تاريخ العربية السعودية - فاسيلييف - الفصل التاسع عشر
الفصل التاسع عشر: السياسة الخارجية في السبعينات ومطلع الثمانينات
ظلت العربية السعودية مرتبطة اوثق رتباط بالولايات المتحدة على الصعيد الدولى. فان هيمنة الرأسمال الامريكى على صتاعة استخراج النفط في البلد (وان كانت قد اصبحت على اساس المقاولة شكليا) واعتماد المملكة على السلاح الامريكى والحاجة الى تأييد الولايات المتحدة لابقاء النظام ذاته وتأثير التقلبات الاقتصادية في الولايات المتحدة على الايداعات السعودية فى امريكا, كل هذه العوامل حددت توجه الرياض نحو واشنطن. وبلاضافة الى الروابط الاقتصادية والسياسية والعسكرية الوثيقة, قامت صلات دائمة بين كبار المسؤولين في البلدين وتبودلت الزيارات فيما بينهم. ودرس ابناء علية القوم في الولايات المتحدة.
بغية مساعدة واشنطن على ان تصبح "حامية مصالح الغرب" في العلاقات مع البلدان المصدرة للنفط, لعبت السعودية دور "عامل الاعتدال" في منظمة اوبك. فبعد الورة الايراتية صارت السعودية تصدر احيانا ما يعادل نصف الصادرات الاجمالية لبلدان اوبك, لذا فان كلمتها في المنظمة اصبح لها تأثير حاسم. وتعارض الرياض, قولا, تصعيد الاسعار مغازلة بذلك واشنطن. ولكن ظل هناك سؤال معلق: الم يكن ذلك توزيعا للادوار؟ اذ ان زيادة اسعار النفط كانت ايضا في صالح شركات انتاج الطاقة الامريكية, والولايات المتحدة عموما, في الصراع التنافسى مع البلدان اوروبا الغربية واليابان. فبعد زيادة اسعار النفط قلصت السعودية الى حد كبير استخراج النفط واعاقت هبوط اسعار النفط في الاسواق العالمية.
اصبحت السعودية اكبر مودع اجنبى في البنوك الامريكية واكبر مستثمر للمال في مجال شراء السندات الحكومية والاقتصاد والعقار في الولايات المتحدة. وتفيد بعض المصادر بان المقادير الفعلية للاستثمارات السعودية كانت اكبر بكثير من الارقام المعلنة رسميا. وقدرت السعودية ذاتها في تقرير مغلق مرفوع الى صندوق النقد الدولى عام 1978 استثماراتها في العالم بمبلغ 133 مليار دولار, وغالبيتها في الولايات المتحدة. ويعتقد الخبراء ان ما لا يقل عن مائة مليار دولار اخرى اضيفت الى هذا المبلغ عند نهاية عام 1981. وتوظف الاموال السعودية في الولايات المتحدة بالدرجة الرئيسية عبر "تشيز منهاتن بنك" و"مورغان غارنتى تراست". وكانت الايداعات السعودية في الولايات المتحدة والبلدان الاخرى تعود بفوائد تصل الى عشرة مليارات دولار سنويا. قدمت السعودية قروضا وسلفا تعد بالمليارات الى البنك الدولى للانشاء والتعمير وصندوق النقد الدولى, فاخذت تساهم شكليا في صياغة قرارات هاتين المنظمتين. وفي عام 1978 اصبحت السعودية عضوا دائما في هيئة ادارة صندوق النقد الدولى. ساعد الاتفاق الذى ذكرت الصحف الامريكية انه عقد بين الملك خالد والرئيس فورد عام 1977, على تعزيز العلاقات السعودية الامريكية. فقد التزمت السعودية بموجبه بعدم زيادة اسعار النفط لاكثر من 5% حتى عام 1984 (الامر الذى لم تلتزم به), واستثمار جزء كبير من عائدات لشراء سندات الخزانة الامريكية الطويلة الامد. والتزمت الولايات المتحدة بتقديم مساعدة عسكرية للسعودية لمواجهة اى عدوان.
