تاريخ العربية السعودية - فاسيلييف - الفصل العشرون
الفصل العشرون: البنية الاجتماعية الاقتصادية للعربية السعودية في "عصر البترول"
ازدادت عوائد العربية السعودية من البترول خلال الفترة بين 1938 و1973 لاكثر من 8.5 الف مرة (من نصف مليون دولار عام 1938 الى 4.3 مليار دولار عام 1973), وعند حلول الثمانينات ربت على مائة مليار.
وكان الجزء الاكبر من عوائد البترول فى الاربعينات والخمسينات ينفق على الاغراض الاستهلاكية. ويعزى ذلك الى فقر البلد الذى كان يجد مشقة كبيرة في تدبير لقمة العيش, كما يعزى ايضا الى تخلف التركيب السياسى الاجتماعى في البلد. وبدا كما لو ان الطبقات الحاكمة التى كانت الاموال في يدها قد قطعت صياما استمر بضعة قرون وانكبت على الاستهلاك بشراهة متزايدة. ولم تكن الفئات الدنيا لتحصل عمليا على شئ من عوائد البترول.
ولئن كان جهاز الدولة آنذاك يتفق ومتطلبات مجتمع اقطاعى عشائرى على مستوى القرون الوسطى, فانه لم يكن مناسبا البتة للتصرف باموال ضخمة واداء وظائف اجتماعية اقتصادية جديدة. ففى الثلاثينات والاربعينات, بل وحتى فى الخمسينات, لم تكن خزينة الدولة في العربية السعودية منفصلة عمليا عن خزانة الملك الخاصة. ولم يعرف البلد اى نظام مالى او نقدى, ولم تسر فيه تشريعات صناعية او تجارية او تعتمد مؤسسات حكومية او اجتماعية, ولم تتوفر لديه كوادر مؤهلة للتحكم بالمستوى المستجد للعوائد. كما ان النظام الديتى لم يكن ليساعد على اعتماد مستحدثات جديدة او دفع عجلة التنمية الاقتصادية الى امام.
وفى اواخر الخمسينات كان نصف عوائد البترول (التى ربت على 300 مليون دولار سنويا) من نصيب العائلة المالكة, بينما حصل التجار وموظفو الدولة والمستشارون على جزء كبير آخر.
وثمة رقم اقل يذكره الباحث فليبى, اذ يقول ان المداخيل المباشرة للعائلة المالكة كانت تبلغ في الخمسينات خمس عائدات الدولة. وكما في غالبية بلدان الشرقين الاوسط والادنى, اصبحت الوظيفة الحكومية وسيلة للاغتناء في العربية السعودية. فان جهاز الموظفين كان يدعى زيفا الولاء للمبادئ الوهابية ولكنه يمارس السرقة والرشوة. وذكر مؤلفون امريكان "ان من لم يكن يقوم بذلك اعتبر اما احمق او غريب الاطوار". وقد اقترن اتساع الجهاز البيروقراطى وزيادة عوائد البترول بانتشار الفساد الذى بلغ حدا اصبح معه الجزء الاكبر من اعتمادات الميزانية يتسرب الى جيوب القيمين على استخدامها, بمن فيهم افراد الاسرة السعودية وغالبا ما كان موظفو الدولة يمارسون الاتجار وفي المقابل يتبوأ التجار مناصب حكومية. لذا فان هؤلاء الاشخاص ما كانوا ليترددوا ابدا في استثمار مناصبهم لتحقيق مآرب شخصية.
ونظرا لضيق مجال استثمار رؤوس الاموال في العربية السعودية, وخاصة في التوظيفات الطويلة الاجل, فان كميات كبيرة من الاموال اخذت تتسرب الى الخارج ابتداء من الاربعينات والخمسينات وتستقر هناك كودائع مصرفية او لشراء العقار.
النظام المالى. المداخيل والنفقات. قبل عام 1952 لم يكن يوجد في السعودية نظام نقدى موحد. فالى جانب الريال السعودى كان يتداول في الحجاز الجنيه الذهبى الانجليزى, وفي شرق البلاد الربية الهندية, اما طالر ماريا تيريزا فقد كان عملة متداولة في كل مكان ويعادل ثلاثة ريالات سعودية.
في عام 1952 انشئت وكالة النقد السعودية وخولت صلاحيات بنك الاصدار, وبعد بضع سنوات اسس البنك الدولى المركزى الذى اصدر ريالا ذهبيا (زهاء 0.2 غرام) مغطى بالذهب والعملة الصعبة. وكان الدولار الامريكى الواحد يعادل 3.75 ريال, وفي عام 1960 اصبح يساوى 4.5 ريال. وبدأ اصدار ما يسمى ب"صكوك الحجاج" التى حلت محلها تدريجيا النقود الورقية.
وفي الاعوام التالية عدلت القيمة الرسمية للريال مرتين. فاثر تخفيض سعر الدولار وبقاء المحتوى الذهبى للريال على وضعه السابق, ارتفع سعره ابتداء من كانون الاول (ديسمبر) 1971 واصبح الدولار يعادل 4.14 ريال. وفى آب (اغسطس) عام 1973 رفعت السعودية سعر الريال وزيد محتواه الذهبى الى زهاء 0.21 غرام, واصبح الدولار يعادل 3.55 ريال. وعلاوة على مقرها في جدة, افتتحت وكالة النقد فروعا في المملكة والمدينة والدمام. وكانت مهماتها الرئيسية في العمل على ضمان استقرار وتوطيد العملة السعودية ومركزة المداخيل والنفقات ومساعدة وزارة المالية والاقتصاد الوطنى. وكان الخبراء العاملون في الوكالة من الاجانب.
في عام 1957 انضمت العربية السعودية الى صندوق النقد الدولى والبنك الدولى للانشاء والتعمير, ومنذ عام 1970 انتسبت الى الرابطة الدولية للتنمية. واصبحت هذه المنظمات الدولية التى يهيمن عليها رأس المال الامريكى هى التى تتحكم في السياسة المالية والاقتصادية للملكة, رغم ان تحقيق توصياتها غالبا ما كان متعذرا.
حتى عام 1952 كانت "الجمعية التجارية الهولندية" العاملة منذ عام 1926 هى البنك الرئيسى للسعودية ومن خلاله قدمت سوكال الفعات الاولى المترتبة عليها عند الحصول على الامتيازات النفطية. وفي الاربعينا واوائل الخمسينات بدأ العمل "بنك دى لا اندوشين" الفرنسى والبنك العربى الدولى الاردنى وبنك "ميدل ايست" البريطانى و"نيشنل بنك" الباكستانى.
وفي اواسط الستينات كان في السعودية ثلاثة بنوك وطنية وهى البنك التجارى الوطنى وقره جدة وبنك الرياض وبنك التسليف الزراعى الذى انشئ عام 1964 (13). واسس البنك التجارى الاهلى في اواسط الثلاثينات من قبل كبريات البيوت التجارية في جدة. وفي عام 1974 بلغ عدد البنوك السعودية 12 بنك لها 72 فرعا ووكالة, بالاضافة الى عشرة بنوك اجنبية.
وبلغت العوائد المباشرة المستحصلة من شركات البترول اكثر من اربعة اخماس مداخيل الدولة. اما اذا اخذنا بنظر الاعتبار المداخيل غير المباشرة الناتجة عن نشاط الشركات, فيمكن القول ان كل مداخيل الدولة, ومجمل اقتصاد البلاد عموما, كان وما يزال قائما في الاساس على استخراج البترول وتصديره. امام مصارد الدخل الثانوية فهى تتمثل قي رسوم البلدية والمرافئ والمطارات وغيرها, والعوائد من استثمار السكك الحديد وشركة الطيران ورسوم الطرق والزكاة. وفي عام 1954 كانت الزكاة لا تشكل سوى مليون دولار ونيف, اى اقل من 1% من مداخيل الدولة. وفي الخمسينات خفضت الحكومة نسبة الزكاة من 2.5% الى 1.25% من مداخيل السكان, على افتراض ان المسلمين سوف يتولون بانفسهم انفاق المتبقى في عمل المعروف.
اما بالنسبة لنفقات الدولة فان الجزء الاساسى منها كان يخصص في الاربعينات والخمسينات للانفاق على العائلة المالكة والقوات المسلحة والشرطة ولتمويل العشائر والمؤسسات الدينية.
وفى عام 1961 انشئت الهيئة العليا للتخطيط التى كلفت بوضع سياسة التنمية الاقتصادية بالاشتراك مع سائر الوزارات والمصالح الحكومية وذلك استنادا الى توصيات البنك الدولى للانشاء والتعمير, كما كلفت بمتابعة تنفيذ المشاريع الاقتصادية. وفي عام 1965 حلت محلها منظمة التخطيط المركزية التى منح رئيسها رتبة وزير. ولم يكن هناك فصل واضح لوظائف كل منظمة التخطيط المركزية ووكالة النقد ووزارة المالية والاقتصاد, لذا غالبا ما كانت تنشأ تناقضات حادة فيما بينها. ولم يتم تنفيذ اى من الخطط الاقتصادية التى اقرت في مطلع الستينات. في الستينات اخذت تتزايد في اعتماد الميزانية النفقات المخصصة للمواصلات والصحة والتعليم والزراعة وتوطين القبائل والرى. ونصت ميزانيات الدولة في الستينات واوائل السبعينات على زيادة استثمارات التنمية الاقتصادية والصحة والتربية. بيد ان مشاريع التنمية الاقتصادية كانت الى حد كبير تغطية لنفقات ذات طابع عسكرى استراتيجى. وبعد عام 1967 بلغت الاعتمادات المباشرة وغير المباشرة للقوات المسلحة والجهاز القمعى, اى لاهداف حماية النظام خمسى الميزانية (بعد ان كانت تشكل حوالى الثلث. وبلغت نفقات الجيش 10-13% من الناتج الوطنى الاجمالى, اى اكثر مما فى اى بلد من بلدان حلف الناتو بما فيها الولايات المتحدة, ولم تزد عليها سوى نفقات بلدان الشرق الاوسط الضالعة مباشرة في النزاع العربى الاسرائيلى. وكان جهاز الدولة المتضخم "يأكل" ويسرق جزءا هائلا من الاموال. منذ اواخر الستينات وبداية السبعينات لوحظت ظاهرة جديدة في الممارسة المالية للعريبة السعودية, تمثلت في تصدير الراسميل عبر قنوات حكومية, من خلال وكالة النقد. وكان الجزء الاساسى من ايداعات الدولة محفوظا في "مورغان غارنتى تراست كومبانى" و"تشيز مانهاتن بنك". كما اودعت مبالغ كبيرة في بنوك اوروبية. وبلغت الاراقم التقريبية للايداعات السعودية في الخارج: 785 مليون دولار عام 1969 و890 مليونا عام 1970 و1540 مليونا عام 1971 و2870 مليونا عام 1972 و4790 مليونا عام 1973 و19200 مليون عام 1974 و38700 مليون عام 1975 و49590 مليونا عام 1976. وهذه ارقام تقريبية هى مجرد مؤشر على الاتجاه العام وليس على الكميات الدقيقة للرساميل المودعة. بعد زيادة اسعار البترول القياسية لعدة اضعاف لم يعد بوسع البلدان يستوعب او حتى "يأكل" المداخيل المتزايدة, فأخذ يصدر الرساميل بكميات متزايدة, وبلغت الايداعات في الخارج بضع عشرات المليارات من الدورلارات في اواخر السبعينات. وكان القسم الاكبر من الايداعات السعودية يتكون من سندات الخزانة الامريكية والايداعات المصرفية واسهم الشركات ومن استثمارات الدولارات الاوروبية في السوق والعقارات. وتفيد احصائيات "فيرست ناشنل بنك اوف شيكاغو" ان 70% من الاستثمارات السعودية كانت مرتبطة بالدولار.
ميلاد ونشوء الصناعة الوطنية. في مطلع الاربعينات لم تكن العجلة مستخدمة في غالبية مناطق العربية السعودية. ومن الخطأ القول بأن سكان هذه المناطق "لم يعرفوا العجلة" ولكن غيابها هو مؤشر دقيق على مستوى تطور القوى المنتجة في البلد. وحتى مطلع الستينات كان "الانتاج الوطنى" مقتصرا على الضروريات التقليدية من عمل الصناع البدائيين والحرفيين العاملين في البيوت. وكان الصدع قد بدأ يدب في الاقتصاد التقليدى للعربية السعودية, وما يتصل به من مستوى متخلف في تطور القوى المنتجة, والفقر والمرض والامية, قبل ظهور شركة ارامكو. وقد تسارعت هذه العملية بفعل هجوم المؤسسة الرأسمالية المعاصرة والاسراف في الاستيراد الذي يؤدى الى عواقب وخيمة على الحرف المحلية (كما هو الحال بالنسب للزراعة). وفي اواخر الخمسينات ذكر باحثون امريكان ان "فروع الحرف قد عانت في السنوات الاخيرة من ركود شامل بفعل تزايد استيراد السلع الصناعية الرخيصة .. وان عدد العاميلن في الانتاج الحرفى الذى لم يكن اصلا كبيرا قد اصبح اليوم ضئيلا للغاية".
ولقد مارست آرامكو, وسط اقتصاد يتنمى الى فترة القرون الوسطى او ما قبلها, تأثيرا مباشر على مجتمع الجزيرة. فقد استمالت القوة العاملة المأجورة وشيدت مدنا وبلدات عصرية وانشأت هيئات الخدماات وورشات شارك فيها راس المال الوطنى ومدت شبكة من الطرق. وكل هذه التحولات التى تعد تقدما بالنسبة لاقتصاد العربية السعودية وتطورها مالاجتماعى, لم تكن عملا خيريا تسديه الاحتكارات الامريكية, بل استدعتها ضرورة تهيئة ابسط الظروف الاقتصادية والتكنولوجية السياسية الملائمة لعمل آرامكو بشكل طبيعى .. وقد اشار لينين الى ان "تصدير راس المال يؤثر على تطور الرأسمالية في البلدان التى يستثمر فيها مسرعا اياه الى اقصى حد".
وبمساعدة الرساميل المحلية اخذت تظهر في المنطقة الشرقية فروع ثانوية للصناعة والبناء تتولى تقديم الخدمات لارامكو. ولئن كان في البلد عام 1944 ىمقاولان محليان, فقد ارتفع العدد عام 1947 الى 107 وبلغ عام 1955 زهاء المائتين وعمل لديهم بضعة آلاف من العمال. وشارك عدد كبيرمن المقاولين في مد خط امابيب البترول عبر الجزيرة العربية وفي شق الطرق ومد خط السكك الحديد بين الدمام والرياض, وانشاء المطار العسكرى في الظهران وبناء المدارس والمستشفيات ودور العمال والمستخدمين المشتغلين لدى آرامكو وتعمير ميناء الدمام. وافتتح عدد من المقاولين السعوديين مكاتب انشائية واسسوا شركات نقل بحوزتها عشرات السيارات وورشات تصليح. ورغم ان حصة المقاولين من الحجم الاجمالى للاموال التى انفقت على العمال الانشائية لآرامكو كانت ضئيلة, فانها ظلت في تزايد مطرد.
اقيمت في المحافظة الشرقية معامل صغيرة لانتاج المواد الانشائية والقنانى والاوكسجين والثلج والمرطبات ومحطات كهربائية وورش لصنع الاثاث. كما زاد عدد الشركات التجارية والحوانيت والدكاكين.
ولكن "عند حلول عام 1960 لم تكن توجد عمليا في البلد صناعة وطنية" كما يشير الباحث السوفييتى اوزولينغ وهو مصيب في ذلك (30). وباستثناء مصانع تكرير البترول العائدة ملكيتها لرأس المال الاجنبى, لم تكن توجد في السعودية اية مؤسسة يربو عدد العاملين فيها على المائة. وفي المتوسط كانت كل مؤسسة "ضخمة" تضم ستة عمال, علما بان عددهم الاجمالى قارب ال5500. وقد بلغت الاستثمارات "الصناعية" بضع عشرات من ملايين الدولارات, بينما بلغت استثمارات آرامكو زهاء الف مليون دولار. وكانت كل المؤسسات تقريبا ملكا لرأس المال الخاص باستثناء الورش الحكومية الكبيرة لتصليح السيارات. وفي الاربعينات ومطلع الخمسينات انصب اهتمام الطبقة الحاكمة في السعودية على الاثراء الشخصى واخذت تستهلك و"تأكل" بشراهة عوائد البترول, ولم تكترث بمصير الصناعة الوطنية والحرف. ولكن بالتدريج نضجت لدى اكثر مممثلى هذه الطبقة تنورا وبصيرة فكرة حول ضرورة تدخل الدولة في الاقتصاد, او على الاقل تقنينه وتشجيعه, نشأت هذه الافكار سواء بفعل العمليات الجارية في البلدان العربية الطليعية او نتيجة للانتقاد الذى تعرض له النظام من القوى الوطنية الديمقراطية الوليدة في البلد او بمشورة الخبراء الامريكان.
