تاريخ العربية السعودية - فاسيلييف - الفصل الخامس

من معرفة المصادر

الفصل الخامس: دحر الوهابيين على أيدي المصريين (1811-1818)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مقدمات لتوسع الحملة المصرية على لجزيرة العربية

كان الوهابيين لمكة والمدينة المنورة قد ألحق ضررا هائلا بسمعة السلطان العثماني سليم الثالث . فإن خليفة المسلمين وسادن الحرمين الشريفين لم يكن قادرا على تأمين الحج لرعيته وهو واحد من أركان الإسلام الخمسة . وبعد الإطاحة بالسلطان سليم الثالث حاول السلطان الجديد الذي كان في السابق لعبة في أيدي الانكشارية إعادة الحجاز مهما كل الثمن إلى حظيرة الإمبراطورية العثمانية . واتضح أنه لا أمل في محاولات دفع والي بغداد ووالي دمشق إلى العمليات النشيطة ضد الوهابيين .

وكانت الإمكانية الواقعية الوحيدة لدحر إمارة الدرعية هي استخدام قوات والي مصر الذي أخذ يتقوى . وعندما ترسخت أقدام محمد علي في مصر وصار واليا للقاهرة في عام 1805 كلفه الباب العالي بمهمة استعادة الحرمين من الوهابيين . كان الوالي الجديد مشغولا بتعزيز سلطته ومكافحة منافسيه والمماليك والدفاع عن مصر دون الإنجليز ومهتما بالإصلاحات الداخلية فلم تكن لديه طوال عدة سنين قوي كافية لمعالجة شئون الجزيرة العربية . ولكنه اعتبارا من نهاية عام 1809 أخذ يبدي اهتماما جديا بالتحضير للحملة . ولم تكن رغبة الباب العالي السبب الرئيسي الوحيد الذي دفع حاكم مصر المستقل في الواقع للقيام بحملة طويلة الأمد وباهظة التكاليف على الجزيرة العربية . كان محمد علي يأمل من وراء تحرير الحرمين الشريفين بتقوية سمعته في الإمبراطورية العثمانية كلها وبكسب شعبية كبيرة . وكانت خطط والي القاهرة ، مثل خطط علي بك في حينه ، تستهدف السيطرة على تجارة السلع الهندية والبن اليمني التي تمر عبر جدة ، ثم الاستيلاء على اليمن نفسه . وكان محمد علي ينوي كذلك ، من وراء الشعارات النبيلة لتحرير مكة والمدينة المنورة ، إخراج الجنود الذين نصبوه على دست الحكم في مصر ولكنهم تحولوا إلى قوة خطيرة للغاية وصاروا يقيدون أعماله . وأخيرا فإن الباب العالي قد وعد ، على مايبدو ، في مباحثات غير رسمية بتسليم ولاية دمشق إلى أحد أبناء محمد علي حالما يتم تحرير مكة والمدينة . كان بضع مئات من العمال يمارسون بناء السفن في السويس ، وحتى آذار (مارس) 1810 كانتهناك تقريبا عشرون سفينة جاهزة .

ثم بنيت عدة سفن أخرى . وحول المصريون أحد مرافئ البحر الأحمر إلى قاعدة رئيسية لتموين الحملة وعززوا القلاع في القسم الشمالي من طريق قوافل الحجاج من مصر إلى الحجاز حيث أرسلوا إليها حاميات من الجنود المغاربة المرتزقة ، ووزعوا الهدايا على القبائل البدوية . وفي الأول من آذار (مارس) 1811 فتك والي مصر بالمماليك في قلعة القاهرة ، ثم استمر قتلهم في المدينة كلها . تمت تصفية منافسي محمد علي الخطرين في الوجه البحري .

وكانت الحرب في أوروبا قد أزالت مؤقتا خطر اقتحام دولة الدول الأوروبية لمصر وساعدت على القيام بالحملة على الجزيرة العربية . وعين لقيادة الحملة طوسون ابن محمد علي وهو فتى شجاع كان لايزال آنذاك في السادسة عشرة أو الثامنة عشرة من العمر . وبغية الحصول على تأييد شريف مكة غالب بدأ محمد علي مراسلات سرية معه . ووعده الشريف بالتأييد . وكانت المعلومات التي حصل عليها رجال محمد علي تبعث على الارتياح . فإن سكان الحجاز يكنون العداء للوهابيين وكأنما كانوا ينتظرون (الأتراك) كمخلصين لهم . (في بادئ الأمر دخل محمد علي الجزيرة العربية وكأنما نزولا عند إرادة السلطان العثماني ، ولذا استقبل السكان جيشه بوصفه جيشا لتركيا) . وكانت مثل هذه المعلومات تتوارد على حاكم مصر من مصادر أخرى أيضا ، فقرر أن الوقت قد حان .


هزيمة طوسون في وادي الصفراء

في أواخر العقد الأول من القرن التاسع عشر لوحظ ضعف العمليات الهجومية لإمارة الدرعية . فبعد تدمير كربلاء والاستيلاء على الحجاز لم يحقق الوهابيون انتصارت كبيرة . فقد ألحق الإنجليز المتحالفون مع أهل مسقط عدة هزائم شديدة بالوهابيين في البر والبحر ومكنوا البحرين من الخروج على الدرعية . وقامت في عمان تمردات متواصلة على الوهابيين . وادي الجفاف والقحط في الجزيرة العربية لسنوات عديدة وحتى عام 1809 إلى أضعاف تحرك الدولة السعودية . ومما زاد في الطين بلة وباء الكوليرا الذي تفشى آنذاك . ففي الدرعية وحدها كان يموت يوميا عشرات الأشخاص . وكانت الخلافات في الأسرة الحاكمة تفتت سلطة السعوديين من الداخل . إلا أن الدول السعودية احتفظت ببعض جوانبها القوية . فإن تعصب الوهابيين القتالى لم يستنفد بعد . وكان أمراء الدرعية لا يزالون قادرين على الاعتماد على مفارز صلبة من حضر نجد وبعض القبائل البدوية . ثم إن الطبيعة الصعبة في الجزيرة أخيرا كانت إلى جانب الوهابيين في الكفاح ضد العدو الخارجي .

كان الجيش المصري المكون من المرتزقة الأتراك والألبان والمغربة مسلحا بصورة جيدة ، ولديه مدفعية . وكانت لدى العديد من قادته خبرة الحروب ضد الفرنسيين والإنجليز وكانوا مطلعين على التكتيك الحربي الأوروبي . بيد أن الانضباط والمعنويات عند الجيش لم تكن عالية آنذاك . وفي آب (أغسطس) 1811 أرسل قسم من القوات المصرية إلى الحجاز بحرا للاستيلاء على ينبع بواسطة الإنزال ، بينما توجهت الخيالة بحرا للاستيلاء على ينبع بواسطة الإنزال ، بينما توجهت الخيالة بقيادة طوسون إلى هناك برا ز ويقول بوركهاردت أنه أرسل عن طريق البحر 1500 جندي ، بينما وصل مع طوسون 800 فارس (يذكر عبدالرحيم أ. عبدالرحيم ، استنادا إلى الأرشيفات المصرية ، إن عدد الذين جاءوا معه ثلاثة آلاف ، بمن فيهم البدو) .