عندما حرمت واشنطن من النفط الايرانى قامت السعودية, وفقا لاتفاقاتها مع الولايات المتحدة, بزيادة استخراج النفط الى 10.3 مليون برميل يوميا, وغطت احتياجات الاسواق العالمية من الوقود السائل. في 15 ايار (مايو) 1978 وافق مجلس الشيوخ الامريكى على اقتراح الحكومة الامريكية ببيع طائرات حربية الى مصر والسعودية واسرائيل. وكان من المقرر ان تحصل السعودية قبل عام 1983 على60 طائرة من طراز "ف15" ولكنها تعهدت بالا تجهز بمعدات للعمليات الهجومية والا ترابط في قواعد قريبة من اسرائيل.
في 28 تشرين الثانى (نوفمبر) 1981 وبعد صراع طويل داخل الهيئات التشريعية العليا في الولايات المتحدة, وافق مجلس الشيوخ على اقتراح البيت الابيض ببيع السعودية معدات حربية تضم خمسة من "الرادارات الطائرة" من طراز "اواكس" بمبلغ 8.5 مليار دولار. وقد وقفت ضد هذه الصفقة مراكز الضغط الموالية لاسرائيل في الكونغرس الامريكى التى تعارض بيع اسلحة حديثة لاى بلد عربى. بيد ان الغلبة كانت لاهتمام واشنطن في تعزيز تغلغلها العسكرى في شبه الجزيرة العربية وجعل هذه المنطقة موقعا لاقامة حلقة جديدة من حلقات منظومتها العسكرية العالمية.
ولكن الرياض كانت تدرك ان الافراط في الاعتماد السافر على واشنطن لن يعزز النظام بل سيضعفه, لانه سوف يحط من منزلته في منظر الجماهير ذات الميول المناهضة للامبريالية والمعادية للولايات المتحدة. وبوصفه "حامى الحرمين" و"المدافع عن المثل الاسلامية" وقف النظام السعودى ضد نهج اسرائيل التوسعى العدوانى المدعوم من قبل الولايات المتحدة, وطالب بجلاء المحتلين عن القدس الشرقية حيث يوجد المسجد الاقصى, وعن سائر الاراضى العربية. وتأكيدا ل"عروبتها" اعلنت الرياض عن دعمها للشعب الفلسطينى وقدمت مساعدة مالية كبيرة لمنظمة التحرير الفلسطينية. وعمل في المملكة عشرات الآلاف من الفلسطينيين حيث زاولوا مهنا مختلفة. وادركت الرياض ان عدم تسوية النزاع العربى الاسرائيلى وتأييد واشنطن لتل ابيب, انما يزيدان من عدم استقرار الوضع في الشرق الاوسط ويشكلان خطرا على النظام الملكى. لذا فان محور واشنطن – الرياض كان يشهد بين الحين والحين توترا, غير انه يبقى نوعا من الخلاف بين الاحباب. وقد عارضت الرياض علنا ومرارا ظهور "قوات لانتشار السريع" الامريكية في بلدان الخليج, دون ان تعارض تواجدها "وراء الافق", كما عارضت اقامة قواعد عسكرية يرفع عليها العلم الامريكى على اراضى السعودية, ووقفت ضد انشاء تحالف معاد للسوفييت في الشرق الاوسط تشارك فيه اسرائيل.
ان العلاقات بين السعودية وبلدان اوروبا الغربية واليابان لم ترتق ابدا الى مستوى العلاقات مع الولايات المتحدة, ولكنها كانت ودية ومتنوعة بما فيه الكفاية. فان دول "السوق المشتركة" واليابان هى المستورد الرئيسى للنفط السعودى, كما ان جزءا من البترودولارات السعودية يوظف في هذه الدول. وتزايدت بسرعة وارادات السعودية من المعدات الصناعية والاسلحة من اوروبا الغربية واليابان. وفي السبعينات وقعت الرياض اتفاقيات حول التعاون الاقتصادى والتقنى مع فرنسا وايطاليا والدنمارك واليابان وسويسرا وبريطانيا. وقد طرأ فتور وقتى على العلاقات مع بريطانيا بسبب عرض فيلم "موت اميرة" في التلفزيون البريطانى. ان كيس النقود الثقيل والقدرة عل تقديم هبات وقروض للبلدان العربية والاسلامية وسائر بلدان آسيا وافريقيا, يشكلان دعما للسياسة الخارجية السعودية. وتحتل المملكة المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة من حيث تصدير الرساميل على شكل مساعدات.