وفي معرض تقييم السياسية الاقتصادية للعريبة السعودية في فترة ما بعد الحرب, قسمها اوزولينغ الى اربع مراحل سماها اصطلاحا :"فترة الانتشاء بالثورة" 1946-1956. اذ ان العربية السعودية التى خطت الخطوات الاولى على طريق التحول الى دولة "برجوازية اقطاعية". متعدد الانماط شهدت زيادة سريعة في استخراج البترول رافقها مماثل في دخول الطبقة الحاكمة.
"الفترة الانتقالية" 1957-1963. اضطرت الحكومة الى اتخاذ بعض التدابير لانعاش الاقتصاد الوطنى. وتقرر فرض رقابة على العمليات النقدية وتحديد الاستيراد وموازنة النفقات والمداخيل. ومنذ عام 1964 نشأت لاول مرة في البلد قاعدة متينة متسعة باطراد لتحقيق زيادة سريعة في رصيد التراكم الوطنى. وهذ امر نادر تقريبا لبلد تسوده الانماط الاقطاعية وشبه الاقطاعية العاجزة بذاتها عن ان تكون قاعدة للتراكم. ويعزى ظهور قطاع جديد في الاقتصاد, وهو قطاع الدولة الرأسمالى, فى اواسط الستينات الى جملة اسباب يدخل في ضمنها تمركز موارد مالية طائلة في يد الدولة وضرورة عدم الاقتصار على حماية مصالح الطبقة البرجوازية المتنامية بل وشق الطريق امامها, وتهيئة الظروف الملائمة لمزاولة الاعمال الحرة.
وتبدأ الفترة الرابعة من السبعينات. اذ ان الحكومة التى كانت تؤثر التخطيط الجارى القصير الامد (لفترة سنة مالية واحدة) قد اقرت اول خطة للتنمية الاقتصادية في البلد (1971-1975). في آيار (مايو) 1962 صدر مرسوم حول حماية الصناعة الوطنية الغيت بموجبه الرسوم الجمركية المفروضة على استيراد المكائن والمعدات وقطع الغيار وبعض انواع الخامات والمواد نصف المصنعة. والتزمت الحكومة بتخصيص اراضى للمؤسسات الصناعية الجديدة. وفي عام 1963 عدل اسم وزارة التجارة الى وزارة التجارة والصناعة, وكلفت بوضع التدابير الكفيلة بحماية الصناعة الوطنية من المزاحمة الاجنبية, وتقديم تسهيلات للرأسمال الوطنى والاجنبى في مجال استيراد المعدات الصناعية, وفي ميدان الضرائب والقروض.
وعكفت منظمة التخطيط المركزية التى اسست عام 1965 على وضع توصيات بهدف تنويع الاقتصاد السعودى وتهيئة اول برنامج خماسى للتنية الصناعية. واستناد الى مرسوم حماية وتشجيع الصناعة الوطنية الصادر في ايار (مايو) 1962, تم حتى نهاية عام 1971 انشاء 188 شركة يتراوح عدد العاملين في كل منها من 7 الى 64 عاملا. وكان معدل رأس مال كل شركة يساوى 1.1 مليون ريال سعودى.
واستثمرت اكبر الرساميل في قطاع البناء. بيد ان القسم الاكبر من المؤسسات الصناعية السعودية ظل عاجزا عن العمل بكل طاقته تظرا لضيق سعة السوق والمزاحمة الاجنبية وعدم توفر ما يكفى من الايدى العاملة والمواد الخام. وكان التطور الناجح من نصيب صناعة الاسمنت فقط, حيث ازداد انتاجها من ثلاثين الف طن في 1957-1958 الى 911 الفا عام 1972.
يتضمن دليل الغرفة التجارية في جدة ثبتا بالمؤسسات التى كانت موجودة في اكبر مدن الحجاز في اواخر الستينات. وهى كما اسلفنا, مقتصرة على صناعة المرطبات والثلج والورق والطابوق والمواد الانشائية الاخرى والمستحضرات الكيماوية المنزلية وحقول الدواجن. في الستينات قام رجال الاعمال السعوديين بانشاء معمل للثقاب في موقع بين الرياض والخرج ومصنع للصابون في جدة ومصنعين للاسمنت في الرياض والهفوف, كما زيدت انتاجية مصنع الاسمنت في جدة ومعمل الورق في الدمام. وجرى توسيع معامل الطابوق والزجاج والاثاث والبسكويت والحلويات والمواد الغذائية, وورشات الصهر والميكانيك وتصليح السيارات.
وخصصت الدولة مبالغ كبيرة لتعمير وتشجير المدن والكهربة والخدمات البلدية. وعموما جرى التطور الاقتصادى خلال هذه السنوات باتجاه توسيع وتطوير الهيكل الارتكازى بالدرجة الاولى, مما ادي الى زيادة الطلب على الكهرباء والمواد الانشائية. وقد قدر المبلغ الاجمالى للاستثمارات في الصناعة الوطنية عند نهاية عام 1969 بمليار ريال, ويعنى هذا تحقيق زيادة قدرها 6.5 مرة خلال تسع سنوات.
وقد ذكر كناورهيز ان عدد العمال في المدن عام 1968 بلغ 101569 عاملا, وازداد الى 146740 عام 1971, ولكنه لم يبين ما اذا كان العمال الاجانب يدخلون ضمن هذا العدد. اما عدد "المؤسسات" فقد ارتفع خلال العامين المذكورين من 42886 الىلا 60929. وهكذا فان المقصود بالدرجة الاولى الورش العاملة في قطاع الخدمات (ورش تصليح السيارات والادوات المنزلية) والمؤسسات الصغيرة للغاية التى تولت انتاج سلع جديدة, وكان غالبيتها في الحجاز.
وفي عام 1967/1968, كما هى الحال عام 1971, كان معدل العاملين في كل "مؤسسة" 2.33 شخص منهم 1.42 عامل اجير و0.91 عامل غير اجير, اى من افراد الاسرة.
وكما في سائر البلدان المتخلفة المعتمدة على الغرب, فقد كانت الحكومة السعودية تأمل في استمالة راس المال الاجنبى لتطوير الصناعة الوطنية. ففى عام 1957 صدر مرسوم حول "تنظيم استثمارات رأس المال الاجنبى" وقد انسحب مفعوله, باستثناء حالات معينة, على جميع الاستثمارات الموجودة او المستقبلية في البلد. واستثنيت منه الشركات صاحبة الامتياز والشركات "ذات الاهمية الحيوية للتنمية الاقتصادية في المملكة". ونص المرسوم على ان رأس المال السعودى في اى شركة اجنبية يجب الا يقل عن 51%, والا يقل عدد السعوديين العاملين فيها عن 75%, على ان يتقاضوا ما لا يقل عن 45% من الاجور. والزمت الشركات بمراعاة احكام الشريعة وضبط دفاترها باللغة العربية, وبان تتخذ من العربية السعودية مقرا لمكاتبها الرئيسية.
في شباط (فبراير) عام 1964اقر قانون جديد حول الاستثمارات الاجنبية شمل رأس المال الاجنبى بموجبه بطائفة من الامتيازات التى كانت ممنوحة لرأ سالمال الوطنى. وطبقا لهذا القانون اعفيت المؤسسات التى يساهم فيها رأس المال الاجنبى من ضريبة الدخل ورسوم الشركات لمدة خمس سنوات من تاريخ تشغيل المؤسسة شريطة الا تقل حصة رأس المال الوطنى فيها عن 25% طيلة فترة شمولها بالتسهيلات. وسمح للاجانب باخراج الارباح ورأس المال دون عوائق. ولم يعد اسهام راس المال الوطنى شرطا يفرض على الاجانب عند تأسيس الشركات, بل اصبح عاملا يساعد على شمولها بطائفة من الامتيازات الاضافية. اما الاستثمارات الاجنبية في صناعة النفط واستخراج المعادن فقد جرت وفق اتفاقيات خاصة.
في مطلع السبعينات كانت البرجوازية الصناعية في العربية السعودية ما برحت في حالة جنينية, ولم يكن لها وزن اقتصادى او سياسى. وقد كان النشاط الصناعى يدر ربحا قليلا وتحفه مخاطر كبيرة بحيث انه لم يجتذب اصحاب رؤوس الاموال من التجار وافراد الاسرة السعودية والفئة العليا من الجهاز البيروقراطى. وقد اثر هؤلاء اموالهم الى الخارج او استثمارها في تجارة الاستيراد او المضاربة بالاراضى او بناء المساكن, وفي احسن الاحوال استخدامها في المقاولات والشركات الانشائية.
لذا جابهت الحكومة منذ بداية الستينات ضرورة الاضطلاع بمهمة التنمية الصناعية في البلد. وقد اضطرت الدولة التى كانت من حيث الجوهر الطبقى في مرحلة الاقطاع المبكر الى تولى اقامة قطاع دولة رأسمالى في الاقتصاد , وخاصة في الحقول الصناعية التى تتطلب توظيف رسماميل كبيرة. وتوخيا لهذا الغرض انتشئت شركة حكومية باسم الهيئة العامة للبترول والمواد المعدنية (بترومين).
وقد اشترت بنرومين من ارامكو مصنع تكرير البترول في جدة وشرعت بتوسيعه, وسيطرت في الوقت ذاته على شبكة توزيع المشتقات النفطية. وشرعت بترومين, بالتعاون مع شركاات اجنبية, ببناء مصانع كيماوية يستخدم فيها الغاز المصاحب الذى كان في الماضى يحرق في حقول البترول, للاستفادة منه في انتاج الاسمدة والكبريت والحوامض واللدائن. وفى عام 1973 بلغ انتاج الاسمدة في مؤسسات بترومين 150 الف طن.
في عام 1964 اعتمدت بترومين مبلغ 31.5 مليون ريال (سبعةملايين دولار) لبناء المرحلة الاولى من مصنع الحديد والصلب في الحجاز. ورست المناقصة على الشركة البريطانية "روبرتسن اند كومبانى" التى شرعت في نيسان (ابريل) 1966 ببناء ورشة الدلفنة في ضواحى جدة. وفي مطلع السبعينات انتجت الورشة 8.5 الف طن من المدلفنات ولكن وتائر التطور هناك كانت بطيئة للغاية.
الى جانب مصنع الحديد والصلب ومعمل انتاج الاسمدة في الدمام, كانت المؤسسات الكبرى للصناعة في السعودية في بداية السبعينات متمثلة بمعمل تكرير النفط في جدة حيث بلغ عدد العاملين هناك 500 عامل, ومصانع الاسمنت الثلاثة التى بلغ مجموع العاملين فيها 981 شخصا. وشيدت في الخرج مجموعة من المصانع الحربية الحكومية التى تعتبر ضخمة في نطاق العودية. فقد عمل هناك عام 1965 زهاء 900 عامل ومهند وفنى وكلهم سعوديون.
علاوة على البترول اكتشفت في السعودية ثروات طبيعية اخرى مثل الجبس والنحاس واليورانيوم والملح الحجرى والفضة والذهب وغيرها. ولكن استثمار هذه الثروات لم يبدأ عمليا في الستينات. وجدير بالذكر ان شركة انكلو امريكية كندية قامت في الفترة من 1934 الى 1954 باستخراج الذهب في منطقة مهد الذهب وذلك من مقالع قديمة, وبلغ مجموع ما استخرجته خلال عشرين عاما زهاء 26 طنا من الذهب, وبعد ذلك اعتبرت ان مواصلة الاستخراج غير مربحة.
في تموز (يوليو) عام 1972 اقرت في العربية السعودية قوانين جديدة لتنظيم استثمار الرثروات المعدنية (باستثناء البترول). وزيدت المساحات القصوى للاراضى المخصصة من مائة كيلومتر مربع الى عشرة آلاف كيلومتر مربع, واعفيت الشركات التى تباشر العمل من الضرائب لمدة خمس سنوات.
اما في الفروع الصناعية الرئيسية التى تتطلب استثمارات كبيرة, وحيث تكون مساهمة رأس المال الاجنبى امرا حتميا, فان الحكومة السعودية حاولت, عبر بترومين, ان تمارس الرقابة على الشركات المؤسسة حديثا, فقد وظفت فيها اموال الدولة وكانت في غالبية الاحوال تحمل اسهم ضمان الادارة (51% او أكثر من الاسهم) وكان ممثلو الحكومة اعضاء في مجالس الادارة. ولكن المشاريع الصناعية غالبا ما كانت تصبح غير ريعية وتغدو مصدر اثراء للموظفين المحليين والشركات الاجنبية, وذلك بسبب عدم اهلية ممثلى الحكومة السعودية وتفشى الفساد بينهم. وفي الخمسينات والستينات والسبعينات انجزت بنجاح اكبلا, وان كان ذلك على حساب اهدار اموال كبيرة, مهمة لقامة شبكات عصرية من الطرق والمواصلات, وذلك باستخدام التكنولوجيا المستوردة والكوادر الاجنبية. فقد كان البلد المترامى الاطراف والقليل الكثافة المكون اساسا من الصحارى الحجرية والرملية بحاجة الى الطرق. وفي تشرين الاول (اكتوبر) 1951 مد خط للسكك الحديد ذو طريق واحد طوله 577 كلم من الدمام الى سواحل الخليج العربى عبر الهفوف والظهران والى الرياض. ومازال النقاش محتدما حتى اليوم حول الجدوى الاقتصادية لهذا الخط. وعلى اية حال لم تشيد في البلد خطوط اخرة ولم تنفذ مشاريع تمديد الخط الى المدينة وجدة وينبع واعادة بناء خط الحجاز الذى دمر خلال الحرب العالمية الاولى.
وبدأ بشكل حثيث شق طرق السيارات في الخمسينات. ففى المقاطعة الشرقية ربطت هذه الخطوط بين الظهران والخبر والدمام ورأس تنورة والجبيل. وشقت طرق معبدة الى الكويت والى الاردن وسوريا ولبنان, بمحاذاة خط انابيب البترول. وشقت طرق مماثلة من جدة الى مكة والمدينة ومن ثم طريق جبلى من الطائف الى مكة. وفي السبعينات استمر بناء الطرق بواتر اكبر من السابق, وغدت المراكز الرئيسية في البلد مرتبطة بشبكة طرق واسعة.
وتم بناء او توسيع او تعمير موانئ في جدة وينبع على البحر الاحمر وف يالدمام والخبر وميناء سعود على الخليج العربى. وفي السينات كان يوجد في البلد مطاران عصريان في جدة والظهران, ومن ثم شيدت مطارات كبرى في الرياض والمدينة والطائف. واخذت طائرات شركة الخطوط السعودية المرتبطة ب"TWA" الامريكية تقوم برحلات منتظمة الى عشرات من بلدان العالم. ربطت المراكز الرئيسية في البلد بشبكة للهاتف اصبحت اتوماتيكية منذ السبعينات وشغلت اذاعات ضخمة في جدة ومن ثم الرياض ومكة, وعلاوة على اذاعات اصغر في مناطق اخرى. وظلت شركة ارامكو لفترة طويلة تملك محطة التلفزيون الوحيد في البلد, ولكن تم في الستينات انشاء شبكة للتلفزيون على نطاق البلد كله, وذلك بعد صراع ضار مع العلماء الدين.
وفي السبعينات, كما يقول اوزولينغ, ظلت الصناعة النفطية عموما "اساس اقتصاد والمجمع الصناعى الوحيد المتطور والذى يفى بالمتطلبات التكنولوجية الحديثة. ولكن نظرا لان ملكيته تعود بمجملها نقريبا تاى رأس المال الاجنبى والامريكى اساسا, فانه ينبغى اعتباره بمثابة كيان قائم بذلته في اقتصاد البلد ولا يدخل عضويا ضمن اقتصاده الوطنى. وان نشاط هذا القطاع معزول الى حد كبير عن العملية اعادة الانتاج الجارية ضمن الاقتصاد الوطنى بمعناه المباشر". وباستثناء المجمع النفطى ظلت السعودية من اكثر بلدان العالم تخلفا من الناحية الاقتصادية. وفي اواسط السبعينات وبعد 15 عاما من الجهود فان اسهام الصناعة الوطنية في الناتج الوطنى الاجمالى ظل ضئيلا للغاية.