ووصل مع طوسون واحد من أفضل القادة العسكريين عند محمد علي وهو أحمد الملقب بونابرت ، وكان بمثابة مستشار عسكري عنده ، وكان هو القائد الفعلي . وفي تشرين الأول (أكتوبر) من العام ذاته احتلت قوات الإنزال البحري المصرية مدينة ينبع ، ولم تكن فيها قوات وهابية ، بل كان هناك حامية صغيرة خاضعة لشريف مكة ولم تبد في الواقع أية مقاومة . ونهب الجنود كل ماكان في ينبع (من الودائع والأموال والأقمشة والبن وسبوا النساء والبنات الكائنات بالبندر وأخذوهن أسرى ويبيعونهن على بعضهم البعض) . ومن المستبعد أن يحظى سلوك الجنود هذا باستحسان السكان . بيد أن المهمة الرئيسية للمرحلة الأولى من الحملة قد نفذت فقد تم الاستيلاء على رأس جسر هام لمواصلة العمليات ضد الوهابيين .

وفي تشرين الثاني (نوفمبر) وصل طوسون وخيالته إلى ينبع . ويقول ابن بشر أن أكثر من 14 ألف شخص تحشدوا في ينبع . وحتى لو أخذنا بنظر الاعتبار أن بوركهاردت حاول التقليل بعض الشيء من تعداد القوات المصرية فإن عدم تطابق أرقامه مع أرقام المؤرخ النجدي يثير الدهشة . ويبدو أن حاميات أخرى أرسلها محمد علي سابقا إلى القلاع على طريق القوافل قد التحقت بقوات طوسون في مسيرتها بالإضافة إلى بعض البدو .

ظل طوسون عدة أسابيع في ينبع ، وبعد أن وصلته إمدادات من مصر سار بقواته نحو المدينة المنورة . كان سعود مطلعا على استعدادات محمد علي الحربية ، فقد أطلعه مخبروه في القاهرة على أنبائها . ويبدو أن ذلك هو سبب اهتمامه المتواصل بتعزيز المدينة المنورة . وعندما احتل طوسون ينبع عبأ سعود أفضل قواته وأرسلها إلى الحجاز بقيادة ابنه عبدالله . وشغل 18 ألفا من الوهابيين ، بمن فيهم 600 من الخيالة ، مواقعهم عند وادي الصفراء على منتصف الطريق بين ينبع والمدينة . ونشبت المعارك الحاسمة في كانون الأول (ديسمبر) . كان جيش طوسون يلاحق قبيلة حرب التي لم يقم معها علاقات ودية فدخل في ممر جبلي ضيق قرب وادي الصفراء وتعرض لضربات قوات الوهابيين المختارة التي لم يكن لطوسون أي علم بوصولها . وفر الجيش المصري البالغ تعداده 8 آلاف شخص . ولم تنقذ الموقف بسالة طوسون شخصيا . فقد دمرت قواته تدميرا وفقدت نصف أقرادها . ولم ينقذ المصريين من الهلاك عن بكرة أبيهم إلا انشغال الوهابيين بنهب المعسكر الذي تركوه ، فعادت إلى ينبع بقية ضئيلة من قوات طوسون إلا أن الوهابيين لم يهاجموا هذه المدينة . فظل المصريون يحتفظون بأهم رأس جسر .

ووصف الجبرتي سلوك جنود طوسون حالما لاحت أولى علامات الهزيمة : (فما يشعر السفلانيون إلا العساكر الذين في الأعالي هابطون منهزمون فانهزموا جميعا وولوا الأدبار وطلبوا جميعا الفرار وتركوا خيامهم وأحلامهم وأثقالهم وطفقوا ينهبون ويخطفون ما خف عليهم من أمتعة رؤسائهم فكان القوي منهم يأخذ متاع رفيقه الضعيف ويأخذ دابته ويركبها وربما قتله وأخذ دابته وساروا طالبين الوصول إلى السفائن بساحل البريك لأنهم كانوا أعدوا عدة مراكب بساحل البريك من باب الاحتياط ووقع في قلوبهم الرعب واعتقدوا أن القوم في أثرهم والحال أنه لم يتبعهم أحد لأنهم لا يذهبون خلف المدبر ولو تبعوهم مابقى منهم شخص واحد فكانوا يصرخون على القطائر فتأتي إليهم القطيرة وهي لاتسع إلا القليل فيتكاثرون ويتزاحمون على النزول فيها فيصعد منهم الجماعة يمنعون البواقي من إخوانهم فإن لم يمتنعوا مانعوهم بالبنادق والرصاص ...) .

كان الجبرتي من الأزهريين المعارضين لمحمد علي . وقد قدم توضيحاته لأسباب هزيمة القوات المصرية : (ولقد قال لي بعض أكابرهم الذين يدعون الصلاح والتورع أين لنا بالنصر وأكثر عساكرنا على غير الملة وفيهم من لا يتدين بدين ولاينتحل مذهبا وصحبتنا صناديق المسكرات ولايسمع في عرضنا أذان ولا تقام به فريضة ولا يخطر في بالهم ولا خاطرهم شعائر الدين والقوم إذا دخل الوقت أذن المؤذنون وينتظمون صفوفا خلف إمام واحد بخشوع وخضوع وإذا حان وقت الصلاة والحرب قائمة أذن المؤذن وصلوا صلاة الخوف فتتقدم طائفة للحرب وتتأخر أخرى للصلاة وعسكرنا يتعجبون من ذلك لأنهم لم يسمعوا به فضلا عن رؤيته وينادون في معسكرهم هلموا إلى حرب المشركين المحلقين الذقون المستبيحين الزنا واللواط والشاربين الخمر والتاركين للصلاة والآكلين الربا القاتلين الأنفس المستحلين الحرمات) .

وبالإضافة إلى الأسباب العسكرية الصرف – عنصر المباغتة عند الوهابيين وسوء الموقع عند القوات المصرية ، ومعنويات الوهابيين الي كانت لاتزال مرتفعة ، وتدهور معنويات جنود طوسون – لعب دورا كبيرا عجزه في تلك الفترة عن إقامة علاقات ودية مع القبائل البدوية المحلية . فإن قوات طوسون مرت بمناطق كان سكانها حلفاء للوهابيين ولم يقرروا بعد مهاجمتهم .

احتلال الحجاز

كان تصحيح الأوضاع قد تطلب استمالة شيوخ البدو المحليين . وتطلب ذلك أموالا . وسرعان ماوصلت تلك الأموال من مصر . كتب قنصل روسيا في مصر ش. روسيتي : يقول ( إن استمرار تصدير الأطعمة من هنا (من الاسكندرية) إلى مالطة وأسبانيا يقدم له (لمحمد علي) وسيلة لسد العجز في خزينته ويمكنه من أنفاق الأموال اللازمة على استئناف تحصين هذه المدينة ... وعلى الاستعدادات الهامة للحملة على عبدالوهاب . والحال تصل من تركيا إلى الاسكندرية بلا انقطاع قوات جديدة يرسلها هو بفصائل صغيرة إلى ينبع عن طريق السويس . ويقال أن عبدالوهاب يتخذ من جانبه إجراءات نشيطة لمواجهة هذه الحملة الجديدة . ويوجد خلاف شديد بين عبدالوهاب المذكور وشريف مكة ...) . وكتب ش. روسيتي كذلك عن الإشاعات الدائرة عن الاستعداد للحرب بين فرنسا وروسيا . وكان ذلك قد ساعد والي القاهرة في العمل دون أن يعبأ كثيرا بالدول الأوروبية .