كانت الثورة الاسلامية الايرانية في كانون الثانى (يناير) 1979 التى اطاحت بنظام الشاه وقضت على تبعية ايران العسكرية والسياسية للولايات المتحدة, بمثابة تحذير مرعب للرياض. وتيقنت الاسرة الحاكمة من ان الاعتماد على الاسلام سلاح ذو حدين يمكن ان يستخدم ايضا ضد النظام ذاته, الامر الذى اثبتته احداث مكة والمنطقة الشرقية في عام 1979 ذاته. وقد بينت الشحنة المعادية للامبريالية التى كانت تنطوى عليها الحركات الجماهيرية العاملة تحت راية الاسلام, ان الاقتداء بالولايات المتحدة والغرب عموما يشكل خطرا كبيرا على الاوساط الحاكمة في البلدان الاسلامية. كما كان هناك خطرا آخر يهدد الرياض مبعثه ان الشيعة القاطنين في المناطق الشرقية من البلاد كانوا متأثرين بالدعائية الخمينية. وخشيت السعودية الضعيفة عسكريا من اعمال عدائية مباشرة قد تتعرض لها من قبل ايران.
بغية الوقوف بوجه ايران عمدت الرياض الى تعزيز صلاتها مع امارات الخليج العريبة. وفي 4 شباط (فبراير) 1981 عقد في العاصمة السعودية اجتماع تقرر فيه تأسيس مجلس التعاون الخليجى الذي ضم, علاوة على السعودية, الكويت وقطر والبحرين والامارات العربية المتحدة وعمان. والهدف المعلن لهذه المنظمة هو تطوير التعاون في ميادين الاقتصاد والتجارة والتعليم والصحة والاعلام. وبمرور الزمن اتخذ المجلس, وبوضوح متزايد, سمات حلف عسكرى.
حينما بدأت في ايلول (سبتمبر) عام 1980 حرب اقتتال الاخوة بين ايران والعراق والتى كانت لواشنطن ضلع في اثارتها, فان الرياض شعرت ازاءها بالارتياح والخوف في آن واحد. بالارتياح لان الرياض املت في ان تضعف الحرب البلدين المتحاربين وبالتالى تقلل امكاناتها في العمل ضد السعودية وفي امارات الخليج. اما الخوف فمبعثه ظهور خطر فعلى من ان تمتد العمليات الحربية الى المملكة, او على اقل تقدير تشكل خطرا على النفط عبر الخليج. ومع استمرار الحرب وتدهور وضع العراق, اخذت السعودية وسائر الدول العربية المحافظة تقدم له (اى العراق) مساعدة متزايدة. وذكرت صحيفة "الرأى العام" الكويتية ان مساعدة الرياض لبغداد بلغت في نيسان (ابريل) 1981 ستة مليارات دولار. وبديهى ان هذا الرقم يعطى تصورا عن حجم المساعدة فحسب وليس عن مقاديرها الدقيقة.
جابهت الرياض بالعداء منذ البداية ثورة نيسان 1978 الوطنية الديمقراطية في افغانستان. وسرعان ما بدأ يصل عبر باكستان عون مالى ومساعدات اخرى من السعودية للمتمردين الافغان, وتولت الرياض تمويل شراء الاسلحة لهم. وازدادت هذه المساعدة بعد ان دخلت قوة سوفييتية محددة الى افغانستان في كانون الاول (ديسمبر) 1979 بناء على طلب من الحكومة الافغانية. وحاولت الرياض ان تضفى طابعا لافغانستان وللاتحاد السوفييتى على لقاءات منظمة المؤتمر الاسلامى في كانون الثانى (يناير) وايار (مايو) 1980 وفي كانون الثانى (يناير) 1981. واصطدمت السياسة السعودية حيال هذه القضية بوقف الجزائر وسورية وليبيا واليمن الديمقراطية ومنظمة التحرير الفلسطينية, التى عارضت الاثارة المفتعلة للمسألة الافغانية واشارت الى ان المهمة الرئيسية لمنظمة المؤتمر الاسلامى تتمثل في مجابهة سياسة اسرائيل التوعية العدوانية.
