تاريخ العربية السعودية - فاسيلييف - الفصل الرابع عشر

من معرفة المصادر

الفصل الرابع عشر: امتيازات النفط

كان الحج المصدر الرئيسي لعائدات المملكة ، لذا فإن تقلص عدد الحجاج بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية جعل المالية السعودية في حالة يرثى لها . وقد أقامت الحكومة محطات الإذاعة وحسنت إسالة المياه في جدة واشترت سيارات ، فبلغ إجمالي ديونها 300-400 ألف جنيه استرليني ، وتوقفت عن تسديد ديونها ، ولم تفلح محاولاتها للحصول على قروض جديدة .

في هذه الأثناء استغل فيلبي صلاته الشخصية بالملك فأقنعه أن يلتقي بالمليونير الأمريكي كراين الذي كان يقوم بجولة في البلدان العربية بحجة سعيه إلى القيام بأعمال البر والإحسان . ويبدو أنه كان على صلة بشكرات البترول الأمريكية ويعمل على جس النبض تمهيدا لتوغلها في منطقة جديدة عليها تماما . ورافق كراين بصفة مترجم في جولته ج. أنطونيوس الذي ألف فيما بعد كتاب (يقظة العرب) . كما أوفد المليونير الأمريكي الخبير الجيولوجي تويتشيل إلى السعودية تحت ستار التنقيب عن الماء .

ربيع عام 1932 اكتشف تويتشيل ترسبات نفطية واعدة في منطقة الظهران ، فعاد إلى الولايات المتحدة ليحيط شركات البترول علما بذلك .

بدأت بواشر عهد جديد في تاريخ العربية السعودية ، عهد سيحدث في مجتمعها تأثيرا لايمكن مقارنته من حيث أبعاهده إلا بتأثير الإسلام ، غير أن القوى المحركة لهذه التحولات كانت خارج الجزيرة العربية ، إذ أن أصلها يعود إلى تحول اقتصاد القرن العشرين إلى وقود جديد هو النفط الذي بدأ البحث عنه في كل بلدان العالم .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الاحتكارات الأمريكية في الشرق الأوسط في العشرينات

قبل عام 1920 كانت الشركات الاحتكارية إما غير مكترثة بالاحتياطات النفطية خارج بلدها أو تمني بإخفاقات في محاولاتها للحصول على امتيازات في النصف الشرقي من العالم بسبب قيود السياسة الوطنية والاستعمارية للدول الأوروبية وشركات النفط الخاصة . ولكن الشركات الأمريكية أخذت تهتم اهتماما كبيرا بعد عام 1920 بالرواسب النفطية في الخارج ، بدافع مخاوف ذات طابع مزدوج : فهي تخشى نضوب النفط في الولايات المتحدة من جهة وتخاف أحكام السيطرة الإنكلوهولندية على موارد النفط العالمية من جهة أخرى . ولكن السبب الرئيسي هو أن الشركات المذكورة لم تشأ أن تظل بمنأى عن استثمار حقول النفط الرخيص الموجودة في مواقع قريبة من الأسواق الهامة .

عام 1920 قال فيريش الذي صار فيما بعد رئيسا لشركة (ستاندارداويل اوف نيوجرسي) أن النفط يوشك على النضوب في تكساس واوكلاهوما . وفي العام نفسه تنبأ وايت ، كبير خبراء الإدارة الجيولوجية في الولايات المتحدة ، بأن احتياطات النفط الأمريكي سوف تنضب خلال 18 عاما . وبهذا الصدد أبدت مديرية الأسطول البحري الحربي قلقها لأن الخبراء زعموا بأن على الولايات المتحدة تقليص استهلاك النفط أو الشروع باستيراده . وحذر السناتور هنري كابوت لوج الكونغرس من أن (بريطانيا آخذة في السيطرة على صادرات النفط في العالم) .