ووصلت إلى ينبع إمدادات جديدة ومعدات حربية ، واجتذب طوسون بالهدايا الكبيرة شيوخ قبائل جهينة وحرب وكثيرا من الحضر . وخصص راتب شهري لكل شيخ من شيوخ القبائل . كان التذمر من الوهابيين في الحجاز قد تحول من زمان إلى حقد ، ولذلك أخذت سياسة طوسو هذه تعود بثمارها . وفي خريف 1812 توجه طوسون على رأس قوات كبيرة نحو المدينة المنورة واقترب منها في تشرين الأول (أكتوبر) دون أن يواجه مقاومة في الطريق . وكانت حامية من الوهابيين بسبعة آلاف شخص تدافع عن المدينة . إلا أن المرض ، كما يقول ابن بشر ، أصاب قسما كبيرا من الجند . ولم يكن سكان المدينة راغبين كثيرا في القتال إلى جانب الوهابيين .

وأخذ طوسون يقصف المدينة بالمدفعية ففتحت الإنفجارات ثغرات في أسوارها . واستسلمت المدينة المنورة . والتجأت حامية الوهابيين إلى قلعة المدينة ، ولكن الجوع أرغمها على ترك القلعة بعد ثلاثة أسابيع ، في تشرين الثاني (نوفمبر) . ووعد طوسون بالسماح بجلاء بقايا الحامية الوهابية بشروط مشرفة . ويقول منجين أن جنود طوسون تصرفوا تصرفا نبيلا ، إلا أن بوركهاردت المطلع عن كثب على سير الحملة يقول أن هؤلاء الجنود قتلوا ونهبوا في الطريق أغلبية الوهابيين . وأرسلت إلى القاهرة 4 آلاف أذن اقتطعت من الوهابيين وأعدت لإرسالها إلى الاستانة . وانتقل آغا المدينة المنورة حسن إلى صف المصريين ولكنه اعتقل ونفى إلى الاستانة حيث أعدم . وعين حاكما للمدينة بدلا عنه توماس قيس وهو اسكتلندي أسر في مصر واعتنق الإسلام .

ولعب الشريف غالب على حبلين . فقد كان مسرورا لهزيمة الوهابيين وكان يأمل في التخلص من ظلمهم بمساعدة المصريين . إلا انه لم يكن راغبا في تقوى مواقع والي القاهرة في الحجاز لدرجة كبيرة . وكان أفضل مايناسب غالب هو استنزاف القوات المصرية وقوات الوهابيين وعودة السلطة الفعلية في الحجاز إليه . وها هو يقسم الولاء من جديد لسعود الذي أدى فريضة الحج آخر مرة في نهاية عام 1812 ، ويستعد لتسليم مكة وجدة إلى قوات والي القاهرة . وفي تلك الفترة كان معسكر قوات عبدالله يرابط ليس بعيدا عن مكة . إلا أن مصنفات ابن بشر والمصادر الأخرى لاتشير إلى قيام الوهابيين باستعدادات ما لعمليات حربية . ولم تكن سلبية سعود وابنه تعني بأنهما لم يفهما مدى الخطر الذي يتهددهما . ولايمكن أن يفسر سكوتهما إلا بالحالة الداخلية للدولة الوهابية وعدم الاستقرار في المؤخرة وعدم أمانة البدو .

وفي كانون الثاني (يناير) 1813 احتل فصيل مصري غير كبير مدينة جدة بلا قتال . وخوفا من تلقي ضربة غادرة من غالب سحب عبدالله الحامية الوهابية من مكة وانسحب بجيشه كله إلى الخرمة . وفر عثمان المضايفي وعائلته من الطائف . وسقطت مكة ، والطائف بعد بضعة أيام ، ووقعتا في يد طوسون بلا قتال . وأعلن غالب ، وعلى أثره قبائل الحجاز البدوية ، الولاء للأسياد الجدد . وانتزع المصريون الحجاز من الوهابيين بدون جهود حربية كبيرة رغم هزيمتهم الفادحة ولعب الدور الحاسم في انتصارهم عداء الحجازيين لأمير الدرعية وللوهابية وكذلك الذهب المصري الذي وزع بسخاء على وجهاء وأعيان البدو وعلى البدو أنفسهم ، وأخيرا انتقال شريف مكة إلى جانب والي القاهرة .

وبمناسبة احتلال المدينتين المقدستين أقيمت في القاهرة احتفالات صاخبة أطلقت فيها نيران المدافع وأجريت الألعاب النارية . وتوجه رسول من محمد علي إلى الاستانة يحمل مفاتيح مكة والمدينة المنورة وجدة . وكتبت السفارة الروسية من الاستانة تقول : ( حضر جميع أعضاء الحكومة العثمانية لاستلام المفاتيح في مسجد أيوب ، ومن هناك نقلت إلى السلطان في السراي . وفي ذلك اليوم دوت ثلاث مرات صليات المدفعية من جميع بطاريات المدينة والأسطول ومضيق البحر الأسود احتفالا بهذا الحادث . واستمرت الاحتفالات سبعة أيام) . وعين السلطان العثماني طوسون واليا لجدة ، واستلم محمد علي والشريف غالب هدايا ثمينة من السلطان .

ولم تعد الشهور التالية على المصريين بما يفرحهم . ففي ربيع وصيف 1813 قام الوهابيون بغزوتين موفقتين على الحجاز . وظهر سعود بنفسه قرب المدينة المنورة مع أنه لم يتمكن من احتلالها . وهجم أهالي عسير الذين ظلوا موالين للوهابيين على الفصائل المصرية قرب أسوار مكة وجدة تقريبا .

وفقد جيش الاحتلال المصري بسبب الإرهاق والحر والأمراض المتواصلة الناجمة عن سوء التغذية وتلوث المياه عددا من الجنود أكبر مما فقده في المعارك . ويقول منجين أن جيش والي القاهرة فقد خلال هذه الحملة 8 آلاف شخص و25 ألف جمل . وكان هلاك دواب الركوب والنقل قد حرم المصريين من إمكانية المناورة والمسيرات البعيدة وإيصال العتاد والذخيرة والأغذية في الوقت اللازم . وبدأت آمال البدو في والي مصر تخيب . وصاروا يتعاونون مع قواته على مضض .

وفي خريف 1813 ابتسم الحظ لطوسون من جديد . فقد قام القائد العسكري الوهابي عثمانا لمضايفي بغارة على الطائف ولكنه منى بالهزيمة وفر . وقبض عليه بدو عتيبة وسلموه إلى غالب . ثم أرسل إلى القاهرة ومنها إلى الاستانة حيث أعدم .