تعززت العلاقات بين السعودية وباكستان عام 1975, اثر استيلاء الدكتاتور ضياء الحق على السلطة. وتسارعت عملية التقارب بين البلدين على اساس وحدة موقفهما في معاداة الثورة الاسلامية في ايران والثورة الوطنية اللديمقراطية في افغانستان. ودفعت الرياض كلفة الاسلحة الامريكية المصدرة الى باكستان والتى كان جزء منها يسرب الى المتمردين الافغان. وفي كانون الثانى (يناير) عام 1980 قدمت السعودية لباكستان 800 مليون دولار لتسديد كلفة وارادتها من الاسلحة الامريكية. كما ان المبالغ التى يحولها الباكستانيون العاملون في السعودية تشكل دعما كبيرا لاقتصاد باكستان. اخذ التعاون بين البلدين ينسحب كثر فاكثر على الميدان العسكرى. وتسربت الى الصحف انبا ءحول استخدام طيارين باكستانيين في سلاح الطيران السعودى, بل وحتى عن مرابطة وحدات عسكرية باكستانية ضخمة ف يالسعودية لحماية الحدود وحقول النفط ولدعم النظام.
لم تكل الرياض عن تأكيد دعمها لقضية الشعب العربى الفلسطينى العادلة, وبعد مؤتمر القمة العربى الذى انعقد في الرباط في تشرين الاول (اكتوبر) عام 1974 اعترفت الرياض بمنظمة التحرير الفلسطينية. واولت السلطات السعودية اهتمام خاصا ل"فتح" وهى المنظمة الاساسية في منظمة التحرير الفلسطينية ووضعت تحت تصرفها مبالغ طائلة املا في بسط نفوذها عليها ولكنها لم تفلح في ذلك.
حينما نشبت الحرب الاهلية التى اثارتها اسرائيل في لبنان عام 1975 والتى استمرت 18 شهرا, اتخذت الرياض موقفا مزدوجا. فهى من جهة, كما ذكرت الصحف اللبنانية اليسارية كانت تدفع تكاليف الاسلحة الامريكية التى تشتريها الميليشيات المسييحة اليمينية. ولكنها من جهة اخرى قدمت المساعدة لحركة المقاومة الفلسطينية ومولت عملية ادخال القوات السورية الى لبنان. وفى 18 تشرين الاول (اكتوبر) 1976 دعا الملك خالد الى مؤتمر في السعودية شارك فيه الرئيس المصرى انور السادات والرئيس السورى حافظ الاسد ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات. ووقعت هناك اتفاقية حول انهاء الحرب في لبنان. وجعلت القوات السورية شكليا بامرة لجنة رباعية تضم السعودية ومصر والكويت وسورية. وقد توقفت الحرب في لبنان.
كانت التناقضات تمزق سياسة الرياض حيال النزاع العربى الاسرائيلى. فان الولاء للولايات المتحدة حامية اسرائيل يتنافى مع طوح الرياض الى لعب دور زعيم العالم العربى و"حامى الحرمين" والمكافح ضد الصهيونية والعدوان الاسرائيلى ومن اجل تحريرالمقدسات الاسلامية في القدس الشرقية. وبناء على قرار قمة الرباط في تشرين الاول (اكتوبر) 1974 اخذت مصر وسورية تحصلان على منحة سنوية مقدارها 570 مليون دولار منهما, بينما تحصل الاردن على 300 مليون دولار ومنظمة التحرير على 28 مليونا, وذلك من صندوق خاص اسسته السعودية والكويت ودولة الامارات. كما حصلت بلدان المجابهة على مساعدة سعودية مباشرة لتغطية عجز الميزانية وشراء اسلحة من الغرب. ومن حيث العموم كانت السياسة السعودية طوال تلك السنوات قائمة على المطالبة بانسحاب القوات الاسرائيلية من جميع الاراضى العربية المحتلة طعام 1967 وضمان الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى.
