تاريخ العربية السعودية - فاسيلييف - الفصل التاسع
الفصل التاسع: بعث إمارة الرياض في مطلع القرن العشرين (1902-1914)
في مطلع القرن العشرين نشأ في الجزيرة العربية من جديد وضع ملائم لبعث إمارة الرياض . فإن سلطة حائل كانت قائمة على القوة العسكرية لقبيلة شمر وحلفائها وعلى مساعدة الأتراك ، ولكن تأييدها من جانب سكان نجد كان يتقلص باطراد . وأخذت بريطانيا تتدخل في شئون الجزيرة سعيا منها إلى إضعاف اعتماد الإمارات المحلية فيها على الباب العالي وإخضاعها للحماية البريطانية في آخر المطاف . وغدت عائلة آل سعود التي استقرت في الكويت مركز جذب طبيعيا لجميع النجديين المتذمرين من حكم آل رشيد .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
استيلاء الأمير الشاب عبدالعزيز على الرياض والسيطرة على المناطق المجاورة لها
في خريف عام 1900 تزعم عبدالرحمن بن فيصل غزوة موفقة على أحد بطون قحطان ووصل إلى مناطق السدير . وبعد أن عاد إلى الكويت أخذ يستعد لحملات عسكرية أكثر جدية واتساعا على نجد . واستنادا إلى السياسة العامة الموجهة ضد آل رشيد تحالف شيخ الكويت مع زعيم المنتفق سعدون باشا أبو عجيمي .
وفي أواخر 1900-أوائل 1901 جمع حاكم الكويت عساكره المكونة من البدو والحضر وتوجه إلى القصيم . والتحق به عبدالرحمن وبعض الأمراء السعوديين الآخرين الذين انضوت تحت رايتهم أقسام من قبائل العجمان ومطير . وكتب آداموف قنصل روسيا في البصرة : (حقق الجيش الكويتي نصرا وتمكن من الاستيلاء على الرياض نفسها ، ومن هناك تحرك مبارك بالغ في التباهي بانتصاراته الأولى . وتمكن عبدالعزيز بن متعب منا لحصول على أسلحة إضافية من الأتراك فعبأ كل قواته فدحر الكويتيين وحلفاءهم في شباط – آذار (فبراير – مارس) 1901 على مقربة من واحة الصريف .
وفي تلك الأثناء حاول عبدالعزيز بن عبدالرحمن أن يستولي على حصن المسمك في عاصمة أجداده الرياض . وتمكن فصيله مع الكويتيين من اقتحام المدينة ، إلا أن الحاكم الشمري عجلان بن محمد تمركز في الحصن وتحمل الحصار . وعندما علم عبدالعزيز بنتيجة معركة الصريف عجل في العودة إلى الكويت . كانت بريطانيا تشجع أعمال الكويت ولحفائها بصورة مباشرة أو غير مباشرة . ويعتقد قنصل روسيا في البصرة أداموف أن بريطانيا التي لها مصلحة في إضعاف جبل شمر كانت تقف وراء مبارك . وشاترى شيخ الكويت كميات كبيرة من بنادق (مارتيني) الإنجليزية في البحرين .
وأخذت السلطات العثمانية في العراق تحشد فواتها العسكرية لتسد ضربة إلى الكويت بحجة (إحلال النظام) ، ولكنها لم تتجرأ على القيام بذلك خشية الصدام مع الإنجليز . وبنتيجة صراع معقد تمكنت الدبلوماسية العثمانية بدعم من برلين من الاتفاق في أيلول (سبتمبر) 1901 على الاحتفاظ بالوضع القائم في الكويت ودرء احتلال القوات البريطانية لهذه المشيخة . وكانت روسيا في بداية القرن العشرين ، كما جاء في توجيه سري إلى أداموف قنصلها في البصرة ، تسعى كذلك إلى الإبقاء على الوضع القائم في حوض الخليج كما هو .
وبعد الاتفاق مع الأتراك هجم حاكم حائل على المشيخة التي أصابها الضعف بعد هزيمة الصريف . وحاضر ابن متعب موقع الجهراء على ساحل الخليج ، إلا أن الإنجليز بعثوا سفينة حربية أطلقت النار على معسكر الشمريين . وأخذت الأسلحة الإنجليزية تتوارد على المشيخة ، بينما احتج القائم بالأعمال البريطاني في اسطنبول في لقاء مع السلطان على أعمال الشمريين . وبعد أسبوعين أو ثلاثة م حصار ميئوس منه عاد إبن متعب إلى حائل بأمر من السلطان .
وأقنع عبدالعزيز أباه بأن يسمح له مرة أخرى أن يجرب حظه في الرياض . فتوجه في حملة على رأس أربعين محاربا فقط كما تفيد أغلبية المراجع ، وكان بينهم شقيقه محمد بن عبدالرحمن وإبن عمه عبدالله بن جلوى . وفي تشرين الثاني – كانون الأول – (نوفمبر – ديسمبر) 1901 توجهوا عبر الإحساء نحو الجنول إلى الربع الخالي . وفي الطريق اجتذب هذا الفصيل محاربين من قبائل العجمان وآل مرة وسبيع والسهول . وتحول الفصيل إلى قوات من عدة آلاف شخص . وأخذ عبدالعزيز يغزو بهذه القوات القبائل المعادية وقرى نجد التي ظلت موالية لآل الرشيد .
وعندما علم إبن متعب بأعماله بعث برسائل إلى السلطات العثمانية في بغداد والبصرة طالبا إبعاد عبدالعزيز عن الإحساء . وعلم البدو بذلك فتركوا الأمير الشاب خشية بطش الأتراك . فظل عبدالعزيز مع جماعته الأولى التي لايتجاوز عددها الأربعين شخصا . وأدرك عبدالرحمن أن أعمال إبنه تتحول إلى مغامرة خطرة فطلب منه العودة إلى الكويت والتخلي عن خطة الاستيلاء على الرياض . وأرغمت السلطات التركية في الإحساء فصيله على ترك المنطقة . وقضى عبدالعزيز شهر رمضان في واحة يبرين . يبدو أن إبن متعب لم يعر اهتماما كبيرا لهجمات الأمير الشاب ، مما أفاد هذا الأخير . وقرر عبدالعزيز المجازفة مرة أخرى رغم ممانعة أبيه . وفي 12 كانون الثاني (يناير) 1902 ظهر في أطراف عاصمة السعوديين السابقة .
وبعد أن أخذ قسطا من الراحة في واحة صغيرة ترك فيها جماعة من أفراده من الإبل والخيل وأوصاهم بالفرار إذا لم يعد في الفجر . أما الباقون فتوجهوا إلى أسوار المدينة . وفي ظلام الليل اجتاز المحاربون وعلى رأسهم عبدالعزيز سور المدينة في منطقة (الشمسية) ، وتركوا احتياطيا عشرة رجال وتوجهوا إلى صاحبهم جويسر الذي كان يعيش قرب منزل الحاكم الشمري عجلان بن محمد . كان عجلان متزوجا سراً من إحدى نساء الرياض وكان يعودها نهارا، ويفضل قضاء الليل مع الحامية التي يوجده فيها زهاء 80 شخصا في حصن المسمك. أطعم جويسر عبدالعزيز ورجاله ثم تسللوا إلى منزل زوجة عجلان . لم يجدوا عجلان فيه ، ولكنهم حبسوا زوجته وإمرأة أخرى في إحدى الغرف. واستدعى عبد العزيز شقيقه محمد مع الرجال العشرة الذين تركهم وراء سور المدينة. واجتمع الفصيل كله في منزل عجلان. وقالت زوجته أنه يمكن أن يأتي إليها بعد صلاة الصبح فقرروا الانتظار. وبلغ التوتر أوجه عنده هذه الجماعة الصغيرة التي كانت تشعر تماما بالصيغة المغامرة لأعمالها.
حل صباح 15 يناير 1902. وأخيرا ظهرا من بوابة الحصن عجلان مع حرس غير كبير . فأطلق عبدالعزيز ورجاله النار وهرعوا إلى عجلان . حاول الشمريون الهرب. وفي اللحظة الأخيرة فقط قتل عبد الله بن جلوى عجلان عند باب الحصن .
لقد استفاد رجال عبدالعزيز من عنصر المباغتة فانتقموا من الحامية الشمرية الموجودة في الحصن ، ثم قتلوا من كان في المدينة. وأطلق سراح عشرين من الشمريين بكلمة شرف بعد أن اعتصموا في البرج. وكانت خسائر الأمير الشاب هي قتيلان وثلاثة جرحى لاغير . وكان انتصاره الرائع غير المتوقع قد خلب ألباب أهالي نجد بالطبع ، وفيما بعد صار الشعراء والرواة يتغنون به في روايات وقصائد كثيرة . وأقسم أهل الرياض يمين الولاء لعبد العزيز الذي بدأ على الفور يتحصن أسوار المدينة. وعندما علم ابن متعب بنبأ سقوط الرياض استولى علهي الهياج وأقسم بأن يثأر من أعدائه التقليديين . ونزح من الفرات الأوسط إلى حائل ليجمع العساكر ويتوجه إلى الرياض ، إلا أن الاستعدادات استغرقت عدة أشهر.
وفي تلك الأثناء وصلت إمدادات إلى عبدالعزيز من الكويت – سبعون مقاتلا وعلى رأسهم أخوه سعد . وتمكن الأمير الشاب من القيام بحملة على لجنوب واحتلال الخرج قبل وصول الشمريين .
وفي مايو 1902 وصل أبوه عبد الرحمن إلى الرياض . ويجمع المؤرخون العرب والأوربيون على أن الأب والإبن كانا يفهمان بعضهما البعض جيدا ، وكانت الثقة بينهما قد ساعدت على استقرار الدولة الجديدة . فالأمير العجوز كان ، كما يبدو ، يقدر قابليات إبنه تقديرا واقعيا . وعندما جمع عبدالعزيز العلماء ووجهاء الرياض وطالبهم بأداء يمين الولاء لأبيه رفض عبدالرحمن هذا التكريم وأعلن أن إبنه هو الأمير ، وصار عبدالعزيز حاكما للرياض وهو في الثانية والعشرين . وظل أبوه مستشارا رئيسيا له وإماما للمسلمين .