سياسة محمد في الحجاز

كان حاكم مصر يدرك بأن الوهابيين لم ينتهوا رغم احتلال الحجاز . فقرر أن يتوجه شخصيا إلى الجزيرة العربية ويدرس الموقف هناك ، ويؤدي فريضة الحج في الوقت ذاته . وفي خريف 1813 وصل محمد علي مع بضعة آلاف من الجنود إلى جدة . واستقبله غالب ، وعاهد أحدهما الآخر بالصداقة ، وأقسما على ذلك في الكعبة . إلا أن خلافا جديا كان يختمر بين الوالي والشريف .

كانمركز شريف مكة قويا بحيث لايسمح بالتطاول السافر على سلطته . وكان مبعث قوته وجود بضعة آلاف من العبيد المسلحين والجنود المرتزقة والحجازيين الموالين له وسيطرته على قلعة مكة . إلا أن الوالي الداهية اعتقل غالب غدرا في أواخر عام 1813 بزعم أن السلطان طلب ذلك وأرغم محمد علي شريف مكة تحت تهددي الموت بأن يصدر أمره إلى أبنائه ليكفوا عن المقاومة ، وبعد ذلك نفاه مع عائلته كلها إلى القاهرة . وعين محمد علي بدلا منه صنيعته يحيى بن سرور وهو من أقرباء الشريف غالب وصادر أموال الشريف من نقود وإناث وبضائع وبن وتوابل بلغت قيمتها مايعادل 250 ألف جنيه استرليني .

إلا أن السلطان أمر بإعادة قسم من تلك الأموال إلى الشريف يتلخص في إخضاع الحجاز بصورة تامة . فقد جرد شريف مكة من السلطة والنفوذ واستبعد احتمال انتقال غالب إلى صف الوهابيين . ووضع يده على مداخيل الشريف السابقة كلها تقريبا وساعد ذلك على تمويل الحملة الباهظة . وأخيرا حرم الباب العالي من إمكانية الاستفادة من التناقضات بينه وبين غالب .

إلا أن النتيجة المباشرة لغدر محمد علي تجلت في غضب سكان الحجاز ، وخصوصا البدو ، ولجوء الكثير من عوائل الوجهاء إلى الوهابيين خوفا من التنكيل ومشاركتها في الحرب إلى جانب الوهابيين . وكان من بين هؤلاء الشريف راجح وهو قائد عسكري شجاع . كما التجأ إلى الوهابيين جزء من حرس غالب . ومن الناحية العسكرية كان الإخفاق يلاحق محمد علي في بادئ الأمر . ففي أواخر 1812 وأوائل 1814 منيت قواته بالهزيمة في تربة والقنفذة .

وعندما استولى الإنزال البحري على مدينة القنفذة قتل الجنود كثيرا من السكان العزل وقطعوا آذانهم لإرسالها إلى الاستانة كدليل على البسالة في القتال . وقال ج. فيناتي الذي شارك في هذا الإنزال أن الجنود كانوا أحيانا يقطعون آذان الأحياء لكي يحصلوا على المكافأة الموعودة . وتوحد السكان المحليون الغاضبون بسبب ذلك حول طامي أمير عسير الذي حاصر القنفذة وقطع عنها مياه الآبار الموجودة حولها ثم بدأ الهجوم بعد أن استنزف قوى المحاصرين . وفر الجنود إلى السفن في هرج ومرج . وقتل الكثيرون منهم وغرق آخرون أو هلكوا في الطريق بسبب العطش .

كان محمد علي يدرك بأنه إذا لم يحقق نصرا حاسما في الجزيرة العربية فإن مكانته في مصر سوف تنتزع ، ولذا بدأ باتخاذ إجراءات عاجلة لمواصلة الحملة . وفرضت ضرائب إضافية على الفلاحين المصريين ، ووصلت إلى جدة إمدادات جديدة وذخيرة وعتاد وأغذية . فصارت المدينة بمثابة مستودع رئيسي . ووصلت عدة مئات من الخيالة من بدو ليبيا الموالين لمحمد علي باشا . وكانوا سندا ثمينا له لأنهم متعودون على العمليات في الظروف الصحراوية . وازدادت وسائط النقل بآلاف الجمال التي اشترى محمد علي بعضها من الشام وجلب البدو الليبيون بعضها الآخر . واتفق محمد علي مع إمام مسقط حول إرسال السفن لنقل القوات . واتخذت خطوات لتحسين العلاقات مع السكان المحليين . وألغى محمد علي بعض الأتاوات المرهقة جدا وقلص الرسوم الجمركية في جدة . ووزع النقود على المحتاجين ورمم الكعبة وقدم الهدايا لعلماء الدين وكشف خصيصا عن روعه وتدينه . وأمر جنوده بأن لايمارسوا النهب والتنكيل وأن يدفعوا ثمن ما يأخذونه من أغذية . وتغير موقف الحجازيين من قوات محمد علي نحو الأفضل .

إلا أن الأمر الرئيسي يتلخص في استئناف الحج . فقد استلم البدو نقودا من قافلة الشام بعد أن كانت السلطات العثمانية لاتدفع شيئا منذ عشر سنين ، وأسفر توارد عشرات الآلاف من الحجاج عن ازدهار أحوال سكان الحجاز من جديد .

وكانت وفاة إمام الدرعية سعود في ربيع 1814 قد أفادت والي مصر . فإن موهبة سعود في ربيع 1814 قد أفادت والي مصر . فإن موهبة سعود كقائد عسكري ورجل دولة معروفة للجميع . ولم يبخل ابن بشر بالكلمات في مدحه ، فرسم له صورة الحاكم المثالي التي وردت أوصافها في الكثير من الروايات الشفهية وفي الأدب العربي . ويقول المؤرخ أن سعود كان محبوبا عند الرعية . وكان جيد الاطلاع على الكتاب والسنة بفضل تعلمه على يد محمد بن عبدالوهاب . وقد كافح في سبيل الإسلام وخاض الجهاد ببسالة . وكتب وصايا للرعية أدهشت الجميع بعمق معرفة الفقه ، ودلل على أفكاره بآيات من القرآن وأقوال من الحديث ومقتطفات مما كتبه أشهر الفقهاء . ودعا إلى الامتناع عن المحظورات : الزنا والنميمة والافتراء والأكاذيب والربا . وكان متواضعا ورعا سخيا وكان بسيطا في معاملة المقربين إليه . كان فطينا حا الذكاء وقد حظي بإعجاب كبير وشعبية واسعة .

في فترة وفاة سعود كان الوهابيون قد فقدوا الحجاز كله وعمان والبحرين وقسما من تهامة . وتسلم ابنه عبدالله دولة انتابها الخراب . وبعد أن قهر مقاومة المتذمرين ثبت مركزه على العرش وأخذ يستعد لمواصلة الحرب ضد جيش محمد علي . وتشير أغلبية المؤرخين إلى أن عبدالله كان محاربا شجاعا ، ولكنه أقل من والده من حيث الدهاء السياسي والمرونة وسائر خصال رجال الدولة . وربما كان في هذا القول بعض الحق . فالتاريخ يدين المغلوبين بوصفهم غير موهوبين ، مع أن الملابسات أقوى منهم في كثير من الأحيان .

