسة بريطانيا الجديدة هددت مصالح فئات عديدة من السكان مثل : التجار ، تجار الفراء ، المستوطنين ، الصناع ، العمال ، ومضاربي الأرض ، ثم البروتستنت ، وبالتلاي فقد سببت عداوة هؤلاء – بما لهم من نفوذ محلي – ودفعت إلى أن يتكاتف الجميع منهم لمقاومة هذه السياسة بالقوة . ثالثا ، إن التوقيت الذي أعلنت فيه السياسة الجديدة ربما كان هو الدافع على ظهور المقاومة لها . ففي عام 1763 كانت المستعمرات تشعر بنوعمن الاستقلال الذاتي والثقة بالنفس بحيث نظر إلى السياسة الجديدة على أنها تخالف أي سياسة سابقة لبريطانيا في أمريكا . رابعا ، الخلاف الدستوري حول وضع المستعمرات الأمريكية داخل الإمبراطوربية البريطانية . إن السكان رفضوا قبول فكرة التمثيل بالتبعية أو أنهم جزء ثانوي داخل الإمبراطورية . خامسا ، العامل الديني كان له أثر قوي في إعلان الاستقلال . فكثيرا من المهاجرين كانوا من المتطرفين البروتستنت الذين هربوا من الاضطهاد الديني في أوروبا ، ساعين وراء إيجاد حرية دينية أفضل في العلام الجديد ، ولذلك فإنهم رأوا أن السياسة الجديدة إنما هي إنذار لهم بأن بريطانيا ربما تريد في المستقبل أن تدعم وجود الكنيسة الأنجليكانية (القريبة من الكاثوليك) شرعيا في أمريكا ، بتعيين بيشوب أنجلكاني لها . سادسا ، العاهل النفسي ؛ وهذا يتمثل في أنه كان لموظفي الإمبراطورية البريطانية ميزات ومكانة تختلف عن الأمريكيين ، وهكذا فقد حسد الأمريكيون هؤلاء الموظفين على وضعهم ولم يتقبلوا فكرة أنهم يمثلون طبقة ثانوية . سابعا ، كان السكان الذين حضروا من إنجلترا نفسها لم يزيدوا على الثلث من مجموع سكان المستعمرات ، وبالتدريج فإن سكان العالم الجديد سرعان ما أصبحوا مجتمعا وقومية مختلفة عن تلك التي يتمتع بها أولئك في الوطن الأم . وحتى الذين كانوا من أصل بريطاني سرعان ما انصهروا في البوتقة الجديدة ، كما أنه لا يجب نسيان الحقيقة بأن البعد الجغرافي كان عاملا مشتركا في كل حركات الاستقلال التي قامت في المناطق الاستعمارية . ثامنا ، كانت فلسفة جون لوك التي تؤمن بحريات الإنسان الطبيعية وبحقه في الثورة ضد الحاكم إذا لم يراع هذا مصالح المحكومين – هي الفكرة الأساية التي أخذتها المستعمرات تعليلا لضرورة إعلان استقلالها . تاسعا ، إيمان قسم كبير من السكان بإمكانية الاستقلال والمستقبل الزاهر شجعهم على المضي في طريقهم ، خصوصا وأن القارة الأمريكية واسعة الأراضي ، وغنية ، بينما بريطانيا نفسها لم تكن إلا جزيرة صغيرة فقيرة في مواردها الطبيعية . كما أنه وجد الأمل الكبير في إيجاد حليف أجنبي يساعد المستعمرات ضد بريطانيا . وهكذا فلم تكن الثورة عملا يائسا لجأ إليه السكان بعد فشل أي وسائل أخرى . وإ،ما كانت عملا مختارا تشوبه الآمال الكبيرة بالنجاح .
كان استقلال له أوانه ، وسواء عاجلا أو آجلا ، فإن تلك المستعمرات كان يمكن أن تحصل على استقلالها ، ولكن وسيلة الاستقلال التي اتبعتها المستعمرات – الكفاح المسلح – كما اتبعت بريطانيا ذلك مع كثير من مستعمراتها في الإمبراطورية ، وأصبحت هذه – فيما بعد – ضمن ما سمي (بالكومنولت) . لكن الوسيلة الأمريكية في الحصول على الاستقلال عن بريطانيا كانت مختلفة باتباعها طريق الكفاح المسلح.
تسلسل تاريخي للأحداث الهامة
1763 : برنامج جرنفيل ؛ الإعلان (الإعلان 1763) . 1767 : برنامج تاونشند ، المعارضة . 1773 : أعطى احتكار توريد الشاي إلى أمريكا لشركة الهند الشرقية البريطانية . 1774 : سن البرلمان البريطاني ما يسمىب القوانين الصلبة وقانون كويك ، أول مؤتمر قاري . 1775 : اشتباكات من الميليشيا الأمريكية والجنود البريطانيين في كونكورد ولكسنجتون ؛ والمؤتمر القاري الثاني . 1776 : إعلان الاستقلال الأمريكي في 4 يوليو .
مراجع الفصل السادس
1. H Gispon. The Coming of the American Revolution, 1763-1776 (1954) 2. S. Morgan. The Birth of the RCpublic: 1963-1776 (1956) 3. Bernard Bailyn. The Ideological Origins of the American Revolution (1967), and his The Origins of American Polities (1968) 4. C. Miller. The Origins of the American Revolution (1943)
الفصل السابع: ثورة ناجحة 1776-1783
قيام الثورة في أمريكا أعطى الفرصة لفرنسا في أن تأثر لنفسها من بريطانيا ، نتيجة هزيمتها في حرب السبع سنوات ؛ وهكذا فقد أصبحت الثورة الأمريكية حلقة أخرى في سلسلة الحروب الاستعمارية بين فرنسا وبريطانيا . كما لم تكن هذه الثورة عبارة عن كفاح من أجل الاستقلال فقط ؛ ولكنها بجانب ذلك كانت ثورة اجتماعية وسياسية.
موارد القوى المعارضة
داخل المستعمرات الأمريكية ، انقسم السكان إلى ثلاث فئات : (الوطنيون) حيث يمثلون ثلث السكان ، و (الموالوت) ويمثلون الثلث الثاني ، ووقف الثلث على الحياد .
الفئة الأولى هي كانت مصدرا للثورة ، بينما بقيت الفئة الثانية على ولائها للبلد الأم ، ولهذا فإن كثيرا من حكومات المستعمرات (أو يجب أن نقول الإدارات الجديدة التي تمثل الثوار) قد قامت بمصادرة أملاك الموالين وأجبرتهم على النزوح ، حيث اتجه هؤلاء إلى كندا ، جزر الهند الغربية ، أو إنجلترا تمثلت فئة (الموالين) في كبار الموظفين ، التجار الأغنياء الذين يتعاملون مع بريطانيا ، الحرفيين ، ورجال الكنيسة الأنجلكانية . أما الفئة (الوطنية) فكانت تتمثل في صغار المزارعين ، العمال ، المدنيين ، وسكان المناطق الغربية ومع ذلك فيجب الملاحظة بأن التفريق الطبقي بين هؤلاء لم يكن واضحا تماما ، فالمناطق النائية (في الداخل) كانت تميل نحو الوطنيين ، بينما كان سكان الساحل يميلون نحو (الموالين) ، والكثير من السكان لم يكن يهمهم الأمر بكثير أو قليل .
مقارنة القوى العسكرية
من حيث العدد كان لبريطانيا الفرصة ، حيث أنها تعتمد على سكان أكبر عددا ، ولكنها بالفعل تعتمد على المتطوعين ، والجنود المرتزقة ؛ خصوصا من بعض حلفائها في أوروبا مثل ألمانيا .
بعد انتشار الحرب إلى أجزاء أخرى في العالم الخارجي ، اضطرت بريطانيا إلى تقسيم قواتها . أما جيش الثوار ، الذي كان تحت قيادة جورج واشنطن ، فإنه لم يتعد بأي حال من الأحوال أكثر من 18 ألف مقاتل . من حيث النظم والتدريب والخبرة ؛ فإن القوات البريطانية بطبيعة الحال كان لها الامتياز الأكبر ، ولكن لا ننسى بأن طبيعة هذه الحرب التي كانت في بيئة مليئة بالغابات قد قلل من فائدة هذه الميزة . كانت القوات الأمريكية تتكون من فئتين : القوة القارية ، ومليشيا الولايات ، الأولى كانت تخدم بالتطوع لمدة ثلاث شهور ،وقد كانت قليلة الخبرة والتدريب ، أما الثانية فلم تكن تريد القتال خارج حدود ولاياتها ، ولكنهم كانوا كثيري الحماس في الدفاع في الداخل .
البعد الجغرافي كان له الأثر الفعال أيضا ، فقد عمل هذا ضد البريطانيين حيث كان عليهم أن ينقلوا الجنود عبر المحيط الأطلسي ، وفي أمريكا داخل الولايات المختلفة . الثوار كانوا يعملون في مناطقهم ويستعملون الطرق الداخلية ويجتمعون كلما لزم الأمر لمجابهة البريطانيين . وكان بعد المسافة قد أوجد ندرة في الإمدادات للقوات البريطانية ؛ البريطانيون كانوا يتلقون المساعدة من الهنود الحمر في مناطق الحدود الغربية ، وقد أطلقوا سراح الرقيق في الجنوب حتى يشجعوهم على الانخراط في سلك الجندية ضد الأمريكيين . ولكن الآخرين حصلوا على مساعدة الجنود الفرنسيين والأسطول الفرنسي ، خصوصا في موقعة يورك تارون ، وهكذا فقد ألحقوا أيضا خسائر ببحرية الإنجليز .
القدرات المالية وبعض الميزات الأخرى للمتحاربين
لقد تميزت بريطانيا العظمى ، بطبيعة الحال ، بكونها دولة كبرى ذات ثروة ومصادر اقتصادية عظيمة ، أما الثوار من ناحية أخرى ، فقد واجهوا صعوبات مالية في سبيل التجهيز للعمليات الحديثة . كان الكونجرس القاري إلى الاستدانة من فرنسا ، هولندا ، إسبانيا ، وقد كانت هذه الديون توزع على الولايات ، ولكن الأخيرة لم تكن تقوم بسداد ما عليها ، ونتيجة لذلك فكانت هناك ندرة شديدة في تدبير التموينات الخاصة بالجيش الأمريكي المحارب . كان روبرت مورس (Morris) بمثابة المدير المالي لجيش الثوار . من الناحية المعنوية تجد بأن الأمريكيين كانوا يحاربون في بيئة طبيعية وظروف تعودوا علهيا ، بينما لم يكن الجندي البريطاني يعرف الكثير عن هذه البيئة . هذا بالإضافة إلى أن أصدقاء بريطانيا في القارة الأوروبية كانوا أقل بكثير من أعدائها . حلفاء بريطانيا تمثلوا في روسيا ، وبعض الألمان فقط ، أما بقية أوروبا فقد كانت تشكل عدوا لدودا لها ، خصوصا منذ سنة 1780 م ، حيث كونت هذه الدول ما سمي (بحلف الحياد المسلح) (League of Armed Neutrality) ، وذلك بسبب تدخل بريطانيا في الحقوق البحرية لهذه الدول .
وهكذا فقد كانت دول أوروبا الكبرى فرنسا وإسبانيا هي الممول الرئيسي للأمريكيين سواءا من الناحية المادية أو العسكرية .
الحملات العسكرية للحرب
في بداية الحرب كانت تبدو كفة الإنجليز هي الرابحة ، ذلك أن أسطولهم القوي فرض حصارا محكما على شواطئ المستعمرات ، استطاع فيه شل اقتصادها ، وجعل الاتصال فيما بينها وبين أوروبا صعبا للغاية . لم يكن يضعف موقف الجيش الإنجليزي إلا انقسام الرأي العام في بريطانيا حول الحرب ، مما جعل الحكومة البريطانية تجد صعوبة كبيرة في جمع المتطوعين لإرسالهم إلى المستعمرات . لقد دفع ذلك بالملك جورج إلى أن يستعين بجنود مرتزقة من الألمان حيث استأجر حوالي عشرين ألف جندي من أمير مقاطعة (هس) . ولقد أضر هذا التصرف بسمعة الملك إلى درجة كبيرة . في الجهة الأخرى ، فإننا نجد بأن قدرة واشنطن وشخصيته تساوي ميزاته العسكرية كقائد للقوات القارية الأمريكية .
من بنكرهل إلى برنستون
بعد الاشتباكات الأولى في لكسنجتون ، انسحبت القوات البريطانية إلى بوسطن . في البداية تحمل الأمريكيون خسائر كبيرة في بنكرهل (يونيو 1775 م) ، ولكن في السنة التالية أجبر واشنطن بريطانيا على الانسحاب من بوطسن في إبريل عام 1776 م . بعد بوسطن حولت القوات البريطانية مركز قيادتها إلى نيويورك ، ولكنه فشل في ذلك بعد هزيمتين كبيرتين في منطقة لونج آيلند ومرتفعات واشنطن ، واضطر إلى الانسحاب نحو الجنوب عبر نيوجيرسي حتى وصل إلى بنسلفانيا وذلك لإعادة تنظيم قواته . وفي ديسمبر عام 1776 م ، باغت واشنطن جيش خس الألماني في ترنتون وهزمه ، ثم أتبع هجومه هذا إلى برنستون وانتصر على القوات البريطانية هناك ، واستطاع استرجاع ولاية نيوجيرسي .
الخطة البريطانية في عام 1777 م
كانت هذه الخطة أن يقم الجنرال جون بيرجوين (John Bargoyne) بالاتجاه من كندا جنوبا نحو نيويورك عن طريق بحيرة شامبلين ، حيث يلتقي هناك مع الجنرال سينت ليجر الذي يترك بحيرة أونتاريو متجها إلى الشرق بمحاذاة وادي موهوك . هاتين القوتين كان من المخطط أن تتقدما مجتمعة تجاه الجنوب إلى فيلادلفيا حيث تلتقيا مع الجنرال هو ، وبذلك تكون قد قطعت القوات الأمريكية إلى قسمين شمالي وجنوبي .
لقد فشلت القوتين البريطانيتين في تحقيق أغراضهما ، فقوة ليجر – التي كانت تشمل بعض الهنود – قد أوقفت من قبل الجنرال الأمريكي هيركمر ،وحوصرت قوات بيرجون بواسطة الجنرال الأمريكي جيتس (Gates) حيث هزمت في موقعة سراتوجا (1777 م) . وتعتبر موقعة سراتوجا نقطة تحول رئيسية في الحرب ، ذلك أن خسارة بريطانيا شجعت فرنسا وإسبانيا على دخول الحرب إلى جانب الأمريكيين ، كما أعطت الأخيرين المبادرة في السيطرة على المناطق الشمالية . وبعد هذه المعركة أخذت الحرب تتحول لصالح الوطنيين .
الحلف الفرنسي الأمريكي عام 1778
بعد موقعة سراتوجا ، عقدت فرنسا حلفا عسكريا مباشرا مع الأمريكيين . فيما قبل ذلك ، كانت المساعدات الفرنسية ترسل بشكل سري أو باسم شركات خيالية .
أرسل الكونجرس القاري بنيامين فرانكلين لمفاوضة الفرنسيين بغرض الحصول على المساعدات المالية ، وقد ألح فرانكلين على وزير المالية الفرنسي فيرجينز بضرورة دخول فرنسا الحرب . كان انتصار الأمريكيين في سراتوجا قد أقنع فيرجينز بهذا الأمر ، ولذلك قامت فرنسا بتوقيع حلف عسكري مع الأمريكيين في عام 1778 م ، تعهدت فيه فرنسا بالوقوف إلى جانب أمريكا حتى النصر ، ثم وقعت معاهدة أخرى بالتبادل التجاري .
إسبانيا – حليفة فرنسا – أصبحت حليفة غير مباشرة لأمريكا ، وهكذا فيمكن القول أنه بدون المساعدة المالية والعسكرية والفرنسية ، كان لايمكن أن يكتب النجاح للثوار الأمريكيين .
السنوات الأخيرة في الحرب (1778-1781)
نظرا لزيادة ولاء المستعمرات الجنوبية ، بينما سيطر الثوار على خطوط المواصلات في الداخل . في منطقة اليونيز كان جورج روجرز كلارك قائد مستعمرة فرجينيا قد استطاع أن يتغلب على البريطانيين هناك وأن يمد مناطق نفوذه شمال الأوهايو (1778-1779 م) . لقد تعرض الأمريكيون لهزائم شديدة سنة 1780 م ، بسبب فشل القائد الأمريكي بيند كت آرنولد (Benedict Arnold) في الاستيلاء على وست يوينت ، وعلى جيش الجنرال البريطاين كون والس ، ولم يخفف من حدة هذه الهزائم إلى قرار فرنسا بإرسال جيش فرنسي إلى أمريكا بقيادة روتشامبو (Rochambeau) وبقوة بحرية فرنسية سنة 1781 م .
وبمعونة القوات البرية والبحرية الفرنسية ، استطاع واشنطن حصار كورن والس في يورك تاون والقضاء على قواته هناك . وكان هذا النصر حازما وكانت نتيجته أن هدأت العمليات العسكرية من قبل القوات البريطانية .
معاهدة باريس 1783
فشلت محاولات السلام بين الطرفين ، ولكن بعد هزيمة يورك تاون فإن الرأي البريطاني بدأ يعارض بجدية أي استمرار للحرب ، ويرفض الموافقة علىميزانية لهذا الغرض . هذه المعارضة أدت إلى سقوط وزارة اللورد نورث ، وحل محلها وزارة اللورد شلبورن التي اقمت بإرسال مندوب لها إلى باريس للتفاوض مع ممثلي الأمريكيين بغرض الوصول إلى اتفاقية بين الطرفين .
مفاوضات الصلح
انضم إلى بنيامين فراكلين (الذي كان موجودا في باريس) كل من جون آدمز وجون جي الذي أرسلهما الكونجرس القاري ، كان من شروط المعاهدة الفرنسية الإسبانية أن تستمر فرنسا في حربها مع بريطانيا إلى أن تستطيع إسبانيا إرجاع سلطتها إلى منطقة جبل طارق . ولهذا فإن فرنسا عرقلت سير مفاوضات الصلح بين الأمريكين وبريطانيا . وقد علم الوفد الأمريكي بنية فرنسا على القيام بتعويض حليفتها إسبانيا على حساب الأمريكيين وبريطانيا . وقد علم الوفد الأمريكي بأن يعقد صلح منفردا مع بريطانيا – معارضا بذلك مضمون الحلف العسكري الفرنسي الأمريكي لسنة 1778 م .
وحسب اتفاقية مبدئية سنة 1782 م ، فقد وافقت بريطانيا مع الوفد الأمريكي على مناطق الحدود بينها وبين الدولة الجديدة ، وكانت في هذا أكثر ليونة من مفاوضتها مع فرنسا وإسبانيا ، ومن ثم وافق الطرفان (البريطاني والأمريكي) على مضمون رسمي للمعاهدة في سبتمبر سنة 1783 م ، دون الاهتمام باعتراضات فرنسا .
شروط معاهدة الصلح سنة 1783
تضمنت المعاهدة ما يأتي : اعتراف بريطانيا باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية ؛ حدود أمريكا مع كندا وضعت بحيث تحاذي البحيرات الكبرى . واصبح نهر المسيسيبي بمثابة الحد الغربي – في الجنوب امتدت حدود امريكا إلى منطقة فلوريدا ؛ اعترفت بريطانيا بحقوق الصيد البحري لأمريكا في شواطئ نيوفوندلاند ؛ وافقت الولايات المتحدة على تسهيل مهمة الدائنين البريطانيين لجمع ديونهم في أمريكا ، وافق كلا الطرفين على السماح لرعاياهما باستخدام نهر المسيسيبي للملاحة ، وأخيرا ، وافق الوفد الأمريكي على أن يطلب من الكونجرس الأمريكي التوصية للولايات بإعادة ما صادرته من أملاك (الموالين) خلال الحرب .
الثورة الداخلية
بالإضافة إلى ما حققته الثورة الأمريكية من استقلال عن بريطانيا ، فإنه كان لها آثار داخلية على المجتمع الأمريكي .
التغيرات السياسية في الولايات
بالانفصال عن البلد الأم ؛ فإنه كان لزاما على الثلاث عشرة ولاية بأن تكون كل منها إدارة حكومية لنفسها . في أوائل سنة 1777 م قامت إحدى عشرة ولاية بوضع دساتير جديدة لها ، أما ولايتي رود آيلند وكونيكتيكت فقد أبقيا على دستورهما القديم مع تغيرات بسيطة . كانت كل الولايات قد حافظت على دساتيرها القديمة ، ولكن أضافت إليها بنودا تناسب أفكارها ومتطلباتها الجديدة حسب ما أملته التجارب السابقة . وكان كل من الفيلسوف البريطاني لوك والفرنسي منتسكيو ، أثرهما في إيجاد أفكار جديدة مثل نظرية الحقوق الطبيعية .
من أبر التغيرات الجديدة لنظام الحكم والتي ظهرت في الدساتير الجديدة ما يأتي : ضمانه لحقوق الأفراد الطبيعية ، ومن بينها حق المحاكمة بواسطة محلفين ، ومنع الدولة من القيام بتفتيش الأفراد والبيوت دون إذن قضائي ، وكذلك منعا لعقوبات الصارمة . وحق الانتخاب بني على أساس الملكية ، وفي بعض الأحيان الولاء الديني لكنيسة معينة . وتجب الملاحظة بأن هذا المتطلب الديني كان بسيطا في ذلك الوقت ؛ حيث يكفي أن يكون الفرد مؤمنا بالله والثالوث المقدس والمذهب البروتستانتي وبذلك يمكنه الانتخاب . انتخابات المجالس التشريعية سنويا كان المقصود منها أن تبقى هذه المجالس رهن إرادة الناخبين العامة . نظرا لتجربة الولايات السيئة في السابق مع حكامها ، فقد قامت الدساتير الجديدة بتحديد سلطات هؤلاء الحكام بدرجة فاقت الحد ، حتى انها اضطرت – أخيرا – إلى إرجاع بعض هذه السلطات للحكام . أخيرا فإن مبدأ فصل السلطات بين فروع الحكم الثلاثة ( التنفيذية – والتشريعية – والقضائية) وضمان التوازن بينها ، كان أهم المبادئ التي ظهرت في نظم الحكم الجديدة ، وذلك حتى يستحيل سيطرة أي فرع من هذه الفروع على الحكم .
مبادئ الدستور الكونفدرالي
بعد إعلان الاستقلال قام الكونجرس القاري بتعيين لجنة بغرض وضع نظام لحكم مركزي للولايات . من أبرز الذين كتبوا هذا الدستور الكونفدرالي كان جون دكنسون (Dickinson) من ولاية بنسلفانيا . وقد تمسكت بنود هذا الدستور بنص الثورة . وتجب الملاحظة بأن الولايات كانت تخشى وجود حكم مركزي يحرمها من كثير من سلطاتها ، ولذلك فإنها سعت على إيجاد حكومة مركزية ضعيفة بحيث تبقى السلطة الكبرى للولايات .
من بين السلطات التي أعطيت للحكومة المركزية ما يأتي : حق تكوين وبناء أسطول ، إعلان الحرب ، عقد المعاهدات والإشراف على العلاقات مع الدول الأجنبية ، حق صك العملة والاستدانة والإنفاق ؛ لا يحق للحكومة المركزية فرض نظام التجنيد الإجباري أو الإشراف على التجارة . تلك هي حقوق الحكومة المركزية وما تبقى من ذلك إنما يكون من شأن الولايات .
نقاط الضعف في الدستور الكونفدرالي=
الكثير من نقاط الضعف في الحكومة الكونفدرالية سرعان ما اتضح بعد إعلان الدستور الكونفدرالي ، ومن أهم هذه النقاط ما يأتي : عدم سريان أي تشريع جديد إلا بعد موافقة تسعة من الولايات من بين الثلاث عشرة – وهذا أمر صعب ، أي إضافة لهذا الدستور إنما كان يتطلب موافقة جميع الولايات ، ومعنى هذا أن ولاية واحدة لها حق النقض في هذا الأمر ؛ أي أن هذا الدستور غير قابل للتغير حتى يناسب تغير الظروف ؛ لم يكن هناك رئيس واحد منتخب للحكومة المركزية ، وإنما كانت هناك لجنة مكونة من ثلاثة عشر عضوا – واحد عن كل ولاية – وهذا عقبة في سبيل أي عمل تنفيذي يخص الولايات ؛ وأخيرا ، بما أنه ليس من حق الحكومة الكونفدرالية جمع أي فوائد على التصدير والاستيراد ، فإن هذا الدستور قد حرم الحكومة الكونفدرالية من سلطة يمكن أن تستعملها هذه الحكومة في علاقاتها مع الدول الأجنبية .
مصادقة الولايات على الدستور الكونفدرالي
لقد عرض الدستور الكونفدرالي على المجالس التشريعية في الولايات الثلاث عشرة في أواخر سنة 1777 م بغرض التصديق عليه ، وكان من المقرر أن يصبح ساري المفعول بعد مصادقة كل هذه المجالس ، في خلال السنة التالية وافقت كل المجالس على هذا الدستور ما عدا ميريلاند التي رفضت التصديق عليه ، إلا إذا تخلت كل الولايات عن مطالبها وادعاءاتها في مناطق الحدود الغربية – كانت ميري لاند تخشى من أن يؤدي هذا الأمر إلى سيطرة بعض الولايات الكبرى على الحكم الكونفدرالي ككل . ولهذا فقد أعلنت حكومة ولاية نيويورك تخليها عن هذه المطالب وتلتها كذلك فرجينيا ، وهكذا تم التصديق على الدستور سنة 1781 م .
كان أكبر المؤثرين في التصديق على هذا الدستور هم مضاربو الأراضي ، حيث شعر هؤلاء بأنه يمكنهم أن يحصلوا على شروط أفضل في حالة تفاوضهم مع الحكومةالمركزية أ:ثر من حالة تفاوضهم مع الولايات . كما أن أولئك الذين كانوا يؤمنون بضرورة وجود حكومة مركزية قوية وجدوا بأن إعطاء حق التصرف في المناطق الغربية للحكومة المركزية إنما سيكون في المستقبل عاملا على دعم ههذ الحكومة ، وربما يكون مصدرا لعوائد مالية تعوض عما خلفه الدستور من نقاط ضعف في الحكومة المركزية .
التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي جلبتها الثورة
حرب الاستقلال الأمريكية (1776-1781 م) كان لها بعض الآثار ، ولكنها كانت مؤقتة منها : ندرة الحاجيات ، ولكن ظهرت بعض الصناعات المحلية لتسد هذه الثغرة ؛ ارتفاع الأجور لم يكن يناسب الارتفاع الشديد في الأسعار ، كما أن زيادة طبع العملة أدى إلى زيادة التضخم المالي ؛ ارتفاع نشاط المضاربين وتجار الحرب . ارتفاع نسبة التصنيع المحلي نتيجة لزوال القيود البريطانية التي كانت مفروضة في السابق ، ولكن حرمت الولايات من التجارة مع جزر الهند الغربية . لقد أدت الثورة إلى مصادرة وبيع إقطاعيات كثيرة (للموالين) ، وبالتالي فقد أدى هذا إلى نوع من توزيع الأراضي ؛ وأخيرا إلغاء القيود على التوطين في المناطق الغربية .
من الناحية الاجتماعية كانت الثورة قد أدت إلى إلغاء الألقاب وحق الإرث (حق الإبن في أن يرث أباه إذا كان إقطاعيا كبيرا) ؛ نظرا لعدم التوازن بين الولايات الشمالية والجنوبية في امتلاك الرقيق (في الجنوب كانت ملكية العبيد كثيرة بعكس الشمال) . فقد قامت كل الولايات شمال ميري لاند بإلغاء نظام الرق في عام 1805 م ، وامتنعت كثير من الولايات الجنوبية عن استيراد الرق .
من الناحية الدينية ، فإن عددا من الكنائس قد أصبح وجودها شرعيا ، كما أعيد تنظيم الكنائس الأبسكوبالية والبرسبتارية ؛ بحيث انفصلت عن مثيلاتها في بريطانيا . وبقيادة فرنسيس أوزبري (ausberey) فإن الكنيسة المنهجية (Methodist) قد استقلت عن الكنيسة الأنجليكانية المنهجية . وعين الكاثوليك الروم جون كارول (John Carroll) بيشوب بالتيمور ، أول بيشوب لهم في أمريكا .
وبانتهاء الثورة ، وعقد الصلح مع البريطانيين ، وزوال سيطرتهم ، بات الأمريكيون أحرارا في أن يقيموا مجتمعا جديدا وفق الأفكار السياسية التي آمنوا بها ، وحسب ما تفرضه البيئة والأرض والظروف المحيطة بهم .
تسلسل تاريخي للأحداث الهامة
1775 : اجتمع المؤتمر القاري الثاني – موقعة بنكرهل . 1776 : التصديق على إعلان الاستقلال من قبل المؤتمر القاري . 1777 : معركة سارتوجا (أعطت الأمل بنجاح الثورة الأمريكية) – وضعت أحد عشر دستورا محليا – قدم المؤتمر القاري (الكونجرس) الدستورالكونفدرالي للولايات للتصديق عليه – حوصر واشنطن في وادي فورج ، وكاد الإنجليز أن يقضوا عليه . 1778 : توقيع الحلف العسكري بين فرنسا وأمريكا . 1781 : أرسلت فرنسا الأدميرال دوجراس بأسطول لمساعدة الأمريكيين – قبض على القائد البريطاني في يورك تاون – صدقت الولايات على الدستور الكونفدرالي . 1783 : صدقت بريطانيا علىم عاهدة باريس معترفة باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية .
مراجع الفصل السابع
1. J.R. Alden. The American Revolution (1954)
2. E.S. Morgan. The Birth of the Republic, 1763-1789 (1956)
3. Willard Wallace. Appeal to Arms (1951)
4. J.C. Miller. The Birth of the Republic (1948)
5. M.G. Kammen. The Colonial Agents, British Polities, and the American Revolution. (1968)
الفصل الثامن: من كونفدرالية إلى أمة
أقام الدستور الكونفدرالي ، المصدق عليه عام 1781 م ، حكومة مركزية للولايات الأمريكية ، لتحل محل الكونجرس القاي الذي امتدت مهماته من 1775-1781 .
تجربة هذه الولايات مع بريطانيا خلال فترة الاستعمار ؛ علمتها الشك دائما في سلطات الحكومةالمركزية – سلطات حكومة بريطانيا . لهذا فإن هذها لولايات كانت تتجه نحو تكوين حكومة مركزية ضعيفة لا تنافس حكومات الولايات في سلطاتها المشروعة . ولهذا فإن السلطات التي أعطيت للحكومة المركزية في الدستور الكونفدرالي كانت سلطات ضعيفة . وأعطت لحكومات الولايات سلطات مستقلة عن الحكومة المركزية . ولكن عندما ثبت ضعف هذا النوع من الحكم – الكونفدرالي – وعدم مناسبته للمصالح المتطورة للبلاد ، نجحت الجهود في إلغاء الدستور الكونفدرالي ووضع دستور جديد يتكون بمقتضاه اتحاد فدرالي يمكن بواسطته التخلص من نقاط الضعف التي وجدت في نظام الحكم السابق – الكونفدرالي .
التطورات في المناطق الغربية
وضعت الحكومة الكونفدرالية – المركزية – قانونا في عام 1785 م ، وذلك لتنظيم توزيع الأراضي في المناطق الغربية ، وقانونا آخر في عام 1787 م لكيفية تكوين الولايات ونظم الحكم هناك (أصبحت هذه المناطق الآن تسمي بالمناطق الشمالية الغربية) .
مبادئ نظام الحكم
رغم موافقة الولايات على مطالب ميري لاند في عام 1781 م بالتخلي عن ادعاءاتها – أي ادعاءات الولايات – في المناطق الغربية ، إلا أن هذا التخلي لم يكن كاملا أو نهائيا . فرغم سياسة التخلي التي أعلنتها هذه الولايات ؛ إلا أنها أبقت سيطرتها على بعض الأراضي في تلك المناطق ، كما أصرت على امتداد سلطتها إلى الرواد الذين كانوا قد استوطنوا تلك المناطق . وزادت الفوضى بمحاولة الرواد المستوطنين تكوين حكومات ذاتية .
قانون الأراضي العام 1787
هذا التشريع – أحيانا – يسمى بقانون الشمال الغربي ، تضمن ما يأتي : الاقتراح بتقسيمن المناطق الغربية إلى مقاطعات لاتزيد عن الخمسة ولا تقل عن الثلاثة ؛ تمر هذه المقاطعات في مراحل ثلاث من الحكم قبل أن تصبح أعضاء كولايات في الاتحاد الفدرالي ، وذلك حسب زيادة عدد السكان فيها . في المرحلة الأولى تكون المقاطعات تابعة للكونجرس ؛ بحيث يقوم هذا بتعيين الحكام فيها ؛ المرحلة الثانية عندما يصل عدد السكان في المقاطعة إلى خمسة آلاف ، يقوم هؤلاء بوضع إدارة لمقاطعتهم ، وانتخاب مجلس للتشريع ، ويرسل مندوبين إلى الكونجرس الكونفدرالي ؛ المرحلة الثالثة ، عندما يصل عدد السكان إلى 10.000 ، يقوم هؤلاء بوضع دستور لهم ، ويقدمون طلبا إلى الكونجرس الكونفدرالي بالانضمام إلى الاتحاد . كان هذا القانون بمثابة سابقة استخدمت في تنظيم للحكومات في الأراضي الغربية في المستقبل . وهنا يجب القول بأن الامتداد والاستيطان نحو الغرب إنما بقي عملية مستمرة منذ بداية الاستعمار في القارة وحتى التسعينات من القرن السابع عشر .
قانون 1785 م للأراضي
تضمن هذا القانون ما يأتي : تقسيم الأراضي المشاع إل مناطق : مساحة كل منها 6 أميال مربعة ، وتنقسم كل منطقة إلى ست أمثال ، بمساحة ميل مربع لكل قسم ؛ كل قسم من الأقسام الستة يباع في مزاد علني بواقع دولا وارحد على الأقل ثمنا لكل أيكر (الأيكر = 0.4 من الهكتار) .. واشترط القانون على أن أقل مساحة تباع لا تنقص عن 640 أيكر . وتجدر الملاحظة هنا بأن هذا إنما كان يناسب فقط مضاربي وشركات الأراضي ؛ لأنهم هم الوحيدون الذين لديهم عملة نقدية لمثل هذا النوع من الشراء – وبهذا حزم القانون العمال أو صغار المزارعين عن التمليك ، كما أن القانون أيضا لم يتضمن بنودا تسمح بالقروض المالية . ويجب الإضافة أن هذا القانون اعتبر سابقة لتقسيم الأراضي المشاع في المستقبل .
سياسة الأراضي في المناطق الجنوبية الغربية
هرع كثير من السكان أثناء الثورة إلى مناطق كنتكي وتينسي ، واستوطنوا مساحات كبرى من الأراضي هناك . لم يكن الحال هنا كما هو في المناطق الشمالية – لم تتخل الولايات – هنا – عن حقوقها في هذه المناطق ، وإنما أعطت الولايات الأراضي إما للأفراد الذين استوطنوها أو لشركات الأراضي ، أو تخلت عنها فقط في 1790 م . وهذا يفسر عدم وجود أي قوانين كونفدرالية خاصة بنظم الحكم في المناطق الجنوبية الغربية . كانت الولايات في هذه المناطق تبيع الأراضي الغربية بأسعار رخيصة ، أو تهب قطاعات منها إلى المحاربين القدامى ، وكانت تعطيها تشجيعا لبعض السكان على الاستيطان حيث يحوط كل شخص الأرض التي يريدها مع مراعاة العوامل الطبيعية والجغرافية . وهكذا فقد كانت النتيجة تداخل ملكيات الأفراد والمحافظات في بعضها البعض ، مما أدى إلى نزاعات كثيرة في هذا الشأن .
الحدود الشمالية الغربية (مع كندا)
حسب شروط معاهدة باري مع بريطانيا ، كان لزاما على الأخيرة بأن تتخلى عن المواقع العسكرية في المناطق الشمالية الغربية دون تباطؤ . ولكن بريطانيا رفضت الانسحاب من هذه المواقع ومن أهم دوافعها في ذلك كان مراقبة تجارة الفراء والقبائل الهندية . ولكن السبب الرئيسي إنما كان إرغام الولايات المتحدة على أن تقوم بتنفيذ تعهداتها في هذه المعاهدة ، وخصوصا ديون الرعايا البريطانيين في أمريكا . وقد طالبت الولايات المتحدة مرارا بضرورة الانسحاب من هذا الموقع ، وأرسلت الحكومة الكونفدرالية جون آدمز إلى إنجلترا لمتابعة المر ، ومحاولة إقناع الحكومة البريطانية بضرورة الانسحاب ، ولكنه فشل في مهمته ، ولم تكن الولايات المتحدة تستطيع استعمال القوة لتجبر القوات البريطانية على الانسحاب .
الخلاف مع إسبانيا في المناطق الجنوبية الغربية
مع أن إسبانيا قد ساعدت الولايات المتحدة في حربها مع بريطانيا ؛ إلا أنها كانت على خوف من أمريكا ، وخصوصا في أن تؤثر بأفكارها السياسية الحرة على الرعايا في المستعمرات الإسبانية في القارة الأمريكية ، وخصوصا في أن تؤثر بأفكارها السياسية الحرة على الرعايا في المستعمرات الإسبانية في القارة الأمريكية . ومن أهم نقاط الخلاف هذه ما يأتي : النزاع على استخدام نهر المسيسيبي للملاحة ، كان هذا ضروريا للمستوطنين في أعالي نهر الأوهايو ، حيث يلزمهم لنقل الحاجيات الثقيلة ؛ كما أن الحدود بين فلوريدا الإسبانية والولايات المتحدة كانت تشكل نقطة أخرى في هذا النزاع .. نقطة النزاع هذه كانت تتركز في حدود شمال فلوريدا في جهة تسمى قطاع يازو ؛ صداقة إسبانيا وتحالفها مع قبائل الهنود الحمر في هذه المنطقة . وقد كان لكلا الطرفين (إسبانيا والهنود) مصلحة في وقف الزحف الأمريكي المستمر نحو الغرب في اتجاه جورجيا وتينسي . ولذلك اندلعت الحرب بين ولاية جورجيا وقبيلة لكريكسي الهندية في 1785 م ، هذا بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة كانت تريد اكتساب حقوق للتجارة مع جزر الهند الغربية الإسبانية . وقد توصل الديبلوماسي الأمريكي جون جي مع مثيله الإسباني ماردوكي عام 1785 م بوضع معاهدة لجسم نقاط الخلاف بين الدولتين ، ولكن مجلس الشيوخ الأمريكي كان قد رفض التصديق على هذه المعاهدة ؛ لأنه قيل بأنها ضحت بمصالح الجنوب في الملاحة في نهر المسيسيبي مقابل حقوق التجارة للشمال الشرقي مع جزر الهند الغربية – كل هذا أدى إلى غضب السكان الأمريكيين في المناطق الغربية . ونتيجة لذلك فقد استغل جيمس ولكنسون غضب الغربيين هذا للتآمر مع إسبانيا في محاولة لفصل منطقة كنتكي عن الاتحاد الكونفدرالي . وقد فشلت هذه المؤامرة عندما فتحت إسبانيا المسيسيبي للملاحة عام 1788 م ، ولكنها كانت مثالا بين مدى غضب الرأي العام الأمريكي لهذا الأمر ، والشك في ولاء المناطق الغربية للاتحاد الكونفدرالي.
المصاعب المالية والتجارية للنظام الكونفدرالي
إن عدم القدرةعلى مجابهة المصاعب المالية والتجارية قد بين مدى الضعف الذي يتردى فيه نظام الحكم الكونفدرالي .
المصاعب التجارية
إن توقف التجارة الأمريكية مع الخارج نتيجة الاستقلال ، أدى إلى ركود اقتصادي زائد ، وبما أن الحكومة الكونفدرالية لم يكن بوسعها فرض ضرائب جمركية على البضائع الأجنبية ، فقد أضعف ذلك مركز هذه الحكومة ، خصوصا في مفاوضاتها مع إسبانيا وبريطانيا . وكانت إنجلترا قد فرضت قيودا كثيرة على تجارة أمريكا مع جزر الهند الغربية ، ولم تنجح المفاوضات الأمريكية مع إسبانيا في فتح التجارة مع المستعمرات الإسبانية في تلك الجزر ، وهكذا اختلت التجارة الأمريكية مع الخارج . بينما نضبت عملة التبادل بسبب زيادة الواردات الأجنبية .
الخلاف بين الولاايت على التعريفة الجمركية ، جلب كثيرا من الفوضى ، وأدى إلى ركود في التجارة المحلية ؛ حيث ان بعض الولايات قد فرضت تعريفة جمركية على الواردات من ولايات أخرى . كما أن عدم وجود عملة موحدة قد أدى إلى صعوبة التجارة بين الولايات . وكثيرا ما أهملت الولايات اتفاقياتها التجارية مع الدول الأجنبية . وعلى العموم فقد سلكت هذه الولايات في علاقاتها التجارية مع الخارج منهجا يتعارض مع المصالح العامة للاتحاد.
المصاعب المالية
بما أن الكونجرس الكونفدرالي لم يكن لديه سلطة فرض الضرائب ؛ فإنه كان يحصل على ميزانية من الولايات ، ولكن بعض الولايات كثيرا ما كانت تفشل في دفع المطلوب منها . وهكذا لم تستطع الحكومة المركزية دفع الفوائد على ديون الحرب ، كما لم تكن لديها الميزانية الكافية لتقوم بوظيفتها ، وهذا العجز في الميزانية كثيرا ما كان يغطي عن طريق بيع الأراضي المشاع التي تسيطر عليها الحكومة . وقد حاولت الحكومة الاستدانة في كثير من الأحيان لتغطي مصاريفها ، ولكنها لم تنجح في هذا الأمر . وقد رفضت الولايات تعديل الدستور بإعطاء الحق للحكومة المركزية في أن تفرض تعريفة جمركية كدخل يغطي نفقاتها .
إن ركود الثمانينات (1780 م) الاقتصادي ، كان قد جلب انخفاضا في الأسعار ، ونقصا في عملات التبادل ، وهذا جعل الكثير من المستدينين لا يستطيعون القيام بالتزامهم وهكذا زاد الطلب على العملة الورقية ، وقد سيطر الدائنون في سبع ولايات على المجالس التشريعية هناك وأغرقوا الأسواق بالعملة الورقية ، وفي الولايات الستة الأخرى ، رفض الدائنون استعمال العملة الورقية في التبادل . كل هذا أدى إلى غضب المزارعين وقيامهم بمظاهرات في نيوإنجلند ، ردا على محاولة الدائنين الاستيلاء على رهونات المستدينين .
وقد قام دانيال شيز – الذي كان من الثوار في الحرب مع بريطانيا – بتنظيم أتباعه غرب ولاية ماستشوستس باستعمال القوة لمعارضة الاسيتلاء على الرهونات ، وعندما حاول شيز الاستيلاء على الأسلحة من مخازن الولاية ، فقد قامت ميليشيات بوسطن بهزيمة قواته ، ونظرا لانتشار الشغب في ولايات أخرى ، فقد شعرت طبقات المحافظين والدائنين بضرورة وجود حكومة مركزية أقوى .
حركة من أجل قيام حكومة مركزية أكثر فعالية
زيادة التطرف ، وحركات الشغب ، أنعت الفئات الأمريكية المحافظة بضرورة إيجاد تغييرات أو تعديلات في الدستور الكونفدرالي للعمل على إيجاد حكومة مركزية أكثر فعالية ؛ وقد فشلت محاولات داخل الكونجرس في تحقيق هذا الغرض . ولضرورة إيجاد مثل هذه التغيرات ، كاني لزم عقد مؤتمر يمثل كل الولايات .
وكانت الخطوة الأولى هي إرسال مندوبين من فرجينيا وميري لاند إلى مدينة جبل فيرنون ، بغرض تحسن طرق الملاحة في نهر البوتوماك . وبدلا من التفاوض من أجل ذلك الغرض ؛ فقد قام ممثلوا الولايتين بدعوة جميع الولايات لترسل مندوبين عنها إلى مؤتمر يعقد في أنابولس لبحث شئون التجارة بين الولايات .
وقد وافقت خمس ولايات على إرسال مندوبين إلى هذا المؤتمر ، ولكنهم لم يستطيعوا الوصول إلى أي قرار ؛ سوى تجديد الدعوة لكل الولايات على الاجتماع في فلادلفيا بشأن تعديل الدستور الكونفدرالي .
المؤتمر الدستوري
كان الكونجرس الكونفدرالي قد وافق على الدعوة – الموجهةمن قبل ممثلي الولايات الخمسة المجتمعة في أنابولس – إلى عقد مؤتمر في فلادلفيا . وهكذا فقد قامت المجالس التشريعية للولايات بإرسال مندوبين إلى هذا المؤتمر . اجتمع الممثلون في قاعة بلدية فلادلفيا (فيما بعد سميت قاعة الاستقلال) في شهر مايو 1787 م . ولاية رود آيلند هي الولاية الوحيدة التي لم ترسل ممثلين عنها . وبدلا من أن يقوم المؤتمرون بعملية تعديل الدستور الكونفدرالي ، كما نصت على ذلك الدعوة – فإنهم اتفقوا سرا على أن يكتبوا دستورا جديدا .
القيادة
الكسندر هاملتون (Alexander Hamilton) كان من أبرز وأنشط المحافظين في المؤتمر ، وكان له التأثير الكبير في خلق حكومة مركزية قوية – تختلف عما كان علهي الحال في ظل الدستور الكونفدرالي . اختار الممثلون جورج واشنطن كرئيس للمؤتمر ؛ وكان جيمس مادسون (James Madison) ممثل ولاية فرجينيا والملقب (أبو الدستور) ، هو زعيم المجموعة التي اقترحت ما سمي (بخطة الولايات الكبرى) والذي قاد المناقشة في المؤتمر ، وسجل كل اجتماعاته . أما بينامين فرانكلين فقد لقب (حكيم المؤتمر) الذي كان يساهم في تهدئة الحاضرين إذا احتد النقاش في بعض الأحيان للدرجة التي تهدد نجاح المؤتمر . باتريك هنري ، نظرا لتخوفه من إيجاد حكومة مركزية قوية ، لم يحضر المؤتمر ، أما توماس حفرسون فقد كان وزيرا مفوضا للحكومة الكونفدرالية في فرنسا .
الممثلون
تتميز غالبية الممثلين في المؤتمر بما يأتي : إنهم كانوا من صغار السن ، المثقفين ،ولكنهم كانوا من المحافظين في التفكير ؛ كانوا من الملاك والمحامين المشهورين ، ولذلك فهم يمثلون طبقة الملاك الكبار ذات المصلحة العليا في إيجاد حكومة مركزية قوية . وهكذا كان المؤتمر يجمع أحسن العقول التي باستطاعتها أن تعالج العيوب الموجودة في الدستور الكونفدرالي ، بحيث تخلق مركزية تكون فعالة في إيجاد قانون ووحدة قوية مع ضمان تحريات الأفراد ؛ باختصار ، حكومة عملية ذات فعالية .
أجواء التسوية في المؤتمر
مثلت الحلول الوسطى الأساس الذي امكن بواسطته التوصل إلى البنود الرئيسية للدستور الجديد .
التمثيل في الكونجرس
كان من الوضاح في البداية . أن هناك فئتين مختلفتين في المصالح في المؤتمر الفئة الأولى كانت تمثل الولايات الكبرى ، والثانية تمثل الولايات الصغرى . كانت خطة الفئة الأولى بأن يكون هناك مجلس تشريعي (كونجرس) واحدا ، ويكون التمثيل فيه حسب عدد الكسان ، ومعنى هذا أن غالبية الممثلين في الكونجرس سيكونون من الولايات الكبرى كثيرة السكان (مثل نيويورك وفرجينيا) وبالتالي سيكون لها السيطرة على المجلس . ولكن الفئة الثانية – ممثلوا الولايات الصغرى – اعترضت على هذه الخطة ، تخوفا من العامل المذكور . وهكذا بدا أن الطريق أصبح مغلقا أمام أي اتفاق على طريقة تكوين الهيئة التشريعية ، وعند ذلك قام مندوب ولاية كنتكي ، واقترح مخرجا للمأزق : بأن يكون هناك مجلسين في التشريعية ؛ واحد يكون فيه التمثيل حسب عدد السكان – كما اقترح ذلك مندوبو الولايات الكبرى – ويسمى مجلس الممثلين (النواب) ، ومجلس آخر يكون فيه التمثيل بالتساوي – كما طالب بذلك مندوبو الولايات الصغرى – ويسمى مجلس الشيوخ .
أطلق على هذا الاقتراح اسم (التسوية الكبرى) . وقد تبنته فرجينيا ، وبذلك فقد تم الاتفاق على أن تتكون السلطة التشريعية من مجلسين : الأول ، مجلس النواب (House of Representative) ، ويتكون من نواب ينتخبون من قبل المواطنين الأمريكيين الذين لهم حق الانتخاب بصورة مباشرة ، وبنسبة نائب واحد عن كل ثلاثين ألف من المواطنين ، وبهذا يمثل كل ولاية عدد من النواب يتناسب مع عدد سكانها – كان هذا إرضاء لمجموعة (الولايات الكبرى) ، أما شروط الانتخاب فتحددها كل ولاية بنفسها شريطة أن تراعي في ذلك المبادئ الأساسية التي أقرها الدستور وهي المساواة التام بين المواطنين . ويشترط في المرشح أن يكون قد بلغ الخامسة والعشرين من العمر . وأن يكون أمريكيا منذ سبع سنوات على الأقل . ومدة هذا المجلس سنتان فقط وقد أعطي لهذا المجلس السلطة في أن يكون له الحق في اقتراح الميزانية ، وفرض الضرائب المباشرة على الولايات حسب عدد السكان ، والثاني ، مجلس الشيوخ (Senate) . إذا كان مجلس النواب يمثل عامة الشعب الأمريكي ؛ فإن مجلس الشيوخ يمثل الصفة الاتحادية للدولة الأمريكية . يمثل كل ولاية في هذا المجلس اثنين منها ، مهما كان عدد سكانها ومساحتها ؛ وبهذا تتساوى كلا لولايات في التمثيل والنفوذ في هذا المجلس – وكان هذا إرضاء لمجموعة (الولايات الصغرى) . وقد جاءت هذه المساواة من جهة للمحافظة على حقوق الولايات الصغرى من طغيان الولايات الكبرى على الكونجرس ، ومن ناحية ثانية للحيلولة دون الاتجاه نحو حكومة موحدة . وكان الأعضاء الشيوخ حتى عام 1913 ، ينتخبون من قبل مجالس الولايات ، ولكن بعد التعديل الذي أدخل على الدستور الأمريكي في السنة المذكورة ، أصبح هؤلاء ينتخبون من قبل الشعب مباشرة . والشروط المفروض توفرها في الناخب لانتخاب أعضاء مجلس الشيوخ هي نفسها المطلوب توفرها لانتخاب أعضاء مجلس النواب . ويشترط في المرشح لمجلس الشيوخ أن لا يقل عمره عن ثلاثين سنة وأن يكون أ/ريكيا منذ تسع سنوات على الأقل . مدة ولاية الشيخ هي ست سنوات ، ويجري انتخاب ثلث أعضاء مجلس الشيوخ مرة كل سنتين ، وقد قصد من ذلك المحافظة على الاستمرار في سياسة المجلس وأعماله .
نقطة خلاف أخرى في المؤتمر كانت تخص الرقيق ، وهل يعتبر هؤلاء في تعداد الكسان أم لا ؟؟ كانت الولايات الجنوبية – لشيوع نظام الرق فيها – تريد تعداد الرقيق ضمن سكانها (ليس تمثيلهم ، بل تعدادهم فقط ، بحيث أن العبد يساوي الأبيض) حتى تزيد نسبة تمثيلها في مجلس النواب ، طالما أن الضريبة المفروضة على الولايات طبعا تتناسب مع عدد السكان فيها . لقد عارضت الولايات الشمالية – لندرة الرقيق فيها – اقتراح الجنوب . أخيرا توصل المؤتمر إلى حل وسط يسمى بحل (الثلاث أخماس) – يعتبر ثلاث أخماس الرقيق فقط ضمن عدد السكان ، وعلى هذا الأساس تفرض الضريبة ، ويكون التمثيل في مجلس النواب .
التجارة والسلطات الأخرى
لقد واجه المؤتمر نقاط خلاف أخرى بين لاشمال والجنوب ، وتتعلق بسلطات لكونجرس فميا يخص التجارة . في النهاية وافق مندوبو الولايات الجنوبية على أن يعطي الكونجرس حق مراقبة التجارة مع الخارج ، وكذلك تنظيم التجارة بين الولايات في الداخل ، أما تجارة الرقيق فقد اتفق على أن تستمر لمدة عشرين سنة أخرى – حتى عام 1808 م ، وفيما يخص التعريفة الجمركية ، فقد اتفق المؤتمرون على أن تفرض هذه على الواردات فقد ؛ دون الصادرات .
منذ بداية المؤتمر ، جرى قضية تحديد صلاحيات كل من الحكومة الفدرالية وحكومات الولايات ، وقد وافق المؤتمرون على إعطاء السلطات الفدرالية – الصلاحيات الكبرى التي تخص المصالح المشتركة بين الولايات الأعضاء مثل الضرائب والنظام والأمن العام في الأراضي الأمريكية والدفاع والشئون الخارجية والاقتصاد العام والجمارك والنقد والتجارة الدولية . فسلطات الحكومة الفدرالية – إذن – محددة في المجالات المذكورة ، وفيما عدا ذلك من السلطات فقد أعطيت لحكومات الولايات أو لسكان هذه الولايات للقرار فيه . بمعنى أن الحكومة المركزية لها الحق والحرية في ممارسة كل الصلاحيات والشئون التي ينص الدستور على جعلها من حق الحكومة الفدرالية ، وكل واحدةمن الولايات حرة في اختيار حكوماتها ومجالسها وقوانينها . وهي لا تخضع بشكل من الأشكال لسلطان الحكومة المركزية ورقابتها .
وهكذا ، فإننا نجد أن الدستور في صورته النهائية قد نص على إعطاء الكونجرس سلطة سن القوانين في المجالات التي تتعلق بالنواحي الوطنية والسياسية الخارجية . ومن صلاحياته فرض الضرائب وحاجتها وعقد القروض باسم الحكومة الاتحادية وتسديد الدين العام وصك العملة وحمايتها وحماية الأسهم وتحديد الموازين وتنظيم التجارة الخارجية وتأسيس مكاتب البريد والعمل على تقدم الفنون والعلوم وإصدار قوانين الجنسية . وللكونجرس صلاحيات واسعة في شئون الدفاع وإعلان الحرب وتشكيل الجيوش وقيادتها ، وله أيضا حق قبول دول جديدة في الاتحاد .
الهيئة التنفيذية
كما ظهر خلاف بين ممثلي الولايات في المؤتمر على الطريقة التي تتكون بها الهيئة التشريعية ؛ فقد ظهر أياض خلاف كبير حول طريقة تكوين الهيئة التنفيذية . وقد بحثت اقتراحات بشأن تكوين نظام ملكي ، وأخيرا توصل المؤتمرون على أن تتكون الهيئة التنفيذية على النحو التالي : أقر الدستور الأمريكي جعل السلطة التنفيذية بيد رئيس الجمهورية الذي يمثل الدولة ككل . وهو مسئول فقط أمام الشعب الأمريكي وليس أمام البرلمان ، كما هو الحال في نظم بعض الدول الغربية الأخرى . كبريطانيا مثلا ، إلا أنه يمكن محاكمته أمام الكونجرس إذا اقترف جرائم عظمى ، وينتخب الرئيس لفترة مقدارها أربع سنوات فقط ، ولكن يحق إعادة انتخابه . أما طريقة انتخاب الرئيس ؛ فقد قرر بأن تكون ليس بواسطة الكونجرس ، ولا بواسطة الشعب مباشرة ، وإنما بواسطة ما سمي (الهيئة الناخبة) (Electoral College) ؛ ومعنى هذا أن كل ولاية يحسب لها عدد من الناخبين يساوي مجموع عدد ممثليها في الكونجرس (عدد ممثليها في مجلس الشيوخ وكذلك مجلس النواب) . وهذا المجموع يطلق عليه (الأصوات الناخبة) في الولاية. يجري التصويت في كل ولاية علىلاقوائم المتقدمة للترشيح للرئاسة . في العادة كل حزب سياسي يتقدم بقائمة تمثل مرشح لمنصب الرئيس ومعه مرشح لنائب الرئيس ، وأي قائمة تحضل على الغالبية في ولاية ما ، فإن الأصوات الناخبة ، لتلك الولاية تحسب لها . تجري عملية الانتخاب حسب ما ورد في الدستور في أول يوم اثنين من شهر نوفمبر مثلا ، ولاية تكساس ، لنفرض أن لها عشرون ممثلا في مجلس النواب ، وبطبيعة الحال اثنان في مجلس الشيوخ ، فيكون مجموع الأصوات الناخبة لهذه الولاية اثنين وعشرون صوتا . ولاية أخرى مثل ولاية نيومكسكو لها عشرة أعضاء في مجلس النواب ، وبطبيعة الحال عضوان في مجلس الشيوخ ، فيكون لها مجموع اثني عشر صوتا ناخبا ، وهكذا .. إلخ .
في العادة ، يقوم كل حزب سياسي بحملة انتخابية لترشيح ، وانتخاب قائمة تمثل مرشحيه لمنصب الرئيس ونائب الرئيس ، وذلك في مؤتمر حزبي يسبق انتخابات الرئاسة . في يوم الانتخابات العامة للرئاسة ينتخب الشعب في كل ولاية قائمة من القوائم المعروضة ، والتي تشمل – كما ذكرنا – مرشحا لمنصب الرئيس وآخر لنائب الرئيس ، حصول أي قائمة على أغلبية الأصوات في ولاية يعني أن مجموعة الأصوات الناخبة تحسب لتلك القائمة .
وهكذا في النهاية ، فإن القائمة التي تحصل على أغلبية من الأصوات الناخبة تكون هي الفائزة في الانتخابات في حالة عدم حصول أي قائمة من المرشحين على غالبةي في تلك الأصوات ؛ فإن مجلس النواب يقوم بانتخاب الرئيس على أن يعتبر لكل ولاية صوت واحد في الاقتراح .
مدة ولاية الرئيس ونائبه هي أربع سنوات ، يمكن تجديدها . وفي حال وفاة الرئيس أو انقطاعه لسبب ما عن ممارسة سلطاته ؛ يحل نائبه مكانه ويكمل مدته ، وإذا توفي نائب الرئيس أو استقال ؛ حل مكانه رئيس مجلس النواب .
لقد تبين في نظام الحكومة الكونفدرالية كيف كانت الحاجة ماسة إلى خلق هيئة تنفيذية قوية ، فالرئيس في نظام الحكومة الجديدة قد أعطي سلطات واسعة ، فهو اتلمنوط به تنفيذ القوانين التي يسنها الكونجرس ، وله حق النقض ضد الكونجرس ، وإذا ما استعمل الرئيس هذا الحق ، فإن التشريع المقترح لا يصبح قانونا ؛ إلا إذا أقره الكونجرس في المرة الثانية بغالبية ثلثي الأصوات ؛ كما أن للرئيس الحق في دعوة الكونجرس إلى عقد جلسة خاصة ؛ إذا تطلب الأمر ، كما أعطى الحق في إبرام المعاهدات مع الدول الأجنبية ، ولكن بموافقة ونصيحة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ ، كما يعتبر الرئيس القائد الأعلى للقوات المسلحة ، وقد أعطى سلطات واسعة في تعيين كبار موظفي الحكومة المركزية وقضاء المحكمةا لعليا ، ولكن بموافقة ونصيحة أعضاء مجلس اشيوخ . يساعد الرئيس موظفون إداريون ، يعينهم هو عد موافقة الكونجرس ، ويكونون مسئولين أمامه وحده ، ولا يحضرون جلسات الكونجرس ، لأنهم غير مسئولين أمامه ، ويسمى كل من هؤلاء سكرتير ، منهم سكرتير الخارجية ، وسكرتير الدفاع ، وسكرتير المالية ، والمدعي العام . ويشكل هؤلاء مجلسا يساعد الرئيس في أعماله دون أن يكون قراراته ملزمة للرئيس . ويسمى هذا المجلس (الوزارة) (Cabinet).
أما في مجالات التشريع ، فبالرغم من أن الدستور يجعل وضع القوانين من حق الكونجرس وحده ، إلا أن العادة جرت أن يقترح الرئيس على الكونجرس صياغة بعض القوانين إذا ما وجد ضرورة لذلك . وهكذا فإن الرئيس يجب أن يكون أمينا على تنفيذ القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية .
الهيئة القضائية
لم تظهر خلافات رئيسية في المؤتمر بخصوص تكوين هذه الهيئة ؛ كما هو الحال في الهيئتين السابقتين . الصيغة النهائية التي اتفق عليها ، وكما قررها الدستور ، هي أن الكونجرس قد أعطي حق تكون (محكمة عليا) (Supreme Court) في البلاد ، وكذلك محاكم فدرالية دنيا ، موزعة في مناطق مختلفة للعمل على صيانة القوانين الاتحادية .
وتتألف المحكمة العليا من رئيس وثمانية قضاة آخرين يعينهم رئيس الولايات المتحدة ، بعد موافقة مجلس الشيوخ ، مدى الحياة . ويتوخى الرئيس عادة في اختياره لقضاء هذه المحكمة أن يمثل أعضاؤها جميع أقاليم البلاد ومذاهبها الدينية قدر الإمكان .
لقد حدد الدستور مجالات نفوذ هذه المحكمة ، فهي تنظر في النزاعات التي تنشب بين الولايات الأمريكية ، وفي القضايا المرفوعة ضد الحكومة الاتحادية من قبل الولايات أو الأفراد ، وبصورة عامة فإنها تختص بالنظر في جميع الدعاوي التي تدخل فيها القوانين الاتحادية . مبدأ (المراجعة القانونية) (حق المحكمة العليا في تحديد دستورية القضايا التي تنظر فيها المحاكم الدنيا ، أو القوانين التي يسنها الكونجرس ، أو الأوامر التنفيذية او المقتراحات التي يقوم بها الرئيس) بقي مفتوحا – لم ينص عليه الدستور الفدرالي ولم يحرمه على المحكمة العليا . غير انه يمكن القول أن هذا المبدأ أصبح حقا مكتسبا للمحكمة وذلك من خلال ممارساتها ، بحيث جرت العادة على أن من أهم صلاحيات تلك المحكمة هي التأكد منن دستورية القوانين التي تصدر عن الكونجرس أو مجالس الولايات ؛ ويكون ذلك طبيعة الحال من خلال القضايا التي تعرض أمام المحكمة ، بمعنى أنه ليس للمحكمة الحق في التطوع بإبداء الرأي في قوانين الكونجرس أو أفعال الرئيس .
ميزات خاصة
لقد تم الاتفاق في المؤتمر على جعل الدستور الأمريكي المقترح قابلا للتعديل ضمن شروط محددة . وهكذا فقد نص الدستور على طرق التعديل هذه ، إذا لزمت الحاجة لذلك . هذا التعديل يتم بأحد وسيلتين ، الأولى إما باقتراح ثلثي أعضاء الكونجرس بضرورة إجراء التعديل وكيفية النص عليه ، والثانية باقتراح ثلثي المجالس التشريعية في الولايات بضرورة إجراء التعديل وكيفية النص عليه كذلك . هذا بخصوص الاقتراح بالتعديل ، ولكن بالإضافة إلى ذلك ، فقد نص الدستور أيضاعلى ضرورة وكيفية التصديق على هذه المقترحات ، وقد جاء نص الدستور بهذا الخصوص ، على أن التعديل المقترح يصبح ساري المفعول بأحد وسيلتين أيضا : أولاهما ، إذا صادقت عليه ثلاثة أرباع المجالس التشريعية في الولايات ، وثانيهما ، عقد مؤتمر خاص لهذا الغرض في كل ولاية ، وكانت النتيجة أن ثلاثة أرباع الولايات قد وافقت على التعديل المقترح .
أما مسألة (الحق الوطني الأعلى) (National Supremacy) فقد بقي غامضا . فهل الحكومة المركزية هي صاحبة هذا الحق ، أم الحكومة في أي ولاية من الولايات (كما كان الحال في عهد النظام الكونفدرالي)؟؟ هذا التناقض حاول المؤتمرون التغلب عليه بوضع كلمة (فدرالي) (Federal) ، بدلا من كلمة (وطني) (National) . لقد نص الدستور على أن (الحق الوطني الأعلى) إنما هو حق لسكان الجمهورية ، ولم يشر إلى حكومات الولايات المتحدة ولا الحكومة المركزية . بمعنى آخر ، من هو صاحب الحق في حزم الأمور في حالة التناقض بين رغبة بعض الولايات وبين رغبة الحكومة المركزية ؟؟ طبعا هذا الأمر لم يجزم به إلا متأخرا – بواسطة الحرب الأهلية (1860-1865 م) .
التصديق على الدستور
في حوالي منتصف شهر سبتمبر من عام 1787 م ، وبعد عمل شاق طيلة صيف ذلك العام ، تمكن المؤتمرون من تذليل جميع العقبات ، وتوصولوا إلى صيغة نهائية لدستور يقيم حكومة فدرالية قوية ، مع الإبقاء على كيان شبه مستقل للولايات ، وفي السباع عشر من الشهر المذكور ، وقع جميع المؤتمرين وثيقة القانون الجديد ، مع اتفاقهم على أن يصبح هذا الدستور ساري المفعول إذا وافقت عليه تسع ولايات من مجموع الثلاث عشرة ولاية ، بعد عقد مؤتمرات خاصة في الولايات لهذا الغرض . وهكذا فقد قدم الكونجرس الكونفدرالي الدستور الفدرالي الجديد إلى الولايات للمصادقة عليه . لقد اتضح منذ البداية بأن هناك معارضة شددية ضد هذا الدستور ، لذلك كان يلزم حملة دعائية قوية من أجل كسب الغالبية للموافقة عليه . كان على كل ولاية أن تعقد مؤتمرا خاصا لإقرار الدستور الجديد بدلا من المجالس التشريعية التي كانت أكثرها معادية لنصوصه .
المعارضون (Anti Federalists)
كانت نقطة اعتراضهم على الدستور الجديد تتلخص في الآتي : أن الدستور إنما كتب بطريقة سرية بواسطة ممثلين عن الطبقات الغنية ؛ لقد تعدى المؤتمرون حقوقهم ، لأن الغرض من الدعوة للمؤتمر لم تكن من أجل كتابة دستور جديد ؛ ولكن كانت من أجل تعديل الدستور الكونفدرالي فقد ؛ لم يشتمل الدستور الجديد على أي ضمانات لحقوق المواطن الأساسية (Bill of Rights) ،مثل حرية الكلام ، والعبادة والنشر ، لتحمي المواطن من تعسف الحكومة المركزية .. أن سلطات حكومات الولايات قد خضعت بشكل كبير .. وأخيرا ، بأنه سمح للولايات الشمالية الشرقية حسب نص الدستور بأن تضع التعريفة الجمركية كما يتناسب ومصالحها الخاصة .
لقد اشتمل المعارضون للدستور على الفئات التالية : المزارعون في الأرياف الدائنون ، الانعزاليون ، وكثير من الفقراء الذين خافوا من إعطاء الحكومة المركزية حق فرض الضرائب ، وكرهوا منع حكومات الولايات من صك العملات . ولقد عبر عن هذه الفئات جميعها أمثال صمويل آدمز ؛ وباتريك هنري ، الذين كانوا يخافون من إعطاء سلطات قوية للحكومة المركزية ، ففي رأيهم أن الحكومة المركزية ربما تسيء استعمال هذه السلطات ضد الأفراد .
المؤيدون (Federalists)
كانت النقطة الرئيسية التي دار حولها نقاش هذه المجموعة هو ضعف دستور الحكم الكونفدرالي الذي أدى إلى ضعف الحكومة تحت ذلك النظام . كما بينوا أن الدستور الجديد سوف يؤدي إلى تحسن الأوضاع الاقتصادية ، ووعدوا بأن يرضوا المعارضين ، وذلك بإجراء تعديل على الدستور الجديد بإضافة بنود خاصة بالحريات الفردية .
كانت مجموعة المؤيدين تشمل الفئات التالية : سكان المدن على سواحل الأطلسي ، غالبية الطبقة الغنية ، التجار ، المزارعون الكبار ، أصحاب السفن ، وأصحاب الأعمال المالية . ولكن تجب الملاحظة بأنه لم يكن هناك خطا فاصلا بين مجموعة المعارضين ومجموعة المؤيدين .
أولى الولايات التي صادقت على الدستور كانت ديلاوير ، ثم تلاها بنسلفانيا التي تمكن فيها أنصار الدستور- الفدراليون – من الحصول على قرار المصادقة بسرعة كبيرة . وفي ولاية ماستشوستس عارض أتباع شيز الدستور ، ولكن أيده سكان بوسطن ، وأخيرا تم التصديق عليه بأغلبية ضئيلة . أمام المعارضة المتزايدة لمواد هذا الدستور والانتقادات الكثيرة الموجهة إليه ، وخصوصا إهماله للحريات الأساسية للمواطن ، فقد قام ثلاثة مشهورين ممن اشتركوا في المؤتمر الدستوري وهم : الكسندر هاملتون ، جون جي ، وجيمس مادسون ، بحملة إعلانة للدفاع عن مزايا هذا الدستور ، وتبديد شكوك معارضيه ، وتبيان الفوائد التي ستعود على البلاد بعد تطبيقه . وقد بدأ هؤلاء في كتابة سلسلة من المقالات سموها (الاتحادي) (The Federalist) ، والذي أصبح يعتبر قطعة كلاسيكية أدبية في تاريخ الفكر السياسي الأمريكي . وقد أعطت هذه الحملة نتائج طيبة ؛ إذ بلغ عدد الولايات التي أقرته ، في شهر يوليو عام 1788 م ، تسع ؛ وهو العدد الضروري لإقراره نهائيا . إلا ان أكبر ولاتين وهما فرجينيا ونيويورك لم تتوصلا إلى قرار بالتصديق عليه بسبب قوة خصومه هناك . وأخيرا وبفضل تحالف كبار المزارعين في شرق فرجينيا وسكان الحدود ، فقد أمكن إقرار هذا الدستور في فرجينيا بأغلبية بسيطة .
أما في ولاية نيويورك ، فكان على الكسندر هاملتون أن يبذل جهودا كبيرة لإقناع المواطنين هناك بضرورة الموافقة على الدستور ، ولم يوفق في ذلك إلا بعد أن هددت مدينة نيويورك بالانفصال والانضمام للاتحاد منفردة ، لقد وافقت ولاية نيويورك على الدستور ، وبذلك فقد بلغ عدد الولايات التي صادقت عليه إحدى عشرة ولاية . أما الولايتين المتبقيتين فهما نوث كارولاينا التي انتظرت إلى حين إضافة الحريات الأساسية للمواطن ، وأما رود آيلند فقد كانت آخر المصدقين عليه بعد أن هددها الكونجرس الفدرالي بالمقاطعة الاقتصادية .
تعديلات الدستور
لقد أدرك الفدراليون أنه رغم انتصارهم في كل الولايات ، فإن فئة كبيرة من الشعب مازالت معادية للدستور الجديد ، وبصورة خاصة إهماله لقضية حقوق المواطن الأساسية . ولذلك فقد تبنى الكونجرس في عام 1789 م عشرة تعديلات – إضافات على الدستور – ثمانية منها تهدف إلى ضمان الحقوق الفردية والملكية الخاصة ، واثنتان أخريان تهدفان إلى ضمان السيادة الداخلية للولايات ضد تدخلات الحكومة الاتحادية.
ثم صدرت تعديلات – إضافات – كثيرة ، فيما بعد ، بلغ تعدادها حتى الآن 26 تعديلا .
