تاريخ الإسلام للذهبى-1

من معرفة المصادر

تاريخ الإسلام للذهبى

الجزء الأول

الكتاب: تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام.

تأليف: شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي.

دار النشر: دار الكتاب العربي.

مكان النشر: لبنان/ بيروت.

سنة النشر: 1407هـ - 1987م.

الطبعة: الأولى.

تحقيق: د. عمر عبد السلام تدمري.

ملاحظات حول الكتاب: الكتاب موافق للمطبوع كاملاً. غير مفهرس.غير مقابل على نسخة ورقية. بل هو نفس الموجود في مكتبة التراث. قام بنسخه وإدخاله إلى الشاملة أخوكم: أبو عبد الله السني. راجياً منكم دعاءً بظهر الغيب. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله. ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

في آخر الجزء الحادي الخمسون في الصفحة 442 وجد النص التالي: (بعون الله وتوفيقه، انتهى تحقيق هذه الطبقة التاسعة والستين من هذا السفر الجليل ' تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام ' للمؤرخ الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز المعروف بالذهبي، المتوفى بدمشق 748 هـ. رحمه الله، وضبط النص، وتخريج الأحاديث والأشعار، وتوثيق مادته، والتعليق عليه، والإحالة إلى المصادر، وشرح المصطلحات، وصناعة الفهارس، على يد خادم العلم وطالبه، راجي عفو ربه، والفقير إليه، الحاج الأستاذ الدكتور أبي غازي عمر عبد السلام تدمري، الطرابلسي مولدا وموطنا، الحنفي مذهبا، أستاذ التاريخ الإسلامي في الجامعة اللبنانية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، المشرف على رسائل الماجستير والدكتوراه بالفرعين الأول والثالث، عضو الهيئة العربية العليا لإعادة كتابة تاريخ الأمة في اتحاد المؤرخين العرب، وتم إنجاز التحقيق مساء الأربعاء في الثاني عشر من شهر رمضان المبارك سنة 1419هـ، الموافق للثلاثين من شهر كانون الأول (ديسمبر) 1998 م. وذلك في منزله بساحة السلطان الأشرف خليل بن قلاوون (النجمة سابقا) بمدينة طرابلس الشام المحروسة، جعلها الله ثغرا ورباطا مطمئنا بحفظه ورعايته وسائر بلاد المسلمين. ويسر الله لي إنجاز تحقيق الطبقة السبعين الأخيرة من هذا الكتاب، وختم لي بخير، منه استمد العون، وعليه الاتكال، وهو الموفق والمعين، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد أشرف المرسلين). تم تحقيق هذا الجزء على نسختين هما: نسخة المتحف البريطاني رقم (4810) ونسخة المتحف البريطاني رقم (1540/51) المصورة بدار الكتب المصرية رقم (42) تاريخ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (/)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 11 بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة المؤلف قال الشيخ الإمام العالم العامل الناقد البارع الحافظ الحجة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي رحمه الله تعالى وأدام النفع به وغفر له ولوالديه: الحمد لله [موفق من] توكل عليه القيوم الذي ملكوت كل شيء بيديه حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله رحمة للعالمين وخاتما للنبيين وحرزا للأميين وإماما للمتقين بأوضح دليل وأفصح تنزيل وأفسح سبيل وأنفس تبيان وأبدع برهان. اللهم آته الوسيلة وابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون صلى الله عليه وعلى آله الطيبين وصحابته المجاهدين وأزواجه أمهات المؤمنين. أما بعد فهذا كتاب نافع إن شاء الله ونعوذ بالله من علم لا ينفع ومن (1/11)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 12 دعاء لا يسمع جمعته وتعبت عليه واستخرجته من عدة تصانيف يعرف به الإنسان مهم ما مضى من التاريخ من أول تاريخ الإسلام إلى عصرنا هذا من وفيات الكبار من الخلفاء والقراء والزهاد والفقهاء والمحدثين والعلماء والسلاطين والوزراء والنحاة والشعراء ومعرفة طبقاتهم وأوقاتهم وشيوخهم وبعض أخبارهم بأخصر عبارة وألخص لفظ وما تم من الفتوحات المشهورة والملاحم المذكورة والعجائب المسطورة من غير تطويل ولا استيعاب ولكن أذكر المشهورين ومن يشبههم وأترك المجهولين ومن يشبههم وأشير إلى الوقائع الكبار إذ لو استوعبت التراجم والوقائع لبلغ الكتاب مائة مجلدة بل أكثر لأن فيه مائة نفس يمكنني أن أذكر أحوالهم في خمسين مجلدا. وقد طالعت على هذا التأليف من الكتب مصنفات كثيرة ومادته من: دلائل النبوة للبيهقي. وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم لابن إسحاق. ومغازيه لابن عائذ الكاتب. والطبقات الكبرى لمحمد بن سعد كاتب الواقدي. (1/12)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 13 وتاريخ أبي عبد الله البخاري. وبعض تاريخ أبي بكر أحمد بن أبي خيثمة. وتاريخ يعقوب الفسوي. وتاريخ محمد بن المثنى العنزي وهو صغير. وتاريخ أبي حفص الفلاس. وتاريخ أبي بكر بن أبي شيبة. وتاريخ الواقدي. وتاريخ الهيثم بن عدي. وتاريخ خليفة بن خياط. والطبقات له. (1/13)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 14 وتاريخ أبي زرعة الدمشقي. والفتوح لسيف بن عمر. وكتاب النسب للزبير بن بكار. والمسند للإمام أحمد. وتاريخ المفضل بن غسان الغلابي. والجرح والتعديل عن يحيى بن معين. والجرح والتعديل لعبد الرحمن بن أبي حاتم. ومن عليه رمز فهو في الكتب الستة أبو بعضها لأنني طالعت مسودة (تهذيب الكمال) لشيخنا الحافظ أبي الحجاج يوسف المزي ثم طالعت المبيضة كلها. فمن على اسمه (ع) فحديثه في الكتب السنة ومن عليه (4) فهو في السنن الأربعة ومن عليه (خ) فهو في البخاري ومن عليه (م) ففي مسلم ومن عليه (د) ففي سنن أبي داود ومن عليه (ت) ففي جامع الترمذي ومن عليه (ن) ففي سنن النسائي ومن عليه (ق) ففي سنن ابن ماجه. وإن كان الرجل في الكتب إلا فرد كتاب فعليه (سوى ت) مثلا أو (سوى د). (1/14)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 15 وقد طالعت أيضا عليه من التواريخ التي اختصرتها. تاريخ أبي عبد الله الحاكم. وتاريخ أبي سعيد بن يونس. وتاريخ أبي بكر الخطيب. وتاريخ دمشق لأبي القاسم الحافظ. وتاريخ أبي سعد بن السمعاني. والأنساب له. وتاريخ القاضي شمس الدين بن خلكان. وتاريخ العلامة شهاب الدين أبي شامة. وتاريخ الشيخ قطب الدين بن اليونيني وتاريخه ذيل على تاريخ مرآة الزمان للواعظ شمس الدين يوسف سبط ابن الجوزي وهما على الحوادث والسنين. وطالعت أيضا كثيرا من: تاريخ الطبري. (1/15)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 16 وتاريخ ابن الأثير. وتاريخ ابن الفرضي. وصلته لابن بشكوال. وتكملتها لابن الأبار. والكامل لابن عدي. وكتبا كثيرة وأجزاء عديدة وكثيرا من: مرآة الزمان. ولم يعتن القدماء بضبط الوفيات كما ينبغي بل اتكلوا على حفظهم فذهبت وفيات خلق من الأعيان من الصحابة ومن تبعهم إلى قريب زمان أبي عبد الله الشافعي فكتبنا أسماءهم على الطبقات تقريبا ثم اعتنى المتأخرون بضبط وفيات العلماء وغيرهم حتى ضبطوا جماعة فيهم جهالة بالنسبة إلى معرفتنا لهم فلهذا حفظت وفيات خلق من المجهولين وجهلت وفيات أئمة من المعروفين. وأيضا فإن عدة بلدان لم يقع إلينا أخبارها إما لكونها لم يؤرخ علماءها أحد من الحفاظ أو جمع لها تاريخ ولم يقع إلينا. وأنا أرغب إلى الله تعالى وأبتهل إليه أن ينفع بهذا الكتاب وأن يغفر لجامعه وسامعه ومطالعه وللمسلمين آمين. (1/16)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 17 بسم الله الرحمن الرحيم ذكر نسب سيد البشر محمد رسول الله أبو القاسم سيد المرسلين وخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم. هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب - واسم عبد المطلب شيبة بن هاشم - واسمه عمرو بن عبد مناف - واسمه المغيرة بن قصي - واسمه زيد بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة ابن خزيمة بن مدركة - واسمه عامر - بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان وعدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم صلى الله عليهما وعلى نبينا وسلم - بإجماع الناس. لكن اختلفوا فيما بين عدنان وبين إسماعيل من الآباء فقيل بينهما تسعة آباء وقيل سبعة وقيل مثل ذلك عن جماعة. لكن اختلفوا في أسماء بعض الآباء وقيل بينهما خمسة عشر أبا وقيل بينهما أربعون أبا وهو بعيد وقد ورد عن طائفة من العرب ذلك. (1/17)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 18 وأما عروة بن الزبير فقال: ما وجدنا من يعرف ما وراء عدنان ولا قحطان إلا تخرصا. وعن ابن عباس قال: بين معد بن عدنان وبين إسماعيل ثلاثون أبا قاله هشام بن الكلبي النسابة عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس ولكن هشام وأبوه متروكان. وجاء بهذا الإسناد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا انتهى إلى عدنان أمسك ويقول: (كذب النسابون) قال الله تعالى: {وقرونا بين ذلك كثيرا} . وقال أبو الأسود يتيم عروة: سمعت أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة وكان من أعلم قريش بأنسابها وأشعارها يقول: ما وجدنا أحدا (1/18)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 19 يعلم ما وراء معد بن عدنان في شعر شاعر ولا علم عالم. قال هشام بن الكلبي: سمعت من يقول: إن معدا كان على عهد عيسى ابن مريم عليه السلام. وقال أبو عمر بن عبد البر: كان قوم من السلف منهم عبد الله بن مسعود ومحمد بن كعب القرظي وعمرو بن ميمون الأودي إذا تلوا {والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله} قالوا: كذب النسابون قال أبو عمر: معنى هذا عندنا على غير ما ذهبوا إليه وإنما المعنى فيها والله أعلم: تكذيب من ادعى إحصاء بني آدم. وأما أنساب العرب فإن أهل العلم بأيامها وأنسابها قد وعوا وحفظوا جماهيرها وأمهات قبائلها واختلفوا في بعض فروع ذلك. والذي عليه أئمة هذا الشأن أنه: عدنان بن أدد بن مقوم بن ناحور ابن تيرح ين يعرب بن يشجب بن نابت بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل بن آزر - واسمه تارح - بن ناحور بن ساروغ بن راغو (1/19)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 20 ابن فالخ بن عيبر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام بن لمك بن متوشلخ بن خنوخ - وهو إدريس عليه السلام - ابن يرد بن مهليل بن قينن بن يانش بن شيث بن آدم أبي البشر عليه السلام قال: وهذا الذي اعتمده محمد بن إسحاق في السيرة وقد اختلف أصحاب ابن إسحاق عليه في بعض الأسماء. قال ابن سعد: الأمر عندنا الإمساك عما وراء عدنان إلى إسماعيل. وروى سلمة الأبرش عن ابن إسحاق هذا النسب إلى يشجب سواء ثم خالفه فقال يشجب بن يانش بن ساروغ بن كعب بن العوام ابن قيذار بن نبت بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهم السلام. وقال ابن إسحاق: يذكرون أن عمر إسماعيل بن إبراهيم الخليل مائة وثلاثون سنة وأنه دفن في الحجر مع أمه هاجر. وقال عبد الملك بن هشام: حدثني خلاد بن قرة بن خالد السدوسي عن شيبان بن زهير عن قتادة قال: إبراهيم خليل الله هو ابن تارح بن ناحور بن أشرع بن أرغو بن فالخ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن لامك بن متوشلخ بن خنوخ ابن يرد بن مهلاييل بن قاين بن أنوش بن شيث بن آدم. (1/20)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 21 وروى عبد المنعم بن إدريس عن أبيه عن وهب بن منبه أنه وجد نسب إبراهيم عليه السلام في التوراة: إبراهيم بن تارح بن ناحور ابن شروغ بن أرغو بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن لمك بن متشالخ بن خنوخ - وهو إدريس - بن يارد بن مهلاييل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم. وقال ابن سعد: ثنا هشام بن الكلبي قال: علمني أبي وأنا غلام نسب النبي صلى الله عليه وسلم محمد الطيب المبارك ولد عبد الله بن عبد المطلب - واسمه شيبة الحمد - بن هاشم - واسمه عمرو - بن عبد مناف - واسمه المغيرة - بن قصي - واسمه زيد - بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. قال أبي: وبين معد وإسماعيل نيف وثلاثون أبا وكان لا يسميهم ولا ينفذهم. (1/21)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 22 قلت: وسائر هذه الأسماء أعجمية وبعضها لا يمكن ضبطه بالخط إلا تقريبا. وقد قيل في قوله تعالى: {وفصيلته التي تؤويه} : فصيلة النبي صلى الله عليه وسلم بنو عبد المطلب أعمامه وبنو أعمامه وأما فخذه فبنو هاشم قال: وبنو عبد مناف بطنه وقريش عمارته وبنو كنانة قبيلته. ومضر شعبة. قال الأوزاعي: حدثني شداد أبو عمار حدثني واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اصطفى الله كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى هاشما من قريش واصطفاني من بني هاشم رواه مسلم. وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب فهي أقرب نسبا إلى كلاب من زوجها عبد الله برجل. مولده المبارك صلى الله عليه وسلم أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق نا أحمد بن أبي الفتح والفتح ابن عبد الله قالا: أنبأ محمد بن عمر الفقيه أنا أبو الحسين أحمد بن محمد ابن النقور أنا علي بن عمر الحربي ثنا أحمد بن الحسن الصوفي ثنا يحيى بن معين ثنا حجاج بن محمد ثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد يوم الفيل صحيح. (1/22)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 23 وقال ابن إسحاق: حدثني المطلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة عن أبيه عن جده قيس بن مخرمة بن المطلب قال: ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل. كنا لدين أخرجه الترمذي وإسناده حسن. وقال إبراهيم بن المنذر الحزامي: ثنا سليمان النوفلي عن أبيه عن محمد بن جبير بن مطعم قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل وكانت عكاظ بعد الفيل بخمس عشرة وبني البيت على رأس خمس وعشرين سنة من الفيل. وتنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس أربعين سنة من الفيل. قال شباب العصفري: ثنا يحيى بن محمد ثنا عبد العزيز بن عمران حدثني الزبير بن موسى عن أبي الحويرث سمعت قباث بن أشيم يقول: أنا أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أكبر مني وقفت بي أمي على روث الفيل محيلا أعقله وولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل. (1/23)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 24 يحيى هو أبو زكير وشيخه متروك الحديث. وقال موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم على رأس خمس عشرة سنة من بنيان الكعبة وكان بينه وبين مبعثه وبين أصحاب الفيل سبعون سنة. كذا قال. وقد قال إبراهيم بن المنذر وغيره. هذا وهم لا يشك فيه أحد من علمائنا. إن رسول الله ولد عام الفيل وبعث على رأس أربعين سنة من الفيل. وقال يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن ابن ابزى قال: (1/24)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 25 كان بين الفيل وبين مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين. وهذا قول منقطع. وأضعف منه ما روى محمد بن عثمان بن أبي شيبة وهو ضعيف قال: ثنا عقبة بن مكرم ثنا المسيب بن شريك عن شعيب بن شعيب عن أبيه عن جده قال: حمل برسول الله صلى الله عليه وسلم في عاشوراء المحرم وولد يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من رمضان سنة ثلاث وعشرين من غزوة أصحاب الفيل وهذا حديث ساقط كما نرى. وأوهى منه ما يروى عن الكلبي - وهو متهم ساقط عن أبي صالح باذام عن ابن عباس قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الفيل بخمس عشرة سنة. قد تقدم ما يبين كذب هذا القول عن ابن عباس بإسناد صحيح. قال خليفة بن خياط: المجمع عليه أنه ولد عام الفيل. وقال الزبير بن بكار: ثنا محمد بن حسن عن عبد السلام بن عبد الله عن معروف بن خربوذ وغيره من أهل العلم قالوا: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل وسميت قريش آل الله وعظمت في العرب ولد لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول وقيل: من رمضان يوم الإثنين حين طلع الفجر. وقال أبو قتادة الأنصاري: سأل أعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما تقول في صوم يوم الاثنين؟ قال: ذاك يوم ولدت فيه وفيه أوحي إلي. أخرجه مسلم. (1/25)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 26 وقال عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي عن الزهري عن سعيد بن المسيب وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد في ليلة الاثنين من ربيع الأول عند ابهرار النهار. وروى ابن إسحاق قال: حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة قال: حدثني من شئت من رجال قومي عن حسان بن ثابت قال: إني لغلام يفعة إذ سمعت يهوديا وهو على أطمة يثرب يصرخ: يا معشر يهود فلما اجتمعوا إليه قالوا: ويلك ما لك؟ قال: طلع نجم أحمد الذي يبعث به الليلة. وقال ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن حنش عن ابن عباس قال: ولد نبيكم صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين ونبئ يوم الإثنين. وخرج من مكة يوم الإثنين وقدم المدينة يوم الإثنين وفتح مكة يوم الإثنين ونزلت سورة المائدة يوم الإثنين وتوفي يوم الإثنين. رواه أحمد في مسنده وأخرجه الفسوي في تاريخه. وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي في السيرة من تأليفه عن أبي (1/26)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 27 جعفر محمد بن علي قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لعشر ليال خلون من ربيع الأول وكان قدوم أصحاب الفيل قبل ذلك في النصف من المحرم. وقال أبو معشر نجيح: ولد لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول. قال الدمياطي: والصحيح قول أبي جعفر قال: ويقال: إنه ولد في العشرين من نيسان. وقال أبو أحمد الحاكم: ولد بعد الفيل بثلاثين يوما. قاله بعضهم: قال: وقيل بعده بأربعين يوما. قلت: لا أبعد أن الغلط وقع من هنا على من قال ثلاثين عاما أو أربعين عاما فكأنه أراد أن يقول يوما فقال عاما. وقال الوليد بن مسلم عن شعيب بن أبي حمزة عن عطاء الخراساني عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن عبد المطلب ختن النبي صلى الله عليه وسلم يوم سابعه وصنع له مأدبة وسماه محمدا. وهذا أصح مما رواه ابن سعد: أنبأ يونس بن عطاء المكي ثنا الحكم بن أبان العدني ثنا عكرمة عن ابن عباس عن أبيه العباس قال: ولد النبي صلى الله عليه وسلم مختونا مسرورا فأعجب ذلك عبد المطلب وحظي عنده وقال: ليكونن لابني هذا شأن. تابعه سليمان بن سلمة الخبائري عن يونس لكن أدخل فيه بين (1/27)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 28 يونس والحكم: عثمان بن ربيعة الصدائي. قال شيخنا الدمياطي: ويروى عن أبي بكرة قال: ختن جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم لما طهر قلبه. قلت: هذا منكر. (1/28)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 29 أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن لي أسماء: أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب قال الزهري: والعاقب الذي ليس بعده نبي. متفق عليه. وقال الزهري: وقد سماه الله رؤوفا رحيما. وقال حماد بن سلمة عن جعفر بن أبي وحشية عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أنا محمد وأنا (1/29)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 30 أحمد وأنا الحاشر وأنا الماحي والخاتم والعاقب. وهذا إسناد قوي حسن. وجاء بلفظ آخر قال: أنا أحمد ومحمد والمقفي والحاشر ونبي الرحمة ونبي الملحمة. وقال عبد الله بن صالح: ثنا الليث حدثني خالد بن يزيد عن سعيد ابن أبي هلال عن عقبة بن مسلم عن نافع بن جبير بن مطعم: أنه دخل على عبد الملك بن مروان فقال له: أتحصي أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كان جبير يعدها؟ قال: نعم هي ستة: محمد وأحمد وخاتم وحاشر وعاقب وماح. فأما حاشر فبعث مع الساعة نذيرا لكم وأما عاقب فإنه عقب الأنبياء وأما ماحي فإن الله محا به سيئات من اتبعه. فأما عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن أبي موسى الأشعري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه أسماء فقال: أنا محمد وأحمد والحاشر والمقفي ونبي التوبة والملحمة رواه مسلم. (1/30)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 31 وقال وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا قال: أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة. ورواه زياد بن يحيى الحساني عن سعير بن الخمس عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة موصولا. وقد قال الله تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} . وقال وكيع: عن إسماعيل الأزرق عن ابن عمر عن ابن الحنفية قال: يس محمد صلى الله عليه وسلم. وعن بعضهم قال: لرسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن خمسة أسماء: محمد وأحمد وعبد الله ويس وطه. وقيل: طه لغة لعك أي يا رجل فإذا قلت لعكي: يا رجل لم يلتفت فإذا قلت له: طه التفت إليك. نقل هذا الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس والكلبي متروك. فعلى هذا القول لا يكون طه من أسمائه. (1/31)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 32 وقد وصفه الله تعالى في كتابه فقال: رسولا ونبيا أميا وشاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ورؤوفا رحيما ومذكرا ومدثرا ومزملا وهاديا إلى غير ذلك. ومن أسمائه: الضحوك والقتال. جاء في بعض الآثار عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: أنا الضحوك أنا القتال. وقال ابن مسعود: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق وفي التوراة فيما بلغنا أنه حرز للأميين وأن اسمه المتوكل. ومن أسمائه الأمين. وكانت قريش تدعوه به قبل نبوته. ومن أسمائه الفاتح وقثم. وقال علي بن زيد بن جدعان: تذاكروا أحسن بيت قالته العرب فقالوا: قول أبي طالب في النبي صلى الله عليه وسلم: وشق له من اسمه ليجله..... فذو العرش محمود وهذا محمد) وقال عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن عبد الله قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض طرق المدينة فقال: أنا محمد وأنا أحمد وأنا نبي الرحمة ونبي التوبة والمقفي وأنا الحاشر ونبي الملحمة قال: (1/32)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 33 المقفي الذي ليس بعده نبي رواه الترمذي في الشمائل وإسناده حسن وقد رواه حماد بن سلمة عن عاصم فقال عن زر عن حذيفة نحوه. ويروى بإسناد واه عن أبي الطفيل قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لي عشرة أسماء فذكر منها الفاتح والخاتم. قلت: وأكثر ما سقنا من أسمائه صفات له لا أسماء أعلام. وقد تواتر أن كنيته أبو القاسم. قال ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال أبو القاسم: صلى الله عليه وسلم: سموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي متفق عليه. وقال محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تجمعوا اسمي وكنيتي أنا أبو القاسم الله يعطي وأنا أقسم. (1/33)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 34 وقال ابن لهيعة عن عقيل عن الزهري عن أنس قال: لما ولد إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم من مارية كاد يقع في نفسه منه حتى أتاه جبريل عليه السلام - قال: السلام عليك يا أبا إبراهيم. ابن لهيعة ضعيف. (1/34)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 35 ذكر ما ورد في قصة سطيح وخمود النيران ليلة المولد وانشقاق الإيوان قال ابن أبي الدنيا وغيره: ثنا علي بن حرب الطائي أنا أبو يعلى أيوب بن عمران البجلي حدثني مخزوم بن هانئ المخزومي عن أبيه وكان قد أتت عليه مائة وخمسون سنة قال: لما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجس إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة وغاضت بحيرة ساوة وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام ورأى الموبذان إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها فلما أصبح كسرى أفزعه ما رأى من شأن إيوانه فصبر عليه تشجعا ثم رأى أن لا يستر ذلك عن وزرائه ومرازبته فلبس تاجه وقعد على سريره وجمعهم فلما اجتمعوا عنده قال: أتدرون فيم بعثت إليكم؟ قالوا: لا إلا أن يخبرنا الملك. فبينا هم على ذلك إذ ورد عليهم كتاب (1/35)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 36 بخمود النار فازداد غما إلى غمه فقال الموبذان: وأنا قد رأيت - أصلح الله الملك - في هذه الليلة رؤيا ثم قص عليه رؤياه فقال: أي شيء يكون هذا يا موبذان؟ قال: حدث يكون في ناحية العرب وكان أعلمهم في أنفسهم فكتب كسرى عند ذلك: من كسرى ملك الملوك إلى النعمان بن المنذر أما بعد فوجه إلي برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه. فوجه إليه بعبد المسيح بن حيان بن بقيلة الغساني فلما قدم عليه قال له: ألك علم بما أريد أن أسألك عنه؟ قال: ليسألني الملك فإن كان عندي علم إلا أخبرته بمن يعلمه فأخبره بما رأى فقال: علم ذلك عند خال لي يسكن مشارف الشام يقال له سطيح قال: فائته فسله عما سألتك وائتني بجوابه فركب حتى أتى على سطيح وقد أشفى على الموت فسلم عليه وحياه فلم يحر سطيح جوابا فأنشأ عبد المسيح يقول: أصم أم يسمع غطريف اليمن..... أم فاد فازلم به شأو العنن) (يا فاصل الخطة أعيت من ومن..... أتاك شيخ الحي من آل سنن) (وأمه من آل ذئب بن حجن..... أزرق نهم الناب صرار الأذن) (أبيض فضفاض الرداء والبدن..... رسول قيل العجم يسري للوسن) (1/36)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 37 تجوب بي الأرض علنداة شزن..... ترفعني وجنا وتهوي بي وجن) (لا يرهب الرعد ولا ريب الزمن..... كأنما أخرج من جوف ثكن) (حتى أتى عاري الجآجي والقطن..... تلفه في الريح بوغاء الدمن) فقال سطيح: عبد المسيح جاء إلى سطيح وقد أوفى على الضريح بعثك ملك بني ساسان لارتجاس الإيوان وخمود النيران ورؤيا الموبذان رأى إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة وظهر صاحب الهراوة وفاض وادي السماوة وخمدت نار فارس فليس الشام لسطيح شاما يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشرفات وكل ما هو آت آت. ثم قضى سطيح مكانه وسار عبد المسيح إلى رحله وهو يقول: شمر فإنك ماضي الهم شمير..... لا يفزعنك تفريق وتغيير) (1/37)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 38 إن يمس ملك بني ساسان أفرطهم..... فإن ذا الدهر أطوار دهارير) (فربما ربما أضحوا بمنزلة..... تهاب صولهم الأسد المهاصير) (منهم أخو الصرح بهرام وإخوته..... والهرمزان وسابور وسابور) (والناس أولاد علات فمن علموا..... أن قد أقل فمحقور ومهجور) (وهم بنو الأم إما إن رأوا نشبا..... فذاك بالغيب محفوظ ومنصور) (والخير والشر مصفودان في قرن..... فالخير متبع والشر محذور) فلما قدم على كسرى أخبره بقول سطيح فقال كسرى: إلى متى يملك منا أربعة عشر ملكا تكون أمور فملك منهم عشرة أربع سنين وملك الباقون إلى آخر خلافة عثمان رضي الله عنه. هذا حديث منكر غريب. وبالإسناد إلى البكائي عن ابن إسحاق قال: كان ربيعة بن نصر ملك اليمن بين أضعاف ملوك التبابعة فرأى رؤيا هالته وفظع منها فلم يدع كاهنا ولا ساحرا ولا عائفا ولا منجما من أهل مملكته إلا جمعه إليه فقال لهم: إني قد رأيت رؤيا هالتني فأخبروني بها وبتأويلها قالوا: أقصصها علينا نخبرك بتأويلها قال: إني إن أخبرتكم عنها لم أطمئن إلى خبركم عن (1/38)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 39 تأويلها إنه لا يعرف تأويلها إلا من عرفها فقيل له: إن كان الملك يريد هذا فليبعث إلى سطيح وشق فإنه ليس أحد أعلم منهما فبعث إليهما فقدم سطيح قبل شق فقال له: رأيت حممة خرجت من ظلمة فوقعت بأرض تهمة فأكلت منها كل ذات جمجمة. قال: ما أخطأت منها شيئا فما تأويلها؟ فقال: أحلف بما بين الحرتين من حنش ليهبطن أرضكم الحبش فليملكن ما بين أبين إلى جرش. فقال الملك: وأبيك يا سطيح إن هذا لنا لغائط موجع فمتى هو كائن أفي زماني أم بعده؟ قال: بل بعده بحين أكثر من ستين أو سبعين من السنين ثم يقتلون ويخرجون هاربين. قال: من يلي ذلك من إخراجهم؟ قال: يليه إرم ذي يزن يخرج عليهم من عدن فلا يترك أحدا باليمن. (1/39)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 40 قال: أفيدوم ذلك؟ قال: بل ينقطع بنبي زكي يأتيه الوحي من قبل العلي. قال: وممن هو؟ قال: من ولد فهر بن مالك بن النضر يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر. قال: وهل للدهر من آخر؟ قال: نعم يوم يجمع فيه الأولون والآخرون يسعد فيه المحسنون ويشقى فيه المسيئون. قال: أحق ما تخبرني؟ قال: نعم والشفق والغسق والفلق إذا اتسق إن ما أنبأتك به لحق. ثم قدم عليه شق فقال له كقوله لسطيح وكتمه ما قال لسطيح لينظر أيتفقان قال: نعم رأيت حممة خرجت من ظلمة فوقعت بين روضة وأكمة فأكلت منها كل ذات نسمة فلما قال ذلك عرف أنهما قد اتفقا فوقع في نفسه فجهز أهل بيته إلى العراق وكتب لهم إلى ملك من ملوك فارس يقال له سابور بن خرزاذ فأسكنهم الحيرة فمن بقية ولد ربيعة بن نصر: النعمان بن المنذر فهو في نسب اليمن النعمان بن المنذر بن النعمان بن المنذر بن عمرو بن عدي بن ربيعة بن نصر. باب منه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خرجت من لدن آدم من نكاح (1/40)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 41 غير سفاح. هذا حديث ضعيف فيه متروكان: الواقدي وأبو بكر بن أبي سبرة. وورد مثله عن محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده عن علي بن الحسين عن علي وهو منقطع إن صح عن جعفر بن محمد ولكن معناه صحيح. وقال خالد الحذاء عن عبد الله بن شقيق عن ابن أبي الجدعاء قال: قلت: يا رسول الله متى كنت نبيا؟ قال: وآدم بين الروح والجسد. وقال منصور بن سعد وإبراهيم بن طهمان واللفظ له: ثنا بديل بن ميسرة عن عبد الله بن شقيق عن ميسرة الفجر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم متى كنت نبيا؟ قال: وآدم بين الروح والجسد. وقال الترمذي: ثنا الوليد بن شجاع ثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة سئل النبي صلى الله عليه وسلم: متى وجبت لك النبوة؟ قال: بين خلق آدم ونفخ الروح فيه قال الترمذي: حسن غريب. قلت: لولا لين في الوليد بن مسلم لصححه الترمذي. (1/41)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 42 وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق حدثني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا: يا رسول الله أخبرنا عن نفسك قال: أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى ورأت أمي حين حملت بي كأن نورا خرج منها أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام. وروينا بإسناد حسن - إن شاء الله - عن العرباض بن سارية أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إني عبد الله وخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته وسأخبركم عن ذلك دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى لي ورؤيا أمي التي رأت. وإن أم رسول الله صلى الله عليه وسلم رأت حين وضعته نورا أضاءت منه قصور الشام. رواه الليث وابن وهب عن معاوية بن صالح سمع سعيد بن سويد يحدث عن عبد الأعلى بن هلال السلمي عن العرباض فذكره. ورواه أبو بكر بن أبي مريم الغساني عن سعيد بن سويد عن العرباض نفسه. وقال فرج بن فضالة: ثنا لقمان بن عامر سمعت أبا أمامة قال قلت: يا رسول الله ما كان بدء أمرك؟ قال: دعوة إبراهيم وبشرى عيسى ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاءت منه قصور الشام. رواه أحمد في مسنده عن أبي النضر عن فرج. (1/42)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 43 قوله: لمنجدل أي ملقى وأما دعوة إبراهيم فقوله: {ربنا وابعث فيهم رسولا منهم} وبشارة عيسى قوله: {ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد} . وقال أبو ضمرة: ثنا جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قسم الله الأرض نصفين فجعلني في خيرهما ثم قسم النصف على ثلاثة فكنت في خير ثلت منها ثم اختار العرب من الناس ثم اختار قريشا من العرب ثم اختار بني هاشم من قريش ثم اختار بني عبد المطلب من بني هاشم ثم اختارني من بني عبد المطلب هذا حديث مرسل. وروى زحر بن حصن عن جده حميد بن منهب قال: سمعت جدي خريم بن أوس بن حارثة يقول: هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفه من تبوك فسمعت العباس يقول: يا رسول الله إني أريد أن أمتدحك. قال: قل لا يفضض الله فاك فقال: من قبلها طبت في الظلال وفي..... مستودع حيث يخصف الورق) (ثم هبطت البلاد لا بشر..... أنت ولا مضغة ولا علق) (بل نطفة تركب السفين وقد..... ألجم نسرا وأهله الغرق) (تنقل من صالب إلى رحم..... إذا مضى عالم بدا طبق) (حتى احتوى بيتك المهيمن من..... خندف علياء تحتها النطق) (1/43)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 44

وأنت لما ولدت أشرقت الأرض..... وضاءت بنورك الأفق) (فنحن في ذلك الضياء وفي النور..... وسبل الرشاد تخترق) الظلال: ظلال الجنة قال الله تعالى {إن المتقين في ظلال وعيون} . والمستودع: هو الموضع الذي كان فيه آدم وحواء يخصفان عليهما من الورق أي يضمان بعضه إلى بعض يتستران به ثم هبطت إلى الدنيا في صلب آدم وأنت لا بشر ولا مضغة. وقوله: (تركب السفين) يعني في صلب نوح. وصالب لغة غريبة في الصلب ويجوز في الصلب الفتحتان كسقم وسقم. والطبق: القرن كلما مضى عالم وقرن جاء قرن ولأن القرن يطبق الأرض بسكناه بها؟ ومنه قوله عليه السلام في الاستسقاء: اللهم اسقنا غيثا مغيثا طبقا غدقا أي يطبق الأرض. وأما قوله تعالى {لتركبن طبقا عن طبق} أي حالا بعد حال. والنطق: جمع نطاق وهو ما يشد به الوسط ومنه المنطقة. أي أنت أوسط قومك نسبا. وجعله في علياء وجعلهم تحته نطاقا. وضاءت: لغة في أضاءت. وأرضعته ثويبة جارية أبي لهب مع عمه حمزة ومع أبي سلمة (1/44)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 45 ابن عبد الأسد المخزومي رضي الله عنهما. قال شعيب عن الزهري عن عروة إن زينب بنت أبي سلمة وأمها أخبرته أن أم حبيبة أخبرتهما قالت: قلت: يا رسول الله انكح أختي بنت أبي سفيان. قال: أو تحبين ذلك؟ قلت: لست لك بمخلية وأحب إلي من يشركني في خير أختي. قال: إن ذلك لا يحل لي فقلت: يا رسول الله إنا لنتحدث أنك تريد أن تنكح درة بنت أبي سلمة فقال: والله لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها ابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأبا سلمة ثويبة فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن. أخرجه البخاري. وقال عروة في سياق البخاري: ثويبة مولاة أبي لهب أعتقها فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم فلما مات أبو لهب رآه بعض أهله في النوم بشر حيبة يعني حالة. فقال له: ماذا لقيت؟ قال: لم ألق بعدكم رخاء غير أني أسقيت في هذه مني بعتاقتي ثويبة. وأشار إلى النقرة التي بين الإبهام والتي تليها. ثم أرضعته حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية وأخذته معها إلى أرضها فأقام معها في بني سعد نحو أربع سنين ثم ردته إلى أمه. (1/45)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 46 قال يحيى بن أبي زائدة: قال محمد بن إسحاق عن جهم بن أبي جهم عن عبد الله بن جعفر عن حليمة بنت الحارث أم رسول الله صلى الله عليه وسلم السعدية قالت: خرجت في نسوة نلتمس الرضعاء بمكة على أتان لي قمراء قد أذمت بالركب وخرجنا في سنة شهباء لم تبق شيئا ومعنا شارف لنا والله إن تبض علينا بقطرة ومعي صبي لي لا ننام ليلنا مع بكائه فلما قدمنا مكة لم يبق منا امرأة إلا عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه وإنما كنا نرجو كرامة رضاعة من أبيه وكان يتيما فلم يبق من صواحبي امرأة إلا أخذت صبيا غيري. فقلت لزوجي: لأرجعن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه فأتيته فأخذته فقال زوجي: عسى الله أن يجعل فيه خيرا. قالت: فوالله ما هو إلا أن جعلته في حجري فأقبل عليه ثديي بما شاء من اللبن فشرب وشرب أخوه حتى رويا وقام زوجي إلى شارفنا من الليل فإذا بها حافل فحلب وشربنا حتى روينا فبتنا شباعا رواء وقد نام صبياننا قال أبوه: والله يا حليمة ما أراك إلا قد أصبت نسمة مباركة ثم خرجنا فوالله لخرجت أتاني أمام الركب قد قطعتهن حتى ما يتعلق بها أحد فقدمنا منازلنا من حاضر بني سعد بن بكر فقدمنا على أجدب أرض الله فوالذي نفسي بيده إن كانوا ليسرحون أغنامهم ويسرح راعي غنمي فتروح غنمي بطانا لبنا حفلا وتروح أغنامهم جياعا فيقولون لرعاتهم: ويلكم ألا تسرحون حيث يسرح راعي حليمة؟ فيسرحون في الشعب الذي يسرح فيه (1/46)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 47 راعينا فتروح أغنامهم جياعا ما بها من لبن وتروح غنمي لبنا حفلا. فكان صلى الله عليه وسلم يشب في يومه شباب الصبي في الشهر ويشب في الشهر شباب الصبي في سنة قالت: فقدمنا على أمه فقلنا لها: ردي علينا ابني فإنا نخشى عليه وباء مكة قالت ونحن أضن شيء به مما رأينا من بركته قالت: ارجعا به فمكث عندنا شهرين فبينا هو يلعب وأخوه خلف البيوت يرعيان بهما لنا إذ جاء أخوه يشتد قال: أدركا أخي قد جاءه رجلان فشقا بطنه فخرجنا نشتد فأتيناه وهو قائم منتقع اللون فاعتنقه أبوه وأنا ثم قال: ما لك يا بني؟ قال: أتاني رجلان فأضجعاني ثم شقا بطني فوالله ما أدري ما صنعا فرجعنا به. قالت: يقول أبوه يا حليمة ما أرى هذا الغلام إلا أنه أضيب فانطلقي فلنرده إلى أهله. فرجعنا به إليها فقالت: ما ردكما به؟ فقلت: كفلناه وأدينا الحق ثم تخوفنا عليه الأحداث فقالت والله ما ذاك بكما فأخبراني خبركما فما زالت بنا حتى أخبرناها. قالت: فتخوفتما عليه كلا والله إن لابني هذا شأنا إني حملت به فلم أحمل حملا قط كان أخف منه ولا أعظم بركة ثم رأيت نورا كأنه شهاب خرج مني حين وضعته أضاءت لي أعناق الإبل ببصرى ثم وضعته فما وقع كما يقع الصبيان وقع واضعا يديه بالأرض رافعا رأسه إلى السماء دعاه وألحقا شأنكما. (1/47)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 48 هذا حديث جيد الإسناد. قال أبو عاصم النبيل: أخبرني جعفر بن يحيى أنا عمارة بن ثوبان أن أبا الطفيل أخبره قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبلت إليه امرأة حتى دنت منه فبسط لها رداءه فقلت: من هذه؟ قالوا: أمه التي أرضعته. أخرجه أبو داود. قال مسلم: ثنا شيبان ثنا حماد ثنا ثابت عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق قلبه فاستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه ثم أعاده في مكانه وجاء الغلمان يسعون إلى أمه يعني مرضعته فقالوا: إن محمدا قد قتل فاستقبلوه منتقع اللون. قال أنس: قد كنت أرى أثر المخيط في صدره. وقال بقية عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن عبد الرحمن ابن عمرو السلمي عن عتبة بن عبد فذكر نحوا من حديث أنس. وهو (1/48)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 49 صحيح أيضا وزاد فيه: فرحلت - يعني ظئره - بعيرا فحملتني على الرحل وركبت خلفي حتى بلغنا إلى أمي فقالت: أديت أمانتي وذمتي وحدثتها بالذي لقيت فلم يرعها ذلك فقالت: إني رأيت خرج مني نور أضاءت منه قصور الشام. وقال سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتيت وأنا في أهلي فانطلق بي إلى زمزم فشرح صدري ثم أتيت بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فحشي بها صدري - قال أنس: ورسول الله صلى الله عليه وسلم يرينا أثره - فعرج بي الملك إلى السماء الدنيا. وذكر حديث المعراج. وقد روى نحوه شريك بن أبي نمر عن أنس عن أبي ذر وكذلك رواه الزهري عن أنس عن أبي ذر أيضا. وأما قتادة فرواه عن أنس عن مالك بن صعصعة بنحوه. وإنما ذكرت هذا ليعرف أن جبريل شرح صدره مرتين في صغره ووقت الإسراء به. ذكر وفاة عبد الله بن عبد المطلب وتوفي عبد الله ابوه وللنبي صلى الله عليه وسلم ثمانية وعشرون شهرا. وقيل: أقل من ذلك. وقيل: وهو حمل. (1/49)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 50 توفي بالمدينة غريبا وكان قدمها ليمتار تمرا وقيل: بل مر بها مريضا راجعا من الشام فروى محمد بن كعب القرظي وغيره: أن عبد الله ابن عبد المطلب خرج إلى الشام إلى غزة في عير تحمل تجارات فلما قفلوا مروا بالمدينة وعبد الله مريض فقال: أتخلف عند أخوالي بني عدي بن النجار فأقام عندهم مريضا مدة شهر فبلغ ذلك عبد المطلب فبعث إليه الحارث وهو أكبر ولده ؛ فوجده قد مات ؛ ودفن في دار النابغة أحد بني النجار ؛ والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ حمل على الصحيح. وعاش عبد الله خمسا وعشرين سنة. قال الواقدي: وذلك أثبت الأقاويل في سنه ووفاته. وترك عبد الله من الميراث أم أيمن وخمسة أجمال وغنما فورث ذلك النبي صلى الله عليه وسلم. وتوفيت أمه آمنة بالأبواء وهي راجعة به - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة من زيارة أخوال أبيه بن عدي بن النجار وهو يومئذ ابن ست سنين ومائة يوم. وقيل: ابن أربع سنين. فلما ماتت ودفنت حملته أم أيمن مولاته إلى مكة إلى جده فكان (1/50)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 51 في كفالته إلى أن توفي جده وللنبي صلى الله عليه وسلم - ثمان سنين فأوصى به إلى عمه أبي طالب. قال عمرو بن عون: أنبا خالد بن عبد الله عن داود بن أبي هند عن عباس بن عبد الرحمن عن كندير بن سعيد عن أبيه قال: حججت في الجاهلية فإذا رجل يطوف بالبيت ويرتجز يقول رب رد إلي راكبي محمدا..... يا رب ردة واصطنع عندي يدا) قلت: من هذا؟ قال عبد المطلب ذهب إبل له فأرسل ابن ابنه في طلبها ولم يرسله في حاجة قط إلا جاء بها وقد احتبس عليه فما برحت حتى جاء محمد - صلى الله عليه وسلم - وجاء الإبل فقال: يا بني لقد حزنت عليك حزنا ؛ لا تفارقني أبدا. وقال خارجة بن مصعب عن بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه عن جده أن حيدة بن معاوية اعتمر في الجاهلية فذكر نحوا من حديث كندير عن أبيه. (1/51)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 52 وقال إبراهيم بن محمد الشافعي عن أبيه عن أبان بن الوليد عن أبان بن تغلب حدثني جلهمة بن عرفطة قال: إني لبالقاع من نمرة إذ أقبلت عير من أعلى نجد فلما حاذت الكعبة إذا غلام قد رمى بنفسه عن عجز بعير فجاء حتى تعلق بأستار الكعبة ثم نادى يا رب البنية أجرني ؛ وإذا شيخ وسيم قسيم عليه بهاء الملك ووقار الحكماء. فقال: ما شأنك يا غلام فأنا من آل الله وأجير من استجار به؟ قال: إن أبي مات وأنا صغير وإن هذا استعبدني وقد كنت أسمع أن لله بيتا يمنع من الظلم فلما رأيته استجرت به. فقال له القرشي: قد أجرتك يا غلام قال: وحبس الله يد الجندعي إلى عنقه. قال جلهمة: فحدثت بهذا الحديث عمرو بن خارجة وكان قعدد الحي فقال: إن لهذا الشيخ ابنا يعني أبا طالب. قال: فهويت رحلي نحو تهامة أكسع بها الحدود وأعلوا بها الكدان حتى انتهيت إلى المسجد الحرام وإذا قريش عزين قد ارتفعت لهم ضوضاء يستسقون فقائل منهم يقول: اعتمدوا اللات والعزى ؛ وقائل يقول: اعتمدوا مناة الثالثة الأخرى. وقال شيخ وسيم قسيم حسن الوجه جيد الرأي: أنى تؤفكون وفيكم باقية إبراهيم عليه السلام وسلالة إسماعيل؟ (1/52)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 53 قالوا له: كأنك عنيت أبا طالب. قال: إيها. فقاموا بأجمعهم وقمت معهم فدققنا عليه بابه فخرج إلينا رجل حسن الوجه مصفر عليه إزار قد اتشح به فثاروا إليه فقالوا: يا أبا طالب قحط الوادي وأجدب العباد فهلم فاستسق ؛ فقال: رويدكم زوال الشمس وهبوب الريح ؛ فلما زاغت الشمس أو كادت خرج أبو طالب معه غلام كأنه دجن تجلت عنه سحابة قتماء وحوله أغيلمة ؛ فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة ولاذ بأضبعه الغلام وبصبصت الأغيلمة حوله وما في السماء قزعة فأقبل السحاب من هاهنا وهاهنا وأغدق واغدودق وانفجر له الوادي وأخصب النادي والبادي ؛ وفي ذلك يقول أبو طالب: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه..... ربيع اليتامى عصمة للأرامل) (تطيف به الهلاك من آل هاشم..... فهم عنده في نعمة وفواضل) (وميزان عدل لا يخيس شعيرة..... ووزان صدق وزنه غير عائل) وقال عبد الله بن شبيب - وهو ضعيف - ثنا أحمد بن محمد (1/53)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 54 الأزرقي حدثهم سعيد بن سالم نا ابن جريج قال: كنا مع عطاء فقال: سمعت ابن عباس يقول: سمعت أبي يقول: كان عبد المطلب أطول الناس قامة وأحسنهم وجها ما رآه أحد قط إلا أحبه وكان له مفرش في الحجر لا يجلس عليه غيره ولا يجلس عليه معه أحد وكان الندى من قريش حرب بن أمية فمن دونه يجلسون حوله دون المفرش ؛ فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو غلام لم يبلغ فجلس على المفرش فجبذه رجل فبكى ؛ فقال عبد المطلب - وذلك بعد ما كف بصره -: ما لابني يبكي؟ قالوا له: إنه أراد أن يجلس على المفرش فمنعوه فقال: دعوا ابني يجلس عليه فإنه يحس من نفسه شرفا وأرجو أن يبلغ من الشرف ما لم يبلغ عربي قبله ولا بعده. قال: ومات عبد المطلب والنبي - صلى الله عليه وسلم - ابن ثمان سنين وكان خلف جنازة عبد المطلب يبكي حتى دفن بالحجون. وقد رعى الغنم فروى عمرو بن يحيى بن سعيد عن جده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من نبي إلا وقد رعى الغنم قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة. رواه البخاري. (1/54)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 55 وقال أبو سلمة عن جابر قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران نجتني الكباث فقال: عليكم بالأسود منه فإنه أطيب قلنا: وكنت ترعى الغنم يا رسول الله؟ قال: نعم وهل من نبي إلا قد رعاها. متفق عليه. سفره مع عمه - إن صح قال قراد أبو نوح: ثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري عن أبيه قال: خرج أبو طالب إلى الشام ومعه محمد صلى الله عليه وسلم وأشياخ من قريش ؛ فلما أشرفوا على الراهب [بحيرى] نزلوا فخرج إليهم وكان قبل ذلك لا يخرج إليهم فجعل يتخللهم وهم يحلون رحالهم ؛ حتى جاء فأخذ بيده - صلى الله عليه وسلم - وقال: هذا سيد العالمين [هذا رسول رب العالمين] هذا يبعثه الله رحمة للعالمين ؛ فقال أشياخ قريش: وما علمك بهذا؟ قال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجدا ولا يسجدون إلا لنبي لأعرفه بخاتم النبوة أسفل غضروف كتفه مثل التفاحة. ثم رجع فصنع لهم طعاما ؛ فلما أتاهم به [و كان - صلى الله عليه وسلم - في رعية الإبل قال: فأرسلوا إليه فأقبل وعليه غمامة تظله فلما دنا (1/55)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 56 من القوم وجدهم قد سبقوه - يعني إلى فيء شجرة - فلما جلس مال فيء الشجرة عليه فقال: انظروا [إلى] فيء الشجرة مال عليه. قال: فبينا هو قائم عليه يناشدهم أن لا يذهبوا به إلى الروم فإن الروم لو رأوه عرفوه بصفته فقتلوه ؛ فالتفت فإذا بسبعة نفر قد أقبلوا من الروم فاستقبلهم الراهب فقال: ما جاء بكم؟ قالوا: جئنا إن هذا النبي خارج في هذا الشهر فلم يبق طريق إلا قد بعث إليه ناس وإنا قد أخبرنا فبعثنا إلى طريقك هذا فقال لهم: هل خلفتم خلفكم أحدا هو خير منكم؟ قالوا: لا. إنما أخبرنا خبره بطريقك هذا ؛ قال: أفرأيتم أمرا أراد الله أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس رده؟ قالوا: لا. قال: فتابعوه وأقاموا معه قال: فأتاهم فقال: أنشدكم الله أيكم وليه؟ قال أبو طالب: أنا ؛ فلم يزل يناشده حتى رده أبو طالب وبعث معه أبو بكر بلالا وزوده الراهب من الكعك والزيت. تفرد به قراد واسمه عبد الرحمن بن غزوان ثقة احتج به (1/56)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 57 البخاري والنسائي ؛ ورواه الناس عن قراد وحسنه الترمذي. وهو حديث منكر جدا وأين كان أبو بكر؟ كان ابن عشر سنين فإنه أصغر من رسول الله صلى الله عليه وسلم - بسنتين ونصف ؛ وأين كان بلال في هذا الوقت؟ فإن أبا بكر لم يشتره إلا بعد المبعث ولم يكن ولد بعد ؛ وأيضا فإذا كان عليه غمامة تظله كيف يتصور أن يميل فيء الشجرة؟ لأن ظل الغمامة يعدم فيء الشجرة التي نزل تحتها ولم نر النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر أبا طالب قط بقول الراهب ولا تذاكرته قريش ولا حكته أولئك الأشياخ مع توفر هممهم ودواعيهم على حكاية مثل ذلك فلو وقع لاشتهر بينهم أيما اشتهار ولبقي عنده - صلى الله عليه وسلم - حس من النبوة ؛ ولما أنكر مجيء الوحي إليه أولا بغار حراء وأتى خديجة خائفا على عقله ولما ذهب إلى شواهق الجبال ليرمي نفسه - صلى الله عليه وسلم -. وأيضا فلو آثر هذا الخوف في أبي طالب ورده كيف كانت تطيب نفسه أن يمكنه من السفر إلى الشام تاجرا لخديجة؟ وفي الحديث ألفاظ منكرة تشبه ألفاظ الطرقية مع أن ابن عائذ قد روى معناه في مغازيه دون قوله: وبعث معه أبو بكر بلالا إلى آخره فقال: ثنا الوليد بن مسلم أخبرني أبو داود سليمان بن موسى فذكره بمعناه. (1/57)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 58 وقال ابن إسحاق في السيرة: إن أبا طالب خرج إلى الشام تاجرا في ركب ومعه النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو غلام فلما نزلوا بصرى وبها بحيرا الراهب في صومعته وكان أعلم أهل النصرانية ؛ ولم يزل في تلك الصومعة قط راهب يصير إليه علمهم عن كتاب فيهم فيما يزعمون يتوارثونه كابرا عن كابر ؛ قال: فنزلوا قريبا من الصومعة فصنع بحيرا طعاما وذلك فيما يزعمون عن شيء رآه حين أقبلوا وغمامة تظله من بين القوم فنزل بظل شجرة فنزل بحيرا من صومعته وقد أمر بذلك الطعام فصنع ثم أرسل إليهم فجاءوه فقال رجل منهم: يا بحيرا ما كنت تصنع هذا فما شأنك؟ قال: نعم ولكنكم ضيف وأحببت أن أكرمكم فاجتمعوا وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم لصغره في رحالهم. فلما نظر بحيرا فيهم ولم يره قال: يا معشر قريش لا يتخلف عن طعامي هذا أحد. (1/58)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 59 قالوا: ما تخلف أحد إلا غلام هو أحدث القوم سنا. قال: فلا تفعلوا ادعوه. فقال رجل: واللات والعزى إن هذا للؤم بنا يتخلف ابن عبد الله بن عبد المطلب عن الطعام من بيننا ثم قام واحتضنه وأقبل به فلما رآه بحيرا جعل يلحظه لحظا شديدا وينظر إلى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده من صفته حتى إذا شبعوا وتفرقوا قام بحيرا فقال: يا غلام أسألك باللات والعزى إلا أخبرتني عما أسألك عنه فزعموا أنه قال: لا تسألني باللات والعزى فوالله ما أبغضت بغضهما شيئا قط. فقال له: فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه فجعل يسأله عن أشياء من حاله فتوافق ما عنده من الصفة. ثم نظر فيه أثر خاتم النبوة فأقبل على أبي طالب فقال: ما هو منك؟ قال: ابني. قال: ما ينبغي أن يكون أبوه حيا قال: فإنه ابن أخي. قال: ارجع به واحذر عليه اليهود فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفته ليبغنه شرا فإنه كائن لابن أخيك شأن فخرج به أبو طالب سريعا حتى (1/59)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 60 أقدمه مكة حين فرغ من تجارته. وذكر الحديث. وقال معتمر بن سليمان: حدثني أبي عن أبي مجلز: أن أبا طالب سافر إلى الشام ومعه محمد فنزل منزلا فأتاه راهب فقال: فيكم رجل صالح ثم قال: أين أبو هذا الغلام؟ قال أبو طالب: هأنذا وليه. قال: احتفظ به ولا تذهب به إلى الشام؟؟ إن اليهود قوم حسد وإني أخشاهم عليه. فرده. وقال ابن سعد: أنا محمد بن عمر حدثني عبد الله بن جعفر وجماعة عن داود بن الحصين أن أبا طالب خرج تاجرا إلى الشام ومعه محمد فنزلوا ببحيرا الحديث. روى يونس عن ابن شهاب حديثا طويلا فيه: فلما ناهز الاحتلام ارتحل به أبو طالب تاجرا فنزل تيماء فرآه حبر من يهود تيماء فقال لأبي طالب: ما هذا الغلام؟ قال: هو ابن أخي قال: فوالله إن قدمت به الشام لا تصل به إلى أهلك أبدا ليقتلنه اليهود إنه عدوهم فرجع به أبو طالب من تيماء إلى مكة. قال ابن إسحاق: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما ذكر لي - يحدث عما كان الله تعالى يحفظه به في صغره قال: لقد رأيتني في غلمان من (1/60)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 61 قريش ننقل حجارة لبعض ما يلعب الغلمان به كلنا قد تعرى وجعل إزاره على رقبته يحمل عليه الحجارة فإني لأقبل معهم كذلك وأدبر إذ لكمني لاكم ما أراها لكمة وجيعة وقال: شد عليك إزارك فأخذته فشددته ثم جعلت أحمل الحجارة على رقبتي. حرب الفجار قال ابن إسحاق: وهاجت حرب الفجار ولرسول الله صلى الله عليه وسلم عشرون سنة سميت بذلك لما استحلت كنانة وقيس عيلان في الحرب من المحارم بينهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنت أنبل على أعمامي أي أرد عنهم نبل عدوهم إذا رموهم. وكان قائد قريش حرب بن أمية. (1/61)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 62 فارغة. (1/62)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 63

شأن خديجة قال ابن إسحاق: ثم إن خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي وهي أقرب منه صلى الله عليه وسلم إلى قصي برجل كانت امرأة تاجرة ذات شرف ومال وكانت تستأجر الرجال في مالها وكانت قريش تجارا فعرضت على النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج في مال لها إلى الشام ومعه غلام لها اسمه ميسرة فخرج إلى الشام فنزل تحت شجرة بقرب صومعة فأطل الراهب إلى ميسرة فقال: من هذا؟ فقال: رجل من قريش قال: ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبي. ثم باع النبي صلى الله عليه وسلم تجارته وتعوض ورجع فكان ميسرة - فيما (1/63)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 64 يزعمون - إذا اشتد الحر يرى ملكين يظلانه من الشمس وهو يسير. وروى قصة خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الشام تاجرا المحاملي عن عبد الله ابن شبيب وهو واه ثنا أبو بكر بن شيبة حدثني عمر بن أبي بكر العدوي حدثني موسى بن شيبة حدثتني عميرة بنت عبد الله بن كعب بن مالك عن أم سعد بنت سعد بن الربيع عن نفيسة بنت منية أخت يعلى قالت: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة. فذكر الحديث بطوله وهو حديث منكر. قال: فلما قدم مكة باعت خديجة ما جاء به فأضعف أو قريبا. وحدثها ميسرة عن قول الراهب وعن الملكين وكانت لبيبة حازمة فبعثت إليه تقول: يا بن عمي إني قد رغبت فيك لقرابتك وأمانتك (1/64)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 65 وصدقك وحسن خلقك ثم عرضت عليه نفسها فقال ذلك لأعمامه فجاء معه حمزة عمه حتى دخل على خويلد فخطبها منه وأصدقها النبي صلى الله عليه وسلم عشرين بكرة فلم يتزوج عليها حتى ماتت. وتزوجها وعمره خمس وعشرون سنة. وقال أحمد في مسنده: حدثنا أبو كامل ثنا حماد عن عمار ابن أبي عمار عن ابن عباس - فيما يحسب حماد -: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر خديجة وكان أبوها يرغب عن أن يزوجه فصنعت هي طعاما وشرابا فدعت أباها وزمرا من قريش فطعموا وشربوا حتى ثملوا فقالت لأبيها: إن محمدا يخطبني فزوجني إياه فزوجها إياه فخلقته وألبسته حلة كعادتهم فلما صحا نظر فإذا هو مخلق فقال: ما شأني؟ فقالت: زوجتني محمدا فقال: وأنا أزوج يتيم أبي طالب ! لا لعمري فقالت: أما تستحي؟ تريد أن تسفه نفسك معي عند قريش بأنك كنت سكران فلم تزل به حتى رضي. وقد روى طرفا منه الأعمش عن أبي خالد الوالبي عن جابر بن سمرة أو غيره. وأولاده كلهم من خديجة سوى إبراهيم وهم: القاسم والطيب (1/65)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 66 والطاهر وماتوا صغارا رضعا قبل المبعث ورقية وزينب وأم كلثوم وفاطمة - رضي الله عنهم - فرقية وأم كلثوم تزوجتا عثمان بن عفان وزينب زوجة أبي العاص بن الربيع بن عبد شمس وفاطمة زوجة علي - رضي الله عنهم - أجمعين. حديث بنيان الكعبة وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قريش في وضع الحجر قال ابن إسحاق: فلما بلغ صلى الله عليه وسلم خمسا وثلاثين سنة اجتمعت قريش لبنيان الكعبة وكانوا يهمون بذلك ليسقفوها ويهابون هدمها وإنما كانت رضما فوق القامة فأرادوا رفعها وتسقيفها. وكان البحر قد رمى بسفينة إلى جده فتحطمت فأخذوا خشبها وأعدوه لتسقيفها وكان بمكة نجار قبطي فتهيأ لهم في أنفسهم بعض ما يصلحها وكانت حية تخرج من بئر الكعبة التي كانت يطرح فيها ما يهدى لها (1/66)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 67 كل يوم فتشرف على جدار الكعبة فكانت مما يهابون وذلك أنه كان لا يدنو منها أحد إلا احزألت وكشت وفتحت فاها فكانوا يهابونها فبينا هي يوما تشرف على جدار الكعبة بعث الله إليها طائرا فاختطفها فذهب بها قال: فاستبشروا بذلك ثم هابوا هدمها. فقال الوليد بن المغيرة: أنا ابدؤكم في هدمها فأخذ المعول وهو يقول: اللهم لم ترع اللهم لم نرد إلا خيرا. ثم هدم من ناحية الركنين وهدموا حتى بلغوا أساس إبراهيم - عليه السلام - فإذا حجارة خضر آخذ بعضها ببعض. ثم بنوا فلما بلغ البنيان موضع الركن. يعني الحجر الأسود اختصموا فيمن يضعه وحرصت كل قبيلة على ذلك حتى تحاربوا ومكثوا أربع ليال. ثم إنهم اجتمعوا في المسجد وتناصفوا فزعموا أن أبا أمية بن المغيرة وكان أسن قريش قال: اجعلوا بينكم فيما تختلفون أول من يدخل من باب المسجد ففعلوا فكان أول من دخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأوه قالوا: هذا الأمين رضينا به فلما انتهى إليهم أخبروه الخبر فقال: هاتوا لي ثوبا فأتوا به فأخذ الركن بيده فوضعه في الثوب ثم قال: لتأخذ (1/67)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 68 كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا ففعلوا حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه هو صلى الله عليه وسلم بيده وبني عليه. حديث الحمس وقال ابن وهب عن يونس عن الزهري قال: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلم أجمرت امرأة الكعبة فطارت شرارة من مجمرتها في ثياب الكعبة فاحترقت فهدموها حتى إذا بنوها فبلغوا موضع الركن اختصمت قريش في الركن أي القبائل تضعه؟ قالوا: تعالوا نحكم أول من يطلع علينا فطلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام عليه وشاح نمرة فحكموه فأمر بالركن فوضع في ثوب ثم أخذ سيد كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارتقى هو فرفعوا إليه الركن فكان هو يضعه ثم طفق لا يزداد على السن إلا رضا حتى دعوه الأمين قبل أن ينزل عليه وحي فطفقوا لا ينحرون جزورا إلا التمسوه فيدعو لهم فيها. (1/68)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 69 ويروى عن عروة ومجاهد وغيرهما: أن البيت بني قبل المبعث بخمس عشرة سنة. وقال داود بن عبد الرحمن العطار ثنا ابن خثيم عن أبي الطفيل قال: قلت: له يا خال حدثني عن شأن الكعبة قبل أن تبنيها قريش قال: كان برضم يابس ليس بمدر تنزوه العناق وتوضع الكسوة على الجدر ثم تدلى ثم إن سفينة للروم أقبلت حتى إذا كانت بالشعيبة انكسرت فسمعت بها قريش فركبوا إليها وأخذوا خشبها ورومي يقال له باقوم نجار بان فلما قدموا مكة قالوا: لو بنينا بيت ربنا - عز وجل - واجتمعوا لذلك ونقلوا الحجارة من أجياد الضواحي فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل إذ انكشفت نمرته فنودي: يا محمد عورتك فذلك أول ما نودي والله أعلم. فما رؤيت له عورة بعد. وقال أبو الأحوص عن سماك بن حرب: إن إبراهيم صلى الله عليه وسلم بنى البيت وذكر الحديث إلى أن قال: فمر عليه الدهر فانهدم فبنته العمالقة فمر عليه الدهر فانهدم فبنته جرهم فمر عليه الدهر فانهدم فبنته قريش. وذكر في الحديث وضع النبي صلى الله عليه وسلم الحجر الأسود مكانه. وقال يونس عن ابن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم (1/69)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 70 عن عمرة عن عائشة قالت: ما زلنا نسمع أن إسافا ونائلة - رجل وامرأة من جرهم - زنيا في الكعبة فمسخا حجرين. وقال موسى بن عقبة: إنما حمل قريشا على بناء الكعبة أن السيل كان يأتي من فوقها من فوق الردم الذي صنعوه فأخربه فخافوا أن يدخلها الماء وكان رجل يقال له مليح سرق طيب الكعبة فأرادوا أن يشيدوا بناءها وأن يرفعوا بابها حتى لا يدخلها إلا من شاءوا فأعدوا لذلك نفقة وعمالا. وقال زكريا بن إسحاق: ثنا عمرو بن دينار أنه سمع جابرا يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينقل الحجارة للكعبة مع قريش وعليه إزار فقال له عمه العباس: يا ابن أخي لو حللت إزارك فجعلته على منكبك دون الحجارة ففعل ذلك فسقط مغشيا عليه فما رؤي بعد ذلك اليوم عريانا. متفق عليه. وأخرجاه أيضا من حديث ابن جريج. مسلم الزنجي عن ابن أبي نجيح عن أبيه قال: جلس رجال من (1/70)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 71 قريش فتذاكروا بنيان الكعبة فقالوا: كانت مبنية برضم يابس وكان بابها بالأرض ولم يكن لها سقف وإنما تدلى الكسوة على الجدر وتربط من أعلى الجدر من بطنها وكان في بطن الكعبة عن يمين الداخل جب يكون فيه ما يهدى للكعبة بنذر من جرهم وذلك أنه عدا على ذلك الجب قوم من جرهم فسرقوا ما به فبعث الله تلك الحية فحرست الكعبة وما فيها خمسمائة سنة إلى أن بنتها قريش وكان قرنا الكبش معلقين في بطنها مع معاليق من حلية. إلى أن قال: حتى بلغوا الأساس الذي رفع عليه إبراهيم وإسماعيل القواعد فرأوا حجارة كأنها الإبل الخلف لا يطيق الحجر منها ثلاثون رجلا يحرك الحجر منها فترتج جوانبها قد تشبك بعضها ببعض فأدخل الوليد بن المغيرة عتلة بين حجرين فانفلقت منه فلقة فأخذها رجل فنزت من يده حتى عادت في مكانها وطارت من تحتها برقة كادت أن تخطف أبصارهم ورجفت مكة بأسرها فأمسكوا. إلى أن قال: وقلت النفقة عن عمارة البيت فأجمعوا على أن يقصروا عن القواعد ويحجروا ما يقدرون ويتركوا بقيته في الحجر ففعلوا ذلك وتركوا ستة أذرع وشبرا ورفعوا بابها وكسوها بالحجارة حتى لا يدخلها السيل ولا (1/71)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 72 يدخلها إلا من أرادوا وبنوها بساف من حجارة وساف من خشب حتى انتهوا إلى موضع الركن فتنافسوا في وضعه. إلى أن قال: فرفعوها بمدماك حجارة ومدماك خشب حتى بلغوا السقف فقال لهم باقوم النجار الرومي: أتحبون أن تجعلوا سقفها مكبسا أو مسطحا؟ قالوا: بل مسطحا وجعلوا فيه ست دعائم في صفين وجعلوا ارتفاعها من ظاهرها ثمانية عشر ذراعا وقد كانت قبل تسعة أذرع وجعلوا درجة من خشب في بطنها يصعد منها إلى ظهرها وزوقوا سقفها وحيطانها من بطنها ودعائمها وصوروا فيها الأنبياء والملائكة والشجر وصوروا إبراهيم يستقسم بالأزلام وصوروا عيسى وأمه وكانوا أخرجوا ما في جب الكعبة من حلية ومال وقرني الكبش وجعلوه عند أبي طلحة العبدري وأخرجوا منها هبل فنصب عند المقام حتى فرغوا فأعادوا جميع ذلك ثم ستروها بحبرات يمانية. وفي الحديث عن ابن أبي نجيح عن أبيه عن حويطب بن عبد العزى وغيره: فلما كان يوم الفتح دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى البيت فأمر بثوب فبل بماء وأمر بطمس تلك الصور ووضع كفيه على صورة عيسى وأمه وقال: امحوا الجميع إلا ما تحت يدي. رواه الأزرقي. ابن جريج قال: سأل سليمان بن موسى الشامي عطاء بن أبي رباح (1/72)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 73 وأنا أسمع: أدركت في البيت تمثال مريم وعيسى؟ قال: نعم أدركت تمثال مريم مزوقا في حجرها عيسى قاعد وكان في البيت ستة أعمدة سواري وكان تمثال عيسى ومريم في العمود الذي يلي الباب فقلت لعطاء: متى هلك؟ قال في الحريق زمن ابن الزبير قلت: أعلى عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعني كان؟ قال: لا أدري وإني لأظنه قد كان على عهده. قال داود بن عبد الرحمن عن ابن جريج: ثم عاودت عطاء بعد حين فقال: تمثال عيسى وأمه في الوسطى من السواري. قال الأزرقي: ثنا داود العطار عن عمرو بن دينار قال: أدركت في الكعبة قبل أن تهدم تمثال عيسى وأمه قال داود: فأخبرني بعض الحجبة عن مسافع بن شيبة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يا شيبة امح كل صورة إلا ما تحت يدي قال: فرفع يده عن عيسى ابن مريم وأمه. قال الأزرقي عن سعيد بن سالم حدثني يزيد بن عياض بن جعدبة عن ابن شهاب: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة وفيها صور (1/73)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 74 الملائكة فرأى صورة إبراهيم فقال: قاتلهم الله جعلوه شيخا يستقسم بالأزلام ثم رأى صورة مريم فوضع يده عليها فقال: امحوا ما فيها إلا صورة مريم. ثم ساقه الأزرقي بإسناد آخر بنحوه وهو مرسل ولكن قول عطاء وعمرو ثابت وهذا أمر لم نسمع به إلى اليوم. وقال معمر عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبي الطفيل قال: لما بني البيت كان الناس ينقلون الحجارة والنبي صلى الله عليه وسلم معهم فأخذ الثوب فوضعه على عاتقه فنودي: (لا تكشف عورتك) فألقى الحجر ولبس ثوبه. رواه أحمد في مسنده. وقال عبد الرحمن بن عبد الله الدشتكي: ثنا عمرو بن أبي قيس عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس عن أبيه قال: (كنت أنا وابن أخي (1/74)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 75 ننقل الحجارة على رقابنا وأزرنا تحت الحجارة فإذا غشينا الناس ائتزرنا فبينا هو أمامي خر على وجهه منبطحا فجئت أسعى وألقيت حجري وهو ينظر إلى السماء فقلت: ما شأنك؟ فقام وأخذ إزاره وقال: نهيت أن أمشي عريانا فكنت أكتمها الناس مخافة أن يقولوا مجنون). رواه قيس بن الربيع بنحوه عن سماك. وقال حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند عن سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة عن علي - رضي الله عنه - قال: لما تشاجروا في الحجر أن يضعه أول من يدخل من هذا الباب فكان أول من دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: قد جاء الأمين. أخبرنا سليمان بن حمزة أنا محمد بن عبد الواحد أنا محمد بن أحمد أن فاطمة بنت عبد الله أخبرتهم أنبأ ابن بريدة أنبأ الطبراني ثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن معمر عن ابن خثيم عن أبي الطفيل قال: كانت الكعبة في الجاهلية مبنية بالرضم ليس فيها مدر وكانت قدر ما نقتحمها وكانت غير مسقوفة إنما توضع ثيابها عليها ثم تسدل عليها سدلا وكان الركن الأسود موضوعا على سورها باديا وكانت ذات ركنين كهيئة الحلقة فأقبلت سفينة من أرض الروم (1/75)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 76 فانكسرت بقرب جدة فخرجت قريش ليأخذوا خشبها فوجدوا رجلا روميا عندها فأخذوا الخشب وكانت السفينة تريد الحبشة وكان الرومي الذي في السفينة نجارا فقدموا به وبالخشب فقالت قريش: نبني بهذا الذي في السفينة بيت ربنا فلما أرادوا هدمه إذا هم بحية على سور البيت مثل قطعة الجائز سوداء الظهر بيضاء البطن فجعلت كلما دنا أحد إلى البيت ليهدم أو يأخذ من حجارته سعت إليه فاتحة فاها فاجتمعت قريش: عند المقام فعجوا إلى الله وقالوا: ربنا لم نرع أردنا تشريف بيتك وتزيينه فإن كنت ترضى بذلك وإلا فما بدا لك فافعل فسمعوا خوارا في السماء فإذا هم بطائر أسود الظهر أبيض البطن والرجلين أعظم من النسر فغرز مخلابه في رأس الحية حتى انطلق بها يجرها ذنبها أعظم من كذا وكذا ساقطا فانطلق بها نحو أجياد فهدمتها قريش وجعلوا يبنونها بحجارة الوادي تحملها قريش على رقابها فرفعوها في السماء عشرين ذراعا فبينا النبي - صلى الله عليه وسلم - يحمل حجارة من أجياد وعليه نمرة فضاقت عليه النمرة فذهب يضعها على عاتقه فبرزت عورته من صغر النمرة فنودي: يا محمد خمر عورتك فلم ير عريانا بعد ذلك. (1/76)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 77 وكان بين بنيان الكعبة وبين ما أنزل عليه خمس سنين. هذا حديث صحيح. وقد روى نحوه داود العطار عن ابن خثيم. ورواه محمد بن كثير المصيصي عن عبد الله بن واقد عن عبد الله ابن عثمان بن خثيم عن نافع بن سرجس قال: سألت أبا الطفيل فذكر نحوه. وقال عبد الصمد بن النعمان: حدثنا ثابت بن يزيد ثنا هلال بن خباب عن مجاهد عن مولاه أنه حدثه أنه كان فيمن يبني الكعبة في الجاهلية قال: ولي حجر أنا نحته بيدي أعبده من دون الله فأجيء باللبن الخاثر الذي أنفسه على نفسي فأصبه عليه فيجيء الكلب فيلحسه ثم يشغر فيبول فبنينا حتى بلغنا الحجر وما يرى الحجر منا أحد فإذا هو وسط حجارتنا مثل راس الرجل يكاد يتراءى منه وجه الرجل فقال بطن من قريش: نحن نضعه وقال آخرون: بل نحن نضعه. فقالوا: اجعلوا بينكم حكما. قالوا: أول رجل يطلع من الفج فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: أتاكم الأمين فقالوا له فوضعه في ثوب ثم دعا بطونهم فأخذوا بنواحيه معه فوضعه هو. اسم مولى مجاهد: السائب بن عبد الله. (1/77)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 78 وقال إسرائيل عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو قال: كان البيت قبل الأرض بألفي سنة {وإذا الأرض مدت} قال: من تحته مدا. وروى نحوه عن منصور عن مجاهد. (1/78)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 79

ومما عصم الله به محمدا صلى الله عليه وسلم من أمر الجاهلية إن قريشا كانوا يسمون الحمس يعني الأشداء الأقوياء وكانوا يقفون في الحرم بمزدلفة ولا يقفون مع الناس بعرفة يفعلون ذلك رياسة وبأوا وخالفوا بذلك شعائر إبراهيم - عليه السلام - في جملة ما خالفوا. فروى البخاري ومسلم من حديث جبير بن مطعم قال: أضللت بعيرا لي يوم عرفة فخرجت أطلبه بعرفة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم واقفا مع الناس بعرفة فقلت: هذا من الحمس فما شأنه هاهنا. وقال ابن إسحاق: حدثني محمد بن عبد الله بن قيس بن مخرمة عن الحسن بن محمد بن الحنفية عن أبيه عن جده سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما هممت بقبيح مما يهم به أهل الجاهلية مرتين عصمني الله فيهما قلت ليلة لفتى من قريش: أبصر لي غنمي حتى أسمر هذه الليلة بمكة كما تسمر الفتيان. قال: نعم فخرجت حتى جئت أدنى دار من دور (1/79)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 80 مكة فسمعت غناء وصوت دفوف ومزامير فقلت: ما هذا؟ قالوا: فلان تزوج فلهوت بذلك حتى غلبتني عيني فنمت فما أيقظني إلا مس الشمس فرجعت إلى صاحبي ثم فعلت ليلة أخرى مثل ذلك فوالله ما هممت بعدها بسوء مما يعمله أهل الجاهلية حتى أكرمني الله بنبوته وروى مسعر عن العباس بن ذريح عن زياد النخعي ثنا عمار ابن ياسر أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل أتيت في الجاهلية شيئا حراما؟ قال: لا وقد كنت معه على ميعادين أما أحدهما فحال بيني وبينه سامر قومي والآخر غلبتني عيني أو كما قال. وقال ابن سعد: أنا محمد بن عمر ثنا أبو بكر بن أبي سبرة عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة عن ابن عباس قال: حدثتني أم أيمن قالت: كان بوانة صنما تحضره قريش تعظمه وتنسك له النساك ويحلقون رؤوسهم عنده ويعكفون عنده يوما في السنة وكان أبو طالب يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحضر ذلك العيد فيأبى حتى رأيت أبا طالب غضب ورأيت عماته غضبن يومئذ أشد الغضب وجعلن يقلن: إنا نخاف عليك مما تصنع من اجتناب آلهتنا فلم يزالوا به (1/80)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 81 حتى ذهب فغاب عنهم ما شاء الله ثم رجع إلينا مرعوبا فقلن: ما دهاك؟ قال: إني أخشى أن يكون لي لمم فقلن: ما كان الله ليبتليك بالشيطان وفيك من خصال الخير ما فيك فما الذي رأيت؟ قال: إني كلما دنوت من صنم منها تمثل لي رجل أبيض طويل يصيح: (وراءك يا محمد لا تمسه) قالت: فما عاد إلى عيد لهم حتى نبئ. وقال أبو أسامة: ثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أسامة بن زيد عن أبيه قال: كان صنم من نحاس يقال له إساف أو نائلة بتمسح المشركون به إذا طافوا فطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وطفت معه فلما مررت مسحت به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تمسه قال زيد: فطفنا فقلت في نفسي: لأمسنه حتى أنظر ما يكون فمسحته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم تنه. هذا حديث حسن. وقد زاد فيه بعضهم عن محمد بن عمرو بإسناده: قال زيد فوالله ما استلم صنما حتى أكرمه الله بالذي أنزل عليه. وقال جرير بن عبد الحميد عن سفيان الثوري عن عبد الله بن (1/81)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 82 محمد بن عقيل عن جابر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم شهد مع المشركين مشاهدهم فسمع ملكين خلفه وأحدهما يقول لصاحبه: اذهب بنا حتى نقوم خلف رسول الله فقال: كيف نقوم خلفه وإنما عهده باستلام الأصنام قبيل؟ قال: فلم يعد بعد ذلك أن يشهد مع المشركين مشاهدهم تفرد به جرير وما أتى به عنه سوى شيخ البخاري عثمان بن أبي شيبة. وهو منكر. وقال إبراهيم بن طهمان ثنا بديل بن ميسرة عن عبد الكريم عن عبد الله بن شقيق عن أبيه عن عبد الله بن أبي الحمساء قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعا قبل أن يبعث فبقيت له بقية فوعدته أن آتيه بها في مكانه ذلك. قال: فنسيت يومي والغد فأتيته في اليوم الثالث فوجدته في مكانه فقال: يا فتى لقد شققت علي أنا هاهنا منذ ثلاث أنتظرك. أخرجه أبو داود. وأخبرنا الخضر بن عبد الرحمن الأزدي أنبأ أبو محمد بن البن أنا جدي أنا أبو القاسم علي بن أبي العلاء أنا عبد الرحمن بن أبي نصر أنا علي بن أبي العقب أنا أحمد بن إبراهيم ثنا محمد بن عائذ حدثني الوليد أخبرني معاوية بن سلام عن جده أبي سلام الأسود عمن حدثه (1/82)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 83 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بينا أنا بأعلى مكة إذا براكب عليه سواد فقال: هل بهذه القرية رجل يقال له أحمد؟ فقلت ما بها أحمد ولا محمد غيري فضرب ذراع راحلته فاستناخت ثم أقبل حتى كشف عن كتفي حتى نظر إلى الخاتم الذي بين كتفي فقال: أنت نبي الله؟ قلت: ونبي أنا؟ قال: نعم. قلت: بم أبعث؟ قال بضرب أعناق قومك قال: فهل من زاد؟ فخرجت حتى أتيت خديجة فأخبرتها فقالت: حريا أو خليقا أن لا يكون ذلك فهي أكبر كلمة تكلمت بها في أمري فأتيته بالزاد فأخذه وقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى زودني نبي الله صلى الله عليه وسلم طعاما وحمله لي في ثوبه. (1/83)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 84 فارغة. (1/84)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 85

ذكر زيد بن عمرو بن نفيل قال موسى بن عقبة: أخبرني سالم أنه سمع أباه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه لقي زيد بن عمرو بن نفيل أسفل بلدح وذلك قبل الوحي فقدم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرة فيها لحم فأبى أن يأكل وقال: لا آكل مما يذبحون على أنصابهم أنا لا آكل إلا مما ذكر اسم الله (1/85)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 86 عليه. رواه البخاري ؛ وزاد في آخره: فكان يعيب على قريش ذبائحهم ويقول: الشاة خلقها الله وأنزل لها من السماء الماء وأنبت لها من الأرض ثم تذبحونها على غير اسم الله؟ إنكارا لذلك وإعظاما له. ثم قال البخاري: قال موسى: حدثني سالم بن عبد الله ولا أعلمه إلا تحدث به عن ابن عمر: أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشام يسأل عن الدين ويتبعه فلقي عالما من اليهود فسأله عن دينهم فقال: إني لعلي أن أدين دينكم قال: إنك لا تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله. قال زيد: ما أفر إلا من غضب الله ولا أحمل من غضب الله شيئا أبدا وأني أستطيعه فهل تدلني على غيره؟ قال: ما أعلمه إلا أن يكون حنيفا. قال: وما الحنيف؟ قال دين إبراهيم لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ولا يعبد إلا الله فخرج زيد فلقي عالما من النصارى فذكر له مثله فقال: لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من لعنة الله قال: ما أفر إلا من لعنة الله فقال له كما قال اليهودي فلما رأى زيد قولهم في إبراهيم خرج (1/86)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 87 فلما برز رفع يديه فقال: اللهم إني أشهدك أني على دين إبراهيم. هكذا أخرجه البخاري. وقال عبد الوهاب الثقفي: ثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن عن أسامة بن زيد عن أبيه قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما حارا وهو مردفي إلى نصب من الأنصاب وقد ذبحنا له شاة فأنضجناها فلقينا زيد بن عمرو بن نفيل فحيا كل واحد منهما صاحبه بتحية الجاهلية فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا زيد ما لي أرى قومك قد شنفوا لك؟ قال: والله يا محمد إن ذلك لبغير نائلة ترة لي فيهم ولكني خرجت أبتغي هذا الدين حتى أقدم على أحبار فدك فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به فقلت: ما هذا بالدين الذي أبتغي فقدمت الشام فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به فخرجت فقال لي شيخ منهم: إنك تسأل عن دين ما نعلم أحدا يعبد الله به إلا شيخ بالجزيرة فأتيته فلما رآني قال: ممن أنت؟ قلت: من أهل بيت الله قال: من أهل الشوك والقرظ؟ إن (1/87)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 88 الذي تطلب قد ظهر ببلادك قد بعث نبي قد طلع نجمه وجميع من رأيتهم في ضلال قال: فلم أحس بشيء. قال: فقرب إليه السفرة فقال: ما هذا يا محمد؟ قال: شاة ذبحت للنصب. قال: ما كنت لآكل مما لم يذكر اسم الله عليه قال: فتفرقا. وذكر باقي الحديث. وقال الليث عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر قالت: لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائما مسندا ظهره إلى الكعبة يقول: يا معشر قريش والله ما منكم أحد على دين إبراهيم غيري وكان يحيي الموءودة يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته: مه ! لا تقتلها أنا أكفيك مؤونتها فيأخذها فإذا ترعرعت قال لأبيها: إن شئت دفعتها إليك وإن شئت كفيتك مؤونتها. هذا حديث صحيح. وقال محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أسامة بن زيد عن أبيه أن زيد بن عمرو بن نفيل مات ثم أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه يبعث يوم القيامة أمة وحده. إسناده حسن. أنبئت عن أبي الفخر أسعد أخبرتنا فاطمة أنا ابن ريدة أنا (1/88)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 89 الطبراني أنا علي بن عبد العزيز أنا عبد الله بن رجاء أنا المسعودي عن نفيل بن هشام بن سعيد بن زيد عن أبيه عن جده قال: خرج أبي وورقة بن نوفل يطلبان الدين حتى مرا بالشام فأما ورقة فتنصر وأما زيد فقيل له: إن الذي تطلب أمامك فانطلق حتى أتى الموصل فإذا هو براهب فقال: من أين أقبل صاحب الراحلة؟ قال: من بيت إبراهيم قال: ما تطلب؟ قال: الدين فعرض عليه النصرانية فأبى أن يقبل وقال: لا حاجة لي فيه قال: أما إن الذي تطلب سيظهر بأرضك فأقبل وهو يقول: لبيك حقا..... تعبدا ورقا) (البر أبغى لا الخال..... وما مهجر كمن قال) (عذت بما عاذ به إبراهيم .......... (أنفي لك اللهم عان راغم..... مهما تجشمني فإني جاشم) (1/89)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 90 ثم يخر فيسجد للكعبة. قال: فمر زيد بالنبي صلى الله عليه وسلم ويزيد بن حارثة وهما يأكلان من سفرة لهما فدعياه فقال: يا بن أخي لا آكل مما ذبح على النصب قال: فما رؤي النبي صلى الله عليه وسلم يأكل مما ذبح على النصب من يومه ذاك حتى بعث. قال: وجاء سعيد بن زيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم: فقال: يا رسول الله إن زيدا كان كما رأيت أو كما بلغك فاستغفر له قال: نعم فاستغفروا له فإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده. وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: كانت قريش حين بنوا الكعبة يتوافدون على كسوتها كل عام تعظيما لحقها وكانوا يطوفون بها ويستغفرون الله عندها ويذكرونه مع تعظيم الأوثان والشرك في ذبائحهم ودينهم كله. وقد كان نفر من قريش: زيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل وعثمان بن الحويرث بن أسد وهو ابن عم ورقة وعبيد الله بن جحش بن رئاب وأمه أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم حضروا قريشا عند وثن لهم كانوا يذبحون عنده لعيد من أعيادهم فلما اجتمعوا خلا بعض أولئك النفر إلى بعض وقالوا: تصادقوا وليكتم بعضكم على بعض فقال قائلهم: تعلمن والله ما قومكم على شيء لقد أخطأوا دين إبراهيم وخالفوه وما (1/90)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 91 وثن يعبد لا يضر ولا ينفع فابتغوا لأنفسكم فخرجوا يطلبون ويسيرون في الأرض يلتمسون أهل الكتاب من اليهود والنصارى والملل كلها يتبعون الحنيفية دين إبراهيم فأما ورقة فتنصر ولم يكن منهم أعدل شأنا من زيد ابن عمرو اعتزل الأوثان وفارق الأديان إلا دين إبراهيم. وقال الباغندي: حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو معاوية عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دخلت الجنة فرأيت لزيد بن عمرو بن نفيل دوحتين. وقال البكائي عن ابن إسحاق: حدثني هشام عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر قالت: لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل شيخا كبيرا مسندا ظهره إلى الكعبة وهو يقول: يا معشر قريش والذي نفسي بيده ! ما أصبح منكم أحد على دين إبراهيم غيري ثم يقول: اللهم لو أعلم أي الوجوه أحب إليك عبدتك به ثم يسجد على راحلته. قال ابن إسحاق: فقال زيد في فراق دين قومه: أربا واحدا أم ألف رب..... أدين إذا تقسمت الأمور) (عزلت اللات والعزى جميعا..... كذلك يفعل الجلد الصبور) في أبيات. (1/91)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 92 قال ابن إسحاق: وكان الخطاب بن نفيل عمه وأخوه لأمه يعاتبه ويؤذيه حتى أخرجه إلى أعلى مكة فنزل حراء مقابل مكة فإذا دخل مكة سرا آذوه وأخرجوه كراهية أن يفسد عليهم دينهم وأن يتابعه أحد. ثم خرج يطلب دين إبراهيم فجال الشام والجزيرة. إلى أن قال ابن إسحاق: فرد إلى مكة حتى إذا توسط بلاد لخم عدوا عليه فقتلوه. باب أخبرتنا ست الأهل بنت علوان أنبأنا البهاء عبد الرحمن أنا منوجهر ابن محمد أنا هبة الله بن أحمد حدثنا الحسين بن علي بن بطحا أنبأ محمد بن الحسين الحراني ثنا محمد بن سعيد الرسعني ثنا المعافى بن سليمان ثنا فليح عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة فقال: أجل والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا} وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب بالأسواق ولا يدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويغفر ولن يقبضه الله (1/92)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 93 حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله فيفتح بها أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا. قال عطاء: ثم لقيت كعب الأحبار فسألته فما اختلفا في حرف إلا أن كعبا يقول بلغته: (أعينا عموما وآذانا صموما وقلوبا غلوقا). أخرجه البخاري عن العوفي عن فليح. وقد رواه سعيد بن أبي هلال عن هلال بن أسامة عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن سلام فذكر نحوه. ثم قال عطاء: وأخبرني أبو واقد الليثي أنه سمع كعب الأحبار يقول مثل ما قال ابن سلام. قلت: وهذا أصح فإن عطاء لم يدرك كعبا. وروى نحوه أبو غسان محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم أن عبد الله بن سلام قال: صفة النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة وذكر الحديث وروى عطاء بن السائب عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود عن أبيه: إن الله ابتعث نبيه لإدخال رجل الجنة فدخل الكنيسة فإذا هو بيهود وإذا بيهودي يقرأ التوراة فلما أتوا على صفة النبي صلى الله عليه وسلم أمسكوا وفي ناحية الكنيسة رجل مريض فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما لكم أمسكتم؟) قال (1/93)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 94 المريض: أتوا على صفة نبي فأمسكوا ثم جاء المريض يحبو حتى أخذ التوراة فقرأ حتى أتى على صفة النبي صلى الله عليه وسلم وأمته فقال: هذه صفتك وأمتك أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لوا أخاكم. أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده. أخبرنا جماعة عن ابن اللتي أن أبا الوقت أخبره أنا الداودي أنا ابن حمويه أنا عيسى السمرقندي أنا الدارمي أنبأ مجاهد بن موسى حدثنا معن بن عيسى حدثنا معاوية بن صالح عن أبي فروة عن ابن عباس أنه سأل كعبا: كيف تجد نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة؟ قال: نجده محمد ابن عبد الله يولد بمكة ويهاجر إلى طابة ويكون ملكه بالشام وليس بفحاش ولا سخاب في الأسواق ولا يكافئ بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر أمته الحمادون يحمدون الله في كل سراء ويكبرون الله على كل نجد يوضئون أطرافهم ويأتزرون في أوساطهم يصفون في صلاتهم كما يصفون في قتالهم دويهم في مساجدهم كدوي النحل يسمع مناديهم في جو السماء. قلت: يعني الأذان. وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق حدثني محمد بن ثابت بن شرحبيل عن أم الدرداء قالت: قلت لكعب الحبر: كيف تجدون صفة النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة. فذكر نحو حديث عطاء. (1/94)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 95

باب قص سلمان الفارسي قال ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر عن محمود بن لبيد (1/95)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 96 عن ابن عباس. حدثني سلمان الفارسي قال: كنت رجلا من أهل فارس من أهل إصبهان من قرية يقال لها جي وكان أبي دهقان أرضه وكان يحبني حبا شديدا لم يحبه شيئا من ماله ولا ولده فما زال به حبه إياي حتى حبسني في البيت كما تحبس الجارية واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار التي يوقدها فلا أتركها تخبو ساعة فكنت لذلك لا أعلم من أمر الناس شيئا إلا ما أنا فيه حتى بنى أبي بنيانا له وكانت له ضيعة فيها بعض العمل فدعاني فقال: أي بني إنه قد شغلني ما ترى من بنياني عن ضيعتي هذه ولا بد لي من اطلاعها فانطلق إليها فمرهم بكذا وكذا ولا تحتبس علي فإنك إن احتبست عني شغلني ذلك عن كل شيء فخرجت أريد ضيعته فمررت بكنيسة للنصارى فسمعت أصواتهم فقلت: ما هذا؟ قالوا: النصارى فدخلت فأعجبني حالهم فوالله ما زلت جالسا عندهم حتى غربت الشمس. وبعث أبي في طلبي في كل وجه حتى جئته حين أمسيت ولم أذهب (1/96)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 97 إلى ضيعته فقال: أين كنت؟ فقلت: مررت بالنصارى فأعجبني صلاتهم ودعاؤهم فجلست أنظر كيف يفعلون. قال: أي بني دينك ودين آبائك خير من دينهم فقلت: لا والله ما هو بخير من دينهم هؤلاء قوم يعبدون الله ويدعونه ويصلون له نحن نعبد نارا نوقدها بأيدينا إذا تركناها ماتت فخاف فجعل في رجلي حديدا وحبسني فبعثت إلى النصارى فقلت: أين أصل هذا الدين الذي أراكم عليه؟ قالوا: بالشام فقلت: فإذا قدم عليكم من هناك ناس فآذنوني قالوا: نفعل فقدم عليهم ناس من تجارهم فآذنوني بهم فطرحت الحديد من رجلي ولحقت بهم فقدمت معهم الشام فقلت: من أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا: الأسقف صاحب الكنيسة فجئته فقلت: إني قد أحببت أن أكون معك في كنيستك وأعبد الله فيها معك وأتعلم منك الخير قال: فكن معي قال: فكنت معه فكان رجل سوء يأمر بالصدقة ويرغبهم فيها فإذا جمعوها له اكتنزها ولم يعطها المساكين فأبغضته بغضا شديدا لما رأيت من حاله فلم ينشب أن مات فلما جاءوا ليدفنوه قلت لهم: هذا رجل (1/97)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 98 سوء كان يأمركم بالصدقة ويتكنزها قالوا: وما علامة ذلك؟ قلت: أنا أخرج إليكم كنزه فأخرجت لهم سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا فلما رأوا ذلك قالوا: والله لا يدفن أبدا فصلبوه ورموه بالحجارة وجاءوا برجل فجعلوه مكانه ولا والله يا بن عباس ما رأيت رجلا قط لا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه وأشد اجتهادا ولا أزهد في الدنيا ولا أدأب ليلا ونهارا وما أعلمني أحببت شيئا قط قبله حبه فلم أزل معه حتى حضرته الوفاة فقلت: قد حضرك ما ترى من أمر الله فماذا تأمرني وإلى من توصيني؟ قال لي: أي بني والله ما أعلمه إلا رجلا بالموصل فأته فإنك ستجده على مثل حالي. فلما مات لحقت بالموصل فأتيت صاحبها فوجدته على مثل حاله من الاجتهاد والزهد فقلت له: إن فلانا أوصى بي إليك. قال: فأقم أي بني فأقمت عنده على مثل أمر صاحبه حتى حضرته الوفاة فقلت: إن فلانا أوصى بي إليك وقد حضرك من أمر الله ما ترى فإلى (1/98)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 99 من توصيني؟ قال: والله ما أعلمه إلا رجلا بنصيبين فلما دفناه لحقت بالآخر فأقمت عنده على مثل حالهم حتى حضره الموت فأوصى بي إلى رجل من عمورية بالروم فأتيته فوجدته على مثل حالهم فأقمت عنده واكتسبت حتى كانت لي غنيمة وبقيرات ثم احتضر فكلمته فقال: أي بني والله ما أعلم بقي أحد على مثل ما كنا عليه ولكن قد أظلك زمان نبي يبعث من الحرم مهاجره بين حرتين أرض سبخة ذات نخل وإن فيه علامات لا تخفى بين كتفيه خاتم النبوة يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة فإن استطعت أن تخلص إلى تلك البلاد فافعل فإنه قد أظلك زمانه فلما واريناه أقمت حتى مر بي رجال من تجار العرب من كلب فقلت: لهم: تحملوني إلى أرض العرب وأنا (1/99)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 100 أعطيكم غنيمتي هذه وبقراتي؟ قالوا: نعم فأعطيتهم إياها وحملوني حتى إذا جاءوا بي وادي القرى ظلموني فباعوني عبدا من رجل يهودي بوادي القرى فوالله لقد رأيت النخل وطمعت أن يكون البلد الذي نعت لي صاحبي وما حقت عندي حتى قدم رجل من بني قريظة فابتاعني فخرج بي حتى قدمنا المدينة فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفت نعتها فأقمت في رقي. وبعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم بمكة لا يذكر لي شيء من أمره مع ما أنا فيه من الرق حتى قدم قباء وأنا أعمل لصاحبي في نخله فوالله إني لفيها إذ جاء ابن عم له فقال: يا فلان قاتل الله بني قيلة والله إنهم الآن مجتمعون على رجل جاء من مكة يزعمون أنه نبي فوالله ما هو إلا أن سمعتها فأخذتني العرواء - يقول الرعدة - حتى ظننت لأسقطن على صاحبي ونزلت أقول: ما هذا الخبر؟ فرفع مولاي يده فلكمني لكمة شديدة وقال: ما لك ولهذا أقبل على عملك. فقلت: لا شيء إنما سمعت خبرا فأحببت أن أعلمه فلما أمسيت وكان عندي شيء من طعام فحملته وذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء فقلت له: بلغني أنك رجل صالح وأن معك أصحابا لك غرباء وقد كان عندي شيء للصدقة (1/100)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 101 فرأيتكم أحق من بهذه البلاد فهاكها فكل منه فأمسك وقال لأصحابه: كلوا فقلت في نفسي هذه واحدة ثم رجعت وتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فجمعت شيئا ثم جئته به فقلت: هذا هدية فأكل وأكل أصحابه فقلت: هذه خلتان ثم جئته وهو يتبع جنازة وعلي شملتان لي وهو في أصحابه فاستدرت لأنظر إلى الخاتم فلما رآني استدبرته عرف أني أستثبت شيئا وصف لي فوضع رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم بين كتفيه كما وصف لي صاحبي فأكببت عليه أقبله وأبكي فقال: تحول يا سلمان هكذا فتحولت فجلست بين يديه وأحب أن يسمع أصحابه حديثي عنه فحدثته يا بن عباس كما حدثتك. فلما فرغت قال: كاتب يا سلمان فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له وأربعين أوقية فأعانني أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (1/101)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 102 بالنخل ثلاثين ودية وعشرين ودية وعشرا فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرها فإذا فرغت فآذني حتى أكون أنا الذي أضعها بيدي. ففقرتها وأعانني أصحابي يقول حفرت لها بموضع حيث توضع حتى فرغنا منها وخرج معي فكنا نحمل إليه الودي فيضعه بيده ويسوي عليها فوالذي بعثه ما مات منها ودية واحدة. وبقيت علي الدراهم فأتاه رجل من بعض المعادن بمثل البيضة من الذهب فقال: أين الفارسي؟ فدعيت له فقال: خذ هذه فأد بها ما عليك (قلت: يا رسول الله وأين تقع هذه مما علي؟ قال: فإن الله سيؤدي بها عنك) فوالذي نفس سلمان بيده لوزنت لهم منها أربعين أوقية فأديتها إليهم وعتق سلمان وحبسني الرق حتى فاتتني بدر وأحد ثم شهدت الخندق ثم لم يفتني معه مشهد. (1/102)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 103 قوله: قطن النار جمع قاطن أي مقيم عندها أو هو مصدر كرجل صوم وعدل. وقال يونس بن بكير وغيره عن ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة حدثني من سمع عمر بن عبد العزيز قال: وجدت هذا من حديث سلمان قال: حدثت عن سلمان: أن صاحب عمورية قال له لما احتضر: إئت غيضتين من أرض الشام فإن رجلا يخرج من إحداهما إلى الأخرى في كل سنة ليلة يعترضه ذوو الأسقام فلا يدعو لأحد به مرض إلا شفي فسله عن هذا الدين دين إبراهيم فخرجت حتى أقمت بها سنة حتى خرج تلك الليلة وإنما كان يخرج مستجيزا فخرج وغلبني عليه الناس حتى دخل في الغيضة حتى ما بقي إلا منكبه فأخذت به فقلت: رحمك الله الحنيفية دين إبراهيم؟ فقال: تسأل عن شيء ما سأل عنه الناس اليوم قد أظلك نبي يخرج عند أهل هذا البيت بهذا (1/103)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 104 الحرم ويبعث بسفك الدم فلما ذكر ذلك سلمان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لئن كنت صدقتني يا سلمان لقد رأيت حواري عيسى ابن مريم عليه السلام. وقال مسلمة بن علقمة المازني: ثنا داود بن أبي هند عن سماك بن حرب عن سلامة العجلي قال: جاء ابن أخت لي من البادية يقال له قدامة فقال: أحب أن ألقى سلمان الفارسي فأسلم عليه فخرجنا إليه فوجدناه بالمدائن وهو يومئذ على عشرين ألفا ووجدناه على سرير يشق خوصا فسلمنا عليه فقلت: يا أبا عبد الله هذا ابن أخت لي قد قدم علي من البادية فأحب أن يسلم عليك قال: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته. قلت: يزعم أنه يحبك قال: أحبه الله فتحدثنا وقلنا: يا أبا عبد الله ألا تحدثنا عن أصلك؟ قال: أما أصلي فأنا من أهل رامهرمز كنا قوما مجوسا فأتى رجل نصراني من أهل الجزيرة كانت أمه منا فنزل فينا واتخذ فينا ديرا وكنت من كتاب الفارسية فكان لا يزال غلام معي في الكتاب يجيء مضروبا (1/104)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 105 يبكي قد ضربه أبواه فقلت له يوما: ما يبكيك؟ قال: يضربني أبواي. قلت: ولم يضربانك؟ فقال: آتي صاحب هذا الدير فإذا علما ذلك ضرباني وأنت لو أتيته سمعت منه حديثا عجبا. قلت: فاذهب بي معك فأتيناه فحدثنا عن بدء الخلق وعن الجنة والنار فحدثنا بأحاديث عجب فكنت أختلف إليه معه وفطن لنا غلمان من الكتاب فجعلوا يجيئون معنا فلما رأى ذلك أهل القرية أتوه فقالوا: يا هناه إنك قد جاورتنا فلم تر من جوارنا إلا الحسن وإنا نرى غلماننا يختلفون إليك ونحن نخاف أن تفسدهم علينا أخرج عنا. قال: نعم. فقال لذلك الغلام الذي كان يأتيه: أخرج معي. قال: لا أستطيع ذلك. قلت: أنا أخرج معك وكنت يتيما لا أب لي فخرجت معه فأخذنا جبل رامهرمز فجعلنا نمشي ونتوكل ونأكل من ثمر الشجر فقدمنا نصيبين. (1/105)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 106 فقال لي صاحبي: يا سلمان إن هاهنا قوما هم عباد أهل الأرض فأنا أحب أن ألقاهم. قال: فجئناهم يوم الأحد وقد اجتمعوا فسلم عليهم صاحبي فحيوه وبشوا به. وقالوا: أين كانت غيبتك؟ فتحدثنا ثم قال: قم يا سلمان فقلت: لا دعني مع هؤلاء. قال: إنك لا تطيق ما يطيقون هؤلاء يصومون من الأحد إلى الأحد ولا ينامون هذا الليل وإذا فيهم رجل من أبناء الملوك ترك الملك ودخل في العبادة فكنت فيهم حتى أمسينا فجعلوا يذهبون واحدا واحدا إلى غاره الذي يكون فيه فلما أمسينا قال ذاك الرجل الذي من أبناء الملوك: هذا الغلام لا تضيعوه ليأخذه رجل منكم فقالوا: خذه أنت فقال لي: هلم فذهب بي إلى غاره وقال لي: هذا خبز وهذا أدم فكل إذا غرثت وصم إذا نشطت وصل ما بدا لك ونم إذا كسلت ثم قام في صلاته فلم يكلمني فأخذني الغم تلك السبعة الأيام (1/106)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 107 لا يكلمني أحد حتى كان الأحد وانصرف إلي فذهبنا إلى مكانهم الذي يجتمعون فيه في الأحد فكانوا يفطرون فيه ويلقى بعضهم بعضا ويسلم بعضهم على بعض ثم لا يلتقون إلى مثله قال: فرجعنا إلى منزلنا فقال لي مثل ما قال أول مرة ثم لم يكلمني إلى الأحد الآخر فحدثت نفسي بالفرار فقلت: اصبر أحدين أو ثلاثة فلما كان الأحد واجتمعوا قال لهم: إني أريد بيت المقدس. فقالوا: ما تريد إلى ذلك؟ قال: لا عهد لي به. قالوا: إنا نخاف أن يحدث بك حدث فيليك غيرنا قال: فلما سمعته يذكر ذلك خرجت فخرجنا أنا وهو فكان يصوم من الأحد إلى الأحد ويصلي الليل كله ويمشي بالنهار فإذا نزلنا قام يصلي فأتينا بيت المقدس وعلى الباب مقعد يسأل فقال: أعطني قال: ما معي شيء فدخلنا بيت المقدس فلما رأوه بشوا إليه واستبشروا به فقال لهم: غلامي هذا فاستوصوا به فانطلقوا بي فأطعموني خبزا ولحما ودخل في الصلاة فلم ينصرف إلى الأحد الآخر ثم انصرف فقال: يا (1/107)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 108 سلمان إني أريد أن أضع رأسي فإذا بلغ الظل مكان كذا فأيقظني فبلغ الظل الذي قال فلم أوقظه مأواة له مما دأب من اجتهاده ونصبه فاستيقظ مذعورا فقال يا سلمان ألم أكن قلت لك: إذا بلغ الظل مكان كذا فأيقظني؟ قلت: بلى ولكن إنما منعني مأواة لك من دأبك. قال: ويحك إني أكره أن يفوتني شيء من الدهر لم أعمل لله فيه خيرا ثم قال: اعلم أن أفضل دين اليوم النصرانية قلت: ويكون بعد اليوم دين أفضل من النصرانية - كلمة ألقيت على لساني -. قال: نعم يوشك أن يبعث نبي يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة وبين كتفيه خاتم النبوة فإذا أدركته فاتبعه وصدقه. قلت: وإن أمرني أن أدع النصرانية؟ قال: نعم فإنه لا يأمر إلا بحق ولا يقول إلا حقا والله لو أدركته ثم أمرني أن أقع في النار لوقعت فيها. ثم خرجنا من بيت المقدس فممرنا على ذلك المقعد فقال له: دخلت فلم تعطني وهذا تخرج فأعطني فالتفت فلم ير حوله أحدا قال: أعطني يدك فأخذ بيده فقال: قم بإذن الله فقام صحيحا سويا فتوجه نحو أهله فأتبعته بصري تعجبا مما رأيت وخرج صاحبي مسرعا وتبعته فتلقاني رفقة من كلب فسبوني فحملوني على بعير وشدوني وثاقا (1/108)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 109 فتداولني البياع حتى سقطت إلى المدينة فاشتراني رجل من الأنصار فجعلني في حائط له ومن ثم تعلمت عمل الخوص أشتري بدرهم خوصا فأعمله فأبيعه بدرهمين فأنفق درهما أحب أن آكل من عمل يدي وهو يومئذ أمير على عشرين ألفا. قال فبلغنا ونحن بالمدينة أن رجلا قد خرج بمكة يزعم أن الله أرسله فمكثنا ما شاء الله أن نمكث فهاجر إلينا فقلت: لأجربنه فذهبت فاشتريت لحم خروف بدرهم ثم طبخته فجعلت قصعة من ثريد فاحتملتها حتى أتيته بها على عاتقي حتى وضعتها بين يديه. فقال: أصدقة أم هدية؟ قلت: صدقة. فقال لأصحابه: كلوا باسم الله وأمسك ولم يأكل فمكثت أياما ثم اشتريت لحما فأصنعه أيضا وأتيته به فقال: ما هذه؟ قلت: هدية. فقال لأصحابه: كلوا باسم الله وأكل معهم قال: فنظرت فرأيت بين كتفيه خاتم النبوة مثل بيضة الحمامة فأسلمت ثم قلت له: يا رسول الله أي قوم النصارى؟ قال: لا خير فيهم ثم سألته (1/109)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 110 بعد أيام قال: لا خير فيهم ولا فيمن يحبهم قلت في نفسي: فأنا والله أحبهم قال: وذاك حين بعث السرايا وجرد السيف فسرية تدخل وسرية تخرج والسيف يقطر. قلت يحدث لي الآن أني أحبهم فيبعث فيضرب عنقي فقعدت في البيت فجاءني الرسول ذات يوم فقال: يا سلمان أجب قلت: هذا والله الذي كنت أحذر فانتهيت إلى رسول الله فتبسم وقال: أبشر يا سلمان فقد فرج الله عنك ثم تلا علي هؤلاء الآيات {الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون} إلى قوله {أولئك يؤتون أجرهم مرتين} قلت: والذي بعثك بالحق لقد سمعته يقول: لو أدركته فأمرني أن أقع في النار لوقعتها. هذا حديث منكر غريب والذي قبله أصح وقد تفرد مسلمة بهذا وهو ممن احتج به مسلم ووثقه ابن معين وأما أحمد بن حنبل (1/110)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 111 فضعفه رواه قيس بن حفص الدارمي شيخ البخاري عنه. وقال عبد الله بن عبد القدوس: حدثنا عبيد المكتب نا أبو الطفيل حدثني سلمان قال: كنت من أهل جي وكان أهل قريتي يعبدون الخيل البلق فكنت أعرف أنهم ليسوا على شيء فقيل لي: إن الدين الذي تطلب بالمغرب فخرجت حتى أتيت الموصل فسألت عن أفضل رجل بها فدللت على رجل في صومعة ثم ذكر نحوه. كذا قال الطبراني قال وقال في آخره: فقلت لصاحبي: بعني نفسي قال: على أن تنبت لي مائة نخلة فإذا نبتن جئتني بوزن نواة من ذهب فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: اشتر نفسك بالذي سألك وائتني بدلو من ماء النهر الذي كنت تسقي منه ذلك النخل قال: فدعا لي ثم سقيتها فوالله لقد غرست مائة فما غادرت منها نخلة إلا نبتت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته أن النخل قد نبتن فأعطاني قطعة من ذهب فانطلقت بها فوضعتها في كفة الميزان ووضع في الجانب الآخر نواة قال: فوالله ما استعلت القطعة الذهب من الأرض قال: وجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأعتقني. (1/111)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 112 علي بن عاصم أنا حاتم بن أبي صغيرة عن سماك بن حرب عن زيد بن صوحان أن رجلين من أهل الكوفة كانا صديقين (لزيد بن صوحان أتياه يكلم لهما سلمان أن يحدثهما بحديثه كيف كان إسلامه فأقبلا معه حتى لقوا سلمان رضي الله عنه وهو بالمدائن أميرا عليها وإذا هو على كرسي قاعد وإذا خوص بين يديه وهو يشقه قالا: فسلمنا وقعدنا فقال له زيد: يا أبا عبد الله إن هذين لي صديقان) ولهما أخ وقد أحبا أن يسمعا حديثك كيف كان أول إسلامك؟ قال: فقال سلمان: كنت يتيما من رامهرمز وكان ابن دهقان رامهرمز يختلف إلى معلم يعلمه فلزمته لأكون في كنفه وكان لي أخ أكبر مني وكان مستغنيا في نفسه وكنت غلاما فقيرا فكان إذا قام من مجلسه تفرق من يحفظه فإذا تفرقوا خرج فتقنع بثوبه ثم يصعد متنكرا فقلت: لم لا تذهب بي معك؟ فقال: أنت غلام وأخاف أن يظهر منك شيء قلت: لا تخف قال: فإن في هذا الجبل قوما في برطيل لهم عبادة يزعمون أنا عبدة النيران وأنا على غير دين فأستأذن لك قال: فاستأذنهم ثم واعدني وقال: أخرج في وقت كذا ولا يعلم بك أحد فإن أبي إن علم بهم قتلهم قال: فصعدنا إليهم. قال علي - وأراه قال - وهم ستة أو سبعة قال: وكأن الروح قد (1/112)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 113 خرجت منهم من العبادة يصومون النهار ويقومون الليل يأكلون الشجر وما وجدوا فقعدنا إليهم فذكر الحديث بطوله وفيه أن الملك شعر بهم فخرجوا وصحبهم سلمان إلى الموصل واجتمع بعابد من بقايا أهل الكتاب فذكر من عبادته وجوعه شيئا مفرطا وأنه صحبه إلى بيت المقدس فرأى مقعدا فأقامه فحملت المقعد على أتانه ليسرع إلى أهله فانملس مني صاحبي فتبعت أثره فلم أظفر به فأخذني ناس من كلب وباعوني فاشترتني امرأة من الأنصار فجعلتني في حائط لها وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتراني أبو بكر فأعتقني. وهذا الحديث يشبه حديث مسلمة المزني لأن الحديثين يرجعان إلى سماك ولكن قال هنا عن زيد بن صوحان فهو منقطع فإنه لم يدرك زيد بن صوحان وعلي بن عاصم ضعيف كثير الوهم والله أعلم. عمرو العنقزي: أنبأنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي قرة (1/113)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 114 الكندي عن سلمان قال: كان أبي من الأساورة فأسلمني الكتاب فكنت أختلف ومعي غلامان فإذا رجعا دخلا على راهب أو قس فدخلت معهما فقال لهما ألم أنهكما أن تدخلا علي أحدا فكنت أختلف حتى كنت أحب إليه منهما فقال لي: يا سلمان إني أحب أن أخرج من هذه الأرض. قلت: وأنا معك فأتى قرية فنزلها وكانت امرأة تختلف إليه فلما حضر قال: احفر عند رأسي فحفرت فاستخرجت جرة من دراهم فقال: ضعها على صدري فجعل يضرب بيده على صدره ويقول: ويل للقنائين ! قال: ومات فاجتمع القسيسون والرهبان هممت أن أحتمل المال ثم إن الله عصمني فقلت للرهبان فوثب شباب من أهل القرية فقالوا: هذا مال أبينا كانت سريته تختلف إليه فقلت لأولئك: دلوني على عالم أكون معه قالوا: ما نعلم أحدا أعلم من راهب بحمص فأتيته فقال: ما جاء بك إلا طلب العلم. قلت: نعم. قال: فإني لا أعلم أحدا أعلم من رجل يأتي بيت المقدس كل سنة في هذا الشهر فانطلقت فوجدت حماره واقفا فقصصت عليه فقال: اجلس هاهنا حتى أرجع إليك فذهب فلم يرجع إلى العام المقبل فقال: وإنك لهاهنا بعد؟ قلت: نعم قال: فإني لا أعلم أحدا في الأرض أعلم من رجل يخرج بأرض تيماء وهو نبي وهذا زمانه وإن انطلقت الآن وافقته وفيه ثلاث: خاتم النبوة ولا يأكل الصدقة ويأكل الهدية. وذكر الحديث. (1/114)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 115 وقال ابن لهيعة: أنبأنا يزيد بن أبي حبيب حدثني السلم بن الصلت عن أبي الطفيل عن سلمان قال: كنت رجلا من أهل جي مدينة إصبهان فأتيت رجلا يتحرج من كلام الناس فسألته: أي الدين أفضل؟ قال ما أعلم أحدا غير راهب بالموصل فذهبت إليه. وذكر الحديث. وفيه: فأتيت حجازيا فقلت: تحملني إلى المدينة؟ قال ما تعطيني؟ قلت: أنا لك عبد فلما قدمت جعلني في نخلة فكنت أستقي كما يستقي البعير حتى دبر ظهري وصدري من ذلك ولا أجد أحدا يفقه كلامي حتى جاءت عجوز فارسية تستقي فقلت لها: أين هذا الرجل الذي خرج؟ فدلتني عليه فجمعت تمرا وجئت فقربته إليه. وذكر الحديث. (1/115)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 116 فارغة. (1/116)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 117 ذكر مبعثه صلى الله عليه وسلم قال الزهري عن عروة عن عائشة قالت: أول ما بدئ به النبي صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة ثم حبب إليه الخلاء فكان يأتي حراء فيتحنث فيه أي يتعبد الليالي ذوات العدد ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى فجأه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال: إقرأ قال: فقلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: إقرأ فقلت: ما أنا بقارئ فأخذني الثانية فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: إقرأ فقلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: {اقرأ باسم ربك الذي خلق} حتى بلغ إلى قوله {ما لم (1/117)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 118 يعلم} قالت: فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال: يا خديجة مالي ! وأخبرها الخبر وقال: قد خشيت علي فقالت له: كلا فوالله لا يخزيك الله إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتعين على نوائب الحق ثم انطلقت به خديجة إلى ابن عمها ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى وكان أمرا تنصر في الجاهلية وكان يكتب الخط العربي فكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب وكان شيخا قد عمي. فقالت: اسمع من ابن أخيك فقال: يا بن أخي ما ترى؟ فأخبره فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى يا ليتني فيها جذعا حين يخرجك قومك قال: أو مخرجي هم؟ قال: نعم لم يأت أحد بما جئت به إلا عودي وأوذي وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا. (1/118)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 119 ثم لم ينشب ورقة أن توفي. فروى الترمذي عن أبي موسى الأنصاري عن يونس بن بكير عن عثمان بن عبد الرحمن عن الزهري عن عروة عن عائشة سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ورقة فقالت له خديجة: إنه - يا رسول الله - كان صدقك وإنه مات قبل أن تظهر فقال رأيته في المنام عليه ثياب بيض ولو كان من أهل النار لكان عليه لباس غير ذلك. وجاء من مراسيل عروة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيت لورقة جنة أو جنتين. وقال الزهري عن عروة عن عائشة: وفتر الوحي فترة حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنا شديدا وغدا مرارا كي يتردى من شواهق الجبال وكلما أوفى بذروة ليلقي نفسه تبدى له جبريل فقال: يا محمد إنك رسول الله حقا فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه فيرجع فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل (1/119)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 120 فقال مثل ذلك. رواه أحمد في مسنده والبخاري. وقال هشام بن حسان عن عكرمة عن ابن عباس قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربعين سنة فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه ثم أمر بالهجرة فهاجر عشر سنين ومات وهو ابن ثلاث وستين. رواه البخاري. وقال يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب قال: أنزل على رسول الله صلى اله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وأربعين سنة فمكث بمكة عشرا وبالمدينة عشرا. وقال محمد بن أبي عدي عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال: نزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين سنة فقرن بنبوته إسرافيل ثلاث سنين فكان يعلمه الكلمة والشيء ولم ينزل القرآن فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل فنزل القرآن على لسانه عشرين سنة ومات وهو ابن ثلاث وستين. أخبرنا أبو المعالي الأبرقوهي أنا عبد القوي بن الجباب أنبأ (1/120)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 121 عبد الله بن رفاعة أنا علي بن الحسن الخلعي أنا أبو محمد بن النحاس أنا عبد الله بن الورد أنا عبد الرحيم بن عبد الله البرقي ثنا عبد الملك بن هشام ثنا زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق قال: كانت الأحبار والرهبان وكهان العرب قد تحدثوا بأمر محمد صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه لما تقارب من زمانه أما أهل الكتاب فعما وجدوا في كتبهم من صفته وصفة زمانه وما كان عهد إليهم أنبياؤهم من شأنه وأما الكهان فأتتهم الشياطين بما استرقت من السمع وأنها قد حجبت عن استراق السمع ورميت بالشهب. قال الله تعالى: {وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا} فلما سمعت الجن القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم عرفت أنها منعت من السمع قبل ذلك لئلا يشكل الوحي بشيء من خبر السماء فيلتبس الأمر فآمنوا وصدقوا وولوا على قومهم منذرين. وعن يعقوب بن عتبة أنه بلغه أن أول العرب فزع للرمي بالنجوم ثقيف فجاءوا إلى عمرو بن أمية وكان أدهى العرب فقالوا: ألا ترى ما حدث؟ قال: بلى فانظروا فإن كانت معالم النجوم التي يهتدى بها وتعرف بها الأنواء هي التي يرمي بها فهي والله طي الدنيا وهلاك أهلها وإن كانت نجوما غيرها وهي ثابتة على حالها فهذا أمر أراد الله به هذا الخلق فما هو. قلت: روى حديث يعقوب بنحوه حصين عن الشعبي لكن قال: فأتوا عبد يا ليل بن عمرو الثقفي وكان قد عمي. (1/121)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 122 وقد جاء غير حديث بأسانيد واهية أن غير واحد من الكهان أخبره رئية من الجن بأسجاع ورجز فيها ذكر مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وسمع من هواتف الجان من ذلك أشياء. وبالإسناد إلى ابن إسحاق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن رجال من قومه قالوا: إن مما دعانا إلى الإسلام مع رحمة الله وهداه لنا أنا كنا نسمع من يهود وكنا أصحاب أوثان وهم أهل كتاب وكان لا يزال بيننا وبينهم شرور فإذا نلنا منهم قالوا إنه قد تقارب زمان نبي يبعث الآن نقتلكم معه قتل عاد وإرم وكنا كثيرا ما نسمع ذلك منهم فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم أجبناه حين دعانا وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به فبادرناهم إليه فآمنا به وكفروا به ففي ذلك نزل {ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا} الآيات. حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن محمود بن لبيد عن سلمة بن سلامة بن وقش قال: كان لنا جار يهودي فخرج يوما حتى وقف على بني عبد الأشهل وأنا أحدثهم سنا فذكر القيامة والحساب والميزان والجنة والنار قال ذلك لقوم أصحاب أوثان لا يرون بعثا بعد الموت فقالوا له: ويحك يا فلان أو ترى هذا كائنا أن الناس يبعثون ! قال: نعم قالوا: فما آية ذلك؟ قال: نبي مبعوث من نحو هذه (1/122)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 123 البلاد وأشار إلى مكة واليمن قالوا: ومتى نراه؟ قال فنظر إلي وأنا حدث فقال: إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه قال سلمة: فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم وهو حي بين أظهرنا فآمنا به وكفر به بغيا وحسدا فقلنا له: ويحك يا فلان ألست بالذي قلت لنا فيه ما قلت ! قال: بلى ولكن ليس به. حدثني عاصم بن عمر عن شيخ من بني قريظة قال لي: هل تدري عم كان الإسلام لثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد نفر من أخوة بني قريظة كانوا معهم في جاهليتهم ثم كانوا سادتهم في الإسلام؟ قلت: لا والله قال: إن رجلا من يهود الشام يقال له ابن الهيبان قدم علينا قبل الإسلام بسنين فحل بين أظهرنا والله ما رأينا رجلا قط لا يصلي الخمس أفضل منه فأقام عندنا فكان إذا قحط عنا المطر يأمرنا بالصدقة ويستسقي لنا فوالله ما يبرح من مجلسه حتى نسقى قد فعل ذلك غير مرتين ولا ثلاث ثم حضرته الوفاة فلما عرف أنه ميت قال: يا معشر يهود ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير إلى أرض البؤس؟ قلنا: أنت أعلم قال: إنما قدمت أتوكف خروج نبي قد أظل زمانه وهذه البلدة مهاجرة فكنت أرجو أن يبعث فأتبعه وقد أظلكم زمانه فلا تسبقن غليه يا معشر يهود فإنه يبعث بسفك الدماء وسبي الذراري والنساء ممن خالفه فلا يمنعنكم ذلك منه. (1/123)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 124 فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم وحاصر خيبر قال هؤلاء الفتية وكانوا شبانا أحداثا: يا بني قريظة والله إنه للنبي الذي كان عهد إليكم فيه ابن الهيبان قالوا: ليس به فنزل هؤلاء وأسلموا وأحرزوا دماءهم وأموالهم وأهاليهم. وبه قال ابن إسحاق: وكانت خديجة قد ذكرت لعمها ورقة بن نوفل وكان قد قرأ الكتب وتنصر ما حدثها ميسرة من قول الراهب وإظلال الملكين فقال: لئن كان هذا حقا يا خديجة إن محمدا لنبي هذه الأمة وقد عرف أن لهذه الأمة نبيا ينتظر زمانه قال: وجعل ورقة يستبطئ الأمر ويقول: حتى متى وقال: لججت وكنت في الذكرى لجوجا..... لهم طالما بعث النشيجا) (ووصف من خديجة بعد وصف..... فقد طال انتظاري يا خديجا) (ببطن المكتين على رجائي..... حديثك أن أرى منه خروجا) (بما خبرتنا من قول قس..... من الرهبان أكره أن يعوجا) (بأن محمدا سيسود قوما..... ويخصم من يكون له حجيجا) (ويظهر في البلاد ضياء نور..... يقيم به البرية أن تموجا) (فيلقى من يحاربه خسارا..... ويلقى من يسالمه فلوجا) (فيا ليتني إذا ما كان ذاكم..... شهدت فكنت أولهم ولوجا) (1/124)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 125

فإن يبقوا وأبق تكن أمور..... يضج الكافرون لها ضجيجا) وقال سليمان بن معاذ الضبي عن سماك عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن بمكة لحجرا كان يسلم علي ليالي بعثت إني لأعرفه الآن رواه أبو داود. وقال يحيى بن أبي كثير: ثنا أبو سلمة قال: سألت جابرا أي القرآن أنزل أول {يا أيها المدثر} أو {اقرأ باسم ربك} فقال: ألا أحدثكم بما حدثني به رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إني جاورت بحراء شهرا فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت الوادي فنوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وشمالي فلم أر شيئا ثم نظرت إلى السماء فإذا هو على عرش في الهواء يعني الملك فأخذني رجفة فأتيت خديجة فأمرتهم فدثروني ثم صبوا علي الماء فأنزل الله {يا أيها المدثر قم فأنذر} . وقال الزهري: عن أبي سلمة عن جابر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي قال: بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء (1/125)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 126 فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فجئثت منه رعبا فرجعت فقلت: زملوني فدثروني ونزلت: {يا أيها المدثر} إلى قوله {والرجز فاهجر} وهي الأوثان. متفق عليه. وهو نص في أن {يا أيها المدثر} نزلت بعد فترة الوحي الأول وهو {اقرأ باسم ربك} فكان الوحي الأول للنبوة والثاني للرسالة. (1/126)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 127

فأول من آمن به خديجة (رض) قال عز الدين أبو الحسن بن الأثير: خديجة أول خلق الله أسلم بإجماع المسلمين لم يتقدمها رجل ولا امرأة. وقال الزهري وقتادة وموسى بن عقبة وابن إسحاق والواقدي وسعيد بن يحيى الأموي وغيرهم: أول من أمن بالله ورسوله: خديجة وأبو بكر وعلي. وقال حسان بن ثابت وجماعة: أبو بكر أول من أسلم. وقال غير واحد: بل علي. وعن ابن عباس: فيهما قولان. لكن أسلم علي وله عشر سنين أو (1/127)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 128 نحوها على الصحيح وقيل: وله ثمان سنين وقيل: تسع وقيل: اثنتا عشرة وقيل: خمس عشرة وهو قول شاذ فإن ابنه محمدا وأبا جعفر الباقر وأبا إسحاق السبيعي وغيرهم قالوا: توفي وله ثلاث وستون سنة. فهذا يقضي بأنه أسلم وله عشر سنين حتى إن سفيان بن عيينة روى عن جعفر الصادق عن أبيه قال: قتل علي وله ثمان وخمسون سنة. وقال ابن إسحاق: أول ذكر آمن بالله علي رضي الله عنه وهو ابن عشر سنين ثم اسلم زيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم ثم أسلم أبو بكر. وقال الزهري: كانت خديجة أول من آمن بالله وقبل الرسول رسالة ربه وانصرف إلى بيته وجعل لا يمر على شجرة ولا صخرة إلا سلمت عليه فلما دخل على خديجة قال: أرأيتك الذي كنت أحدثك أني رأيته في المنام فإنه جبريل استعلن لي أرسله إلي ربي وأخبرها بالوحي فقالت: أبشر فوالله لا يفعل الله بك إلا خيرا فأقبل الذي جاءك من الله فإنه حق ثم انطلقت إلى عداس غلام عتبة بن ربيعة وكان نصرانيا من أهل نينوى فقالت: أذكرك الله إلا ما أخبرتني هل عندك علم من جبريل؟ فقال عداس: قدوس قدوس. قالت: أخبرني بعلمك فيه قال: فإنه أمين الله بينه وبين النبيين وهو صاحب موسى وعيسى عليهما السلام. فرجعت من عنده إلى ورقة. فذكر الحديث. (1/128)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 129 وقد رواه ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير بنحو منه وزاد ففتح جبريل عينا من ماء فتوضأ ومحمد صلى الله عليه وسلم ينظر إليه فوضا وجهه ويديه إلى المرفقين ومسح رأسه ورجليه إلى الكعبين ثم نضح فرجه وسجد سجدتين مواجه البيت ففعل النبي صلى الله عليه وسلم كما رأى جبريل يفعل. ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم قال يونس بن بكير عن ابن إسحاق حدثني عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان بن العلاء بن جارية الثقفي عن بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد الله كرامته وابتدأه بالنبوة كان لا يمر بحجر ولا شجر إلا سلم عليه وسمع منه وكان يخرج إلى حراء في كل عام شهرا من السنة ينسك فيه. وقال سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (1/129)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 130 إني لأعرف حجرا بمكة يسلم علي قبل أن أبعث. أخرجه مسلم. وقال الوليد بن أبي ثور وغيره عن إسماعيل السدي عن عباد بن عبد الله عن علي رضي الله عنه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فخرج في بعض نواحيها فما استقبله شجر ولا جبل إلا قال: السلام عليك يا رسول الله. أخرجه الترمذي وقال: غريب. وقال يوسف بن يعقوب القاضي: ثنا أبو الربيع ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن أنس بن مالك قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو خارج من مكة قد خضبه أهل مكة بالدماء قال: ما لك؟ قال: خضبني هؤلاء بالدماء وفعلوا وفعلوا قال: تريد أن أريك آية؟ قال: نعم قال: ادع تلك الشجرة فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت تخط الأرض حتى قامت بين يديه قال: مرها فلترجع إلى مكانها قال: ارجعي إلى مكانك فرجعت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسبي. هذا حديث صحيح. وقال ابن إسحاق: حدثني وهب بن كيسان سمعت عبد الله بن الزبير يقول لعبد الله بن عمير بن قتادة الليثي حدثت أبا عبيد الله عن كيف كان بدء ما ابتدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة حين جاءه جبريل فقال عبيد الله بن عمير: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في حراء من كل سنة شهرا وكان ذلك مما (1/130)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 131 تتحنث به قريش في الجاهلية. والتحنث التبرر. قال ابن إسحاق: فكان يجاور ذلك في كل سنة يطعم من جاءه من المساكين فإذا قضى جواره من شهره كان أول ما يبدأ به الكعبة فيطوف ثم يرجع إلى بيته حتى إذا كان الشهر الذي أراد الله كرامته وذلك الشهر رمضان خرج صلى الله عليه وسلم إلى حراء ومعه أهله حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته جاءه جبريل بأمر الله تعالى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جاءني وأنا نائم بنمط من ديباج فيه كتاب فقال: إقرأ قلت: ما أقرأ؟ قال: فغتني به حتى ظننت أنه الموت ثم أرسلني فقال: إقرأ فقلت: وما أقرأ؟ فغتني حتى ظننت أنه الموت ثم أرسلني فقال: إقرأ قلت: وما أقرأ؟ ما أقول ذلك إلا افتداء منه أن يعود لي بمثل ما صنع بي فقال: {اقرأ باسم ربك} إلى قوله {ما لم يعلم} فقرأتها ثم انتهى عني وهببت من نومي فكأنما كتبت في قلبي كتابا. في هذا المكان زيادة زادها يونس بن بكير عن ابن إسحاق وهي: ولم يكن في خلق الله أحد أبغض إلي من شاعر أو مجنون فكنت لا أطيق أن أنظر إليهما فقلت: إن الأبعد يعني نفسه لشاعر أو مجنون ثم قلت: لا تحدث عني قريش بهذا أبدا لأعمدن إلى حالق من الجبل فلأطرحن نفسي فلأستريحن فخرجت حتى إذا كنت في وسط من الجبل سمعت صوتا من السماء يقول: يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل فرفعت (1/131)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 132 رأسي إلى السماء فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء فقال: يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل فوقفت أنظر إليه فما أتقدم ولا أتأخر وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق السماء فلا أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك فما زلت واقفا حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي فبلغوا أعلى مكة ورجعوا إليها وأنا واقف في مكاني ذلك ثم انصرف عني فانصرفت إلى أهلي حتى أتيت خديجة فجلست إلى فخذها مضيفا إليها فقالت: يا أبا القاسم أين كنت؟ فوالله لقد بعثت رسلي في طلبك حتى بلغوا أعلى مكة ورجعوا ثم حدثتها بالذي رأيت فقالت: أبشر يا بن عمي واثبت فوالذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة. ثم قامت فجمعت عليها ثيابها ثم انطلقت إلى ورقة بن نوفل وهو ابن عمها وكان قد تنصر وقرأ الكتب فأخبرته بما رأى وسمع فقال ورقة: قدوس قدوس والذي نفسي بيده لئن كنت صدقت يا خديجة لقد جاءه الناموس الأكبر الذي يأتي موسى وإنه لنبي هذه الأمة فقولي له فليثبت فرجعت خديجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بقول ورقة فلما قضى جواره طاف بالكعبة فلقيه ورقة وهو يطوف فقال: أخبرني بما رأيت وسمعت فأخبره فقال: والذي نفسي بيده إنك لنبي هذه الأمة ولقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى ولتكذبنه ولتؤذنه ولتخرجنه ولتقاتلنه ولئن أنا أدركت ذلك اليوم لأنصرن الله نصرا يعلمه ثم أدنى رأسه منه فقبل يافوخه. (1/132)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 133 وقال موسى بن عقبة في مغازيه: كان صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا أول ما رأى أن الله أرآه رؤيا في المنام فشق ذلك عليه فذكرها لخديجة فعصمها الله وشرح صدرها بالتصديق فقالت: أبشر ثم أخبرها أنه رأى بطنه شق ثم طهر وغسل ثم أعيد كما كان قالت: هذا والله خير فأبشر ثم استعلن له جبريل وهو بأعلى مكة فأجلسه في مجلس كريم معجب كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أجلسني على بساط كهيئة الدرنوك فيه الياقوت واللؤلؤ فبشره برسالة الله عز وجل حتى اطمأن. الذي فيها من شق بطنه يحتمل أن يكون أخبرها بما تم له في صغره ويحتمل أن يكون شق مرة أخرى ثم شق مرة ثالثة حين عرج به إلى السماء. وقال ابن بكير عن ابن إسحاق فأنشد ورقة: إن يك حقا يا خديجة فاعلمي..... حديثك إيانا فأحمد مرسل) (وجبريل يأتيه وميكال معهما..... من الله وحي يشرح الصدر منزل) (يفوز به من فاز فيها بتوبة..... ويشقى به العاني الغوي المضلل) (فسبحان من تهوى الرياح بأمره..... ومن هو في الأيام ما شاء يفعل) (ومن عرشه فوق السماوات كلها..... وأقضاؤه في خلقه لا تبدل) (1/133)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 134 وقال ابن إسحاق حدثني إسماعيل بن أبي حكيم أن خديجة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي ابن عم إن استطعت أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك قال: نعم قال فلما جاءه قال: يا خديجة هذا جبريل هل تراه؟ قالت: يا بن عم قم فاجلس على فخذي اليسرى فقام فجلس عليها قالت: هل تراه: قال نعم قالت: فتحول فاقعد على فخذي اليمنى فتحول فقعد على فخذها قالت: هل تراه؟ قال: نعم قالت: فاجلس في حجري ففعل قالت: هل تراه: قال: نعم فتحسرت فألقت خمارها ثم قالت: هل تراه؟ قال: لا قالت: إثبت وأبشر فوالله إنه لملك وما هذا بشيطان. قال: وحدثت عبد الله بن حسن هذا الحديث فقال: قد سمعت أمي فاطمة بنت حسين تحدث هذا الحديث عن خديجة إلا أني سمعتها تقول: أدخلت رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها وبين درعها فذهب عند ذلك جبريل فقالت: إن هذا لملك وما هو بشيطان. وقال أبو صالح: نا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني محمد بن عباد بن جعفر المخزومي أنه سمع بعض علمائهم يقول: كان أول ما أنزل الله على نبيه {اقرأ باسم ربك} إلى قوله {ما لم يعلم} فقالوا: هذا صدرها الذي أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حراء ثم أنزل آخرها بعد بما شاء الله. (1/134)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 135 وقال ابن إسحاق: ابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتنزيل في رمضان قال الله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} وقال تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} وقال تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة). قال يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: همز جبريل بعقبه في ناحية الوادي فانفجرت عين فتوضأ جبريل ومحمد صلى الله عليه وسلم ثم صلى ركعتين ورجع وقد أقر الله عينه وطابت نفسه فأخذ بيد خديجة حتى أتى بها العين فتوضأ كما توضأ جبريل ثم صلى ركعتين هو وخديجة ثم كان هو وخديجة يصليان سرا ثم إن عليا جاء بعد ذلك بيوم فوجدهما يصليان فقال علي: ما هذا يا محمد. فقال: دين اصطفاه الله لنفسه وبعث به رسله فأدعوك إلى الله وحده وكفر باللات والعزى. فقال علي: هذا أمر لم أسمع به قبل اليوم فلست بقاض أمرأ حتى أحدث به أبا طالب وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفشي عليه سره قبل أن يستعلن عليه أمره فقال له: يا علي إن لم تسلم فاكتم فمكث علي تلك الليلة ثم أوقع الله في قلبه الإسلام فأصبح فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقي يأتيه على خوف من أبي طالب وكتم إسلامه. (1/135)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 136 وأسلم زيد بن حارثة فمكثا قريبا من شهر يختلف علي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مما أنعم الله على علي أنه كان في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام. وقال سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد قال: أصابت قريشا أزمة شديدة وكان أبو طالب ذا عيال كثيرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس عمه - وكان موسرا - إن أخاك أبا طالب كثير العيال وقد أصاب الناس ما ترى فانطلق لنخفف عنه من عياله فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم عليا وضمه إليه فلم يزل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله نبيا فاتبعه علي وآمن به. وقال الدراوردي عن عمر بن عبد الله عن محمد بن كعب القرظي قال: إن أول من أسلم خديجة وأول رجلين أسلما أبو بكر وعلي وإن أبا بكر أول من أظهر الإسلام وإن عليا كان يكتم الإسلام فرقا من أبيه حتى لقيه أبوه فقال: أسلمت؟ قال: نعم قال: آزر ابن عمك وانصره. وقال: أسلم علي قبل أبي بكر. وقال يونس: عن ابن إسحاق: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين التميمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة وتردد ونظر إلا أبا بكر ما عتم عنه حين (1/136)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 137 ذكرته وما تردد فيه. وقال إسرائيل عن ابن إسحاق عن أبي ميسرة إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا برز سمع من يناديه يا محمد فإذا سمع الصوت انطلق هاربا فأسر ذلك إلى أبي بكر وكان نديما له في الجاهلية. إسلام السابقين الأولين قال ابن إسحاق: ذكر بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكة ومعه علي فيصليان فإذا أمسيا رجعا ثم إن أبا طالب عبر عليهما وهما يصليان فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا ابن أخي ما هذا؟ قال: أي عم هذا دين الله ودين ملائكته ورسله ودين إبراهيم بعثني الله به رسولا إلى العباد وأنت أي عم أحق من بذلت له النصيحة ودعوته إلى الهدى وأحق من أجابني وأعانني فقال أبو طالب: أي ابن أخي لا أستطيع أن أفارق دين آبائي ولكن والله لا يخلص إليك شيء تكرهه ما بقيت ولم يكلم عليا بشيء يكره فزعموا أنه قال: أما إنه لم يدعك إلا إلى خير فاتبعه. ثم أسلم زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أول ذكر أسلم وصلى بعد علي رضي الله عنهما. (1/137)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 138 وكان حكيم بن حزام قدم من الشام برقيق فدخلت عمته خديجة بنت خويلد فقال: اختاري أي هؤلاء الغلمان شئت فهو لك فاختارت زيدا فأخذته فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فاستوهبه فوهبته له فأعتقه وتبناه قبل الوحي ثم قدم أبوه حارثة لموجدته عليه وجزعه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن شئت فأقم عندي وإن شئت فانطلق مع أبيك قال: بل أقيم عندك وكان يدعى زيد بن محمد فلما نزل {ادعوهم لآبائهم} قال: أنا زيد بن حارثة. وقال ابن إسحاق: وكان أبو بكر رجلا مألفا لقومه محببا سهلا وكان أنسب قريش لقريش وكان تاجرا ذا خلق ومعروف فجعل لما أسلم يدعو إلى الله وإلى الإسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه فأسلم بدعائه: عثمان والزبير وعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص فجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسلموا وصلوا فكان هؤلاء النفر الثمانية أول من سبق بالإسلام وصلوا وصدقوا. ثم أسلم أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري وأبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله المخزومي والأرقم بن أبي الأرقم ابن أسد بن عبد الله المخزومي. وعثمان بن مظعون الجمحي وأخواه قدامة وعبد الله وعبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف المطلبي وسعيد ابن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي وامرأته فاطمة أخت عمر بن الخطاب وأسماء بنت أبي بكر وخباب بن الأرت حليف بني زهرة وعمير بن أبي وقاص أخو سعد وعبد الله بن مسعود وسليط بن عمرو بن عبد شمس العامري (1/138)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 139 وأخوه حاطب وعياش بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي وامرأته أسماء وخنيس بن حذافة السهمي وعامر بن ربيعة حليف آل الخطاب وعبد الله وأبو أحمد ابنا جحش بن رئاب الأسدي وجعفر بن أبي طالب وامرأته أسماء بنت عميس وحاطب بن الحارث الجمحي وامرأته فاطمة بنت المجلل وأخوه خطاب وامرأته فكيهة بنت يسار ومعمر بن الحارث أخوهما والسائب بن عثمان بن مظعون والمطلب بن أزهر بن عبد عوف العدوي الزهري وامرأته رملة بنت أبي عوف والنحام وهو نعيم بن عبد الله ابن أسد العدوي وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية وامرأته أمينة بنت خلف وحاطب بن عمرو وأبو حذيفة مهشم بن عتبة بن ربيعة وواقد بن عبد الله حليف بني عدي وخالد وعامر وعاقل وإياس بنو البكير حلفاء بني عدي وعمار بن ياسر حليف بني مخزوم وصهيب بن سنان النمري حليف بني تيم. وقال محمد بن عمر الواقدي: حدثني الضحاك بن عثمان عن مخرمة بن سليمان الوالبي عن إبراهيم بن محمد بن طلحة قال: قال طلحة بن عبيد الله: حضرت سوق بصرى فإذا راهب في صومعته يقول: سلوا أهل الموسم أفيهم أحد من أهل الحرم؟ قال طلحة: قلت: نعم أنا فقال: هل ظهر أحمد بعد؟ قلت: ومن أحمد؟ قال: ابن عبد الله بن عبد (1/139)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 140 المطلب هذا شهره الذي يخرج فيه وهو آخر الأنبياء مخرجه من الحرم ومهاجره إلى نخل وحرة وسباخ فإياك أن تسبق إليه قال طلحة: فوقع في قلبي فأسرعت إلى مكة فقلت: هل من حدث؟ قالوا: نعم محمد بن عبد الله الأمين تنبأ وقد تبعه ابن أبي قحافة فدخلت عليه فقلت: اتبعت هذا الرجل؟ قال: نعم فانطلق فاتبعه فأخبره طلحة بما قال الراهب فخرج به حتى دخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم طلحة وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فلما أسلم أبو بكر وطلحة أخذهما نوفل بن خويلد بن العدوية فشدهما في حبل واحد ولم يمنعهما بنو تيم وكان نوفل يدعى أسد قريش فلذلك سمي أبو بكر وطلحة: القرينيز. وقال إسماعيل بن مجالد عن بيان بن بشر عن وبرة عن همام قال: سمعت عمار بن ياسر يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر. أخرجه البخاري. قلت: ولم يذكر عليا لأنه كان صغيرا ابن عشر سنين. وقال العباس بن سالم ويحيى بن أبي كثير عن أبي أمامة عن عمرو بن عبسة قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة مستخفيا فقلت: من أنت؟ قال: نبي قلت: وما النبي؟ قال: رسول الله قلت: الله أرسلك؟ قال: نعم قلت: بم أرسلك؟ قال: بأن يعبد الله وتكسر الأوثان وتوصل الأرحام قلت: نعم ما أرسلت به فمن تبعك؟ قال: حر وعبد يعني أبا بكر وبلالا فكان عمرو يقول: لقد رأيتني وأنا رابع أربعة فأسلمت وقلت: أتبعك يا رسول الله قال: لا ولكن إلحق (1/140)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 141 بقومك فإذا أخبرت بأني قد خرجت فاتبعني أخرجه مسلم. وقال هاشم بن هاشم عن ابن المسيب أنه سمع سعد بن أبي وقاص يقول: لقد مكثت سبعة أيام وإني لثلث الإسلام. أخرجه البخاري. وقال زائدة عن عاصم عن زر عن عبد الله قال: أول من أظهر (1/141)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 142 إسلامه سبعة: النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمار وأمه وصهيب وبلال والمقداد. تفرد به يحيى بن أبي كثير. وقال إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن سعيد بن زيد قال: والله لقد رأيتني وإن عمر لموثقي وأخته على الإسلام قبل أن يسلم عمر ولو أن أحدا ارفض للذي صنعتم بعثمان لكان. أخرجه البخاري. وقال الطيالسي في مسنده: ثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود قال: كنت يافعا أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط بمكة فأتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وقد فرا من المشركين (1/142)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 143 فقالا: يا غلام هل عندك لبن تسقينا؟ قلت: إني مؤتمن ولست بساقيكما فقالا: هل عندك من جذعة لم ينز عليها الفحل؟ قلت: نعم فأتيتهما بها فاعتقلها أبو بكر وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الضرع فدعا فحفل الضرع وأتاه أبو بكر بصخرة منقعرة فحلب فيها ثم شربا وسقياني ثم قال للضرع: اقلص فقلص فلما كان بعد أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: علمني من هذا القول الطيب يعني القرآن فقال: إنك غلام معلم فأخذت من فيه سبعين سورة ما ينازعني فيها أحد. فصل في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم عشيرته إلى الله وما لقي من قومه قال جرير: عن عبد الملك بن عمير عن موسى بن طلحة عن أبي هريرة قال: لما نزلت {وأنذر عشيرتك الأقربين} دعا النبي صلى الله عليه وسلم قريشا فاجتمعوا فعم وخص فقال: يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد مناف أنقذوا (1/143)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 144 أنفسكم من النار يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار يا فاطمة أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها. أخرجه مسلم عن قتيبة وزهير عن جرير واتفقا عليه من حديث الزهري عن ابن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة. وقال سليمان التيمي عن ابي عثمان عن قبيصة بن المخارق وزهير بن عمرو قالا: لما نزلت {وأنذر عشيرتك الأقربين} انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رضمة من جبل فعلاها ثم نادى: يا بني عبد مناف إني نذير إنما مثلي ومثلكم كرجل رأى العدو فانطلق يربأ أهله فخشي أن يسبقوه فهتف: يا صباحاه أخرجه مسلم. وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق حدثني من سمع عبد الله بن الحارث بن نوفل واستكتمني اسمه عن ابن عباس عن علي قال: لما نزلت {وأنذر عشيرتك الأقربين} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عرفت أني إن بادأت قومي رأيت منهم ما أكره فصمت عليها فجاءني جبريل فقال: يا محمد (1/144)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 145 إنك إن لم تفعل ما أمرك به ربك عذبك قال علي: فدعاني فقال: يا علي إن الله قد أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين فعرفت أني إن بادأتهم بذلك رأيت منهم ما أكره فصمت ثم جاءني جبريل فقال: إن لم تفعل ما أمرت به عذبك ربك فاصنع لنا يا علي رجل شاة على صاع من طعام وأعد لنا عس لبن ثم اجمع لي بني عبد المطلب ففعلت فاجتمعوا له وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصون فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب فقدمت إليهم تلك الجفنة فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حذية فشقها بأسنانه ثم رمى بها في نواحيها وقال: كلوا باسم الله فأكل القوم حتى نهلوا عنه ما نرى إلا آثار أصابعهم والله إن كان الرجل منهم ليأكل مثلها ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسقهم يا علي فجئت بذلك القعب فشربوا منه حتى نهلوا جميعا وايم الله إن كان الرجل منهم ليشرب مثله فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتكلم بدره أبو لهب فقال: لهدما سحركم صاحبكم فتفرقوا ولم يكلمهم فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم من الغد: عد لنا يا علي بمثل ما صنعت بالأمس ففعلت وجمعتهم فصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صنع بالأمس فأكلوا حتى نهلوا وشربوا من ذلك القعب حتى نهلوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا بني عبد المطلب إني قد جئتكم بأمر الدنيا والآخرة. قال أحمد بن عبد الجبار العطاردي: بلغني أن ابن إسحاق إنما سمعه (1/145)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 146 من عبد الغفار بن القاسم أبي مريم عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث. وقال يونس عن ابن إسحاق: فكان بين ما أخفى النبي صلى الله عليه وسلم أمره إلى أن أمر بإظهاره ثلاث سنين. وقال الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت {وأنذر عشيرتك الأقربين} خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا فهتف ؛ يا صباحاه قالوا: من هذا الذي يهتف؟ قالوا: محمد فاجتمعوا إليه فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جربنا عليك كذبا قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب: تبا لك ألهذا جمعتنا ثم قام فنزلت (تبت يدا أبي لهب وقد تب) كذا قرأ الأعمش. متفق عليه إلا وقد تب فعند بعض أصحاب الأعمش وهي في صحيح مسلم. وقال ابن عيينة: ثنا الوليد بن كثير عن ابن تدرس عن أسماء بنت أبي بكر قالت: لما نزلت {تبت يدا أبي لهب} أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول: (1/146)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 147

مذمما أبينا..... ودينه قلينا..... وأمره عصينا) والنبي صلى الله عليه وسلم في المسجد فقال أبو بكر: يا رسول الله قد أقبلت وأخاف أن تراك قال: إنها لن تراني وقرأ قرآنا فاعتصم به وقرأ {وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا} فوقفت على أبي بكر ولم تر النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أخبرت أن صاحبكم هجاني فقال: لا ورب هذا البيت ما هجاك فولت وهي تقول: قد علمت قريش أني ابنة سيدها. روى نحوه علي بن مسهر عن سعيد بن كثير عن أبيه عن أسماء. وقال أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: انظروا قريشا كيف يصرف الله عني شتمهم ولعنهم يشتمون مذمما ويلعنون مذمما وأنا محمد. أخرجه البخاري. وقال ابن إسحاق: وفشا الإسلام بمكة ثم أمر الله رسوله فقال {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين} وقال {وقل إني أنا النذير المبين} قال: وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلوا ذهبوا في الشعاب واستخفوا بصلاتهم من قومهم فبينا سعد بن أبي وقاص في نفر بشعب إذ ظهر عليهم نفر من المشركين وهم يصلون فناكروهم وعابوا عليهم وقاتلوهم (1/147)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 148 فضرب سعد رجلا من المشركين بلحي بعير فشجه فكان أول دم في الإسلام فلما بادى رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه وصدع بالإسلام لم يبعد منه قومه ولم يردوا عليه - فيما بلغني - حتى عاب آلهتهم فأعظموه وناكروه وأجمعوا خلافه وعداوته فحدب عليه عمه أبو طالب ومنعه وقام دونه فلما رأت قريش أن محمدا صلى الله عليه وسلم لا يعتبهم من شيء أنكروه عليه ورأوا أن عمه يمنعه مشوا إلى أبي طالب فكلموه وقالوا: إما أن تكفه عن آلهتنا وعن الكلام في ديننا وإما أن تخلي بيننا وبينه فقال لهم قولا رفيقا وردهم ردا جميلا فانصرفوا. ثم بعد ذلك تباعد الرجال وتضاغنوا أكثرت قريش ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحض بعضهم بعضا عليه ومشوا إلى أبي طالب مرة أخرى فقالوا: إن لك نسبا وشرفا فينا وإنا استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه وإنا والله ما نصبر على شتم آلهتنا وتسفيه أحلامنا حتى تكفه أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين ثم انصرفوا عنه فعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوته لهم ولم يطب نفسا أن يسلم رسول الله لهم ولا أن يخذله. وقال يونس بن بكير عن طلحة بن يحيى بن عبيد الله عن موسى بن طلحة قال: أخبرني عقيل بن أبي طالب قال: جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا: إن ابن أخيك هذا قد آذانا في نادينا ومسجدنا فانهه عنا فقال: يا عقيل انطلق فائتني بمحمد فانطلقت إليه فاستخرجته من حفش أو (1/148)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 149 كبس - يقول بيت صغير - فلما أتاهم قال أبو طالب: إن بني عمك هؤلاء قد زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم ومسجدهم فانته عن أذاهم فحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ببصره إلى السماء فقال: أترون هذه الشمس؟ قالوا: نعم قال: فما أنا بأقدر على أن أدع ذلك منكم على أن تستشعلوا منها شعلة فقال أبو طالب: والله ما كذبنا ابن أخي قط فارجعوا. رواه البخاري في التاريخ عن أبي كريب عن يونس. وقال ابن إسحاق: وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة أن قريشا حين قالت لأبي طالب ما قالوا بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا بن أخي إن قومك قد جاءوا إلي فقالوا: كذا وكذا فأبق علي وعلى نفسك ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد بدا لعمه بداء وأنه خاذله ومسلمة فقال: يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته. ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قام فلما ولى ناداه أبو طالب (1/149)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 150 فقال: أقبل يا بن أخي فأقبلت إليه فقال: اذهب فقل ما أحببت فوالله لا أسلمك أبدا. قال ابن إسحاق فيما رواه عنه يونس: ثم قال أبو طالب في ذلك شعرا. والله لن يصلوا إليك بجمعهم..... حتى أوسد في التراب دفينا) (فامض لأمرك ما عليك غضاضة..... أبشر وقر بذاك منك عيونا) (ودعوتني وزعمت أنك ناصحي..... فلقد صدقت وكنت قدما أمينا) (وعرضت دينا قد عرفت بأنه..... من خير أديان البرية دينا) (لولا الملامة أو حذاري سبة..... لوجدتني سمحا بذاك مبينا) وقال الحارث بن عبيد: ثنا الجريري عن عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت {والله يعصمك من الناس} وأخرج رأسه من القبة فقال لهم: أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله. وقال محمد بن عمرو بن علقمة عن محمد بن المنكدر عن ربيعة بن عباد الدؤلي قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بسوق ذي المجاز يتبع الناس (1/150)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 151 في منازلهم يدعوهم إلى الله ووراءه رجل أحول تقد وجنتاه وهو يقول لا يغرنكم عن دينكم ودين آبائكم. قلت: من هذا؟ قالوا: أبو لهب. وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن ربيعة بن عباد من بني الدئل وكان جاهليا فأسلم أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم بذي المجاز وهو يمشي بين ظهراني الناس يقول: يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا. ووراءه أبو لهب. فذكر الحديث. قال ربيعة: وأنا يومئذ أزفر القربة لأهلي. وقال شعبة عن الأشعث بن سليم عن رجل من كنانة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوق ذي المجاز وهو يقول: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا. وإذا خلفه رجل يسفي عليه التراب فإذا هو أبو جهل ويقول: لا يغرنكم هذا عن دينكم فإنما يريد أن تتركوا عبادة اللات والعزى. إسناده قوي. وقال المعتمر بن سليمان عن أبيه حدثني نعيم بن أبي هند عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين (1/151)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 152 أظهركم؟ قيل: نعم فقال: واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته ولأعفرن وجهه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ليطأ على رقبته فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه فقيل له: ما لك؟ قال: إن بيني وبينه لخندقا من نار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا. أخرجه مسلم. وقال عكرمة عن ابن عباس قال أبو جهل: لئن رأيت محمدا يصلي عند الكعبة لأطأن عنقه فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو فعل لأخذته الملائكة عيانا. أخرجه البخاري. وقال محمد بن إسحاق: ثم إن قريشا أتوا أبا طالب فقالوا: يا أبا طالب هذا عمارة بن الوليد أنهد فتى في قريش وأجمله فخذه فلك عقله ونصرته واتخذه ولدا فهو لك وأسلم إلينا ابن أخيك هذا الذي قد خالف دينك ودين آبائك نقتله فإنما رجل كرجل فقال: بئس والله ما تسومونني أتعطوني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه ! هذا والله ما لا يكون أبدا. (1/152)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 153 فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف: والله يا أبا طالب لقد أنصفك قومك وجهدوا على التخلص مما تكره فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئا فقال: والله ما أنصفوني لكنك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم علي فاصنع ما بدا لك فحقب الأمر وحميت الحرب وتنابذ القوم فقال أبو طالب: ألا قل لعمرو والوليد ومطعم..... ألا ليت حظي من حياطتكم بكر) (من الخور حبحاب كثير رغاؤه..... يرش على الساقين من بوله قطر) (أرى أخوينا من أبينا وأمنا..... إذا سئلا قالا إلى غيرنا الأمر) (أخص خصوصا عبد شمس ونوفلا..... هما نبذانا مثلما ينبذ الجمر) وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق حدثني شيخ من أهل مصر منذ بضع وأربعين سنة عن عكرمة عن ابن عباس في قصة طويلة جرت بين المشركين وبين النبي صلى الله عليه وسلم فلما قام عنهم قال أبو جهل: يا معشر قريش إن محمدا قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا وشتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وسب آلهتنا وإني أعاهد الله لأجلسن له غدا بحجر فإذا سجد فضخت به رأسه فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم. فلما أصبح (1/153)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 154 أبو جهل أخذ حجرا وجلس وأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقام يصلي بين الركنين الأسود واليماني وكان يصلي إلى الشام وجلست قريش في أنديتها ينظرون فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم احتمل أبو جهل الحجر ثم أقبل نحوه حتى إذا دنا منه رجع مرعوبا منتقعا لونه قد يبست يداه على حجره حتى قذف به من يده فقامت إليه رجال قريش فقالوا: ما لك يا أبا الحكم؟ فقال: قمت إليه لأفعل ما قلت لكم فلما دنوت منه عرض لي دونه فحل من الإبل والله ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا أنيابه لفحل قط فهم أن يأكلني. قال ابن إسحاق: فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ذاك جبريل عليه السلام لو دنا مني لأخذه. وقال المحاربي وغيره عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال: مر أبو جهل بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فقال: ألم أنهك عن أن تصلي يا محمد؟ لقد علمت ما بها أحد أكثر ناديا مني فانتهره النبي صلى الله عليه وسلم فقال جبريل: {فليدع ناديه سندع الزبانية} . والله لو دعا نادية لأخذته زبانية العذاب. وقال البيهقي: أنا الحاكم أنا محمد بن علي الصنعاني بمكة نا إسحاق بن إبراهيم أنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن (1/154)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 155 فكأنه رق له فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال: يا عم إن قومك يرون أن يجمعوا لك مالا. قال: لم؟ قال: ليعطوك فإنك أتيت محمدا لتعرض لما قبله قال: قد علمت أني من أكثرها مالا قال: فقيل فيه قولا يبلغ قومك أنك منكر لها أو أنك كاره له قال: وماذا أقول؟ فوالله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني ولا أعلم برجزه ولا بقصيده مني ولا بأشعار الجن والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا ووالله إن لقوله الذي يقول حلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وإنه ليعلو وما يعلى وإنه ليحطم ما تحته قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه قال: فدعني حتى أفكر فيه فلما فكر قال: هذا سحر يؤثر بأثره عن غيره فنزلت {ذرني ومن خلقت وحيدا} يعني الآيات. هكذا رواه الحاكم موصولا. ورواه معمر عن عباد بن منصور عن عكرمة مرسلا. ورواه مختصرا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة مرسلا. قال يونس بن بكير عن ابن إسحاق أن الوليد بن المغيرة اجتمع ونفر من قريش وكان ذا سن فيهم وقد حضر الموسم فقال: إن وفود العرب ستقدم عليكم فيه وقد سمعوا بأمر صاحبكم فأجمعوا فيه رأيا (1/155)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 156 واحدا ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا قالوا: فأنت فقل وأقم لنا رأيا قال: بل أنتم فقولوا وأنا أسمع قالوا: نقول كاهن فقال: ما هو بكاهن لقد رأيت الكهان فما هو بزمزمة الكاهن وسجعه. فقالوا: نقول مجنون فقال: ما هو بمجنون ولقد رأينا الجنون وعرفناه فما هو بحنقه ولا تخالجه ولا وسوسته. قالوا: فنقول شاعر قال: ما هو بشاعر قد عرفنا الشعر برجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه فما هو بالشعر. قالوا: فنقول ساحر؟ قال: ما هو بساحر قد رأينا السحار وسحرهم فما هو ينفثه ولا عقده. فقالوا: ما تقول يا أبا عبد شمس؟ قال: والله إن لقوله حلاوة وإن أصله لغدق وإن فرعه لجني فما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل. وإن أقرب القول أن نقول ساحر يفرق بين المرء وبين ابنه وبين المرء وبين أخيه وبين عشيرته فتفرقوا عنه بذلك فجعلوا يجلسون للناس حين قدموا الموسم لا يمر بهم أحد إلا حذروه. فأنزل في (1/156)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 157 الوليد: {ذرني ومن خلقت وحيدا} . إلى قوله {سأصليه سقر} وأنزل الله في الذي كانوا معه {الذين جعلوا القرآن عضين} أي أصنافا {فوربك لنسألنهم أجمعين} . وقال ابن بكير عن ابن إسحاق عن رجل عن عكرمة عن ابن عباس قال: قام النضر بن الحارث بن كلدة العبدري فقال: يا معشر قريش إنه والله لقد نزل بكم أمر ما ابتليتم بمثله لقد كان محمد فيكم غلاما حدثا أرضاكم فيكم وأصدقكم حديثا وأعظمكم أمانة حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب وجاءكم بما جاءكم قلتم ساحر لا والله ما هو بساحر ولا بكاهن ولا بشاعر قد رأينا هؤلاء وسمعنا كلامه فانظروا في شأنكم. وكان النضر من شياطين قريش ممن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وينصب له العداوة. وقال محمد بن فضيل: ثنا الأجلح عن الذيال بن حرملة عن جابر ابن عبد الله قال: قال أبو جهل والملأ من قريش: لقد انتشر علينا أمر (1/157)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 158 محمد فلو التمستم رجلا عالما بالسحر والكهانة والشعر فكلمه ثم أتانا ببيان من أمره فقال عتبة: لقد سمعت بقول السحر والكهانة والشعر وعلمت من ذلك علما وما يخفى علي إن كان كذلك فأتاه فلما أتاه قال له عتبة: يا محمد أنت خير أم هاشم أنت خير أم عبد المطلب أنت خير أم عبد الله؟ فلم يجبه قال: فيم تشتم آلهتنا وتضلل آباءنا فإن كنت إنما بك الرياسة عقدنا لك ألويتنا فكنت رأسنا ما بقيت وإن كان بك الباءة زوجناك عشر نسوة تختار من أي أبيات قريش شئت وإن كان بك المال جمعنا لك من أموالنا ما تستغني به أنت وعقبك من بعدك ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت فلما فرغ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم. {حم تنزيل من الرحمن الرحيم} فقرأ حتى بلغ {أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود} فأمسك عتبة على فيه وناشده الرحم أن يكف عنه ولم يخرج إلى أهله واحتبس عنهم فقال أبو جهل: يا معشر قريش والله ما نرى عتبة إلا قد صبأ إلى محمد وأعجبه طعامه وما ذاك إلا من حاجة أصابته انطلقوا بنا إليه فأتوه فقال أبو جهل: والله يا عتبة ما حسبنا إلا إنك صبأت فإن كانت بك حاجة جمعنا لك ما يغنيك عن طعام محمد. فغضب وأقسم بالله لا يكلم محمدا أبدا وقال: لقد علمتم أني من أكثر قريش مالا ولكني أتيته فقص عليهم القصة فأجابني بشيء والله ما هو بسحر ولا شعر ولا كهانة قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم. {حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون} حتى بلغ {فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود} فأمسكت بفيه وناشدته الرحم أن (1/158)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 159 يكف وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب فخفت أن ينزل بكم العذاب. رواه يحيى بن معين عنه. وقال داود بن عمرو الضبي: ثنا المثنى بن زرعة عن محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال: لما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم على عتبة بن ربيعة {حم تنزيل من الرحمن الرحيم} أتى أصحابه فقال لهم: يا قوم أطيعوني في هذا اليوم واعصوني فيما بعده فوالله لقد سمعت من هذا الرجل كلاما ما سمعت أذناي قط كلاما مثله وما دريت ما أرد عليه. ابن إسحاق: ثنا يزيد بن أبي زياد عن محمد بن كعب القرظي قال: حدثت أن عتبة بن ربيعة لما أسلم حمزة قالوا له: يا أبا الوليد كلم محمدا فأتاه فقال: يا بن أخي إنك منا حيث علمت من البسطة والمكان في النسب وإنك أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به بينهم وسفهت أحلامهم وعبت به آلهتهم فاسمع مني قال: قل يا أبا الوليد قال: إن كنت تريد مالا جمعنا لك حتى تكون أكثرنا مالا وإن كنت تريد شرفا سودناك وملكناك وإن كان الذي يأتيك رئيا طلبنا لك الطب (1/159)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 160 حتى إذا فرغ قال: فاسمع مني قال: أفعل قال: بسم الله الرحمن الرحيم. {حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته} ومضى فأنصت عتبة وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما يسمع منه فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة سجد ثم قال: قد سمعت يا أبا الوليد فأنت وذاك فقام إلى أصحابه فقال بعضهم: نحلف والله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به فلما جلس قالوا: ما وراءك؟ قال: ورائي أني سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه فوالله ليكونن لقوله نبأ فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به قالوا: سحرك والله بلسانه قال: هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم. وقال يونس عن ابن إسحاق: حدثني الزهري قال: حدثت أن أبا جهل وأبا سفيان والأخنس بن شريق خرجوا ليلة يتسمعون من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالليل في جوف بيته وأخذ كل رجل منهم مجلسا وكل لا يعلم بمكان صاحبه فلما أصبحوا تفرقوا فجمعهم الطريق فتلاوموا وقالوا: لا نعود فلو رآنا بعض السفهاء لوقع في نفسه شيء ثم عادوا لمثل ليلتهم (1/160)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 161 فلما تفرقوا تلاقوا فتلاوموا لذلك فلما كان في الليلة الثالثة وأصبحوا جمعتهم الطريق فتعاهدوا أن لا يعودوا ثم إن الأخنس بن شريق أتى أبا سفيان في بيته فقال: أخبرني عن رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال: يا أبا ثعلبة والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها فقال الأخنس: وأنا والذي حلفت به ثم أتى أبا جهل فقال: ما رأيك؟ فقال: ماذا سمعت؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا واعطوا فأعطينا حتى إذا يجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان. قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك هذه والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه فقام الأخنس عنه. وقال يونس بن بكير عن هشام بن سعيد عن زيد بن أسلم عن المغيرة بن شعبة قال: إن أول يوم عرفت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أمشي أنا وأبو جهل إذ لقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لأبي جهل: يا أبا الحكم هلم إلى الله وإلى رسوله أدعوك إلى الله فقال أبو جهل: يا محمد هل أنت منته عن سب آلهتنا هل تريد إلا أن نشهد أن قد بلغت فوالله لو أني أعلم أن ما تقول حق ما اتبعتك فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل علي فقال: والله إني لأعلم أن ما يقول حق ولكن بنو قصي قالوا فينا الحجابة فقلنا نعم فقالوا فينا الندوة قلنا نعم ثم قالوا: فينا اللواء فقلنا: نعم وقالوا: فينا السقاية فقلنا: نعم ثم أطعموا وأطعمنا حتى إذا تحاكت الركب قالوا: منا نبي والله لا أفعل. (1/161)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 162

شعر أبي طالب في معاداة خصومه وقال ابن إسحاق: ثم إن قريشا وثبت كل قبيلة على من أسلم منهم يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم فمنع الله رسوله صلى الله عليه وسلم بعمه أبي طالب فقام أبو طالب فدعا بني هاشم وبني المطلب إلى ما هو عليه من منع رسول الله صلى الله عليه وسلم والقيام دونه فاجتمعوا إليه وقاموا معه إلا ما كان من الخاسر أبي لهب فجعل أبو طالب يمدحهم ويذكر قديمهم ويذكر فضل محمد صلى الله عليه وسلم وقال في ذلك أشعارا ثم إنه لما خشي دهماء العرب أن يركبوه مع قومه لما انتشر ذكره قال قصيدته التي منها: ولما رأيت القوم لا ود فيهم..... وقد قطعوا كل العرى والوسائل) (وقد صارحونا بالعداوة والأذى..... وقد طاوعوا أمر العدو المزايل) (صبرت لهم نفسي بسمراء سمحة..... وأبيض عضب من تراث المقاول) (وأحضرت عند البيت رهطي وإخوتي..... وأمسكت من أثوابه بالوصائل) (أعوذ برب الناس من كل طاعن..... علينا بسوء أو ملح بباطل) وفيها يقول: كذبتم وبيت الله نبزى محمدا..... ولما نطاعن دونه ونناضل) (ونسلمه حتى نصرع حوله..... ونذهل عن أبنائنا والحلائل) (1/162)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 163

وينهض قوم نحوكم غير عزل..... يبيض حديث عهدها بالصياقل) (وأبيض يستسقى الغمام بوجهه..... ثمال اليتامى عصمة للأرامل) (يلوذ به الهلاك من آل هاشم..... فهم عنده في رحمة وفواضل) (لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد..... وإخوته دأب المحب المواصل) (فمن مثله في الناس أي مؤمل..... إذا قاسه الحكام عند التفاضل) (حليم رشيد عادل غير طائش..... يوالي إلها ليس عنه بغافل) (فوالله لولا أن أجيء بسبة..... تجر على أشياخنا في المحافل) (لكنا أتبعناه على كل حالة..... من الدهر جدا غير قول التهازل) (لقد علموا أن ابننا لا مكذب..... لدينا ولا يعنى بقول الأباطل) (فأصبح فينا أحمد ذو أرومة..... يقصر عنها سورة المتطاول) (حدبت بنفسي دونه وفديته..... ودافعت عنه بالذرى والكلاكل) (جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا..... عقوبة شر عاجلا غير آجل) فلما انتشر ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين العرب ذكر بالمدينة ولم يكن حي من العرب أعلم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر وقبل أن يذكر من الأوس والخزرج وذلك لما كانوا يسمعون من الأحبار وكانوا حلفاء يعني اليهود (1/163)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 164 في بلادهم وكان أبو قيس بن الأسلت يحب قريشا وكان لهم صهرا وعنده أرنب بنت أسد بن عبد العزى وكان يقيم بمكة السنين بزوجته فقال: أيا راكبا إما عرضت فبلغا..... مغلغلة عني لؤي بن غالب) (رسول امرىء قد راعه ذات بينكم..... على النأي محزون بذلك ناصب) (أعيذكم بالله من شر صنعكم..... وشر تباغيكم ودس العقارب) (متى تبعثوها تبعثوها ذميمة..... هي الغول للأقصين أو للأقارب) (أقيموا لنا دينا حنيفا فأنتم..... لنا غاية قد نهتدي بالذوائب) (فقوموا فصلوا ربكم وتمسحوا..... بأركان هذا البيت بين الأخاشب) (فعندكم منه بلاء ومصدق..... غداة أبي يكسوم هادي الكتائب) (فلما أتاكم نصر ذي العرش ردهم..... جنود المليك بين ساف وحاصب) (فولوا سراعا هاربين ولم يؤب..... إلى أهله ملجيش غير عصائب) أبو يكسوم ملك أصحاب الفيل. وقال ابن إسحاق: فحدثني يحيى بن عروة بن الزبير عن أبيه (1/164)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 165 عن عبد الله بن عمرو قال: قلت له: ما أكثر ما رأيت أصابت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كانوا يظهرون من عداوته؟ قال: حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يوما في الحجر فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل قط قد سفه أحلامنا وسب آلهتنا وفعل وفعل فطلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستلم الركن وطاف بالبيت فلما مر غمزوه ببعض القول فعرفت ذلك في وجهه فلما مر الثانية غمزوه فلما مر الثالثة غمزوه فوقف فقال: أتسمعون يا معشر قريش أما والذي نفسي بيده جئتكم بالذبح قال: فأخذت القوم كلمته حتى ما فيهم رجل إلا كأن على رأسه طائرا وقع حتى إن أشدهم فيه وطأة ليرفؤه بأحسن ما يجد من القول حتى إنه يقول: انصرف يا أبا القاسم فوالله ما كنت جهولا فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان من الغد اجتمعوا في الحجر وأنا معهم فقال بعضهم لبعض: ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه حتى إذا بادأكم بما تكرهون تركتموه فبيناهم في ذلك إذ طلع النبي صلى الله عليه وسلم فوثبوا إليه وثبة رجل واحد فأحاطوا به يقولون: أنت الذي تقول كذا وكذا؟ فيقول: نعم فلقد رأيت رجلا منهم أخذ بمجمع ردائه فقام أبو بكر دونهم يبكي ويقول: {أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله} ثم انصرفوا عنه فحدثني بعض آل أبي بكر أن أم كلثوم بنت أبي بكر قالت: لقد رجع أبو بكر يومئذ وقد صدعوا فرق رأسه مما جذبوه بلحيته وكان كثر الشعر. إسلام أبي ذر (رض) قال سليمان بن المغيرة: نا حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت قال: قال أبو ذر: خرجنا من قومنا غفار وكانوا يحلون الشهر الحرام (1/165)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 166 فخرجت أنا وأخي أنيس وأمنا فانطلقنا حتى نزلنا على خال لنا ذي مال وهيئة فأكرمنا فحسدنا قومه فقالوا: إنك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم أنيس فجاء خالنا فثنا علينا ما قيل له فقلت له: أما ما مضى من معروفك فقد كدرته ولا جماع لك فيما بعد فقربنا صرمتنا فاحتملنا عليها وتغطى خالنا ثوبه فجعل يبكي فانطلقنا فنزلنا بحضرة مكة فنافر أنيس عن صرمتنا وعن مثلها فأتيا الكاهن فخير أنيسا فأتانا بصرمتنا ومثلها معها. قال: وقد صليت يا بن أخي قبل أن ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين فقلت: لمن؟ قال لله قلت: فأين توجه؟ قال: أتوجه حيث يوجهني الله أصلي عشاء حتى إذا كان من آخر الليل القيت كأني خفاء - يعني الثوب - حتى تعلوني الشمس. فقال أنيس: إن لي حاجة بمكة فاكفني حتى آتيك فأتى مكة فراث - أي أبطأ - علي ثم أتاني فقلت ما حبسك قال: لقيت رجلا بمكة يزعم أن الله أرسله على دينك قلت: ما يقول الناس؟. قال: يقولون: إنه شاعر وساحر وكاهن وكان أنيس أحد الشعراء. (1/166)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 167 فقال: لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر فما يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر ووالله إنه لصادق وإنهم لكاذبون. قال: قلت له: هل أنت كافيني حتى أنطلق فأنظر؟ قال: نعم وكن من أهل مكة على حذر فإنهم قد شنفوا له وتجهموا فأتيت مكة فتضعفت رجلا منهم فقلت: أين هذا الذي تدعونه الصابئ؟ قال: فأشار إلى الصابئ قال: فمال علي أهل الوادي بكل مدرة وعظم حتى خررت مغشيا علي فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب أحمر فأتيت زمزم فشربت من مائها وغسلت عني الدم ودخلت بين الكعبة وأستارها ولقد لبثت يا بن أخي ثلاثين من بين ليلة ويوم وما لي طعام إلا ماء زمزم فسمنت حتى تكسرت عكن بطني وما وجدت على كبدي سخفة جوع. فبينا أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان قد ضرب الله على اصمخة أهل مكة فما يطوف بالبيت أحد غير امرأتين فأتتا علي وهما تدعوان إسافا ونائلة فأتتا علي في طوافهما فقلت: أنكحا أحدهما الأخرى قال: فما تناهتا عن قولهما - وفي لفظ: فما ثناهما ذلك عما قالتا (1/167)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 168 - فأتتا علي فقلت: هن مثل الخشبة غير أني لا أكني. فانطلقتا تولولان وتقولان: لو كان ها هنا أحد من أنفارنا. فاستقبلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وهما هابطان من الجبل فقالا لهما: ما لكما؟ قالتا: الصابئ بين الكعبة وأستارها. قالا: ما قال لكما؟ قالتا: قال لنا كلمة تملأ الفم. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه فاستلم الحجر ثم طافا فلما قضى صلاته أتيته فكنت أول من حياة بتحية الإسلام. فقال: وعليك السلام ورحمة الله. ثم قال: ممن أنت؟ قلت: من غفار فأهوى بيده فوضعها على جبينه فقلت في نفسي: كره أني انتميت إلى غفار فأهويت لآخذ بيده فقدعني صاحبه وكان أعلم به مني ثم رفع رأسه فقال: متى كنت ها هنا؟ قلت: قد كنت هاهنا منذ ثلاثين بين ليلة ويوم. قال: فمن كان يطعمك؟ قلت: ما كان لي طعام إلا ماء زمزم فقال: إنها مباركة إنها طعام طعم وشفاء سقم. فقال أبو بكر: إئذن لي يا رسول الله في طعامه الليلة ففعل فانطلقا وانطلقت معهما حتى فتح أبو بكر بابا فجعل يقبض لنا من (1/168)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 169 زبيبن الطائف فكان ذلك أول طعام أكلته بها. قال فغبرت ما غبرت ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني قد وجهت إلى أرض ذات نخل لا أحسبها إلا يثرب فهل أنت مبلغ عني قومك لعل الله أن ينفعهم بك ويأجرك فيهم؟ فانطلقت حتى أتيت أخي أنيسا فقال لي: ما صنعت؟ قلت: صنعت أني أسلمت وصدقت ثم أتينا أمنا فقالت: ما بي رغبة عن دينكما فأسلمت ثم احتملنا حتى أتينا قومنا غفار فأسلم نصفهم قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وكان يؤمهم خفاف بن إيماء بن رخصة الغفاري وكان سيدهم يومئذ وقال بقيتهم: إذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلمنا فقدم المدينة فأسلم بقيتهم. وجاءت أسلم فقالوا: يا رسول الله إخواننا نسلم على الذي أسلموا عليه فاسموا فقال: غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله أخرجه مسلم عن هدبة عن سليمان [بن المغيرة]. وفي الصحيحين من حديث المثنى بن سعيد عن أبي جمرة الضبعي أن ابن عباس حدثهم بإسلام أبي ذر قال: أرسلت أخي فرجع وقال: رأيت رجلا يأمر بالخير فلم يشفني فأتيت مكة فجعلت لا (1/169)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 170 أعرفه وأشرب من زمزم فمر بي علي فقال: كأنك غريب قلت: نعم قال: انطلق إلى المنزل فانطلقت معه فلم أسأله فلما أصبحنا جئت المسجد ثم مر بي علي فقال: أما آن لك أن تعود؟ قلت: لا قال: ما أمرك؟ قلت: إن كتمت علي أخبرتك ثم قلت: بلغنا أنه خرج نبي قال: قد رشدت فاتبعني فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: اعرض علي الإسلام فعرضه علي فأسلمت فقال: اكتم إسلامك وارجع إلى قومك قلت: والله لأصرخن بها بين أظهرهم فجاء إلى المسجد فقال: يا معاشر قريش أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ فقاموا فضربت لأموت فأدركني العباس فأكب علي وقال: تقتلون ويلكم رجلا من بني غفار ومتجركم وممركم على غفار فأطلقوا عني. ثم فعلت من الغد كذلك وأدركني العباس أيضا. وقال النضر بن محمد اليمامي: ثنا عكرمة بن عمار عن أبي زميل سماك بن الوليد عن مالك بن مرثد عن أبيه عن أبي ذر قال: كنت ربع الإسلام اسلم قبلي ثلاثة نفر أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: السلام عليك يا رسول الله أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فرايت الاستبشار في وجهه. إسلام حمزة وقال ابن إسحاق: حدثني رجل من أسلم وكان واعية أن أبا (1/170)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 171 جهل مر برسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصفا فآذاه وشتمه فلم يكلمه النبي صلى الله عليه وسلم ومولاة لعبد الله بن جدعان تسمع ثم انصرف عنه فعمد إلى نادي قريش عند الكعبة فجلس معهم فلم يلبث حمزة بن عبد المطلب أن أقبل متوشحا قوسه راجعا من قنص له وكان صاحب قنص وكان إذا رجع من قنصه بدأ بالطواف بالكعبة وكان أعز فتى في قريش وأشده شكيمة فلما مر بالمولاة قالت له: يا أبا عمارة [لو رأيت] ما لقي ابن أخيك آنفا من أبي الحكم وجده هاهنا جالسا فآذاه وسبه وبلغ منه ولم يكلمه محمد فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله به من كرامته فخرج يسعى مغذا لأبي جهل فلما رآه جالسا في القوم أقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها فشجه شجة منكرة ثم قال: أتشتمه ! فأنا على دينه أقول ما يقول فرد علي ذلك إن استطعت فقامت رجال من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة فوالله لقد سببت ابن أخيه سبا قبيحا وتم حمزة على إسلامه فلما أسلم (1/171)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 172 عرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد عز وامتنع وأن حمزة رضي الله عنه سيمنعه فكفوا بعض الشيء. إسلام عمر رضي الله عنه وقال عبد بن حميد وغيره: ثنا أبو عامر العقدي ثنا خارجة بن عبد الله ابن زيد عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام. وروي نحوه عن عبيد الله بن دينار عن ابن عمر. وقال مبارك بن فضالة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم أعز الدين بعمر. وقال عبد العزيز الأوسي: ثنا الماجشون بن أبي سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب خاصة. قال إسماعيل بن أبي خالد: ثنا قيس قال ابن مسعود: ما زلنا أعزة (1/172)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 173 منذ أسلم عمر. أخرجه البخاري. وقال أحمد في مسنده: نا أبو المغيرة ثنا صفوان ثنا شريح بن عبيد قال: قال عمر: خرجت أتعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته قد سبقني إلى المسجد فقمت خلفه فاستفتح سورة الحاقة فجعلت أعجب من تأليف القرآن فقلت: هذا والله شاعر كما قالت قريش فقرأ {إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون} الآيات فوقع في قلبي الإسلام كل موقع. وقال أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يحيى بن يعلى الأسلمي عن عبد الله ابن المؤمل عن أبي الزبير عن جابر قال: كان أول إسلام عمر أن عمر قال: ضرب أختي المخاض ليلا فخرجت من البيت فدخلت في أستار الكعبة في ليلة قرة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل الحجر وعليه تبان فصلى ما شاء الله ثم انصرف فسمعت شيئا لم أسمع مثله فخرج فأتبعته فقال: من هذا؟ قلت: عمر قال: يا عمر ما تدعني ليلا ولا نهارا فخشيت أن يدعو علي فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقال: يا عمر أسره. قلت: لا والذي بعثك بالحق لأعلننه كما أعلنت الشرك. (1/173)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 174 وقال محمد بن عبيد الله بن المنادي: ثنا إسحاق الأزرق ثنا القاسم ابن عثمان البصري عن أنس بن مالك قال: خرج عمر رضي الله عنه متقلدا السيف فلقيه رجل من بني زهرة فقال له: أين تعمد يا عمر؟ قال: أريد أن أقتل محمدا قال: وكيف تأمن في بني هاشم وبني زهرة وقد قتلت محمدا؟ فقال: ما أراك إلا قد صبأت. قال: أفلا أدلك على العجب إن ختنك وأختك قد صبآ وتركا دينك. فمشى عمر فأتاهما وعندهما خباب فلما سمع بحس عمر توارى في البيت فدخل فقال: ما هذه الهينمة؟ وكانوا يقرءون طه قالا: ما عدا حديثا تحدثناه بيننا قال: فلعلكما قد صبأتما؟ فقال له ختنه: يا عمر إن كان الحق في غير دينك؟ فوثب عليه فوطئه وطئا شديدا فجاءت أخته لتدفعه عن زوجها فنفحها نفحة بيده فدمي وجهها فقالت وهي غضبى: وإن كان الحق في غير دينك إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فقال عمر: أعطوني الكتاب الذي هو عندكم فأقراه وكان عمر يقرأ الكتاب فقالت أخته: إنك رجس وإنه لا يمسه إلا المطهرون فقم فاغتسل أو توضأ فقام فتوضأ ثم أخذ الكتاب فقرأ (طه) حتى انتهى إلى: {إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري} فقال (1/174)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 175 عمر: دلوني على محمد فلما سمع خباب قول عمر خرج فقال: أبشر يا عمر فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك ليلة الخميس: اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصل الدار التي في أصل الصفا. فانطلق عمر حتى أتى الدار وعلى بابها حمزة وطلحة وناس فقال حمزة: هذا عمر إن يرد الله به خيرا يسلم وإن يرد غير ذلك يكن قتله علينا هينا قال: والنبي صلى الله عليه وسلم داخل يوحى إليه فخرج حتى أتى عمر فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف فقال: ما أنت بمنته يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة؟ فهذا عمر اللهم أعز الإسلام بعمر فقال عمر: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبد الله ورسوله. وقد رواه يونس بن بكير عن ابن إسحاق وقال فيه: زوج أخته سعيد بن زيد بن عمرو. وقال ابن عيينة عن عمرو عن ابن عمر قال: إني لعلى سطح فرأيت الناس مجتمعين على رجل وهم يقولون: صبأ عمر فجاء العاص بن وائل عليه قباء ديباج فقال: إن كان عمر قد صبأ فمه أنا له جار قال: فتفرق الناس عنه قال: فعجبت من عزه. أخرجه البخاري عن ابن المديني عنه. (1/175)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 176 قال البكائي عن ابن إسحاق حدثني نافع عن ابن عمر قال: لما أسلم عمر قال: أي قريش أنقل للحديث؟ قيل: جميل بن معمر الجمحي فغدا عليه قال ابن عمر: وغدوت أتبع أثره وأنا غلام أعقل حتى جاءه فقال: أعلمت أني أسلمت؟ فوالله ما راجعه حتى قام يجر رداءه حتى قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش ألا إن ابن الخطاب قد صبأ قال يقول عمر من خلفه: كذب ولكني أسلمت وثاروا إليه فما برح يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رؤوسهم قال وطلح (فقعد وقاموا على رأسه وهو يقول: افعلوا ما بدا لكم فأحلف بالله أن لو كنا ثلاثمائة رجل لقد تركناها لكم) أو تركتموها لنا فبينا هو على ذلك إذ أقبل شيخ عليه حلة حبرة وقميص موشى حتى وقف عليهم فقال: ما شأنكم؟ قالوا: صبأ عمر قال: فمه ! رجل اختار لنفسه أمرا فماذا تريدون ! أترون بني كعب بن عدي يسلمونه ! خلوا عنه قال: فوالله لكأنما كانوا ثوبا كشط عنه فقلت لأبي بعد أن هاجر: يا أبه من الرجل الذي زجر القوم عنك؟ قال العاص بن وائل. وأخرجه ابن حبان من حديث جرير بن حازم عن ابن إسحاق. (1/176)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 177 وقال إسحاق بن إبراهيم الحنيني عن أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده قال: قال لنا عمر: كنت أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا أنا في يوم حار بالهاجرة في بعض طريق مكة إذ لقيني رجل فقال: عجبا لك يا بن الخطاب إنك تزعم أنك وأنك وقد دخل عليك هذا الأمر في بيتك قلت: وما ذاك؟ قال: أختك قد أسلمت فرجعت مغضبا حتى قرعت الباب وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أسلم الرجل والرجلان ممن لا شيء له ضمهما إلى من في يده سعة فينالان من فضل طعامه وقد كان ضم إلى زوج أختي رجلين فلما قرعت الباب قيل: من هذا؟ قيل: عمر فتبادروا فاختفوا مني وقد كانوا يقرؤون صحيفة بين أيديهم تركوها أو نسوها فقامت أختي تفتح الباب فقلت: يا عدوة نفسها أصبأت وضربتها بشيء في يدي على رأسها فسال الدم وبكت وقالت: يا بن الخطاب ما كنت فاعلا فافعل فقد صبأت قال: ودخلت حتى جلست على السرير فنظرت إلى الصحيفة فقلت: ما هذا ناولينها قالت: لست من أهلها أنت لا تطهر من الجنابة وهذا كتاب لا يمسه إلا المطهرون فما زلت بها حتى ناولتنيها ففتحتها فإذا فيها (بسم الله الرحمن الرحيم) فكلما مررت باسم من أسماء الله عز وجل ذعرت منه فألقيت الصحيفة ثم رجعت إلى نفسي فتناولتها فإذا فيها {سبح لله ما في السماوات والأرض} فذعرت فقرأت إلى {آمنوا بالله ورسوله} فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله فخرجوا إلي متبادرين وكبروا وقالوا: أبشر فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا يوم الإثنين فقال: (1/177)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 178 اللهم أعز دينك بأحب الرجلين إليك إما أبو جهل وإما عمر ودلوني على النبي صلى الله عليه وسلم في بيت بأسفل الصفا فخرجت حتى قرعت الباب فقالوا: من؟ قلت: ابن الخطاب وقد علموا شدتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فما اجترأ أحد أن يفتح الباب حتى قال: افتحوا له ففتحوا لي فأخذ رجلان بعضدي حتى أتيا بي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: خلوا عنه ثم أخذ بمجامع قميصي وجذبني إليه ثم قال: أسلم يابن الخطاب اللهم اهده فتشهدت فكبر المسلمون تكبيرة سمعت بفجاج مكة وكانوا مستخفين فلم أشأ أن أرى رجلا يضرب ويضرب إلا رأيته ولا يصيبني من ذلك شيء فجئت خالي وكان شريفا فقرعت عليه الباب فقال: من هذا؟ قلت: ابن الخطاب وقد صبأت قال: لا تفعل ثم دخل وأجاف الباب دوني. فقلت: ما هذا بشيء فذهبت إلى رجل من عظماء قريش فناديته فخرج إلي فقلت مثل ما قال لخالي وقال لي مثل ما قال خالي فدخل وأجاف الباب دوني فقلت: ما هذا بشيء إن المسلمين يضربون وأنا لا أضرب فقال لي رجل: أتحب أن يعلم بإسلامك؟ قلت: نعم. قال: فإذا جلس الناس في الحجر فأت فلانا - لرجل لم يكن يكتم السر - فقل له فيما بينك وبينه إني قد صبأت فإنه قلما يكتم السر فجئت وقد اجتمع الناس في الحجر فقلت فيما بيني وبينه: إني قد صبأت قال: أوقد فعلت؟ قلت: نعم فنادى بأعلى صوته: إن ابن الخطاب قد صبأ فبادروا إلي فما زلت أضربهم ويضربونني واجتمع علي الناس قال (1/178)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 179 خالي: ما هذه الجماعة؟ قيل: عمر قد صبأ فقام على الحجر فأشار بكمه: ألا إني قد أجرت ابن أختي فتكشفوا عني فكنت لا أشاء أن أرى رجلا من المسلمين يضرب ويضرب إلا رأيته فقلت: ما هذا بشيء حتى يصيبني ما يصيب المسلمين فأتيت خالي فقلت: جوارك رد عليك فما زلت أضرب واضرب حتى أعز الله الإسلام. ويروى عن ابن عباس بإسناد ضعيف قال: سألت عمر لأي شيء سميت الفاروق؟ فقال: أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام فخرجت إلى المسجد فأسرع أبو جهل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسبه فأخبر حمزة فأخذ قوسه وجاء إلى المسجد إلى حلقة قريش التي فيها أبو جهل فاتكأ على قوسه مقابل أبي جهل فنظر إليه فعرف أبو جهل الشر في وجهه فقال: ما لك يا أبا عمارة؟ فرفع القوس فضرب بها أخدعيه فقطعه فسالت الدماء فأصلحت ذلك قريش مخافة الشر قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف في دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي فانطلق حمزة فأسلم وخرجت بعده بثلاثة أيام فإذا فلان المخزومي فقلت: أرغبت عن دين آبائك واتبعت دين محمد؟ قال: إن فعلت فقد فعله من هو أعظم عليك حقا مني قلت: ومن هو؟ قال: أختك وختنك فانطلقت فوجدت همهمة فدخلت فقلت: ما هذا؟ فما زال الكلام بيننا حتى أخذت برأس ختني فضربته وأدميته فقامت إلي أختي فأخذت برأسي وقالت: قد كان ذلك على رغم أنفك فاستحييت حين رأيت الدماء فجلست وقلت: أروني هذا الكتاب فقالت: إنه لا يمسه إلا المطهرون فقمت فاغتسلت فأخرجوا إلي صحيفة فيها (بسم (1/179)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 180 الله الرحمن الرحيم) قلت: أسماء طيبة طاهرة {طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى} إلى قوله {له الأسماء الحسنى} فتعظمت في صدري وقلت: من هذا فرت قريش فأسلمت وقلت: أين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: فإنه في دار الأرقم فأتيت فضربت الباب فاستجمع القوم فقال لهم حمزة: ما لكم؟ قالوا: عمر قال: وعمر ! افتحوا له الباب فإن أقبل قبلنا منه وإن أدبر قتلناه فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فتشهد عمر فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد قلت: يا رسول الله ألسنا على الحق؟ قال: بلى فقلت: ففيم الاختفاء فخرجنا صفين أنا في أحدهما وحمزة في الآخر حتى دخلنا المسجد فنظرت قريش إلي وإلى حمزة فأصابتهم كآبة شديدة فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم (الفاروق) يومئذ وفرق بين الحق والباطل. وقال الواقدي: ثنا محمد بن عبد الله عن الزهري عن ابن المسيب قال: أسلم عمر بعد أربعين رجلا وعشر نسوة فلما أسلم ظهر الإسلام بمكة. وقال الواقدي: ثنا معمر عن الزهري أن عمر أسلم بعد أن دخل النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وبعد أربعين أو نيف وأربعين من رجال ونساء فلما أسلم أنزل جبريل فقال: يا محمد استبشر أهل السماء بإسلام عمر. (1/180)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 181 وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق: كان إسلام عمر بعد خروج من خرج من الصحابة إلى الحبشة. فحدثني عبد الرحمن بن الحارث عن عبد العزيز بن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أمه ليلى قالت: كان عمر من أشد الناس علينا في إسلامنا فلما تهيأنا للخروج إلى الحبشة جاءني عمر وأنا على بعير نريد أن نتوجه فقال: إلى أين يا أم عبد الله؟ فقلت: قد آذيتمونا في ديننا فنذهب في أرض الله حيث لا نؤذى في عبادة الله فقال: صحبكم الله ثم ذهب فجاء زوجي عامر بن ربيعة فأخبرته بما رأيت من رقة عمر بن الخطاب فقال: ترجين أن يسلم؟ قلت: نعم قال: فوالله لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب. يعني من شدته على المسلمين. قال يونس: عن ابن إسحاق: والمسلمون يومئذ بضع وأربعون رجلا وإحدى عشرة امرأة. (1/181)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 182 فارغة. (1/182)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 183 الهجرة الأولى إلى الحبشة ثم الثانية قال يعقوب الفسوي في تاريخه حدثني العباس بن عبد العظيم حدثني بشار بن موسى الخفاف ثنا الحسن بن زياد البرجمي - إمام مسجد محمد بن واسع - ثنا قتادة قال: أول من هاجر إلى الله تعالى بأهله عثمان بن عفان سمعت النضر بن أنس يقول: سمعت أبا حمزة يعني أنس بن مالك يقول: خرج عثمان برقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحبشة فأبطأ خبرهم فقدمت امرأة من قريش فقالت: يا محمد قد رأيت ختنك ومعه امرأته فقال: على أي حال رأيتهما؟ قالت: رأيته حمل امرأته على حمار من هذه الدبابة وهو يسوقها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صحبهما الله إن عثمان أول من هاجر بأهله بعد لوط. ورواه يحيى بن أبي طالب عن بشار عن عبد الله بن إدريس ثنا ابن إسحاق حدثني الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن وعروة (1/183)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 184 وعبد الله بن أبي بكر وصلت الحديث عن أبي بكر عن أم سلمة قالت: لما أمرنا بالخروج إلى الحبشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى ما يصيبنا من البلاء: إلحقوا بأرض الحبشة فإن بها ملكها لا يظلم عنده أحد فأقيموا ببلاده حتى يجعل الله لكم مخرجا مما أنتم فيه فقدمنا عليه فاطمأننا في بلاده. الحديث. قال البغوي في تاسع المخلصيات: وروى ابن عون عن عمير بن إسحاق عن عمرو بن العاص بعض هذا الحديث. وقال البكائي: قال ابن إسحاق: فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يصيب أصحابه من البلاء وما هو فيه من العافية بمكانه من الله ومن عمه وأنه لا يقدر أن يمنعهم من البلاء قال لهم: لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه فخرج عند ذلك المسلمون مخافة الفتنة وفرارا بدينهم إلى الله. فخرج عثمان بزوجته وأبو حذيفة ولد عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بزوجته سهلة بنت سهيل بن عمرو فولدت له بالحبشة محمدا والزبير بن العوام ومصعب بن عمير العبدري وعبد الرحمن بن عوف وأبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي وزوجته أم سلمة أم المؤمنين وعثمان بن مظعون الجمحي وعامر بن ربيعة حليف آل الخطاب وامرأته ليلى بنت أبي حثمة العدوية وأبو سبرة بن أبي رهم بن عبد العزى العامري (1/184)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 185 وسهيل بن بيضاء وهو سهيل بن وهب الحارثي فكانوا أول من هاجر إلى الحبشة. قال: ثم خرج جعفر بن أبي طالب وتتابع المسلمون إلى الحبشة. ثم سمي ابن إسحاق جماعتهم وقال: فكان جميع من لحق بأرض الحبشة أو ولد بها ثلاثة وثمانين رجلا فعبدوا الله وحمدوا جوار النجاشي فقال عبد الله بن الحارث بن قيس السهمي: يا راكبا بلغا عني مغلغلة..... من كان يرجو بلاغ الله والدين) (كل امرئ من عبد الله مضطهد..... ببطن مكة مقهور ومفتون) (أنا وجدنا بلاد الله واسعة..... تنجي من الذل والمخزاة والهون) (فلا تقيموا على ذل الحياة وخز ي..... في الممات وعيب غير مأمون) (إنا تبعنا نبي الله واطرحوا..... قول النبي وعالوا في الموازين) (فاجعل عذابك في القوم الذين بغوا..... وعائذ بك أن يعلوا فيطغوني) وقال عثمان بن مظعون يعاتب أمية بن خلف ابن عمه وكان يؤذيه: أتيم بن عوف والذي جاء بغضة..... ومن دونه الشر مان والبرك أكتع) (أأخرجتني من بطن مكة آثما..... وأسكنتني في صرح بيضاء تقذع) (1/185)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 186 تريش نبالا لا يواتيك ريشها..... وتبري نبالا ريشها لك أجمع) (وحاربت أقواما كراما أعزة..... وأهلكت أقواما بهم كنت تفزع) (ستعلم إن نابتك يوما ملمة..... وأسلمك الأوباش ما كنت تصنع) وقال موسى بن عقبة ثم إن قريشا ائتمروا واشتد مكرهم وهموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إخراجه فعرضوا على قومه أن يعطوهم ديته ويقتلوه فأبوا حمية. ولما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم شعب بني عبد المطلب أمر أصحابه بالخروج إلى الحبشة فخرجوا مرتين ؛ رجع الذين خرجوا في المرة الأولى حين أنزلت سورة النجم وكان المشركون يقولون: لو كان محمد يذكر آلهتنا بخير قررناه وأصحابه ولكنه لا يذكر من حالفه من اليهود والنصارى بمثل ما يذكر به آلهتنا من الشتم والشر. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمنى هداهم فأنزلت {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} فألقى الشيطان عندها كلمات وإنهن الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى فوقعت في قلب كل مشرك بمكة ودالت بها ألسنتهم وتباشروا بها. وقالوا: (1/186)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 187 إن محمدا قد رجع إلى ديننا فلما بلغ آخر النجم سجد صلى الله عليه وسلم وسجد كل من حضر من مسلم أو مشرك غير أن الوليد بن المغيرة كان شيخا كبيرا رفع ملء كفية ترابا فسجد عليه فعجب الفريقان كلاهما من جماعتهم في السجود بسجود رسول الله صلى الله عليه وسلم عجب المسلمون بسجود المشركين معهم ولم يكن المسلمون سمعوا ما ألقى الشيطان وأما المشركون فاطمأنوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لما ألقي في أمنية رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وحدثهم الشيطان أن رسول الله قد قرأها في السجدة فسجدوا تعظيما لآلهتهم. وفشت تلك الكلمة في الناس وأظهرها الشيطان حتى بلغت أرض الحبشة ومن بها من المسلمين عثمان بن مظعون وأصحابه وحدثوا أن أهل مكة قد أسلموا كلهم وصلوا وأن المسلمين قد أمنوا بمكة فأقبلوا سراعا وقد نسخ الله ما ألقى الشيطان وأنزلت {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا (1/187)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 188 نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته} الآيات. فلما بين الله قضاءه وبرأه من سجع الشيطان انقلب المشركون بضلالتهم وعداوتهم. وكان عثمان بن مظعون وأصحابه فيمن رجع فلم يستطيعوا أن يدخلوا مكة إلا بجوار فأجار الوليد بن المغيرة عثمان بن مظعون فلما رأى عثمان ما يلقى أصحابه من البلاء وعذب طائفة منهم بالسياط والنار وعثمان معافى لا يعرض له استحب البلاء فقال للوليد: يا عم قد أجرتني وأحب أن تخرجني إلى عشيرتك فتبرأ مني فقال: يا بن أخي لعل أحدا آذاك أو شتمك؟ قال: لا والله ما اعترض لي أحد ولا آذاني فلما أبى إلا أن يتبرأ منه أخرجه إلى المسجد وقريش فيه كأحفل ما كانوا ولبيد بن ربيعة الشاعر ينشدهم فأخذ الوليد بيد عثمان وقال: إن هذا قد حملني على أن أتبرأ من جواره وإني أشهدكم أني بريء منه إلا أن يشاء فقال عثمان: صدق أنا والله أكرهته على ذلك وهو مني بريء ثم جلس مع القوم فنالوا منه. قال موسى: وخرج جعفر بن أبي طالب وأصحابه فرارا بدينهم إلى الحبشة فبعثت قريش عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد بن المغيرة وأمروهما أن يسرعا ففعلا وأهدوا للنجاشي فرسا وجبة ديباج وأهدوا لعظماء الحبشة هدايا فقبل النجاشي هديتهم وأجلس عمرا على سريره فقال: إن بأرضك رجالا منا سفهاء ليسوا على دينك ولا ديننا فادفعهم (1/188)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 189 إلينا فقال: حتى أكلمهم وأعلم على أي شيء هم فقال عمرو: هم أصحاب الرجل الذي خرج فينا وإنهم لا يشهدون أن عيسى ابن الله ولا يسجدون لك إذا دخلوا فأرسل النجاشي إلى جعفر وأصحابه فلم يسجد له ولا أصحابه وحيوه بالسلام فقال عمرو: ألم نخبرك بخبر القوم فقال النجاشي: حدثوني أيها الرهط ما لكم لا تحيوني كما يحييني من أتاني من قومكم وأخبروني ما تقولون في عيسى وما دينكم؟ أنصارى أنتم؟ قالوا: لا قال: أفيهود أنتم؟ قالوا: لا قال: فعلى دين قومكم؟ قالوا: لا قال: فما دينكم؟ قالوا: الإسلام قال: وما الإسلام؟ قالوا: نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا قال: من جاءكم بهذا؟ قالوا: جاءنا به رجل منا قد عرفنا وجهه ونسبه بعثه الله كما بعث الرسل إلى من كان قبلنا فأمرنا بالبر والصدقة والوفاء والأمانة ونهانا أن نعبد الأوثان وأمرنا أن نعبد الله فصدقناه وعرفنا كلام الله فعادانا قومنا وعادوه وكذبوه وأرادونا على عبادة الأصنام ففررنا إليك بديننا ودمائنا من قومنا فقال النجاشي: والله إن خرج هذا الأمر إلا من المشكاة التي خرج منها أمر عيسى قال: وأما التحية فإن رسولنا أخبرنا أن تحية أهل الجنة السلام فحييناك بها وأما عيسى فهو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وابن العذراء البتول. فخفض النجاشي يده إلى الأرض وأخذ عودا فقال: والله ما زاد ابن مريم على هذا وزن هذا العود فقال عظماء الحبشة: والله لئن سمعت هذا الحبشة لتخلعنك فقال: والله لا أقول في عيسى غير هذا أبدا وما أطاع (1/189)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 190 الله الناس في حين رد إلي ملكي فأنا أطيع الناس في دين الله ! معاذ الله من ذلك. وكان أبو النجاشي ملك الحبشة فمات والنجاشي صبي فأوصى إلى أخيه أن إليك ملك قومك حتى يبلغ ابني فإذا بلغ فله الملك فرغب أخوه في الملك فباع النجاشي لتاجر وبادر بإخراجه إلى السفينة فأخذ الله عمه قعصا فمات فجاءت الحبشة بالتاج وأخذوا النجاشي فملكوه وزعموا أن التاجر قال: ما لي بد من غلامي أو مالي قال النجاشي صدق ادفعوا إليه ماله. قال: فقال النجاشي حين كلمه جعفر: ردوا إلى هذا هديته - يعني عمرا - والله لو رشوني على هذا دبر ذهب - والدبر بلغته الجبل - ما قبلته وقال لجعفر وأصحابه: أمكثوا آمنين وأمر لهم بما يصلحهم من الرزق. وألقى الله العداوة بين عمرو وعمارة بن الوليد في مسيرهما فمكر به عمرو وقال: إنك رجل جميل فاذهب إلى امرأة النجاشي فتحدث عندها إذا خرج زوجها فإن ذلك عون لنا في حاجتنا فراسلها عمارة حتى دخل عليها فلما دخل عليها انطلق عمرو إلى النجاشي فقال: إن صاحبي هذا صاحب نساء وإنه يريد أهلك فاعلم علم ذلك فبعث النجاشي فإذا عمارة عند امرأته فأمر به فنفخ في إحليله سحرة ثم ألقي في جزيرة من البحر فجن وصار مع الوحش ورجع عمرو خائب السعي. وقال البكائي: قال ابن إسحاق: حدثني الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أم سلمة قالت: لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير (1/190)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 191 جار النجاشي أمنا على ديننا وعبدنا الله تعالى لا نؤذى ولا نسمع ما نكره فلما بلغ ذلك قريشا ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي رجلين جلدين وأن يهودا للنجاشي فبعثوا بالهدايا مع عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص. وذكر القصة بطولها وستأتي إن شاء الله رواها جماعة عن ابن إسحاق. وذكر الواقدي أن الهجرة الثانية كانت سنة خمس من المبعث. وقال حديج بن معاوية عن أبي إسحاق عن عبد الله بن عتبة عن ابن مسعود قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلى النجاشي ونحن ثمانون رجلا ومعنا جعفر وعثمان بن مظعون وبعثت قريش عمارة وعمرو بن العاص وبعثوا معهما بهدية إلى النجاشي فلما دخلا عليه سجدا له وبعثا إليه بالهدية وقالا: إن ناسا من قومنا رغبوا عن ديننا وقد نزلوا أرضك فبعث إليهم فقال لنا جعفر: أنا خطيبكم اليوم قال: فاتبعوه حتى دخلوا على النجاشي فلم يسجدوا له فقال: وما لكم لم تسجدوا للملك؟ فقال: إن الله قد بعث إلينا نبيه فأمرنا أن لا نسجد إلا لله فقال النجاشي: وما ذاك؟ قال عمرو: إنهم يخالفونك في عيسى قال: فما تقولون في عيسى وأمه؟ قال: نقول كما قال الله هو روح الله وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول التي لم يمسها بشر ولم يفرضها ولد فتناول النجاشي عودا فقال: يا معشر القسيسين والرهبان ما تزيدون على ما يقول هؤلاء ما يزن هذا فمرحبا بكم وبمن جئتم من عنده وأنا أشهد أنه نبي ولوددت أني عنده فأحمل نعليه - أو قال أخدمه - فانزلوا حيث شئتم من أرضي فجاء (1/191)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 192 ابن مسعود فشهد بدرا. رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن حديج. وقال عبيد الله بن موسى: أنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننطلق مع جعفر إلى الحبشة. وساق كحديث حديج. ويظهر لي أن إسرائيل وهم فيه ودخل عليه حديث في حديث وإلا أين كان أبو موسى الأشعري ذلك الوقت. رجعنا إلى تمام الحديث الذي سقناه عن أم سلمة قالت: فلم يبق بطريق من بطارقة النجاشي إلا دفعا إليه هدية قبل أن يكلما النجاشي وأخبرا ذلك البطريق بقصدهما ليشير على الملك بدفع المسلمين إليهم ثم قربا هدايا النجاشي فقبلها ثم كلماه فقالا: أيها الملك إنه قدم إلى بلادك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك جاءوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت فقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من أقاربهم لتردهم عليهم فهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم قالت: ولم يكن أبغض إلى عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع كلامهم النجاشي فقالت بطارقته حوله: صدقا أيها الملك قومهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم من دينهم فأسلمهم إليهما فغضب ثم قال: لاها الله إذن لا أسلمهم إليهما ولا يكاد قوم جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم عما يقولان فأرسل إلى الصحابة فدعاهم فلما جاءوا وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم سألهم فقال: ما دينكم؟ فكان الذي كلمه جعفر فقال: (1/192)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 193 أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كان يعبد آباؤنا من الحجارة وأمرنا بالصدق والأمانة وصلة الرحم وعدد عليه أمور الإسلام فصدقناه واتبعناه فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا وضيقوا علينا فخرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك قالت: قال: وهل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ قال جعفر: نعم وقرأ عليه صدرا من (كهيعص) فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم ثم قال النجاشي إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة إنطلقا فلا والله لا أسلمهم إليكما ولا يكاد. قالت: فلما خرجا من عنده قال عمرو: والله لآتينهم غدا بما أستأصل به خضراءهم فقال له ابن أبي ربيعة وكان أتقى الرجلين فينا: لا تفعل فإن لهم أرحاما قال: والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى عبد ثم غدا عليه فقال له ذلك فطلبنا قالت: ولم ينزل بنا مثلها فاجتمع القوم ثم قال بعضهم لبعض: ما تقولون في عيسى ابن مريم إذا سألكم عنه؟ قالوا: نقول والله ما قال الله كائنا في ذلك ما كان فلما دخلوا عليه قال لهم: ما تقولون في عيسى ابن مريم؟ فقال له جعفر بن أبي طالب: نقول هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول (1/193)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 194 فأخذ النجاشي عودا ثم قال: ما عدا عيسى ما قلت هذا العود فتناخرت بطارقته حوله فقال: وإن نخرتم والله إذهبوا فأنتم سيوم بأرضي - والسيوم: الآمنون - من سبكم غرم ما أحب أن لي دبرا من ذهب وأني آذيت رجلا منكم ردوا هداياهما فلا حاجة لي فيها فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه قالت: فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به. قالت: فإنا على ذلك إذ نزل به رجل من الحبشة ينازعه في ملكه فوالله ما علمنا حزنا قد كان أشد علينا من حزن حزناه عند ذلك تخوفا أن يظهر ذلك الرجل على النجاشي فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه. فسار إليه النجاشي وكان بينهما عرض النيل فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رجل يخرج حتى يحضر الوقعة ثم يأتينا بالخبر؟ فقال الزبير: أنا فنفخوا له قربة فجعلها في صدره ثم سبح عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها يلتقي القوم ثم انطلق حتى حضرهم ودعونا الله تعالى للنجاشي فإنا لعلى ذلك إذ طلع الزبير يسعى فلمع بثوبه وهو يقول: ألا أبشروا فقد ظهر النجاشي وقد أهلك الله عدوه ومكن له في بلاده. قال الزهري: فحدثت عروة بن الزبير هذا الحديث فقال: هل تدري ما قوله: ما أخذ الله مني الرشوة إلى آخره؟ قلت: لا قال: فإن عائشة أم (1/194)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 195 المؤمنين حدثتني أن أباه كان ملك قومه ولم يكن له ولد إلا النجاشي وكان للنجاشي عم من صلبه اثنا عشر رجلا فقالت الحبشة: لو أنا قتلنا هذا وملكنا أخاه فإنه لا ولد له غير هذا الغلام ولأخيه اثنا عشر ولدا فتوارثوا ملكه من بعده بقيت الحبشة بعده دهرا فعدوا على أبي النجاشي فقتلوه وملكوا أخاه. فمكثوا حينا ونشأ النجاشي مع عمه فكان لبيبا حازما فغلب على أمر عمه ونزل منه بكل منزلة فلما رأت الحبشة مكانه منه قالت بينها: والله لقد غلب هذا على عمه وإنا لنتخوف أن يملكه علينا وإن ملك ليقتلنا بأبيه فكلموا الملك فقال: ويلكم قتلت أباه بالأمس وأقتله اليوم ! بل أخرجه من بلادكم قالت: فخرجوا به فباعوه لتاجر بستمائة درهم فقذفه في سفينة وانطلق به حتى إذا كان آخر النهار هاجت سحابة فخرج عمه يستمطر تحتها فأصابته صاعقة فقتلته ففزعت الحبشة إلى ولده فإذا هو محمق ليس في ولده خير فمزج الأمر فقالوا: تعلموا والله إن ملككم الذي لا يقيم أمركم غيره للذي بعتموه غدوة فخرجوا في طلبه فأدركوه وأخذوه من التاجر ثم جاءوا به فعقدوا عليه التاج وأقعدوه على سرير ملكه فجاء التاجر فقال: مالي قالوا: لا نعطيك شيئا فكلمه فأمرهم فقال: أعطوه دراهمه أو عبده قالوا: بل نعطيه دراهمه فكان ذلك أول ما خبر من عدله رضي الله عنه. وروى يزيد بن رومان عن عروة قال: إنما كان يكلم النجاشي عثمان بن عفان رضي الله عنه. (1/195)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 196 أنبأنا إبراهيم بن حمد وجماعة أنا ابن ملاعب ثنا الأرموي أنا جابر بن ياسين أنا المخلص أنا البغوي ثنا عبد الله بن عمر بن أبان ثنا أسد بن عمرو البجلي عن مجالد عن الشعبي عن عبد الله بن جعفر عن أبيه قال: بعثت قريش عمرا وعمارة بهدية إلى النجاشي ليؤذوا المهاجرين. فخلوهم فقال عمرو: وإنهم يقولون في عيسى غير ما تقول: فأرسل إلينا وكانت الدعوة الثانية أشد علينا فقال: ما يقول صاحبكم في عيسى؟ قال: وذكر الحديث فقال النجاشي أعبيد هم لكم؟ قالوا: لا قال: فلكم عليهم دين؟ قالوا: لا قال: يقول: هو روح الله وكلمته ألقاها إلى عذراء بتول فقال: ادعوا لي فلانا القس وفلانا الراهب فأتاه أناس منهم فقال: ما تقولون في عيسى؟ قالوا: أنت أعلمنا قال: وأخذ شيئا من الأرض فقال: ما عدا عيسى ما قال هؤلاء مثل هذا ثم قال: أيؤذيكم أحد؟ قالوا: نعم فنادى من آذى منهم فأغرموه أربعة دراهم ثم قال: أيكفيكم؟ قلنا: لا فأضعفها قال: فلما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وهاجر أخبرناه قال فزودنا وحملنا ثم قال: أخبر صاحبك بما صنعت إليكم وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنه رسول الله وقل له يستغفر لي فأتينا المدينة فتلقاني النبي صلى الله عليه وسلم فاعتنقني وقال: ما أدري أنا بقدوم جعفر أفرح أم بفتح خيبر وقال: اللهم اغفر للنجاشي ثلاث مرات وقال المسلمون: آمين. إسلام ضماد داود بن أبي هند عن عمرو بن سعيد عن سعيد بن جبير عن ابن (1/196)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 197 عباس قال: قدم ضماد مكة وهو من أزد شنوءة وكان يرقي من هذه الرياح فسمع سفهاء من سفهاء الناس يقولون إن محمدا مجنون فقال: آتي هذا الرجل لعل الله أن يشفيه على يدي قال: فلقيت محمدا فقلت: إني أرقي من هذه الرياح وإن الله يشفي على يدي من يشاء فهلم فقال محمد: إن الحمد لله نحمده ونستعينه من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له (ثلاث مرات) وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد فقال: والله لقد سمعت قول الكهنة وقول السحرة وقول الشعراء فما سمعت مثل هؤلاء الكلمات فهلم يدك أبايعك على الإسلام فبايعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: وعلى قومك فقال: وعلى قومي. فبعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية فمروا بقوم ضماد. فقال صاحب الجيش للسرية: هل أصبتم من هؤلاء شيئا؟ فقال رجل منهم: أصبت منهم مطهرة فقال: ردوها عليهم فإنهم قوم ضماد. أخرجه مسلم. إسلام الجن قال الله تعالى: {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون (1/197)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 198 القرآن} الآيات وقال: {يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم} وأنزل فيهم سورة الجن. وقال أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب قالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها. قال: فانصرف أولئك النفر الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بنخلة عامدا إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا: هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء فهنالك حين رجعوا إلى قومهم فقالوا: إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا فأنزلت {قل أوحي إلي}. متفق عليه. ويحمل قول ابن عباس: إن النبي صلى الله عليه وسلم ما قرأ على الجن ولا رآهم يعني أول ما سمعت الجن القرآن ثم إن داعي الجن أتى النبي صلى الله عليه وسلم - كما في خبر ابن مسعود وابن مسعود قد حفظ القصتين فقال سفيان الثوري عن (1/198)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 199 عاصم بن زر عن عبد الله قال: هبطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن ببطن نخلة فلما سمعوه أنصتوا قالوا: صه وكانوا سبعة أحدهم زوبعة فأنزل الله: {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن} الآيات. وقال مسعر: عن معن ثنا أبي سألت مسروقا: من آذن النبي صلى الله عليه وسلم بالجن ليلة استمعوا القرآن؟ فقال: حدثني أبوك يعني ابن مسعود أنه آذنته بهم شجرة. متفق عليه. وقال داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة قال: قلت لابن مسعود: هل صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن منكم أحد؟ فقال: ما صحبه منا أحد ولكنا فقدناه ذات ليلة بمكة فقلنا اغتيل استطير ما فعل فبتنا بشر ليلة بات بها قوم فلما كان في وجه الصبح - أو قال في السحر - إذا نحن به يجيء من قبل حراء فقلت: يا رسول الله فذكروا الذي كانوا فيه فقال: إنه أتاني داعي الجن فأتيتهم فقرأت عليهم فانطلق فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم. رواه مسلم. وقد جاء ما يخالف هذا فقال عبد الله بن صالح: حدثني الليث حدثني يونس عن ابن شهاب أخبرني أبو عثمان بن سنة الخزاعي من (1/199)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 200 أهل الشام أنه سمع ابن مسعود يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه وهو بمكة من أحب منكم أن يحضر الليلة أمر الجن فليفعل فلم يحضر منهم أحد غيري فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة خط لي برجله خطا ثم أمرني أن أجلس فيه ثم انطلق حتى قام فافتتح القرآن فغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه حتى ما أسمع صوته ثم انطلقوا وطفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين حتى ما بقي منهم رهط وفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الفجر فانطلق فتبرز ثم أتاني فقال: ما فعل الرهط؟ فقلت: هم أولئك يا رسول الله فأخذ عظما وروثا فأعطاهم إياه زادا ثم نهى أن يستطيب أحد بعظم أو بروث. أخرجه النسائي من حديث يونس. وقال سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي أن ابن مسعود أبصر زطا في بعض الطريق فقال: ما هؤلاء؟ قالوا هؤلاء الزط قال: ما رأيت شبههم إلا الجن ليلة الجن وكانوا مستنفرين يتبع بعضهم بعضا. صحيح. يقال: استنفر الرجل بثوبه إذا أخذ ذيله من بين فخذيه إلى حجزته فغرزه. وكذا يقال في الكلب إذا جعل ذنبه بين فخذيه ومنه قوله للحائض: استنفري. وقال عثمان بن عمر بن فارس عن مستمر بن الريان عن أبي الجوزاء عن ابن مسعود قال: انطلقت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن حتى أتى الحجون فخط علي خطا ثم تقدم إليهم فازدحموا عليه فقال سيد (1/200)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 201 لهم يقال له وردان: إني أنا أرحلهم عنك فقال: إني لن يجيرني من الله أحد. وقال زهير بن محمد التميمي عن ابن المنكدر عن جابر قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الرحمن ثم قال: ما لي أراكم سكوتا للجن كانوا أحسن ردا منكم ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة {فبأي آلاء ربكما تكذبان} إلا قالوا: ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد. زهير ضعيف. وقال عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن العاص عن جده سعيد قال: كان أبو هريرة يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأداوة لوضوئه. فذكر الحديث وفيه: أتاني جن نصيبين فسألوني الزاد فدعوت الله لهم أن لا يمروا بروثة ولا بعظم إلا وجدوا عليها طعاما. أخرجه البخاري. ويدخل هذا الباب في باب شجاعته صلى الله عليه وسلم وقوة قلبه. ومنه حديث محمد بن زياد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن عفريتا من الجن تفلت علي البارحة ليقطع علي صلاتي فأمكنني الله منه فأخذته وأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم فذكرت دعوة أخي سليمان {رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من (1/201)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 202 بعدي} فرددته خاسئا. وفي لفظ: فأخذته ففدغته يعني خنقته. متفق عليه. فصل فيما ورد من هواتف الجان وأقوال الكهان قال ابن وهب: أنا عمر بن محمد حدثني سالم بن عبد الله عن أبيه قال: ما سمعت عمر رضي الله عنه يقول لشيء قط إني لأظنه كذا إلا كان كما يظن فبينا عمر جالس إذ مر به رجل جميل فقال: لقد أخطأ ظني أو إن هذا على دينه في الجاهلية أو لقد كان كاهنهم على الرجل فدعي له فقال له عمر: لقد أخطأ ظني أو أنك على دينك في الجاهلية أو لقد كنت كاهنهم فقال: ما رأيت كاليوم استقبل به رجل مسلم قال فإني أعزم عليك إلا ما أخبرتني فقال: كنت كاهنهم في الجاهلية فقال: فما أعجب ما جاءتك به جنيتك؟ قال: بينا أنا جالس جاءتني أعرف فيها الفزع قالت: ألم تر الجن وإبلاسها..... وياسها من بعد إنكاسها) (ولحوقها بالقلاص وأحلاسها) (1/202)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 203 قال عمر: صدق بينا أنا نائم عند آلهتهم إذ جاء بعجل فذبحه فصرخ منه صارخ لم أسمع صارخا أشد صوتا منه يقول: يا جليح أمر نجيح رجل فصيح يقول: لا إله إلا الله فوثب القوم قلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا ثم نادى: يا جليح أمر نجيح رجل فصيح يقول: لا إله إلا الله قلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا فأعاد قوله قال: فقمت فما نشبت أن قيل هذا نبي. أخرجه البخاري هكذا. وظاهره أن عمر بنفسه سمع الصارخ من العجل وسائر الروايات تدل على أن الكاهن هو الذي سمع. فروى يحيى بن أيوب عن ابن الهاد عن عبد الله بن سليمان عن محمد بن عبد الله بن عمرو عن نافع عن ابن عمر قال: بينما رجل مار فقال عمر: قد كنت مرة ذا فراسة وليس لي رئي ألم يكن قد كان هذا الرجل ينظر ويقول في الكهانة أدعوه لي فدعوه فقال عمر: من أين قدمت؟ قال: من الشام قال: فأين تريد؟ قال: أردت هذا البيت ولم أكن أخرج حتى آتيك قال: هل كنت تنظر في الكهانة؟ قال: نعم قال: فحدثني قال: إني ذات ليلة بواد إذ سمعت صائحا يقول: يا جليح خبر نجيح رجل يصيح يقول: لا إله إلا الله الجن وإياسها والإنس وإبلاسها والخيل وأحلاسها فقلت: من هذا؟ إن هذا لخبر يئست منه الجن وأبلست منه الإنس وأعملت فيه الخيل فما حال (1/203)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 204 الحول حتى بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورواه الوليد بن مزيد العذري عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن ابن مسكين الأنصاري قال: بينا عمر جالس. وهذا منقطع. ورواه حجاج بن أرطأة عن مجاهد. ويروى عن ابن كثير أحد القراء عن مجاهد موقوفا. ويشبه أن يكون هذا الكاهن هو سواد بن قارب المذكور في حديث أحمد بن موسى الحمار الكوفي ثنا زياد بن يزيد القصري ثنا محمد بن تراس الكوفي ثنا أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن البراء قال: بينا عمر يخطب إذ قال: أفيكم سواد بن قارب؟ فلم يجبه أحد تلك السنة فلما كانت السنة المقبلة قال: أفيكم سواد بن قارب؟ قالوا: وما سواد بن قارب؟ قال: كان بدء إسلامه شيئا عجبا فبينا نحن كذلك إذ طلع سواد بن قارب فقال له: حدثنا ببدء إسلامك يا سواد قال: كنت نازلا بالهند وكان لي رئي من الجن فبينا أنا ذات ليلة نائم إذ جاءني في منامي ذلك قال: قم فافهم واعقل إن كنت تعقل قد بعث رسول من لؤي بن غالب ثم أنشأ يقول: عجبت للجن وأنجاسها..... وشدها العيس بأحلاسها) (نهوي إلى مكة تبغي الهدى..... ما مؤمنوها مثل أرجاسها) (فانهض إلى الصفوة من هاشم..... واسم بعينيك إلى راسها) يا سواد إن الله قد بعث نبيا فانهض إليه تهتد وترشد فلما كان (1/204)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 205 من الليلة الثانية أتاني فأنبهني ثم قال: عجبت للجن وتطلابها..... وشدها العيس بأقتابها) (تهوي إلى مكة تبغي الهدى..... ليس فداماها كأذنابها) (فانهض إلى الصفوة من هاشم..... واسم بعينيك إلى نابها) فلما كانت الليلة الثالثة أتاني فأنبهني ثم قال: عجبت للجن وتخبارها..... وشدها العيس بأكوارها) (تهوي إلى مكة تبغي الهدى..... ليس ذوو الشر كأخيارها) (فانهض إلى الصفوة من هاشم..... ما مؤمنو الجن ككفارها) فوقع في قلبي حب الإسلام وشددت رحلي حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو بالمدينة والناس عليه كعرف الفرس فلما رآني قال: مرحبا بسواد بن قارب قد علمنا ما جاء بك قلت: يا رسول الله قد قلت شعرا فاسمعه مني: أتاني رئيي بعد ليل وهجعة..... ولم يك فيما قد بلوت بكاذب) (ثلاث ليال قوله كل ليلة..... أتاك نبي من لؤي بن غالب) (فشمرت عن ساقي الإزار ووسطت..... بي الذعلب الوجناء عند السباسب) (1/205)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 206