انتصار المصريين في معركة بسل وتقدمهم نحو عسير

أخذت سياسة محمد علي في الحجاز تؤتى ببعض الثمار . فقد تمكن من تحسين العلاقات مع البدو . والدليل على ذلك ما قاله ابن بشر من أن عبدالله هاجم مرارا القبائل البدوية الحجازية الموالية لمحمد علي . واضطر إمام الدرعية إلى القيام بحملة تنكيلية ضد بدو مطير أيضا . وفي أواخر عام 1814 وبداية 1815 حشد الوهابيون في بسل ، على مقربة من تربة ، جيشا بلغ 30 ألفا كما يقول ابن بشر ، و20 ألفا كما يقول بوركهاردت . وأكثر من نصفه أحضره طامي بن شعيب من عسير . وترأس تلك القوات الموحدة فيصل شقيق عبدالله . وفي كانون الثاني (يناير) 1815 نشبت معركة انتصرت فيها قوات محمد علي المتحالفة مع البدو . ودفع محمد على 6 ريالات مقابل كل قتيل من الأعداء . واحتفل محمد علي بالنصر حيث أعدم في مكة مئات الأسرى . وبلغت خسائر الوهابيين عدة آلاف .

ثم احتلت قوات محمد علي تربة ورنية وبيشة . ووصل المصريون إلى ساحل البحر الأحمر واستولوا على القنفذة . وجرى تسليم زعيم عسير طامي بن شعيب إلى محمد علي الذي أرسله إلى مصر ثم إلى الاستانة حيث أعدم . وكان محمد علي ينصب على القبائل البدوية في كل مكان أناسا طائعين له . وبنتيجة العمليات الحازمة التي شنها محمد علي تم دحر الوهابيين في عسير وفي المناطق الهامة من الناحية الاستراتيجية بين الحجاز ونجد وعسير . وبعد عدة أشهر عاد محمد علي إلى مصر حيث وصلته أنباء عن القلاقل . وبالإضافة إلى ذلك كان محمد علي ، بعد احتلال الحلفاء لباريس ، يخشى من إنزال جديد يقوم به الإنجليز على مصر أو من هجوم الأتراك.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

دخول طوسون القصيم والصلح مع عبدالله

لم تكلل بالنجاح محاولة طوسون الأولى لدخول القصيم . فقد عاد أدراجه عندما علم بظهور عبدالله مع قوات كبيرة . إلا أن التذمر في القصيم من سلطة الوهابيين قد اشتد . واتصل وجهاء الرس بطوسون ووعدوه بالمساعدة إذا دخل القصيم . وتحرك طوسون بلا إبطاء مع عدد غير كبير من القوات نحو مدينة الرس ودخلها . ودمر هنا قسما من التحصينات وفرض الضرائب على لاسكان ونصب معسكرا على مقربة من المدينة مؤمنا تزويد الجيش بالأغذية على حساب السكان المحليين . فلم يتمكن من تأمين المؤن من المدينة المنورة بصورة منتظمة .

وكانت قوات عبدالله مرابطة في عنيزة . وقام الوهابيون بهجمات متفرقة باتجاه الرس وكانوا يستولون على قسم من القوافل القادمة من المدينة المنورة . فقد رفع فصيل الإمدادات الذي قاده توماس قيس في كمين نصبه الوهابيون وأبيد . واستمرت العمليات الحربية سجالا طوال عدة شهور حتى صيف عام 1815 . غدت حالة طوسون عصيبة للغاية . فإن ضغط الوهابيين الشديد كان يمكن أن يدمره . بيد أن قوى عبدالله لم تكن كافية علىمايبدو ، ثم أنه كان يخشى تمرد أهل القصيم في مؤخرته . وتم توقيع الصلح بشروط تعكس توازن القوى المترجرج هذا .

ونص الاتفاق على توقف العمليات الحربية . وترك جيش طوسون القصيم وكف المصريون عن التدخل في شئون نجد . وتأكد ضمان حرية التجارة والحج للجميع . وأورد ابن بشر وبوركهاردت كلاهما هذه المعلومات عن الاتفاقية . إلا أن الرحالة بوركهاردت أورد بضعة شروط أخرى من الاتفاقية : يجب أن تخضع لعبدالله كل القبائل المتواجدة شرقي الحناكية . ويقول بوركهاردت كذلك أن عبدالله وافق على اعتبار نفسه من رعية السلطن العثماني . ويؤكد المؤرخ المصري المعاصر أ. عبدالرحيم هذه الحقيقة استنادا إلى وثائق من أرشيفات القاهرة .

ووصل مبعوثو عبداله مع طوسون إلى القاهرة خريف عام 1815 . وبعد انسحاب طوسون أخذ عبدالله ينحي أمراء القصيم الذين تعاونوا مباشرة مع طوسون ، وبدأ كذلك عمليات تأديبية ضد بدو حرب ومطير الذين خانوا العهد . وإلى الجنوب من ذلك ، في مناطق بيشة وتربة ورينة التي كانت ، باعتقاد بوركهاردت ، مستثناة من الاتفاقية بين عبدالله وطوسون ، استمرت الصدامات بين الوهابيين والقوات المصرية . وأثارت أعمال عبدالله التذمر في القصيم ، ناهيك عن البدو ، فأرسلت شكاوي إلى محمد علي . في المراسلات التي جرت بين عبدالله وبين محمد علي وابنه وردت إشارات متكررة إلى خرق الوهابيين لشروط الاتفاقية .

ارتفعت منزلة محمد علي في الإمبراطورية العثمانية بفرض سيطرة مصر على الحجاز . وأخذ محمد علي يطالب الباب العالي بتسليمه الشام على سبيل المكافأة عن الانتصارات في الحجاز . ولذا أصبحت أكثر إلحاحا بالنسبة له مهمة تثبيت أقدامه في الحجاز وفي الجزيرة العربية عموما بتفويض الدولة السعودية الأولى نهائية .

احتلال نجد من قبل إبراهيم باشا

عين إبراهيم الإبن الأكبر لمحمد علي لقيادة الحملة هذه المرة . وظلت معروفة إحدى الطرائف التي قيلت بمناسبة تعيين إبراهيم قائدا للحملة الجديدة . يقال أن محمد علي جمع قواده العسكريين في القاهرة قبيل بدء الحملة ليناقش معهم خطة العمليات . ثم أشار محمد علي إلى تفاحة موجودة وسط سجادة كبيرة مفروشة في القاعة . وقال : من يحضر هذه التفاحة ويسلمها لي دون أن يمس السجادة برجليه سيقود القوات . انبطح المقربون إلى الوالي على الأرضية ولكنهم لم يبلغوا التفاحة . وعند ذاك اقترب إبنه إبراهيم ، وهو قصير القامة ، من السجادة فطواها وبلغ التفاحة وسلمها إلى أبيه . وهكذا لمح لأبيه كما يقال ، أن القوات المصرية تحت قيادة سوف تطوى (سجادة) بوادي الجزيرة في البداية بتأمين المواصلات والعلاقات الطيبة مع السكان المحليين .