الانتخابات الأولى
ولوضع الدستور الجديد موضع التنفيذ ، كان لا بد من انتخاب رئيس للحكومة الفدرالية . اتخذ الكونجرس التدابير اللازمة لإجراء أول انتخابات رئاسة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية ، كما أعلن أن الحكومة التي نص علهيا الدستور الجديد ستبدأ عملها في الرابع من شهر مارس عام 1789 ، وكما يبدو ، فإن جورج واشنطن كان يعتبر من الشخصيات التي برزت في حرب الاستقلال ، كان أيضا رئيسا للمؤتمر الدستوري ، فقد اختير بشبه إجماع على أن يكون أول رئيس للجمهورية ، بالرغم من أنه لم يكن يطمع في هذا المنصب ، وهكذا ففي 30 إبريل عام 1789 م ، جرى تنصيبه رئيس للجمهورية ، وأقسم يمين الولاء للدستور الأمريكي . وانتخب جون آدمز من ولاية ماستشوستس نائبا للرئيس ، كما اختيرت مدينة نيويورك لتكون عاصمة للاتحاد .
تسلسل تاريخي للأحداث الهامة
1781 : بدأ عهد الحكم الكونفدرالي بالتصديق على الدستور الكونفدرالي وانتهى في 1789 بقيام الدستور الجديد . 1786 : انتفاضة شيز (ماستشوستس) – مؤتمر أنا بولس (خطوة نحو مؤتمر فلادلفيا) . 1787 : اجتمع المؤتمر الدستوري في مايو في فلادلفيا – ديلاوير أول ولاية تصدق على الدستور . 1788 : صدقت 9 ولايات على الدستور الجديد – بدأت الحكومة الاتحادية عملها . 1789 : جورج واشنطن انتخب كأول رئيس للولايات المتحدة .
مراجع الفصل الثامن
1. Merill Jensen. Articles of Confederation (1940), and The New Nation, 1781-1789 (1950).
2. Don Riggenbotham. The war of American Independence (1971).
3. R.D. Schyler. The Constitution of the U.S. (1923).
4. C.A. Beard. An Intepretation of the Constitution of the U.S. (1913).
5. S.F. Bemis. The Diplomacy of the American Revolution (1935)
الفصل التاسع: بداية الولايات المتحدة 1789-1800
بعد التصديق على الدستور في عام 1788 م ، قام الكونجرس الكونفدرالي بأمر إجراء انتخابات في الولايات لأعضاء الحكومة المركزية ، وبدأت هذه الحكومة أعمالها باجتماع الكونجرس الجديد في شهر إبريل عام 1789م .
لقد سيطر الفدراليون ، الذين أيدوا الدستور ، على الحكم منذ البداية وحتى عام 1801 م ، وقد أصبح اثنان منهم رؤساء للجمهورية (جورج واشنطن ، وجون أدمز) . تجب الملاحظة بأنه كان يشار إلى هؤلاء – أحيانا – باسم (حزب المؤيدين) ، ولكن يجب الإضافة بالقول بأن هؤلاء لم يكونوا حزبا سياسيا بالمعنى المعروف للأحزاب في الوقت الحاضر ، وإنما كان عبارة عن فئة تتفق مصالحها على السير في طريق الوحدة .
رئاسة جورج واشنطن
في أوائل إبريل 1789 م ،اجتمع الكونجرس الجديد في قاعة البلدية في مدينة نيويورك ، وأحصى عدد الناخبين لانتخاب الرئيس ، وقد حاز جورج واشنطن على الرئاسة بالاجتماع ، وكان جون آدمز نائبا للرئيس . الأحوال الاقتصادية بدأت في التسحن ، وهكذا كانت بداية طيبة ملؤها الأمل ؛ ولكن الحكومة مازالت جديدة تنقصها الخبرة والممارسة ، وقد تعرضت لتحديات كثيرة من أعدائها في الخارج ، وجابهت مشكلات كثيرة في الداخل .
بدأ واشنطن أعماله كرئيس في إبريل 1789 م ، وكان مكتبه في مدينة نيويورك التي أصبحت أول عاصمة للجمهورية تحت الدستور الجديد (نقلت العاصمة إلى فلادلفيا في 1790 م ، وإلى واشنطن في عام 1800 م) . كانت غالبية أعضاء الكونجرس من جماعة الفدراليين ، وقد انغمست الإدارة الجديدة بتعيين موظفيها الكبار الذين سيناط إليهم تنظيم الدوائر المختلفة للحكومة .
أول الأعمال التي قام بها الكونجرس الجديد ؛ كان تقديم عشرة تعديلات على الدستور، خاصة بإضافة الحريات الفردية ، وسميت هذه تشريع الحقوق (Bill of Rights) ؛ وتشمل حرية الكلام والصحافة والحرية الدينية ، المحاكمة بواسطة محلفين ،وبعض البنود الأخرى التي تضمن حماية الأفراد من تعسف الحكومة المركزية . وقد عرض هذا التشريع علىالولايات للمصادقة عليه ، وتم ذلك في عام 1791 م ، وحتى يمكن الحصول على دخل يغطي النفقات الجديدة ؛ قام الكونجرس بوضع تعريفة جمركية كما وضع ضريبة بسيطة حسب الوزن على البضائع المستوردة على سفن أمريكية ، ولكنه فرض ضريبة على البضائع المحملة على سفن أجنبية .
وقد سن الكونجرس قانونا في عام 1789 ينص على تكوين محكمة عليا يرأسها قاض أعلى ونظام للمحاكم الدنيا . وقد عين جون جي رئيسا لهذه المحكمة .
في سنة 1789 م ، قام الكونجرس بتكوين ثلاثة أقسام تنفيذية (وزارات) ، حيث اختار واشنطن رؤساء هذه الأقسام ، وهم : توماس جفرسون للخارجية ، ألكسندر هاملتون للخزانة ، ثم هنري نوكس للحربية ، عين الكونجرس جون جي لرئاسة المحكمة العليا . وهكذا فقد ظهر النظام الوزاري في الجمهورية الجديدة نتيجة اجتماع رؤساء هذه الأقسام لتقديم النصيحة إلى رئيس الجمهورية ، وقداعتمد واشنطن طيلة على هؤلاء الثلاثة لمساعدته ، وكان يستشيرهم في كل الأمور المهمة ؛ نظرا لثقته بهم ولزعامتهم القوية .
برنامج هاملتون المالي
سرعان ما برز هاملتون كأكثر عضو له تأثير في وزارة واشنطن ، حيث قام هذا بتقديم مقترحات متعددة للكونجرس أصبح معظمها قوانين . كانت أغراض هاملتون من وراء سياسته المالية هي والسمعة الحسنة للحكومة المركزية ، وأن يضمن تأييد الطبقات الغنية لهذه الحكومة ، وأن يشجع على سلطاتها.
برنامج معالجة الديون
كان لزاما على الكونجرس أن يجابه أنواعا ثلاثة من الديون التي على الحكومة خلال فترة الثورة : الديون الأجنبية على الحكومة الكونفدرالية ، ديون الأهالي الأمريك الحكومة الكونفدرالية ، ثم الديون على الولايات . تعهد الكونجرس بدفع الديون الأجنبية ؛ أما الديون والتي كانت على شكل سندات حكومية – فقد انخفضت قيمة سنداتها بمقدار ثلاثة أرباع . المضاربون – مقدما – بأن هاملتون اقترح في الكونجرس ضرورة تحمل الحكومة الفدرالية لهذه الديون بشراء غالبية السندات ، وقد قامت المعارضة في الكونجرس بالوقوف ضد اقتراح هاملتون ، لأن هذا نظرهم كان من شأنه أن يغني المضاربين ؛ بدلا من أصحاب السندات الأصليين . وعلى العموم الكونجرس هذه السندات حسب قيمتها الأصلية .
بخصوص الديون على الولايات ، اقترح هاملتون بأن تتحمل الحكومة الفدرالية هذه الديون فشل في لاحصول على موافقة الكونجرس في هذا الشأن ؛ خصوصا بسبب معارضة الولايات تغلب هاملتون على المعارضة ؛ بعد أن أقنع جفرسون بتأييده للاقتراح مقابل نقل العاصمة من فلادلفيا إلى واشنطن ، دي سي .
هاملتون لم يكن يخشى من زيادة الديون على الحكومة الفدرالية ، لأنه كان يؤكد بأن أصحاب المصالح المالية سيجدون من الضرورة ضمان شراء السندات الحكومية ، وبهذا فإنه سيضمن ولاء ، وتدعيم هذه الطبقات الحكومية المركزية .
بنك الولايات المتحدة والعملة المركزية
لقد اقترح هاملتون تكوين بنك وطني ، ويوافق الكونجرس على هذا الاقتراح بتكوين البنك عام 1791 م ، ومن بين أغراضه حسب اقتراح هاملتون هو أن يكون مصدرا لعملة موحدة تلبي حاجة البلاد ، وأن يقدم القروض القصيرة المدى ، ويكون مركزا لإيداع السندات الحكومية .
كانت الولايات الجنوبية – وهي ولايات زراعية – قد عارضت فكرة إنشاء البنك ، ورغم ذلك فقد وافق الكونجرس على هذا القانون . وقبل أن يوافق واشنطن على القرار ، فقد قام باستشارة كل من هاملتون وجفرسون ، أما الثاني فقد أوضح بأنه من المؤمنين (بتفسير صارم للدستور ، ويرى بأن هذا الدستور لا يعطي الحق للكونجرس بتكوين البنك ، وقد رد هاملتون على ذلك بأنه من المؤمنين (بتفسير مرن) للدستور ، ويرى بأن للكونجرس (حقا متضمنا) (في الدستور) في تكوين البنك ، طالما أن للكونجرس الحق الواضح في صك العملة . وقد أيد واشنطن رأى هاملتون ، وأمضى القانون . وقد أصدر الكونجرس الحق الواضح في صك العملة . وقد أيد واشنطن رأي هاملتون ، وأمضى القانون . وقد أصدر الكونجرس قانون العملة في عام 1792 م ؛ حيث أعطى الحكومة الفدرالية حق صك العملة الذهبية والفضية .
رسوم المنتجات الوطنية والتعريفة الجمركية
أقر الكونجرس اقتراح هاملتون بوضع رسوم على المنتجات المحلية في عام 1791 م ، وكان غرض هاملتون الخاص هنا وضع رسوم على إنتاج الويسكي حتى يشعر المزارعون في المناطق الغربية بمركز للحكومة القوي ، لأنهم أكبر فئة تنتج الويسكي وتستعمله كوسيلة للتبادل مع المناطق الساحلية الصناعية ، وهكذا فقد بدت الرسوم هنا ، وكأنها رسوم على العملة . هذا العمل أدى إلى غضب المزارعين في هذه المناطق ، وقام بعضهم في غرب بنسلفانيا بمهاجمة محصلي الضرائب في بتسبرج . وردت الحكومة على هذا العمل باستعمال القوة لإخماد هذه الحركة ؛ وكان هاملتون نفسه قد صاحب القوة العسكرية التي أرسلت لهذا الغرض . رد فعل الحكومة القوي أجبر هذه المناطق على احترام سلطة الإدارة المركزية ، ولكنه في نفس الوقت أدى إلى انضمام المناطق الغربية إلى جبهة المعارضة ضد الحكومة . وقد أوصى هاملتون – أيضا – بوضع تعريفة جمركية على الورادات الأجنبية لتشجيع المنتجات الوطنية ، وقد أقر الكونجرس هذا الاقتراح بقانون عام 1789 م ، ورفع نسبة الضريبة أيضا في عام 1792 م ، ولكنها بقيت ضريبة من أجل زيادة عوائد الحكومة فقط ، وليس كوسيلة لحماية الصناعات الوطنية كما أمل هاملتون .
أصول الأحزاب السياسية
سياسة هاملتون المالية ، وأثره الواضح في إدارة الرئيس واشنطن ، على خلق معارضة قوية لهذه السياسة ، وكان زعيم هذه المعارضة توماس جفرسون وزير الخارجية . هذا الخلاف بين الوزيرين كان أساسا لظهور الأحزاب السياسية في الجمهورية الجديدة (الحزب الفدرالي) ، و(حزب المعارضة) .
الفدراليون
لقد تزعم هؤلاء : الكسندر هاملتون ، وكان هؤلاء من المؤمنين بإيجاد صناعة وطنية قوية تقودها الأرستقراطية الغنية في الجمهورية . ولذلك فقد تمثل هذا الحزب في الفئات الصناعية ، التجارية ، أصحاب البنوك والإقطاعيات الكبيرة ، مضاربي الأراضي ، الحرفيين ، والملاك ، وكذلك المدن التجارية الكبرى في الجنوب . لقد نزع الفدراليون دوما إلى تقوية السلطة المركزية على حساب سلطات حكومات الولايات ، ونظرا لتأثر هؤلاء بانتظام البرلماني السائد في بريطانيا ، فإنهم كانوا يرون ضرورة إيجاد سلطة مركزية قوية قادرة على صيانة النظام العام والمحافظة على وحدة البلاد . وكان هؤلاء ، بحكم مصالحهم وثقافتهم ، يريدون وضع السلطة الفدرالية في أيدي نخبة من الأرستقراطيين ورجال الأعمال والمال . لقد جعل هاملتون منهاجه السياسي العمل على إقامة حكومة تمتاز بالتنظيم والدقة والكفاية وفي تفسيرهم للدستور الأمريكي الجديد ؛ كان الفدراليون يعتبرون النصون الدستورية مرنة إلى أقصى حد ممكن ، وكانوا يريدون استغلال ههذ المرونة في سبيل تثبيت الحكومة الفدرالية وتقويتها . عندما ظهر هناك صراع بين بريطانيا وفرنسا ، اتجه الفدراليون إلى تأييد الأولى ، لأن علاقة أمريكا التجارية – وخصوصا الولايات الشمالية كانت مع بريطانيا أكثر منها مع فرنسا .
حزب المعارضة
أما فريق الجمهوريين المؤلف من الجماعات التي عارضت الدستور الفدرالي ، فقد عارضت الاتحاد الفدرالي السابق الذكر . وقد تزعم هذه المعارضة توماس جفرسون . أكبر أنصار هذه الفئة تمثلت في المزارعين ، صغار الملاك ، أصحاب الحرف ، العمل في المدن ، الميكانيكيين ، واصحبا المحلات الصغيرة الذين كانوا يريدون نظاما ديمقراطيا يؤمن للمواطنين أعلى حد من المساواة والحرية . ولما كان هؤلاء يتمسكون بالحريات الفدرية ، فقد راوا أن الإبقاء على الحكومات المحلية وإعطائها سلطات كبيرة يضمن توفير هذه الحريات ؛ ويحول دون تحول الحكومة المركزية إلى قوة طاغية . وعلى ذلك فقد وضعوا ثقة أكبر في الولايات – وليس الحكومة المركزية – واتجهوا إلى تفسير نصوص الدستور تفسيرا صارما ، وذلك لتحديد سلطات الحكومة الفدرالية لمنعها من التجني على سلطات حكومات الولايات . وبما أنهم أكثر مما تسمح به حرفية النصوص الدستورية . وقد وجدت هذه الفئة تجاوبا من جميع أصحاب المصالح الزراعية أينما كانوا ، وكذلك في المناطق الغربية والجنوبية . توماس جفرسون نفسه كان يعتقد بأن الحكومة يجب ألا تكون ذات سلطات واسعة في الأمور الداخلية حتى لايفقد الشعب حرياته ، وكان يميل إلى المساواة والديمقراطية بين المواطنين ، ويعمل على لاحد من سلطات الكنيسة وكبار ملاك الأراضي ، كما سعى إلى توزيع عادل للأرض .
بالنسبة للصراع الثوري في أوروبا بين بريطانيا وفرنسا ، فقد كان هؤلاء من المؤيدين لفرنسا ، بحيث اعتبروها زعيمة الحركة من أجل الديمقراطية والحقوق الإنسانية . وقد زادت سلطة المعارضة عندما استطاعت السيطرة على مجلس النواب في عام 1792 م . وتعزي قوة المعارضة هذه إلى جهود جفرسون الشخصية ، واتصالاته الواسعة في البلاد .
وقد نظر البعض إلى وجود الأحزاب السياسية بأ،ها عامل يدعو إلى التفرقة بين السكان ، ويعرقل إيجاد وحدة داخلية قوية . ولكن يجب الإشارة إلى أن وجود هذه الأحزاب إنما يعتبر وسيلة تستطيع بواسطتها الأطراف المتعارضة أن تبين رأيها ، وبالتالي تساعد على خلق ديمقراطية المشاركة التي تعمل على خلق التعاون بين فروع الحكم الثلاثة – تنفيذية وتشريعية وقضائية .
العلاقة مع هنود المناطق الغربية
كان اندلاع الثورة في عام 1776 م ، عاملا في إيجاد جماعات كبيرة من الرواد الذين اتجهوا إلى الغرب من أجل الاستيطان . فمنطقة فيرمونت ، ساعية إلى الاستقلال عن ولاية نيويورك ، كانت قد طلبت من الكونجرس الفدرالي الانضمام إلى الاتحاد كولاية مستقلة ،ووافق الكونجرس على هذا المطلب في عام 1791م ؛ حيث كانت اول ولاية جديدة تضاف إلى الولايات الثلاث عشرة الأولى . كنتكي التي بدأت كمحافظة ضمن ولاية فرجينيا أصبحت ولاية في عام 1792 م . وتينيسي – التي كانت ولاية نورث كارولاينا تريد السيطرة عليها – قد حصلت على الانضمام إلى الاتحاد كولاية مستقلة عام 1796 م ، هذا الزحف الأمريكي المستمر تجاه الغرب – أراضي يستوطنها الهنود الحمر – دفع إلى رد فعل قوي من قبل القبائل الهندية تمثل في اشتباكات مستعمرة بينا لطرفين . كل ذلك خلق مشاكل جديدة كان على الحكومة أن تواجهها .
إخضاع الهنود في الشمال الغربي
لقد شجعت القوات البريطانية ، التي مازالت تحتل النقاط الشمالية الغربية على حدود كندا ، الهنود الحمر على مقاومة الأمريكيين ، ووعدتهم بالمساعدة في حالة حربهم معهم ، وقد أحرز هؤلاء نجاحا كبيرا في غاراتهم في مناقط أوهايو وإنديانا . ولهذا فقد عين جورج واشنطن (المجنون أنتوني وين) لينتقم م الهنود . وقد أعد وين قواته بعناية ، وبعد اشتباكات دامت من عام 1793 إلى عام 1794 ، استطاع وين أن يحرز نصرا حاسما على الهنود من موقعة فولين تمبرز (Fallen Timbers) ، والتي لم تكن بعيدة عن نقطة الحدود البريطانية في فورت ميامي . وقد انحفت الروح المعنوية لدى الهنود بعد هزيمتهم تحت سمع وبصر حلفائهم البريطانيين ، وفي معاهدة جرينفيل (Greenville) عام 1795 م ، أجبر (وين) الهنود على التخلي عن مناطق واسعة في أوهايو وإنديانا .
العلاقة مع الهنود في الجنوب الغربي
في هذه المناطق ، كانت إسبانيا هي التي تشجع القبائل الهندية الموجودة هناك تحت زعامة الكسندر ميكيليجري ؛ على مهاجمة المستوطنات الأمريكية . وقد استطاع جورج واشنطن أن يبرم معاهدة مع الزعيم الهندي عام 1790 ، وقد نقض الأخير المعاهدة بتشجيع مع إسبانيا ، ولكن أهالي تينيسي انتصروا على الهنود في عدة حملات في عام 1794 م .
وقد سنت الحكومة الفدرالية ما سمي (بقانون التعامل مع الهنود) عام 1796 م ، والذي بموجبه أرادت أن تنظم العلاقة بين تجار الفراء الأمريكيين والمستوطنين وبين الهنود ؛ حتى تمنع أي اشتباكات في المستقبل .
المشاكل الديبلوماسية
قيام الثورة الفرنسية في عام 1789 م ، أخل بميزان القوى داخل القارة الأوروبية ، وكان اتجاهها المتطرف – فيما بعد – (بإعدام لويس السادس عشر عام 1793 م) ، قد جعل هذه الثورة محل اهتمام الشعوب – ليس في أوروبا فقط – بل وفي العالم الجديد . معظم السكان في أمريكا شعروا بالتعاطف مع هذه الثورة منذ بدايتها وحتى عام 1793 – عندما ظهر لهم بأنها تنهج نهجا متطرفا ، وخصوصا بعد إعلان فرنسا الحرب على بريطانيا . وكان أتباع الحرب المعارض من أكثر المتعاطفين مع الثورة الفرنسية ، ولهذا أيدوا الجماهير الفرنسية في صراعها مع بريطانيا ، بينما وقف الحزب الفدرالي بجانب بريطانيا لتخوفهم من تطرف سياسة الجيكوينز في فرنسا .
المواطن جنيه (Genet)
عندما أعلن فرنسا الحرب ضد بريطانيا ، أرسلت الأولى وزيرا مفوضا لها ، ويدعى إدمون-شارل جنيه Edmond-Charles Genêt إلى الولايات المتحدة ليحصل على مساعدات أمريكية لفرنسا – كما تنص على ذلك شروط الحلف العسكري للدولتين عام 1778. وعند بلوغ النبأ لجورج واشنطن، فقد أراد استشارة بعض وزرائه وخصوصا هاملتون (جفرسون) ، وبعد سماع آرائهم، أعلن واشنطن حياد الولايات المتحدة بخصوص النزاع بين الدولتين – سواء أكانت المعاهدة مع فرنسا ملزمة أم لا، كان المهم في نظر واشنطن هو أن تتلافى أمريكا الدخول في أي حرب أوروبية.
وبدون أن يقدم أوراق اعتماده إلى الرئيس في العاصمة ، كما هي العادة ، فإن جيني بدأ في استخدام الشواطئ الأمريكية كقاعدة للحرب ضد كل من بريطانيا وإسبانيا – بدأ في التحضير لحملات الاستيلاء على لويزيانا وفلوريدا من إسبانيا ، وفي تحضير قوات خاصة لمهاجمة سفن النقل البريطانية في الأطلنطي – هذا في الوقت الذي كان فيه الكونجرس الأمريكي قد أعلن (قانون الحياد) . وقد أنذر جورج واشنطن جيني بضرورة الامتناع عن مثل هذه الأعمال ، وقد وعد جنيه الرئيس الأمريكي بالتوقف عن أعماله هذه ، ولكنه نقض وعده ؛ ونتيجة لذلك فقد قام واشنطن بطلب إبعاده إلى فرنسا تصرفات الديبلوماسي الفرنسي كانت قد أضعفت الثقة في حرب المعارضين في أمريكا؛ وكانت نتيجتها أن قدم جفرسون استقالته من وزارة واشنطن في شهر ديسمبر عام 1793.
التدخل البريطاني في شئون أمريكا التجارية
نتيجة لطرد الأسطول الفرنسي من المحيط الأطلسي بواسطة بريطانيا ؛ فتح هذا عهد ازدهار لسفن النقل الأمريكية خلال مدة الحرب الفرنسية البريطانية ، وخصوصا أن هذه السفن أصبحت وسيلة النقل الرئيسية بين فرنسا ومستعمراتها في جزر الهند الغربية ، ومع أن الكونجرس الأمريكي . كان قد سن قوانين خاصة (بحقوق المحايدين) عام 1794 م ، إلا أن بريطانيا أصرت على تفتيش السفن المشبوهة في عرض البحار ، محاولة بذلك إحكام الحصار البحري على فرنسا .
وبهذا برز خلاف بين الولايات المتحدة وبريطانيا حول حقوق الحياد المزعومة ، وكان موقف الولايات المتحدة في الدفاع عن هذ الحقوق يرتكز على لاقول بأن سفن الدول المحايدة لها حرية نقل البضائع إلى حيث تشاء – إلى كل الأطراف المتنازعة ، (حرية التجارة للسفن الحرة) . وقد ردت بريطانيا على هذا الإدعاء بأن السفن الممنوعة في وقت السلام من التجارة مع دولة ما – كانت بريطانيا تمنع السفن الأمريكية من التجارة مع جزر الهند الغربية حتى قبل إعلان الحرب بين بريطانيا وفرنسا – لايمكن السماح لها بهذا الأمر في وقت الحرب ؛ ولهذا فإن بريطانيا كانت قد صادرت أكثر من 150 سفينة أمريكية كانت تنقل البضائع بين فرنسا وبين جزر الهند الغربية . ومن ناحية أخرى ، أصرت الولايات المتحدة بأن نقل اللوازم العسكرية إلى العدو هو الذي يمكن أن يعتبر محرما فقط وقت الحرب ، وردت بريطانيا بالقول بأن المواد الغذائية أيضا عرضة للمصادرة لأنه يدفع لها ثمن . واصرت الولايات المتحدة بأن (الحصار النظري) - وذلك الذي لاتدعمه سفن متواجدة بالفعل في منطقة الحصار – يعتبر غير قانوني من الناحية الدولية ؛ وردت بريطانيا على ذلك بمصادرة أي سفن تحاول اختراق منطقة الحصار المعلنة – على شواطئ أوروبا وجزر الهند الغربية . وأخيرا فإن بريطانيا كانت توقف السفن الأمريكية في عرض البحر محاولة التفتيش عن الهاربين البريطانيين من الخدمة البحرية – كثيرا ما كان بعضهم يحاول اللجوء إلى الشواطئ الأمريكية أو الهرب على سفن أمريكي ؛ وقد أصرت بريطانيا في هذه الناحية على تطبيق قانون (من كان إنجليزيا سيبقى دائما كذلك) ، غير معترفة بقانون التجنس الأمريكي الذي أصدره الكونجرس .
معاهدة جي عام 1794 م
لحسم مظاهر النزاع مع بريطانيا ، فإن الحزب الفدرالي الحاكم كان يريد التوصل إلى اتفاق بهذا الشأن ، ولهذا الغرض فإن الرئيس واشنطن كان قد أوفد رئيس المحكمة العليا جون جي إلى بريطانيا بالتعليمات الآتية : محاولة التوصل إلى اتفاقية مع بريطانيا لسحب قواتها من مناطق الحدود الشمالية الغربية مع كندا ؛ إقناع بريطانيا بدفع تعويضات لأصحاب السفن المصادرة ؛ محاولة التوصل إلى اتفاقية تجارية تضمن حقوق أمريكا كدولة محايدة ، وتمنع بريطانيا من تفتيش السفن الأمريكية في عرض البحر . ومن الملاحظ في ذلك الوقت ان مجرى الأمور في القارة الأمريكية كان يساعد في الحصول على معظم مطالبها : انتصارات وين على القبائل الهندية في الشمال الغربي (1793-1794 م) أشعرت بريطانيا بقوة الولايات المتحدة العسكرية ، ووقوف دول (الحياد المسلح) الأوروبية بجانب الولايات المتحدة . ولكن تأكيدات الكسندر هاملتون – الذي كان يميل لبريطانيا – بأن الحزب الفدرالي لن يسمح بنشوب حرب أمريكية مع بريطانيا ، كانت قد نفت أي أثر فعال لهذه التطورات . وأخيرا ، فإن جو جي نفسه – الذي كانت له ميول بريطانية أيضا – كان قد تجاهل التعليمات المعطاة له وفشل في الضغط على بريطانيا في الحصول على أي مطالب ترضى عنها الحكومة البريطانية .
ونظرا لما تقدم ، فإن معاهدة جي قد تضمنت فقط ما يأتي : الاتفاق على تكوين لجان تكون من شأنها دراسة مشاكل الحدود ، ودفع التعويضات للأمريكين المصادرة سفنهم ؛ موافقة بريطانية على الانسحاب من المراكز العسكرية في لاشمال الغربي ، وتوقيع معاهدة تجارية لم تعط الكثير لأمريكا ، لأنها لم تنص على أي شيء يتعلق بتجارة أ/ريكا مع جزر الهند الغربية أو فرنسا . وقد أقر مجلس الشيوخ المعاهدة بأغلبية بسيطة ، إلا انها قوبلت بالرفض العام في الولايات المتحدة . ومع ذلك فيمكن اعتبارها بأنها معاهدة بناءة ، لأنها خففت المصاعب مع بريطانيا ، وأعطت إسبانيا – عدوة أمريكا – انطباعا بأن الولايات المتحدة وبريطانيا ربما دخلتا في حلف سري ضدها . كما أن معاهدة بنكني مع إسبانيا قد عوضت كثيرا من المطالب الأمريكية .
معاهدة بنكني (Pinkney) عام 1795
كان على الحكومة الفدرالية أن تواجه مشاكل النزاع مع إسبانيا التي خلفها الحكم الكونفدرالي السابق ، وتشمل : الخلاف حول الملاحة في نهر المسيسيبي ، منطقة شريط بازو – الحدود مع شمال فلوريدا – ثم الاشتباكات مع الهنود في الجنوب الغربي . من الملاحظ أن إسبانيا كانت قد خشيت بأن التقارب الأخير بين بريطانيا والولايات المتحدة – بعد عقدة معاهدة جي – ربما شجع أمريكا على مهاجمة المستعمرات الإسبانية في منطقة لويزيان وفلوريدا ، ولهذا فإن إسبانيا شعرت بضرورة التخفيف من حدة نزاعها مع الولايات المتحدة .
وبناءا عليه ، فإن توماس بنكني ، وزير أمريكا المفوض في مدريد ، استغل هذا الوقت المناسب ، وقام بالتوصل إلى اتفاقية مع الحكومة الإسبانية تعرف (بمعاهدة سان لورنزو) ، ويشار إليها بمعاهدة بنكني . وقد تضمنت هذه المعاهدة الشروط الآتية : وافقت إسبانيا على اعتبار خط عرض 31 هو الحد الجنوبي للولايات المتحدة – وبذلك تكون إسبانيا قد تخلت عن حقوقها في شريط بازو ؛ سمحت إسبانيا للولايات المتحدة بحق استعمال المسيسيبي في الملاحة مع حق استخدام ميناء نيو أورلينز للتخزين لمدة ثلاث سنوات ؛ كما وعدت بمنع غارات القبائل الهندية على المناطق الأمريكية في فلوريدا .
لقد قوبلت هذه المعاهدة – عند مقارنتها بمعاهدة جي – بارتياح شديد من قبل الرأي العام الأمريكي ، واعتبرت نصرا كبيرا لأنها أسكنت مخاوف المستوطنين في المناطق الغربية ، وبهذا فإنها ساعدت على استمرار الزحف والاستيطان باتجاه الغرب .
إدارة جون آدمز 1797-1801
قام جفرسون بعد استقالته من وزارة واشنطن عام 1793 م بالعمل على تنظيم المعارضة في حزب فعال ؛ أطلق عليه أولا اسم الحزب (الديمقراطي الجمهوري) ، وفيما بعد سمي بالحزب الجمهوري (ولا يجب خلط هذا الحزب بالحزب الجمهوري الحاضر في امريكا ، لأن هذا كان نابعا من الحزب الفدرالي – أتباع هاملتون) .
انتخابات 1796
فيما يسمى (بخطاب الوداع) عام 1769 م ، رفض واشنطن أن يرشح نفسه للرئاسة لمرة ثالثة ، وعندما قام الفدراليون بالتخلي عن قادتهم – هاملتون وجي – الذين ساءت سمعتهم نظرا لمعاهدة جي مع بريطانيا ، واتجهوا إلى تأييد (الأرستقراطي المستقيم) جون آدمز كرئيس وتوماس كنائب للرئيس . أما الجمهوريون فقد رشحوا حفرسون كرئيس وإيرون بر (Aaron Burr) كنائب للرئيس . وعند تعداد الهيئات الناخبة حصل آدمز على 71 صوت ، بينما حصل جفرسون من الحزب المعارض على 68 صوت ، وحسب الدستور فإن صاحب الأغلبية الثانية يصبح نائبا للرئيس ، وهكذا كان الرئيس من الحزب الفدرالي ، بينما نائبه من الحزب المعارض . وكان على آدمز أن يواجه أصعب المشاكل لإدارته وهي العلاقة مع فرنسا .
حادث إكس ، واي ، زد (X, Y, Z, Affair) عام 1797
عندما علمت فرنسا نبأ التقارب بين الولايات المتحدة وبريطانيا في معاهدة جي ، فإنها اعتبرت ذلك محالفا لشروط اتفاقية عام 1778 م بين الدولتين ، وخشيت بأن تكون أمريكا قد عملت حلفا سريا مع بريطانيا . وقد ردت فرنسا على ذلك بإعطاء الأوامر لقادتها البحريين بوضع قيود على الملاحة الأمريكية كتلك التي استعملتها بريطانيا ضد سفن الولايات المتحدة . وكان نجاح الحرب الفدرالي في انتخابات عام 1796 قد زاد الطين بلة ، مما جعل فرنسا تتمادى في تضييق الخناق على سفن النقل الأمريكية . وبناءا عليه ، فإن الرئيس آدمز قام بإرسال بنكني ، والدرج جيري ، وجون مارشال ، إلى باريس عام 1797 بغرض الاتفاق مع الحكومة الفرنسية حول تسوية للسفن الأمريكية المصادرة .
ونظرا لأن الأمور لم تكن مستتبة في فرنسا في ذلك الوقت ، ووجود الفساد السياسي والمالي في عهد ما بعد الثورة .. يقال بأن تاليرانه ، وزير الخارجية الفرنسية طلب الرشوة من الوفد الأمريكي قبل أن يسمح لهم بالنقاش في أي أمور سياسية ، واعتبر الوفد بأن هذا مهين لحقوقهم الدبلوماسية ، ومن ثم رفضوا الدخول في مفاوضات مع الحكومة الفرنسية ، ورجعوا إلى أمريكا ليقدموا تقريرا بذلك إلى الرئيس . في الكتابة عن هذا الأمر في الصحف الأمريكية ؛ كانت الإدارة الأمريكية تشير إلى عملاء تاليران ب(إكس ، واي ، زد) . وهكذا بدا بأن إدارة آدمز ربما تضطر إلى إعلان الحرب على فرنسا .
الحرب البحرية غير المعلنة مع فرنسا
وكود فعل لما سبق ، فقد بدا الكونجرس الأمريكي بالاستعداد للتحضير لحرب مع فرنسا ، قام بالموافقة على زيادة ميزانية الجيش والبحرية (جعل البحرية قسما منفصلا في 1798 م) ، وألغي كل المعاهدات مع فرنسا ، وأكملت البحرية الأمريكية بناء 23 سفينة جديدة ، وسمحت السفن التجارية ، وعينت فئات مسلحة كثيرة تكون مهمتها اعتراض ومضايقة السفن التجاية الفرنسية ، كما عين هاملتون الذي كان يتوق إلى حرب مع فرنسا – قائدا للجيش . لقد استمرت هذه الحرب غير المعلنة لمدة سنتين (1798-1791 م) ، وكانت نتيجتها أن خسر كل من الطرفين ما يقارب الثمانين سفينة . ولكن الرئيس آدمز لم يستمع إلى أصوات حزبه الداعية إلى إعلان الحرب ، مؤمنا بأن مصلحة الوطنية العليا إنما تتطلب تجنب مثل هذا الأمر .
وكان موقف الحكومة الفرنسية يشبه موقف مثيلتها الأمريكية – رفضت الاتجاه نحو الحرب – وأظهرت الرغبة في تسوية الأمور سلميا بين الطرفين . ولهذا فقد أوفد آدمز لجنة إلى فرنسا للتوصل إلى اتفاقية بين الدولتين عام 1800 م . في هذا الوقت كان نابليون بونابرت قد وصل إلى الحكم ، وكان متلهفا على تسوية الأمور الخارجية حتى يتفرغ لشئون فرنسا الداخلية . وبناءا عليه فقد أبرمت اتفاقية في عام 1800 م بين الدولتين كان من مقتضاها أن فرنسا اعترفت بإلغاء كل معاهداتها السابقة مع الولايات المتحدة ، كما وافقت الحكومة الفرنسية على تعويض أصحاب السفن الأمريكية المصادرة ، واعتراف الطرفين بمبدأ (التجارة المحايدة للسفن المحايدة) .
قوانين الهجرة والتمرد (1798)
استغل الفدراليون فرصة إمكن قيام الحرب مع فرنسا لمحاولة تقوية حربهم على حساب حزب المعارضة . ولذلك قاموا بسن قوانين تعرف بقوانين الهجرة والتمرد . كانوا يعرفون أن كثيرا من المؤيدين للحرب المعارض إنما كانوا من الفئات المهاجرة الجديدة إلى أمركيا وخصوصا الفرنسيون ، والأيرلنديون ، وكذلك بعض الأحرار من بلاد أخرى . ولذلك قاموا في الكونجرس – الذي كانت لهم فيه الغالبية العظمى – بسن قانون الهجرة والذي كان من مضمونه زيادة فترة حق التجنس مع خمس سنوات إلى أربع عشرة سنة ؛ وأعطى الرئيس السلطة في إبعاد أي مهاجرين يرى فيهم خطرا على الأمن .
أما قانون التمرد ، فكان يتضمن ما يأتي : منع انتقاد الفدراليين ، منع أي محاولات للتدخل في تنفيذ القوانين التي تعهد إلى الحكومة المركزية ، وفرض عقوبات بالسجن والغرامة المالية على كل من يهتم بذلك ، كما أنه منع نشر أي انتقادات لرئيس الجمهورية أو الكونجرس .
من الملاحظ أن الحكومة لم تقم بترحيل أي من المهاجرين نتيجة سن هذا القانون ، ولكن الكثير منهم ترك البلاد تخوفا من تطبيق القانون ، كما أن كثيرا من الجمهوريين – أتباع جفرسون – كانوا قد قدموا للمحاكمة نتيجة إصرارهم على حرية الكلام ، وبالتالي أصبح ينظر إليهم كضحايا . كان الأثر الفعلي لسن هذه القوانين إنما هو جلب نتيجة عكسية – قلة الثقة في حزب الفدراليين وزيادة شعبية جفرسون وأتباعه الجمهوريين .
قرارت كنتكي وفرجينيا 1798
استغل الجمهوريون عدم شعبة القوانين الجديدة التي فرضت ، وأكد كل من جفرسون ومادسون بانها غير دستورية . وهكذا قام الأخير وإقناع المجلس التشريعي في ولاية فرجينيا – الذي كان هو عضوا فيه – بسن قانون يقضي بأن قوانين الهجرة والتجنس الجديدة إنما تخالف الدستور الفدرالي ، وأن مثل هذه السلطات هي من حق حكومات الولايات . أما المجلس التشريعي في كنتكي فقد امضى قرارا مشابها لقرار فرجينيا ، نتيجة لتأثير جفرسون ،وزاد على قرار فرجينيا بالقول بان قوانين التمرد والهجرة (باطلة وليس لها مفعول) . هذه التأكيدات بأن لحكومات الولايات حق القرار في دستورية القوانين التي يسنها الكنجرس الفدرالي ، وأن لها الحق في رفض هذه القوانين إذا رأتها بأ،ها غير دستورية ، إنما كان أول سابقة لما سمي فيما بد بحق النقض (Doctrine of Nullification) الذي استعملته حكومات الولايات ضد الحكومة الفدرالية . هذا المبدأ استعملته الولايات الجنوبية – فيما بعد – قبيل الحرب الأهلية ، عند تأزم مشكلة الرقيق في أمريكا – كذريعة للانفصال عن الاتحاد الفدرالي .
انتخابات 1800
لقد اختار الفدراليون جون آدمز وينكني ، أما الجمهوريون فقد رشحوا جفرسون وأيرون بر . تركزت الحملة الانتخاببية حول قوانين الهجرة والتمرد ، وقد استغل الجمهوريون عدم شعبية هذه القوانين . الظروف العامة أيضا كانت تعمل ضد رغبة الفدراليين : فحمى الحرب مع فرنسا كانت قد هدأت ولم يستطيعوا الطعن في جفرسون على هذا الأساس ؛ إعادة تدخل بريطانيا – صديقة الفدراليين – في شئون التجارة الأمريكية كان قد أضعف مركزهم ؛ إسراف الفدراليين في الميزانية العسكرية والتحضير للحرب جعل المعارضة تهيب بالعسكرية وحب المغامرة ؛ وأخيرا زيادة الخلافات داخل الحزب الفدرالي – خصوصا بين آدمز وهاملتون ، هذا بالإضافة إلى ضعف قدرة آدمز السياسة إذا قورن بجفرسون وبر اللذين تمتعا بشعبية كبيرة . وهكذا كانت الحملة الانتخابية أول حملة قذرة في تاريخ الاتحاد الفدرالي الجديد ، فقد اتهم جفرسون بأنه من (الملحدين) ، عديمي الخلق ، وبأنه (متطرف خطير) .
كانت نتيجة الانتخاب هي التعادل بين جفرسون وبر اللذين هما من حزب واحد . وبذلك آلت الانتخابات إلى مجلس النواب – الفدرالي – الذي سيكون له القدرة في أن يقرر من هو الرئيس ومن هو نائب الرئيس . شدة الخلافات داخل الحرب الفدرالي أدت إلى التعادل المستمر بين المرشحين خلال 35 مرة لعد الأصوات . في المرة السادسة والثلاثين ، تقدم جفرسون على بر وهكذا أصبح رئيسا . ويقال بأن تأثير هاملتون كان هو العامل الذي أرجح كفة جفرسون . سبب ميل هاملتون إلى جفرسون هو كون الإثنين (هاملتون وبر) من المنافسين السياسيين في ولاية نيويورك ، وكانوا يكنون العداوة والكراهية لبعضهما البعض .
التعديل الثاني عشر (1804) في الدستور : كما رأينا في انتخابات 1796 ، 1800 ، اتضح بأن هناك عيبا في الطريقة التي وضعها الدستور لانتخاب الرئيس ونائب الرئيس . ولهذا فقد اقترح التعديل الثاني عشر والذي من مضمونه أن المرشحين إنما يحق لهم الترشيح لواحد فقط من المركزين . إما الرئيس وإما لنائب الرئيس – ولي لأي منها – بناءا على نتيجة ألأصوات؛ فإذا أخذ الأكثرية يصبح رئيسا ، وإلا فإنه يصبح نائبا للرئيس . هذا التعديل أيضا يمنع أن يكون الرئيس ونائب الرئيس من حزبيين متعارضين ، كما كان الحال في انتخابات 1796 م .
تسلسل تاريخي للأحداث الهامة
- 1789 : وافق الكونجرس على مبادئ حقوق الإنسان – الثورة الفرنسية .
- 1790 : نقلت العاصمة إلى فلادلفيا – الإجراءات المالية بواسطة هاملتون .
- 1791 : صادقت الولايات على مبادئ حقوق الإنسان – أصبحت فرمونت الولاية الرابعة عشرة .
- 1792 : قبلت كنتكي في الاتحاد .
- 1793 : أعلنت الولايات المتحدة حيادها في الحروب الأوروبية (فرنسا ضد بريطانيا) – سلوك المواطن جني واستقالة جفرسون من وزارة الخارجية .
- 1794 : معاهدة جي – انتفاضة الويسكي في غرب بنسلفانيا – الكونجرس يحدد حقوق الحياد البحرية .
- 1795 : معاهدة بنكني .
- 1796 : قبلت تينسي في الاتحاد .
- 1797 : (إكس – واي – زد) – جون آدمز يصبح رئيسا .
- 1798 : الحرب البحرية غير المعلنة مع فرنسا استمرت حتى 1799 م .
- 1800 : انتخاب جفرسون في مجلس النواب كرئيس – معاهدة مع فرنسا بإعادة السلام بين البلدين ، وإلغاء حلف عام 1778 العسكري .
مراجع الفصل السادس
1. J.C. Miller, The Federalist Era, 1789 – 1801 (1960). And Crisis in Freedom (1951).
2. C.G. Bowers. Jeffersson and Hamilton (1925).
3. Douglas S. Freeman. Ceorge Washington: Portiot and President (1954).
4. Alexander De Conde. Entangling Alliance: Politics and Diplomacy Under Goerge Washington (1958).
الفصل السابع: ثورة ناجحة 1776-1783
قيام الثورة في أمريكا أعطى الفرصة لفرنسا في أن تأثر لنفسها من بريطانيا ، نتيجة هزيمتها في حرب السبع سنوات ؛ وهكذا فقد أصبحت الثورة الأمريكية حلقة أخرى في سلسلة الحروب الاستعمارية بين فرنسا وبريطانيا . كما لم تكن هذه الثورة عبارة عن كفاح من أجل الاستقلال فقط ؛ ولكنها بجانب ذلك كانت ثورة اجتماعية وسياسية .
موارد القوى المعارضة
داخل المستعمرات الأمريكية ، انقسم السكان إلى ثلاث فئات : (الوطنيون) حيث يمثلون ثلث السكان ، و (الموالوت) ويمثلون الثلث الثاني ، ووقف الثلث على الحياد .
الفئة الأولى هي كانت مصدرا للثورة ، بينما بقيت الفئة الثانية على ولائها للبلد الأم ، ولهذا فإن كثيرا من حكومات المستعمرات (أو يجب أن نقول الإدارات الجديدة التي تمثل الثوار) قد قامت بمصادرة أملاك الموالين وأجبرتهم على النزوح ، حيث اتجه هؤلاء إلى كندا ، جزر الهند الغربية ، أو إنجلترا تمثلت فئة (الموالين) في كبار الموظفين ، التجار الأغنياء الذين يتعاملون مع بريطانيا ، الحرفيين ، ورجال الكنيسة الأنجلكانية . أما الفئة (الوطنية) فكانت تتمثل في صغار المزارعين ، العمال ، المدنيين ، وسكان المناطق الغربية ومع ذلك فيجب الملاحظة بأن التفريق الطبقي بين هؤلاء لم يكن واضحا تماما ، فالمناطق النائية (في الداخل) كانت تميل نحو الوطنيين ، بينما كان سكان الساحل يميلون نحو (الموالين) ، والكثير من السكان لم يكن يهمهم الأمر بكثير أو قليل .
مقارنة القوى العسكرية
من حيث العدد كان لبريطانيا الفرصة ، حيث أنها تعتمد على سكان أكبر عددا ، ولكنها بالفعل تعتمد على المتطوعين ، والجنود المرتزقة ؛ خصوصا من بعض حلفائها في أوروبا مثل ألمانيا .
بعد انتشار الحرب إلى أجزاء أخرى في العالم الخارجي ، اضطرت بريطانيا إلى تقسيم قواتها . أما جيش الثوار ، الذي كان تحت قيادة جورج واشنطن ، فإنه لم يتعد بأي حال من الأحوال أكثر من 18 ألف مقاتل . من حيث النظم والتدريب والخبرة ؛ فإن القوات البريطانية بطبيعة الحال كان لها الامتياز الأكبر ، ولكن لا ننسى بأن طبيعة هذه الحرب التي كانت في بيئة مليئة بالغابات قد قلل من فائدة هذه الميزة . كانت القوات الأمريكية تتكون من فئتين : القوة القارية ، ومليشيا الولايات ، الأولى كانت تخدم بالتطوع لمدة ثلاث شهور ،وقد كانت قليلة الخبرة والتدريب ، أما الثانية فلم تكن تريد القتال خارج حدود ولاياتها ، ولكنهم كانوا كثيري الحماس في الدفاع في الداخل .
البعد الجغرافي كان له الأثر الفعال أيضا ، فقد عمل هذا ضد البريطانيين حيث كان عليهم أن ينقلوا الجنود عبر المحيط الأطلسي ، وفي أمريكا داخل الولايات المختلفة . الثوار كانوا يعملون في مناطقهم ويستعملون الطرق الداخلية ويجتمعون كلما لزم الأمر لمجابهة البريطانيين . وكان بعد المسافة قد أوجد ندرة في الإمدادات للقوات البريطانية ؛ البريطانيون كانوا يتلقون المساعدة من الهنود الحمر في مناطق الحدود الغربية ، وقد أطلقوا سراح الرقيق في الجنوب حتى يشجعوهم على الانخراط في سلك الجندية ضد الأمريكيين . ولكن الآخرين حصلوا على مساعدة الجنود الفرنسيين والأسطول الفرنسي ، خصوصا في موقعة يورك تارون ، وهكذا فقد ألحقوا أيضا خسائر ببحرية الإنجليز .
القدرات المالية وبعض الميزات الأخرى للمتحاربين
لقد تميزت بريطانيا العظمى ، بطبيعة الحال ، بكونها دولة كبرى ذات ثروة ومصادر اقتصادية عظيمة ، أما الثوار من ناحية أخرى ، فقد واجهوا صعوبات مالية في سبيل التجهيز للعمليات الحديثة . كان الكونجرس القاري إلى الاستدانة من فرنسا ، هولندا ، إسبانيا ، وقد كانت هذه الديون توزع على الولايات ، ولكن الأخيرة لم تكن تقوم بسداد ما عليها ، ونتيجة لذلك فكانت هناك ندرة شديدة في تدبير التموينات الخاصة بالجيش الأمريكي المحارب . كان روبرت مورس (Morris) بمثابة المدير المالي لجيش الثوار . من الناحية المعنوية تجد بأن الأمريكيين كانوا يحاربون في بيئة طبيعية وظروف تعودوا علهيا ، بينما لم يكن الجندي البريطاني يعرف الكثير عن هذه البيئة . هذا بالإضافة إلى أن أصدقاء بريطانيا في القارة الأوروبية كانوا أقل بكثير من أعدائها . حلفاء بريطانيا تمثلوا في روسيا ، وبعض الألمان فقط ، أما بقية أوروبا فقد كانت تشكل عدوا لدودا لها ، خصوصا منذ سنة 1780 م ، حيث كونت هذه الدول ما سمي (بحلف الحياد المسلح) (League of Armed Neutrality) ، وذلك بسبب تدخل بريطانيا في الحقوق البحرية لهذه الدول .
وهكذا فقد كانت دول أوروبا الكبرى فرنسا وإسبانيا هي الممول الرئيسي للأمريكيين سواءا من الناحية المادية أو العسكرية .
الحملات العسكرية للحرب
في بداية الحرب كانت تبدو كفة الإنجليز هي الرابحة ، ذلك أن أسطولهم القوي فرض حصارا محكما على شواطئ المستعمرات ، استطاع فيه شل اقتصادها ، وجعل الاتصال فيما بينها وبين أوروبا صعبا للغاية . لم يكن يضعف موقف الجيش الإنجليزي إلا انقسام الرأي العام في بريطانيا حول الحرب ، مما جعل الحكومة البريطانية تجد صعوبة كبيرة في جمع المتطوعين لإرسالهم إلى المستعمرات . لقد دفع ذلك بالملك جورج إلى أن يستعين بجنود مرتزقة من الألمان حيث استأجر حوالي عشرين ألف جندي من أمير مقاطعة (هس) . ولقد أضر هذا التصرف بسمعة الملك إلى درجة كبيرة . في الجهة الأخرى ، فإننا نجد بأن قدرة واشنطن وشخصيته تساوي ميزاته العسكرية كقائد للقوات القارية الأمريكية .
من بنكرهل إلى برنستون
بعد الاشتباكات الأولى في لكسنجتون ، انسحبت القوات البريطانية إلى بوسطن . في البداية تحمل الأمريكيون خسائر كبيرة في بنكرهل (يونيو 1775 م) ، ولكن في السنة التالية أجبر واشنطن بريطانيا على الانسحاب من بوطسن في إبريل عام 1776 م . بعد بوسطن حولت القوات البريطانية مركز قيادتها إلى نيويورك ، ولكنه فشل في ذلك بعد هزيمتين كبيرتين في منطقة لونج آيلند ومرتفعات واشنطن ، واضطر إلى الانسحاب نحو الجنوب عبر نيوجيرسي حتى وصل إلى بنسلفانيا وذلك لإعادة تنظيم قواته . وفي ديسمبر عام 1776 م ، باغت واشنطن جيش خس الألماني في ترنتون وهزمه ، ثم أتبع هجومه هذا إلى برنستون وانتصر على القوات البريطانية هناك ، واستطاع استرجاع ولاية نيوجيرسي .
الخطة البريطانية في عام 1777
كانت هذه الخطة أن يقم الجنرال جون بيرجوين (John Bargoyne) بالاتجاه من كندا جنوبا نحو نيويورك عن طريق بحيرة شامبلين ، حيث يلتقي هناك مع الجنرال سينت ليجر الذي يترك بحيرة أونتاريو متجها إلى الشرق بمحاذاة وادي موهوك . هاتين القوتين كان من المخطط أن تتقدما مجتمعة تجاه الجنوب إلى فيلادلفيا حيث تلتقيا مع الجنرال هو ، وبذلك تكون قد قطعت القوات الأمريكية إلى قسمين شمالي وجنوبي .
لقد فشلت القوتين البريطانيتين في تحقيق أغراضهما ، فقوة ليجر – التي كانت تشمل بعض الهنود – قد أوقفت من قبل الجنرال الأمريكي هيركمر ،وحوصرت قوات بيرجون بواسطة الجنرال الأمريكي جيتس (Gates) حيث هزمت في موقعة سراتوجا (1777 م) . وتعتبر موقعة سراتوجا نقطة تحول رئيسية في الحرب ، ذلك أن خسارة بريطانيا شجعت فرنسا وإسبانيا على دخول الحرب إلى جانب الأمريكيين ، كما أعطت الأخيرين المبادرة في السيطرة على المناطق الشمالية . وبعد هذه المعركة أخذت الحرب تتحول لصالح الوطنيين .
الحلف الفرنسي الأمريكي عام 1778
بعد موقعة سراتوجا ، عقدت فرنسا حلفا عسكريا مباشرا مع الأمريكيين . فيما قبل ذلك ، كانت المساعدات الفرنسية ترسل بشكل سري أو باسم شركات خيالية .
أرسل الكونجرس القاري بنيامين فرانكلين لمفاوضة الفرنسيين بغرض الحصول على المساعدات المالية ، وقد ألح فرانكلين على وزير المالية الفرنسي فيرجينز بضرورة دخول فرنسا الحرب . كان انتصار الأمريكيين في سراتوجا قد أقنع فيرجينز بهذا الأمر ، ولذلك قامت فرنسا بتوقيع حلف عسكري مع الأمريكيين في عام 1778 م ، تعهدت فيه فرنسا بالوقوف إلى جانب أمريكا حتى النصر ، ثم وقعت معاهدة أخرى بالتبادل التجاري .
إسبانيا – حليفة فرنسا – أصبحت حليفة غير مباشرة لأمريكا ، وهكذا فيمكن القول أنه بدون المساعدة المالية والعسكرية والفرنسية ، كان لايمكن أن يكتب النجاح للثوار الأمريكيين .
السنوات الأخيرة في الحرب (1778-1781)
نظرا لزيادة ولاء المستعمرات الجنوبية ، بينما سيطر الثوار على خطوط المواصلات في الداخل . في منطقة اليونيز كان جورج روجرز كلارك قائد مستعمرة فرجينيا قد استطاع أن يتغلب على البريطانيين هناك وأن يمد مناطق نفوذه شمال الأوهايو (1778-1779 م) . لقد تعرض الأمريكيون لهزائم شديدة سنة 1780 م ، بسبب فشل القائد الأمريكي بيند كت آرنولد (Benedict Arnold) في الاستيلاء على وست يوينت ، وعلى جيش الجنرال البريطاين كون والس ، ولم يخفف من حدة هذه الهزائم إلى قرار فرنسا بإرسال جيش فرنسي إلى أمريكا بقيادة روتشامبو (Rochambeau) وبقوة بحرية فرنسية سنة 1781 م .
وبمعونة القوات البرية والبحرية الفرنسية ، استطاع واشنطن حصار كورن والس في يورك تاون والقضاء على قواته هناك . وكان هذا النصر حازما وكانت نتيجته أن هدأت العمليات العسكرية من قبل القوات البريطانية .
معاهدة باريس 1783
فشلت محاولات السلام بين الطرفين ، ولكن بعد هزيمة يورك تاون فإن الرأي البريطاني بدأ يعارض بجدية أي استمرار للحرب ، ويرفض الموافقة علىميزانية لهذا الغرض . هذه المعارضة أدت إلى سقوط وزارة اللورد نورث ، وحل محلها وزارة اللورد شلبورن التي اقمت بإرسال مندوب لها إلى باريس للتفاوض مع ممثلي الأمريكيين بغرض الوصول إلى اتفاقية بين الطرفين .
مفاوضات الصلح
انضم إلى بنيامين فراكلين (الذي كان موجودا في باريس) كل من جون آدمز وجون جي الذي أرسلهما الكونجرس القاري ، كان من شروط المعاهدة الفرنسية الإسبانية أن تستمر فرنسا في حربها مع بريطانيا إلى أن تستطيع إسبانيا إرجاع سلطتها إلى منطقة جبل طارق . ولهذا فإن فرنسا عرقلت سير مفاوضات الصلح بين الأمريكين وبريطانيا . وقد علم الوفد الأمريكي بنية فرنسا على القيام بتعويض حليفتها إسبانيا على حساب الأمريكيين وبريطانيا . وقد علم الوفد الأمريكي بأن يعقد صلح منفردا مع بريطانيا – معارضا بذلك مضمون الحلف العسكري الفرنسي الأمريكي لسنة 1778 م .
وحسب اتفاقية مبدئية سنة 1782 م ، فقد وافقت بريطانيا مع الوفد الأمريكي على مناطق الحدود بينها وبين الدولة الجديدة ، وكانت في هذا أكثر ليونة من مفاوضتها مع فرنسا وإسبانيا ، ومن ثم وافق الطرفان (البريطاني والأمريكي) على مضمون رسمي للمعاهدة في سبتمبر سنة 1783 م ، دون الاهتمام باعتراضات فرنسا .
شروط معاهدة الصلح سنة 1783
تضمنت المعاهدة ما يأتي : اعتراف بريطانيا باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية ؛ حدود أمريكا مع كندا وضعت بحيث تحاذي البحيرات الكبرى . واصبح نهر المسيسيبي بمثابة الحد الغربي – في الجنوب امتدت حدود امريكا إلى منطقة فلوريدا ؛ اعترفت بريطانيا بحقوق الصيد البحري لأمريكا في شواطئ نيوفوندلاند ؛ وافقت الولايات المتحدة على تسهيل مهمة الدائنين البريطانيين لجمع ديونهم في أمريكا ، وافق كلا الطرفين على السماح لرعاياهما باستخدام نهر المسيسيبي للملاحة ، وأخيرا ، وافق الوفد الأمريكي على أن يطلب من الكونجرس الأمريكي التوصية للولايات بإعادة ما صادرته من أملاك (الموالين) خلال الحرب .
الثورة الداخلية
بالإضافة إلى ما حققته الثورة الأمريكية من استقلال عن بريطانيا ، فإنه كان لها آثار داخلية على المجتمع الأمريكي .
التغيرات السياسية في الولايات
بالانفصال عن البلد الأم ؛ فإنه كان لزاما على الثلاث عشرة ولاية بأن تكون كل منها إدارة حكومية لنفسها . في أوائل سنة 1777 م قامت إحدى عشرة ولاية بوضع دساتير جديدة لها ، أما ولايتي رود آيلند وكونيكتيكت فقد أبقيا على دستورهما القديم مع تغيرات بسيطة . كانت كل الولايات قد حافظت على دساتيرها القديمة ، ولكن أضافت إليها بنودا تناسب أفكارها ومتطلباتها الجديدة حسب ما أملته التجارب السابقة . وكان كل من الفيلسوف البريطاني لوك والفرنسي منتسكيو ، أثرهما في إيجاد أفكار جديدة مثل نظرية الحقوق الطبيعية .
من أبر التغيرات الجديدة لنظام الحكم والتي ظهرت في الدساتير الجديدة ما يأتي : ضمانه لحقوق الأفراد الطبيعية ، ومن بينها حق المحاكمة بواسطة محلفين ، ومنع الدولة من القيام بتفتيش الأفراد والبيوت دون إذن قضائي ، وكذلك منعا لعقوبات الصارمة . وحق الانتخاب بني على أساس الملكية ، وفي بعض الأحيان الولاء الديني لكنيسة معينة . وتجب الملاحظة بأن هذا المتطلب الديني كان بسيطا في ذلك الوقت ؛ حيث يكفي أن يكون الفرد مؤمنا بالله والثالوث المقدس والمذهب البروتستانتي وبذلك يمكنه الانتخاب . انتخابات المجالس التشريعية سنويا كان المقصود منها أن تبقى هذه المجالس رهن إرادة الناخبين العامة . نظرا لتجربة الولايات السيئة في السابق مع حكامها ، فقد قامت الدساتير الجديدة بتحديد سلطات هؤلاء الحكام بدرجة فاقت الحد ، حتى انها اضطرت – أخيرا – إلى إرجاع بعض هذه السلطات للحكام . أخيرا فإن مبدأ فصل السلطات بين فروع الحكم الثلاثة ( التنفيذية – والتشريعية – والقضائية) وضمان التوازن بينها ، كان أهم المبادئ التي ظهرت في نظم الحكم الجديدة ، وذلك حتى يستحيل سيطرة أي فرع من هذه الفروع على الحكم .
مبادئ الدستور الكونفدرالي
بعد إعلان الاستقلال قام الكونجرس القاري بتعيين لجنة بغرض وضع نظام لحكم مركزي للولايات . من أبرز الذين كتبوا هذا الدستور الكونفدرالي كان جون دكنسون (Dickinson) من ولاية بنسلفانيا . وقد تمسكت بنود هذا الدستور بنص الثورة . وتجب الملاحظة بأن الولايات كانت تخشى وجود حكم مركزي يحرمها من كثير من سلطاتها ، ولذلك فإنها سعت على إيجاد حكومة مركزية ضعيفة بحيث تبقى السلطة الكبرى للولايات .
من بين السلطات التي أعطيت للحكومة المركزية ما يأتي : حق تكوين وبناء أسطول ، إعلان الحرب ، عقد المعاهدات والإشراف على العلاقات مع الدول الأجنبية ، حق صك العملة والاستدانة والإنفاق ؛ لا يحق للحكومة المركزية فرض نظام التجنيد الإجباري أو الإشراف على التجارة . تلك هي حقوق الحكومة المركزية وما تبقى من ذلك إنما يكون من شأن الولايات .
نقاط الضعف في الدستور الكونفدرالي
الكثير من نقاط الضعف في الحكومة الكونفدرالية سرعان ما اتضح بعد إعلان الدستور الكونفدرالي ، ومن أهم هذه النقاط ما يأتي : عدم سريان أي تشريع جديد إلا بعد موافقة تسعة من الولايات من بين الثلاث عشرة – وهذا أمر صعب ، أي إضافة لهذا الدستور إنما كان يتطلب موافقة جميع الولايات ، ومعنى هذا أن ولاية واحدة لها حق النقض في هذا الأمر ؛ أي أن هذا الدستور غير قابل للتغير حتى يناسب تغير الظروف ؛ لم يكن هناك رئيس واحد منتخب للحكومة المركزية ، وإنما كانت هناك لجنة مكونة من ثلاثة عشر عضوا – واحد عن كل ولاية – وهذا عقبة في سبيل أي عمل تنفيذي يخص الولايات ؛ وأخيرا ، بما أنه ليس من حق الحكومة الكونفدرالية جمع أي فوائد على التصدير والاستيراد ، فإن هذا الدستور قد حرم الحكومة الكونفدرالية من سلطة يمكن أن تستعملها هذه الحكومة في علاقاتها مع الدول الأجنبية .
مصادقة الولايات على الدستور الكونفدرالي
لقد عرض الدستور الكونفدرالي على المجالس التشريعية في الولايات الثلاث عشرة في أواخر سنة 1777 م بغرض التصديق عليه ، وكان من المقرر أن يصبح ساري المفعول بعد مصادقة كل هذه المجالس ، في خلال السنة التالية وافقت كل المجالس على هذا الدستور ما عدا ميريلاند التي رفضت التصديق عليه ، إلا إذا تخلت كل الولايات عن مطالبها وادعاءاتها في مناطق الحدود الغربية – كانت ميري لاند تخشى من أن يؤدي هذا الأمر إلى سيطرة بعض الولايات الكبرى على الحكم الكونفدرالي ككل . ولهذا فقد أعلنت حكومة ولاية نيويورك تخليها عن هذه المطالب وتلتها كذلك فرجينيا ، وهكذا تم التصديق على الدستور سنة 1781 م .
كان أكبر المؤثرين في التصديق على هذا الدستور هم مضاربو الأراضي ، حيث شعر هؤلاء بأنه يمكنهم أن يحصلوا على شروط أفضل في حالة تفاوضهم مع الحكومةالمركزية أ:ثر من حالة تفاوضهم مع الولايات . كما أن أولئك الذين كانوا يؤمنون بضرورة وجود حكومة مركزية قوية وجدوا بأن إعطاء حق التصرف في المناطق الغربية للحكومة المركزية إنما سيكون في المستقبل عاملا على دعم ههذ الحكومة ، وربما يكون مصدرا لعوائد مالية تعوض عما خلفه الدستور من نقاط ضعف في الحكومة المركزية .
التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي جلبتها الثورة
حرب الاستقلال الأمريكية (1776-1781 م) كان لها بعض الآثار ، ولكنها كانت مؤقتة منها : ندرة الحاجيات ، ولكن ظهرت بعض الصناعات المحلية لتسد هذه الثغرة ؛ ارتفاع الأجور لم يكن يناسب الارتفاع الشديد في الأسعار ، كما أن زيادة طبع العملة أدى إلى زيادة التضخم المالي ؛ ارتفاع نشاط المضاربين وتجار الحرب . ارتفاع نسبة التصنيع المحلي نتيجة لزوال القيود البريطانية التي كانت مفروضة في السابق ، ولكن حرمت الولايات من التجارة مع جزر الهند الغربية . لقد أدت الثورة إلى مصادرة وبيع إقطاعيات كثيرة (للموالين) ، وبالتالي فقد أدى هذا إلى نوع من توزيع الأراضي ؛ وأخيرا إلغاء القيود على التوطين في المناطق الغربية .
من الناحية الاجتماعية كانت الثورة قد أدت إلى إلغاء الألقاب وحق الإرث (حق الإبن في أن يرث أباه إذا كان إقطاعيا كبيرا) ؛ نظرا لعدم التوازن بين الولايات الشمالية والجنوبية في امتلاك الرقيق (في الجنوب كانت ملكية العبيد كثيرة بعكس الشمال) . فقد قامت كل الولايات شمال ميري لاند بإلغاء نظام الرق في عام 1805 م ، وامتنعت كثير من الولايات الجنوبية عن استيراد الرق .
من الناحية الدينية ، فإن عددا من الكنائس قد أصبح وجودها شرعيا ، كما أعيد تنظيم الكنائس الأبسكوبالية والبرسبتارية ؛ بحيث انفصلت عن مثيلاتها في بريطانيا . وبقيادة فرنسيس أوزبري (ausberey) فإن الكنيسة المنهجية (Methodist) قد استقلت عن الكنيسة الأنجليكانية المنهجية . وعين الكاثوليك الروم جون كارول (John Carroll) بيشوب بالتيمور ، أول بيشوب لهم في أمريكا .
وبانتهاء الثورة ، وعقد الصلح مع البريطانيين ، وزوال سيطرتهم ، بات الأمريكيون أحرارا في أن يقيموا مجتمعا جديدا وفق الأفكار السياسية التي آمنوا بها ، وحسب ما تفرضه البيئة والأرض والظروف المحيطة بهم .
تسلسل تاريخي للأحداث الهامة
1775 : اجتمع المؤتمر القاري الثاني – موقعة بنكرهل . 1776 : التصديق على إعلان الاستقلال من قبل المؤتمر القاري . 1777 : معركة سارتوجا (أعطت الأمل بنجاح الثورة الأمريكية) – وضعت أحد عشر دستورا محليا – قدم المؤتمر القاري (الكونجرس) الدستورالكونفدرالي للولايات للتصديق عليه – حوصر واشنطن في وادي فورج ، وكاد الإنجليز أن يقضوا عليه . 1778 : توقيع الحلف العسكري بين فرنسا وأمريكا . 1781 : أرسلت فرنسا الأدميرال دوجراس بأسطول لمساعدة الأمريكيين – قبض على القائد البريطاني في يورك تاون – صدقت الولايات على الدستور الكونفدرالي . 1783 : صدقت بريطانيا علىم عاهدة باريس معترفة باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية .
مراجع الفصل السابع
1. J.R. Alden. The American Revolution (1954)
2. E.S. Morgan. The Birth of the Republic, 1763-1789 (1956)
3. Willard Wallace. Appeal to Arms (1951)
4. J.C. Miller. The Birth of the Republic (1948)
5. M.G. Kammen. The Colonial Agents, British Polities, and the American Revolution. (1968)
الفصل التاسع: بداية الولايات المتحدة 1789-1800
بعد التصديق على الدستور في عام 1788، قام الكونجرس الكونفدرالي بأمر إجراء انتخابات في الولايات لأعضاء الحكومة المركزية ، وبدأت هذه الحكومة أعمالها باجتماع الكونجرس الجديد في شهر إبريل عام 1789م .
لقد سيطر الفدراليون ، الذين أيدوا الدستور ، على الحكم منذ البداية وحتى عام 1801 م ، وقد أصبح اثنان منهم رؤساء للجمهورية (جورج واشنطن ، وجون أدمز) . تجب الملاحظة بأنه كان يشار إلى هؤلاء – أحيانا – باسم (حزب المؤيدين) ، ولكن يجب الإضافة بالقول بأن هؤلاء لم يكونوا حزبا سياسيا بالمعنى المعروف للأحزاب في الوقت الحاضر ، وإنما كان عبارة عن فئة تتفق مصالحها على السير في طريق الوحدة .
رئاسة جورج واشنطن
في أوائل إبريل 1789 م ،اجتمع الكونجرس الجديد في قاعة البلدية في مدينة نيويورك ، وأحصى عدد الناخبين لانتخاب الرئيس ، وقد حاز جورج واشنطن على الرئاسة بالاجتماع ، وكان جون آدمز نائبا للرئيس . الأحوال الاقتصادية بدأت في التسحن ، وهكذا كانت بداية طيبة ملؤها الأمل ؛ ولكن الحكومة مازالت جديدة تنقصها الخبرة والممارسة ، وقد تعرضت لتحديات كثيرة من أعدائها في الخارج ، وجابهت مشكلات كثيرة في الداخل .
بدأ واشنطن أعماله كرئيس في إبريل 1789 م ، وكان مكتبه في مدينة نيويورك التي أصبحت أول عاصمة للجمهورية تحت الدستور الجديد (نقلت العاصمة إلى فلادلفيا في 1790 م ، وإلى واشنطن في عام 1800 م) . كانت غالبية أعضاء الكونجرس من جماعة الفدراليين ، وقد انغمست الإدارة الجديدة بتعيين موظفيها الكبار الذين سيناط إليهم تنظيم الدوائر المختلفة للحكومة .
أول الأعمال التي قام بها الكونجرس الجديد ؛ كان تقديم عشرة تعديلات على الدستور، خاصة بإضافة الحريات الفردية ، وسميت هذه تشريع الحقوق (Bill of Rights) ؛ وتشمل حرية الكلام والصحافة والحرية الدينية ، المحاكمة بواسطة محلفين ،وبعض البنود الأخرى التي تضمن حماية الأفراد من تعسف الحكومة المركزية . وقد عرض هذا التشريع علىالولايات للمصادقة عليه ، وتم ذلك في عام 1791 م ، وحتى يمكن الحصول على دخل يغطي النفقات الجديدة ؛ قام الكونجرس بوضع تعريفة جمركية كما وضع ضريبة بسيطة حسب الوزن على البضائع المستوردة على سفن أمريكية ، ولكنه فرض ضريبة على البضائع المحملة على سفن أجنبية .
وقد سن الكونجرس قانونا في عام 1789 ينص على تكوين محكمة عليا يرأسها قاض أعلى ونظام للمحاكم الدنيا . وقد عين جون جي رئيسا لهذه المحكمة .
في سنة 1789 م ، قام الكونجرس بتكوين ثلاثة أقسام تنفيذية (وزارات) ، حيث اختار واشنطن رؤساء هذه الأقسام ، وهم : توماس جفرسون للخارجية ، ألكسندر هاملتون للخزانة ، ثم هنري نوكس للحربية ، عين الكونجرس جون جي لرئاسة المحكمة العليا . وهكذا فقد ظهر النظام الوزاري في الجمهورية الجديدة نتيجة اجتماع رؤساء هذه الأقسام لتقديم النصيحة إلى رئيس الجمهورية ، وقداعتمد واشنطن طيلة على هؤلاء الثلاثة لمساعدته ، وكان يستشيرهم في كل الأمور المهمة ؛ نظرا لثقته بهم ولزعامتهم القوية .