وليس من المعروف ما إذا كانت الشركات مقتنعة فعلا بأن احتياطات النفط الأمريكية محدودة إلى هذه الدرجة ، أو أن ذلك كان ذريعة لجر الحكومة الأمريكية إلى المساهمة النشيطة في عملية توسع الشركات خارج حدود البلاد . إن أساليب الضغط على الحكومة وغسل دماغ الرأي العام خدمة لمصالح الاحتكارات متقنة في الولايات المتحدة إلى حد كبير ، لذا فمن الأرجح أن السبب الثاني هو الذي أدى إلى انتشار المزاعم المذكورة. خشيت الاحتكارات الأمريكية من أن تكون قد تخلفت عن عملية اقتسام (كعكة) النفط في الشرق الأوسط . ووضعت وزارة الداخلية سياسة لمساندة الشركات الأمريكية في صراعها من أجل الحصول على امتيازات في الخارج ، ولحث كل الدوائر والوكالات الأمريكية على مساعدتها . وكان مصير الإمبراطورية العثمانية موضع بحث في مؤتمر السلام بسان ريمو في نيسان (إبريل) 1920 ، حيث اتفقت لندن وباريس على اقتسام نفط العراق . وتدخلت الحكومة الأمريكية من أجل الحصول على حصة لشركاتها النفطية ، وأخذت تتحدث عن (تمييز) تتعرض له الولايات المتحدة في العمليات التجارية على أراضي ألمانيا وحليفاتها وتطالب بسياسة الانفتاح) .

ولما حاولت حكومة أتاتورك إثارة قضية لواء الموصل وارتباطه بتأييد مطالب تركيا . لذا تم عام 1921 – 1922 الاتفاق على إعطاء الأمريكان 20-25% من من أسهم شركة النفط المزمع إقامتها . وفي عام 1921 ، وبعد أن قرر مجلس عصبة الأمم ضم الموصل إلى العراق قدمت الحكومة العراقية امتيازا لمدة 75 سنة لشركة (تركيش بتروليوم) ولكن حينما بدأ استخراج النفط في الموصل عام 1927 لم يكن الأمريكان قد حصلوا على حصتهم بعد . وفي تموز (يوليو) 1928 تم أخيرا التوصل إلى اتفاق كانت ملكية (تركيش بتروليوم) (منذ عام 1929 ايراك بتروليوم أو شركة نفط العراق) موزعة في الأساس بين الشركة الإنجلو فارسية للبترول (صارت فيما بعد دوتش شيل) البريطانية الهولندية وشركة النفط الفرنسية ونيراستون ديفلوبمنت التي تضم ستاندارد اويل (نيو جرسي) (عرفت فيما بعد أكسون) وسوكوني واكوم (سوكوني موبيل فيما بعد) ومنحت 5% من الأسهم لكالوست غولبنكيان ، وهو أحد مؤسسي شركة النفط التركية .

توغلت الشركات الأمريكية في إيراك بتروليوم رغم أن دورها كان ثانويا . ولكن اتفاقية الخط الأحمر وضعت قيودا كبيرة على حرية تصف الشركات ، إذ أن المساهمين في شركة نفط العراق التزموا بأن تكون الامتيازات التي يحصلون عليها في أراضي ونذكر بأن نجد والإحساء كانتا عشية الحرب العالمية الأولى تعتبران شكليا جزءا من الإمبراطورية العثمانية .


الحصول على الامتيازات السعودية

كانت شركة (ستاندارد اويل اوف كاليوفرنيا) (سوكال) من شركات البترول الأمريكية التي قامت بعد الحرب العالمية الأولى بمحاولات جادة للإسهام في عملية استخراج النفط خارج الولايات المتحدة . ولكن كما ارتبط مصير (ايراك بتروليوم) بشخص غولبنكيان ، فإن البحث عن النفط وامتيازاته في عدد من بلدان الجزيرة العربية ارتبط باسم الميجر النيوزيلاندي الدؤوب فراتك هولمس . فقد وصل إلى لابحرين في العشرينات بحجة المشاركة في البحث عن الماء . وفي عام 1922 قصد نجد للتفاوض مع عبدالعزيز نيابة عن شركة (استرن اند جنرال سنديكات) البريطانية . وقد وافق ابن سعود على منح الشركة امتيازا في 30 ألف ميل مربع في الإحساء . وطبقا للاتفاقية التزم أصحاب الامتياز بدفع ألفي جنيه استرليني سنويا لقاء حق الاستثمار . وفي عام 1925 حصل هولمس على امتياز آخر في البحرين .