كانت مثل هذه المبادئ بالفعل أساسا للسياسة المصرية في الجزيرة العربية أثناء حملة إبراهيم . فقد كان يفهم جيدا أن التوغل في أعماق الجزيرة مستحيل بدون مساعدة البدو ، ولذا سعى إلى اجتذابهم . ولهذا الغرض ألغى إبراهيم الزكاة الوهابية على البدو ، وراح يدفع المال نقدا لقاء كل الخدمات . إلا أن فلاحي مصر هم الذين دفعوا ثمن انتصارات إبراهيم .

كان إبراهيم عارفا بمدى العداء الذي خلفته تصرفات وتعسف جنوده المتباينين في الحجاز ، ولذا حاول أن يترك انطباعا طيبا عند الأعراب بورعه وتقواه ونبله وإيفائه بالوعد . وقد قطع بكل حزم دابر أية أعمال للعنف ضد السكان المحليين إلى أن تم تدمير الدرعية .

في تلك الأثناء أصاب الضعف دولة السعوديين . وكانت القبائل البدوية الرئيسية مستعدة في أية لحظة لتقلب لها ظهر المجن . وابتعد وجهاء وأعيان واحات وسط الجزيرة عن الوهابيين بسبب التوقف التام تقريبا في مسيل الثروات المنهوبة . وكان السكان الحضر يتذمرون من الحروب المتواصلة الطويلة الأمد والأتاوات التي لاتنقطع . ولم تكن منزلة عبدالله رفيعة كمنزلة أبيه سعود . ولم يبق سندا لأمراء الدرعية في كل مكان إلا علماء الدين الوهابيون .

وماكان بوسع المصريين أن يرسلوا إلى نجد قوات غفيرة . إلا أن جنودهم صاروا يختلفون عن أولئك الذين قاموا بالإنزال في الحجاز قبل ست سنوات . فهم الآن يجيدون تدبير حصار القلاع وبناء الطوابي الحامية من الهجمات المباغتة واستخدام المدفعية بمهارة ليست قليلة . وكان مع إبراهيم مدربون من جيش نابليون وأطباء أوربيون . أما عساكر عبدالله فقد ظلت على غرار المتطوعة العشائرية والحضرية كما كانت سابقا . وكان الوهابيون متخلفين عن المصريين من حيث الإعداد الحربي . صحيح إنهم كانوا يقاتلون في ظروف مناخية تعودوا عليها ويدافعون هذه المرة عن ديارهم ونخيلهم وحقولهم ، إلا أن وطنيتهم النجدية لم تكن قوية ، وكانت المشاعر التي يكنونها لآل سعود آنذاك متعارضة .

ويبدو أن عبدالله كان يدرك تعقد الموقف بالنسبة له . كان ينوي دحر المصريين في معركة مكشوفة ، وفي حالة الإخفاق كان يريد أن يرغمهم على محاصرة واحة محصنة بعد أخرى وينسحب إلى وسط نجد . وكانت صعوبات الحملة وسط الجزيرة البعيد عن قواعد التموين لا بد أن ترغم المصريين ، كما يعتقد على التخلي عن نيتهم في احتلال نجد .

وفي خريف 1816 وصل إبراهيم إلى المدينة المنورة مع قوات كبيرة . وجاءته من مصر قوات جديدة وأغذية ومعدات . واجتذب إبراهيم القبائل في ضواحي المدينة للعمل معه وبدأ زحفه البطيء على نجد . وبعد أن احتل الحناكية أنشأ فيها معسكرا محصنا . ودعا إليها زعماء القبائل المجاورة وقدم لهم الهدايا واستعرض جيشه أمامهم . وفي تلك الأثناء وصل من الاستانة نبأ منحه لقب باشا . وكان ذلك بمثابة مغازلة لمشاعره لا أكثر ، فهو لايعني أي دعم له .

وفي تلك الأثناء كانت القبائل البدوية تبتعد عن عبدالله الواحدة تلو الأخرى . فإن زعيم مطير فيصل آل دويش ، مثلا ، جاء إلى إبراهيم وعرض عليه خدماته مقابل تعيينه فيما بعد أميرا للدرعية . ووصل عبدالله إلى القصيم وهاجم المصريين ولكنه منى بهزيمة . وقتل كثيرون من الوهابيين واقتطعت آذانهم وأرسلت إلى القاهرة .

وفي صيف 1817 اقترب إبراهيم من الرس وبدأ حصارا استمر عدة شهور . ودافع المحاصرون عن أنفسهم ببسالة . ويمكن الافتراض من ضراوة المعركة أن عبدالله الذي يفهم الأهمية الاستراتيجية للرس قد ترك هناك أفضل ما كان متوفرا لديه .

وخلال الحصار الطويل لمدينة الرس كان عبدالله على مقربة منها دون أن يتمكن من نجدتها بشكل فعال . ولم تتمكن من دخول المدينة عبر المعارك إلا قافلتان وهابيتان . وبلغت خسائر إبراهيم ثلاثة آلاف وخمسمائة شخص . وأغلبهم بسبب الأمراض . فالحصار في أوج الصيف ، مما زاد في الصعوبات أمام جيش إبراهيم . ولكنه كان يتمتع بمزايا المدفعية ومختلف آلات الحصار والقيادة الماهرة . والأمر الأهم أنه استلم إمدادات . فإن عبدالله لم يتمكن من قطع طرق التموين . وكان للذهب المصري الذي وزعه إبراهيم بسخاء ولإلغاء الزكاة على البدو أثر كبير بهذا الخصوص .

وفي تشرين الأول (أكتوبر) استسلمت الرس بشروط مشرفة . والتحقت حامية الوهابيين المتبعية حاملة أسلحتها بقوات عبدالله وحسبما يقوله ج. سالبر كان مصير الرس يختلف بعض الشيء . فالمدينة لم تستسلم ، بل وعدت بالاستسلام للمصريين بعد أن يحتلوا عنيزة . كان يقود الدفاع عن عنيزة أشخاص من أقرباء أمام الدرعية . وكانت حامية الوهابيين مزودة بالمؤن والذخيرة بصورة جيدة . ولكن المدينة احتلت بعد عدة أيام من الحصار ، واستسلمت حاميتها بشروط مشرفة . والتحق المحاربون الوهابيون حاملين السلاح بعبدالله .

ولم يحاول أمام الوهابيين إبداء المقاومة أكثر لجيش إبراهيم في سوح مكشوفة . فإن احتياطات مصر تحمي ظهر إبراهيم . وكان هجومه بطيئا ، ولكنه لا مرد له . وبعد عنيزة استسلمت بريدة ، وفي أواخر عام 1817 أعلنت القصيم كلها عن خضوعها لإبراهيم . وكتب إبراهيم باشا لأبيه أن كل سكان المنطقة يكرهون حجيلان أمير بريدة العجوز وكذلك عبدالله . في البداية انسحب عبدالله إلى شقراء حيث كان يجري على جناح السرعة بناء المنشآت الدفاعية ، وبعد ذلك انسحب إلى الدرعية .