برنامج هاملتون المالي
سرعان ما برز هاملتون كأكثر عضو له تأثير في وزارة واشنطن ، حيث قام هذا بتقديم مقترحات متعددة للكونجرس أصبح معظمها قوانين . كانت أغراض هاملتون من وراء سياسته المالية هي والسمعة الحسنة للحكومة المركزية ، وأن يضمن تأييد الطبقات الغنية لهذه الحكومة ، وأن يشجع على سلطاتها.
برنامج معالجة الديون
كان لزاما على لاكونجرس أن يجابه أنواعا ثلاثة من الديون التي على الحكومة خلال فترة الثورة : الديون الأجنبية على الحكومة الكونفدرالية ، ديون الأهالي الأمريك الحكومة الكونفدرالية ، ثم الديون على الولايات . تعهد الكونجرس بدفع الديون الأجنبية ؛ أما الديون والتي كانت على شكل سندات حكومية – فقد انخفضت قيمة سنداتها بمقدار ثلاثة أرباع . المضاربون – مقدما – بأن هاملتون اقترح في الكونجرس ضرورة تحمل الحكومة الفدرالية لهذه الديون بشراء غالبية السندات ، وقد قامت المعارضة في الكونجرس بالوقوف ضد اقتراح هاملتون ، لأن هذا نظرهم كان من شأنه أن يغني المضاربين ؛ بدلا من أصحاب السندات الأصليين . وعلى العموم الكونجرس هذه السندات حسب قيمتها الأصلية .
بخصوص الديون على الولايات ، اقترح هاملتون بأن تتحمل الحكومة الفدرالية هذه الديون فشل في لاحصول على موافقة الكونجرس في هذا الشأن ؛ خصوصا بسبب معارضة الولايات تغلب هاملتون على المعارضة ؛ بعد أن أقنع جفرسون بتأييده للاقتراح مقابل نقل العاصمة من فلادلفيا إلى واشنطن ، دي سي .
هاملتون لم يكن يخشى من زيادة الديون على الحكومة الفدرالية ، لأنه كان يؤكد بأن أصحاب المصالح المالية سيجدون من الضرورة ضمان شراء السندات الحكومية ، وبهذا فإنه سيضمن ولاء ، وتدعيم هذه الطبقات الحكومية المركزية .
بنك الولايات المتحدة والعملة المركزية
لقد اقترح هاملتون تكوين بنك وطني ، ويوافق الكونجرس على هذا الاقتراح بتكوين البنك عام 1791 م ، ومن بين أغراضه حسب اقتراح هاملتون هو أن يكون مصدرا لعملة موحدة تلبي حاجة البلاد ، وأن يقدم القروض القصيرة المدى ، ويكون مركزا لإيداع السندات الحكومية .
كانت الولايات الجنوبية – وهي ولايات زراعية – قد عارضت فكرة إنشاء البنك ، ورغم ذلك فقد وافق الكونجرس على هذا القانون . وقبل أن يوافق واشنطن على القرار ، فقد قام باستشارة كل من هاملتون وجفرسون ، أما الثاني فقد أوضح بأنه من المؤمنين (بتفسير صارم للدستور ، ويرى بأن هذا الدستور لا يعطي الحق للكونجرس بتكوين البنك ، وقد رد هاملتون على ذلك بأنه من المؤمنين (بتفسير مرن) للدستور ، ويرى بأن للكونجرس (حقا متضمنا) (في الدستور) في تكوين البنك ، طالما أن للكونجرس الحق الواضح في صك العملة . وقد أيد واشنطن رأى هاملتون ، وأمضى القانون . وقد أصدر الكونجرس الحق الواضح في صك العملة . وقد أيد واشنطن رأي هاملتون ، وأمضى القانون . وقد أصدر الكونجرس قانون العملة في عام 1792 م ؛ حيث أعطى الحكومة الفدرالية حق صك العملة الذهبية والفضية .
رسوم المنتجات الوطنية والتعريفة الجمركية
أقر الكونجرس اقتراح هاملتون بوضع رسوم على المنتجات المحلية في عام 1791 م ، وكان غرض هاملتون الخاص هنا وضع رسوم على إنتاج الويسكي حتى يشعر المزارعون في المناطق الغربية بمركز للحكومة القوي ، لأنهم أكبر فئة تنتج الويسكي وتستعمله كوسيلة للتبادل مع المناطق الساحلية الصناعية ، وهكذا فقد بدت الرسوم هنا ، وكأنها رسوم على العملة . هذا العمل أدى إلى غضب المزارعين في هذه المناطق ، وقام بعضهم في غرب بنسلفانيا بمهاجمة محصلي الضرائب في بتسبرج . وردت الحكومة على هذا العمل باستعمال القوة لإخماد هذه الحركة ؛ وكان هاملتون نفسه قد صاحب القوة العسكرية التي أرسلت لهذا الغرض . رد فعل الحكومة القوي أجبر هذه المناطق على احترام سلطة الإدارة المركزية ، ولكنه في نفس الوقت أدى إلى انضمام المناطق الغربية إلى جبهة المعارضة ضد الحكومة . وقد أوصى هاملتون – أيضا – بوضع تعريفة جمركية على الورادات الأجنبية لتشجيع المنتجات الوطنية ، وقد أقر الكونجرس هذا الاقتراح بقانون عام 1789 م ، ورفع نسبة الضريبة أيضا في عام 1792 م ، ولكنها بقيت ضريبة من أجل زيادة عوائد الحكومة فقط ، وليس كوسيلة لحماية الصناعات الوطنية كما أمل هاملتون .
أصول الأحزاب السياسية=
سياسة هاملتون المالية ، وأثره الواضح في إدارة الرئيس واشنطن ، على خلق معارضة قوية لهذه السياسة ، وكان زعيم هذه المعارضة توماس جفرسون وزير الخارجية . هذا الخلاف بين الوزيرين كان أساسا لظهور الأحزاب السياسية في الجمهورية الجديدة (الحزب الفدرالي) ، و(حزب المعارضة) .
الفدراليون
لقد تزعم هؤلاء : الكسندر هاملتون ، وكان هؤلاء من المؤمنين بإيجاد صناعة وطنية قوية تقودها الأرستقراطية الغنية في الجمهورية . ولذلك فقد تمثل هذا الحزب في الفئات الصناعية ، التجارية ، أصحاب البنوك والإقطاعيات الكبيرة ، مضاربي الأراضي ، الحرفيين ، والملاك ، وكذلك المدن التجارية الكبرى في الجنوب . لقد نزع الفدراليون دوما إلى تقوية السلطة المركزية على حساب سلطات حكومات الولايات ، ونظرا لتأثر هؤلاء بانتظام البرلماني السائد في بريطانيا ، فإنهم كانوا يرون ضرورة إيجاد سلطة مركزية قوية قادرة على صيانة النظام العام والمحافظة على وحدة البلاد . وكان هؤلاء ، بحكم مصالحهم وثقافتهم ، يريدون وضع السلطة الفدرالية في أيدي نخبة من الأرستقراطيين ورجال الأعمال والمال . لقد جعل هاملتون منهاجه السياسي العمل على إقامة حكومة تمتاز بالتنظيم والدقة والكفاية وفي تفسيرهم للدستور الأمريكي الجديد ؛ كان الفدراليون يعتبرون النصون الدستورية مرنة إلى أقصى حد ممكن ، وكانوا يريدون استغلال ههذ المرونة في سبيل تثبيت الحكومة الفدرالية وتقويتها . عندما ظهر هناك صراع بين بريطانيا وفرنسا ، اتجه الفدراليون إلى تأييد الأولى ، لأن علاقة أمريكا التجارية – وخصوصا الولايات الشمالية كانت مع بريطانيا أكثر منها مع فرنسا .
حزب المعارضة
أما فريق الجمهوريين المؤلف من الجماعات التي عارضت الدستور الفدرالي ، فقد عارضت الاتحاد الفدرالي السابق الذكر . وقد تزعم هذه المعارضة توماس جفرسون . أكبر أنصار هذه الفئة تمثلت في المزارعين ، صغار الملاك ، أصحاب الحرف ، العمل في المدن ، الميكانيكيين ، واصحبا المحلات الصغيرة الذين كانوا يريدون نظاما ديمقراطيا يؤمن للمواطنين أعلى حد من المساواة والحرية . ولما كان هؤلاء يتمسكون بالحريات الفدرية ، فقد راوا أن الإبقاء على الحكومات المحلية وإعطائها سلطات كبيرة يضمن توفير هذه الحريات ؛ ويحول دون تحول الحكومة المركزية إلى قوة طاغية . وعلى ذلك فقد وضعوا ثقة أكبر في الولايات – وليس الحكومة المركزية – واتجهوا إلى تفسير نصوص الدستور تفسيرا صارما ، وذلك لتحديد سلطات الحكومة الفدرالية لمنعها من التجني على سلطات حكومات الولايات . وبما أنهم أكثر مما تسمح به حرفية النصوص الدستورية . وقد وجدت هذه الفئة تجاوبا من جميع أصحاب المصالح الزراعية أينما كانوا ، وكذلك في المناطق الغربية والجنوبية . توماس جفرسون نفسه كان يعتقد بأن الحكومة يجب ألا تكون ذات سلطات واسعة في الأمور الداخلية حتى لايفقد الشعب حرياته ، وكان يميل إلى المساواة والديمقراطية بين المواطنين ، ويعمل على لاحد من سلطات الكنيسة وكبار ملاك الأراضي ، كما سعى إلى توزيع عادل للأرض .
بالنسبة للصراع الثوري في أوروبا بين بريطانيا وفرنسا ، فقد كان هؤلاء من المؤيدين لفرنسا ، بحيث اعتبروها زعيمة الحركة من أجل الديمقراطية والحقوق الإنسانية . وقد زادت سلطة المعارضة عندما استطاعت السيطرة على مجلس النواب في عام 1792 م . وتعزي قوة المعارضة هذه إلى جهود جفرسون الشخصية ، واتصالاته الواسعة في البلاد .
وقد نظر البعض إلى وجود الأحزاب السياسية بأ،ها عامل يدعو إلى التفرقة بين السكان ، ويعرقل إيجاد وحدة داخلية قوية . ولكن يجب الإشارة إلى أن وجود هذه الأحزاب إنما يعتبر وسيلة تستطيع بواسطتها الأطراف المتعارضة أن تبين رأيها ، وبالتالي تساعد على خلق ديمقراطية المشاركة التي تعمل على خلق التعاون بين فروع الحكم الثلاثة – تنفيذية وتشريعية وقضائية .
العلاقة مع هنود المناطق الغربية
كان اندلاع الثورة في عام 1776 م ، عاملا في إيجاد جماعات كبيرة من الرواد الذين اتجهوا إلى الغرب من أجل الاستيطان . فمنطقة فيرمونت ، ساعية إلى الاستقلال عن ولاية نيويورك ، كانت قد طلبت من الكونجرس الفدرالي الانضمام إلى الاتحاد كولاية مستقلة ،ووافق الكونجرس على هذا المطلب في عام 1791م ؛ حيث كانت اول ولاية جديدة تضاف إلى الولايات الثلاث عشرة الأولى . كنتكي التي بدأت كمحافظة ضمن ولاية فرجينيا أصبحت ولاية في عام 1792 م . وتينيسي – التي كانت ولاية نورث كارولاينا تريد السيطرة عليها – قد حصلت على الانضمام إلى الاتحاد كولاية مستقلة عام 1796 م ، هذا الزحف الأمريكي المستمر تجاه الغرب – أراضي يستوطنها الهنود الحمر – دفع إلى رد فعل قوي من قبل القبائل الهندية تمثل في اشتباكات مستعمرة بينا لطرفين . كل ذلك خلق مشاكل جديدة كان على الحكومة أن تواجهها .
إخضاع الهنود في الشمال الغربي
لقد شجعت القوات البريطانية ، التي مازالت تحتل النقاط الشمالية الغربية على حدود كندا ، الهنود الحمر على مقاومة الأمريكيين ، ووعدتهم بالمساعدة في حالة حربهم معهم ، وقد أحرز هؤلاء نجاحا كبيرا في غاراتهم في مناقط أوهايو وإنديانا . ولهذا فقد عين جورج واشنطن (المجنون أنتوني وين) لينتقم م الهنود . وقد أعد وين قواته بعناية ، وبعد اشتباكات دامت من عام 1793 إلى عام 1794 ، استطاع وين أن يحرز نصرا حاسما على الهنود من موقعة فولين تمبرز (Fallen Timbers) ، والتي لم تكن بعيدة عن نقطة الحدود البريطانية في فورت ميامي . وقد انحفت الروح المعنوية لدى الهنود بعد هزيمتهم تحت سمع وبصر حلفائهم البريطانيين ، وفي معاهدة جرينفيل (Greenville) عام 1795 م ، أجبر (وين) الهنود على التخلي عن مناطق واسعة في أوهايو وإنديانا .
العلاقة مع الهنود في الجنوب الغربي
في هذه المناطق ، كانت إسبانيا هي التي تشجع القبائل الهندية الموجودة هناك تحت زعامة الكسندر ميكيليجري ؛ على مهاجمة المستوطنات الأمريكية . وقد استطاع جورج واشنطن أن يبرم معاهدة مع الزعيم الهندي عام 1790 ، وقد نقض الأخير المعاهدة بتشجيع مع إسبانيا ، ولكن أهالي تينيسي انتصروا على الهنود في عدة حملات في عام 1794 م .
وقد سنت الحكومة الفدرالية ما سمي (بقانون التعامل مع الهنود) عام 1796 م ، والذي بموجبه أرادت أن تنظم العلاقة بين تجار الفراء الأمريكيين والمستوطنين وبين الهنود ؛ حتى تمنع أي اشتباكات في المستقبل .
المشاكل الديبلوماسية
قيام الثورة الفرنسية في عام 1789 م ، أخل بميزان القوى داخل القارة الأوروبية ، وكان اتجاهها المتطرف – فيما بعد – (بإعدام لويس السادس عشر عام 1793 م) ، قد جعل هذه الثورة محل اهتمام الشعوب – ليس في أوروبا فقط – بل وفي العالم الجديد . معظم السكان في أمريكا شعروا بالتعاطف مع هذه الثورة منذ بدايتها وحتى عام 1793 – عندما ظهر لهم بأنها تنهج نهجا متطرفا ، وخصوصا بعد إعلان فرنسا الحرب على بريطانيا . وكان أتباع الحرب المعارض من أكثر المتعاطفين مع الثورة الفرنسية ، ولهذا أيدوا الجماهير الفرنسية في صراعها مع بريطانيا ، بينما وقف الحزب الفدرالي بجانب بريطانيا لتخوفهم من تطرف سياسة الجيكوينز في فرنسا .
المواطن جيني (Jenet)
عندما أعلن فرنسا الحرب ضد بريطانيا ، أرسلت الأولى وزيرا مفوضا لها ، ويدعى إدموند جيني إلى الولايات المتحدة ليحصل على مساعدات أمريكية لفرنسا – كما تنص على ذلك شروط الحلف العسكري للدولتين عام 1778 م . وعند بلوغ النبأ لجورج واشنطن ، فقد أراد استشارة بعض وزرائه وخصوصا هاملتون (جفرسون) ، وبعد سماع آرائهم ، أعلن واشنطن حياد الولايات المتحدة بخصوص النزاع بين الدولتين – سواء أكانت المعاهدة مع فرنسا ملزمة أم لا ، كان المهم في نظر واشنطن هو أن تتلافى أمريكا الدخول في أي حرب أوروبية .
وبدون أن يقدم أوراق اعتماده إلى الرئيس في العاصمة ، كما هي العادة ، فإن جيني بدأ في استخدام الشواطئ الأمريكية كقاعدة للحرب ضد كل من بريطانيا وإسبانيا – بدأ في التحضير لحملات الاستيلاء على لوزيانا وفلوريدا من إسبانيا ، وفي تحضير قوات خاصة لمهاجمة سفن النقل البريطانية في الأطلنطي – هذا في الوقت الذي كان فيه الكونجرس الأمريكي قد أعلن (قانون الحياد) . وقد أنذر جورج واشنطن جيني بضرورة الامتناع عن مثل هذه الأعمال ، وقد وعد جيني الرئيس الأمريكي بالتوقف عن أعماله هذه ، ولكنه نقض وعده ؛ ونتيجة لذلك فقد قام واشنطن بطلب إبعاده إلى فرنسا تصرفات الديبلوماسي الفرنسي كانت قد أضعفت الثقة في حرب المعارضين في أمريكا ؛ وكانت نتيجتها أن قدم جفرسون استقالته من وزارة واشنطن في شهر ديسمبر عام 1793 م .
التدخل البريطاني في شئون أمريكا التجارية
نتيجة لطرد الأسطول الفرنسي من المحيط الأطلسي بواسطة بريطانيا ؛ فتح هذا عهد ازدهار لسفن النقل الأمريكية خلال مدة الحرب الفرنسية البريطانية ، وخصوصا أن هذه السفن أصبحت وسيلة النقل الرئيسية بين فرنسا ومستعمراتها في جزر الهند الغربية ، ومع أن الكونجرس الأمريكي . كان قد سن قوانين خاصة (بحقوق المحايدين) عام 1794 م ، إلا أن بريطانيا أصرت على تفتيش السفن المشبوهة في عرض البحار ، محاولة بذلك إحكام الحصار البحري على فرنسا .
وبهذا برز خلاف بين الولايات المتحدة وبريطانيا حول حقوق الحياد المزعومة ، وكان موقف الولايات المتحدة في الدفاع عن هذ الحقوق يرتكز على لاقول بأن سفن الدول المحايدة لها حرية نقل البضائع إلى حيث تشاء – إلى كل الأطراف المتنازعة ، (حرية التجارة للسفن الحرة) . وقد ردت بريطانيا على هذا الإدعاء بأن السفن الممنوعة في وقت السلام من التجارة مع دولة ما – كانت بريطانيا تمنع السفن الأمريكية من التجارة مع جزر الهند الغربية حتى قبل إعلان الحرب بين بريطانيا وفرنسا – لايمكن السماح لها بهذا الأمر في وقت الحرب ؛ ولهذا فإن بريطانيا كانت قد صادرت أكثر من 150 سفينة أمريكية كانت تنقل البضائع بين فرنسا وبين جزر الهند الغربية . ومن ناحية أخرى ، أصرت الولايات المتحدة بأن نقل اللوازم العسكرية إلى العدو هو الذي يمكن أن يعتبر محرما فقط وقت الحرب ، وردت بريطانيا بالقول بأن المواد الغذائية أيضا عرضة للمصادرة لأنه يدفع لها ثمن . واصرت الولايات المتحدة بأن (الحصار النظري) - وذلك الذي لاتدعمه سفن متواجدة بالفعل في منطقة الحصار – يعتبر غير قانوني من الناحية الدولية ؛ وردت بريطانيا على ذلك بمصادرة أي سفن تحاول اختراق منطقة الحصار المعلنة – على شواطئ أوروبا وجزر الهند الغربية . وأخيرا فإن بريطانيا كانت توقف السفن الأمريكية في عرض البحر محاولة التفتيش عن الهاربين البريطانيين من الخدمة البحرية – كثيرا ما كان بعضهم يحاول اللجوء إلى الشواطئ الأمريكية أو الهرب على سفن أمريكي ؛ وقد أصرت بريطانيا في هذه الناحية على تطبيق قانون (من كان إنجليزيا سيبقى دائما كذلك) ، غير معترفة بقانون التجنس الأمريكي الذي أصدره الكونجرس .
معاهدة جي عام 1794 م
لحسم مظاهر النزاع مع بريطانيا ، فإن الحزب الفدرالي الحاكم كان يريد التوصل إلى اتفاق بهذا الشأن ، ولهذا الغرض فإن الرئيس واشنطن كان قد أوفد رئيس المحكمة العليا جون جي إلى بريطانيا بالتعليمات الآتية : محاولة التوصل إلى اتفاقية مع بريطانيا لسحب قواتها من مناطق الحدود الشمالية الغربية مع كندا ؛ إقناع بريطانيا بدفع تعويضات لأصحاب السفن المصادرة ؛ محاولة التوصل إلى اتفاقية تجارية تضمن حقوق أمريكا كدولة محايدة ، وتمنع بريطانيا من تفتيش السفن الأمريكية في عرض البحر . ومن الملاحظ في ذلك الوقت ان مجرى الأمور في القارة الأمريكية كان يساعد في الحصول على معظم مطالبها : انتصارات وين على القبائل الهندية في الشمال الغربي (1793-1794 م) أشعرت بريطانيا بقوة الولايات المتحدة العسكرية ، ووقوف دول (الحياد المسلح) الأوروبية بجانب الولايات المتحدة . ولكن تأكيدات الكسندر هاملتون – الذي كان يميل لبريطانيا – بأن الحزب الفدرالي لن يسمح بنشوب حرب أمريكية مع بريطانيا ، كانت قد نفت أي أثر فعال لهذه التطورات . وأخيرا ، فإن جو جي نفسه – الذي كانت له ميول بريطانية أيضا – كان قد تجاهل التعليمات المعطاة له وفشل في الضغط على بريطانيا في الحصول على أي مطالب ترضى عنها الحكومة البريطانية .
ونظرا لما تقدم ، فإن معاهدة جي قد تضمنت فقط ما يأتي : الاتفاق على تكوين لجان تكون من شأنها دراسة مشاكل الحدود ، ودفع التعويضات للأمريكين المصادرة سفنهم ؛ موافقة بريطانية على الانسحاب من المراكز العسكرية في لاشمال الغربي ، وتوقيع معاهدة تجارية لم تعط الكثير لأمريكا ، لأنها لم تنص على أي شيء يتعلق بتجارة أ/ريكا مع جزر الهند الغربية أو فرنسا . وقد أقر مجلس الشيوخ المعاهدة بأغلبية بسيطة ، إلا انها قوبلت بالرفض العام في الولايات المتحدة . ومع ذلك فيمكن اعتبارها بأنها معاهدة بناءة ، لأنها خففت المصاعب مع بريطانيا ، وأعطت إسبانيا – عدوة أمريكا – انطباعا بأن الولايات المتحدة وبريطانيا ربما دخلتا في حلف سري ضدها . كما أن معاهدة بنكني مع إسبانيا قد عوضت كثيرا من المطالب الأمريكية .
معاهدة بنكني (Pinkney) عام 1795
كان على الحكومة الفدرالية أن تواجه مشاكل النزاع مع إسبانيا التي خلفها الحكم الكونفدرالي السابق ، وتشمل : الخلاف حول الملاحة في نهر المسيسيبي ، منطقة شريط بازو – الحدود مع شمال فلوريدا – ثم الاشتباكات مع الهنود في الجنوب الغربي . من الملاحظ أن إسبانيا كانت قد خشيت بأن التقارب الأخير بين بريطانيا والولايات المتحدة – بعد عقدة معاهدة جي – ربما شجع أمريكا على مهاجمة المستعمرات الإسبانية في منطقة لويزيان وفلوريدا ، ولهذا فإن إسبانيا شعرت بضرورة التخفيف من حدة نزاعها مع الولايات المتحدة .
وبناءا عليه ، فإن توماس بنكني ، وزير أمريكا المفوض في مدريد ، استغل هذا الوقت المناسب ، وقام بالتوصل إلى اتفاقية مع الحكومة الإسبانية تعرف (بمعاهدة سان لورنزو) ، ويشار إليها بمعاهدة بنكني . وقد تضمنت هذه المعاهدة الشروط الآتية : وافقت إسبانيا على اعتبار خط عرض 31 هو الحد الجنوبي للولايات المتحدة – وبذلك تكون إسبانيا قد تخلت عن حقوقها في شريط بازو ؛ سمحت إسبانيا للولايات المتحدة بحق استعمال المسيسيبي في الملاحة مع حق استخدام ميناء نيو أورلينز للتخزين لمدة ثلاث سنوات ؛ كما وعدت بمنع غارات القبائل الهندية على المناطق الأمريكية في فلوريدا .
لقد قوبلت هذه المعاهدة – عند مقارنتها بمعاهدة جي – بارتياح شديد من قبل الرأي العام الأمريكي ، واعتبرت نصرا كبيرا لأنها أسكنت مخاوف المستوطنين في المناطق الغربية ، وبهذا فإنها ساعدت على استمرار الزحف والاستيطان باتجاه الغرب .
إدارة جون آدمز 1797-1801
قام جفرسون بعد استقالته من وزارة واشنطن عام 1793 م بالعمل على تنظيم المعارضة في حزب فعال ؛ أطلق عليه أولا اسم الحزب (الديمقراطي الجمهوري) ، وفيما بعد سمي بالحزب الجمهوري (ولا يجب خلط هذا الحزب بالحزب الجمهوري الحاضر في امريكا ، لأن هذا كان نابعا من الحزب الفدرالي – أتباع هاملتون) .
انتخابات 1796
فيما يسمى (بخطاب الوداع) عام 1769 م ، رفض واشنطن أن يرشح نفسه للرئاسة لمرة ثالثة ، وعندما قام الفدراليون بالتخلي عن قادتهم – هاملتون وجي – الذين ساءت سمعتهم نظرا لمعاهدة جي مع بريطانيا ، واتجهوا إلى تأييد (الأرستقراطي المستقيم) جون آدمز كرئيس وتوماس كنائب للرئيس . أما الجمهوريون فقد رشحوا حفرسون كرئيس وإيرون بر (Aaron Burr) كنائب للرئيس . وعند تعداد الهيئات الناخبة حصل آدمز على 71 صوت ، بينما حصل جفرسون من الحزب المعارض على 68 صوت ، وحسب الدستور فإن صاحب الأغلبية الثانية يصبح نائبا للرئيس ، وهكذا كان الرئيس من الحزب الفدرالي ، بينما نائبه من الحزب المعارض . وكان على آدمز أن يواجه أصعب المشاكل لإدارته وهي العلاقة مع فرنسا .
حادث إكس ، واي ، زد (X, Y, Z, Affair) عام 1797
عندما علمت فرنسا نبأ التقارب بين الولايات المتحدة وبريطانيا في معاهدة جي ، فإنها اعتبرت ذلك محالفا لشروط اتفاقية عام 1778 م بين الدولتين ، وخشيت بأن تكون أمريكا قد عملت حلفا سريا مع بريطانيا . وقد ردت فرنسا على ذلك بإعطاء الأوامر لقادتها البحريين بوضع قيود على الملاحة الأمريكية كتلك التي استعملتها بريطانيا ضد سفن الولايات المتحدة . وكان نجاح الحرب الفدرالي في انتخابات عام 1796 قد زاد الطين بلة ، مما جعل فرنسا تتمادى في تضييق الخناق على سفن النقل الأمريكية . وبناءا عليه ، فإن الرئيس آدمز قام بإرسال بنكني ، والدرج جيري ، وجون مارشال ، إلى باريس عام 1797 بغرض الاتفاق مع الحكومة الفرنسية حول تسوية للسفن الأمريكية المصادرة .
ونظرا لأن الأمور لم تكن مستتبة في فرنسا في ذلك الوقت ، ووجود الفساد السياسي والمالي في عهد ما بعد الثورة .. يقال بأن تاليرانه ، وزير الخارجية الفرنسية طلب الرشوة من الوفد الأمريكي قبل أن يسمح لهم بالنقاش في أي أمور سياسية ، واعتبر الوفد بأن هذا مهين لحقوقهم الدبلوماسية ، ومن ثم رفضوا الدخول في مفاوضات مع الحكومة الفرنسية ، ورجعوا إلى أمريكا ليقدموا تقريرا بذلك إلى الرئيس . في الكتابة عن هذا الأمر في الصحف الأمريكية ؛ كانت الإدارة الأمريكية تشير إلى عملاء تاليران ب(إكس ، واي ، زد) . وهكذا بدا بأن إدارة آدمز ربما تضطر إلى إعلان الحرب على فرنسا .
الحرب البحرية غير المعلنة مع فرنسا
وكود فعل لما سبق ، فقد بدا الكونجرس الأمريكي بالاستعداد للتحضير لحرب مع فرنسا ، قام بالموافقة على زيادة ميزانية الجيش والبحرية (جعل البحرية قسما منفصلا في 1798 م) ، وألغي كل المعاهدات مع فرنسا ، وأكملت البحرية الأمريكية بناء 23 سفينة جديدة ، وسمحت السفن التجارية ، وعينت فئات مسلحة كثيرة تكون مهمتها اعتراض ومضايقة السفن التجاية الفرنسية ، كما عين هاملتون الذي كان يتوق إلى حرب مع فرنسا – قائدا للجيش . لقد استمرت هذه الحرب غير المعلنة لمدة سنتين (1798-1791 م) ، وكانت نتيجتها أن خسر كل من الطرفين ما يقارب الثمانين سفينة . ولكن الرئيس آدمز لم يستمع إلى أصوات حزبه الداعية إلى إعلان الحرب ، مؤمنا بأن مصلحة الوطنية العليا إنما تتطلب تجنب مثل هذا الأمر .
وكان موقف الحكومة الفرنسية يشبه موقف مثيلتها الأمريكية – رفضت الاتجاه نحو الحرب – وأظهرت الرغبة في تسوية الأمور سلميا بين الطرفين . ولهذا فقد أوفد آدمز لجنة إلى فرنسا للتوصل إلى اتفاقية بين الدولتين عام 1800 م . في هذا الوقت كان نابليون بونابرت قد وصل إلى الحكم ، وكان متلهفا على تسوية الأمور الخارجية حتى يتفرغ لشئون فرنسا الداخلية . وبناءا عليه فقد أبرمت اتفاقية في عام 1800 م بين الدولتين كان من مقتضاها أن فرنسا اعترفت بإلغاء كل معاهداتها السابقة مع الولايات المتحدة ، كما وافقت الحكومة الفرنسية على تعويض أصحاب السفن الأمريكية المصادرة ، واعتراف الطرفين بمبدأ (التجارة المحايدة للسفن المحايدة) .
قوانين الهجرة والتمرد (1798)
استغل الفدراليون فرصة إمكن قيام الحرب مع فرنسا لمحاولة تقوية حربهم على حساب حزب المعارضة . ولذلك قاموا بسن قوانين تعرف بقوانين الهجرة والتمرد . كانوا يعرفون أن كثيرا من المؤيدين للحرب المعارض إنما كانوا من الفئات المهاجرة الجديدة إلى أمركيا وخصوصا الفرنسيون ، والأيرلنديون ، وكذلك بعض الأحرار من بلاد أخرى . ولذلك قاموا في الكونجرس – الذي كانت لهم فيه الغالبية العظمى – بسن قانون الهجرة والذي كان من مضمونه زيادة فترة حق التجنس مع خمس سنوات إلى أربع عشرة سنة ؛ وأعطى الرئيس السلطة في إبعاد أي مهاجرين يرى فيهم خطرا على الأمن .
أما قانون التمرد ، فكان يتضمن ما يأتي : منع انتقاد الفدراليين ، منع أي محاولات للتدخل في تنفيذ القوانين التي تعهد إلى الحكومة المركزية ، وفرض عقوبات بالسجن والغرامة المالية على كل من يهتم بذلك ، كما أنه منع نشر أي انتقادات لرئيس الجمهورية أو الكونجرس .
من الملاحظ أن الحكومة لم تقم بترحيل أي من المهاجرين نتيجة سن هذا القانون ، ولكن الكثير منهم ترك البلاد تخوفا من تطبيق القانون ، كما أن كثيرا من الجمهوريين – أتباع جفرسون – كانوا قد قدموا للمحاكمة نتيجة إصرارهم على حرية الكلام ، وبالتالي أصبح ينظر إليهم كضحايا . كان الأثر الفعلي لسن هذه القوانين إنما هو جلب نتيجة عكسية – قلة الثقة في حزب الفدراليين وزيادة شعبية جفرسون وأتباعه الجمهوريين .
قرارت كنتكي وفرجينيا 1798
استغل الجمهوريون عدم شعبة القوانين الجديدة التي فرضت ، وأكد كل من جفرسون ومادسون بانها غير دستورية . وهكذا قام الأخير وإقناع المجلس التشريعي في ولاية فرجينيا – الذي كان هو عضوا فيه – بسن قانون يقضي بأن قوانين الهجرة والتجنس الجديدة إنما تخالف الدستور الفدرالي ، وأن مثل هذه السلطات هي من حق حكومات الولايات . أما المجلس التشريعي في كنتكي فقد امضى قرارا مشابها لقرار فرجينيا ، نتيجة لتأثير جفرسون ،وزاد على قرار فرجينيا بالقول بان قوانين التمرد والهجرة (باطلة وليس لها مفعول) . هذه التأكيدات بأن لحكومات الولايات حق القرار في دستورية القوانين التي يسنها الكنجرس الفدرالي ، وأن لها الحق في رفض هذه القوانين إذا رأتها بأ،ها غير دستورية ، إنما كان أول سابقة لما سمي فيما بد بحق النقض (Doctrine of Nullification) الذي استعملته حكومات الولايات ضد الحكومة الفدرالية . هذا المبدأ استعملته الولايات الجنوبية – فيما بعد – قبيل الحرب الأهلية ، عند تأزم مشكلة الرقيق في أمريكا – كذريعة للانفصال عن الاتحاد الفدرالي .
انتخابات 1800
لقد اختار الفدراليون جون آدمز وينكني ، أما الجمهوريون فقد رشحوا جفرسون وأيرون بر . تركزت الحملة الانتخاببية حول قوانين الهجرة والتمرد ، وقد استغل الجمهوريون عدم شعبية هذه القوانين . الظروف العامة أيضا كانت تعمل ضد رغبة الفدراليين : فحمى الحرب مع فرنسا كانت قد هدأت ولم يستطيعوا الطعن في جفرسون على هذا الأساس ؛ إعادة تدخل بريطانيا – صديقة الفدراليين – في شئون التجارة الأمريكية كان قد أضعف مركزهم ؛ إسراف الفدراليين في الميزانية العسكرية والتحضير للحرب جعل المعارضة تهيب بالعسكرية وحب المغامرة ؛ وأخيرا زيادة الخلافات داخل الحزب الفدرالي – خصوصا بين آدمز وهاملتون ، هذا بالإضافة إلى ضعف قدرة آدمز السياسة إذا قورن بجفرسون وبر اللذين تمتعا بشعبية كبيرة . وهكذا كانت الحملة الانتخابية أول حملة قذرة في تاريخ الاتحاد الفدرالي الجديد ، فقد اتهم جفرسون بأنه من (الملحدين) ، عديمي الخلق ، وبأنه (متطرف خطير) .
كانت نتيجة الانتخاب هي التعادل بين جفرسون وبر اللذين هما من حزب واحد . وبذلك آلت الانتخابات إلى مجلس النواب – الفدرالي – الذي سيكون له القدرة في أن يقرر من هو الرئيس ومن هو نائب الرئيس . شدة الخلافات داخل الحرب الفدرالي أدت إلى التعادل المستمر بين المرشحين خلال 35 مرة لعد الأصوات . في المرة السادسة والثلاثين ، تقدم جفرسون على بر وهكذا أصبح رئيسا . ويقال بأن تأثير هاملتون كان هو العامل الذي أرجح كفة جفرسون . سبب ميل هاملتون إلى جفرسون هو كون الإثنين (هاملتون وبر) من المنافسين السياسيين في ولاية نيويورك ، وكانوا يكنون العداوة والكراهية لبعضهما البعض .
التعديل الثاني عشر (1804) في الدستور
كما رأينا في انتخابات 1796 ، 1800 ، اتضح بأن هناك عيبا في الطريقة التي وضعها الدستور لانتخاب الرئيس ونائب الرئيس . ولهذا فقد اقترح التعديل الثاني عشر والذي من مضمونه أن المرشحين إنما يحق لهم الترشيح لواحد فقط من المركزين . إما الرئيس وإما لنائب الرئيس – ولي لأي منها – بناءا على نتيجة ألأصوات؛ فإذا أخذ الأكثرية يصبح رئيسا ، وإلا فإنه يصبح نائبا للرئيس . هذا التعديل أيضا يمنع أن يكون الرئيس ونائب الرئيس من حزبيين متعارضين ، كما كان الحال في انتخابات 1796 م .
تسلسل تاريخي للأحداث الهامة
1789 : وافق الكونجرس على مبادئ حقوق الإنسان – الثورة الفرنسية . 1790 : نقلت العاصمة إلى فلادلفيا – الإجراءات المالية بواسطة هاملتون . 1791 : صادقت الولايات على مبادئ حقوق الإنسان – أصبحت فرمونت الولاية الرابعة عشرة . 1792 : قبلت كنتكي في الاتحاد . 1793 : أعلنت الولايات المتحدة حيادها في الحروب الأوروبية (فرنسا ضد بريطانيا) – سلوك المواطن جني واستقالة جفرسون من وزارة الخارجية . 1794 : معاهدة جي – انتفاضة الويسكي في غرب بنسلفانيا – الكونجرس يحدد حقوق الحياد البحرية . 1795 : معاهدة بنكني . 1796 : قبلت تينسي في الاتحاد . 1797 : (إكس – واي – زد) – جون آدمز يصبح رئيسا . 1798 : الحرب البحرية غير المعلنة مع فرنسا استمرت حتى 1799 م . 1800 : انتخاب جفرسون في مجلس النواب كرئيس – معاهدة مع فرنسا بإعادة السلام بين البلدين ، وإلغاء حلف عام 1778 العسكري .
مراجع الفصل التاسع
1. J.C. Miller, The Federalist Era, 1789 – 1801 (1960). And Crisis in Freedom (1951).
2. C.G. Bowers. Jeffersson and Hamilton (1925).
3. Douglas S. Freeman. Ceorge Washington: Portiot and President (1954).
4. Alexander De Conde. Entangling Alliance: Politics and Diplomacy Under Goerge Washington (1958).
الباب الثالث: نشأة واحد من عدة 1800-1850
لقد نجح الأمريكيون في الحصول على الاستقلال ، وكونوا حكومة واحدة . لقد مارسوا عملية الانتخاب ، ونقل السلطة بسلام من حرب سياسي إلى آخر . ولكنهم لم ينجحوا بعد في تكوين أمة قوية . ولقد انتظر كثير من المراقبين لمجرى الأحداث – في ذلك الوقت – يترقب هل بإمكانهم أن يقوموا بذلك ؟؟
إن سكان تلك الأرض قد شغلوا مساحة تبلغ أربعة أضعاف مساحة فرنسا مثلا ، ولكن عددهم كان يقل عن خمس تلك البلاد . لقد كانت الطرق قليلة والمدن أقل . إن اتساع رقعة الأرض كان يبدو كنقطة ضعف بالنسبة لهم ، فقد كان السكان يميلون إلى الارتباط بحكومات ولاياتهم أو مناطقهم – نيوإنجلند ، المستعمرات الوسطى ، أو الجنوب – أكثر من الارتباط بالحكومة المركزية التي أنشئت حديثا في مستنقع قطعت غاباته على ضفاف نهر البوتوماك .
ولكن هذه الأمة اكتشفت طرقا جديدة لكي تنمو . لقد حاربت إنجلترا في حرب استقلال ثاني . لقد أصبحت سياساتها وأحزابها أكثر ديمقراطية ، وهذا أوجد تقاليد جديدة وغذى الروح الوطنية ، تلك التي وحدت جميع الولايات والمناطق ، وهكذا فقد كان يبدو بأن هؤلاء إنما يكونون نوعا حديثا من الحكومات القادة الجريئون سوف يستجيبون لرغبات السكان .
الفصل العاشر: كفاح أمة ناشئة - حكم جفرسون ومادسون ، وحرب 1812 - 1801-1816
مجيء جفرسون للرئاسة في عام 1801 م ، كان بمثابة نهاية لعهد سيطرة الفدراليين على الحكم ، ولكنهم بقوا يمثلون المعارضة إلى حين فقدان الصفة العامة بهم خلال الحرب مع بريطانيا عام 1812 ، نتيجة لميولهم البريطانية . وهكذا فقد حلت سيطرة المزارعين ، والديمقراطيين ، والمناطق الغربية (الجمهوريين) ، محل سيطرة العناصر الأتوقراطية ، والتجارية ، والمناطق الشمالية الشرقية – (الفدراليون) . وتميز هذا العصر أيضا بأن أصبحت الولايات المتحدة طرفا في النزاع الأوروبي نتيجة الحروب النابليونية .
إدارة توماس جفرسون
السنوات الأولى
بعد أن ترك جفرسون الرئاسة في عام 1808 ، وصف التغير في الحكم من الفدراليين إلى الجمهوريين بأنه (ثورة) عارمة في تاريخ الولايات المتحدة . ويجب الملاحظة هنا بأنه بالفعل ظهرت تغيرات جذرية في البلاد في عهد جفرسون ، ولكن استعمال كلمة (ثورة) ربما يقصد بها التأكيد فقط وليس المحتوى . من أهم التغيرات التي جلبها العهد الجمهوري هي ما يأتي : لقد حلت الأرستقراطية الزراعية البسيطة محل الأرستقراطية التجارية التي كان لها جذورها العميقة في أمريكا – في المناطق الشمالية الشرقية – وكان مجيء جفرسون للحكم خاتمة عهد دام 24 عاما ، كان فيه كل رؤساء الجمهورية من ولاية فرجينيا ، بحيث أصبحت هذه الولاية تسمى (بأم الرؤساء) الرئيس جفرسون كان مثالا للرئيس الديمقراطي البسيط ، إذا قورن بسابقيه الذين مارسوا الرسمية والأتيكيت في الحكم ، حيث وضعوا مسافة بينهم وبين الرجل العادي الأمريكي ؛ وأخيرا لقد جلب جفرسون العدالة إلى الحكومة المركزية ، وزاد من ثقة الإنسان العادي في قدرة الحكومة .
شخصية جفرسون
مع أن جفرسون انحدر من العائلات الكبيرة في فرجينيا ، إلا أنه لم يكن رجلا أرستقراطيا – أمثال أولئك الذين جاءوا من الساحل الشرقي – وإنما كان مزارعا في الأرياف في الداخل . غير أن جفرسون كان يعتبر من أحصاب الملكيات الكبيرة الذين يملكون الرقيق ، فهو إذن يعتبر من طبقة الأرستقراطية الزراعية . وكان بجانب ذلك معماريا ، حيث وضع خرائط بيته في مونتسلو ، وساهم في إيجاد نبات زراعية لزراعتها في القارة الأمريكية ، ويقال بأن جفرسون لم يكن من المتدينين .
أفكار جفرسون السياسة
فلسفة جفرسون السياسية كانت متأثرة بعاملين : أفكار الفلاسفة الفرنسيين الأحرار ؛ وتجربته بالعيش في بيئة زراعية في فرجينيا . كل هذا كان واضحا في أعماله ، فقد ظهرت فيه روح الحرية في عهد مبكر أيام الثورة الأمريكية ، وكعضو في المجلس التشريعي في فرجينيا ، فقد عمل جفرسون جاهدا على القضاء على الإقطاعية ، ومحاولة فصل الكنيسة عن الدولة . كان جفرسون شديد الثقة بضرورة تعليم وصحافة حرة في البلاد ، كما عمل على إيجاد قوانين أكثر إنسانية وعلى إلغاء قانون العبودية . كان يؤمن بعدم إعطاء سلطات قوية للحكومة المركزية الفدرالية ، وبإبقاء معظم السلطات لحكومات الولايات مع إيمانه بالتفسير الحرفي للدستور . للحكومة المثالية في نظرة ؛ إنما هي تلك التي يديرها أناس مثقفون ، من المزارعين ذوي الكبرياء الشديد النفس . وهكذا ففي مدة حكمه كان يضع دائما مصلحة المزارعين المناطق الغربية رهن عينيه .
أعماله الأولى كرئيس
توقع كثير من الفدراليين أن جفرسون سيكون شديد اللهجة في خطاب توليه للحكم ، ولكنه على العكس كان متسامحا في خطابه تجاه خصومه ، وذكر عوامل تشابه كثيرة بين الفدراليين والجمهوريين . وقد خرج عن عادة سابقيه ؛ فبدلا من أن يخطب في الكونجرس في جلسة افتتاحية ، كما فعل آدمز وواشنطن ، فإنه بعث رسالة مكتوبة إلى الكونجرس ، وبقيت هذه عادة متبعة فميا بعد إلى حين مجيء ولسون للرئاسة في عام 1912 م ، حيث خطب في الكونجرس شخصيا . عين جفرسون جيمس مادسون كوزير للخارجية ، وألبرت جالاتين كوزير الخزانة . وكان معظم الذين عينهم إنما يمثلون طيلة المزارعين الكبار . ولايمكن اتهامه بالمحاباة لأتباعه لأنه لم يعزل إلا عددا قليلا من الفدراليين المتطرفين . وهكذا فإنه لم يستعمل سلاح قوانين الهجرة والتمرد الذي استعمله الفدراليون في السابق ضد الجمهوريين .
الجيش والبحرية
اختلفت سياسة الجمهريين المالية اختلافا حادا عن مثيلتها في عهد الفدراليين . قام جفرسون وجلاتين بتخفيف الدين الوطني وبإلغاء الرسوم على المنتجات الوطنية بما فيها ضريب الويسكي التي فرضت على المناطق الغربية ، وهكذا فقد سويت الميزانية بحيث تعادل الدخل . كما خفض جفرسون مرتبة كلمن الجيش والبحرية ، وقد استبدلت السفن البالية بمائتي قارب صغير مجهزة بمدفع واحد . وتعرضت سياسة جفرسون المالية لكثير من الانتقاد ؛ خصوصا بعد أن جنح قارب صغير من (بحرية البعوض) (وهذا تعبير أطلقه المعارضون على الأسطول الأمريكي في عهد جفرسون) إلى الشاطئ نتيجة عاصفة بحرية ، وقد أدت هذه السياسة التقشفية إلى ضعف البحرية الأمريكية ، وعدم قدرتها على القيام بواجباتها عندما لزم الأمر – في حرب عام 1812 . ولكن التعريفة الجمركية كانت قد جلبت كثيرا من الدخل نتيجة التجارة مع جزر الهند الغربية .
الحرب مع طرابلس الغرب
لقد تعودت الدول الأوروبية على دفع رسوم لدويلات البربر في شمال أفريقيا عن سفنها التي تزور الموانئ هناك ، وكان الفدراليون قد اتبعوا نفس السياسة في عهد حكمهم) وذلك بدفع ضريبة عن السفن الأمريكية التي تستعمل الموانئ في شمال أفريقيا . وبسبب إضافة سفن جديدة إلى البحرية الأمريكية ، فقد قامت الدول البربرية بزيادة العوائد على السفن الأمريكية عام 1801 م ، وعندما رفضت أمريكا دفع الزيادة في هذه الضريبة ، قامت اشتباكات متعددة طيلة أربع سنوات بين السفن الأمريكية وتلك الدويلات ، وقد أعيد السلام في 1805 م ، غير أن هذه الاشتباكات لم تنقطع حتى عام 1815 م ، عندما قام الكومودور دكيتر بإبرام معاهدة سلام مستمر ، اتفق فيها الطرفان على إعفاء السفن الأمريكية من الضريبة .
الهيئة القضائية
كان الفدراليون في الكونجرس قد سنوا قوانين خاصة بالهيئة القضائية عام 1801 م والتي أطلق عليها (تعيينات منتصف الليل) ؛ حيث أن الرئيس آدمز قد استغل الفرصة قبل نهاية حكمة للقيام بهذه التعيينات في منتصف الليلة السابقة لنهاية حكمه ، وكان الغرض من هذه القوانين هو وضع قضاة يميلون إلى الحرب الفدرالي ، آملين بذلك ضمان استمرار نفوذهم ، وكان موقف الجمهوريين هو تجاهل كل القضاة الذين عينوا في هذه الفترة .
قضية ماريوري ضد مادسون عام 1803
هذه القضية كانت ناتجة عن النزاع – بين الفدراليين والجمهوريين – حول ما سمي (بتعيينات منتصف الليل) . لقد اعتبر الفدراليون أن فشل الجمهوريين في الاعتراف بقوانين عام 1801 القضائية ، إنما هو عمل غير دستوري .وقد قام رئيس المحكمة العليا جون مارشال ، الذي عينه آدمز في شهر يناير عام 1801 ، بمحاولة حسم النزاع حول قوانين عام 1801 ، بتأكيد ما اعتبره بحق المحكمة العليا في ممارسة (المراجعة الدستورية) – الحكم على دستورية القوانين التي يصدرها الكونجرس .
وليام ماريوري كان أحد القضاة الذين عينوا في منتصل الليل . ولكن لم تكتمل أوراق تعيينه ؛ مما دفع مادسون وزير الخارجية إلى رفض هذا التعيين ، ولذلك فقد قام ماريوري بالشكوى ضد مادسون بغرض تثبيت تعيينه ، ووصلت القضية إلى المحكمة الاتحادية العليا . كانت وجهة نظر مارشال وبعض الفدراليين هو أن بحرزوا نصرا ضد الجمهوريين ، بتثبيت الحكم لماريوري ، ولكنهم أرادوا أن يحرزوا نصرا أكبر ، لقد قضى مارشال بأن تعيين ماريوري إنما قام على القانون الذي سنه الكونجرس – الاقنون القضائي عام 1801 – ولكن هذا القانون نفسه غير دستوري ، بمعنى أن عمل الكونجرس نفسه كان غير دستوري ، وبالتالي فإن تعيين ماريوري باطل وغير دستوري أيضا . هنا إذن أوجد القاضي مارشال سابقة في القضاء الأمريكي وهو حق المحكمة العليا في الحكم في دستورية القوانين التي يسنها الكونجرس – مبدأ المراجعة الدستورية . كان هناك خطر في استعمال هذا المبدأ من قبل المحكمة العليا التي كان يسيطر عليها قضاء فدراليون – ضد الجمهوريين .
المحاكمة البرلمانية للقاضي تشيس
بدأ الجمهوريون ينظرون إلى وسيلة لمهاجمة قضاة المحكمة العليا الفدراليين ، ولهذا قاموا بمحاولة المحاكمة البرلمانية لبعض منهم . من أمثلة ذلك أن حاولا محاكمة القاضي تشيس – عضو المحكمة العليا – بتهمة المحاباة للفدراليين واستعماله حقه القضائي في الطعن ضد الجمهوريين . ولكن ذكر بعض الاتهامات المجحفة ضده في مجلس النواب كان قد أدى إلى معارضة مجلس الشيوخ في التصديق على الحكم ،ومن ثم قام مجلس الشيوخ بالحكم ببراءة تشيس . أهمية القضية هو أنها جعلت القضاة الفدراليين أكثر حذرا في انتقاداتهم للحزب الجمهوري .
تشريع الأراضي
كانت هناك وجهتان متعارضتان بخصوص وضع القوانين الفدرالية الخاصة بالأراضي . إحداهما ، يرى بضرورة بيع هذه الأراضي لجلب عوائد للحكومة الاتحادية ؛ والرأي الآخر يرى ضرورة بيع هذه الأراضي بطريقة تخدم مصلحة صغار المزارعين . ومع مضي الوقت فقد تغلبت فكرة ضرورة بيع الأراضي بسرعة لتشجيع استمرار الاستيطان نحو الغرب .
من هذه التشريعات ما يأتي : كان أول قانون فدرالي قد حكم بأن الحد الأدنى للمساحة المباعة يجب ألا تقل عن 640 أيكر ، وأن الحد الأدنى لثمن الأيكر هو دولار واحد ،ولم يتضمن القانون نظاما للافتراض لمساعدة صغار المزارعين ؛ وكان الغرض من هذا القانون هو زيادة عوائد الحكومة ؛ ولكنه كان فقط في صالح مضاربي الأراضي . القانون الثاني ، كان في عام 1796 ، وبمقتضاه رفعت قيمة الأيكر إلى دولارين ، وسمح بالاقتراض لمدة سنة واحدة لنصف المساحة المباعة ، ولكن قليلا من الأراضي قد وزع بمقتضى هذا القانون . أما قانون هارسون للأراضي عام 1800 م ، (وقد كان هذا القانون من اقتراح وليم هنري هارسون الممثل من المنطقة الشمالية الغربية) فقد خفض الحد الأدنى من مساحة ألأرض التي يمكن بيعها إلى 320 أيكر ، وسمح بتخفيض المقدم المدفوع إلى ربع قيمة الثمن ، على أن يسدد الباقي على أقساط لمدة أربع سنوات . كان هذا القانون في مصلحة مزارعي المناطق الغربية . القانون الرابع كان قانون عام 1804 م ، حيث أنقص الحد الأدنى إلى 160 أيكر ، وجعل ثمن الأيكر الواحد دولارا وربع ، ولكنه ألغي نظام الافتراض نظرا لفشل المستوطنين الغربيين الجماعي في القيام بتسديد دفعاتهم . وفي هذه الحالة ، فإن الأرض عرضت في المزاد العلني أولا ، وقد بيعت بسعر أعلى من السعر الأدنى . وبمقتضى هذا القانون كانت قد بيعت معظم الأراضي في شرق المسيسيبي قبل عام 1840 م . الاستيطان السريع الذي حصل في منطقة أوهايو إنما كان نتيجة قانون عام 1800 م ؛ حيث استطاعت هذه المنطقة أن تصبح ولاية في الاتحاد الفدرالي عام 1803 م .
المدعون في منطقة يازو
كان المجلس التشريعي في ولاية جورجيا قد باع بواسطة الرشوة (في التسعينات من القرن الثامن عشر) مساحات كبيرة من الأراضي في هذا المنطق إلى أربعة شكرات للأراضي يملكها مضاربون في المناطق الشمالية الشرقية . وفيما بعد ، قام مجلس تشريعي آخر في جورجيا بنقض حق البيع هذا في عام 1795 ، ولهذا قامت شركات الأراضي إلى الحكومة الاتحادية (هذه الأرض كانت على أي حال محل نزاع بين حكومة ولاية جورجيا والحكومة الاتحادية) إذا وافق الكونجرس على تعويض مدعى الملكية لهذه الأراضي من أهالي جورجيا ، وقد وافق حفرسون على هذا الطلب ، غير أن بعض أتباعه في الكونجرس رفضوا ذلك ، وخصوصا النائب جون راندولف من فرجينيا الذي أقنع الكونجرس بعدم الموافقة على صرف هذه المستحقات . وهكذا لم تدفع التعويضات لهؤلاء المدعين إلا في عام 1814 م بعد انتهاء مدة خدمة راندولف في الكونجرس .
ومما يجعل هناك أهمية لهذه القضية ؛ أنها سببت في إيجاد التعديل الحادي عشر في الدستور عام 1798 م ، حيث منع رعايا أي ولاية أو دولة أجنبية أن يقدموا الشكوى ضد أي ولاية أخرى في المحكمة الاتحادية ؛ كما أن هذا النزاع أخر الاستيطان في مناطق غرب جورجيا ، حيث أصبحت هذه – فيما بعد – ولايات مستقلة هي آلاباما ومسيسيبي ؛ هذا بالإضافة إلى أن هذه القضية تعطي فكرة عن مساوئ استخدام المضاربة في بيع الأراضي .
شراء لويزيانا 1803
إن توطين كنتكي وتينيسي وأعالي وادي الرواد بالمزارعين ، وبذلك تعمير شرق نهر المسيسيبي ، جعل السيطرة على مياه المسيسيبي في الجنوب ذات أهمية اقتصادية بالغة بالنسبة للولايات المتحدة ؛ لأن قسما كبيرا من البضائع إنما كان ينقل عن طريق النهر إلى ميناء نيو أوليانز . وفي السابق فإن التدخل في طريق الملاحة هذه خلق مصاعب كثيرة على المزارعين وتجار النقل .
بيع فرنسا للممتلكاتها في لويزيانا
في الأصل كانت لويزيانا ملكا للحكومة الفرنسية ، لكن هذه الملكية انتقلت إلى إسبانيا حسب معاهدة باريس عام 1763 م .وبذلك فقد حصلت إسبانيا بموجب هذه المعاهدة على مساحات في أمريكا تقدر بما يزيد عن مليون مربع وهي كل الأراضي الممتدة من الضفة الغربية لنهر المسيسبي حتى جبال روكي بما في ذلك ميناء نيو أوليانز الضروري لشحن الحاصلات الزراعية الأمريكية . وعند مجيء نابليون للحكم في فرنسا ، فإنه سرعان ما أحيا أطماع فرنسا في القارة الأمريكية ، هكذا فإنه أجبر إسبانيا على أن تعيد لفرنسا كل الأراضي المعروفة باسم مستعمر لويزيانا مقابل تأسيس حكم إسباني في إيطاليا ، وذلك حسب اتفاقية سان الدفوسو (San Aldefoso) عام 1800 م بين نابليون في إقامة إمبراطورية فرنسية غربيّ الولايات المتحدة ؛ وفي ذلك تهديد مباشر لسلامة أمريكا وتجارتها . ولذلك فقد قرر جفرسون التصرف بسرعة وبحزم ؛ حتى ولو اضطره الأمر لدخول الحرب إلى جانب بريطانيا ضد فرنسا وكانت الخطوة التالية لنابليون في إرسال الجنرال لوكليرك (Le Clerc) إلى جزيرة سانتو دومنجو بغرض احتلالها ، لأنه اعتبرها نقطة انطلاق نحو تعمير لويزيانا . وقد قوبل لوكليرك بهزائم شديدة من قبل السكان الأصليين ، لأنهم خافوا استعبادهم من قبل فرنسا ، وعندما علم جفرسون بنية نابليون ، قام بالتقرب إلى بريطانيا لإحباط أي خطط فرنسية في القارة الأمريكية . وفي نفس الوقت واجه نابليون عقبات شديدة لتحقيق أطماعه ، وذلك لأنه فشل أولا في احتلال سانتو دومنجو ، كما خشي بأن التحالف الأمريكي البريطاني سيكون غرضه احتلال لويزيانا ، هذا بالإضافة إلى أن فرنسا كانت في ضائقة مالية بسببحروبها في أوروبا .
معاهدة شراء لويزيانا
قبل أن تنتقل ملكية لويزيانا إلى فرنسا ، قامت القوات الإسبانية بحظر الملاحة في المسيسيبي ، وعند انتقال هذه الملكية إلى فرنسا ؛ ابتعث جفرسون جيمس مونرو إلى هناك للاشتراك مع روبرت لفنجستون ، الوزير المفوض الأمريكي ، لمحاولة التوصل إلى اتفاقية مع فرنسا بشأن شراء ميناء نيوأورلينز ، وذلك لخشيته من نشوب حرب مع إسبانيا بسبب الملاحة . ولدهشة الوفد الأمريكي فقد عرض نابليون على مونرو بيع لويزيانا كلها ، والسبب في ذلك هو أن رغبة نابليون في هزيمة بريطانيا بأي ثمن ، واتعداداته الضخمة بعد صلح اميان لغزو الجزر البريطانية ، جعلاه في حاجة مالية ماسة . وهكذا فقد عقدت اتفاقية بيع مستعمرة لويزيانا مقابل مبلغ 15 مليون دولار . المعاهدة لم تبين حدود فلوريدا وتكساس الإسبانيتين مع الولايات المتحدة ؛ تاركة ذلك للمستقبل ، وقد أدهش الرئيس جفرسون جميع الأمريكيين بتصرفه هذا الذي تجاوز فيه – في نظر البعض – النصوص الدستورية . فجفرسون الذي كان منذ وضع الدستور يطالب باحترام حرفية نصوصه ، وبالدفاع عن صلاحيات الولايات وسيادتها ، تجده عندما يواجه بضرورات أمن وسلامة الولايات المتحدة يقبل بشراء أرض جديدة ويضمنها للدولة دون أن يكون في الدستور ما ينص على مثل هذا الحق للرئيس . هذا بالإضافة إلى أنه لم يأخذ برأي الكونجرس في ذلك .
الاعتراضات في الكونجرس ضد عملية الشراء جاءت من قبل ممثلي ولايات نيو إنجلند الذين خشوا أن إضافة مناطق واسعة إلى الغرب إنما سيقلل من أهمية نيو إنجلند السياسية في الاتحاد الفدرالي .
أما الرئيس جفرسون فقد برر عمله بأن الدستور يعطي للرئيس حق عقد المعاهدات ، وهذا ه ما فعله مع فرنسا . وهذا ، كما هو واضح تفسير مرن جدا للدستور ، وقد اعترف هو بذلك . على العموم ، فإن عمله هذا لقي تأييدا كبيرا من الأمريكيين ، لأنه أكسب البلاد مساحات من الأراضي ذات إمكانيات كبيرة . وقد شعر الأمريكيون بالفائدة العظيمة لهذه العملية بعد وضع سنوات ، عندما ازدهرت مجاري الأنهار الغربية بالسفن ؛ حاملة مهاجرين جدد إلى الغرب ، وناقلة الفراء والحبوب واللحوم إلى المرافئ والمدن الشرقية .
الاكتشافات الأولى لمنطقة لويزيانا
وسرعان ما طلب جفرسون من الكونجرس وضع ميزانية للقيام ببعثات استكشافية في أعالي المسيسيبي في الفترة بين 1804-1806 م ، قام مريوذر لويس (Meriwether Lewis) ووليام كلارك (William Clark) ، اللذان اختارهما جفرسون بنفسه لهذا الغرض ، برحلتهم المشهورة في أعالي المسيسيبي ، ثم إلى جبال روكي ومنها إلى الجنوب بمحاذاة نهر كولومبيا ووصلوا إلى ساحل المحيط الهادي ، وقم زيبيون بايك (Zebulon Pike) بحملته المشهورة في أعالي المسيسيبي وإلى جنوب جبال روكي حيث وصل – فيما بعد – إلى نيومكسيكو .
دور إيرون بر
كانت سمعة إيرون بر – نائب الرئيس جفرسون – قد ساءت في البلاد نتيجة لبعض الحوادث ، حيث أثبتت هذه بأنه عديم المبادئ وذا مطامع شخصية . كل ذلك بسبب إحراجا للرئيس جفرسون ، أهم هذه الحوادث :
أولا : محاولة الانفصال الفدرالية : نتيجة لغضب نيو إنجلند على سياسة جفرسون بشراء لويزيانا ، فقد حاول هؤلاء التآمر بفصل نيو إنجلند عن الولايات المتحدة ، وانضمام كلا من نيو إنجلند و نيويورك في اتحاد مع كندا ، وهكذا اتجهوا إلى إيرون بر للقيام بهذا العمل على أن يصبح هذا حاكما لنيويورك بعد الانفصال . من المعروف أن جفرسون كان قد تخلى عن بر كمرشح لنائب الرئيس في انتخابات عام 1804 م ، وذلك لأن بر الذي كان مرشحا للنيابة في عام 1800 كان قد رشح نفسه للرئاسة عندما آلت الانتخابات لمجلس النواب . ولكن هاملتون فضح الخطة مما سبب فشلها ، ولم تتجدد محاولة انفصال نيو إنجلند إلا في حرق عام 1812 مع بريطانيا .
ثانيا : مبارزة هاملتون : نتيجة لهزيمة بر السياسية المتكررة على يدي هاملتون ، فإنه قد تحدى هاملتون في مبارزة شخصية بالمسدسات . وكانت نتيجتها أن قتل هاملتون ، واضطر بر بعدها إلى الهروب من نيويورك إلى الجنوب . لقد كانت المبارزة ظاهرة قاسية من مظاهر الحياة الأمريكية ، وبقد بقيت مباحة إلى حين الحرب الأهلية عندما طالب الرأي العام بإلغائها .
ثالثا : حملة بر عام 1806 م : بعد خروجه من نيويورك ، قرر بر الهجرة إلى الغرب (خصوصا وأن المبارزة كانت مباحة هناك ، وأن هاملتون كان مكروها في تلك المناطق) . وحاول استغلال غضب تلك المناطق ضد الحكومة الفدرالية بالتآمر على فصل الولايات الغربية عن الاتحاد الفدرالي وتكوين حكومة جديدة هناك ، وقد تقرب إلى وزراء إنجلترا وإسبانيا لطلب مساعدتهم في هذا الأمر . وقام بحملة صغيرة متجها إلى الجنوب فينهر الأوهايو والمسيسيبي ، وحاول إقناع الجنرال جيمس ولكنسون بالانضمام معه . وعندما لاحظ ولكنسون بأن الخطة سوف تفشل ؛ قام بفضحها . وهكذا قبض على بر أثناء محاولته الهروب إلى المكسيك وقدم للمحاكمة في رتشموند بولاية فرجينيا . وفي محاكمة بر عام 1807 ، بتهمة الخيانة العظمى ، لعبت السياسة دورا كبيرا ، حيث أن رئيس المحكمة جون مارشال كان شديد الكراهية للرئيس جفرسون ، وكان يميل إلى بر ، وقد حكمت المحكمة ببراءة بر ، والعلة في ذلك – كما بينت المحكمة – هو أنه لإثبات الخيانة كان يجب أن يكون بر مصاحبا للحملة عند قيامها من نهر الأوهايو .
الدفاع عن حقوق أمريكا في الحياد
تجدد الحرب بين فرنسا وبريطانيا في عام 1803 ، أوجب على أمريكا مواجهة الدفاع عن حقوقها الحيادية في البحار ، وسيطرة نابليون الكاملة على القارة الأوروبية عام 1805 م ، وسيطرة بريطانيا على البحار ، فقد حاولت كل منهما تضييق الخناق على الأخرى بأي وسيلة ممكنة . في ذلك الوقت تمتعت الولايات المتحدة بحرية التجارة مع الدولتين بصفتها دولة محايدة .
سياسة بريطانيا البحرية
سعت بريطانيا إلى إيقاف التجارة بين فرنسا وسمتعمراتها في جزر الهند الغربية ، ومعنى هذا أنها أرادت منع السفن الأمريكية من الإبحار بين الجهتين . ولهذا الغرض قامت بريطانيا بتطبيق قواعد مختلفة لتحقيق إرادتها . في قرار الأسكس عام 1805 م ، قامت بريطانيا بتطبيق قانون عام 1756 م ، الذي يقضي بوقف الشحن إلى فرنسا – حتى ولو كان بطريق غير مباشر – عن طريق الموانئ الأمريكية . وقد قام الأسطول البرطاني بمصادرة السفن التي تخل بهذا القانون ، وبما أن السفن أمريكية ، فقد قامت بريطانيا بالتفتيش التعسفي للسفن الأمريكية ، حتى أنها كانت تقبض على البحارة الذين تجنسوا بجنسيات أمريكية . ومن أهم هذا النوع من الحوادث ، كان حادث السفينة البحرية البريطانية (ليوبارد) التي قصفت سفينة أمريكية (شيسابيك) قريبا من الشواطئ الأمريكية حيث تحملت الأخيرة خسارة 21 بحارا وكاد يؤدي إلى نشوب حرب بين الدولتين ، كما أن بريطانيا أعلنت (أوامر بحرية ملكية) (Orders in Council) منعت فيها الدول الحيادية من التجارة مع فرنسا وحليفاتها ، وقامت بحصار بحري على الموانئ الأوروبية التي كانت تحتلها فرنسا . من أجل ذلك كان لزاما على أمريكا أن تواجه حقوقها في الحياد .
سياسة فرنسا البحرية
رد نابليون على لاسياسة البريطانية بإعلان أوامر يحاول بها إجبار بريطانيا على التسليم . من أولها (إعلان برلين) عام 1806 ، الذي بموجبه فرض الحصار على الجزر البريطانية ، ثم ثانيا (إعلان ميلان) الذي أنذر فيه بأنه سيصادر أي سفن تقوم بالتجارة مع بريطانيا ، وبناءا عليه فقد قام الأسطول الفرنسي بمصادرة وتفتيش بعض السفن الأمريكية .
سياسة جفرسون
بالرغم من مصادرة السفن الأمريكية بواسطة الفرنسيين والبريطانيين ، فقد ربحت التجارة الأمريكية من علاقاتها مع أوروبا ، ومع ذلك فقد أعلن جفرسون بعض القيود حتى يجبر بريطانيا وفرنسا على أن تعترف بحقوق أمريكا كدولة محايدة . من أهم هذه القيود ما يأتي : أولا ، (قانون التعامل) عام 1806 ، حيث بموجبه أوقف استيراد أي بضائع من إنجلترا ، إذا امكن استيرادها من أي بلد آخر ، ومع ذلك فلم تغير بريطانيا سياستها .. ثانيا ، (قانون المقاطعة) عام 1807 الذي سنه الكونجرس بعد حادث تشيسابيك ، حيث منع هذا القانون أي تجارة خارجية . وقد عارض أصحاب السفن التجارية المتركزين في نيو إنجلند مثل هذه السياسة . ومع أن المقصود بالقانون هو حماية الحقوق الأمريكية ، إلا أنه أضر بالمصالح الاقتصادية للأمريكيين ، أما بريطانيا نفسها ، فإنها لم تتأثر من هذا القانون ؛ بل اتجهت إلى الاستيراد من جهات أخرى ، ومن ناحية ثانية ، ازداد التهريب في أمريكا نفسها . ونتيجة لذلك عارض سكان نيو إنجلند هذه السياسة ، كما عارضوا انتخاب مادسون للرئاسة في عام 1808 . وبناءا على ذلك ألغت الحكومة قانون المقاطعة .. ثالثا ، استبدلت الحكومة (قانون المقاطعة) بقانون عدم التعامل (Nonintercourse) ، وبموجب هذا القانون ، فإن قانون المقاطعة طبق على فرنسا وإنجلترا فقط ، ولكن القانون أضاف بأنه في حالة إلغاء أي من الدولتين للقيود التي فرضتها على سفن الشحن الأمريكية ، فإن أمريكا ستعيد التجارة مع تلك الدولة . وقد حصل أن توصل الوزير البريطاني ديفيد إرسكين إلى اتفاق مع أمريكا أن تمتنع بريطانيا عن سياستها . لكنه في الواقع لم يكن مفوضا من حكومته بمثل هذا الاتفاق ، وسرعان ما أصرت بريطانيا على سياستها .
(قانون ميكون رقم 2) عام 1810
نظرا لعدم نجاح (قانون عدم التعامل) ، فقد قام مادسون باستبداله (بقانون ميكون رقم 2) وقد تضمن هذا القانون ما يأتي : ستعيد أمريكا تجارتها مع كل من الدولتين ، ولكنها ستمتنع عن التجارة مع عدو الدولة التي تلغي أولا قيودها على السفن الأمريكية . نابليون الآن حاول أن يجلب أ/ريكا إلى جانبه ضد بريطانيا ، لأنه أعلن إلغاء (قانون ميلان) إذا ألغت بريطانيا (قانون أوامر بحرية ملكية) ضد فرنسا . وفي أوائل عام 1811 م ، استجاب مادسون لإعلان نابليون ، وأعلن بدوره منع التجارة مع بريطانيا . في يونيو عام 1812 أعلنت بريطانيا إلغاءها لقانون (أوامر بحرية ملكية) ، وذلك تحت ضغط طبقة التجار فيها ، وخوفا من نشوب حرب مع أمريكا . محاولة التسوية بين البلدين جاءت متأخرة ، لأن الكونجرس كان قد أعلن الحرب على بريطانيا قبل أن تصل الأنباء إلى أمريكا بإلغاء بريطانيا لقانون أوامر بحرية ملكية .
حرب عام 1812
إن سياسة الضغط السلمي التي اتبعها جفرسون كانت قد استمرت في عهد خلفه جيمس مادسون . وقد حاول هذا التوصل إلى حل للمشاكل مع بريطانيا ولكن دون نجاح . في عام 1810 انتخب في الكونجرس جماعة متطرفة من الجمهوريين من المناطق الغربية يعرفون بـ(صقور الحرب) ، سياسة هؤلاء في الكونجرس هي التي دفعت مادسون إلى الحرب مع بريطانيا ، تلك الحرب التي لم تكن الولايات المتحدة مستعدة لها ولم تحرز أي نصر .