كان المسؤولون عن شركة (سنديكات) أناسا لاتعوزهم روح المغامرة . إذ لم يكن لدى الشركة رأسمال كاف ، وأملت أن تثير اهتمام شركات النفط البريطانية بالامتيازات ، ولكن هذه كانت واثقة من أنها ليست بحاجة إلى وسيط . ولم يجد هولمس دعما توقف عن تسديد الأقساط بعد دفع أربعة آلاف جنيه استرليني فألغي عام 1928 الامتياز في أراضي توجد فيها أغنى احتياطات النفط في العالم . أما الامتياز في البحرين الذي منح لمدة سنتين فلم يلغ لأن (سنديكات) تمكنت من تمديده . وبعد أن أخفقت (سندييكات) في محاولات استمالة شركات النفط البريطانية اتصلت بشركة (غالف اويل) الأمريكية . وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 1927 بعثت (غالف) جيولوجيا لدراسة أراضي البحرين ووضع خارطة جيولوجية ، وإثر ذلك قرر الأمريكان أن المسألة تستحق المجازفة ، فاشتروا الامتياز من (سنديكات) .

غير أن (غالف) واجهت تعقيدات ، إذ أنها كانت آنذاك مرتبطة بشركة (تركيش بتروليوم) ، و(اتفاقية الخط الأحمر) سارية المفعول على البحرين . عند ذاك نقلت (غالف) في كانون الأول (ديسمبر) 1928 حقوقها المشتراة من (سنديكات) إلى سوكال .

إن عدم اهتمام شركات النفط البريطانية بالامتيازات في البحرين والجزيرة العربية يعزي إلى اعتقادها بأنه لاوجود للنفط هناك ، لذا لم تعتزم المجازفة . فقد كان استخراج النفط في العراق وإيران يتم من طبقات جيولوجية غير الطبقات الموجودة في البحرين والجزيرة العربية . ولم يتم العثور على النفط في طبقات مماثلة بجزيرة القشم عند سواحل إيران ، فاعتبر البريطانيون البحرين والجزيرة العربية مناطق غير واعدة . ولكن تاريخ الصناعة النفطية يعرف حالات عثر فيها المنقبون الجدد على النفط في مواقع أهملتها شركات سابقة لاعتبارات جيولوجية .

عارضت بريطانيا وجود شركة نفط أمريكية في الخلجي . وقد التزم حاكم البحرين ، حسب اتفاقية عام 1914 ، بعدم منح امتيازات في أراضيه والامتناع عن قبول عروض أي كان دون موافقة بريطانيا . حينذاك تحايلت سوكال على القيود الشكلية البريطانية وأسست في آب (أغسطس) عام 1930 شركة (بحرين بتروليوم) وسجلتها في كندا ، أي أنها جعلتها شركة بريطانية من الناحية الشكلية . وفي هذه الأثناء قام إثنان من موظفي سوكال هما دافيس (صار رئيسا لمجلس إدارة أرامكو فيما بعد) وتايلور بدراسة البحرين في ربيع 1930 وأوصيا بإجراء أعمال الحفر .