فأشهد أن الله لا شيء غيره..... وأنك مأمون على كل غائب) (وأنك أدنى المرسلين شفاعة..... إلى الله يا بن الأكرمين الأطايب) (فمرنا بما يأتيك يا خير من مشى..... وإن كان فيما جاء شيب الذوائب) (فكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة..... سواك بمغن عن سواد بن قارب) فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لي: أفلحت يا سواد فقال له عمر: هل يأتيك رئيك الآن؟ قال: منذ قرأت القرآن لم يأتني ونعم العوض كتاب الله من الجن. هذا حديث منكر بالمرة ومحمد بن تراس وزياد مجهولان لا تقبل روايتهما وأخاف أن يكون موضوعا على أبي بكر بن عياش ولكن أصل الحديث مشهور. وقد قال أبو يعلى الموصلي وعلي بن شيبان: ثنا يحيى بن حجر الشامي ثنا علي بن منصور الأبناوي ثنا أبو عبد الرحمن الوقاصي عن محمد بن كعب القرظي قال: بينما عمر جالس إذ مر به رجل فقال قائل: (1/206)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 207 أتعرف هذا؟ قال: ومن هو؟ قال: سواد بن قارب فأرسل إليه عمر فقال: أنت سواد بن قارب؟ قال: نعم. قال: أنت الذي أتاه رئية بظهور النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قال: فأنت على كهانتك. فغضب وقال: ما استقبلني بهذا أحد منذ أسلمت. قال عمر: سبحان الله ما كنا عليه من الشرك أعظم قال: فأخبرني بإتيانك رئيك بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: بينا أنا ذات ليلة بين النائم واليقظان إذ أتاني فضربني برجله وقال: قم يا سواد بن قارب اسمع مقالتي واعقل إن كنت تعقل إنه قد بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو إلى عبادة الله ثم ذكر الشعر قريبا مما تقدم ثم أنشأ عمر يقول: كنا يوما في حي من قريش يقال لهم آل ذريح وقد ذبحوا عجلا والجزار يعالجه إذ سمعنا صوتا من جوف العجل ولا نرى شيئا وهو يقول: يا آل ذريح أمر نجيح صائح يصيح بلسان فصيح يشهد أن لا إله إلا الله. أبو عبد الرحمن اسمه عثمان بن عبد الرحمن متفق على تركه (1/207)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 208 وعلي بن منصور فيه جهالة مع أن الحديث منقطع. وقد رواه الحسن بن سفيان ومحمد بن عبد الوهاب الفراء عن بشر بن حجر أخي يحيى بن حجر عن علي بن منصور عن عثمان بن عبد الرحمن بنحوه. وقال ابن عدي في كامله: ثنا الوليد بن حماد بالرملة ثنا سليمان بن عبد الرحمن ثنا الحكم بن يعلى المحاربي ثنا أبو معمر عباد بن عبد الصمد سمعت سعيد بن جبير يقول: أخبرني سواد بن قارب قال: كنت نائما على جبل من جبال الشراة فأتاني آت فضربني برجله وقال: قم يا سواد أتى رسول من لؤي بن غالب فذكر الحديث. كذا فيه سعيد يقول: أخبرني سواد وعباد ليس بثقة يأتي بالطامات. وقال معمر عن الزهري عن علي بن الحسين قال: أول ما سمع بالمدينة أن امرأة من أهل يثرب تدعى فطيمة كان لها تابع من الجن فجاء يوما فوقع على جدارها فقالت: ما لك لا تدخل؟ فقال: إنه قد بعث نبي (1/208)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 209 يحرم الزنى فحدثت بذاك المرأة عن تابعها من الجن فكان أول خبر تحدث به بالمدينة. وقال يحيى بن يوسف الزمي: ثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال: أول خبر قدم عن النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أن امرأة كان لها تابع فجاء في صورة طائر حتى وقع على حائط دارهم فقالت له المرأة: انزل قال: لا إنه قد بعث بمكة نبي يحرم الزنى قد منع منا القرار. وفي الباب عدة أحاديث عامتها واهية الأسانيد. انشقاق القمر قال الله تعالى: {اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر وكذبوا واتبعوا أهواءهم} . قال شيبان عن قتادة عن أنس: إن أهل مكة سألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر مرتين. أخرجاه من حديث شيبان لكن لم يقل البخاري (مرتين). وقال معمر عن قتادة عن أنس مثله وزاد (فانشق فرقتين مرتين). وللبخاري نحو منه عن ابن أبي عروبة عن قتادة. وأخرجاه (1/209)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 210 من حديث شعبة عن قتادة. وقال ابن عيينة وغيره عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أبي معمر عن ابن مسعود قال: رأيت القمر منشقا شقتين بمكة قبل مخرج النبي صلى الله عليه وسلم شقة على أبي قبيس وشقة على السويداء فقالوا: سحر القمر. لفظ عبد الرزاق عن ابن عيينة وأراد (قبل مخرج النبي صلى الله عليه وسلم) يعني إلى المدينة. وأخرجاه من حديث ابن عيينة ولفظه: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شقتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشهدوا. وأخرجاه عن عمر بن حفص عن أبيه عن الأعمش ثنا إبراهيم عن أبي معمر عن عبد الله قال: انفلق القمر ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فصارت فلقة من وراء الجبل وفلقة دونه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشهدوا وأخرجاه من حديث شعبة عن الأعمش. وقال أبو داود الطيالسي في مسنده: ثنا أبو عوانة عن مغيرة عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله قال: انشق القمر على عهد رسول اله صلى الله عليه وسلم فقالت قريش: هذا سحر ابن أبي كبشة فقالوا: انظروا ما (1/210)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 211 يأتيكم به السفار فإن محمدا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم فجاء السفار فقالوا: ذلك صحيح. وقال هشيم عن مغيرة نحوه. وقال بكر بن مضر عن جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أنه قال: إن القمر انشق على زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم. متفق عليه من حديث بكر. وقال شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر في قوله {اقتربت الساعة وانشق القمر} قال: قد كان ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم انشق فلقتين فلقة من دون الجبل وفلقة من خلف الجبل فقال النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم اشهد). أخرجه مسلم. وقال إبراهيم بن طهمان وهشيم عن حصين عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال: انشق القمر ونحن بمكة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذا رواه أبو كدينة والمفضل بن يونس عن حصين. ورواه محمد بن كثير عن أخيه سليمان بن كثير عن حصين عن محمد بن جبير عن أبيه والأول أصح. (1/211)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 212

باب ويسألونك عن الروح قال يحيى بن أبي زائدة عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال: قالت قريش لليهود: أعطونا شيئا نسأل عنه هذا الرجل فقالوا: سلوه عن الروح فنزلت {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} قالوا: نحن لم نؤت من العلم إلا قليلا وقد أوتينا التوراة فيها حكم الله ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا قال: فنزلت {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي} الآية. وهذا إسناد صحيح. وقال يونس عن ابن إسحاق حدثني رجل من أهل مكة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن مشركي قريش بعثوا النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة وقالوا لهم: سلوهم عن محمد وصفوا لهم صفته وأخبروهم بقوله فإنهم أهل الكتاب الأول وعندهم علم ما ليس عندنا فقدما المدينة فسألوا أحبار اليهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفوا لهم أمره ببعض قوله فقالت لهم أحبار اليهود: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل. (1/212)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 213 سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم فإنه كان لهم حديث عجب. وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها وما كان نبؤه. وسلوه عن الروح ما هو فقدما مكة فقالا: يا معشر قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد أخبرنا وسألوه فقال: أخبركم غدا ولم يستثن فانصرفوا عنه فمكث خمس عشرة ليلة لا يحدث الله إليه في ذلك وحيا ولم يأته جبريل حتى أرجف أهل مكة وقالوا: وعدنا غدا واليوم خمس عشر وأحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحي ثم جاءه جبريل بسورة أصحاب الكهف فيها معاتبته إياه على حزنه وخبر الفتية والرجل الطواف وقال: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي} . وأما حديث ابن مسعود فيدل على أن سؤال اليهود عن الروح كان بالمدينة. ولعله صلى الله عليه وسلم سئل مرتين. وقال جرير بن عبد الحميد عن الأعمش عن جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: سأل أهل مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل (1/213)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 214 لهم الصفا ذهبا وأن ينحي عنهم الجبال فيزرعوا فيها. فقال الله: إن شئت آتيناهم ما سألوا فإن كفروا أهلكوا كما أهلك من كان قبلهم وإن شئت أن أستأني بهم. قال: بل تستأني بهم. وأنزل الله: {وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون} . حديث صحيح ورواه سلمة بن كهيل عن عمران عن ابن عباس وروى عن أيوب عن سعيد بن جبير. (1/214)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 215

ذكر أذية المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم وللمسلمين الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير حدثني محمد بن إبراهيم التيمي حدثني عروة قال: سألت عبد الله بن عمرو قلت: حدثني بأشد شيء صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: أقبل عقبة بن أبي معيط والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة فلوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقا شديدا فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبيه فدفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: {أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم} . أخرجه البخاري. ورواه ابن إسحاق عن يحيى بن عروة عن أبيه عن عبد الله. ورواه سليمان بن بلال وعبيدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عمرو بن العاص. وهذه علة ظاهرة لكن رواه محمد بن فليح عن (1/215)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 216 هشام عن أبيه عن عبد الله بن عمرو فهذا ترجيح للأول. وقال سفيان وشعبة واللفظ له: ثنا أبو إسحاق سمعت عمرو بن ميمون يحدث عن عبد الله قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد وحوله ناس من قريش وثم سلى بعير فقالوا: من يأخذ سلى هذا الجزور فيقذفه على ظهره فجاء عقبة بن أبي معيط فقذفه على ظهره صلى الله عليه وسلم وجاءت فاطمة فأخذته عن ظهره ودعت على من صنع ذلك قال عبد الله فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليهم إلا يومئذ فقال: اللهم عليك الملأ من قريش اللهم عليك أبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وعقبة بن أبي معيط وأمية بن خلف - أو أبي بن خلف شك شعبة ولم يشك سفيان أنه أمية - قال عبد الله: فقد رأيتهم قتلوا يوم بدر وألقوا في القليب غير أن أمية كان رجلا بادنا فتقطع قبل أن يبلغ به البئر. أخرجاه من حديث شعبة ومن حديث سفيان. وقال (م): ثنا عبد الله بن عمر بن أبان أنا عبد الرحيم بن سليمان عن زكريا عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس وقد نحرت جزور بالأمس فقال أبو جهل: أيكم يقوم إلى سلى جزور فيضعه على كتفي محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقاهم (1/216)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 217 فأخذه فوضعه بين كتفيه فضحكوا وجعل بعضهم يميل إلى بعض وأنا قائم أنظر لو كانت لي منعة طرحته والنبي صلى الله عليه وسلم ما يرفع رأسه فجاءت فاطمة وهي جويرية فطرحته عنه وسبتهم فلما قضى صلاته رفع صوته ثم دعا عليهم وكان إذا دعا ثلاثا وإذا سأل سأل ثلاثا ثم قال: اللهم عليك بقريش ثلاثا فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته ثم قال: اللهم عليك بأبي جهل وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عقبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط وذكر السابع ولم أحفظه. فوالذي بعث محمدا بالحق لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر. وقال زائدة عن عاصم عن زر عن عبد الله قال: إن أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمار وأمه سمية وصهيب وبلال والمقداد. فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه أبي طالب. وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه. وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدراع الحديد وأوقفوهم في الشمس فما من أحد إلا وقد واتاهم على ما أرادوا غير بلال فإنه هانت عليه نفسه في الله وهان على قومه فأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في (1/217)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 218 شعاب مكة وهو يقول: أحد أحد. حديث صحيح. وقال هشام الدستوائي عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بعمار وأهله وهم يعذبون فقال: أبشروا آل ياسر فإن موعدكم الجنة. وقال الثوري عن منصور عن مجاهد قال: كان أول شهيد في الإسلام أم عمار سمية طعنها أبو جهل بحربة في قبلها. وقال يونس بن بكير عن هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر أعتق ممن كان يعذب في الله سبعة فذكر منهم الزنيرة قال: فذهب بصرها وكانت ممن يعذب في الله على الإسلام فتأبى إلا الإسلام فقال المشركون: ما أصاب بصرها إلا اللات والعزى فقالت: كلا والله ما هو كذلك فرد الله عليها بصرها. وقال إسماعيل بن أبي خالد وغيره: ثنا قيس قال: سمعت خبابا يقول: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد برده في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة شديدة فقلت: يا رسول الله ألا تدعو الله فقعد وهو محمر (1/218)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 219 وجهه فقال إن كان من قبلكم ليمشط أحدهم بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنتين ما يصرفه ذلك عن دينه وليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله. متفق عليه وزاد البخاري من حديث بيان بن بشر والذئب على غنمه. وقال البكائي عن ابن إسحاق حدثني حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير قلت لابن عباس: أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من العذاب ما يعذرون به في ترك دينهم؟ قال: نعم والله إن كانوا ليضربون أحدهم يجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر على أن يستوي جالسا من شدة الضر الذي نزل به حتى يعطيهم ما سألوه من الفتنة حتى يقولوا له: آللات والعزى إلهك من دون الله؟ فيقول: نعم حتى إن الجعل ليمر بهم فيقولون له: [أ] هذا الجعل إلهك من دون الله فيقول: نعم إفتداء منهم مما يبلغون من جهده. وحدثني الزبير بن عكاشة أنه حدث أن رجالا من بني مخزوم مشوا إلى هشام بن الوليد حين أسلم أخوه الوليد بن الوليد وكانوا قد أجمعوا أن يأخذوا فتية منهم كانوا قد أسلموا منهم سلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة قال: فقالوا له وخشوا شره: إنا قد أردنا أن تعاتب هؤلاء الفتية على هذا الدين الذي قد أحدثوا فإنا نأمن بذلك في غيره قال: هذا فعليكم به فعاتبوه يعني أخاه الوليد ثم إياكم ونفسه وقال: (1/219)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 220

ألا لا تقتلن أخي عييشا..... فيبقى بيننا أبدا تلاحي) احذروا على نفسه فأقسم بالله لئن قتلتموه لأقتلن أشرفكم رجلا قال: فتركوه فكان ذلك مما دفع الله به عنه. وقال عمرو بن دينار فيما رواه عنه ابن عيينة: لما قدم عمرو بن العاص من الحبشة جلس في بيته فقالوا: ما شأنه ما له لا يخرج؟ فقال: إن أصحمة يزعم أن صاحبكم نبي. ويروى عن ابن إسحاق من طريق محمد بن حميد الرازي أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام وذلك مع عمرو بن أمية الضمري وأن النجاشي كتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم إلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من النجاشي أصحمة بن أبحر سلام عليك يا نبي الله ورحمة الله وبركاته أشهد أنك رسول الله وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت على يديه لله رب العالمين وقد بعثت إليك أريحا ابني فإني لا أملك إلا نفسي وإن شئت أن آتيك فعلت يا رسول الله. قال يونس عن ابن إسحاق: كان اسم النجاشي مصحمة وهو (1/220)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 221 بالعربية عطية وإنما النجاشي اسم الملك كقولك كسرى وهرقل. وفي حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على أصحمة النجاشي وأما قوله مصحمة فلفظ غريب. ذكر شعب أبي طالب والصحيفة قال موسى بن عقبة عن الزهري قال: ثم إنهم اشتدوا على المسلمين كأشد ما كانوا حتى بلغ المسلمين الجهد واشتد عليهم البلاء واجتمعت قريش في مكرها أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم علانية فلما رأى أبو طالب عملهم جمع بني هاشم وأمرهم أن يدخلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم شعبهم ويمنعوه ممن أراد قتله فاجتمعوا على ذلك مسلمهم وكافرهم فمنهم من فعله حمية ومنهم من فعله إيمانا فلما عرفت قريش أن القوم قد منعوه أجمعوا أمرهم أن لا يجالسوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل وكتبوا في مكرهم صحيفة وعهودا ومواثيق لا يقبلوا من بني هاشم أبدا صلحا ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا للقتل. فلبث بنو هاشم في شعبهم يعني ثلاث سنين واشتد عليهم البلاء وقطعوا عنهم الأسواق وكان أبو طالب إذا نام الناس أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضطجع على فراشه حتى يرى ذلك من أراد مكرا به واغتياله فإذا نام الناس أمر أحد بنيه أو إخوته فاضطجع على فراش رسول (1/221)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 222 الله صلى الله عليه وسلم. ويأتي رسول الله فراش ذلك فينام عليه فما كان رأس ثلاث سنين. تلاوم رجال من بني عبد مناف ومن بني قصي ورجال أمهاتهم من نساء بني هاشم ورأوا أنهم قد قطعوا الرحم واستخفوا بالحق واجتمع أمرهم من ليلتهم على نقض ما تعاهدوا عليه من الغدر والبراءة منه. وبعث الله على صحيفتهم الأرضة فلحست كل ما كان فيها من عهد وميثاق ويقال كانت معلقة في سقف البيت فلم تترك اسما لله إلا لحسته وبقي ما كان فيها من شرك أو ظلم فأطلع الله رسوله على ذلك فأخبر به أبا طالب فقال أبو طالب: لا والثواقب ما كذبني فانطلق يمشي بعصابة من بني عبد المطلب حتى أتى المسجد وهو حافل من قريش فأنكروا ذلك فقال أبو طالب: قد حدثت أمور بينكم لم نذكرها لكم فائتوا بصحيفتكم التي تعاهدتم عليها فلعله أن يكون بيننا وبينكم صلح فأتوا بها وقالوا: قد آن لكم أن تقبلوا وترجعوا إلى أمر يجمع قومكم فإنما قطع بيننا وبينكم رجل واحد وجعلتموه خطرا للهلكة قال أبو طالب: إنما أتيتكم لأعطيكم أمرا لكم فيه نصف إن ابن أخي قد أخبرني ولم يكذبني أن الله بريء من هذه الصحيفة ومحا كل اسم هو له فيها وترك فيها غدركم وقطيعتكم فإن كان كما قال فأفيقوا فوالله لا نسلمه أبدا حتى نموت من عند آخرنا وإن كان الذي قال باطلا دفعناه إليكم فرضوا وفتحوا الصحيفة فلما رأتها قريش كالذي قال أبو طالب قالوا: والله إن كان هذا قط إلا سحرا من صاحبكم فارتكسوا وعادوا لكفرهم فقال بنو عبد المطلب: إن أولى بالكذب والسحر غيرنا فكيف ترون وإنا نعلم أن الذي اجتمعتم عليه من قطيعتنا أقرب إلى الجبت والسحر من أمرنا ولولا أنكم اجتمعتم على السحر لم تفسد الصحيفة وهي في أيديكم أفنحن (1/222)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 223 السحرة أم أنتم؟ فقال أبو البختري ومطعم بن عدي وزهير بن أبي أمية بن المغيرة وزمعة بن الأسود وهشام بن عمرو - وكانت الصحيفة عنده وهو من بني عامر بن لؤي - في رجال من أشرافهم: نحن براء مما في هذه الصحيفة فقال أبو جهل: هذا أمر قضي بليل. وذكر نحو هذه القصة ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة. وذكر ابن إسحاق نحوا من هذا وقال: حدثني حسين بن عبد الله أن أبا لهب - يعني حين فارق قومه من الشعب - لقي هندا بنت عتبة بن ربيعة فقال لها: هل نصرت اللات والعزى وفارقت من فارقها؟ قالت: نعم فجزاك الله خيرا يا أبا عتبة. وأقام بنو هاشم سنتين أو ثلاثا حتى جهدوا لا يصل إليهم شيء إلا سرا مستخفى به. وقد كان أبو جهل فيما يذكرون لقي حكيم بن حزام بن خويلد ومعه غلام يحمل قمحا يريد به عمته خديجة وهي في الشعب فتعلق به وقال: أتذهب بالطعام إلى بني هاشم والله لا تبرح أنت وطعامك حتى أفضحك بمكة فجاءه أبو البختري بن هشام فقال: ما لك وله ! قال: يحمل الطعام إلى بني هاشم ! قال: طعام كان لعمته عنده أفتمنعه أن يأتيها بطعامها خل سبيل الرجل فأبى أبو جهل حتى نال أحدهما من صاحبه فأخذ له أبو البختري لحى بعير فضربه فشجه ووطئه وطئا شديدا وحمزة يرى ذلك ويكرهون أن يبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيشتموا بهم. (1/223)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 224 قال: ورسول الله على ذلك يدعو قومه ليلا ونهارا سرا وجهرا. وقال موسى بن عقبة: فلما أفسد الله الصحيفة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ورهطه فعاشوا وخالطوا الناس. باب إنا كفيناك المستهزئين قال الثوري عن جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: {إنا كفيناك المستهزئين} قال: المستهزئون: الوليد بن المغيرة والأسود بن عبد يغوث الزهري وأبو زمعة الأسود بن المطلب من بني أسد بن عبد العزى والحارث بن عيطل السهمي والعاص بن وائل فأتاه جبريل فشكاهم النبي صلى الله عليه وسلم إليه فأراه الوليد وأومأ جبريل إلى أبجله فقال ما صنعت قال كفيته ثم أراه الأسود فأومأ جبريل إلى عينيه فقال: ما صنعت؟ قال: كفيته ثم أراه أبا زمعة فأومأ إلى رأسه فقال: ما صنعت؟ قال كفيته ثم أراه الحارث فأومأ إلى رأسه أو بطنه وقال: كفيته فأما الوليد فمر برجل من خزاعة وهو يريش نبالا فأصاب أبجله فقطعها وأما الأسود فعمي. وأما ابن عبد يغوث فخرج في رأسه قروح فمات منها وأما الحارث فأخذه الماء الأصفر في بطنه حتى (1/224)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 225 خرج خرؤه من فيه فمات منها وأما العاص فدخل في رأسه شبرقة حتى امتلأت فمات منها وقال غيره: إنه ركب إلى الطائف حمارا فربض به على شوكة فدخلت في أخمصه فمات منها. حديث صحيح. دعوته قريش بالسنة قال الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال: بينما رجل يحدث في المسجد إذ قال فيما يقول: يوم تأتي السماء بدخان مبين قال: دخان يكون يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزكمة فقمنا فدخلنا على عبد الله بن مسعود فأخبرناه فقال: أيها الناس من علم منكم علما فليقل به ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم فإن من العلم أن يقول العالم لما لا يعلم (الله أعلم) قال الله لرسوله: {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين} . وسأحدثكم عن الدخان: إن قريشا لما استعصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبطئوا عن الإسلام قال: اللهم أعني عليهم بسبع كسبع (1/225)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 226 يوسف فأصابتهم سنة فحصت كل شيء حتى أكلوا الجيف والميتة حتى إن أحدهم كان يرى ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان من الجوع ثم دعوا فكشف عنهم يعني قولهم {ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون} . ثم قرأ عبد الله {إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون} قال: فعادوا فكفروا فأخروا إلى يوم بدر {يوم نبطش البطشة الكبرى} . قال عبد الله يوم بدر فانتقم منهم. متفق عليه. وقال علي بن ثابت الدهان - وقد توفي سنة تسع عشرة ومائتين: أنبأ أسباط بن نصر عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله قال: لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس إدبارا قال: اللهم سبع كسبع يوسف فأخذتهم سنة حتى أكلوا الميتة والجلود والعظام فجاءه أبو سفيان وغيره فقال: إنك تزعم أنك بعثت رحمة وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم فدعا فسقوا الغيث. قال ابن مسعود: مضت آية الدخان وهو الجوع الذي أصابهم وآية الروم والبطشة الكبرى وانشقاق القمر. وأخرجا من حديث الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال (1/226)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 227 عبد الله: خمس قد مضين: اللزام والروم والدخان والقمر والبطشة. وقال أيوب وغيره عن عكرمة عن ابن عباس قال: جاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغيث من الجوع لأنهم لم يجدوا شيئا حتى أكلوا العلهز. بالدم فنزلت: {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون} . ذكر الروم وقال أبو إسحاق الفزاري عن سفيان عن حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب وكان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم لأنهم أهل أوثان فذكر ذلك المسلمون لأبي بكر فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: أما إنهم سيظهرون فذكر أبو بكر لهم ذلك فقالوا: اجعل بيننا وبينكم أجلا فجعل بينهم أجل خمس سنين فلم يظهروا فذكر ذلك أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألا جعلته - أراه قال - دون العشر قال: فظهرت الروم بعد ذلك. فذلك قوله تعالى: {غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين} . (1/227)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 228 قال سفيان الثوري: وسمعت أنهم ظهروا يوم بدر. وقال الحسين بن الحسن بن عطية العوفي: حدثني أبي عن جدي عن ابن عباس: {الم غلبت الروم} قال: قد مضى ذلك وغلبتهم فارس ثم غلبتهم الروم بعد ذلك ولقي نبي الله مشركي العرب والتقت الروم وفارس فنصر الله النبي صلى الله عليه وسلم على المشركين ونصر الروم على مشركي العجم ففرح المؤمنون بنصر الله إياهم ونصر أهل الكتاب. قال عطية: فسألت أبا سعيد الخدري عن ذلك فقال: التقينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن ومشركو العرب والتقت الروم وفارس فنصرنا الله على المشركين ونصر الله أهل الكتاب على المجوس ففرحنا بنصرنا ونصرهم. وقال الليث: حدثني عقيل عن ابن شهاب أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: لما نزلت هاتان الآيتان - يعني أول الروم - ناحب أبو بكر بعض المشركين - يعني راهن قبل أن يحرم القمار - على شيء إن لم تغلب فارس في سبع سنين فقال رسول الله: لم فعلت فكل ما دون العشر بضع فكان ظهور فارس على الروم في سبع سنين وظهور الروم على فارس في تسع سنين. ثم أظهر الله الروم عليهم زمن الحديبية ففرح بذلك المسلمون. (1/228)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 229 وقال ابن أبي عروبة عن قتادة {في أدنى الأرض} قال: غلبهم أهل فارس على أدنى الشام قال: فصدق المسلمون ربهم وعرفوا أن الروم سيظهرون بعد فاقتمروا هم والمشركون على خمس قلائص وأجلوا بينهم خمس سنين فولي قمار المسلمين أبو بكر وولي قمار المشركين أبي بن خلف وذلك قبل أن ينهى عن القمار فجاء الأجل ولم تظهر الروم فسأل المشركون قمارهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم تكونوا أحقاء أن تؤجلوا أجلا دون العشر فإن البضع ما بين الثلاث إلى العشر فزايدوهم ومادوهم في الأجل ففعلوا فأظهر الله الروم عند رأس السبع من قمارهم الأول وكان ذلك مرجعهم من الحديبية وفرح المسلمون بذلك. وقال الوليد بن مسلم: ثنا أسيد الكلابي أنه سمع العلاء بن الزبير الكلابي يحدث عن أبيه قال: رأيت غلبة فارس الروم ثم رأيت غلبة الروم فارس ثم رأيت غلبة المسلمين فارس والروم وظهورهم على الشام والعراق كل ذلك في خمس عشرة سنة. ثم توفي عمه أبو طالب وزوجته خديجة يقال في قوله تعالى: {وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم} . أنها نزلت في أبي طالب ونزل فيه {إنك لا تهدي من أحببت} . (1/229)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 230 قال سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عمن سمع ابن عباس يقول في قوله تعالى: {وهم ينهون عنه} قال: نزلت في أبي طالب كان ينهى المشركين أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وينأى عنه. ورواه حمزة الزيات عن حبيب فقال: عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. وقال معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا عم قل لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله فقالا: أي أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ! قال: فكان آخر كلمة أن قال: على ملة عبد المطلب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فنزلت {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} الآيتين ونزلت: {إنك لا تهدي من أحببت} . أخرجه مسلم. وللبخاري مثله من حديث شعيب بن أبي حمزة. (1/230)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 231 وقد حكى عن أبي طالب واسمه عبد مناف ابنه علي وأبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم. ابن عون عن عمرو بن سعيد أن أبا طالب قال: كنت بذي المجاز مع ابن أخي فعطشت فشكوت إليه فأهوى بعقبه إلى الأرض فنبع الماء فشربت. وعن بعض التابعين قال: لم يكن أحد يسود في الجاهلية إلا بمال إلا أبا طالب وعتبة بن ربيعة. قلت: ولأبي طالب شعر جيد مدون في السيرة وغيرها. وفي مسند أحمد من حديث يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن حبة العرني قال: رأيت عليا ضحك على المنبر حتى بدت نواجذه ثم ذكر قول أبي طالب ظهر علينا أبو طالب وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نصلي ببطن نخلة فقال: ماذا تصنعان يا بن أخي؟ فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى (1/231)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 232 الإسلام فقال: ما بالذي تصنعان من بأس ولكن والله لا يعلوني استي أبدا فضحكت تعجبا من قول أبي. وروى معتمر بن سليمان عن أبيه أن قريشا أظهروا لبني عبد المطلب العداوة والشتم فجمع أبو طالب رهطه فقاموا بين أستار الكعبة يدعون الله على من ظلمهم وقال أبو طالب: إن أبى قومنا إلا البغي علينا فعجل نصرنا وخل بينهم. وبين الذي يريدون من قتل ابن أخي ثم دخل بآله الشعب. ابن إسحاق: حدثني العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله عن ابن عباس قال: لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم أبا طالب قال: أي عم قل لا إله إلا الله أستحل لك بها الشفاعة قال: يا بن أخي والله لولا أن تكون سبة على أهل بيتك يرون أني قلتها جزعا من الموت لقلتها لا أقولها إلا لأسرك بها. فلما ثقل أبو طالب رؤي يحرك شفتيه فأصغى إليه أخوه العباس ثم رفع عنه فقال: يا رسول الله قد والله قالها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم أسمع. قلت: هذا لا يصح ولو كان سمعه العباس يقولها لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم وقال: هل نفعت عمك بشيء ولما قال علي بعد موته: يا رسول الله إن عمك الشيخ الضال قد مات. صح أن عمرو بن دينار روى عن أبي (1/232)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 233 سعيد بن رافع قال: سألت ابن عمر: {إنك لا تهدي من أحببت} نزلت في أبي طالب؟ قال: نعم. زيد بن الحباب ثنا حماد عن ثابت عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث عن العباس أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما ترجو لأبي طالب؟ قال: كل الخير من ربي. أيوب عن ابن سيرين قال: لما احتضر أبو طالب دعا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا بن أخي إذا أنا مت فأت أخوالك من بني النجار فإنهم أمنع الناس لما في بيوتهم. قال عروة بن الزبير: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما زالت قريش كاعة عني حتى مات عمي. كاعة جمع كائع وهو الجبان يقال: كع إذا جبن وانقبض. وقال يزيد بن كيسان: حدثني أبو حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه: قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة فقال: لولا أن تعيرني قريش يقولون: إنما حمله عليه الجزع لأقررت بها عينك. فأنزل الله: {إنك لا تهدي من أحببت} الآية. أخرجه مسلم. وقال أبو عوانة عن عبد الملك بن عمير عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن العباس أنه قال: يا رسول الله هل نفعت أبا طالب بشيء فإنه (1/233)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 234 كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: نعم هو في ضحضاح من النار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار. أخرجاه. وكذلك رواه السفيانان عن عبد الملك. وقال الليث: عن ابن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: - وذكر عنده عمه أبو طالب فقال: لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه. أخرجاه. وقال حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي عثمان عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أهون أهل النار عذابا أبو طالب منتعل بنعلين يغلي منهما دماغه. وقال الثوري وغيره عن أبي إسحاق عن ناجية بن كعب عن علي رضي الله عنه قال: لما مات أبو طالب أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إن عمك الشيخ الضال قد مات قال: اذهب فوار أباك ولا تحدثن شيئا حتى تأتيني فأتيته فأمرني فاغتسلت ثم دعا لي بدعوات ما يسرني أن لي بهن ما على الأرض من شيء. (1/234)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 235 ورواه الطيالسي في مسنده عن شعبة عن أبي إسحاق فزاد بعد: اذهب فواره: فقلت: إنه مات مشركا قال: اذهب فواره. وفي حديثه تصريح السماع من ناجية قال: شهدت عليا يقول. وهذا حديث حسن متصل. وقال عبد الله بن إدريس: ثنا محمد بن أبي إسحاق عمن حدثه عن عروة بن الزبير عن عبد الله بن جعفر قال: لما مات أبو طالب عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم سفيه من قريش فألقى عليه ترابا فرجع إلى بيته فأتت بنته تمسح عن وجهه التراب وتبكي فجعل يقول: أي بنية لا تبكين فإن الله مانع أباك ويقول ما بين ذلك: ما نالت مني قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب. غريب مرسل. وروي عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم عارض جنازة أبي طالب فقال: وصلتك رحم يا عم وجزيت خيرا. تفرد به إبراهيم بن عبد الرحمن الخوارزمي. وهو منكر الحديث يروي عنه عيسى غنجار والفضل الشيباني. وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق حدثني العباس بن عبد الله بن (1/235)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 236 معبد عن بعض أهله عن ابن عباس قال: لما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا طالب في مرضه قال: أي عم قل لا إله إلا الله أستحل لك بها الشفاعة يوم القيامة فقال: يا بن أخي والله لولا أن تكون سبة عليك وعلى أهل بيتك من بعدي يرون أني قلتها جزعا حين نزل بي الموت لقلتها لا أقولها إلا لأسرك بها فلما ثقل أبو طالب رؤي يحرك شفتيه فأصغى إليه العباس ليستمع قوله فرفع العباس عنه فقال: يا رسول الله قد والله قال الكلمة التي سألته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لم أسمع. إسناده ضعيف لأن فيه مجهولا وأيضا فكان العباس ذلك الوقت على جاهليته ولهذا إن صح الحديث لم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم روايته وقال له: لم أسمع وقد تقدم أنه بعد إسلامه قال: يا رسول الله هل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك ويغضب لك فلو كان العباس عنده علم من إسلام أخيه أبي طالب لما قال هذا ولما سكت عند قول النبي صلى الله عليه وسلم هو في ضحضاح من النار ولقال: إني سمعته يقول: لا إله إلا الله ولكن الرافضة قوم بهت. وقال ابن إسحاق: ثم إن خديجة بنت خويلد وأبا طالب ماتا في عام واحد فتتابعت على رسول الله المصائب بموتهما. وكانت خديجة وزيرة صدق على الإسلام كان يسكن إليها. وذكر الواقدي أنهم خرجوا من الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين وأنهما توفيا في ذلك العام وتوفيت خديجة قبل أبي طالب بخمسة وثلاثين يوما. (1/236)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 237 وذكر أبو عبد الله الحاكم أن موتها كان بعد موت أبي طالب بثلاثة أيام وكذا قال غيره. وهي خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي الأسدية. قال الزبير بن بكار: كانت تدعى في الجاهلية الطاهرة وأمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم العامرية. وكانت خديجة تحت أبي هالة بن زرارة التميمي واختلف في اسم أبي هالة ثم خلف عليها بعده عتيق بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ثم النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن إسحاق: بل تزوجها أبو هالة بعد عتيق. وكانت وزيرة صدق على الإسلام. وعن عائشة قالت: توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة وقيل: كان موتها في رمضان ودفنت بالحجون وقيل: إنها عاشت خمسا وستين سنة. وقال الزبير: تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم ولها أربعون سنة وأقامت معه أربعا وعشرين سنة. قال مروان بن معاوية الفزاري عن وائل بن داود عن عبد الله (1/237)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 238 البهي قال: قالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة لم يكد يسأم من ثناء عليها واستغفار لها فذكرها يوما فاحتملتني الغيرة فقلت: لقد عوضك الله من كبيرة السن فرأيته غضب غضبا أسقطت في خلدي وقلت في نفسي: اللهم إنك إن أذهبت غضب رسولك عني لم أعد إلى ذكرها بسوء فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما لقيت قال: كيف قلت: والله لقد آمنت بي إذ كفر بي الناس وآوتني إذا رفضني الناس وصدقتني إذ كذبني الناس ورزقت منها الولد وحرمتموه مني قالت: فغدا وراح علي بها شهرا. وقال هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة مما كنت أسمع من ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم لها وما تزوجني إلا بعد موتها بثلاث سنين ولقد أمره ربه أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب. متفق عليه. وقال الزهري: توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة. وقال ابن فضيل عن عمارة عن أبي زرعة سمع أبا هريرة يقول: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذه خديجة أتتك معها إناء فيه طعام أو شراب فإذا هي أتتك فاقرأ عليه السلام من ربها ومني وبشرها ببيت في (1/238)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 239 الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب متفق عليه. وقال عبد الله بن جعفر: سمعت عليا رضي الله عنه يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: خير نسائها خديجة بنت خويلد وخير نسائها مريم بنت عمران. أخرجه مسلم. (1/239)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 240 فارغة (1/240)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 241

ذكر الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى قال موسى بن عقبة عن الزهري أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس قبل الهجرة بسنة. وكذا قال ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة. وقال أبو إسماعيل الترمذي: ثنا إسحاق بن العلاء بن الضحاك الزبيدي بن زبريق ثنا عمرو بن الحارث عن عبد الله بن سالم عن الزبيدي محمد بن الوليد ثنا الوليد بن عبد الرحمن أن جبير بن نفير قال: ثنا شداد بن أوس قال: قلنا يا رسول الله كيف أسري بك؟ قال: صليت لأصحابي صلاة العتمة بمكة معتما فأتاني جبريل بدابة بيضاء فوق الحمار ودون البغل فقال: اركب فاستصعب علي (1/241)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 242 فرازها بأذنها ثم حملني عليها فانطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها حتى بلغنا أرضا ذات نخل فأنزلني فقال: صل فصليت ثم ركبنا فقال: أتدري أين صليت؟ صليت بيثرب صليت بطيبة فانطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها ثم بلغنا أرضا فقال انزل فصل ففعلت ثم ركبنا. قال: أتدري أين صليت؟ قلت: الله أعلم. قال: صليت بمدين عند شجرة موسى عليه السلام. ثم انطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها ثم بلغنا أرضا بدت لنا قصور فقال: انزل فصليت وركبنا. فقال لي: صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى ثم انطلق بي حتى دخلنا المدينة من بابها اليماني فأتى قبلة المسجد فربط فيه دابته ودخلنا المسجد من باب فيه تميل الشمس والقمر فصليت من المسجد حيث شاء الله وأخذني من العطش أشد ما أخذني فأتيت بإناءين لبن وعسل أرسل إلي بهما جميعا فعدلت بينهما ثم هداني الله فأخذت اللبن فشربت حتى قرعت به جبيني وبين يدي شيخ متكئ على مثراه له فقال: أخذ صاحبك الفطرة إنه ليهدى. ثم انطلق بي حتى أتينا الوادي الذي في المدينة فإذا جهنم تنكشف عن مثل الزرابي. قلت: يا رسول الله كيف وجدتها؟ قال: مثل الحمأة السخنة ثم انصرف بي فمررنا بعير لقريش (1/242)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 243 بمكان كذا وكذا قد ضلوا بعيرا لهم قد جمعه فلان فسلمت عليهم فقال بعضهم: هذا صوت محمد. ثم أتيت أصحابي قبل الصبح بمكة فأتاني أبو بكر فقال: أين كنت الليلة فقد التمستك في مظانك؟ قلت: علمت أني أتيت بيت المقدس الليلة. فقال: يا رسول الله إنه مسيرة شهر فصفه لي قال: ففتح لي صراط كأني أنظر إليه لا يسألني عن شيء إلا أنبأته عنه قال: أشهد أنك رسول الله فقال المشركون: أنظروا إلى ابن أبي كبشة يزعم أنه أتى بيت المقدس الليلة فقال: إني مررت بعير لكم بمكان كذا وقد أضلوا بعيرا لهم فجمعه فلان وإن مسيرهم ينزلون بكذا ثم كذا ويأتونكم يوم كذا يقدمهم جمل آدم عليه مسح أسود وغرارتان سوداوان فلما كان ذلك اليوم أشرف الناس ينظرون حتى كان قريب من نصف النهار حين أقبلت العير يقدمهم ذلك الجمل. قال البيهقي: هذا إسناد صحيح. قلت: ابن زبريق تكلم فيه النسائي. وقال أبو حاتم: شيخ. قال حماد بن سلمة: ثنا أبو حمزة عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتيت بالبراق فركبته خلف جبريل فسار بنا فكان إذا أتى على جبل ارتفعت رجلاه وإذا هبط ارتفعت يداه فسار بنا في أرض فيحاء طيبة فأتينا على رجل قائم يصلي فقال: من هذا معك يا جبريل؟ قال: أخوك محمد فرحب ودعا لي بالبركة وقال: (1/243)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 244 سل لأمتك اليسر ثم سار فذكر أنه مر على موسى وعيسى قال: ثم أتينا على مصابيح فقلت: ما هذا؟ قال: هذه شجرة أبيك إبراهيم تحب أن تدنو منها؟ قلت: نعم فدنونا منها فرحب بي ثم مضينا حتى أتينا بيت المقدس ونشر لي الأنبياء من سمى الله ومن لم يسم وصليت بهم إلا هؤلاء النفر الثلاثة: موسى وعيسى وإبراهيم فربطت الدابة بالحلقة التي تربط بها الأنبياء ثم دخلت المسجد فقربت لي الأنبياء من سمى الله منهم ومن لم يسم فصليت بهم. هذا حديث غريب وأبو حمزة هو ميمون. ضعف. وقال يونس عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به بإيلياء بقدحين من خمر ولبن فنظر إليهما فأخذ اللبن فقال له جبريل: الحمد لله الذي هداك للفطرة لو أخذت الخمر غوت أمتك. متفق عليه. قرأت على القاضي سليمان بن حمزة أخبركم محمد بن عبد الواحد الحافظ أنا الفضل بن الحسين أنا علي بن الحسن الموازيني أنا (1/244)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 245 محمد بن عبد الرحمن أنا يوسف القاضي أنا أبو يعلى التميمي ثنا محمد بن إسماعيل الوساوسي ثنا ضمرة عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني عن أبي صالح مولى أم هانئ عن أم هانئ قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلس وأنا على فراشي فقال: شعرت أني نمت الليلة في المسجد الحرام فأتى جبريل فذهب بي إلى باب المسجد فإذا دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل مضطرب الأذنين فركبته وكان يضع حافره مد بصره إذا أخذ بي في هبوط طالت يداه وقصرت رجلاه وإذا أخذ بي في صعود طالت رجلاه وقصرت يداه وجبريل لا يفوتني حتى انتهينا إلى بيت المقدس فأوثقته بالحلقة التي كانت الأنبياء توثق بها فنشر لي رهط من الأنبياء فيهم إبراهيم وموسى وعيسى فصليت بهم وكلمتهم وأتيت بإناءين أحمر وأبيض فشربت الأبيض فقال لي جبريل: شربت اللبن وتركت الخمر لو شربت الخمر لارتدت أمتك ثم ركبته إلى المسجد الحرام فصليت به الغداة. قالت: فتعلقت بردائه وقلت: أنشدك الله يا بن عم ألا تحدث بهذا قريشا فيكذبك من صدقك فضرب بيده على ردائه فانتزعه من يدي فارتفع عن بطنه فنظرت إلى عكنه فوق إزاره وكأنه طي القراطيس وإذا نور ساطع عند فؤاده يكاد يختطف بصري فخررت ساجدة فلما رفعت رأسي إذا هو قد خرج فقلت لجاريتي نبعة: ويحك اتبعيه فانظري فلما رجعت أخبرتني أنه انتهى إلى قريش في الحطيم فيهم المطعم بن عدي وعمرو بن هشام والوليد بن المغيرة فقص عليهم مسراه فقال عمرو كالمستهزئ: صفهم (1/245)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 246 لي قال: أما عيسى ففوق الربعة عريض الصدر ظاهر الدم جعد الشعر تعلوه صهبة كأنه عروة بن مسعود الثقفي وأما موسى فضخم آدم طوال كأنه من رجال شنوءة كثير الشعر غائر العينين متراكب الأسنان مقلص الشفتين خارج اللثة عابس وأما إبراهيم فوالله لأشبه الناس بي خلقا وخلقا فضجوا وأعظموا ذلك فقال المطعم: كل أمرك كان قبل اليوم أمما غير قولك اليوم أنا أشهد أنك كاذب ! نحن نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس شهرا أتيته في ليلة ! وذكر باقي الحديث وهو حديث غريب الوساوسي ضعيف تفرد به. (م) ثنا محمد بن رافع ثنا حجين بن المثنى نا عبد العزيز بن أبي سلمة عن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي فسألوني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربا ما كربت مثله قط فرفعه الله لي أنظر إليه ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء فإذا موسى قائم يصلي فإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوءة وإذا عيسى ابن مريم قائم يصلي أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفي وإذا إبراهيم قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم - يعني نفسه فحانت الصلاة فأممتهم فلما فرغت من (1/246)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 247 الصلاة قال لي قائل: يا محمد هذا مالك صاحب النار فسلم عليه فالتفت إليه فبدأني بالسلام. وقد رواه أبو سلمة أيضا عن جابر مختصرا. قال الليث عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة قال: سمعت جابر بن عبد الله يحدث أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لما كذبتني قريش قمت في الحجر فجلا الله لي بيت المقدس فطففت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه. أخرجاه. وقال إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب: سمعت ابن المسيب يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انتهى إلى بيت المقدس لقي فيه إبراهيم وموسى وعيسى ثم أخبر انه أسري به فافتتن ناس كثير كانوا قد صلوا معه. وذكر الحديث وهذا مرسل. وقال محمد بن كثير المصيصي ثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى أصبح يتحدث الناس بذلك فارتد ناس ممن آمن وسعوا إلى أبي بكر فقالوا: هل لك (1/247)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 248 في صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس ! قال: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم قال: لئن قال ذلك لقد صدق قالوا: وتصدقه ! قال: إني لأصدقه بما هو أبعد من ذلك أصدقه بخير السماء في غدوة أو روحة. فلذلك سمي أبو بكر الصديق. وقال معتمر بن سليمان التيمي عن أبيه سمع أنسا يقول: حدثني بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به مر على موسى وهو يصلي في قبره. وذكر الحديث. وقال عبد العزيز بن عمران بن مقلاص الفقيه ويونس وغيرهما: حدثنا ابن وهب حدثني يعقوب بن عبد الرحمن الزهري عن أبيه عن عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص عن أنس بن مالك قال: لما جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليهما وسلم بالبراق فكأنها أمرت ذنبها فقال لها جبريل: مه يا براق فوالله إن ركبك مثله وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو بعجوز على جانب الطريق فقال: ما هذه يا جبريل قال له: سر يا محمد فسار ما شاء الله أن يسير. فإذا شيء يدعوه متنحيا عن الطريق يقول: هلم يا محمد فقال جبريل: سر يا محمد فسار ما شاء الله أن يسير قال: فلقيه خلق من الخلق فقالوا: السلام عليك يا آخر السلام عليك يا حاشر فرد السلام فانتهى إلى بيت المقدس فعرض عليه الماء والخمر واللبن فتناول اللبن فقال له (1/248)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 249 جبريل: أصبت الفطرة ولو شربت الماء لغرقت أمتك وغرقت ولو شربت الخمر لغويت وغوت أمتك ثم بعث له آدم فمن دونه من الأنبياء فأمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة ثم قال له جبريل: أما العجوز فلم يبق من الدنيا إلا ما بقي من عمر تلك العجوز وأما الذي أراد أن تميل إليه فذاك عدو الله إبليس أراد أن تميل إليه وأما الذين سلموا عليك فإبراهيم وموسى وعيسى. وقال النضر بن شميل: وروح وغندر أنا عوف ثنا زرارة بن أوفى قال: قال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما كانت ليلة أسري بي ثم أصبحت بمكة فظعت بأمري وعلمت بأن الناس يكذبوني قال: فقعد معتزلا حزينا فمر به أبو جهل فجاء فجلس فقال كالمستهزئ: هل كان من شيء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم قال: ما هو؟ قال: إني أسري بي الليلة قال: إلى أين؟ قال: إلى بيت المقدس قال: ثم أصبحت بين أظهرنا ! قال: نعم قال: فلم ير أنه يكذبه مخافة أن يجحده الحديث فقال: أرأيت إن دعوت إليك قومك أتحدثهم بما حدثتني؟ قال: نعم فدعا قومه فقال: يا معشر بني كعب بن لؤي هلم فانتقضت المجالس فجاءوا حتى جلسوا إليهما فقال: حدثهم (1/249)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 250 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أسري بي الليلة قالوا: إلى أين؟ قال: إلى بيت المقدس قالوا: ثم أصبحت بين ظهرينا ! قال: نعم قال: فمن بين مصفق وواضع يده على رأسه مستعجب للكذب زعم قال: وفي القوم من قد سافر إلى ذلك البلد ورأى المسجد فقال: هل تستطيع أن تنعت لنا المسجد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذهبت أنعت فما زلت حتى التبس علي بعض النعت قال: فجيء بالمسجد حتى وضع دون دار عقيل أو عقال. قال: فنعته وأنا أنظر إليه فقالوا: أما النعت فقد والله أصاب. ورواه هوذة بن عوف. مسلم بن إبراهيم: ثنا الحارث بن عبيد ثنا أبو عمران عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينما أنا قاعد ذات يوم إذ دخل جبريل فوكز بين كتفي فقمت إلى شجرة فيها مثل وكرى الطائر فقعد في واحدة وقعدت في أخرى فارتفعت حتى سدت الخافقين فلو شئت أن أمس السماء لمسست وأنا أقلب طرفي فالتفت إلى جبريل فإذا هو لاطئ فعرفت فضل علمه بالله وفتح لي باب السماء ورأيت النور (1/250)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 251 الأعظم ثم أوحى الله إلي ما شاء أن يوحي. إسناده جيد حسن والحارث من رجال مسلم. سعيد بن منصور: ثنا أبو معشر عن أبي وهب مولى أبي هريرة عن أبي هريرة قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به قال: يا جبريل إن قومي لا يصدقوني قال: يصدقك أبو بكر وهو الصديق. رواه إسحاق بن سليمان عن يزيد بن هارون أنا مسعر عن أبي وهب هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس قال: فحدثهم صلى الله عليه وسلم بعلامة بيت المقدس فارتدوا كفارا فضرب الله رقابهم مع أبي جهل. وقال أبو جهل: يخوفنا محمد بشجرة الزقوم هاتوا تمرا وزبدا فتزقموا. ورأى الدجال في صورته رؤيا عين ليس برؤيا منام وعيسى وموسى وإبراهيم. وذكر الحديث. (1/251)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 252 وقال حماد بن سلمة عن عاصم عن زر عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بالبراق وهو دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل فلم يزايلا ظهره هو وجبريل حتى انتهيا به إلى بيت المقدس فصعد به جبريل إلى السماء فاستفتح جبريل فأراه الجنة والنار ثم قال لي: هل صلى في بيت المقدس؟ قلت: نعم قال: اسمك يا أصلع قلت: زر بن حبيش قال: فأين تجده صلاها؟ فتأولت الآية: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} قال: فإنه لو صلى لصليتم كما تصلون في المسجد الحرام قلت لحذيفة: أربط الدابة بالحلقة التي كانت تربط بها الأنبياء؟ قال: أكان يخاف أن تذهب منه وقد أتاه الله بها كأن حذيفة لم يبلغه أنه صلى في المسجد الأقصى ولا ربط البراق بالحلقة. وقال ابن عيينة عن عمرو عن عكرمة عن ابن عباس {وما جعلنا (1/252)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 253 الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس} قال: هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به. {والشجرة الملعونة في القران} قال: هي شجرة الزقوم أخرجه البخاري. ذكر معراج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء قال الله تعالى: {علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى ما كذب الفؤاد ما رأى} وقال {ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى}. تفسير ذلك: قال زائدة وغيره عن أبي إسحاق الشيباني قال: سألت زر بن حبيش عن قوله تعالى: {فكان قاب قوسين أو أدنى} فقال: ثنا عبد الله بن مسعود أنه رأى جبريل له ستمائة جناح. أخرجاه. وروى شعبة عن الشيباني هذا لكن قال: سألته عن قوله تعالى: {لقد رأى من آيات ربه الكبرى} فذكر أنه رأى جبريل له ستمائة جناح. (1/253)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 254 وقال (خ) قبيصة: ثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله {لقد رأى من آيات ربه الكبرى} قال: رأى رفرفا أخضر قد ملأ الأفق. وقال حماد بن سلمة: ثنا عاصم عن زر عن عبد الله {ولقد رآه نزلة أخرى} قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت جبريل عند سدرة عليه ستمائة جناح ينفض من ريشه التهاويل الدر والياقوت. عاصم بن بهدلة القارئ ليس بالقوي. وقال مالك بن مغول عن الزبير بن عدي عن طلحة بن مصرف عن مرة الهمداني عن ابن مسعود قال: لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم فانتهى إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة - كذا قال - وإليها ينتهي ما يصعد به حتى يقبض منها وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها حتى يقبض منها (1/254)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 255 {إذ يغشى السدرة ما يغشى} قال: غشيها فراش من ذهب وأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس وخواتيم سورة البقرة وغفر لمن لا يشرك بالله من أمته المقحمات. أخرجه مسلم. وقال إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله {ما كذب الفؤاد ما رأى} قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه حلة من رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض. وقال عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة: {ولقد رآه نزلة أخرى} قال: رأى جبريل عليه السلام أخرجه مسلم. وقال زكريا بن أبي زائدة عن ابن أشوع عن الشعبي عن مسروق قال: قلت لعائشة: فأين قوله تعالى: {دنا فتدلى} ؟ قالت: إنما ذاك جبريل كان يأتيه في صورة الرجل وإنه أتاه في هذه المرة في صورته التي هي صورته فسد أفق السماء. متفق عليه. (1/255)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 256 وقال ابن لهيعة: حدثني أبو الأسود عن عروة عن عائشة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان أول شأنه يرى المنام فكان أول ما رأى جبريل بأجياد أنه خرج لبعض حاجته فصرخ به: يا محمد يا محمد فنظر يمينا وشمالا فلم ير شيئا ثم نظر فلم ير شيئا فرفع بصره فإذا هو ثانيا إحدى رجليه على الأخرى في الأفق فقال: يا محمد جبريل جبريل يسكنه فهرب حتى دخل في الناس فنظر فلم ير شيئا ثم رجع فنظر فرآه فذلك قوله تعالى: {والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى} . محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن ابن عباس {ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى} قال: دنا ربه منه فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى. قال ابن عباس قد رآه النبي صلى الله عليه وسلم إسناده حسن. أخبرنا التاج عبد الخالق أنا ابن قدامة أنا أبو زرعة أنا المقدمي أنا القاسم بن أبي المنذر أنا ابن سلمة أنا ابن ماجه ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا الحسن بن موسى عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي الصلت عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتيت ليلة أسري بي على قوم بطونهم كالبيوت فيها الحيات ترى من خارج بطونهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أكلة الربا. رواه أحمد في مسنده عن الحسن وعفان عن حماد وزاد فيه: رأيت ليلة أسري بي (1/256)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 257 لما انتهينا إلى السماء السابعة. أبو الصلت مجهول. أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن المرداوي أنبأ أبو محمد عبد الله بن أحمد الفقيه أنبأ هبة الله بن الحسن بن هلال أنبأ عبد الله بن علي بن زكري سنة أربع وثمانين وأربعمائة أنبأ علي بن محمد بن عبد الله أنبأ أبو جعفر محمد بن عمرو ثنا سعدان بن نصر ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري عن ابن عون قال: أنبأنا القاسم بن محمد عن عائشة أنها قالت: من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله ولكنه رأى جبريل مرتين في صورته وخلقه سادا ما بين الأفق. أخرجه البخاري عن محمد بن عبد الله بن أبي الثلج عن الأنصاري. قلت: قد اختلف الصحابة في رؤية محمد صلى الله عليه وسلم ربه فأنكرتها (1/257)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 258 عائشة وأما لروايات عن ابن مسعود فإنما فيها تفسير ما في النجم وليس في قوله ما يدل على نفي الرؤية لله. وذكرها في الصحيح وغيره. قال يونس عن ابن شهاب عن أنس قال: كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فرج سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل ففرج صدري ثم غسله من ماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا ثم أفرغها في صدري ثم أطبقه ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا فقال خازنها: افتح قال: من هذا؟ قال: جبريل قال: هل معك أحد؟ قال: نعم محمد قال: أرسل إليه؟ قال: نعم ففتح (1/258)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 259 فلما علونا السماء الدنيا إذا رجل عن يمينه أسودة وعن يساره أسودة فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى فقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح قلت: يا جبريل من هذا؟ قال: آدم وهذه الأسودة نسم بنيه فأهل اليمين أهل الجنة والتي عن شماله أهل النار ثم عرج بي جبريل حتى أتى السماء الثانية فقال لخازنها: افتح فقال له خازنها. مثل ما قال خازن السماء الدنيا ففتح. فقال أنس: فذكر أنه وجد في السموات: آدم وإدريس وعيسى وموسى وإبراهيم ولم يثبت - يعني أبا ذر - كيف منازلهم غير أنه ذكر أنه وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السماء السادسة فلما مر جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بإدريس قال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح قال: ثم مر قلت: من هذا؟ قال: إدريس قال: ثم مررت بموسى فقال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح: قلت: من هذا؟ قال: موسى ثم مررت بعيسى فقال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح قلت: من هذا؟ قال: عيسى ثم مررت بإبراهيم فقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح قلت: من هذا؟ قال: إبراهيم. قال ابن شهاب: وأخبرني ابن حزم أن ابن عباس وأبا حبة الأنصاري (1/259)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 260 كانا يقولان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوفى أسمع فيه صريف الأقلام. قال ابن شهاب: قال ابن حزم وأنس بن مالك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ففرض الله على أمتي خمسين صلاة كل يوم قال: فرجعت بذلك حتى أمر بموسى فقال: ماذا فرض ربك على أمتك؟ قلت: فرض عليهم خمسين صلاة قال موسى: فراجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك قال: فراجعت ربي فوضع عني شطرها فرجعت إلى موسى فأخبرته فقال: فراجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك فراجعت ربي فقال: هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي فرجعت إلى موسى فقال: ارجع إلى ربك فقلت: قد استحييت من ربي قال: ثم انطلق بي حتى أتى سدرة المنتهى فغشيها ألوان لا أدري ما هي قال: ثم دخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك. أخبرنا بهذا الحديث يحيى بن أحمد المقري بالإسكندرية ومحمد بن حسين الفوي بمصر قالا: أنا محمد بن عماد أنا عبد الله بن رفاعة أنا علي بن الحسن الشافعي أنا عبد الرحمن بن عمر البزار ثنا أبو الطاهر (1/260)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 261 أحمد بن محمد بن عمرو المديني ثنا أبو موسى يونس بن عبد الأعلى الصدفي نا ابن وهب قال: أخبرني يونس فذكره. رواه مسلم عن حرملة عن ابن وهب. وروى النسائي شطره الثاني من قول ابن شهاب: وأخبرني ابن حزم أن ابن عباس وأبا حبة إلى آخره عن يونس فوافقناه بعلو. وقد أخرجه البخاري من حديث الليث عن يونس وتابعه عقيل عن الزهري. وقال همام: سمعت قتادة يحدث عن أنس أن مالك بن صعصعة حدثه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به قال: بينما أنا في الحطيم - وربما قال قتادة في الحجر - مضطجعا إذ أتاني آت - فجعل يقول لصاحبه الأوسط بين الثلاثة قال: فأتاني وقد سمعت قتادة يقول - فشق ما بين هذه إلى هذه قال قتادة: قلت للجارود وهو إلى جنبي: ما يعني؟ قال: من ثغرة نحره إلى شعرته؟ قال: فاستخرج قلبي ثم أتيت بطست من ذهب مملوء إيمانا فغسل قلبي ثم حشي ثم أعيد ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض - فقال له الجارود: هو البراق يا أبا حمزة؟ قال: نعم - يضع خطوه عند أقصى طرفه فحملت عليه فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح قيل: من هذا؟ قال: جبريل قيل: (1/261)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 262 ومن معك؟ قال: محمد قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم قيل مرحبا به ونعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت فإذا آدم فيها فقال: هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح ثم صعد حتى أتى السماء الثانية فاستفتح قيل: من هذا؟ قال: جبريل قيل: ومن معك؟ قال: محمد قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم قيل: مرحبا به ونعم المجيء جاء قال: ففتح فلما خلصت فإذا يحيى وعيسى وهما ابنا الخالة قال: هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما فسلمت عليهما فرد السلام ثم قالا: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الثالثة فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال: جبريل قيل: ومن معك؟ قال: محمد قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم قيل: مرحبا به ونعم المجيء جاء قال: ففتح فلما خلصت فإذا يوسف قال: هذا يوسف فسلم عليه فسلمت عليه فرد وقال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة فقيل: من هذا؟ قال: جبريل قيل: ومن معك؟ قال: محمد قيل: أو قد أرسل إليه؟ قال: نعم قيل: مرحبا به ونعم المجيء جاء قال: ففتح فلما خلصت فإذا إدريس قال: هذا إدريس فسلم عليه فسلمت ورد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال: جبريل قيل: ومن معك؟ قال: محمد قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم قيل: مرحبا به ونعم المجيء جاء قال: محمد (1/262)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 263 قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم قيل: مرحبا به ونعم المجيء جاء قال: ففتح فلما خلصت فإذا هارون قال: هذا هارون فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال: جبريل فقيل: ومن معك؟ قال: محمد قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم قيل: مرحبا به ونعم المجيء جاء قال: ففتح فلما خلصت فإذا موسى قال: هذا موسى فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام؟ ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح قال فلما جاوزت بكى فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأنه غلام بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي ثم صعد بي حتى أتى السماء السابعة فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال: جبريل قيل: ومن معك؟ قال: محمد قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم قيل: مرحبا به ونعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت فإذا إبراهيم عليه السلام قال: هذا إبراهيم فسلم عليه فسلمت عليه فرد وقال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح ثم رفعت لي سدرة المنتهى. فإذا نبقها مثل قلال هجر وإذا ورقها مثل آذان الفيلة فقال: هذه سدرة المنتهى وإذا أربعة أنهار: نهران باطنان ونهران ظاهران فقلت ما هذا يا جبريل قال أما الباطنان فنهران في الجنة وأما. الظاهران فالنيل والفرات. ثم رفع لي البيت المعمور ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل فأخذت اللبن. فقال: هذه الفطرة أنت عليها وأمتك. قال: ثم فرضت علي الصلاة خمسون صلاة في كل يوم فرجعت (1/263)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 264 فمررت على موسى فقال: بم أمرت؟ قلت: بخمسين صلاة في كل يوم. قال: إن أمتك لا تستطيع ذلك فإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فسله التخفيف. قلت: قد سألت ربي حتى استحييت ولكن أرضى وأسلم فلما نفرت ناداني مناد قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي. أخرجه البخاري عن هدبة عنه. وقال معاذ بن هشام: حدثني أبي عن قتادة ثنا أنس عن مالك بن صعصعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكر نحوه وزاد فيه: فأتيت بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فشق من النحر إلى مراق البطن فغسل بماء زمزم ثم ملئ حكمة وإيمانا. أخرجه مسلم بطوله. وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس عن مالك بن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بينما أنا عند البيت بين النائم واليقظان إذ سمعت قائلا يقول: أحد الثلاثة بين الرجلين قال: فأتيت فانطلق بي ثم أتيت بطست من ذهب فيه من ماء زمزم فشرح صدري إلى كذا وكذا قال قتادة: قلت لصاحبي: ما يعني؟ قال: إلى أسفل بطني فاستخرج قلبي فغسل بماء زمزم ثم أعيد مكانه وحشي أو قال: كنز إيمانا وحكمة - (1/264)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 265 شك سعيد - ثم أتيت بدابة أبيض يقال له البراق فوق الحمار ودون البغل يقع خطوه عند أقصى طرفه فحملني عليه ومعي صاحبي لا يفارقني فانطلقنا حتى أتينا السماء الدنيا. وساق الحديث كحديث همام إلى قوله البيت المعمور فزاد يدخله كل يوم سبعون ألف ملك حتى إذا خرجوا منه لم يعودوا فيه آخر ما عليهم. قلت: وهذه زيادة رواها همام في حديثه وهو أتقن من ابن أبي عروبة فقال: قال قتادة فحدثنا الحسن عن أبي هريرة أنه رأى البيت يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه. ثم رجع إلى حديث أنس وفي حديث ابن أبي عروبة زيادة: {في سدرة المنتهى} إن ورقها مثل آذان الفيلة ولفظه: ثم أتيت على موسى فقال: بم أمرت؟ قلت: بخمسين صلاة قال: إني قد بلوت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة وإن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فرجعت فحط عني خمس صلوات فما زلت أختلف بين ربي وبين موسى كلما أتيت عليه قال لي مثل مقالته حتى رجعت بخمس صلوات كل يوم فلما أتيت على موسى قال كمقالته قلت: لقد رجعت إلى ربي حتى استحييت ولكن أرضى وأسلم فنوديت أن: قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي وجعلت بكل حسنة عشر أمثالها. أخرجه مسلم. وقد رواه ثابت البناني وشريك بن أبي نمر عن أنس فلم يسنده (1/265)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 266 لهما لا عن أبي ذر ولا عن مالك بن صعصعة ولا بأس بمثل ذلك فإن مرسل الصحابي حجة. قال حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتيت بالبراق وهو دابة أبيض فركبته حتى أتينا بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء ثم دخلت فصليت فأتاني بإناءين خمر ولبن فاخترت اللبن فقال: أصبت الفطرة ثم عرج بي إلى السماء الدنيا فاستفتح جبريل فقيل: من أنت؟ قال: أنا جبريل قيل: ومن معك؟ قال: محمد قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: قد أرسل ففتح لنا فإذا بآدم. فذكر الحديث وفيه: فإذا يوسف وإذا هو قد أعطي شطر الحسن فرحب بي ودعا لي بخير إلى أن قال: لما فتح له السماء السابعة: فإذا بإبراهيم وإذا هو مستند إلى البيت المعمور فرحب بي ودعا لي بخير فإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى فإذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال قال: فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت. فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها قال فدنا فتدلى فأوحى إلى عبده ما أوحى وفرض علي في كل يوم خمسون صلاة فنزلت حتى انتهيت إلى موسى قال: ما فرض ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة في كل يوم وليلة قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك فإني قد بلوت بني إسرائيل وجربتهم وخبرتهم قال: فرجعت فقلت: أي رب خفف عن أمتي فحط عني خمسا فرجعت حتى انتهيت إلى موسى فقال: ما فعلت؟ قلت: قد حط عني خمسا فقال: إن أمتك لا تطيق ذلك ارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى حتى قال: هي خمس (1/266)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 267 صلوات في كل يوم وليلة بكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة. أخرجه مسلم دون قوله: فدنا فتدلى وذلك ثابت في رواية حجاج بن منهال وهو ثبت في حماد بن سلمة. وقال سليمان بن بلال عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر قال: سمعت أنسا يقول وذكر حديث الإسراء وفيه: ثم عرج به إلى السماء السابعة ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله حتى جاء إلى سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى. أخرجه البخاري عن عبد العزيز بن عبد الله عن سليمان. وقال شيبان عن قتادة عن أبي العالية ثنا ابن عباس قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم رأيت ليلة أسري بي موسى عليه السلام رجلا طوال جعدا كأنه من رجال شنوءة ورأيت عيسى مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس قال: وأري مالكا خازن النار والدجال في آيات أراهن الله إياه قال: {فلا تكن في مرية من لقائه} . فكان قتادة يفسرها أن نبي الله قد لقي موسى. أخرجه مسلم. وفي الصحيحين من حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة (1/267)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 268 قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم حين أسري به لقيت موسى وعيسى - ثم نعتهما - ورأيت إبراهيم وأنا أشبه ولده به. وقال مروان بن معاوية الفزاري عن قنان النهمي ثنا أبو ظبيان الجنبي قال: كنا جلوسا عند أبي عبيدة بن عبد الله ومحمد بن سعد بن أبي وقاص فقال محمد لأبي عبيدة: حدثنا عن أبيك ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبو عبيدة: لا بل حدثنا أنت عن أبيك قال: لو سألتني قبل أن أسألك لفعلت فأنشأ أبو عبيدة يحدث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني جبريل بدابة فوق الحمار ودون البغل فحملني عليه فانطلق يهوي بنا كلما صعد عقبة استوت رجلاه مع يديه وإذا هبط استوت يداه مع رجليه حتى مررنا برجل طوال سبط آدم كأنه من رجال أزد شنوءة وهو يقول ويرفع صوته ويقول: أكرمته وفضلته فدفعنا إليه فسلمنا فرد السلام فقال: من هذا معك يا جبريل؟ قال: هذا أحمد. قال: مرحبا بالنبي الأمي الذي بلغ رسالة ربه ونصح لأمته. قال: ثم اندفعنا فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: موسى قلت: ومن يعاتب؟ قال: يعاتب ربه فيك قلت: ويرفع صوته على ربه ! قال: إن الله قد عرف له حدته. قال: ثم اندفعنا حتى مررنا بشجرة كأن ثمرها السرج وتحتها شيخ وعياله فقال لي جبريل: اعمد إلى أبيك إبراهيم فسلمنا عليه فرد السلام وقال: من هذا معك يا جبريل؟ قال: ابنك أحمد فقال: مرحبا بالنبي (1/268)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 269 الأمي الذي بلغ رسالة ربه ونصح لأمته يا بني إنك لاق ربك الليلة فإن استطعت أن تكون حاجتك أو جلها في أمتك فافعل. قال: ثم اندفعنا حتى انتهينا إلى المسجد الأقصى فنزلت فربطت الدابة بالحلقة التي في باب المسجد التي كانت الأنبياء تربط بها ثم دخلت المسجد فعرفت النبيين ما بين قائم وراكع وساجد ثم أتيت بكأسين من عسل ولبن فأخذت اللبن فشربته فضرب جبريل منكبي وقال: أصبت الفطرة ورب محمد ثم أقيمت الصلاة فأممتهم ثم انصرفنا فأقبلنا... هذا حديث حسن غريب. فإن قيل: فقد صح عن ثابت وسليمان التيمي عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتيت على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره وقد صح عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيتني في جماعة من الأنبياء فإذا موسى يصلي وذكر إبراهيم وعيسى قال: فحانت الصلاة فأممتهم. ومن حديث ابن المسيب أنه لقيهم في بيت المقدس. فكيف الجمع بين هذه الأحاديث وبين ما تقدم من أنه رأى هؤلاء الأنبياء في السموات وأنه راجع موسى؟ فالجواب: أنهم مثلوا له فرآهم غير مرة فرأى موسى في مسيره قائما يصلي في قبره ثم رآه في بيت المقدس ثم رآه في السماء السادسة هو وغيره فعرج بهم كما عرج بنبينا صلوات الله على الجميع وسلامه والأنبياء أحياء عند ربهم كحياة الشهداء عند ربهم وليست حياتهم كحياة أهل الدنيا ولا حياة أهل الآخرة بل لون آخر كما ورد أن حياة الشهداء (1/269)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 270 بأن جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر تسرح في الجنة وتأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش فهم أحياء عند ربهم بهذا الاعتبار كما أخبر سبحانه وتعالى وأجسادهم في قبورهم. وهذه الأشياء أكبر من عقول البشر والإيمان بها واجب كما قال تعالى: {الذين يؤمنون بالغيب} . أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله أنا أبو روح عبد المعز بن محمد كتابة أن تميم بن أبي سعيد الجرجاني أخبرهم أنبأ أبو سعد محمد بن عبد الرحمن أنا أبو عمرو بن حمدان أنا أحمد بن علي بن المثنى ثنا هدبة بن خالد ثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مررت ليلة أسري بي برائحة طيبة فقلت: ما هذه الرائحة يا جبريل؟ قال: هذه ماشطة بنت فرعون كانت تمشطها فوقع المشط من يدها فقالت: باسم الله قالت بنت فرعون: أبي قالت: ربي ورب أبيك قالت: أقول له إذا قالت: قولي له قال لها: أو لك رب غيري ! قالت ربي وربك الذي في السماء قال فاحمي لها بقرة من نحاس فقالت: إن لي إليك حاجة قال: وما هي؟ قالت: أن تجمع عظامي وعظام ولدي قال: ذلك لك علينا لما لك علينا من الحق. فألقي ولدها في البقرة واحدا واحدا واحدا فكان آخرهم صبي فقال: يا أمه اصبري فإنك على الحق. قال ابن عباس: فأربعة تكلموا وهم صبيان: ابن ماشطة بنت فرعون وصبي (1/270)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 271 جريج وعيسى ابن مريم والرابع لا أحفظه. هذا حديث حسن. وقال ابن سعد: أنا محمد بن عمر عن أبي بكر أبي سبرة وغيره قالوا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أن يريه الجنة والنار فلما كان ليلة السبت لسبع عشرة خلت من رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نائم في بيته أتاه جبريل بالمعراج فإذا هو أحسن شيء منظرا فعرج به إلى السموات سماء سماء فلقي فيها الأنبياء وانتهى إلى سدرة المنتهى. قال ابن سعد: وأنبأ محمد بن عمر حدثني أسامة بن زيد الليثي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. قال محمد بن عمر: وثنا موسى بن يعقوب الزمعي عن أبيه عن جده عن أم سلمة. ونا موسى بن يعقوب عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة. وحدثني إسحاق بن حازم عن وهب بن كيسان عن أبي مرة عن أم هانئ وحدثني عبد الله بن جعفر عن زكريا بن عمرو عن ابن أبي مليكه عن ابن عباس دخل حديث بعضهم في بعض قالوا: أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة (1/271)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 272 سبع عشرة من شهر ربيع الأول قبل الهجرة من شعب أبي طالب إلى بيت المقدس وساق الحديث إلى أن قال: وقال بعضهم في الحديث: فتفرقت بنو عبد المطلب يطلبونه حين فقد يلتمسونه حتى بلغ العباس ذا طوى فجعل يصرخ: يا محمد يا محمد فأجابه رسول الله: لبيك فقال: يا بن أخي عنيت قومك منذ الليلة فأين كنت. قال: أتيت من بيت المقدس. قال: في ليلتك ! قال: نعم. قال: هل أصابك إلا خير؟ قال: ما أصابني إلا خير. وقالت أم هانئ: ما أسري به إلا من بيتنا: نام عندنا تلك الليلة بعد ما صلى العشاء فلما كان قبل الفجر أنبهناه للصبح فقام فلما صلى الصبح قال: يا أم هانئ جئت إلى بيت المقدس فصليت فيه ثم صليت الغداة معكم. فقالت: لا تحدث الناس فيكذبونك قال: والله لأحدثنهم فأخبرهم فتعجبوا وساق الحديث. فرق الواقدي كما رأيت بين الإسراء والمعراج وجعلهما في تاريخين. وقال عبد الوهاب بن عطاء: أنبأ راشد أبو محمد الحماني عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له أصحابه: (1/272)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 273 يا رسول الله أخبرنا عن ليلة أسري بك فيها فقرأ أول {سبحان} وقال: بينا أنا نائم عشاء في المسجد الحرام إذ أتاني آت فأيقظني فاستيقظت فلم أر شيئا ثم عدت في النوم ثم أيقظني فاستيقظت فلم أر شيئا ثم نمت فأيقظني فاستيقظت فلم أر شيئا فإذا أنا بهيئة خيال فأتبعته بصري حتى خرجت من المسجد فإذا أنا بدابة أدنى شبهه بدوابكم هذه بغالكم مضطرب الأذنين يقال له البراق وكانت الأنبياء تركبه قبلي يقع حافره مد بصره فركبته فبينا أنا أسير عليه إذ دعاني داع عن يميني: يا محمد أنظرني أسألك فلم أجبه فسرت ثم دعاني داع عن يساري: يا محمد أنظرني أسألك فلم أجبه ثم إذا أنا بامرأة حاسرة عن ذراعيها وعليها من كل زينة فقالت: يا محمد أنظرني أسألك فلم ألتفت إليها حتى أتيت بيت المقدس فأوثقت دابتي بالحلقة فأتاني جبريل بإناءين: خمر ولبن فشربت اللبن فقال: أصبت الفطرة فحدثت جبريل عن الداعي الذي عن يميني قال: ذاك داعي اليهود لو أجبته لتهودت أمتك والآخر داعي النصارى لو أجبته لتنصرت أمتك وتلك المرأة الدنيا لو أجبتها لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة ثم دخلت أنا وجبريل بيت المقدس فصلينا ركعتين ثم أتيت بالمعراج الذي تعرج عليه أرواح بني آدم فلم تر الخلائق أحسن من المعراج أما رأيتم الميت حين يشق بصره طامحا إلى السماء فإنما يفعل ذلك عجبه به فصعدت أنا وجبريل فإذا أنا بملك يقال له إسماعيل وهو صاحب سماء الدنيا وبين يديه سبعون ألف ملك قال تعالى: {وما يعلم جنود ربك إلا هو} . فاستفتح جبريل قيل: من هذا؟ قال: جبريل قيل: ومن معك؟ قال: محمد قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم. فإذا أنا بآدم كهيئته يوم (1/273)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 274 خلقه الله على صورته تعرض عليه أرواح ذريته المؤمنين فيقول: روح طيبة ونفس طيبة اجعلوها في عليين ثم تعرض عليه أرواح ذريته الفجار فيقول: روح خبيثة ونفس خبيثة اجعلوها في سجين. ثم مضت هنية فإذا أنا بأخونة - يعني بالخوان المائدة - عليها لحم مشرح ليس بقربها أحد وإذا أنا بأخونة أخرى عليها لحم قد أروح ونتن وعندها أناس يأكلون منها. قلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء من أمتك يتركون الحلال ويأتون الحرام قال: ثم مضت هنية فإذا أنا بأقوام بطونهم أمثال البيوت كلما نهض أحدهم خر يقول: اللهم لا تقم الساعة وهم على سابلة آل فرعون فتجيء السابلة فتطاردهم فسمعتهم يضجون إلى الله قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء من أمتك الذين يأكلون الربا ثم مضت هنية فإذا أنا بأقوام مشافرهم كمشافر الإبل فتفتح أفواههم ويلقمون الجمر ثم يخرج من أسافلهم فيضجون قلت: من هؤلاء؟ قال: الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ثم مضت هنية فإذا أنا بنساء يعلقن بثديهن فسمعتهن يضججن إلى الله قلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: الزناة من أمتك ثم مضت هنية فإذا أنا بأقوام يقطع من جنوبهم اللحم فيلقمون فيقال له: كل ما كنت تأكل من لحم أخيك قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الهمازون من أمتك اللمازون. ثم صعدت إلى السماء الثانية فإذا أنا برجل أحسن ما خلق الله قد فضل على الناس بالحسن كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب قلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا أخوك يوسف ومعه نفر من قومه فسلمت عليه وسلم علي ثم صعدت إلى السماء الثالثة فإذا أنا بيحيى وعيسى ومعهما نفر من قومهما. ثم صعدت إلى الرابعة فإذا أنا بإدريس ثم صعدت إلى السماء الخامسة فإذا أنا بهارون ونصف لحيته بيضاء ونصفها سوداء تكاد لحيته تصيب سرته من طولها قلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا المحبب في قومه هذا هارون بن عمران ومعه نفر (1/274)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 275 من قومه فسلمت عليه ثم صعدت إلى السماء السادسة فإذا أنا بموسى رجل آدم كثير الشعر لو كان عليه قميصان لنفذ شعره دون القميص وإذا هو يقول: يزعم الناس أني أكرم على الله من هذا بل هذا أكرم على الله مني قلت: من هذا؟ قال: موسى. ثم صعدت السابعة فإذا أنا بإبراهيم ساند ظهره إلى البيت المعمور فدخلته ودخل معي طائفة من أمتي عليهم ثياب بيض ثم دفعت إلى سدرة المنتهى فإذا كل ورقة منها تكاد أن تغطي هذه الأمة وإذا فيها عين تجري يقال لها سلسبيل فيشق منها نهران أحدهما الكوثر والآخر نهر الرحمة فاغتسلت فيه فغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر ثم إني دفعت إلى الجنة فاستقبلتني جارية فقلت: لمن أنت؟ قالت: لزيد بن حارثة ثم عرضت علي النار ثم أغلقت ثم إني دفعت إلى سدرة المنتهى فتغشى لي وكان بيني وبينه قاب قوسين أو أدنى قال: ونزل على كل ورقة ملك من الملائكة وفرضت علي الصلاة خمسين ثم دفعت إلى موسى - فذكر مراجعته في التخفيف. أنا اختصرت ذلك وغيره إلى أن قال - فقلت: رجعت إلى ربي حتى استحييته. ثم أصبح بمكة يخبرهم بالعجائب فقال: إني أتيت البارحة بيت المقدس وعرج بي إلى السماء ورأيت كذا ورأيت كذا فقال أبو جهل: ألا تعجبون مما يقول محمد وذكر الحديث. هذا حديث غريب عجيب حذفت نحو النصف منه. رواه نجي بن أبي (1/275)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 276 طالب عن عبد الوهاب وهو صدوق عن راشد الحماني وهو مشهور روى عنه حماد بن زيد وابن المبارك وقال أبو حاتم: صالح الحديث عن أبي هارون عمارة بن جوين العبدي وهو ضعيف شيعي. وقد رواه عن أبي هارون أيضا هشيم ونوح بن قيس الحداني بطوله نحوه حدث به عنهما قتيبة بن سعيد. ورواه سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق عن روح بن القاسم عن أبي هارون العبدي بطوله. ورواه أسد بن موسى عن مبارك بن فضالة ورواه عبد الرزاق عن معمر والحسن بن عرفة عن عمار بن محمد كلهم عن أبي هارون وبسياق مثل هذا الحديث صار أبو هارون متروكا وقال إبراهيم بن حمزة الزبيري: ثنا حاتم بن إسماعيل حدثني عيسى بن ماهان عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي هريرة. (ح) وقال هاشم بن القاسم ويونس بن بكير وحجاج الأعور ثنا أبو جعفر الرازي وهو عيسى بن ماهان عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي هريرة أو غيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في هذه الآية {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} قال: أتي بفرس فحمل عليه خطوة منتهى بصره فسار وسار معه جبريل فأتى على (1/276)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 277 قوم يزرعون في يوم ويحصدون في يوم كلما حصدوا عاد كما كان فقال: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء المهاجرون في سبيل الله تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه}. ثم أتى على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر كلما رضخت عادت ! قال: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع وعلى أدبارهم رقاع يسرحون كما تسرح الأنعام عن الضريع والزقوم ورضف جهنم قال: يا جبريل ما هؤلاء؟ قال: الذين لا يؤدون الزكاة ثم أتى على خشبة على الطريق لا يمر بها شيء إلا قصعته يقول الله تعالى: {ولا تقعدوا بكل صراط توعدون} . ثم مر على رجل قد جمع حزمة عظيمة لا يستطيع حملها وهو يريد أن يزيد عليها قال: يا جبريل ما هذا؟ قال: هذا رجل من أمتك عليه أمانة لا يستطيع أداءها وهو يزيد عليها ثم أتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد كلما قرضت عادت كما كانت. قال: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء خطباء الفتنة. ثم نعت الجنة والنار إلى أن قال: ثم سار حتى أتى بيت المقدس فدخل وصلى ثم أتى أرواح الأنبياء فأثنوا على ربهم. وذكر حديثا طويلا في ثلاث ورقات كبار. تفرد به أبو جعفر الرازي وليس هو بالقوي والحديث منكر يشبه كلام القصاص إنما أوردته للمعرفة لا للحجة. (1/277)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 278 وروى في المعراج إسحاق بن بشر حديثا وليس بثقة عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس. وقال معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: فرضت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ركعتين ركعتين فلما خرج إلى المدينة فرضت أربعا وأقرت صلاة السفر ركعتين. أخرجه البخاري. آخر الإسراء. (1/278)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 279

زواجه صلى الله عليه وسلم بعائشة وسودة أمي المؤمنين قال هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم متوفى خديجة قبل الهجرة وأنا ابنة ست وأدخلت عليه وأنا ابنة تسع سنين جاءني نسوة وأنا ألعب على أرجوحة وأنا مجممة فهيأنني وصنعنني ثم أتين بي إليه. قال عروة: ومكثت عنده تسع سنين. وهذا حديث صحيح. وقال أبو أسامة عن هشام عن أبيه قال: توفيت خديجة قبل مخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بثلاث سنين فلبث سنتين أو قريبا من ذلك ونكح عائشة وهي بنت ست سنين ثم بنى بها وهي ابنة تسع. أخرجه (1/279)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 280 البخاري هكذا مرسلا. وقال هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أريتك في المنام مرتين أرى أن رجلا يحملك في سرقة من حرير فيقول: هذه امرأتك فأكشف فأراك فأقول: إن كان هذا من عند الله يمضه. متفق عليه. وقال عبد الله بن إدريس عن محمد بن عمرو عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: قالت عائشة: لما ماتت خديجة رضي الله عنهما جاءت خولة بنت حكيم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ألا تزوج؟ قال: ومن؟ قالت: إن شئت بكرا وإن شئت ثيبا. قال: من البكر ومن الثيب. فقالت: أما البكر فعائشة بنت أحب خلق الله إليك. وأما الثيب فسودة بنت زمعة قد آمنت بك واتبعتك قال: اذكريهما علي. قالت: فأتيت أم رومان فقلت: يا أم رومان ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة قالت: ماذا؟ قالت: رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر عائشة. (1/280)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 281 قالت: إنتظري فإن أبا بكر آت فجاء أبو بكر فذكرت ذلك له. فقال: أوتصلح له وهي ابنة أخيه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أخوه وهو أخي وابنته تصلح لي. قالت: وقام أبو بكر فقالت لي أم رومان: إن المطعم بن عدي قد كان ذكرها على ابنه والله ما أخلف وعدا قط تعني أبا بكر. قالت: فأتى أبو بكر المطعم فقال: ما تقول في أمر هذه الجارية. قال: فأقبل على امرأته فقال لها: ما تقولين؟ فأقبلت على أبي بكر فقالت: لعلنا إن أنكحنا هذا الفتى إليك تصبئه وتدخله في دينك. فأقبل عليه أبو بكر فقال: ما تقول أنت؟ فقال: إنها لتقول ما تسمع فقام أبو بكر وليس في نفسه من الموعد شيء فقال لها: قولي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فليأت فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فملكها قالت: ثم انطلقت إلى سودة بنت زمعة وأبوها شيخ كبير قد جلس عن الموسع فحييته بتحية أهل الجاهلية وقلت: أنعم صباحا قال: من أنت؟ قلت: خولة بنت حكيم فرحب بي وقال ما شاء الله أن يقول قلت: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب يذكر سودة بنت زمعة قال: كفؤ كريم ماذا تقول صاحبتك. قلت: تحب ذلك قال: قولي له فليأت قالت: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فملكها. قالت: وقدم عبد بن زمعة فجعل يحثو على رأسه التراب فقال بعد أن أسلم: إني لسفيه يوم أحثو على رأسي التراب أن تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة. إسناده حسن. عرض نفسه صلى الله عليه وسلم على القبائل قال إسرائيل عن عثمان بن المغيرة عن سالم بن أبي الجعد عن (1/281)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 282 جابر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس بالموقف فيقول: هل من رجل يحملني إلى قومه فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي. أخرجه أبو داود عن محمد بن كثير عن إسرائيل وهو على شرط البخاري. وقال موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك السنين يعرض نفسه على قبائل العرب في كل موسم ويكلم كل شريف قوم لا يسألهم مع ذلك إلا أن يؤووه ويمنعوه ويقول: لا أكره أحدا منكم على شيء من رضي منكم بالذي أدعوه إليه فذاك ومن كره لم أكرهه إنما أريد أن تحرزوني مما يراد بي من القتل حتى أبلغ رسالات ربي وحتى يقضي الله لي ولمن صحبني بما شاء فلم يقبله أحد ويقولون: قومه أعلم به اترون أن رجلا يصلحنا وقد أفسد قومه ولفظوه فكان ذلك مما ذخر الله للأنصار. وتوفي أبو طالب وابتلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد ما كان فعمد لثقيف بالطائف رجاء أن يؤووه فوجد ثلاثة نفر منهم هم سادة ثقيف: عبد ياليل وحبيب ومسعود بنو عمرو فعرض عليهم نفسه وشكا إليهم البلاء وما انتهك منه قومه. فقال أحدهم: أنا أسرق أستار الكعبة إن كان الله بعثك قط. (1/282)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 283 وقال الآخر: أعجز على الله أن يرسل غيرك. وقال الآخر: والله لا أكلمك بعد مجلسك هذا والله لئن كنت رسول الله لأنت أعظم شرفا وحقا من أن أكلمك ولئن كنت تكذب على الله لأنت اشر من أن أكلمك وتهزأوا به وأفشوا في قومهم الذي راجعوه به وقعدوا له صفين على طريقه فلما مر جعلوا لا يرفع رجليه ولا يضعهما إلا رضخوهما بالحجارة وأدموا رجليه فخلص منهم وهما تسيلان الدماء فعمد إلى حائط من حوائطهم واستظل في ظل حبلة منه وهو مكروب موجع فإذا في الحائط عتبة بن ربيعة وشيبة أخوه فلما رآهما كره مكانهما لما يعلم من عداوتهما فلما رأياه أرسلا إليه غلاما لهما يدعى عداسا وهو نصراني من أهل نينوى معه عنب فلما جاء عداس قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أي أرض أنت يا عداس؟ قال: من أهل نينوى فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: من مدينة الرجل الصالح يونس بن متى؟ فقال: وما يدريك من يونس بن متى؟ قال: أنا رسول الله والله أخبرني خبر يونس فلما أخبره خبر عداس ساجدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يقبل قدميه وهما تسيلان الدماء فلما أبصر عتبة وشيبة ما يصنع غلامهما سكتا فلما أتاهما قالا: ما شأنك سجدت لمحمد وقبلت قدميه؟ قال: هذا رجل صالح أخبرني بشيء عرفته من شأن رسول بعثه الله إلينا يدعى يونس بن متى فضحكا به. وقالا: لا يفتنك عن نصرانيتك فإنه رجل خداع فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة. (1/283)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 284 وقال يونس بن يزيد عن الزهري: أخبرني عروة أن عائشة حدثته أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم أشد عليك من يوم أحد؟ قال: ما لقيت من قومك كان أشد منه يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا هو جبريل فناداني إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم ثم ناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك وأنا ملك الجبال قد بعثني إليك ربك لتأمرني بما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أشرارهم - أو قال: من أصلابهم - من يعبد الله لا يشرك به شيئا. أخرجاه. وقال البكائي عن ابن إسحاق: فحدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال: لما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف عمد إلى نفر من ثقيف وهم يومئذ سادتهم وهم إخوة ثلاثة: عبد ياليل بن (1/284)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 285 عمرو وأخواه مسعود وحبيب وعند أحدهم امرأة من قريش من جمح فجلس إليهم ودعاهم إلى الله فقال أحدهم: هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك وقال الآخر: أما وجد الله من يرسله غيرك؟ وقال الآخر: والله لا أكلمك. وذكره كما في حديث ابن شهاب وفيه زيادة وهي: فلما اطمأن صلى الله عليه وسلم قال فيما ذكر لي: اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس ارحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أو إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي أعوذ بنور وجهك الكريم الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك. وحدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس سمعت ربيعة بن عباد يحدث أبي قال: إني لغلام شاب مع أبي بمنى ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على القبائل من العرب يقول: يا بني فلان إني رسول الله إليكم يأمركم أن تعبدوه لا تشركوا به شيئا وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه وأن تؤمنوا وتصدقوني وتمنعوني حتى أبين عن الله ما بعثني به قال: وخلفه رجل أحول وضيء له غديرتان عليه حلة عدنية فإذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله قال: يا بني فلان عن هذا إنما يدعوكم إلى أن تسلخوا اللات والعزى وحلفاءكم من الحي من بني مالك بن أقيش إلى ما جاء به من البدعة والضلالة فلا تطيعوه ولا تسمعوا منه فقلت لأبي: من هذا؟ قال: هذا عمه عبد العزى أبو لهب. (1/285)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 286 وحدثني ابن شهاب أنه صلى الله عليه وسلم أتى كندة في منازلهم وفيهم سيد لهم يقال له مليح فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه فأبوا عليه. وحدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حصين أنه أتى كلبا في منازلهم إلى بطن منهم يقال له بنو عبد الله فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه حتى إنه ليقول: يا بني عبد الله إن الله قد أحسن اسم أبيكم فدعاهم إلى الله فلم يقبلوا. وحدثني بعض أصحابنا أنه أتى بني حنيفة في منازلهم ودعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه فلم يكن أحد من العرب أقبح ردا منهم. وحدثني الزهري أنه أتى بني عامر بن صعصعة فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه فقال رجل منهم يقال له بيحرة بن فراس: والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب ثم قال له: أرأيت إن تابعناك على أمرك؟ ثم أظهرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال: الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء قال: أفتهدف نحورنا للعرب دونك فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا لا حاجة لنا بأمرك فأبوا عليه. (1/286)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 287

حديث سويد بن الصامت وقال يونس بن بكير: عن ابن إسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخ من قومه قالوا: قدم سويد بن الصامت أخو بني عمرو بن عوف مكة حاجا أو معتمرا وكان سويد يسميه قومه فيهم (الكامل) لسنه وجلده وشعره فتصدى له رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاه إلى الله فقال سويد: فلعل الذي معك مثل الذي معي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما الذي معك؟ قال: مجلة لقمان يعني حكمة لقمان قال: اعرضها فعرضها عليه فقال: إن هذا الكلام حسن والذي معي أفضل منه قرآن أنزله الله علي فتلا عليه القرآن ودعاه إلى الإسلام فلم يبعد منه وقال: أن هذا لقول حسن ثم انصرف فقدم المدينة على قومه فلم يلبث أن قتلته الخزرج فكان رجال من قومه يقولون: إنا لنرى أنه قتل وهو مسلم وكان قتله يوم بعاث. وقال البكائي عن ابن إسحاق قال: وسويد الذي يقول: ألا رب من تدعو صديقا ولو ترى..... مقالته بالغيب ساءك ما يفري) (مقالته كالشهد ما كان شاهدا..... وبالغيب مأثور على ثغرة النحر) (يسرك باديه وتحت أديمه..... تميمة غش تبتري عقب الظهر) (تبين لك العينان ما هو كاتم..... من الغل والبغضاء بالنظر الشزر) (فرشني بخير طالما قد بريتني..... وخير الموالي يريش ولا يبري) (1/287)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 288

حديث يوم بعاث قال يونس عن ابن إسحاق: حدثني الحصين بن عبد الرحمن بن سعد ابن معاذ عن محمود بن لبيد قال: لما قدم أبو الحيسر أنس بن رافع مكة ومعه فتية من بني عبد الأشهل فيهم إياس بن معاذ يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاهم فقال لهم: هل لكم إلى خير مما جئتم له؟ قالوا: وما ذاك؟ قال: أنا رسول الله بعثني الله إلى العباد ثم ذكر لهم الإسلام وتلا عليهم القرآن فقال إياس وكان غلاما حدثا: يا قوم هذا والله خير مما جئتم له فيأخذ أبو الحيسر حفنة من الحصباء فيضرب بها وجه إياس وقال: دعنا منك فلعمري لقد جئنا لغير هذا فسكت وقام النبي صلى الله عليه وسلم عنهم وانصرفوا إلى المدينة وكانت وقعة بعاث بين الأوس والخزرج ثم لم يلبث إياس بن معاذ أن هلك. قال محمود بن لبيد: فأخبرني من حضره من قومي أنهم لم يزالوا يسمعونه يهلل الله ويكبره ويحمده ويسبحه حتى مات وكانوا لا يشكون أنه مات مسلما. وقد كان استشعر منه الإسلام في ذلك المجلس حين سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمع. وقال هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان يوم بعاث يوما قدمه الله عز وجل لرسوله فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وقد افترق ملؤهم (1/288)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 289 وقتلت سراتهم - يعني وجرحوا - قدمه الله لرسوله في دخولهم في الإسلام. أخرجه البخاري. ذكر مبدأ خبر الأنصار والعقبة الأولى قال أحمد بن المقدام العجلي: ثنا هشام بن محمد الكلبي ثنا عبد الحميد بن أبي عبس بن جبر عن أبيه قال: سمعت قريش قائلا يقول في الليل على أبي قبيس: فإن يسلم السعدان يصبح محمد..... بمكة لا يخشى خلاف المخالف) فلما أصبحوا قال أبو سفيان: من السعدان؟ سعد بن بكر أو سعد بن تميم؟ فلما كان في الليلة الثانية سمعوا الهاتف يقول: أيا سعد سعد الأوس كن أنت ناصرا..... ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف) (أجيبا إلى داعي الهدي وتمنيا..... على الله في الفردوس منية عارف) (فإن ثواب الله للطالب الهدى..... جنان من الفردوس ذات رفارف) فقال أبو سفيان: هو والله سعد بن معاذ وسعد بن عبادة. (1/289)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 290 وقال البكائي عن ابن إسحاق: لما أراد الله إظهار دينه وإعزاز نبيه خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم الذي لقيه فيه الأنصار فعرض نفسه على القبائل كما كان يصنع فبينا هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخ من قومه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما لقيهم قال: من أنتم؟ قالوا: نفر من الخزرج قال: أمن موالي يهود؟ قالوا: نعم قال: أفلا تجلسون أكلمكم؟ قالوا: بلى فجلسوا معه فدعاهم إلى الله وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن وكان مما صنع الله به في الإسلام أن يهود كانوا معهم في بلادهم وكانوا أهل كتاب وعلم وكانوا [هم] أهل شرك وأوثان وكانوا قد غزوهم ببلادهم فكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا: إن نبيا مبعوث الآن قد أظل زمانه نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم فلما كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفر ودعاهم إلى الله قال بعضهم لبعض: يا قوم تعلموا والله إنه للنبي الذي توعدكم به يهود فلا تسبقنكم إليه فأجابوه وأسلموا وقالوا: إنا تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم وعسى الله أن يجمعهم بك فسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك ونعرض عليهم الذي أجبناك به فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك ثم انصرفوا. (1/290)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 291 قال ابن إسحاق: وهم فيما ذكر ستة من الخزرج: أسعد بن زرارة وعوف بن عفراء ورافع بن مالك الزرقي وقطبة بن عامر السلمي وعقبة بن عامر رواه جرير بن حازم عن ابن إسحاق فقال بدل عقبة: معوذ بن عفراء وجابر بن عبد الله أحد بني عدي بن غنم فلما قدموا المدينة ذكروا لقومهم رسول الله ودعوهم إلى الإسلام وفشا فيهم ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان العام المقبل وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلا فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة وهي (العقبة الأولى) فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء وذلك قبل أن تفترض عليهم الحرب وهم أسعد بن زرارة وعوف ومعوذ ابنا الحارث وهما ابنا عفراء وذكوان بن عبد قيس ورافع بن مالك وعبادة بن الصامت ويزيد بن ثعلبة البلوي وعباس بن عبادة بن نضلة وقطبة بن عامر وعقبة بن عامر وهم من الخزرج وأبو الهيثم بن التيهان وعويم بن ساعدة وهما من الأوس. وقال يونس وجماعة عن ابن إسحاق حدثني يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني عن أبي عبد الله الصنابحي عبد الرحمن بن عسيلة حدثني عبادة بن الصامت قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة (1/291)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 292 الأولى ونحن اثنا عشر رجلا فبايعناه بيعة النساء على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف وذلك قبل أن تفترض الحرب فإن وفيتم بذلك فلكم الجنة وإن غشيتم شيئا فأمركم إلى الله إن شاء غفر وإن شاء عذب. أخرجاه عن قتيبة عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب. أخبرنا الخضر بن عبد الرحمن وإسماعيل بن أبي عمرو قالا: أنا الحسن بن علي بن الحسين بن الحسن بن البن أنا جدي أبو القاسم الحسين أنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء سنة تسع وسبعين وأربعمائة أنا عبد الرحمن بن عثمان المعدل أنبأ علي بن يعقوب أنا أحمد بن إبراهيم القرشي أنا محمد بن عائذ أخبرني إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن عبادة بن الصامت قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في النشاط والكسل وعلى النفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى أن نقول في الله عز وجل لا تأخذنا فيه لومة لائم وعلى أن ننصره إذا قدم علينا يثرب فنمنعه مما نمنع (1/292)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 293 أنفسنا وأزواجنا وأبناءنا ولنا الجنة. رواه زهير بن معاوية عن ابن خثيم عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه أن عبادة قال نحوه. (خالفه داود بن عبد الرحمن العطار ويحيى بن سليم فرويا عن ابن خثيم هذا المتن بإسناد آخر وهو عن أبي الزبير عن جابر. وسيأتي). وقال البكائي عن ابن إسحاق: فلما انصرف القوم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير العبدري يقرئهم القرآن ويفقههم في الدين فنزل على أسعد بن زرارة فحدثني عاصم بن عمر أنه كان يصلي بهم وذلك أن الأوس والخزرج كره بعضهم أن يؤمه بعض. قال ابن إسحاق: وكان يسمى مصعب بالمدينة المقرئ. وحدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال: كنت قائد أبي حين ذهب بصره فكنت إذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الأذان صلى على أبي أمامة أسعد بن زرارة واستغفر له فقلت: يا أبه ما لك إذا سمعت الأذان للجمعة صليت على أبي أمامة ! قال: أي بني كان أول من جمع بنا بالمدينة في هزم من حرة بني بياضة يقال له نقيع الخضمات قلت: وكم كنتم يومئذ؟ قال: أربعون رجلا. (1/293)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 294 وقال موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: فلما حضر الموسم حج نفر من الأنصار منهم معاذ بن عفراء وأسعد بن زرارة ورافع بن مالك وذكوان وعبادة بن الصامت وأبو عبد الرحمن بن تغلب وأبو الهيثم بن التيهان وعويم بن ساعدة. فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرهم خبره وقرأ عليهم القرآن فأيقنوا به واطمأنوا وعرفوا ما كانوا يسمعون من أهل الكتاب فصدقوه ثم قالوا: قد علمت الذي كان بين الأوس والخزرج من سفك الدماء ونحن حراص على ما أرشدك الله به مجتهدون لك بالنصيحة وإنا نشير عليك برأينا فامكث على اسم الله حتى نرجع إلى قومنا فنذكر لهم شأنك وندعوهم إلى الله فلعل الله يصلح ذات بينهم ويجمع لهم أمرهم فنواعدك الموسم من قابل فرضي بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجعوا إلى قومهم فدعوهم سرا وتلوا عليهم القرآن حتى قل دار من دور الأنصار إلا قد أسلم فيها ناس ثم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن عفراء ورافع بن مالك أن أبعث إلينا رجلا من قبلك يفقهنا فبعث مصعب بن عمير فنزل في بني تميم على أسعد بن زرارة يدعو الناس سرا ويفشو فيهم الإسلام ويكثر ثم أقبل مصعب وأسعد فجلسا عند بئر بني مرق وبعثا إلى رهط من الأنصار فأتوهما مستخفين فأخبر بذلك سعد بن معاذ - ويقول بعض الناس: بل أسيد بن حضير - فأتاهم في لأمته معه الرمح حتى وقف عليهم فقال لأبي أمامة أسعد: علام أتيتنا في دورنا بهذا الوحيد الغريب الطريد يسفه ضعفاءنا بالباطل ويدعوهم إليه لا أراك بعدها تسيء من جوارنا فقاموا ثم إنهم عادوا مرة أخرى لبئر بني مرق أو قريبا منها فذكروا لسعد بن معاذ الثانية فجاءهم فتواعدهم وعيدا دون وعيده الأول فقال له أسعد: يا بن خالة اسمع من قوله فإن سمعت حقا فأجب إليه (1/294)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 295 وإن سمعت منكرا فاردده بأهدى منه فقال: ماذا يقول؟ فقرأ عليه مصعب: {حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} فقال سعد: ما أسمع منكم إلا ما أعرفه فرجع سعد وقد هداه الله ولم يظهر لهما إسلامه حتى رجع إلى قومه فدعا بني عبد الأشهل إلى الإسلام وأظهر لهم إسلامه وقال: من شك منهم فيه فليأت بأهدى منه فوالله لقد جاء أمر لتحزن منه الرقاب فأسلمت بنو عبد الأشهل عند إسلام سعد بن معاذ إلا من لا يذكر. ثم إن بني النجار أخرجوا مصعب بن عمير واشتدوا على أسعد فانتقل مصعب إلى سعد بن معاذ يدعو آمنا ويهدي الله به. وأسلم عمرو بن الجموح وكسرت أصنامهم وكان المسلمون أعز من بالمدينة وكان مصعب أول من جمع الجمعة بالمدينة ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. هكذا قال ابن شهاب: إن مصعبا أول من جمع بالمدينة. وقال البكائي: عن ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن المغيرة بن معيقيب وعبد الله بن أبي بكر بن حزم أن أسعد بن زرارة خرج بمصعب بن عمير يريد به دار بني عبد الأشهل ودار بني ظفر وكان سعد بن معاذ ابن خالة أسعد بن زرارة فدخل به حائطا من حوائط بني ظفر وقالا على بئر مرق فاجتمع إليهما ناس وكان سعد وأسيد بن حضير سيدي بني عبد الأشهل فلما سمعا به قال سعد لأسيد: انطلق إلى هذين (1/295)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 296 فازجرهما وانههما عن أن يأتيا دارينا فلولا أسعد بن زرارة ابن خالتي كفيتك ذلك فأخذ أسيد حربته ثم أقبل إليهما فلما رآه أسعد قال: هذا سيد قومه قد جاءك فاصدق الله فيه قال مصعب: إن يجلس أكلمه قال: فوقف عليهما فقال: ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا واعتزلانا إن كان لكما بأنفسكما حاجة فقال له مصعب: أو تجلس فتسمع فإن رضيت أمرا قبلته وإن كرهته كف عنك ما تكره قال: أنصفت ثم ركز حربته وجلس إليهما فكلمه مصعب بالإسلام وقرأ عليه القرآن فقالا فيما بلغنا: والله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم في إشراقه وتسهله ثم قال: ما أحسن هذا وأجمله ! كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟ قالا: تغتسل وتتطهر وتطهر ثوبيك ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلي فقام فاغتسل وأسلم وركع ركعتين ثم قال لهما: إن ورائي رجلا إن اتبعكما لم يتخلف عنه من قومه أحد وسأرسله إليكما ثم انصرف إلى سعد بن معاذ وقومه وهم جلوس في ناديهم فلما رآه سعد مقبلا قال: أقسم بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ولى به ثم قال له: ما فعلت؟ قال: كلمت الرجلين. فما رأيت بهما بأسا وقد نهيتهما فقالا: نفعل ما أحببت وقد حدثت أن بني حارثة قد خرجوا إلى أسعد ليقتلوه وذلك أنهم عرفوا أنه ابن خالتك ليخفرونك فقام سعد مغضبا مبادرا متخوفا فأخذ الحربة وقال: والله ما أراك أغنيت عنا شيئا ثم خرج إليهما فلما رآهما سعد مطمئنين عرف أن أسيدا إنما أراد منه أن يسمع منهما فوقف عليهما متشتما. ثم قال لأسعد: يا أبا أمامة والله لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت مني هذا أتغشانا في دارينا بما نكره ! وقد قال اسعد لمصعب: أي (1/296)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 297 مصعب جاءك والله سيد من وراءه إن يتبعك لا يتخلف عنك منهم اثنان فقال: أو تقعد فتسمع فإن رضيت أمرا ورغبت فيه قبلته وإن كرهت عزلنا عنك ما تكره قال: أنصفت فعرض عليه الإسلام وقرأ عليه القرآن فعرفنا في وجهه والله الإسلام قبل أن يتكلم به لإشراقه وتسهله. ثم فعل كما عمل أسيد وأسلم وأخذ حربته وأقبل عائدا إلى نادي قومه ومعه أسيد فلما رآه قومه قالوا: نحلف بالله لقد رجع سعد إليكم بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم فقال: يا بني عبد الأشهل كيف تعرفون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا وأفضلنا رأيا وأيمننا نقيبة قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا فوالله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلما ومسلمة ورجع مصعب وأسعد إلى منزلهما ولم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون إلا ما كان من دار بني أمية بن زيد وخطمة ووائل وواقف وتلك أوس الله وهم من الأوس بن حارثة وذلك أنه كان فيهم أبو قيس بن الأسلت وهو صيفي وكان شاعرا لهم وقائدا يستمعون منه ويطيعونه فوقف بهم عن الإسلام فلم يزل على ذلك حتى مضت أحد والخندق. العقبة الثانية قال يحيى بن سليم الطائفي وداود العطار - وهذا لفظه - ثنا ابن خثيم عن أبي الزبير المكي عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبث عشر سنين يتبع الحاج في منازلهم في المواسم: مجنة وعكاظ (1/297)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 298 ومنى يقول: من يؤويني وينصرني حتى أبلغ رسالات ربي وله الجنة؟ فلا يجد حتى إن الرجل يرحل صاحبه من مضر أو اليمن فيأتيه قومه أو ذو رحمه يقولون: احذر فتى قريش لا يفتنك يمشي بين رحالهم يدعوهم إلى الله يشيرون إليه بأصابعهم حتى بعثنا الله له من يثرب فيأتيه الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه حتى لم يبق دار من يثرب إلا وفيها رهط يظهرون الإسلام ثم ائتمرنا واجتمعنا سبعين رجلا منا فقلنا: حتى متى نذر رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف في جبال مكة ويخاف فرحلنا حتى قدمنا عليه في الموسم فواعدنا شعب العقبة فاجتمعنا فيه من رجل ورجلين حتى توافينا عنده فقلنا يا رسول الله: علام نبايعك؟ قال: على السمع والطاعة في النشاط والكسل وعلى النفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم فيه لومة لائم وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم يثرب تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة فقلنا نبايعه فأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو أصغر السبعين إلا أنا فقال: رويدا يا أهل يثرب إنا لم نضرب إليه أكباد المطي إلا ونحن نعلم أنه رسول الله إن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف فإما أنتم قوم تصبرون على عض السيوف إذا مستكم وعلى قتل خياركم وعلى مفارقة العرب كافة فخذوه وأجركم على الله وأما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر لكم عند الله. فقلنا: أمط يدك يا أسعد فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها فقمنا إليه (1/298)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 299 نبايعه رجلا رجلا يأخذ علينا شرطه ويعطينا على ذلك الجنة. زاد في وسطه يحيى بن سليم: فقال له عمه العباس يا بن أخي لا أدري ما هذا القوم الذين جاؤوك إني ذو معرفة بأهل يثرب قال: فاجتمعنا عنده من رجل ورجلين فلما نظر العباس في وجوهنا قال: هؤلاء قوم لا أعرفهم هؤلاء أحداث فقلنا: علام نبايعك. وقال أبو نعيم: ثنا زكريا عن الشعبي قال: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم معه عمه العباس إلى السبعين من الأنصار عند العقبة تحت الشجرة قال: ليتكلم متكلمكم ولا يطيل الخطبة فإن عليكم من المشركين عينا فقال أسعد: سل يا محمد لربك ما شئت ثم سل لنفسك ثم أخبرنا ما لنا على الله قال: أسألكم لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأسألكم لنفسي ولأصحابي أن تؤوونا وتنصرونا وتمنعونا مما منعتم منه أنفسكم قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك قال: لكم الجنة قالوا: فلك ذلك. ورواه أحمد بن حنبل عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة نا مجالد عن الشعبي عن أبي مسعود الأنصاري بنحوه قال: وكان أبو مسعود أصغرهم سنا. وقال ابن بكير عن ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر وعبد الله بن أبي بكر أن العباس بن عبادة بن نضلة أخا بني سالم قال: يا (1/299)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 300 معشر الخزرج هل تدرون على ما تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود فإن كنتم ترون أنها إذا أنهكت أموالكم مصيبة وأشرافكم قتلا تركتموه وأسلمتموه فمن الآن فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة وإن كنتم ترون أنكم مستعلنون به وافون له فهو والله خير الدنيا والآخرة قال عاصم: فوالله ما قال العباس هذه المقالة إلا ليشد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بها العقد. وقال ابن أبي بكر: ما قالها إلا ليؤخر بها أمر القوم تلك الليلة ليشهد أمرهم عبد الله بن أبي فيكون أقوى قالوا: فما لنا بذلك يا رسول الله؟ قال: الجنة قالوا: ابسط يدك وبايعوه فقال عباس بن عبادة: إن شئت لنميلن عليهم غدا بأسيافنا فقال: لم أؤمر بذلك. وقال الزهري: ورواه ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة وقاله موسى بن عقبة وهذا لفظه: إن العام المقبل حج من الأنصار سبعون رجلا أربعون من ذوي أسنانهم وثلاثون من شبابهم أصغرهم أبو مسعود عقبة بن عمرو وجابر بن عبد الله فلقوه بالعقبة ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه العباس فلما أخبرهم بما خصه الله من النبوة والكرامة ودعاهم إلى الإسلام وإلى البيعة أجابوه وقالوا: اشترط علينا لربك ولنفسك ما شئت فقال: أشترط لربي أن لا تشركوا به شيئا وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم. فلما طابت بذلك أنفسهم من الشرط أخذ عليهم العباس المواثيق لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالوفاء وعظم العباس الذي بينهم وبين رسول الله وذكر أن أم عبد المطلب سلمى بنت عمرو بن زيد بن عدي بن النجار. وذكر الحديث بطوله. قال عروة فجميع من شهد العقبة من الأنصار سبعون رجلا وامرأة. (1/300)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 301 وقال ابن إسحاق: سبعون رجلا وامرأتان إحداهما أم عمارة وزوجها وابناهما. وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق: فحدثني معبد بن كعب بن مالك بن القين عن أخيه عبيد الله عن أبيه كعب قال: خرجنا في الحجة التي بايعنا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة مع مشركي قومنا ومعنا البراء بن معرور كبيرنا وسيدنا حتى إذا كنا بظاهر البيداء قال: يا هؤلاء تعلموا إني قد رأيت رأيا والله ما أدري توافقونني عليه أم لا فقلنا: وما هو يا أبا بشر؟ قال: إني قد أردت أن أصلي إلى هذه البنية ولا أجعلها مني بظهر فقلنا: لا والله لا تفعل والله ما بلغنا أن نبينا صلى الله عليه وسلم يصلي إلا إلى الشام قال: فإني والله لمصل إليها فكان إذا حضرت الصلاة توجه إلى الكعبة وتوجهنا إلى الشام حتى قدمنا مكة فقال لي البراء: يا بن أخي انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسأله عما صنعت فلقد وجدت في نفسي بخلافكم إياي قال: فخرجنا نسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقينا رجل بالأبطح فقلنا: هل تدلنا على محمد؟ قال: وهل تعرفانه إن رأيتماه؟ قلنا: لا والله قال: فهل تعرفان العباس؟ فقلنا: نعم وقد كنا نعرفه كان يختلف إلينا بالتجارة فقال: إذا دخلتما المسجد فانظروا العباس قال: فهو الرجل الذي معه قال: فدخلنا المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم والعباس ناحية المسجد جالسين فسلمنا ثم جلسنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تعرف (1/301)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 302 هذين يا أبا الفضل؟ قال: نعم هذا البراء بن معرور سيد قومه وهذا كعب بن مالك فوالله ما أنسى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشاعر)؟ قال: نعم فقال له البراء: يا رسول الله إني قد كنت رأيت في سفري هذا رأيا وقد أحببت أن أسألك عنه قال: وما ذاك؟ قال: رأيت أن لا أجعل هذه البنية مني بظهر فصليت إليها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد كنت على قبلة لو صبرت عليها فرجع إلى قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله يقولون: قد مات عليها ونحن أعلم به قد رجع إلى قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى معنا إلى الشام. ثم واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة أوسط أيام التشريق ونحن سبعون رجلا للبيعة ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر وإنه لعلى شركه فأخذناه فقلنا: يا أبا جابر والله إنا لنرغب بك أن تموت على ما أنت عليه. فتكون لهذه النار غدا حطبا وإن الله قد بعث رسولا يأمر بتوحيده وعبادته. وقد أسلم رجال من قومك وقد واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم للبيعة فأسلم وطهر ثيابه وحضرها معنا فكان نقيبا فلما كانت الليلة التي وعدنا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى أول الليل مع قومنا فلما استثقل الناس من النوم تسللنا من فرشنا تسلل القطا حتى اجتمعنا بالعقبة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمه العباس ليس معه غيره أحب أن يحضر أمر ابن أخيه فكان أول متكلم فقال: يا معشر الخزرج إن محمدا منا حيث قد علمتم وهو في منعة من قومه وبلاده قد منعناه ممن هو على مثل رأينا منه وقد أبى إلا الانقطاع إليكم وإلى ما دعوتموه إليه فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما وعدتموه فأنتم وما تحملتم وإن كنتم تخشون من أنفسكم خذلانا فاتركوه في قومه فإنه في منعة من عشيرته وقومه فقلنا: قد سمعنا ما قلت تكلم (1/302)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 303 يا رسول الله فتكلم ودعا إلى الله وتلا القرآن ورغب في الإسلام فأجبناه بالإيمان والتصديق له وقلنا له: خذ لربك ولنفسك فقال: إني أبايعكم على أن تمنعوني مما منعتم منه أبناءكم ونساءكم فأجابه البراء بن معرور فقال: نعم والذي بعثك بالحق نمنعك مما نمنع منه أزرنا فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أهل الحروب وأهل الحلقة ورثناها كابرا عن كابر فعرض في الحديث أبو الهيثم بن التيهان فقال: يا رسول الله إن بيننا وبين أقوام حبالا وإنا قاطعوها فهل عسيت إن الله أظهرك أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ فقال: بل الدم الدم والهدم الهدم أنا منكم وأنتم مني أسالم من سالمتم وأحارب من حاربتم فقال له البراء بن معرور: أبسط يدك يا رسول الله نبايعك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبا فأخرجوهم له فكان نقيب بني النجار. أسعد بن زرارة ونقيب بني سلمة البراء بن معرور وعبد الله بن عمرو بن حرام ونقيب بني ساعدة: سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو ونقيب بني زريق: رافع بن مالك ونقيب بني الحارث بن الخزرج: عبد الله بن رواحة وسعد بن الربيع ونقيب بني عوف بن الخزرج: عبادة بن الصامت - وبعضهم جعل بدل عبادة بن الصامت خارجة بن زيد - ونقيب بني عمرو بن عوف: سعد بن خيثمة ونقيب بني (1/303)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 304 عبد الأشهل - وهم من الأوس - أسيد بن حضير وأبو الهيثم بن التيهان قال: فأخذ البراء بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب عليها وكان أول من بايع وتتابع الناس فبايعوا فصرخ الشيطان على العقبة بأنفذ صوت سمعته قط فقال: يا أهل الجباجب هل لكم في مذمم والصبأة معه قد اجتمعوا على حربكم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا أزب العقبة هذا ابن أزيب أما والله لأفرغن لك ارفضوا إلى رحالكم. فقال العباس بن عبادة أخو بني سالم: يا رسول الله: والذي بعثك بالحق لئن شئت لنميلن على أهل مني غدا بأسيافنا فقال: إنا لم نؤمر بذلك فرحنا إلى رحالنا فاضطجعنا فلما أصبحنا أقبلت جلة من قريش فيهم الحارث بن هشام فتى شاب وعليه نعلان له جديدتان فقالوا: يا معشر الخزرج إنه قد بلغنا أنكم جئتم إلى صاحبنا لتستخرجوه من بين أظهرنا وإنه والله ما من العرب أحد أبغض إلينا أن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم فانبعث من هناك من قومنا من المشركين يحلفون لهم بالله ما كان من هذا من شيء وما فعلنا فلما تثور القوم لينطلقوا قلت كلمة كأني أشركهم في الكلام: يا أبا جابر - يريد عبد الله ابن عمرو - أنت سيد من سادتنا وكهل من كهولنا لا تستطيع أن تتخذ مثل نعلي هذا الفتى من قريش فسمعه الحارث فرمى بهما إلي وقال: والله لتلبسنهما فقال أبو جابر: مهلا أحفظت لعمر الله الرجل - يقول: أخجلته - أردد عليه نعليه فقلت: لا والله لا أردهما فأل صالح إني لأرجو أن أسلبه. (1/304)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 305 قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر قال: ثم انصرفوا عنهم فأتوا عبد الله بن أبي يعني ابن سلول فسألوه فقال: إن هذا الأمر جسيم وما كان قومي ليتفوتوا علي بمثله فانصرفوا عنه. وقال ابن إدريس عن ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: ابعثوا منكم اثني عشر نقيبا كفلاء على قومهم ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم فقال أسعد بن زرارة: نعم يا رسول الله قال: فأنت نقيب على قومك ثم سمى النقباء كرواية معبد بن مالك. وقال ابن وهب: حدثني مالك حدثني شيخ من الأنصار أن جبريل عليه السلام كان يشير للنبي صلى الله عليه وسلم إلى من يجعله نقيبا قال مالك: كنت أعجب كيف جاء من قبيلة رجل ومن قبيلة رجلان حتى حدثني هذا الشيخ أن جبريل كان يشير إليهم يوم البيعة قال مالك: وهم تسعة نقباء من الخزرج وثلاثة من الأوس. وقال: ابن إسحاق: تسمية من شهد العقبة قلت: تركت النقباء لأنهم قد تقدموا. فمن الأوس: سلمة بن سلامة بن وقش. ومن بني حارثة: ظهير بن رافع وأبو بردة بن نيار وبهير بن الهيثم. (1/305)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 306 ومن بني عمرو بن عوف: رفاعة بن عبد المنذر - وعده ابن إسحاق نقيبا عوض أبي الهيثم بن التيهان - وعبد الله بن جبير بن النعمان أمير الرماة يوم أحد ويومئذ استشهد ومعن بن عدي قتل يوم اليمامة وعويم بن ساعدة. فجميع من شهد العقبة من الأوس أحد عشر رجلا. ومن الخزرج من بني النجار: أبو أيوب خالد بن زيد ومعاذ بن عفراء وأخوه عوف وعمارة بن حزم وقتل يوم اليمامة. ومن بني عمرو بن مبذول: سهل بن عتيك بدري. ومن بني عمرو بن النجار: وهم بنو حديلة: أوس بن ثابت وأبو طلحة زيد بن سهل. ومن بني مازن بن النجار: قيس بن أبي صعصعة وعمرو بن غزية. ومن بلحارث بن الخزرج: خارجة بن زيد استشهد يوم أحد وبشير بن سعد وعبد الله بن زيد صاحب النداء وخلاد بن سويد استشهد يوم قريظة وأبو مسعود عقبة بن عمرو. ومن بني بياضة: زياد بن لبيد وفروة بن عمرو وخالد بن قيس. ومن بني زريق: ذكوان بن عبد قيس وكان خرج إلى مكة فكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يقال له: مهاجري أنصاري واستشهد يوم أحد وعباد بن قيس والحارث بن قيس. (1/306)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 307 ومن بني سلمة: بشر بن البراء بن معرور ابن أحد النقباء وسنان بن صيفي والطفيل بن النعمان واستشهد يوم الخندق ومعقل بن المنذر ومسعود بن يزيد والضحاك بن حارثة ويزيد بن حرام وجبار بن صخر والطفيل بن مالك. ومن بني غنم بن سواد: سليم بن عمرو وقطبة بن عامر ويزيد بن عامر وأبو البسر كعب بن عمرو وصيفي بن سواد. ومن بني نابي بن عمرو: ثعلبة بن غنمة وقتل بالخندق وأخوه عمرو وعبس بن عامر وعبد الله بن أنيس وخالد بن عدي. ومن بني حرام: جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام ومعاذ بن عمرو بن الجموح وثابت بن الجذع استشهد بالطائف وعمير بن الحارث وخديج بن سلامة ومعاذ بن جبل. ومن بني عوف بن الخزرج: العباس بن عبادة استشهد يوم أحد وأبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبة البلوي حليف لهم وعمرو بن الحارث. ومن بني سالم بن غنم بن عوف: رفاعة بن عمرو وعقبة بن وهب. ومن بني ساعدة: النقيبان سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو الذي كان أميرا يوم بئر معونة فاستشهد. وأما المرأتان فأم منيع أسماء بنت عمرو بن عدي وأم عمارة نسيبة بنت كعب حضرت ومعها زوجها زيد بن عاصم بن كعب وابناها حبيب (1/307)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 308 وعبد الله وحبيب هو الذي مثل به مسيلمة الكذاب وقطعه عضوا عضوا. قال ابن إسحاق: فلما تفرق الناس عن البيعة فتشت قريش من الغد عن الخبر والبيعة فوجدوه حقا فانطلقوا في طلب القوم فأدركوا سعد بن عبادة وهرب منذر بن عمرو فشدوا يدي سعد إلى عنقه بتسعة وكان ذا شعر كثير فطفقوا يحبذونه بجمته ويصكونه ويلكزونه إلى أن جاء مطعم بن عدي والحارث بن أمية وكان سعد يجيرهما إذا قدما المدينة فأطلقاه من أيديهم وخليا سبيله. قال: وكان معاذ بن عمرو بن الجموح قد شهد العقبة وكان أبوه من سادة بني سلمة وقد اتخذ في داره صنما من خشب يقال له مناف فلا أسلم فتيان بني سلمة: معاذ بن جبل وابنه معاذ بن عمرو وغيرهما كانوا يدخلون بالليل على صنمه فيأخذونه ويطرحونه في بعض الحفر وفيها عذر الناس منكسا على رأسه فإذا أصبح عمرو قال ويلكم من عدا على آلهتنا في هذه الليلة ثم يلتمسه حتى إذا وجده غسله: وطهره وطيبه ثم قال: أما والله لو أعلم من يصنع بك هذا لأخزيته. فإذا أمسى ونام فعلوا به مثل ذلك وفعل مرات وفي الآخر علق عليه سيفه ثم قال: إني والله ما أعلم من يصنع بك ما ترى فإن كان فيك خير فامتنع وهذا السيف معك فلما كان الليل أخذوا السيف من عنقه ثم أخذوا كلبا ميتا فعلقوه وربطوه (1/308)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 309 به وألقوه في جب عذرة فغدا عمرو فلم يجده فخرج يتبعه حتى وجده في البئر منكسا مقرونا بالكلب فلما رآه أبصر شأنه وكلمه من أسلم من قومه فأسلم وحسن إسلامه وقال: تالله لو كنت إلها لم تكن..... أنت وكلب وسط بئر في قرن) (أف لمصرعك إلها مستدن..... الآن فتشناك عن سوء الغبن) (الحمد لله العلي ذي المنن..... الواهب الرزاق وديان الدين) (هو الذي أنقذني من قبل أن..... أكون في ظلمة قبر مرتهن) (1/309)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 310 فارغة. (1/310)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 311

ذكر أول من هاجر إلى المدينة عقيل وغيره عن الزهري عن عروة عن عائشة قال النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين بمكة: قد أريت دار هجرتكم أريت سبخة ذات نخل بين لابتين. وهما الحرتان فهاجر من هاجر قبل المدينة عند ذلك ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة من المسلمين وتجهز أبو بكر مهاجرا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي فقال أبو بكر: وترجو ذلك بأبي أنت وأمي؟ قال: نعم فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه وعلف راحلتين عنده ورق السمر أربعة أشهر. أخرجه البخاري. وقال البكائي عن ابن إسحاق قال: فلما أذن الله لنبيه في الحرب وبايعه هذا الحي من الأنصار على الإسلام والنصرة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه بالخروج إلى المدينة والهجرة إليها واللحوق بالأنصار فخرجوا أرسالا. (1/311)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 312 فكان أول من هاجر أبو سلمة بن عبد الأسد إلى المدينة هاجر إليها قبل العقبة الكبرى بسنة وقد كان قدم من الحبشة مكة فآذته قريش وبلغه أن جماعة من الأنصار قد أسلموا فهاجر إلى المدينة. فعن أم سلمة قالت: لما أجمع أبو سلمة الخروج رحل لي بعيره ثم حملني وابني عليه ثم خرج بي يقودني فلما رأته رجال بني المغيرة قاموا إليه فقالوا: هذه نفسك غلبتنا عليها هذه علام نتركك تسير بها في البلاد ! فنزعوا خطام البعير من يده فأخذوني منه وغضب عند ذلك رهط أبي سلمة فقالوا والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا فتجاذبوا ابني سلمة حتى خلعوا يده وانطلق به بنو عبد الأسد وحبسني بنو المغيرة عندهم فانطلق زوجي إذ فرقوا بيننا فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح فلا أزال أبكي حتى أمسي سنة أو قريبا منها. حتى مر بي رجل من بني عمي فرحمني فقال: ألا تخرجون من هذه المسكينة فرقتم بينها وبين ولدها؟ فقالوا لي: إلحقي بزوجك قالت: ورد بنو عبد الأسد إلي عند ذلك ابني. فارتحلت بعيري ثم وضعت سلمة في حجري وخرجت أريد زوجي بالمدينة وما معي أحد من خلق الله. قلت: أتبلغ بمن لقيت حتى أقدم على زوجي حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة العبدري فقال: إلى أين يا بنة أبي أمية؟ قلت: أريد زوجي بالمدينة. قال: أو ما معك أحد؟ قالت: قلت: لا والله إلا الله وبني هذا قال: والله ما لك من مترك. فأخذ بخطام البعير فانطلق معي يهوي بي فوالله ما صحبت رجلا من العرب أرى أنه أكرم منه كان أبدا إذا بلغ المنزل أناخ بي ثم استأخر عني حتى إذا نزلت استأخر ببعيري فحط عنه ثم قيده في (1/312)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 313 الشجر ثم تنحى إلى شجرة فاضطجع تحتها فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فرحله ثم استأخر عني وقال: اركبي فإذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه فقادني حتى ينزل بي فلم يزل يصنع ذلك حتى أقدمني المدينة فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال: زوجك في هذه القرية ثم انصرف راجعا. ثم كان أول من قدمها بعد أبي سلمة: عامر بن ربيعة حليف بني عدي ابن كعب مع امرأته ثم عبد الله بن جحش حليف بني أمية مع امرأته وأخيه أبي أحمد وكان أبو أحمد ضرير البصر وكان يمشي بمكة بغير قائد وكان شاعرا وكانت عنده الفارعة بنت أبي سفيان بن حرب وكانت أمه أميمة بنت عبد المطلب فنزل هؤلاء بقباء على مبشر بن عبد المنذر. وقال موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: فلما اشتدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أمر رسول الله أصحابه بالهجرة فخرجوا رسلا رسلا فخرج منهم قبل مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو سلمة وامرأته وعامر بن ربيعة وامرأته أم عبد الله بنت أبي حثمة ومصعب بن عمير وعثمان بن مظعون وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وعبد الله بن جحش وعثمان بن الشريد وعمار بن ياسر ثم خرج عمر وعياش بن أبي ربيعة وجماعة فطلب أبو جهل والحارث بن هشام عياشا وهو أخوهم لأمهم فقدموا (1/313)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 314 المدينة فذكروا له حزن أمه وأنها حلفت لا يظلها سقف وكان بها برا فرق لها وصدقهم فلما خرجا به أوثقاه وقدما به مكة فلم يزل بها إلى قبل الفتح. قلت: وهو الذي كان يدعو له النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت: اللهم أنج سلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة. الحديث. قال ابن شهاب: وخرج عبد الرحمن بن عوف فنزل على سعد بن الربيع وخرج عثمان والزبير وطلحة بن عبيد الله وطائفة ومكث ناس من الصحابة بمكة حتى قدموا المدينة بعد مقدمه منهم: سعد بن أبي وقاص على اختلاف فيه. وقال يونس عن ابن إسحاق: حدثني نافع عن ابن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب قال: لما اجتمعنا للهجرة اتعدت أنا وعياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص بن وائل وقلنا: الميعاد بيننا التناضب من أضاة بني غفار فمن أصبح منكم لم يأتها فقد حبس فأصبحت عندها أنا وعياش وحبس هشام وفتن وقدمنا المدينة فكنا نقول: ما الله بقابل من هؤلاء توبة قوم عرفوا الله وآمنوا به وصدقوا رسوله ثم رجعوا عن ذلك لبلاء أصابهم في الدنيا فأنزلت: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله} فكتبتها بيدي كتابا ثم بعثت بها إلى هشام فقال هشام بن العاص: فلما قدمت علي خرجت بها إلى ذي طوى أصعد فيها (1/314)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 315 النظر وأصوبه لأفهمها فقلت: اللهم فهمنيها فعرفت إنما أنزلت فينا لما كنا نقول في أنفسنا ويقال فينا فرجعت فجلست على بعيري فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقتل هشام بأجنادين. وقال عبد العزيز الدراوردي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: قدمنا من مكة فنزلنا العصبة عمر بن الخطاب وأبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة فكان يؤمهم سالم لأنه كان أكثرهم قرآنا. وقال إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال: أول من قدم علينا مصعب بن عمير فقلنا له: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو مكانه وأصحابه على أثري ثم أتى بعده عمرو بن أم مكتوم الأعمى أخو بني فهر ثم عمار بن ياسر وسعد بن أبي وقاص وابن مسعود وبلال ثم أتانا عمر بن الخطاب في عشرين راكبا ثم أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر معه فلم يقدم علينا رسول الله حتى قرأت سورا من المفصل. أخرجه مسلم. وقال ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة قال: ومكث رسول (1/315)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 316 الله صلى الله عليه وسلم بعد الحج بقية ذي الحجة والمحرم وصفر وإن مشركي قريش أجمعوا أمرهم ومكرهم على أن يأخذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإما أن يقتلوه أو يحبسوه أو يخرجوه فأخبره الله بمكرهم في قوله: {وإذ يمكر بك الذين كفروا} الآية فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر تحت الليل قبل الغار بثور وعمد علي فرقد على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم يواري عنه العيون. وكذا قال موسى بن عقبة وزاد: فباتت قريش يختلفون ويأتمرون أيهم يجثم على صاحب الفراش فيوثقه إلى أن أصبحوا فإذا هم بعلي فسألوه عن النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرهم أنه لا علم له به فعلموا عند ذلك أنه قد خرج فارا منهم فركبوا في كل وجه يطلبونه. وكذا قال ابن إسحاق: لما أيقنت قريش أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد بويع وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان بمكة من أصحابه أن يلحقوا بإخوانهم بالمدينة تآمروا فيما بينهم فقالوا: الآن فأجمعوا في أمر محمد فوالله لكأنه قد كر عليكم بالرجال فأثبتوه أو اقتلوه أو أخرجوه. فاجتمعوا له في دار الندوة ليقتلوه. فلما دخلوا الدار اعترضهم الشيطان في صورة رجل جميل في بت له فقال: أأدخل؟ قالوا: من أنت؟ قال: أنا رجل من أهل نجد سمع بالذي اجتمعتم له فأراد أن يحضره معكم فعسى أن لا يعدمكم منه نصح ورأي قالوا: أجل فادخل فلما دخل قال بعضهم لبعض: قد كان من الأمر ما قد علمتم فأجمعوا رأيا (1/316)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 317 في هذا الرجل فقال قائل: أرى أن تحبسوه فقال النجدي: ما هذا برأي والله لئن فعلتم ليخرجن رأيه وحديثه إلى من وراءه من أصحابه فأوشك أن ينتزعوه من أيديكم ثم يغلبوكم على ما في أيديكم من أمركم فقال قائل منهم: بل نخرجه فننفيه فإذا غيب عنا وجهه وحديثه ما نبالي اين وقع قال النجدي: ما هذا برأي أما رأيتم حلاوة منطقه وحسن حديثه وغلبته على من يلقاه ولئن فعلتم ذلك ليدخل على قبيلة من قبائل العرب فأصفقت معه على رأيه ثم سار بهم إليكم حتى يطأكم بهم فقال أبو جهل: والله إن لي فيه رأيا ما أراكم وقعتم عليه قالوا: وما هو؟ قال: أرى أن تأخذوا من كل قبيلة من قريش غلاما جلدا نهدا نسيبا وسيطا ثم تعطوه شفارا صارمة فيضربوه ضربة رجل واحد فإذا قتلتموه تفرق دمه في القبائل فلم تدر عبد مناف بعد ذلك ما تصنع ولم يقووا على حرب قومهم وإنما غايتهم عند ذلك أن يأخذوا العقل فتدونه لهم قال النجدي: لله در هذا الفتى هذا الرأي وإلا فلا شيء فتفرقوا على ذلك واجتمعوا له وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر وأمر أن لا ينام على فراشه تلك الليلة فلم يبت موضعه بل بيت عليا في مضجعه. رواه سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي عن أبيه. ثنا ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس. (ح). قال ابن إسحاق: وحدثني الكلبي عن باذام مولى أم (1/317)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 318 هانئ عن ابن عباس فذكر معنى الحديث وزاد فيه: وأذن الله عند ذلك بالخروج وأنزل عليه بالمدينة (الأنفال) يذكر نعمته عليه وبلاءه عنده {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك} الآية. سياق خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مهاجرا قال عقيل: قال ابن شهاب وأخبرني عروة أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا ويأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشيا فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا قبل أرض الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة قال: أين تريد يا أبا بكر؟ قال: أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي قال: إن مثلك لا يخرج ولا يخرج إنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق وأنا لك جار فارجع فاعبد ربك ببلادك وارتحل ابن الدغنة مع أبي بكر فطاف في أشراف قريش فقال لهم: إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج أتخرجون رجلا يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق ! فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة وقالوا له: مر أبا بكر يعبد ربه في داره فليصل وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به فإنا نخشى أن يفتن أبناءنا ونساءنا (1/318)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 319 فقال ذلك لأبي بكر فلبث يعبد ربه ولا يستعلن بالصلاة ولا القراءة في غير داره ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره وبرز فيصلي فيه ويقرأ القرآن فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون وينظرون إليه وكان أبو بكر لا يكاد يملك دمعه حين يقرأ فأفزع ذلك أشراف قريش فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا له: إنا كنا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره وإنه جاوز ذلك وابتنى مسجدا بفناء داره وأعلن الصلاة والقراءة وإنا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا فأته فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل وإن أبى إلا أن يعلن ذلك فسله أن يرد عليك جوارك فإنا قد كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان. قالت عائشة: فأتى ابن الدغنة أبا بكر فقال: قد علمت الذي عقدت لك عليه فإما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترد إلي ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له قال أبو بكر: أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله. والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين: قد أريت دار هجرتكم أريت سبخة ذات نخل بين لابتين. هما الحرتان فهاجر من هاجر قبل المدينة حين ذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة. (1/319)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 320 وتجهز أبو بكر مهاجرا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي قال: هل ترجو بأبي أنت ذلك؟ قال: نعم فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر. فبينا نحن جلوس في بيتنا في نحر الظهيرة قيل لأبي بكر: هذا رسول الله مقبلا متقنعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها فقال أبو بكر: فداء له أبي وأمي أما والله إن جاء به في هذه الساعة إلا أمر قالت: فجاء واستأذن فأذن له فدخل فقال لأبي بكر: أخرج من عندك قال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله فقال: اخرج فقد أذن لي في الخروج قال: فخذ مني إحدى راحلتي قال: بالثمن وقالت عائشة: فجهزتهما أحث الجهاز فصنعنا لهما سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فأوكت به الجراب فبذلك كانت تسمى ذات النطاقين ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل يقال له (ثور) فمكثا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب لقن ثقف فيدلج من عندهما بسحر فيصبح في قريش بمكة كبائت فلا يسمع أمرا يكيدون به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة ويريح (1/320)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 321 عليهما حين تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل منحتهما حتى ينعق بهما عامر بن فهيرة بغلس يفعل ذلك كل ليلة من الليالي الثلاث واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلا من بني الدئل هاديا خريتا قد غمس يمين حلف في آل العاص بن وائل وهو على جاهليته فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور فأتاهما براحلتيهما صبيحة ثلاث فارتحلا وانطلق عامر بن فهيرة والدليل الدئلي فأخذ بهما في طريق الساحل. أخرجه البخاري. عن عمر رضي الله عنه قال: والله لليلة من أبي بكر ويوم خير من عمر خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم هاربا من أهل مكة ليلا فتبعه أبو بكر فجعل يمشي مرة أمامه ومرة خلفه يحرسه فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلته حتى حفيت رجلاه فلما رآهما أبو بكر حمله على كاهله حتى أتى به فم الغار وكان فيه خرق فيه حيات فخشي أبو بكر أن يخرج منهن شيء يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقمه قدمه فجعلن يضربنه ويلسعنه - الحيات والأفاعي - ودموعه تتحدر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {لا تحزن إن الله معنا} وأما يومه فلما ارتدت العرب قلت: يا خليفة رسول الله تألف الناس وارفق بهم فقال: جبار في الجاهلية خوار في الإسلام بم أتألفهم أبشعر مفتعل أم بقول مفترى ! وذكر الحديث. وهو منكر سكت عنه البيهقي وساقه من حديث يحيى بن أبي (1/321)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 322 طالب أنا عبد الرحمن بن إبراهيم الراسبي حدثني فرات بن السائب عن ميمون عن ضبة بن محصن عن عمر. وآفته من هذا الراسبي فإنه ليس بثقة مع كونه مجهولا ذكره الخطيب في تاريخه فغمزه. وقال الأسود بن عامر: ثنا إسرائيل عن الأسود عن جندب قال: كان أبو بكر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار فأصاب يده حجر فقال: إن أنت إلا إصبع دميت..... وفي سبيل الله ما لقيت) الأسود: هو ابن قيس سمع من جندب البجلي واحتجا به في الصحيحين. وقال همام: ثنا ثابت عن أنس أن أبا بكر حدثه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار فقلت: يا رسول الله لو أن أحدهم ينظر إلى تحت قدميه لأبصرنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما. متفق عليه. وقال ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة أنهم ركبوا في كل وجه يطلبون النبي صلى الله عليه وسلم وبعثوا إلى أهل المياه يأمرونهم به ويجعلون لهم الجعل (1/322)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 323 العظيم إلى أن قال: فأجاز بهما الدليل أسفل مكة ثم مضى بهما حتى جاء بهما الساحل أسفل من عسفان ثم سلك في أمج ثم أجاز بهما حتى عارض الطريق بعد أن أجاز قديدا ثم سلك في الخرار ثم أجاز على ثنية المرة ثم سلك مدلجة لقف ثم استبطن مدلجة مجاح ثم بطن مرجح ذي العصوين ثم أجاز القاحة ثم هبط العرج ثم أجاز في ثنية الغائر عن يمين ركوبة ثم هبط بطن ريم ثم قدم قباء من قبل العالية. وقال مسلم بن إبراهيم: ثنا عون بن عمرو القيسي: سمعت أبا مصعب المكي قال: أدركت المغيرة بن شعبة وأنس بن مالك وزيد بن أرقم فسمعتهم يتحدثون أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الغار أمر الله بشجرة فنبتت في وجه النبي صلى الله عليه وسلم فسترته وأمر الله العنكبوت فنسجت فسترته وأمر الله حمامتين وحشيتين فوقعتا بفم الغار وأقبل فتيان قريش بعصيهم وسيوفهم فجاء رجل ثم رجع إلى الباقين فقال: رأيت حمامتين بفم الغار فعلمت أنه ليس فيه أحد. وقال إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال: اشترى أبو بكر من عازب رحلا بثلاثة عشر درهما فقال أبو بكر لعازب: مر البراء فليحمله إلى رحلي فقال له عازب لا حتى تحدثنا كيف صنعت أنت ورسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجتما والمشركون يطلبونكما. (1/323)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 324 قال: أدلجنا من مكة ليلا فأحيينا ليلتنا ويومنا حتى أظهرنا وقام قائم الظهيرة فرميت ببصري هل أرى من ظل نأوي إليه فإذا صخرة فانتهيت إليها فإذا بقية ظل لها فسويته ثم فرشت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فروة ثم قلت: اضطجع يا رسول الله فاضطجع ثم ذهبت أنفض ما حولي هل أرى من الطلب أحدا فإذا براعي يسوق غنمه إلى الصخرة يريد منها الذي أريد يعني الظل فسألته: لمن أنت؟ فقال: لرجل من قريش فسماه فعرفته فقلت: هل في غنمك من لبن؟ قال: نعم قلت: هل أنت حالب لي؟ قال: نعم فأمرته فاعتقل شاة من غنمه وأمرته أن ينفض ضرعها من التراب ثم أمرته أن ينفض كفيه فقال هكذا فضرب إحداهما على الأخرى فحلب لي كثبة من لبن وقد روات معي لرسول الله صلى الله عليه وسلم إداوة على فمها خرقة فصببت على اللبن حتى برد أسفله فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافيته وقد استيقظ فقلت: اشرب يا رسول الله فشرب حتى رضيت ثم قلت: قد آن الرحيل قال: فارتحلنا والقوم يطلبوننا فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن مالك بن جعشم على فرس له فقلت: هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله قال: {لا تحزن إن الله معنا} فلما أن دنا منا وكان بيننا وبينه قيد رمحين أو ثلاثة قلت: هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله وبكيت فقال: ما يبكيك؟ قلت: أما والله (1/324)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 325 ما على نفسي أبكي ولكني إنما أبكي عليك فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم اكفناه بما شئت فساخت به فرسه في الأرض إلى بطنها فوثب عنها ثم قال: يا محمد قد علمت أن هذا عملك فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه فوالله لأعمين على من ورائي من الطلب وهذه كنانتي فخذ منها سهما فإنك ستمر بإبلي وغنمي بمكان كذا وكذا فخذ منها حاجتك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا حاجة لنا في إبلك وغنمك فدعا له فانطلق راجعا إلى أصحابه ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه حتى قدمنا المدينة ليلا. أخرجاه من حديث زهير بن معاوية سمعت أبا إسحاق قال: سمعت البراء. وأخرج البخاري حديث إسرائيل عن عبد الله بن رجاء عنه. وقال عقيل عن الزهري: أخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي أن أباه أخبره أنه سمع سراقة بن مالك بن جعشم يقول: جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول الله وأبي بكر دية كل واحد منهما في قتله أو أسره فبينا أنا جالس في مجلس قومي بني مدلج إذ أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس فقال: يا سراقة إني قد رأيت آنفا أسودة بالساحل أراها محمدا وأصحابه قال سراقة: فعرفت أنهم هم فقلت: إنهم ليسوا بهم ولكنك رأيت فلانا وفلانا انطلقوا بأعيننا ثم قلما لبثت في المجلس حتى قمت فدخلت بيتي فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي فتهبطها من وراء أكمة فتحبسها علي فأخذت رمحي وخرجت من ظهر البيت (1/325)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 326 فخططت بزجه الأرض وخفضت عالية الرمح حتى أتيت فرسي فركبتها فرفعتها تقرب بي حتى إذا دنوت منهم عثرت بي فرسي فخررت فقمت فأهويت بيدي إلى كنانتي واستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها أضرهم أو لا أضرهم فخرج الذي أكره: لا أضرهم فركبت فرسي وعصيت الأزلام فرفعتها تقرب بي حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت وأبو بكر يكثر التلفت ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يداها فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها غبار ساطع في السماء مثل الدخان فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره لا أضرهم فناديتهما بالأمان فوقفا لي وركبت فرسي حتى جئتهما ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهما أنه سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيكما الدية وأخبرتهما أخبار ما يريد الناس بهم وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآني شيئا ولم يسألاني إلا أن قال: أخف عنا فسألته أن يكتب لي كتاب موادعة آمن به فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أدم ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه البخاري. وقال موسى بن عقبة: نا ابن شهاب الزهري حدثني عبد الرحمن بن مالك بن جعشم المدلجي أن أباه أخبره أن أخاه سراقة بن جعشم أخبره (1/326)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 327 ثم ساق الحديث وزاد فيه: وأخرجت سلاحي ثم لبست لأمتي وفيه: فكتب لي أبو بكر ثم ألقاه إلي فرجعت فسكت فلم أذكر شيئا مما كان حتى فتح الله مكة وفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين خرجت لألقاه ومعي الكتاب فدخلت بين كتيبة من كتائب الأنصار فطفقوا يقرعونني بالرماح ويقولون: إليك إليك حتى دنوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته أنظر إلى ساقه في غرزة كأنها جمارة فرفعت يدي بالكتاب فقلت: يا رسول الله هذا كتابك فقال: يوم وفاء وبر إذن قال: فأسلمت ثم ذكرت شيئا أسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن شهاب: سأله عن الضالة وشيء آخر قال: فانصرفت وسقت إلى رسول الله صدقتي. وقال البكائي عن ابن إسحاق: حدثت عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر أتى نفر من قريش فيهم أبو جهل فوقفوا على باب أبي بكر فخرجت إليهم فقالوا: أين أبوك؟ قلت: لا أدري والله أين أبي فرفع أبو جهل يده - وكان فاحشا خبيثا - فلطمني على خدي لطمة طرح منها قرطي. وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير أن أباه حدثه عن جدته أسماء بنت أبي بكر قالت: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج معه أبو بكر احتمل أبو بكر ماله كله معه خمسة آلاف أو ستة آلاف درهم فانطلق به معه فدخل علينا جدي أبو قحافة - وقد ذهب بصره - فقال: والله إني لأراه فجمعكم بماله مع نفسه قالت: كلا يا أبت قد ترك لنا خيرا كثيرا قالت: فأخذت أحجارا فوضعتها في كوة من البيت كان أبي يضع فيها ماله ثم وضعت عليها ثوبا ثم أخذت بيده فقالت: ضع يدك على هذا المال (1/327)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 328 فوضع يده عليه فقال: لا بأس إذا كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن في هذا بلاغ لكم قالت: ولا والله ما ترك لنا شيئا ولكني أردت أن أسكن الشيخ. وحدثني الزهري أن عبد الرحمن بن مالك بن جعشم حدثه عن أبيه عن عمه سراقة بن مالك بن جعشم قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرا جعلت قريش فيه مائة ناقة لمن رده قال: فبينا أنا جالس أقبل رجل منا فقال: والله لقد رأيت ركبا ثلاثة مروا علي آنفا إني لأراهم محمدا وأصحابه فأومأت إليه يعني أن اسكت ثم قلت: إنما هم بنو فلان يبتغون ضالة لهم قال: لعله قال: فمكثت قليلا ثم قمت فدخلت بيتي فذكر نحو ما تقدم. قال: وحدثت عن أسماء بنت أبي بكر قالت: فمكثنا ثلاث ليال ما ندري أين وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل رجل من الجن من أسفل مكة يتغنى بأبيات من شعر غناء العرب وإن الناس ليتبعونه ويسمعون صوته حتى خرج من أعلى مكة وهو يقول: جزى الله رب الناس خير جزائه..... رفيقين حلا خيمتي أم معبد) (هما نزلا بالبر ثم تروحا..... فأفلح من أمسى رفيق محمد) (ليهن بني كعب مكان فتاتهم..... ومقعدها للمؤمنين بمرصد) (1/328)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 329 قالت: فعرفنا حيث وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن وجهه إلى المدينة. قلت: قد سقت خبر أم معبد بطوله في صفته صلى الله عليه وسلم كما يأتي إن شاء الله تعالى. وقال يحيى بن زكريا بن أبي زائدة: ثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ثنا عبد الرحمن بن الأصبهاني قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي بكر الصديق قال: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم من مكة فانتهينا إلى حي من أحياء العرب فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت منتحيا فقصد إليه فلما نزلنا لم يكن فيه إلا امرأة فقالت: يا عبدي الله إنما أنا امرأة وليس معي أحد فعليكما بعظيم الحي إن أردتم القرى قال: فلم يجبها وذلك عند المساء فجاء ابن لها بأعنز له يسوقها فقالت له: يا بني انطلق بهذه العنز والسفرة إليهما فقل: اذبحا هذه وكلا وأطعمانا فلما جاء قال النبي صلى الله عليه وسلم: انطلق بالشفرة وجئني بالقدح قال: إنها قد عزبت وليس لها لبن قال: انطلق فانطلق فجاء بقدح فمسح النبي صلى الله عليه وسلم ضرعها ثم حلب حتى ملأ القدح ثم قال: انطلق به إلى أمك فشربت حتى رويت ثم جاء به فقال: انطلق بهذه وجئني بأخرى ففعل بها كذلك ثم سقى أبا بكر ثم جاء بأخرى ففعل بها كذلك ثم شرب صلى الله عليه وسلم قال فبتنا ليلتنا ثم انطلقنا فكانت تسمية المبارك وكثر غنمها حتى جلبت جلبا إلى المدينة فمر أبو بكر فرآه ابنها فعرفه فقال: يا أمه إن هذا الرجل الذي كان مع المبارك فقامت إليه فقالت: يا عبد الله من الرجل الذي كان معك؟ قال: وما تدرن من هو ! قالت: لا. قال: هو النبي صلى الله عليه وسلم قالت: فأدخلني عليه فأدخلها عليه فأطعمها وأعطاها. (1/329)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 330 رواه محمد بن عمران بن أبي ليلى وأسد بن موسى عن يحيى وإسناده نظيف لكن منقطع بين أبي بكر وعبد الرحمن بن أبي ليلى. أوس بن عبد الله بن بريدة: نا الحسين بن واقد عن ابن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتفاءل وكانت قريش قد جعلت مائة من الإبل لمن يرده عليهم فركب بريدة في سبعين من بني سهم فلقي نبي الله ليلا فقال له: من أنت؟ قال: بريدة فالتفت إلى أبي بكر فقال: برد أمرنا وصلح ثم قال: وممن؟ قال: من أسلم قال لأبي بكر: سلمنا ثم قال: ممن؟ قال: من بني سهم قال: خرج سهمك. فأسلم بريدة والذين معه جميعا فلما أصبحوا قال بريدة للنبي صلى الله عليه وسلم: لا تدخل المدينة إلا ومعك لواء فحل عمامته ثم شدها في رمح ثم مشى بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا نبي الله تنزل علي قال: إن ناقتي مأمورة. فسار حتى وقفت على باب أبي أيوب فبركت. قلت: أوس متروك. وقال الحافظ أبو الوليد الطيالسي: ثنا عبيد الله بن إياد بن لقيط ثنا أبي عن قيس بن النعمان قال: لما انطلق النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر مستخفيين مرا بعبد يرعى غنما فاستسقياه اللبن فقال: ما عندي شاة تحلب غير أن ها هنا عناقا حملت أول الشاء وقد أخدجت وما بقي لها لبن فقال: ادع بها فدعا بها فاعتقلها النبي صلى الله عليه وسلم ومسح ضرعها ودعا حتى أنزلت وجاء أبو بكر بمجن فحلب فسقى أبا بكر ثم حلب فسقى الراعي ثم حلب (1/330)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 331 فشرب فقال الراعي: بالله من أنت فوالله ما رأيت مثلك قط؟ قال: أتكتم علي حتى أخبرك؟ قال: نعم قال: فإني محمد رسول الله فقال: أنت الذي تزعم قريش أنه صابئ قال: إنهم ليقولون ذلك قال: فأشهد أنك نبي وأشهد أن ما جئت به حق وأنه لا يفعل ما فعلت إلا نبي وأنا متبعك قال: إنك لن تستطيع ذلك يومك فإذا بلغك أني قد ظهرت فائتنا. وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عويم بن ساعدة عن رجال من قومه قالوا: لما بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة كنا نخرج كل غداة فنجلس له بظاهر الحرة نلجأ إلى ظل الجدر حتى تغلبنا عليه الشمس ثم نرجع إلى رحالنا حتى إذا كان اليوم الذي جاء فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم جلسنا كما كنا نجلس حتى إذا رجعنا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه رجل من يهود فنادى: يا بني قيلة هذا جدكم قد جاء فخرجنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد أناخ إلى ظل هو وأبو بكر والله ما ندري أيهما أسن هما في سن واحدة حتى رأينا أبا بكر ينحاز له عن الظل فعرفنا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وقد قال قائل منهم: إن أبا بكر قام فأظل النبي صلى الله عليه وسلم بردائه فعرفناه. وقال محمد بن حمير عن إبراهيم بن أبي عبلة: حدثني عقبة بن وساج عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم يعني المدينة وليس في أصحابه أشمط غير أبي بكر فغلفها بالحناء والكتم. أخرجه (1/331)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 332 البخاري من حديث محمد بن حمير. وقال شعبة أنبأنا أبو إسحاق سمعت البراء يقول: أول من قدم علينا من الصحابة مصعب بن عمير وابن أم مكتوم وكانا يقرئان القرآن ثم جاء عمار وبلال وسعد ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين راكبا ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء قط فرحهم به حتى رأيت الولائد والصبيان يسعون في الطرق يقولون: (جاء رسول الله) فما قدم المدينة حتى تعلمت {سبح اسم ربك الأعلى} في مثلها من المفصل. خ. وقال إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء في حديث الرحل قال أبو بكر: ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه حتى قدمنا المدينة ليلا فتنازعه القوم أيهم ينزل عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أنزل الليلة على بني النجار أخوال بني عبد المطلب أكرمهم بذلك وقدم الناس حين قدمنا المدينة في الطريق وعلى البيوت والغلمان والخدم يقولون: جاء رسول الله جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر جاء محمد الله أكبر جاء محمد فلما أصبح انطلق فنزل حيث أمر. متفق عليه. وقال هاشم بن القاسم: ثنا سليمان - هو ابن المغيرة - عن ثابت عن أنس قال: إني لأسعى في الغلمان يقولون: (جاء محمد) وأسعى ولا (1/332)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 333 أرى شيئا ثم يقولون: (جاء محمد) فأسعى حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر فكمنا في بعض جدر المدينة ثم بعثا رجلا من أهل البادية ليؤذن بهما الأنصار قال: فاستقبلهما زهاء خمسمائة من الأنصار حتى انتهوا إليهما فقالوا: انطلقا آمنين مطاعين فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه بين أظهرهم فخرج أهل المدينة حتى إن العواتق لفوق البيوت يتراءينه يقلن: أيهم هو؟ قال: فما رأينا منظرا شبيها به يومئذ. صحيح. وقال الوليد بن محمد الموقري وغيره عن الزهري قال: فأخبرني عروة أن الزبير كان في ركب تجار بالشام فقفلوا إلى مكة فعارضوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر بثياب بياض وسمع المسلمون بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرونه حتى يردهم نحر الظهيرة فانقلبوا يوما بعدما أطالوا انتظاره فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من يهود أطما من آطامهم لشأنه فبصر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته: يا معشر العرب هذا جدكم الذي تنتظرون فثار المسلمون إلى السلام فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهر الحرة فعدل بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين حتى نزل في بني عمرو بن عوف من الأنصار وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول فقام أبو بكر يذكر الناس وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتا فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم يحسبه أبا بكر حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه (1/333)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 334 فعرفوا رسول الله عند ذلك فلبث في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة. وأسس المسجد الذي أسس على التقوى فصلى فيه ثم ركب راحلته فسار فمشى معه الناس حتى بركت بالمدينة عند مسجده صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين وكان مربدا للتمر لسهل وسهيل غلامين يتيمين أخوين في حجر أسعد بن زرارة من بني النجار فقال حين بركت به راحلته: هذا إن شاء الله المنزل. ثم دعا الغلامين فساومهما المربد ليتخذه مسجدا فقالا: بل نهبه لك فأبى حتى ابتاعه وبناه. وقال عبد الوارث بن سعيد وغيره: ثنا أبو التياح عن أنس قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة نزل في علو المدينة في بني عمرو بن عوف فأقام فيهم أربع عشرة ليلة ثم أرسل إلى ملأ بني النجار فجاءوا متقلدين سيوفهم فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ردفه وملأ بني النجار حوله حتى ألقى بفناء أبي أيوب. متفق عليه. وقال عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة مر على عبد الله بن أبي وهو جالس (1/334)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 335 على ظهر الطريق فوقف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظر أن يدعوه إلى المنزل وهو يومئذ سيد (أهل المدينة) في أنفسهم فقال عبد الله: أنظر الذين دعوك فأتهم فعمد إلى سعد بن خيثمة فنزل عليه في بني عمرو بن عوف ثلاث ليال واتخذ مكانه مسجدا فكان يصلي فيه ثم بناه بنو عمرو بن عوف فهو الذي أسس على التقوى والرضوان. ثم إنه ركب يوم الجمعة فمر على بني سالم فجمع فيهم وكانت أول جمعة صلاها حين قدم المدينة واستقبل بيت المقدس فلما أبصرته اليهود صلى إلى قبلتهم طمعوا فيه للذي يجدونه مكتوبا عندهم ثم ارتحل فاجتمعت له الأنصار يعظمون دين الله بذلك يمشون حول ناقة النبي صلى الله عليه وسلم لا يزال أحدهم ينازع صاحبه زمام الناقة فقال: خلوا سبيل الناقة فإنما أنزل حيث أنزلني الله حتى انتهى إلى دار أبي أيوب في بني غنم فبركت على الباب فنزل ثم دخل دار أبي أيوب فنزل عليه حتى ابتنى مسجده ومسكنه في بني غنم وكان المسجد موضعا للتمر لابني أخي أسعد بن زرارة فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم وأعطى ابني أخيه مكانه نخلا له في بني بياضة فقالوا: نعطيه النبي صلى الله عليه وسلم لا نأخذ له ثمنا وبنى النبي صلى الله عليه وسلم لحمزة ولعلي ولجعفر وهم بأرض الحبشة وجعل مسكنهم في مسكنه وجعل أبوابهم في المسجد مع بابه ثم إنه بدا له فصرف باب حمزة وجعفر. كذا قال: وهم بأرض الحبشة وإنما كان علي بمكة. رواه ابن عائذ عن محمد بن شعيب عنه. وقال موسى بن عقبة: لما دنا النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر من المدينة وقدم (1/335)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 336 طلحة بن عبيد الله من الشام خرج طلحة عامدا إلى مكة لما ذكر له النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر خرج إما متلقيا لهما وإما عامدا عمده بمكة ومعه ثياب أهداها لأبي بكر من ثياب الشام فلما لقيه أعطاه الثياب فلبس النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر منها. وقال الوليد بن مسلم عن عبد الله بن يزيد عن أبي البداح بن عاصم بن عدي عن أبيه: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول فأقام بالمدينة عشر سنين. وقال ابن إسحاق: المعروف أنه قدم المدينة يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول قال: ومنهم من يقول لليلتين مضتا منه. رواه يونس وغيره عن ابن إسحاق. وقال عبد الله بن إدريس: ثنا ابن إسحاق عن محمد بن جعفر عن عروة عن عبد الرحمن بن عويم أخبرني بعض قومي قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول فأقام بقباء بقية يومه وثلاثة أيام وخرج يوم الجمعة على ناقته القصواء. وبنو عمرو بن عوف يزعمون أنه لبث فيهم ثماني عشرة ليلة. وقال زكريا بن إسحاق: ثنا عمرو بن دينار عن ابن عباس قال: مكث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث عشرة سنة وتوفي وهو ابن ثلاث وستين. متفق عليه. (1/336)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 337 وقال سفيان بن عيينة: ثنا يحيى بن سعيد الأنصاري عن عجوز لهم قالت: رأيت ابن عباس يختلف إلى صرمة أبي قيس الأنصاري وكان يروي هذه الأبيات: ثوى في قريش بضع عشرة حجة..... يذكر لو ألفى صديقا مواتيا) (ويعرض في أهل المواسم نفسه..... فلم ير من يؤوي ولم ير داعيا) (فلما أتانا واطمأنت به النوى..... وأصبح مسرورا بطيبة راضيا) (وأصبح ما يخشى ظلامة ظالم..... بعيد ولا يخشى من الناس باغيا بذلنا الأموال من جل مالنا وأنفسنا عند الوغى والتآسيا) (نعادي الذي عادى من الناس كلهم..... جميعا وإن كان الحبيب المواسيا) (ونعلم أن الله لا شيء غيره..... وأن كتاب الله أصبح هاديا) وقال عبد الوارث: ثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال: أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وهو مردف أبا بكر وأبو بكر شيخ يعرف ونبي الله شاب لا يعرف - يريد دخول الشيب في لحيته دونه لا في السن - قال أنس: فيلقى الرجل أبا بكر فيقول: يا أبا بكر من هذا الرجل الذي بين يديك؟ (1/337)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 338 فيقول: هذا رجل يهديني السبيل فيحسب الحاسب أنه يعني الطريق وإنما يعني طريق الخير. فإذا هو بفارس قد لحقهم فقال: يا نبي الله هذا فارس قد لحق بنا فقال: اللهم اصرعه فصرعه فرسه ثم قامت تحمحم. فقال: يا نبي الله مرني بما شئت قال: تقف مكانك لا تتركن أحدا يلحق بنا قال: فكان أول النهار جاهدا على النبي وآخر النهار مسلحة له فنزل النبي صلى الله عليه وسلم جانب الحرة وأرسل إلى الأنصار فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فسلموا عليهما فقالوا: إركبا آمنين مطاعين فركبا وحفوا حولهما بالسلاح فقيل في المدينة (جاء رسول الله جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم) وأقبل حتى نزل إلى جانب بيت أبي أيوب قال: فإنه ليحدث أهله إذ سمع به عبد الله بن سلام وهو في نخل لأهله يخترف لهم منه فعجل أن يضع التي يخترف فيها فجاءه وهي معه فسمع من نبي الله صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى أهله فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: أي بيوت أهلنا أقرب؟ فقال أبو أيوب: أنا يا نبي الله هذه داري قال: أذهب فهيئ لنا مقيلا فذهب فهيأ لهما مقيلا ثم جاء فقال: يا نبي الله قد هيأت لكما مقيلا قال: قوما على بركة الله فقيلا. فلما جاء نبي الله جاء عبد الله بن سلام فقال: أشهد أنك رسول الله حقا وأنك جئت بحق ولقد علمت يهود أني سيدهم وأعلمهم. وذكر الحديث. أخرجه البخاري. (1/338)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 339 وقد تقدم من سيرته صلى الله عليه وسلم ومغازيه في العشر السنين التي لبث فيها بالمدينة ما فيه مغنى إن شاء الله تعالى. (1/339)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 340 فارغة. (1/340)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 341

فصل في معجزاته صلى الله عليه وسلم سوى ما مضى في غضون المغازي قال حاتم بن إسماعيل عن يعقوب بن مجاهد أبي حزرة عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار قبل أن يهلكوا فكان أول من لقينا أبو اليسر صاحب النبي صلى الله عليه وسلم ومعه غلام له. فذكر الحديث ثم قال: حتى أتينا جابر بن عبد الله في مسجده فقال: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا واديا أفيح فذهب النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته واتبعته بإداوة من ماء فنظر النبي صلى الله عليه وسلم فلم ير شيئا يستتر به وإذا شجرتان بشاطئ الوادي فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها فقال: انقادي علي بإذن الله فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده حتى أتى الشجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها فقال: انقادي علي بإذن الله فانقادت معه كذلك حتى إذا كان يالمنصف فيما بينهما لأم بينهما فقال: (1/341)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 342 التئما علي بإذن الله فالتأمتا قال جابر فخرجت أحضر مخافة أن يحس رسول الله صلى الله عليه وسلم بقربي - يعني فيبتعد - فجلست أحدث نفسي فحانت مني لفتة فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبل وإذا الشجرتان قد افترقتا فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف وقفة فقال برأسه هكذا يمينا وشمالا ثم أقبل فلما انتهى إلي قال: يا جابر هل رأيت مقامي؟ قلت: نعم يا رسول الله قال: فانطلق إلى الشجرتين فاقطع من كل واحدة غصنا فأقبل بهما حتى إذا قمت مقامي فأرسل غصنا عن يسارك قال: فقمت فأخذت حجرا فكسرته وجشرته فانذلق لي فأتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنا ثم أقبلت أجرهما حتى إذا قمت مقام النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت غصنا عن يميني وغصنا عن يساري ثم لحقت فقلت: قد فعلت يا رسول الله فعم ذاك؟ قال: إني مررت بقبرين يعذبان فأحببت بشفاعتي أن يرفه عنهما ما دام الغصنان رطبين. ثم ذكر حديثا طويلا وفيه إعواز الناس الماء وأنه أتاه بيسير ماء فوضع يده فيه في قصعة قال: فرأيت الماء يتفور من بين أصابعه فاستقى منه الناس حتى رووا. أخرجه مسلم. وقال الأعمش وغيره عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: بينما نحن في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ حضرت الصلاة وليس معنا ماء إلا (1/342)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 343 يسير فدعا بماء فصبه في صحفة ووضع كفه فيه فجعل الماء يتفجر من بين أصابعه فأقبل الناس فتوضئوا وشربوا قال الأعمش: فحدثت به سالم بن أبي الجعد فقال: حدثنيه جابر فقلت لجابر: كم كنتم يومئذ؟ قال خمس عشرة مائة. أخرجه (خ). وقال عمرو بن مرة وحصين بن عبد الرحمن عن سالم بن أبي الجعد عن جابر قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأصابنا عطش فجهشنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده في تور من ماء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه كأنه العيون فقال: خذوا باسم الله فشربنا فوسعنا وكفانا ولو كنا مائة ألف لكفانا قلت: كم كنتم؟ قال: ألفا وخمسمائة. صحيح. وقال حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي رافع عن عمر بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على الحجون لما آذاه المشركون فقال: اللهم أرني اليوم آية لا أبالي من كذبني بعدها قال: فأمر فنادى شجرة فأقبلت تخد الأرض حتى انتهت إليه ثم أمرها فرجعت. وروى الأعمش نحوه عن أبي سفيان عن أنس وروى المبارك بن (1/343)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 344 فضالة نحوا منه عن الحسن مرسلا. وقال عبد الله بن عمر بن أبان: ثنا محمد بن فضيل عن أبي حيان عن عطاء عن ابن عمر قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأقبل أعرابي فلما دنا منه قال: أين تريد؟ قال الأعرابي: إلى أهلي قال: هل لك إلى خير؟ قال: ما هو؟ قال تسلم قال: هل من شاهد؟ قال: هذه الشجرة فدعاها فأقبلت تخد الأرض خدا فقامت بين يديه فاستشهدها ثلاثا فشهدت له كما قال ثم رجعت إلى منبتها ورجع الأعرابي إلى قومه فقال: إن يتبعوني آتك بهم وإلا رجعت إليك فكنت معك. غريب جدا وإسناده جيد. أخرجه الدارمي في مسنده عن محمد بن طريف عن ابن فضيل. وقال شريك عن سماك عن أبي ظبيان عن ابن عباس: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بم أعرف أنك رسول الله؟ قال: أرأيت لو دعوت هذا العذق من هذه النخلة أتشهد أني رسول الله؟ قال: نعم فدعاه فجعل ينزل من النخلة حتى سقط في الأرض فجعل ينقز حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال له: ارجع فرجع حتى عاد إلى مكانه فقال: أشهد أنك رسول الله وآمن. رواه البخاري في تاريخه عن محمد بن سعيد بن الأصبهاني عنه. (1/344)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 345 وقال يونس بن بكير عن إسماعيل بن عبد الملك عن أبي الزبير عن جابر قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته وتبعته بالإداوة فإذا شجرتان بينهما أذرع فقال: انطلق فقل لهذه الشجرة الحقي بصاحبتك حتى أجلس خلفهما ففعلت فرجعت حتى لحقت بصاحبتها فجلس خلفهما حتى قضى حاجته ثم رجعتا. وقال أبو معاوية عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل من بني عامر فقال: إني أطب الناس فإن كان بك جنون داويتك فقال: أتحب أن أريك آية؟ قال: نعم قال: فادع ذاك العذق فدعاه فجاءه ينقز على ذنبه حتى قام بين يديه ثم قال: ارجع فرجع فقال: يا لعامر ما رأيت رجلا أسحر من هذا. أخبرنا عمر بن محمد وغيره قالوا: أنا عبد الله بن عمر أنا عبد الأول بن عيسى أنا عبد الرحمن بن محمد الداودي أنا عبد الله بن حمويه أنا عيسى بن عمر ثنا عبد الله بن عبد الرحمن بسمرقند أنا عبيد الله بن موسى عن إسماعيل بن عبد الملك عن أبي الزبير عن جابر قال: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر وكان لا يأتي البراز حتى يتغيب فلا يرى فنزلنا بفلاة من الأرض ليس فيها شجر ولا علم فقال: يا جابر اجعل في إداوتك ماء ثم انطلق بنا قال: فانطلقنا حتى لا نرى فإذا هو بشجرتين بينهما أربعة أذرع فقال: انطلق إلى هذه الشجرة فقل: يقول لك: الحقي بصاحبتك حتى أجلس خلفكما فرجعت إليها فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفهما ثم رجعتا إلى مكانهما. (1/345)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 346 فركبنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بيننا كأنما علينا الطير تظلنا فعرضت له امرأة معها صبي فقالت: يا رسول الله إن ابني هذا يأخذه الشيطان كل يوم ثلاث مرات. فتناوله فجعله بينه وبين مقدم الرحل ثم قال: اخس عدو الله أنا رسول الله اخس عدو الله أنا رسول الله ثلاثا ثم دفعه إليها فلما قضينا سفرنا مررنا بذلك المكان فعرضت لنا المرأة معها صبيها ومعها كبشان تسوقهما فقالت: يا رسول الله اقبل مني هديتي فوالذي بعثك بالحق ما عاد إليه بعد فقال: خذوا منها واحدا وردوا عليها الآخر. قال: ثم سرنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بيننا كأنما علينا الطير تظلنا فإذا جمل ناد حتى إذا كان بين السماطين خر ساجدا فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال على الناس: من صاحب الجمل؟ فإذا فتية من الأنصار قالوا: هو لنا يا رسول الله قال: فما شأنه قالوا: استنينا عليه منذ عشرين سنة وكانت له شحيمة فأردنا أن ننحره فتقسمه بين غلماننا فانفلت منا قال: بيعونيه قالوا: هو لك يا رسول الله. قال: أما لي فأحسنوا إليه حتى يأتيه أجله فقال المسلمون عند ذلك: يا رسول الله نحن أحق بالسجود لك من البهائم قال: لا ينبغي لشيء أن يسجد لشيء ولو كان ذلك كان النساء لأزواجهن. رواه يونس بن بكير عن إسماعيل وعنده: لا ينبغي لبشر أن يسجد لبشر وهو أصح. (1/346)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 347 وقد رواه بمعناه يونس بن بكير ووكيع عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن يعلى بن مرة عن أبيه قال: سافرت مع النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت منه أشياء: نزلنا منزلا فقال: انطلق إلى هاتين الأشاءتين فقل: إن رسول الله يقول لكما أن تجتمعا. وذكر الحديث. مرة: هو ابن أبي مرة. وقد رواه وكيع مرة فقال فيه: عن يعلى بن مرة قال: رأيت من النبي صلى الله عليه وسلم عجبا. الحديث. قال البخاري: إنما هو عن يعلى نفسه. قلت: ورواه البيهقي من وجهين من حديث عطاء بن السائب عن عبد الله بن حفص ومن حديث عمر بن عبد الله بن يعلى عن أبيه كلاهما عن يعلى نفسه. وقال مهدي بن ميمون: أنبأ محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب عن الحسن بن سعد مولى الحسن بن علي عن عبد الله بن جعفر قال: أردفني (1/347)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 348 رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه فأسر إلي حديثا لا أحدث به أحدا وكان أحب ما استتر به لحاجته هدف أو حائش نخل فدخل حائطا لرجل من الأنصار فإذا فيه جمل فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حن إليه وذرفت عيناه فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح ذفريه فسكن فقال: من رب هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: هو لي فقال: ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه. أخرج مسلم منه إلى قوله حائش نخل وباقيه على شرط مسلم. وقال إسماعيل بن جعفر: ثنا عمرو بن أبي عمرو عن رجل من بني سلمة - ثقة - عن جابر بن عبد الله أن ناضحا لبعض بني سلمة اغتلم فصال عليهم وامتنع حتى عطشت نخله فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاشتكى ذلك إليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم انطلق وذهب النبي صلى الله عليه وسلم معه فلما بلغ باب النخل قال: يا رسول الله لا تدخل قال: ادخلوا لا بأس عليكم فلما رآه الجمل أقبل يمشي واضعا رأسه حتى قام بين يديه فسجد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ائتوا جملكم فاخطموه وارتحلوه ففعلوا وقالوا: سجد لك يا رسول الله حين رآك قال: لا تقولوا ذلك لي لا تقولوا ما لم أبلغ فلعمري ما سجد لي ولكن سخره الله لي. وقال عفان: نا حماد بن سلمة: سمعت شيخا من قيس يحدث عن (1/348)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 349 أبيه قال: جاء النبي صلى الله عليه وسلم وعندنا بكرة صعبة لا نقدر عليها فدنا منها النبي صلى الله عليه وسلم فمسح ضرعها فحفل فاحتلب وشرب. وفي الباب حديث عبد الله بن أبي أوفى تفرد به فائد أبو الورقاء وهو ضعيف. وحديث لجابر آخر تفرد به الأجلح عن الذيال بن حرملة عنه. أخرجه الدارمي وغيره. وقال يونس بن أبي إسحاق عن مجاهد عن عائشة قالت: كان لأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم وحش فإذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لعب وذهب وجاء. فإذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ربض فلم يترمرم ما دام رسول الله في البيت. صحيح. وقال أبو داود الطيالسي: ثنا المسعودي عن الحسن بن سعد عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فدخل رجل غيضة فأخرج بيضة حمرة فجاءت الحمرة ترفرف على رأس النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال: أيكم فجع هذه فقال رجل: أنا أخذت بيضتها. فقال: رده رده رحمة لها. (1/349)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 350 عبد الرحمن لم يسمع من أبيه. وقال أحمد بن حازم بن أبي غرزة الغفاري: ثنا علي بن قادم أنا أبو العلاء خالد بن طهمان عن عطية عن أبي سعيد قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بظبية مربوطة إلى خباء فقالت: يا رسول الله حلني حتى أذهب فأرضع خشفي ثم أرجع فتربطني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صيد قوم وربيطة قوم قال: فأخذ عليها فحلفت له فحلها فما مكثت إلا قليلا حتى جاءت وقد نفضت ما في ضرعها فربطها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استوهبها منهم فوهبوها له فحلها ثم قال: لو تعلم البهائم من الموت ما تعلمون ما أكلتم منها سمينا أبدا. علي وأبو العلاء صدوقان وعطية فيه ضعف. وقد روى نحوه عن زيد بن أرقم. وقال القاسم بن الفضل الحداني عن أبي نضرة عن أبي سعيد (1/350)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 351 الخدري قال: بينما راع يرعى بالحرة إذ عرض ذئب لشاة فحال الراعي بين الذئب وبين الشاة فأقعى الذئب على ذنبه ثم قال للراعي: ألا تتقي الله تحول بيني وبين رزق ساقه الله إلي فقال الراعي: العجب من ذئب مقع على ذنبه يتكلم بكلام الإنس ! فقال الذئب: ألا أحدثك بأعجب مني: رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحرتين يحدث الناس بأنباء ما قد سبق فساق الراعي شاة حتى أتى المدينة فزواها زاوية ثم دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فحدثه بحديث الذئب فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس فقال للراعي: قم فأخبرهم قال: فأخبر الناس بما قال الذئب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق الراعي ألا إنه من أشراط الساعة كلام السباع للإنس والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس ويكلم الرجل شراك نعله وعذبة سوطه ويخبره فخذه بما أحدث أهله بعده. أخرجه الترمذي وقال: صحيح غريب. وقال عبد الحميد بن بهرام ومعقل بن عبيد الله عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد الخدري نحوه وهو حديث حسن صحيح الإسناد. وقال سفيان بن حمزة: ثنا عبد الله بن عامر الأسلمي عن ربيعة بن أوس عن أنس بن عمرو عن أهبان بن أوس أنه كان في غنم له فكلمه الذئب فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم. قال البخاري: ليس إسناده بالقوي. (1/351)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 352 وقال يوسف بن عدي: ثنا جعفر بن جسر أخبرني أبي ثنا عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب قال: قال ابن عمر: كان راع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غنم له إذ جاء الذئب فأخذ شاة ووثب الراعي حتى انتزعها من فيه فقال له الذئب: أما تتقي الله أن تمنعني طعمة أطعمنيها الله تنزعها مني ! وذكر الحديث. وقال منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل. (خ). فصل في تسبيح الحصى في يده صلى الله عليه وسلم وقال قريش بن أنس: ثنا صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن رجل قال: سمعت أبا ذر يقول: لا أذكر عثمان إلا بخير بعد شيء رأيته: كنت رجلا أتتبع خلوات النبي صلى الله عليه وسلم فرأيته وحده فجلست فجاء أبو بكر فسلم وجلس ثم جاء عمر ثم عثمان وبين يدي النبي صلى الله عليه وسلم سبع حصيات فأخذهن فوضعهن في كفه فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النحل ثم وضعهن فخرسن. ثم أخذهن فوضعهن في يد أبي بكر (1/352)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 353 فسبحن ثم وضعهن فخرسن ثم وضعهن في يد عمر فسبحن ثم وضعهن في يد عثمان فسبحن ثم وضعهن فخرسن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه خلافة النبوة. صالح لم يكن حافظا والمحفوظ رواية شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال: ذكر الوليد بن سويد أن رجلا من بني سليم كبير السن كان ممن أدرك أبا ذر بالربذة ذكر له فذكر هذا الحديث عن أبي ذر. ويروى مثله عن جبير بن نفير وعن عاصم بن حميد عن أبي ذر. وجاء مثله عن أنس من وجهين منكرين. وقال عبد الواحد بن أيمن: حدثني أبي عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (1/353)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 354 كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو إلى نخلة فقيل له: ألا نجعل لك منبرا؟ قال: إن شئتم فجعلوا له منبرا فلما كان يوم الجمعة ذهب إلى المنبر فصاحت النخلة صياح الصبي فنزل فضمها إليه كانت تئن أنين الصبي الذي يسكن قال: كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها. (خ). ورواه جماعة عن جابر. وقال أبو حفص بن العلاء المازني - واسمه عمر - عن نافع عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع فلما وضع له المنبر حن إليه حتى أتاه فمسحه فسكن. أخرجه البخاري عن ابن مثنى عن يحيى بن كثير عنه وهو من غرائب الصحيح. وقال عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جذع ويخطب إليه فصنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فلما جاوز النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الجذع خار حتى تصدع وانشق فنزل النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع صوت الجذع فمسحه بيده ثم رجع إلى المنبر فلما هدم المسجد أخذ ذلك الجذع أبي فكان عنده في بيته حتى بلي وأكلته الأرضة وعاد رفاتا. روي من وجهين عن ابن عقيل. مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هل ترون قبلتي ها هنا فوالله ما يخفى علي ركوعكم ولا (1/354)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 355 سجودكم إني لأراكم وراء ظهري متفق عليه. قال الشافعي: هذه كرامة من الله أبانه بها من خلقه. وقال المختار بن فلفل عن أنس نحوه وفيه: فإني أراكم من أمامي ومن خلفي وايم الذي نفسي بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا قالوا يا رسول الله: وما رأيت؟ قال: رأيت الجنة والنار. أخرجه مسلم. وقال بشر بن بكر: ثنا الأوزاعي عن ابن شهاب أخبرني القاسم بن محمد عن عائشة قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا مستترة بقرام فيه صورة فهتكه ثم قال: إن أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله. قال الأوزاعي: قالت عائشة: أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ببرنس فيه تمثال عقاب فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عليه فأذهبه الله. وهذه الزيادة منقطعة. وقال عاصم عن زر عن عبد الله قال: كنت غلاما يافعا في غنم لعقبة بن أبي معيط أرعاها فأتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر فقال: يا غلام هل عندك لبن؟ قلت: نعم ولكن مؤتمن قال: فائتني بشاة لم ينز (1/355)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 356 عليها الفحل فأتيته بعناق جذعة فاعتقلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دعا ومسح ضرعها حتى أنزلت فاحتلب في صحفة وسقى أبا بكر وشرب بعده ثم قال للضرع اقلص فقلص فعاد كما كان ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: علمني من هذا القول فمسح رأسي وقال: إنك غلام معلم فأخذت عنه سبعين سورة ما نازعنيها بشر. إسناده حسن قوي. مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال: أبو طلحة لأم سليم: لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفا أعرف فيه الجوع فهل عندك من شيء؟ قالت: نعم فأخرجت أقراصا من شعير ثم أخذت خمارا لها فلفته فيه ودسته تحت ثوبي وأرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته جالسا في المسجد ومع الناس فقمت عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسلك أبو طلحة؟ قلت: نعم فقال لمن معه قوموا قال: فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال: يا أم سليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس وليس عندنا ما نطعمهم فقالت: الله ورسوله أعلم قال: فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل معه حتى دخل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلمي ما عندك يا أم سليم فأتت بذلك الخبز فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففت وعصرت عليه أم سليم عكة لها فأدمته ثم قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقول: ثم قال: ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال: ائذن (1/356)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 357 لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا فأكل القوم وشبعوا وهم سبعون أو ثمانون رجلا. متفق عليه. وقد مر مثل هذا في غزوة الخندق من حديث جابر. وقال سليمان التيمي عن أبي العلاء عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بقصعة فيها طعام فتعاقبوها إلى الظهر منذ غدوة يقوم قوم ويقعد آخرون فقال رجل لسمرة: هل كانت تمد؟ قال: فمن أيش تعجب؟ ما كانت تمد إلا من ها هنا وأشار إلى السماء وأشار يزيد بن هارون إلى السماء. هذا حديث صحيح. وقال زيد بن الحباب عن الحسين بن واقد: حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه أن سلمان أتى النبي صلى الله عليه وسلم بهدية فقال: لمن أنت؟ قال لقوم قال: فاطلب إليهم أن يكاتبوك قال: فكاتبوني على كذا وكذا نخلة أغرسها لهم ويقوم عليها سلمان حتى تطعم قال فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فغرس النخل كله إلا نخلة واحدة غرسها عمر فأطعم نخلة من سنته إلا تلك النخلة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من غرسها؟ قالوا: عمر فغرسها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فحملت من عامها. رواته ثقات. (1/357)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 358 أخبرنا ابن أبي عمر وابن أبي الخير كتابة عن محمد بن أحمد وجماعة أن فاطمة بنت عبد الله أخبرتهم أنا ابن ريدة أنا الطبراني ثنا الوليد بن حماد الرملي ثنا عبد الله بن الفضل حدثني أبي عن أبيه عاصم بن عمر عن أبيه عن جده قتادة بن النعمان قال: أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوس فدفعها إلي يوم أحد فرميت بها بين يديه حتى اندقت عن سيتها ولم أزل عن مقامي نصب وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألقى السهام بوجهي كلما مال سهم منها إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ميلت رأسي لأقي وجهه فكان آخر سهم ندرت منه حدقتي على خدي وافترق الجمع فأخذت حدقتي بكفي فسعيت بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآها في كفي دمعت عيناه فقال: اللهم إن قتادة فدى وجه نبيك بوجهه فاجعلها أحسن عينيه وأحدهما نظرا فكانت أحد عينيه نظرا. حديث غريب وروي من وجه آخر ذكرناه. وقال حماد بن زيد: ثنا المهاجر مولى آل أبي بكرة عن أبي العالية عن أبي هريرة قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمرات فقلت: ادع لي فيهن بالبركة قال: فقبضهن ثم دعا فيهن بالبركة ثم قال: خذهن (1/358)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 359 فاجعلهن في مزود فإذا أردت أن تأخذ منهن فأدخل يدك فخذ ولا تنثرهن نثرا قال: فحملت من ذلك التمر كذا وكذا وسقا في سبيل الله وكنا نأكل ونطعم وكان المزود معلقا بحقوي لا يفارق حقوي فلما قتل عثمان انقطع. أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب. وروي في جزء الحفار من حديث أبي هريرة وفيه: فأخذت منه خمسين وسقا في سبيل الله وكان معلقا خلف رحلي فوقع في زمان عثمان فذهب. وله طريق أخرى غريبة. وقال معقل بن عبيد الله عن أبي الزبير عن جابر أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير فما زال الرجل يأكل منه وامرأته ومن ضيفاه حتى كاله فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: لو لم تكله لأكلتم منه ولقام لكم. وكانت أم مالك تهدي للنبي صلى الله عليه وسلم في عكة لها سمنا فيأتيها بنوها فيسالون الأدم وليس عندهم شيء. فتعمد إلى الذي كانت تهدي فيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتجد فيه سمنا فما زال يقيم لها أدم بيتها حتى عصرته فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أعصرتيها؟ قالت: نعم قال: لو تركتيها ما زال قائما. أخرجه مسلم. وقال طلحة بن مصرف عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير. فنفدت أزواد القوم حتى هم أحدهم بنحر بعض (1/359)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 360 حمائلهم فقال عمر: يا رسول الله لو جمعت ما بقي من الأزواد فدعوت الله عليها ففعل فجاء ذو البر ببره وذو التمر بتمره فدعا حتى إنهم ملأوا أزوادهم فقال عند ذلك: أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة. أخرجه مسلم. وروى نحوه وأطول منه المطلب بن عبد الله بن حنطب عن عبد الرحمن بن أبي عمرو الأنصاري عن أبيه وزاد: فما بقي في الجيش وعاء إلا ملؤوه وبقي مثله فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأني محمد رسول الله لا يلقى الله عبد مؤمن بها إلا حجب عن النار. رواه الأوزاعي عنه. وقال سلم بن زرير: سمعت أبا رجاء العطاردي يقول: ثنا عمران بن حصين أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير فأدلجوا ليلتهم حتى إذا كان في وجه الصبح عرسوا فغلبتهم أعينهم حتى ارتفعت الشمس فكان أول من استيقظ أبو بكر فاستيقظ عمر بعده فقعد أبو بكر عند رأسه صلى الله عليه وسلم فجعل يكبر ويرفع صوته حتى يستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فلما استيقظ والشمس قد (1/360)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 361 بزغت قال: ارتحلوا فسار بنا حتى ابيضت الشمس فنزل فصلى بنا واعتزل رجل فلم يصل فلما انصرف قال: يا فلان ما منعك أن تصلي معنا؟ قال: أصابتني جنابة فأمره أن يتيمم بالصعيد ثم صلى وجعلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركوب بين يديه أطلب الماء وكنا قد عطشنا عطشا شديدا فبينا نحن نسير إذا نحن بامرأة سادلة رجليها بين مزادتين قلنا لها: أين الماء؟ قالت: أيهات فقلنا: كم بين أهلك وبين الماء؟ قالت: يوم وليلة فقلنا: انطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: وما رسول الله؟ فلم نملكها من أمرها شيئا حتى استقبلنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثته أنها مؤتمة فأمر بمزادتيها فمج في العزلاوين العلياوين فشربنا عطاشا أربعين رجلا حتى روينا وملأنا كل قربة معنا وكل إداوة وغسلنا صاحبنا وهي تكاد تضرج من الماء ثم قال لنا: هاتوا ما عندكم فجمعنا لها من الكسر والتمر حتى صر لها صرة فقال: اذهبي فأطعمي عيالك واعلمي أنا لم نرزأ من مائك شيئا فلما أتت أهلها قالت: لقد أتيت أسحر الناس أو هو نبي كما زعموا فهدى الله ذلك الصرم بتلك المرأة فأسلمت وأسلموا. اتفقا عليه. (1/361)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 362 وقال حماد بن سلمة وغيره عن ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقال: إن لا تدركوا الماء تعطشوا فانطلق سرعان الناس تريد الماء ولزمت رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة فمالت به راحلته فنعس قال: فمال فدعمته فادعم ومال فدعمته فادعم ثم مال حتى كاد أن ينقلب فدعمته فانتبه فقال: من الرجل؟ قلت: أبو قتادة فقال: حفظك الله بما حفظت به رسول الله ثم قال: لو عرسنا فمال إلى شجرة فنزل فقال: أنظر هل ترى أحدا؟ فقلت: هذا راكب هذان راكبان حتى بلغ سبعة فقال: احفظوا علينا صلاتنا قال: فنمنا فما أيقظنا إلا حر الشمس فانتبهنا فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار وسرنا هنية ثم نزلنا فقال: أمعكم ماء؟ قلت: نعم ميضأة فيها شيء من ماء قال: فاتني بها فتوضئوا وبقي في الميضأة جرعة فقال: ازدهر بها يا أبا قتادة فإنه سيكون لها شأن ثم أذن بلال فصلى الركعتين قبل الفجر ثم صلى الفجر ثم ركب وركبنا فقال بعض لبعض: فرطنا في صلاتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تقولون؟ إن كان أمر دنياكم فشأنكم وإن كان أمر دينكم فإلي قلنا: فرطنا في صلاتنا قال: لا تفريط في النوم إنما التفريط في اليقظة فإذا كان ذلك فصلوها من الغد لوقتها. ثم قال: ظنوا بالقوم فقلنا: إنك قلت بالأمس: إن لا تدركوا الماء غدا تعطشوا فأتى الناس الماء فقال: أصبح الناس وقد فقدوا نبيهم فقال بعض القوم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالماء وفي القوم أبا بكر وعمر قالا: أيها الناس إن رسول الله لم يكن ليسبقكم إلى الماء ويحلفكم وإن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدوا قالها ثلاثا فلما اشتدت الظهيرة رفع لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله هلكنا عطشا انقطعت الأعناق قال: لا هلك عليكم ثم قال: يا أبا (1/362)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 363 قتادة ائتني بالميضأة فأتيته بها فقال: حل لي غمري - يعني قدحه - فحللته فجعل يصب فيه ويسقي الناس فقال: أحسنوا الملء فكلكم سيصدر عن ري فشرب القوم حتى لم يبق غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم فصب لي فقال: اشرب قلت: اشرب أنت يا رسول الله قال: إن ساقي القوم آخرهم شربا فشربت ثم شرب بعدي ؛ وبقي من الميضأة نحو مما كان فيها وهم يومئذ ثلاثمائة. قال عبد الله: فسمعني عمران بن حصين وأنا أحدث هذا الحديث في المسجد فقال: من الرجل؟ فقلت: أنا عبد الله بن رباح الأنصاري فقال: القوم أعلم بحديثهم أنظر كيف تحدث فإني أحد السبعة تلك الليلة فلما فرغت قال: ما كنت أحسب أن أحدا يحفظ هذا الحديث غيري ورواه بكر بن عبد الله المزني أيضا عن عبد الله بن رباح. رواه مسلم. وقال الأوزاعي: حدثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة حدثني أنس قال: أصابت الناس سنة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يوم الجمعة يخطب الناس فأتاه أعرابي فقال: يا رسول الله هلك المال وجاع العيال فادع الله لنا فرفع يديه وما نرى في السماء قزعة فوالذي نفسي بيده ما وضعهما حتى ثارت سحابة أمثال الجبال ثم لم ينزل عن المنبر حتى رأيت المطر يتحادر عن لحيته فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد ومن بعد الغد حتى الجمعة الأخرى فقام ذلك (1/363)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 364 الأعرابي أو غيره فقال: يا رسول الله تهدم البناء وجاع العيال فادع الله لنا فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وقال: اللهم حوالينا ولا علينا فما يشير بيديه إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت حتى صارت المدينة مثل الجوبة وسال الوادي وادي قباء شهرا ولم يجيء أحد من ناحية من النواحي إلا حدث بالجود. اتفقا عليه. ورواه ثابت وعبد العزيز بن صهيب وغيرهما عن أنس. وقال عثمان بن عمر وروح بن عبادة: ثنا شعبة عن أبي جعفر الخطمي سمع عمارة بن خزيمة بن ثابت يحدث عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضريرا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله أن يعافيني قال: فإن شئت أخرت ذلك فهو خير لك وإن شئت دعوت الله قال: فادعه قال: فأمره أن يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضيها لي اللهم فشفعه في وشفعني في نفسي. ففعل الرجل فبرأ. قال البيهقي: وكذلك رواه حماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي. (1/364)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 365 وقال أحمد بن شبيب بن سعيد الحبطي: حدثني أبي عن روح بن القاسم عن أبي جعفر المديني الخطمي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره فقال: ائت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيجلي لي عن بصري اللهم شفعه في وشفعني في نفسي قال عثمان: فوالله ما تفرقنا ولا طال الحديث حتى دخل الرجل وكأنه لم يكن به ضرر قط. رواه يعقوب الفسوي وغيره عن أحمد بن شبيب. وقال عبد الرزاق: أنبأ معمر عن قتادة قال: حلب يهودي للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم جمله قال فاسود شعره حتى صار أشد سوادا من كذا وكذا. ويروى نحوه عن ثمامة عن أنس وفيه: فاسودت لحيته بعد ما كانت بيضاء. وقال سعيد بن أبي مريم: أنا محمد بن جعفر بن أبي كثير أخبرني سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن عاصم بن عمر بن قتادة عن جده قتادة بن النعمان قال: كانت ليلة شديدة الظلمة والمطر فقلت: لو أني اغتنمت العتمة مع النبي صلى الله عليه وسلم ففعلت فلما انصرف أبصرني ومعه عرجون يمشي عليه فقال: يا قتادة تخرج هذه الساعة؟ قلت: اغتنمت شهود (1/365)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 366 الصلاة معك فأعطاني العرجون فقال: إن الشيطان قد خلفك في أهلك فاذهب بهذا العرجون فاستعن به حتى تأتي بيتك فتجده في زاوية البيت فاضربه بالعرجون فخرجت من المسجد فأضاء العرجون مثل الشمعة نورا فاستضأت به فأتيت أهلي فوجدتهم رقودا فنظرت في الزاوية فإذا فيها قنفذ فلم أزل أضربه به حتى خرج. عاصم عن جده ليس بمتصل لكنه قد روي من وجهين آخرين عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة وحديث أبي سعيد حديث قوي. وقال حرمي بن عمارة: ثنا عزرة بن ثابت عن علباء بن أحمر حدثني أبو زيد الأنصاري قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أدن مني. قال: فمسح بيده على رأسي ولحيتي ثم قال: اللهم جمله وأدم جماله فقال: فبلغ بضعا ومائة سنة وما في لحيته بياض إلا نبذ يسير ولقد كان منبسط الوجه لم ينقبض وجهه حتى مات. قال البيهقي: هذا إسناد صحيح موصول وأبو زيد هو عمرو بن أخطب. وقال علي بن الحسن بن شقيق: ثنا الحسين بن واقد ثنا أبو نهيك (1/366)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 367 الأزدي عن عمرو بن أخطب - وهو أبو زيد - قال: استسقى النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته بإناء فيه ماء وفيه شعرة فرفعتها ثم ناولته فقال: اللهم جمله قال: فرأيته ابن ثلاث وتسعين سنة وما في رأسه ولحيته طاقة بيضاء. وقال معتمر بن سليمان: نا أبي عن أبي العلاء قال: كنت عند قتادة بن ملحان في مرضه فمر رجل في مؤخر الدار قال: فرأيته في وجهه قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح وجهه قال: وكنت قلما رأيته إلا رأيته كأن على وجهه الدهان. رواه عارم ويحيى بن معين عن معتمر. وقال عكرمة بن عمار: ثنا إياس بن سلمة بن الأكوع حدثني أبي أن رجلا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله فقال: كل بيمينك قال: لا أستطيع قال: لا استطعت ما منعه إلا الكبر قال: فما رفعها إلى فيه بعد. أخرجه مسلم. وقال حميد: عن أنس قال: جاء عبد الله بن سلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمة المدينة فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: ما أول أشراط الساعة وما أول طعام يأكله أهل الجنة والولد ينزع إلى أبيه وينزع إلى أمه. قال: أخبرني بهن جبريل آنفا - قال عبد الله: ذاك عدو اليهود من الملائكة - أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل نزعه إلى أبيه وإذا سبق ماء المرأة نزعه إلى أمه. (1/367)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 368 فأسلم ابن سلام. وذكر الحديث. أخرجه البخاري. وقال يونس بن بكير عن أبي معشر المدني عن المقبري مرسلا فذكر نحوا منه وفيه: فأما الشبه فأي النطفتين سبقت إلى الرحم فالولد به أشبه. وقال معاوية بن سلام عن زيد بن سلام عن أبي سلام: أخبرني أبو أسماء الرحبي أن ثوبان حدثه قال: كنت قائما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء حبر فقال: السلام عليك يا محمد فدفعته دفعة كاد يصرع منها فقال: لم تدفعني؟ قلت: ألا تقول: يا رسول الله ! قال: إنما سميته باسمه الذي سماه به أهله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن اسمي الذي سماني به أهلي (محمد) فقال اليهودي: أين الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض؟ قال: في الظلمة دون الجسر قال: فمن أول الناس إجازة؟ قال: فقراء المهاجرين؟ قال: مما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟ قال: زيادة كبد نون قال: فما غذاؤهم على أثره؟ قال: ينحر لهم ثور الجنة الذي (1/368)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 369 كان يأكل من أطرافها قال: فما شرابهم عليه؟ قال: من عين فيها تسمى سلسبيلا قال: صدقت قال: وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان قال: ينفعك إن حدثتك؟. قال: أسمع بأذني قال: سل قال: جئت أسألك عن الولد قال: ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله؟ وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنثا بإذن الله فقال اليهودي: صدقت وإنك لنبي ثم انصرف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه سألني هذا الذي سألني عنه وما أعلم شيئا منه حتى أتاني الله به. رواه مسلم. وقال عبد الحميد بن بهرام عن شهر حدثني ابن عباس قال: حضرت عصابة من اليهود يوما النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: حدثنا عن خلال نسألك عنها لا يعلمها إلا نبي قال: سلوا عما شئتم ولكن اجعلوا لي ذمة الله وما أخذ يعقوب على بنيه إن أنا حدثتكم بشيء تعرفونه أتبايعني على الإسلام؟ قالوا: لك ذلك قال: فسلوني عما شئتم قالوا: أخبرنا عن أربع خلال نسألك عنها: أخبرنا عن الطعام الذي حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة وأخبرنا عن ماء الرجل كيف يكون الذكر منه حتى يكون ذكرا وكيف تكون الأنثى منه حتى تكون أنثى ومن وليك من الملائكة قال: فعليكم عهد الله لئن أنا حدثتكم لتبايعني فأعطوه ما شاء الله من عهد وميثاق قال: أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن إسرائيل يعقوب مرض مرضا شديدا طال سقمه منه فنذر الله لئن شفاه الله من سقمه ليحرمن أحب الشراب إليه: ألبان الإبل وأحب (1/369)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 370 الطعام إليه لحمانها؟ قالوا: اللهم نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم أشهد عليهم قال: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة أصفر رقيق فأيهما علا كان له الولد والشبه بإذن الله فإن علا ماء الرجل ماء المرأة كان ذكرا بإذن الله وإن علا ماء المرأة ماء الرجل كانت أنثى بإذن الله؟ قالوا: اللهم نعم قال: اللهم اشهد قال: أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن هذا النبي تنام عيناه ولا ينام قلبه؟ قالوا: اللهم نعم قال: اللهم اشهد عليهم. قالوا: أنت الآن حدثنا من وليك من الملائكة فعندها نجامعك أو نفارقك قال: وليي جبريل ولم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه قالوا: فعندها نفارقك لو كان وليك غيره من الملائكة لبايعناك وصدقناك قال: ولم؟ قالوا: إنه عدونا من الملائكة. فأنزل الله عز وجل: {من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك} الآية. ونزلت {فباءو بغضب على غضب}. وقال يزيد بن هارون: أنبأ شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن صفوان بن عسال قال: قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي فنسأله فقال الآخر: لا تقل نبي فإنه إن سمعك تقول نبي كانت له أربعة أعين فانطلقا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألاه عن قوله تسع آيات بينات قال: لا تشركوا بالله شيئا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تسحروا ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان فيقتله ولا تأكلوا الربا ولا تفروا من الزحف ولا تقذفوا محصنة - شك شعبة - وعليكم (1/370)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 371 خاصة معشر اليهود أن لا تعدوا في السبت. فقبلا يديه ورجليه وقالا: نشهد أنك نبي قال: فما يمنعكما أن تسلما؟ قالا: إن داود سأل ربه أن لا يزال في ذريته نبي ونحن نخاف إن أسلمنا أن تقتلنا اليهود. وقال عفان: نا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن أبي عبيدة بن عبد الله عن أبيه قال: إن الله ابتعث نبيه لإدخال رجال الجنة فدخل النبي صلى الله عليه وسلم كنيسة فإذا هو بيهود وإذا يهودي يقرأ التوراة فلما أتى على صفته أمسك وفي ناحيتها رجل مريض فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما لكم أمسكتم؟ فقال المريض: إنهم أتوا على صفة نبي فأمسكوا ثم جاء المريض يحبو حتى أخذ التوراة وقال: ارفع يدك فقرأ حتى أتى على صفته فقال: هذه صفتك وصفة أمتك أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ثم مات فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو أخاكم. وقال يزيد بن هارون: ثنا حماد بن سلمة عن الزبير أبي عبد السلام عن أيوب بن عبد الله بن مكرز عن وابصة - هو الأسدي - قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أريد أن لا أدع شيئا من البر والإثم إلا سألته عنه فجعلت أتخطى الناس فقالوا: إليك يا وابصة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: دعوني أدنو منه فإنه من أحب الناس إلي أن أدنو منه. فقال: أدن يا وابصة فدنوت حتى مست ركبتي ركبته فقال: يا وابصة أخبرك (1/371)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 372 بما جئت تسألني عنه؟ فقلت: أخبرني يا رسول الله قال: جئت تسأل عن البر والإثم؟ قلت: نعم قال: فجمع أصابعه فجعل ينكت بها في صدري ويقول: يا وابصة استفت قلبك استفت نفسك البر: ما اطمأن إليه القلب واطمأنت إليه النفس والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك. وقال ابن وهب: حدثني معاوية عن أبي عبد الله محمد الأسدي سمع وابصة الأسدي قال: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله عن البر والإثم فقال من قبل أن أسأله: جئت تسألني عن البر والإثم؟ قلت: إي والذي بعثك بالحق إنه للذي جئت أسألك عنه فقال: البر ما انشرح له صدرك والإثم ما حاك في نفسك وإن أفتاك عنه الناس. وقال محمد بن إسحاق وروح بن القاسم عن إسماعيل بن أمية عن بجير بن أبي بجير سمع عبد الله بن عمرو أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجنا إلى الطائف فمررنا بقبر فقال: هذا قبر أبي رغال وهو أبو ثقيف وكان من قوم ثمود فلما أهلك الله قومه منعه مكانه من الحرم فلما خرج منه أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه. قال: فابتدرناه فاستخرجنا الغصن. (1/372)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 373