أسباب الحرب
أولا ، إصرار بريطانيا على تطبيق ما اعتقدته بالقوانين الدولية عام 1805 ، سبب غضب الأمريكيين لأن هذا أثر على كثير من الحقوق الأمريكية : مصادرة السفن الأمريكية والتدخل في تجارتها ، واعتقال البحارة البريطانيين على السفن الأمريكية وإجبار تفتيشها ، كما أن التدخل في التجارة الأمريكية قد أضر بمصلحة المناطق الغربية التي كانت تعتمد على تسويق منتجاتها في الخارج . ثانيا ، احتقار الدبلوماسيين البريطانيين لأمثالهم الأمريكيين جلب سخط الرأي العام الأمريكي . ثالثا ، عداء المناطق الغربية كان راجعا إلى الاعتقاد بأن بريطانيا هي التي كانت تشجع قبائل الهنود الحمر وتعدهم بالسلاح لمهاجمة تلك المناطق ؛ وكان تشجيع بريطانيا للهنود هود الدافع على توحيد كل القبائل الهندية في المناطق الغربية تحت قيادة الرئيس الهندي تيكومسه ، وكل هذه الأعمال أدت إلى خسارة كبيرة للمناطق الغربية . وقد كان (صقور الحرب) يؤمنون بضرورة القضاء على الوجود البريطاني في كندا ، وعندها سيرتاحون ويستطيعون التغلب على الهنود ، رابعا ، لقد طمع بعض الأمريكيين في أن يضموا كندا البريطانية وفلوريدا الإسبانية إلى الولايات المتحدة ، وكان هجومهم على هذه المناطق ليس فقط لطرد الهنود منها ، بل ضمها إلى أمريكا . واعتقد (صقور الحرب) بأن كندا يمكن أن تقع فريسة سهلة .
لم يكن هناك إجماع في الكونجرس على القيام بالحرب ضد بريطانيا ، ولكن تحت ضغط فئات (صقور الحرب) (من المنطق الغربية والجنوبية) ، والتي نظمت نفسها في عام 1811 م ؛ كسب هؤلاء غالبية في الكونجرس للسير حسب أهوائهم . أ/ا نيو إنجلند فقد عارضت الحرب معارضة شديدة بسبب خوفها مع تضرر تجارتها في حالة الحرب في 19 يونيو عام 1812 ، من المعروف أن مادسون قد نجح في الانتخاب لفترة ثانية ، عام 1812 ، ضد دووت كلنتون (De Witt Clinton) بأغلبية بسيطة 128 : 89 ، وهذا دليل على انخفاض شعبيته ، وخصوصا في المناطق الشمالية الشرقية .
عدم استعداد بريطانيا للحرب
بالرغم من إعلان الحرب ، فقد وجد الكونجرس صعوبة في إيجاد العدد الكافي من الجنود للخدمة ، حيث أن الأمريكيين كانوا يكرهون الانخراط في الجيش ويفضلون المليشيا ، أما المليشيا فقد كان يلزمها الخبرة ، وكانت مليئة إما بكبار أو صغار السفن ، أو أولئك الذين عينوا لأسباب سياسة أما البحرية فكانت لا تزيد على 12 سفينة حربية مقابل 800 سفينة حربية بريطانية من الناحية المالية ، كانت الولايات المتحدة غير مستعدة – أيضا – للحرب ، العوائد التي كانت تأتي عن طريق التعريفة الجمركية على الواردات لم تكن كافية وذلك لتوقف الإيرادات نتيجة الخلاف مع بريطانيا وفرنسا ، وهكذا فقد استعملت الرسوم على المنتجات التي فرضتها جفرسون – والتي كانت مكروهة ؛ خصوصا من المناطق الشمالية الشرقية – وسيلة لتمويل الحرب . هذا بالإضافة إلى أن معارضة نيو إنجلند للحرب جعل الولايات المتحدة منقسمة على نفسها . فعندما أزف وقت تجديد موعد بنك الولايات المتحدة الذي انتهت مدته في عام 1811 ، فإن الكونجرس الذي كان يسيطر عليه الجمهوريين قد رفض تجديد مدة البنك ، وبهذا تركت البنوك في الولايات المتحدة حرة تعمل ما تريد ، لدرجة أنه زاد تضخم العملة الورقية المطبوعة ،وبطل استخدام العينات في التبادل التجاري .
الحملات العسكرية ضد كندا
بدأت العمليات العسكرية ضد بريطانيا عام 1812 م بثلاث حملات إلى كندا ، وكان نتيجتها جميعا للفشل ، أولا ، اتجه الجنرال هل إلى المال عن طريق ديترويت ولكنه حوصر من قبل البريطانيين ، واضطر إلى تسليم قواته ، وبعد تقديمه لمحاكمة عسكرية والحكم عليه بالإعدام ، أصدر مادسون العفو عنه نظرا لشجاعته في عهد الثورة . ثانيا ، حملة اتجهت إلى كندا عن طريق نهر نياجرا ، حيث رفضت قوات المليشيا فيها أن تعبر الحدود وراء الجيش النظامي . وأخيرا ، فإن قوات ديريورن من المليشيا أيضا ، التي كان من المفروض أن تدخل كندا عن طريق بحيرة شابلين ، رفضت أن تضع قدما على أرض كندا . في عام 1813 أحرز الأمريكيون بعض النجاح ؛ فالجنرال وليام هنري هاريسون كان قد خلف الجنرال هل ، وكان يساعده بحرية خاصة أنشئت لهذا الغرض تحت قيادة أوليفر بيري في منطقة بحيرة إيري ، وقد استطاعت هذه القوات أن تحرز نصرا حاسما على البحرية البريطانية في تلك البحيرة . من ناحية أخرى ، فإن هاريسون أحرز نصرا حاسما على القبائل الهندية بقيادة نيكومسه – والتي كانت خليفة لبريطانيا – الذي قتل في معركة الشمس ، أما الحملات المخططة في شرق بحيرة إيري فقد فشلت جميعا .
الحملات البريطانية
في عام 1814 م ، قام البريطانيون بمهاجمة أمريكا في خمس نقاط متفرقة . أولا ، باتجاه نياجرا من كندا ، وقد صد الأمريكيون هذه الحملة . ثانيا ، في بحيرة شابلين ، حيث اضطرت قوات بريطانية كبيرة إلى التراجع بعد انهزام البحرية البريطانية في (بحيرة شابلين) . ثالثا ، استطاع الجنرال روس ، الذي انزل قواته على الساحل شمال واشنطن ، التغلب على لاقوات الأمريكية في العاصمة ، وقد قام بإحراقها أيضا ، واتجه بعد ذلك إلى الشمال باتجاه بلتيمور ، ولكنه أوقف هناك واضطر إلى الانسحاب عن طريق البحر . رابعا ، استطاع البريطانيون احتلال شريط طوله 100 ميل على ساحل ولاية مين وأخيرا ، الحملة على نيو أورليانز ، حيث قادها الجنرال البريطاني بقوة تقارب عشرة آلاف جندي ،وقد كانت مكونة من جنود اشتركوا في الحرب النابليونية . وقد تعرضت هذه لهجمات قوات القناصة التابعة للجنرال أندرو جاكسون التي أوقعت بهم خسائر كبيرة ، ولكنه لم يكن نصرا حربيا حاسما . جاء انتصار جاكسون بأسبوعين بعد إعلان السلام بين بريطانيا وأمريكا . في الجنوب لغربي ابتدأت الحرب في سنة 1813 ، عندما قامت قبيلة الكريكسي الهندية بإيعاز من تيكومسه بمهاجمة قلعة ميمز في ولاية ألباما وقضت على البيض هناك . وهكذا قام الجنرال أندرو جاكسون ، الذي كان قائدا لمليشيا تنيسي ، بمحاولة نجدة ألاباما ، وأحرز نصرا حاسما على الكريكسي في موقعة هورس شويند . وبعد هذه الموقعة ، عين جاكسون قائدا عاما للقوات الأمريكية في الجنوب الغربي ، حيث أمر بالاتجاه إلى الجنوب لمقاومة الحملة البريطانية على نيو أورليانز التي سبق ذكرها .
الحرب البحرية
كان من الواضح أن البحرية الأمريكية لا تستطيع مقابلة الأسطول البريطاني ، وذلك لاختلافها في العدد والعدة . كانت هناك اشتباكات فردية فقد ، استطاعت فهيا – أحيانا – السفن الأمريكية إحراز بعض الانتصارات . وتجنب الملاحظة بأن التجارة البريطانية كانت قد تحملت الكثير نتيجة الحرب البحرية .
كان الحصار البحري البريطاني لكل الموانئ الأمريكية كاملا في عام 1813 ، ما عدا موانئ نيو إنجلند حيث عارضت هذه مقاطعة التجارة البريطانية ، بسبب ولاء المنقطة لبريطانيا . كانت انتصارات البحرية الأمريكية في منطقة بحيرة شابلين ، وإيري قد عوضت عن الخسائر البرية .
نيو إنجلند والحرب
بمجيء الأرستقراطية الزراعية إلى الحكم عام 1801 م ، وفرض قيود على التجارة مع الدول الأوروبية – بريطانيا وفرنسا – فقد أثر هذا تأثيرا سيئا على صمالح نيو إنجلند التي اعتمدت على هذه التجارة ، وكان نتيجة هذه السياسة أن أغلقت كل موانئ نيو إنجلند . ولذلك فإن سكان هذه المناطق قد حملوا المسئولية على جفرسون وليس بريطانيا . ونيتجة لذلك ، فإن أصحاب المصالح المالية رفضوا شراء السندات الحكومية ، ورفضت المليشيا الاشتراك في الحملات ضد كندا ، وكان ميل السكان الظاهر هو نحو بريطانيا .
وقد تمثلت معارضة نيو إنجلند للحرب في مؤتمر هارنفورد عام 1814 م ، حيث أرسلت كل الولايات في هذه المناطق ممثلين إلى المؤتمر . وقام المؤتمر بإعادة ما جرى في قرارات كنتكي وفرجينيا عام 1799 م ، حيث أكد المؤتمرون بأن حكومات الولايات – وليس الحكومة المركزية – هي صاحبة الحق في الحكم على دستورية القوانين التي يسنها الكونجرس – بمعنى أن الولايات هي صاحبة السلطة العليا . من أهم قرارات المؤتمر هو اقتراح بعض التعديلات على لادستور . هذه التعديلات شملت إلغاء فكرة الثلاث أخماس بخصوص الرقيق عند تقرير التمثيل في الكونجرس ، يجب موافقة ثلثي أعضاء الكونجرس في حالة اقتراحات بقبول ولاية جديدة إلى الاتحاد أو إعلان المقاطعة التجاية مع دولة ما أو في حالة إعلان الحرب ، حصر مدة الرئاسة في فترة واحدة ، ومنع انتخاب رئيسيين متتاليين نفس الولاية . كان خطر الانفصال ظاهرا في الدعوة إلى مؤتمر في السنة القادمة ، وكان إنهاء الحرب مع بريطانيا فقط هو الذي أوقف سكان نيو إنجلند عن هذه الخطوة ، كما أن تيار القومية العارم بعد الحرب كان قد قلل الثقة في الفدراليين هناك ، وبالتالي قضى على أي تأثير لهم في السياسة الأمريكية في المستقبل .
معاهدة جنت (Ghaent)
محاولات إيقاف الحرب بدأت مبكرا ، ولكن الخلاف على مشكلة تفتيش السفن الأمريكية هو الذي منعا لتوصل إلى أي اتفاق . في عام 1813 ، حاولت روسيا التوسط لإيقاف الحرب ، وقد عين مادسون وفدا أمريكيا مكونا من جون كونسي آدمز ، وألبرت جالاتين ، وهنري كلي . وقد بدأت المفاوضات بمطالب عالية للطرفين ، ولكن بريطانيا بدأت في التسامح قليلا بعد أن وافق الوفد الأمريكي على تفسيرات بريطانيا للقانون البحري . كما أن الانتصارات الأمريكية في بحيرة شابلين ، ومعارضة الرأي العام البريطاني الشديدة للحرب ، كانت قد أجبرت الحكومة البريطانية على تخفيف مطالبها . وقد تبين بأن المعاهدة ، التي وقعت في ديسمبر عام 1814 ، لم تتضمن أي تغييرات إقليمية للطرفين . فحقوق الحياد التي دخلت أمريكا الحرب من أجلها قد أهملت ، وكل ما حققته المعاهدة هو تعيين لجان مختلفة تنظر – فيما بعد – في النزاع حول مشكلات الحدود ، التجارة ، الصيد البحري ، والحقوق في البحيرات .
نتائج الحرب
أولا ، كسبت البحرية والدبلوماسية الأمريكية احترام الحكومة البريطانية . ثانيا ، كراهية ا/ريكا لبريطانيا كانتقد استمرت ، ولكن التجارة كانت قد رجعت إلى حالتها الطبيعية بعد توقف الحرب . ثالثا ، هزيمة القبائل الهندية في الجنوب الغربي ؛ كان قد فتح كل منطقة غرب المسيسيبي للاستيطان – رابعا ، انتهاء الحرب في اوروبا بهزيمة نابليون عام 1815 ، جعل أمريكا تولي كل عنايتها إلى امورها الداخلية وخصوصا الاستيطان والتوسع المستمر نحو الغرب . خامسا ، كانت الحرب قد شجعت وساعدت على نمو القومية الأمريكية ، وقضت على أي محاولات للانفصال مثل التي ظهرت في نيو إنجلند . سادسا ، توقف التجارة في الفترة ما بين عام 1801-1814 ؛ كان قد شجع على نمو الصناعة المحلية الأمريكية .
وباختصار ، فإنه رغم ما أنزلته تلك الحرب بالولايات المتحدة من الخسائر في المال والأرواح ، فإن أهم نتائجا أنها دعمت وحدة البلاد ، وأيقظت الشعور الوطني لدى الكسان . وكما أوضح جلاتين وزير المالية –آنذاك – أنها (جددت الشعور الوطني وشكلت الخلق القومي على نحو جديد . فقد أصبح للشعب الآن أهداف توثق بين أفراده ، أهداف ترتبط بها كرامتهم وأفكارهم السياسية ، وقد أصبحوا أمريكيين أكثر من أي وقت مضى ، فهم يشعرون كأمة ويتصرفون كأمة) .
تسلسل تاريخي للأحداث الهامة
1803 : شراء لويزيانا من فرنسا 1806 : إعلان نابليون (برلين – ميلان) ، وإعلان بريطانيا لسياستها 1806-1807 م . 1807 : قانون المقاطعة يمنع التصدير إلى الدول الأجنبية . 1812 : أعلن الكونجرس الحرب ضد بريطانيا . 1814 : أحرق البريطانيون واشنطن – مؤتمر هارتفورد أعلن معارضته لحرب عام 1812 – معاهدة جنت بين بريطانيا وأمريكا . 1815 : موقعة نيو أورليانز
=مراجع الفصل العاشر
1. Adrienne Koch. Jefferson and Madison: the Great Collaboration (1950).
2. Claude Bowers. Jefferson in Power (1936).
3. Marshall Smeller. The Democratic Republic (1968).
4. E.S. Corwin. Joan Marshall and the Constitution (1919).
5. M. D. Peterson. Thomas Jefferson and the New Nation (1970).
الفصل الحادي عشر: روح وطنية عالية 1815-1828
كان من نتائج الثورتين (الأمريكية والفرنسية) أنهما أثرتا على ظهرو الحركات الديمقراطية القومية في انحاء كثيرة من العالم ؛ كما أن الحروب النابليونية في أوروبا قد شجعت الشعور بالروح القومية في تلك القارة . وكما قاومت الدول الأوروبية الاعتداءات النابليونية ، اعتبرت حرب 1812 مقاومة للاعتداءات البريطانية على أمريكا . وبذلك اظهرت الثقة في قوة أمريكا العسكرية . وهكذا بدأ سكان أمريكا يشعرون بأفضلية نظامهم الديمقراطي على النظم الملكية الأرستقراطية التي كانت موجودة في أوروبا وأقسام من العالم في ذلك الوقت .
تشريعات لبناء الاقتصاد الوطني
قام الرئيس إلى الكونجرس برنامجا اقتصاديا عاما في عام 1815 ، ويشمل تشريعات تخص إعادة تجديد فترة البنك الوطني الأمريكي ، مراجعة التعريفة الجمركية ، وتطبيق نظام الحماية الاقتصادية ، إنشاء الطرق ، وأخيرا تشريعات جديدة لتقوية البحرية والجيش .
البنك الوطني الأمريكي
بعد أن سمح الجمهوريون بانتهاء مدة البنك في عام 1811 م ، أصبحت البنوك في الولايات حرة في صك العملة ،ومن هنا زادت العملة الورقية . وبذلك انخفضت قيمتها مما أدى إلى خلق فوضى اقتصادية ، تضاعفت نتيجتها الأوراق البنكية في عام 1816 .. ونذر الذهب والفضة في الجنوب والغرب ، وأثرا تأثيرا سيئا على التبادل التجاري . وللتغلب على هذه المصاعب الاقتصادية ؛ ظهرت الحاجة إلى تجديد مدة البنك الوطني .
في عام 1816 م ، وافق الكونجرس على إحياء البنك الوطني وتجديد مدته لفترة عشرين سنة . وقد كان على غرار البنك الأول من حيث النظم والوظائف ، واختلف في زيادة رأس ماله ، كما سمح له بتكوين فروع في الولايات .
الأزمة الاقتصادية عام 1819
لم يطبق البنك الوطني حق المراقبة على البنوك في الولايات . وإنما بدأ بإعطاء قروض مالية بسخاء – ولهذا قام مضاربو الأرض بأخذ القروض الكبيرة من البنوك المركزية لاستعمالها في شراء الأراضي ، مما أدى إلى زيادة الطلب على الأرض .. في عام 1818 ، بدأ البنك الوطني يطالب بنوك الولايات بدفع ديونها بالعملة الذهبية أو الفضية ، وبالتالي فقد ضيقت هذه البنوك الخناق على مدينيها ، ولهذا ظهرت أزمات مالية ، لأن المدينين بدأوا يبيعون ملكيتهم لتدبير النقد ، وكان أن أفلس الكثير منهم . هذا التعسف من قبل البنك خلق أعداء كثيرين له ف يالغرب والجنوب . وكنتيجة لهذه الأزمة فقد سنت كثير من الولايات تشريعات مرنة لإعلان الإفلاسات . وقد قام البنك بتخفيض قيمة الأرض إلى دولار وربع مع منع إعطاء القروض .
التعريفة الجمركية عام 1816
نتيجة لشعور القومية المتزايد ، وزيادة المصانع المحلية ، وتعمد بريطانيا إغراق السوق الأمريكية بالبضاعة البريطانية ؛ قام الكونجرس الأمريكي بفرض الحماية الجمريكة على الواردات . وقد اختلفت نسبة التعريفة بحيث تسمح بحماية المصنوعات المحلية . وهكذا اختلفت النظرة في الكونجرس إلى هذه التعريفة باختلاف الجهات .
فدانيال ويستر ، الذي يمثل نيو إنجلند التي تستورد الكثير والتي لها مصالح في التجارة البحرية ، عارض فرض الحماية الجمركية ؛ بينما كان جون سي . كالهون ، ممثل الجنوب ، يؤيد فكرة الضريبة بغرض تشجيع الصناعة المحلية ، في حين كان جون كلي ممثل كنتكي ، المنتجة للأصواف والقنب يؤيد فرض الضريبة .
المعونة الفدرالية لتحسين الطرق
زيادة توطين المناطق الداخلية في الغرب أوجد الحاجة إلى ضرورة بناء طرق جديدة لتحسين المواصلات ، ولكن هذا يعتبر حملا ماليا كبيرا على الغرب وحده . وكان الشعور القومي يدعو إلى ضرورة بناء طرق وقنوات جديدة لتسهيل التجارة بين الشرق والغرب . وفي هذه الناحية رفض الرئيس مادسون الموافقة على مثل هذه المعونة ؛ فمثلا رفض التوقيع على مشروع قانون (بونص بل) من قبل الكونجرس في عام 1817 م ، والذي يقضي بان تعطي عوائد البنك المركزي للولايات لتحسين الطرق وكان مادسون من المؤمنين بالتفسير الحرفي للدستور ، وهو لا يرى في الدستور ما يؤيد ذلك ولكن مادسون ومونرو بعده ، لم يعارضا في استعمال دخل الحكومة من بيع الأرض المشاع من أن يستعمل لبناء طريق كمبرلاند التي كانت تعتبر طريقا عاما وطنيا ، ولكن مونرو رفض التصديق على ميزانية هذه الطريق فيما بعد عام 1822 . ونتيجة لهذه السوابق فقد آلت مسئولية بناء الطرق المحلية إلى الولايات وليس إلى الحكومة .
التوسع نحو الغرب
كان الزحف نحو الغرب قد زاد بعد الثورة (1783-1800) ، ولكن حرب 1812 مع بريطانيا وكذلك غارا الهنود كانت بد أبطأت هذا التقدم بين عام 1800-1815 . هذا الزحف يمكن وصفه كالآتي : في المقدمة أصحاب الصيد وتجار الفراء والمستكشفين ، ويتبع هؤلاء موجة الرواد المزارعين ، وعندما تزداد كثافة هؤلاء المستوطنين (فإن موجة أصحاب الصيد وتجار الفراء تتقدم إلى المام .. وهكذا تعاد الكرة . لقد تلا الصلح مع بريطانيا عام 1815 ، موجة هجرةداخلية عارمة يطلق عليها في التاريخ الأمريكي اسم (الهجرة الكبرى) (Great Migration) .
أسباب الهجرة
أولا ، التغلب ثم السيطرة على الهنود الحمر خلال وبعد حرب 1812 م ، كان قد أدى إلى إخلاء كل الأراضي شرق السميسيبي . ثانيا ، إرهاق التربة الزراعية في نيو إنجلند والسواحل الجنوبية مع إغراءات وجود أرض بكر في الغرب كان قد شجع على هذه الهجرة . ثالثا ، انخفاض سعر الأرض نتيجة سن قانون هارسون عام 1800 م ، دعا كثيرا من المستوطنين إلى استغلال الأرض المشاع . رابعا ، بناء طرق جديدة ، وخصوصا الطريق الوطنية وقناة إيري . خامسا ، كانت الهجرة فرصة للهروب م التفرقة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في مناطق الشمال الشرقي وأوروبا .
مسالك الهجرة الداخلية
منذ عام 1830 ، بدأ الرواد يسلكون الطرق البرية والقنوات والقوارب المائية البخارية من الشمال الشرقي في الاتجاهات الآتية : الأول : خرج كثير من المهاجرين من نيويورك ونيو إنجلند قبل عام 1825 م عن طريق جنيسي من ألباني إلى بفالو ، وبعد تكملة إيري في عام 1825 ، كانوا يتجهون من نيويورك ونيو إنجلند إلى بحيرة إيري . كل هذه الجماعات استوطنت في المناطق الواسعة جنوب البحيرات الكبرى . الثاني ، في بنسلفانيا كانوا يأخذون الطريق بين فلادلفيا إلى لانكستر ثم يقطعون الجبال عند يدفورد ومنها إلى بتسبرج وإلى نهر الأوهايو حيث يستخدمون النهر إلى الجنوب . ومن المناظر المألوفة في ذلك الوقت كانت العوامات المسطحة التي تحمل العائلات وحيواناتهم تجوب نهر الأوهايو ، وكانت بتسبرج هي نقطة الإنطلاق نحو الغرب ليس فقط للعائلات المهاجرة بل وللرواد والمستكشفين . الرابع ، في أقصى الجنوب اتجه كثير من المهاجرين من فرجينيا والكارولاينا إلى طريق فتحة كمبرلاند ومن ثم إلى كنتكي وتنيسي . والخامس ، بعد عام 1825 كان كثير من المهاجرين يأخذون المسيسيبي من نيو أورليانز متجهين إلى الشمال الغربي . وكل ههذ الهجرات لم تكن منظمة في شكل جماعات ؛ بل كانت عبارة عن عائلات زراعية .
تأثير عملية التوسع في الشخصية الأمريكية
بعد حرب عام 1812 ، بدات تتضح بعض مظاهر الشخصية الأمريكية . فالأمل في مستقبل زاهر ، وزراعة مثمرة ، والحركة والاستيطان المستمر في مناطق الحدود بدأ يطبع الإنسان الأمريكي بصفات معينة . هذا الإنسان الجديد يختلف عن سلفه في عهد الثورة في أنه نشيط ، جاد في عمله ، كثير الأمل في نوعية الحكومة الديمقراطية التي أوجدها والتي يراها متميزة عن النظم الأرستقراطية المملكية في أوروبا . وبذلك تبلورت في هذا الإنسان الجديد صفات مثل الافتخار ، العداوة ، الإبداع ، الاعتماد على النفس ، والبراعة . وقد انتقد بعض الزوار الأوروبيين لأمريكا – في العشرينات والثلاثينات من القرن التاسع عشر – هذه الصفات في المجتمع الجديد .
آثار المناطق الغربية على السياسة الوطنية
قبلت أوهايو كولاية في الاتحاد الفدرالي عام 1803 ، أما لويزيانا فقد قبلت في عام 1812 . أما الولايات التي نتجت عن الهجرة الكبيرة فقد قبلت في الاتحاد بسرعة .، إنديانا في عام 1816 ، مسيسيبي عام 1817 ، الينوي عام 1818 ، وألباما عام 1819 . كما ارتفعت نسبة الزيادة في السكان بعد تكوين هذه الولايات . أصبحت الولايات الغربية تشكل مجموعة واحدة متماسكة المصالح ، وبالتالي ظهر هناك تنافس بين الشمال والجنوب لكسب المجموعة الجديدة إلى جانبها . كانت هذه المجموعة – في الغرب – تريد انخفاضا في سعر الأرض ، وتريد زيادة في تحسين الطرق ، وتميل نحو وضع تعريفة جمركية عالية وانخفاضا في الفوائد . وهكذا فإن النفوذ الذي تمتعت به نيو إنجلند في العهود الأولى للتاريخ الأمريكي بدأ في النقصان .
تقدم الصناعة والمواصلات
كان الاقتصاد الأمريكي قبل حرب 1812 ، قد تركز في النقل البحري والتجارة ، حيث كانت أمريكا تستبدل بموادها الخام الصناعات المستوردة من أوروبا وبريطانيا ، بدلا من أن تعمل على تحسين صناعتها المحلية . نظرا لتفوق الصناعة الأوروبية في جودتها وكميتها . وبعد الاستقلال كانت وسائل النقل الأمريكية قد تحسنت كثيرا .
أسباب قيام المصانع
نتيجة المقاطعة الاقتصادية ض فرنسا وبريطانيا (1806-1811) وحرب عام 1812 ، نقص الاستيراد من الخارج ، وكان هذا سببا في ظهور الصناعة المحلية ، وبدلا من أن تستثمر الأموال في التجارة – كما كان الحال في السابق – فإنها اتجهت الآن نحو التصنيع ، حيث شجعت الحكومات المحلية وحكومات الولايات على مثل هذا الاتجاه . وهكذا تحسنت وبرعت صناعة الغزل والنسيج ، وتلا ذلك الحاجيات التي يدخل في صناعتها الحديد والجلود والخشب وكذلك صناعة الورق .
مناطق الصناعات
منطقة نيو إنجلند كانت رائدة في هذا الصدد ، وخصوصا في صناعة الملابس ، وذلك لاستبدال النشاط التجاري فيها بالصناعة ، وتوفر قوى المياه والأيدي العاملة . كما أن تجارها كان لديهم القدرة على القيام بعملية التوزيع إلى الأسواق في الجنوب .
ونظرا لتوفر الحديد والفحم في الولايات الوسطى ، فقد ساعد هذا على تطور الصناعات هناك أيضا . أما الجنوب فقد ركز نشاطه على الزراعة ، وخصوصا القطن والمحاصيل التي كانت مربحة ؛ نظرا لتوفر ورخص الأيدي العاملة بوجود رقيقة .
الرغبة في زيادة الأرباح في السوق المحلية والدولية ، وكذلك ارتفاع أجور العمال ، كانت من الدوافع لأصحاب العمل على الابتكار الميكانيكي وزيادة الإنتاج . وأكثر من أي شيء آخر ، فقد كان التطور التكنولوجي ، وتحسين طرق المواصلات والصناعة ، وكذلك الزراعة ، من العوامل التي ساعدت – في أسرع وقت ممكن – على توطين المناطق الغربية .
لتقدم التكنولوجي
(جون فتش) كان أول من أوجد القارب البخاري عام 1790 م ، ولكن (روبرت فلتون) كان أول مستخدميه عام 1807 م . وهكذا مع مجيء عام 1830 م كان هناك ما يقارب المائتين من هذا النوع من القوارب البخارية التي تستعمل في نهر المسيسيبي ، ومن مميزاتها أنها يمكن أن تسير عكس التيار المائي . وعلى هذا فقد أصبح ميناء نيو أوليانز مركزا للقوارب التي خدمت المناطق الغربية والسواحل الشرقية وأوروبا . (إلي وتني) أخترع آلة قطف القطن في 1793 م ؛ مما أدى إلى التوسع في زراعة القطن في الجنوب .
الطرق والقنوات
بناء الطرق الصالحة في كل الأحوال المناخية (تيرن بايك) كان من العوامل الهامة في تقدم طرق المواصلات . وأول هذه كان الطريق الممتد بين لانكستر وفلادلفيا الذي بني عام 1794 ؛ نجاح هذا النوع من الطرق أدى إلى بناء الكثير منها بعد ذلك .
كانت وسائل النقل المائية هي التي شاع استعمالها بعد عام 1830 ، فقناة إيري التي بدأ العمل فيها عام 1817 واكتملت في عام 1825 كانت وسيلة للمواصلات بين مدينة نيويورك وبفالو على بحيرة إيري . ونجاح هذا الطريق أدى إلى ظهور قنوات أخرى ربطت البحيرات العظمى بمناطق الأوهايو والمسيسيبي . حكومات الولايات أو الشركات الخاصة هي التي مولت هذه القناة .
الإتفاقيات مع بريطانيا وإسبانيا
كانت مهمة اللجان التي انبثقت عن معاهدة جنت – إنهاء بعض الخلافات مع بريطانيا . أما مشاكل الخلاف مع إسبانيا على فلوريدا فقد انتهت بضم فلوريدا إلى الولايات المتحدة .
المفاوضات مع بريطانيا
كانت نتيجتها الاتفاقيات الآتية : أولا ، اتفاقية تجارية عام 1815 م ، بموجبها سمح لأمريكا بالتجارة مع كل الموانئ الإمبراطورية ماعدا جزر الهند الغربية ؛ ثانيا ، اتفاقية رش – باجوت 1818 م دعت إلى اعتبار منطقة البحريات العظمى منزوعة السلاح ؛ وبذلك فتحت الحدود مع كندا ؛ ثالثا ، اتفاقية الحدود عام 1818 ؛ بموجبها اعتبر خط العرض 49 ، ممتدا من بحيرة (وودز) إلى جبال روكي ، حدا فاصلا بين الولايات المتحدة وكندا ، أما أوريجون فتكون منطقة احتلال مشترك بين بريطانيا والولايات المتحدة ؛ رابعا ، اتفاقية بشأن الاعتراف الأمريكيين بحق الصيد على سواحل كندا .
فلوريدا وإسبانيا
استرجعت إسبانيا منطقة فلوريدا من الحكومة البريطانية بعد عقد معاهدة باريس عام 1783 م . القسم الغربي من فلوريدا – ممتدا من نهر برويدو غربا محاذيا لساحل خليج المكسيك حتى يصل إلى مسيسيبي – كان أول ما وقع تحت النفوذ الأمريكي . طمع الولايات المتحدة في منطقة فلوريدا يرجع إلى قربها من ميناء نيو أورليانز ، واستعمال الأنهار المارة بهذه المنطقة للملاحة ، وخصوبة تربتها ، وفشل إسبانيا في منع الهنود من القيام بغارات ضد المستوطنين .
استطاعت أمريكا الحصول على فلوريدا في أربع مراحل أولا . شريط يازو حصلت عليه نتيجة معاهدة بنكني ؛ ثانيا ، غرب فلوريدا حيث استوطنه بعض الرواد في عام 1810 ، وقد ثار هؤلاء الرواد على ألإسبانيين هناك بإيعاز من الحكومة الأمريكية ؛ وبذلك أعلن مادسون ضمه إلى الولايات المتحدة ؛ ثالثا ، أكمل الأمريكيون احتلالهم لغرب فلوريدا بعد أن احتل الجنرال ولكنسون هذا القسم بالقوة بأمر من الحكومة الأمريكية عام 1813 ؛ رابعا ، في خلال حرب سيمينول بين إسبانيا والولايات المتحدة استطاع أندرو جاكسون أن يحتل شرق فلوريدا . وعاصمتها بنساكولا ، وهكذا أقنع إسبانيا بضرورة بيع هذه المنطقة – ولكنها من الأصح بأن تسمى معاهدة آدمز- أونس عام 1819 م .
معاهدة آدمز – أونس عام 1819
تسمى – هذه أحيانا – بمعاهدة فلوريدا ، ولكنها من الأصح أن تسمى بمعاهدة آدمز – أونس حيث إنها حلت مشاكل أخرى غير فلوريدا . كان من أهم شروط الاتفاقية : إعطاء فلوريدا لولايات المتحدة مقابل تخلي المواطنين الأمريكيين عن شكاواهم ضد إسبانيا ؛ وضعت الحدود بين لويزيانا والممتلكات الإسبانية في الجنوب الغربي ، هذه الحدود كانت تمر بحدود تكساس الحالية في الشرق والشمال ، من ثم محاذيا لنهر أركنساس إلى جبال روكي ، وعندها بمحاذاة خط عرض 42º إلى المحيط الهادي ؛ تحلت إسبانيا عن ادعاءاتها في أوريجون مقابل تخلي أمريكا عن ادعاءاتها في تكساس – أوريجون آلت للولايات المتحدة ؛ بينما آلت تكساس لإسبانيا . لم تصدق إسبانيا على هذه المعاهدة إلا بعد عام 1821 م ، حتى تمنع أ/ريكا من الاعتراف باستقلال بعض المستعمرات الإسبانية عن إسبانيا .
جون مارشال والمحكمة العليا
لقد لعبت المحكمة الاتحادية العليا في زمن الرئيس مونرو ، والرؤساء الذين سبقوه منذ بداية القرن التاسع عشر ، دورا بارزا في إيجاد الأسس القانونية التي أدت إلى تثبيت دعائم الحكم المركزي . ذلك أن قاضي القضاة جون مارشال كان من الحزب الفدرالي ، الذي عينه الرئيس جون آدمز رئيسا للمحكمة المذكورة عام 1801 م ، قد استمر في هذا المنصب حتى سنة 1835 م – أكثر من أي رئيس محكمة سابق . ولقد عمل مارشال طيلة هذه المدة على دعم نظريات الفدراليين . لقد حكم مارشال خلال مدة رئاسته الطويلة في عدد كبير من القضايا التي تتضمن مسائل دستورية ، ولم ينجرف أبدا في هذه القارات عن المبدأ الأساسي الذي آمن به وهو (سيادة الحكومة الفدرالية) . لقد صرح مارشال في إحدى هذه القضايا عام 1819 م بأن الدستور يعطي الحكومة سلطات أخرى (متضمنة) ، بالإضافة إلى تلك السلطات التي يقرها (علانية) (بوضوح) ، وبهذه القرارات استطاع مارشال أن يترك أثرا قويا على المحكمة ، ويدعم من نصيبها . في محاولة جعل الحكومة الفدرالية الأمريكية ذات قوة فعالة حية .
تأثير مارشال
كان مارشال من ولاية فرجينيا ، وقد اشترك في الثورة الأمريكية بعد أن تخرج من كلية وليام آند ميري ، وسرعان ما أصبح محاميا وسياسيا مرموقا في ولايته . لقد خدم كأحد المبعوثين للمفاوضة مع فرنسا في عهد تاليران – قضية أكس . واي . زد . ونظرا لدمائة أخلاقه ومنطقه داخل المحكمة فقد أصبحت المحكمة تعكس رأيه ؛ وكان الجمهوريون يحدون في آرائه تشجيعا للروح الوطنية ، وهكذا فقد أكد مارشا حق المحكمة العليا في المراجعة الدستورية – خصوصا بالحكم على تشريعات الكونجرس . ومن ثم فقد كانت قرارات مارشال تدعيما لسلطة الحكومة المركزية ، خصوصا فميا يتعلق بعقود العمل .
بعض قرارات المحكمة العليا الهامة في عهد مارشال
أولا ، قضية ماريوري ضد مادسون عام 1803 (المذكورة سابقا) ، أكدت حق المحكمة العليا في المراجعة الدستورية . ثانيا ، لتشر ضد بيك (أعلنت المحكمة عدم شرعية قرار المجلس التشريعي ولاية جورجيا بإلغاء العقود الخاصة ببيع أراضي في منطقة يازو لبعض الشركات . ويعتبر هذا القرار هاما ، لأن المحكمة أعلنت قدسية العقود بين طرفين حيث لا يجوز إلغاء العقد من طرف واحد . كما أن القرار أعطى سابقة للمحكمة الاتحادية في الحكم على دستورية القوانين التي تصدرها المجالس التشريعية في الولايات . أصبح هذا الحق معترفا به للمحكمة العليا فيما بعد ، هذا بالإضافة إلى حق المحكمة في القرار بخصوص دستورية قرارات محاكم الولايات . ثالثا ، قضية دار تماوث كوليج عام 1819 : كان المجلس التشريعي في ولاية نيوهامشير – وغالبيته من الجمهوريين – قد ألغى عقد تكوين كلية دارتماوث ، لأنها كانت مركزا للنشاط الفدرالي . ولقد أقرت المحكمة العليا بأن هذا الإلغاء غير دستوري . وهكذا كان القرار حماية للكليات الأكاديمية من أن تدخل في المنازعات السياسية ، كما أن هذا القرار جعل من الصعب تنظيم ومراقبة الشركات ، لأنه حسب قرار المحكمة لا يحق لحكومات الولايات التدخل في أمر العقود . رابعا ، مكولوك ضد ميري لاند ؛ عام 1819 ، حيث ظهر ما تناقض بين الحكومة الاتحادية وحكومة ولاية ميري لاند عندما قامت الأخيرة بفرض ضريبة ، على العملة الورقية التي يصدرها بنك الولايات المتحدة . وكان قرار المحكمة (بإعطاء السلطات المتضمنة) للبنك وبدستورية وجوده ، وليس للولاية حق فرض الضريبة لأن البنك منبثق عن الحكومة الاتحادية وهي وحدها التي تشرع لذلك ، وخامسا ، جيونز ضد أوجدن عام 1824 ، هنا كانت ولاية نيويورك قد أعطت حق احتكار الملاحة لشركة واحدة ، وقد حكمت المحكمة بأن الكونجرس الفدرالي هو المسئول عن أمور التجارة بين الولايات وليس حكومات الولايات ، ومن هنا كان هذا القرار مشجعا وسابقة على مسئولية الحكومة الاتحادية عن التجارة بين الولايات – ليس لحكومات الولايات أي حق في ذلك .
مشكلة الرقيق
تطور المناطق الغربية السريع طرح أمام الولاياتا لمتحدة مشكلة بدأت تزداد أهمية في التاريخ القومي الأمريكي ؛ ألا وهي معرفة ما إذا كان يسيمح لنظام لرق بالانتشار في الغرب . ومع أنه هذه المشكلة قد ظهرت فقط في العقد الثالث من القرن التاسع عشر ، إلا أنها أصبحت في فترة قصيرة (في العقد الخامس) محط أنظار ونقطة صراع بين مناطق الولايات المتحدة ، ليس فقط داخل ردهات الكونجرس الأمريكي ، وإنما أيضا في الولايات نفسها ، مما جعل بعض المؤرخين الأمريكيين يقول بأنها كانت المشكلة الرئيسية التي أدت إلى نشوب الحربا لأهلية .
فحكومات الولايات الجنوبية وسكانها كانوا يعتقدون أنه يحق لهم أن ينقلوا معهم العبيد إلى مناطق توسعهم في الجنوب الغربي ، مادام الدستور لا يحرم الرق وما دام الكونجرس قد وافق على دخول بعض الولايات الجنوبية في الاتحاد مع كونها كانت تبيح الرق . وهكذا فما لبثت هذه المشكلة أن أوجدت خلافا جادا في الرأي بين الشمال والجنوب .
المناطق الشمالية ، في الوقت نفسه ، بدأت تخوف من تزايد عدد الرقيق بصورة سريعة في الجنوب والجنوب الغربي . وإلى جانب تعارض نظام الرق مع القواعد الإنسانية والخلقية كان هناك خطر تفوق ولايات الجنوب عدديا ، وهذا بدوره سيؤدي إلى سيطرتها في الكونجرس ؛ مما قد يؤدي – على المدى الطويل – إلى عرقلة سياسة الشمال القائمة على حماية الصناعة وعلى فرض رسوم جمركية مرتفعة على البضائع المستورد .
هذا الخلاف حول مسألة الرق كان قد قطع الهدوء الذي ساد أمريكا في عهد المشاعر الطيبة . وقد أثيرت القضية على الصعيد القانوني في عهد الرئيس مونرو ، وذلك إثر رغبة ولاية ميسوري بالسماح لها بالانضمام إلى الاتحاد الفدرالي كولاية يسمح فيها بالرق .
تعديل تالميدج (Talmadlge Amendment)
على أثر تقديم ميسوري طلب عضويتها في الاتحاد إلى الكونجرس ، فقد قام النائب جيمس تالميدج ممثل نيويورك عام 1819 بوضع التعديل الآتي الذي يلحق بالطلب : يمنع دخول الرقيق إلى هذه الولاية (تحريم الرق) ، ويحرر أبناء الرقيق الذين يولدون هناك بعد بلوغهم من الخامسة والعشرين ، وهكذا تبع هذا مناقشة حادة حول حق الكونجرس بالتشريع في مسألة الرق . كان حكم الكونجرس بخصوص الرق في ميسوري يعتبر ذا أهمية ؛ لأنها هددت بإخلال التوازن الموجود في الكونجرس بين الولايات التي يحرم فيها الرق والولايات التي يسمح فيها بالرق . أصبحت الولايات الحرة تتمتع بالأغلبية في مجلس النواب .
وقد خشيت الولايات الجنوبية أن تأكيد حق الكونجرس في الحكم في هذه المسألة ربما يكون سابقة تؤدي إلى تحريم الرقيق فيما بعد .
تسوية ميسوري (Missori compromise)
فشل اقتراح تالميدج في مجلس الشيوخ . وبدأ مخرج لمسألة قبول ميسوري عندما كانت ولاية مين – حيث كانت جزءا من ماستشوستس – قد قدمت طلبا للعضوية للاتحاد عام 1820 ، على هذا الأساس قبلت ميسوري كولاية غير حرة مقابل قبول مين كولاية حرة في الاتحاد – للحفاظ على التوازن في مجلس الشيوخ بين الطرفين . من مضمون هذه التسوية أيضا أن أصبح شمال خط عرض 30 : 36 حرا ، بينما جنوبه يسمح فيه بالرق . وهكذا بدا أن المشكلة قد حلت ، ولكن عندما وضعت ميسوري دستورا لها ؛ منعت الرقيق المحررين من دخول الولاية . ولهذا قام المعارضون للرق في الكونجرس برفض اعترافهم بقبول الولاية . وأخيار قدم هنري كلي اقتراحا ، ووافق عليه الكونجرس ، ومع أن نتعهد ميسوري بعدم التفرقة ضد أفراد من ولايات أخرى ، وبضرورة مراعاة حقوقهم الدستورية ، وبناءا عليه قبلت ميسوري .
النقاش حول مسألة الرقيق في ميسوري كان له أهميته في التاريخ الأمريكي ، ذلك أن الولايات الشمالية قد عبرت عن شعورها بمعارضة الرق ، بينما كان الجنوب لايزال مصرا على وجودها . كما أن الولايات الجنوبية بدأت تنكر على الكونجرس الحق في منع الرق في الولايات الجديدة . وقد استغل هذا الأمر كتهديد في كثير من الزمات المقبلة . في زمن الرئيس أندرو جاكسون عام 1836 ، وبقصد المحافظة على التوازن الدقيق بين الولايات ، قبلت أركنساس كولاية يسمح فيها بالرق وميتشجان كولاية حرة ، في عام 1845 دخلت فلوريدا كولاية غير حرة مقابل أيوا . وهكذا فإن هذه المشكلة التي كانت غير ظاهرة في بداية عهد الجمهورية ما لبثت أن أخذت تتحول – مع تطور المناطق الغربية السريع – إلى أزمة حادة تفصل بين الشمال والجنوب ، وتهدد أهم دعائهم الاتحاد الفدرالي الأمريكي . وقد أصبحت في مطلع العقد الرابع من القرن التاسع عشر المسألة الأهم ، وقدمت على جميع المشاكل الاقتصادية والسياسية للاتحاد . وبذلك كانت بحق من أحد الأسباب الرئيسية المؤدية إلى الحرب الأهلية الأمريكية.
مبدأ مونرو
كان الغرض الرئيسي من إعلان هذا لمبدأ هو عزم الولايات المتحدة على منع الدول الأوروبية من التدخل في شئون الأمريكيين .
الخلفية التاريخية لمبدأ مونرو
أثناء احتلال فرنسا – في عهد نابليون – لكل من إسبانيا والبرتغال منذ انقطعت العلاقات بين هاتين الدولتين وبين مستعمراتهما في أمريكا الجنوبية ، وبدأت هذه المستعمرات تمارس الحكم الذاتي تدريجيا وبعد زوال حكم نابليون وعودة الحكم الملكي إلى إسبانيا ؛ عادت الأوضاع بين تلك الدولة ومستعمراتها إلى الوضع السابق ولكن لفترة قصيرة ، إذ بدأت هذه المستعمرات – متأثرة بالثورتين (الأمريكية والفرنسية) تجنح نحو استقلال فعلي . وما لبثت أن اشتغلت الثورات في تلك المستعمرات ، ففي عام 1821 كانت الأرجنتين وشبلي قد حصلتا على استقلالهما ، وتبعهما في عام 1822 كل من بيرو وكولومبيا والمكسيك ، كما أعلنت البرازيل في نفس السنة استقلالها عن البرتغال ، ثم بادرت تلك الحكومات إلى تشكيل حكومات على النمط الأمريكي .
أيدت الولايات المتحدة هذا الانفصال ، لأنها وجدت بأن ظروف هذه المستعمرات إنما تشبه ظروف المستعمرات البريطانيا في أمريكا الشمالية ، وأن تلك المستعمرات أرادت التخلص من نير الاستعمار الإسباني ، كما أرادت المستعمرات الأمريكية التخلص من الاستعمار البريطاني ، كما أن أمريكا التي حزمت من التبادل التجاري مع المستعمرات الإسبانية في أمريكا الوسطى والجنوبية كانت تتوق إلى إنشاء علاقة معها ، وهكذا فإنها أيدت هذا الاستقلال عام 1822 .
مدت روسيا في 1812 نفوذها من ألاسكا في اتجاه الجنوب على ساحل المحيط الهادي ، وأنشأت قلعة روس شمال سان فرنسيسكو الآن ، وفي عام 1821 أعلن القيصر الروسي بانفراد روسيا في الحقوق التجارية لساحل المحيط الهادي حتى خط عرض 51 ، وأعلن بأن المياه الإقليمية لروسيا هناك تمتد إلى 100 ميل من الساحل . هذا العمل أدى إلى قلق الرئيس الأمريكي مونرو ووزير خارجتيه جون كونسي آدمز .
نظرة أوروبا إلى أمريكا اللاتينية
كان الرد الفعلي الذي ساد أوروبا بعد هزيمة نابليون في عام 1815 يعارض في قيام حركات ثورية أينما كانت ، سواء في أوروبا أو أمريكا اللاتينية . وقد تمثل هذا الرد في تمرين ما سمي بالحف المقدس (European Concert) . هذا التحالف أخذ على عاتقه مهمة حماية الحكم الشرعيين في أوروبا من الثورات والأنظمة الحرة حتى ولو اضطرها الأمر إلى التدخل العسكري في شئون الدول الأخرى . وبالفعل طبق هذا الأمر على إسبانيا وإيطاليا بالقضاء على الحركات الثورية فيها التي وقفت ضد رجوع الملكيات هناك .
كان من المعروف أن ملك إسبانيا رحب بمثل هذا العلم من قبل الدول الأوروبية ، وأمام عجزه عن وقف الحركة الثورية الاستقلالية في مستعمراته الأمريكية ؛ لجأ إلى التحالف المذكور طالبا منه المساعدة لاسترجاع تلك المستعمرات . أما بريطانيا فقد عارضت التحالف الأوروبي ، وكانت ترى ضرورة المحافظة على استقلال الدول الأمريكية ، لأنها وجدت فيها أسواقا واسعة لمنتجاتها ومراكز غنية بالمواد الأولية اللازمة لنصاعاتها . هذا بالإضافة إلى أن بريطانيا كانت تخشى بأن تقوم إسبانيا بتعويض فرنسا – التي تعهدت بإعادة فتح أمريكا اللاتينية – وإعطائها بعض هذه المستعمرات هناك .
الاقتراح البريطاني
رأت الحكومة البريطانية بأن مصلحتها تتفق ومصلحة الحكومة الأمريكية في ضرورة منع أي تدخل من قبل روسيا ، وفرنسا ، وإسبانيا في شئون الأمريكتين . ولهاذ قام جورج كانج وزير خارجية بريطانيا بالكتابة إلى ريتشارد رش وزير الولايات المتحدة المفوض في بريطانيا ؛ مقترحا القيام بإعلان مشترك من الدولتين يتضمن نفي أي نية لأمريكا . وبريطانيا بالطمع في المستعمرات الإسبانية في الأمريكتين . وكذلك وإنذار أي دولة تزمع النية على مثل هذا التدخل . وهكذا رفع رش هذا الاقتراح إلى الرئيس مونرو .
طلب مونرو نصيحة الرؤساء السابقين (جفرسون ومادسون) في هذا الأمر الذي ربما يجعل أمريكا طرفا في أي حرب ربما تتعرض لها بريطانيا . كان رأي هؤلاء بأنهم يؤيدون مثل هذا الإعلان المشترك . ولكن وزير الخارجية جون كونسي آدمز رأى بأن على الولايات المتحدة أن تتخذ موقفا مستقلا ولا تربط نفسها في سياسة مشتركة مع الحكومة البريطانية ، خصوصا وأن مثل هذا الإعلان ربما يكون محرجا للولايات المتحدة فيما إذا أرادت التوسع نحو الجنوب.
إعلان مونرو
وقد أيد الرئيس مونرو فكرة وزير خارجيته آدمز ، وقام في رسالته السنوية إلى الكونجرس في ديسمبر عام 1812 بإيضاح سياسته تجاه أوروبا وأمريكا اللاتينية والتي أطلق عليها منذ ذلك الوقت (مبدأ مونرو) . وأهم ما تضمنته هذه الرسالة في هذا الخصوص كان : أولا ، أن قارتي أمريكا – نظرا لما تتمتعان به وتحافظان عليه من حرية واستقلال – ليستا مفتوحتين لأي استعمار من أي دولة أوروبية في المستقبل ؛ ثانيا ، أن الولايات المتحدة لم تتدخل في السابق في الشئون الداخلية لأوروبا ، وليس مما يتفق مع سياستها أن تفعل ذلك في المستقبل ، ثالثا ، أن النظام السياسي للدول الأوروبية المتحالفة يختلف تماما مع النظام السياسي في الأمريكتين ، ويجب أن تعتبر أي محاولة من جانب تلك الدول لفرض نظامها على أي جزء في هذا النصف من الكرة الأرضية إنما هو خطر على أمن وسلامة الأمريكتين .
لم يكن لهذا الإعلان أهمية كبرى في ذلك الوقت ، حيث اعتبرت الدول الأوروبية بأنه لا لزوم له ، أما أمريكا اللاتينية فقد ارتاحت له ، ولكن الولايات المتحدة كانت قد اتخذت من هذا الإعلان طوال القرن التاسع عشر حجة لمنع اي تدخل من الدول الأوروبية في شئون أمريكا الجنوبية ، كما اتخذته حجة في أحيانا أخرى لتنوير سياستها الانعزالية . أما ثيودور روزفلت فقد اتخذ منه ذريعة للتدخل في شئون أمريكا الجنوبية في أوائل القرن العشرين وليمنع أي تدخل أوروبي هناك .
ومهما اختلفت المفاهميم حول أهمية هذا الإعلان في حينه ، أو الأعمال التي قام هبا بعض الرؤساء الأمريكيين – فميا بعد – متخذين منه ذريعة لتصرفاتهم . فإنه يمكننا اعتباره بمثابة المرحلة الأخيرة في تطور استقلال الولايات المتحدة . فإعلان الاستقلال المشهور عام 1776 إنما كان ابتداء لمرحلة انفصالية وتقرير مصير بالنسبة للمستعمرات الريطانية ، وكانت معاهدة 1783 بمثابة تأكيد على قدرة الولايات المتحدة في أن تتخذ القرارات التي تناسب مصالحها لاقومية رغم التحالف الذي كان بينها وبين فرنسا في عام 1778 م ، ثم جاءت المرحلة الثالثة عن طريق معاهدة جي 1796 م ؛ حيث تم فيها سحب القوات العسكرية البريطانية من الحدود الشمالية . ثم جاء شراء لويزيانا عام 1803 قد أزالت أي أمل بريطاني برجوع نفوذها إلى أمريكا . وبذلك كان مبدأ مونرو بمثابة إعلان عام بأن دولة الولايات المتحدة قد أكملت استقلالها ولا تريد سوى أن تترك لشأنها . وأفضل من ذلك إذا تركت الدول الأوروبية كل النصف الغربي من الكرة الأرضية ليشق طريقه بنفسه دون التدخل في شئونه .
انتخابات 1824
شملت حملة الانتخابات للرئاسة – في هذا العام – نهاية عهد المشاعر الطيبة وإحياء النعرات الإقليمية ؛ حيث ظهر ذلك في خلفية المرشحين .
الخلفية السياسية لهذه الانتخابات
في عام 1820 ، كانت كل المناطق الإقليمية في الولايات المتحدة – نيوإنجلند ، الجنوب ، والغرب – تؤيد إعادة انتخاب مونرو ، كما أن الحزب الفدرالي كان قد فشل في وضع مرشح منافس له ، حيث أن هذا الحزب كان فقد ثقة البلاد – لمواقفه في حرب 1812 وما بعدها – وبالتالي كان في اعتبار المنتهي . ولهذا لم ير أي حزب أنه من اللازم عقد أي تجمع في الكونجرس بغرض الترشيح للرئاسة ، كما كان الحال قبل عام 1820 م .
ولكن الروح الديمقراطية في البلاد في عام 1824 لم تسمح بأن تنفرد مجموعة من النواب والشيوخ الجمهوريين في الكونجرس للتولى عملية الترشيح للرئاسة ، وهكذا فبينما قامت مجموعة من الحزب الجمهوري تقل عن ثلث أعضائه بالاجتماع في الكونجرس ، ورشحت وليام كورفورد للرئاسة ، فإن المرشحين الآخرين قد اختيروا بواسطة المجالس التشريعية في الولايات أو عن طريق مؤتمرات خاصة عقدت لهذا الغرض . وبذلك فقد كان اختيار هؤلاء المرشحين مبنياعلى الشعبية الشخصية للمرشح وعلى مدى تمثيله وتعبيره عن منطقته الإقليمية . التنافس في هذه الحملة – إذن – كان شخصيا وإقليميا ولم يكن على أساس حزبي هؤلاء المرشحين كانوا :
أولا : كروفورد ، مرشح المزارعين الكبار في الجنوب . وقد رشح من قبل فئة من الجمهوريين في الكونجرس ، وذلك لإبعاد الرئاسة عن فرجينيا ، ف (كروفورد) كان من جورجيا . ولقد كان كروفورد في السابق من الوطنيين – لا يؤمن بفكرة الإقليمية – ولكنه الآن انقلب وأصبح من دعاة الدفاع عن حقوق الولايات ، وقد كان يمثل الأرستقراطية إلى أن تعرض لسكتة قلبية أدت به إلى الشلل في عام 1823 . ومع بقائه كمرشح ؛ إلا أنه فقد عددا كبيرا من أصوات الناخبين .
ثانيا : جون كونسي آدمز ، مرشح المناطق الصناعية في الشمال الشرقي ك كان هذا ابن الرئيس السابق جون آدمز ، ومرشحا عن منطقة نيو إنجلند وقد تمتع بميزات كبرى في الحملة وذلك لخبراته الدبلوماسية ، ولثقافته ، وخدمته كعضو في مجلس الشيوخ في الكونجرس عن ماستشوستس ، وكوزير للخارجية في عهد الرئيس مونرو . ولكن لسوء الحط كان طموحا بدرجة ظاهرة ، وباردا وغير محبوب على مستوى وطني ، ولم يكون ذا قدرة سياسية ؛ من حيث نظرته السياسية ، فقد كان متكلما باسم نيو إنجلند ، ومن حيث نظرته الوطنية ؛ كان مؤيدا لفرض ضرائب جمركية عالية ، ومدعما للبنك الوطني وللإصلاحات الداخلية .
ثالثا : هنري كلي ، مرشح الطبقات العليا في الغرب ، كان هذا عمليا ، وقاسيا ومحبوبا . بدأ وظيفته كمحام أثناء عضويته في مجلس النواب ، واختير مرارا رئيسا لذلك المجلس ، وحضر مفاوضات معاهدة جنت مع بريطانيا عام 1814 م ، كان يرى بأن السياسي يجب أن يعبر عن المصالح المختلفة ، وقد كان لنفسه سمعة (المرفق الأكبر) (Geat Compromiser) . لقد كان من دعاة النظام الأمريكي الذي يؤمن بوضع ضريبة جمركية عالية على لاواردات لتشجيع الصناعة المحلية ، كما أن هذه العوائد الجمركية يجب أن تستعمل في الإصلاحات الداخلية ليس فقط في المناطق الغربية بل في أنحاء البلاد .
ثالثا : هنري كلي ، مرشح (الديمقراطية الجديدة) ، كان جاكسون من نتاج الحدود في كل من كارولاينا وتنيسي ، وقد خدم في الثورة الأمريكية في الوقت الذي كان فيه صبيا ؛ كان قد تقلد مناصب سياسية عديدة ، ولكنه نال سمعة وطنية كجندي وبطل في الحرب ضد الهنود ، والإسبان ، والبريطانيين ، ولقد مثل الصفات الحسنة والسيئة في خلق (الغربيين) ، وقد لاحظ السياسيون في ذلك الوقت شعبيته في أنحاء الولايات المتحدة . من حيث نظرته السياسية خلال الحملة الانتخابية ، فقد كان من المعارضين لنظام التجميع في الكونجرس لإعلان المرشحين للرئاسة ، لأن اعتبر هذا غير ديموقراطي ، وقد دعا إلى تطعيم الرئاسة بدم جديد ، وإلى أن يكون للرجل العادي الأمريكي صوته في الحكومة . ولقد أيده العمال في المناطق الشمالية الشرقية . في الواقع كان له شعبية أكثر من أي مرشح آخر ذلك العام ، وقد كان اختيار جون سي كالهون كانئب للرئيس من العوامل التي زادت من شعبيته في الجنوب .
نتائج الانتخابات
كان جاكسون في طليعة المرشحين ، حيث حاز على 99 صوتا ناخبا تمثل كل المناطق الأمريكية ما عدا نيو إنجلند ونيويورك التي أعطت أصواتها إلى آدمز الذي أصبح في المركز الثااني ، كروفورد كان في المركز الثالث حيث حاز على أصوات فرجينيا وجورجيا ، بينما تساوي تقريبا مع أصوات كلي الذي ربح أوهايو وكنتكي وميسوري .
حيث أن جاكسون لم يحصل على غالبية الأصوات ، لهذا آل الانتخاب إلى مجلس النواب ليقرر بين جاكسون وأدمز . وقد كان هنري كلي رئيس مجلس النواب في ذلك القوت عدوا لدودا لجاكسون ، وكان كلي من مؤيدي آدمز لأن هذا كان أيضا من دعاة النظام الأمريكي – كما قلنا سابقا – لهذا كان لكلي أثره في ترجيح كفة آدمز للرئاسة ؛ ولقد نم إلى سمع أتباع جاكسون وجود اتفاق سري بين آدمز وكلي ، وهو أن يعين كلي وزيرا للخارجية إذا استعمل نفوذه في ممجلس النواب لمساعدة آدمز . وهكذا كان مجيء آدمز للرئاسة عاملا في زيادةالخلافات الإٍقليمية . كان من النتائج السياسية التي ترتبت على انتخاب آدمز هو تجمع كثير من السياسيين حول جاكسون الذين شعروا بأن كلي قد خذله في مجلس النواب ، حيث كان على كلي أن يؤيد جاكسون ، لأن هذا الأخير قد حصل على الأغلبية الشعبية . وقد زاد من شكوكهم هذه عندما عين كلي بالفعل وزيرا خارجيا ، وهنا تأكد وجود مؤامرة بين الإثنين .ولهذا فإن التحضير لحملة انتخابات الرئاسة لعام 1828 كان قد بدأ بالفعل بمجرد انتهاء انتخابات عام 1824 . لقد أطلق أتباع جاكسون على أنفسهم لقب (الحزب الديمقراطي – الجمهوري أو الحزب الديمقراطي) ، أما أتباع آدمز وكلي فقد أطلقوا على أنفسهم لقب الحزبا لجمهوري الوطني ، واستمرت هذه التسمية حتى عام 1823 حيث بدأوا يطلقون على أنفسهم لقب (وجز) .
إدارة جون كونسي آدمز
لم تحقق إدارة آدمز الكثير ، وذلك لمعارضة أتباع جاكسون لها ، كما أن هذه المعارضة كونت الغالبية في مجلس النواب بعد انتخابات عام 1826 البرلمانية ، وهكذا فقد هزأ هؤلاء من كل المقترحات التي قام بها آدمز .
برنامج آدمز
لقد قوبل آدمز بالاستهزاء ، عندما قدم برنامجه الوطني إلى الكونجرس . وقد شمل عذا البرنامج اقتراح قوانين صارمة للإفلاس ، تقوية بنك الولايات المتحدة ، استعمال العوائد من التعريفة الجمركية في أغراض التنمية المحلية ، تكوين وزارة للداخلية . العمل علىتكوين جامعة وطنية ، وتشجيع التقدم العلمي . وقد انتقدت المعارضة ، التي أصبحت الآن تسمي نفسها (الحزب الديمقراطي ) ، هذا البرنامج بأنه يعمل على مركزية السلطة ، واستهزأوا من الدعوة إلى مساعدة التعليم والعلوم .
وبناءا عليه ، فقد تلخص موقف المعارضة من برنامج آدمز طيلة مدة رئاسته فيما يلي :
أولا : من جهة برنامج التنمية الذي طلبه آدمز ؛ قام الكونجرس بتقرير ميزانية أكثر من أي مرة سابقة ، ولكنها لم تكن كما طلب آدمز ، ولم ينجح آدمز في إقناع الكونجرس بسن قوانين أ:ثر عدالة بخصوص قبائل الكريكس الهندية في جورجيا ، وقد فقد كل تأييد له هناك لصالح جاكسون .
ثانيا : كانت الدول الأمريكية – المشالية والجنوبية – قد عقدت العزم على عقد مؤتمر في بنما عام 1826 ، بغرض تشجيع النظما لديمقراطية والتجارة فيما بينها . كان من الداعمين إلى ضرورة حضور وفقد من الولايات المتحدة لهذا المؤتمر هو سبعون بوليفار . وهنا أراد ممثلو الحزب الديمقراطي أن يجعلوا من انتخاب ممثلين لهذا المؤتمر أهمية كبرى ، وعملوا على تعطيل الموافقة على ميزانية الوفد المزمع إرساله ، وهكذا انقض مؤتمر بينما قبل أن يغادر الوفد الأمريكي ببلاده .
ثالثا : مسالة التعريفة الجمركية كانت زيادة التصنيع في المناطق الشمالية الغربية قد أوجدت الدعوة بضرورة رفع التعريفة الجمركية علىالواردات لتشجيع هذه الصناعة ، وقد وافق أتباع آدمز وكلي على ذلك في سنة 1828 ، قام أتباع جاكسون بالاتفاق مع الجنوب بوضع اقتراح من شانه أن يرفع هذه التعريفة إلى حد بالغ ظانين بان الكونجرس لن يوافق على مثل هذه الزيادة . ولكن الكونجرس وافق على هذا الاقتراح بعد تعديل بسيط . كانت هذه الضريبة سببا في المعارضة الشديدة لهذا القانون ، خصوصا في الولايات الجنوبية التي ادعت بأن غرض هذه التعريفة إنما كان لزيادة الحماية أكثر من أن يكون كعوائد تصرف على أغراض التنمية المحلية ، كما كان يجب ان يكون الحال . وهكذا ظهرت صيحات إلى ضرورة اعتبار هذا العمل غير دستوري .
رابعا : الحركة ضد الماسونية . وقد قامت هذه الحركة ، بطبع منشورات – تقول بأنها تكتب بواسطة عضو ماسوني سابق – الغرض منها تشويه سمعة الماسونيين ، ويدعى فهيا الكاتب بأن هؤلاء اختطفوا أحد أتباعهم لمعارضته لهم في الرأي واختفى فيما بعد ، وقد كانت الماسونية مكروهة في المناطق الغربية . الحركة ضدالماسونية تطورت – فيما بعد – إلى حرب سياسي ، كما أصبح لهذه الحركة أهميتها – فيما بعد – لأنها كانت ثالث حزب سياسي يظهر في الولايات المتحدة ، كما أصبح بعض مواليها من أتباع حزب (الوجز) وبعضهم من الجمهوريين المشهورين ، ولأن هذا لحزب كان أول حزب يستعمل طريقة المؤتمر العام لاختيار مرشحين عنه للرئاسة عام 1831 م .
انتخابات سنة 1828
رغم أن مسائل التعريفة الجمركية والنظام الأمريكي . كانت من نقاط الحملة الانتخابية ؛ إلا أن الثأر الشخصي كان من أغرضا الحملة الرئيسية . وهكذا فقد لعبت الاتهامات السياسة الرديئة دورها ؛ حيث أعيدت صيحات الفساد والتآمر السياسي التي أطلقت في حملة انتخابات عام 1824 ، كما أنهم جاكسون بالزنى ، وقد كلفه ذلك بعض أتباعه ف مناطق الحدود . كانت النتيجة أن حصل جاكسون وكالهون على 183 صوت مقابل 83 إلى آدمز .
تسلسل تاريخي للأحداث الهامة
1817 : أصبح مونرو رئيسا – جاكسون يغزو فلوريدا . 1818 : مؤتمر مع بريطانيا لحل الخلافات بين الدولتين . 1820 : اتفاق ميسوري – قبول مين كولاية في الاتحاد . 1823 : مبدأ مونرو 1825 : جون كونسي آدمز يصبح رئيسا .
مراجع الفصل الحادي عشر
1. Goerge Dangerfield. The Era of Good Feelings (1952)
2. F. J. Turner. Rise of the New West, 1819 1829 (1906)
3. Herbert T. Clancy. The Democratic party: jefferson to Jackson (1962)
4. Marquis James. Andrew Jackson: The Border Captain (1933)
5. Harry Ammon. James Monroe: The Quest for National Identity (1971)
الفصل الثاني عشر: إدارة جاكسون ، فان بيورن ، تايلور 1829-1845
لقد حكم جاكسون ، وخليفته فان بيورن ، الولايات المتحدة لمدة إثني عشر عاما . هذه الديمقراطية الجديدة ، كما سماها جاكسون ، مثلت ظهور أثر الرجل العادي المزارع الصغير والعامل ، وكذلك المناطق الغربية ، على لاحكم في الولايات المتحدة . وبينما دعت فلسفة جفرسون إلى مراعاة الرجل القادر المتعلم فإن فلسفة جاكسون دعت إلى إمكانية حكم الناس لأنفسهم .
ديمقراطية جاكسون
إن ما يدعى بديمقراطية جاكسون – والتي ظهرت في تغيرات ملحوظة في القانون والتطبيق والنظرة الشعبية – إنما كانت من أثر السماواة التي شاعت في العصر ، كما أن لهذه الديمقراطية أثرها أيضا في زيادة هذه الروح . هذه التجديدات إذا أخذت كمجموعة فإنها تمثل عصرا جديدا عما سبقه ، وقد سميت (بثورة) ، مقارنة بتلك التي ظهرت بمجيء جفرسون للحكم عام 1800 .
ويرى بعض المؤرخين الأمريكيين بأن الثورات التي ظهرت في أوروبا بعد عام 1830 إنما تشبه الروح الإصلاحية في عهد جاكسون .
التغيرات السياسية
يمكن ملاحظة التغيرات الآتية في عهد إدارة جاكسون .
لقد توسعت فكرة الديمقراطية السياسية عام 1828 ، نظرا للإلغاء مطالب الملكية والمطلب الديني كشروط لازمة لحق الانتخاب او التوظيف ؛ أن ناخبي الرئيس أصبحوا ينتخبون من قبل اشعب بعد أن كانوا ينتخبون من قبل المجالس التشريعية في الولايات ؛ أصبحت دساتير الولايات الجديدة تزيد من عدد المناصب التي يجب أن تملأ عن طريق الانتخاب بدلا من التعيين ، كما قللت من هذه المناصب الأخيرة ؛ طريقة التي يجب أن تملأ عن طريق الانتخاب بدلا من التعيين ، كما قللت من هذه المناصب الأخيرة ؛ طريقة انتخاب المرشحين للرئاسة أصبحت عن طريق مؤتمر عام يعقد للحزب بدلا من أن تكون في اجتماعات ضيقة (كوكس) للحزب في الكونجرس ، وبعبارة أخرى فقد أصبح الناس أكثر مشاركةفي الحكم في هذه الفترة ؛ لقد ظهرت الأحزاب السياسية في شكلها المعروف – حاليا – أي أن الحزب السياسي هو الذي ينظم الحملة الانتخابية بين الناس ، ويقوم بعمل حملة لكسب الأصوات لصالح مرشحه ؛ ظهور نظام (توزيع الغنائم) الذي بموجبه يكافأ المخلصون للحزب بإعطائهم مناصب في الحكومة ، وأصبحت ههذ قاعدة اتبعت فيما بعد ، وهكذا فإن تأثير الحدود في ديمقراطية جاكسون كان قد أنقص من قيمة التعليم والخبرة ، وأصبحت الفكرة أن أي شخص عادي حسن النية يعتبر كفؤا للحكم ، وكما ظهرت فكرة تطعيم الحكومة بدم جديد واصبحت الدورية في الحكم مفضلة على الحكم الدائم الذي ربما يعطي لأصحابه حقا أرستقراطيا ؛ كان جاكسون يؤمن بأن الرئيس – الذي يعتبر خادما للأمة – يجب أن يستعمل سلطاته بقوة وحزم ، ولذلك فإنه تحدى الكونجرس والمحكمة العليا عندما شعر بأنهما لايعبران عن مصالح الشعب . وبذلك ترى بأن الرئيس جاكسون كان قد استعمل حق النقض أكثر من أي رئيس سابق .
التغيرات الاجتماعية والاقتصادية
من أهم ذلك ما يلي : أولا ، التوسع نحو الغرب أعطى الفرصة للطبقات الدنيا لأن تهرب من قيود الطبقات المحافظة في المناطق الشمالية الشرقية ، وهكذا فإن نوعا جديدا من الأفكار الاجتماعية بدأ يتحدى الأفكار القديمة . ثانيا ، ظهور حركات إنسانية جديدة معظمها إلى ضمان حقوق المرأة ، إلغاء الرق ، المعاملة الطيبة للمعتوهين ، منع الخمور ، والتجارب بأفكار اقتصادية اجتماعية . ثالثا ، زيادة فرص التعليم والوعي السياسي نتيجة لزيادة عدد المدارس العامة وتقدم الصحافة . ظهور تنظيمات لعمال المصانع في المناطق الشمالية الشرقية للعمل على الدفاع عن حقوقهم .
الإدارة الجديدة
تسلم جاكسون للحكم في عام 1829 مثل الثورة الجديدة ، وقد احتشد كثير من الناس في واشنطن ، وتزاحم العامة في البيت الأبيض محتفلين بالحدث الجديد بالأحذية الموحلة وكسروا كثيرا من الأثاث فيه . وفي أول وزارة عين جاكسون أحد أتباعه مارتن فان بيرون وزيرا للخارجية ، ولم يكن باقي الوزراء من الأسماء المعروفة ، حيث اتضح بأن مهمتهم كانت إدارية فقط ، بينما اعتمد جاكسون في الحكم على دائرة ضيقة من المستشارين أطلق عليها (وزارة المطبخ) ، والتي كانت مكونة من أصدقائه الملازمين وعلى رأسهم أموس كندل ووليام لويس ، وقد طرد جاكسون حوالي عشرة في المائة من أتباع آدمز واستبدل بهم أتباعه مطبقا قانون نظام الغنائم . لم يكن لجاكسون أي برنامج معلن ، ولكنه فقط أراد حل المشكلات حسب ظهورها .