لقد طرأ تسارع حاد على التحولات في البنية الاجتماعية الاقتصادية للعربية السعودية بعد عام 1973, حينما ازددات عوائد البترول عدة اضعاف. وقامت الحكومة بوضع واقرار, ومكن ثم الشروع بتنفيذ مشاريع اقتصادية واجتماعية بدت هائلة على الورق. فلئن كانت السعودية قد خصصت للخطة الخمسية الاولى عام 1970 مبلغ 9 مليارات دولار, فان اعتمادات الخطة الثانية بلغت 142 مليارا والثالثة-التى بدأت عام 1980-240 مليارا. وخصص معظم الاعتمادات الاساسية للهياكل الارتكازية وصناعة المواد الانشائية والصناعة الثقيلة والزراعة ولتطوير التعليم والصحة. كما اولت الخطة الخمسية الثالثة اهتماما لتشجيع القطاع الخاص. وخصصت مبالغ اقل نسبيا لتطوير الهياكل الارتكازية. وفي كافة مراحل تنفيذ الخطط اهدرت مبالغ طائلة بسبب الفساد المستشرى في جهاز الدولة وعدم اهلية اصحاب القرار وغياب القوى العاملة وسياسة النهب التى تنتهجها الشركات الاجنبية. كما ان التضخم ساهم في احباط خطط التنمية, فقد ارتفعت نسبته في السنوات الاولى لتنفيذ الخطة الخمسية الثانية الى 35% سنويا, وان كانت قد انخفضت الى حد كبير بعد ذلك. وكان اهدار الاموال والتضخيم المبالغ فيه والذى لا لزوم له, من السمات المميزة للكثير من مشاريع التنمية السعودية. فعلى سبيل المثال كانت مساحة الارض التى شيد عليها مطار جدة الجديد تزيد مرة ونصف المرة عن مساحة مطارات نيويرك (كندى ولاغرديا) وشيكاغو ولوس انجلس مجتمعة. ومن المفروض ان تبلغ الطاقة الاتسيعابية للمطار عام 1985 8.5 مليون راكب, لترتفع عام 200 الى عشرة ملايين. اما مطار الرياض الذى يجرى انشاؤه فان طاقته تصل الى 15 ىمليونا, اى اكثر بثلاث مرات من سكان المملكة الاصليين. وكان من المقرر بناء مجتمعات صناعية ضخمة, وخاصة في مجالى التعدين والبتروكيمياء, في ينبع على البحر الاحمر والجبيل على الخليج. كما جرى التخطيط لانشاء مدينتين تتسع الاولى ل150 الفا والثانية ل350الفا. وفي مستهل الثمانينيات كان قد انفق على التصاميم وبناء جزء من الهياكل الارتكازية مبلغ 15 مليار دولار. وكان من المنتظر انفاق مبلغ اكبر خلال الاعوام الخمسة التالية. ولكن الخبراء تكهنوا بان مؤسسات التعدين والميتالورجيا والبتروكيمياء سوف تكون غير مربحة. وعمدت الشركات الغربية المشاركة في العقود الى تصعيد اسعار معداتها لعدة اضعاف فحكمت مسبقل على هذه المؤسسات بالخسارة. في بداية الخطة الخمسية الاولى بلغ عدد المدارس في البلد 3350 مدرسة, وفي بداية الثمانينات اضيفت اليها الفا مدرسة اخرى. ولم تفتح اولى مدارس البنات الا في الستينات وكانت في البرامج المدرسية مواد دينية كثيرة على حساب المواد العامة. وكانت هناك مدارس دينية الى جانب المدارس المدنية ومدارس اهلية علاوة على الحكومية. وتولى المعلمون السعوديون التدريس في المدارس الابتدائية اساسا, اما في المدارس المتوسطة والثانوية فقد كان المصريون والفلسطينيون والسوريون يشكلون اغلبية المدرسين. وكانت توجد في الظهران والرياض 16 كلية تتولى اعداد خبراء متوسطى التأهيل من مختلف الفروع. تأسست جامعة الرياض الحكومية عام 1957, وفيها ثانى كليات. وفي عام 1962 افتتح هناك معهد الهندسة, وفي عام 1967 اسست جامعة اهلية في جدة ومكة. ومنذ عام 1961 تعمل في المدينة الجامعة الاسلامية التابعة للدولة, كما يجرى اعداد رجال الدين في الكليات والمعاهد الاسلامية.
وفي اواخر السبعينات وصل عدد عدد تلاميذ وطلاب المدارس والمعاهد المتوسطة الى قرابة مليون شخص بينهم 250 الف فتاة. اما عدد طلبة الجامعات فقد بلغ الجامعات فقد بلغ 11 الفا, اضافة الى 20 الف طالب يدرسون في الخارج ونصفهم تقريبا في الولايات المتحدة.
لم يبدأ انشاء شبكة الصحية الحديثة الا منذ الستينات وقد ارتفعت النفقات المخصصة لهذه الاغراض من 87 مليون ريال في 1962 /1963 الى 1.5 مليار ريال في 1979/1980. والرعاية الطبية مجانية شكليا, ولكن عدد المؤسسات الصحية غير كاف وهى موجودة في المدن اساسا. وكان في البلد عام 1975 خمسة وثمانون مستشفى تتسع ل10465 سريرا. ونصت الخطة الخمسية الثانية على ان يضاف 11500 سرير في عام 1981. وتشمل شبكة الرعاية الصحية المستشفيات الحكومية والاهلية الخيرية (المجانية) والاهلية غير المجانية في المدن, والعيادات والمراكز الكبية الحكومية في الارياف.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
التجارة والبرجوازية التجارية
في مستهل السبعينات كانت حياة البلد واقتصادها مرتهنين بالاستيراد. فقد كانت العربية السعودية والغالبية الساحقة من السلع الاستهلاكية وقرابة نصف المواد الغذائية. ولم يكن البلد يغطى احتياجاته الا في مجال مشتقات النفط وجزئيا في مجال المواد الانشائية وبعض انواع الاسمدة الكيمائية. كانت الولايات المتحدة الامريكية, وكذلك بلدان اوروبا الغربية واليابان اكبر العملاء التجاريين للعريبة السعودية. اما بريطانيا التى ظلت خلال العشرينات والثلاثينات المهيمن الوحيد تقريبا على اسواق المملكة, فانها فقدت مكان الصدارة رغم احتفاظها بمواقع قوية. وفيما يخص الاستيراد من البلدان العربية والافريقية كان مقتصرا اساسا على الماشية واللحوم والفواكه والخضروات والحبوبوبعض السلع الاستهلاكية (54). وسيطر التجار السعوديون على غالبية العمليات التجارية في البلد, سواء بالنسبة لتجارة الجملة او المفرق. وادت زيادة الاستيراد وازدياد الطلب على السلع وتنوعها الى انتعاش السوق وتنامى البيوتات التجارية القديمة وظهور عشرات ومئات من الشركات الجديدة. ولقد كانت التجارة في البلدان الاسلامية مهنة محترمة على الدوام, خاصة وان النبى قد زاولها. لذا فان رأس المال السعودى الخاص, وبالدرجة الاولى الحجازى, تدفق على ميدان التجارة (وكذلك المضاربة بالارض وبناء المساكن). وقد توفرت لهذا الغرض الكوادر والتقاليد والصلات الكفيلة باداء المهمة. وكان بين اصحاب البيوتات التجارية في الحجاز والاحساء عدد من ابناء سوريا وفلسطين وحضرموت الذين اكتسبوا الجنسية السعودية. وقد اثار تدفق التجار العرب في الخمسينات استياء التجار المحليين. لذا صدرت في مطلع الستينات مراسيم تقيد حركة التجار الوافدين من سائر البلدان العربية. والزم كل تاجر اجنبى (مسلم من بلد عربى) بان يتخذ له شريكا سعوديا على ان يكون له مالا يقل عن 51% من رأس المال. ونتيجة لذلك اضطر آلاف من التجار العرب الى مغادرة العربية.
وغدا الاستيراد ركيزة لعدد من البيوتات التجارية الكبرى مثل "على رضا" و"الغصيبى" و"جفلى" و"بغشان" و"جيمة" و"السليمان" و"خشقجى" و"فرعون". وعلاوة على الاستيراد مارست هذه الشركات المقاولات وبناء المساكن والفنادق وتنظيم شركات الملاحة والنقل والاسواق التجارية (سوبر ماركت) كما استثمرت جزءا من اموالها في صناعات معينة. وكانت هذه في الغالب مؤسسات عائلية وليست شركات مساهمة. وفي السبعينات بلغت الدورة السنوية لرأس مال كبرياتها مليار دولار. وعمل الى جانبها عشرات ومئات من صغار المستوردين ذوى رؤوس الاموال المحدودة ولكا منهم وكيلان او ثلاثة. اسست عائلة "على رضا" ومقرها الرئيسى في جدة والتى يبدو انها من اصل ايرانى, بيتها التجارى في الستينات من القرن الماضى. وقبيل الحرب العالمية الاولى كان احد ابنائها نائبا عن جدة في المجلس العثمانى, وتولى آخر ولاية جدة وسلم المدينةيي عام 1925 الى ابن سعود. ومنذ عام 1940 اصبحت شركة "على رضا" وكيلا لشركة "فورد", واسندت اليها بعد الحرب وكالة "وستنكهاوس" وITT وشركتى "اوميغا" و"تيس" للساعات. وعين عدد من افراد العائلة في مناصب وزير التجارة وسفير المملكة في كل من الولايات المتحدة وفرنسا كما اسند اليهم منصب وكيل وزارة الخارجية. واستثمرت اسرة على رضا اموالها في العقار والصناعة وحقل الحدمات وانتاج الكهرباء والمواصلات والصناعة النفطية, وساهمت في مقاولات حكومية كبيرة, كمشاركتها في "الشركة الهندسية العربية الايطالية للمقاولات" التى تولت استيراد المعدات.
وكان ثمة وسيلة للاغتناء تتمثل في ان يكون طرف سعودى ضامنا لشركة اجنبية تعقد صفقات لشق الطرق او بناء الموانئ او الفناقد او تعمير المدن. فقد بدأ نجم عائلة جفلى بالصعود اثر حصولها على غقد لكهربة الطائف لصالح شركة بريطانية. وبعد ذلك اصبحت العائلة وكيلا لشركة "مرسيدس" في السعودية وقامت باستيراد الاطارات, وقطع الغيار وشراء عدد من المزارع.
ويجدر بالذكر ان الاثراء السريع كان من نصيب اولئك الذين يكلفون بانجاز اعمال لصالح الدولة او العائلة المالكة. فقد ذكر المؤلف السعودى فؤاد شاكر في معرض تعداده للبيوتات التجارية في جدة ومكة ان اسرة صالح عيسى البكرى اثرت بسرعة بفضل توليها تزويد العائلة المالكة وضباط الجيش والشرطة والمدارس الحكومية في الرياض بما تحتاجه من الاقمشة.
هناك طريقة اخرى لتكون البرجوازية وهى عمليات العقار. ففى 1955/1956 الغيت الرقابة على اسعار الارض وايجار المساكن في المدن الكبيرة. وقد ارتفعت الايجارات عنئذ بنسبة 300-400 بالمائة, وزدات منذ ذلك الحين عشرات المرات. وجرى تهافت على شراء الاراضى وازيلت احياء الفقراء لتشيد مكانها عمارات بغية تأجيرها او بيعها.
وقد اثرت من المضاربة شركة الاخوة الاربعة من آل سويدان في الرياض. اذ انهم ابتاعوا عام 1969 قطعا واسعة من الاراضى في مناطق واعدة بالعاصمة وباعوها بعد بضع سنوات بسعر يزيد مائة مرة عن سعر الشراء. كما انهم قاموا ببناء وبيع فيلا ودور سكنية واستيراد المواد الانشائية والرافعات وسواها.
تمركزت في الحجاز اكبر البيوتات التجارية في المملكة. وكان اكثر المنتفعين من ارتفاع اسعار البترول وزيادة الاستيراد وتنفيذ طلبيات الدولة, وقامت بتوسيع نشاطها ليشمل البلد كله. عام 1948 تأسست غرفة تجارية في جدة وسمح بالانتساب اليها لتجار المدينة والطائف وجيزان وتبوك حيث لم تكن غرف تجارية, ولبعض تجار مكة والرياض. وبلغ عدد اعضائها في اوائل السبعينات زهاء الالفين.
بدأ غالبية كبار تجار المنطقة الشرقية اعمالهم كمقاولين لدى ارامكو. وكان بعضهم من العاملين سابقا في الشركة مثل سليمان عليان الذى عمل سائقا لشاحنة ثم اسس شركة للنقليات. ولم يتيسر للتجار السعوديين ولوج الميدان العالمى بسهولة. ويشتثنى من ذلك اربعة من كبار رجال الاعمال اصبحوا من كبار الثروات في العالم وهم خشقجى وفرعون (وكان ابوهما من اطباء المملكة) وسليمان عليان الذى ترأس "البنك السعودى البريطانى" واكرم وجيه السعودى الجنسية والسورى المولد. وقد اثرى خشقجى من توريد الاسلحة للجيش السعودى والحصول على "عمولة" من مؤسسات الصناعة الحربية الامريكية, وكون مجموعة شركات رأسمالها 400 مليون دولار ومقرها في لوكسمبورغ وهى باسم "تريد هولدنغ موربوريشين".
وتولى فرعون رئاسة "الهيئة السعودية للابحاث والتنمية" وشملت دائرة اعماله تجارة المكائن والمشاركة في انتاج السلع الغذائية الاستهلاكية والتأمين. اما وجيه فقد مارس اعماله من خلال شركته المسماة "تكنيك دى افانغارد" ومقرها لوكسمبورغ ايضا. وقد استثمرت هذه المجموعة من رجال الاعمال اموالا في شركات اجنبية لها صلة باعمال البناء وفي البنوك. بيدان محاولاتها للسيطرة على البنوك الغرببية الكبرى لم تفلح بسبب مقاومة رأس المال المحلى في البلدان المتطورة وغياب الخبرة والكوادر الادارية لدى الاثرياء السعوديين. واودعت هذه المجموعة الرباعية من رجال الاعمال السعوديين اموالها في بنوك ببلدان آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية واستثمرت في مجمعات سياحية وفندقية وشركات ملاحة وفي العقار بكل انحاء العالم.
لقد شكلت البرجوازية السعودية التى تربطها وشائح وثيقة بالعائلة المالكة نوعا فريدا من الاولغارشيا التجارية المالية. فقد نمت في "دفيئات زجاجية" تقيها من المنافسة الاجنبية, واستفادة اساسا من الاستيراد الذى كانت عوائد البترول غطاءه في التحليل الاخير. وقد ذكرت مجلة "ميدل ايست ايكونوميك دايجست" ان العائلة السعودية الحاكمة ولعضاء الحكومة يحاولون التهرب من كل ما يمكن ان يشى بصلاتهم مع ارباب الاعمال هؤلاء, ولكن من المعروف ان هناك وسطاء يستخدمون كستار للتغطية على النشاط التجارى لافراد العائلة المالكة والوزارة".
ومن خلال الاسرة الحاكمة والعوائل المرتبطة بها كانت عوائد البترول توزع على الجهاز البيروقراطى الذى اصبح الفساد المستشرى في اشبه بعرف اجتماعى شبه علنى, وتنفق على الجيش والشرطة وكبار القادة فيهما, وعلى الوسطاءوبالخص الشركات الاجنبية, كما تصرف لمختلف الاعمال العامة والمشاريع الاقتصادية التى غدت بقرة حلوبا ومصدرا لاثراء المسؤولين عنها والاجانب والوسطاء. كما ان التجار السعوديين اغتنوا على حساب تخلف المجتمع باستيلائهم على جزء كبير من عائدات البترول عند اعادة التوزيع.
ملكية الارض والزراعة
ما هو تأثير تنامى عوائد البترول على الفروع التقليدية للاقتصاد: الزراعة وتربية المواشى التى عمل فيها غالبية السكان, وعلى العلاقات الاجتماعية في الواحات وقبائل الرحل وشبه الرحل؟ كانت غالبية اراضى البلاد تعتبر ارضا اميرية, اى ملكا للدولة ممثلة بالملك. اما في الواقع فان جزءا كبيرا من الاراضى الاميرية كان يستثمر من قبل ساكنيه, وبالدرجة الاساسية القبائل, او قطاعات مشمولة بحقوق ملكية مجتزأة. اما الاراضى غير الاميرية فقد كانت ملكا لافراد او افخاذ او عوائل او قبائل او من اراضى الاوقاف. وشملت الاراضى الاميرية المراعى والصحارى العائدة للقبائل وبلغت مساحتها 80% من اراضى البلد. وفى عام 1925 قلص الملك عبد العزيز حقوق القبائل المتعارف عليها وكان عند الضرورة يغير حدودها وفق مشيئته. وكانت الدولة ممثلة بالملك والحكومة تملك كل ثروات باطن الارض, لذا فقد كان بوسعها ترحيل القبائل من منطقة الى اخرى اذا اقتضت ذلك ضرورات ترتبط, مثلا, باستثمار الموارد الجوفية. اما في سائر الاحوال فان القبائل واصلت استثمار الارض كسابق عهدها. وفي غالب الاحوال لم تكن القبائل الرحل تتجاوز الحدود المقرة لها, ولكن عندما تسقط في منطقة ما كمية اكبر من الامطار, كان بوسع القبائل الارتحال الى مراعى قبائل اخرى.