أثارت الطبقات الجيولوجية في البحرين الحاوية على دلائل تشير إلى وجود النفط ، اهتمام سوكال بالجزيرة العربية المجاورة . وقد تم اكتشاف النفط في البحرين بعد عامين ، في حزيران (يونيو) 1932 . عندما قررت سوكال الاتصال مباشرة ، أي دون وساطة هولمس ، بالملك السعودي ، وعرفت أن الحكومة البريطانية في الهند أوصت (سنديكات) بالأحجام عن خدمة مصالح (غولف) أو سوكال في العربية السعودية . في عام 1930 طلب ممثلوا سوكال من المندوب السعودي في لندن السماح لجيولوجييهم بزيارة الإحساء ولكن الملك رفض الاستجابة للطلب . وفي هذه الأثناء كان (الجيولوجي المستقل) تويتشيل قد قام بجولة في شرقي المملكة بناء على طلب من المليونير كراين وأوصى بالسعي للحصول على امتياز ز وقد أجرت سوكال اتصالات مع تويتشيل .

في مطلع عام 1933 وصل هاملتون ، مندوب سوكال إلى جدة وساعده في المفاوضات تويتشيل الذي درس مصادر المياه والمعادن في الجزيرة العربية . وفي الوقت ذاته وصل إلى جدة لونغريغ مندوبا عن (ايراك بتروليوم) وهو لمس عن سنديكات . وطالب المندوب السعودي في المفاوضات بأن يدفع صاحب الامتياز المقبل مائة ألف جنيه ذهبي عند توقيع الاتفاقية . خرجت (سينديكات) توا من اللعبة ، وعرضت شركة نفط العراق عشرة آلاف جنيه استرليني كحد أقصى لعدم ثقتها بوجود النفط في السعودية ، فكسبت سوكال الامتياز مقابل خمسين ألف جنيه .

من أسباب فوز الأمريكان في الصراع على الامتياز أنه لم يكن لهم ماض إمبراطوري في الشرق الأوسط . فإن ابن سعود المحاط من كل الجوانب بالمستعمرات والبلدان التابعة لبريطانيا كان مرغما على التظاهر دوما بالصداقة معها ، ولكنه رغم ذلك لم يكن يثق بها ولم يشأ أن يسمح لشركة بريطانية بدخول بلاده . جرت المفاوضات في جو كثيب بالنسبة لرجال الأعمال الأمريكان ، سببته أزمة 1929 . وبعد إعداد كل بنود الاتفاقية بين سوكال والعربية السعودية ، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في 20 نيسان (إبريل) حظرا على تصدير الذهب ثم تخلت عن استخدام الذهب كمعيار . حينذاك عمدت الشركة إلى شراء الذهب في سوق العملة البريطاني . وأخيرا وقع الاتفاقية في 29 آيار (مايو) 1933 عبدالله السليمان وزير المالية السعودية وهاملتون ممثلا عن (ستاندارد أويل اوف كاليفورنيا) . وأبرمت الحكومة السعودية هذه الاتفاقية بمرسوم ملكي صادر في 7 تموز (يوليو) 1933 وسرى مفعولها منذ 14/7/1933 .

في تشرين الثاني (نوفمبر) 1933 منح امتياز لفرع سوكال يحمل اسم (كاليفورنيا-اريبيان ستاندارد اويل كومباني) ، وعدل الإسم في كانون الثاني (يناير) 1944 إلى (أراب أميركان اويل كومباني) (أرامكو) . في عام 1926 كانت لسوكال قدرات إنتاجية ضخمة في النصف الشرقي من العالم ، يقابلها ضعف في شبكة وسائط النقل والعلاقات التجارية . ومن جهة أخرى طورت (تكساس كومباني) (تكسكو حاليا) شبكة واسعة لتوزيع النفط ولكنها كانت بحاجة إلى مادة التسويق ذاتها . لذا وحدت الشركتان مصالحهما في منطقة مترامية الأطراف تمتد من مصر إلى جزر هاواي . وحصلت تكسكو على نصف أسهم شركات النفط العاملة في السعودية .