انفصال جاكسون وكالهون
كان كالهون مرشخا لنيابة الرئيس في عام 1824 وعام 1828 مع جاكسون ، وكان يأمل في أن يكون الرجل الثاني في احكم ، وأنه سيخلف جاكسون فيما بعد ؛ ولكن اتضح بأن له منافسا أكبر في وزارة جاكسون ؛ ألا وهو فان بيورن من ناحية أخرى . وهذا مايشار إليه (بمسألة إيتون) . كان إيتون وزيرا للحربية . وقد تزوج من ابنة صاحب فندق تعود إيتون على النزول فيه ، ويقال با،ه كان لها سمعة غير طيبة . وفي حفل تسلم جاكسون للحكم ، رفضت زوجات الوزراء الآخرين ، وعلى الأخص كالهون وزوجته اعتبار زوجة إيتون ، ولكن زوجة جاكسون – التي كانت قد تعرضت هي نفسها لتشويه سمعتها – وقفت بجانب إيتون معارضة بذلك رغبة زوجات بقية الوزراء ، وكان فان بيورن من مؤيدي جاكسون وزوجته ، وهذا أغضب كالهون وبدأت العداوة بين الإثنين .
وفي مناسبة أخرى ، وهي الاحتفال بـ(يوم جفرسون) ، حاول كالهون ، بالاشتراك مع الديمقراطيين من ساوث كارولاينا ، أن يستخدم هذها لمناسبة ليجر جاكسون إلى إعلان سياسة (حق الولايات) ، الذي كان كالهون يؤمن به – على غرار جفرسون . ولكن جاكسون كان يعلم مقدما بما نواه كالهون ، ولذلك فقد أكد فقط على القول بأن (الاتحاد الفدرالي – يجب أن نحافظ عليه أولا) ، وهذا أغضب كالهون الذي حاول أن يعلن (حق الولايات) ولكن احدا لم يوله العناية . وهكذا ازدادت حدة الخلاف بينهما .
وقد عمل أتباع فان بيورن على توسعة هوة الخلاف بين الطرفين . حيث قام كروفورد بكتابة خطاب ادعى فيه بأن كالهون كان قد أوصى بإبعاد جاكسون من منصبه في عام 1818 م ، لأنه كان قد أعدم رجلين بريطانيين بغير حق أثنء غزوة فلوريدا . وهكذا فإن جاكسون بدأ يعتبر كالهون عدوا له . وبهذا انتهى تحالفهما السياسي عام 1830 م ، وأصبح فان بيورن مرشحا لنيابة الرئاسة والرجل المفضل لدى جاكسون . وفي وقت قصير – فيما بعد – قام جاكسون بتعديل رئيسي في وزارته ، حيث عين إيتون حاكما لمنطقة فلوريدا مريحا إياه من الخلاف الاجتماعي على زوجته في واشنطن ، وقام بتعيين فان بيورن سفيرا للولايات المتحدة في بريطانيا .
مشاكل المناطق الغربية
لقد ورث جاكسون مشاكل الهنودالحمر من إدارة آدمز ؛ والآن لا بد له – أيضا – من مواجهة مسائل التنمية المحلية وتوزيع الأراضي .
كانت نظرة جاكسون إلى القبائل الهندية تتمثل في نظرة الغربيين إلى هذه المشكلة – العمل على إزاحة هذه القبائل ، وتلك هي السياسة التي اتبعها .
من أمثلة ذلك مشكلة القبائل الهندية شيروكيز في جورجيا . لقد قبل هؤلاء بسنة الرجل الأبيض المتحضر وفلحوا أرضهم ، وفتحوا المدارس لأولادهم ، وعلى ذلك أملوا بأن يبقوا حيث كانوا ، ولكن حكومة ولاية جورجيا ادعت ملكية الأرض الموجودين عليها وفتحها للإستيطان ، ومن هنا رفع هؤلاء قضيتهم – وصلت إلى المحكمة العليا – ضد الولاية والتي تعرف بقضية (ورستر ضد جورجيا) عام 1832 ، في هذه القضية حكمت المحكمة بأن المشاكلا لهندية إنما تدخل تحت نفوذ وسلطة الحكومة الفدرالية وليس حكومة جوجيا بمعنى أنه لا يحق لحكومة الولاية ترحيلهم ، ولكن حكومة جورجيا رفضت الإذعان لحكم المحكمة العليا ، ورفض جاكسون تطبيق حكم المحكمة بإرسال قوة لتنفيذ القرار . وهكذا فقد أدت بعض المحاولات الأخرى لترحيل الهنود إلى حرب (بلاك هوك) عام 1832 ضد قبائل فوكس ، وسوك ، في ولاية إلينوي ؛ وإلى حرب سيمينول (1847-1842) في ولاية فلوريدا ، وبمجيء عام 1835 ، كان الهنود جميعا قد أجبروا على الرحيل إلى مناطق خاصة بهم تعرف بـ (مناطق الحجز) (Reser vation) .
من حيث نظرة جاكسون إلى شئون التنمية الداخلية ومساعدة الحكومة الفدرالية لهذه التنمية ، فلم يكن له رأي معلن في هذه الناحية إلا بعد أن استعمل حق النقض بخصوص قرار الكونجرس بشأن مد طريق بين فيرفيلد ولكسنجتون في ولاية كنتكي عام 1830 ، وكان تعليله لهذا النقض المشهور بأن مد الطريق إنما هو من سلطات حكومة ولاية كنتكي وليس الحكومة الفدرالية ؛ وحتى تستطيع هذه مد المعونة لمثل هذه المشروعات فلا بد من وجود تعديل في الدستور يسمح للحكومة الفدرالية بمثل هذا الحق . لذلك فقد جاكسون كثيرا من أعوانه بسبب هذه السياسية ؛ حيث إنهم عقدوا الآمال على أن يقوم بها جاكسون عند توليه الحكم . وبهذا فقد ظهر حزب الوجز الذي ضم المعارضين لسياسة جاكسون .
أما من حيث سياسة جاكسون تجاه مشكلة الأراضي في المناطق الغربية ، فقد بقيت هذه محل خلاف شديد بين حزب الوجز الجديد وحزب جاكسون الديمقراطي في الواقع كل منطقة في البلاد كان لها رأيها الخاص . فسكان المناطق الغربية مثلا لم يرضهم قانون عام 1820 للأراضي ، لأنهم أرادوا قانونا أكثر مرونة يتضمن – كما بين المتكلم باسمهم عضو مجلس اشيوخ توماس هارت بنتون – أن أولئك الذين استوطنوا أرضا مشاعا غير مشروعة يجب إبقاؤهم على هذه الأرض وإعطاؤهم حق الأولوية في شرائها ، كما اقترح هؤلاء بأن يخفض السعر عن الأرض التي لاتباع – حسب قانون يوضع لهذا الغرض – أو توزع فميا بعد بالمجان .
أما سكان المناطق الشمالية الشرقية فقد عارضوا فكرة بيع الأرض بسعر رخيص ، لأن هذا سيؤدي إلى هجرة السكان من مناطقهم إلى الجهات الشمالية الغربية ، وهذا بدوره سيؤدي إلى ارتفاع أجور العمال في الشمال الشرقي ، وقد اقترح ممثلو هذه المناطق – هنري كلي ، ودانيال ويستر – أن عوائد بيع الأرض توزع بالتساوي على الولايات ،وطبعا الغرب عارض هذه السياسة . أما المناطق الجنوبية فقد عارضت فكرة توزيع الأرض ، لأن هذا في نظرهم سيحرم الحكومة من عوائد كبيرة ، كما أنه سيجبر الحكومة على رفع التعريفة الجمركية على الورادات . لكل ذلك فقد بقيت مشكلة الأراضي مغلقة .
إلغاء التعريفة الجمركية
استمر كالهون كمناطق بلسان الجنوب في معارضة التعريفة الجمركية، وزاد على ذلك بطلبه ضرورة تعديل نسبة هذه التعريفة كما وردت في قانون عام 1828.
لماذا عارض الجنوب التعريفة الجمركية ؟ من المعروف أن المنتجات الرئيسية للولايات الجنوبية كانت، القطن، التبغ، والأرز؛ وتلك كانت تستبدل بها بضائع مستوردة من إنجلترا أو أوروبا. كان فرض التعريفة على المستوردات من ملابس، وغيرها من الكماليات، يعني ارتفاع أسعار هذه الحاجيات للمستهلكين من الجنوب أو يجبر هؤلاء المستهلكين على شراء حاجياتهم من المناطق الشمالية الشرقية بأسعار مرتفعة نتيجة الحماية بالتعريفة. وهكذا فقد كان قسما كبيرا من عوائد الحكومة الفدرالية يأتي من التعريفة الجمركية على الواردات التي يذهب معظمها إلى الجنوب، بمعنى أن الجنوب كان يدفع أكثر من حصته في مصروفات الحكومة الفدرالية. في نفس الوقت فإن فرض الضريبة قد اضطر بريطانيا إلى تخفيض استيرادها للقطن من الجنوب الشرقي؛ حيث بدأت التربة تضعف نيتجة كثرة الزراعة، والاتجاه إلى المناطق الغربية ذات الأرض البكر والتي كان باستطاعتها أن تنافس الجنوب الشرقي ببيع القطن بأسعار أرخص. وهكذا فقد كان التحسن الإقتصادي في المناطق الشمالية الشرقية والغربية إنما كان على حساب الضعف الإقتصادي في المناطق الجنوبية.
مناظرة وبستر–هين
من خلال النقاش حول مشكلة الأراضي؛ اقترح بعض الشيوخ إيقاف بيع الأرض، وهنا تخالف الجنوب مع الغرب ضد الشمال الشرقي. وأدت المناظرة إلى ظهور مسألة التعريفة الجمركية مرة أخرى. وهنا قام السناتور روبرت هين – من جنوب كارولينا، والناطق بلسان جون كالهون والذي كان رئيساً لمجلس الشيوخ مدافعا عن سياسة الجنوب وشكاويه، وأكد نظرية البطلان (Nullification) – حق الولايات في رفض قرارات الكونجرس. وهنا رد السناتور دانيال وبستر، من مساتشوستس، بأن الشعب هو صاحب السلطة العليا وليس حكومات الولايات، وأن حكومة أي ولاية ليس لها السلطة في الحكم على أن قرارات الكونجرس غير دستورية، وبالتالي فهي باطلة. وكثير من الغربيين اتفقوا مع الجنوب حول فكرة التعريفة الجمركية، ولكن لم يتقبلوا نظرية البطلان هذه، وقد عارض أندرو جاكسون نظرية البطلان هذه في الاحتفال بيوم جفرسون.
وباقتراب انتخابات الرئاسة لعام 1832، أوصى جاكسون الكونجرس مراجعة التعريفة الجمركية بغرض تخفيضها، حيث أنه علل بأن الدين الحكومي قد سدد كله تقريبا وأن عوائد كثيرة تدخل الآن إلى الحكومة، وهكذا فقد راجع الكونجرس التعريفة بتخفيضها قليلاً لترضى بعض الرغبات للأطراف المتنازعة.
استعمال (نظرية البطلان) بواسطة ساوث كارولاينا
بعد قرار الكونجرس بمراجعة التعريفة ؛ قام أصحاب فكرة البطلان في ولاية ساوث كارولاينا بانتخاب ممثلين إلى مؤتمر عام في الولاية ، وأصدر هؤلاء قرار البطلان في شهر نوفمبر عام 1832 معلنين بأن قانوني التعريفة الجمركية لسنة 1828 و 1832 باطلة وغير سارية المفعول . كما أقر المؤتمر منع جميع التعريفة في الولاية ، ووعد بالإنفصال عن الإتحاد ؛ إذا استعملت الحكومة الفدرالية القوة لجمع هذه الضريبة.
وردا على قرار مؤتمر ساوث كارولاينا ، أعلن جاكسون رأيه في نظرية لابطلان في شهر ديسمبر عام 1832 ، رافضا حق أي ولاية في إبطال أي قانون يصدر عن الحكومة الفدرالية . وبازدياد التوتر في البلاد قام مجلس اشيوخ بسن قانون القوة (Force Bill) في فبراير 1832 ، معطيا الرئيس السلطة لاستعمال القوات المسلحة ضد ساوث كارولاينا . في نفس الوقت كان هنري كلي قد ساعد في الكونجرس على وضع ما سمي بقانون تسوية التعريفة التي تطلبت تخفيض الضريبة تدريجيا حتى عام 1842 ، حيث لن تزيد عوائد ههذ الضريبة عن 20 بالمائة . وقد وافقت ساوث كارولاينا على هذه التسوية ، وقامت بدعوة مؤتمر آخر أبطلت فه قانون البطلان المعلن في السنة الماضية ،وكذلك أبطلت قانون القوة الذي أصدره الكونجرس في فبراير . وقد تجاهل جاكسون قرار تجاهل جاكسون قرار ساوث كارولاينا الأخير ، وهكذا أصبحت نقطة دفاع الجنوب فما بعد تتركز على مشكلة الرق .
الخلاف حول البنك : 1832-1836
كانت مدة بنك الولايات المتحدة قد جددت في عام 1816 لمدة عشرين سنة تنتهي في 1836 م . وقد قام هنري كلي في عام 1832 بتقديم اقتراح في الكونجرس بشأن تمديد مدة البنك مرة أخرى ؛ لقد عمل ذلك كخطة سياسة لحزب الوجز معتقدا بأن جاكسون لن يجرؤ على ساتعمال حق النقض في سنة انتخابية – حتى لا يخسر بعض الأتباع – وبالتالي يحرز الوجز نصرا ضد الديمقراطية ، وإذا ما نق جاكسون هذا القانون ؛ فإن كلي وأتباعه في حزب الوجز قد اعتقدوا بأن هذا سيعطي قوة للحرب الجمهوري الوطني بانتخاب كلي للرئاسة .
الكراهية للبنك
كانت سياسة البنك قد عملت على كراهية كثير من الناس له . فالكثير من الناس كرهوا السياسة المالية المشددة التي استعملها البنك : المستدينون يريدون سياسة لينة مع تخفيض في سعر الفائدة ، بينما رغب مضاربو الأراضي في زيادة سيولة العملة ، حيث انها تسهل عملية بيع الراضي الممولة بديون العملة الورقية من بنوك الولايات . كما أن أصحاب البنوك الخاصة كرهوا طريقة البنك وسياسته ؛ لأنه يعتبر مضاريا بشكل غير مباشر ، ومراقبا لأعمالهم حيث كان يتطلب وجود احتياطي في هذه البنوك من الذهب والفضة لتدعم إيداعاتها . وكان أصحاب البنوك يفضلون إقراض مثل هذا الاحتياطي بفائدة بدل أن يخزن من ناحية أخرى كره البعض الآخر الحق الذي تستعمله البنوك لطبع وإدانة العملة الورقية ، التي كثيرا ما كانت تؤدي إلى ارتفاعات وانخفاضات غير ضرورية في أحوال العمل . كا أن قسوة البنوك في استعماله طريقه إغلاق الرهون جعل كثيرا من الناس يكرهونها ، استعمل نيكولاس بدل سلطته كرئيس للبنك لإغراء بعض رجال الكونجرس ، ليخلق دعامة تخدم وتدافع عن ضرورة وجود البنك .
كان جاكسون من جهة ، يكره كل البنوك ، وعلى الأخص بدل الذي استعمل البنك لأغراض سياسية . وعندما وافق الكونجرس على تجديد مدة البنك ، فإن جاكسون استعمل حق النقض ضد هذا القرار . وفي رسالته للكونجرس قام بمهاجمة البنك على أنه احتكار من شأنه أن يغني الأقلية على حساب الأكثرية ، وهكذا يظل قرار تجديد البنك في الواقع يرى بعض المحللين الإقتصاديين بأن قرار عدم تجديد البنك يعتبر خسارة وطنية كبيرة ؛ وفي هذا فإن اللوم يقع على كل من الرئيس جاكسون ورئيس البنك بدل .
انتخابات 1832
بقي جاكسون ، بطبيعة الحال ، مرشحا للحزب الديمقراطي وصاحبه الآن فان بيورن كمرشح لنائب الرئيس؛ وقد رشح المحافظون وأعداء جاكسون، هنري كلي عن الحزب الجمهوري الوطني في مؤتمر حزبي في ديسمبر 1813 ، حيث كانوا أول من ابتدع فكرة برنامج الحزب؛ أما جماعة (ضد الماسونية) (Antimasonic) فقد رشحوا وليام ويرت . كانت مسألة البنك ، واتهام جاكسون بأنه طاغية في الحكم ، قد سيطرا على الحملة الإنتخابية ، ولكن جاكسون الذي اعتبر نفسه ماسونيا ، وكذلك مدافعا عن حقوق الإنسان العادي ، كان قد أحرز انتصارا عاليا في هذه الإنتخابات على بقية المرشحين . بعد انتهاء الإنتخابات بدأ بدل يستعمل سياسة أشد من جهة العملة ، ليبين بأن التهديدات على البنك إنما تضر بأصحاب العمل كثيرا ، ولكن هذه السياسة كان لها رد فعل معاكس على بدل ، والآن قرر جاكسون أن يقضي على البنك حتى قبل أن تنتهي مدته في 1836 ، وذلك بسحب إيداعات الحكومة الفدرالية من البنك المركزي ووضعها في بعض بنوك مختارة في الولايات ، وقد ساعده في ذلك وزير خزانته المخلص روجر . ب. تاني .
التضخم المالي والأزمة الإقتصادية
لعدم وجود بنك مركزي يراقب طبع العملة وتنظيم عملية السائل منها ؛ وجدت البنوك في الولايات نفسها حرة في استلام السياسة التي تريدها ، وزيادة سيولة العملة نتيجة الإيداعاتمن الحكومة الفدرالية ؛ أصبحت هذه البنوك سخية في عملية القروض . هذا السخاء أدى إلى حمى شراء الأرض ، وزيادة الطلب على الشراء رفع سعر الأرض أضعافا فيما بين 1834-1836 ، وأصبح مضاربو الأرض يقرضون النقود بسهولة لعملية الشراء هذه ، وقام جاكسون بتوزيع عوائد الحكومة على الولايات ، وهذا أدى إلى زيادة التضخم المالي ولذلك أعلن جاكسون قرار عدم بيع الأراضي إلا بدفع عملية ذهبية . هذا التضخم تلاه – فيما بعد – أزمة اقتصادية دامت عدة سنوات .
العلاقات الدولية في عهد جاكسون
قابلت ديبلوماسية جاكسون الصريحة نجاحا ملحوظا ، وكانت الثورة في تكساس والدعوة في الولايات المتحدة من أجل ضمها إلى الاتحاد الفدرالي ، قد خلقت جوا مشحونا بالقلق في المكسيك .
نجاح جاكسون مع بريطانيا وفرنسا
بعد زوال المقاطعة التجارية مع بريطانيا ؛ نجح فان بيورن في إقناع تلك الدولة بالسماح للولايات المتحدة بالمتاجرة مع جزر الهند الغربية .
شكاوي أمريكا ضد فرنسا بخصوص السفن الأمريكية المصادرة في عهد الثورة الفرنسية ، وكذلك – فيما بعد – في عهد الحروب النابليونية ؛ أصبحت هي المشاكل الوحيدة المعلقة بين البلدين . بطبيعة الحال لم تكن فرنسا تنكر صحة هذه الشكاوي ، ولكنها كانتتؤجل الحل دائما لحين آخر . بعد مجيء لويس فيليب إلى عرش فرنسا عام 1830 ، استطاع جاكسون عقد معاهدة مع فرنسا ، وتعهدت الأخيرة بموجبها بدفع تعويضات عن غالبية الشكاوي الأمريكية ضدها ، ولكن عند مجيء موعد أول دفعة رفضت الخزانة الفرنسية الإذعان للأمر ، وعندها قام الرئيس عام 1834 بالطلب من الكونجرس بالسماح بمصادرة بعض الملكيات الفرنسية إذا لم تف فرنسا بتعهداتها ، وهنا طلبت الحكومة الفرنسية اعتذاار من جاكسون وسحبت سفيرها في واشنطن . وقد أعلن جاكسون أنه لم يكن في نيته أن يهين الفرنسيين – واعتبر هذا قبل كإعتذار ، ومن ثم قامت بدفع المطلوب منها .
ثورة تكساس
في عام 1820، استطاع موزس أوستن أن يحصل على موافقة إسبانيا بتوطين بعض العائلات من أصل أنجلوسكسوني في منطقة تكساس ، وبعد موت أوستن قام ابنه ستيفن ف. أوستن بالحصول على عقود للأراضي هناك وبتكوين مستعمرة جديدة بإذن من الحكومة المكسيكية التي استقلت حديثا . وفي عام 1825، قامت المكسيك بتشجيع الهجرة إلى تكساس بإعطاء الأراضي بأسعار منخفضة للمستوطنين . وبما أن هذه الأسعار كانت أكثر انخفاضا منها في الولايات المتحدة؛ فقد أدى هذا إلى كثرة المهاجرين من الجنوب الأمريكي إلى المنطقة الجديدة.
ولكن سرعان ما بدأ هناك خلاف بين المكسيك وبين المهاجرين الجدد ، لأسباب عديدة أهمها : فشل حكومة المكسيك في حل بعض المشكلات المباشرة ومنها مسالة الحكم المحلي ؛ كما لم يكن المهاجرون الجدد جادين في وعدهم للمكسيك بأنهم سيشجعون الكاثوليكية أو يقصروا الهجرة على الكاثوليك كما وعدوا حكومة المكسيك ؛ ثم الخلاف حول دفع الضريبة لسلطات الجمارك؛ عزم المكسيك على إلغاء نظام الرق ؛ كما كانت مقاطعة كوهويلا – الواقعة في أقصى شمال المكسيك، وغالبيتها من المكسيك الكاثوليك هي المسيطرة على الشمال، وقد اعتبرت الحكومة المكسيكية مقاطعة تكساس بأنها ثانوية بالنسبة لتلك المقاطعة. وبناءا على ما تقدم قررت الحكومة المكسيكية منع الهجرة إلى تكساس.
وقد بدأت حركة الاستقلال عن المكسيك؛ عندما لم تستجب الحكومةالمكسيكية لمطالب المستوطنين في تكساس ، وعلى أثر سماع الحكومة برغبة المهاجرين الجدد في تكساس بإعلان استقلالهم ؛ قام الجنرال سانتا آنا بقيادة جيش إلى تكساس لإخضاعها لسلطة الحكومة. وهكذا أعلن المهاجرون استقلالهم في مارس عام 1836. لقد استطاع سانتا آنا القضاء على القوة المدافعة في آلامو (الواقعة في مدينة سان أنتونيو حاليا) ، ومن ثم قام الجنرال سام هيوستن، صديق جاكسون القديم وحاكم تنسي السابق، بالتراجع إلى منطقة لويزيانا، ولكنه فيما بعد بعد فاجأ المكسيكيين أثناء احتفالهم بالعيد ، وانتصر عليهم في موقعة سان جاسنتو في إبريل عام 1836 ، وأخذ سانتا آنا أسيرا. وقد أجبر هذا الأخير على الإعتراف باستقلال تكساس ، ولكن الحكومة المكسيكية لم تعترف بهذا الإعلان.
وقد أعلنت جمهورية تكساس، واختير سام هيوستن رئيسا لها، وقدمت تكساس طلبا بانضمامها إلى الاتحاد الفدرالي. وقد اعترفت الولايات المتحدة باستقلال تكساس، ولكن جاكسون لم يقم بالخطوات العملية لانضمامها، والسبب في ذلك أنه خشي وقوع حرب مع المكسيك، كما أنه لم تكن يريد أن يغضب أهالي الشمال الشرقي الذين كانوا ضد نظام الرق؛ حيث كانت تكساس تسمح بوجود ذلك النظام فيها – ولهذا السبب لم تقبل تكساس في الاتحاد إلا في عام 1845.
إدارة فان بيورن
لقد ورثت هذه الإدارة مشاكل التضخم المالي والأزمات الإقتصادية من العهد السابق ؛ ولم تحقق الكثير بسبب معارضة الوجز لسياسة الحكومة وضعف بيورن في القيادة . وهكذا فقد أمضى الكونجرس طيلة وقته في مناقشة السياسة المالية وسياسة الأراضي .
انتخابات 1836
لقد سيطر على هذه الحملة الإنتخابية عاملين : الأول ترشيح جاكسون لقانون بيورن للرئاسة ، والثاني اتخاذ كل الفئات المعارضة في حزب واحد وهو حزب الوقز الذي شمل فئة الجمهوريين الوطنيين ، والديمقراطيين المعارضين لسياسة جاكسون ، وجماعة (ضد الماسونية) . وبهذا أصبح الوجز حزبا عاما بدعمه التجار الأغنياء ، أصحاب الصناعة ورجال الأعمال والمزارعين ، وقد حافظ على هذا الاتحاد قادة مؤهلون وهم : وبستر، وكلي وكالهون . ويجب ألا ننسى بأنه كانت توجد هناك خلافات شديدة بين هذه الفئات داخل الحزب، وأن العامل الوحيد في اتحادهم إنما كان فقط اشتراكهم في المعارضة ضد جاكسون. وفي هذا تجد بأن الحزب كان منقسما على نفسه لدرجة أنه لم يستطع أن يقدم مرشحا واحدا للرئاسة ، ولم يعلن عن سياسة واضحة له . ولهذا قدم الحزب أربعة مرشحين على أمل أن يجلبوا كثيرا من الديمقراطيين إلى جانبهم ، ويؤول الإنتخاب إلى مجلس النواب – حيث يضمنوا هناك النجاح. ولكن بيورن حصل على الأغلبية في الإنتخابات في الهيئات الناخبة ، وبذلك أصبح الرئيس.
الأزمة الإقتصادية في عهد بيورن عام 1837
كان العامل الأساسي في إيجاد هذه الأزمة هو السياسة المالية التي اتبعها سلفه جاكسون ، بالإضافة إلى وجود الأزمة في إنجلترا ، اضطرت بعض حاملي الأسهم من البريطانيين في البنوك الأمريكية إلى بيع أسهمهم ، هذا بالإضافة إلى فشل المحاصيل الزراعية .
وبعد فترة شهر واحد من تولي بيورن الحكم انتشرت أزمة اقتصادية في البلاد كان من مظاهرها زيادة البطالة، انخفاض الأجور، وفشل وإفلاس كثير من رجال الأعمال والبنوك، وانخفاض أسعار الأراضي والحاجيات. وقد حاول حزب الوجز أن يعزو هذه الأزمة إلى فان بيورن، وبذلك بدأ بكسب بعض الشعبية، وقد طيبق بيورن سياسة العصر بالقول بأن الحكومة لا تستطيع أن تعمل الكثير في مثل هذه الأزمة، وحتى تخف الوطأة ، فقد قام بمنع توزيع الزائد من الخزانة على الولايات، كما أنه أمر بطبع عشرة ملايين دولار للخزانة الفدرالية لمقابلة المصاريف.
وعلى هذا بدت الحاجة ماسة إلى ضرورة وضع سياسة جديدة للعملة لتلافي التضخم المالي الزائد الذي بدأ منذ عام 1833.
كانت وجهة النظر الديمقراطيين هي إبقاء العوائد التي يجمعها أي قسم حكومي فيه ؛ بدل أن توضع في بنك رئيسي – بمعنى أنهم عارضوا فكرة وجود بنك واحد وطني أو وجود بنوك في الولايات. أما وجهة نظر أتباع حزب الوجز فكانت تميل نحو جعل بنوك الولايات مكانا لإيداع العوائد الحكومية. وهكذا فشل الطرفان في إيجاد حل للأزمة المالية .
وهنا قامت هيئة متطرفة من الديمقراطيين تعارض فكرة البنوك والإستدانة، أو العملة الورقية، وتؤمن فقط باستعمال الذهب والفضة كاحتياطي . وقد ظهرت هذه الفئة أصلا في غرب ولاية نيويورك، وكان يطلق عليها بالعامية لفظ (لو كوفوكوس). وتحت تأثير هؤلاء فقد استطاع الكونجرس أن يسن قانون الخزانة المستقلة عام 1840. وهكذا تخلت الحكومة عن مسئوليتها في مراقبة نظام وطني للعملة .
إدارة تايلر 1841-1845
لقد أحرز الوجز أول انتصار سياسي لهم بانتخاب وليام هنري هاريسون للرئاسة عام 1840 ، واستطاعوا السيطرة على الكونجرس ، ولكن هذا الإنتصار لم يدم طويلا . ظهور الخلافات – فيما بعد – بين الهيئة التنفيذية والتشريعية منع حزب الوجز من تحقيق برنامجه .
انتخابات 1840
قام الديمقراطيون بإعادة ترشيح فان بيورن للرئاسة. أما حزب الوجز فقد اختار وليام هنري هاريسون بكل الحرب مع الهنود وحرب عام 1812 . وكانت شعبيته في انتخابات عام 1836 ، وتدعيم بعض قادة الوجز له جعله يكسب الترشيح على كلي ، الذي كون أعداء كثيرين في الكونجرس بسبب مواقفه المتناقضة هناك ، وكان جون تايلور من الديمقراطيين المعارضين لجاكسون ، ولذلك انضم إلى حزب الوجز ، وأصبح من مؤيدي كلي وقد رشح لنيابة الرئيس . وقد فشل حزب الوجز في وضع برنامج واضح له ؛ نظرا للخلافات الشديدة داخل الحزب . لهذا انبثق حزب جديد معارض لنظام الرق سمي بـ (حزب الحرية) مرشحا جيمس جي بيرني للرئاسة ؛ ومن بعد ذلك أصبحت مسألة الرق مشكلة وطنية عامة في أمريكا، وعلى هذا نجد إذن ثلاث منافسين للرئاسة: بيورن ، هاريسون ، بيرني .
مع أن المشاكل المالية أخذت جزءا كبيرا في الحملة الإنتخابية ؛ إلا أن شخصيات المرشحين هي التي سيطرت على هذه الحملة . لقد صور حزب الوجز بيورن على أنه (سياسي ضعيف) ، بينما أعطوا انطباعا للناخب بأن هاريسون رجل قوي وقاس يؤمن بأفكار الفلاح الغربي ، كما أنهم عزوا الأزمة الإقتصادية إلى بيورن. وهكذا ربح الوجز الحملة الإنتخابية بسهولة ، واستطاعوا السيطرة على الكونجرس ، ولكن هذا الإنتصار لم يدم طويلا ؛ لأن هاريسون توفي بعد شهر واحد من توليه الحكم وخلفه تايلور في الرئاسة . تايلور كان من المؤمنين بمبدأ (حق الولايات) ، وهكذا عارض كثيرا من التشريعات التي اقترحها حزب الوجز ، باستعماله حق النقض .
برنامج حزب الوجز
لقد أصبح كلي قائدا لحزب الوجز في الكونجرس ، ولكنه لم يستطيع أن يكسب تعاون الرئيس الذي كان يعارض سياسة الوجز . لذلك قام الكونجرس بإبطال قانون (الخزانة المستقلة) عام 1840 ، ولكن تايلور نقض قانون الكونجرس المقترح بتكوين بنك الولايات المتحدة ، ولقد قام الكونجرس عام 1842 بإعادة قانون التعريفة لعام 1832 ، واعتباره وسيلة لزيادة عوائدالحكومة ، وعندما نقض تايلور هذا القانون ، قامت وزارته كلها – معظمهم من الوجز – بالإستقالة احتجاجا على ذلك.
كان من أشهر القوانين التي سنت في عهد نابليون هي قانون الأراضي في عام 1841 ، وهذا القانون بعض المستوطنين على أرض مشاع حكومية في المناطق الغربية باعتبارهم (مستوطنين غير شرعيين) رأينا في السابق بأن هؤلاء إنما طلبوا من الحكومة إعطائهم الأحقية في شراء هذه الأرض – لأنهم بذلوا جهدا في تسويتها وزراعتها – بأسعار متهاودة ، ولكنهم في السابق لم يحققوا هذا المطلب. وهكذا كان مضمون القانون هو السماح لهؤلاء بشراء مائة وستون أيكر من الأرض بسعر دولار وربع للفدان. ولهذا يعتبر هذا القانون انتصارا للمناطق الغربية .
المشاكل الأمريكية – البريطانية
ظهر كثير من المشاكل الأنجلو–أمريكية في عهد إدارة فان بيورن، وقد وصلت هذه المشاكل إلى مرحلة التأزم في عام 1840. معظم هذه المشاكل قد حلت في اتفاقية وبستر–أشبرتون (Webster – Ashburton) في عهد رئاسة تايلور، حيث كان دانيال وبستر وزيرا للخارجية. أهم هذه المشاكل هي: أولاً، حرب أروستوك عام 1838، لقد حدثت هذه الحرب في مقاطعة أروستوك في ولاية مين بسبب اختلاف على الحدود مع مقاطعة نيوبرنزويك في كندا. ثانياً، حادث الكارولاين عام 1837، حيث قامت هناك انتفاضة ضد البريطانيين في كندا، وكانت الكارولاين سفينة أمريكية في البحيرات الكبرى تمد الثوار الكنديين بالأسلحة. ولهذا قام البريطانيون والكنديون الموالون لريطانيا بحرقها داخل الحدود الأمريكية. ثالثاً، حادث مكلاود؛ حيث كان هذا مواليا بريطانيا كنديا – في نيويورك، وقد افتخر بانه قتل الأمريكي الوحيد الذي كان على ظهر الباخرة كارولاين، واعتقل مكلاود في نيويورك وقدم للمحاكمة، وقد طلبت بريطانيا في إطلاق سراحه، ولكن ولاية نيويورك رفضت ذلك، وأخيرا تدخلت الحكومة الفدرالية بإدعاء أن لها الحق الدستوري والمسئولية عن رعايا دولة أجنبية في الولايات المتحدة، ولذلك ضغط على ولاية نيويورك بإطلاق سراحه عام 1842. ومن هنا أصبحت هذه القضية سابقة تؤشر إلى حق الحكومة الفدرالية في المسئولية عن الرعايا الأجانب في أمريكا. رابعا، حادث كريول عام 1842، حيث كانت هذه باخرة تحمل الرقيق إلى الجنوب، وقد قام الرقيق بالثورة على الباخرة وأجبروها على الاتحاد إلى جزر البهاما البريطانية، وهناك قامت بريطانيا بتحرير هؤلاء الرقيق. ولقد غضبت الولايات الجنوبية على ذلك التصرف. خامساً، كانت السفن البريطانية تراقب ساحل أفريقيا لمنع تجارة الرقيق ، حيث أن الدستور البريطاني حرم هذه التجارة عام 1820، ولذلك كانت تقوم بتفتيش جميع السفن – ومنها الأمريكية – عندما تشك في وجود الرقيق عليها. سادساً، الخلافات بين الدولتين على منطقة أوريجون. وأخيرا، ديون الرعايا البريطانيين في أمريكا؛ حيث أن الولايات الأمريكية ألغت هذه الديون أثناء الأزمة الإقتصادية عام 1837.
معاهدة وبستر–أشبرتون عام 1842
أهم ما نصت عليه هذه المعاهدة ما يأتي: من حيث الحدود مع كندا ، فقد اتضح وجود خرائط لدى الطرفين تؤيد مزاعم هذا الطرف، وكان هناك حل وسط وهو وضع الحدود على ما هي علي الآن بين ولاية مين وكندا – كسبت أمريكا نصف المساحة التي ادعت بها . واعتذرت بريطانيا عن حادث الكارولاين . تعهدت الحكومة الأمريكية بعدم التدخل في عمليات تحرير الرقيق ، كما حدث مع الكريول ، اتفقت الدولتان على الإشتراك في مراقبة الساحل الأفريقي لمنع تجارة الرقيق . من حيث مزاعم الطرفين في أريجون ، فقد حلت هذه فيما بعد . أما بخصوص الديون البريطانية فإنها لم تدفع أبدا من قبل الولايات .
تسلسل تاريخي للأحداث الهامة
1829 : أصبح جاكسون رئيسا . 1832 : (إعلان النقض) بواسطة ولاية ساوث كارولاينا – إعلان النقض من قبل جاكسون . 1836 : حصل أهالي تكساس على الإستقلال من المكسيك بعد موقعة سان جاسنتو . 1837 : أصبح فان بيورن رئيسا – الهبوط الإقتصادي . 1841 : كان هاريسون أول رئيس من حزب الوجز – توفي بعد شهر من توليه الرئاسة وخلفه تايلر . 1842 : معاهدة (ويستر – أشبيرتون) لتسوية الخلافات مع بريطانيا .
مراجع الفصل الثاني عشر
1. C.S. Van Duessen. The Jacksonian Era, 1828 – 1848 (1959)
2. R.H. Gabriel. Growth of Democratic Thought (1940)
3. Geogre Dangerfield. The Awakening of American Nationalism
4. D.C. North. The Economic Growth of the United Sates (1961)
5. J.A. Garraty. Quarels that have sha[ed the Constitution (1964)
الفصل الثالث عشر: احتلال المناطق الغربية القصوى
منذ العهد الإستعماري ، تعود الأمريكيون على الإستيطان ، واستمرارية الزحف من الساحل الشرقي إلى الغربي في اتجاه الأرض البكر غير المستعملة ممارسين التجارة والزراعة . وباستمرار هذه الظاهرة ، أصبحوا يفكرون بأن ضم أراضي جديدة إنما هو عمل طبيعي عودتهم الأحداث عليه .
ومنذ انتهاء حرب الإستقلال ، وعلى ألأخص منذ مطلع القرن التاسع ، فقد كان تيار الهجرة إلى الغرب – أي ما وراء جبال أبلاش واليقاني – يقوى باستمرار ، خصوصا وأن أراضي الغرب كلها اعتبرت بعد الإستقلال ملكا للإتحاد وألغيت جميع الحقوق السابقة علهيا ، كما ان قرار الكونجرس عام 1787 – كما ذكرنا في فصول سابقة 0 كان قد شجع الهجرة إلى هذه الأراضي بالسماح للمهاجرين إليها بأن يشكلوا حكومات ذاتية تدير شئونهم إلى أن يبلغ تعداد السكان في كل منطقة ستين ألف مواطن ، عندها يستطيعون الدخول في الاتحاد على قدم المساواة مع الولايات الأخرى . وبذلك فقد أعطي هؤلاء المهاجرين ضمانات كاملة بأنهم سيعاملون دائما على قدم المساواة مع سكان المناطق الشرقي . وهكذا ففيما بين عامي 1816-1821 ، دخل الاتحاد ست ولايات هي : إنديانا ، مسيسيبي ، ألينوي ، ألباما ، مين ، وميسوري .
وهكذا ، أصبح سكان هذه المناطق ، في الأربعينيات من القرن التاسع عشر ، يعتقدون بأن لهم (مصير محتوم) (Manifest Destiny) بالتوسع في كل أنحاء قارة أمريكا المشالية ، وبذلك ففي عقد الثلاثينات والأربعينيات من القرن التاسع عشر ، ضمت أمريكا إليها كل من : أوريجون ، تكساس ، نيومكسكو ، كاليفورنيا ، وأقصى الجنوب الغربي .
تكساس
كانت مشكلة الرقيق هي السبب الوحيد في تأخير انضمام تكساس إلى الاتحاد الفدرالي ، ولكن الخوف من طمع بريطانيا في تكساس ، وانتخاب بولك رئيسا للولايات المتحدة ، دفعا في النهاية إلى انضمام تكساس إلى الاتحاد الفدرالي .
مسألة تكساس
أكد الداعون إلى إلغاء الرق بأن التوطين ، والثورة ، ومحاولة ضم تكساس إلى الاتحاد الفدرالي ، إنما هي مؤامرة من قبل الولايات الجنوبية التي شاع فيها نظام الرق . وقد عارض أتباع حزب الوجز في الشمال فكرة انضمام تكساس للاتحاد ، لأنها – في نظرهم – ربما تؤدي إلى تكوين عدة ولايات في الجنوب – نظرا لإتساع مساحة هذه الولاية – الأمر الذي قد يخل بالتوازن في الكونجرس بين ولايات الرق وبين الولايات الحرة وبينما قامت المجالس التشريعية في الولايات الجنوبية بإصدار قرارات تؤيد انضمام تكساس إلى الاتحاد الفدرالي ؛ قامت مثيلاتها في الولايات الشمالية بإصدار قوانين عكس ذلك . ونظرا لهذا الخلاف الداخلي بين الولايات ؛ فإن جاكسون ، ومن بعده بيورن ، لم يجرؤا على الحسم في الأمر . وهكذا سحبت ولاية تكساس طلبها للإنضمام للاتحاد في عام 1838 ، واستمرت كجمهورية مستقلة لها علاقات سياسية وتجارية مع الدول الأوروبية وخصوصا بريطانيا ، كما أن سكان الولاية لم يفقدوا الأمل بأن ينضموا – يوما ما – إلى الاتحاد .
المصالح البريطانية في تكساس
كانت المصالح البريطانية تدعو إلى قيام علاقات وطيدة مع جمهورية تكساس ؛ لأن هذه كان يمكن أن تصبح قاعدة لبريطانيا لإخلال التوازن في قوة الولايات المتحدة من ناحية أخرى ، اتفقت كل من تكساس وبريطانيا على ضرورة اتباع سياسة تجارية حرة ، وبهذا فإن قطن تكساس كان يستبدل به منسوجات بريطانيا دون وجود تعريفة جمركية بين البلدين . كما أن الدعاة ضد نظام الرق في بريطانيا كانوا يتوقعون بأن تلغي تكساس نظام الرق فيها مقابل قرض بريطاني ، ومن ثم يمكن استعمال تكساس كقاعدة لمحاربة الرق في الولاياتا لمتحدة . في عام 1843 توسطت كل من بريطانيا وفرنسا في إعلان التهدئة بين كل من المكسيك وتكساس بعد أن كانت تحاول الأولى إعادة فتح تكساس بالقوة ، وعندها أجبر وزير تكساس المفوض في واشنطن عدم رغبة حكومته في الإنضمام إلى الاتحاد الفدرالي . كل هذا جعل الحكومة الأمريكية أكثر شغفا وتخوفا بخصوص مسألة تكساس .
النزاع مع المكسيك
في عام 1843 أعلم سانتا آنا – الذثي أصبح رئيسا للمكسيك – الحكومة الأمريكية بأن ضم تكساس إليها سيعني إعلان الحرب على الولايات المتحدة . ولكن ووزير خارجية الولايات المتحدة جون شي كالهون كان قد اتصل بوزير تكساس في نهاية العام ، وأخبره برغبة الحكومة الإتحادية في إعادة فتح المفاوضات بخصوص الإنضمام . وهنا وافق رئيس جمهورية تكساس ، سام هيوستن ، على اقتراح كالهون ، ولكنه كان حذرا بألا يغضب حلفاء البريطانيين ، وعلى شرط أن تقدم حكومة الولايات المتحدة الحماية العسكرية والبحرية لجمهورية تكساس ، ونجح الطرفان في وضع معاهدة للإنضمام ، ولكن مجلس الشيوخ لم يوافق عليها وذلك لتاثير جماعة مناهضي الرق ، بالإضافةإلى خوف البعض من أن ذلك سيؤدي إلى حرب مع المكسيك . ولذلك قام الرئيس تايلر بالطلب إلى أني قوم كلا المجلسين في الكونجرس (الشيوخ ، النواب) بإعلان موافقتها المشتركة على الانضمام . ولكن الكونجرس كان قد انفض قبل ان يقوم بهذا العمل لهذا اصبحت مسألة تكساس من المسائل الهامة في حملة عام 1844 لانتخابات الرئاسة .
انتخابات عام 1844
رفض الحزب الديمقراطي ترشيح فان بيورن ، لأنه كان يعارض في انضمام تكساس ، وبدلا منه رشحوا جون كي بولك من ولاية تنيسي ، والذي كان من جماعة جاكسون . هنري كلي حاز على ترشيح حزب الوجز ، لأنه كان معارضا في انضمام تكساس ، ولكنه في رسالة لاحقة أعلن بأنه سيوافقة على الانضمام تحت شروط معينة ، وهكذا انفصل كثير من أتباعه وأعطوا أصواتهم إلى حزب الحرية الذي رشح جيمس بيرتي .
كان بنرامج الديمقراطيين يعتمد على فكرة ضرورة الضم – كلا من أوريجون وتكساس – وكان الاتجاه العام في البلاد أيضا يؤيد فكرة التوسع . وهكذا انتخب بولك رئيسا ، كما كسب الديمقراطيين أغلبية في الكونجرس – وذلك كان نتيجة واضحة بإعطاء السلطة لبولك بالعمل على التوسع الإقليمي .
انضمام تكساس
وعند اجتماع الكونجرس في ديسمبر عام 1844 ، فإن الرئيس تايلر قد أوصى مرة اخرى بضرورة ضم تكساس . وبناءا عليه فإن كلا المجلسين قد وافقا في قرارهما في فبراير عام 1845 على تفويض الرئيس بالقيام باتفاق مع جمهورية تكساس بفرض انضمام الأخيرة للاتحاد . وقد تضمن هذا القرار ما يأتي : يسمح لتكساس بالانضمام دون ضرورة تطبيق فترة انتقال ، يمسكن لتكساس أن تنقسم إلى خمس ولايات ، ستقوم بدفع ديونها الخاصة ولكن يسمح لها بأن تحتفظ بأراضيها مع تطبيق تسوية ميسوري عليها ، وهذا يعني السماح بنظام الرق فيها . وبموافقة الكونجرس على هذا القرار ، فقد وقعه تايلر بعد ثلاثة أيام . وهكذا أصبحت تكساس عضوا في الاتحاد الفدرالي في ديسمبر عام 1845 ، وكونت تكساس حكومة محلية في فبراير عام 1846 .
أوريجون
ذهب كثير من المستوطنين الأمريكيين إلى هناك ، عندما كانت تلك المنطقة محل نزاع بين بريطانيا والولايات المتحدة . وزيادة عدد المهاجرين إلهيا كان لا بد للدولتين من التوصل إلى اتفاق حول ملكيتها .
مزاعم كلا من بريطانيا وأمريكا
امتدت هذه المطقة من جبال روكي غربا وبين خط عرض 42º إلى 54º شمالا ، وتتركز المزاعم البريطانية في تلك المنطقة على : رحلات دريك ، وكوك ، وفانكوفر ، وعلى استكشافات مكنزي ، وأنها كانت منطقة تجارية للشركة في الشمال الغربي وهدسون بي ، وقد سيطرت عليها تلك الشركات منذ عام 1812 .
أما المزاعم الأمريكية فقد تركزت على : كشوفات كولومبيا بواسطة الكابتن روبرت جري ، ونشاط تجارة الفراء الأمريكية ، وخصوصا مؤسسة جيكوب آستورن عام 1811 ،وكذلك وجود مستوطنين أمريكيين هنك . حسب اتفاقيات الإحتلال المشترك بين الدولتين في عام 1818 ، وفي عام 1827 كان يسمح لرعايا الدولتين بالإستيطان والتجارة هناك .
التجار الأمريكيون في أوريجون
أول تجار للفراء في تلك المنطقة كانوا من منطقة نيو إنجلند الذين عملوا في تجارة استبدال الفراء مع الهنود مقابل الشاي وبعض المنتجات من الصين ، وقد أسس آستور (شركة الفراء الباسفيكية) عام 1812 ، وأنشأ مركز التجارة في آستوريا (كولومبيا البريطانية) . بعد بضعة سنوات قام آستور ببيع مركزه هناك إلى شركة الشمال الغربي البريطانية قبل أن تصل القوات البريطانية لاحتلالها ، وهكذا فقد سيطر البريطانيون على تلك المنطقة من خلال شركة هدسن بي ، التي كان يسيطر عليها جون مكلوفلين ، وقد قامت هذه الشركة بإنشاء مراكز في جميع أنحاء أوريجون عاملة في تجارة الفراء على الساحل الباسفيكي ، وكذلك في الزراعة .
وفي عام 1832 ، تواجد بعض الأمريكيين هنك فقط كتجار . من هؤلاء : هول جي كيلي المدرس من بوسطن الذي كان قد طلب من الكونجرس المساعدة لتوطين جماعات كبيرة هناك ، وكذلك ناتانيال ويت – أيضا من بوسطن – قام برحلة تجارية في 1832 ، ولكن هؤلاء وجدوا أنه من الصعب منافسة شركة هدسن بي في تلك المنطقة .
توطن بعض المبشرين والرواد
قامت بعض الكنائس بإرسال المبشرين إلى هناك منهم : جيسون لي عن الكنيسة المنهجية ، ماركوس وتمان عن الكنيسة البرسبتارية ، وألأب بيير دوسميت عن الكنيسة الكاثوليكية .
كثير من الرواد بدأو الإستيطان هناك منذ عام 1841 ، حيث أنشأوا ماسمي (بطريق أوريجون) يسوقون العربات المغطاة متجهين نحو الغرب ، وقد زادت هذه الهجرة في عام 1843 بمجيء أعداد كبيرة من المهاجرين ، وقد جرى هؤلاء على العادة التقليدية الأمريكية بتكوين حكومة محلية لهم ، وفميا بعد طلبوا الإنضمام للاتحاد الفدرالي الأمريكي .
معاهدة أوريجون (1846)
في ديسمبر عام 1845 ، طلب بولك من الكونجرس إعطاءه السلطة بضم أوريجون . ونظرا لتوقع حرب مع المكسيك ؛ فإن الولايات المتحدة كانت على استعداد لقبول تسوية مع بريطانيا . وبطبيعة الحال فإن وجود مستوطنين أمريكيين هناك كان قد سهل على الحكومة الأمريكية هذا العمل . وعندما خشيت هدسن بي من أن يقوم الأمريكيون بالإغارة على مركزها في فان كوقر على القارة ألأمريكية ، نقلت هذا المركز إلى جزيرة فان كوجر . وهكذا قبل بولك التسوية باقتسام أوريجون مع بريطانيا بحيث أصبحت خط عرض 49º شمالا هو الحد الفاصل بين القسمين .
الجنوب الغربي
ظهر الطمع الأمريكي في الجنوب الغربي منذ عام 1820 ، 1830 . وبعد استقلال المكسيك في عام 1821 ، بدأ الأمريكيون بالتجارة عن طريق سانتا في (Santa fe) في نيومكسكو ومنها إلى كاليفورنيا ، وفي عام 1840 بدأ بعض الرواد يصلون إلى كاليفورنيا المكسيكية .
وكانت المكسيك قد منعت تجارة الأمريكيين هناك ، ولكن رغم ذلك كان الكثير منهم يصل إلى الجنوب الغربي عن طريق ميسوري ؛ حيث يستبدلون بالصناعات والملابس الفضة والفراء والخيل من المكسيكيين ، وهكذا زادت رغبة الكثير في الإستيطان هناك . بالإضافة إلى هؤلاء كان يوجد رجال الجبال الذين يقابلون تجار الفراء ويستبدلون منهم الحاجيات ، وأهمية هؤلاء أنهم قطعوا وعرفوا طرقا داخل الجبال والصحراء مما جعل المنطقة أكثر سلوكا .
أما كاليفورنيا فقد بدأ استعمارها عن طريق الإسبانيين الذين حضروا من المكسيك في عام 1769 ، حيث وصلوا إلى منطقة سان دييجو . وقد بدأت موجة الاستعمار عن طريق المبشرين من الكنيسة الكاثوليكية الذين أنشأوا لهم مراكز على الساحل مع وجود حماية لهم . وبعد استقلال المكسيك بدأت تشجع منح الأراضي للمزارعين ، ونتيجة للمعارضة ضد الكنيسة في المكسيك في الثلاثينات (1830) ، بدأت الحكومة المكسيكية تشجع المستوطنين هناك .
أما أول الأمريكيين الذين وصلوا إلى كاليفورنيا فقد كانوا من بحارة نيوإنجلند ، سعيا وراء صيد الحيتان أو المبادلة التجارية مع البعثات الدينية المسيحية ، ومع أن الأمريكيين كانوا ممنوعين من الإستيطان ، فإن اتفاق مصلحة القادمين الجدد ، مع المستوطنين بالفعل هناك ، جعل الكثير يطمعون في الذهاب إلى كاليفورنيا ، كما أن كثيرا من عملاء التجارة الأمريكيين كانوا رعايا مكسيكيين . كما أن قوانين المكسيك الحرة في الأراضي دفعت كثيرا من الأمريكيين على الهجرة إلى هناك ، خصوصا بين عامي 1841-1844 حول سان فرانسيسكو . وقد طمع هؤلاء المستوطنون الجدد في أن ينضموا إلى أمريكا . وقد قام توماس لاركين قنصل أمريكا في المكسيك – حيث كان تاجرا في العاصمة المكسيكية – بإيعاز من الحكومة الأمريكية بمحاولة تجشيع الكسان على الانضمام إلى الولايات المتحدة ، كما ساعده أيضا جون ستر الذي شجع مجيء المهاجرين .
الحرب مع المكسيك 1846-1848
توترت العلاقات بين الولايات المتحدة والمكسيك بعد استقلال تكساس ، أما نيومكسكو وكاليفورنيا فقد ضمنتها الولايات المتحدة ، بعد الحرب مع المكسيك .
أسباب الحرب
ضعف الحكومة المكسيكية ، وعدم قدرتها على القيام بمسئولياتها بسبب الثورات المختلفة التي حصلت فيها ؛ كما اعتبرت المكسيك أن ضم تكساس يعتبر عملا عدوانيا . وقد حذرت أمريكا بذلك . وبعد الانضمام كانت مشكلة الحدود بين المكسيك وتكساس هي السبب المباشر للحرب ، فبينما اعتبرت أمريكا أن الحدود تقع عند نهر ريوجراند رأت المكسيك أن هذه الحدود تقع عند نهر نورس إلى الشمال وهي منطقة حدود تكساس قبل الإستقلال عن المكسيك ؛ كما أن تدخل أمريكا في شئون كاليفورنيا أزعج المكسيك . ففي عام 1842 ، كان الكومودور جونز في البحرية الأمريكية قد سمع إشاعة وجود حرب مع المكسيك ، ولذلك قام باحتلال مونتري ، وبعد أن أقنعه لاركن بالخطأ ، اعتذر وانسحب ، ولكن هذا الأمر أعطى المكسيك فكرة عن نوايا امريكا ، ولذلك قامت المسكيك في عام 1843 بإبعاد الأمريكيين من كاليفورنيا ، ومنعت الهجرة الأمريكية إلى هناك ، قام الأمريكيون بطلب الحماية من الحكومة الأمريكية .
بعثة سلايدل
قام بولك بابتعاث جون سلايدل إلى عاصمة المكسيك في نوفمبر عام 1845 ، وطلب منه اقتراح التسوية الآتية : أن أمريكا ستدفع ادعاءات مواطنيها ضد المكسيك مقابل اعتبار ريوجراند هي الحد الجنوبي مع المكسيك ، الاقتراح يدفع مبلغ خمسة ملايين دولار ثمنا لنيومكسيكو وعشرين مليونا ثمنا لكاليفورنيا ، ولم يجرؤ رؤساء المكسيك على استقبال سلايدل خوفامن الرأي العام المكسيكي ، وهكذا فشلت المحاولة في المفاوضات .
السبب المباشر
رفض المكسيك للمفاوضات ؛ جعل بولك يأمر القوات الأمريكية بالعبور إلى المنطقة الجنوبية – روجراند – وتوقع أن يهاجمها المكسيكيون ؛ وبالفعل قامت المكسيك بالهجوم على القوات الأمريكية في إبريل عام 1846 م . وهنا وافق الكونجرس على طلب بولك بإعلان الحرب في 12 مايو عام 1846 م ، وكان الشمال الشرقي معارضا للحرب ، لأنه اعتبرها إضافة لمناطق يوجد فيها نظام الرق ، وقد اعتمدت هذه الحرب على متطوعين من المناطق الجنوبية الغربية .
حملات الحرب المكسيكية
كانت هناك ثلاث حملات ، أمريكية في هذه الحرب : هجوم الجنرال تيلر على شمال المكسيك ، احتلال الجنرال كيرني لنيومكسيكو وكاليفورنيا ، ثم حملة الجنرال سكوت على عاصمة المكسيك .
أولا : حملة زاكري تيلر : قطع الحدود عند ماتا موراس في مايو عام 1846 ، واتجه نحو الجنوب الغربي حيث احتل مونتري في سبتمبر ، وفي فبراير عام 1847 انتصر علىسانتا آنا في معركة يونا فيستا ؛ كان يريد التقدم إلى مدينة المكسيك ، ولكن بولك لم يرد أن يعطي فرصة لواحد من أتباع الوجز بكسب الشعبية ، ولذلك أمره باحتلال شمال المكسيك فقط .
ثانيا : كيرني في نيومكسيكو وكاليفورنيا : كان على رأس ههذ الحملة ؛ حيث بدأ زحفه في يونيو عام 1846 ، وكانت قد بدأت قبل ذلك ثورة من المستوطنين ضد المكسيك بقيادة وليام آيد يساعده أيضا الكثير جون سي فريمونت ، وعندما سمع هؤلاء بالحرب زحفوا إلى جنوب كاليفورنيا ، وبمساعدة الأسطول البحري احتلوا سان فرانسسكو ومونتري ، ولوس أنجلوس ،وعند وصول كيرني ، استلم قيادةالقوات جميعها عند سان ديجو ، وكمل احتلاله عند لوس أنجلوس .
ثالثا : سكوت إلى عاصمة المكسيك في أواخر 1846 : أمر سكوت بإنزال قواته في فيراكروز بغرض الزحف إلى عاصمةالمكسيك ، وقد استطاع هذاالتغلب على المكسيكيين في عدة معارك ، وأخيرا دخل العاصمة بعد انتصاره على سانتا آنا في سبتمبر عام 1847 . وكان يصاحبه سكوت نكول لاس ترست رئيس الكتبة في وزارة الخارجية بتعلميات بخصوص عقد معاهدة ، حيث كان يعرف الإسبانية . ولكن الحكومة دعته إلى واشنطن بغرض التعديل في الاتاقية الأصلية – وربما الطمع بضم كل المكسيك – غير أن ترست بعد رجوعه إلى المكسيك كتب بنود المعاهدة كما هي في اتفاقه الأصلي مع بولك – حسب التعليمات الأولى – وهكذا وقعها بولك مرغما كأمر واقع . وقد عارض أصحاب مناهضة نظام الرق هذه المعاهدة لأنها تزيد منالولايات الجنوبية .
معاهدة جواد الوبي هيدالجو (Guadalupe Hedalgo) عام 1848
من شروطها أن تتخلى المكسيك عن نيومكسيكو وكاليفورنيا ، واعتبار نهر ريوجراند الحد الجنوبي لأمريكا ، وأن تدفع الولايات المتحدة مبلغ خمسة عشر مليون دولار ثمنا لنيومكسيكو وكاليفورنيا ، وتتحمل دعاوي المواطنين الأمريكيين ضد حكومة المكسيك .
توطن المورمون في يوتا
كما رأينا في السابق ، كان عهد المشاعر الطيبة في أمريكا فاتحة لظهور حركات دينية واجتماعية تحاول العمل على تحسين وضع الفرد ، وكذلك – حسب اعتقاد دعاتها – العمل على تحسين الوضع الإنساني ، ومن بين هذه الحركات ظهور دعوة لدين جديد وهو (كنيسة المورمون) (Mormon Church) بزعامة جوزيف يمث في نيويورك عام 1830 . هذه الدعوة ، بما فهيا من طرافة بخصوص عاداتها الإجتماعية ، كانت قد أدت إلى معاداة الكثير لها ؛ وخصوصا مناطق الحدود . وهكذا أجبر سميث وجماعته على الرحيل إلى أوهايو في عام 1831 ، ثم إلى ميسوري عام 1833 ، وإلى ألينوي عام 1838 . وباكتساب هذه الدعوة لأتباع جدد ، وزيادة سلطتها السياسية وتحسن وضعها ؛ وخصوصا سماحها بالزواج المتعدد (Polygamy) علانية – وهذا يعارض فكرة الكنائس الأخرى – فقد انقلب ضدها كثير من الناس ، وتعرض المورمون لحملة عنف شديدة قلت على أثرها سميث وأخيه ، وأجبرت الجماعة على مغادرة ألينوي . وتحت زعامة برجهام يونج ، رحلت هذه الجماعة إلى ولاية أيوا في عام 1846 ، ثم إلى ضواحي البحيرة المالحة في عام 1847 حيث استقرت هناك . وزاد أتباع هذه الجماعة بانضمام أعداد كبيرة لها من الشرق ومن شمال أوروبا . في عام 1850 ، نظمت يوتا منطقة (Utah Terriory) ، وأصبح يونج حاكما لها .
تشريعات إدارة بولك
التوسع الإقليمي كان من أهم إنجازات هذه الإدارة ، من بعض التشريعات في عهد بولك ما يلي : سن قانون تعريفة ووكر عام 1846 ، وبموجبه فقد خفضت التعريفة الجمركية عما كانت عليه في قانون عام 1842 . وكان ممثلو الغرب والجنوب هم الذين عملوا على إصدار هذا القانون في الكونجرس . من حيث إيداعات الحكومة الفدرالية ، فقد أعيد تكوين نظام الخزانة المساعدة عام 1846 – بمعنى إيداع مدخرات الحكومة الفدرالية في بعض البنوك التي تختاره هذه الحكومة في الولايات – وظل هذا النظام متبعا حتى عام 1920 .
انتخابات الرئاسة لعام 1848
مع أن نشوب الحرب مع المكسيك قد أدى إلى النقاش في الكونجرس حول مسألة الرق ؛ إلا ان كلا الحزبين لم يجعل من هذ المسألة نقطة نقاش في الحملة الانتخابية . لقد رشح الحزب الديمقراطي لويس كاس من ولاية ميتشجان ، اما حزب الوجز فقد رشح بطل الحرب المكسيكية الجنرال زاكري تيلر ، مالك الرقيق من ولاية لويزيانا ، وقد رشح ميلارد فيلمور من ولاية نيويورك نائبا للرئيس . كما ظهر حزب ثالث من الفئات التي تجمعت من أحزاب أخرى ، واتفقت على فكرة معارضة نظام الرق . وقد شمل هذا الحزب بعض اتباع حزب الحرية وبعض أتباع حزب الوجز منالمعارضين لنظام الرق ، ثم بعض الديمقراطيين المعارض للرق أيضا ، ولقد تسمى هذا الحزب بحزب (الأرض الحرة) . مرشحا مارتن فان بيورن ، الرئيس الأسبق . وبسبب انقسام الديمقراطيين على أنفسهم في ولاية نيويورك ، فقد أدى هذا إلى نجاح تيلر في هذه الولاية ؛ وبذلك كسب في الإنتخابات .
وهكذا ، فمع نهاية إدارة الرئيس بولك ، وكنتيجة مباشرة للحرب مع المكسيك ، أصبح مساحة أراضي الولايات المتحدة تقدر بحوالي ثمانية ملايين من الكيلومترات المربعة ، مع شواطئ واسعة على المحيط الهادي . وقد فتح – هذا – آفاقا واسعة أمام الولايات المتحدة ؛ خاصة أنه بعد أسابيع قليلة ، اكتشف الذهب في ولاية كاليفورنيا ، وبدأ سيل من الهجرة المحمومة نحو الساحل الغربي للولايات المتحدة .
تسلسل تاريخي للأحداث الهامة
1820 : استوطن الكثير من الأمريكيين كاليفورنيا (العشرينيات) 1830 : ظهرت اولى الهيئات التبشيرية في منطقة أوريجون (الثلاثينات) 1845 : بولك يصبح رئيسا – تكساس تصبح ولاية في الاتحاد – بعثة سلايدل إلى المكسيك 1846 : الحرب مع المكسيك – معاهدة أوريجون مع بريطانيا لتقسيم أوريجون 1847 : الجنرال سكوت يحتل مدينة المكسيك (عاصمة المكسيك) 1848 : معاهدة جوادلوبي هيدالجو أنهت الحرب مع المكسيك
مراجع الفصل الثالث عشر
1. H.M. Chittenden. The American Fur frade in the Far West (1902) 2. Owen Coy. The Great Trek (1931) 3. Jay Monoghan. The Overland Trail (1947) 4. R.A. Bilington. Far Western Frontier, 1830-1860 (1956) 5. Frederich Merk. Manifest Destiny and Mission in American History (1963)
الفصل الرابع عشر: الاقتصاد الأمريكي قبيل الحرب الأهلية
لقد نما الاقتصاد الأمريكي بدرجةكبيرة في الفترة السابقة للحرب الأهلية ، وذلك نتيجة النمو المتزايد في عدد السكان ، توسع الأسواق ، والتقدم التكنولوجي . إن الثورة الصناعية سرعان ما أدت إلى سيطرة أصحاب الأعمال على المجتمع الأمريكي ، وقد كانت الحرب الأهلية نصرا لهذه الطبقة .
لقد نما عدد سكان أمريكا من أربعة ملايين في عام 1790 إلى تسعة ملايين في عام 1815 ، إلى ثلاثة وعشرين مليونا في عام 1850 م . معظم الزيادة في عدد السكان كانت طبيعية ، بالإضافة إلى وصول مليونيين من المهاجرين من إيرلندا وألمانيا . أما الفئة الأولى فقد تركزت في المدن الشمالية الشرقية ؛ حيث كانت موردا للصناعة هناك ، أما الفئة الثانية فقد استقرت في المناطق الزراعية في الوسط الغربي .
الزراعة
كانت السياسة الزراعية هي الشغل الشاغل للمجتمع والاقتصاد الأمريكي إلى حين مجيء الحرب الأهلية ، هذا بالإضافة إلى ظهور تقدم كبير في وسائل التكنولوجيا المستعملةف يالزراعة . أكبر التغيرات هي تلك التي ظهرت في التوسع في زراعة القطن ، اختلاف المناخ أيضا أدى إلى تنوع في المحاصل الزراعية في الشمال عنها ف يالجنوب ، ما عدا الذرة التي كانت تزرع في كلتا المنطقتين .
الزراعة في الجنوب بعد عام 1800
من أكبرمظاهر التغير في الزراعة هو التوسع في زراعة القطن ، وكان ذلك نتيجة اختراع إلى ويتني لمحلجة القطن التي سهلت عملية استخدام القطن في صناعة الملابس ، وبذلك امتدت زراعة القطن إلى الداخل – بلاد من اقتصارها في السابق على المناطق الساحلية – ثم إلى المشال . وهكذا فقد زاد إنتاج القطن بمقدار أربعين مرة في الفترة بين 1791-1811 . وبنهاية حرب 1812 ، وارتفاع أسعار القطن في الأسواق الخارجية ، واستخدام الرقيق في الزراعة ، فقد زادت المساحة المزروعة منه بنسبة أكثر من أي فترة سابقة في الجنوب ؛ حيث أصبح يطلق عليه لفظ (الملك) (King Cotton) . هذا التوسع أدى إلى زيادة أرباح للمنتجين ، وإلى جلب مستوطنين جدد إلى مناطق الحدود ، حيث إن من المعروف أن القطن يؤدي إلى إرهاق التربة ، ومن ثم فإن زراعته كانت دائما تتنقل إلى أرض بكر جديدة – ولهذا كان هناك زحف مستمر للإستيطان نحو الغرب .
زراعة قصب السكر على مساحات كبيرة ظهرت في جنوب لويزيانا ، بحيث أصبحت تمون قسما كبيرا من حاجة البلاد من السكر . أما زراعة التبغ فقد استمرت في كلمن فرجينيا وميري لاند كما كانت في العهد الإستعماري ، وتوسعت أيضا إلى ولايات كنتكي وتنيسي . إنتاج الأرز في إقطاعيات كبيرة تزرع بواسطة الرقيق ظهر في ساوث كارولاينا وفي جورجيا ، كما كان إنتاج المحاصيل الزراعية لدرجة أنه ربما يحقق الكفاية الذاتية وخصوصا من محصول الذرة .
الزراعة في الشمال
بدأ الإنتاج الزراعي في هذه المناطق يتناقص بعد عام 1800 ، وذلك لمنافسة الأراضي الجديدة المستوطنة في وادي أوهايو ؛ وهكذا فإن مراكز زراعة القمح والذرة فقد انتقلت من الولايات الوسطى على الأطلسي إلى الشمال الغربي . كانت إنتاج القمح والذرة وعلف الحيوان هي المحاصيل الزراعية التي اشتهر بها الشمال ، وكانت الوحدة الزراعية هي المزرعة العائلية الصغيرة . مركز زراعة علف الحيوان انتقلت إلى الغرب ، وأصبحت شيكاغو وسنسناتي مراكز للتعبئة ، وأصبح الوسط الشمالي ينتج الذرة والخنازير لتصدرها إلى الجنوب ، وبزيادة السكان في المدن ، أصبحت الأراضي المحيطة بها منخفضة في الخضراوات والفواكه والألبان .
الإختراعات الزراعية
فتح أسواق جديدة في المدن ، في الشمال الشري وفي أوروبا دفع إلى البحث عن وسائل لتحسين سبل الزراعة ، ومن هنا فقد استبدل المحراث الخشبي بالحديدي في عام 1819 بحيث أصبح هذا الأخير شائع الإستعمال في عام 1830 ، وتلا ذلك استعمال محراث من الحديد المصقول (عبارة عن شفرات متقاربة) التي تجرها الحصن والبغال بدلا من الدواب .
كما أن طريقة جمع المحاصيل قد تقدمت أيضا ، وكان ذلك نتيجة لاختراع سايروس مكورمك الحصادة الميكانيكية التي تجرها الحصن ، بحيث أصبحت هذه سائدة الاستعمال منذ 1840 ، وكذلك عمل جي أي كيس على اختراع الدراسة الميكانيكية ، وبذلك ازداد إنتاج المحاصيل ، وفتحت أسواق جديدة مما أدى إلى انتعاش اقتصادي في الخمسينيات (1850) .
وسائل النقل
النمو الزائد في التجارة المحلية والدولية بعد عام 1840 ، خلق الحاجة الماسة إلى تحسين سبل المواصلات ، فكان مجيء القوارب البخارية والقطارات لتسد هذه الحاجة .
قبل عام 1830 كانت السفن من نوع كلبر (Clipper) قد شاع استعمالها في أمريكا ، لأنها صالحة للمسافات الطويلة ، وقد كانت أ/ريكا أول دولة تستعملها ولكن فيما بعد ظهرت السفن التي تسير على البخار في بريطانيا . وبدأ استخدام هذه بدرجة كبيرة في الخمسينات 1850 ، خصوصا في نهر المسيسيبي ، ولكن قل استخدامها – فيما – بعد – نظرا للمنافسة بين القنوات والقطارات ، وشركات النقل الأخرى .
اختراع القطارات كان من أحسن وسائل النقل التي ظهرت في ذلك الوقت ؛ خصوصا لسرعتها . ولقد قامت مدن الشمال الشرقي باستعمال القطارات كوسائل للنقل بينها وبين مصادر المواد الأولية ، وقد مدت هذه بواسطة الشكرات الخاصة التي تمولها في بعض الأحيان الحكومات المحلية أو الولايات . وكانت الحكومة الإتحادية قد قامت لأول مرة في عام 1850 بمنح الأراضي لمساعدة شركات القطارات شركة قطار ألينوي . وهكذا فمجيء عام 1860 ، قامت شبكة كبيرة في شرق المسيسيبي تربط تلك المناطق بالسكك الحديدية ، كما ظهرت هناك بعض التحسينات على القطارات ؛ حيث استبدلت قضبان الخشب بالحديد وكذلك الفحم بدل الخشب للإحتراق . وهكذا فقد كان استعمال القطار وسيلة جعلت المنطقة الشمالية الغربية قليلة الاعتماد على نهر المسيسيبي ، كما كان الحال في السابق ، وبهذا ربطت هذه المنطقة بالشمال الشرقي ، بدلا من الجنوب ، بحيث أصبحت المصالح الإقتصادية في الإقليمين مرتبطة ؛ وهذا جعلهما متقاربين أثناء الحرب الأهلية .