وكانت ملكية اراضى كيرة تنشأ, عادة, عندما تقطع الدولة جزءا من الاراضى الاميرية وتمنحها لشخص (الاقطاعة). ومنحت اقطاعات كثيرة للضباط وكبار التجار الذين يؤجرونها على اساس المحاصصة. وطبقا لمرسوم ملكى صادر عام 1957 الزم الراغبون في الحصول على اقطاعات بالحصول على اذن من امير المنطقة ومن الملك لتملك الارض وتسجيلها. واثر ذلك يجوز التصرف بالارض: نقل ملكيتها, وهبهاو تأجيرها او جعلها وقفا. ورغم ان الاقطاعات ظلت من الناحية الشكلية ملكا للدولة, فان الاقطاع ذاته كان شكلا انتقاليا نحو الملكية الخاصة (الملك). الملك هو الشكل الوحيد للملكية الخاصة للارض المعترف به في المملكة, وهو يعنى ان الشخصية المعنوية تمتلك الارض ولها كل حرية التصرف بها. وقد انتشر الملك على وجه خاص في عسر, حيث كانت الزراعة متطورة اكثر مما في المناطق الاخرى ولكنه لم يشمل عمليا الاراضى الجافة. كما عرف ي البلد المشاع, وفى بعض الاحوال كانت قطع من هذه الاراضى توزع على افراد الاسرة الكبيرة او الفخذ لحراثتها. وغالبا ما كان ابن شيخ العشيرة يعين مديرا للملك المشاع. وفي بعض الاحيان كانت تؤجر على اساس المحاصصة ثم يتولى كبير العائلة توزيع الارباح على افرادها. ولكن في اطار المشاع كان يعاد توزيع الحصص طبقا لحقوق الارث. ومن المعتقد ان المشاع شمل زهاء سدس الاراضى المستصلحة وغالبيتها في نجد والمنطقة الشرقية.
وكانت هناك اشكال غير عشائرية للمشاع, كما لدى سكان الواحات. ففى عسير كانت حراثة الارض وزراعتها وجنى المحصول تتم على اساس جماعى وتوزع الغلال بالتساوى. وفي جبرين وخيبر كانت اراضى الواحات ملكا لقبائل البدو. ونظرا لتفشى الملاريا هناك فان القبائل ما كانت لتفد الى هناك الا لتلقيح الطلع ثم جنى البلح, اما رعاية النخيل في سائر اوقات السنة, فقد كانت تسند الى الاجراء المحليين, وهم في العادة من اخلاف المعتوقين. وبعد ذلك يوزع المحصول بين رجال القبيلة مع مراعاة عدد افراد عائلة كل منهم.
اراضى الاوقاف – حسب تقديرات مديرية الاوقاف السعودية لعام 1956 بلغت نسبة ملكية الاوقاف من الاراضى المزروعة 5% في عسير, و10% في الحجاز, و15% في المنطقة الشرقية ونجد.
ان ارتفاع نسبة الوفيات بين مالكى الاراض الذى جعل مستحيلا عمليا طوال قرون تكاثر السكان الموسع, وضع عقبة طبيعية في طريق تقسيم الارضى الى قطع صغيرة. وعند غياب هذا "المنظم الطبيعى" كانت الاسر تتخذ التدابير الكفيلة للحيلولة دون بيع او تقسيم الاراضى المستزرعة. وغالبا ما كن الورثة يوافقون على ان تكون ملكيتهم للارض جماعية شريطة ان يمنح كبيرالاسرة حق زراعتها او تأجيرها. ويمنح هذا الحق احيانا بالتناوب ويحصل كل من تسند اليه هذه الظائف اجرة اضافية علاوة على الحصة. وبغية الحفاظ على ملكية الارض في يد اسرة واحدة كان التزاوج بين ابناء العم محبذا.
يذكر "الدليل الاقليمى" ان 60% من الاراضى كانت تؤجر بينما يتولى مالكو الارض زراعة 40% نتها فقط. وتتراوح نسبة الاراضى المؤجرة في عسير والحجاز بين 70و80%. وهذه الارقام تتطابق مع المعلومات المتوفرة في اواخر الخمسينات. اذ ان 40% من الاراضى كانت تستزرع من قبل مالكيها و10% من قبل مستأجرين يدفعون مبالغ نقدية و50% من قبل مستأجرين محاصصين.
وكان وهاء 60% من الارضى المزروعة في البلد يعود للملاكين الكبار والمتوسطين (خمسة هكتارات او اكثر) الذين قاموا بتأجيرها كليا او جزئيا. وثمة معطيات اخرى (واضح انها دون الواقع الفعلى) تفيد بان نسبة لاراضى المؤجرة تتراوح بين 20و22% من الارضى المزروعة. وهذه الارقام المتناقضة هي دليل آخرعلى ان المعطيات الاحصائية حول العربية السعودية يجب ان تعامل بحذر بالغ. يذكر البحث المعنون "قوانين العمل والممارسة في العربية السعودية" ان نسبة الارضى المستأجرة لم تصل في اواخر الستينات الى اكثر من عشر المساحة الكلية للاراضى. ولكن يبدو انه لم تدرج ضمن هذه الارقام الا الاراضى التى كان يدفع عنها اجر نقدى.
سمح بتأجير كل اصناف الارضى: الاميرية والاقطاعية والمشاع والملك والوقف واراضى القبائل. وكانت شروط الاعارة والتأجير مثبتة تحريريا او شفاهيا.
تنص 70% من عقود التأجير بالمحاصصة على ان المالك يوفر الارض والماء والبذور, والمسكن احيانا. واذا كان المستأجر يعمل طوال السنة ولديه ماشية واسمدة ومعدات زراعية وطعام وبيت فانه يدفع لمالك الارض 50% من محصول الحبوب و75% من التمور. اما اذا كان المستأجر لا يقدم سوى قوة عمله, فان المالك يحصل على 80% من الحبوب و95% من لتمور. ولكن نسبة مثل هذه العقود بلغت زهاء 5%. وينص حوالى 10% من عقود التأجير على ان المستأجر يوفر البذور ويكون نصيبه القسم الاكبر من المحصول. وتتفاوت حصة مالك الارض تبعا لنوعيتها وتوفر المياه وقرب الاسواق وعوامل اخرى. وادى ادخال المكائن الى جعل المستأجر الذى لديه مكائن يحصل على شروط افضل من غيره. في حلة القحط يضطر المستأجر الى الاستلاف لاعالة اسرته. وعندما يقترض من المالك فانه غالبا ما يكبل نفسه بقيود لا يستطيع الفكاك منها ويصبح تابعا لمالك الارض كليا. ان مدة عقود اعارة الاراضى لزراعة التمور او الفواكه تتراوح بين 4و7 اعوام. وفي هذه الحالة يعتمد شكل خاص للمحاصصة يسمى "المغارسة". اذ يلتزم المستأجر بزراعة الاشجار وسقيها حتى تعطى ثمارها الاولى, فيحصل مقابل ذلك على كل الغلال ما بين صفوف الاشجار. اما تأجير الاراضى الاميرية فقد كان يتم وفق قواعد ادق, ويتوقف على بعد الارض ونوعية التربة وشكل الرى وكمية اشجار النخيل والطلب على المنتجات الزراعية. ومدة عقود تأجير الاراضى الاميرية اطول, وتصل زهاء خمس سنوات, رغم انها كانت لا تتجاوز السنة في عسير. اما اراضى الاوقاف فقد تولت التصرف بها مديرية الاوقاف التابعة لوزارة الحج والمؤسسات الدينية في مكة, وفي العادة كانت تلك الاراضى تعار بالمحاصصة. ان الجزء الاكبر من حقوق التصرف بالمياه في العربية السعودية يمكن ان يشترى او يعار او يستوث بصرف النظر عن الارض.لذا فان الشخص الذى يشترى او يرث او يستأجر قطعة ارض لا تكفى مياها للرى, بوسعه ان يشترى او يستأجر المياه وفق عقد اضافى. وفي عسير وتهامة فقط كان حق التصرف بالمياه يتطابق مع حقوق ملكية الارض.
كان تنظيم حقوق التصرف بالمياه بين الحضر متطورا ومعقدا للغاية, ويشمل التناوب في استخدامها ومدته وموسم الرى ةتقسيم كمية المياه وفقا لمساحة الارض. وغالبا ما كان توزيع المياه يخضع لاشراف ورقابة اشخاص يعينهم ويدفع اتعابهم مالكو المياه ومستهلكوها. وكانت مياه الآبار والعيون تخضع لملكية فردية او جماعية. وفي العادة لصاحب الارض حق في كل عيون المياه الواقعة على اراضيه, وليست هناك حاجة لاستحصال اى اذن خاص لحفر بئرفيها. ولكن الحصول على اذن خاص ضرورى اذا كانت البئر تحفر في ارض غير مستصلحة سابقا صارت اقطاعة, والآبار التىيحفرها البدو تظل تحت تصرف القبيلة اثناء فترة مكوثها في المنطقة, وعند رحيلها تصبح البئر "مشاعة". وكانت هناك اشكالا معقدة لملكية القنوات الجوفية. ان حقوق استثمار مياه الآبار الارتوازية, في المنطقة الشرقية مثلا, كانت مرتبطة بمقدار اسهام المالك الفردى في اقامة الاجهزة والصهاريج ومعدات التوزيع.ووضع نظام خاص لحقوق التصرف بالمياه عند توزيع تيارات المياه على الوديان.
يذكر كناورهيز ان 33242, اى 47.3% من مجموع ملكيات الارضى البالغ 70352 كان موزعا على قطع تقل مساحة الواحدة منها عن نصف هكتار, وان 13661 (19.4) كانت مساحتها تتراوح بين 0.5-1هكتار (83) اى ان زهاء 67% من الاراضى كانت مساحة كل منها لا تتجاوز الهكتار. ويؤكد هذه الارقام بشكل تقريبى بحث "قوانين العمل والممارسة في العربية السعودية". ويعنى ذلك ان القطاع السلعى الصغير كان السائد في الزراعة.
في واحات عسير والحجاز والاحساء الكثيفة السكان نسبيا, كان يعمل في الاراضى عادة افراد اسرة المالك ونادرا ما يستخدم الاجراء الزراعيون. وساد وضع مماثل في واحات نجد. اما في القصيم وجبل شمر فقد كان الاجراء الزراعيون يشغلون لفترة طويلة او قصيرة. وفي موسم العمل الزراعى الكثيف كان هناك نقص في عدد الاجراء الزراعيون, وخاصة في المنطقة الشرقية, لذا كان يجرى التعاقد مع العاملين في فروع الصناعة الثانوية للقيام بهذا العمل. وكانت العقود مع الاجراء الزراعيين شفوية او تحريرية, غير انه استمر الاستغلال الابوى – الاقطاعى للمعتوقين وبعض الاجراء. وفي نجد كان عدد السكان اكثر من عدد الرجال ف يالاعمال الزراعية, اذ ان الرجال يؤثرون التجارة والعمل في المستودعات او الميكانيك والبناء والحرف.
وفي بداية السبعينات بلغ عدد معدل دخل الفلاح الفقير زهاء 1500 – 1600 ريال سنويا (دون احتساب الكسب الاضافى). ولكن الدخول كانت تختلف اختلافا كبيرا تبعا للمنطقة ومساحة الارض ونوعية الغلال وتوفر المياه. وكان العامل الزراعى الدائمى يتقاضى 1600 – 2000 ريال سنويا, اما العمال المؤهلون (سواق الجرارات والآلات الزراعية) فان اجورهم السنوية وصلت الى 3500 ريال ولكن عددهم كان قليلا, علما بان غالبيتهم من غير السعوديين. وعموما لم يكن بوسع الفلاحين الفقراء والاجراء توفير ظروف مقبولة لحياة عوائلهم. بلغت نسبة الفلاحين المتوسطين (من 2 الى 5 هكتارات) 10.7% من المجموع الكلى. ولكن يمكن ان يدرج ضمن هذه الطائفة مالكو الاراضى التى تتراوح مساحتها بين 0.5 و2 هكتار وخاصة في المناطق التى يجنى فيها اكثر من محصول في السنة. وكان غالبية الفلاحين المتوسطين يحصلون على دخل سنوى قدره 3-5 آلاف ريال, وهو مبلغ يكفل الحد الادنى للمعيشة, ولكن لا يوفر المال اللازم لتحديث الانتاج. وندرج في صنف "الاغنياء" اولئك الذين يملكون قطعا تتراوح مساحتها بين 5 و 10 هكتارات (4.8% من المجموع الكلى). ويتراوح دخل هؤلاء بين 6 و10 آلاف ريال, وكانت لديهم قدرة على الانتقال الى الانتاج السلعى المكثف اعتمادا على اعتماد الرى والاسمدة. بيد ان غالبية هذه الارضى كانت ملكا لتجار ومرابين وموظفين يؤجرونها بشروط شبه اقطاعية.
وكان عدد الاستثمارات الكبيرة (اكثر من عشرة هكتارات) قرابة 3.5-5 آلاف (4.5-7%) وغالبية اصحابها من الاقطاعيين وشيوخ القبائل وابناء الاسرة الحاكمة والتجار والمؤسات الدينية.
وكانت الغالبية الساحقة من الملاكين الكبار تسكن المدن وتؤجر الارض, باستثناء افراد ماسوا الانتاج السلعى المكثف مستفيدين من منجزات الهندسة الزراعية. ووصلت عوائد الملكيات الكبرى الى مائة الف ريال سنويا. ولكنها غالبا ما كانت "تستهلك" من قبل المالكين وافراد عوائلهم: لشراء العقار والكماليات والسيارات, ولا تستخدم عمليا لتوسيع وتكثيف الانتاج الزراعي.
ويجمع الباحثون على تنامى الملكيات الكبيرة قد اقترن بافلاس صغار الملاكين. ونظرا لعدم توفر احصاءات دقيقة حول هذا الموضع, سنقتصر علىايراد بعض الاتاجاهات العامة. كان بوسع صغار الملاكين الموشكين على الافلاس وبضمنهم من لهم حصص في الاراضى المملوكة جماعيا, وبيع ارضيهم او حصصهم, على ان تعرض اولا على سائر افراد امشاعة, وبهذا تتوفر للفلاح الغنى امكانية السيطرة على عدة حصص. ولكن اذا لم يكن ثمة راغب, فان البيع يتم لاشخاص من خارج امشاعة. وكان صغر الملاكين, حينما يعجزون عن تسديد السلفة التى دفعت لهم مقابل الارض او الوفاء بالديون اوسداد ايجار الارض, يعمدون ف ينهاية المطاف الى بيع اراضيهم او التنازل عنها للمرابين مقابل الديون. وكان تجار المدن اكبر مشترى اراضى, علاوة على الومظفين الذين اثروا من الارتشاء وغيرهم من "القطط السمان".
تفيد معطيات اوردها عبد الله الدباغ مدير احدى الدوائر بوزارة الزراعة السعودية, ان غالبية الفلاحين صاروا منذ بداية الستينات مدنين دائمين للتجار وكبار ملاكى الاراضى. وتزايدت الديون عاما اثر عام, مما ارغم الفلاحين في خاتمة المطاف على بيع اراضيهم. وازداد عدد الفلاحين المعدمين والعمال الزراعيين. منذ اواسط الستينات جرت اولى المحاولات لتعزيز الفئة المتوسطة من الفلاحين. وفي عام 1968 صدر مرسوم ملكى حول توزيع الاراضى الاميرية غير المستثمرة والصالحة للزراعة وتربية المواشى. وصار بوسع كل مواطن الحصول على ارض. وفق حقوق الاقطاعة, فى حالة تمكنه من استثمارها.
ووضعت تحت تصرف الفلاحين اراضى تتراوح مساحتها بين 5 و10 هتكارات اما قطع الاراضى التى وضعت تحت تصرف الشركات (بما فيها الاجنبية) فقد بلغت مساحة بعض منها 400 هكتار. بيد ان هذا المرسوم لم يعد بالنتائج المتوخاة لذا فان الدولة قامت ب"انعاش" اراضى جديدة عن طريق الرى وشق الطرق والترع بغية استمالة الناس الى هناك.
وقد جرى العالم السعودى عبد الرحمن الشريف في اواسط الستينات بحثا اجتماعيا اقتصاديا في منطقة عنيزة, ذكر فيه ان الملكيات الغيرة (من 0.1 الى 2.5 هكتار) في القصيم تشكل 45.3% من مجموع الاستثمار.
وكان زهاء خمس الملكيات كبيرا نسبيا, ويقول الباحث انها تكونت اساسا نتيجة "الاحياء" الاراضى البور, اى اراضى الدولة. ولكن "احياء الاراضى" لا يعنى بالضرورة تحويلها الى اراض محروثة او مروية. فقد كان يكفى غرس اشجار لكى تتحول قطعة الارض الى ملكية "القائم بالاحياء". وبديهى ان تنشب خلافات كثيرة حول تحديد استيراث مثل هذه الممتلكات او رسم حدودها. وحلت الخلافات استنادا الى الشرع. وفي عام 1961 اصدر مجلس الوزراء قرارا يلزم الراغب ب"احياء" الارض باستحصال موافقة امير المنطقة. واذا كان من المزمع القيام بعمليات بناء في هذه الاراضى, فان الامير يحيل الموضوع الى البلدية التى ترفعه بدورها الى وزارة الداخلية ومجلس الوزراء. اما اذا كانت الارض الزراعية خارج حدود البلدية, فان البت في الامر يعود الى وزارة الزراعة ومجلس الوزراء. ومن يحصل على اذن ب"احياء" الارض ويخل بالتزاماته, فانه يفقد الحق في ملكية هذه الارض. ونص القرار على نقل ملكية الارض لا يتم الابمرسوم ملكى او بقرار صادر عن رئيس الوزراء او من ينوب عنه.