باب من أخباره صلى الله عليه وسلم بالكوائن بعده فوقعت كما أخبر شعبة عن عدي بن ثابت عن عبد الله بن زيد عن حذيفة قال: لقد حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يكون حتى تقوم الساعة غير أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة منها. رواه مسلم. وقال الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما ما ترك فيه شيئا إلى قيام الساعة إلا ذكره علمه من علمه وجهله من جهله - وفي لفظ: حفظه من حفظه - وإنه ليكون منه الشيء فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه. رواه الشيخان بمعناه. وقال عزرة بن ثابت: ثنا علباء بن أحمر ثنا أبو زيد قال: صلى بنا (1/373)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 374 رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر ثم نزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى أظنه قال: حضرت العصر ثم نزل فصلى ثم صعد فخطبنا حتى غربت الشمس قال: فأخبرنا بما كان وبما هو كائن فأحفظنا أعلمنا. رواه مسلم. وقال إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن خباب قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد برده في ظل الكعبة فقلنا: ألا تدعو الله لنا ألا تستنصر الله لنا؟ فجلس محمارا وجهه ثم قال: والله إن من كان قبلكم ليؤخذ الرجل فتحفر له الحفرة فيوضع المنشار على رأسه فيشق باثنتين ما يصرفه عن دينه وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب منكم من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله عز وجل أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون. متفق عليه. وقال الثوري عن ابن المنكدر عن جابر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل لك من أنماط قلت: يا رسول الله وأنى يكون لي أنماط؟ قال: أما إنها ستكون قال: فأنا أقول اليوم لامرأتي: نحي عني أنماطك فتقول: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها ستكون لكم أنماط بعدي (1/374)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 375 فأتركها. متفق عليه. وقال هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير عن سفيان بن أبي زهير النميري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تفتح اليمن فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ثم تفتح الشام فيأتي قوم فيبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ثم تفتح العراق فيأتي قوم فيبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. أخرجاه. وقال الوليد بن مسلم عن عبد الله بن العلاء بن زبر ثنا بسر بن عبيد الله أنه سمع أبا إدريس الخولاني يقول: سمعت عوف بن مالك الأشجعي يقول: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم فقال لي: يا عوف اعدد ستا بين يدي الساعة: موتي ثم فتح بيت المقدس ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم ثم استفاضة المال فيكم حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون (1/375)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 376 فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفا. أخرجه البخاري. وقال ابن وهب: أخبرني حرملة بن عمران عن عبد الرحمن بن شماسة سمع أبا ذر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمة ورحما. رواه مسلم. وقال الليث وغيره عن ابن شهاب عن ابن لكعب بن مالك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا فتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا فإن لهم ذمة ورحما. مرسل مليح الإسناد. وقد رواه موسى بن أعين عن إسحاق بن راشد عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه متصلا. قال ابن عيينة: من الناس من يقول: هاجر أم إسماعيل كانت قبطية ومن الناس من يقول: مارية أم إبراهيم قبطية. وقال معمر عن همام عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يهلك كسرى ثم لا يكون كسرى بعده وقيصر ليهلكن ثم لا يكون (1/376)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 377 قيصر بعده ولتنفقن كنوزهما في سبيل الله. متفق عليه. أما كسرى وقيصر الموجودان عند مقالته صلى الله عليه وسلم فإنهما هلكا ولم يكن بعد كسرى كسرى آخر وأنفق كنوزهما في سبيل الله بأمر عمر رضي الله عنه وبقي للقياصرة ملك بالروم وقسطنطينية لقول النبي صلى الله عليه وسلم ثبت ملكه حين أكرم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يقضي الله تعالى فتح القسطنطينية ولم يبق للأكاسرة ملك لقوله صلى الله عليه وسلم مزق الله ملكه حين مزق كتاب النبي صلى الله عليه وسلم. وروى حماد بن سلمة عن يونس عن الحسن أن عمر أتي بفروة كسرى فوضعت بين يديه وفي القوم سراقة بن مالك بن جعشم قال فألقى إليه سواري كسرى بن هرمز فجعلهما في يديه فبلغا منكبيه فلما رآهما عمر في يدي سراقة قال: الحمد لله سوارا كسرى في يد سراقة أعرابي من بني مدلج. وقال ابن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن عدي بن حاتم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: مثلت لي الحيرة كأنياب الكلاب وإنكم (1/377)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 378 ستفتحونها فقام رجل فقال: يا رسول الله هب لي ابنة بقيلة قال: هي لك فأعطوه إياها فجاء أبوها فقال: أتبيعها؟ قال: نعم قال: بكم؟ أحكم ما شئت قال: ألف درهم قال: قد أخذتها قالوا له: لو قلت ثلاثين ألفا لأخذها قال: وهل عدد أكثر من ألف. وقال سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد ومكحول عن أبي إدريس الخولاني عن عبد الله بن حوالة الأزدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم ستجندون أجنادا جندا بالشام وجندا بالعراق وجندا باليمن فقلت: يا رسول الله خر لي قال: عليك بالشام فمن أبى فليلحق بيمينه وليسق من غدره فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله قال أبو إدريس: من تكفل الله به فلا ضيعة عليه. صحيح. وقال معمر: عن همام عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزا وكرمان - قوما من الأعاجم - حمر الوجوه فطس الأنوف صغار الأعين كأن وجوههم المجان المطرقة قال: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر. (خ). (1/378)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 379 وقال هشيم عن سيار أبي الحكم عن جبر بن عبيدة عن أبي هريرة قال: وعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الهند فإن أدركتها أنفق فيها مالي ونفسي فإن استشهدت كنت من أفضل الشهداء وإن رجعت فأنا أبو هريرة المحرر. غريب. وقال حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم: رأيت ذات ليلة كأنا في دار عقبة بن رافع وأتينا برطب من رطب ابن طاب فأولت الرفعة لنا في الدنيا والعاقبة في الآخر وأن ديننا قد طاب. رواه مسلم. وقال شعبة عن فرات القزاز سمع أبا حازم يقول: قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلف نبي وإنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء فتكثر قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم. اتفقا عليه. (1/379)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 380 وقال جرير بن حازم عن ليث عن عبد الرحمن بن سابط عن أبي ثعلبة الخشني عن أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله بدأ هذا الأمر نبوة ورحمة وكائنا خلافة ورحمة وكائنا ملكا عضوضا وكائنا عتوا وجبرية وفسادا في الأمة يستحلون الفروج والخمور والحرير وينصرون على ذلك ويرزقون أبدا حتى يلقوا الله. وقال عبد الوارث وغيره عن سعيد بن جمهان عن سفينة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتى الله الملك من يشاء. قال لي سفينة: أمسك أبو بكر سنتين وعمر عشرا وعثمان اثنتي عشرة وعلي ستا. قلت لسفينة: إن هؤلاء يزعمون أن عليا لم يكن خليفة قال: كذبت أستاه بني الزرقاء يعني بني مروان. كذا قال في علي ستا وإنما كانت خلافة علي خمس سنين إلا شهرين وإنما تكمل الثلاثون سنة بعشرة أشهر زائدة عما ذكر لأبي بكر وعمر. أخرجه أبو داود. وقال صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي بدئ فيه فقلت: وارأساه فقال: وددت أن ذلك كان وأنا حي فهيأتك ودفنتك فقلت غيري: كأني بك في ذلك اليوم عروسا ببعض نسائك فقال: بل أنا وارأساه ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابا فإني أخاف أن يقول قائل ويتمنى متمن: أني ولا ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر. رواه مسلم وعنده: فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنى ولا. (1/380)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 381 وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس قال: صعد النبي صلى الله عليه وسلم أحدا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فضربه النبي صلى الله عليه وسلم برجله وقال: أثبت عليك نبي وصديق وشهيدان. أخرجه البخاري. وقال أبو حازم عن سهل بن سعد نحوه لكنه قال حراء بدل أحد وإسناده صحيح. وقال سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم (1/381)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 382 كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد. أخرجه مسلم. أبو بكر صديق والباقون قد استشهدوا. وقال إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب أخبرني إسماعيل بن محمد بن ثابت الأنصاري عن أبيه أن ثابت بن قيس قال: يا رسول الله لقد خشيت أن أكون قد هلكت قال: ولم؟ قال: نهانا الله أن نحب أن نحمد بما لم نفعل وأجدني أحب الحمد ونهانا عن الخيلاء وأجدني أحب الجمال ونهانا أن نرفع أصواتنا وأنا جهير الصوت فقال: يا ثابت ألا ترضى أن تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة؟ قال: بلى يا رسول الله قال: فعاش حميدا وقتل شهيدا يوم مسيلمة الكذاب. مرسل وثبت أنه قتل يوم اليمامة. (1/382)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 383 وقال الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن التحريش. رواه مسلم. وقال الشعبي عن مسروق عن عائشة حدثتني فاطمة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسر إلي أنك أول أهل بيتي لحوقا بي ونعم السلف أنا لك. متفق عليه. وقال سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه كان في الأمم محدثون فإن يكن في هذه الأمة فهو (1/383)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 384 عمر بن الخطاب. رواه مسلم. وقال شعبة عن قيس عن طارق بن شهاب قال: كنا نتحدث أن عمر ينطق على لسان ملك. ومن وجوه عن علي: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر. وقال يحيى بن أيوب المصري عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر أن عمر بعث جيشا وأمر عليهم رجلا يدعى سارية فبينما عمر يخطب فجعل يصيح (يا سارية الجبل) فقدم رسول من ذلك الجيش فقال: يا أمير المؤمنين لقينا عدونا فهزمونا فإذا صائح يصيح (يا سارية الجبل) فأسندنا ظهورنا إلى الجبل فهزمهم الله فقلنا لعمر: كنت تصيح بذلك. وقال ابن عجلان: وحدثنا إياس بن معاوية بذلك. وقال الجريري عن أبي نضرة عن أسير بن جابر فذكر حديث أويس القرني بطوله وفيه: فوفد أهل الكوفة إلى عمر وفيهم رجل يدعى (1/384)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 385 أويسا فقال عمر: أما ها هنا من القرنيين أحد؟ قال: فدعي ذلك الرجل فقال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن رجلا من أهل اليمن يقدم عليكم ولا يدع بها إلا أما له قد كان به بياض فدعا الله أن يذهبه عنه فأذهبه عنه إلا مثل موضع الدرهم يقال له أويس فمن لقيه منكم فليأمره فليستغفر لكم. أخرجه مسلم مختصرا عن رجاله عن الجريري وأخرجه أيضا مختصرا من وجه آخر. وقال حماد بن سلمة عن الجريري عن أبي نضرة عن أسير قال: لما أقبل أهل اليمن جعل عمر يستقرئ الرفاق فيقول: هل فيكم أحد من قرن؟ حتى أتى على قرن قال: فوقع زمام عمر أو زمام أويس فتناوله عمر فعرفه بالنعت فقال عمر: ما اسمك؟ قال: أويس قال: هل كانت لك والدة؟ قال: نعم قال: هل كان بك من البياض شيء؟ قال: نعم دعوت الله فأذهبه عني إلا موضع الدرهم من سرتي لأذكر به ربي فقال له عمر: استغفر لي قال: أنت أحق أن تستغفر لي أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن خير التابعين رجل يقال له أويس القرني وله والدة وكان به بياض. الحديث. (1/385)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 386 وقال هشام الدستوائي عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن أسير بن جابر قال: كان عمر إذا أتت عليه أمداد اليمن سألهم: أفيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم قال من مراد ثم من قرن؟ قال: نعم قال: كان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم قال: ألك والدة؟ قال: نعم فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل فاستغفر لي فاستغفر له ثم قال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة قال: ألا أكتب لك إلى عاملها فيستوصوا بك خيرا؟ فقال: لأن أكون في غبراء الناس أحب إلي فلما كان في العام المقبل حج رجل من أشرافهم فسأله عمر عن أويس كيف تركته؟ قال: رث البيت قليل المتاع قال عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يأتي عليكم أويس مع أمداد اليمن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل فلما قدم الرجل أتى أويسا فقال: استغفر لي قال: أنت أحدث عهدا بسفر صالح فاستغفر لي وقال لقيت عمر بن الخطاب؟ قال: نعم قال: فاستغفر له قال ففطن له الناس فانطلق على وجهه. قال أسير بن جابر: فكسوته بردا فكان إذا رآه إنسان قال: من أين لأويس هذا. رواه مسلم بطوله. (1/386)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 387 وقال شريك عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لما كان يوم صفين نادى مناد من أصحاب معاوية أصحاب علي: أفيكم أويس القرني؟ قالوا: نعم فضرب دابته حتى دخل معهم ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خير التابعين أويس القرني. وقال الأعمش عن شقيق عن حذيفة قال: كنا جلوسا عند عمر فقال: أيكم يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ قلت: أنا قال: هات إنك لجريء فقلت: ذكر فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره تكفرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال: ليس هذا أعني إنما أعني التي تموج موج البحر قلت: يا أمير المؤمنين ليس ينالك من تلك شيء إن بينك وبينها بابا مغلقا قال: أرأيت الباب يفتح أو يكسر؟ قال: لا بل يكسر قال إذا لا يغلق أبدا قلت: أجل فقلنا لحذيفة: أكان عمر يعلم من الباب؟ قال: نعم كما يعلم أن غدا دونه الليلة وذلك أني حدثته حديثا ليس بالأغاليظ فسأله مسروق: من الباب؟ قال: عمر. أخرجاه. وقال شريك بن أبي نمر عن ابن المسيب عن أبي موسى الأشعري (1/387)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 388 في حديث القف: فجاء عثمان فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ائذن له وبشره بالجنة على بلوى - أو بلاء - يصيبه. متفق عليه. وقال القطان عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن أبي سهلة مولى عثمان عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ادعي لي - أو ليت عندي - رجلا من أصحابي قالت: قلت: أبو بكر؟ قال: لا قلت: عمر؟ قال: لا قلت: ابن عمك علي؟ قال: لا قلت: فعثمان؟ (1/388)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 389 قال: نعم قالت: فجاء عثمان فقال: قومي قال: فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يسر إلى عثمان ولون عثمان يتغير فلما كان يوم الدار قلنا: ألا تقاتل؟ قال: لا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي أمرا فأنا صابر نفسي عليه. وقال إسرائيل وغيره عن منصور عن ربعي عن البراء بن ناجية الكاهلي - فيه جهالة - عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تدور رحى الإسلام عند رأس خمس أو ست وثلاثين سنة فإن يهلكوا فسبيل من هلك وإلا تروخي عنهم سبعين سنة فقال عمر: يا رسول الله أمن هذا أو من مستقبله؟ قال: من مستقبله. وقال إسماعيل بن أبي خالد عن قيس قال: لما بلغت عائشة بعض ديار بني عامر نبحت عليها كلاب الحوءب فقالت: أي ماء هذا؟ قالو: الحوءب قالت: ما أظنني إلا راجعة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كيف بإحداكن إذا نبحتها كلاب الحوءب. فقال الزبير: تقدمي لعل الله أن يصلح بك بين الناس. وقال أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة (1/389)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 390 عظيمة دعواهما واحدة. رواه البخاري. وأخرجا من حديث همام عن أبي هريرة نحوه. وقال صفوان بن عمرو: كان أهل الشام ستين ألفا فقتل منهم عشرون ألفا وكان أهل العراق مائة ألف وعشرين ألفا فقتل منهم أربعون ألفا وذلك يوم صفين. وقال شعبة: حدثنا أبو مسلمة عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: (1/390)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 391 حدثني من هو خير مني - يعني أبا قتادة - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمار تقتلك الفئة الباغية. وقال الحسن عن أمه عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. رواهما مسلم. وقال عبد الرزاق: أنبأ ابن عيينة أخبرني عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة قال: قال عمر لعبد الرحمن بن عوف: أما علمت أنا كنا نقرأ: جاهدوا في الله حق جهاده في آخر الزمان كما جاهدتم في أوله ! قال: فقال عبد الرحمن: ومتى ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: إذا كانت بنو أمية الأمراء وبنو المغيرة الوزراء. رواه الرمادي عنه. وقال أبو نضرة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين تقتلها أولى الطائفتين بالحق. رواه مسلم. وقال سعيد بن مسروق عن عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي سعيد أن عليا رضي الله عنه بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني هو باليمن - بذهب في تربتها فقسمها النبي صلى الله عليه وسلم بين أربعة: بين عيينه بن بدر الفزاري وعلقمة بن علاثة الكلابي والأقرع بن حابس الحنظلي وزيد الخيل (1/391)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 392 الطائي فغضبت قريش والأنصار وقالوا: يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أعطيهم أتألفهم فقام رجل غائر العينين محلوق الرأس مشرف الوجنتين ناتئ الجبين فقال: اتق الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن يطع الله إن عصيته أيأمنني أهل السماء ولا تأمنوني؟ فاستأذنه رجل في قتله فأبى ثم قال: يخرج من ضئضيء هذا قوم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان والله لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد. رواه مسلم وللبخاري بمعناه. الأوزاعي عن الزهري: حدثني أبو سلمة والضحاك يعني المشرفي عن أبي سعيد قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم ذات يوم قسما فقال ذو الخويصرة من بني تميم: يا رسول الله اعدل. فقال: ويحك ومن يعدل إذا لم أعدل. فقام عمر فقال: يا رسول الله ائذن لي فأضرب عنقه قال: لا إن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم (1/392)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 393 وصيامه مع صيامهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى نضيه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء آيتهم رجل أدعج إحدى يديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر. قال أبو سعيد: أشهد لسمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشهد أني كنت مع علي رضي الله عنه حين قتلهم فالتمس في القتلى وأتي به على النعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه البخاري. وقال أيوب عن ابن سيرين عن عبيدة قال: ذكر علي رضي الله عنه أهل النهروان فقال: فيهم رجل مودن اليد أو مثدون اليد أو مخدج اليد لولا أن تبطروا لنبأتكم بما وعد الله الذين يقاتلونهم على لسان (1/393)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 394 محمد صلى الله عليه وسلم قلت: أنت سمعت هذا؟ قال: أي ورب الكعبة. رواه مسلم. وقال حماد بن زيد عن جميل بن مرة عن أبي الوضي السحيمي قال: كنا مع علي بالنهروان فقال لنا: التمسوا المخدج فالتمسوه فلم يجدوه فأتوه فقال: ارجعوا فالتمسوا المخدج فوالله ما كذبت ولا كذبت حتى قال ذلك مرارا فرجعوا فقالوا: قد وجدناه تحت القتلى في الطين فكأني أنظر إليه حبشيا له ثدي كثدي المرأة عليه شعيرات كالشعيرات التي على ذنب اليربوع فسر بذلك علي. رواه أبو داود الطيالسي في مسنده. وقال شريك عن عثمان بن المغيرة عن زيد بن وهب قال: جاء رأس الخوارج إلى علي فقال له: اتق الله فإنك ميت فقال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ولكني مقتول من ضربة على هذه تخضب هذه - وأشار بيده إلى لحيته - عهد معهود وقضاء مقضي وقد خاب من افترى. وقال أبو النضر: ثنا محمد بن راشد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن فضالة بن أبي فضالة الأنصاري - وكان أبوه بدريا - قال: خرجت مع أبي عائدا لعلي من مرض أصابه ثقل منه فقال له أبي: ما يقيمك (1/394)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 395 بمنزلك هذا لو أصابك أجلك لم يلك إلا أعراب جهينة ! تحمل إلى المدينة فإن أصابك أجلك وليك أصحابك وصلوا عليك فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي أني لا أموت حتى أؤمر ثم تخضب هذه من دم هذه - يعني لحيته من دم هامته - فقتل وقتل أبو فضالة مع علي يوم صفين. وقال الحسن عن أبي بكرة: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقول: إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين عظيمتين. أخرجه البخاري دون (عظيمتين). وقال ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عمير بن الأسود حدثه أنه أتى عبادة بن الصامت وهو بساحل حمص وهو في بناء له ومعه امرأته أم حرام قال: فحدثتنا أم حرام أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا. قالت أم حرام: يا رسول الله أنا فيهم؟ قال: أنت فيهم قالت: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم قالت أم حرام: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: لا. أخرجه البخاري. فيه إخباره عليه السلام أن (1/395)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 396 أمته يغزون البحر ويغزون مدينة قيصر. وقال شعبة عن سماك عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن بين يدي الساعة ثلاثين كذابا دجالا كلهم يزعم أنه نبي. رواه مسلم واتفقا عليه من حديث أبي هريرة. (1/396)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 397 وقال الأسود بن شيبان عن أبي نوفل بن أبي عقرب عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت للحجاج: أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا فأما الكذاب فقد رأيناه وأما المبير فلا إخالك إلا إياه. أخرجه مسلم تعني بالكذاب المختار بن أبي عبيد. وقال الوليد بن مسلم عن مروان بن سالم الجزري ثنا الأحوص بن الحكيم عن خالد بن معدان عن عبادة بن الصامت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون في أمتي رجل يقال له وهب يهب الله له الحكمة ورجل يقال له غيلان هو أضر على أمتي من إبليس. مروان ضعيف. (1/397)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 398 وقال ابن جريج: أنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته بشهر يقول: تسألون عن الساعة وإنما علمها عند الله فأقسم بالله ما على ظهر الأرض من نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة. رواه مسلم. وقال شعيب عن الزهري عن سالم بن عبد الله وأبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة أن ابن عمر قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ليلة في آخر حياته فلما سلم قام فقال: أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد متفق عليه. فقال الجريري: كنت أطوف مع أبي الطفيل فقال: لم يبق أحد ممن لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم غيري قلت: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كان أبيض مليحا مقصدا. أخرجه مسلم. وأصح الأقوال أن أبا الطفيل توفي سنة عشر ومائة. (1/398)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 399 وقال إبراهيم بن محمد بن زياد الألهاني عن أبيه عن عبد الله بن بسر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: يعيش هذا الغلام قرنا قال: فعاش مائة سنة. وقال بشر بن بكر والوليد بن مسلم: نا الأوزاعي حدثني الزهري حدثني سعيد بن المسيب قال: ولد لأخي أم سلمة غلام فسموه الوليد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تسمون بأسماء فراعنتكم غيروا اسمه - فسموه عبد الله - فإنه سيكون في هذه الأمة رجل يقال له الوليد هو شر لأمتي من فرعون لقومه. هذا ثابت عن ابن المسيب ومراسيله حجة على الصحيح. وقال سليمان بن بلال عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا بلغ بنو أبي العاص أربعين رجلا اتخذوا دين الله دغلا وعباد الله خولا ومال الله دولا. غريب ورواته ثقات. وقد روى الأعمش عن عطية عن أبي سعيد مرفوعا مثله لكنه قال: ثلاثين رجلا. وقال سليمان بن حيان الأحمر: نا داود بن أبي هند عن أبي حرب بن (1/399)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 400 أبي الأسود الدؤلي عن طلحة النصري قال: قدمت المدينة مهاجرا وكان الرجل إذا قدم المدينة فإن كان له عريف نزل عليه وإن لم يكن له عريف نزل الصفة فنزلت الصفة وكان صلى الله عليه وسلم يرافق بين الرجلين ويقسم بينهم مدا من تمر فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم في صلاته إذ ناداه رجل فقال: يا رسول الله أحرق بطوننا التمر وتخرقت عنا الخنف قال: وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمد الله وأثنى عليه وذكر ما لقي من قومه ثم قال: لقد رأيتني وصاحبي مكثنا بضع عشرة ليلة ما لنا طعام غير البربر - وهو ثمر الأراك - حتى أتينا إخواننا من الأنصار فآسونا من طعامهم وكان جل طعامهم التمر والذي لا إله إلا هو لو قدرت لكم على الخبز واللحم لأطعمتكموه وسيأتي عليكم زمان أو من أدركه منكم تلبسون أمثال أستار الكعبة ويغدى ويراح عليكم بالجفان. قالوا: يا رسول الله أنحن يومئذ خير أم اليوم؟ قال: بل أنتم اليوم خير أنتم اليوم إخوان وأنتم يومئذ يضرب بعضكم رقاب بعض. (1/400)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 401 وقال محمد بن يوسف الفريابي: ذكر سفيان: عن يحيى بن سعيد عن أبي موسى يحنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتهم فارس والروم سلط بعضهم على بعض. حديث مرسل. (1/401)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 402 وقال عثمان بن حكيم عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مررنا على مسجد بني معاوية فدخل فصلى ركعتين وصلينا معه فناجى ربه طويلا ثم قال: سألت ربي ثلاثة: سألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها وسألته أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها. رواه مسلم. وقال أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم وإن ربي قال لي: يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة بعامة وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو (1/402)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 403 اجتمع عليهم من بين أقطارها حتى يكون بعضهم يسبي بعضا وبعضهم يقتل بعضا. وقال: إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين. وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة. ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين حتى يعبدوا الأوثان وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي وإني خاتم النبيين لا نبي بعدي. ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله تعالى. رواه مسلم. وقال يونس وغيره عن الحسن عن عطاء بن عبد الله عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بين يدي الساعة الهرج. قيل: وما (1/403)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 404 الهرج؟ قال: القتل قالوا: أكثر مما نقتل؟ قال: إنه ليس بقتلكم المشركين ولكن بقتل بعضكم بعضا. قالوا: ومعنا يومئذ عقولنا؟ قال: إنه تنزع عقول أكثر أهل ذلك الزمان ويخلف لهم هباء من الناس يحسب أكثرهم أنهم على شيء وليسوا على شيء. وقال سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر ويضربون الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا. رواه مسلم. وقال أبو عبد السلام عن ثوبان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل: أمن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت. (1/404)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 405 أخرجه أبو داود من حديث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ثنا أبو عبد السلام. وقال معمر عن همام: نا أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده ليأتين على أحدكم يوم لأن يراني ثم لأن يراني أحب إليه من مثل أهله وماله معهم. رواه مسلم. وللبخاري مثله من حديث أبي هريرة. وقال صفوان بن عمرو: حدثني أزهر بن عبد الله الحرازي عن أبي عامر الهوزني عن معاوية بن أبي سفيان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أهل الكتاب افترقوا في دينهم على اثنتين وسبعين ملة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة. أخرجه أبو داود. وقال عبد الوارث عن أبي التياح عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل وتشرب الخمر ويظهر الزنا. متفق عليه. (1/405)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 406 وقال هشام عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء فإذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا. متفق عليه. وقال كثير النواء عن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي عن أبيه عن جده عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون في أمتي قوم يسمون الرافضة هم براء من الإسلام. كثير ضعيف تفرد به. (1/406)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 407 وقال شعبة: أخبرني أبو حمزة نا زهدم أنه سمع عمران بن حصين قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يكون قوم بعدهم يخونون ولا يؤتمنون ويشهدون ولا يستشهدون وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن. رواه مسلم. والأحاديث الصحيحة والضعيفة في إخباره بما يكون بعده كثيرة إلى الغاية اقتصرنا على هذا القدر منها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور نسأل الله تعالى أن يكتب الإيمان في قلوبنا وأن يؤيدنا بروح منه. باب جامع من دلائل النبوة قال سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال: كان منا رجل من بني النجار قد قرأ البقرة وآل عمران وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فانطلق هاربا حتى لحق بأهل الكتاب قال: فرفعوه: قالوا: هذا كان يكتب لمحمد فأعجبوا به فما لبث أن قصم الله عنقه فيهم فحفروا له فواروه فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها ثم عادوا فحفروا له فواروه فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها فتركوه منبوذا. رواه مسلم. وقال عبد الوارث عن عبد العزيز عن أنس قال: كان رجل نصرانيا (1/407)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 408 فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران فكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فعاد نصرانيا وكان يقول: ما أرى يحسن محمد إلا ما كنت أكتب له. فأماته الله فأقبروه فأصبح وقد لفظته الأرض قالوا: هذا عمل محمد وأصحابه قال: فحفروا له فأعمقوا فأصبح وقد لفظته الأرض فعلموا أنه من الله تعالى. أخرجه البخاري. وقال الليث عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من الأنبياء من نبي إلا وقد أعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة. متفق عليه. قلت: هذه هي المعجزة العظمى وهي (القرآن) فإن النبي من الأنبياء عليهم السلام كان يأتي بالآية وتنقضي بموته فقل لذلك من يتبعه وكثر أتباع نبينا صلى الله عليه وسلم لكون معجزته الكبرى باقية بعده فيؤمن بالله ورسوله كثير ممن يسمع القرآن على ممر الأزمان ولهذا قال: فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة. وقال زائدة: عن المختار بن فلفل عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما صدق نبي ما صدقت إن من الأنبياء من لا يصدقه من أمته إلا الرجل الواحد. رواه مسلم. (1/408)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 409 وقال جرير: عن منصور عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} قال: أنزل القرآن في ليلة القدر جملة واحدة إلى سماء الدنيا وكان بموقع النجوم فكان الله تعالى ينزله على رسول الله بعضه في إثر بعض. قال تعالى: {وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا} . باب آخر سورة نزلت قال أبو العميس عن عبد المجيد بن سهيل عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: قال لي ابن عباس: تعلم آخر سورة من القرآن نزلت جميعا؟ قلت: نعم {إذا جاء نصر الله والفتح} قال: صدقت. رواه مسلم. وقال أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: {إذا جاء نصر الله والفتح} قال: أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه إياه إذا فتح الله عليك فذاك علامة أجلك قال ذلك لعمر فقال: ما أعلم منها إلا مثل ما تعلم يا بن عباس. أخرجه البخاري بمعناه. وقال شعبة عن أبي إسحاق سمع البراء يقول: آخر سورة نزلت (براءة) وآخر آية أنزلت (يستفتونك). متفق عليه. (1/409)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 410 وقال الثوري عن عاصم الأحول عن الشعبي عن ابن عباس قال: آخر آية أنزلها الله آية الربا. وقال الحسين بن واقد عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال: آخر شيء نزل من القرآن {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله} . وقال ابن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال: قال عمر: آخر ما أنزل الله آية الربا فدعوا الربا والريبة. صحيح. وقال أبو جعفر عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي قال: آخر آية نزلت {فإن تولوا فقل حسبي الله} . فحاصله أن كلا منهم أخبر بمقتضى ما عنده من العلم. وقال الحسين بن واقد: حدثني يزيد النحوي عن عكرمة والحسن بن أبي الحسن قالا: نزل من القرآن بالمدينة: ويل للمطففين والبقرة وآل عمران والأنفال والأحزاب والمائدة والممتحنة والنساء وإذا زلزلت والحديد ومحمد والرعد والرحمن وهل (1/410)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 411 أتى والطلاق ولم يكن والحشر وإذا جاء نصر الله والنور والحج والمنافقون والمجادلة والحجرات والتحريم والصف والجمعة والتغابن والفتح وبراءة قالا: ونزل بمكة فذكرا ما بقي من سور القرآن. باب في النسخ والمحو من الصدور وقال أبو حرب بن أبي الأسود عن أبيه عن أبي موسى قال: كنا نقرأ سورة نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها غير أني حفظت منها: لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب. وكنا نقرأ سورة نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها غير أني حفظت منه: يأيها الذين آمنوا لا تقولوا ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة. أخرجه مسلم وقال شعيب بن أبي حمزة وغيره عن الزهري: أخبرني أبو أمامة بن سهل أن رهطا من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروه أن رجلا قام في جوف الليل يريد أن يفتتح سورة كانت قد وعاها فلم يقدر منها على شيء إلا (بسم الله الرحمن الرحيم) فأتى باب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبح ليسأله عن ذلك ثم جاء آخر حتى اجتمعوا فسأل بعضهم بعضا ما جمعهم؟ فأخبر بعضهم بعضا بشأن تلك السورة ثم أذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه خبرهم وسألوه عن السورة فسكت ساعة لا يرجع إليهم شيئا ثم قال نسخت البارحة فنسخت من صدورهم ومن كل شيء كانت فيه. (1/411)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 412 رواه عقيل عن ابن شهاب قال فيه: وابن المسيب جالس لا ينكر ذلك. نسخ هذه السورة ومحوها من صدورهم من براهين النبوة والحديث صحيح. قال إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق عن أبيه عن جده سمع البراء يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها وأحسنه خلقا ليس بالطويل الذاهب ولا بالقصير. اتفقا عليه من حديث إبراهيم. (1/412)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 413 وقال البخاري: نا أبو نعيم نا زهير عن أبي إسحاق قال رجل للبراء: أكان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل السيف؟ قال: لا مثل القمر. وقال إسرائيل عن سماك أنه سمع جابر بن سمرة قال له رجل: أكان وجه النبي صلى الله عليه وسلم مثل السيف؟ قال: لا بل مثل الشمس والقمر مستديرا. رواه مسلم. وقال المحاربي وغيره عن أشعث عن أبي إسحاق عن جابر بن سمرة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة إضحيان وعليه حلة حمراء فجعلت أنظر إليه وإلى القمر فلهو كان أحسن في عيني من القمر. وقال عقيل عن ابن شهاب أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه عن جده قال: لما أن سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبرق وجهه وكان إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر أخرجه البخاري. (1/413)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 414 وقال ابن جريج عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: دخل النبي صلى الله عليه وسلم عليها يوما مسرورا وأسارير وجهه تبرق وذكر الحديث. متفق عليه. وقال يعقوب الفسوي: ثنا سعيد ثنا يونس بن أبي يعفور العبدي عن أبي إسحاق الهمداني عن امرأة من همدان سماها قالت: حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم فرأيته على بعير له يطوف بالكعبة بيده محجن فقلت لها: شبهيه قالت: كالقمر ليلة البدر لم أر قبله ولا بعده مثله. وقال يعقوب بن محمد الزهري: ثنا عبد الله بن موسى التيمي ثنا أسامة بن زيد عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال: قلنا للربيع بنت معوذ: صفي لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: لو رأيته لقلت الشمس طالعة. وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن: سمعت أنسا وهو يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان ربعة من القوم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير أزهر اللون ليس بأبيض أمهق ولا آدم ليس بجعد قطط ولا بالسبط بعث على (1/414)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 415 رأس أربعين سنة وتوفي وهو ابن ستين سنة وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء متفق عليه. وقال خالد بن عبد الله عن حميد عن أنس: كان النبي صلى الله عليه وسلم أسمر اللون. وقال ثابت عن أنس: كان أزهر اللون. وقال علي بن عاصم: أنا حميد سمعت أنسا يقول: كان صلى الله عليه وسلم أبيض بياضه إلى السمرة. وقال سعيد الجريري: كنت أنا وأبو الطفيل نطوف بالبيت فقال: ما بقي أحد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم غيري قلت: صفه لي قال: كان أبيض مليحا مقصدا. أخرجه مسلم ولفظه: كان أبيض مليح الوجه. (1/415)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 416 وقال ابن فضيل عن إسماعيل عن أبي جحيفة قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أبيض قد شاب وكان الحسن بن علي يشبهه. متفق عليه. وقال عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن الحنفية عن أبيه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أزهر اللون. رواه عنه حماد بن سلمة. وقال المسعودي عن عثمان بن عبد الله بن هرمز عن نافع بن جبير عن علي: كان صلى الله عليه وسلم مشربا وجهه حمرة. رواه شريك عن عبد الملك بن عمير عن نافع مثله. وقال عبد الله بن إدريس وغيره: نا ابن إسحاق عن الزهري عن عبد الرحمن بن مالك بن جعشم عن أبيه أن سراقة بن جعشم قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فلما دنوت منه وهو على ناقته أنظر إلى ساقه كأنها جمارة. وقال ابن عيينة: أنا إسماعيل بن أمية عن مزاحم بن أبي مزاحم عن عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد عن محرش الكعبي قال: اعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة ليلا فنظرت إلى ظهره كأنه سبيكة فضة. وقال يعقوب الفسوي: نا إسحاق بن إبراهيم بن العلاء حدثني (1/416)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 417 عمرو بن الحارث حدثني عبد الله بن سالم عن الزبيدي أخبرني محمد بن مسلم عن سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان شديد البياض. وقال رشيدين بن سعد عن عمرو بن الحارث عن أبي يونس مولى أبي هريرة عن أبي هريرة قال: ما رأيت شيئا أحسن من النبي صلى الله عليه وسلم كأن الشمس تجري في وجهه وما رأيت أحدا أسرع في مشيته منه صلى الله عليه وسلم كأن الأرض تطوى له إنا لنجتهد وإنه لغير مكترث. رواه ابن لهيعة عن أبي يونس. وقال شعبة عن سماك عن جابر بن سمرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم ضليع الفم أشكل العينين منهوس الكعبين: أخرجه مسلم. ورواه أبو داود عن شعبة فقال: أشهل العينين منهوس العقب. (1/417)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 418 وقال أبو عبيدة: الشكلة: كهيئة الحمرة تكون في بياض العين والشهلة حمرة في سواد العين. قلت: ومنهوس الكعب: قليل اللحم العقب. كذا فسره سماك بن حرب لشعبة. وقال أبو بكر بن أبي شيبة: نا عباد عن حجاج عن سماك عن جابر بن سمرة عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كنت إذا نظرت إليه قلت أكحل العينين وليس بأكحل وكان في ساقيه حموشة وكان لا يضحك إلا تبسما. وقال عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن علي عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عظيم العينين أهدب الأشفار مشرب العين بحمرة كث اللحية. وقال خالد بن عبد الله الطحان عن عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده قال: قيل لعلي: انعت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان أبيض مشربا بياضه حمرة وكان أسود الحدقة أهدب الأشفار. وقال عبد الله بن سالم عن الزبيدي عن الزهري عن سعيد بن (1/418)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 419 المسيب أنه سمع أبا هريرة يصف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كان مفاض الجبين أهدب الأشفار أسود اللحية حسن الثغر بعيد ما بين المنكبين يطأ بقدميه جميعا ليس له أخمص. وقال عبد العزيز بن ابي ثابت الزهري: نا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن موسى بن عقبة عن كريب عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلج الثنيتين إذا تكلم رؤي كالنور بين ثناياه. عبد العزيز متروك. وقال المسعودي عن عثمان بن عبد الله بن هرمز عن نافع بن (1/419)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 420 جبير عن علي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضخم الرأس واللحية شثن الكفين والقدمين ضخم الكراديس طويل المسربة. روى مثله شريك عن عبد الملك بن عمير عن نافع بن جبير بن مطعم عن علي ولفظه: كان ضخم الهامة عظيم اللحية. قال سعيد بن منصور: نا نوح بن قيس ثنا خالد بن خالد التميمي عن يوسف بن مازن الراسبي أن رجلا قال لعلي: انعت لنا النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان أبيض مشربا حمرة ضخم الهامة أغر أبلج أهدب الأشفار. وقال جرير بن حازم: ثنا قتادة قال: سئل أنس عن شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان لا سبط ولا جعد بين أذنيه وعاتقه. متفق عليه. (1/420)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 421 وقال همام عن قتادة عن أنس: كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب منكبيه (خ). وقال حميد عن أنس كان إلى أنصاف أذنيه. (م). قلت: والجمع بينهما ممكن. وقال معمر عن ثابت عن أنس: كان إلى شحمة أذنيه. (د) في السنن. وقال شعبة: نا أبو إسحاق قال: سمعت البراء يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مرفوعا بعيد ما بين المنكبين يبلغ شعره شحمة أذنيه عليه حلة حمراء ما رأيت شيئا أحسن منه. متفق عليه. وأخرجه (خ) من حديث إسرائيل ولفظه: ما رأيت أحدا من خلق الله في حلة حمراء أحسن منه وإن جمته تضرب قريبا من منكبيه. وأخرجه (م) من حديث الثوري ولفظه: شعر يضرب منكبيه (1/421)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 422 وفيه: ليس بالطويل ولا بالقصير. وقال شريك عن عبد الملك بن عمير عن نافع بن جبير قال: وصف لنا علي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كان كثير شعر الرأس رجله. إسناده حسن. وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: كان شعر النبي صلى الله عليه وسلم فوق الوفرة ودون الجمة. أخرجه أبو داود. وإسناده حسن. وقال ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: قالت أم هانئ: قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة قدمة وله أربع غدائر تعني ضفائر. لم يدرك مجاهد أم هانئ. وقيل: سمع منها وذلك ممكن. وقال إبراهيم بن سعد: نا ابن شهاب عن عبيد الله عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء. وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم وكان المشركون يفرقون رؤوسهم فسدل ناصيته ثم فرق بعد. خ م. وقال ربيعة الرأي: رأيت شعرا من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو أحمر (1/422)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 423 فسألت فقيل: من الطيب. أخرجه البخاري ومسلم وقال أيوب عن ابن سيرين: سألت أنسا: أخضب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لم ير من الشيب إلا قليلا. أخرجاه وله طرق في الصحيح بمعناه عن أنس. وقال المثنى بن سعيد عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يختضب إنما كان شمط عند العنفقة يسيرا وفي الصدغين يسيرا وفي الرأس يسيرا. أخرجه مسلم. وقال زهير بن معاوية وغيره عن أبي إسحاق عن أبي جحيفة: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم هذه منه بيضاء ووضع زهير بعض أصابعه على عنفقته. أخرجه مسلم وأخرجه مسلم من حديث إسرائيل. (1/423)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 424 وقال (خ): نا عصام بن خالد نا حريز بن عثمان قلت لعبد الله بن بسر: أكان النبي صلى الله عليه وسلم شيخا؟ قال: كان في عنفقته شعرات بيض. وقال شعبة وغيره عن سماك عن جابر بن سمرة وذكر شمط النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان إذا ادهن لم ير وإذا لم يدهن تبين. أخرجه (م). وقال إسرائيل عن سماك عن جابر بن سمرة قال: كان قد شمط مقدم رأسه ولحيته وإذا ادهن ومشطه لم يستبن. أخرجه (م). وقال أبو حمزة السكري عن عثمان بن عبد الله بن موهب القرشي قال: دخلنا على أم سلمة فأخرجت إلينا من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو أحمر مصبوغ بالحناء والكتم. صحيح أخرجه (خ) ولم يقل (بالحناء والكتم) من حديث سلام بن أبي مطيع عن عثمان. وقال إسرائيل عن عثمان بن موهب قال: كان عند أم سلمة جلجل (1/424)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 425 من فضة ضخم فيه من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا أصاب إنسانا الحمى بعث إليها فخضخضته فيه ثم ينضجع الرجل على وجهه قال: يعثني أهلي إليها فأخرجته فإذا هو هكذا - وأشار إسرائيل بثلاث أصابع - وكان فيه شعرات حمر. (خ). محمد بن أبان المستملي: ثنا بشر بن السري ثنا أبان العطار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة أن محمد بن عبد الله بن زيد حدثه أن أباه شهد النبي صلى الله عليه وسلم في المنحر هو ورجل من الأنصار فقسم ضحايا بين أصحابه فلم يصبه شيء هو وصاحبه فحلق رسول الله رأسه في ثوبه وأعطاه إياه فقسم منه على رجال. وقلم أظفاره فأعطاه صاحبه قال: فإنه لمخضوب عندنا بالحناء والكتم يعني: الشعر. هذا خبر مرسل. وقال شريك عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: كان شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوا من عشرين شعرة رواه يحيى بن آدم عنه. وقال جعفر بن برقان: ثنا عبد الله بن محمد بن عقيل قال: قدم أنس بن مالك المدينة وعمر بن عبد العزيز وال عليها فبعث إليه عمر وقال للرسول: سله هل خضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني قد رأيت شعرا من شعره قد لون؟ فقال أنس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد متع بالسواد ولو عددت ما أقبل علي من شيبة في رأسه ولحيته ما كنت أزيدهن على أحدى (1/425)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 426 عشرة شيبة وإنما هذا الذي لون من الطيب الذي كان يطيب به شعر النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي غير لونه. وقال أبو حمزة السكري عن عبد الملك بن عمير عن إياد بن لقيط عن أبي رمثة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه بردان أخضران وله شعر قد علاه الشيب وشيبه أحمر مخضوب بالحناء. وقال أبو نعيم: نا عبيد الله بن إياد بن لقيط حدثني أبي عن أبي رمثة قال: انطلقت مع أبي نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأيته قال لي: هل تدري من هذا؟ قلت: لا قال: إن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقشعررت حين قال ذلك وكنت أظن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا لا يشبه الناس فإذا هو بشر ذو وفرة بها ردع من حناء وعليه بردان أخضران. وقال عمرو بن محمد العنقزي: أنا ابن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس النعال السبتية ويصفر لحيته بالورس والزعفران. وقال النضر بن شميل: نا صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن (1/426)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 427 أبي سلمة عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما صيغ من فضة رجل الشعر مفاض البطن عظيم مشاش المنكبين يطأ بقدميه جميعا إذا أقبل أقبل جميعا وإذا أدبر أدبر جميعا. وقال جرير بن حازم عن قتادة عن أنس: كان صلى الله عليه وسلم ضخم اليدين لم أر بعده مثله وفي لفظ: كان ضخم الكفين والقدمين سائل العرق. أخرج البخاري بعضه. وقال معمر وغيره عن قتادة عن أنس: كان صلى الله عليه وسلم شثن الكفين والقدمين. وقال أبو هلال عن قتادة عن أنس - أو عن جابر بن عبد الله شك موسى بن إسماعيل فيه - عن أبي هلال أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ضخم القدمين والكفين لم أر بعده شبيها به صلى الله عليه وسلم. أخرجهما البخاري تعليقا وهما صحيحان. وقال شعبة عن سماك عن جابر بن سمرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضليع الفم أشكل العينين منهوس العقبين. قلت لسماك: ما ضليع الفم؟ قال: عظيم الفم قلت: ما أشكل العينين؟ قال: طويل شق العين قلت: ما منهوس العقب؟ قال: قليل لحم العقب. أخرجه مسلم. (1/427)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 428 وقال يزيد بن هارون: أنبأ عبد الله بن يزيد بن مقسم بن ضبة: حدثتني عمتي سارة عن ميمونة بنت كردم قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وهو على ناقة له وأنا مع أبي وبيد النبي صلى الله عليه وسلم درة كدرة الكباث فدنا منه أبي فأخذ بقدمه فأقر له رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: فما نسيت طول إصبعه السبابة على سائر أصابعه. وقال عثمان بن عمر بن فارس: نا حرب بن سريج الخلقاني حدثني رجل من بلعدوية حدثني جدي قال: انطلقت إلى المدينة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم فإذا رجل حسن الجسم عظيم الجبهة دقيق الأنف دقيق الحاجبين وإذا من لدن نحره إلى سرته كالخيط الممدود شعره ورأيته بين طمرين. فدنا مني فقال: (السلام عليك). وقال المسعودي عن عثمان بن عبد الله بن هرمز وقاله شريك عن عبد الملك بن عمير كلاهما عن نافع بن جبير واللفظ لشريك قال: وصف لنا علي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كان لا قصير ولا طويل وكان يتكفأ في مشيته كأنما يمشي في صبب - ولفظ المسعودي: كأنما ينحط من (1/428)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 429 صبب - لم أر قبله ولا بعده مثله. أخرجه النسائي. عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالبطحاء وقام الناس فجعلوا يأخذون يديه فيمسحون بهما وجوههم فأخذت يده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب ريحا من المسك. أخرجه البخاري تعليقا. وقال خالد بن عبد الله عن عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده قال: قيل لعلي انعت لنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كان لا قصير ولا طويل وهو إلى الطول أقرب وكان شثن الكف والقدم في صدره مسربة كأن عرقه لؤلؤ إذا مشى تكفأ كأنما يمشي في صعد. وروى نحوه من وجه آخر عن علي. وقال حماد بن زيد عن ثابت عن أنس قال: ما مسست بيدي ديباجا ولا حريرا ولا شيئا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شممت رائحة قط أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه البخاري. وأخرجه مسلم من وجه آخر عن ثابت. وقال حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس فذكر مثله وزاد: كان (1/429)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الأول الصفحة 430 رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون كأن عرقه اللؤلؤ إذا مشى تكفأ. أخرجه مسلم. وقال شعبة عن يعلى بن عطاء: سمعت جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمنى فقلت: ناولني يدك فناولنيها فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب ريحا من المسك. وقال سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عندنا فعرق وجاءت أمي بقارورة فجعلت تسلت العرق فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين؟ قالت: هذا عرق نجعله لطيبنا وهو أطيب الطيب. أخرجه مسلم. وقال وهيب: حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن أنس فذكره وفيه: وكان صلى الله عليه وسلم كثير العرق. رواه مسلم (1/430)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 21 (بسم الله الرحمن الرحيم) (مقدّمة المؤلّف) قال الشيخ الإمام العالم العامل النّاقد البارع الحافظ الحجّة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبيّ رحمه الله تعالى وأدام النّفع به وغفر له ولوالديه: الحمد لله موّفق من توكل عليه، القيّوم الذي ملكوت كلّ شيء بيديه، حمداً طيّباً مباركاً فيه، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه. وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله أرسله رحمةً للعالمين وخاتماً للنّبيّين وحرزاً للأميّين وإماماً للمتّقين بأوضح دليل وأفصح تنزيل وأفسح سبيل (2/21)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 22 أيسرتبيان وأبدع برهان. اللهمّ آته الوسيلة وابعثه مقاماً محموداً يغبطه الأوّلون والآخرون، صلّى الله عليه وعلى آله الطّيبين وصحابته المجاهدين وأزواجه أمّهات المؤمنين. أما بعد فهذا كتاب نافع إن شاء الله، ونعوذ بالله من علم لا ينفع ومن دعاء لا يسمع، جمعته وتعبت عليه واستخرجته من عدّة تصانيف، يعرف به الإنسان مهمّ ما مضى من التّاريخ، من أوّل تاريخ الإسلام إلى عصرنا هذا من وفيات الكبار من الخلفاء والقرّاء والزّهاد والفقهاء والمحدّثين والعلماء والسّلاطين والوزراء والنّحاة والشّعراء، ومعرفة طبقاتهم وأوقاتهم وشيوخهم وبعض أخبارهم بأخصر عبارة وألخص لفظ، وما تمّ من الفتوحات المشهورة والملاحم المذكورة والعجائب المسطورة، من غير تطويل ولا استيعاب، ولكن أذكر المشهورين ومن يشبههم، وأترك المجهولين ومن يشبههم، وأشير إلى الوقائع الكبار، إذ لو استوعبت التراجم والوقائع لبلغ الكتاب مائة مجلّدة بل أكثر، لأنّ فيه مائة نفس يمكنني أن أذكر أحوالهم في خمسين مجلّداً. (2/22)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 23 وقد طالعت على هذا التأليف من الكتب مصنّفات كثيرةً، ومادّته نم: دلائل النّبوّة للبيهقي. وسيرة النّبيّ صلى الله عليه وسلم لابن إسحاق. ومغازيه لابن عائذ الكاتب. والطّبقات الكبرى لمحمد بن سعد كاتب الواقديّ. وتاريخ أبي عبد الله البخاري. وبعض تاريخ أبي بكر أحمد بن أبي خيثمة.) وتاريخ يعقوب الفسوي. وتاريخ محمد بن المثنّى العنزي وهو صغير. وتاريخ أبي حفص الفلاّس. وتاريخ أبي بكر بن أبي شيبة. وتاريخ الواقدّي. وتاريخ الهيثم بن عديّ. وتاريخ خليفة بن خيّاط. (2/23)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 24 والطبقات له. وتاريخ أبي زرعة الدمشقي. والفتوح لسيف بن عمر. وكتاب النّسب للزّبير بن بكّار. والمسند للإمام أحمد. وتاريخ المفضّل بن غسّان الغلاّبي. والجرح والتعديل عن يحيى بن معين. والجرح والتعديل لعبد الرحمن بن أبي حاتم. ومن عليه رمز فهو في الكتب السّتّة أبو بعضها، لأنّني طالعت مسودّة تهذيب الكمال لشيخنا الحافظ أبي الحجّاج يوسف المزّي، ثم طالعت المبيضّة كلّها. فمن على اسمه ع فحديثه الستّة، ومن عليه فهو في السّنن الأربعة، ومن عليه خ فهو في البخاري، ومن عليه م ففي مسلم، ومن عليه د ففي سنن أبي داود، ومن عليه ت ففي جامع الترمذي، (2/24)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 25 ومن عليه ن ففي سنن النّسائي، ومن عليه ق ففي سنن ابن ماجة. وإن كان الرجل في الكتب إلاّ فرد كتاب فعليه سوى ت مثلاً أو سوى د. وقد طالعت أيضاً عليه من التواريخ التي اختصرتها: تاريخ أبي عبد الله الحاكم. وتاريخ أبي سعيد بن يونس. وتاريخ أبي بكر الخطيب.) وتاريخ دمشق لأبي القاسم الحافظ. وتاريخ أبي سعد بن السّمعانيّ. والأنساب له. وتاريخ القاضي شمس الدين بن خلّكان. وتاريخ العلاّمة شهاب الدين أبي شامة. وتاريخ الشيخ قطب الدين بن اليونيني، وتاريخه ذيل على تاريخ مرآة الزمان للواعظ شمس الدين يوسف سبط ابن الجوزي وهما على الحوادث والسّنين. وطالعت أيضاً كثيراً من: تاريخ الطبري. وتاريخ ابن الأثير. وتاريخ ابن الفرضيّ. (2/25)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 26 وصلته لابن بشكوال. وتكملتها لابن الأبّار. والكامل لابن عديّ. وكتباً كثيرة وأجزاء عديدة، وكثيراً من: مرآة الزمان. ولم يعتن القدماء بضبط الوفيات كما ينبغي، بل اتّكلوا على حفظهم، فذهبت وفيات خلق من الأعيان من الصّحابة ومن تبعهم إلى قريب زمان أبي عبد الله الشافعيّ، فكتبنا أسماءهم على الطّبقات تقريباً، ثم اعتنى المتأخّرون بضبط وفيات العلماء وغيرهم، حتى ضبطوا جماعةً فيهم جهالة بالنّسبة إلى معرفتنا لهم، فلهذا حفظت وفيات خلق من المجهولين وجهلت وفيات أئمة من المعروفين. وأيضاً فإن عدّة بلدان لم يقع إلينا أخبارها إمّا لكونها لم يؤرّخ علماءها أحد من الحفّاظ، أو جمع لها تاريخ ولم يقع إلينا. وأنا أرغب إلى الله تعالى وأبتهل إليه أن ينفع بهذا الكتاب، وأن يغفر لجامعه وسامعه ومطالعه وللمسلمين آمين. بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم) ) (2/26)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 27 1 (أحداث السنة الأولى من الهجرة) روى البخاري في صحيحه من حديث الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها أن المسلمين بالمدينة سمعوا بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكانوا يغدون إلى الحرة ينتظرونه، حتى يردهم حر الشمس، فانقلبوا يوماً، فأوفى يهودي على أطم فبصر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب، فأخبرني عروة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي الزبير رضي الله عنه في ركب من المسلمين كانوا تجاراً قافلين من الشام فكسا الزبير رضي الله عنه رسول لله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثياب بياض. (2/27)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 28 قال: فلم يملك اليهودي أن صاح، يا معشر العرب، هذا جدكم الذي تنتظرون. فثار المسلمون إلى السالاح. فتلقوه بظهر الحرة، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل في بني عمرو بن عوف يوم الاثنين من ربيع الأول. فقام أبو بكر للناس فطفق من لم يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم على أبي بكر حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل أبو بكر يظله بردائه، فعرف لناس عند ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلبث في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسس مسجدهم. ثم ركب راحلته وسار حوله الناس يمشون، حتى بركت به مكان المسجد، وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين. وكان مربداً لسهل وسهيل. فدعاهما فساومهما بالمربد ليتخذه مسجداً، فقالا: بل نهبه لك يا رسول لله. ثم بناه مسجدً، وكان ينقل للبن معهم ويقول. (هذا الجمال، لا جمال خيبر.......... هذا أبر ربنا وأطهر) ويقول (اللهم إن الأجر أجر الآخرة.......... فارحم الأنصار والمهاجرة) (2/28)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 29 وخرج البخاري من حديث أبي إسحاق عن البراء حديث الهجرة بطوله. وخرج من حديث عبد العزيز بن صهيب أن أنس رضي الله عنه قال: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وهو مردف أبا بكر. وأبو بكر شيخ يعرف، والنبي صلى الله عليه وسلم شاب لا يعرف، فليلقى الرجل أبا بكر فيقول: من هذا بين يديك فيقول: رجل يهديني الطريق، وإنما يعني طريق الخير. إلى أن قال: فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم جانب الحرة، ثم بعث إلى الأنصار، فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسلموا عليهما، وقالوا: اركبا آمنين مطاعين. فركبا، وحفوا دونهما بالسلاح. فقيل في المدينة: جاء نبي الله، جاء نبي الله، فأقبل يسير حتى نزل إلى جانب دار أبي أيوب رضي الله عنه، وذكر الحديث. وروينا بإسناد حسن، عن أبي البداح بن عصام بن عدي، عن أبيه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يوم الاثنين لاثنتي عشرة (2/29)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 30 ليلة خلت من ربيع الأول، فأقام في المدينة عشر سنين. وقال محمد بن إسحاق: فقدم ضحى يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول، فأقام في بني عمرو بن عوف فيما قيل يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، ثم ظعن يوم الجمعة، فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف، فصلاها بمن معه. وكان مكان المسجد فيما قال موسى بن عقبة مربداً لغلامين يتيمين، وهما سهل وسهيل ابنا رافع بن عمرو من بني النجار، وكانا في حجر أسعد بن زرارة. وقال ابن إسحاق: كان المربد لسهل وسهيل ابني عمرو، وكانا في حجر معاذ بن عفراء. وغلط ابن منده فقال: كان لسهل وسهيل ابني بيضاء، وإنما ابنا بيضاء من المهاجرين. وأسس رسول الله صلى الله عليه وسلم في إقامته ببني عمرو بن عوف مسجد قباء. وصلى الجمعة في بني سالم في بطن الوادي. فخرج معه رجال منهم: وهم العباس بن عبادة، وعتبان بن مالك، فسألوه أن ينزل عندهم ويقيم فيهم، فقال: خلوا الناقة فإنها مأمورة. وسار والأنصار حوله حتى أتى بني (2/30)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 31 بياضة، فتلقاه زياد بن لبيد، وفروة بن عمرو، فدعوه إلى النزول فيهم، فقال: دعوها فإنها مأمورة. فأتى دور بني عدي بن النجار وهم أخوال عبد المطلب، فتلقاه): سليط بن قيس، ورجال من بني عدي، فدعوه إلى النزول والبقاء عندهم، فقال: دعوها فإنها مأمورة. ومشى حتى أتى دور بني مالك بن النجار، فبركت الناقة في موضع المسجد، وهو مربد تمر لغلامين يتيمين. وكان فيه نخل وحرث وخرب، وقبور للمشركين. فلم ينزل عن ظهرها، فقامت ومشت قليلاً، وهو صلى الله عليه وسلم لا يهيجها، ثم التفتت فكرت إلى مكانها وبركت فيه، فنزل عنها. فأخذ أبو أيوب الأنصاري رحلها فحمله إلى داره. ونزل النبي صلى الله عليه وسلم في بيت من دار أبي أيوب. فلم يزل ساكناً عند أبي أيوب حتى بنى مسجده وحجره في المربد. وكان قد طلب شراءه فأبت بنو النجار من بيعه، وبذلوه لله وعوضوا اليتيمين. فأمر بالقبور فنبشت، وبالخرب فسويت. وبنى عضادتيه بالحجارة، وجعل سواريه من جذوع النخل، وسقفه بالجريد. وعمل فيه المسلمون حسبة. فمات أبو أمامة أسعد بن زرارة الأنصاري تلك الأيام بالذبحة. وكان من سادة الأنصار ومن نقبائهم الأبرار. ووجد النبي صلى الله عليه وسلم وجداً لموته، وكان قد كواه. ولم يجعل على بني النجار بعده نقيباً وقال: أنا نقيبكم. فكانوا يفخرون بذلك. وكانت يثرب لم تمصر، وإنما كانت قرى مفرقة: بنو مالك بن النجار في قرية، وهي مثل المحلة، وهي دار بني فلان. كما في الحديث: خير (2/31)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 32 دور الأنصار دار بني النجار. وكان بنو عدي بن النجار لهم دار، وبنو مازن بن النجار كذلك، وبنو سالم كذلك، وبنو ساعدة كذلك، وبنو الحارث بن الخزرج كذلك، وبنو عمرو بن عوف كذلك، وبنو عبد الأشهل كذلك، وسائر بطون الأنصار كذلك. قال النبي صلى الله عليه وسلم: وفي كل دور الأنصار خير. وأمر عليه السلام بأن تبنى المساجد في الدور. فالدار كما قلنا هي القرية. ودار بني عوف هي قباء. فوقع بناء مسجده صلى الله عليه وسلم في بني مالك بن النجار، وكانت قرية صغيرة. وخرج البخاري من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل في بني عمرو بن عوف، فأقام فيهم أربع عشرة ليلة. ثم أرسل إلى بني النجار فجاءوا. وآخى في هذه المدة بين المهاجرين والأنصار. ثم فرضت الزكاة. وأسلم الحبر عبد الله بن سلام، وأناس من اليهود، وكفر سائر ليهود. (قصة إسلام ابن سلام) ): قال عبد العزيز بن صهيب، عن أنس رضي الله عنه، قال: جاء (2/32)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 33 عبد الله بن سلام فقال: أشهد أنك رسول الله حقاً. ولقد علمت يهود أني سيدهم وابن سيدهم، وأعلمهم، فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني أسلمت. فأرسل إليهم فأتوا، فقال لهم: يا معشر يهود، ويلكم اتقوا الله، فوالذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله فأسلموا. قالوا: ما نعلمه، فأعاد ذلك عليهم ثلاثاً. ثم قال: فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام قالوا: ذاك سيدنا وابن سيدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا. قال: أفرأيتم إن أسلم قالوا: حاش الله، ما كان ليسلم. قال: يا بن سلام اخرج عليهم. فخرج عليهم، فقال: ويلكم اتقوا الله، فوالذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله حقاً، قالوا: كذبت. فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه البخاري بأطول منه. وأخرج من حديث حميد عن أنس رضي الله عنه، قال: سمع عبد الله ابن سلام بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في أرض، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: ما أول أشراط الساعة وما أول طعام أهل الجنة وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه قال: أخبرني بهن جبريل آنفاً. قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة. قال: ثم قرأ من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك. أما أول أشراط الساعة، فنار تخرج (2/33)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 34 على الناس من المشرق إلى المغرب. وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت. وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد إلى أبيه، وإذا سبق ماء المرأة نزع إلى أمه. فتشهد وقال: إن اليهود قوم بهت، وإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني بهتوني. فجاءوا، فقال: أي رجل عبد الله فيكم قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا. قال: أرأيتم إن أسلم قالوا: أعاذه الله من ذلك. فخرج فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. فقالوا: شرنا وابن شرنا، وتنقصوه. قال: هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله. وقال عوف الأعرابي، عن زرارة بن أوفى، عن عبد الله بن سلام قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس قبله، قالوا: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجئت لأنظر، فلما رأيته عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب. فكان أول شيء سمعته منه أن قال: يا أيها الناس، أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام. صحيح. وروى أسباط بن نصر، عن السدي، عن أبي مالك، وأبي صالح، عن ابن عباس وعن مرة،): عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به قال: كانت العرب تمر باليهود فيؤذونهم. وكانوا يجدون محمداً في التوراة، (2/34)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 35 فيسألون الله أن يبعثه فيقاتلون معه العرب. فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به حين لم يكن من بني إسرائيل. (قصة بناء المسجد) قال أبو التياح، عن أنس رضي الله عنه: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملأ بني النجار، فجاءوا فقال: يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا. قالوا: لا والله، لا نطلب ثمنه إلا إلى الله. فكان فيه ما أقول لكم: كان فيه قبور المشركين، وكان فيه خرب ونخل. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت، وبالخرب فسويت، وبالنخل فقطع. فصفوا النخل قبلة المسجد، وجعلوا عضادتيه حجارة، وجعلوا ينقلون ذاك الصخر، وهم يرتجزون، ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم، ويقولون: اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة فانصر الأنصار والمهاجرة. متفق عليه. وفي رواية فاغفر للأنصار. (2/35)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 36 وقال موس بن عقبة، عن ابن شهاب، في قصة بناء المسجد: فطفق هو وأصحابه ينقلون اللبن، ويقول وهو ينقل اللبن معهم: هذا الجمال، لا جمال خيبرهذا أبرربناوأطهر ويقول: (اللهم لا خير إلا خير الآخرة.......... فارحم الأنصار والمحاجرة) قال ابن شهاب: فتمثل رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعر رجل من المسلمين لم يسم في الحديث. ولم يبلغني في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمثل ببيت شعر غير هذه الأبيات. ذكره البخاري في صحيحه. وقال صالح بن كيسان: ثنا نافع أن عبد الله أخبره أن المسجد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنياً باللبن، وسقفه الجريد، وعمده خشب النخل. فلم يزد فيه أبو بكر شيئاً. وزاد): فيه عمر، وبناه على بنيانه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باللبن والجريد، وأعاد عمده خشباً. وغيره عثمان، فزاد فيه زيادة كبيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصة، وجعل عمده من حجارة منقوشة، وسقفه بالساج. أخرجه البخاري. وقال حماد بن سلمة، عن أبي سنان، عن يعلى بن شداد، عن عبادة (2/36)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 37 رضي الله عنه أن الأنصار جمعوا مالاً، فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ابن بهذا المسجد وزينه، إلى متى نصلي تحت هذا الجريد فقال: ما بي رغبة عن أخي موسى، عريش كعريش موسى. وروي عن الحسن البصري في قوله كعريش موسى قال: إذا رفع يده بلغ العريش، يعني السقف. وقال عبد الله بن بدر، عن قيس بن طلق بن علي، عن أبيه قال بنيت مع النبي صلى الله عليه وسلم مسجد المدينة، فكان يقول: قربوا اليمامي من الطين، فإنه من أحسنكم له بناء. وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المسجد الذي أسس على التقوى مسجدي هذا. أخرجه مسلم بأطول منه. وقال صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة. صحيح. وقال أبو سعيد رضي الله عنه: كنا نحمل لبنة لبنة، وعمار يحمل لبنتين لبنتين يعني في بناء المسجد. فرآه النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل ينفض عنه (2/37)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 38 التراب ويقول: ويح عمار، تقتله الفئة الباغية، ويدعهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار. أخرجه البخاري دون قوله تقتله الفئة الباغية، وهي زيادة ثابتة الإسناد. ونافق طائفة من الأوس والخزرج، فأظهروا الإسلام مداراة لقومهم. فممن ذكر منهم: من أهل قباء: الحارث بن سويد بن الصامت. (2/38)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 39 وكان أخوه خلاد رجلاً صالحاً، وأخوه الجلاس دون خلاد في الصلاح. ومن المنافقين: نبتل بن الحارث. وبجاد بن عثمان. وأبو حبيبة ابن الأزعر أحد من بنى مسجد الضرار. وجارية بن عامر، وابناه: زيد ومجمع. وقيل لم يصح عن مجمع النفاق، وإنما ذكر فيهم لأن قومه جعلوه إمام مسجد الضرار. وعباد بن حنيف. وأخواه سهل وعثمان من فضلاء الصحابة.): ومنهم: بشر، ورافع، ابنا زيد. ومربع، وأوس، ابنا قيظي. وحاطب بن أمية، ورافع بن وديعة، وزيد بن عمرو، وعمرو بن قيس ثلاثتهم من بني النجار، والجد بن قيس الخزرجي من بني جشم، وعبد الله بن أبي بن سلول، من بني عوف بن الخزرج، وكان رئيس القوم. وممن أظهر الإيمان من اليهود ونافق بعد: (2/39)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 40 أسعد بن حنيف، وزيد بن اللصيت، ورافع بن حرملة، ورفاعة ابن زيد بن التابوت، وكنانة بن صوريا. ومات فيها: البراء بن معرور السلمي أحد نقباء العقبة رضي الله عنه. وهو أول من بايع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة، وكان كبير الشأن. وتلاحق المهاجرون الذين تأخروا بمكة بالنبي صلى الله عليه وسلم. فلم يبق إلا محبوس أو مفتون. ولم يبق دار من دور الأنصار إلا أسلم أهلها، إلا أوس الله، وهم حي من الأوس فإنهم أقاموا على شركهم. ومات فيها: الوليد بن المغيرة المخزومي والد خالد، والعاص بن وائل السهمي والد عمرو بمكة على الكفر. وكذلك: أبو أحيحة سعيد بن العاص الأموي توفي بما له بالطائف. وفيها: أري الأذان عبد الله بن زيد، وعمر بن الخطاب، فشرع الأذان على ما رأيا. (2/40)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 41 وفي شهر رمضان عقد النبي صلى الله عليه وسلم لواء لحمزة بن عبد المطلب يعترض عيراً لقريش. وهو أول لواء عقد في الإسلام. وفيها: بعث النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وأبا رافع إلى مكة لينقلا بناته وسودة أم المؤمنين. وفي ذي القعدة عقد لواء لسعد بن أبي وقاص، ليغير على حي من بني كنانة أو بني جهينة. ذكره الواقدي. وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان، عن عروة قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فكان أول راية عقدها راية عبيدة بن الحارث.): وفيها: آخي النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، على المواساة والحق. وقد روي أبو داود الطيالسي، عن سليمان بن معاذ، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، وورث بعضهم من بعض، حتى نزلت: وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض. والسبب في قلة من توفي في هذا العام وما بعده من السنين، أن المسلمين كانوا قليلين بالنسبة إلى من بعدهم. فإن الإسلام لم يكن إلا ببعض الحجاز، أو من هاجر إلى الحبشة. وفي خلافة عمر بل وقبلها (2/41)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 42 انتشر الإسلام في الأقاليم. فبهذا يظهر لك سبب قلة من توفي في صدر الإسلام، وسبب كثرة من توفي في زمان التابعين فمن بعدهم. وكان في هذا القرب أبو قيس بن الأسلت بن جشم بن وائل الأوسي الشاعر. وكان يعدل بقيس بن الخطيم في الشجاعة والشعر. وكان يحض الأوس على الإسلام. وكان قبل الهجرة يتأله ويدعي الحنيفية، ويحض قريشاً على الإسلام، فقال قصيدته المشهورة التي أولها: (أيا راكباً إما عرضت فبلغن.......... مغلغلة عني لؤي بن غالب)

(أقيموا لنا ديناً حنيفاً، فأنتمو.......... لنا قادة، قد يقتدى بالذوائب) روي الواقدي عن رجاله قالوا: خرج ابن الأسلت إلى الشام، فتعرض آل جفنة فوصلوه. وسأل الرهبان فدعوه إلى دينهم فلم (2/42)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 43 يرده. فقال له راهب: أنت تريد دين الحنيفة، وهذا وراءك من حيث خرجت. ثم إنه قدم مكة معتمراً، فلقي زيد بن عمرو بن نفيل، فقص عليه أمره. فكان أبو قيس بعد يقول: ليس أحد على دين إبراهيم إلا أنا وزيد. فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وقد أسلمت الخزرج والأوس، إلا ما كان من أوس الله فإنها وقفت مع ابن الأسلت وكان فارسها وخطيبها، وشهد يوم بعاث، فقيل له: يا أبا قيس، هذا صاحبك الذي كنت تصف. قال: رجل قد بعث بالحق. ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فعرض عليه شرائع الإسلام، فقال: ما أحسن هذا وأجمله، أنظر في أمري. وكاد أن يسلم. فلقيه عبد الله بن أبي، فأخبره بشأنه فقال: كرهت والله حرب الخزرج. فغضب وقال: والله لا أسلم سنة. فمات قبل السنة. فروي الواقدي عن ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن أشياخه أنهم كانوا يقولون: لقد سمع يوحد عند الموت.): (2/43)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 44 (فارغة) (2/44)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 45 1 (أحداث السنة الثانية)

(غزوة الأبواء) فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة غازياً، واستعمل على المدينة سعد بن عبادة حتى بلغ ودان يريد قريشاً وبني ضمرة. فوادع بني ضمرة بن عبد مناة بن كنانة، وعقد ذلك معه سيدهم مخشي بن عمرو. ثم رجع إلى المدينة. وودان على أربع مراحل. (بعث حمزة) ثم في أحد الربيعين: (2/45)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 46 بعث عمه حمزة في ثلاثين راكباً من المهاجرين إلى سيف البحر من ناحية العيص. فلقي أبا جهل في ثلاثمائة، وقال الزهري: في مائة وثلاثين راكباً. وكان مجدي بن عمرو الجهني وقومه حلفاء الفريقين جميعاً، فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني. (بعث عبيدة بن الحارث) وبعث في هذه المدة عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف، في ستين راكباً أو نحوهم من المهاجرين. فنهض حتى بلغ ماء بالحجاز بأسفل ثنية المرة. فلقي بها جمعاً من قريش، عليهم عكرمة بن أبي جهل، وقيل مكرز بن حفص. فلم يكن بنيهم قتال. إلا أن سعد بن أبي وقاص كان في ذلك البعث، فرمي بسهم، فكان أول سهم رمي به في سبيل الله. وفر الكفار يومئذ إلى المسلمين: المقداد بن عمرو البهراني حليف بني زهرة، وعتبة بن غزوان المازني حليف بني عبد مناف. وكانا مسلمين، ولكنهما خرجا ليتوصلا بالمشركين. (2/46)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 47 (غزوة بواط) وخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول غازياً. فاستعمل على المدينة السائب ابن عثمان بن مظعون. حتى بلغ بواط من ناحية رضوى ثم رجع ولم يلق حرباً. (غزوة العشيرة) وخرج غازياً في جمادى الأولى، واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد، حتى بلغ العشيرة، فأقام هناك أياماًً، ووادع بني مدلج. ثم رجع فأقام بالمدينة أياماً. والعشيرة من بطن ينبع. وقال يونس بن أبي إسحاق: حدثني يزيد بن محمد بن خثيم عن محمد بن كعب القرظي قال:): حدثني أبوك محمد بن خثيم المحاربي، عن عمار بن ياسر قال: كنت أنا وعلي بن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة من بطن ينبع. فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بها شهراً، (2/47)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 48 فصالح بها بني مدلج. فقال لي علي: هل لك يا أبا اليقظان أن نأتي هؤلاء نفر من بني مدلج يعملون في عين لهم ننظر كيف يعملون فأتيناهم فنظرنا إليهم ساعة، ثم غشينا النوم فنمنا. فوالله ما أهبنا إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدمه، فجلسنا. فيومئذ قال لعلي: يا أبا تراب، لما عليه من التراب. (غزوة بدر الأولى) وخرج في جمادى الآخرة في طلب كرز بن جابر الفهري، وكان قد أغار على سرح المدينة. فبلغ صلى الله عليه وسلم وادي سفوان من ناحية بدر، فلم يلق حرباً. وسميت بدراً الأولى. ولم يدرك كرزاً. (سرية سعد بن أبي وقاص) وبعث سعد بن أبي وقاص في ثمانية من المهاجرين، فبلغ الخرار. ثم رجع إلى المدينة. (بعث عبد الله بن جحش) قال عروة: ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم في رجب عبد الله بن جحش (2/48)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 49 الأسدي، ومعه ثمانية. وكتب معه كتاباً، وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين. فلما قرأ الكتاب وجده: إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل بين نخلة والطائف، فترصد لنا قريشاً، وتعلم لنا من أخبارهم. فلما نظر عبد الله في الكتاب قال لأصحابه: قد أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمضي إلى نخلة، ونهاني أن أستكره أحداً منكم. فمن كان يريد الشهادة فلينطلق، ومن كره الموت فليرجع. فأما أنا فماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمضى ومضى معه الثمانية، وهم: أبو حذيفة بن عتبة، وعكاشة بن محصن، وعتبة بن غزوان، وسعد بن أبي وقاص، وعامر بن ربيعة، وواقد بن عبد الله التميمي، وسهيل بن بيضاء الفهري، وخالد بن البكير. فسلك بهم على الحجاز، حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع يقال له بحران، أضل سعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان بعيراً لهما، فتخلفا في طلبه. ومضى عبد الله بمن بقي حتى نزل بنخلة. فمرت بهم عير لقريش تحمل زبيباً وأدماً، وفيها عمرو بن الحضرمي وجماعة. فلما): رآهم القوم هابوهم. فأشرف لهم عكاشة وكان قد حلق رأسه فلما رأوه أمنوا، وقالوا: عمار لا بأس عليكم منهم. وتشاور القوم فيهم، وذلك في آخر رجب، فقالوا: والله لئن تركتموهم هذه الليلة ليدخلن الحرم فليمتنعن منكم به، ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في (2/49)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 50 الشهر الحرام. وترددوا، ثم أجمعوا على قتلهم وأخذ تجارتهم، فرمى واقد ابن عبد الله عمرو بن الحضرمي فقتله، واستأسروا عثمان بن عبد الله، والحكم بن كيسان. وأفلت نوفل بن عبد الله. وأقبل ابن جحش وأصحابه بالعير والأسيرين، حتى قدموا المدينة. وعزلوا خمس ما غنموا للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزل القرآن كذلك. وأنكر النبي صلى الله عليه وسلم قتل ابن الحضرمي، فنزلت: يسألونكم عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير الآية، وقبل النبي صلى الله عليه وسلم الفداء في الأسيرين. فأما عثمان فمات بمكة كافراً، وأما الحكم فأسلم واستشهد ببئر معونة. وصرفت القبلة في رجب، أو قريباً منه. (غزوة بدر الكبرى) من السيرة لابن إسحاق، رواية البكائي. قال ابن إسحاق: سمع النبي صلى الله عليه وسلم أن سفيان بن حرب قد أقبل من الشام في عير وتجارة عظيمة، فيها ثلاثون أو أربعون رجلاً من قريش منهم: مخرمة بن نوفل، وعمرو بن العاص. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها. فانتدب الناس، فخف بعضهم، وثقل بعض، ظناً منهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يلقى حرباً. واستشعر أبو (2/50)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 51 سفيان فجهز منذراً إلى قريش يستنفرهم إلى أموالهم. فأسرعوا الخروج، ولم يتخلف من أشرافهم أحد، إلا أن أبا لهب قد بعث مكانه العاص أخا أبي جهل. ولم يخرج أحد من بني عدي بن كعب. وكان أمية بن خلف شيخاً جسيماً فأجمع القعود. فأتاه عقبة بن أبي معيط وهو في المسجد بمجمرة وبخور فوضعها بين يديه، وقال: أبا علي، استجمر فإنما أنت من النساء. قال: قبحك الله. فتجهز وخرج معهم. وخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثامن رمضان، واستعمل على المدينة عمرو بن أم مكتوم على الصلاة. ثم رد أبا لبابة من الروحاء واستعمله على المدينة. ودفع اللواء إلى مصعب بن): عمير. وكان أمام النبي صلى الله عليه وسلم رايتان سودوان إحداهما مع علي رضي الله عنه، والأخرى مع رجل أنصاري. وكانت راية الأنصار مع سعد بن معاذ. فكان مع المسلمين سبعون بعيراً يعتقبونها، وكانوا يوم بدر ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلي، ومرثد بن أبي مرثد يعتقبون بعيراً. وكان أبو بكر، وعمر، وعبد الرحمن بن عوف يعتقبون بعيراً. فلما قرب النبي صلى الله عليه وسلم من الصفراء بعث اثنين يتجسسان أمر أبي سفيان. وأتاه الخبر بخروج نفير قريش، فاستشار الناس، فقالوا خيراً. وقال المقداد بن الأسود: يا رسول الله، امض لما أراك الله فنحن معك، والله لا (2/51)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 52 نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم له خيراً ودعا له. وقال سعد بن معاذك يا رسول الله، والله لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك. فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله، وقال: سيروا وأبشروا، فإن ربي قد وعدني إحدى الطائفتين: إما العير وإما النفير. وسار حتى نزل قريباً من بدر. فلما أمسى بعث علياً والزبير وسعداً في نفر إلى بدر يلتمسون الخبر. فأصابوا راوية لقريش فيها أسلم وأبو يسار من مواليهم، فأتوا بهما النبي صلى الله عليه وسلم. فسألوهما فقالا: نحن سقاة لقريش. فكره الصحابة هذا الخبر، ورجوا أن يكونوا سقاة للعير. فجعلوا يضربونهما، فإذا آلمهما الضرب قالا: نحن من عير أبي سفيان. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فلما سلم قال: إذا صدقا ضربتموها، وإذا كذبا تركتموهما. ثم قال: أخبراني أين قريش قالا: هم وراء هذا الكثيب. فسألهما: كم ينحرون كل يوم قالا: عشراً من الإبل أو تسعاً: فقال: القوم ما بين التسعمائة إلى الألف. وأما اللذان بعثهما النبي صلى الله عليه وسلم يتجسسان، فأناخا بقرب ماء بدر واستقيا (2/52)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 53 في شنهما. ومجدي بن عمرو بقربهما لم يفطنا به. فسمعا جاريتين من جواري الحي تقول إحداهما للأخرى: إنما نأتي العير غداً أو بعد غد، فأعمل لهم ثم أقضيك. فصرفهما مجدي، وكان عيناً لأبي سفيان. فرجعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبراه. ولما قرب أبو سفيان من بدر تقدم وحده حتى أتى ماء بدر فقال لمجدي: هل أحسست أحداً فذكر له الراكبين. فأتى أبو سفيان): مناخهما، فأخذ من أبعار بعيريهما ففته، فإذا فيه النوى، فقال: هذه والله علائف يثرب. فرجع سريعاً فصرف العير عن طريقها، وأخذ طريق الساحل، وأرسل يخبر قريشاً أنه قد نجا فارجعوا. فأبى أبو جهل وقال: والله لا نرجع حتى نرد ماء بدر، ونقيم عليه ثلاثاً، فتهابنا العرب أبداً. ورجع الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة ببني زهرة كلهم، وكان فيهم مطاعاً. ثم نزلت قريش بالعدوة القصوى من الوادي. وسبق النبي صلى الله عليه وسلم إلى ماء بدر. ومنع قريشاً من السبق إلى الماء مطر عظيم لم يصب المسلمين منه إلا ما لبد لهم الأرض. فنزل النبي صلى الله عليه وسلم على أدنى ماء من مياه بدر إلى المدينة. فقال الحباب بن المنذر بن عمرو بن الجموح: يا رسول الله أرأيت هذا المنزل، أمنزل أنزلكه الله فليس لنا أن نتقدمه أو نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة فقال: بل الرأي والحرب والمكيدة. قال: يا رسول الله، إن هذا ليس لك بمنزل، فانهض بنا حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ونغور ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضاً فنملأه ماء، فنشرب ولا يشربون. فاستحسن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك من (2/53)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 54 رأيه، وفعل ما أشار به، وأمر بالقلب فغورت، وبنى حوضاً وملأه ماء. وبني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريش يكون فيه، ومشى النبي صلى الله عليه وسلم على موضع الوقعة، فأرى أصحابه مصارع قريش، يقول: هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان. قال: فما عدا واحد منهم مصرعه ذلك. ثم بعثت قريش فحزروا المسلمين. وكان فيهم فارسان: المقداد والزبير. وأراد عتبة بن ربيعة، وحكيم بن حزام قريشاً على الرجوع فأبوا. وكان الذي صمم على القتال أبو جهل. فارتحلوا من الغد قاصدين نحو الماء. فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلين قال: اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني، اللهم أحنهم الغداة. وقال صلى الله عليه وسلم وقد رأى عتبة بن ربيعة في القوم على جمل أحمر إن يكن في أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر، إن يطيعوه يرشدوا. وكان خفاف بن إيماء بن رحضة الغفاري بعث إلى قريش، حين مروا به، بجزائر هدية، وقال: إن أحببتم أن نمدكم بسلاح ورجال فعلنا. فأرسلوا إليه: أن وصلتك رحم، قد قضيت الذي ينبغي، فلعمري لئن كنا إنما نقاتل الناس فما بنا ضعف، وإن كنا إنما نقاتل الله، كما يزعم): محمد، (2/54)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 55 ما لأحد بالله من طاقة. فلما نزل الناس أقبل نفر من قريش حتى وردوا حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوهم. فما شرب يومئذ رجل إلا قتل، إلا ما كان من حكيم بن حزام. ثم إنه أسلم بعد، وكان إذا اجتهد في يمينه قال: لا والذي نجاني يوم بدر. ثم بعثت قريش عمير بن وهب الجمحي ليحزر المسلمين. فجال بفرسه حول العسكر، ثم رجع إليهم فقال: ما رأيت شيئاً. ولكن قد رأيت يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع. قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلاً منكم، فإذا أصابوا منكم أعدادهم، فما خير العيش بعد ذلك فروا رأيكم. فلما سمع حكيم بن حزام ذلك مشى في الناس، فأتى عتبة بن ربيعة فقال: يا أبا الوليد إنك كبير قريش وسيدها والمطاع فيها، هل لك إلى أن لا تزال تذكر بخير إلى آخر الدهر قال: وما ذاك يا حكيم قال: ترجع بالناس، وتحمل أمر حليفك عامر بن الحضرمي. قال: قد فعلت. أنت علي بذلك، إنما هو حليفي فعلي عقله وما أصيب من ماله. فائت ابن الحنظلية والحنظلية أم أبي جهل فإني لا أخشى أن يشجر أمر الناس (2/55)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 56 غيره. ثم قام عتبة خطيباً فقال: يا معشر قريش، إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمداً وأصحابه شيئاً. والله لئن صبتموه لا يزال الرجل ينظر في وجه الرجل يكره النظر إليه، قتل ابن عمه وابن خاله أو رجلاً من عشيرته. فارجعوا وخلوا بين محمد وبين سائر العرب، فإن أصابوه فذاك، وإن كان غير ذلك أكفاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون. قال حكيم: فأتيت أبا جهل فوجدته قد شد درعاً من جرابها فهو يهيؤها قلت: يا أبا الحكم، إن عتبة قد أرسلني بكذا وكذا. فقال: انتفخ والله سحره حين رأى محمداً وأصحابه. كلا، والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد. وما بعتبة ما قال، ولكنه قد رأى محمداً وأصحابه أكلة جزور، وفيهم ابنه قد تخوفكم عليه. ثم بعث إلى عامر بن الحضرمي فقال: هذا حليفك يريد أن يرجع بالناس، وقد رأيت ثأرك بعينك، فقم فانشد خفرتك ومقتل أخيك. فقام عامر فكشف رأسه وصرخ: وا عمراه، وا عمراه. فحميت الحرب وحقب أمر الناس واستوسقوا على ما هم عليه من الشر. وأفسد على الناس رأي عتبة الذي دعاهم إليه.): فلما بلغ عتبة قول أبي جهل: انتفخ والله سحره، قال: سيعلم مصفر أسته من انتفخ سحره. ثم التمس عتبة بيضة لرأسه، فما وجد في الجيش (2/56)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 57 بيضة تسعة من عظم هامته، فاعتجر على رأسه ببرد له. وخرج الأسود بن عبد الأسد المخزومي وكان شرساً سيئ الخلق فقال: أعاهد الله لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه. وأتاه فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب، فالتقيا فضربه حمزة فقطع ساقه، وهو دون الحوض، فوقع على ظهره تشخب رجله دماً. ثم جاء إلى الحوض حتى اقتحم فيه ليبر يمينه، واتبعه حمزة فقتله في الحوض. ثم إن عتبة بن ربيعة خرج للمبارزة بين أخيه شيبة، وابنه الوليد بن عتبة، ودعوا للمبارزة، فخرج إليه عوف ومعوذ ابنا عفراء وآخر من الأنصار. فقالوا: من أنتم قالوا: من الأنصار. قالوا: ما لنا بكم من حاجة، ليخرج إلينا أكفاؤنا من قومنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم يا عبيدة بن الحارث، ويا حمزة، ويا علي. فلما دنوا منهم، قالوا: من أنتم فتسموا لهم. فقال: أكفاء كرام. فبارز عبيدة وكان أسن القوم عتبة، وبارز حمزة شيبة، وبارز علي الوليد. فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله. وأما علي فلم يمهل الوليد أن قتله. واختلف عتبة وعبيدة بينهما ضربتين: كلاهما أثبت صاحبه. وكر علي وحمزة على عتبة فدففا عليه. واحتملا عبيدة إلى أصحابهما. ثم تزاحف الجمعان. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن لا يحملوا حتى يأمرهم وقال: انضحوهم عنكم بالنبل. وهو صلى الله عليه وسلم في العريش، معه أبو بكر. وذلك يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة من رمضان. ثم عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم (2/57)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 58 الصفوف بنفسه، ورجع إلى العريش ومعه أبو بكر فقط. فجعل يناشد ربه ويقول: يا رب إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد في الأرض. وأبو بكر يقول: يا نبي الله، بعض مناشدتك ربك. فإن الله منجز لك ما وعدك. ثم خفق صلى الله عليه وسلم، فانتبه وقال: أبشر يا أبا بكر، أتاك النصر، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده، على ثناياه النقع. فرمي مهجع مولى عمر بسهم، فكان أول قتيل في سبيل الله. ثم رمي حارثة بن سراقة النجاري بسهم وهو يشرب من الحوض، فقتل. ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس يحرضهم على القتال. فقاتل عمير ابن): الحمام حتى قتل. ثم قاتل عوف بن عفراء وهي أمه حتى قتل. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى المشركين بحفنة من الحصباء وقال: شاهت الوجوه. وقال لأصحابه: شدوا عليهم. فكانت الهزيمة، وقتل الله من قتل من صناديد الكفر: فقتل سبعون وأسر مثلهم. ورجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى العريش. وقام سعد بن معاذ على الباب بالسيف في نفر من الأنصار، يخافون على رسول الله صلى الله عليه وسلم كرة العدو. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: إني قد عرفت أن رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهاً لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي أحداً من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي أبا البختري بن هاشم بن الحارث فلا يقتله، ومن (2/58)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 59 لقي العباس فلا يقتله فإنه إنما خرج مستكرهاً. فقال أبو حذيفة: أنقتل آباءنا وإخواننا ونترك العباس والله لئن لقيته لألجمنه بالسيف. فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لعمر: يا أبا حفص، أيضرب وجه عم رسول الله فقال عمر: دعني فلأضرب عنق هذا المنافق. فكان أبو حذيفة يقول: ما أنا آمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ، ولا أزال منها خائفاً، إلا أن تكفرها عني الشهادة. فاستشهد يوم اليمامة. وكان أبو البختري أكف القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقام في نقض الصحيفة. فلقيه المجذر بن زياد البلوي حليف الأنصار، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهانا عن قتلك. فقال: وزميلي جنادة الليثي فقال المجذر: لا والله ما أمرنا إلا بك وحدك. فقال: لأموتن أنا وهو، ولا يتحدث عني نساء مكة أني تركت زميلي حرصاً على الحياة. فاقتتلا، فقتله المجذر. ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: والذي بعثك بالحق لقد جهدت عليه أن يستأسر، فآتيك به، فأبى إلا أن يقاتلني. وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: كان أمية بن خلف صديقاً لي بمكة. قال فمررت به ومعي أدراع قد استلبتها، فقال لي: هل لك في، فأنا خير لك من الأدراع قلت: نعم، ها الله إذن. وطرحت (2/59)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 60 الأدراع، فأخذت بيده ويد ابنه، وهو يقول: ما رأيت كاليوم قط، أما لكم حاجة في اللبن يعني: من أسرني افتديت منه بإبل كثيرة اللبن. ثم جئت أمشي بهما، فقال لي أمية: من الرجل المعلم بريشة نعامة في صدره قلت: حمزة. قال: ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل. فوالله إني لأقودهما، إذ رآه بلال وكان يعذب بلالاً بمكة، فلما رآه قال: رأس الكفر أمية بن): خلف لا نجوت إن نجا. قال: أتسمع يا بن السوداء ما يقول ثم صرخ بلال بأعلى صوته: يا أنصار الله، رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا. قال: فأحاطوا بنا، وأنا أذب عنه. فأخلف رجل السيف، فضرب رجل ابنه فوقع، فصاح أمية صيحة عظيمة، فقلت: انج بنفسك، ولا نجاء، فوالله ما أغني عنك شيئاً. فهبروهما بأسيافهم. فكان يقول: رحم الله بلالاً، ذهبت أدراعي، وفجعني بأسيري. وروى ابن عباس رضي الله عنهما، عن رجل من غفار قال: أقبلت أنا وابن عم لي حتى أصعدنا في جبل يشرف بنا على بدر، ونحن مشركان، ننتظر الدائرة على من تكون، فننتهب. فبينما نحن في الجبل، إذ دنت منا سحابة، فسمعت فيها حمحمة الخيل، فسمعت قائلاً يقول: أقدم حيزوم. فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه فمات مكانه، وأما أنا فكدت أهلك، ثم تماسكت. رواه عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عمن حدثه، عن ابن عباس. وروى الذي بعده ابن حزم عمن حدثه من بني ساعدة عن أبي أسيد (2/60)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 61 مالك بن ربيعة قال: لو كان معي بصري وكنت ببدر لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة. قال ابن إسحاق: فحدثني أبي، عن رجال، عن أبي داود المازني قال: إني لأتبع رجلاً من المشركين يوم بدر لأضربه بالسيف، إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي، فعرفت أنه قتله غيري. وعن ابن عباس قال: لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر. وأما أبو جهل بن هشام فاحتمى في مثل الحرجة وهو الشجر الملتف، وبقي أصحابه يقولون: أبو الحكم لا يوصل إليه. قال معاذ بن عمرو بن الجموح: فلما سمعتها جعلته من شأني، فصمدت نحوه، فلما أمكنني حملت عليه فضربت ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه. فوالله ما أشبهها حين طارت إلا بالنواة تطيح من تحت مرضخة النوى حين تضرب بها. فضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي، فتعلقت بجلدة من جنبي، وأجهضني القتال عنه. فلقد قاتلت عامة يومي، وإني لأسحبها خلفي. فلما آذتني وضعت عليها قدمي. ثم تمطيت بها عليها حتى طرحتها. قال: ثم عاش بعد ذلك إلى زمن عثمان. ثم مر بأبي جهل معوذ بن عفراء، فضربه حتى أثبته، وتركه وبه رمق. وقاتل معوذ حتى قتل. وقتل أخوه عوف قبله. واسم أبيهما: الحارث بن (2/61)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 62 رفاعة بن الحارث الزرقي.): ثم مر عبد الله بن مسعود بأبي جهل حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتماسه، وقال فيما بلغنا: إن خفي عليكم في القتلى فانظروا إلى أثر جرح في ركبته، فإني ازدحمت أنا وهو يوماً على مأدبة لعبد الله بن جدعان، ونحن غلامان وكنت أشف منه بيسير، فدفعته، فوقع على ركبته فجحش فيها. قال ابن مسعود: فوجدته بآخر رمق، فوضعت رجلي على عنقه. وقد كان ضبث بي مرة بمكة، فآذاني ولكزني. فقلت له: هل أخزاك الله يا عدو الله قال: وبماذا أخزاني، وهل فوق رجل قتلتموه أخبرني لمن الدائرة اليوم قلت: لله ولرسوله. قال لقد ارتقيت، يا رويعي الغنم مرتقى صعباً. قال فاحتززت رأسه وجئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، هذا رأس عدو الله أبي جهل. قال: الله الذي لا إله غيره قلت: نعم. وألقيت الرأس بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم. ثم أمر بالقتلى أن يطرحوا في قليب هناك. فطرحوا فيه إلا ما كان من أمية بن خلف، فإنه انتفخ في درعه فملأها، فذهبوا ليخرجوه فتزايل، فأقروه به، وألقوا عليه التراب فغيبوه. (2/62)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 63 فلما ألقوا في القليب، وقف عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أهل القليب هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً. فقالوا: يا رسول الله أتنادي أقواماً قد جيفوا فقال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكن لا يستطيعون أن يجيبو. وفي رواية: فناداهم في جوف الليل: يا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة، ويا أمية بن خلف، ويا أبا جهل بن هشام. فعدد من كان في القليب. زاد ابن إسحاق: وحدثني بعض أهل العلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: يا أهل القليب، بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس وقاتلتموني ونصرني الناس. وعن أنس رضي الله عنه: لما سحب عتبة بن ربيعة إلى القليب نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه أبي حذيفة ابنه، فإذا هو كثيب متغير. فقال: لعلك قد دخلك من شأن أبيك شيء قال: لا والله ما شككت في أبي ولا في مصرعه، ولكني كنت أعرف منه رأياً وحلماً، فكنت أرجو أن يسلم، فلما رأيت ما أصابه وما مات عليه أحزنني ذلك. فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم وقال له خيراً. وكان الحارث بن ربيعة بن الأسود، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة، وأبو قيس بن الوليد بن): المغيرة، وعلي بن أمية بن خلف، والعاص بن منبه ابن الحجاج قد أسلموا. فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم حبسهم آباؤهم وعشائرهم، وفتنوهم عن الدين فافتتنوا نعوذ بالله من فتنة الدين ثم ساروا مع قومهم يوم (2/63)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 64 بدر، فقتلوا جميعاً. وفيهم نزلت إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم الآية. وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: فينا أهل بدر نزلت الأنفال حين تنازعنا في الغنيمة وساءت فيها أخلاقنا. فنزعه الله من أيدينا وجعله إلى رسوله. فقسمه بين المسلمين على السواء. ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة، وزيد بن حارثة، بشيرين إلى المدينة. قال أسامة: أتانا الخبر حين سوينا على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبرها. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفني عليها مع عثمان. ثم قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الأسارى فيهم: عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث. فلما خرج من مضيق الصفراء قسم النفل. فلما أتى الروحاء لقيه المسلمون يهنئونه بالفتح. فقال لهم سلمة بن سلامة: ما الذي تهنئوننا به فوالله إن لقينا إلا عجائز صلعاً كالبدن المعقلة فنحرناها. فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أي ابن أخي، أولئك الملأ. يعني الأشراف والرؤساء. ثم قتل النضر بن الحارث العبدري بالصفراء. وقتل بعرق الظبية عقبة بن أبي معيط. فقال عقبة حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله: من للصبية يا (2/64)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 65 محمد قال: النار. فقتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح. وقيل: علي رضي الله عنه. وقال حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن الشعبي قال: لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل عقبة قال: أتقتلني يا محمد من بين قريش قال: نعم، أتدرون ما صنع هذا بي جاء وأنا ساجد خلف المقام فوضع رجله على عنقي وغمزها، فما رفع حتى ظننت أن عيني ستندران. وجاء مرة أخرى بسلى شاة فألقاه على رأسي وأنا ساجد، فجاءت فاطمة فغسلته عن رأسي. واستشهد يوم بدر: مهجع، وذو الشمالين عمير بن عبد عمرو الخزاعي، وعاقل بن البكير، وصفوان بن بيضاء، وعمير بن أبي وقاص أخو سعد، وعبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف المطلبي الذي): قطع رجله عتبة، مات بعد يومين بالصفراء. وهؤلاء من المهاجرين. وعمير بن الحمام، وابنا عفراء، وحارثة بن سراقة، ويزيد بن الحارث فسحم، ورافع بن المعلي الزرقي، وسعد بن خيثمة الأوسي، ومبشر بن عبد المنذر أخو أبي لبابة. فالجملة أربعة عشر رجلاً. (2/65)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 66 وقتل عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وهما ابنا أربعين ومائة سنة. وكان شيبة أكبر بثلاث سنوات. قال ابن إسحاق: وكان أول من قدم مكة بمصاب قريش: الحيسمان بن عبد الله الخزاعي. فقالوا: ما وراءك قال: قتل عقبة، وشيبة، وأبو جهل، وأمية، وزمعة بن الأسود، ونبيه، ومنبه، وأبو البختري ابن هشام. فلما جعل يعدد أشراف قريش قال صفوان بن أمية وهو قاعد في الحجر: والله إن يعقل هذا فاسألوه عني: فقالوا: ما فعل صفوان قال: ها هو ذاك جالس، قد والله رأيت أباه وأخاه حين قتلا. وعن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنت غلاماً للعباس وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت، فأسلم العباس وأسلمت. وكان العباس يهاب قومه ويكره الخلاف ويكتم إسلامه، وكان ذا مال كثير متفرق في قومه. وكان أبو لهب قد تخلف عن بدر، فلما جاءه الخبر بمصاب قريش كبته الله وأخزاه، ووجدنا في أنفسنا قوة وعزاً، وكنت رجلاً ضعيفاً، وكنت أنحت الأقداح في حجرة زمزم. فإني لجالس أنحت أقداحي، وعندي أم الفضل، وقد سرنا الخبر، إذ أقبل أبو لهب يجر رجليه بشر، حتى جلس على طنب الحجرة، فكان ظهره إلى ظهري. فبينا هو جالس إذ قال الناس: هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قد قدم. فقال أبو لهب: إلي، فعندك الخبر. قال: فجلس إليه، والناس قيام عليه، فقال: يا بن أخي، أخبرني كيف كان أمر الناس قال: والله ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا (2/66)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 67 كيف شاءوا ويأسروننا، وأيم الله ما لمت الناس، لقينا رجالاً بيضاً على خيل بلق بين السماء والأرض، والله ما تليق شيئاً ولا يقوم لها شيء. قال أبو رافع: فرفعت طنب الحجرة بيدي، ثم قلت: تلك والله الملائكة. فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة شديدة. قال: وثاورته، فحملني وضرب بي الأرض. ثم برك علي يضربني، وكنت رجلاً ضعيفاً. فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة، فأخذته فضربته به ضربة، فلقيت في رأسه شجة منكرة، وقالت: استضعفته أن غاب عنه سيده فقام مولياً): ذليلاً. فوالله ما عاش إلا سبع ليال، حتى رماه الله بالعدسة فقتلته. وكانت قريش تتقي هذه العدسة كما يتقي الطاعون. حتى قال رجل من قريش لا بنيه: ويحكما أما تستحيان أن أباكما قد أنتن في بيته لا تدفنانه فقالا: نخشى عدوى هذه القرحة. فقال: انطلقا فأنا أعينكما فوالله ما غسلوه إلا قذفاً بالماء عليه من بعيد. ثم احتملوه إلى أعلى مكة، فأسندوه إلى جدار، ثم رضموا عليه الحجارة. رواه محمد بن إسحاق من طريق يونس بن بكير عنه بمعناه. قال: (2/67)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 68 حدثني الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: حدثني أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم. وروى عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه قال: ناحت قريش على قتلاها ثم قالوا: لا تفعلوا فيبلغ محمداً وأصحابه فيشمتوا بكم. وكان الأسود بن المطلب قد أصيب له ثلاثة من ولده: زمعة، وعقيل، والحارث. فكان يحب أن يبكي عليهم. قال ابن إسحاق: ثم بعثت قريش في فداء الأسارى. فقدم مكرز بن حفص في فداء سهيل بن عمرو. فقال عمر رضي الله عنه: دعني يا رسول الله أنزع ثنيتي سهيل فلا يقوم عليك خطيباً في موطن أبداً فقال: لا أمثل به فيمثل الله بي، وعسى أن يقوم مقاماً لا تذمه. فقام في أهل مكة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بنحو من خطبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وحسن إسلامه. وانسل المطلب بن أبي وداعة، ففدى أباه بأربعة آلاف درهم، وانطلق به. وبعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء زوجها أبي العاص بن الربيع ابن عبد شمسن بمال. وبعثت فيه بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص. فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها، وقال: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها مالها. قالوا: نعم، يا رسول الله. وأطلقوه. (2/68)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 69 فأخذ عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يخلي سبيل زينب، وكانت من المستضعفين من النساء. واستكتمه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك. وبعث زيد بن حارثة ورجلاً من الأنصار، فقال: كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب فتصحبانها حتى تأتياني بها. وذلك بعد بدر بشهر.): فلما قدم أبو العاص مكة أمرهم باللحوق بأبيها، فتجهزت. فقدم أخو زوجها كنانة بن الربيع بعيراً، فركبته وأخذ قوسه وكنانته، ثم خرج بها نهاراً يقودها. فتحدث بذلك رجال، فخرجوا في طلبها. فبرك كنانة ونثر كنانته لما أدركوها بذي طوى، فروعها هبار بن الأسود بالرمح. فقال كنانة: والله لا يدنو مني رجل إلا وضعت فيه سهماً. فتكركر الناس عنه. وأتى أبو سفيان في أجلة من قريش، فقال: أيها الرجل كف عنا نبلك حتى نكلمك. فكف. فوقف عليه أبو سفيان فقال: إنك لم تصب. خرجت بالمرأة على رؤوس الناس علانية، وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا وما دخل علينا من محمد، فيظن الناس إذا خرجت بابنته إليه علانية أن ذلك على ذلك أصابنا، وأن ذلك منا وهن وضعف، ولعمري ما بنا بحبسها عن أبيها من حاجة، ولكن ارجع بالمرأة، حتى إذا هدأت الأصوات، وتحدث الناس أنا رددناها، فسلها سراً وألحقها بأبيها. قال: ففعل. ثم خرج بها ليلاً، بعد ليال، فسلمها إلى زيد وصاحبه. فقدم بها على النبي صلى الله عليه وسلم فأقامت عنده. (2/69)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 70 فلما كان قبل الفتح، خرج أبو العاص تاجراً إلى الشام بماله، وبمال كثير لقريش. فلما رجع لقيته سرية فأصابوا ما معه، وأعجزهم هارباً، فقدموا بما أصابوا. وأقبل أبو العاص في الليل، حتى دخل على زينب، فاستجار بها فأجارته، وجاء في طلب ماله. فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصبح فكبر وكبر الناس معه، صرخت زينب من صفة النساء: أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع. وبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى السرية الذين أصابوا ماله فقال: إن هذا الرجل منا حين قد علمتم، وقد أصبتم له مالاً، فإن تحسنوا وتردوا عليه الذي له، فإنا نحب ذلك. وإن أبيتم فهو فيء الله الذي أفاء عليكم، فأنتم أحق به. قالوا: بل نرده. فردوه كله. ثم ذهب به إلى مكة، فأدى إلى كل ذي مال ماله. ثم قال: يا معشر قريش، هل بقي لأحد عندي منكم مال قالوا: لا، فجزاك الله خيراً، فقد وجدناه وفياً كريماً. قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله. والله ما منعني من الإسلام عنده إلا تخوف أن تظنوا أني إنما أردت أكل أموالكم. ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: رد عليه النبي صلى الله عليه وسلم زينب على النكاح الأول، لم يحدث شيئاً. ومن الأسارى: الوليد بن الوليد بن المغيرة المخزومي، أسره عبد الله ابن جحش، وقيل: سليط): المازني. وقدم في فدائه أخواه: خالد بن الوليد، وهشام بن الوليد، فافتكاه (2/70)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 71 بأربعة آلاف درهم، وذهبا به. فلما افتدي أسلم، فقيل له في ذلك فقال: كرهت أن تظنوا بي أني جزعت من الأسر. فحبسوه بمكة. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو له في القنوت، ثم هرب ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الحديبية. وتوفي قديماً لعل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فبكته أم سلمة، وهي بنت عمه: (يا عين فابكي للولي.......... د بن الوليد بن المغيره)

(قد كان غيثاً في السني.......... ن ورحمة فينا وميره)

(ضخم الدسيعة ماجداً.......... يسمو إلى طلب الوتيره)

(مثل الوليد بن الوليد.......... أبي الوليد كفى العشيره) ومن الأسرى: أبو عزة عمرو بن عبد الله الجمحي. كان محتاجاً ذات بنات. قال للنبي صلى الله عليه وسلم: قد عرفت أني لا مال لي، وأني ذو حاجة وعيال، فامنن علي. فمن عليه، وشرط عليه أن لا يظاهر عليه أحداً. وقال عروة بن الزبير: جلس عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أمية، بعد مصاب أهل بدر بيسير، في الحجر. وكان عمير من شياطين (2/71)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 72 قريش، وممن يؤذي المسلمين. وكان ابنه وهيب في الأسرى. فذكر أصحاب القليب ومصابهم. فقال صفوان: والله إن في العيش بعدهم لخير فقال عمير: صدقت، والله لولا دين علي ليس عندي له قضاء، وعيال أخشى عليهم، لركبت إلى محمد حتى أقتله، فإن لي فيهم علة ابني أسير في أيديهم. فاغتنمها صفوان فقال: علي دينك وعيالك. فال: فاكتم علي. ثم شحذ سيفه وسمه، ومضى إلى المدينة. فبينا عمر في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر، إذ نظر عمر رضي الله عنه إلى عمير حين أناخ على باب المسجد متوشحاً بالسيف. فقال: هذا الكلب عدو الله عمير، وهو الذي حزرنا يوم بدر. ثم دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا عمير. قال: أدخله علي. فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه، فلببه به، وقال لرجال ممن كانوا معه من الأنصار: ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجلسوا عنده واحذروا عليه هذا الخبيث. ثم دخل به فقال: أرسله يا عمر، أدن يا عمير. فدنا، ثم قال: أنعموا صباحاً، قال: فما جاء بك قال:): جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم. قال: فما بال السيف في عنقك قال: قبحها الله من سيوف، وهل أغنت شيئاً قال: أصدقني ما الذي جئت له قال: ما جئت إلا لذلك. قال: بلى، قعدت أنت وصفوان في الحجر. وقص له ما قالا. فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسوله. قد كنا يا رسول لله نكذبك بما تأتينا به من خبر السماء، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان فوالله إني (2/72)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 73 لأعلم ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فقهوا أخاكم في دينه، وأقرئوه القرآن وأطلقوا له أسيره. ففعلوا. ثم قال: يا رسول الله إني كنت جاهداً على إطفاء نور الله، شديد الأذى لمن كان على دين الله، وأنا أحب أن تأذن لي فأقدم مكة فأدعو إلى الله ورسوله، لعل الله أن يهديهم. وإلا آذيتهم في دينهم. فأذن له ولحق بمكة. وكان صفوان يعد قريشاً يقول: ابشروا بوقعة تأتيكم الآن تنسيكم وقعة بدر. وكان صفوان يسأل عنه الركبان، حتى قدم راكباً فأخبره عن إسلامه، فحلف لا يكلمه أبداً ولا ينفعه بشيء أبداً. ثم أقام يدعو إلى الإسلام، ويؤذيهم. فأسلم على يديه ناس كثير. (بقية أحاديث غزوة بدر) وهي كالشرح لما قدمناه فيها: قال إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: قال: انطلق سعد بن معاذ معتمراً: فنزل على أمية ابن خلف وكان أمية ينزل عليه إذا سافر إلى الشام فقال لسعد: انتظر حتى إذا انتصف النهار وغفل الناس فطف. قال: فبينا هو يطوف إذ أتاه أبو جهل فقال: من أنت: قال: أتطوف آمناً وقد أويتم محمداً وأصحابه، وتلاحيا. فقال أمية لسعد: لا ترفع صوتك على أبي الحكم فإنه سيد أهل الوادي. فقال: والله لئن منعتني أن أطوف بالبيت لأقطعن عليك متجرك بالشام. وجعل أمية يقول: لا ترفع صوتك. فغضب وقال: دعنا منك، فإني سمعت محمداً صلى الله عليه وسلم يزعم أنه قاتلك قال: إياي قال: نعم. (2/73)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 74 قال: والله ما يكذب محمد. فكاد أن يحدث. فرجع فقال لامرأته: أتعلمين ما قال أخي اليثربي قالت: وما قال قال: زعم أن محمداً يزعم أنه قاتلي. قالت: فوالله ما يكذب. فلما خرجوا لبدر وجاء الصريخ قالت له امرأته: أما علمت ما قال اليثربي. قال: فإني إذن لا أخرج. فقال أبو جهل: إنك من أشراف أهل الوادي فسر معنا يوماً أو يومين. فسار معهم، فقتل. أخرجه البخاري.): وأخرجه أيضاً من حديث إبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي، عن أبيه، عن جده. وفيه، فلما استنفر أبو جهل الناس وقال: أدركوا عيركم كره أمية أن يخرج. فأتاه أبو جهل فقال: يا أبا صفوان إنك متى يراك الناس تخلفت وأنت سيد أهل الوادي تخلفوا معك. فلم يزل به حتى قال: أما إذ غلبتني فوالله لأشترين أجود بعير بمكة. ثم قال: يا أم صفوان جهزيني فما أريد أن أجوز معهم إلا قريباً. فلما خرج أخذ لا ينزل منزلاً إلا عقل بعيره. فلم يزل بذاك حتى قتله الله ببدر. وذكر الزهري قال: إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن خرج من أصحابه يريدون عير قريش التي قدم بها أبو سفيان من الشام، حتى جمع الله بين الفئتين من غير ميعاد. قال الله تعالى، إذا أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد. (2/74)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 75 (رؤيا عاتكة) قال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، حدثني حسين بن عبد الله بن عبيدة الله بن عباس، عن عكرمة، عن ابن عباس. قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن رومان، عن عروة قال: رأت عاتكة بنت عبد المطلب فيما يرى النائم قبل مقدم ضمضم بن عمرو الغفاري على قريش مكة بثلاث ليال، رؤيا، فأصبحت عاتكة فأعظمتها، فبعثت إلى أخيها العباس فقالت له: يا أخي لقد رأيت الليلة رؤيا ليدخلن منها على قومك شر وبلاء. فقال: وما هي فقالت: رأيت فيما يرى النائم أن رجلاً أقبل على بعير له فوقف بالأبطح فقال: انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث، فاجتمعوا إليه، ثم أري بعيره دخل به المسجد واجتمع الناس إليه. ثم مثل به بعيره فإذا هو على رأس الكعبة، فقال: انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث. ثم أري بعيره مثل به على رأس أبي قبيس، فقال: انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث. ثم أخذ صخرة فأرسلها من رأس الجبل فأقبلت تهوي، حتى إذا (2/75)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 76 كانت في أسفله ارفضت فما بقيت دار من دور مكة ولا بيت إلا دخل فيه بعضها. فقال العباس: والله إن هذه لرؤيا، فاكتميها. فقالت: وأنت فاكتمها، لئن بلغت هذه قريشاً ليؤذننا. فخرج العباس من عندها، فلقي الوليد بن عتبة وكان له صديقاً فذكرها له واستكتمه.): فذكرها الوليد لأبيه، فتحدث بها، ففشا الحديث. فقال العباس: والله إني لغاد إلى مكة لأطوف بها، فإذا أبو جهل في نفر يتحدثون عن رؤيا عاتكة، فقال أبو جهل: يا أبا الفضل تعال. فجلست إليه فقال: متى حدثت هذه النبية فيكم ما رضيتم يا بني عبد المطلب أن تنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم، سنتربص بكم هذه الثلاث التي ذكرت عاتكة، فإن كان حقاً فسيكون، وإلا كتبنا عليكم كتاباً أنكم أكذب أهل بيت في العرب. قال: فوالله ما كان مني إليه من كبير، إلا أني أنكرت ما قلت، وقلت: ما رأت شيئاً ولا سمعت بهذا، فلما أمسيت لم تبق امرأة من بني عبد المطلب إلا أتتني فقلن: صبرتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في (2/76)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 77 رجالكم، ثم قد تناول النساء وأنت تسمع، فلم يكن عندك في ذلك غير. فقلت: قد والله صدقتن وما كان عندي في ذلك من غير إلا أني أنكرت. ولأتعرضن له، فإن عاد لأكفيكنه. فغدوت في اليوم الثالث أتعرض له ليقول شيئاً فأشاتمه. فوالله إني لمقبل نحوه، وكان رجلاً حديد الوجه، حديد النظر، حديد اللسان، إذ ولى نحو باب المسجد يشتد. فقلت في نفسي: اللهم العنه، كل هذا فرقاً أن أشاتمه. وإذا هو قد سمع ما لم أسمع، صوت ضمضم ابن عمرو الغفاري، وهو واقف على بعيره بالأبطح قد حول رحله وشق قميصه وجدع بعيره يقول: يا معشر قريش، اللطيمة اللطيمة أموالكم مع أبي سفيان، قد عرض لها محمد، فالغوث الغوث فشغله ذلك عني، وشغلني عنه. فلم يكن إلا الجهاز حتى خرجنا، فأصاب قريشاً ما أصابها يوم بدر. فقالت عاتكة. (ألم تكن الرؤيا بحق وجاءكم.......... بتصديقها فل من القوم هارب) (2/77)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 78 (فقلتم ولم أكذب: كذبت وإنما.......... يكذبنا بالصدق من هو كاذب) وقال أبو إسحاق: سمعت البراء يقول: استصغرت أنا وابن عمر يوم بدر. وكنا أصحاب محمد نتحدث أن عدة أهل بدر ثلاثمائة وبضعة عشر، كعدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر، وما جازه إلا مؤمن. أخرجه البخاري. وقال: سمعت البراء يقول: كان المهاجرون يوم بدر نيفاً وثمانين. أخرجه البخاري. وقال ابن لهيعة: حدثني يزيد بن أبي حبيب، حدثني أسلم أبو عمران أنه سمع أبا أيوب الأنصاري يقول: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالمدينة: هل لكم أن نخرج فنلقى العير لعل الله يغنمنا قلنا: نعم. فخرجنا، فلما سرنا يوماً أو يومين أمرنا أن نتعاد، ففعلا،): فإذا نحن ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، فأخبرناه بعدتنا، فسر بذلك وحمد الله، وقال: عدة أصحاب طالوت. وقال ابن وهب: حدثني حيي بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (2/78)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 79 خرج يوم بدر بثلاثمائة وخمسة عشر من المقاتلة كما خرج طالوت فدعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج فقال: اللهم إنهم حفاة فاحملهم، اللهم إنهم عراة فاكسهم، اللهم إنهم جياع فأشبعهم. ففتح الله لهم، فانقلبوا وما منهم رجل إلى وقد رجع بجمل أو جملين، واكتسوا وشبعوا. وقال أبو إسحاق عن البراء قال: لم يكن يوم بدر فارس غير المقداد. وقال أبو إسحاق عن حارثة بن مضرب: إن علياً رضي الله عنه قال: لقد رأيتنا ليلة بدر وما منا أحد إلا وهو نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه يصلي إلى شجرة ويدعو حتى أصبح، ولقد رأيتنا وما منا أحد فارس يومئذ إلا المقداد. رواه شعبة عنه. ومن وجه آخر عن علي، قال: ما كان معنا إلا فرسان. فرس للزبير وفرس للمقداد بن الأسود. وعن إسماعيل بن أبي خالد، عن البهي قال: كان يوم بدر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فارسان، الزبير على الميمنة، والمقداد على الميسرة. وقال عروة: كان على الزبير يوم بدر عمامة صفراء، فنزل جبريل على سيما الزبير. وقال حماد بن سلمة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله قال: كنا يوم بدر نتعاقب ثلاثة على بعير، فكان علي وأبو لبابة زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم. (2/79)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 80 فكانت إذا حانث عقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولان له: اركب حتى نمشي. فيقول: إني لست بأغنى عن الأجر منكما، ولا أنتما بأقوى على المشي مني. المشهور عند أهل المغازي: مرثد بن أبي مرثد الغنوي بدل أبي لبابة. فإن أبا لبابة رده النبي صلى الله عليه وسلم واستخلفه على المدينة. وقال معمر: سمعت الزهري يقول: لم يشهد بدراً إلا قرشي أو أنصاري أو حليف لهما. وعن الحسن، قال: كان فيهم اثنا عشر من الموالي. وقال عمرو العنقزي، أنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن علي رضي الله عنه، قال: أخذنا رجلين يوم بدر. أحدهما عربي والآخر مولى، فأفلت العربي وأخذنا): المولى مولى لعقبة بن أبي معيط فقلنا: كم هم قال: كثير عددهم شديد بأسهم. فجعلنا نضربه. حتى انتهينا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى أن يخبره. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم ينحرون من الجزور فقال: في كل يوم عشراً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: القوم ألف، لكل جزور مائة. وقال يونس، عن ابن إسحاق، ثنا عبد الله بن أبي بكر، أن سعد بن معاذ قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا نبني لك عريشاً، فتكون فيه، وننيخ لك ركائبك ونلقى عدونا، فإذا أظهرنا الله عليهم فذاك، وإن تكن الأخرى فتجلس على ركائبك وتلحق بمن وراءنا من قومنا. فقد تخلف عنك أقوام ما نحن بأشد لك حباً منهم، ولو علموا أنك تلقى حرباً ما تخلفوا عنك، (2/80)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 81 ويوادونك وينصرونك. فأثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم خيراً ودعا له. فبني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريش، فكان فيه وأبو بكر ما معهما غيرهما. وقال خ: ثنا أبو نعيم، ثنا إسرائيل، عن مخارق، عن طارق بن شهاب، سمع ابن مسعود يقول: شهدت من المقداد مشهداً لأن أكون صاحبه أحب إلي مما عدل به: أتى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يدعو على المشركين فقال: لا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكن نقاتل عن يمينك وعن شمالك ومن بين يديك ومن خلفك، قال: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرق وجهه لذلك، وسره. وقال م د حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ندب أصحابه فانطلق إلى بدر، فإذا هم بروايا قريش، فيها عبد أسود لبني الحجاج، فأخذه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا يسألونه: أين أبو سفيان فيقول: والله مالي بشيء من أمره علم، ولكن هذه قريش قد جاءت، فيهم أبو جهل، وعتبة، وشيبة ابنا ربيعة، وأمية بن خلف. قال: فإذا قال لهم ذلك ضربوه. فيقول: دعوني دعوني أخبركم. فإذا تركوه قال (2/81)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 82 كقوله سواء. والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يسمع ذلك. فلما انصرف قال: والذي نفسي بيده إنكم بيده إنكم لتضربونه إذا صدقكم وتدعونه إلا كذبكم. هذه قريش قد أقبلت لتمنع أبا سفيان. قال أنس رضي الله عنه: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا مصرع فلان غداً ووضع يده على الأرض. وهذا مصرع فلان ووضع يده على الأرض، وهذا مصرع فلان، ووضع يده على الأرض.): قال: والذي نفسي بيده ما جاوز أحد منهم عن موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ بأرجلهم، فسحبوا فألقوا في قليب بدر. صحيح. وقال حماد أيضاً، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان. فتكلم أبو بكر فأعرض عنه، ثم تكلم عمر فأعرض عنه. فقام سعد بن عبادة كذا قال، والمعروف سعد بن معاذ فقال: إيانا تريد يا رسول الله والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها. ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا. قال: فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، فانطلقوا حتى نزلوا بدراً. وساق الحديث المذكور قبل هذا. أخرجه مسلم. ورواه أيضاً من حديث سليمان بن المغيرة أخصر منه عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه: حدثنا عمر قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبرنا عن مصارع (2/82)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 83 القوم بالأمس: هذا مصرع فلان إن شاء الله غداً، هذا مصرع فلان إن شاء الله غداً. فوالذي بعثه بالحق، ما أخطأوا تلك الحدود، وجعلوا يصرعون حولها. ثم ألقوا في القليب. وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً. فقلت: يا رسول الله أتكلم أجساداً لا أرواح فيها فقال: والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يردوا علي. وقال شعبة، عن أبي إسحاق، عن حارثة، عن علي رضي الله عنه قال: ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد على فرس أبلق، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت سمرة يصلي ويبكي، حتى أصبح. وقال أبو علي عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي: حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب، أخبرني إسماعيل بن عون بن علي بن عبيد الله بن أبي رافع، عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي ين أبي طالب، عن أبيه، عن جده، عن علي رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر قاتلت شيئاً من قتال، ثم جئت لأنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعل، فجئت فإذا هو ساجد يقول: يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم لا يزيد عليها. فرجعت إلى القتال، ثم جئت وهو ساجد يقول أيضاً. غريب.): وقال الأعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: ما سمعت مناشداً ينشد حقاً أشد من مناشدة محمد صلى الله عليه وسلم يوم بدر جعل يقول: اللهم أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا (2/83)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 84 تعبد، ثم التفت وكأن شق وجهه القمر فقال: كأنما أنظر إلى مصارع القوم عشية بدر. وقال خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو في قبته يوم بدر: اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبداً. فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربك وهو في الدرع. فخرج وهو يقول: سيهزم الجمع ويولون الدبر، بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر أخرجه البخاري. وقال عكرمة بن عمار: حدثني أبو زميل سماك الحنفي، حدثني ابن عباس، عن عمر قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً. فاستقبل القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه، ماداً يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه فقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك. فأنزل الله عز وجل إذا تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين فأمده الله بالملائكة. فحدثني ابن عباس قال: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر (2/84)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 85 رجل من المشركين أمامه، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم. إذ نظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقياً، فنظر إليه فإذا و قد خطم أنفه وشق وجهه كضربة السوط، فاخضر ذلك أجمع. فجاء الأنصاري، فحدث ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صدقت، ذاك من مدد السماء الثالثة. فقتلوا يومئذ سبعين، وأسروا سبعين. أخرجه مسلم. وقال سلامة بن روح، عن عقيل، حدثني ابن شهاب قال: قال أبو حازم عن سهل بن سعد قال: قال أبو أسيد الساعدي بعدما ذهب بصره: يا ابن أخي، والله لو كنت أنا وأنت ببدر، ثم أطلق الله لي بصري لأريتك الشعب الذي خرجت علينا منه الملائكة، غير شك ولا تمار. وقال الواقدي: ثنا ابن أبي حبيبة عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس. وحدثنا): موسى بن محمد بن إبراهيم، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أبا بكر أبشر هذا جبريل معتجر بعمامة صفراء آخذ بعنان فرسه بين السماء والأرض. فلما نزل إلى الأرض، (2/85)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 86 تغيب عني ساعة ثم طلع، على ثناياه النقع يقول: أتاك نصر الله إذ دعوته. وقال عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: هذا جبريل آخذ رأس فرسه، عليه أداة الحرب. أخرجه البخاري. وقال موسى بن يعقوب الزمعي: حدثني أبو الحويرث، حدثني محمد ابن جبير بن مطعم أنه سمع علياً رضي الله عنه، خطب الناس فقال: بينما أنا أمتح من قليب بدر إذ جاءت ريح شديدة لم أر مثلها ثم ذهبت، ثم جاءت ريح شديدة كالتي قبلها. فكانت الريح الأولى جبريل نزل في ألف من الملائكة، وكانت الثانية ميكائيل نزل في ألف من الملائكة. وجاءت ريح ثالثة كان فيها إسرائيل في ألف. فلما هزم الله أعداءه حملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرسه، فجرت بي، فوقعت على عقبي، فدعوت الله فأمسكت. فلما استويت عليه طعنت بيدي هذه في القوم حتى اختضب هذا، وأشار إلى إبطه. غريب. وموسى فيه ضعف. وقوله: حملني على فرسه لا (2/86)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 87 يعلم إلا من هذا الوجه. وقال يحيى بن بكير. حدثني محمد بن يحيى بن زكريا الحميري، ثنا العلاء بن كثير، حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة، حدثني أبو أمامة بن سهل قال: قال أبي: يا بني لقد رأيتنا يوم بدر وإن أحدنا ليشير بسيفه إلى رأس المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف. وقال ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم، عن مقسم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضاً قد أرسلوها في ظهورهم ويوم حنين عمائم حمراً. ولم تقاتل الملائكة في يوم سوى يوم بدر. وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام عدداً ومدداً. وجاء في قوله تعالى: إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا وذكر الواقدي، عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة حدثه عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان الملك يتصور في صورة من يعرفون من الناس، يثبتونهم، فيقول: إني قد دنوت منهم فسمعتهم يقولون: لو حملوا علينا ما ثبتنا. (2/87)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 88 إلى غير ذلك من القول. وقال إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حارثة، عن علي رضي الله عنه قال: لما قدمنا المدينة،): أصابنا من ثمارها فاجتويناها وأصابنا بها وعك. فكان النبي صلى الله عليه وسلم يتخبر عن بدر. فلما بلغنا أن المشركين قد أقبلوا، سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر وهي بئر فسبقنا المشركين إليها. فوجدنا فيها رجلين: رجلاً من قريش ومولى لعقبة بن أبي معيط. فأما القرشي فانفلت، وأما مولى عقبة فأخذناه فجعلنا نقول له: كم القوم فيقول: هم والله كثير عددهم شديد بأسهم. فجعل المسلمون إذا قال ذلك ضربوه. حتى انتهوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له كم القوم قال: هم والله كثير عددهم شديد بأسهم. فجهد أن يخبره كم هم فأبى. ثم سأله: كم ينحرون كل يوم من الجزور فقال: عشرة. فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: القوم ألف، كل جزور لمائة وتبعها. ثم إنه أصابنا من الليل طش من مطر، فانطلقنا تحت الشجر والحجف نستظل تحتها. وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ربه ويقول: اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض. فلما طلع الفجر نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة جامعة. فجاء الناس من تحت الشجر والحجف فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحض على القتال. ثم قال: إن جمع قريش عند (2/88)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 89 هذه الضلع الحمراء من الجبل. فلما دنا القوم منا وصاففناهم إذا رجل مهم يسير في القوم على جمل أحمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا علي نا لي حمزة وكان أقربهم من المشركين من صاحب الجمل الأحمر وماذا يقول لهم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن يك في القوم أحد يأمر بخير فعسى أن يكون صاحب الجمل الأحمر، فجاء حمزة فقال: هو عتبة بن ربيعة، وهو ينهى عن القتال ويقول: يا قوم إني أرى أقواماً مستميتين لا تصلون إليهم وفيكم خير. يا قوم اعصبوها اليوم برأسي وقولوا جبن عتبة، وقد تعلمون أني لست بأجبنكم. فسمع بذلك أبو جهل فقال: أنت تقول هذا والله لو غيرك يقول هذا لأعضضته. قد ملأت رئتك جوفك رعباً، فقال: إياي تعني يا مصفر أسته ستعلم اليوم أينا أجبن فبرز عتبة وابنه الوليد وأخوه شيبة. فقال: من يبارز فخرج من الأنصار شببة، فقال عتبة: لا نريد هؤلاء، ولكن يبارزنا من بني عمنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم يا علي، ثم يا حمزة، قم يا عبيدة بن الحارث. فقتل الله عتبة، وشيبة ابني ربيعة، والوليد بن عتبة. وجرح (2/89)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 90 عبيدة. فقتلنا منهم سبعين وأسرنا سبعين.): فجاء رجل من الأنصار قصير برجل من بني هاشم أسيراً فقال الرجل: إن هذا والله ما أسرني، ولقد أسرني رجل أجلح من أحسن الناس وجهاً، على فرس أبلق، ما أراه في القوم. فقال الأنصاري: أنا أسرته يا رسول الله. فقال: اسكت، فقد أيدك الله بملك كريم. قال: فأسر من بني عبد المطلب: العباس، وعقيل، ونوفل بن الحارث. وقال إسحاق بن منصور السلولي: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: لقد قلوا في أعيننا يوم بدر، حتى قلت لرجل إلى جنبي: أتراهم سبعين قال: أراهم مائة. فأسرنا رجلاً فقلت: كم كنتم قال: ألفاً. وقال سلميان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض. قال: يقول عمير بن الحمام الأنصاري: يا رسول الله عرضها السموات والأرض فقال: نعم. قال: بخ بخ قال: ما يحملك على قولك بخ بخ قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها. قال: فإنك من أهلها. فأخرج تميرات من قرنه فجعل يأكل منها، ثم قال: (2/90)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 91 لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة. فرمى بهن، ثم قاتل حتى قتل. أخرجه مسلم. وقال عبد الرحمن بن الغسيل، عن حمزة بن أبي أسيد، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اصطففنا يوم بدر: إذا أكثبوكم يعني غشوكم، فارموهم بالنبل، واستبقوا نبلكم. أخرجه البخاري. وروي عمر بن عبد الله بن عروة، عن عروة بن الزبير قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شعار المهاجرين يوم بدر: يا بني عبد الرحمن، وشعار الخزرج: يا بني عبد الله، وشعار الأوس: يا بني عبيد الله. وسمى خيله: خيل الله. أخبرنا أبو محمد عبد الخالق بن عبد السلام، وابنة عمه ست الأهل بنت علوان، سنة ثلاث وتسعين وآخرون قالوا: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الفقيه، أنبأتنا شهدة بنت أحمد، أنا الحسين بن طلحة، أنا أبو عمر عبد الواحد بن مهدي، ثنا الحسين بن إٍ سماعيل، ثنا محمود بن خداش، ثنا هشيم، أنبأنا أبو هاشم عن أبي مجلز، عن قيس بن عباد قال: سمعت أبا ذر رضي الله عنه يقسم قسماً: هذان خصمان اختصموا في ربهم (2/91)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 92 إنها نزلت في الذين برزوا يوم بدر: حمزة، وعلي، وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم، وعتبة، وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة.): أخرجه البخاري عن يعقوب الدورقي وغيره. ومسلم عن عمرو بن زرارة، عن هشيم، عن أبي هاشم يحيى بن دينار الرماني الواسطي، عن أبي مجلز لاحق بن حميد السدوسي البصري. وهو من الأبدال العوالي. وعبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصي المطلبي، أمه ثقفية، وكان أسن من النبي صلى الله عليه وسلم بعشر سنين، أسلم هو وأبو سلمة بن عبد الأسد وعثمان بن مظعون في وقت. وهاجر هو وأخواه الطفيل والحصين. وكان عبيدة كبير المنزلة عند النبي صلى الله عليه وسلم، وكان مربوعاً مليحاً، توفي بالصفراء. وهو الذي بارز عتبة بن ربيعة، فاختلفا ضربتين، كلاهما أثبت صاحبه، كما تقدم. وقد جهزه النبي صلى الله عليه وسلم في ستين راكباً من المهاجرين أمره عليهم فكان أول لواء عقده النبي صلى الله عليه وسلم لواء عبيدة. فالتقى بقريش وعليهم أبو سفيان عند ثنية المرة، فكان أول قتال في الإسلام. قاله محمد بن إسحاق. (2/92)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 93 وقال ابن إسحاق وغيره عن الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير أن المستفتح يوم بدر أبو جهل. قال لما التقى الجمعان: اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا يعرف، فأحنه الغداة. فقتل ففيه أنزلت: إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح. وقال معاذ بن معاذ: ثنا شعبة، عن عبد الحميد صاحب الزيادي، سمع أنساً يقول: قال أبو جهل: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فنزلت: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون متفق عليه. وعن ابن عباس في قوله: وما له ألا يعذبهم الله، قال: يوم بدر بالسيف. قال عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عنه. وبه عنه في قوله: وإذا يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم قال: أقبلت عير أهل مكة تريد الشام كذا قال فبلغ أهل المدينة ذلك، فخرجوا ومعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدون العير. فبلغ ذلك أهل مكة فأسرعوا السير، فسبقت العير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الله وعدهم إحدى الطائفتين. (2/93)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 94 وكانوا أن يلقوا العير أحب إليهم، وأيسر شوكة وأحضر مغنماً. فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد القوم، فكره المسلمون مسيرهم لشوكة القوم، فنزل): رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، وبينهم وبين الماء رملة دعصة، فأصاب المسلمين ضعف شديد، وألقى الشيطان في قلوبهم القنط يوسوسهم: تزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسوله، وقد غلبكم المشركون على الماء، وأنتم كذا. فأنزل الله عليهم مطراً شديداً، فشرب المسلمون وتطهروا. فأذهب الله عنهم رجز الشيطان. وصار الرمل يعني ملبداً. وأمدهم الله بألف من الملائكة. وجاء إبليس في جند من الشياطين، معه رايته في صورة رجال من بني مدلج، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم، فقال للمشركين: لا غالب لكم اليوم من الناس، وإني جار لكم فلما اصطف القوم قال أبو جهل: اللهم أولانا بالحق فانصره. ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فقال: يا رب إنك إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبداً. فقال له جبريل: خذ قبضة من التراب. فأخذ قبضة من التراب فرمى بها في وجوههم. فما من المشركين من أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه، فولوا مدبرين. وأقبل جبريل إلى إبليس، فلما رآه وكانت يده في يد رجل من المشركين نزع يده وولى مدبراً وشيعته. فقال الرجل: يا سراقة، أما زعمت أنك لنا جار قال: إني أرى ما لا ترون، إني أخاف الله. (2/94)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 95 وقال يوسف بن الماجشون، أنا صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، عن جده، قال: إني لواقف يوم برد في الصف، فنظرت عن يميني وشمالي، فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما. فتمنيت أن أكون بين أضلع منهما. فغمزني أحدهما فقال: يا عم أتعرف أبا جهل قلت: نعم، وما حاجتك إليه قال: أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي نفسي بيده إن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا. فتعجب لذلك. فغمزني الآخر فقال لي مثلها. فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل وهو يجول في الناس، فقلت: ألا تريان هذا صاحبكما الذي تسألان عنه. فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه. ثم انصرفا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبراه. فقال: أيكما قتله فقال كل واحد منهما: أنا قتلته. فقال: هل مسحتما سيفيكما قالا: لا. قال: فنظر في السيفين، فقال، كلاهما قتله. وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو، والآخر معاذ بن عفراء. متفق عليه. وقال زهير بن معاوية: حدثنا سليمان التيمي، حدثني أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ينظر ما صنع أبو جهل فانطلق ابن (2/95)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 96 مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد. قال: أنت أبو جهل فأخذ بلحيته. فقال: هل فوق رجل قتلتموه، أو قتله قومه): أخرجه خ م. وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن عبد الله أنه أتى أبا جهل فقال: قد أخزاك الله. فقال: هل أعمد من رجل قتلتموه أخرجه البخاري. وقال عثام بن علي: ثنا الأعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: انتهيت إلى أبي جهل وهو صريع، وعليه بيضة، ومعه سيف جيد، ومعي سيف رث. فجعلت أنقف رأسه بسيفي، وأذكر نقفاً كان ينقف رأسي بمكة، حتى ضعفت يدي، فأخذت سيفه. فرفع رأسه فقال: على من كانت الدبرة، لنا أو علينا ألست رويعينا بمكة قال: فقتلته. ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: قتلت أبا جهل. فقال: الله الذي لا إله إلا هو فاستحلفني ثلاث مرار. ثم قام معي إليهم، فدعا عليهم. وروي نحوه عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق. وفيه: فاستحلفني وقال: الله أكبر، الحمد لله الذي صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، انطلق فأرنيه. فانطلقت فأريته. فقال: هذا فرعون هذه الأمة. (2/96)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 97 وروي عن أبي إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه قتله خر ساجداً. وقال الواقدي: وفق رسول الله صلى الله عليه وسلم على مصرع ابني عفراء فقال: يرحم الله ابني عفراء، فهما شركاء في قتل فرعون هذه الأمة ورأس أئمة الكفر. فقيل: يا رسول الله، ومن قتله معهما قال: الملائكة، وابن مسعود قد شرك في قتله. وقال أبو نعيم: ثنا سلمة بن رجاء، عن الشعثاء امرأة من بني أسد، قالت: دخلت على عبد الله بن أبي أوفى، فرأيته صلى الضحى ركعتين، فقالت له امرأته: إنك صليت ركعتين. فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الضحى ركعتين حين بشر بالفتح، وحين جيء برأس أبي جهل. وقال مجالد، عن الشعبي أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إني مررت ببدر، فرأيت رجلاً يخرج من الأرض، فيضربه رجل بمقمعة حتى يغيب في الأرض، ثم يخرج، فيفعل به مثل ذلك مراراً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك أبو جهل بن هشام يعذب إلى يوم القيامة. وقال خ م من حديث ابن أبي عروبة، عن قتادة قال: ذكر لنا أنس رضي الله عنه، عن أبي): طلحة أن رسول اله صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلاً من صناديد قريش، فقذفوا في طوي من أطواء بدر خبيث مخبث. وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال. فلما كان ببدر اليوم الثالث، أمر براحلته فشد عليها، ثم مشى واتبعه أصحابه، (2/97)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 98 فقالوا: ما نراه إلا نطلق لبعض حاجته، حتى قام على شفة الركي فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان، أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله، فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً فقال عمر: يا رسول الله، ما تكلم من أجساد لا أرواح لها فقال: والذي نفسي بيده ما أنت بأسمع لما أقول منهم. قال قتادة: أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخاً وتصغيراً ونقمة وحسرة وندامة. صحيح. وقال هشام، عن أبيه، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على قليب بدر فقال: إنهم ليسمعون ما أقول. قال عروة: فبلغ عائشة فقالت: ليس هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما قال: إنهم ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق. إنهم قد تبوءوا مقاعدهم من جهنم. إن الله يقول: إنك لا تسمع الموتى وما أنت بمسمع من في القبور إن أنت إلا نذير أخرجه البخاري. ما روت عائشة لا ينافي ما روي ابن عمر وغيره، فإن علمهم لا يمنع من سماعهم قوله عليه الصلاة والسلام، وأما أن لا تسمع الموتى، (2/98)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 99 فحق لأن الله أحياهم ذلك الوقت كما يحيي الميت لسؤال منكر ونكير. وقال عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس في قوله: بدلوا نعمة الله كفراً قال: هم كفار قريش. وأحلوا قومهم دار البوار قال: النار يوم بدر. أخرجه البخاري. وقال إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من القتلى قيل له: عليك العير ليس دونها شيء. فناداه العباس وهو في الوثاق: إنه لا يصلح لك. قال: لم قال: لأن الله عز وجل وعدك إحدى الطائفتين، وقد أنجز لك ما وعدك. هذا إسناد صحيح، ورواه جعفر بن محمد بن شاكر، عن أبي نعيم، عنه. وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، حدثني خبيب بن عبد الرحمن قال: ضرب خبيب بن): عدي يوم بدر فمال شقه، فتفل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأمه ورده، فانطبق. أحمد بن الأزهر: ثنا عبد الرزاق، عن جعفر بن سليمان، عن أبي عمران الجوني، عن أنس أو غيره قال: شهد عمير بن وهب الجمحي بدراً (2/99)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 100 كافراً، وكان في القتلى. فمر به رجل فوضع سيف في بطنه، فخرج من ظهره. فلما برد عليه الليل لحق بمكة فصح. فاجتمع هو وصفوان بن أمية فقال: لولا عيالي وديني لكنت أقتل محمداً. فقال صفوان: وكيف تقتله قال: أنا رجل جريء الصدر جواد لا ألحق، فأضربه وألحق بالجبل فلا أدرك. قال: عيالك في عيالي ودينك علي. فانطلق فشحذ سيفه وسيمه. وأتى المدينة، فرآه عمر فقال للصحابة: احفظوا أنفسكم فإني أخاف عميراً إنه رجل فاتك، ولا أدري ما جاء به. فأطاف المسلمون برسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء عمير، متقلداً سيفه، إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنعم صباحاً. قال: ما جاء بك يا عمير قال: حاجة. قال: فما بال السيف قال: قد حملناها يوم بدر فما أفلحت ولا أنجحت. قال: فما قولك لصفوان وأنت في الحجر وأخبره بالقصة. فقال عمير: قد كنت تحدثنا عن خبر السماء فنكذبك، وأراك تعلم خبر الأرض. أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. بأبي أنت وأمي، أعطني منك علماً تعلم أهل مكة أني أسلمت. فأعطاه. فقال عمر: لقد جاء عمير وإنه لأضل من خنزير، ثم رجع وهو أحب إلي من ولدي. وقال يونس، عن ابن إسحاق قال: عكاشة الذي قاتل بسيفه يوم بدر حتى انقطع في يده، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه جذلاً من حطب، فقال: قاتل بهذا. فلما أخذه هزه فعاد سيفاً في يده، طويل القامة شديد المتن أبيض الحديد. فقاتل به، حتى فتح الله على رسوله، ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قتل في قتال أهل الردة وهو (2/100)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 101 عنده. وكان ذلك السيف يسمى العون. هكذا ذكره ابن إسحاق بلا سند. وقد رواه الواقدي قال: حدثني عمر بن عثمان الجحشي، عن أبيه، عن عمته قالت: قال عكاشة بن محصن: انقطع سيفي يوم بدر، فأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عوداً، فإذا هو سيف أبيض طويل. فقاتلت به. وقال الواقدي: حدثني أسامة بن زيد الليثي، عن داود بن الحصين، عن جماعة قالوا: انكسر سيف سلمة بن أسلم يوم بدر، فبقي أعزل لا سلاح معه، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه): وسلم قضيباً كان في يده من عراجين، فقال: اضرب به. فإذا هو سيف جيد. فلم يزل عنده حتى قتل يوم جسر أبي عبيد. ( (2/101)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 102 (2/102)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 103 ذكر غزوة بدر)

(من مغازي موسى بن عقبة) فإنها من أصح المغازي قد قال إبراهيم بن المنذر الجزامي: حدثني مطرف ومعن وغيرهما أن مالكاً كان إذا سئل عن المغازي قال: عليك بمغازي الرجل الصالح موسى بن عقبة، فإنه أصح المغازي. قال محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة قال: قال ابن شهاب، ح. وقال إسماعيل بن أبي أويس: ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة وهذا لفظه عن عمه موسى بن عقبة قال: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قتل ابن الحضرمي شهرين. ثم أقبل أبو (2/103)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 104 سفيان في عير لقريش، ومعه سبعون راكباً من بطون قريش منهم: مخرمة ابن نوفل وعمرو بن العاص، وكانوا تجاراً بالشام، ومعهم خزائن أهل مكة، ويقال كانت عيرهم ألف بعير. ولم يكن لقريش أوقية فما فوقها إلا بعثوا بها مع أبي سفيان إلا حويطب بن عبد العزى، فلذلك تخلف عن بدر فلم يشهده. فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقد كانت الحرب بينهم قبل ذاك، فبعث عدي بن أبي الزغباء الأنصاري، وبسبس بن عمرو، إلى العير، عيناً له، فسار، حتى أتيا حياً من جهينة، قريباً من ساحل البحر، فسألوهم عن العير، فأخبروهما بخبر القوم. فرجعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه. فاستنفر المسلمين للعير. وذلك في رمضان. وقدم أبو سفيان على الجهنيين وهو متخوف من المسلمين، فسألهم فأخبروه خبر الراكبين، فقال أبو سفيان: خذوا من بعر بعيريهما. ففته فوجد النوى فقال: هذه علائف أهل يثرب. فأسرع وبعث رجلاً من بني غفار يقال له: ضمضم بن عمرو إلى قريش أن انفروا فاحموا عيركم من محمد وأصحابه. وكانت عاتكة قد رأت قبل قدوم ضمضم فذكر رؤياها، إلى أن قال: فقدم ضمضم فصاح: يا آل غالب بن فهر انفروا فقد خرج محمد وأهل يثرب يعترضون لأبي سفيان. ففزعوا، وأشفقوا): من رؤيا عاتكة، ونفروا على كل صعب وذلول. وقال أبو جهل: أيظن محمد أن يصيب مثل ما أصاب بنخلة سيعلم أنمنع عيرنا أم لا. (2/104)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 105 فخرجوا بخمسين وتسعمائة مقاتل، وساقوا مائة فرس، ولم يتركوا كارهاً للخروج. فأشخصوا العباس بن عبد المطلب، ونوفل بن الحارث، وطالب بن أبي طالب، وأخاه عقيلاً، إلى أن نزلوا الجحفة. فوضع جهيم بن الصلت بن مخرمة المطلبي رأسه فأغفى، ثم فزع فقال لأصحابه: هل رأيتم الفارس الذي وقف علي آنفاً. قالوا: لا، إنك مجنون. قال: قد وقف علي فارس فقال: قتل أبو جهل، وعتبة وشيبة، وزمعة، وأبو البختري، وأمية بن خلف، فعد جماعة. فقالوا: إنما لعب بك الشيطان. فرفع حديثه إلى أبي جهل فقال: قد جئتمونا بكذب بني المطلب مع كذب بني هاشم، سترون غداً من يقتل. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلب العير، فسلك على نقب بني دينار، ورجع حين رجع من ثنية الوداع. فنفر في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً. وأبطأ عنه كثير من أصحابه وتربصوا. وكانت أول وقعة أعز الله فيها الإسلام. فخرج في رمضان ومعه المسلمون على النواضح يعتقب النفر منهم على البعير الواحد. وكان زميل رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، ومرثد بن أبي مرثد الغنوي حليف حمزة بن عبد المطلب، ليس مع الثلاثة إلا بعير واحد. (2/105)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 106 فساروا، حتى إذا كانوا بعرق الظبية لقيهم رضي الله عليه راكب من قبل تهامة، فسألوه عن أبي سفيان فقال: لا علم لي به. فقالوا: سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وفيكم رسول الله قالوا: نعم. وأشاروا إليه. فقال له: أنت رسول الله قال: نعم. قال: إن كنت رسول الله فحدثني بما في بطن ناقتي هذه. فغضب سلمة بن سلامة بن وقش الأنصاري فقال: وقعت على ناقتك فحملت منك. فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال سلمة فأعرض عنه. ثم سار لا يلقاه خبر ولا يعلم بنفرة قريش. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشيروا علينا. فقال أبو بكر: أنا أعلم بمسافة الأرض. أخبرنا عدي بن أبي الزغباء: أن العير كانت بوادي كذا. وقال عمر: يا رسول الله، إنها قريش وعزها، والله ما ذلت منذ عزت ولا آمنت منذ كفرت.): والله لتقاتلنك، فتأهب لذلك. فقال: أشيروا علي. قال المقداد بن عمرو: إنا لا نقول لك كما قال أصحاب موسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم متبعون. فقال: أشيروا علي. (2/106)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 107 فلما رأى سعد بن معاذ كثرة استشارته ظن سعد أنه يستنطق الأنصار شفقاً أن لا يستحوذوا معه، أو قال: أن لا يستجلبوا معه على ما يريد، فقال: لعلك يا رسول الله تخشى أن لا يكون الأنصار يريدون مواساتك. ولا يرونها حقاً عليهم، إلا بأن يروا عدواً في بيوتهم وأولادهم ونسائهم. وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم: فاظعن حيث شئت، وصل حبل من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وأعطنا ما شئت، وما أخذته منا أحب إلينا مما تركته علينا. فوالله لو سرت حتى تبلغ البرك من غمد ذي يمن لسرنا معك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيروا على اسم الله عز وجل فإني قد أريت مصارع القوم. فعمد لبدر. وخفض أبو سفيان فلصق بساحل البحر، وأحرز ما معه، فأرسل إلى قريش، فأتاهم الخبر بالجحفة. فقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نقدم بدراً فنقيم بها. فكره ذلك الأخنس بن شريق وأشار بالرجعة، فأبوا وعصوه. فرجع ببني زهرة فلم يحضر أحد منهم بدراً. وأرادت بنو هاشم الرجوع فمنعهم أبو جهل. ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أدنى شيء من بدر. ثم بعث علياً والزبير (2/107)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 108 وجماعة يكشفون الخبر. فوجدوا وارد قريش عند القليب، فوجدوا غلامين فأخذوهما فسألوهما عن العير، فطفقا يحدثانهم عن قريش، فضربوهما. وذكر الحديث، إلى أن قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشيروا علي في المنزل. فقام الحباب بن المنذر السلمي: أنا يا رسول الله علام بها وبقلبها إن رأيت أن نسير إلى قليب منها قد عرفتها كثيرة الماء عذبة، فننزل عليها ونسبق القوم إليها ونغور ما سواها. فقال: سروا. فإن الله قد وعدكم إحدى الطائفتين. فوقع في قلوب ناس كثير الخوف. فتسارع المسلمون والمشركون إلى الماء، فأنزل الله تلك الليلة مطراً واحداً فكان علي): المشركين بلاء شديداً منعهم أن يسيروا، وكان على المسلمين ديمة خفيفة لبد لهم الأرض، فسبقوا إلى الماء فنزلوا عليه شطر الليل. فاقتحم القوم في القليب فماحوها حتى كثر ماؤها. وصنعوا حوضاً عظيماً ثم عوروا ما سواه من المياه. ويقال: كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسان، على أحدهما: مصعب بن عمير، وعلى الآخر سعد بن خثيمة. ومرة الزبير بن العوام، والمقداد. ثم صف رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحياض. فلما طلع المشركون قال رسول (2/108)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 109 الله صلى الله عليه وسلم زعموا اللهم هذه قريش قد جاءت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك. واستنصر المسلمون الله واستغاثوه، فاستجاب الله لهم. فنزل المشركون وتعباؤا للقتال، ومعهم إبليس في صورة سراقة المدلجي يحدثهم أن بني كنانة وراءه قد أقبلوا لنصرهم. قال: فسعى حكيم بن حزام إلى عتبة بن ربيعة فقال: هل لك أن تكون سيد قريش ما عشت قال عتبة: فأفعل ماذا قال: تجير بين الناس وتحمل دية ابن الحضرمي، وبما أصاب محمد في تلك العير، فإنهم لا يطلبون من محمد غيرها. قال عتبة: نعم قد فعلت، ونعم ما قلت، فاسع في عشيرتك فأنا أتحمل بها. فسعى حكيم في أشراف قريش بذلك. وركب عتبة جملاً له، فسار عليه في صفوف المشركين فقال: يا قوم أطيعوني ودعوا هذا الرجل فإن كان كاذباً ولي قتله غيركم من العرب فإن فيهم رجالاً لكم فيهم قرابة قريبة، وإنكم إن تقتلوهم لا يزال الرجل ينظر إلى قاتل أخيه أو ابنه أو ابن أخيه أو ابن عمه، فيورث ذلك فيكم إحناً وضغائن. وإن كان هذا الرجل ملكاً كنتم في ملك أخيكم. وإن كان نبياً لم تقتلوا النبي فتسبوا به. ولن تخلصوا إليهم حتى يصيبوا أعدادهم منكم، (2/109)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 110 ولا آمن أن تكون لهم الدبرة عليكم. فحسده أبو جهل على مقالته. وأبى الله إلا أن ينفذ أمره. وعتبة يومئذ سيد المشركين. فعمد أبو جهل إلى ابن الحضرمي وهو أخو المقتول فقال: هذا عتبة يخذل بين الناس، وقد تحمل بدية أخيك، يزعم أنك قابلها. أفلا تستحيون من ذلك أن تقبلوا الدية وقال لقريش: إن عتبة قد علم أنكم ظاهرون على هذا الرجل ومن معه، وفيهم ابنه وبنو عمه، وهو يكره صلاحكم. وقال لعتبة: انتفخ سحرك. وأمر النساء أن يعولن عمراً، فقمن يصحن: وا): عمراه وا عمراه تحريضاً على القتال. وقام رجل فتكشفوا يعيرون بذلك قريشاً. فأخذت قريش مصافها للقتال. فذكر الحديث إلى أن قال: فأسر نفر ممن أوصى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يقتلوهم إلا أبا البختري، فإنه أبى أن يستأسر، فذكروا له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرهم أن لا يقتلوه إن استأسر، فأبى. ويزعم ناس أن أبا اليسر قتل أبا البختري. ويأبى عظم الناس إلا أن المجذر هو الذي قتله. بل قتله أبو داود المازني. قال: ووجد ابن مسعود أبا جهل مصروعاً، بينه وبين المعركة غير كثير، مقنعاً في الحديد واضعاً سيفه على فخذيه ليس به جرح، ولا يستطيع (2/110)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 111 أن يحرك عضواً، وهو منكب ينظر إلى الأرض. فلما رآه ابن مسعود أطاف حوله ليقتله وهو خائف أن يثور إليه، وأبو جهل مقنع بالحديد، فلما أبصره لا يتحرك ظن أنه مثبت جراحاً، فأراد أن يضربه بسيفه، فخشي أن لا يغني سيفه شيئاً، فأتاه من ورائه، فتناول قائم سيفه فاستله وهو منكب، فرفع عبد الله سابغة البيضة عن قفاه فضربه، فوقع رأسه بين يديه ثم سلبه. فلما نظر إليه إذا هو ليس به جراح، وأبصر في عنقه حدراً، وفي يديه وفي كتفيه كهيئة آثار السياط، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذلك ضرب الملائكة. قال: وأذل الله بوقعه بدر رقاب المشركين والمنافقين، فلم يبق بالمدينة منافق ويهودي إلا وهو خاضع عنقه لوقعة بدر. وكان ذلك يوم الفرقان فرق الله بين المشركين والإيمان. وقالت اليهود: تيقناً أنه النبي الذي نجد نعته في التوراة. والله، لا يرفع راية بعد اليوم إلا ظهرت. وأقام أهل مكة على قتلاهم النوح بمكة شهراً. ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فدخل من ثنية الوداع. (2/111)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 112 ونزل القرآن يعرفهم الله نعمته فيما كرهوا من خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر، فقال: كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون، وثلاث آيات معها. ثم ذكر موسى بن عقبة الآيات التي نزلت في سورة الأنفال في هذه الغزوة وآخرها.): وقال رجال ممن أسر: يا رسول الله، إنا كنا مسلمين، وإنما أخرجنا كرهاً، فعلام يؤخذ منا الفداء فنزلت: قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً، مما أخذ منكم ويغفر لكم. حذفت من هذه القصة كثيراً مما سلف من الأحاديث الصحيحة استغناء بما تقدم. وقد ذكر هذه القصة بنحو قول موسى بن عقبة ابن لهيعة عن أبي الأسود، عن عروة، ولم يذكر أبا داود المازني في قتال أبي البختري. وزاد يسيراً. وقال هو وابن عقبة: إن عدد من قتل من المسلمين ستة من قري، وثمانية من الأنصار. وقتل من المشركين تسعة وأربعون رجلاً، وأسر تسعة وثلاثون رجلاً. كذا قالا. (2/112)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 113 وقال ابن إسحاق: استشهد أربعة من قريش وسبعة من الأنصار. وقتل من المشركين بضعة وأربعون، وكانت الأسارى أربعة وأربعين أسيراً. وقال الزهري عن عروة: هزم المشركون وقتل منهم زيادة على سبعين، وأسر مثل ذلك. ويشهد لهذا القول حديث البراء الذي في البخاري قال: أصاب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المشركين يوم بدر أربعين ومائة سبعين أسيراً وسبعين قتيلاً. وأصابوا منا يوم أحد سبعين. وقال حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم خلف عثمان وأسامة بن زيد على بنته رقية أيام بدر. فجاء زيد بن حارثة على العضباء، ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبشارة. قال أسامة: فسمعت الهيعة، فخرجت فإذا أبي قد جاء بالبشارة، فوالله ما صدقت حتى رأينا الأسارى. فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان بسهمه. وقال عبدان بن عثمان: ثنا ابن المبارك، أنا عبد الرحمن بن يزيد ين جابر، عن عبد الرحمن رجل من أهل صنعاء قال: أرسل النجاشي إلى جعفر بن أبي طالب وأصحابه، فدخلوا عليه وهو في بيت، عليه خلقان (2/113)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 114 جالس على التراب. قال جعفر: فأشفقنا منه حين رأيناه على تلك الحال. فقال: أبشركم بما يسركم إنه جاءني من نحو أرضكم عين لي فأخبرني أن الله تعالى قد نصر نبيه صلى الله عليه وسلم وأهلك عدوه، وأسر فلان وفلان وقتل فلان وفلان، التقوا بواد يقال له بدر، كثير الأراك، كأني أنظر إليه، كنت أرعى به لسيدي رجل من بني ضمرة): إبله. فقال له جعفر: ما بالك جالس على التراب، ليس تحتك بساط، وعليك هذه لأخلاق قال: إنا نجد فيما أنزل الله على عيسى عليه السلام أن حقاً على عباد الله أن يحدقوا لله تواضعاً عندما ما أحدث لهم من نعمته. فلما أحدث الله لي نصر نبيه أحدثت له هذا التواضع. ذكر مثل هذه الحكاية الواقدي في مغازيه بلا سند. (فصل في غنائم بدر والأسرى) قال خالد الطحان، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر: من فعل كذا وكذا، فله من النفل كذا وكذا. قال: فتقدم الفتيان ولزم المشيخة الرايات. فلما فتح الله عليهم قالت المشيخة: كنا ردءاً لكم، لو انهزمتم، فئتم إلينا، فلا تذهبوا بالمغنم ونبقى. فأبى الفتيان وقالوا: جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا. (2/114)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 115 فأنزل الله تعالى يسئلونك عن الأنفال إلى قوله: وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون. يقول: فكان ذلك خيراً لهم. فكذلك أيضاً أطيعوني فإني أعلم بعاقبة هذا منكم. أخرجه أبو داود. ثم ساقه من وجه آخر عن داود بإسناده. وقال: فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسواء. وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم تنفل سيفه ذا الفقار يوم بدر. وقال عمر بن يوسن: حدثني عكرمة بن عمار، حدثني أبو زميل، حدثني ابن عباس، حدثني عمر قال: لما كان يوم بدر، فذكر القصة. قال ابن عباس: فلما أسروا الأسارى قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ترون في هؤلاء فقال أبو بكر: هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم إلى الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ترى يا بن الخطاب قلت: لا والله يا رسول الله ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم فتمكن علياً من عقيل فيضرب عنقه، وتمكني من (2/115)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 116 فلان نسيب لعمر فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها. فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت. فلما كان من الغد): جئت، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يبكيان. قلت: يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكيان، فإن وجدت بكاء بكيت، وإلا تباكيت لبكائكما. فقال: أبكي للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء. لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة شجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم. وأنزل الله تعالى: ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض إلى قوله فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً، فأحل الله لهم الغنيمة. أخرجه مسلم. وقال جرير، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة بن عبد الله، عن أبيه قال: لما كان يوم بدر قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تقولون في هؤلاء الأسارى فقال عبد الله بن رواحة: أنت في واد كثير الحطب فاضرم ناراً ثم ألقهم فيها. فقال العباس: قطع الله رحمك. فقال عمر: قادتهم ورؤوسهم قاتلوك وكذبوك، فاضرب أعناقهم. فقال أبو بكر: عشيرتك وقومك. ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض حاجته. فقالت طائفة: القول ما قال عمر. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما تقولون في هؤلاء إن مثل هؤلاء كمثل إخوة لهم كانوا من قبلهم قال نوح: رب لا تذر على (2/116)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 117 الأرض من الكافرين دياراً، وقال موسى: ربنا اطمس على أموالهم وأشدد على قلوبهم، وقال إبراهيم: فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم، وقال عيسى: إن تعذبهم فإنهم عبادك الآية. وأنتم قوم بكم عيلة، فلا ينقلبن أحد منهم إلا بفداء أو بضربة عنق. فقلت: إلا سهيل بن بيضاء فإنه لا يقتل، قد سمعته يتكلم بالإسلام. فسكت. فما كان يوم أخوف عندي أن يلقي الله علي حجارة من السماء من يومي ذلك، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلا سهيل ابن بيضاء. وقال أبو إسحاق عن البراء أو غيره قال: جاء رجل من الأنصار بالعباس قد أسره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال العباس: ليس هذا أسرني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد آزرك الله بملك كريم. وقال ابن إسحاق: حدثني من سمع عكرمة، عن ابن عباس قال: كان الذي أسر العباس أبو اليسر كعب بن عمرو السلمي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كيف أسرته قال: لقد أعلق عليه رجل ما رأيته قبل ولا بعد، هيئته كذا وكذا. فقال: لقد أعانك عليه ملك كريم.): وقال للعباس: افد نفسك وابن أخيك عقيل بن أبي طالب، ونوفل بن (2/117)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 118 الحارث. فأبى وقال: إني كنت مسلماً وإنما استكرهوني. قال: الله أعلم بشأنك إن يك ما تدعي حقاً فالله يجزيك بذلك. وأما ظاهر أمرك فقد كان علينا، فافد نفسك. وكان قد أخذ معه عشرون أوقية ذهباً. فقال: يا رسول الله أحسبها لي من فدائي. قال: لا، ذاك شيء أعطانا الله منك. وقال عبد العزيز بن عمران الزهري وهو ضعيف: حدثني محمد ابن موسى، عن عمارة بن عمار أبي اليسر، عن أبيه، عن جده قال: نظرت إلى العباس يوم بدر، وهو قائم كأنه صنم وعيناه تذرفان، فقلت: جزاك الله من ذي رجم شراً، تقاتل ابن أخيك مع عدوه قال: ما فعل، أقتل قلت: الله أعز له وأنصر من ذلك. قال: ما تريد إلي قلت: إسار، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتلك. قال: ليست بأول صلته. فأسرته. وروى ابن إسحاق، عن رجل، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: بعثت قريش في فداء أسراهم. وقال العباس: إني كنت مسلماً. فنزل فيه إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم ويغفر لكم قال العباس: فأعطاني الله مكان العشرين أوقية عشرين عبداً كلهم في يده مال يضرب به، مع ما أرجو من المغفرة. (2/118)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 119 وقال أزهر السمان، عن ابن عون، عن محمد، عن عبيدة، عن علي رضي الله عنه وبعضهم يرسله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأسارى يوم بدر. إن شئتم قتلتموهم، وإن شئتم فاديتموهم واستمتعتم بالفداء، واستشهد منكم بعدتهم. وكان آخر السبعين ثابت بن قيس، قتل يوم اليمامة. هذا الحديث داخل في معجزاته صلى الله عليه وسلم، وإخباره عن حكم الله فيمن يستشهد، فكان كما قال. وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني نبيه بن وهب العدبري قال: لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسارى فرقهم على المسلمين، وقال: استوصوا بهم خيراً. قال نبيه: فسمعت من يذكر عن أبي عزيز، قال: كنت في الأسارى يوم بدر، فسمعت رسول الله صلى): الله عليه وسلم يقول: استوصوا بالأسارى خيراً. فإن كان ليقدم إليهم الطعام فما تقع بيد أحدهم كسرة إلا رمى بها إلى أسيره، ويأكلون التمر. فكنت أستحي فآخذ الكسرة فأرمي بها إلى الذي رمى بها إلي، فيرمي بها إلي. أبو عزيز هو أخو مصعب بن عمير، يقال إنه أسلم. وقال ابن الكلبي وغيره: إنه قتل يوم أحد كافراً. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جعل النبي صلى الله عليه وسلم فداء أهل الجاهلية يوم بدر أربعمائة. أخرجه أبو داود من حديث شعبة، عن أبي العنبس، عن أبي الشعثاء عنه. (2/119)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 120 وقال أسباط، عن إسماعيل السدي: كان فداء أهل بدر العباس، وعقيل ابن أخيه، ونوفل، كل رجل أربعمائة دينار. وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني العباس بن عبد الله بن معبد، عن بعض أهله، عن ابن عباس أن رسول الله قال يوم بدر: إني قد عرفت أن ناساً من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهاً، لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحداً منهم فلا يقتله، فإنه إنما أخرج مستكرهاً. فقال أبو حذيفة بن عتبة: أنقتل آباءنا وإخواننا ونترك العباس والله لئن لقيته لألحمنه بالسيف. فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لعمر بن الخطاب: يا أبا حفص، أيضرب وجه عم رسول الله بالسيف فقال عمر: يا رسول الله ائذن لي فأضرب عنقه، فوالله لقد نافق. فكان أبو حذيفة بعد يقول: والله ما أنا آمن من تلك الكلمة التي قلت، ولا أزال منها خائفاً، إلا أن يكفرها الله عني بشهادة. فاستشهد يوم اليمامة. قال ابن إسحاق: إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أبي البختري لأنه كان أكف القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة. وكان العباس أكثر الأسر فداء لكونه موسراً، فافتدى نفسه بمائة أوقية ذهب. (2/120)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 121 وقال ابن شهاب: حدثني أنس أن رجالاً من الأنصار استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ائذن لنا فلنترك لابن أختنا فداءه. فقال: لا والله لا تذرون درهماً. أخرجه البخاري. وقال إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قالوا: يا رسول الله بعد ما فرغ من بدر عليك بالعير ليس دونها شيء. فقال العباس وهو في وثاقه: لا يصلح. قال: ولم قال: لأن): الله وعدك إحدى الطائفتين، وقد أعطاك ما وعدك. وقد ذكر إرسال زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقلادتها في فداء أبي العاص زوجها. وقال سعيد بن أبي مريم: ثنا يحيى بن أيوب، ثنا ابن الهاد، حدثني عمر بن عبد الله بن عروة بن الزبير، عن عروة، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة خرجت ابنته زينب من مكة مع كنانة أو ابن كنانة فخرجوا في أثرها. فأدركها هبار بن الأسود، فلم يزل يطعن بعيرها برمحه حتى صرعها، وألقت ما في بطنها وأهريقت دماً. فتحملت. فاشتجر فيها بنو هاشم وبنو أمية. فقالت بنو أمية: نحن أحق بها. وكانت تحت أبي العاص، فكانت عند هند بنت عتبة بن ربيعة. وكانت تقول لها هند: هذا من سبب أبيك. قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة: ألا تنطلق فتأتي بزينب فقال: بلى يا رسول الله. قال: فخذ خاتمي فأعطها إياه. فانطلق زيد، فلم يزل يتلطف حتى لقي راعياً فقال له: لمن ترعى قال: لأبي العاص. قال: فلمن هذه الغنم قال: لزينب بنت محمد. فسار معه شيئاً ثم قال (2/121)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 122 له: هل لك أن أعطيك شيئاً تعطيها إياه، ولا تذكره لأحد قال: نعم. فأعطاه الخاتم. وانطلق الراعي حتى دخل فأدخل غنمه وأعطاها الخاتم فعرفته. فقالت: من أعطاك هذا قال: رجل. قالت: فأين تركته قال: بمكان كذا وكذا. فسكتت، حتى إذا كان الليل خرجت إليه. فقال لها: اركبي بين يدي. على بعيره. فقالت: لا، ولكن أركب أنت بين يدي. وركبت وراءه حتى أتت المدينة. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هي أفضل بناتي، أصيبت في. قال: فبلغ ذلك علي بن الحسين، فانطلق إلى عروة فقال: ما حديث بلغني عنك أنك تحدثه تتنقص به فاطمة فقال عروة: والله ما أحب أن لي ما بين المشرق والمغرب وأني أتنقص فاطمة حقاً هو لها، وأما بعد فلك أن لا أحدثه أبداً. (أسماء من شهد بدراً) جمعها الحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد في جزء كبير. فذكر من أجمع عليه ومن اختلف فيه من البدريين، ورتبهم على حروف المعجم. فبلغ عددهم ثلاثمائة وبضعة وثلاثين رجلاً.): وإنما وقعت هذه الزيادة في عددهم من جهة الاختلاف في بعضهم. (2/122)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 123 وقد جاء في فضلهم حديث سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي رضي الله عنه، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد الغنوي، والزبير، والمقداد وكلنا فارس، فقال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، وهو موضع بين مكة والمدينة. فذكر الحديث، ومكاتبة حاطب ابن أبي بلتعة قريشاً. فقال عمر: دعني أضرب عنقه فقد خان الله ورسوله. قال: أليس هو من أهل بدر وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم، فقد وجبت لكم الجنة. أو قد غفرت لكم. فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم. متفق عليه. وقال الليث، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه أن عبداً لحاطب ابن أبي بلتعة جاء يشكوه فقال: يا رسول الله ليدخلن حاطب النار. فقال: كذبت لا يدخلها إنه شهد بدراً والحديبية. أخرجه مسلم. وقال يحيى بن سعيد الأنصاري، معاذ بن رفاعة بن رافع الزرقي وكان أبوه بدرياً أنه كان يقول لابنه: ما أحب أني شهدت بدراً ولم أشهد العقبة. قال: سأل جبريل النبي صلى الله عليه وسلم: كيف أهل بدر فيكم قال: خيارنا. قال: وكذلك من شهد بدراً من الملائكة هم خيار الملائكة. أخرجه البخاري. (2/123)

الجزء الثانى

تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة (اضغط هنا للانتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على الإنترنت)


الكتاب: تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام. تأليف: شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. دار النشر: دار الكتاب العربي. مكان النشر: لبنان/ بيروت. سنة النشر: 1407هـ - 1987م. الطبعة: الأولى. تحقيق: د. عمر عبد السلام تدمري. ملاحظات حول الكتاب: الكتاب موافق للمطبوع كاملاً. غير مفهرس.غير مقابل على نسخة ورقية. بل هو نفس الموجود في مكتبة التراث. قام بنسخه وإدخاله إلى الشاملة أخوكم: أبو عبد الله السني. راجياً منكم دعاءً بظهر الغيب. تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 124 (ذكر طائفة من أعيان البدريين) أبو بكر. وعمر. وعلي. واحتبس عنهما عثمان بمرض زوجته رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم. فتوفيت في العشر الأخير من رمضان يوم قدوم المسلمين المدينة من بدر. وضرب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره. ومن البدريين: سعد بن أبي وقاص. وأما سعيد بن زيد، وطلحة بن عبيد الله، فكانا بالشام، فقدما بعد بدر وأسهم لهما النبي صلى الله عليه وسلم. الزبير بن العوام، أبو عبيدة بن الجراح، عبد الرحمن بن عوف، حمزة بن عبد المطلب، زيد بن حارثة، عبيدة بن الحارث بن المطلب، وأخواه: الطفيل، والحصين، وابن عمه: مصطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب وأربعتهم لم يعقبوا، مصعب بن عمير العبدري، المقداد بن الأسود، عبد الله بن مسعود، صهيب بن سنان، أبو سلمة بن عبد الأسد، عمار بن ياسر، زيد بن الخطاب أخو عمر.): ومن أعيان الأنصار من الأوس: سعد بن معاذ. ومن بني عبد الأشهل: عباد بن بشر، محمد بن مسلمة، أبو الهيثم ابن التيهان. ومن بني ظفر: قتادة بن النعمان. ومن بني عمرو بن عوف: مبشر بن عبد المنذر، وأخوه: رفاعة. ولم (2/124)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 125 يحضرها أخوهما أبو لبابة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رده فاستعمله على المدينة، وضرب له بسهمه وأجره. ومن بني النجار: أبو أيوب خالد بن زيد، عوف، ومعوذ، ومعاذ بنو الحارث بن رفاعة ابن سواد بن مالك بن غنم بن عوف. وهم بنو عفراء، أبي بن كعب، أبو طلحة زيد بن سهل، بلال مولى أبي بكر، عبادة بن الصامت، معاذ بن جبل الخزرجي، عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، عتبان بن مالك الخزرجي، عكاشة بن محصن، كعب بن عمرو أبو اليسر السلمي، معاذ بن عمرو الخزرجي ابن الجموح. حشرنا الله في زمرتهم. قد ذكرنا من استشهد يومئذ. وقتل من المشركين: حنظلة بن أبي سفيان بن حرب، وعبيد بن سعيد بن العاص، وأخوه: العاص، وعتبة، وشيبة، وابنا ربيعة، وولد عتبة: الوليد، وعقبة بن أبي معيط، قتل صبراً، والحارث بن عامر النوفلي وابن عمه طعيمة بن عدي، وزمعة بن الأسود، وابنه: الحارث وأخوه: عقيل، وأبو البختري ابن هشام بن الحارث بن أسد واسمه العاص ونوفل بن خويلد أخو خديجة، والنضر بن الحارث، قتل صبراً بعد يومين، وعمير بن عثمان التيمي عم طلحة بن عبيد الله، وأبو جهل، وأخوه: العاص بن هشام، (2/125)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 126 ومسعود بن أبي أمية المخزومي أخو أم سلمة، وأبو قيس أخو خالد بن الوليد، والسائب بن أبي السائب المخزومي، وقيل لم يقتل، بل أسلم بعد ذلك، وقيس بن الفاكه بن المغيرة، ومنبه ونبيه: ابنا الحجاج بن عامر السهمي، وولدا منبه: الحارث، والعاص. وأمية بن خلف الجمحي، وابنه: علي. وذكر ابن إسحاق وغيره سائر المقتولين، وكذا سمي الذين أسروا. تركتهم خوفاً من التطويل. وفي رمضان: فرض الله صوم رمضان، ونسخ فريضة يوم عاشوراء وفي آخره: فرضت): الفطرة. وفي شوال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة، وهي بنت تسع سنين. وفي صفر: توفي أبو جبير المطعم بن عدي بن نوفل ونوفل أخو هاشم بن عبد مناف بن قصي توفي مشركاً عن سن عالية، وكان من عقلاء قريش وأشرافهم. وهو الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كان المطعم بن عدي حياً وكلمني في هؤلاء النتنى لأجبته. وكانت له عند النبي صلى الله عليه وسلم يد لأنه قام في نقض الصحيفة. وفيها: توفي أبو السائب عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن (2/126)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 127 خذافة بن جمح الجمحي، بعد بدر بيسير. وقد شهدها هو وأخواه: قدامة، وعبد الله. فعثمان أحد السابقين، أسلم بعد ثلاثة عشر رجلاً، وهاجر إلى الحبشة الهجرة الأولى، ولما قدم أجاره الوليد بن المغيرة أياماً. ثم رد على الوليد جواره. وكان صواماً قواماً قانتاً لله. وفيها: توفي أبو سلمة ت ق عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، مرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر. وهو ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة. وأمه: برة بنت عبد المطلب. من السابقين الأولين، شهد بدراً، وتزوجت أم سلمة بعده بالنبي صلى الله عليه وسلم، وروت عنه القول عند المصيبة. وقيل توفي سنة ثلاث بعد أحد أو قبلها. وفيها: ولد عبد الله بن الزبير، بالمدينة. والمسور بن مخرمة. ومروان بن الحكم: بمكة. وفيها قتل ببدر من الكفار: أبو جهل بن هشام بن المغيرة المخزومي، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف، والوليد ولد عتبة، وعقبة بن أبي معيط قتل (2/127)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 128 صبراً، والحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف قتله علي، وابن عمه طعيمة ابن عدي بن نوفل قتله حمزة على الصحيح، وزمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد، وابنه الحارث، وأخوه عقيل. وأبو البختري بن العاص بن هشام بن الحارث بن أسد، ونوفل بن خويلد بن أسد قتله علي وقيل الزبير، والنضر ابن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي العبدري، قتله علي بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لشدة إيذائه الإسلام وأهله، وعمير بن عثمان التيمي عم طلحة بن عبيد الله، والعاص): أخو أبي جهل قتله عمر، ومسعود بن أبي أمية المخزومي أخو أم سلمة، وأبو قيس أخو خالد بن الوليد، وابن عمه قيس بن الفاكه بن المغيرة، ومنبه ونبيه ابنا الحجاج بن عامر السهمي، والعاص والحارث ابنا منبه المذكور، وأمية بن خلف الجمحي وابنه علي. ومات في الأسر: ملك أخو طلحة بن عبيد الله. وقتل: هشام بن أبي حذيفة بن المغيرة، وأسر أخوه حذيفة ثم قتل، وأسر يومئذ العباس وابنا أخويه عقيل بن أبي طالب، ونوفل بن الحارث. وقد أفرد الحافظ ضياء الدين المقدسي أسماء من شهد بدراً من المسلمين بأنسابهم في جزء كبير، وساق اختلاف الناس في بعضهم. (2/128)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 129 (قصة النجاشي من السيرة) ثم إن قريشاً قالوا: إن ثأرنا بأرض الحبشة. فانتدب إليها عمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي ربيعة. قال الزهري: بلغني أن مخرجهما كان بعد وقعة بدر. فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم مخرجهما، بعث عمرو بن أمية الضمري بكتابه إلى النجاشي. وقال سعيد بن المسيب وغيره: فبعث الكفار مع عمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي ربيعة للنجاشي، ولعظماء الحبشة هدايا. فلما قدما على النجاشي قبل الهدايا، وأجلس عمرو بن العاص على سريره. فكلم النجاشي فقال: إن بأرضك رجالاً منا ليسوا على دينك ولا على ديننا، فادفعهم إلينا. فقال عظماء الحبشة: صدق، فادفعهم إليه. فقال: حتى أكلمهم. قال الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أم سلمة، رضي الله عنهما قالت: (2/129)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 130 نزلنا الحبشة، فجاورنا بها خير جار، النجاشي. أمناً على ديننا وعبدنا الله تعالى، لا نؤذى ولا نسمع شيئاً نكرهه. فلما بلغ ذلك قريشاً ائتمروا بينهم أن يبعثوا إلى النجاشي مع رجلين بما يستطرف من مكة. وكان من أعجب ما يأتيه منها: الأدم. فجمعوا له أدماً كثيراً. ولم يتركوا بطريقاً عنده إلا أهدوا له. وبعثوا عبد الله بن أبي ربيعة، وعمرو بن العاص وقالوا: ادفعا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلما النجاشي. فقدما، وقالا لكل بطريق: إنه قد ضوى إلى بلد الملك): منا غلمان سفهاء، خالفوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينكم. وقد بعثنا أشرافنا إلى الملك ليردهم، فإذا كلمناه فأشيروا عليه أن يسلمهم إلينا. فقالوا: نعم. ثم قربا هداياهما إلى النجاشي فقبلها، فكلماه. فقلت بطارقته: صدقاً أيها الملك، فوقهم أعلى بهم عيناً، وأعلم بما عابوا عليهم. فغضب النجاشي، ثم قال: لا ها الله أبداً، لا أرسلهم إليهم. قوم جاوروني ونزلوا بلادي، واختاروني على سواي. حتى أدعوهم فأسألهم عما تقولون. ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما جاء رسوله اجتمعوا، قال بعضهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا جئتموه قالوا: نقول والله ما علمنا الله، وأمرنا به نبينا، كائن في ذلك ما كان. فلما جاءوه وقد دعا النجاشي أساقفته، ونشروا مصاحفهم حوله سألهم: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا به في ديني ولا في دين أحد من الملل. قالت: فكلمه جعفر بن أبي طالب، فقال: أيها الملك: كنا قوماً أهل (2/130)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 131 جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء إلى الجار ويأكل القوي منا الضعيف. كنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعا إلى الله لنعبده ونوحده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئاً، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام. وعد أمور الإسلام. قال: فصدقناه واتبعناه. فلما قهرونا وظلمونا وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلدك، وآثرناك على من سواك فرغبنا في جوارك: ورجونا أن لا نظلم عندك. قال: فبكى النجاشي وأساقفته حتى أخضلوا لحاهم، حين سمعوا القرآن. فقال النجاشي: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة. انطلقا، فوالله لا أسلمهم إليكما أبداً. قالت: فلما خرجنا من عنده، قال عمرو بن العاص: والله لأتينه غداً بما استأصل به خضراءهم. فقال ابن أبي ربيعة وكان أتقى الرجلين فينا: لا تفعل، فإن لهم أرحاماً، وإن كانوا قد خالفونا. قال: فوالله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى عبد. (2/131)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 132 قالت: ثم غدا عليه، فقال: أيها الملك، إنهم يقولون في عيسى قولاً عظيماً. فأرسل إلينا ليسألنا.): قالت: ولم ينزل بنا مثلها. فقال: ما تقولون في عيسى فقال جعفر: نقول فيه الذي جاء به نبينا: عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول. فضرب النجاشي بيده إلى الأرض، وأخذ منها عوداً، وقال: ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا المقدار. قال: فتناخرت بطارقته حين قال ما قال، فقال: وإن نخرتم والله. ثم قال لجعفر وأصحابه: اذهبوا آمنين. ما أحب أن لي دبر ذهب، وأني آذيت واحداً منكم والدبر بلسان الحبشة: الجبل فردوا عليهما هديتهما، فلا حاجة لنا فيها. فوالله ما أخذ الله في الرشوة فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه. فخرجا من عنده مقبوحين مردوداً عليهما ما جاءا به. قالت: فوالله إنا لعلى ذلك، إذ نزل به رجل من الحبشة ينازعه في (2/132)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 133 ملكه، فوالله ما علمنا حزناً قط، أشد من حزن حزناه عند ذلك، تخوفاً أن يظهر عليه من لا يعرف حقنا. فسار إليه النجاشي، وبينهما عرض النيل. فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يخرج حتى يحضر الوقعة ويخبرنا فقال الزبير بن العوام: أنا أخرج. وكان من أحدث القوم سناً. فنفخوا له قربة فجعلها في صدره، وسبح عليها إلى الناحية التي فيها الوقعة. ودعونا الله للنجاشي. فوالله إنا لعلى ذلك، متوقعون لما هو كائن، إذ طلع علينا الزبير يسعى ويلوح بثوبه. ألا أبشروا، فقد ظهر النجاشي، وأهلك الله عدوه. فوالله ما علمنا فرحة مثلها قط. ورجع النجاشي سالماً، وأهلك الله عدوه. واستوثق له أمر الحبشة. فكنا عنده في خير منزل، حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة. خرجه د من حديث ابن إسحاق عن الزهري. وهؤلاء قدموا مكة، ثم هاجروا إلى المدينة. وبقي جعفر وطائفة بالحبشة إلى عام خيبر. وقد قيل إن إرسال قريش إلى النجاشي كان مرتين. وأن المرة الثانية كان مع عمرو، عمارة بن الوليد المخزومي أخو خالد.): ذكر ذلك ابن إسحاق أيضاً. وذكر ما دار لعمرو بن العاص مع عمارة ابن الوليد من رميه إياه في البحر، وسعى عمرو به إلى النجاشي في وصوله إلى بعض حرمه أو أخدمه. وأنه ظهر ذلك في ظهور طيب الملك (2/133)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 134 عليه، وأن الملك دعا سحرة فسحروه ونفخوا في إحليله. فتبرر ولزم البرية، وهام، حتى وصل إلى موضع رام أهله أخذه فيه، فلما قربوا منه فاضت نفسه ومات. وقال ابن إسحاق قال الزهري: حدثت عروة بن الزبير حديث أبي بكر عن أم سلمة، فقال: هل تدري ما قوله: ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه قلت: لا. قال: فإن عائشة حدثتني أن أباه كان ملك قومه، ولم يكن له ولد إلا النجاشي. وكان للنجاشي عم، له من صلبه اثنا عشر رجلاً، وكانوا أهل بيت مملكة الحبشة. فقالت الحبشة: لو أنا قتلنا أبا النجاشي وملكنا أخاه لتوارث بنوه ملكه بعده، ولبقيت الحبشة دهراً. قالت: فقتلوه وملكوا أخاه. فنشأ النجاشي مع عمه. وكان لبيباً حازماً، فغلب على أمر عمه. فلما رأت الحبشة ذلك قالت: إنا نتخوف أن يملكه بعده، ولئن ملك ليقتلنا بأبيه. فمشوا إلى عمه فقالوا: إما أن تقتل هذا الفتى، وإما أن تخرجه من بين أظهرنا. فقال: ويكلم قتلت أباه بالأمس، وأقتله اليوم بل أخرجه. قال: فخرجوا به فباعوه من تاجر بستمائة درهم. فانطلق به في سفينة. فلما كان العشي، هاجت سحابة من سحائب الخريف، فخرج عمه يستمطر تحتها فأصابته صاعقة فقتلته. ففزعت الحبشة إلى ولده، فإذا هو محمق (2/134)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 135 ليس في ولده خير. فمرج على الحبشة أمرهم وضاق عليهم ما هم فيه. فقال بعضهم لبعض: تعلموا، والله، إن ملككم الذي لا يقيم أمركم غيره للذي بعتم. قال: فخرجوا في طلبه وطلب الذي باعوه منه، حتى أدركوه فأخذوه منه. ثم جاءوا به فعقدوا عليه التاج وأجلسوه على سرير الملك. فجاء التاجر فقال: إما أن تعطوني مالي وإما أن أكلمه في ذلك. فقالوا: لا نعطيك شيئاً. قال: إذن والله أكلمه. قالوا: فدونك. فجاءه فجلس بيديه، فقال: أيها الملك، ابتعت غلاماً من قوم بالسوق بستمائة درهم، حتى إذا سرت به أدركوني، فأخذوه ومنعوني دراهمي. فقال النجاشي: لتعطنه غلامه أو دراهمه. قالوا: بل نعطيه دراهمه. قالت: فلذلك يقول: ما أخذ الله مني رشوة حين رد علي ملكي، فآخذ الرشوة فيه. وكان ذلك أول ما خبر من صلابته في دينه وعدله.): قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن رومان، عن عروة، عن عائشة قالت: لما مات النجاشي كان يتحدث أنه لا يزال على قبره نور. قال: وحدثني جعفر بن محمد، عن أبيه قال: اجتمعت الحبشة فقالوا للنجاشي: إنك فارقت ديننا. وخرجوا عليه. فأرسل إلى جعفر وأصحابه. فهيأ لهم سفناً، وقال اركبوا فيها، وكونوا كما أنتم، فإن هزمت فامضوا حتى تلحقوا بحيث شئتم، وإن ظفرت فاثبتوا. ثم عمد إلى كتاب فكتب: هو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى (2/135)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 136 عبده ورسوله وروحه وكلمته. ثم جعله في قبائه وخرج إلى الحبشة. وصفوا له، فقال: يا معشر الحبشة، ألست أحق الناس بكم قالوا: بلى. قل: فكيف رأيتم سيرتي فيكم قالوا: خير سيرة. قال: فما بالكم قالوا: فارقت ديننا وزعمت أن عيسى عبد. قال: فما تقولون أنتم قالوا: هو ابن الله. فوضع يده على صدره، على قبائه، وقال: هو يشهد أن عيسى بن مريم. لم يزد على هذا شيئاً، وإنما يعني على ما كتب. فرضوا وانصرفوا. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فلما مات صلى عليه واستغفر له، رضي الله عنه وإنما ذكرنا هذا استطراداً. (سرية عمير بن عدي الخطمي) ذكر الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه لخمس بقين من رمضان، إلى عصماء بنت مروان من بني أمية بن زيد كانت تعيب الإسلام، وتحرض على النبي صلى الله عليه وسلم، وتقول الشعر. فجاءها عمير بالليل فقتلها غيلة. (2/136)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 137 (غزوة بني سليم) قال ابن إسحاق: لم يقم رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفه عن بدر بالمدينة، إلا سبعة أيام. ثم خرج بنفسه يريد بني سليم. واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري، وقيل ابن أم مكتوم. فبلغ ماء يقال له: الكدر. فأقام عليه ثلاثاً، ثم انصرف. ولم يلق أحداً. (2/137)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 138 (سرية سالم بن عمير)

(لقتل أبي عفك) وذكر الواقدي أن أبا عفك اليهودي، كان قد بلغ مائة وعشرين سنة، وهو من بني عمرو بن): عوف، كان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول الشعر، ويحرض عليه. فانتدب له سالم بن عمير، فقتله غيلة، في شوال منها. (غزوة السويق) في ذي الحجة قال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب: كان أبو سفيان بن حرب، حين بلغه وقعة بدر، نذر أن لا يمس رأسه دهن ولا غسل، ولا يقرب أهله، حتى يغزو محمداً ويحرق في طوائف (2/138)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 139 المدينة. فخرج من مكة سراً خائفاً، في ثلاثين فارساً، ليحل يمينه. فنزل بجبل من جبال المدينة يقال له: ثيب. فبعث رجلاً أو رجلين من أصحابه، وأمرهم أن يحرقا أدنى نخل يأتيانه من نخل المدينة. فوجدا صوراً من صيران نخل العريض. فأحرقا فيها وانطلقا. وانطلق أبو سفيان مسرعاً. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين، حتى بلغ قرقرة الكدر ففاته أبو سفيان، فرجع. وذكر مثل هذا ابن لهيعة عن أبي الأسود، عن عروة. وقال: وركب المسلمون في آثارهم، فأعجزوهم وتركوا أزوادهم. (2/139)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 140 فسميت غزوة أبي سفيان: غزوة السويق. وقال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، ويزيد ابن رومان، وحدثني من لا أتهم، عن عبيد الله بن كعب بن مالك، قالوا: لما رجع أبو سفيان إلى مكة، ورجع فل قريش من يوم بدر، نذر أن لا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمداً. فخرج في مائتي راكب، إلى أن نزل بجبل يقال له: ثيب، على نحو بريد من المدينة. ثم خرج من الليل حتى أتى حيي بن أخطب، فضرب عليه بابه، فلم يفتح له وخافه. فانصرف إلى سلام بن مشكم، وكان سيد بني النضير، فأذن له وقراه، وأبطن له من خبر الناس. ثم خرج في عقب ليلته حتى أتى أصحابه، فبعث رجالاً، فأتوا ناحية العريض، فوجدوا رجلين من المسلمين، فقتلوهما وردوا ونذر بهم الناس. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم، حتى بلغ قرقرة الكدر، ثم انصرف راجعاً وقد فاته أبو سفيان وأصحابه، قد رموا زاداً لهم في الحرث، وسويقاً كثيراً، يتخففون منها للنجاء.): فقال المسلمون حين رجع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، أنطمع أن يكون لنا غزوة فقال: نعم. (2/140)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 141 قال: وذلك بعد بدر بشهرين. وفي هذه السنة: تزوج عثمان بأم كلثوم. وفيها تزوج علي بفاطمة الزهراء رضي الله عنهم. قال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، حدثني عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن علي، قال: خطبت فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت لي مولاة لي: علمت أن فاطمة خطبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: لا. قالت: فما يمنعك أن تأتيه فيزوجك فقلت: وعندي شيء أتزوج به قالت: إن جئته زوجك. قال: فوالله ما زالت ترجيني، حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جلالة وهيبة. فأفحمت، فوالله ما استطعت أن أتكلم. فقال: ما جاء بك، ألك حاجة فسكت. ثم قال: لعلك جئت تخطب فاطمة قلت: نعم. قال: وهل عندك من شيء تستحلها به فقلت: لا والله. فقال: ما فعلت درع سلحتكها فوالذي نفس علي بيده إنها لحطمية ما ثمنها أربعة دراهم. فقلت: عندي. قال: قد زوجتكها، فابعث إلي بها. فإن الحطمية كانت لصداق فاطمة رضي الله عنها. (2/141)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 142 وقال أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما تزوج علي فاطمة، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أعطها شيئاً. قال: ما عندي شيء. قال: أين درعك الحطمية أخرجه أبو داود. وقال عطاء بن السائب، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه، قال: جهز رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة في خميل، وقربة، ووسادة أدم حشوها إذخر. وفيها: توفي سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة الخزرجي الساعدي، والد سهل بن سعد. وكان تجهز إلى بدر فمات قبلها في رمضان. فيقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب له بسهمه، ورده على ورثته. وفيها: بعد بدر، توفي خنيس بن حذافة السهمي، أحد المهاجرين، شهد بدراً. وتأيمت منه حفصة بنت عمر بن الخطاب.): وفي شوال: بنى النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة، وعمرها تسع سنين. (2/142)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 143 1 (أحداث السنة الثالثة)

(غزوة ذي أمر) في المحرم، غزا النبي صلى الله عليه وسلم نجداً، يريد غطفان. واستعمل على المدينة عثمان. فأقام بنجد صفراً كله، ورجع من غير حرب. قاله ابن إسحاق. وأما الواقدي فقال: كانت في ربيع الأول. وأن غيبته أحد عشر يوماً. ثم روى عن أشياخه، عن التابعي: عبد الله بن أبي بكر بن حزم، وغيره، قالوا: بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن جمعاً من غطفان، من بني ثعلبة، بذي أمر، قد تجمعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف المسلمين. (2/143)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 144 (غزوة بحران) قال ابن إسحاق: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، ربيع الأول. ثم (2/144)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 145 غزا يريد قريشاً. قال عبد الملك بن هشام: فبلغ بحران، معدناً بالحجاز، فأقام هناك ربيع الآخر كله، وجمادى الأولى. وبحران من ناحية الفرع. ثم رجع ولم يلق كيداً. وقال الواقدي: غزا النبي صلى الله عليه وسلم بني سليم ببحران، لست خلون من جمادى الأولى. وبحران من ناحية الفرع بينها وبين المدنية ثمانية برد. فغاب عشر ليال. وكان بلغه أن بها جمعاً من بني سليم، فخرج في ثلاثمائة. واستخلف ابن أم مكتوم. (غزوة بني قينقاع) ذكرها ابن إسحاق هكذا، بعد غزوة الفرع. وأما الواقدي، فقال: كانت يوم السبت نصف شوال، على رأس عشرين شهراً من الهجرة. فحاصرهم إلى هلال ذي القعدة. (2/145)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 146 وقال البكائي: قال ابن إسحاق: ومن حديثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم بسوق بني قينقاع، ثم قال: يا معشر): يهود، احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة، وأسلموا فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل، تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم. قالوا: يا محمد، إنك ترى أنا كقومك لا يغرنك أنك لقيت قوماً لا علم لهم بالحرب، فأصبت منهم فرصة. إنا والله لو حاربتنا لتعلمن أنا نحن الرجال. عن ابن عباس، قال: ما نزل هؤلاء الآيات إلا فيهم قال للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم الآيتين. وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أن بني قينقاع كانوا أول يهود نقضوا وحاربوا فيما بين بدر وأحد. قال: وعن أبي عون، قال: كان من أمر بني قينقاع أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها فباعته بسوقهم، وجلست إلى صائغ بها. فجعلوا يريدونها على كشف وجهها، فلم تفعل. فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها. فلما قامت انكشفت سوءتها فضحكوا، فصاحت. فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهودياً. فشدت اليهودي على المسلم فقتلوه. فأغضب المسلمون ووقع الشر. وحدثني عاصم، قال: فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على (2/146)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 147 حكمه. فقام إليه عبد الله بن أبي بن سلول حين أمكنه الله منهم، فقال: يا محمد، أحسن في موالي. فأعرض عنه. فأدخل يده في جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسلني، وغضب أرسلني، ويحك. قال: والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي: أربعمائة حاسر، وثلاثمائة دارع قد منعوني من الأحمر والأسود، تحصدهم في غداة واحدة. إني والله امرؤ أخشى الدوائر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم لك. وحدثني أبي إسحاق عن عبادة بن الوليد، قال: لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلى الله عليه وسلم، تشبث بأمرهم ابن سلول وقام دونهم. قال: ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أحد بني عوف لهم من حلفه مثل الذي لابن سلول، فخلعهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبرأ إلى الله ورسوله من حلفهم، وقال: أتولى الله ورسوله والمؤمنين، فنزلت فيه وفي ابن سلول: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض إلى قوله: فترى الذين في): قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة إلى قوله إنما (2/147)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 148 وليكم الله ورسوله والذين آمنوا لتولى عبادة الله ورسوله. وذكر الواقدي: أن النبي صلى الله عليه وسلم حاصرهم خمس عشرة ليلة، إلى هلال ذي القعدة. وكانوا أول من غدر من اليهود. وحاربوا حتى قذف الله في قلوبهم الرعب، ونزلوا على حكمه، وأن له أموالهم. فأمر صلى الله عليه وسلم فكتفوا، واستعمل على كتافهم المنذر بن قدامة السلمي من بني السلم. فكلم عبد الله بن أبي بن سلول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وألح عليه. فقال: خذهم. وأمر بهم أن يجلوا من المدينة، وولى إخراجهم منها عبادة بن الصامت. فلحقوا بأذرعات، فما كان أقل من بقائهم فيها. وتولى قبض أموالهم محمد بن مسلمة. ثم خمست، وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم من سلاحهم ثلاثة أسياف، ودرعين، وغير ذلك. (غزوة بني النضير) قال معمر، عن الزهري، عن عروة: كانت غزوة بني النضير وهم طائفة من اليهود، على رأس ستة أشهر من وقعة بدر. وكانت منازلهم ونخلهم بناحية المدينة. وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على الجلاء، على أن لهم ما أقلت الإبل إلا السلاح. فأنزلت هو الذي أخرج الذين (2/148)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 149 كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر الآيات. فأجلاهم إلى الشام، وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء. وكان الله قد كتب عليهم الجلاء، ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبي. وقوله لأول الحشر أي كان جلاؤهم ذلك أول حشر في الدنيا إلى الشام. ويرويه عقيل عن الزهري قوله: وأسنده زيد بن المبارك الصنعاني، ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة. وذكر عائشة فيه غير محفوظ. وقال ابن جريج، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر: إن يهود بني النضير، وقريظة حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجلى بني النضير، وأقر قريظة ومن عليهم، حتى حاربوا بعد ذلك. أخرجه البخاري. وقال معمر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن كفار قريش كتبوا إلى ابن أبي ومن كان يعبد معه الأوثان من الأوس): والخزرج قبل وقعة بدر: إنكم آويتم صاحبناً، وإنا نقسم بالله لتقاتلنه أو لتخرجنه أو لنسيرن إليكم بجمعنا حتى نقتل مقاتلتكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغه ذلك فلقيهم فقال: لقد بلغ وعد قريش منكم المبالغ، ما كانت تكيدكم بأكثر مما تريدون أن تكيدوا به أنفسكم. تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم فلما سمعوا ذلك تفرقوا. فبلغ ذلك كفار قريش فكتبوا (2/149)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 150 بعد بدر، إلى اليهود: إنكم أهل الحلقة والحصن وإنكم لتقاتلن صاحبنا أو لنفعلن كذا وكذا، ولا يحول بيننا وبين خدم نسائكم شيء. وهي الخلاخيل. فلما بلغ كتابهم النبي صلى الله عليه وسلم، أجمعت بنو النضير بالغدر. وأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أخرج إلينا في ثلاثين رجلاً من أصحابك، وليخرج منا ثلاثون حبراً، حتى نلتقي بمكان المنصف، فيسمعوا منك، فإن صدقوا وآمنوا بك آمنا بك. فقص خبرهم. فلما كان الغد، غدا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكتائب فحصرهم، فقال لهم: إنكم والله لا تأمنون عندي إلا بعهد تاهدوني عليه. فأبوا أن يعطوه عهداً، فقاتلهم يومهم ذلك. ثم غدا على بني قريظة بالكتائب، وترك بني النضير، ودعاهم إلى أن يعاهدوه. فعاهدوه، فانصرف عنهم. وغدا إلى بني النضير بالكتائب، فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء. فجلت بنو النضير، واحتملوا ما أقلت الإبل من أمتعتهم وأبوابهم وخشبهم. فكان نخل بني النضير لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، أعطاه الله إياها، فقال وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب، يقول: بغير قتال. فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم أكثرها المهاجرين وقسمها بينهم، وقسم منها لرجلين من الأنصار كانا ذوي حاجة. وبقي (2/150)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 151 منها صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي في أيدي بني فاطمة رضي الله عنها. وذهب موسى بن عقبة، وابن إسحاق إلى أن غزوة بني النضير كانت بعد أحد، وكذلك قال غيرهما. ورواه ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة. وهذا حديث موسى وحديث عروة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى بني النضير يستعينهم في عقل الكلابيين. وكانوا زعموا قد دسوا إلى قريش حين نزلوا بأحد لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحضرهم على القتال ودلوهم على العورة. فلما كلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في عقل الكلابيين، قالوا: إجلس يا أبا القاسم حتى تطعم وترجع بحاجتك ونقوم فنتشاور. فجلس بأصحابه. فلما): خلوا والشيطان معهم، ائتمروا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: لن تجدوه أقرب منه الآن، فاستريحوا منه تأمنوا. فقال رجل: إن شئتم ظهرت فوق البيت الذي هو تحته فدليت عليه حجراً فقتلته. فأوحى الله إليه فأخبره بشأنهم وعصمه، فقام كأنه يقضي حاجة. وانتظره أعداء الله، فراث عليهم. فأقبل رجل من المدينة فسألوه عنه فقال: لقيته قد دخل أزقة المدينة. فقالوا لأصحابه: عجل أبو القاسم أن نقيم أمرنا في حاجته. ثم قام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعوا ونزلت يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم الآية. وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجلاءهم، وأن يسيروا حيث شاءوا. وكان النفاق قد كثر بالمدينة. فقالوا: أين تخرجناً قال: أخرجكم إلى الحشر. فلما (2/151)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 152 سمع المنافقون ما يراد بأوليائهم أرسلا إليهم: إنا معكم محيانا ومماتنا، إن قوتلتم فلكم علينا النص، وإن أخرجتم لم نتخلف عنكم. وسيد اليهود أبو صفية حيي بن أخطب. فلما وثقوا بأماني المنافقين عظمت غرتهم ومناهم الشيطان الظهور، فنادوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه: إنا، والله، لا نخرج ولئن قاتلتنا لنقاتلنك. فمضى النبي صلى الله عليه وسلم لأمر الله فيهم، وأمر أصحابه فأخذوا السلاح ثم مضى إليهم. وتحصنت اليهود في دورهم وحصونهم. فلما انتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى أزقتهم وحصونهم كره أن يمكنهم من القتال في دورهم وحصونهم، وحفظ الله له أمره وعزم له على رشده، فأمر أن يهدم الأدنى فالأدنى من دورهم، وبالنخل أن تحرق وتقطع، وكف الله أيديهم وأيدي المنافقين فلم ينصروهم، وألقى في قلوب الفريقين الرعب. ثم جعلت اليهود كلما خلص رسول الله صلى الله عليه وسلم من هدم ما يلي مدينتهم، ألقى الله في قلوبهم الرعب، فهدموا الدور التي هم فيها من أدبارها، ولم يستطيعوا أن يخرجوا على النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه يهدمون شيئاً فشيئاً. فلما كادت اليهود أن تبلغ آخر دورها، وهم ينتظرون المنافقين وما كانوا منوهم، فلما يئسوا مما عندهم، سألوا النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان عرض عليهم قبل ذلك، فقاضاهم على أن يجليهم، ولهم أن يحملوا ما استقلت به الإبل إلا السلاح. وطاروا كل مطير، وذهبوا كل مذهب. ولحق بنو أبي الحقيق بخيبر ومعهم آنية كثيرة من فضة، فرآها النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون. وعمد حيي بن أخطب حتى قدم مكة على): قريش، فاستغواهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبين الله لرسوله حديث أهل النفاق، وما بينهم وبين اليهود، وكانوا قد عيروا المسلمين حين قطعوا النخل وهدموا. فقالوا: ما ذنب الشجرة وأنتم تزعمون أنكم مصلحون فأنزل الله سبح لله سورة الحشر. ثم جعلها نفلاً لرسوله، فقسمها فيمن أراه الله من المهاجرين. وأعطى منها أبا دجانة سماك بن خرشة، وسهل بن حنيف، (2/152)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 153 الأنصاريين. وأعطى زعموا سعد بن معاذ سيف ابن أبي الحقيق. وكان إجلاء بني النضير في المحرم سنة ثلاث. وأقامت بنو قريظة في المدينة في مساكنهم، لم يؤمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل ولا إخراج حتى فضحهم الله بحيي بن أخطب وبجموع الأحزاب. هذا لفظ موسى، وحديث عروة بمعناه، إلى إعطاء سعد السيف. وقال موسى بن عقبة وغيره، عن نافع، عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني النضير وحق. لها يقول حسان بن ثابت. (وهان على سراة بني لؤي.......... حريق بالبويرة مستطير) وفي ذلك نزلت هذه الآية ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله. متفق عليه. وقال عمرو بن دينار، عن الزهري، عن مالك بن أوس، عن عمر رضي الله عنه أن أموال بني النضير كانت مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب. فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة ينفق (2/153)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 154 منها على أهله نفقة سنة، وما بقي جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله. أخرجاه. (سرية زيد بن حارثة إلى القردة) قال ابن إسحاق: وسرية زيد التي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، حين أصاب عير قريش وفيها أبو سفيان على القردة ماء من مياه نجد. وكان من حديثها أن قريشاً خافوا طريقهم التي كانوا يسلكون إلى الشام حين جرت وقعة بدر، فسلكوا طريق العراق. فخرج منها تجار فيهم أبو سفيان، واستأجروا رجلاً من بني بكر بن وائل يقال له: فرات بن حيان يدلهم. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة، فلقيهم على ذلك الماء، فأصاب تلك العير وما فيها، وأعجزهم الرجال، فقدم بها على رسول الله): صلى الله عليه وسلم. (غزوة قرقرة الكدر) قال الواقدي: إنها في المحرم سنة ثلاث. وهي ناحية معدن بني سليم. واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم. وكان صلى الله عليه وسلم بلغه أن بهذا الموضع جمعاً من سليم وغطفان. فلم يجد في المجال أحداً، ووجد رعاء منهم غلام يقال له يسار، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم (2/154)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 155 وقد ظفر بالنعم، فانحدر به إلى المدينة فاقتسموها بصرار على ثلاث أميال من المدينة، وكانت النعم خمسمائة بعير، وأسلم يسار. القرقرة أرض ملساء، والكدر طير في ألوانها كدرة، ومنهم من يقول قرارة الكدر يعني أنها مستقر هذا الطير. (2/155)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 156 (2/156)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 157 (مقتل كعب بن الأشرف) قال ابن إسحاق من طريق يونس بن بكير: حدثني عبد الله بن أبي بكر، وصالح بن أبي أمامة بن سهل، قالا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغ من بدر بشيرين إلى أهل المدينة فبعث زيد بن حارثة إلى أهل السافلة، وبعث عبد الله بن رواحة إلى أهل العالية، فبشروا ونعوا أبا جهل وعتبة والملأ من قريش. فلما بلغ ذلك كعب بن الأشرف قال: ويلكم، أحق هذا هؤلاء ملوك العرب وسادة الناس. ثم خرج إلى أبي وداعة، فجعل يبكي على قتلى قريش، ويحرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (طحنت رحى بدر لمهلك أهلها.......... ولمثل بدر تستهل وتدمع)

(قتلت سراة الناس حول حياضهم.......... لا تبعدوا إن الملوك تصرع) (2/157)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 158 (كم قد أصيب بها من أبيض ماجد.......... ذي بهجة تأوي إليه الضيع)

(ويقول أقوام أذل بسخطهم.......... إن ابن الأشرف ظل كعباً يجزع)

(صدقوا فليت الأرض ساعة قتلوا.......... ظلت تسوخ بأهلها وتصدع)

(نبئت أن بني كنانة كلهم.......... خشعوا لقول أبي الوليد وجدعوا) قال ابن إسحاق: ثم رجع إلى المدينة فشبب بأم الفضل بنت الحارث:): (أراحل أنت لم تحلل بمنقبة.......... وتارك أنت أم الفضل بالحرم) في كلام له. ثم شبب بنساء المسلمين حتى آذاهم. وقال موسى بن عقبة: كان ابن الأشرف قد آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجاء، وركب إلى قريش فقدم عليهم فاستغواهم على رسول الله، فقال له أبو سفيان: أناشدك الله، أديننا أحب إلى الله أم دين محمد وأصحابه قال: أنتم أهدى منهم سبيلاً. ثم خرج مقبلاً قد أجمع رأي المشركين على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم معلناً بعداوته وهجائه. وقال محمد بن يونس الجمال المخرمي الذي قال فيه ابن عدي: كان عندي ممن يسرق الحديث. قلت: لكن روى عنه مسلم ثنا ابن (2/158)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 159 عيينة، ثنا عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قدم حبي بن أخطب، وكعب بن الأشرف مكة على قريش فحالفوهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالوا لهم: أنتم أهل العلم القديم وأهل الكتاب، فأخبرونا عنا وعن محمد، قالوا: ما أنتم وما محمد قالوا: نحن ننحر الكوماء ونسقي اللبن على الماء ونفك العناة ونسقي الحجيج، ونصل الأرحام. قالوا: فما محمد قالوا: صنبور قطع أرحامنا واتبعه سراق الحجيج بنو غفار. قالوا: لا، بل أنتم خير منه وأهدى سبيلاً. فأنزل الله ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت الآية. قال سفيان: كانت غفار سرقة في الجاهلية. وقال إبراهيم بن جعفر بن محمد بن مسلمة، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله قال: ولحق كعب بن الأشرف بمكة إلى أن قدم المدينة معلناً بمعاداة النبي صلى الله عليه وسلم وهجائه، فكان أول ما خرج منه قوله: (أذاهب أنت لم تحلل بمنقبة.......... وتارك أنت أم الفضل بالحرم)

(صفراء رادعة لو تعصر أنعصرت.......... من ذي القوارير والحناء والكتم)

(إحدى بني عامر هام الفؤاد بها.......... ولو تشاء شفت كعباً من السقم) (2/159)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 160 (لم أر شمساً بليل قبلها طلعت.......... حتى تبدت لنا في ليلة الظلم) وقال: طحنت رحى بدر لمهلك أهلها الأبيات. فقال النبي صلى الله عليه وسلم يوماً: من لكعب بن الأشرف فقد آذانا بالشعر وقوى المشركين علينا. فقال محمد بن مسلمة: أنا يا رسول الله. قال: فأنت. فقام فمشى ثم رجع فقال: إني قائل): قال: فأنت في حل: فخرج محمد، بعد يوم أو يومين، حتى أتى كعباً وهو في حائط فقال: يا كعب، جئت لحاجة الحديث. وقال ابن عيينة: قال عمرو بن دينار: سمعت جابراً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله فقام محمد بن مسلمة فقال: يا رسول الله، أعجب إليك أن أقتله قال: نعم. قال: فأذن لي أن أقول شيئاً. قال: قل. فأتاه محمد بن مسلمة فقال: إن هذا الرجل قد سألنا صدقة، وقد عنانا، وإني قد أتيتك أستسلفك. قال: وأيضاً لتملنه. قال: إنا قد اتبعناه فنكره أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير شأنه، وقد أردنا أن تسلفنا. قال: ارهنوني نساءكم. قال: نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب قال: فارهنوني أبناءكم. قال: كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب قال: فارهنوني أبناءك. قال: كيف نرهنك أبناءنا فيقال رهن بوسق أو وسقين قال: فأي شيء قال: نرهنك اللأمة. (2/160)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 161 فواعده أن يأتيه ليلاً، فجاءه ليلاً ومعه أبو نائلة، وهو أخو كعب من الرضاعة، فدعاه من الحصن فنزل إليهم، فقالت له امرأته: أين تخرج هذه الساعة قال: إنما هو أخي أبو نائلة ومحمد بن مسلمة، إن الكريم لو دعي إلى طعنة بليل لأجاب. قال محمد: إني إذا ما جاء فإني قائل بشعره فأشمه ثم أشمكم، فإذا رأيتموني أثبت يدي فدونكم. فنزل إليهم متوشحاً، وهو ينفح منه ريح الطيب، فقال محمد: ما رأيت كاليوم ريحاً، أي أطيب، أتأذن لي أن أشم رأسك قال: نعم. فشمه ثم شم أصحابه، ثم قال: أتأذن لي يعني ثانياً. قال: نعم. فلما استمكن منه قال: دونكم. فضربوه فقتلوه. وأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه. أخرجه البخاري. وقال شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه، أن كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعراً، وكان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحرض عليه كفار قريش في شعره. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وأهلها أخلاط، منهم المسلمون، ومنهم عبدة الأوثان، ومنهم اليهود، وهم أهل الحلقة والحصون، وهم حلفاء الأوس والخزرج، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة استصلاحهم كلهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يؤذونه أشد الأذى، فأمر الله رسوله والمسلمين بالصبر والعفو، فقال تعالى: ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً، وقال: ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم (2/161)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 162 من بعد إيمانكم كفاراً حسداً): من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ أن يبعث رهطاً ليقتلوا كعباً، فبعث إليه سعد محمد بن مسلمة وأبا عبس، والحارث ابن أخي سعد بن معاذ في خمسة رهط أتوه عشية، وهو في مجلسهم بالعوالي. فلما رآهم كعب أنكرهم وكاد يذعر منهم، فقال لهم: ما جاء بكم قالوا: جاءت بنا إليك الحاجة. قال: فليدن إلي بعضكم فليحدثني بها. فدنا إليه بعضهم فقال: جئناك لنبيعك أدراعاً لنا لنستنفق أثمانها. فقال: والله لئن فعلتم ذلك لقد جهدتم، قد نزل بكم هذا الرجل. فواعدهم أن يأتوه عشاء حين يهدأ عنهم الناس. فجاءوا فناداه رجل منهم، فقام ليخرج فقالت امرأته: ما طرقوك ساعتهم هذه لشيء تحب. فقال: بل إنهم قد حدثوني حديثهم. فاعتنقه أبو عبس، وضربه محمد بن مسلمة بالسيف، وطعنه بعضهم بالسيف في خاصرته. فلما قتلوه فزعت اليهود ومن كان معهم من المشركين. فغدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبحوا فقالوا: إنه طرق صاحبنا الليلة وهو سيد من سادتنا فقتل، فذكر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يقول في أشعاره. ودعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب بينه وبينهم كتاباً، فكتب بينهم صحيفة، وكانت تلك الصحيفة بعده عند علي. أخرجه أبو داود. (2/162)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 163 وذكر موسى بن عقبة وغيره أن عباد بن بشر كان معهم، فأصيب في وجهه بالسيف أو رجله. وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، حدثني ثور بن زيد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ومشى معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد، ثم وجههم وقال: انطلقوا على اسم الله، اللهم أعنهم. وذكر البكائي، عن ابن إسحاق هذه القصة بأطول مما هنا وأحسن عبارة، وفيه: فاجتمع في قتله محمد، وسلكان بن سلامة بن وقش وهو أبو نائلة الأشهلي وعباد بن بشر، وأبو عبس بن جبر الحارثي. فقدموا إلى ابن الأشرف سلكان، فجاءه فتحدث معه ساعة وتناشدا شعراً، ثم قال: ويحك يا بن الأشرف، إني قد جئت لحاجة أريد ذكرها لك فاكتم عني. ورمونا من قوس واحدة، وقطعت عنا السبل حتى ضاع العيال وجهدنا. إلى ما أقول. فقال: إني أردت أن تبيعنا طعاماً ونرهنك ونوثق لك، إن معي أصحاباً لي على مثل رأيي، وقد أردت أن آتيك بهم فتبيعهم، وتحسن في ذلك، ونرهنك من الحلقة ما فيه وفاء. قال: فرجع سلكان إلى أصحابه فأخبرهم): خبره، وأمرهم أن يأخذوا السلاح ثم ينطلقوا فيجتمعوا إليه. واجتمعوا، وساق القصة. (2/163)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 164 قال ابن إسحاق: وأطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل اليهود، وقال: من ظفرتم به من اليهود فاقتلوه. وحينئذ أسلم حويصة بن مسعود. وكان قد أسلم قبله أخوه محيصة. فقتل محيصة بن سنينة اليهودي التاجر، فقام محيصة قبل أن يسلم وجعل يضرب أخاه ويقول: أي عدو الله قتلته أما والله لرب شحم في بطنك من ماله. فقال: والله لقد أمرني بقتله من لو أمرني بقتلك لضربت عنقك. قال: والله إن ديناً بلغ بك هذا لعجب. فأسلم حويصة. وفي رمضان: ولد السيد أبو محمد الحسن بن علي، رضي الله عنهما. وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم بحفصة بنت عمر. وفي هذه السنة: تزوج أيضاً بزينب بنت خزيمة، من بني عامر بن صعصعة، وهي أم المساكين، فعاشت عنده شهرين أو ثلاثة، وتوفيت. وقيل أقامت عنده ثمانية أشهر، والله تعالى أعلم. (2/164)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 165 (غزوة أحد) وكانت في شوال قال شيبان، عن قتادة: واقع نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد من العام المقبل بعد بدر في شوال، يوم السبت لإحدى عشرة ليلة مضت من شوال. وكان أصحابه يومئذ سبعمائة، والمشركون ألفين أو ما شاء الله من ذلك. وقال ابن إسحاق: للنصف من شوال وقال مالك: كان القتال يومئذ في أول النهار. وقال بريد بن عبد الله، عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: رأيت أني قد هززت سيفاً فانقطع صدره، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد، ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين، ورأيت في رؤياي بقراً، والله خير، فإذا هم النفر من المؤمنين يوم أحد، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير (2/165)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 166 وثواب الصدق الذي آتانا يوم بدر. أخرجاه. وقال وهب بن منبه: أخبرني ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن عبيد الله ابن عبد الله، عن ابن عباس قال: تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار يوم بدر، وهو الذي رأى فيه): الرؤيا يوم أحد. وذلك أنه لما جاءه المشركون كان رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقيم بالمدينة فيقاتلهم فيها، فقال له ناس لم يكونوا شهدوا بدراً: يخرج بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم نقاتلهم بأحد، ورجوا أن يصيبوا من الفضيلة ما أصاب أهل بدر. فما زالوا برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لبس أداته، ثم ندموا وقالوا: يا رسول الله، أقم فالرأي رأيك. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ينبغي لنبي أن يضع أداته بعد أن لبسها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه. قالوا: وكان ما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يلبس الأداة: إني رأيت أني في درع حصينة فأولتها المدينة، وأني مردف كبشاً فأولته كبش الكتيبة، ورأيت أن سيفي ذا الفقار فل فأولته فلاً فيكم، ورأيت بقراً تذبح، فبقر والله خير، فبقر والله خير. وقال يونس، عن الزهري في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد، قال: حتى إذا كان بالشوط بني المدينة وأحد، انخزل عبد الله بن أبي بقريب من ثلث الجيش. ومضى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم في سبعمائة. وتعبأت قريش وهم ثلاثة آلاف، ومعهم مائتا فرس قد جنبوها، وجعلوا على ميمنة الخيل (2/166)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 167 خالد بن الوليد، وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي جهل. وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، وعن عروة قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون وهم ألف، والمشركون ثلاثة آلاف. فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً، ورجع عن عبد الله بن أبي في ثلاثمائة، فسقط في أيدي الطائفتين، وهمتا أن تفشلا والطائفتان: بنو سلمة وبنو حارثة. وقال ابن عيينة، عن عمرو، عن جابر: إذ همت طائفتان منكم إن تفشلا بنو سلمة وبنو حارثة، ما أحب أنها لم تنزل لقوله والله وليهما. متفق عليه. وقال شعبة، عن عدي بن ثابت، سمع عبد الله بن يزيد يحدث، عن زيد بن ثابت قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد، رجع ناس خرجوا معه. فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين فرقة تقول: نقاتلهم، وفرقة تقول: لا نقاتلهم. فنزلت فما لكم في المنافقين فئتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها طيبة تنفي الخبيث كما تنفي النار خبث الفضة. متفق عليه. وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وقال ميزهم يوم أحد.): (2/167)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 168 وقال البكائي، عن ابن إسحاق قال: كان من حديث أحد كما حدثني الزهري، ومحمد بن يحيى بن حبان، وعاصم بن عمر، والحصين بن عبد الرحمن، وغيرهم، كل قد حدث بعض الحديث، وقد اجتمع حديثهم كله فيما سقت في هذا الحديث عن يوم أحد أن كفار قريش لما أصيب منهم أصحاب القليب، ورجع فلهم إلى مكة، ورجع أبو سفيان ابن حرب بالعير، مشى عبد الله بن أبي ربيعة، وعكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، في رجال من قريش ممن أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم ببدر، فكلموا أبا سفيان ومن كان له في تلك العير تجارة، فقالوا: يا معشر قريش، إن محمداً قد وتركم وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا ندرك منه ثأراً بمن أصاب منا. فاجتمعوا لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فعل ذلك أبو سفيان وأصحاب العير بأحابيشها ومن أطاعها من قبائل كنانة وأهل تهامة. وكان أبو عزة الجمحي قد من عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذا عيال وحاجة، فقال: يا رسول الله، إني فقير ذو عيال وحادة، فامنن علي. فقال له صفوان: يا أبا عزة، إنك أمرؤ شاعر، فأعنا بلسانك فاخرج معنا، فقال: إن محمداً قد من علي فلا أريد أن أظاهر عليه. قال بلى، فأعنا بنفسك، فلك الله علي إن رجعت أن أعينك، وإن أصبت أن (2/168)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 169 أجعل بناتك مع بناتي يصيبهن ما أصابهن من عسر ويسر. فخرج أبو عزة يسير في تهامة ويدعو كنانة، ويقول: (إيهاً بني عبد مناة الرزام.......... أنتم حماة وأبوكم حام)

(لا يعدوني نصركم بعد العام.......... لا تسلموني لا يحل إسلام) وخرج مسافع بن عبد مناف الجمحي إلى بني مالك بن كنانة يدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول شعراً. ودعا جبير بن مطعم غلاماً له حبشياً يقال له وحشي، يقذف بحربة له قذف الحبشة قلما يخطئ بها، فقال له: أخرج مع الناس فإن أنت قتلت حمزة بعمي طعيمة بن عدي فأنت عتيق. فخرجت قريش بحدها وحديدها وأحابيشها ومن تابعها، وخرجوا معهم بالظعن التماس الحفيظة وأن لا يفروا. وخرج أبو سفيان، وهو قائد الناس، بهند بنت عتبة، وخرج عكرمة بأم حكيم بنت الحارث بن هشام، حتى نزلوا بعينين بجبل أحد ببطن السبخة من قناة على شفير الوادي مقابل المدينة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث (2/169)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 170 نزلوا، فإن أقاموا بشر مقام، وإن دخلوا علينا قاتلناهم فيها. وكان يكره الخروج إليهم. فقال رجال ممن فاته يوم بدر: يا رسول الله، أخرج بنا إليهم لا): يرون أنا جبناً عنهم. فلم يزالوا برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل فلبس لأمته، وذلك يوم الجمعة حين فرغ الناس من الصلاة. فذكر خروجه وانخزال ابن أبي بثلث الناس، فاتبعهم عبد الله والد جابر، يقول: أذكركم الله أن تخذلوا قومكم ونبيكم. قالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون لما أسلمناكم، ولكنا لا نرى أنه يكون قتال. وقالت الأنصار: يا رسول الله، ألا نستعين بحلفائنا من يهود قال: لا حاجة لنا فيهم. ومضى حتى نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي إلى الجبل، فجعل ظهره وعسكره إلى أحد، وقال: لا يقاتلن أحد حتى نأمره بالقتال. وتعبأ للقتال وهو في سبعمائة، وأمر على الرماة عبد الله بن جبير وهم خمسون رجلاً، فقال: انضحوا عنا الخيل بالنبل، لا يأتونا من خلفنا، إن كنت لنا أو علينا، فاثبت مكانك لا تؤتين من قبلك وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين، ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير. وتعبأت قريش وهم ثلاثة آلاف ومعهم مائتا فرس قد جنبوها فجعلوا على الميمنة خالداً، وعلى الميسرة عكرمة. وقال سلام بن مسكين، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب قال: كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد مرطاً أسود كان لعائشة، وراية الأنصار يقال لها العقاب، وعلى ميمنته علي، وعلى ميسرته المنذر بن عمرو الساعدي، والزبير بن العوام كان على الرجال، ويقال المقداد بن الأسود، وكان حمزة على القلب، واللواء مع مصعب، فقتل، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم (2/170)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 171 علياً: قال: ويقال كانت ثلاثة ألوية، لواء إلى مصعب بن عمير للمهاجرين، ولواء إلى علي، ولواء إلى المنذر. وقال ثابت، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ سيفاً يوم أحد فقال: من يأخذ مني هذا السيف بحقه فبسطوا أيديهم كل إنسان منهم يقول: أنا، أنا. فقال من يأخذه بحقه فأحجم القوم، فقال له أبو دجانة سماك: أنا آخذه بحقه. قال: فأخذه ففلق به هام المشركين. أخرجه مسلم. وقال ابن إسحاق: حتى قام إليه أبو دجانة سماك بن خرشة، أخو بني ساعدة، فقال: وما حقه قال: أن تضرب به في العدو حتى ينحني. قال: فأنا آخذه يا رسول الله. فأعطاه إياه، وكان أبو دجانة رجلاً شجاعاً يختال عند الحرب، وكان إذا قاتل علم بعصابة له حمراء فاعتصب بها على رأسه، ثم جعل يتبختر بين الصفين. فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين رآه يتبختر: إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن.): وقال عمرو بن عاصم الكلابي: حدثني عبيد الله بن الوزاع، حدثني هشام بن عروة، عن أبيه، عن الزبير بن العوام قال: عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفاً يوم أحد فقال: من يأخذه بحقه فقمت فقلت: أنا يا رسول الله. فأعرض عني، ثم قال: من يأخذ هذا السيف بحقه فقام أبو دجانة سماك ابن خرشة فقال: أنا يا رسول الله، فما حقه قال: أن لا تقتل به مسلماً ولا تفر به عن كافر. قال: فدفعه إليه، وكان إذا أراد القتال أعلم بعصابة، فقلت: لأنظرن اليوم كيف يصنع. قال: فجعل لا يرتفع له شيء إلا هتكه (2/171)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 172 وأفراه، حتى انتهى إلى نسوة في سفح جبل معهن دفوف لهن، فيهن امرأة وهي تقول: (نحن بنات طارق.......... نمشي على النمارق)

(إن تقبلوا نعانق.......... أو تدبروا نفارق) فراق غير وامق قال: فأهوى بالسيف إلى امرأة ليضربها، ثم كف عنها. فلما انكشف القتال قلت له: كل عملك رأيت ما خلا رفعك السيف على المرأة ثم لم تضربها. قال أكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقتل به امرأة. وروى جعفر بن عبد الله بن أسلم، مولى عمر، عن معاوية بن معبد ابن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين رأى أبا دجانة يتبختر: إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن. وقال ابن إسحاق، عن الزهري وغيره، إن رجلاً من المشركين خرج يوم أحد، فدعا إلى البراز، فأحجم الناس عنه حتى دعا ثلاثاً، وهو على جمل له، فقام اليه الزبير فوثب حتى استوى معه على بعيره، ثم عانقه فاقتتلا فوق البعير جميعاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الذي يلي حضيض الأرض مقتول. فوقع المشرك ووقع عليه الزبير فذبحه. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم (2/172)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 173 قرب الزبير فأجلسه على فخذه وقال: إن لكل نبي حوارياً والزبير حواري. قال ابن إسحاق: واقتتل الناس حتى حميت الحرب، وقاتل أبو دجانة حتى أمعن في الناس، وحمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، وآخرون. وقال زهير بن معاوية: ثنا أبو إسحاق، سمعت البراء يحدث قال: جعل رسول الله صلى الله): عليه وسلم على الرماة يوم أحد، وكانوا خمسين، عبد الله بن جبير، وقال: إذا رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم، قال: فهزمهم. فأنا والله رأيت النساء يشتددن على الجبل قد بدت خلاخيلهن وسوقهن رافعات ثيابهن. فقال أصحاب عبد الله بن جبير: الغنيمة، أي قوم، الغنيمة، ظهر أصحابكم فما تنتظرون فقال عبد الله لهم: أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة: فأتوهم فصرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين. فذلك الذي يدعوهم الرسول في أخراهم. فلم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلاً. فأصابوا منا سبعين. فقال أبو سفيان: أفي القوم محمد أفي القوم محمد ثلاث مرات. فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجيبوه. ثم قال: أفي القوم ابن أبي قحافة، فأي القوم ابن أبي قحافة ثم قال: أفي القوم ابن الخطاب ثلاثاً. ثم رجع إلى أصحابه فقال: أما هؤلاء فقد قتلوا. فما ملك عمر نفسه أن قال: كذبت يا عدو الله، إن الذين عددت لأحياء كلهم، وقد بقي لك ما يسوؤك. فقال: (2/173)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 174 يوم بيوم بدر والحرب سجال، إنكم ستجدون مثلة لم أمر بها ولم تسؤني. ثم أخذ يرتجز: أعل هبل، أعل هبل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تجيبوه قالوا: ما نقول قال: قولوا: الله أعلى وأجل. ثم قال: لنا العزى ولا عزى لكم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. ألا تجيبوه قالوا: ما نقول قال: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم. أخرجه البخاري. وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق فحدثني الحصين بن عبد الرحمن، عن محمود بن عمرو بن يزيد بن السكن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد حين غشيه القوم: من رجل يشري منا نفسه فقام زياد بن السكن في خمسة من الأنصار وبعض الناس يقول: هو عمارة بن زياد بن السكن، فقاتلوا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، رجل ثم رجل يقتلون دونه، حتى كان آخرهم زياداً أو عمارة، فقاتل حتى أثبتته الجراحة. ثم فاءت من المسلمين فئة فأجهضوهم عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أدنوه مني. فأدنوه منه، فوسده قدمه، فمات وخده على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم.): وترس دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو دجانة بنفسه، يقع النبل في ظهره، وهو (2/174)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 175 منحني على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كثرت فيه النبل. وقال حماد بن سلمة، عن ثابت، وغيره، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش، فلما رهقوه قال: من يردهم عنا وله الجنة، أو هو رفيقي في الجنة فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل وتقدم آخر حتى قتل. فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة، فقال لصاحبيه: ما أنصفنا أصحابنا. رواه مسلم. وقال سليمان التيمي، عن أبي عثمان قال: لم يبقى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في بعض تلك الأيام التي قاتل فيهن غير طلحة بن عبيد الله وسعد عن حديثهما. متفق عليه. وقال قيس بن أبي حازم: رأيت يد طلحة شلاء وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم، يعني ويوم أحد. أخرجه البخاري. وقال عبد الله بن صالح: حدثني يحيى بن أيوب، عن عمارة بن غزية، عن أبي الزبير مولى حكيم بن حزام، عن جابر قال: انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فبقي معه أحد عشر رجلاً، وطلحة بن عبيد الله، وهو يصعد في الجبل، فلحقهم المشركون. فقال ألا أحد لهؤلاء فقال طلحة: (2/175)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 176 أنا يا رسول الله. قال: كما أنت يا طلحة. فقال رجل من الأنصار: فأنا يا رسول الله. فقاتل عنه، وصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه، ثم قتل الأنصاري فلحقوه فقال: ألا أحد لهؤلاء فقال طلحة مثل قوله، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل قوله، فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله، فأذن له فقاتل ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يصعدون، ثم قتل فلحقوه. فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مثل قوله ويقول طلحة: أنا فيحبسه. ويستأذنه رجل من الأنصار فيأذن له، حتى لم يبق معه إلا طلحة، فغشوهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من لهؤلاء فقال طلحة: أنا. فقاتل مثل قتال جميع من كان قبله وأصيبت أنامله، فقال حس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلت بسم الله أو ذكرت اسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون إليك حتى تلج بك في جو السماء. ثم صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وهم مجتمعون.): وقال عبد الوارث: ثنا عبد العزيز، عن أنس قال: لما كان يوم أحد انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو طلحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يجوب عنه بحجفة معه. وكان أبو طلحة رجلاً رامياً شديد النزع، كسر يومئذ قوسين أو ثلاثة. وكان الرجل يمر بالجعبة فيها النبل فينثرها لأبي طلحة. ويشرف نبي الله صلى الله عليه وسلم فينظر إلى القوم فيقول أبو طلحة: يا نبي الله، بأبي أنت وأمي، لا تشرف يصبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك. ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر، وأم سليم وإنهما مشمرتان أرى خدم سوقهما، تنقلان القرب على متونهما ثم تفرغانه في أفواه القوم. ولقد وقع السيف من يدي طلحة من النعاس إما مرتين أو ثلاثاً. (2/176)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 177 متفق عليه. وقال ابن إسحاق. وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله حتى قتل قتله ابن قميئة الليثي، وهو يظنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فرجع إلى قريش فقال: قتلت محمداً. ولما قتل مصعب أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء علي بن أبي طالب ورجالاً من المسلمين. وقال موسى بن عقبة: واستجلبت قريش من شاءوا من مشركي العرب، وسار أبو سفيان في جمع قريش. ثم ذكر نحو ما تقدم، وفيه: فأصابوا وجهه، يعني النبي صلى الله عليه وسلم وقصموا رباعيته، وخرقوا شفته. يزعمون أن الذي رماه عتبة بن أبي وقاص. وعنده المنام، وفيه: فأولت الدرع الحصينة المدينة، فامكثوا واجعلوا الذراري في الآطام، فإن دخلوا علينا في الأزقة قاتلناهم ورموا من فوق البيوت. وكانوا قد سكوا أزقة المدينة بالبيان حتى كانت كالحصن. فأبى كثير من الناس إلا الخروج، وعامتهم لم يشهدوا بدراً. قال: وليس مع المسلمين فرس. وكان حامل لواء المشركين طلحة بن عثمان، أخو شيبة العبدري، وحامل لواء المسلمين رجل من المهاجرين، فقال: أنا عاصم إن شاء الله لما معي، فقال له طلحة بن عثمان: هل لك في المبارزة قال: نعم فبدره (2/177)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 178 ذلك الرجل فضرب بالسيف على رأسه حتى وقع السيف في لحيته. فكان قتل صاحب المشركين تصديقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله أرى أني مردف): كبشاً. فلما صرع انتشر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وصاروا كتائب متفرقة، فحاسوا العدو ضرباً حتى أجهضوهم عن أثقالهم. وحملت خيل المشركين على المسلمون فنهكوهم قتلاً، فلما أبصر الرماة الخمسون أن الله قد فتح، قالوا: والله ما نجلس هاهنا لشيء. فتركوا منازلهم التي عهد إليهم النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يتركوها، وتنازعوا وفشلوا وعصوا الرسول، فأوجفت الخيل فيهم قتلاً، وكان عامتهم في العسكر. فلما أبصر ذلك المسلمون اجتمعوا، وصرخ صارخ: أخراكم أخراكم، قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فسقط في أيديهم، فقتل منهم من قتل، وأكرمهم الله بالشهادة. وأصعد الناس في الشعب لا يلوون على أحد، وثبت الله نبيه، وأقبل يدعو أصحابه مصعداً في الشعب، والمشركون على طريقه، ومعه عصابة منهم طلحة بن عبيد الله والزبير، وجعلوا يسترونه حتى قتلوا إلا ستة أو سبعة. ويقال: كان كعب بن مالك أول من عرف عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين فقد، من وراء المغفر. فنادى بصوته الأعلى: الله أكبر، هذا رسول الله، فأشار إليه زعموا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اسكت. وجرح رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه وكسرت رباعيته. (2/178)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 179 وكان أبي بن خلف قال حين افتدي: والله إن عندي لفرساً أعلفها كل يوم فرق ذرة، ولأقتلن عليها محمداً. فبلغ قوله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بل أنا أقتله إن شاء الله. فأقبل أبي مقنعاً في الحديد على فرسه تلك يقول: لا نجوت إن نجا محمد. فحمل على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال موسى: قال سعيد بن المسيب: فاعترض له رجال، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلوا طريقه، واستقبله مصعب بن عمير يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتل مصعب. وأبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ترقوة أبي من فرجة بين سابغة البيضة والدرع، فطعنه فيها بحربته، فوقع أبي عن فرسه، ولم يخرج من طعنته دم. قال سعيد: فكسر ضلع من أضلاعه، ففي ذلك نزلت وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى. فأتاه أصحابه وهو يخور خوار الثور فقالوا: ما جزعك إنما هو خدش. فذكر لهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أنا أقتل أبياً. ثم قال: والذي نفسي بيده، لو كان هذا الذي بي بأهل): المجاز لماتوا أجمعون. فمات قبل أن يقدم مكة. وقال ابن إسحاق: حدثني حيي بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن جده، أن الزبير قال: والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم سوق هند وصواحباتها مشمرات هوارب، ما دون إحداهن قليل ولا كثير، إذا مالت الرماة إلى العسكر حين كشفنا القوم عنه يريدون النهب، وخلوا ظهورنا للخيل، فأتينا من أدبارنا، وصرخ صارخ: ألا إن محمداً قد قتل، فانكفأنا (2/179)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 180 وانكفأ علينا القوم بعد أن أصبنا أصحاب لوائهم، حتى ما يدنو منه أحد من القوم. قال ابن إسحاق: لم يزل لواؤهم صريعاً حتى أخذته عمرة بنت علقمة الحارثية، فرفعته لقريش فلاذوا به. وقال ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله تعالى إذ تحسونهم بإذنه أي تقتلونهم، حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم يعني إقبال من أقبل منهم على الغنيمة، والرسول يدعوكم في أخراكم، من بعد ما أراكم ما تحبون يعني النصر. ثم أديل للمشركين عليهم بمعصيتهم الرسول حتى حصبهم النبي صلى الله عليه وسلم. وروى السدي، عن عبد خير، عن عبد الله قال: ما كنت أرى أن أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى نزلت فينا منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة. وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: هزم المشركون يوم أحد هزيمة بينة، فصرخ إبليس: أي عباد الله أخراكم، فرجعت أولاهم واجتلدوا هم وأخراهم. فنظر حذيفة فإذا هو بأبيه اليمان، فقال: أبي، أبي. فوالله ما انحجزوا عنه حتى قتلوه. فقال حذيفة: غفر الله لكم. قال (2/180)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 181 عروة: فوالله مازالت في حذيفة بقية خير حتى لقي الله. أخرجه البخاري. وقال ابن عون، عن عمير بن إسحاق، عن سعد بن أبي وقاص قال: كان حمزة يقاتل يوم أحد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيفين، ويقول: أنا أسد الله. رواه يونس بن بكير، عن ابن عون، عن عمير مرسلاً، وزاد: فعثر فصرع مستلقياً وانكشفت الدرع عن بطنه، فزرقه العبد الحبشي فبقره. وقال عبد العزيز بن أبي سلمة، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، عن سليمان بن يسار، عن جعفر بن أمية الضمري قال: خرجت مع عبيد الله بن عدي بن الخيار إلى الشام. فلما قدمنا حمص قال عبيد الله: هل لك في وحشي نسأله عن قتل حمزة قلت: نعم. وكان وحشي يسكن): حمص، فسألنا عنه، فقيل لنا: هو ذاك في ظل قصره كأنه حميت. فجئنا حتى وقفنا عليه يسيراً فسلمنا، فرد علينا السلام. وكان عبيد الله معتجراً بعمامته، ما يرى وحشي إلا عينيه ورجليه. فقال عبيد الله: يا وحشي، تعرفني فنظر إليه فقال: لا والله، إلا أني أعلم أن عدي بن الخيار تزوج امرأة يقال لها أم قتال بنت أبي العيص، فولدت غلاماً بمكة فاسترضعته، فحملت ذلك الغلام مع أمه فناولتها إياه، لكأني نظرت إلى قدميك. قال: فكشف عبيد الله عن وجهه، ثم قال: ألا تخبرنا بقتل حمزة قال: نعم. إن حمزة قتل طعيمة بن عدي بن الخيار ببدر. فقال لي مولاي جبير بن مطعم: إن قتلت (2/181)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 182 حمزة بعمي فأنت حر. فلما خرج الناس عن عينين وعينين جبل تحت أحد، بينه وبين أحد واد خرجت مع الناس إلى القتال. فلما أن اصطفوا للقتال خرج سباع: فقال: هل من مبارز فخرج إليه حمزة، فقال: يا سباع يا بن مقطعة البظور، تحاد الله ورسوله ثم شد عليه، فكان كأمس الذاهب. قال فمكنت لحمزة تحت صخرة حتى مر علي، فرميته بحربتي فأضعها في ثنته حتى خرجت من وركه، فكان ذاك العهد به. فلما رجع الناس رجعت معهم، فأقمت بمكة حتى فشا فيها الإسلام، ثم خرجت إلى الطائف. قال: وأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلاً، وقيل إنه لا تهيج الرسل، فخرجت معهم. فلما رآني قال: أنت وحشي قلت: نعم. قال: الذي قتل حمزة قلت: نعم، قد كان الأمر الذي بلغك. قال: ما تستطيع أن تغيب عني وجهك قال: فرجعت. فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج مسيلمة، قلت: لأخرجن إليه لعلي أقتله فأكافيء به حمزة. فخرجت مع الناس وكان من أمرهم ما كان، فإذا رجل قائم في ثلمة جدار كأنه جمل أورق ثائر رأسه. قال: فأرميه بحربتي فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه، ووثب إليه رجل من الأنصار فضربه بالسيف على هامته. قال سليمان بن يسار: فسمعت ابن عمر يقول: قالت جارية على ظهر بيت: وا أمير المؤمنين، قتله العبد الأسود. (2/182)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 183 أخرجه البخاري. قال ابن إسحاق: ذكر الزهري قال: كان أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهزيمة وقول الناس: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، كعب بن مالك. قال: عرفت عينيه تزهران من تحت المغفر، فناديت: يا معشر المسلمين، أبشروا هذا رسول الله صلى الله عليه): وسلم. فأشار إلي أن أنصت، ومعه جماعة. فلما أسند في الشعب أدركه أبي بن خلف وهو يقول: يا محمد، لا نجوت إن نجوت. الحديث. وقال هاشم بن هاشم الزهري: سمعت سعيد بن المسيب، سمع سعداً يقول: نثل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كنانته يوم أحد، وقال: إرم، فداك أبي وأمي. أخرجه البخاري. وقال ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله، عن أبيه، عن جده، عن الزبير قال: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ظاهر بين درعين يومئذ، فلم يستطع أن ينهض إليها، يعني إلى صخرة في الجبل، فجلس تحته طلحة بن عبيد الله فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استوى عليها. فقال رسول (2/183)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 184 الله صلى الله عليه وسلم: أوجب طلحة. وقال حميد، عن أنس قال: غاب أنس بن النضر، عم أنس بن مالك، عن قتال بدر، فقال: غبت عن أول قتال قاتله رسول الله صلى الله عليه وسلم، لئن الله أشهدني قتالاً ليرين الله ما أصنع. فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء يعني المشركين، واعتذر معاذ، فقال: أي سعد والذي نفسي بيده إني لأجد ريح الجنة دون أحد، واهاً لريح الجنة قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع. قال أنس: وجدناه بين القتلى، به بضع وثمانون جراحة من ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم، قد مثلوا به فما عرفناه، حتى عرفته أخته ببنانه. قال أنس: فكنا نقول: أنزل فيه هذه الآية رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، أنها فيه وفي أصحابه. متفق عليه، لكن مسلم من حديث ثابت البناني، عن أنس. وقال محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن عمرو بن أقيش كان له رباً في الجاهلية، فكره أن يسلم حتى يأخذه. فجاء يوم أحد فقال: أين بنو عمي قالوا: بأحد. فلبس لأمته وركب فرسه ثم توجه قبلهم، فلما رآه المسلمون قالوا: إليك عنا. قال: إني قد آمنت. فقاتل حتى جرح، فحمل جريحاً، فجاءه سعد بن معاذ فقال لأخته: سليه، حمية (2/184)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 185 لقومك أو غضباً لله قال: بل غضباً لله ورسوله. فمات فدخل الجنة وما صلى صلاة. أخرجه أبو داود. وقال حيوية بن شريح المصري: حدثني أبو صخر حميد بن زياد، أن يحيى بن النضر حدثه عن أبي قتادة، قال: أتى عمرو بن الجموح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول): الله، أرأيت إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل، أمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة وكان أعرج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم. فقتل يوم أحد هو وابن أخيه ومولى لهم، فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كأني أراك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة. وأمر بهما وبمولاهما فجعلا في قبر واحد. وقال ابن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب قال، قال عبد الله بن جحش: اللهم إني أقسم عليك أن ألقى العدو غداً فيقتلوني ثم يبقروا بطني ويجدعوا أنفي وأذني، ثم تسألني بم ذاك، فأقول: فيك. قال سعيد بن المسيب: إني لأرجو أن يبر الله آخر قسمه كما أبر أوله. وروى الزبير بن بكار في الموفقيات، عن عبد الله بن جحش، أن سيفه انقطع، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم عرجوناً فصار في يده سيفاً. فكان يسمى العرجون، ولم يزل يتناول حتى بيع من بغا التركي بمائتي دينار. (2/185)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 186 وكان عبد الله من السابقين، أسلم قبل دار الأرقم، وهاجر إلى الحبشة هو واخوته وشهد بدراً. وقال معمر، عن سعيد بن عبد الرحمن الجحشي: ثنا أشياخنا أن عبد الله بن جحش جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وقد ذهب سيفه، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم عسيباً من نخل، فرجع في يد عبد الله سيفاً. مرسل. عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه، قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد لطلب سعد بن الربيع، وقال لي: إن رأيته فاقره مني السلام وقل له: يقول لك رسول الله كيف تجدك فجعلت أطوف بين القتلى، فأصبته وهو في آخر رمق وبه سبعون ضربة، فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول لك: خبرني كيف تجدك قال: على رسول الله السلام وعليك، قل له: يا رسول اله أجد ريح الجنة، وقل لقومي الأنصار: لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شفر يطرف. قال: وفاضت نفسه. أخرجه البيهقي، ثم ساقه فيما بعد من حديث محمد بن إسحاق، عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن المازني، منقطعاً، فهو شاهد لما رواه خارجة. وقال موسى بن عقبة: ثم انكفأ المشركون إلى أثقالهم، لا يدري المسلمون ما يريدون. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن رأيتموهم ركبوا وجعلوا الأثقال (2/186)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 187 تتبع آثار الخيل، فهم يريدون أن يدنوا من البيوت والآطام التي فيها الذراري، وأقسم بالله لئن فعلوا لأوقعنهم في جوفها، وإن): كانوا ركبوا الأثقال وجنبوا الخيل فهم يريدون الفرار. فلما أدبروا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص في آثارهم. فلما رجع قال: رأيتهم سائرين على أثقالهم والخيل مجنوبة. قال: فطابت أنفس القوم، وانتشروا يبتغون قتلاهم. فلم يجدوا قتيلاً إلا مثلوا به، إلا حنظلة بن أبي عامر، وكان أبوه مع المشركين فترك لأجله. وزعموا أن أباه وقف عليه قتيلاً فدفع صدره برجله ثم قال: ذنبان أصبتهما، قد تقدمت إليك في مصرعك هذا يا دبيس، ولعمر الله إن كنت لواصلاً للرحم براً بالوالد. ووجدوا حمزة بن عبد المطلب قد بقر بطنه وحملت كبده، احتملها وحشي وقد قتله، فذهب بكبده إلى هند بنت عتبة في نذر نذرته حين قتل أباها يوم بدر. فدفن في نمرة كانت عليه، إذا رفعت إلى رأسه بدت قدماه، فغطوا قدميه بشيء من الشجر. وقال الزهري: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: زملوهم بدمائهم، فإنه ليس أحد (2/187)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 188 يكلم في الله إلا وهو يأتي يوم القيامة وجرحه يدمي، لونه لون الدم وريحه ريح المسك. وقال: إن المشركين لن يصيبوا منا مثلها. وقد كان أبو سفيان ناداهم حين ارتحل المشركون: إن موعدكم الموسم، موسم بدر. وهي سوق كانت تقوم ببدر كل عام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا له: نعم. قال: ودخل النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا النوح في الدور. قال: ما هذا قالوا: نساء الأنصار يبكين قتلاهم. وأقبلت امرأة تحمل ابنها وزوجها على بعير، قد ربطتهما بحبل ثم ركبت بينهما وحمل، قيل: فدفنوا في مقابر المدينة، فنهاهم عن ذلك وقال: واروهم حيث أصيبوا. وقال لما سمع البكاء: لكن حمزة لا بواكي له. واستغفر له، فسمع ذلك سعد بن معاذ وابن رواحة وغيرهما، فجمعوا كل نائحة وباكية بالمدينة، فقالوا: والله لا تبكين قتلى الأنصار حتى تبكين عم رسول الله. فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء، قال: ما هذا قال: فأخبر، فاستغفر لهم وقال لهم خيراً، وقال: ما هذا أردت وما أحب البكاء، ونهى عنه. وقال يونس، عن ابن إسحاق، حدثني القاسم بن عبد الرحمن بن رافع الأنصاري قال: انتهى أنس بن النضر إلى عمر، وطلحة، ورجال قد ألقوا بأيديهم فقال: ما يجلسكم فقالوا: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فما تصنعون بالحياة بعده فقوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم (2/188)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 189 استقبل القوم فقاتل حتى قتل.): قال ابن إسحاق: وقد كان حنظلة بن أبي عامر التقي هو وأبو سفيان بن حرب، فلما استعلاه حنظلة رآه شداد بن الأسود. فضرب حنظلة بالسيف فقتله. وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن صاحبكم لتغسله الملائكة، يعني حنظلة، فسألوا أهله ما شأنه فسئلت صاحبته قالت: خرج وهو جنب حين سمع الهيعة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لذلك غسلته الملائكة. وقال البكائي، قال ابن إسحاق: وخلص العدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدث بالحجارة حتى وقع لشقه فأصيبت رباعيته، وشج في وجهه، وكلمت شفته. وكان الذي أصابه عتبة بن أبي وقاص. فحدثني حميد الطويل، عن أنس، قال: كسرت رباعية النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وشج في وجهه، فجعل الدم يسيل على وجهه وهو يمسحه ويقول: كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم فنزلت ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم و يعذبهم فإنهم ظالمون. وقال عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل بن سعد، قال: (2/189)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 190 جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه، فكانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تغسل الدم، وعلي يسكب الماء عليه بالمجن. فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة، أخذت قطعة حصير أحرقته، حتى إذا صار رماداً ألصقته بالجرح، فاستمسك الدم. أخرجاه، ورواه مسلم من حديث سعيد بن أبي هلال، عن أبي حازم عن سهل، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أصيبت رباعيته وهشمت بيضته. وذكر باقي الحديث. وقال معمر، عن همام، عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشتد غضب الله على قوم فعلوا برسول الله وهو يشير إلى رباعيته اشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله في سبيل الله. متفق عليه، وللبخاري مثله من حديث عكرمة، عن ابن عباس، لكن فيه: دموا وجه رسول الله، بدل ذكر رباعيته. وقال ابن المبارك، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله: أخبرني عيسى بن طلحة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد بكى ثم قال: ذاك يوم كان كله يوم): طلحة. ثم أنشأ يحدث قال: (2/190)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 191 كنت أول من فاء يوم أحد، فرأيت رجلاً يقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم دونه. وأراده قال: يحميه، فقلت: كان طلحة حيث فاتني ما فاتني، قلت: يكون رجلاً من قومي أحب إلي. وبيني وبين المشركين رجلاً لا أعرفه، وأنا أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، وهو يخطف المشي خطفاً لا أخطفه. فإذا هو أبو عبيدة. فانتهينا إلى رسول لله صلى الله عليه وسلم وقد كسرت رباعيته وشج في وجهه، وقد دخل في وجهه حلقتان من حلق المغفر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكما صاحبكما يريد طلحة وقد نزف. فلم نلتفت إلى قوله، وذهبت لأنزع ذلك من وجهه. فقال أبو عبيدة: أقسمت عليك بحقي لما تركتني. فتركته. فكره أن يتناولها بيده فيؤذي النبي، فأزم عليهما بفيه، فاستخرج إحدى الحلقتين. ووقعت ثنيته مع الحلقة. وذهبت لأصنع ما صنع، فقال: أقسمت عليك بحقي لما تركتني. ففعل ما فعل في المرة الأولى، فوقعت ثنيته الأخرى مع الحلقة. فكان أبو عبيدة من أحسن الناس هتماً، فأصلحنا من شأن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أتينا طلحة في بعض تلك الجفار، فإذا بضع وسبعون، أقل أو أكثر، من بين طعنة ورمية وضربة، وإذا قد قطعت إصبعه. فأصلحنا من شأنه. وروى الواقدي عن ابن أبي سبرة، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن أبي الحويرث، عن نافع بن جبير قال: سمعت رجلاً من المهاجرين يقول: شهدت أحداً، فنظرت إلى النبل يأتي من كل ناحية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسطها، كل ذلك يصرف عنه. ولقد رأيت عبد الله بن شهاب (2/191)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 192 الزهري يقول يومئذ: دلوني على محمد، فلا نجوت إن نجا. ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه ما معه أحد، ثم تجاوزه. فعاتبه في ذلك صفوان، فقال: والله ما رأيته، أحلف بالله أنه منا ممنوع، خرجنا أربعة فتعاهدنا وتعاقدنا على قتله، فلم نخلص إلى ذلك. قال الواقدي: الثبت عندنا أن الذي رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجنتيه: ابن قمئة، والذي رمى شفتيه وأصاب رباعيته: عتبة بن أبي وقاص. وقال ابن إسحاق: حدثني صالح بن كيسان، عمن حدثه، عن سعد بن أبي وقاص، قال: والله ما حرصت على قتل أحد قط ما حرصت على قتل عتبة بن أبي وقاص، وإن كان ما علمته لسيئ الخلق مبغضاً في قومه، ولقد كفاني منه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشتد غضب الله على من دمى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم.): وقال معمر، عن الزهري، وعن عثمان الجزري، عن مقسم أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على عتبة حين كسر رباعيته: اللهم لا تحل عليه الحول حتى يموت كافراً. فما حال عليه الحول حتى مات كافراً إلى النار. مرسل. ابن وهب: أنبأ عمرو بن الحارث، حدثني عمر بن السائب، أنه بلغه أن والد أبي سعيد الخدري لما جرح النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، مص جرحه حتى أنقاه ولاح أبيض، فقيل له: مجه. فقال: لا والله لا أمجه أبداً. ثم (2/192)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 193 أدبر فقاتل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة، فلينظر إلى هذا. فاستشهد. قال ابن إسحاق: قال حسان بن ثابت: (إذا الله جازى معشراً بفعالهم.......... ونصرهم الرحمن رب المشارق)