الصناعة وأصحاب الأعمال
كان عماد الإقتصاد الأمريكي في عهد الاستعمار ، وحتى نهاية القرن الثامن عشر ، هو التجارة والنقل البحري ، ولكن التصنيع بدا يحل محل التجارة منذ مطلع القرن التاسع عشر .
الثورة الصناعية
لقد تأخر مجيء الثورة الصناعية إلى أمريكا ؛ نظرا لأن الصناعات المستوردة كانت أحسنن من حيث الكيف ، وكذل لندرة الأيدي العاملة الرخيصة ، كما أن العمل في التجارة وسفن النقل والمضاربة في الأراضي كان قد استرعى الانتباه لاستثمار رؤوس الأموال أكثر من نواحي أخرى .
أول مصانع كبرى تبنى في أمريكا كانت للغزل والنسيج في الشمال الشرقي ، حيث تستخدم قوة المياه وقد نقلت هذه الطريقة عن بريطانيا منذ عام 1791 ، بحيث أدت إلى الإنتاج على نطاق واسع . كان اختراع التلغراف عاملا على تحسين سبل الاتصال ومساعدة أصحاب العمل ، ولقد قام إلياس هو باختراع آلة الخياطة في عام 1846 ، ولكن اسحق سنجر طورها بشكل كبير في عام 1851 . كما أن مجيء مهاجرين جدد في عام 1840 ، 1850 من أيرلندا وألمانيا قد ساعد على زيادة الإنتاج في مصانع النسيج . وهكذا أصبحت مصالح المناطق الشمالية الشرقية والغربية تتعارض مع مصالح الجنوب الذي كان يقف أمام أية تشريعات لصالح الصناعات الناشئة في هذه المناطق .
الشركات
حل نظام الشركات محل أصحاب العمل الفردي قبل الحرب الأهلية . وميزة الشركة أنها تسترعي انتباه الكثي رمن الناس في استغلال رؤوس الأموال على نطاق واسع ، وعلى ذلك يكون لها القدرة على استثمار أ/وال كثيرة وعلى تشغيل أحسن المديرين ، وقد استعمل نظام الشركات – في البداية – بواسطة البنوك أو وسائل النقل ، وفيما بعد استخدام في صناعة النسيج ، وقد سيطر نظام الشركات هذا في العمل قبل الحرب الأهلية .
تجارة الفراء
كانتت جارة الفراء عملا له أهميته في الاقتصاد الأمريكي ، في عهد الاستعمار وحتى مطلع القرن التاسع عشر . وبعد شراء لويزيانا أصبحت مدينة سانت لويس مركزا مهما لهذه التجارة ، وظهرت لها شركات كبيرة أهمها شركة أستور ، بحيث أصبحت هذه أكبر شركة في هذا المجال . وترجع أهمية شراء الفراء – أيضا – إلى مساعدتها على فتح المناطق الغربية .
العمال
كان نمو الصناعة ، بطبيعة الحال ، عاملا على زيادة عدد العمال الذين يعتمدون في وسائل عيشهم على الأجر الذي يتقاضونه . وبالتدريج أصبح هؤلاء يكوّنون طبقة لها مصالحها المشتركة . وفي بداية الثورة الصناعية ، لم يتمتع هؤلاء بأي نوع من التشريعات التي تحمي مصالحهم ، فمثلا عمال مصانع النسيج كانوا يشتغلون من عشرة إلى ثلاث عشرة ساعة في اليوم ، وبينهم عدد كبير من الأولاد والبنات تحت ظروف عمل قاسية ، وقد استغلت هذه الطبقة في بداية النمو الصناعي ، خصوصا المهاجرين الجدد من أوروبا .
كانت التنظيمات العمالية غير مصرحة من قبل القانون ، بل وكانت تعتبر ضد القانون العام . وبالغرم من ذلك ، قامت هناك تنظيمات للعمال المهرة حتى في العهد الاستعماري ، رغم المعارضة الشديدة لها ، هذه التنظيمات كانت سرية في البداية . وفي حوالي عام 1830 ، نمت الاتحادات العمالية حتى أصبح عدد أعضائها يقرب من ثلاثمائة ألف في 1834 م . وابتداء من عهد جاكسون ، أصبح هؤلاء من مؤيدي الحزب الديمقراطي في المدن الشرقية ، وقد قاموا بالإضرابات من أجل رفع أجورهم ، والمطالبة بنظام تعليم مجاني عام لأبنائهم .
في عام 1842 ، اعترفت المحاكم باتحادات العمال ، وبحق هذه الاتحادات في التفاوض مع أصحاب العمل من أجل المطالبة بحقوق للعمال في مجال عملهم .
تسلسل تاريخي للأحداث الهامة
1793 : وتني اخترع آلة قطف القطن . 1807 : فلوتون عمل أول قارب بخاري – المقاطعة الإقتصادية شجعت الصناعة المحلية . 1839 : في الثلاثينيات تطورت اتحادات العمال . 1840 : في الأربعينيات جاءت هجراتمن الأيرلنديين والألمان التي عملت على زيادة الأيدي العاملة . 1842 : اعترفت المحاكم الأممريكية بحق اتحادات العمال في الدفاع عن حقوقهم كمجموعة . 1844 : أول خط تلغراف بعمله مورس . 1846 : اختراع آلة الخياطة .
مراجع الفصل الرابع عشر
1. H.U. Faulkner. American Economic History (1958)
2. W.E. Dodd. The Cotton Kingdom (1919)
3. A.B. Hulbert. Paths of Inland Commerce (1920)
4. Clement Eaton. The Growth of Southern Civilization (1961)
5. K.M. Stampp. The Peculiar Institution (1956)
6. Allan Bevin. The Ordeal of the Union (1947)
الفصل الخامس عشر: حركات الإصلاح قبل الحرب الأهلية
ظهر الكثير من الحركات الدينية والاجتماعية في أمريكا بعد عام 1815 ، وقد زاد عدد معتنقيها في الفترة بين 1830-1850 م . كان غرض هذه الحركات العمل على خدمة الإنسان في المجال الإجتماعي والأخلاقي بصورة عامة ، كما كانت ههذ الحركات أكثر نشاطا في الولايات الشمالية .
مصادر حركات الإصلاح
هناك مصادر ثلاثة لهذه الحركات :
أولا : ألقى فلاسفة عصر النهضة للوم على النظم الإجتماعية وأساليبها بأنها السبب في شقاء الإنسان ، وطالبوا بإحلال (التعليل) (Reason) كطريقة لحل المشاكل الإنسانية ، وهكذا كانت مبادئ الثورة الفرنسية – إخاء ، حرية ، ومساواة – قد انتقلت إلى بريطانيا ، وبالتالي إلى أمريكا .
ثانيا : تحت ظروف البيئة الجديدة في أمريكا ، تحسنت أحوال الفرد الإجتماعية والسياسة والإقتصادية وقد أدى ذلك إلى ظهور روح التفاؤل بالقدرة في حل المشكلات الإنسانية ، ومن ثم ظهر قادة اجتماعيون ودينيون كرسوا جهودهم وحياتهم لهذا الغرض .
ثالثا : وجد المهاجرون الجدد في أمريكا – بما فيها من أرض واسعة – بيئة صالحة لنقض التعاليم القديمة ، وممارسة ما يعجبهم من النظم .
حركة مناهضة الرق
كانت هذه من أكثر حركات الإصلاح نشاا ، وقد ظهرت قبل عام 1820 ؛ حيث كانت نشطة في ولايات الحدود – تلك التي تقع قرب الولايات المسموح فيها بالرق من أشهر ههذ الحركات (هيئة المستعمرين) الأمريكيين) التي أنشئت عام 1817 . وقد قامت هذه الهيئة بتكوين (جمهورية ليبيريا السوداء) ؛ حيث كانت تعمل على حل مشكلة الرق بإعادة الرقيق المحررين إلى أفريقيا ، وقد وجدت هذه الهيئة بأن العائدين أقل من المواليد الجدد . في عام 1831 ، قام وليام لويد جاريسون ، بطباعة صحيفة تسمى (المحرر) ، حيث هاجم فيها وسائل التعويض ، ووسائل التحرير التدريجية ، وقد تركز نشاط حركة جاريسون هذه في نيو إنجلند ، وكان هناك مركز آخر لمحاربة الرق في شمال وادي الأوهايو ؛ حيث قام جيمس بيرني وثيودور ولد بالعمل من خلال الكنائس على الدعوة بالتحرير التدريجي . وقد عاون هؤلاء الدعاة كثير من رجال الدين في الشمال ، الذين ملأوا البلاد بالنشرات التي تحارب الرق . في البداية حاول هؤلاء إقناع مالكي الرقيق بأن الرق مخالف للتعاليم الدينية ، وكانوا يشجعونهم على تحرير الرقيق مختارين . وعندما لم تجد هذه الطريقة ؛ اتجهوا إلى العمل السياسي ؛ حيث نظموا (حزب الحرية) عام 1840 ، وقاموا بإرسال الإلتماسات إلى الكونجرس – الذيث كان جون كونسي آدمز بقدمها راغبا – لمطالبته بالعمل على إلغاء نظام الرق . وقد قام الكونجرس بوضع ما سمي بقاعدة (إغلاق الفم) (Gag Rule) في عام 1836 ، وذلك بتجاهل كل هذه الإلتماسات . وعندما لم تجد هذه الطريقة – أيضا – فقد اتبع محاربو الرق ما سمي بالعامية (القطار السري) – بتنظيم تهريب الرقيق الهاربين ومساعدتهم على الوصول إلى كندا .
رد الفعل ضد هذه الحركة
قوبلت هذه الحركة بعداء شديد في الشمال ؛ حيث إن بعض الولايات الشمالية فقط كانت ضد نظام الرق ، وقد هاجمت الجماهير دعاة هذه الحركة عدة مرات ، واعتبرتهم من المتطرفين وأصحاب الشغب ، وقد قتل أليجال فجوي في ولاية ألينوي ، وهوجم فارسون عدة مرات في بوسطن . أما في الجنوب فقد منعت هذه الحركات كلية ، وفي عام 1831 قام نات تيرنر ، القسيس الأسود ، بانتفاضة في فرجينيا قتل على أثرها خمسة وخمسون من البيض ، وقد ألقي اللوم على جارسون وجماعته ، وعندما هاجمت الجماهير مكاتب البريد – التي كانت تنقل نشرات هذه الحركات – وفي الجنوب امتنع البريد عن نقل منشورات هذه الجماعة ، وكان الجنوب على علم بثورات الرقيق ، خصوصا تلك في سانت دومنجو عام 1790 ، ولذلك قامت الولايات الجنوبية بوضع قيود على تحركات الرقيق ، وأنشأت الدوريات لتطبيق تلك القيود .
ونظرا لتعرض الجنوب لهجمات دعاة هذه الحركة ، بدأت الولايات الجنوبية في وضع تعليل لهذا (النظام الغريب) (اصطلاح أطلقه دعاة مناهضة الرق على ذلك النظام) بأي طريقة كانت فمثلا أستاذ الجامعة توماس . ذو وضع دفاعا عن نظام الرق . مجمله ، أن الرقيق في الجنوب كانوا أحسن حالا وأكثر أمانا من عمال المصانع في الشمال إن أحوال الرقيق في أمريكا كانت أحسن مما هي عليه في أفريقيا ؛ إن الرق هو الوسيلة الوحيدة لحل المشكلة العنصرية (إن الرق كان معترفا به في العهود القديمة المسيحية ؛ أخيرا إن الرخاء الإقتصادي الأمريكي يعتمد على الصادرات التي يقوم بها الجنوب والمبنية على الرقيق .
وهكذا فقد كانت حركة مناهضة الرق من العوامل الرئيسية الأخرى للخلاف بين الشمال والجنوب . الجنوب يناهضها .. أما الرأي العام في الشمال ، لعامل أو لآخر ، فقد بدأ يساعد هذه الحركات .
حركة تحريم الكحول
ظهرت هذه الحركة قبل ظهور حركة مناهضة الرق ، فهذا بنجامين رش – مثلا – يحارب المشروبات الروحية منذ عهد الثورة الأمريكية ، وقد قام المصلحون الدينيون في هذه الحركة قبل عام 1820 ، وعملوا على توحيد الجمعيات المختلفة لهذا الغرض ، في جمعية واحدة سميت (اتحاد مناهضة الخمور) . وهكذا استطاعت هذه الجمعية إجبار بعض الولايات الشمالية على وضع تشريعات تحرم استعمال الخمور ، وكان أو هذه التشريعات قد وضع في ولاية مين .
ظهرت كذلك دعوات جديدة إلى ضرورة العناية لازائدة بأصحاب الأمراض العقلية ، فبدلا من سجنهم أو استعمال القيود أو وضعهم في الأقفاص ، ظهرت الدعوات إلى ضرورة تأسيس بيوت للعناية ، وكانت جهود دوروتيا دكسي في الثلاثينيات ملحوظة في التأثير على حكومات بعض الولايات لإنشاء المستشفيات الخاصة بهؤلاء المرضى .
حركة الدفاع عن حقوق المرأة
كان مركز المرأة في المجتمعات القديمة يعتبر ثانويا ، إذا قورنت بالرجل ، ولم تتمتع بأي حقوق سياسية أو شرعية . ولكن بالتدريج بدأت المرأة تسعى إلى محاربة هذه التفرقة ، فقد قامت – مثلا – مارجريت فولر (1800-1850) ، وكذلك سوزان أنتوني (1820-1906) بالدعوة إلى ضرورة حق المرأة في أن يكون لها حرفة ، والمطالبة بمساواتها بالرجل أمام القانون . وقد عقد أول مؤتمر للحفاظ على حقوق المرأة في عام 1848 م ؛ نتيجة جهود إليزابيث ستانتون ولوريتاموت . وبالتدريج استطاعت هذه الحركة التأثير على بعض الولايات لوضع تشريعات لصالح المرأة .
الطوائف الفلسفية
نتيجة للمشاكل الاقتصادية والإجتماعية التي ترتبت على ظهور الثورة الصناعية ؛ ظهرت طوائف تحاول وضع حلول لهذه المشاكل – عدم صحية أماكن العمل والمصانع ، زيادة ساعات العمل ، تفكك الروابط العائلية .. إلخ .
معظم هذه الطوائف نشات – في الأصل – في أوروبا ، ولكنها جاءت إلى أمريكا على أمل وجود البيئة الملائمة للقيام بتجارب عملية بإنشاء مثل هذه الجمعيات . فمثلا روبرت أوين ، صاحب اليوتوبيا الإشتراكية (Utopian Socialist) كان قد أنشأ مستعمرة نيوهارموني في إنديانا عام 1825 ، بالإضافة إلى مستعمرات أخرى في أمريكا وبريطانيا . ولكن تعاليم اوين الصارمة ونظرته المخالفة للدين ، جعلت كثيرا من الأمريكيين يعارضونه ، وقد استرعت مستعمرته انتباه بعض الخياليين الذين لا يحبون العمل المتواصل ، ولم تقابل نجاحا في أمريكا .
تعاليم الإشتراكي الفرنسي تشارلس فورييه ، جربت في شكر مستعمرات متعددة في أمريكا ، فمثلا قام (إمرسون) وغيره من المثقفين في الولايات المتحدة بتأسيس (موزعة بروك) ولقد ركز هؤلاء على كرامة الإنسان ، وكانوا يكرهون روح المنافسة الفردية الشديدة التي سادت العصر . ولكن لم يكتب لهذه الجمعيات النجاح لكونها غير عملية .
الطوائف الدينية
نجح بعض هذه الطوائف ، أو على الأقل ، فإنها عاشت مدة أطول من سابقتها مثل مجتمع أمانا الذي أسس بواسطة بعض المهاجرين (الألمان الزنادقة) (تظاهر بالتقوى) في أيوا عام 1855 ، وعاشت حتى عام 1932 م . ومن الطوائف البروتستنتية كانت جماعة (الشيكرز) (Shakers) الذين أنشأوا لهم مستوطنات في أعالي وادي الأوهايو ونيويورك، وقد نجحوا كثيرا في الزراعة ، ولكنهم لم يستطيعوا جلب أتباع كثيرين ، ثم جماعة (رابتس) (Rappites) التي أنشأها زنادقة ألمان في بنسلفانيا ، وعاشوا في مستوطنة نيوهارموني قبل بيعها لجماعة أوين .
إصلاحات في التعليم
كان غرض كثير من المصلحين في هذه الناحية هو إيجاد المدارس العامة المجانية التي تدعمها ضريبة على الممتلكات ، وكان الغرض – في نظرهم – هو خلق المواطن الصالح الذي يستطيع الإنتخاب .
كما قامت اتحادات العمال بمطالبة المدارس الحرة بالمساواة لإيجاد في الفرص بين الأطفال من جميع الطبقات . ومن أهم المصلحين التعليميين كان هوريس مان ، من ولاية ماستشوستس ، الذي كان له الأثر في إيجاد فكرة التعليم المجاني في المدارس الإبتدائية الذي يمول من ضريبة على الممتلكات .
وقد قامت هناك (حركة ليسيوم) (Lyceum) في ولاية ماسشوستس عام 1826 ، وكان الغرض منها جلب المثقفين والمحاضرين ليتكلموا في موضوعات عامة تهم الجميع . كما ظهرت في عام 1850 ، فكرة تكوي (المكاتب العامة) لخدمة الجمهور في معظم الولايات الشمالية .
أول كلية للتعليم المشترك كانت أوبرلين في عام 1833 ، ثم كلية جبل هوليوك عام 1823 الخاصة بالبنات . ومع مجيء عام 1860 م ، كانت الجامعات أنشئت في عشرين ولاية في المناطق الغربية . أ/ا بالنسبة للمدارس الثانوية فمعظمها كانت خاصة .
تسلسل تاريخي للأحداث الهامة
1817 : حركة مناهضة الرق نجحت في تكوين (منظمة الاستعمار الأمريكي) لترحيل الرقيق إلى ليبيريا . 1830 : في الثلاثينيات ، نشطت حركة الدعوة إلى التعليم الإجباري الحر . 1833 : أنشئت كلية (أوبرلين) كأول كلية مختلطة في الولايات المتحدة . 1836 : وافق الكونجرس على ما يسمى (Gag Rule) ، ذلك بعدم النظ في أية التماسات بإلغاء الرق . 1840 : نظم حزب الحرية كأول حزب يدعو إلى إلغاء الرق . 1846 : سن أول قانون في الولايات المتحدة (ولاية مين) لمنع الخمور . 1848 : عقد أول مؤتمر للمطالبة بحقوق المرأة . 1852 : طبع كتاب (كوخ العم توم) لمؤلفته هاريت بيتشر ستو . 1860 : ظهر التعليم الجامعي في عشرين ولاية أ/ريكية .
مراجع الفصل الخامس عشر
1. A.E.B Bestor., Jr. Backwoods Utopians (1950)
2. Merle Curti. Growth of American Thought (1951)
3. Harvey Wish. Society and Thought in Early America.
4. Van Wyck Brooks. The Fiowering of New England (1936)
5. R.B. Nye. Society and Culture in America (1974)
الباب الرابع: طريق صخرية إلى الاتحاد - فترة الحرب الأهلية 1850-1865
حضر الكاتب الأرستقراطي ، وعضو البرلمان الفرنسي ، ألكسي دونوكوفيل ، البالغ من العمر ستة وعشرون عاما ، إلى الولايات المتحدة عام 1831 ، ليدرس (الأمة الجديدة) عن قرب . ولمدة ثمانية شهور تنقل خلالها بالقارب البخاري ، وبعرية الحصان ، وعلى ظهر الحصان ؛ حيث قطع ما يزيد على سعة آلاف ميل واصلا إلى أقصى الحدود الغربية وإلى مدينة نيو أولينز في أقصى الجنوب . لقد رى الكثير من البلاد ، وتكلم إلى كثير من الأمريكيين من رسميين وغيرهم . وعند رجوعه إلى فرنسا وضع توكوفيل كتابه (الديمقراطية في أمريكا) (1836) أحد أحسن أولى الكتب الكلاسيكية في الولايات المتحدة.
مما ذكره توكوفيل .. (إن الباحث المدقق لما يجري فيا لولايات المتحدة يستطيع إقناعنا بسهولة بأن هناك تيارين متعاكسين في تلك البلاد ، حيث يشبهان متميزين يجريان متعاكسين في نفس القناة) ، هذين التيارين المتعاكسين هما (القومية) و (الإقليمية) . فبنمو الأمة كانت تنمو قوة كل من هذين التيارين ، وخلال النصف الأول من القرن التاسع عشر ، حاول قادة الطرفين – القوميون والإقليميون – جاهدين على الإبقاء على وحدة البلاد . لقد تناقشوا وأصدروا قوانين متسامحة . وسنرى كيف أنهم حاولوا بجد وحزم ، وكيف أنهم كانوا قد فشلوا في هذه المهمة . أمة انقسمت على نفسها ، ولم يجد طرفيها بدأ من اللجوء إلى القوة لتحقيق ما يريد .
لقد كانت الحرب الأهلية أكثر الحروب الأمريكية دموية ، وأكثر الحروب العالمية دموية فيالقرن التاسع عشر ، فمن كل عشرة دخلوا الحرب قتل أو حرج أربعة منهم .وبذلك يمكن القول إنه لم تدفع أية أمة حديثة أغلى من هذا الثمن للحفاظ على تماسكها .
الفصل السادس عشر: الصراع الإقليمي 1850-1860
بحلول النصف الثاني من القرن التاسع ، كانت الولايات المتحدة الأمريكية تتمتع بازدهار كبير يعم مختلف أنواع الحياة في البلاد . وبعد نظرة فاحصة في نفس القت يمكن القول أيضا بأنه كانت توجد هناك دلالات واضحة على وجود تباين – وبعبارة أدق انقساما – بين شمال وجنوب هذه الولايات . هذا التباين أخذ بالظهور بشكل متزايد الوضوح . فأمريكا التي أرادها الرئيس واشنطن أن تكون دولة فدرالية موحدة كان يبدو أنها في منتصف القرن التاسع عشر تتجه نحو أن تكون دولتين : الولايات المتحدة الأمريكية الشمالية والولايات الأمريكية الجنوبية . هذا التباين المذكور كان يتزايد مع الإزدهار الإقتصادي والتطور الحضاري العام للبلاد . فبينما كانت الولايات الشمالية تتجه لأن تكون المركز الرئيسي للصناعة والمال والتجارة كانت الولايات الجنوبية تتجه نحو تطوير زراعة القطن . والأرز وقصب السكر بحيث تصبح هذه الزراعة دعامة اقتصادها الأساسية . وبهذا يمكن القول بأن كلا من الشمال والجنوب كان يسير في طريق اقتصادي مختلف عن الآخر ، مع ما يؤدي إليه هذا الاختلاف من تباين في العقلية ونوعية التفكير وطرق الحياة عند سكان الإقليمين .
والواقع أن التباين الإقتصادي إنما كان انعكاسا للتباين الطبيعي بين الإقليمين ، فطبيعة كلاهما مختلفة من حيث التكوين الجيولوجي والجغرافي ، وبالتالي المناخ والتربة والمياه . وبناءا عليه كان لا بد أن يكون لكل منها أسلوبه الإقتصادي الخاص ؛ ذلك الذي يفرض بالضرورة نمطا معينا من التفكير السياسي . وهكذا فإن انقسام البلاد إلى مجتمعين : صناعي في الشمال وزراعي في الجنوب ، أوجد تضاربا للمصالح بينهما . هذا التضارب في الواقع بدأ في الظهور منذ عهد الاستقلال ، ولكنه أخذ في التزايد مع مطلع القرن التاسع عشر ، وأخذ ينذر بكارثة الإنفصام بين القسمين مع بداية النصف الثاني للقرن التاسع عشر .
مشاكل إقليمية
الحماية الجمركية
ظهرت قضية الحماية الجمركية في أعقاب استقلال الولايات المتحدة في الربع الأخير من القرن الثامن عشر . ولكن الهدف من وراء طرح هذه القضية في ذلك الوقت إنما كان تعزيز الاستقلال السياسي للبلاد بمحاولة جعلها قادرة على أن تسد احتياجاتها بنفسها . وبهذا أقر الكونجرس نظام الحماية الجمركية بوضع رسوم مرتفعة على البضائع المستوردة من أوروبا بغرض تشجيع الصناعة الأمريكية الناشئة قوبل فرض هذه الرسوم باستياء كبير من قبل بعض ممثلي الجنوب الزراعي في الكونجرس . ذلك أن سكان الجنوب كانوا يعتمدون في حياتهم الإقتصادية على تصدير المواد الأولية الزراعية التي يشترون بثمنها صناعات أوروبية تعودوا على استهلاكها منذ عهود الإستعمار الأولى ، وكان فرض رسوم جمركية على تلك الصناعات أدى إلى ارتفاع أثمانها .
تأزمت هذه المشكلة في عهد الرئيس جاكسون ، لدرجة أنها هددت كيان الاتحاد الفدرالي . فعندما أقر الكونجرس عام 1823 فرض رسوم جمركية جديدة على البضائع الأوروبية ، قام المجلس التشريعي في ولاية كارولاينا الجنوبية بإعلان إلغاء قانون الكونجرس اعتمادا على ما أسماه بنظرية حق المجالس التشريعية في الولايات باعتبار قرارات الكونجرس باطلة دستوريا في الولايات التي تعارض هذا القانون . لقد نادى بهذه النظرية وعمل من أجل تحقيقها ما سمي في التاريخ الأمريكي (أنصار حقوق الولايات) – وهم كثرة في ذلك الوقت . ولاية كارولاينا الجنوبية كانت تشعر منذ زمن طويل بأن الحماية الجمركية إنما كانت تعود بالمكاسب على أرباب الصناعة في الولايات الشمالية في الوقت الذي كان يتضرر منها مزارعو الولايات الجنوبية .
وكما أردنا في فصل سابق ، هددت ولاية كارولاينا الجنوبية بالإنفصال عن الاتحاد الفدرالي إذا ما أقر الكونجرس استعمال القوة ضدها – ذلك الاتجاه الذي كان الرئيس جاكسون أيضا يميل إلى اتخاذه . لم تهدأ هذه الأزمة إلا بعد تراجع مجلس ولاية كارولاينا الجنوبية عن قراره بالإلغاء ، وذلك بسبب عدم تأييد عدد كاف من الولايات الجنوبية لموقف كارولاينا . على العموم ، لم يغير هذا التراجع واندحار الأزمة من واقع نظرة الجنوبيين إلى قوانين الحماية الإقتصادية . وبتعبير آخر ، يمكن القول أن هذه الأزمة لم تخل وإنما أرجئت إلى وقت آخر – الوقت الذي يتحد فيه عدد كاف من الولايات الجنوبية مثل هذه القرارات من قبل الكونجرس الأمريكي .
البنك المركزي
وبجانب الحماية الجمركية فقد أبرزت نوعية التباين الإقتصادي بين الإقليميين قضية أخرى في الثلث الأول من القرن التاسع عشر – تلك هي ما سمي بقضية البنك المركزي . فبينما كان الشماليون يريدون تنظيم المصارف الوطنية وتأسيس بنك مركزي قوي ، كان الجنوبيون يعارضون إيجاد مثل هذه المؤسسة ، لنهم يرون فيها وسيلة ينتفع بها فقط أرباب الصناعة ورجال المال وأصحاب النفوذ ، ويستطيعون بواسطتها ، زيادة تأثيرهم وقوتهم داخل الاتحاد ، على حساب سكان الجنوب .
توزيع الأراضي
بينما ان الشماليون يطالبون الدولة بتوزيع أراضيها الواسعة في الغرب على المزارعين الصغار والمهاجرين الجدد ، مجانا أو بأسعار زهيدة ، كان قادة سكان الجنوب – ومعظمهم من كبار المزارعين – يطالبون الدولة بتوزيع هذه الأراضي مقابل أثمان مرتفعة وذلك رغبة منهم بحصر ملكية الأرض على طبقة كبار المزارعين ، ولمنع انخفاض أسعار المنتوجات الزراعية ، ولما كانت غالبية سكان الشمال من العاملين في التجارة والنقل والصناعة ، فقد كان في صالحهم زيادة عدد المزراعين والمساحات المزروعة ليتمكنوا من الحصول على حاجاتهم الغذائية بأسعار منخفضة .
مشكلة الرقيق
هذه الخلافات الإقليمية ما لبثت أن توسعت من الصعيد الإقتصادي إلى الصعيد الإجتماعي – مشكلة الرق – مع بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر . فبعد الحرب مع المكسيك – مع ما ترتب علهيا من نتائج – ظهرت مشكلة الرق كمشكلة رئيسية تواجه الولايات المتحدة .
لقد ورثت الحكومة الأمريكية – مع ما ورثته من عهود الإستعمار البريطاني – ظاهرة وجود عدد كبير من العبيد في أراضيها . تلك الظاهرة لم تكن تعتبر مكشلة تواجه البلاد في بادئ الأمر وأثناء وضع الدستور الأمريكي عام 1778 م ، طرحت هذه القضية من ناحية قانونية ، خصوصا عن المناقشة حول كيفية تكوين مجلس النواب الذي اتفق على أن يكون التمثيل فيه حسب عدد السكان في كل ولاية . الولايات الجنوبية – التي كان يوجد بها عدد كبير من الرقيق – كانت تريد احتساب الرقيق في إحصائية تعداد سكانها ، بينما عارضت الولايات الشمالية في ذلك ، خصوصا وأن العبيد كان لايسمح لهم بالترشيح أو الانتخاب لمركز حكومي . هذه أول مرة تظهر فيها هذه المشكلة على نطاق إقليمي . وكما ذكرنا في فصول سابقة ، حلت هذه المشكل باعتبار أن العبد يساوي ثلاثة أخماس الأبيض ، وهكذا فقد أضيف ثلاثة أخماس عدد الكسان العبيد إلى عدد السكان البيض ليعتبر هذا المجموع عدد السكان في الولايات عند احتساب التمثيل في مجلس النواب . وهذا ما سمي في ذلك الوقت (بالحل الوسط) . وهكذا نجد أن واضعي الدستور قد وجدوا أنفسهم مكرهين على الإبقاء على هذا النظام باعتباره شكلا من أشكال الملكية الفردية التي يصونها الدستور ولكننا سنجد بأن هذه الظاهرة بدأت تحتل تدريجيا اهتمام الرأي العام الأمريكي .
لقد قامت حكومة الولايات المتحدة بمنع تجارة الرقيق الخارجية – أي منع استيراده – في عام 1807 . ورغم ذلك فإن عدد الزنوج هناك كان في تزايد نظرا لتناسلهم السريع الذي كان يعوض عن استيرادهم من الخارج ومنذ ذلك الوقت بدأ الطلب على العبيد يزداد بشكل كبير نظرا للتوسع في زراعة القطن في الجنوب هذه الزراعة كانت تحتاج إلى اليد العاملة الرخيصة الثمن والقادرة على العمل في ظروف حرارة عالية ورطوبة شديدة . ولهذا فإن كبار مزارعي الجنوب لم يجدوا وسيلة أفضل من اقتناء أعداد كبيرة من العبيد يستعملونهم في ظروف قاسية ، وفي أغلب الأحيان غير إنسانية .
وبالتدريج بدأت تبدو المصالح المتناقضة بالنسبة الظاهرة في الإقليمين : ففي الوقت الذي بدأ فيه السكان في الشمال يتجهون نحو تحرير ومنع نظام الرق ، كانت الحاجة إلى هذا النظام في الجنوب تزداد باستمرار ، بل إنه أصبح الأساس الذي يقوم عليه اقتصاد هذه المناطق ، حيث توجد زراعة القطن وقصب السكر على مساحات واسعة . وهكذا يتزايد عدد الرقيق في الجنوب كانت تتزايد الدعوة إلى تحريرهم في الشمال إلا أن سكان الجنوب أصبحوا مع الوقت يرون في تمسكهم بنظام الرق ، تعبيرا عن حقهم في الحرية ، ودليلا على قدرتهم على المحافظة على مؤسساتهم ونظمهم داخل الولايات المتحدة الأمريكية ؛ بل أصبح هدفهم الرئيسي هو الدفاع عن هذا النظام ضد دعاة التحرر في الشمال . وزيادة على ذلك فإن أصحاب المهن الحرة والمثقفين ورجال الدين لم يعودوا يقبلون بهذا النظام فقط ، بل ويدافعون عنه بقوة وحماس ، ويقولون أكثر رحمة وفائدة بالنسبة للزنوج من نظام الأجور المطبق على الطبقة العاملة في الشمال .
وحيث أن زراعة القطن تعتبر من الزراعات التي تنهك الأرض وتقضي على خصوبتها ، فقد أخذ سكان الجنوب يسعون للحصول على أراضي جديدة في الغرب لإقامة ولايات تسمح بامتلاك الرقيق ، في الوقت الذي أخذ فيه سكان الشمال يسعون لمنع الرقيق في الأراضي الغربية التي لم تصبح بعد ولايات في الاتحاد . وهكذا فقد انتقل الخلاف بين الإقليمين حول نظام الرق إلى الأراضي الجديدة . وبذلك فقد أصبح كل إقليم يعمل على أن لا تنضم إلى الاتحاد الفدرالي ولاية جديدة تؤيد الإقليم الآخر ، وتغير التوازن الموجود في الكونجرس بين الإقليمين .
تسوية عام 1850
ونتيجة للحرب مع المكسيك ، برزت مشكلة المناطق الجديدة التي ستنضم إلى الاتحاد : تكساس ، نيومكسيكو ، يوتا ، وكاليفورنيا . فهل سيسمح بنظام الرق في هذه الولايات أم لا ؟؟ من حيث ولاية تكساس ؛ فإنها قد اعتادت السماح بهذا النظام من قبل ، ولذلك سمح لها بالإنضمام إلى الاتحاد على هذا الأساس . يجب الملاحظة بأن مصدر الخطر في انضمام هذه المناطق أنها كانت تهدد التوازن الموجود في الكونجرس بين الإقليمين . الشمال يطالب بمنع الرق في كاليفورنيا ، ونيومكسيكو ، ويوتا ، ينما يطالب الجنوب بإصرار بالسماح بهذا النظام هناك ، وبالتالي فهم يريدون أن يمنحوا الحق بالهجرة إلى هذه المناطق مع عبيدهم .
كان رجل الكونجرس ديفيد ويلموث – وهو من جماعة محاربة الرق الديمقراطيين – قد قدم اقتراحا إلى الكونجرس بعد ضم الجنوب الغربي إلى الاتحاد بنص على ضرورة منع الرق في هذه المناطق . ومع أن الكونجرس لم يوافق على هذا الإقتراح ، إلا أن النقاش حول هذه المشكلة كان في كل حين يؤدي إلى التوصية بإقرار هذا الإقتراح .
الرق في المناطق
تجب الملاحظة دائما بأن لفظ (المنطقة) إنما يعني تلك التي هي في دور التطوير والتي لم تصل بعد إلى أن تكون ولاية في الاتحاد الفدرالي ، فمثلا المناطق الغربية كانت قد مرت في هذه المرحلة قبل أن تصبح عضوا في الاتحاد . كان هناك ثلاث وجهات نظر في الكونجرس حول هذه المكشلة : الأول ، ممثلو الجنوب – ويتزعمهم جون كالهون – يرون بانه ليس من حق الكونجرس منع الرق في المناطق الجديدة ؛ لأن هذه المناطق هي ملك الأمة الأمريكية جمعاء ؛ ومنع الرق فيها معناه بالفعل منع ملاك الرقيق من مزاولة حقوقهم الشرعية لن الرقيق ملك لصاحبهم ، والدستور يحمي ملكية الأفراد – في مناطق تعتبر ملكا للأمة . ولقد طمعت الولايات الجنوبية في زيادة عدد الولايات المسموح فيها الرق حتى تتوازن مع الولايات الحرة التي أصبح لها أكثرية في الكونجرس بعد إضافة ولايات أوربيجون ومنيسوتا . ثانيا ، أما الشمال فقد كان ممثلوه ، على لاعكس ، يؤمنون بأن للكونجرس الحق الشرعي في وضع المبادئ التي يراها مناسبة لتنظيم الحكم في (المناطق) . ومن بينها حقه في التشريع بخصوص الرق في هذه المناطق . ثالثا ، المعتدلون ، ومعظمهم من الحزب الديمقراطي في الشمال – وعلى رأسهم لويس كاس – رأوا بأن سكان (المناطق) هم الذين يجب أن يترك لهم الحق في التقرير في إباحة أو منع الرق في مناطقهم ، وقد كان بعض الداعين إلى هذه الفكرة مدفوعين إليها بغرض إيجاد حل وسط ، أما الآخرون فقد كانوا بالفعل يؤمنون بأنها هي الطريقة الديمقراطية السليمة . فيما بعد أصبح ستيفن دوجلاس هون المدافع الرئيسي عن هذه الفكرة . ورابعا ، فئة تؤمن بضرورة مد خط تسوية ميسوري عام 18200 (خط عرض 30 : 36) إلى ساحل المحيط الهادي .
كان لاكتشاف الذهب في منطقة ساكرامنتو ، في لاوية كاليفورنيا ، عام 1848 ، السبب في تنظيم الهجرة إلى تلك الولاية في عام 1849 ، وأصبحت الحكومة العسكرية هناك غير قادرة على حفظ النظام ، وهكذا قام سكان الولاية بوضع دستور لهم ، وطالبوا بالإنضمام إلى الاتحاد الفدرالي كدولة حرة . ولهذا خشي الجنوب من إخلال توازنهم في مجلس الشيوخ . وبعد سنة طالبت ولايات نيومكسيكو وتوتا بالإنضمام أيضا إلى الإتحاد كولايات حرة ، وهذا دفع بعض ممثلو الولايات الجنوبية اقتراح الإنفصال عن الاتحاد .
وبغض النظر عن مشكلة الرق ، فإن زيادة الهجرة كاليفورنيا كان لها أيضا الأثر الكبير في توطين المناطق الغربية القصوى . وكان لاكتشاف الذهب الأثر على إيجادنوع من الرخاء والتضخم المالي في الأسواق العالمية في عقد الخمسينيات عام 1850 .
مناقشة مقترحات التسوية
اعترض المتطرفون من كل إقليم على أي اقتراح بخصوص الوصول إلى تسوية لمشكلة الرق في المناطق ، ممثلو الولايات الجنوبية وجدوا في أن أي تسوية ستؤدي إلى زيادة الولايات الحرة ، وبذلك ستصبح الولايات الجنوبية أقلية في الكونجرس ، وستكون تحت رحمة الشمال والمتطرفين منهم – دعاة إلغاء الرق ، أ/ا متطرفو الشمال فقد طالبوا بمنع الرق من (المناطق) كلها ، وقد دعا البعض إلى تطبيق (قانون أعلى عن الدستور) (قانون الرب) بضرورة منع الرق ، وأيده كثير من ممثلي الشمال الذين رفضوا أية تسوية .
أ/ا المعلنون وكان يقودهم جون كلي ، فإنهم طالبوا الكونجرس بضرورة حسم الأمر ، وقد أضاف دانيال ويستر – الذي ضحى بسمعته السياسية في سبيل تدعيم كلي – صوته بالقول بأن الظروف الطبيعية منعت الرق في المناطق الغربية ، وأنهم دعاة تحرير الرقيق بأنهم يسببون المشاكل ، لأن أصحاب العمل والمزارعين الذين يتمتعون برخاء اقتصادي لا يريدون التخلي عن هذا الرخاء بالإنتباه إلى النزاع حول الرق . وكان الرئيس تيلر قد رفض التعاون مع كلا الطرفين للوصول إلى تسوية ، ولكنه توفي فجأة في يوليو عام 1850 . وقد خلفه ملارد فلمور الذي ساعده على إيجاد تسوية بين الطرفين.
شروط التسوية
كان هنري كلي ، وستيفن دوجلاس من متزعمي حركة التسوية في الكونجرس بين المقترحات المتعارضة ، في النهاية قبل الكونجرس مقترحات كلي في سبتمبر عام 1850 ، والتي تضمنت خمس قوانين منفصلة وهي : تقبل كاليفورنيا كولاية حرة ؛ ليس هناك أي قيود على الرق في (مناطق) نيومكسيكو أو يوتا – لم يحرم الرق فها ؛ وضعت حدود تكساس كما هي في الوقت الحالي – أي أن الولاية قد تخلت عن ادعاءاتها في بعض الأراضي التي ادعت نيومكسيكو بأنها تابعة لها – مقابل تعويض الولاية بمبلغ 10 مليون دولارا منعت تجارة الرقيق في مقاطعة كولومبيا (ولكن لم يمنع الرق فيها) ، وأخيرا وضع قانون صارم ضد مساعدة الرقيق الهارب .
من الآثار المترتبة على هذه التسوية ما يلي : امتناع الجنوب عن التهديد بالإنفصال عن الاتحاد الفدرالي وسيادة الهدوء والسكينة في البلاد . من ناحية أخرى ، فإن دعاة التسوية قد أصروا على أنها حلت مشكلة الرق بشكل دائم ، لأن معظم شروطها إنما مثلت انتصار أصحاب دعوة تحريم الرقيق ، ولكن الشمال رفض أن يقبل قانون (عدم مساعدة الرقيق الهارب) ، حيث اعتبروا أن هذا يمثل انتصارا قاطعا للجنوب ، ولهذا فقد طالب الشمال بضرورة وجود (محاكمات محلفين) للبت في شئون الرقيق الهارب ، وقامت المجالس التشريعية في هذه الولايات بسن القوانين التي تمنع استعمال السجون فيها لحفظ الرقيق الهارب ، وبهذا فقد منعوا تطبيق القانون ؛ ومن هنا فقد اتهم الجنوب الشمال بأنهم نقضوا التسوية . وعلى العموم فإن هذه التسوية كانت قد حافظت على التوازن في الكونجرس بين الولايات التي تبيح الرق وتلك التي تخطره . ولكن هذا التدبير لم يقض على أسباب الخلاف ، وظل التوتر بين الإقليمين في تزايد مستمر خاصة وأن أنصار تحرير الرقيق كانوا ناقمين جدا على القانون الذي كان يجبر الولايات الحرة على إرجاح أحد العبيد إذا لجأ إلهيا هاربا من سيده . وهنا نتيجة أخرى أكثر أهمية وهي أن التسوية كانت عاملا في تأجيل عملية الإنفصال إلى الوقت الذي يصبح فيه الشمال على درجة من القوة بحيث يستيطع الحفاظ على الاتحاد – فرض الاتحاد بالقوة .
معاهدة كليتون–بولور 1850
اكتشاف الذهب في كاليفورنيا، واستيطان مناطق أوريجون، دفع على العمل إلى إيجاد طريقة للإتصال مع الساحل الأمريكي الباسفيكي أفضل من الطرق البرية بالحصان عبر البراري الغربية الواسعة. ولذلك فقد سعت إدارة بولك عام 1850 إلى الحصول على إذن من حكومة جرانادا الجديدة في بنما بشأن مد قناة تربط المحيطين. ولكن بريطانيا – التي كان لها نفوذ واسع في أمريكا الوسطى قامت باحتلال مدينة سان خوان (نيكاراجوا) لتمنع احتمال أمريكي آخر بشأن مد هذه القناة من نيكاراجوا. وفي الأزمة التي تلت ذلك توصلت الدولتان إلى تسوية كليتون–بولور؛ حيث تعهدت الدولتان بمقتضاها ألا تنفرد إحداهما بفتح قناة من هذا النوع . بالنسبة للولايات المتحدة؛ فإن هذه المعاهدة قد منعت بريطانيا من القيام بعمل لا تقبله أمريكا ، في الوقت الذي كانت فيه الأخيرة منغمسة في مشكلة الرقيق في الداخل .
انتخابات عام 1852
نتائج هذه الانتخابات تعكس الروح المعتدلة التي سادت في تلك الفترة . لقد رشح الديمقراطيون : فرانكلين بيرس ؛ أما حزب الوجز فقد رشح بطل حرب سابقة – الحرب المكسيكية – وهو الجنرال ونفليد سكوت ؛ أما حزب الأرض الحرة فقد كان مرشحه ضعيفا بالقياس إلى عام 1848 . ولقد خسر الوجز بدرجة كبيرة ، وذلك لزوال أثرهم في الولايات الجنوبية ، وانتصار الحزب الديمقراطي هذا يبين مدى ضعف الأحزاب الأخرى وتناقضها .
التوسع في عهد إدارة بيرس
سيطر الديمقراطيين الموالون للجنوب على إدارة بيرس ، والحزب الديمقراطي ، والكونجرس . لم يكن بيرس رئيسا قادرا على فهم مدى حدة النزاع بين الإقليمين ، ولهذا فقد أراد أن يشغل انتباه الرأي العام عن مشكلة الرق بالتوسع الإقليمي .
التوسع التجاري
حتى يشبع إرادة أصحاب المصالح التجارية ؛ قام بيرس بابتعاث الكومودور مانيو بيري إلى اليابان للحصول على امتيازات للسفن التجارية الأمريكية هناك ، ولحماية السفن التي تتعرض لأخطار البحر ، وقد كان بيري في مفاوضاته منهجيا حازما ، ولكنه استطاع التوصع عام 1854 إلى اتفاقية وافقت اليابان بمقتضاها على فتح موائنها للسفن الأمريكية .
وقدحاولت إدارة بيرس ضم هاواي إلى الولايات المتحدة ، ولكنها فشلت . من ناحية أخرى ، نجحت إدارة بيرس في عقد معاهدة (التعامل بالمثل) مع كندا عام 1854 ، التي تضمنت التجارة الحرة فيما بينها في حاجيات كثيرة ، كما سوت بعض المشاكل البسيطة المعلقة بين الطرفين .
شراء جادسدن Gadsden
في أوائل الخمسينيات وجدت هناك فكرة ربط الجنوب الغربي بساحل المحيط الهادي عن طريق مد سكة حديد ، وكان أقصى الحدود في الجنوب – شريط ممتد جنوب ولاية نيومكسيكو وأريزونا – أرضا مستوية تختلف عما هو الحال في شمالها حيث الأرض جبلية ومرتفعة ، وبذلك كانت المنطقة الجنوبية أكثر صلاحية وأقل تكلفة لمد السدة الحديد . ومن ثم قام السناتور جيمس جادسدين – من ولاية ساوث كارولاينا وصاحب الفكرة – بمفاوضة الحكومة المكسيك من أجل شراء هذا الشريط لمد سكة الحديد ، ومن ثم لتشجعع الكونجرس على الموافقة على المشروع . وبالفعل نمت عملية الشراءعام 1853 ، ووافق الكونجرس على المشروع الذي انتفعت منه الولايات الجنوبية . كانت إدارة بيرس تقف وراء هذا المشروع أيضا .
الطمع في كوبا (إعلان أوستند)
طمع بعض ممثلي الجنوب في الكونجرس في ضم كوبا قام بعض القادة البحريين مثل نارسسكو لوييز وغيره بعدة حملات من الموانئ الأمريكية بغرض ضم الجزيرة إلى أمريكا بين عام 1849-1850 . فيعام 1854 ، ظهرت هناك أزمة بين إسبانيا وأمريكا ، لأن الأولى قامت بمصادرة سفينة أمريكية كانت قد خالفت القواعد الجمركية المتبعة ، وقد قام بيرس بإرسال إنذار إلى إسبانيا ، وقد حسم الأمر باعتذار الحكومة الإسبانية .
في عام 1854 ، في الرئيس أن يستغل الخلافات الداخلية في إسبانيا ، وانشغال كل من بريطانيا وفرنسا في حرب القرم ، بأن يقوم بعمل من شأنه ضم كوبا إلى الولايات المتحدة . لذلك أصدر أوامر إلى وزراء الولايات المتحدة المفوضين في بريطانيا وإسبانيا وفرنسا للإجتماع في مدينة أوستند (بلجيكا) ووضع خطة سرية بخصوص كوبا . ومن بين ما اتفق عليه هؤلاء الوزراء هو أن الولاياتالمتحدة تعتبر أن لها مصالح كبرى في كوبا ؛ على الحكومة الإسبانية بيع كيوبا للولاايتالمتحدة ؛ وإذا ما رفضت إسبانيا هذا الطلب ، فإن أ/ريكا ستستعمل القوة في ضم الجزيرة إليها . ولكن الرأي العام الأمريكي – خصوصا في المناطق الشمالية – عارض هذه السياسة بشدة ، وكذلك الدول الأوروبية ؛ مما أجبر بيرس على التخلي عن مثل هذا العمل ويجب الملاحظة هنا إلى أي درجة كانت الولايات الأمريكية الجنوبية مستعدة لأن تستعمل القوة في سبيل تشجيع الحفاظ على نظام الرق في مناطقها – كانت تأمل في ضم كوبا كدولة مسموح فيها الرق ؛ وبالتالي نرجع كفة الولايات الجنوبية على الشمالية في الكونجرس .
الجنوب والشخصية القومية
تطورتا لولايات الجنوبية بشكل خاص – مختلف عن الشمال – وأصبح لها مصالحها الخاصة ، بحيث يمكن القول بأنه ظهرت فهيا روح قومية جنوبية . هذه التطورات أوجدت نزاعا مع المناطق الشمالية ، وقد أدت في النهاية إلى محاولة الجنوب الإنفصال عن الاتحاد الفدرالي في عام 1861 .
سكان الجنوب
ظهر في الجنوب نظام طبقات اجتماعية مختلفة في تركيبها عما هو الحال في الشمال . إن المجتمع في الجنوب كان ينقسم إلى أربع طبقات . الأرستقراطية الزراعية التي تملك العائلة الواحدة منها أكثر من عشرين من الرقيق .. الطبقات الوسطى التي تتكون من عائلات تمتلك عددا قليلا من الرقيق .. المزارعون الصغار ، الميكانيكيون ، أصحاب المخازن ، الفقراء البيض ، وطبقة الرقيق .
أما الأرستقراطية الزراعية (Cotton Snobs) ، فمع أنها كانت قليلة العدد ، إلا أن ثروتها قد جعلتها ذات أثر سياسي واجتماعي ولا يتناسب مع عددا معهظم السكان البيض في الجنوب كانوا من الطبقة الوسطى ، فالمزارع الصغير كان مثالا لهذه الطبقة ، والبعض من هؤلاء المزارعين استطاع أن يرفع من مكانته الإجتماعية ويصبح من الأرستقراطية الزراعية . أما أصحاب المخازن الصغيرة فقد كانوا يمثلون ما يسمي أصحاب العمل ، ولكن مكانة هؤلاء الإجتماعية لم تكن تساوي المزارعين الصغار . وفي أسفل السلم الإجتماعي للطبقة الوسطى كان هناك أصحاب الحرف بأنواعها (ويطلق عليهم اسم الميكانيكيون) وكذلك المشرفون على الرقيق في المزارع الكبرى ، ولم يكن لهؤلاء رغم ارتفاع أجورهم المكانة الإجتماعية أو الاحترام من قبل الفئات الأعلى . أما طبقة الفقراء البيض ففد كانوا أقلية ، جاهلة ، بعضها يشتغل باجر ، تنتشر فيها الأمراض ، وبعضهم من المجرمين . أما طبقة الرقيق فقد كانوا يمثلون أقل الطبقات ، وقد قسموا أنفسهم إلى درجات تختلف باختلاف العمل المطلوب منهم ، وفي أدنى هذه الدرجات كان أولئك الذين يعملون بأيديهم في الحقول ، وكان الحدادون والعاملون في البيوت يعتبرون من أعلى الدرجات . أما الرقيق الأحرار فلم يتمتعوا باكثر من حرياتهم الشخصية ، ولكنهم كانوا دائما تحت خطر الخطف والإجبار على أن يصبحوا من الرقيق .
سكان الجنوب على العموم ، باستبعاد الرقيق ؛ كانوا متجانسين أكثر من سكان الشمال ، فمعظمهم كانوا بروتستنت من أصل بريطاني . هذا التجانس والعزلة في مجتمع ريفي على الحدود قد طبعهم بطابع إقليمي ضيق التفكير .
نظرة الطبقات إلى مشكلة الرقيق
كل البيض في الجنوب ، ماعدا الذين يسكنون المناطق الجبلية ، كانوا يؤيدون نظام الرقيق ، حيث اتفق هؤلاء على أنها أفضل وسيلة لحل مشكلة العنصرية ، خصوصا البيض الذين كانوا يسكنون في مناطق يقل فيها عددهم عن الرقيق – في ولاية مسيسيبي وألباما . المزارعون الصغار كانوا يأملون في أن يصبحوا من المزارعين الكبار الأغنياء ؛ أما أصحاب العمل فقد اعتمدوا على ملاك الرقيق ؛ وبالتالي فقد كانوا يؤيدون الرق ؛ أما أصحاب الحرف والعمال فإنهم عارضوا في تحرير الرقيق خوفا من منافستهم لهم في سوق العمل ؛ أما الفقراء البيض ، فنظرا لشعورهم بمركزهم الإجتماعي الأدنى ، فإنهم أرادوا أن يحتفظوا لأنفسهم بميزة على الرقيق أكثر مما يعطيهم لونهم .
الآثار الإقتصادية لنظام الرق على الجنوب
بجانب الإعتبارات الأخلاقية والإنسانية ، فإننا نجد من هذه الآثار ما يلي : أولا ، إنها شجعت على إيجاد نظام الطبقات في الجنوب ، وإنها لم تعمل فقط على فصل طبقة الرقيق ؛ بل مكنت الأرستقراطية الزراعية من استمرار سيطرتها العليا على المجتمع الجنوبي فقد سيطر هؤلاء على المحاكم والمجالس التشريعية وجميع شئون الحكومة ، وهكذا فقط كانت قوانين الضرائب والتمثيل إنما تؤيد مصالح هذه الطبقة . ثانيا ، إن الشتريعات التي وضعتها الأرستقراطية الزراعية لم تقدم أي تشجيع لأصحاب العمل أو الصناع لأنهم ؛ أي الأرستقراطية الزراعية – عارضوا فكرة العمل الحر ، وكان ذلك من أكبر نقاط الضعف في المجتمع الجنوبي في الحرب ضد الشمال ، لأن هذا جعل الجنوب معتمدا على استيراد حاجياته من الشمال . ثالثا ، إن المهاجرين الأذكياء النشطين مثل الألمان قد تلافوا الحضور إلى الجنوب لأنهم عارضوا مبدأ الرق ، وكرهوا العل أو الزراعة في مجتمع لا توجد فيه المنافسة في عمل حر . رابعا ، بما أن الأعمال اليدوية كانت من اختصاص الرقيق ؛ فقد خلق هذا احتقارا لهذا النوع من العمل عند بقية الطبقات الأخرى .
قانون كانساس نبراسكا
بالرغم من تسوية عام 1850 ، وعموم الرخاء في البلاد ، وإصرار المعتدلين بأن مشكلة الرق قد حلت إلى الأبد ؛ فإن العداوة بين الإقليمين الشمالي والجنوبي قد استمرت . إن قوانين الحريات الفردية التي سنتها بعض الولايات الشمالية ، بالإضافة إلى المنشورات والدعاية التي قامت بها جماعة مناهضة الرق ، كل ذلك قد أدى إلى عداء الجنوب . إن كتاب هاربت ب . ستو : (كوخ العم توم) (1852) ، قد ألهب مشاعر العامة في الشمال ، وجندهم لمحاربة الشر – شر نظام الرق في البلاد . وهكذا فقد نظم الشمال مقاومته لنظام الرق بعد أن سن الكونجرس قانون كانساس نبراسكا .
قانون كانساس – نبراسكا (1854)
لقد أقام الكونجرس (منطقتين) حديثتين – في طور التكوين لتصبحا ولايات – هما كانساس ونبراسكا . لقد أشار القانون – على الخصوص – بإلغاء تسوية ميسوري عام 1820 م التي منعت الرق شمال خط عرض 30 ، 36 ، ثم نص على أن سكان المناطق الجديدة هم الذين يقررون مصير الرق في مناطقهم – بمعنى أن الكونجرس لم يمنعها هناك ، كما نصت عليه تسوية ميسوري . من الواضح بأن هذا القانون إنما هو في صالح الجنوب ، ولذلك أدى إلى المعارضة الشديدة من قبل الشمال .
من الدوافع التي أدت إلى سن هذا القانون هي : أن ستيفن أي دوجلاس كان يمثل مصالح مجموعة من المهندسين لبناء السكة الحديد في ألينوي ، وكانت حكومةا لولاية نفسها تؤيد وجود سكة حديد في المناطق الوسطى ترابطها بشيكاغو ، حيث ستنتفع الأخيرة من مثل هذا المشروع ، ولذلك فإن هذا يفتح أرض جديدة للإستيطان – بعد ترحيل الهنود – وحتى ينافس مشروع الطريق الجنوبي – عبر نيومكسيكو . الذي قام بتقديم المشروع في الكونجرس هو السناتور أتشسون ، الذي كانت له مصلحة في إقامة مشروع يتعلق به ناخبيه في ميسوري .
كما أن دوجلاس نفسه – لطمعه في ترشيح نفسه للرئاسة – اقترح مشروعا يمكن بواسطته أن يحصل على تأييد الجنوب ، خصوصا وأنه يعرف بأن كانساس ستكون ولاية يسمح فيها بالرقيق ، وأخيرا فإن دوجلاس كان معروفا بفكرته عن ترك السكان في المناطق يقررون بأنفسهم في مسألة الرقيق . ولقد فوجئ دوجلاس بمعارضة الشمال لمشروعه .
تأثير الأحزاب السياسية : كان الكونجرس قد وافق بسرعة على قانون كانساس – نبراسكا ، وقد أمضاه الرئيس . كانت القوة السياسية وراء هذا القرار إنما هي الحزب الديمقراطي . وسرعان ما ظهرت المعارضة من أتباع حزب الوجز والحزب الديمقراطي في الشمال ، والأهم من ذلك أن معارضة واحتجاج الكثير كانت واضحة في الثورة على الأحزاب القديمة . كان أثر هذا القانون على الأحزاب السياسية يتمثل في أن أتباع حزب الوجز في الشمال قد تخلوا عن أنصارهم في الجنوب ، وانضموا إلى الأحزاب الجديدة في الشمال – حزب الجهلة (Know – Nothing) والحزب الجمهوري ، وبهذا اختفى حزب الوجز من ناحية أخرى ، فإن (حزب الجهلة) قد أصبح من القوة بحيث سيطر على عدة ولايات عام 1855 ، معارضوا قانون نبراسكا من الحزب الديمقراطي في الشمال انفصلوا عن الحزب في الجنوب . وأخيرا ، فإن الحزب الجمهوري ظهر رسميا إلى الوجود كحزب له قوته واعتباره .
الصراع من أجل كانساس
قرار كانساس سبب حربا أهلية في تلك المنطقة ، حيث إن الشمال نظم نفسه لكي يكسب المنطقة كولاية حرة ، بينما سكان ولاية ميسوري المجاورة نظموا أنفسهم ليجعلوا من كنساس ولاية بها رق ، كما أن كل فريق بدأ في محاولة إيجاد أنصار له داخل المنطقة لتحقيق أغراضه . نيو إنجلند ، نظمت جمعية سمتها (هيئة نيو إنجلند لمساعدة المهاجرين ، من أغراضها توطين كانساس بسكان يعارضون وجود الرق في الولاية حتى يجدوا غالبة من هؤلاء هناك ، وهكذا فقد قام كثير من المهاجرين من الولايات الحرة الشمالية بالهجرة إلى كانساس ، وبذلك فقد زاد المتوطنون الأحرار الجدد عن المستوطنين الذين يؤيدون الرق . أما سكان ميسوري ، - حيث الرقيق مباح فيها – فقد قاموا بتكوين جمعيات سرية لترسل ناخبين خياليين إلى كانساس لكسب الولاية لجانبهم ، وبهاذ استطاع هؤلاء انتخاب مندوبين موالين للرق إلى لاكونجرس في عام 1855 ، استطاعوا تكوين مجلس تشريعي أيضا مع نفس النوع . ولهذا قام حاكم الولاية وريدر بالإحتجاج ، ولكن الرئيس بيرس أعفاه من منصبه .
وردا على ذلك ، قام معارضو الرق بالإجتماع في مدينة توبيكا (كانساس) في أكتوبر عام 1855 . ووضعوا دستورا يحرم الرق ، ولكن مؤيدو الرق قاموا بمقاطعة الانتخابات ، ولهذا أنشأت حكومة (حرة) في مدينة لورنس في مايو عام 1856 ، قام جمهور من مؤيدي الرق على حدود ميسوري كانساس باهلجوم على لورنس وإحراقها ؛ وردا على ذلك فقد قام شخص من العبيد يدعى جون براون ، وبعضا من معارضي الرق يقتل خمسة أشخاص من أعدائهم . فميا بعد قتل حوالي مائتي شخص من الطرفين في اشتباكات متقطعة ، وأصبح يطلق على المنطقة (كانساس الدموية) .
الاعتداء على السناتور سمنر
في خلال النقاش في الكونجرس عن الأحداث في كانساس ، قام السناتور سمنر ، وهو من معارضي الرق المتطرفين من ولاية ماستشوستس ، بالهجوم اللاذع – وقد كان خطيبا بارعا – ضد السناتور بتلر ممثل ولاية ساوث كارولاينا ، ووبخه توبيخا شديدا في خطاب له بعنوان (الجريمة ضد كانساس) . وردا على ذلك قام جار بتلر السناتور رستون بروكس بضرب سمنر بعكازه . وتحت ضغط ممثلي الشمال في الكونجرس ، فقد أجبر بروكس على الإستقالة ، ولكن اهل منطقته قاموا بإعادة انتخابه إلى مجلس الشيوخ ، ونكاية في الشماليين ، قام ممثلو الجنوب بإهداء بروكس مجموعة من العكاكيز رغم احتجاج الأولين . وقد رد الشماليون على ذلك بشراء الآف من النسخ من خطبة سمنر في مجلس الشيوخ الذي هاجم فيها بتلر . هذا الحادث أدى إلى زيادة سوء العلاقة بين الشمال والجنوب وشحن الجو الوطني بالعواطف .
حزب الجهلة
نظم هذا الحزب من قبل جمعيات سرية غرضها معارضة الأجانب ، وخصوصا المهاجرين الجدد من أيرلندا وألمانيا ، ومناهضة الهيئات التي تحاول كسب أصوات هؤلاء المهاجرين بجانبها . وقد سمي بهذه التسمية ، لأن أوامرهم كانت إذا ماحقق معهم بأن يقولوا (لايعرفون .. جهلة) . وكجماعة وطنية – على ألأقل اعتبرت نفسها كذلك – فقد نظم هؤلاء أنفسهم في حزب سمي فيما بعد (بالحزب الأمريكي) ، وكانوا يأملون في كسب أتباع من جميع أنحاء البلاد . وفي عام 1854 ، انضم كثير من معارضي قانون كانساس – بتراسكا لهم . ورغم ذلك فإن هذا كان قد انتهى كحزب سياسي بعد انتخابات عام 1856 .
الحزب الجمهوري
وردا على سن قانون كانساس - نبراسكا ، فقد قام الجمهوريون بمناهضة فكرة امتداد الرق إلى المناطق ، وقد نما هذا الحزب بسرعة بانضمام أتباع حزب الأرض الحرة ومعارضو ولقد جاز هذا الحزب أيضا على عطف كثير من الطوائف مثل طائفة مناهضة الرق ، وطائفة مناهضة الخمور ، وبعض الهيئات الإصلاحية . كما أيده أيضا كثير من المهاجرين الألمان في الشمال الغربي الذين كانوا يعارضون الرق معارضة شديدة ، وبعد عام 1858 فقد كسب هذا الحزب أصحاب العمل والعمال ، لأنه كان يؤيد فكرة التعريفة الجمركية . الحزب الجمهوري كسب أتباعا كثيرين أيضا نتيجة تبنيه فكرة إعطاء الأرض مجانا (لبناء البيوت) (Homestead) .
انتخابات عام 1856
رشح الحزب الديمقراطي جيمس بوخاتان من ولاية بنسلفانيا . كان بوخاتان من مؤيدي فكرة السيادة الشعبية (Popular Sovereighty) ، وكان له خبرة سياسيسة مدة أربعين سنة ، غير أنه لم يظهر على أنه سيكون رئيسا قادرا على الحكم في وقت الأزمة . ولقد نجح بوخاتان في الإنتخابات نظرا لتفرق أعدائه وليس لقوته أو لقوة حزبه . أما الحزب الجمهوري فقد رشح جون سي فريمونت من ولاية كاليفورنيا . ولقد رفض الكثير من المعتدلين انتخابه ، لأنه كان ضد الرق في المناطق – ليس لديه فكرة التسامح . أما حزب الجهلة فقد رشح ملارد فيلمور كمرشح عن الحزب الأمريكي .
الأحداث المؤدية إلى الانفصال
ظهر كثير من الأحداث في عهد إدارة بوخاتان ، أقنعت الجنوب بعدم إمكانية الحفاظ على مصالحه – حيث أصبح أقلية ضد أغلبية معارضة في الشمال . ولذلك فقد أصبح الإنفصال عن الإتحاد الفدرالي هو الحل الوحيد في نظر أهل الجنوب .
قضية درد سكوت (Dred Scott Case)
إن قرار المحكمة العليا الأمريكية في هذه القضية، أعطى الحق الشرعي لنظام الرق بالتواجد في المناطق، وكان انتصارا كبيرا للجنوب، ولكن ذلك لم يبد حتمياً، لأن الشمال كان مصمما على إبطاله. درد سكوت هذا كان عبدا أسود، وقد قدم شكوى إلى المحكمة بطلب حريته على أساس أن إقامته كانت شمال خط تسوية مزوري عام 1820 (30 : 36º) في ولاية إلينوي الحرة. وقد أيد سكوت جمعية مناهضة الرق التي أرادت أن تأخذ قضيته إلى المحكمة العليا الأمريكية كتجربة لترى رأي المحكمة في نظام الرق، كان يرأس هذه المحكمة في ذلك الوقت القاضي روجر تاني وهو من ولاية مريلاند. المحكمة رفضت النظر في القضية باعتبارها خارجة عن نفوذها، لأن درد سكوت في نظر المحكمة لم يكن مواطناً أمريكيا بل مازال عبداً – ليس له الحق في استعمال المحاكم، هذا ما كان يمكن للمحكمة أن تقوم به في أحوال عادية. ولكن المحكمة الآن تعدت هذا الحد، وأرادت أن تبدي رأيها في الرق في (المناطق)، ولذلك استمر حكم المحكمة بالقول بأن درد سكوت يعتبر مِلكاً وأن الملحق الخامس في الدستور يمنع الكونجرس من حرمان أي شخص من ملكيته بدون طريق قانونية، وأن الملكية – أي الرقيق – يمكن أن تؤخذ إلى المناطق (يصرح للمناطق باستعمال الرقيق)، وأنهت المحكمة قولها بأن تسوية ميسوري لم تكن أبدا دستورية.
فرح الجنوب بهذا القرار الذي يعتبر نصرا لفكرتهم، ولكن الحزب الجمهوري هاجم القرار واعتبره تملقا للجنوب، لأن معظم القضاة في المحكمة العليا كانوا من الحزب الديمقراطي، كما اعتبروا رأي المحكمة – في الحكم على نظام الرق في المناطق غير شرعي، وقد وعد الجمهوريون بأنهم سيعكسون هذا القرار عندما يسيطرون على الحكومة الاتحادية عن طريق (ملء المحكمة) – ويعنون بذلك تعيين قضاة من الحزب الجمهوري، بحيث يصبح لهؤلاء الغالبية في المحكمة. وهكذا كانت معارضة الجمهوريين لقرار من المحكمة العليا سببا في زيادة قلق الجنوب.
الأزمة الإقتصادية (1857)
لقد عم الولايات المتحدة أزمة اقتصادية شديدة في عام 1857 ، وسبب ذلك هو زيادة التوسع الإقليمي في العقد السابق ، مع الزيادة أيضا في المضاربات في الأراضي . هذا بالإضافة إلى أن نشوب حرب القرم قد منع تدفق رؤوس الأموال الأوروبية للاستثمار في أمريكا ، وكان رجوع السلام في عام 1857 ، سببا في انخفاض أسعار الأراضي ، ولكن سرعان ما رجع الرخاء إلى البلاد بتدفق الصادرات من القطن والمحاصيل عام 1858 – وهكذا فقد تعرضت المناطق الشمالية للخسارة أكثر بكثير من الجنوب ، وقد ألقي اللوم في هذا على تعريفة ووكر – التي تضع رسوما عالي على الواردات وليس الصادرات . أما الجنبو فقد رأوا بأن نظامهم الإقتصادي أكثر صلاحية من نظام الشمال . نتيجة لهذا – إذن – فقد كانت معظم أصوات الشمال في انتخابات عام 1858 للكونجرس تؤيد الجمهوريين بحيث أصبح هؤلاء يسيطرون على مجلس النواب .
مناقشات لنكولن – دوجلاس (1858)
كل منهما كان قد رشح عن حزبه لمجلس الشيوخ لنكولن عن الحزب الجمهوري ، ودوجلاس يريد إعادة انتخابه عن الحزب الديمقراطي . وقد تحدى لنكولن خصمه في مناقشات تركزت على نظام الرق . قام لنكولن بمحاولة إحراج دوجلاس – الذي كان يؤمن منذ أوائل الخمسينيات بفكرة (السيادة الشعبية) في المناطق – بسؤاله فيما إذا كان السكان (في منطقة ما) يمكنهم منع وجود الرق في منطقتهم بعد قرار المحكمة العليا في قضية درد سكوت – ذلك أن رأي دوجلاس باطل ومتناقض وغير صالح . وقد رد دوجلاس بالقول بأن سكان المنطقة يمكنهم منع الرق من منطقتهم بإقرار قوانين للبوليس المحلي تمنع حماية هذا النظام في منطقتهم . كان دوجلاس قد كسب الإنتخاب من لنكولن ، ولكن إجابة دوجلاس لم تعجب الديمقراطيين ، بل ساعدت على توسيع هوة الخلاف بين ديمقراطي الشمال والجنوب . وكانت المناقشة قد رفعت من شعبية لنكولن في الشمال وساعدته على النجاح في انتخابات الرئاسة عن الحزب الجمهورية عام 1861 .
أزمة هليز
في عام 1857 ، قام شخص يدعى هنتون هلير بطبع كتاب بعنوان (أزمة الجنوب الحاسمة) ، حيث أوضح فيه بالإحصائيات والمناقشة المنطقية بأن نظام الرق يسيء للأحوال الإقتصادية في الجنوب ، وذلك لأن هذا النظام إنما هو في مصحلة ملاك الرقيق الكبار الذين اكتسبوا ثروتهم على حساب المزارعين الصغار ، وقد طلب من المزارعين اصغار التعفف عن امتلاك الرقيق لأسباب اقتصادية . لقد أغضب هذا الكتاب قادة الجنوب لدرجة أن كل من مكان لديه نسخة منه يعتبر من الخطرين ؛ وقد شجع هاذا الكتاب الرجل العادي في الجنوب على أن ينقلب ضد طبقة الملاك الكبار .
هجوم جون براون (1859)
بتشجيع مالي من الشماليين ، قام جون براون بعمل خطة لمحاولة تحرير بعض الرقيق ، وذلك بحثهم على الفتنة ولاثورة ، ومن أجل ذلك أراد الحصول على بعض الأسلحة بالهجوم على مخزن الأسلحة في هاريرز فيري – وقد كان ملكا للحكومة الإتحادية . وردا على ذلك قامت بعض القوات الإتحادية بمحاولة اعتقار براون وجماعته ، والتجأ هؤلاء إلى محطة للسكة الحديد ، وبعد محاصرته وقتل قسم كبير من أتباعه ، اضطر براون إلى التسليم ، وحكمت عليه محكمة في فرجينيا فيما بعد بالإعدام شنقا مع ستة من أتباعه . ولكن الجنوب ، نتيجة هذه الحادثة كان قد انزعج من احتما قيام ثورات للرقيق في منطقتهم وقد أنبوا (الجمهوريين السود) على ذلك هذه الحادثة جعلت من جون براون شهيدا في الشمال .