وكان بالامكان تاجير الارض لمدة مائة سنة او الف سنة, اى دون تقييد زمنى عمليا. ويغدو المستأجر بمثابة مالك للارض, ولكنه ملزم بدفع الايجار في نهاية كل سنة. وبوسع المستأجر الاساسى اعادة تأجير هذه الارض الى شخص ثان او اقامة منشآت عليها. وكانت عقود الايجار هذه تتوارث من الاباء الى الابناء. ويرى عبد الرحمن الشريف ان هذه الشكل في الايجار كان الاوسع انتشارا في عنيزة. وعند تسليم ارض فيها اشجار, وهى في الاساس اشجار النخيل, فان بدل الايجار يحتسب وجود هذه الاشجار والبئر التى حفرها صاحب الارض. اما اذا تطلب الامر استثمار مبالغ اضافية فان مستأجر يغدو المالك الثانى للارض, ولكنه يدفع لمالك الارض الاول حصة محددة باعتباره بمثابة شريك له. وفى عادة تبلغ الحصة في مثل هذه الاحوال ربع الحصول. وبوسع مالك الارض ان يطلب من المستأجرين تخصيص عدد من اشجار النخيل فيها له.
واجرت الباحثة اليابانية موتوكو كاتاكورا التى عملت في وادى فاطمة بالحجاز في الفترة 1968-1970, دراسة ميدانية هامة حول الفلاحين في السعودية. وتقول الباحثة ان جزءا كبيرا من البدو المتطنين في وداى فاطمة كانت لديهم اراض (من 0.6 الى 2 هكتار) يستثمرونها بانفسهم. وكانوا يستأجرون الاراضى من ابناء عائلتهم, اساسا, وتقسم بين جميع الورثة مما يؤدى الى تقليص مساحة الاستثمارة الواحدة. وفي بعض الاحيان كان الاشقاء يشتكرون في حراثة الارض. عام 1946 اسست في وادى فاطمة شركة "عين عزيزية" برأس مال حكومى واهلى, وتولت جدة ومكة بالمياه. وتنازل كثيرون من ملاكى الارض التى تتوفر فيها عيون للمياه عن اراضيهم الشركة مقابل تعويض نقدى وانتقلوا الى جدة. وتقول كاتاكورا: "في وادى فاطمة يتضح بجلاء ان من يسيطر على الماء ايضا على اقتصاد الصحراء".
ان وجود عدة مالكين للماء ووجود مستأجرين ثانويين ووسطاء يشترون المحاصيل قد زاد من تعقيد القضايا المتصلة بملكية الارض واستثمارها في وادى فاطمة. وكان العمال الزراعيون يحصلون على 5-10 ريالات يوميا, وتزداد الاجرة اذا كانوا من ابناء القبيلة. وفي حالة عدم وجود ناظر مختص فان مالك الارض والمستأجر بقتسمان العوائد مناصفة. وتتعقد عملية الاقتسام بسبب نظام الوسطاء المتشابك. وفى بعض الاحيان كان الوسيط – المستأجر يتصرف كمزارع فيستأجر في هذه الحال عمالا زراعيين. تورد كاتكورا المثال التالى: استأجر تاجر ثرى اراضى خالية من الماء بثمن بخس من الفلاحين, وحفر آبارا عميقة ووضع مضخات ثم قام بتأجير الارضى نظير مبغ يزيد عشر مرات عما في السابق, وتولى استثمار قطع اخرى كمزارع. وفى بعض الاحيان كان المالك الاسمى يغدو المستأجر الثانى. كما ان بوسع المستأجرين المزارعيين استئجار اراضى الاوقاف. اعتبرت مزاولة بعض الاعمال "عيبا" على البدوى (القصاب, مربى الدواجن, الحلاق, الخادم, الاعمال اليدوية). وحينما استوطن بعض البدو في وادى فاطمة فان الآخرين اخذوا يسخرون منهم. ورفض البدو جميعا القيام بتشغيل المضخات والآبار, رغم ان الاجور كانت مجزية. وعمل اليمنيون ناظرين على المضخات والآبار, وبلغ عدد هم في وادى فاطمة عام 1970 اربعمائة شخص. حينما نضبت عيون كثيرة في اواخر الخمسينات واوائل الستينات, عاد البعض من المزراعين الى حياة البداوة.
سكن وادى فاطمة, علاوة على اليمنيين الاربعمائة, 64 فلسطينيا و28 اردنيا و12 سوريا و8 مصريين و5 عراقيين و4 سودانيين. وكان اكثرية الفلسطينيين والاردنيين والسوريين والمصريين من العمال المهرة والمعلمين والموظفين. وكان جزء كبير من المناطق الآهلة في وادى فاطمة متكونا على اساس قبلى. وبلغ مجموع السكان هناك عشرين الفا, ووصل عدد الاستثمارات الى 3744. وكان 30% من السكان ينتمون الى قريش و30% الى حرب و15 الى لحيان و10% الى الشيوف و5% من المعتوقين, وشكل المتبقون عشرة بالمائة. فغي قرية بشور بوادى فاطمة كان 33 رجلا فلاحين و6 عمالا زراعيين, بالاضافة الى معلمين وتاجرين وطبيب وامام و4 لا يزاولون عملا. وكان الكثير من سكان القرية يقصدون مكة للكسب اثناء موسم الحج. وكانت للشيخ, وهو ايضا مستأجر وسيط, الحصة الاكبر من الدخل,علاوة على انة تولى جباية نوع من الضريبة بوصفه ناظرا لاراضى الاوقاف, كما انه حصل على كمية من المياه لاراضيه تفوق حصة الآخرين. وزاولت نساء بشور الحرف وصناعة البسط والسلال والسجاد. واشارت كاتاكورا الى ان كل فلاحى بشور تقريبا كانوا مدينين. استأجرت اراضى الاوقاف رجل عمال ثرى من جدة كان يمتلك دكاكين لبيع الخضارض في جدة ومكة. ودرس ابنه في لندن ولكنه اعتزم العودة لمشاركة والده في اعماله. وعين المستأجر ناظرا للاشراف على 42 مزارعا اثنان منهما من سكان بشور. وتمثلت السلطة في وادى فاطمة بالامير وثلاثة موظفين علاوة على القاضى وشرطى وموظفين آخرين. وضم مكتب الدين مديرا وسبعة مفتشين. ويبدو ان ما تقصده كاتاكورا فرع هيئات الامر بالمعروف. وكانت الجمعية التعاونية تدير محطة للبنزين وتشارك في توزيع الاسمنت وبناء مقهى. كما كانت هناك دائرة بريد ومحطة هاتف.
وضم مجلس القرية 5-9 اشخاص, وفي عام 1961 شكل مركز التنمية الاجتماعية لتعليم المنتسبين مهنا جديدة, كما نظمت هناك احاديث حول اسس المعارف الطبية والوقاية, وارشادات للنساء. ازمة الزراعة. اتاحت امكانية جمع معلومات حول العاملين في الزراعة, وهى اشمل بكثير من المعلومات المتوفرة في العشرينات والثلاثينات, ناهيك عن المعلومات المتوفرة في مطلع القرن. بيد ان المعطيات الاحصائية تظل غير موثوقة اطلاقا, وينبغى التعامل معها بوصفها تقديرات تقريبية. تفيد معطيات مختلفة ان نسبة المشتغلين في الزراعة بالسعودية تراوحت في الخمسينات والستينات بين 1/8 و1/4 من السكان الاصليين القادرين على العمل, اما مجموع الاجمالى للعاملين في الزراعة وتربية المواشى (الرحل وشبه الرحل) فقد كان يتراوح بين 1/2 و2/3 من السكان. هذا علما بأن العدد الاجمالى للسكان الاصليين ف يهذا البلد الذى تساوى مساحته ثلثى مساحة اوروبا الغربية, يقدر ب3.5-4.5 مليون نسمة في الستينات و4-5 ملايين نسمة في السبعينات.
في اواسط الستينات كانت مساحة الاراضى المستثمرة في السعودية تتراوح بين 210 آلاف و300 هكتار (ثمة معطيات اخرى تتراوح بين 150 و500 الف هكتار)(102). وكان 20% فقط من هذه الارضى – في عسير وجنوب الحجاز – يتوفر له ما يكفى من الرواسب للزراعة. اما الثمانون بالمائة من الاراضى المستزرعة في الواحات كانت تروى من مياه الآبار والعيون والينابيع والسدود في الوديان. والتمر هو اهم المحاصيل الزراعية (المرتبة الرابعة في العالم) وتأتى بعده الحنطة والشعير والدخن والذرة والرز والعلف والخضروات والفواكه. وفي عسير كان يزرع البن بكميات قليلة.
انشئة عام 1937 في منطقة الخرج الغنية بينابيع المياه الزاخرة (وفق معايير نجد) مزرعة كبيرة بمشاركة خبراء عراقيين ومصريين. وجلبت الى هناك معدات زراعية وماشية لاغراض العمل او التكاثر. واقميت هناك منظومة حديثة للرى وبضعة حقول متخصصة على مساحة تقرب من الفى هكتار, حيث زرعت الحنطة والخضروات والبطيخ والشعير والعلف والتمر. وجرى تموين البلاط الملكى بخضروات المزرعة. وفي الفترة 1945-1959 اشرف على المشروع امريكان, ثم تولت الاشراف ادارة سعودية.
وفي بداية السينات شرعت الحكومة بانشاء خمسة مراكز زراعية: في جيزان والمدينة والقصيم والرياض والهفوف, وانيطت بها مهمة تقديم الارشادات للمزارعيين وتزويدهم بالمعدات والبذور والشتلات والاسمدة وتعليمهم مكافحة الآفات الزراعية. واسس عام 1964 بنك التنمية الزراعية الذى افتتح قبل عام 1973 ثمانية فروع و37 مكتبا في الارياف.
انتفعت من اجراءات الحكومة فئة الفلاحين الاغنياء الذين اصبحوا يزاولون العمل على غرار المزارع الامريكية, شرعت اكبر الاستثمارات بشراء المعدات الزراعية. وفي النصف الثانى من الستينات كان في البلد 277 جرارا و21 الف مضخة ميكانيكية.
في بداية السبعينات طرأ على الانتاج الزراعى بعض الزيادة, وخاصة في الاحساء والمناطق المتاخمة للعاصمة والقصيم. ولم تكن تلبية الطلب المتزايدة على الخضروات والفواكه ممكنة الا بفضل مزارع كبيرة ومتوسطة تستخدم المكائن والاسمدة. كما جرى انشاء حقول للدواجن ومؤسسات للحوم والالبان. واعطت مردودا عاليا مناطق النخيل الواسعة في الاحساء والمدينة وبريدة وعنيزة, وحقول الخضروات والبساتين في الاحساء والخرج والمدينة.
ولكن بالرغم مما اتخذته الحكومة من اجراءات (علما بانها كانت ذات طابع دعائى) وما حققته المزارع الرأسمالية من نجاح, فان الزراعة في البلد عموما عانت من العواقب المدمرة لتقلبات السوق واساليب الهندسة الزراعية والظروف الاجتماعية على حد سواء. فقد غزت السعودية المنتجات الرخيصة المتدفقة من بلدان اخرى. ولم تجرؤ الحكومة على زيادة الرسوم المستحصلة عنها خشية ان يؤدى ارتفاع الاسعار الى استياء واسع في اواسط السكان. بيد ان مزاحمة الاغذية المستوردة ادت الى تقويض المزارع الصغيرة وجزء من المزارع المتوسطة. فقد افلس مالكو ومستأجرو القطع الصغيرة من الاراضى لعدم توفر المال الكافى لشراء المعدات والاسمدة والبذور, ولجهلهم بالطرق الحديثة في الزراعة والظروف المستجدة ف يالسوق. ولوحظ في الواحات نقص في الايدى العاملة لان الفلاحين الشباب والنشيطين كانوا يهاجرون بوتائر سريعة الى المدينة للعمل في البناء او أجهزة الدولة او في قطاع الخدمات والتجارة.
وادى استخدام المضخات الميكانيكية في المزارعالكبيرة وزيادة استهلاك اليماه من قبل المدن والمصانع الى انخفاض المنسوب العام للمياه وجفاف الآبار وهلاك المزروعات والبساتين ووحات باكملها. ولم يتمكن الفلاحون الفقراء من شراء مضخات احدث وحفر آبار اعمق, لذا فانهم "اكتسحوا" من الانتاج الزراعى. وظهرت هناك مزارع كبرى تعود ملكيتها لاشخاص لا يسكنون الريف ويديرها مصريون او فلسطينيون ويعمل فيها يمنيون. واصبح بعض الفلاحين المفلسين اجراء في المزارع الكبيرة الرأسمالية النمط, بينما هجر البعض الآخر اراضيهم او باعوها وانطلقوا يبحثون عن الرزق.
الساحقة لقد كانت حصة الزراعة من الناتج الوطنى الاجمالى في تقلص مستمر. اذ تفيد حسابات اوزولينغ ان الناتج الوطنى الاجمالى محسوبا للفرد الواحد ارتفع في الفترة من 1964/1965 فقد ازداد من 80 الى 105 دولارات فقط. واذا اخذنا نسبة التضخم بنظر الاعتبار لوجدنا انه لم يكن عمليا اى نمو. واصبحت وازولينغ على صواب حينما يقول ان "الزراعة وتربية المواشى ما برح اكثر فروع الاقتصاد تخلفا ركودا". في "عصر البترول" راحت الزراعة في السعودية ضحية لتصادم قوى واتجاهات متباينة. ولم تعط المشاريع الحكومية وبناء السدود وحفر الآبار سوى مردود محدود بسبب تفشى الفساد في الاجهزة التى كانت تفرض اسعارا تزيد على الغالبية من الفلاحين والرحل تعانى من نقص مستمر في التغذية ومن الامراض. سعر الكلفة اضعافا, وبالتالى فان تلك المشاريع كانت في النتيجة خاسرة. ومن الاسباب التى عرقلت تطور الانتاج في الواحات كثرة الملكيات والاستثمارات الصغيرة واستمرارية العلاقات الاقطاعية وما قبل الاقطاعية التى تكبل الفلاحين. وكانت عدم ريعية توظيف الاموال في الزراعة بسبب مزاحمة الاغذية المستوردة, تقترن بتسرب الايدى العاملة الى المدينة. فقد كان البلد يستورد زهاء نصف ما يستهلكه من الاغذية. وفي هذه الظروف واجه القطاع الزراعى الهام في الاقتصاد اعقد المشاكل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
استمرارية انحلال الاقتصاد البدوى التقليدى وضمور الهيكل العشائرى
ان نمط حياة بدو الجزيرة العربية واقتصادهم الذى ظل قائما لاكثر من الف سنة, أخذ يتغير بسرعة في الاربعينات والخمسينات والستينات من القرن الحالى. فقبل تدفق عائدات البترول ادى تطور النقل الآلى في العربية السعودية وسائر بلدان الشرق الاوسط الى حرمان اصحاب الابل من الاسواق الاساسية للماشية, كما ادى قيام الدولة المركزية الى حرمانهم من العوائد التى يحصلون عليها من غزواتهم على المستوطنين والقوافل المارة. وفي اواخر الخمسينات ومستهل الستينات جاءت كارثة الجفاف لتسرع من انحلال الاقتصاد البدوى, وادت الى نفوق عدد كبير من الماشية والى افلاس البدو. واضطر البلد الى استيراد الاغنام والابل. وتفيد معطيات خبراء الجامعة العربية بان عدد رؤوس المواشى تقلص في المنطقة الشرقية, مثلا, عشرات المرات. اما الباحثون الامريكان الذين وضعوا "الدليل الاقليمى للعربية السعودية" فهم اكثر حذرا في تقديراتهم ويذهبون الى ان التقلص بلغ زهاء 20% وذلك بسبب الجفاف ونضوب المراعى وانتقال الشباب البدو الى المدن. ويستفاد من مصادر مختلفة انه كان في السعودية في اواسط الستينات 0.6-1مليون رأس من الجمال و4-6 ملايين من الماعز و0.25 مليون رأس من الابقار.