(فأخزاك ربي يا عتيب بن مالك.......... ولقاك قبل الموت إحدى الصواعق)

(بسطت يميناً للنبي تعمداً.......... فأدميت فاه، قطعت بالبوارق)

(فهلا ذكرت الله والمنزل الذي.......... تصير إليه عند إحدى البوائق) قال ابن إسحاق: وعن أبي سعيد الخدري، أن عتبة كسر رباعية النبي صلى الله عليه وسلم اليمنى السفلى، وجرح شفته السفلى. وأن عبد الله بن شهاب شجه في جبهته. وأن ابن قمئة جرح وجنته، فدخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته، ووقع صلى الله عليه وسلم في حفرة من الحفر التي عمل أبو عامر ليقع فيها المسلمون، فأخذ علي بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفعه طلحة حتى استوى قائماً. ومص مالك بن سنان أبو أبي سعيد الخدري الدم عن وجهه ثم ازدرده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مس دمه دمي لم تمسه النار. منقطع. قال البكائي: قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى عن قوسه حتى اندقت سيتها، فأخذها قتادة بن النعمان، فكانت عنده. وأصيبت يومئذ عين قتادة، حتى وقعت على وجنته. فحدثني (2/193)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 194 عاصم بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردها بيده، وكانت أسن عينيه وأحدهما. وقال الواقدي: ثنا موسى بن يعقوب الزمعي، عن عمته، عن أمها، عن المقداد بن عمر، قال: فربما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً يوم أحد يرمي عن قوسه، ويرمي بالحجر،): حتى تحاجزوا، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو في عصابة صبروا معه. هذان الحديثان ضعيفان، فيهما أنه رمى بالقوس. وقال سليمان بن أحمد نزيل واسط: ثنا محمد بن شعيب، سمعت إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، يحدث عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح، عن أبي سعيد الخدري، عن قتادة بن النعمان وكان أخا أبي سعيد لأمه، أن عينه ذهبت يوم أحد، فجاء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فردها، فاستقامت. وقال يحيى الحماني، ثنا عبد الرحمن بن الغسيل، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن أبيه، عن قتادة بن النعمان، أنه أصيبت عينه يوم بدر، فسالت حدقته على وجنته، فأرادوا أن يقطعوها، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا. فدعا به فغمز حدقته براحته. فكان لا يدري أي عينيه أصيبت. (2/194)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 195 كذا قال ابن الغسيل: يوم بدر. وقال موسى بن عقبة: إن أبا حذيفة بن اليمان، واسمه حسيل بن جبير حليف الأنصار، أصابه المسلمون، زعموا، في المعركة لا يدرون من أصابه. فتصدق حذيفة بدمه على من أصابه. قال موسى: وجميع من استشهد من المسلمين تسعة وأربعون رجلاً. وقتل من المشركين ستة عشر رجلاً. وقال بن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: حمل أبي بن خلف على النبي صلى الله عليه وسلم يريد قتله، فاستقبله مصعب بن عمير، فقتل مصعباً. وأبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ترقوة أبي فطعنه بحربته فوقع عن فرسه، ولم يخرج منها دم فأتاه أصحابه فاحتملوه وهو يخور. وروى نحوه الزهري عن ابن المسيب. وذكره الواقدي، عن يونس بن محمد، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه. قال الواقدي: وكان ابن عمر يقول: مات أبي ببطن رابغ، فإني لأسير ببطن رابغ بعد هوي من الليل إذا نار تأجج لي فهبتها، فإذا رجل يخرج منها في سلسلة يجتذبها يصيح: العطش. ورجل يقول: لا تسقه، فإن هذا قتيل رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا أبي بن خلف.): وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، قال: ما نصر النبي صلى الله عليه وسلم في موطن كما نصر يوم (2/195)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 196 أحد. فأنكرنا ذلك، فقال ابن عباس: بيني وبين من أنكر ذلك كتاب الله، إن الله يقول في يوم أحد ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه والحس: القتل حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون الآية. وإنما عني بهذا الرماة. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أقامهم في موضع. وقال: احموا ظهورنا، فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا. فلما غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم وانكفأ عسكر المشركين، نزلت الرماة فدخولا في العسكر ينتهبون، وقد التفت صفوف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم هكذا وشبك أصابعه، وانتشبوا. فلما خلى الرماة تلك الخلة التي كانوا فيها، دخل الخيل من ذلك الموضع على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فضرب بعضهم بعضاً، والتبسوا. وقتل من المسلمين ناس كثير. وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أول النهار، حتى قتل من أصحاب لواء المشركين سبعة أو تسعة. وجال المسلمون جولة نحو الجبل. وصاح الشيطان: قتل محمد. فلم يشك فيه أنه حق. وساق الحديث. وقال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، عن أبي طلحة، قال: كنت ممن تغشاه النعاس يوم أحد، حتى سقط سيفي من يدي مراراً. أخرجه البخاري. وقال حماد بن سلمة، عن ثابت عن أنس، عن أبي طلحة، قال: (2/196)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 197 رفعت رأسي يوم أحد، فجعلت أنظر، وما منهم أحد إلا وهو يميد تحت حجفته من النعاس. فذلك قوله: ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً الآية. وقال يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن جده، عن الزبير، قال: والله لكأني أسمع قول معتب بن قشير، وإن النعاس ليغشاني ما أسمعها منه إلا كالحلم، وهو يقول: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا. وروى الزهري، عن عبد الرحمن بن مسور بن مخرمة، عن أبيه، قال: ألقي علينا النوم يوم أحد. وقال ابن إسحاق عن عاصم بن عمر، والزهري وجماعة، قالوا: كان يوم أحد يوم بلاء وتمحيص، اختبر الله به المؤمنين، ومحق به المنافقين ممن كان يظهر إسلامه بلسانه، ويوم): أكرم الله فيه بالشهادة غير واحد، وكان مما نزل من القرآن في يوم أحد ستون آية من آل عمران. وقال المديني، عن سلام بن مسكين، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب قال: كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم مرطاً أسود كان لعائشة، وراية الأنصار يقال لها العقاب، وعلى الميمنة علي رضي الله عنه، وعلى الميسرة المنذر بن عمرو الساعدي، والزبير بن العوام على الرجال، ويقال (2/197)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 198 المقداد بن عمرو، وحمزة بن عبد المطلب على القلب، رضي الله عنهم أجمعين. ولواء قريش مع طلحة بن أبي طلحة فقتله علي، فأخذ اللواء سعد بن أبي طلحة فقتله سعد بن مالك، فأخذه عثمان بن أبي طلحة، فقتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، فأخذه الجلاس بن طلحة، فقتله ابن أبي الأقلح أيضاً، ثم كلاب والحارث ابنا طلحة، فقتلهما قزمان حليف بني ظفر، وأرطاة بن عبد شرحبيل العبدري قتله مصعب بن عمير رضي الله عنه، وأخذه أبو يزيد بن عمير العبدري، وقيل عبد حبشي لبني عبد الدار، قتله قزمان. قال ابن إسحاق: وبقي اللواء ما يأخذه أحد، وكانت الهزيمة على قريش. وقال مروان بن معاوية الفزاري: ثنا عبد الواحد بن أيمن، ثنا عبيد بن رفاعة الزرقي، عن أبيه، قال: لما كان يوم أحد وانكفأ المشركون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استووا حتى أثني على ربي. فصاروا خلفه صفوفاً فقال: اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا مقرب لما باعدت، ولا مباعد لما قربت، ولا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت. اللهم ابسط علينا من بركاتك، أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول. اللهم عائذاً بك من سوء ما أعطيتنا وشر ما منعت منا، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، (2/198)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 199 واجعلنا من الراشدين، اللهم توفنا مسلمين وأحينا مسلمين وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين. اللهم قاتل الكفرة الذي أوتوا الكتاب، إله الحق. هذا حديث غريب منك، رواه البخاري في الأدب، عن علي بن المديني، عن مروان. (عدد الشهداء) قد مر أن البخاري أخرج من حديث البراء، أن المشركين أصابوا منا سبعين. وقال حماد بن سملة، عن ثابت، عن أنس، قال: يا رب السبعين من الأنصار، سبعين يوم أحد، وسبعين يوم بئر معونة، وسبعين يوم مؤتة، وسبعين يوم اليمامة.): وقال عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيب قال: قتل من الأنصار في ثلاثة مواطن سبعون سبعون: يوم أحد، ويوم اليمامة، ويوم جسر أبي عبيد. وقال ابن جريج: أخبرني عمر بن عطاء، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله تعالى: قد أصبتم مثليها، قال: قتل المسلمون من المشركين يوم بدر سبعين وأسروا سبعين، وقتل المشركون يوم أحد من المسلمين سبعين. وأما ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، فقال: جميع من قتل (2/199)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 200 مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، من قريش والأنصار: أربعة وأربعون، أو قال: سبعة وأربعون رجلاً. وجميع من قتل يوم أحد، يعني من المشركين تسعة عشر رجلاً. وقال موسى بن عقبة: جميع من استشهد من المسلمين، من قريش والأنصار تسعة أو سبعة وأربعون رجلاً. وقال ابن إسحاق: جميع من استشهد من المسلمين، من المهاجرين والأنصار، يوم أحد، خمسة وستون رجلاً. وجميع قتلى المشركين اثنان وعشرون. قلت: قول من قال سبعين أصح. ويحمل قول أصحاب المغازي هذا عدد من عرف اسمه من الشهداء، فإنهم عدوا أسماء الشهداء وأنسابهم. قال ابن إسحاق: استشهد من المهاجرين: حمزة، وعبد الله بن جحش بن رئاب الأسدي، حليف بني عبد شمس، وهو ابن عمة رسول لله صلى الله عليه وسلم، وقد دفن مع حمزة في قبر واحد. ومصعب بن عمير، وعثمان بن عثمان، ولقبه شماس، وهو عثمان ابن عثمان بن الشريد بن سويد بن هرمي بن عامر بن مخزوم القرشي (2/200)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 201 المخزومي، ابن أخت عتبة بن ربيعة، هاجر إلى الحبشة وشهد بدراً. ولقب شماساً لملاحته. ومن الأنصار: عمرو بن معاذ بن النعمان الأوسي، أخو سعد، وابن أخيه الحارث بن أوس بن معاذ، والحارث بن أنس بن رافع، وعمارة بن زياد بن السكن، وسلمة، وعمرو، ابنا ثابت بن وقش. وعمهما: رفاعة بن وقش، وصيفي بن قيظي، وأخوه: حباب، وعباد بن سهل، وعبيد بن التيهان، وحبيب بن زيد، وإياس بن أوس، الأشهيلون. واليمان أبو حذيفة، حليف لهم. ويزيد بن): حاطب بن أمية الظفري، وأبو سفيان بن الحراث بن قيس، وغسيل الملائكة حنظلة بن أبي عامر الراهب، ومالك بن أمية وعوف بن عمرو، وأبو حية بن عمرو ابن ثابت، وعبد الله بن جبير بن النعمان، أمير الرماة، وأنس بن قتادة، وخيثمة والد سعد بن خيثمة، وحليفه: عبد الله بن سلمة العجلاني، وسبيع بن حاطب بن الحارث، وحليفه: مالك بن أوس، وعمير بن عدي الخطمي. (2/201)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 202 وكلهم من الأوس. واستشهد من الخزرج: عمرو بن قيس النجاري، وابنه: قيس، وثابت بن عمرو بن زيد، وعامر بن مخلد، وأبو هبيرة بن الحارث بن علقمة، وعمرو بن مطرف، وإياس بن عيد، وأوس، أخو حسان بن ثابت. وهو والد شداد بن أوس، وأنس بن النضر بن ضمضم، وقيس بن مخلد. وعشرتهم من بني النجار. وعبد لهم اسمه: كيسان، وسلمة بن الحارث، ونعمان بن عبد عمرو، وهما من بني دينار بن النجار. ومن بني الحارث بن الخزرج: خارجة بن زيد بن أبي زهير، وسعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير، وأوس بن أرقم بن زيد، أخو زيد بن أرقم. ومن بني خدرة: مالك بن سنان، وسعيد بن سويد، وعتبة بن ربيع. ومن بني ساعدة: ثعلبة بن سعد بن مالك. وثقف بن فروة، وعبد الله بن عمرو بن وهب. وضمرة، حليف لهم من جهينة. ومن بني عوف بن الخزرج، ثم من بني سالم: (2/202)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 203 عمرو بن إياس، ونوفل بن عبد الله، وعبادة بن الخشخاش، والعباس بن عبادة بن نضلة. والنعمان بن مالك. والمجذر ابن ذياد البلوي، حليف لهم. ومن بني الحبلي: رفاعة بن عمرو.): ومن بني سواد بن مالك: مالك بن إياس. ومن بني سلمة: عبد الله بن عمرو بن حرام، وعمرو بن الجموح بن زيد بن حرام. وكنا متآخيين وصهرين، فدفنا في قبر واحد. وخلاد بن عمرو بن الجموح. ومولاه أسير، أبو أيمن، مولى عمرو. ومن بني سواد بن غنم: سليم بن عمرو بن حديدة. ومولاه عنترة، وسهيل بن قيس. ومن بني زريق: ذكوان بن عبد قيس، وعبيد بن المعلى بن لوذان. (2/203)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 204 قال ابن إسحاق: وزعم عاصم بن عمر بن قتادة أن ثابت بن وقش قتل يومئذ مع ابنيه. وذكر الواقدي جماعة قتلوا سوى من ذكرنا. وقال البكائي: قال ابن إسحاق وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد رفع حسيل بن جابر والد حذيفة بن اليمان وثابت بن وقش في الآطام مع النساء والصبيان، فقال أحدهما لصاحبه وهما شيخان كبيران: لا أبا لك، ما ننتظر فوالله ما بقي لواحد منا من عمره إلا ظمء حمار، إنما نحن هامة اليوم أو غد، أفلا نأخذ أسيافنا ثم نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله يرزقنا الشهادة مع رسوله فخرجا حتى دخلا في الناس، ولم يعلم بهما. فأما ثابت فقتله المشركون، وأما حسيل فقتله المسلمون ولا يعرفونه. قال: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال: كان فينا رجل أتي لا يدري ممن هو، يقال له قزمان. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ذكر له: إنه لمن أهل النار. فلما كان يوم أحد قتل وحده ثمانية أو سبعة من المشركين وكان ذا بأس، فأثبتته الجراحة، فاحتمل إلى دار بني ظفر، فجعلوا يقولون له: والله لقد أبليت اليوم يا قزمان، فأبشر. قال: بماذا أبشر والله): إن (2/204)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 205 قاتلت إلا عن أحساب قومي، ولولا ذلك لما قاتلت. فلما اشتدت عليه جراحته أخذ سهماً فقتل به نفسه. قال ابن إسحاق: وكن ممن قتل يومئذ مخيريق، وكان أحد بني ثعلبة بن الفطيون، قال لما كان يوم أحد: يا معشر اليهود، والله لقد علمتم أن نصر محمد عليكم لحق. قالوا: إن اليوم يوم السبت. قال: لا سبت لكم. فأخذ سيفه وعدته وقال: إن أصبت فمالي لمحمد يصنع فيه ما شاء. ثم غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتل معه حتى قتل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا: مخيريق خير يهود. ووقعت هند بنت عتبة والنسوة اللاتي معها يمثلن بالقتلى، يجدعن الآذان والأنف، حتى اتخذت هند من آذان الرجال وأنفهم خدماً، وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها، فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها. ثم علت على صخرة مشرفة، فصرخت بأعلى صوتها: (نحن جزيناكم بيوم بدر.......... والحرب بعد الحرب ذات سعر)

(ما كان عن عتبة لي من صبر.......... ولا أخي، وعمه وبكري)

(شفيت صدري وقضيت نذري.......... شفيت وحشي غليل صدري) (2/205)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 206 وقتل من المشركين، على ما ذكر ابن إسحاق أحد عشر رجلاً من بني عبد الدار، وهم: طلحة، وأبو سعيد، وعثمان: بنو أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى. ومولاهم: صؤاب، وبنو طلحة المذكور: مسافع، والحارث، والجلاس، وكلاب. وأبو يزيد بن عمير أخو مصعب بن عمير، وابن عمه: أرطأة بن عبد شرحبيل بن هاشم، وابن عمهم: قاسط بن شريح، وعبد الله بن حميد بن زهير الأسدي، وسباع بن عبد العزى الخزاعي حليف بني أسد. وأربعة من بني مخزوم: أخو أم سلمة هشام بن أبي أمية بن المغيرة. والوليد بن العاص بن هشام بن المغيرة، وأبو أمية بن أبي حذيفة بن المغيرة، وحليفهم: خالد بن الأعلم. ومن بني زهرة: أبو الحكم بن الأخنس بن شريق، حليف لهم. ومن بني جمح:): أبي بن خلف. وأبو عزة عمرو بن عبد الله بن عمير. أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب عنقه صبراً، وذلك أنه أسر يوم بدر، وأطلقه النبي صلى الله عليه وسلم بلا فداء لفقره، وأخذ عليه أن لا يعين عليه. فنقض العهد وأسر يوم أحد، فقال (2/206)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 207 رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله لا تمسح عارضيك بمكة تقول خدعت محمداً مرتين. وأمر به فضربت عنقه. وقيل لم يؤسر سواه. ومن بني عامر بن لؤي: عبيدة بن جابر. وشبيبة بن مالك. وقال سليمان بن بلال، عن عبد الأعلى بن عبد الله بن أبي فروة، عن قطن بن وهب، عن عبيد بن عمير، عن أبي هريرة، ورواه حاتم بن إسماعيل، عن عبد الأعلى فأرسله مرة وأسنده مرة عن أبي ذر عوض أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم حين انصرف من أحد مر على مصعب بن عمير رضي الله عنه وهو مقتول على طريقه فوقف عليه ودعا له، ثم قرأ: من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً. ثم قال: أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة، فأتوهم وزوروهم، والذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه السلام. وقال ابن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، وحدثنيه بريدة بن سفيان، عن محمد بن كعب قال: لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بحمزة رضي الله عنه من المثل جدع أنفه ولعب به قال: لولا أن تجزع صفية (2/207)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 208 وتكون سنة من بعدي ما غيب حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير. وحدثني بريدة، عن محمد بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لئن ظفرت بقريش لأمثلن بثلاثين منهم. فلما رأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما به من الجزع قالوا: لئن ظفرنا بهم لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد، فأنزل الله: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به، إلى آخر السورة. فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى ابن إسحاق عن شيوخه الذين روى عنهم قصة أحد، أن صفية أقبلت لتنظر إلى حمزة وهو أخوها لأبويها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنها الزبير: إلقها فأرجعها، لا ترى ما بأخيها. فلقيها فقال: أي أمه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي.): قالت: ولم فقد بلغني أنه مثل بأخي، وذلك في الله، فما أرضانا بما كان من ذلك، فلأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله. فجاء الزبير فأخبره قولها، قال: فخل سبيلها. فأتته، فنظرت إليه واسترجعت واستغفرت له ثم أمر به فدفن. وقال أبو بكر بن عياش، عن يزيد بن أبي زياد، عن مقسم، عن ابن عباس قال: لما قتل حمزة أقبلت صفية، فلقيت علياً والزبير، فأرياها أنهما لا يدريان. فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: فإني أخاف على عقلها. فوضع (2/208)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 209 يده على صدرها ودعا لها، فاسترجعت وبكت. ثم جاء فقام عليه وقد مثل به فقال: لولا جزع النساء لتركته حتى يحشر من حواصل الطير وبطون السباع. ثم أمر بالقتلى فجعل يصلي عليهم سبع تكبيرات، ويرفعون ويترك حمزة، ثم يجاء بسبعة فيكبر عليهم سبعاً، حتى فرغ منهم. وحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليهم أصح. وفي الصحيحين من حديث عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد صلاته على الميت. فالله أعلم. عثمان بن عمرو، وروح بن عباد، بإسناد الحاكم في المستدرك إليهما ثنا أسامة بن زيد، عن الزهري، عن أنس قال: لما كان يوم أحد، مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة وقد جدع ومثل به، فقال: لولا أن تجد صفية تركته حتى يحشره الله من بطون الطير والسباع. فكفنه في نمرة. ولم يصل على أحد من الشهداء غيره. الحديث. وقال يحيى الحماني: ثنا قيس هو ابن الربيع عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قتل حمزة ومثل به: لئن ظفرت بقريش لأمثلن بسبعين منهم فنزلت: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به الآية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل نصبر يا رب. إسناده ضعيف من قبل قيس. وقد روى نحوه حجاج بن منهال، وغيره، عن صالح المري وهو (2/209)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 210 ضعيف عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي هريرة. وزاد: فنظر إلى منظر لم ينظر إلى شيء قط أوجع منه لقلبه. أخبرنا محمد بن محمد بن صاعد القاضي أنبأ الحسن بن أحمد الزاهد ببيت المقدس سنة تسع وعشرين وستمائة، ثنا أحمد بن محمد السلفي، أنبأ أبو بكر أحمد بن علي، أنبأ الحسن بن أحمد): بن إبراهيم، أنبأ عبد الله ابن جعفر الفارسي، ثنا يعقوب الفسوي، ثنا عبد الله بن عثمان، أنا عيسى ابن عبيد الكندي، حدثني ربيع بن أنس، حدثني أبو العالي، عن أبي بن كعب أنه أصيب من الأنصار يوم أحد أربعة وستون، وأصيب من المهاجرين ستة منهم حمزة. فمثلوا بقتلاهم. فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم يوماً من الدهر لنربين عليهم. فلما كان يوم فتح مكة نادى رجل لا يعرف: لا قريش بعد اليوم، مرتين، فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم. الآية. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كفوا عن القوم. وقال يونس بن بكير، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: جاءت صفية يوم أحد ومعها ثوبان لحمزة، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم كره أن ترى حمزة على حاله، فبعث إليها الزبير يحبسها وأخذ الثوبين. وكان إلى جنب حمزة قتيل (2/210)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 211 من الأنصار، فكرهوا أن يتخيروا لحمزة، فقال: أسهموا بينهما، فأيهما طار له أجود الثوبين فهو له. فاسهموا بينهما، فكفن حمزة في ثوب والأنصاري في ثوب. وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير قال: لما أشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد قال: أنا الشهيد على هؤلاء، ما من جريح يجرح في الله إلا بعث يوم القيامة وجرحه يثعب دماً، اللون لون الدم والريح ريح المسك، أنظروا أكثرهم جمعاً للقرآن فاجعلوه أمام صاحبه في القبر. فكانوا يدفنون الاثنين والثلاثة في القبر. قال ابن إسحاق: وحدثني والدي، عن رجال من بني سلمة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين أصيب عمرو بن الجموح، وعبد الله بن عمرو بن حرام: اجمعوا بينهما، فإنهما كانا متصافيين في الدنيا. قال أبي: فحدثني أشياخ من الأنصار قالوا: لما ضرب معاوية عينه التي مرت على قبور الشهداء، واستصرخنا عليهم وقد انفجرت عليهما في قبرهما، فأخرجناهما وعليهما بردتان قد غطى بهما وجوههما. وعلى أقدامهما شيء من نبات الأرض، فأخرجناهما كأنهما يتثنيان تثنياً كأنما دفنا بالأمس. وقال حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي الزبير، عن جابر قال: استصرخنا إلى قتلانا يوم أحد، وذلك حين أجرى معاوية العين، فأتيناهم فأخرجناهم تثنى أطرافهم رطاباً، على رأس أربعين سنة.): (2/211)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 212 قال حماد: وزادني صاحب لي في الحديث: فأصاب قدم حمزة فانثعب دماً. وقال ابن عيينة، عن الأسود، عن نبيح العنزي، عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتلى أحد أن يردوا إلى مصارعهم. وقال أبو عوانة: ثنا الأسود بن قيس، عن نبيح العنزي، عن جابر، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين لقتالهم. فقال لي أبي: ما عليك أن تكون في النظارة حتى تعلم إلى ما يصير أمرنا، فوالله لولا أني أترك بنات لي بعدي لأحببت أن تقتل بين يدي. فبينما أنا في النظارين إذ جاءت عمتي بأبي وخالي عادلتهما على ناضح، فدخلت بهما المدينة، لتدفنهما في مقابرنا، فجاء رجل ينادي: ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن ترجعوا بالقتلى فتدفنوها في مصارعها. فبينما أنا في خلافة معاوية، إذ جاءني رجل فقال: يا جابر، قد والله أثار أباك عمال معاوية فبدا طائفة منه. قال: فأتيته فوجدته على النحو الذي تركته، لم يتغير منه شيء إلا ما لم يدع القتل أو القتال فواريته. وقال حسين المعلم، عن عطاء، عن جابر قال: لما حضر أحد قال أبي: ما أراني إلا مقتولاً، وإني لا أترك بعدي أعز علي منك غير نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن علي ديناً فاقض واستوص بإخوانك خيراً. فأصبحنا (2/212)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 213 فكان أول قتيل، فدفنت معه آخر في قبر، ثم لم تطب نفسي أن أنزله مع آخر، فاستخرجته بعد ستة أشهر، فإذا هو كيوم وضعته هنية غير أذنه. أخرجه البخاري. وقال الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب، ثم يقول: أيهما أكثر أخذاً للقرآن فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد. وقال: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة. وأمر بدفنهم بدمائهم ولم يصل عليهم، ولم يغسلوا. أخرجه البخاري عن قتيبة، عن الليث، عنه. وقال أيوب، عن حميد بن هلال، عن هشام بن عامر قال: قالوا يوم أحد: يا رسول الله قد أصابنا قرح وجهد فكيف تأمر قال: احفروا وأوسعوا وأعمقوا واجعلوا الاثنين والثلاثة في القبر، وقدموا أكثرهم قرآناً. ومنهم من يقول: حميد بن هلال، عن سعيد بن هشام بن عامر، عن أبيه. وقال شعبة، عن ابن المنكدر: سمعت جابراً يقول: لما قتل أبي جعلت أبكي وأكشف الثوب عنه،): وجعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينهوني، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينهاني، وقال لا تبكيه، أو ما تبكيه، فما زالت الملائكة تظله (2/213)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 214 بأجنحتها حتى رفعتموه. أخرجاه. وأخرج البخاري من حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بدفن قتلى أحد في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم. وكان يجمع بين الرجلين في الثوب الواحد، ثم يقول: أيهم أكثر أخذاً للقرآن فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد. وقال علي بن المديني: ثنا موسى بن إبراهيم الأنصاري، سمع طلحة ابن خراش، قال: سمعت جابر بن عبد الله قال: نظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مالي أراك مهتماً قلت: يا رسول الله قتل أبي وترك ديناً وعيالاً. فقال: ألا أخبرك ما كلم الله أحداً إلا من وراء حجاب، وإنه كلم أباك كفاحاً، فقال له: يا عبدي سلني أعطك. فقال: أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانياً. فقال: إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون. قال: يا رب فأبلغ من ورائي، فأنزل الله عز وجل: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء الآية. ويروى نحوه عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها. وكان أبو جابر من سادة الأنصار شهد بدراً، وهو أحد النقباء ليلة العقبة، وهو عبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة. وأمه الرباب بنت قيس من بني سلمة. شهد معه العقبة ولده رضي الله عنهما. (2/214)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 215 وعمرو بن الجموح بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم الأنصاري السلمي، سيد بني سلمة، الذي دفن معه. قال ابن سعد وغيره: شهد بدراً. وابنه معاذ بن عمرو بن الجموح هو الذي قطع رجل أبي جهل، وقضى النبي صلى الله عليه وسلم بسلبه لمعاذ. وكان عمرو بن الجموح رضي الله عنه زوج أخت عبد الله بن عمرو بن حرام. وعن ثابت البناني، عن عكرمة قال: كان مناف في بيت عمرو بن الجموح. فلما قدم مصعب بن عمير المدينة، بعث إليهم عمرو: ما هذا الذي جئتمونا به قالوا: إن شئت جئنا وأسمعناك، فواعدهم فجاءوا، فقرأ عليه مصعب ألر تلك آيات الكتاب المبين، فقرأ ما شاء الله أن يقرأ. فقال: إن لنا مؤامرة في قومنا وكان سيد بني سلمة فخرجوا، فدخل على مناف فقال: يا مناف، تعلم والله ما يريد القوم غيرك، فهل عندك من نكير قال: فقلده سيفاً، فخرج فقام أهله فأخذوا السيف، فجاء فوجدهم أخذوا السيف فقال: يا مناف أين السيف ويحك إن العنز لتمنع): استها، والله ما أرى في أبي جعار غداً من خير. ثم قال لهم: إني ذاهب إلى مالي فاستوصوا بمناف خيراً. فذهب فكسروا مناف وربطوه مع كلب ميت. فلما جاء رأى مناف، فبعث إلى قومه فجاءوه فقال: ألستم على ما أنا عليه قالوا: بل، أنت سيدنا، قال: فإني أشهدكم أني قد آمنت بمحمد. فلما كان يوم أحد قال النبي صلى الله عليه وسلم: قوموا إلى جنة عرضها (2/215)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 216 السماوات والأرض فقام وهو أعرج، فقاتل حتى قتل، رضي الله عنه. قال أبو صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم الرجل عمرو بن الجموح. وروى محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينار، وروى فطر بن خليفة، عن حبيب بن أبي ثابت وغيرهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا بني سلمة من سيدكم قالوا: الجد بن قيس، وإنا لنبخله. قال: وأي داء أدوى من البخل بل سيدكم الجعد الأبيض عمرو بن الجموح. وقد قال الواقدي: لم يشهد بدراً، ولما أرد الخروج إلى أحد منعه بنوه وقالوا: قد عذرك الله وبك عرج، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: أما أنت فقد عذرك الله. وقال لبنيه: لا تمنعوه لعل الله يرزقه الشهادة. فخرج واستشهد هو وابنه خلاد، رضي الله عنهما. وعن إسرائيل، عن سعيد بن مسروق، عن أبي الضحى، أن عمرو ابن الجموح قال لبنيه: منعتموني الجنة يوم بدر، والله لئن بقيت لأدخلن الجنة. فكان يوم أحد في الرعيل الأول، رضي الله عنه. وقال إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جده قال: أتى ابن عوف بطعام فقال: قتل مصعب بن عمير وكان خيراً مني فلم يوجد له إلا بردة (2/216)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 217 يكفن فيها، ما أظننا إلا قد عجلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا. أخرجه البخاري. وقال الأعمش، عن أبي وائل، عن خباب قال: هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتغي وجه الله، فوجب أجرنا على الله، فمنا من ذهب لم يأكل من أجره، وكان منه مصعب بن عمير، قتل يوم أحد، ولم يكن له إلا نمرة، كنا إذا غطينا رأسه خرجت رجلاه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غطوا بها رأسه واجعلوا على رجليه من الإذخر. ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها. متفق عليه. وقال يونس، عن ابن إسحاق، حدثني عبد الواحد بن أبي عون، عن إسماعيل بن محمد بن سعد): بن أبي وقاص، قال: كانت امرأة من بني الأنصار من بني دينار قد أصيب زوجها وأخوها وأبوها يوم أحد. فلما نعوا لها قالت: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: خيراً، يا أم فلان. فقالت: أرونيه حتى أنظر إليه. فأشاروا لها إليه، حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل أي هين. ويكون في غير ذا بمعنى عظيم. (2/217)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 218 عن أبي برزة أن جليبيباً كان من الأنصار. فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم لرجل: زوجني ابنتك. قال: نعم ونعمة عين. قال: لست أريدها لنفسي. قال: فلمن قال: لجليبيب. قال: أستأمر أمها. فأتاها فأجابت: لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنما يريد ابنتك لجليبيب. قالت: الجليبيب لا لعمر الله لا تزوجه. فلما قام أبوها ليأتي النبي صلى الله عليه وسلم. قالت: أفتردون عليه أمره ادفعني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لن يضيعني. فذهب أبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: شأنك بها. فزوجها جليبيباً، ودعا لهما. فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغزى له قال: هل تفقدون من أحد قالوا: نفقد فلاناً ونفقد فلاناً. قال النبي صلى الله عليه وسلم: أفقد جليبيباً، فاطلبوه فنظروا فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم، ثم قتلوه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا مني وأنا منه. قتل سبعة ثم قتلوه. فوضعوه على ساعديه ثم حفروا له، ماله سرير إلا ساعدا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وضع في قبره. (2/218)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 219 قال ثابت البناني: فما في الأنصار أنفق منها. أخرجه مسلم من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت، عن كنانة بن نعيم، عن أبي برزة. وقال الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق سألنا عبد الله ابن مسعود عن قوله تعالى: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً، قال: أما إنا قد سألنا عن ذلك، فقال: أرواحهم في جوف طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش. قال: فبينما هم كذلك إذ اطلع عليهم ربك إطلاعة فقال: سلوني ما شئتم. فقالوا: يا ربنا وما نسألك ونحن نسرح في الجنة في أيها شئنا: فلما رأوا أن لا يتركوا من أن يسألوا قالوا: نسألك أن ترد أرواحنا إلى أجسادنا في الدنيا فنقتل في سبيلك. فلما رأى أنهم لا يسألون إلا هذا، تركوا. أخرجه مسلم. وقال عبد الله بن إدريس، عن محمد بن إسحاق، عن إسماعيل بن أمية، عن أبي الزبير، عن): سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لما أصيب إخوانكم بأحد، جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر (2/219)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 220 ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش. فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم، قالوا: من يبلغ إخواننا عنا أنا أحياء في الجنة نرزق، لئلا ينكلوا عند الحرب ولا يزهدوا في الجهاد. قال الله تعالى: أنا أبلغهم عنكم، فأنزلت: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً. وقال يونس: قال ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله، عن أبيه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا ذكر أصحاب أحد: أما والله لوددت أني غودرت مع أصحاب نحص الجبل يقول: قتلت معهم. وقال الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوماً فصلى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر فقال: إني فرط لكم وأنا شهيد عليكم. الحديث أخرجه البخاري. وروى العطاف بن خالد: حدثني عبد الأعلى بن عبد الله بن أبي فروة، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم زار قبور الشهداء بأحد. وروى عبد العزيز بن عمران بن موسى: عن عباد بن أبي صالح، عن أبيه عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي قبور الشهداء، فإذا أتى (2/220)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 221 فرضة الشعب يقول: السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار. وكان يفعله أبو بكر ثم عمر بعده ثم عثمان. وذكر نحو هذا الحديث الواقدي في مغازيه بلا سند. وقال أبو حسان الزيادي: ومات في شوال يوم جمعة عمرو بن مالك الأنصاري أحد بني النجار، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد فصلى عليه في موضع الجبان. وكان أول من فعل به ذلك. (2/221)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 222 (2/222)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 223 (غزوة حمراء الأسد) قال ابن إسحاق: فلما كان الغد من يوم أحد يعني صبيحة وقعة أحد أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس لطلب العدو، وأذن مؤذنه: لا يخرج معنا أحد إلا أحد حضر يومنا بالأمس. وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مرهباً للعدو ليبلغهم أنه قد خرج في أثرهم وليظنوا به قوة.): وقال ابن لهيعة: ثنا أبو الأسود، عن عروة قال: قدم رجل فاستخبره النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي سفيان. فقال: نازلتهم فسمعتهم يتلاومون، يقول بعضهم لبعض: لم تصنعوا شيئاً، أصبتم شوكة القوم وحدهم، ثم تركتموهم ولم تبيدوهم، وقد بقي منهم رؤوس يجمعون لكم. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وبهم أشد القرح بطلب العدو، وليسمعوا بذلك. قال: لا ينطلقن معي إلا من شهد القتال. فقال عبد الله بن أبي: أركب معك (2/223)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 224 قال: لا. فاستجابوا لله والرسول على ما بهم من البلاء. فانطلقوا، فطلبهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى بلغ حمراء الأسد. وقال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبي السائب مولى عائشة بنت عثمان أن رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني عبد الأشهل قال: شهدت أحداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأخ لي، فرجعنا جريحين، فلما أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج في طلب العدو، قلت لأخي وقال لي: تفوتنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ووالله ما لنا من دابة نركبها وما منا إلا جريح، فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت أيسر جراحة منه، فكان إذا غلب حملته عقبة ومشى عقبة، حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إلى حمراء الأسد وهي من المدينة على ثمانية أميال، فأقام بها ثلاثاً ثم رجع. وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: يا ابن أختي كان أبوك تعني الزبير وأبا بكر من الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح. قال: لما انصرف المشركون من أحد وأصاب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما أصابهم، خاف أن يرجعوا فقال: من ينتدب لهؤلاء في آثارهم حتى يعلموا أن بنا قوة قال: فانتدب أبو بكر والزبير في سبعين خرجوا في آثار القوم، فسمعوا بهم. وانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء. قال: لم يلقوا عدواً. أخرجاه. (2/224)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 225 وقال ابن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم أن معبداً الخزاعي مر برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحمراء الأسد. وكانت خزاعة مسلمهم ومشركهم عيبة نصح لرسول الله بمكة، صغوهم معه لا يخفون عليه شيئاً كان بها. ومعبد يومئذ مشرك. فقال: يا محمد، والله لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك ولوددنا أن الله عافاك فيهم. ثم خرج حتى لقي أبا محمد): وقادتهم، ثم نرجع قبل أن نستأصلهم لنكون على بقيتهم فلنفرغن منهم. فلما رأى أبو سفيان معبداً قال: ما وراءك قال: محمد قد خرج في طلبكم في جمع لم أر مثله قط، يتحرقون عليكم تحرقاً، قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم، وندموا على ما صنعوا، فيهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قط. قال: ويلك ما تقول قال: والله ما أرى أن ترتحل حتى ترى نواصي الخيل. قال: فوالله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل بقيتهم. قال: فإني أنهاك عن ذلك، والله لقد حملني ما رأيت على أن قلت فيهم أبياتاً. قال: وما قلت قال: (كادت تهد من الأصوات راحلتي.......... إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل) (2/225)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 226 (تردي بأسد كرام لا تنابلة.......... عند اللقاء، ولا ميل معازيل)

(فظلت عدواً أظن الأرض مائلة.......... لما سموا برئيس غير مخذول)

(فقلت: ويل ابن حرب من لقائكم.......... إذا تغطمطت البطحاء بالجيل)

(إني نذرت لأهل البسل ضاحية.......... لكل ذي إربة منهم ومعقول)

(من جيش أحمد، لا وخش تنابله.......... وليس يوصف ما أنذرت بالقيل) قال: فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه. ومر ركب من عبد القيس، فقال أبو سفيان: أين تريدون قالوا: المدينة، لنمتار. فقال: أما أنتم مبلغون عني محمداً رسالة، وأحملكم على إبلكم هذه زبيباً بعكاظ غداً إذا وافيتموه قالوا: نعم. قال: إذا جئتم محمداً فأخبروه أنا قد أجمعنا الرجعة إلى أصحابه لنستأصلهم. فلما مر الركب برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحمراء الأسد أخبروه. فقال هو والمسلمون: حسبنا الله ونعم الوكيل. فأنزلت (2/226)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 227 الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم الآيات. وقال البكائي: قال ابن إسحاق: وكان عبد الله بن أبي بن سلول، كما حدثني الزهري، له مقام يقومه كل جمعة لا يتركه شرفً له في نفسه وفي وقومه. فكان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة يخطب قام فقال: أيها الناس هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهركم أكرمكم الله به وأعزكم به. فعزروه وانصروه واسمعوا له وأطيعوه. ثم يجلس حتى إذا صنع يوم أحد ما صنع ورجع، قام يفعل كفعله، فأخذ المسلمون ثيابه من نواحيه، وقالوا: اجلس أي عدو الله، لست لذلك بأهل، وقد صنعت ما صنعت، فخرج يتخطى رقب الناس ويقول: والله لكأني قلت بجراً أن قمت أشد أمره: فلقيه رجل من الأنصار بباب المسجد فقال: مالك ويلك): قال: قمت أشد أمره فوثب علي رجال من أصحابه يجبذونني ويعنفونني، لكأنما قلت بجراً. قال: ويلك ارجع يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: والله ما أبغي أن يستغفر لي. وقال الواقدي: ثنا إبراهيم بن جعفر، عن أبيه. وثنا سعيد بن محمد ابن أبي زيد، ثنا يحيى بن عبد العزيز بن سعيد قالوا: كان سويد بن (2/227)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 228 الصامت قد قتل زياداً. فقتله المجذر بن زياد، فهيج بقتله وقعة بعاث. فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أسلم المجذر، والحارث بن سويد بن الصامت، فشهدا بدراً. فجعل الحارث يطب مجذراً ليقتله بأبيه. فلما كان يوم أحد أتاه من خلفه فقتله. فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حمراء الأسد أتاه جبريل عليه السلام فأخبره بأنه قتل مجذراً. فركب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قباء، فأتاه الحارث بن سويد في ملحفة مورسة. فلما رآه دعا عويم بن ساعدة وقال: اضرب عنق الحارث بمجذر ابن ذياد. فقال: والله ما قتلته رجوعاً عن الإسلام ولكن حمية، وإني أتوب إلى الله وأخرج ديته وأصوم وأعتق. وجعل يتمسك بركاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن فرغ من كلامه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قدمه يا عويم فاضرب عنقه. فضرب عنقه على باب المسجد.: (2/228)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 229 1 (أحداث السنة الرابعة)

(سرية أبي سلمة إلى قطن) قال الواقدي: حدثنا عمرو بن عثمان بن عبد الرحمن بن سعيد اليربوعي، عن سملة بن عبد الله بن عمر بن أبي سلمة بن عبد الأسد، وغيره قالوا: شهد أبو سلمة أحداً، وكان نازلاً في بني أمية بن زيد بالعالية، حتى تحول من قباء فجرح بأحد، وأقام شهرً يداوي جرحه. فلما كان هلال المحرم دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: اخرج في هذه السرية فقد استعملتك عليها: وعقد له لواء وقال: سر حتى تأتي أرض بني أسد فأغر عليهم. وكان معه خمسون ومائة، فساروا حتى انتهوا إلى أدنى قطن ماء من مياههم فيجدون سرحاً لبني أسد، فأغاروا عليه وأخذوا مماليك ثلاثة، وأفلت سائرهم. ثم رجع إلى المدينة فغاب بضع عشرة ليلة. قال عمرو بن عثمان: فحدثني عبد الملك بن عمير، قال: لما (2/229)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 230 دخل أبو سلمة المدينة انتقض جرحه، فمات لثلاث بقين من جمادى الآخرة. (غزوة الرجيع) وهي في صفر من السنة الرابعة، فيما ورخه الواقدي. وقال: هي على سبعة أميال من عسفان. فحدثني موسى بن يعقوب، عن أبي الأسود قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحاب الرجيع عيوناً إلى مكة ليخبروه. قال إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، أخبرني ابن أسيد بن جارية الثقفي، أن أبا هريرة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة رهط عيناً، وأمر عليهم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري، فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهداة بين عسفان ومكة ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فنفروا لهم بقريب من مائة رجل رام. فاقتصوا آثارهم، حتى وجدوا مأكلهم التمر، فقالوا، نوى يثرب، فاتبعوا آثارهم. فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجأوا إلى فدفد فأحاط بهم القوم، فقالوا لهم: انزلوا، فأعطوا بأيديكم، ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحداً. قال عاصم: أما أنا فوالله لا أنزل في ذمة مشرك، اللهم أخبر عنا نبيك. فرموهم بالنبل، فقتلوا عاصماً في سبعة (2/230)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 231 من أصحابه، ونزل إليهم ثلاثة على العهد والميثاق: خبيب، وزيد بن الدثنة، وآخر. فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها. فقال الرجل الثالث: هذا أول): الغدر، والله لا أصحبكم إن لي بهؤلاء أسوة. يريد القتلى. فجروه وعالجوه، فأبى أن يصحبهم، فقتلوه، وانطلقوا بخبيب، وزيد، حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر. فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل خبيباً. وكان خبيب هو قتل الحارث يوم بدر. فلبث عندهم أسيراً حتى أجمعوا على قتله، فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحد بها للقتل فأعارته. فدرج بني لها وهي غافلة حتى أتاه، فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده، ففزعت فزعة عرفها خبيب فقال: أتخشين أن أقتله ما كنت لأفعل ذلك، فقالت: والله ما رأيت أسيراً قط خيراً من خبيب، والله لقد وجدته يكل قطفاً من عنب وإنه لموثق بالحديد وما بمكة من ثمرة، وكانت تقول: إنه لرزق رزقه الله خبيباً. فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل قال لهم: دعوني أركع ركعتين. فتركوه فركع ركعتين، ثم قال: والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع من القتل لزدت، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تبق منهم أحداً، وقال: (فلست أبالي حين أقتل مسلماً.......... على أي جنب كان في الله مصرعي)

(وذلك في ذات الإله، وإن يشأ.......... يبارك على أوصال شلو ممزع) ثم قام أبو سروعة عقبة بن الحارث فقتله. (2/231)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 232 وكان خبيب هو سن لكل مسلم قتل صبراً الصلاة. واستجاب الله لعاصم يوم أصيب فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم أصيبوا خبرهم. وبعث ناس من قريش إلى عاصم بن ثابت ليأتوا منه بشيء يعرف، وكان قتل رجلاً من عظمائهم يوم بدر، فبعث الله على عاصم مثل الظلة من الدبر، فحمته من رسلهم فلم يقدروا على أن يقطعوا منه شيئاً. أخرجه البخاري. وقال موسى بن عقبة، وغير واحد: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عاصم بن ثابت وأصحابه عيناً له، فسلكوا النجدية، حتى إذا كانوا بالرجيع. فذكروا القصة. قال موسى: ويقال: كان أصحاب الرجيع ستة منهم: عاصم، وخبيب، وزيد بن الدثنة، وعبد الله بن طارق حليف لبني ظفر وخالد بن البكير الليثي، ومرثد بن أبي مرثد الغنوي حليف حمزة. وساق حديثهم. وقال يونس، عن ابن إسحاق، حدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أن نفراً من عضل والقارة): قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة بعد أحد فقالوا: إن فينا إسلاماً، فابعث معنا نفراً من أصحابك ليفقهونا في الدين ويقرئونا القرآن، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم خبيب بن عدي. (2/232)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 233 قال ابن إسحاق: بعث معهم ستة، أمر عليهم مرثد بن أبي مرثد الغنوي، وسماهم كما قال موسى. قال ابن إسحاق: فخرجوا مع القوم، حتى إذا كانوا على الرجيع ماء لهذيل بناحية الحجاز على صدور الهدأة غدروا بهم. فاستصرخوا عليهم هذيلاً، فلم يرع القوم وهم في رحالهم إلا الرجال بأيديهم السيوف، فأخذوا أسيافهم ليقاتلوهم، فقالوا لهم: ما نريد قتلكم ولكنا نريد أن نصيب بكم شيئاً من أهل مكة، ولكم علينا عهد الله وميثاقه أن لا نقتلكم. فأما مرثد، وعاصم، وابن الكير فقالوا: والله لا نقبل من مشرك عهداً ولا عقداً أبداً. وأرادت هذيل أخذ رأس عاصم ليبيعوه من سلافة بنت سعد، وكانت قد نذرت حين أصاب ابنيها يوم أحد، لئن قدرت على عاصم لتشربن في قحفه الخرم، فمنعته الدبر، فانتظروا ذهابها عنه، فأرسل الله الوادي فحمل عاصماً فذهب به. وقد كان عاصم أعطى الله عهداً أن لا يمسه مشرك ولا يمس مشركاً أبداً تنجساً. وأسروا خبيباً، وابن الدثنة، وعبد الله بن طارق، ثم مضوا بهم إلى مكة ليبيعوهم. حتى إذا كانوا بالظهران انتزع عبد الله يده من القران ثم أخذ سيفه واستأخر عن القوم، فرموه بالحجارة حتى قتلوه، فقبره بالظهران. (2/233)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 234 وقال البكائي، عن ابن إسحاق، حدثني يحيى، عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزبير، عن عقبة بن الحارث، سمعته يقول: ما أنا والله قتلت خبيباً، لأنا كنت أصغر من ذلك، ولكن أبا ميسرة أخا بني عبد الدار أخذ الحربة فجعلها في يدي، ثم أخذ بيدي وبالحربة، ثم طعنه بها حتى قتله. ثم ذكر ابن إسحاق أن خبيباً قال: (لقد جمع الأحزاب حولي وألبوا.......... قبائلهم واستجمعوا كل مجمع)

(فكلهم مبدي العداوة جاهد.......... علي لأني في وثاق مضيع)

(وقد جمعوا أبناءهم ونساءهم.......... وقربت من جذع طويل ممنع)

(إلى الله أشكو غربتي ثم كربتي.......... وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي) ): (فذا العرش صبرني على ما يرادني.......... فقد بضعوا لحمي وقد ياس مطمعي)

(وذلك في ذات الغله وإن يشأ.......... يبارك على أوصال شلو ممزع)

(وقد خيروني الكفر والموت دونه.......... وقد هملت عيناي من غير مجزع)

(وما بي حذار الموت، إني لميت.......... ولكن حذاري جحم نار ببلقع) (2/234)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 235 (ووالله ما أرجو إذا مت مسلماً.......... على أي جنب كان في الله مصرعي)

(فليست بمبد للعدو تخشعاً.......... ولا جزعاً إني إلى الله مرجعي) وقال يونس بن بكير، وجعفر بن عون، عن إبراهيم بن إسماعيل، حدثني جعفر بن عمرو بن أمية أن أباه حدثه عن جده، وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه عيناً قال: فجئت إلى خشبة خبيب فرقيت فيها وأنا أتخوف العيون، فأطلقته فوقع بالأرض، ثم اقتحمت فانتبذت قليلاً، ثم التفت فلم أر خبيباً، فكأنما ابتلعته الأرض. زاد جعفر بن عون: فلم يذكر لخبيب رضي الله عنه رمة حتى الساعة. (غزوة بئر معونة) قال ابن إسحاق: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحاب بئر معونة في صفر، على رأس أربعة أشهر من أحد. (2/235)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 236 وقال موسى بن عقبة: قال الزهري: حدثني عبد الرحمن بن عبد الله ابن كعب بن مالك، ورجال من أهل العلم، أن عامر بن مالك الذي يدعى ملاعب الأسنة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشرك، فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام. فأبى أن يسلم، وأهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم هدية. فقال: إني لا أقبل هدية مشرك. فقال: ابعث معي من شئ من رسلك، فأنا لهم جار. فبعث رهطاً، فيهم المنذر بن عمرو الساعدي وهو الذي يقال له أعنق ليموت، بعثه عيناً له في أهل نجد. فسمع بهم عامر بن الطفيل، فاستنفر بني عامر، فأبوا أن يطيعوه. فاستنفر بني سليم فنفروا معه. فقتلوهم ببئر معونة، غير عمرو بن أمية الضمري، فإنه أطلقه عامر بن الطفيل. فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن إسحاق: حدثني والدي، عن المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم، وغيرهما، قالوا: قدم أبو البراء عامر بن مالك بن جعفر، ملاعب الأسنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فلم يسلم ولم يبعد من الإسلام. وقال: يا محمد لو): بعثت معي رجالاً من أصحابك إلى أهل نجد يدعونهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك. قال: أخشى عليهم أهل نجد. قال أبو البراء: أنا لهم جار. فبعث المنذر بن عمرو في أربعين رجلاً، فيهم الحارث بن الصمة، وحرام بن ملحان أخو بني عدي بن النجار، وعروة بن أسماء بن الصلت السلميي ونافع بن ورقاء الخزاعي، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر، في خيار المسلمين، فساروا حتى بلغوا بئر معونة، بين أرض بني عامر وحرة بني (2/236)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 237 سليم. ثم بعثوا حرام بن ملحان بكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عامر بن الطفيل، فلم ينظر في الكتاب حتى قتل الرجل. ثم استصرخ بني سليم فأجابوه وأحاطوا القوم، فقاتلوهم حتى استشهدوا كلهم إلا كعب بن زيد، من بني النجار، تركوه وبه رمق فارتث من بين القتلى، فعاش حتى قتل يوم الخندق. وكان في سرح القوم عمرو بن أمية ورجل من الأنصار، فلم يخبرهما بمصاب القوم إلا الطير تحوم على العسكر، فقالا: والله إن لهذه الطير لشأناً، فأقبلا لينظرا، فإذا القوم في دمائهم وإذا الخيل التي أصابتهم واقفة. فقال الأنصاري لعمرو: ماذا ترى قال: أرى أن نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره الخبر. فقال الأنصاري: لكني لم أكن لأرغب بنفسي عن مواطن قتل فيه المنذر بن عمرو، وما كنت لأخبر عنه الرجال. وقاتل حتى قتل، وأسروا عمراً. فلما أخبرهم أنه من مضر أطلقه عامر بن الطفيل وجز ناصيته وأعتقه. فلما كان بالقرقرة أقبل رجلان من بني عامر حتى نزلا في ظل هو فيه، وكان معهما عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوار لم يعلم به عمرو. حتى إذا ناما عدا عليهما فقتلهما. فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره فقال: قد قتلت قتيلين، لادينهما. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا عمل أبي براء، قد كنت لهذا كارهاً متخوفاً. فبلغ ذلك أبا البراء فشق عليه إخفار عامر إياه، (2/237)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 238 فحمل ربيعة ولد أبي براء على عامر بن الطفيل فطعنه في فخذه فأشواه فوقع من فرسه وقال: هذا عمل أبي براء إن مت فدمي لعمي فلا يتبعن به، وإن أعش فسأرى رأيي. وقال موسى بن عقبة: ارتث في القتلى كعب بن زيد، فقتل يوم الخندق. وقال حماد بن سلمة: أنا ثابت، عن أنس أن ناساً جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ابعث معنا رجالاً يعلموننا القرآن، والسنة. فبعث إليهم سبعين رجلاً من الأنصار يقال لهم القراء، وفيهم خالي حرام بن ملحان، يقرءون القرآن ويتدارسون بالليل ويتعلمون، وكانوا): بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد، ويتحطبون فيبيعون ويشترون به الطعام لأهل الصفة، فبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فتعرضوا لهم فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان. قالوا: اللهم بلغ عنا نبيك أن قد لقيناك فرضيت عنا ورضينا عنك. قال: وأتى رجل خالي من خلفه فطعنه بالرمح حتى أنفذه، فقال حرام: فزت ورب الكعبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: إن إخوانكم قد قتلوا وقالوا: اللهم أبلغ عنا نبيك أن قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا. رواه مسلم. وقال همام وغيره، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: حدثني أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خاله حراماً في سبعين رجلاً فقتلوا يوم بئر معونة. كان رئيس المشركين عامر بن الطفيل، وكان أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (2/238)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 239 أخيرك بين ثلاث خصال: أن يكون لك أهل السهل ولي أهل المدر، أو أكون خليفتك من بعدك، أو أغزوك بغطفان بألف أشقر وألف شقراء، قال: فطعن في بيت امرأة من بني فلان، فقال: غدة كغدة البكر في بيت امرأة من بني فلان ائتوني بفرسي، فركبه، فمات على ظهر فرسه. وانطلق حرام ورجلان معه أحدهما أعرج فقال: كونا قريباً مني حتى آتيهم فإن آمنوني كنت كفواً، وإن قتلوني أتيتم أصحابكم. فأتاهم حرام فقال: أتؤمنوني أبلغكم رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: نعم. فجعل يحدثهم، وأومأوا إلى رجل فأتاه من خلفه فطعنه. قال همام، وأحسبه قال: فزت ورب الكعبة. قال: وقتل كلهم إلا الأعرج، كان في رأس الجبل. قال أنس: أنزل علينا، ثم كان من المنسوخ، إنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضيناه. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين صباحاً على رعل وذكوان وبني لحيان وعصية عصت الله ورسوله. أخرجه البخاري، وقال: ثلاثين صباحاً، هو الصحيح. وروى نحوه قتادة، وثابت، وغيرهما، عن أنس. وبعضهم يختصر الحديث. قال سليمان بن المغيرة، عن ثابت قال: كتب أنس في أهله كتاباً فقال: اشهدوا معاشر القراء. فكأني كرهت ذلك، فقلت: لو سميتهم بأسمائهم وأسماء آبائهم فقال: وما بأس أن أقول لكم): معاشر القراء، أفلا أحدثكم عن إخوانكم الذين كنا ندعوهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم القراء (2/239)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 240 قال: فذكر أنس سبعين من الأنصار كانوا إذا جنهم الليل أووا إلى معلم بالمدينة فيبيتون يدرسون، فإذا أصبحوا فمن كانت عنده قوة أصاب من الحطب واستعذب من الماء، ومن كانت عنده سعة أصابوا الشاة فأصلحوها. فكان معلقاً بحجر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما أصيب خبيب، بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان فيهم خالي حرام. فأتوا على حي من بني سليم، فقال حرام لأميرهم: دعني، فلا خير في هؤلاء. إنا ليس إياهم نريد فيخلون وجوهنا. فأتاهم فقال ذلك، فاستقبله رجل منهم برمح فأنفذه به. قال: فلما وجد حرام مس الرمح قال: الله أكبر فزت ورب الكعبة. قال: فانطووا عليهم فما بقي منهم مخبر. قال: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما صلى الغداة رفع يديه يدعو عليهم: فلما كان بعد ذلك، إذا أبو طلحة يقول: هل لك في قاتل حرام قلت: ما له، فعل الله به وفعل. فقال: لا تفعل، فقد أسلم. وقال أبو أسامة: ثنا هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: كان عامر بن فهيرة غلاماً لعبد الله بن الطفيل بن سخبرة، أخي عائشة لأمها وكانت لأبي بكر منحة، فكان يغدو بها ويروح، ويصبح فيدلج إليهما ثم يسرح فلا يفطن به أحد من الرعاء. ثم خرج معهما يعقبانه حتى قدم المدينة معهما. فقتل عامر بن فهيرة يوم بئر معونة، وأسر عمرو بن أمية. فقال له عامر بن الطفيل: من هذا وأشار إلى قتيل. قال: هذا عامر ابن فهيرة. فقال: لقد رأيته بعد ما قتل رفع إلى السماء حتى إني لأنظر إلى السماء بينه وبين الأرض. وذكر الحديث. أخرجه البخاري. (2/240)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 241 قال ابن إسحاق: فقال حسان بن ثابت يحرض بني أبي البراء على عامر بن الطفيل: (بني أم البنين ألم يرعكم.......... وأنتم من ذوائب أهل نجد)

(تهكم عامر بأبي براء.......... ليخفره، وما خطأ كعمد)

(ألا أبلغ ربيعة ذا المساعي.......... فما أحدثت في الحدثان بعدي)

(أبوك أبو الحروب أبو براء.......... وخالك ماجد حكم بن سعد) (2/241)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 242 (2/242)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 243 (الخلاف في غزوة بني النضير) وقد تقدمت في سنة ثلاث): ذهب الزهري إلى أنها كانت قبل أحد. وقال غير واحد: كانت بعد أحد، وبعد بئر معونة. أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، أنا الحسن بن علي بن الحسين بن البن، أنا جدي، أنا أبو القاسم المصيصي، أنا عبد الرحمن بن أبي نصر، أنا لي بن أبي العقب، أنا أحمد بن إبراهيم، ثنا محمد بن عائذ، ثنا الوليد بن مسلم، عن عبد الله بن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه إلى بني النضير يستعينهم في عقل الكلابيين. قالوا: إجلس أبا القاسم، حتى تطعم وترجع بحاجتك. ثم ساق الحديث كله وتقدم ذكره. وقال الواقدي: حدثني إبراهيم بن جعفر، عن أبيه قال: لما خرجت بنو النضير أقبل عمرو بن سعدى فأطاف بمنازلهم فرأى خرابها، وفكر ثم (2/243)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 244 رجع إلى قريظة فيجدهم في الكنيسة فينفخ في بوقهم، فاجتمعوا. فقال الزبير بن باطا: يا أبا سعيد أين كنت منذ اليوم. وكان لا يفارق الكنيسة وكن يتأله في اليهودية، قال: رأيت اليوم عبراً قد عبرنا بها، رأيت منازل إخواننا خالية بعد ذلك العز والجلد والشرف الفاضل والعقل البارع، قد تركوا أموالهم وملكها غيرهم وخرجوا خروج ذل. ولا والتوارة ما سلط هذا على قوم قط لله بهم حاجة. فقد أوقع قبل ذلك بابن الأشرف ذي عزهم بيته في بيته آمناً، وأوقع بابن سنية سيدهم، وأوقع ببني قينقاع فأجلاهم وهم جد يهود، وكانوا أهل عدة وسلاح ونجدة، وحصرهم فلم يخرج إنسان منهم رأسه حتى سباهم، وكلم فيهم فتركهم على أن أجلاهم من يثرب، يا قوم قد رأيتم ما رأيت فأطيعوني وتعالوا نتبع محمداً، فوالله إنكم لتعلمون أنه نبي، وقد بشرنا به وبأمره ابن التيهان وابن الحواس، وهما أعلم يهود، جاءانا من بيت المقدس يتوكفان قدومه، أمرانا باتباعه، وأمرانا أن نقرئه منهما السلام، ثم ماتا على دينهما، فأسكت القوم، فأعاد هذا القول ونحوه، وتخوفهم بالحرب والسباء والجلاء. فقال ابن باطا: والله لقد قرأت في التوراة صفته التي أنزلت على موسى، ليس في المثاني التي أحدثنا. فقال له كعب بن أسد: ما يمنعك يا أبا عبد الرحمن من إتباعه قال: أنت، قال كعب: ولم، التوراة ما حالت بينك وبينه قط، قال الزبير: أنت صاحب عهدنا وعقدنا فإن اتبعته اتبعناه وإن أبيت أبينا. فأقبل عمرو بن (2/244)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 245 سعدى على كعب فذكر ما تقاولا في ذلك، إلى أن قال كعب: ما عندي في أمره إلا ما قلت، ما تطيب نفسي أن أصير تابعاً.): وقال ابن إسحاق: كانت غزوة بني النضير في ربيع الأول سنة أربع. وحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم ست ليال. قال: ونزل تحريم الخمر. (غزوة بني لحيان) قال ابن إسحاق: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمادى الأولى، على رأس ستة أشهر من صلح بني قريظة إلى بني لحيان بطلب بأصحاب الرجيع: خبيب وأصحابه، وأظهر أنه يريد الشام ليصيب من القوم غرة. وقال يونس، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن حزم، وغيره قالوا: لما أصيب خبيب وأصحابه خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم طلباً لدمائهم ليصيب من بني لحيان غرة، فسلك طريق الشام وروى على الناس أنه لا يريد بني لحيان، حتى نزل أرضهم وهم من هذيل فوجدهم قد حذروا فتمنعوا في رؤوس الجبال. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أنا هبطنا عسفان لرأت قريش أنا قد جئنا مكة. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مائتي راكب حتى نزل (2/245)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 246 عسفان، ثم بعث فارسين حتى نزلا كراع الغميم ثم انصرفا إليه. فذكر أبو عياش الزرقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بعسفان صلاة الخوف. وقال بعض أهل المغازي إن غزوة بني لحيان كانت بعد قريظة. (غزوة ذات الرقاع) قال ابن إسحاق: إنها في جمادى الأولى سنة أربع، وهي غزوة خصفة من بني ثعلبة من غطفان. وقال محمد بن إسماعيل رحمه الله: كانت بعد خيبر، لأن أبا موسى جاء بعد خيبر، يعني وشهدها. قال: وإنما جاء أبو هريرة فأسلم أيام خيبر. وقال ابن إسحاق: في هذه الغزوة سار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل نخلاً، فلقي بها جمعاً من غطفان، فتقارب الناس ولم يكن بينهم حرب. (2/246)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 247 وقد خاف الناس بعضهم بعضاً، حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الخوف. ثم انصرف بالناس. وقال الواقدي: إنما سميت ذات الرقاع لأنها قبل جبل كان فيه بقع حمرة وسواد وبياض، فسمي): ذات الرقاع. قال: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لعشر خلون من المحرم، على رأس سبعة وأربعين شهرا، وقدم صراراً لخمس بقين من المحرم. وذات الرقاع قريبة من النخيل بين السعد والشقرة. قال الواقدي: فحدثني الضحاك بن عثمان، عن عبيد الله بن مقسم، عن جابر، وحدثني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن جابر، قال: وعن مالك، وغيره، عن وهب بن كيسان، عن جابر قال: قدم قادم بجلب له، فاشترى بسوق النبط، وقالوا: من أين جلبك قال: جئت به من نجد، وقد رأيت أنماراً وثعلبة قد جمعوا لكم جموعاً، وأراكم هادين عنهم. فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله. فخرج في أربعمائة من أصحابه (2/247)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 248 وقيل سبعمائة وسلك على المضيق، ثم أفضى إلى وادي الشقرة، فأقام بها يوماً، وبث السرايا، فرجعوا إليه من الليل وأخبروه أنهم لم يروا أحداً، وقد وطئوا آثاراً حديثة. ثم سار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، حتى أتى محالهم، فإذا ليس فيها أحد، وهربوا إلى الجبال، فهم مطلون على النبي صلى الله عليه وسلم. وخاف الناس بعضهم بعضاً. وفيها صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الخوف. وقال عبد الملك بن هشام: وإنما قيل لها ذات الرقاع لأنهم رقعوا فيها راياتهم. قال: ويقال ذات الرقاع شجرة هناك. والظاهر أنهما غزوتان. وقال شعيب، عن الزهري، حدثني سنان الدؤلي، وأبو سلمة، عن جابر أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد، فلما قفل قفل معه، فأدركته القائلة في واد كثير العضاة، فنزل وتفرق الناس في العضاة يستظلون بالشجر. وقال: هو تحت شجرة فعلق بها سيفه. فنمنا نومة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا فأجبناه، فإذا عنده أعرابي جالس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتاً، فقال: من يمنعك مني قلت: الله. فشام السيف وجلس. فلم يعاقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد فعل ذلك. متفق عليه. (2/248)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 249 قال أبو عوانة، عن أبي بشر: اسم الأعرابي غورث بن الحارث. ثم روى أبو بشر، عن سليمان بن قيس، عن جابر قال: قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم): محارب خصفة بنخل، فرأوا من المسلمين غرة، فجاء رجل منهم يقال له غورث بن الحارث، حتى قام على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف فقال: من يمنعك مني قال: الله. فسقط السيف من يده، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من يمنعك مني قال: كن خير آخذ. قال: تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، قال: لا، ولكن أعاهدك على أن لا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك. فخلى سبيله. فأتى أصحابه وقال: جئتكم من عند خير الناس. ثم ذكر صلاة الخوف، وأنه صلى بكل طائفة ركعتين. وهذا حديث صحيح إن شاء الله. وقال البكائي، عن ابن إسحاق، حدثني وهب بن كيسان، عن جابر بن عبد الله قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة ذات الرقاع من نخل على جمل لي ضعيف، فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلت الرفاق تمضي، وجعلت أتخلف، حتى أدركني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مالك يا جابر قلت: يا رسول الله أبطأ بي جملي هذا. قال: أنخه. وساق قصة الجمل. (غزوة بدر الموعد) قال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب وروي عن عروة: أن رسول (2/249)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 250 الله صلى الله عليه وسلم استنفر المسلمين لموعد أبي سفيان بدراً. وكان صلى الله عليه وسلم أهلاً للصدق والوفاء، فاحتمل الشيطان أولياء من الناس، فمشوا في الناس يخوفونهم وقالوا: أخبرنا أن قد جمعوا لكم مثل الليل من الناس، يرجون أن يوافقوكم فينتهوا بكم، فالحذر لا تغدوا. فعصم الله المسلمين من تخويف الشيطان فاستجابوا لله ولرسوله وخرجوا ببضائع لهم، وقالوا: إن لقينا أبا سفيان فهو الذي خرجنا له، وإن لم نلقه ابتعنا ببضائعنا. وكان بدر متجراً يوافي كل عام. فانطلقوا حتى أتوا موسم بدر، فقضوا منه حاجتهم، وأخلف أبو سفيان الموعد، فلم يخرج هو ولا أصحابه. وأقبل رجل من بني ضمرة، بينه وبين المسلمين حلف فقال: والله إن كنا قد أخبرنا أنه لم يبق منكم أحد، فما أعملكم إلى أهل هذا الموسم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد أن يبلغ ذلك عدوه من قريش: إعمالنا إليه موعد أبي سفيان وأصحابه وقتالهم، وإن شئت مع ذلك نبذنا إليك والى قومك حلفهم ثم جالدناكم. فقال الضمري: معاذ الله.): قال: وذكروا أن ابن الحمام قدم على قريش فقال: هذا محمد وأصحابه ينتظرونكم لموعدكم. فقال أبو سفيان: قد والله صدق. فنفروا وجمعوا الأموال، فمن نشط منهم قوره، ولم يقبل من أحد منهم دون أوقية. ثم سار حتى أقام بمجنة من عسفان ما شاء الله أن يقيم، ثم ائتمر هو وأصحابه فقال أبو سفيان: ما يصلحكم إلا خصب ترعون فيه السمر (2/250)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 251 وتشربون من اللبن، ثم رجع إلى مكة، وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بنعمة من الله وفضل، وكانت تلك غزوة جيش السويق. وكانت في شعبان سنة أربع. وقال الواقدي: كانت بدر الموعد، وتسمى بدر الصغرى، لهلال ذي القعدة على رأس خمسة وأربعين شهراً من مهاجره عليه الصلاة والسلام، وأنه خرج في ألف وخمسمائة من أصحابه، واستخلف على المدينة عبد الله بن رواحة، وكان موسم بدر يجتمع فيه العرب لهلال ذي القعدة إلى ثامنه. فأقام بها المسلمون ثمانية أيام وباعوا بضائعهم، فربح الدرهم درهماً. فانقلبوا بنعمة من الله وفضل. (غزوة الخندق) قال موسى بن عقبة: كانت في شوال سنة أربع. وقال ابن إسحاق: كانت في شوال سنة خمس. فالله أعلم. ويقوي الأول قول ابن عمر إنه عرض يوم أحد وهو ابن أربع عشرة، فلم يجزه النبي صلى الله عليه وسلم، وعرض عليه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة فأجازه. ولكن هذه التقوية مردودة بما سنذكره في سنة خمس. وفيها توفي عبد الله بن رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبوه عثمان رضي الله عنه عن ست سنين. ونزل أبوه في حفرته. (2/251)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 252 وفيها في شعبان ولد الحسين بن علي رضي الله عنهما. وفيها قتل عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح وأصحابه. وقد ذكروا. وكنية عاصم: أبو سليمان، واسم جده: الأقلح قيس بن عصمة بن بني عمرو بن عوف. ومن ذريته الأحوص الشاعر ابن عبد الله بن محمد بن عاصم بن ثابت. وكان عاصم من الرماة المذكورين، ثبت يوم أحد وقتل غير واحد، وشهد بدراً. وقتل يوم بئر معونة من الصحابة: عامر بن فهيرة مولى الصديق وكان من سادة المهاجرين.): ومن قريش: الحكم بن كيسان المخزومي، ونافع بن بديل بن ورقاء السهمي. وقتل يومئذ من الأنصار: الحراث بن الصمة بن عمرو بن عتيك بن عمرو بن مبذول أبو سعد. فعن محمد بن إبراهيم التيمي، أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين الحارث بن الصمة وصهيب. وقال الواقدي: شهد الحارث أحداً، وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعه على الموت، وقتل عثمان بن عبد الله بن المغيرة. وعن المسور (2/252)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 253 ابن رفاعة أن الحارث خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر، فكسر بالروحاء، فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وضرب له بسهمه وآجره. قال ابن سعد: وله ذرية بالمدينة وبغداد. حرام بن ملحان: واسم ملحان مالك بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار شهد بدراً، وهو أخو أم سليم. قال لما طعن يوم بئر معونة: فزت ورب الكعبة. رضي الله عنه. عطية بن عمرو، من بني دينار. وهذا لم أراه في الصحابة لا بن الأثير. المنذر بن عمرو بن خنيس بن حارثة بن لوذان بن عبد ود الساعدي، أحد النقباء ليلة العقبة. شهد بدراً وأحداً. وخنيس هو المعروف بالمعنق ليموت. أنس بن معاوية بن أنس، أحد بني النجار. أبو شيخ بن ثابت بن المنذر، سهل بن عامر بن سعد، من بني النجار كلاهما. معاذ بن مناعص الزرقي، بدري. عروة بن الصلت السلمي حليف الأنصار. (2/253)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 254 مالك بن ثابت وأخوه: سفيان، كلاهما من بني النبيت. فهؤلاء الذين حفظت أسماؤهم من الشهداء السبعين الذين صح أنه نزل فيهم بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ثم نسخت. وقيل: بل كانوا اثنين وعشرين راكباً. ولعل الراوي عد الركاب دون الرجالة. أخبرنا إسماعيل بن أبي عمرو، أنا ابن البن، أنا جدي، أنا ابن أبي العلاء، أنا ابن أبي نصر، أنا ابن أبي العقب، أنا أحمد بن البسري، ثنا محمد بن عائذ، أخبرني حجوة بن مدرك الغساني، عن الحسن بن عمارة، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بعث عامر ابن مالك ملاعب الأسنة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابعث إلي رهطاً ممن معك يبلغوني عنك وهم في جواري. فأرسل إليه المنذر بن عمرو في اثنين وعشرين راكباً، فلما أتوا): أدنى أرض بني عامر بعث أربعة ممن بعث إلى بعض مياههم، أو قال إلى بعضهم. قال: وسمع عامر بن الطفيل فأتاهم فقاتلهم فقتلهم قال: ورجع الأربعة رهط الذين كان وجه بهم المنذر، فلما دنوا إذا هم بنسور تحوم، قالوا: إنا لنرى نسوراً تحوم، وإنا نرى أصحابنا قد قتلوا فلما أتوهم قال رجلان منهم: لا نطلب الشهادة بعد اليوم، فقاتلا حتى قتلا. ورجع الرجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقيا رجلين من بني عامر فسألاهما من هما فأخبراهما فقتلاهما وأخذا ما معهما. وأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه خبر أصحابهم وخبر الرجلين العامريين، وأتياه بما أصابا لهما. فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حلتين كان كساهما فقال: قد كانا منا في عهد. فوداهما إلى قومهما دية الحرين المسلمين. وقال حسان بعد موت عامر بن مالك يحرض ابنه ربيعة: (2/254)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 255 بني أم البنين ألم يرعكم الأبيات فقال ربيعة: هل يرضى مني حسان طعنة أطعنها عامراً قيل: نعم فشد عليه فطعنه فعاش منها. وفيها توفيت أم المؤمنين زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله ابن عمرو بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة القيسية الهوازنية العامرية الهلالية رضي الله عنها، وكانت تسمى أم المساكين لإحسانها إليهم، تزوجت أولاً بالطفيل بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف، ثم طلقها فتزوجها أخوه عبيدة بن الحارث، فاستشهد يوم بدر، ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان سنة ثلاث، ومكثت عنده على الصحيح ثمانية أشهر، وقيل كانت وفاتها في آخر ربيع الآخر، وصلى عليها النبي صلى الله عليه وسلم ودفنها بالبقيع، ولها نحو ثلاثين سنة رضي الله عنها. وفيها تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة أم المؤمنين هند بنت أبي أمية واسمه حذيفة، وقيل سهيل، ويدعى زاد الراكب ابن المغيرة بن عبد الله ابن عمر بن مخزوم القرشية المخزومية، وكانت قبله عند ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وأمه برة بنت عبد المطلب، وهاجر بها إلى الحبشة فولدت لها هناك زينب، وولدت له سلمة وعمر ودرة، وكان أخا النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، أرضعها وحمزة ثويبة مولاة أبي لهب، ويقال إنه كان أسلم بعد عشرة): أنفس، وكان أول من هاجر إلى الحبشة، ثم كان أول من هاجر إلى المدينة، ولما عبر إلى الله كان الذي أغمضه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم دعا له، وكان قد جرح بأحد (2/255)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 256 جرحاً، ثم انتفض عليه، فمات منه في جمادى الآخرة سنة أربع. فلما توفي تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، حين حلت في شوال، وكانت من أجمل النساء وهي آخر نسائه وفاة. ثم تزوج بعدها بأيام يسيرة، بنت عمته أم الحكم زينب بنت جحش بن رثاب الأسدي، وكان اسمها برة فسماها زينب. وكانت هي وإخوتها من المهاجرين، وأمهم أميمة بنت عبد المطلب، وهي التي نزلت هذه الآية فيها: فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها. وكانت تفخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: زوجكن أهاليكن وزوجني الله من السماء. وفيها نزلت آية الحجاب. وتزوجها وهي بنت خمس وثلاثين سنة. وفي هذه السنة رجم النبي صلى الله عليه وسلم اليهودي واليهودية اللذين زنيا. وفيها توفيت أم سعد بن عبادة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم غائب في بعض مغازيه، ومعه ابنها سعد، قال قتادة، عن سعيد بن المسيب، إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر أم سعد بعد أشهر، والله أعلم.: (2/256)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 257 1 (أحداث السنة الخامسة)

(غزوة ذات الرقاع) خرج لها رسول الله صلى الله عليه وسلم لعشر خلون من المحرم. قاله الواقدي كما تقدم. وقال ابن إسحاق: إنها في جمادى الأولى سنة أربع. (غزوة دومة الجندل) وهي بضم الدال قيل سميت بدومى بن إسماعيل عليه السلام، لكونها كانت منزله ودومة بالفتح موضع آخر. وهذه الغزوة كانت في ربيع الأول. ورجع النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يصل إليها، ولم يلق كيداً. وقال المدائني: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في المحرم، يريد أكيدر دومة، (2/257)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 258 فهرب أكيدر، وانصرف النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الواقدي: حدثني ابن أبي سبرة، عن عبد الله بن أبي لبيد، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وحدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن عبد الله بن أبي بكر وغيرهما، قالوا: أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرب إلى أدنى الشام ليرهب قيصر، وذكر له أن بدومة الجندل جمعاً عظيماً يظلمون من مر بهم. وكان بها سوق وتجار، فخرج رسول الله بألف من المسلمين، فكان يسير الليل ويكمن النهار، ودليله مذكور العذري، فنكب عن طريقهم، فلما كان بينه وبين دومة يوم قوي، قال له: يا رسول الله إن سوائمهم ترعى عندك، فأقم حتى أنظر. وسار مذكور حتى وجد آثار النعم، فرجع وقد عرف مواضعهم، فهجم النبي صلى الله عليه وسلم على ماشيتهم ورعائهم فأصاب من أصاب، وجاء الخبر إلى دومة فتفرقوا، ورجع النبي صلى الله عليه وسلم. وهي عن المدينة ستة عشر يوماً، وبينها وبين دمشق خمس ليال للمجد، وبينها وبين الكوفة سبع ليال، وهي أرض ذات نخل، يزرعون الشعير وغيره، ويستقون على النواضح، وبها عين ماء. (غزوة المريسيع) وتسمى غزوة بني المصطلق، كانت في شعبان سنة خمسة على الصحيح، بل المجزوم به. قال الواقدي: استخلف النبي صلى الله عليه وسلم فيها على المدينة زيد بن حارثة. (2/258)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 259 فحدثني): شعيب بن عباد عن المسور بن رفاعة قال: خرج رسول اله صلى الله عليه وسلم في سبعمائة. وقال يونس بن بكير: قال ابن إسحاق حدثني محمد بن يحيى بن حبان، وعاصم بن عمر، وعبد الله بن أبي بكر قالوا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبلغه أن بني المصطلق يجمعون له، وقائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو جويرية أم المؤمنين، فسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل بالمريسيع، ماء من مياههم، فأعدوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتزاحف الناس فاقتتلوا، فهزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بني المصطلق وقتل من قتل منهم ونفل نساءهم وأبناءهم وأموالهم، وأقاموا عليهم من ناحية قديد والساحل. وقال الواقدي عن معمر وغيره: أن بني المصطلق من خزاعة كانوا ينزلون ناحية الفرع، وهم حلفاء بني مدلج، وكان رأسهم الحارث بن أبي ضرار، وكان قد سار في قومه ومن قدر عليه، وابتاعوا خيلاً وسلاحاً، وتهيأ للمسير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الواقدي: وحدثني سعيد بن عبد الله بن أبي الأبيض، عن أبيه، (2/259)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 260 عن جدته، وهي مولاة جويرية، قالت سمعت جويرية تقول: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن على المريسيع، فأسمع أبي يقول: أتانا ما لا قبل لنا به، قالت وكنت أرى من الناس والخيل والعدد ما لا أوصف من الكثرة، فلما أن أسلمت وتزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجعنا جعلت أنظر إلى المسلمين فليسوا كما كنت أرى، فعرفت أنه رعب من الله. وكان رجل منهم قد أسلم يقول: لقد كنا نرى رجالاً بيضاً على خيل بلق، ما كنا نراهم قبل ولا بعد. قال الواقدي: ونزر رسول الله صلى الله عليه وسلم الماء، وضربت له قبة من أدم، ومعه عائشة وأم سلمة، وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، ثم أمر عمر فنادى فيهم: قولوا: لا إله إلا الله، تمنعوا بها أنفسكم وأموالكم، ففعل عمر، فأبوا. فكان أول من رمى رجل منهم بسهم، فرمى المسلمون ساعة بالنبل، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يحملوا، فحملوا، فما أفلت منهم إنسان، وقتل منهم عشرة وأسر سائرهم، وقتل من المسلمين رجل واحد. وقال ابن عون: كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال، فكتب إنما كان ذلك في أول الإسلام، قد أغار رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق وهم غارون، وأنعامهم تسقى على الماء، فقتل مقاتلهم وسبى سبيهم، فأصاب يومئذ أحسبه قال: جويرية. وحدثني ابن): عمر بذلك، وكان في ذلك الجيش. متفق عليه. وقال إسماعيل بن جعفر، عن ربيعة الرأي، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن ابن محيريز، سمع أبا سعيد يقول: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني (2/260)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 261 المصطلق فسبينا كرائم العرب، وطالت علينا العزبة، ورغبنا في الفداء فأردنا أن نستمع ونعزل، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا عليكم أن لا تفعلوا، ما كتب الله خلق نسمة هي كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون. متفق عليه عن قتيبة عن إسماعيل. (2/261)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 262 (2/262)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 263 (تزويجه جويرية رضي الله عنها) وقال يونس، عن ابن إسحاق، حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة، عن عائشة قالت: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق وقعت جويرية في السهم لثابت بن قيس بن شماس، أو لابن عم له فكاتبته على نفسها، وكانت امرأة حلوة ملاحة، لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها، فوالله ما هو إلا أن رأيتها فكرهتها، وقلت: سيرى منها مثل ما رأيت. فلما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: أنا جويرية بنت الحارث سيد قومه، وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك، وقد كاتبت فأعني. فقال: أو خير من ذلك، أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك. فقالت: نعم. ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ الناس أنه قد تزوجها فقالوا: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأرسلوا ما كان في أيديهم من بني المصطلق فلقد أعتق بها أهل بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة (2/263)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 264 على قومها منها. وكان اسمها برة فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية. وقال يونس، عن ابن إسحاق حدثني محمد بن يحيى بن حبان، وعبد الله بن أبي بكر، وعاصم بن عمر بن قتادة، في قصة بني المصطلق: فبينا النبي صلى الله عليه وسلم مقيم هناك، إذ اقتتل على الماء جهجاه بن سعيد الغفاري أجير عمر، وسنان بن وبر. قال: فحدثني محمد بن يحيى أنهما ازدحما على الماء فاقتتلا، فقال سنان: يا معشر الأنصار. وقال جهجاه: يا معشر المهاجرين. وكان زيد بن أرقم ونفر من الأنصار عند عبد الله بن أبي، يعني ابن سلول، فلما سمعها قال: قد ثاورونا في بلادنا. والله ما أعدنا وجلاليب قريش هذه إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك. والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. ثم أقبل على من عنده من): قومه فقال: هذا ما صنعتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم. أما والله لو كففتم عنهم لتحولوا عنكم من بلادكم. فسمعها زيد، فذهب بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غليم، وعنده عمر فأخبره الخبر. فقال عمر: يا رسول الله مر عباد بن بشر فليضرب عنقه. فقال: فكيف إذا تحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه لا ولكن ناد يا عمر في الرحيل. فلما بلغ ذلك ابن أبي أتى النبي صلى الله عليه وسلم يعتذر، وحلف له بالله ما قال ذلك، وكان عند قومه بمكان. (2/264)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 265 فقالوا: يا رسول الله عسى أن يكون هذا الغلام أوهم. وراح رسول الله صلى الله عليه وسلم مهجراً في ساعة كان لا يروح فيها. فلقيه أسيد بن حضير فسلم عليه بتحية النبوة ثم قال: والله لقد رحت في ساعة منكرة. فقال: أما بلغك ما قال صاحبك ابن أبي فقال: يا رسول الله فأنت والله العزيز وهو الذليل. ثم قال: يا رسول الله أرفق به، فوالله لقد جاء الله بك وإنا لننظم له الخرز لنتوجه فإنه ليرى أن قد استبلته ملكاً. فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس بقية يومه وليلته، حتى أصبحوا وحتى اشتد الضحى. ثم نزل بالناس ليشغلهم عما كان من الحديث، فلم يلبث الناس أن وجدوا مس الأرض فناموا. ونزلت سورة المنافقين. وقال ابن عيينة: ثنا عمرو بن دينار، سمعت جابراً يقول: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة، فكسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار. فقال الأنصاري: يا للأنصار. وقال المهاجري: يا للمهاجرين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال دعوى الجاهلية دعوها فإنها منتنة. فقال عبد الله بن أبي بن سلول: أو قد فعلوها لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. قال: وكانت الأنصار بالمدينة أكثر من المهاجرين حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم ثم كثر المهاجرون بعد ذلك. فقال عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعه لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه. متفق عليه. وقال عبيد الله بن موسى: أنا إسرائيل، عن أبي سعيد الأزدي، ثنا زيد بن أرقم، قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان معنا ناس من (2/265)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 266 الأعراب. فكنا نبتدر الماء، وكانت الأغراب يسبقوننا، فيسبق الأعرابي أصحابه: فيملأ الحوض ويجعل حوله حجارة، ويجعل النطع حتى يجيء أصحابه فأتى الأنصاري فأرخى زمام ناقته لتشرب فمنعه، فانتزع حجراً ففاض الماء فرفع الأعرابي خشبة فضرب بها رأس الأنصاري فشجه، فأتى عبد الله بن أبي فأخبره فغضب وقال: لا تنفقوا على من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينفضوا من): حوله يعني الأعراب. وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. قال زيد: فسمعته فأخبرت عمي، فانطلق فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحلف وجحد، فصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبني. فجاء إلى عمي فقال: ما أردت أن مقتك رسول الله أو كذبك المسلمون. فوقع علي من الغم ما لم يقع على أحد قط. فبينا أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد خفقت برأسي من الهم، إذ أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرك أذني وضحك في وجهي، فما كان يسرني أن لي بها الخلد أو الدنيا. ثم إن أبا بكر لحقني فقال: ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: ما قال لي شيئاً. فقال أبشر. فلما أصبحنا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة المنافقين حتى بلغ منها: الأذل. وقال إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن زيد بن أرقم، قال: سمعت عبد الله بن أبي يقول لأصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله. وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فذكرت ذلك لعمي فذكره لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فحلفوا ما قالوا، فصدقهم وكذبني، فأصابني هم، فأنزل الله تعالى: إذا جاءك المنافقون، فأرسل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها علي، وقال: (2/266)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 267 إن الله قد صدقك يا زيد. أخرجه خ. وقال أنس بن مالك: زيد بن أرقم هو الذي يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا الذي أوفى الله له بأذنه. أخرجه خ، من حديث عبد الله بن الفضل، عن أنس. وقال الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم من سفر، فلما كان قرب المدينة هاجت ريح تكاد أن تدفن الراكب. فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بعثت هذه الريح لموت منافق. قال: فقدم المدينة فإذا منافق عظيم مات. أخرجه مسلم. وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق عمان سرحوا ظهروهم، وأخذتهم ريح شديدة، حتى أشفق الناس منها، وقيل: يا رسول الله ما شأن هذه الريح فقال: مات اليوم منافق عظيم النفاق، ولذلك عصفت الريح وليس عليكم منها بأس إن شاء الله، وذلك في قصة بني المصطلق. وقال يونس، عن ابن إسحاق، عن شيوخه الذين روى عنهم قصة بني المصطلق قالوا: فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان ببقعاء من (2/267)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 268 أرض الحجاز دون البقيع هبت ريح شديدة فخافها الناس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تخافوا فإنها هبت): لموت عظيم من عظماء الكفر. فوجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت قد مات يومئذ، وكان من بني قينقاع، وكان قد أظهر الإسلام وكان كهفاً للمنافقين. وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم من بني المصطلق، أتاه عبد الله بن عبد الله بن أبي فقال: يا رسول الله بلغني أنك تريد قتل أبي، فإن كنت فاعلاً فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه فوالله لقد علمت الخزرج ما كان بها رجل أبر بوالده مني، ولكني أخشى أن تأمر به رجلاً مسلماً فيقتله، فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله يمشي في الأرض حياً حتى أقتله، فأقتل مؤمناً بكافر فأدخل النار. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل تحسن صحبته وتترفق به ما صحبنا. (2/268)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 269 (الإفك) وكان في هذه الغزوة قال سليمان: ثنا حماد بن زيد، عن معمر، والنعمان بن راشد، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه. قالت: فأقرع بيننا في غزاة المريسيع، فخرج سهمي. فهلك في من هلك. وكذلك قال ابن إسحاق، والواقدي وغيرهما إن حديث الإفك كان في غزوة المريسيع. وروي عن عباد بن عبد الله قال: قلت يا أماه حدثيني حديثك في غزوة المريسيع. قرأت على أبي محمد عبد الخالق بن عبد السلام، ببعلبك، أنا عبد الرحمن بن إبراهيم، أنا أبو الحسين عبد الحق اليوسفي، أنا أبو سعد ابن خشيش، أنا أبو علي الحسن بن أحمد، أنا ميمون بن إسحاق، (2/269)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 270 ثنا أحمد بن عبد الجبار، ثنا يونس بن بكير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: لقد تحدث بأمري في الإفك واستفيض فيه وما أشعر. وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أناس من أصحابه، فسألوا جارية لي سوداء كانت تخدمني فقالوا: أخبرينا ما علمك بعائشة فقالت: والله ما أعلم منها شيئاً أعيب من أنها ترقد ضحى حتى إن الداجن داجن أهل البيت تأكل خميرها. فأداروها وسألوها حتى فطنت، فقالت: سبحان الله، والذي نفسي بيده ما أعلم على عائشة إلا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر. قالت: فكان هذا وما شعرت. ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أما): بعد، فأشيروا علي في أناس أبنوا أهلي، وأيم الله إن علمت على أهلي من سوء قط، وأبنوهم بمن، والله إن علمت عليه سوءاً قط، ولا دخل على أهلي إلا وأنا شاهد، ولا غبت في سفر إلا غاب معي. فقال سعد ابن معاذ رضي الله عنه: أرى يا رسول الله أن تضرب أعناقهم. فقال رجل من الخزرج وكانت أم حسان من رهطه، وكان حسان من رهطه: والله ما صدقت، ولو كان من الأوس ما أشرت بهذا. فكاد يكون بين الأوس والخزرج شر في المسجد، ولا علمت بشيء منه، ولا ذكره لي ذاكر. حتى أمسي من ذلك اليوم فخرجت في نسوة لحاجتنا، وخرجت معنا أم مسطح بنت خالة أبي بكر رضي الله عنه فإنا لنمشي ونحن عامدون لحاجتنا، عثرت أم مسطح فقالت: تعس مسطح. فقلت: أي أم، أتسبين ابنك فلم (2/270)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 271 تراجعني. فعادت فعثرت قالت: تعس مسطح. فقلت: أي أم أتسبين ابنك صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تراجعني. ثم عثرت ثالثة فقالت: تعس مسطح. فقلت: أي أم، أتسبين ابنك صاحب رسول الله فقالت: والله ما أسبه إلا من أجلك وفيك. فقلت: وفي أي شأني قالت: وما علمت بما كان فقلت: لا، وما الذي كان قالت: أشهد أنك مبرأة مما قيل فيك. فقلت: وفي أي شأني قالت: وما علمت بما كان فقلت: لا، وما الذي كان قالت: أشهد أنك مبرأة مما قيل فيك. ثم بقرت لي الحديث، فأكر راجعة إلى البيت ما أجد مما خرجت له قليلاً ولا كثيراً. وركبتني الحمى فحممت. فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألني عن شأني، فقلت: أجدني موعوكة، إئذن لي أذهب إلى أبوي. فأذن لي، وأرسل معي الغلام، فقال: إمش معها. فجئت فوجدت أمي في البيت الأسفل، ووجدت أبي يصلي في العلو فقلت لها: أي أمه، ما الذي سمعت فإذا هي لم ينزل بها من حيث نزل مني، فقالت: أي بنية وما عليك، فما من امرأة لها ضرائر تكون جميلة يحبها زوجها إلا وهي يقال لها بعض ذلك. فقلت: وقد سمعه أبي فقالت: نعم، فقلت: وسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ورسول الله صلى الله عليه وسلم فبكيت، فسمع أبي البكاء، فقال: ما شأنها قالت: سمعت الذي تحدث به. ففاضت عيناه يبكي، فقال: أي بنية، ارجعي إلى بيتك، فرجعت، وأصبح أبواي عندي، حتى إذا صليت العصر دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بين أبوي، أحدهما عن يميني والآخر عن شمالي، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أما بعد يا عائشة إن كنت ظلمت أو أخطأت أو أسأت فتوبي وراجعي أمر الله واستغفري، فوعظني، وبالباب امرأة من الأنصار قد سلمت، فهي): جالسة بباب البيت في الحجرة، وأنا أقول: ألا تستحي أن تذكر هذا، والمرأة تسمع، حتى إذا قضى كلامه قلت لأبي وغمزته: ألا (2/271)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 272 تكلمه فقال: وما أقول له والتفت إلى أمي فقلت: ألا تكلمينه فقالت: وماذا أقول له فحمدت الله وأثنيت عليه بما هو أهله ثم قلت: أما بعد فوالله لئن قلت لكم أن قد فعلت والله يشهد أني لبريئة ما فعلت لتقولن قد باءت به على نفسها واعترفت به، ولئن قلت لم أفعل والله يعلم أني لصادقة ما أنتم بمصدقي. لقد دخل هذا في أنفسكم واستفاض فيكم، وما أجد لي ولكم مثلاً إلا قول أبي يوسف العبد الصالح وما أعرف يومئذ اسمه: فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون. ونزل الوحي ساعة قضيت كلامي، فعرفت والله البشر في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتكلم. فمسح جبهته وجبينه ثم قال: أبشري يا عائشة، فقد أنزل الله عذرك. وتلا القرآن. فكنت أشد ما كنت غضباً، فقال لي أبواي: قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: والله لا أقوم إليه ولا أحمده ولا إياكما ولكني أحمد الله الذي برأني. لقد سمعتم فما أنكرتم ولا جادلتم ولا خاصمتم. فقال الرجل الذي قيل له ما قيل، حين بلغه نزول العذر: سبحان الله، فوالذي نفسي بيده ما كشفت قط كنف أنثى. وكان مسطح يتيماً في حجر أبي بكر ينفق عليه، فحلف لا ينفع مسطحاً بنافعة أبداً. فأنزل الله ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة إلى قوله ألا تحبون أن يغفر الله لكم. فقال أبو بكر: بلى والله يا رب، إني أحب أن تغفر لي وفاضت عيناه فبكى، رضي الله عنه. وهذا حديث عال حسن الإسناد، أخرجه البخاري تعليقاً فقال: (2/272)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 273 وقال أبو أسامة، عن هشام بن عروة. فذكره. وقال الليث واللفظ له وابن المبارك، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، أخبرني عروة، وابن المسيب، وعلقمة بن وقاص، وعبيد الله ابن عبد الله، عن حديث عائشة، حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فبرأها الله وكل حدثني بطائفة من الحديث، وبعض حديثهم يصدق بعضاً، وإن كان بعضهم أوعى له من بعض. قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه. فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج سهمي، فخرجت معه بعد ما نزل الحجاب،): وأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه. فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك، وقفل ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش. فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي، فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع، فالتمسته، وحبسني ابتغاؤه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي واحتملوا هودجي، فرحلوه على بعيري الذي كنت ركبت. وهم يحسبون أني فيه. وكان النساء إذ ذاك خفافاً لم يثقلهن اللحم، إنما يأكلن العلقة من الطعام. فلم يستنكروا خفة الهودج حين رفعوه. وكنت جارية حديثة السن. فبعثوا الجمل وساروا. فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب. فأممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أنهم (2/273)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 274 سيفقدونني فيرجعون إلي، فبينا أنا جالسة غلبتني عيني فنمت. وكان صفوان ابن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش. فأدلج فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفت، فخمرت وجهي بجلبابي، والله ما كلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه. فأناخ راحلته فوطئ على يديها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة. فهلك من هلك. وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبي بن سلول. فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمت شهراً، والناس يفيضون في قول أهل الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك. وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي. إنما يدخل علي فيسلم ثم يقول: كيف تيكم ثم ينصرف. فذلك الذي يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت يوماً بعد ما نقهت. فخرجت مع أم مسطح قبل المناصع وهو متبرزنا وكنا لا نخرج إلا ليلاً إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريباً من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التبرز قبل الغائط، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا. فانطلقت أنا وأم مسطح قبل بيتي، قد فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت: تعس مسطح. فقلت لها: بئس ما قلت، أتسبين رجلاً شهد بدراً قالت: أي هنتاه، أو لم تسمعي ما قال قلت: وماذا فأخبرتني بقول أهل الإفك. فازددت مرضاً على مرضي. فلما رجعت إلى بيتي ودخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال: (2/274)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 275 كيف تيكم فقلت: أتأذن لي أن آتي أبوي وأنا أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي، فجئت أبوي فقلت لأمي: يا أمتاه ما يتحدث الناس قالت: يا بنية هوني عليك، فوالله لقلما كنت): امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها لها ضرائر، إلا كثرن عليها. فقلت: سبحان الله، ولقد تحدث الناس بهذا فبكيت الليلة حتى لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. ثم أصبحت أبكي. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستأمرهما في فراق أهله. فأما أسامة فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم لهم في نفسه من الود، فقال أسامة: يا رسول الله أهلك ولا نعلم إلا خيراً. وأما علي فقال: يا رسول الله لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، واسأل الجارية تصدقك، قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال: أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك قالت: لا والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمراً أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول، فقال وهو على المنبر: يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي، فوالله ما علمت في أهلي إلا خيراً، ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً، وما كان يدخل على أهلي إلا معي. فقام سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله أنا أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً ولكن احتملته الحمية، فقال: (2/275)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 276 كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله. فقام أسيد بن خضير، وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال: كذبت لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فتثاور الحيان: الأوس والخزرج، حتى هموا أن يقتتلوا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر، فلم يزل يخفضهم حتى سكتوا وسكت. قالت: فبكيت يومي ذلك وليلتي لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. فأصبح أبواي عندي، وقد بكيت ليلتين ويوماً لا أكتحل بنوم ولا يرقأ لي دمع، حتى ظننت أن البكاء فالق كبدي. فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي، استأذنت علي امرأة من الأنصار فجلست تبكي معي. فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم جلس، ولم يجلس عندي منذ قليل ما قيل قبلها ولقد لبث شهراً لا يوحى إليه في شأني شيء. قالت: فتشهد حين جلس ثم قال: أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه. قالت: فلما قضى): رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته، قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة. فقلت لأبي: أجب رسول الله فيما قال. قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله. فقلت لأمي: أجيبي رسول الله. قالت: ما أدري ما أقول له. فقلت وأنا يومئذ حديثة السن لا أقرأ كثيراً من القرآن: إني والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به، فلئن قلت لكم إني بريئة، والله يعلم أني بريئة، لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت (2/276)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 277 لكم بأمر والله يعلم أني برئية لتصدقني، والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا قول أبي يوسف فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، وأنا أعلم أني بريئة وأن الله يبرئني ببراءتي. ولكن والله ما ظننت أن الله منزل في شأني وحياً يتلى، ولشأني كان في نفسي أحقر من أن يتكلم الله في بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها. قالت: فوالله ما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق، وهو في يوم شات من ثقل القول الذي ينزل عليه. فلما سري عنه وهو يضحك كان أول كلمة تكلم بها: يا عائشة أما والله لقد برأك الله. فقالت أمي: قومي إليه. فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله. وأنزل الله: إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم العشر الآيات كلها. فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أبو بكر وكان ينفق على مسطح لقرابته وفقره: والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبداً بعد الذي قال لعائشة. فأنزلت ولا يأتل أول الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولو القربى والمساكين والمهاجرين، في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم قال أبو بكر: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي. فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبداً. قالت: (2/277)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 278 وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب بنت جحش عن أمري، فقالت: أحمي سمعي وبصري ما علمت إلا خيراً. وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. فعصمها الله بالورع، وطفقت أختها حمنة تحارب لها فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك. متفق عليه من حديث يونس الأيلي. وقال أبو معشر: حدثني أفلح بن عبد الله بن المغيرة، عن الزهري قال: كنت عند الوليد بن عبد الملك فذكر الحديث بطوله عن الأربعة عن عائشة، فقال الوليد: وما ذاك قال: إن رسول الله): صلى الله عليه وسلم غزا غزوة بني المصطلق فساهم بين نسائه، فخرج سهمي وسهم أم سلمة. وقال عبد الرزاق: أنا معمر، عن الزهري قال: كنت عند الوليد بن عبد الملك فقال: الذي تولى كبره منهم علي. فقلت: لا. حدثني سعيد، وعروة، وعلقمة، وعبيد الله كلهم سمع عائشة تقول: الذي تولى كبره عبد الله بن أبي. قال فقال لي: فما كان جرمه قلت: سبحان الله، أخبرني رجلان من قومك: أبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو بكر ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أنهما سمعا عائشة تقول: كان مسلماً في أمري. أخرجه البخاري. (2/278)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 279 وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عن عروة، عن عائشة قالت: لما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم القصة التي نزل بها عذري على الناس، نزل فأمر برجلين وامرأة ممن كان تكلم بالفاحشة في عائشة فجلدوا الحد. قال: وكان رماها ابن أبي، ومسطح، وحسان، وحمنة بنت جحش. وقال شعبة، عن سليمان، عن أبي الضحى، عن مسروق قال: دخل حسان بن ثابت على عائشة رضي الله عنها فشبب بأبيات له: (حصان رزان ما تزن بريبة.......... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل) قالت: لست كذاك. قلت: تدعين مثل هذا يدخل عليك وقد أنزل الله والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم، قالت: وأي عذاب أشد من العمى وقالت: كان يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم. متفق عليه. وقال يونس، عن ابن إسحاق، حدثني محمد بن إبراهيم التيمي قال: وكان صفوان بن المعطل قد كثر عليه حسان في شأن عائشة، وقال يعرض به: (أمسى الجلابيب قد عزوا وقد كثروا.......... وابن الفريعة أمس بيضة البلد) (2/279)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 280 فاعترضه صفوان ليلة وهو آت من عند أخواله بني ساعدة، فضربه بالسيف على رأسه، فيعدو عليه ثابت بن قيس فجمع يديه إلى عنقه بحبل أسود وقاده إلى دار بني حارثة، فلقيه عبد الله بن رواحة فقال: ما هذا فقال: ما أعجبك عدا على حسان بالسيف، فوالله ما أراه إلا قد قتله. فقال: هل علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما صنعت به فقال: لا. فقال: والله لقد اجترأت، خل سبيله. فلما أصبحوا غدوا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا له ذلك فقال: أين ابن المعطل فقام إليه، فقال: هاأنذا يا رسول الله، فقال: ما دعاك إلى ما صنعت قال: آذاني وكثر): علي ولم يرض حتى عرض بي في الهجاء، فاحتملني الغضب، وهاأنذا، فما كان علي من حق فخذني به. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادعوا لي حسان، فأتى به فقال: يا حسان: أتشوهت على قومي أن هداهم الله للإسلام، يقول: تنفست عليهم يا حسان، أحسن فيما أصابك. فقال: هي لك يا رسول الله. فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيرين القبطية. فولدت له عبد الرحمن، وأعطاه أرضاً كانت لأبي طلحة تصدق بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحدثني يعقوب بن عتبة، أن صفوان قال حين ضربه: (تلق ذباب السيف عني فإنني.......... غلام إذا هوجيت لست بشاعر) (2/280)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 281 وقال حسان لعائشة رضي الله عنها: (رأيتك وليغفر لك الله، حرة.......... من المحصنات غير ذات غوائل)

(حصان رزان ما تزن بريبة.......... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل)

(وإن الذي قد قيل ليس بلائق.......... بك الدهر بل قيل امرئ متماحل)

(فإن كنت أهجوكم كما بلغوكم.......... فلا رفعت سوطي إلي أناملي)

(فكيف وودي ما حييت ونصرتي.......... لآل رسول الله زين المحافل)

(وإن لهم عزاً يرى الناس دونه.......... قصاراً، وطال العز كل التطاول) ومنها: (مهذبة قد طيب الله خيمها.......... وطهرها من كل سوء وباطل)

(عقيلة حي من لؤي بن غالب.......... كرام المساعي مجدهم غير زائل) استشهد صفوان في وقعة أرمينية سنة تسع عشرة. قاله ابن إسحاق. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لقد سئل عن ابن المعطل فوجدوه حصوراً ما يأتي النساء. ثم قتل بعد ذلك شهيداً. (2/281)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 282 (2/282)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 283 (غزوة الخندق) قال الواقدي: وهي غزوة الأحزاب، وكانت في ذي القعدة. قالوا: لما أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير ساروا إلى خيبر، وخرج نفر من وجوههم إلى مكة فألبوا قريشاً ودعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاهدوهم على قتاله، وواعدوهم لذلك وقتاً. ثم أتوا غطفان وسليما فدعوهم إلى ذلك، فوافقوهم.): وتجهزت قريش وجمعوا عبيدهم وأتباعهم، فكانوا في أربعة آلاف، وقادوا معهم نحو ثلاثمائة فرس سوى الإبل. وخرجوا وعليهم أبو سفيان ابن حرب، فوافتهم بنو سليم بمر الظهران، وهم سبعمائة. وتلقتهم بنو أسد يقودهم طلحة بن خويلد الأسدي. وخرجت فزارة وهم في ألف بعير يقودهم عيينة بن حصن. وخرجت أشجع وهم أربعمائة يقودهم مسعود بن رخيلة. (2/283)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 284 وخرجت بنو مرة وهم أربعمائة يقودهم الحارث بن عوف. وقيل إنه رجع ببني مرة، والأول أثبت. فكان جميع الأحزاب عشرة آلاف، وأمر الكل إلى أبي سفيان. وكان المسلمون في ثلاثة آلاف. هذا كلام الواقدي. وأما ابن إسحاق فقال: كانت غزوة الخندق في شوال. قال: وكان من حديثها أن سلام بن أبي الحقيق، وحيي بن أخطب، وكنانة بن الربيع، وهوذة، في نفر من بني النضير ونفر من بني وائل، وهم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم قدموا مكة فدعوا قريشاً إلى القتال، وقالوا: إنا نكون معكم حتى نستأصل محمداً. فقالت لهم قريش: يا معشر يهود، إنكم أهل كتاب وعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد. أفديننا خير أم دينه قالوا: بل دينكم خير من دينه وأنتم أولى بالحق وفيهم نزل: ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً الآيات. فلما قالوا ذلك لقريش سرهم ونشطوا إلى الحرب واستعدوا له. ثم خرج أولئك النفر اليهود حتى جاءوا غطفان، فدعوهم فوافقوهم. فخرجت قريش، وخرجت غطفان وقائدهم عيينة في بني فزارة، والحارث بن عوف المري في قومه، ومسعود بن رخيلة فيمن تابعه من قومه (2/284)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 285 أشجع. فلما سمع بهم النبي صلى الله عليه وسلم حفر الخندق على المدينة وعمل فيه بيده، وأبطأ عن المسلمين في عمله رجال منافقون، وعمل المسلمون فيه حتى أحكموه. وكان في حفره أحاديث بلغتني، منها: بلغني أن جابراً كان يحدث أنهم اشتدت عليهم كدية فشكوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا بإناء من ماء فتفل فيه، ثم دعا بما شاء الله، ثم نضح الماء على الكدية حتى عادت كثيباً.): وحدثني سعيد بن ميناء، عن جابر بن عبد الله قال: عملنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق، فكانت عندي شويهة، فقلت: والله لو صنعناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرت امرأتي فطحنت لنا شيئاً من شعير، فصنعت لنا منه خبزاً، وذبحت تلك الشاة فشويناها، فلما أمسينا وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الإنصراف، وكنا نعمل في الخندق نهاراً فإذا أمسينا رجعنا إلى أهالينا، فقلت: يا رسول الله إني قد صنعت كذا وكذا، وأحب أن تنصرف معي، وإنما أريد أن ينصرف معي وحده. فلما قلت له ذلك، قال: نعم. ثم أمر صارخاً فصرخ أن انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت جابر. فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، فأقبل وأقبل الناس معه، فجلس وأخرجناها إليه، فبرك وسمى، ثم أكل، وتواردها الناس، كلما فرغ قوم قاموا وجاء ناس، حتى صدر أهل الخندق عنها. وحدثني سعيد بن ميناء أنه حدث أن ابنة لبشير بن سعد قالت: دعتني (2/285)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 286 أمي عمرة بنت رواحة فأعطتني حفنة من تمر في ثوبي، ثم قالت: أي بنية اذهبي إلى أبيك وخالك، عبد الله بغذائها. فانطلقت بها فمررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألتمس أب وخالين فقال: ما هذا معك قلت: تمر بعثت به أمي إلى أبي وخالي، قال: هاتيه. فصببته في كفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ملأتهما ثم أمر بثوب فبسط، ثم دحا بالتمر عليه فتبدد فوق الثوب، ثم قال لإنسان عنده: اصرخ في أهل الخندق أن هلموا إلى الغداء. فاجتمعوا فجعلوا يأكلون منه وجعل يزيد، حتى صدر أهل الخندق عنه وإنه ليسقط من أطراف الثوب. وحدثني من لا أتهم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه كان يقول حين فتحت هذه الأمصار في زمان عمر وعثمان وما بعده: افتحوا ما بدا لكم، والذي نفس أبي هريرة بيده، ما افتتحتم من مدينة ولا تفتحونها إلى يوم القيامة لا وقد أعطى الله محمداً مفاتيحها قبل ذلك. قال: وحدثت عن سلمان الفارسي قال: ضربت في ناحية من الخندق فغلظت علي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قريب مني، فلما رآني أضرب نزل وأخذ المعول فضرب به ضربة فلمعت تحت المعول برقة، ثم ضرب أخرى فلمعت تحته أخرى، ثم ضرب الثالثة فلمعت أخرى. قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما هذا قال: أو قد رأيت قلت: نعم. قال: أما الأولى، فإن الله فتح علي بها اليمن، وأما الثانية، فإن الله فتح علي بها الشام والمغرب، وأما الثالثة فإن الله فتح علي بها المشرق.): (2/286)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 287 قال ابن إسحاق: ولما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الخندق أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع السيول من رومة بين الجرف وزغابة في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تبعهم من بني كنانة وأهل تهامة وغطفان، فنزلت غطفان ومن تبعهم من أهل نجد بذنب نقمي إلى جانب أحد. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف، فعسكروا هنالك، والخندق بينه وبين القوم. فذهب حيي بن أخطب إلى كعب بن أسد القرظي صاحب عهد بني قريظة وعقدهم، وقد كان وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه، فلما سمع كعب بحيي أغلق دونه الحصن فأبى أن يفتح له، فناداه: يا كعب افتح لي. قال: إنك امرؤ مشئوم، وإني قد عاهدت محمداً فلست بناقض ما بيني وبينه، ولم أر منه إلا وفاء وصدقاً. قال: ويلك افتح لي أكلمك. قال: ما أنا بفاعل. قال: والله إن أغلقت دوني إلا عن جشيشتك أن آكل معك منها. فأحفظه ففتح له فقال: ويحك يا كعب، جئتك بعز الدهر وببحر طام، جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال من رومة، وبغطفان على قادتها وسادتها فأنزلتهم بذنب نقمي إلى جانب أحد، قد عاهدوني وعاقدوني على أن لا يبرحوا (2/287)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 288 حتى نستأصل محمداً ومن معه. قال: له كعب: جئتني والله بذل الدهر وبجهام قد هراق ماءه برعد وبرق ليس فيه شيء، يا حيي فدعني وما أنا عليه فإني لم أر من محمد إلا صدقاً ووفاء. فلم يزل حيي بكعب حتى سمح له بأن أعطاه عهداً لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمداً أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك. فنقض كعب عهده وبريء مما كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم. ولما انتهى الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعث سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة سيد الأنصار، ومعهما عبد الله بن رواحة وخوات بن جبير رضي الله عنهم، فقال: انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء فإن كان حقاً فالحنوالي لحناً أعرفه، ولا تفتوا في أعضاد الناس، وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به للناس. فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما بلغهم، فشاتمهم سعد بن معاذ وشاتموه، وكان فيه جدة، فقال له ابن عبادة: دع عنك مشاتمتهم فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة. ثم رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه وقالوا: عضل والقارة، أي كغدر عضل والقارة بأصحاب الرجيع خبيب وأصحابه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر أبشروا يا معشر المسلمين. فعظم عند ذلك): الخوف. قال الله تعالى: إذا جاءكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون (2/288)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 289 وزلزلوا زلزالاً شديداً الآيات. وتكلم المنافقون حتى قال معتب بن قشير أحد بني عمرو بن عوف: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط. فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام عليه المشركون بضعاً وعشرين ليلة لم يكن بينهم حرب إلا الرمي بالنبل والحصار. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى عيينة بن حصن وإلى الحارث بن عوف، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما، فجرى بينه وبينهما الصلح، حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح، إلا المراوضة في ذلك. فلما أن أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل، بعث إلى السعدين فاستشارهما فقالا: يا رسول الله أمراً تحبه فنصنعه، أم شيئاً أمرك الله به لا بد لنا منه، أن شيئاً تصنعه لنا قال: بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم. فقال سعد بن معاذ: يا رسول الله، قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك ولا يطعمون أن يأكلوا منا تمرة إلا قرى أو بيعاً، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وأعزنا بك نعطيهم أموالنا ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم. قال: فأنت وذاك. فأخذ سعد الصحيفة فمحاها، ثم قال: ليجهدوا علينا. (2/289)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 290 وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم والأحزاب، فلم يكن بينهم قتال إلا فوارس من قريش، منهم عمرو بن عبد ود، وعكرمة بن أبي جهر، وهبيرة بن أبي وهب، وضرار بن الخطاب، تلبسوا للقتال ثم خرجوا على خيلهم، حتى مروا بمنازل بني كنانة، فقالوا: تهيئوا للقتال يا بني كنانة فستعلمون من الفرسان اليوم، ثم أقبلوا تعنق بهم خيلهم حتى وقفوا على الخندق، فلما رأوه قالوا: والله إن هذه لمكيدة ما كنت العرب تكيدها. فتيمموا مكاناً من الخندق ضيقاً فضربوا خيلهم، فاقتحمت منه فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع. وخرج علي رضي الله عنه في نفر من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة، فأقبلت الفرسان تعنق نحوهم، وكان عمرو بن عبد ود قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة فلم يشهد يوم أحد،): فلما كان يوم الخندق خرج معلماً ليرى مكانه، فلما وقف وهو وخيله قال: من يبارزني فبرز له علي رضي الله عنه، فقال له علي: يا عمرو إنك كنت عاهدت الله لا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذتها منه. قال له: أجل. قال له: فإني أدعوك إلى الله ورسوله وإلى الإسلام. قال: لا حاجة لي بذلك. قال: فإني أدعوك إلى النزال. قال له: لم يا ابن أخي، فوالله ما أحب أن أقتلك. قال علي رضي الله عنه: لكني والله أحب أن أقتلك. فحمي عمرو واقتحم عن فرسه فعقره وضرب وجهه، ثم أقبل على علي فتنازلا وتجاولا، فقتله علي. وخرجت خيلهم منهزمة حتى اقتحمت من الخندق. وألقى عكرمة يومئذ رمحه وانهزم. وقال علي رضي الله عنه في ذلك: (نصر الحجارة من سفاهة رأيه.......... ونصرت دين محمد بضراب) (2/290)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 291 (نازلته فتركته متجدلاً.......... كالجذع بين دكادك وروابي)

(لا تحسبن الله خاذل دينه.......... ونبيه يا معشر الأحزاب) وحدثني أبو ليلى عبد الله بن سهل، أن عائشة رضي الله عنها كانت في حصن بني حارثة يوم الخندق، وكانت أم سعد بن معاذ معها في الحصن، فمر سعد وعليه درع مقلصة قد خرجت منها ذراعه كلها، وفي يده حربة يرفل بها ويقول: (لبثت قليلاً يشهد الهيجا حمل.......... لا بأس بالموت إذا حان الأجل) فقالت له أمه: إلحق أي بني فقد أخرت. قالت عائشة: فقلت لها يا أم سعد لوددت أن درع سعد كانت أسبغ مما هي. فرمي سعد بسهم قطع منه الأكحل رماه ابن العرقة، فلما أصابه قال: خذها مني وأنا ابن العرقة. فقال له سعد: عرق الله وجهك في النار، اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئاً فأبقني لها فإنه لا قوم أحب إلي أن أجاهدهم فيك من (2/291)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 292 قوم آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه، اللهم إن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعله لي شهادة ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة. وكانت صفية بنت عبد المطلب في فارع حصن حسان بن ثابت وكان معها فيه مع النساء والولدان. قالت: فمر بنا يهودي فجعل يطيف بالحصن، وقد حاربت بنو قريظة ونقضت وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا، والنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون في نحور عدوهم لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إلينا. فقلت: يا حسان إن هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن،): وإلي والله ما آمنه أن يدل على عورتنا من وراءنا من يهود، وقد شغل عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فأنزل إليه فاقتله. قال: يغفر لك الله يا ابنة عبد المطلب، والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا. فلما قال لي ذلك ولم أر عنده شيئاً، احتجزت ثم أخذت عموداً ونزلت من الحصن إليه فضربته بالعمود حتى قتلته. فلما فرغت رجعت إلى الحصن فقلت: يا حسان إنزل إليه فاسلبه، فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل. قال: مالي بسلبه من حاجة. وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيما وصف الله من الخوف والشدة لتظاهر عدوهم عليهم وإتيانهم من فوقهم ومن أسفل منهم. وروى نحوه يونس بن بكير، عن هشام بن عروة، عن أبيه. (2/292)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 293 ثم إن نعيم بن مسعود الغطفاني أتى رسول الله فأسلم. وقال: إن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت يا رسول الله. قال إنما أنت فينا رجل واحد فاخذل عنا ما استطعت فإن الحرب خدعة. فأتى قريظة وكان نديماً لهم في الجاهلية فقال لهم: قد عرفتم ودي إياكم. قالوا صدقت. قال: إن قريشاً وغطفان ليسوا كأنتم، البلد بلدكم به أموالكم وأولادكم ونساؤكم، لا تقدرون على أن تتحولوا منه إلى غيره، وإن قريشاً وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه، وقد ظاهرتموهم عليه، وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره، فليسوا كأنتم، فإن رأوا نهزة أصابوها، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم، فلا طاقة لكم به إن خلا بكم، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهناً من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن يقاتلوا معكم محمداً حتى تناجزوه، فقالوا: لقد أشرت بالرأي. ثم خرج حتى أتى قريشاً فقال لأبي سفيان ومن معه: قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمداً، وإنه قد بلغني أمر قد رأيت علي حقاً أن أبلغكموه نصحاً لكم فاكتموه علي. قالوا: نفعل. قال: تعلموا أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد: وأرسلوا إليه أنا قد ندمنا على ما فعلنا، فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين، قريش وغطفان، رجلاً من أشرافهم، فنعطيكهم فتضرب أعناقهم، ثم نكون معك على من بقي منهم حتى تستأصلهم. فأرسل إليهم: نعم. فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون رهناً منكم من رجالكم فلا تفعلوا. ثم خرج فأتى غطفان فقال: يا معشر غطفان أنتم أصلي وعشيرتي (2/293)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 294 وأحب الناس إلي، ولا أراكم): تتهموني. قالوا: صدقت، ما أنت عندنا بمتهم قال: فاكتموا عني. قالوا: نفعل. ثم قال لهم مثل ما قال لقريش، وحذرهم ما حذرهم. فلما كانت ليلة السبت من شوال، وكان من صنع الله لرسوله أنه أرسل أبو سفيان ورؤس غطفان، إلى بني قريظة، عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان، فقالوا: إنا لسنا بدار مقام، قد هلك الخف والحافر، فاغدوا للقتال حتى نناجز محمداً. فأرسلوا إليهم أن اليوم يوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئاً، وقد كان بعضنا أحدث فيه حدثاً فأصابه ما لم يخف عليكم، ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمداً حتى تعطونا رهناً من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمداً، فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب أن تنشمروا إلى بلادكم وتتركونا والرجل في بلادنا، ولا طاقة لنا بذلك. فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة قالت قريش وغطفان: والله لقد حدثكم نعمي بن مسعود بحق. فأرسلوا إلى بني قريظة: إنا والله ما ندفع إليكم رجلاً من رجالنا، فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا. فقالت بنو قريظة حين انتهت إليهم الرسل بهذا: إن الذي ذكر لكم نعيم لحق، ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا، فإن رأوا فرصة انتهزوها. وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم. فأرسلوا إلى قريش وغطفان: إنا والله لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهناً. فأبوا عليهم. وخذل الله بينهم. فلما أنهى ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، دعا حذيفة بن اليمان فبعثه ليلاً لينظر ما فعل القوم. (2/294)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 295 قال: فحدثني يزيد بن أبي زياد، عن محمد بن كعب القرظي: قال رجل من أهل الكوفة لحذيفة: يا أبا عبد الله، رأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبتموه قال: نعم يا ابن أخي قال: فكيف كنتم تصنعون قال: والله لقد كنا نجهد، فقال: والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض ولحملناه على أعناقنا. فقال: يا ابن أخي والله لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق، وصلى هوياً من الليل، ثم التفت إلينا فقال: من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع يشرط له رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجعة أسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة. فما قام أحد من شدة الخوف وشدة الجوع والبرد. فلما لم يقم أحد دعاني فلم يكن لي من القيام بد حين دعاني، فقال: يا حذيقة اذهب فادخل في القوم، فانظر ماذا يفعلون ولا تحدثني): شيئاً حتى تأتينا. فذهبت فدخلت في القوم، والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل، لا يقر لهم قدراً ولا ناراً ولا بناء. فقام أبو سفيان فقال: يا معشر قريش، إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخف، وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من شدة الريح ما ترون، ما تطمئن لنا قدر ولا تقوم لنا نار ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فإني مرتحل. ثم قام إلى جمله وهو معقول فجلس عليه ثم ضربه فوثب به على ثلاث، فوالله ما أطلق عقاله إلا وهو قائم. ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تحدث شيئاً حتى تأتيني، ثم شئت لقتلته بسهم. قال: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي في مرط لبعض (2/295)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 296 نسائه مراجل وهو ضرب من وشي اليمن فسره ابن هشام فلما رآني أدخلني إلى رجليه وطرح علي طرف المرط، ثم ركع وسجد وإني لفيه فلما سلم أخبرته الخبر. وسمعت غطفان بما فعلت قريش فانشمروا راجعين إلى بلادهم. قال الله تعالى: ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزاً. وهذا كله من رواية البكائي عن محمد بن إسحاق. وقال يونس بن بكير، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، أن رجلاً قال لحذيفة: صحبتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدركتموه، فذكر الحديث نحو حديث محمد بن كعب، وفي آخره: فجعلت أخبر رسول لله صلى الله عليه وسلم عن أبي سفيان، فجعل يضحك حتى جعلت أنظر إلى أنيابه. وقال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل يوم بدر في رمضان سنة اثنتين. ثم قاتل يوم أحد في شوال سنة ثلاث. ثم قاتل يوم الخندق، وهو يوم الأحزاب وبني قريظة، في شوال سنة أربع، وكذا قال عروة في حديث ابن لهيعة عن أبي الأسود عنه. كذا قالا: سنة أربع، وقالا في قصة الخندق إنها كانت بعد أحد بسنتين. (2/296)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 297 وقال قتادة من رواية شيبان عنه: كان يوم الأحزاب بعد أحد بسنتين، فهذا هو المقطوع به. وقول موسى وعروة إنها في سنة أربع وهم بين، ويشبهه قول عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر: عرضني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وأنا ابن أربع عشرة، فلم يجزني.): فلما كان يوم الخندق عرضت عليه وأنا ابن خمس عشرة فأجازني فيحمل قوله على أنه كان قد شرع في أربع عشرة، وأنه يوم الخندق كان قد استكمل خمس عشرة سنة، وزاد عليها بعد تلك الزيادة. والعرب تفعل هذا في مددها وتواريخها وأعمارها كثيراً، فتارة يعتدون بالكسر ويعدونه سنة، وتارة يسقطونه. وذهب بعض العلماء إلى ظاهر هذا الحديث وعضدوه بقول موسى بن عقبة: وغزوة الأحزاب في شوال سنة أربع وذلك مخالف لقول الجماعة، ولما اعترف به موسى وعروة من أن بين أحد والخندق سنتين والله أعلم. وقال أبو إسحاق الفزاري، عن حميد، عن أنس قال: خرج رسول اله صلى الله عليه وسلم في غداة باردة إلى الخندق، والمهاجرون والأنصار يحفرون الخندق بأيديهم، ولم يكن لهم عبيد: فلما رأى ما بهم من الجوع والنصب قال: (اللهم إن العيش عيش الآخرة.......... فاغفر للأنصار والمهاجرة) (2/297)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 298 فقالوا مجيبين له: (نحن الذين بايعوا محمداً.......... على الجهاد ما بقينا أبداً) أخرجه البخاري. ولمسلم نحوه من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت. وقال عبد الوارث: ثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس نحوه، وزاد قال: ويؤتون بملء حفنتين شعيراً يصنع لهم بإهالة سنخة وهي بشعة في الحلق، فتوضع بي يدي القوم. أخرجه البخاري. وقال شعبة وغيره: أبو إسحاق، سمع البراء يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معنا التراب يوم الأحزاب، وقد وارى التراب بياض بطنه وهو يقول: (اللهم لولا أنت ما اهتدينا.......... ولا تصدقنا ولا صلينا)

(فأنزلن سكينة علينا.......... وثبت الأقدام إن لاقينا)

(إن الألى قد بغوا علين.......... وإن أرادوا فتنة أبينا) (2/298)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 299 رفع بها صوته. أخرجه البخاري. وعنده أيضاً من وجه آخر: ويمد بها صوته. وقال عبد الواحد بن أيمن المخزومي، عن أبيه، سمع جابرا يقول: كنا يوم الخندق نحفر الخندق فعرضت فيه كدية وهي الجبل فقلنا: يا رسول الله: إن كدية قد عرضت فقال: رشوا عليها. ثم قام فأتاها وبطنه معصوب بحجر من الجوع، فأخذ المعول أو المسحاة فسمى ثلاثاً ثم): ضرب فعاد ت كثيباً أهيل فقلت له: ائذن لي يا رسول الله إلى المنزل، ففعل، فقلت للمرأة: هل عندك من شيء وذكر نحو ما سقناه من مغازي ابن إسحاق. أخرجه البخاري. وقال هوذة بن خليفة: ثنا عوف الأعرابي، عن ميمون بن أستاذ الزهراني، حدثني البراء بن عازب قال: لما كان حين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق، عرض لنا في بعض الخندق صخرة عظيمة شديدة لا تأخذ فيها المعاول، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآها أخذ المعول وقال: بسم الله، وضرب ضربة فكسر ثلثها. فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر إن شاء الله. ثم ضرب الثانية وقطع ثلثاً آخر فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض. ثم ضرب الثالثة فقطع بقية الحجر فقال: الله أكبر أعطيت (2/299)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 300 مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني الساعة. وقال الثوري: ثنا ابن المنكدر، سمعت جابراً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: من يأتينا بخبر القوم فقال الزبير: أنا. فقال: من يأتينا بخبر القوم فقال الزبير: أنا. فقال: إن لكل نبي حوارياً وحواري الزبير. أخرجه البخاري. وقال الحسني بن الحسن بن عطية العوفي: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها قال: كان ذلك يوم أبي سفيان يوم الأحزاب. ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة، قال هم بنو حارثة، قالوا: بيوتنا مخلية نخشى عليها السرق. قوله: ولما رأى المؤمنون الأحزاب الآية، قال: لأن الله قال لهم في سورة البقرة: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين أمنوا معه متى نصر الله، فلما مسهم البلاء حيث رابطوا الأحزاب في الخندق، تأول المؤمنون ذلك، ولم يزدهم إلا إيماناً وتسليماً. وقال حماد بن سلمة: أنا حجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن (2/300)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 301 عباس: أن رجلاً من المشركين قتل يوم الأحزاب، فبعث المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابعث إلينا بجسده ونعطيهم اثني عشر ألفاً، فقال: لا خير في جسده ولا في ثمنه.): وقال الأصمعي: ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد قال: ضرب الزبير بن العوام يوم الخندق عثمان بن عبد الله بن المغيرة بالسيف على مغفره فقده إلى القربوس، فقالوا: ما أجود سيفك، فغضب، يريد إن العمل ليده لا لسيفه. قال شعبة، عن الحكم، عن يحيى بن الجزار، عن علي رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوم الأحزاب قاعداً على فرضة من فرض الخندق فقال صلى الله عليه وسلم: شغلونا عن صلاة الوسطى حتى غربت الشمس، ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً، أو بطونهم. أخرجه مسلم. وقال يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن جابر، أن عمر جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس جعل يسب كفار قريش وقال: يا رسول الله ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس أن تغرب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنا والله ما صليتها بعد. فنزلت مع رسول الله أحسبه قال إلى بطحان، فتوضأ للصلاة وتوضأنا، فصلى العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى المغرب. متفق عليه. (2/301)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 302 وقال جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه قال: كنا عند حذيفة بن اليمان، فقال رجل: لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلت معه وأبليت. فقال: أنت كنت تفعل ذاك، لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب في ليلة ذات ريح شديدة وقر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا رجل يأتي بخبر القوم يكون معي يوم القيامة فلم يجبه منا أحد، ثم الثانية، ثم الثالثة مثله. ثم قال: يا حذيفة قم فائتنا بخبر القوم. فلم أجد أبداً إذ دعاني باسمي أن أقول. فقال ائتني بخبر القوم ولا تذعرهم علي. قال: فمضيت كأنما أمشي في حمام حتى أتيتهم، فإذا أبو سفيان يصلي ظهره بالنار. فوضعت سهمي في كبد قوسي وأردت أن أرميه، ثم ذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تذعروهم علي، ولو رميته لأصبته. قال: فرجعت كأنما أمشي في حمام، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فألبسني من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها، فلم أزل نائماً حتى الصبح، فلما أن أصبحت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم يا نومان. أخرجه مسلم. وقال أبو نعيم: ثنا يوسف بن عبد الله بن أبي بردة، عن موسى بن أبي المختار، عن بلال العبسي، عن حذيفة: أن الناس تفرقوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب، فلم): يبق معه إلا اثنا عشر رجلاً فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جاث من البرد فقال: انطلق إلى عسكر الأحزاب. فقلت: والذي بعثك بالحق ما قمت إليك من البرد إلا حياء منك. قال: فانطلق يا ابن اليمان فلا بأس عليك من حر ولا برد حتى ترجع إلي. فانطلقت إلى عسكرهم، (2/302)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 303 فوجدت أبا سفيان يوقد النار في عصبة حوله، قد تفرق الأحزاب عنه، حتى إذا جلست فيهم، حس أبو سفيان أنه دخل فيهم من غيرهم، فقال: يأخذ كل رجل منكم بيد جليسه. قال: فضربت بيدي على الذي عن يميني فأخذت بيده، ثم ضربت بيدي إلى الذي عن يساري فأخذت بيده. فكنت فيهم هنية. ثم قمت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي، فأومأ إلي بيده أن: ادن، فدنوت. ثم أومأ إلي فدنوت. حتى أسبل علي من الثوب الذي عليه وهو يصلي. فلما فرغ قال: ما الخبر قلت: تفرق الناس عن أبي سفيان، فلم يبق إلا في عصبة يوقد النار، قد صب الله عليه من البرد مثل الذي صب علينا، ولكنا نرجو من الله ما لا يرجو. وقال عكرمة بن عمار، عن محمد بن عبيد الحنفي، عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة قال: ذكر حذيفة مشاهدهم، فقال جلساؤه: أما والله لو كنا شهدنا ذلك لفعلنا وفعلنا فقال حذيفة: لا تمنوا ذلك، فلقد رأيتنا ليلة الأحزاب. وساق الحديث مطولاً. وقال إسماعيل بن أبي خالد: ثنا ابن أبي أوفى قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأحزاب فقال: اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم. متفق عليه. وقال الليث: حدثني المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: لا إله إلا الله وحده، أعز جنده، ونصر (2/303)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 304 عبده، وغلب الأحزاب وحده فلا شيء بعده. متفق عليه. وقال إسرائيل وغيره، عن أبي إسحاق، عن سليمان بن صرد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أجلى عنه الأحزاب: الآن نغزوهم ولا يغزونا نسير إليهم. أخرجه البخاري. وقال خارجة بن مصعب، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس: عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة، قال: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان، فصارت أم المؤمنين، وصار معاوية خال المؤمنين. كذا روى الكلبي وهو متروك. ومذهب العلماء في أمهات المؤمنين أن هذا حكم مختص بهن ولا يتعدى التحريم إلى بناتهن): ولا إخوانهن ولا أخواتهن. واستشهد يوم الأحزاب: عبد الله بن سهل بن رافع الأشهلي، تفرد ابن هشام بأنه شهد بدراً. (2/304)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 305 وأنس بن أوس بن عتيك الأشهلي، والطفيل بن النعمان بن خنساء، وثعلبة بن غنمة كلاهما من بني جشم بن الخزرج. وكعب بن زيد أحد بني النجار، أصابه سهم غرب، وقد شهد هؤلاء الثلاثة بدراً. ذكر ابن إسحاق أن هؤلاء الخمسة قتلوا يوم الأحزاب. وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: قتل من المشركين يوم الخندق: نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي أقبل على فرس له ليوثبه الخندق فوقع في الخندق فقتله الله، وكبر على المشركين وأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا نعطيكم الدية على أن تدفعوه إلينا فندفنه. فرده إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه خبيث الدية لعنه الله ولعن ديته ولا نمنعكم أن تدفنوه، ولا أرب لنا في ديته. (2/305)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 306 (2/306)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 307 (غزوة بني قريظة) وكانوا قد ظاهروا قريشاً وأعانوهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيهم نزلت وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم الآيتين. قال هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق ووضع السلاح واغتسل أتاه جبريل وقال: وضعت السلاح والله ما وضعناه، اخرج إليهم. قال: فأين قال: هاهنا. وأشار إلى بني قريظة. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم. متفق عليه. وقال حميد بن هلال، عن أنس: كأني أنظر إلى الغبار ساطعاً من سكة بني غنم، موكب جبريل حين سار إلى بني قريظة. (2/307)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 308 وقال جويرية، عن نافع، عن ابن عمر قال: نادى فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم انصرف من الأحزاب أن لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة. فتخوف ناس فوت الوقت فصلوا دون قريظة. وقال آخرون: لا نصلي إلا حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن فاتنا الوقت. فما عنف واحداً من الفريقين. متفق عليه.): وعند مسلم في بعض طرقه: الظهر بدل العصر. وكأنه وهم. وقال بشر بن شعيب، عن أبيه، حدثنا الزهري، أنا عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، أن عمه عبيد الله بن كعب أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من طلب الأحزاب وضع عنه اللأمة واغتسل واستجمر، فتبدى له جبريل عليه السلام فقال: عذيرك من محارب، ألا أراك قد وضعت اللأمة وما وضعناها بعد. فوثب رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعاً فعزم على الناس أن لا يصلوا العصر حتى يأتوا بني قريظة. فلبسوا السلاح، فلم يأتوا بني قريظة حتى غربت الشمس: فاختصم الناس عند غروبها، فقال بعضهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عزم علينا أن لا نصلي حتى نأتي بني قريظة، فإنما نحن في عزيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس علينا إثم. وصلى طائفة من الناس احتساباً. وتركت طائفة حتى غربت الشمس فصلوا حين جاءوا بني قريظة. فلم يعنف رسول الله صلى الله عليه وسلم واحداً من الفريقين. وقال نحوه عبد الله بن عمر، عن أخيه عبيد الله، عن القاسم، عن عائشة، وفيه أن رجلاً سلم علينا ونحن في البيت، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم (2/308)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 309 فزعاً، فقمت في إثره، فإذا بدحية الكلبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا جبريل يأمرني أن أذهب إلى بني قريظة، وقال: وضعتم السلاح، لكنا لم نضع السلاح، طلبنا المشركين حتى بلغنا حمراء الأسد. وفيه: فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجالس بينه وبين بني قريظة، فقال: هل مر بكم من أحد قالوا: مر علينا دحية الكلبي على بغلة شهباء تحته قطيفة ديباج. قال: ليس ذاك بدحية الكلبي ولكنه جبريل أرسل إلى بني قريظة ليزلزلهم ويقذف في قلوبهم الرعب، فحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر أصحابه أن يستره بالجحف حتى يسمعهم كلامه. فناداهم: يا إخوة القردة والخنازير. فقالوا: يا أبا القاسم لم تك فحاشاً. فحاصرهم حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ، وكانوا حلفاءه، فحكم أن تقتل مقاتلتهم وتسبي ذراريهم ونساؤهم. وقال محمد بن عمرو، عن أبيه، عن جده علقمة، عن عائشة قالت: فجاءه جبريل وعلى ثناياها النقع فقال: أوضعت السلاح والله ما وضعت الملائكة، أخرج إلى بني قريظة. فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، وأذن بالرحيل، ثم مر على بني غنم فقال: من مر بكم قالوا: دحية. وكان دحية تشبه لحيته ووجهه جبريل. فأتاهم فحاصرهم خمساً وعشرين ليلة، ثم نزلوا): على حكم سعد، وذكر الحديث بطوله في مسند أحمد. (2/309)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 310 وقال يونس، عن ابن إسحاق: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا معه رايته وابتدر الناس. وقال موسى بن عقبة. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثر جبريل، فمر على مجلس بني غنم وهم ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألهم: مر عليكم فارس آنفاً فقالوا: مر علينا دحية على فرس أبيض تحته نمط أو قطيفة من ديباج عليه اللأمة. قال: ذاك جبريل. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشبه دحية بجبريل. قال: ولما رأى علي بن أبي طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً تلقاه. وقال: ارجع يا رسول الله، فإن الله كافيك اليهود. وكان علي سمع منهم قولاً سبيبي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه. فكره علي أن يسمع ذلك، فقال: لم تأمرني بالرجوع فكتمه ما سمع منهم. فقال: أظنك سمعت لي منهم أذى فامض فإن أعداء الله لو قد رأوني لم يقولوا شيئاً مما سمعت. فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصنهم، وكانوا في أعلاه، نادى بأعلى صوته نفراً من أشرافهم حتى أسمعهم فقال: أجيبونا يا معشر يهود يا أخوة القردة، لقد نزل بكم خزي الله. فحاصرهم صلى الله عليه وسلم بكتائب المسلمين بضع عشرة ليلة، ورد الله حيي بن أخطب حتى دخل حصنهم، وقذف الله في قلوبهم الرعب، واشتد عليهم الحصار، فصرخوا بأبي لبابة بن عبد المنذر وكانوا حلفاء الأنصار. فقال: لا آتيهم حتى يأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: (2/310)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 311 قد أذنت لك. فأتاهم، فبكوا وقالوا: يا أبا لبابة، ماذا ترى، فأشار بيده إلى حلقه، يريهم إنما يراد بكم القتل. فلما انصرف سقط في يده ورأى أنه قد أصابته فتنة عظيمة فقال: والله لا أنظر في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحدث لله توبة نصوحاً يعلمها الله من نفسي. فرجع إلى المدينة فربط يديه إلى جذع من جذوع المسجد. فزعموا أنه ارتبط قريباً من عشرين ليلة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ذكر، حين راث عليه أبو لبابة: أما فرغ أبو لبابة من حلفائه قالوا: يا رسول الله، قد والله انصرف من عند الحصن، وما ندري أين سلك. فقال: قد حدث له أمر. فأقبل رجل فقال: يا رسول الله، رأيت أبا لبابة ارتبط بحبل إلى جذع من جذوع المسجد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أصابته بعدي فتنة، ولو جاءني لاستغفرت): له. فإذا فعل هذا فلن أحركه من مكانه حتى يقضي الله فيه ما شاء. قال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، فذكر نحو ما قص موسى ابن عقبة. وعنده: فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته وأذن بالخروج، وأمرهم أن يأخذوا السلاح. ففرغ الناس للحرب، وبعث علياً على المقدمة ودفع إليه اللواء. ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على آثارهم. ولم يقل بضع عشرة ليلة. وقال يونس بن بكير، والبكائي واللفظ له عن ابن إسحاق قال: حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً وعشرين ليلة، حتى جهدهم الحصار، وقذف الله في قلوبهم الرعب. وكان حيي بن أخطب دخل مع بني قريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان، وفاء لكعب بن أسد بما كان (2/311)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 312 عاهده عليه، فلما أيقنوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم، قال كعب بن أسد: يا معشر يهود، قد نزل بكم من الأمر ما ترون، وإني عارض عليكم خلالاً ثلاثاً، فخذوا أيها شئتم. قالوا: وما هي قال: نبايع هذا الرجل ونصدقه، فوالله لقد تعين لكم أنه لنبي مرسل، وأنه للذي تجدونه في كتابكم، فتأمنون على دمائكم وأموالكم. قالوا: لا نفارق حكم التوراة أبداً ولا نستبدل به غيره. قال: فإذا أبيتم على هذه. فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا، ثم نخرج إلى محمد وأصحابه مصلتين السيوف لم نترك وراءنا ثقلاً، حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، فإن نهلك ولم نترك وراءنا نسلاً نخشى عليه، وإن نظهر فلعمري لنتخذن النساء والأبناء. قالوا: نقتل هؤلاء المساكين، فما خير العيش بعدهم قال فإن أبيتم هذه فإن الليلة ليلة السبت وإنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنوا فيها فانزلوا لعلنا نصيب من محمد وأصحابه غرة. قالوا: نفسد سبتنا وتحدث فيه ما لم يحدث من كان قبلنا، إلا من قد علمت فأصابه ما لم يخف عليك من المسخ قال: ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازماً. رواه يونس بن بكير، عن ابن إسحاق. لكنه قال عن أبيه، عن معبد ابن كعب بن مالك، فذكره وزاد فيه: ثم بعثوا يطلبون أبا لبابة، وذكر ربطه نفسه. وقال سعيد بن المسيب: إن ارتباطه بسارية التوبة كان بعد تخلفه عن غزوة تبوك حين أعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عليم، بما فعل يوم قريظة، ثم تخلف عن غزوة تبوك فيمن تخلف. والله أعلم.): وذكر علي بن أبي طلحة، وعطية العوفي، عن ابن عباس في ارتباطه حين تخلف عن تبوك ما يؤكد قول ابن المسيب، قال: نزلت هذه (2/312)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 313 الآية في أبي لبابة يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول. وقال البكائي، عن ابن إسحاق: حدثني يزيد بن عبد الله بن قسيط، أن توبة أبي لبابة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت أم سلمة فقالت أم سلمة، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من السحر وهو يضحك، قالت: فقلت: مم تضحك قال: تيب على أبي لبابة. قالت: قلت: أفلا أبشره قال: إن شئت. قال: فقامت على باب حجرتها، وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب، فقالت: يا أبا لبابة، أبشر فقد تاب الله عليك. قالت: فثار إليه الناس ليطلقوه. قال: لا والله حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقني بيده. فلما مر عليه خارجاً إلى صلاة الصبح أطلقه. قال عبد الملك بن هشام: أقام أبو لبابة مرتبطاً بالجذع ست ليال: تأتيه امرأته في وقت كل صلاة تحله للصلاة، ثم يعود فيرتبط بالجذع، فيما حدثني بعض أهل العلم. والآية التي نزلت في توبته: وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً الآية. قال ابن إسحاق: ثم إن ثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسيد ابن عبيد، وهم نفر من بني هدل، أسلموا تلك الليلة التي نزل فيها بنو (2/313)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 314 قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال شعبة: أخبرني سعد بن إبراهيم، سمعت أبا أمامة بن سهل يحدث عن أبي سعد قال: نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاه على حمار. فلما دنا قريباً من المسجد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا إلى سيدكم، أو إلى خيركم فقال: إن هؤلاء قد نزلوا على حكمك، فقال: نقتل مقاتلتهم ونسبي ذراريهم. فقال رسول اله صلى الله عليه وسلم: لقد حكمت عليهم بحكم الله. وربما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد حكمت عليهم بحكم الله. وربما قال: بحكم الملك. متفق عليه. وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال: فأومأوا إليه فقالوا: يا أبا عمرو، قد ولاك رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر موالكيم لتحكم فيهم. فقال سعد: عليكم بذلك عهد الله وميثاقه قالوا: نعم. قال: وعلى من هاهنا من الناحية التي فيها النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، وهو معرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلالاً له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:) نعم. فقال سعد: أحكم بأن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبي الذراري. وقال شعبة وغيره، عن عبد الملك بن عمير، عن عطية القرظي قال: كنت في سبي قريظة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن أنبت أن يقتل، فكنت فيمن لم ينبت. (2/314)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 315 قال موسى بن عقبة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سألوه أن يحكم فيهم رجلاً: اختاروا من شئتم من أصحابي فاختاروا سعد بن معاذ، فرضي بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلوا على حكمه. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسلاحهم فجعل في قبته، وأمر بهم فكتفوا وأوثقوا وجعلوا في دار أسامة، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد، فأقبل على حمار أعرابي يزعمون أن وطاء برذعته من ليف، واتبعه رجل من بني عبد الأشهل، فجعل يمشي معه ويعظم حق بني قريظة ويذكر حلفهم والذي أبلوه يوم بعاث، ويقول: أختاروك على من سواك رجاء رحمتك وتحننك عليهم، فاستبقهم فإنهم لك جمال وعدد. فأكثر ذلك الرجل، وسعد لا يرجع إليه شيئاً، حتى دنوا، فقال الرجل: ألا ترجع إلي فيما أكلمك فيه فقال سعد: قد آن لي أن لا تأخذني في الله لومة لائم. ففارقه الرجل، فأتاني قومه فقالوا: ما وراءك فأخبرهم أنه غير مستقيم، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل مقاتلتهم، وكانوا فيما زعموا ستمائة مقاتل قتلوا عند دار أبي جهم بالبلاط، فزعموا أن دماءهم بلغت أحجار الزيت التي كانت بالسوق، وسبى نساءهم وذراريهم، وقسم أموالهم بين من حضر من المسلمين. وكانت خيل المسلمين ستاً وثلاثين فرساً. وأخرج حيي بن أخطب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل أخزاك الله قال له: ظهرت علي وما ألوم إلا نفسي في جهادك والشدة عليك. فأمر به فضربت عنقه. كل ذلك بعين سعد. وكان عمرو بن سعد اليهودي في الأسرى، فلما قدموه ليقتلوه ففقدوه فقيل: أين عمرو قالوا: والله ما نراه، وإن هذه لرمته التي كان فيها، (2/315)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 316 فما ندري كيف انفلت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلت بما علم الله في نفسه. وأقبل ثابت بن قيس بن شماس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هب لي الزبير يعني ابن باطا وامرأته. فوهبهما له، فرجع ثابت إلى الزبير. فقال: يا أبا عبد الرحمن هل تعرفني وكان الزبير يومئذ كبيراً أعمى قال: هل ينكر الرجل أخاه قال ثابت: أردت أن أجزيك اليوم بيدك. قال: أفعل، فإن الكريم يجزي الكريم، فأطلقه. فقال: ليس لي قائد، وقد أخذتم امرأتي وبني. فرجع ثابت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) فسأله ذرية الزبير وامرأته، فوهبهم له، فرجع إليه فقال: قد رد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأتك وبنيك. قال الزبير: فحائط لي فيه أعذق ليس لي ولأهلي عيش إلا به. فوهب له رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال له ثابت: أسلم قال: ما فعل المجلسان فذكر رجالاً من قومه بأسمائهم. فقال ثابت: قد قتلوا وفرغ منهم، ولعل الله أن يهديك. فقال الزبير. أسألك بالله وبيدي عندك إلا ما ألحقتني بهم. فما في العيش خير بعدهم. فذكر ذلك ثابت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بالزبير فقتل. قال الله تعالى في بني قريظة في سياق أمر الأحزاب: وأنزل الذين ظاهروهم يعين الذين ظاهروا قريشاً: من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقاً تقتلون وتأسرون فريقاً. وقال عروة في قوله: وأرضاً لم تطؤها. هي خيبر. وقال البكائي، عن ابن إسحاق، حدثني عاصم بن عمرو بن قتادة، عن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، عن علقمة بن وقاص الليثي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد: لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة. (2/316)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 317 وقال البكائي، عن ابن إسحاق: فحبسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار بنت الحارث النجارية، وخرج إلى سوق المدينة، فخندق بها خنادق، ثم بعث إليهم فضرب أعناقهم في تلك الخنادق. وفيهم حيي بن أخطب، وكعب بن أسد رأس القوم، وهم ستمائة أو سبعمائة، والمكثر يقول: كانوا بين الثمانمائة والتسعمائة. وقد قالوا لكعب وهو يذهب بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسالاً: يا كعب ما تراه يصنع بنا قال: أفي كل موطن لا تعقلون. أما ترون الداعي لا ينزع، وأنه من ذهب منكم لا يرجع هو والله القتل. وأتى حيي بن أخطب وعليه حلة فقاحية قد شقها من كل ناحية قدر أنملة لئلا يسلبها، مجموعة يداه إلى عنقه بحبل، فلما نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أما والله ما لمست نفسي في عداوتك، ولكنه من يخذل الله يخذل. ثم أقبل على الناس فقال: أيها الناس إنه لا بأس بأمر الله. كتاب وقدر وملحمة كتبت على بني إسرائيل. ثم جلس فضربت عنقه. وقال ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عمه عروة، عن عائشة قالت: لم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة، قالت: إنها والله لعندي تحدث معي وتضحك ظهراً وبطناً، ورسول) الله صلى الله عليه وسلم يقتل رجالهم بالسيوف إذ هتف هاتف: يا بنت فلانة. قالت: أنا والله. قلت: ويلك، مالك قالت: أقتل. قلت: ولم قالت: حدث أحدثته. فانطلق بها فضربت عنقها. وقال عكرمة وغيره: صياصيهم: حصونهم. (2/317)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 318 وقال يونس، عن ابن إسحاق: ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن زيد، أخا بني عبد الأشهل بسبايا بني قريظة إلى نجد. فابتاع له بهم خيلاً وسلاحاً. وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد اصطفى لنفسه ريحانة بنت عمرو بن خنافة، وكانت عنده حتى توفي وهي في ملكه، وعرض عليها أن يتزوجها، ويضرب عليها الحجاب، فقالت: يا رسول الله بل تتركني في مالك فهو أخف عليك وعلي. فتركها. وقد كانت أولاً توقفت عن الإسلام ثم أسلمت، فسر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك. وفي ذي الحجة من هذه السنة: (وفاة سعد بن معاذ) قال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: أصيب سعد يوم الخندق، رماه رجل من قريش يقال له حبان بن العرقة، رماه في الأكحل. فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد ليعوده من قريب. فلما رجع من الخندق وذكر الحديث، وفيه قالت عائشة: ثم إن كلمه تحجر للبرء فقال: اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إلي أن أجاهد فيك من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه، اللهم فإني أظن أنك وضعت الحرب بيننا وبينهم، فإن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني لهم حتى أجاهدهم فيك. وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فافجرها واجعل (2/318)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 319 موتي فيها. قال فانفجرت لبته، فلم يرعهم ومعهم أهل خيمة من بني غفار إلا والدم يسيل إليهم، فقالوا: يا أهل الخيمة، ما هذا الذي يأتينا من قبلكم فإذا سعد جرحه يغذ دماً فمات منها. متفق عليه. وقال الليث: حدثني أبو الزبير، عن جابر قال: رمي سعد يوم الأحزاب فقطعوا أكحله، فحسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنار، فانتفخت يده، فتركه، فنزفه الدم فحسمه أخرى. فانتفخت يده، فلما رأى ذلك قال: اللهم لا تخرج نفسي حتى تقر عيني من بني قريظة. فاستمسك عرقه فما قطرت منه قطرة. حتى نزلوا على حكم سعد، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحكم أن يقتل رجالهم ويستبي نساؤهم وذراريهم. قال: وكانوا أربعمائة. فلما فرغ من قتلهم،) انفتق عرقه فمات. حديث صحيح. وقال ابن راهويه: ثنا عمرو بن محمد القرشي، ثنا عبد الله بن إدريس، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذا الذي تحرك له العرش يعني سعد بن معاذ وشيع جنازته سبعون ألف ملك، لقد ضم ضمة ثم فرج عنه. وقال سليمان التيمي، عن الحسن: اهتز عرش الرحمن فرحاً بروحه. (2/319)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 320 وقال يزيد بن عبد الله بن النجار، عن معاذ، عن جابر قال: جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من هذا العبد الصالح الذي مات فتحت له أبواب السماء وتحرك العرش قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا سعد بن معاذ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبره وهو يدفن، فبينما هو جالس قال: سبحان الله مرتين فسبح القوم. ثم قال: الله أكبر الله أكبر، فكبر القوم. فقال: عجبت لهذا العبد الصالح شدد عليه في قبره حتى كان هذا حين فرج له. ذكر بعضه محمد بن إسحاق، عن معاذ بن رفاعة، أخبرني محمود بن عبد الرحمن بن عمرو بن الجموح، عن جابر. وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني معاذ بن رفاعة الزرقي قال: أخبرني من شئت من رجال قومي أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم في جوف الليل معتجراً بعمامة من استبرق، فقال: يا محمد من هذا الميت الذي فتحت له أبواب السماء واهتز له العرش فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يجر ثوبه مبادراً إلى سعد ابن معاذ فوجده قد قبض. وقال البكائي، عن ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم، عن الحسن البصري قال: كان سعد رجلاً بادناً، فلما حمله الناس وجدوا له خفة. فقال رجال من المنافقين: والله إن كان لبادناً وما حملنا من جنازة أخف منه. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن له حملة غيركم، والذي نفسي بيده لقد استبشرت (2/320)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 321 الملائكة بروح سعد واهتز له العرش. وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني أمية بن عبد الله أنه سأل بعض أهل سعد: ما بلغكم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا فقالوا: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك فقال: كان يقصر في بعض الطهور من البول. وقال يزيد بن هارون: أنا محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبيه، عن جده، عن عائشة قلت:) خرجت يوم الخندق أقفو آثار الناس، فسمعت وئيد الأرض: تعني حس الأرض ورائي، فالتفت فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مجنه. فجلست، فمر سعد وهو يقول: (ليث قليلاً يدرك الهيجا حمل.......... ما أحسن الموت إذا حان الأجل) قالت: وعليه درع قد خرجت منها أطرافه، فتخوفت على أطرافه، وكان من أطول الناس وأعظمهم. قالت: فاقتحمت حديقة، فإذا فيها نفر فيهم عمر، وفيهم رجل عليه مغفر. فقال لي عمر: ما جاء بك والله إنك لجريئة، وما يؤمنك أن يصيبوا تحوزاً وبلاء. فما زال يلومني حتى تمنيتا أن الأرض انشقت ساعتي ذي فدخلت فيها. فرفع الرجل المغفر عن (2/321)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 322 وجهه، فإذا طلحة بن عبيد الله، فقال: ويحك، وأين التحوز والفرار إلا إلى الله قالت: ويرمي سعداً رجل من قريش، يقال له ابن العرقة، بسهم، فقال: خذها، وأنا ابن العرقة. فأصاب أكحله. فدعا الله سعد فقال: اللهم لا تمتني حتى تشفيني من قريظة. كانوا مواليه وحلفاءه في الجاهلية. فرقأ كلمه وبعث الله الريح على المشركين. وساقت الحديث بطوله. وفيه قالت: فانفجر كلمه وقد كان بريء حتى ما يرى منه إلا مثل الخرص. ورجع إلى قبته. قالت: وحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر. فإني لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر، وأنا في حجرتي، وكانوا كما قال الله تعالى رحماء بينهم. قال: فقلت ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع قالت: كانت عيناه لا تدمع على أحد ولكنه كان إذا وجد فإنما هو آخذ بلحيته. وقال حماد بن سملة، عن محمد بن زياد، عن عبد الرحمن بن عمرو ابن سعد بن معاذ، أن بني قريظة نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل إلى سعد بن معاذ فأتي به محمولاً على حمر وهو مضني من جرحه، فقال له: أشر علي في هؤلاء. فقال: إني أعلم أن الله قد أمرك فيهم بأمر أنت فاعله. قال: أجل، ولكن أشر علي فيهم، فقال: لو وليت أمرهم قتلت مقاتلتهم وسبيت ذراريهم وقسمت أموالهم. فقال: والذي نفسي بيده (2/322)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 323 لقد أشرت فيهم بالذي أمرني الله به. وقال محمد بن سعد: أنبأ خالد بن مخلد حدثني محمد بن صالح التمار، عن سعد بن إبراهيم، سمع عامر بن سعد، عن أبيه، قال: لما حكم سعد بن معاذ في بني قريظة أن يقتل من جرت عليه المواسي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد حكم فيهم بحكم الله الذي حكم به من) فوق سبع سماوات. وقال ابن سعد: أنا يزيد، أنا إسماعيل بن أبي خالد، عن رجل من الأنصار قال: لما قضى سعد في بني قريظة ثم رجع انفجر جرحه، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه فأخذ رأسه فوضعه في حجره، وسجي بثوب أبيض إذا مد على وجهه بدت رجلاه، وكان رجلاً أبيض جسيماً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إن سعداً قد جاهد في سبيلك وصدق رسولك وقضى الذي عليه، فتقبل روحه بخير ما تقبلت روح رجل. فلما سمع سعد كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح عينيه، فقال: السلام عليك يا رسول الله، أشهد أنك رسول الله. قال: وأمه تبكي وتقول: (ويل أم سعد سعداً.......... حزامة وجداً) (2/323)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 324 فقيل لها: أتقولين الشعر على سعد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوها فغيرها من الشعراء أكذب. وقال عبد الرحمن بن الغسيل، عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود ابن لبيد قال: لما أصيب أكحل سعد حولوه عند امرأة يقال لها رفيدة، وكانت تداوي الجرحى، قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر به يقول: كيف أصبحت وإذا أمسى قال: كيف أمسيت فتخبره، فذكر القصة. وقال: فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم المشي إلى سعد، فشكا ذلك إليه أصحابه، فقال: إني أخاف أن تسبقنا إليه الملائكة فتغسله كما غسلت حنظلة. فانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيت وهو يغسل، وأمه تبكي وتقول: (ويل أم سعد سعداً.......... حزامة وجداً) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل نائحة تكذب إلا أم سعد. ثم خرج به فقالوا: ما حملنا ميتاً أخف منه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما يمنعه أن يخف عليكم وقد هبط من الملائكة كذا، وكذا لم يهبطوا قط، قد حملوه معكم. وقال شعبة: أخبرني سماك بن حرب، سمعت عبد الله بن شداد يقول: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على سعد بن معاذ وهو يكيد بنفسه فقال: جزاك الله خيراً من سيد قوم، فقد أنجزت الله ما وعدته ولينجزنك الله ما وعدك. وقال ابن نمير: حدثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع قال: بلغني أنه (2/324)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 325 شهد سعداً سبعون ألف ملك) لم ينزلوا إلى الأرض. زاد غيره: عن عبيد الله، عن نافع فقال: عن ابن عمر. وقال شبابه: أنا أبو معشر، عن المقبري قال: لما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم سعداً قال: لو نجا أحد من ضغطة القبر لنجا سعد ولقد ضم ضمة اختلفت فيها أضلاعه من أثر البول. وقال يزيد بن هارون: أنا محمد بن عمرو، عن محمد بن المنكدر عن محمد بن شرحبيل، أن رجلاً أخذ قبضة من تراب قبر سعد يوم دفن، ففتحها بعد فإذا هي مسك. وقال محمد بن موسى الفطري: أنا معاذ بن رفاعة الزرقي قال: دفن سعد بن معاذ إلى أُسّ دار عقيل بن أبي طالب. قال محمد بن عمرو بن علقمة حدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استيقظ فجاءه جبريل، أو قال: ملك فقال من رجل من أمتك مات الليلة استبشر بموته أهل السماء قال: لا أعلمه، إلا أن سعد ابن معاذ أمسى دنياً. ما فعل سعد قالوا: يا رسول الله قبض وجاء قومه فاحتملوه إلى دارهم. فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس الصبح، ثم خرج وخرج (2/325)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 326 الناس مشياً حتى شسوع نعالهم تقطع من أرجلهم ون أرديتهم لتسقط من عواتقهم، فقال قائل: يا رسول الله قد بتت الناس مشياً قال: أخشى أن تسبقنا إليه الملائكة كما سبقتنا إلى حنظلة. قال شعبة: أنا سعد بن إبراهيم، عن نافع، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن للقبر ضغطة، ولو كان أحد ناجياً منها لنجا منها سعد بن معاذ. وقال شعبة: حدثني أبو إسحاق، عن عمرو بن شرحبيل قال: لما انفجر جرح سعد بن معاذ التزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل الدم يسيل على النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء أبو بكر فقال: وا كسر ظهراه، فقال: مه يا أبا بكر. ثم جاء عمر فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون. روى عقبة بن مكرم: ثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن سعد بني إبراهيم، عن نافع، عن صفية بنت أبي عبيد، عن عائشة، مرفوعاً: لو نجا أحد من ضمة القبر لنجا منها سعد، وقد تقدم هذا، وما فيه صفية. وليس هذا الضغط من عذاب القبر في شيء. بل هو من روعات المؤمن كنزع روحه، وكألمه) من بكاء حميمه، وكروعته من هجوم ملكي الامتحان عليه، وكروعته يوم الموقف وساعة ورود جهنم، ونحو ذلك. نسأل الله أن يؤمن روعاتنا. وقال يزيد بن هارون: أنا محمد بن عمرو، عن أبيه، عن جده، عن (2/326)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 327 عائشة قالت: ما كان أحد أشد فقداً على المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أو أحدهما من سعد بن معاذ. وقال الواقدي: أنا عتبة بن جبيرة، عن الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ قال: كان سعد بن معاذ رجلاً أبيض طوالاً، جميلاً، حسن الوجه، أعين، حسن اللحية. فرمي يوم الخندق سنة خمس فمات منها، وهو ابن سبع وثلاثين سنة. ودفن بالبقيع. وقال أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اهتز عرش الله لموت سعد بن معاذ. وقال عوف عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اهتز العرش لموت سعد بن معاذ. وقال يزيد بن هارون: أنا إسماعيل بن أبي خالد، عن إسحاق بن راشد، عن امرأة من الأنصار يقال لها أسماء بنت يزيد بن السكن، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأم سعد بن معاذ: ألا يرقأ دمعك ويذهب حزنك بأن ابنك أول من ضحك الله له واهتز له العرش وقال يوسف بن الماجشون، عن أبيه، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن جدته رميئة أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو أشاء أن أقبل الخاتم (2/327)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 328 الذي بين كتفيه من قربي منه لفعلت يقول لسعد بن معاذ يوم مات: اهتز له عرش الرحمن. وقال محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب، عن مجاهد، عن ابن عمر قال: اهتز العرش لحب لقاء الله سعداً. قال: إنما يعني السرير. قال: ورفع أبويه على العرش قال: تفسخت أعواده. قال: ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبره فاحتبس، فما خرج قيل له: يا رسول الله: ما حبسك قال: ضم سعد في القبر ضمة فدعوت الله أن يكشف عنه. وقال الثوري وغيره، عن أبي إسحاق، عن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بثوب حرير، فجعل أصحابه يتعجبون من لينه فقال: إن مناديل سعد ابن معاذ في الجنة ألين من هذا. متفق على صحته.) وقال يزيد بن هارون: أنا محمد بن عمرو، عن واقد بن عمرو بن سعد ابن معاذ قال: دخلت على أنس بن مالك وكان واقد من أعظم الناس وأطولهم فقال لي: من أنت قلت: أنا واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ. فقال: إنك بسعد لشبيه، ثم بكى فأكثر البكاء. ثم قال: يرحم الله سعداً، كان من أعظم الناس وأطولهم. ثم قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً إلى أكيدر دومة، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبة من ديباج منسوجة فيها الذهب، فلبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل الناس يمسحونها وينظرون إليها، فقال: أتعجبون من هذه الجبة قالوا: يا رسول الله ما رأينا ثوباً قط أحسن منه، قال: فوالله (2/328)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 329 لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن مما ترون. قلت: هو سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس أخي الخزرج وهما ابنا حارثة بن عمرو ويدعى حارثة العنقاء وإليه جماع الأوس والخزرج أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويكنى سعد أبا عمرو، وأمه المذكورة كبشة بنت رافع الأنصارية، من المبايعات. أسلم هو وأسيد بن الحضير على يد مصعب بن عمير. وكان مصعب قدم المدينة قبل العقبة الآخرة يدعو إلى الإسلام ويقرئ القرآن. فلما أسلم سعد لم يبق من بني عبد الأشهل عشيرة سعد أحد إلا أسلم يومئذ. ثم كان مصعب في دار سعد هو وأسعد بن زرارة،، يدعون إلى الله. وكان سعد وأسعد ابني خالة. وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سعد بن معاذ وأبي عبيدة بن الجراح. قاله ابن إسحاق. وقال الواقدي عن عبد الله بن جعفر، عن سعد بن إبراهيم، وغيره: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن أبي وقاص. شهد سعد بدراً، وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حين ولي الناس. روي أبو نعيم: ثنا إسماعيل بن مسلم العبدي، ثنا أبو المتوكل، أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الحمى فقال: من كانت به فهي حظه من النار. فسألها سعد ابن معاذ ربه، فلزمته فلم تفارقه حتى فارق الدنيا. (2/329)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 330 وكان لسعد من الولد: عمرو، وعبد الله، وأمهما: عمة أسيد بن الحضير هند بنت سماك بني عبد الأشهل، صحابية. وكان تزوجها أوس ابن معاذ أخو سعد وقيل: عبد الله بن عمرو بن) سعد يوم الحرة. وكان لعمرو من الولد: واقد بن عمرو، وجماعة قيل إنهم تسعة. وقتل عمرو وأخو سعد بن معاذ يوم أحد. وقتل ابن أخيهما الحارث ابن أوس يومئذ شاباً. وقد شهدوا بدراً. والحارث أصابه السيف ليلة قتل كعب بن الأشرف، واحتمله أصحابه. وشهد بعد ذلك أحداً. روى عن سعد بن معاذ: عبد الله بن مسعود، وقصته بمكة مع أمية بن خلف، وذلك في صحيح البخاري. وحصن بني قريظة على أميال من المدينة، حاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم خمساً وعشرين ليلة. واستشهد من المسلمين: خلاد بن سويد الأنصاري الخزرجي، طرحت عليه رحى، فشدخته. ومات في مدة الحصار أبو سنان بن محصن، بدري مهاجري، وهو (2/330)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 331 أخو عكاشة بن محصن الأسدي. شهد هو وابنه سنان بدراً. ودفن بمقبرة بني قريظة التي يتدافن بها من نزل دورهم من المسلمين. وعاش أربعين سنة. ومنهم من قال: بقي إلى أن بايع تحت الشجرة. (إسلام ابني سعية وأسد بن عبيد) قال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن شيخ من بني قريظة قال: هل تدري عم كان إسلام ثعلبة وأسد ابني سعية، وأسد بن عبيد، نفر من هدل، لم يكونوا من بني قريظة ولا نضير، كانوا فوق ذلك، قلت: لا. قال: إنه قدم علينا رجل من الشام يهودي، يقال له ابن الهيبان، ما رأينا خيراً منه. فكنا نقول إذا احتبس المطر: استسق لنا. فيقول: لا والله، حتى تخرجوا صدقة صاع من تمر أو مدين من شعير. فنفعل، فيخرج بنا إلى ظاهر حرتنا. فوالله ما يبرح مجلسه حتى تمر بنا الشعاب بسيل. وفعل ذلك غير مرة ولا مرتين. فلما حضرته الوفاة قال: يا معشر يهود ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير إلى أرض البؤس والجوع قلنا: أنت أعلم. قال: أخرجني نبي أتوقعه يبعث الآن فهذه البلدة مهاجره، وإنه يبعث بسفك الدماء وسبي (2/331)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 332 الذرية، فلا يمنعنكم ذلك منه ولا تسبقن إليه. ثم مات. زاد يونس بن بكير في حديثه: فلما كانت الليلة التي افتتحت فيها قريظة قال أولئك الثلاثة،) وكانوا شباباً أحداثاً: يا معشر يهود، هذا الذي كان ذكر لكم ابن الهيبان. قالوا: ما هو قالوا: بلى والله إنه لهو بصفته. ثم نزلوا فأسلموا وخلوا أموالهم وأهلهم، وكانت في الحصن، فلما فتح رد ذلك عليهم. (2/332)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 333 1 (أحداث السنة السادسة) قال البكائي، عن ابن إسحاق: ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ذا الحجة والمحرم وصفراً وشهري ربيع، وخرج في جمادى الأولى إلى بني لحيان يطلب بأصحاب الرجيع: خبيب بن عدي وأصحابه، وأظهر أنه يريد الشام ليصيب من القوة غرة، فوجدهم قد حذروا وتمنعوا في رؤس الجبال. فقال: لو أن هبطنا عسفان لرأى أهل مكة أنا قد جئنا مكة. فهبط في مائتي راكب من أصحابه حتى نزلوا عسفان. ثم بعث فارسين من أصحابه حتى بلغا كراع الغميم، ثم كرا. وراح قافلاً. (غزوة الغابة)

1 (أو غزوة ذي قرد ثم قدم فأقام بها ليالي، فأغار عيينة بن حصن في خيل من غطفان على) (2/333)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 334 لقاح النبي صلى الله عليه وسلم بالغابة، وفيها رجل من بني غفار وامرأة، فقتلوا الرجل واحتملوا المرأة في اللقاح. وكان أول من نذر بهم سلمة بن الأكوع، غدا يريد الغابة ومعه غلام لطلحة بن عبيد الله معه فرسه، حتى إذا علا ثنية الوداع نظر إلى بعض خيولهم فأشرف في ناحية من سلع، ثم صرخ: وا صباحاه، ثم خرج يشتد في آثار القوم، وكان مثل السبع، حتى لحق بالقوم. وجعل يردهم بنبله، فإذا وجهت الخيل نحوه هرب ثم عارضهم فإذا أمكنه الرمي رمى. وبلغ رسول لله صلى الله عليه وسلم ذلك فصرخ بالمدينة: الفزع الفزع. فنزلت الخيول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أول من انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفرسان المقداد وعباد بن بشر، وأسيد بن ظهير، وعكاشة بن محصن وغيرهم. فأمر عليهم سعد بن زيد، ثم قال: أخرج في طلب القوم حتى ألحقك بالناس. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني لأبي عياش: لو أعطيت فرسك رجلاً منك فقلت: يا رسول الله أنا أفرس الناس. وضربت الفرس فوالله ما مشى بي إلا خمسين ذراعاً حتى طرحني فعجبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو أعطيته أفرس منك وجوابي له.) ولم يكن سلمة بن الأكوع يومئذ فارساً، وكان أول من لحق القوم على رجليه. وتلاحق الفرسان في طلب القوم. فأول من أدركهم محرز بن نضلة (2/334)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 335 الأسدي. فأدركهم ووقف بين أيديهم ثم قال: قفوا يا معشر بني اللكيعة حتى يلحق بكم من وراءكم من المسلمين. فحمل عليه رجل منهم فقتله. ولم يقتل من المسلمين سواه. قال عبد الملك بن هشام: وقتل من المسلمين وقاص بن مجزز المدلجي. وقال البكائي، عن ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم عن عبد الله بن كعب بن مالك، أن مجززاً إنما كان على فرس عكاشة يقال له الجناح، فقتل مجزز واستلب الجناح. ولما تلاحقت الخيل قتل أبو قتادة بن ربعي، حبيب بن عيينة بن حصن، وغشاه ببرده، ثم لحق بالناس. وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين، فاسترجعوا وقالوا: قتل أبو قتادة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس بأبي قتادة ولكنه قتيل لأبي قتادة وضع عليه برده ليعرفوا به صاحبه. وأدرك عكاشة بن محصن أوباراً وابنه عمرو بن أوبار، كلاهما على بعير، فانتظمهما بالرمح فقتلهما جميعاً. واستنقذوا بعض اللقاح. وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بالجبل من ذي قرد، وتلاحق الناس به فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم به، وأقام عليه يوماً وليلة. وقال سلمة: يا رسول الله لو سرحتني في مائة رجل لاستنقذت بقية السرح وأخذت بأعناق (2/335)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 336 القوم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني: إنهم الآن ليغبقون في غطفان. فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه، في كل مائة رجل، جزوراً. وأقاموا عليها ثم رجعوا إلى المدينة. قال: وانفلتت امرأة الغفاري على ناقة من إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدمت عليه، وقالت: إني نذرت لله أن أنحرها إن نجاني الله عليها. قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: بئس ما جزيتها أن حملك الله عليها ونجاك بها ثم تنحرينها، إنه لا نذر فيما لا يملك ابن آدم إنما هي ناقة من إبلي، ارجعي على بركة الله. قلت: هذه الغزوة تسمى غزوة الغابة، وتسمى غزوة ذي قرد. وذكر ابن إسحاق وغيره: إنها كانت في سنة ست. وأخرج مسلم أنها زمن الحديبية. قال أبو النضر هاشم بن القاسم: أنا عكرمة بن عمار حدثني إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: قدمنا المدينة زمن الحديبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت أنا ورباح غلام) النبي صلى الله عليه وسلم بظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرجت بفرس لطلحة بن عبيد الله كنت أريد أن أنديه مع الإبل. فلما كان بغلس، أغار عبد الرحمن بن عيينة على إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتل راعيها وخرج يطردها وأناس معه في خيل. فقلت: يا رباح اقعد على هذا الفرس فألحقه بطلحة وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر. فقتمت على تل فجعلت وجهي من قبل المدينة ثم ناديت ثلاث مرات: يا صباحاه. ثم أتبعت القوم مع سيفي ونبلي فجعلت أرميهم وأعقر بهم وذلك حين يكثر الشجر، فإذا رجع إلي فارس جلست له (2/336)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 337 في أصل شجرة ثم رميت، فلا يقبل علي فارس إلا عقرت به. فجعلت أرميهم وأقول: (أنا ابن الأكوع.......... واليوم يوم الرضع) فألحق برجل منهم فأرميه وهو على راحلة رحله، فيقع سهمي في الرحل حتى انتظمت كتفه، فقلت: خذها وأنا ابن الأكوع. وكنت إذا تضايقت الثنايا علوت على الجبل فردأتهم بالحجارة، فما زال ذلك شأني وشأنهم أتبعهم فأرتجز، حتى ما خلق الله شيئاً من سرح النبي صلى الله عليه وسلم إلا خلفته ورائي واستنقذته من أيديهم. ثم لم أزل أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحاً وأكثر من ثلاثين بردة يستخفون منها، ولا يلقون من ذلك شيئاً إلا جعلت عليه حجارة وجمعته على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا مد الضحاء أتاهم عيينة بن بدر الفزاري مدداً لهم، وهم في ثنية ضيقة. ثم علوت الجبل، فقال عيينة: ما هذا الذي أرى قالوا: لقينا من هذا البرح، ما فارقنا سحراً حتى الآن وأخذ كل شيء كان في أيدينا وجعله وراء ظهره. فقال عيينة: لولا أن هذا يرى أن وراءه مدداً لقد ترككم، ليقم إليه نفر منكم. فقام إلي أربعة فصعدوا في الجبل. فلما أسمعتهم الصوت قلت: أتعرفوني قالوا: ومن أنت قلت: أنا ابن الأكوع، والذي كرم وجه محمد لا يطلبني رجل منكم فيدركني ولا أطلبه فيفوتني. قال رجل منهم: إني أظن يعني كما قال. فما برحت مقعدي ذلك حتى نظرت إلى فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخللون الشجر، وإذا أولهم الأخرم (2/337)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 338 الأسدي، وعلى إثره أبو قتادة، وعلى إثره المقداد. فولى المشركون. فأنزل من الجبل فأعرض للأخرم فأخذ عنان فرسه فقلت: يا أخرم أنذر القوم يعني احذرهم فإني لا آمن أن يقطعوك، فاتئد حتى يلحق النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال: إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فلا تحل بيني وبين الشهادة،) قال: فخليت عنان فرسه فيلحق بعبد الرحمن بن عيينة ويعطف عليه عبد الرحمن فاختلفا طعنتين، فغفر الأخرم بعبد الرحمن، فطعنه عبد الرحمن فقتله. وتحول عبد الرحمن على فرس الأخرم فيلحق أبو قتادة به، فاختلفا طعنتين، فعقر بأبي قتادة، وقتله أبو قتادة، وتحول على فرس الأخرم. ثم خرجت أعدو في أثر القوم حتى ما أرى من غبار أصحابي شيئاً. ويعرضون قبل المغيب إلى شعب فيه ماء يقال له ذو قرد، فأرادوا أن يشربوا منه، فأبصروني أعدو وراءهم، فعطفوا عنه واشتدوا في الثنية، ثنية ذي دبر، وغربت الشمس، فألحق رجلاً فأرميه فقلت: خذها وأنا ابن الأكوع. قال فقال: يا ثكل أمي، أكوعي بكرة قلت: نعم يا عدو نفسه، وكان الذي رميته بكرة، فاتبعته سهماً آخر فعلق به سهمان. ويخلفون فرسين فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على الماء الذي حليتهم عنه ذو قرد فإذا نبي الله في خمسمائة، وإذا بلال قد نحر جزوراً مما خلفت، فهو يشوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: يا رسول الله خلني فأنتخب (2/338)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 339 من أصحابك مائة واحدة فآخذ على الكفار بالعشوة فلا يبقى منهم مخبر قال: أكنت فاعلاً يا سلمة قلت: نعم، والذي أكرمك. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأيت نواجذه في ضوء النار. ثم قال: إنهم يقرون الآن بأرض غطفان. فجاء رجل من غطفان قال: مروا على فلان الغطفاني فنحر لهم جزوراً، فلما أخذوا يكشطون جلدها رأوا غبرة فتركوها وخرجوا هراباً. فلما أصبحنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة. وأعطاني سهم الراجل والفارس جميعاً. ثم أردفني وراءه على العضباء راجعين إلى المدينة. فلما كان بيننا وبينها قريباً من صحوة، وفي القوم رجل من الأنصار كان لا يسبق، فجعل ينادي: هل من مسابق وكرر ذلك. فقلت له: أما تكرم كريماً ولا تهاب شريفاً قال: لا، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: يا رسول الله بأبي وأمي خلني فلأسابقه. قال: إن شئت. قلت: اذهب إليك. فطفر عن راحلته، وثنيت رجلي فطفرت عن الناقة. ثم إني ربطت عليه شرفاً أو شرفين يعني استبقيت نفسي، ثم إني غدوت حتى ألحقه فأصك بين كتفيه بيدي. قلت: سبقتك والله. فضحك وقال: أنا أظن. فسبقته حتى قدمنا المدينة. أخرجه مسلم عن ابن أبي شيبة، عن هاشم.) (2/339)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 340 قرأت على أبي الحسن علي بن عبد الغني الحراني بمصر، وعلى أبي حسن علي بن أحمد الهاشمي بالإسكندرية، وعلى أبي سعيد سنقر بن عبد الله بحلب، وعلى أحمد بن سليمان المقدسي بقاسيون، وأخبرنا محمد بن عبد السلام الفقيه، وأبو الغنائم بن محاسن، وعمر بن إبراهيم الأديب، قالوا: أخبرنا أبو الحسن علي بن أبي بكر بن روزبة. ح وقرأت على أبي الحسين اليونيني، ومحمد بن هاشم العباسي، وإسماعيل بن عثمان الفقيه، ومحمد بن حازم، وعلي بن بقاء، وأحمد بن عبد الله بن عزيز، وخلق سواهم أخبرهم أبو عبد الله الحسين بن أبي بكر ابن الزبيدي قالوا: أنبأنا أبو الوقت السجزي، أنا أبو الحسن الدراوردي، أنا أبو محمد بن حمويه، أنا محمد بن يوسف، ثنا محمد بن إسماعيل البخاري، ثنا مكي بن إبراهيم، ثنا يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة أنه أخبره قال: خرجت من المدينة ذاهباً نحو الغابة، حتى إذا كنت بثنية الغابة لقيني غلام لعبد الرحمن بن عوف قلت: ويحك ما بك قال: أخذت لقاح النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: من أخذها قال: غطفان وفزارة. فصرخت ثلاث صرخات أسمعت ما بين لابتيها: يا صباحاه، يا صباحاه. ثم اندفعت حتى ألقاهم وقد أخذوها، فجعلت أرميهم وأقول: (أنا ابن الأكوع.......... واليوم يوم الرضع) فاستنقذتها منهم قبل أن يشربوا. فأقبلت بها أسوقها، فلقيني النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله إن القوم عطاش، وإني أعجلتهم أن يشربوا (2/340)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 341 سقيهم، فابعث في أثرهم فقال: يا بن الأكوع ملكت فأسجع، إن القوم يقرون في قومهم. (مقتل ابن أبي الحقيق) وهو سلام بن أبي الحقيق وقيل عبد الله بن أبي الحقيق اليهودي، لعنه الله. قال البكائي، عن ابن إسحاق: ولما انقضى شأن الخندق وأمر بني قريظة، وكان سلام بن أبي الحقيق أبو رافع فيمن حزب الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكانت الأوس قبل أحد قتلت كعب بن الأشرف. فاستأذنت الخزرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل ابن أبي الحقيق وهو بخيبر، فأذن لهم. وحدثني الزهري، عن عبد الله بن كعب بن مالك قال: كان مما صنع الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن هذين الحيين من الأنصار كانا يتصاولان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تصاول) الفحلين لا تصنع الأوس شيئاً فيه غناء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قالت الخزرج: والله لا تذهبون بهذه فضلاً علينا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الإسلام. فلا ينتهون حتى يوقعوا مثلها. وإذا فعلت الخزرج شيئاً قالت الأوس مثل ذلك. ولما أصابت الأوس كعب بن الأشرف في عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت الخزرج: والله لا تذهبون بهذه فضلاً علينا. فتذاكروا من رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم كابن الأشرف، فذكروا ابن أبي الحقيق وهو بخيبر. فاستأذنوا رسول (2/341)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 342 الله صلى الله عليه وسلم، فأذن لهم. فخرج إليه من الخزرج خمسة من بني سلمة: عبد الله ابن عتيك، ومسعود بن سنان، وعبد الله بن أنيس، وأبو قتادة بن ربعي، وآخر هو أسود بن خزاعي، حليف لهم. فأمر عليهم ابن عتيك، فخرجوا حتى قدموا خيبر، فأتوا دار ابن أبي الحقيق ليلاً، فلم يدعوا بيتاً في الدار إلا أغلوه على أهله، ثم قاموا على بابه فاستأذنوا، فخرجت إليهم امرأته فقالت: من أنتم قالوا: نلتمس الميرة. قالت: ذاك صاحبكم، فادخلوا عليه. قال: فلما دخلنا عليه أغلقنا علينا وعليها الحجرة تخوفاً أن يكون دونه مجاولة تحول بيننا وبينه. قال: فصاحت امرأته فنوهت بنا، وابتدرناه وهو على فراشه، والله ما يدلنا عليه في سواد البيت إلا بياضه، كأنه قبطية ملقاة. فلما صاحت علينا جعل الرجل منا يرفع سيفه عليها ثم يذكر نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء، فكيف يده. فلما ضربناه بأسيافنا تحامل عليه عبد الله بن أنيس في بطنه حتى أنفذه، وهو يقول: قطني قطني، أي حسبي. قال: وخرجنا، وكان ابن عتيك سيئ (2/342)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 343 البصر فوقع من الدرجة، فوثئت يده وثئاً شديداً وحملناه حتى نأتي منهراً من عيونهم فندخل فيه. فأوقدوا النيران واشتدوا في كل وجه يطلبوننا، حتى إذا يئسوا رجعوا إلى صاحبهم فاكتنفوه. فقلنا: كيف لنا بأن نعلم أنه هلك فقال رجل منا: أنا أذهب فأنظر لكم. فانطلق حتى دخل في الناس. قال: فوجدتها وفي يدها المصباح وحوله رجال وهي تنظر في وجهه وتحدثهم وتقول: أما والله لقد سمعت صوت ابن عتيك ثم أكذبت نفسي فقلت: أني ابن عتيك بهذه البلاد ثم أقبلت عليه تنظر في وجهه، ثم قالت: فاظ، وإله يهود. فما سمعت من كلمة كانت ألذ إلي منها. قال: ثم جاء فأخبرنا بالخبر، فاحتملنا صاحبنا فقدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه واختلفنا في قتله، فكلنا يدعيه. فقال: هاتوا أسيافكم. فجئناه بها، فقال لسيف عبد الله بن أنيس: هذا قتله، أرى فيه أثر الطعام والشراب.) وقال زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطاً من الأنصار إلى أبي رافع، فدخل عليه عبد الله بن عتيك بيته ليلاً فقتله وهو نائم. أخرجه البخاري. وقال إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي رافع رجالاً من الأنصار، عليهم عبد الله يعني ابن عتيك. وكان أبو رافع يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعين عليه. وكان في حصن له بأرض الحجاز. فلا دنوا وقد غربت الشمس وراح الناس بسرحهم، قال عبد الله لأصحابه: (2/343)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 344 اجلسوا مكانكم فإني منطلق فمتلطف للبواب لعلي أدخل. فأقبل حتى دنا من الباب ثم تقنع بثوبه كأنه يقضي حاجته. وقد دخل الناس، فهتف به البواب: يا عبد الله إن كنت تريد أن تدخل فادخل لأغلق. فدخلت فكمنت، فأغلق الباب وعلق الأقاليد على ود، فقمت ففتحت الباب. وكان أبو رافع يسمر عنده وكان في علالي. فلما أن ذهب عنه أهل سمره صعدت إليه، وجعلت كلما فتحت باباً أغلقه علي من داخل، وقلت: إن القوم نذروا بي لم يخلصوا إلي حتى أقتله. فانتهيت إليه فإذا هو في بيت مظلم وسط عياله، لا أدري أين هو من البيت. قلت: يا أبا رافع، قال: من هذا فأهويت نحو الصوت فأضربه ضربة بالسيف، وأنا دهش، فما أغني شيئاً، فصاح، فخرجت من البيت فأمكث غير بعيد، ثم دخلت إليه فقلت: ما هذا الضرب يا أبا رافع قال: لأمك الويل، إن رجلاً في البيت ضربني قبل بالسيف. قال: فأضربه ضربة أثخنته ولم أقتله، ثم وضعت صدر السيف في بطنه حتى أخذ في ظهره فعلمت أني قد قتلته، فجعلت أفتح الأبواب باباً فباباً حتى انتهيت إلى درجة، فوضعت رجلي وأنا أرى أني قد أنتهيت إلى الأرض، فوقعت في ليلة مقمرة فانكسرت ساقي، فعصبتها بعمامتي، ثم انطلقت حتى جلست عند الباب. فقال: لا أبرح الليلة حتى أعلم أقتلته أم لا. فلما صاح الديك قام الناعي على السور فقال: أنعي أبا رافع. فانطلقت إلى أصحابي، فقلت: النجاء النجاء، فقد قتل الله أبا رافع. فانتهينا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحدثناه فقال: ابسط رجلك. فبسطتها. (2/344)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 345 فمسحها، فكأنما لم أشكها قط. أخرجه البخاري. وأخرجه أيضاً من حديث إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن جده عن البراء بنحوه. وفيه: ثم انطلقت إلى أبواب بيوتهم فغلقتها عليهم من ظاهر. وفيه: ثم جئت كأني أغيثه) وغيرت صوتي، وقلت: مالك يا أبا رافع. قال: ألا أعجبك، دخل علي رجل فضربني بالسيف. قال: فعمدت له أيضاً فأضربه ضربة أخرى فلم تغن شيئاً، فصاح وقام أهله، ثم جئت وغيرت صوتي كهيئة المغيث، وإذا هو مستلق على ظهره، فأضع السيف في بطنه ثم أتكئ عليه حتى سمعت صوت العظم. ثم خرجت دهشاً إلى السلم، فسقطت فاختلعت رجلي فعصبتها. ثم أتيت أصحابي أحجل فقلت: انطلقوا فبشروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني لا أبرح حتى أسمع الناعية. فلما كان وجه الصبح صعد الناعية فقال: أنعي أبا رافع. فقمت أمشي، ما بي قلبة، فأدركت أصحابي قبل أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فبشرته. وقال ابن لهيعة: ثنا أبو الأسود، عن عروة قال: كان سلام بن أبي الحقيق قد أجلب في غطفان ومن حوله من مشركي العرب يدعوهم إلى قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجعل لهم الجعل العظيم. فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إليه جماعة فبيتوه ليلاً. وقال موسى بن عقبة في مغازيه: فطرقوا أبا رافع اليهودي بخيبر فقتلوه في بيته. (2/345)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 346 (قتل ابن نبيح الهذلي) قال ابن لهيعة: ثنا أبو الأسود، عن عروة قال: بعث رسول اله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أنيس السلمي إلى خالد بن سفيان بن نبيح الهذلي ثم اللحياني ليقتله وهو بعرنة وادي مكة. وقال محمد بن سلمة، عن ابن إسحاق، حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبد الله بن عبد الله بن أنيس، عن أبيه قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه بلغني أن ابن نبيح الهذلي يجمع الناس ليغزوني وهو بنخلة أو بعرنة، فأته فاقتله. قلت: يا رسول الله انعته لي حتى أعرفه. قال: آيه ما بينك وبينه أنك إذا رأيته وجدت قشعريرة. فخرجت متوشحاً بسيفي، حتى دفعت إليه في ظعن يرتاد بهن منزلاً وقت العصر. فلما رأيته وجدت له ما وصف لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من القشعريرة. فأقبلت نحوه وخشيت أن يكون بيني وبينه محاولة تشغلني عن الصلاة، فصليت وأنا أمشي نحوه أوميء برأسي إيماء. فلما انتهيت إليه قال: من الرجل قلت: رجل من العرب سمع بك وبجمعك لهذا الرجل، فجاء لذلك. قال: أجل نحن في ذلك. فمشيت معه حتى إذا أمكنني حملت عليه بالسيف فقتلته، ثم خرجت وتركت ظعائنة مكبات عليه. فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أفلح الوجه. قلت: قد قتلته يا رسول الله.) قال: صدقت. ثم قام بي فدخل بيته فأعطاني عصاً، فقال: (2/346)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 347 امسك هذه عندك. فخرجت بها على الناس. فقالوا: ما هذه العصا فقلت: أعطانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمرني أن أمسكها عندي. قالوا: أفلا ترجع فتسأله فرجعت فسألته: لم أعطيتنيها يا رسول الله قال: آية بيني وبينك يوم القيامة، إن أقل الناس المتخصرون يومئذ. قال: فقرنها عبد الله بسيفه فلم تزل معه، حتى إذا مات أمر بها فضمت معه في كفنه، فدفنا جميعاً. رواه عبد الوارث بن سعيد، عن ابن إسحاق فقال: إلى خالد بن سفيان الهذلي. وقال موسى بن عقبة: بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سفيان بن عبد الله بن أبي نبيح الهذلي. (2/347)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 348 (2/348)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 349 (غزوة بني المصطلق وهي المريسع) قال ابن إسحاق: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بني المصطلق من خزاعة، في شعبان سنة ست. كذا قال ابن إسحاق. وقال ابن شهاب وعروة: هي في شعبان سنة خمس. وكذلك يروى عن قتادة. وقاله أيضاً الواقدي، فقال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لليلتين خلتا من شعبان سنة خمس، وقدم المدينة لهلال رمضان. قلت: وفيها حديث الإفك، وقد تقدم ذلك في سنة خمس. وهو الصحيح. (2/349)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 350 (سيرة نجد) قيل إنها كانت في المحرم سنة ست، قال الليث بن سعد: حدثني سعيد المقبري أنه سمع أبا هريرة يقول: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلاً قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما عندك قال: عندي يا محمد خير، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت. فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى كان من الغد، فقال: ما عندك يا ثمامة قال: عندي ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت. فقال: أطلقوه. فانطلق إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. يا محمد، والله ما كان على وجه الأرض أبغض إلي من) وجهك، وقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي. والله ما كان دين أبغض إلي من دينك، فأصبح دينك أحب الدين كله إلي. والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إلي وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يعتمر. فلما قدم مكة قال له قائل: صبوت يا ثمامة. قال: لا، ولكني أسلمت، فوالله لا يأتيكم من اليمامة حبة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. متفق عليه. (2/350)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 351 وأيضاً من حديث عبد الحميد بن جعفر عن المقبري، به. وخالفهما محمد بن إسحاق، فيما روى يونس بن بكير عنه: حدثني سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: كان إسلام ثمامة بن أثال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الله حين عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم بما عرض له وهو مشرك، فأراد قتله، فأقبل معتمراً حتى دخل المدينة، فتحير فيها حتى أخذ، فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر به فربط إلى عمود من عمود من عمد المسجد. وفيه: وإن تسأل مالاً تعطه. قال أبو هريرة: فجعلنا نحن المساكين نقول: ما نصنع بدم ثمامة والله لأكلة من جزور سمينة من فدائه أحب إلينا من دمه. قلت: وهذا يدل على أن إسلام ثمامة كان بعد إسلام أبي هريرة، وهو في سنة سبع. فذكر الحديث، وفيه: فانصرف من مكة إلى اليمامة، ومنع الحمل إلى مكة حتى جهدت قريش، فكتبوا إلى رسول الله يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة يخلي لهم حمل الطعام. وكانت اليمامة ريف مكة. قال: فأذن النبي صلى الله عليه وسلم. وفيها: كان من السرايا، على ما زعم الواقدي: (2/351)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 352 (سرية عكاشة إلى الغمر) قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول أو الآخر عكاشة بن محصن في أربعين رجلاً إلى الغمر. وفيهم ثابت بن أقرم وشجاع بن وهب. فأسرعوا، ونذر بهم القوم وهربوا. فنزل عكاشة على مياههم وبعث الطلائع فأصابوا من دلهم على بعض ماشيتهم، فوجدوا مائتي بعير، فساقوها إلى المدينة. (سرية أبي عبيدة إلى ذي القصة) ) قال: وفيها بعث سرية أبي عبيدة إلى ذي القصة، في أربعين رجلاً، فساروا ليلهم مشاة ووافوا ذا القصة مع عماية الصبح. فأغار عليهم وأعجزهم هرباً في الجبال. وأصابوا رجلاً فأسلم. (2/352)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 353 (سرية محمد بن مسلمة إلى ذي القصة) وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة في عشرة، فكمن القوم لهم حتى نام هو وأصحابه، فما شعروا إلا بالقوم. فقتل أصحاب محمد، وأفلت هو جريحاً. (سرية زيد بن حارثة إلى الجموم) قال: وفيها كانت سرية زيد بن حارثة إلى بني سليم بالجموم. فأصاب امرأة من مزينة، يقال لها: حليمة، فدلتهم على مكان فأصابوا مواشي وأسراء منهم زوجها. فوهبها النبي صلى الله عليه وسلم نفسها وزوجها. (سرية زيد بن حارثة إلى الطرف) وفيها سرية زيد بن حارثة إلى الطرف إلى بني ثعلبة في خمسة (2/353)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 354 عشر رجلاً. فهربت الأعراب وخافوا، فأصاب من نعمهم عشرين بعيراً. وغاب أربع ليال. (سرية زيد بن حارثة إلى العيص) وفيها كانت سرية زيد بن حارثة إلى العيص في جمادى الأول وأخذت الأموال التي كانت مع أبي العاص، فاستجار بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجارته. (سرية زيد بن حارثة إلى حسمي) وحدثني موسى بن محمد بن إبراهيم، عن أبيه قال: أقبل دحية الكلبي من عند قيصر، قد أجازه بمال. فأقبل حتى كان بحسمي، فلقيه ناس من جذام، فقطعوا عليه الطريق وسلبوه. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخل بيته فأخبره. فبعث زيد بن حارثة إلى حسمي وهي وراء وادي القرى وكانت في جمادى الآخرة. (2/354)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 355 (سرية زيد إلى وادي القرى) ثم سرية زيد إلى وادي القرى في رجب. (سرية علي بن أبي طالب إلى فدك) علي بن أبي طالب إلى بني سعد بن بكر بفدك ثم قال: وحدثني عبد الله بن جعفر، عن يعقوب بن عتبة قال: خرج علي رضي الله عنه في مائة إلى فدك إلى حي من بني سعد بن بكر. ذلك) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه عنهم أن لهم جمعاً يريدون أن يمدوا يهود خيبر. فسار إليهم الليل وكمن النهار، وأصاب عيناً فأقر له أنه بعث إلى خيبر يعرض عليهم نصرهم على أن يجعلوا لهم تمر خيبر. قال الواقدي: وذلك في شعبان. (سرية عبد الرحمن الي دومة الجندل) قال الواقدي: وفيها سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل في شعبان. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أطاعوا فتزوج ابنة ملكهم. فأسلم (2/355)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 356 القوم، وتزوج عبد الرحمن تماضر بنت الأصبغ والدة أبي سلمة، وكان أبوها ملكهم. (سرية كرز إلى العرنيين) وفي شوال كانت سرية كرز بن جابر الفهري إلى العرنيين الذي قتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستاقوا الإبل. فبعثه في عشرين فارساً وراءهم. وقال ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس: أن رهطاً من عكل وعرينة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا أناس من أهل ضرع، ولم نكن أهل ريف، فاستوخمنا المدينة. فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود وراع، وأمرهم أن يخرجوا فيها فيشربوا من أبوالها وألبانها. فانطلقوا حتى إذا كانوا في ناحية الحرة قتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستاقوا الذود، وكفروا بعد إسلامهم. فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في طلبهم، فأمر فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعنيهم، وتركهم في ناحية الحرة حتى ماتوا وهم كذلك. قال قتادة: فذكر لنا أن هذه الآية نزلت فيهم: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الآية. قال قتادة: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان (2/356)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 357 يحث في خطبته بعد ذلك على الصدقة وينهى عن المثلة. متفق عليه. وفي بعض طرقه: من عكل، أو عرينة. رواه شعبة، وهمام، وغيرهما، عن قتادة فقال: من عرينة من غير شك. وكذلك قال حميد، وثابت، وعبد العزيز بن صهيب، عن أنس. وقال زهير: سماك بن حرب، عن معاوية بن قرة، عن أنس: إن نفراً من عرينة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه، وقد وقع في المدينة الموم وهو البرسام فقالوا: هذا الوجع قد) وقع يا رسول الله، فلو أذنت لنا فرحنا إلى الإبل. قال: فاخرجوا وكونوا فيها. فخرجوا، فقتلوا أحد الراعيين وذهبوا بالإبل. وجاء الآخر وقد جرح، قال: قد قتلوا صاحبي وذهبوا بالإبل. وعنده شبان من الأنصار قريب من عشرين، فأرسلهم إليهم وبعث معهم قائفاً يقتص أثرهم. فأتى بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم. أخرجه مسلم. وقال أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس قال: قدم رهط من عكل فأسلموا فاجتووا المدينة، فذكره، وفيه: فلم ترتفع الشمس حتى أتي بهم، (2/357)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 358 فأمر بمسامير فأحميت لهم، فكواهم وقطع أيديهم وأرجلهم، ولم يحسمهم وألقاهم في الحرة يستسقون فلا يسقون حتى ماتوا. أخرجه البخاري. (إسلام أبي العاص مبسوطاً) أسلم أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف ابن قصي العبشمي، ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنته زينب، أم أمامة، في وسط سنة ست. واسمه لقيط، قاله ابن معين والفلاس. وقال ابن سعد: اسمه مقسم وأمه هالة بنت خويلد خالة زوجته، فهما أبناء خالة. تزوج بها قبل المبعث، فولدت له علياً فمات طفلاً، وأمامة التي صلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو حاملها وهي التي تزوجها علي بعد موت خالتها فاطمة رضي الله عنها وكان أبو العاص يدعى جرو البطحاء، وأسر يوم بدر، وكانت زينب بمكة. قال يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة، (2/358)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 359 قالت: فبعثت في فدائه بمال منه قلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم القلادة رق لها وقال: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها فافعلوا. ففعلوا. فأخذ عليه عهداً أن يخلي زينب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سراً. وقال ابن إسحاق: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلاً من الأنصار، فقال: كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب. وذلك بعد بدر بشهر. قال: وكان أبو العاص من رجال قريش المعدودين مالاً وأمانة وتجارة. وكان الإسلام قد فرق بينه وبين زينب، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقدر أن يفرق بينهما. قال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال: خرج أبو العاص تاجراً إلى الشام، وكان رجلاً مأموناً. فكانت معه بضائع لقريش. فأقبل فلقيته سرية للنبي صلى الله عليه وسلم، فاستاقوا عيره وهرب. وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أصابوا) فقسمه بينهم. وأتى أبو العاص حتى دخل على زينب فاستجار بها، وسألها أن تطلب له من رسول الله صلى الله عليه وسلم رد ماله عليه. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم السرية فقال لهم: إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم. وقد أصبتم له مالاً ولغيره ممن كان معه، وهو فيء، فإن رأيتم أن تردوا عليه فافعلوا، وإن كرهتم فأنتم وحقكم: قالوا: بل نرده عليه. فردوا (2/359)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 360 والله عليه ما أصابوا، حتى إن الرجل ليأتي بالشنة، والرجل بالإداوة وبالجبل. ثم خرج حتى قدم مكة، فأدى إلى الناس بضائعهم. حتى إذا فرغ قال: يا معشر قريش، هل بقي لأحد منكم معي مال قالوا: لا فجزاك الله خيراً. فقال أما والله ما معنى أن أسلم قبل أن أقدم عليكم إلا تخوفاً أن تظنوا أني إنما أسلمت لأذهب بأموالكم. فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله. وأما موسى بن عقبة فذكر أن أموال أبي العاص إنما أخذها أبو بصير في الهدنة بعد هذا التاريخ. وقال ابن نمير، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، قال قدم أبو العاص من الشام ومعه أموال المشركين. وقد أسلمت امرأته زينب وهاجرت. فقيل له: هل لك أن تسلم وتأخذ هذه الأموال التي معك فقال: بئس ما أبدأ به إسلامي أن أخون أمانتي. وكفلت عنه امرأته أن يرجع فيؤدي إلى كل ذي حق حقه فيرجع ويسلم. ففعل. وما فرق بينهما، يعني النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن لهيعة عن موسى بن جبير الأنصاري، عن عراك بن مالك، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أم سلمة أن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليها زوجها أبو العاص أن خذي لي أماناً من أبيك. فأطلعت رأسها من باب (2/360)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 361 حجرتها، والنبي صلى الله عليه وسلم في الصبح، فقالت: أيها الناس أنا زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني قد أجرت أبا العاص. فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة قال: أيها الناس إني لا علم لي بهذا حتى سمعتموه، ألا وإنه يجير على الناس أدناهم. وقال ابن إسحاق عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: رد النبي صلى الله عليه وسلم ابنته على أبي العاص على النكاح الأول بعد ست سنين. وقال حجاج بن أرطاة، عن محمد بن عبيد الله العرزمي وهو ضعيف، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردها بمهر جديد ونكاح جديد.) قال الإمام أحمد: هذا حديث ضعيف، والصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرها على النكاح الأول. وقال ابن إسحاق: ثم إن أبا العاص رجع إلى مكة مسلماً، فلم يشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم مشهداً. ثم قدم المدينة بعد ذلك، فتوفي في آخر سنة اثنتي عشرة. (سرية عبد الله بن رواحة) إلى أسير بن زارم في شوال قيل إن سلام بن أبي الحقيق لما قتل أمرت يهود عليهم أسير بن رازم (2/361)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 362 فسار في غطفان وغيرهم يجمعهم لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن رواحة في ثلاثة سراً، فسأل عن خبره وغرته فأخبر بذلك. فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره. فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين رجلاً، فبعث عليهم ابن رواحة. فقدموا على أسير فقالوا: نحن آمنون نعرض عليك ما جئنا له قال: نعم، ولي منكم مثل ذلك. فقالوا: نعم. فقالوا: إن رسول اله صلى الله عليه وسلم بعثنا إليك لتخرج إليه فيستعملك على خيبر ويحسن إليك. فطمع في ذلك فخرج، وخرج معه ثلاثون من اليهود، مع كل رجل رديف من المسلمين. حتى إذا كانوا بقرقرة ثبار ندم أسير فقال عبد الله بن أنيس وكان في السرية: وأهوى بيده إلى سيفي ففطنت له ودفعت بعير وقلت: غدراً، أي عدو الله. فعل ذلك مرتين. فنزلت فسقت بالقوم حتى انفردت إلى أسير فضربته بالسيف فأندرت عامة فخذه، فسقط وبيده مخرش فضربني فشجني مأمومة، وملنا على أصحابه فقتلناهم، وهرب منهم رجل. فقدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لقد نجاكم الله من القوم الظالمين. (2/362)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 363 (قصة غزوة الحديبة) وهي على تسعة أميال من مكة خرج إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة سنة ست. قاله نافع، وقتادة، والزهري، وابن إسحاق، وغيرهم. وعروة في مغازيه، رواية أبي الأسود. وتفرد علي بن مسهر، عن هشام، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الحديبية في رمضان. وكانت الحديبية في شوال.) وفي الصحيحين عن هدبة، عن همام، ثنا قتادة، أن أنساً أخبره أن نبي الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة، إلا العمرة التي مع حجته: عمرة الحديبية في ذي القعدة، وعمرة من العام المقبل، وعمرة من الجعرانة، حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة، وعمرة مع حجته. (2/363)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 364 وقال الزهري، عن عروة، عن المسور بن مخرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه، فلما كان بذي الحليفة قلد الهدي وأشعره وأحرم منها. أخرجه البخاري. وقال شعبة، عن عمرو بن مرة حدثني عبد الله بن أبي أوفى وكان قد شهد بيعة الرضوان قال: كنا يومئذ ألفاً وثلاثمائة. وكانت أسلم يومئذ ثمن المهاجرين. أخرجه مسلم. وعلقه البخاري في صحيحه. وقال حصين بن عبد الرحمن، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة. متفق عليه. وخالفه الأعمش، عن سالم عن جابر، قال: كنا أربع عشرة مائة، أصحاب الشجرة. اتفقا أيضاً عليه. وكان جابراً قال ذلك على التقريب. ولعلهم كانوا أربع عشرة مائة كاملة تزيد عدداً لم يعتبره، أو خمس عشرة مائة تنقص عدداً لم يعتبره. والعرب (2/364)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 365 تفعل هذا كثيراً، كما تراهم قد اختلفوا في سن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعتبروا تارة السنة التي ولد فيها والتي توفي فيها فأدخلوهما في العدد. واعتبروا تارة السنين الكاملة وسكتوا عن الشهور الفاضلة. ويبين هذا أن قتادة قال: قلت لسعيد بن المسيب: كم كان الذين شهدوا بيعة الرضوان قال: خمس عشرة مائة. قلت: إن جابراً قال: كانوا أربع عشرة مائة. قال: يرحمه الله، وهم. هو حدثني أنهم كانوا خمس عشرة مائة. أخرجه البخاري. وقال عمرو بن دينار: سمعت جابر بن عبد الله يقول: كنا يوم الحديبية ألفاً وأربعمائة. فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتم خير أهل الأرض. أتفقا عليه من حديث ابن عيينة. وقال الليث، عن أبي الزبير، عن جابر: كنا يوم الحديبية ألفاً وأربعمائة. صحيح. وقال الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر: نحرنا عام الحديبية سبعين بدنة، البدنة عن سبعة.) قلنا لجابر: كم كنتم يومئذ قال: ألفاً وأربعمائة بخيلنا ورجلنا. وكذلك قاله البراء بن عازب، ومعقل بن يسار، وسلمة بن الأكوع، في أصح الروايتين. والمسيب بن حزم، من رواية قتادة، عن سعيد، عن أبيه. (2/365)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 366 وقال معمر، عن الزهري، عن عروة، عن المسور، ومروان بن الحكم، يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه، قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه. حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدي وأشعره، وأحرم بالعمرة. وبعث بين يديه عيناً له من خزاعة يخبره عن قريش. وسار حتى إذا كان بغدير الأشطاط قريباً من عسفان أتاه عينه الخزاعي فقال: إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي قد جمعوا لك جموعاً، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أشيروا علي. أترون أن نميل إلى ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم فإن قعدوا قعدوا موتورين وإن لجوا تكن عنقاً قطعها الله. أم ترون أن نؤم البيت فيمن صدنا عنه قاتلناه قال أبو بكر: الله ورسوله أعلم، إنما جئنا معتمرين ولم نجيء لقتال أحد، ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه. قال: فروحوا إذاً. قال الزهري في الحديث: فراحوا، حتى إذا كانوا ببعض الطريق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين. فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة الجيش، فانطلق يركض نذيراً لقريش. وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت راحلته فقال الناس: حل حل، فألحت، فقالوا: خلأت (2/366)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 367 القصواء خلأت القصواء. قال: فروحوا إذاً. قال الزهري: قال أبو هريرة: ما رأيت أحداً كان أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال المسور ومروان في حديثهما: فراحوا، حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقري رجع الحديث إلى موضعه قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل. ثم قال: والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها. ثم زجرها فوثبت به. قال: فعدل حتى نزل بأقصى الحديبة على ثمد قليل الماء، نما يتبرضه الناس) تبرضاً، فلم يلبثه الناس أن نزحوه، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش. فانتزع سهماً من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله مازال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه. فبينما هم كذلك إذ جاءه بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة، وكانوا عيبة نصح لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تهامة. فقال: إني تركت كعب ابن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبة، معهم العوذ (2/367)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 368 المطافيل، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لم نجيء لقتال أحد ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشاً قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم فإن شاءوا ماددتهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس، وإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل في الناس فعلوا، ولا فقد جموا، وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي أو لينفذن الله أمره. فقال بديل: سأبلغهم ما تقول. فانطلق حتى أتى قريشاً فقال: إنا قد جئناكم من عند هذا الرجل وسمعناه يقول قولاً، فإن شئتم نعرضهم عليكم فعلنا، فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا في أن تحدثنا عنه بشيء. وقال ذوو الرأي منهم: هات ما سمعته. قال: سمعته يقول كذا وكذا. فحدثهم بما قال النبي صلى الله عليه وسلم. فقام عروة بن مسعود الثقفي فقال: أي قوم ألستم بالوالد قالوا: بلى. قال: ألست بالولد قالوا: بلى. قال: هل تتهموني قالوا: لا. قال: ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني قالوا: بلى. قال: فإن هذا قد عرض عليكم خطة رشد، فاقبلوها ودعوني آته. قالوا: ائته. فأتاه فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال نحواً من قوله لبديل. فقال: أي محمد أرأيت إن استأصلت قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك وإن تكن الأخرى (2/368)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 369 فوالله إني لأرى وجوهاً وأرى أوباشاً من الناس خلقاً أن يفروا ويدعوك. فقال له أبو بكر رضي الله عنه: أمصص بظر اللات. أنحن نفر عنه وندعه قال: من ذا قال أبو بكر. قال: والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك. قال: وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم، كلما كلمه أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه السيف وعليه المغفر، فكلما أهوى عروة إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم، ضرب يده بنعل السيف وقال: أخر يدك. فرفع رأسه فقال: من هذا قالوا: المغيرة بن شعبة. فقال: أي غدر، أو لست أسعى في غدرتك قال: وكان المغيرة صحب قوماً في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما) الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء. ثم إن عروة جعل يرمق صحابة النبي صلى الله عليه وسلم فوالله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم يدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم بأمر ابتدروه، وإذا توضأ ثاروا يقتتلون على (2/369)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 370 وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يجدون إليه النظر تعظيماً له. فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك وفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، ولا يجدون إليه النظر تعظيماً له، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها. فقال رجل من بني كنانة: دعوني أته. فقالوا: ائته. فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن، فابعثوها له. فبعثت له. واستقبله القوم يلبون. فلما رأى ذلك قال: سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت، فلما رجع إلى أصحابه قال: رأيت البدن قد قلدت وأشعرت، فما أرى أن يصدوا عن البيت. فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص فقال: دعوني آته. فقالوا: ائته. فلما أشرف عليهم قال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا مكرز وهو رجل فاجر. فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم. فبينا هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو. قال معمر: وأخبرني أيوب، عن عكرمة أنه قال: لما جاء سهيل قال النبي صلى الله عليه وسلم: سهل لكم من أمركم. قال الزهري في حديثه: فجاء سيهل بن عمرو فقال: هات اكتب بيننا وبينك كتاباً. فدعا الكاتب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم. فقال سهيل: أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو، ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب. فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اكتب باسمك اللهم ثم قال: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله. فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن أكتب محمد بن (2/370)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 371 عبد الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لرسول الله وإن كذبتموني، أكتب محمد بن عبد الله. قال الزهري: وذلك لقوله لا يسألون خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها.) فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف. فقال: والله لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة، ولكن ذلك من العام المقبل. فكتب. فقال سهيل: على أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا. فقال المسلمون: سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلماً فبينما هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده قد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين. فقال سهيل: وهذا أول ما أقاضيك عليه أن ترده. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنا لم نقض الكتاب بعد. قال: فوالله إذاً لا نصالحك على شيء أبداً. قال النبي صلى الله عليه وسلم: فأجره لي. قال: ما أنا بمجيره لك. قال: بل، فافعل قال: ما أنا بفاعل. قال مكرز: بلى قد أجرناه. قال أبو جندل: يا معاشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلماً، ألا ترون ما قد لقيت وكان قد عذب عذاباً شديداً في الله. فقال عمر: والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، ألست نبي الله قال: بلى قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل قال: بلى قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً قال: إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري. قلت: أولست (2/371)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 372 كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف حقاً قال: بلى، أفأخبرتك أنك تأتيه العام قلت: لا. قال: فإنك آتيه ومطوف به. قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقاً قال: بلى. قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل قال: بلى. قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً قال: أيها الرجل إنه رسول الله وليس يعصي الله وهو ناصره، فاستمسك بغرزه حتى تموت. فوالله إنه لعلى الحق. قلت: أو ليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به قال: بلى فأخبرك أنك تأتيه العام قلت: لا. قال: فإنك آتيه ومطوف به. قال: الزهري. قال عمر: فعلمت لذلك أعمالاً. فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا فانحروا ثم احلقوا. قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ثلاث مرات. فلما لم يقم منهم أحد، قام فدخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس. فقالت: يا نبي الله أتحب ذلك أخرج ثم لا تكلم أحداً كلمة حتى تنحر بدنك، ثم تدعو بحالقك فيحلقك. فقام فخرج فلم يكلم أحداً حتى فعل ذلك. فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً. ثم جاء نسوة) مؤمنات، وأنزل الله: إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن حتى بلغ ولا تمسكوا بعصم (2/372)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 373 الكوافر. فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له من الشرك، فتزوج إحداهما معاوية، والأخرى صفوان بن أمية. ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فجاءه أبو بصير، رجل من قريش، وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا: العهد الذي جعلت لنا. فدفعه إلى الرجلين، فخرجا به حتى بلغا به ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم. فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا جيداً جداً فاستله الأخر فقال: أجل والله إنه لجيد لقد جربت به ثم جربت. فقال أبو بصير: أرني إليه. فأمكنه منه فضربه حتى برد. وفر الآخر حتى بلغ المدينة فدخل المسجد يعدو، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: قتل والله صاحبي وإني لمقتول. قال: فجاء أبو بصير فقال: يا نبي الله قد أوفى الله ذمتك، والله قد رددتني إليهم ثم أنجاني الله بسيفهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد. فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم. فخرج حتى أتى سيف البحر. وينفلت منه أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير، فلا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة. (2/373)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 374 قال: فوالله لا يسمعون بعير لقريش خرجت إلى الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم. فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم لما أرسل إليهم، فمن أتاه منهم فهو آمن. فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم فأنزل: وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم حتى بلغ حمية الجاهلية. وكانت حميتهم أنهم لم يقروا بنبي الله ولم يقروا ببسم الرحمن الرحيم، وحالوا بينهم وبين الموت. أخرجه البخاري، عن المسندي، عن عبد الرزاق، عن معمر، بطوله. وقال قرة، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من يصعد الثنية، ثنية المرار، فإنه يحط عنه ما حط عن بني إسرائيل. فكان أول من صعد خيل بني الخزرج. ثم تبادر الناس بعد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلكم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر. فقلنا: تعال يستغفر لك رسول الله. قال: والله لأن أجد ضالتي أحب إلي من أن يستغفر لي صاحبكم. وإذا هو رجل ينشد ضالة. أخرجه مسلم.) وقال عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحاً، ونحن نعد (2/374)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 375 الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبة. كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم أربع عشرة مائة، والحديبية بئر، فنزحناها فما تركنا فيها قطرة. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاها فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء منها فتوضأ ثم تمضمض ودعا ثم صبه فيها فتركها غير بعيد، ثم إنها أصدرتنا نحن وركابنا. أخرجه خ. وقال عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه قال: قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديبية، ونحن أربع عشرة ومائة، وعليها خمسون شاة ما ترويها. فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على جباها، فإما دعا وإما بزق فيها فجاشت فسقتنا وأسقينا. أخرجه مسلم. وقال البكائي: قال ابن إسحاق: حدثني الزهري، عن عروة، عن مسور، ومروان بن الحكم أنهما قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية يريد زيارة البيت، لا يريد قتالاً. وساق معه للهدي سبعين بدنة، وكان الناس سبعمائة رجل، فكانت كل بدنة عن عشرة نفر. قال ابن إسحاق: وكان جابر بن عبد الله فيما بلغني يقول: كنا أصحاب الحديبية أربع عشرة مائة. قلت: قد ذكرنا عن جماعة من الصحابة كقول جابر. (2/375)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 376 ثم ساق ابن إسحاق، حديث الزهري بطوله، وفيه ألفاظ غريبة، منها: وجعل عروة بن مسعود يكلم النبي صلى الله عليه وسلم، والمغيرة واقف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديد. قال: فجعل يقرع يد عروة إذا تناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: أكفف يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن لا تصل إليك. فيقول عروة: ويحك ما أفظك وأغلظك. قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عروة: من هذا يا محمد قال: هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة. قال: أي غدر، وهل غسلت سوءتك إلا بالأمس. قال ابن هشام: أراد عروة بقوله هذا أن المغيرة قبل إسلامه قتل ثلاثة عشرة دية، وأصلح الأمر. وقال ابن لهيعة: ثنا أبو الأسود، قال عروة: وخرجت قريش من مكة، فسبقوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى بلدح وإلى الماء، فنزلوا عليه، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد) سبق نزل على الحديبية، وذلك في حر شديد وليس بها إلا بئر واحدة، فأشفق القوم من الظمأ وهم كثير، فنزل فيها رجال يمتحونها، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدلو من ماء فتوضأ في الدلو ومضمض فاه ثم (2/376)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 377 مج فيه، وأمر أن يصب في البئر، ونزع سهماً من كنانته فألقاه في البئر ودعا الله تعالى، ففارت بالماء حتى جعلوا يغترفون بأيديهم منها، وهم جلوس على شفتها. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم سلك على غير الطريق التي بلغه أن قريشاً بها. قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن أبي بكر، أن رجلاً من أسلم قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فسلك بهم طريقاً وعراً أجرل بين شعاب، فلما خرجوا منه وقد شق ذلك على المسلمين، وأفضوا إلى أرض سهلة عند منقطع الوادي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا: أستغفر الله ونتوب إليه فقالوا ذلك. فقال: والله إنها للحطة التي عرضت على بني إسرايئل فلم يقولوها. قال عبد الملك بن هشام: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال: اسلكوا ذات اليمين بين ظهري المحمص في طريق تخرجه على ثنية المرار، مهبط الحديبية من أسفل مكة فلما رأت قريش قترة الجيش قد خالفوا عن طريقهم ركضوا راجعين إلى قريش. وقال شعبة، وغيره، عن حصين، عن سالم بن أبي الجعد قال: قلت لجابر: كم كنتم يوم الشجرة قال: كنا ألفاً وخمس مائة: وذكر عطشاً (2/377)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 378 أصابهم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء في تور فوضع يده فيه، فجعل الماء يخرج من بين أصابعه كأنه العيون، فشربنا ووسعنا وكفانا، ولو كنا مائة ألف لكفانا. وقد أخرجه البخاري من وجه آخر عن حصين. وقال أبو عوانة، عن الأسود بن قيس، عن نبيح العنزي قال: قال جابر ابن عبد الله: غزونا أو سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن يومئذ أربع عشرة مائة، فحضرت الصلاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل في القوم من طهور فجاء رجل يسعى بإداوة فيها شيء من ماء ليس في القوم ماء غيره، فصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قدح ثم توضأ، ثم انصرف وترك القدح. قال: فركب الناس ذلك القدح وقالوا: تمسحوا تمسحوا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: على رسلكم، حين سمعهم يقولون ذلك. قال: فوضع كفه في) الماء والقدح وقال: سبحان الله. ثم قال: أسبغو الوضوء. فوالذي ابتلاني ببصري لقد رأيت العيون عيون الماء تخرج من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يرفعها حتى توضأوا أجمعون. رواه مسدد عنه. وقال عكرمة بن عمار العجلي، ثنا إياس بن سلمة، عن أبيه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة، فأصابنا جهد، حتى هممنا أن ننحر بعض ظهرنا. فأمر نبي الله صلى الله عليه وسلم فجمعنا مزاودنا فبسطنا له نطعاً، فاجتمع زاد القوم على النطع. فتطاولت لأحزركم هو فحزرته كربضة العنز ونحن (2/378)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 379 أربع عشرة مائة. قال: فأكلنا حتى شبعنا جميعاً ثم حشونا جربنا. ثم قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: هل من وضوء فجاء رجل بإداوة له، فهيا نطفة فأفرغها في قدح. فتوضأنا كلنا، ندغفقه دغفقة، أربع عشرة مائة. قال: ثم جاء بعد ذلك ثمانية فقالوا: هل من طهور فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فرغ الوضوء. أخرجه مسلم. وقال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قال: قال ابن عباس: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية كلمه بعض أصحابه فقالوا: جهدنا وفي الناس ظهر فأنحره. فقال عمر: لا تفعل يا رسول الله فإن الناس إن يكن معهم بقية ظهر أمثل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابسطوا أنطاعكم وعباءكم. ففعلوا. ثم قال: من كان عنده بقية من زاد وطعام فلينثره. ودعا لهم ثم قال: قربوا أوعيتكم. فأخذوا ما شاء الله. يحدثه نافع بن جبير. وقال يحيى بن سليم الطائفي، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن أبي الطفيل، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل مر الظهران في صلح قريش قال أصحابه: لو انتحرنا يا رسول الله من ظهورنا فأكلنا من لحومها وشحومها وحسونا من المرق أصبحنا غداً إذا عدونا عليهم وبنا جمام. قال: لا، ولكن ائتوني بما فضل من أزوادكم. فبسطوا أنطاعاً ثم صبوا عليها فضول أزوادهم. فدعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة، فأكلوا حتى تضلعوا شبعاً، ثم لففوا فضول ما فضل من أزوادهم في جربهم. (2/379)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 380 وقال مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحانت صلاة العصر والتمسوا الوضوء، فلم يجدوه. فأتي بوضوء، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في ذلك الإناء وأمر الناس أن يتوضأوا منه. قال: فرأيت الماء ينبع) من تحت أصابعه. فتوضأ الناس حتى توضأوا من عند آخرهم. متفق عليه. وقال حماد بن زيد: ثنا ثابت، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بماء فأتي بقدح رحراح فجعل القوم يتوضأون. فحزرت ما بين السبعين إلى الثمانين من توضأ منه، فجعلت أنظر إلى الماء ينبع من بين أصابعه. متفق عليه. وقال عبد الله بن بكر: نا حميد عن أنس قال: حضرت الصلاة، فقام من كان قريب الدار إلى أهله يتوضأ وبقي قوم. فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بمخضب من حجارة فيه ماء، فصغر المخضب أن يبسط فيه كفه فتوضأ القوم. قلنا: كم هم قال: ثمانون وزيادة. أخرجه البخاري. وجاء أنهم كانوا بقباء. (2/380)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 381 وقال ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بالزوراء مع أصحابه يتوضأون. فوضع كفه في الماء، فجعل الماء ينبع من بين أصابعه حتى توضأوا. فقلنا لأنس: كم كنتم قال: زهاء ثلاث مائة. أخرجه مسلم، والبخاري أيضاً بمعناه، والزوراء بالمدينة عند السوق والمسجد. وقال أبو عبيد الرحمن المقري: ثنا عبد الرحمن بن زياد، حدثني زياد ابن نعيم الحضرمي، سمعت زياد بن الحارث الصدائي قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر حديثاً طويلاً منه: فوضع كفه صلى الله عليه وسلم في الماء فرأيت بين أصبعين من أصابعه عيناً تفور. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا أن استحيي من ربي لسقينا واستقينا. عبد الرحمن ضعيف. وهذه الأحاديث تدل على البركة في الماء غير مرة. وقال إسرائيل، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله (2/381)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 382 قال: كنا نأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نسمع تسبيح الطعام. وأتي بإناء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم. فقال: حي على الطهور المبارك والبركة من الله. حتى توضأنا كلنا. أخرجه البخاري. وقال أبو كدينة، عن عطاء بن السائب، عن أبي الضحى، عن ابن عباس قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء من ماء، فجعل أصابعه في فم الإناء وفتح أصابعه، فرأيت العيون تنبع من بين أصابعه. وذكر الحديث. إسناده جيد.) وقال ابن لهيعة: ثنا أبو الأسود قال: قال عروة في نزوله صلى الله عليه وسلم بالحديبية: فزعت قريش لنزوله عليهم، فأحب أن يبعث إليهم رجلاً. فدعا عمر ليبعثه فقال: إني لا أمنه، وليس بمكة أحد من بني كعب يغضب لي، فأرسل عثمان فإن عشيرته بها. فدعا عثمان فأرسله وقال: أخبرهم أنا لم نأت لقتال، وادعهم إلى الإسلام. وأمره أن يأتي رجالاً بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات فيدخل عليهم ويبشرهم بالفتح. فانطلق عثمان فمر على قريش ببلدح. فقالت قريش: إلى أين فقال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم لأدعوكم إلى الإسلام، ويخبركم أنا لم نأت لقتال وإنما جئنا عماراً. فدعاهم عثمان كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالوا: قد سمعنا ما تقول فانفذ لحاجتك. وقام إليه أبان بن سعيد بن العاص فرحب به وأسرج فرسه، فحمل عليه عثمان فأجاره، وردفه أبان حتى جاء مكة. ثم إن قريشاً بعثوا بديل بن ورقاء فذكر الحديث والصلح. وذكر أنهم أمن بعضهم بعضاً وتزاوروا. فبينا هم كذلك، وطوائف من المسلمين في المشركين، إذ رمى رجل رجلاً (2/382)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 383 من الفريق الآخر. فكانت معاركة، وتراموا بالنبل والحجارة. وصاح الفريقان وارتهن كل واحد من الفريقين من فيهم، فارتهن المسلمون سهيل بن عمرو وغيره، وارتهن المشركون عثمان وغيره. ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيعة. ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا إن القدس قد نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت الشجرة، فبايعوه على أن لا يفروا أبداً. فذكر القصة بطولها، وفيها: فقال المسلمون وهم بالحديبية قبل أن يرجع عثمان بن عفان: خلص عثمان من بيننا إلى البيت فطاف به. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أظنه طاف بالبيت ونحن محصورون. قالوا: وما يمنعه يا رسول الله وقد خلص قال: ذلك ظني به أن لا يطوف بالكعبة حتى يطوف معنا. فرجع إليهم عثمان، فقال المسلمون: اشتفيت يا أبا عبد الله من الطواف بالبيت فقال: بئس ما ظننتم بي، فوالذي نفسي بيده لو مكثت بها مقيماً سنة ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقيم بالحديبية ما طفت بها حتى يطوف بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد دعتني قريش إلى الطواف بالبيت فأبيت. وقال البكائي، عن ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين بلغه أن عثمان قد قتل: لا نبرح حتى نناجز القوم. فدعا الناس إلى البيعة. فكانت بيعة) الرضوان تحت الشجرة. فكان الناس يقولون: بايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت، وكان جابر يقول: لم يبايعنا على الموت ولكن بايعنا على أن لا نفر. (2/383)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 384 وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني بعض آل عثمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب بإحدى يديه على الأخرى وقال: هذه لي وهذه لعثمان إن كان حياً. ثم بلغهم أن ذلك باطل، ورجع عثمان، ولم يتخلف عن بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد إلا الجد بن قيس أخو بني سلمة. قال جابر: والله لكأني أنظر إليه لاصقاً بإبط ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد ضبأ إليها يستتر بها من الناس. وقال الحسن بن بشر البجلي: ثنا الحكم بن عبد الملك وليس بالقوي قاله النسائي عن قتادة، عن أنس قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيعة الرضوان كان عثمان قد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة. فبايع الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عثمان في حاجة الله ورسوله. فضرب بإحدى يديه على الأخرى فكانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان خيراً من أيديهم لأنفسهم. وقال ابن عيينة: ثنا الزبير، سمع جابراً يقول: لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة وجدنا رجلاً منا يقال له الجد بن قيس مختبئاً تحت إبط بعير. أخرجه مسلم من حديث ابن جريج، عن أبي الزبير. وبه: قال لم نبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الموت، ولكن بايعناه على أن لا نفر. أخرجه مسلم عن أبي شيبة، عن ابن عيينة. وأخرجه من حديث الليث، عن أبي الزبير، وقال: فبايعناه وعمر رضي الله عنه آخذ بيده تحت الشجرة، وهي سمرة. (2/384)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 385 وقال خالد الحذاء، عن الحكم بن عبد الله الأعرج، عن معقل بن يسار قال: لقد رأيتني ويوم الشجرة والنبي صلى الله عليه وسلم يبايع الناس وأنا رافع غصناً من أغصانها عن رأسه، ونحن أربع عشرة مائة. ولم نبايعه على الموت ولكن بايعناه على أن لا نفر. أخرجه مسلم. وقال ابن عيينة: ثنا ابن أبي خالد، عن الشعبي قال: لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة كان أول من انتهى إليه أبو سنان الأسدي فقال: أبسط يدك أبايعك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: علام تبايعني قال: على ما في نفسك. وقال مكي بن إبراهيم، وأبو عاصم واللفظ له عن زيد بن أبي عبيد، عن سلمة بن الأكوع) قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبة، ثم عدلت إلى ظل شجرة. فلما خف الناس قال: يا بن الأكوع ألا تبايع قلت قد بايعت يا رسول الله. قال: وأيضاً. فبايعته الثانية. فقلت لسلمة: يا أبا مسلم على أي شيء كنتم تبايعون يومئذ قال: على الموت. متفق عليه. وقال عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة، عن أبيه فذكر الحديث وقال: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إلى البيعة في أصل الشجرة، فبايعته أول (2/385)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 386 الناس وبايع وبايع حتى إذا في وسط الناس قال: بايعني يا سلمة. فقلت يا رسول الله قد بايعك. قال: وأيضاً. قال: ورآني غزلاً فأعطاني حجفة أو درقة. ثم بايع، حتى إذا كان في آخر الناس قال: ألا تبايع قلت: يا رسول الله قد بايعتك في أول الناس وأوسطهم. قال: وأيضاً. فبايعت الثالثة. فقال: يا سلمة أين حجفتك أو درقتك التي أعطيتك قلت: لقيني عامر فأعطيتها إياه. فضحك ثم قال: إنك كالذي قال الأول: اللهم أبغني حبيباً هو أحب إلي من نفسي. ثم إن مشركي مكة راسلونا بالصلح حتى مشى بعضنا إلى بعض فاصطلحنا. وكنت خادماً لطلحة بن عبيد الله أسقي فرسه وأحسه وآكل من طعامه. وتركت أهلي ومالي مهاجراً إلى الله ورسوله. فلما اصطلحنا واختلط بعضنا ببعض أتيت شجرة فكسحت شوكها فاضطجعت في ظلها. فأتاني أربعة من أهل مكة، فجعلوا يقعون في رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبغضتهم، فتحولت إلى شجرة أخرى، فعلقوا سلاحهم واضطجعوا. فبينا هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي: يا للمهاجرين، قتل ابن زنيم. فاخترطت سيفي فشددت على أولئك الأربعة وهم رقود، فأخذت سلاحهم فجعلته ضغثاً في يدي، ثم قلت، والذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم لا يرفع أحد منكم رأسه إلا ضربت الذي فيه عيناه. ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وجاء (2/386)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 387 عمي عامر برجل من العبلات يقال له مكرز يقوده مجففاً حتى وقفنا بهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعين من المشركين، فنظر إليهم. وقال: دعوهم، يكون لهم بدء الفجور وثناه. فعفا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنزلت: وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم الآية. أخرجه مسلم وقال حماد بن سلمة، عن أنس، أن رجالاً من أهل مكة هبطوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قبل جبل التنعيم ليقاتلوه. قال: فأخذهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذاً، فأعتقهم. فأنزل) الله: وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم الآية، أخرجه مسلم. وقال الوليد بن مسلم: ثنا عمرو بن محمد العمري، أخبرني نافع، عن ابن عمر أن الناس كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبة، قد تفرقوا في ظلال الشجر. فإذا الناس محدقون برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال يعني عمر يا (2/387)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 388 عبد الله انظر ما شأن الناس فوجدهم يبايعون، فبايع ثم رجع إلى عمر، فخرج فبايع. أخرجه خ فقال: وقال هشام بن عمار: ثنا الوليد. قلت: ورواه دحيم، عن الوليد. قلت: وسميت بيعة الرضوان من قوله تعالى: لقد رضي الله عن المؤمنين إذا يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً. قال أبو عوانة، عن طارق بن عبد الرحمن، عن سعيد بن المسيب قال: كان أبي ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الشجرة، قال: فانطلقنا في قابل حاجين، فخفي علينا مكانها، فإن كانت تبينت لكم فأنتم أعلم. متفق عليه. وقال ابن جريج: أخبرني أبو الزبير المكي أنه سمع جابراً يقول: أخبرتني أم مبشر أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة: لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة الذين بايعوا تحتها أحد. قلت: بلى يا رسول الله، فانتهرها، فقالت: وإن منكم إلا واردها، فقال: قد (2/388)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 389 قال تعالى: ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً. أخرجه مسلم. قرأت على عبد الحافظ بن بدران، أخبركم موسى بن عبد القادر، والحسين بن أبي بكر قالا: أنا عبد الأول بن عيسى، أنا محمد بن أبي مسعود، نا عبد الرحمن بن أبي شريح، ثنا أبو القاسم البغوي، نا العلاء بن موسى إملاء، سنة سبع وعشرين ومائتين، أنا الليث بن سعد، عن أبي الزبير المكي، عن جابر بن عبد لله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل أحد ممن بايع تحت الشجرة النار. أخرجه النسائي. وقال قتيبة: نا الليث عن أبي الزبير عن جابر أن عبداً خاطب ابن أبي بلتعة جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطباً قال يا رسول الله ليدخلن حاطب النار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبت لا يدخلها فإنه شهد بدر والحديبة. وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، حدثني الزهري، عن عروة، عن المسور بن مخرمة،) ومروان في قصة الحديبية قالا: فدعت قريش سهيل بن عمرو قالوا: اذهب إلى هذا الرجل فصالحه ولا يكونن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامة هذا، لا تحدث العرب أنه دخلها علينا عنوة. فخرج سهيل من عندهم، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً قال: قد أراد القوم (2/389)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 390 الصلح حين بعثوا هذا الرجل. فوقع الصلح على أن توضع الحرب بنيهما عشر سنين، وأن يخلوا بينه وبين مكة من العام المقبل، فيقيم بها ثلاثاً، وأنه لا يدخلها إلا بسلاح الراكب والسيوف في القرب، وأنه من أتانا من أصحابك بغير إذن وليه لم نرده عليك، ومن أتاك منا بغير إذن وليه رددته علينا، وأن بيننا وبينك عيبة مكفوفة، وأنه لا إسلال ولا إغلال. وذكر الحديث. الاسلال الخفية وقيل الغارة وقيل سل السيوف و الإغلال الغارة وقال شعبة، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: لما صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم مشركي مكة كتب كتاباً: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله. قالوا: لو علمنا أنك رسول الله لم نقاتلك. قال لعلي: امحه. فأبى، فمحاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله. واشترطوا عليه أن يقيموا ثلاثاً، وأن لا يدخلوا مكة بسلاح إلا جلبان السلاح، يعني السيف بقرابه. متفق عليه. وقال حماد بن سلمة عن ثابت، عن أنس نحوه أو قريباً منه. أخرجه مسلم. (2/390)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 391 وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، حدثني يزيد بن سفيان، عن محمد بن كعب أن كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان علياً رضي الله عنه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو. فجعل علي يتلكأ ويأبى إلا أن يكتب: محمد رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتب، فإن لك مثلها تعطيها وأنت مضطهد، فكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله. وقال عبد العزيز بن سياه: نا حبيب بن أبي ثابت، عن أبي وائل قال: قام سهل بن حنيف يوم صفين فقال: أيها الناس اتهموا أنفسكم، لقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، ولو نرى قتالاً لقاتلنا. فأتى عمر فقال: ألسنا على الحق وهم على الباطل قال: بلى. قال: أليس قتلاناً في الجنة وقتلاهم في النار قال: بلى. قال: ففيم نعطي الدنية في أنفسنا ونرجع ولما) يحكم الله بيننا وبينهم قال: يا بن الخطاب، إني رسول الله ولن يضيعني الله، فانطلق متغيظاً إلى أبي بكر، فقال له كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى عمر فأقرأه إياه. فقال: يا رسول الله، أو فتح هو قال: نعم، فطابت نفسه ورجع. متفق عليه. وقال يونس، عن ابن إسحاق، عن الزهري عن عروة عن (2/391)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 392 المسور، ومروان قالا: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند أم سلمة فلم يكلم أحداً حتى أتى هديه فنحر وحلق فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا وحلق بعض وقصر بعض. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر للمحلقين. فقيل: يا رسول الله والمقصرين فقال للمحلقين، ثلاثاً. قيل: يا رسول الله وللمقصرين قال: وللمقصيرين. وقال يونس، عن ابن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: قيل له لم ظاهر رسول لله صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاثاً وللمقصرين واحدة فقال: إنهم لم يشكوا. وقال يونس هو ابن بكير، عن هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي إبراهيم، عن أبي سعيد قال: حلق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية كلهم غير رجلين قصرا ولم يحلقا. أبو إبراهيم مجهول. وقال ابن عيينة، عن إبراهيم بن ميسرة، عن وهب بن عبد الله بن قارب قل: كنت مع أبي، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يرحم الله المحلقين. قال رجل: والمقصرين يا رسول الله فلما كانت الثالثة قال: والمقصرين. وقال يحيى بن أبي بكير: ثنا زهير بن محمد، نا محمد بن عبد الرحمن، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: نحر يوم الحديبية سبعون بدنة فيها جمل أبي جهل، فلما صدت عن البيت حنت كما تحن إلى أولادها. (2/392)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 393 ويروى عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى في عمرة الحديبية جملاً كان لأبي جهل، في أنفه برة من ذهب أهداه ليغيظ به قريشاً.) وقال فليح بن سليمان، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج معتمراً، فحال كفار قريش بينه وبين البيت. فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية، وقاضاهم على أن يعتمر العام المقبل، ولا يحمل سلاحاً عليها إلا سيوفاً، ولا يقيم بها إلا ما أحبوا، فاعتمر من العام المقبل، فدخلها كما صالحهم. فلما أن أقام بها ثلاثاً، أمروه أن يخرج فخرج. أخرجه البخاري. وقال مالك عن أبي الزبير، عن جابر: نحرنا بالحديبية البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة. رواه مسلم. (2/393)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 394 (2/394)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 395 (نزول سورة الفتح) قال مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره، وعمر معه ليلاً. فسأله عمر عن شيء فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، فقال عمر: ثكلتك أمك، نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فحركت بعيري حتى تقدمت أمام الناس وخشيت أن ينزل في قرآن، فلم أنشب أن سمعت صارخاً يصرخ، قال: قلت: لقد خشيت أن يكون نزل في قرآن، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه، فقال: لقد أنزلت علي الليلة سورة هي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، ثم قرأ: إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر. أخرجه البخاري. (2/395)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 396 وقال يونس بن بكير، عن عبد الرحمن المسعودي، عن جامع بن شداد، عن عبد الرحمن بن أبي علقمة، عن أبي مسعود قال: لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية، جعلت ناقته تثقل، فتقدمنا، فأنزل عليه: إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً. وقال شعبة، عن قتادة، عن أنس: إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً، قال: فتح الحديبية، فقال رجل: هنيئاً مريئاً يا رسول رسول الله هذا لك، فما لنا فأنزلت: ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري. قال شعبة: فقدمت الكوفة فحدثتهم عن قتادة، عن أنس، ثم قدمت البصرة فذكرت ذلك لقتادة فقال: أما الأول فعن أنس، وأما الثاني: ليدخل المؤمنين والمؤمنات، فعن عكرمة، أخرجه البخاري. وقال همام: ثنا قتادة، عن أنس، قال: لما نزلت: إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً إلى آخر الآية على) رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من الحديبية، وأصحابه مخالطو الحزن والكآبة، فقال: نزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا. فلما تلاها قال رجل: قد بين الله لك ما يفعل بك، فماذا يفعل بنا فأنزلت التي بعدها: ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار. أخرجه مسلم. وقال يونس، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن (2/396)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 397 المسور، ومروان قالا في قصة الحديبية: ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعاً. فلما أن كان بين مكة والمدينة نزلت عليه سورة الفتح. فكانت القضية في سورة الفتح وما ذكره الله من بيعة الرضوان تحت الشجرة. فلما أمن الناس وتفاوضوا، لم يكلم أحد بالإسلام إلا دخل فيه. فلقد دخل في تينك السنتين في الإسلام أكثر مما كان فيه قبل ذلك. كان صلح الحديبية فتحاً عظيماً. وقال ابن لهيعة: ثنا أبو الأسود عن عروة قالوا: وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبيية راجعاً. فقال رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا بفتح لقد صددنا عن البيت وصد هدينا، وعكف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين من المسلمين خرجا فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قول رجال من أصحابه: إن هذا ليس بفتح. فقال: بئس الكلام، هذا أعظم الفتح، لقد رضي المشركون أن يدفعوكم بالرواح عن بلادهم ويسألونكم القضية ويرغبون إليكم في الأمان، وقد رأوا منكم ما كرهوا، وقد أظفركم الله عليهم وردكم سالمين غانمين مأجورين، فهذا أعظم الفتوح. أنسيتم يوم أحد، إذ تصعدون ولا تلوون على أحد وأنا أدعوكم في أخركم أنسيتم يوم الأحزاب، إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم فقال المسلمون: صدق الله ورسوله، هو أعظم الفتوح والله يا نبي الله. وقال ابن أبي عروبة، عن قتادة، قال: ظهرت الروم على فارس عند مرجع المسلمين من الحديبية. وقال مثل ذلك عقيل، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود. وكانت بين الروم وبين فارس ملحمة مشهودة نصر الله فيها الروم. ففرح المسلمون بذلك، لكون أهل الكتاب في الحملة نصروا على المجوس (2/397)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 398 وقال مغيرة، عن الشعبي في قوله: إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً قال: فتح الحديبية، وبايعوا بيعة الرضوان، وأطعموا نخيل خيبر، وظهرت الروم على فارس. ففرح المسلمون بتصديق كتاب الله ونصر أهل الكتاب على المجوس.) وقال شعبة، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: وأثابهم فتحاً قريباً، قال: خيبر. وأخرى لم تقدروا عليها، قال: فارس والروم. وقال ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: أري رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالحديبية أن يدخل مكة هو وأصحابه آمنين محلقين رؤوسهم ومقصرين، فقالوا له حين نحر بالحديبية: أين رؤياك يا رسول الله فأنزل الله: لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق إلى قوله فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً يعني النحر بالحديبية ثم رجعوا ففتحوا خيبر، فكان تصديق رؤياه في السنة المقبلة. وقال هشيم: أنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، وعكرمة: ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد، قالا: هوازن يوم حنين رواه سعيد بن منصور في سننه. (2/398)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 399 وقال بندار: ثنا غندر، ثنا شعبة، عن هشيم، فذكره، وزاد: هوازن وبنو حنيفة. وقال عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، في قوله: أولي بأس شديد، قال: فارس. وقال: السكينة هي الرحمة. وقال أبو حذيفة النهدي: ثنا سفيان، عن سملة بن كهيل، عن أبي الأحوص، عن علي هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين قال: السكينة لها وجه كوجه الإنسان، ثم هي بعد ريح هفافة. وقال ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: السكينة كهيئة الريح، لها رأس كرأس الهرة وجناحان. وقال المسعودي، عن قتادة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: تصيبهم بما صنعوا قارعة، قال: السرية، أو تحل قريباً من دارهم، قال: هو محمد صلى الله عليه وسلم. حتى يأتي وعد الله، قال: فتح مكة. وعن مجاهد: أو تحل قريباً من دارهم، قال: الحديبية ونحوها. رواه شريك، عن منصور، عنه. (2/399)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 400 وقال الليث، عن عقيل عن ابن شهاب، أخبرني عروة أنه سمع مروان بن الحكم، والمسور يخبران عن رسول لله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كاتب سهيل بن عمرو، فذكر الحديث، وفيه: وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ وهي عاتق، فجاء أهلها يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم) يرجعها إليهم، فلم يرجعها إليهم لما أنزل الله فيهن: إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن، الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار. قال عروة: فأخبرتني عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحنهن بهذه الآية: إذا جاءك المؤمنات يبايعنك الآية. قالت: فمن أقر بهذا الشرط منهن قال لها قد بايعتك، كلاماً يكلمها به، والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة، ما بايعني إلا بقوله. أخرجه البخاري. وقال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قال: ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة انفلت من ثقيف أبو بصير بن أسيد بن حارثة الثقفي من المشركين، فذكر من أمره نحواً مما قدمنا. وفيه زيادة وهي: فخرج أبو بصير معه خمسة كانوا قدموا من مكة، ولم ترسل قريش في طلبهم كما أرسلوا في أبي بصير، حتى كانوا بين العيص وذي المروة من أرض جهينة (2/400)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 401 على طريق عير قريش مما يلي سيف البحر، لا يمر بهم عير لقريش إلا أخذوها وقتلوا أصحابها. وانفلت أبو جندل في سبعين راكباً أسلموا وهاجروا فلحقوا بأبي بصير، وقطعوا مادة قريش من الشام، وكان أبو بصير يصلي بأصحابه، فلما قدم عليه أبو جندل كان يؤمهم. واجتمع إلى أبي جندل حين سمعوا بقدومه ناس من بني غفار وأسلم وجهينة وطوائف، حتى بلغوا ثلاثمائة مقاتل وهم مسلمون، فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يبعث إلى أبي بصير ومن معه فيقدموا عليه، وقالوا: من خرج منا إليك فأمسكه، قال: ومر بأبي بصير أبو العاص بن الربيع من الشام فأخذوه، فقدم على امرأته زينب سراً. وقد تقدم شأنه. وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابه إلى أبي بصير أن لا يعترضوا لأحد. فقدم الكتاب على أبي جندل وأبي بصير، وأبو بصير يموت. فمات وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده يقرؤه، فدفنه أبو جندل مكانه، وجعل عند قبره مسجداً. وقال يحيى بن أبي كثير: حدثني أبو سلمة، أن أبا هريرة حدثه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى العشاء الآخرة نصب في الركعة الأخيرة بعدما يقول: سمع الله لمن حمده: اللهم نج الوليد بن الوليد، اللهم نج سملة بن هشام، اللهم نج عياش بن أبي ربيعة، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر. اللهم اجعلها سنين مثل سني (2/401)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 402 يوسف. ثم لم يزل يدعو حتى نجاهم الله تعالى، ثم ترك الدعاء لهم بعد ذلك. وفي سنة ست:) مات سعد بن خولة رضي الله عنه في الأسر بمكة. ورثى له النبي صلى الله عليه وسلم لكونه مات بمكة. وفيها: قتل هشام بن صبابة أخو مقيس، قتله رجل من المسلمين وهو يظن أنه كافر، فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم مقيساً ديته. ثم إن مقيساً قتل قاتل أخيه، وكفر وهرب إلى مكة. وفي ذي الحجة: ماتت أم رومان بنت عامر بن عويمر الكنانية، أم عائشة رضي الله عنهما، أخرج البخاري من رواية مسروق عنها حديثاً وهو منقطع لأنه لم يدركها، أو قد أدركها فيكون تاريخ موتها هذا خطأ. والله أعلم. (2/402)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 403 1 (أحداث السنة السابعة)