بعد مضي فترة قصيرة على منح امتياز النفط حصلت المجموعة الإنجلو- أمريكية على امتياز لاستثمار مكامن الذهب ، وبدأ استخراج المعدن الثمين في معهد الذهب ولكن احتياطاته نفدت عام 1953 . لقد كان في جبال الحجاز الكثير من الذهب ولكن يبدو أن كميات كبيرة منه قد استخرجت في زمن سليمان الحكيم وإبان حكم الخلفاء العباسيين ، لذا فإن استثمار مناجم الذهب أصبح غير مريح بعد فترة قصيرة من بدئه .

منحت اتفاقية الامتياز شركة سوكال (حقا استثنائيا لمدة ستين عاما لإجراء أعمال البحث والتنقيب والحفر والاستخراج والتكرير والإنتاج والنقل والبيع والتصدير) للنفط ومشتقاته وإقامة الوسائل اللازمة لإدامة هذه العملية . ومنحت الشركة حقوقا استثنائية في أرض مساحتها 400 ألف ميل مربع تكاد تشمل كل الجزء الشرقي من العربية السعودية . ونصت الاتفاقية على أن تتمتع سوكال بحق الأفضلية في الحصول على امتيازات إضافية في سائر مناطق الجزء الشرقي من السعودية ، وكذلك الحقوق الأخرى التي قد تحصل عليها الحكومة في المنطقة المحايدة إلى الجنوب من الكويت .

ومقابل هذا الامتياز وافقت الشركة على تنفيذ الشروط التالية : - منح العربية السعودية قرضا مقداره 30 ألف جنيه ذهبي أو مايعادلها . ومنح قرض إضافي قدره 20 ألف جنيه ذهبي بعد 18 شهرا إذا ظلت الاتفاقية سارية المفعول .

- دفع 5 آلاف جنيه ذهبي مقدما كل سنة لحين اكتشاف النفط بكميات تجارية .

- بعد اكتشاف النفط بكميات تجارية تدفع الشركة فورا بدل إيجار قدره 6 آلاف جنيه وتدفع مثلها بعد سنة . وتدفع المبالغ من بدل الإيجار التخميني . تبدأ الشركة بإعادة المناطق التي لا تعتزم استثمارها .

- بعد اكتشاف النفط تحصل الحكومة على بدل إيجار قدره أربعة شلنات ذهبية أو مايعادلها عن كل طن من النفط . تلتزم بأن تقدم للحكومة سنويا ودون مقابل كمية من النفط لإنتاج البنزين والكيروسين .

- تشييد الشركة مصنعا لتكرير النفط بعد اكتشافه وتزود العربية السعودية مجانا بمائتي ألف غالون أمريكي من البنزين ومائة ألف غالون أمريكي من الكيروسين (يعادل الغالون الأمريكي 3.78 لتر) .

- ووافقت الحكومة من جانبها على إعفاء الشركة ومؤسساتها من كل الضرائب المباشرة وغير المباشرة والرسوم الجمركية وما إلى ذلك .

- لاشك أن شروط الاتفاقية كانت كسبا كبيرا للشركة وغبنا للعربية السعودية ، ولكنها انعكاس لتناسب القوى بين الطرفين آنذاك . فحينما عقدت الحكومة السعودية الاتفاقية لم تكن لديها أية خبرة في شئون النفط ، إلى جانب حاجتها الماسة إلى المال . وكان الشغل الشاغل للحكومة هو الحصول على مكاسب مالية بشكل ريع وبدلات إيجار وقروض .

إن بند الاتفاقية الذي ينص على إعفاء الشركة من كل الضرائب المباشرة وغير المباشرة قد حرم المملكة من مصدر هائل للعائدات ومنح الشركة إمكانات ضخمة للحصول على أرباح من الرأسمال المستثمر . ويجدر بالذكر أن الشركات العاملية في البلدان الأخرى كانت دوما تدفع ضرائب .