أثبتت جسارة عبد العزيز في الاستيلاء على الرياض أنه يتحلى بخصال الشيخ والأمير : البسالة والمهارة في القيادة والموفقية. وأثبتت الأحداث اللاحقة أن عبدالعزيز كان شخصية بارزة دون ريب بمقاييس الجزيرة العربية . وهذا ما أجمع عليه كل المؤرخين والرحالة من عرب وأوربيين . فقد تمرس عبدالعزيز في المنفى وتضلع في أخلاق البدو وعاداتهم ونقاط ضعفهم وقوتهم ، وكان يجيد التحكم فيما عرفه عن البدو . وإلى جانب ذلك كان يدرك بأن عليه أن يعتمد بالأساس على سكان نجد الحضر ، ولذا أولاهم عناية دائمة . وكان يدرك قوة الدين فأقام علاقات طيبة مع علمائه منذ البداية . جرت العادة في المطبوعات الأوربية ، والعربية جزئيا ، على تسمية مؤسس الدولة السعودية الحديثة باسم أسرته : إبن سعود . ولذا سوف نستخدم نحن أيضا هذا الإسم في بعض الأحيان .
وقد تركت لنا المستعمرة الإنجليزية هيرترودا بيل في كتابها (الحرب العربية) صورة أدبية لعبدالعزيز ، مع أنها تخص فترة متأخرة من حياته : (يداه نحيفتان بأصابع رقيقة ، وتلك سمة منتشرة بين القبائل العربية الأصيلة . ورغم طول قامته وعرض منكبيه يدل مظهره على التعب ، ولكنه تعب أقرب إلى الارتخاء العربي وليس صفة فردية . إنه تعب شعب عريق منطو على نفسه عبأ قواه الحيوية لدرجة كبيرة ولم يغترف من الطاقة إلا أقلها خارج حدود بلاده الوعرة . إن حركاته المتأنية وابتسامته الطيبة البطيئة وعينيه اللتين تتطلعان بفطنة من تحت حاجبين ثقيلين – كل ذلك يضيف إلى خصاله جاذبية ، ولايتفق مع المفهوم العربي للشخصية النشيطة . ومع ذلك تشير الأحداديث عنه إلى تحمله البدني النادر حتى في الجزيرة العربية ذات الظروف الصعبة) . ونحن نترك (الارتخاء العربي) و(الانطواء على النفس) على ذمة المستعربة الملتزمة بالمدرسة الاستعمارية البريطانية ، ولكننا نشيد بتقييمها الرفيع عموما لشخصية أمير الرياض . انتهز عبدالعزيز فرصة الهدوء التي هيأها الشمريون فسدد ضربات في جميع الاتجاهات محاولا أن يؤمن حول الرياض على الأقل الحد الأدنى من الأراضي لتكون لديه القدرة العسكرية والاقتصادية اللازمة لمواصلة الحرب .
وخلال تلك الفترة أثارت الأحداث في الجزيرة العربية اهتمام لندن وبرلين وبطرسبورغ فضلا عن اسطنبول . ومارست الدبلوماسية الألمانية ضغطا على السلطان العثماني بغية توفير منفذ أمين لسكة حديد بغداد إلى الخليج . وكان حاكم حائل الذي حاول استعادة السيطرة على جنوب نجد واثقا من الدعم التركي . إلا أن بريطانيا كانت من وراء ظهر خصومه الكويتيين ، والسعوديين في التطبيق العملي . وفي تموز – آب (يوليو – أغسطس) 1902 تمكن أمير شمر من مهاجمة الرياض وقام في الطريق بغزوات على القبائل والواحات المعادية له . وتدل هجماته على واحات الوشم والمحمل والقصيم على أن سكان هذه المناطق كانوا ضده .
بدأ إبن سعود يجمع المتطوعين من سكان مدن العارض وبدو الدواسر وآل مرة . ولم يتمكن الشمريون من الاستيلاء على العاصمة الرياض رأسا لأنها صارت جيدة التحصين . ولذا فضل إبن متعب عدم اقتحام المدينة وراح يقوم بحملات حولها وخصوصا على الخرج . واستمرت الصدامات والمناوشات بين الطرفين في أيلول (سبتمبر) حتى تشرين الثاني (نوفمبر) 1902 ، إلا أن الوباء الذي تفشى بين الشمريين حسم الأمر لصالح عبدالعزيز ، واضطر إبن متعب على الانسحاب نحو الشمال .
وبعد أن عاد ابن متعب من حملته الفاشلة على الرياض قام بغزوات جديدة . وظل كالسابق يعتبر حاكم الكويت مبارك عدوه الرئيسي فقرر أن يسدد الضربة إليه . وفي هذه المرة هب عبدالعزيز مع عدة آلاف من رجاله لنجدة الكويتيين في كانون الثاني – شباط (يناير – فبراير) 1903 . وهجم الكويتيون بقيادة جابر والنجديون بقيادة إبن سعود ومن التحق بهما من قبائل العجمان وآل مرة وسبيع والسهول وبني هاجر وبني خالد والعوازم على بدو مطير الذين كانوا موالين لآل الرشيد . وقتل في المعارك أحد زعماء مطير وهو عماش آل دويش وإبنه . وكانت نتيجة المعركة غامضة . وهذا مايستفاد من تقرير قنصل روسيا في البصرة ، حيث كتب عن هزيمة الحلفاء الكويتيين والسعوديين على أيدي مطير .
وفي تلك الفترة زار عبدالرحمن بن فيصل الكويت وتقابل مع قنصل روسيا في بوشهر . إلا أن تلك الخطوة اتخذت على الأكثر لتهديد الإنجليز بغية إرغامهم على تقديم المساعدة لأمير الرياض ، وليس لإقامة اتصالات سياسية فعلية مع روسيا . وفي ربيع 1903 حاول الشمريون للمرة الأخيرة الاستيلاء على الرياض ، إلا أنهم انهزموا أمام حاميتها بقيادة عبدالرحمن أبى عبدالعزيز . كانت أولى انتصارت عبدالعزيز تعني بعث نواة إمارة الرياض بدعم نشيط من الكويتيين ، وبدعم غير مباشر من الإنجليز .
التقدم نحو القصيم
في كانون الثاني (يناير) 1903 تقابل ممثل إبن سعود مع المعتمد السياسي البريطاني في البحرين وطلب منه الحيلولة دون إنزال القوات التركية في حالة استيلاء أمير الرياض على الإحساء . ولم يحصل إبن سعود على جواب محدد ، إلا أن الإدارة الإنكلوهندية صارت أكثر فأكثر تراقب نشاط عبدالعزيز بعين الرضا . وبتبريك منها تعزز التحالف بين حاكم جبل شمر . وفي آذار (مارس) عقدوا اجتماعا في الكويت واتفقوا على الأعمال المشتركة . وفي عام 1903 صار الشمريون أكثر فأكثر يفلتون السيطرة على المناطق الواقعة جنوبي القصيم.
وفي تلك الأثناء حدثت تغيرات جدية في الوضع الدولي . فقد نشطت بريطانيا هجومها على منافسيها الألمان والروس في حوض الخليج . وفي تشرين الثاني – كانون الأول (نوفمبر – ديسمبر) 1903 زار نائب الملك البريطاني في الهند كيرزون بلدان الخليج بصحبة عمارة حربية وبفخفخة كبيرة . وكانت الحرب النجدية الشمرية جزءا من الصراع بين الدول الكبرى من أجل النفوذ في حوض الخليج . وفي مطلع عام 1904 وحفت قوات أمير الرياض بسرعة نحو القصيم . وفي آذار (مارس) 1904 على وجه التقريب اقتحم الفصيل الذي أرسله مدينة عنيزة حيث قتل القائد العسكري الشمري فهيد السبهان في سوقها الكبير .
ولكن المدينة لم تكن قد احتلت بعد . وفي المعركة التي نشبت قرب عنيزة دحر عبدالعزيز قوات الشمريين التي قادها ماجد بن حمود . وشارك في المعركة إلى جانب الشمريين بعض أقارب عبدالعزيز من أبناء أخوته وأحفاد عمه سعود بن فيصل الذي ادعى بعرش الرياض . وعرفهم عبدالعزيز ونعتهم (بالعرايف) ، وهذا المصطلح يطلقه البدو عادة على إبلهم التي يستولي عليها العدو ثم تستعاد في حملة مضادة . وكان إبن سعود ، بما يلازمه من تسامح تقليدي ، وعلى الأصح مرونة كبيرة وبصيرة نافذة وقدرة على تجريد الأعداء الذين لم يعودوا خطرين من سلاحهم ، قد عفا عن أقاربه هؤلاء بلا قيد أو شرط واقترح عليهم إما البقاء معه وإما الانضمام إلى آل الرشيد . وفي تلك الآونة قبلوا اقتراحه بالتصالح والتعاون والضيافة ، ولكنهم بعد حين صاروا مجددا من أخطر أعدائه .
وعين إبن سعود أحد أبناء الوجهاء أميرا لعنيزة ، وهو عبدالعزيز آل سليم الذي عاد من منفاه في الكويت مع أتباعه المسلحين . وبعد سقود عنيزة بعث أهالي بريدة وفدا إلى إبن سعود طالبين السماح لهم بمهاجمة الحصن في مدينتهم ، والذي تمركزت فيه حامية من الشمريين . فإن الاستيلاء على عنيزة أقنع أهالي بريدة بأن الأحداث في تلك اللحظة تتطور لصالح أمير الرياض . زد على ذلك أن آل مهنا (وهم من أبرزم بطون بريدة الذين كانوا في السابق في المهجر الكويتي) قد وصلوا إلى عنيزة مع فصيل غير كبير ، منتظرين فرصة استلام مقاليد السلطة مجددا .