(غزوة خيبر) قال عبد الله بن إدريس، عن ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر قال: كان افتتاح خيبر في عقب المحرم، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر صفر. قلت: وكذا رواه ابن إسحاق عن غيره عبد الله بن أبي بكر. وذكر الواقدي، عن شيوخه، في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر: في أول سنة سبع، وشذ الزهري فقال، فيما رواه عنه موسى بن عقبة في مغازيه قال: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر يوم سنة ست. وخيبر: بليدة على ثمانية برد من المدينة. قال وهيب: ثنا خثيم بن عراك، عن أبيه، عن نفر من بني غفار قالوا: إن أبا هريرة قدم المدينة وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، واستخلف (2/403)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 404 على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري قال أبو هريرة: فوجدناه في صلاة الصبح، فقرأ في الركعة الأولى كهيعص، وقرأ في الثانية ويل للمطففين. قال أبو هريرة: فأقول في صلاتي: ويل لأبي فلان له مكيالان، إذا اكتال اكتال بالوافي، وإذا كال كال بالناقص. قال: فلما فرغنا من صلاتنا أتينا سباع بن عرفطة فزودنا شيئاً حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد فتح خيبر، فكلم المسلمين فأشركونا في سهمانهم. وقال مالك، عن يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار، أخبرني سويد ابن النعمان، أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر، حتى إذا كانوا بالصهباء وهي أدنى خيبر صلى) العصر، ثم دعا بأزواد فلم يؤت إلا بالسويق، فأمر به فثري، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكلنا. ثم قام إلى المغرب فمضمض ومضمضنا، ثم صلى ولم يتوضأ: أخرجه البخاري. وقال حاتم بن إسماعيل، عن يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فسرنا ليلاً. فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع: ألا تسمعنا من هنيهاتك. وكان عامر رجلاً شاعراً فنزل يحدو بالقوم ويقول: (اللهم لولا أنت ما اهتدينا.......... ولا تصدقنا ولا صلينا) (2/404)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 405 (فاغفر فداء لك ما اقتفينا.......... وثبت الأقدام إن لاقينا)

(وألقين سكينة علينا.......... إنا إذا صيح بن أتينا) وبالصياح عولوا علينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هذا السائق قالوا: عامر. قال: يرحمه الله. قال رجل من القوم: وجبت يا رسول لله، لولا أمتعتنا به. فأتينا خيبر فحاصرناهم، حتى أصابتنا مخمصة شديدة. فلما أمسى الناس مساء اليوم الذي فتحت عليهم أوقدوا نيراناً كثيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذه النيران على أي شيء توقد قالوا: على لحم حمر إنسية. فقال: أهريقوها واكسروها. فقال رجل: أويهريقوها ويغسلوها. قال: أو ذاك. قال: فلما تصاف القوم كان سيف عامر فيه قصر، فتناول به ساق يهودي ليضربه، فيرجع ذباب سيفه فأصاب عين ركبة عامر، فمات منه. فلما قفلوا قال سلمة، وهو آخذ بيدي قال: لما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم ساكتاً: قال: مالك قلت: فداك أبي وأمي، زعموا أن عامراً حبط (2/405)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 406 عمله. قال، من قاله قلت: فلان وفلان وأسيد بن حضير. فقال: كذب من قاله، أن له أجران، وجمع بين أصبعيه، إنه لجاهد مجاهد قل عربي مشى بها مثله. متفق عليه. وقال مالك، عن حميد، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى خيبر أتاها ليلاً. وكان إذا أتى قوماً بليل لم يغر حتى يصبح. فلما أصبح خرجت يهود بمساحيهم ومكاتلهم، فلما رأوه قالوا: محمد والله، محمد والخميس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر خربت خيبر. إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين أخرجه البخاري. وأخرجاه من حديث ابن صهيب، عن أنس. وقال غير واحد: شعبة، وابن فضيل، عن مسلم الملائي، عن أنس قال: كان رسول الله صلى) الله عليه وسلم يعود المريض، ويتبع الجنازة، ويجيب دعوة المملوك، ويركب الحمار. ولقد رأيته يوم خيبر على حمار خطامه ليف. وقال يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبي حازم، أخبرني سهل بن سعد (2/406)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 407 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلهم يرجو أن يعطاها. فقال: أين علي بن أبي طالب قيل: هو يا رسول الله يشتكي عينيه. قال: فأرسلوا إليه. فأتي به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له، فبرأ حتى لم يكن به وجع. فأعطاه الراية، فقال علي: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا قال: انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم. أخرجاه عن قتيبة، عن يعقوب. وقال سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، يفتح الله على يديه. فقال عمر: فما أحببت الإمارة قط حتى يومئذ. فدعا عليناً فبعثه، ثم قال: اذهب فقاتل حتى يفتح الله عليك ولا تلتفت، قال علي: علام أقاتل الناس قال: قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله. فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله. أخرجه مسلم، وأخرجا نحوه من حديث سلمة بن الأكوع. (2/407)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 408 وقال عكرمة بن عمار: حدثني إياس بن سلمة بن الأكوع، حدثني أبي أن عمه عامراً حدا بهم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: غفر لك ربك. قال: وما خص بها أحد إلا استشهد. فقال عمر: هلا متعتنا بعامر فقدمنا خيبر، فخرج مرحب وهو يخطر بسيفه، ويقول: (علمت خيبر أني مرحب.......... شاكي السلاح بطل مجرب) إذا الحرب أقبلت تلهب فبرز له عامر، وهو يقول: (قد علمت خيبر أني عامر.......... شاكي السلاح بطل مغامر) قال: فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب ففي ترس عامر، فذهب عامر يسفل له، فرجع بسيفه) على نفسه فقطع أكحله، وكانت فيها نفسه. قال سلمة: فخرجت فإذا نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون: بطل عمل عامر، قتل نفسه. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، قال: مالك فقلت: قالوا إن عامراً بطل عمله. قال: ومن قال ذلك قلت: نفر من أصحابك. فقال: كذب أولئك بل له من الأجر مرتين قال: فأرسل إلى علي يدعوه وهو أرمد فقال: لأعطين الراية اليوم رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. قال: فجئت به أقوده. قال: فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه فبرأ، فأعطاه الراية. قال: فبرز مرحب وهو يقول. (قد علمت خيبر أني مرحب.......... شاكي السلاح بطل مجرب) إذا الحروب أقبلت تلهب (2/408)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 409 قال: فبرز له علي رضي الله عنه وهو يقول: (أنا الذي سمتني أمي حيدره.......... كليث غابات كريه المنظر) أوفيهم بالصاع كيل السندره فضرب مرحباً ففلق رأسه فقتله، وكان الفتح أخرجه مسلم. وقال البكائي: قال ابن إسحاق، فحدثني محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبي الهيثم بن نصر الأسلمي أن أباه حدثه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: في مسيره لخيبر لعامر بن الأكوع: خذ لنا من هناتك فنزل يرتجز، فقال. (والله لولا الله ما اهتدينا.......... ولا تصدقنا ولا صيلنا)

(إنا إذاً قوم بغوا علينا.......... وإن أرادوا فتنة أبينا)

(فأنزلن سكينة علينا.......... وثبت الأقدام إن لاقينا) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يرحمك الله. فقال عمر: وجب والله يا رسول الله، لو أمتعتنا به. فقتل يوم خيبر شهيداً. وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق: حدثني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي، عن أبيه، عن سلمة بن الأكوع قال: فخرج علي رضي الله (2/409)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 410 عنه بالراية يهرول وأنا خلفه حتى ركزها في رضم من حجارة تحت الحصن. فاطلع إليه يهودي من رأس الحصن فقال: من أنت قال: أنا علي بن أبي طالب قال: غلبتم وما أنزل على موسى. فما رجع حتى فتح الله عليه.) وقال يونس بن بكير، عن المسيب بن مسلم الأزدي، حدثنا عبد الله ابن بريدة، عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما أخذته الشقيقة فيلبث اليوم واليومين لا يخرج، ولما نزل خيبر أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس، وإن أبا بكر أخذ راية رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نهض فقاتل قتالاً شديداً، ثم رجع. فأخذها عمر فقاتل قتالاً هو أشد قتالاً من القتال الأول، ثم رجع فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لأعطينها غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يأخذها عنوة، وليس ثم علي. فتطاولت لها قريش، ورجا كل رجل منهم أن يكون صاحب ذلك. فأصبح وجاء علي على بعير حتى أناخ قريباً، وهو أرمد قد عصب عينه بشق برد قطري. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مالك قال: رمدت بعدك، قال: أدن مني، فتفل في عينه، فما وجعها حتى مضى لسبيله، ثم أعطاه الراية فنهض بها، وعليه جبة (2/410)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 411 أرجوان حمراء قد أخرج خملها، فأتى مدينة خيبر. وخرج مرحب صاحب الحصن وعليه مغفر مظهر يماني وحجر قد ثقبه مثل البيض على رأسه، وهو يرتجز، فارتجز علي واختلفا ضربتين، فبدره علي بضربة، فقد الحجر والمغفرر ورأسه ووقع في الأضراس، وأخذ المدينة. وقال عوف الأعرابي، عن ميمون أبي عبد الله الأزدي، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: فاختلف مرحب وعلي ضربتين، فضربه علي على هامته حتى عض السيف بأضراسه. وسمع أهل العسكر صوت ضربته. وما تتام آخر الناس مع علي حتى فتح الله له ولهم. وقال يونس، عن ابن إسحاق، حدثني عبد الله بن الحسن، عن بعض أهله، عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خرجنا مع علي حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم برايته. فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم، فضربه رجل من يهود فطرح ترسه من يديه، فتناول علي الحصن فترس به عن نفسه، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه. ثم ألقاه من يده، فلقد رأيتني في نفر معي سبعة أنا ثامنهم، نجهد أن نقلب الباب فما استطعنا أن نقلبه. (2/411)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 412 رواه البكائي، عن ابن إسحاق، عن أبي رافع منقطعاً، وفيه: فتناول علي باباً كان عند الحصن. والباقي بمعناه. وقال إسماعيل بن موسى العبدي: ثنا مطلب بن زياد، عن ليث بن أبي سليم، عن أبي جعفر) محمد بن علي قال: دخلت عليه فقال: حدثني جابر بن عبد الله أن علياً حمل الباب يوم خيبر حتى صعد المسلمون عليه. فافتتحوها، وأنه خرب بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلاً. تابعه فضيل بن عبد الوهاب، عن مطلب. وقال يونس بن بكير، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن الحكم، والمنهال بن عمرو، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كان علي يلبس في الحر والشتاء القباء المحشو الثخين وما يبالي الحر، فأتاني أصحابي فقالوا: إنا قد رأينا من أمير المؤمنين شيئاً فهل رأيته فقلت: وما هو قالوا: رأيناه يخرج علينا في الحر الشديد في القباء المحشو وما يبالي الحر، ويخرج علينا في البرد الشديد في الثوبين الخفيفين وما يبالي البرد، فهل سمعت في ذلك شيئاً فقلت: لا. فقالوا: سل لنا أباك فإنه يسمر معه. فسألته فقال: ما سمعت في ذلك شيئاً. فدخل عليه فسمر معه فسأله فقال علي: أوما شهدت معنا خيبر قال: بلى. قال: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دعا أبا بكر فعقد له وبعثه إلى القوم، فانطلق فلقي القوم، ثم جاء بالناس وقد هزموا فقال: بلى. قال: ثم بعث إلى عمر فعقد له وبعثه إلى القوم، فانطلق فلقي القوم فقاتلهم ثم رجع وقد هزم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: لأعطين الراية رجلاً يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله يفتح الله عليه غير فرار فدعاني فأعطاني الراية، ثم قال: اللهم اكفه الحر والبرد، فما وجدت بعد ذلك حراً ولا برداً. (2/412)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 413 وقال أبو عوانة، عن مغيرة الضبي، عن أم موسى قالت: سمعت علياً يقول: ما رمدت ولا صدعت مذ دفع إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية يوم خيبر. رواه أبو داود الطيالسي في مسنده. (2/413)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 414 (2/414)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 415 (فصل في قتل مرحبا) فيمن ذكر أن مرحباً قتله محمد بن مسلمة قال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يوم خيبر فوعظهم. وفيه: فخرج اليهود بعاديتها، فقتل صاحب عادية اليهود فانقطعوا. وقتل محمد بن مسلمة الأشهلي مرحباً اليهودي. وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة نحوه. وقال يونس، عن ابن إسحاق حدثني عبد الله بن سهل الحارثي، عن جابر بن عبد الله قال:) خرج مرحب اليهودي من حصن خيبر، قد جمع سلاحه وهو يرتجز ويقول: من يبارز فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لهذا فقال محمد بن مسلمة: أنا له وأنا والله الموتور الثائر، قتلوا أخي بالأمس. قال: قم إليه، اللهم أعنه عليه. فلما تقاربا دخلت بينهما شجرة (2/415)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 416 عمرية، فجعل كل واحد منهما يلوذ بها من صاحبه، كلما لاذ بها أحدهما اقتطع بسيفه ما دونه، حتى برز كل واحد منها لصاحبه، وصارت بينهما كالرجل القائم ما فيها فنن. ثم حمل على محمد فضربه فاتقاه بالدرقة، فعضت بسيفه فأمسكته، وضربه محمد حتى قتله. فقيل إنه ارتجز وقال: (قد علمت خيبر أني ماضي.......... حلو إذا شئت وسم قاضي) وكان ارتجاز مرحب: (قد علمت خيبر أني مرحب.......... شاكي السلاح بطل مجرب)

(إذا الحروب أقبلت تلهب.......... وأحجمت عن صولة المغلب)

(أطعن أحياناً وحيناً أضرب.......... إن حماي للحمى لا يقرب) وقال الواقدي: حدثني محمد بن الفضل بن عبيد الله عن رافع ابن خديج عن أبيه، عن جابر قال: وحدثني زكريا بن زيد، عن عبد الله ابن أبي سفيان، عن أبيه، عن سلمة بن سلامة. قال: وعن مجمع بن (2/416)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 417 يعقوب، عن أبيه، عن مجمع بن جارية قالوا جميعاً: إن محمد بن مسلمة قتل مرحباً. وذكر الواقيد، عن إبراهيم بن جعفر بن محمود بن محمد بن سملة، عن أبيه، أن علياً حمل على مرحب فقطره على الباب، وفتح علي الباب الآخر، وكان للحصن بابان. قال الواقدي: وقيل إن محمد بن مسلمة ضرب ساقي مرحب فقطعهما، فقال: ذق الموت كما ذاقه أخي محمود، وجاوزه، ومر به علي فضرب عنقه وأخذ سلبه. فاختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سلبه، فأعطاه محمداً. وكن عند آل محمد بن مسلمة فيه كتاب لا يدري ما هو، حتى قرأه يهودي من يهود تيماء فإذا هو: هذا سيف مرحب من يذقه يعطب. قال الواقدي: حدثني محمد بن الفضل بن عبيد الله عن رافع، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، قال: برز عامر وكان طوالاً جسيماً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين برز وطلع: أترونه خمسة أذرع وهو يدعو إلى البراز فبرز له علي فضربه ضربات، كل ذلك لا يصنع) شيئاً، حتى ضرب ساقيه فبرك، ثم دفف عليه وأخذ سلاحه. قال ابن إسحاق: ثم خرج بعد مرحب أخوه ياسر، فبرز له الزبير فقتله. وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة. ورواه موسى بن عقبة (2/417)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 418 واللفظ له قال: ثم دخلوا حصناً لهم منيعاً يدعى القموص. فحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم قريباً من عشرين ليلة. وكانت أرضاً وخمة شديدة الحر. فجهد المسلمون جهداً شديداً. فوجدوا أحمرة ليهود، فذكر قصها، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكلها. ثم قال: وجاء عبد حبشي من أهل خيبر كان في غنم لسيده، فلما رأى أهل خيبر قد أخذوا السلاح، سألهم ما يريدون قالوا: نقاتل هذا الذي يزعم أنه نبي. فوقع في نفسه ذكر النبي فأقبل بغنمه حتى عمد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم، وقال: ماذا لي قال: الجنة فقال: يا رسول الله إن هذه الغنم عندي أمانة. قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخرجها من عسكرنا وارمها بالحصباء فإن الله سيؤدي عنك أمانتك. ففعل فرجعت الغنم إلى سيدها. ووعظ النبي صلى الله عليه وسلم الناس. إلى أن قال: وقتل من المسلمين العبد الأسود، فاحتملوه فأدخل في فسطاط. وزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع في الفسطاط، ثم أقبل على أصحابه فقال: لقد أكرم الله هذا العبد، وقد رأيت عند رأسه اثنتين من الحور العين. وقال ابن وهب: أخبرني حيوة بن شريح، عن ابن الهاد، عن شرحبيل بن سعد، عن جابر بن عبد الله قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر، فخرجت سرية فأخذوا إنساناً معه غنم يرعاها، فجاءوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه، فقال له الرجل: إني قد آمنت بك وبما جئت به (2/418)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 419 فكيف بالغنم فإنها أمانة، وهي للناس الشاة والشاتان وأكثر من ذلك، قال: احصب وجوهها ترجع إلى أهلها. فأخذ قبضة من حصباء أو تراب فرمى بها وجوهها، فخرجت تشتد حتى دخلت كل شاة إلى أهلها. ثم تقدم إلى الصف، فأصابه سهم فقتله. ولم يصل لله سجدة قط قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أدخلوه الخباء فأدخل خباء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليه ثم خرج فقال: لقد حسن إسلام صاحبكم، لقد دخلت عليه وإن عنده لزوجتين له من الحور العين. وهذا حديث حسن أو صحيح. وقال مؤمل بن إسماعيل: نا حماد، نا ثابت عن أنس، أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم) فقال: يا رسول الله إني رجل أسود اللون، قبيح الوجه، منتن الريح، لا مال لي، فإن قاتلت هؤلاء حتى أقتل أدخل الجنة قال: نعم. فتقدم فقاتل حتى قتل. فأتى عليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو مقتول، فقال: لقد أحسن الله وجهك وطيب روحك وكثر مالك. قال: وقال لهذا أو لغيره: لقد رأيت زوجتيه من الحور العين يتنازعانه جبته عنه، تدخلان فيما بين جلده وجبته. وهذا حديث صحيح. وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر، عن بعض أسلم أن بعض بني سهم من أسلم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، فقالوا: يا رسول الله، والله لقد جهدنا وما بأيدينا شيء. فلما يجدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً فقال: اللهم إنك قد علمت حالهم وأنهم ليست لهم قوة (2/419)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 420 وليس بيدي ما أعطيهم إياه. فافتح عليهم أعظم حصن بها غنى، أكثره طعاماً وودكاً. فغدا الناس ففتح الله عليهم حصن الصعب بن معاذ، وما بخيبر حصن أكثر طعاماً وودكاً منه. فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم ما افتتح، وحاز من الأموال ما حاز، انتهوا إلى حصنيهم الوطيح والسلالم، وكانا آخر حصون خيبر افتتاحاً، فحاصرهم رسول لله صلى الله عليه وسلم بضع عشرة ليلة. (2/420)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 421 (ذكر صفية) وقال البكائي، عن ابن إسحاق قال: ويدني رسول الله صلى الله عليه وسلم الأموال، يأخذها مالاً مالاً، ويفتحها حصناً حصناً. فكان أول حصونهم افتتح حصن ناعم، وعنده قتل محمود بن مسلمة الأنصاري أخو محمد، ألقيت عليه رحى فقتلته. ثم القموص حصن ابن أبي الحقيق. وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم سبايا، منهن صفية بنت حيي بن أخطب، وبنتا عم لها، فأعطاهما دحية الكلبي. وقال يونس، عن ابن إسحاق، حدثني ابن لمحمد بن مسلمة الأنصاري عمن أدرك من أهله، وحدثنيه مكنف، قالا: حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر في حصنهم الوطيح والسلالم، حتى إذا أيقنوا بتلهلكة، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسيرهم ويحقن دماءهم، ففعل. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حاز الأموال كلها: الشق والنطاة والكتيبة وجميع حصونهم، إلا ما كان في (2/421)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 422 ذينك الحصين. فلما سمع بهم أهل فدك قد صنعوا ما صنعوا، بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يسيرهم ويحقن دماءهم، ويخلون) بينه وبين الأموال، ففعل. فكان ممن مشى بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم، في ذلك، محيصة بن مسعود. فلما نزلوا على ذلك سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاملهم في الأموال على النصف، وقالوا: نحن أعلم بها منكم وأعمر لها. فصالحهم على النصف، على أنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم. وصالحه أهل فدك على مثل ذلك. فكانت أموال خيبر فيئاً بين المسلمين، وكانت فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن المسلمين لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب. وقال حماد بن زيد، عن ثابت. وعبد العزيز بن صهيب، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على أهل خيبر قتل المقاتلة وسبى الذراري. فصارت صفية لدحية الكلبي، ثم صارت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تزوجها وجعل صداقها عتقها. متفق عليه وقال يعقوب بن عبد الرحمن، عن عمرو بن أبي عمرو، عن أنس، قال: ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم جمال صفية، وكانت عروساً وقتل زوجها، فاصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه. فلما كنا بسد الصهباء (2/422)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 423 حلت، فبنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم: واتخذ حيساً في نطع صغير، وكانت وليمته. فرأيته يحوي لها بعباءة خلفه، ويجلس عند ناقته، فيضع ركبته فتجيء صفية فتضع رجلها على ركبته ثم تركب. فلما بدا لنا أحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا جبل يحبنا ونحبه. أخرجه البخاري، بأطول من هذا، ومسلم. وقال محمد بن جعفر بن أبي كثير: أخبرني حميد، سمع أنساً قال: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يبني عليه بصفية. فدعوت المسلمين إلى وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما كان فيها من خبز ولا لحم، وما كان إلا أن أمر بلالاً بالأنطاع فبسطت، وألقي عليه التمر والأقط والسمن. فقال المسلمون: إحدى أمهات المؤمنين هي أو ما ملكت يمينه قالوا: إن حجبها فهي إحدى أمهات المؤمنين، وإن لم يحجبها فهي ما ملكت يمينه. فلما ارتحل وطأ لها خلفه، ومد الحجاب بينها وبين الناس. أخرجه البخاري. وقال حماد بن سلمة: عبيد الله بن عمر فيما أحسب عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل أهل خيبر حتى ألجأهم إلى قصرهم، فغلب على الأرض والزرع والنخل، فصالحوه على أن يجلوا منها، ولهم ما حملت ركابهم، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء والبيضاء، ويخرجون منها.) (2/423)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 424 واشترط عليهم أن لا يكتموا شيئاً، فإن فعلوه فلا ذمة لهم ولا عهد. فغيبوا مسكاً فيه مال وحلى لحيي بن أخطب، كان احتمله معه إلى خيبر حين أجليت بنو النضير. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعم حيي: ما فعل مسك حيي الذي جاء به من النضير قال: أذهبته النفقات والحروب. فقال: العهد قريب والمال أكثر من ذلك. فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الزبير، فمسه بعذاب. وقد كان حيي قبل ذلك دخل خربة، فقال عمه: قد رأيت حيياً يطوف في خربة هاهنا: فذهبوا فطافوا. فوجدوا المسك في الخربة. فقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ابني أبي حقيق، وأحدهما زوج صفية. وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءهم وذراريهم، وقسم أموالهم بالنكث الذي نكثوا. وأراد أن يجليهم منها. فقالوا: يا محمد، دعنا نكون في هذه الأرض نصلحها ونقوم عليها. ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لأصحابه غلال يقومون عليها، فأعطاهم على النصف ما بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فكان عبد الله بن رواحة يأتيهم كل عام فيخرصها عليهم ثم يضمنهم الشطر. فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شدة خرصه، وأرادوا أن يرشوه فقال: يا أعداء الله تطعموني السحت والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إلي، ولأنتم أبغض إلي من عدتكم من القردة والخنازير، ولا يحملني بغضي إياكم وحبي إياه على أن لا أعدل عليكم. فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض. (2/424)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 425 قال: ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعين صفية خضرة، فقال: ما هذه قالت: كان رأسي في حجر ابن أبي الحقيق وأنا نائمة، فرأيت كأن قمراً وقع في حجري فأخبرته بذلك، فلطمني وقال: تمنين ملك يثرب قالت: وكان رسول لله صلى الله عليه وسلم من أبغض الناس إلي، قتل أبي وزوجي. فما زال يعتذر إلي ويقول: إن أباك ألب العرب علي وفعل وفعل، حتى ذهب ذلك من نفسي. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي كل امرأة من نسائه ثمانين وسقاً من تمر كل عام، وعشرين وسقاً من شعير من خيبر. فلما كان زمان عمر غشوا المسلمين، وألقوا ابن عمر من فوق بيت، ففدعوا يديه، فقال عمر: من كان له سهم بخيبر فليحضر، حتى قسمها بينهم. وقال رئيسهم: لا تخرجنا، دعنا نكون فيها كما أقرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر. فقال له: أتراه سقط عني قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف بك إذا وقصت بك راحلتك نحو) الشام يوماً ثم يوماً. وقسمها عمر بين من كان شهد خيبر من أهل الحديبية. استشهد به البخاري في كتابه، فقال: ورواه حماد بن سلمة. وقال أبو أحمد المرار بن حمويه: ثنا محمد بن يحيى الكناني، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر قال: لما فدعت بخيبر قام عمر خطيباً فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل يهود خيبر على أموالها، وقال: نقركم ما أقركم الله، وإن عبد الله بن عمر خرج إلى خيبر ماله هناك، فعدي عليه من (2/425)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 426 الليل ففدعت يداه، وليس لنا هناك عدو غيرهم، وهم تهمتنا، وقد رأيت إجلاءهم. فلما أجمع على ذلك أتاه أحد بني أبي الحقيق فقال: يا أمير المؤمنين، تخرجنا وقد أقرنا محمد وعاملنا فقال: أظننت أني نسيت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف بك إذا أخرجت من خيبر تعدو قلوصك ليلة بعد ليلة. فأجلاهم وأعطاهم قيمة مالهم من الثمر مالاً وإبلاً وعروضاً من أقتاب وحبال وغير ذلك. أخرجه البخاري عن أبي أحمد. وقال ابن فضيل، عن يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار عن رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على خيبر قسمها على ستة وثلاثين سهماً، جمع كل سهم مائة سهم، فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين النصف من ذلك، وعزل النصف الباقي لمن نزل به من الوفود والأمور ونوائب الناس. أخرجه أبو داود. وقال سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم خيبر ستة وثلاثين سهماً، فعزل للمسلمين ثمانية عشر سهماً، فجمع كل سهم مائة، والنبي صلى الله عليه وسلم معهم وله سهم كسهم أحدهم. وعزل النصف لنوائبه وما ينزل به من أمور المسلمين، فكان ذلك الوطيح (2/426)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 427 والسلالم والكتيبة وتوابعها، فلما صارت الأموال بيد النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، لم يكن لهم عمال يكفونهم عملها، فدعا اليهود فعاملهم. قال البيهقي: وهذا لأن بعض خيبر فتح عنوة، وبعضها صلحاً. فقسم ما فتح عنوة بين أله الخمس والغانمين، وعزل ما فتح صلحاً لنوائبه وما يحتاج إليه في مصالح المسلمين. وقال عبد الرزاق ثنا معمر، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أن خيبر يوم أشركها النبي صلى الله عليه وسلم كان فيها زرع ونخل فكان يقسم لنسائه كل سنة لكل واحدة منهن مائة وسق تمر، وعشرين وسق شعير لكل امرأة.) رواه الذهلي، عن عبد الرزاق، فأسقط منه: ابن عمر. وقال ابن وهب، وقال يحيى بن أيوب: حدثني إبراهيم بن سعد، عن كثير مولى بني مخزوم، عن عطاء، عن ابن عباس أن رسول لله صلى الله عليه وسلم قسم لمائتي فرس يوم خيبر سهمين سهمين. قال ابن وهب، وقال لي يحيى بن أيوب، عن يحيى بن سعيد، وصالح بن كيسان مثل ذلك. وقال ابن عيينة: نا يحيى بن سعيد، عن صالح بن كيسان قال: كانوا يوم خيبر ألفاً وأربعمائة، وكانت الخيل مائتي فرس. وقال يونس، عن ابن إسحاق، أخبرني الزهري، عن سعيد بن (2/427)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 428 المسيب، عن جبير بن مطعم قال: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى من خيبر على بني هاشم وبني المطلب، مشيت أنا وعثمان فقلنا: يا رسول الله، هؤلاء إخوتك بنو هاشم لا ينكر فضلهم لمكانك الذي جعلك الله به منهم. أرأيت إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا، وإنما نحن وهم بمنزلة واحدة منك. فقال: إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام، وإنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد، ثم شبك رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه إحداهما في الأخرى. إستشهد به خ. وقال شعبة، عن حميد بن هلال، عن عبد الله بن مغفل قال: دلي جراب من شحم يوم خيبر فالتزمته، وقلت: هذا لا أعطي أحداً منه شيئاً. فالتفت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم يتبسم، فاستحييت منه. متفق عليه وقال أبو معاوية: نا أبو إسحاق الشيباني، عن محمد بن أبي مجالد، عن عبد الله بن أبي أوفى قال: قلت أكنتم تخمسون الطعام في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أصبنا طعاماً يوم خيبر فكان الرجل يجيء فيأخذ منه مقدار ما يكفيه ثم ينصرف. أخرجه أبو داود. وقال أبو معاوية، عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان النهدي أو عن أبي قلابة قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر قدم والثمرة خضرة، فأشرع (2/428)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 429 الناس فيها فحموا، فشكوا ذلك إليه فأمرهم أن يقرسوا الماء في الشنان، ثم يحدرون عليهم بين أذاني الفجر، ويذكرون اسم الله عليه، قال: ففعلوا فكأنما نشطوا من عقل. وقال بشر بن المفضل، عن محمد بن زيد، حدثني عمير مولى أبي اللحم، قال: شهدت خيبر،) مع سادتي، فكلموا في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بي فقلدت سيفاً، فإذا أنا أجره، فأخبر أني مملوك، فأمر لي بشيء من خرثي المتاع أي رديئه. أخرجه أبو داود. (ذكر من استشهد في خيبر) على ما ذكر ابن إسحاق قال: من حلفاء بني أمية: ربيعة بن أكثم. وثقف بن عمرو. ورفاعة ابن مسروح. ومن بني أسد بن عبد العزى: عبد الله بن الهبيب. ومن الأنصار. فضيل بن النعمان السلمي، ومسعود بن سعد الزرقي. وأبو الضياح (2/429)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 430 ابن ثابت، أحد بني عمرو بن عوف. والحارث بن حاطب، وعروة بن مرة. وأوس بن القائد. وأنيف بن حبيب. وثابت بن أثلة. وطلحة. وعمارة بن عقبة الغفاري. وقد تقدم: عامر بن الأكوع. ومحمود بن سلمة. والأسود الراعي. وزاد عبد الملك بن هشام، فقال: مسعود بن ربيعة، حليف بني زهرة وأوس بن قتادة الأنصاري. وزاد بعضهم فقال: ومبشر بن عبد المنذر، وأبو سفيان بن الحارث وليس بالهاشمي. (قدوم جعفر بن أبي طالب) ومن معه خ، م قالا: ثنا أبو كريب، ثنا أبو أسامة، حدثني بريد عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري قال: (2/430)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 431 بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه، أنا وأخوان لي أنا أصغرهم، أحدهما أبو رهم، والآخر أبو بردة، إما قال: بضع، وإما قال: في ثلاثة، أو اثنين وخمسين رجلاً من قومي. فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة. فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده. فقال جعفر. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا وأمرنا يعني بالإقامة فأقيموا معنا، فأقمنا معه، حتى قدمنا جميعاً، فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فتح خيبر. فأسهم لنا، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر شيئاً إلا لمن شهد معه، إلا أصحاب سفينتنا، مع جعفر وأصحابه، قسم لهم معهم. قال: فكان أناس من الناس يقولون لنا: سبقناكم بالهجرة.) قال: ودخلت أسماء بنت عميس وهي ممن قدم معنا على حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم زائرة وقد كانت هاجرت إلى النجائشي. فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها، فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه قالت: أسماء بنت عميس. قال عمر: الحبشية هذه البحرية هذه فقالت أسماء: نعم. فقال عمر: سبقناكم بالهجرة، نحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فغضبت، فقالت كلمة: كذبت يا عمر كلا والله، كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم، وكنا في دار أو أرض البعداء، أو البغضاء، بالحبشة، وذلك في الله تعالى وفي رسوله. وأيم الله لا أطعم طعاماً ولا أشرب شراباً حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن كنا نؤذى ونخاف وسأذكر له ذلك وأسأله. فلما جاء قالت: يا نبي الله، إن عمر قال كذا وكذا. قال: ليس بأحق بي منكم، له ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان. قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني أرسالاً، يسألوني عن هذا الحديث. ما من الدنيا شيء هم به (2/431)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 432 أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو بردة: قالت أسماء: فلقد رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث مني. وقال: لكم الهجرة مرتين، هاجرتم إلى النجاشي وهاجرتم إلي. وقال أجلح بن عبد الله، عن الشعبي قال: لما قدم جعفر من الحبشة تلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل جبهته، ثم قال: والله ما أرى بأيهما أفرح، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر وبعضهم يقول: عن أجلح، عن الشعبي عن جابر. وقال ابن عيينة: ثنا الزهري، أنه سمع عنبسة (2/432)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 433 بن سعيد القرشي يحدث عن أبي هريرة، قل: قدمت المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر حين افتتحها، فسألته أن يسهم لي. فتكلم بعض ولد سعيد بن العاص فقال: لا نسهم له يا رسول لله. فقلت: هذا قاتل ابن قوقل. فقال، أظنه ابن سعيد بن العاص: يا عجبي لوبر قد تدلى علينا من قدوم ضال يعيرني بقتل امرئ مسلم أكرمه الله على يدي، ولم يهني على يديه. لفظ د، وأخرجه البخاري، لكن قال: من قدوم ضأن. وقال إسماعيل بن عياش، عن الزبيدي، عن الزهري، أخبرني عنبسة ابن سعيد، أنه سمع أبا هريرة يخبر سعيد بن العاص، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبان على سرية قبل نجد، فقدم أبان وأصحابه على رسول الله صلى الله عليه وسلم لخيبر بعد فتحها، وإن حزم) خيلهم لليف، فقلت: يا رسول الله لا تقسم لهم. فقال أبان: أنت بهذا يا وبر تحدر من رأس ضال. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبان، إجلس. فلم يقسم لهم. علقه البخاري في صحيحه، فقال: ويذكر عن الزبيدي. وقال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قال: كانت بنو فزارة ممن قدم أهل خيبر ليعينوهم. فراسلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يعينوهم، وسألهم أن يخرجوا عنهم، ولكم من خيبر كذا وكذا. فأبوا عليه. فلما فتح الله خيبر، أتاه من كان هنالك من بني فزارة، قالوا: اعطنا حظنا الذي وعدتنا. فقال: حظكم أو قال لكم ذو الرقيبة جبل خيبر قالوا: إذاً نقاتلك. فقال: موعدكم جنفاء. فلما سمعوا ذلك هربوا. جنفاء ماء من مياه بني فزارة. وقال خ، ثنا مكي بن إبراهيم، نا يزيد بن أبي عبيد قال: رأيت أثر ضربة في ساق سملة فقلت: يا أبا مسلم، ما هذه الضربة فقال: هذه ضربة أصابتني يوم خيبر، فقال الناس: أصيب سلمة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فنفث فيها ثلاث نفثات، فما اشتكيتها حتى الساعة. (2/433)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 434 وقال عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون في بعض مغازيه، فاقتتلوا. فمال كل فريق إلى عسكرهم، وفي المسلمين رجل لا يدع للمشركين شاذة ولا فاذة إلا أتبعها يضربها بسيفه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنه من أهل النار. فقالوا: أينا من أهل الجنة إن كان من أهل النار فقال رجل: والله لا يموت على هذه الحال أبداً، فاتبعه حتى جرح، فاشتدت جراحته واستعجل الموت، فوضع سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل عليه فقتل نفسه. فجاء الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد إنك لرسول الله، قال: وما ذاك فأخبره. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الرجل ليعلم بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وإنه من أهل النار، وإنه ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وإنه لمن أهل الجنة. متفق عليه. وأخرج البخاري من حديث شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، فقال لرجل يعني النبي صلى الله عليه وسلم إن هذا من أهل النار. فلما حضر القتال قاتل الرجل. فذكر نحو حديث سهل بن سعد.) (2/434)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 435 وقال يحيى القطان وغيره، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى ابن حبان، عن أبي عمرة، عن زيد بن خالد الجهني أن رجلاً توفي يوم خيبر، فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: صلوا على صاحبكم. فتغيرت وجوههم: فقال: إن صاحبكم غل في سبيل الله. ففتشنا متاعه، فوجدنا خرزاً من خرز اليهود يساوي درهمين. (شأن الشاة المسمومة) وقال ليث بن سعد، عن سعيد، عن أبي هريرة قال: لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجمعوا من كان هاهنا من اليهود. فجمعوا له، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقي عنه قالوا: نعم، يا أبا القاسم. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أبوكم قالوا: أبونا فلان. قال: كذبتم، بل أبوكم فلان، قالوا: صدقت وبررت. قال لهم: هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه قالوا: نعم، يا أبا القاسم، وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في آبائنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل النار فقالوا: نكون فيها يسيراً ثم تخلفوننا فيها، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: اخسأوا فيها، فوالله لا نخلفنكم فيها أبداً، ثم قال: هل أنتم صادقي في شيء إن سألتكم عنه قالوا: نعم. قال: أجعلتم في هذه الشاة سماً قالوا: نعم، قال: فما حملكم على ذلك قالوا: أردنا إن كنت كاذباً أن نستريح منك، وإن كنت نبياً لم يضرك. أخرجه خ. (2/435)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 436 وقال خالد بن الحارث: ثنا شعبة، عن هشام بن زيد، عن أنس أن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة، فأكل منها، فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألها عن ذلك، قالت: أردت لأقتلك. فقال: ما كان الله ليسلطك على ذلك. أو قال: علي، قالوا: ألا نقتلها. قال: لا. فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم. متفق عليه من حديث خالد. وقال عباد بن العوام، عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن أبي سلمة وابن المسيب، عن أبي هريرة أن امرأة من اليهود أهدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة، فقال: أمسكوا فإنها مسمومة، قال: وما حملك على ما صنعت قالت: أردت أن أعلم إن كنت نبياً فسيطلعك الله، وإن كنت كاذباً أريح الناس منك قال: فما عرض لها رسول الله صلى الله عليه) وسلم. وروي عن جابر نحوه. وقال معمر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب، أن يهودية أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاة مصلية بخيبر، فأكل وأكلوا، ثم قال: أمسكوا. وقال لها: هل سميت هذه الشاة قالت: من أخبرك قال: هذا العظم. قالت: نعم. فاحتجم على الكاهل، وأمر أصحابه فاحتجموا، فمات بعضهم. قال الزهري: فأسلمت، وتركها. (2/436)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 437 وقال أبو داود في سننه: ثنا سليمان المهدي، نا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: كان جابر يحدث أن يهودية سمت شاة أهدتها للنبي صلى الله عليه وسلم. الحديث. وقال خالد الطحاوي، عن محمد بن عمرو، عن بي سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدت له يهودية بخيبر شاة، نحو حديث جابر. قال: فمات بشر بن البراء بن معرور، وأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فقتلت. ويحتمل أنه لم يقتلها أولاً، ثم لما مات بشر قتلها. وبشر شهد العقبة وبدراً، وأبوه قائد النقباء ليلة العقبة. وهو الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بني سلمة، من سيدكم قالوا: الجد بن قيس، على بخل فيه. فقال: وأي داء أدوى من البخل بل سيدكم الأبيض الجعد بشر بن البراء. وقال موسى بن عقبة، وابن شهاب، وعروة، واللفظ لموسى قالوا: لما فتحت خيبر أهدت زينب بنت الحارث اليهودية وهي ابنة أخي مرحب لصفية شاة مصلية وسمتها وأكثرت في الذراع، لأنه بلغها أن النبي صلى الله عليه وسلم يحب الذراع. وذكر الحديث. (2/437)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 438 (حديث الحجاج بن علاط السلمي) وعن عروة، وموسى بن عقبة قالا: كان بين قريش حين سمعوا بمخرج النبي صلى الله عليه وسلم تراهن وتبايع، منهم من يقول: يظهر محمد ومنهم من يقول: يظهر الحليفان ويهود خيبر. وكان الحجاج بن علاط السلمي البهزي قد أسلم وشهد فتح خيبر، وكانت تحته أن شيبة العبدرية، وكان الحجاج ذا مال، وله معادن من أرض بني سليم. فلما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم على خيبر، قال الحجاج: يا رسول الله، إن لي ذهباً عند امرأتي، وإن تعلم هي وأهلها بإسلامي فلا مال لي، فائذن لي فأسرع السير ولا يسبق الخبر.) وقال محمد بن ثور واللفظ له وعبد الرزاق، عن معمر، سمعت ثابتاً البناني، عن أنس، قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، قال الحجاج ابن علاط: يا رسول الله، إن لي بمكة مالاً، وإن لي بها أهلاً أريد إتيانهم، فأنا في حلٍ إن أنا قلت منك وقلت شيئاً فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال لامرأته، وقال لها: أخفي علي واجمعي ما كان عندك لي، فإني أريد أن أشتري من غنائم محمد وأصحابه، فإنهم قد استبيحوا وأصيبت أموالهم. ففشا ذلك بمكة، واشتد على المسلمين وبلغ منهم. وأظهر المشركون فرحاً وسروراً. فبلغ العباس الخبر فعقر وجعل لا يستطيع أن يقوم. قال معمر: فأخبرني عثمان الجزري، عن مقسم قال: فأخذ العباس ابناً له يقال له قثم واستلقى ووضعه على صدره وهو يقول: (حبي قثم شبيه ذي الأنف الأشم.......... فتى ذي النعم برغم من رغم) (2/438)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 439 قال معمر في حديث أنس: فأرسل العباس غلاماً له إلى الحجاج أن: ويلك، ما جئت به وما تقول والذي وعد الله خير مما جئت به. قال بيوته فآتيه، فإن الأمر على ما يسره. فلما بلغ العبد باب الدار، قال: أبشر يا أبا الفضل. فوثب العباس فرحاً حتى قبل ما بين عينيه وأعتقه، ثم جاء الحجاج فأخبره بافتتاح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، وغنم أموالهم، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطفى صفية، ولكن جئت لمالي، وأني استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم فأذن لي، فأخف علي يا أبا الفضل ثلاثاً، ثم اذكر ما شئت. قال: وجمعت له امرأته متاعه، ثم استمر، فلما كان بعد ثلاث، أتى العباس امرأة الحجاج فقال: ما فعل زوجك قالت: ذهب، لا يحزنك الله يا أبا الفضل لقد شق علينا الذي بلغك. فقال: أجل، لا يحزنني الله، ولم يكن بحمد الله إلا ما أحب فتح الله على رسوله، وجرت سهام الله في خيبر، واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه، فإن كان لك في زوجك حاجة فالحقي به. قالت: أظنك والله صادقاً. ثم أتى مجالس قريش وحدثهم. فرد الله ما كان بالمسلمين من كآبة وجزع على المشركين. (2/439)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 440 (2/440)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 441 (غزوة وادي القرى) مالك، عن ثور بن زيد، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر، فلم نغنم ذهباً ولا ورقاً، إلا الثياب) والمتاع. فوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو وادي القرى. وقد أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم عبد يقال له: مدعم. حتى إذا كانوا بوادي القرى، بينما يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جاء سهم فقتله فقال الناس: هنيئاً له الجنة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلا، والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من الغنائم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه ناراً. فلما سمعوا بذلك، جاء رجل بشراك أو شراكين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: شراك من نار أو قال: شراكان من نار متفق عليه. وقال الواقدي: حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر (2/441)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 442 إلى وادي القرى. وكان رفاعة بن زيد الجذامي قد وهب لرسول الله صلى الله عليه وسلم عبداً يقال له مدعم. فلما نزلنا بوادي القرى، انتهينا إلى يهود وقد ثوى إليها ناس من العرب. فبينما مدعم يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد استقبلنا يهود بالرمي حيث نزلنا. ولم نكن على تعبئة، وهم يصيحون في طلبهم، فيقبل سهم عائر، فأصاب مدعماً فقتله. فقال الناس: هنيئاً له الجنة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كلا، والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من الغنائم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه ناراً. فلما سمع بذلك الناس، جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراك أو بشراكين، فقال: شراك، أو شراكان، من نار. فعبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه للقتال وصفهم، ودفع لواءه إلى سعد بن عبادة، ودفع راية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سهل بن حنيف، وراية إلى عباد بن بشر، ثم دعاهم إلى الإسلام وأخبرهم أنهم إن أسلموا أحرزوا أموالهم وحقنوا دماءهم، فبرز رجل، فبرز إليه الزبير فقتله، ثم برز آخر، فبرز إليه علي فقتله، ثم برز آخر، فبرز إليه أبو دجانة فقتله، حتى قتل منهم أحد عشر رجلاً ثم أعطوا من الغد بأيديهم. وفتحها الله عنوة. وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي القرى أربعة أيام. فلما بلغ ذلك أهل تيماء صالحوا على الجزية. فلما كان عمر، أخرج يهود خيبر وفدك، ولم يخرج أهل تيماء ووادي القرى لأنهما داخلتان في أرض الشام ويرى أن مادون وادي القرى إلى المدينة حجاز، وما وراء ذلك من الشام.) (2/442)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 443 وقال ابن وهب: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قفل من غزوة خيبر، فسار ليله حتى إذا أدركنا الكرى عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لبلال: أكلأ لنا الليل فغلبت بلالاً عيناه فلم يستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ولا بلال إلا بحر الشمس. الحديث. أخرجه مسلم. وروي أن ذلك كان في طريق الحديبية. رواه شعبة، عن جامع بن شداد، عن عبد الرحمن بن أبي علقمة، عن ابن مسعود. ويحتمل أن يكون نومهم مرتين. وقد رواه زافر بن سليمان، عن شبعة، فذكر أن ذلك كان في غزوة تبوك. وقد روى النوم عن الصلاة: عمران بن حصين، وأبو قتادة الأنصاري. والحديثان صحيحان رواهما مسلم، وفيهما طول. وقال ابن وهب: أنا يونس، عن ابن شهاب، عن أنس قال: لما قدم (2/443)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 444 المهاجرون المدينة قدموا وليس بأيديهم شيء. وكان الأنصار أهل أرض، فقاسموا المهاجرين على أن أعطوهم أنصاف ثمار أموالهم كل عام، ويكفونهم العمل والمؤونة. وكانت أم أنس، وهي أم سليم، أعطت رسول الله صلى الله عليه وسلم عذاقاً لها، فأعطاهن رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أيمن مولاته أم أسامة بن زيد، فأخبرني أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من قتل أهل خيبر، وانصرف إلى المدينة، رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم، ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمي عذاقها، وأعطى أم أيمن مكانها من حائطه. قال ابن شهاب: وكان من شأن أم أسامة بن زيد أنها كانت وصيفة لعبد الله بن عبد المطلب. وكانت من الحبشة. فلما ولدت آمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت أم أيمن تحضنه حتى كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقها، ثم أنكحها زيد بن حارثة. ثم توفيت بعدما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر. أخرجه مسلم. وقال معتمر: حدثنا أبي، عن أنس، أن الرجل كان يعطي من ماله النخلات أو ما شاء الله من ماله، النبي صلى الله عليه وسلم، حتى فتحت عليه قريظة والنضير، فجعل يرد بعد ذلك، فأمرني أهلي أن آتيه فأسأله الذي كانوا أعطوه أو بعضه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه أم أيمن، أو كما شاء الله، قال: فسألته، فأعطانيهن. فجاءت أم أيمن فلوت الثوب في) عنقي، وجعلت تقول: كلا والله لا إله إلا هو، لا نعطيكهن وقد أعطانيهن. فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: يا أم أيمن اتركي كذا وكذا. وهي تقول لا والله. حتى أعطاها عشرة أمثال ذلك، أو نحوه. وفي لفظ في الصحيح: وهي تقول: (2/444)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 445 كلا والله حتى أعطي عشرة أمثاله. أخرجاه. وفي سنة سبع: قدم حاطب بن أبي بلتعة من الرسلية إلى المقوقس ملك ديار مصر، ومعه منه هدية للنبي صلى الله عليه وسلم، وهي مارية القبطية، أم إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، وأختها سيرين التي وهبها لحسان بن ثابت، وبغلة النبي صلى الله عليه وسلم دلدل، وحماره يعفور. وفيها: توفيت ثويبة مرضعة النبي صلى الله عليه وسلم بلبن ابنها مسروح وكانت مولاة لأبي لهب أعتقها عام الهجرة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث إليها من مكة بصلة وكسوة. حتى جاءه موتها سنة سبع مرجعه من خيبر، فقال: ما فعل ابنها مسروح قالوا: مات قبلها وكانت خديجة تكرمها، وطلبت شراءها من أبي لهب فامتنع. رواه الواقدي عن غير واحد. أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل حليمة أياماً، وأرضعت أيضاً حمزة بن عبد المطلب، وأبا سلمة بن عبد الأسد. (2/445)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 446 (سرية أبي بكر إلى نجد) وكانت بعد خيبر سنة سبع. وقال عكرمة بن عمار: حدثني إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه إلى بني فزارة، وخرجت معه حتى إذا دنونا من الماء عرس بنا أبو بكر، حتى إذا ما صلينا الصبح، أمرنا فشننا الغارة، فوردنا الماء. فقتل أبو بكر من قتل، ونحن معه، فرأيت عنقاً من الناس فيهم الذراري. فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل، فأدركتهم، فرميت بسهمي. فلما رأوه قاموا، فإذا امرأة عليها قشع من أدم، معها ابنتها من أحسن العرب فجئت أسوقهم إلى أبي بكر، فنفلني أبو بكر ابنتها، فلم أكشف لها ثوباً حتى قدمت المدينة، ثم باتت عندي فلم أكشف لها ثوباً. حتى لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق فقال: يا سلمة، هب لي المرأة قلت: يا نبي الله والله لقد أعجبتني وما كشفت لها ثوباً. فسكت حتى كان من الغد فقال: يا سلمة، هب لي المرأة لله أبوك. قلت: هي لك يا رسول الله. فبعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة، ففدى بها أسرى من المسلمين. أخرجه) مسلم. وقيل كان ذلك في شعبان. (سرية عمر إلى عجز هوازن) وقال الواقدي: ثنا أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبي بكر بن عمر بن (2/446)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 447 عبد الرحمن قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر إلى تربة عجز هوازن، في ثلاثين راكباً، فخرج ومعه دليل. فكانوا يسيرون الليل ويكمنون النهار. فأتى الخبر هوازن، فهربوا. وجاء عمر محالهم، فلم يلق منهم أحداً، فانصرف إلى المدينة، حتى سلك النجدية. فلما كانوا بالجدر، قال الدليل لعمر: هل لك في جمع آخر تركته من خثعم جاءوا سائرين، قد أجدبت بلادهم فقال عمر: ما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم. ورجع إلى المدينة. وذلك في شعبان. (سرية بشير بن سعد) قال الواقدي: حدثني عبد الله بن الحارث بن الفضل، عن أبيه، قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم بشير بن سعد في ثلاثين رجلاً إلى بني مرة بفدك. فخرج فلقي رعاء الشاء، فاستاق الشاء والنعم منحدراً إلى المدينة. فأدركه الطلب عند الليل، فباتوا يرامونهم بالنبل حتى فني نبل أصحاب بشير، فأصابوا أصحابه وولى منهم من ولي، وقاتل بشير قتالاً شديداً حتى ضرب كعباه. وقيل قد مات، ورجعوا بنعمهم وشائهم، وتحامل بشير حتى (2/447)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 448 انتهى إلى فدك، فأقام عند يهودي حتى ارتفع من الجراح، ثم رجع إلى المدينة. (سرية غالب بن عبد الله الليثي) قال الواقدي: حدثني أفلح بن سعيد، عن بشير بن محمد بن عبد الله ابن زيد، الذي أري الأذان، قال: كان مع غالب بن عبد الله بن مسعود، عقبة بن عمرو الأنصاري، وكعب بن عجرة، وعلبة بن زيد. فلما دنا غالب منهم ليلاً وقد احتلبوا وهدأوا، قام فحمد الله وأثنى عليه وأمر بالطاعة، قال: وإذا كبرت فكبروا، وجردوا السيوف. فذكر الحديث في إحاطتهم بهم. قال: ووضعنا السيوف حيث شئنا منهم، ونحن نصيح بشعارنا: أمت أمت، وخرج أسامة يحمل على رجل فقال: لا إله إلا الله وذكر الحديث. وقال يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، حدثني شيخ من أسلم، عن رجال من قومه قالوا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الكلبي، كلب ليث، إلى أرض بني مرة،) فأصاب بها مرداس بن نهيك، (2/448)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 449 حليف لهم من الحرقة فقتله أسامة. فحدثني محمد بن أسامة بن محمد بن أسامة، عن أبيه، عن جده أسامة بن زيد قال: أدركته، يعني مرداساً، أنا ورجل من الأنصار، فلما شهرنا عليه السيف قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فلم ننزع عنه حتى قتلناه. فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرناه خبره، فقال: يا أسامة من لك بلا إله إلا الله فقلت: يا رسول الله، إنما قالها تعوذاً من القتل. قال: فمن لك بلا إله إلا الله. فوالذي بعثه بالحق، ما زال يرددها علي حتى لوددت أن ما مضى من إسلامي لم يكن. وأني أسلمت يومئذ ولم أقتله. وقال هشيم: نا حصين بن عبد الرحمن، ثنا أبو ظبيان، سمعت أسامة ابن زيد يحدث قال: أتينا الحرقة من جهينة. قال: فصبحنا القوم فهزمناهم. ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم، فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله. قال: فكف عنه الأنصار، فطعنته أنا برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فقال: أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله، ثلاث مرات. قلت: يا رسول الله، إنما كان متعوذاً، قال: فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل يومئذ. متفق عليه. وقال محمد بن سلمة، عن ابن إسحاق، حدثني يعقوب بن عتبة، (2/449)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 450 عن مسلم بن عبد الله الجهني، عن جندب بن مكيث الجهني، قال: بعث رسول لله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله إلى بني الملوح بالكديد، وأمره أن يغير عليهم، وكنت في سريته. فمضينا حتى إذا كنا بقديد، لقينا به الحارث بن مالك بن البرصاء الليثي، فأخذناه فقال: إني إنما جئت لأسلم فقال له غالب: إن كنت إنما جئت لتسلم فلا يضرك رباط يوم وليلة، وإن كنت على غير ذلك استوثقنا منك، قال: فأوثقه رباطاً وخلف عليه رويجلاً أسود، قال: امكث عليه حتى نمر عليك، فإن نازعك فاحتز رأسه، وأتينا بطن الكديد فنزلنا بعد العصر. فبعثني أصحابي إليه، فعمدت إلى تل يطلعني على الحاضر، فانبطحت عليه، وذلك قبل الغروب. فخرج رجل فنظر فرآني منبطحاً على التل فقال لامرأته، إني لأرى سواداً على هذا التل ما رأيته في أول النهار، فانظري لا تكون الكلاب اجترت بعض أوعيتك. فنظرت فقالت: والله ما أفقد شيئاً. قال: فناوليني قوسي وسهمين من نبلي. فناولته فرماني بسهم فوضعه في جبيني، أو قال: في جنبي، فنزعته فوضعته ولم أتحرك،) ثم رماني بالآخر، فوضعه في رأس منكبي، فنزعته فوضعته ولم أتحرك. فقال لامرأته: أما والله لقد خالطه سهماي، ولو كان زائلاً لتحرك، فإذا أصبحت فابتغي سهمي فخذيهما، لا تمضغهما علي الكلاب. قال: ومهلنا حتى راحت روائحهم، وحتى إذا احتلبوا وعطفوا وذهب عتمة من الليل شننا عليهم الغارة فقتلنا من قتلنا واستقنا النعم فوجهنا قافلين به، وخرج صريخ القوم إلى قومهم. قال: وخرجنا سراعاً حتى نمر بالحارث (2/450)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 451 ابن مالك بن البرصاء وصاحبه، فانطلقا به معنا. وأتانا صريخ الناس فجاءنا ما لا قبل لنا به. حتى إذا لم يكن بيننا وبينهم إلا بطن الوادي من قديد، بعث الله من حيث شاء ماء ما رأينا قبل ذلك مطراً ولا سحاباً، فجاء بما لا يقدر أحد يقدم عليه، لقد رأيتهم وقوفاً ينظرون إلينا ما يقدر أحد منهم أن يقدم عليه، ونحن نحدوها. فذهبنا سراعاً حتى أسندنا بها في المشلل، ثم حدرنا عنه وأعجزناهم. (سرية الجناب) قال الواقدي في مغازيه: حدثني يحيى بن عبد العزيز بن سعيد بن سعد بن عبادة، عن بشير بن محمد بن عبد الله بن زيد قال: قدم رجل من أشجع يقال له حسيل بن نويره، وكان دليل النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، فقال له: من أين يا حسيل قال: من يمن وجبار، وما وراءك قال: تركت (2/451)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 452 جمعاً من يمن وغطفان وجبار وقد بعث إليهم عيينة إما أن تسيروا إلينا وإما أن نسير إليكم، فأرسلوا إليه أن سر إلينا، وهم يريدونك أو بعض أطرافك. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر فذكر لهما ذلك فقالا جميعاً: ابعث إليهم بشير بن سعد، فعقد له لواء وبعث معه ثلاثمائة رجل، وأمرهم أن يسروا الليل ويكمنوا النهار، ففعلوا، حتى أتوا أسفل خيبر، فأغاروا وقتلوا عيناً لعيينة. ثم لقوا جمع عيينة فناوشوهم، ثم انكشف جميع عيينة وأسر منهم رجلان، وقدموا بهما على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلما. (سرية أبي حدرد إلى الغابة) قال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: كان من حديث أبي حدرد الأسلمي ما حدثني جعفر بن عبد الله بن أسلم، عن أبي حدرد، قال: تزوجت امرأة من قومي، فأصدقتها مائتي درهم. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستعينه على نكاحي، فقال: كم أصدقت قلت: مائتا درهم، فقال: سبحان الله، والله لو كنتم تأخذونها من بطن واد ما زدتم، لا والله ما عندي ما أعينك به،) فلبث أياماً، ثم أقبل رجل من جشم بن معاوية يقال له رفاعة ابن قيس أو قيس بن رفاعة، في بطن عظيم من جشم، حتى نزل بقومه (2/452)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 453 ومن معه بالغابة، يريد أن يجمع قيساً على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان ذا شرف، فدعاني النبي صلى الله عليه وسلم ورجلين من المسلمين، فقال: اخرجوا إليه، حتى تأتوا منه بخبر وعلم، وقدم لنا شارفاً عجفاء، فحمل عليها أحدنا، فوالله ما قامت به ضعفاً، حتى دعمها الرجال من خلفها بأيديهم، حتى استقلت وما كادت. وقال: تبلغوا على هذه، فخرجنا، حتى إذا جئنا قريباً من الحاضر مع غروب الشمس، وكمنت في ناحية، وأمرت صاحبي فكمنا في ناحية، وقلت: إذا سمعتماني قد كبرت وشددت في العسكر، فكبروا وشدوا معي، فوالله إنا لكذلك ننتظر أن نرى غرة وقد ذهبت فحمة العشاء، وقد كان لهم راع قد سرح في ذلك البلد فأبطأ عليهم، فقام زعيمهم رفاعة فأخذ سيفه وقال: لأتبعن أثر راعينا، فقالوا: نحن نكفيك، قال: لا، ووالله لا يتبعني أحد منكم، وخرج حتى مر بي، فلما أمكنني نفحته بسهم فوضعته في فؤاده، فوالله ما نطق، فوثبت إليه، فاحتززت رأسه، ثم شددت في ناحية العسكر وكبرت وكبر صاحباي، فوالله ما كان إلا النجاء ممن كان فيه عندك بكل ما قدروا عليه من نسائهم وأبنائهم وما خف معهم، واستقنا إبلاً عظيمة وغنماً كثرة، فجئنا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجئت برأسه أحمله معي، فأعطاني من تلك الإبل ثلاثة عشر بعيراً في صداقي، فجمعته إلى أهلي. (2/453)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 454 (سرية ملحم بن جثامة) قال محمد بن سلمة، عن ابن إسحاق، حدثني يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن ابن عبد الله بن أبي حدرد، عن أبيه، قال: بعثنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى إضم في نفر من المسلمين منهم أبو قتادة، ومحلم بن جثامة بن قيس. حتى إذا كنا ببطن إضم، مر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي على قعود له، معه متيع ل، ووطب من لبن، فسلم علينا بتحية الإسلام. فأمسكنا عنه، وحمل عليه محلم فقتله لشيء كان بينه وبينه، وأخذ بعيره ومتاعه، فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرناه الخبر. فنزل فينا القرآن: يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً، إلى آخر الآية. رواه حماد بن سلمة، عن ابن إسحاق. وقال حماد بن سلمة، عن ابن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، سمعت زياد بن) ضميرة بن سعد الضمري يحدث عن أبيه وجده، وقد شهدا حنيناً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى الظهر وجلس في ظل شجرة، فقام إليه عيينة بن بدر يطلب بدم عامر بن الأضبط، سيد قيس، وجاء الأقرع بان حابس يرد على محلم بن جثامة، وهو سيد خندف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (2/454)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 455 لقوم عامر: هل لكم أن تأخذوا منا الآن خمسين بعيراً، وخمسين إذا رجعنا إلى المدينة فقال عيينة بن بدر: والله لا أدعه حتى أذيق نساءه من الحر مثل ما أذاق نسائي. فقال رجل من بني ليث يقال له: مكيتل، وهو قصير من الرجال، فقال: يا رسول الله، ما أجد لهذا القتيل مثلاً في غرة الإسلام إلا كغنم وردت فرميت أولاها فنفرت أخرها، أسنن اليوم غير غداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل لكم أن تأخذوا خمسين بعيراً الآن وخمسين إذا رجعنا فلم يزل بهم حتى رضوا بالدية. قال قوم محلم: ائتوا به حتى يستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فجاء رجل طوال ضرب اللحم في حلة قد تهيأ فيها للقتل، فقام بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم لا تغفر لمحلم. قالها ثلاثاً. فقام وإنه ليتلقى دموعه بطرف ثوبه. قال ابن إسحاق: زعم قومه أنه استغفر له بعد. وقال أبو داود في سننه: ثنا موسى بن إسماعيل، نا (2/455)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 456 حماد، نا محمد بن إسحاق، قال: فحدثني محمد بن جعفر، سمعت زياد ابن ضميرة. ح. قال وثنا أحمد بن سعيد الهمداني، ووهب بن بيان، قالا ثنا ابن وهب، أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن عبد الرحمن بن الحارث، عن محمد بن جعفر، أنه زياد بن سعد بن ضميرة السلمي. وهذا حديث وهب وهو أتم، يحدث عروة بن الزبير، عن أبيه وجده، قال موسى: وجده، وكانا شهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنيناً، يعني أباه وجده. ثم رجعنا إلى حديث وهب: أن محلم بن جثامة قتل رجلاً من أشجع في الإسلام. وذلك أول غير قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فتكلم عيينة في قتل الأشجعي لأنه من غطفان، وتكلم الأقرع بن حابس. فذكر القصة إلى أن قال: ومحلم رجل طويل آدم، وهو في طرف الناس، فلم يزالوا حتى تخلص فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعيناه تدمعان. فقال: يا رسول الله، إني قد فعلت الذي بلغك، وإني أتوب إلى الله، فاستغفر لي يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقتلته بسلاحك في غرة الإسلام اللهم لا تغفر لمحلم. بصوت عال.) زاد أبو سلمة: فقام وإنه ليتلقى دموعه بطرف ردائه. (2/456)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 457 (سرية عبد الله بن حذافة) بن قيس ابن عدي السهمي قال ابن جريج: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم. نزلت في عبد الله بن حذافة السهمي، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية. أخبرنيه يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. أخرجه في الصحيح. وقال الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي بن أبي طالب: استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأنصار على سرية، ومرهم أن يطيعوه. فأغضبوه في شيء، فقال: اجمعوا لي حطباً، فجمعوا. وأمرهم فأوقدوه. ثم قال: ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسمعوا لي وتطيعوا قالوا: بلى. قال: فادخلوها. فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا: إنما فررنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار. فسكن غضبه، وطفئت النار. فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا له ذلك. فقال: لو دخلوها ما خرجوا منها. إنما الطاعة في المعروف. أخرجاه. وفيها كانت غزوة ذات الرقاع. وقد تقدمت سنة أربع، وأوردنا الخلاف فيها. (2/457)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 458 (2/458)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 459 (عمرة القضاء) روى نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم، عن نافع مولى ابن عمر قال: كانت عمرة القضية في ذي القعدة سنة سبع. وقال معتمر بن سلميان، عن أبيه قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر، بعث سرايا وقام بالمدينة حتى استهل ذو القعدة. ثم نادى في الناس أن تجهزوا العمرة فتجهزوا، وخرجوا معه إلى مكة. وقال ابن شهاب: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة حتى بلغ يأجج وضع الأداة كلها: الحجف والمجان والرماح والنبل. ودخلوا بسلاح الراكب: السيوف. وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جعفراً بين يديه إلى ميمونة بنت الحراث بن حزن العامرية فخطبها عليه، فجعلت أمرها إلى العباس (2/459)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 460 وكانت أختها تحته وهي أم الفضل فزوجها العباس رسول الله) صلى الله عليه وسلم. فلما قدم أمر أصحابه فقال: اكشفوا عن المناكب واسعوا في الطواف، ليرى المشركون جلدهم وقوتهم، وكان يكايدهم بكل ما استطاع. فاستكف أهل مكة الرجال والنساء والصبيان ينظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم يطوفون بالبيت. وعبد الله بن رواحة يرتجز بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم متوشحاً بالسيف يقول: (خلوا بني الكفار عن سبيله.......... أنا الشهيد أنه رسوله)

(قد أنزل الرحمن في تنزيله.......... في صحف تتلى على رسوله)

(فاليوم نضربكم على تأويله.......... كما ضربناكم على تنزيله)

(ضرباً يزيل الهام عن مقيله.......... ويذهل الخيل عن خليله) وتغيب رجال من أشرافهم أن ينظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم غيظاً وحنقاً، ونفاسة وحسداً، خرجوا إلى الخندمة. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، وأقام ثلاث ليال، وكان ذلك آخر الشرط. فلما أصبح من اليوم الرابع أتاه سهيل بن عمرو وغيره، فصاح حويطب بن عبد العزى: نناشدك الله والعقد لما خرجت من أرضنا فقد مضت الثلاث. فقال سعد بن عبادة: كذبت لا أم لك ليس بأرضك ولا بأرض آبائك، والله لا نخرج. ثم نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم سهيلاً وحويطباً، فقال: إني قد نكحت فيكم امرأة فما يضركم أن أمكث حتى أدخل بها، ونصنع الطعام فنأكل وتأكلون معنا. قالوا: نناشدك الله والعقد، إلا خرجت عنا. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا رافع فأذن بالرحيل. وركب (2/460)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 461 رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بطن سرف وأقام المسلمون، وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا رافع ليحمل ميمونة إليه حين يمسي. فأقام بسرف حتى قدمت عليه، وقد لقيت عناء وأذى من سفهاء قريش، فبنى بها. ثم أدلج فسار حتى قدم المدينة. وقدر الله أن يكون موت ميمونة بسرف بعد حين. وقال فليح، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج معتمراً، فحال كفار قريش بينه وبين البيت. فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية. وقاضاهم على أن يعتمر العام المقبل، ولا يحمل سلاحاً إلا سيوفاً، ولا يقيم بها إلا ما أحبوا. فاعتمر من العام المقبل فدخلها كما صالحهم. فلما أن أقام بها ثلاثاً أمروه أن يخرج، فخرج. أخرجه البخاري.) وقال الواقدي: ثنا عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر قال: لم تكن هذه العمرة قضاء ولكن شرطاً على المسلمين أن يعتمروا قابل في الشهر الذي صدهم المشركون. وقال محمد بن سلمة، عن ابن إسحاق، عن عمرو بن ميمون، سمعت أبا حاضر الحضرمي أن ميمون بن مهران قال: خرجت معتمراً سنة حوصر ابن الزبير. وبعث معي رجال من قومي بهدي. فلما انتهينا إلى أهل الشام منعونا أن ندخل الحرم فنحرت الهدي مكاني، ثم أحللت ثم رجعت. فلما كان من العام المقبل، خرجت لأقضي عمرتي، فأتيت ابن عباس (2/461)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 462 فسألته، فقال: أبدل الهدي الذي نحروا عام الحديبية في عمرة القضاء. زاد فيه يونس عن ابن إسحاق قال: فعزت الإبل عليهم، فرخص لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في البقر. وقال الواقدي: حدثني غانم بن أبي غانم، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: قد ساق النبي صلى الله عليه وسلم، في القضية ستين بدنة. قال: ونزل النبي صلى الله عليه وسلم مر الظهران، وقدم السلاح إلى بطن يأجج، حيث ينظر إلى أنصاب الحرم. وتخوفت قريش، فذهبت في رءوس الجبال وخلوا مكة. وقال معمر، عن الزهري، عن أنس قال: لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم. مكة في عمرة القضاء، مشى ابن رواحة بين يديه وهو يقول: (خلوا بني الكفار عن سبيله.......... قد أنزل الرحمن في تنزيله) (بأن خير القتل في سبيله.......... نحن قتلناكم على تأويله) (كما قتلناكم على تنزيله.......... يا رب إني مؤمن بقيله) وقال أيوب، عن سعيد بن جبير، حدثه، عن ابن عباس: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، وقد وهنتهم حمى يثرب. فقال المشركون: إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم الحمى، ولقوا منها شراً. فأطلع الله نبيه على ما قالوه، فأمرهم أن يرملوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا بين الركنين. فلما رأوهم رملوا، قالوا: هؤلاء الذين ذكرتم أن الحمى وهنتهم؟ هؤلاء أجلد منا. قال ابن عباس: ولم (2/462)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 463 يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم. أخرجاه. وقال يزيد بن هارون: أنا الجرير عن أبي الطفيل قال: قلت لابن عباس إن قومك يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رمل وأنها سنة. قال: صدقوا وكذبوا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة والمشركون على قعيقعان، وكان أهل مكة قوماً حسداً، فجعلوا يتحدثون) بينهم أن أصحاب محمد ضعفاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أروهم ما يكرهون منك. فرمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ليريهم قوته وقوة أصحابه، وليست بسنة. أخرجه مسلم. وقد بقي الرمل سنة في طواف القدوم وإن كان قد زالت علته فإن جابراً قد حكى في حجة النبي صلى الله عليه وسلم أنه رمل ورملوا في عمرة الجعرانة. وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن ابن أوفى سمعه يقول: اعتمرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنا نستره حين طاف من صبيان مكة لا يؤذونه. وأرانا ابن أبي أوفى ضربة أصابته مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر. خ. (2/463)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 464 (2/464)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 465 (زواجه صلى الله عليه وسلم بميمونة) وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق حدثني أبان بن صالح، وعبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، وعطاء، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة، وكان الذي زوجه العباس. فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثاً. فأتاه حويطب بن عبد العزى، في نفر من قريش، فقالوا: قد انقضى أجلك فأخرج عنا. قال: لو تركتموني فعرست بني أظهركم، وصنعنا طعاماً فحضرتموه. قالوا: لا حاجة لنا به. فخرج، وخلف أبا رافع مولاه على ميمونة، حتى أتاه بها بسرف، فبنى عليها. وقال وهيب: ثنا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم، وبنى بها وهو حلال، وماتت بسرف. رواه البخاري. وقال عبد الرزاق: قال لي الثوري: لا تلتفت إلى قول أهل المدينة. أخبرني عمرو، عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج (2/465)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 466 وهو محرم. وقد رواه الثوري أيضاً عن ابن خثيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. وهما في الصحيح. وقال الأوزاعي: ثنا عطاء، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم. فقال سعيد بن المسيب: وهل وإن كانت خالته. ما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد ما أحل. أخرجه البخاري، عن أبي المغيرة، عنه. وقال حماد بن سلمة، عن حبيب بن الشهيد، عن ميمون بن مهران، عن يزيد بن الأصم، عن ميمونة قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف. رواه أبو داود.) وقد أخرجه مسلم من وجه آخر عن يزيد ابن الأصم. وقال سليمان بن حرب: نا حماد بن زيد، نا مطر الوراق، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن سليمان بن يسار، عن أبي رافع قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو حلال، وبنى بها وهو حلال. وكنت الرسول بينهما. وقال إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة. فذكر الحديث بطوله. وفيه: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني من مكة، فتبعتهم ابنة حمزة، فنادت: يا عم. فتناولها علي رضي الله عنه، وقال لفاطمة: دونك، فحملتها. قال: فاختصم فيها علي وزيد بن حارثة وجعفر، فقال علي: أنا أخذتها وهي ابنة عمي، وقال جعفر. ابنة عمي، (2/466)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 467 وخالتها تحتي، وقال زيد: ابنة أخي. فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بها لخالتها، وقال: الخالة أم وقال لعلي أنت مني وأنا منك، وقال لجعفر: أشبهت خلقي وخلقي، وقال لزيد: أنت أخونا ومولانا، أخرجه البخاري عن عبيد الله عنه. وقال الواقدي: حدثني ابن أبي خيثمة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن عمارة بنت حمزة، وأمها سلمى بنت عميس كانتا بمكة. فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم، كلم علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: علام نترك بنت عمنا يتيمة بين ظهراني المشركين فلم ينه النبي صلى الله عليه وسلم عن إخراجها. فخرج بها، فتكلم زيد بن حارثة، وكان وصي حمزة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد آخى بينهما. وذكر الحديث وفيه: فقضى بها لجعفر وقال: تحتك خالتها، ولا تنكح المرأة على خالتها ولا عمتها. وعن ابن شهاب، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من عمرته في ذي الحجة سنة سبع بعث ابن أبي العوجاء في خمسين إلى بني سليم. (2/467)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 468 (2/468)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 469 1 (أحداث السنة الثامنة) قال الواقدي: حدثني محمد بن عبد الله، عن عمه ابن شهاب قال: سار ابن أبي العوجاء السلمي في خمسين رجلاً إلى بني سليم، وكان عين لبني سليم معه. فلما فصل من المدينة، خرج العين إلى قومه فحذرهم. فجمعوا جمعاً كثيراً. وجاءهم ابن أبي العوجاء وهم معدون. فلما رآهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأوا جمعهم، دعوهم إلى الإسلام. فرشقوهم بالنبل، ولم يسمعوا قولهم، فرموهم ساعة، وجعلت الأمداد تأتي، وأحدقوا بهم. فقاتلوا حتى قتل عامتهم، وأصيب ابن أبي العوجاء جريحاً في القتلى. ثم تحامل حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدم المدينة في أول صفر. (ابن العاص وخالد بن الوليد) وفيها: أسلم عمرو بن العاص، وخالد بن الوليد. (2/469)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 470 قال الواقدي: أنا عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه قال: قال عمرو بن العاص. كنت للإسلام مجانباً معانداً. حضرت بدراً مع المشركين فنجوت، ثم حضرت أحداً والخندق فنجوت. فقلت في نفسي: كم أوضع، والله ليظهرن محمد على قريش. فلحقت بمالي بالوهط. فلما كان الصلح بالحديبية، جعلت أقول، يدخل محمد قابلاً مكة بأصحابه، ما مكة بمنزل ولا الطائف، وما شيء خير من الخروج. فقدمت مكة فجمعت رجالاً من قريش كانوا يرون رأيي ويسمعون مني، فقلت: تعلموا والله إني لأرى أمر محمد يعلو علواً منكراً، وإني قد رأيت رأياً. قالوا: وما هو قلت: نلحق بالنجاشي فنكون معه، فإن يظهر محمد كنا عند النجاشي، فنكون تحت يد النجاشي، أحب إلينا من أن نكون تحت يد محمد. وإن تظهر قريش فنحن من عرفوا. قالوا: هذا الرأي. قلت: فاجمعوا ما تهدونه له. وكان أحب ما يهدى إليه من أرضنا الأدم. فجمعنا له أدماً كثيراً، ثم خرجنا حتى أتيناه، فإنا لعنده إذا جاء عمرو ابن أمية الضمري بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ليزوجه بأم حبيبة بنت أبي (2/470)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 471 سفيان فدخل عليه ثم خرج من عنده، فقلت لأصحابي: لو دخلت على النجاشي، وسألته هذا فأعطانيه لقتلته لأسر بذلك قريشاً. فدخلت عليه فسجدت له فقال: مرحباً بصديقي، أهديت لي من بلادك شيئاً قلت: نعم أيها الملك أهديت لك أدماً. وقربته إليه، فأعجبه، ففرق منه أشياء بين بطارقته. ثم قلت: إني رأيت رجلاً خرج من عندك وهو رسول عدو لنا قد وترنا وقتل أشرافنا، فأعطنيه فأقتله.) فغضب ورفع يده فضرب بها أنفي ضربة ظننت أنه كسره، فابتدر منخراي فجعلت أتلقى الدم بثيابي. فأصابني من الذل ما لو انشقت لي الأرض دخلت فيها فرقاً منه. ثم قلت: أيها الملك: لو ظننت أنك تكره ما قلت ما سألتكه. قال: فاستحى وقال: يا عمرو، تسألني أن أعطيك رسول من يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى وعيسى عليهما السلام لتقتله قال عمرو: وغير الله قلبي عما كنت عليه، وقلت في نفسي: عرف هذا الحق العرب والعجم وتخالف أنت قلت: أتشهد أيها الملك بهذا قال: نعم، أشهد به عند الله يا عمرو، فأطعني واتبعه، فوالله إنه لعلى الحق، وليظهرن على من خالفه، كما ظهر موسى على فرعون. قلت: أفتبايعني له على الإسلام قال: نعم، فبسط يده فبايعني على الإسلام، ثم جعل بطست، فغسل عني الدم، وكساني ثياباً، وكانت ثيابي قد امتلأت بالدم فألقيتها. وخرجت على أصحابي فلما رأوا كسوة النجاشي سروا بذلك وقالوا: هل أدركت من صاحبك ما أردت فقلت: كرهت أن أكلمه في أول مرة، وقلت أعود إليه ففارقتهم، وكأني أعمد لحاجة، فعمدت إلى موضع السفن (2/471)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 472 فأجد سفينة قد شحنت تدفع. فركبت معهم، ودفعوها حتى انتهوا إلى الشعيبة. وخرجت من الشعيبة ومعي نفقة، فابتعت بعيراً، وخرجت أريد المدينة، حتى خرجت على مر الظهران. ثم مضيت حتى إذا كنت بالهدة، فإذا رجلان قد سبقاني بغير كثير، يريدان منزلاً، وأحدهما داخل في خيمة، والآخر قائم يمسك الراحلتين. فنظرت فإذا خالد بن الوليد. فقلت: أبا سليمان قال: نعم. أين تريد قال: محمداً، دخل الناس في الإسلام فلم يبق أحد به طمع، والله لو أقمت لأخذ برقابنا كما يؤخذ برقبة الضبع في مغارتها. قلت: وأنا والله قد أردت محمداً وأردت الإسلام. فخرج عثمان بن طلحة، فرحب بي، فنزلنا جميعاً ثم ترافقنا إلى المدينة، فما أنس قول رجل لقينا ببئر أبي عنبة يصيح: يا رباح، يا رباح. فتفاءلنا بقوله، وسرنا ثم نظر إلينا، فاسمعه يقول: قد أعطت مكة المقادة بعد هذين. فظننت أنه يعنيني وخالد بن الوليد. ثم ولى مدبراً إلى المسجد سريعاً فظننت أنه بشر النبي صلى الله عليه وسلم بقدومنا، فكان كما ظننت. وأنخنا بالحرة فلبسنا من صالح ثيابنا، ونودي بالعصر، فانطلقنا حتى اطلعنا عليه، وإن لوجهه تهللاً، والمسلمون حوله قد سروا بإسلامنا. وتقدم خالد فبايع، ثم تقدم عثمان بن طلحة فبايع، ثم تقدمت فوالله ما هو إلا أن جلست (2/472)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 473 بين يديه، فما استطعت أن أرفع طرفي إليه حياء منه، فبايعته على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي، ولم يحضرني ما تأخر. فقال: إن) الإسلام يجب ما كان قبله، والهجرة تجب ما كان قبلها. فوالله ما عدل بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبخالد أحداً في أمر حزبه منذ أسلمنا. ولقد كنا عند أبي بكر بتلك المنزلة. ولقد كنت عند عمر بتلك الحال، وكان عمر على خالد كالعاتب. قال عبد الحميد بن جعفر: فذكرت هذا الحديث ليزيد بن أبي حبيب، فقال: أخبرني راشد مولى حبيب بن أوس الثقفي، عن حبيب، عن عمرو نحو ذلك. فقلت ليزيد: ألم يوقت لك متى قدم عمرو وخالد قال: لا، إلا أنه قال قبل الفتح. قلت: فإن أبي أخبرني أن عمراً وخالداً وعثمان قدموا المدينة لهلال صفر سنة ثمان. وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن راشد مولى حبيب بن أبي أوس، عن حبيب بن أبي أوس حدثني عمرو بن العاص، قال: لما انصرفنا من الخندق، جمعت رجالاً من قريش، فقلت: والله إني لأرى أمر محمد يعلو علواً منكراً، والله ما يقوم له شيء، وقد رأيت رأياً ما أدري كيف رأيكم فيه قالوا: وما هو قلت: أن نلحق بالنجاشي. فذكر الحديث، لكن فيه: فضرب بيده أنف نفسه حتى ظننت أنه قد كسره. والباقي بمعناه مختصر. وقال الواقدي: حدثني يحيى بن المغيرة بن عبد الرحمن بن (2/473)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 474 الحارث بن هشام، سمعت أبي يحدث عن خالد بن الوليد، قال: لما أراد الله بي ما أراد من الخير قذف في قلبي الإسلام، وحضرني رشدي، وقلت: قد شهدت هذه المواطن كلها على محمد فليس موطن أشهده إلا أنصرف وأنا أرى في نفسي أني موضع في غير شيء، وأن محمداً سيظهر. فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية، خرجت في خيل المشركين، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه بعسفان، فأقمت بإزائه وتعرضت له، فصلى بأصحابه الظهر أمامنا، فهممنا أن نغير عليه. ثم لم يعزم لنا، وكانت فيه خيرة، فاطلع على ما في أنفسنا من الهموم، فصلى بأصحابه صلاة العصر صلاة الخوف. فوقع ذلك منا موقعاً، وقلت: الرجل ممنوع. فافترقنا، وعدل عن سنن خيلنا، وأخذت ذات اليمين. فلما صالح قريشاً قلت: أي شيء بقي أين المذهب إلى النجاشي فقد اتبع محمداً وأصحابه عنده آمنون. فأخرج إلى هرقل فأخرج من ديني إلى النصرانية واليهودية فأقيم مع عجم تابعاً مع عنت ذلك أو أقيم في داري فيمن بقي فأنا على ذلك، إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة القضية، فتغيبت.) وكان أخي الوليد بن الوليد قد دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة القضية. فطلبني فلم يجدني، فكتب إلي كتاباً فإذا فيه: أما بعد فإني لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام. وعقلك عقلك، ومثل الإسلام يجهله أحد قد سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أين خالد فقلت: يأتي الله به. فقال: ما مثله جهل الإسلام، ولو كان جعل نكايته وجده مع المسلمين على (2/474)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 475 المشركين كان خيراً له ولقدمناه على غيره. فاستدرك يا أخي ما قد فاتك. فلما جاءني كتابه، نشطت للخروج، وزادني رغبة في الإسلام. وأرى في النوم كأني في بلاد ضيقة جدبة، فخرجت إلى بلاد خضراء واسعة قلت: إن هذه لرؤيا. فلما قدمنا المدينة قلت: لأذكرنها لأبي بكر، فذكرتها، فقال: هو مخرجك الذي هداك الله للإسلام، والضيق هو الشرك. قال: فلما أجمعت الخروج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: من أصاحب إلى محمد فلقيت صفوان ابن أمية. فقلت يا أبا وهب. أما ترى إلى ما نحن فيه، إنما كنا كأضراس، وقد ظهر محمد على العرب والعجم، فلو قدمنا على محمد فاتبعناه فإن شرفه لنا شرف. فأبى أشد الإباء وقال: لو لم يبق غيري ما اتبعته أبداً. فافترقنا وقت: هذا رجل قتل أخوه ببدر. فلقيت عكرمة بن أبي جهل فقلت له مثل ما قلت لصفوان، فقال لي مثل ما قال صفوان. قلت: فاكتم ذكر ما قلت لك. وخرجت إلى منزلي، فأمرت براحلتي أن تخرج إلي، فخرجت بها إلى أن ألقى عثمان بن طلحة. فقلت: إن هذا لي صديق، فذكرت له، فقال: نعم، إني عمدت اليوم، وإني أريد أن أغدو، وهذه راحلتي بفخ مناخة، قال: فاتعدت أنا وهو بيأجج، وأدلجنا سحراً، فلم يطلع الفجر حتى التقينا بيأجج، فغدونا حتى أنتهينا إلى الهدة. فنجد عمرو بن العاص بها، فقال: مرحباً بالقوم. فقلنا: وبك. (2/475)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 476 فذكر الحديث. وقال: كان قدومنا في صفر سنة ثمان. فوالله ما كان رسول اله صلى الله عليه وسلم في يوم أسلمت يعدل بي أحداً من أصحابه فيما حزبه. (سرية شجاع بن وهب الأسدي) قال الواقدي: حدثني ابن أبي سبرة، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن عمر بن الحكم، قال، قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب في أربعة وعشرين رجلاً، إلى جميع من هوازن. وأمره أن يغير عليهم. فخرج يسير الليل ويكمن النهار، حتى صبحهم غارين، فأصابوا نعماً وشاء، فاستاقوا ذلك إلى المدينة. فكانت سهمانهم خمسة عشر بعيراً لكل) رجل منهم. وعدلوا البعير بعشرة من الغنم. وغابت السرية خمس عشرة ليلة. قال ابن أبي سبرة: فحدثت به محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، فقال: كذبوا. قد أصابوا في ذلك الحاضر نسوة فاستاقوهن، فكانت فيهن جارية وضيئة، فقدموا بها المدينة، ثم قدم وفدهم مسلمين، فكلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في السبي. فكلم النبي صلى الله عليه وسلم شجاعاً وأصحابه في (2/476)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 477 ردهن. فردهن. قال ابن أبي سبرة: فأخبرت شيخاً من الأنصار بذلك، فقال: أما الجارية الوضيئة فأخذها بثمن فأصابها. فلما قدم الوفد، خيرها فاختارت شجاعاً. فقتل يوم اليمامة وهي عنده. (سرية نجد) قال نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية قبل نجد وأنا فيهم. فغنموا إبلاً كثيرة. فبلغت سهمانهم لكل واحد اثني عشر بعيراً، ثم نفلوا بعيراً بعيراً، فلم يغير رسول الله صلى الله عليه وسلم. متفق عليه. (سرية كعب بن عمير) قال الواقدي: ثنا محمد بن عبد الله، عن الزهري قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن عمير الغفاري، في خمسة عشر رجلاً حتى انتهوا إلى ذات أطلاح من الشام. فوجدوا جمعاً من جمعهم كثيراً، فدعوهم إلى الإسلام، فلم يستجيبوا لهم، ورشقوهم بالنبل، فلما رأى ذلك المسلمون قاتلوهم أشد القتال، حتى قتلوا، فأفلت منهم رجل جريح في القتلى، فلما برد عليه الليل، تحامل حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فهم بالبعث إليهم، فبلغه أنهم ساروا إلى موضع آخر، فتركهم. (2/477)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 478 (2/478)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 479 (غزوة مؤتة) قال محمد بن سعد: أنا محمد بن عثمان، حدثني ربيعة بن عثمان، عن عمر بن الحكم قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث بن عمير الأزدي إلى ملك بصرى بكتابه. فلما نزل مؤتة عرض للحارث شرحبيل ابن عمرو الغساني، فقال: أين تريد قال: الشام. قال: لعلك من رسل محمد قال: نعم، فأمر به فضربت عنقه. ولم يقتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم رسول غيره. وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، فاشتد عليه، وندب الناس فأسرعوا. وكان ذلك) سبب خروجهم إلى غزوة مؤتة. وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، حدثني محمد بن جعفر بن (2/479)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 480 الزبير عن عروة قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمرة القضاء في ذي الحجة، فأقام بالمدينة حتى بعث إلى مؤتة في جمادى من سنة ثمان، وأمر على الناس زيد بن حارثة. وقال: إن أصيب فجعفر، فإن أصيب جعفر فعبد الله ابن رواحة، فإن أصيب فليرتض المسلمون رجلاً. فتهيئوا للخروج، وودع الناس أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم. فبكى ابن رواحة، فقالوا: ما يبكيك فقال: أما والله ما بي حب للدنيا، ولا صبابة إليها، ولكني سمعت الله يقول: وإن منكم إلا واردها، فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود فقال المسلمون: صحبكم الله وردكم إلينا صالحين ودفع عنكم. فقال ابن رواحة. (لكنني أسأل الرحمن مغفرة.......... وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا)

(أو طعنة بيدي حران مجهزة.......... بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا)

(حتى يقولوا إذا مروا على جدثي.......... يا أرشد الله من غاز وقد رشدا) ثم إنه ودع النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: (فثبت الله ما آتاك من حسن.......... تثبيت موسى، ونصراً كالذي نصروا)

(إني تفرست فيك الخير نافلة.......... والله يعلم أن ثابت البصر)

(أنت الرسول فمن يحرم نوافله.......... والوجه منه فقد أزرى به القدر) (2/480)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 481 ثم خرج القوم حتى نزلوا معان، فبلغهم أن هرقل قد نزل مآب في مائة ألف من الروم، ومائة ألف من المستعربة، فأقاموا بمعان يومين، وقالوا: نبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبره. فشجع الناس عبد الله بن رواحة، فقال: يا قوم، والله إن التي تكرهون للتي خرجتم لها تطلبون، الشهادة. ولا نقاتل الناس بعدد ولا كثرة، وإنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فإن يظهرنا الله به فربما فعل، وإن تكن الأخرى فهي الشهادة، وليست بشر المنزلتين. فقال الناس: والله لقد صدق فانشمر الناس، وهم ثلاثة آلاف، حتى لقوا جموع الروم بقرية من قرى البلقاء يقال لها مشارف، ثم انحاز المسلمون إلى مؤتة، قرية فوق الحساء. وكانوا ثلاثة آلاف. وقال الواقدي: حدثني ربيعة بن عثمان عن المقبري، عن أبي هريرة، قال شهدت مؤتة، فلما رأينا المشركين رأينا ما لا قبل لأحد به من العدة والسلاح والكراع والديباج والذهب. فبرق) بصري، فقال لي ثابت بن (2/481)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 482 أقرم: مالك يا أبا هريرة، كأنك ترى جموعاً كثيرة قلت: نعم. قال لم تشهد معنا بدراً، إنا لم ننصر بالكثرة. وقال المغيرة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند، عن نافع، عن ابن عمر قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة زيد بن حارثة، فإن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة. قال ابن عمر: كنت معهم، ففتشناه يعني ابن رواحة، فوجدنا فيما أقبل من جسده بضعاً وسبعين، وبين طعنة ورمية. وقال مصعب الزبيري وغيره، عن مغيرة: بضعاً وتسعين. أخرجه البخاري. وقال الواقدي: حدثني ربيعة بن عثمان، عن عمر بن الحكم، عن أبيه قال: جاء النعمان بن فنحص اليهودي، فوقف مع الناس. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: زيد بن حارثة أمير الناس، فإن قتل فجعفر بن أبي طالب، فإن قتل فعبد الله بن رواحة، فإن قتل عبد الله فليرتض المسلمون رجلاً فليجعلوه عليهم. فقال النعمان: أبا القاسم، إن كنت نبياً، فسميت من سميت قليلاً أو كثيراً أصيبوا جمعاً. إن الأنبياء في بني إسرائيل كانوا إذا استعملوا الرجل على القوم، فقالوا: إن أصيب فلان ففلان، فلو سموا مائة أصيبوا جميعاً. ثم جعل اليهودي يقول لزيد: اعهد، فلا ترجع إن كان محمد نبياً. قال زيد: أشهد أنه نبي بار صادق. (2/482)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 483 وقال يونس، عن ابن إسحاق: كان على ميمنة المسلمين قطبة ابن قتادة العذري، وعلى الميسرة عباية بن مالك الأنصاري. والتقى الناس. فحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، حدثني أبي من الرضاعة، وكان أحد بني مرة بن عوف، قال: والله لكأني أنظر إلى جعفر بن أبي طالب يوم مؤتة حين اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ثم تقدم فقاتل حتى قتل. قال ابن إسحاق: فهو أول من عقر في الإسلام. وقال: (يا حبذا الجنة واقترابها.......... طيبة وباردة شرابها)

(والروم قد دنا عذابها.......... علي إن لا قيتها ضرابها) فلما قتل أخذ الراية عبد الله. حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة قال: أخذها عبد الله بن رواحة فالتوى بها بعض الالتواء، ثم تقدم على فرسه فجعل يستنزل نفسه ويتردد. حدثني عبد الله بن أبي بكر، أن ابن رواحة قال عند ذلك:) (أقسمت يا نفس لتنزلنه.......... طائعة أو لتكرهنه) (2/483)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 484 (إن أجلب الناس وشدوا الرنة.......... مالي أراك تكرهين الجنة)

(قد طالما قد كنت مطمئنة.......... هل أنت إلا نطفة في شنة) ثم نزل فقاتل حتى قتل. قال ابن إسحاق: وقال أيضاً: (يا نفس إن لا تقتلي تموتي.......... هذا حمام الموت قد صليت)

(وما تمنيت فقد أعطيت.......... إن تفعلي فعلهما هديت) وإن تأخرت فقد شقيت فلما نزل أتى ابن عم له بعرق لحم فقال: أقم بها صلبك، فنهش منها نهشة، ثم سمع الحطمة في ناحية فقال: وأنت في الدنيا فألقاه من يده. ثم قاتل حتى قتل. فحدثني محمد بن جعفر، عن عروة قال: ثم أخذ الراية ثابت بن أقرم، فقال: اصطلحوا يا معشر المسلمين على رجل. قالوا: أنت لها. فقال: لا. فاصطلحوا، على خالد بن الوليد. فجاش بالناس، فدافع وانحاز وتحيز عنه، ثم انصرف بالناس. (2/484)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 485 وقال حماد بن زيد، عن أيوب، عن حميد بن هلال، عن أنس قال: نعى النبي صلى الله عليه وسلم جعفراً وزيد بن حارثة وابن رواحة، نعاهم قبل أن يجيء خبرهم، وعيناه تذرفان. أخرجه البخاري، وزاد فيه: فنعاهم، وقال: أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها ابن رواحة فأصيب. ثم أخذ الراية بعدهم سيف من سيوف الله: خالد بن الوليد. قال: فجعل يحدث الناس وعيناه تذرفان. وقال سليمان بن حرب: ثنا الأسود بن شيبان، عن خالد بن سمير قال: قدم علينا عبد الله بن رباح الأنصاري، وكانت الأنصار تفقهه، فغشيه الناس، فغشيته فيمن غشيته من الناس. فقال: ثنا أبو قتادة فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش الأمراء، وقال: عليكم زيد ابن حارثة، فإن أصيب فجعفر، فإن إصيب جعفر فعبد الله بن رواحة، فوثب جعفر فقال: يا رسول الله، ما كنت أذهب أن تستعمل زيداً علي. قال: فامض. فإنك لا تدري أي ذلك خير. فانطلقوا، فلبثوا ما شاء الله. فصعد رسول الله المنبر، وأمر فنودي: الصلاة جامعة. فاجتمع الناس إلى رسول الله صلى الله) عليه وسلم فقال: أخبركم عن جيشكم هذا: إنهم انطلقوا فلقوا العدو، فقتل زيد شهيداً، فاستغفر له. ثم قال: أخذ اللواء جعفر فشد على القوم حتى قتل شهيداً، شهد له بالشهادة واستغفر له. ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة، فأثبت قدميه حتى قتل شهيداً، فاستغفر له ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد، ولم يكن من الأمراء وهو أمر نفسه، ثم قال: اللهم إنه سيف من سيوفك، فأنت تنصره. فمن يومئذ سمي خالد سيف الله. (2/485)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 486 وقال البكائي، عن ابن إسحاق: بلغني أن رسول اله صلى الله عليه وسلم قال: أخذ الراية زيد فقاتل بها حتى قتل شهيداً، ثم أخذها جعفر فقاتل حتى قتل شهيداً، ثم صمت، حتى تغيرت وجوه الأنصار، وظنوا قد كان في عبد الله بعض ما يكرهون. فقال: ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيداً، ثم قال: لقد رفعوا إلى الجنة فيما يرى النائم على سرر من ذهب. فرأيت في سرير عبد الله ازوراراً عن سريري صاحبيه. فقلت: عم هذا فقيل لي: مضيا وتردد عبد الله بعض التردد ثم مضى وقال الواقدي: حدثني عبد الله بن الحارث بن فضيل، عن أبيه قال: لما أخذ الراية خالد بن الوليد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الآن حمي الوطيس. قال: فحدثني العطاف بن خالد قال: لما قتل ابن رواحة مساء، بات خالد، فلما أصبح غدا وقد جعل مقدمته ساقة، وساقته مقدمة، وميمنته ميسرة، وميسرته ميمنة. فأنكروا ما كانوا يعرفون من راياتهم وهيئتهم، وقالوا: قد جاءهم مدد، فرعبوا فانكشفوا منهزمين، فقتلوا مقتلة لم يقتلها قوم. وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، سمعت خالد بن الوليد يقول: لقد اندق في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، فمن بقي في يدي إلا صفيحة يمانية. أخرجه البخاري. (2/486)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 487 وقال الواقدي: حدثني محمد بن صالح التمار، عن عاصم بن عمر ابن قتادة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما قتل زيد أخذ الراية جعفر فجاءه الشيطان فحبب إليه الحياة وكره إليه الموت مناه الدنيا، فقال: الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين، تمنيني الدنيا ثم مضى قدماً حتى استشهد، فصلى عليه ودعا له، وقال: استغفروا له، فإنه دخل الجنة وهو يطير في الجنة بجناحين من ياقوت حيث يشاء من الجنة. وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي أن ابن عمر كان إذا سلم على عبد الله بن جعفر، قال:) السلام عليك يا بن ذي الجناحين. رواه خ. وقال عبد الوهاب الثقفي: ثنا يحيى بن سعيد، أخبرتني عمرة، سمعت عائشة تقول: لما جاء قتل جعفر وابن حارثة وابن رواحة، جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد يعرف فيه الحزن، وأنا أطلع من شق الباب. فأتاه رجل فقال: يا رسول الله، إن نساء جعفر وذكر أنهن لم يطعنه. فأمره الثانية أن ينهاهن، فذهب ثم أتى فقال: والله قد غلبنا. فزعمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فاحث في أفواههن التراب. فقلت: أرغم الله أنفك، ما أنت بفاعل، وما تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم من العناء. أخرجاه عن محمد بن المثنى عنه. (2/487)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 488 وقال يونس، عن ابن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عن أم عيسى الجزار الخزاعية، عن أم جعفر عن جدتها أسماء بنت عميس، قالت: لما أصيب جعفر وأصحابه، دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عجنت عجيني وغسلت بني ودهنتهم ونطفتهم. فقال: ائتيني ببني جعفر. فأتيته بهم، فشمهم، فدمعت عيناه. فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي ما يبكيك أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء فقال: نعم. أصيبوا هذا اليوم. فقمت أصيح، واجتمع النساء. فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله، فقال: لا تغفلوا آل جعفر أن تصنعوا لهم طعاماً، فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم. قال ابن إسحاق: فسمعت عبد الله بن أبي بكر يقول: لقد أدركت الناس بالمدينة إذا مات ميت تكلف جيرانهم يومهم ذلك طعامهم فلكأني أنظر إليهم قد خبزوا خبزاً صغاراً، وصنعوا لحماً، فيجعل في جفنة، ثم يأتون به أهل الميت، وهم يبكون على ميتهم مشتغلين فيأكلونه. ثم إن الناس تركوا ذلك. فائدة: أخرج مسلم في صحيحه، من حديث عوف بن مالك، قال: خرجت في غزوة مؤتة، فرافقني مددي من أهل اليمن، ليس (2/488)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 489 معه غير سيفه. فنحر رجل جزوراً فسأله المددي طائفة من جلده، فأعطاه فاتخذه كهيئة الدرقة. ومضينا فلقينا جموع الروم، وفيهم رجل على فرس له أشقر وعليه سرج مذهب وسلاح مذهب، فجعل يغري بالمسلمين. وقعد له المددي خلف صخرة، فمر به الرومي فعرقب فرسه، فخر وعلاه فقتله وحاز فرسه وسلاحه. فأخذه منه خالد بن الوليد، فأتيته فقلت: أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل قال: بلى،) ولكني استكثرته. قلت: لتردنه أو لأعرفنكما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فاجتمعنا، فقصصت على رسول الله القصة، فقال لخالد: ما حملك على ما صنعت قال: استكثرته. قال: رد عليه ذلك. فقلت: دونك يا خالد، ألم أقل لك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ذلك فأخبرته. قال: فغضب وقال: يا خالد لا ترده عليه. هل أنتم تاركو لي أمرائي، لكم صفوة أمرهم وعليهم كدره. وقال الواقدي: حدثني محمد بن مسلم، عن يحيى بن يعلى، سمعت عبد الله بن جعفر يقول: أنا أحفظ حين دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمي، فنعى لها أبي، فأنظر إليه وهو يمسح على رأسي ورأس أخي، وعيناه تهرقان الدموع ثم قال: اللهم إن جعفراً قد قدم إليك إلى أحسن ثواب، فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحداً من عبادك في ذريته. ثم قال: يا أسماء، ألا أبشرك قالت: بلى، بأبي أنت وأمي. قال: إن الله جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة. قالت: فأعلم الناس ذلك. وذكر الحديث. (2/489)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 490 وقال الواقدي: حدثني سليمان بن بلال حدثني عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله قال: أصيب بها ناس من المسلمين، وغنم المسلمون بعض أمتعة المشركين. فكان مما غنموا خاتم جاء به رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قتلت صاحبه يومئذ، فنفله رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه. وقال عوف بن مالك الأشجعي: لقيناهم في جماعة من قضاعة وغيرهم من نصارى العرب، فصافوا، فجعل رجل من الروم يشتد على المسلمين. فجعلت أقول في نفسي: من لهذا وقد وافقني رجل من أمداد حمير، ليس معه إلا السيف، إذ نحر رجل جزوراً فسأله المددي طائفة من جلده، فوهبه منه، فجعله في الشمس وأوتد على أطرافه أوتاداً، فلما جف اتخذ منه مقبضاً وجعله درقة. قال: فلما رأى ذلك المددي فعل الرومي، كمن له خلف صخرة، فلما مر به خرج عليه فعرقب فرسه، فقعد الفرس على رجليه وخر عنه العلج، فشد عليه فعلاه بالسيف فقتله. قال: وحدثني بكير بن مسمار، عن عمارة بن غزية بن ثابت، عن أبيه قال: حضرت مؤتة فبارزني رجل منهم، فأصبته وعليه بيضة له فيها ياقوتة، فأخذتها، فلما انكشفنا فانهزمنا رجعت إلى المدينة، فأتيت بها (2/490)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 491 رسول الله صلى الله عليه وسلم فنفلنيها، فبعتها زمن عثمان بمائة دينار، فاشتريت بها حديقة نخل.) وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق حدثني محمد بن جعفر، عن عروة قال: لما أقبل أصحاب مؤتة تلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه. فجعلوا يحثون عليهم التراب ويقولون: يا فرار، فررتم في سبيل الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ليسوا بالفرار، ولكنهم الكرار إن شاء الله. فحدثني عبد الله بن أبي بكر، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، أن أم سلمة قالت لامرأة سلمة بن هشام بن المغيرة: ما لي لا أرى سلمة يحضر الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: والله ما يستطيع أن يخرج كلما خرج صاح به الناس: يا فرار، فررتم في سبيل الله. وكان في غزوة مؤتة. وقال أبو عبد الله عن زيد بن أرقم قال: كنت يتيماً لعبد الله بن رواحة في حجره، فخرج بي في سفره ذلك، مردفي على حقيبة رحله، فوالله إنه ليسير إذ سمعته ينشد أبياته هذه: (إذا أدنيتني وحملت رحلي.......... مسيرة أربع بعد الحساء)

(فشأنك أنعم وخلاك ذم.......... ولا أرجع إلى أهلي ورائي)

(وآب المسلمون وغادروني.......... بأرض الشام مشتهر الثواء)

(وردك كل ذي نسب قريب.......... إلى الرحمن منقطع الإخاء) (2/491)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 492 (هنالك لا أبالي طلع بعل.......... ولا نخل، أسافلها رواء) فلما سمعتهن بكيت، فخفقني بالدرة وقال: ما عليك يا لكع أن يرزقني الله الشهادة وترجع بين شعبتي الرحل وقال عبد الملك بن هشام: حدثني من أثق به أن جعفراً أخذ اللواء بيمينه فقطعت، فأخذه بشماله فقطعت، فاحتضنته بعضديه حتى قتل وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة. فأثابه الله تعالى بذلك جناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء. وروي أنهم قتلوه بالرماح. قلت: وكان جعفر من السابقين الأولين، هاجر الهجرتين. قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أشبهت خلقي وخلقي. وقال عكرمة عن أبي هريرة قال: إن عبد الله بن جعفر ما احتذى النعال ولا ركب المطايا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكنا نسميه أبا المساكين. وقال مجالد، عن الشعبي، عن عبد الله بن جعفر قال: ما سألت علياً رضي الله عنه شيئاً بحق) جعفر إلا أعطانيه. وعن ابن عمر قال: وجدت في مقدم جسد جعفر يوم مؤتة بضعاً وأربعين ضربة. ولما قدم جعفر من الحبشة عند فتح خيبر، روي أن النبي (2/492)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 493 صلى الله عليه وسلم اعتنقه وقال: ما أدري أنا أسر بقدوم جعفر أو بفتح خيبر. وقال مهدي بن ميمون، عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن الحسن بن سعد، عن عبد الله بن جعفر، قال: لما نعى رسول الله صلى الله عليه وسلم جعفراً أتانا فقال: أخرجوا إلي بني أخي. فأخرجتنا أمنا أغيلمة ثلاثة كأنهم أفراخ: عبد الله، وعون، ومحمد. وأما أبو أسامة زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأول من آمن به من الموالي فإنه من كبار السابقين الأولين وكان من الرماة المذكورين. آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين حمزة بن عبد المطلب، وعاش خمساً وخمسين سنة، وهو الذي سمى الله في كتابه في قوله: فلما قضى زيد منها وطراً يعني من زينب بنت جحش: زوجناكها وكان المسلمون يدعونه زيد بن النبي حتى نزلت: ما كان محمد أبا أحد من رجالكم. وقال تعالى: وما جعل أدعياءكم أبناءكم. وقال: أدعوهم لأبائهم هو أقسط عند الله فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم. روى عن زيد ابنه أسامة وأخوه جبلة. واختلف في سنة. فروى الواقدي أن محمد بن الحسن بن أسامة زيد حدثه عن أبيه قال: كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين زيد بن حارثة عشر (2/493)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 494 سنين رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر منه، وكان قصيراً شديد الأدمة أفطس. قال محمد بن سعد: كذا صفته في هذه الرواية. وجاءت من وجه آخر أنه كان أبيض وكان ابنه أسود. ولذلك أعجب النبي صلى الله عليه وسلم بقول مجزز المدلجي القائف: إن هذه الأقدام بعضها من بعض. قلت: وعلى هذه الرواية يكون عمره خمسين سنة أو نحوها. وقال أبو إسحاق السبيعي إن زيد بن حارثة أغارت عليه خيل من تهامة، فوقع إلى خديجة فاشترته، ثم وهبته للنبي صلى الله عليه وسلم. ويروى أنها اشترته بسبعمائة درهم. وقال الزهري: ما علمنا أحداً أسلم قبله.) وقال موسى بن عقبة: ثنا سالم بن عبد الله، عن ابن عمر قال: ما كنا ندعو زيداً إلا زيد بن محمد. فنزلت: أدعوهم لآبائهم. وقال يزيد بن أبي عبيد عن سملة بن الأكوع قال: غزوت مع زيد بن حارثة تسع غزوات، كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤمره علينا. كذا رواه الفسوي عن أبي عاصم عن زيد. وقال ابن عيينة: أنا عبد الله بن دينار، سمع ابن عمر يقول: إن (2/494)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 495 رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أسامة على قوم، فطعن الناس في إمارته. فقال: إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه، وأيم الله إن كان لخليقاً للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي وإن ابنه هذا لأحب الناس إلي بعده. وقال ابن إسحاق، عن زيد بن عبد الله بن قسيط، عن محمد بن أسامة، عن أبيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي: يا زيد أنت مولاي ومني وإلي وأحب القوم إلي. وقال محمد بن عبيد: ثنا إسماعيل، عن مجالد، عن عامر، عن عائشة أنها كانت تقول: لو أن زيداً كان حياً لاستخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورواه محمد بن عبيد مرة أخرى، فقال: ثنا وائل بن داود، عن البهي، عن عائشة قالت: ما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة في جيش قط إلا أمره عليهم، ولو بقي بعد لاستخلفه. (2/495)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 496 وقال حسين بن واقد، عن عبيد الله بن بريدة، عن أبيه، أن رسول اله صلى الله عليه وسلم قال: دخلت الجنة فاستقبلتني جارية شابة، فقلت: لمن أنت قلت: لزيد بن حارثة. إسناده حسن، رواه الروياني في مسنده. ورواه حماد بن سملة عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد، يرفعه. وقال حماد بن زيد، عن خالد بن سلمة المخزومي قال: أصيب زيد فأتى النبي صلى الله عليه وسلم منزله، فجهشت بنت زيد في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكى حتى انتحب. فقال سعد بن عبادة: يا رسول الله، ما هذا قال: شوق الحبيب إلى حبيبه. وأما عبد الله بن رواحة بن ثعلبة الخزرجي الأنصاري أبو عمرو أحد النقباء ليلة العقبة شهد بدراً والمشاهد، وكان شاعر النبي صلى الله عليه وسلم، وأخا أبي الدرداء لأمه. روى عنه أبو هريرة، وابن أخته النعمان بن بشير، وزيد بن أرقم، وأنس، قوله. وأرسل عنه) جماعة من التابعين. وقال الواقدي: كنيته أبو محمد. وقيل: أبو رواحة. وروت أم الدرداء، عن أبي الدرداء قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم (2/496)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 497 في السفر في يوم شديد الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة. وقال معمر، عن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: تزوج رجل امرأة عبد الله بن رواحة فقال لها: هل تدرين لم تزوجتك قالت: لا. قال: لتخبريني عن صنيع عبد الله في بيته. فذكرت له شيئاً لا أحفظه، غير أنها قالت: كان إذا أراد أن يخرج من بيته صلى ركعتين، وإذا دخل بيته صلى ركعتين، لا يدع ذلك أبداً. وقال هشام بن عروة، عن أبيه قال: لما نزلت: والشعراء يتبعهم الغاوون، قال ابن رواحة: قد علم الله أني منهم. فأنزلت: إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات الآية. وقيل هذا البيت لعبد الله بن رواحة يخاطب زيد بن أرقم: (يا زيد زيد اليعملات الذبل.......... تطاول الليل هديت فانزل) يعني: انزل فسق بالقوم. وعن مصعب بن شيبة قال: لما نزل ابن رواحة للقتال طعن فاستقبل الدم بيده، فدلك به وجهه. ثم صرع بين الصفين يقول: يا معشر المسلمين (2/497)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 498 ذبوا عن لحم أخيكم. فكانوا يحملون حتى يجوزونه. فلم يزالوا كذالك حتى مات مكانه. وقال ابن وهب: حدثني أسامة بن زيد الليثي، حدثني نافع، قال: كانت لابن رواحة امرأة وكان يتقيها. وكانت له جارية فوقع عليها، فقالت له وفرقت أن يكون قد فعل فقال: سبحان الله. قالت: اقرأ علي إذاً، فإنك جنب. فقال: (شهدت بإذن الله أن محمداً.......... رسول الذي فوق السموات من عل)

(وإن أبا يحيى ويحيى كلاهما.......... له عمل من ربه متقبل) وقد رويا لحسان. وقال ابن وهب، عن عبد الرحمن بن سلمان، عن ابن الهاد، أن امرأة عبد الله بن رواحة رأته على جارية له فجحدها. فقالت له: فاقرأ. فقال: (شهدت بأن وعد الله حق.......... وأن النار مثوى الكافرينا)

(وأن العرش فوق الماء طاف.......... وفوق العرش رب العالمينا) ) (وتحمله ملائكة كرام.......... ملائكة الإله مقربينا) فقالت: آمنت بالله وكذبت البصر. فحدث ابن رواحة النبي صلى الله عليه وسلم، فضحك. وقال موسى بن جعفر بن أبي كثير: ثنا عبد العزيز الماجشون، عن (2/498)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 499 الثقة أن ابن رواحة اتهمته امرأته. فذكر القصة. وقال ابن إسحاق: لم يعقب ابن رواحة. واستشهد بمؤتة: عباد بن قيس الخزرجي أحد من شهد بدراً. والحارث بن النعمان بن أساف النجاري. ومسعود بن سويد بن حارثة الأنصاري. ووهب بن سعد ابن أبي سرح العامري. وزيد بن عبيد بن المعلى الخزرجي، الذي قلت أبوه يوم أحد. وعبد الله بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي، وقيل: قتل هذا يوم اليمامة. وأبو كلاب، وجابر ابنا أبي صعصعة الخزرجي. (2/499)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 500 (2/500)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 501 (رسله صلى الله عليه وسلم) وفي هذه السنة كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملوك النواحي يدعوهم إلى الله تعالى. قال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب قبل موته: إلى كسرى، وإلى قيصر، وكتب إلى النجاشي، يعني الذي ملك الحبشة بعد النجاشي المسلم، وإلى جبار يدعوهم إلى الله. رواه مسلم. وليس في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى النجاشي الثاني يدعوه إلى الله في هذه. بل ذلك مسكوت عنه، وإنما كان ذلك بعد موت النجاشي الأول المسلم. وموته كما سيأتي في سنة تسع. والله أعلم. وقال إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس أنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام. وبعث بكتابه إليه مع دحية الكلبي، وأمره (2/501)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 502 رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفعه إلى عظيم بصرى ليدفعه إلى قيصر. فدفعه عظيم بصرى إلى قيصر، وكان قيصر لما كشف الله عنه جنود فارس، مشى من حمص إلى إيلياء شكراً لما أبلاه الله. فلما أن جاء قيصر كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال حين قرأه: التمسوا لي هاهنا أحداً من قومه. قال ابن عباس: فأخبرني أبو سفيان أنه كان بالشام في رجال من قريش قدموا للتجارة، في) المدة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش. قال أبو سفيان: فوجدنا رسول قيصر ببعض الشام، فانطلق بنا حتى قدمنا إيليا، فأدخلنا عليه، فإذا هو جالس في مجلسه وعليه التاج، وحوله عظماء الروم، فقال لترجمانه: سلهم أيهم أقرب نسباً من هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي قلت: أنا أقربهم إليه نسباً. قال: ما قرابة ما بينك وبينه قلت: هو ابن عمي. وليس في الركب يومئذ أحد من بني عبد مناف غيري، قال: أدنوه. ثم أمر بأصحابي فجعلهم خلف ظهري، عند كتفي، ثم قال لترجمانه: قل لأصحابه إني سائله عن هذا الذي يزعم أنه نبي، فإن كذب فكذبوه. قال أبو سفيان: والله لولا الحياء يومئذ أن يأثر عني أصحابي الكذب لكذبته عنه. ثم قال لترجمانه: قل له كيف نسب هذا الرجل فيكم قلت: هو فينا ذو نسب: قال: فهل قال هذا القول أحد منكم قبله قلت: لا. قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال قلت: لا. قال: فهل من آبائه من ملك قلت: لا. قال: فأشراف الناس يتبعونه أم (2/502)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 503 ضعفاؤهم قلت ضعفائهم. قال: فيزيدون أو ينقصون قلت: بل يزيدون. قال: فهل يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه قلت: لا قال: فهل يغدر قلت: لا، ونحن الآن منه في مدة يشير إلى المدة التي قاضاهم النبي صلى الله عليه وسلم عليها يوم الحديبية وآخرها يوم الفتح ونحن نخاف منه أن يغدر ولم يمكني كلمة أدخل فيها شيئاً أنتقصه بها، لا أخاف أن تؤثر عني غيرها. قال: فهل قاتلتموه وقاتلكم قلت: نعم. قال: فكيف حربكم وحربه قلت: كانت دولاً وسجالاً، يدال علينا المرة ويدال عليه الأخرى قال: فماذا يأمركم به قلت: يأمرنا أن نعبد الله، ولا نشرك به شيئاً، وينهانا عما كان يعبد آباؤنا، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة. قال: فقال لترجمانه قل له: إني سألتك عن نسبه فيكم، فزعمت أنه ذو نسب، وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها. وسألتك: هل قال هذا القول أحد قبله، فزعمت أن لا، فقلت: لو كان أحد منكم قال هذا القول قبله لقلت: رجل يأتم بقول قد قيل قبله. وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فزعمت أن لا، فعرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله. وسألتك: هل كان من آبائه من ملك، فزعمت أن لا، فقلت: لو كان من آبائه ملك قلت رجل يطلب ملك آبائه. وسألتك أشراف الناس يتبعونه أو ضعفاؤهم، فزعمت أن ضعفاءهم ابتعوه، وهم أبتاع الرسل.) وسألتك: هل يزيدون أو ينقصون، فزعمت أنهم يزيدون، وكذلك الإيمان حتى يتم. وسألتك: هل يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه، فزعمت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب لا يسخطه (2/503)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 504 أحد. وسألتك: هل يغدر، فزعمت أن لا، وكذلك الرسل لا يغدرون. وسألتك: هل قاتلتموه وقتلكم، فزعمت أن قد فعل، وأن حربكم وحربه يكون دولاً، وكذلك الرسل تبتلى وتكون لها العاقبة. وسألتك: ماذا يأمركم به، فزعمت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وينهاكم عما كان يعبد آباؤكم، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة. وهذه صفة نبي، قد كنت أعلم أنه خارج، ولكن لم أظن أنه منكم وإن يكن ما قتل حقاً فيوشك أن يملك موضع قدمي هاتين، ولو أرجو أن أخلص إليه لتجشمت لقيه، ولو كنت عند لغسلت قدميه. قال: ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر فقرئ فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد بن عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى. أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين. وإن توليت فعليك إثم الأريسيين. و يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، أن لا نعبد إلا الله، ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون (2/504)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 505 الله. فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون. قال أبو سفيان: فلما أن قضى مقالته علت أصوات الذين حوله من عظماء الروم وكثر لغطهم، فلا أدري ما قالوا وأمر بنا فأخرجنا. فلما أن خرجت مع أصحابي وخلوت بهم قلت لهم: لقد أمر ابن أبي كبشة هذا ملك بني الأصفر يخافه. قال أبو سفيان: والله ما زلت ذليلاً، مستيقناً بأن أمره سيظهر حتى أدخل الله قلبي الإسلام وأنا كاره. أخرجاه من حديث إبراهيم. وأخرجاه من حديث معمر، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس أن أبا سفيان حدثه قال: انطلقت في المدة التي كانت بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا أنا بالشام. فذكر كحديث إبراهيم. ورواه يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، عن الزهري بسنده. وفيه قال أبو سفيان: فلما كانت هدنة الحديبة بيننا وبين النبي صلى الله عليه وسلم خرجت تاجراً إلى الشام. فوالله ما علمت) بمكة امرأة ولا رجلاً إلا قد حملني بضاعة. فقدمت غزة، وذلك حين ظهر قيصر على من كان ببلاده من الفرس، فأخرجهم (2/505)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 506 منها. ورد عليه صليبه الأعظم، وكان منزله بحمص فخرج منها متنكراً إلى بيت المقدس، تبسط له البسط ويطرح له عليها الرياحين. حتى انتهى إلى إيلياء، فصلى بها. فأصبح ذات غداة مهموماً يقلب طرفه إلى السماء، فقالت له بطارقته: أيها الملك، لقد أصبحت مهموماً. فقال: أجل. قالوا: وما ذاك قال: أريت في هذه الليلة أن ملك الختان ظاهر. فقالوا: والله ما نعلم أمة من الأمم تختتن إلا يهود، وهم تحت يدك وفي سلطانك، فإن كان قد وقع هذا في نفسك منهم، فابعث في مملكتك كلها فلا يبقى يهودي إلا ضربت عنقه فتستريح من هذا الهم. فبينما هم في ذلك إذ أتاهم رسول صاحب بصرى برجل من العرب قد وقع إليهم. فقال: أيها الملك هذا رجل من العرب من أهل الشاء والإبل، يحدثك عن حدث كان ببلاده، فسله عنه. فلما انتهى إليه قال لترجمانه: سله ما هذا الخبر الذي كان في بلاده فسأله فقال: هو رجل من قريش خرج يزعم أنه نبي، وقد تبعه أقوام وخالفه آخرون، فكانت بينهم ملاحم فقال: جردوه. فإذا هو مختون فقال: هذا والله الذي أريت، لا ما تقولون. ثم دعا صاحب شرطته فقال له: قلب لي الشام ظهراً وبطناً حتى تأتي برجل من قوم هذا أسأله عن شأنه. فوالله إني وأصحابي لبغزة إذ هجم علينا فسألنا: ممن أنتم فأخبرناه. فساقنا إليه جميعاً. فلما انتهينا إليه، قال أبو سفيان: فوالله ما رأيت من رجل قط أزعم أنه كان أدهى من ذلك الأغلف يعني هرقل فلما انتهينا إليه قال: أيكم أمس به رحماً فقلت: أنا. قال: أدنوه. وساق الحديث، ولم يذكر فيه (2/506)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 507 كتاباً. وفيه كما ترى أشياء عجيبة تفرد بها ابن إسحاق دون معمر وصالح. وقال يونس، عن ابن إسحاق، حدثني الزهري، حدثني أسقف من النصارى قد أدرك ذلك الزمان، قال: لما قدم دحية بن خليفة على هرقل بالكتاب، وفيه: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى. أما بعد فأسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن أبيت فإن إثم الأكارين عليك. فلما قرأه وضعه بين فخذه وخاصرته، ثم كتب إلى رجل من أهل رومية، كان يقرأ من العبرانية ما يقرأ، يخبره عما جاءه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إليه أنه النبي الذي ينتظر لا شك فيه فاتبعه. فأمر بعظماء الروم فجمعوا له في دسكرة ملكه، ثم أمر بها فأشرجت) عليهم، واطلع عليهم من علية له، وهو منهم خائف فقال: يا معشر الروم إنه قد جاءني كتاب أحمد، وإنه والله للنبي الذي كنا ننتظر ونجد ذكره في كتابنا، نعرفه بعلاماته وزمانه. فأسلموا واتبعوه تسلم لكم دنياكم وأخرتكم. فنخروا نخرة رجل واحد، وابتدروا أبواب الدسكرة، فوجدوها مغلقة عليهم، فخافهم، فقال: ردوهم علي. فكروهم عليه، فقال: إنما قلت لكم هذه المقالة أغمزكم بها لأنظر كيف صلابتكم في دينكم، فقد رأيت منكم ما سرني. فوقعوا له سجداً، ثم (2/507)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 508 فتحت لهم الأبواب فخرجوا. وقال ابن لهيعة: ثنا أبو الأسود، عن عروة قال: خرج أبو سفيان تاجراً وبلغ هرقل شأن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: فأدخل عليه أبو سفيان في ثلاثين رجلاً، وهو في كنيسة إيلياء. فسألهم فقالوا: ساحر كذاب. فقال: أخبروني بأعلمكم به وأقربكم منه. قالوا: هذا ابن عمه. وذكر شبيهاً بحديث الزهري. وقال خ: ثنا يحيى بن أبي بكير، نا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، حدثني عبيد الله، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه إلى كسرى، وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين ليدفعه إلى كسرى. فلما قرأه كسرى مزقه. فحسبت ابن المسيب قال: فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق. وقال الذهلي محمد بن يحيى: ثنا أحمد بن صالح، ثنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أخبرني عبد الرحمن بن عبد القاري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ذات يوم على المنبر خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه وتشهد، ثم قال: أما بعد، فإني أريد أن أبعث بعضكم إلى ملوك الأعاجم، فلا تختلفوا علي كما اختلفت بنو إسرائيل على عيسى. فقال المهاجرون: والله لا نختلف عليك في شيء، فمرنا وابعثنا. فبعث شجاع (2/508)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 509 ابن وهب إلى كسرى. فخرج حتى قدم على كسرى، وهو بالمدائن، واستأذن عليه. فأمر كسرى بإيوانه أن يزين، ثم أذن لعظماء فارس، ثم أذن لشجاع بن وهب. فلما دخل عليه أمر بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبض منه. قال شجاع: لا، حتى أدفعه أنا كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال كسرى: أدنه، فدنا فناوله الكتاب ثم دعا كاتباً له من أهل الحيرة فقرأه، فإذا فيه: محمد عبد الله ورسوله إلى كسرى عظيم فارس. فأغضبه حين بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، وصاح وغضب ومزق الكتاب قبل أن) يعلم ما فيه، وأمر بشجاع فأخرج، فركب راحلته وذهب، فلما سكن غضب كسرى، طلب شجاعاً فلم يجده. وأتى شجاع النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: اللهم مزق ملكه. وقال أبو عوانة، عن سماك، عن جابر بن سمرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتفتحن عصابة من المسلمين كنوز كسرى التي في القصر الأبيض. أخرجه مسلم. ورواه أسباط بن نصر، عن سماك، عن جابر فزاد قال: فكنت أنا وأبي فيهم، فأصابنا من ذلك ألف درهم. وقال أحمد بن الوليد الفحام: ثنا أسود بن عامر، أنا حماد بن سلمة، عن حميد، عن الحسن، عن أبي بكرة، أن رجلاً من أهل فارس أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن ربي قد قتل ربك، يعني كسرى. (2/509)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 510 قال: وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم إنه قد استخلف بنته فقال: لا يفلح قوم تملكهم امرأة. ويروى أن كسرى كتب إلى باذام عامله باليمن يتوعده ويقول: ألا تكفيني رجلاً خرج بأرضك يدعوني إلى دينه لتكفنيه أو لأفعلن بك. فبعث العامل إلى النبي صلى الله عليه وسلم رسلاً وكتاباً، فتركهم النبي صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة، ثم قال: اذهبوا إلى صاحبكم فقولوا: إن ربي قد قتل ربكم الليلة. وروى أبو بكر بن عياش، عن داود بن أبي هند، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: أقبل سعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلك أو قال: قتل كسرى. فقال: لعن الله كسرى، أول الناس هلاكاً فارس ثم العرب. وقال محمد بن يحيى: ثنا يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، عن صالح قال: قال ابن شهاب. وقد رواه الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، كلاهما يقول عن أبي سلمة، واللفظ لصالح قال: بلغني أن كسرى بينما هو في دسكرة ملكه، بعث له أو قيض له عارض فعرض عليه الحق، فلم يفجأ كسرى إلا الرجل يمشي وفي يده عصا فقال: يا كسرى هل لك في الإسلام قبل أن أكسر هذه العصا قال كسرى: نعم فلا تكسرها فولى الرجل. فلما ذهب أرسل كسرى إلى حجابه فقال من أذن لهذا قالوا: ما دخل عليك أحد. قال: كذبتم. وغضب عليهم وعنفهم، ثم تركهم. فلما كان رأس الحول أتاه ذلك الرجل بالعصا فقال كمقالته. فدعا كسرى الحجاب وعنفهم. فلما كان الحول المستقبل، أتاه ومعه العصا (2/510)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 511 فقال: هل لك يا كسرى في الإسلام قبل أن أكسر) العصا قال: لا تكسرها. فكسرها فأهلك الله كسرى عند ذلك. وقال الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده. وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده. والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزها في سبيل الله. أخرجه مسلم. وروى يونس بن بكير، عن ابن عون، عن عمير بن إسحاق قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر. فأما قيصر فوضعه، وأما كسرى فمزقه، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أما هؤلاء فيمزقون، وأما هؤلاء فسيكون لهم بقية. وقال الربيع: أنا الشافعي قال: حفظنا أن قيصر أكرم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، ووضعه في مسك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ثبت ملكه. قال الشافعي: وقطع الله الأكاسرة عن العراق وفارس، وقطع قيصر ومن قام بالأمر بعده عن الشام. وقال في كسرى: مزق ملكه، فلم يبق للأكاسرة ملك، وقال في قيصر ثبت ملكه فثبت له ملك بلاد الروم إلى اليوم. وقال يونس، عن ابن إسحاق: ثنا الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد القاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية، فمضى بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل الكتاب وأكرم حاطباً وأحسن نزله، وأهدى معه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بغلة وكسوة وجاريتين إحداهما أم (2/511)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 512 إبراهيم، والأخرى وهبها النبي صلى الله عليه وسلم لجهم بن قثم العبدي، فهي أم زكريا ابن جهم، خليفة عمرو بن العاص على مصر. وقال أبو بشر الدولابي: ثنا أبو الحارث أحمد بن سعيد الفهري، ثنا هارون بن يحيى الحاطبي، ثنا إبراهيم بن عبد الرحمن، حدثني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أبيه، عن جده حاطب بن أبي بلتعة قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس ملك الإسكندرية، فجئته بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزلني في منزله، وأقمت عنده. ثم بعث إلي وقد جمع بطارقته فقال: إني سأكلمك بكلام وأحب أن تفهمه مني. قلت: نعم، هلم. قال: أخبرني عن صاحبك، أليس هو نبي قلت: بلى، هو رسول الله. قال: فما له حيث كان هكذا لم يدع على قومه حيث أخرجوه. قلت: عيسى أليس تشهد أنه) رسول الله، فما له حيث أخذه قومه فأرادوا أن يصلبوه أن لا يكون دعا عليهم بأن يهلكهم الله حتى رفعه الله إليه إلى السماء الدنيا قال: أنت حكيم جاء من عند حكيم. هذه هدايا أبعث معك إليه. فأهدى ثلاث جوار، منهن أم إبراهيم وواحدة وهبها رسول الله لأبي جهم بن حذيفة العدوي، وواحدة وهبها لحسان بن ثابت. وأرسل بطرف من طرفهم. (2/512)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 513 (غزوة ذات السلاسل) قيل إنه ماء بأرض جذام. قال ابن لهيعة: نا أبو الأسود، عن عروة. ورواه موسى بن عقبة، واللفظ له، قالا: غزوة ذات السلاسل من مشارف الشام في بلي وسعد الله ومن يليهم من قضاعة. وفي رواية عروة: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص في بلي، وهم أخوال العاص بن وائل، وبعثه فيمن يليهم من قضاعة وأمره عليهم. قال ابن عقبة: فخاف عمرو من جانبه الذي هو به، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمده. فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرين، فانتدب فيهم أبو بكر وعمر (2/513)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 514 وجماعة، أمر عليهم أبا عبيدة. فأمد بهم عمراً. فلما قدموا عليه قال: أنا أميركم، وأنا أرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أستمده بكم. فقال المهاجرون: بل أنت أمير أصحابك، وأبو عبيدة أمير المهاجرين. قال: إنما أنتم مدد أمددته. فلما رأى ذلك أبو عبيدة، وكان رجلاً حسن الخلق لين الشيمة، سعى لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده، قال: تعلم يا عمرو أن آخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال: إذا قدمت على صاحبك فتطاوعا، وإنك إن عصيتني لأطيعنك. فسلم أبو عبيدة الإمارة لعمرو وقال يونس، عن ابن إسحاق، حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين التميمي، عن غزوة ذات السلاسل من أرض بلي وعذرة، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص ليستنفر العرب إلى الإسلام. وذلك أن أم العاص بن وائل كانت من بلي، فبعثه إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتألفهم بذلك. حتى إذا كان بأرض جذام، على ماء يقال له السلاسل، خاف فبعث يستمد النبي صلى الله عليه وسلم. وقال علي بن عاصم: أنا خالد الحذاء، عن أبي عثمان النهدي، سمعت عمرو بن العاص يقول: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم على جيش ذي السلاسل، وفي القوم أبو بكر وعمر.) فحدثت نفسي أنه لم يبعثني عليها إلا لمنزلة لي عنده، فأتيته حتى قعدت بين يديه فقلت: يا رسول الله، من أحب الناس إليك قال: عائشة قلت: إني لم أسألك عن أهلك. قال: فأبوها قلت: ثم من قال: عمر قلت: ثم من حتى عد رهطاً، (2/514)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 515 قال: قلت في نفسي لا أعود أسأل عن هذا. رواه غيره عن خالد وهو في الصحيحين مختصراً. وكيع، وغيره، ثنا موسى بن علي بن رباح، عن أبيه، سمع عمرو بن العاص: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: يا عمرو أشدد عليك سلاحك وائتني. ففعلت، فجئته وهو يتوضأ، فصعد في البصر وصوبه وقال: يا عمرو إني أريد أن أبعثك وجهاً فيسلمك الله ويغنمك، وأرغب لك رغبة في المال صالحة. قلت: إني لم أسلم رغبة في المال إنما أسلمت رغبة في الجهاد والكينونة معك. قال: يا عمرو نعماً بالمال الصالح للمرء الصالح. أنبأ ابن عون وغيره، عن محمد: استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمراً على جيش ذات السلاسل وفيهم أبو بكر وعمر. رواه إبراهيم بن مهاجر، عن إبراهيم النخعي بنحوه. وكيع، عن المنذر بن ثعلبة، عن ابن بريدة، قال أبو بكر: إنما ولاه النبي صلى الله عليه وسلم يعين عمراً علينا لعلمه بالحرب. قلت: ولهذا استعمل أبو بكر عمراً على غزو الشام. (2/515)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 516 وقال الواقدي: حدثني ربيعة بن عثمان، عن يزيد بن رومان: أن أبا عبيدة لما أتى عمراً صاروا خمسمائة، وسار الليل والنهار حتى وطئ بلاد بلي ودوخها، وكلما انتهى إلى موضع بلغه أنه كان بذلك الموضع جمع، فلما سمعوا به تفرقوا حتى انتهى إلى أقصى بلاد بلي وعذرة وبلقين. ولقي في آخر ذلك جمعاً، فاقتتلوا ساعة وتراموا بالنيل. ورمي يومئذ عامر بن ربيعة، فأصيب ذراعه. وحمل المسلمون عليهم فهربوا وأعجزوا هرباً في البلاد. ودوخ عمرو ما هناك. وأقام أياماً بغير أصحابه على المواشي. وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل، فأصابهم برد فقال لهم عمرو: لا يوقدن أحد ناراً. فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوه، فقال: يا نبي الله، كان في أصحابي قلة فخشيت أن يرى العدو قلتهم، ونهيتهم أن يتبعوا العدو مخافة أن يكون لهم كمين. فأعجب ذلك رسول الله) صلى الله عليه وسلم. وقال جرير بن حازم: ثنا يحيى بن أيوب، عن يزيد بن حبيب، عن عمران بن أبي أنس، عن عبد الرحمن بن جبي، عن عمرو بن العاص قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح. فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب. فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إني سمعت الله يقول: ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان (2/516)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 517 بكم رحيماً. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقل شيئاً. وقال عمرو بن الحارث. وغيره، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عمران ابن أبي أنس، عن عبد الرحمن بن جبير، عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص أن عمراً كان على سرية فذكر نحوه. قال: فغسل مغابنه، وتوضأ وضوءه للصلاة ثم صلى بهم. لم يذكر التيمم. أخرجهما أبو داود. (غزوة سيف البحر) قال ابن عيينة، عن عمرو عن جابر: بعثنا النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثمائة راكب، وأميرنا أبو عبيدة بن الجراح، نرصد عيراً لقريش. فأصابنا جوع شديد، حتى أكلنا الخبط فسمي جيش الخبط. قال: ونحر رجل ثلاث جزائر، ثم نحر ثلاث جزائر، ثم نحر ثلاث جزائر. ثم إن أبا عبيدة نهاه. قال: فألقى لنا البحر دابة يقال لها العنبر، فأكلنا منه نصف شهر وادهنا منه، حتى ثابت منه أجسامنا وصلحت، فأخذ أبو عبيدة ضلعاً من أضلاعه، فنظر إلى رجل في الجيش وأطول جمل (2/517)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 518 فحمله عليه ومر تحته. متفق عليه. زاد البخاري في حديث عمرو عن جابر: قال جابر: وكان رجل في القوم نحر ثلاث جزائر، ثم ثلاثاً، ثم ثلاثاً. ثم إن أبا عبيدة نهاه. قال: وكان عمرو يقول: نا أبو صالح أن قيس بن سعد قال لأبيه: كنت في الجيش فجاعوا قال أبوه: انحر. قال: نحرت، قال: ثم جاعوا. قال: انحر قال: نحرت، قال: ثم جاعوا. قال: انحر. قال: نهيت. وقال مالك، عن وهب بن كيسان، عن جابر قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً قبل الساحل، وأمر عليهم أبا عبيدة وهم ثلاثمائة وأنا فيهم. حتى إذا كنا ببعض الطريق فني الزاد. فأمر أبو عبيدة بأزواد ذلك الجيش، فجمع ذلك كله. فكان مزودي تمر، فكان يقوتنا كل يوم قليلاً) قليلاً، حتى فني. ولم يكن يصيبنا إلا تمرة تمرة. قال فقلت: وما تغني تمرة قال: لقد وجدنا فقدنا حين فنيت. ثم انتهينا إلى البحر، فإذا حوت مثل الظرب، فأكل منه ذلك الجيش ثماني عشرة ليلة. ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبا، ثم أمر براحلة فرحلت، ثم مرت تحتهما فلم تصبهما. أخرجاه. وقال زهير بن معاوية، عن أبي الزبير، عن جابر قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نتلقى عيراً لقريش، وزودنا جراباً من تمر. فكان أبو عبيدة (2/518)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 519 يعطينا تمرة تمرة. وكنا نضرب بعصينا الخبط ثم ببله بالماء فنأكله. فانطلقنا على ساحل البحر، فرفع لنا كهيئة الكثيب فأتيناه فإذا دابة تدعى العنبر. فقال أبو عبيدة: ميتة ثم قال: لا، بل نحن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي سبيل الله، وقد اضطررتم فكلوا. فأقمنا عليها شهراً ونحن ثلاثمائة حتى سمنا. ولقد كنا نغترف من وقب عينه بالقلال الدهن ونقتطع من الفدر كالثور. ولقد أخذ أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلاً فأقعدهم في عينه، وأخذ ضلعاً من أضلاعه فأقامها ثم رحل أعظم بعير منها فمر تحتها. وتزودنا من لحمه وشائق فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له فقال: هو رزق أخرجه الله لكم فهل معكم من لحمه شيء فتطعموننا قال: فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكل. أخرجه مسلم. قلت: زعم بعض الناس أن هذه السرية كانت في رجب سنة ثمان. (سرية أبي قتادة إلى خضرة.) قال الواقدي في مغازيه: قالوا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا قتادة بن ربعي الأنصاري إلى غطفان في خمسة عشر رجلاً. وأمره أن يشن عليهم الغارة. (2/519)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 520 فسار وهجم على حاضر منهم عظيم فأحاط به. فصرخ رجل منهم: يا خضرة وقاتل منهم رجال فقتلوا من أشرف لهم. واستاقوا النعم، فكانت مائتي بعير وألفي شاة. وسبوا سبياً كثيراً. وغابوا خمس عشرة ليلة. وذلك في شعبان من السنة. ثم كنت سريته إلى إضم على أثر ذلك في رمضان. (وفاة زينب) بنت النبي صلى الله عليه وسلم وكانت أكبر بناته. توفيت في هذه السنة وغسلتها أم عطية الأنصارية وغيرها. وأعطاهن النبي) صلى الله عليه وسلم حقوة فقال: أشعرنها إياه. وبنتها أمامة بنت أبي العاص، هي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحملها في الصلاة. (2/520)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 521 (فتح مكة) زادها الله شرفاً قال البكائي، عن ابن إسحاق: ثم إن بني بكر بن عبد مناة بن كنانة عدت على خزاعة، وهم على ماء بأسفل مكة يقال له الوتير. وكان الذي هاج ما بين بكر وخزاعة رجلاً من بني الحضرمي خرج تاجراً، فلما توسط أرض خزاعة عدوا عليه فقتلوه وأخذوا ماله. فعدت بنو بكر على رجل من خزاعة فقتلوه، فعدت خزاعة قبيل الإسلام على سلمى وكلثوم وذؤيب (2/521)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 522 بني الأسود بن رزن الديلي، وهم منخر بني كنانة وأشرافهم، فقتلوهم بعرفة. فبينا بنو بكر وخزاعة على ذلك حجز بينهم الإسلام، وتشاغل الناس به. فلما كان صلح الحديبية بين رسول لله صلى الله عليه وسلم وبين قريش، كان فيما شرطوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشرط لهم أنه من أحب أن يدخل في عقد رسول الله وعهده فليدخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم فليدخل فيه. فدخلت بنو بكر في عقد قريش، ودخلت خزاعة في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمنها وكافرها. فلما كانت الهدنة اغتنمها بنو الديل أحد بني بكر من خزاعة وأرادوا أن يصيبوا منهم ثأراً بأولئك الإخوة. فخرج نوفل بن معاوية الديلي في قومه حتى بيت خزاعة على الوتير، فاقتتلوا. وردفت قريش بني الديل بالسلاح، وقوم من قريش أعانت خزاعة بأنفسهم، مستخفين بذلك، حتى حازوا خزاعة إلى الحرم. فقال قوم نوفل: اتق إلهك ولا تستحل الحرم. فقال: لا إله لي اليوم، والله يا بني كنانة إنكم لتسرقون في الحرم، أفلا تصيبون فيه ثأركم فقتلوا رجلاً من خزاعة. ولجأت خزاعة إلى دار بديل بن ورقاء الخزاعي، ودار رافع مولى خزاعة. فلما تظاهر بنو بكر وقريش على خزاعة، كان ذلك نقضاً للهدنة التي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. وخرج عمرو بن سالم الخزاعي فقدم على النبي (2/522)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 523 صلى الله عليه وسلم في طائفة مستغيثين به، فوقف عمرو عليه، وهو جالس في المسجد بين ظهري الناس فقال: (يا رب إني ناشد محمداً.......... حلف أبينا وأبيه الأتلدا)

(قد كنتم ولداً وكنا والداً.......... ثمت أسلمنا فلم ننزع يداً) ) (فانصر هداك الله نصراً أعتدا.......... وادع عباد الله يأتوا مدداً)

(فيهم رسول الله قد تجردا.......... إن سيم خسفاً وجهه تربداً)

(في فيلق كالبحر يجري مزبداً.......... إن قريشاً أخلفوك الموعداً)

(ونقضوا ميثاقك المؤكدا.......... وجعلوا لي في كداء رصداً)

(وزعموا أن لست أدعو أحداً.......... وهم أذل وأقل عدداً)

(هم بيتونا بالوتير هجداً.......... وقتلونا ركعاً وسجداً) فانصر، هداك الله، نصراً أيداً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نصرت يا عمرو بن سالم. ثم عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم عنان من السماء، فقال: إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب يعني خزاعة. ثم قدم بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كأنكم بأبي سفيان قد جاءكم ليشد العقد ويزيد في المدة. ومضى بديل وأصحابه فلقوا أبا سفيان ابن حرب بعسفان، قد جاء ليشد العقد ويزيد في المدة، وقد رهبوا الذي (2/523)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 524 صنعوا. فلما لقى بديل بن ورقاء قال: من أين أقبلت يا بديل وظن أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: سرت في خزاعة على الساحل. قال: أو ما جئت محمداً قال: لا. فلما راح بديل إلى مكة قال أبو سفيان: لئن كان جاء إلى المدينة لقد علف بها النوى. فأتى مبرك راحلته ففته فرأى فيه النوى فقال: أحلف بالله لقد أتى محمداً. ثم قدم أبو سفيان المدينة فدخل على ابنته أم حبيبة أم المؤمنين. فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه، فقال: ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني قالت: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت رجل مشرك، نجس. قال: والله قد أصابك يا بنية بعدي شر. ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليه شيئاً. فذهب إلى أبي بكر فكلمه أن يكلم له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما أنا بفاعل. ثم أتى إلى عمر فكلمه فقال: أنا أشفع لكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله لو لم أجد إلا الذر لجالدتكم عليه. ثم خرج حتى أتى علياً وعنده فاطمة وابنها الحسن وهو غلام يدب، فقال: يا علي إنك أمس القوم بي رحماً، وإني قد جئت في حاجة فلا أرجعن كما جئت خائباً، فاشفع لي إلى رسول الله صلى الله) عليه وسلم فقال: ويحك يا أبا سفيان، لقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه. فالتفت إلى فاطمة فقال: يا ابنة محمد، هل لك أن تأمري بنيك هذا فيجير بين الناس فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر قالت: والله ما بلغ بني ذلك، وما يجير أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: يا أبا حسن، إني أرى الأمور قد اشتدت علي فانصحني. قال: والله ما أعلم شيئاً يغني عنك، ولكنك سيد بني كنانة، فقم فأجر بين الناس ثم الحق بأرضك. قال: أو ترى ذلك مغنياً عني قال: لا والله ما أظنه، (2/524)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 525 ولكن لا أجد لك غير ذلك. فقام أبو سفيان في المسجد فقال: أيها الناس إني قد أجرت بين الناس. ثم ركب بعيره وانطلق. فلما قدم على قريش، قالوا: ما وراءك فقص شأنه، وأنه أجار بين الناس. قالوا: فهل أجاز ذلك محمد قال: لا. قالوا: والله إن زاد الرجل على أن لعب بك. ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاز، وأمر أهله أن يجهزوه. ثم أعلم الناس بأنه يريد مكة، وقال: اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتهم في بلادهم. فعن عروة وغيره قالوا: لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى مكة، كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش بذلك مع امرأة، فجعلته في رأسها ثم فتلت عليه قرونها ثم خرجت به. وأتى النبي صلى الله عليه وسلم الوحي بفعله. فأرسل في طلبها علياً والزبير. وذكر الحديث. أخبرنا محمد بن أبي الحرم القرشي وجماعة، قالوا: ثنا الحسن بن يحيى المخزومي، ثنا عبد الله بن رفاعة، أنا علي بن الحسن الشافعي، أنا عبد الرحمن بن عمر بن النحاس، أنبأ عثمان بن محمد السمرقندي، ثنا أحمد بن شعبان، ثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن حسن بن محمد، أخبرني عبيد الله بن أبي رافع وهو كاتب علي قال: سمعت علياً يقول: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد، قال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها. (2/525)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 526 فانطلقنا تعادي بنا خليلنا حتى انتهينا إلى الروضة. قلنا: أخرجي الكتاب قالت: ما معي كتاب، قلنا: لتخرجن الكتاب أو لنقلعن الثياب. فأخرجته من عقاصها فأتينا به النبي صلى الله عليه وسلم فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين يخبرهم ببعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا حاطب ما هذا قال: يا رسول الله لا تعجل،) إني كنت امرؤاً ملصقاً في قريش ولم أكن من أنفسها، وكان من كان من المهاجرين معك لهم قرابات يحمون بها أهليهم بمكة، ولم يكن لي قرابة، فأحببت أن أتخذ فيهم يداً إذا فاتني ذلك يحمون بها قرابتي، وما فعلته كفراً ولا ارتداداً ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه قد صدقكم. فقال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق. قال: إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله تعالى اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. أخرجه البخاري عن قتيبة ومسلم عن ابن أبي شيبة وأبو داود عن مسدد كلهم عن سفيان. (2/526)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 527 أبو حذيفة النهدي: ثنا عكرمة بن عمار، عن أبي زميل، عن ابن عباس قال: قال عمر: كتب حاطب إلى المشركين بكتاب فجيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا حاطب ما دعاك إلى هذا قال: كان أهلي فيهم وخشيت أن يصرموا عليهم، فقلت أكتب كتاباً لا يضر الله ورسوله. فاخترطت السيف فقلت: يا رسول الله، أضرب عنقه فقد كفر. فقال: وما يدريك لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. هذا حديث حسن. وعن ابن إسحاق نحوه، وزاد: فنزلت: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء. وعن ابن إسحاق، قال: عن ابن عباس قال: ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لسفره، واستعمل على المدينة أبا رهم الغفاري. وخرج لعشر مضين من رمضان. فصام وصام الناس معه، حتى إذا كان بالكديد، بين عسفان وأمج أفطر. اسم أبي رهم: كلثوم بن حصين. وقال سعيد بن بشير، عن قتادة: إن خزاعة أسلمت في دارهم، فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إسلامها، وجعل إسلامها في دارها. وقال سعيد بن عبد العزيز، وغيره: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخل في عهده يوم الحديبية خزاعة. (2/527)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 528 وقال الوليد بن مسلم: أخبرني من سمع عمرو بن دينار، عن ابن عمر قال: كانت خزاعة حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونفاثة حلف أبي سفيان فعدت نفاثة على خزاعة، فأمدتها قريش. فلم يغز رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً حتى بعث إليهم ضمرة، فخيرهم بين إحدى ثلاث: أن يدوا قتلى خزاعة، وبين أن يبرأوا من حلف نفاثة، أو ينبذ إليهم على سواء. قالوا: ننبذ على سواء. فلما سار ندمت قريش، وأرسلت أبا سفيان يسأل تجديد العهد.) وقال: ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: كانت بين نفاثة من بني الديل، وبين بني كعب، حرب. فأعانت قريش وبنو كنانة بني نفاثة على بني كعب. فنكثوا العهد إلا بنو مدلج، فإنهم وفوا بعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكر القصة، وشعر عمرو بن سالم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نصرت إن لم أنصر بني كعب مما أنصر منه نفسي. فأنشأت سحابة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذه السحابة تستهل بنصر بني كعب، أبصروا أبا سفيان فإنه قادم عليكم يلتمس تجديد العهد والزيادة في المدة. فأقبل أبو سفيان فقال: يا محمد جدد العهد وزدنا في المدة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو لذلك قدمت هل كان من حدث قبلكم قال: معاذ الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فنحن على عهدنا وصلحنا. ثم ذكر ذهابه إلى أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وأنه قال له: أنت أكبر قريش فأجر بينها. قال: صدقت إني كذلك فصاح: ألا إني قد أجرت بين الناس، وما أظن أن يرد جواري ولا يحقر بي. قال: أنت تقول ذاك يا أبا حنظلة؟ ثم خرج. (2/528)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 529 فقال النبي صلى الله عليه وسلم حين أدبر: اللهم سد على أبصارهم وأسماعهم فلا يروني إلا بغتة. فانطلق أبو سفيان حتى قدم مكة فحدث قومه، فقالوا: أرضيت بالباطل وجئتنا بما لا يغني عنا شيئاً، وإنما لعب بك علي. وأغبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجهاز، مخيفاً لذلك. فدخل أبو بكر على ابنته، فرأى شيئاً من جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنكر وقال: أين يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت عائشة: تجهز، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم غاز قومك، قد غضب لبني كعب. فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشفقت عائشة أن يسقط أبوها بما أخبرته قبل أن يذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشارت إلى أبيها بعينها، فسكت. فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة يتحدث مع أبي بكر ثم قال: هل تجهزت يا أبا بكر قال: لماذا يا رسول الله قال: لغزو قريش، فإنهم قد غدروا ونقضوا العهد، وإنا غازون إن شاء الله. وأذن في الناس بالغزو، فكتب حاطب إلى قريش فذكر حديثه. وقال: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في اثني عشر ألفاً من المهاجرين، والأنصار، وأسلم، وغفار، ومزينة، وجهينة، وبني سليم. وقادوا الخيول حتى نزلوا بمر الظهران، ولم تعلم بهم قريش. قال: فبعثوا حكيم بن حزام وأبا سفيان وقالوا: خذوا لنا جواراً أو آذنوا بالحرب. فخرجا فلقيا بديل بن ورقاء) فاستصحباه، فخرج معهما حتى إذا كانوا بالأراك بمكة، وذلك عشاء، رأوا الفساطيط والعسكر، وسمعوا صهيل الخيل ففزعوا. فقال: (2/529)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 530 هؤلاء بنو كعب جاءت بهم الحرب. قال بديل: هؤلاء أكثر من بني كعب، ما بلغ تأليبها هذا. وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث بين يديه خيلاً لا يتركون أحداً يمضي. فلما دخل أبو سفيان وأصحابه عسكر المسلمين أخذتهم الخيل تحت الليل وأتوا بهم. فقام عمر إلى أبي سفيان فوجأ عنقه، والتزمه القوم وخرجوا به ليدخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم به، فحبسه الحرس أن يخلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخاف القتل، وكان العباس بن عبد المطلب خالصة له في الجاهلية، فنادى بأعلى صوته: ألا تأمر بي عباس فأتاه فدفع عنه، وسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبضه إليه. فركب به تحت الليل، فسار به في عسكر القوم حتى أبصره أجمع. وكان عمر قال له حين وجأه: لا تدن من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تموت. فاستغاث بالعباس وقال: إني مقتول. فمنعه من الناس. فلما رأى كثرة الجيش قال: لم أر كالليلة جمعاً لقوم. فخلصه عباس من أيديهم، وقال: إنك مقتول إن لم تسلم وتشهد أن محمداً رسول الله. فجعل يريد أن يقول الذي يأمره عباس، ولا ينطلق به لسانه وبات معه. وأما حكيم وبديل فدخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلما. وجعل يستخبرهما عن أهل مكة. فلما نودي بالفجر تجسس القوم، ففزع أبو سفيان وقال: يا (2/530)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 531 عباس، ما يريدون قال: سمعوا النداء بالصلاة فتبشروا بحضور النبي صلى الله عليه وسلم فلما أبصرهم أبو سفيان يمرون إلى الصلاة، وأبصرهم يركعون ويسجدون إذا سجد النبي صلى الله عليه وسلم، قال: يا عباس، ما يأمرهم بشيء إلا فعلوه فقال: هل عنده من عفو عنهم فانطلق عباس بأبي سفيان حتى أدخله على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، هذا أبو سفيان. فقال أبو سفيان: يا محمد قد اسنتصرت بإلهي واستنصرت بإلهك، فوالله ما لقيتك من مر إلا ظهرت علي، فلو كان إليهم محقاً وإلهك باطلاً ظهرت عليك، فأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. وقال عباس: يا رسول الله إني أحب أن تأذن لي إلى قومك فأنذرهم ما نزل بهم، وأدعوهم إلى الله ورسوله. فأذن له. قال: كيف أقول لهم قال: من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وشهد أن محمداً عبده ورسوله، وكف يده، فهو آمن. ومن جلس عند الكعبة ووضع سلاحه فهو) آمن. ومن أغلق عليه بابه فهو آمن. قال: يا رسول الله، أبو سفيان ابن عمنا، فأحب أن يرجع معي، وقد خصصته بمعروف. فقال: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. فجعل أبو سفيان يستفهمه. ودار أبي سفيان بأعلى مكة. وقال: من دخل دارك يا حكيم فهو آمن. ودار حكيم في أسفل مكة. وحمل النبي صلى الله عليه وسلم العباس على بغلته البيضاء التي أهداها إليه دحية الكلبي، فانطلق العباس وأبو سفيان قد أردفه. ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم في أثره، فقال: أدركوا العباس فردوه علي. وحدثهم بالذي خاف عليه. فأدركه (2/531)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 532 الرسول، فكره عباس الرجوع، وقال: أترهب يا رسول الله أن يرجع أبو سفيان راغباً في قلة الناس فيكفر بعد إسلامه فقال: احبسه فحبسه. فقال أبو سفيان: غدراً يا بني هاشم فقال عباس: إنا لسنا نغدر، ولكن بي إليك بعض الحاجة. فقال: وما هي، فأقضيها لك قال: إنما نفاذها حين يقدم عليك خالد بن الوليد والزبير بن العوام. فوقف عباس بالمضيق دون الأراك، وقد وعى منه أبو سفيان حديثه. ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيل بعضها على أثر بعض، وقسم الخيل شطرين، فبعث الزبير في خيل عظيمة. فلما مروا بأبي سفيان قال للعباس: من هذا قال: الزبير. وردفه خالد بن الوليد بالجيش من أسلم وغفار وقضاعة، فقال أبو سفيان: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا يا عباس قال: لا، ولكن هذا خالد بن الوليد. وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة بين يديه في كتيبة الأنصار، فقال: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة. ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبة الإيمان من المهاجرين والأنصار. فلما رأى أبو سفيان وجوهاً كثيرة لا يعرفها قال: يا رسول الله، اخترت هذه الوجوه على قومك قال: أنت فعلت ذلك وقومك. إن هؤلاء صدقوني إذ كذبتموني، ونصروني إذ أخرتموني، ومع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ الأقرع بن حابس، وعباس بن مرادس السلمي، وعيينة بن بدر، فلما أبصرهم حول النبي صلى الله عليه وسلم قال: من هؤلاء يا عباس قال: هذه كتيبة النبي صلى الله عليه وسلم، ومع هذه الموت الأحمر، هؤلاء المهاجرون والأنصار. قال: امض يا عباس، فلم أر كاليوم جنوداً قط ولا جماعة، وسار الزبير بالناس حتى إذا وقف بالحجون، واندفع خالد حتى دخل من أسفل مكة. فلقيته بنو بكر فقاتلهم (2/532)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 533 فهزمهم، وقتل منهم قريباً من عشرين، ومن هذيل ثلاثة أو أربعة، وهزموا وقتلوا بالحزورة، حتى دخلوا) الدور، وارتفعت طائفة منه على الجبل على الخندمة، واتبعهم المسلمون بالسيوف. ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أخريات الناس، وندى مناد: من أغلق عليه داره وكف يده فهو آمن. وكان النبي صلى الله عليه وسلم نازلاً بذي طوى، فقال: كيف قال حسان فقال رجل من أصحابه: قال: (عدمت بنيتي إن لم تروها.......... تثير النقع من كتفي كداء) فأمرهم فأدخلوا الخيل من حيث قال حسان فأدخلت من ذي طوى من أسفل مكة. واستحر القتل ببني بكر. فأحل الله له مكة ساعة من نهار، وذلك قوله تعالى لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أحلت الحرمة لأحد قبلي ولا بعدي، ولا أحلت لي إلا ساعة من نهار. ونادى أبو سفيان بمكة: أسلموا تسلموا. وكفهم الله عن عباس. فأقبلت هند فأخذت بلحية أبي سفيان، ثم نادت: يا آل غالب اقتلوا الشيخ الأحمق. قال: أرسلي لحيتي، فأقسم لئن أنت لم تسلمي ليضربن (2/533)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 534 عنقك، ويلك جاءنا بالحق ادخلي بيتك واسكني. ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف سبعاً على راحلته. وفر صفوان بن أمية عامداً للبحر، وفر عكرمة عامداً لليمن. وأقبل عمير بن وهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله أمن صفوان فقد هرب، وقد خشيت أن تهلك نفسه فأرسلني إليه بأمان قد أمنت الأحمر والأسود، فقال: أدركه فهو آمن. فطلبه عمير فأدركه ودعاه فقال: قد أمنك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال صفوان: والله لا أوقن لك حتى أرى علامة بأماني أعرفها. فرجع فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم برد حبرة كان معتجراً به حين دخل مكة، فأقبل عمير، فقال صفوان: يا رسول الله، أعطيتني ما يقول هذا من الأمان قال: نعم. قال: أجعل لي شهراً قال: لك شهران، لعل الله أن يهديك. واستأذنت أم حكيم بنت الحارث بن هشام وهي يومئذ مسلمة، وهي تحت عكرمة بن أبي جهل. فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلب زوجها، فأذن لها وأمنه، فخرجت بعبد لها رومي فأرادها عن نفسها، فلم تزل تمنيه وتقرب له حتى قدمت على ناس من عك فاستغاثتهم عليه فأوثقوه، فأدركت زوجها ببعض تهامة وقد ركب في السفينة، فلما جلس فيها نادى باللات والعزى. فقال أصحاب السفينة: لا يجوز هاهنا من دعاء بشيء إلا الله وحده مخلصاً، فقال) عكرمة: والله لئن كان في البحر، إنه لفي البر وحده، وأقسم بالله (2/534)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 535 لأرجعن إلى محمد، فرجع عكرمة مع امرأته، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعه، وقبل منه. ودخل رجل من هذيل على امرأته، فلامته وعيرته بالفرار، فقال: (وأنت لو رايتنا بالخندمه.......... إذ فر صفوان وفي عكرمه)

(قد لحقتهم السيوف المسلمة.......... يقطعن كل ساعد وجمجمه) لم تنطقي في اللوم أدنى كلمة. وكان دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة في رمضان. واستعار النبي صلى الله عليه وسلم من صفوان فيما زعموا مائة درع وأداتها، وكان أكثر شيء سلاحاً. وأقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بضع عشرة ليلة. وقال ابن إسحاق: مضى النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل مر الظهران في عشرة آلاف. فسبعت سليم، وبعضهم يقول: ألفت سليم، وألفت مزينة. ولم يتخلف أحد من المهاجرين والأنصار. وقد كان العباس لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق. قال عبد الملك ابن هشام: لقيه بالجحفة مهاجراً بعياله. (2/535)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 536 وقال ابن إسحاق: وقد كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة قد لقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنبق العقاب فيما بين مكة والمدينة فالتمسا الدخول عليه، فكلمته أم سملة فيهما، فقالت: يا رسول الله ابن عمك وابن عمتك وصهرك. قال: لا حاجة لي بهما، أما ابن عمي فهتك عرضي، وأما ابن عمتي فهو الذي قال لي بمكة ما قال. فلما بلغهما قوله قال أبو سفيان: والله لتأذنن لي أو لأخذن بيد بني هذا ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشاً وجوعاً. فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لهما، وأذن لهما فدخلا وأسلما وقال أبو سفيان: (لعمرك إني يوم أحمل راية.......... لتغلب خيل اللات خيل محمد)

(لكالمدلج الحيران أظلم ليله.......... فهذا أواني حين أهدي وأهتدي)

(هداني هاد غير نفسي ونالني.......... إلى الله من طردت كل مطرد)

(أصد وأنأى جاهداً عن محمد.......... وأدعى وإن لم أنتسب من محمد) ) فذكروا أنه حين أنشد النبي صلى الله عليه وسلم هذه ضرب في صدره وقال: أنت طردتني كل مطرد. وقال سعيد بن عبد العزيز، عن عطية بن قيس، عن أبي سعيد الخدري قال: خرجنا لغزوة فتح مكة لليلتين خلتا من شهر رمضان صواماً. فلما كنا بالكديد، أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفطر. (2/536)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 537 وقال الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام في مخرجه ذلك حتى بلغ الكديد فأفطر وأفطر الناس. أخرجه البخاري. وقال الأوزاعي: ثنا يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة قال: دخل أبو بكر وعمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران، وهو يتغدى فقال: الغداء فقالا: إنا صائمان، فقال: اعملوا لصاحبيكم، ارحلوا لصاحبيكم، كلا، كلا. مرسل وقوله: هذا مقدار بالقول يعني يقال هذا لكونكما صائمين. وقال معمر: سمعت الزهري يقول: أخبرني عبيد الله، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في رمضان من المدينة ومعه عشرة آلاف، وذلك على راس ثمان سنين ونصف من مقدمه المدينة، فسار بمن معه من المسلمين إلى مكة، يصوم ويصومون. حتى بلغ الكديد وهو بين عسفان وقديد فأفطر، وأفطر الناس. قال الزهري: وكان الفطر آخر الأمرين. وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الزهري: فصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة لثلاث عشرة ليلة خلت من رمضان. أخرجه خ وم دون قول الزهري. وكذا ورخه يونس عن الزهري. (2/537)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 538 وقال عبد الله بن إدريس، عن ابن إسحاق، عن ابن شهاب، ومحمد ابن علي بن الحسين، وعمرو بن شعيب، وعاصم بن عمر وغيرهم قالوا: كان فتح مكة في عشر بقين من رمضان. وقال الواقدي: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء لعشر خلون من رمضان بعد العصر. فما حل عقده حتى انتهى إلى الصلصل. وخرج المسلمون وقادوا الخيل وامتطوا الإبل، وكانوا عشرة آلاف. وذكر عروة وموسى بن عقبة أنه صلى الله عليه وسلم خرج في اثني عشر ألفاً.) وقال ابن إدريس، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه العباس بأبي سفيان فأسلم بمر الظهران. فقال: يا رسول الله، إن سفيان رجل يحب الفخر، فلو جعلت له شيئاً قال: نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، من أغلق بابه فهو آمن. زاد فيه الثقة، عن ابن إسحاق بإسناده: فقال أبو سفيان: وما تسع داري قال: من دخل الكعبة فهو آمن قال: وما تسع الكعبة قال: من دخل المسجد فهو آمن. قال: وما يسع المسجد قال: من أغلق بابه فهو آمن. فقال: هذه واسعة. وقال حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة قال: فلما نزل رسول الله (2/538)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 539 صلى الله عليه وسلم بمر الظهران، قال العباس وقد خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة: يا صباح قريش، والله لئن بغتها رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عنوة، إنه لهلاك قريش آخر الدهر. فجلس على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء، وقال أخرج إلى الأراك لعلي أرى حطاباً أو صاحب لبن، أو داخلاً يدخل مكة. فيخبرهم بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأتوه فيستأمنوه، فخرجت فوالله إني لأطوف بالأراك إذ سمعت صوت أبي سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء وقد خرجوا يتجسسون الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعت صوت أبي سفيان وهو يقول: ما رأيت كاليوم قط نيراناً، فقال بديل: هذه نيران خزاعة حمشتها الحرب، فقال أبو سفيان: خزاعة ألأم من ذلك وأذل. فعرف صوته فقلت: يا أبا حنظلة، فقال: أبو الفضل قلت: نعم. فقال: لبيك، فداك أبي وأمي، ما وراءك قلت: هذا رسول الله في الناس قد دلف إليكم بما لا قبل لكم به في عشرة آلاف من المسلمين. قال: فكيف الحيلة فداك أبي وأمي. فقلت: تركب في عجز هذه البغلة، فأستأمن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك. فردفني فخرجت أركض به نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلما مررت بنار من نيران المسلمين نظروا إلي وقالوا: عم رسول الله على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم. حتى مررت بنار عمر فقال لأبي سفيان: الحمد لله الذي أمكن منك بغير عهد ولا عقد. ثم اشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم. وركضت البغلة حتى اقتحمت باب القبة وسبقت عمر بما تسبق به الدابة البطيئة الرجل البطيء. ودخل عمر فقال: يا رسول الله هذا أبو سفيان عدو الله، قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد،) فدعني أضرب عنقه فقلت: يا رسول الله، إني قد (2/539)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 540 أمنته. ثم جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت برأسه وقلت: والله لا يناجيه الليلة أحد دوني. فلما أكثر فيه عمر، قلت: مهلاً يا عمر، فوالله ما تصنع هذا إلا لأنه رجل من بني عبد مناف. ولو كان من بني عدي بن كعب ما قلت هذا. فقال: مهلاً يا عباس، فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم. وما ذاك إلا لأني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب لو أسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب به فقد أمناه، حتى تغدو به علي الغداة، فرجع به العباس إلى منزله. فلما أصبح غدا به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله فقال: بأبي وأمي ما أوصلك وأكرمك، والله ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى شيئاً بعد. فقال: ويحك أو لم يأن أن تعلم أني رسول الله قال: بأبي وأمي ما أوصلك وأكرمك، أما هذه فإن في النفس منها شيئاً. فقال العباس فقلت: ويلك تشهد شهادة الحق قبل، والله، أن تضرب عنقك. فتشهد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تشهد: انصرف به يا عباس فاحبسه عند حطم الجبل بمضيق الوادي، حتى تمر عليه جنود الله. فقلت له: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر، فاجعل له شيئاً يكون له في قومك فقال: نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن. فخرجت به حتى حبسته عند حطم الجبل بمضيق الوادي. فمرت عليه القبائل، فيقول: من (2/540)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 541 هؤلاء يا عباس فأقول: سليم. فيقول: مالي ولسليم. وتمر به القبيلة فيقول: من هذه فأقول: أسلم. فيقول مالي ولأسلم. وتمر جهينة. حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء من المهاجرين والأنصار، في الحديد، لا يرى منهم إلا الحدق. فقال يا أبا الفضل، من هؤلاء فقلت: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار. فقال: يا أبا الفضل، لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً. فقلت: ويحك، إنها النبوة. قال: فنعم إذن. قلت: الحق الآن بقومك فحذرهم. فخرج سريعاً حتى جاء مكة، فصرخ في المسجد: يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به. فقالوا: فمه قال: من دخل داري فهو آمن. فقالوا: وما دارك، وما تغني عنا قال: من دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق داره عليه فهو آمن.) هكذا رواه بهذا اللفظ ابن إسحاق، عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن عكرمة، عن ابن عباس موصولاً، وأما أبو أيوب السختياني فأرسله. وقد رواه ابن إدريس، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس بمعناه. وقال عروة: أخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال: سمعت العباس يقول للزبير: يا أبا عبد الله، هاهنا أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تركز الراية. قال: وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد أن يدخل مكة من كداء. ودخل النبي صلى الله عليه وسلم من كدى، فقتل من خيل خالد يومئذ رجلان: حبيش بن الأشعر، وكرز بن جابر الفهري. (2/541)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 542 وقال الزهري، وغيره: أخفى الله تعالى مسير النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل مكة، حتى نزل بمر الظهران. وفي مغازي موسى بن عقبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لخالد بن الوليد: لم قاتلت، وقد نهيتك عن القتال قال: هم بدأونا بالقتال ووضعوا فينا السلاح وأشعرونا بالنبل، وقد كففت يدي ما استطعت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قضاء الله خير. ويقال: قال أبو بكر يومئذ: يا رسول الله أراني في المنام وأراك دنونا من مكة، فخرجت إلينا كلبة تهر. فلما دنونا منها استلقت على ظهرها، فإذا هي تشخب لبناً. فقال: ذهب كلبهم وأقبل درهم، وهم سائلوكم بأرحامكم وإنكم لاقون بعضهم، فإن لقيتم أبا سفيان فلا تقتلوه. فلقوا أبا سفيان وحكيماً بمر الظهران. وقال حسان: (عدمت بنيتي إن لم تروها.......... تثير النقع موعدها كداء)

(ينازعن الأعنة مصحبات.......... يلطمهن بالخمر النساء)

(فإن أعرضتم عنا اعتمرنا.......... وكان الفتح وانكشف الغطاء) (2/542)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 543 (وإلا فاصبروا لجلاد يوم.......... يعز الله فيه من يشاء)

(وجبريل رسول الله فينا.......... وروح القدس ليس له كفاء)

(هجوت محمداً فأجبت عنه.......... وعند الله في ذاك الجزاء)

(فمن يهجو رسول الله منكم.......... ويمدحه وينصره سواء) ) (لساني صارم لا عيب فيه.......... وبحري ما تكدره الدلاء) فذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبسم إلى أبي بكر حين رأى النساء يلطمن الخيل بالخمر أي ينفضن الغبار عن الخيل. وقال الليث: حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن عمارة بن غزية، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اهجوا قريشاً فإنه أشد عليها من رشق النبل. وأرسل إلى ابن رواحة فقال: اهجهم. فهجاهم فلم يرض، فأرسل إلى كعب ابن مالك، ثم أرسل إلى حسان بن ثابت. فلما دخل قال: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه. ثم أدلع لسانه فجعل يحركه، فقال: والذي بعثك بالحق لأفرينهم فري الأديم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تعجل فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها وإن لي فيهم نسباً، حتى يخلص لي نسبي. فأتاه حسان ثم رجع فقال: يا رسول الله قد أخلص لي نسبك، فوالذي بعثك بالحق لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين. (2/543)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 544 قالت عائشة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول لحسان: إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله. وقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هجاهم حسان فشفى واشتفى. وذكر الأبيات، وزاد فيها: (هجوت محمداً براً حنيفاً.......... رسول الله شيمته الوفاء)

(فإن أبي ووالده وعرضي.......... لعرض محمد منكم وقاء)

(فإن أعرضتم عنا اعتمرنا.......... وكان الفتح وانكشف الغطاء)

(وقال الله: قد أرسلت عبداً.......... يقول الحق ليس به خفاء)

(وقال الله: قد سيرت جنداً.......... هم الأنصار عرضتها اللقاء)

(لنا في كل يوم من معد.......... سباب أو قتال أو هجاء) أخرجه مسلم. وقال سليمان بن المغيرة وغيره: نا ثابت البناني، عن عبد الله بن رباح قال: وفدنا إلى معاوية ومعنا أبو هريرة، وكان بعضنا يصنع لبعض الطعام. وكان أبو هريرة ممن يصنع لنا فيكثر، فيدعو إلى رحله. قلت: لو أمرت بطعام فصنع ودعوتهم إلى رحلي، ففعلت. ولقيت أبا هريرة بالعشي فقلت: الدعوة عندي الليلة. فقال: سبقتني يا أخا الأنصار. قال: فإنهم لعندي إذ قال أبو) هريرة: ألا أعلمكم بحديث من حديثكم يا معشر الأنصار؟ فذكر فتح (2/544)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 545 مكة. وقال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد على إحدى المجنبتين، وبعث الزبير على المجنبة الأخرى، وبعث أبا عبيدة على الحسر. ثم رآني فقال: يا أبا هريرة. قلت: لبيك وسعديك يا رسول الله. قال: اهتف لي بالأنصار ولا تأتني إلا بأنصاري. قال: ففعلته. ثم قال: انظروا قريشاً وأوباشهم فاحصدوهم حصداً. فانطلقنا فما أحد منهم يوجه إلينا شيئاً، وما منا أحد يريد أحداً منهم إلا أخذه. وجاء أبو سفيان. فقال: يا رسول الله: أبيدت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم. فقال: يا رسول الله: أبيدت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن فألقوا سلاحهم. ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدأ بالحجر فاستلمه، ثم طاف سبعاً وصلى خلف المقام ركعتين. ثم جاء ومعه القوس وهو آخذ بسيتها، فجعل يطعن بها في عين صنم من أصنامهم، وهو يقول: جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً. ثم انطلق حتى أتى الصفا، فعلا منه حتى يرى البيت، وجعل يحمد الله ويدعوه، والأنصار عنده يقولون: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته. وجاء الوحي، وكان الوحي إذا جاء لم يخف علينا. فلما أن رفع الوحي قال: يا معشر الأنصار قلتم كذا وكذا، كلا فما اسمي إذاً كلا، إني عبد الله ورسوله. المحيا محياكم (2/545)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 546 والممات مماتكم. فأقبلوا يبكون وقالوا: يا رسول الله ما قلنا إلا الضن بالله وبرسوله. فقال: إن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم. أخرجه مسلم. وعنده: كلا إني عبد الله ورسوله، وهاجرت إلى الله وإليكم. وفي الحديث دلالة على الإذن بالقتل قبل عقد الأمان. وقال سلام بن مسكين: حدثني ثابت البناني، عن عبد الله بن رباح، عن أبي هريرة قال: ما قتل يوم الفتح إلا أربعة. ثم دخل صناديد قريش الكعبة وهم يظنون أن السيف لا يرفع عنهم. ثم طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى ثم أتى الكعبة فأخذ بعضادتي الباب فقال: ما تقولون وما تصنعون قالوا: نقول ابن أخ وابن عم حليم رحيم. فقال: أقول كما قال يوسف: لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم. قال: فخرجوا كما نشروا من القبور. فدخلوا في الإسلام.) وقال عروة عن عائشة: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح من كداء من أعلى مكة. وقال عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح رأى النساء يلطمن وجوه الخيل بالخمر، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر وقال: كيف قال حسان فأنشده أبو بكر: (2/546)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 547 (عدمت بنيتي إن لم تروها.......... تثير النقع من كنفي كداء)

(ينازعن الأعنة مسرجات.......... يلطمهن بالخمر النساء) فقال: ادخلوها من حيث قال حسان. وقال الزهري، عن أنس، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح مكة وعلى رأسه المغفر، فلما وضعه جاء رجل فقال: هذا ابن خطل متعلق بأستار الكعبة. فقال: اقتلوه. متفق عليه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أهدر دم ابن خطل وثلاثة غيره. وقال منصور بن أبي مزاحم: ثنا أبو معشر، عن يوسف بن يعقوب، عن السائب بن يزيد. قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قتل عبد الله بن خطل يوم أخرجوه من تحت الأستار. فضرب عنقه بين زمزم والمقام. ثم قال: لا يقتل قرشي بعدها صبراً. وقال معاوية بن عمار الدهني، عن أبي الزبير، عن (2/547)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 548 جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء بغير إحرام. أخرجه مسلم. وفي مسند الطيالسي حدثنا حماد بن سلمة، عن أبي الزبير، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل يوم الفتح وعليه عمامة سوداء. وقال مساور الوراق: سمعت جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه. قال: كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، وعليه عمامة سوداء خرقانية، قد أرخى طرفها بين كتفيه. أخرجه مسلم. وقال ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، أن عائشة قالت: كان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح أبيض، ورايته سوداء قطعة من مرط لي مرجل، وكانت الراية تسمى العقاب.) قال عبد الله بن أبي بكر: لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي طوى ورأى ما أكرمه الله به من الفتح جعل يتواضع لله حتى إنك لتقول قد كاد عثنونه أن يصيب واسطة الرحل. وقال ثابت، عن أنس: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وذقنه على رحله متخشعاً. حديث صحيح. وقال شعبة، عن معاوية بن قرة، سمع عبد الله بن مغفل، قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح سورة الفتح وهو على بعير، فرجع فيها. ثم قرأ معاوية يحكي قراءة ابن مغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم. متفق عليه، ولفظه للبخاري. (2/548)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 549 وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن عبد الله بن مسعود، قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون نصباً، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول: جاء الحق وما يبديء الباطل وما يعيد. جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً. متفق عليه. وقال ابن إسحاق: ثنا عبد الله بن أبي بكر، عن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، وعلى الكعبة ثلاثمائة صنم، فأخذ قضيبه فجعل يهوي به إلى صنم صنم، وهو يهوي حتى مر عليها كلها. حديث حسن. وقال القاسم بن عبد الله العمري هو ضعيف عن عبد الله بن (2/549)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 550 دينار، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة وجد بها ثلاثمائة وستين صنماً. فأشار إلى كل صنم بعصاً من غير أن يمسها. وقال: جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً، فكان لا يشير إلى صنم إلا سقط. وقال عبد الوارث، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة، أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة، فأمر بها فأخرجت. فأخرج صورة إبراهيم وإسماعيل وفي أيديهما الأزلام، فقال: قاتلهم الله، أما والله لقد علموا أنهما لم يستقسما بها قط. ودخل البيت وكبر في نواحيه. أخرجه البخاري. وقال معمر، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى الصور في البيت لم يدخله حتى أمر بها فحميت. ورأى إبراهيم وإسماعيل بأيديهما الأزلام،) فقال: قاتلهم الله، والله ما استقسما بها قط. صحيح. وقال أبو الزبير، عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدخل البيت حتى محيت الصور. صحيح. (2/550)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 551 وقال هوذة: ثنا عوف الأعرابي، عن رجل، قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح، شيبة بن عثمان فأعطاه المفتاح، وقال له: دونك هذا، فأنت أمين الله على بيته. قال الواقدي: هذا غلط، إنما أعطى المفتاح عثمان بن طلحة ابن عم شيبة يوم الفتح، وشيبة يومئذ كافر. ولم يزل عثمان على البيت حتى مات ثم ولي شيبة. قلت: قول الواقدي لم يزل عثمان على البيت حتى مات، فيه نظر. فإن أراد لم يزل منفرداً بالحجابة، فلا نسلم. وإن أراد مشاركاً لشيبة، فقريب. فإن شيبة كان حاجباً في خلافة عمر. ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم وفي الحجابة لشيبة لما أسلم. وكان إسلامه عام الفتح، لا يوم الفتح. وقال محمد بن حمران، أنا أبو بشرن عن مسافع بن شيبة، عن أبيه، قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة فصلى، فإذا فيها تصاوير، فقال: يا شيبة، اكفني هذه. فاشتد ذلك عليه. فقال له رجل: طينها ثم الطخها بزعفران. ففعل. تفرد به محمد، وهو مقارب للأمر. وقال يونس، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يوم الفتح من أعلى مكة على راحلته مردفاً أسامة، ومعه بلال وعثمان بن طلحة، من الحجبة، حتى أناخ في المسجد. فأمر عثمان أن يأتي بمفتاح البيت، ففتح ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أسامة وبلال وعثمان. فمكث فيها نهاراً طويلاً. ثم خرج فاستبق الناس، وكان عبد الله بن عمر أول من دخل، فوجد بلالاً وراء الباب، فسأله: أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إلى المكان الذي صلى فيه. (2/551)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 552 قال ابن عمر: فنسيت أن أسأله: كم صلى من سجدة. صحيح. علقه البخاري محتجاً به. وقال ابن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور، عن صفية بنت شيبة قالت: لما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، طاف على بعيره، ويستلم الحجر بالمحجن. ثم دخل الكعبة وأنا أنظر فرمى بها.) وذكر أسباط، عن السدي، عن مصعب بن سعد، عن أبيه، قال: لما كان يوم فتح مكة، أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، إلا أربعة نفر وامرأتين، وقال: اقتلوهم، وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة: عكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن خطل، ومقيس بن صبابة، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح. فأما ابن خطل فأدرك وهو متعلق بالأستار، فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر، فسبق سعيد عماراً، فقتله. وأما مقيس فقتلوه في السوق. وأما عكرمة فركب البحر، وذكر قصته، ثم أسلم. وأما ابن أبي سرح فاختبأ عند عثمان، فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة، جاء به عثمان حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، بايع عبد الله. فرفع رأسه فنظر إليه (2/552)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 553 ثلاثاً، كل ذلك يأبى، فبايعه بعد ثلاث. ثم أقبل على أصحابه فقال: أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا، رآني كففت، فيقتله. قالوا: ما يدرينا، يا رسول الله، ما في نفسك، هلا أومأت إلينا بعينك قال: إنه لا ينبغي أن يكون لنبي خائنة الأعين. وقال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر، قال: قدم مقيس بن صبابة على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وقد أظهر الإسلام، يطلب بدم أخيه هشام. وكان قتله رجل من المسلمين يوم بني المصطلق ولا يحسبه إلا مشركاً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما قتل أخوك خطأ. وأمر له بديته، فأخذها، فمكث مع المسلمين شيئاً، ثم عدا على قاتل أخيه فقتله، ولحق بمكة كافراً. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح بقتله، فقتله رجل من قومه يقال له نميلة بن عبد الله بين الصفا والمروة. وحدثني عبد الله بن أبي بكر، وأبو عبيدة بن محمد بن عمار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أمر بقتل ابن أبي سرح لأنه كان قد أسلم، وكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي. فرجع مشركاً ولحق بمكة. قال ابن إسحاق: وإنما أمر بقتل عبد الله بن خطل أحد بني تيم بن غالب لأنه كان مسلماً، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقاً، وبعث معه رجلاً من (2/553)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 554 الأنصار، وكان معه مولى يخدمه وكان مسلماً. فنزل منزلاً، فأمر المولى أن يذبح تيساً ويصنع له طعاماً، ونام فاستيقظ ولم يصنع له شيئاً فقتله وارتد. وكان له قينة وصاحبتها تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بقتلهما معه. وكان ممن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم.) وقال يعقوب القمي: ثنا جعفر بن أبي المغيرة، عن ابن أبزى، قال: لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، جاءت عجوز حبشية شمطاء تخمش وجهها وتدعو بالويل. فقيل: يا رسول الله، رأينا كذا وكذا. فقال: تلك نائلة أيست أن تعبد ببلدكم هذا أبداً. كأنه منقطع. وقال يونس بن بكير، عن زكريا، عن الشعبي، عن الحارث بن مالك هو ابن برصاء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح يقول: لا تغزى مكة بعد اليوم أبداً إلى يوم القيامة. وقال محمد بن فضيل: ثنا الوليد بن جميع، عن أبي الطفيل، قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، بعث خالد بن الوليد إلى نخلة، وكانت بها العزى. فأتاها خالد وكانت على ثلاث سمرات. فقطع السمرات وهدم البيت الذي كان عليها. ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره. فقال: ارجع، فإنك لم تصنع شيئاً. فرجع خالد. فلما نظرت إليه السدنة وهم حجابها أمعنوا في الجبل وهم (2/554)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 555 يقولون: يا عزى خبليه، يا عزى عوريه، وإلا فموتي برغم. فأتاها خالد، فإذا امرأة عريانة ناشرة شعرها تحثو التراب على رأسها. فعممها بالسيف حتى قتلها. ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره. فقال: تلك العزى. أبو الطفيل له رؤية. وقال ابن إسحاق: حدثني أبي قال: حدثني بعض آل جبير بن مطعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة، أمر بلالاً فعلا على ظهر الكعبة، فأذن عليها. فقال بعض بني سعيد بن العاص: لقد أكرم الله سعيداً إذ قبضه قبل أن يرى هذا الأسود على ظهر الكعبة. وقال عروة: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً يوم الفتح فأذن على الكعبة. وقال الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سعيد بن أبي هند: أن أبا مرة مولى عقيل حدثه، أن أم هانئ بنت أبي طالب حدثته لما كان عام الفتح فر إليها رجلان من بني مخزوم، فأجارتهما. قالت: فدخل علي علي فقال: أقتلهما. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بأعلى مكة، فلما رآني رحب فقال: أقتلهما. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بأعلى مكة، فلما رآني رحب فقال: ما جاء بك يا أم هانئ قالت: يا نبي الله، كنت قد أمنت رجلين من أحمائي فأراد علي قتلهما. فقال: قد أجرنا من أجزت. ثم قام إلى غسله، (2/555)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 556 فسترت عليه فاطمة. ثم أخذ ثوباً فالتحف به ثم صلى ثماني ركعات سبحة الضحى. أخرجه مسلم. وقال الليث، عن المقبر، عن أبي شريح العدوي، أنه قال لعمرو بن سعيد، وهو يبعث البعوث) إلى مكة: ائذن لي أيها الأمير، أحدث قولاً قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به أنه حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الله حرم مكة ولم يحرمها الناس، ولا يحل لامريء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً، ولا يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، فقولوا له إن الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار. وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس. فليبلغ الشاهد الغائب. فقيل لأبي شريح: ماذا قال لك عمرو قال: قال أنا أعلم بذاك منك يا أبا شريح، إن الحرم لا يعيذ عاصياً ولا فاراً بدم ولا فاراً بخربة متفق عليه. وقال ابن عيينة، عن علي بن زيد، عمن حدثه عن ابن عمر، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وهو على درجة الكعبة: الحمد لله الذي صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. ألا إن قتيل العمد الخطأ بالسوط أو العصا فيه مائة من الإبل، منها أربعون خلفة في بطونها أولادها. ألا إن كل مأثرة في الجاهلية ودم ومال تحت قدمي هاتين إلا ما كان من سدانة البيت (2/556)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 557 وسقاية الحاج، فقد أمضيتها لأهلها. ضعيف الإسناد. وقال ابن إسحاق حدثني عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس عام الفتح، ثم قال: أيها الناس ألا إنه لا حلف في الإسلام، وما كان من حلف في الجاهلية فإن الإسلام لا يزيده إلا شدة. والمؤمنون يد على من سواهم، يجير عليهم أدناهم، ويرد عليهم أقصاهم، يرد سراياهم على قعيدتهم. لا يقتل مؤمن بكافر. دية الكافر نصف دية المسلم. لا جلب ولا جنب. ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم. وقال أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: منزلنا، إن شاء الله إذا فتح الله، الخيف حيث تقاسموا على الكفر. أخرجه البخاري. وقال أبو الأزهر النيسابوري، ثنا محمد بن شرحبيل الأنباري، أنا ابن جريج، أخبرنا عبد الله بن عثمان، أن محمد بن الأسود بن خلف، أخبره أن أباه الأسود حضر النبي صلى الله عليه وسلم يبايع الناس يوم الفتح، وجلس عند قرن (2/557)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 558 مسقلة، فجاءه الصغار والكبار والرجال والنساء فبايعوه على الإسلام والشهادة. وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله، عن أبيه، عن أسماء بنت أبي) بكر، قالت: لما كان عام الفتح ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا طوى، قال أبو قحافة لابنة له كانت من أصغر ولده: أي بنية: أشرفي بي على أبي قبيس، وقد كف بصره. فأشرفت به عليه. فقال: ماذا ترين قالت: أرى سواداً مجتمعاً، وأرى رجلاً يشتد بين ذلك السواد مقبلاً ومدبراً. فقال: تلك الخيل يا بنية، وذلك الرجل الوازع. ثم قال: ماذا ترين قالت: أرى السواد انتشر. فقال: فقد والله إذن دفعت الخيل، فأسرعي بي إلى بيتي. فخرجت سريعاً، حتى إذا هبطت به الأبطح، لقيتها الخيل، وفي عنقها طوق لها من ورق، فاقتطعه إنسان من عنقها. فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هلا تركت الشيخ في بيته حتى أجيئه فقال: يمشي هو إليك يا رسول الله أحق من أن تمشي إليه. فأجلسه بين يديه ثم مسح صدره وقال: أسلم تسلم. فأسلم. ثم قام أبو بكر فأخذ بيد أخته فقال: أنشد بالله والإسلام طوق أختي. فوالله ما أجابه أحد. ثم قال الثانية، فما أجابه أحد. فقال: يا أخية، احتسبي طوقك، (2/558)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 559 فوالله إن الأمانة اليوم في الناس لقليل. وقال أبو الزبير، عن جابر: أن عمر أخذ بيد أبي قحافة فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: غيروا هذا الشيب ولا تقربوه سواداً. وقال زيد بن أسلم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هنأ أبا بكر بإسلام أبيه. مرسل. وقال مالك، عن ابن شهاب: أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على عهده نساء يسلمن بأرضهن، منهن ابنة الوليد بن المغيرة، وكانت تحت صفوان بن أمية، فأسلمت يوم الفتح وهرب صفوان. فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمه عمير بن وهب برداء رسول الله صلى الله عليه وسلم أماناً لصفوان، ودعاه إلى الإسلام، وأن يقدم عليه، فإن رضي أمراً قبله، وإلا سيره شهرين. فقدم فنادى على رؤوس الناس: يا محمد، هذا عمير بن وهب جاءني بردائك وزعم أنك دعوتني إلى القدوم عليك، فإن رضيت أمراً قبلته، وإلا سيرتني شهرين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنزل أبا وهب. فقال: لا والله، لا أنزل حتى تبين لي. فقال: بل لك تسيير أربعة أشهر. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل هوازن، فأرسل إلى صفوان يستعيره أداة وسلاحاً. فقال صفوان: أطوعاً أو كرهاً فقال: بل طوعاً. فأعاره الأداة والسلاح. وخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو كافر، فشهد حينناً والطائف، وهو كافر وامرأته مسلمة. فلم يفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما حتى) أسلم، واستقرت عنده بذلك النكاح. وكان بين إسلامهما نحو من شهر. (2/559)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 560 وكانت أم حكيم بنت الحارث بن هشام تحت عكرمة بن أبي جهل، فأسلمت يوم الفتح، وهرب عكرمة حتى قدم اليمن. فارتحلت أم حكيم حتى قدمت عليه باليمن ودعته إلى الإسلام فأسلم، وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه وثب فرحاً به، ورمى عليه رداءه حتى بايعه. فثبتا على نكاحهما ذلك. وقال الواقدي: حدثني عبد الله بن يزيد الهذلي، عن أبي حصين الهذلي قال: استقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفوان بن أمية خمسين ألف درهم، ومن عبد الله بن أبي ربيعة أربعين ألفاً، ومن حويطب بن عبد العزى أربعين ألفاً، فقسمها بين أصحابه من أهل الضعف. ومن ذلك المال بعث إلى جذيمة. وقال يونس، عن ابن شهاب، حدثني عروة، قالت عائشة: إن هنداً بنت عتبة بن ربيعة، قالت: يا رسول الله، ما كان مما على ظهر الأرض أهل أخباء، أو خباء أحب إلي أن يذلوا من أهل خبائك، ثم ما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي أن يعزوا من أهل خبائك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأيضاً، والذي نفس محمد بيده. قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل ممسك أو قالت: مسيك فهل علي من حرج أن أطعم من الذي له قال: لا، بالمعروف. أخرجه البخاري. (2/560)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 561 وأخرجاه، من حديث شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري. وعنده: فهل علي حرج أن أطعم من الذي له عيالنا. قال: لا عليك أن تطعميهم بالمعروف. وقال الفريابي: ثنا يونس، عن ابن إسحاق، عن أبي السفر، عن ابن عباس، قال: رأى أبو سفيان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي والناس يطأون عقبه. فقال في نفسه: لو عاودت هذا الرجل القتال. فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ضرب بيده في صدره، فقال: إذاً يخزيك الله. قال: أتوب إلى الله وأستغفر الله. وروى نحوه، مرسلاً، أبو إسحاق السبيعي، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم. وقال موسى بن أعين، عن إسحاق بن راشد، عن الزهري، عن ابن المسيب، قال: لما كان ليلة دخل الناس مكة، لم يزالوا في تكبير وتهليل وطواف بالبيت حتى أصبحوا. فقال أبو سفيان لهند: أترى هذا من الله ثم اصبح فغدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: قلت لهند) أتري هذا من الله، نعم، هذا من الله. فقال: أشهد أنك عبد الله ورسوله. والذي يحلف به أبو سفيان، ما سمع قولي هذا أحد من الناس إلا الله وهند. وقال ابن المبارك، أنا عاصم الأحول، عن عكرمة، عن ابن عباس: (2/561)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 562 أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة تسعة عشر يوماً، يصلي ركعتين. أخرجه البخاري. وقال حفص بن غياث، عن عاصم الأحول: سبعة عشر يوماً. صحيح. وقال ابن علية، أنا علي بن زيد، عن أبي نضرة، عن عمران بن حصين: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين، يقول: يا أهل البلد صلوا أربعة، فإنا سفر. أخرجه أبو داود. علي ضعيف. وقال ابن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح خمس عشرة يقصر الصلاة. ثم روى ابن إسحاق، عن جماعة، مثل هذا. قال البيهقي: الأصح رواية ابن المبارك التي اعتمدها البخاري. (2/562)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 563 وقال الواقدي: وفي رمضان بعث خالد بن الوليد إلى العزى، فهدمها. وبعث عمرو بن العاص إلى سواع في رمضان، وهو صنم هذيل، فهدمه. وقال قلت للسادن: كيف رأيت قال: أسلمت لله. قال: وفي رمضان بعث سعد بن زيد الأشهلي إلى مناة، وكانت بالمشلل، للأوس والخزرج وغسان. فلما كان يوم الفتح بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن زيد الأشهلي في عشرين فارساً حتى انتهى إليها. وتخرج إلى سعد امرأة سوداء عريانة ثائرة الرأس تدعو بالويل، فقال لها السادن: مناة، دونك بعض غضباتك. وسعد يضربها، فقتلها. وأقبل إلى الصنم، فهدموه لست بقين من رمضان. وقال منصور، عن مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإن استنفرتم فانفروا. قاله يوم الفتح. متفق عليه. (2/563)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 564 وقال عمرو بن مرة: سمعت أبا البختري يحدث عن أبي سعيد الخدري قال: لما نزلت إذا جاء نصر الله والفتح قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: إني وأصحابي حيز، والناس حيز، لا هجرة بعد الفتح. فحدثت به مروان ابن الحكم وكان على المدينة فقال: كذبت.) وعنده زيد بن ثابت، ورافع ابن خديج، وكانا معه على السرير. فقلت: إن هذين لو شاءا لحدثاك، ولكن هذا يعني زيداً يخاف أن تنزعه عن الصدقة، والآخر يخاف أن تنزعه عن عرافة قومه. قال: فشد عليه بالدرة، فلما رأيا ذلك قالا: صدق. وقال حماد بن زيد، عن أيوب، حدثني أبو قلابة، عن عمرو بن سلمة، ثم قال: هو حي، ألا تلقاه فتسمع منه فلقيت عمراً فحدثني بالحديث، قال: كنا بممر الناس، فتمر بنا الركبان فنسألهم: ما هذا الأمر وما للناس فيقولون: نبي يزعم أن الله قد أرسله، وأن الله أوحى إليه كذا وكذا. وكانت العرب تلوم بإسلامها الفتح، ويقولون: أنظروه، فإن ظهر فهو نبي فصدقوه. فلما كان وقعة الفتح، بادر كل قوم بإسلامهم. فانطلق أبي بإسلام حوائنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدم فأقام عنده كذا وكذا، وصلاة كذا وكذا. وإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرأناً. فنظروا في أهل حوائنا فلم يجدوا أكثر قرآناً مني فقدموني، وأنا ابن سبع سنين، أو ست سنين. (2/564)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 565 فكنت أصلي بهم، فإذا سجدت تقلصت بردة علي. تقول امرأة من الحي: غطوا عنا است قارئكم هذا. قال: فكسيت معقدة من معقد البحرين بستة دراهم أو سبعة، فما فرحت بشيء كفرحي بذلك. أخرجه البخاري، عن سليمان بن حرب، عنه. (2/565)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 566 (2/566)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 567 (غزوة بني حذيمة) قال ابن إسحاق: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم السرايا فيما حول مكة يدعون إلى الله تعالى، ولم يأمرهم بقتال. فكان ممن بعث، خالد بن الوليد، وأمره أن يسير بأسفل تهامة داعياً، ولم يبعثه مقاتلاً. فوطئ بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة، فأصاب منهم. وقال معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى رجل أحسبه قال بني جذيمة، فدعاهم إلى الإسلام. فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا، صبأنا. وجعل خالد يأمر بهم قتلاً وأسراً، ودلع إلى كل رجل منا أسيراً. حتى إذا أصبح يوماً أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره. فقال ابن عمر: فقلت والله لا أقتل أسيري، ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره. قال: فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم (2/567)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 568 فذكر له صنيع خالد. فقال ورفع يديه صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد. مرتين. أخرجه البخاري.) وقال ابن إسحاق: حدثني حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف، عن أبي جعفر محمد بن علي، قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة بعث خالد بن الوليد، فخرج حتى نزل ببني جذيمة، وهم على مائهم، وكانوا قد أصابوا في الجاهلية عمه الفاكه بن المغيرة، ووالد عبد الرحمن بن عوف فذكر الحديث، وفيه: فأمر خالد برجال منهم فأسروا وضربت أعناقهم. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما عمل خالد بن الوليد. ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً فقال: أخرج إلى هؤلاء القوم، فأد دماءهم وأموالهم، واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك. فخرج علي، وقد أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مالاً، فودى لهم دماءهم وأموالهم، حتى إنه ليعطيهم ثمن ميلغة الكلب. فبقي مع علي بقية من مال، فقال: أعطيكم هذا احتياطاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما لا يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيما لا تعلمون. فأعطاهم إياه. ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر فقال: أحسنت وأصبت. وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة، عن الزهري، حدثني ابن أبي حدرد، عن أبيه، قال: كنت في الخيل التي أصاب فيها خالد بني جذيمة، إذا فتى منهم مجموعة يده إلى عنقه (2/568)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 569 برمة يقول: بحبل فقال: يا فتى، هل أنت آخذ بهذه الرمة فمقدمي إلى هذه النسوة، حتى أقضي إليهن حاجة، ثم تصنعون بي ما بدا لكم، فقلت: ليسير ما سألت. ثم أخذت برمته فقدمته إليهن، فقال: اسلمي حبيش، على نفد العيش. ثم قال: (أريتك إن طالبتكم فوجدتكم.......... بحلية أو أدركتكم بالخوانق)

(ألم يك حقاً أن ينول عاشق.......... تكلف إدلاج السرى والودائق)

(فلا ذنب لي، قد قلت، إذ أهلنا معاً.......... أثيبي بود قبل إحدى الصفائق)

(فإني لا سراً لذي أضعته.......... ولا راق عيني بعد وجهك رائق)