ظل إبراهيم في بريدة حوالي الشهرين لاستلام الإمدادات . ثم تحرك نحو شقراء . وذكر منجين أن عدد قوات إبراهيم قليل جدا – ألف جندي . ويبدو أن هذا الرقم أقل مما في الواقع . وبعد ذلك ذكر منجين الرقم 4500 جندي دون أن يوضح ما إذا كان البدو يضمنهم أم لا . ولكن الحقيقة هي أن إبراهيم تمكن من قهر نجد بقوات قليلة نسبيا . إلا أن حملته على شقراء شارك فيها بدو مطير وحرب وعتيبة وبني خالد . وكان أولئك من البدو الذين كانوا آخر من خضع للوهابيين وأول من قلب لهم ظهر المجن . وكتب ابن بشر بمرارة يقول أنه سار مع إبراهيم كثير من زعماء القبائل ووجهاء الواحات في نجد بأمل الغنيمة والاستقلال المرتقب ، ولكن آمالهم خابت بعد سقوط الدرعية أشد خيبة . فعندما ترك إبراهيم المدن التي احتلها كان يدمر في البداية كل التحصينات ويأخذ رهائن معه .

وفي كانون الثاني (يناير) وصل إبراهيم إلى ضواحي شقراء . وبعد القصف المدفعي بدأ اقتحام المدينة . وسقطت شقراء بعد عدة أيام . وأطلق سراح حاميتها بعد أن جرد أفرادها من السلاح ووعدوا بأنهم لن يشاركوا في الحرب . واستولى إبراهيم على الوشم كلها . ثم احتل سدير والمجمعة بلا قتال في الواقع ، وأعلنت حريملا والمحمل عن خضوعهما .

وتحرك إبراهيم من شقراء إلى ضرمى التي كان يدافع عنها محاربون أشداء من الخرج . ورغم القصف المدفعي واستخدام تكنيك الحصار لم يتمكن إبراهيم باشا من إرغام الحامية على الاستسلام . إلا أن القوى لم تكن متعادلة . واقتحم جنود إبراهيم المدينة ونكلوا بأهلها جزءا لهم على المقاومة . وقطعوا آذان القتلى ، كما هي العادة ، وأرسلوا إلى القاهرة . ونهبوا المدينة آذان القتلى ، كما هي العادة ، وأرسلوها إلى القاهرة . ونهبوا المدينة عن آخرها . وجرى ذلك شباط (فبراير) – آذار (مارس) 1818 . وبذلك فتح الطريق نحو الدرعية .

سقوط الدرعية

في نيسان (إبريل) جرى المشهد الأخير من فاجعة الدولة السعودية الأولى . فقد بدأت معركة الدرعية . ومع أن واحات ومدن نجد سقطت الواحدة تلو الأخرى في يد الغازي المصري ، إلا أنه كان في كل منها وهابيون راسخو العقيدة رفضوا حتى فكرة التعايش سلميا مع (المشركين) وظلوا مخلصين حتى النهاية لآل سعود . وتقاطروا على الدرعية للمشاركة في المعركة الأخيرة . وواجهت القوات المصرية فصائل من العاصمة والواحات الأخرى في وسط الجزيرة . وقادها ثلاثة من أشقاء عبدالله ، وهم فيصل وإبراهيم وفهد . وكانت في الدرعية قوات من منفوحة بقيادة العقيد الشجاع عبدالله بن مزروع وكذلك فصائل من حريق وسدير . وكان كهول من سكان العاصمة يدافعون عن مراكز الأسناد الصغيرة . وكانت هناك مفارز تحت قيادة أبناء آل سعود وأفراد عائلة آل معمر وغيرهم من القادة البارزين . وكان تحت أمرة إبراهيم باشا حوالي ألفين من الخيالة و4300 من الجند الألبان والأتراك و1300 من الخيالة المغاربة و150 من المدفعيين ومعهم خمسة عشر مدفعا وكذلك 20 من المختصين بالبنادق و11 من المختصين بالقذائف .

كانت واحة الدرعية تمتد لعدة كيلومترات بشكل خط على طول وادي حنيفة . وتتكون المدينة نفسها والواحة من عدة نزل متلاصقة . وتطل على المنطقة قلعة الطريف ومسجدها ومختلف المباني التابعة لها . وهي محمية بصخرة جبلية عالية من جهة وبقناة من الجهة الأخرى .

بدأ إبراهيم هجومه ببطء على طول الوادي . وبعد المناوشات الأولى مع العدو ترك المترددون عبدالله وانتقلوا إلى إبراهيم وزودوه بمعلومات عن الوضع في المدينة . وكان تفوق المصريين في المدفعية قد مكنهم من تدمير تحصينات الوهابيين ، وكان المهاجمون يحمون أنفسهم من الهجمات المباغتة ببناء الطوابي على النمط الأوروبي هنا كما فعلوا في السابق . ومرت لحظة خيل فيها للوهابيين أنهم سينتزعون النصر . فقد انفجر مستودع البارود الرئيسي عند إبراهيم وتوجه الوهابيون في هجوم سريع ولكنه أخفق .

كان توارد الأغذية والذخيرة والإمدادات على إبراهيم طوال الوقت قد أمن النجاح لزحفه البطيء . وكان المرضى والجرحى من قوات إبراهيم ينقلون إلى مستشفى أنشئ في شقراء . وكانوا يتماثلون إلى الشفاء هناك أحيانا ويعودون إلى صف المقاتلين . وأرغم إبراهيم الأمراء الذين التحقوا به على أن يرسلوا إلى الدرعية محاربين يقاتلون تحت ألويته . وكان جنود جدد يحتلون مواقع الجنود القتلى من أفراد قوات إبراهيم في حين كان صفوف المدافعين عن الدرعية تتضاءل . وكان من أسباب ذلك تقصي الأغذية في الواحة . وغدت حالة الوهابيين ميئوسا منها . وتكررت حالات الفرار . وفي مطلع أيلول (سبتمبر) بدأ الهجوم العام على المدينة . واحتمى عبدالله وقسم من أقربائه في قلعة الطريف . وفي 9 أيلول أقدم عبدالله على المفاوضات بعد أن أدرك أن كل شيء قد ضاع . وتوجه إلى معسكر المصريين عمه عبدالله بن عبدالعزيز وعلي ابن الشيخ محمد بن عبدالوهاب وكذلك محمد بن مشاري بن معمر . وطالبهم إبراهيم باشا بالاستسلام . واتفق مبعوثو عبدالله معه على الاستسلام بشروط مشرفة لسكان واحة الدرعية الذي كانوا لايزالون يقاومون . وقاتل عبدالله ومحاربوه المرابطون فيالقلعة قتالا باسلا يومين آخرين . وأوصل إبراهيم إلى منطقة القلعة كل مدفعيته . وفي 11 أيلول استسلم عبدالله .

وانتهت ستة أشهر من المعارك الطاحنة . وفقد السعوديون أثناء تلك المعارك زهاء عشرين من أقرباء الإمام بمن فيهم ثلاثة من إخوانه . وقدر ابن بشر الخسائر العامة للوهابيين برقم صغير يثير التساؤلات ، وهو 1300 شخص ، بينما يقول أن خسائر إبراهيم في معركة الدرعية حوالي 10 آلاف . وأفاد إبراهيم في رسائله إلى القاهرة والاستانة بأن الوهابيين خسروا 14 ألفا من القتلى و6 آلاف من الأسرى ، ومن بين الغنائم 60 مدفعا . وبمناسبة احتلال الدرعية جرت في القاهرة في تشرين الأول (أكتوبر) 1818 احتفالات بهيجة أطلقت فيها نيران المدافع وأجريت الألعاب النارية وكان الناس يسرحون ويمرحون . وعلى أثر ذلك أعرب السلطان عن ارتياحه العميق عندما بلغه نبأ هزيمة (أعداء الإسلام) وأعرب شاه إيران في رسالة إلى محمد علي باشا عن تنميته لدحر الوهابيين .