وكان الطريق إلى بريدة مفتوحا ، فبعث إبن سعود إلى المدينة فصيلا بقيادة صالح آل مهنا أبا الخيل . وفيما بعد ، عندما دخل عبدالعزيز بريدة أقسم له سكانها يمين الولاء . وسلمت الحامية الشمرية المكونة من 150 شخصا الحصن في حزيران (يونيو) 1904 نصب إبن متعب معسكرا في قصيبة – في منتصف الطريق تقريبا بين حائل وبريدة ، وهناك استقبل الحامية الشمرية التي سمح لها إبن سعود بمغادرة بريدة . وقبيل العمليات الحربية الحاسمة بعث حسن شكري برسالة إلى عبدالعزيز عندما كان هذا الأخير لايزال في عنيزة وحذره من العواقب الوخيمة للعمليات الحربية ذد حاكم حائل . وكتب العقيد التركي يقول : (إن جلالة الخليفة الأعظم بلغة اضطراب الفتنة في بلاد نجد ، وأن يدا أجنبية محركة لها . فلهذا السبب بعثني إليكم حقنا للدماء ولمنع التدخل الأجنبي في بلاد المسلمين) . ثم تشكى كاتب الرسالة من تعاون عبدالعزيز مع مبارك الذي يتعاون مع بريطانيا الدولة الأجنبية الكافرة ، واقترح بلهجة متعالية على عبدالعزيز بأن يعرض شكاواه على السلطت العثمانية وليس على مبارك الذي أعلن العصيان على الخليفة . وأشار شكري إلى أنه حليف ليس فقط لأل الرشيد ، بل ولجميع الذين ينشدون المعونة والدعم من الإمبراطورية العثمانية ، وقال بأنه إذا رغب إبن سعود أيضا في هذه المساعدة فبوسعه أن يتمتع بنفس النعم التي يتمتع بها آل الرشيد من الحكومة العثمانية .
شعر حاكم الرياض بالقلق ، ولكنه كان متصلبا في موقفه . ورد على تلك الرسالة بجواب جاء فيه : (وأما الآن ، فلا نقبل لكم نصيحة ولانعترف لكم بسيادة ، والأحسن أنك ترجع من هذا المكان إذا كنت لا تود سفك الدماء . فإن تعديت مكانك هذا ، مقبلا إلينا ، فلا شك أننا نعاملك معاملة المعتدين علينا ... فإن كنت حرا منصفا فلا يخفاك أن سبب عدم إطاعتي هو عدم ثقتي بكم ... وخلاصة القول أن كل العمال الذين رأينا أنهم خائنون منافقون . فلا طاعة لكم علينا ، بل نراكم كسائر الدول الأجنبية) . ثم يستشهد عبدالعزيز بالوضع في اليمن والبصرة والحجاز وبسلوك الأتراك هناك لتوضيح أعماله . وأعاد إلى الأذهان نهب سلطات الحجاز للحجاج أمام الكعبة . وحذر الأمير في ختام رسالته العقيد بأنه إذا تحرك الأتراك نحو المنطقة الخاضعة له فإنه سيعاملهم معاملة المعتدين .
وفي صيف 1904 حاول إبن سعود الاعتماد على الإنجليز في صراعه ضد الأتراك وصنيعتهم فأقام اتصالات مع الميجر بيرسي كوكس الذي كان قد صار قبل حين معتمدا سياسيا لبريطانيا في منطقة الخليج . وقبل ذلك كان كوكس مساعدا للمعتمد البريطاني في الصومال خلال الفترة من 1892 حتى 1901 وقنصلا في مسقط للفترة من 1901 حتى 1904 . وقدر له أن يلعب دورا هاما في العلاقات الأنكلوسعودية حتى إحالته على التقاعد في 1923 . وبإشرافه عمل المستعربون المعروفون ولسن وبيلي وفيلبي . وكانوا يمثلون جيل الموظفين والمخبرين والعسكريين الاستعماريين البريطانيين الذي يعتبر كيبلنغ أميرا لهم . وكانوا يعتقدون ، بهذا القدر أو ذلك من الإخلاص ، بأنهم يتحملون (عبء الإنسان الأبيض) عندما يدافعون عن المصالح الاستعمارية البريطانية ، إلا أن الكثيرين منهم كانوا يقومون بدراسات عميقة ، وكانوا ، على سبيل المثال ، مطلعين جيدا على شئون الجزيرة العربية .
لقد اعتبرت بريطانيا ظهور القوات التركية في نجد خرقا لاتفاقية 1901 بشأن المحافظة على الأوضاع القائمة . وبعثت لندن إلى الباب العالي احتجاجا شديد اللهجة . وبعد أن رأى العثمانيون وإبن متعب استحالة إقناع عبدالعزيز بالرضوخ لمطالبهم قرروا البدء بالعمليات الحربية . كان لدى الأتراك حوالي ألفين من المشاة أو ثماني كتائب (11 كتيبة حسب رواية أخرى) من القوات النظامية وستة مدافع خفيفة وكمية كبيرة من النقود والذخيرة والأسلحة والأغذية . وبالإضافة إلى الشمريين التحق بقوات جبل شمر أبناء قبيلتي هتيم وحرب ، وكذلك سكان حائل . وعندما علم عبدالعزيز باقتراب العدو قرر مواجهته في معركة مكشوفة . وخرجت من بريدة نحو الغرب قواته المكونة من أبناء الرياض والقصيم والخرج وقبائل مطير . على هذا النحو نشأ الموقف قبيل معركتي الشتانة والبكيرية اللتين اتسمتا بأهمية كبيرة لتقرير مستقبل أواسط الجزيرة كأهمية استيلاء عبدالعزيز على الرياض .
الصراع مع الأتراك والشمريين من أجل القصيم (1904-1906) لم تكن موقعة البكيرية معركة فاصلة واحدة بل سلسلة من الصدامات الكبيرة والصغيرة . حدثت الموقعة في أواسط تموز (يوليو) 1904 على وجه التقريب . وتؤكد مراجع الجزيرة أن عدد القتلى من القوات النظامية التركية بلغ ما بين ألف وألف وخمسمائة شخص ، ومن حائل 300-500 شخص ، أما القوات السعودية فقد فقدت حوالي 1000 شخص ، يبدو أن هذه الأرقام مبالغ فيها جدا . وعلى أية حال فهي تشمل الخسائر بسبب وباء الكوليرا والقيظ والأمراض . ومن شهود العيان على هذه المعركة المؤرخ ضاري بن فهيد بن الرشيد الذي أكد أن متعب فقد مائة محارب ، بينما فقد عبدالعزيز مائتين . وهكذا اتسع نطاق الصدامات والصراع لأن احتلال الرياض مثلا ، أسفر عن مقتل بضعة أشخاص لاغير . وفي معركة البكيرية أصيب عبدالعزيز بجراح ثخينة كان يفقد حياته بسببها .
إلا أن المعركة أخذت تتحول لصالح أمير الرياض . ويفيد لوريمير بأن أحد القادة العسكريين الأتراك قتل ، كما قتل عدد كبير من الجنود . واستولى ابن جلوى على كل المدافع التركية وأخذ كثيرا من الأسرى . وانهمك إبن متعب في نهب قرى القصيم وترك كل مؤنه ومعداته الثقيلة تحت حراسة مفرزة صغيرة عند البكيرية . وعندما سمع باقتراب قوات عبدالعزيز التي استلمت إمدادات أرسل على الفور قسما من قواته لنجدة مفرزة الحراسة ، ولكن بعد فوات الأوان . فقد استولى عبدالعزيز على كل مستودعاته وعلى مدينة البكيرية . وتوجه إبن متعب إلى منطقة الرس والشنانة في القسم الغربي من القصيم ، فوصلها في آب (أغسطس) من العام نفسه مؤملا ، على مايبدو ، في الحصول على مساعدة الأتراك من الحجاز . إلا أن مدينة الرس التي كانت خاضعة له في السابق قررت هذه المرة الانضمام إلى أمير الرياض ، ولذا نصب الشمريون معسكرهم في الشنانة . ووصل إلى نفس المنطقة عبدالعزيز مع قواته الأساسية ، إلا أن كلا الخصمين لم يدخلا في قتال ، وربما كان ذلك بسبب حر الصيف . وتفشي وباء الكوليرا في معسكر إبن متعب ، بينما أخذ البدو من كلا الطرفين يتفرقون لأنهم لم يجدوا الغنائم المنشودة . وظلت عند إبن متعب وحدات تركية من العراق وأفراد من جبل شمر فقط ، كما ظل في المعسكر السعودي أبناء المدن المخلصين لعبدالعزيز . وفي أواخر (أيلول) سبتمبر نشبت بين الطرفين معركة قرب الشنانة ، فر الأتراك بنتيجتها مع الشمريين . وفقدوا بضع عشرات من الأشخاص فقط ، لكن السعوديين المنتصرين فازوا بكل أعتدة معسكر العدو وجماله وأغنامه وأغذيته وأسلحته وعدة صناديق مليئة بالنقود الذهبية .
كان انتصار عبدالعزيز هاما بخاصة لأنه أحرزه ضد عدة كتبائب من القوات التركية النظامية . وتجدر الإشارة كذلك إلى أن القوات التركية كانت تعاني من فرار أفرادها وأنها تقاتل في ظروف غير معروفة لها وغير ملائمة إطلاقا ، في معمعان قيظ فظيع .