ويتفق الباحثون على ان عدد البدو الرحل تقلص بوتائر سريعة في الخمسينات والستينات سواء من حيث الارقام النسبية او المطلقة. ولكن عدم توفر احصاءات موثوقة لا يتيح الامكانية للتحدث عن هذه العملية بالدقة الكافية المسندة بالارقام. ويذكر "الدليل الاقليمى للعربية السعودية" ان تربية المواشى كانت في اواسط الستينات مصدر الدخل الرئيسى لنصف السكان رغم ان البدو الذين يقتصرون على رعاية الابل لم يكونوا يشكلون سوى 200-300 الف شخص من مجموع الكلى للسكان البالغ 4-4.5 مليون. حتى اواسط الستينات اضطرت جماهير البدو الرحل الى الحفاظ على تربية الابل, باعتبارها المصدر الوحيد الذى يعتمد عليه لاقامة الاود, وان كان على شفا الجوع, وذلك لعدم توفر بديل مقبول للعمل. ولكن السياسة الحكومية في مجال اسكان البدو لم تثمر سوى عن نتائج جزئية ومحدودة. وفي اواخر الستينات اقر برنامج لعشرين عاما نص على التوطين التدريجى لزهاء 60 الفاسرة بدوية (400-500 الف نسمة) بيد انه لم ينفذ. فان مصادر المياه المتوفرة كانت عاجزة عن ارواء مساحات جديدة من الاراضى بدون توظيف مبالغ طائلة, علما بان خيرة الاراضى كانت مستثمرة بالفعل. ولما اقبل البدو على التوطن. وحصل ان البدو الذين لم يعتادوا ممارسة الزراعة, كانوا يعودون الى نمط حياتهم السابق بعد ممارسة العمل الحقلى موسمين او ثلاثة دون تحقيق ازدراء البدوى بعمل الفلاح. ولكن العودة الى حياة البداوة كانت في الستينات استثناء وليس قاعدة. وكما هى الحال بالنسبة لسائر فئات السكان فان البدو تأثروا بالصناعة النفطية. ففى الثلاثينات بدأت شركات البترول تستخدم البدو كادلاء في البدايةثم كعمال غير مهرة. ولكنها سرعان ما تيقنت من انهم يمارسون العمل الاول برغبة ورضا, بينما يعزفون عن الثانى. واقبل البدو على سياقة السيارات اذ ان استبدال مقود الابل بمقود السيارات لم يبد امرا مهينا حتى لابناء الشيوخ, بل كان متماشيا مع نفسية البدوى. افتتحت ارامكو دورات خاصة لتعليم شباب البدو قيادة وتصليح الشاحنات. وفي الخمسينات والستينات شجعت الحكومة بيع السيارات للبدو فأخذ بعضهم يبيع الابل ليشترى شاحنات. وبفضل عطايا الملك النقدية والعينية تسنى للمشايخ شراء وسائط النقل. وصارت تستخدم في نقل المياه الى المراعى او نقل الاغنام والماعز من مرعى الى آخر.
اكتشفت مصادر جديدة للمياه بفضل اعمال الحفر التنقيبى الحثيثة. ولم تعد هذه المصادر تعتبر لقبيلة بعينها, بل صارت تقام حولها خيام يسكنها افراد وافخاذ عديدة, واصبحت تضمحل شيئا فشيئا حدود الديرة التقليدية, اى اراضى القبائل التى كانت ترسم حدودها وفقا لوجود المراعى والينابيع. اخذت الحكومة تزود البدو ببذور البرسيم لزراعتها ف يالوديان بعد هطول الامطار. وجرى تعويد على تجميع احتياطى من الحشائش تحوطا للجفاف, مما يساعد ىعلى التحول من نمط شبه المتحضر وشبه البدوى في تربية المواشى. شرع البدو الرحل سابقا يقيمون مضاربهم بالقرب من البلدات والمدن التى يقيم فيها العاملون في حقول النفط, واخذوا يشاركون في خدمة هذه الحقول ويزاولون الزراعة. وانشأ البدو يقيمون بيوتا طينية, وظهر في مرابعهم مسجد ومدرسة ابتدائية ودكان او اثنان. ان تطور المدن وازدياد الطلب على اللحوم والتحسن في مجال توفر المياه واستخدام الشاحنات, مكنت جميع البدو من تغيير تركيبة قطعانهم. فلئن كانت تربية الابل تعد قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية العمل الرئيسى لاكبر قبائل البدو في السعودية, فان هذه القبائل تحولت تدريجيا, منذ الخمسينات والستينات, الى تربية الاغنام. ويعزى ذلك الى ان تربية الاغنام تتطلب قدرا اقل من الحل والترحال وتتيح للرجال والنساء على حد سواء ممارسة اشغال اخرى, يتعذر القيام بها على مربى الابل. واصبحت تربية الاغنام عملا مربحا.
فيما مضى كانت تربية الماعز والاغنام وقفا على الاقوام شبه الرحل والقبائل "الوضيعة", وتعتبر دليل مركز اجتماعى واقتصادى ادنى. ولكن في اواخر الستينات اصبح مالكو القطعان الكبيرة من الماعز والاغنام من اثرى الرحل واكثرهم نفوذا. وجرى استخدام القوة المأجورة على نطاق متسع في رعاية القطعان. ومع تغير النشاط الاقتصادى تعاظم الانقسام الطبقى في القبائل . فقد كانت قبيلة آل مرة تعتبر من آخر القبائل البدوية النقية في السعودية, وتعتاش حتى الآونة الاخيرة من تربية الابل حصرا. ولعبت عزلة الربع الخالى, الذى ترتحل فيه, وقساوة ظروفه الطبيعية دورا هاما في استمرارية النشاط الاقتصادى التقليدى, اذ ان الجمال فحسب تحتمل ظروف هذه المنطقة.
ولكن حتى في هذه القبيلة أخذ الجهاء والفقراء يزاولون تربية الاغنام, واصبح الفقراء اول النازحين عن القبيلة, هذا بينما آثر "المتوسطون" الحفاظ على نمط الحياة السابقة. وقد شرع الوجهاء ببيع الابل او توزيعها على الاقارب والزبائن, بغية تربية الاغنام, واستخدموا لهذا الغرض الاجراء. واعتبر من عمل بتربية الاغنام من آل مرة مكافئا لمربى الابل من الناحية الاجتماعية. نزح عدد لا يستهان به من رجال آل مرة الفقراء الى المدن لغرض الكسب, ولكنهم عادوا الى ديارهم فيما بعد. واشترى بعض منهم شاحنات وزاولوا تربية الاغنام. لئن كانت الحال هكذا في قبيلة آل مرة البدوية النقية, فان من السهل التكهن بان هذه العمليات جرت بوتائر اسرع واكثف في قبائل الرحل الاخرى الاقرب الى مراكز استهلاك المنتجات الحيوانية لديها مصادر اوفر من المياه. اتاح استخدام الشاحنات في تربية الاغنام الامكانية لبعض الاسر للتوطن في القرى. واخذ الوهن يدب في صلات القربى داخل القبائل لان مربى الاغنام نادرا ما يرتحلون سوية مع رعاة الابل. في بعض الاحيان كان مربو الاغنام يعودون الى مراعيهم القديمة صيفا, ولكن في الاغلب كانوا يمكثون قرب الآبارالجديدة حيث يسكن ابناء قبائل اخرى. وادى الانفصال الاقتصادى عن رعاة الابل والتخالط مع القبائل الاخرى والاشغال الجديدة الى قيام روابط اجتماعية جديدة وتغير نفسية الرحل. واصبح تزاوج ابناء وبنات العمومة اقل انتشارا بين البدو. ان التغيرات في النشاط الاقتصادى في ظروف الامن النسبى الذى توفره الدولة المركزية ادت الى اضعاف تبعية الاسر البدوية للتنظيم العشائرى الحربى الديمقراطى. وتقلص حجم الوحدة العائلية القائمة بذاتها اللازم لبقائها على قيد الحياة. وادى العمل في المدينة الى المزيد من الوهن في الصلة بين الخلايا العائلية المنفصلة والقبيلة . وتأثرت السيكولوجيا العشائرية بوسائل الاعلام, اذ ظهرت اجهزة الراديو والتلفزيون في المضارب. وكان الاطلاع على القيم الاجتماعية الجديدة متقدما في بعض الحالات على تغير النشاط الاقتصادى. وتسرب من التنظيم العشائرى انشط افراده منجذبين الى الوظائف المجزية في القوات المسلحة والشرطة او في جهاز الدولة البيروقراطى مزودة الحرس الوطنى والهجانة والشرطة بكوادر الضباط, كما زاول بعض ممثليها التجارة. واصبحت هيبة المناصب الجديدة والرواتب العالية عاملا منافسا لمشاعر الافتخار بالنسب وكرم المحتد.
وبغية الاحتفاظ بولاء علية البدو دأب السعوديون على مدهم بالاموال مقابل الكف عن مهاجمة المتوطنين وجباية الاتاوات من القوافل. وتزايدت هذه العطايا مع تزايد عوائد البترول. واصبح الاخلاص للملك والقرب من ديوانه مؤشرين على رفاهية العلية ومكانتها الاجتماعية, الى جانب ما توفره لها مكانة ملكيتها من المواشى أو الاراضى ف يالواحات, وسطوتها داخل القبيلة وارتكازها على بقايا البنية الحربية الديمقراطية. وانتقل عدد من شيوخ قبائل البدو الى المدن ومارسوا البزنس, مما ادى ايضا الى اضعاف الروابط العشائرية التقليدية .
بيد ان الوهن الذى اصاب التنظيم العشائرى لم يعن اندثار عامل صلات العشيرة والدم من مجتمع الجزيرة. فحتى في المدن احتفظ ابناء كل قبيلة بروابط التعاضد والتضامن, وكانوا يؤثرون ان يسكنوا ويعملوا سوية ويتفاخرون بنسبهم على ابناء العشائر الاخرى او على "مقطوعى الاصل" . وظلت صلات الفخذ والعشيرة تحدد دور الفرد ونجاحاته واخفاقاته في الجهاز البيروقراطى والجيش والشرطة بل وحتى في ميدان الاعمال. وفي الخمسينات لم يكن البسطاء من البدو يحصلون الا على جزء يسير من الاموال التى تقدمها الاوساط العليا. وقد كتب عن ذلك الامير طلال الذى تزعم في الستينات رابطة "الامراء الاحرار" في كتابه "رسالة الى مواطن". كما اشار الباحث فليبى الى ان "سبيل الثروات الاسطورية لم يعد على الصحراء الا بنزر يسير من الفوائد الفعلية. فقد ظل التعليم والخدمات الصحية بمنأى عن البدوى. ورغم ارتفاع اسعار المنتجات الحيوانية, فان مستوى حياة البدو انخفض". وقد ادركت الاسرة السعودية الحاكمة خطورة تعاظم الاستياء بين البدو, فشرعت منذ الخمسينات باتخاذ تدابير للحد من التأثيرات السلبية لازمة الاقتصاد البدوى. وبفضل عوائد البترول تسنى للدولة تقليص الزكاة الى النصف. وكان عشرات الآلاف من البدو يقيمون مضاربهم حول الرياض ومدن اخرى وتتولى الدولة اطعامهم لمدة اسابيع أو اشهر. وفي مستهل الستينات كانت الدولة تمون اكثر من نصف مليون بدوى, واستمر العدد في الارتفاع خلال الستينات والسبعينات. نشأ وضع غير طبيعى: اذ ان النشاط الاقتصادى لشريحة لايستهان بها من السكان توقف او تحول الى مصدر ثانوى للدخل, ولكن لم يستض عنه بمصدر آخر. وصار عشرات الآلاف, ان لم نقل مئات الآلاف, من البدو يعيشون اضطرارا متطفلين على حساب جزء من الريع النفطى كانت الطبقة الحاكمة تقاسمهم اياه.
نشوء الطبقة العاملة السعودية وخصائصها. العمل المأجور
ان نشوء سوق الايدى العاملة المأجورة هو عملية طويلة الامد تنضج خلالها هذه السوق في احشاء المجتمع السابق للرأسمالية, وتتضمن العملية المذكورة : انعزال المنتجين المباشرين عن وسائل الانتاج طوال عقود بل وقرون احيانا, وزيادة نسبة السكان العاملين في الصناعة والتجارة مع ما يقترن بذلك من دربة مهنية مناسبة وتغيرات اجتماعية سيكولوجية, والتوسع التدريجى في ميدان استخدام العمل المأجور. ولقد جرت ههذ العملية في العربية السعودية بسرعة بالغة, خلال حياة جيل أو جيلين ورافقها هدم موجع للنمط القديم.
منذ اللحظات الاولى احتاجت ارامكو الى اليد العاملة المحلية, ولكن لم تتوفر في المجتمع الاقطاعى العشائرى سوق فعلية لها. بيد ان الاعمال التى عرضتها الشركة كانت تعد بتحسين الاحوال المادية والوضع الاجتماعى لبعض فئات السكان الذين تركوا مهنهم السابقة (ووسائل الانتاج ان كانت لديهم) واصبحوا العمو الفقرى للقوى العاملة ونواة الطبقة العاملة المحلية المقبلة. عام 1965 كان 7.6% من عمال ارامكو ينحدرون من اصل بدوى و23.4% يعتبرون انهم على صلة بالعشائر و44.8% من الفلاحين, اما القسم المتبقى فهم من صيادى الاسماك والبحارة والغطاسين الباحثين عن اللؤلؤ والحرفيين والتجار. واشتغل كعمال لدى الشركة ابناء العشائر "الدنيا" مثل العوازم والشرارات وفلاحون واجراء زراعيون او حرفيون من ابناء الطائفة الشيعية في المنطقة الشرقية. ولم يكن هؤلاء "يزدرون" بالعمل الجسدى و ب"الكفار" من الاجانب. وفيما بعد يخص البدو "الكريمى المحتد" أو المتوطنين من الوهابين المتعصبين, فقد دفعهم الى العمل الجوع والفاقة. وكما اسلفنا فان البدو عملوا كحراس وسواق وعمال كهرباء, بيد انهم لم يكونوا مكيفين لممارسة العمل الجسدى المضنى او الرتيب الممل. في مطلع السبعينات استقر عدد العاملين لدى ارامكو في حدود 11-13 الفا. ان تمركز الطبقة العاملة الفتية في مؤسسة واحدة وظروف العمل الشاقة وانخفاض مستوى الاجور, هذه العوامل جميعا ساعدت على تحقيق الخطوات الاولى في تنظيم العمال ونضالهم دفاعا عن حقوقهم. وغالبا ما كان العمال الوافدون من البلدان العربية على درجة اعلى من الوعى البروليتارى والخبرة التنظيمية. وبعد اضطرابات عامى 1953 و1956 قامت ادارة ارامكو والسلطات السعودية بممارسة البطش والتنكيل ضد العمال. وسرح العمال "المشتبه بهم سياسيا" والذين ادرجوا في القوائم السوداء. بيد ان البطش والملاحقة والضغوط والتمييز لم تكن تمثل سوى جانب واحد من جوانب نشاط الشركة والسلطات السعودية الرامى الى الحيلولة دون حصول تحركات عمالية. وقد كانت الارباح التى تحصل عليها ارامكو في السعودية طائلة وعدد العمال ضئيلا الى حد بحيث صار بوسعها زيادة اجورهم بنسبة كبيرة. وشملت الزيادة بالدرجة الاولى العمال المهرة, والذين اصبحت اجورهم منذ اواخر الخمسينات اكثر من رواتب صغار موظفى الدولة ورجال الشرطة, وتزيد عن اجور العمال غير المهرة ب4-6 مرات. وفي السنوات التالية ظلت نسبة زيادة اجور العاملين لدى ارمكو ومستوى حياتهم اعلى من زيادة دخول سائر العاملين بالاجرة. في اواخر الاربعينات عمل في ارامكو عشرة آلاف سعودى غالبيتهم من العمال غير المهرة. وبعد مضى عشر سنوات صار ثلثا السعوديين من العمال المهرة وشبه المهرة. وخلال الفترة ذاتها اسندت الى 44 سعوديا مناصب هامة في الشركة وعين زهاء ثلاثة آلاف سعودى في الحلقات الوسيطة. وظل عدد السعوديين المشتغلين بشكل دائم في ارامكو كعمال او موظفين في ارتفاع مستمر بلغلا عام 1964 نسبة 80% من مجموع العاملين (12800), وازدادت النسبة عام 1970 الى 83% (من مجموع 10353). واصبح كثيرون من السعوديين يعملون جيولوجيين ومهندسين وفنيين واطباء وحفارين ومحللين في المختبرات. وكانت التغيرات في البنية العامة للقوى العاملة بارامكو ناجمة عن الارتفاع الملموس في الكفاءة المهنية للسعوديين العاملين في مجالات البترول والذين جرى تأهيلهم في مراكز تدريبية وورشات بمناطق استخراج البترول وفي خارج البلد. ففي عام 1971 بلغت نسبة الفنيين ورؤساء العمال والمهندسين والدراء 14.5% (مقابل 0.1% عام 1952) من المجموع الاجمالى للسعوديين في ارامكو, ونسبة العمال المهرة 59.4% (مقابل 3% عام 1952) والعمال غير المهرة 26.1% (96.9% عام 1952). وارتفع معدل الاجر السنوى للسعوديين في ارامكو من 3800 ريال عام 1953 الى 10700 ريال عام 1964, واصبح من اعلى المستويات في البلد. وفي عام 1971 بلغ معدل الاجر السنوى لكل سعودى عامل لدى ارامكو 17800 ريال. وعلاوة على ذلك اخذت ادارة الشركة تدفع للاشخاص الذين امضوا مدة طويلة في العمل "النزيه" علاوات ومكافآت خاصة وتوفر لهم بيوت السكن المزودة باسباب الراحة, او تمدهم بسلف تسدد على اقساط لشراء بيوت. وكانت الشركة تتولى تسديد جزء من القروض المقدمة لشراء بيوت, وفي نهاية عام 1970 كان 88% من جميع السعوديين العاملين لدى ارامكو يمتلكون بيوتا. وبذا يصبحون مدينين للشركة, الامر الذى ثبت الملاك عمليا. كما قامت ارامكو بافتتاح مستشفيات ومدارس ومستوصفات, وبتشجيع منها مارس جزء من العمال التجارة. وبذا انخفضت الى حد كبير الروح الكفاحية لدى عمال ارامكو. وبعد ان تخلصت الشركة, بمساعدة السلطات السعودية من العمال النشطاء سياسيا قامت ب "شراء" الآخرين وانقذت نفسها مؤقتا من التحركات العمالية المنظمة. نتيجة للسياسة الموجهة التى اتبعتها ادارة الشركة والحكومة السعودية جرى تحويل جزء كبير من الفصيلة الطليعية للبروليتاريا السعودية الى "ارستقراطية عمال". ولم تكن الظروف الاجتماعية السياسية العائق الوحيد في طريق تكون الطبقة العاملة السعودية, اذ ان ضيق سوق العمل المأجور الناجم عن قلة عدد السكان قد لعب دوره ايضا. ويذكر "الدليل الاقليمى" ان العاملين بالاجرة كانوا يشكلون ربع المجموع الكلى للفاعلين اقتصاديا الذى بلغ مليون شخص عام 1965.