انتخابات عام 1860
اجتمع الحزب الديمقراطي في شارلستون (ساوث كارولاينا) لانتخاب مرشحهم للرئاسة . في هذا المؤتمر انقسم الحزب على نفسه إلى فئتين : الأولى (المتطرفون الجنوبيون) ، أرادت أن تضع في برنامج الحزب طلبا صريحا للكونجرس بضرورة السماح لنظام الرق بالتواجد فيالمناطق أما الفئة الثانية من أتباع الحزب في اشمال بقيادة دوجلاس ، فقد هزمت الفئة الجنوبية في طلبها ، وبدلا من ذلك كان لها الأغلبية في إنجاح دوجلاس بتطبيق (السيادة الشعبية) في المناطق . وعلى أثر ذلك قام الجنوبيون بإغلاق قاعة المؤتمر ، ونتيجة لذلك انفضت فئة الشماليين ، واجتمعت مرة أخرى في بليتمور واختارت دوجلاس مرشحا لها . أما ديمقراطيوالجنوب فقد اجتمعوا مرة أخرى ورشحو جون سي بركنردج (من ولاية كنتكي) ، وأعلنوا تأييدهم لقرار المحكمة العليا في قضية درد سكوت . وهكذا فقد انقسم الحزب الديمقراطي إلى قسمين : شمالي وجنوبي .
أما الحزب الجمهوري فقد اجتمع في شيكاغو ، ورشخ أبراهام لنكولن للرئاسة ، بدلا من السياسي الكبير (وليام سوارد) ، والسبب في ذلك أن لنكولن كان من المعتدلين الذين يمكنهم كسب أصوات أكثر لصالح الحزب ، في حين أن سوارد كان من المتطرفين . وقد وافق الحزب على برنامج عام تضمن عدم السماح لنظام الرق بالتواجد في المناطق ، والعمل على فرض تعريفة جمركية (وهذه كانت في صالح الشمال الشرقي) ، وسن قانون إعطاء الأرض مجانا لبناء البيوت ، وأخيرا تشجيع بناء السكة الحديد بمساعدات من الحكومة الفدرالية .
أما الحزب الدستوري الاتحادي (Constitutional Union Party) فقد أكد في برنامجه لزوم الحفاظ على على الاتحاد الفدرالي بضرورة وجود التسامح والتسوية بين الإقليمين ، وقد رشح جون بل (ولاية تنيسي) للرئاسة . ولد أبراهام لنكولن – مرشح الحزب الجمهوري – في بلدة سيرنجفيلد ، بولاية ألنيوي في الغرب الأوسط ، وكان يتميز عن زملائه المحامين المشتغلين بالسياسة بمعارضته العنيفة لنظام الرق كان لنكولن ينادي بأن كل تشريع وطني يجب أن يقوم على مكافحة هذا النظام ، وكان يطالب بمكافحة هذا النظام ليس في المناقط الجديدة فقد ، وإنما في جميع أنحاء البلاد . لذلك فإن ترشيحه عن الحزب الجمهوري كان ينذر بمعركة انتخابية عنيفة ، لأنه كان يبدو أن على نتيجتها يتوقف مصير الاتحاد الفدرالي ووحدته ؛ إذ أنه كان معروفا بأن الجنوب لا يمكن أن يقبل بشخص لنكولن كرئيس للدولة ولا لبرنامج حزبه كمنهاج لعمل الحكومة.
لقد فاز لنكولن في الإنتخابات التي جرت في 6 نوفمبر عام 1860 ، بأغلبية ضئيلة ، ولكنه لم ينل أكثر من 40% من الأصوات ، وكانت الولايات الشمالية ، ماعدا نيوجرسي ، قد أعطت أصواتها له ، ولم يحصل على أي من أصوات الولايات الجنوبية ، ولعل السبب الأساسي في نجاحه إنما يرجع إلى توزيع أصوات الحزب الديمقراطي بين مرشحيه ، أما بركنردج فقد ربح أصوات الولايات الجنوبية القصوى – كلا الإقليمين أعطى أصواته للمتطرفين في قسمه .
لقد أدرك الجنوبيون – وبصورة خاصة مؤيدو نظام الرق وأنصار حقوق الولايات – المغزى الحقيقي وراء انتخاب الرئيس الجمهوري الجديد باعتبار أنه لم يكن قد مر زمن طويل على تصريحه الذي أكد فيه رغبته في تحريم الرق مع المحافظة على وحدة البلاد في الوقت نفسه . لقد أدرك الجنوبيون – إذن – أن الشمال بتأييده وانتخابه الرئيس لنكولن إنما يعبر بذلك عن عزمه الأكيد مع انتشار الرق في الأراضي الجديدة ، إن لم يكن على تحريمه في كل البلاد الأمريكية ، وهكذا كان نجاح لنكولن هو بداية في عملية انفصال الجنوب عن الإتحاد الفدرالي .
تسلسل تاريخي للأحداث الهامة
1848 : (حزب الأرض الحرة) خليفة حزب الحرية ، جعل من إلغاء الرق مسألة وطنية عامة في الانتخابات. 1850 : معاهدة (كلينتون – بلور) منعت كل من الولايات المتحدة أو بريطانيا من فتح قناة بين الأطلسي والهادي دون اشتراك الأخرى – اتفاق 1850 . 1853 : أصبح بيرس رئيسا لاتفاقية – شراء جادسدن (بين المكسيك والولايات المتحدة) . 1854 : نظم الحزب الجمهوري – معاهدة مع اليابان بفتح ميناء بين الولايات المتحدة . 1856 : اشتباكات بين مؤيدي ومعارضي الرق – رشح الحزب الجمهوري أول رئيس له في الإنتخابات العامة ، ولكن لم ينجح حيث انتخب الديمقراطي بيوكانن . 1857 : قضية (درد سكوت) كانت انتصارا للجنوب . 1858 : مناقشات لنكولن – دوجلاس جعلت من لنكولن شخصية معروفة . 1859 : غارة جون براون على هاريرز فيري . 1860 : انتخاب لنكولن رئيسا ، وذلك بسبب انقسام الحزب الديمقراطي إلى شمالي وجنوبي ، مما جعل الولايات المتحدة تنفصل .
مراجع الفصل السادس عشر
1. Allan Nevins. The Ordeal of the Union (1947), and Emergence of Lincoln (1950)
2. D.M. potter. The Impending Crisis (1976)
3. A.D. Creven. The Coming of the Civil War (1942)
4. Norman Graebner. Empire on the pacific (1955)
5. H.H. Simms. A Decade of Sectional Controversy (1942)
6. Roy F. Nichols. Disruption of American Democracy (1948)
الفصل السابع عشر: الحرب الأهلية 1861-1865
لم يتنبأ من الشمال أو الجنوب بأن الإنفصال كان سيؤدي إلى حرب أهلية بين الإقليميين . لقد استخدم في هذه الحرب – لأول مرة في الحروب الحديثة – بعض التكنولوجيا الحربية التي لم تستخدم في حروب سابقة مثل : الغواصة ، السفن المصفحة بالحديد (بدلا من الخشب) ، البندقية الأوتوماتيكية ، بالونات الإستكشاف ، حرب الخنادق ، التلغراف ، والسكة الحديد . الحرب الأهلية الأمريكية هي أكبر الحروب العالمية بين الحروب النابليونية والحرب العالمية الأولى ، وتمثل أكبر ثورة داخل الولايات المتحدة منذ عهد استقلالها . ومن النتائج الإقتصادية لهذه الحرب ؛ أن سيطرة أصحاب العمل والمصانع قد حلت محل سيطرة المزارعين . أما من الناحية السياسية ؛ فإنها قد أكدت سيطرة ووجود حكومة اتحادية واحدة في الولايات المتحدة . وأما ، الناحية الإنسانية ؛ فإنها تعتبر أكبر مأساة في تاريخ الولايات المتحدة .
مشكلة الإنفصال
أراد الجنوب الآن أن يمارس حقه في الإنفصال عن الاتحاد الفدرالي والذي هدد باستعماله مرات كثيرة في السابق . الجنوب الآن فقد السيطرة على الأحزاب السياسية وبالتالي السيطرة على رئاسة الاتحاد ، كما أنه فقد أي سيطرة على سياسة الحكومة الاتحادية . ولهذا فقد شعرت الولايات الجنوبية بأنها يجب أن تؤكد حقها في الاستقلال عن الاتحاد للحفاظ على نظامها الإقتصادي الذي يعتمد إلى حد كبير على نظام الرق .
حركة الإنفصال
بدأت حكومة ساوث كارولاينا بالدعوة إلى عقد مؤتمر شعبي في الولاية ، سمته (قانون الإنفصال) في ديسمبر عام 1860 ، وكان ممثلوه منتخبين من قبل سكان الولاية . وبمجيء فبراير عام 1861 كانت ست ولايات من أقصى الجنوب قد عقدت مؤتمرات شعبية مماثلة . وهكذا قامت الولاايت السبعة : (كارولاينا الجنوبية ، جورجيا ، ألاباما ، مسيسيبي ، فلوريدا ، لويزيانا ، وتكساس) باختبار ممثلين إلى مؤتمر دستوري بعقد في مدينة مونتجمري (ولاية ألاباما) ليعمل على وضع نظام خاص بهذه الولايات . وبالفعل عقد المؤتمر في 6 فبراير عام 1861 ، حيث أعلن عن تكوين نظام سياسي جديد أطلق عليه (الولايات الأمريكية الكونفدرالية) ، منتخبا جفرسون ديفيز (ولاية مسيسيبي) رئيسا ، ثم ألكسندر ستيفنز (من ولاية جورجيا) نائبا للرئيس . وقد وافق المؤتمر على وضع دستور يشبه دستور الولايات المتحدة ؛ ولكن ببعض الفروق وهي : الحق في امتلاك الرقيق وضمان الحرية في نقلهم من ولاية إلى أخرى ؛ تأكيد سيادة الولايات (State Sovereignty) ، ولكن لم يشر إلى حق الولاية في الإنفصال ؛ منع وضع أي تعريفة جمركية على الواردات ؛ وأخيرا حددت هذه الرئاسة بست سنوات .
أسباب الإنفصال والحرب
أوعز الجنوب لجوءه إلى علمية الإنفصال إلى تجني الشمال على حقوق الجنوب الدستورية ، كانتشكاوي الجنوب هذه مبنية على الحوادث التي جرت في العقد السابق وهي : الدعاية المتطرفة من قبل حركة مناهضة الرق ضد نظام الرق في الجنوب ، النشاطات المتطرفة في الشمال في مساعدة الرقيق على الهروب (ماسمي بالسكة الحديد السرية) ، قوانين الحريات الفردية التي سنتها المجالس التشريعية في الولايات الشمالية ، غارة جون براون (التي تشجع الرقيق على الثورة ضد أسيادهم) ، وأخيرا انتخاب لنكولن بواسطة حزب إقليمي (الجمهوري) محض معاد لنظام الرق . هذا بالإضافة إلى أن انضمام بعض الولايات الجنوبية مثل كاليفورنيا ومنيسوتا وأوربيجون قد أعطى الأغلبية للولايات الحرة في مجلس الشيوخ بالكونجرس . كل شكاوي الجنوب – إذن – كانت تتعلق بنظام الرق ، ولم تشر هذه الولايات بأي صورة إلى حق الولايات أو إلى التعريفة الجمركية . أسباب الحرب الأهلية تعتمد على عوامل اقتصادية وأخلاقية مرتبطة بنظام الرق ، وكان من الممكن تجنب هذه الحرب لو أن هذا لم يكن موجودا . وجود علاقات أخرى زاد من حدة الخلاف على نظام الرق ، أو أنها دفعته على أن يكون السبب في الإنفصال ومن ثم الحرب . السبب المباشر للحرب كان الخلاف على السماح بنظام الرق في المناطق ، وكانت المناسبة للإنفصال هي اختيار لنكولن للرئاسة . الإنفصال كان قد أدى إلى خلق حكومة منفصلة كأمر واقع ، وهذا بدوره كان لا بد من أن يؤدي إلى صراع عسكري لتسوية كثير من الأمور التي لم يمكن تسويتها بطرق سلمية ، ، وبابتداء الحرب فقد أصبح هدف الجنوب إنما هو الحفاظ على استقلاله ، بينما أصبح هدف الشمال الحفاظ على الاتحاد الفدرالي .
الفوائد الإقتصادية للإنفصال (في نظر الجنوبيين)
لقد كان دعاة الإنفصال يؤمنون بأن استقلال الجنوب سيؤدي إلى رخاء اقتصادي عام في منطقتهم للأسباب الآتية : يمكن فتح التجارة المباشرة مع الدول الأوروبية وهذا بدوره يبقي على الأرباح في الجنوب – بدلا من أن يستفيد منها تجار الشمال كما كان الحال قبل الإستقلال ؛ التجارة المباشرة ستزيد الطلب على الصادرات الزراعية – التي يتخصص فيها الجنوب وخصوصا القطن – من الجنوب ، كما أنها ستؤدي إلى نقص التكلفة للورادات ؛ يمكن تخفيض تكاليف العمل (ثمن الرقيق) وذلك بإحياء تجارة الرقيق من أفريقيا ؛ كان من المتوقع بأن الجنوب سيطور مصنوعاته ونظام البنوك والمواصلات فيه ؛ بحيث سيسمح ببقاء الأرباح التي كانت في السابق تذهب إلى الشمال وأخيرا لقد توقع الجنوب بأن عملية الإنفصال ستكون سلمية .
رد الفعل في الشمال على عملية الإنفصال
أقلية كبيرة من الرأي العام في لاشمال كانت تؤيد انفصال الجنوب عن الاتحاد بسلام ، وكانت تعارض في استعمال القوة للحفاظ على هذا الاتحاد . كما آمن الكثير من السكان أيضا بإمكانية وجود تسوية يمكن بواسطتها إرجاع الجنوب إلى الوحدة الفدرالية . أما الرئيس بوخاتان – الذي بقي على مدة رئاسته شهران ونصف – فقد كان متعاطفا مع الجنوب ، ولكنه عارض عملية الإنفصال ، كما عارض استخدام القوة لمنع هذا الإنفصال أو تطبيق القانون الفدرالي في الجنوب . لقد اقترح أعضاء الكونجرس وسائل مختلفة لإعادة الجنوبيين إلى الاتحاد من أهمها (تسوية كرتندون) (Crittenden Compromise) التي وضعت في سبيل إرضاء الجنوب والحفاظ على الاتحاد . هذه التسوية التي قدمها السناتور جي . جي . كرتندون (من ولاية كنتكي) شابهت كثيرا من الخطط الأخرى واقترحت (تعديلات دائمة) على لادستور الاتحادي . هذه التعديلات تتضمن . الحفاظ على نظام الرق في الولايات التي يعتبر فيها هذاا لنظام شرعيا ؛ السماح بتجارة الرقيق محليا (في الولايات التي يوجد فيها الرقيق بصورة شرعية) تتعهد حكومة الولايات المتحدة بدفع ثمن الرقيق الهاربين من الجنوب ، لا يسمح للكونجرس بإلغاء نظام الرق في مقاطعة كولومبيا ، دون موافقة ولايات فرجينيا وميريلاند ، وأخيرا إعادة إحياء (تسوية ميسوري) .
لم يقل الرئيس لنكولن الكثير أثناء الفترة الإنتقالية للرئاسة (بين شهر نوفمبر عام 1860-20 يناير 1861) ، ولكنه عارض أي تسوية تسمح بمد نظام الرق إلى المناطق . وهكذا كان رفض كلا الإقليمين قبول أي تسوية جعلت من المستحيل على الكونجرس التوصل إلى اقتراح لحسم الخلاف .
مشكلة قلعة سمتر (Fort Summter) بعد قرار الإنفصال مباشرة ؛ قام الجنوب باحتلال كل القواعد العسكرية للقوات الاتحادية ، وقد تركزت الأنظار على قلعة سمتر الموجودة على جزيرة تقابل ميناء شارلستون (في ولاية ساوث كارولاينا) وكان بها حامية تقارب الثمانين رجلا . لم يكن الجنوب يريد السماح لهذا الميناء المهم بالبقاء في حوزة القوات الاتحادية . لقد كان لنكولن متسامحا في خطاب تسلمه الحكم في 4 مارس عام 1861 . فرغم أنه رفض الاعتراف بانفصال الولايات الجنوبية معتبرا ذلك باطلا من الناحية القانونية ، إلا أنه أظهر مرونة واضحة ورغبة في المصالحة ، حيث أعلن أن معارضته لنظام الرق تقتصر فقط على وجوده على الأراضي الجديدة وأنه يقبل به حيث يوجد فعلا ، كما ناشد الجنوبيون العودة إلى الاتحاد ، وأضاف بأنه لن يكون اول من يستعمل القوة في هذا الشأن . ولكنه واجه مشكلة صعبة في معالجته لقضية القلعة ، فقد قرر الإبقاء على الميناء بإرسال إمدادات تموينية فقط دون الأسلحة ، لأنه لم يرد أن يغضب الولايات التي على الحدود مع الجنوب حتى لايظهر الشمال في شكل المعتدي . وهكذا كانت قوات الجنوب في شارسلتون أول من قام بإطلاق الطلقة الأولى (12 إبريل 1861) على القلعة . وقد سلمت حامية القلعة في 14 إبريل . هذاا لتصرف الحربي من قبل الجنوب أجبر الشمال على التخلي عن مساعيه للمصالحة والاستعداد الفعلي للحرب . الشمال لم يكن في الأصل متحمسا لمحاربة الجنوب . حتى أن بعض الفئات كانت ترحب بهذا الإنفصال باعتبار أنه سيسمح بإلغاء نظام الرق في الشمال وفي المناقط الغربية الجديدة للاتحاد ؛ كما أن أصحاب البنوك والرأسماليين كانوا يعارضون الحرب بسبب وجود ديون لهم في الجنوب كانت تزيد على مائتي مليون دولار . إلا أن تصرف الجنوبيين الحربي وإطلاقهم الطلقة الأولى وإنزال العلم الاتحادي عن الحصن قضي على اي تردد في الشمال ، وأصبحت الحرب مطلبا قوميا ووطنيا على أثر حادث سمتر ؛ دعا الرئيس لنكولن جيش من المتطوعين بلغ عدده ما يقرب من 75 وذلك لإخماد وتثبيت سلطة الاتحاد الفدرالي . وقد لبت الولايات الشمالية هذا النداء بحماس وقوة ، كما أعلن حصارا بحريا على الموانئ الجنوبية . كما أن الولايات الجنوبية بدأت تجهز الجيوش بناءا على دعوة رئيسها جيفرسون ديفيز ، وهكذا استعد الطرفان للحرب .
في شهري مايو ويونيو ، أعلن كل من ولايات فرجينيا ، أركنساس ، كارولاينا الشمالية وتنيسي ، الإنفصال عن الاتحاد الفدرالي ، وبهذا أصبح عدد الولايات المنفصلة إحدى عشرة . المناطق الشمالية الغربية من ولاية فرجينيا نظمت نفسها في ولاية واحدة سميت (غرب فرجينيا) ، وقبلت في الاتحاد الفدرالي إلى عام 1863 . الولايات الجنوبية على الحدود مع الشمال والتي لم تنفصل هي : ميسوري ، كنتكي ، ميري لاند ، ودلاوير.
عوامل مساعدة للشمال
كان هناك احتمال كبير بأن سيكون النصر حليفا للشمال ، للعوامل الآتية : أن عدد السكان في الشمال كان حوالي ثلاث أضعاف عدد الكسان في الجنوب (مع الملاحظة أيضا بأن ثلث سكان الجنوب من الرقيق) ، كما أن أعدادا كبيرة من المهاجرين قد دخلت البلاد ليس للعمل فقد بل للإنخراط في صفوف القوات المسلحة الشمالية . المصادر الصناعية في الشمال كانت أكثر تنوعا ، كما أن الثورة قد ازدادت بدلا من أن تنقص نتيجة الحرب ، وبالمقارنة فإن الجنوب لم يكن لديه القدرة على إنتاج اللوازم الحربية ، ولا على تسيير عجلة الإقتصاد . الإنتاج الزراعي في الشمال أيضا كان أكثر تنوعا وبالأخص إنتاج الجنوب ، أما الجنوب فقد عانى من المجاعة في نهاية الحرب ، لن كثيرا من محصول القمح كان يستبدل لشراء اللوازم العسكرية من بريطانيا . ضعف الحكومة الكونفدرالية كان عاملا مساعدا للشمال ، فلنكولن مثلا حاول الإبتعاد عن المناقشات السوفسطائية الدستورية ، واستطاع أن يمتلك السلطات التي ساعدت على تسيير الحرب بحزم ، بينما نجد بأن الحكومة الكونفدرالية قد ضحت بالصالح القومي- للجنوب – في سبيل حقوق الولايات والحريات الفردية ، في وقت كان يستلزم فيه وجود نظام حازم . وأخيرا فإن سيطرة الشمال البحرية ، جعلته أكثر قدرة على الاستمرار في الحصار البحري على الموانئ الحيوية الشمال كان يضم ثلاث وعشرين ولاية يسكنها حوالي عشرين مليون نسمة ، منها المناطق الغربية الوسطى ، تلك التي كانت على درجة كبيرة من الإزدهار الصناعي ، حيث تضم بصورة خاصة مصانع كثيرة تؤمن حاجيات الحرب ، وفيها شبكة واسعة من السكك الحديدة اللازمة لنقل البضائع .
عوامل مساعدة للجنوب
من هذه العوامل ما يأتي : اعتمدت مصانع النسيج في كل من بريطانيا وفرنسا على استيراد القطن من الجنوب ، وقد فكر قادة هذا الإقليم بأن القطن من الأهمية لهاتين الدولتين بحيث يجعلهما يساعدان على فك الحصار عن الموانئ الجنوبية لضمان توريد القطن ، ولقد ساعدت وشجعت كل من الدولتين الحكومة الكونفدرالية أثناء الحرب . حسن تدريب القنوات المسلحة الجنوبية كانوا أكثر خبرة ودراية من قادة الشمال ، واتضح ذلك في دفاعهم عن العاصمة ريتشموند في فرجينيا ، ثم بالخسائر التي أوقعوها في قوات الشمال . الجنوب كان يعتبر مدافعا حيث أنه كان على أرضه . وأخيرا كان هناك فئة من الحزب الديمقراطي في الشمال تعارض قيام الحرب ضد الجنوب ، وقد أضعفت هذه من مجهود الشمال .
أما الجنوب فقد كان يضم إحدى عشرة ولاية يسكنها حوالي عشرة ملايين نسمة منهم ثلاثة ملايين من الزنوج العبيد . نظرا لافتقار الجنوب إلى صناعة قوية ؛ خصوصا مصانع الأسلحة ، فقد كان يعتمد إلى حد كبير على أسلحة مهربةمن أرووبا وبما أن الجنوبيين كانوا يحاربون على أراضيهم ، فإن خطوط مواصلاتهم كانت قصيرة ، وبحكم عملهم كمزارعين ، فقد كانوا أكثر قدرة على تحمل ظروف الحرب القاسية .
الأحداث العسكرية في الحرب
كانت هناك أربع جهات للالتحام العسكري ، كل منها غرض معين اقتضته طبيعة الحرب ، حيث إن قوات الشمال كانت مهاجمة ، بينما اتخذت قوات الجنوب خطةدفاعية . أولا ، في المناطق الشرقية – حيث وجدت أكثر المعارك دموية – كان غرض القوات الاتحادية هو الاستيلاء على ريتشموند عاصمة الحكومةالكونفدرالية . ثانيا ، في الغرب كان غرض الهجوم الاتحادي هو السيطرة على نهر المسيسيبي . وبذلك يستطيعون فصل الولايات الكونفدرالية جغرافيا إلى قسمين . ثالثا ، في الوسط قام الجنرال وليام ت. شيرمان بالتحرك من تنيسي إلى جورجيا ثم إلى البحر حتى يقسم الجنوب ويقضي على موارده العسكرية . رابعا ، على السواحل ، فإن الشمال قد أبقى على حصاره البحري للموانئ الجنوبية حتى يمنع استيراد المواد الغذائية ، بينما قام الجنوب بالإغارة على سفن النقل الشمالية .
الحرب في المنطقة الشرقية
أولى المعارك الحربية وقعت في الجهة الشرقية ، ولقد استمرت الحرب هنا إلى حين انسحاب الجنرال لي (قائد قوات الجنوب) من العاصمة ريتشموند (انتقلت العاصمة من شارلستون إلى ريتشموند عند دخول ولاية فرجينيا الحرب) . لقد ترأس روبرت ي .. لي قوات الجنوب وكذلك الدفاع عن العاصمة طول مدة الحرب . بينما كان لنكولن قد غير قواده عدةمرات قبل ، يجد قائدا (لجيش البوتوماك) (هكذا أطلق على الجيش الاتحادي) . في البداية ترأس الجنرال المسن (ونفيلد سكوت) الجيش الاتحادي ، وكان قد وضع خطة الحرب الإستراتيجية (خطة أنا كوندا) والتي من مضمونها منع الامتدادات من الوصول إلى لاجنوب من أي اتجاه ، وتحت قيادة سكوت ترأس الجنرال إرون مكدويل القوات المهاجمة في موقعة بل رن . لقد أصبح الجنرال مكلالان قائدا للقوات الاتحادية بعد سكوت ، وقائدا للهجوم على ريتشموند . بعد ذلك جاء بوب محل مكللان ، ثم مكلالان مرة أخرى ثم بيرنسايد ، ثم هوكر ، ثم ميد ، وأخيرا الجنرال أولسيس سي جرانت ؛ حيث قاد الشمال إلى الإنتصار .
موقعة بل رن الأولى (Bull Run)
كانت أول معركة هامة في الحرب (يوليو 1861) قد وقعت في ولاية فرجينيا جنوب غرب واشنطن دي . سي ، وقد انهزمت فيها القوات الاتحادية ، ومن نتائج هذه المعركة أنها بينت مدى حاجة الطرفين إلى الإعداد للحرب ، كما علمت الشمال درسا في ضرورة ومنع مجهود أكبر ، في الوقت الذي جعلت فيه الجنوب يشعر بالطمأنينة .
حملة شبه الجزيرة
كانت الخطة في عام 1862 تقضي باحتلال ريتشموند عاصمة الجنوب ، وذلك بأن يقوم الجنرال مكلالان بإنزال قواته من البحر على شبه الجزيرة بين نهري جيمس ويورك ، وأن يسير في اتجاه ريتشموند ، بينما يقوم الجنرال مكدويل من واشنطن متجها نحو ريتشموند أيضا . في مقابل ذلك كانت خطة الجنرال روبرت ي .لي أن يرسل قوة بقيادة تومسا جاكسون إلى واشنطن دي سي ، ولذلك أمر لنكولن القائد مكدويل بالرجوع إلى واشنطن . أما قوات مكلالان فقد ارتدت عن ريتشموند بعد معركة دامت سبعة أيام ، أمرت بعدها بالرجوع إلى واشنطن أيضا وقد لاقى الجنرال بوب نفس المصير بعد محاولته الهجوم على ريتشموند مرة أخرى في نفس السنة في ثاني موقعة في بل رن .
معركة أنتيتم (Antietam)
في سبتمبر عام 1861 قام روبرت ي . لي بعبور نهر البوتوماك في هجوم على ميريلاند بغرض التقدم إلى واشنطن عاصمة الشمال ، وكان لنكولن قد استدعى مكلالان للقيادة حتى يمنح تقدم القوات الكونفدرالية حيث قابلهم عند وادي أنتييتم في ميريلاند . وأحرز مكلالان انتصارا حاسما في موقعة دموية ، ولكن لي تمكن من الهروب ببقية قواته . لقد أعطى هذا الانتصار فرصة دبلوماسية كبيرة للشمال ، لأنه مكن لنكولن بأن يقوم بإعلان تحرير الرقيق ، وبهذا قطع الطريق على إنجلترا في دخول الحرب رسميا إلى جانب الكونفدراليين . فشل مكللان في تتبع قوات لي المهزومة جعل لنكولن ينحيه عن القيادة مرة أخرى .
المسرح الشرقي (1863-1865)
في ديسمبر 1862 ، استطاع الجنرال لي أن يوقف زحف الجنرال أميرزي بيرنسايد إلى العاصمة ريتشموند في موقعة فريد ريكسبرج ، وفي موقعة تشانسلزرفيل حيث قتل فهيا الجنرال توماس جاكسون . استطاع لي أيضا أن يهزم الجنرال هوكر الذي أصبح قائدا عاما للقوات الإتحادية بعد بيرنسايد .
في أوائل يوليو عام 1863 م ، نقل الجنرال لي الحرب إلى أرض الشمال بالهجوم على جيتسبرج بقوة تبلغ ثمانين ألف جندي ، ولكن الجنرال جورج سي . ميد استطاع هزيمة لي ، وأجبره على الانسحاب إلى فرجينيا . تلك كانت قمة الأمل في الحرب بالنسبة للكونفدراليين ، فبعد هذه الموقعة كان انتصار الشمال في الحرب يعتبر فقط مسألة وقت ، والآن فإن بريطانيا وفرنسا قد منعا إمداد الكونفدراليين بالسفن الحربية .
في عام 1864 استطاع لي أن يهزم الجنرال جرانت – الذي أصبح الآن قائدا عاما لقوات الاتحاد – بهجومه على ريتشموند ، وقد خسر جرانت حوالي خمسة وخمسين ألف جنيد في هذه السنة فيما أطلق عليه (حملة الغابات) . جرانت لم يستطع الاستيلاء على ريتشموند ، ولكنه أبقى الحصار عليها .
في أوائل إبريل عام 1865 ، حاول لي أن يفك الحصار عن ريتشموند ، لأن الإمدادات إليه كانت قد نقصت بشكل كبير ، وكان يخشى أن يجبر على الاستسلام . وعندما فشلت محاولته في الخروج ، استسلم إلى الجنرال جرانت في الإجتماع المشهور في دار محكمة أبو ماتوكس في إبريل عام 1865 ، وهذا أنهى الحرب الأهلية تقريبا .
الحرب في المنطقة الغربية
نجاح جرانت في المنطقة الشرقية أدى إلى ترقيته ، وإلى جعله قائد الحملة للسيطرة على المسيسيبي . لقد أراد الشمال أن يحتل وادي المسيسيبي حتى يقطع إمدادات القوات الكونفدرالية من الغرب .
استطاع جرانت في فبراير عام 1862 أن يحتل قلعة هنري على نهر تنيسي وقلعة دونلسون على نهر كمبرلاند ، حيث فتحت هذه الإنتصارات الطريق لغزو الجنوب . تقدم جرانت إلى ولاية تنيسي ليأخذ مركز السكة الحديد في كورنث (إبريل 1862) ، وفي تقدمه هذا اشتبك مع قوات الجنرال ألبرت سيدني في موقعة شيسلوه حيث قتل فيها سيدني . وهكذا أخلى الكونفدراليون كورنث ، وتولى الجنرال هنري هولك قيادة الجيش الكونفدرالي في الغرب . وفي عام 1862 قام الأدميرال ديفيد فرانقوت باحتلال نيو أولينز ، ومن بعدها صعد في المسيسيبي واحتل ناتشيز ، وقد بقيت فكسبرج – التي تشرف على النهر في حوزة الكونفدراليين رغم الحصار الشديد عليها .
في يوليو عام 1863 ، استطاع جرانت أن يحتل فكسبرج ، وهكذا استطاعت سفن القوات الفدرالية أن تسيطر على وادي المسيسيبي ، وبالتالي قطعت المنطقة الكونفدرالية إلى قسمين ؛ وفي سبتمبر احتل جرانت مركز السكك الحديدية في تشاتا نوجا بعد انتصاراته في تشيكاموجا وجبل لك أوت . ومنذ ذلك الوقت أصبح الجنرال وليام في شيرمان قائدا للجيش الفدرالي في المنطقة الغربية ، وبدأ زحفه نحو البحر .
حملة شيرمان
كانت خطة شيرمان هي أن يقسم الجنوب أيضا إلى قسمين آخرين بالاتجاه نحو الجنوب الشرقي إلى سفانا (ولاية جورجيا) على ساحل الأطلسي . وفي سبتمبر عام 1864 ، بقوة مقدارها مائة ألف جندي ، احتل شيرمان أتلانتا عاصمة جورجيا ؛ وأثناء زحفه إلى سفانا ، كان شيرمان يقضي على كل شيء ، لأنه أراد أن يقضي على مصادر الحرب الإنتاجية لينهي الحرب بسرعة ، ومن سفانا اتجه شيرمان على الساحل إلى الشمال إلى ولاية ساوث كارولاينا ونورث كارولاينا ؛ حيث حطم كل مدنها ومواردها ، في نهاية إبريل ؛ استطاع شيرمان إجبار قوات ألبرت سيدني جونستون على التسليم في نورث كارولاينا.
الحرب البحرية
سيطرة القوات الفدرالية على السواحل ، أعطتها فرصا كبيرة منذ البداية ، وهكذا طبقت الحصار البحري على الموانئ الجنوبية في الحال ، حيث كان غرضها منع تصدير القطن (الذي اعتمد عليه الجنوب في الحصول على العملات الأجنبية) ومنع استيراد العتاد الحربي . في البداية امتنع الجنوب ، عن تصدير القطن علىأمل أن تقوم بريطانيا وفرنسا بفك الحصار الفدرالي عن الموانئ الجنوبية ، وقد كان الحصار في البداية غير فعال نظرا لعدم وجود سفن كافية لتطبيق الحصار ، ولكن فيما بعد بازدياد سفن المراقبة أصبح الحصار أكثر فعالية . وقد نجحت بعض السفن الجنوبية في إرغام طريقها لإحضار الحاجيات من جزر البهاما ومن جزر الهند الغربية .
لقد حاول الجنوب فك الحصار بتصفيح سفنهم حتى تتحمل ضربات المدافع ، وقد علمت مخابرات الشمال بتحصين السفينة الكونفدرالية ميريماك ، ولذلك قامت بتحصين السفينة مونتر .وقد التقت السفينتان في معركة دارت عدة ساعات في موقعة هامبتون رودز ، ولم تكن هذه المعركة حازمة ، ولكن الميريماك انسحبت ولم تجرؤ على مهاجمة السفن الخشبية التي تراقب السواحل . هذا النوع من السفن كان من أول السفن الحديدية التي تستعمل في القوات البحرية . لقد كان للحصار البحري . أثره الفعال ليس فقط في منع الإمدادات العسكرية ، بل والحاجيات الحديثة ، وقد ساعدت الشمال كثيرا على الانتصار في الحرب . وبوساطة طرادات بحرية مستوردة من بريطانيا استطاعت القوات الكونفدرالية تحطيم حوالي 250 سفينة تجارية لقوات الاتحاد . وقد اعتبرت الحكومة الاتحادية أن مساعدة بريطانيا للجنوب مخالفة لقواعد الحياد الدولية ، ولذلك رفعت مطلبا إلى الحكومة البريطانية يدعى (مطلب ألباما) (Albama Claims) حيث طلبت فيه التعويض عن الخسارة الناتجة من هذه الطرادات البحرية .
تسليم الجنرال روبرت ي . لي قائد الجيش الكونفدرالي في 9 إبريل عام 1865 في أبو ماتوكس إلى الجنرال أو ليسيس جرانت قائد الجيش الاتحادي ، كان قد أنهى الحرب الأهلية الأمريكية التي أوقعت بالجانبين خسائر فادحة خصوصا في الأرواح .
العلاقات الدولية أثناء الحرب
كان الجنوب يأمل في أن تدخل بريطانيا لاحرب إلى جانبه ، أما الشمال فأقصى ما كان يطمع فيه هو حياد بريطانيا .
تعاطف بريطانيا مع الجنوب
كان الرأي العام البريطاني منقسما على نفسه بخصوص الحرب الأهلية الأمريكية . هناك عدة عوامل تدعم فكرة التدخل في الحرب إلى جانب الجنوب ، منها أن التدخل سيعطي فرصة لبريطانيا على المدى الطويل في أن تعمل على انقسام الولايات المتحدة إلى دولتين ، وبهذا تضعف بريطانيا منافسا قويا في المجال الدولي ، كما أن بريطانيا والجنوب كانا يؤيدان التجارة الحرة التي تجعل من السهل علىى بريطانيا أن تستبدل المصنوعات بالقطن من الجنوب ، خصوصا أن الحكومة الاتحادية كانت قد رفعت التعريفة الجمركية على الواردات في قانون مورل الذي فرض بعد بداية الحرب مباشرة . إن نمو الديمقراطية الأمريكية كان مشجعا للطبقات الدنيا البريطانية على أن تطالب بحقوق سياسية اكثر (توسيع دائرة الانتخابات) . وبالفعل فإن هذا قد حصل في بريطانيا بعد انتهاء الحرب الأمريكية . إن الأرستقراطية البريطانية كانت تميل إلى الجنوب نظرا لسيطرة حكم الأرستقراطيين الزراعيين هناك أيضا ، كما أن مصانع النسيج البريطانية كانت في حاجة إلى القطن المستورد من الجنوب ، ولكن كثرة المخزون منه في بريطانيا قد أضعف من هذا الأثر .
تعاطف بريطانيا من الشمال
هناك عوامل أخرى دفعت قسما آخر من الرأي العام البريطاني في أن يدعم الشمال . لقد كانت الحركة لمناهضة الرق من أقوى العوامل التي جعلت قسما من الرأي العام البريطاني يؤمن بعدالة قضية الشمال . فبعد إعلان (تحرير الرقيق) في سبتمبر عام 1862 ، كان لا يمكن لبريطانيا أن تقف ضد الشمال ، فالأحرار البريطانيون كانوا يميلون إلى الديمقراطية الشمالية ، كما أن طبقات العمال البريطانية – رغم وجود البطالة بينها في مصانع النسيج – أيدت الشمال ؛ وأن سياسة الحياد تمكن بريطانيا من أن تقوم بتجارة مربحة مع الولايات المتحدة ، ولكن الحرب ستؤثر سلبيا على التجارة البريطانية تأثيرا شديدا ، كما أن إنتاج القمح القصير في بريطانيا حتم عليها استيراد القمح الطويل من الولايات المتحدة التي بدأت زراعته أثناء الحرب . وأخيرا ، فإن مساعدة بريطانيا للثائرين في الجنوب قد يعطي الشمال عذرا لمساعدة إيرلندا التي بدأت تظهر فيها مطالب تدعو إلى الحكم المحلي والانفصال عن بريطانيا .
حتى عام 1863 ، كانت بريطانيا مترددة في اتخاذ موقف معين تجاه الحرب الأهلية الأمريكية ، كل ما فعلته هو أنها اعترفت للجنوبيين بحقوق المحاربين . بعد انتصارت الشمال في شهر يوليو عام 1863 ، ابتعدت الحكومة البريطانية عن كل تفكير في الاعتراف باستقلال الجنوب .
حادث ترنت (Trent Affair)
في أواخر عام 1861 كان هذا الحادث سيؤدي إلى أزمة حادة بين الولايات المتحدة وبريطانيا . فقد قامت سفينة حربية أمريكية بقيادة الكابتن تشارلس ولكز بإيقاف سفينة بريطانية اسمها (ترنت) ، واعتقلت بالقوة اثنين من الديبلوماسيين الكونفدراليين هما : ميسون وسلايدل ، المسافرين على الباخرة . ولقد زاد حماس الشمال إثر هذا الحادث لأنهم ردوا الصاع إلى بريطانيا كما كانت تفعل هذه لأمريكا أثناء حرب 1812) . ولكن الحكومة البريطانية بعثت إنذاار إلى الولايات المتحدة بضرورة إطلاق سراح ميسون وسلايدل ، وطلبت أيضا اعتذارا من الحكومة الأمريكية ؛ لأن هذا العمل في نظر الحكومة البريطانية يعتبر مخالفا للقانون الدولي . ولقد أدرك الرئيس لنكولن وكذلك وزير الخارجية سوارد بخطأ هذا العمل ، فأطلقوا سراح المعتقلين ، وقدموا اعتذاار من الحكومة الأمريكية .
أما بخصوص الحصار البحري ؛ فإن برطيانيا اعترفت بموقف الحكومة الأمريكية ، وهو أن للسفن الأمريكية حق مصادرة أي سفينة كان هدفها الوصول إلى الجنوب ، ولو بطريق غير مباشرة .
العلاقات مع فرنسا
حيث ان فرنسا كانت تستهلك كميات كبيرة من القطن الأمريكي ، فقد كانت تعطف على قضية الجنوب رغم عدائها الشديد لنظام الرق . أما نابليون الثالث إمبراطور فرنسا فقد كان أكثر رغبة من ريطانيا في أن ينتصر الجنوب في الحرب الأهلية ، وقد بنى الفرنسيون طرادات كثيرة للحكومة الكونفدرالية ، ومد أيضا قرضا ماليا كبيرا . زيادة على ذلك ، فإن نابليون الثالث – مستغلا وجود الحرب في أمريكا – كان قد بعث بحملة فرنسية إلى لامكسيك عام 1862 لتدعيم حكم مكسميليان الذي كان يميل إلى فرنسا ، وبالفعل استطاع نابليون أن يثبت ماكسميليان في الحكم مدة خمس سنوات ، وقد اقم وزير خارجية الولايات المتحدة بالاحتجاج لدى فرنسا على وجود قوات فرنسية في المكسيك ، ولكن سوارد لم يستطع أن يدعم احتجاجه بالقوة بسبب الحرب الأهلية في أمريكا .
العلاقات مع روسيا
كانت روسيا ودول أوروبا الشمالية تؤيد الشمال ، والسبب في ذلك انها كانت العدو اللدود لبريطانيا في كثير من الأحيان ، وكانت روسيا تعتبر الولايات المتحدة كصديق . هذا بالإضافة إلى أن روسيا كانت قد ألغت نظام الرق فيها عام 1861 ، حيث كان هؤلاء على مستوى الرقيق الأمريكيين ، وفي عام 1863 قامت روسيا بإرسال أسطولها إلى مدن نيويورك وسان فرنسيسكو ، حيث اعتبر هذا كصلة صداقة مع الولايات المتحدة ، وكإنذار لكل من بريطانيا وفرنسا بعدم التدخل في الحرب إلى جانب الجنوب ، وكان رد الجميل لروسيا – في نظر الأمريكيين – أن اشترت أ/ريكا منطقة ألاسكا عام 1867 .
على العموم لا بد من الإشارة إلى أن تطور الأوضاع في أوروبا أثناء الحرب الأهلية الأمريكية ، كان قد طرح على الحكومات الأوروبية سلسلة من المشاكل الهامة ، جعلها تحول اهتمامها نحو مشاكل القارة بصورة خاصة . وأهم هذه المشاكل تطورات قضية الوحدة الإيطالية ، والعلاقات الفرنسية الألمانية (الوحدة الألمانية) ، ثم قيام الثورة في بولونيا (1863-1864) . ومن المعروف أن نابليون الثالث حاول بتشجيع أوروبا على التدخل الجماعي في العالم الجديد ؛ غير أن اقتراحه لقى معارضة شديدة من إنجلترا وروسيا .
نظام الحكم في الشمال
إن حتمية النصر في الحرب ، وتحقيق الوعود التي أعطيت في برنامج الحزب الجمهوري لعام 1861 ، هي التي حددت نوع الحكم والتشريع في الشمال .
وزارة لنكولن
اختيار لنكولن لوزارته كان مبنيا على ضرورة تمثيل كل الأطراف السياسية التي كان لها الأثر في تكوين الحزب الجمهوري (كما رأينا في السابق كان هذا لحزب حديث التكوين ، تكون فقط عام 1854) . وهكذا فقد عين وليام سوارد وزيرا للخارجية ، متوقعا بأن يكون بمثابة رئيس وزراء – إذا قورن بلنكولن – الذي اعتبره سوارد رئيسا اسميا للدولة ، كما أن بعض الوزراء كانوا ينظرون نظرة عدم احترام تجاه لنكولن ، ولكن هذااستطاع السيطرة على معاونيه بالصبر ، وباللباقة غير العادية ، والمزاح ، وتفهمه لمطامع وخطط وزرائه .
مالية الحرب في الشمال
لقد مول الشمال الحرب بالوسائل الآتية : أولا ، زيادة الرسوم على المنتجات ، ورفع نسبة التعريفة الجمركية ، حيث قام الكونجرس بفرض تعريفة مورل عام 1861 ، وطبق نظام الحماية الجمركية ؛ بحيث زيدت الضريبة إلى أن وصلت 40% قبل أن تنتهي الحرب . ثانيا ، فرض ضريبة بسيطة على الدخل . ثالثا ، صك عملة ورقية دون رصيد ذهبي . رابعا ، بيع سندات طويلة وقصيرة المدى إلى الجمهور ، وقد كان جي كوك من العباقرة الماليين الذين شجعوا هذه الفكرة في جميع أنحاء الولايات الشمالية ، خامسا ، سن الكونجرس ما عرف باسم قانون البنوك الوطني (National Banking Act) عام 1863 ؛ حيث فرض هذا القانون على البنوك ، التي أنشئت بعد فرض القانون ، ضرورة استغلال ثلث رأس مالها في شراء السندات الفدرالية ، وقد سمح لهذه البنوك التي أنشئت بعد فرض القانون ، ضرورة استغلال ثلث رأس مالها في شراء السندات الفدرالية ، وقد سمح لهذه البنوك بأن تطبع عملة ورقية تعادل 90% من قيمة النسدات المشتراه من الحكومة الفدرالية كضمانة لها . ولقد كان لهذا القانون أثره لأنه وحد العملة الورقية ، وخلق نظاما ماليا يغطي حاجيات الشمال . إن العملات التي طبعتها البنوك الخاصة – غير الخاضعة لهذا القانون ، أي التي أنشئت قبل إقراره – قد قضي عليها عام 1866 عن طريق ضريبة مقدارها 10% عليها .
تحرير الرقيق
رغم إيمان لنكولن الشخصي بمعارضة نظام الرق ، إلا انه لم يجعل من تحرير الرقيق غرضا للحرب إلا في سبتمبر عام 1862 ، وقد طبق ذلك فقط على المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الكونفدرالية . وفي أي وقت تقع فيه ولاية تطبق نظام الرق تحت الاحتلال الفدرالي ، كان لنكولن يترك أ/ر التصرف في الرقيق إلى لاقواد العسكريين فيها ، وقد اتبع هؤلاء سياسة مختلفة .
إن توقيت إعلان تحرير الرقيق كان مقصورا من قبل لنكولن – إنه يريد أن يثبت بأن الإعلان لم يكن نتيجة بأس في الإنتصار ، بل على العكس بأنه جاء بعد انتصار حاسم لصالح المشال – في معركة أنتييتم . هذا الإعلان لم يحرر الرقيق حالا ، بل إنه حرض الرقيق الموجودين في الولايات الكونفدرالية أن يصبحوا أحرارا في أول يناير عام 1863 ، إن غرض لنكولن الأساسي إنما كان الحفاظ على الاتحاد ، وكان تحرير الرقيق قد قضى على خطة بريطانيا في الاعتراف بالحكومة الكونفدرالية .
في 18 ديسمبر عام 1865 ، أقر الكونجرس الأمريكي التعديل الثالث عشر على الدستور الذي قضى بتحرير الرقيق في جميع أراضي الولايات المتحدة الأمريكية .
الإجراءات الأخرى في إدارة لنكولن =
من بعض هذه الإجراءات ما يلي : (قانون المنازل) (Homestead Act) عام 1862 ، شجع على توطين المناطق الغربية ، وهكذا فقد استمر الزحف الغربي دون أن يؤثر على مجرى الحرب .. (قانون مورل للأراضي) عام 1862 ، أعطى أرضا للولايات من أجل بناء وتمويل كليات زراعية وميكانيكية ، كما توسع الشمال في بناء السكة الحديد عبر شمال القارة الأمريكية الأوسط .
كان لنكولن قد أصدر قانون التجنيد الإجباري عام 1863 الذي طلب من كل ولاية أن تقدم عددا من الرجال للإنخراط في الجيش ، وقد أدى هذا إلى مظاهرات ضد هذا القانون في مدينة نيويورك ذهب ضحيتها المئات . لقد سمح للأفراد تجنب التجنيد إذا ما وجدوا بديلا لهم ، أو إذا دفعوا مبلغ ثلاثمائة دولار . ولقد استخدم لنكولن سلطات غير دستورية ، مناهضا للكونجرس ، ومعتقلا بعض المخربين السياسيين . ومع هذا فقد عارض الكثير فكرةالحرب ضد الجنوب .
نظام الحكم في الجنوب
مقارنة بالرجاء الذي كان يعم الشمال وقت الحرب ، نجد أن الأوضاع الإقتصادية في الجنوب كانت تسوء بسرعة مع استمرار الحرب . ولقد أجبرت الحكومة الكونفدرالية على أن تمول الحرب بصورة كبيرة عن طريق العملة الورقية ، وبازدياد المطبوع من هذه العملة مع ضعف الأمل في الإنتصار ، فقد زادت ندرة الحاجيات ، وارتفعت في نفس الوقت أسعارها . وكانت الحكومة الكونفدرالية قد فرضت أيضا رسوما على الإنتاج وضريبة على الدخل .
لم تكن الحكومة الكونفدرالية فعالة كما هو متوقع ، حيث أن الرئيس جفرسون ديفيز كان كثير التنازع مع معاونيه ، وكان يتدخل باستمرار في طريقة تسيير الحرب مما أزعج قواده العسكريين . أما نائب الرئيس الكسندر ستيفنز فقد كان عنيدا في دفاعه عن حق الولايات في وقت كان يتحتم فيه التركيز على أمر واحد وهو الحرب .
في الفترة الأخيرة من الحرب زاد التهرب من الجندية ، وبما أنه كان من الممكن شرعيا أن يقوم الرجل يدفع بدليل مالي عن التجنيد ، فقد زادت صيحة الفقراء بالقول : (إنها حرب الرجل الغني يقوم فهيا الفقير بعمل القتال) . وهكذا بتفكك خطوط المواصلات في الجنوب ، نتيجة لهجوم الجيوش الاتحادية ، انهار الإقتصاد في الجنوب ، وعمت المجاعة في أنحاء كثيرة .
انتخابات عام 1864
قام لنكولن بترشيح نفسه تحت شعار (حزب الاتحاد الوطني) (National Union Party) مع رجل من الحزب الديمقراطي الذي يؤيد الحرب ضد الجنوب وهو أندرو جونسون (ولاية تنيسي) كتائب للرئيس . أما الديمقراطيون فقد رشحوا الجنرال جورج بي . مكللان الذي كان لنكولن قد أعفاه من القيادة ، وقد كان برنامج الحزب يؤيد العمل على المفاوضة من أجل السلام مع الجنوب ، إلا أن مكللان نفسه كان يؤمن بضرورة الحفاظ على الاتحاد . كان الشمال قد تعب من الحرب ، وكان يبدو بأن لنكولن سيهزم في أغسطس عام 1864 ، لولا سلسلة من الإنتصارات العسكرية التي أعادت الثقة في قيادته ، وهكذا ربح لنكولن الرئاسة : 212 صوتا ضد 21 لمكللان .
تعقيب
تسليم الجنرال روبرت ي . لي قائد الجيش الكونفدرالي في 9 إبريل عام 1865 في دار محكمة أبوماتوكس ، في رتشموند (عاصمة ولاية فرجينيا) ، إلى الجنرال أوليسيس جرانت قائد الجيش الاتحادي كان قد أنهى الحرب الأهلية بصورة رسمية . تلك الحرب كانتقد أوقعت خسائر فادحة بالجانبين ؛ خصوصا في الأرواح . لقد خسر الشمال حوالي 360 ألف جندي من أصل مليوني جندي شاركوا في أعمال القتال ، أما الجنوب فقد بلغت خسائره حوالي 250 ألف جندي من أصل 750 ألف جندي . لقد تعرض الجنوب لخسائر مادية فادحة ؛ لنه كان مسرحا للأحداث العسكرية ، يضاف إلى ذلك ما يقرب من بيلوني دولار وذلك ثمن العبيد الذين حرروا بعد وفي أثناء الحرب . على الصعيد الإقتصادي كانت الخسائر غير محدودة : فالقطن الذي كان يسمى في السابق (الذهب الأبيض) كانت قد تدهورت أسعاره لعدم إمكانية تصديره أثناء الحرب ، أما بعد الحرب فلم تعد أسواقه متوفرة ، لأن إنجلترا كانت قد أوجدت لنفهسا مصادر أخرى – في مصر والهند . ولايتي كارولاينا (الشمالية والجنوبية) خسرنا حقول الأرز التي اجتاحتها المياه المالحة بسبب الإهمال أثناء الحرب ، وانهارت صناعة السكر في ولاية لويزيانا ولم تعد إلى سابق ازدهارها .
الرئيس لنكولن ، الذي أعيد انتخابه لفترة ثانية في عام 1864 ، كان يدرك مشاكل الجنوب الإقتصادية أثر الحرب الأهلية . ولذلك فإنه أراد أن يسهل أمام الولايات الجنوبية العودة إلى الاتحاد على قدم المساواة مع الولايات الشمالية ، وأن يساعد الجنوب على حل مشاكله الإقتصادية والسياسية . إلا أن الحظ لم يساعد لنكولن للمساهمة في إعادة بناء الاتحاد الفدرالي وبناء الجنوب ؛ فقد اغتيل في ليلة 15 إبريل عام 1865 – بعد خمسة أيام من انتهاء الحرب الأهلية . لقد حاول أندرو جونسون – نائبه وخلفه – الجنوبي المولد ، أن يكمل مهمة سلفه ، وأن على إعادة الوحدة إلى البلاد .
تسلسل تاريخي للأحداث الهامة
1861 : تنظيم الاتحاد الفدرالي من الولايات الجنوبية المنفصلة – أبريل بداية الحرب الأهلية حيث قامت قوات المليشيا بالإطلاق على القلعة الفدرالية في فورت سمتر – مسألة ترنت هددت بالحرب بين الولايات المتحدة وبريطانيا – نابليون الثالث أرسل حملة فرنسية إلى المكسيك (مكسميليان) – تحرير العبيد في روسيا. 1862 : معركة (أنتييتم) كانت فاصلة بالنسبة للاتحاد – إعلان تحرير العبيد . 1863 : معركة فيكسبرج فاصلة بالنسبة للاتحاد – احتلال فكسبرج جعل قوات الاتحاد تسيطر على وادي المسيسيبي . 1864 : إعادة انتخاب لنكولن تحت ما سمي حزب الاتحاد الوطني – تقديم مشروع ويد – ديفز ، وذلك باتباع سياسة صارمة لإعادة البناء وقد نقصها لنكولن . 1865 : تسليم القوات الكونفدرالية بواسطة الجنرال لي – اغتيال لنكولن – انتهاء الحرب الأهلية – اقتراح الملحق الثالث عشر الذي ألغى الرق .
مراجع الفصل السابع عشر
1. J.G. Randall and David Donald. The Civil War and Reconstruction (1961)
2. Allan Nevin. The ordeal of the Union (1947-1971)
3. J.G. Randall. Lincholn, the president (1945-1955)
4. Clement Eaton. History of the southern confederacy (1954)
الباب الخامس: عقاب أم مسامحة؟ 1865-1877
الحرب الأهلية الأمريكية قوت الاتحاد الذي قامت من أجل الحفاظ عليه . وكان تسليم الجنرال روبرتي . لي إلى الجنرال أوليسيس جرانت في أبوماتوكس قد جلب السلام إلى البلاد . ولكن هذا السلام جلب معه مشاكل جديدة !! فكيف إيجاد عمل لملايين من الرجال الذين تركوا الاتحاد أو الجيوش الكونفدرالية ؟؟ كيف يمكن تحويل المصانع التي كانت تصنع المدافع والبنادق والذخيرة لتصنع الحصادات أو آلات الخياط ؟؟ كيف يمكن بناء الجنوب ؟؟
عندما سلم الجنوب دون قيد أو شرط ، كانوا قد وضعنوا أنفسهم تحت رحمة الشمال . وهذا وضع بين أيدي الشمال مشكلة رئيسية جديدة – ماذا يعملون وكيف يتعاملون مع الجنوب المفتوح – والآن بما أن العبيد قد أصبحوا أحرارا ، كيف ستكون العلاقة بين الأجناس داخل الاتحاد ؟؟
في أعقاب الحرب ، كانت الأمة الأمريكية بمثابة أمة تتحسس نفسها ، أمة تريد أن تضمد جراحها لتشق طريقها . صحيح أن الحرب كانت قد حسمت العلاقة بين الولايات الاتحاد والجمهوريات الكونفدرالية – التي ثارت عليه – لصالح الأولى ، ولكن هل سيكون بإمكان الأولى أن ترسم الطريق للمستقبل بالشكل الذي تراه ، وهل سيرضخ الجنوب لهذه السياسة ؟؟ وبعبارة أخرى هل سيذعن الجنوب – الذي خسر الحرب – للسياسة التي سيفرضها الشمال ؟؟ إن الإثنى عشر سنة التالية لنهاية الحرب ستثبت أن الانتصار الذي حققه الشمال لم يستطع أن يغير النهج أو العقلية في الجنوب المنهزم ، ستثبت هذه الفترة أن القوة لم نستطع أن تغير العقول ، ستثبت أن الشمال قد فشل في فرض النهج الذي يريده على الأمة ككل . وهذا ما سنوضحه في الفصول التالية.
الفصل الثامن عشر: مقدمات إعادة البناء 1865-1866
ينطبق اصطلاح (عهد إعادة التعمير) على السنوات التي تلت تسليم القوات الكونفدرالية في أبريل عام 1867 إلى نهاية انسحاب القوات الفدرالية من الجنوب في أوائل عام 1877 . خلال هذه المدة حاول الشمال أن يعيد تشكيل الحكومة والمجتمع في الجنوب بشكل يتناسب مع نظرية ، أو بعبار أصح ، نظرة المسيطرين على الحكم فيه .
مشكلة إعادة التعمير
إن تعبير (إعادة التعمير) (Reconstruction) ينطبق على محاولات الشماليين لإعادة الولايات الجنوبية إلى الإتحاد الفدرالي تحت شروط يضعها الكونجرس والرئيس الأمريكي . وبمعنى أصح ، فإن تعبير (إعادة التعمير) ينطبق على كل العملية لمحاولة إعادة بناء وتغيير الجنوب بشكل يناسب الشمال . ويجب الملاحظة هنا بسرعة بأن هذه الفترة قد انتهت دون تحقيق الغايات العليا المرجوة منها ، سواء في المجال السياسي أو الإجتماعي .
الخراب المادي والإقتصادي في الجنوب بعد الحرب : تعرض الجنوب نتيجة لكونه مسرحا للعمليات العسكرية لخراب شديد ؛ خصوصا في ولايات ساوث كارولاينا ، جورجيا ، وفرجينيا ، وذلك بسبب السياسة التعسفية التي اقم بها شيرمان في جورجيا ، وشيريدان في فرجينيا .
كانت المدن قد ضربت بالقنابل ، كما أن المزارع قد حطمت في خلال هجوم القوات الفدرالية وفقا لخطتها في محاولة القضاء على مصادر تمويل الحرب ، وصحب ذلك تحطيم السكك الحديدية والكباري ، وبقاؤها مهملة طيلة مدة الحرب ؛ مما أدى إلى شلل كامل في المواصلات ، كما أن الموانئ وسفن النقل والطرق قد حطمت أو أهملت .
أما الممتلكات الشخصية فقد صودر الكثير منها خلال فترة الحرب ، كما أن ممتلكات الحكومة الكونفدرالية بما فيها مخازن القطن ، بطبيعة الحال ، أصبحت ملكا للمنتصر . في خلال هذه الفترة ظهرت حوادث تبين كثيرة التلاعب بواسطة أفراد غير مخلصين سواء أكانوا من الرسميين من حكومة الشمال أم لصوص انتحلوا شخصيات هؤلاء الرسميين ، حيث قاموا بالإستيلاء على كثير من الملكيات والمزارع تحت سمع ونظر الجنوبيين .
لقد حلت النكبة الإقتصادية بعدد كبير من الأفراد في الجنوب . فكل البنوك أغلقت ، وفقد الناس إيداعاتهم الخاصة ، كما أن حاملو السندات الكونفدرالية فقدوا استثماراتهم ، تحرير الرقيق أدى إلى خسارة مالكيهم . لقد فقدت الأرض قيمتها بسبب فقدان الرقيق وبعض وسائل التدمير الإقتصادية الأخرى ، كما أن كثيرا من المزارع الكبرى قد أغلق عليها بسبب الضرائب .
وهكذا فقد واجهت البلاد ككل مشكلة إعادة البناء المادي ، وإيجاد نظام اقتصادي جديد يمكن في ظلة تشغيل الرقيق المحررين . كان الجنوب هو الإقليم الوحيد الذي تعرض للخراب نتيجة الحرب .
انتفاضات وخراب اجتماعي
لقد خسر الجنوب – كما قلنا سابقا – حوالي 250.000 جندي في الحرب ، هذا عدا المشوهين والخسارة في المدنيين ، كما أن قرار تحرير الرقيق قد أدى إلى انسلاخ مئات الآلاف منهم ، والتردي في جهات متعددة دون وجود الغذاء الضروري . كل ذلك قد خلق مشكلة اجتماعية للبلاد بوجه عام .
خطة لنكولن للتعمير
لقد واجه الشمال إعادة بناء وتنظيم حكومات مخلصة في الجنوب . ومن البداية كان لنكولن هو الموجه ؛ حيث عين حكاما عسكريين مؤقتين في المناطق المحتلة .
في نهاية عام 1863 ، قام لنكولن بوضع خطة بسيطة ، ولكنها عبقرية لإرجاع الولايات المحتلة بسرعة إلى حظيرة الاتحاد الفدرالي . لقد تضمنت هذه الخطة المراحل الآتية : العفو الكامل عن جميع السكان في الجنوب . ما عدا كبار القادة العسكريين والمدنيين الذين يعفي عنهم فقط بعد حلف اليمين على موالاتهم للولايات المتحدة ؛ إذا قام 10% من أولئك الذين اشتركوا في انتخابات 1860 بحلف يمين الولاء للولايات المتحدة والموافقة على التعديل الثالث عشر في الدستور الخاص بتحرير الرقيق فإنه يسمح لهم بتكوين حكومة للولاية وسيعترف بها الرئيس . بعض القادة في الكونجرس اعتقدوا بأن هذه الخطة لينة جدا ، ولذلك كانوا يستهزؤون منها ويسمونها (خطة ال 10%) . وتحت هذه الخطة تكونت حكومات في كل من ولايات تنيسي ، لويزيانا ، أركنساس ، وفرجينيا ، واعترف بها الرئيس.
معارضة سياسة التعمير المعتدلة
منذ بداية إدارة لنكولن ، كان هناك خلاف بين أتباع الحزب الجمهوري بخصوص الساسة المتبعة تجاه الجنوب . فئة من هؤلاء ، ويطلق عليهم المعتدلون – ومنهم لنكولن كانوا يرون ضرورة اتباع سياسة لينة متفهمة لمشاعر السكان في الجنوب ، نظرا لما تعرضوا له من خراب أثناء الحرب ، وترى هذه الفئة بأن الغرض الأعلى هو إعادة الاتحاد الفدرالي وليس الثأر والعمل العفوي الذي ربما أن يجد شيئا .
أما الفئة الأخرى ، ويطلق عليهم (المتطرفون) ، فقد أرادوا اتباع سياسة أكثر حزما ، وذلك بالقيام بتعديلات حذرية في المجتمع الجنوبي ، وترى هذه الفئة بان اللوم والمسئولية يقعان على الجنوب ولذلك فإن عليهم تحمل النتائج . ولن يجد – في نظر المتطرفين – إرجاع نظم أثبتت أنه لم يمكن التعامل معها . وكل ذلك في نظر هذه الفئة إنما يقتضي إيجاد تغييرات أساسية في النظام السياسي والإجتماعي في الجنوب .
وهكذا يمكن توضيح الفروق بين خطة المتطرفين وبين الرئيس فيما يلي : أولا ، لقد خشيت فئة المتطرفين (Radicals) على مستقبل الحزب الجمهوري ، لماذا ؟ في رأيهم أن رجوع الولايات إلى الاتحاد الفدرالي ربما يؤدي إلى إعادة وحدة الحزب الديمقراطي بانضمام ديمقراطي الجنوب إلى ديمقراطي الشمال ، وهذا يشكل خطرا على لاحزب الجمهوري – الذي يتبر حزبا جديدا في البلاد إذا قورن بالحزب الديمقراطي – ولهذا فإن الحزب الجمهوري ربما يفقد الأغلبية والثقة التي تمتع بها وجاهد من أجلها في العقد السابق . ثانيا ، معارضة فئة المتطرفين لسلطات لنكولن ، فكثيرا منهم كان يعتقد بأن الرئيس قد تجاوز سلطاته الدستورية أثناء الحرب وبعد انتهائها من خلال إشرافه على إعادة تعمير الولايات الجنوبية ، وهم يرون بأن خطة التعمير يجب أن تكون ضمن سلطات الكونجرس وليس الرئيس . ثالثا ، كان هناك خلاف بين الرئيس وبين المتطرفين بخصوص المكانة القانونية للولايات الجنوبية . لنكولن كان يؤمن بأن الولايات الجنوبية كانت دائما متواجدة ، كما أنها لم تترك الاتحاد الفدرالي ، طالما أنها لايمكن أن تنفصل – حسب تفسير لنكولن للدستور – ولهذا فحسب نظرية لنكولن أن سلطات الكونجرس في حكم وإعادة تنظيم الجنوب يجب أن تكون محددة وليست مفتوحة . رابعا ، كانت هناك رغبة شديدة لدى كثير من الشماليين للمعاقبة والثأر من الجنوب نظرا لمسئوليته في الخراب والدمار الذي حل بالبلاد . خامسا ، يجب التركيز علىناحية خاصة وهامة وهي أن وراء كل الإجراءات السياسية للتعمير في الجنوب كانت هناك رغبة أصحابا لعمل في الحفاظ على تقوية الحزب الجمهوري باعتباره متكلما وممثلا لطبقة أصحاب الأعمال . وهكذا كان يريد هؤلاء ترك الجنوب في حالته السياسية – المتردية – كما هو حتى يستطيع الحزب الجمهوري أن يسيطر على الوضع – والمغانم – تماما ، ثم تنفذ خطته فميا بعد – وهي السيطرة الإقتصادية على الجنوب – عن طريق محاولة السيطرة على أصوات الرقيق في الجنوب . وسادسا ، رغبة الكثير من المصلحين في الشمال في تشجيع إيجاد تغيير اجتماعي في الجنوب حتى يمكن إضعاف وإذعان طبقة الأرستقراطيين الزراعيين ، وهكذا فقد قاموا – دون حكمة – بالثأر من الجنوب بإعطاء حرية كاملة وعاجلة للرقيق . هذه الإجراءات التعسفية سببت الكراهية في نفوس أهل الجنوب تجاه الشمال ، كما أنها سببت المآسي الكثير من الرقيق ، لأنها جعلت من الصعب عليهم التأقلم مع الوضع الجديد .
اقتراح ويد – ديفيز (يوليو عام 1864) ===== لقد تحدت فئة المتطرفين من الحزب الجمهوري في الكونجرس إجراءات لنكولن اللينة بخصوص تعمير الجنوب . فتحت تأثير هؤلاء ؛ قام الكونجرس بالموافقة على اقتراح ويد – ديفيز الذي يعطي للكونجرس حق الإشراف على التعمير في الجنوب ، ولكن لنكولن نقض هذا الإقتراح . ومع ذلك فيجب الملاحظة هنا بأن هذا يبين مدى المعارضة التيكان يواجهها الرئيس بخصوص خطته للتعمير ، خصوصا أن هذه المعارضة آتية من حزبه – الحزب الجمهوري . ولكن لنكولن كان يأمل في تكملة إعادة الولايات الجنوبية إلى الاتحاد الفدرالي قبل أن يستطيع الكونجرس أن يبت في هذا الأمر .
خطة جونسون في التعمير : كان اغتيال الرئيس لنكولن في 15 إبريل عام 1865 قد رمى بمشكلة التعمير في أحضان الرئيس الجديد – أندرو جونسون . ولقد ظنت فئة المتطرفين بأن جونسون سيوافقهم على خطتهم في التعمير ، خصوصا وأنه كان دائما منالمعارضين لطبقة الأرستقراطية الزراعية في الجنوب ومن المؤيدين بخصوص إعطاء الرجل العادي حريته السياسية في الجنوب . من الملاحظ أن جونسون بقي كسناتور في مجلس اشيوخ الأمريكي رغم انفصال ولايته تنيسي عن الاتحاد الفدرالي . ولكن بصفته من الحزب الديمقراطي ومن الجنوب ، فإن جونسون كان يميل إلى استخدام سياسة معتدلة تجاه الجنوب – لقد أراد أن يترك الولايات الجنوبية حرة من أي تدخل من الحكومة الفدرالية في شئون يعتبرها هومن الشئون الداخلية لهذه الولايات .
وهكذا فإن جونسون قد قام بابتداع سياسة شبيهة لدرجة كبيرة لسياسة لنكولن . خطته للتعمير تتخلص فميا يلي : أولا ، تعيين حكام مؤقتين من المدنيين الجنوبيين لحكم الولايات الجنوبية . ثانيا ، تقوم كل ولاية بعمل مؤتمر دستوري لها ، على أن يكون الممثلون في المؤتمر ممن حلفوا يمين الولاء للولايات المتحدة . ثالثا ، يتوقع من المؤتمرات الدستورية هذه أن تقرر بإلغاء قرارت الإنفصال التي فرضت في السابق ، وإلغاء الرق ، ثم إلغاء ديون الحرب الكونفدرالية .
وبتكملة هذه المراحل ، يمكن للولايات الرجوع إلى حظيرة الاتحاد الفدرالي . بعض الولايات الجنوبية قامت بهذا العمل ، وبعضها مازال في طور التكوين حينما كان علىالكونجرس أن يجتمع في ديسمبر عام 1865 . من الملاحظ أنه لم تضع أي من الولايات الجنوبية ضمانا في دستورها المقترح بحرية الإنتخاب للجميع – لم تعط هذه الدساتير حرية الانتخاب للرقيق . وهكذا فإن الكونجرس عارض هذا العمل ، وسرعان ما بين اعتراضه على خطة جونسون للتعمير ، وذلك برفضه الاعتراف بالنواب والشيوخ المنتخبين في الولايات الجنوبية بموجب هذه الخطة .
ديبلوماسية جونسون في عهد ما بعد الحرب
لقد آل للرئيس جونسون العمل على إجبار القوات الفرنسية في أن تترك المكسيك ، وذلك بتطبيق مبدأ مونرو بخصوص أمريكا اللاتينية (كما رأينا سابقا نجح إمبراطور فرنسا نابليون الثالث في تدعيم حكم مكسميليان في المكسيك بإرسال حملة فرنسية إلى هناك عام 1862) . وقد عالج جونسون ووزير الخارجية موارد هذا الأمر بلباقة ، حيث أقنعوا فرنسا بضرورة سحبها لقواتها من المكسيك في وقت كان فيه الرئيس الكونجرس على خلاف بخصوص خطة التعمير بعد الحرب . أما شراء ألاسكا فقد كان نتيجة سيادة العلاقات الطيبة بين أمريكا ، روسيا خلال الحرب الأهلية .
الفرنسيون في المكسيك : بدأ التدخل الفرنسي في المكسيك عام 1862 ، عندما قام الأرشدوق مكسميليان (النمساوي) بتدعيم من القوات الفرنسية وبعض الرجعيين من ملاك الأراضي ورجال الدين في المكسيك بتتويج نفسه إمبراطورا على المكسيك . لقد كان نابليون الثالث وراء هذا التدخل لطمعه في تكوين إمبراطورية فرنسية . وكانت المكسيك واحدة من أمثلة لأطماع نابليون . وقد كان مكسميليان وزوجته كارلونا هما الوسائل التي أراد بها نابليون تحقيق أطماعه . كان وزير الخارجية الأمريكية سوارد قد طلب من فرنسا عام 1862 سحب قواتها التي كانت تدعم حكم مكسميليان رغم معارضة السكان في المكسيك لهذا الحكم ، ولكن الحرب الأهلية في أمريكا لم تمكن الولايات المتحدة من استعمال القوة في هذا الشأن . في بداية خريف عام 1865 قام الرئيس جونسون بإرسال قوة بقيادة الجنرال الأمريكي شيردان إلى حدود تكساس الجنوبية عند ريوجراند ، وطلب بهدوء من الفرنسيين الإنسحاب من المكسيك طبقا للسياسة القديمة المتعبة منذ العشرينيات وهي مبدأ مونرو . في نفسا لوقت قامت أمريكا بالاعتراف بحكومة بينيتو جواريه (Benito Juarez) الثورية في المكسيك . وبزيادة المشاكل على نابليون الثالث في أوروبا ، لم يجد هذا مبدأ من سحب القوات الفرنسية من المكسيك في مايو عام 1865 . وبدون تدعيم عسكري من الخارج ، قبضت حكومة المكسيك الجديدة على مكسميليان وأعدمته رميا بالرصاص . موقف الولايات المتحدة كما ذكر في حينه – كان تدعيما لمبدأ مونرو .