على صعيد الشرق الاوسط قدمت الرياض مساعدة فعالة للبلدان ذات الانظمة اليمينية, وساندت النزعات الداعية الى الانفتاح الاقتصادى في البلدان ذات القطاع العام القوى, اما على صعيد السياسة الخارجية فقد ساندت الميل الى التخلى عن التعاون مع الاتحاد السوفييتى والتوجه الى الولايات المتحدة. وبالاستناد الى العون السعودى تمكن السادات من القيام ب"ثورته البيضاء" في مصر واعادة النظر جذريا في السياسة الداخلية والخارجية وصولا الى الغاء معاهدة الصداقة مع الاتحاد السوفييتى فى آذار (مارس) 1976. ولكن حينما زار السادات القدس في 19 تشرين الثانى (نوفمبر) 1977 واتبع نهج عقد الصفقات الانفرادية مع اسرائيل التى ادت في خاتمة المطاف الى اتفاقيات كامب ديفيد, فان ذلك لم يكن مقبولا بالنسبة للرياض. فالاعتراف بكامب ديفيد يعنى ضمنيا على تصفية القضية الفلسطينية واجراءات الضم الاسرائيلية, بما فيها ضم القدس الشرقية حيث يوجد المسجد الاقصى, الامر الذى من شأنه ان يقوض الى حد خطير مواقع النظام السعودى داخل البلد وعلى المستوى العربى وفي العالم الاسلامى.
في 26 آذار (مارس) 1979 وقعت في الولايات المتحدة معاهدة "السلام" الانفرادية بين اسرائيل ومصر. وفي اليوم التالى عقد وزراء الخارجية العرب مؤتمرا في بغداد تقرر خلاله قطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر وانزال عقوبات اخرى بها. وفي 24 نيسان (ابريل) قطعت السعودية العلاقات الدبلوماسية مع مصر وتوقفت عن تزويدها بالمساعدات المالية, ولكنها استمرت في استخدام الايدى العاملة المصرية.
احجمت السعودية سنوات طويلة عن تقديم مبادرات حول تسوية النزاع العربى الاسرائيلى واقتصرت على تأييد الموقف العربى المشترك. ولكن في 7 آب (اغسطس) عام 1981 تقدم الامير فهد, ولى العهد آنذاك, بمشروع للسلام في الشرق الاوسط من ثمانية بنود, نص على انسحاب اسرائيل من جميع الاراضى العربية المحتلة عام 1967 ومن ضمنها القدس الشرقية, وازالة جميع المستوطنات اليهودية التى اقامتها اسرائيل فى الاراضى المحتلة, وتأسيس دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية والاعتراف بحق جميع دول المنطقة في العيش بسلام. وقد رفضت اسرائيل المشروع, كما انه لو لم يحظ بتأييد العراق والجزائر وليبيا وسورية واليمن الديمقراطية لعدم تطرقه الى دور منظمة التحرير الفلسطينية ولان بنده الاخير يتضمن تلميحا الى الاستعداد للاعتراف باسرائيل. وبسبب اختلاف البلدان العربية حول "مشروع فهد" ارجئ اجتماع القمة العربية الذى كان مقررا عقده في الرباط في تشرين الثانى (نوفمبر) 1981.
ابان ما يسمى ب "الحرب الخامسة" في الشرق الاوسط, اى غزو اسرائيل للبنان وحصار بيروت عام 1982, اتخذت السعودية موقفا سلبيا. ولم تقم بأية خطوات عملية للضغط على الولايات المتحدة بغية ايقاف دعمها لاسرائيل. وفي مؤتمر القمة العربى الذى انعقد بفاس في ايلول (سبتمبر) 1982 شارك الملك فهد في صياغة المشروع العربى الموحد لتسوية ازمة الشرق الاوسط سلميا, والذى كان متطابقا عمليا مع موقف الاتحاد السوفيتى حيال هذه القضية.
واصلت الرياض ايلاء اهتمام كبير للجمهعورية العربية اليمنية وهي اكبر بلدان الجزيرة العربية من حيث عدد السكان,’ ولجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية حيث توطد النظام الديمقراطى الثورى. وبعد اقامة علاقات دبلوماسية مع اليمن الديمقراطى عام 1975, عرضت السعودية عليه في آذار (مارس) 1975 مساعدة مالية ونفطا املا في تغيير النهج السياسى لعدن. وعندما اتضح ان لا امل في ذلك توترت العلاقات بين البلدين من جديد.