نقل عبدالله عن طريق القاهرة إلى الاستانة بصحبة إثنين من المقربين إليه في مطلع كانون الأول (ديسمبر) . وأفادت السفارة الروسية من الاستانة : (في الأسبوع الماضي قطعت رؤوس زعيم الوهابيين ووزيره وإمامه الذين أسروا في الدرعية ونقلوا إلى العاصمة مؤخرا . وبغية إضفاء المزيد من الفخفخة على الانتصار على ألد أعداء المدينتين اللتين تعتبران مهد الإسلام أمر السلطان في هذا اليوم بعقد المجلس في القصر القديم في العاصمة . وأحضروا إلى القصر الأسرى الثلاثة مقيدين بسلاسل ثقيلة ومحاطين بجمهور من المتفرجين . وبعد المراسيم أمر السلطان بإعدامهم . قطعت رقبة الزعيم أمام البوابة الرئيسية للقديسة صوفيا ، وقطعت رقبة الوزير أمام مدخل اسراي وقطعت رقبة الثالث في أحد الأسواق الرئيسية في العاصمة . وعرضت جثتهم ورؤوسها تحت الإبط ... وبعد ثلاثة أيام القوا بها إلى البحر . وأمر صاحب الجلالة بأداء الصلاة عمومية شكرا لله على انتصار سلاح السلطان وعلى إبادة الطائفة التي خربت مكة والمدينة ونشرت الذعر في قلوب الحجاج المسلمين وعرضتهم للخطر .

الوهابية خارج الجزيرة العربية

إن تعاليم محمد بن عبدالوهاب التي بدت وكأنها ظاهرة خاصة بالجزيرة العربية وحدها قد وجدت لها بغتة أنصارا في بلدان أخرى تبعد عن الجزيرة آلاف الكيلومترات . لقد نشرها الحجاج الذين كانوا في مكة فيمطلع القرن التاسع عشر . فقد وجد شجب الوثنية ورفض عبادة الأولياء ومكافحة البدع ونشر الجهاد ضد (الكفرة) و(المشركين) والجمع بين الشعارات الطبقية والتعادلية – معتقدات وممارسات الوهابيين – تربة صالحة في بلدان ذات أنظمة اجتماعية وسياسية متباينة بعد تكيف وتعديل مناسب . ووصلت الوهابية إلى الهند وأندونيسيا وأفريقيا .

وكان لتعاليم محمد بن عبدالوهاب تأثير كبير في الهند . فقد استخدم بعض أحكامه المصلح الإسلامي والسياسي الهندي سيد أحمد بارلوي ، وهو من أتباع المفكر الإسلامي المعروف ولي الله شاه . وكان سيد أحمد بد باشر بدعوته في مطلع القرن التاسع عشر . وفي العشرينات حج إلى مكة واطلع هناك على تعاليم محمد بن عبدالوهاب وتبناها . وعندما عاد إلى الهند اتخذ من باتنا مقرا له وأخذت تتوارد عليه جموع الأنصار .

وفي عام 1824 أعلن سيد أحمد الجهاد ضد الكفار ، ثم ، في عام 1826 اجتاحت قواته البنجاب وأخذت تفتك بالسيك . وفي عام 1830 احتل الوهابيون بيشاوار وأسوسا دولة لهم حتى أنهم بدأوا بسك قطع نقدية تحمل اسم أحمد . ولكن إمام الوهابيين قتل في العام التالي . ونشط أتباعه أعمالهم في المناطق الإسلامية من الهند ، وخصوصا في الشمال وفي البنغال الشرقية وأعلنوا الجهاد ضد المستعمرين الإنجليز .

وكتب مؤلف إنجليزي بمرارة في القرن التاسع عشر (كان المبشرون المتمردون الذين وعدوا المؤمنين بالخلاص أو الجنة قد أججوا الحقد على الإنجليز والذي كان يضمره بعض المسلمين الهنود . وكانت كل صلاة يزدونها مفعمة بهذا الحقد) . كان نضال الوهابيين ضد السيطرة البريطانية قسطا في حركة الشعب الهندي ضد الاستعمار . واستمر هذا النضال عدة عقود حيث كان يشتد تارة ويخفت تارة أخرى . ومعروف جيدا دور الوهابيين الكبير في إنتفاضة 1857-1859 الشعبية ضد المستعمرين .

وعلى الحدود الشمالية ، في سنتان ، صمد المركز الوهابي في وجه حوالي عشرين حملة من القوات الاستعمارية . ولم يندحر إلا في عام 1863 . إلا أن نشاط الوهابيين استمر بعد ذلك . وكانت السلطات البريطانية ، كما يقول المؤرخ الإنجليزي و. هنتر ، تعتبرهم (جماعة ... تشكل ، في رأي جميع الحكومات التي حلت محل بعضها البعض ، مصدرا لخطر دائم على الإمبراطورية الهندية) .

ودفعت الوهابية بعض الحجاج الأندونيسيين الذين أموا مكة في العقد الأول من القرن التاسع عشر إلى ممارسة النشاط الإصلاحي . ففي سومطرة بدأت حركة دينية سياسية استخدمت عددا من الشعارات الوهابية . وكانت في البداية موجهة ضد السكانا لمحليين غير المسلمين ، ثم اكتسبت طابعا مناوئا للهولنديين . وطوال حوالي خمسة عشر عاما ، اعتبارا من عام 1821 ، خاض المستعمرون الهولنديون الحرب ضد وهابيي سومطرة .

ويرى بعض الباحثين أن الوهابية مارست تأثيرا معينا على حركة عثمان دان فوديو في غرب أفريقيا في مطلع القرن التاسع عشر والتي أدت إلى تأسيس دولة سوكوتو الشاسعة هناك ، وكذلك على السنوسيين في ليبيا . وكان سلطان مراكش مولاي سليمان (1792-1822) الذي اشتهر بثقافته وروعه وحرصه على الإسلام قد استخدم الأفكار الوهابية في مكافحة التجزئة الإقطاعية والعشائرية في البلاد . وواجه نشاط المرابطين الانفصالي بمبدأ : سلطة واحدة ودين واحد ودولة واحدة . وتقليدا للوهابيين شجب السلطان الشعائر السنوية لتكريم الأولياء وألغى مختلف الضرائب التي لاينص عليها القرآن وأخذ يرسل إلى مناق البربر قضاة مسلمين يعملون على نشر الشريعة واجتثاث العرف القبلي عند البربر . وكانت إصلاحات مولاي سليمان الوهابية تشكل خطرا على المصالح المادية للجمعيات الدينية والمرابطين وسلطتهم بل وحتى على وجودهم . فتوحدوا ، إلا القليل منهم ، ضد السياسة الوهابية للحكومة وألحقوا الهزيمة بالسلطان وأرغموه على التنازل عن العرش .