(على أن ما بي للعشيرة شاغل.......... عن اللهو إلا أن تكون بوائق) فقالت: وأنت حييت عشراً، وسبعاً وتراً، وثمانياً تترى. ثم قدمناه فضربنا عنقه. (2/569)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 570 قال ابن إسحاق: فحدثنا أبو فراس الأسلمي، عن أشياخ من قومه قد شهدوا هذا مع خالد قالوا: فلما قتل قامت إليه، فما زالت ترشفه حتى ماتت عليه. (2/570)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 571 (غزوة حنين) ) قال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر، عن عبد الله ابن جابر بن عبد الله، عن أبيه. وحدثني عمرو بن شعيب، والزهري، وعبد الله بن أبي بكر، عن حديث حنين، حين سار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وساروا إليه. فبعضهم يحدث بما لا يحدث به بعض. وقد اجتمع حديثهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من فتح مكة، جمع عوف بن مالك النصري بني نصر وبني جشم وبني سعد بن بكر، وأوزاعاً من بني هلال وهم قليل وناساً من بني عمرو بن عامر، وعوف بن عامر، وأوعبت معه ثقيف الأحلاف، وبنو مالك. ثم سار بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وساق معه الأموال والنساء والأبناء. (2/571)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 572 فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي، فقال: اذهب فادخل في القوم حتى تعلم لنا من علمهم. فدخل فيهم، فمكث فيهم يوماً أو اثنين. ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب: ألا تسمع ما يقول ابن أبي حدرد فقال عمر: كذب. فقال ابن أبي حدرد: والله لئن كذبتني يا عمر لربما كذبت بالحق. فقال عمر: ألا تسمع يا رسول الله ما يقول ابن أبي حدرد فقال: قد كنت يا عمر ضالاً فهداك الله. ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صفوان بن أمية فسأله أدراعاً عنده مائة درع، وما يصلحها من عدتها. فقال: أغصباً يا محمد قال: بل عارية مضمونة. ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم سائراً. قال ابن إسحاق: ثنا الزهري قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين في ألفين من مكة، وعشرة آلاف كانوا معه، فسار بهم. وقال ابن إسحاق: واستعمل على مكة عتاب بن أسيد بن أبي العيص ابن أمية. وبالإسناد الأول: أن عوف بن مالك أقبل فيمن معه ممن جمع من قبائل قيس وثقيف، ومعه دريد بن الصمة شيخ كبير في شجار له يقاد به، حتى (2/572)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 573 نزل الناس بأوطاس. فقال دريد حين نزلوها فسمع رغاء البعير ونهيق الحمير ويعار الشاء وبكاء الصغيرة: بأي واد أنتم فقالوا: بأوطاس. فقال: نعم مجال الخيل لا حزن ضرس، ولا سهل دهس. مالي أسمع رغاء البعير وبكاء الصغير ويعار لشاء قالوا: ساق مالك مع الناس أموالهم وذراريهم قال: فأين هو فدعي مالك. فقال: يا مالك، إنك أصبحت رئيس قومك، وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام، فما) دعاك إلى أن تسوق مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم قال: أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم. فأنقض به دريد وقال: راعي ضأن والله وهل يرد وجه المنهزم شيء إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك. فارفع الأموال والنساء والذراري إلى علياً قومهم وممتنع بلادهم. ثم قال دريد: وما فعلت كعب وكلاب فقالوا: لم يحضرها منهم أحد. فقال: غاب الحد والجد، فمن حضرها قالوا: عمرو ابن عامر، وعوف بن عامر فقال: ذانك الجذعان لا يضران ولا ينفعان. فكره مالك أن يكون لدريد فيها رأي، فقال: إنك قد كبرت وكبر علمك، والله لتطيعنني يا معشر هوازن، أو لأتكئن على هذا السيف حتى (2/573)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 574 يخرج من ظهري. فقالوا: أطعناك. ثم قال مالك للناس: إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم، ثم شدوا شدة رجل واحد. وقال الواقدي: سار رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة لست خلون من شوال، في اثني عشر ألفاً. فقال أبو بكر: لا نغلب اليوم من قلة. فانتهوا إلى حنين، لعشر خلون من شوال. وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتعبئة ووضع الألوية والرايات في أهلها. وركب بغلته ولبس درعين والمغفر والبيضة. فاستقبلهم من هوازن شيء لم يروا مثله من السواد والكثرة، وذلك في غبش الصبح. وخرجت الكتائب من مضيق الوادي وشعبة. فحملوا حملة واحدة، فانكشفت خيل بني سليم موليه، وتبعهم أهل مكة، وتبعهم الناس. فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا أنصار الله، وأنصار رسوله، أنا عبد الله ورسوله. وثبت معه يومئذ: عمه العباس وابنه الفضل، وعلي بن أبي طالب، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وأخوه ربيعة، وأبو بكر، وعمر، وأسامة بن زيد، وجماعة. وقال يونس، عن ابن إسحاق، حدثني أمية بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، أنه حدث أن مالك بن عوف بعث عيوناً، فأتوه وقد تقطعت أوصالهم. فقال: ويلكم، ما شأنكم فقالوا: أتانا رجال بيض على خيل بلق، فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى. فما رده ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد. منقطع. (2/574)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 575 وعن الربيع بن أنس، أن رجلاً قال: لن نغلب من قلة. فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، ونزلت ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم. وقال معاوية بن سلام، عن زيد بن سلام، سمع أبا سلام يقول: حدثني السلولي، أنه حدثه سهل) بن الحنظلية، أنهم ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فأطنبوا السير حتى كان عشية، فحضرت صلاة الظهر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء فارس فقال: يا رسول الله إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا فإذ أنا بهوازن على بكرة أبيهم، بظعنهم ونعمهم وشائهم، اجتمعوا إلى حنين. فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: تلك غنيمة المسلمين غداً إن شاء الله ثم قال: من يحرسنا الليلة قال أنس بن أبي مرثد الغنوي: أنا يا رسول الله. قال. فركب. فركب فرساً له، وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: استقبل هذا الشعب حتى تكون في أعلاه، ولا تغرن من قبلك الليلة. فلما أصبحنا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصلاه فركع ركعتين، ثم قال: أحسستم فارسكم قالوا: يا رسول الله، لا. فثوب بالصلاة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ويلتفت إلى الشعب، حتى إذا قضى صلاته وسلم قال: أبشروا، فقد جاء فارسكم. فجعلنا ننظر إلى خلال الشجر في الشعب، فإذا هو قد جاء، حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني كنت انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشعب حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم. هل نزلت الليلة قال: لا، إلا مصلياً أو قاضي حاجة. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد (2/575)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 576 أوجبت، فلا عليك أن لا تعمل بعدها. أخرجه أبو داود. وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر، عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله، عن أبيه، قال: خرج مالك بن عوف بمن معه إلى حنين، فسبق رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها، فأعدوا وتهيأوا في مضايق الوادي وأحناثه. وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فانحط بهم في الوادي في عماية الصبح. فلما انحط الناس ثارت في وجوههم الخيل فشدت عليهم، وانكفأ الناس منهزمين لا يقبل أحد على أحد. وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين يقول: أيها الناس، هلموا، إني أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد الله. فلا ينثني أحد. وركبت الإبل بعضها بعضاً. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس، ومعه رهط من أهل بيته ورهط من المهاجرين، والعباس آخذ بحكمة بغلته البيضاء، وثبت معه علي، وأبو سفيان، وربيعة ابنا الحارث، والفضل بن عباس، وأيمن بن أم أيمن، وأسامة، ومن المهاجرين أبو بكر وعمر. قال: ورجل من هوازن على جمل له أحمر بيده راية سوداء أمام هوازن، إذا أدرك الناس طعن برمحه، وإذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه فيتبعوه. فلما) انهزم من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جفاة أهل مكة، تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الضعن. فقال أبو سفيان بن حرب: لا تنتهي هزيمتهم دون البحور. وإن الأزلام لمعه في كنانته. قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن أبي بكر قال: سار أبو سفيان إلى حنين، وإنه ليظهر الإسلام، وإن الأزلام التي يستقسم بها في كنانته. (2/576)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 577 قال شيبة بن عثمان العبدري: اليوم أدرك ثأري وكان أبوه قتل يوم أحد اليوم أقتل محمداً. قال: فأدرت برسول الله لأقتله، فأقبل شيء حتى تغشى فؤادي، فلم أطق، فعرفت أنه ممنوع. وحدثني عاصم، عن عبد الرحمن، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى من الناس ما رأى قال: يا عباس، اصرخ: يا معشر الأنصار، يا أصحاب السمرة: فأجابوه: لبيك لبيك. فجعل الرجل منهم يذهب ليعطف بعيره، فلا يقدر على ذلك، فيقذف درعه من عنقه، ويوم الصوت، حتى اجتمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم مائة. فاستعرضوا الناس، فاقتتلوا. وكانت الدعوة أول ما كانت للأنصار، ثم جعلت آخراً بالخزرج، وكانوا صبراً عند الرحب، وأشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركائبه فنظر إلى مجتلد القوم فقال: الآن حمي الوطيس. قال: فوالله ما رجعت راجعة الناس إلا والأسارى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقتل الله من قتل منهم، وانهزم من انهزم منهم، وأفاء الله على رسوله أموالهم ونسائهم وأبناءهم. وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة. وقال موسى بن عقبة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى حنين، فخرج معه أهل مكة، لم يتغادر منهم أحد، ركباناً ومشاة حتى خرج النساء مشاة ينظرون ويرجون الغنائم، ولا يكرهون الصدمة برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وقال ابن عقبة: جعل أبو سفيان كلما سقط ترس أو سيف من الصحابة، (2/577)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 578 نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطونيه أحمله، حتى أوقر جمله. قالا: فلما أصبح القوم، اعتزل أبو سفيان، وابنه معاوية، وصفوان بن أمية، وحكيم بن حزام، وراءتل، ينظرون لمن تكون الدبرة. وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل الصفوف فأمرهم، وحضهم على القتال. فبينا هم على ذلك حمل المشركون عليهم حملة رجل واحد،) فولوا مدبرين. فقال حارثة بن النعمان: لقد حزرت من بقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أدبر الناس فقلت مائة رجل: ومر رجل من قريش على صفوان فقال: أبشر بهزيمة محمد وأصحابه، فوالله لا يجتبرونها أبداً. فقال: أتبشرني بظهور الأعراب فوالله لرب من قريش أحب إلي من رب من الأعراب. ثم بعث غلاماً له فقال: اسمع لمن الشعار فجاءه الغلام فقال: سمعتهم يقولون: يا بني عبد الرحمن، يا بني عبد الله، يا بني عبيد الله. فقال: ظهر محمد. وكان ذلك شعارهم في الحرب. وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما غشيه القتال قام في الركابين، ويقولون رفع يديه إلى الله تعالى يدعوه، يقول: اللهم إني أنشدك ما وعدتني، اللهم لا ينبغي لهم أن يظهروا علينا. ونادى أصحابه: يا أصحاب البيعة يوم الحديبية، الله الله، الكرة على نبيكم. ويقال قال: يا أنصار الله وأنصار رسوله، يا بني الخزرج. وأمر من يناديهم بذلك. وقبض قبضة من الحصباء فحصب بها وجوه المشركين، ونواصيهم كلها. وقال: شاهت الوجوه. وأقبل إليه أصحابه سراعاً، وهزم الله المشركين. وفر مالك بن عوف (2/578)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 579 حتى دخل حصن الطائف في ناس من قومه. وأسلم حينئذ ناس كثير من أهل مكة، حين رأوا نصر الله رسوله. مختصر من حديث ابن عقبة. وليس عند عروة قيام النبي صلى الله عليه وسلم في الركابين، ولا قوله: يا أنصار الله. وقال شعبة: عن أبي إسحاق، سمع البراء، وقال له رجل: يا أبا عمارة، أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قال: لكن رسول الله لم يفر. إن هوازن كانوا رماة، فلما لقيناهم وحملنا عليهم انهزموا، فأقبل الناس على الغنائم، فاستقبلوا بالسهام، فانهزم الناس. فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بلجام بغلته، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أنا النبي لا كذب.......... أنا ابن عبد المطلب) متفق عليه. وأخرجه البخاري ومسلم. من حديث زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق. وفيه: ولكن خرج شبان أصحابه وأخفاؤهم حسراً ليس عليهم كثير سلاح، فلقوا قوماً رماة لا يكاد يسقط لهم سهم. وزاد فيه مسلم، من حديث زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق: اللهم نزل نصرك. قال: وكنا) إذا (2/579)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 580 حمي البأس نتقي به صلى الله عليه وسلم. وقال هشيم، عن يحيى بن سعيد، عن عمرو بن سعيد بن العاص، أخبرني سيابة بن عاصم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين: أنا ابن الغواتك. وقال أبو عوانة، عن قتادة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في بعض مغازيه: أنا ابن العواتك. وقال يونس، عن ابن شهاب: حدثني كثير بن العباس بن عبد المطلب، قال: قال العباس: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فلزمته أنا وأبو سفيان بن الحارث. ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء، أهداها له فروة ابن نفاثة الجذامي. فلما التقى المسلمون والكفار، ولى المسلمون مدبرين. فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار، وآنا آخذ بلجامها، أكفها إرادة أن لا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركابه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أي عباس، ناد أصحاب السمرة. فقال عباس وكان رجلاً صيتاً فقلت بأعلى صوتي: أي أصحاب السمرة. قال: فوالله، لكأنما عطفتهم حين سمعوا صوتي، عطفة البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيكاه، يا لبيكاه. فاقتتلوا هم والكفار، والدعوة في الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار، يا معشر الأنصار. ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج، فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج، يا بني الحارث بن الخزرج. فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته، كالمتطاول (2/580)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 581 عليها إلى قتالهم فقال: هذا حين حمي الوطيس، ثم أخذ حصيات فرمى بهن في وجوه الكفار. ثم قال: انهزموا ورب محمد. فذهبت أنظر، فإذا القتال على هيئته فيما أرى، فوالله ما هو إلا أن رماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصياته، فما زلت أرى حدهم كليلاً وأمرهم مدبراً. أخرجه مسلم. وروى معمر، عن الزهري، عن كثير، نحوه، لكن قال: فروة بن نعامة الجذامي، وقال: انهزموا ورب الكعبة. وقال عكرمة بن عمار: حدثني إياس بن سلمة، حدثني أبي، قال: غزونا مع رسول الله حنيناً، فلما واجهنا العدو، تقدمت فأعلوا ثنية فأستقبل رجلاً من العدو فأرميه بسهم، وتوارى عني، فما دريت ما صنع. ثم نظرت إلى القوم، فإذا هم قد طلعوا من ثنية أخرى، فالتقوا هم والمسلمون، فولى المسلمون، فأرجع منهزماً، وعلي بردتان مؤتزراً بإحداهما، مرتدياً بالأخرى. ومررت) على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهزماً وهو على بغلته الشهباء، فقال: لقد رأى ابن الأكوع فزعاً. فلما غشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة، ثم قبض قبضة من تراب. ثم استقبل به وجوههم، فقال: شاهت الوجوه. فما خل الله منهم إنساناً إلا ملأ عينه تراباً من تلك القبضة. فولوا مدبرين. وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين. أخرجه مسلم. وقال أبو داود في مسنده: ثنا حماد بن سلمة، عن يعلى ين عطاء، عن (2/581)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 582 عبد الله بن يسار، عن أبي عبد الرحمن الفهري، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حنين. فذكر الحديث، وفيه: فحدثني من كان أقرب إليه مني أنه أخذ حفنة من تراب، فحثا بها في وجوه القوم، وقال: شاهت الوجوه. قال يعلى ابن عطاء: فأخبرنا أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا: ما بقي منا أحد إلا امتلأت عيناه وفمه من التراب. وسمعنا صلصلة من السماء كمر الحديد على الطست، فهزمهم الله. وقال عبد الواحد بن زياد، ثنا الحارث بن حصيرة، ثنا القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: قال ابن مسعود: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فولى عنه الناس، وبقيت معه في ثمانين رجلاً من المهاجرين والأنصار، وهم الذين أنزل الله عليهم السكينة. قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته يمضي قدماً، فحادت البغلة فمال عن السرج، فشده نحوه، فقلت: ارتفع، رفعك الله. قال: ناولني كفاً من تراب. فناولته، فضرب به وجوههم، فامتلأت أعينهم تراباً. قال: أين المهاجرون والأنصار قلت: هم هاهنا. قال: اهتف بهم. فهتفت بهم، فجاؤوا وسيوفهم بأيمانهم كأنهم الشهب وولى المشركون أدبارهم. وقال البخاري في تاريخه: ثنا أبو عاصم، ثنا عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي، أخبرني عبد الله بن عياض بن الحارث، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى هوازن في اثني عشر ألفاً، فقتل من أهل الطائف يوم حنين مثل من قتل يوم بدر. وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم كفاً من حصباء فرمى به وجوهنا، فانهزمنا. (2/582)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 583 وقال جعفر بن سليمان: ثنا عوف، ثنا عبد الرحمن مولى أم برثن، عمن شهد حنيناً كافراً، قال: لما التقينا والمسلمون لم يقوموا لنا حلب شاة، فجئنا نهش سيوفنا بني يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا غشيناه إذا بيننا وبينه رجال حسان الوجوه، فقالوا: شاهت الوجوه،) فارجعوا. فهزمنا من ذلك الكلام. إسناده جيد. وقال الوليد بن مسلم، وغيره، حدثني ابن المبارك، عن أبي بكر الهذلي، عن عكرمة، عن شيبة بن عثمان، قال: لما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قد عري، ذكرت أبي وعمي وقتل علي وحمزة إياهما. فقلت: اليوم أدرك ثأري من محمد. فذهبت لأجيئه عن يمينه، فإذا أنا بالعباس قائم، عليه درع بيضاء كأنها فضة يكشف عنها العجاج، فقلت عمه ولن يخذله. قال: ثم جئته عن يساره، فإذا أنا بأبي سفيان بن الحارث، فقلت: ابن عمه ولن يخذله. قال: ثم جئته من خلفه فلم يبق إلا أن أسوره سورة بالسيف، إذ رفع لي شواظ من نار بيني وبينه كأنه برق، فخفت يمحشني، فوضعت يدي على بصري ومشيت القهقرى. والتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا شيب، يا شيب، ادن مني، اللهم أذهب عنه الشيطان. فرجعت إليه بصري، فلهوا أحب إلي من سمعي وبصري. وقال: يا شيب، قاتل الكفار. غريب جداً. وقال أيوب بن جابر، عن صدقه بن سعيد، عن مصعب بن شيبة، عن (2/583)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 584 أبيه، قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما أخرجني إسلام، ولكن أنفت أن تظهر هوازن على قريش. فقلت وأنا واقف معه: يا رسول الله، إني أرى خيلاً بلقاً. قال: يا شيبة، إنه لا يراها إلا كافر. فضرب يده على صدري، ثم قال: اللهم اهد شيبة فعل ذلك ثلاثاً، حتى ما كان أحد من خلق الله أحب إلي منه. وذكر الحديث. وقال ابن إسحاق: وقال مالك بن عوف، يذكر مسيرهم بعد إسلامه: (اذكر مسيرهم للناس إذ جمعوا.......... ومالك فوقه الرايات تختفق)

(ومالك مالك ما فوقه أحد.......... يومي حنين عليه التاج يأتلق)

(حتى لقوا الناس خير الناس يقدمهم.......... عليهم البيض والأبدان والدرق)

(فضاربوا الناس حتى لم يروا أحداً.......... حول النبي وحتى جنه الغسق)

(حتى تنزل جبريل نصرهم.......... فالقوم منهزم منهم ومعتنق)

(منا ولو غير جبريل يقاتلنا.......... لمنعتنا إذاً أسيافنا الغلق)

(وقد وفى عمر الفاروق إذ هزموا.......... بطعنة بل منها سرجه العلق) وقال مالك، في الموطأ، عن يحيى بن سعيد، عن عمر بن كثير بن أفلح، عن أبي محمد مولى أبي قتادة، عن أبي قتادة، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حنين، فلما التقينا) كان للمسلمين جولة. قال: فرأيت رجلاً من المشركين قد علا رجلاً من المسلمين، فاستدرت له فضربته بالسيف على حبل عاتقه، فأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت. ثم أدركه الموت فأرسلني. فأدركت عمر فقلت: ما بال الناس قال: أمر الله. ثم إن الناس رجعوا. وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من قتل قتيلاً له عليه بينة (2/584)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 585 فله سلبه. فقمت ثم قلت: من يشهد لي ثم جلست. ثم قال: من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه. فقمت ثم قلت: من يشهد لي. ثم الثالثة، فقمت، فقال: مالك يا أبا قتادة فاقتصصت عليه القصة. فقال رجل من القوم: صدق يا رسول الله، وسلب ذلك القتيل عندي، فأرضه منه. فقال أبو بكر الصديق: لاها الله ذا، يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله، فيعطيك سلبه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق، فأعطه إياه. فأعطانيه. فبعث الدرع، فابتعت به مخرفاً في بني سلمة. فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام. أخرجه البخاري، وأبو داود عن القعنبي، ومسلم. وقال حماد بن سلمة، عن إسحاق بن عبد الله، عن أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين: من قتل قتيلاً فله سلبه. فقتل يومئذ أبو طلحة عشرين رجلاً وأخذ أسلابهم. صحيح. وبه عن أنس، قال: لقي أبو طلحة أم سليم يوم حنين ومعها خنجر، فقال: يا أم سليم، ما هذا قالت: أردت إن دنا مني بعضهم أن أبعج به بطنه. فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه مسلم. (2/585)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 586 (2/586)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 587 (غزوة أوطاس) وقال شيخنا الدمياطي في السيرة له: كان سيما الملائكة يوم حنين عمائم حمراً قد أرخوها بين أكتافهم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه. وأمر بطلب العدو. فانتهى بعضهم إلى الطائف، وبعضهم نحو نخلة، ووجه قوم منهم إلى أوطاس. فعقد النبي صلى الله عليه وسلم لأبي عامر الأشعري لواء ووجهه في طلبهم، وكان معه سلمة بن الأكوع، فانتهى إلى عسكرهم، فإذا هم ممتنعون. فقتل أبو عامر منهم تسعة مبارزة. ثم برز له العاشر معلماً بعمامة صفراء، فضرب أبو عامر منهم تسعة مبارزة. ثم برز له العاشر معلماً بعمامة صفراء، فضرب أبا عامر فقتله. واستخلف أبو عامر أبا موسى الأشعري، (2/587)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 588 فقاتلهم. حتى فتح الله عليه.) وقال أبو أسامة، عن بريد، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من حنين، بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس، فلقي دريد ابن الصمة، فقتل دريد، وهزم الله أصحابه، ورمي أبو عامر في ركبته، رماه رجل من بني جشم، فأثبته في ركبته، فانتهيت إليه، فقلت: يا عم، من رماك فأشار إلي أن ذاك قاتلي تراه. فقصدت له، فاعتمدته، فلحقته. فلما رآني ولى عني ذاهباً، فاتبعته، وجعلت أقول له: ألا تستحي ألست عربياً ألا تثبت فكف، فالتقينا، فاختلفنا ضربتين، أنا وهو، فقتلته. ثم رجعت إلى أبي عامر فقلت: قد قتل الله صاحبك. قال: فانتزع هذا السهم. فنزعته، فنزا منه الماء. فقال: يا بن أخي، انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقره مني السلام، ثم قل له يستغفر لي. قال: واستخلفني أبو عامر على الناس فمكث يسيراً ومات. وذكر الحديث متفق عليه. وقال ابن إسحاق: وقتل يوم حنين من ثقيف سبعون رجلاً تحت رايتهم. وانهزم المشركون، فأتوا الطائف ومعهم مالك بن عوف. وعسكر بعضهم بأوطاس، وتوجه بعضهم نحو نخلة. وتبعت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم القوم، فأدرك ربيعة بن رفيع ويقال ابن الدغنة دريد بن الصمة فأخذ بخطام جمله، وهو يظن أنه امرأة، فإذا شيخ كبير ولم يعرفه الغلام. فقال له (2/588)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 589 دريد: ماذا تريد بي قال: أقتلك. قال: ومن أنت قال: ربيعة بن رفيع السلمي. ثم ضربه بسيفه فلم يغن شيئاً. فقال: بئس ما سلحتك أمك. خذ سيفي هذا من مؤخر الرحل، ثم اضرب به، وارفع عن العظام، واخفض عن الدماغ، فإني كذلك كنت أضرب الرجال. ثم إذا أتبعت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة، فرب يوم والله قد منعت فيه نساءك. فقتله. فقيل: لما ضربه ووقع تكشف، فإذا عجانه وبطون فخذيه أبيض كالقرطاس من ركوب الخيل أعراء. فلما رجع إلى أمه أخبرها بقتله، فقالت: أما والله لقد أعتق أمهات لك. وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثار من توجه إلى أوطاس، أبا عامر الأشعري فرمي بسهم فقتل. فأخذ الراية أبو موسى فهزمهم. وزعموا أن سلمة بن دريد هو الذي رمى أبا عامر بسهم. واستشهد يوم حنين: أيمن بن عبيد، ولد أم أيمن مولى بني هاشم. ويزيد بن زمعة بن الأسود الأسدي القرشي. وسراقة بن حباب بن عدي العجلاني الأنصاري. وأبو عامر عبيد الأشعري. ثم جمعت الغنائم، فكان عليها مسعود بن عمرو. وإنما تقسم بعد الطائف.) (2/589)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 590 (2/590)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 591 (غزوة الطائف) فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين يريد الطائف في شوال. وقدم خالد بن الوليد على مقدمته. وقد كانت ثقيف رموا حصنهم وأدخلوا فيه ما يكفيهم سنة، فلما انهزموا من أوطاس دخلوا الحصن وتهيأوا للقتال. قال محمد بن شعيب، عن عثمان بن عطاء الخراساني، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ الطائف فحاصرهم، ونادى مناديه: من خرج منهم من عبيدهم فهو حر. فاقتحم إليه من حصنهم نفر، منهم أبو بكرة ابن مسروح أخو زياد من أبيه، فأعتقهم. ودفع كل رجل منهم إلى رجل من أصحابه ليحمله. فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى على الجعرانة. فقال: إني معتمر. (2/591)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 592 وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة. وقال إسماعيل بن إبراهيم ابن عقبة، عن عمه موسى، قالا: ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، وترك السبي بالجعرانة، وملئت عرش مكة منهم. ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأكمة عند حصن الطائف بضع عشرة ليلة، يقاتلهم. وثقيف ترمي بالنبل، وكثرت الجراح، وقطعوا طائفة من أعنابهم ليغيظوهم بها. فقالت ثقيف: لا تفسدوا الأموال فإنها لنا أو لكم. واستأذنه المسلمون في مناهضة الحصن فقال: ما أرى أن نفتحه، وما أذن لنا فيه. وزاد عروة قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يقطع كل رجل من المسلمين خمس نخلات أو حبلات من كرومهم. فأتاه عمر فقال: يا رسول الله، إنها عفاء لم تؤكل ثمارها. فأمرهم أن يقطعوا ما أكلت ثمرته، الأول فالأول. وبعث منادياً ينادي: من خرج إلينا فهو حر. وقال ابن إسحاق: لم يشهد حنيناً ولا حصار الطائف عروة بن مسعود ولا غيلان بن سلمة، كانا بجرش يتعلمان صنعة الدبابات والمجانيق. ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم على نخلة إلى الطائف، وابتنى بها مسجداً وصلى فيه. وقتل ناس من أصحابه بالنبل. ولم يقدر المسلمون أن يدخلوا حائطهم، أغلقوه دونهم. وحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم بضعاً وعشرين ليلة، ومعه (2/592)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 593 امرأتان من نسائه إحداهما أم سلمة بنت أبي أمية. فلما أسلمت ثقيف بني على مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو) أمية بن عمرو بن وهب مسجداً. وكان في ذلك المسجد سارية لا تطلع عليها الشمس يوماً من الدهر فيما يذكرون، إلا سمع لها نقيض. والنقيض صوت المحامل. وقال يونس بن بكير، عن هشام بن سنبر، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، عن أبي نجيح السلمي، قال: حاصرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر الطائف. فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من بلغ بسهم فله درجة في الجنة. فبلغت يومئذ ستة عشر سهماً. وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رمى بسهم في سبيل الله فهو له عدل محرر. وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أم سلمة، عن أمها، قالت: كان عندي مخنث، فقال لأخي عبد الله: إن فتح الله عليكم الطائف غداً، فإني أدلك على ابنة غيلان، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان. فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله فقال: لا يدخلن هذا عليكم. متفق عليه بمعناه. (2/593)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 594 وقال الواقدي عن شيوخه، أن سلمان الفارسي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرى أن تنصب المنجنيق على حصنهم يعني الطائف فإنا كنا بأرض فارس ننصبه على الحصون، فإن لم يكن منجنيق طال الثواء. فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فعمل منجنيقاً بيده، فنصبه على حصن الطائف. ويقال: قدم بالمنجنيق يزيد بن زمعة، ودبابتين. ويقال: الطفيل بن عمرو قدم بذلك. قال: فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار، فحرقت الدبابة. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع أعنابهم وتحريقها. فنادى سفيان بن عبد الله الثقفي: لم تقطع أموالنا فإنما هي لنا أو لكم. فتركها. وقال أبو الأسود، عن عروة، من طريق ابن لهيعة: أقبل عيينة بن حصن حتى جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ايذن لي أن أكلمهم، لعل الله أن يهديهم. فأذن له. فانطلق حتى دخل الحصن، فقال: بأبي أنتم، تمسكوا بمكانكم، والله لنحن أذل من العبيد، وأقسم بالله لئن حدث به حدث ليملكن العرب عزاً ومنعة، فتمسكوا بحصنكم. ثم خرج فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ماذا قلت قال: دعوتهم إلى الإسلام، وحذرتهم النار وفعلت. فقال: كذبت، بل قلت كذا وكذا. قال: صدقت يا رسول الله، أتوب إلي الله وإليك. أخبرنا محمد بن عبد العزيز المقرئ سنة اثنتين وتسعين وستمائة ومحمد بن أبي الحزم،) وحسن بن علي، ومحمد بن أبي الفتح الشيباني، (2/594)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 595 ومحمد بن أحمد العقيلي، ومحمد بن يوسف الذهبي. وآخرون، قالوا: أنا أبو الحسن بن علي بن محمد السخاوي. ح وأنا عبد المعطي بن عبد الرحمن بالإسكندرية، أنا عبد الرحمن ابن مكي. ح وأنا لؤلؤ المحسني بمصر، وعلي بن أحمد، وعلي بن محمد، الحنبليان، وآخرون، قالوا: أنا أبو الحسن عيل بن هبة الله الفقيه، قال: أنا أبو طاهر أحمد بن أحمد بن سلفة الحافظ، أنا أبو الحسن مكي بن منصور الكرجي. وقرأت على سنقر القضائي بحلب، أخبرك عبد اللطيف بن يوسف. وسمعته، سنة اثنتين وتسعين على عائشة بنت عيسى بن الموفق، أنا جدي أبو محمد قدامة، وسنة أربع عشرة وستمائة حضوراً، قالا: أنا أبو زرعة طاهر بن محمد المقدسي، أنا محمد بن أحمد الساوي سنة سبع وثمانين وأربعمائة، قالا: أنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا زكريا بن يحيى المروزي ببغداد، ثنا سفيان ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي العباس، عن عبد الله بن عمر، قال: حاصر النبي صلى الله عليه وسلم أهل الطائف، فلم ينل منهم شيئاً. قال: إنا قافلون غداً إن شاء الله. فقال المسلمون: أنرجع ولم نفتحه فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغدوا على القتال غداً. فأصابهم جراح. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا قافلون غداً إن شاء الله. فأعجبهم ذلك، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم. (2/595)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 596 أخرجه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن سفيان هكذا. وعنده: عبد الله بن عمرو، في بعض النسخ بمسلم. وأخرجه البخاري عن ابن المديني، عن سفيان، فقال عبد الله بن عمر. وقال البخاري: قال الحميدي، ثنا سفيان، نا عمرو، سمعت أبا العباس الأعمى يقول: سمعت عبد الله بن عمر بن الخطاب. وقال أبو القاسم البغوي: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا ابن عيينة، فذكره وقال فيه: عبد الله بن عمرو. ثم قال أبو بكر: وسمعت ابن عيينة يحدث به، مرة أخرى، عن ابن عمر. وقال المفضل بن غسان الغلابي، أظنه عن ابن معين، قال أبو العباس الشاعر، عن عبد الله بن) عمرو، وابن عمر في فتح الطائف: الصحيح ابن عمر. قال: واسم أبي العباس: السائب بن فروخ مولى بني كنانة. وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة: أن النبي صلى الله عليه وسلم ارتحل عن الطائف بأصحابه ودعا حين ركب قائلاً: اللهم اهدهم واكفنا مؤنتهم. وقال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر، وعبد الله بن المكدم، عمن أدركوا، قالوا: حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف ثلاثين ليلة أو قريباً (2/596)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 597 من ذلك. ثم انصرف عنهم، فقدم المدينة، فجاءه وفدهم في رمضان فأسلموا. وقال ابن إسحاق: واستشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطائف: سعيد بن سعيد بن العاص بن أمية. وعرفطة بن حباب وعبد الله بن أبي بكر الصديق، رمي بسهم فمات بالمدينة في خلافة أبيه. وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي أخو أم سلمة. وأمه عاتكة بنت عبد المطلب. وكان يقال لأبي أمية واسمه حذيفة: زاد الراكب. وكان عبد الله شديداً على المسلمين، قيل هو الذي قال: لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً وما بعدها. ثم أسلم قبل فتح مكة بيسير، وحسن إٍ سلامه. وهو الذي قال له هيت المخنث: يا عبد الله، إن فتح الله عليكم الطائف، فإني أدلك على ابنه غيلان الحديث. وعبد الله بن عامر بن ربيعة. والسائب بن الحارث. وأخوه: عبد الله. وجليحة بن عبد الله. (2/597)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 598 ومن الأنصار: ثابت بن الجذع. والحارث بن سهل بن أبي صعصعة. والمنذر بن عبد الله. ورقيم بن ثابت. فذلك اثنا عشر رجلاً، رضي الله عنهم. ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم استشار نوفل بن معاوية الديلي في أهل الطائف فقال: ثعلب في جحر، إن أقمت عليه أخذته، وإن تركته لم يضرك. (2/598)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 599 (قسم غنائم حنين وغير ذلك) قال ابن إسحاق ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، على رحيل، حتى نزل بالناس بالجعرانة. وكان معه) من سبي هوازن ستة آلاف من الذرية، ومن الإبل والشاء ما لا يدرى عدته. وقال معتمر بن سليمان، عن أبيه، ثنا السمط، عن أنس، قال: افتتحنا مكة، ثم إنا غزونا حنيناً، فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت. قال: فصف الخيل، ثم صفت المقاتلة، ثم صف النساء من وراء ذلك، ثم صف الغنم ثم صف النعم. قال: ونحن بشر كثير قد بلغنا ستة آلاف أظنه يريد الأنصار. قال: وعلى مجنبة خيلنا خالد بن الوليد. فجعلت خيلنا تلوذ خلف ظهورنا. فلم نلبث أن انكشفت خيلنا وفرت الأعراب. فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا للمهاجرين يا للمهاجرين، يا للأنصار يا للأنصار. قال أنس: هذا حديث عمية. (2/599)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 600 قلنا: لبيك، يا رسول الله. فتقدم، فأيم الله ما أتيناهم حتى هزمهم الله. قال فقبضنا ذلك المال، ثم انطلقنا إلى الطائف. قال: فحاصرناهم أربعين ليلة. ثم رجعنا إلى مكة ونزلنا. فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي الرجل أربعين ليلة. ثم رجعنا إلى مكة ونزلنا. فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي الرجل المائة، ويعطي الرجل المائة. فتحدثت الأنصار بينهم: أما من قاتله فيعطيه، وأما من لم يقاتله فلا يعطيه. قال: ثم أمر بسراة المهاجرين والأنصار لما بلغه الحديث أن يدخلوا عليه. فدخلنا القبة حتى ملأناها. فقال: يا معشر الأنصار ثلاث مرات، أو كما قال ما حديث أتاني قالوا: ما أتاك يا رسول الله. قال: أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال وتذهبوا برسول الله حتى تدخلوه بيوتكم قالوا: رضينا. فقال: لو أخذ الناس شعباً وأخذت الأنصار شعباً أخذت شعب الأنصار. قالوا: رضينا يا رسول الله. قال: فارضوا. أخرجه مسلم. وقال ابن عون، عن هشام، عن زيد، عن أنس، قال: لما كان يوم حنين فذكر القصة، إلى أن قال: وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ غنائم كثيرة، فقسم في المهاجرين والطلقاء، ولم يعط الأنصار شيئاً. فقالت الأنصار: إذا كانت الشدة فنحن ندعى، ويعطى الغنيمة غيرنا. قال: فبلغه ذلك، فجمعهم في قبة وقال: أما ترضون أن يذهب الناس بالدنيا، وتذهبوا برسول الله صلى الله تحوزونه إلى بيوتكم قالوا: بلى، يا رسول الله، رضينا. فقال: لو سلك الناس وادياً، وسلكت الأنصار شعباً، لأخذت شعب الأنصار. متفق عليه. (2/600)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 601 وقال شعيب، وغيره، عن الزهري، حدثني أنس، أن ناساً من الأنصار قالوا: يا رسول الله حين أفاء الله عليهم من أموال هوازن ما أفاءه، فطفق يعطي رجالاً من قريش المائة من الإبل،) فقالوا: يغفر الله لرسول الله، يعطي قريشاً ويدعنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم. فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجمعهم في قبة من أدم، ولم يدع معهم أحداً غيرهم. فلما اجتمعوا قال: ما حديث بلغني عنكم فقال له فقهاؤهم: أما ذوو رأينا فلم يقولوا شيئاً. فقال: فإني أعطي رجالاً حديثي عهد بكفر أتألفهم. أفلا ترضون أن يذهب الناس بالأموال، وترجعون إلى رحالكم برسول الله فوالله ما تنقلبون به خير مما ينقلبون به. قالوا: قد رضينا. فقال: إنكم ستجدون بعدي أثرة شديدة، فاصبروا حتى تلقوا الله، ورسوله على الحوض. قال أنس: فلم نصبر. متفق عليه. وقال ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن أبي سعيد، قال: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتألفين من قريش، وفي سائر العرب، ولم يكن في الأنصار منها قليل ولا كثير، وجدوا في أنفسهم. وذكر نحو حديث أنس. وقال ابن عيينة، عن عمر بن سعيد بن مسروق، عن أبيه، عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى المؤلفة (2/601)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 602 قلوبهم من سبي حنين، كل رجل منهم مائة من الإبل. فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة، وأعطى صفوان بن أمية مائة. وأعطى عيينة بن حصن مائة، وأعطى الأقرع بن حابس مائة، وأعطى علقمة بن علاثة مائة، وأعطى مالك بن عوف النصري مائة، وأعطى العباس بن مرداس دون المائة. فأنشأ العباس يقول: (أتجعل نهبي ونهب العبي.......... يد بين عيينة والأقرع)

(وما كن حصن ولا حابس.......... يفوقان مرداس في المجمع)

(وقد كنت في الحرب ذا تدرأ.......... فلم أعط شيئاً ولم أمنع)

(وما كنت دون امرئ منهما.......... ومن تضع اليوم لا يرفع) فأتم له مائة. أخرجه مسلم، دون ذكر مالك بن عوف، وعلقمة، ودون البيت الثالث. وقال عثمان بن عطاء الخراساني، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى المؤلفة قلوبهم: أبا سفيان، وحكيم بن جزام، والحارث بن هشام المخزومي، وصفوان بن أمية الجمحي، وحويطب ابن عبد العزى العامري أعطى كل واحد مائة ناقة. وأعطى قيس بن عدي السهمي خمسين ناقة، وأعطى سعيد بن يربوع خمسين.) فهؤلاء من أعطى من قريش. (2/602)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 603 وأعطى العلاء بن حارثة مائة ناقة، وأعطى مالك بن عوف مائة ناقة، ورد إليه أهله، وأعطى عيينة بن بدر الفزاري مائة ناقة، وأعطى عباس بن مرداس كسوة. فقال عبد الله بن أبي بن سلول للأنصار: قد كنت أخبركم أنكم ستلون حرها ويلي بردها غيركم. فتكلمت الأنصار فقالوا: يا رسول الله، عم هذه الأثرة فقال: يا معشر الأنصار، ألم أجدكم مفترقين فجمعكم الله، وضلالاً فهداكم الله، ومخذولين فنصركم الله. ثم قال: والذي نفسي بيده، لو تشاؤون لقلتم ثم لصدقتم ولصدقتم: ألم نجدك مكذباً فصدقناك، ومخذولاً فنصرناك، وطريداً فآويناك، ومحتاجاً فواسيناك. قالوا: لا نقول ذلك، إنما الفضل من الله ورسوله والنصر من الله ورسوله. ولكنا أحببنا أن نعلم فيم هذا الأثرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوم حديثو عهد بعز وملك، فأصابتهم نكبة فضعضعتهم ولم يفقهوا كيف الإيمان، فأتألفهم. حتى إذا علموا كيف الإيمان وفقهوا ليه علمتهم كيف القسم وأين موضعه. وساق باقي الحديث. وقال جرير بن عبد الحميد، عن منصور، عن أبي وائل، عن عبد الله قال: لما كان يوم حنين آثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ناساً في القسمة، فأعطى الأقرع مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى ناساً من أشراف العرب وآثرهم يومئذ، فقال رجل: والله إن هذه لقسمة ما عدل فيها وما أريد بها وجه الله. فقلت: والله لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأتيته فأخبرته، فتغير وجهه حتى صار كالصرف، وقال: فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله؟ ثم قال: (2/603)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 604 يرحم الله موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر. فقلت: لا جرم لا أرفع إليه بعد هذا حديثاً. متفق عليه. وقال الليث، عن يحيى بن سعيد، عن أبي الزبير، عن جابر قال: أتى رجل بالجعرانة النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقسم غنائم منصرفه من حنين، وفي ثوب بلال فضة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض منها يعطي الناس. فقال: يا محمد، اعدل. فقال: ويلك، ومن يعدل إذا لم أكن أعدل لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل. فقال عمر: دعني أقتل هذا المنافق. قال: معاذ الله، أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي، إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية. أخرجه مسلم. وقال شعيب، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد الخدري، قال: بينا نحن عند رسول) الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسماً، إذ أتاه ذو الخويصرة التميمي فقال: يا رسول الله اعدل. فقال: ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل، لقد خبت وخسرت إن لم أعدل. فقال عمر: إيذن لي فيه يا رسول الله أضرب عنقه. قال: دعه، فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاه مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية وذكر الحديث. أخرجه البخاري. وقال عقيل، عن ابن شهاب، قال عروة: أخبرني مروان، والمسور بن (2/604)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 605 مخزمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يرد إليهم أموالهم ونساءهم. فقال: معي من ترون، وأحب الحديث إلي أصدقه. فاختاروا إما السبي، وإما المال، وقد كنت استأنيت بكم. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظرهم تسع عشرة ليلة حين قفل من الطائف. فلما تبين لهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير راد إليهم إلا إحدى الطائفتين، قالوا: إنا نختار سبينا. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإن إخوانكم هؤلاء قد جاؤونا تائبين، وإني قد رأيت أن أرد إليهم سبيهم. فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل، ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل. فقال الناس: قد طيبنا ذلك يا رسول الله لهم. فقال: إنا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم. فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم. ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبروه الخبر بأنهم قد طيبوا وأذنوا. أخرجه خ. وقال موسى بن عقبة: ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف إلى الجعرانة وبها السبي، وقدمت عليه وفود هوازن مسلمين، فيهم تسعة من أشرافهم فأسلموا وبايعوا. ثم كلموه فيمن أصيب قالوا: يا رسول الله. إن فيمن أصبتم الأمهات والأخوات والعمات والخالات، وهن مخازي الأقوام. ونرغب إلى الله وإليك. وكان صلى الله عليه وسلم رحيماً جواداً كريماً. (2/605)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 606 فقال: سأطلب لكم ذلك. قال: في القصة. وقال ابن شهاب: حدثني سعيد بن المسيب، وعروة: أن سبي هوازن كانوا ستة آلاف. وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحنين، فلما أصاب من هوازن ما أصاب من أموالهم) وسباياهم، أدركه وفد هوازن بالجعرانة وقد أسلموا. فقالوا: يا رسول الله، إنا أصل وعشيرة، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك، فامنن علينا، من الله عليك. وقام خطيبهم زهير بن صرد. فقال: يا رسول الله: إنما في الحظائر من السبايا خالاتك وعماتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك، فلو أنا ملحنا للحارث بن أبي شمر، أو النعمان بن المنذر، ثم أصابنا منهما مثل الذي أصابنا منك، رجونا عائدتهما وعطفهما، وأنت خير المكفولين. ثم أنشده أبياتاً قالها: (أمنن علينا رسول الله في كرم.......... فإنك المرء نرجوه وندخر)

(امنن على بيضة اعتاقها حزن.......... ممزق شملها في دهرها غير)

(أبقت لها الحرب هتافاً على حزن.......... على قلوبهم الغماء والغمر) (2/606)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 607 (إن لم تداركهم نعماء تنشرها.......... يا أرجح الناس حلماً حين يختبر)

(امنن على نسوة قد كنت ترضعها.......... وإذ يزينك ما تأتي وما تذر)

(لا تجعلنا كمن شالت نعامته.......... واستبق منا، فإنا معشر زهر)

(إنا لنشكر آلاء وإن كفرت.......... وعندنا بعد هذا اليوم مدخر) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نساؤكم أحب إليكم أم أموالكم فقالوا: خيرتنا بني أحسابنا وأموالنا، أبناؤنا ونساؤنا أحب إلينا. فقال: أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم، وإذا أنا صليت بالناس فقوموا وقولوا: إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول الله، في أبنائنا ونسائنا، سأعينكم عند ذلك وأسأل لكم. فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس الظهر، قاموا فقالوا ما أمرهم به، فقال: أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم. فقال المهاجرون: وما كان لنا فهو لرسول الله. قالت الأنصار كذلك. فقال الأقزع بن حابس: أما أنا وبنو تميم فلا. فقال العابس بن مرداس السلمي: أما أنا وبنو سليم فلا. فقالت بنو سليم: بل ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال عيينة بن بدر: أما أنا وبنو فزارة فلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أمسك منكم بحقه فله بكل إنسان ست فرائض من أول فيء نصيبه. (2/607)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 608 فردوا إلى الناس نساءهم وأبناءهم. ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبعه الناس يقولون: يا رسول الله، اقسم علينا فيئنا، حتى اضطروه إلى شجرة فانتزعت عنه رداءه فقال: ردوا علي ردائي، فوالذي نفسي بيده لو كان لكم عدد شجر تهامة نعماً لقسمته عليكم، ثم ما) لقيتموني بخيلاً ولا جباناً ولا كذاباً. ثم قام إلى جنب بعير وأخذ من سنامه وبرة فجعلها بين إصبعيه وقال: أيها الناس، والله ما لي من فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس، والخمس مردود عليكم. فأدوا الخياط والمخيط، فإن الغلول عار ونار وشنار على أهله يوم القيامة. فجاء رجل من الأنصار بكبة من خيوط شعر فقال: أخذت هذه لأخيط بها برذعة بعير لي دبر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما حقي منها فلك. فقال الرجل: أما إذا بلغ الأمر هذا فلا حاجة لي بها. فرمى بها. وقال أيوب، عن نافع، عن ابن عمر: أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة. فقال: إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوماً في المسجد الحرام. قال: اذهب فاعتكف. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطاه جارية من الخمس. فلما أن أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا الناس، قال عمر: يا عبد الله، اذهب إلى تلك الجارية فخل سبيلها. أخرجه مسلم. (2/608)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 609 وقال ابن إسحاق: حدثني أبو وجزة السعدي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى من سبي هوازن علي بن أبي طالب جارية، وأعطى عثمان وعمر، فوهبها عمر لابنه. قال ابن إسحاق: فحدثني نافع، عن ابن عمر، قال: بعثت بجاريتي إلى أخوالي من بني جمح ليصحلوا لي منها حتى أطوف بالبيت ثم آتيهم. فخرجت من المسجد فإذا الناس يشتدون، فقلت: ما شأنكم فقالوا: رد علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءنا وأبناءنا. فقلت: دونكم صاحبتكم فهي في بني جمح فانطلقوا فأخذوها. قال ابن إسحاق: وحدثني أبو وجزة يزيد بن عبيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لوفد هوازن: ما فعل مالك بن عوف قالوا: هو بالطائف. فقال: أخبروه أنه إن أتاني مسلماً رددت إليه أهله وماله، وأعطيته مائة من الإبل. فأتي مالك بذلك، فخرج إليه من الطائف. وقد كان مالك خاف من ثقيف على نفسه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأمر براحلة فهيئت، وأمر بفرس له فأتي به، فخرج ليلاً ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركه بالجعرانة أو بمكة، فرد عليه أهله وماله وأعطاه مائة من الإبل. فقال: (ما إن رأيت ولا سمعت بمثله.......... وفي الناس كلهم بمثل محمد) ) (أوفى وأعطى للجزيل إذا اجتدي.......... وإذا تشا يخبرك عما في غد)

(وإذا الكتيبة عردت أنيابها.......... أم العدى فيها بكل مهند)

(فكأنه ليث لدي أشباله.......... وسط المباءة خادر في مرصد) (2/609)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 610 فاستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه، وتلك القبائل من ثمالة وسلمة وفهم، كان يقاتل بهم ثقيفاً، لا يخرج لهم سرح إلا أغار عليه حتى يصيبه. قال ابن عساكر: شهد مالك بن عوف فتح دمشق. وله بها دار. وقال أبو عاصم: ثنا جعفر بن يحيى بن ثوبان، أخبرني عمي عمارة بن ثوبان، أن أبا الطفيل أخبره قال: كنت غلاماً أحمل عضو البعير، ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لحماً بالجعرانة، فجاءته امرأة فبسط لها رداءه. فقلت: من هذه قالوا: أمه التي أرضعته. وروى الحكم بن عبد الملك، عن قتادة قال: لما كان يوم فتح هوازن جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: أنا أختك شيماء بنت الحارث. قال: إن تكوني صادقة فإن بك مني أثراً لن يبلى. قال: فكشفت عن عضدها. ثم قالت: نعم يا رسول الله، حملتك وأنت صغير فعضضتني هذه العضة. فبسط لها رداءه ثم قال: سلي تعطي، واشفعي تشفعي. الحكم ضعفه ابن معين. (2/610)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 611 (عمرة الجعرانة) قال همام، عن قتادة، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة، إلا التي مع حجته: عمرة زمن الحديبية أو من الحديبية في ذي القعدة، وعمرة أظنه قال العام المقبل، وعمرة من الجعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة، وعمرة مع حجته. متفق عليه. وقال موسى بن عقبة، وهو في مغازي عروة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بالعمرة من الجعرانة في ذي القعدة، فقدم مكة فقضى عمرته. وكان حين خرج إلى حنين استخلف معاذاً على مكة، وأمره أن يعلمهم القرآن ويفقههم في الدين. ثم صدر إلى المدينة وخلف معاذاً على أهل مكة. (2/611)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 612 وقال ابن إسحاق: ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة معتمراً. وأمر ببقايا الفيء فحبس بمجنة. فلما فرغ من عمرته انصرف إلى المدينة، واستخلف عتاب بن أسيد على) مكة، وخلف معه معاذاً يفقه الناس. قلت: ولم يزل عتاب على مكة إلى أن مات بها يوم وفاة أبي بكر. وهو عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية الأموي. فبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: يا عتاب، تدري على من استعملتك استعملتك على أهل الله، ولو أعلم لهم خيراً منك استعملته عليهم. وكان عمره إذ ذاك نيفاً وعشرين سنة، وكان رجلاً صالحاً روي عنه أنه قال: أصبت في عملي هذا بردين معقدين كسوتهما غلامي، فلا يقولن أحدكم أخذ مني عتاب كذا، فقد رزقني رسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم درهمين، فلا أشبع الله بطناً لا يشبعه كل يوم درهمان. (2/612)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 613 وحج الناس في تلك السنة على ما كانت العرب تحج عليه. (2/613)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 614 (2/614)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 615 (قصة كعب بن زهير) ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من منصرفه، كتب بجير بن زهير يعني إلى أخيه كعب بن زهير، يخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل رجالاً بمكة ممن كان يهجوه ويؤذيه، وأن من بقي من شعراء قريش ابن الزبعرى، وهبيرة بن أبي وهب، قد هربوا في كل وجه. فإن كانت لك في نفسك حاجة فطر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يقتل أحداً جاءه تائباً، وإن أنت لم تفعل فانج إلى نجائك من الأرض. وكان كعب قد قال: (ألا أبلغا عني بجيراً رسالة.......... فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا) (2/615)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 616 (فبين لنا إن كنت لست بفاعل.......... على أي شيء غير ذلك دلكا)

(على خلق لم ألف أماً ولا أباً.......... عليه وما تلفي عليه أخاً لكا)

(فإن أنت لم تفعل فلست بآسف.......... ولا قائل إما عثرت: لعاً لكا)

(سقاك بها المأمون كأساً ورية.......... فأنهلك المأمون منها وعلكا) فلما أتيت بجيراً كره أن يكتمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنشده إياها. فقال لما سمع سقاك بها المأمون: صدق وإنه لكذوب. ولما سمع: على خلق لم تلف أماً ولا أباً عليه. قال: أجل لم يلف عليه أباه ولا أمه. ثم قال بجير لكعب: (من مبلغ كعباً فهل لك في التي.......... تلوم عليها باطلاً وهي أحزم) ) إلى اللهالعزى ولا اللاتوحدهفتنجو إذا كان النجاء وتسلم (لدى يوم لا ينجو ولست بمفلت.......... من الناس إلا طاهر القلب مسلم)

(فدين زهير وهو لا شيء دينه.......... ودين أبي سلمى علي محرم) فلما بلغ كعباً الكتاب ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وأشفق على نفسه، وأرجف به من كان في حاضره من عدوه فقالوا: هو مقتول. فلما لم يجد من شيء بداً قال قصيدته، وقدم المدينة. وقال إبراهيم بن ديزيل، وغيره، ثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي، ثنا الحجاج بن ذي الرقيبة بن عبد الرحمن بن كعب بن زهير بن أبي سلمى (2/616)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 617 المزني، عن أبيه، عن جده قال: خرج كعب وبجير ابنا زهير حتى أتيا أبرق العزاف فقال بجير لكعب: اثبت هنا حتى آتي هذا الرجل فأسمع ما يقول. قال: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليه الإٍ سلام فأسلم، فبلغ ذلك كعباً فقال: (ألا أبلغا عني بجيراً رسالة.......... فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا)

(سقاك بها المأمون كأساً روية.......... وأنهلك المأمون منها وعلكا) ويروى سقاك أبو بكر بكأس روية (ففارقت أسباب الهدى وتبعته.......... على أي شيء ويب غيرك دلكا)

(على مذهب لم تلف أماً ولا أباً.......... عليه، ولم تعرف عليه أخاً لكا) فاتصل الشعر بالنبي صلى الله عليه وسلم فأهدر دمه. فكتب بجير إليه بذلك، ويقول له: النجاء، وما أراك تفلت. ثم كتب إليه: إعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأتيه أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا قبل ذلك منه، وأسقط ما كان قبل ذلك. فأسلم كعب، وقال القصيدة التي يمدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أقبل حتى أناخ راحلته بباب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه مكان المائدة من القوم، والقوم متحلقون معه حلقة دون حلقة، يلتفت إلى هؤلاء مرة فيحدثهم، وإلى هؤلاء مرة فيحدثهم. قال كعب: فأنخت راحلتي، ودخلت، فعرفت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفة، (2/617)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 618 فتخطيت حتى جلست إليه فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله. الأمان يا رسول الله. قال ومن أنت قلت: أنا كعب بن زهير. قال: الذي يقول: ثم التفت إلى أبي بكر فقال: كيف قال) يا أبا بكر فأنشده. (سقاك أبو بكر بكأس روية.......... وأنهلك المأمور منها وعلكا) قلت: يا رسول الله، ما قلت هكذا. قال: فكيف قلت قلت إنما قلت: وأنهلك المأمون منها وعلكا فقال: مأمون، والله. قال: ثم أنشده: (بانت سعاد فقلبي اليوم متبول.......... ميتم إثرها لم يلف مكبول)

(وما سعاد غداة البين إذ رحلوا.......... إلا أغن غضيض الطرف مكحول)

(تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت.......... كأنه منهل بالراح معلول)

(شجت بذي شبم من ماء محنية.......... صاد بأبطح أضحى وهو مشمول)

(تنفي الرياح القذى عنه وأفرطه.......... من صوب سارية بيض يعاليل)

(أكرم بها خلة لو أنها صدقت.......... موعودها، أو لو أن النصح مقبول)

(لكنها خلة قد سيط من دمها.......... فجع وولع وإخلاف وتبديل) (2/618)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 619 (فما تدوم على حال تكون بها.......... كما تلون في أثوابها الغول)

(ولا تمسك بالعهد الذي زعمت.......... إلا كما يمسك الماء الغرابيل)

(فلا يغرنك ما منت وما وعدت.......... إن الأماني والأحلام تضليل)

(كانت مواعيد عرقوب لها مثلاً.......... وما مواعيدها إلا الأباطيل)

(أرجو وآمل أن تدنو مودتها.......... وما إخال لدينا منك تنويل)

(أمست سعاد بأرض لا يبلغها.......... إلا العتاق النجيبات المراسيل)

(ولن يبلغها إلا عذافرة.......... فيها على الأين إرقال وتبغيل)

(من كل نضاخة الذفرى إذا عرقت.......... عرضتها طامس الأعلام مجهول)

(ترى الغيوب بعيني مفرد لهق.......... إذا توقدت الحزان والميل)

(ضخم مقلدها، فعم مقيدها.......... في خلقها عن بنات الفحل تفضيل)

(غلباء وجناء علكوم مذكرة.......... في دفها سعة قدامها ميل)

(وجلدها من أطوم ما يؤيسه.......... طلح بضاحية المتنين مهزول) ) (حرف أبوها أخوها من مهجنة.......... وعمها خالها قوداء شمليل)

(يسعى الوشاة بدفيها وقيلهم.......... إنك يا بن أبي سلمى لمقتول) (2/619)


الجزء التالث

الكتاب: تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام. تأليف: شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. دار النشر: دار الكتاب العربي. مكان النشر: لبنان/ بيروت. سنة النشر: 1407هـ - 1987م. الطبعة: الأولى. تحقيق: د. عمر عبد السلام تدمري. ملاحظات حول الكتاب: الكتاب موافق للمطبوع كاملاً. غير مفهرس.غير مقابل على نسخة ورقية. بل هو نفس الموجود في مكتبة التراث. قام بنسخه وإدخاله إلى الشاملة أخوكم: أبو عبد الله السني. راجياً منكم دعاءً بظهر الغيب. تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 620 (وقال كل صديق كنت آمله.......... لا ألهينك، إني عنك مشغول)

(خلوا طريق يديها لا أبا لكم.......... فكل ما قدر الرحمن مفعول)

(كل ابن أنثى وإن طالت سلامته.......... يوماً على آلة حدباء محمول)

(أنبئت أن رسول الله أوعدني.......... والعفو عند رسول الله مأمول)

(مهلاً رسول الذي أعطاك نافلة ال.......... قرآن، فيه مواعيظ وتفصيل)

(لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم.......... أذنب، ولو كثرت عني الأقاويل)

(لقد أقوم مقاماً لو يقوم به.......... أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل)

(لظل يرعد إلا أن يكون له.......... من الرسول بإذن الله تنويل)

(حتى وضعت يميني لا أنازعه.......... في كف ذي نقمات قيله القيل)

(لذاك أخوف عندي إذ أكلمه.......... وقيل إنك منسوب ومسئول)

(من ضيغم من ليوث الأسد مسكنه.......... من بطن عثر غيل دونه غيل)

(إن الرسول لنور يستضاء به.......... مهند من سيوف الله مسلول)

(في فتية من قريش قال قائلهم.......... ببطن مكة لما أسلموا: زولوا)

(زالوا، فما زال أنكاس ولا كشف.......... عند اللقاء، ولا ميل معازيل)

(شم العرانين أبطال لبوسهم.......... من نسج داود في الهيجا سرابيل)

(يمشون مشي الجمال الزهر يعصمهم.......... ضرب إذا عرد السود التنابيل)

(لا يفرحون إذا نالت سيوفهم.......... قوماً، وليسوا مجازيعاً إذا نيلوا) (2/620)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 621 (لا يقع الطعن إلا في نحورهم.......... ومالهم عن حياض الموت تهليل) وفي سنة ثمان: توفيت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكبر بناته. وهي التي غسلتها أم عطية الأنصارية، وأعطاها النبي صلى الله عليه وسلم حقوه، وقال: أشعرنها إياه. فجعلته شعارها تحت كفنها. وقد ولدت زينب من أبي العاص بن الربيع بن عبد شمس، رضي الله عنه ابنتها أمامة التي كان) النبي صلى الله عليه وسلم يحملها في الصلاة. وفيها: عمل منبر النبي صلى الله عليه وسلم، فخطب عليه، وحن إليه الجذع الذي كان يخطب عليه. وفيها: ولد إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم. وفيها: وهبت سودة أم المؤمنين يومها لعائشة. وفيها: توفي مغفل بن عبد نهم بن عفيف المزني والد عبد الله وله صحبة. (2/621)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 622 وفيها: مات ملك العرب بالشام الحارث بن أبي شمر الغساني، كافراً. وولي بعده جبلة بن الأيهم. فروى أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، عن ابن عائذ، عن الواقدي، عن عمر بن عثمان الجحشي، عن أبيه، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب إلى الحارث بن أبي شمر وهو بالغوطة، فسار من المدينة في ذي الحجة سنة ست. وقال: فأتيته فوجدته يهيء الإنزال لقيصر، وهو جاء من حمص إلى إيلياء إذ كشف الله عنه جنود فارس شكراً لله. فلما قرأ الكتاب رمى به وقال: ومن ينزع مني ملكي أنا سائر إليه بالناس. ثم عرض إلى الليل، وأمر بالخيل تنعل، وقال: أخبر صاحبك بما ترى. فصادف قيصر بإيلياء وعنده دحية الكلبي بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكتب قيصر إليه: أن لا تسير إليه، واله عنه، وواف إيلياء. قال شجاع: فقدمت، وأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: باد ملكه. ويقال: حج بالناس عتاب بن أسيد أمير مكة. وقيل: حج الناس أوزاعاً. حكاهما الواقدي. والله أعلم. (2/622)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 623 1 (أحداث السنة التاسعة)

(سرية الضحاك إلي القرطاء) قيل: في ربيع الأول بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً إلى القرطاء، عليهم الضحاك بن سفيان الكلابي، ومعه الأصيد بن سلمة بن قرط. فلقوهم بالزج، زج لاوة. فدعوهم إلى الإسلام، فأبوا. فقاتلوهم فهزموهم. فلحق الأصيد أباه سلمة، فدعاه إلى الإسلام وأعطاه الأمان، فسبه وسب دينه. فعرقب الأصيد عرقوبي فرسه. ثم جاء رجل من المسلمين فقتل سلمة. ولم يقتله ابنه. (سرية علقمة بن مجزز المدلجي) وفي ربيع الآخر، قيل إن رسول الله بلغه أن ناساً من الحبشة (2/623)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 624 تراءاهم أهل جدة. فبعث النبي صلى الله عليه وسلم علقمة بن مجزز المدلجي في ثلاثمائة، فانتهى إلى جزيرة في البحر، فهربوا منه. (سرية علي بن أبي طالب إلى الفلس) وفي ربيع الآخر سرية على بن أبي طالب إلى الفلس صنم طيء ليهدمه. في خمسين ومائة رجل من الأنصار، على مائة بعير وخمسين فرساً، ومعه راية سوداء، ولواء أبيض. فشنوا الغارة على محلة آل حاتم مع الفجر، فهدموا الفلس وخربوه، وملأوا أيديهم من السبي والنعم والشاء. وفي السبي أخت عدي بن حاتم. وهرب عدي إلى الشام. (سرية عكاشة إلى أرض عذرة) وفي هذه الأيام كانت سرية عكاشة بن محصن إلى أرض عذرة. ذكر هذه السرايا شيخنا الدمياطي في مختصر السيرة. وأظنه أخذه من كلام الواقدي. وفي رجب: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل مسيره إلى تبوك على أصحمة (2/624)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 625 النجاشي، رضي الله عنه صاحب الحبشة. وأصحمة بالعربي: عطية. وكان قد آمن بالله ورسوله. قول النبي صلى الله عليه وسلم: قد مات أخ لكم بالحبشة. فخرج بهم إلى المصلى، وصفهم، وصلى عليه. قال ابن إسحاق: حدثني يزيد بن رومان، عن عروة، عن عائشة، قالت: لما مات النجاشي كان يتحدث أنه لا يزال يرى على قبره نور.) ويكتب هنا الخبر الذي في السيرة قبل إسلام عمر. (2/625)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 626 (2/626)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 627 (غزوة تبوك) قال ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما كان يخرج في غزوة إلا أظهر أنه يريد غيرها، إلا غزوة تبوك فإنه قال: أيها الناس، إني أريد الروم. فأعلمهم. وذلك في شدة الحر وجدب من البلاد. وحين طابت الثمار والناس يحبون المقام في ثمارهم. فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم في جهازه، إذ قال للجد بن قيس: يا جد، هل لك في بنات بني الأصفر فقال: يا رسول الله، لقد علم قومي أنه ليس أحد أشد عجباً بالنساء مني. وإني أخاف إن رأيت نساء بني الأصفر أن يفتني، فائذن لي يا رسول الله. فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: قد أذنت لك. فنزلت ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في (2/627)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 628 الفتنة سقطوا قال: وقال رجل من المنافقين: لا تنفروا في الحر. فنزلت: قل نار جهنم أشد حراً. ولم ينفق أحد أعظم من نفقة عثمان، وحمل على مائة بعير. روى عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس، في غزوة تبوك قال: أمر النبي المسلمين بالصدقة والنفقة في سبيل الله، فأنفقوا احتساباً. وأنفق رجال غير محتسبين. وحمل رجال من فقراء المسلمين، وبقي أناس. وأفضل ما تصدق به يومئذ أحد عبد الرحمن بن عوف تصدق بمائتي أوقية، وتصدق عمر بمائة أوقية، وتصدق عاصم الأنصاري بتسعين وسقاً من تمر. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن: هل تركت لأهلك شيئاً قال: نعم، أكثر مما أنفقت وأطيب. قال: كم قال: ما ود الله ورسوله من الرزق والخير. قال عمرو بن مرزوق، ثنا السكن بن أبي كريمة، عن الوليد بن أبي هشام، عن فرقد أبي طلحة، عن عبد الرحمن بن خباب، قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحث على جيش العسرة، قال: فقام عثمان رضي الله عنه فقال: يا رسول الله، علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله. فقال: ثم حث (2/628)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 629 ثانية فقام عثمان فقال: يا رسول الله، علي مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله. ثم حض، أو قال: حث، الثالثة، فقام عثمان فقال: يا رسول الله، علي ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله. قال عبد الرحمن أنا شهدت رسول الله صلى) الله عليه وسلم وهو يقول على المنبر: ما على عثمان ما عمل بعد اليوم. أو قال: بعدها. رواه أبو داود الطيالسي وغيره، عن السكن بن المغيرة. وقال ضمرة، عن ابن شوذب، عن عبد الله بن القاسم، عن كثير مولى عبد الرحمن بن سمرة، عن مولاه، قال: جاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار حين جهز جيش العسرة، ففرغها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل يقبلها ويقول: ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم. قالها مراراً. وقال بريد، عن أبي بردية، عن أبي موسى، قال: أرسلني أصحابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله لهم الحملان، إذ هم معه في جيش العسرة وهي غزوة تبوك. وذكر الحديث. متفق عليه. وقال ابن إسحاق: ثم إن رجالاً أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم البكاءون، (2/629)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 630 وهم سبعة من الأنصار: سالم بن عمير، وعلبة بن زيد، وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب، وعمرو بن الحمام بن الجموح، وعبد الله بن المغفل وبعضهم يقول: عبد الله بن عمرو المزني وهرم بن عبد الله، والعرباض ابن سارية الفزاري. استحملوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا أهل حاجة، فقال: لا أجد ما أحملكم عليه. تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون. فبلغني أن يامين بن عمرو، لقي أبا ليلى وعبد الله بن مغفل وهم يبكيان فقال: ما يبكيكما فقالا: جئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحملنا، فلم نجد عنده ما يحملنا، وليس عندنا ما نتقوى به على الخروج. فأعطاهما ناضحاً له فارتحلاه وزودهما شيئاً من لبن. وأما علبة بن زيد فخرج من الليل فصلى من ليلته ما شاء الله، ثم بكى وقال: اللهم إنك قد أمرت بالجهاد ورغبت فيه، ثم لم تجعل عندي ما أتقوى به، ولم تجعل في يد رسولك ما يحملني عليه، وإني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني بها في مال أو جسد أو عرض. ثم أصبح مع الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين المتصدق هذه الليلة فلم يقم أحد. ثم قال: أين المتصدق فليقم. فقام إليه فأخبره. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشر، فوالذي نفس محمد بيده لقد كتبت في الزكاة المتقبلة. (2/630)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 631 وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم فاعتذروا فلم يعذرهم الله. فذكر أنهم نفر من بني) غفار. قال: وقد كان نفر من المسلمين أبطأت بهم النية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى تخلفوا عن غير شك ولا ارتياب، منهم كعب بن مالك أخو بني سلمة، ومرارة بن الربيع أحد بني عمرو بن عوف، وهلال بن أمية أخو بني واقف، وأبو خيثمة أخو بني سالم بن عوف. وكانوا رهط صدق. ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخميس، واستخلف على المدينة محمد ابن مسلمة الأنصاري. فلما خرج ضرب عسكره على ثنية الوداع، ومعه زياد على ثلاثين ألفاً من الناس. وضرب عبد الله بن أبي بن سلول عسكره على ذي حدة أسفل منه، وما كان فيما يزعمون بأقل العسكرين. فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم، تخلف عنه ابن سلول فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب. وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب على أهله، وأمره بالإقامة فيهم، فارجف به المنافقون وقالوا: ما خلفه إلا استثقالاً له وتخففاً منه. فلما قال ذلك المنافقون، أخذ علي سلاحه ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو نازل بالجرف، فقال: يا رسول الله، زعم المنافقون أنك إنما خلفتني تستثقلني وتخفف مني. قال: كذبوا، ولكن خلفتك لما تركت ورائي، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي. فرجع إلى المدينة. (2/631)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 632 وأخرجاه في الصحيحين من حديث الحكم بن عيينة، عن مصعب بن سعد، عن أبيه، قال: خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك. فقال: يا رسول الله، أتخلفني في النساء والصبيان قال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي. ورواه عامر، وإبراهيم، ابنا سعد بن أبي وقاص، عن أبيهما. قال ابن إسحاق: حدثني بريدة بن سفيان، عن محمد بن كعب القرظي، عن عبد الله بن مسعود، قال: لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، جعل لا يزال يتخلف الرجل فيقولون: يا رسول الله، تخلف فلان. فيقول: دعوه، إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه. حتى قيل: يا رسول الله، تخلف أبو ذر وأبطأ به بعيره، فقال: دعوه، إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم الله منه. فتلوم أبو ذر بغيره فلما) بطأ عليه أخذ متاعه فجعله على ظهره، ثم خرج يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشياً. ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض منازله، ونظر ناظر من المسلمين فقال: يا رسول الله، إن هذا الرجل يمشي على الطريق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن أبا ذر. فلما تأمله القوم قالوا: هو والله أبو ذر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يرحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده. فضرب الدهر من ضربه، وسير أبو ذر إلى الربذة، فلما حضره الموت أوصى امرأته وغلامه: إذا مات فاغسلاني وكفناني وضعاني (2/632)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 633 على قارعة الطريق، فأول ركب يمرون بكم فقولوا: هذا أبو ذر. فلما مات فعلوا به ذلك. فاطلع ركب، فما علموا به حتى كادت ركائبهم توطأ سريره، فإذا ابن مسعود في رهط من أهل الكوفة. فقال: ما هذا فقيل: جنازة أبي ذر. فاستهل ابن مسعود يبكي، فقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: يرحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده. فنزل، فوليه بنفسه حتى أجنه. وقال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر، أن أبا خيثمة، أحد بني سالم، رجع بعد مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم أياماً إلى أهله في يوم حار، فوجد امرأتين له في حائط قد رشت كل واحدة منهما عريشها، وبردت له فيه ماء، وهيأت له فيه طعاماً. فلما دخل قام على باب العريشين فقال: رسول الله في الضح والريح والحر، وأنا في ظل بارد وماء بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء، في مال مقيم ما هذا بالنصف. ثم قال: لا، والله، لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فهيئا لي زاداً. ففعلتا. ثم قدم ناضحه فارتحله. ثم خرج في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أدركه بتبوك حين نزلها. وقد كان أدركه عمير بن وهب في الطريق فترافقا، حتى إذا دنوا من تبوك، قال أبو خيثمة لعمير: إن لي ذنباً، تخلف عني حتى آتي رسول الله. ففعل. فسار حتى دنا من رسول الله. فقال رسول الله: كن أبا خيثمة. فقالوا: هو والله أبا خيثمة، فأقبل وسلم، فقال له: أولى لك أبا خيثمة. ثم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، فقال له خيراً. (2/633)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 634 وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة. وقاله موسى بن عقبة. فذكر نحواً من سياق ابن إسحاق. وقال معمر، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، قال: في قوله تعالى: اتبعوه في ساعة العسرة،) قال: خرجوا في غزوة تبوك، الرجلان والثلاثة على بعير، وخرجوا في حر شديد، فأصابهم يوماً عطش حتى جعلوا ينحرون إبلهم ليعصروا أكراشها ويشربوا ماءها. وقال مالك بن مغول، عن طلحة بن مصرف، عن أبي صالح، عن أبي هريرة: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير، فنفدت أزواد القوم، حتى هم أحدهم بنحر بعض حمائلهم. الحديث. رواه مسلم. وقال الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أو عن أبي سعيد شك الأعمش قال: لما كان يوم غزوة تبوك أصاب الناس مجاع، فقالوا: يا رسول الله، لو أذنت لنا فننحر نواضحنا، فأكلنا وادهنا. فقال: أفعل. فجاء عمر فقال: يا رسول الله، إن فعلت قل الظهر، ولكن ادع بفضل أزوادهم، وادع الله لهم فيها بالبركة. فقال: نعم. فدعا بنطع فبسطه، ثم دعا بفضل أزوداهم. فجعل الرجل يأتي بكف ذرة، ويجيء الآخر بكف تمر، ويجيء الآخر بكسرة، حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة، ثم قال لهم: خذوا في أوعيتكم. فأخذوا حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملأوه، وأكلوا حتى شبعوا، وفضلت فضلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله لا يلقى الله بها عبد غير شاك، (2/634)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 635 فيحجب عن الجنة. أخرجه مسلم. وقال عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن عتبة بن أبي عتبة، عن نافع بن جبير، عن ابن عباس، أنه قيل لعمر رضي الله عنه: حدثنا من شأن العسرة. فقال: خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد، فنزلنا منزلاً أصابنا فيه عطش، حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، حتى إن كان الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده. فقال أبو بكر: يا رسول الله، إن الله قد عودك في الدعاء خيراً فادع الله لنا. قال: أتحب ذلك قال: نعم. فرفع يديه، فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأطلت ثم سكبت، فملأوا ما معهم. ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر. حديث حسن قوي. وقال مالك، وغيره، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين، إلا أن تكونوا باكين، فلا تدخلوا عليهم، لا يصيبكم مثل ما أصابهم يعني أصحاب الحجر. وقال سليمان بن بلال، أنا عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: لما نزل رسول الله صلى الله) عليه وسلم الحجر، أمرهم أن لا يشربوا من بئرها، ولا يستقوا منها. فقالوا: قد عجنا منها واستقينا. فأمرهم أن يطرحوا ذلك. (2/635)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 636 العجين ويريقوا ذلك الماء. أخرجهما البخاري. ولمسلم مثل الأول منهما. وقال عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن عبد الله: أن الناس نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر، فاستقوا من آبارها وعجنوا به. فأمرهم أن يهريقوا الماء، ويعلفوا الإبل العجين، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت الناقة تردها. أخرجه مسلم. وقال مالك، عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، أن معاذ بن جبل أخبره أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء. قال: فأخر الصلاة يوماً، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً، ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً. ثم قال: إنكم ستأتون غداً إن شاء الله عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحي النهار، فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئاً حتى آتي. قال: فجئناها وقد سبق إليها رجلان، والعين مثل الشراك تبض بشيء من ماء. فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل مسستما من مائها شيئاً قالا: نعم. فسبهما، وقال لهما ما شاء الله أن يقول. ثم عرفوا من العين قليلاً قليلاً، حتى اجتمع في شن ثم غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وجهه، ثم أعاده فيها. فجرت العين (2/636)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 637 بماء كثير، فاستقى الناس. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك يا معاذ، أن طالت بك حياة، أن ترى ما هاهنا قد مليء جناناً. أخرجه مسلم. وقال سليمان بن بلال، عن عمرو بن يحيى، عن عباس بن سهل، عن أبي حميد، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فأتينا وادي القرى، على حديقة لامرأة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اخرصوها. فخرصناها وخرصها رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أوسق. وقال: أحصيها حتى نرجع إليك إن شاء الله. فانطلقنا حتى قدمنا تبوك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ستهب عليكم الليلة ريح شديدة، فلا يقم فيها أحد منكم، فمن كان له بعير فليشد عقاله. فهبت ريح شديدة، فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبلي طيء. وجاء ابن العلماء صاحب أيلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب، وأهدى له بغلة بيضاء. فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهدى له برداً. ثم أقبلنا حتى قدمنا وادي) القرى، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة عن حديقتها كم بلغ ثمرها، فقال: بلغ عشرة أوسق. فقال: إني مسرع فمن شاء منكم فليسرع. فخرجنا حتى أشرفنا على المدينة. فقال: هذه طابة، وهذا أحد، وهو جبل يحبنا ونحبه. أخرجه مسلم أطول منه وللبخاري نحوه. وقال ابن إسحاق: حدثني عبد لله بن أبي بكر، عن عباس بن سهل: أن رسول لله صلى الله عليه وسلم حين مر بالحجر استقوا من بئرها. فلما (2/637)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 638 راحوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تشربوا من مائها، ولا توضأوا منه، وما كان من عجين عجنتموه منه فاعلفوه الإبل، ولا يخرجن أحد منكم الليلة إلا ومعه صاحب له. ففعل الناس ما أمرهم، إلا رجلين من بني ساعدة خرج أحدهما لحاجته والآخر لطلب بعير له. فأما الذي ذهب لحاجته فإنه خنق على مذهبه، وأما الآخر فاحتملته الريح حتى طرحته بجبل طيء. فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألم أنهكم ثم دعا للذي أصيب على مذهبه فشفي. وأما الآخر فإنه وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم من تبوك. وهذا مرسل منكر. وقال ابن وهب: أخبرني معاوية عن سعيد بن غزوان، عن أبيه: أنه نزل بتبوك وهو حاج، فإذا رجل مقعد، فسألته عن أمره، فقال: سأحدثك حديثاً فلا تحدث به ما سمعت أني حي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل بتبوك إلى نخلة، فقال: هذه قبلتنا. ثم صلى إليها. فأقبلت، وأنا غلام، أسعى حتى مررت بينه وبينها، فقال: قطع صلاتنا، قطع الله أثره. قال: فما قمت عليها إلى يومي هذا. وقال سعيد بن عبد العزيز، عن مولى ليزيد بن نمران، عن يزيد بن نمران، قال: رأيت مقعداً بتبوك. فقال: مررت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا على حمار وهو يصلي. فقال: اللهم اقطع أثره. فما مشيت عليهما بعد. أخرجهما أبو داود. وقال يزيد بن هارون، أنا العلاء أبو محمد الثقفي، سمعت أنس بن مالك، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك، فطلعت الشمس بضياء وشعاع (2/638)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 639 ونور لم أرها طلعت فيما مضى. فأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا جبريل، مالي أرى الشمس اليوم بضياء ونور شعاع لم أرها طلعت فيما مضى فقال: ذاك أن معاوية بن معاوية الليثي مات بالمدينة اليوم، فبعث الله إليه سبعين ألف ملك يصلون عليه. قال: وفيم ذاك قال: كان يكثر قراء قل هو الله أحد، بالليل والنهار، وفي ممشاه وقيامه وقعوده، فهل لك يا رسول الله أن) أقبض لك الأرض فتصلي عليه قال: نعم قال: فصلى عليه، ثم رجع. العلاء منكر الحديث واه ورواه الحسن الزعفراني، عن يزيد. وقال يونس بن محمد، ثنا صدقة بن أبي سهل، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، أن معاوية بن معاوية المزني توفي والنبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فأتاه جبريل فقال: هل لك في جنازة معاوية المزني قال: نعم. فقال: هكذا ففرج له الجبال والآكام. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي ومعه جبريل في سبعين ألف ملك، فصلى عليه. فقال: يا جبريل، بم بلغ فقال: بكثرة قراءة قل هو الله أحد، كان يقرؤها قائماً وقاعداً وراكباً وماشياً. مرسل. وقال ابن جوصا، وعلي بن سعيد الرازي، وأبو الدحداح أحمد بن محمد واللفظ له ثنا نوح بن عمرو بن حوي السكسكي، ثنا بقية، ثنا محمد (2/639)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 640 ابن زياد الآلهاني، عن أبي أمامة، قال: نزل جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم هو بتبوك فقال: أحضر جنازة معاوية بن معاوية المزني. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهبط جبريل في سبعين ألفاً من الملائكة عليهم السلام، فوضع جناحه على الجبال فتواضعت حتى نظروا إلى مكة والمدينة. فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبريل والملائكة. فلما قضى صلاته قال: يا جبريل، بم أدرك معاوية بن معاوية هذه المنزلة من الله عز وجل قال: بقراءة قل هو الله أحد قائماً وقاعداً وراكباً وماشياً. قلت: ما علمت في نوح جرحاً، ولكن الحديث منكر جداً، ما أعلم أحداً تابعه عليه أصلاً عن بقية. وقد أورد ابن حبان حديث العلاء وقال: حديث منكر لا يتابع عليه. قال: ولا أحفظ في الصحابة من يقال له معاوية بن معاوية. وقد سرق هذا الحديث شيخ من أهل الشام، ورواه عن بقية، عن محمد بن زياد، عن أبي أمامة الباهلي. وقال عثمان بن الهيثم المؤذن، ثنا محبوب بن هلال، عن عطاء بن أبي ميمونة، عن أنس، قال: جاء جبريل فقال: يا محمد، مات معاوية بن معاوية المزني، أفتحب أن تصلي عليه قال: نعم. فضرب بجناحه فلم يبق من شجرة ولا أكمة إلا تضعضعت له. فصلى عليه وخلفه صفان من الملائكة، في كل صف سبعون ألف ملك. قلت: يا جبريل، بم نال، هذا قال: بحبه قل هو الله أحد يقرؤها قائماً وقاعداً وذاهباً وجائياً، وعلى كل حال. محبوب مجهول، لا يتابع على هذا. (2/640)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 641 قال البكائي: قال ابن إسحق: فلما أصبح الناس، يعني من يوم الحجر، ولا ماء معهم، دعا) رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل الله سحابة، فأمطرت حتى ارتوى الناس. فحدثني عاصم، قال: قلت لمحمود بن لبيد: هل كان الناس يعرفون النفاق فيهم قال: نعم والله، لقد أخبرني رجال من قومي، عن رجل من المنافقين لما كان من أمر الحجر ما كان ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دعا فأرسل الله السحابة، فأمطرت. قالوا: أقبلنا عليه نقول: ويحك، هل بعد هذا شيء قال: سحابة سائرة. قال ابن إسحاق: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار، فضلت ناقته، فخرج أصحابه في طلبها. وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه يقال له عمارة بن حزم، وكان عقبياً بدرياً. وكان في رحله زيد بن اللصيت القينقاعي وكان منافقً. فقال زيد، وهو في رحل عمارة: أليس يزعم محمد أنه نبي، ويخبركم عن خبر السماء، وهو لا يدري أين ناقته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمارة عنده: إن رجلاً قال كذا وكذا. وإني والله ما أعلم إلا ما علمني الله. وقد دلني الله عليها، وهي في هذا الوادي في شعب كذا، وقد حبستها شجرة بزمامها. فذهبوا فجاؤوا بها. فذهب عمارة إلى رحله فقال: والله عجب من شيء حدثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفاً، عن مقالة قائل أخبره الله عنه بكذا وكذا، فقال رجل ممن كان في رحل عمارة، ولم يحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم: زيد، والله، قال هذه المقالة قبل أن يأتي. فأقبل عمارة على زيد يجأ في عنقه، ويقول: أي عباد الله، إن في رحلي لداهية وما أشعر. أخرج أي عدو الله من رحلي. (2/641)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 642 فزعم بعضهم أن زيداً تاب بعد ذلك. قال ابن إسحاق: وقد كان رهط، منهم وديعة بن ثابت، ومخشن بن حمير يشيرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو منطلق إلى تبوك، فقال بعضهم لبعض: أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضاً والله لكأنا بكم غداً مقرنين في الحبال إرجافاً وترهيباً للمؤمنين. فقال مخشن بن حمير: والله لوددت أني أقاضي على أن يضرب كل منا مائة جلدة، وأنا ننفلت أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما بلغني، لعمار بن ياسر: أدرك القوم، فإنهم قد اخترقوا، فسلهم عما قالوا، فإن أنكروا فقل: بلى، قلتم كذا وكذا. فما نطلق إليهم عمار، فقال ذلك لهم. فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون. فقال وديعة بن ثابت: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونعلب. فنزلت: ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب، قل أبالله وآياته) ورسوله كنتم تستهزئون. فقال مخشن بن حمير: يا رسول الله، قعد بي اسمي واسم أبي. فكان الذي عفي عنه في هذه الآية مخشن يعني إن نعف عن طائفة منك. فتسمى عبد الرحمن، فسأل الله أن يقتله شهيداً لا يعلم بمكانه. فقتل يوم اليمامة ولم يوجد له أثر. (2/642)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 643 ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، أتاه يحنة بن روبة صاحب أيلة، فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه الجزية، وأتاه أهل جرباء وأذرح فأعطوه الجزية. وكبت لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً، فهو عندهم. (فائدة) قال ابن إسحاق: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل أيلة بردة مع كتابه، فاشتراها منهم أبو العباس عبد الله بن محمد يعني السفاح بثلاثمائة دينار. وقال موسى بن عقبة، قال ابن شهاب: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوته تلك تبوكاً ولم يتجاوزها. وأقام بضع عشرة ليلة يعني بتبوك. وقال يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن جابر، قال: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة. أخرجه أبو داود. وإسناده صحيح. (2/643)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 644 (2/644)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 645 (بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة) وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر، ويزيد بن رومان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبد الملك رجل من كندة، وكان ملكاً على دومة وكان نصرانياً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد: إنك ستجده يصيد البقر. فخرج خالد حتى إذا كان من حصنه منظر العين في ليلة مقمرة صافية، وهو على سطح ومعه امرأته، فأتت البقر تحك بقرونها باب القصر. فقالت له امرأته: هل رأيت مثل هذا قط قال: لا والله. قالت: فمن يترك مثل هذا قال: لا أحد. فنزل فأمر بفرسه فأسرج، وركب معه نفر من أهل بيته، فيهم أخوه حسان. فتلقتهم خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذته وقتلوا أخاه. وقدموا به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحقن دمه وصالحه على الجزية، وأطلقه. (2/645)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 646 (فائدة) قال عبيد الله بن إياد بن لقيط، عن أبيه، عن قيس بن النعمان السكوني قال: خرجت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع بها أكيدر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بلغنا أن) خيلك انطلقت فخفت على أرضي، فاكتب لي كتاباً فإني مقر بالذي علي. فكتب له. فأخرج قباء من ديباج مما كان كسرى يكسوهم، فقال: يا محمد أقبل عني هذا هدية. قال: ارجع بقبائك فإنه ليس يلبس هذا أحد إلا حرمه في الآخرة. فشق عليه أن رده. قال: فادفعه إلى عمر. فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أحدث في أمر فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى وضع يده، أو ثوبه، على فيه ثم قال: ما بعثت به إليك لتلبسه، ولكن تبيه وتستعين بثمنه. وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: ولما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلاً إلى المدينة، بعث خالداً في أربعمائة وعشرين فارساً إلى أكيدر دومة الجندل، فلما عهد إليه عهده، قال خالد: يا رسول الله، كيف بدومة الجندل وفيها أكيدر، وإنما نأتيها في عصابة من المسلمين فقال: لعل الله يكفيكه. فسار خالد، حتى إذا دنا من دومة نزل في أدبارها. فبينما هو وأصحابه في منزلهم ليلاً، إذ أقبلت البقر حتى جعلت تحتك بباب الحصن، وأكيدر يشرب ويتغنى بين امرأتيه. فاطلعت إحداهما فرأت البقر فقالت: لم أر كالليلة في اللحم. فثار وركب فرسه، وركب غلمته وأهله، فطلبها. حتى مر بخالد وأصحابه فأخذوه ومن معه فأوثقوهم. ثم قال خالد لأكيدر: أرأيت إن أجرتك تفتح لي دومة قال: نعم. فانطلق حتى دنا منها، فثار أهلها وأرادوا أن يفتحوا له، فأبى عليهم أخوه. فلما رأى ذلك قال لخالد: أيها الرجل، (2/646)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 647 حلني، فلك الله لأفتحنها لك، إن أخي لا يفتحها ما علم أني في وثاقك. فأطلقه خالد. فلما دخل أوثق أخاه وفتحها لخالد، ثم قال: اصنع ما شئت حكمتني. فقال خالد: بل نقبل منك ما أعطيت. فأعطاهم ثمانمائة من السبي وألف بعير وأربعمائة درع وأربعمائة رمح. وأقبل خالد بأكيدر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل معه يحنة بن روية عظيم أيلة. فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشفق أن يبعث إليه كما بعث إلى أكيدر. فاجتمعا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاضاهما على قضيته على دومة وعلى تبوك وعلى أيلة وعلى تيماء، وكتب لهم كتاباً. ورجع قافلاً إلى المدينة. ثم ذكر عروة قصة في شأن جماعة من المنافقين هموا بأذية رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلعه الله على كيدهم. وذكر بناء مسجد الضرار. وقال ابن إسحاق، عن ثقة من بني عمرو بن عوف: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل) من تبوك حين نزل بذي أوان بينه وبين المدينة ساعة من نهار. وكان أصحاب مسجد الضرار قد أتوه، وهو يتجهز إلى تبوك، فقالوا: قد بنينا مسجداً لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة، وإنا نحب أن تأتي فتصلي لنا فيه. فقال: إني على جناح سفر، فلو رجعنا إن شاء الله أتيناكم. فلما نزل (2/647)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 648 رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي أوان، أتاه خبر السماء، فدعا مالك بن الدخشم ومعن ابن عدي فقال: انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وأحرقاه. فخرجا سريعين حتى دخلاه وفيه أهله فحرقاه وهدماه وتفرقوا عنه. ونزل فيه من القرآن ما نزل. وقال أبو الأصبغ عبد العزيز بن يحيى الحراني: ثنا محمد بن سلمة، عن ابن إسحاق، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن حذيفة، قال: كنت آخذاً بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقود به، وعمار يسوقه أو قال عمار يقوده وأنا أسوقه حتى ذا كنا بالعقبة، فإذا أنا باثني عشر راكباً قد اعترضوه فيها، فأنبهت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصرخ بهم فولوا مدبرين. فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل عرفتم القوم قلنا: لا، قد كانوا ملثمين. قال: هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة، أرادوا أن يزحموني في العقبة لأقع. قلنا: يا رسول الله، أولا تبعث إلى عشائرهم حتى يبعث إليك كل قوم برأس صاحبهم قال: لا، أكره أن يتحدث العرب أن محمداً قاتل بقوم حتى إذا أظهره الله بهم أقبل علهم فقتلهم. ثم قال: اللهم ارمهم بالدبيلة. قلنا: يا رسول الله، وما الدبيلة قال: شهاب من نار يقع على نياط قلب أحدها فيهلك. وقال قتادة، عن أبي نضرة، عن قيس بن عباد، في حديث ذكره عن (2/648)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 649 عمار بن ياسر، أن حذيفة حدثه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: في أصحابي اثنا عشر منافقاً، فمنهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط. أخرجه مسلم. وقال عبد الله بن صالح المصري، ثنا معاوية بن صالح، عن علي ابن أبي طلحة، عن ابن عباس: والذين اتخذوا مسجداً ضراراً، قال: أناس بنوا مسجداً فقال لهم أبو عامر: ابنوا مسجدكم واستمدوا ما استطعتم من قوة ومن سلاح، فإني ذاهب إلى قيصر فآت بجند من الروم، فأخرج محمداً وأصحابه. فلما فرغوا من مسجدهم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: نحب أن تصلي فيه. فنزلت لا تقم فيه أبداً. الآيات. وقال ابن عيينة، عن الزهري، عن السائب بن يزيد، قال: أذكر أنا، حين قدم رسول الله صلى) الله عليه وسلم من غزوة تبوك، خرجنا مع الصبيان نتلقاه إلى ثنية الوداع. أخرجه البخاري. وقال غير واحد، عن حميد، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك ودنا من المدينة قال: إن بالمدينة لأقواماً ما سرتم من مسير ولا قطعتم من واد، إلا كانوا معكم فيه. قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة قال: نعم، حبسهم العذر. أخرجه البخاري. (2/649)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 650 (2/650)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 651 (أمر الذين خلفوا) قال شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، أخبرني سعيد بن المسيب: أن بني قريظة كانوا حلفاء، لأبي لبابة. فاطلعوا إليه، وهو يدعوهم إلى حكم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا لبابة، أتأمرنا أن ننزل فأشار بيده إلى حلقه أنه الذبح. فأخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال له: لم ترعبني فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحسبت أن الله غفل عن يدك حين تشير إليهم بها إلى حلقك فلبث حيناً ورسول الله صلى الله عليه وسلم عاتب عليه. ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوكاً، فتخلف عنه أبو لبابة فيمن تخلف. فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه أبو لبابة يسلم عليه، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ففزع أبو لبابة، فارتبط بسارية التوبة، التي عند باب أم سلمة، سبعاً بين يوم وليلة، في حر شديد، لا يأكل فيهن ولا يشرب قطرة. وقال: لا يزال هذا مكاني حتى أفارق الدنيا أو يتوب الله علي. فلم يزل كذلك حتى يسمع الصوت من الجهد. ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه بكرة وعشية. ثم تاب الله عليه فنودي: إن الله قد تاب عليك. فأرسل إليه ليطلق عنه رباطه، فأبى أن يطلقه عنه أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجاءه فأطلق عنه بيده. فقال أبو (2/651)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 652 لبابة حين أفاق: يا رسول الله، إني أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب، وأنتقل إليك فأساكنك، وإني أنخلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله. فقال: يجزيء عنك الثلث. فهجر دار قومه وتصدق بثلث ماله، ثم تاب فلم ير منه بعد ذلك في الإسلام إلا خير، حتى فارق الدنيا. مرسل. وقال ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: اعترفوا بذنوبهم قال: هو أبو لبابة، إذ قال لقريظة ما قال، وأشار إلى حلقه بأن محمداً يذبحكم إن نزلتم على حكمه. وزعم محمد بن إسحاق أن ارتباطه كان حينئذ. ولعه ارتبط مرتين. وقال عبد الله بن صالح: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:) وآخرون اعترفوا بذنوبهم قال: كانوا عشرة رهط تخلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك. فلما حضر رجوع رسول لله صلى الله عليه وسلم أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد، وكان ممر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم. فلما رآهم قال: من هؤلاء قالوا: هذا أبو لبابة وأصحاب له تخلفوا عنك يا رسول الله حتى تطلقهم وتعذرهم. قال: وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم، حتى يكون الله هو لذي يطلقهم، رغبوا عني وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين. فلما بلغهم ذلك قالوا: ونحن لا نطلق أنفسنا حتى يكون الله هو الذي يطلقنا. فأنزلت وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم عسى من الله واجب. فلما نزلت، أرسل إليهم فأطلقهم وعذرهم. ونزلت إذ بذلوا أموالهم: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها. وروى نحوه عطية العوفي، عن ابن عباس. (2/652)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 653 وقال عقيل، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، أن أباه قال: سمعت كعباً يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك. قال كعب: لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط، إلا في غزوة تبوك. غير أني تخلفت عن غزوة بدر، ولم يعاتب الله أحداً تخلف عنها، إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش، حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد. ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة، وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر: يعني أذكر في الناس منها. كان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، أني لم أكن قط أقوى ولا ايسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة. ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها. حتى كانت تلك الغزوة غزاها في حر شديد واستقبل سفراً بعيداً ومفازاً وعدواً كثيراً: فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم، وأخبرهم بوجهه الذي كان يريد. والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير لا يجمعهم كتاب حافظ يريد الديوان. قال كعب: فما رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أنه سيخفى له ما لم ينزل فيه وحيز وغزا رسول لله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال، فأنا إليها أصعر. فتجهز والمسلمون معه.) (2/653)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 654 وطفقت أغدو لكي أتجهز معهم ولم أقض شيئاً. وأقول في نفسي: أنا قادر على ذلك إذا أردته. فلم يزل يتمادى بي الأمر حتى استمر بالناس الجد. فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، ولم أقض من جهازي شيئاً. فقلت: أتجهز بعده يوماً أو يومين ثم ألحقهم. فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز فرجعت ولم أقض شيئاً، ثم غدوت ثم رجعت ولم أقض شيئاً. فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو وهممت أن أرتحل فأدركهم، وليتني فعلت، فلم يقدر لي ذلك. فكنت إذا خرجت في الناس أحزنني أني لا أرى رجلاً مغموصاً من النفاق أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء. فلم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك، قال وهو جالس في القوم: ما فعل كعب بن مالك فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله، حبسه برداه والنظر في عطفيه. فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيراً. فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلاً من تبوك، حضرني همي فطفقت أتذكر الكذب وأقول: بماذا أخرج من سخطه غداً وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي. فلما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادماً زاح عني الباطل، وعرفت أني لا أخرج منه أبداً بشيء فيه كذب، فأجمعت صدقه. وأصبح قادماً، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم جلس للناس. فلما فعل ذلك جاء المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلاً. فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم، وبايعهم، واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله. فجئته فلما سلمت عليه (2/654)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 655 تبسم تبسم المغضب ثم قال: تعال فجئت أمشي حتى جلست بين يديه. فقال: ما خلفك ألم تكن ابتعت ظهرك فقلت: بلى، يا رسول الله، إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلاً. ولكن والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديثاً كاذباً ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخط علي، ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه، إني لأرجو عفو الله. والله ما كان لي من عذر، ووالله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما هذا فقد صدق، قم حتى يقضي الله فيك. فقمت، وثار رجال من بني سلمة فقالوا: لا والله ما علمناك كنت أذنبت ذنباً قبل هذا، أعجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر إليه المخلفون، قد كان كافيك لذنبك) استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك. فوالله ما زالوا يونبونني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي. ثم قلت: هل لقي هذا معي أحد قالوا: نعم، رجلان قلا مثل ما قلت. وقيل لهما مثل ما قيل لك. فقلت: من هما فقالوا: مرارة بن الربيع العمري، وهلال بن أمية الواقفي. فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدراً، فيهما أسوة فمضيت حين ذكروهما لي. ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه. واجتنبنا الناس وتغيروا لنا، حتى تنكرت في نفسي الأرض فما هي التي أعرف. فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيتهما. وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم، فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف في الأسواق، فلا يكلمني أحد. وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو (2/655)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 656 في مجلسه بعد الصلاة فأسلم عليه فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا ثم أصلي فأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي، فإذا التفت نحوه أعرض عني. حتى إذا طال علي ذلك من جفوة المسلمين تسورت جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إلي فسلمت عليه، فوالله ما رد. فقلت: يا أبا قتادة، أنشدك الله هل تعلم أني أحب الله ورسول قال فسكت، فعدت له فسكت، فناشدته الثالثة فقال: الله ورسوله أعلم. ففاضت عيناي. وتوليت حتى تسورت الجدار. قال: فبينا أنا أمشي بسوق المدينة، إذا نبطي من أنباط الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدل على كعب بن مالك فطفق الناس يشيرون له إلي. حتى إذا جاءني دفع إلي كتاباً من ملك غسان وكنت كاتباً فإذا فيه: أما بعد، فقد بلغني أن صاحبك قد جفاك. ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة. فالحق بنا نواسك. فقلت: وهذا أيضاً من البلاء. فتيممت به التنور فسجرته به. حتى إذا مضى لنا أربعون ليلة من الخميس إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن رسول يأمرك أن تعتزل امرأتك. فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل بها فقال: لا، بل اعتزلها فلا تقربنها. وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك. فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله هذا الأمر. قال كعب: فجاءت امرأة هلال رسول الله فقال: إن هلالاً شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه فقال: لا، ولكن لا يقربنك. قالت: إنه والله ما به حركة إلى شيء، والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومي هذا. فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله في) امرأتك فقلت: لا والله، وما يدريني ما يقول لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إن استأذنته فيها، وأنا (2/656)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 657 رجل شاب فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى كملت لنا خمسون ليلة. فلما أن صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة، وأنا على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله منا قد ضاقت علي نفسي، وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع: يا كعب بن مالك، أبشر. فخررت ساجداً، وعرفت أن قد جاء الفرج. وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله عليه، حين صلى صلاة الفجر. فذهب الناس يبشروننا، وذهب قبل صاحبي مبشرون. وركض رجل إلي فرساً، وسعى ساع من أسلم فأوفى على الجبل، وكان الصوت أسرع إلي من الفرس. فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني، نزعت ثوبي وكسوتهما إياه ببشراه، والله ما أملك غيرهما يومئذ. واستعرت ثوبين فلبستهما، وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فتلقاني الناس فوجاً فوجاً يهنئوني بالتوبة يقولون: ليهنك توبة الله عليك. حتى دخلت المسجد، فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني، والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره، ولا أنساها لطلحة. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبرق وجهه بالسرور: أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك. قلت: أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله قال: لا، بل من عند الله. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بشر ببشارة يبرق وجهه كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه. فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله: إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى الرسول. قال: أمسك بعض مالك فهو خير لك. فقت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر. وقلت: يا رسول الله، إن الله إنما نجاني بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقاً ما بقيت. فوالله ما أعلم أحداً من المسلمين ابتلاه الله تعلى في صدق الحديث أحسن مما ابتلاني، ما تعمدت مذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم كذباً، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي. وأنزل الله تعالى على رسوله: لقد تاب الله على (2/657)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 658 النبي والمهاجرين والأنصار إلى قوله: اتقوا الله وكونا مع الصادقين. فوالله ما أنعم الله علي من نعمة، بعد أن هداني للإسلام، أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ، أن لا أكون كذبته، فأهلك كما هلك الذين كذبوه، فإن الله تعالى قال للذين كذبوه، حين نزل الوحي، شر ما قال لأحد فقال: سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فاعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم) جزاء بما كانوا يكسبون. يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين. قال كعب: وكنا خلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خلفوا له، وأرجأ أمرنا حتى قضى الله فيه. فبذلك قال تعالى: وعلى الثلاثة الذين خلفوا، وليس الذي ذكر الله تخلفنا عن الغزو، وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن تخلف واعتذر، فقبل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم. متفق عليه. (2/658)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 659 (موت عبد الله بن أبي) قال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني الزهري، عن عروة، عن أسامة بن زيد، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن أبي يعوده في مرضه الذي مات فيه، فلما عرف فيه الموت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما والله إن كنت لأنهاك عن حب يهود. فقال: قد أبغضهم أسعد بن زرارة، فمه وقال الواقدي: مرض عبد الله بن أبي بن سلول في أواخر شوال، ومات في ذي القعدة. وكان مرضه عشرين ليلة. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده فيها. فلما كان اليوم الذي مات فيه. دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجود بنفسه فقال: قد نهيتك عن حب يهود. فقال: قد أبغضهم أسعد فما نفعه ثم قال: يا رسول الله، ليس هذا بحين عتاب. وهو الموت، فإن مت فاحضر غسلي، وأعطني قميصك أكفن فيه، وصل علي واستغفر لي. (2/659)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 660 هذا حديث معضل واه، لو أسنده الواقدي لما نفع، فكيف وهو بلا إسناد وقال ابن عيينة، عن عمرو، عن جابر قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر عبد الله بن أبي بعدما أدخل حفرته فأمر به فأخرج، فوضع على ركبتيه، أو فخذيه، فنفث عليه من ريقه وألبسه قميصه. والله أعلم. متفق عليه. وقال أبو أسامة، وغيره: حدثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: لما توفي عبد الله بن أبي، أتى ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصه ليكفنه فيه، فأعطاه. ثم سأله أن يصلي عليه فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عليه، فقام عمر فأخذ ثوبه فقال: يا رسول الله، أتصلي عليه وقد نهاك الله عنه قال: إن ربي خيرني، فقال: استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم،) وسأزيد على السبعين. فقال إنه منافق. قال: فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله. متفق عليه. وفيها: قتل عروة بن مسعود الثقفي، وكان سيداً شريفاً من عقلاء (2/660)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 661 العرب ودهاتهم، ودعا قومه إلى الإسلام فقتلوه. فيروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثله مثل صاحب ياسين، دعا قومه إلى الله فقتلوه. وفيها: توفيت السيدة أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، زوجة عثمان رضي الله عنهما. وفيها: توفي عبد الله ذو البجادين رضي الله عنه، ودفن بتبوك، وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وأثنى عليه ونزل في حفرته، وأسنده في لحده. وقال: اللهم إني أمسيت عنه راضياً، فارض عنه. وقال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن إبراهيم التيمي، قال: كان عبد الله ذو البجادين من مزينة. وكان يتيماً في حجر عمه، وكان يحسن إليه. فلما بلغه أنه قد أسلم قال: لئن فعلت لأنزعن منك جميع ما أعطيتك. قال: فإني مسلم. فنزع كل شيء أعطاه، حتى جرده ثوبه. فأتى أمه، فقطعت بجاداً لها باثنين، فأئتزر نصفاً وارتدى نصفاً. ولزم باب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان يرفع صوته بالقرآن والذكر. وتوفي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. وفيها: قدم وفد ثقيف من الطائف، فأسلموا بعد تبوك، وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً. (2/661)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 662 وفيها: مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك، مات سهيل بن بيضاء، أخو سهل بن بيضاء، وهي أمهما، واسمها دعد بنت جحدم. وأما أبوه فوهب بن ربيعة الفهري. ولسهيل صحبة ورواية حديث، وهو حديث يحيى بن أيوب المصري، عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن سعيد بن الصلت، عن سهيل بن بيضاء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من مات يشهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة. وليحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن إبراهيم، نحوه. وأما الدرا وردي فقال: عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن سعيد ابن الصلت، عن عبد الله بن أنيس. وهذا متصل عن سهيل. إذ سعيد بن الصلت تابعي كبير لا يمكنه أن يسمع من) سهيل. ولو سمع منه لسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، ولكان صحابياً. لكن المرسل أشهر. وكان سهيل بن بيضاء من السابقين الأولين، شهد بدراً وغيرها. وكذلك أخوه سهل، وقد توفي أيضاً في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. وقال عبد الوهاب بن عطاء، أنبأ حميد، عن أنس، قال: كان أبو عبيدة، وأبي بن كعب، وسهيل بن بيضاء، عند أبي طلحة، وأنا أسقيهم، حتى كاد الشراب أن يأخذ فيهم. ثم ذكر تحريم الخمر بطوله. وقال ابن أبي فديك، عن الضحاك بن عثمان، عن أبي النضر، عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت: لما توفي سعد: أدخلوه المسجد حتى أصلي عليه، فأنكر ذلك عليها، فقالت: والله لقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابني بيضاء في المسجد سهيل وسهل. (2/662)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 663 وقال فيه غير الضحاك: ما أسرع ما نسوا لقد صلى على سهيل بن بيضاء في المسجد. وفيها: توفي زيد بن سعنة بالياء وبالنون، وبالنون أشهر وهو أحد الأحبار الذين أسلموا. وكان كثير العلم والمال. وخبر إسلامه رواه الوليد بن مسلم، عن محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام، عن أبيه، عن جده عبد الله، قال: لما أراد الله هدي زيد بن سعنة، قال: ما من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد حين نظرت إليه، إلا شيئين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله ولا يزيده شدة الجهل إلا حلماً. وذكر الحديث بطوله. وهو في الطوالات للطبراني. وآخره: فقال زيد: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله. وآمن به وتابعه، وشهد معه مشاهد. وتوفي في غزوة تبوك مقبلاً غير مدبراً. والحديث غريب، من الأفراد. قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: وفيها قتلت فارس ملكهم شهرا برز بن شيرويه، وملكوا عليهم بوران بنت كسرى. وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة. (2/663)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 664 وفيها: توفي عبد الله بن سعد بن سفيان الأنصاري، من بني سالم بن عوف. كنيته أبو سعد. شهد أحداً والمشاهد. وتوفي منصرف النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك. فيقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كفنه في قميصه. وفيها: في هذه المدة: توفي زيد بن مهلهل بن زيد أبو مكنف الطائي، فارس طيء. وهو أحد المؤلفة قلوبهم. أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم مائة من الإبل، وكتب له بإقطاع. وكان يدعى) زيد الخيل، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير. ثم إنه رجع إلى قومه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن ينج زيد من حمى المدينة. فلما انتهى إلى نجد أصابته الحمى ومات. وفيها: حج بالناس أبو بكر الصديق بعثه النبي صلى الله عليه وسلم على الموسم في أواخر ذي القعدة ليقيم للمسلمين حجهم. فنزلت براءة إثر خروجه. وفي أولها نقض ما بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين من العهد الذي كانوا عليه. قال ابن إسحاق: فخرج علي، رضي الله عنه، ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء، حتى أدرك أبا بكر بالطريق. فلما رآه أبو بكر قال: أمير أو مأمور قال: لا، بل مأمور. ثم مضيا. فأقام أبو بكر للناس حجهم، حتى إذا كان يوم النحر، قام علي عند الجمرة فأذن في الناس بالذي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أيها الناس، إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، ولا يحج بعد (2/664)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 665 العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. وكمن كان له عهد عند سول الله صلى الله عليه وسلم فهو له إلى مدته. وأجل الناس أربعة أشهر من يوم أذن فيهم، ليرجع كل قوم إلى مآمنهم من بلادهم. ثم لا عهد لمشرك. وقال عقيل، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة قال: بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى أن لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان. قال حميد بن عبد الرحمن: ثم أردف النبي صلى الله عليه وسلم بعلي بن أبي طالب فأمره أن يؤذن ببراءة. قال: فأذن فعنا علي في أهل مني يوم النحر ببراءة، أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان. أخرجه البخاري. وأخرجاه من حديث يونس، عن الزهري. وقال سفيان بن حسين، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر وأتبعه علياً. فذكر الحديث. وفيه: فكان علي نادي بها، فإذا بح قام أبو هريرة فنادى بها. وقال أبو إسحاق السبيعي، عن زيد بن يثيع، قال: سألنا علياً رضي الله عنه: بأي شيء بعث في ذي الحجة قال: بعثت بأربع: لا يدخل الجنة (2/665)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 666 إلا نفس مؤمنة، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يجتمع مؤمن وكافر في المسجد الحرام بعد عامه هذا، ومن كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد، فعهده إلى مدته، ومن لم يكن له عهد فأجله أربعة أشهر.) (2/666)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 667 (ذكر قدوم وفود العرب)

(قدوم عروة بن مسعود الثقفي) قال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير، قال: فلما صدر أبو بكر وعلي، رضي الله عنهما، وأقاما للناس الحج، قدم عروة بن مسعود الثقفي على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلماً. وكذا قال موسى بن عقبة. وأما ابن إسحاق فذكر أن قدوم عروة بن مسعود كان في إثر رحيل النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل الطائف وعن مكة، وأنه لقيه قبل أن يصل إلى المدينة فأسلم، وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنهم قاتلوك. ثم بعد أشهر، قدم: (وفد ثقيف) وقال حاتم بن إسماعيل، عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، عن عبد الكريم، عن علقمة بن سفيان بن عبد الله الثقفي، عن أبيه، قال: كنا في (2/667)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 668 الوفد الذين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فضرب لنا قبتين عند دار المغيرة ابن شعبة. قال: وكان بلال يأتينا بفطرنا فنقول: أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: نعم، ما جئتكم حتى أفطر، فيضع يده فيأكل ونأكل. وقال حماد بن سلمة، عن حميد عن الحسن، عن عثمان بن أبي العاص الثقفي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزلهم في قبة في المسجد، ليكون أرق لقلوبهم. واشترطوا عليه حين أسلموا أن لا يحشروا ولا يعشروا ولا يجبوا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا خير في دين ليس فيه ركوع، ولكم أن لا تحشروا ولا تعشروا. وقال أبو داود في السنن: حدثنا الحسن بن الصباح، نا إسماعيل بن عبد الكريم، حدثني إبراهيم، عن أبيه، عن وهب، قال: سألت جابراً عن شأن ثقيف إذ بايعت قال: اشترطت على النبي صلى الله عليه وسلم أن لا صدقة عليها ولا جهاد، وأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يقول: سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا. وقال موسى بن عقبة، وعن عروة بمعناه، قال: فأسلم عروة بن مسعود، واستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرجع إلى قومه. فقال: إني أخاف أن يقتلوك قال: لو وجدني نائماً ما) أيقظوني. فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم. فرجع إلى الطائف، وقدم الطائف عشياً فجاءته ثقيف فحيوه، ودعاهم إلى الإسلام. (2/668)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 669 ونصح لهم، فاتهموه وعصوه، وأسمعوه من الأذى ما لم يكن يخشاهم عليه. فخرجوا من عنده، حتى إذا أسحر وطلع الفجر، قال على غرفة له في داره فأذن بالصلاة وتشهد، فرماه رجل من ثقيف بسهم فقتله. فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين بلغه قتله: مثل عروة مثل صاحب ياسين، دعا قومه إلى الله فقتلوه. وأقبل بعد قتله من وفد ثقيف بضعة عشر رجلاً هم أشراف ثقيف، فيهم كنانة بن عبد ياليل وهو رأسهم يومئذ، وفيهم عثمان بن أبي العاص بن بشر، وهو أصغرهم. حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يريدون الصلح، حين رأوا أن قد فتحت مكة وأسلمت عامة العرب. فقال المغيرة بن شعبة: يا رسول الله، أنزل على قومي فأكرمهم، فإني حديث الجرم فيهم. فقال: لا أمنعك أن تكرم قومك، ولكن منزلك حيث يسمعون القرآن. وكان من جرم المغيرة في قومه أنه كان أجيراً لثقيف، وأنهم أقبلوا من مصر، حتى إذا كانوا ببصاق، عدا عليهم وهم نيام فقتلهم، ثم أقبل بأموالهم حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، خمس مالي هذا. فقال: وما نبأه فأخبره، فقال: إنا لسنا نغدر. وأبى أن يخمسه. وأنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد ثقيف في المسجد، وبنى لهم خياماً لكي يسمعوا القرآن ويروا الناس إذا صلوا. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب لم يذكر نفسه. فلما سمعه وفد ثقيف قالوا: يأمرنا أن نشهد أنه رسول الله، ولا يشهد به في خطبته. فلما بلغه ذلك قال: فإني أول من شهد أني رسول الله. (2/669)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 670 وكانوا يغدون على رسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم، ويخلفون عثمان بن أبي العاص على رحالهم. فكان عثمان، كلما رجعوا وقالوا بالهاجرة، عمد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن الدين واستقرأه القرآن حتى فقه في الدين وعلم. وكان إذا وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم نائماً عمد إلى أبي بكر. وكان يكتم ذلك من أصحابه. فأعجب ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعجب منه وأحبه. فمكث الوفد يختلفون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعوهم إلى الإسلام، فأسلموا.) فقال كنانة بن عبد ياليل: هل أنت مقاضينا حتى نرجع إلى قومنا فقال: نعم، إن أنتم أقررتم بالإسلام قاضيتكم، وإلا فلا قضية ولا صلح بيني وبينكم. قالوا: فالربا قال: لكم رؤوس أموالكم. قالوا: فالخمر قال: حرام. وتلا عليهم الآيات في تحريم هذه الأشياء. فارتفع القوم وخلا بعضهم ببعض، فقالوا: ويحكم، إنا نخاف إن خالفناه يوماً كيوم مكة. انطلقوا نكاتبه على ما سألنا. فأتوه فقالوا: نعم، كل ما سألت. أرأيت الربة ماذا نصنع فيها قال: اهدموها. قالوا: هيهات، لو تعلم الربة أنك تريد هدمها قتلت أهلها. فقال عمر: ويحك يا بن عبد ياليل، ما أحمقك، إنما الربة حجر. قالوا: إنا لم نأتك يا بن الخطاب. وقالوا: يا رسول الله، تول أنت هدمها، فأما نحن فإنا لن نهدمها أبداً. قال: فسأبعث إليكم من يهدمها. فكاتبوه وقالوا: يا رسول الله، أمر علينا رجلاً يؤمنا. فأمر عليهم عثمان لما رأى من حرصه على الإسلام. وكان قد تعلم سوراً من القرآن. وقال ابن عبد ياليل: أنا أعلم الناس بثقيف. فاكتموهم الإسلام وخوفوهم الحرب، وأخبروا أن محمداً سألنا أموراً أبيناها. (2/670)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 671 قال: فخرجت ثقيف يتلقون الوفد. فلما رأوهم قد ساروا العنق، وقطروا الإبل، وتغشوا ثيابهم، كهيئة القوم قد حزنوا وكربوا ولم يرجعوا بخير. فلما رأت ثقيف ما في وجوههم قالوا: ما وفدكم بخير ولا رجعوا به. فدخل الوفد فعمدوا اللات فنزلوا عندها. واللات بيت بين ظهري الطائف يستر ويهدى له الهدي، كما يهدى للكعبة. فقال ناس من ثقيف حين نزل الوفد إليها: إنه لا عهد لهم برؤيتها. ثم رجع كل واحد إلى أهله، وجاء كل رجل منهم خاصته فسألوهم فقالوا: أتينا رجلاً فظاً غليظاً يأخذ من أمره ما يشاء، قد ظهر بالسيف وأداخ العرب ودانت له الناس. فعرض علينا أموراً شداداً: هدم اللات وترك الأموال في الربا إلا في رؤوس أموالكم، وحرم الخمر والزنا، فقالت ثقيف: والله لا نقبل هذا أبداً. فقال الوفد: أصحلوا السلام وتهيأوا للقتال ورموا حصنكم. فمكثت ثقيف بذلك يومين أو ثلاثة يريدون القتال. ثم ألقى الله في قلوبهم الرعب، فقالوا: والله ما لنا به طاقة، وقد أداخ العرب كلها، فارجعوا إليه فأعطه ما سأل. فلما رأى ذلك الوفد أنهم قد رعبوا قالوا: فإنا قد قاضيناه وفعلنا ووجدناه أتقى الناس وأرحمهم وأصدقهم. قالوا: لم كتمتمونا وغممتمونا أشد الغم قالوا: أردنا أن ينزع الله من قلوبكم نخوة الشيطان. فأسلموا مكانهم.) ثم قدم عليهم رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد أمر عليهم خالد بن الوليد، وفيهم المغيرة. فلما قدموا عمدوا اللات ليهدموها، واستكفت ثقيف كلها، حتى خرج العواتق، لا ترى عامة ثقيف أنها مهدومة. فقام المغيرة فأخذ الكرزين وقال لأصحابه: والله لأضحكنكم منهم. فضرب بالكرزين، ثم (2/671)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 672 سقط يركض. فارتج أهل الطائف بصيحة واحدة، وقالوا: أبعد الله المغيرة، قد قتلته الربة. وفرحوا، وقالوا: من شاء منكم فليقترب وليجتهد على هدمها، فوالله لا يستطاع أبداً. فوثب المغيرة بن شعبة فقال: قبحكم الله إنما هي لكاع حجارة ومدر، فأقبلوا عافية الله واعبدوه. ثم ضرب الباب فكسره، ثم علا على سورها، وعلا الرجال معه، فهدموها. وجعل صاحب المفتح يقول: ليغضبن الأساس، فليخسفن بهم. فقال المغيرة لخالد: دعني أحفر أساسها فحفره حتى أخرجوا ترابها، وانتزعوا حليتها، وأخذوا ثيابها. فبهتت ثقيف، فقالت عجوز منهم: أسلمها الرضاع وتركوا المصاع. وأقبل الوفد حتى أتوا النبي صلى الله عليه وسلم بحليتها وكسوتها، فقسمه. وقال ابن إسحاق: أقامت ثقيف، بعد قتل عروة بن مسعود، أشهراً. ثم ذكر قدومهم على النبي صلى الله عليه وسلم، وإسلامهم. وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا سفيان بن حرب والمغيرة يهدمان الطاغية. وقال سعيد بن السائب، عن محمد بن عبد الله بن عياض، عن عثمان ابن أبي العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يجعل مسجد الطائف حيث كانت طاغيتهم. رواه أبو همام محمد بن محبب الدلال، عن سعيد. (2/672)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 673 ولما فرغ ابن إسحاق من شأن ثقيف، ذكر بعد ذلك حجة أبي بكر الصديق بالناس. (2/673)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 674 (2/674)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 675 1 (أحداث السنة العاشرة) ثم قال ابن إسحاق: ولما فتح الله على نبيه مكة، وفرغ من تبوك، وأسلمت ثقيف، ضربت إليه وفود العرب من كل وجه. وإنما كانت العرب تربص بالإسلام أمر هذا الحي من قريش، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أن قريشاً كانوا إمام الناس. (وفد بني تميم) قال: فقدم عطارد بن حاجب في وفد عظيم من بني تميم، منهم الأقرع بن حابس، والزبرقان بن بدر، ومعهم عيينة بن حصن. فلما دخلوا المسجد. نادوا رسول الله من وراء حجراته: اخرج إلينا يا محمد، جئناك نفاخرك، فائذن لشاعرنا وخطيبنا. قال: فقد أذنت لخطيبكم، فليقم. فقام عطار، فقال: الحمد لله الذي له علينا الفضل والمن، وهو أهله، الذي جعلنا ملوكاً. (2/675)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 676 ووهب لنا أموالاً عظاماً نفعل فيها المعروف، وجعلنا أعز أهل المشرق، وأكثره عدداً، وأيسره عدة. فمن مثلنا في الناس ألسنا برؤوس الناس وأولي فضلهم فمن فاخرنا فليعدد مثل ما عددنا، وإنا لو نشأ لأكثرنا الكلام، ولكن نستحي من الإكثار. أقول هذا لأن تأتوا بمثل قولنا، وأمر أفضل من أمرنا. ثم جلس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن الشماس الخزرجي: قم فأجبه. فقام، فقال: الحمد لله الذي السماوات والأرض خلقه، قضى فيهن أمره، ووسع كرسيه علمه، ولم يكن شيء قط إلا من فضله. ثم كان من فضله أن جعلنا ملوكاً واصطفى من خير خلقه رسولاً أكرمه نسباً، وأصدقه حديثاً، وأفضله حسباً، فأنزل عليه كتابه، وائتمنه على خلقه، فكان خيرة الله من العالمين، ثم دعا الناس إلى الإيمان فآمن به المهاجرون من قومه وذوي رحمه، أكرم الناس أحساباً، وأحسن الناس وجوهاً، وخير الناس فعالاً، ثم كان أول الخلق إستجابة إذ دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، نحن فنحن الأنصار، أنصار الله ووزراء رسوله، نقاتل الناس حتى يؤمنوا بالله ورسوله. فمن آمن منع ماله ودمه، ومن كفر جاهدناه في الله أبداً، وكان قتله علينا يسيراً. أقول قولي هذا وأستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات، والسلام عليكم.) فقام الزبرقان بن بدر، فقال: (نحن الكرام فلا حي يعادلنا.......... من الملوك وفينا تنصب البيع)

(وكم قسرنا من الأحياء كلهم.......... عند النهاب، وفضل العز يتبع)

(ونحن نطعم عند القحط مطعمنا.......... من الشواء إذا لم يؤنس القزع)

(بما ترى الناس تأتينا سراتهم.......... من كل أرض هوياً ثم نصطنع) (2/676)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 677 في أبيات. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قم يا حسان، فأجبه. فقال حسان: (إن الذوائب من فهر وإخواتهم.......... قد بينوا سنة للناس تتبع)

(يرضى بها كل من كانت سريرته.......... تقوى الإله وكل الخير يصطنع)

(قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم.......... أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا)

(سجية تلك منهم غير محدثة.......... إن الخلائق، فاعلم، شرها البدع) في أبيات. فقال الأقرع بن حابس: وأبي، إن هذا الرجل لموتى له. وإن خطيبه أفصح من خطيبنا، ولشاعره أشعر من شاعرنا. قال: فلما فرغ القوم أسلموا، وأحسن النبي صلى الله عليه وسلم جوائزهم. وفيهم نزلت: إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون. وقال سليمان بن حرب، ثنا حماد بن زيد، عن محمد بن الزبير الحنظلي، قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، الزبرقان بن بدر، وقيس بن عاصم، وعمرو بن الأهتم. فقال لعمرو بن الأهتم: أخبرني عن هذا الزبرقان، فأما هذا فلست أسألك عنه. قال: وأراه قال قد عرف قيساً. فقال: مطاع في أدنيه، شديد (2/677)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 678 العارضة، مانع لما وراء ظهره. فقال الزبرقان: قد قال ما قال وهو يعلم أني أفضل مما قال. فقال عمرو: ما علمتك إلا زمر المروءة، ضيق العطن، أحمق الأب، لئيم الخال. ثم قال: يا رسول الله، قد صدقت فيهما جميعاً أرضاني فقلت بأحسن ما أعلم، وأسخطني فقلت بأسوأ ما فيه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من البيان سحراً.) وقد روى نحوه علي بن حرب الطائي، عن أبي سعيد الهيثم بن محفوظ، عن أبي المقوم الأنصاري يحيى بن يزيد، عن الحكم بن عيينة، عن مقسم، عن ابن عباس متصلاً. (وفد بني عامر) وقال مسلم بن إبراهيم، ثنا الأسود بن شيبان، ثنا أبو بكر بن ثمامة بن النعمان الراسبي، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير قال: وفد أبي في وفد بني عامر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أنت سيدنا وذو الطول علينا. فلاق: مهٍ مه، قولوا بقولكم ولا يستجرئنكم الشيطان، السيد الله، السيد الله. وقال الزبير بن بكار: حدثتني فاطمة بنت عبد العزيز بن مؤملة، عن أبيها، عن جدها مؤملة بن جميل، قال: أتى عامر بن الطفيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عامر، أسلم. قال: أسلم (2/678)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 679 على أن الوبر لي والمدر لك. قال: يا عامر أسلم. فأعاد قوله. قال: لا. فولى وهو يقول: يا محمد، لأملأنها عليك خيلاً جرداً ورجالاً مرداً، ولأربطن بكل نخلة فرساً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اكفني عامراً واهد قومه. فخرج حتى إذا كان بظهر المدينة صادف امرأة يقال لها سلولية، فنزل عن فرسه ونام في بيتها، فأخذته غدة في حلقه، فوثب على فرسه، وأخذ رمحه، وأقبل يجول، ويقول: غدة كغدة البكر، وموت في بيت سلولية. فلم تزل تلك حاله حتى سقط ميتاً. قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني عامر، فيهم: عامر بن الطفيل. وأربد ابن قيس، وخالد بن جعفر، وحيان بن سلم، وكانوا رؤساء القوم وشياطينهم. فقدم عامر عدو الله على رسول الله وهو يريد أن يغدر به. فقال له قومه: إن الناس قد أسلموا. فقال: قد كنت آليت أن لا أنتهي حتى تتبع العرب عقبي، فأنا أتبع عقب هذا الفتى من قريش ثم قال لأربد: إذا قدمنا عليه فإني شاغل عنك وجهه، فإذا فعلت ذلك فاعله بالسيف. فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عامر: يا محمد، خالني. فقال: لا والله، حتى تؤمن بالله وحده، فقال: والله لأملأنها عليك خيلاً ورجالاً. فلما ولى قال: اللهم اكفني عامراً. ثم قال لأربد: أين ما أمرتك به قال: لا أبا لك، والله ما هممت بالذي أمرتني به من مرة إلا دخلت بيني وبينه، (2/679)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 680 أفأضربك بالسيف فبعث الله ببعض الطريق على عامر الطاعون) في عنقه، فقتله الله في بيت امرأة من سلول. وأما الآخر فأرسل الله تعالى عليه وعلى جمله صاعقة أحرقتهما. وقال همام، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، حدثني أنس، قال: كان رئيس المشركين عامر بن الطفيل، وكان أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أخيرك بين ثلاث خصال فيكون لك أهل السهل ويكون لي أهل المدر، أو أكون خليفتك من بعدك، أو أغزوك بغطفان بألف أشقر وألف شقراء. قال: فطعن في بيت امرأة. فقال: غدة كغدة البكر في بيت امرأة من بني فلان، إئتوني بفرسي. فركب فمات على ظهر فرسه. أخرجه البخاري. (وافد بني سعد) وقال ابن إسحاق، عن محمد بن الوليد، عن كريب، عن ابن عباس: بعثت بنو سعد بن بكر، ضمام بن ثعلبة وافداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان جلداً أشعر ذا غديرتين، فأقبل حتى وقف فقال: أيكم ابن عبد المطلب فقال: أنا. فقال: أنت محمد قال: نعم. قال: إني سائلك ومغلظ عليك في المسألة، فلا تجدن في نفسك. أنشدك الله إلهك وإله من (2/680)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 681 قبلك وإله من هو كائن بعدك، الله أمرك أن تأمرنا أن نعبده وحده لا شريك به شيئاً، وأن نخلع هذه الأنداد قال: اللهم نعم. قال: فأنشدك الله إلهك وإله من قبلك وإله من هو كائن بعدك، الله أمرك أن نصلي هذه الصلوات الخمس قال: نعم. ثم جعل يذكر فرائض الإسلام وينشده عن كل فريضة ثم قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وسأؤدي هذه الفرائض، وأجتنب ما نهيتني عنه، ثم لا أزيد ولا أنقص. ثم انصرف إلى بعيره راجعاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن صدق ذو العقيصتين دخل الجنة. فقدم على قومه فاجتمعوا إليه فكان أول ما تكلم به أن قال: باست اللات والعزى. قالوا: مه يا ضمام، اتق البرص، اتق الجنون. قال: ويلكم، إنهما والله لا يضران ولا ينفعان. إن الله قد بعث رسولاً وأنزل عليه كتاباً استنقذكم به مما كنتم فيه، وإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وقد جئتكم من عنده بما أمركم به وما نهاكم عنه. قال: فوالله ما أمسى ذلك اليوم وفي حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلماً. قال: يقول ابن عباس: فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام.) وقال إسحاق بن أبي إسرائيل المروزي: حدثني حمزة بن الحارث، عن عمير، ثنا أبي، عن عبيد الله بن عمر، عن سعيد، عن أبي هريرة قال: جاء رجل من أهل البادية إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنشدك برب من قبلك ورب من بعدك، الله أرسلك وذكر الحديث، وفيه: فإني قد آمنت وصدقت، وأنا ضمام بن ثعلبة. فلما ولى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقه الرجل. قال: فكان (2/681)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 682 عمر يقول: ما رأيت أحداً أحسن مسألة ولا أوجز من ضمام بن ثعلبة. الحارث بن عمير ضعيف. وقصة ضمام في الصحيحين من حديث أنس. (الجارود بن عمرو) قال ابن إسحاق: وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم الجارود بن عمرو أخو بني عبد القيس. قال عبد الملك بن هشام: وكان نصرانياً، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام. فقال: يا محمد، تضمن لي ديني قال: نعم، قد هداك الله إلى ما هو خير منه. قال: فأسلم، وأسلم أصحابه. (وفد بني حنيفة) قال ابن إسحاق: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني حنيفة، فيهم مسيلمة بن حبيب (2/682)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 683 الكذاب. فكان منزلهم في دار بنت الحارث الأنصارية. فحدثني بعض علمائنا أن بني حنيفة أتت به رسول الله صلى الله عليه وسلم تستره بالثياب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس مع أصحابه معه عسيب نخل في رأسه خوصات. فلما كلم النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو سألتني هذا العسيب ما أعطيتكه. قال ابن إسحاق: وحدثني شيخ من أهل اليمامة أن حديثه كان على غير هذا زعم أن وفد بني حنيفة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفوا مسلمة في رحالهم، فلما أسلموا ذكروا له مكانه فأمر له رسول الله بمثل ما أمر به لهم، وقال: أما إنه ليس بأشركم مكاناً يعني حفظه ضيعة أصحابه. ثم انصرفوا وجاؤوه بالذي أعطاه. فلما قدموا اليمامة ارتد عدو الله وتنبأ، وقال: إني أشركت في الأمر مع محمد، ألم يقل لكم حين ذكرتموني له أما إنه ليس بأشركم مكاناً وما ذلك إلا لما يعلم أني قد أشركت معه. ثم جعل) يسجع السجعات فيقول لهم فيما يقول مضاهاة للقرآن: لقد أنعم الله على الحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق وحشى. ووضع عنهم الصلاة وأحل لهم الزنا والخمر. وهو مع ذلك يشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نبي. فأصفقت معه بنو حنيفة على ذلك. وقال شعيب بن أبي حمزة، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، ثنا نافع بن جبير، عن ابن عباس قال: قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فجعل يقول: (2/683)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 684 إن جعل لي محمد الأمر من بعد اتبعته. وقدمها في بشر كثير من قومه. فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم، ومعه ثابت بن قيس بن شماس، وفي يد النبي قطعة جريد، حتى وقف على مسيلمة في أصحابه، فقال: إن سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها. ولن تعدو أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقرنك الله. وإني أراك الذي أريت فيه ما رأيت، وهذا ثابت بن قيس يجيبك عني. ثم انصرف. قال ابن عباس: فسألت عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنك الذي أريت فيه ما رأيت، فأخبرني أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب فأهمني شأنهما، فأوحي إلي في المنام أن انفخهما، فنفختهما فطارا، فأولتهما كذابين يخرجان من بعدي. قال: فهذا أحدهما العنسي صاحب صنعاء، والآخر مسيلمة صاحب اليمامة. أخرجاه. وقال معمر، عن همام، عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينا أنا نائم إذ أتيت بخزائن الأرض، فوضع في يدي سواران من ذهب، فكبرا علي وأهماني، فأوحي إلي أن أنفخهما، فنفختهما، فذهب، فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما صاحب صنعاء وصاحب اليمامة. متفق عليه. وقال خ: ثنا الصلت بن محمد، نا مهدي بن ميمون، سمع أبا رجاء (2/684)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 685 هو العطاردي يقول: لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم فسمعناه به، لحقنا بمسيلمة الكذاب لحقنا بالنار وكنا نعبد الحجر في الجاهلية. وإذا لم نجد حجراً جمعنا حثية من تراب ثم حلبنا عليها كثبة اللبن، ثم نطوف به. وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال:) جاء رجل إلى ابن مسعود فقال: إني مررت ببعض مساجد بني حنيفة وهم يقرأون قراءة ما أنزلها الله: الطاحنات طحناً، والعاجنات عجناً، والخابزات خبزاً، والثاردات ثرداً، واللاقمات لقماً. فأرسل إليهم عبد الله فأتى بهم، وهم سبعون رجلاً ورأسهم عبد الله بن النواحة. قال: فأمر به عبد الله فقتل. ثم قال: ما كنا يمحرزين الشيطان من هؤلاء، ولكنا نحدرهم إلى الشام لعل الله أن يكفيناهم. وقال المسعودي، عن عاصم، عن أبي وائل، عن عبد الله، قال: جاء ابن النواحة وابن أثال رسولين لمسيلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: تشهدان أني رسول الله فقال: نشهد أن مسيلمة رسول الله. فقال: آمنت بالله ورسله، ولو كنت قاتلاً رسولاً لقتلتكما. قال عبد الله: فمضت السنة أن الرسل لا تقتل. قال عبد الله: أما ابن أثال فقد كفانا الله، وأما ابن النواحة فلم يزل في نفسي حتى أمكن الله منه. رواه أبو داود الطيالسي في مسنده، عن المسعودي. وله شاهد. قال يونس، عن ابن إسحاق، حدثني سعد بن طارق، عن سلمة بن (2/685)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 686 نعيم بن مسعود، عن أبيه، سمع النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه رسولا مسيلمة الكذاب بكتابه يقول لهما: وأنتما تقولان بمثل ما يقول قالا: نعم. فقال: أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما. وقال ابن إسحاق: وقد كان مسيلمة كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر سنة عشر: من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله. سلام عليك، أما بعد، فإني قد أشركت في الأمر معك، وإن لنا نصف الأرض، ولكن قريشاً قوم يعتدون. فكتب إليه: من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب. سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين. (وفد طيء) ثم قدم وفد طيء، على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيهم زيد الخيل سيدهم. فأسلموا، وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير، وقطع له فيد وأرضين، وخرج راجعاً إلى قومه.) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ينج زيد من حمى المدنية. فإنه يقال قد (2/686)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 687 سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم غير الحمى، فلم نثبته. فلما انتهى من بلد نجد إلى ماء من مياهه، يقال له فردة، أصابته الحمى فمات بها. قال: فعمدت امرأته إلى ما معه من كتب فحرقتها. (قدوم عدي بن حاتم) قال شعبة: ثنا سماك بن حرب، سمعت عباد بن حبيش، يحدث عن عدي بن حاتم، قال: جاءت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بعقرب، فأخذوا عمتي وناساً. فلما أتوا بهم رسول الله قالت: يا رسول الله، غاب الوافد، وانقطع الوالد، وأنا عجوز كبيرة، فمن علي من الله عليك. قال: من وافدك قالت: عدي بن حاتم. قال: الذي فر من الله ورسوله قالت: فمن علي. ورجل إلى جنبه تراه علياً، فقال: سليه حملاناً. فسألته، فأمر لها به. قال عدي: فأتتني، فقالت: لقد فعلت فعلة ما كان أبوك يفعلها. إيته راغباً أو راهباً، فقد أتاه فلان فأصاب منه، وأتاه فلان فأصاب منه. قال عدي: فأتيته، فإذا عنده امرأة وصبيان أو صبي، فذكر قربهم من النبي صلى الله عليه وسلم. قال: فعرفت أنه ليس ملك كسرى ولا قيصر، فأسلمت. فرأيت وجهه وقد استبشر، وقال: إن المغضوب عليهم اليهود، والضالين النصارى. وذكر باقي الحديث. (2/687)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 688 وقال حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد قال: قال أبو عبيدة بن حذيفة، قال رجل: كنت أسأل عن حديث عدي وهو إلى جنبي لا أسأله. فأتيته فقال: بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم فكرهته أشد ما كرهت شيئاً قط. فخرجت حتى أقصى أرض العرب مما يلي الروم. ثم كرهت مكاني فقلت: لو أتيته وسمعت منه. فأتيت إلى المدينة، فاستبشروا أي الناس وقالوا: جاء عدي بن حاتم، جاء عدي بن حاتم. فقال: يا عدي بن حاتم، أسلم تسلم. فقلت: إني على دين. قال: أنا أعلم بدينك منك، ألست ركوسياً قلت: بلى. قال: ألست ترأس قومك قلت: بلى. قال: ألست تأخذ المرباع قلت: بلى. قال: فإن ذلك لا يحل في دينك. قال: فوجدت بها علي غضاضة. ثم قال: إنه لعله أن يمنعك أن تسلم أن ترى بمن عندنا خصاصة، وترى الناس علينا إلباً واحداً. هل رأيت الحيرة قلت: لم أرها، وقد علمت مكانها. قال: فإن الظعينة سترحل من الحيرة حتى تطوف بالبيت بغير جوار، ولتفتحن علينا كنوز كسرى بن هرمز. قلت: كنوز كسرى بن هرمز قال: نعم، وليفيضن المال حتى يهم الرجل من يقبل ماله منه صدقة. قال:) فلقد رأيت الظعينة ترحل من الحيرة بغير جوار، وكنت في أول خيل أغارت على المدائن. والله لتكونن الثالثة، إنه لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى نحوه هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي عبيدة. (2/688)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 689 (قدوم فروة بن مسيك المرادي) وقال ابن إسحاق: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فروة بن مسيك المرادي، مفارقاً لملوك كندة. فاستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على مراد وزبيد ومذحج كلها. وبعث معه على الصدقة خالد بن سعيد بن العاص، فكان معه حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. (وفد كندة) قال: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد كندة، ثمانون راكباً فيهم الأشعث بن قيس. فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألم تسلموا قالوا: بلى. قال: فما بال هذا الحرير في أعناقكم قال: فشقوه وألقوه. (وفد الأزد) قال: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم صرد بن عبد الله الأزدي فأسلم، في وفد من الأزد. فأمره على من أسلم من قومه، ليجاهد من يليه. (2/689)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 690 (كتاب ملوك حمير) قال: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب ملوك حمير مقدمه من تبوك، ورسولهم إليه بإسلامهم الحارث بن عبد كلال، ونعيم بن عبد كلال، والنعمان قيل ذي رعين، ومعافر، وهمدان. وبعث إليه ذو يزن، مالك بن مرة الرهاوي بإسلامهم. فكتب إليهم النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً يذكر فيه فريضة الصدقة. وأرسل إليهم معاذ بن جبل في جماعة، وقال لهم: وإني قد أرسلت إليكم من صالحي أهلي، وأولي دينهم وأولي علمهم، وآمركم بهم خيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. (بعث خالد ثم علي إلى اليمن) وقال إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق السبيعي، عن أبيه، عن جده، عن البراء، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى اليمن، يدعوهم إلى الإٍ سلام. قال البراء: فكنت) فيمن خرج مع خالد، فأقمنا سنة أشهر يدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوه. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بعث علياً رضي الله عنه، فأمره أن يقفل خالد، إلا رجل كان يمم مع خالد أحب أن يعقب مع علي فليعقب معه. فكنت فيمن عقب مع علي. فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا، فصلى بنا علي، ثم صفنا صفاً واحداً، ثم تقدم بين أيدينا وقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلمت همدان جميعاً. فكتب علي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرأ الكتاب (2/690)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 691 خر ساجداً ثم رفع رأسه فقال: السلام على همدان، السلام على همدان. هذا حديث صحيح أخرج البخاري بعضه بهذا الإسناد. وقال الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري عن علي: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن. فقلت: يا رسول الله، تبعثني وأنا شاب أقضي بينهم ولا علم لي بالقضاء. فضرب بيده في صدري وقال: اللهم اهد قلبه وثبت لسانه. فما شككت في قضاء بين اثنين. أخرجه د. وقال محمد بن علي، وعطاء، عن جابر، أن علياً قدم من اليمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع. متفق عليه من حديث عطاء. (بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن) وقال شعبة، وغيره، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه ومعاذ بن جبل إلى اليمن، فقال: يسرا ولا (2/691)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 692 تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوى. متفق عليه، ومن أوجه أخر بأطول من هذا. وفي الصحيح للبخاري، من حديث طارق بن شهاب، عن أبي موسى، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض قومي. قال: فجئته وهو منيخ بالأبطح. قال: فسلمت عليه. فقال: أحججت يا عبد الله بن قيس قلت: نعم. قال: كيف قلت: لبيك إهلالاً كإهلالك. فقال: أسقت هدياً قلت: لم أسق هدياً. قال: فطف بالبيت واسع ثم حل. ففعلت. وذكر الحديث. أما معاذ فالأشبه أنه لم يرجع من اليمن حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن إسحاق. حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، قال: هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا، الذي كتبه لعمرو بن حزم، حين بعثه إلى اليمن يفقه أهلها ويعلمهم) السنة ويأخذ صدقاتهم، فكتب له كتاباً وعهداً وأمره فيه أمره: (2/692)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 693 بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من الله ورسوله. يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود. عهداً من رسول الله لعمرو بن حزم حيث بعثه إلى اليمن. أمره بتقوى الله في أمره كله. فإن الله مع الذي اتقوا والذين هم محسنون. وأمره أن يأخذ بالحق كما أمره، وأن يبشر الناس بالخير، ويأمرهم به، ويعلم الناس القرآن، ويفقههم فيه، ولا يمس القرآن أحد إلا وهو طاهر، ويخبر الناس بالذي لهم، والذي عليهم، ويلين لهم في الحق، ويشتد عليهم في الظلم، فإن الله كره الظلم ونهى عنه، وقال: ألا لعنة الله على الظالمين. ويبشر الناس بالجنة وبعملها، وينذر الناس من النار وعملها، ويستأنف الناس حتى يفقهوا في الدين، ويعلم الناس معالم الحج وسننه وفرائضه وما أمر الله به، والحج الأكبر والحج الأصغر، فالحج الأصغر العمرة. وينهى الناس أن يصلي الرجل في الثوب الواحد الصغير إلا أن يكون واسعاً فيخالف بين طرفيه على عاتقيه، وينهى أن يحتبي الرجل في ثوب واحد ويفضي إلى السماء بفرجه. ولا يعقد شعر رأسه إذا عفى في قفاه. وينهى الناس إن كان بينهم هيج أن يدعوا إلى القبائل والعشائر، وليكن دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له. فمن لم يدع إلى الله، ودعا إلى العشائر والقبائل فليقطفوا بالسيف حتى يكون دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له. ويأمر الناس بإسباغ الوضوء وجوههم وأيديهم إلى المرافق، وأرجلهم إلى الكعبين، وأن (2/693)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 694 يمسحوا رؤوسهم كما أمر الله، وأمروا بالصلاة لوقتها، وإتمام الركوع والخشوع، وأن يغلس بالصبح، ويهجر بالهاجرة حين تميل الشمس، وصلاة العصر والشمس في الأرض مدبرة، والمغرب حين يقبل الليل، لا تؤخر حتى تبدو النجوم في السماء، والعشاء أول الليل. وأمره بالسعي إلى الجمعة إذا نودي بها، والغسل عند الرواح إليها. وأمره أن يأخذ من المغانم خمس الله تعالى، وما كتب على المؤمنين في الصدقة من العقار فيما سقى الغيل وفيما سقت السماء العشر، وفيما سقت الغرب فنصف العشر. ثم ذكر زكاة الإبل والبقر، مختصراً. قال: وعلى كل حالم، ذكر أو أنثى، حر أو عبد، من اليهود والنصارى، دينار واف أو عوضه من الثياب. فمن أدى ذلك فإن له ذمة الله وذمة رسوله، ومن منع ذلك فإنه عدو الله ورسوله والمؤمنين. وقد روى سليمان بن داود، عن الزهري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده، نحو هذا الحديث موصولاً بزيادات كثيرة في الزكاة، ونقص عما ذكرنا في السنن.) وقال أبو اليمان، ثنا صفوان بن عمرو، عن راشد بن سعد، عن عاصم ابن حميد السكوني: أن معاذاً لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم (2/694)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 695 يوصيه، ومعاذ راكب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي تحت راحلته، فلما فرغ قال: يا معاذ، إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك أن تمر بمسجدي وقبري. فبكى معاذ جشعاً لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لا تبك يا معاذ، البكاء من الشيطان. (وفد نجران) وقال ابن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال: لما قدم وفد نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم، دخلوا عليه مسجده بعد العصر فحانت صلاتهم، فقاموا يصلون في مسجده، فأراد الناس منعهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعوهم. فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم. وقال ابن إسحاق: حدثني بريدة بن سفيان، عن ابن البيلماني، عن كرز بن علقمة، قل: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نصارى نجران ستون راكباً، منهم أربعة وعشرون من أشرافهم، منهم: العاقب أمير القوم وذو رأيهم وصاحب مشورتهم، والذي لا يصدرون إلا عن رأيه وأمره واسمه عبد المسيح. والسيد ثمالهم وصاحب رحلهم ومجتمعهم واسمه الأيهم. وأبو (2/695)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 696 حارثة بن علقمة، أحد بكر بن وائل وأسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدراسهم. وكان أبو حارثة قد شرف فيهم ودرس كتبهم حتى حسن علمه في دينهم. وكانت ملوك الروم من أهل النصرانية قد شرفوه ومولوه وبنوا له الكنائس. فلما توجهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نجران، جلس أبو حارثة على بغلة له موجهاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى جنبه أخ له يقال له: كرز بن علقمة يسايره، إذ عثرت بغلة أبي حارثة، فقال له كرز: تعس الأبعد يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال له أبو حارثة: بل أنت تعست. فقال له: لم يا أخي فقال: والله إنه للنبي الذي كنا ننتظره. قال له كرز: فما يمنعك وأنت تعلم هذا قال: ما صنع بنا هؤلاء القوم شرفونا ومولونا، وقد أبوا إلا خلافه، ولو فعلت نزعوا منا كل ما ترى. فأضمر عليها أخوه كرز بن علقمة حتى أسلم بعد ذلك.) قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، حدثني سعيد بن جبير، أو عكرمة، عن ابن عباس قال: اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنازعوا، فقالت الأحبار: ما كان إبراهيم إلا يهودياً، وقالت النصارى: ما كان إلا نصرانياً. فأنزل الله فيهم: يا أهل الكتاب لم تحاجون (2/696)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 697 في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده الآيات. فقال أبو رافع القرظي: أتريد منا يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى بن مريم فقال رجل من نجران يقال له الربيس: وذلك تريد يا محمد وإليه تدعو فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: معاذ الله أن أمر بعبادة غير الله. فنزلت ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم الآيات إلى قوله من الشاهدين. وقال إسرائيل وغيره، عن أبي إسحاق، عن صلة، عن ابن مسعود، ورواه شعبة، وسفيان، عن أبي إسحاق فقالا حذيفة بدل ابن مسعود: إن السيد والعاقب أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأراد أن يلاعنهما، فقال أحدهما لصاحبه: لا تلاعنه، فوالله لئن كان نبياً فلا عنته لا نفلح نحن ولا عقبنا. قالوا له: نعطيك ما سألت، فابعث معنا رجلاً أميناً. ولا تبعث معنا إلا أميناً. فقال: لأبعثن معكم أميناً حق أمين. فاستشرف لها أصحابه. فقال: قم، يا أبا عبيدة بن الجراح. فلما قام قال: هذا أمين هذه الأمة. أخرجه خ من حديث حذيفة. وقال إدريس الأودي، عن سماك بن حرب، عن علقمة بن وائل، (2/697)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 698 عن المغيرة بن شعبة قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجران. فقالوا فيما قالوا: أرأيت ما تقرأون: يا أخت هارون وقد كان بين عيسى وموسى ما قد علمتم قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: أفلا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم والصالحين قبلهم. أخرجه مسلم. وقال ابن إسحاق: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في شهر ربيع الآخر، أو جمادى الأولى، سنة عشر، إلى بني الحارث بن كعب بنجران، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام، قبل أن يقاتلهم، ثلاثاً. فخرج خالد حتى قدم عليهم، فبعث الركبان يضربون في كل وجه ويدعون إلى الإسلام،) ويقولون: أيها الناس، أسلموا تسلموا. فأسلم الناس، فأقام خالد يعلمهم الإسلام، وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك. ثم قدم وفدهم مع خالد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أعيانهم: قيس بن الحصين ذو الغصة، ويزيد بن عبد المدان، ويزيد بن المحجل. قال: فأمر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم قيساً. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم بعث إليهم، بعد أن ولى وفدهم، عمرو بن حزم ليفقههم ويعلمهم السنة، يأخذ منهم صداقاتهم. وفي عاشر ربيع الأول توفي إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ابن سنة ونصف. وغسله الفضل بن (2/698)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 699 العباس. ونزل قبره الفضل وأسامة بن زيد فيما قيل. وكان أبيض مسمناً، كثير الشبه بوالده صلى الله عليه وسلم. وقال ثابت، عن أنس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولد لي الليلة غلام فسميته بأبي إبراهيم. ثم دفعه إلى أم سيف يعني امرأة قين بالمدينة يقال له أبو سيف. قال أنس: فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنه وانطلقت معه، فدخل فدعا بالصبي فضمه إليه، وقال ما شاء الله أن يقول. قال أنس: فلقد رأيت إبراهيم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يكيد بنفسه، فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي الرب. والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون. أخرجه مسلم والبخاري تعليقاً مجزوماً به. وقال شعبة، عن عدي بن ثابت، عن البراء، قال: لما توفي إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله: إن له مرضعة تتم رضاعه في الجنة. أخرجه خ. وقال جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على ابنه إبراهيم حين مات. (2/699)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 700 وفيها: مات أبو عامر الراهب، الذي كان عند هرقل عظيم الروم. وفيها: مات بوران بنت كسرى ملكة الفرس، وملكوا بعدها أختها آزرمن. قاله أبو عبيدة. وفي أواخر ذي القعدة: ولد محمد بن أبي بكر الصديق، ولدته أسماء بنت عميس، بذي الحليفة، وهي مع النبي صلى الله عليه وسلم. قال جابر بن عبد الله: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء) بنت عميس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إليه: كيف أصنع فقال اغتسلي واستنفري بثوب وأحرمي. وفيها: ولد محمد بن عمرو بن حزم، بنجران، وأبوه بها. (2/700)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 701 (حجة الوداع) قال جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه، عن جابر، قال: أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس بالحج، فاجتمع في المدينة بشر كثير. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة، أو لأربع، فلما كان بذي الحليفة ولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر الصديق، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع فقال: اغتسلي واستنفري بثوب. وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، وركب القصواء حتى استوت به على البيداء، فنظرت إلى مد بصري، بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، من راكب وماش، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك. فأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوحيد، وأهل الناس بهذا الذي يهلون به، فلم يرد عليهم شيئاً منه. ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته. ولسنا ننوي إلا الحج، لسنا نعرف العمرة، حتى (2/701)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 702 إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً، ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى فجعل المقام بينه وبين البيت. قال جعفر: فكان أبي يقول: لا أعلمه ذكره إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون ثم رجع إلى البيت فاستلم الركن، ثم خرج من الباب إلى الصفا، حتى إذا دنا من الصفا قرأ: إن الصفا والمروة من شعائر الله، أبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا فرقي عليه، حتى إذا رأى البيت فكبر وهلل وقال: لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. ثم دعا بين ذلك، فقال مثل ذلك ثلاث مرات. ثم نزل إلى المروة، حتى إذا انصبت قدماه رمل في بطن الوادي، حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة، فعلا عليها وفعل كما فعل على الصفا. فلما كان آخر الطواف على المروة قال: إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة. فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلل وليجعلها عمرة. فحل الناس كلهم وقصروا، إلا النبي صلى الله عليه وسلم) ومن كان معه الهدي. فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال: يا رسول الله ألعامنا (2/702)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 703 هذا أم للأبد قال فشبك أصابعه وقال: دخلت العمرة مع الحج هكذا مرتين، لا بل لأبد الأبد. وقدم علي، رضي الله عنه، من اليمن ببدن إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجد فاطمة ممن حل ولبست ثياباً صبيغاً واكتحلت، فأنكر عليها. فقالت: أبي أمرني بهذا. فكان علي يقول بالعراق: فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشاً بالذي صنعته، مستفتياً رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صدقت، صدقت. ماذا قلت حين فرضت الحج قال: قلت: اللهم إني أهل بما أهل به رسولك. قال: فإن معي الهدي فلا تحلل. قال: فكان الهدي الذي جاء معه، والهدي الذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة مائة. ثم حل الناس وقصروا، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن معه هدي. فلما كان يوم التروية وجهوا إلى منى، أهلوا بالحج، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح. ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس، وأمر بقبة من شعر فضربت له بنمرة، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، فركب حتى أتى بطن الوادي، فخطب الناس فقال: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم (2/703)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 704 هذا، في بلدكم هذا. ألا وإن كل شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت قدمي، ودماء الجاهلية موضوعة. وأول دم أضعه من دمائنا دم ربيعة بن الحارث كان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل. وربا الجاهلية موضوع وأول رباً أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله. واتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة لله، وإن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح. ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله تعالى. وأنتم مسؤولون عني، فما أنتم قائلون قالوا: نشهد أن قد بلغت وأديت ونصحت. فقال: بإصبعه السبابة، يرفعها إلى السماء ويكبها إلى الناس: اللهم اشهد ثلاث مرات. ثم أذن بلال، ثم أقام) فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئاً. ثم ركب حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته إلى الصخرات، وجعل جبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلاً حين غاب القرص، وأردف أسامة بن زيد خلفه فدفع وقد شنق للقصواء الزمام، حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله، ويقول بيده: أيها الناس، السكينة السكينة، كلما أتى جبلاً من الجبال أرخى لها قليلاً حتى تصعد. حتى أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان وإقامتين، ولم يصل بنيهما شيئاً. ثم اضطجع حتى طلع الفجر، فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة. ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام (2/704)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 705 فرقي عليه فحمد الله وكبره وهلله. فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً، ثم دفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن عباس، وكان رجلاً حسن الشعر وسيماً. فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظعن يجرين، فطفق الفضل ينظر إليهن، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل، فصرف الفضل وجهه من الشق الآخر، فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه الفضل. حتى إذا أتى محسراً حرك قليلاً، ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرجك على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند المسجد، فرمى سبع حصيات، يكبر مع كل حصاة منها مثل حصي الخذف رمى من بطن الوادي. ثم انصرف إلى المنحر، فنحر ثلاثاً وستين بدنة، وأعطى علياً، رضي الله عنه فنحر ما غبر وأشركه في هديه. ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر، وطبخت، فأكلا من لحمها وشربا من مرقها. ثم أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيت، فصلى بمكة الظهر، فأتى على بني عبد المطلب يسقون من بئر زمزم، فقال: انزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن تغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم. فناولوه دلواً فشرب منه. أخرجه مسلم، دون قوله: يحيى ويميت. (2/705)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 706 وقال شعبة، عن قتادة، عن أبي حسان الأعرج، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أتى ذا الحليفة أشعر بدنة من جانب سنامها الأيمن، ثم سلت عنها الدم، وأهل بالحج. أخرجه مسلم. وقال أيمن بن نايل، حدثني قدامة بن عبد الله، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي جمرة العقبة على ناقة حمراء وفي رواية صهباء لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك. حديث حسن.) وقال ثور بن يزيد، عن راشد بن سعد، عن عبد الله بن لحي، عن عبد الله بن قرط قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر، يستقر فيه الناس، وهو الذي يلي يوم النحر. قدم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنات، خمس أو ست، فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ، فلما وجبت جنوبها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة خفيفة لم أفهمها، (2/706)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 707 فقلت للذي إلى جنبي: ما قال قال: قال: من شاء اقتطع. حديث حسن. وقال هشام، عن ابن سيرين، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة، ثم رجع إلى منزله بمنى، فذبح، ثم دعا بالحلاق فأخذ بشق رأسه الأيمن فحلقه، فجعل يقسمه الشعرة والشعرتين، ثم أخذ بشق رأسه الآخر فحلقه، ثم قال: هاهنا أبو طلحة فدفعه إلى أبي طلحة. رواه مسلم. وقال أبان العطار، ثنا يحيى، حدثني أبو سلمة، أن محمد بن عبد الله ابن زيد حدثه، أن أباه شهد المنحر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسم بين أصحابه ضحايا، فلم يصبه ولا رفيقه. قال: فحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه في ثوبه فأعطاه، فقسم منه على رجال، وقلم أظفاره فأعطى صاحبه. فإنه لمخضوب عندنا بالحناء والكتم. وقال علي بن الجعد، ثنا الربيع بن صبيح، عن يزيد الرقاشي، عن أنس، قال حج رسول الله صلى الله عليه وسلم على رحل رث وقطيفة تساوي، أو لا تساوي، أربعة دراهم. وقال: اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة. يزيد ضعيف. (2/707)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 708 وقال أبو عميس، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: جاء رجل من اليهود إلى عمر رضي الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً. قال: أي آية قال: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً. فقال: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه والمكان الذي نزلت فيه: نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات في يوم جمعة. متفق عليه. وقال حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، قال: كنت عند ابن عباس وعنده يهودي، فقرأ: اليوم أكملت لكم دينكم الآية. فقال اليهودي: لو أنزلت علينا لاتخذنا يومها عيداً. فقال ابن عباس: فإنها نزلت في يوم عيد يوم جمعة، يوم عرفة. صحيح على شرط م.) وقال ابن جريج، عن أبي الزبير، أخبره أنه سمع جابراً يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة على راحلته يوم النحر، ويقول: خذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه. أخرجه مسلم. وقال إسماعيل بن أبي أويس: حدثني أبي، عن ثور بن يزيد، عن (2/708)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 709 عكرمة، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس في حجة الوداع فقال: إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم، ولكنه رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحاقرون من أعمالكم، فاحذروه. أيها الناس: إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به لن تضلوا أبداً، كتاب الله وسنة نبيه. إن كل مسلم أخو المسلم، المسلمون إخوة، ولا يحل لامريء من مال أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس، ولا تظلموا، ولا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض. وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، قال: وكان ربيعة بن أمية بن خلف الجمحي هو الذي يصرخ يوم عرفة تحت لبة ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال له: أصرخ: أيها الناس وكان صيتاً هل تدرون أي شهر هذا فصرخ، فقالوا: نعم، الشهر الحرام. قال: فإن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة شهركم هذا. وذكر الحديث. وقال الزهري، من حديث الأوزاعي، عنه، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد أن ينفر من منى قال: إنا نازلون غداً إن (2/709)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 710 شاء الله بالمحصب بخيف بني كنانة، حيث تقاسموا على الكفر. وذلك أن قريشاً تقاسموا على بني هاشم وبني المطلب أن لا يناكحوهم ولا يخالطوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. اتفقا عليه. وقال أفلح بن حميد، عن القاسم، عن عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليالي الحج. قالت: فلما تفرقنا من منى نزلنا المحصب. وذكر الحديث. متفق عليه. وقال أبو إسحاق السبيعي، عن زيد بن أرقم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة غزوة، وحج بعدما هاجر حجة الوداع، ولم يحج بعدها. قال أبو إسحاق من قبله: وواحدة بمكة. اتفقا عليه. ويروى عن ابن عباس أنه كان يكره أن يقال: وحجة الوداع، ويقول: حجة الإسلام.) وقال زيد بن الحباب، ثنا سفيان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم حج ثلاث حجج قبل أن يهاجر، وحجة بعدما هاجر معها عمرة، وساق ستاً وثلاثين بدنة، وجاء علي بتمامها من اليمن، فيها جمل لأبي (2/710)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 711 جهل في أنفه برة من فضة، فنحرها رسول الله صلى الله عليه وسلم. تفرد به زيد. وقيل إنه خطأ، وإنما يروى عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن مجاهد مرسلاً. قال أبو بكر البيهقي: قوله وحجة معها عمرة فإنما يقول ذلك أنس، ومن ذهب من الصحابة إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن، فأما من ذهب إلى أنه أفرد، فإنه لا يكاد يصح عنده هذه اللفظة لما في إسناده من الاختلاف وغيره. وقال وكيع، عن سفيان، عن ابن جريج، عن مجاهد قال: حج رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حجج حجتين وهو بمكة قبل الهجرة، وحجة الوداع. وفي آخر السنة: كان ظهور الأسود العنسي، وسيأتي. (2/711)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 712 (2/712)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 713 1 (أحداث السنة إحدى عشر) (سرية أسامة) في يوم الاثنين لأربع بقين من صفر. ذكر الواقدي أنهم قالوا: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتهيؤ لغزو الروم. ودعا أسامة بن زيد، فقال: سر إلى موضع مقتل أبيك، فأوطئهم الخيل، فقد وليتك هذا الجيش. فأغر صباحاً على أهل أبنى، وأسرع السير، تسبق الأخبار. فإن ظفرت فأقلل اللبث فيهم، وقدم العيون والطلائع أمامك. فلما كان يوم الأربعاء، بديء برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه. فحم وصدع. فلما أصبح يوم الخميس، عقد لأسامة لواء بيده، فخرج بلوائه معقوداً يعني أسامة. فدفعه إلى بريدة بن الحصيب الأسلمي، (2/713)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 714 وعسكر بالجرف. فلم يبق أحد من المهاجرين والأنصار إلا انتدب في تلك الغزوة فيهم أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة. فتكلم قوم وقالوا: يستعمل هذا الغلام على هؤلاء فقال ابن عيينة، وغيره، عن عبد الله بن دينار، سمع ابن عمر يقول: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة، فطعن الناس في إمارته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن يطعنوا في إمارته فقد طعنوا في إمارة أبيه. وأيم الله إن كان لخليقاً للإمارة،) وإن كان من أحب الناس إلي. وإن ابنه هذا لمن أحب الناس إلي بعده. متفق على صحته. قال شيبان، عن قتادة: جميع غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وسراياه: ثلاث وأربعون. ثم دخل شهر ربيع الأول. وبدخوله تكملت عشر سنين من التاريخ للهجرة النبوية. والحمد الله وحده. (2/714)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 5 (أحداث سنة إحدى عشر) 5 (خلافة أبي بكر رضي الله عنه) قال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وأبو بكر بالسنح، فقال عمر: والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عمر: والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك، وليبعثه الله فيقطع أيدي رجال وأرجلهم، فجاء أبو بكر الصديق فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله، وقال: بأبي أنت وأمي، طبت حياً وميتاً، والذي نفسي بيده لا يذيقك الله موتتين أبداً، ثم خرج فقال: أيها الحالف على رسلك، فلما تكلم أبو بكر جلس عمر، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وقال: إنك ميت وإنهم ميتون. وقال: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم. الآية، فنشج الناس يبكون، واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فقالوا: منا أمير ومنكم أمير، فذهب إليهم (3/5)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 6 أبو بكر وعمر وأبو عبيدة، فذهب عمر يتكلم فسكته أبو بكر، فكان عمر يقول: والله ما أردت بذلك إلا أني هيأت كلاماً قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر، فتكلم فأبلغ، فقال في كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، فقال الحباب بن المنذر: لا والله لا نفعل أبداً، منا أمير ومنكم أمير. فقال أبو بكر: لا، ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء، قريش أوسط العرب داراً وأعزهم أحساباً فبايعوا عمر بن الخطاب أو أبو عبيدة، فقال عمر: بل نبايعك، أنت خيرنا وسيدنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس. فقال قائل: قتلتم سعد بن عبادة، فقال عمر: قتله الله. رواه سليمان بن بلال عنه، وهو صحيح السند. وقال مالك، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، أن عمر خطب الناس فقال في خطبته: وقد بلغني أن قائلاً يقول: لو مات عمر بايعت فلاناً فلا يغترن أمرؤ أن يقول: كانت) بيعة أبي بكر فلتة، وليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر، وإنه كان من خيرنا حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، اجتمع المهاجرون، وتخلف علي والزبير في بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتخلف الأنصار في سقيفة بني ساعدة، فقلت: يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار، فانطلقنا نؤمهم، فلقينا رجلان صالحان من الأنصار فقالا: لا عليكم أن لا تأتوهم وأبرموا أمركم، فقلت: والله لنأتينهم، فأتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا هم مجتمعون على رجل (3/6)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 7 مزمل بالثياب، فقلت: من هذا قالوا: سعد بن عبادة مريض، فجلسنا، وقام خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد فنحن الأنصار وكتيبة الإيمان، وأنتم معشر المهاجرين رهط منا، وقد دفت إليكم دافة يريدون أن يختزلونا من أصلنا ويحضنونا من الأمر. قال عمر: فلما سكت أردت أن أتكلم بمقالة قد كانت أعجبتني بين يدي أبي بكر: فقال أبو بكر: على رسلك، وكنت أعرف منه الجد، فكرهت أن أغضبه، وهو كان خيراً مني وأوفق وأوقر، ثم تكلم فوالله ما ترك كلمة أعجبتني إلا قد قالها وأفضل منها حتى سكت، ثم قال: أما بعد: ما ذكرتم من خير فهو فيكم معشر الأنصار، وأنتم أهله وأفضل منه، ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسباً وداراً، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا أيهم شئتم، وأخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجراح، قال: فما كرهت شيئاً مما قاله غيرها. كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر إلا أن تتغير نفسي عند الموت، فقال رجل من الأنصار: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب، منا أمير ومنكم أمير معشر (3/7)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 8 المهاجرين، قال: وكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى خشيت الاختلاف، فقلنا: أبسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون وبايعه الأنصار، ونزوا على سعد بن عبادة، فقال قائل: قتلتم سعداً. فقلت: قتل الله سعداً، قال عمر: فوالله ما وجدنا فيما حضرنا أمراً أوفق من مبايعة أبي بكر، خشينا إن نحن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة، فإما بايعناهم على ما لا نرضى، وإما خالفناهم فيكون فساد. رواه يونس بن يزيد، عن الزهري بطولة، فزاد فيه: قال عمر: فلا يعتزل امرؤ أن يقول: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمت، فإنها قد كانت كذلك إلا أن الله وقى شرها، فمن بايع رجلاً غير مشورة فإنه لا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا. متفق على صحته.) (3/8)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 9 وقال عاصم بن بهدلة، عن زر، عن عبد الله قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير. فأتاهم عمر فقال: يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن أبا بكر قد أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤم الناس قالوا: بلى، قال: فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر قلت يعني في الصلاة فقلت الأنصار: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر. رواه الناس عن زائدة عنه. وقال يزيد بن هارون: أنا العوام بن حوشب، عن إبراهيم التميمي قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى عمر أبا عبيدة فقال: أبسط يدك لأبايعك، فإنك أمين هذه الأمة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو عبيدة لعمر: ما رأيت لك فهة قبلها منذ أسلمت، أتبايعني وفيكم الصديق وثاني اثنين. وروى نحوه عن مسلم البطين عن أبي البختري. وقال ابن عون، عن ابن سيرين، قال أبو بكر لعمر: ابسط يدك نبايع لك، فقال عمر: أنت أفضل مني، فقال أبو بكر: أنت أقوى مني، قال: إن قوتي لك مع فضلك. وقال يحيى بن سعيد الأنصاري، عن القاسم، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي اجتمعت الأنصار إلى سعد، فأتاهم أبو بكر وجماعة، فقام الحباب بن 1 (3/9)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 10 المنذر، وكان بدرياً فقال: منا أمير ومنكم أمير. وقالت وهيب: ثنا داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قام طباء الأنصار، فجعل منهم من يقول: يا معشر المهاجرين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استعمل رجلاً منكم قرن معه رجلاً منا، فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان منا ومنكم، قال: وتتابعت خطباء الأنصار على ذلك، فقام زيد بن ثابت فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين، وإنما يكون الإمام من المهاجرين، ونحن أنصاره، كما كنا أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام أبو بكر فقال: جزاكم الله خيراً من حي يا معشر الأنصار وثبت قائلكم، أم والله لو فعلتم غير ذلك لما صالحناكم، ثم أخذ زيد بيد أبي بكر فقال: هذا صاحبكم فبايعوه، قال: فلما قعد أبو بكر على المنبر نظر في وجوه القوم فلم ير علياً، فسأل عنه، فقام ناس من الأنصار فأتوا به. فقال أبو بكر: ابن عم رسول الله وختنه أردت أن تشق عصا المسلمين فقال: لا تثريب يا خلفية رسول الله صلى الله عليه) وسلم، فبايعه، ثم لم ير الزبير، فسأل عنه حتى جاؤا به، فقال: ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريه أردت أن تشق عصا المسلمين فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله، فبايعه. روى منه أحمد في: مسنده إلى قوله لما صالحناكم عن 1 (3/10)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 11 عفان عن وهيب، ورواه بتمامه ثقة، عن عفان. وقال الزهري عن عبيد الله، عن ابن عباس، قال عمر في خطبته: وإن علياً والزبير ومن معهما تخلفوا عنا، وتخلفت الأنصار عنا بأسرها، فاجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فبينما نحن في منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ رجل ينادي من وراء الجدار: أخرج يا ابن الخطاب، فخرجت فقال: إن الأنصار قد اجتمعوا فأدركوهم قبل أن يحدثوا أمراً يكون بيننا وبينهم فيه حرب، وقال في الحديث: وتابعه المهاجرون والأنصار فنزونا على سعد بن عبادة، فقال قائل: قتلتم سعداً، قال عمر: فقلت وأنا مغضب: قتل الله سعداً فإنه صاحب فتنة وشر. وهذا من حديث جويرية بن أسماء، عن مالك، وروى مثله الزبير بن بكار، عن ابن عيينة، عن الزهري. وقال أبو بكر الهذلي عن الحسن، عن قيس بن عباد، وابن 1 (3/11)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 12 الكواء، أن علياً رضي الله عنه ذكر مسيره وبيعة المهاجرين أبا بكر فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت فجأة، مرض ليالي، يأتيه بلال فيؤذنه بالصلاة فيقوا: مروا أبا بكر بالصلاة، فأرادت امرأة من نسائه أن تصرفه إلى غيره فغضب وقال: إنكن صواحب يوسف، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم اخترنا واختار المهاجرون والمسلمون لدنياهم من اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم لدينهم، وكانت الصلاة عظم الأمر وقوام الدين. وقال الوليد بن مسلم: فحدثني محمد بن حرب، نا الزبيدي، حدثني الزهري، عن أنس أنه سمع خطبة عمر الآخرة قال: حين جلس أبو بكر عل منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم غداً من متوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتشهد عمر، ثم قال: أما بعد: فإني قلت لكم أمس مقالة، وإنها لم تكن كما قلت، وما وجدت المقالة التي قلت لكم في كتاب الله ولا في عهد عهده رسول الله، ولكن رجوت أنه يعيش حتى يدبرنا يقول حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم) آخرنا فاختار الله لرسوله ما عنده على الذي عندكم، فإن يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات، فإن الله قد جعل بين أظهركم كتابه الذي هدى به محمداً، فاعتصموا به تهتدوا بما هدي به محمد صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر أبا بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثاني اثنين وأنه أحق الناس بأمرهم، فقوموا فبايعوه، وكان طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة، وكانت البيعة على المنبر بيعة العامة. صحيح غريب. وقال موسى بن عقبة، عن سعد بن إبراهيم، حدثني أبي أن أباه عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر، وأن محمد بن مسلمة كسر سيف 1 (3/12)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 13 الزبير، ثم خطب أبو بكر واعتذر إلى الناس وقال: والله ما كنت حريصاً على الإمارة يوماً ولا ليلة ولا سألتها الله في سر ولا علانية، فقبل المهاجرون مقالته. وقال علي والزبير: ما غضبنا إلا لأنا أخرنا عن المشاورة، وإنا نرى أبا بكر أحق الناس بها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لصاحب الغار وإنا لنعرف شرفه وخيره، ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالناس وهو حي. وقد قيل إن علياً رضي الله عنه تمادى عن المبايعة مدة: فقال يونس ابن بكير، عن ابن إسحاق، حدثني صالح بن كيسان، عن عروة، عن عائشة قالت: لما توفيت فاطمة بعد أبيها بستة أشهر اجتمع إلى علي أهل بيته، فبعثوا إلى أبي بكر: ائتنا، فقال عمر: لا والله لا تأتيهم، فقال أبو بكر: والله لآتينهم، وما تخاف علي منهم فجاءهم حتى دخل عليهم فحمد الله ثم قال: إني قد عرفت رأيكم، قد وجدتم علي في أنفسكم من هذه الصدقات التي وليت عليكم، ووالله ما صنعت ذلك إلا أني لم أكن أريد أن أكل شيئاً من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت أرى أثره فيه وعمله إلى غيري حتى أسلك به سبيله وأنفذه فيما جعله الله، والله لأن أصلكم أحب إلي من أن أصل أهل قرابتي لقرابتكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعظيم حقه. ثم تشهد علي وقال: يا أبا بكر والله ما نفسنا عليك خيراً جعله الله لك أن لا تكون أهلاً لما أسند إليك، ولكنا من الأمر حيث علمت فتفوت به علينا، فوجدنا في أنفسنا، وقد رأيت أن أبايع وأدخل فيما دخل فيه الناس، وإذا كانت العشية فصل بالناس الظهر، واجلس على المنبر حتى آتيك فأبايعك، فلما صلى أبا بكر الظهر ركب المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر الذي كان من 1 (3/13)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 14 أمر علي، وما دخل فيه من أمر الجماعة والبيعة، وها هوذا فاسمعوا منه، فقام علي فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر أبا بكر وفضله وسنه، وأنه أهل لما ساق الله إليه من الخير، ثم قام) إلى أبي بكر فبايعه. أخرجه البخاري من حديث عقيل عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، وفيه: وكان لعلي من الناس وجه، حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته. 2 (قصة الأسود العنبسي) قال سيف بن عمر التميمي: ثنا المستنير بن يزيد النخعي، عن عروة ابن غزية، عن الضحاك بن فيروز الديلميي، عن أبيه قال: أول ردة كانت في 1 (3/14)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 15 الإسلام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على يد عبهلة بن كعب، وهو الأسود في عامة مذحج: خرج بعد حجة الوداع، وكان شعباذاً يريهم الأعاجيب، ويسبي قلوب من يستمع منطقه، فوثب هو ومذحج بنجران إلى أن صار إلى صنعاء فأخذها، ولحق بفروة من تم على إسلامه، لم يكاتب الأسود رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه لم يكن معه أحد يشاغبه، وصفا له ملك اليمن. فروى سيف، عن سهل بن يوسف، عن أبيه، عن عبيد بن صخر قال: بينما نحن بالجند قد أقمناهم على ما ينبغي، وكتبنا بيننا وبينهم الكتب، إذ جاءنا كتاب من الأسود أن أمسكوا علينا ما أخذتم من أرضنا، ووفروا ما جمعتم فنحن أولى به، وأنتم على ما أنتم عليه، فبينا نحن ننظر في أمرنا إذ قيل هذا الأسود بشعوب، وقد خرج إليه شهر بن باذام، ثم 1 (3/15)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 16 أتانا الخبر أنه قتل شهراً وهزم الأبناء، وغلب على صنعاء بعد نيف وعشرين ليلة، وخرج معاذ هارباً حتى مر بأبي موسى الأشعري بمأرب، فاقتحمنا حضرموت. وغلب الأسود على ما بين أعمال الطائف إلى البحرين وغير ذلك، وجعل يستطير استطارة الحريق، وكان معه سبعمائة فارس يوم لقي شهراً، وكان قواده: قيس بن عبد يغوث، ويزيد بن مخزوم، وفلان، وفلان، واستغلظ أمره وغلب على أكثر اليمن، وارتد معه خلق، وعامله المسلمون بالتقية، وكان خليفته في مذحج عمرو بن معد يكرب، وأسند أمر جنده إلى قيس بن عبد يغوث، وأمر الانباء إلى فيروز الديلمي، وداذويه، فلما أثخن في الأرض استخف بهؤلاء، وتزوج امرأة شهر، وهي بنت عم فيروز، قال: فبينا نحن كذلك بحضرموت ولا نأمن أن يسير إلينا الأسود، وقد تزوج معاذ في السكون، إذ جاءتنا كتب النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا فيها أن نبعث الرجال لمجاولته ومصاولته، فقام معاذ في ذلك، فعرفنا القوة ووثقنا بالنصر. وقال سيف: فحدثنا المستنير، عن عروة، عن الضحاك بن فيروز، عن جشنس ابن الديلمي) قال: قدم علينا وبر بن يحنس بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم 1 (3/16)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 17 فأمرنا فيه بالنهوض في أمر الأسود فرأينا أمراً كثيفاً، ورأينا الأسود قد تغير لقيس بن عبد يغوث، فأخبرنا قيساً وأبلغناه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكأنما وقعنا عليه من السماء فأجابنا، وجاء وبر وكاتبنا الناس ودعوناهم، فأخبر الأسود شيطانه فأرسل إلى قيس فقال: ما يقول الملك يقول: عمدت إلى قيس فأكرمته، حتى إذا دخل منك كل مدخل مال ميل عدوك، فحلف له وتنصل، فقال: أتكذب الملك قد صدق وعرفت أنك تائب، قال: فأتانا قيس وأخبرنا فقلنا: كمن على حذر، وأرسل إلينا الأسود: ألم أشرفكم على قومكم، ألم يبلغني عنكم فقلنا: أقلنا مرتنا هذه، فقال: فلا يبلغني عنكم فأقتلكم، فنجونا ولم نكد، وهو في ارتياب من أمرنا، قال: فكاتبنا عامر بن شهر، وذو الكلاع، وذو ظليم، فأمرناهم أن لا يتحركوا بشيء، قال: فدخلت على امرأته آذاد فقلت: يا بنة عم قد عرفت بلاء هذا الرجل، وقتل زوجك وقومك وفضح النساء، فهل من ممالأة عليه قالت: ما خلق الله أبغض إلي من منه، ما يقوم على حق ولا ينتهي عن حرمة، فخرجت فإذا فيروز وداذويه ينتظراني، وجاء قيس ونحن نريد أن نناهضه، فقال له رجل قبل أن يجلس: الملك يدعوك، فدخل في عشرة فلم يقدر على قتله، وقال يا عبهلة أمني تتحصن بالرجال، ألم أخبرك الحق وتخبرني الكذب، ترد قتلي فقال: كيف وأنت رسول الله فمرني بما أحببت، فأما الخوف والفزع فأنا فيهما فاقتلني وارحمني، فرق له وأخرجه، فخرج علينا وقال: 1 (3/17)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 18 اعملوا عملكم، وخرج علينا الأسود في جمع، فقمنا له، وبالباب مائة بقرة وبعير فنحرها، ثم قال: أحق ما بلغني عنك يا فيروز لقد هممت بقتلك، فقال: اخترتنا لصهرك وفضلتنا على الأبناء، وقد جمع لنا أمر آخرة ودنيا، فلا تقبلن علينا أمثال ما يبلغك. فقال: اقسم هذه، فجعلت آمر للرهط بالجزور، ثم اجتمع بالمرأة فقالت: هو متحرز، والحرس محيطون بالقصر سوى هذا الباب فانقبوا عليه، وهيأت لنا سراجاً، وخرجت، فتلقاني الأسود خارجاً من القصر فقال: ما أدخلك ووجأ رأسي فسقطت، فصاحت المرأة وقالت: ابن عمي زارني، فقال: اسكتي لا أبالك فقد وهبته لك، فأتيت أصحابي وقلت: النجاء، وأخبرتهم الخبر، فأنا على ذلك إذ جاءني رسولها: لا تدعن ما فارقتك عليه. فقلنا لفيروز: ائتها وأتقن أمرنا، وجئنا بالليل ودخلنا، فإذا السراج تحت جفنة، فاتقيا بفيروز، وكان أنجدنا، فلما دنا من البيت سمع غطيطاً شديداً، وإذا المرأة جالسة. فلما قام فيروز على الباب أجلس الأسود شيطانه وكلمه فقال أيضاً: فما لي ولك) يا فيروز، فخشي إن رجع أن يهلك هو والمرأة، فعالجه وخالطه وهو مثل الجمل، فأخذ برأسه فدق عنقه وقتله، ثم قام ليخرج فأخذت المرأة بثوبه تناشده، فقال: أخبر أصحابي بقتله، فأتانا فقمنا معه، فأردنا حز رأسه فحركه الشيطان واضطرب، فلم يضبطه فقال: اجلسوا على صدره، فجلس اثنان وأخذت المرأة بشعره، وسمعنا بربرة فألجمته بملاءة، 1 (3/18)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 19 وأمر الشفرة على حلقه، فخار كأشد خوار ثور، فابتدر الحرس الباب: ما هذا ما هذا قالت: النبي يوحي إليه، قال: وسمرنا ليلتنا كيف نخبر أشياعنا، فأجمعنا على النداء بشعارنا ثم بالأذان، فلما طلع الفجر نادى داذويه بالشعار، ففزع المسلمون والكافرون، واجتمع الحرس فأحاطوا بنا، ثم ناديت بالآذان، وتوافت خيولهم إلى الحرس، فناديتهم: أشهد أن محمداً رسول الله، وأن عبهلة كذاب، وألقينا إليهم الرأس، وأقام وبر الصلاة، وشنها القوم غارة، ونادينا: يا أهل صنعاء من دخل عليه داخل فتعلقوا به، فكثر النهب والسبي، وخلصت صنعاء والجند، وأعز الله الإسلام، وتنافسنا الإمارة، وتراجع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاصطلحنا على معاذ بن جبل، فكان يصلي بنا، وكتبنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم الخبر فقدمت رسلنا، وقد قبض النبي صلى الله عليه وسلم صبيحتئذ فأجابنا أبو بكر عنه. وروى الواقدي عن رجاله قال: بعث أبو بكر قيس بن مكشوح إلى اليمن، فقتل الأسود العنسي، هو وفيروز الديلمي. ولقيس هذا أخبار، وقد ارتد، ثم أسره المسلمون فعفا عنه أبو بكر، وقتل مع علي بصفين. 2 (جيش أسامة بن يزيد) قال هشام بن عروة، عن أبيه قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه: أنفذوا جيش أسامة، فسار حتى بلغ الجرف، فأرسلت إليه امرأته فاطمة بنت قيس تقول: لا تعجل فإن رسول الله ثقيل، فلما يبرح حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قبض رجع إلى أبي بكر فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني وأنا على غير حالكم هذه، وأنا أتخوف أن تكفر العرب، وإن كفرت كانوا أول من يقاتل، وإن لم تكفر مضيت، فإن معي سروات الناس 2 (3/19)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 20 وخيارهم، قال: فخطب أبو بكر الناس، ثم قال: والله لأن تختطفني الطير أحب إلي من أن أبدأ بشيء قبل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فبعثه أبو بكر، واستأذن لعمر أن يتركه عنده، وأمر أن لا يجزر في القوم، أن يقطع الأيدي، والأرجل والأوساط في القتال، قال: فمضى حتى أغار، ثم رجعوا وقد غنموا وسلموا. فكان عمر يقول: ما كنت لأحيي أحداً بالإمارة غير أسامة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وهو أمير، قال: فسار، فلما دنوا من الشام أصابتهم ضبابة شديدة فسترتهم، حتى أغاروا وأصابوا حاجتهم، قال: فقدم بنعي رسول الله صلى الله عليه وسلم على هرقل وإغارة أسامة في ناحية أرضه خبراً واحداً، فقالت الروم: ما بال هؤلاء يموت صاحبها ثم أغاروا على أرضنا. وعن الزهري قال: سار أسامة في ربيع الأول حتى بلغ أرض الشام وانصرف، فكان مسيره ذاهباً وقافلاً أربعين يوماً. وقيل كان ابن عشرين سنة. وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: فلما فرغوا من البيعة، واطمأن الناس قال أبو بكر لأسامة بن زيد: إمض لوجهك. فكلمه رجال من المهاجرين والأنصار وقالوا: أمسك أسامة وبعثه فإنا نخشى أن تميل علينا العرب إذا سمعوا بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أنا أحبس جيشاً بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد اجترأت على أمر عظيم، والذي نفسي بيده لأن تميل علي العرب أحب إلي من أن أحبس جيشاً بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، إمض يا 2 (3/20)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 21 أسامة في جيشك للوجه الذي أمرت به، ثم اغز حيث أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم من ناحية فلسطين، وعلى أهل مؤته، فإن الله سيكفي ما تركت، ولكن) إن رأيت أن تأذن لعمر فأستشيره وأستعين به فافعل، ففعل أسامة. ورجع عامة العرب عن دينهم وعامة أهل المشرق وغطفان وأسد وعامة أشجع، وتمسكت طيء بالإسلام. 2 (أبي بكر وفاطمة رضي الله عنهما) قال الزهري، عن عروة، عن عائشة أن فاطمة سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله مما أفاء الله عليه، فقال لها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث ما تركنا صدقة فغضبت وهجرت أبا بكر حتى توفيت. وأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهن مما أفاء الله على رسوله، حتى كنت أنا رددتهن فقلت لهم: ألا تتقين الله ألم تسمعن من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد في هذا المال. 2 (3/21)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 22 وقال أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يقتسم ورثتي ديناراً، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤونة عاملي فهو صدقة. وقال محمد بن السائب وهو متروك عن أبي صالح مولى أم 2 (3/22)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 23 هانئ، إن فاطمة دخلت على أبي بكر فقالت: يا أبا بكر أرأيت لو مت اليوم من كان يرثك قال: أهلي وولدي، فقالت: مالك ترث رسول الله صلى الله عليه وسلم من دون أهله وولده فقال: ما فعلت يا بنت رسول الله. قالت: بلى قد عمدت إلى فدك وكانت صافية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذتها، وعمدت إلى ما أنزل الله من السماء فرفعته منا، فقال: لم أفعل، حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطعم النبي الطعمة ما كان حياً فإذا قبضه رفعها، فقالت: أنت ورسول الله أعلم، ما أنا بسائلتك بعد مجلسي هذا. ابن فضيل، عن الوليد بن جميع، عن أبي الطفيل قال: لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت فاطمة إلى أبي بكر: أنت وريث رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أهله فقال: لا بل أهله، قالت: فأين سهمه قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله إذ أطعم نبياً طعمة ثم قبضه جعلها للذي يقوم من بعده. فرأيت أن أرده على المسلمين، قالت: أنت وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه أحمد في مسنده، وهو منكر، وأنكر ما فيه قوله: لا، بل أهله. 2 (3/23)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 24 وقال الوليد بن مسلم، وعمر بن عبد الواحد: ثنا صدقة أبو معاوية، عن محمد بن عبد الله بن) محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، عن يزيد الرقاشي، عن أنس أن فاطمة أتت أبا بكر فقالت: قد علمت الذي خلفنا عنه من الصدقات أهل البيت. ثم قرأت عليه واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول إلى آخر الآية، فقال لها: بأبي وأمي أنت ووالدك وولدك، وعلي السمع والبصر كتاب الله وحق رسوله وحق قرابته، وأنا أقرأ من كتاب الله مثل الذي تقرئين، ولا يبلغ علمي فيه أن أرى لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا السهم كله من الخمس يجري بجماعته عليهم، قالت: أفلك هو ولقرابتك قال: لا، وأنت عندي أمينة مصدقة، فإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليك في ذلك عهداً ووعدك وعداً أوجبه لك حقاً وسلمته إليك، قالت: لا، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل عليه في ذلك قال: أبشروا آل محمد فقد جاءكم الغنى. فقال أبو بكر: صدقت فلك الغنى، ولم يبلغ علمي فيه ولا بهذه الآية أن يسلم هذا السهم كله كاملاً، ولكن لكم الغنى الذي يغنيكم، ويفضل عنكم، فانظري هل يوافقك على ذلك أحد منهم، فانصرفت إلى عمر فذكرت له كما ذكرت لأبي بكر، فقال لها مثل الذي راجعها به أبو بكر، فعجبت وظنت أنهما قد تذاكرا ذلك واجتمعا عليه. وبالإسناد إلى محمد بن عبد الله من دون ذكر الوليد بن مسلم قال: حدثني الزهري قال: حدثني من سمع ابن عباس يقول: كان عمر عرض علينا أن يعطينا من الفيء بحق ما يرى أنه لنا من الحق، فرغبنا عن ذلك 2 (3/24)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 25 وقلنا: لنا ما سمى الله من حق ذي القربى، وهو خمس الخمس، فقال عمر: ليس لكم ما تدعون أنه لكم حق، إنما جعل الله الخمس لأصناف سماهم، فأسعدهم فيه حظاً أشدهم فاقة وأكثرهم عيالاً، قال: فكان عمر يعطي من قبل منا من الخمس والفيء نحو ما يرى أنه لنا، فأخذ ذلك منا ناس وتركه ناس. وذكر الزهري أن مالك بن أوس بن الحدثان النصري قال: كنت عند عمر، فقال لي: يا مالك إنه قدم علينا من قومك أهل أبيات وقد أمرت فيهم برضخ فاقسمه بينهم، قلت: لو أمرت به غيري، قال: اقبضه أيها المرء، قال: وأتاه حاجبه يرفأ فقال: هل لك في عثمان، والزبير، وعبد الرحمن، وسعد يستأذنون قال: نعم، فدخلوا وسلموا وجلسوا، ثم لبث يرفأ قليلاً، ثم قال لمعمر: هل لك في علي والعباس قال العم: فلما دخلا سلما فجلسا فقال عباس يا أمير المؤمنين اقض يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا الظالم الفاجر الغادر الخائن، فاستبا، فقال عثمان) وغيره: يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر، فقال: أنشدكما بالله هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث ما تركناه صدقة قالا: قد قال ذلك، قال: فإني أحدثكم عن هذا الأمر: إن الله كان قد خص رسوله في هذا الفيء بشيء لم يعطه غيره، فقال تعالى: وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء، فكانت هذه خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم والله ما احتازها دونكم ولا استأثر 2 (3/25)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 26 بها عليكم، لقد أعطاكموها وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال، ثم يجعل ما بقي مجعل مال الله، أنشدكم بالله هل تعلمون ذلك، قالوا: نعم، ثم توفى الله نبيه، فقال أبو بكر: أنا ولي رسول الله، فقبضها وعمل فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، وأنتما تزعمان أن أبا بكر فيها كاذب فاجر غادر، والله يعلم أنه فيها لصادق بار راشد، ثم توفاه الله فقلت: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وولي أبي بكر، فقبضتها سنتين من إمارتي، أعمل فيها بعمله، وأنتم حينئذ تشهدون، وأقبل علي علي وعباس يزعمون أني فيها فاجر كاذب، والله يعلم أني فيها لصادق بار راشد تابع للحق، ثم جئتماني وكلمتكما واحدة وأمركما جميع، فجئتني تسألني عن نصيبك من ابن أخيك، وجاءني هذا يسألني عن نصيب امرأته من أبيها، فقلت لكما: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث ما تركناه صدقة، فلما بدا لي أن أدفعها إليكما قلت: إن شئتما دفعتها إليكما على أن عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما عمل فيها أبو بكر، وإلا فلا تكلماني، فقلتما: ادفعها إلينا بذلك، فدفعتها إليكما أنشدكم بالله هل دفعتها إليهما بذلك قال الرهط: نعم، فأقبل على علي وعباس فقال: أنشدكما بالله هل دفعتها إليكما بذلك قالا: نعم، قال: أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك فوالذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها غير ذلك حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما عنها فادفعاها إلي أكفيكماها. 2 (3/26)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 27 وقال الزهري: حدثني الأعرج أنه سمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: والذي نفسي بيده لا يقتسم ورثتي شيئاً مما تركت، ما تركنا صدقة فكانت هذه الصدقة بيد علي غلب عليها العباس، وكانت فيها خصومتهما، فأبى عمر أن يقسمها بينهما حتى أعرض عنها عباس فغلبه عليها علي، ثم كانت على يدي الحسن، ثم كانت بيد الحسين،) ثم بيد علي ابن الحسين والحسن بن الحسن، كلاهما يتداولانها، ثم بيد زيد، وهي صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً. 2 (خبر الردة) لما اشتهرت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بالنواحي، ارتدت طوائف كثيرة من العرب عن الإسلام ومنعوا الزكاة، فنهض أبو بكر الصديق رضي الله عنه لقتالهم، فأشار عليه عمر وغيره أن يفتر عن قتالهم. فقال: والله لو منعوني عقالاً أو عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها، فقال عمر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فمن قالها عصم مني ماله ودمه إلا بحقها وحسابه على الله، فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال وقد قال: إلا بحقها فقال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق، فعن 2 (3/27)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 28 عروة وغيره قال: فخرج أبو بكر في المهاجرين والأنصار حتى بلغ نقعاً حذاء نجد، وهربت الأعراب بذراريهم، فكلم الناس أبا بكر وقالوا: ارجع إلى المدينة وإلى الذرية والنساء وأمر رجلاً على الجيش، ولم يزالوا به حتى رجع وأمر خالد بن الوليد، وقال له: إذا أسملوا وأعطوا الصدقة فمن شاء منكم فليرجع، ورجع أبو بكر إلى المدينة. وقال غيره: كان مسيره في جمادى الآخرة فبلغ ذا القصة، وهي على بريدين وأميال من ناحية طريق العراق، واستخلف على المدينة سناناً الضمري، وعلى حفظ أنقاب المدينة عبد الله بن مسعود. وقال ابن لهيعة: أنا أسامة بن زيد عن الزهري، عن حنظلة بن علي الليثي أن أبا بكر بعث خالداً، وأمره أن يقاتل الناس على خمس، من ترك واحدة منهن قاتله كما يقاتل من ترك الخمس جميعاً: على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت. وقال عروة، عن عائشة: لو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضها، أشرأب النفاق بالمدينة وارتدت العرب، فوالله ما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بحظها من الإسلام. وعن يزيد بن رومان أن الناس قالوا له: إنك لا تصنع بالمسير بنفسك شيئاً، ولا تدري لمن) تقصد، فأمر من تثق به وارجع إلى المدينة، فإنك 2 (3/28)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 29 تركت بها النفاق يغلي، فعقد لخالد على الناس، وأمر على الأنصار خاصة ثابت بن قيس بن شماس، وأمر خالداً أن يصمد لطليحة الأسدي. وعن الزهري قال: سار خالد بن الوليد من ذي القصة في ألفين وسبعمائة إلى ثلاثة آلاف، يريد طليحة، ووجه عكاشة بن محصن الأسدي حليف بني شمس، وثابت بن أقرم الأنصاري رضي الله عنهما فانتهوا إلى قطن فصادفوا فيها حبالاً متوجهاً إلى طليحة بثقله، فقتلوه وأخذوا ما معه، فسار وراءهم طليحة وأخوه سلمة فقتلا عكاشة وثابتاً. وقال الوليد الموقري، عن الزهري قال: فسار خالد لقتال طليحة الكذاب فهزمه الله، وكان قد بايع عيينة بن حصن، فلما رأى طليحة كثرة انهزام أصحابه قال: ما يهزمكم فقال رجل: أنا أحدثك، ليس منا رجل إلا وهو يحب أن يموت صاحبه قبله، وإنا نلقى قوماً كلهم يحب أن يموت قبل صاحبه، وكان طليحة رجلاً شديد البأس في القتال، فقتل طليحة يومئذ عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم، وقال طليحة: (عشية غادرت ابن أقرم ثاوياً.......... وعكاشة الغنمي تحت مجالي) (أقمت لهم صدر الحمالة إنها.......... معاودة قبل الكماة نزالي) (فيوماً تراها في الجلال مصونة.......... ويوماً تراها في ظلال عوال) 3 (3/29)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 30 (فما ظنكم بالقوم إذ تقتلونهم.......... أليسوا وإن لم يسلموا برجال) (فإن تك أذواد أصبن ونسوة.......... فلم ترهبوا فرغاً بقتل حبال) فلما غلب الحق طليحة ترجل. ثم أسلم وأهل بعمرة، فركب يسير في الناس آمناً، حتى مر بأبي بكر بالمدينة، ثم سار إلى مكة فقضى عمرته، ثم حسن إسلامه. وفي غير هذه الرواية أن خالداً لقي طليحة ببزاخة، ومع طليحة عيينة بن حصن، وقرة بن هبيرة القشيري، فاقتتلوا قتالاً شديداً، ثم هرب طليحة وأسر عيينة وقرة، وبعث هما إلى أبي بكر فحقن دماءهما. وذكر أن قيس بن مكشوح أحد من قتل الأسود العنسي أرتد. وتابعه جماعة من أصحاب الأسود، وخافه أهل صنعاء، وأتى قيس إلى فيروز الديلمي وداذويه يستشيرهما في شأن أصحاب الأسود خديعة منه، فاطمأنا إليه، وصنع لهما من الغد طعاماً، فأتاه داذويه فقتله. ثم) أتاه فيروز ففطن بالأمر فهرب، ولقيه جشيش بن شهر ومضى معه إلى جبال خولان، وملك 3 (3/30)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 31 قيس صنعاء، فكتب فيروز إلى أبي بكر يستمده، فأمده، فلقوا قيساً فهزموه ثم أسروه وحملوه إلى أبي بكر فوبخه: فأنكر الردة: فعفا عنه أبو بكر. وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: فسار خالد وكان سيفاً من سيوف الله تعالى فأسرع السير حتى نزل ببزاخة، وبعثت إليه طيء: إن شئت أن تقدم علينا فإنا سامعون مطيعون، وإن شئت، نسير إليك قال خالد: بل أنا ظاعن إليكم إن شاء الله، فلم يزل ببزاخة، وجمع له هناك العدو بنو أسد وغطفان فاقتتلوا، حتى قتل من العدو خلق وأسر منهم أسارى، فأمر خالد بالحظر أن تبنى ثم أوقد فيها النيران وألقى الأسارى فيها، ثم ظعن يريد طيئاً، فأقبلت بنو عامر وغطفان والناس مسلمين مقرين بأداء الحق، فقبل منهم خالد. وقتل في ذلك الوجه مالك بن نويرة التميمي في رجال معه من تميم، فقالت الأنصار: نحن راجعون، قد أقرت العرب بالذي كان عليها، فقال خالد ومن معه من المهاجرين: قد لعمري آذن لكم، وقد أجمع أميركم بالمسير إلى مسيلمة بن ثمامة الكذاب، ولا نرى أن تفرقوا على هذه الحال، فإن ذلك غير حسن، وإنه لا حجة لأحد منكم فارق أميره وهو أشد ما كان إليه حاجة، فأبت الأنصار إلا الرجوع، وعزم خالد ومن معه، وتخلطت الأنصار يوماً أو يومين ينظرون في أمرهم، وندموا وقالوا: ما لكم والله عذر عند الله ولا عند أبي بكر إن أصيب هذا الطرف وقد خذلناهم، فأسرعوا نحو خالد ولحقوا به، فسار إلى اليمامة، وكان مجاعة بن مرارة سيد بني حنيفة خرج في ثلاثة وعشرين فارساً يطلب دماء في بني عامر، فأحاط بهم المسلمون، فقتل 3 (3/31)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 32 أصحاب مجاعة وأوثقه. وقال العطاف بن خالد: حدثني أخي عبد الله عن بعض آل عدي، عن وحشي قال: خرجنا حتى أتينا طليحة فهزمهم الله، فقال خالد، لا أرجع حتى آتي مسيلمة حتى يحكم الله بيننا وبينهم، فقال له ثابت بن قيس: إنما بعثنا إلى هؤلاء وقد كفى الله مؤنتهم، فلم يقبل منهم، وسار، ثم تبعه ثابت عد يوم في الأنصار. وقال الثوري، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: لما قدم وفد بزاخة أسد وغطفان على أبي بكر يسألونه الصلح، خيرهم أبو بكر بين حرب مجلية أو حطة مخزية، فقالوا: يا خليفة رسول الله أما الحرب فقد عرفناها، فما الحطة المخزية قال: تؤخذ منكم الحلقة والكراع) وتتركون أقواماً تتبعون أذناب الإبل حتى يري الله خليفة نبيه والمؤمنين أمراً يعذرونكم به، وتؤدون ما أصبتم منا ولا نؤدي ما أصبنا منكم، وتشهدون أن قتلانا في الجنة وأن قتلاكم في النار، وتدون قتلانا ولا ندري قتلاكم، فقال عمر: أما قولك تدون قتلانا فإن قتلانا قتلوا على أمر الله لا ديات لهم. فاتبع عمر، وقال عمر في الباقي: نعم ما رأيت. 2 (مقتل مالك بن نويرة) التميم الحنظلي اليربوعي قال ابن إسحاق: أتى خالد بن الوليد بمالك بن نويرة في رهط من 3 (3/32)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 33 قومه بني حنظلة، فضرب أعناقهم، وسار في أرض تميم، فلما غشوا قوماً منهم أخذوا السلاح وقالوا: نحن مسلمون، فقيل لهم: ضعوا السلاح، فوضعوه، ثم صلى المسلمون وصلوا. فروى سالم بن عبد الله، عن أبيه قال: قدم أبو قتادة الأنصاري على أبي بكر رضي الله عنه فأخبره بقتل مالك بن نويرة وأصحابه، فجزع لذلك، ثم ودى مالكاً ورد السبي والمال. وروي أن مالكاً كان فارساً شجاعاً مطاعاً في قومه وفيه خيلاء، كان يقال له الجفول، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم فولاه صدقة قومه، ثم ارتد، فلما نازله خالد قال: أنا آتي بالصلاة دون الزكاة، فقال: أما علمت أن الصلاة والزكاة معاً لا تقبل واحدة دون الأخرى فقال: قد كان صاحبك يقول ذلك، قال خالد: وما تراه لك صاحباً والله لقد هممت أن أضرب 3 (3/33)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 34 عنقك، ثم تحاورا طويلاً فصمم على قتله: فكلمه أبو قتادة الأنصاري وابن عمر، فكره كلامهما، وقال لضرار بن الأزور: إضرب عنقه، فالتفت مالك إلى زوجته وقال: هذه التي قتلتني، وكانت في غاية الجمال، قال خالد: بل الله قتلك برجوعك عن الإسلام، فقال: أنا على الإسلام، فقال: إضرب عنقه، فضرب عنقه وجعل رأسه أحد أثافي قدر طبخ فيها طعام، ثم تزوج خالد بالمرأة، فقال أبو زهير السعدي من أبيات: (قضى خالد بغياً عليه لعرسه.......... وكان له فيها هوى قبل ذلكا) 3 (3/34)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 35 3 (3/35)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 36 وذكر ابن الأثير في كامله وفي معرفة الصحابة قال: لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب، وظهرت سجاح وادعت النبوة صالحها مالك، ولم تظهر منه ردة، وأقام بالبطاح، فلما فرغ خالد من أسد وغطفان سار إلى مالك وبث سراياه فأتى بمالك. فذكر الحديث، وفيه: فلما قدم خالد قال عمر: يا عدو الله قتلت امرأً مسلماً ثم نزوت على امرأته،) لأرجمنك، وفيه أن أبا قتادة شهد أنهم أذنوا وصلوا. وقال الموقري، عن الزهري قال: وبعث خالد إلى مالك بن نويرة 3 (3/36)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 37 سرية فيهم أبو قتادة، فساروا يومهم سراعاً حتى انتهوا إلى محلة الحي، فخرج مالك في رهطه فقال: من أنتم قالوا: نحن المسلمون فزعم أبو قتادة أنه قال: وأنا عبد الله المسلم قال: فضع السلاح، فوضعه في اثني عشر رجلاً، فلما وضعوا السلاح ربطهم أمير تلك السرية وانطلق بهم أسارى، وسار معهم السبي حتى أتوا بهم خالداً، فحدث أبو قتادة خالداً أن لهم أماناً وأنهم قد ادعوا إسلاماً، وخالف أبا قتادة جماعة السرية فأخبروا خالداً أنه لم يكن لهم أمان، وإنما سيروا قسراً، فأمر بهم خالد فقتلوا وقبض سببهم، فركب أبو قتادة فرسه وسار قبل أبي بكر. فلما قدم عليه قال: تعلم أنه كان لمالك بن نويرة عهد وأنه ادعى إسلاماً، وإني نهيت خالداً فترك قولي وأخذ بشهادات الأعراب الذين يريدون الغنائم، فقام عمر فقال: يا أبا بكر إن في سيف خالد رهقاً، وإن هذا لم يكن حقاً فإن حقاً عليك أن تقيده، فسكت أبو بكر. ومضى خالد قبل اليمامة، وقدم متمم بن نويرة فأنشد أبا بكر مندبة ندب بها أخاه، وناشده في دم أخيه وفي سبيهم، فرد إليه أبو بكر السبي، وقال لعمر وهو يناشد في القود: ليس على خالد ما تقول، هبه تأول فأخطأ. قلت ومن المندبة: (وكنا كندامى جذيمة حقبة .......... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا)

(فلما تفرقنا كأني ومالكاً .......... لطول اجتماع لم نبت ليلة معاً) 3 (3/37)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 38 2 (قتال مسيلمة الكذاب) ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: سار بنا خالد إلى اليمامة إلى مسيلمة، وخرج مسيلمة بمجموعة فنزلوا بعقرباء فحل بها خالد عليهم، وهي طرف اليمامة، وجعلوا الأموال خلفها كلها وريف اليمامة وراء ظهورهم. وقال شرحبيل بن مسيلمة: يا بني حنيفة اليوم يوم الغيرة، اليوم إن هزمتم ستردف النساء سبيات وينكحن غير حظيات، فقاتلوا عن أحسابكم، فاقتتلوا بعقرباء قتالاً شديداً، فجال المسلمون جولة، ودخل ناس من بني خليفة فسطاط خالد وفيه مجاعة أسير، وأم تميم امرأة خالد، فأرادوا أن يقتلوها فقال مجاعة: أنها لها جار، ودفع عنها، وقال ثابت بن قيس حين رأى المسلمين مدبرين: أف لكم ولما تعلمون، وكر المسلمون فهزم الله العدو، ودخل نفر من المسلمين فسطاط خالد فأرادوا قتل مجاعة، فقالت أم تميم: والله لا يقتل وأجارته. وانهزم أعداء الله حتى إذا كانوا عند حديقة الموت اقتتلوا عندها، أشد القتال. وقال محكم بن الطفيل: يا بني حنيفة ادخلوا الحديقة 3 (3/38)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 39 فإني سأمنع أدباركم، فقاتل دونهم ساعة وقتل، وقال مسيلمة: يا قوم قاتلوا عن أحسابكم، فاقتتلوا قتالاً شديداً، حتى قتل مسيلمة. وحدثني مولى بني نوفل. وقال الموقري، عن الزهري: قاتل خالد مسيلمة ومن معه من بني حنيفة، وهم يومئذ أكثر العرب عدداً وأشده شوكة، فاستشهد خلق كثير، وهزم الله بني حنيفة، وقتل مسيلمة، قتله وحشي بحربة. وكان يقال: قتل وحشي خير أهل الأرض بعد رسوله صلى الله عليه وسلم شر أهل الأرض. وعن وحشي قال: لم أر قط أصبر على الموت من أصحاب مسيلمة، ثم ذكر أنه شارك في قتل مسيلمة. وقال ابن عون، عن موسى بن أنس، عن أبيه قال: لما كان يوم اليمامة دخل ثابت بن قيس فتحنط، ثم قام فأتى الصف والناس منهزمون فقال: هكذا عن وجوهنا، فضارب القوم ثم قال: بئسما عودتم أقرانكم، ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشهد رضي الله عنه. وقال الموقري، عن الزهري قال: ثم تحصن من بني حنيفة من أهل اليمامة ستة آلاف مقاتل) في حصنهم، فنزلوا على حكم خالد فاستحياهم. وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: وعمدت بنو حنيفة حين انهزموا إلى الحصون فدخلوها، فأراد خالد أن ينهد إليهم الكتائب، فلم 4 (3/39)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 40 يزل مجاعة حتى صالحه على الصفراء والبيضاء والحلقة والكراع، وعلى نصف الرقيق وعلى حائط من كل قرية، فتقاضوا على ذلك. وقال سلامة بن عمير الحنفي: يا بني حنيفة قاتلوا ولا تقاضوا خالداً على شيء، فإن الحصن حصين، والطعام كثير، وقد حضر النساء، فقال مجاعة: لا تطيعوه فإنه مشؤوم. فأطاعوا مجاعة. ثم أن خالداً دعاهم إلى الإسلام والبراءة مما كانوا عليه، فأسلم سائرهم. وقال ابن إسحاق، إن خالداً قال: يا بني حنيفة ما تقولون قالوا: منا نبي ومنكم نبي، فعرضهم على السيف، يعني العشرين الذين كانوا مع مجاعة بن مرارة، وأوثقه هو في الحديد، ثم التقى الجمعان فقال يزيد بن الخطاب حين كشف الناس: لا نجوت بعد الرجال، ثم قاتل حتى قتل. وقال ابن سيرين: كانوا يرون أن أبا مريم الحنفي قتل زيداً. وقال ابن إسحاق: رمى عبد الرحمن بن أبي بكر محكم اليمامة بن طفيل بسهم فقتله. قلت: واختلفوا في وقعة اليمامة متى كانت: فقال خليفة بن خياط، ومحمد بن جرير الطبري: كانت في سنة إحدى عشرة. قال عبد الباقي بن قانع: كانت في آخر سنة إحدى عشرة. 4 (3/40)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 41 وقال أبو معشر: كانت اليمامة في ربيع الأول سنة اثنتي عشرة. فجميع من قتل يومئذ أربعمائة وخمسون رجلاً. وقال الواقدي: كانت سنة اثنتي عشرة، وكذلك قال أبو نعيم، ومعن ابن عيسى، ومحمد بن سعد كاتب الواقدي وغيرهم. قلت: ولعل مبدأ وقعة اليمامة كان في آخر سنة إحدى عشرة كما قال ابن قانع، ومنتهاها في أوائل سنة اثنتي عشرة، فإنها بقيت أياماً لمكان الحصار. وسأعيد ذكرها والشهداء بها في أول سنة اثنتي عشرة إن شاء الله. 4 (3/41)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 42 4 (3/42)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 43 2 (المتوفون هذه السنة)

2 (فاطمة رضي الله عنها) وهي سيدة نساء هذه الأمة، كنيتها فيما بلغنا أم أبيها، دخل بها علي بعد وقعة بدر، وقد استكملت خمس عشرة سنة أو أكثر. روى عنها: ابنها الحسين، وعائشة، وأم سلمة، وأنس، وغيرهم. وقد ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أسر إليها في مرضه. وقالت لأنس: كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولها مناقب مشهورة ولقد جمعها أبو عبد الله الحاكم. وكانت أصغر من زينب، ورقية، وانقطع نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا منها، لأن أمامة 4 (3/43)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 44 بنت زينب تزوجت بعلي، ثم بعده بالمغيرة بن نوفل، وجاءها منها أولاد. قال الزبير بن بكار: انقرض عقرب زينب. وصح عن المسور أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنما فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها. وفي فاطمة وزوجها وبنيها نزلت: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا فجللهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكساء وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي. وأخرج الترمذي، من حديث عائشة أنها قيل لها: أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: فاطمة من قبل النساء، ومن الرجال زوجها، وإن كان ما علمت قواماً. 4 (3/44)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 45 وفي الترمذي، عن زيد أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي وفاطمة وابنيهما: أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم. وقد أخبرها أبوها أنها سيدة نساء هذه الأمة في مرضه كما تقدم. وخلفت من الأولاد: الحسن، والحسين، وزينب، وأم كلثوم. فأما زينب فتزوجها عبد الله بن جعفر، فتوفيت عنده وولدت له عوناً وعلياً. وأما أم كلوم فتزوجها عمر، فولدت له زيداً، ثم تزوجها بعد قتل عمر عون بن جعفر فمات، ثم تزوجها أخوه محمد بن جعفر، فولدت له بنته، ثم تزوج بها أخوه عبد الله بن جعفر، فماتت عنده. قاله الزهري. وقال الأعمش، عن عون بن مرة، عن أبي البختري قال: قال علي لأمه: إكفي فاطمة الخدمة) خارجاً، وتكفيك العمل في البيت: العجن والخبز والطحن. أبو العباس السراج: ثنا محمد بن الصباح، ثنا على بني هاشم، عن كثير النواء، عن، عمران بن حصين، أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد فاطمة وهي مريضة فقال لها: كيف تجدينك قالت: إني وجعة وإنه ليزيدني أني مالي طعام آكله، قال: يا بنية أما ترضين أن تكوني سيدة العالمين، قالت: فأين مريم قال: تلك سيدة نساء عالمها، وأنت سيدة نساء عالمك، أما والله لقد زوجتك سيداً في الدنيا والآخرة. هذا حديث ضعيف، وأيضاً فقد سقط بين كثير وعمران رجل. 4 (3/45)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 46 وقال علباء بن أحمر، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم، وآسية. رواه أبو داود. وقال أبو جعفر الرازي عن ثابت، عن أنس مثله مرفوعاً ولفظه: خير نساء العالمين أربع. وقال معمر بن قتادة، عن أنس رفعه: حسبك من نساء العالمين أربع وذكرهن. ويروي نحوه من حديث أبي هريرة وغيره. وقال ميسرة بن حبيب، عن المنهال بن عمرو، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة، وكانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبلها ورحب بها كما كانت هي تصنع به، وقد شهت عائشة مشيتها بمشية النبي صلى الله عليه وسلم. وقد كانت وجدت على أبي بكر حين طلبت سهمها من فدك، فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما تركنا صدقة. 4 (3/46)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 47 وقال أبو حمزة السكري، عن ابن أبي خالد، عن الشعبي قال: لما مرضت فاطمة أتاها أبو بكر فاستأذن، فقال علي: يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك، فقالت: أتحب أن آذن له قال: نعم، فأذنت له، فدخل عليها يترضاها وقال: والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله ورسوله ومرضاتكم أهل البيت، ثم ترضاها حتى رضيت. وقال الزهري عن عروة، عن عائشة، أن فاطمة عاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر، ودفنت ليلاً.) وقال الواقدي: هذا أثبت الأقاويل عندنا. وقال: وصلى عليها العباس، ونزل في حفرتها هو علي، والفضل بن العباس. وقال سعيد بن عفير: ماتت ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من رمضان، وهي بنت سبع وعشرين سنة أو نحوها، ودفنت ليلاً. وقال يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث قال: مكثت فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر وهي تذوب. وقال أبو جعفر الباقر: ماتت بعد أبيها بثلاثة أشهر. 4 (3/47)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 48 وروى عن الزهري أنها توفيت بعده بثلاثة أشهر. وروي عن ابن أبي ملكية، عن عائشة قالت: كان بينها وبين أبيها شهران. وهذا غريب. قلت: والصحيح أن سنها أربع وعشرون سنة رضي الله عنها. وقد روي عن أبي جعفر محمد بن علي أنها توفيت بنت ثمان وعشرين سنة، كان مولدها وقريش تبني الكعبة، وغسلها علي. قال قتيبة: نا محمد بن موسى، عن عون بن محمد بن علي بن أبي طالب، عن أمه أم جعفر، وعن عمارة بن مهاجر، عن أم جعفر، أن فاطمة قالت لأسماء بنت عميس: إني أستقبح ما يصنع بالنساء: يطرح على المرأة الثوب فيصفها، فقالت: يا بنت رسول الله ألا أريك شيئاً رأيته بالحبشة فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوباً، فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله، إذا مت فغسليني أنت وعلي، ولا يدخلن علي أحد. فلما توفيت جاءت عائشة تدخل، فقالت أسماء: لا تدخلي، فشكت إلى أبي بكر، فجاء فوقف على الباب فكلم أسماء فقالت: هي أمرتني، قال: فاصنعي ما أمرتك، ثم انصرف. قال ابن عبد البر: فهي أول من غطى نعشها في الإسلام على تلك الصفة. 2 (أم ايمن) مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وحاضنته، ورثها من أبيه، واسمها بركة، من كبار المهاجرات، وقد زارها أبو بكر وعمر بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فبكت، فقال لها أبو بكر: أتبكين ! ما عند الله 4 (3/48)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 49 خير لرسوله. فقالت: ما أبكي لذلك، ولكن أبكي لأن الوحي انقطع عنا من السماء، فهيجتهما، على البكاء.) توفيت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر. وهي أم أسامة بن زيد. ومن مناقب أم أيمن، قال جرير بن حازم: سمعت عثمان بن القاسم يقول: لما هاجرت أم أيمن أمست بدون الروحاء فعطشت وليس معه ماء، فدلي عليها من السماء دلو فشربت، فكانت تقول: ما عطشت بعدها، عطشت ولقد تعرضت للعطش فأصوم في الهواجر فما عطشت. وعن أبي الحويرث أن أم أيمن قالت يوم حنين: سبت الله أقدمكم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اسكتي يا أم أيمن فإنك عثراء اللسان. وذكر الواقي أنها بقيت إلى أول خلافة عثمان. 2 (عبد الله بن أبي بكر الصديق) قيل: إنه أسلم قديماً، ولكن لم يسمع له بمشهد، جرح يوم الطائف، رماه يومئذ بسهم أبو محجن الثقفي، فلم يزل يتألم منه، ثم اندمل الجرح، ثم إنه انتقض عليه. وتوفي في شوال سنة إحدى عشرة، ونزل في حفرته عمر، وطلحة، وعبد الرحمن بن أبي بكر أخوه. ذكره محمد بن جرير وغيره. وقيل هو 5 (3/49)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 50 الذي كان يأتي بالطعام وبأخبار قرش إلى الغار تلك الليالي الثلاث. 2 (عكاشة بن محصن الأسدي) أبو محصن، من السابقين الأولين، دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة في حديث سبقك بها عكاشة وهو أيضاً بدري أحدي، إستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على سرية الغمر فلم يلقوا كيداً. ويروى عن أم قيس بنت محصن قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعكاشة ابن أربع وأربعين سنة. وقتل بعد ذلك بسنة ببزاخة في خلافة أبي بكر سنة اثنتي عشرة، وكان من أجمل الرجال. 5 (3/50)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 51 كذا روي أن بزاخة سنة اثنتي عشرة، والصحيح أنها سنة إحدى عشرة. قتله طليحة الأسدي. وقد أبلى عكاشة يوم بدر بلاءً حسناً، وانكسر في يده سيف، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم عرجوناً أو عوداً فعاد سيفاً، فقاتل به، ثم شهد به المشاهد. روى عنه أبو هريرة وابن عباس. 2 (ثابت بن أقرم بن ثعلبة بن عدي بن عجلان) وبنو العجلان حلفاء بني زيد بن مالك بن عوف. شهد بدراً والمشاهد، سيره خالد بن الوليد مع) عكاشة طليعة على فرسين، فقتلهما طليحة وأخوه. وذكر 5 (3/51)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 52 الواقدي أن قتلهما كان يوم بزاخة سنة اثنتي عشرة، كذا قال. وكان ثابت من سادة الأنصار. 2 (الوليد بن عمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي) أخو أبي عبيدة قتلا بالبطاح مع عمهما خالد في سنة إحدى عشرة، وأبوهما هو الذي سار مع عمرو بن العاص إلى النجاشي، وقصته مشهورة. تأخرت وفاته. 5 (3/52)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 53 (أحداث سنة اثنتي عشرة) 2 (وقعة اليمامة) في أوائلها على الأشهر وقعة اليمامة، وأمير المسلمين خالد بن الوليد، ورأس الكفر مسيلمة الكذاب، فقتله الله. واستشهد خلق من الصحابة. 2 (الوفيات) 2 (أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي) قيل اسمه مهشم، أسلم قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وشهد بدراً وما بعدها، وهاجر الهجرتين إلى الحبشة، فولد له بها محمد بن أبي حذيفة الذي حرض المصريين على قتال عثمان من سهلة بنت سهيل بن عمرو. وعن أبي الزناد قال: دعا أبو حذيفة بن عتبة يوم بدر أباه إلى البراز، فقالت أخته هند بن عتبة، وهي والدة معاوية: (3/53)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 54 (الأحول الأثعل الملعون طائره .......... أبو حذيفة شر الناس في الدين)