إلا أن دحر الأتراك بدأ لعبدالعزيز انتصارا خطرا ججا ، فبعث إلى والي البصرة رسالة طلب فيها معونة مالية معتبرا نفسه من أتباع الباب العالي ومحاولا أبعاد خطر حملة تركية جديدة . وبعد أن استلمت السلطات العثمانية في وادي الرافدين تأكيدات عبدالعزيز بولائه للسلطان جهزت رغم ذلك قوات من السماوة إلى نجد بثلاثة آلاف شخص مع المدفعية بقيادة أحمد فيضي باشا من الفيلق الذي يتواجد مقره في بغداد . وبالمناسبة فإن فيضي باشا كان مهتما بثرائه الشخصي أكثر من اهتمامه بنجاح الحملة ، فاشترى بثمن بخس دواب نقل لاتصلح لشيء ولم يتمكن من تأمين نقل المقاتلين والذخيرة إلى أعماق الجزيرة في الوقت اللازم . وقد بدأت حملته في كانون الثاني (ينانير) 1905 . وفي مدينة الزبير ، شمالي الكويت ، جرى لقاء بين والي البصرة أحمد مخلص باشا وعبدالرحمن ، والد عبدالعزيز ، ومبارك شيخ الكويت . واطلع والي البصرة الوفد السعودي بأن الباب العالي عين عبدالرحمن قائمقاما وقرر بأن القصيم يجب أن تكون منطقة محايدة عازلة بين آل الرشيد وآل سعود . وطلب الأتراك بأن يسمح لهم بإبقاء حامية في بريدة وأخرى في عنيزة لضمان حياد القصيم . ولجأ عبدالرحمن إلى تكتيك التملص فوعد بطرح هذه الاقتراحات على بساط البحث أمام أهالي نجد . إلا أن قوات فيضي باشا التركية كانت قد زحفت نحو أواسط نجد ، وقد أسرع لنجدتها من المدينة المنورة 750 شخصا مع بطارية للمدفعية الميدانية بقيادة صدقي باشا .
كان إبن متعب متأملا لازدياد تبعيته للأتراك وسرعان ما اختلف مع أحمد فيضي باشا وترك حماته الأقوياء أكثر من اللزوم . وتضعضعت مواقع عبدالعزيز بشدة نتيجة لتصرف أمير بريدة صالح بن حسن آل مهنا . فقد حاول التخلص من آل الرشيد ومن السعوديين معا وفضل الخضوع والتبعية للإمبراطورية العثمانية . وفي نيسان (إبريل) 1905 دخل الأتراك بريدة ، وبعد بضعة أيام احتلوا عنيزة وأقيمت في كلتا المدينتين حاميتان تركيتان رفع عليهما العلم العثماني وتعالي نشيد (الحميدية) وصار اسم السلطان العثماني يذكر في صلاة الجمعة .
وقسمت نجد إلى وحدات إدارية تبعا للممارسات التركية المعتادة . وصارت بريدة قضاء يحكمه صالح الحسن بن مهنا . وأصبحت بريدة وعنيزة تابعتين إداريا لولاية البصرة . واعتبر جنوب نجد قضاء أيضا ، بينما صار عبدالعزيز بمثابة القائمقام ومركزه في الرياض ، وهو خاضع رسميا للبصرة . في تلك اللحظة كان إبن سعود يدرك أن القوة ليست إلى جانبه ، وخوفا من الاستفزازات أمر فصائله بعدم القيام بأية أعمال عدائية ضد الأتراك . وتقابل أمير الرياض ووالده مع فيضي باشا الذي كرر مطلب الإبقاء على الحاميتين التركيتين في بريدة وعنيزة حتى يتم عقد الصلح بين أل الرشيد والسعوديين مع اعتبار القصيم منطقة محايدة عازلة . إلا أن عبدالعزيز وأباه تملصا من قبول هذه الالتزامات .
كان اهتمام الأتراك آنذاك منصبا على الأحداث في اليمن . فالقوات العثمانية عجزت عن إخماد حركة الإمام يحيى بن حميد الدين في صنعاء . وقرر الأتراك إرسال أحمد فيضي باشا من نجد إلى اليمن . وسلم قيادة القوات في القصيم إلى صدقي باشا . وفي نيسان (إبريل) 1905 على وجه التقريب انتهت المفاوضات بين عبدالعزيز والأتراك بلا نتيجة .
لقد واجه الأتراك في نجد صعوبات كبيرة بسبب قلة الأغذية وكثرة الأمراض وشيوع الفرار بين الجنود . ولم تتمكن الحاميات العثمانية في القصيم من إحلال الاستقرار . وكانت الأفخاذ والبطون الإقطاعية المحلية تعتقد بأنه تهيأت لها فرصة للانفصال عن آل الرشيد وعن السعوديين ، فحاولت إحراء مزيد من الاستقلال . وعمل بنشاط كبير بهذا الخصوص حاكم بريدة صالح الحسن بن مهنا . واستأنف الشمريون غزواتهم على القصيم ، وصار أهالي القصيم يتعاطفون من جديد مع السعوديين ، ووصلت المساعدة لإبن سعود من جهةغير متوقعة . فقد انضمت إليه مطير مع زعيمها البارز فيصل الدويش الذي تزعم حركة الإخوان فيما بعد .
وفي 13 نيسان (إبريل) 1906 نشبت في القصيم معركة بين السعوديين والشمريين شهدها المؤرخ الشمري ضاري بن فهيد بن الرشيد . ففي الفجر هاجم السعوديون معسكر إبن متعب بعد أن قصفوه بالمدافع أولا . وأخذ حاكم حائل يتراكض بين محاربيه بغية إحلال النظام . وهرع إلى راية آل رشيد التي وقعت في أيدي محاربين من العارض متوهما أنهم من أفراده . فناداهم باللهجة الشمرية فعرفوه وأردوه قتيلا في الحال . وفر الشمريون مذعورين . تلك هي نهاية إبن متعب الذي كان قائدا عسكريا شجاعا ولكنه كان زعيما سياسيا غير موفق . وقد دشن مقتله فترة من عدم الاستقرار في جبل شمر .
ونحى أمير الرياض حاكم بريدة صالح الحسن من منصبه وزج به مع إخوانه في السجن في الرياض . وبعد فترة قتل صالح أثناء محاولة الهرب . وعين لمنصب الأمير إبن عمه محمد عبدالله أبا الخيل . وسرعان مااتفق عبدالعزيز مع أمير حائل الجديد متعب بن عبدالعزيز بن معب على اقتسام أواسط الجزيرة . فقد سلمت إلى أمير حائل الأراضي والقبائل الواقعة جنوبيها . إلا أن القوات التركية كانت لاتزال موجودة في القصيم ، علما بأنها متعاطفة مع آل رشيد أكثر . ومنح الباب العالي متعب معونة بمبلغ 200 ليرة تركية شهريا بالإضافة إلى الأغذية ، أما عبدالعزيز فقد استلم 90 ليرة تركية فقط شهريا .
وفي تلك الفترة هبت مطير ضد أمير الرياض بعد أن حرضها عليه الأتراك . ودحر عبدالعزيز هؤلاء البدو وتوجه نحو بريدة التي يرابط فيها فصيل تركي . في صيف 1905 عين سامي باشا الفاروقي قائدا للقوات التركية في نجد بدلا من صدقي باشا . ولكنه لم يصل إلى القصيم على رأس فصيل مشاة من 500 شخص إلا في تموز (يوليو) 1906 . ويبدو أنه التقى بعبدالعزيز في آب (أغسطس) 1906 وحاولا الاتفاق . فتظاهر عبدالعزيز بالغضب وانصرف بعد أن خاطب سامي باشا بكلمات تعتبر من أفظع الإهانات في الجزيرة العربية . : (لولا أنك ضيف عندنا لما تركناك تتحرك من مكانك) .
وحل شهر رمضان فصادف ذلك شهر تشرين الأول (أكتوبر) 1906 وتأجلت العمليات الحربية . واقترح إبن سعود على سامي باشا أن يختار أحد أمور ثلاثة فإما أن يقرب القوات التركية من الرياض ، مما يجعلها تحت رحمة أمير الرياض ، وإما أن يخرج القوات والعتاد من نجد وإما أن يستعد للمعركة . كان الأتراك مرابطين في الجزيرة أكثر من عامين ونصف وكانوا يعانون من الجوع ، ويشعرون حتى بنقص التبغ . وتهرأت بزاتهم ، وكان العرب يشكلون قسما كبيرا من الجنود ، ولكنهم يكرهون أواسط الجزيرة لدرجة أنهم سموها ، بنت الشيطان . وكان جنود كثيرون يبيعون أسلحتهم وأعتدتهم لأهالي القصيم كي يطعموا أنفسهم . وانتشرت الأمراض وساد الفرار من الجيش . وفي هذه الظروف لم يكن أمام سامي باشا مخرج غير الجلاء .
وفي أواخر تشرين الأول (أكتوبر) 1906 على وجه التقريب ترك سامي باشا معسكره المعزز على مقربة من بريدة وتوجه إلى المدينة المنورة . وفي تشرين الثاني (نوفمبر) بدأ الجلاء أيضا الأتراك الذين كانوا قد وصلوا من العراق (وعددهم 800 شخص تقريبا مع مدافعهم) . فقد بلغوا الكويت ونقلوا منها إلى البصرة . وتفيد تقديرات لوريمير أن حوالي أربعة آلا وخمسمائة جندي عثماني أرسلوا إلى أواسط الجزيرة في 1904-1905 . ولم يعد إلى المدينة المنورة والعراق إلا ألف منهم . وفقد الأتراك 3.5 آلاف شخص بسبب الفرار والأمراض والمعارك . وكانت تلك هزيمة ماحقة . ولم يتمكن الأتراك حتى من الاحتفاظ بسيطرة صورية على القصيم .
ترسخ سلطة الرياض في جنوب نجد والقصيم (1906-1912)
في 29 كانون الأول (ديسمبر) 1906 قتل أمير حائل الجديد متعب الرشيد (الذي حكم أقل من عام) مع ثلاثة نم إخوانه على أيدي سلطان وسعود وفيصل أبناء حمود الرشيد . ولم يتخلص من الموت إلا الصبي شقيق الأمير متعب الأصغر الذي أنقذه خاله من آل سبهان وأرسله إلى المدينة المنورة التي كانت تحت السيطرة العثمانية . وصارت المعونات التي يقدمها الباب العالي إلى آل الرشيد تصل إلى المدينة مباشرة ، وكان ذلك دليلا على موقف الأتراك السلبي من مغتصبي السلطة في حائل .