وبالمقارنة مع البلدان النامية الاخرى فان نسبة العاملين في القطاع الزراعى كانت في السعودية اوطأ, اما نسبة العاملين في حقل الخدمات فهى اعلى. وفيما يخص البنية الاجتماعية في المدن فان العاملين في الصناعة كانوا يشكلون نسبة ضئيلة في حين ان جهاز الدولة متضخم للغاية. وتشكلت الفئات الدنيا من سكان المدن من اشباه البروليتاريين القادمين اغلبيتهم من الارياف (الفلاحون البدو) والاميين وغير المؤهلين. وقد استخدموا كعمال دائمين أو مؤقتين غير مؤهلين في البناء والتجارة والخدمات, ولكن كثيرين منهم كانوا يتقاضون اعانات من الحكومة. وفي اواخر الستينات ومطلع السبعينات وضع في البلد حد ادنى رسمى لاجرة العامل قدره ستة ريالات في اليوم, ولكن اصحاب الاعمال لم يكونوا عادة يتقيدون به وخاصة بالنسبة للعمال الاجانب. وحتى اذا اعتمدنا الاحصاءات الرسمية لوجدنا ان الحد الادنى لأجور العمال السعوديين في التجارة بلغ 200-210 ريالات شهريا ولغير السعوديين 120-180, وفي الخدمات 130-170 ريالا للسعوديين و140-150 لغيرهم. وكان الوضع افضل بكثير للعمال شبه المؤهلين اذ كان هناك طلب مستمر عليهم. وفي المتوسط كان الواحد منهم يتقاضى 300-400 ريال شهريا في القطاع الخاص (باستثناء الصناعة النغطية) و600-700 ريال في مؤسات الدولة. ويدانى هذه الفئة من حيث المداخيل موظفو المكاتب الذين تراوح مرتبهم الشهرى بين 300-500 ريال. وعموما كانت هذه الفئة من العاملين بالاجرة توفر الحد الادنى للمعيشة. اما العمال المؤهلين فقد كانوا يحصلون وفق المعايير السعودية آنذاك, على مداخيل كبيرة: 700-1000 ريال شهريا وتصل الى 1500 ريال لذوى المهارة العالية.
كيف كانت صورة البنية الاجتماعية لمدينة في وسط الجزيرة, مثلا, وما هى الامكانات التى كانت متوفرة فيها لانشاء سوق للعمل المأجور؟ يمكن اسخلاص الجواب من دراسة اجراها الباحث الاجتماعى السعودى عبد الرحمن الشريف في عنيزة في اواسط الستينات. كان في المدينة آنذاك 216 حرفيا و350 صانعا, اى ان عدد الاسر المعتاشة على الحرف يقرب من 560 (18-20% من سكان المدينة). هذا ما يقوله الباحث, ولكن يبدو لنا ان عدد الاسر كان اقل اذ غالبا ما يعمل الابناء مع ابيهم والاخوة مع اخيهم. ويدرج الباحث في فئة "الحرفيين" القصابين والنجارين والخبازين والدباغين والبنائين والحمالين والصباغين والحدادين والميكانيكيين والحاكة والحلاقين واصحاب الكاراجات وورش تصليح السيارات والطحانين والغسالات والكهربائيين.
واشار باحثون آخرون الى ان نظاما غير دقيق للتصنيف الحرفى كان قائما في السعودية, وكان لدى تجار شيوخ سيمثلونهم في مجلس المدينة ويتابعون المواصفات ونوعية البضائع والتقيد بالعرف التجارى.
وفي مطلع الستينات كان في عنيزة 23.5 الف نسمة ويزيد عدد النساء بثلاثة آلاف عن الرجال الذين غادر كثيرون منهم الى مناطق اخرى بحثا عن الرزق.
كانت عنيزة مركزا تجارايا كبيرا نسبيا ومن اضخم المراكز في نجد, ولبيوتاتها التجارية صلات مع الرياض والدمام وجدة ومكة والمدينة, وكذلك مع العراق والكويت وسورية.
تكون في المدينة حى خاص سكنه 500 بدوى, الكثيرون منهم وفدوا من هجر الاخوان السابقة. وصار البدو موظفين صغارا وانتسبوا الى الجيش, وتعلموا السياقة. واضطر بعضهم الى ان يصبحوا بنائين وعمالا زراعيين ورعاة, ولكن الازدراء البدوى التقليدى بالعمل الجسدى والحرف ظل قائما. وبالاضافى الى ذلك اصر البدو على عدم التزاوج خارج اطار القبيلة ولم يزوجوا بناتهم حتى لاثرياء الحضر. ولكن فرص الاغتناء الاقتصادى وتسلق السلم الوظيفى المتوفرة للحضر جعلت الكثيرين منهم يتعالون بدورهم على البدو .
لقد توفرت في مدن الجزيرة المستلزمات الموضوعية لقيام سوق محدودة للعمل المأجور. وكان الصناع والعمال غير المؤهلين والفلاحون المفلسون والبدو مرشحين لان يصبحوا روليتاريين. ولكن ثمة مشاكل ذات طابع اجتماعى نفسانى تعترض سبيل نشوء الطبقة العاملة. ويطرح عدد من الباحثين الامريكان رأيا جازما مفاده ان "قابلية العمل لم تكن مرتبطة بالوضع الاجتماعى في السعودية. والارجح ان من كان يسمح لنفسه بعدم مزاولة عمل كان في موضع اجتماعى ارقى ... فان للعمل في العربية السعودية مكانة واطئة في حين ان الناظر او المساهم في اتخاذ القرارات السياسية كان في موقع ارقى. لذا ظلت الخدمة في اجهزة الدولة العمل المنشود. فحتى صغار الموظفين يتمتعون بالاحترام ... وفي العادة فانه كلما ارتفع مقام الشخص قل عمله. وينطبق هذا بشكل خاص على الجهاز الحكومى. فالموظف الذى يتسنم اعلى في جهاز الدولة يكون له امكتياز مباشرة العمل في وقت متأخر والانصراف قبل الآخرين, ولديه متسع اكبر لتسلية الزوار".
وقد كانت النزعة "الابوية" في السعودية عاملا قائما في العلاقات بين ارباب العمل والعمال. اذ كانت الروابط العائلية والوضع الاجتماعى متقدمة على اعتبارات الاهلية والفعالية. ولعبت الروابط الشخصية العائلية دورا هاما في التوظيف . وكان رب العمل يمثل السلطة والهيبة وعليه في الوقت ذاته الاهتمام باحتياجات العمال. كما انه يفقد هيبته اذا لم يبد تشددا وصرامة. ولكنه كان يفقد الاحترام والتعاطف اذا لم يساعد العامل عند مرضه او زواج ابنه او لم يسد له النصح والمشورة .
وكان رب العمل ينتقى عماله من بين افراد عائلته ومعارفه. ورغم ان هذا التقليد ظل معمولا به في الشركات التجارية والصناعية الصغيرة, فان استخدام العمال "بصرف النظر عن الروابط الشخصية" صار متبعا يف المؤسسات الكبيرة في الستينات . ويشير "الدليل الاقليمى" الى ان "الصناعى كان يطلب من العمال الامانة والدقة والاستعداد للخضوع للسلطة والنظام المعمول به بصرف النظر عن العوامل الشخصية, وكانت تلك كلها امورا غريبة على ابناء البلد العرب القادمين من الارياف الذين لم يعتادوا ساعات العمل المنتظمة وكانوا ينتظرون معاملة ابوية من رب العمل". بيد ان مؤلفى الكتاب التزوما الصمت حول ما جابهه السعوديون في ارامكو: فعوضا عن "العلاقات الابوية" تعرضوا لاستغلال بشع ذى طابع استعمارى. وقد آثر المؤلفون ان يتناسوا كون الشركة كانت في السنوات العشر الاولى لمزاولتها تدفع للسعوديين اجورا ضئيلة للغاية مستغلة الفقر المتفشى بين السكان, ولم تسمح بمجرد التفكير بحقوق العمال.وقد ارغم العمال الشركة والحكومة السعودية على زيادة الاجور, بعد نضال عيند ظهرت ابانه البذور الاولى لوعى الطبقى.
وادى الانفجار البترولى وازمة الزراعة وتربية المواشى وظهور اعمال جديدة في المدن وارتفاع مستوى الحياة فيها الى تمدن سريع في العريبة السعودية. وقد كان السكان دائما موزعين بشكل غير متساو في البلد, اذ ان غالبيتهم قطنوا المناطق الواقعة بين المدينة والطائف في سهل الحجاز الساحلى وفي عسير ونجد من بريده الى الخرج وكذلك في المنطقة الشرقية بين رأس التنورة وحرض. وزاد التمدن من التباين في توزيع السكان.
بلغ عدد سكان العاصمة السعودية الرياض زهاء 80 الفا عام 1955 وازداد الى 162 الفا عام 1962 وبلغ في مستهل السبعينات 300-350 الفا, وبالنسبة لمكة بلغت هذه الارقام على التوالى 100 الف و159 الفا و200 الف, وجدة 80 الفا و148الفا و250-300 الف والمدينة 50 الفا و72 الفا و100 الف والطائف 8 آلاف و54 الفا و100 الف. وفي نهاية الستينات بلغ عدد سكان الهفوف والخرج زهاء الف, وميناء الدمام 40 الفا وميناء الخبر 35 الفا. الوافدون (الاجانب). بالرغم من مصاعب الاندماج في المجتمع السعودى اقام في السعودية عدد كبير من الوافدين وغير العرب: العبيد والمعتويقن من اصل افريقى واخلاف الحجاج الوافدين من بلدان مختلفة والذين استقروا في مكة وجدة.
وادى الطلب على الايدى العاملة الى اجتذاب اعداد متزايدة من الوافدين الجدد الى العربية السعودية, وخاصة المؤهلين. كما ان البلد بحاجة الى غير المؤهين لممارسة الاعمال الشاقة او المستهجنة. وصارت هذه الاعمال تسند الى يمنيين وسودانيين وصوماليين. اما الفلسطينيون والاردنيون والسوريون واللبنانيون فقد اصبحوا تجارا ومعلمين ومظفين واطباء ومهندسين وحرفيين. في مطلع الستينات عمل المصريون معلمين وموظفين ولكن اثر تدهور وقطع العلاقات بين البلدين توقف تدفق القوى العاملة المصرية مؤقتا. واستؤنف بعد تحسن العلاقات بين الرياض ونظام السادات. وفي النصف الثانى من السبعينات عمل في السعودية مئات آلاف المصريين في مختلف المجالات: من الطب والهندسة الى العمل اليدوى غير المؤهل. وفي السبعينات كان الوافدون يشكلون اكثر من نصف القوى العاملة في المدن. ومن الطبيعى ان نسبة الاجانب اكبر بين المهندسين والفنيين. فقد كان 60% من مهندسى وزارة المواصلات مصريين واردنيين ولبنانيين وسوريين. وكان الاجانب يشكلون الغاليبة الساحقة من مدرسى المعاهد العليا وجزءا كبيرا من معلمى المدارس وخاصة في الجهاز 60-70%, وفي النقل والموصلات 50% وفي البناء من 30-50% .
وعمل في ارامكو عدد كبير من الاجانب. ورغم ان عدد العرب السعوديين في ملاك الشركة ارتفع, الا انها استمرت في استقدام الاطباء من الهند والمحاسبين من الباكستان والمعلمين من الاردن ومصر والمترجمين من لبنان. وكان الفلسطينيون يشغلون الكثير من المناصب الهندسية الفنية وفي الحلقات الوسطية من جهاز الموظفين. وكانت نسبة السعوديين اقل في الشركات والفروع الاخرى.
وقد حظر على الاجانب العمل في المملكة دون اذن رسمى. والزم الاجانب بأن يدخل البلد بشكل شرعى وان يكون ممتلكا ناصية معارف او مهن يحتاجها البلد, وان يكون لديه عمل متفق عليه مسبقا. غير ان كثيرين دخلوا العربية السعودية بشكل غير شرعى, وخاصة من اليمنيين. وبلغ العدد الاجمالى للعمال الاجانب المسجلين عام 1963-76 الفا وعام 1965-144 الفا وعام 1967-165 الفا وعام 1969-231 الفا وعام 1970-320 الفا (169)., وفي نهاية 1972-700 الفا. ولا تشمل هذه الارقام سوى القوى العاملة "شرعيا" في المدن. وثمة تقديرات تفيد بان عدد الوافدين بلغ في النصف الثانى من السبعينات 2-3 ملايين. اى كان معادلا تقريبا لمجموع المواطنين البالغين. وربا عدد اليمنيين وحدهم على المليون ،وعمل في العربية السعودية اشخاص ينتمون الى 50 قومية, بينهم بضع عشرات الآلاف من الاوربيين والامريكان. ولم يكن هناك وضع مماثل الا في امارات الخليج النفطية وليبيا, ولكن ابعاد النزوح الى السعودية كانت اكبر. ان عواقب استيراد القوى العاملة بكميات كبيرة يصعب حصرها, ولكنها تعنى في المقام الاول ان وتيرة التغيرات الاجتماعية في العربية السعودية تتسارع وتنشأ تناقضات اجتماعية من نمط جديد. المعتوقون. القبائل "الوضيعة". النساء. لئن كان ظهور الصناعة النفطية في البلد والارتفاع الحاد في مداخيل الفئة الحاكمة, واتساع السوق الداخلية قد ادت الى نشوء نمط رأسمالى وبروليتاريا عصرية في البلد, فان نفسر هذه العوامل عززت مؤقتا في الاربعينات والخمسينات نمط العبويدة, رغم ان هذا الراى قد يبدو متناقضا. وقد تزايدت آنذاك الطلب على العبيد.
الغى الرق في العربية السعودية عام 1962 بضغط خارجى وليس داخلى, رغم بع ضالاصوات ارتفعت داخل البلد ايضا مطالبة بالغاء هذه المؤسسة الاجتماعية المخزية. وظل الرق عمليا موجودا في السعودية حتى بعد الغائه. ولكن ليس كنمط قائم بذلته بل كان يجرى ابقاء العبيد والاماء في عائلات الصفوة سرا. وحتى بعد الغاء العبودية لم يصبح العبيد مواطنين متكافئى الحقوق في السعودية التى ظل مجتمعها محافظا ىعلى صفات التقسيم الفئوى. ولكن ينبغى القول ان العبيد كان بامكانهم في بعض الاحالات بلوغ درجات عالية في السلم الوظيفى, كما هى الحال سابقا.
وظلت القبائل "الوضيعة": الصلبة (في الشمال) وهتيم والشرارات (في الحجاز (في الاحساء) وغيرها تعانى من الاجحاف. وكانت هذه القبائل ترفد البلد بالعمال والحرفيين لمزاولة "المهن المستهجنة" كالقصابين والحلاقين والموسيقيين والسمكريين. وحتى اذا تمكن بعض ابناء هذه القبائل من تجميع ثروة, فانهم ظلوا كالسابق لا يتصاهرون مع القبائل "الكريمة المحتد". فقد اسس عبد الله السليمان وهو شخصية معروفة من بنى خضر, صار وزيرا للمالية في عهد عبد العزيز, واحدا من اكبر بيوتات الاعمال في المملكة. ولكن ابناء القبائل "الرفيعة النسب" مثل عنزة وعتيبة وشمر وقريش, ناهيك عن آل سعود وارستقراطية القبائل, ظلوا يأنفون من مصاهرته.