(أما شكرت أباً رباك من صغر .......... حتى شببت شباباً غير محجون) قال: وكان أبو حذيفة طويلاً، حسن الوجه، مرادف الأسنان وهو الأثعل وكان أحول، وقتل يوم اليمامة وله ثلاث وخمسون سنة، رضي الله عنه. 2 (سالم مولى أبي حذيفة بن عتبة) قال موسى بن عقبة: هو سالم بن معقل، أصله من إصطخر، والي أبا حذيفة. وإنما أعتقته ثبيتة بنت يعار الأنصارية زوجة أبي حذيفة، وتبناه أبو حذيفة. قال ابن أبي مليكة، عن القاسم بن محمد: إن سهلة بنت سهيل بن عمرو أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهي امرأة أبي حذيفة فقالت: سالم معي، وقد أدرك ما 5 (3/54)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 55 يدرك الرجال، فقال: (أرضعيه فإذا أرضعتيه فقد حرم عليك ما يحرم من ذي المحرم، فعن أم سلمة قالت: أبى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل أحد عليهن بهذا الرضاع، وقلن: إنما هذا رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم خاصة. وعن ابن عمر قال: كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين من مكة حتى قدم المدينة لأنه كان أقرأهم. وقال الواقدي: حثني أفلح بن سعيد، عن ابن كعب القرظي قال: كان سالم يؤم المهاجرين بقباء، فيهم عمر بن الخطاب قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال حنظلة بن أبي سفيان، عن عبد الرحمن بن سابط، عن عائشة قالت: استبطأني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقال: ما حبسك قلت: إني في المسجد لأحسن من سمعت صوتاً بالقرآن، فأخذ رداءه وخرج يسمعه، فإذا هو سالم مولى أبي حذيفة فقال: الحمد لله الذي جعل في أمتي مثلك. إسناده قوي. (3/55)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 56 وقال عبد الله بن نمير، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر: إن المهاجرين نزلوا بالعصبة إلى جنب قباء، فأمهم سالم مولى أبي حذيفة، لأنه كان أكثرهم قرآناً، فيهم عمر، وأبو سلمة بن عبد الأسد. وعن محمد بن إبراهيم التميمي: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سالم مولى أبي حذيفة وأبي عبيدة بن الجراح. في مسند أحمد: نا عفان، نا حماد، عن علي بن زيد، عن أبي رافع، أن عمر قال: من أدرك وفاتي من سبي العرب فهو حر من مال الله، فقال سعيد بن زيد: أما إنك لو أشرت برجل من المسلمين لائتمنك الناس، وقد فعل ذلك أبو بكر وائتمنه الناس، فقال: قد رأيت من أصحابي حرصاً سيئاً، وإني جاعل هذا الأمر إلى هؤلاء النفر السنة، ثم قال: لو أدركني أحد رجلين ثم رجعت إليه الأمر فوثقت به: سالم مولى أبي حذيفة، وأبو عبيدة بن الجراح. 5 (3/56)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 57 وقال عبد الله بن عمرو: قال رول الله صلى الله عليه وسلم: استقرئوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وأبي، ومعاذ، وسالم مولى حذيفة. ومن طريق الواقدي بإسناده، عن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس قال: لما انكشف المسلمون يوم اليمامة قال سالم مولى أبي حذيفة: ما هكذا كنا نفعل مع رسول الله صلى الله) عليه وسلم، فحفر لنفسه حفرة، فقام فيها ومعه راية المهاجرين يومئذ، ثم قاتل حتى قتل شهيداً سنة اثنتي عشرة. وقال عبيد بن أبي الجعد، عن عبد الله بن شداد بن الهاد: إن سالماً باع عمر ميراثه، فبلغ مائتي درهم، فأعطاها أمه فقال: كليها. وقال غيره: وجد سالم ومولاه رأس أحدهما عند رجلي الآخر صريعين. وقد شهد سالم بدراً والمشاهد. 2 (شجاع بن وهب بن ربيعة الأسدي) أبو وهب، مهاجري بدري. 5 (3/57)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 58 كان رجلاً طوالاً نحيفاً أجنى، وقد هاجر إلى الحبشة، يقال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أوس بن خولي. وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم على سرية أربعة وعشرين رجلاً فأصابوا نعماً وشاة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحارث بن أبي سمرة الغساني، بدمشق بالغوطة، فلم يسلم، وأسلم حاجبه مري. وشهد شجاع بدراً والمشاهد، واستشهد باليمامة عن بضع وأربعين سنة. وكان من حلفاء بني عبد شمس. 2 (زيد بن الخطاب بن نفيل العدوي القرشي) أبو عبد الرحمن. كان أسن من عمر، 5 (3/58)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 59 وأسلم قبله. وكان طويلاً بمرة، أسمر، شهد بدراً والمشاهد. قال له عمر يوم أحد. خذ درعي، قال: إني أريد من الشهادة كما تريد، فتركاها. وكان له من لبابة بنت أبي لبابة بن عبد المنذر ولد اسمه عبد الرحمن. وقيل: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين زيد ومعن بن عدي العجلاني، واستشهد باليمامة. وقد روى عاصم بن عبيد الله، عن عبد الحمن بن زيد بن الخطاب، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرقاءكم أرقاءكم أطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون. الحديث. وجاء أن راية المسلمين يوم اليمامة كانت مع زيد، فلم يزل يتقدم بها في نحر العدو، ثم قاتل) حتى قتل، فأخذها سالم مولى أبي حذيفة. وكان زيد يقول ويصيح: اللهم إني أعتذر إليك من فرار أصحابي أبرأ إليك مما جاء به مسيلمة ومحكم بن الطفيل. 6 (3/59)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 60 وقال الواقدي: حدثني عبد الله بن جعفر، عن ابن أبي عون قال: وحدثني عبد العزيز بن الماجشون قالا: قال عمر لمتمم بن نويرة: ما أشد ما لقيت على أخيك من الحزن فقال: كانت عيني هذه قد ذهبت، فبكيت بالصحيحة حتى أسعدتها الذاهبة وجرت بالدمع، فقال: إن هذا لحزن شديد، ثم قال عمر: يرحم الله زيد بن الخطاب إني لأحسب أني لو كنت أقدر على أن أقول الشعر لبكيته كما بكيت أخاك، فقال: لو قتل أخي يوم اليمامة كما فتل زيد ما بكيته أبداً، فأبصر عمر وتعزى عن أخيه، وكان قد حزن عليه حزناً شديداً، وكان يقول: إن الصبا لتهب فتأتيني بريح زيد. قال ابن أبي عون: ما كان عمر يقول من الشعر ولا بيتاً واحداً. وعن عمر أنه كان يقول: أسلم قبلي واستشهد قبلي. وقد روى عنه ابنه، وابن عمر، له عنه النهي عن قتل ذوات البيوت. 6 (3/60)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 61 2 (حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم المخزومي) له هجرة، وقيل أسلم يوم الفتح، وهو جد سعيد بن المسيب، أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يغير اسمه وقال: أنت سهل، فقال: لا أغير اسمي. قتل يوم اليمامة، وقيل يوم بزاخة. 2 (عبد الله بن سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود) القرشي العامري أبو سهيل. استشهد يومئذ وله ثمان وثلاثون سنة. وكان أقبل يوم بدر مع قريش فانحاز إلى المسلمين وشهد بدراً. وقال الواقدي: لما حج أبو بكر لقي أباه بمكة فعزاه به، فقال سهيل: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يشفع الشهيد لسبعين من أهله، فأرجو أن يبدأ بي. وقد كان عبد الله هاجر إلى الحبشة الهجرة الأولى. 6 (3/61)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 62 2 (مالك بن عمرو) حليف بني غنم. مهاجري بدري، استشهد يومئذ. 2 (الطفيل بن عمرو الدوسي الأزدي) كان يسمى ذا القطنتين، وقدم المدينة في خلافة أبي بكر، وغزا اليمامة فاستشهد هو وابنه.) وكان شريفاً شاعراً لبيباً. 6 (3/62)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 63 طول ابن عبد البر ترجمة الطفيل، وساق قصة إسلامه بمكة، وفي آخر الخبر قال: فلما بعث الصديق بعثه إلى مسيلمة قال: خرجت ومعي ابني عمرو فرأيت كأن رأسي حلق وخرج من فمي طائر، وكأن امرأة أدخلتني فرجها، فأولتها حلق رأسي قطعه، وأما الطائر فروحي، وأما المرأة فالأرض أدفن فيها. فاستشهد يوم اليمامة. 2 (يزيد بن رقيش بن رباب الأسدي) شهد بدراً. وقتل يوم اليمامة. 2 (أسماء جماعة آخرين من الشهداء) عبد الله بن مخزمة، السائب بن عثمان بن مظعون، وممن استشهد يومئذ: الحكم بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي، والسائب بن عثمان بن مظعون وهو شاب أصابه سهم، ويزيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد الأنصاري أخو زيد بن ثابت. ومخرمة بن شريح الحضرمي حليف بني عبد شمس، وجبير بن مالك، وأمه بحينة وهو أخو عبد الله بن 6 (3/63)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 64 مالك من الأزد، وهم حلفاء بني المطلب بن عبد مناف، والسائب بن العوام ابن خويلد الأسدي أخو الزبير، ووهب بن حزن بن أبي وهب المخزومي عم سعيد بن المسيب، وأخوه حكيم، وأخوهما عبد الرحمن بن حزن، وأبوهم وقد ذكر، وعامر بن البكير الليثي حليف بني عدي، وهو أحد من شهد بدراً، ومالك بن ربيعة حليف بني عبد شمس، وأبو أمية صفوان بن أمية بن عمرو، وأخوه مالك المتقدم، ويزيد بن أوس حليف بني عبد الدار، وحيي وقيل معلى بن جارية الثقفي، وحبيب بن أسيد بن جارية الثقفي، والوليد بن عبد شمس بن المغيرة المخزومي، وعبد الله بن عمرو بن بجرة العدوي، وأبو قيس بن الحارث بن قيس السهمي، وعبد الله بن الحارث بن قيس السهمي وأخوه، وهما من مهاجرة الحبشة. وعبد الله بن مخرمة بن عبد العزي بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر العامري من المهاجرين الأولين، شهد بدرا والمشاهد، كنيته أبو محمد، وعاش إحدى وأربعين سنة. ومن ذريته نوفل بن مساحق بن عبد الله بن مخرمة. وعمرو بن أويس بن سعد بن أبي سرح العامري، وسليط بن سليط بن عمرو العامري، وربيعة بن أبي خرشة العامري، وعبد الله بن الحارث بن رحضة من بني عامر.) 6 (3/64)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 65 والسائب بن عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح، وأمه خولة بنت حكيم السلمية بنت ضعيفة بنت العاص بن أمية بن عبد شمس. هاجر الهجرة الثانية إلى الحبشة. قيل آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين حارثة بن سراقة الأنصاري، واستشهد حارثة ببدر، وكان السائب من الرماة المذكورين، شهد بدراً على الصحيح، أصابه يوم اليمامة سهم فمات منه. واستشهد من الأنصار: عباد بن بشر بن وقش بن زغبة بن زعواء بن عبد الأشهل الأوسي البدري أبو الربيع من فضلاء الصحابة، عاش خمساً وأربعين سنة، وهو الذي أضاءت عصاه ليلة حين انقلب إلى منزله، وكان قد سمر عند النبي صلى الله عليه وسلم. 6 (3/65)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 66 أسلم عباد على يدي مصعب بن عمير، وكان فيمن قتل كعب بن الأشرف. واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على صدقات مزينة وبني سليم، وعلى حرسه بتبوك. وأبلى يوم اليمامة بلاءً حسناً، وكان من الشجعان. وعن عائشة قالت: ثلاثة من الأنصار لم يكن أحد يعتد عليهم فضلاً، كلهم من بني عبد الأسهل: سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وعباد بن بشر. رواه ابن إسحاق، عن يحيى بن عباد، عن أبيه، عن عائشة. روي عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن عائشة قالت: تهجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، فسمع صوت عباد بن بشر فقال: يا عائشة هذا صوت عباد قلت: نعم، قال: اللهم اغفر له. قلت: روى حديثاً لعباد: حماد بن سلمة، عن ابن إسحاق، عن حصين بن عبد الرحمن بن عبد الله الخطمي، عن عبد الرحمن بن 6 (3/66)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 67 ثابت الأنصاري عنه مرفوعاً: يا معشر الأنصار أنتم الشعار والناس الدثار. وقال ابن المديني: لا أحفظ لعباد غيره. معن بن عدي بن الجد بن العجلان الأنصاري أحدحلفاء بني مالك بن عوف، وهو أحد من شهد العقبة وبدراً، وكان يكتب العربية قبل الإسلام، وله عقب اليوم. قاله ابن سعد. وقال الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، أن معن بن عدي أحد الذين لقيا أبا بكر وعمر، وهما يريدان سقيفة بني ساعدة فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم واقضوا أمركم. وقال عروة: بلغنا أن الناس بكوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: ليتنا متنا قبله،) نخشى أن نفتتن بعده، فقال معن: لكني والله ما أحب أني مت قبله حتى أصدقه ميتاً كما أصدقه حياً. فقتل يوم مسيلمة. 6 (3/67)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 68 عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن مالك بن الحارث بن عبيد بن مالك بن سالم الذي يقال له الحبلى لعظم بطنه بن غنم بن عوف بن الخزرج الأنصاري المعروف بابن سلول، وهي أم أبي بن مالك، وكانت خزاعية، وأبوه المنافق المشهور. كان عبد الله من فضلاء الصحابة، وكان اسمه الحباب، وبه كان يكنى أبوه، فلما أسلم سماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله. شهد بدراً وما بعدها. وذكر ابن منده أن أنفه أصيبت يوم أحد، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفاً من ذهب. وروي عن عائشة، عن عبد الله بن عبد الله قال: ندرت ثنيتي فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أتخذ ثنية من ذهب. وهذا أثبت من قول ابن منده. استشهد 6 (3/68)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 69 يوم اليمامة. ثابت بن قيس بن شماس من بني الحارث بن الخزرج، لم يشهد بدراً، وكان أمير الأنصار في قتال أهل الردة كما ذكرنا. قال ابن إسحاق: قال ثابت بن قيس: بئس ما عودتم أنفسكم يا معشر المسلمين، ثم قاتل حتى قتل. وزحف المسلمون حتى ألجئوهم إلى الحديثة وفيها مسيلمة عدو الله، فقال البراء بن مالك: يا معشر المسلمين ألقوني عليه، فاحتمل حتى إذا أشرف على الجدار اقتحم إليهم فقاتلهم حتى فتح الحديقة للمسلمين. 7 (3/69)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 70 أبو دجانة سماك بن خرشة بن لوذان بن عبد ود بن زيد الساعدي. كانت عليه يوم بدر عصابة حمراء، قيل آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين عتبة بن غزوان. وقال الواقدي: وثبت أبو دجانة يوم أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم وبايعه على الموت، وهو ممن شرك في قتل مسيلمة، وقتل يومئذ. وقال ابن سعد: لأبي دجانة عقب بالمدينة وبغداد إلى اليوم. وقال زيد بن أسلم: دخل على أبي دجانة وهو مريض وكان وجهه يتهلل فقيل له: ما) لوجهك يتهلل فقال: ما من عملي شيء أوثق عندي من اثنتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، والأخرى فكان قلبي للمسلمين سليماً. وقال عن أنس: إن أبا دجانة رمى بنفسه إلى داخل الحديقة فانكسرت 7 (3/70)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 71 رجله، فقاتل وهو مكسور الرجل حتى قتل. عمارة بن حزم بن زيد بن لوذان من بني مالك بن النجار، وهو أخو عمرو بن حزم. شهد عمارة العقبة وبدراً، وكانت معه راية بني مالك بن النجار يوم الفتح، ولم يعقب. عقبة بن عامر بن نابئ بن زيد بن حرام السلمي. شهد العقبة الأولى، ويجعل في النفر الستة الذين أسلموا بمكة أول الانصار، وشهد بدراً والمشاهد، وليس له عقب. ثابت بن هزال من بني سالم بن عوف. 7 (3/71)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 72 شهد بدراً في قول جماعة، وقتل يومئذ. أبو عقيل بن عبد الله بن ثعلبة من بني جحجبا. اسمه عبد الرحمن. شهد بدراً والمشاهد كلها، وكان من سادة الأنصار، أصابه سهم يوم اليمامة فنزعه، وتحزم وأخذ السيف وقاتل حتى قتل، فوجد به جراحات كثيرة. وممن استشهد يومئذ من الأنصار: عبد الله بن عتيك، ورافع بن سهل، وحاجب بن يزيد الأشهلي، وسهل بن عدي، ومالك بن أوس بن عتيك، وعمير بن أوس أخوه، وطلحة بن عتبة من بني جحجبا، ورباح مولى الحارث، ومعن بن عدي العجلاني بخلف. واستشهد من الأنصار يومئذ: جرو بن مالك بن عامر الأنصاري من بني جحجبا، وقيل جزء بالزاي، وودقة بن إياس بن عمرو الخزرجي الأنصاري أحد من شهد بدراً، وجرول بن العباس، وعامر بن ثابت، وبشر بن عبد الله الخزرجي، وكليب بن تميم، وعبد الله بن عتبان، وإياس بن ودقة، 7 (3/72)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 73 وأسيد بن يربوع، وسعد بن حارثة، وسهل بن حمان، ومخاشن من حمير، وسلمة بن مسعود وقيل مسعود بن سنان، وضمرة بن عياض، وعبد الله بن أنيس، وأبو حبة بن غزية المازني، وحبيب بن زيد، وحبيب بن عمرو بن محصن، وثابت بن خالد، وفروة بن النعمان، وعائذ بن ماعص. قال خليفة: فجميع من استشهد من المهاجرين والأنصار ثمانية وخمسون رجلاً، يعني يوم) اليمامة. وقيل إن مسيلمة قتل عن مائة وخمسين سنة، وكان قد ادعى النبوة، وتسمى برحمان اليمامة فيما قيل قبل أن يولد عبد الله أبو النبي صلى الله عليه وسلم، وقرآن مسيلمة ضحكة للسامعين. 2 (وقعة جواثا) بعث الصديق رضي الله عنه العلاء بن الحضرمي إلى البحرين، وكانوا قد ارتدوا إلا نفراً ثبتوا مع الجارود فالتقوا بجواثا فهزمهم الله. قال ابن إسحاق: حاصرهم العلاء بجواثا حتى كاد المسلمون يهلكون 7 (3/73)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 74 من الجهد، ثم أنهم سكروا ليلة في حصنهم، فبيتهم العلاء، فقيل: إن عبد الله بن عبد الله بن أبي استشهد يوم جواثا لا يوم اليمامة، شهد بدراً. وفيها بعث الصديق عكرمة بن أبي جهل إلى عمان وكانوا ارتدوا وبعث المهاجرين أبي أمية المخزومي إلى أهل النجير وكانوا ارتدوا، وبعث زياد بن لبيد الأنصاري إلى طائفة من المرتدة. فقال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر أن زياداً بيتهم فقتل ملوكاً أربعة: حمداً، ومخوصاً، ومشرحاً، وأبضعة. وفيها أقام الحج أبو بكر للناس. 2 (وفاة أبو العاص بن الربيع) ابن شمس العبشمي، زوج زينب بنت الرسول صلى الله عليه وسلم وابن خالتها هالة بنت خويلد بن أسد، فولدت من أبي العاص علياً ومات صغيراً، وأمامة 7 (3/74)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 75 وهي التي حملها النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة. وقد تزوج علي أمامة بعد موت خالتها فاطمة. وكان أبو العاص يسمى جرو البطحاء. أسلم قبل الحديبية بخمسة أشهر، ثم رجع إلى مكة. وقال المسور بن مخرمة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أثنى على أبي العاص في مصاهرته وقال: حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي. 7 (3/75)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 76 قلت: كان وعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم زوجته، فوفى بذلك وفارقها مع حبه لها.) وكان من تجار قريش وأمنائهم، وقد تقدم من شأنه بعد بدر. توفي في ذي الحجة، وأوصى إلى الزبير. الصعب بن جثامة الليثي الحجازي، وكان ينزل ودان، وهو الذي أهدى للنبي حمار وحش. 7 (3/76)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 77 روى عنه حديثه ابن عباس. توفي في إمرة أبي بكر. م د ت ن أبو مرثد الغنوي إسمه كناز بن الحصين، حليف حمزة بن عبد المطلب. شهد بدراً والمشاهد، وابنه مرثد بدري أيضاً. ولابن ابنه أنيس بن مرثد صحبة. روى عن أبي مرثد: واثلة بن الأسقع حديث لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها. وفيها: بعد فراغ قتال أهل الردة بعث أبو بكر الصديق خالد بن الوليد إلى البصرة، وكانت تسمى أرض الهند، فسار خالد بمن معه من اليمامة إلى أرض البصرة، فغزا الأبلة فافتتحها، ودخل ميسان فغنم 7 (3/77)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 78 وسبى من القرى، ثم سار نحو السواد، فأخذ على أرض كسكر وزندورد بعد أن استخلف على البصرة قطبة بن قتادة السدوسي، وصالح خالد أهل أليس على ألف دينار في شهر رجب من السنة، ثم افتتح نهر الملك، وصالحه ابن بقلية صاحب الحيرة على تسعين ألفاً، ثم سار نحو أهل الأنبار فصالحوه. 2 (خالد يحاصر عين التمر) ثم حاصر عين التمر ونزلوا على حكمه، فقتل وسبى. وقتل من المسلمين بعين التمر: بشير بن سعد بن ثعلبة أبو النعمان الأنصاري الخزرجي، وكان من كبار الأنصار، شهد بدراً والعقبة. 7 (3/78)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 79 وقيل: إنه أول من أسلم من الأنصار. 2 (جمع زيد بن ثابت للمصحف) وفيها لما استحر القتل بقراء القرآن يوم اليمامة أمر أبو بكر بكتابة القرآن زيد بن ثابت، فأخذ يتتبعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، حتى جمعه زيد في صحف. قال محمد بن جرير الطبري: ولما فرغ خالد من فتوح مدائن كسرى التي بالعراق صلحاً وحرباً خرج لخمس بقين من ذي القعدة فكتما بحجته، ومعه جماعة تعتسف البلاد حتى أتى مكة، فتأتي له من ذلك ما لم يتأت لدليل، فسار طريقاً من طرق الحيرة لم ير قط أعجب منه ولا أصعب، فكانت غيبته عن الجند يسيرة، فلم يعلم بحجه أحد إلا من أفضى إليه بذلك. فلما علم أبو بكر بحجة عتبة وعنفه وعاقبه بأن صرفه إلى الشام، فلما وافاه كتاب أبي بكر عند منصرفه من حجه بالحيرة يأمره بانصرافه إلى الشام حتى يأتي من بها من جموع المسلمين باليرموك، ويقول له: إياك أن تعود لمثلها. 8 (3/79)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 80 قلت: وإنما جاء الكتاب بأن يسير إلى الشام في أوائل سنة ثلاث عشرة. قلت: سار خالد بجيشه من العراق إلى الشام في البرية، وكادوا يهلكون عطشاً. قال الواقدي: ثنا موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبيه قال: أشار عمر بن الخطاب على أبي بكر أن اكتب إلى خالد بن الوليد يسير بمن معه إلى عمرو بن العاص مدداً له، فلما أتى كتاب أبي بكر خالداً قال: هذا من عمر حسدني على فتح العراق وأن يكون على يدي، فأحب أن يجعلني مدداً لعمرو، فإن كان فتح كان ذكره له دوني. 8 (3/80)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 81 (أحداث سنة ثلاث عشرة) قال إسحاق: لما قفل أبو بكر عن الحج بعث عمرو بن العاص قبل فلسطين، ويزيد بن أبي سفيان وأبا عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة، وأمرهم أن يسلكوا على البلقاء. وروى جرير قال: قالوا لما وجه أبو بكر الجنود إلى الشام أول سنة ثلاث عشرة، فأول لواء عقده لواء خالد بن سعيد بن العاص، ثم عزله قبل أن يسير خالد، وقيل: بل عزله بعد أشهر من مسيره، وكتب إلى خالد فسار إلى الشام، فأغار على غسان بمرج راهط، ثم سار فنزل على قناة بصرى، وقدم أبو عبيدة وصاحباه فصالحوا أهل بصرى، فكانت أول ما فتح من مدائن الشام، وصالح خالد في وجهه ذلك أهل تدمر. 8 (3/81)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 82 قال ابن إسحاق: ثم ساروا جميعاً قبل فلسطين، فالتقوا بأجنادين بين الرملة، وبين جبرين، والأمراء كل على جنده، وقيل: إن عمراً كان عليهم جميعاً، وعلى الروم القبقلار فقتل، وانهزم المشركون يوم السبت لثلاث من جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة. فاستشهد نعيم بن عبد الله بن النحام، وهشام بن العاص، والفضل بن العباس، وأبان بن سعيد. وقال الواقدي: الثبت عندنا أن أجنادين كانت في جمادى الأولى، وبشر بها أبو بكر وهو بآخر رمق. وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: قتل من المسلمين يوم أجنادين عمرو، وأبان، وخالد بنو سعيد بن العاص بن أمية، والطفيل بن عمرو، وعبد الله بن عمرو الدوسيان، وضرار بن الأزور، وعكرمة بن أبي 8 (3/82)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 83 جهل بن هشام، وسلمة بن هشام بن المغيرة عم عكرمة، وهبار بن سفيان المخزومي، ونعيم بن النحام، وصخر بن نصر العدويان، وهشام بن العاص السهمي، وتميم، وسعيد ابنا الحارث بن قيس. وقال محمد بن سعد: قتل يومئذ طليب بن عمير، وأمه أروى هي عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن أبي الحويرث قال: برز يوم أجنادين بطريق فبرز إليه عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب بن هاشم، فقتله عبد الله، ثم برز بطريق آخر فقتله عبد الله بعد محاربة طويلة، فعزم عليه عمرو بن العاص أن لا يبارز، فقال: والله ما أجدني أصبر، فلما اختلطت السيوف وجد مقتولاً.) قال الواقدي: عاش ثلاثين سنة، ولا نعلمه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: إنه كان ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين. وقال ابن جرير: قتل يوم أجنادين: الحارث بن أوس بن عتيك، 8 (3/83)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 84 وعثمان بن طلحة بن أبي طلحة العبدري. كذا قال ابن جرير. 2 (وقعة مرج الصفر) قال خليفة: كانت لاثنتي عشرة بقيت من جمادى الأولى، والأمير خالد بن سعيد. قال ابن إسحاق: وعلى المشركين يومئذ قلقط، وقتل من المشركين مقتلة عظيمة وانهزموا. وروى خليفة، عن الوليد بن هشام، عن أبيه قال: استشهد يوم مرج الصفر خالد بن سعيد بن العاص، ويقال أخوه عمرو قتل أيضاً، والفضل بن العباس، وعكرمة بن أبي جهل، وأبان بن سعيد يومئذ بخلف. 8 (3/84)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 85 وقال غيره: قتل يومئذ نميلة بن عثمان الليثي، وسعد بن سلامة الأشهلي، وسالم بن أسلم الأشهلي. وقيل: أن وقعة مرج الصفر كانت في أول سنة أربع عشرة، والأول أصح. وقال سعيد بن عبد العزيز: التقوا على النهر عند الطاحونة، فقتلت الروم يومئذ حتى جرى النهر وطحنت طاحونتها بدمائهم فأنزل النصر. وقتلت يومئذ أم حكيم سبعة من الروم بعمود فسطاطها، وكانت تحت عكرمة بن أبي جهل، ثم تزوجها خالد بن سعيد بن العاص. قال محمد بن شعيب: فلم تقم معه إلا سبعة أيام عند قنطرة أم حكيم بالصفر، وهي بنت الحارث بن هشام المخزومي، ثم تزوجها فيما قيل عمرو. 2 (وقعة فحل) قال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: كانت وقعة فحل في ذي القعدة سنة ثلاث عشرة. وعن عبد الله بن عمرو قال: شهدنا أجنادين ونحن يومئذ عشرون 8 (3/85)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 86 ألفاً، وعلينا عمرو بن العاص، فهزمهم الله، ففاءت فئة إلى فحل في خلافة عمر، فسار إليهم عمرو في الجيش فنفاهم عن فحل. 8 (3/86)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 87 2 (وفاة أبي بكر)

2 (رضي الله عنه) وفيها توفي خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق لثمان بقين من جمادى الآخرة، وعهد بالأمر بعده إلى عمر، وكتب له بذلك كتاباً. فأول ما فعل عمر عزل خالد بن الوليد عن أمراء الشام، وأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح، وكتب إليه بعهده، ثم بعث جيشاً من المدينة إلى العراق أمر عليهم أبا عبيد بن مسعود الثقفي والد المختار الكذاب، وكان أبو عبيدة من فضلاء الصحابة، فالتقى مع أهل العراق كما سيأتي. 8 (3/87)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 88 8 (3/88)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 89 2 (المتوفون في هذه السنة) أبان بن سعيد بن العاص أبو الوليد بن أبي أحيحة، له صحبة، وكان يتجر إلى الشام، وتأخر إسلامه، وهو الذي أجار عثمان يوم صلح الحديبية حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة، فتلقاه أبان هذا وهو يقول: (أقبل وأسهل ولا تخف أحداً .......... بنو سعيد أعزة البلد) فلما قدم أخواه من هجرة الحبشة، خالد وعمرو، أرسلا إليه مكة يدعوانه إلى الإسلام فأجابهما، وقدم المدينة مسلماً، ثم خرج الإخوة الثلاثة 9 (3/89)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 90 من المدينة حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر. وقد استعمله النبي صلى الله عليه وسلم في آخر سنة تسع على البحرين، ثم استشهد يوم أجنادين على الأصح. أنسة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مولدي السراة. روى الواقدي بإسناده، عن ابن عباس أنه قتل يوم بدر وقال الواقدي: رأيت أهل العلم يثبتون أنه لم يقتل ببدر، وأنه قد شهد أحداً وبقي بعد ذلك زماناً. وحدثني ابن أبي الزناد عن محمد بن يوسف قال: مات أنسة في خلافة أبي بكر، وكان يكنى أبا مسرح. وعن الزهري أن أنسة كان يأذن للناس على النبي. الحارث بن أوس بن عتيك قتل بأجنادين. وقد أسلم قبل الهجرة. تميم بن الحارث بن قيس، وأخوه سعيد قتلا بأجنادين 9 (3/90)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 91 وهما من بني سهم، لهما صحبة، وللحارث الذي قبلهما، وهم من مهاجرة الحبشة.) خالد بن سعيد بن العاص بن أمية، أبو سعيد الأموي، من السابقين الأولين. فعن أم خالد بنته قالت: كان أبي خامساً في الإسلام، وهاجر إلى أرض الحبشة وأقام بها بضع عشرة سنة. وولدت أنا بها. وروى إبراهيم بن عقبة عنها قالت: أبي أول من كتب بسم الله الرحمن الرحيم. 9 (3/91)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 92 وجاء أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمله على صنعاء، وأن أبا بكر أمره على بعض الجيش في فتوح الشام. فقال موسى بن عقبة: أخبرنا أشياخنا أنه قتل مشركاً ثم لبس سلبه ديباجاً أو حرداً، فنظر الناس إليه وهو مع عمرو فقال: ما تنظرون من شاء فليعمل مثل عمل خالد، ثم يلبس لباسه. ويروى أن الذي قتل خالداً أسلم وقال: من هذا الرجل فإني رأيت له نوراً ساطعاً إلى السماء. وقيل: كان خالد وسيماً جميلاً، قتل يوم أجنادين. سعد بن عبادة سيد الخزرج، توفي فيها في قول، ويشهد له ما قال أبو صالح السمان، وابن سيرين وغيرهما: إن سعداً قسم ماله وخرج إلى 9 (3/92)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 93 الشام فمات، وولد له بعد موته، فجاء أبو بكر وعمر إلى ابنه قيس فقالا: إن سعداً يرحمه الله توفي وإنا نرى أن تردوا على هذا الولد، فقال: ما أنا بمغير شيئاً صنعه سعد ولكن نصيبي له. سلمة بن هشام بن المغيرة أبو هاشم المخزومي أخو أبي جهل. كان قديم الإسلام، وهو الذي كان يدعو له النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت، وكان قد رجع من الحبشة إلى مكة فحبسه أبو جهل وأجاعه ثم انسل فلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الخندق. استشهد يوم أجنادين. السائب بن الحارث بن قيس بن عدي السهمي. من مهاجرة الحبشة هو وإخوته. قتل يوم فحل. ضرار بن الأزور الأسدي، له صحبة. كان من أبطال الأعراب وفرسانهم. 9 (3/93)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 94 مر به النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحلب فقال: دع داعي اللبن. قاله الأعمش عن عبد الله بن سنان، عنه. وقيل: إنما اسمه مالك بن أوس، وكان على مسيرة خالد بن الوليد يوم بصرى، وشهد حروباً وفتوحاً كثيرة، ونزل الجزيرة ومات بها.) وأما موسى بن عقبة وعروة فذكرا أنه قتل بأجنادين. طليب بن عمير بن وهب بن كثير بن عبد بن قصي القرشي العبدي. 9 (3/94)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 95 وأمه أروى بنت عبد المطلب، من المهاجرين الأولين، يقال شهد بدراً. قال ابن إسحاق، والواقدي، والزبير. وقد هاجر الهجرة الثانية إلى الحبشة. قال الزبير بن بكار: هو أول من دمى مشركاً فقيل: إن أبا جهل سب النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ طليب لحى جمل فشج أبا جهل به. استشهد يوم أجنادين وقد شاخ. وقد انقرض ولد عبد بن قصي بن كلاب، وآخر من بقي منهم لم يكن له من يرثه من بني عبد، فورثه عبد الصمد بن علي العباسي، 9 (3/95)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 96 وعبيد الله بن عروة بن الزبير بالقعدد إلى قصي، وهما سواء. عبد الله بن الزبير الهاشمي بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي. قتل يوم أجنادين، ووجدوا حوله عصبة من الروم قتلهم، ثم أثخنته الجراح فمات. وكان أحد الأبطال. فعن الواقدي قال: أول من قتل من الروم يوم أجنادين بطريق برز وهو معلم، فبرز إليه عبد الله بن الزبير فقتله، ولم يعرض لسلبه، ثم برز آخر فبرز إليه عبد الله فاقتتلا بالرمحين، ثم بالسيفين، فحمل عليه عبد الله بالسيف فضربه على عاتقه، وذكر الحديث. فلما فرغوا وجد عبد الله وحوله عشرة من الروم قتلى وهو مقتول بينهم. وعاش نحو ثلاثين سنة. عبد الله بن عمرو الدوسي استشهد بأجنادين. مجهول، وذكره 9 (3/96)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 97 ابن سعد. عثمان بن طلحة الحجبي وهم من قال: إنه قتل بأجنادين، بقي إلى بعد الأربعين. عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية الأموي أبو عبد الرحمن، أمير مكة. 9 (3/97)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 98 أسلم يوم الفتح فاستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على مكة. أرسل عنه سعيد بن المسيب حديثاً خرجوه في السنن. وأقره أبو بكر على مكة فتوفي بها فيما قيل يوم وفاة أبي بكر الصديق، ومات شاباً. عكرمة بن أبي جهل أبي الحكم عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم أبو عثمان القرشي المخزومي. 9 (3/98)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 99 كان من رؤوس الجاهلية كأبيه، ثم استسلم وحسن إسلامه. قال ابن أبي مليكة: كان عكرمة إذا اجتهد في اليمين قال: لا والذي نجاني يوم بدر. أسلم بعد الفتح، وقدم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: مرحباً بالراكب المهاجر.) واستعمله الصديق على عمان حين ارتدوا، فقاتلهم، فأظفره الله بهم، ثم خرج إلى الشام مجاهداً، فكان أميراً على بعض الكراديس. 10 (3/99)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 100 أرسل عنه مصعب بن سعد حديثاً رواه الترمذي وهو: مرحباً بالراكب المهاجر فقلت: والله يا رسول الله لا أدع نفقة أنفقتها عليك إلا أنفقت مثلها في سبيل الله. والحديث ضعيف السند. ولم يعقب عكرمة. قال الشافعي: كان عكرمة محمود البلاء في الإسلام. قال عروة وغيره: استشهد بأجنادين. وقال ابن سعد وخليفة: بها، وقيل: باليرموك. وقال أبو إسحاق السبيعي: نزل عكرمة يوم اليرموك فقاتل قتالاً شديداً وقتل، فوجدوا به بضعاً وسبعين ما بين ضربة ورمية وطعنة. عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي. أخو أبان، وخالد أولاد أبي أحيحة. 10 (3/100)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 101 أسلم عمرو ولحق بأخيه بأخيه خالد بالحبشة، وقدم معه أيام خيبر، وشهد فتح مكة، واستشهد يوم أجنادين. الفضل بن العباس الأصح موته سنة ثماني عشرة. نعيم بن عبد الله النحام أحد بني كعب بن عدي القرشي. من المهاجرين. أسلم قبل عمر، ولم يتهيأ له هجرة إلى زمن الحديبية، وقيل: له رواية. استشهد يوم أجنادين، وقيل يوم اليرموك. ويروى أنه إنما سمي النحام لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دخلت الجنة فسمعت نحمة من نعيم. 10 (3/101)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 102 والنحمة: السلعة، وقيل النحنحة الممدود آخرها. وكان ينفق على أرامل بني عدي وأيتامهم، فقالت قريش: أقم عندنا على أي دين شئت، فوالله لا يتعرض إليك أحد إلا ذهبت أنفسنا دونك. ويقال: لما هاجر إلى المدينة كان معه أربعون من أهل بيته. أرسل عنه نافع، ومحمد بن إبراهيم التميمي. هبار بن الأسود بن المطلب بن أسد، أبو الأسود القرشي الأسدي، له صحبة ورواية. روى عنه عروة بن الزبير، وسليمان بن يسار مرسلاً إن كان استشهد بأجنادين وابناه عبد الملك،) وأبو عبد الله. قال ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح: إن هبار بن الأسود تناول زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعنة رمح فأسقطت، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فقال: إن وجدتموه فاجعلوه بين حزمتي حطب ثم أحرقوه، قم قال: سبحان الله ما ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله. 10 (3/102)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 103 ثم أسلم وهاجر، فقيل إنه كان يسب ولا يسب من سبه، فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من سبك سبه. هبار بن سفيان بن عبد الأسد الأزدي المخزومي. قديم الإسلام من مهاجرة الحبشة. استشهد يوم أجنادين على الأصح، ويقال يوم مؤتة قبل ذلك، وهو ابن أخي أبي سلمة. هشام بن العاص بن وائل أبو مطيع القرشي أخو عمرو، وكان هشام الأصغر. شهد 10 (3/103)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 104 لهما النبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان فقال: ابنا العاص مؤمنان. وله عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث رواه عنه ابن أخيه عبد الله. وقد أرسله الصديق رسولاً إلى ملك الروم، وأسلم قبل عمرو، وهاجر إلى الحبشة، فلما بلغه هجرة النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة فحبسه أبوه، ثم هاجر بعد الخندق. وجاء أنه كان يتمنى الشهادة فرزقها يوم أجنادين على الصحيح، وقيل يوم اليرموك، وكان فارساً شجاعاً مذكوراً. ولم يعقب. حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ابنا العاص مؤمنان هشام وعمرو. جرير بن حازم، عن عبد اله بن عبيد بن عمير قال: قال عمرو ابن العاص: شهدت أنا وأخي هشام اليرموك فبات وبت ندعو الله يرزقنا الشهادة، فلما أصبحنا رزقها وحرمتها. وقيل إن هشام بن العاص كان يحمل فيهم فيقتل النفر منهم حتى قتل 10 (3/104)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 105 ووطئته الخيل. حتى جمع أخوه لحمه في نطع فواراه. وعن زيد بن أسلم قال: لما بلغ عمر قتله قال: رحمه الله فنعم العون كان للإسلام. أبو بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. اسمه عبد الله ويقال عتيق بن أبي) قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التيمي رضي الله عنه. روى عنه خلق من الصحابة وقدماء التابعين. من آخرهم أنس بن مالك، وطارق بن شهاب، وقيس بن أبي حازم، ومرة الطيب. قال ابن أبي مليكة وغيره: إنما كان عتيق لقباً له. وعن عائشة قالت: اسمه الذي سماه أهله به عبد الله ولكن غلب عليه عتيق. وقال ابن معين: لقبه عتيق لأن وجهه كان جميلاً، وكذا قال الليث بن سعد. وقال غيره: كان أعلم قريش بأنسابها. 10 (3/105)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 106 وقيل: كان أبيض نحيفاً خفيف العارضين، معروق الوجه، غائر العينين، ناتئ الجبهة، يخضب شيبه بالحناء والكتم. وكان أول من آمن من الرجال. وقال ابن الأعرابي: العرب تقول للشيء قد بلغ النهاية في الجودة: عتيق. وعن عائشة قالت: ما أسلم أبو أحد من المهاجرين إلا أبو بكر. وعن الزهري قال: كان أبو بكر أبيض أصفر لطيفاً جعداً مسترق الوركين، لا يثبت إزاره على وركيه. وجاء أنه اتجر إلى بصرى غير مرة، وأنه أنفق أمواله على النبي صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر. 10 (3/106)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 107 وقال عروة بن الزبير: أسلم أبو بكر يوم أسلم وله أربعون ألف دينار. وقال عمرو بن العاص: يا رسول الله أي الرجال أحب إليك قال أبو بكر. وقال أبو سفيان، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبغض أبا بكر وعمر مؤمن ولا يحبهما منافق. وقال الشعبي، عن الحارث، عن علي: إن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى أبي بكر وعمر فقال: هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين، لا تخبرهما يا علي. وروي نحوه من وجوه مقاربة عن زر ابن حبيش، وعن عاصم بن ضمرة، وهرم، عن) علي. وقال طلحة بن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس مثله. وقال محمد بن كثير، عن الأوزاعي، عن قتادة، عن أنس مثله. 10 (3/107)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 108 أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب، ثم رواه من حديث الوقري، عن الزهري، ولم يصح. وقال ابن مسعود: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً. روى مثله ابن عباس فزاد: ولكن أخي وصاحبي في الله، سدوا كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر. هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، عن عمر أنه قال: أبو بكر سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. صححه الترمذي. وصح من حديث الجريري، عن عبد الله بن شقيق قال: قلت لعائشة: أي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: أبو بكر، قلت: ثم من قال: عمر، قلت: ثم من قالت: أبو عبيدة، قلت: ثم من فسكتت. 10 (3/108)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 109 مالك في الموطأ عن أبي النصر، عن عبيد بن حنين، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر فقال: إن عبداً خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده فاختار ما عنده، فقال أبو بكر: فديناك يا رسول الله بآبائنا وأمهاتنا، قال: فعجبنا، فقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خيره الله، وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا به. وقال النبي صلى الله عليه وسلم إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن أخوة الإسلام، لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر. متفق على صحته. وقال أبو عوانة عن عبد الملك بن عمير، عن ابن أبي المعلى، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه، والأول أصح. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافأناه ما) خلا أبا بكر، فإن له عندنا يداً يكافئه الله بها يوم القيامة، وما نفعني 11 (3/109)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 110 مال قط ما نفعني مال أبي بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً إلا وإن صاحبكم خليل الله. قال الترمذي: حديث حسن غريب. وكذا قال في حديث كثير النواء، عن جميع بن عمير، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: أنت صاحبي على الحوض وصاحبي في الغار. وروي عن القاسم، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي لقوم فيهم أبي بكر أن يؤمهم غيره. تفرد به عيسى بن ميمون، عن القاسم، وهو متروك الحديث. قال محمد بن جبير بن مطعم: أخبرني أبي أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمته في شيء، فأمرها بأمر، فقالت: أرأيت يا رسول الله إن لم أجدك قال: إن لم تجديني فأتي أبا بكر. متفق على صحته. 11 (3/110)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 111 وقال أبو بكر الهذلي، عن الحسن، عن علي قال: لقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يصلي بالناس، وإني لشاهد وما بي مرض، فرضينا لدنيانا من رضي به النبي صلى الله عليه وسلم لديننا. وقال صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتاباً، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر. هذا حديث صحيح. وقال نافع بن عمر: ثنا ابن أبي مليكة، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه: ادعوا لي أبا بكر وابنه فليكتب لكيلا يطمع في أمر أبي بكر طامع ولا يتمنى متمن، ثم قال: يأبى الله ذلك والمسلمون. تابعه غير واحد، منهم عبد العزيز بن رفيع، عن ابن أبي مليكة، ولفظه:: معاذ الله أن يختلف المؤمنون في أبي بكر. وقال زائدة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فأتاهم عمر فقال: ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر فأم الناس، فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر فقالوا: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر. 11 (3/111)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 112 وأخرج البخاري من حديث أبي إدريس الخولاني قال: سمعت أبا الدرداء يقول: كان بين أبي) بكر وعمر محاورة فأغضب أبو بكر عمر، فانصرف عنه عمر مغضباً فاتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له، فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه، فأقبل أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو الدرداء: ونحن عنده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما صاحبكم هذا فقد غامر، قال: وندم عمر على ما كان منه، فأقبل حتى سلم وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقص على رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، قال أبو الدرداء: وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل أبو بكر يقول: والله يا رسول الله لأنا كنت أظلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل أنتم تاركون لي صاحبي إني قلت أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت. وأخرج أبو داود من حديث عبد السلام بن حرب، عن أبي خالد الدالاني، حدثني أبو خالد مولى جعدة، عن أبي هريرة: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني جبريل فأخذ بيدي فأراني الباب الذي تدخل منه أمتي الجنة، فقال أبو بكر: وددت أني كنت معك حتى أنظر إليه، قال: أما إنك أول من يدخل الجنة من أمتي. أبو خالد مولى جعدة لا يعرف إلا بهذا الحديث. وقال إسماعيل بن سميع، عن مسلم البطين، عن أبي البختري قال: قال عمر لأبي عبيدة: أبسط يدك حتى أبايعك، فإني سمعت رسول 11 (3/112)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 113 الله صلى الله عليه وسلم يقول: أنت أمين هذه الأمة، فقال: ما كنت لأتقدم بين يدي رجل أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤمنا، فأمنا حتى مات رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال أبو بكر بن عياش: أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن لأن في القرآن في المهاجرين أؤلئك هم الصادقون فمن سماه صادقاً لم يكذب هم سموه وقالوا: يا خليفة رسول الله وقال إبراهيم بن طهمان عن خالد الحذاء عن حميد بن هلال قال: لما بويع أبو بكر أصبح وعلى ساعده أبراد، فقال عمر: ما هذا قال يعني لي عيال، قال: انطلق يفرض لك أبو عبيدة، فانطلقنا إلى أبي عبيدة فقال: أفرض لك قوت رجل من المهاجرين وكسوته، ولك ظهرك إلى البيت. وقالت عائشة: لما استخلف أبو بكر ألقى كل دينار ودرهم عنده في بيت المال وقال: د كنت أتجر فيه وألتمس به، فلما وليتهم شغلوني.) وقال عطاء بن السائب: لما استخلف أبو بكر وعلى رقبته أثواب 11 (3/113)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 114 يتجر فيها، فلقيه عمر وأبو عبيدة فكلماه فقال: فمن أين أطعم عيالي قالا: انطلق حتى نفرض لك، قال: ففرضوا له كل يوم شطر من شاة، وما كسوه في الرأس والبطن، وقال عمر: إلي القضاء، وقال أبو عبيدة: إلي الفيء، فقال عمر: لقد كان يأتي علي الشهر ما يختصم إلي فيه اثنان. وعن ميمون بن مهران قال: جعلوا له ألفين وخمسمائة. وقال محمد بن سيرين: كان أبو بكر أعبر هذه الأمة لرؤيا بعد النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الزبير بن بكار عن بعض أشياخه قال: خطباء الصحابة: أبو بكر، وعلي. وقال عنبسة بن عبد الواحد: حدثني يونس، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة أنها كانت تدعو على من زعم أن أبا بكر قال هذه الأبيات، وقالت: والله ما قال أبو بكر شعراً في جاهلية ولا في إسلام، ولقد ترك هو وعثمان شرب الخمر في الجاهلية. وقال كثير النواء، عن أبي جعفر الباقر: إن هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر وعلي: ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً الآية. وقال حصين، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عمر صعد المنبر ثم قال: ألا إن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، فمن قال غير ذلك بعد مقامي هذا فهو مفتر، عليه ما على المفتري. وقال أبو معاوية وجماعة: ثنا سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن ابن 11 (3/114)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 115 عمر قال: كنا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ذهب أبو بكر، وعمر، وعثمان استوى الناس، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكره. وقال علي: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، وعمر. هذا والله العظيم قاله علي وهو متواتر عنه، لأنه قاله على منبر الكوفة، فقاتل الله الرافضة ما أجهلهم. وقال السدي، عن عبد خير، عن علي قال: أعظم الناس أجراً في المصاحف أبو بكر، كان أول من جمع القرآن بين اللوحين. إسناده حسن. وقال عقيل، عن الزهري إن أبا بكر والحارث بن كلدة كانا يأكلان خزيزة أهديت لأبي بكر، فقال الحارث: ارفع يدك يا خليفة رسول الله، والله إن فيها لسم سنة، وأنا وأنت نموت في يوم واحد، قال: فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يوم واحد عند انقضاء السنة. وعن عائشة قالت: أول ما بدئ مرض أبي بكر أنه اغتسل، وكان يوماً بارداً فحم خمسة عشر) يوماً لا يخرج إلى صلاة، وكان يأمر عمر بالصلاة، وكانوا يعودونه، وكان عثمان ألزمهم له في مرضه. وتوفي مساء ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة. وكانت خلافته سنتين ومائة يوم. وقال أبو معشر: سنتين وأربعة أشهر إلا أربع ليال، عن ثلاث وستين سنة. 11 (3/115)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 116 وقال الواقدي: أخبرني ابن أبي سبرة، عن عبد المجيد بن سهيل، عن أبي سلمة قال: وأخبرنا بردان بن أبي النضر، عن محمد بن إبراهيم التيمي، وأنا وعمرو بن عبد الله. عن أبي النضر، عن عبد الله البهي، دخل حديث بعضهم في بعض، أن أبا بكر لما ثقل دعا عبد الرحمن بن عوف فقال: أخبرني عن عمر، فقال: ما تسألني عن أمر إلا وأنت أعلم به مني، قال: وإن، فقال: هو والله أفضل من رأيك فيه، ثم دعا عثمان فسأله عن عمر، فقال: علمي فيه أن سريرته خير من علانيته وأنه ليس فينا مثله، فقال: يرحمك الله والله لو تركته ما عدوتك، وشاور معهما سعيد بن زيد، وأسيد بن الحضير وغيرهما، فقال قائل: ما تقول لربك إذا سألك عن استخلاف عمر وقد ترى غلظته فقال: أجلسوني، أبالله تخوفوني أقول: استخلفت عليهم خير أهلك. ثم دعا عثمان فقال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجاً منها، وعند أول عهده بالآخرة داخلاً فيها، حيث يؤمن الكافر، ويوقن الفاجر، ويصدق الكاذب، إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب فاستمعوا له وأطيعوه، وإني لم 11 (3/116)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 117 آل الله ورسوله وديته ونفسي وإياكم خيراً، فإن عدل فذلك ظني به وعلمي فيه، وإن بدل فلكل امرئ ما اكتسب، والخير أردت ولا أعلم الغيب وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. وقال بعضهم في الحديث: لما أن كتب عثمان الكتاب أغمي على أبي بكر، فكتب عثمان من عنده اسم عمر، فلما أفاق أبو بكر قال: اقرأ ما كتبت، فقرأ، فلما ذكر عمر كبر أبو بكر وقال: أراك خفت إن افتلتت نفسي الاختلاف، فجزاك الله عن الإسلام خيراً، والله إن كنت لها أهلاً. وقال علوان بن داود البجلي، عن حميد بن عبد الرحمن، عن صالح ابن كيسان، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، وقد رواه الليث ابن سعد، عن علوان، عن صالح نفسه قال: دخلت على أبي بكر أعوده في مرضه فسلمت عليه وسألته كيف أصبحت فقال: بحمد الله) بارئاً، أما إني على ما ترى وجع، وجعلتم لي شغلاً مع وجعي، جعلت لكم عهداً بعدي، واخترت لكم خيركم في نفسي فكلكم ورم لذلك أنفه رجاء أن يكون الأمر له. ثم قال: أما إني لا آسى على شيء إلا على ثلاث فعلتهن، وثلاث لم أفعلهن، وثلاث وددت أني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهن: وددت أني لم 11 (3/117)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 118 أكن كشفت بيت فاطمة وأن أغلق علي الحرب، وددت أني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق عمر أو أبي عبيدة، وددت أني كنت وجهت خالد بن الوليد إلى أهل الردة وأقمت بذي القصة، فإن ظفر المسلمون وإلا كنت لهم مدداً ورداءً، ووددت أني يوم أتيت بالأشعث أسيراً ضربت عنقه، فإنه خيل إلي أنه لا يكون شر إلا طار إليه، وودت أني يوم أتيت بالفجاءة السلمي لم أكن حرقته وقتلته أو أطلقته نجيحاً، ووددت أني حيث وجهت خالد بن الوليد إلى الشام وجهت عمر بن الخطاب إلى العراق، فأكون قد بسطت يميني وشمالي في سبيل الله. ووددت أني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم في من هذا الأمر ولا ينازعه أهله، وأني سألته هل للأنصار في هذا الأمر شيء وأني سألته عن العمة وبنت الأخ، فإن في نفسي منها حاجة، رواه هكذا وأطول من هذا ابن وهب، عن الليث بن سعد، عن صالح بن كيسان، أخرجه كذلك ابن عائذ. وقال محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص، عن أبيه، عن جده، أن عائشة قالت: حضرت أبي وهو يموت فأخذته غشية فتمثلت: (من لا يزال دمعه مقنعاً .......... فإنه لا بد مرة مدفوق) فرفع رأسه وقال: يا بنية ليس كذلك، ولكن كما قال الله تعالى: 11 (3/118)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 119 وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد. وقال موسى الجهني عن أبي بكر بن حفص بن عمر: إن عائشة تمثلت لما احتضر أبو بكر: (لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى .......... إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر) فقال: ليس كذلك ولكن وجاءت سكرة الموت بالحق، إني نحلتك حائطاً وإن نفسي منه شيئاً فرديه على الميراث، قالت: نعم، قال: أما إنا منذ ولينا أمر المسلمين لم نأكل لهم ديناراً ولا درهماً ولكنا أكلنا من جريش طعامهم في بطوننا، ولبسنا من خشن ثيابهم على ظهورنا، وليس عندنا من فيء المسلمين شيء إلا هذا العبد الحبشي وهذا البعير الناضج وجرد هذه القطيفة، فإذا مت فابعثي بهن إلى عمر، ففعلت.) وقال القاسم، عن عائشة: إن أبا بكر حين حضره الموت قال: إني لا أعلم عند آل أبي بكر غير اللقحة وغير هذا الغلام الصقيل، كان يعمل سيوف المسلمين ويخدمنا، فإذا مت فادفعيه إلى عمر، فلما دفعته إلى عمر قال عمر: رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده. وقال الزهري: أوصى أبو بكر أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس، فإن 12 (3/119)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 120 لم تستطع استعانت بابنه عبد الرحمن. وقال عبد الواحد بن أيمن وغيره، عن أبي جعفر الباقر قال: دخل علي على أبي بكر بعد ما سجي فقال: ما أحد ألقى الله بصحيفته أحب إلي من هذا المسجي. وقال القاسم: أوصى أبو بكر أن يدفن إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحفر له، وجعل رأسه عند كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: رأس أبي بكر عند كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأس عمر عند حقوي أبي بكر. وقالت عائشة: مات ليلة الثلاثاء، ودفن قبل أن يصبح. وعن مجاهد قال: كلم أبو قحافة في ميراثه من ابنه فقال: قد رددت ذلك على ولده، ثم لم يعش بعده إلا ستة أشهر وأياماً. وجاء أنه ورثه أبوه وزوجتاه أسماء بنت عميس، وحبيبة بنت خارجة والدة أم كلثوم، وعبد الرحمن، ومحمد، وعائشة، وأسماء، وأم كلثوم. ويقال: إن اليهود سمته في أرزه فمات بعد سنة، وله ثلاث وستون سنة. 12 (3/120)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 121 2 (ذكر عمال أبي بكر) قال موسى بن أنس بن مالك: إن أبا بكر استعمل أباه أنساً على البحرين. وقال خليفة: وجه أبو بكر زياد بن لبيد على اليمن أو المهاجر بن أبي أمية، واستعمل الآخر على كذا، وأقر على الطائف عثمان بن أبي العاص. ولما حج استخلف على المدينة قتادة بن النعمان. وكان كاتبه عثمان بن عفان، وحاجبه سديد مولاه، ويقال كتب له زيد بن ثابت، وكان وزيره عمر بن الخطاب وكان أيضاً على قضائه، وكان مؤذنه سعد القرظ مولى عمار بن ياسر. أبو كبشة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، اسمه سليم من مولدي أرض دوس. 12 (3/121)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 122 شهد بدراً) والمشاهد كلها، ولما هاجر إلى المدينة نزل على سعد بن خيثمة فيما قيل، وتوفي يوم الثلاثاء صبيحة وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه. 12 (3/122)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 123 (أحداث سنة أربع عشرة)

2 (خلافة عمر رضي الله عنه) فتحت دمشق، فتح حمص، وبعلبك، فتحت البصرة، والأبلة، ووقعة جسر أبي عبيد بأرض نجران، ووقعة فحل بالشام، في قول ابن الكلبي. فأما دمشق فقال الوليد بن هشام، عن أبيه، عن جده قال: كان خالد على الناس فصالح أهل دمشق، فلم يفرغ من الصلح حتى عزل وولي أبو عبيدة، فأمضى صلح خالد ولم يغير الكتاب. وهذا غلط لأن عمر عزل خالداً حين ولي. قال خليفة بن خياط. وقال: ثنا عبد الله بن المغيرة، عن أبيه قال: صالحهم أبو عبيدة على أنصاف كنائسهم ومنازلهم وعلى رؤوسهم، وأن لا يمنعوا من أعيادهم. وقال ابن الكلبي: كان الصلح يوم الأحد للنصف من رجب سنة أربع عشرة. وقال ابن إسحاق: صالحهم أبو عبيدة في رجب. 12 (3/123)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 124 وقال ابن جرير: سار أبو عبيدة إلى دمشق، وخالد على مقدمة الناس، وقد اجتمعت الروم على رجل يقال له باهان بدمشق، وكان عمر عزل خالداً واستعمل أبا عبيدة على الجميع، والتقى المسلمون والروم فيما حول دمشق، فاقتتلوا قتالاً شديداً، ثم هزم الله الروم، ودخلوا دمشق وغلقوا أبوابها، ونازلها المسلمون حتى فتحت، وأعطوا الجزية، وكان قدم الكتاب على أبي عبيدة بإمارته وعزل خالد، فاستحيا أبو عبيدة أن يقرئ خالداً الكتاب حتى فتحت دمشق وجرى الصلح على يدي خالد، وكتب الكتاب باسمه، فلما صالحت دمشق لحق باهان صاحب الروم بهرقل. وقيل: كان حصار دمشق أربعة أشهر. وقال محمد بن إسحاق: إن عمر كان واجداً على خالد بن الوليد لقتله ابن نويرة، فكتب إلى أبي عبيدة أن أنزع عمامته وقاسمه ماله، فلما أخبره قال: ما أنا بالذي أعصي أمير المؤمنين، فاصنع ما بدا لك، فقاسمه حتى أخذ نعله الواحدة. وقال ابن جرير: كان أول محصور بالشام أهل فحل ثم أهل دمشق، وبعث أبو عبيدة ذا الكلاع) حتى كان بين دمشق وحمص ردءاً، وحصروا دمشق، فكان أبو عبيدة على ناحية، ويزيد بن أبي سفيان على ناحية، وعمرو بن العاص على ناحية، وهرقل يومئذ على حمص، 12 (3/124)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 125 فحاصروا أهل دمشق نحواً من سبعين ليلةً حصاراً شديداً بالمجانيق، وجاءت جنود هرقل نجدة لدمشق، فشغلتها الجنود التي مع ذي الكلاع، فلما أيقن أهل دمشق أن الأمداد لا تصل إليهم فشلوا ووهنوا. وكان صاحب دمشق قد جاءه مولود فصنع طعاماً واشتغل يومئذ، وخالد بن الوليد الذي لا ينام ولا ينيم قد هيأ حبالاً كهيئة السلالم، فلما أمسى هيأ أصحابه وتقدم هو والقعقاع بن عمرو، ومذعور بن عدي وأمثالهم وقالوا: إذا سمعتم تكبيرنا على السور فارقوا إلينا وانهدوا الباب. قال: فلما انتهى خالد ورفقاؤه إلى الخندق رموا بالحبال إلى الشرف، وعلى ظهورهم القرب التي سبحوا بها في الخندق، وتسلق القعقاع ومذعور فلم يدعا أحبولة حتى أثبتاها في الشرف، وكان ذلك المكان أحصن مكان بدمشق، فاستوى على السور خلق من أصحابه ثم كبروا، وانحدر خالد إلى الباب فقتل البوابين، وثار أهل البلد إلى مواقفهم لا يدرون ما الشأن، فتشاغل أهل كل جهة بما يليهم، وفتح خالد الباب ودخل أصحابه عنوة، وقد كان المسلمون دعوهم إلى الصلح والمشاطرة فأبوا، فلما رأوا البلاء بذلوا الصلح، فأجابهم من يليهم، وقبلوا فقالوا: ادخلوا وامنعونا من أهل ذاك الباب، فدخل أهل كل باب بصلح مما يليهم، فالتقى خالد والأمراء في وسط البلد، هذا استعراضاً ونهباً، وهؤلاء صلحاً، فأجروا ناحية خالد على الصلح بالمقاسمة. وكتب إلى عمر بالفتح. 12 (3/125)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 126 وكتب عمر إلى أبي عبيدة أن يجهز جيشاً إلى العراق نجدة لسعد بن أبي وقاص، فجهز له عشرة آلاف عليهم هاشم بن عتبة، وبقي بدمشق يزيد بن أبي سفيان في طائفة من أمداد اليمن، فبعث يزيد دحية بن خليفة الكلبي في خيل إلى تدمر، وأبا الأزهر إلى البثنية وحوران فصالحهم، وسار طائفة إلى بيسان فصالحوا. وفيها كان سعد بن أبي وقاص فيما ورد إلينا على صدقات هوازن، فكتب إليه عمر بانتخاب ذي الرأي والنجدة ممن له سلاح أو فرس، فجاءه كتاب سعد: إني قد انتخبت لك ألف فارس، ثم قدم به عليه فأمره على حرب العراق، وجهزه في أربعة آلاف مقاتل، فأبى عليه بعضهم إلا المسير إلى الشام، فجهزهم عمر إلى الشام.) ثم إن عمر أمد سعداً بعد مسيره بألفي نجدي وألفي يماني، فشتا سعد بزرود، وكان المثنى بن حارثة على المسلمين بما فتح الله من العراق، فمات من جراحته التي جرحها يوم جسر أبي عبيد، فاستخلف المثنى على الناس بشير بن الخصاصية، وسعد يومئذ بزرود، ومع بشير وفود أهل العراق. ثم سار سعد إلى العراق، وقدم عليه الأشعث بن قيس في ألف وسبعمائة من اليمانيين. 2 (وقعة الجسر) كان عمر قد بعث في سنة ثلاث عشرة جيشاً، عليهم أبو عبيد الثقفي، 12 (3/126)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 127 فلقي جابان في سنة ثلاث عشرة وقيل سنة أربع عشرة بين الحيرة والقادسية. فهزم الله المجوس، وأسر جابان، وقتل مردانشاه، ثم إن جابان فدى نفسه بغلامين وهو لا يعرف أنه المقدم، ثم سار أبو عبيد إلى كسكر فالتقى هو ونرسي فهزمه، ثم لقي جالينوس فهزمه. ثم إن كسرى بعث ذا الحاجب، وعقد له على اثني عشر ألفاً، ودفع إليه سلاحاً عظيماً، والفيل الأبيض، فبلغ أبا عبيد مسيرهم، فعبر الفرات إليهم وقطع الجسر، فنزل ذو الحاجب قس الناطف، وبينه وبين أبي عبيد الفرات، فأرسل إلى أبي عبيد: إما أن تعبر إلينا وإما أن نعبر إليك. فقال أبو عبيد: نعبر إليكم، فعقد له ابن صلوبا الجسر، وعبر فالتقوا في مضيق في شوال. وقدم ذو الحاجب جالينوس معه الفيل. فاقتتلوا أشد قتال وضرب أبو عبيد مشفر الفيل، وضرب أبو محجن عرقوبه. ويقال إن أبا عبيد لما رأى الفيل قال: (يا لك من ذي أربع ما أكبرك .......... لأضربن بالحسام مشفرك) وقال: إن قتلت فعليكم ابني جبر. فإن قتل فعليكم حبيب بن ربيعة أخو أبي محجن، فإن قتل فعليكم أخي عبد الله. فقتل جميع الأمراء، واستحر القتل في المسلمين فطلبوا الجسر. وأخذ الراية المثنى بن حارثة فحماهم في جماعة ثبتوا معه. وسبقهم إلى الجسر عبد الله بن يزيد فقطعه، وقال: قاتلوا عن دينكم، فاقتحم الناس الفرات، فغرق ناس كثير، ثم عقد المثنى الجسر وعبره الناس. 12 (3/127)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 128 واستشهد يومئذ فيما قال خليفة ألف وثمانمائة، وقال سيف: أربعة آلاف ما بين قتيل وغريق. وعن الشعبي قال: قتل أبو عبيد في ثمانمائة من المسلمين.) وقال غيره: بقي المثنى بن حارثة الشيباني على الناس وهو جريح إلى أن توفي، واستخلف على الناس ابن الخصاصية كما ذكرنا. 2 (فتح حمص) وقال أبو مسهر: حدثني عبد الله بن سالم قال: سار أبو عبيدة إلى حمص في اثني عشر ألفاً، منهم من السكون ستة آلاف فافتتحها. وعن عثمان الصنعاني قال: لما فتحنا دمشق خرجنا مع أبي الدرداء في مسلحة برزة، ثم تقدمنا مع أبي عبيدة ففتح الله بنا حمص. وورد أن حمص وبعلبك فتحتا صلحاً في أواخر سنة أربع عشرة، وهرب هرقل عظيم الروم من أنطاكية إلى قسطنطينية. وقيل إن حمص فتحت سنة خمس عشرة. 12 (3/128)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 129 وقال علي المدائني عن أشياخه: بعث عمر في سنة أربع عشرة شريح بن عامر أحد بني سعد بن بكر إلى البصرة، وكان رداءاً للمسلمين، فسار إلى الأهواز فقتل بدارس، فبعث عمر عتبة بن غزوان المازني في السنة، فمكث أشهراً لا يغزو. وقال خالد بن عمير العدوي: غزونا مع عتبة الأبلة فافتتحناها ثم عبرنا إلى الفرات، ثم مر عتبة بموضع المربد، فوجد الكذان الغليظ فقال: هذه البصرة انزلوها باسم الله. وقال الحسن: افتتح عتبة الأبلة فقتل من المسلمين سبعون رجلاً في موضع مسجد الأبلة، ثم عبر إلى الفرات فأخذها عنوة. وقال شعبة، عن عقيل بن طلحة، عن قبيصة قال: كنا مع عتبة بالخريبة. وفيها أمر عتبة بن غزوان محجن بن الأدرع فخط مسجد البصرة الأعظم وبناه بالقصب، ثم خرج عتبة حاجاً وخلف مجاشع بن مسعود وأمره بالغزو، وأمر المغيرة بن شعبة أن يصلي بالناس حتى يقدم مجاشع، فمات عتبة في الطريق. وأمر عمر المغيرة على البصرة. 13 (3/129)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 130 وفيها ولد عبد الرحمن بن أبي بكرة، وهو أول من ولد بالبصرة، وبعث جرير بن عبد الله على السواد، فلقي جرير مهران، فقتل مهران، ثم بعث عمر سعداً فأمر جريراً أن يطيعه. 13 (3/130)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 131 2 (المتوفون في هذه السنة) وفيها استشهد جماعة عظيمة، ومات طائفة. أوس بن أوس بن عتيك استشهد يوم جسر أبي عبيد، على يومين من الكوفة بينها وبين نجران. بشير بن عنبس بن يزيد الظفري شهد أحداً، وهو ابن عم قتادة بن النعمان، وكان يعرف بفارس الحواء وهو اسم فرسه، قتل يومئذ. ثابت بن عتيك من بني عمرو بن مبذول. أنصاري له صحبة، قتل يومئذ. ثعلبة بن عمرو بن محصن، قتل يوم الجسر، وهو أحد بني مالك بن النجار، وكان بدرياً. الحارث بن عتيك بن النعام أبو أخزم، قتل يومئذ، وهو من بني النجار، شهد أحداً، وهو أخو سهل الذي شهد بدراً. الحارث بن مسعود بن عبدة. الحارث بن عدي بن مالك، قتل يومئذ وقد شهد أحداً، وكلاهما من الأنصار. 13 (3/131)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 132 خالد بن سعيد بن العاص الأموي، قيل استشهد يوم مرج الصفر، وأن يوم مرج الصفر كان في المحرم سنة أربع عشرة وقد ذكر. خزيمة بن أوس بن خزيمة الأشهلي يوم الجسر. ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، ورخه ابن قانع. زيد بن سراقة يوم الجسر. سعد بن سلامة بن وقش الأشهلي. سعد بن عبادة الأنصاري، يقال مات فيها. سلمة بن أسلم بن حريش، يوم الجسر. سلمة بن هشام، يوم مرج الصفر، وقد تقدم. سليط بن قيس بن عمرو الأنصاري، يوم الجسر. ضمرة بن غزية، يوم الجسر. عبد الله، وعبد الرحمن، وعباد بنو مربع بن قيظي بن عمرو، قتلوا يومئذ. عتبة بن غزاون بن جابر بن وهب بن غزوان المازني حليف بني عبد شمس، من السابقين) الأولين. 13 (3/132)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 133 أسلم سابع سبعة في الإسلام. وهاجر إلى الحبشة وشهد بدراً وغيرها، وكان من الرماة المذكورين، وقيل: هو حليف لبني نوفل بن عبد مناف، أمره عمر على جيش ليقاتل من الأبلة من فارس فسار وافتتح الأبلة. وكان طويلاً جميلاً. خطب بالبصرة فقال: إن الدنيا قد ولت حذاء ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء، وقال في خطبة: لقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا. 13 (3/133)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 134 روى عنه خالد بن عمير، وقبيصة، والحسن البصري، وهارون بن رئاب، ولم يدركاه. وغنيم بن قيس المازني. وهو الذي اختط البصرة، وقيل: كنيته أبو عبد الله، عاش سبعاً وخمسين سنة وقيل: توفي سنة خمس عشرة ما بين الحجاز والبصرة، وقيل: توفي سنة سبع عشرة. عقبة، وعبد الله ابنا قيظي بن قيس، حضرا مع أبيهما يوم جسر أبي عبيد وقتلا يومئذ. العلاء بن الحضرمي، يقال فيها، وسيأتي. عمر بن أبي اليسر، يوم الجسر. قيس بن السكن بن قيس بن زعوراء بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار أبو زيد الأنصاري النجاري، مشهور بكنيته. 13 (3/134)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 135 شهد بدراً، واستشهد يوم جسر أبي عبيد فيما ذكر موسى بن عقبة. قال الواقدي وابن الكلبي: هو أحد من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ودليله قول أنس لأنه قال: أحد عمومتي، وكلاهما يجتمعان في حرام. وكذا ساق ابن الكلبي نسب أبي زيد، ولكنه جعل عوض زعوراء زيداً، ولا عبرة بقول من قال: إن الذي جمع القرآن أبو زيد سعد بن عبيد الأوسي فإن قول أنس بن مالك أحد عمومتي ينفي قول من قال: هو سعد بن عبيد، لكونه أوسياً، ويؤيده أيضاً ما روى قتادة عن أنس قال: افتخر الحيان الأوس والخزرج فقالت الأوس: منا غسيل الملائكة حنظلة بن أبي عامر، ومنا الذي حمته الدبر: عاصم بن ثابت، ومنا الذي اهتز 13 (3/135)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 136 لموته العرش سعد بن معاذ، ومنا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين: خزيمة بن ثابت، فقال الخزرج: منا أربعة جمعوا القرآن على) عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبي، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. المثنى بن حارثة الشيباني الذي أخذ الراية وتحيز بالمسلمين يوم الجسر. نافع بن غيلان، يومئذ. نوفل بن الحارث، يقال توفي فيها، وكان أسن من عمه العباس. واقد بن عبد الله، يوم.؟ 13 (3/136)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 137 هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس أم معاوية بن أبي سفيان، توفيت في أول العام. يزيد بن قيس بن الخطيم بفتح الخاء المعجمة الأنصاري الظفري، صحابي شهد أحداً والمشاهد وجرح يوم أحد عدة جراحات، وأبوه من الشعراء الكبار، قتل زيد يوم الجسر. أبو عبيد بن مسعود بن عمرو الثقفي والد المختار وصفية زوجة ابن عمر. أسلم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستعمله عمر وسيره على جيش كثيف إلى العراق، وإليه ينسب جسر أبي عبيد، وكانت الوقعة عند هذا الجسر كما ذكرنا، وقتل يومئذ أبو عبيد، والجسر بين القادسية والحيرة ولم يذكره أحد في الصحابة إلا ابن عبد البر، ولا يبعد أن له رؤية وإسلام. أبو قحافة عثمان بن عامر التيمي، في المحرم عن بضع وتسعين سنة، وقد أسلم يوم الفتح فأتى به ابنه أبو بكر الصديق يقوده لكبره وضرره 13 (3/137)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 138 ورأسه كالثغامة فأسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هلا تركت الشيخ حتى نأتيه، إكراماً لأبي بكر، وقال: غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد. عبد الله بن صعصعة بن وهب الأنصاري، أحد بني عدي بن النجار، شهد أحداً وما بعدها وقتل يوم جسر أبي عبيد. قاله ابن الأثير. 13 (3/138)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 139 (أحداث سنة خمس عشرة) في أولها افتتح شرحبيل بن حسنة الأردن كلها عنوة إلا طبرية فإنهم صالحوه، وذلك بأمر أبي عبيد. 2 (يوم اليرموك) كانت وقعة مشهورة، نزلت الروم اليرموك في رجب سنة خمس عشرة، وقيل سنة ثلاث عشرة وأراه وهماً فكانوا في أكثر من مائة ألف، وكان المسلمون ثلاثين ألفاً، وأمراء الإسلام أبو عبيدة، ومعه أمراء الأجناد، وكانت الروم قد سلسلوا أنفسهم الخمسة والستة في السلسلة لئلا يفروا، فلما هزمهم الله جعل الواحد يقع في نهر اليرموك فيجذب من معه 14 (3/139)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 140 في السلسلة حتى ردموا في الوادي، واستووا فيما قيل بحافتيه، فداستهم الخيل، وهلك خلق لا يحصون. واستشهد يومئذ جماعة من أمراء المسلمين. وقال محمد بن إسحاق: نزلت الروم اليرموك وهم مائة ألف، عليهم السقلاب خصي لهرقل. وقال ابن الكلبي: كانت الروم ثلاثمائة ألف، عليهم باهان، رجل من أبناء فارس تنصر ولحق الروم، قال: وضم أبو عبيدة إليه أطرافه، وأمده عمر بسعيد بن عامر بن حذيم، فهزم الله المشركين بعد قتال شديد في خامس رجب سنة خمس عشرة. وقال سعيد بن عبد العزيز: إن المسلمين يعني يوم اليرموك كانوا أربعة وعشرين ألفاً، وعليهم أبو عبيدة، والروم عشرون ومائة ألف، عليهم باهان وسقلاب. إبراهيم بن سعد، عن أبيه عن ابن المسيب، عن أبيه قال: خمدت الأصوات يوم اليرموك، والمسلمون يقاتلون الروم إلا صوت رجل يقول: يا نصر الله اقترب، يا نصر الله اقترب، فرفعت رأسي فإذا هو أبو سفيان بن حرب تحت راية ابنه يزيد بن أبي سفيان. الواقدي: نا عبد الحميد بن حعفر، عن أبيه، عن ابن المسيب، عن 14 (3/140)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 141 جبير بن الحويرث: حضرت اليرموك فلا أسمع إلا نقف الحديد إلا أني سمعت صائحاً يقول: يا معشر المسلمين يوم من أيام الله أبلوا لله فيه بلاءً حسناً، فإذا هو أبو سفيان تحت راية ابنه. قال سويد بن عبد العزيز، عن حصين، عن الشعبي، عن سويد بن غفلة قال: لما هزمنا العدو يوم اليرموك أصبنا يلامق ديباج فلبسناها فقدمنا على عمر ونحن نرى أنه يعجبه ذلك، فاستقبلناه وسلمنا عليه، فشتمنا ورجمنا بالحجارة حتى سبقناه نعدو، فقال بعضنا: لقد بلغه عنكم) شر، وقال بعض القوم: لعله في زيكم هذا، فضعوه، فوضعنا تلك الثياب وسلمنا عليه، فرحب وساءلنا وقال: إنكم جئتم في زي أهل الكفر، وإنكم الآن في زي أهل الإيمان، وإنه لا يصلح من الديباج والحرير إلا هكذا، وأشار بأربع أصابعه. وعن مالك بن عبد الله قال: ما رأيت أشرف من رجل رأيته يوم اليرموك إنه خرج إليه علج فقتله، ثم آخر فقتله، ثم آخر فقتله، ثم انهزموا وتبعهم وتبعته، ثم انصرف إلى خباء عظيم له فنزل، فدعا بالجفان ودعا من حوله، قلت: من هذا قالوا: عمرو بن معدي كرب. 14 (3/141)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 142 وعن عروة: قتل يومئذ النضر بن الحارث بن علقمة العبدري، وعبد الله بن سفيان بن عبد الأسد المخزومي. وقال ابن سعد: قتل يومئذ نعيم بن عبد الله النحام العدوي. قلت: وقد ذكر. وقيل: كان على مجنبة أبي عبيدة يومئذ قباث بن أشيم الكناني الليثي. ويقال: قتل يومئذ عكرمة بن أبي جهل، وعبد الرحمن بن العوام، وعياش بن أبي ربيعة، وعامر بن أبي وقاص الزهري. 2 (وقعة القادسية) كانت وقعة القادسية بالعراق في آخر السنة فيما بلغنا، وكان على الناس سعد بن أبي وقاص، وغلى المشركين رستم ومعه الجالينوس، وذو الحاجب. قال أبو وائل: كان المسلمون ما بين السبعة إلى الثمانية آلافاً. ورستم في ستين ألفاً، وقيل: كانوا أربعين ألفاً، وكان معهم سبعون فيلاً. 14 (3/142)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 143 وذكر المدائني أنهم اقتتلوا قتالاً شديداً ثلاثة أيام في آخر شوال، وقيل في رمضان، فقتل رستم وانهزموا، وقيل إن رستم مات عطشاً، وتبعهم المسلمون فقتل جالينوس وذو الحاجب، وقتلوهم ما بين الخرارة إلى السيلحين إلى النجف، حتى ألجأوهم إلى المدائن، فحصروهم بها حتى أكلوا الكلاب، ثم خرجوا على حامية بعيالهم فساروا حتى نزلوا جلولاء. قال أبو وائل: اتبعناهم إلى الفرات فهزمهم الله، واتبعناهم إلى الصراة فهزمهم الله، فألجأناهم إلى المدائن. وعن أبي وائل قال: رأيتني أعبر الخندق مشياً على الرجال، قتل بعضهم بعضاً. وعن حبيب بن صهبان قال: أصبنا يومئذ من آنية الذهب حتى جعل الرجل يقول: صفراء ببيضاء، يعني ذهباً بفضة. وقال المدائني: ثم سار سعد من القادسية يتبعهم. فأتاه أهل الحيرة فقالوا: نحن على عهدنا. وأتاه بسطام فصالحه. وقطع سعد الفرات، فلقي جمعاً عليهم بصبهرا فقتله زهرة بن حوية، ثم لقوا جمعاً بكوثا عليهم 14 (3/143)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 144 الفيرزان فهزموهم، ثم لقوا جمعاً كثيراً بدير كعب عليهم الفرخان فهزموهم، ثم سار سعد بالناس حتى نزلوا المدائن فافتتحها. وأما محمد بن جرير فإنه ذكر القادسية في سنة أربع عشرة، وذكر أن في سنة خمس عشرة مصر سعد الكوفة وإن فيها فرض عمر الفروض ودون الدواوين، وأعطى العطاء على السابقة. قال: ولما فتح الله على المسلمين غنائم رستم، وقدمت على عمر الفتوح من الشام والعراق جمع المسلمين فقال: ما يحل للوالي من هذا المال قالوا: أما لخاصته فقوته وقوت عياله لا وكس ولا شطط، وكسوته وكسوتهم، ودابتان لجهاده وحوائجه، وحمالته إلى حجه وعمرته، والقسم بالسوية أن يعطي أهل البلاء على قدر بلائهم، ويرم أمور المسلمين ويعاهدهم.) وفي القوم علي رضي الله عنه ساكت، فقال: ما تقول يا أبا الحسن فقال: ما أصلحك وأصلح عيالك بالمعروف. وقيل إن عمر قعد على رزق أبي بكر حتى اشتدت حاجته، فأرادوا أن يزيدوه فأبى عليهم. وكان عماله في هذه السنة: عتاب بت أسيد، كذا قال ابن جرير، 14 (3/144)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 145 وقد قدمنا موت عتاب، قال: وعلى الطائف يعلى بن منية، وعلى الكوفة سعد، وعلى قضائها أبو وقرة. وعلى البصرة المغيرة بن شعبة. وعلى اليمامة والبحرين عثمان بن أبي العاص. وعلى عمان حذيفة بن محصن. وعلى ثغور الشام أبو عبيدة بن الجراح. 14 (3/145)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 146 2 (المتوفون فيها) الحارث بن هشام يقال توفي فيها. وسيأتي في طاعون عمواس. سعد بن عبادة بن دليم بن الحارثة بن أبي حزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج. الأنصاري الساعدي. سيد الخزرج أبو 14 (3/146)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 147 ثابت، ويقال أبو قيس. أحد النقباء ليلة العقبة. وقد اجتمعت عليه الأنصار يوم السقيفة وأرادوا أن يبايعوه بالخلافة. لم يذكر أهل المغازي أنه شهد بدراً. وذكر البخاري وأبو حاتم أنه شهدها، وروى ذلك عن عروة. قال الواقدي: كان سعد، وأبو دجانة، والمنذر بن عمرو لما أسلموا يكسرون أصنام بني ساعدة. وكان سيداً جواداً. لم يشهد بدراً. وكان يتهيأ للخروج، فنهش قبل أن يخرج، فأقام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لئن سعد لم يشهد بدراً لقد كان عليها حريصاً. هكذا حكاه ابن سعد في الطبقات بلا سند. وقد شهد أحداً والمشاهد. قال: وكان يبعث كل يوم بجفنة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة، وقال عروة: كان ينادي على أطم سعد: من أحب شحماً ولحماً فليأت سعد بن عبادة. وقد أدركت ابنه يفعل ذلك. وقال ان عباس: إن أم سعد توفيت فتصدق عنها بحائطه المخراف. 14 (3/147)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 148 ولسعد ذكر في حديث الإفك. وقد حدث عنه بنوه: قيس، وإسحاق، وابن عباس، وأبو أمامة بن سهل، وسعيد بن المسيب، ولم يدركه.) وقال ابن سعد: أنا محمد بن عمر حدثني محمد بن صالح، عن الزبير بن المنذر بن أبي أسيد الساعدي أن أبا بكر بعث إلى سعد بن عبادة أن أقبل فبايع فقد بايع الناس. فقال: لا والله لا أبايع حتى أراميكم بما في كنانتي وأقاتلكم بمن معي. قال: فقال بشير بن سعد: يا خليفة رسول الله إنه قد أبى ولج وليس بمبايعكم أو يقتل، ولن يقتل حتى يقتل معه ولده وعشيرته، ولن يقتلوا حتى تقتل الخزرج، فلا تحركوه فقد استقام لكم الأمر وليس بضاركم، إنما هو رجل واحد ما ترك. فقبل أبو بكر نصيحة بشير. قال: فلما ولي عمر لقيه ذات يوم فقال له: إيه يا سعد. فقال: إيه يا عمر. فقال عمر: أنت صاحب ما أنت صاحبه. قال: نعم وقد أفضى إليك هذا الأمر. وكان والله صاحبك أحب إلينا منك، وقد والله أصبحت كارهاً لجوارك. فقال عمر: إنه من كره جوار جاره تحول عنه، فقال سعد: أما إني غير مستسر بذلك. وأنا متحول إلى جوار من خو خير منك. فلم يلبث أن خرج مهاجراً إلى الشام. فمات بحوران. قال محمد بن عمر: ثنا حيى بن عبد العزيز بن سعد بن عبادة، عن أبيه قال: توفي سعد بحوران لسنتين ونصف من خلافة عمر. قال محمد بن عمر: كأنه مات سنة خمس عشرة. قال عبد العزيز: فلما علم بموته بالمدينة حتى سمع غلمان في بئر منبه أو بئر سكن وهم يقتحمون نصف النهار قلئلاً من البئر: 14 (3/148)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 149 (نحن قتلنا سيد ال .......... خزرج سعد بن عباده)

(فرميناه بسهمي .......... ن فلم نخط فؤاده) فذعر الغلمان، فحفظ ذلك اليوم فوجدوه اليوم الذي مات فيه سعد، وإنما جلس يبول في نفق فاقتتل فمات من ساعته، وجدوه قد اخضر جلده. وقال ابن أبي عروبة: سمعت محمد بن سيرين يحدث أنه بال قائماً، فلما رجع قال لأصحابه: إني لأجد دبيباً، فمات فسمعوا الجن تقول: نحن قتلنا سيد الخزرج البيتين. وقال سعيد بن عبد العزيز: أول مدينة فتحت بالشام بصرى، وفيها مات سعد بن عبادة. سعد بن عبيد بن النعمان أبو زيد الأنصاري الأوسي. استشهد بوقعة القادسية، وقيل إنه والد عمير بن سعد الزاهد أمير حمص لعمر، شهد سعداً بدراً وغيرها، وكان يقال له سعد القاري. 15 (3/149)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 150 وذكر محمد بن سعد أن القادسية سنة ست عشرة. وأنه قتل بها وله أربع وستون سنة.) وقال قيس بن مسلم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن سعد بن عبيد أنه خطبهم فقال: إنا لاقوا العدو غداً وإنا مستشهدون غداً، فلا تغسلوا عنا دماً ولا نكفن إلا في ثوب كان علينا. سعيد بن الحارث بن قيس بن عدي القرشي السهمي، هو وإخوته الحجاج، ومعبد، وتميم، وأبو قيس، وعبد الله، والسائب، كلهم من مهاجرة الحبشة، ذكرهم ابن سعد. استشهد أكثرهم يوم اليرموك ويوم أجنادين. سهيل بن عمو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك حسل بن عامر بم لؤي أبو يزيد 15 (3/150)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 151 العامري، أحد خطباء قريش وأشرافهم. أسلم يوم الفتح وحسن إسلامه، وكان قد أسر يوم بدر، وكان قد قام بمكة وحض على النفير فقال: يا آل غالب أتاركون أنتم محمداً والصباة يأخذون عيركم من أراد مالاً فهذا مال، ومن أراد قوة فهذه قوة. وكان سمحاً جواداً فصيحاً، قام خطيباً بمكة أيضاً عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بنحو خطبة أبي بكر فسكنهم، وهو الذي مشى في صلح الحديبية. وقال الزبير بن بكار، كان سهيل بعد كثير الصلاة والصوم والصدقة، وحرج بجماعته إلى الشام مجاهداً، وقيل إنه صام حتى شحب لونه وتغير، وكان كثير البكاء عند قراءة القرآن. قال المدائني وغيره: إنه استشهد يوم اليرموك. وقال الشافعي والواقدي: إنه توفي بطاعون عمواس. روى عنه يزيد بن عميرة الزبيدي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل كان أميراً على كردوس يوم اليرموك. 15 (3/151)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 152 عامر بن مالك بن أهيب الزهري أخو سعد بن أبي وقاص، من مهاجرة الحبشة. قدم دمشق بكتاب عمر على أبي عبيدة بإمرته على الشام وعزل خالد، استشهد يوم اليرموك على الصحيح. عبد الله بن سفيان هذا ابن أخي أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي. له صحبة وهجرة إلى الحبشة ورواية. روى عنه عمرو بن دينار منقطعاً، واستشهد باليرموك. عبد الرحمن أخو الزبير بن العوام لأبيه حضر بدراً هو وأخوه عبيد الله الأعرج مشركين، فهربا فأدرك عبيد الله فقتل، ثم أسلم فيما بعد هذا، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم،) واستشهد باليرموك. عتبة بن غزوان رضي الله عنه، يقال مات فيها، وقد تقدم. عكرمة بن أبي جهل المخزومي، يقال استشهد يوم اليرموك، وقد تقدم. د ن ق عمر بن أم مكتوم الضرير. 15 (3/152)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 153 مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستخلفه على المدينة في غير غزوة، قيل كان اللواء معه يوم القادسية، واستشهد يومئذ. وقال ابن سعد: رجع إلى المدينة بعد القادسية، ولم نسمع له بذكر بعد عمر. قلت: روى عنه عبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبو رزين الأسدي، وله ترجمة طويلة في كتاب ابن أسعد. عمرو بن الطفيل بن عمرو بن طريف قتل باليرموك. عياش بن أبي ربيعة عمرو بن المغيرة بن عياش المخزومي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سماه في القنوت ودعا له بالنجاة. 15 (3/153)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 154 روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعنه ابنه عبد الله وغيره، وهو أخو أبي جهل لأمه، كنيته أبو عبد الله، واستشهد يوم اليرموك. فراس بن النضر بن سعد بن سهم، من مهاجرة الحبشة، قتل باليرموك. قيس بن أبي صعصعة عمرو بن زيد بن عوف الأنصاري المازني. شهد العقبة وبدراً، وورد له حديث من طريق ابن لهيعة عن جبان بن واسع بن حبان، عن أبيه عنه، قلت: في كم أقرأ القرآن يا رسول الله قال: في خمس عشرة، قلت: أجدني أقوى من ذلك. وفيه دليل على أنه جمع القرآن. وكان أحد أمراء الكراديس يوم اليرموك. نصير بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار 15 (3/154)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 155 ابن قصي العبدي القرشي. من مسلمة الفتح ومن حكماء قريش، وقيل إن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه مائة من الإبل من غنائم حنين، تألفه بذلك. فتوقف في أخذها وقال: لا أرتشي على الإسلام، ثم قال: والله ما طلبتها ولا سألتها وهي عطية من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذها، وحسن إسلامه،) واستشهد يوم اليرموك، وأخوه النضر قتل كافراً في نوبة بدر. نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم، أبو الحارث ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم. وهو أسن من أسلم من بني هاشم، وقد أسر يوم ففداه العباس، فلما فداه أسلم. وقيل إنه هاجر أيام الخندق، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين العباس، وكانا شريكين في الجاهلية متحابين، شهد نوفل الحديبية والفتح، وأعان 15 (3/155)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 156 رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين بثلاثة آلاف رمح، وثبت معه يومئذ. توفي سنة خمس عشرة بخلف وقيل سنة عشرين. هشام بن العاص السهمي. عند ابن سعد أنه قتل يوم اليرموك. 15 (3/156)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 157 (أحداث سنة ست عشرة) قيل: كانت وقعة القادسية في أولها. واستشهد يومئذ مائتان، وقيل: عشرون ومائة رجل. قال خليفة: فيها فتحت الأهواز ثم كفروا، فحدثني الوليد بن هشام، عن أبيه، عن جده قال: سار المغيرة بن شعبة إلى الأهواز فصالحه الفيرزان علة ألفي ألف درهم، ثم غزاهم الأشعري بعده. وقال الطبري: فيها دخل المسلمون مدينة بهرسير وافتتحوا المدائن، فهرب منها يزدجرد بن شهريار. 15 (3/157)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 158 فلما نزل سعد بن أبي وقاص بهرسير وهي المدينة التي فيها منزل كسرى طلب السفن ليعبر بالناس إلى المدينة القصوى، فلم يقدر على شيء منها، وجدهم قد ضموا السفن، فبقي أياماً حتى أتاه أعلاج فدلوه على مخاضة، فأبى، ثم إنه عزم له أن يقتحم دجلة، فاقتحمها المسلمون وهي زائدة ترمي بالزبد، ففجئ أهل فارس أمر لم يكن لهم في حساب، فقاتلوا ساعة ثم انهزموا وتركوا جمهور أموالهم، واستولى المسلمون على ذلك كله، ثم أتوا إلى القصر الأبيض، وبه قوم قد تحصنوا ثم صالحوا. وقيل إن الفرس لما رأوا اقتحام المسلمين الماء تحيروا وقالوا: والله ما نقاتل الإنس ولا نقاتل الجن، فانهزموا. ونزل سعد القصر الأبيض، واتخذ الإيوان مصلى، وإن فيه لتماثيل جص فما حركها. ولما انتهى إلى مكان كسرى أخذ يقرأ كم تركوا من جنات وعيون وزروع الآية.) 15 (3/158)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 159 قالوا: وأتم سعد الصلاة يوم دخلها، وذلك أنه أراد المقام بها، وكانت أول جمعة جمعت بالعراق، وذلك في صفر سنة ست عشرة. قال الطبري: قسم سعد الفيء بعد ما خمسه، فأصاب الفارس اثنا عشر ألفاً، وكل الجيش كانوا فرساناً. وقسم سعد دور المدائن بين الناس وأوطنوها، وجمع سعد الخمس وأدخل فيه كل شيء من ثياب كسرى وحليه وسيفه. وقال للمسلمين: هل لكم أن تطيب أنفسكم عن أربعة أخماس هذا القطف فنبعث به إلى عمر، فيضعه حيث يرى ويقع من أهل المدينة موقعاً قالوا: نعم، فبعثه على هيئته. وكان ستين ذراعاً في ستين ذراعاً بساطاً واحداً مقدار جريب. فيه طرق كالصور. وفصوص كالأنهار، وخلال ذلك كالدر، وفي حافاته كالأرض المزروعة، والأرض كالمبقلة بالنبات في الربيع من الحرير على قصبات الذهب. ونواره بالذهب والفضة ونحوه. فقطعه عمر وقسمه بين الناس. فأصاب علياً قطعة منه فباعها بعشرين ألفاً. واستولى المسلمون في ثلاثة أعوام على كرسي مملكة كسرى، وعلى كرسي مملكة قيصر، وعلى أمي بلادهما. وغنم المسلمون غنائم لم يسمع بمثلها قط من الذهب والجوهر والحرير والرقيق والمدائن والقصور. فسبحان الله العظيم الفتاح. 16 (3/159)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 160 وكان لكسرى وقيصر ومن قبلهما من الملوك في دولتهم دهر طويل، فأما الأكاسرة والفرس وهم المجوس فملكوا العراق والعجم نحواً من خمسمائة سنة، فأول ملوكهم دارا، وطال عمره فيقال إنه بقي في الملك مائتي سنة، وعدة ملوكهم خمسة وعشرون نفساً، منهم امرأتان، وكان آخر القوم يزدجرد الذي هلك في زمان عثمان، وممن ملك منهم ذو الأكتاف سابور، هذا يملك الأر، فوضع التاج على بطن الأم، وكتب منه إلى الآفاق وهو بعد جنين، وهذا شيء لم يسمع بمثله قط، وإنما لقب بذي الأكتاف لأنه ينزع أكتاف من غضب عليه، وهو الذي بنى الإيوان الأعظم وبنى نيسابور وبنى سجستان. ومن متأخري ملوكهم أنوشروان، وكان حازماً عاقلاً، كان له اثنا عشر ألف امرأة وسرية، وخمسون ألف دابة، وألف فيل إلا واحداً، وولد نبينا في زمانه، ثم مات أنوشروان وقت موت عبد المطلب، ولما استولى الصحابة على الإيوان أحرقوا ستره، فطلع منه ألف مثقال مثقال ذهباً.) 2 (وقعة جلولاء) في هذه السنة قال الطبري ابن جرير الطبري: فقتل الله من الفرس مائة 16 (3/160)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 161 ألف، جللت القتلى المجال وما بين يديه وما خلفه، فسميت جلولاء. وقال غيره: كانت في سنة سبع عشرة. وعن أبي وائل قال: سميت جلولاء لما تجللها من الشر. وقال سيف: كانت سنة سبع عشرة. وقال خليفة بن خياط: هرب يزدجرد بن كسرى من المدائن إلى حلوان، فكتب إلى الجبال، فجمع العساكر ووجههم إلى جلولاء، فاجتمع له جمع عظيم، عليهم خرزاذ بن خرهرمز، فكتب سعد إلى عمر يخبره، فكتب إليه: أقم مكانك ووجه إليهم جيشاً، فإن الله ناصرك ومتمم وعده، فعقد لابن أخيه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، فالتقوا، فجال المسلمون جولة، ثم هزم الله المشركين، وقتل منهم مقتلة عظيمة، وحوى المسلمون عسكرهم وأصابوا أموالاً عظيمة وسبايا، فبلغت الغنائم ثمانية عشر ألف ألف. وجاء عن الشعبي أن فيء جلولاء قسم على ثلاثين ألف ألف. وقال أبو وائل: سميت جلولاء فتح الفتوح. وقال ابن جرير: أقام هاشم بن عتبة بجلولاء، وخرج القعقاع بن عمرو في آثار القوم إلى خانقين، فقتل من أدرك منهم، وقتل مهران، وأفلت الفيرزان، فلما بلغ ذلك يزدجرد تقهقر إلى الري. 16 (3/161)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 162 وفيها جهز سعداً جنداً فافتتحوا تكريت واقتسموها، وخمسوا الغنائم، فأصاب الفارس منها ثلاثة آلاف درهم. وفيها سار عمر إلى الشام وافتتح بيت المقدس، وقدم إلى الجابية وهي قصبة حوران فخطب بها خطبةً مشهورةً متواترة عنه. قال زهير بن محمد المروزي: حدثني عبد الله بن مسلم بن هرمز أنه سمع أبا الغادية المزني قال: قدم علينا عمر الجابية، وهو على جمل أورق، تلوح صلعته للشمس، ليس عليه عمامة ولا قلنسوة، بين عودين، وطاؤه فرو كبش نجدي، وهو فراشه إذا نزل، وحقيبته شملة أو نمرة محشوة ليفاً وهي وسادته، عليه قميص قد انخرق بعضه ودسم جيبه. رواه أبو إسماعيل المؤدب، عن ابن هرمز فقال: عن أبي العالية الشامي.) 2 (قنسرين) وفيها بعث أبو عبيدة عمرو بن العاص بعد فراغه من اليرموك إلى قنسرين، فصالح أهل حلب ومنبج وأنطاكية على الجزية، وفتح سائر بلاد قنسرين عنوة. وفيها افتتحت سروج والرها على يدي عياض بن غنم. وفيها قال ابن الكلبي: سار أبو عبيدة وعلى مقدمته خالد بن الوليد، فحاصره أهل إلياء، فسألوه الصلح على أن يكون عمر هو الذي يعطيهم 16 (3/162)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 163 ذلك ويكتب لهم أماناً، فكتب أبو عبيدة إلى عمر، فقدم عمر إلى الأرض المقدسة فصالحهم وأقام أياماً ثم شخص إلى المدينة. وفيها كانت وقعة قرقيسياء، وحاصرها الحارث بن يزيد العامري، وفتحت صلحاً. وفيها كتب التاريخ في شهر ربيعالأول، فعن ابن المسيب قال: أول من كتب التاريخ عمر بن الخطاب لسنتين ونصف من خلافته، فكتب لست عشرة من الهجرة بمشورة علي رضي الله عنهما. وفيها ندب لحرب أهل الموصل ربعي بن الأفكل. من توفي فيها: مارية أم إبراهيم القبطية، وكانت أهداها المقوقس إلى النبي صلى الله عليه وسلم سنة ثمان، وعاش ابنهاش ابنها إبراهيم عليه السلام عشرين شهراً، وصلى عليها عمر، ودفنت بالبقيع في المحرم. 16 (3/163)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 164 ويقال توفي فيها سعد بن عبادة. وأبو زيد سعد بن عبيد القارىء. 16 (3/164)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 165 (أحداث سنة سبع عشرة) يقال كانت فيها وقعة جلولاء المذكورة. وفيها خرج عمر إلى سرغ، واستخلف على المدينة زيد بن ثابت، فوجد الطاعون بالشام، فرجع لما حدثه عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الطاعون. 2 (توسعة عمر للمسجد النبوي) وفيها زاد عمر في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وعمله كما كان في زمان النبي صلى الله عليه وسلم. 2 (عام الرمادة) وفيها كان القحط بالحجاز، وسمي عام الرمادة، واستسقى عمر للناس بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم. 16 (3/165)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 166 وفيها كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري بإمرة البصرة. وبأن يسير إلى كور الأهواز صلحاً وعنوة، فوظف عمر عليها عشرة آلاف ألف درهم وأربعمائة ألف، وجهد زياد في إمرته أن يخلص العنوة من الصلح فما قدر. قال خليفة: وفيها شهد أبو بكرة، ونافع ابنا الحارث، وشبل بن معبد، وزياد على المغيرة بالزنى ثم نكل بعضهم، فعزله عمر عن البصرة وولاها أبا موسى الأشعري. وقال خليفة: ثنا ريحان بن عصمة، ثنا عمر بن مرزوق، عن أبي فرقد قال: كنا مع أبي موسى الأشعر بالأهواز وعلى خيله تجافيف الديباج. وفيها تزوج عمر بأم كلثوم بنت فاطمة الزهراء، وأصدقها أربعين ألف درهم فيما قيل. 16 (3/166)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 167 2 (الوفيات) وفيها توفي جماعة، الأصح أنهم توفوا قبل هذه السنة وبعدها، فتوفي عتبة بن غزوان في قول سعيد بن عفير ورواية الواقدي. وتوفي فيها الحارث بن هشام، وإسماعيل بن عمرو في قول ابن عفير. وفي قوله أيضاً شرحبيل وابن عفير توفي أبو عبيدة بن الجراح. وقال أبو مسهر: قرأت في كتاب يزيد بن عبيدة: توفي أبو عبيدة، ومعاذ بن جبل سنة سبع عشرة. 16 (3/167)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 168 16 (3/168)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 169 (أحداث سنة ثماني عشرة) فيها قال ابن إسحاق: استسقى عمر للناس وخرج ومعه العباس فقال: اللهم إنا نستسقيك بعم نبيك. 2 (فتح جند يسابور والسوس) وفيها افتتح أبو موسى جند يسابور والسوس صلحاً، ثم رجع إلى الأهواز. وفيها وجه سعد بن أبي وقاص جرير بن عبد الله البجلي إلى حلوان بعد جلولاء، فافتتحها عنوة. ويقال بل وجه هاشم بن عتبة، ثم انتقضوا حتى ساروا إلى نهاوند، ثم سار هاشم إلى ماء فأجلاهم إلى أذربيجان، ثم صالحوا. ويقال فيها افتتح أبو موسى رامهرمز، ثم سار إلى تستر 17 (3/169)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 170 فنازلها. وقال أبو عبيدة بن المثنى: فيها حاصر هرم بن حيان أهل دست هر، فرأى ملكهم امرأة تأكل ولدها من الجوع فقال: الآن أصالح العرب، فصالح هرماً على أن يخلي لهم المدينة. وفيها نزل الناس الكوفة، وبناها سعد باللبن، وكانوا بنوها بالقصب فوقع بها حريق هائل. وفيها كان طاعون عمواس بناحية الأردن، فاستشهد فيه خلق من المسلمين. ويقال إنه لم يقع بمكة ولا بالمدينة طاعون. 17 (3/170)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 171 2 (ذكر بعض من توفي بالطاعون) أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر القرشي الفهري، أمين هذه الأمة وأحد العشرة وأحد الرجلين الذين عينهما أبو بكر للخلافة يوم السقيفة.) 17 (3/171)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 172 روى عنه جابر، وأبو أمامة، وأسلم مولى عمر، وجماعة. ولي إمرة أمراء الأجناد بالشام، وكان من السابقين الأولين، شهد بدراً ونزع الحلقتين اللتين دخلتا من المغفر في وجنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد بأسنانه رفقاً بالنبي صلى الله عليه وسلم، فانتزعت ثنيتاه، فحسن ذهابهما فاه، حتى قيل: ما رؤي أحسن من هتم أبي عبيدة. وقد انقرض عقببه. وقيل: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين محمد بن مسلمة. وعم مالك بن يخامر أنه وصف أبا عبيدة فقال: كان نحيفاً معروق الوجه خفيف اللحية طوالاً أجنى أثرم الثنيتين. وقال موسى بن عقبة في غزوة ذات السلاسل: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمد عمرو ابن العاص بجيش فيهم أبو بكر وعمر، وأمر عليهم أبا عبيدة. وقال راشد بن سعد وغيره إن عمر قال: إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي استخلفته، فإن سألني الله لم استخلفته قلت: إني سمعت نبيك يقول: 17 (3/172)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 173 إن لكل أمة أميناً وأين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح. وقال عبد الله بن شقيق: سألت عائشة: أي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحب إليه فقالت: أبو بكر، ثم عمر، ثم أبو عبيدة. وقال عروة بن الزبير: قدم عمر الشام فتلقوه، فقال: أين أخي أبو عبيدة قالوا: يأتيك الآن، فجاء على ناقة مخطومة بحبل، فسلم عليه ثم قال للناس: انصرفوا عنا، فسار معه حتى أتى منزله عليه، فلم ير في بيته إلا سيفه وترسه ورحله، فقال عمر: لو اتخذت متاعاً أو قال شيئاً قال: يا أمير المؤمنين إن هذه سيبلغنا المقيل. ومناقب أبي عبيدة كثيرة ذكرها الحافظ أبو القاسم في تاريخ 17 (3/173)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 174 دمشق. وقال أبو الموجه المروزي: زعموا أن أبا عبيدة كان في ستة وثلاثين ألفاً من الجند: فلم يبق من الطاعون، يعني إلا ستة آلاف. وقال عروة: إن وجع عمواس كان معافى منه أبو عبيدة وأهله فقال: اللهم نصيبك في آل أبي عبيدة فخرجت به بثرة: فجعل ينظر إليها فقيل: إنها ليست بشيء، فقال: إني لأرجو أن يبارك) الله فيها. وعن عروة بن رويم أن أبا عبيدة أدركه أجله بفحل فتوفي بها، وهي بقرب بيسان. قال الفلاس وجماعة: إنه توفي سنة ثماني عشرة زاد الفلاس: وله ثمان وخمسون سنة. وكان خضب بالحناء والكتم، وله عقيصتان، رضي الله عنه. 17 (3/174)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 175 معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي من بني سلمة الأنصاري الخزرجي أبو عبد الرحمن. 17 (3/175)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 176 شهد العقبة وبدراً، وكان إماماً ربانياً. قال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا معاذ والله إني أحبك. وعن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يأتي معاذ أمام العلماء برتوة. 17 (3/176)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 177 وقال ابن مسعود: كنا نشبه معاذاً بإبراهيم الخليل. كان أمة قانتاً لله حنيفاً وما كان من المشركين. وقال محمد بن سعد: كان معاذ رجلاً طوالاً أبيض، حسن الثغر، عظيم العينين، مجموع الحاجبين، جعداً قططاً. وقيل إنه أسلم وله ثماني عشرة سنة، وعاش بضعاً وثلاثين سنة وقبره بالغور. وروى عنه أنس، وأبو الطفيل وأبو مسلم عبد الله بن ثوب الخولاني، وأسلم مولى عمر، والأسود بن يزيد، ومسروق، وقيس بن أبي حازم، وخلق سواهم. واستشهد هو وابنه في طاعون عمواس، وأصيب بابنه عبد الرحمن قبله. وقال بشير بن يسار: لما بعث معاذ إلى اليمن معلماً، وكان رجلاً أعرج فصلى بالناس فبسط رجله فبسطوا أرجلهم، فلما فرغ قال: أحسنتم ولا تعودوا، واعتذر عن رجله. وفي الصحيح من حديث أنس رفعه: أعلم أمتي بالحلال والحرام 17 (3/177)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 178 معاذ بن جبل وعن جابر قال: كان من أحسن الناس وجهاً، وأحسنهم خلقاً، وأسمحهم كفاً، فأدان ديناً كثيراً فلزمه غرماؤه حتى تغيب، ثم طلبه النبي صلى الله عليه وسلم ومعه غرماؤه فقال: رحم الله من تصدق عليه فأبرأه ناس وقال آخرون: خذ لنا نصف حقنا منه، فخلعه رسول الله صلى الله عليه وسلم من ماله ودفعه إلى الغرماء، فاقتسموه وبقي لهم عليه، ثم بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وقال: لعل الله يجيرك فلم يزل بها حتى توفي النبي صلى الله عليه وسلم،) وقدم على أبي بكر. وقال شهر بن حوشب، عن الحارث بن عميرة الزبيدي قال: إني 17 (3/178)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 179 لجالس عند معاذ وهو يموت، فأفاق وقال: أخنق علي خنقك فوعزتك إني لأحبك. وعن عبد الله بن كعب بن مالك أن معاذاً توفي في سنة ثماني عشرة وله ثمان وثلاثون سنة. يزيد بن أبي سفيان بن حرب بن أمية الأموي، ويقال له يزيد الخير، أمه زينب بنت نوفل الكنانية. 18 (3/179)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 180 أسلم يوم الفتح وحسن إسلامه، وشهد حنيناً، وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم من الغنائم فيما قيل مائة بعير وأربعين أوقية، وكان جليل القدر شريفاً سيداً فاضلاً، وهو أحد أمراء الأجناد الأربعة الذين عقد لهم أبو بكر الصديق وسيرهم لغزو الشام، فلما فتحت دمشق أمره عمر على دمشق، ثم ولى بعد موته أخاه معاوية. له عن النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء، وعن أبي بكر. روى عنه أبو عبد الله الأشعري، وجنادة بن أبي أمية. توفي في الطاعون. وقال الوليد بن مسلم: إنه توفي في سنة تسع عشرة بعد أن افتتح قيسارية التي بساحل الشام. عوف الأعرابي: ثنا مهاجر أبو مخلد، حدثني أبو العالية قال: غزا يزيد بن أبي سفيان بالناس، فوقعت جارية نفيسة في سهم رجل، فاغتصبها يزيد، فأتاه أبو ذر فقال: رد على الرجل جاريته، فتلكأ فقال: لئن فعلت ذلك لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية يقال له يزيد، فقال: نشدتك بالله أنا منهم قال: لا، فرد على الرجل جاريته. أخرجه الروياني في مسنده. 18 (3/180)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 181 ق شرحبيل بن حسنة وهي أمه، واسم أبيه عبد الله المطاع، حليف بني زهرة، أبو عبد الله من كندة. هاجر هو وأمه إلى الحبشة. وله رواية حديثين. روى عنه عبد الرحمن بن غنم، وأبوه عبد الله الأشعري. وكان أحد الأمراء الأربعة الذين أمرهم أبو بكر الصديق.) 18 (3/181)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 182 الفضل بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم، وكان جميلاً مليحاً وسيماً. توفي شاباً لأنه يوم حجة الوداع كان أمرد، وكان يومئذ رديف النبي صلى الله عليه وسلم. له صحبة ورواية. روى عنه أخوه عبد الله، وأبو هريرة، وربيعة بن الحارث. توفي، وابن البرقي، وهو الصحيح، ويقال: قتل يوم مرج الصفر، ويقال: يوم أجنادين، ويقال: يوم اليرموك، ويقال: سنة ثمان وعشرين. 18 (3/182)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 183 الحارث بن هاشم بن المغيرة المخزومي أبو عبد الرحمن أخو أبي جهل. أسلم يوم الفتح، وكان سيداً شريفاً، تألفه النبي صلى الله عليه وسلم لحسبه بمائة من الإبل من غنائم حنين، ثم حسن إسلامه. ولما خرج من مكة إلى الجهاد بالشام جزع لذلك أهل مكة وخرجوا 18 (3/183)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 184 يشيعونه ويبكون لفراقه. وتزوج عمر بعده بامرأته فاطمة. وقال ابن سعد: تزوج عمر بابنته أم حكيم. مات الحارث في الطاعون. سهيل بن عمرو العامري خطيب قريش. في الطاعون بخلف، وقد مر سنة خمس عشرة. أبو جندل بن سهيل بن عمرو، اسمه العاص. من خيار الصحابة، وهو الذي جاء يوم صلح الحديبية يرسف في قيوده، وكان أبوه قيده لما أسلم، فقال أبوه للنبي صلى الله عليه وسلم: هذا أول ما أقاضيك عليه أن ترده، فرده. له صحبة وجهاد. توفي بطاعون عمواس، وقتل أخوه عبد الله يوم اليمامة، وكان بدرياً. 18 (3/184)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 185 م د س ق أبو مالك الأشعري قدم مع أصحاب السفينتين أيام خيبر، ونزل الشام اسمه كعب بن عاصم، وقيل عمرو، وقيل عامر بن الحارث. روى عنه عبد الرحمن بن غنم، وأم الدرداء، وربيعة الجرشي، وأبو سلام الأسود. وأرسل عنه عطاء بن يسار، وشهر بن حوشب. وقال شهر بن حوشب عن ابن غنم: طعن معاذ وأبو عبيدة وأبو مالك في يوم واحد.) وقال ابن سعد وغيره: توفي في خلافة عمر. وقد أعدت ذكر أبي مالك في طبقة ابن عباس. وفيها افتتح أبو موسى الرها وسميساط عنوة. 18 (3/185)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 186 2 (بقية حوادث سنة ثماني عشرة) وفي أوائلها وجه أبو عبيدة بن الجراح عياض بن غنم الفهري إلى الجزيرة، فوافق أبا موسى قد قدم من البصرة، فمضيا فافتتحا حران ونصيبين وطائفة من الجزيرة عنوة، وقيل صلحاً. وفيها سار عياض بن غنم إلى الموصل فافتتحها ونواحيها عنوة. وفيها بنى سعد جامع الكوفة. 18 (3/186)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 187 (أحداث سنة تسع عشرة)

2 (فتح قيسارية) قال خليفة: فيها فتحت قيسارية، وأمير العسكر معاوية بن أبي سفيان وسعد بن عامر بن حذيم، كل أمير على جنده، فهزم الله المشركين وقتل منهم مقتلة عظيمة، ورخها ابن الكلبي. وأما ابن إسحاق فقال: سنة عشرين. وفيها كانت وقعة صهاب بأرض فارس في ذي الحجة. وعلى المسلمين الحكم بن أبي العاص، فقتل شهرك مقدم المشركين. قال خليفة: وفيها أسرت الروم عبد الله بن حذافة السهمي. 2 (فتح تكريت) وقيل: فيها فتحت تكريت. ويقال: فيها كانت جولاء وهي وقعة أخرى كانت بالعجم أو بفارس. 18 (3/187)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 188 وفيها وجه عمر عثمان بن أبي العاص إلى أرمينية الرابعة، فكان عندها شيء من قتال، أصيب فيه: صفوان بن المعطل بن رخصة السلمي الذكواني، صاحب 18 (3/188)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 189 النبي صلى الله عليه وسلم الذي له ذكر في حديث الإفك، وقال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ما علمت عليه إلا خيراً. وقال هو: ما كشفت كنف أنثى قط. له حديثان.) روى عنه سعيد بن المسيب، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وسعيد المقبري، وروايتهم عنه مرسلة إن كان توفي في هذه الغزوة، وإن كان توفي كما قال الواقدي سنة ستين بسمسياط فقد سمعوا منه. وقال خليفة: مات بالجزيرة. وكان على ساقة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان شاعراً. 19 (3/189)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 190 وقال ابن إسحاق: قتل في غزوة أرمينية هذه، وكان أحد الأمراء يومئذ. وفيما توفي يزيد بن أبي سفيان في قول، وقد تقدم. 19 (3/190)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 191 2 (الوفيات) أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار، أبو 19 (3/191)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 192 المنذر الأنصاري، وقيل: يكنى أيضاً أبا الطفيل، سيد القراء. شهد العقبة وبدراً. روى عنه بنوه: محمد، والطفيل، وعبد الله، وابن عباس، وأنس، وسويد بن غفلة، وأبو عثمان النهدي، وزر بن حبيش، وخلق سواهم. عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله قال: كان أبي دحداحاً ليس بالقصير ولا بالطويل. وعن عباس بن سهل قال: كان أبيض الرأس واللحية. وقال أنس: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي: إن الله أمرني أن أقرأ عليك لم يكن الذين كفروا وقال: سماني لك قال: نعم، فبكى. 19 (3/192)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 193 وقال أنس: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار: أبي، ومعاذ، وزيد بن ثابت، وأبو زيد أحد عمومتي. وقال ابن عباس: قال عمر: أقرؤنا أبي، وأقضانا علي، وإنا لندع من قول أبي، وهو يقول: لا أدع شيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله: ما ننسخ من آية أو ننسأها. وقال أنس: قال النبي صلى الله عليه وسلم:: أقرأ أمتي أبي بن كعب. وعن محمد بن أبي، عن أبيه وروى من وجه آخر عن أبي سعيد الخدري قال أبي: يا رسول الله ما جزاء الحمى، قال: تجري الحسنات 19 (3/193)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 194 على صاحبها، فقال: اللهم إني أسألك حمى) لا تمنعني خروجاً في سبيلك، فلم يمس أبي قط إلا وبه حمى. قلت: ولهذا يقول زر: كان أبي فيه شراسة. وقال أبو نضرة العبدي: قال رجل منا يقال له جابر أو جويبر: طلبت حاجة إلى عمر وإلى جنبه رجل أبيض الثياب والشعر، فقال: أن الدنيا فيها بلاغاً وزادنا إلى الآخرة، وفيها أعمالنا التي نجزى بها في الآخرة، فقلت: من هذا يا أمير المؤمنين قال: هذا سيد المسلمين أبي بن كعب. وقال معمر: عامة علم ابن عباس من ثلاثة: عمر، وعلي، وأبي. قال الهيثم بن عدي: توفي أبي سنة تسع عشرة. وقال ابن معين: توفي سنة عشرين أو تسع عشرة. وقال أبو عمر الضرير، وأبو عبيد، ومحمد بن عبد الله بن نمير 19 (3/194)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 195 ورواه الواقدي عن غير واحد أنه توفي سنة اثنتين وعشرين. وقال خليفة والفلاس: في خلافة عثمان. وقال ابن سعد: قد سمعت من يقول: مات في خلافة عثمان سنة ثلاثين، قال: وهو أثبت الأقاويل عندنا. وفيها مات بالمدينة: خباب مولى عتبة بن غزوان. له صحبة وسابقة، صلى عليه عمر. لم يذكره ابن أبي حاتم، وذكره الواقدي فيمن شهد بدراً، وكناه، أبا حيى. وقال أبو أحمد الحاكم: شهد بدراً ومات سنة تسع عشرة، وله خمسون سنة. 19 (3/195)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 196 19 (3/196)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 197 (أحداث سنة عشرين) فيها فتحت مصر. روى خليفة عن غير واحد وغيره أن فيها كتب عمر إلى عمرو بن العاص أن يسير إلى مصر، فسار وبعث عمر الزبير بن العوام مدداً له، ومعه بسر بن أرطأة، وعمير بن وهب الجمحي، وخارجة بن حذافة العدوي، حتى أتى باب أليون فتحصنوا، فافتتحها عنوة وصالحه أهل الحصن، وكان الزبير أول من ارتقى سور المدينة ثم تبعه الناس، فكلم الزبير عمراً أن يقسمها بين من افتتحها، فكتب عمرو إلى عمر، فكتب عمر: أكلة، وأكلات خير من أكلة، أقروها. 19 (3/197)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 198 وعن عمرو بن العاص أنه قال على المنبر: لقد قعدت مقعدي هذا وما لأحد من قيط مصر علي عهد ولا قد، وإن شئت قتلت، وإن شئت بعت، وإن شئت خمست إلا أهل انطابلس فإن لهم عهداً نفي به. وعن عل بن رباح قال: المغرب كله عنوة. وعن عمر قال: افتتحت مصر بغير عهد. وكذا قال جماعة. وقال يزيد بن أبي حبيب: مصر كلها صلح إلا الإسكندرية. 2 (غزو تستر) قال الوليد بن هشام القحذمي، عن أبيه وعمه أن أبا موسى لما فرغ من الأهواز، ونهر تيرى، وجند يسابور، ورامهرمز، توجه إلى تستر، فنزل باب الشرقي، وكتب يستمد عمر، فكتب إلى عمار بن ياسر أن أمده، فكتب إلى جرير وهو بحلوان أن سر إلى أبي موسى، فسار في ألف فأقاموا أشهراً، ثم كتب أبو موسى إلى عمر: إنهم لم يغنوا سيئاً. فكتب عمر إلى عمار أن سر بنفسك، وأمده عمر من المدينة. 19 (3/198)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 199 وعن عبد الرحمن ن أبي بكرة قال: أقاموا سنة أو نحوها، فجاء رجل من تستر وقال لأبي موسى: أسألك أن تحقن دمي وأهل بيتي ومالي، على أن أدلك على المدخل، فأعطاه، قال: فأبلغني إنساناً سابحاً ذا عقل يأتيك بأمر بين، فأرسل معه مجزأة بن ثور السدوسي، فأدخل من مدخل الماء ينبطح على بطنه أحياناً ويحبو حتى دخل المدينة وعرف طرقها، وأراه العلج الهرمزان صاحبها، فهم بقتله ثم ذكر قول أبي موسى: لا تسبقني بأمر ورجع إلى أبي موسى، ثم إنه دخل بخمسة وثلاثين رجلاً كأنهم البط يسبحون، وطلعوا إلى السور وكبروا،) واقتتلوا هم ومن عندهم على السور، فقتل مجزأة. وفتح أولئك البلد، فتحصن الهرمزان في برج. وقال قتادة، عن أنس: لم نصل يومئذ الغداة حتى انتصف النهار فما يسرني بتلك الصلاة الدنيا كلها. وقال ابن سيرين: قتل يومئذ البراء بن مالك. وقيل: أول من دخل تستر عبد الله بن مغفل المازني. وعن الحسن قال: حوصرت تستر سنتين. وعن الشعبي قال: حاصرهم أبو موسى ثمانية عشر شهراً، ثم نزل 20 (3/199)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 200 الهرمزان على حكم عمر، فقال حميد، عن أنس: نزل الهرمزان على حكم عمر. فلما انتهينا إليه يعني إلى عمر بالهرمزان قال: تكلم، قال: كلام حي أو كلام ميت قال: تكلم فلا بأس، قال: إنا وإياكم معشر العرب ما خلى الله بيننا وبينكم، كنا نغضبكم ونقتلكم ونفعل، فما كان الله معكم لم يكن لنا بكم يدان، قال: يا أنس ما تقول قلت: يا أمير المؤمنين تركت بعدي عدداً كثيراً وشوكة شديدة، فإن تقتله ييأس القوم من الحياة ويكون أشد لشوكتهم، قال: فأنا أستحيي قاتل البراء ومجزأة بن ثور فلما أحسست بقتله قلت: ليس إلى قتله سبيل، قد قلت له: تكلم فلا بأس، قال: لتأتيني بمن يشهد به غيرك، فلقيت الزبير فشهد معي، فأمسك عنه عمر، وأسلم الهرمزان، وفرض له عمر، وأقام بالمدينة. وفيها هلك هرقل عظيم الروم، وهو الذي كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام، وقام بعده ابنه يسطنطين. وفيها قسم عمر خيبر وأجلى عنها اليهود، وقسم وادي القرى، وأجلى يهود نجران إلى الكوفة. قال محمد بن جرير الطبري. 20 (3/200)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 201 2 (الوفيات) بلال بن رباح الحبشي مولى أبي بكر الصديق، وأمه حمامة. كان من السابقين الأولين الذين عذبوا في الله. 20 (3/201)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 202 شهد بدراً، وكان مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم. روى عنه ابن عمر، وأبو عثمان النهدي، والأسود بن يزيد، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وجماعة. كنيته أبو عبد الكريم، وقيل أبو عبد الله، ويقال أبو عمرو. قال ابن مسعود في حديث المعذبين في الله قال: فأما بلال فهانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه، فأعطوه الولدان يطوفون به في شعاب مكة، وهو يقول أحد أحد. 20 (3/202)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 203 وقال هشام بن عروة، عن أبيه قال: مر ورقة بن نوفل ببلال وهو يعذب على الإسلام، يلصق ظهره برمضاء البطحاء وهو يقول: أحد أحد فقال ورقة: أحد أحد، يا بلال صبراً، والذي نفسي بيده لئن قتلتموه لأتخذنه حناناً. ورواه بعضهم عن هشام، عن أبيه، عن أسماء. وهذا مشكل، لم يثبت أن ورقة أدرك المبعث ولا عد صحابياً. وقال غره: فلما رأى أبو بكر بلالاً يعذبه قومه اشتراه منهم بسبع أواقي وأعتقه. وعن أبي أمامة، وأنس يرفعانه قال: بلال ساق الحبشة. وقال أبو حيان التيمي، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال: حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني 20 (3/203)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 204 سمعت الليلة خشفة نعليك في الجنة. قال: ما تطهرت إلا صليت ما كتب لي. ويروى عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم المرء بلال سيد المؤذنين يوم القيامة. وقال عروة: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً، وغيره، عن سعيد بن المسيب: إن أبا بكر لما قعد على المنبر يوم الجمعة قال له بلال: أعتقتني لله أو لنفسك قال: لله، قال: فأذن لي حتى أغزو في سبيل الله، فأذن له، فذهب إلى الشام، فمات هناك. وقال زيد بن أسلم، عن أبيهقال: قدمنا الشام مع عمر فأذن بلال، فذكر الناس النبي صلى الله عليه وسلم، فلم أر باكياً أكثر من يومئذ. وروى سليمان بن بلال بن أبي الدرداء، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء قال: لما دخل عمر) الشام سأل بلال عمر أن يقره بالشام ففعل، قال: وأخي أبو رويحة الذي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبيني، قال: فنزلا داريا في خولان، فأقبل هو وأخوه إلى قوم من خولان، فقالا: إنا قد 20 (3/204)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 205 أتيناكم خاطبين، وقد كنا كافرين فهدانا الله ومملوكين فأعتقنا الله، وفقيرين فأغنانا الله، فإن تزوجونا فالحمد لله، وإن تردونا فلا حول ولا قوة إلا بالله، فزوجوهما. ثم رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: ما هذه الجفوة أما آن لك أن تزورني فانتبه وركب راحلته حتى أتى المدينة، فذكر أنه أذن بها فارتجت المدينة، فما رئي يوم أكثر باكياً بالمدينة من ذلك اليوم. وقال ابن المنكدر، عن جابر: كان عمر يقول: أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا، يعني بلالاً. وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس قال: بلغ بلالاً أن ناساً يفضلونه على أبي بكر، فقال: كيف وإنما أنا حسنة من حسناته. وقال مكحول: حدثني من رأى بلالاً رجلاً آدم شديد الأدمة، نحيفاً، طوالاً، أجنى له شعر كثير، خفيف العارضين به شمط كثير. قال يحيى بن بكير: توفي بلال بدمشق في الطاعون سنة ثماني عشرة. وقال محمد بن إبراهيم التيمي، وابن إسحاق، وأبو عمر الضرير، وجماعة: توفي سنة عشرين بدمشق. وقال الواقدي: دفن بباب الصغير وله بضع وستون سنة. 20 (3/205)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 206 وقال علي بن عبد الله التميمي: دفن بباب كيسان. وقال ابن زبير: توفي بداريا، ودفن بباب كيسان، وقال غيره: دفن بداريا، وروي أنه مات بحلب. رواه عثمان بن خرزاذ عن شيخ له. أسيد بن الحضير بن سماك الأوسي الأشهلي الأنصاري، أبو يحيى، وقيل أبو عتيك، وقيل غير ذلك. 20 (3/206)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 207 أحد النقباء ليلة العقبة، وكان أبوه رئيس الأوس يوم بعاث، فقتل يومئذ، وذلك قبل الهجرة بست سنين، وكان يدعى حضير الكتائب وكان أسيد بعد أبيه شريفاً في قومه وفي الإسلام، يعد من عقلائهم وذوي رأيهم. قال ابن سعد: وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين زيد بن حارثة، ولم يشهد بدراً.) روى عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث. روى عنه كعب بن مالك، وعائشة، وأنس، وعبد الرحمن بن أبي ليلى. وذكر الواقدي أنه قدم الجابية مع عمر، وأنه جعله على ربع الأنصار، وروى الواقدي وغيره أنه أسلم على يد مصعب بن عمير هو وسعد بن معاذ في يوم. وقال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل أسيد بن الحضير وذكر جماعة. أخرجه الترمذي بإسناد صحيح. وورد أنه كان من أحسن الناس صوتاً بالقرآن. وروى ابن إسحاق، عن يحيى بن عباد بن عبد الله، عن أبيه، عن عائشة قالت: ثلاثة من الأنصار من بني عبد الأشهل لم يكن أحد يعتد عليهم فضلاً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: سعد ن معاذ، وأسيد بن حضير، وعباد بن بشر. 20 (3/207)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 208 وقال يحيى بن بكير: إنه مات سنة عشرين، وحمله عمر بين عمودي السرير، حتى وضعه بالبقيع ثم صلى عليه، وكذا ورخ موته الواقدي، وأبو عبيد، وجماعة. أنيس بن مرثد بن أبي مرثد الغنوي أبو يزيد. كان عين النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين، وهو وأبوه وجده صحابيون. قال إبراهيم بن المنذر الحزامي وغيره: إنه توفي في ربيع الأول سنة عشرين، وقيل: إن اسمه أنس، وقيل: إنه المذكور في الرجم في قوله عليه السلام: أغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها. 20 (3/208)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 209 روى عنه الحكم بن مسعود حديثاً في الفتنة. البراء بن مالك أخو أنس بن مالك الأنصاري النجاري. كان أحد الأبطال الأفراد الذين يضرب بهم المثل في الفروسية والشدة، وكان من فضلاء الأنصار وأحد السادة الأبرار، قتل من المشركين مائة مبارزة. 21 (3/209)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 210 روى ابن سيرين، عن أنس قال: دخلت عل البراء وهو يتغنى بالشعر فقلت: يا أخي تتغنى بالشعر وقد أبدلك الله به القرآن فقال: أتخاف علي أن أموت على فراشي وقد تفردت بقتل مائة سوى ما شاركت في قتله، إني لأرجو أن لا يفعل الله ذلك بي. وقد روى مثله ثمامة بن أنس، عن أبيه.) شهد البراء أحداً وما بعدها. وعن ابن سيرين قال: كتب عمر أن لا تستعملوا البراء بن مالك على جيش، فإنه مهلكة من المهالك تقدم بهم. قال ابن عبد البر: استشهد البراء بتستر. السري بن يحيى، عن ابن سيرين، أن المسلمين انتهوا إلى حائط فيه رجال من المشركين، فقعد البراء على ترس وقال: ارفعوني برماحكم فألقوني إليهم، فألقوه وراء الحائط، قال: فأدركوه وقد قتل منهم عشرة. ابن عون، عن ابن سيرين قال: بارز البراء مرزبان الزراة فطعنه 21 (3/210)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 211 فصرعه وأخذ سلبه فباعه بنيف وثلاثين ألفاً. زينب بنت جحش بن رئاب الأسدي أسد خزيمة، أم المؤمنين أخت أبي أحمد 21 (3/211)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 212 وحمنة، وأمها أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث، وقيل سنة خمس، وقيل: سنة أربع وهو أصح، وكان قبله مولاه زيد بن حارثة، قال الله تعالى: فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها، فكانت زينب تفخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم وتقول زوجكن أهليكن وزوجني الله من فوق عرشه. وكانت دينة ورعة كثيرة البر والصدقة، وكانت أول نسائه صلى الله عليه وسلم لحوقاً به، فصلى عليها عمر. أخرج مسلم من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوماً لنسائه: أسرعكن لحوقاً بي أطولكن يداً. قالت: فكن يتطولن أيتهن أطول يداً، فكانت زينب أطولنا يداً لأنها كانت تعمل وتتصدق. 21 (3/212)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 213 ابن عبد البر قال: روينا من وجوه عن عائشة قالت: كانت زينب بنت جحش تساميني في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما رأيت امرأة قط خيراً في الدين من زينب وأتقى لله، وأصدق، حديثاً، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة. رضي الله عنها. لها أحاديث. روى عنها أم حبيبة بنت أبي سفيان، وزينب بنت أبي سلمة، وابن أخيها محمد بن عبد الله بن جحش، وأرسل عنها القاسم بن محمد. توفت سنة عشرين، وكان عمر قد قسم لأمهات المؤمنين في السنة اثني عشر ألف درهم، لكل) واحدة إلا جويرية وصفية فقسم لهما ستة آلاف، لكل واحدة، لكونهما سبيتا. قال الزهري. وقال الواقدي: حدثني عمر بن عثمان الجحشي، عن أبيه قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش لهلال ذي القعدة سنة خمس وهي بنت خمس وثلاثين سنة، قال: وكانت امرأة صالحة صوامةً قوامةً صنعاً 21 (3/213)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 214 تتصدق بذلك كله على المساكين. قال الواقدي: وحدثني موسى بن محمد بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أمه عمرة، عن عائشة قالت: يرحم الله زينب لقد نالت شرف الدنيا الذي لا يبلغه شرف، إن الله زوجها نبيه ونطق به القرآن، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا ونحن حوله: أطولكن يداً أسرعكن لحوقاً بي فبشرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسرعة لحوقها به وهي زوجته في الجنة. وقال خليفة وحده: توفيت سنة إحدى وعشرين. سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي من أشراف بني جمح، له صحبة ورواية. روى عنه عبد الرحمن بن سابط، وشهر ن حوشب وحسان بن عطية مرسلاً. ذكر ابن سعد أنه شهد خيبر. 21 (3/214)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 215 وقال حسان بن عطية: بلغ عمر أن سعيداً بن عامر وكان قد استعمله على بعض الشام يعني حمص أصابته حاجة فأرسل إليه ألف دينار، فقال لزوجته: إلا نعطي هذا المال لمن يتجر لنا فيه قالت: نعم، فخرج فتصدق به، وذكر الحديث. وروى يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن سابط قال: أرسل عمر إلى سعيد بن عامر: إنا مستعملوك على هؤلاء تسير بهم إلى أرض العدو فتجاهد بهم، فقال: يا عمر لا تفتني. قال: والله لا أدعكم، جعلتموها في عنقي ثم تخليتم عني، إنما أبعثك على قوم لست بأفضلهم. 21 (3/215)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 216 وقال خليفة: فتحت قيسارية وأميرها سعيد بن عامر بن حذيم، ومعاوية بن أبي سفيان، كل واحد أمير على جنده، فهزم الله المشركين وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وولي سعيد بن عامر حمص. وذكر ابن سعد أنه شهد خيبر. وكان سعيد من سادة الصحابة. عياض بن غنم الفهري أبو سعد. من المهاجرين الأولين، شهد بدراً وغيرها، واستخلفه أبو عبيدة عند وفاته على الشام، وكان رجلاً صالحاً زاهداً سمحاً جواداً، فأقره عمر على الشام، وهو الذي افتتح الجزيرة صلحاً، وعاش ستين سنة.) وهو عياض بن غنم ببن زهير بن أبي شداد بن ربيعة. 21 (3/216)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 217 وأما ابن سعد فقال: شهد الحديبية وما بعدها، وكان أحد الأمراء الخمسة يوم اليرموك. يروي عنه عياض بن عمرو الأشعري. أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، اسمه المغيرة، وهو الذي كان آخذاً يوم حنين بلجام بغلة النبي صلى الله عليه وسلم، وثبت يومئذ معه، وهو أخو نوفل بن الحارث، وربيعة بن الحارث. وقال أبو إسحاق السبيعي: لما حضر أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب الموت قال: لا تبكوا علي فإني لم أنتطف بخطيئة منذ أسلمت. وقد روى عنه ابنه عبد الملك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بني هاشم إياكم والصدقة. 21 (3/217)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 218 وقيل أن نوفلاً أخاه توفي في هذه السنة، وقد مر. وكان أبو سفيان أخا النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، أرضعتهما حليمة السعدية، سماه المغيرة ابن الكلبي والزبير، وقال آخرون: اسمه كنيته وأخوه المغيرة. وبلغنا أن الذين كانوا يشبهون رسول الله صلى الله عليه وسلم: جعفر ببن أبي طالب، والحسن بن علي، وقثم بن العباس، وأبو سفيان بن الحارث. وكان أبو سفيان من شعراء بني هاشم، أسلم يوم الفتح، وكان قد وقع منه كلام في النبي صلى الله عليه وسلم، وإياه عنى حسان بقوله: (ألا أبلغ سفيان عني .......... مغلغلة فقد برح الخفاء)

(هجوت محمداً فأجبت عنه .......... وعند الله في ذاك الجزاء) ثم أسلم وحسن إسلامه، وحضر فتح مكة مسلماً، وأبلى يوم حنين بلاءً حسناً. فروى ابن إسحاق، عن عاصم ن عمر، عمن حدثه قال: وتراجع الناس يوم حنين، وثبت أبو سفيان مع النبي صلى الله عليه وسلم مع من ثبت، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب أبا سفيان وشهد له بالجنة وقال: أرجو أن يكون خلفاً من حمزة. 21 (3/218)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 219 قال ابن إسحاق: وقال يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم. (أرقت فبات ليلي لا يزول .......... وليل أخي المصيبة فيه طول) ) (وأسعدني البكاء وذاك فيما .......... أصيب المسلمون به قليل)

(فقد عظمت مصيبتنا وجلت .......... عشية قيل قد قبض الرسول)

(فقدنا الوحي والتنزيل فينا .......... يروح به ويغدو جبرئيل)

(وذاك أحق ما سالت عليه .......... نفوس الناس أو كادت تسيل)

(نبي كان جلو الشك عنا .......... بما يوحي إليه وما يقول)

(ويهدينا فلا نخشى ضلالاً .......... علينا والرسول لنا دليل)

(فلم نر مثله في الناس حياً .......... وليس له من الموتى عديل)

(أفاطم إن جزعت فذاك عذر .......... ثواب الله والفضل الجزيل)

(وقولي في أبيك ولا تملي .......... وهل يجزي بفعل أبيك قيل)

(فقبر أبيك سيد كل قبر .......... وفيه سيد الناس الرسول) قيل: إن أبا سفيان حج فحلق رأسه، فقطع الحلاق ثؤلولاً كان في 22 (3/219)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 220 رأسه، فمرض منه ومات بعد مقدمه من الحج بالمدينة، وصلى عليه عمر. توفي بعد أخيه نوفل بأربعة أسهر، في قول. صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشقيقة حمزة، وحجل، والمقوم، وأمهم زهرية تزوجها الحارث بن حرب بن أمية فتوفي عنها، وتزوجها العوام بن خويلد فولدت له الزبير حواري رسول الله، والسائب وعبد الكعبة. والصحيح أنه لم يسلم من عمات الرسول صلى الله عليه وسلم سواها. ووجدت على أخيها حمزة وجداً شديداً، وصبرت واحتسبت. 22 (3/220)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 221 وكانت يوم الخندق في حصن حسان بن ثابت، قالت: وهو معنا في الحصن مع الذرية، فمر بالحصن يهودي فجعل يطيق بالحصن والمسلمون في نحور عدوهم، فذكرت الحديث وأنها نزلت وقتلت اليهودي بعمود كما تقدم في غزوة الخندق. توفيت صفية سنة عشرين، ودفنت بالبقيع عن بضع وسبعين سنة. أبو الهيثم بن التيهان البلوي، حليف بني عبد الأشهل، وكان أحد نقباء الأنصار. شهد بدراً والمشاهد كلها، وكان من خيار الصحابة، وهو الذي أضاف النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور.) 22 (3/221)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 222 واسمه مالك بن التيهان بن مالك بن عبيد البلوي القضاعي حليف بني عبد الأشهل. وقيل: هو أنصاري من أنفسهم، شهد العقبتين. وقيل بل توفي سنة إحدى وعشرين، وأخطأ من قال قتل بصفين مع علي، بل ذاك أخوه عبيد. والتيهان بالتخفيف كذا يقوله أهل الحجاز، وشدده أبو الكلبي. 22 (3/222)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 223 (أحداث سنة إحدى وعشرين)

2 (فتح الإسكندرية) فيها فتح عمرو بن العاص الإسكندرية. وقد مرت. وفيها شكا أهل الكوفة سعد بن أبي وقاص وتعنتوه، فصرفه عمر وولى عمار بن ياسر على الصلاة، وابن مسعود على بيت المال، وعثمان بن حنيف على مساحة أرض السواد. وفيها سار عثمان بن أبي العاص فنزل توج ومصرها. وبعث سوار بن المثنى العبدي إلى سابور، فاستشهد، فأغار عثمان بن أبي العاص على سيف البحر والسواحل، وبعث الجارود بن المعلى فقتل الجارود أيضاً. عن المفضل بن فضالة، عن عياش بن عباس القتباني، وعن غير 22 (3/223)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 224 واحد أن عمراً سار من فلسطين بالجيش من غير أمر عمر إلى مصر فافتتحها، فعتب عمر عليه إذ لم يعلمه، فكتب يستأذن عمر بمناهظة أهل الإسكندرية، فسار عمرو في سنة إحدى وعشرين، وخلف على الفسطاط خارجة ببن حذافة العدوي، فالتقى القبط فهزمهم بعد قتال شديد، ثم التقاهم عند الكربون فقاتلوا قتالاً شديداً، ثم انتهى إلى الإسكندرية، فأرسل إليه المقوقس يطلب الصلح والهدنة منه، فأبى عليه، ثم جد في القتال حتى دخلها بالسيف، وغنم ما فيها من الروم، وجعل فيها عسكراً عليهم عبد الله ابن حذافة السهمي، وبعث إلى عمر بالفتح، وبلغ الخبر قسطنطين بن هرقل فبعث خصياً له يقال له منويل في ثلاثمائة مركب حتى دخلوا الإسكندرية، فقتلوا بها المسلمين ونجا من هرب، ونقص أهلها، فزحف إليها عمرو في خمسة عشر ألفاً، ونصب عليها المجانيق، وجد في القتال حتى فتحها عنوة، وخرب جدرها، رؤي عمرو يخرب بيده. رواه حماد بن سلمة، عن أبي عمران، عن علقمة. 2 (نهاوند) وقال النهاس بن قهم، عن القاسم بن عوف الشيباني، عن السائب ابن الأقرع قال: زحف) للمسلمين زحف لم ير مثله قط، رجف له أهل ماه وأهل أصبهان وأهل خمذان والري وقومس ونهاوند وأذربيجان، قال فبلغ 22 (3/224)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 225 ذلك عمر فشاور المسلمين، فقال علي رضي الله عنه: أنت أفضلنا وأعلمنا بأهلك. فقال: لأستعملن على الناس رجلاً يكون لأول أسنة يلقاها، يا سائب اذهب بكتابي هذا إلى النعمان بن مقرن، فليسر بثلثي أهل الكوفة، وليبعث إلى أهل البصرة، وأنت على ما أصابوا من غنيمة، فإن قتل النعمان فحذيفة الأمير، فإن قتل حذيفة فجرير بن عبد الله، فإن قتل ذلك الجيش فلا أراك. وروى علقمة بن عبد الله المزني، عن معقل بن يسار أن عمر شاور الهرمزان في أصبهان وفارس وأذربيجان بأتيهن يبدأ، فقال: يا أمير المؤمنين أصبهان الرأس، وفارس وأذربيجان الجناحان، فإن قطعت الرأس وقع الجناحان، فدخل عمر المسجد فوجد النعمان بن مقرن يصلي فسرحه وسرح معه الزبير بن العوام، وحذيفة بن اليمان، والمغيرة بن شعبة، وعمرو بن معد يكرب، والأشعث بن قيس، وعبد الله بن عمر، فسار حتى أتى نهاوند، فذكر الحديث إلى أن قال النعمان لما التقى الجمعان: إن قتلت فلا يلوي علي أحد، وإني داع بدعوة فأمنوا. ثم دعا: اللهم ارزقني الشهادة بنصر المسلمين والفتح عليهم، فأمن القوم وحملوا فكان النعمان أول صريع. وروى خليفة بإسناد قال: التقوا بنهاوند يوم الأربعاء فانكشفت مجنبة 22 (3/225)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 226 المسلمين اليمنى شيئاً، ثم التقوا يوم الخميس فثبتت الميمنة وانكشف أهل الميسرة، ثم التقوا يوم الجمعة فأقبل النعمان يخطبهم ويحضهم على الحملة ففتح الله عليهم. وقال زياد الأعجم: قدم علينا أبو موسى بكتاب عمر إلى عثمان بن أبي العاص: أما بعد، فإني قد أمددتك بأبي موسى، وأنت الأمير فتطاوعا والسلام. فلما طال حصار إصطخر بعث عثمان ن أبي العاص عدة أمراء فأغاروا على الرساتيق. وقال ابن جرير في وقعة نهاوند: لما انتهى النعمان إلى نهاوند في جيشه طرحوا له حسك الحديد، فبعث عيوناً فساروا لا يعلمون بالحسك، فزجر بعضهم فرسه وقد دخل في حافره حسكة، فلم يبرح، فنزل فإذا الحسك، فأقبل بها، وأخبر النعمان، فقال النعمان: ما ترون فقالوا: تقهقر حتى يروا أنك هارب فيخرجوا في طلبك، فتأخر النعمان، وكنست الأعاجم الحسك وخرجوا في طلبه فعطف عليهم النعمان وعبأ كتائبه وخطب الناس وقال: إن أصبت) فعليكم حذيفة، فإن أصيب فعليكم جرير البجلي، وإن أصيب فعليكم قيس بن مكشوح، فوجد المغيرة في نفسه إذ لم يستخلفه، قال: وخرجت الأعاجم وقد شدوا أنفسهم في السلاسل لئلا يفروا، وحمل عليهم المسلمون، فرمى النعمان بسهم فقتل، ولفه أخوه سويد بن مقرن في ثوبه وكتم قتله حتى فتح الله تعالى عليهم، ودفع الراية إلى حذيفة. 22 (3/226)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 227 وقتل الله ذا الحاجب يعني مقدمهم، وافتتحت نهاوند، ولم يكن للأعاجم بعد ذلك جماعة. وبعث عمر السائب بن الأقرع مولى ثقيف وكان كاتباً حاسباً، فقال: إن فتح الله على الناس فاقسم عليم فيئهم واعزل الخمس. قال السائب: فإني لأقسم بين الناس إذ جائني أعجمي فقال: أتؤمنني على نفسي وأهلي على أن أدلك على كنز يزدجرد يكون لك ولصاحبك قلت: نعم، وبعثت معه رجلاً، فأتى بسفطين عظيمين ليس فيهما إلا الدر والزبرجد واليواقيت، قال: فاحتملتهما معي، وقدمت على عمر بهما، فقال: أدخلهما بيت المال، ففعلت ورجعت إلى الكوفة سريعاً، فما أدركني رسول عمر إلا بالكوفة، أناخ بعيره على عرقوبي بعيري فقال: الحق بأمير المؤمنين، فرجعت حتى أتيته، فقال مالي ولابن أم السائب ومالي، قلت: وما ذاك قال: والله ما هو إلا نمت، فباتت ملائكة تسحبني إلى ذينك السفطين يشتعلان ناراً يقولون: لنكوينك بهما، فأقول: إني سأقسمهما بين المسلمين، فخذهما عني لا أبا لك فالحق بهما فبعهما في أعطية المسلمين وأرزاقهم، قال: فخرجت بهما حتى وضعتهما في مسجد الكوفة، وغشيني التجار، فابتاعهما مني عمرو بن حريث بألفي ألف درهم، ثم خرج بهما إلى أرض العجم فباعهما بأربعة آلاف ألف، فما زال أكثر أهل الكوفة مالاً. 22 (3/227)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 228 وفيها سار عمرو بن العاص إلى برقة فافتتحها، وصالهم على ثلاثة عشر ألف دينار. وفيها صالح أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس على أنطاكية وقلقية، وغير ذلك. 22 (3/228)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 229 2 (الوفيات) ت ن ق وأبو هاشم من مسلمة الفتح حسن إسلامه، وله حديث في سنن النسائي وغيرها. روى عنه أبو هريرة، وسمرة بن سهم. وهو خال معاوية. شهد فتوح الشام. وفيها توفي طليحة بن خويلد بن نوفل الأسدي. 23 (3/229)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 230 أسلم سنة تسع، ثم ارتد وتنبأ بنجد وحارب المسلمين، ثم انهزم ولحق بنواحي دمشق عند آل جفنة، فلما توفي الصديق ثاب وخرج محرماً بالحج، فلما رآه عمر قال: يا طليحة لا أحبك بعد قتل عكاشة بن محصن، وثابت بن أقرم. فقال: يا أمير المؤمنين رجلين أكرمهما الله بيدي ولم يهني بأيديهما. ثم حسن إسلامه وشهد القادسية، وكتب عمر إلى سعد أن شاور طليحة في أمر الحرب ولا توله شيئاً. وقال ابن سعد: كان طليحة يعد بألف فارس لشجاعته وشدته. وقال غيره: استشهد طليحة بنهاوند. خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القشي المخزومي أبو 23 (3/230)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 231 23 (3/231)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 232 سليمان المكي، سيف الله، كذا لقبه النبي صلى الله عليه وسلم. وأمه لبابة أخت ميمونة بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين. شهد غزوة مؤتة وما بعدها. وله أحاديث، روى عنه: ابن عباس، وقيس بن أبي حازم، وجبير بن نفير، وأبو وائل، وجماعة. وكان بطلاً شجاعاً ميمون النقيبة، باشر حروباً كثيرة، ومات على فراشه وهو ابن ستين سنة، ولم يكن في جسده نحو شبر إلا وعليه طابع الشهداء. وقال جويرية بن أسماء: لما استخلف عمر كتب إلى أبي عبيدة: إني قد وليتك وعزلت خالداً. قال خليفة: فولى أبو عبيدة لما افتتح الشام خالداً على دمشق. وقال أبو عبيد، وإبراهيم بن المنذر، وجماعة: إنه توفي سنة إحدى وعشرين بحمص. وقال دحيم وحده: مات بالمدينة. مناقب خالد كثيرة ساقها ابن عساكر، من أصحها ما رواه ابن أبي 23 (3/232)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 233 خالد، عن قيس بن أبي حازم قال: رأيت خالد بن الوليد أتي بسم فقال: ما هذا قالوا: سم، فقال: باسم الله وشربه.) وروى يونس بن أبي إسحاق، عن أبي السفر قال: قالوا لخالد: احذر الأعاجم لا يسوقونك السم، فقال: ائتوني به، فأتى به، فاقتحمه وقال: باسم الله فلم يضره شيئاً. وقال الأعمش، عن خيثمة قال: أتى خالداً رجل معه زق أحمر، فقال: اللهم اجعله خلاً، فصار خلاً. جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن أنس ابن عباس قال: وقع بين خالد بن الوليد وعمار كلام، فقال عمار: لقد هممت أن لا أكلمك أبداً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا خالد مالك ولعمار، رجل من أهل الجنة قد شهد بدراً. وقال يا عمار إن خالداً سيف من سيوف الله على الكفار. قال خالد: فما زلت أحب عماراً من يومئذ. سفيان الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي وائل قال: بلغ عمر أن نسوة من نساء بني المغيرة قد اجتمعن في دار يبكين على خالد بن الوليد، فقال عمر: ما عليهن أن يبكين أبا سليمان ما لم يكن نقع أو لقلقة. 23 (3/233)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 234 وحشي بن حرب بن وحشي، عن أبيه، عن جده أن أبا بكر عقد لخالد وقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نعم عبد الله وأخو العشيرة خالد بن الوليد سيف من سيوف الله سله على الكفار والمنافقين. رواه أحمد في مسنده. 23 (3/234)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 235 العلاء بن الحضرمي واسم الحضرمي عبد الله بن عباد بن أكبر بن ربيعة بن مقنع بن حضرموت، حليفة بني أمية، وإلى أخيه تنسب بئر ميمون التي بأعلى مكة، احتفرها في الجاهلية ميمون بن الحضرمي، ولهما أخوان: عمرو، وعامر. 23 (3/235)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 236 وكان العلاء من فضلاء الصحابة، ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أبو بكر وعمر البحرين، وقيل: إن عمر ولاه البصرة فمات قبل أن يصل إليها، واستعمل عمر بعد العلاء أبا هريرة على البحرين. له عن النبي صلى الله عليه وسلم مكث المهاجر بعد قضاء نسكه بمكة ثلاثاً. روى عنه السائب أبو يزيد، وحيان الأعرج، وزياد بن حدير. وقال منصور بن راذان، عن ابن سيرين عن ابن العلاء إن العلاء بن الحضرمي كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبدأ بنفسه. وقال محمد بن إسحاق: كان الحضرمي حليف حرب بن أمية. وقيل له الحضرمي لأنه جاء) من بلاد حضرموت. وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: بعث أبو بكر 23 (3/236)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 237 الصديق العلاء في جيش قبل البحرين، وكانوا قد ارتدوا، فسار إليهم وبينه وبينهم عرض البحر حتى مشوا فيه بأرجلهم، وقطعوا كذلك في مكان كانت تجري فيه السفن، وهي اليوم تجري فيه، فقاتلهم وأظهره الله عليهم وسلموا ما منعوا من الزكاة. أخبرنا إسحاق بن أبي بكر، أنا يوسف بن خليل، أنا محمد بن أبي زيد، أنا محمود، أنا ابن فاذشاه، ثنا سليمان الطبراني، ثنا الحسين بن أحمد بسطام، ثنا إسماعيل بن إبراهيم صاحب الهروي، ثنا أبي، عن أبي كعب صاحب الحرير، عن الجريري، عن أبي السليل، عن أبي هريرة قال: لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم العلاء بن الحضرمي إلى البحرين تبعته فرأيت منه ثلاث خصال لا أدري أيتهن أعجب: انتهينا إلى شاطئ البحر فقال: سموا واقتحموا فسمينا واقتحمنا، فعبرنا فما بل الماء إلا أسفل خفاف إبلنا، فلما قفلنا صرنا بعد بفلاة من الأرض، وليس معنا ماء، فشكونا إليه، فصلى ركعتين، ثم دعا فإذا سحابة مثل الترس، ثم أرخت عزاليها فسقينا واستقينا. ومات بعدما بعثه أبو بكر إلى البحرين لما ارتدت ربيعة، فأظفره الله بهم، وأعطوا ما منعوا من الزكاة ومات دفناه في الرمل فلما سرنا غير بعيد قلنا يجيء سبع فيأكله، فرجعنا فلم نره. روى نحوه 23 (3/237)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 238 مجالد بن سعيد، عن الشعبي مرسلاً بأطول منه. مجالد، عن الشعبي أن عمر كتب إلى العلاء بن الحضرمي وهو بالبحرين أن سر إلى عتبة بن غزوان فقد وليتك عمله، إني ظننت أنك أغنى عن المسلمين منه، فمات العلاء قبل أن يصل إلى البصرة. كذا هذا عن أبي هريرة قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البحرين مع العلاء بن الحضرمي، وكنت أؤذن له. وعن المسور بن مخرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث العلاء بن الحضرمي إلى البحرين، ثم عزله بأبان بن سعيد. وذكر ابن سعد أن أبا بكر استعمل العلاء على سرية فسبى وغنم. الجارود العبدي سيد عبد القيس. هو أبو عتاب، وقيل: أبو 23 (3/238)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 239 غياث، وقيل: أبو المنذر، الجارود) بن المعلى، وقيل: اسمه بشر بن حنش. ولقب جاروداً لكونه أغار على بكر بن وائل فأصابهم وجردهم. وفد في عهد القيس سنة عشر من الهجرة وكانوا نصارى فأسلم الجارود، وفرح النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامه وأكرمه. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث. روى عنه عبد الله بن عمرو بن العاص، ومطرف بن عبد الله بن الشخير، وزيد بن علي القموصي، وأبو مسلم الجذمي، وغيرهم. اختط بالبصرة. وقتل شهيداً ببلاد فارس سنة إحدى وعشرين، وقيل: قتل مع النعمان بن مقرن. ع النعمان بن مقرن المزني أبو عمرو، ويقال: أبو حكيم. 24 (3/239)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 240 من سادة الصحابة، كان معه لواء مزينة يوم الفتح. روى عنه ابنه معاوية، ومعقل بن يسار، ومسلم بن الهيصم، وجبير بن حية الثقفي. وكان أمير الجيش يوم فتح نهاوند فاستشهد يومئذ، ونعاه عمر على المنبر وبكى. 24 (3/240)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 241 (أحداث سنة اثنتين وعشرين)

2 (فتح أذربيجان) على يد المغيرة بن شعبة. قاله ابن إسحاق، فيقال إنه صالحهم على ثمانمائة ألف درهم. وقال أبو عبيدة: افتتحها حبيب بن مسلمة الفهري بأهل الشام عنوة ومعه أهل الكوفة، وفيهم حذيفة، فافتتحها بعد قتال شديد. فالله تعالى أعلم. 2 (فتح الدينور) وفيها غزا حذيفة مدينة الدينور عنوة، وقد كانت فتحت لسعد ثم انتقضت. ثم غزا حذيفة ما سبذان فافتتحها عنوة، على خلف في ماه، وقيل: افتتحها سعد فانتقضوا. 24 (3/241)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 242 وقال طارق بن شهاب: غزا أهل البصرة ماه فأمدهم أهل الكوفة، عليهم عمار بن ياسر، فأرادوا أن يشركوا في الغنائم، فأبى أهل البصرة، ثم كتب إليهم عمر: الغنيمة لمن شهد الوقعة. 2 (فتح همذان) وقال أبو عبيدة: ثم غزا حذيفة همذان، فافتتحها عنوة ولم تكن فتحت. وإليها انتهى فتوح حذيفة، وكل هذا في سنة اثنتين وعشرين. قال: ويقال همذان افتتحها المغيرة بن شعبة سنة أربع وعشرين، ويقال: افتتحها جرير بن عبد الله بأمر المغيرة. وقال خليفة بن خياط: فيها افتتح عمرو بن العاص أطرابلس المغرب، ويقال في السنة التي بعدها. وفيها عزل عمار عن الكوفة، وفيها افتتحت جرجان، وفيها فتح سويد بن مقرن الري، ثم عسكر وسار إلى قومس فافتتحها. 2 (الوفيات) وفيها توفي: أبي كعب، في قول الواقدي، ومحمد بن عبد الله بن نمير، ومحمد بن يحيى الذهلي، والترمذي، وقد مر سنة تسع عشرة. 24 (3/242)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 243 معضد بن يزيد الشيباني استشهد بأذربيجان، ولا صحبة له. 2 (بقية حوادث السنة) وولد فيها يزيد بن معاوية وقال محمد بن جرير: إن عمر أقر على با الفرج عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي وأمره بغزو الترك، فسار بالناس حتى قطع الباب، فقال له شهريران: ما ترد أن تصنع قال: أناجزهم في ديارهم، وبالله إن معي لأقواماً لو يأذن لنا أميرنا في الإمعان لبلغت بهم السند. ولما دخل عبد الرحمن على الترك حال الله بينهم وبين الخروج عليه وقالوا: ما اجترأ على هذا الأمر إلا ومعهم الملائكة تمنعهم من الموت، ثم هروا وتحصنوا، فرجع بالظفر والغنيمة، ثم إنه غزاهم مرتين في خلافة عثمان فيسلم ويغنم، ثم قاتلهم فاستشهد أعني عبد الرحمن بن ربيعة فأخذ أخوه سلمان ن ربيعة الراية، وتحيز بالناس، قال: فهم يعني الترك يستسقوه بجسد عبد الرحمن حتى الآن. 2 (خبر السند) الوليد: ثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، أخبرني رجلان، عن أبي بكرة الثقفي، أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني قد رأيت السد، قال: كيف 24 (3/243)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 244 رأيته؟ قال: رأيته كالبرد المحبر. رواه سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة مرسلاً، وزاد: طريقة سوداء وطريقة حمراء، قال: قد رأته. قلت: يريد حمرة النحاس وسواد الحديد. سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، يروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن يأجوج ومأجوج يحفرونه كل يوم، حتى إذا كادوا أن يروا شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غداً، فيعيده الله كأشد ما كان، حتى إذا بلغت مدتهم حفروا، حتى إذا كادوا أن يروا الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه إن شاء الله غداً، فيعودون إليه كهيئته حين تركوه فيحفرونه، فيخرجون على الناس، ويتحصن الناس منهم في حصونهم، فيرمون بسهامهم إلى السماء فترجع فيها كهيئة الدماء، فيقولون: قهرنا أهل) الأرض وعلونا أهل السماء، فيبعث الله نغفاً فيقتلهم بها. وذكر ابن جرير في تاريخه من حديث عمرو بن معد يكرب عن مطر بن ثلج التميمي قال: دخلت على عبد الرحمن بن ربيعة بالباب وشهريران عنده، فأقبل رجل عليه شحوبة حتى دخل على عبد الرحمن 24 (3/244)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 245 فجلس إلى شهريران، وكان على مطر قباء برد يمني أرضه حمراء ووشيه وأسود. فتسائلا، ثم إن شهريران قال: أيها الأمير أتدري من أين جاء هذا الرجل هذا رجل بعثته نحو السد منذ سنتين ينظر ما حاله ومن دونه، وزودته مالاً عظيماً، وكتبت له إلى من يليني وأهديت له، وسألته أن يكتب له إلى ما وراءه، وزودته لكل ملك هدية، ففعل ذلك بكل ملك بينه وبينه، حتى انتهى إلى الملك الذي السد في ظهره، فكتب له إلى عامله على ذلك البلد فأتاه، فبعث معه بازيلره ومعه عقابه وأعطاه حريرة، قال: فلما انتهينا إذا جبلان، بينهما سد مسدود حتى ارتفع على الجبلين، وإن دون السد خندقاً أشد سواداً من الليل لبعده، فنظرت إلى ذلك كله وتفرست فيه، ثم ذهبت لأنصرف، فقال لي البازار على رسلك أكافئك إنه لا يلي ملك بعد ملك إلا تقرب إلى الله بأفضل ما عنده من الدنيا فيرمي به هذا اللهب، قال: فشرح بضعة لحم معه وألقاها في ذلك الهواء، وانقضت عليها العاب، وقال: إن أدركتها قبل أن تقع فلا شيء، فخرج عليه العقاب باللحم في مخاليبه، فإذا قد لصق فيه ياقوتة فأعطانيها وها هي ذه، فتناولها شهريران فرآها حمراء، فتناولها عبد الرحمن ثم ردها، فقال شهريران: إن هذه لخير من هذا يعني الباب وايم الله لأنتم أحب إلي ملكة من آل كسرى، ولو كنت في سلطانهم ثم بلغهم خبرها لانتزعوها مني، وايم الله لا يقوم لكم شيء ما وفيتم أوفى ملككم الأكبر. 24 (3/245)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 246 فأقبل عبد الرحمن على الرسول وقال: ما حال السد وما شبهه فقال: مثل هذا الثوب الذي على مطر، فقال مطر: صدق والله الرجل لقد بعد ورأى ووصف صفة الحديد والصفر. فقال عبد الرحمن لشهريران: كم كانت قيمة هاتيك قال: مائة ألف في بلادي هذه، وثلاثة آلاف ألف في تلك البلدان. وحدث الترجمان قال: لما رأى الواثق بالله كأن السد الذي بناه ذو القرنين قد فتح وجهني وقال لي: عاينه وجئني بخبره، وضم إلي خمسين رجلاً، وزودنا، وأعطانا مائتي بغل تحمل الزاد، فشخصنا من سامراء بكتابه إلى إسحاق وهو بتفليس، فكتب لنا إسحاق إلى صاحب السرير، وكتب لنا صاحب السرير إلى ملك اللان، وكتب لنا ملك اللان إلى فيلانشاه، وكتب لنا ملك) الخزر، فوجه معنا خمسة أدلاء، فسرنا من عنده ستة وعشرين يوماً، ثم صرنا إلى أرض سوداء منتنة، فكنا نشتم الخل، فسرنا فيها عشرة أيام، ثم صرنا إلى مدائن خراب ليس فيها أحد، فسرنا فيها سبعة وعشرين يوماً، فسألنا الأدلاء عن تلك المدن فقالوا: هي التي كان يأجوج ومأجوج يطرقونها فأخربوها. ثم صرنا إلى حصون عند السد 24 (3/246)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 247 بها قوم يتكلمون بالعربية والفارسية، مسلمون يقرءون القرآن، لهم مساجد وكتاتيب، فسألونا، فقال: نحن رسل أمير المؤمنين، فأقبلوا يتعجبون ويقولون: أمير المؤمنين فتقول: نعم، فقالوا: شيخ هو أم شاب قلنا: شاب، فقالوا: أين يكون فقلنا: بالعراق بمدينة يقال لها سر من رأى، فقالوا: ما سمعنا بهذا قط. ثم صرنا إلى جبل أملس ليس عليه خضراء، وإذا جبل مقطوع بواد عرضه مائة ذراع، فرأينا عضادتين مبنيتين مما يلي الجبل من جنبتي الوادي عرض كل عضادة خمسة وعشرون ذراعاً، الظاهر من تحتها عشرة أذرع خارج الباب، وكله بناء بلبن من حديد في نحاس في سمك خمسين ذراعاً، قد ركب على العضادتين على كل واحدة بمقدار عشرة أذرع في عرض خمسة، وفوق الدروند بناء بذلك اللبن الحديد إلى رأس الجبل، وارتفاعه مد البصر، وفوق ذلك شرف حديد لها قرنان يلج كل واحد منهما إلى صاحبه، وإذا باب حديد له مصراعان مغلقان عرضهما مائة ذراع في طول مائة ذراع في ثخانة خمسة أذرع. وعليه قفل طوله سبعة أذرع في غلظ باع، وفوقه بنحو قامتين غلق طوله أكثر من طول القفل، وقفيزاه كل واحد منهما ذراعان، وعلى الغلق مفتاح معلق طوله ذراع ونصف، في سلسلة طولها ثمانية أذرع، وهي في حلقة كحلقة المنجنيق. 24 (3/247)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 248 ورئيس تلك الحصون يركب كل جمعة في عشرة فوارس، مع كل فارس مرزبة من حديد فيضربون القفل بتلك المرازب ثلاث ضربات، يسمع من وراء الباب الضرب فيعلمون أن هناك حفظة، ويعلم هؤلاء أن أولئك لم يحدثوا في الباب حدثاً، وإذا ضربوا القفل وضعوا آذانهم يستمعون، فسمعوا دوياً كالرعد. وبالقرب من هذا الموضع حصن كبير، ومع الباب حصنان يكون مقدار كل واحد منهما مائتي ذراع، في مائتي ذراع، وعلى باب كل حصن شجرة، وبين الحصنين عين عذبة، وفي أحد الحصنين آلة بناء السد من قدور ومغارف وفضلة اللبن قد التصق بعضه ببعض من الصدأ،) وطول اللبنة ذراع ونصف في مثله في سمك شبر. فسألنا أهل الموضع هل رأوا أحداً من يأجوج ومأجوج، فذكروا أنهم رأوا مرة أعداداً منهم فوق الشرف، فهبت ريح سوداء فألقتهم إلى جانبهم، وكان مقدار الرجل منهم شبراً ونصف، فلما انصرفنا أخذ بنا الأدلاء، إلى ناحية خراسان، فسرنا إليها حتى خرجنا خلف سمرقند بتسعة فراسخ، وكان أصحاب الحصون زودونا ما كفانا. ثم صرنا إلى عبد الله بن طاهر. قال سلام الترجمان: فأخبرته خبرنا، فوصلني بمائة ألف درهم، ووصل كل رجل معي بخمسمائة درهم، ووصلنا إلى سر من رأى بعد خروجنا منها بثمانية وعشرين شهراً. قال مصنف كتاب المسالك والممالك: هكذا أملى علي سلام الترجمان. 24 (3/248)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 249 (أحداث سنة ثلاث وعشرين) فيها: بينما عمر رضي الله عنه يخطب إذ قال: يا سارية الجبل، وكان عمر قد بعث سارية بن زنيم الدئلي إلى فسا ودارا بجرد فحاصرهم، ثم أنهم تداعوا وجاؤوه من كل ناحية والتقوا بمكان، وكان إلى جهة المسلمين جبل لو استندوا إليه لم يؤتوا إلا من وجه واحد، فلجئوا إلى الجبل، ثم قاتلوهم فهزموهم. وأصاب سارية الغنائم فكان منها فسط جوهر، فبعث به إلى عمر فرده وأمره أن يقسمه بين المسلمين، وسأل النجاب أهل المدينة عن الفتح وهل سمعوا شيئاً، فقال: نعم يا سارية الجبل الجبل وقد كدنا نهلك، فلجأنا إلى الجبل، فكان النصر. ويروى أن عمر سئل فيما بعد عن كلامه يا سارية الجبل فلم يذكره. 25 (3/249)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 250 وفيما كان فتح كرمان، وكان أميرها سهيل بن عدي. وفيها فتحت سجستان، وأميرها عاصم بن عمرو. وفيها فتحت مكران، وأميرها الحكم بن عثمان، وهي من بلاد الجبل. وفيها رجع أبو موسى الأشعري من أصبهان، وقد افتتح بلادها. وفيها غزا معاوية الصائفة حتى بلغ عمورية. 25 (3/250)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 251 2 (الوفيات) قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر بن سواد بن كعب واسمه ظفر بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس، أبو عمر الأنصاري 25 (3/251)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 252 الظفري، أخو أبي سعيد الخدري لأمه، وقتادة الأكبر. شهد بدراً وأصيبت عينه ووقعت على خده يوم أحد، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فغمز) حدقته وردها إلى موضعها، فكانت أصح عينيه. وكان على مقدمة عمر في مقدمة الشام، وكان من الرماة المذكورين. وله أحاديث، روى عنه أخوه أبو سعيد، وابنه عمر بن قتادة، 25 (3/252)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 253 ومحمود بن لبيد، وغيرهم. وعاش خمساً وستين سنة. توفي فيها على الصحيح، ونزل عمر في قبره، وقيل توفي في التي قبلها. عمر رضي الله عنه ابن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي. أمير المؤمنين أبو حفص القرشي العدوي، الفاروق.. استشهد في أواخر ذي الحجة. وأمه حنتمة بنت هشام المخزومية أخت أبي جهل. أسلم في السنة السادسة من النبوة وله سبع وعشرون سنة. روى عنه علي، وابن مسعود، وابن عباس، وأبو هريرة، وعدة من 25 (3/253)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 254 الصحابة، وعلقمة بن وقاص، وقيس بن حازم، وطارق بن شهاب، ومولاه أسلم، وزر بن حبيش، وخلق سواهم. وعن عبد الله بن عمر قال: كان أبي أبيض تعلوه حمرة، طوالاً أصلع، أشيب. وقال غيره: كان أمهق طوالاً، آدم، أعسر يسر. وقال أو رجاء العطاردي: كان طويلاً جسيماً شديد الصلع، شديد الحمرة، في عارضيه خفة. وسيلته كبيرة وفي أطرافها صهبة، إذا حزبه أمر فتلها. وقال سماك بن حرب: كان عمر أروح كأنه راكب والناس يمششون، كأنه من رجال بني سدوس. والأروح: الذي يتدانى قدماه إذا مشى. 25 (3/254)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 255 وقال أنس: كان ييخضب بالحناء. وقال سماك: كان عمر يسرع في مشيته. ويروى عن عبد الله بن كعب بن مالك قال: كان عمر يأخذ بيده اليمنى أذنه اليسرى ويثب على فرسه فكأنما خلق على ظهره. وعن ان عمر وغيره من وجوه جيدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب. وقد ذكرنا إسلامه في الترجمة النبوية.) وقال عكرمة: لم يزل الإسلام في اختفاء حتى أسلم عمر. وقال سعيد بن جبير: وصالح المؤمنين نزلت في عمر خاصة. وقال ابن مسعود: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر. 25 (3/255)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 256 وقال شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أبو بكر وعمر: إن الناس يزيدهم حرصاً على الإسلام أن يروا عليك زياً حسناً من الدنيا. فقال: أفعل، ويم الله لو أنكما تتفقان لي على أمر واحد ما عصيتكما في مشورة أبدة. وقال ليث بن أبو سلم، عم مجاهد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لي وزيرين من أهل السماء ووزيرين من أهل الأرض، فوزيراي من أهل السماء جبريل وميكائيل، ووزيراي من أهل الأرض أبو بكر وعمر، وروى نحوه من وجهين عن أبي سعيد الخدري. قال الترمذي في حديث أبي سعد: حديث حسن. قلت: وكذلك حديث ابن عباس حسن. وعن محمد بن ثابت البناني، عن أبيه، عن أنس نحوه. وفي مسند أبي يعلى من حديث أبي ذر يرفعه: إن لكل نبي وزيرين، ووزيراي أو بكر وعمر. وعن أبي سلمة، عن أبي أروى الدوسي قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلع أبو بكر وعمر فقال: الحمد لله الذي أيدني بكما. تفرد به عاصم ابن عمر، وهو ضعيف. 25 (3/256)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 257 وقد مر في ترجمة الصديق أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى أبي بكر وعمر مقبلين فقال: هذان سيدا كهول أهل الجنة الحديث. وروى الترمذي من حديث ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم فدخل المسجد، وأبو بكر وعمر معه وهو آخذ بأيديهما فقال: هكذا نبعث يوم القيامة. إسناده ضعيف. وقال زائدة، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي، عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر. ورواه سالم أبو العلاء وهو ضعيف) عن عمرو بن هرم، عن ربعي، وحديث زائدة حسن. وروى عبد العزيز بن المطلب بن حنطب، عن أبيه، عن جده قال: كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ طلع أبو بكر وعمر فقال: هذان السمع والبصر ويروي نحوه من حديث ان عمر وغيره. وقال يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقرئ عمر السلام وأخبره أن غضبه 25 (3/257)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 258 عز وجل ورضاه حكم. والمرسل أصح، وعضهم يصله عن ابن عباس. وقال محمد بن سعد ن أبي وقاص، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إها يا ابن الخطاب فوالذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك. وعن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:: إن الشيطان يفرق من عمر. 25 (3/258)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 259 رواه مبارك بن فضالة، عن عبيد الله بن عمر، عن القاسم، عن عائشة. وعنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في زفن الحبشة لما أتى عمر: إني لأنظر شيطانين الجن والإنس ققد فروا من عمر. صححه الترمذي. وقال حسين بن واقد: حدثني عبد الله بن بريدة، عن أبيه أن أمةً سوداء أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رجع من غزاة، فقالت: إني نذرت إن ردك الله صالحاً أن أضرب عندك بالدف، قال: إن كنت نذرت فافعلي فضرت، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل عمر فجعلت دفها خلفها وهي مقنعة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان ليفرق منك يا عمر. وقال يحيى بن يمان، عن الثوري، عن عمر بن محمد، عن سالم بن عبد الله قال: أبطأ عمر على أبي موسى الأشعري، فأتى امرأة في بطنها شيطان فسألها عنه فقالت: حتى يجيء شيطاني، فجاء فسألته عنه فقال: تركته مؤتزراً وذاك رجل لا يراه شيطان إلا خر لمنخريه، الملك بين عينيه وروح الدس ينطق بلسانه. 26 (3/259)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 260 وقال زر: كان ابن مسعود يخطب ويقول: إني لأحسب الشيطان يفرق من عمر أن يحدث حدثاً فيرده، وإني لأحسب عمر بين عينيه ملك يسدده ويقومه. وقالت عائشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد كان في الأمم محدثون فإن كن في أمتي) أحد فعمر بن الخطاب:. رواه مسلم. وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله وضع الحق على لسان عمر وقلبه. رواه جماعة عن نافع، عنه، وروي نحوه عن جماعة من الصحابة. وقال الشعب: قال علي رضي الله عنه: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر. 26 (3/260)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 261 وقال أنس: قال عمر: وافقت ربي في ثلاث: ف مقام إبراهيم، وفي الحجاب، وفي قوله عسى ربه إن طلقكن. وقال حيوة بن شريح، عن بكر بن عمرو، عن مشرح، عن عقبة بن عامر قال: قال رسول اله صلى الله عليه وسلم: لو كان بعدي نبي لكان عمر. وجاء من وجهين مختلفين عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى باهى بأهل عرفة عامة وباهى بعمر خاصة. ويروى مثله عن ان عمر، وعقبة بن عامر. وقال معن القزاز: ثنا الحارث بن عبد الملك الليثي، عن القاسم بن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن أبيه، عن عطاء، عن ابن عباس، عن أخيه الفضل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحق بعدي مع عمر حيث كان. وقال ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بينما أنا نائم أتيت بقدح من لبن فشربت منه حتى إني لأرى الري يجري في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر قالوا: فما أولت ذلك قال: العلم. 26 (3/261)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 262 وقال أبو سعيد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما يبلغ دون ذلك، ومر علي عمر عليه قميص يجره، قالوا: ما أولت ذلك يا رسول الله قال: الدين. وقال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرحم أمتيي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر. وقال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دخلت الجنة فرأيت قصراً من ذهب فقلت: لمن هذا قيل: لشاب من قريش، فظننت أني أنا هو، فقيل: لعمر بن الخطاب. وفي الصحيح أيضاً من حديث جابر مثله. وقال أبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: بينا أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا ارأة) تتوضأ إلى جانب قصر فقلت: لمن هذا القصر قالوا: لعمر، فذكرت 26 (3/262)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 263 غيره عمر، فوليت مدبراً. قال فبكى عمر وقال: بأبي أنت يا رسول الله أعليك أغار. وقال الشعبي وغيره: قال علي رضي الله عنه: بينا أنا مع رسول الله، إذ طلع أيو بكر وعمر فقال: هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين لا تخبرهما يا علي. هذا الحديث سمعه الشعبي من الحارث الأعور، وله طرق حسنة عن علي منها عاصم، عن زر. وأبو إسحاق، عن عاصم بن ضمرة. قال الحافظ ابن عساكر: والحديث محفوظ عن علي رضي الله عنه. قلت: وروي نحوه من حديث أبي هريرة، وابن عمر، وأنس، وجابر. وقال مجاهد عن أبي الوداك، وقاله عن عطية، كلاهما عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن أهل الدرجات العلا ليرون من فوقهم كما ترون الكواكب الدري في أفق السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما. 26 (3/263)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 264 وعن اسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد وعن يمينه أبو بكر وعن يساره عمر فقال:: هكذا نبعث يوم القيامة. تفرد به سعيد ن مسلمة الأموي وهو ضعيف عن إسماعيل. وقال علي رضي الله عنه بالكوفة على منبرها في ملأ من الناس أيام خلافته: خير هذه الأمة بعد نيها أبو بكر، وخيرها بعد أبي بكر عمر، ولو شئت أن أسمي الالث لسمته. وهذا متواتر عن علي رض الله عنه، فقبح الله الرافضة. وقال الثوري، عن أبي هاشم القاسم بن كثير، عن قيس الخارفي سمعت علياً يقول: سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى أبو بكر، وثلث عمر، ثم خبطتنا فتنة فكان ما شاء الله. ورواه شريك، عن الأسود بن قيس، عن عمرو بن سفيان، عن علي مثله. وقال ابن عتبة، عن زائدة، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي، عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر. وكذا رواه سفيان بن حسين الواسطي عن عبد الملك، وكان سفيان 26 (3/264)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 265 ربما دلسه وأسقط منه زائدة، ورواه سفيان الثوري، عن عبد الملك، عن هلال مولى ربعي عن ربعي. وقالت عائشة: دخل ناس على أبي بكر في مرضه فقالوا: يسعك أن تولي علينا عمر وأنت) ذاهب إلى ربك فماذا تقول له قال: أقول: وليت عليهم خيرهم. وقال الزهري: أول من حيا عمر بأمير المؤمنين المغيرة بن شعبة. وقال القاسم بن محمد: قال عمر: ليعلم من ولي هذا الأمر من بعدي أن سير يده عنه القريب والبعيد، إني لأقاتل الناس عن نفسي قتالاً، ولو علمت أن أحداً أقوى عليه مني لكنت أن أقدم فتضرب عنقي أحب إلي من أن أليه. وعن ابن عباس قال: لما ولي عمر قيل له: لقد كاد بعض الناس أن يجيدا هذا الأمر عنك، قال: وما ذاك قال: يزعمون أنك فظ غليظ، قال: الحمد لله الذي ملأ قلبي لهم رحماً وملأ قلوبهم لي رعباً. 26 (3/265)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 266 وقال الأحنف بن قيس: سمعت عمر يقول: لا يحل لعمر من مال الله إلا حلتين: حلة للشتاء وحلة للصيف، وما حج ببه واعتمر، وقوت أهلي كرجل من قريش ليس بأغناهم، ثم أنا رجل من المسلمين. وقال عروة: حج عمر بالناس إمارته كلها. وقال ابن عمر: ما رأيت أحداً قط بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من حين قبض أجد ولا أجود من عمر. وقال الزهري: فتح الله الشام كله على عمر، والجزيرة ومصر والعراق كله، ودون الدواوين قبل أن يموت بعام، وقسم على الناس فيئهم. وقال: عاصم بن أبي النجود، عن رجل من الأنصار، عن خزيمة ابن ثابت: إن عمر كان إذا استعمل عاملاً كتب له واشترط عليه أن لا يركب برذوناً، ولا يأكل نقياً، ولا يلبس رقيقاً، ولا يغلق بابه دون ذوي الحاجات، فإن فعل فقد حلت عليه العقوبة. وقال طارق بن شهاب: إن كان الرجل ليحدث عمر بالحديث فكذبه الكذبة فيقول: احبس هذه، ثم يحدثه بالحديث فيقول: احبس هذه، فيقول له: كل ما حدثتك حق إلا أمرتني أن أحبسه. 26 (3/266)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 267 وقال ابن مسعود: إذا ذكر الصالحون فجيهلاً بعمر، إن عمر كان أعلمنا بكتاب الله وأفقهنا في دين الله. وقال ابن مسعود: لو أن علم عمر وضع في كفة ميزان ووضع علم أحياء الأرض في كفة لرجح علم عمر بعلمهم.) وقال شمر عن حذيفة قال: كان علم الناس مدسوساً في جحر مع عمر. وقال ان عمر: تعلم عمر البقرة في اثنتي عشرة سنة، فلما تعلمها نحر جزوراً. وقال العوام بن حوشب: قال معاوية: أما أبو بكر فلم يرد الدنيا ولم ترده، وأما عمر فأرادته الدنيا ولم يردها، وأما نحن فتمرغنا فيها ظهراً لبطن. وقال عكرمة بن خالد وغيره: إن حفصة، وعبد الله، وغيرهما كلموا عمر فقالوا: لو أكلت طعاماً طيباً كان أقوى لك على الحق، قال: أكلكم على هذا الرأي قالوا: نعم، قال: قد علمت نصحكم ولكني تركت صاحبي على جادة فإن تركت جادتها لم أدركها في المنزل. قال: وأصاب الناس سنة فما أكل عامئذ سمناً ولا سميناً. 26 (3/267)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 268 وقال ان ملكة: كلم عتبة ن فرقد عمر في طعامه، فقال: ويحك آكل طيباتي في حياتي الدنيا وأستمتع بها وقال مبارك، عن الحسن: دخل عمر على تبنه عاصم وهو يأكل لحماً فقال: ما هذا قال: قرمنا إليه:، قال: أوكلما قرمت لإلى شيء أكلته كفى بالمرء سرفاً أن يأكل كل ما اشتهى. وقال عبد الرحمن بن زد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، قال عمر: لقد خطر على قلبي شهوة السمك الطري، قال ورحل يرفأ راحلته وسار أربعاً مقبلاً ومدبراً، واشترى مكتلاً فجاء به، وعمد إلى الراحلة فغسلها، فأتى عمر فقال: انطلق حتى أنظر إلى الراحلة، فنظر وقال: نسيت أن تغسل هذا العرق الذي تحت أذنها، عذبت بهيمة ف شهوة عمر، لا والله لا يذوق عمر مكتلك. وقال قتادة: كان عمر يلبس، وهو خليفة، جبة من صوف مرقوعاً بعضها بأدم، ويطوف في الأسواق على عاتقه الدرة يؤدب الناس بها، ويمر بالنكث والنوى فيلقطه ويلقيه في منازل الناس لينتفعوا به. قال أنس: رأت بين كفي عمر أربع رقاع في قميصه. 26 (3/268)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 269 وقال أبو عثمان النهدي: رأيت على عمر إزاراً مرقوعاً بأدم. وقال عبد الله بن عامر بن ربيعة: حججت مع عمر، فما ضرب فسطاطاً ولا خباء، كان يلقي الكساء والنطع على الشجرة ويستظل تحته. وقال عبد الله بن مسلم بن هرمز، عن أبي الغادية الشامي قال: قدم عمر للجابية على جمل) أروق تلوح صلعته للشمس، ليس عله قلنسوة ولا عمامة، قد طبق رجليه بين شعبتي الرحل بلا ركاب، ووطاؤه كساء أنبجاني من صوف وهو فراشه إذ نزل، وحقيبته محشوة ليفاً، وهي إذا نزل وسادة، وعليه قميص من كرابيس قد دسم وتخرق جيبه، فقال: ادعوا لي رأس القرية، فدعوه له فقال: اغسلوا قميصي وخيطوه وأعيروني قميصاً، فأتى بقميص كتان فقال: ما هذا قيل: كتان، قال: وما الكتان فأخبروه فنزع قميصه فغسلوه ورقعوه ولبسه، فقال له رأس القرية: أنت ملك العرب وهذه بلاد لا تصلح فيها الإبل. فأتى ببرذون فطرح عليه قطيفة بلا سرج ولا رحل، فلما سار هنيهة قال: احبسوا، ما كنت أظن الناس يركبون الشيطان، هاتوا جملي. وقال المطلب بن زياد، عن عبد الله بن عيسى: كان في وجه عمر بن 27 (3/269)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 270 الخطاب خطان أسودان من البكاء. وعن الحسن قال: كان عمر يمر بالآية من ورده فيسقط حتى يعاد منها أياماً. وقال أنس: خرجت مع عمر فدخل حائطاً فسمعته يقول وبني زبينه جداراً: عمر بن الخطاب أمير المؤمنين والله لتتقين الله بني الخطاب أو ليعذبنك. وقال عبد الله بن عامر بن ربيعة: رأيت عمر أخذ تبنة من الأرض فقال: يا ليتني هذه التبنة، ليتني لم أك شيئاً، ليت أمي لم تلدني. وقال عبيد الله بن عمر بن حفص: إن عمر بن الخطاب حمل قربة على عنقه، فقيل له في ذلك فقال: إن نفسي أعجبتني فأردت أن أذلها. وقال الصلت بن بهرام، عن جميع بن عمير التيمي، عن ابن عمر قال: شهدت جلولاء فاتبعت من المغنم بأربعين ألفاً، فلما قدمت على عمر قال: أرأيت لو عرضت على النار فقيل لك: افتده، أكنت مفتدي به قلت: والله ما من شيء يؤذيك إلا كنت مفتديك منه، قال: كأني شاهد الناس حين تبايعوا فقالوا: عبد الله بن عمر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن أمير المؤمنين وأحب الناس إليه، وأنت كذلك فكان أن يرخصوا عليك أحب إليهم من أن يغلوا عليك، وإني قاسم مسئول وأنا معطيك أكثر ما ربح تاجر من 27 (3/270)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 271 قريش، لك ربح درهم، قال: ثم دعا التجار فابتاعوه منه بأربعمائة ألف درهم، فدفع إلي ثمانين ألفاً وبعث بالباقي إلى سعد بن أبي وقاص ليقسمه.) وقال الحسن: رأى عمر جارية تطيش هزالاً فقال: من هذه فقال عبد الله: هذه إحدى بناتك. قال: وأي بناتي هذه قال: بنتي، قال: ما بلغ بها ما أرى قال عملك لا تنفق عليها، قال: إني والله ما أعول ولدك فاسع عليهم أيها الرجل. وقال محمد بن سيرين: قدم صهر لعمر عليه فطلب أن يعطيه عمر من بيت المال فانتهره عمر وقال: أردت أن ألقى الله ملكاً خاءناً فلما كان بعد ذلك أعطاه من صلب ماله عشرة آلاف درهم. قال حذيفة: والله ما أعرف رجلاً لا تأخذه في الله لومة لائم إلا عمر. وقال الحذيفة: كنا جلوساً عند عمر فقال: أيكم يحفظ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فق الفتنة قلت: أنا. قال: إنك لجريء، قلت: فتنة الرجل في أهل وماله وولده تكفرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال: ليس عنها أسألك ولكن الفتنة التي تموج موج البحر، قلت: ليس عليك منها بأس إن بينك وبينها باباً مغلقاً، قال: أيكسر أم يفتح قلت: بل يكسر، قال: إذاً لا يغلق أبداً، قلنا لحذيفة: أكان عمر يعلم من الباب قال: نعم كما يعلم أن دون غد الليلة، إني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط، 27 (3/271)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 272 فسأله مسروق: من الباب قال: الباب عمر. أخرجه البخاري. وقال إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: أتى عمر بكنوز كسرى، فقال عبد الله بن الأررقم: أتجعلها في بيت المال حتى تقسمها فقال عمر: لا والله لا آويها إلى سقف حتى أمضيها، فوضعها في وسط المسجد وباتوا يحرسونها، فلما أصبح كشف عنها فرأى من الحمراء والبيضاء ما يكاد يتلألأ، فبكى فقال له أبي: ما يبكيك يا أمير المؤمنين فوالله إن هذا اليوم شكر ويوم سرور فقال: ويحك إن هذا لم يعطه قوم إلا ألقيت بينهم العداوة والبغضاء. وقال أسلم مولى عمر: استعمل عمر مولي له على الحمى فقال: يا هني اضمم جناحك عن المسلمين واتق دعوة المظلوم فإنها مستجابة، وأدخل رب الصريمة والغنيمة، وإياي ونعم ابن عوف ونعم ابن عفان فإنهما إن تهلك ما شيتهما يرجعان إلى زرع ونخل، وإن رب الصريمة والغنيمة إن تهلك ماشيتهما يأتني ببنية فيقول: يا أمير المؤمنين أفتاركهم أنا لا أبالك فالماء والكلأ أيسر علي من الذهب والفضة، وايم الله إنهم ليرون أني قد ظلمتهم، إنها لبلادهم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام، والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في) سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبراً. أخرجه البخاري. وقال أبو هريرة: دون عمر الديوان، وفرض للمهاجرين الأولين خمسة 27 (3/272)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 273 آلاف خمسة آلاف، وللأنصار أربعة آلاف أربعة آلاف، ولأمهات المؤمنين اثني عشر ألفاً اثني عشر ألفاً. وقال لإبراهيم النخعي: كان عمر يتجر وهو خليفة. وقال الأعمش، عن أبي صالح، عن مالك الدار قال: أصاب الناس قحط في زمان عمر، فجاء رجل إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يل رسول الله استسق الله لأمتك فإنهم قد هلكوا. فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وقال: ائت عمر فأقرئه مني السلام وأخبره أنهم مسقون وقل له: عليك الكيس الكيس، فأتى الرجل فأخبر عمر فبكى وقال: يا رب ما آلو ما عجزت عنه. وقال أنس: تقرقر بطن عمر من أكل الزيت عام الرمادة، كان قد حرم نفسه السمن، قال: فنقر بطنه بإصبعه وقال: إنه ليس لك عندنا غيره حتى يحيا الناس. وقال الواقدي: ثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: لما كان عام الرمادة جاءت العرب يقومون بمصالحهم، فسمعته يقول ليلة: أحصوا الرجال عندنا فأحصوهم من القابلة فوجدوهم سبعة آلاف رجل، وأحصوا الرجال المرضى والعيالات فكانوا أربعين ألفاً. ثم بعد أيام بلغ الرجال والعيال ستين ألفاً، فما برحوا حتى أرسل الله السماء، فلما مطرت رأيت عمر قد وكل بهم من يخرجونهم إلى البادية ويعطونهم قوتاً وحملاناً إلى باديتهم، وكان قد 27 (3/273)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 274 وقع فيهم الموت فأراه مات ثلثاهم، وكانت قدور عمر تقوم إليها العمال من السحر يعملون الكركور ويعملون العصائد. وعن أسلم قال: كنا نقول: لو لم يرفع الله المحل عام الرمادة لظننا أن عمر يموت. وقال سفيان الثوري: من زعم أن علياً كان أحق بالولاية من أبي بكر وعمر فقد خطأ أبا بكر وعمر والمهاجرين والأنصار. وقال شريك: ليس يقدم علياً على أبي بكر وعمر أحد فيه خير. وقال أبو أسامة: تدرون من أبو بكر وعمر هما أبو الإسلام وأمه. وقال الحسن بن صالح بن حي: سمعت جعفر بن محمد الصادق يقول: أنا بريء ممن ذكر أبا بكر وعمر إلا بخير.) تزوج زينب بنت مظعون، فولدت له عبد الله، وحفصة، وعبد الرحمن. وتزوج مليكة الخزاعية، فولدت له عبيد الله، وقيل أمه وأم زيد الأصغر أم كلثوم بنت جرول. وتزوج أم حكيم بنت الحارث بن هشام 27 (3/274)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 275 المخزومية، فولدت له فاطمة. وتزوج جميلة بنت عاصم بن ثابت فولدت له عاصماً. وتزوج أم كلثوم بنت فاطمة الزهراء وأصدقها أربعين ألفاً، فولدت له زيداً ورقية. وتزوج لهية امرأة من اليمن فولدت له عبد الرحمن الأصغر. وتزوج عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل التي تزوجها بعد موته الزبير. وقال الليث بن سعد: استخلف عمر فكان فتح دمشق، ثم كان اليرموك سنة خمس عشرة، ثم كانت الجابية سنة ست عشرة، ثم كانت إيلياء وسرغ لسنة سبع عشرة، ثم كانت الرمادة وطاعون عمواس سنة ثماني عشرة، ثم كانت جلولاء سنة تسع عشرة ثم كان فتح باب ليون وقيسارية بالشام، وموت هرقل سنة عشرين، وفيها فتحت مصر، وسنة إحدى وعشرين فتحت نهاوند، وفتحت الإسكندرية سنة اثنتين وعشرين. وفيها فتحت إصطخر وهمذان. ثم غزا عمرو بن العاص أطرابلس المغرب. وغزوة عمورية وأمير مصر وهب بن عمير الجمحي، وأمير أهل الشام أبو الأعور سنة ثلاث وعشرين. ثم قتل عمر مصدر الحاج في آخر السنة. قال خليفة: وقعة جلولاء سنة سبع عشرة. 27 (3/275)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 276 وقال سعيد بن المسيب: إن عمر لما نفر من منى أناخ بالأبطح، ثم كوم كومة من بطحاء واستلقى ورفع ديه إلى السماء، ثم قال: اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط فما انسلخ ذو الحجة حتى طعن فمات. وقال أبو صالح السمان: قال كعب لعمر: أجدك في التوراة تقتل شهيداً، قال: وأنى لي بالشهادة وأنا بجزيرة العرب وقال أسلم، عن عمر أنه قال: اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك. أخرجه البخاري. وقال معدان بن أبي طلحة اليعمري: خطب عمر يوم جمعة وذكر نبي الله وأبا بكر ثم قال: رأيت كأن ديكاً نقرني نقرة أو نقرتين، وإني لا أراه إلا حضور أجلي، وإن قوماً يأمروني أن أستخلف وأن الله لم يكن ليضيع دينه ولا خلافته فإن عجل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض. وقال الزهري: كان عمر لا يأذن لسبي قد احتلم في دخول المدينة حتى كتب المغيرة بن شعبة) وهو على الكوفة يذكر له غلاماً عنده صنعاً 27 (3/276)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 277 ويستأذنه أن يدخل المدينة ويقول: إن عنده أعمالاً كثيرة فيها منافع للناس: إنه حداد نقاش نجار، فأذن له أن يرسل به، وضرب عليه المغيرة مائة درهم في الشهر، فجاء إلى عمر يشتكي شدة الخراج، فال: ما خراجك بكثير. فانصرف ساخطاً يتذمر، فلبث عمر ليالي ثم دعاه فقال: ألم أخبر أنك تقول: لو شاء لصنعت رحى تطحن بالريح فالتفت إلى عمر عابساً وقال: لأصنعن لك رحى يتحدث الناس بها، فلما ولي قال عمر لأصحابه: أوعدني العبد آنفاً. ثم اشتمل أبو لؤلؤة على خنجر ذي رأسين نصابه في وسطه، فكمن في زاوية من زوايا المسجد في الغلس. وقال عمرو بن ميمون الأودي: إن أبا لؤلؤة عبد المغيرة طعن عمر بخنجر له رأسان وطعن معه اثني عشر رجلاً، مات منهم ستة، فألقى عليه رجل من أهل العراق ثوباً، فلما اغتم فيه قتل نفسه. وقال عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: جئت من السوق وعمر يتوكأ علي، فمر بنا أبو لؤلؤة، فنظر إلى عمر نظرة ظننت أنه لولا مكاني لبطش به، فجئت بعد ذلك إلى المسجد الفجر فإني لبين النائم واليقظان، إذ سمعت عمر يقول: قتلني الكلب، فماج الناس ساعة، ثم إذا قراءة عبد الرحمن بن عوف. وقال ثابت البناني، عن أبي رافع: كان أبو لؤلؤة عبداً للمغيرة يصنع الأرحاء، وكان المغيرة يستغله كل يوم أربعة دراهم، فلقي عمر فقال: يا 27 (3/277)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 278 أمير المؤمنين إن المغيرة قد أثقل علي فكلمه، فقال: أحسن إلى مولاك، ومن نية عمر أن يكلم المغيرة فيه، فغضب وقال: يسع الناس كلهم عدله غيري، وأضمر قتله واتخذ خنجراً وشحذه وسمه، وكان عمر يقول: أقيموا صفوفكم قبل أن يكبر، فجاء فقام حذاءه في الصف وضربه في كتفه وفي خاصرته، فسقط عمر، وطعن ثلاثة عشر رجلاً معه، فمات منهم ستة، وحمل عمر إلى أهله وكادت الشمس أن تطلع، فصلى ابن عوف بالناس بأقصر سورتين، وأتي عمر بنبيذ فشربه فخرج من جرحه فلم يتبين، فسقوه لبناً فخرج من جرحه فقالوا: لا بأس عليك، فقال: إن يكن بالقتل بأس فقد قتلت، فجعل الناس يثنون عليه ويقولون: كنت وكنت، فقال: أما والله وددت أني خرجت منها كفافاً لا علي ولا لي وأن صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمت لي. وأثنى عليه ابن عباس، فقال: لو أن لي طلاع الأرض ذهباً لافتديت به من هول المطلع، وقد) جعلتها شورى في عثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن وسعد. وأمر صهيباً أن يصلي بالناس، وأجل الستة ثلاثاً. وعن عمرو بن ميمون أن عمر قال: الحمد لله الذي لم يجعل منيتي 27 (3/278)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 279 بيد رجل يدعي الإسلام ثم قال لابن عباس: كنت أنت وأبوك تحبان أن يكثر العلجوم بالمدينة. وكان العباس أكثرهم رقيقاً. ثم قال: ييا عبد الله أنظر ما علي من الدين، فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفاً أو نحوها، فقال: إن وفى مال آل عمر فأده من أموالهم وإلا فاسأل في بني عدي فإن لم تف أموالهم فسل في قريش، إذهب إلى أم المؤمنين عائشة فقل: يستأذن عمر أن يدفن مع صاحبيه، فذهب إليها فقالت: كنت أريده تعني المكان لنفسي ولاؤثرنه اليوم على نفسي، قال: فأتى عبد الله فقال: قد أذنت لك، فحمد الله. ثم جاءت أم المؤمنين حفصة والنساء يسترنها، فلما رأيناه قمنا، فمكثت عنده ساعة، ثم استأذن الرجال فولجت داخلة ثم سمعنا بكاءها. وقيل له: أوص يا أمير المؤمنين واستخلف، قال: ما أرى أحداً أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فسمى الستة وقال: يشهد عبد الله بن عمر معهم وليس له من الأمر شيء كهيئة التعزية له فإن أصابت الإمرة سعداً فهو ذاك وإلا فليستعن به أيكم ما أمر، فإني لم أعزله من عجز ولا خانة، ثم قال: أوص الخليفة من بعدي بتقوى الله، وأوصه بالمهاجرين والأنصار، وأوصيه بأهل الأمصار خيرا، في مثل ذلك من الوصية. فلما توفي خرجنا به نمشي، فسلم عبد الله بن عمر وقال: عمر يستأذن، فقالت عائشة: أدخلوه، فأدخل فوضع هناك مع صاحبيه. 28 (3/279)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 280 فلما فرغ من دفنه ورجعوا اجتمع هؤلاء الرهط، فقال عببد الرحمن بن عوف: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم، فقال الزبير: قد جعلت أمر إلى علي وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن، وقال طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان، قال: فخلا هؤلاء الثلاثة فقال عبد الرحمن: أنا لا أريدها فأيكما تبرأ من هذا الأمر ونجعله إله والله عليه والإسلام لينظرن أفضلهم في نفسه وليحرصن على صلاح الأمة، قال: فكت الشيخان عل وعثمان، فقال عبد الرحمن: اجعلوه إلي والله علي لا آلو عن أفضلكم، قالا: نعم فخلا بعلي وقال: لك من القدم في الإسلام) والقرابة ما قد علمت، الله عليك لئن أمرتك لتعدلن ولئن أمرت عليك لتسمعن ولتطيعن، قال: ثم خلا بالآخر فقال له كذلك، فلما أخذ ميثاقهما بايع عثمان وبايعه علي. وقال المسور بن مخرمة: لما أصبح عمر من الغد، وهو مطعون فزعوه فقالوا: الصلاة، ففزع وقال: نعم ولاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فصلى وجرحه يثقب دماً. وقال النضر بن شميل: ثنا أبو عامر الخزار، عن بن أبي مليكة، عن ابن عباس قال: لما طعن عمر جاء كعب فقال: والله لئن دعا أمير المؤمنين لبقينه الله وليرفعنه لهذه الأمة حتى يفعل كذا وكذا. حتى ذكر المنافقين فيمن ذكر، قال: قلت: أبلغه ما تقول قال: ما قلت إلا وأنا أريد أن تبلغه، فقمت وتخطيت الناس حتى جلست عند رأسه فقلت: إن كعباً يحلف بالله لئن دعا أمير المؤمنون ليبقينه الله وليرفعنه لهذه الأمة، قال: ادعوا كعباً فدعوه فقال: ما تقول قال: أقول 28 (3/280)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 281 كذا وكذا، فقال: لا والله لا أدعو الله ولكن شقي عمر إن لم يغفر الله له، قال: وجاء صهيب فقال: واصفياه واخليلاه واعمراه، فقال: مهلاً يا صهيب أو ما بلغك أن المعول عليه يعذب ببعض بكاء أهله عليه. وعن ابن عباس قال: كان أبو لؤلؤة مجوسياً. وعن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: قال ابن عمر: يا أمير المؤمنين ما عليك لو أجهدت نفسك ثم أمرت عليهم رجلاً فقال عمر: أقعدوني. قال عبد الله: فتمنيت أن بيني وبينه عرض المدينة فرقاً من حين قال أقعدوني. ثم قال: من أمرتم بأفواهكم قلت: فلاناً، قال: إن تؤمروه فإنه ذو شيبتكم، ثم أقبل على عبد الله فقال: ثكلتك أمك أرأيت الوليد ينشأ مع الوليد وليداً وينشأ معه كهلاً، أتراه يعرف من خلقه فقال: نعم يا أمير المؤمنين، قال: فما أنا قائل لله إذا سألني عمن أمرت عليهم فقلت: فلاناً، وأنا أعلم منه ما أعلم فلا والذي نفسي بيده لأرددنها إلى الذي دفعها إلي أول مرة، ولوددت أن عليها من هو خير مني لا ينقصني ذلك مما أعطاني الله شيئاً. وقال سالم بن عبد الله، عن أبيه قال: دخل على عمر عثمان، وعلي، والزبير، وابن عوف، وسعد وكان طلحة غائباً فنظر إليهم ثم قال: إني قد نظرت لكم في أمر الناس فلم أجد عند الناس شقاقاً إلا أن يكون فيكم، ثم قال: إن قومكم إما يؤمروا أحدكم أيها الثلاثة، فإن كنت على شيء من أمر الناس يا عثمان فلا تحملن بني أبي معيط على رقاب الناس، وإن كنت على شيء من أمر الناس يا عبد الرحمن فلا تحملن أقاربك 28 (3/281)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 282 على رقاب الناس. وإن كنت على شيء) من أمر الناس يا علي فلا تحملن بني هاشم على رقاب الناس، قوموا فتشاوروا وامروا أحدكم، فقاموا يتشاورون. قال ابن عمر: فدعاني عثمان مرة أو مرتين ليدخلني في الأمر ولم يسمني عمر، ولا والله لقلما سمعته حول شفتيه بشيء قط إلا كان حقاً، فلما أكثر عثمان دعائي قلت: ألا تعقلون تؤمرون وأمير المؤمنين حي فوالله لكأنما أيقظتهم، فقال عمر: أمهلوا فإن حدث بي حدث فليصل للناس صهيب ثلاثاً ثم اجمعوا في اليوم الثالث أشراف الناس وأمراء الأجناد فأمروا أحدكم، فمن تأمر عن غير مشورة فاضربوا عنقه. وقال ابن عمر: كان رأس عمر في حجري فقال: ضع خدي على الأرض، فوضعته فقال: ويل لي وويل أمي إن لم يرحمني ربي. وعن الحويرث قال: لما مات عمر ووضع ليصلى عليه اقتتل علي وعثمان أيهما يصلي عليه، فقال عبد الرحمن: إن هذا لهو الحرص على الإمارة، لقد علمتما ما هذا إليكما ولقد أمر به غيركما، تقدم يا صهيب فصل عليه. فصلى عليه. وقال أبو معشر، عن نافع، عن ابن عمر قال: وضع عمر بين القبر والمنبر، فجاء علي حتى قام بين الصفوف فقال: رحمة الله عليك ما من خلق أحب إلي من أن ألقى الله صحيفته بعد صحيفة النبي صلى الله عليه وسلم من هذا 28 (3/282)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 283 المسجى عليه ثوبه. وقد روي نحوه من عدة وجوه عن علي. وقال معدان بن أبي طلحة: أصيب عمر يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة، وكذا قال زيد بن أسلم وغير واحد. وقال إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص: إنه دفن يوم الأحد مستهل المحرم. وقال سعيد بن المسيب: توفي عمر وهو ابن أربع أو خمس وخمسين سنة، كذا رواه الزهري عنه. وقال أيوب، وعبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال: مات عمر وهو ابن خمس وخمسين سنة. كذا قال سالم بن عبد الله، وأبو الأسود يتيم عروة وابن شهاب. وروى أبو عاصم، عن حنظلة، عن سالم، عن أبيه: سمعت عمر قبل أن يموت بعامين أو نحوهما يقول: أنا ابن سبع أو ثمان وخمسين. تفرد به أبو عاصم.) وقال الوادي: نا هاشم بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه: توفي عمر وله ستون سنة. قال الواقدي: هذا أثبت الأقاويل، وكذا قال مالك. 28 (3/283)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 284 وقال قتادة: قتل عمر وهو ابن إحدى وستين سنة. وقال عامر بن سعد البجلي، عن جرير بن عبد الله سمع معاوية يخطب ويقول: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين، وأبو بكر وعمر وهما ابنا ثلاث وستين. وقال يحيى بن سعيد: سمعت سعيد بن المسيب قال: قبض عمر وقد استكمل ثلاثاً وستين. وقد تقدم لابن المسيب قول آخر. وقال الشعبي مثل قول معاوية. وأكثر ما قيل قول ابن جريج، عن أبي الحويرث، عن ابن عباس: قبض عمر وهو ابن ست وستين سنة والله أعلم. 28 (3/284)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 285 2 (ذكر من توفي في خلافة عمر)

2 (رضي الله عنهمجملاً) الأقرع بن حابس التميمي المجاشعي، أحد المؤلفة قلوبهم وأحد الأشراف، أقطعه أبو بكر له ولعيينة بن بدر، فعطل عليهما عمر ومحا الكتاب الذي كتب لهما أبو بكر، وكانا من كبار قومهما، وشهد الأقرع مع خالد حرب أهل العراق وكان على المقدمة. 28 (3/285)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 286 وقيل إن عبد الله بن عامر استعمله على جيش سيره إلى خراسان فأصيب هو والجيش بالجوزجان وذلك في خلافة عثمان. وقال ابن دريد: اسمه فراس بن حابس بن عقال، ولقب الأقرع لقرع برأسه. الحباب بن منذر بن الجموح أبو عمرو الأنصاري، أحد بني سلمة بن سعد، وقيل كنيته أبو عمر، وكان يقال له ذو الرأي. أشار يوم بدر على النبي أن ينزل على آخر ماء ببدر ليبقى المشركون على غير ماء، وهو الذي قال يوم سقيفة بني ساعدة: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير. والجذل: هو عود ينصب للإبل الجربى لتحتك به. والعذق: النخلة، والمرجب: أن تدعم النخلة الكريمة ببناء من الحجارة أو خشب إذا خيف عليها لكثرة حملها أن تقع، يقال: رجبتها فهي مرجبة.) 28 (3/286)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 287 روى عنه أبو الطفيل. توفي بالمدينة في خلافة عمر. ت ن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي أبو أروى. وأمه غزية بنت قيس الفهرية. له صحبة، وهو من مسلمة الفتح. روى عنه ابنه عبد المطلب، وله أيضاً صحبة. خ د ن سودة بنت زمعة بن قيس أم المؤمنين القريشية العامرية، أول من تزوج بها النبي صلى الله عليه وسلم بعد موت 28 (3/287)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 288 خديجة وكانت قبله عند السكران أخي سهيل بن عمرو العامري، ولما تكهلت وهبت يومها لعائشة لتكون من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة. روى عنها ابن عباس، ويحيى بن عبد الله الأنصاري. وتوفيت في آخر خلافة عمر، وقد انفردت بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين لا تشاركها فيه امرأة ولا سرية، ثم بنى بعائشة بعد، ولها تسع سنين، وكانت سودة من سادات النساء. قال هاشم بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: ما رأيت امرأة أحب إلي أن أكون في مسلاخها من سودة من امرأة فيها حدة، فلما كبرت جعلت يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة. وقال الواقدي: ثنا محمد بن عبد الله بن مسلم، ثنا أبي قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة في رمضان سنة عشر من النبوة بعد وفاة خديجة، وهاجر بها. وتوفيت بالمدينة في شوال سنة أربع وخمسين. قال الواقدي: وهذا الثبت عندنا. 28 (3/288)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 289 وروى عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال قال: توفيت سودة زمن عمر. عتبة بن مسعود الهذلي أخو عبد الله لأبويه، وهو جد الفقيه عبيد الله بن عبد الله شيخ الزهري. أسلم بمكة وهاجر إلى الحبشة مع أخيه، وشهد أحداً وكان فقيهاً فاضلاً. توفي في إمرة عمر على الصحيح، ويقال زمن معاوية. علقمة بن علاثة بن عوف العامري الكلابي، من المؤلفة قلوبهم.) 29 (3/289)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 290 أسلم على يد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من أشراف قومه، وكان يكون بتهامة، وقد قدم دمشق قبل فتحها في طلب ميراث له، ووفد على عمر في خلافته. روى عنه أنس. علقمة بن مجزز بن الأعور المدلجي. استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على بعض جيوشه، وولاه الصديق حرب فلسطين، وحضر الجابية مع عمر، ثم سيره عمر في جيش إلى الحبشة في ثلاثمائة، فغرقوا كلهم، وقيل كان ذلك في أيام عثمان بن عفان. وأبوه مجزز هو المعروف بالقيافة. خ م ت ن ق عمرو بن عوف حليف بني عامر من لؤي، من مولدي مكة، سماه ابن إسحاق عمراً، وسماه موسى بن عقبة عميراً. شهد بدراً وأحداً. وروى عنه المسور بن مخرمة حديث قدوم أبي عبيدة بمال من البحرين، أخرجه البخاري، وصلى عليه عمر. 29 (3/290)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 291 ق عويم بن ساعدة بن عائش أبو عبد الرحمن الأنصاري، أحد بني عمرو بن عوف. بدري مشهور، وقيل هو من بلي، له حلف في بني أمية بن زيد، وقد شهد العقبة أيضاً. وله حديث في مسند أحمد من رواية شرحبيل بن سعد عنه، ولم يدركه. 29 (3/291)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 292 وقال ابن عبد البر: توفي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل مات في خلافة عمر فقال وهو واقف على قبره: لا يستطيع أحد أن يقول: أنا خير من صاحب هذا القبر، ما نصبت لرسول الله راية إلا وعويم تحتها. عمارة بن الوليد أخو خالد بن الوليد المخزومي. قال الولقدي: حدثني عبد الله بن جعفر، عن أبي عون قال: لما كان من أمر عمرو بن العاص ما كان بالحبشة، وصنع النجاشي بعمارة بن الوليد ما صنع، وأمر السواحر فنفخن في إحليله، فهام مع الوحش، فخرج إليه في خلافة عمر عبد الله بن أبي ربيعة ابن عمه فرصده على ماء بأرض الحبشة كان يرده فأقبل في حمر الوحش، فلما وجد ريح الإنس هرب حتى إذا جهده العطش ورد فشرب، قال عبد الله: فالتزمته فجعل يقول: يا بحير أرسلني إني أموت إن أمسكوني. وكان عبد الله يسمى بحيراً، قال: 29 (3/292)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 293 فصككته فمات في يدي مكانه، فواريته ثم انصرفت، وكان شعره قد غطى كل شيء منه.) غيلان بن سلمى الثقفي له صحبة ورواية، وهو الذي أسلم وتحته عشر نسوة. وكان شاعراً محسناً. وفد قبل الإسلام على كسرى فسأله أن يبني له حصناً بالطائف. أسلم زمن الفتح. روى عنه ابنه عروة، وبشر بن عاصم. معمر بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب الجمحي، أخو 29 (3/293)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 294 حاطب وخطاب، وأمهم قتيلة أخت عثمان بن مظعون. أسلم معمر قبل دخول دار الأرقم، وهاجر، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين معاذ بن عفراء، وشهد بدراً. ميسرة بن مسروق العبسي شيخ صالح، يقال: له صحبه شهد اليرموك. وروى عن أبي عبيدة. وعنه أسلم مولى عمر. ودخل الروم أميراً على ستة آلاف، فوغل فيها وقتل وسبى وغنم فجمعت له الروم، وذلك في سنة عشرين، فواقعهم ونصره الله عليهم، وكانت وقعة عظيمة. الهرمزان صاحب تستر قد مر من شأنه في سنة عشرين، وهو من جملة الملوك الذين تحت يد يزدجرد. قال ابن سعد: بعثه أبو موسى الأشعري إلى عمه ومعه اثنا عشر نفساً من العجم، عليهم ثياب الديباج ومناطق الذهب وأساوره الذهب، فقدموا بهم المدينة، فعجب الناس من هيئتهم، فدخلوا فوجدوا فوجدوا عمر في المسجد 29 (3/294)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 295 نائماً متوسداً رداءه، فقال الهرمزان: هذا ملككم قالوا: نعم، قال: أما له حاجب ولا حارس قالوا: الله حارسه حتى يأتيه أجله، قال: هذا الملك الهني. فقال عمر: الحمد لله الذي أذل هذا وشيعته بالإسلام، ثم قال للوفد: تكلموا، فقال أنس بن مالك: الحمد لله الذي أنجز وعده وأعز دينه وخذل من حاده، وأورثنا أرضهم وديارهم، وأفاء علينا أبناءهم وأموالهم، فبكى عمر ثم قال للهرمزان: كيف رأيت صنيع الله بكم فلم يجبه، قال: مالك لا تتكلم قال: أكلام حي أم كلام ميت قال: أولست حياً فاستسقى الهرمزان، فقال عمر: لا يجمع عليك القتل والعطش، فأتوه بماء فأمسكه، فقال عمر: اشرب لا بأس عليك،) فرمى بالإناء وقال: يا معشر العرب كنتم وأنتم على غير دين نستبعدكم ونقتلكم وكنتم أسوأ الأمم عندنا حالاً، فلما كان الله معكم لم يكن لأحد بالله طاقة، فأمر عمر بقتله، فقال: أولم تؤمني قال: وكيف قال: قلت لي: تكلم لا بأس عليك، وقلت: اشرب لا أقتلك حتى تشربه، فقال الزبير وأنس: صدق، فقال عمر: قاتله الله أخذ أماناً وأنا لا أشعر، فنزع ما كان عليه، فقال عمر لسراقة بن مالك بن جعشم وكان أسود نحيفاً: إلبس سواري الهرمزان، فلبسهما ولبس كسوته. فقال عمر: الحمد لله الذي سلب كسرى وقومه حليهم وكسوتهم وألبسها سراقة، ثم دعا الهرمزان إلى الإسلام فأبى، فقال علي بن أبي طالب: يا أمير المؤمنين فرق بين هؤلاء، فحمل عمر الهرمزان وجفينة وغيرهما في البحر وقال: اللهم اكسر بهم، وأراد أن يسير بهم الشام فكسر بهم ولم يغرقوا فرجعوا فأسلموا، وفرض لهم عمر ألفين ألفين، وسمى الهرمزان عرفطة. 29 (3/295)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 296 قال المسور بن مخرمة: رأيت الهرمزان بالروحاء مهلاً بالحج مع عمر. وروى إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جده قال: رأيت الهرمزان مهلاً بالحج مع عمر، وعليه حلة حبرة. وقال علي بن زيد بن جدعان، عن أنس قال: ما رأيت رجلاً أخمص بطناً ولا أبعد ما بين المنكبين من الهرمزان. عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري: أخبرني سعيد بن المسيب، أن عبد الرحمن بن أبي بكر ولم تجرب عليه كذبة قط قال: انتهيت إلى الهرمزان وجفنية وأبي لؤلؤة وهم نجي فتبعتهم، وسقط بينهم خنجر له رأسان نصابه في وسطه، فقال عبد الرحمن: فانظروا بم قتل عمر، فنظروا فوجدوه خنجراً على تلك الصفة، فخرج عبيد الله بن عمر ن الخطاب مشتملاً على السيف حتى أتى الهرمزان فقال: اصحبني ننظر فرساً لي وكان بصيراً بالخيل فخرج يمشي بين يديه فعلاه عبيد الله بالسيف، فلما وجد حد السيف قال: لا إله إلا الله فقتله. ثم أتى جفنية وكان نصرانياً، فلما أشرف له علاه علاه بالسيف فصلب بين عينيه. ثم أتى بنت أبي لؤلؤة جارية صغيرة تدعي الإسلام فقتلها، وأظلمت الأرض يومئذ على أهلها، ثم أقبل بالسيف صلتاً في يده وهو يقول: والله لا أترك في المدينة سبياً إلا قتلته وغيرهم، كأنه يعرض بناس) من المهاجرين، فجعلوا يقولون له: ألق السيف، فأبى، ويهابونه أن يقربوا منه، حتى أتاه عمروا بن العاص فقال: أعطني السيف يابن أخي. فأعطاه إياه. ثم ثار إليه عثمان فأخذ برأسه فتناصيا حتى حجز الناس بينهما. فلما ولي عثمان قال: أشيروا علي في هذا الذي فتق في الإسلام ما فتق، فأشار المهاجؤون بقتله، وقال جماعة الناس: قتل عمر 29 (3/296)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 297 بالأمس ويتبعونه ابنه اليوم ! أبعد الله الهرمزان وجفنية، فقال عمرو: إن الله قد أعفاك أن كون هذا الأمر في ولايتك فاصفح عنه، فتفرق الناس على قول عمرو، وودى عثمان الرجلين والجارية. رواه سعد عن الواقدي عن معمر، وزاد فيه: كان جفنية من نصارى الحيرة وكان ظئراً لسعد بن أبي وقاص يعلم الناس الخط بالمدينة، وقال فيه: وما أحسب عمراً كان يومئذ بالمدينة بل مصر إلا أن يكون قد حج، قال: وأظلمت الأرض فعظم ذلك في النفوس وأشفقوا أن تكون عقوبة. وعن أبي وجزة، عن أبيه قال: رأيت عبيد الله يومئذ وإنه ليناصي عثمان، وعثمان يقول له: قاتلك الله قتلت رجلاً يصلي وصبية صغيرة وآخر له ذمة، ما في الحق تركك. وبقي غبيد الله بن عمر وقتل يوم صفين مع معاوية. معمر، عن الزهري: أخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر، أن أباه قال: يرحم الله حفصة إن كانت لمن شيع عبيد الله على قتل الهرمزان وجفنية. قال معمر: بلغنا أن عثمان قال: أنا ولي الهرمزان وجفنية والجارية، وإني قد جعلتها دية. وذكر محمد بن جرير الطبري بإسناد له أن عثمان أقاد ولد الهرمزان من 29 (3/297)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 298 عبيد الله، فعفا ولد الهرمزان عنه. هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس العبشمية أم معاوية بن أبي سفيان. أسلمت يوم الفتح وشهدت اليرموك. وهي القائلة للنبي صلى الله عليه وسلم إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني وولدي، قال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف. وكان زوجها قبل أبي سفيان حفص بن المغيرة عم خالد بن الوليد، وكان من الجاهلية. وكانت هند من أحسن نساء قريش وأعقلهن، ثم إن أبا 29 (3/298)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 299 سفيان طلقها في آخر الأمر، فاستقرضت من عمر من بيت المال أربعة آلاف درهم، فخرجت إلى بلاد كلب فاشترت وباعت. وأتت ابنها معاوية وهو أمير على الشام لعمر فقالت: أي بني إنه عمر وإنما يعمل لله.) ولها شعر جيد. واقد بن عبد الله بن عبد مناف بن عزيز الحنظلي اليربوعي حليف بني عدي، من السابقين الأولين. أسلم قبل دار الأرقم، وشهد بدراً والمشاهد كلها، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين بشر بن البراء بن معرور، وكان واقد في سرية عبد الله بن جحش إلى نخلة فقتل واقد عمرو بن الحضرمي، فكانا أول قاتل ومقتول في الإسلام. وتوفي واقد في خلافة عمر. أبو خراش الهذلي الشاعر إسمه خويلد بن مرة، من بني قرد بن 30 (3/299)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 300 عمرو الهذلي، وكان أبو خراش ممن يعدو على قدميه فيسبق الخيل، وكان في الجاهلية من فتاك العرب ثم أسلم. قال ابن عبد البر: لم يبق عربي بعد حنين والطائف إلا أسلم، فمنهم من قدم ومنهم من لم يقدم، وأسلم أبو خراش وحسن إسلامه. وتوفي في زمن عمر، أتاه حجاج فمشى إلى الماء ليملأ لهم فنهشته حية، فأقبل مسرعاً فأعطاهم الماء وشاة وقدراً ولم يعلمهم بما تم له، ثم أصبح وهو في الموت، فلم يبرحوا حتى دفنوه. أبو ليلى المازني واسمه عبد الرحمن بن كعب بن كعب بن عمرو، شهد أحداً وما بعدها، وكان أحد البكائين الذين نزل فيهم تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً إلا يجدوا ما ينفقون. أبو محجن الثقفي في اسمه أقوال، قدم مع وفد ثقيف فأسلم، ولا رواية له، وكان 30 (3/300)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 301 فارس ثقيف في زمانه إلا أنه كان يدمن الخمر زماناً، وكان أبو بكر يستعين به، وقد جلد مراراً حتى إن عمر نفاه إلى الجزيرة، فهرب ولحق بسعد بن أبي وقاص بالقادسية، فكتب عمر إلى سعد فحبسه. فلما كان يوم قس الناطف والتحم القتال سأل أبو محجن من امرأة سعد أن تحل قيده وتعطيه فرساً لسعد، وعاهدها إن سلم أن يعود إلى القيد، فحلته وأعطته فرساً فقاتل وأبلى بلاءً جميلاً ثم عاد إلى قيده. قال ابن جريج: بلغني أنه حد في الخمر سبع مرات. وقال أيوب، عن ابن سيرين قال: كان أبو محجن لا يزال يجلد في الخمر، فلما أكثر سجنوه، فلما كان يوم القادسية رآهم فكلم أم ولد سعد فأطلقته وأعطته فرساً وسلاحاً، فجعل لا يزال يحمل على رجل فيقتله ويدق صلبه، فنظر إليه سعد فبقي يتعجب ويقول: من الفارس فلم يلبثوا أن هزمهم ورجع أبو محجن وتقيد، فجاء سعد وجعل يخبر المرأة ويقول: لقينا ولقينا،) حتى بعث الله رجلاً على فرس أبلق لولا أني تركت أبا محجن في القيود لظننت أنها بعض شمائله، قالت: والله إنه لأبو محجن، وحكت له، فدعا به وحل قيوده وقال: لا نجلدنك على خمر أبداً، فقال: وأنا والله لا أشربها أبداً، كنت آنف أن أدعها لجلدكم، فلم يشربها بعد. 30 (3/301)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 302 روى نحوه أبو معاوية الضرير، عن عمر بن مهاجر، عن إبراهيم بن محمد بن سعد، عن أبيه قال: لما كان يوم القادسية أتى بأبي محجن سكران يمشي بين الناس يبتغي عند أحد من أولئك الرهط رأياً ولا يطأون عقبة، ومال الناس فقيده سعد، وذكر الحديث. ونقل أهل الأخبار أن أبا محجن هو القائل: (إذا مت فادفني إلى جنب كرمة .......... تروي عظامي بعد موتي عروقها)

(ولا تدفني بالفلاة فإنني .......... أخاف إذا ما مت ألا أذوقها) فزعم الهيثم بن عدي أنه أخبره من رأى قبر أبي محجن بأذربيجان أو قال في نواحي جرجان وقد نبتت عليه كرمة وظللت وأثمرت، فعجب الرجل وتذكر شعره. 30 (3/302)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 303 (أحداث سنة أربع وعشرين)

2 (خلافة عثمان رضي الله عنه)

(بقية حوادث سنة أربع وعشرين)

3 (قصة الشورى) دفن عمر رضي الله عنه في أول المحرم، ثم جلسوا للشورى: فروي عن عبد الله بن أبي ربيعة أن رجلاً قال قبل الشورى: إن بايعتم لعثمان أطعنا، وإن بايعتم لعلي سمعنا وعصينا. وقال المسور بن مخرمة: جاءني عبد الرحمن بن عوف بعد هجع من الليل فقال: ما ذاقت عيناي كثير نوم ثلاث ليال فادع لي عثمان وعلياً والزبير وسعداً، فدعوتهم، فجعل يخلو بهم واحداً واحداً يأخذ عليه، فلما أصبح صلى صهيب بالناس، ثم جلس عبد الرحمن فحمد الله وأثنى عليه، وقال في كلامه: إني رأيت الناس يأبون إلا عثمان. وقال حميد بن عبد الرحمن بن عوف: أخبرني المسور إن النفر الذين ولاهم عمر اجتمعوا فتشاوروا فقال عبد الرحمن: لست بالذي أنافسكم هذا الأمر ولكن إن شئتم اخترت لكم منكم، فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن، 30 (3/303)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 304 قال فوالله ما رأيت رجلاً بذ قوماً أشد ما بذهم حين ولوه أمرهم، حتى ما من رجل من على عبد الرحمن يشاورونه ويناجونه تلك الليالي، لا يخلو به رجل ذو) رأي فيعدل بعثمان أحداً، وذكر الحديث إلى أن قال: فتشهد وقال: أما بعد يا علي فإني قد نظرت في الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان فلا تجعلن على نفسك سبيلاً، ثم أخذ بيد عثمان فقال: نبايعك على سنة الله وسنة رسوله وسنة الخليفتين بعده. فبايعه عبد الرحمن بن عوف وبايعه المهاجرون والأنصار. وعن أنس قال: أرسل عمر إلى أبي طلحة الأنصاري فقال: كن في خمسين من الأنصار مع هؤلاء النفر أصحاب الشورى فإنهم فيما فيما أحسب سيجتمعون في بيت، فقم على ذلك الباب بأصحابك فلا تترك أحداً يدخل عليهم ولا تترك يمضي اليوم الثالث حتى يؤمروا أحدهم، اللهم أنت خليفتي عليهم. وفي زيادات مسند أحمد من حديث أبي وائل قال: قلت لعبد الرحمن بن عوف: كيف بايعتم عثمان وتركتم علياً قال: ما ذنبي قد بدأت بعلي فقلت: أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة أبي بكر وعمر، فقال: فيما استطعت. ثم عرضت ذلك على عثمان فقال: نعم. وقال الواقدي: اجتمعوا على عثمان لليلة بقيت من ذي الحجة. ويروى أن عبد الرحمن قال لعثمان خلوة: إن لم أبايعك فمن تشير 30 (3/304)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 305 علي فقال: علي، وقال لعلي خلوة: إن لم أبايعك فمن تشير علي قال: عثمان، ثم دعا الزبير فقال: إن لم أبايعك فمن تشير علي قال علي أو عثمان، ثم دعا سعداً فقال: من تشير علي فأما أنا وأنت فلا نريدها فقال: عثمان، ثم استشار عبد الرحمن الأعيان فرأى هوى أكثرهم في عثمان. ثم نودي: الصلاة جامعة وخرج عبد الرحمن عليه عمامته التي عممه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. متقلداً سيفه، فصعد المنبر ووقف طويلاً يدعو سراً، ثم تكلم فقال: أيها الناس إني سألتكم سراً وجهراً على أمانتكم فلم أجدكم تعدلون عن أحد هذين الرجلين: إما علي وإما عثمان، قم إلي يا علي، فقام فوقف بجنب المنبر فأخذ بيده وقال: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر قال: اللهم لا ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي، فقال: قم يا عثمان، فأخذ بيده في موقف علي فقال: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر قال: اللهم نعم، قال فرفع رأسه إلى سقف المسجد ويده في يده ثم قال: اللهم اشهد اللهم إني قد جعلت ما في رقبتي من ذلك في رقبة عثمان. فازدحم الناس يبايعون حتى غشوه عند المنبر وأقعدوه على الدرجة الثانية، وقعد عبد الرحمن) مقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر. قال: وتلكأ علي، فقال عبد الرحمن: فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً. فرجع علي يشق الناس حتى بايع عثمان وهو يقول: خدعة وأيما خدعة. 30 (3/305)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 306 ثم جلس عثمان في جانب المسجد ودعا بعبيد الله بن عمر بن الخطاب، وكان محبوساً في دار سعد، وسعد الذي نزع السيف من يد عبيد الله بعد أن قتل جفنية والهرمزان وبنت أبي لؤلؤة، وجعل عبيد الله يقول: والله لأقتلن رجالاً من شارك في دم أبي، يعرض بالمهاجرين والأنصار، فقام إليه سعد فنزع السيف من يده وجبذه بشعره حتى أضجعه وحبسه، فقال عثمان لجماعة من المهاجرين، أشيروا علي في هذا الذي فتق في الإسلام ما فتق، فقال علي: أرى أن تقتله، فقال عضهم: قتل أبوه بالأمس ويقتل هو اليوم، فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين إن الله قد أعفاك أن يكون هذا الحدث ولك على المسلمين سلطان، إنما تم هذا ولا سلطان لك، قال عثمان: أنا وليهم وقد جعلتها دية واحتملتها من مالي. قلت: والهرمزان هو ملك تستر، وقد تقدم إسلامه، قتله عبيد الله بن عمر لما أصيب عمر، فجاء عمار بن ياسر فدخل على عمر فقال: حدث اليوم حدث في الإسلام، قال: وما ذاك قال قتل عبيد الله الهرمزان، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون علي به، وسجنه. قال سعيد بن المسيب: اجتمع أبو لؤلؤة وجفنية، رجل من الحيرة، والهرمزان، معهم خنجر له طرفان مملكه في وسطه، فجلسوا مجلساً فأثارهم 30 (3/306)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 307 دابة فوقع الخنجر، فأبصرهم عبد الرحمن بن أبي بكر، فلما طعن عمر حكى عبد الرحمن شأن الخنجر واجتماعهم وكيفية الخنجر، فنظروا فوجدوا الأمر كذلك، فوثب عبيد الله فتل الهرمزان، وجفنية، ولؤلؤة بنت أبي لؤلؤة، فلما استخلف عثمان قال له علي: أقد عبيد الله من الهرمزان، فقال عثمان: ماله ولي غيري، وإني قد عفوت ولكن أدية. ويروى أن الهرمزان لما عضه السيف قال: لا إله إلا الله. وأما جفنية فكان نصرانياً، وكان ظئراً لسعد بن أبي وقاص أقدمه للمدينة للصلح الذي بينه وبينهم وليعلم الناس الكتابة. 2 (فتح الري) وفيها افتتح أبو موسى الأشعري الري، وكانت قد فتحت على يد حذيفة، وسويد بن مقرن، فانتقضوا.) 2 (سنة الرعاف) وفيها أصاب الناس رعاف كثير، فقيل لها سنة الرعاف، وأصاب عثمان رعاف حتى تخلف عن الحج وأوصى. وحج بالناس عبد الرحمن بن عوف. 30 (3/307)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 308 2 (الوفيات) سراقة بن مالك بن جعشم أبو سفيان المدلجي. توفي في هذه السنة، وكان ينزل قديداً، وهو الذي ساخت قوائم فرسه. ثم أسلم وحسن إسلامه، وله حديث في العمرة. روى عنه جابر بن عبد الله، وابن عباس، وسعيد بن المسيب، 30 (3/308)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 309 وطاوس، ومجاهد، وجماعة. وكان إسلامه بعد غزوة الطائف، وقيل: توفي بعد مقتل عثمان. وفيها عزل عثمان بالكوفة المغيرة بن شعبة وولاها سعد بن أبي وقاص. وفيها غزا الوليد بن عقبة أذربيجان وأرمينية لمنع أهلها ما كانوا صالحوا عليه، فسبى وغنم ورجع. وفيها جاشت الروم حتى استمد أمراء الشام من عثمان مدداً فأمدهم بثمانية آلاف من العراق، فمضوا حتى دخلوا إلى أرض الروم مع أهل الشام. وعلى أهل العراق سلمان بن ربيعة الباهلي، وعلى أهل الشام حبيب بن مسلمة الفهري، فشنوا الغارات وسبوا وافتتحوا حصوناً كثيرة. وفيها ولد عبد الملك بن مروان الخليفة. 31 (3/309)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 310 31 (3/310)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 311 (أحداث سنة خمس وعشرين) فيها عزل عثمان سعداً عن الكوفة واستعمل عليها: الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية الأموي، أخو عثمان لأمه، كنيته أبو وهب. له صحبة ورواية. روى عنه أبو موسى الهمذاني، والشعبي. قال طارق بن شهاب: لما قدم الوليد أميراً أتاه سعد فقال: أكست بعدي أو استحمقت ببعدك قال: ما كسنا ولا حمقت ولكن القوم استأثروا عليك بسلطانهم. وهذا مما نقموا على عثمان كونه عزل سعداً وولى الوليد بن عقبة، فذكر حصين بن المنذر أن الوليد صلى بهم الفجر أربعاً وهو 31 (3/311)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 312 سكران، ثم التفت وقال: أزيدكم ! 2 (غزوة برذعة) ويقال: فيها سار الجيش من الكوفة عليهم سلمان بن ربيعة إلى برذعة، فقتل وسبى. وفيها انتقض أهل الإسكندرية فغزاهم عمرو بن العاص أمير مصر وسباهم، فرد عثمان السبي إلى ذمتهم، وكان ملك الروم ببعث إليها منويل الخصي في مراكب فانتفض أهلها غير المقوقس فغزاهم عمرو في ربيع الأول، فافتتحها عنوة غير المدينة فإنها صلح. وفيها عزل عثمان عمراً عن مصر، واستعمل عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح. والصحيح أن ذلك في سنة سبع وعشرين. 2 (غزو افريقية) واستأذن ابن أبي سرح عثمان في غزو إفريقية فأذن له. 31 (3/312)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 313 ويقال فيها ولد يزيد بن معاوية. 31 (3/313)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 314 31 (3/314)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 315 (أحداث سنة ست وعشرين)