أخذت إمارة آل الرشيد تزداد ضعفا . وراح شيخ قبيلة الرولة نوري الشعلان يدعي بإمارة الجوف بعد أن وسع ديرة قبيلته في أراضي جنوب سورية وشرقي الأردن حاليا . واستفاد السعوديون من القلاقل في جبل شمر ليجتذبوا إلى القصيم قوافل الحجاج القادمة من العراق وبلاد فارس . واشتد الصراع بين حاكم حائل ، وحدثت تبدلات سريعة بين الأشخاص الممسكين بزمام الأمور فيها . وحل محل سعود بن حمود سعود بن عبدالعزيز الرشيد الصغير السن الذي أعاده إلى حائل في عام 1909 أخواله من أسرة آل سبهان القوية . وظل أبناء هذه الأسرة يمثلون السلطة الفعلية في الإمارة . وحتى سقوط إمارة جبل شمر في عام 1921 استلم زمام الحكم فيها حوالي عشرة من الأمراء أو الأوصياء .
ولم تتمكن إمارة جبل شمر التي غدت ضعيفة من الاستفادة من التوقف الموقت في التوسع السعودي مع أن القصيم كانت مضطربة . وانفصل عن أميرالرياض فيصل الدويش وسائر زعماء مطير إذ دخلوا في تحالف سري مع حاكم بريدة عبدالله أبا الخيل .
وفي نيسان – آيار (إبريل – مايو) 1907 نشبت قرب مدينة المجمعة في سدير معركة بين مطير وقوات إبن سعود المكونة بالأساس من قبيلة عتيبة . واندحرت مطير . وأصيب فيصل الدويش بجراح في هذه المعركة فطلب الصلح وأعرب عن خضوعه لإبن سعود . كان كالسابق زعيما لقبيلة قوية ، وفي تلك الأزمان العصيبة كان إبن سعود بحاجة إلى أصدقاء أحياء أكثر من حاجته إلى أعداء موتى ، ولذا تقبل تأكيداته بالولاء . وفي آب – أيلول (أغسطس – سبتمبر) 1907 ظهر سلطان بن حمود في القصيم حيث انضم إليه أهالي بريدة بزعامة أبى الخيل ، وكذلك قسم من مطير . وعندما علم عبدالعزيز بغارة سلطان جمع قوات من قحطان وعتيبة وسبيع والسهول وانضمت إليه قوات من العارض . وخلال المعارك اللاحقة في أيلول 1907 دحر عبدالعزيز مطير وزعيمها فيصل من جديد . ونشبت المعركة الحاسمة عند الطرفية على بعد بضع عشرات من الكيلومترات شمالي عنيزة . وقاتل ضد عبدالعزيز الشمريون وأهالي بريدة وكذلك مطير . وتعتبر معركة الطرفية من معارك عبدالعزيز الحاسمة ضد أعدائه . ويعتبرها المؤرخون السعوديون انتصارا . إلا أن أمير الرياض لم يتمكن من الاستيلاء على بريدة واكتفى بنهب أطرافها . وبعد واقعة الطرفية انسحب الشمريون إلى حائل ، كما تراجع فيصل الدويش إلى البادية .
كانت الكتلة الموالية للسعوديين في بريدة تتقوى . وعندما اقترب إبن سعود مع قواته من المدينة في آيار (مايو) 1908 فتح له أنصاره بوابتها . والتجأ أبا الخيل والمحاربون المخلصون له إلى الحصن . ولكنهم طلبوا الصلح بعد أن أدركوا بأن لا أمل لهم في فك الحصار . وارتحل أبا الخيل إلى الكويت ومنها إلى العراق . وعين أحمد بن محمد السديري أميرا لبريدة . وهو يمثل فخذا مرتبطا بالسعوديين من زمان . وفي تلك الأثناء قتل سلطان بن حمود في حائل في كانون الثاني (يناير) 1908 . وتزعم الإمارة سعود بن حمود .
وفي تشرين الأول – تشرين الثاني (أكتوبر – نوفمبر) 1908 جرت في الحجاز أحداث هامة . فقد اضطرت الحكومة العثمانية إلى استبدال شريف مكة على بن عبدالله بالشريف الحسين بن علي . وكان الحسين قد عاد إلى مكة وهو يداري رغبة خفية في أن يكون ملكا للعرب أو أن يغدو ، على أية حال ، عاملا جديا في سياسة الجزيرة العربية .
وفي عام 1908 بدأ جفاف مرعب في أواسط نجد استمر عدة سنوات كما يقول فيلبي . ويتعارض قوله هذا مع ما كتبه بعض المؤرخين العرب . وعلى أية حال ، ربما كانت الأمطار تهطل في مناطق أخرى ، أما الجفاف فقد أصاب أواسط نجد بالذات . وتجدر الإشارة إلى أن الكثيرين من سكان أواسط الجزيرة كانواي عتقدون بأن الجفاف في أراضي عبدالعزيز كان إشارة مباشرة إلى الغضب الإلهي عليه . وكتب موسيل أن الكارثة الطبيعية ساعدت على التشوش العام في إمارة الرياض . إلا أن أمطار غزيرة سقطت في جبل شمر فتركت بعض القبائل عبدالعزيز ونزحت إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة إمارة حائل .
كان تدهور الزراعة وازدياد المجاعة وخراب البدو كل ذلك شدد من عدم الاستقرار عموما وضعضع سلطة عبدالعزيز التي لم تكن قد توطدت بعد . وكان من دلائل عدم الاستقرار في الإمارة التمرد الذي حدث ضد إبن سعود في منطقة الحريق حيث قتل الأمير الهزاني على يد منافسيه من نفس العائلة . وحدث ذلك ، على مايبدو ، في شباط – نيسان (فبراير – إبريل) 1909 . واجتاحت القلاقل المنطقة كلها ، وتمكن عبدالعزيز من إعادة النظام بشق الأنفس .
ولم تصبح منزلة أمير الرياض في ممتلكاته نفسها راسخة تماما . فقد أفاده عدم وجود خصوم أقوياء ، إلا ان الاتجاهات اللامركزية والنزاعات القبلية الإقطاعية كانت تضعضع السلطة المركزية أحيانا . وفي الوقت الذي كان فيه أمير الرياض مشغولا بالشئون الداخلية أخذ يهدده من الغرب الحسين شريف مكة الهمام . حرضته الحكومة العثمانية دوما على العمل ضد نجد .
ولم ينس عبدالعزيز أنه محاط من الغرب والشمال والشرق بممتلكات عثمانية أو بأتباع ل~لأتراك معادين له . وكانت غزواته الجسورة البعيدة تدل على إمكانية بعث الدولة الوهابية في حدودها الشاسعة السابقة ، الأمر الذي كان يثير قلق الأتراك وحكام الجزيرة المعتمدين على بريطانيا وعلى الإمبراطورية العثمانية سواء بسواء.
وفي عام 1910 استمرت العمليات الحربية على نطاق غير كبير ضد أبناء عم عبدالعزيز الثلاثة الذين سماهم (بالعرايف) . ولم تسفر تلك العمليات عن نتائج جدية ، ولكنها كانت من عناصر عدم الاستقرار الداخلي الناجم عن تباطؤ توسع إمارة الرياض وعن الجفاف الفظيع . وفي آذار – نيسان (مارس – إبريل) 1910 لبى عبدالعزيز دعوة شيخ الكويت لمحاربة المنتفق وقائدهم سعدون باشا الذين كانوا آنذاك متحالفين مع الشمريين ضد الكويتيين . وفي حزيران (يونيو) 1910 دحر سعدون باشا القوات السعودية الكويتية الموحدة فاستولت المنتفق على غنائم كبيرة .
كانتا لعلاقات المتبادلة بين جبل شمر والسلطات العثمانية في الحجاز تتطور بصورة مضطربة . وفي حزيران 1910 طرد زامل آل سبهان الفصيل التركي من واحة تيماء . إلا أن نوري بن شعلان استولى على الجوف في عام 1909 واحتفظ بها لبعض الوقت وضغط بذلك على جبل شمر من الشمال والشمال الشرقي . ويبدو أن نوري من شعلان وعبدالعزيز أقاما تعاونا متينا جدا ضد العدو المشترك .
وحاول الشريف حسين خلال عامين من حكمه أن يثبت ولاءه للباب العالي فقام بحملة على عسير ، في حين كان الأتراك مشغولين بإخماد إنتفاضة الإمام يحيى في اليمن . واستولى الحسين على إقليم عسير لأجل الأتراك وعاد إلى مكة عبر واحات بيشة ورانية وتربة الواقعة على حدود نجد وفرض سيطرته عليها . وفي أواخر صيف 1910 جمع الشريف متطوعة من البدو ودخل نجد . وفي الطريق تمكن بالصدفة أن يأخذ سعد شقيق عبدالعزيز أسيرا . ولم يكن الحسين يتوقع حربا كبيرة ، ولم تكن قواته كافية . وصار المدعو خالد بن لؤي وسيطا بين أمير الرياض وشريف مكة ، وتعين عليه فيما بعد أن يلعب دورا هاما في استيلاء النجديين على الحجاز . وبعد المفاوضات وعد عبدالعزيز بأن يدفع للسلطان العثماني ستة آلاف ريال سنويا ويؤكد سيادة الأتراك رسميا على نجد . وبعد ذلك أطلق سراح سعد وعاد الحسين إلى مكة .