ثمة سمات مشتركة للاوضاع الاجتماعية للوافدين والمعتوقين والقبائل "الوضيعة" والصناع والشيعة. اذ انهم ظلوا وكأنهم خارج المجتمع ولا يتمتعون بحقوق سياسية. من الاسباب التى ادت الى تفاقم الحاجة الى الايدى العاملة في السعودية وجود تقييدات كبيرة على العمل النسوى. فقد كانت اوضاع النساء تحدد طبقا للشريعة باكثر صيغها تشددا وصرامة وكان علماء الدين يفرضون رأيهم على السلطات بهذا الخصوص رغم تراجعهم في ميادين اخرى. في مطلع السبعينات اسست معاهد للتمريض في الرياض وجدة والهفوف, وازداد عدد التلميذات في المدارس. وكان المبدأ الرئيسى المعتمد يتمثل في توجيه النساء الى الفروع والمهن التى تكفل ان يكون اختلاطهن مع قريناتهن فقط.
فعلى سبيل المثال تخرج في معهد الادارة الحكومية منذ تأسيسه عام 1961 زهاء عرة آلاف موظف ولم تكن بينهم امرأة واحدة. تشريعات العمل. لم تعد احكام الشريعة الاسلامية قادرة على استيعاب علاقات العمل الجديدة التى تطلب تقنينها. ونظرا لنشوء الحركة العمالية اقرت الحكومة عام 1974 قانون العمل الذى كان في كثير من احكامه نسخة من القانون المصرى. وفيما بعد عدلت مواد كثيرة منه وادخلت اضافات. وكان من المفترض ان يسرى القانون على كل مؤسة صناعية اة تجارية او زراعية يزيد عدد العاملين فيها على العشرة. ان مجرد الاعتماد الشكلى لتشريعات عمل على غرار ما جرى في مصر حيث اثمر نضال العمال الطويل عن حصولهم على بعض الحقوق, كان بحد ذاته مكسبا هاما للكادحين السعوديين رغم انه اتضح منذ البداية ان حقوقهم منتقصة. لقد حدد القانون اسبوع عمل من ستة ايام ويوم عمل مدته ثمانى ساعات واجازة سنوية بمرتب لمدة عشرة ايام واجازة مرضية لمدة خمسة ايام. وحظر عمل الاطفال الذين دون العاشرة. وحددت مواد صلبة خاصة نظام العمل الاضافى واجوره والتعويضات في حالة الاصابة بعاهة اثناء الواجب. وجعل الحد الادنى للاجور 5 ريالات يوميا. ونص القانون على ان عقد العمل يمكن ان يكون تحريريا او شفويا. الوم القانون ارباب العمل على انشاء حوانيت خاصة للعمال ومدارس ومستشفيات ومكتبات ورياض اطفال.
وخولت وزارة المالية صلاحية تفتيش اية مؤسسة والحصول على معلومات من ارباب العمل والعمال عن ظروف العمل والحياة, ومطالبة ارباب العمل بتنفيذ احكام القانون. ونص القانون على ان استخدام العمال يجب ان يستند الى اذن خاص من وزارة المالية. في عام 1950 شكلت وزارة مديرية العمل في المنطقة الشرقية واصبحت دائرة مستقلة عام 1953, ثم ادمجت عام 1961 بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية عند استحداثها. ولم يمنح القانون العمال حق تشكيل نقابات, وفي عام 1956 صدر مرسوم ملكى خاص يحظر اضرابات العمال.
ومنح ارباب العمل حق تسريح العمال دون تبيان الاسباب. كما اهمل القانون حقوق النساء العاملات ولم يتطرق الى الرواتب التقاعدية. ولم يطبق الضمان الاجتماعى والتقاعد الا في مستهل الستينات .
ومع تطور واتساع نطاق العمل المأجور تزايدت نزاعات العمل التى تقرر ان تتولى النظر فيها هيئة تحكيم من عضوين يعين رب العمل احدهما وتعين الحكومة الآخر, ولكن الهيئة لا تضمض مندوبا عن العمال. وفي حالة اختلاف عضوى الهيئة فان الحكومة التى تزعم انها هى الحكم العدل تعين قاضيا اعلى مرتبة. ومن الناحية العملية كان المظفون الحكوميون يقفون الى جانب ارامكو عند نشوب نزاع بينها وبين العمال. فبخلاف ذلك يتهمون ب"النشاط الشيوعى" ويقالون من مناصبهم. وطالب في عرائض رفعت الى الملك بان تقوم مديرية العمل بحماية مصالح العمال بالفعل وليس بالقول . ويؤكد كتاب "قوانين العمل وتطبيقاتها في العربية السعودية" الصادر في الولايات المتحدة على ان "الاضرابات جرت بالرغم من الحظر. ونظمت غالبيتها في القطاع النفطى الصناعى المعقد في منطقة الحياد والمنطقة الشرقية. ورغم ان العاملين في حقول النفط كانوا يتمتعون بظروف عمل افضل من سائر فئات العمال, فانهم ناضلوا في سبيل مطالبهم باصرار متميز ولامد طويل" . وتولى تنظيم الاضربات في منطقة الحياد الكويتيون لان الاضرابات في الكويت لم تكن محظورة شكليا. وبلغ الاستياء اشده لدى عمال شركات المقاولة, التى مارست ابشع انواع الاستغلال ولم تراع قوانين العمل . وجاء في كتاب "قوانين العمل ..." ان "عمال النفط قاموا بالتظاهر والاعتصام وغادرة موقع العمل والمقاطعة وكتابة العرائض والنداءات الى مسؤولى الشركات, ولكنهم لم يلجأوا الى العنف. وقد اجريت حملة اعتقالات ووزج بزعماء العمال في السجن. وفي بعض الحالات كان العمال يسرحون والاجانب يرحلون لمجرد احتجاجهم باى شكل من الاشكال. كما اوقف العمل مرات عديدة". وكانت مطالب العمال ذات طابع اقتصادى وتتعلق بالمكافآت والخدمات الطبية والمواصلات والتغذية. في الستينات ادى ازدياد الاجور واعمال التنكيل المتواصلة الى اضعاف حدة نزاعات العمل. غير ان استياء العمال والنقد الموجه للنظام في خارج حملا الحكومة على ادخال تعديلات على تشريعات العمل. فان ازدياد عوائد النفط والنهوض الاقتصادى قد اتاحا للحكومة ورجال الاعمال الموافقة على تقديم بعض التسهيلات الاضافية للعمال. ونص القانون الجديد للمؤسسات التى يبلغ عدد العاملين فيها عشرة عمال أو أكثر والذى استن عام 1969, على يوم عمل من ثمانى ساعات واسبوع عمل من 48 ساعة و36 ساعة في كل اسبوع من شهر رمضان. وفى ارامكو وسائر شركات استخراج النفط وكذلك في بترومين حدد سبةع عمل من 40 ساعة مع عطلة لمدة يومين يف الاسبوع. وبلغت مدة الاجازات المدفوعة للعمال 21 يوما والاجازات المرضية 30 يوما تدفع كاملة و60 يوما يدفع خلالها ثلاثة ارباع المرتب. ونص القانون على منح العمال اذونات اذا اقتضت الظروف العائلية. وفي الصناعة النفطية بلغت اجازة العمال 28 يوما ووصلت اجازة المستخدمين الى الشهر. وحظرت المادة 75 تسريح العمال بدون اسباب, كما جعل الحد الادنى للاجور 10 ريالات يوميا. وبالاضافة الى ذلك راعى قانون مادة خاصة حول العاملات ولكن لم تكن لها اهمية تذكر لان استخدام عمل النساء كان محدودا للغاية, وحظر القانون اشتغال الرجال والنساء سوية.
وقد منع تشغيل من هم دون الثالثة عشر, وحدد يوم العمل للقاصرين بست ساعات. في عام 1969 ذاته وضع, الى جانب القانون المذكور, نظام الضمان الاجتماعى الذى اعتبر الزاميا بالرغم من معارضة رجال الدين. وقد جمع النظام. الى حد ما, بين اساليب الضمان الاجتماعى الحديث وتقاليد البر والاحسان الاسلامية. كان تشغيل العامل يتطلب استحصال اذن منمكتب العمل أو دائرة الاقامة. والزمت كل شركة يزيد عدد عمالها على المائة بتشغيل 75% من السعوديين على ان يتقاضوا ما لا يقل عن 51% من الاجور. وبناء على طلب بترومين كان ينبغى على الشركات المختلطة تشغيل نسبة مماثلة.
ان محدودية تشريعات العمل كانت بادية للعيان وذلك لان الاغلبية المطلقة من الكادحين السعوديين عملت في مؤسسات يقل عدد العاملين في كل منها عن العشرة. ولم يطبق القانون عمليا الا في كبريات الشركات. ويؤكد مؤلفو كتاب "قوانين العمل وتطبيقها في العربية السعودية" على ان "الكثير من مواد قانون 1969 ظلت حبرا على ورق".
اكدت المواد 189-191 على حظر الاضرابات واعلنت ان قيام العمال بنشاطات جماعية يشكل جريمة عقوبتها الحبس لمدة لا تتجاوز الست سنوات أو دفع غرامات كبيرة. شكلت عام 1969 هيئات للنظر في نزاعات العمل, وزاولت اعمالها جنبا إلى جنب مع المحاكم الشرعية. وكما في الماضى تولى موظفون حكوميون البت في القضايا, وفي حالة عدم توصلهم الى قرار تحال الى مكتب الشكاوى. وفي عام 1970 شكلت الهيئة العليا لنزاعات العمل .
التعليم. في اواخر الستينات اشار باحثون امريكان الى ان "التعليم العام ما زال في مرحلة الطفولة". وفي سنة 1956 كانت نسبة الذين يعرفون القراءة والكتابة اكثر بقليل من 5% . في عام 1954 كان 8% فقط من الاطفال الذين بلغوا سن الدراسة يرتادون المدارس. وانشأ الملك سعود في قصره بالرياض مدرسة على النمط الانجليزى لابنائه وخدمهم وعبيدهم. كما انشأ اخواه عبد الله وفبصل مدارس لاولادهما. ولكن تيقن حتى افراد الاسرة المالكة من ضرورة منح فرص التعليم ولو لجزء من السكان .
عام 1954 استحدثت وزارة المعارف واقيم نظام المدارس على غرار النظام المعمول به في اكثر البلدان العربية تطورا. وبلغت مدة الدراسة في المرحلة الابتدائية ست سنوات وفي المتوسطة ثلاث سنوات وفى الثانوية ثلاث سنوات. وفي النصف الثانى من الخمسينات لم يتخرج في المدارس الثانوية سوى بضع عشرات من التلاميذ. واستمر الاهتمام الاكبر في المدارس منصبا على دراسة القرآن والفقه, بينما اعتبر اهتمام اقل للطبيعيات والرياضيات. واوقد الملك عبد العزيز عددا من الشباب السعوديين الى الخارج وانفق على تحصيلهم. وبضغط من رجال الدين المحافظين حاول الملك سعود في بداية عهده نبذ هذا التقليد, ولكنه اضطر فيما بعد الى الاقرار بضرورة دراسة السعوديين في الخارج. وفي عام 1957 كان ما لايقل عن ستمائة سعودى يتلقون العلم في جامعات ومعاهد اجنبية (في مصر والولايات المتحدة وسورية ولبنان واوروبا الغربية). افتتح اول معهد دراسى عال في السعودية – كلية الحقوق الاسلامية – في مكة عام 1949. وكان برنامج الدراسة يكاد يكون مقتصرا على القرآن والحديث واللغة وتاريخ العرب. وانيطت بالكلية مهمكة اعداد المدرسين للمدارس الثانوية, التى كانت برامج العديد منها مماثلة لبرامج الكلية ذاتها وفي عام 1953 افتتحت في الرياض كليتا الشريعة واللغة العربية, لاعداد مدرسين وحقوقيين وقضاة .
افتتحت جامعة مدنية على غرار الجامعات المصرية في الرياض عام 1957, وكان كل اساتذنها من الاجانب, وصار عدد غير قليل من خريجها انصاراً لتحديث البلد.
صار التعليم يحظى بهتمام متزايد وذلك لنهوض بهيبة ولتوفير ما يحتاجه المجتمع من الاختصاصيين. في مستهل الستينات وفد من الخارج زهاء الفى معلم (194), وزاد هذا الرقم الى عشرة اضعافه بعد عشر سنوات تقريبا (195), ولكن طرحت مهمة قصر التدريس على السعوديين, ولو في المراحل الابتدائية. وفى عام 1973 كان في العربية السعودية 14 كلية لاعداد المعلمين ومعهدان لاعداد مدرسى الفمتسطة والثانوية .
بلغت نفقات التعليم عام 1959 مقدار 18 مليون ريال, وارتفع الرقم عام 1973 الى 1677 مليونا. وبعد ان كان عدد الدارسين في المدارس بكل انواعها لا يذيد عن 143 الفا عام 1963, فانه وصل عام 1973 الى 739.3 الف تلميذ, ولكن عدد البنات اقل من نصف عدد الصبيان. (وفي عام 1960 كان عددهن اقل بزهاء 25 مرة من عدد الصبيان) .
تزايد بسرعة عدد طلاب جامعة الرياض. اذ كان فيها عام 1960 حوالى 500 و15 من طلاب الدراسات العليا (في المعاهد الدينية 2200 طالب و260 طالب درسات عليا), اما في عام 1973 فقد بلغ عدد طلاب الجامعة 4400 (عدد طلاب الدراسات العليا غير معلوم ولكنه يربو على الثلاثمائة فيما يبدو). وفي سنة 1968/1969 افتتحت كلية النساء في جدة وجامعة عبد العزيز التى توزعت كلياتها على جدة ومكة. في عام 1973 بلغ عدد الطلاب في جامعة عبد العزيز زهاء 2500, وفي كلية النفط والمعادن بالمحافظة الشرقية قرابة 900 وفي الجامعة الاسلامية بالمدينة (حيث غالبية الطلاب من الاجانب) 660. ويستفاد من ارقام سنة 1971 ان عدد الدارسين في الكليات والمعاهد الاسلامية بلغ حوالى 11 الف طالب و500 طالب دراسات عليا. ورغم ان 60% من طلبة جامعة عبد العزيز درسوا العلوم التكنيكية الا ان الكثيرين اشتغلوا بعد التخرج في وظائف ادارية حكومية .
في الستينات والسبعينات تزايد عدد السعوديين الدارسين. في الخارج, وخاصة في الولايات المتحدة حيث بلغ عددهم 3-5 آلاف في اواسط البعينات . اسست اول مدرسة مهنية فنية عام 1949. وفي سنة 1960 انشئ في الرياض المعهد الفنى النموذجى الحكومى واستدعى اساتذة من الخارج للتدريس فيه. وانشئت مدارس فنية في مكة وجدة والدمام وبريدة والمدينة وسواها من المدن. ولم يكن التعليم مختلطا في اى من المراحل. ففى جامعة الرياض يسمح للفتيات بارتياد المكتبة ف يساعات خاصة, اما في جامعة عبد العزيز فقد كان تدريس الفتيات يجرى بواسطة, التلفزيون.
ان الطبقة الحاكمة التى ا طرت الى تطوير نظام التعليم, حاولت تحويله الى ادارة لتربية الدارسين بروح الولاء للمؤسسات الحكومية والاجتماعية التقليدية وللنظام بشكل عام. صدر عام 1970 البرنامج الخكومى المرسوم "سياسة التعليم" واكد على ان المهمة الاساسية للتعليم هى التعريف بالدين وجعل تصرفات الدارسين متماشية مع شرائع الدين واحتياجات المجتمع. ولكن مطالب علماء الدين المحافظين لم تعد تقبل دون تحفظات من لدن كل الفئات الاجتماعية. واصبح التعارض بين الافكارؤ السلفية المستندة الى التفسير الوهابى للاسلام وبين السعى للتحديث والتغيير الاجتماعى, وهو سعى ناجم عن انتشار التعليم, من عناصر التوتر في المجتمع السعودى.
ان التوسع السريع في التعليم الذى استدعته المستلزمات الموضوعية لتطور الرأسمالية صار بمثابة سهم ارتد الى نحر الطبقات الحاكمة التى كان جهل الجماهير من مقومات سلطتها. كما ان ارتفاع المستوى الثقافى والمعارف الانسانية والتكنيكية لدى سكان العربية السعودية, قد ادى الى تنامى المتطلبات الاجتماعية السياسية, وخاصة في ظروف تكاثر السفرات التى يقوم بها العديد من السعوديين الى الخارج, وانتشار اجهزة الراديو والتلفزيون, ووفود عدد كبير من الاجانب الى البلد. وتزايد باطراد عدد السعوديين الذين صار لديهم من سعة الافق القدر الكافى لطرح تساؤل حول مشروعية واحقية بقاء النظام الاقطاعى العشائرى القديم والقيم الاجتماعية المهترئة.