بعد مقتل الرئيس اليمنى الشمالى الغشمى في حزيران (يونيو) 1978 وتولى على عبد الله صالح الرئسة, وافقت الرياض على ان تدفع كلفة اسلحة ومعدات امريكية استوردتها الجمهورية العربية اليمنية وبلغت قيمتها 400 مليون دولار, ولكنها اصرت في المقابل على وقف التعاون العسكرى مع الاتحاد السوفييتى. وزيدت المساعدات السعودية لصنعاء اثناء الحرب بين شطرى اليمن في آذار (مارس) 1979 ولكن بعد الصلح وتطبيع العلاقات بين اليمنين واقرار مشاريع الوحدة بينهما, فترت علاقات الرياض بصنعاء الى حد دفع بالسعودية الى وقف مساعداتها لليمن الشمالى. واستؤنفت المساعدات عام 1980 وتمكنت السعودية من الاحتفاظ بتأثير كبير في الجمهورية العربية اليمنية.
ابدت السعودية في السبعينات اهتماما بتطوير التعاون الاقليمى في حوض البحر الاحمر املا في في توطيد نفوذها هناك ولمجابهة حركة التحرر الوطنى. وقد اثارت ثورة اثيوبيا عام 1974 وتوطد النظام الديمقراطى الثورى في اليمن الديمقراطى, رد فعل معاديا في الرياض وقدت السعودية عونا ماليا الى الصومال يرجح انه بلغ بضع مئات الملايين من الدولارات, وايدتها في الحرب ضد اثيوبيا عام 1977. بيد ان التدخل الصومالى في اثيوبيا كانت نتيجته هزيمة نكراء منى بها الغزاة, كما لم تسفر عن شئ المساعدة السعودية للانفصاليين في ارتيريا. بفضل الفائض المالى تتبع السعودية على الصعيد الدولى سياسة قائمة على قدرتها المالية. وصار تأثير هذه المملكة المتخلفة القليلة السكان والتى تمتلك ثروات اسطورية, يستشعر في عدد من بلدان آسيا وافريقيا. وبغية تمويل المشاريع الاقتصادية في بلدان آسيا وافريقيا اسس صندوق التنمية الاقتصادية وازداد رأسماله بالتدريج حتى بلغ عشرة مليارات دولار. وبلغ الحجم السنوى للمساعدة, وفق معطيات رسمية من الواضح انها مبالغ فيها, الى ستة مليارات.
ولكن من المؤكد ان وراء هذه المساعدة دوافع سياسية, اذ خصصت لمساندة الانظمة الينية الدائرة في الفلك الامريكى, وكان يشترط في من يحصل عليها اتباع سياسة معادية للشيوعية وللاتحاد السوفييتى في احوال كثيرة. ومن بين متلقى المساعدة السعودية نظام فيتنام الجنوبية قبل سقوطه, وتايون (فرموزه) واندونيسيا وباكستان.
دفعت الحكومة السعودية كلفة الاسلحة التى استوردها السودان وطالبت الخرطوم بان تكون مصادر السلاح غربية فقط, كما طالبت بايقاف التعاون العسكرى مع البلدان الاشتراكية. وفي عام 1976 قدمت الرياض لحكومة موبوتو في زائير 50 مليون دولار لمحاربة انغولا الثورية. وفي عام 1977 ساندت الرياض تدخل بلدان الناتو في زائير ودفعت كلفة نقل قوات مغربية على متن طائرات امريكية الى هذا البلد للمشاركة في قمع الانتفاضة التى قامت في محافظة شابا ضد الدكتاتور موبوتو. واثر ذلك قدمت السعودية عونا مالياً كبيراً آخر ازائير. ولكن السعودية قطعت العلاقات الدبلوماسية مع زائير في 19 آيلر (مايو) 1982 ردا على استئنافها العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل.
ان دور العربية السعودية على المسرح الدولى في مطلع الثمانينات لم يعد يقارن بما كان عليه في مطلع السبعينات اى قبل عقد فحسب. وقد حاولت الدعاية الغربية ان تخلق للسعودية هالة "الدولة العظمى" ماليا ونفطيا, في حين ان الصحافة اليسارية غالبا ما كانت تلقبها بالبلد "شبه الامبريالى". ولكن نظرا لعدم توفر الكوادر وقلة عدد السكان وبلى البنية الاجتماعية السياسية والتخلف الاقتصادى للملكة, فان قدرتها الدولية لا يمكن اعتبارها الا شيئا عابرا مفتعلا وهلاميا.