وبعد عقد الصلح مع شريف مكة توجه عبدالعزيز إلى الحريق من جديد لإخماد الترمد الذي تزعمه هذه المرة أحد (العرايف) . وقد أعدم جميع أفراد آل هزان الذين شاركوا في العصيان . إلا أن عبدالعزيز عفا عن مدبر التمرد وهو قريبه سعود بن عبدالله بن سعود . وظل هذا يخدمه بإخلاص مدى الحياة . وفر باقي (العرايف) إلى الحجاز حيث منحهم الشريف حق اللجوء .
في بداية عام 1911 طلب منه شيخ الكويت مبارك أن يوجه ضربة إلى عدوهم المشترك – قبيلة الظفير . ولكنه في الوقت ذاته أخبر شيخ هذه القبيلة إبن سويط باقتراب قوات عبدالعزيز وحرم غزوته من عنصر المباغتة . إلا أن شيخ الظفير هرب بعد أن أخبر إبن سعود بأن مبارك يلعب على الحبلين . كان حاكم الكويت يفرق بين قضيتين هما مساعدة آل سعود الضعفاء ضد إمارة جبل شمر القوية وبعث إمارة الرياض التي تحولت بسرعة إلى القوة الرئيسية في أواسط الجزيرة . ورغم التنافس الشديد ظل مبارك يخاطب إبن سعود كالسابق (يا ولدي) ، وكان عبدالعزيز يجيبه (يا والدي) .
وفي عام 1910 زار المعتمد السياسي البريطاني الكابتن شكسبير عبدالعزيز . وأفاد بأن أمير حائل والإمام يحيى وحاكم عسير تكاتبوا من أجل تدبير تمرد على الأتراك . كان عبدالعزيز يريد طرد الأتراك من الإحساء وكان ينشد معونة الإنجليز في ذلك . وفي عام 1911 كانت الحكومة العثمانية لاتزال تسمى حاكم حائل (بأمير نجد) ، بينما كان الإنجليز يخاطبون عبدالعزيز في مكاتباتهم (بالشيخ عبدالعزيز بن الشيخ عبدالرحمن آل سعود) .
كان الإقليم الشرقي يجلب دوما انتباه حكام الرياض . ولم يكن الأمر يقتصر على اعتبارهم له ضيعة شرعية لهم . فإن واحات الإحساء الغنية والمداخيل الجمركية كان بوسعها أن تعزز الحالة المالية للسعوديين . وكان أمير الرياض بحاجة إلى منفذ إلى البحر . وكان الوضع في الإحساء ملائما لخطط عبدالعزيز ، لأن السكان المحليين يكرهون الأتراك . إلا أن ابن سعود كان يدرك من خبرة الحياة في الكويت أن الإنجليز هم القوة الرئيسية في الخليج .
زار ابن سعود الكويت في عام 1911 وأجرى مباحثات ودية مع المعتمد البريطاني واتفق معه على التعاون . وتخلى حاكم الرياض عن كل الادعاءات في مسقط وعمان ، وتقرر أن يسيطر على الإحساء والقطيف وجزيرة دارين ومرفأ العقير وأن يحول الإنجليز دون تدخل أية دولة من جهة البحر . ومقابل ذلك كان يتعين على ابن سعود أ، يعترف بالحماية البريطانية على إمارته وأ، لايدخل في حرب بدون موافقة الحكومة البريطانية . ولم توقع هذه الاتفاقية رسميا ، ولكنها كانت تستجيب لطابع المباحثات السابقة ولنهج بريطانيا في عدم إعاقة عبدالعزيز عن الاستيلاء على الإحساء ، وللأحكام العامة في معاهدة 1915 المرتبقة . كانت بريطانيا في تلك الفترة تعتبر إمارة الرياض محمية فعلية أو محمية محتملة في إطار مجال نفوذها في حوض الخليج .
وفي عام 1911 بدأت في عسير انتفاضة ضد الأتراك تزعمها محمد بن علي الإدريسي . وأرسل إليه عبدالعزيز مساعدة عسكرية معينة . وأدت مشاعر أهل عسير الدينية القديمة وتعاطفهم مع الوهابيين إلى تقوية التحالف بينهما .
وفي مطلع عام 1912 حاول الباب العالي ، وهو منهمك بالحرب في أوروبا ، أن يحصل على تأييد من أقاليمه البعيدة في الجزيرة العربية أو التأكد من وقوفها على الحياد . وبعث إلى عبدالعزيز وفدا أثار فيما أثار مسألة إرسال قوات نجدية لدعم الحامية التركية في الإحساء . وأدرك ابن سعود أ، الإحساء ستقع في القريب العاجل بيده كثمرة ناضجة .
وعندما منيت الحكومة العثمانية بهزيمة في البلقان حاولت بإصرار أن تجعل من عبد العزيز حليفا لها في الجزيرة . ووصل وفد تركي إلى الرياض كي يستشيره ويستمع غلى آرائه وشكاواه . ورد عبالعزيز قائلا : (إنكم لم تحسنوا إلى العرب ، ولا عاملتموهم في الأقل بالعدل . وأ،ا اعلم أن استشاراتكم إياي هي وسيلة استطلاع ، لتعلموا ما انطوت عليه مقاصدي . وهاكم رأيي ، ولكم أن تؤولوه كما تشاءون : إنكم المسئولون عما في العرب من شقاء . فقد اكتفيتم بأ، تحكموا وما تمكنتم حتى من ذلك . وقد فاتكم أ، الراعي مسئول عن رعيته . وفاتكم أ، صاحب السيادة لايستقيم أمره إلا بالعدل والإحسان . وفاتكم أن العرب لاينامون على الضيم ولايبالون إذا خسروا كل مالديهم وسلمت كرامتكم) . وفي الوقت ذاته اقترح عبدالعزيز عقد مؤتمر للزعماء العرب في مدينة محايدة لتتهيأ لهم إمكانية الإعراب عن آرائهم . واقترح بأن يعيد الأتراك النظر في مواقفهم من العرب لأجل إيجاد شكل أكثر ملائمة للحكم بمشاركة العرب . واقترح أمير الرياض بأن توجد في إطار الإمبراطولية العثمانية عدة دول عربية أو دولة عربية موحدة بزعامة أحد الحكام أو وحدات سياسية منفردة بزعامة حكام محليين يعملون بشكل ولاة عثمانيين يتمتعون بالحكم الذاتي . وكانت اقتراحات أمير الرياض متعارضة جدا مع مع سياسة زعماء تركيا الفتاة التي حال ضعفها العسكري والسياسي دون الرد بحملة حربية على مقترحات عبدالعزيز الجسورة وفي أواخر ربيع وأوائل صيف 1912 قام شريف مكة الحسين بحملة أخرى على نجد بعد أ، جمع المتطوعين من بدو عتيبة ، بينما هجم محمد شقيق إمام الرياض على بدو عتيبة الخاضعين للحسين . وتوترت العلاقات بين الحاكمين إلى أقصى حد . ومنع الشريف النجديين من أداء حج عام 1912 . وألب مخبرو الحسين سكان القصيم على الرياض ، حتى أن حاكم القصيم ابن جلوى أعدم عددا من أهاليه . وتلقى عبدالعزيز حقا ضربة شديدة ، إلا أن كراهية النجديين اتجهت بالدرجة الأولى ضد شريف مكة . وهكذا نشأ أساس النزاع الذي سينتهي فيما بعد باستيلاء النجديين على الحجاز .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
نشوء حركة الإخوان
لم يكن لدى عبدالعزيز سند متين وواسع بالقدر الكافي في أواسط الجزيرة رغم نجاحاته الأولى . فلم يكن يتمتع بدعم الدعوة الدينية السياسية التي رصت صفوف السكان وجعلتهم يلتفون حول آل سعود في عهد أجداده . كان آل سعود مرتبطين بفكرة دينية باركت النضال من أجل المركزية لصالح الأمير والوجهاء الحاكمين وباركت النضال من أجل المركزية لصالح الأمير والوجهاء الحاكمين وباركت الغزوات تحت راية (الإسلام الحقيقي) .
وفي تلك الأثناء ظهرت في نجد حركة الإخوان . ومن المستبعد أ، يكون عبدالعزيز من واضعي فكرة الإخوان أو من مؤسسي هذه الحركة . فإن المؤسسين الروحيين للحركة هم قاضي الرياض عبدالله بن محمد بن عبداللطيف من آل الشيخ وقاضي الإحساء الشيخ عيسى والمدعو عبدالكريم المغربي الذي وصل إلى الجزيرة العربية في أواخر القرن التاسع عشر واستقر في منطقة صارت فيما بعد هجرة الأرطاوية . وبالإضافة إلى الالتزام الصارم بالفرائض الأساسية الخمس في الإسلام كان الإخوان مطالبين بالإخلاص (لإخوانهم) في الدعوة وبالخضوع للإمام ومساعدة بعضهم البعض بكل الوسائل ، وعدم التعامل مع الأوربيين ومع سكان البلدان التي يديرها الأوربيون .
ولا أحد يعرف التاريخ الدقيق لنشوء بلدة الأرطارية الأولى ، إلا أنها ظهرت ، على مايبدو ، في النصف الأول من عام 1913 . وفي الأول من آذار (مارس) 1929 كتبت جريدة (أم القرى) لسان حال السعوديين التي تأسست بعد ضم الحجاز أن كانون الثاني (يناير) 1913 هو تاريخ نشوء أول هجرة . نشأت أولى (هجر) الإخوان حول مجموعة الآبار في الوادي ذي المراعي الجيدة والأشجار الكثيرة . ويقع هذا الوادي على طريق القوافل من الكويت إلى القصيم في منطقة ديرة مطير التي هي من أقوى قبائل اواسط الجزيرة وأكثرها اعتزازا بنفسها .
وباع قسم من مطير طوعا بعض إبلهم ومعدات الخيام الضرورية لنمط الحياة البدوي . واستقروا في منطقة الرطاوية وأخذوا يبنون المنازل بعد أ، عزموا على ممارسة الزراعة وحدها ودراسة التوحيد . وانضم إلى مطير العريمات وهم فخذ من حرب قاموا بقسم كبير من البناء في الهجر لأنهم يمتلكون المهارات اللازمة في الصنائع والبناء والزراعة خلافا لسائر البدو . وتحول التعاضد القبلي التقليدي إلى تعاضد بين الإخوان . فإذا فقد أحد أملاكه بسبب غزوة أو بسبب هلاك الماشية فإن الإخوان يجمعون له التبرعات .