التوسع الإقليمي عام 1867 : كان وزير روسيا المفوض في الولاياتالمتحدة قد اتصل بوزير الخارجية سوارد في ديسمبر عام 1866 بشأن رغبة روسيا بيع ألاسكا للولايات المتحدة .سوارد كان من مؤيدي التوسع الإقليمي لأمريكا ، ولذلك كانت هذه الفكرة محط موافقته السريعة . كانت العلاقة الطيبة بين البلدين – بسبب تدعيم روسيا للحكومة الفدرالية أثناء الحرب الأهلية وإرسالها أسطولها إلى موانئ نيويورك وسان فرنسيسكو في عام 1862 – قد مهدت الطريق للبدء في مفاوضات الشراء ، وكانت رغبة روسيا في بيع ألاسكا ترجع إلى أن شبه الجزيرة هذا قد استنزفت موارده المعروفة في ذلك الوقت وهي الفراء (فراء الحيوانات القطبية) ، كا خشيت روسيا أن نزاعها مع بريطانيا في ذلك الوقت ربما يؤيد إلى حرب يكون نتيجتها احتلال ألاسكا من قبل البريطانيين ،وهكذا فضل الروس أن تكون ألاسكا بيد الأمريكيين .
كان القرار بشراء ألاسكا نتيجة لجهود وزير الخارجية ، وإقناعه البلاد بأن في هذا الشراء مصلحة كبرى للولايات المتحدة . ولايغيب عن الذهن هنا أن نذكر بأن بعض المعارضين لهذه الصفقة في الكونجرس أطلقوا عليها اسم (الثلاجة) ، (جهل سوارد) . وقد بين سوارد بأن هذا الشراء إنما هو على الأقل رد لجميل روسيا ومواقفها من الولايات المتحدة أثناء الحرب الأهلية . وقد تولدت الإشاعات بأن تلك المنطقة مازالت غنية بالفراء ، والأسماك ، والذهب . وهكذا اقتنعت الغالبية في الكونجرس بفوائد الصفقة ، ووافق الكونجرس على دفع مبلغ 7.2 مليون دولار ثمنا لها . ولقد أثبتت الأيام أن هذه الصفقة أكثر من مربحة – حيث اكتشف البترول في ألاسكا بكميات كبيرة عام 1975 م .
في عام 1867 ، احتلت الولايات المتحدة الجزر الوسطى التي تقع غرب هاواي ، والتي اكتشفتها الولايات المتحدة عام 1859 .
وقام سوارد – أيضا – بعقد معاهدة لشراء فيرجين آيلندز من حكومة الدانمرك ، ولكن مجلس الشيوخ لم يصدق عليها .
بداية خطة الكونجرس للتعمير
حتى يعطل المتطرفون الجمهوريون خطة جونسون في التعمير ، وليتمكنوا من تطبيق خطتهم ؛ قاموا بتعيين لجنة مشتركة من المجلسين (الشيوخ والنواب) ، أطلقوا عليها (اللجنة المشتركة للتعمير) .
قادة خطة الكونجرس للتعمير : من أبرز القادة في الكونجرس ، كان ثاديوس ستيفنز ، النائب من بنسلفانيا ، وكان معروفا بإيمانه بالإصلاحات الشعبية ، وبكراهية للطبقة الحاكمة في الجنوب ، وبتعاطفه الشديد مع الرقيق . كانت نظريته بخصوص التعمير تتلخص في أن الولايات الجنوبية إنما تعتبر (مناطق مفتوحة) تقع تحت رحمة الكونجرس تماما ، وقد حافظ ستيفنز على سلطته في الكونجرس حتى عام 1868 م .
شارلس سمتر (من ولاية ماستشوستس) كان زعيم المتطرفين في مجلس الشيوخ ، وكان عضوا في لجنة الكونجرس المشتركة . وقد كان هذا ضعيف الصحة – بسبب اعتداء برستون بروكس – ولكنه أشغل نفسه بمسألة واحدة وهي مشكلة الرقيق . وكمصلح مثالي ؛ فإن سمنر كان يريد أن يطبق المساواة بين العنصرين (العبيد والبيض) على الفور ، ولأسباب شخصية ؛ فإن بقية المتطرفين قد سمحوا لمثل هؤلاء القادة بالسيطرة على الكونجرس .
وحسب نظريته : (انتحار الولايات) (State Suicide) فإن سمنر اعتقد بأن الولايات قد عملت على تحطيم نفسها بعملية الانفصال . والآن فهي تحت رحمة الكونجرس كأي (منطقة) جديدة (New Territory) .
أخطاء الجنوب : عدد كبير من الولايات الجنوبية اختار كثيرا من القادة الكونفدراليين السابقين كي يمثلوهم في الكونجرس ، بعد عودة هذه الولايات إلى الاتحاد الكونفدرالية تحت خطة جونسون ، وقد سبب هذا غضب الشمال ، كما أن كثيرا من المجالس التشريعية في الولايات الجنوبية سنت ما سمي (تشريعات الرقيق) التي كان الغرض منها حل مشكلة الرقيق المحررين . لقد قصد بهذه القوانين حماية الرقيق من الوضع المزري الذي تردوا فيه ؛ ليمكنهم من العودة إلى العمل ، وكذلك تقييد حقوقهم الشرعيةوالإقتصادية والإجتماعية . وقد قامت هناك بعض المظاهرات في مناطق معينة من الجنوب عام 1866 ، مما نتج عنه قتل الكثير من الرقيق المحررين . هذه الحوادث في مجموعها لعبت في أيدي المتطرفين في الكونجرس الذين زعموا بأن الجنوب لم يقبل نتائج الحرب ، وأن من الضروري على الكونجرس اتخاذ إجراءات أكثر حزما .
اقتراح بإنشاء دائرة المحررين : كان أول خلاف مباشر ظهر بين الرئيس والكونجرس في فبراير عام 1866 ، عندما وافق الكونجرس على اقتراح تجديد مكتب الرقيق المحررين . كانت جزءا من الهيئة التنفيذية – مع أنها مستقلة برأيها . وقد استغلت هذه الدائرة كوسيلة لكسب أصوات الرقيق لصالح الحزب الجمهوري . وقام جونسون بنقض هذا الاقتراح ، لأنه كان يؤمن أن إنشاءها إنما كان عن طريق الحكومة الفدرالية في وقت لازم في الأحوال العادية تترك هذه الأمور للولايات ، لأنها في نظر جونسون ، يجب أن تعتبر من حق الولايات وليس من حق الحكومة الاتحادية) ، وأنه لم يعد لها لزوم الآن ، أو إذا كانت ، فإن الولايات هي صاحبة الحق في إرجاعها . ولم يستطع الكونجرس أن يتغلب على قرار النقض ، ولذلك لم يصبح هذا الإقتراح قانونا ، ونتيجة لهذا الإنتصار ؛ شعر جونسون بزيادة الثقة في النفس ، وبدأ يهاجم قادة المتطرفين في الكونجرس .
اقتراح الحقوق المدنية : في مارس عام 1865 ، قام الكونجرس باقتراح (الحقوق المدنية) حيث أعطى فيها للرقيق حق المواطنة وجميع الحقوق المدنية الأخرى ، وقد نقض جونسون هذا الاقتراح ، ولكن الكونجلس تغلب على حكم النقض وأمضى القانون . ثم قام المتطرفون بوضع قانون (لدائرة الرقيق) مع قليل من التعليل ، وأقرها رغم نقض الرئيس لها . وهكذا أثبت المتطرفون بأن لهم اليد العليا في خطة التعمير .
تسلسل تاريخي للأحداث الهامة
1863 : إعلان خطة لنكولن لإعادة التعمير – متسامحة 1865 : إعلان خطة لنكولن لإعادة التعمير – متسامحة .
جاء أندرو جونسون رئيسا بعد لنكولن – جونسون اتبع خطة لنكولن المتسامحة في إعادة التعمبير في الجنوب – الولايات المتحدة تسن قوانين الحريات المدنية للعبيد – سمنر وستيفنز يرأسان لجنة إعادة التعمير في الكونجرس ويحبطان مشروع جونسون .
1866 : نابليون الثالث يسحب جنوده من المكسيك – مظاهرات العبيد في الجنوب – سن الكونجرس قانون الحقوق المدنية بالرغم من معارضة جونسون – تنظيم الكوكلاكس كلان في الجنوب . 1867 : اشترت الولايات المتحدة ألاسكا من روسيا .
مراجع الفصل الثامن عشر
1. J.G. Randall and David Donald. The Civil War and Reconstruction (1961)
2. K. M. stampp. The Era of Reconstruction (1964)
3. J.H. Franklin. Reconstruction After the Civil War (1961)
4. C.S. Coutler. The south During Reconstruction, 1865-1877 (1947)
الفصل التاسع عشر: خطة الكونجرس لإعادة البناء 1866-1877
بعد أن استطاع المتطرفون في الكونجرس كسب غالبية الأصوات لجانبهم ، مضوا في طريقهم لتنفيذ برنامجهم في التعمير دون السماح لأي عائق في طريقهم ، متجاهلين بذل سلطة كل من الرئيس والمحكمة العليا . ولكن بعد بضعة أعوام من هذا السلوك ، بدأ الرأي العام في الشمال يثور ضد ما اعتبروه سلطات تعسفية لم تكن البلاد بعد مستعدة لقبولها . وهكذا نجد بأن القسم الأكبر من إجراءات التعمير السياسية والإجتماعية قد فشلت في تحقيق الأغراض العليا الموجودة منها .
الصراع بين الرئيس والكونجرس
كما قلنا في الفصل السابق ، رفض الكونجرس أن يقبل عضوية الممثلين (النواب والشيوخ) الذين انتخبهم سكان الجنوب طبقا لخطة الرئيس جونسون ، وبعد فبراير عام 1866 أصبح للمتطرفين غالبية عظمى للأصوات في الكونجرس بحيث ا/كنهم التغلب على سلطة الرئيس في نقض القوانين وفيما بعد استطاع الكونجرس أن يلغي أي تدخل من قبل جونسون في خطتهم للتعمير ؛ لدرجة أنهم حاولوا أن يقدموا الرئيس نفسه للمحاكمة أمام الكونجرس .
جونسون وانتخابات عام 1866 في الكونجرس
لقد كان من الظاهر أن لهذه الإنتخابات أهميتها ؛ لأن الناخب قد أعطى الفرصة في أن يقرر بين سياستين للتعمير : تلك التي يحاول أعضاء الكونجرس أو المتطرفين منهم تطبيقها ، وتلك التي وضعها جونسون من قبل في عام 1865 . فإذا كانت الغالبية المنتخبة تميل إلى خطة الحزب الجمهوري في التعمير ، فيكون معنى هذا أن غالبية السكان يفضلون هذه الخطة ، وإلا فإن خطة جونسون سيعطي لها الفرصة في أن تأخذ مفعولها.
وبناءا على ذلك ، فإن جونسون قام بنشاط واسع لإقناع الناس بضرورة انتخاب مؤيديه إلى الكونجرس ، كما قام بحملة انتخابية تقليدية بعمل رحلة إلى شيكاغو ثم إلى واشنطن مرة أخرى بالنيابة عن معاونيه المرشحين ، وقد أطلق على هذه الرحلة في الكونجرس تهكما اسم (التمرجح في دائرة) . وقد قام أعداؤه بحملة انتخابية أكثر فعالية ، فكثيرا ما كان الرئيس يقابل بالشغب والضجيج من قبل أعدائه بين المستمعين . مما أدى إلى غضبه واستفزازه بدرجة غير لائقة لشخص في مكانته . وقد ركز المتطرفون دعايتهم الإنتخابية على القول بأن أي انتصار لجونسون إنما يعني إعادة تخفيض التعريفة الجمركية (وهم يعرفون بأن الشمال يؤيد وجود تعريفة مرتفعة) وإلغاء ديون الحكومة الإتحادية التي تحملتها وقت الحرب . كما أن بعض الأحداث والإجراءات التي ظهرت في الولايات الجنوبية (منذ أواخر 1864-1866) مثل المظاهرات العنصرية في نيو أولينز (ولاية لويزيانا) في عام 1866 ، وإعادة انتخاب بعض القادة الكونفدراليين ، و(قوانين الرقيق) ، كل هذه أقنعت كثيرا من الناخبين في الشمال إلى الحاجة الماسة إلى تطبيق خطة الكونجرس في التعمير . وفي نفس الإنتخابات فإن عشرة ولايات جنوبية أغضبت الشمال بسبب رفضها الموافقة على التعديل الرابع عشر في الدستور (الذي أعطى الرقيق حقوق المواطنة) .
كان نجاح المتطرفين ساحقا في هذه الإنتخابات ، حيث استطاعوا السيطرة على كل من مجلس الشيوخ والنواب ، وهكذا أضبح الطريف أمامهم مفتوحا لتطبيق خطتهم .
خطة الكونجرس للتعمير
باجتماع الكونجرس في ديسمبر عام 1866 ، قام المتطرفون فيه بوضع سلسلة من التشريعات التي كانت مليئة بروح انتقامية ، وقصد منها تأكيد سيطرة الجمهوريين المتطرفين على الحكم . كما أن هذه التشريعات ما يلي : (قانون الخدمة المدنية) ، حيث منع هذا القانون الرئيس من إعفاء بعض الموظفين المدنيين الكبار من مناضبهم دون موافقة مجلس الشيوخ ، وكان الغرض منه بالطبع منع جونسون من إزاحة الموالين للحزب الجمهوري . (قانون الجيش) ، الذي يحد من سلطات الرئيس في مراقبة القوات المسلحة . (قانون 2 مارس عام 1866 للتعمير) ويشمل رفض كل الحكومات المنتخبة في الجنوب – تحت خطة جونسون – ماعدا تنيسي ، تقسيم الجنوب إلى خمس مقاطعات عسكرية يحكم كل واحد منها قائد عسكري من الشمال ، يسجل كل الناخبين في كل مقاطعة . وبذلك يعطي المحررين حقوقهم المدنية ، ويحرم من البيض كل من يثبت عدم ولائه لحكومةالولايات المتحدة ، وهذا القانون بطبيعة الحال ، أكد سيطرة الجمهوريين المتطرفين على حكومات الولايات الجنوبية . الطلب من الولايات الجنوبية بضرورة وضع دساتير تتضمن حق الرقيق المحررين في الإنتخاب ؛ على المجالس التشريعية في الولايات الجنوبية أن تصدق على التعديل الرابع للدستور ؛ وأخيرا على النتخبين الجدد أن يحلفوا اليمين بأنهم لم يسبق أن ساعدوا الكونفدراليين طواعية . وفي النهاية إصدار قانون بضرورة انعقاد الكونجرس يوم 4 مارس عام 1867 ، وذلك حتى يضمنوا بقاء الكونجرس مجتمعا لإمكانية السيطرة على سياسة التعمير .
التعديل الرابع عشر في الدستور
كان المتطرفون في الكونجرس قد اقترحوا التعديل الرابع عشر على الدستور في صيف عام 1866 حتى يمكنهم وضع قانون الحقوق المدنية بشكل أوضح ليشمل الرقيق . لم يصدق على هذا التعديل في الجنوب إلا في عام 1868 . هذاا لتعديل شمل بعض القوانين الأخرى التي تضمن النجاح لخطة المتطرفين ، ويتضمن التعديل ما يعلي : أعطى حق المواطنة وكل الحقوق المدنية لكل من ولد أو تجنس بالجنسية الأمريكية ؛ ومنع الولايات من سن أي قوانين من شأنها تحديد هذه الحقوق أو منع الحماية المتساوية للجميع ؛ واستمر هذا القانون بالنص على منع أي ولاية من حرمان أي شخص من حقه في الحياة والحرية والملكية دون إجراءات قانونية شرعية ، إذا منعت أي ولاية حق التصويت عن أي من سكانها الذكور فإن نسبة تمثيلها في الكونجرس ، وبالتالي عدد أصوات الهيئة الناخبة (Electoral College) منخفض بالنسبة نفسها التي استعملتها الولاية في تخفيض عدد الناخبين فيها ؛ كما حرم هذا البند الرئيس من سلطته التقليدية في العفو ، والتي يمكن ان تستعمل في السماح لبعض الكونفدراليين السابقين من تقلد مناصب في الولايات أو في الحكومة الفدرالية ؛ كما أوجبت هذه الفقرة دفع ديون الولاياتالمتحدة خلاف فترة الحرب الأهلية ، ولكنها منعت دفع أي ديون تحملتها الحكومة الكونفدرالية ، ومنعت التعويض لملاك الرقيق (الذين خسروا ملكيتهم ، أي العبيد) . وأخيرا أعطى الكونجرس لنفسه حق تطبيق هذا التعديل – مع أن الرئيس في العادة هو صاحب السلطة في تطبيق قوانين الدولة – وذلك لأنهم لم يثقوا في الرئيس للقيام بتطبيقه . ولقد أصبح التعديل الرابع عشر ساري المفعول في يوليو عام 1868 بعد أن صدقت عليه الولايات الجنوبية ، بينما كانت تقع تحت الحكم العسكري .
محاكمة الرئيس جونسون
مع أن الجمهوريين المتطرفين كان لهم غالبية عظمى في الكونجرس بحيث مكنهم التغلب على حق النقض للرئيس ، إلا أنهم أرادوا أن يؤكدوا بقاء السيطرة في أيديهم بالعمل على إبعاد الرئيس عن الحكم بطريق المحاكمة . كان جونسون في العادة حذرا في أن تتمشى القوانين التي صادق عليها الكونجرس ، ولكنه قام في أغسطس عام 1867 بالطلب إلى وزير الحربية إدون ستانتون بالإستقالة متهما إياه بأنه ذو وجهين يعمل كجاسوس للمتطرفين حيث يعطيهم معلومات عما يجري في اجتماعات الوزارة . جونسون من جهته كان يؤمن بأن (قانون الخدمة المدنية) الذي وضعه الكونجرس عام 1866 غير دستري ، وأراد أن يرى رأي المحكمة الإتحادثة في هذا القانون بمواجهتها بقضية من هذا الشأن ، ولكن المتطرفين في الكونجرس رحبوا بهذا العمل من قبل جونسون ؛ حتى يتهمونه بعدم تطبيق قوانين الكونجرس ، وبالتالي يستطيعون تقديمه للمحاكمة .
وفي فبراير عام 1868 ، قام مجلس النواب بالتصويت بأغلبية ساحقة على محاكمة جونسون ، وكانت معظم التهم الموجهة إليه تدور حول مخالفته لقانون الخدمة المدنية ، اجتمع مجلس الشيوخ كمحكمة ليسمع القضية ، ويدلي برأيه بالذنب أو بعدمه بخصوص الرئيس ، ولقد كان الدفاع عن الرئيس حازما ومستقيما ، وكانت البيانات ضده ضعيفة جدا ، ولكن المتطرفين استماتوا في محاولة إزاحته عن الرئاسة باستعمال كل وسائل الضغط الممكنة على أعضاء الشيوخ ليجبروهم على التصويب بإدانة الرئيس . ومع ذلك لم يستطع هؤلاء الحصول على الصوت الأخير المرجح للحكم بالإدانة (حتى يثبت حكم الإدانة في هذه الحالة كان يلزم أصوات ثلثي عدد أعضاء المجلس زائد صوت) . لقد رفض سبعةمن الشيوخ الجمهوريين المضي مع أعوانهم في التصويت ضد الرئيس . هذه المحاكمة بينت الدرجة التي سمح فهيا المتطرفون في الكونجرس لأنفسهم بمحاولة السيطرة على الهيئة التنفيذية والحكومة الإتحادية ككل .
تطبيق خطة المتطرفين في الجنوب
بعد نجاح المتطرفين في السيطرة على الحكومة ، مضوا في عام 1867 في تطبيق إجراءاتهم في الجنوب . لقد قسم الجنوب إلى خمس مقاطعات عسكرية ، يحكم كل منها جنرال اتحادي تعاونه قوات اتحادية ، وقد استبدلت حكومات الولايات بحكومات عسكرية – وهذا عمل غير دستوري في وقت السلم .
إن محاولة السيطرة على أصوات الرقيق ، إنما تعتبر المفتاح الوحيد لسيطرة الجمهوريين السياسية على الولايات الجنوبية ، ولقد ضمن الرقيق حقهم الإنتخابي بواسطة التعديل الرابع عشر في الدستور ، ووجود قوات فدرالية هناك لتدعيم هذا القانون . وهكذا بدأ الحلف الإتحادي (Union League) – الذي كان الساعد الأيمن للجمهوريين في الجنوب – يعمل على كسب ولاء الرقيق المحررين للحزب الجمهوري . وقد وفد إلى الجنوب فئة أطلق عليها : (كاريتباجرز) (Carpetbaggers) (لفظ أطلقه عليهم أهل الجنوب) وهم إما موظفين فدراليين ، أو مبشرين ، أو سياسيين ، أو رجال أعمال ، أتوا إلى الجنوب ليستمتعوا بفرص العمل الكثيرة ، وقد كانوا الساعد الأيمن لجماعةالكونجرس المتطرفة في كسب ولاء الرقيق للحزب الجمهوري .
هناك فئة أخرى أطلق عليها (سكالوواجز) (Scalawags) وهم الجنوبيون البيض الذين أملوا فيا لحصول على منافع خاصة أو وظائف في الحكومة ، وذلك بتملقهم موظفي الحكومة الإتحادية .. كما أن بعض قادة الرقيق ساعدوا على تجنيد إخوانهم للحزب الجمهوري .
هذه الفئات المختلفة كاريتباجرز ، سكالوواجز ، الرقيق المحرر ، كونت العناصر الأساسية التي اعتمدت عليها الحكومة الجديدة في الجنوب ، تلك التي تحميها القوات الإتحادية هناك ضد غالبية السكان . برنامج إعادة التعمير الحكومي في الجنوب إذن كان يدعو إلىتطبيق المساواة المدنية والسياسية والإجتماعية بين الرقيق المحرر وبين السكان البيض في الجنوب . ومن خلال ذلك نجد أن كثيرا من الجنوبيين – البيض – قد حرموامن حق الإنتخاب ، حيث سهل ذلك من سيطرة الفئات الجديدة على الحكم .
الحكومات الجديدة في الجنوب
لقد كان لهذه الحكومات مساوئها التي يمكن إجمالها فيما يلي : أولا ، حرموا كثيرا من أفراد الطبقة المثقفة ذات الخبرة السياسية من البيض من المشاركة في الحكم في الوقت الذي وضعوا فيه كثيرا من الرقيق المحررين في وظائف حكومية غير مؤهلين لها ؛ ثانيا ، انتشار الفساد في الجنوب ، فئتي السياسيين وأصحاب الأعمال في كلا الإقليمين هم الذين يجب أن يتحملوا المسئولية في إيجاد هذا الفساد الذي كان واضحا في حالات أخرى كثيرة ؛ وثالثا ، المجالس التشريعية في هذا العهد قامت بفرض ضرائب باهظة على الملكيات الفردية ، وكانت شديدة الإسراف ، مما سبب ديونا كثيرة لحكومات الولايات .
كما لايجب النسيان أيضا بأن تلك الحكومات في الجنوب قدمت خدمات بناءة للمجتمع نراها في النواحي الآتية : أولا ، إن الدساتير الجديدة التي وضعت ، قد حققت ديمقراطية أكثر للسكان وذلك بضمانها الحريات المدنية للجميع ، وحق الإنتخاب لجميع الذكور ؛ ثانيا ، قامت بمشاريع بنائية عامة مثل مد الطرق ، الكباري ، والبنايات الحكومية ؛ ثالثا ، تطبيق نظام التعليم الحر ، ولم يكن هذا مساعدا للرقيق المحررين فقط ، بل مساعدا لطبقة البيض الفقيرة ؛ رابعا ، إن الضرائب كانت أكثر عدالة في التوزيع ، بحيث هناك مساواة أكثر بين جميع الطبقات في نسب دفع هذه الضريبة .
مناهضة المتطرفين للمحكمة العليا
بعد سيطرة المتطرفين على الكونجرس ، فقد مضوا في برنامجهم دونما اعتبار كبير لأي من الهيئة التنفيذية أو المحكمة العليا ؛ ولكن يبدو أن الأخيرة ربما تكون العقبة الوحيدة أمامهم لتحقيق برنامجهم ؛ طالما أن الكونجرس الآن أصبح باستطاعته السيطرة على الرئيس بالتغلب على حقه في النقض (أكثر من ثلثي أعضائه يعارضون سياسة الرئيس) .
لقد حاول الكونجرس أولا أن يتلاعب بالمحكمة ؛ بمحاولة زيادة عدد قضاتها من تسعة إلى عشرة خلال الحرب الأهلية . وفي قرار المحكمة في قضية إكس بارت ميليجان (1866) بأن المحاكمات العسكرية تعتبر غير دستورية إذا عقدت فيم ناطق يوجد بها محاكم مدنية ، رد الكونجرس على ذلك بسن قانون يقضي بأن المكان الشاغر في المحكمة لايمكن ملؤه إلا بعد وصول عدد القضاة إلى سبعة (المعروف بأن المحكمة يجب أن يكون فهيا عشر قضاة) ، وعندما شعر الكونجرس بأن القضاة المعينين في عهد الرئيس جرانت يمكن أن يكونوا أصدقاء (بمعنى أنهم موالون في رأيهم لسياسة المتطرفين) فقد وافق الكونجرس علىزيادة عدد القضاةف يالمحكمة إلى التسعة . ولقد فقدت المحكمة مكانتها عام 1871 عمدما غيرت رأيها بخصوص حكيم سابق بخصوص الدولار الذي كان يطبع في عهد الحرب الأهلية . وهكذا بعد تعيين قاضيين من قبل الرئيس جرانت ، استطاعت المحكمة في قضية هبيرن ضد جرزوالد (1817) أن تحكم بأن الدولار (الذي طبع في عهد الحرب) عملة شرعية قد تستعمل في دفع أي ديون ، لقد تلافت المحكمة أي تعارض مع الكونجرس ، واستمر ذلك إلى الوقت الذيب تغير فيه الرأي العام ، وأصبح يعارض السياسة المتطرفة للكونجرس ، وعندها بدأت المحكمة في تأكيد سلطتها ، رفضت بأن كثيرا من القضايا في عهد التعمير غير دستورية .
انتخابات عام 1868
في انتخابت الرئاسة لعام 1868 ، كان الحزب الجمهوري متأكدا من أن النصر سيكون حليفه ، وذلك لسيطرته على الحكومات الجديدة (تحت التعمير) ، ولتواجد القوات الفدرالية في الجنوب ، ولسيطرته على تسجيل النااخبين هناك . كان مرشح الجمهوريين هو الجنرال أوليسيس جرانت ، بطل الحرب الأهلية ، والذي كان يؤيده كلا من المتطرفين ، وكذلك أصحاب العمل الذين أصبحوا يسيطرون على الحزب . أما الحزب الديمقراطي فقد تخلى عن جونسون ، ورشح هوراتيو سيمور (من ولاية نيويورك) ، وقد أيد هؤلاء فكرة دفع دين الولايات المتحدة بواسطة الدولار الأخضر ، ولكن هذه الفكرة سببت معارضة الكثير من المحافظين في الحزب من الشمال . ورغم مساعدة عوامل كثيرة للحزب الجمهوري ؛ إلا أن يرجع إلى أثر (حلف الاتحاد) على الناخبين السود ، وإلى تواجد القوات الفدرالية التي حرمت كثيرا من البيض من حق الإنتخاب .
التعديل الخامس عشر للدستور
الإنتصار المحدود الذي أحرزه المتطرفون في انتخابات 1868 أقنع الكثير منهم بالحاجة إلى ضرورة العمل على إيجاد وسيلة يمكن فيها منع الولايات من أن تنقض حق الرقيق المحررين في الإنتخاب في المستقبل ، فهناك احتمال وجود خطر في المستقبل وهو أن تقوم الولايات الجنوبية بتعديل دساتيرها لتحرم الرقيق المحرر من حق التصويت ، ليس هذا فقط بل إن بعض الولايات الشمالية كانت تتخذ خطوات شبيهة بهذه . ولذلك جاء قرار الكونجرس بوضع الملحق الخامس عشر للدستور عام 1869 والتصديق عليه عام 1870 . هذا التعديل يتضمن عدم إمكانية إلغاء حق التصويت ، ليس هذا فقط بل إن بعض الولايات الشمالية كانت تتخذ خطوات شبيهة بهذه . ولذلك جاء قرار الكونجرس بوضع الملحق الخامس عشر للدستور عام 1869 والتصديق عليه عام 1870 . هذا التعديل يتضمن عدم إمكانية إلغاء حق التصويت لأي فرد يسبب العنصر ، اللون ، أو كونه مستعدا في الماضي .
السنوات الأخيرة في عهد التعمير
مع حلول عام 1868 ، كانت كل الولايات الجنوبية – ماعدا مسيسيبي ، تكساس ، فرجينيا ، جورجيا ، قد وضعت دساتير جديدة ، وتمشت مع البرنامج الذي وضعه الكونجرس ، وأعيد قبولها كأعضاء في الاتحاد الفدرالي . ا/ا هذه الولايات الأربعة فكان المطلوب منها أن تصدق على الملحق الخامس عشر للدستور كشرط لإعادة قبولها كأعضاء ، وبالفعل صدقت هذه الولايات على هذه الملحق في عام 1870 م .
إعادة سيطرة الجنوب على شئونه
بعد إعادة الولايات الجنوبية إلى حظيرة الإتحاد الفدرالي ، فإن البيض في الجنوب بدأوا – بالتدريج – يسيطرون على أوضاعهم . نجد في البداية بأن الرأي العام في الشمال بدأ يتخلى تدريجيا عن تأييده المطلق لبرنامج الجمهوريين بما فيه من إجراءات تصفية ، وهذا يعين بأن نظرتهم إلى الجنوب أيضا بدأت تلين عما كانت عليه في السابق ، وهكذا بدأ أهل الجنوب البيض يتضامنون من أجل إبعاد أي سيطرة خارجية ، كما أن الرقيق بدأوا يمتنعون عن التصويت في الإنتخابات . وبذلك نجد بأن تغير نظرة الرأي العام في الشمال إلى المتطرفين الجمهوريين وإلى الديمقراطيين في الشمال – بسبب ما خلقوه من فساد – قد ساعد على تخفيض شوكة المتطرفين وأثرهم . في عام 1872 ، قام الكونجرس بسن (قانون العفو) الذي أعاد إعطاء الحقوق السياسية لجميع الكونفدراليين السابقين ، انتخابات عام 1867 م ، والتي كانت في الواقع هزيمة للحزب الجمهوري ، قد جلبت النهاية لعهد التعمير في عام 1877 ، فيما بعد ، أصبحت كل الإصلاحات التي ابتدعت في عهد التعمير في حكم الباطلة .
كوكلاكس كلان (klan ku klux) ، لقد ظهرت هذه كهيئة سرية في الجنوب ، وقد صاحتها أيضا هيئات أخرى تعمل على تقليدها . كان الغرض من هذه الهيئات هو تثبيت حكم البيض ، وإحباط برنامج العمل على مساواة البيض والسود في الحقوق السياسية والإجتماعية . ولق واجه الجنوب في تلك الفترة مشكلة اجتماعية وهي أن كثيرا من الرقيق المحررين قد ضللوا من قبل الحلف الإتحادي بحيث أصبحوا متطرفين في مسئولياتهم . وقد لجأت هذه الهيئات إلى وسائل العنف ، وخرق القانون ، خصوصا ضد السود ، وقد انضم لها كثير من الخارجين على القانون الذين جعلوا من مصالحهم الشخصية هدفا رئيسيا . كلهم كانوا يقومون بأعمالهم ليلا ، متلبدين بملابس بيضاء ، مغطين رؤوسهم ووجوههم .
ولقد اتخذ الرئيس والكونجرس إجراءات مشددة لشذب نفوذ هذه الهيئات ، وذلك بأن سن الكونجرس (قانون التطبيق) عام 1870 م ، وكما ألغى ، لمدة معينة ، قانون (هبيس كوربوس) (Habeas Corpus) ، الذي يمنع تفتيش المنازل دون إذن قضائي ، وأمر القوات الفدرالية بحماية المحاكم ؛ كما عين الكونجرس لجنة للتحقيق في أعمال تلك الهيئات مما فصحها أمام الرأي العام . كل هذا إنما يعطي فكرة واضحة عن المشاكل التي واجهها الجنوب في تلك الفترة . هذه الإجراءات السابقة كان لها أثرها الفعال في تحفيف شوكة هذه الهيئات السرية . ولكن يجب الملاحظة بأن هذه الهيئات استعادت بعض نشاطها – فيما بعد – في الشمال والجنوب ، خصوصا في الربع الأول من القرن العشرين .
عوامل مساعدة لتحسين الإقتصاد في الجنوب
من العوامل التي ساعدت على إعادة البناء الإقتصادي في الجنوب ما يلي : إن سيادة النظرية الإقتصادية (في القرن التاسع عشر) والتي ترى بترك الحرية الكاملة للأفراد بالعمل دون تدخل من الحكومة الفدرالية (Laissez Faire Laissez Passer) لم تسمح بتدخل هذه الحكومة للعمل على إحياء الإقتصاد الجنوبي ، ولكن تشريع الكونجرس بتكوين (مكتب المحررين) كان له أثر فعال في العناية بالرقيق المحررين ، وكذلك الفقراء البيض بتقديم بعض المساعدات في شكل أغذية ، ملابس ، وقود ، وأدوات طبية . سكان الجنوب والرقيق كانوا يشاركون القوات الإتحادية المرابطة في تمويناتها وملابسها ، وقد كانت قوات السود تشاكر السكان السود في هذه التموينات ، وهكذا فإن مصروفات هذه القوات في الجنوب كانت عاملا على مساعدة الإقتصاد الجنوبي ، كما قيام بعض الهيئات الإنسانية الخاصة مثل (جورج بيبدي) بتقديم المساعدة المالية لبناء المدارس . هذا في الوقت الذي ساعد سكان الجنوب أنفسهم على إحياء اقتصادهم بإنشاء مصانع النسيج ، والتبغ ، والأخشاب . وأخيرا تحسن إنتاج القطن بعد فترة عانى فيها هذا الإنتاج نتيجة الحرب .
آثار الإعمار على الجنوب
كان عهد إعادة التعمير في الجنوب ، في نظر كثير من الجنوبيين وكذلك بعض المؤرخين ، أكثر دمارا وأكثر سوءا – على المدى الطويل – من الحرب الأهلية نفسها . كان يمكن أن يكتب لسياسة لنكولن المعتدلة والمتسامحة ، النجاح في تضميد الجروح العميقة التي خلفتها الحرب ، ولكن استبدلت بهذه السياسة أخرى تقوم على الإنتقام والثأر ، دامت عشر سنوات ، محاولة إرغام الجنوب على تغيير نظامه تغييرا جذريا ، المشكلة العنصرية زادت من حدة المشاكل الأخرى ، في وقت كان فيه متطرفو الكونجرس يحاولون تحقيق ثورة اجتماعية في يوم واحد . وهكذا فقد شعر البيض في الجنوب بضرورة تضامنهم للحفاظ على مكانتهم في المجتمع ، كما أن محاولات الحزب الجمهوري مد نفوذه إلى الجنوب قد جلبت نتائج عكسية بأن خلقت نظام الحزب الواحد ، هناك ، لأن كل السكان فيا لجنوب حملوا الحزب الجمهوري مسئولية الأوضاع المتردية في فترة التعمير . وأصبح معظم الرقيق من أتباع الحزب الجمهوري ، ولكنهم منعوا من الإشتراك في الإنتخابات بوسائل عديدة ، مما ألغى الفائدة من وجود نظام الحزبيين في الجنوب ، لأن الجميع أصبح يؤيد ويميل إلى حزب واحد ، وهو الحزب الديمقراطي . وهكذا جاء تعبير (الجنوب الصامد) ، بمعنى أن الحزب الديمقراطي هو الحزب الوحيد صاحب الشعبية في الجنوب ، على الأقل حتى عام 1928 م.
تسلسل تاريخي للأحداث الهامة
1866 : سيطر المتطرفون الجمهوريون على الكونجرس – بدأ المتطرفون في إقرار قوانين إعادة التعمير حسب خطة الحزب الجمهوري . 1867 : إقرار قانون إعادة التعمير في الكونجرس – بداية الطلب لمحاكمة جونسون في الكونجرس . 1868 : فشلت محاولة إجبار جونسون على الإستقالة بصوت واحد – انتخاب الرئيس جرانت . 1870 : انتهت معظم حكومات التعمير في الجنوب التي كانت تؤيد الجمهوريين . 1872 : قانون العفو عن الرسميين الكونفدراليين في الجنوب .
مراجع الفصل التاسع عشر
1. Allan Nevins. The Emergance of Modern America, 1865-1875 (1927)
2. E.M. Coutler. The South During Reconstruction, 1865-1877 (1927)
3. W.R. Brock. An American Crisis: Congress and Reconstruction (1963)
4. C. Van Woodward. Reunion and Reconstruction (1951)
5. W.B. Hesseltine. Ulysses S. Crant: Polititian (1931)
الفصل العشرون: إدارة الرئيس أوليسيس س. جرانت
الجو الأخلاقي الذي ساد فترة حكم جرانت ، يعتبر أكثر مسئولية عن الفضائح التي ظهرت في هذا العهد من مسئولية الرئيس نفسه . معظم هذه الفضائح كان يمكن أن تظهر بغض النظر عن شخصية الرئيس . السياسة المحافظة التي اتبعتها هذه الإدارة ؛ كانت ناتجة من سيطرة أصحاب العمل على الحكومة الإتحادية ، في الوقت الذي كانت فيه السياسة الخارجية بناءة ، وتسير سيرا حسنا .
رئاسة جرانت
مع أن الرئيس جرانت كان محبوبا وناجحا كرجل عسكري ، إلا أنب عض خصائصه – في نظر كثير من المؤرخين – وكذلك عدم خبرته السياسية لم تجعله مؤهلا لمنصب الرئيس في الولايات المتحدة .
ظهور جرانت
تطور جرانت من ابن لعائلة مزارعة في الغرب ليصبح بطلا للحرب الأهلية – كان منطقيا يجعل منه مرشحا لرئاسة الجمهورية . لقد بدأ عمله بعد تخرجه من (ويست بوينت) (الكلية الحربية الأمريكية) عام 1843 م . خدم بجدارة في الحرب المكسيكية ، ثم بعد ذلك في مراكز عسكرية في كاليفورنيا ، وأربيجون ، وبعد أن تعب من حياة الجيش ، استقال في عام 1854 ، ليعمل في الزراعة بدون نجاح ، ثم في شراء العقارات وبيعها ، ثم كاتبا في محل والده . ومع بداية الحرب الأهلية ، تطوع في قوات ولاية ألينوي ورقي بعد ذلك إلى رتبه كولونيل . كانت انتصاراته الملحوظة في معارك فورت هنري ودونلسون ، شيلوه ، فكسبرج ، وشاتانوفا ، قد شجعت على ترقيته السريعة حتى أصبح قائدا للقوات الإتحادية في الحرب . وكانت نظرته المتسامحة إلى القوات الكونفدرالية وتواضعه ، مع حبه في التعاون مع المتطرفين الجمهوريين ، قد جعله محط أنظار مختلف الفئات السياسية . لقد كان هادئا في شخصيته وغير متظاهر ، ولكنه كان حازما .
عيوب جرانت
واتضح بأن خبرة جرانت العسكرية ، كانت في بعض الأحيان عاملا معيقا لنجاحه في الخدمة العامة . فلقد تعود جرانت كرجل عسكري أن يطبعه أعوانه العسكريين إطاعة عمياء ، ولذلك فإنه توقع من السياسيين المعينيين أن يكونوا بالمثل ، ولكن اتضح له بأن هذه الثقة في غير محلها ، كما أن نقص خبرته في الخدمة المدنية ، جعله يقوم بتعيين أناس ضعيفو الكفاءة : فمن بين الكثيرين الذين عينهم ، كانوا من أصدقائه وأقاربه والعديد من أقارب زوجته ، وفي كثير من الأحيان كان متسرعا في قراراته حيث حابى جماعة كانت قد تسرعت ببناء ثلاث بيوت له ، وجماعات أخرى قدمت له الهدايا الكثيرة ، وبما أنه لم ينجح في حياته كرجل أعمال ، فإنه كان معجبا بأولئك الذين نجحوا في عملهم ، وأصبحوا من كبار الأثرياء . ولقد أعجب ، واستمع لكثير من رجال الأعمال الطامعين ، أصحاب المصالح الذاتية ، والمخاذلين وجعل منهم أصدقاء ملازمين له ، لم تنتخب أمريكا رجلا عسكريا للرئاسة إلا في عام 1952 هو دوايت أيزنهاور .
الجو الأخلاقي بعد الحرب
إن الفضائح التي ظهرت في عهد جرانت إنما هي انعكسا لانحطاط الجو الأخلاقي الذي تردت فيه البلاد ، في تلك الفترة . تعود المسئولون الحكوميون على صرف أموال طائلة أثناء الحرب مما ثبت فيهم هذه العادة ، بحيث أصبحوا قليلي الاهتمام بأموال الدولة عندما انتقلوا إلى الخدمة العامة . انتشارا لفساد في هذه الفترة إنما يمكن تفسيره برغبة السياسيين في السلطة ، وطمع أغنياء الحرب في الزيادة من جمع الأموال ، وانخفاض الروح المعنوية بسبب الحرب . إن كلا من الشمال والجنوب عانى من هذا الفساد ، فقد شاعت فكرة ، (كلب يأكل كلب) في مجال العمل ، وكأن هؤلاء تقودهم فكرة النظرية الداروينية ؛ حيث أن البقاء يكون للأقوى ، ونما أصحاب العمل وأصبحوا أكثر غنى لأنهم كانوا مخاذلين ، قاسين ، وفاسدين ، وبذلك حصلوا على ميزات خاصة من الدولة . وفي هذه البيئة ، فقد بدا جرانت وكأنه قاس عديم التأثر ، بخلاف كثير من المصلحين في عهده . لقد بدا وكأنه لايشعر ولا يهتم بما يدور حوله . ومع أنه قد حصل على ثروة كبيرة في شكل تبرعات إما نقدا أو في شكل ممتلكات ، إلا أنه لم يقبل هدايا كبديل لخدمات خاصة .
محاباة جرانت لأصحاب العمل
يمكن القول بأن مصالح أصحابا لعمل بأنواعهم المختلفة قد تمتعت بحرية العمل ، وبعدم أي تدخل من الحكومة في شئونها ، وبجو سياسي يرعى مصالحها أكثر من أي عه9د مضى في تاريخ الجمهورية .
إن الحرب الأهلية إنما مثلت انتصار مصالح أصحاب العمل المتركزة في الشمال الشرقي ، وقد رأى الجمهوريون المتطرفون بأن ما كسبوه وقت الحرب لن يسمحوا بخسارته على مسرح السياسة . لقد حابت إدارة جرانت أصحاب العمل بإبقائها على التعريفة الجمركية العالية ، وتسلمت السكك الحديدية مساعدات من الحكومة الفدرالية في شكل منح من الأراضي ، والقروض ،والإعقاء من الجمارك على الجماعات المستوردة لها ، واستفادت الطبقة الدائنة من الرجوع إلى احتياطي الذهب ، وتحديد العرض من العملة ، كما أن أصحاب رؤوس الأموال والمضاربين استفادوا عن طريق الحصول على معلومات خاصة داخلية – تتعلق بسياسة الحكومة المالية .
فضائح إدارة جرانت
إن ظهور بعض الفضائح المشهورة في عهد رئاسة جرانت إنما يمثل مدى التردي الأخلاقي لعصره .
المؤامرة على الذهب (الجمعة السوداء) : حاول إثنان من المضاربين في الأسواق المالية : جيم فسك ، وجي جورلد ، في سبتمبر عام 1869 ، أن يقوموا بعمل الملايين في وقت قصير عن طريق احتكارهم للمعروض من الذهب في البلاد . كان الرئيس جرانت اقتنع بمناقشة بسيطة مبدئيةمن قبل زوج أخته ؛ وهي أن المزارعين الأمريكيين – وخصوصا في الغرب – سيستفيدون كثيرا من ارتفاع أسعار القمح إذا ما أوقفت خزانة الولايات المتحدة بين الذهب في البلاد . وببراءة أوقف الرئيس الخزانة الأمريكية من بيع الذهب ، وهنا قام هؤلاء بشراء كثير من المعروض من الذهب في السوق لم تحكموا في أسعاره – فيما بعد – ورفعوها أضعافا . وهكذا فإن أصحاب العمل الذين كانوا يحتاجون إلى الذهب في مشاريعهم لم يستطيعوا الحصول عليه بالأسعار المعقولة ، مما أدى إلى إفلاس الكثير . وعندما شعر الرئيس بخطته ؛ أمر الخزانة مرة أخرى ببيع الذهب ، وهكذا قضى على حمى المضاربة ، ولكن بعد أن ذهب ضحيتها آلاف من الناس .
عصابة التويد (Tweed Ring)
لبضع سنوات قبيل عام 1871 – كان الزعيم تويد قد ترأس جمعية من النصابين السياسيين في مدينة نيويورك التي نهت خزانة المدينة بما يقارب مائتي مليون من الدولارات عن طريق التزييف والدفعات المزورة . وقامت جريدة نيويورك تايمز بنشر البيانات التي فضحت هذه العصابة في عام 1871 ، بحيث استطاع النائب العام صامويل جي تلدين أن يحصل بالحكم على تويد . وكان لجهود الرسام الكاريكاتيري توماس ناست أثره في فضح رسائل المزيفين بالدعاية ضدهم عن طريق رسوماته .
فضيحة الكريديه – موبلييه (Credit Mobilier)
هذه الفضيحة كان لها تأثير كبير على سمعة الجمهوريين الذين سيطروا على الكونجرس في فترة حكم جرانت الأولى . لقد كانت هذه عبارة عن شركة لبناء السكك الحديدية نظمتها فئة المسيطرين على سكة حديد الباسفيكي الإتحادية ؛ لكي تحصل على ملايين الدولارات كربح عائد عليهم . وكان أوكس إيمز ممثل هذه الشركة ، قد رشى كثيرا من رجال الكونجرس بإغرائهم بتأييد عدم وقف المعونات التي كانت تقدمها الحكومة الإتحادية إلى السكة الحديد في شكل منح من الأراضي والقروض . معظهم هذه الأعمال كانت قبل أن يصبح جرانت رئيسا . وقد كانت هذه الفضيحة التي ظهرت أبعادها من خلال تحقيقات قام بها الكونجرس في عام 1872 ، قد حطمت سمعة الكثير من رجال الكونجرس المعروفين .
قانون زيادة المرتبات
في عام 1873 ، قام الكونجرس بمضاعفة مرتب رئيس الجمهورية . وزاد مرتب أعضائه بمقدار 50% ولكن سيئة القانون أن جعل الزيادة سنتين بأثر رجعي . رد الفعل السيء من الرأي العام على هذا القانون ، كان قد أدى إلى سيطرة الحزب الديمقراطي على الكونجرس القادم ، وعندها ألغى هذا القانون .
عقد سان بورن وفضائح أخرى
اتضح في عام 1874 أن وزارة الخزانة الأمريكية تعاقدت مع شخص اسمه سان بورن ، للقيام بجمع ضرائب غير مدفوعة تبلغ قيمتها 427.000 دولار ، وأنه أعطى عمولة مقدارها 50% ، وأن هذه العمولة استعملت لتمويل نشاطات سياسية للحزب الجمهوري .
ثم هناك ما سمي بفضيحة (جماعة الويسكي) ، وهي عبارة عن مؤامرة بين صانعي الويسكي وبعض موظفي الخزانة الأمريكية الذين يجمعون الضريبة على المشروب لهيئة الخزانة الأمريكية بأموال طائلة عن طريق تخفيف الضريبة المطلوبة واقتسام الفرق ، وكان سكرتير الرئيس جرانت قبل الرئوة من هذه الجماعة عند علمه بهذا العمل ، وأن الرئيس نفسه قبل بعض الهدايا التي كان عليه أن يشك في سبب إعطائها له .
وفي فضيحة أخرى ، فإن وزير الحربية : و.و. بلكناب ، قبل رشوة من تاجر في منطقة الهنود ، وكان يمكن لهذا أن يقدم للمحاكم ؛ لولا أنه استقال .
العلاقات الدولية في عهد جرانت
كان جرانت محظوظا في اختياره لهاملتون فش كوزير للخارجية الأمريكية . ولقد أثبت فش قدرته الدبلوماسية ، بحيث استطاع أن يحل كثيرا من المشاكل المعلقة مع بريطانيا حلا سلميا . وهكذا فإن حصيلة إدارة جرانت في السياسة الخارجية تعتبره بناءة إلى حد كبير .
محاولة ضم سانتو دومنجو
استمع جرانت عام 1869 إلى نصيحة بعض المضاربين ، من أصحاب الأموال والأراضي ، بضرورة الاستيلاء على سانتو دومنجو ، فقام بتقديم معاهدة إلى مجلس اشيوخ بشأن الموافقة على مثل هذا العمل . ولكن السناتور تشارلس سمنر لاحظ ما في الأمر من تلاعب ، وكان له أثره في منع مجلس الشيوخ من الموافقة على تلك المعاهدة . واستمر الرئيس في محاولته جاهدا – دون جدوى – أن يحصل على موافقة المجلس في هذا الأمر . وانتقاما من سمنر ، فقد استطاع جرانت التأثير على مجلس الشيوخ بإزاحة سمنر عن رئاسة لجنة الشيوخ للعلاقات الخارجية .
الفينيانز (the Finians) كانت هذه عبارة عن جمعية سرية من أيرلنديين أمريكيين تكونت في عام 1850 بغرض معاونة أيرلندا الحصول على استقلالها من بريطانيا . وبعد الحرب الأهلية خططت هذه الجمعية على كسب كثير من المحاربين القدماء للقيام بالاستيلاء على كندا واستبدالها مع بريطانيا مقابل تحريرا أيرلندا وقام هؤلاء بالفعل بغزو كندا عام 1866 من الولايات المتحدة عن طريق نهر نياجرا ، وقد اشتبكوا مع الميليشيا الكندية ، وحاولوا ذلك مرة أخرى في عام 1876 ، ولكن الحكومة الأمريكية قامت باعتقال قادة هذه الحركة ، وأخذت على نفسها تعهدات مع بريطانيا يمنع مثل هذه الحوادث في المستقبل .
معاهدة واشنطن عام (1871)
بالنيابة عن حكومة الولايات المتحدة ، قام تشارلس سمنر ، المتكلم باسم (لجنة الشيوخ للعلاقات الخارجية) ، بادعاءات ضد الحكومة البريطانية ، مطالبا إياها بدفع تعويضات نتيجة الخسائر التي ألحقتها الطرادات البريطانية المعطاة لقوات البحرية الكونفدرالية أثناء الحرب الأهلية ، وخصوصا الطراد (ألباما) وغيره ، مما سبب خسائر كبيرة في التجارة البحرية ، ولم يمكن التوصل إلى حل بين الدولتين بهذا الخصوص لإصرار بريطانيا بأن سمنر كان كثير المبالغة ، وأن التعويضات التي كان يطالب بها إنما كانت في غير المعقول . وعندما جاء فش سكرتيرا للخارجية الأمريكية ؛ بدأ – بهدوء – اتصالاته ومفاوضاته مع الحكومةالبريطانية . وقد استطاع التوصل إلى حسم للخلاف بعمل اتفاقية واشنطن مع بريطانيا عام 1871 م . تضمنت هذه الإتفاقية استعمال طريقة التحكيم (Arbitration) لحل كثير من المشكلات المعلقة ، وبالفعل كانت طريقة التحكيم هذه قد قدمت حلولا للمشاكل الآتية : بخصوص الخسائر الناجمة عن الطراد ألباما ، حيث اجتمعت لجنة تحكيم في جنيف ، وحكمت لأمريكا بتعويضات مقدارها 15.5 مليون دولار ؛ عوضت الولايات المتحدة بريطانيا مقدار 5.5 مليون دولار لخرق الأولى حقوق الصيد البريطانية على ساحل الأطلسي الشمالي الشرقي ؛ كما استطاعت الدولتان عن طريق التحكيم وضع الحدود بين الولايات المتحدة وبين كولومبيا البريطانية (في كندا) في سلسلة الجزر الواقعة على الحدود – بوجيه ساوند . هذه الإتفاقيات كانت حجر الأساس – في البداية – لحل كل المشكلات بين البلدين بطريقة سلمية ، كما انها رسخت مبدأ التحكيم كوسيلة لحل النزاعات الدولية.
انتفاضة كوبا
كانتهناك انتفاضة كوبا ضد حكم إسبانيا ، دامت من 1868-1878 م . ومع أن الولايات المتحدة كانت متعاطفة مع الثوار هناك ؛ إلا أنها حاولت التزام سياسة الحياد . في عام 1873 ، قام الإسبانيون بالسطو على سفينة اسمها فرجينوس ، حيث كانت ترفع بطريقة غير شرعية العلم الأمريكي ، ثم أعدموا ما عليها بما فيهم بعض الأمريكيين . ونتيجة جهود فش ؛ تجنبت أ/ريكا الحرب مع إسبانيا بعد أن تعهدت الأخيرة بدفع تعويضات للعائلات الثكلى .
معاهدة بيرلنجيم (Burlingame)
قام وزير أمريكا المفوض في الصين ، أنسون بيرلنجيم ، بعمل اتفاقية مع الحكومة الصينية عام 1868 ، والتي سمحت أ/ريكا فيها بهجرة الصينيين غير المقيدة إلى الولايات المتحدة . ونتيجة هذه المعاهدة ، دخلت أعداد كبيرة من الصينيين إلى ولاية كاليفورنيا . وقد عارضت حكومة الولاية هذه المعاهدة ، محاولة عدة مرات منع دخول هؤلاء المهاجرين إلى كاليفورنيا ، دون جدوى .
انتخابات عام 1872
أهم مظاهر انتخابات الرئاسة في هذاا لعام ؛ إنما كان ظهور فئة الجمهوريين الأحرار داخل الحزب الجمهوري ؛ وقد ثار هؤلاء على سياسة الثأر التي استخدمها أعوانهم في تطبيقهم لخطة التعمير في الجنوب ، وطالبوا بعدالة وأمانة أكثر في أعمال الحكومة إلى جانب عديد من الإصلاحات . وهكذا انقسم الجمهوريون إلى فئتين : المترطفون وقد رشحوا بطبيعة الحال الرئيس جرانت ، ثم الأحرار الذين انقضوا الآن في حزب مستقل سموه (الحزب الجمهوري الحر) ؛ حيث رشحوا هوارس جريلي . جريلي كان رئيسا لتحرير جريدةنيويورك تبيون ، حيث كان أيضا مرشحا عن الحزب الديمقراطي . في هذه الحملة ؛ لجأ المتطرفون إلى مخاطبة عواطف الناخبين بتذكيرهم ببطل الحرب الأهلية ، ولجأ الطرفان إلى استعمال الدعايات الكاذبة .
واستطاع المتطرفون إنجاح جرانت ، بسبب سيطرتهم على أصوات الناخبين السود في الولايات الجنوبية الثلاثة التي لم تكن قد قبلت بعد في الإتحاد . ولكن ثورة الأحرار الجمهوريين هذه كانت قد أرغمت أعوانهم على اتخاذ خطوات حاسمة لتدعيم الأمانة في شئون الحكومة الإتحادية .
المشاكل الإقتصادية في أعقاب الحرب =
رجوع الإقتصاد لحالة السلم سبب أزمة اقتصادية مفاجئة ، كما أن الرجوع بعد الحرب إلى نظم دعم العملة بالذهب قد جلب نقصا في العملة المتداولة أثر على المزارعين والدائنين .
الأزمة الإقتصادية عام 1873
بدأت هذه الأزمة نتيجة إفلاس شركة جي كوك . إفلاس هذه الشركة – التي كانت من أكبر المساهمين الماليين في الحرب الأهلية – سبب انتفاضة بين أصحابا لأعمال الأمريكيين . من أسباب هذه الأزمة – أيضا – التوسع الزائد في بناء السكة الحديد وفي الصناعة ، والنمو الإقتصادي الذي خلف الحرب الأهلية .
الخلاف حول سياسة العملة
في خلال الحرب الأهلية، طبعت الخزانة الفدرالية كميات كبيرة من العملة الورقية تعرف بجرينباكس (Greenbax) ، وكان ذلك ضروريا لعدم وجود ذهب يغطي المدينين أن يدفعوا ما عليهم من هذه العملة . بعد الحرب ، أوقفت الخزانة هذا العمل بتقليل العرض من ثمن المحصولات الزراعية انخفض بشكل كبير ، كما أن الفئات الدائنة وجدت صعوبة في سداد التزاماتها لعدم عرض العملة الورقية . في عام 1868 ، اقترح الحزب الديمقراطي في برنامجه السياسي ما سمي بـ(فكرة أوهايو) ، والتي بموجبها ، طالبوا الحكومة بدفع ثمن السندات للمواطنين بواسطة العملة الورقية . وهنا ظهر خلاف حول هذه الاقتراح : لقد وافقت عليه الفئات الدائنة والمزارعين ، ولكن الحزب الجمهوري ، وعلى الأخص أصحاب العمل فيه ، كانوا يريدون الرجوع إلى نظام الذهب ، ولذلك عارضوا فكرة أوهايو ، ومن هنا استطاع أتباع الحزب الجمهوري عرقة العمل بالقرار .
وفي عام 1870 ، قامت المحكمة الإتحادية ، فيما يسمى بـ (قضايا العملة الشرعية) بالحكم بأن الدولار الأخضر لا يعتبر شرعيا في دفع الديون قبل طبعه – أي قبل عام 1862 م ، ولكن جرانت كان قد عين اثنين من قضاة المحكمة الموالين لرأيه ، ولذلك قامت المحكمة في عام 1871 بتغيير رأيها بخصوص قرار عام 1870 بحكمها بأن الدولار الأخضر يعتبر شرعيا (دستوريا) – ولكن هذا يعني الإعتراف بما هو متداول فس السوق من الدولار الأخضر ، وعلى ذلك لم ينته هذا القرار أزمة قلة المعروض من العملة الورقية .
جريمة عام 1873 الإقتصادية
في عام 1873 ، اتخذت خطوة أخرى منعت من زيادة العرض من العملة الورقية ؛ حيث وافق الكونجرس على اقتراح لوزارة الخزانة بمنع شرا وطبع العملة الفضية ، التي أصبحت نادرة في ذلك الوقت . وبمحض الصدفة ، زاد العرض على الفضة ، وبذلك نقص سعرها ، في الوقت الذي منع طبعها ، بالنسبة للفئات المدنية الدائنة .
ظهر هذاا لعمل بأنه متعمد من قبل أصحاب المصالح (الدائنين الأصليين) ليمنعوا عرض الفضة الذي سيؤثر على عرض ثمن العملة الورقية . الدائنون الأصليون قصدوا تقليل العرض لخدمة مصالحهم . وهكذا فقد اعترضت الطبقات المدينة على هذه السياسة ، وأطلقواعلى قانون الكونجرس هذا (جريمة 1873 الإقتصادية) ، ثم بدأوا يطالبون بإعطاء الفضة قيمتها – أي طبعها وبيعها – كوسيلة لزيادة المعروض من العملة في الأسواق .
قانون التكملة عام 1875
تحت ضغط أصحاب المصالح المالية ، قام الكونجرس بالموافقة على إعادة الرجوع إلى نظام الذهب – دعم العملة الورقية بقيمتها من الذهب . ولقد أصبح هذا القانون ساري المفعول في عام 1879 . وقد أدى إلى ثقة أصحاب الأموال في العملة الأمريكية ، ولكنها أثرت على المدينين .
حزب الدولار الأخضر
بدأ هذا الحزب عام 1875 للتعبير عن رغبات المستدينين الذين طالبوا بزيادة العرض من العملة الورقية . ففي عام 1878 ، اتخذت فئات العمال فيما بينها، لتكون (حزب الدولار الأخضر للعمال) . وقد كان برنامج هذا الحزب يطالب بزيادة استعمال الدولار الأخضر ، وحرية طبع الفضة واستعمالها لتصبح هذه ذات مفعولية كالذهب ، وفي عام 1878 – في أعلى درجات نجاحه ، استطاع هذا الحزب أن ينتخب خمسة عشر ممثلا لهم في الكونجرس ، وكذلك كثيرا من الرسميين في الولايات .
أزمة الزراعة بعد الحرب
الرخاء الذي تمتع به المزارعون أثناء الحرب الأهلية سرعان ما انتهى بنهاية الحرب . وكانت الأزمة الإقتصادية العالمية عام 1873 قد زادت من انخفاض الأسعار . في الواقع هذه الأسعار ظلت في انخفاض مستمر حتى عام 1896 . كما أن قلة المعروض من العملة الورقية ؛ زادا لطين بلة بالنسبة للمزارعين ، خصوصا مع زيادة الإنتاج الزراعي . في ذلك الوقت كانت تستصلح أراض زراعية جديدة في كندا ، أستراليا ، الأرجنتين ، وروسيا . ولقد اعتقد المزارعون بأن الأزمة إنما هي قلة الإستهلاك التي تسببت عن زيادة الطلب .
الجرينجرز (Grangers)
قام موظف في وزارة الزراعة الأمريكية يدعى أوفيفر كلي بنظيم جماعة سميت (أصحاب الزراعة) (Patrons of Husbandry) وكان اسمها الشعبي (الجرينجرز) . وقد بدأت هذه كهيئة سرية تعمل على محاولة تثقيف المزارعين وعائلاتهم . وبعد أزمة عام 1873 الإقتصادية وما صاحبها من انخفاض في أسعار المنتجات الزراعية ، أصبحت هذه حركة سياسية . لقد حمل هؤلاء مسئولية الضعف في حالة الفلاح الإقتصادية على أصحاب المصالح وأصحاب العمل ؛ كما أنها عارضت ما سمته باحتكارات البائعين للأدوات الزراعية وزيادة أسعارها على المزارعين ، وكذلك حملوا الوسطاء التجاريين المسئولية لزيادتهم أسعار الحاجيات في الوقت الذي تصل فيه إلى المستهلك – نظرا لزيادة ما يتقاضوه من عمولة ؛ كما ألقوا المسئولية على شركات السكة الحديدية في التسبب في كثير من مشاكل البلاد الإقتصادية .
وأصبحت لهذا الحزب قوة سياسية عامة . وأصبح لأعضائه تأثير كاف في معظم الولايات ، بحيث تمكنوامن الضغط على حكومات الولايات والكونجرس في الموافقة على سن قوانين خاصة بتنظيم السكة الحديدية ومخازن الحنطة . ونتيجة لهذه الجهود ، فقد أمكن خلق لجان في الكونجرس لتعمل على تنظيم هذه الأمور – السكة الحديدية ومخازن الحنطة – في الولايات أيضا . بالإضافة إلى نشاطات هذا الحزب السياسية والإجتماعية ، قام بتكوين جمعيات تعاونية للمستهلكين والمنتجين ، وعلى الرغم من فشل هذه الجمعيات سبب عدم خبرة المسئولين عنها ؛ إلا أن ذلك كان تجربة لهم للنجاح في المستقبل في مثل هذه المشاريع . لقد وصل حزب الجرينجرز أعلى مراحل نجحه في عام 1879 ، إلا أنه لايزال – إلى الآن – يعتبر من أشهر جمعيات المزارعين في أمريكا .
انتخابات عام 1876
فشلت محاولة الجمهوريين في إعادة انتخاب جرانت لمرة ثالثة ، وهكذا أصبحت الطريق مفتوحة أمام مرشح الجمهوريين جيمس بي . بلين . وكان من الممكن لهذا أن يحوز على الترشيح عن الحزب الجمهوري لولا اتهامه بقبول رشوة من أصحاب مصالح السكك الحديدية ، ومحاولة تأثيره على الكونجرس في الموافقة على منح أراضي حكومية للسكك الحديدية عام 1866 م . وهكذا فقد استقر رأي الجمهوريين على ترشيح رذر فوردهيز ، حاكم أوهايو ، وقد كان معروفا بأنه من الأحرار الجمهوريين ومن أبطال الحرب الأهلية . في حين أراد الحزب الديمقراطي أن يعبر عن مشاعر العصر ، وضرورة العمل على إصلاحات جديدة لازمة ، ولذلك فقدا ختار صامويل جي . تلدن ، حاكم ولاية نيويورك ، الذي اشتهر بعد فضحه لعصابة تويد في مدينة نيويورك . نتيجة الإنتخاب في هذا العام سببت أكبر نزاع ظهر بخصوص نتائج الإنتخابات في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية . لقد حصل تلدن على 184 صوتا ناخبا ، وتقدم ب 246 ألف صوت شعبي على هيز الذي حصل على 165 صوتا ناخبا ، ولكن ظهر نزاع حول عشرين صوتا ناخبا – إلى أي منهما تؤول هذه الأصوات ؟ منها 19 صوتا في الولايات الجنوبية الثلاثة : لويزيانا ، ساوث كارولاينا ، فلوريدا ، فحتى ينجح هيز لابد له من أن يحصل على كل الأصوات الناخبة في هذه الولايات . أما الولايات الثلاثة نفسها فقد قدمت لائحتين من نتائج الإنتخابات فيها : واحد لصالح الجمهوريين والأخرى لصالح الديمقراطيين . إذن من الوضاح أن نتيجة الإنتخاب – دون حساب الأصوات المتنازع عليها – تؤيد تلدن ، وما لم يحصل هيز على كل الأصوات المتنازع عليها ، فإنه سيخسر الإنتخابات .
لم يكن هناك سابقة للكونجرس بأن تعالج مثل هذا النزاع ، ولذلك فقد استقر الراي على تأليف لجنة تسمى (لجنة الإنتخاب) ، وتتكون من خمسة عشر عضوا مقسمة بالتساوي بني مجلس النواب ، والشيوخ ، ثم المحكمة العليا . من حيث الموالاة الجنوبية لهؤلاء الأعضاء ؛ كان سبعةمنهم من الجمهوريين وسبعة من الديمقراطيين وواحد مستقل . وعندما استقال العوض المستقل الذي كان ممثلا من المحكمة الإتحادية ، اختير مكانه عضو ينتمي إلى الحزب الجمهوري ؛ حيث إن باقي قضاة المحكمة كانوا من الجمهوريين . هذا الصوت الجمهوري أعطى كل نقطة في النزاع لصالح الجمهوريين . وقد حسم النزاع بأيام معدودة قبل تسلم الرئيس الجديد لمهامه .
كان حسم هذا النزاع مبنيا على مساومة سياسية بين الحزبين . موافقة الحزب الديمقراطي على إعطاء نتيجة الإنتخاب لهيز – الجمهوري – في مقابل تعهد الرئيس بسحب القوات الفدرالية المتبقية في كل من ولايات : لويزيانا ، ساوث كارولاينا ، وفلوريدا . وهكذا انتهت فترة عهد التعمير في أمريكا – بانسحاب بقية القوات الفدرالية من الجنوب .
تسلسل تاريخي للأحداث الهامة
1896 : فشل المحاولة لضم سانتو دومنجو . 1870 : فشلت المحاولة الثانية لضم كندا . 1871 : معاهدة واشنطن (بين أمريكا وبريطانيا حلت المشاكل المعلقة ، خصوصا طلب التعويضات بسبب ألباما) (المدمرة الكونفدرالية) . 1876 : النزاع على نتيجة الإنتخاب . 1876 : انسحاب القوات الفدرالية من الجنوب .
مراجع الفصل العاشر
1. Allan Nevins. Hamilton Fish: the Inner History of the Grant Administration (1965)
2. W.B. Hesseltine. Ulysses S. Grant (1935)
3. James Bryce. The American Commonwealth (1888)
4. Mathew Josphson. The Politicos (1938)
مراجع الكتاب
Thomas A. Baily. The American Pageant, 2vol. (3rd ed. Heath, 1966).
Lbland D. Baldwin. The Stream of American History, 2vol. (4th ed., Van Nostrand Reinhold, 1969).
John M. Blum, Et. Al., the National Experience: A History of the United States, 2vol. (2nd., Harcourt Brace, 1968).
Harry jj. Carman, H.c. syrett, and B.W. Wishy. A History of the American people, 2vol. (3rd ed., Koop, 1969).
John A. Garraty. The \american Nation: A History of the United states (Harper and Row. 1966).
Donald V. Gawronski. Out of the Past: A Topical History of the United States (Glencoe press, 1969).
Norman A. Graebner.G. c. fie, and P.L. White. History of the United states, 2 vol. (McGraw-Hill, 1970).
Nelson Klose. American History, 2vol. (Barron's Educational series, Inc., 1973
Ostar Handlin. The History of the United States, 2vol. (Holt. Rinehart, and Winston), (1967).
John D. Hicks, G/E. Mowry, and R.E.Burke. The American Nation, 2vol., (Houghton Mifflin, 1964).
Richard Hofstadfer, William Miller, and Daniel Aron, 2vol. The American republic (prentice-Hall, 1959).
Norman c. Lumian. Living America (Van Nostrand Reinhold, 1969).
Samuel E. Morison. H.S. commager, and W.E. Leuchtenburg. 2vol. Growth of the Amprican Reopublic (6th ed,. Oxford, 1969).
Samuel E. Mnsion. The Oxford History of the American people, Oxford, 1965).
Richard b. Morris and William Greenleaf. USA: The History of a Nation, 2vol. (rand Mcnally, 1969).
Dexter perkins and Glyndon G. Van Deusen. The United States of America, 2vol. (2nd ed., Macmillan, 1969).
T. Harry Williams, R.N. Current, frank freidel. American History: A Survey (2nd ed., knopf, 1966). H. Harry Williams A History of the United Sates. 2vol (3rd ed., knopf, 1969).
المراجع
SOURCES, UNITED STATES HISTORY
Thomas A. Baily. The American Pageant, 2vol. (3rd ed. Heath, 1966).
Lbland D. Baldwin. The Stream of American History, 2vol. (4th ed., Van Nostrand Reinhold, 1969).
John M. Blum, Et. Al., the National Experience: A History of the United States, 2vol. (2nd., Harcourt Brace, 1968).
Harry jj. Carman, H.c. syrett, and B.W. Wishy. A History of the American people, 2vol. (3rd ed., Koop, 1969).
John A. Garraty. The \american Nation: A History of the United states (Harper and Row. 1966).
Donald V. Gawronski. Out of the Past: A Topical History of the United States (Glencoe press, 1969).
Norman A. Graebner.G. c. fie, and P.L. White. History of the United states, 2 vol. (McGraw-Hill, 1970).
Nelson Klose. American History, 2vol. (Barron's Educational series, Inc., 1973
Ostar Handlin. The History of the United States, 2vol. (Holt. Rinehart, and Winston), (1967).
John D. Hicks, G/E. Mowry, and R.E.Burke. The American Nation, 2vol., (Houghton Mifflin, 1964).
Richard Hofstadfer, William Miller, and Daniel Aron, 2vol. The American republic (prentice-Hall, 1959).
Norman c. Lumian. Living America (Van Nostrand Reinhold, 1969).
Samuel E. Morison. H.S. commager, and W.E. Leuchtenburg. 2vol. Growth of the Amprican Reopublic (6th ed,. Oxford, 1969).
Samuel E. Mnsion. The Oxford History of the American people, Oxford, 1965).
Richard b. Morris and William Greenleaf. USA: The History of a Nation, 2vol. (rand Mcnally, 1969).
Dexter perkins and Glyndon G. Van Deusen. The United States of America, 2vol. (2nd ed., Macmillan, 1969).
T. Harry Williams, R.N. Current, frank freidel. American History: A Survey (2nd ed., knopf, 1966). H. Harry Williams A History of the United Sates. 2vol (3rd ed., knopf, 1969).