بعد الاستخراج

كانت الشركة في عجلة من أمرها . فوصل أول جيولوجيين إلى الجبيل في أيلول (سبتمبر) 1933 ، أي بعد مرور أقل من أربعة أشهر على توقيع اتفاقية الامتياز . وفي 28 أيلول (سبتمبر) اكتشفت دلائل تشير إلى وجود طبقة نفطية . وقد بدأ بعد بضعة أشهر استخدام الشاحنات بعد أن كان الجيولوجيون يستخدمون الجمال . وكانت الشركة تنقل كل المعدات وجزءا كبيرا من المواد الغذائية من الولايات المتحدة عبر مينا الخبر . وفي أواخر عام 1933 بلغ عدد خبراء النفط الأمريكان في السعودية ثمانية أشخاص .

عام 1935 عثر الجيولوجيون على طبقة واعدة وبدأوا الحفر ، ولكن البئر الأولى لم تثبت إلا وجود قرائن عن توفر النفط وقليل من الغاز . أما أول كميات تجارية من النفط فقد اكتشفت عام 1938 . وفي شهر أيلول (سبتمبر) 1938 بدأ نقل كميات قليلة من النفط الخام إلى مصنع التكرير في البحرين العائد لشركة (بحرين بتروليوم) . وبعد ذلك وقع الاختيار على رأس تنورة لاستخدامه كميناء لتصدير النفط . عام 1939 زار الملك وحاشيته منطقة استخراج النفط في الظهران حيث أقيم مخيم من 350 خيمة . واستمرت احتفالات الأعيان السعوديين ببدء استخراج النفط عدة أيام ، وفي الول من آيار (مايو) 1939 غادرت السواحل السعودية أول ناقلة محملة بالوقود السائل .

حينما بدأت الحرب العالمية الثانية كان الجيولجيون قد أنجزوا عمليات التنقيب الأولى في 175 ألف ميل مربع والتنقيب التفصيلي في 50 ألف ميل مربع . أما التنقيب الزلزالي والحفر فقد جريا في مساحات أصغر . ولما توقفت الأعمال بسببب الحرب كان الجيولوجيون الأمريكان قد أدركوا أنهم اكتشفوا مكامن نفط أسطورية ، ولكنهم لم يحددوا بعد مقاديرها بشكل كامل . هذا وكانت الشركة قد حفرت عام 1934 بئرا في الجوف فوجدتها خالية تماما ، واعتبر المنطقة عقيمة .

بعد اكتشاف النفط وافقت الحكومة السعودية على توسيع مساحة الامتياز الأولية في المناطق الجنوبية والشمالية من شرقي الجزيرة ، ومنح الشركة حق استثمار الحصة السعودية في المنطقة المحايدة بين العراق والكويت والمملكة العربية السعودية . وأدى ذلك إلى توسيع المساحة التي يتمتع فيها صاحب الامتياز بحقوق استثنائية إلى نحو 496 ألف ميل مربع ، منها 484 ألف ميل مربع على اليابسة و11 ألفا على لجرف القاري في الخليج . وكانت مساحة الأراضي المشمولة بالامتياز تعادل مساحة ولايات أريزونا ونيو مكسيكو الواقعة إلى الغرب من منطقة الحقوق الاستثنائية .

منح الامتياز الجديد لمدة ستين عاما ومددت فترة الاتفاق الأولى لست سنوات . ومقابل هذه الامتيازات الإضافية التزمت الشركة بأن : - تعيد مناطق الامتياز التي لاتعتزم استثمارها بعد غلقها لمدة عشر سنوات .

- تدفع فورا 140 ألف جنيه ذهبي ومائة ألف جنيه أخرى بعد اكتشاف النفط بكميات تجارية .

- تخصص ريعا سنويا مقداره 20 ألف جنيه ذهبي مقابل المنطقة الإضافية ، على أن تدفع لحين اكتشاف النفط بكميات تجارية .

- تزيد إنتاج البنزين المقدم مجانا للحكومة السعودية لكي تصل كميته إلى 1.3 مليون غالون .

منذ أواخر الثلاثينات دشنت العربية السعودية عصرا جديدا هو عصر النفط ، رغم أن البلد لن يتحسس تاثيره بشكل ملموس إلا في أواخر الأربعينيات .