ونشأت هجر كثيرة على أثر الأرطاوية . فقد نشأت عتيبة هجرة في (الغطغط) وقد دمرت فيما بعد . وفي عام 1918 ظهر عدد كبير من هذه الهجر في كافة أرجاء نجد . ولئن كان عدد هجر الإخوان في عام1920 52 هجرة في الجزيرة كلها ، فقد ازداد في عام 1923 إلى 72 ، وفي عام 1929 بلغ 120 هجرة تقريبا . وكتبت (أم القرى) في عام 1929 أن عنزة أسست 7 هجر وشمر 16 حرب 22 ومطير 12 وعتيبة 15 وسبيع 3 والسهول 3 وقحطان 8 والدواسر 4 وبنو خالد 2 والعجمان 14 والعوازم 2 وبنو هاجر 4 وآل مرة 4 وهتيم 3 والظفير 1 . ولكنه حتى في أوج حركة الإخوان لم يستقر في الهجر إلا عشر أو ، في أفضل الأحوال ، خمس البدو الرحل . وكانا لجفاف ومصاعبا لحياة البدوية ، أي الضرورة الاقتصادية ، من الدوالافع التي جعلت البدو يستقرون ويتحولون إلى حضر . وكان نزوحهم إلى الشمال محدودا بسبب عدم رغبتهم في الاعتماد على أهواء الأتراك ومن بعدهم الإنجليز . وقد شجع إبن سعود عملية استقرار البدو وساعد الإخوان بالنقود ولحبوب والأدوات الزراعية ومواد بناء المساجد والمدارس والهجر ، كما بعث المطاوعة لتعليمهم . وبالإضافة إلى ذلك زود المحاربين بالسلاح والذخيرة للدفاع عن الدين .
وكان أمراء حجر يستلمون من عبدالعزيز معونة نقدية ويتمتعون بحس ضيافته . وكانت أسماء الأمراء تسجل في سجلات خاصة ، وكان مقدار المعونة يحدد تبعا لخدماتهم وعدد أتباعهم ِ، وكان الإخوان المحاربون يتلقون مكافأة سنوية بعد أن تسجل أسماؤهم في سجلات ديوان إبن سعود . إن الشرط الرسمي للانتماء إلى الهجرة هو التخلي عن عادات والتزامات نمط الحياة العشائري . إلا أن هذا الشرط لم يكن يطبق عمليا ، فصار الإسكان في الهجر يجري في الغالب على أساس قبلي . وصارت هجر الإخوان في الواقع مقرات لشيوخ أكبر القبائل . وأخفقت محاولة ابن سعود لحرمان القبائل من زعمائها التقليدين بواسطة فرق الإخوان. وقد استقر فيصل الدرويش زعيم مطير في الإرطاوية ، كما اتسقر زعيم عتيبة في الغطغط. وسكن زعيم حرب في دخنة وسكن ابن جبريل وابن ثنيان زعيما شمر في الاجفر.
كان الحماس الديني لدى الاخان يتسهدف طاعة الله ويخدم بالطبع أولياءه في الأرض. وكان من المنتظر الثواب عل جهودهم الدينية والدنيوية ، كما في السابق عن طريق غنائم الحرب ولكن ليس بشكل غزو بعض القبائل لبعضها الآخر أو النهب في الطرقات ، بل في الجهاد ضد المشركين. واقترنت الضرورة الاقتصادية والاجتماعية لاستقرار البدو والانتقال الى الزراعة بالتفاني الديني والحاجات العسكرية ، الا أن هذه المهمات يمكن ان تتعارض ، ولذا دمرت بعض القرى "الهجر". بديهي أن من المستبعد توقع تخلص البدو بسرعة من عاداتهم البدوية السابقة وتحولهم الى زراع جيدين. ففي غالب الأحيان لم يكن الحماس الديني يكفيهم من أجل التوحيد أكثر مما يرغبون في الزراعة.
وظلت باقية في قرى الهجر بعض الفوارق الطائفية بين القبائل الرفيعة التي تقدم المزارعين المقاتلين وبين القبائل الوضيعة التي كان يتعين عليها ممارسة الصنائع والبناء وتأمين مستلزمات القرى الجديدة. وبالفعل فان العريمات التي استقرت مع مطير في الارطاوية هي فخذ وضيع من قبيلة حرب التي تعتبر من أنبل القبائل في الجزيرة العربية.
وغالبا ما كان الصناع والباعة يعتبرون من الاشخاض الذين لا تشملهم الاعمال الحربية ، وكان يتعين عليهم أن يصنعوا حدوات الجياد والسلاح والأدوات الزراعية ويصلحونها. وعندما تبدأ الحرب كانوا يبقون في القرى.
أما المطاوعة فكانوا يمثلون الفئة الأوطأ من علماء الدين والفقهاء الذين يجرى إعدادهم في الرياض ومراكز أخرى. وكان هؤلاء المطاوعة في الواقع يؤدي في القرى دور دعاة ومخبري السلطة المركزية المتمثلة في علماء الرياض والأمير شخصيا. وي أكبر الهجر كان عبد العزيز يعين قضاة من آل الشيخ عادة.
وكان سكان الهجر الملزمون بالخدمة العسكرية يقسمون إلى ثلاث فئات تضم الأولى الاشخاص الذين عم في حالة تأهب واستعداد دائم للقتال والذين يلبون نداء الجهاد حالا. وتضم الفئة الثانية الاحتياط ، أما الفئة الثالثة فتتكون من الذين يتظلون في القرى عندما تنشب الحرب. ولكن بقرار من العلماء ان يجندوا في جيش الامير في الحالات الإستثنائية. وكان سكان الهجر يؤدون الخدمة العسكرية مع ابلهم وسلاحهم واغذيتهم. وكانت بعض الهجر فقط وهي الواقعة في اواسط نجد ، تستلم معونة من بيت المال للأغراض الحربية عندما تقدم عساكرها.
كان البدور الذين استطونوا الهجر يعتقدون بانهم انتقلوا من الجاهية واعتنقوا الاسلام الحقيقي. وكانوا ينهمكون في نشر معتقداتهم بحماس كبير ، حتى انهم كانوا يضربون البدو والحضر الذين لا ينضمون اليهم ويعتبرونهم من الكفرة. ونظر لأن البدو كانوا في السابق بالفعل لا يعرفون الاسلام الا القليل فان هذا الانتقال ، وكذلك استبدال العرف القبلي بالشريعة ، قد استما بطابع مأساوي لدرجة ما ، فقد أشار موسيل ، مثلا الى اشتداد المشاعر الدينية بين الرولة الذين شارطوا في فرق الاخوان. وعلى أية حال فان الكثيرين من البدو صاروا يحفظون عن ظهر قلب سورة أو سورتين من القرآن.
من المعروف ان المتيدنيين الجدد اكثر حزما وتعصبا في أداء الفرائض الدينية من المتيدنين القدامى. ولذلك فان البدو الذين لم يعرفوا الاسلام سابقا أو الذين يعرفون عنه القليل جدا صاروا يؤدون فرائضه كالصلوات الخمس بحماس شديد واخذوا يضربون بالعصى من يتنصل عن أدائها. ولكي يميز الغخوان أنفسهم عن سائر المسلمين الذين اعتبرواهم مشركين صاروا يرتدون عمامة بيضاء بدلا من الكوفية العادية ، كما اخذوا يحلقون شواربهم ويقصرون لحاهم ن ويصبغونها بالحناء احياناز وقصروا دشداشتهم حتى صارت تغطي الركبتين بالكاد. ومنه الاخوان الموسيقى ايا كانت ، ما عدا طبول الحرب ن ولم يشربوا لقهوة لأنها لم تكن معروفة في زمن النبي ، وتحاشوا التدخين كما يتحاشون السم. وكان تعاطي الكحول محرما بالطبع ، وكذلك الحرير والنقوش الذهبية على الألبسة الرجالية. وصبت اللعنات على القمار وقراء الفأل والألعاب السحرية. ونشير هنا إلأى الطابع التعادلي للكثير من محظورات الدين لدى الإخوان. وكان ذلك شكلاا لإحتجاج بسطاء أبناء الشعب على أبهة الطبقات الحاكمة (حسب مقاييس الجزيرة العربية).
وكان الاخحوان يطلقون نعت المشركين على جميع الذين لا يزيدونهم من أهالي المدن والواحات والبدو. وباسم تجديد الدين قامت فرق الإخوان بقساوات كثيرة مع أن تعصبهم قوي القدرى الحربية لقوات بان سعود. ويعتقد ديكسون أن نظام الفروسية البدري تضعضع في الفترة بين 1913 – 1930 بسبب حركة الإخوان.
واد مؤلفون كثيرون أن ابن سعود نفسه لم يكن متعصبا ابدا.وقد انتفع من حركة الاخوان واستخدمها متجاوزا بمهارة مطالبها المتطرفة. وابان الحرب العالمية الأولى وافق ابن سعود على الحماية البريطانية واستلم معونات شهرية من الحكومة البريطانية وادعى بأن ذلك مجرد جزية كالتي كان المسيحيون يدفعونها للخلافاء الأوائل ولكنه حتى في المرحلة الأولى من مراحل حركة الإخوان لم يكن ابن سعود يثق بهم حتى النهاية. وذلك بحكم منحدرهم البدوي وبحكم الافاراط في انتشار السمات التعادلية في حركة الاخوان من وجهة نظر الاقطاعي الكبير. وفي حاشية أمير الرياض كان قريبه ونصيره عبد الله بن جلوي من اشد معارضي الاخوان.
ضم الاحساء
عندما علم عبد العزيز بعزيمة الأتراك في حرب البقلان اخد يستعد لحملة على الإحاء ، وفي ملطع عام 1913 وصل الى القصيم وأعلن التعبئة العامة.
في تلك الأثناء كان الاخوان من ضمن قواته ، ولكنهم لا يشكلون الأغلبية ، وبعد ان جمع حضر نجد والبدو المنضمين إليه توجه إلى الاحساء . وقبل أن يبدأ هذه الحملة تقابل مع الضابط الانجليزية ليتشمان ، لعله أخبره بخطة الهجوم على الأتراك.
كان سكان الإحساء الذين أرهقم إبتزاز الأتراك وظلمهم ينظرون إلى النجديين كمنقذين لهم. ومنذ عام 1903 كتب قنصل روسيا في البصرة ان المتصرف العثمناني في الاحساء كعل سكان هذا السنجق العرب في حالة ارهاق بالغ بسبب تعنته وطيشه. وكتبت القنصلية الروسية في البصرة أن سلطة الأتراك في الإحساء كانت وهمية . وقد انتهت تقريبا خارج حدود المدن.
وفي بداية مايو جمع بان سعود حوالي 8 آلاف من الأعراب المسلحين جيد واقتحم الإحساء بغتة قام بهجوم على الصفوف. ولم يجد صعوبة كبيرة في احتلال المدينة.
بدأ الهجومن على المدينة في الليل بواسطة جذوع النخيل والحبال والسلالم لمجهزة مسبقا. وسرعان ما سقطت المدينة وذلك حصن الكوت. ما عدا مسجد ابراهيم باشا في داخل الحصن ، والتجأ المتصرف قسم حاميته إلى المسجد ، وكان مجموع الأتراك في الهفوف أنذاك 1200 شخص.
وقرر المتصرف أن يضع السلاح ، وتم اخلاء الحامية تحت حراسة مفرزة قادها أحمد بن ثنيان ، وهو من أقرباء عبد العزيز الأبعدين. ثم استولى النجديون على القطيف. وصار الاقليم الشرقي تحت سلطة ابن سعود ن وكتبت القنصلية الروسية في البصرة "من المحتمل أن يكون ذلك كله قد حدث ليس بدون علم الإنجليز ، وربما ليس بدون نصائحهم ، فان دسائسهم بين الشيوخ العرب معروفة جيدا".
ولم يضيع حاكم الرياض الوقت فأخذ يروض الشيعة المعادين تقليديا للسعوديين. وعين عبد العزيز عبد الله بن جلوي حاكما للإحساء ، وأخذ هذا ينكل بنشاطء الشيعة دون رحمة وخصوصا في القطيف.
كانت عائدات الإقليم في عهد الإدارة العثمانية تعادل 37 ألف ليرة سنويا ، بينما بلغت نفقات الحاميات والادارة 52 ألفا. الا أن عائدات الحاء ، كما يعتقد القنصل الروسي في البصرة ، يمكن زيادتها ، وهذا ما عزم عليه عبد العزيز. فقد طرد التجار الأجانب من الإحساء والقطيف وفرض ضريبة بنسبة 8% على كل الواردات التي تصل الى الاقليم الشرقي من جهة البحر واجتث عبد اللن بن جلوي بيد من حديد النهب على طرق القوافل فاستطاع التجار ان يتجولوا في الاقليم بأمان نسبيا.
لقد انتزعت امارة الرياض من الإمبراطورية العثمانية اقليما عنيا نسبيلا من أقاليم الجزيرةالعربية وحصلت على منفذ الىالخليج من الكويت حتى قطر. أن أهمية الإحاء بالنسبة لإمارة الرياض تفوق التقدير. فالأراضي التي كان السعوديون يسيطرون عليها حتى ذلك الحين خالية من آية موارد طبيعية. ولم يكن محصول التمور في حدودها يكفي بالكاد لسد حاجة الحضر والبدو ، ولم تكن الحبوب كافية ، وكانت الامارة بحاجة الى استيرادها ، وكان السكان الحضر يعتمدون كليا تقريبا على استيراد الأقمشة ، وكانت القوات بحاجة إلى مشتريات السلاح من الخارج ، وقد أمن الغستيلاء على اقليم الإحساء والحصول على منفذ الى الخليج قوة حيوية للدولة السعودية واستمرار تطورها.
ول تقف بريطانيا التي تؤمل في تحويل الدولة السعودية إلى محمية لها في آخر المطاف حجر عثرة أمام طرد الحامية التركية من الاحساء. وقد قام المندوب البريطاني في البحرين بزيارة مجاملة لعبد العزيز في مرفا العقير بعد سقوط الاحساء. وفي أواخر عام 1913 زار الرياض المعتمد البريطاني في الكويت الكابت شكسبير الذي كان قد تقابل من بان سعود سابقا. وقد ناقش مع أمير الرياض هذه المرة الوضع العام لأنه لم يكن يتمتع بصلاحيات أخرى.
بيد أن بريكانيا كانت تلعب على الحبلين ، ففي خزيران (يونيو) 1913 وقعت بين السفير العثماني ابراهيم حقي باشا ووزير الخارجية البريطاني ادوارد جراي اتفاقية رسم الحديو بين ممتلكات الإمبراطورية العثمانية والمحميات البريطانية على الساحل العربي من الخليج – الكويت والبحرين وامارات ساحل الصلح البحري . وكانت كل هذه الأراضي مرتبطة على نحو ما بالاحساء التي لم يرد لها ذكر في الاتفاقية. وهذا يفترض رسميا أنها كانت جزء من الامبراطورية العثمانية.
وفي مارس 1914 وافقت بريطانيا والامبراطورية العثمانية على اقتسام شبه الجزيرة العربية . ونصت شروط المعاهدة على ان تمتد الحدود بين ممتلكات كلتا لادولتين بشكل خط مستقيم من شبه جزيرة قطر عبر بوادي أواسط الجزيرة العربية حتى الحدود بين ممحيمة عدن وايمن. وكان كل ما يقع شمالي هذا الخط ملكات للعثمانيين ، بما في ذلك نجد فضلا عن الاحساء ، وكل ما يقع كنوبيه يعتبر من الأراضي البريطانية. وبالمناسبة فقد فقدت هذه المعاهدة قيمتها باندلاع الحرب العالمية الأولى.
وبعد سقوط الاحساء جرت مباحثات بين عبد العزيز وممثلي السلطات العثمانية. ولم تكن لدى الباب العالي القوى والنقود اللازمة لاستعادة الاقليم المفقود. وكل كل ما يريده التاراك هو الحفاظ على ماء الوجه. وكتبت القنصلية الروسية في البصرة في 27 آيار (مايو) 1914 "أن ارسال فيلق عمليات الى الاحساء في الوقت الحاضر غير ممكن بالنسبة للاتراك ن فليس لديهم العدد الكافي من الجنود لا في بغداد ولا في البصرة. زد على ذلك ان الجوكمة البريطانية التي تتابع ببالغ الاهتمام كل ما يجري في الاحساء ستحاول إعاقة الأتراك في ترسيخ أقدامهم من جديد على سواحل الخليج".
وقد وافق أمير الرياض شفويا ن كما يقول قيبلي ، على الاعتراف بسيادة السلطان العثماني على أراضيه مقابل الأسلحة والنقود التركية.
ويؤكد الباحث الأمريكي ترولير يصورة قاطعة أنه تم توقيع معاهدة عثمانية سعودية رمسية في 15 أيار (مايو) 1914 نصت ، فيما نصت على "أن ولاية نجد يجب أن تبقى تحت حكم عبد العزيز باشا آل سعود طوال حياته بموجب فرمان سلطاني ، وبعد وفاته بنتقل الحكم الى أبنائه وأحفاده بشرط أن يبقى الأمير مواليا للحكومة العثمانية ولأجداده". ونصت المادة 7 على أن يرفع العلم التركي فوق كل دوائر الدولة وكلك فوق السفن العائدة لولاية نجد. وجاء في المادة 9 أن الوالي المذكور لا يحق له التدخل في الشئون الخارجية ولا عقد المعاهدات الدولية ولا منح الامتيازات للأجانب". ونصت المادة 12 على ان حاكم نجد يجب ان يحارب الى جانب الإمبراطورية العثمانية. وثعتد فيبلي ان عبد العزيز صار مع اندلاع الحب العالمية الأولى ، في حل من التعقد الشفوي للأتراك . وعلى أية حالة فان سلوك أمير نجد منذ بداية العمليات الحربية كشف عن عدم تقديه لتعهداته أمام السلطان العثماني وعن قلة المرتكزات التي كان بوسع الأتراك استخدماها لحمله على العمل في صالحهم. واكدت مذكرة حكومة العربية السعودية أنه لا توجد في الارضيفات السعودية اية وثيقة تشير الى توقيع الاتفاقية السعودية التركية. ان عدم وجود مثل هذه الوثيقة في الارشيفات السعودية ، ان لم تكن موجودة فعلا . لا يدل على شئ. فبدلا من الاتفاقية التحريرية يمكن ان يودد اتفاق شفوي ينفذه الطرفان اذا كان في صالحهما. وعلى أية حالة فقد قدم ترولير النص الكامل للمعاهدة التركية النجدية مع ان توقيع عبد العزيز غير موجود عليه بالفعل. وكان المسؤولين في الأستانة يدركون بأنهم فقدوا السيطرة الفعلية على نجد والإحساء رغم المعاهدة مع بريطانيا بشأن اقتسام الجزيرة العربية ورغم تعهدان ابن سعود الشفوية بولائه للسلطان. ولذلك أخذت السلطات العثمانية تعمل على تقوية جبل شمر ، حيث وعدوها ، مثلا بتقديم 10 آلاف بندثية وأغذية ونقود ، وافقتنع عبد العزيز مرة أخرى بأن الأستانة تعول على حائل وان الخطر التركي المحتمل على امارة الرياض لا يزال قائما.