2 (توسعة المسجد الحرام) فيها زاد عثمان في المسجد الحرام ووسعه، واشترى الزيادة من قوم، وأبى آخرون، فهدم عليهم ووضع الأثمان في بيت المال، فصاحوا بعثمان فأمر بهم إلى الحبس وقال: ما جرأكم علي إلا حلمي، وقد فعل هذا بكم عمر فلم تصيحوا عليه، ثم كلموه فيهم فأطلقهم. 2 (فتح سابور) وأميرها عثمان بن أبي العاص الثقفي، فصالحهم على ثلاثة آلاف ألف وثلاثمائة ألف. وقيل عزل عثمان سعداً عن الكوفة لأنه كان تحت دين لابن مسعود فتقاضاه واختصما، فغضب عثمان من سعد وعزله واستعمل الوليد بن عقبة، وقد كان الوليد عاملاً لعمر على بعض الجزيرة وكان فيه رفق برعيته. 31 (3/315)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 316 31 (3/316)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 317 (أحداث سنة سبع وعشرين) غزا معاوية قبرص فركب البحر بالجيوش، وكان معه عبادة بن الصامت، وزوجة عبادة أم حرام بنت ملحان الأنصارية خالة أنس، فصرعت عن بغلتها فماتت شهيدة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يغشاها ويقيل عندها وبشرها بالشهادة، فقبرها بقبرس يقولون هذا قبر المرأة الصالحة. 31 (3/317)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 318 روت عن النبي صلى الله عليه وسلم. روى عن أنس بن مالك، وعمير بن الأسود العنبسي، ويعلى بن شداد ابن أوس، وغيرهم. وقال داود بن أبي هند: صالح عثمان بن أبي العاص وأبو موسى سنة سبيع وعشرين أهل أرجان على ألفي ومائتي ألف، وصالح أهل دارابجرد على ألف ألف وثمانين ألفاً. وقال خليفة: فيها عزل عثمان عن مصر عمراً وولى عليها عبد الله بن سعد، فغزا إفرية ومعه عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير، فالتقى هو وجرجير بسبيطله على يومين من القيروان، وكان جرجير في مائتي ألف مقاتل، وقيل في مائة وعشرين ألفاً، وكان المسلمون في عشرين ألفاً. قال مصعب بن عبد الله: ثنا أبي، والزبير بن خبيب قالا: قال ابن الزبير: هجم علينا جرجير في معسكرنا في عشرين ومائة ألف، فأحاطوا بنا 31 (3/318)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 319 ونحن في عشرين ألفاً. واختلف الناس على عبد الله بن أبي سرح، فدخل فسطاطاً له فخلا فيه، ورأيت أنا غرة من جرجير بصرت به) خلف عساكره على برذون أشهب معه جاريتان تظللان عله بريش الطواويس، وبينه وبين جنده أرض بيضاء ليس بها أحد، فخرجت ألى ابن أبي سرح فندب لي الناس، فاخترت منهم ثلاثين فارساً وقلت لسائرهم: البثوا على مصافكم، وحملت في الوجه الذي رأيت فيه جرجير وقلت لأصحابي: احموا لي ظهري، فوالله ما نشبت أن خرقت الصف إليه فخرجت صامداً له، ومل يحسب هو ولا أصحابه إلا أني رسول إليه، حتى دنوت منه فعرف الشر، فوثب على برذونه وولى مدبراً، فأدركته ثم طعنته، فسقط، ثم دففت عليه بالسيف، ونصبت رأسه على رمح وكبرت، وحمل المسلمون، فارفض أصحابه من كل وجه، وركبنا أكتافهم. وقال خليفة: ثنا من سمع ابن لهيعة يقول: ثنا أبو الأسود، حدثني أبو إدريس أنه غزا مع عبد الله بن سعد إفريقية فافتتحها، فأصاب كل إنسان ألف دينار. وقال غيره: سبوا وغنموا فبلغ سهم الفارس ثلاثة آلاف دينار وفتح الله أفريقية سهلها وجبلها، ثم اجتمعوا على الإسلام وحسنت طاعتهم. وقسم ابن أبي سرح ما أفاء الله عليهم زأخذ خمس الخمس بأمر 32 (3/319)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 320 عثمان، وبعث إليه بأربعة أخماسه، وضر فسطاطاً في موضع القيروان ووفدوا وفداً، فشكوا عبد الله فيما أخذ فقال: أنا نفلته، وذلك إليكم الآن، فإن رضيتم فقد جاز، وإن سخطتم فهو رد، قالوا: إنا نسخطه، قال: فهو رد، وكتب إلى عبد الله برد ذلك واستصلاحهم. قالوا: فاعزله عنا. فكتب إليه أن استخلف إلى إفريقية رجلاً ترضاه واقسم ما نفلتك فإنهم قد سخطوا، فرجع عبد الله بن أبي سرح إلى مصر، وقد فتح الله إفريقية، فما زال أهلها أسمع الناس وأطوعهم إلى زمان هشام بن عبد الملك. وروى سيف بن عمر، عن أشياخه، أن عثمان أرسل عبد الله بن نافع ابن الحصين، وعبد الله بن نافع الفهري من فورهما ذلك إلى الأندلس، فأتياها من قبل البحر، وكتب عثمان إلى من انتدب إلى الأندلس: أما بعد فإن القسطنطينية إنما تفتح من قبل الأندلس، وإنكم إن افتتحتموها كنتم شركاء في فتحها في الأجر، والسلام. فعن كعب قال: يعبر البحر إلى الأندلس أقوام يفتحونها يعرفون بنورهم يوم القيامة. قال: فخرجوا إليها فأتوها من برها وبحرها، ففتحها الله على المسلمين، وزاد في سلطان المسلمين مثل أفريقية. ولم يزل أمر الأندلس كأمر أفريقية، حتى أمر هشام فمنع البربر) أرضهم. 32 (3/320)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 321 ولما نزع عثمان عمراً عن مصر غضب وحقد على عثمان، فوجه عبد الرحمن بن سعد فأمره أن يمضي إلى أفريقية، وندب الناس معه إلى إفريقية، فخرج إليها في عشرة آلاف، وصالح ابن سعد أهل إفريقية على ألفي ألف دينار وخمسمائة دينار. وبعث ملك الروم من قسطنطينية أن يؤخذ من أهل إفريقية ثلاثمائة قنطار ذهباً، كما أخذ منهم عبد الله بن سعد، فقالوا: ما عندنا مال نعطيه، وما كان بأيدينا فقد افتدينا به، فأما الملك فإنه سيدنا فليأخذ ما كان له عندنا من جائزة كما كنا نعطيه كل عام، فلما رأى ذلك منهم الرسول أمر بحبسهم، فبعثوا إلى قوم من أصحابهم فقدموا عليهم فكسروا السجن وخرجوا. وعن يزيد بن أبي حبيب قال: كتب عبد الله بن سعد إلى عثمان يقول: إن عمرو بن العاص كسر الخوارج، وكتب عمرو: إن عبد الله بن سعد أفسد على مكيدة الحرب. فكتب عثمان إلى عمرو: انصرف وولى عبد الله الخراج والجند، فقدم عمرو مغضباً، فدخل على عثمان وعليه جبة له يمانية محشوة قطناً، فقال له عثمان: ما حشو جبتك قال: عمرو، قال: قد علمت أن حشوها عمرو، ولم أرد هذا، إنما سألتك أقطن هو أم غيره وبعث عبد الله بن سعد إلى عثمان مالاً من مصر وحشد فيه، فدخل 32 (3/321)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 322 عمرو، فقال عثمان: هل تعلم أن تلك اللقاح درت بعدك قال عمرو: إن فصالها هلكت. وفيها حج عثمان بالناس. 32 (3/322)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 323 (أحداث سنة ثمان وعشرين) قيل في أولها غزوة قبرس، وقد مرت. فروى سيف، عن رجاله قالوا: ألح معاوية في إمارة عمر عليه في غزو البحر وقرب الروم من حمص، فقال عمر: إن قرية من قرى حمص يسمع أهلها نباح كلابهم وصياح ديوكهم قالوا: كتب عمر إلى معاوية: إنا سمعنا أن بحر الشام يشرف على أطول شيء على الأرض، يستأذن الله في كل يوم وليلة في أن يقبض على الأرض فيغرقها، فكيف أحمل الجنود في هذا البحر الكافر المستعصب، وتالله لمسلم أحب إلي من كل ما في البحر، فلم يزل بعمر حتى كاد أن يأخذ بقلبه. فكتب عمر إلى عمرو بن العاص أن صف لي البحر وراكبه، فكتب إليه: إني رأيت خلقاً كبيراً يركبه خلق صغير، إن ركد حرق القلوب، وإن تحرك أزاغ العقول، يزداد فيه اليقين قلة، والشك كثرة، وهم 32 (3/323)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 324 فيه كدود على عود، إن مال غرق، وإن نجا برق. فلما قرأ عمر الكتاب كتب إلى معاوية: والله لا أحمل فيه مسلماً أبداً. وقال أبو جعفر الطبري: غزا معاوية قبرس فصالح أهلها على الجزية. 2 (غزو سورية) وقال الواقدي: في هذه السنة غزا حبيب بن مسلمة سورية من أرض الروم. وفيها تزوج عثمان نائلة بنت الفرافصة فأسلمت قبل أن يدخل بها. وفيها غزا الوليد بن عقبة أذربيجان فصالهم مثل صلح حذيفة. وقل من مات وضبط موته في هذه السنوات كما ترى. 32 (3/324)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 325 (أحداث سنة تسع وعشرين) فيها عزل عثمان أبا موسى عن البصرة بعبد الله بن عامر بم كريز، وأضاف إليه فارس. 2 (فتح اصطخر) وفيها افتتح عبد الله بن عامر إصطخر عنوة فقتل وسبى، وكان على مقدمة عبيد الله بن معمر، وكان من كبار الأمراء، افتتح سابور عنوة وقلعة شيراز، وقتل وهو شاب، فأقسم ابن عامر لئن ظفر بالبلد ليقتلن حتى يسيل الدم من باب المدينة، وكان بها يزدجرد بن شهريار بن كسرى فخرج منها في مائة ألف وسار فنزل مرو، 32 (3/325)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 326 وخلف على إصطخر أميراً من أمرائه في جيش يحفظونها. فنقب المسلمون المدينة فما دروا إلا والمسلمون معهم في المدينة، فأسرف ابن عامر في قتلهم وجعل الدم لا يجري من الباب، فقيل له: أفنيت الخلق، فأمر بالماء فصب على الدم حتى خرج من الباب، ورجع إلى حلوان فافتتحها ثانياً فأكثر فيه القتل لكونهم نقضوا الصلح. وفيها انتفضت أذربيجان فغزاهم سعيد بن العاص فافتتحها. وفيها غزا ابن عامر وعلى مقدمته عبد الله بن بديل الخزاعي فأتى أصبهان، ويقال افتتح أصبهان سارية بن زنيم عنوة وصلحاً. وقال أبو عبيدة: لما قدم ابن عامر البصرة قدم عبيد الله بن معمر إلى فارس، فأتى أرجان فأغلقوا في وجهه، وكان عن يمين البلد وشماله الجبال والأسياف. وكانت الجبال لاتسلكها الخيل ولا تحمل الأسياف يعني السواحل الجيش، فصالحهم أن يفتحوا له باب المدينة فيمر فيها ماراً ففعلوا، ومضى حتى انتهى إلى النوبندجان فافتتحها، ثم نقضوا الصلح، ثم سار فافتتح قلعة شيراز، ثم سار إلى جور فصالحهم وخلف فيهم رجلاً من تميم، ثم انصرف إلى إصطخر فحاصرها مدة، فبينما هم في الحصار إذ قتل أهل جور عاملهم، فسار ابن عامر إلى جور فناهضهم فافتتحها عنوة فقتل منها أربعين ألفاً يعدون بالقصب، ثم خلف عليهم مروان بن الحكم أو غيره، ورد 32 (3/326)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 327 إلى إصطخر وقد قتلوا عبيد الله بن معمر فافتتحها عنوة. ثم مضى إلى فسا فافتتحها. وافتتح رساتيق من كرمان. ثم إنه توجه نحو خراسان على المفازة فأصابهم الرمق فأهلك خلقاً. وقال ابن جرير: كتب ابن عامر إلى عثمان بفتح فارس، فكتب عمان يأمره أن يولي هرم بن) حسان اليشكري، وهرم بن حيان العبدي، والخريت بن راشد على كور فارس. وفرق خراسان بين ستة نفر: الأحنف ابن قيس على المروين، وحبيب بن قرة اليربوعي على بلخ، وخالد بن زهير على هراة، وأمين بن أحمد اليشكري على طوس، وقيس بن هبيرة السلمي على نيسابور. وفيها زاد عثمان في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فوسعه وبناه بالحجارة المنقوشة وجعل عمده من حجارة وسقفه بالساج، وجعل طوله ستين ومائة ذراع، وعرضه خمسين ومائة ذراع، وجعل أبوابه كما كانت زمن عمر ستة أبواب. 32 (3/327)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 328 وحج عثمان بالناس وضرب له بمنى فسطاط، وأتم الصلاة بها وبعرفة، فعابوا عليه ذلك، فجاءه علي فقال: والله ما حدث أمر ولا قدم عهد، ولقد عهدت نبيك صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين، ثم أبا بكر، ثم عمر ثم أنت صدراً من ولايتك، فقال: رأي رأيته. وكلمه عبد الرحمن بن عوف فقال: إني أخبرت عن جفاة الناس قد قالوا: إن الصلاة للمقيم ركعتان وقالوا: هذا عثمان يصلي ركعتين فصليت أربعاً لهذا، وإني قد اتخذت بمكة زوجة، فقال عبد الرحمن: ليس هذا بعذر، قال: هذا رأي رأيته. 32 (3/328)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 329 (أحداث سنة ثلاثين) فيها عزل الوليد بن عقبة عن الكوفة بسعيد بن العاص، فغزا سعيد طبرستان، فحاصرهم، فسألوه الأمان، على أن لا يقتل منهم رجلاً واحداً، فقتلهم كلهم إلا رجلاً واحداً، يعني نفسه بذلك. وفيها فتحت جور من أرض فارس على يد ابن عامر فغنم شيئاً كثيراً. وافتتح ابن عامر في هذا القرب بلاداً كثيرة من أرض خراسان. قال داود بن أبي هند: لما افتتح ابن عامر أرض فارس سنة ثلاثين هرب يزدجرد بن كسرى فاتبعه ابن عامر، ومجاشع بن مسعود السلمي، ووجه ابن عامر، فيما ذكر خليفة زياد بن الربيع الحارثي إلى سجستان 33 (3/329)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 330 فافتتح زالق وشرواذ وناشروذ، ثم صالح أهل مدينة زرنج على ألف وصيف مع كل وصيف جام من ذهب. ثم توجه ابن عامر إلى خراسان وعلى مقدمته الأحنف بن قيس، فلقي أهل هراة فهزمهم. ثم افتتح ابن عامر أبرشهر وهي نيسابور صلحاً ويقال عنوة. وكان بها فيما ذكر غير خليفة بنتا كسرى بن هرمز. وبعث جيشاً فتحوا طوس وأعمالها صلحاً. ثم صالح من جاءه من أهل سرخس على مائة وخمسين ألفاً. وبعث الأسود بن كلثوم العدوي إلى بيهق. وبعث أهل مرو يطلبون الصلح، فصالحهم ابن عامر على ألفي ألف ومائتي ألف. وسار الأحنف بن قيس في أربعة آلاف، فجمع له أهل طخارستان وأهل الجوزجان والفارياب، وعليهم طوقانشاه، فاقتتلوا قتالاً شديداً، ثم هزم الله المشركين، وكان النصر. ثم سار الأحنف على بلخ، فصالحوه على أربعمائة ألف. ثم أتى خوارزم فلم يطقها ورجع. وفتحت هراة ثم نكسوا. 33 (3/330)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 331 وقال ابن إسحاق: بعث ابن عامر جيشاً إلى مرو فصالحوه وفتحت صلحاً. ثم خرج ابن عامر من نيسابور معتمراً وقد احرم منها، واستخلف على خراسان الأحنف بن قيس، فلما قضى عمرته أتى عثمان رضي الله عنه واجتمع به، ثم إن أهل خراسان نقضوا وجمعوا جمعاً كثيراً وعسكروا بمرو، فنهض لقتالهم الأحنف وقتلهم فهزمهم، وكانت وقعة مشهورة. ثم قدم ابن عامر من المدينة إلى البصرة، فلم يزل عليها إلى أن قتل عثمان وكذا معاوية على) الشام. ولما فتح ابن عمر هذه البلاد الواسعة كثر الخراج على عثمان وأتاه المال من كل وجه اتخذ له الخزائن وأدر الأرزاق، وكان يأمر للرجل بمائة ألف بدرة في كل بدرة أربعة آلاف وافية. وقال أبو يوسف القاضي: أخرجوا من خزائن كسرى مائتي ألف بدرة في كل بدرة أربعة آلاف. 33 (3/331)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 332 33 (3/332)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 333 2 (ذكر من توفي فيها) أبي بن كعب، وقال الواقدي: هو أثبت الأقاويل عندنا. جبار بن صخر بن أمية بن خنساء أبو عبد الله الأنصاري السلمي. شهد بدراً والعقبة، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم خارصاً إلى خيبر. توفي بالمدينة، وله ستون سنة. حاطب بن أبي بتلعة اللخمي حليف بني أسد بن عبد العزى. 33 (3/333)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 334 شهد بدراً والمشاهد، وهو الذي كتب إلى المشركين قبل الفتح يخبرهم ببعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم، والقصة مشهورة، فعفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم واعتذر فقبل عذره، ثم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس ملك الإسكندرية. واسم أبي بتلعة: عمرو بن عمير. الطفيل بن الحارث بن المطلب المطلبي فيما قاله سعيد بن عفير وهو أخو عبيدة بن الحارث والحصين بن الحارث. كان من السابقين الأولين، شهد بدراً. 33 (3/334)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 335 عبد الله بن كعب بن عمرو المازني الأنصاري البدري. كان على الخمس يوم بدر. يكنى أبا الحارث، وقيل أبا يحيى، وصلى عليه عثمان، وهو أخو أبي ليلى المازني. عد الله بن مظعون بن حبيب الجمحيي القرشي أخو عثمان وقجامة. كان أحد من شهد بدراً وممن هاجروا إلى الحبشة. عياض بن زهير بن أبي شداد بن ربيعة بن هلال، أبو سعد القرشي الفهري. شهد بدراً والمشاهد بعدها. هكذا ذكره ابن سعد، وفرق بينه وبين ابن أخيه عياض بن غنم بن) زهير الفهري أمير الشام المتوفى سنة عشرين. معمر بن أبي سرح ربيعة بن هلال القرشي أبو سعد الفهري، 33 (3/335)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 336 وقيل اسمه عمرو، وكذا سماه ابن إسحاق وغيره، وهو بدري قديم الصحبة. مسعود بن ربيعة وقيل ابن الربيع، أبو عمير القاري، والقارة حلفاء بني زهرة. شهد بدراً وغيرها، وعاش نيفاً وستين سنة، تقدم. أبو أسيد مالك بن ربيعة الساعدي، والأصح سنة أربعين، وهذا قول أبي حفص الفلاس وأوردنا أنه سنة ستين، فالله أعلم. 33 (3/336)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 337 2 (من توفي في خلافة عثمان) أوس بن الصامت بن قيس بن أصرم الأنصاري أخو عبادة، وكلاهما قد شهدا بدراً، وأوس هو زوج المجادلة ف زوجها خولة ويقال لها خويلة بنت ثعلبة، وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين مرثد بن أبي مرثد الغنوي. أنس بن معاذ بن أنس بن قيس الأنصاري النجاري، ويقال: اسمه أنيس، ربما صغر. شهد بدراً والمشاهد، وتوفي في خلافة عثمان. 33 (3/337)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 338 أوس بن خولى من بني الحبلى، أنصاري شهد بدراً. وهو الذي حضر غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل قبره. توفي قبل مقتل عثمان. الجد بن قيس يقال له إنه تاب من النفاق وحسن أمره. الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي. 33 (3/338)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 339 استعمله النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إنه نزل البصرة واختط بها داراً، وهو والد عبد الله بن الحارث الذي يقال له ببة. الحطيئة الشاعر أبو مليكة العبسي، قيل اسمه جرول. عاش دهراً في الجاهلية وصدراً في الإسلام، ودخل على عمر وأنشده: (من يفعل الخير لا يعدم جوازيه .......... لا يذهب العرف بين الله والناس) 34 (3/339)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 340 وكان جوالاً في الآفاق يمتدح الكبار ويستجديهم، وكان سؤولاً بخيلاً، ركب مرة ليفد على الملوك فقال لأهله:) (عدي السنين إذا خرجت لغيبة .......... ودعي الشهور فإنهن قصار) خبيب بن يساف بن عتبة الأنصاري الخزرجي. شهد بدراً، وهو جد شيخ شعبة خبيب بن عبد الرحمن بن خبيب. زيد بن خارجة بن زيد بن أبي زهير الأنصاري الخزرجي المتكلم بعد الموت. له صحبة ورواية، قتل أبوه يوم أحد. 34 (3/340)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 341 قال سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد ن المسيب، إن زيد بن خارجة توفي زمن عثمان، فسجى بثوب ثم أنهم سمعوا جلجلة في صدره، ثم تكلم فقال: أحمد أحمد في الكتاب الأول، صدق صدق أبو بكر الضعيف في نفسه القوي في أمر الله في الكتاب الأول، صدق صدق عمر القوي الأمين في الكتاب الأول، صدق صدق عثمان على منهاجهم، مضت أبرع سنين وبقي سنتان، أتت الفتن وأكل الشديد الضعيف، قامت الساعة، وسيأتيكم خبر بئر أريس وما بئر أريس. قال ابن المسيب: ثم هلك رجل من بني خطمة، فسجى بثوب فسمعوا جلجلة في صدره، ثم تكلم فقال: إن أخا بني الحارث بن الخزرج صدق صدق. قال ابن عبد البر: هذا هو الذي تكلم بعد الموت لا يختلفون في ذلك، وذلك أنه غشي عليه وأسري بروحه، ثم راجعته نفسه فتكلم بكلام في أبي بكر، وعمر، وعثمان، ثم مات لوقته. رواه ثقاة الشاميين عن النعمان بن بشير. م سلمان بن ربيعة الباهلي يقال له صحبة، وقد سمع من عمر. 34 (3/341)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 342 روى عنه أبو وائل، والصبي بن معبد، وعمرو بن ميمون. وكان بطلاً شجاعاً فاضلاً عابداً، ولاه قضاء الكوفة، ثم ولي زمن عثمان غزو أرمينية فقتل ببلنجر، وقيل بل الذي قتل بها أخوه عبد الرحمن، وقيل إن الترك إذا قحطوا يستسقون بقبر سلمان، وهو مدفون عندهم، وقد جعلوا عظامه في تابوت. روى له مسلم. م عبد الله بم حذافة بن قيس الرقشي السهمي أبو حذافة، من المهاجرين الأولين. 34 (3/342)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 343 هاجر مع أخيه إلى الحبشة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى كسرى، وكانت فيه دعابة، وقد أسره الروم زمن عمر فأرادوه على الكفر فأبى عليهم، فقال له ملكهم: قبل رأسي) حتى أطلقك ومن معك، ففعل فأطلقه وثمانين أسيراً، فلما قدم قال له عمر: حق على كل مسلم أن يقبل رأسك وأنا أبدأ، فقام فقبل رأسه. له حديث. روى عنه أبو وائل، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وسليمان بن يسار، ولم يدركاه. عبد الله بن سراقة بن المعتبر العدوي، له صحبة ورواية، شهد أحداً وغيرها، وقال الزهري إنه شهد بدراً. روى عنه عبد الله بن شقيق، وعقبة بن ساج، وغيرهما. 34 (3/343)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 344 وروى أيضاً عن أبي عبيدة، وهو أخو عمرو. وقيل إن الذي روى عن أبي عبيدة وروى عنه عبد الله بن شقيق في الدجال. أزدي شريف من أهل دمشق. قاله الغلابي وغيره. عبد الله بن قيس بن خالد الأنصاري النجاري المالكي، شهد بدراً. قال الواقدي: لم يبق له عقب، وتوفي في زمن عثمان. عبد الرحمن بن سهل بن زيد الأنصاري الحارثي. قال ابن عبد البر: شهد بدراً. وقال أبو نعيم: شهد أحداً، والخندق، وهو الذي نهش فرقاه عمارة بن حزم. استعمله عمر على البصرة بعد موت عتبة بن غزوان. وعن القاسم بن محمد قال: جاءت جدتان إلى أبي بكر فأعطى السدس أم الأم دون أم الأب، فقال له عبد الرحمن بن سهل، رجل من بني حارثة قد شهد بدراً: أعطيت التي لو ماتت لم يرثها، وتركت التي لو ماتت 34 (3/344)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 345 لورثها، فجعله أبو بكر بينهما. وقد ورد أن غزا هذا في خلافة عثمان. عمرو بن سراقة بن المعتمر بن أنس القرشي العدوي. بدري كبير، وهو أخو عبد الله. روى عامر بن ربيعة قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية ومعنا عمرو بن سراقة وكان لطيف البطن طويلاً فجاع، فانثنى صلبه فأخذنا صفيحة من حجارة فربطناها على بطنه، فمشى يوماً، فجئنا قوماً فضيفونا، فقال عمرو: كنت أحسب الرجلين تحملان البطن فإذا البطن يحمل الرجلين. ت ن عمير بن سعد بن شهيد بن قيس الأنصاري 34 (3/345)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 346 الأوسي، له صحبة ورواية.) روى عنه أبو طلحة الخولاني، وحبيب بن عبيد، وغيرهما، وكان من زهاد الصحابة. يقال له نسيج وحده. روى عبد الرحمن بن عمير بن سعد قال: قال لي ابن عمر: ما كان بالشام من المسلمين رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من أبيك. وشهد عمير فتح الشام مع أبي عبيدة، وولي إمرة حمص ودمشق لعمر، فلما ولي الخلافة عثمان عزله عن حمص واستعمل معاوية على جميع الشام. وله اخبار في الحلية. عروة بن حزام أبو سعيد، شاب عذري قتله الغرام، وهو الذي كان يشبب بابنة عمه عفراء بنت مهاصر، خرج أهلها من الحجاز إلى الشام فتبعهم عروة وامتنع عمه من تزويجه بها لفقره وزوجها بابن عم آخر غني فهلك في محببتها عروة. ومن قوله فيها: (وما هو إلا أن أراها فجاءة .......... فأبهت حتى ما أكاد أجيب) 34 (3/346)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 347 (وأصرف عن رأيي الذي كنت أرتئي .......... وأنسى الذي أعددت حين تغيب) قطبة بن عامر أبو زيد الأنصاري السلمي. شهد بدراً والعقبتين. عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو بن جوية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن 34 (3/347)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 348 فزارة الفزاري، من قيس عيلان، واسم عيينة حذيفة، فأصابته لقوة فجحظت عينيه. ويكنى أبا مالك وهو سيد بني فزارة وفارسهم. قال الواقدي: حدني إبراهيم بن جعفر، عن أبيه: أجدبت بلاد آل بكر، فسار عيينة في نحو مائة بيت من آله حتى أشرف على بطن نخل فهاب النبي صلى الله عليه وسلم، فورد المدينة ولم يسلم ولم يبعد، وقال: أريد أدنو من جوارك فوادعني. فوادعه النبي ثلاثة أشهر، فلما فرغت انصرف عيينة إلى بلادهم فأغار على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم بالغابة، فقال له الحارث بن عوف: عاهدت محمداً في بلاده ثم غزوته. وقال الواقدي: حدثني عبد العزيز بن عقبة بن سلمة، عن عمه إياس بن سلمة، عن أبيه قال: أغار عيينة في أربعين رجلاً على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت عشرين لقحة فساقها وقتل ابناً لأبي ذر كان فيها، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في طلبهم إلى ذي قرد فاستنقذ عشر لقاح وأفلت القوم بالباقي، وقتلوا حبيب بن عيينة، وابن عمه مسعدة، وجماعة.) الواقدي، عن محمد بن عبد الله، عن الزهري، عن ابن المسيب، قال: كان عيينة بن حصن أحد رؤوس الأحزاب، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليه وإلى الحارث بن عوف: أرأيتما إن جعلت لكم ثلث تمر المدينة، أترجعان بمن معكما فرضيا بذلك، فينا النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يكتب لهم الصلح جاء أسيد بن حضير، وعيينة ماد رجليه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عين 34 (3/348)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 349 الهجرس اقبض رجليك، والله لولا رسول الله صلى الله عليه وسلم خضبتك بالرمح، ثم أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إن كان أمر من السماء فامض له، وإن كان غير ذلك فوالله لا نعطيكم إلا السيف، متى طعمتم بهذا منا. وقال السعدان كذلك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: شق الكتاب، فشقه، فقال عيينة: أما والله للتي تركتم خير لكم من الحطة التي أخذتم، وما لكم بالقوم طاقة، فقال عباد بن بشر: يا عيينة، أبالسيف تخوفنا ستعلم أينا أجزع، والله لولا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ما وصلتم إلى قومكم، فرجعا وهما يقولان: والله ما نرى أنا ندرك منهم شيئاً. قال الواقدي: فلما انكشف الأحزاب رد عيينة إلى بلاده، ثم أسلم قبل الفتح بيسير. ابن سعد: أنا علي بن محمد، عن علي بن سليم، عن الزبير بن خبيب قال: أقبل عيينة بن حصن، فتلقاه ركب خارجين من المدينة، فسألهم فقالوا: الناس ثلاثة: رجل أسلم فهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل 35 (3/349)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 350 العرب، ورجل لم يسلم فهو يقاتله، ورجل يظهر الإسلام ويظهر لقريش أنه معهم، قال: ما يسمى هؤلاء قال: يسمون المنافقين، قال: ما في من وصفتم أحزم من هؤلاء، اشهدوا أنني منهم. ثم ساق ابن سعد قصة طويلة بلا إسناد في نفاق عيينة يوم الطائف، وفي أسره عجوزاً يوم هوزان يتلمس بها الفداء، فجاء ابنها فبذل فيها مائة من الإبل، فتقاعد عيينة، ثم غاب عنه، ونزله إلى خمسين، فامتنع ثم لم يزل به إلى أن بذل فيها عشرة من الإبل، فغضب وامتنع، ثم جاءه وقال: يا عم أطلقها وأشكرك، قال: لا حاجة لي بمدحك، ثم قال: ما رأيت كاليوم أمراً أنكد، وأقبل يلوم نفسه، فقال الفتى: أنت صنعت هذا: عمدت إلى عجوز والله ما ثديها بناهد، ولا بطنها بوالد، ولا فوها ببارد، ولا صاحيها بواجد فأخذتها من بين من ترى، فقال: خذها لا بارك الله لك فيها. قال الفتى: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كسا السبي فأخطأها من) بينهم الكسوة، فهلا كسوتها قال: لا والله. فما فارقه حتى أخذ منه سمل ثوب، ثم ولى الفتى وهو يقول: إنك لغير بصير بالفرص. وأعطى النبي صلى الله عليه وسلم عيينة من الغنائم مائة من الإبل. الواقدي: حدثنا موسى بن محمد بن إبراهيم التميمي، عن أبيه، عن أبي سلمة، عن عائشة قالت: دخل عيينة بن حفص على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا عنده، فقال: من هذا الحميراء قال: هذه عائشة بنت أبي بكر، 35 (3/350)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 351 فقال: ألا أنزل لك عن أحسن الناس: إبنة جمرة قال: لا، فلما خرج، قلت: يا رسول الله من هذا قال: هذا الحمق المطاع. قال ابن سعد: قالوا وارتد عيينة حين ارتدت العرب، ولحق بطليحة الأسدي حين تنبأ فآمن به، فلما هزم طليحة أخذ خالد بن الوليد عيينة فأوثقه وبعث به إلى الصديق، قال ابن عباس، فنظرت إليه والغلمان ينخسونه بالجريد ويضربونه ويقولون: أي عدو الله كفرت بعد إيمانك فيقول: والله ما كنت آمنت، فلما كلمه أبو بكر رجع إلى الإسلام فأمنه. المدائني، عن عامر بن أبي محمد قال: قال عيينة لعمر: احترس أو أخرج العجم من المدينة فإني لا آمن أن يطعنك رجل منهم. المدائني عن عبد الله ببن فائد قال: كانت أم البنين بنت عيينة عند عثمان، فدخل عيينة على عثمان بلا إذن فعتبه عثمان، فقال: ما كنت أرى أنني أحجب عن رجل من مضر، فقال عثمان: أدن فأصب من العشاء، قال: إني صائم، قال: تصوم ليلاً: إني وجدت صوم الليل أيسر علي. 35 (3/351)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 352 قال المدائني: ثم عمي عيينة في إمرة عثمان. أبو الأشهب، عن الحسن قال: عاتب عثمان عيينة فقال: ألم أفعل وكنت تأتي عمر ولا تأتينا، فقال: كان عمر خيراً لنا منك، أعطانا فأغنانا، وأخشانا فأتقانا. قيس بن قهد بن قيس بن ثعلبة الأنصاري، أحد بني مالك بن النجار. قال مصعب الزبيري: هو جد يحيى بن سعيد الأنصاري. وخالفه الأكثر وقيل: هو جد أبي مريم عبد الغفار بن القاسم الكوفي. وقال ابن ماكولا: إنه شهد بدراً، روى عنه ابنه سليمان، وقيس بن أبي حازم. وله حديث في الركعتين بعد الفجر.) 35 (3/352)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 353 لبيد بن ربيعة العامر الشاعر المشهور الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: أصدق كلمة قالتها العرب كلمة لبيد. ألا كل شيء ما خلا الله باطل 35 (3/353)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 354 قال مالك: بلغني أن لبيداً عمر مائة وأربعين سنة، ويكنى أبا عقيل. قال ابن أبي حاتم: بعث الوليد بن عقبة إلى منزل لبيد عشرين جزوراً فنجرت. وقيل: إنه توفي سنة إحدى وأربعين. فسأعيده. خ م د س المسيب بن حزن بن أبي وهب المخزومي. ممن بايع تحت الشجرة. روى عنه ابنه سعيد بن المسيب. معاذ بن عمرو بن الجموح الأنصاري، شهد بدراً وغيرها. 35 (3/354)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 355 وروى عنه ابن عباس، وهو الذي قال: جعلت يوم بدر أبا جهل من شأني، فلما أمكنني حملت عليه فضربته فقطعت قدمة بنصف ساقه، وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي، فبقيت معلقة بجلدة بجنبي، وأجهضني عنه القتال، فقاتلت عامة ومي، وإني لأسحبها خلفي، فلما آذتني وضعت قدمي عليها، ثم تمطيت عليها حتى طرحتها. محمد بن جعفر بن أبي طالب، أبو القاسم الهاشمي. ولدته أسماء بنت عميس بالحبشة في أيام هجرة أبويه إليها، وتوفي شاباً. قال أبو أحمد الحاكم: إنه تزوج بأم كلثوم بنت عل بعد عمر بن الخطاب. وقال ابن عبد البر: إنه استشهد بتستر، والله أعلم. 35 (3/355)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 356 قال جرير بن حازم: ثنا محمد بن أبي يعقوب، عن الحسن بن سعد، عن عبد الله بن جعغر، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نعى أباه جعفراً أمهل ثلاثثاً لا يأتيهم، ثم أتاهم، فقال: لا تبكوا على أخي بعد اليوم، ثم قال: ادعوا لي بني أخي، فجيء بنا كأننا أفرخ، فأمر بحلاق فحلق رؤوسنا، ثم قال: أما محمد فيشبه عمنا أبا طالب، وأما عبد الله فيشبه خلقي وخلقي، ثم أخذ بيدي فأشالها وقال: اللهم اخلف جعفراً في أهله وبارك لعد الله في صفقة يمينه، ثلاثاً، ثم جاءت أمنا أسماء، فذكرت يتمنا، فقال: العيلة تخافين عليهم، وأنا وليهم في الدنيا والآخرة معبد بن العباس بن عبد المطلب أبو العباس الهاشمي. قتل شلباً بالمغرب في وقعة إفريقية. ع معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي حليف بني عبد شمس.) 35 (3/356)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 357 قديم الإسلام، له هجرة إلى الحبشة، شهد خيبر وما بعدها، وقيل: شهد بدراً. انفرد به ابن منده، وكان على خاتم النبي صلى الله عليه وسلم: واستعمله أبو بكر، وعمر على بيت المال وسيأتي في سنة أربعين. منقذ بن عمرو الأنصاري أحد بني مازن بن النجار، كان قد أصابته آمة في رأسه فكسرت لسانه ونازعت عقله. وهو الذي كان يغبن في البيوع فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إذا بعت فقل لا خلابة. 35 (3/357)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 358 د نعيم بن مسعود أبو سلمة الغطفاني الأشجعي، أسلم زمن الخندق، وهو الذي خذل بين الأحزاب وبين بني قريظة، وكان يسكن المدينة. وله عقب. روى عنه ابنه سلمة. أبو خزيمة بن أوس بن زيد أحد بني النجار، شهد بدراً والمشاهد، وهو الذي وجد زيد بن ثابت معه الآيتين من آخر سورة براءة. توفي زمن عثمان. أبو ذؤيب الهذلي خويلد بن خالد الشاعر المشهور، أدرك 35 (3/358)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 359 الجاهلية وأسلم في خلافة الصديق، وكان أشعر هذيل، وكانت هذيل أشعر العرب. ومن شعره: (وإذا المنية أنشبت أظفارها .......... الفيت كل تميمة لا تنفع)

(وتجلدي للشامتين أريهم .......... أني لريب الدهر لا أتضعضع) توفي غازياً بإفريقية في خلافة عثمان وقد شهد سقيفة بني ساعدة وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم. أبو رهم سبرة بن أبي بن عبد العزى القرشي العامري. ذكره ابن سعد وحده. أبو زيد الطائي الشاعر، اسمه حرملة بن المنذر النصراني. 36 (3/359)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 360 أنشد عثمان قصيدة في الأسد بديعة فقال له: تفتأ تذكر الأسد ما حييت إني لأحسبك جباناً، وكان أبو زبيد يجالس الوليد بن عقبة. أبو سبرة بن أبي رهم ببن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود القرشي العامري، قديم الإسلام، يقال إنه هاجر إلى الحبشة. وقد شهد بدراً والمشاهد بعدها. قديم الإسلام، يقال إنه هاجر إلى) الحبشة. وقد شهد بدراً والمشاهد بعدها. وهو أخو أبي سلمة بن عبد الأسد، وأمهما برة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم. آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبي سبرة وبين سلمة بن وقش. قال الزبير بن بكار: ولا نعلم أحداً من أهل بدر رجع إلى مكة فنزلها، غير أبي سبرة فإنه سكنها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وولده ينكرون ذلك. وتوفي في خلافة عثمان. 36 (3/360)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 361 خ م د ق أبو لبابة بن عبد المنذر بن زبير بم زيد بن أمية الانصاري، اسمه بشير، وقيل رفاعة. رده النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر من الروحاء، فاستعمله على المدينة وضرب له بسهمه وأجره. وكان من سادة الصحابة. توفي في خلافة عثمان، وقيل في خلافة علي، وقيل في خلافة معاوية، وهو أحد النقباء ليلة العقبة. روى عنه ابناه السائب، وعبد الرحمن، وعبد الله بن عمر، وسالم بن عبد الله، ونافع مولى ابن عمر، وعبيد الله بن أبي زيد، وعبد الله بن كعب ابن مالك، وسلمان الأغر، ورواية بعض هؤلاء عنه مرسلة لعدم إدراكهم إياه. 36 (3/361)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 362 أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة. تقدم في سنة إحدى وعشرين، وتوفي في خلافة عثمان، إسمه خالد، وقيل شيبة، وقيل هشيم، وقيل مهشم، وهو أخو أبي حذيفة. كان صالحاً زاهداً، وهو أخو مصعب بن عمير لأمه، أسلم يوم الفتح وذهبت عينه يوم اليرموك. 36 (3/362)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 363 (أحداث سنة إحدى وثلاثين) ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين قال أبو عبيد الله الحاكم: أجمع مشايخنا على أن نيسابور فتحت صلحاً، وكان فتحها في سنة إحدى وثلاثين. ثم روى بإسناده إلى مصعب بن 36 (3/363)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 364 أبي الزهراء أن كنارى صاحب نيسابور كتب إلى سعيد بن العاص والي الكوفة، وإلى عبد الله بن عامر والي البصرة، يدعوهما إلى خراسان ويخبرهما أن مرو قد قتل أهلها يزدجرد. فندب سعيد بن العاص الحسن بن علي وعبد الله بن الزبير لها، فأتى ابن عامر دهقان فقال: ما تجعل لي إن سبقت بك قال: لك خراجك وخراج أهل بيتك إلى يوم القيامة، فأخذ به على قومس، وأسرع إلى أن نزل على نيسابور، فقاتل أهلها سبعة أشهر ثم فتحها، فاستعمله عثمان عليها أيضاً، وكان ابن خالة عثمان. ويقال: تفل النبي صلى الله عليه وسلم في فيه وهو صغير. وفيها قال خليفة: أحرم عبد الله بن عامر من نيسابور، واستخلف قيس بن الهيثم وغيره على خراسان، وقيل إن ذلك كان في السنة الماضية. وفيها غزوة الأساود، فغزا عبد الله بن سعد بن أبي سرح من مصر في البحر، وسار فيه إلى ناحية مصيصة. 36 (3/364)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 365 2 (الوفيات) وفيها توفي الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي أبو مروان، وكان له من الولد عشرون ذكراً وثمان بنات، أسلم يوم الفتح وقدم المدينة فكان فيما قيل يفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم فطرده وسبه 36 (3/365)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 366 وأرسله إلى بطن وج فلم يزل طريداً إلى أن ولي عثمان، فأدخله المدينة ووصل رحمه وأعطاه مائة ألف درهم، لأنه كان عم عثمان بن عفان، وقيل إنما نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف لأنه كان يحكيه في مشيته وبعض حركاته. وقد رويت أحاديث منكرة في لعنه لا يجوز الأحتجاج بها، وليس له في الجملة خصوص الصحبة بل عمومها. قال حماد بن سلمة، وجرير، عن عطاء بن السائب، عن أبي يحيى النخعي قال: كنت بين مروان، والحسن، والحسين، والحسين يساب مروان، فقال مروان: إنكم أهل بيت ملعونون، فغضب الحسن وقال: والله لقد لعن الله أباك على لسان نبيه وأنت في صلبه. أبو يحيى مجهول. وقال العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في المنام كأن بني الحكم ينزون على منبره، فأصبح كالمتغيظ وقال: مالي أريت بني الحكم ينزون على منبري نزو القردة. وقال معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن حنش بن قيس، عن عطاء، عن ابن عمر قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فدخل علي يقود الحكم بأذنه فلعنه نبي الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً. قال الدارقطني: تفرد معتمر. 36 (3/366)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 367 وقال جعفر بن سليمان الضبعي: ثنا سعيد أخو حماد بن زيد، عن علي ابن الحكم، عن أبي الحسن الجزري، عن عمرو بن مرة وله صحبة قال: استأذن الحكم بن أبي العاص على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ائذنوا له لعنه الله وكل من خرج من صلبه إلا المؤمنين. إسناده فيه من يجهل. وعن عبد الله بن عمرو قال: كان الحكم يجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وينقل حديثه إلى قريش، فلعنه رسول الله ومن يخرج من صلبه إلى يوم القيامة. تفرد به سليمان بن) قرم، وهو ضعيف. وقال أحمد في مسنده: ثنا ابن نمير، ثنا عثمان بن حكيم، عن أبي أمامة بن سهل، عن عبد الله بن عمرو قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ليدخلن عليكم رجل لعين، فما زلت أتشوف حتى دخل فلان يعني الحكم. 36 (3/367)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 368 وقال الشعبي: سمعت ابن الزبير يقول: ورب هذا البيت إن الحكم ابن أبي العاص وولده ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم. إسناده صحيح. وعن إسحاق بن يحيى، عن عمته عائشة بنت طلحة، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرته فسمع حساً فاستنكره، فذهبوا فنظروا فإذا الحكم يطلع على النبي صلى الله عليه وسلم فلعنه وما في صلبه ونفاه. رواه محمد بن عثمان بن أبي شيبة، عن عبادة بن زياد أن مدرك بن سليمان الطائي حدثه عن إسحاق فذكره. وقال أبو سلمة التبوذكي: ثنا عبد الواحد بن زياد، ثنا عثمان بن حكيم، ثنا شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يدخل عليكم رجل لعين، قال: وكنت تركت أبي يلبس ثيابه، فأشفقت، فدخل الحكم بن أبي العاص. أبو سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي، واسمه صخر. أحد دهاة العرب، وشيخ قريش، وقائدهم نوبة الأحزاب، ثم أسلم يوم الفتح 36 (3/368)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 369 وشهد حنيناً. وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم من الغنائم مائة من الإبل وأربعين أوقية وقد فقئت عينه يوم الطائف، ثم شهد اليرموك، فكان يذكر يومئذ ويحض على القتال. 37 (3/369)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 370 روى عنه ابن عباس، وقيس بن أبي حازم. وقيل: فقئت عينه الأخرى يوم اليرموك في سبيل الله، وكان مقدم جيش الجاهلية يوم أحد. وكان أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر سنين، وكان يتجر إلى الشام وغيرها. وكان يوم اليرموك تحت راية ابنه يزيد بن أبي سفيان، فكان يقاتل ويقول: يا نصر الله اقترب. وكان يقف على الكراديس يقص ويقول: الله الله إنكم دارة العرب أنصار الإسلام، وهؤلاء دارة الروم وأنصار المشركين، اللهم هذا يوم من أيامك اللهم أنزل نصرك على عبادك. وتوفي سنة إحدى وثلاثين، وقيل سنة اثنتين، وقيل سنة ثلاث، وقيل سنة أربع وثلاثين وله نحو تسعين سنة.) ويقال: توفي فيها: المقداد، والعباس، وابن عوف، وعامر بن ربيعة، وسيأتون بعدها. يزدجرد بن شهريار بن برويز المجوسي كسرى زمانه، انهزم من المسلمين في دار مكة إلى مرو، وقيل: بل بيته الترك وقتلوا خواصه، فهرب والتجأ إلى بيت رجل فقتله غدراً ثم قتل به. والله أعلم. 37 (3/370)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 371 (أحداث سنة اثنتين وثلاثين) فيها كانت وقعة المضيق بالقرب من قسطنطينية، وأميرها معاوية. 2 (الوفيات) وتوفي فيها أبي بن كعب، قاله خليفة وحده. وأوس بن الصامت أخو عبادة، وقد تقدما. سنان بن أبي سنان بن محصن الأسدي حليف بني عبد شمس. وكان أسن من عمه عكاشة، هاجر هو وأبوه وشهد بدراً. توفي أبوه والنبي صلى الله عليه وسلم يحاصر بني قريظة، وكان سنان من سادة الصحابة. قال الواقدي: هو أول من باع تحت الشجرة. الطفيل بن الحارث بن المطلب فيها في قول، وقد ذكر. 37 (3/371)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 372 وأخوه الحصين توفي بعده بأربعة أشهر، وقد شهد بدراً. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد لم يفارقونا في جاهلية ولا في إسلام. 37 (3/372)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 373 العباس بن عبد المطلب بن هاشم أبو الفضل عم النبي صلى الله عليه وسلم، ولد قبل النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين أو ثلاث، وحضر بدراً فأسره المسلمون، ثم أسلم بعد أن فدى نفسه وقدم مكة، له أحاديث. 37 (3/373)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 374 روى عنه ابناه: عبد الله وعبيد الله، والأحنف بن قيس، وعامر بن سعد، ومالك بن أوس بن الحدثان، ونافع بن جبير بن مطعم، وأم كلثوم بنته، وعبد الله بن الحارث بن نوفل، وله فضائل ومناقب رضي الله عنه. قال الكلبي: كان العباس شريفاً مهيباً عاقلاً. وقال غيره: كان أبيض بضاً جميلاً طويلاً فخماً مهيباً، له ضفيرتان، عاش ثمانياً وثمانين سنة، وصلى عليه عثمان، ودفن بالبقيع، وعلى ضريحه قبة عظيمة.) 37 (3/374)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 375 وقال خليفة وحده: توفي سنة أربع وثلاثين. وقال الزبير بن بكار: كان للعباس ثوب لعاري بن هاشم وجفنة لجائعهم، وكان يمنع الجار، ويبذل المال، ويعطي في النوائب، وكان نديم أبي سفيان بن حرب في الجاهلية. وعن سهل بن سعد قال: لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من بدر استأذنه العباس أن يرجع إلى مكة حتى يهاجر منها، فقال: اطمئن يا عم فإنك خاتم المهاجرين كما أنا خاتم النبيين. رواه أبو يعلى والهيثم بن كليب في مسنديهما. وروى يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث، عن المطلب بن ربيعة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عم الرجل صنو أبيه ومن آذى العباس فقد آذاني وصحح الترمذي من حديث يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث هذا الحديث إلى آخره. وقال محمد بن طلحة التميمي وهو ثقة عن أبي سهيل بن مالك، عن سعيد بن المسيب، عن سعد قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل العباس فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا العباس عم نبيكم أجود قريش كفاً وأوصلها. أخرجه النسائي. وروى عبد الأعلى الثعلبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن 37 (3/375)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 376 العباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: العباس مني وأنا منه. وقال ثور بن يزيد، عن مكحول، عن كريب عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل على العباس وولده كساء ثم قال: اللهم اغفر للعباس وولده مغفرة ظاهرة وباطنة لا تغادر ذنباً، اللهم اخلفه في ولده. تفرد به عبد الوهاب بن عطاء، عن ثور. حسنه الترمذي. وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن 37 (3/376)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 377 هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجل أحداً ما يجل العباس، أو يكرم العباس. وقال أنس: قحط الناس، فاستسقى عمر بالعباس وقال: اللهم إنا كنا إذا قحطنا نتوسل إليك بنبيك فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقينا. قال: فسفوا. وقال أبو معشر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، وعن غيره، أن عمر فرض لمن شهد بدراً خمسة آلاف خمسة آلاف، وفرض للعباس اثني عشر ألفاً. وروى ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن الثقة قال: كان العباس إذا مر بعمر أو بعثمان وهما راكبان نزلا حتى يجاوزهما إجلالاً لعم رسول الله صلى الله عليه وسلم.) 37 (3/377)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 378 وقال عمرو بن مرة، عن أبي صالح السمان، عن صهيب مولى العباس قال: رأيت علياً يقبل يد العباس ورجله ويقول: يا عم ارض عني. وقال ثور بن يزيد، عن مكحول، عن سعيد بن المسيب، أنه قال: العباس خير هذه الأمة وراث النبي صلى الله عليه وسلم وعمه. إسناده صحيح. وقال الضحاك بن عثمان الحزامي: كان يكون للعباس الحاجة إلى غلمانه وهم بالغابة، فيقف على سلع في آخر الليل فيناديهم فيسمعهم، والغابة على نحو من تسعة أميال. وقال علي بن عبد الله بن عباس: أعتق العباس عند موته سبعين مملوكاً. وقال المدائني: إنه توفي سنة ثلاث وثلاثين. 37 (3/378)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 379 عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب أبو عبد الرحمن الهذلي حليف بني زهرة. وأمه أم 38 (3/379)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 380 عبد هذيلة أيضاً. كان من السابقين الأولين، شهد بدراً والمشاهد كلها، وكان له أصحاب سادة، منهم علقمة، والأسود، ومسروق، وعبيد السلماني، وأبو الأحوص، وزيد بن وهب، وخلق سواهم، وكان صاحب نعل النبي صلى الله عليه وسلم، فكان إذا خلعها حملها أو شالها. وكان يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم ويخدمه ويلزمه. وتلقن من رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة. قال ابن سيرين: قال عبد الله بن مسعود: لو أعلم أحداً أحدث بالعرضة الأخيرة مني تناله الإبل لرحلت إليه. 38 (3/380)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 381 وقال عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي وسئل عن عبد الله فقال: علم القرآن والسنة ثم انتهى. وعن ابن مسعود قال: كناني النبي صلى الله عليه وسلم أبا عبد الرحمن قبل أن يولد لي. وعن المسيب قال: رأيت ابن مسعود عظيم البطن أحمش الساقين. وقال قيس بن أبي حازم: رأيته آدم خفيف اللحم. وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: كان نحيفاً قصيراً، شديد الأدمة وكان لا يخضب. وعن غيره قال: كان ابن مسعود لطيف القد، وكان من أجود الناس ثوباً، أبيض، وأطيب الناس ريحاً.) وقال ابن إسحاق: أسلم ابن مسعود بعد اثنتين وعشرين نفساً. وقال أبو الأحوص: سمعت أبا مسعود البدري وأبا موسى حين مات ابن مسعود، وأحدهما يقول لصاحبه: أتراه ترك بعده مثله قال: لئن قلت ذاك لقد كان يؤذن له إذا حججنا ويشهد إذا غبنا. وقال أبو موسى: مكثت حيناً وما أحسب ابن مسعود وأمه إلا من أهل 38 (3/381)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 382 بيت النبي صلى الله عليه وسلم من كثرة دخولهم وخروجهم عليه. وقالالقاسم بن عبد الرحمن: كان عبد الله بن مسعود يلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم نعليه ويمشي أمامه بالعصى، حتى إذا أتى مجلسه نزع نعليه، فأخذهما عبد الله وأعطاه العصا، وكان يدخل الحجرة أمامه بالعصى. وعن عبيد الله بن عبد الله قال: كان عبد الله صاحب سواد رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني سره، وصاحب وساده يعني فراشه، وصاحب سواكه ونعليه وطهوره، وهذا يكون في السفر. وعن عبد الله قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط فبشرني بالجنة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل فليقرأه قراءة ابن أم عبد. قال ابن مسعود: ثم قعدت أدعو فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سل تعطه، فكان فيما قلت: اللهم إني أسألك إيماناً لا يرتد، ونعيماً لا ينفذ، ومرافقة نبيك محمد في أعلى جنان الخلد. 38 (3/382)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 383 وقال أبو إسحاق السبيعي، عن الحارث، عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كنت مؤمراً أحد عن غير مشورة لأمرت عليهم ابن أم عبيد. رواه أحمد في مسنده والترمذي. وعن علي قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن مسعود فصعد شجرة فنظر الصحابة إلى ساقي عبد الله، فضحكوا من حموشة ساقيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تضحكون لهما في الميزان يوم القيامة أثقل من أحد. رواه مغيرة، عن أم موسى، عن علي. وقال عبد الملك بن عمير، عن مولى لربعي، عن ربعي، عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى) الله عليه وسلم: اقتدوا بالذين من بعدي: أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدى عمار، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد. حسنه الترمذي. 38 (3/383)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 384 لكن لفظه: وما حدثكم ابن مسعود فصدقوه. وقال منصور، عن القاسم بن عبد الرحمن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد. وروى نحوه من طرق أخر. وقال علقمة: كان ابن مسعود يشبه النبي صلى الله عليه وسلم في هديه وله وسمته. وقال أبو إسحاق السبيعي: سمعت عبد الرحمن بن يزيد يقول: قلنا لحذيفة: أخبرنا برجل قريب السمت والدل برسول الله حتى نلزمه، قال: ما أعلم أحداً أقرب سمتاً ولا هدياً ولا دلاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يواريه جدار بيته من ابن أم عبد، ولقد علم المحفوظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن ابن أم عبد من أقربهم إلى الله زلفة. 38 (3/384)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 385 وقال أبو إسحاق، عن حارثة بن مضرب قال: كتب عمر إلى أهل الكوفة: إنني قد بعثت إليكم عمار بن ياسر أميراً، وابن مسعود معلماً ووزيراً، وهما من النجباء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل بدر، فاسمعوا لهما، واقتدوا بهما، فقد آثرتكم بعبد الله على نفسي. وقال عبد الله بن عمرو: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: استقرئوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى حذيفة. وقال مسروق، عن عبد الله قال: ما من آية إلا أعلم فيم أنزلت، ولو أعلم أحداً أعلم بكتاب الله مني تبلغنيه الإبل لأتيته. 38 (3/385)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 386 وقال الزهري: أخبرني عبيد الله بن عبد الله، أن ابن مسعود كره لزيد نسخ المصاحف وقال: يا معشر المسلمين أعزل عن نسخ المصاحف ويتولاها رجل غيري، والله لقد أسلمت وإنه لفي صلب أبيه، يا أهل الكوفة: اكتموا المصاحف التي عندكم وغلوها. قلت: قال ذلك لما جعل عثمان زيد بن ثابت على كتابة المصاحف، وتطلب سائر مصاحف الصحابة ليغسلها أو يحرقها، ففعل ذلك ليجمع الأمة على مصحف واحد. قال أبو وائل: خطب ابن مسعود وقال: غلوا مصاحفكم، كيف يأمروني أن أقرأ على قراءة زيد بن ثابت، وقد قرأت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم 38 (3/386)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 387 بضعاً وسبعين سورة، وإن) زيداً ليأتي مع الغلمان له ذؤابتان. وقال أبو وائل: إني لجالس مع عمر، إذ جاء ابن مسعود، فكاد الجلوس يوازونه من قصره يعني وهو قائم فضحك عمر حين رآه، وجعل يكلم عمر ويضاحكه وهو قائم عليه، ثم ولى فأتبعه عمر بصرة حتى توارى فقال: كنيف مليء علماً. وقال الأعمش، عن أبي عمرو الشيباني، عن أبي موسر أنه قال: لا تسألوني عن شيء ما دام هذا الحبر بين أظهركم، يعني ابن مسعود. 38 (3/387)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 388 وقال أبو إسحاق، عن أبي عبيدة بن عبد الله: سمعت أبا موسى يقول: مجلس كنت أجالسه ابن مسعود أوثق في نفسي من عمل سنة. وقال الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن حريث بن ظهير قال: جاء نعي عبد الله إلى أبي الدرداء فقال: ما ترك بعده مثله. وقال مسروق: إنتهى علم الصحابة إلى علي وابن مسعود. وقال زيد بن وهب: رأيت بعيني عبد الله أثرين أسودين من البكاء. وعن ابن مسعود قال: حبذا المكروهان الموت والفقر، وايم الله ما هو إلا الغنى والفق، وما أبالي بأيهما ابتدئت. وقال سيف بن عمر، عن عطية، عن أبي سيف قال: اتخذ ابن مسعود ضيعة برذان، ومات عن تسعين ألف مثقال، سوى رقيق وعروض وماشية. 38 (3/388)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 389 وقال عامر بن عبد الله بن الزبير إن ابن مسعود أوصى إلى الزبير بن العوام. وقال قيس بن أبي حازم: دخل الزبير على عثمان بعد وفاة ابن مسعود فقال: أعطني عطاء عبد الله فعيال عبد الله أحق به من بيت المال، فأعطاه خمسة عشر ألفاً. همام، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبيه، عن ابن مسعود، في الرجل يزني بالمرأة ثم يتزوجها قال: هما زانيان ما اجتمعا، قال قتادة: فقلت لسالم: أي رجل كان أبوك قال: كان قارئاً لكتاب الله. الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن أبي الأحوص: سمعت أبا مسعود الأنصاري يقول: والله ما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم ترك أحداً أعلم بكتاب الله من هذا، يريد عبد الله بن مسعود. الطيالسي: ثنا شعبة، عن سلمة بن كهيل، حدثني حبة العرني قال: كتب عمر: يا أهل الكوفة) أنتم رأس العرب وجمجمتها، وسهمي الذي أرمي به، قد بعثت إليكم بعبد الله وخرت لكم وآثرتكم به على نفسي. توفي عبد الله بالمدينة، وكان قدمها فمرض أياماً بالبقيع، وله ثلاث وستون سنة. 39 (3/389)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 390 عبد الرحمن بن عوف بن عد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب، أبو محمد القرشي 39 (3/390)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 391 الزهري، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد الستة أصحاب الشورى. روى عنه بنوه إبراهيم، وحميد، وعمرو، ومصعب، وأبو سلمة، ومالك بن أوس بن الحدثان، وأنس بن مالك، ومحمد بن جبير بن مطعم، وغيلان بن شرحبيل، وآخرون. وكان اسمه في الجاهلية عبد عمرو، وقيل عبد الكعبة. وكان على ميمنة عمر في قدمته إلى الجابية، وعلى ميسرته في نوبة سرغ. مولده بعد الفيل بعشر سنين. وقد أسقط البخاري وغيره عبداً من نسبه. وقال الهيثم بن كليب وغيره: عبد الحارث في عبد بن الحارث. وعن عبد الرحمن قال: كان اسمي عبد عمرو، فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن. وعن سهلة بنت عاصم قالت: كان عبد الرحمن أبيض، أعين، أهدب الأشفار، أقنى، طويل النابين الأعليين، ربما أدمى نابه شفته. له جمة أسفل أذنيه، أعنق، ضخم الكفين. 39 (3/391)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 392 وقال ابن إسحاق: كان عبد الرحمن ساقط الثنيتين، أهتم أعسر، أعرج، كان قد أصيب يوم أحد فهتم، وجرح عشرين جراحة، بعضها في رجله فعرج. وعن يعقوب بن عتبة قال: كان طوالاً، حسن الوجه، رقيق البشرة، فيه جناً أبيض بحمرة، لا يغير شيبه. وقال صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: كنا نسير مع عثمان، فرأى أبي فقال عثمان: ما بستطيع أحد أن يعتد على هذا الشيخ، فضلاً في الهجرتين جميعاً. وعن أنس قال: قدم عبد الرحمن المدينة فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الخزرجي، فقال: إن لي زوجتين، فانظر أيهما شئت حتى أطلقها لتتزوجها وأشاطرك نصف مالي، فقال: بارك الله لك في أهلك ومالك، ولكن دلوني على السوق، فذهب ورجع وقد حصل شيئاً.) وقد روى أحمد في مسنده من حديث أنس، أن عبد الرحمن أثرى وكثر ماله حتى قدمت له مرة سبعمائة راحلة تحمل البر والدقيق، فلما قدمت سمع أهل المدينة رجة، فبلغ ذلك عائشة فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عبد الرحمن بن عوف لا يدخل الجنة إلا حبواً. فلما بلغه قال: يا أمه أشهدك أنها بأحمالها وأحلاسها في سبيل الله. 39 (3/392)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 393 قلت: كان ناجراً سعيداً فتح عليه في التجارة وتمول، حتى إنه باع مرة أرضاً بأرعين ألف دينار فتصدق بها، وحمل على خمسمائة فرس في سبيل الله، ثم على خمسمائة راحلة. وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم غاب مرة فقدموا عبد الرحمن يصلي بالناس، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالناس، فأراد أن يتأخر، فأومأ إليه أن اثبت مكانك. فصلى وثلى رسول الله خلفه. وهذه منقبة عظيمة. وقال محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبيه قال: رأيت الجنة، وأني دخلتها حبواً، ورأيت أنه لا يدخلها إلا الفقراء. وعن عبد الله بن أبي أوفى قال: شكا عبد الرحمن خالداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا خالد لا تؤذ رجلاً من أهل بدر، فلو أنفقت مثل أحد ذهباً لم تدرك عمله. 39 (3/393)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 394 وقال محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خياركم خياركم لنسائي، قال: فأوصى عبد الرحمن لهن بحديقة قومت بأربعمائة ألف. وقال عبد الله بن جعفر: حدثنتني أم بكر ببنت المسور، أن عبد الرحمن بن عوف باع أرضاً له من عثمان بأربعين ألف دينار، فقسمها في فقراء بني زهرة، وفي المهاجرين، وأمهات المؤمنين، فقالت عائشة: سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة، زاد يحيى الحماني فيه: لن يحنو عليكن بعدي إلا الصالحون. وقال ابن إسحاق، عن محمد بن عبد الرحمن بن حصين، عن عوف بن الحارث، عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه: إن الذي يحنو عليكن بعدي لهو الصادق البار، اللهم اسق ابن عوف من سلسبيل الجنة. وعن نيار الأسلمي قال: كان عبد الرحمن ممن يفتي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال يزيد بن هارون: ثنا المعلى الجزري، عن ميمون بن مهران، 39 (3/394)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 395 عن ابن عمر، أن عبد الرحمن قال لأصحاب الشورى: هل لكم أن أختار لكم وأنفصل منها قال علي: أنا أول من) رضي، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنك أمين في أهل السماء والأرض. وقال لهيعة، عن يحيى بن سعيد، عن أبي عبيد بن أزهر، عن أبيه أن عثمان اشتكى رعافاً، فدعا حمران فقال: اكتب لعبد الرحمن العهد من بعدي، فكتب له، فانطلق حمران إلى عبد الرحمن فقال: لك البشرى، إن عثمان كتب لك العهد من بعده، فقام بين القبر والمنبر فقال: اللهم إن كان من تولية عثمان إياي هذا الأمر فأمتني قبل عثمان، فلم يعش إلا ستة أشهر. وعن سعد بن الحسن قال: كان عبد الرحمن بن عوف لا يعرف من بين عبيده. وعن الزهري قال: أوصى عبد الرحمن بن عوف لمن شهد بدراً، فوجدوا مائة، لكل رجل أربعمائة دينار، وأوصى بألف فرس في سبيل الله. 39 (3/395)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 396 وقال إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: سمعت علياً يقول يوم مات أبي: إذهب يابن عوف فقد أدركت وسبقت رنقها. وقال محمد بن سيرين: اقتسم نساء ابن عوف ثمنهن فكان ثلاثمائة وعشرين ألفاً. توفي سنة اثنتين وثلاثين، وله خمس وسبعون سنة، ودفن في البيع رضي الله عنه. 39 (3/396)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 397 كعب الأحبار أبو إسحاق بن ماتع الحميري اليماني الكتابي. أسلم في خلافة أبي بكر، أو أول خلافة عمر. وروى عن عمر، وصهيب، وعن كتب أهل الدين، وكان في الغالب يعرف حقها من باطلها لسعة علمه وكثرة اطلاعه. روى عنه ابن امرأته تبيع الحميري، وأسلم مولى عمر، وأبو سلام الأسود، وآخرون. ومن الصحابة أبو هريرة، وابن عباس، ومعاوية. وسكن الشام وغزا بها. وتوفي بحمص طالب غزاة. 39 (3/397)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 398 قال خالد بن معدان، عن كعب الأحبار: لأن أبكي من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بوزني ذهباً. أبو الدرداء واسمه عويمر بن عبد الله، وقيل ابن ثعلبة الأنصاري الخزرجي. وقيل عويمر بن قيس بن زيد، ويقال عامر بن مالك، حكيم هذه الأمة. 39 (3/398)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 399 له عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث.) روى عنه أنس، وأبو أمامة، وجبير بن نفير، وعلقمة، وزيد بن وهب، وقبيصة بن ذؤيب، وأهله أم الدرداء، وابنه بلال بن أبي الدرداء، وسعيد بن المسيب، وخالد بن معدان، وخلق سواهم. ولي قضاء دمشق. وداره بباب البريد وتعرف اليوم بدار الغزي. كذا قال ابن عساكر. وقيل: كان اقنى، أشهل، يخضب بالصفرة. وقال الأعمش، عن خيثمة، قال أبو الدرداء: كنت أتاجر قبل المبعث، فلما جاء الإسلام جمعت التجارة والعبادة، فلم يجتمعا، فتركت التجارة ولزمت العبادة. تأخر إسلام أبي الدرداء، فقال سعيد بن عبد العزيز إنه أسلم يوم بدر وشهد أحداً، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يرد من على الجبل يوم أحد، 40 (3/399)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 400 فردهم وحده، وكان يومئذ حسن البلاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم الفارس عويمر. وعنه صلى الله عليه وسلم قال: حكيم أمتي عويمر. وفي البخاري من حديث أنس قال: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ، وزيد بن ثابت، وأبو زيد الأنصاري. وقال الشعي: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة، فسمى الأربعة وأبي بن كعب، وسعد بن عبيد قال: وكان بقي على مجمع بن جارية سورة أو سورتان، حين توفي النبي صلى الله عليه وسلم. وكان ابن مسعود أخذ من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعاً وسبعين سورة، وتعلم بقية القرآن من مجمع، ولم يجمع أحد من خلفاء الصحابة القرآن غير عثمان. وعن أبي الزاهرية قال: كان أبو الدرداء من آخر الأنصار إسلاماً. وقال معوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير قال: 40 (3/400)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 401 قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله وعدني إسلام أبي الدرداء قال: فأسلم. وقال ابن إسحاق: كان الصحابة يقولون: أتبعنا للعلم والعمل أبو الدرداء. وقال أبو جحيفة السوائي: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فجاءه سلمان يعوده، فإذا أم الدرداء متبذلة، فقال: ما شأنك قالت: إن أخاك أبا الدرداء يقوم) الليل ويصوم النهار، وليس له في شيء من الدنيا حاجة، فجاء أبو الدرداء فرحب بسلمان وقرب إليه طعاماً، فقال سلمان: كل، قال: إني صائم، قال: أقسمت عليك لتفطرن، فأفطر، ثم بات سلمان عنده، فلما كان من الليل أراد أبو الدرداء أن يقوم، فمنعه سلمان وقال: إن لجسدك عليك حقاً، ولربك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، صم وأفطر وصل وأت أهلك وأعط كل ذي حق حقه، فلما كان وجه الصبح قال: قم الآن إن شئت، فقاما وتوضآ ثم ركعا ثم خرجا، فدنا أبو الدرداء ليخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي أمر سلمان، فقال له: يا أبا الدرداء إن لجسدك عليك حقاً مثل ما قال لك سلمان. وقال سالم بن أبي الجعد: قال أبو الدرداء: سلوني فوالله لئن فقدتموني لتفقدن رجلاً عظيماً. 40 (3/401)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 402 وقال زيد بن عميرة: لما احتضر معاذ قالوا: أوصنا، قال: التمسوا العلم عند أربعة: أبي الدرداء، وسلمان، وابن مسعود، وعبد الله بن سلام. وعن أبي ذر أنه قال: ما أظلت خضراء أعلم منك يا أبا الدرداء. قال أبو عمرو الداني: عرض على أبي الدرداء القرآن: عبد الله بن عامر، وخليد بن سعد القارئ، وراشد بن سعد، وخالد بن معدان. قلت: في عرض هؤلاء عليه نظر. قال الأعمش، عن إبراهيم، عن همام بن الحارث قال: كان أبو الدرداء يقرئ رجلاً أعجمياً فقرأ: طعام الأثيم طعام اليتيم، فقال أبو الدرداء: طعام الأثيم، فلم يقدر يقولها، فقال أبو الدرداء: طعام الفاجر فأقرأه طعام الفاجر. 40 (3/402)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 403 وقال خالد بن معدان: كان ابن عمر يقول: حدثونا عن العاقلين، فيقال: من العاقلان فيقول: معاذ، وأبو الدرداء. روى الأعمش. عن عمرو بن مرة، عن خيثمة قال: كان أبو الدرداء يصلح قدراً له، فوقعت على وجهها فجعلت تسبح، فقال: يا سلمان تعال إلى ما لم يسمع أبوك مثله قط، فجاء سلمان وسكن الصوت، فأخبره، فقال سلمان: لو لم تصح لرأيت أو لسمعت من آيات الله الكبرى. حديث صحيح. وقال مالك، عن يحيى بن سعيد قال: كان أبو الدرداء إذا قضى بين اثنين ثم أدبرا عنه نظر إليهما فقال: ارجعا إلي أعيدا علي قضيتكما.) وقال أبو وائل، عن أبي الدرداء قال: إني لآمركم بالأمر وما أفعله ولكن لعل الله أن يأجرني فيه. وقال ميمون بن مهران: قال أبو الدرداء: ويل للذي لا يعلم مرة، وويل للذي يعلم ولا يعمل سبع مرات. وقال عون بن عبد الله قلت لأم الدرداء: أي عبادة أبي الدرداء كانت أكثر قالت: التفكير والاعتبار. وعن أبي الدرداء أنه قيل له: كم تسبح في كل يوم، وكان لا يفتر من 40 (3/403)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 404 الذكر قال: مائة ألف، إلا أن تخطئ الأصابع. وقال معاوية بن قرة: قال أيو الدرداء: ثلاثة أحبهن ويكرههن الناس: الفقر والمرض والموت. وعنه قال: أحب الموت اشتياقاً لربي، وأحب الفقر تواضعاً لربي، وأحب المرض تكفيراً لخطيئتي. وقال عكرمة بن عمار، عن أبي قدامة محمد بن عبيد الحنفي، عن أم الدرداء قالت: كان لأبي الدرداء ستون وثلاثمائة خليل في الله يدعو لهم في الصلاة، قالت: فقلت له في ذلك، فقال: إنه ليس رجل يدعو لأخيه في الغيب إلا وكل الله به ملكين يقولان: ولك بمثل. أفلا أرغب أن تدعو لي الملائكة. قال الواقدي وأبو مسهر: مات أبو الدرداء سنة اثنتين وثلاثين. 40 (3/404)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 405 أبو ذر الغفاري اسمه جندب بن جنادة على الصحيح، وقيل: جندب بن سكن، 40 (3/405)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 406 وقيل: برير بن عبد الله، أو جنادة. أحد المسلمين الأولين، يقال، كان خامساً في الإسلام، ثم انصرف إلى بلاد قومه، وأقام بها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم هاجر أبو ذر إلى المدينة. وروى أنه كان آدم جسيماً، كث اللحية. قال أبو داود: لم يشهد أبو ذر بدراً، وإنما ألحقه عمر مع القراء. وكان يوازي ابن مسعود في العلم والفضل، وكان زاهداً أماراً بالمعروف، لا تأخذه في الله لومة لائم. وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من) أبي ذر. حسنه الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو. وعن علي رضي الله عنه، وسئل عن أبي ذر فقال: وعى علماً عجز الناس عنه، ثم أوكى عليه، فلم يخرج منه شيئاً. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم. وقال أبو غسان النهدي: ثنا مسعود بن سعد، عن الحسن بن 40 (3/406)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 407 عبيد الله، عن رياح بن الحارث، عن ثعلبة، أن علياً قال: لم يبق اليوم أحد لا يبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر ولا نفسي، ثم ضرب بيده على صدره. وقال بريدة بن سفيان، عن محمد بن كعب القرظي، عن ابن مسعود قال: لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، جعل لا يزال يتخلف الرجل، فيقولون: يا رسول الله تخلف فلان، فيقول: دعوه فإن يكن فيه خير فسيخلفه الله بكم حتى قيل: يا رسول الله تخلف أبو ذر، فقال: ماكان يقوله، فتلوم عليه بعيره، فلما أبطأ عليه أخذ أبو ذر متاعه فجعله على ظهره، ثم خرج يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشياً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن أبا ذر، فلما تأمله القوم قالوا: يا رسول الله هو والله أبو ذر، فقال: يرحم الله أبا ذر يمشي وحده، ويموت وحده، ويحشر وحده فضرب الدهر من ضربه، وسير أبو ذر إلى الربذة فمات بها. واتفق مرور عبد لله بن مسعود به من الكوفة فصلى عليه وشهده. ومناقب أبي ذر كثيرة. روى عنه أنس، وجبير بن نفير، وزيد بن وهب، وسعيد بن المسيب، وأبو سالم الجيشاني سفيان بن هانئ، والأحنف بن قيس، وعبد الرحمن بن غنم الأشعري، وأبو مراوح، وقيس بن عباد، وسويد بن 40 (3/407)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 408 غفلة، وأبو إدريس الخولاني، وعبد الله بن الصامت، والمعرور بن سويد وأبو عثمان النهدي، وخلق سواهم. وقد استوعب ابن عساكر في تاريخ دمشق أخباره وأحواله. قال حسين المعلم، عن ابن بريدة: كان أبو ذر رجلاً أسود، كث اللحية، كان موسى يكرمه ويقول: مرحباً بأخي. فيقول: لست بأخيك إنما كنت أخاك قبل أن تستعمل.) ومن أخبار أبي ذر أنه كان شجاعاً مقداماً. قال محمد بن سعد: أنا محمد بن عمر، ثنا ابن أبي سبرة، عن يحيى بن شبل، عن خفاف بن إيماء بن رحضة قال: كان أبو ذر رجلاً يصيب، وكان شجاعاً ينفرد وحده ويقطع الطريق ويغير على الصرم كأنه السبع، ثم إن الله قذف في قلبه الإسلام. ثنا فضيل بن مرزوق، حدثتني جبلة بنت مصفح، عن حاطب قال: قال أبو ذر ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً مما صبه جبريل وميكائيل في صدره إلا وقد صبه في صدري، ولا تركت شيئاً مما صبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدري إلا وقد صببته في صدر مالك بن ضمرة. 40 (3/408)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 409 أبو إسحاق السبيعي، عن هانئ بن هانئ، سمع علياً يقول: أبو ذر وعاء مليء علماً، ثم وكى عليه، فلم ييخرج منه شيء حتى قبض. أخرجه أبو داود. شريك، عن أبي ربيعة الإيادي، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت بحب أرببعة لأن الله يحبهم: علي، وأبي ذر وسلمان، والمقداد. أبو ربيعة هذا خرج له أبو داود وغيره، قال أبو حاتم: منكر الحديث. عبد الحميد بن بهرام: ثنا شهر، حدثتني أسماء أن أبا ذر كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا فرغ من خدمته أوى إلى المسجد، وكان هو بيته يضطجع فيه، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فوجده نائماً، فنكته برجله، فجلس فقال له: ألا أراك نائماً، قال: فأين أنام هل من بيت غيره فجلس إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كيف أنت إذا أخرجوك منه قال: الحق بالشام فإن الشام أرض الهجرة وأرض المحشر وأرض الأنبياء، فأكون رجلاً من أهلها قال: كيف أنت إذا أخرجوك منها قال: إذاً أرجع إلى المسجد فيكون بيتي ومنزلي، قال: فكيف أنت إذا أخرجوك منه الثانية قال: إذا آخذ سيفي فأقاتل عني حتى أموت، قال: فكشر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أدلك على خير من ذلك: تنقاد لهمحيث قادوك وتنساق لهم حيث 41 (3/409)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 410 ساقوك حتى تلقاني وأنت على ذلك. أخرجه الإمام أحمد. الأوزاعي، حدثني أبو كثير، عن أبيه قال: أتيت أبا ذر، وقد اجتمعوا عليه عند الجمرة الوسطى يستفتونه، فأتاه رجل فقال: ألم ينهك أمير المؤمنين عن الفتيا فرفع رأسه وقال: أرقيب أنت علي لو وضعتم الصمصامة على هذه م ظننت أني أنفذ كلمة سمعتها من رسول) الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تجيزوا علي لأنفذتها. رواه غير واحد عن الأوزاعي. واسم أبي كثير مرثد، صدوق. عن ثعلبة بن الحكم عن علي قال: لم يبق أحد لا يبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر ولا نفسي. ثم ضرب بيده على صدره. الجريري، عن أبي العلاء بن الشخير، عن الأحنف قال: رأيت أبا ذر قام بالمدينة على ملأ من قريش فقال: بشر الكنازين برضف يحمى عليه فوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفه، فما رأيت أحداً رد عليه شيئاً، فذكر الحديث وهو حديث صحيح. 41 (3/410)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 411 ابن لهيعة: ثنا أبو قبيل: سمعت مالك ببن عبد الله الزيادي يحدث عن أبي ذر أنه دخل على عثمان، فقال عثمان، يا كعب إن عبد الرحمن توفي وترك مالاً فما ترى قال: إن كان يعني زكى فلا بأس، فرفع أبو ذر عصاه فضرب كعباً وقال: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول: ما أحب أن لي هذا الجبل ذهباً أنفقه ويتقبل مني أذر خلقي منه ست أواق. أنشدك الله يا عثمان أسمعته مراراً قال: نعم. جعفر بن برقان، عن ثابت بن الحجاج، عن عبد الله بن سيدان قال: تناجى عثمان وأبو ذر حتى ارتفعت أصواتهما، ثم انصرف أبو ذر مبتسماً وقال: سامع مطيع ولو أمرني أن آتي عدن. وأمره أن يخرج إلى الربذة. الأعمش، عن ميمون بن مهران، عن عبد الله بن سيدان، عن أبي ذر قال: لو أمرتني أن أحبو لحبوت ما استطعت. 41 (3/411)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 412 أبو عمران الجوني، عن عبد الله بن الصامت قال: قال أبو ذر لعثمان: يا أمير المؤمنين افتح الباب لا تحسبني من قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، يعني الخوارج. العوام بن حوشب: حدثني رجل عن شيخ وامرأته من بني ثعلبة قالا: نزلنا بالربذة، فمر بنا شيخ أشعث فقالوا: هذا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستأذناه أن نغسل رأسه، فأذن لنا واستأنس بنا، فبينا نن كذلك إذ أتاه نفر من أهل العراق فقالوا: يا أبا ذر فعل بك هذا الرجل وفعل، فهل أنت ناصب لك راية، فقال: لا تذلوا السلطان فإنه من أذل السلطان فلا توبة له، والله لو أن عثمان صلبني على أطول خشبة لسمعت وصبرت ورأيت أن ذلك خير لي. حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، قالت أم ذر: والله ما سير عثمان أبا ذر تعني إلى) الربذة ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: إذا بلغ البناء سلعاً فاخرج منها. ابن شوذب، عن غالب القطان قال: يا أبا سعيد أعثمان أخرج أبا ذر قال: معاذ الله. أبو سعيد هو الحسن. أبو هلال، عن قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن، أن أبا ذر كان عطاؤه أربعة آلاف، فإذا أخذه دعا خادمه فسأله ما يكفيه للسنة فاشتراه، ثم اشترى فلوساً بما بقي، وقال: إنه ليس من وعاء ذهب ولا فضة يوكأ عليه إلا 41 (3/412)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 413 وهو يتلظى على صاحبه. الأوزاعي، عن يحيى قال: كان لأبي ذر ثلاثون فرساً يحمل عليها، فكان يحمل على خمسة عشر منها يغزو عليها ويريح بقيتها، فإذا رجعت حمل على الخمسة عشر الأخرى. ثابت البناني قال: بنى أبو الدرداء مسكناً فمر عليه أبو ذر فقال: ما هذا تعمر داراً أمر الله بخرابها. حسين المعلم، عن ابن بريدة قال: كان أبو موسى يكرم أبا ذر، وكان أبو موسى خفيف اللحم، قصيراً، وكان أبو ذر رجلاً أسود، كث الشعر، فكان أبو موسى، يقول: مرحباً بأخي، فيقول: لست بأخيك، إنما كنت أخاك قبل أن تستعمل. قيل: لم يعش بعده ابن مسعود إلا نحو عشرة أيام. وقال الجريري: ثنا أبو العلاء بن عبد الله، عن نعيم قعنب قال: أتيت أبا ذر فجاءت امرأته بثريدة، فقال: كل فإني صائم، ثم قام يصلي، ثم انفتل فأكل، فقلت: إنا لله ما كنت أخاف أن تكذبني قال: ما كذبت، إني صمت من هذا الشهر ثلاثة أيام، فكتب لي أجره وحل لي الطعام. 41 (3/413)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 414 41 (3/414)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 415 (أحداث سنة ثلاث وثلاثين) فيها كانت غزوة قبرس. قال ابن إسحاق وغيره. وغزوة إفريقية، وأمير الناس عبد الله بن سعد بن أبي سرح، قاله الليث. وفها قال خليفة: جمع قارن جمعاً عظيماً بباذغيس وهراة، وأقبل في أربعين ألفاً فتررك قيس بن الهيثم لابلاد وهرب، فقام بأمر المسلمين عبد الله بن خازم السلمي، وجمع أربعة آلاف مقاتل، والتقى هو وقارن، ونصره الله وقتل وسبى، وكتب إلى ابن عامر بالفتح، فاستعمله ابن عامر على خراسان، ثم وجه ان عامرر عبد الرحمن بن سمرة على سجستان، فصالحه صاحب زرنج وبقي بها حتى حوصر عثمان. قال خليفة: وفيها غزا معاوية ملطية وحصن المرة من أرض الروم. 41 (3/415)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 416 قال: وفيها غزا عبد الله بن أبي سرح الحبشة، فأصيبت فيها عين معاوية بن حديج. 41 (3/416)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 417 2 (الوفيات) وفيها توفي عبد الله بن كعب الأنصاري المازني أحد البدريين، ورخه المدائني، وقد تقدم ذكره في سنة ثلاثين. وعبد الله بن مسعود في قول، وقد تقدم. المقدادبن الأسود الكندي البهراني. كان في حجر الأسود بن عبد يغوث الزهري، 41 (3/417)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 418 فيقال تبناه، وقيل: كان عبداً حبشياً له فتبناه، واسم أبيه عمرو بن ثعلبة بن مالك من ولد الحاف بن قضاعة وقيل: إنه أصاب دماً في كندة، فهرب إلى مكة، وحالف الأسود بن عبد يغوث. كان من السابقين الأولين، شهد بدراً، ولم يصح أنه كان في المسلمين فارس يومئذ غره، واختلفوا في الزبير. روى عنه: على ن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وابن عباس، وجبير بن نفير، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وهمام بن الحارث، وعبيد الله بن عدي بن الخيار، وآخرون. عاش سبعين سنة، وصلى عليه عثمان. وكان رجلاً آدم طوالاً، ذا بطن كبير، أشعر الرأس، أعين، مقرون الحاجبين. وكان يوم فتح مكة على ميمنة النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عون، عن عمير بن إسحاق، عن المقداد: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه) مبعثاً، فلما رجع قال: كيف وجدت الإمارة قلت: يا رسول الله ما ظننت إلا أن الناس كلي لي خول، والله لا ألي على عمل ما عشت. 41 (3/418)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 419 وقال ثابت البناني: كان عبد الرحمن والمقداد يتحدثان، فقال له ان عوف: مالك لا تزوج قال زوجني بنتك، قال: فأغلظ له وجبهه، فشكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف الغم في وجهه فقال: لكني أزوجك ولا فخر، فزوجه بابنة عمه ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب. وكان بها من الجمال والعقل التام مع قرابتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرني الله بحب أربعة: علي، وأبي ذر، وسلمان، والمقداد. رواه أحمد غي مسنده. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجنة تشتاق إلى أربعة فذكرهم. إسناده ضعيف. وعن كريمة بنت المقداد أن المقداد وصى للحسن والحسين لكل واحد منهما بثمانية عشر ألف درهم، وأوصى لأمهات المؤمنين لكل واحدة بسبعة آلاف درهم. وعن أبي فائد، أن المقداد بن عمرو شرب دهن الخروع فمات. ويل: إنه مات بالجرف على ثلاثة أميال من المدينة. ودفن بالبقيع. 42 (3/419)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 420 (أحداث سنة أربع وثلاثين) فيها وثب أهل الكوفة على أميرهم سعيد بن العاص فأخرجوه، ورضوا بأبي موسى الأشعري، وكتبوا فيه إلى عثمان فولاه عليهم، ثم إنه بعد قليل رد إليهم الإمرة سعيد بن العاص فخرجوا ومنعوه. وفيها كانت غزوة ذات الصواري في البحر من ناحية الإسكندرية، وأميرها ابن أبي سرح. 42 (3/420)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 421 2 (الوفيات) وفيها توفي إياس بن أبي البكير بن عبد يا ليل الكناني حليف بني عدي، كان من المهاجرين. شهد بدراً هو وإخوته خالد، وعاقل، وعامر، ولم يشهد بدراً إخوة أربعة سولهم، وقد شهد إياس فتح مصر. وفيها توفي أخوه عاقل بن البكير ويقال: ابن أبي البكير، كأنه كان يسمى باسمه. قال ابن سعد: كان اسم عاقل غافلاً فغيره النبي 42 (3/421)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 422 صلى الله عليه وسلم، وكان أبو معشر والواقدي يقولان: ابن أبي البكير، وكان موسى بن عقبة، وابن إسحاق، وابن الكلبي يقولون: ابن البكير. وعن يزيد بن رومان أن الإخوة الأربعة أسلموا في دار الأرقم. عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم أبو الوليد الأنصاري الخزرجي، أحد النقباء ليلة العقبة، شهد بدراً والمشاهد، وولي قضاء فلسطين، وسكن الشام. 42 (3/422)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 423 روى عنه أبو أمامة، وأنس بن مالك، وجبير بن نفير، وحطان بن عبد الله الرقاشي، وأبو الأشعث شراحيل الصنعاني، وأبو إدريس عائذ الله الخولاني، وخلق سواهم. وكان فيما بلغنا رجلاً طوالاً جسيماً جميلاً، توفي بالرملة، ويقال: توف ببت المقدس. وقال محمد بن كعب القرظي: جمع القرآن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم خمسة من الأنصار: معاذ، وأبي، وأبو أوب، وأبو الدرداء، وعبادة، فلما استخلف عمر، كتب يزيد بن أبي سفيان إليه: إن أهل الشام كثير، وقد احتاجوا إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم، فقال: أعينوني بثلاثة، فخرج معاذ، وأبو الدرداء، وعبادة. وروى إسحاق بن قبيصة بن ذؤيب، عن أبيه، أن عبادة بن الصامت أنكر على معاوية شيئاً، فقال: لا أسكنك بأرض، ورحل إلى المدينة، فقال له عمر: ما أقدمك فأخبره بفعل معاوية، فقال له: ارحل إلى مكانك فقبح الله أرضاً لست فيها وأمثالك، فلا إمرة له عليك.) وقال عبادة: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، وأن نقوم بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم. وفي مسند أحمد من حديث إسماعيل بن عبيد بن رفاعة قال: كتب 42 (3/423)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 424 معاوية إلى عثمان: إن عبادة قد أفسد علي الشام وأهله، فإما أن يكف، وإما أن أخلي بينه وبين الشام، فكتب إليه أن رحل عبادة حتى ترده إلينا، قال: فدخل على عثمان فلم يفجأه إلا وهو معه في الدار، فالتفت إليه فقال: يا عبادة مالنا ولك فقام عبادة بين ظهري الناس فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيلي أموركم بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون، وينكرون عليكم ما تعرفون، فلا طاعة لمن عصى، ولا تضلوا بربكم. وقال الهثم بن عدي وحده: إن عبادة توفي سنة خمس وأربعين، ولا متابع له، وقال جماعة إنه توفي سنة أربع وثلاثين. كعب الأحبار توفي فيها، قاله شريح بن عبيد، وقد تقدم. مسطح بن أثاثة بن عباد ن المطلب بن عبد مناف المطلبي، 42 (3/424)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 425 المذكور في حديث الإفك، شهد بدراً والمشاهد بعدها، وكان فقيراً ينفق عليه أبو بكر الصديق. قال ابن سعد: كان قصيراً شئن الأصابع، غائر العينين، عاش ستاً وخمسين سنة. أبو سفيان بن حرب فيما قال المدائني، وقد تقدم. أبو طلحة الأنصاري واسمه زيد بن سهل بن الأسود، أحد بني مالك بن النجار، كان من النقباء ليلة العقببة، شهد بدراً والمشاهد بعدها. 42 (3/425)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 426 روى عنه ابن زوجته أنس بن مالك، وزيد بن خالد الجهني، وابنه عبد الله بن أبي طلحة، وابن عباس، وغيرهم. وسرد الصوم بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وغزا بحر الشام فمات فيه ف السفينة، وقيل: توفي بالمدينة، وصلى عليه عثمان. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صوت أبي طلحة في الجيش خير من مائة. وقال أنس: قتل أبو طلحة يوم حنين عشرين رجلاً وأخذ أسلابهم، وكان أكثر الأنصار مالاً. وقال علي بن زيد: سمعت أنساً يقول: كان أبو طلحة يجثو بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وينثر كنانته ويقول: وجهي لوجهك الوقاء، ونفسي لنفسك الفداء.) قال ابن سعد: كان آدم مربوعاً يغير شيبه. وعن أنس قال: كان أبو طلحة يأكل البرد وهو صائم وقول: ليس 42 (3/426)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 427 بطعام ولا شراب. إسناده صحيح. وقال علي بن زيد بن جدعان، عن أنس قال: قرأ أبو طلحة: انفروا خفافاً وثقالاً فقال: ما استمع الله عذر أحد، فخرج إلى الغزو وهو شيخ كبير. وصح عن أنس أنه غزا البحر فمات، فلم يجدوا جزيرة إلا بعد سبعة أيام، فدفنوه ولم يتغير. وقال أنس: إن النبي صلى الله عليه وسلم حلق رأسه وأعطى شق رأسه أبا طلحة. وقد أبلى أبو طلحة بلاءً عظيماً يوم أحد كما تقدم. قال الواقدي والمدائني وجماعة: توفي سنة أربع وثلاثين. وقال خليفة: سنة اثنتين وثلاثين. 42 (3/427)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 428 أبو عبس خ ت ن بن جبير بن عمرو الأنصاري الأوسي. إسمه على الأصح عبد الرحمن، وكان اسمه عبد العزى فغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من قتله كعب بن الأشرف اليهودي. شهد بدراً وغيرها. روى عنه ابنه زيد، وحفيده أبو عبس بن محمد، وعبابة بن رفاعة، وغيرهم. وتوفي بالمدينة، وصلى عليه عثمان. وفيها ولد زين العابدين علي بن الحسين. 42 (3/428)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 429 (أحداث سنة خمس وثلاثين) فيها غزوة ذي خشب وأمير المسلمين عليها معاوية. وفيها حج بالناس وأقام الموسم عبد الله بن عباس. 2 (مقتل عثمان)

2 (رضي الله عنه) وفيها مقتل عثمان رضي الله عنه: خرج المصريون وغيرهم على عثمان وصاروا إليه ليخلعوه من الخلافة. قال إسماعيل بن أبي خالد: لما نزل أهل مصر الجحفة، وأتوا يعاتبون عثمان صعد عثمان المنبر فقال: جزاكم الله يا أصحاب محمد عني شراً: أذعتم السيئة وكتمتم الحسنة، وأغريتم بي سفهاء الناس، أيكم يذهب إلى هؤلاء القوم فيسألهم ما نقموا وما يريدون قال ذلك ثلاثاً ولا يجيبه أحد. فقام علي فقال: أنا، فقال عثمان: أنت أقربهم رحماً، فأتاهم فرحبوا به، فقال: ما الذي نقمتم عليه قالوا: نقمنا أنه محا كتاب الله 43 (3/429)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 430 يعني كونه جمع الأمة على مصحف، وحمى الحمى، واستعمل أقرباءه، وأعطى مروان مائة ألف، وتناول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فرد عليهم عثمان: أما القرآن فمن عند الله، إنما نهيتكم عن الاختلاف فاقرءوا علي أي حرف شئتم، وأما الحمى فوالله ما حميته لإبلي ولا لغنمي، وإنما حميته لإبل الصدقة. وأما قولكم: إني أعطيت مروان مائة ألف. فهذا بيت مالهم فليستعملوا عليه من أحبوا، وأما قولكم: تناول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإنما أنا بشر أغضب وأرضى، فمن ادعى قبلي حقاً أو مظلمة فهأنذا، فإن شاء قوداً وإن شاء عفواً. فرضي الناس واصطلحوا ودخلوا المدينة. وقال محمد بن سعد: قالوا رحل من الكوفة إلى المدينة: الأشتر النخعي واسمه مالك بن الحارث، ويزيد بن مكفف، وثابت بن قيس، وكميل بن زياد، وزيد، وصعصعة ابنا صوحان، والحارث الأعور، 43 (3/430)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 431 وجندب بن زهير، وأصفر بن قيس، يسألون عثمان عزل سعيد بن العاص عنهم. فرحل سعد أيضاً إلى عثمان فوافقهم عنده، فأبى عثمان أن يعزله، فخرج الأشتر من ليلته في نفر، فسار عشراً إلى الكوفة واستولى عليها وصعد المنبر عليها فقال: هذا سعيد بن) العاص قد أتاكم يزعم أن السواد بستان لأغيلمة من قريش، والسواد مساقط رؤوسكم ومراكز رماحكم، فمن كان يرى الله عليه نزل العذيب، فجهز الأشتر إليه ألف فارس مع يزيد بن قيس الأرحبي، وعبد الله بن كنانة العبدي، فقال: سيروا وأزعجاه وألحقاه بصاحبه، فإن أبى فاضربا عنقه، فأتياه، فلما رأى منهما الجد رجع. وصعد الأشتر منبر الكوفة وقال: يا أهل الكوفة ما غضبت إلا لله ولكم، وقد وليت أبا موسى الأشعري صلاتكم، وحذيفة بن اليمان فيئكم، ثم نزل وقال: يا أبا موسى اصعد، فقال: ما كنت لأفعل، ولكن هلموا فبايعوا لأمير المؤمنين وجددوا البيعة في رقابكم، فأجابه الناس. وكتب إلى عثمان بما صنع، فأعجب عثمان، فقال عتبة بن الوعل شاعر الكوفة: (تصدق علينا يا ابن عفان واحتسب .......... وأمر علينا الأشعري لياليا) فقال عثمان: نعم وشهوراً وسنين إن عشت، وكان الذي صنع أهل الكوفة بسعيد أول وهن دخل على عثمان حين اجتريء عليه. وعن الزهري قال: ولي عثمان، فعمل ست سنين لا ينقم عليه الناس شيئاً، وإنه لأحب إليهم من عمر، لأن عمر كان شديداً عليهم، فلما وليهم 43 (3/431)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 432 عثمان لان ولهم ووصلهم، ثم إنه توانى في أمرهم، واستعمل أقرباءه وأهل بيته في الست الأواخر، وكتب لمروان بخمس مصر أو بخمس إفريقية، وآثر أقرباءه بالمال، وتأول في ذلك الصلة التي أمر الله بها. واتخذ الأموال، واستسلف من بيت المال، وقال: إن أبا بكر وعمر تركا من ذلك ما هو لهما، وإني أخذته فقسمته في أقربائي، فأنكر الناس عليه ذلك. قلت: ومما نقموا عليه أنه عزل عمير بن سعد عن حمص، وكان صالحاً زاهداً، وجمع الشام لمعاوية، ونزع عمرو بن العاص عن مصر، وأمر ابن أبي سرح عليها، ونزع أبا موسى الأشعري عن البصرة، وأمر عليها عبد الله ن عامر، ونزع المغيرة بن شعبة عن الكوفة وأمر عليها سعيد بن العاص. وقال القاسم بن الفضل: ثنا عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد قال: دعا عثمان ناساً من الصحابة فيهم عمار فقال: إني سألتكم وأحب أن تصدقوني: نشدتكم الله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤثر قريشاً على سائر الناس، ويؤصر بني هاشم على سائر قريش فسكتوا، فقال: لو أن بيدي مفاتيح الجنة لأعطيتها بني أمية حتى يدخلوها.) وعن أبي وائل أن عبد الرحمن بن عوف كان بينه وبين عثمان كلام فأرسل إليه: لم فررت يوم أحد وتخلفت عن بدر وخالفت سنة عمر فأرسل إليه: تخلفت عن بدر لأن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شغلتني بمرضها، وأما يوم أحد فقد عفا الله عني، وأما سنة عمر فوالله ما استطعتها أنا ولا أنت. وقد كان بين علي وعثمان شيء فمشى بينهما العباس فقال علي: والله لو أمرني 43 (3/432)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 433 أن أخرج من داري لفعلت، فأما أداهن أن لا يقام بكتاب الله فلم أكن لأفعل. وقال سيف بن عمر، عن عطية، عن يزيد الفقعسي قال: لما خرج ابن السوداء إلى مصر نزل على كنانة بن بشر مرة، وعلى كنانة بن حمران مرة، وانقطع إلى الغافقي فشجه الغافقي فكلمه، وأطاف به خالد بن ملجم، يجيبون إلى الوصية، فقال: عليكم بناب العرب وحجرهم، ولسنا من رجاله، فأروه أنكم تزرعون، ولا تزرعوا العام شيئاً حتى تنكسر مصر، فتشكوه إلى عثمان فيعزله عنكم، ونسأل من هو أضعف منه ونخلو بما نريد، ونظهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان أسرعهم إلى ذلك محمد بن أبي حذيفة، وهو ابن خال معاوية، وكان يتيماً في حجر عثمان، فكبر، وسأل عثمان الهجرة إلى بعض الأمصار، فخرج إلى مصر، وكان الذي دعاه إلى ذلك أنه سأل عثمان العمل فقال: لست هناك. قال: ففعلوا ما أمرهم به ابن السوداء، ثم إنهم خرجوا ومن شاء الله منهم، وشكوا عمراً واستعفوا منه، وكلما نهنه عثمان عن عمرو قوماً وسكتهم انبعث آخرون بشيء آخر، وكلهم يطلب عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فقال لهم عثمان: أما عمرو فسننزعه عنكم ونقره على الحرب، ثم ولى ابن أبي سرح خراجهم، وترك عمراً على الصلاة فمشى في ذلك سودان، وكنانة بن بشر، وخارجة، فيما بين عبد الله بن سعد، وعمرو بن العاص، وأغروا بينهما حتى تكاتبا على قدر ما أبلغوا كل واحد. وكتبا إلى 43 (3/433)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 434 عثمان، فكتب ابن أبي سرح: إن خراجي لا يستقيم ما دام عمرو على الصلاة. وخرجوا فصدقوه واستعفوا من عمرو، وسألوا ابن أبي سرح، فكتب عثمان إلى عمرو: إنه لا خير لك في صحبة من يكرهك فأقبل. ثم جمع مصر لابن أبي سرح. وقد روي أنه كان بين عمار بن ياسر، وبين عباس بن عتبة بن أبي لهب كلام، فضربهما عثمان. وقال سيف، عن مبشر، وسهل بن يوسف، عن محمد بن سعد بن أبي وقاص قال: قدم عمار) بن ياسر من مصر وأبى شاك، فبلغه، فبعثني إليه أدعوه، فقام معي وعليه عمامة وسخة وجبة فراء. فلما دخل على سعد قال له: ويحك يا أبا اليقظان إن كنت فينا لمن أهل الخير، فما الذي بلغني عنك من سعيك في فساد بين المسلمين والتأليب على أمير المؤمنين، أمعك عقلك أم لا: فأهوى عمار على عمامته وغضب فنزعها وقال: خلعت عثمان كما خلعت عمامتي هذه، فقال سعد إنا لله وإنا إليه راجعون ويحك حين كبرت سنك ورق عظمك ونفد عمرك خلعت ربقة الإسلام من عنقك وخرجت من الدين عرياناً، فقام عمار مغضباً مولياً وهو يقول: أعوذ بربي من فتنة سعد، فقال سعد: ألا في الفتنة سقطوا، اللهم زد عثمان بعفوه وحلمه عندك درجات، حتى خرج عمار من الباب، فأقبل على سعد يبكي حتى اخضل لحيته وقال: من يأمن الفتنة يا بني لا يخرجن منك ما سمعت منه، فإنه من الأمانة، وإني أكره أن يتعلق به الناس عليه يتناولونه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألحق مع عمار ما لم تغلب عليه دلهة الكبر، فقد دله وخرف. 43 (3/434)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 435 وممن قام على عثمان محمد بن أبي بكر الصديق، فسئل سالم بن عبد الله فيما قيل عن سبب خروج محمد، قال: الغضب والطمع، وكان من الإسلام بمكان، وغره أقوام فطمع، وكانت له دالة، ولزمه حق، فأخذه عثمان من ظهره. وحج معاوية، فقيل إنه لما رأى لين عثمان واضطرب أمره قال: انطلق معي إلى الشام قبل أن يهجم عليك من لا قبل لك به، فإن أهل الشام على الطاعة، فقال: أنا لا أبيع جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء وإن كان فيه قطع خيط عنقي، قال: فأبعث إليك جنداً، قال: أنا أقتر على جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم الأرزاق بجند تساكنهم قال: يا أمير المؤمنين والله لتغتالن ولتغزين، قال: حسبي الله ونعم الوكيل. وقد كان أهل مصر بايعوا أشياعهم من أهل الكوفة والبصرة وجميع من أجابهم، واتعدوا يوماً على شخص أمراؤهم، فلم يستقم لهم ذلك، لكن أهل الكوفة ثار فيهم يزيد بن قيس الأرحبي واجتمع عليه ناس، وعلى الحرب يومئذ القعقاع بن عمرو، فأتاه وأحاط الناس بهم فناشدوهم، وقال يزيد للقعقاع: ما سبيلك علي وعلى هؤلاء، فوالله إني لسامع مطيع، وإني لازم لجماعتي إلا أني أستعفي من إمارة سعيد، ولم يظهروا سوى ذلك، واستقبلوا سعيداً فردوه من الجرعة، واجتمع الناس على أبي موسى فأقره عثمان.) 43 (3/435)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 436 ولما رجع الأمراء لم يكن للسبائية سبيل إلى الخروج من الأمصار، فكاتبوا أشياعهم أن يتوافوا بالمدينة لينظروا فيما يريدون، وأظهروا أنهم يأمرون بالمعروف، وأنهم يسألون عثمان عن أشيياء لتطير في الناس ولتحقق عليه، فتوافوا بالمدينة، فأرسل عثمان رجلين من بني مخزوم ة من بني زهرة فقال: انظرا ما يريدون، وكانا ممن ناله من عثمان أدب، فاصطبرا للحق ولم يضطغنا، فلما رأوهما أتوهما وأخبروهما، فقالا: من معكم على هذا من أهل المدينة قالوا: ثلاثة، قالا: فكيف تصنعون قالوا: نريد أن نذكر له أشاء قد زرعناها في قلوب الناس، ثم نرجع إليهم ونزعم لهم أنا قررناه بها، فلم يخرج منها ولم يتب، ثم نخرج كأننا حجاج حتى نقدم فنحيط به فنخلعه، فإن أبى قتلناه. فرجعا إلى عثمان بالخبر، فضحك وقال: اللهم سلم هؤلاء فإنك إن لم تسلمهم شوا. فأما عمار فحمل علي عباس بن أبي لهب وعركه، وأما محمد بن أبي بكر فإنه أعجب حتى رأى أن الحقوق لاتلزمه، وأما ابن سارة فإنه يتعرض للبلاء. وأرسل إلى المصرين والكوفيين، ونادى: الصلاة جامعة وهم عنه في أصل المنبر فأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه، وأخبرهم بالأمر، وقام الرجلان، فقال الناس: اقتل هؤلاء فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم 43 (3/436)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 437 قال: من دعا إلى نفسه أو إلى أحد، وعلى الناس إمام فعليه لعنة الله فاقتلوه. وقال عثمان: بل نعفو ونقبل، ونبصرهم بجهدنا، إن هؤلاء قالوا: أتم الصلاة في السفر، وكانت لا تتم، إلا وإني قدمت بلداً فيه أهلي فأتتمت لهذا. قالوا: وحميت الحمى، وإني والله ما حميت إلا حمى قبلي، وإني قد وليت وإني لأكثر العرب بعيراً وشاءً، فمالي اليوم غير بعيرين لحجتي، أكذلك قالوا: نعم. قال: وقالوا: كان القرآن كتباً فتركها إلا واحداً، ألا وإن القرآن واحد جاء من عند واحد، وإنما أنا في ذلك تابع هؤلاء، أكذلك قالوا: نعم. وقالوا: إني رددت الحكم وقد سيره رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ثم رده، فرسول الله صلى الله عليه وسلم سيره وهو رده، أفكذاك قالوا: نعم. وقالوا: استعملت الأحداث. ولم أستعمل إلا مجتمعاً مرضياً، وهؤلاء أهل عملي فسلوهم، وقد ولى من قبلي أحدث منه، وقيل في ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أشد مما قيل لي في) استعماله أسامة، أكذلك قالوا: نعم. وقالوا: إني أعطيت ابن أبي سرح ما أفاء الله عليه، وإني إنما نفلته 43 (3/437)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 438 خمس الخمس، فكان مائة ألف، وقد نفل مثل ذلك أبو بكر وعمر، وزعم الجند أنهم يكرهون ذلك فرددته عليهم، وليس ذلك لهم، أكذلك قالوا: نعم. وقالوا: إني أحب أهلي وأعطيهم، فأما حبهم فلم يوجب جوراً، وأما إعطاؤهم، فإنما أعطيهم من مالي. ولا أستحل أموال المسلمين لنفسي ولا لأحد. وكان قد قسم ماله وأرضه في بني أمية، وجعل ولده كبعض من يعطى. قال: ورجع أولئك إلى بلادهم وعفا عنهم، قال: فتكاتبوا وتواعدوا إلى شوال، فلما كان شوال خرجوا كالحجاج حتى نزلوا بقرب المدينة، فخرج أهل مصر في أربعمائة، وأمراؤهم عبد الرحمن بن عديس البلوي، وكنانة بن بشر الليثي، وسودان بن حمران السكوني، وقتيرة السكوني، ومقدمهم الغافقي بن حرب العكي، ومعهم ابن السوداء. وخرج أهل الكوفة في نحو عدد أهل مصر، فيهم زيد بن صوجان العبدي، والأشتر النخعي، وزياد بن النضر الحارثي، وعبد الله بن الأصم، ومقدمهم عمرو بن الأصم. وخرج أهل البصرة وفيهم حكيم بن جبلة، وذريح بن عباد العبديان، وبشر بن شريح القيسي، وان محرش الحنفي، وعليهم حرقوص بن زهير السعدي. 43 (3/438)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 439 فأما أهل مصر فكانوا يشتهون علياً، وأما أهل البصرة فكانوا يشتهون الزبير، وأما أهل الكوفة فكانوا يشتهون طلحة، وخرجوا ولا تشك كل فرقة أن أمرها سيتم دون الأخرى، حتى كانوا من المدينة على ثلاث، فتقدم ناس من أهل البصرة فنزلوا ذا خشب. وتقدم ناس من أهل الكوفة فنزلوا الأعوص، وجاءهم أناس من أهل مصر، ونزل عامتهم بذي المروة، ومشى فيما بين أهل البصرة وأهل مصر زياد بن النضر، وعبد الله بن الأصم ليكشفوا خبر المدينة، فدخلا فلقيا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وطلحة، والزبير، وعلياً، فقالا: إنما نؤم هذا البيت، ونستعفي من بعض عمالنا، واستأذنوهم للناس بالدخول، فكلهم أبى ونهى. فرجعا، فاجتمع من أهل مصر نفر فأتوا علياً، ومن أهل البصرة نفر فأتوا الزبير، ومن أهل الكوفة نفر فأتوا طلحة، وقال كل فريق منهم: إن باعنا صاحبنا وإلا كدناهم وفرقنا جماعتهم، ثم كررنا حتى نبغتهم.) فأتى المصريون علياً وهو في عسكر عند أحجار الزيت، وقد سرح ابنه الحسن إلى عثمان فيمن اجتمع إليه، فسلم على علي المصريون، وعرضوا له، فصاح بهم وطردهم وقال: لقد علم الصالحون أنكم ملعونون، فارجعوا لا صحبكم الله، فانصرفوا، وفعل طلحة والزبير نحو ذلك. فذهب القوم وأظهروا أنهم راجعون إلى بلادهم، فذهب أهل المدينة إلى منازلهم، فلما ذهب القوم إلى عساكرهم كروا بهم، وبغتوا أهل المدينة 44 (3/439)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 440 ودخلوها وضجوا بالتكبير، ونزلوا في مواضع عساكرهم، وأحاطوا بعثمان وقالوا: من كف يده فهو آمن. ولزم الناس بيوتهم، فأتى علي رضي الله عنه فقال: ما ردكم بعد ذهابكم قالوا: وجدنا مع بريد كتاباً بقتلنا، وقال الكوفيون والبصريون: نحن نمنع إخواننا وننصرهم. فعلم الناس أن ذلك مكر منهم. وكتب عثمان إلى أهل الأمصار يستمدهم، فسارو إليه على الصعب والذلول، فبعث معاوية إله حبيب بن مسلمة، وبعث ابن أبي سرح معاوية بن حديج وسار إليه من الكوفة القعقاع بن عمرو. فلما كان يوم الجمعة صلى عثمان بالناس وخطب فقال: يا هؤلاء الغزاة الله الله، فوالله إن أهل المدينة ليعلمون أنكم ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، فامحوا الخطأ بالصواب، فإن الله لا يمحو السيء إلا بالحسن، فقام محمد بن مسلمة فقال: أنا أشهد بذلك، فأقعده حكيم بن جبلة، فقام زيد بن ثابت فقال: ابغني الكتاب، فثار إله من ناحية أخرى محمد بن أبي قتيرة فأقعده وتكلم فأفظع، وثار القوم بأجمعهم. فحصبوا الناس حتى أخرجوهم، وحصبوا عثمان حتى صرع عن المنبر مغشياً عليه، فاحتمل وأدخل الدار. 44 (3/440)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 441 وكان المصريون لا يطمعون في أحد من أهل المدينة أن ينصرهم إلا ثلاثة، فإنهم كانوا يراسلونهم، وهم: محمد بن أبي بكر الصديق، ومحمد بن جعفر، وعمار بن ياسر. قال واستقل أناس: منهم زيد بن ثابت، وأبو هريرة، وسعد بن مالك، والحسن بن علي، ونهضوا لنصرة عثمان، فبعث إليهم يعزم عليهم لما انصرفوا، فانصرفوا، وأقبل علي حتى دخل على عثمان هو وطلحة والزبير يعودونه من صرعته، ثم رجعوا منازلهم. وقال عمرو بن دينار، عن جابر قال: بعثنا عثمان خمسين راكباً، وعلينا محمد بن مسلمة حتى) أتينا ذا خشب، فإذا رجل معلق المصحف في عنقه، وعيناه تذرفان، والسيف بيده وهو يقول: ألا إن هذا يعني المصحف يأمرنا أن نضرب بهذا، يعني السيف، على ما في هذا، يعني المصحف، فقال محمد بن مسلمة: اجلس فقد ضربنا بهذا على ما في هذا قبلك، فجلس فلم يزل يكلمهم حتى رجعوا. وقال الواقدي: حدثني ابن جريج وغيره، عن عمرو، عن جابر، أن المصريين لما أقبلوا يريدون عثمان دعا عثمان محمد بن مسلمة فقال: اخرج إليهم فارددهم وأعطهم الرضا، وكان رؤساؤهم أربعة: عبد الرحمن بن عديس، وسودان بن حمران، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وابن النباع، 44 (3/441)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 442 فأتاهم ابن مسلمة، فلم يزل بهم حتى رجعوا، فلما كانوا بالبويب رأوا جملاً عليه ميسم الصدقة، فأخذوه، فإذا غلام لعثمان، ففتشوا متاعه، فوجدوا صبة من رصاص، فيها كتاب في جوف الإداوة في الماء: إلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح أن أفعل بفلان كذا، وبفلان كذا، من القوم الذين شرعوا في قتل عثمان، فرجع القوم ثانية ونازلوا عثمان وحصروه. قال الواقدي: فحدثني عبد الله بن الحارث، عن أبيه قال: أنكر عثمان أن يكون كتب ذلك الكتاب وقال: فعل ذلك بلا أمري. وقال أبو نضرة، عن أبي سعيد مولى أسيد، فذكر طرفاً من الحديث، إلى أن قال: ثم رجعوا راضين، فينما هم بالطريق ظفروا برسول إلى عامل مصر أن يصلبهم ويفعل، فردوا إلى المدينة، فأتوا علياً فقالوا: ألم تر إلى عدو الله، فقم معنا، قال: والله لا أقوم معكم، قالوا: فلم كتبت إلينا قال: والله ما كتبت إليكم، فنظر بعضهم إلى بعض. وخرج علي من المدينة، فانطلقوا إلى عثمان فقالوا: أكتبت فينا بكذا فقال: إنما هما اثنان، تقيمون رجلين من المسلمين يعني شاهدين، أو 44 (3/442)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 443 يميني بالله الذي لا إله إلا هو ما كتبت ولا علمت، وقد يكتب الكتاب على لسان الرجل وينقش الخاتم، فقالوا: قد أحل الله دمك، ونقض العهد والميثاق، وحصروه في القصر. وقال ابن سيرين: إن عثمان بعث إليهم علياً فقال: تعطون كتاب الله وتعتبون من كل ما سخطتم، فأقبل معه ناس من وجوههم، فاصطلحوا على خمس: على أن المنفي يقلب، والمحروم يعطى، ويوفر الفيء، ويعدل في القسم، ويستعمل ذو الأمانة والقوة، كتبوا ذلك في) كتاب، وأن يردوا ابن عامر إلى البصرة وأبا موسى إلى الكوفة. وقال أبو الأشهب، عن الحسن قال: لقد رأيتهم تحاصبوا في المسجد حتى ما أبصر السماء، وإن رجلاً رفع مصحفه من حجرات النبي صلى الله عليه وسلم ثم نادى: ألم تعلموا أن محمداً قد برئ ممن فرقوا دينهم وكانوا شيعاً. وقال سلام: سمعت الحسن قال: خرج عثمان يوم الجمعة، فقام إليه رجل فقال: أسألك كتاب الله، فقال: ويحك، أليس معك كتاب الله قال: ثم جاء رجل آخر فنهاه، وقام آخر، وآخر، حتى كثروا، ثم تحاصبوا حتى لم أر أدم السماء. وروى بشر بن شغاف، عن عبد الله بن سلام قال: بينما عثمان 44 (3/443)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 444 يخطب، فقام رجل فنال منه، فوذأته فاتذأ فقال رجل: لا يمنعك مكان ابن سلام أن تسب نعثلاً، فإنه من شيعته، فقال له: لقد قلت القول العظيم في الخليفة من بعد نوح. وذأته: زجرته وقمعته. وقالوا لعثمان نعثلاُ تشبهاً له برجل مصري اسمه نعثل كان طويل اللحية. والنعثل: الذكر من الضباع، وكان عمر يشبه بنوح في الشدة. وقال ابن عمر: بينما عثمان يخطب إذ قام إليه جهجاج الغفار، فأخذ من يده العصا فكسرها على ركبته، فدخلت منها شظية في ركبته، فوقعت فيها الأكلة. وقال غيره: ثم أنهم أحاطوا بالدار وحصروه، فقال سعد بن إبراهيم، عن أبيه: سمعت عثمان يقول: إن وجدتم في الحق أن تضعوا رجلي في القيد فضعوهما. وقال ثمامة بن حزن القشيري: شهدت الدار وأشرف عليهم عثمان فقال: ائتوني بصاحبيكم اللذين ألباكم، فدعيا له كأنهما جملان أو حماران، فقال: أنشدكم الله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس فيها ماء 44 (3/444)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 445 عذب غير بئر رومة، فقال: من يشتريها فيكون دلوه كدلاء المسلمين، وله في الجنة خير منها فاشتريها، وأنتم اليوم تمنعوني أن أشرب منها حتى أشرب من الماء المالح قالوا: اللهم نعم، قال: أنشدكم الله والإسلام، هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يشتري بقعة بخير له منها في الجنة، فاشتريتها وزدتها في المسجد، وأنتم تمنعوني اليوم أن أصلي فيها قالوا: اللهم نعم، قال: أنشدكم الله، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على ثبير مكة، فتحرك) وعليه أبو بكر وعمر وأنا، فقال: أسكن فليس عليك إلا نبي وصديق وشهيدان. قالوا: اللهم نعم، فقال: الله أكبر شهدوا ورب الكعبة أني شهيد. ورواه أبو سلمة بن عبد الرحمن بنحوه، وزاد فيه أنه جهز جيش العسرة. ثم قال: ولكن طال عليكم أمري فاستعجلتم، وأردتم خلع سربال سربلنيه الله، وإني لا أخلعه حتى أموت أو أقتل. وعن ابن عمر قال: فأشرف عليهم وقال: علام تقتلونني فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا حل دم امريء مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إسلام، أو رجل زنى بعد إحصان، أو رجل قتل نفساً، فوالله ما زنيت في جاهلية ولا في إسلام، ولا قتلت رجلاً ولا كفرت. 44 (3/445)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 446 قال أبو أمامة بن سهل بن حنيف، إني لمع عثمان وهو محصور، فكنا ندخل إليه مدخلاً أو أدخل أدخل إليه الرجل نسمع كلام من على البلاط، فدخل وماً فيه وخرج إلينا وهو متغير اللون فقال: إنهم يتوعدوني بالقتل، فقلنا: يكفيكهم الله. وقال سهل السراج، عن الحسن، قال عمان: لئن قتلوني لا يقاتلون عدواً جميعاً أبداً، ولا يقتسمون فيئاً جميعاً أبداً، ولا يصلون جميعاً أبداً، وقال مثله عبد الملك بن أبي سليمان، عن أبي ليلى الكندي، وزاد فيه: ثم أرسل إلى عبد الله بن سلام فقال: ما ترى قال: الكف الكف، فإنه أبلغ لك في الحجة، فدخلوا عليه فقتلوه وهو صائم رضي الله عنه وأرضاه. وقال الحسن: حدثني وثاب قال: بعثني عثمان، فدعوت له الأشتر فقال: ما يريد الناس قال: إحدى ثلاث: يخيرونك بين الخلع، وبين أن تقتص من نفسك، فإن أبيت فإنهم قاتلوك، فقال: ما كنت لأخلع سربالاً سربلنيه الله، وبدني ما يقوم لقصاص. وقال حميد بن هلال: ثنا عبد الله بن مغفل قال: كان عبد الله ن سلام يجيء من أرض له على حمار يوم الجمعة، فلما حصر عثمان قال: يا أيها الناس لا تقتلوا عثمان، واستعتبوه، فوالذي نفسي بيده ما قتلت أمة نبيها 44 (3/446)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 447 فصلح ذات بينهم حتى يهرقوا دم سبعين ألفاً، وما قتلت أمة خليفتها فيصلح الله بينهم حتى يهرقوا دم أربعين ألفاً، وما هلكت أمة حتى يرفعوا القرآن على السلطان، قال: فلم ينظروا فيما قال، وقتلوه، فجلس على طريق علي بن أبي طالب، فقال له: لا تأت العراق والزم منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوالذي نفسي بيده لئن تركته لا) تراه أبداً، فقال من حول علي: دعنا نقتله، قال: دعوا عبد الله بن سلام، فإنه رجل صالح. قال عبد الله بن مغفل: كنت استأمرت عبد الله ن سلام في أرض اشتريتها. فقال بعد ذلك: هذه السنة أربعين سنة، وسيكون صلح فاشترها. قيل لحميد بن هلال: كيف ترفعون القرآن على السلطان قال: ألم تر إلى الخوارج كيف يتأولون القرآن على السلطان ودخل ابن عمر على عثمان وهو محصور فقال: ما ترى. قال: أرى أن نعطيهم ما سألوك من وراء عتبة بابك غير أن لا تخلع نفسك، فقال: دونك عطاءك وكان واجداً عليه فقال: ليس هذا اليوم ذاك. ثم خرج ابن عمر إليهم فقال: إياكم وقتل هذا الشيخ، والله لئن قتلتموه لم تحجوا البيت جميعاً أبداً، ولم تجاهدوا عدوكم جميعاً أبداً، ولم تقسموا فيئكم جميعاً أبداً إلا أن تجتمع الأجساد والأهواء مختلفة، ولقد رأيتنا وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون ونقول: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان. رواه عاصم بن محمد العمري، عن أبيه، عن ابن عمر. وعن أبي جعفر القاري قال: كان المصريون الذين حصروا عثمان 44 (3/447)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 448 ستمائة: رأسهم كنانة بن بشر، وان عديس البلوي، وعمرو بن الحمق، والذين قدموا من الكوفة مائتين، رأسهم الأشتر النخعي، والذين قدموا من البصرة مائة، رأسهم حكيم ببن جبلة، وكانوا يداً واحدة في الشر، وكانت حثالة من الناس قد ضووا إليهم، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين خذلوه كرهوا الفتنة وظنوا أن الأمر لا يبلغ قتله، فلما قتل ندموا على ما ضيعوه في أمره، ولعمري لو قاموا أو قام بعضهم فحثا في وجوه أولئك التراب لانصرفوا خاسئين. وقال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن الحسن قال: لما كثر الطعن على عثمان تنحى علي إلى ماله بينبع، فكتب إليه عثمان: أما بعد فقد بلغ الحزام الطبين، وبلغ السيل الزبى، وبلغ الأمر فوق قدره، وطمع في الأمر من لا يدفع عن نفسه: (فإن كنت مأكولاً فكن خير آكل .......... وإلا فأدركني ولما أمزق) والبيت لشاعر من عبد القيس. الطبي: موضع الثدي من الخيل. 44 (3/448)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 449 وقال محمد بن جبير بن مطعم: لما حصر عثمان أرسل إلى علي: إن ابن عمك مقتول، وإنك لمسلوب. وعن أبان بن عثمان قال: لما ألحوا على عثمان بالرمي، خرجت حتى أتيت علياً فقلت: يا عم) أهلكتنا الحجارة، فقام معي، فلم يزل يرمي حتى فتر منكبه، ثم قال: يا ابن أخي، اجمع حشمك، ثم يكون هذا شأنك. وقال حبيب بن أبي ثابت، عن أبي جعفر محمد بن علي: إن عثمان بعث إلى علي يدعوه وهو محصور، فأراد أن يأتيه، فتعلقوا به ومنعوه، فحسر عمامة سوداء عن رأسه وقال: اللهم لا أرضى قتله ولا آمر به. وعن أبي إدريس الخولاني قال: أرسل عثمان إلى سعد، فأتاه، فكلمه، فقال له سعد أرسل إلى علي، فإن أتاك ورضي صلح الأمر، قال: فأنت رسولي إليه، فأتاه، فقام معه علي، فمر بمالك الأشتر، فقال الأشتر لأصحابه: أين يريد هذا قالوا: يريد عثمان، فقال: والله لئن دخل عليه لتقتلن عن آخركم، فقام إليه في أصحابه حتى اختلجه عن سعد وأجلسه في أصحابه، وأرسل إلى أهل مصر: إن كنتم تريدون قتله فأسرعوا، فدخلوا عليه فقتلوه. وعن أبي حبيبة قال: لما اشتد الأمر، قالوا لعثمان يعني الذين عنده 45 (3/449)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 450 في الدار أئذن لنا في القتال، فقال: أعزم على من كانت لي عليه طاعة أن لا يقاتل. أبو حبيب هو مولى الزبير، روى عنه موسى بن عقبة. قال محمد بن سعد: ثنا منصور بن عمر، حدثني سرحبيل بن أبي عون، عن أبيه. وحدثني عبد الحميد بن عمران، عن أبيه، عن مسور ابن مخرمة. ح، وحدثني موسى بن يعقوب، عن عمه، عن ابن الزبير. ح، وثنا ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قالوا: بعث عثمان المسور بن مخرمة إلى معاوية يعلمه أنه محصور، ويأمره أن يجهز إليه جيشاً سريعاً. فلما قدم على معاوية، ركب معاوية لوقته هو ومسلم بن عقبة، وابن حديج، فساروا من دمشق إلى عثمان عشراً. فدخل معاوية نصف الليل، وقبل رأس عثمان، فقال: أين الجيش قال: ما جئت إلا في ثلاثة رهط، فقال عثمان: لا وصل الله رحمك، ولا أعز نصرك، ولا جزاك خيراً، فوالله لا أقتل إلا فيك، ولا ينقم علي إلا من أجلك، فقال: بأبي أنت وأمي، لو بعثت إليك جيشاً فسمعوا به عاجلوك فقتلوك، ولكن معي نجائب، فاخرج معي، فما يشعر بي أحد، فوالله ما 45 (3/450)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 451 هي إلا ثلاث حتى نرى معالم الشام، فقال: بئس ما أشرت به، وأبى أن يجيبه، فأسرع معاوية راجعاً، وورد) المسور يريد المدينة بذي المروة راجعاً. وقدم على عثمان وهو ذام لمعاوية غير عاذر له. فلما كان في حصره الآخر، بعث المسور ثانياً إلى معاوية لينجده فقال: إن عثمان أحسن فأحسن الله به، ثم غير فغير الله به، فشددت عليه فقال: تركتم عثمان حتى إذا كانت نفسه في حنجرته قلتم: اذهب فادفع عنه الموت، وليس ذلك بيدي، ثم أنزلني في مشربة على رأسه، فما دخل علي داخل حتى قتل عثمان. وأما سيف بن عمر، فروى عن أبي حارثة، وأبي عثمان قالا: لما أتى معاوية الخبر أرسل إلى حبيب بن مسلمة الفهري فقال: أشر علي برجل منفذ لأمري، ولا يقصر، قال: ما أعرف لذاك غيري، قال: أنت لها. وجعل على مقدمته يزيد بن شجعة الحميري في ألف وقال: إن قدمت يا حبيب وقد قتل، فلا تدعن أحداً أشار إليه ولا أعان عليه إلا قتلته، وإن أتاك الخبر قبل أن تصل، فأقم حتى أنظر، وبعث يزيد شجعة في ألف على البغال، يقودون الخيل، معهم الإبل عليها الروايا فأغذ السير، فأتاه قتله بقرب خيبر. ثم أتاه النعمان بن بشير، معه القميص الذي فيه الدماء وأصابع امرأته نائلة، قد قطعوها بضربة سيف، فرجعوا، فنصب معاوية القميص 45 (3/451)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 452 على منبر دمشق، والأصابع معلقة فيه، وآلى رجال من أهل الشام لا يأتون النساء ولا يمسون الغسل إلا من حلم، ولا ينامون على فراش حتى يقتلوا قتلة عثمان، أو تفنى أرواحهم، وبكوه سنة. وقال الأوزاعي: حدثني محمد بن عبد الملك بن مروان، أن المغيرة ابن شعبة، دخل على عثمان وهو محصور فقال: إنك إمام العامة، وقد نزل بك ما نرى، وإني أعرض عليك خصالاً: إما أن تخرج تقاتلهم، فإن معك عدداً وقوة. وإما أن تخرق لك باباً سوى الباب الذي هم عليه، فتقعد على رواحلك فتحلق بمكة، فإنهم لن يستحلوك وأنت بها، وإما أن تلحق بالشام، فإنهم أهل الشام، وفيهم معاوية. فقال: إني لن أفارق دار هجرتي، ولن أكون أول من خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته بسفك الدماء. وقال نافع، عن ابن عمر: أصبح عثمان يحدث الناس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة في المنام، فقال: أفطر عندنا غداً فأصبح صائماً، وقتل من يومه. وقال محمد بن سيرين: ما أعلم أحداً يتهم علياً في قتل عثمان، وقتل وإن الدار غاصة، فيهم ابن عمر، والحسن بن علي، ولكن عثمان عزم عليهم أن لا يقاتلوا.) ومن وجه آخر. عن ابن سيرين قال: انطلق الحسن والحسين وابن عمر، ومروان، وابن الزبير، كلهم شاك السلاح، حتى دخلوا على عثمان، 45 (3/452)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 453 فقال: أعزم عليكم لما رجعتم فوضعتم أسلحتكم ولزمتم بيوتكم، فقال ابن الزبير، ومروان: نحن نعزم على أنفسنا أن لا نبرح، وخرج الآخرون. وقال ابن سيرين: كان مع عثمان يومئذ في الدار سبعمائة، لو يدعهم لضربوهم حتى يخرجوهم من أقطارها. وروى أن الحسن بن علي ما راح حتى خرج. وقال عبد الله بن الزبير: قلت لعثمان: قاتلهم، فوالله لقد أحل الله لك قتالهم، فقال: لا أقاتلهم أبداً، فدخلوا عليه وهو صائم. وقد كان عثمان أمر ابن الزبير على الدار، وقال: أطيعوا عبد الله بن الزبير. وقال ابن سيرين: جاء زيد بن ثابت في ثلاثمائة من الأنصار، فدخل على عثمان فقال: هذه الأنصار بالباب. فقال: أما القتال فلا. وقال أبو صالح، عن أبي هريرة قال: دخلت على عثمان يوم الدار فقلت: طاب الضرب، فقال: أيسرك أن يقتل الناس جميعاً وأنا معهم قلت: لا، قال فإنك إن قتلت رجلاً واحداً، فكأنما قتلت الناس جميعاً، 45 (3/453)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 454 فانصرفت ولم أقاتل. وعن أبي عون مولى المسور قال: ما زال المصريون كافيين عن القتال، حتى قدمت أمداد العراق من عند ابن عامر، وأمداد ابن أبي سرح من مصر، فقالوا: نعاجله قبل أن تقدم الأمداد. وعن مسلم أبي سعيد قال: أعتق عثمان عشرين مملوكاً، ثم دعا بسراويل، فشدها عليه. ولم يلبسها في جاهلية ولا في إسلام، وقال إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة، وأبا بكر، وعمر، فقال: اصبر فإنك تفطر عندنا القابلة ثم نشر المصحف بين يديه، فقتل وهو بين يديه. وقال ابن عون، عن الحسن: أنبأني وثاب مولى عثمان قال: جاء رويجل كأنه ذئب، فاطلع من باب، ثم رجع، فجاء محمد بن أبي بكر في ثلاثة عشر رجلاً، فدخل حتى انتهى إلى عثمان، فأخذ بلحيته، فقال بها حتى سمعت وقع أضراسه، فقال: ما أغنى عنك معاوية، ما أغنى عنك) ابن عامر، ما أغنت عنك كتبك، فقال: أرسل لحيتي يا ابن أخي، قال: فأنا رأيته استعدى رجلاً من القوم عليه يعينه، فقام إلى عثمان بمشقص، حتى وجأ به في رأسه ثم تعاوروا عليه حتى قتلوه. وعن ريطة مولاة أسامة قالت: كنت في الدار، إذ دخلوا، فجاء محمد فأخذ بلحية عثمان فهزها، فقال: يا بن أخي دع لحيتي لتجذب ما يعز على أبيك أن يؤذيها. فرأيته كأنه استحى، فقام، فجعل بطرف ثوبه هكذا: ألا 45 (3/454)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 455 ارجعوا. قالت: وجاء رجل من خلف عثمان بسعفة رطبة، فضرب بها جبهته فرأيت الدم يسيل، وهو يمسحه ويقول: اللهم لا يطلب بدمي غيرك، وجاء آخر فضربه بالسيف على صدره فأقعصه، وتعاوروه بأسيافهم، فرأيتهم ينتهبون بيته. وقال مجالد، عن الشعبي قال: جاء رجل من تجيب من المصريين، والناس حول عثمان، فاستل سيفه، ثم قال: افرجوا، ففرجوا له، فوضع ذباب سيفه في بطن عثمان، فأمسكت نائلة بنت الفرافصة زوجة عثمان بالسيف لتمنع عنه، فحز السيف أصابعها. وقيل: الذي قتله رجل يقال له حمار. وقال الواقدي: حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد، أن محمد بن أبي بكر تسور من دار عمرو بن حزم على عثمان، ومعه كنانة بن بشر، وسودان، وعمرو بن الحمق، فوجدوه عند نائلة يقرأ في المصحف، فتقدمهم محمد، فأخذ بلحيته وقال: 45 (3/455)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 456 يا نعثل قد أخزاك الله، فقال: لست بنعثل ولكنني عبد الله، وأمير المؤمنين، فقال محمد: ما أغنى عنك معاوية وفلان وفلان، قال: يا بن أخي دع لحيتي،، فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت، فقال: ما يراد بك أشد من قبضتي، وطعن جنبه بمشقص، ورفع كنانة مشاقص فوجأ بها في أذن عثمان، فمضت حتى دخلت في حلقه، ثم علاه بالسيف، قال عبد الرحمن بن عبد العزيز: فسمعت ابن أبي عون يقول: ضرب كنانة بن بشر جبينه بعمو حديد، وضربه سودان المرادي فقتله، ووثب عليه عمرو بن الحمق، وبه رمق، وطعنه تسع طعنات وقال: ثلاث لله، وست لما في نفسي عليه. وعن المغيرة قال: حصروه اثنين وعشرين يوماً، ثم أحرقوا الباب، فخرج من في الدار. وقال سليمان التيمي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال: فتح عثمان الباب ووضع المصحف بين يديه، فدخل عليه رجل فقال: بيني وبينك كتاب الله، فخرج وتركه، ثم) دخل عليه آخر، فقال: بيني وبينك كتاب الله، فخرج وتركه، ثم دخل عليه آخر، فقال: بيني وبينك كتاب الله، فأهوى عليه بالسيف، فأتاه بيده فقطعها، فقال: أما والله إنها لأول كف خطت المفصل، ودخل عليه رجل يقال له: الموت الأسود، فخنقه قبل أن يضرب بالسيف، قال: فوالله ما رأيت شيئاً ألين من حلقه، لقد خنقته حتى رأيت نفسه مثل الجان تردد في جسده. 45 (3/456)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 457 وعن الزهري قال: قتل عند صلاة العصر، وشد عبد لعثمان على كنانة لبن بشر فقتله، وشد سودان على العبد فقتله. وقال أبو نضرة، عن أبي سعيد قال: ضربوه فجرى الدم على المصحف على: فسيكفيكم الله وهو السميع العليم. وقال عمران بن حدير، إلا يكن عبد الله بن شقيق حدثني: أن أول قطرة قطرت من دمه على: فسيكفيكم الله فإن أبا حريث ذكر أنه ذهب هو وسهيل المري، فأخرجوا إليه المصحف، فإذا قطرة الدم على فسيكفيكم الله قال: فإنها في المصحف ما حكت. وقال محمد بن عيسى بن سميع عن ابن أبي ذئب، عن الزهري: قلت لسعيد بن المسيب: هل أنت مخبري كيف كان قتل عثمان قال: قتل مظلوماً، ومن خذله كان معذوراً، ومن قتله كان ظالماً، وإنه لما استخلف كره ذلك نفر من الصحابة، لأنه كان يحب قومه ويوليهم، فكان يكون منهم ما تنكره الصحابة فيستعتب فيهم، فلا يعزلهم، فلما كان في الست الحجج الأواخر استأثر ببني عمه فولاهم وما أشرك معهم، فولى عبد الله بن أبي سرح مصر، فمكث عليها سنين، فجاء أهل مصر يشكونه ويتظلمون منه. وقد كان قبل ذلك من عثمان هنات إلى ابن مسعود، وأبي ذر 45 (3/457)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 458 وعمار فحنق عليه قومهم، وجاء المصريون يشكون ابن أبي سرح، فكتب إليه يتهدده ما صنع ابن أبي سرح بهم، فقام طلحة فكلم عثمان بكلام شديد، وأرسلت إليه عائشة تقول له: أنصفهم من عاملك، ودخل عليه علي، وكان متكلم القوم فقال: إنما يسألونك رجلاً مكان رجل، وقد ادعوا قبله دماً، فاعزله، واقض بينهم، فقال: اختاروا رجلاً أوله، فأشاروا عليه بمحمد بن أبي بكر، فكتب عهده، وخرج معهم عدد من المهاجرين والأنصار ينظرون فيما بين أهل مصر وابن أبي سرح، فلما كان محمد على مسيرة ثلاث من المدينة، إذا هم بغلام أسود على بعير مسرعاً، فسألوه، فقال: وجهني أمير المؤمنين إلى عامل مصر، فقالوا له: هذا عامل أهل مصر، وجاءوا به إلى محمد، وفتشوه فوجدوا إداوته تقلقل، فشقوها، فإذا فيها كتاب من عثمان) إلى محمد بن أبي سرح، فجمع محمد، من عنده الصحابة، ثم فك الكتاب، فإذا فيه: إذا أتاك محمد، وفلان، وفلان فاستحل قتلهم، وأبطل كتابه، واثبت على عملك. فلما قرأوا الكتاب رجعوا إلى المدينة، وجمعوا طلحة، وعلياً، والزبير، وسعداً، وفضوا الكتاب، فلم يبق أحد ألا حنق على عثمان، وزاد ذلك غضباً وحنقاً أعوان أبي ذر، وابن مسعود وعمار. وحاصر أولئك عثمان وأجلب عليه محمد بن أبي بكر ببني تيم، فلما رأى ذلك علي بعث إلى طلحة، والزبير، وعمار، ثم دخل إلى عثمان، ومعه الكتاب والغلام والبعير فقال: هذا الغلام والبعير لك قال: نعم، قال: فهذا كتابك فحلف أنه ما كتبه ولا أمر به، قال: فالخاتم خاتمك قال: نعم. فقال: كيف يخرج غلامك ببعيرك بكتاب عليه خاتمك ولا تعلم به. 45 (3/458)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 459 وعرفوا أنه خط مروان. وسألوه أن يدفع إليهم مروان، فأبى وكان عنده في الدار، فخرجوا من عنده غضاباً، وشكوا في أمره، وعلموا أنه لا يحلف بباطل ولزموا بيوتهم. وحاصره أولئك حتى منعوه من الماء، فأشرف يوماً فقال: أفيكم علي قالوا: لا، قال: أفيكم سعد قالوا: لا، فسكت، ثم قال: ألا أحد يسقينا ماءً. فبلغ ذلك علياً، فبعث إليه بثلاث قرب فجرح في سببها جماعة حتى وصلت إليه، وبلغ علياً أن عثمان يراد قتله فقال: إنما أردنا منه مروان، فأما عثمان، فلا ندع أحداً يصل إليه. وبعث إليه الزبير ابنه، وبعث طلحة ابنه، وبعث عدة من الصحابة أبنائهم، يمنعون الناس منه، ويسألونه إخراج مروان، فلما رأى ذلك محمد بن أبي بكر، ورمى الناس عثمان بالناس بالسهام، حتى خضب الحسن بالدماء على بابه، وأصاب مروان سهم، وخضب محمد بن طلحة، وشج قنبر مولى علي. فخشي محمد أن يغضب بنو هاشم خال الحسن، فاتفق هو وصاحباه، وتسوروا من دار، حتى دخلوا عليه، ولا يعلم أحد من أهل الدار، لأنهم كانوا فوق البيوت، ولم يكن مع عثمان إلا امرأته. فدخل محمد فأخذ بلحيته، فقال: والله لو رآك أبوك لساءه مكانك مني، فتراخت يده، ووثب الرجلان عليه فقتلاه، وهربوا من حيث دخلوا، ثم صرخت المرأة، فلم يسمع صراخها لما في الدار من الجلبة. فصعدت إلى الناس وأخبرتهم، فدخل الحسن والحسين وغيرهما، فوجدوه مذبوحاً.) وبلغ علياً وطلحة والزبير الخبر، فخرجوا وقد ذهبت عقولهم ودخلوا 46 (3/459)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 460 فرأوه مذبوحاً، وقال علي، كيف قتل وأنتم على الباب ولطم الحسن وضرب صدر الحسين، وشتم ابن الزبير، وابن طلحة، وخرج غضبان إلى منزله، فجاء الناس يهرعون إليه ليبايعوه، قال: ليس ذاك إليكم، إنما ذاك إلى أهل بدر، فمن رضوه فهو خليفة، فلم يبق أحد من البدريين إلا أتى علياً، فكان أول من بايعه طلحة بلسانه، وسعد بيده، ثم خرج إلى المسجد فصعد المنبر، فكان أول من صعد طلحة، فبايعه بيده، ثم بايعه الزبير وسعد والصحابة جميعاً، ثم نزل فدعا الناس، وطلب مروان، فهرب منه هو وأقاربه. وخرجت عائشة باكية تقول: قتل عثمان، وجاء علي إلى امرأة عثمان فقال: من قتله قالت: لا أدري، وأخبرته بما صنع محمد بن أبي بكر. فسأله علي، فقال: تكذب، وقد والله دخلت دخلت عليه، وأنا أريد قتله، فذكر لي أبي، فقمت وأنا تائب إلى الله، والله ما قتلته ولا أمسكته، فقالت: صدق، ولكنه أدخل الذين قتلاه. وقال محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص، عن أبيه، عن جده قال: اجتمعنا في دار مخرمة للبيعة بعد قتل عثمان، فقال أبو جهم بن حذيفة: أمامن بايعنا منكم فلا يحول بيننا وبين قصاص، فقال عمار: أما دم عثمان فلا، فقال: يا بن سمية، أتقتص من جلدات جلدتهم، ولا تقتص من دم عثمان فتفرقوا يومئذ عن غير بيعة. وروى عمر بن علي بن الحسين، عن أبيه قال: قال مروان: ما كان في القوم أدفع عن صاحبنا من صاحبكم يعني علياً عن عثمان، قال: 46 (3/460)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 461 فقلت: ما بالكم تسبونه على المنابر قال: لا يستقيم الأمر إلا بذلك. رواه ابن أبي خيثمة. بإسناد قوي، عن عمر. وقال الواقدي، عن ابن أبي سبرة، عن سعيد بن أبي زيد، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله قال: كان لعثمان عند خازنه يوم قتل ثلاثون ألف ألف درهم، وخمسون ومائة ألف دينار، فانتهبت وذهبت، وترك ألف بعير بالربذة، وترك صدقات بقيمة مائتي ألف دينار. وقال ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب قال: بلغني أن الركب الذين ساروا إلى عثمان عامتهم جنوا. وقال ليث بن أبي سليم، عن طاووس، عن ابن عباس سمع علياً يقول: والله ما قتلت يعني عثمان ولا أمرت، ولكن غلبت، يقول ذلك ثلاثاً. وجاء نحوه عن علي من طرق. وجاء عنه) أنه لعن قتلة عثمان. وعن الشعبي قال: ما سمعت من مراثي عثمان أحسن من قول كعب بن مالك: 46 (3/461)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 462 (فكف يديه ثم أغلق بابه .......... وأيقن أن الله ليس بغافل)

(وقال لأهل الدار: لا تقتلوهم .......... عفا الله عن كل امريء لم يقاتل)

(فكيف رأيت الله صب عليهم ال .......... العداوة والبغضاء بعد التواصل)

(وكيف رأيت الخير أدبر بعده .......... عن الناس إدبار النعام الجوافل) ورثاه حسان بن ثابت بقوله: (من سره الموت صرفاً لا مزاج له .......... فليأت مأدبة في دار عثمانا)

(ضحوا بأشمط عنوان السجود به .......... يقطع الليل تسبيحاً وقرآنا)

(صبراً فدى لكم أمي وما ولدت .......... قد يينفع الصبر في المكروه أحيانا)

(لتسمعن وشيكاً في ديارهم: .......... الله أكبر يا ثارات عثمانا) 46 (3/462)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 463 2 (الوفيات) وممن توفي في هذه السنة: س الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي. له صحبة. واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على بعض صدقات مكة، وبعض أعماله مكة. ثم استعمله أبو بكر، وعمر، وعثمان، على مكة. ثم انتقل إلى البصرة، وبنى بها داراً. وتوفي في هذه السنة. وإنما للحارث حديث واحد عند النسائي، عن عائشة. 46 (3/463)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 464 عامر بن ربيعة بن كعب بن مالك العنزي، عنز بن وائل. كان حليف آل الخطاب العدوي. أسلم قبل عمر، وهاجر الهجرتين، وشهد بدراً. وله عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر. وعنه ابنه عبد الله، وابن الزبير، وابن عمر، وأبو أمامة بن سهل. وكان الخطاب قد تبناه. وكان معه لواء عمر لما قدم الجابية. وقال ابن إسحاق: أول من قدم المدينة مهاجراً أبو سلمة بن عبد الأسد، وبعده عامر بن ربيعة. 46 (3/464)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 465 وقال الواقدي: كان موت عامر بن ربيعة بعد قتل عثمان بأيام. وكان لزم بيته، ولم يشعر) الناس إلا بجنازته قد أخرجت. وقال يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، أن أباه أتى في المنام، حين طعنوا على عثمان، فقيل له: قم فسل الله أن يعيذك من الفتنة. قيل: توفي قبل مقتل عثمان بيسير. عبد الله بن وهب بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد القرشي الأسدي. وأمه قريبة أخت أم سلمة أم المؤمنين. قيل له صحبة. والأصح أنه لا صحبة له. روى عنه عروة، وغيره. وقتل يوم الدار مع عثمان. عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة بن عبد الله المخزومي. والد الشاعر المشهور عمر، وأخو 46 (3/465)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 466 عياش. كان اسمه بحير، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله. وكان أحد الأشراف، ومن أحسن الناس صورة. وهو الذي بعثته قريش مع عمرو بن العاص إلى النجاشي لأذية مهاجرة الحبشة. ثم أسلم وحسن إسلامه. ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الجند ومخاليفها، فبقي فيها إلى أيام فتنة عثمان، فجاء لينصره، فوقع عن راحلته فمات بقرب مكة. وقد استقرض منه النبي صلى الله عليه وسلم أربعين ألفاً، فأقرضه. له حديث عند حفيده إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله، عن أبيه. الواقدي: ثنا كثير بن زيد، عن المطلب بن حنطب قال: قال لهم عمر: إن هذا الأمر لا يصلح للطلقاء، فإن اختلفتم فلا تظنوا عبد الله بن أبي ربيعة عنكم غافلاً. الواقدي عن رجل: إن عبد الله بن أبي ربيعة قال: أدخلوني معكم في الشورى فلا يعدمكم مني رأي. قالوا: لا تدخل معنا. فقال: إن بايعتم 46 (3/466)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 467 لعلي سمعنا وعصينا، وإن بايعتم لعثمان سمعنا وأطعنا. ولما حصر عثمان، أقبل عبد الله مسرعاً ينصره من صنعاء. فليقه صفوان بن أمية على فرس وهو على بغلة فجفلت من الفرس، فطرحت عبد الله فكسرت فخذه، فوضع في سرير، ثم جهز ناساً كثيرة في الطلب بدم عثمان. عثمان بن عفان رضي الله عنه ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، أمير المؤمنين، أبو عمرو، وأبو عبد الله، القرشي الأموي. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن الشيخين.) قال الداني: عرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم، وعرض عليه أبو عبد الرحمن السلمي، والمغيرة بن أبي شهاب، وأبو الأسود، وزر بن حبيش. روى عنه بنوه: أبان، وسعيد، وعمرو، ومولاه حمران، وأنس، وأبو أمامة بن سهل، والأحنف بن قيس، وسعيد بن المسيب، وأبو وائل، وطارق بن شهاب، وعلقمة، وأبو عبد الرحمن السلمي، ومالك بن أوس بن الحدثان، وخلق سواهم. أحد السابقين الأولين، وذو النورين، وصاحب الهجرتين، وزوج الابنتين. قدم الجابية مع عمر. وتزوج رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل 46 (3/467)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 468 المبعث، فولدت له عبد الله، وبه كان يكنى، وبابنه عمرو. وأمه أروى بنت كريز بن حبيب بن عبد شمس، وأمها البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم، فهاجر إلى الحبشة، وخلفه النبي صلى الله عليه وسلم عليها في غزوة بدر ليداويها في مرضها، فتوفيت بعد بدر بليال، وضرب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهمه من بدر وأجره، ثم زوجه بالبنت الأخرى أم كلثوم. ومات ابنه عبد الله، وله ست سنين سنة أربع من الهجرة. وكان عثمان فيما بلغنا لا بالطويل ولا بالقصير، حسن الوجه، كبير اللحية، أسمر اللون، عظيم الكراديس، بعيد ما بين المنكبين يخضب بالصفرة، وكان قد شد أسنانه بالذهب. وعن أبي عبد الله مولى شداد قال: رأيت عثمان يخطب، وعليه إزار غليظ ثمنه أرعة دراهم، وريطة كوفية ممشقة، ضرب اللحم أي خفيفه، طويل اللحية، حسن الوجه. وعن عبد الله بن حزم قال: رأيت عثمان، فما رأيت ذكراً ولا أنثى أحسن وجهاً منه. 46 (3/468)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 469 وعن الحسن قال: رأيته وبوجهه نكتات جدري، وإذا شعره قد كسا ذراعيه. وعن السائب قال: رأيته يصفر لحيته، فما رأيت شيخاً أجمل منه. وعن أبي ثور الفهمي قال: قدمت على عثمان فقال: لقد اختبأت عند ربي عشراً: إني لرابع أربعة في الإسلام، وما تعنيت ولا تمنيت، ولا وضعت يميني على فرجي منذ بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مرت بي جمعة منذ أسلمت إلا وأنا أعتق فيها رقبة، إلا أن لا يكون عندي فأعتقها بعد ذلك، ولا زنيت في جاهلية ولا إسلام قط، وجهزت جيش العسرة، وأنكحني النبي ابنته، ثم ماتت، فأنكحني الأخرى، وما سرقت في جاهلية ولا إسلام.) وعن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنا نشبه عثمان بأبينا إبراهيم صلى الله عليه وسلم. وعن عائشة نحوه إن صحا. وعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى عثمان عند باب المسجد، فقال: يا عثمان هذا جبريل يخبرني أن الله زوجك أم كلثوم بمثل صداق 47 (3/469)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 470 رقية، وعلى مثل صحبتها. أخرجه ابن ماجة. ويروى عن أنس أو غيره قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلا أبو أيم، إلا أخو أيم يزوج عثمان، فإني قد زوجته ابنتين، ولو كان عندي ثالثة لزوجته وما زوجته إلا بوحي من السماء. وعن الحسن قال: إنما سمي عثمان ذا النورين لأنا لا نعلم أحداً أغلق بابه على لبنتي نبي غيره. وروى عطية، عن أبي سعيد قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعاً يديه يدعو لعثمان. وعن عبد الرحمن بن سمرة قال: جاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينارر في ثوبه، حين جهز جيش العسرة، فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل يقلبها بيده ويقول: ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم رواه أحمد في مسنده، وفي مسند أبي يعلى، من حديث عبد الرحمن بن عوف، أنه جهز جيش العسرة بسبعمائة أوقية من ذهب. وقال خليد، عن الحسن قال: جهز عثمان بسبعمائة وخمسين ناقة، وخمسين فرساً، يعني في غزوة تبوك. 47 (3/470)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 471 وعن حبة العرني، عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحم الله عثمان تستحييه الملائكة. وقال المحاربي، عن أبي مسعود، عن بشر بن بشير الأسلمي، عن أبيه قال: لما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء، وكانت لرجل من بني غفار، عين يقال لها رومة، وكان يبيع منها القربة بمد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تبيعها بعين في الجنة، فقال: ليس لي يا رسول الله عين غيرها، لا أستطيع ذلك، فبلغ ذلك عثمان، فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف) درهم، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتجعل لي مثل الذي جعلت له عيناً في الجنة إن اشتريتها قال: نعم، قال: قد اشتريتها وجعلتها للمسلمين. وعن أبي هريرة قال: اشترى عثمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة مرتين: يوم رومة، ويوم جيش العسرة. وقالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعاً في بيته كاشفاً عن ساقيه، فاستأذن أبو بكر، ثم عمر، وهو على تلك الحال فتحدثا، ثم استأذن عثمان، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوى ثيابه، فدخل فتحدث، فلما خرج قلت: يا رسول الله دخل أبو بكر، فلم تجلس له، ثم دخل عمر، فلم تهش له، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك، قال: إلا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة رواه مسلم. وروي نحوه من حديث علي، وأبي هريرة، وابن عباس. 47 (3/471)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 472 وقال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان. وعن طلحة بن عبيد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكل نبي رفيق، ورفيقي عثمان. أخرجه الترمذي. وفي حديث القف: ثم جاء عثمان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه. 47 (3/472)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 473 وقال شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري قال: قال الوليد بن سويد: إن رجلاً من بني سليم قال: كنت في مجلس فيه أبو ذر، وأنا أظن في نفسي أن في نفس أبي ذر على عثمان معتبة لإنزاله إياه بالربذة، فلما ذكر له عثمان عرض له بعض أهل المجلس بذلك، فقال أبو ذر: لا تقل في عثمان إلا خيراً، فإني أشهد لقد رأيت مشهداً لا أنساه، كنت التمست خلوات النبي صلى الله عليه وسلم لأسمع منه، فجاء أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، قال: فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصيات، فسبحن في يده حتى سمع لهن حنين كحنين النحل، ثم ناولهن أبا بكر، فسبحن في كفه، ثم وضعهن في الأرض فخرسن، ثم ناولهن عمر، فسبحن في كفه، ثم أخذهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعهن في الأرض فخرسن، ثم ناولهن عثمان فسبحن في كفه، ثم أخذهن منه، فوضعهن فخرسن.) 47 (3/473)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 474 وقال سليمان بن يسار: أخذ جهجاه الغفاري عصا عثمان التي كان يتخصر بها، فكسرها على ركبته، فوقعت في ركبته الأكلة. وقال ابن عمر: كنا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان. رواه جماعة عن ابن عمر. وقال الشعبي: لم يجمع القرآن أحد من الخلفاء من الصحابة غير عثمان، ولقد فارق علي الدنيا وما جمعه. وقال ابن سيرين: كان أعلمهم بالمناسك عثمان، وبعده ابن عمر. وقال ربعي، عن حذيفة: قال لي عمر بمنى من ترى الناس يولون بعدي قلت: قد نظروا إلى عثمان. وقال أبو إسحاق، عن حارثة بن مضرب قال: حججت مع عمر، فكان الحادي يحدو. أن الأمير بعده ابن عفان. وحججت مع عثمان، فكان الحادي يحدو. أن الأمير بعده علي. 47 (3/474)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 475 وقال الجريري، عن عبد الله بن شقيق، عن الأقرع مؤذن عمر، أن عمر دعا الأسقف فقال: هل تجدونا في كتبكم قال: نجد صفتكم وأعمالكم، ولا نجد أسماءكم، قال: وكيف تجدني قال: قرن من حديد، قال: ما قرن من حديد قال: أمير شديد، قال عمر: الله اكبر، قال فالذي بعدي قال: رجل صالح يؤثر أقرباءه، قال عمر: يرحم الله ابن عفان، قال: فالذي من بعده قال: صدع وكان حماد بن سلمة يقول: صدأ من حديد، فقال عمر: وادفراه وادفراه، قال مهلاً يا أمير المؤمنين، إنه رجل صالح، ولكن تكون خلافته في هراقة من الدماء. وقال حماد بن زيد: لئن قلت إن علياً أفضل من عثمان، لقد قلت إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خانوا. وقال ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان قال: كان نقش خاتم عثمان آمنت بالذي خلق فسوى. وقال ابن مسعود حين استخلف عثمان: أمرنا خير من بقي ولم نأل. وقال مبارك بن فضالة، عن الحسن قال: رأيت عثمان نائماً في المسجد، ورداؤه تحت رأسه،) فيجيء الرجل فيجلس إليه، ويجيء الرجل 47 (3/475)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 476 فيجلس إليه، كأنه أحدهم، وشهدته يأمر في خطبته بقتل الكلاب، وذبح الحمام. وعن حكيم بن عباد قال: أول منكر ظهر بالمدينة طيران الحمام، والرمي، يعني بالبندق، فأمر عثمان رجلاً فقصها، وكسر الجلاهقات. وصح من وجوه، أن عثمان قرأ القرآن كله في ركعة. وقال عبد الله بن المبارك، عن الزبير بن عبد الله، عن جدته، أن عثمان كان يصوم الدهر. وقال أنس: إن حذيفة قدم على عثمان، وكان يغزو مع أهل العراق قبل أرمينية، فاجتمع في ذلك الغزو أهل الشام، وأهل العراق، فتنازعوا في القرآن حتى سمع حذيفة من اختلافهم ما يكره، فركب حتى أتى عثمان فقال: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في القرآن اختلاف اليهود والنصارى في الكتب. ففزع لذلك عثمان، فأرسل إلى حفصة أم المؤمنين: أن أرسلي إلي بالصحف التي جمع فيها القرآن، فأرسلت إليه بها، فأمر زيد بن ثابت، وسعيد بن العاص، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أن ينسخوها في المصاحف، وقال: إذا 47 (3/476)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 477 اختلفتم أنتم وزيد في عربية فاكتبوها بلسان قريش، فإن القرآن إنما نزل بلسانهم. ففعلوا حتى كتبت المصاحف، ثم رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل جند من أجناد المسلمين بمصحف، وأمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخالف المصحف الذي أرسل إليهم به، فذلك زمان حرقت فيه المصاحف بالنار. وقال مصعب بن سعد بن أبي وقاص: خطب عثمان الناس فقال: أيها الناس، عهدكم بنبيكم بضع عشرة، وأنتم تميزون في القرآن، وتقولون قراءة أبي، وقراءة عبد الله، يقول الرجل: والله ما نقيم قراءتك، فأعزم على كل رجل منكم كان معه من كتاب الله شيء لما جاء به. فكان الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه القرآن، حتى جمع من ذلك كثيراً، ثم دخل عثمان، فدعاهم رجلاً رجلاً، فناشدهم: أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أملاه عليك فيقول: نعم، فلما فرغ من ذلك قال: من أكتب الناس قالوا: كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت، قال: فأي الناس أعرب قالوا: سعيد بن العاص، قال عثمان: فليمل سعيد وليكتب زيد، فكتب مصاحف ففرقها في الناس.) وروى رجل، عن سويد بن غفلة قال علي في المصاحف: لو لم يصنعنه عثمان لصنعته. وقال أبو هلال: سمعت الحسن يقول: عمل عثمان اثنتي عشرة سنة، 47 (3/477)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 478 ما ينكرون من إمارته شيئاً. وقال سعيد بن جمهان، عن سفينة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكاً. وقال قتادة، عن عبد الله بن شقيق، عن مرة البهزي قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: تهيج فتنة كالصياصي، فهذا ومن معه على الحق. قال: فذهبت وأخذت بمجامع ثوبه فإذا هو عثمان. ورواه الأشعث الصنعاني، عن مرة. ورواه محمد بن سيرين، عن كعب ابن عجزة، وروي نحوه عن ابن عمر. وقال قيس بن أبي حازم، عن أبي سهلة مولى عثمان، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل يسار عثمان، ولون عثمان يتغير، فلما كان يوم الدار وحصر فيها، قلنا: يا أمير المؤمنين إلا تقاتل قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهداً، وإني صابر نفسي عليه. أبو سهلة وثقه أحمد العجلي. وقال الجريري: حدثني أبو بكر العدوي قال: سألت عائشة: هل عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد من أصحابه عند موته قالت: معاذ الله إلا أنه 47 (3/478)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 479 سار عثمان، أخبره أنه مقتول، وأمره أن يكف يده. وقال شعبة: أخبرني أبو حمزة: سمعت أبي يقول: سمعت علياً يقول: قتل عثمان وأنا معه، قال أبو حمزة: فذكرته لابن عباس فقال: صدق يقول: قتل الله عثمان ويقتلني معه، قلت: قد كان علي يقول: عهد إلى النبي صلى الله عليه وسلم لتخضبن هذه من هذه. وقد روى شعبة، عن حبيب بن الزبير، عن عبد الرحمن بن الشرود، أن علياً قال: إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان ممن قال الله تعالى: ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين. ورواه عبد الله بن الحارث، عن علي.) وقال مطرف بن الشخير: لقيت علياً فقال: يأبا عبد الله ما بطأ بك، أجب عثمان، ثم قال: لئن قلت ذاك، لقد كان أوصلنا للرحم، وأتقانا للرب. وقال سعيد بن عمرو بن نفيل: لو أنقض أحد لما صنعتم بابن عفان لكان حقيقاً. وقال هشام: ثنا محمد بن سيرين، عن عقبة بن أوس، عن عبد الله بن عمرو قال: يكون على هذه الأمة اثنا عشر خليفة، منهم أبو بكر 48 (3/479)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 480 الصديق، أصبتم اسمه، وعمر الفاروق قرن من حديد، أصبتم اسمه، وعثمان ذو النورين، أوتي كفلين من الرحمة قتل مظلوماً، أصبتم اسمه. رواه غير واحد عن محمد. وقال عبد الله بن شوذب: حدثني زهدم الجرمي قال: كنت في سمر عند ابن عباس فقال: لأحدثنكم حديثاً: إنه لما كان من أمر هذا الرجل ما كان، قلت لعلي: اعتزل هذا الأمر، فوالله لو كنت في جحر لأتاك الناس حتى يبايعوك، فعصاني، وايم الله ليتأمرن عليه معاوية، ذلك بأن الله يقول: ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً. وقال أبو قلابة الجرمي: لما بلغ ثمامة بن عدي قتل عثمان وكان أميراً على صنعاء بكى فأطال البكاء، ثم قال: هذا حين انتزعت خلافة النبوة من أمة محمد، فصار ملكاً وجبرية، من غلب على شيء أكله. وقال يحيى بن سعيد الأنصاري: قال أبو حميد الساعدي وكان بدرياً لما قتل عثمان: اللهم إن لك علي أن لا أضحك حتى ألقاك. قال قتادة: ولي عثمان اثنتي عشرة سنة، غير اثني عشر يوماً. وكذا قال خليفة بن خياط وغيره. 48 (3/480)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 481 وقال أبو معشر السندي: قتل لثماني عشرة خلت من ذي الحجة، يوم الجمعة، زاد غيره فقال: بعد العصر، ودفن بالبقيع بين العشاءين، وهو ابن اثنتين وثمانين سنة. وهو الصحيح، وقيل عاش ستاً وثمانين سنة. وعن عبد الله بن فروخ قال: شهدته ودفن في ثيابه بدمائه، ولم يغسل، رواه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند وقيل: صلى عليه مروان، ولم يغسل. وجاء من رواية الواقدي: أن نائلة خرجت وقد شقت جيبها وهي تصرخ، ومعها سراج، فقال) جبير بن مطعم: أطفئي السراج لا يفطن بنا، فقد رأيت الغوغاء، ثم انتهوا إلى البقيع، فصلى عليه جبير بن مطعم، وخلفه أبو جهم بن حذيفة، ونيار بن مكرم، وزوجتا عثمان ونائلة، وأم البنين، وها دلتاه في حفرته على الرجال الذين نزلوا قبره. ولحدوا له وغيبوا قبره، وتفرقوا. ويروى أن جبير بن مطعم صلى عليه في ستة عشر رجلاً، والأول أثبت. 48 (3/481)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 482 وروى أن نائلة بنت الفرافصة كانت مليحة الثغر، فكسرت ثناياها بحجر، وقالت: والله لا يجتليكن أحد بعد عثمان، فلما قدمت على معاوية الشام، خطبها، فأبت. وقال فيها حسان بن ثابت: (قتلتم ولي الله في جوف داره .......... وجئتم بأمر جائر غير مهتدي)

(فلا ظفرت أيمان قوم تعاونوا .......... على قتل عثمان الرشيد المسدد) وقال كعب بن مالك: (يا للرجال لأمر هاج لي حزناً .......... لقد عجبت لمن يبكي على الدمن)

(إني رأيت قتيل الدار مضطهداً .......... عثمان ييهدى إلى الأجداث في كفن) وقال بعضهم: (لعمر أبيك فلا تكذبن .......... لقد ذهب الخير إلا قليلا)

(لقد سفه الناس في دينهم .......... وخلى ابن عفان شراً طويلا) 48 (3/482)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 483 (أحداث سنة ست وثلاثين)

5 (خلافة علي رضي الله عنه)

(بقية أحداث سنة ست وثلاثين) لما قتل عثمان صبراً، سقط في أيدي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبايعوا علياً، ثم إن طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وأم المؤمنين عائشة، ومن تبعهم رأوا أنهم لا يخلصهم مما وقعوا فيه من توانيهم في نصرة عثمان، إلا أن يقوموا في الطلب دمه، والأخذ بثأره من قتلته، فساروا من المدينة بغير مشورة من أمير المؤمنين علي، وطلبوا البصرة. قال خليفة: قدم طلحة، والزبير، وعائشة البصرة، وبها عثمان بن حنيف الأنصاري والياً لعلي، فخاف وخرج منها، ثم سار علي من المدينة، بعد أن استعمل عليها سهل بن حنيف أخا عثمان، وبعث ابنه الحسن، وعمار بن ياسر إلى الكوفة بين يديه يستنفران الناس، ثم إنه وصل إلى البصرة، وهو أحد الرؤوس الذين خرجوا على عثمان كما سلف، فالتقى هو وجيش طلحة والزبير، فقتل الله حكيماً في طائفة من قومه، وقتل مقدم 48 (3/483)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 484 جيش الآخرين أيضاً مجاشع بن مسعود السلمي. ثم اصطلحت الفئتان، وكفوا عن القتال، على أن يكون لعثمان بن حنيف دار الإمارة والصلاة، وأن ينزل طلحة والزبير حيث شاءا من البصرة، حتى يقدم علي رضي الله عنه. وقال عمار لأهل الكوفة: أما والله إني لأعلم أنها يعني عائشة زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم بها لينظر أتتبعونه أو إياها. قال سعد بن إبراهيم الزهري: حدثني رجل من أسلم قال: كنا مع علي أربعة آلاف من أهل المدينة. وقال سعيد بن جبير: كان مع علي يوم وقعة الجمل ثمانمائة من الأنصار، وأربعمائة ممن شهدوا بيعة الرضوان. رواه جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد. وقال المطلب بن زياد، عن السدي: شهد مع علي يوم الجمل مائة وثلاثون بدرياً وسبعمائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقتل بينهما ثلاثون ألفاً، لم تكن مقتلة أعظم منها. وكان الشعبي يبالغ ويقول: لم يشهدها إلا علي، وعمار، وطلحة، والزبير من الصحابة.) وقال سلمة بن كهيل: فخرج من الكوفة ستة آلاف، فقدموا على علي 48 (3/484)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 485 بذي قار، فسار في نحو عشرة آلاف، حتى أتى البصرة. وقال أبو عبيدة: كان على خيل علي يوم الجمل عمار، وعلى الرجالة محمد بن أبي بكر الصديق، وعلى الميمنة علباء بن الهيثم السدوسي، ويقال: عبد الله ببن جعفر، ويقال: الحسن بن علي، وعلى الميسرة الحسين بن علي وعلى المقدمة عبد الله بن عباس، ودفع اللواء إلى ابنه محمد بن الحنفية وكان لواء طلحة والزبير مع عبد الله بن حكيم بن حزام، وعلى الخيل طلحة، وعلى الرجالة عبد الله بن الزبير، وعلى الميمنة عبد الله بن عامر بن كريز، وعلى الميسرة مروان بن الحكم. وكانت الوقعة يوم الجمعة، خارج البصرة، عند قصر عبيد الله بن زياد. قال الليث بن سعد وغيره: كانت وقعة الجمل في جمادى الأولى. وقال أبو اليقظان: خرج يومئذ كعب بن سور الأزدي في عنقه المصحف، ومع ترس، فأخذ بخطام جمل عائشة، فجاءه سهم غرب فقتله. قال محمد بن سعد: وكان كعب قد طين عليه بيتاً، وجعل فيه كوة يتناول منها طعامه وشرابه اعتزالاً للفتنة، فقيل لعائشة: إن خرج معك لم يتخلف من الأزد أحد، فركبت إليه فنادته وكلمته فلم يجبها، فقالت: 48 (3/485)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 486 ألست أمك ولي عليك حق، فكلمها، فقالت: إنما أريد أن أصلح بين الناس. فذلك حين خرج ونشر المصحف، ومشى بين الصفين يدعوهم إلى ما فيه، فجاءه سهم فقتله. وقال حصين بن عبد الرحمن: قام كعب بن سور فنشر مصحفاً بين الفريقين، ونشدهم الله والإسلام في دمائهم، فما زال حتى قتل. وقال غيره: اصطف الفريقان، وليس لطلحة ولا لعلي رأسي الفريقين قصد في القتال، بل ليتكلموا في اجتماع الكلمة، فترامى أوباش الطائفتين بالنبل، وشبت نار الحرب، وثارت النفوس، وبقي طلحة يقول: أيها الناس انصتوا، والفتنة تغلي، فقال: أف فراش النار، وذئاب طمع، وقال: اللهم خذ لعثمان مني اليوم حتى ترضى، إنا داهنا في أمر عثمان، كنا أمس يداً على من سوانا، وأصبحنا اليوم جبلين من حديد، يزحف أحدنا إلى صاحبه، ولكنه كان مني في أمر عثمان مالا أرى كفارته، إلا بسفك دمي، وبطلب دمه. فروى قتادة، عن الجارود بن أبي سبرة الهذلي قال: نظر مروان بن الحكم إلى طلحة يوم) الجمل، فقال: لا أطلب ثأري بعد اليوم، فرمى طلحة بسهم فقتله. وقال قيس بن أبي حازم: رأيت مروان بن الحكم حين رمى طلحة يومئذ بسهم، فوقع في ركبته، فما زال يسح حتى مات. وفي بعض 48 (3/486)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 487 طرقه: رماه بسهم، وقال: هذا ممن أعان على عثمان. وعن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عمه، أن مروان رمى طلحة، والفت إلى أبان بن عثمان وقال: قد كفيناك بعض قتلة أبيك. وروى زيد بن أبي أنيسة، عن رجل، أن علياً قال: بشروا طلحة بالنار. وعن عكرمة، عن ابن عباس قال: خرجنا مع علي إلى الجمل في ستمائة رجل، فسلكنا على طريق الربذة، فقام إليه الحسن، فبكى بين يديه وقال: ائذن لي فأتكلم، فقال: تكلم، ودع عنك أن تحن حنين الجارية، قال: لقد كنت أشرت عليك بالمقام، وأنا أشير عليك الآن: إن للعرب جولة، ولو قد رجعت إليها غوارب أحلامها، لضربوا إليك آباط الإبل، حتى يستخرجوك، ولو كنت في مثل حجر الضب. فقال علي: أتراني لا أبالك كنت منتظراً كما تنتظر الضبع اللدم. وروى نحوه من وجهين آخرين. وعن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عم له قال: لما كان يوم الجمل نادى علي في الناس: لا ترموا أحداً بسهم، وكلموا القوم، فإن هذا مقام من فلج فيه فلج يوم القيامة، قال: فتوافقنا حتى أتانا حر الحديد، ثم إن 48 (3/487)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 488 القوم نادوا بأجمعهم: يالثارات عثمان، قال: وابن الحنفية رتوة معه اللواء، فمد علي يديه وقال: اللهم أكب قتلة عثمان على وجوههم، ثم إن الزبير قال لأساورة معه: ارموهم ولا تبلغوا، وكأنه إنما أراد أن ينشب القتال. فلما نظر أصحابنا إلى النشاب لم ينتظروا أن يقع إلى الأرض، وحملوا عليهم فهزمهم الله. ورمى مروان طلحة بسهم فشك ساقه بجنب فرسه. وعن أبي جرو المازني قال: شهدت علياً والزبير حين تواقفا، فقال له علي: يا زبير أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنك تقاتلني وأنت ظالم لي قال: نعم ولم أذكره إلا في موقفي هذا، ثم انصرف. وقال الحسن البصري، عن قيس بن عباد قال: قال علي يوم الجمل: يا حسن، ليت أباك مات) منذ عشرين سنة، فقال له: يا أبت قد كنت أنهاك عن هذا، قال: يا بني لم أر أن الأمر يبلغ هذا. وقال سعد ابن سعد: إن محمد بن طلحة تقدم فأخذ بخطام الجمل، فحمل عليه رجل، فقال محمد: أذكركم حم فطعنه فقتله، ثم قال في محمد: (وأشعث قوام بآيات ربه .......... قليل الأذى فيما ترى العين مسلم)

(هتكت له بالرمح جيب قميصه .......... فخر صريعاً لليدين وللفم) 48 (3/488)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 489 (يذكرني حم والرمح شاجر .......... فهلا تلاحم قيل التقدم)

(على غير شيء غير أن ليس تابعاً .......... علياً ومن لا يتبع الحق يندم) فسار علي ليلته في القتلى، معه النيران، فمر بمحمد بن طلحة قتيلاً، فقال: يا حسن محمد السجاد ورب الكعبة، ثم قال: أبوه صرعه هذا المصرع، ولولا بره بأبيه ما خرج. فقال الحسن: ما كان أغناك عن هذا، فقال: مالي ومالك يا حسن. وقال شريك، عن الأسود بن قيس: حدثني من رأى الزبير يوم الجمل، وناداه علي يأبا عبد الله، فأقبل حتى التفت أعناق دوابهما، فقال: أنشدك بالله، أتذكر يوم كنت أناجيك، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تناجيه فوالله ليقاتلنك وهو لك ظالم. قال: فلم يعد أن سمع الحديث، فضرب وجه دابته وانصرف. وقال هلال بن خباب، فيما رواه عنه أبو شهاب الحناط، وغيره، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال يوم الجمل للزبير: يا بن صفية، هذه عائشة تملك طلحة، فأنت على ماذا تقاتل قريبك علياً فرجع الزبير، 49 (3/489)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 490 فلقيه ابن جرموز فقتله. وقال يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: انصرف الزبير يوم الجمل عن علي، وهم في المصاف، فقال له ابنه عبد الله: جبناً جبناً، فقال: قد علم الناس أني لست بجبان، ولكن ذكرني علي شيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحلفت أن لا أقاتله، ثم قال: (ترك الأمور التي أخشى عواقبها .......... في الله أحسن في الدنيا وفي الدين) وكيع، عن عصام بن قدامة وهو ثقة عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيتكن صاحبة الجمل الأدبب، يقتل حواليها قتلى كثيرون، وتنجو بعد ما كادت.) وقيل: إن أول قتيل كان يومئذ مسلم الجهني، أمره علي فحمل مصحفاً، فطاف به على القوم يدعوهم إلى كتاب الله، فقتل. وقطعت يومئذ سبعون يداً من بني ضبة بالسيوف، صار كلما أخذ رجل بخطام الجمل الذي لعائشة، قطعت يده، فيقوم آخر مكانه ويرتجز، إلى أن صرخ صارخ اعقروا الجمل، فعقره رجل مختلف في اسمه، وبقي الجمل والهودج الذي عليه، كأنه قنفذ من النبل، وكان الهودج ملبساً بالدروع، وداخله أم المؤمنين، وهي تشجع الذين حول الجمل: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. ثم إنها ندمت وندم علي لأجل ما وقع. 49 (3/490)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 491 2 (ذكر من توفي في هذه السنة) الأسود بن عوف الزهري له صحبة وهجرة قبل الفتح. وهو أخو عبد الرحمن بن عوف. قتل يوم الجمل. وقد ولي ابنه جابر المدينة لعبد الله بن الزبير. جندب بن زهير الغامدي الأزدي كوفي، يقال: له صحبة. يأتي في السنة الآتية. حذيفة بن اليمان واسم اليمان حسل ويقال حسيل على التصغير بن جابر بن 49 (3/491)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 492 49 (3/492)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 493 أسيد، وقيل عمرو، أبو عبد الله العبسي، حليف الأنصار، وصاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد المهاجرين. وكان أبوه أصاب دماً في قومه، فهرب إلى المدينة وحالف بني عبد الأشهل، فسماه قومه اليمان لحلفه لليمانية، فاستشهد يوم أحد. وشهد حذيفة أحداً وما بعدها من المشاهد، واستعمله عمر على المدائن، فبقي عليها إلى حين وفاته. وتوفي بعد عثمان بأربعين يوماً. روى عنه زيد بن وهب، وزر بن حبيش، وأبو وائل، وربعي بن حراش، وجماعة. قال خيثمة بن عبد الرحمن: أتيت المدينة فسألت الله أن ييسر لي جليساً صالحاً، فيسر لي أبا هريرة، فجلست إليه، فقلت: جئت من الكوفة ألتمس الخير، فقال: أليس فيكم سعد بن مالك مجاب الدعوة وابن مسعود صاحب طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم ونعليه، وحذيفة صاحب سر رسول الله، وعمار الذي أجاره الله على لسان نبيه من الشيطان، وسلمان صاحب الكتابين، يعني الإنجيل والقرآن. صححه الترمذي. وقال أبو اليقظان، عن زاذان، عن حذيفة قالوا: يا رسول الله لو استخلفت، قال: إن استخلفت عليكم فعصيتموه عذبتم، ولكن ما حدثكم عبد الله فاقرأوه. حسنه الترمذي.) 49 (3/493)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 494 أبو نعيم، عن مالك بن مغول عن طلحة: قدم حذيفة المدائن على حمار، عليه إكاف سادلاً رجليه، ومعه عرق ورغيف وهو يأكل. وأخباره مستوفاة في تاريخ ابن عساكر. عن حذيفة قال: ما منعني أن أشهد بدراً إلا أني خرجت أنا وأبي الحسيل، فأخذنا كفار قريش فقالوا: إنكم تريدون محمداً، فقلنا: ما نريد إلا المدينة، فأخذوا علينا عهد الله لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرناه فقال: فوالهم بعهدهم ونستعين الله عليهم. رواه مسلم. وحذيفة أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الأربعة عشر النجباء، كان النبي صلى الله عليه وسلم أسر إليه أسماء المنافقين، وحفظ عنه الفتن التي تكون بين يدي الساعة، وناشده عمر بالله: أنا من المنافقين اللهم لا، ولا أزكى أحداً بعدك. وقد ذكرنا ما أبلى حذيفة ليلة الأحزاب. وافتتحت الدينور عنوة على يديه. وحديثه في الكتب الستة. 49 (3/494)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 495 حكيم بن جبلة العبدي كان متديناً عابداً شريفاً مطاعاً، بعثه عثمان على السند، ثم إنه ظن أن أهلها نقضوا فقدم منها، فسأله عثمان عنها، فقال: ماؤها وشل، ولصها بطل، وسهلها جبل، إن أثر الجند بها جاعوا، وإن قلوا بها ضاعوا. فلم يوجه عثمان عليها أحد بعده. ثم إنه نزل البصرة. وقد ذكرنا أنه أحد من سار إلى الفتنة، ثم قتل في فتنة الجمل، سامحه الله. قيل إنه لم يزل يقاتل حتى قطعت رجله، فأخذها وضرب بها الذي قطعها فقتله بها، ثم أخذ يقاتل ويقول: (يا ساق لن تراعي .......... إن معي ذراعي) أحمي بها كراعي حتى نزفه الدم، فاتكأ على المقتول الذي قطع رجله، فمر به رجل، فقال له: من قطع رجلك قال: وسادتي، فما رؤي أشجع منه، ثم قتله سحيم الحداني. 49 (3/495)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 496 الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب، أبو عبد الله 49 (3/496)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 497 القرشي الأزدي المكي، حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته صفية، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أهل الشورى، شهد بدراً والمشاهد كلها، أسلم وهو ابن ست عشرة سنة، وكان من السابقين إلى الإسلام. وهو أول من سل سيفه في سبيل الله.) له أحاديث يسيرة، روى عنه إبناه عبد الله، وعروة، ومالك بن أوس ابن الحدثان، والأحنف بن قيس، وحكيم مولى الزبير وغيرهم. قال الليث: حدثني أبو الأسود، عن عروة قال: أسلم أبي وله ثماني سنين. ونفحة من الشيطان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بأعلى مكة، 49 (3/497)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 498 فخرج الزبير وهو غلام ابن اثنتي عشرة سنة، ومعه السيف، فمن رآه عجب وقال: الغلام معه سيف، حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: مالك فأخبره، فقال: أتيت أضرب بسيفي من أخذك. وقد روى أنه كان طويلاً إذا ركب تخط رجلاه الأرض، وأنه كان خفيف العارضين واللحية. وذكر يعقوب بن شيبة بإسناد لين، عن الزهري قال: كان الزبير طويلاً أزرق أخضر الشعر. وقال أبو نعيم: كان ربعة. خفيف اللحم واللحية، أسمر أشعر لا يخضب. وقال الواقدي: ليس بالقصير ولا بالطويل خفيف اللحية أسمر. وقد ذكرنا أنه انصرف عن القتال يوم الجمل، فلحقه ابن جرموز فقتله غيلة. وثبت في الصحيح أن الزبير خلف أملاكاً بنحو أربعين ألف ألف درهم وأكثر، وما ولي إمارة قط ولا خراجاً، بل كان يتجر ويأخذ عطاءه، وقيل: إنه كان له ألف مملوك يؤدون إليه الخراج، فربما تصدق بخراجهم 49 (3/498)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 499 كله في مجلسه قبل أن يقوم. وقال الليث بن سعد، عن أبي فروة أخي إسحاق قال: قال علي رضي الله عنه: حاربني خمسة: حاربني أطوع الناس في الناس عائشة، وأشجع الناس الزبير، وأمكر الناس طلحة بن عبيد الله، كان محموداً حتى استزله أبوه، فخرج به، وحاربني أعطى الناس يعلى بن منية، كان يعطي الرجل الواحد الثلاثين ديناراً والسلاح والفرس على أن يقاتلني. وعن موسى بن طلحة بن عبيد الله، أن علياً والزبير، وطلحة، وسعد بن أبي وقاص ولدوا في عام واحد. وقال الليث، عن الأسود، إن الزبير أسلم وهو ابن ثماني سنين. وقد ذكرنا أن الزبير كان يوم بدر على فرس، وأنه كان لابساً، عمامة صفراء، فنزلت الملائكة عليهم عمائم صفر. 50 (3/499)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 500 وفيه يقول حسان بن ثابت (أقام على عهد النبي وهديه .......... حواريه والقول بالفعل يكمل) ) (أقام على مناهجه وطريقه .......... يوالي ولي الحق والحق أعدل)

(هو الفارس المشهور والبطل الذي .......... يصول إذا ما كان يوم محجل)

(إذا كشفت عن ساقيها الحرب حشها .......... بأبيض سباق إلى الموت يرقل)

(فما مثله فيهم ولا كان قبله .......... وليس يكون الدهر ما دام يذبل)

(ثناؤك خير من فعال معاشر .......... وفعلك يابن الهاشمية أفضل)

(فكم كربة ذب الزبير بسيفه .......... عن المصطفى والله فيجزل) 50 (3/500)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 501 وفيه يقول عامر بن عبد الله بن الزبير: (جدي ابن عمه أحمد وزيره .......... عند البلاء وفارس الشقراء)

(وغداة بدر كان أول فارس .......... شهد الوغى في الأمة الصفراء)

(نزلت بسيماه الملائك نصرة .......... بالحوض يوم تألب الأعداء) وعن عروة وهو في الصحيح أن عائشة قالت: يابن أختي كان أبي تعني أبا بكر والزبير من الذين استجابوا لله وللرسول من بعد ما أصابهم القرح. وقال محمد بن المنكدر، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق: من يأتينا بخبر بني قريظة فقال الزبير: أنا، فذهب على فرس فجاء بخبرهم، ثم ندب الناس ثانياً وثالثاً، فانتدب الزبير وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن لكل نبي حوارياً وحواريي الزبير. وقال ابن المنكدر، عن جابر أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولبزبير ابن عمتي وحواريي من أمتي. 50 (3/501)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 502 وقال عاصم، عن زر استأذن اببن جرموز على علي وأنا عنده، فقال: بشر قاتل صفية بالنار، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لكل نبي حواري وحواريي الزبير. الحواري: الناصر. وقال الكلبي: الحواري: الخليل، وقال مصعب الزبيري: الحواري: الخالص من كل شيء. وقال عروة، عن أخيه عبد الله بن الزبير، عن أبيه قال: جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بويه قال: إرم فداك أبي وأمي. وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد: ضرب الزبير ييوم عثثمان ببن عبد الله بن المغيرة بالسيف فقده إلى القربوس، فقالوا: ما أجود سيفك، فغضب، يعني أن العمل ليده لا لسيفه.) وعن الزبير أنه دخل يوم الفتح ومعه لواءان: لواؤه، ولواء سعد بن عبادة. 50 (3/502)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 503 وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام، عن أبيه قال: أعطى النبي صلى الله عليه وسلم: الزبير يلمق حرير، محشو بالقز يقاتل فيه. وقال سفيان الثوري: كان هؤلاء الثلاثة نجدة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: حمزة وعلي والزبير. وقال عروة: كان في الزبير ثلاث ضربات بالسيف، إحداهن في عاتقه، إن كنت لأدخل أصابعي فيها، ضرب اثنتين يوم بدر، وواحدة يوم اليرموك. وقال عروة: أخذ بعضنا سيف الزبير بثلاثة آلاف. وقال سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء فتحرك الجبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسكن حراء فما عليك إلا نبي صديق أو شهيد، وكان عليه هو، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في العشرة إنهم في الجنة فذكر منهم الزبير. 50 (3/503)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 504 وقال عروة: قال عمر بن الخطاب: لو عهدت أو تركت تركة، كان أحبهم إلي الزبير، إنه ركن من أركان الدين. وقال عروة: أوصى سبعة من الصحابة إلى الزبير منهم عثمان وابن مسعود، وعبد الرحمن بن عوف، فكان ينفق على الورثة من ماله، ويحفظ عليهم أموالهم. وقال هشام بن عروة: لما قتل عمر محا الزبير بن العوام نفسه من الديوان. وروى أحمد في مسنده من حديث مطرف قال: قلت للزبير: يا أبا عبد الله ما شأنكم ضيعتم عثمان حتى قتل، ثم جئتم تطلبون بدمه فقال الزبير: إنا قرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان: واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة، لم نكن نحسب أنا أهلها، حتى وقعت منا حيث وقعت. يزيد بن هارون، عن عمرو بن مييمون بن مهران، عن أبيه قال: كانت 50 (3/504)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 505 أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط تحت الزبير، وكانت فه شدة على النساء، وكانت له كارهة، تسأله الطلاق، فيأبى حتى ضربها الطلق وهو لا يعلم، فألحت عليه وهو يتوضأ، فطلقها تطليقة، ثم خرج، فوضعت، فأدركه إنسان من أهله، فأخبره، فقال خدعتني خدعها الله. وأتى النبي صلى الله) عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال: سبق فيها كتاب الله فأخطبها قال: لا ترجع إلي أبداً. قال الواقدي: ثم تزوجها عبد الرحمن بن عوف، فولدت له إبراهيم وحميداً. قاله يعقوب بن شيبة. وروى هشام بن عروة، عن أبيه قال: قال الزبير: إن طلحة يسمي بأسماء الشهداء لعلهم يستشهدون: عبد الله بعبد الله بن جحش، والمنذر بالمنذر بن عمرو، وعروة بعروة بن مسعود، وحمزة بحمزة، وجعفر ببجعفر بن أبي طالب، ومصعب بمصعب بن عمير، وعبيدة بعبيدة بن الحارث، وخالد بخالد بن سعيد، وعمرو بعمرو بن سعيد بن العاص قتل باليرموك. وقال فضيل ببن مرزوق: حدثني شقيق بن عقبة، عن قرة بن الحارث، عن جون بن قتادة قال: كنت مع الزبير يوم الجمل، فكانوا يسلمون عليه بالأمرة. وقال حصين بن عبد الرحمن، عن عمرو بن جاوان قال: كان أول قتيل 50 (3/505)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 506 طلحة، وانهزموا، فانطلق الزبير فلقيه النعر المجاشعي فقال: تعال يا حواري رسول الله فأنت في ذمتي، فسار معه، وجاء رجل إلى الأحنف بن قيس، فذكر أنه رأى الزبير بسفوان فقال: حمل بين المسلمين، حتى إذا ضرب بعضهم حواجب بعض بالسيف، أراد أن يلحق ببنيه، قال: فسمعها عمير بن جرموز المجاشعي، وفضالة بن حابس، ورجل، فانطلقوا حتى لقوه مع النعر، فأتاه ابن جرموز من خلفه، فطعنه طعنة ضعيفة. فحمل عليه الزبير، فلما استلحمه وظن أنه قاتله، قال: يا فضلالة يا فلان، فحملوا عليه على الزبير فقتلوه، وقيل: طعنه ابن جرموز ثانية فوقع. وقال ابن عون: رأيت قاتل الزبير، وقد أقبل على الزبير، فأقبل عليه الزبير، فقال الزبير: أذكرك الله، فكف عنه الزبير حتى صنع ذلك غير مرة، فقال الزبير: ما له قاتله الله يذكرنا بالله وينساه. وعن أبي نضرة قال: جاء أعرابي برأس الزبير إلى علي، فقال: يا أعرابي تبؤأ مقعدك من النار. وقال أبو جعفر محمد بن علي الباقر: قال علي: إني لأرجو أن أكون أنا، وطلحة، والزبير من الذين قال الله: ونزعنا ما في صدورهم من غل 50 (3/506)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 507 إخواناً على سرر متقابلين. وقال منصور بن عبد الرحمن الغداني: سمعت الشعبي يقول. أدركت خمسمائة أو أكثر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: علي، وعثمان، وطلحة، والزبير في الجنة.) وفيه يقول جرير: (إن الرزية من تضمن قبره .......... وادي السباع لكل جنب مصرع)

(لما أتى الزبير تواضعت .......... سور المدينة والجبال الخشع) وقال عروة: ترك أبي من العروض خمسين ألف ألف درهم، ومن العين خمسين ألف ألف درهم. هذه رواية أبي أسامة، عن هشام، عن أبيه، وروى ابن عيينة عنه، عن أبيه قال: اقتسم مال الزبير على أربعين ألف أف. وادي السباع على سبعة فراسخ من البصرة. 50 (3/507)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 508 وقال البخاري: إنه قتل في رجب. وقال ابن عيينة: جاء ابن جرموزإلى المصعب بن الزبير، يعني أيام ولي العراق لأخيه فقال: أقدني بالزبير، فكتب في ذلك إلى عبد الله بن الزبير، فكتب إليه: أنا أقتل ابن جرموز بالزبير ولا شسع نعليه. وعن عبد الله بن عروة، أن ابن جرموز مضى من عند مصعب، حتى إذا كان ببعض السواد، لحق بقصر هناك، عليه زج، ثم أمر إنساناً أن يطرحه عليه، فطرحه عليه فقتله، وكان قد كره الحياة لما كان يهول عليه، ويرى في منامه، وذلك دعاه إلى ما فعل. زيد بن صوحان العبدي أخو صعصعة، يقال: له وفادة على النبي صلى الله عليه وسلم، وسمع من عمر، وعلي. 50 (3/508)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 509 روى عنه أبو وائل، والعيزار بن حريث. وكان صواماً قواماً، فقال له سلمان الفارسي: إن لبدنك عليك حقاً، ولزوجك عليك حقاً، فأقل مما تصنع. قتل يوم الجمل. 51 (3/509)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 510 سلمان الفارسي أبو عبد الله الرامهرمزي، وقيل الأصبهاني، سابق الفرس إلى 51 (3/510)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 511 الإسلام، خدم النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه. روى عنه ابن عباس، وأنس أبو الطفيل، وأبو عثمان النهدي، وأبو عمر زاذان، وجماعة سواهم. ثقبان: ثنا يعقوب بن سفان الفسوي، ثنا زكريا بن نافع الأرسوفي، ثنا السري بن يحيى، عن) سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي قال: كان سلمان من أهل رامهرمز، فجاء راهب إلى جبالها يتعبد، فكان ياتيه ابن دهقان القرية، قال: ففطنت له، فقلت: إذهب بي معك، فقال: لا، حتى أستأمره، فاستأمره، فقال: جيء به معك، فكنا نختلف إليه، حتى فطن لذلك أهل القرية، فقالوا: يا راهب، إنك قد جاورتنا فأحسنت جوارك، وإنا نراك تريد أن تفسد علنا غلماننا، فاخرج عن أرضنا، قال: فخررج، وخرجت معه، فجعل لا يزداد ارتفاعاً في الأرض، إلا ازداد معرفة وكرامة، حتى أتى الموصل، فأتى جبلاً من جبالها، فإذا رهبان سبعة، كل رجل في غار يتعبد فيه، يصوم ستة أيام ولياليهن، حتى إذا كان يوم السابع، اجتمعوا فأكلوا وتحدثوا. فقلت لصاحبي: اتركني عند هؤلاء إن شئت، قال: فمضى وقال: إنك لا تطيق ما يطيق هؤلاء، وكان ملك بالشام يقتل الناس، فأبى علي 51 (3/511)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 512 إلا أن ننطلق، فقلت: فإني أخرج معك، قال: فانطلقت معه. فلما انتهينا إلى باب بيت المقدس، فإذا على باب المسجد رجل مقعد قال: يا عبد الله تصدق علي، فلم يكن معه شيء يعطيه إياه، فدخل المسجد فصلى ثلاثة أيام ولياليهن، ثم إنه انصرف، فخط خطاً وقال: إذا رأيت الظل بلغ هذا الخط فأيقظني، فنام، وقال: فرثيت له من طول ما سهر، فلم أوقظه حتى جاوز الخط، فاستيقظ فقال: ألم أقل لك قلت: إني رثيت لك من طول ما سهرت، فقال: ويحك إني أستحي من الله أن تمضي ساعة من ليل أو نهار لا أذكره فيها، ثم خرج، فقال له المقعد: أنت رجل صالح دخلت وخرجت ولم تصدق علي، فنظر يميناً وشمالاً فلم ير أحداً، قال: أرني يدك، قم بإذن الله، فقام ليس به علة، فشغلني النظر إليه، ومضى صاحبي في السكك، فالتفت فلم أره، فانطلقت أطلبه. قال: ومرت رفقة من العراق، فاحتملوني، فجاءوا بي إلى المدينة، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قال: ذكرت قولهم: إنه لا يأكل الصدقة ولا يقبل الهدية، فجئت بطعام إليه، فقال: ما هذا، قلت: صدقة، فقال لأصحابه: كلوا ولم يذقه، ثم إني رجعت وجمعت طعيماً، فقال: ما هذا يا سلمان قلت: هدية، فأكل، قلت: يا رسول الله أخبرني عن النصارى، قال: لا خير فيهم، فقمت وأنا مثقل، قال: فرجعت إليه رجعة أخرى، فقلت له: يا رسول الله أخبرني عن النصارى، قال: لا خير فهم ولا فيمن يحبهم، فقمت وأنا مثقل، فأنزل الله تعالى لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا) الذين قالوا إنا نصارى فأرسل إلي فقال: يا سلمان إن صاحبك أو أصحابك من هؤلاء الذين ذكر الله تعالى. إسناده جيد، وزكريا 51 (3/512)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 513 الأرسوفي صدوق إن شاء الله. وقد ذكرنا قصته وكيف تنقل في البلدان في طلب الهدى، إلى أن وقع في الأسر في المدينة، وكيف كاتب مولاه. قال أبو عبد الرحمن القاسم: إن سلمان زار الشام، فصلى الإمام الظهر، ثم خرج، وخرج الناس يتلقونه كما يتلقى الخليفة، فلقيناه وقد صلى بأصحابه العصر وهو يمشي، فوقفنا نسلم عليه، فلم يبق فينا شريف إلا عرض عليه أن ينزل به، فقال: جعلت على نفسي مرتي هذه أن أنزل على بشير بن سعد، وسأل عن أبي الدرداء، فقالوا: هو مرابط، قال: قال: أين مرابطكم قالوا: بيروت، فتوجه قبله. وقال أبو عثمان النهدي، عن سلمان، تداولني بضعة عشر من رب إلى رب. أخرجه البخاري. 51 (3/513)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 514 وقال يونس بن عبيد، عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلمان الفارسي سابق الفرس. وقال الواقدي: أول غزوة غزاها سلمان الخندق. وقال شريك: ثنا أبو ربيعة، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب من أصحابي أربعة، وأمرني أن أحبهم: علي، وأبو ذر، وسلمان، والمقداد بن الأسود. وعن أنس قال: الجنة تشتاق إلى ثلاثة: علي، وعمار، وسلمان. رفعه. 51 (3/514)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 515 وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الجنة لأشوق إلى سلمان من سلمان إليها. وقال علي: سلمان أدرك العلم الأول والعلم الآخر، بحر لا يدرك قعره، وهو منا أهل البيت. وقال العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية: وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم. قالوا: يا رسول الله من هؤلاء فضرب على فخض سلمان الفارسي، ثم قال: هذا وقومه، ولو كان الدين عند الثريا لتناوله رجال من الفرس. وقال الأعمش، عن أبي صالح قال: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قول سلمان لأبي) الدرداء: إن لأهلك عليك حقاً، فقال: ثكلت سلمان أمه لقد اتسع من العلم. 51 (3/515)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 516 وقال قتادة: ومن عنده علم الكتاب هو سلمان، وعبد الله بن سلام. وعن علي، وذكر سلمان فقال: ذاك مثل لقمان الحكيم بحر لا ينزف. وقال أبو إدريس الخولاني، عن يزيد بن خمير قال: قلنا لمعاذ: أوصنا، قال: التمسوا العلم عند أربعة: أبي الدرداء، وسلمان، وابن مسعود، وعبد الله بن سلام. ويروى أن سلمان قال مرة: لو حدثتهم بكل ما أعلم لقالوا رحم الله قاتل سلمان. وقال الحجاج بن فروخ الواسطي وقد وضعه النسائي ثنا ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: قدم سلمان من غيبة، فتلقاه عمر، فقال لسلمان: أرضاك الله عبداً، قال: فزوجني، فسكت عنه، فقال: أترضاني لله عبداً ولا ترضاني لنفسك، فلما أصبح أتاه قوم عمر 51 (3/516)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 517 ليضرب عن خطبة عمر، فقال: والله ما حملني على هذا إمرأته ولا سلطانه، ولكن قلت: رجل صالح عسى الله أن يخرج منه ومني نسمة صالحة، قال: فتزوج في كندة، فلما جاء ليدخل على أهله، إذا البيت منجد، وإذا فيه نسوة، فقال: أتحولت الكعبة إلى كندة أم حم، يعني: بيتكم أمرني خليلي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم إذا تزوج أحدنا أن لا يتخذ من المتاع إلا أثاثاً كأثاث المسافر، ولا يتخذ من النساء إلا ما ينكح، فقام النسوة وخرجن، وهتكن ما في البيت، ودخل بأهله فقال: أتطيعيني قالت: نعم، قال: إن خليلي صلى الله عليه وسلم أمرنا إذا دخل أحدنا على أهله أن يقوم فيصلي، ويأمها فتصلي خلفه، ويدعو فتؤمن، ففعل وفعلت، فلما أصبح جلس في كندة، فقال له رجل: يا أبا عبد الله كيف أصبحت، كيف رأيت أهلك فسكت، فأعاد القول، فسكت عنه. ثم قال: ما بال أحدكم يسأل الشيء قد وارته الأبواب والحيطان، إنما كفي أحدكم أن يسأل عن الشيء، أجيب أو سكت عنه. وقال عقبة بن أبي الصهباء: ثنا ابن سيرين، ثنا عبيدة، أن سلمان الفارسي مر بجسر المدائن غازياً، وهو أمير الجيش، وهو ردف رجل من كندة، على بغل موكوف، فقال أصحابه: أعطنا اللواء أيها الأمير نحمله، فيأبى ويقول: أنا أحق من حمله، حتى قضى غزاته ورجع، وهو ردف ذلك 51 (3/517)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 518 الرجل، حتى رجع إلى الكوفة. وعن رجل قال: رأيت سلمان على حمار عري، وكان رجلاً طويل الساقين، وعليه قميص سنبلابي، فقلت للصبيان: تنحوا عن الأمير، فقال: دعهم فإن الخير والشر فيما بعد اليوم.) وقال عطاء بن السائب، عن ميسرة، إن سلمان كان إذا سجدت له العجم طأطأ رأسه وقال: خشعت لله، خشعت لله. وقال جرير بن حازم: سمعت شيخاً من عبس يحدث عن أبيه قال: أتيت السوق، فاشتريت علفاً بدرهم، فرأيت رجلاً فسخرته، فحملت عليه العلف، فمر بقوم فقالوا: نحمل عنك يأبا عبد الله، فقلت: من هذا قالوا: هذا سلمان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: لم أعرفك، فضعه عافاك الله، فأبى حتى أتى منزلي به. وقال الحسن البصري: كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان أميراً على ثلاثين ألفاً، يخطب في عباءة، يفترش نصفها ويلبس نصفها، وكان إذا خرج عطاؤه أمضاه ويأكل من سفيف يده. وقال النعمان بن حميد: رأيت سلمان وهو يعمل الخوص، فسمعته 51 (3/518)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 519 يقول: أشتري خوصاً بدرهم فأبيعه بثلاثة دراهم، فأعيد درهماً فيه، وأنفق درهماً على عيالي، وأتصدق بدرهم، ولو أن عمر نهاني عنه ما انتهيت، رواها بعضهم فزاد فيها: فقلت له: فلم تعمل يعني: لم وليت، قال: إن عمر أكرهني، فكتب إليه فأبى علي مرتين. وكتبت إليه فأوعدني. وقال عبد العزيز بن رفيع، عن أبي ظبيان، عن جرير بن عبد الله قال: نزلت بالصفاح في يوم شديد الحر، فإذا رجل نائم مستظل بشجرة، معه شيء من الطعام في مزود تحت رأسه، وقد التف في عباءة. فأمرت أن يظلل عليه، ونزلنا، فانتبه، فإذا هو سلمان، فقلت: ما عرفناك، فقال: يا جرير تواضع في الدنيا، فإنه من تواضع في الدنيا يرفعه الله يوم القيامة، ومن يتعظم في الدنيا يضعه الله يوم القيامة. يا جرير لو حرصت على أن تجد عوداً يابساً في الجنة لم تجده، لأن أصول الشجر ذهب وفضة، وأعلاها الثمار، يا جرير تدري ما ظلمة النار قلت: لا، قال: ظلم الناس بعضهم بعضاً. وقال عبد الله بن بريدة: كان سلمان يعمل بيديه، فإذا أصاب شيئاً اشترى به لحماً أو سمكاً، ثم يدعو المجذومين فيأكلون معه. وفي الموطأ عن يحيى بن سعيد، أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان: 52 (3/519)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 520 أن هلم إلى الأرض المقدسة، فكتب إليه: إن الأرض لا تقدس أحداً، وإنما يقدس الإنسان عمله، وقد بلغني أنك جعلت طيباً، فإن كنت تبرئ فنعماً لك، وإن كنت متطبباً فاحذر أن تقتل إنساناً فتدخل النار، فكان أبو الدرداء إذا قضى بين اثنين ثم أدبرا عنه نظر إليهما وقال: متطبب والله، ارجعا إلي) أعيد علي قصتكما. وقال سليمان بن قرم، عن الأعمش، عن أبي وائل قال: ذهبت أنا وصاحب لي إلى سلمان فقال: لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن التكلف لتكلفت لكم، ثم جاءنا بخبز وملح، فقال صاحبي: لو كان في ملحنا صعتر، فبعث سلمان بمطهرته فرهنها، وجاء بصعتر، فلما أكلنا قال صاحبي: الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا، فقال سلمان: لو قنعت لم تكن مظهرتي مرهونة. حبيب بن الشهيد، عن ابن بريدة قال: كان سلمان يصنع الطعام للمجذومين، ثم يجلس فيأكل معهم. وقال أبو عثمان النهدي: كان سلمان لا يفقه كلامه من شدة عجمته، وكان يسمى الخشب خشبان. 52 (3/520)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 521 وعن ثابت قال: بلغني أن سلمان لم يخلف إلا بضعة وعشرين درهماً. قال أبو عبيدة وابن زنجويه: قبل الجمل. وقال الواقدي: توفي في خلافة عثمان. ذكر ما يدل على أنه توفي في خلافة عثمان كما قال الوقدي: فروى جعفر بن سلمان، عن ثابت، عن أنس قال: دخل سعد، وابن مسعود على سلمان عند الموت، فبكى، فقيل: ما يبكيك قال: عهد عهده إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم نحفظه: قال: ليكن بلاغ أحدكم كزاد الراكب. وقال خليفة: توفي سنة سبع وثلاثين. وقيل عاش مائتين وخمسين سنة، وأكثر ما قيل: إنه عاش ثلاثمائة وخمسين سنة، والأول أصح. 52 (3/521)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 522 طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة التيمي، أبو 52 (3/522)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 523 محمد، أحد السابقين الأولين، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة. روى عنه بنوه يحيى، وموسى، وعيسى، وقيس بن أبي حازم، والأحنف بن قيس، والسائب بن يزيد، وأبو عثمان النهدي، وأبو سلمة بن عبد الرحمن. وغاب عن بدر في تجارة بالشام، فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره،) وخرج مع عمر إلى الجابية، وكان على المهاجرين. وكان رجلاً آدم، كثير الشعر، ليس بالجعد، ولا بالسبط، حسن الوجه، إذا مشى أسرع، ولا يغير شيبه. 52 (3/523)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 524 روى الترمذي بإسناد حسن، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد: أوجب طلحة. وقال الصلت بن دينار، عن أبي نضرة، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أراد أن ينظر إلى شهيد يمشي على رجليه فلينظر إلى طلحة. وقال عبد العزيز بن عمران: حدثني إسحاق بن حيى، حدثني موسى ابن طلحة قال: كان طلحة أبيض يضرب إلى حمرة، مربوعاً، إلى القصر أقرب، رحب الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم القدمين إذا التفت ألتفت جميعاً. وعن عائشة، وأم إسحاق ابنتي طلحة قالتا: جرح أبونا يوم أحد 52 (3/524)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 525 أربعاً وعشرين جراحة، وقع منها رأسه شجة، وقطع نساه وشلت أصابعه. وعن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طلحة ممن قضى نحبه رواه الطيالسي في مسنده. وفي مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، فتحركت الصخرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أثبت حراء، فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد. وعن علي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: طلحة والزبير جاراي في الجنة. رواه الترمذي. وعن سلمة بن الأكوع قال: ابتاع طلحة بئراً بناحية الجبل، ونحر جزوراً فأطعم الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت طلحة الفياض. 52 (3/525)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 526 وقال مجالد، عن الشعبي، عن قبيصة بن جابر: صحبت طلحة، فما رأيت أعطى لجزيل مال من غير مسألة منه. وقال أبو إسماعيل الترمذي: ثنا سليمان بن أيوب بن سليمان بن عيسى بن موسى بن طلحة التيمي، حدثني أبي، عن جدي، عن موسى بن طلحة، أن أباه أتاه مال من حضرموت سبعمائة ألف، فبات ليلته يتململ، فقالت له زوجته: مالك فقال: تفكرت فقلت: ما ظن رجل بربه يبيت) وهذا المال في بيته، قالت: فأين أنت عن بعض اخلائك، فإذا أصبحت فاقسمها، فقال: إنك موفقة وهي أم كلثوم بنت الصديق فقسمها بين المهاجرين والأنصار، فبعث إلى علي منها، وأعطى زوجته ما فضل، فكان نحو ألف درهم. أخبرنا عبد الرحمن بن أبي عمرو وجماعة كتابة، أن عمر بن طبرزد أخبرهم: نا هبة الله بن الحصين، أنا ابن غيلان، ثنا أبو بكر الشافعي، ثنا الحسن بن دينار، عن علي بن زيد قال: جاء أعرابي إلى طلحة، فسأله وتقرب إليه برحم، فقال: إن هذه لرحم ما سألني بها أحد قبلك، إن لي أرضاً قد أعطاني بها عثمان ثلاثمائة ألف، فإن شئت الأرض، وإن شئت ثمنها، قال: لا بل الثمن، فأعطاه. وروى أنه فدى عشرة من أسارى بماله. 52 (3/526)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 527 ولطلحة حكايات سوى هذه في السخاء. وعن محمد بن إبراهيم التيمي قال: كان ييغل طلحة بالعراق أربعمائة ألف، ويغل بالسراة عشرة آلاف دينار، وكان يكفي ضعفاء بني تيم، ويقضي ديونهم، ويرسل إلى عائشة كل سنة بعشرة آلاف. وقال الواقدي: حدثني إسحاق بن يحيى، عن موسى بن طلحة، أن معاوية سأله: كم ترك أبو محمد من العين قال: ترك ألف ألف ومائتي درهم، ومائتي ألف دينار، فقال: عاش سخياً حميداً، وقتل فقيداً. قد ذكرنا أن مروان كان في جيش طلحة والزبير يوم الجمل وأنه رمى بسهم على طلحة فقتله، فقال مجالد، عن الشعبي قال: رأى علي طلحة في بعض الأودية ملقى، فنزل فمسح التراب عن وجهه، ثم قال: عزيز علي أبا محمد أن أراك مجدلاً في الأودية، ثم قال: إلى الله أشكو عجزي وبجري. قال الأصمعي: معناه: سرائري وأحزاني التي تموج في جوفي. وقال ليث، عن طلحة بن مصرف، إن علياً انتهى إلى طلحة وقد مات، فنزل وأجلسه، ومسح الغبار، عن وجهه ولحيته، وهو يترحم عليه 52 (3/527)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 528 ويقول: ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة. قال أبو أسامة: ثنا إسماعيل بن أبي خالد، ثنا قيس قال: رمى مروان يوم الجمل طلحة بسهم في ركبته، فجعل الدم يسيل، فإذا أمسكوه استمسك، وإذا تركوه سال، فقال دعوه، فإنما هو سهم أرسله الله، قال: فمات، فدفناه على شاطئ الكلأ، فرأى بعض أهله أنه أتاه في المنام فقال:) ألا تريحوني من هذا الماء، فإني قد غرقت ثلاث مرات يقولها قال: فنبشوه، فإذا هو أخضر كأنه السلق، فنزعوا عنه الماء فاستخرجوه، فإذا ما يلي الأرض من لحيته ووجهه قد أكلته الأرض. فاشتروا له داراً من دور آل أبي بكرة، بعشرة آلاف فدفنوه فيها. الكلأ بالمد والتشديد: مرسى المراكب، ويسمى الميناء. وقال أبو معاوية وغيره: حدثنا أبو مالك الأشجعي، عن أبي حبيبة مولى طلحة قال: دخلت على علي مع عمران بن طلحة بعد الجمل، فرحب به وأدناه منه ثم قال: إني لأرجو الله أن يجعلني وأباك ممن قال فيهم: ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً الآية. فقال رجلان عنده: الله أعدل من ذلك، فقال: قوما أبعد أرض وأسحقها، فمن هو إذغ لم أكن أنا وطلحة، يا بن أخي إذا كانت لك حاجة فأتنا. وعن أم يحيى قالت: قتل طلحة وفي يد خازنه ألفا ألف درهم، ومائتا 52 (3/528)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 529 ألف درهم، وقومت أصوله وعقاره بثلاثين ألف ألف درهم. وقد مضى من أخباره في وقعة الجمل، حشرنا الله معه. عبد الله بن سعد بن أبي سرح القرشي العامري، أبو يحيى، أخو عثمان من الرضاعة. له صحبة. ولاه عثمان مصر، ولما مات عثمان اعتزل الفتنة. وجاء من مصر إلى الرملة، فتوفي بها. وكان صاحب ميمنة عمرو بن العاص في حروبه. 53 (3/529)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 530 وكان بطلاً شجاعاً مذكوراً. غزا بالجيش غير مرة المغرب. وكان أمير غزوة ذات الصواري من أرض الروم، غزاها في البحر. وكان قد أسلم وكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم ارتد ولحق بالمشركين. فلما كان يوم الفتح أهدر دمه، فأجاره عثمان. ثم حسن إسلامه وبلاؤه. وقال الليث بن سعد: إنه كان محمود السيرة، وإنه غزا إفريقية، وقتل جرير صاحبها، وغزا ذات الصواري، فالتقى الروم وكانوا في ألف مركب، فتلهم مقتلة عظيمة لم يقتلوا مثلها. ولما احتضر قال: اللهم اجعل آخر عملي صلاة الصبح، فلما طلع الفجر توضأ وصلى، فلما ذهب يسلم عن يساره فاضت نفسه. وقيل: شهد صفين مع معاوية.) وقال أبو سعيد بن يونس المصري: توفي بعسقلان. عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد بن أبي العيص الأموي. ولد 53 (3/530)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 531 قديماً. وأمه جويرية بنت أبي جهل بن هاشم التي كان قد خطبها علي، ثم تزوجها عتاب بن أسيد أمير مكة. كان عبد الرحمن يوم الجمل مع عائشة، فكان يصلي بهم، وقتل يومئذ. وقيل لما رآه علي قتيلاً قال: هذا يعسوب القوم. وقيل إن يده قطعت فحملها الطير حتى ألقتها بالمدينة، فعرفوا أنها يده بخاتمه، فصلوا عليه. عبد الرحمن بن عديس أبو محمد البلوي. له صحبة. وبايع تحت الشجرة. وله رواية. سكن مصر. وكان ممن خرج على عثمان وسار إلى قتاله. نسأل الله العافية. ثم ظفر به معاوية فسجنه بفلسطين في جماعة، ثم هرب من السجن، فأدركوه بجبل لبنان فقتل. ولما أدركوه قال لمن قتله: ويحك اتق الله في دمي، فإني من أصحاب الشجرة، فقال: الشجر بالجبل كثير، وقتله. قال ابن يونس: كان رئيس الخيل التي سارت من مصر إلى عثمان. 53 (3/531)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 532 وعن محمد بن يحيى الذهلي قال: لا يحل أن يحدث عنه بشيء، هو رأس الفتنة. عمرو بن أبي عمرو الحارث بم شداد. وقيل: الحارث بن زهير ابن شداد القرشي الفهري. أحد من شهد بدراً في قول الواقدي وابن عقبة. قدامة بن مظعون أبو عمر الجمحي، توفي فيها عن ثمان وستين سنة. شهد بدراً، واستعمله عمر على البحرين. وهو خال عبد الله وحفصة ابني عمر، وزوج عمتها صفية بنت الخطاب. وله هجرة إلى الحبشة. ثم إن عمر عزله عن البحرين لما شرب الخمر، وتأول: ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا وحده عمر. 53 (3/532)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 533 كعب بن سور الأزدي قاضي البصرة لعمر بن الخطاب. أتاه وهو يذكر الناس يوم الجمل سهم فقتله. كنانة بن بشر التجيبي أحد رؤوس المصريين الذين ساروا إلى 53 (3/533)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 534 حصار عثمان، ثم إنه هرب وقتل في هذه المدة. مجاشع بن مسعود خ م د ق بن ثعلبة السلمي. له صحبة.) روى عنه أبو عثمان النهدي وكليب بن وائل، وغيرهما. قتل في هذه السنة كما ذكرنا. مجالد بن مسعود خ م أخو مجاشع المذكور. له رواية عن أخيه. روى عنه أبو عثمان النهدي. وقتل مع أخيه. محمد بن طلحة بن عبيد الله التيمي ولد في حياة رسول الله 53 (3/534)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 535 صلى الله عليه وسلم، فسماه محمداً، وكناه أبا سليمان. وكان يلقب السجاد لكثرة صلاته وعبادته. لم يزل به أبوه حتى وافقه وخرج معه على علي. وأمه حمنة بنت جحش. قتل يوم الجمل. مسلم الجهني أمره علي يوم الجمل بحمل مصحف، فطاف به على القوم يدعوهم إلى الطاعة، فقتل. هند بن أبي هالة التميمي ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخو أولاده من أمهم خديجة. إختلف في اسم أبيه فقيل: نباش بن زرارة، وقيل مالك بن زرارة، وقيل مالك بن النباش 53 (3/535)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 536 ابن زرارة. والأول أكثر. شهد هند أحداً ويقال: وبدراً. وكان وصافاً لحلية رسول الله صلى الله عليه وسلم ولشمائله. روى عنه ابن أخته الحسن بن علي. وقتل يوم الجمل مع علي. وقتل ابنه هند بن هند مع مصعب بن الزبير. يقال انفرجت وقعة الجمل عن ثلاثة عشر ألف قتيل. وعن قتادة قال: قتل يوم الجمل عشرون ألفاً. وممن قتل يومئذ: عبد الرحمن بن عبد الله بن عامر بن كريز، وعبد الله بن مسافع بن طلحة العبدري، وعبد الله بن حكيم بن حزام الأسدي، ومعبد بن مقداد بن الأسود الكندي. والله أعلم. 53 (3/536)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 537 (أحداث سنة سبع وثلاثين)

2 (وقعة صفين) قال محمد بن سعد: أنبأ محمد بن عمر قال: لما قتل عثمان، كتبت نائلة زوجته إلى الشام إلى معاوية كتاباً تصف فيه كيف دخل على عثمان وقتل، وبعثت إليه بقميصه بالدماء، فقرأ معاوية الكتاب على أهل الشام، وطيف بالقميص في أجناد الشام، وحرضهم على الطلب بدمه، فبايعوا معاوية على الطلب بدمه. ولما بويع علي بالخلافة قال له ابن الحسن وابن عباس: اكتب إلى معاوية فأقره على الشام، وأطمعه فإنه سيطمع ويكفيك نفسه وناحيته، فإذا بايع لك الناس أقررته أو عزلته، قال: فإنه لا يرضى حتى أعطيه عهد الله تعالى وميثاقه أن لا أعزله، قالا: لا تعطه ذلك. وبلغ ذلك معاوية فقال: والله لا ألي له شيئاً ولا أبايعه، وأظهر بالشام أن الزبير بن العوام قادم عليهم، وأنه مبايع له، فلما بلغه أمر الجمل أمسك، فلما بلغه قتل الزبير ترحم عليه وقال: لو قدم علينا لبايعناه وكان أهلاً. 53 (3/537)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 538 فلما انصرف علي من البصرة، أرسل جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية، فكلم معاوية، وعظم أمر علي ومبايعته واجتماع الناس عليه، فأبى أن يبايعه، وجرى بينه وبين جرير كلام كثير، فانصرف جرير إلى علي فأخبره، فأجمع على المسير إلى الشام، وبعث معاوية أبا مسلم الخولاني إلى علي بأشياء يطلبها منه، منها أن يدفع إليه قتلة عثمان، فأبى علي، وجرت بينهما رسائل. ثم سار كل منهما يريد الآخر، فالتقوا بصفين لسبع بقين من المحرم، وشبت الحرب بينهم في أول صفر، فاقتتلوا أياماً. فحدثني ابن أبي سبرة، عن عبد المجيد بن سهيل، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس قال: استعملني عثمان على الحج، فأقمت للناس الحج، ثم قدمت وقد قتل وبويع لعلي، فقال: سر إلى الشام فقد وليتكها، قلت: ما هذا برأي، معاوية ابن عم عثمان وعامله على الشام، ولست آمن أن يضرب عنقي بعثمان، وأدنى ما هو صانع أن يحبسني، قال علي: ولم قلت: لقرابتي منك، وأن كل من حمل عليك حمل علي، ولكن اكتب إلى معاوية فمنه وعده. فأبى علي وقال: والله لا كان هذا أبداً.) روى أبو عبيدة القاسم بن سلام، عمن حدثه، عن أبي سنان العجلي قال: قال ابن عباس لعلي: ابعثني إلى معاوية، فوالله لأفتلن له حبلاً لا ينقطع وسطه، قال: لست من مكرك ومكره في شيء، ولا أعطيه إلا السيف، حتى يغلب الحق الباطل، فقال ابن عباس: أو غير هذا قال: كيف قال: لأنه يطاع ولا يعصى، وأنت عن قليل تعصى ولا تطاع، قال: فلما جعل أهل العراق يختلفون على علي رضي الله عنه قال: لله در 53 (3/538)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 539 ابن عباس، إنه لينظر إلى الغيب من ستر رقيق. وقال مجالد، عن الشعبي قال: لما قتل عثمان، أرسلت أم المؤمنين أم حبيبة بنت أبي سفيان إلى أهل عثمان: أرسلوا إلي بثياب عثمان التي قتل فيها، فبعثوا إليها بقميصه مضرجاً بالدم، وبخصلة الشعر التي نتفت من لحيته، ثم دعت النعمان بن بشير، فبعثته إلى معاوية، فمضى بذلك وبكتابها، فصعد معاوية المنبر، وجمع الناس، ونشر القميص عليهم، وذكر ما صنع بعثمان، ودعا إلى الطلب بدمه. فقام أهل الشام فقالوا: هو ابن عمك وأنت وليه، ونحن الطالبون معك بدمه، وبايعوا له. وقال يونس، عن الزهري قال: لما بلغ معاوية قتل طلحة والزبير، وظهور علي، دعا أهل الشام للقتال معه على الشورى والطلب بدم عثمان، فبايعوه على ذلك أميراً غير خليفة. وذكر يحيى الجعفي في كتاب صفين بإسناده أن معاوية قال لجرير ابن عبد الله: اكتب إلى علي أن يجعل لي الشام، وأنا أبايع له، قال: وبعث الوليد بن عبد الله: اكتب إلى علي أن يجعل لي الشام، وأنا أبايع له، قال: وبعث الوليد بن عقبة إليه يقول: (معاوي إن الشام شامك فاعتصم .......... بشامك لا تدخل عليك الأفاعيا)

(وحام عليها بالقبائل والقنا .......... ولا تك محشوش الذراعين وانيا)

(فإن علياً ناظر ما تجيبه .......... فاهد له حرباً تشيب النواصيا) 54 (3/539)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 540 وحدثني يعلى بن عبيد: ثنا أبي قال: قال أبو مسلم الخولاني وجماعة لمعاوية: أنت تنازع علياً هل أنت مثله فقال: لا والله إني لأعلم أن علياً أفضل مني وأحق بالأمر، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوماً، وأنا ابن عمه، وإنما أطلب بدمه، فأتوا علياً فقولوا له: فليدفع إلي قتلة عثمان وأسلم له، فأتوا علياً فكلموه بذلك، فلم يدفعهم إليه. وحدثني خلاد بن يزيد الجعفي، ثنا عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، عن الشعبي أو أبي) جعفر الباقر شك خلاد قال: لما ظهر أمر معاوية دعا علي رضي الله عنه رجلاً، وأمره أن يسير إلى دمشق، فيعتقل راحلته على باب المسجد، ويدخل بهيئة السفر، ففعل الرجل، وكان قد وصاه بما يقول، فسألوه: من أين جئت قال: من العراق: قالوا: ما وراءك قال: تركت علياً قد حشد إليكم ونهد في أهل العراق. فبلغ معاوية، فأرسل أبا الأعور السلمي يحقق أمره، فأتاه فسأله، فأخبره بالأمر الذي شاع، فنودي: الصلاة جامعة، وامتلأ الناس في المسجد، فصعد معاوية المنبر وتشهد ثم قال: إن علياً قد نهد إليكم في أهل العراق، فما الرأي فضرب الناس بأذقانهم على صدورهم، ولم يرفع إليه أحد طرفة، فقام ذو الكلاع الحميري فقال: عليك الرأي وعلينا أم فعال يعني الفعال فنزل معاوية ونودي في الناس: اخرجوا إلى معسكركم، ومن تخلف بعد ثلاث أحل بنفسه. فخرج رسول علي حتى وافاه، فأخبره بذلك، فأمر علي فنودي: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم 54 (3/540)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 541 قال: أن رسولي الذي أرسلته إلى الشام قد قدم علي، وأخبرني أن معاوية قد نهد إليكم في أهل الشام فما الرأي قال: فأضب أهل المجسد يقولون: يا أمير المؤمنين الرأي كذا الرأي كذا، فلم يفهم على كلامهم من كثرة من تكلم، وكثر اللغط، فنزل وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، وذهب بها ابن آكلة الأكباد، يعني معاوية. وقال الأعمش: حدثني من رأى علياً يوم صفين يصفق بيديه ويعض عليهما ويقول: واعجبا أعصى ويطاع معاوية. وقال الواقدي اقتتلوا أياماً حتى قتل خلق وضجروا، فرفع أهل الشام المصاحف وقالوا: ندعوكم إلى كتاب الله والحكم بما فيه، وكان ذلك مكيدة من عمرو بن العاص، يعني لما رأى ظهور جيش علي. فاصطلحوا كما يأتي. وقال الزهري: اقتتلوا قتالاً لم تقتتل هذه الأمة مثله قط، وغلب أهل العراق على قتلى أهل حمص، وغلب أهل الشام على قتلى أهل العالية، وكان على ميمنة علي الأشعث بن قيس الكندي، وعلى المسيرة عبد الله بن عباس، وعلى الرجالة عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي، فقتل يومئذ. ومن أمراء علي يومئذ الأحنف بن قيس التيمي، وعمار بن ياسر العنبسي وسليمان بن صرد الخزاعي وعدي بن حاتم الطائي والأشتر النخعي وعمرو بن الحمق الخزاعي، وشبث بن ربعي الرياحي، وسعيد بن قيس 54 (3/541)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 542 الهمداني، وكان رئيس همدان) المهاجر بن خالد بن الوليد المخزومي، وقيس بن مكشوح المرادي، وخزيمة بن ثابت الأنصاري، وغيرهم. وكان علي في خمسين ألفاً، وقيل: في تسعين ألفاً، وقيل: كانوا مائة ألف. وكان معاوية في سبعين ألفاً، وكان لواؤه مع عبد الرحمن بن خالد بن خالد بن الوليد المخزومي وعلى ميمنته عمرو بن العاص وقيل ابنه الأشتر عبيد الله بن عمرو، وعلى الميسرة حبيب ببن مسلمة الفهري، وعلى الخيل عبيد الله بن عمر بن الخطاب، ومن أمرائه يومئذ أبو الأعور السلمي، وزفر بن الحارث، وذو الكلاع الحميري، ومسلمة بن مخلد، وبسر بن أرطاة العامري، وحابس بن سعد الطائي، ويزيد بن هبيرة السكوني، وغيرهم. قال عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة قال: رأيت عمار بن ياسر بصفين، ورأى راية معاوية فقال: إن هذه قاتلت بها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مرات. ثم قاتل حتى قتل. وقال غيره: برز الأشعث بن قيس في ألفين، فبرز لهم أبو الأعور في خمسة آلاف، فاقتتلوا: ثم غلب الأشعث على الماء وأزالهم عنه. 54 (3/542)


الجزء الرابع

تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة (اضغط هنا للانتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على الإنترنت)


الكتاب: تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام. تأليف: شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. دار النشر: دار الكتاب العربي. مكان النشر: لبنان/ بيروت. سنة النشر: 1407هـ - 1987م. الطبعة: الأولى. تحقيق: د. عمر عبد السلام تدمري. ملاحظات حول الكتاب: الكتاب موافق للمطبوع كاملاً. غير مفهرس.غير مقابل على نسخة ورقية. بل هو نفس الموجود في مكتبة التراث. قام بنسخه وإدخاله إلى الشاملة أخوكم: أبو عبد الله السني. راجياً منكم دعاءً بظهر الغيب. تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 543 ثم التقوا يوم الأربعاء سابع صفر، ثم يوم الخميس والجمعة وليلة السبت، ثم رفع أهل الشام لما رأوا الكسرة المصاحف بإشارة عمرو، ودعوا إلى الصلح والتحكيم، فأجاب علي إلى تحكيم الحكمين، فاختلف عليه حينئذ جيشه وقالت طائفة: لا حكم إلا لله. وخرجوا عليه فهم الخوارج. وقال ثوير بن أبي فاختة، عن أبيه قال: قتل مع علي بصفين خمسة وعشرون بدرياً. ثوير متروك. قال الشعبي: كان عبد الله بن بديل يوم صفين عليه درعان ومعه سيفان، فكان يضرب أهل الشام ويقول: (لم يبق إلا الصبر والتوكل .......... ثم التمشي في الرعيل الأول)

(مشى الجمال في حياض المنهل .......... والله يقضي ما يشا ويفعل) فلم يزل يضرب بسيفه حتى انتهى إلى معاوية فأزاله عن موقفه، وأقبل أصحاب معاوية يرمونه بالحجارة حتى أثخنوه وقتل، فأقبل إليه معاوية، وألقى عبد الله بن عامر عليه، عمامته غطاه بها وترحم عليه، فقال معاوية لعبد الله: قد وهبناه لك، هذا كبش القوم ورب الكعبة، اللهم) أظفر 54 (3/543)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 544 بالأشتر والأشعث، والله ما مثل هذا إلا كما قال الشاعر: (أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها .......... وإن شمرت يوماً به الحرب شمرا)

(كليث هزبر كان يحمي ذماره .......... رمته المنايا قصدها فتقصرا) ثم قال: لو قدرت نساء خزاعة أن تقاتلني فضلاً عن رجالها لفعلت. وفي الطبقات لابن سعد، من حديث عمرو بن شراحيل، عن حنش بن عبد الله الصنعاني عن عبد الله بن زرير الغافقي قال: لقد رأيتنا يوم صفين، فاقتتلنا نحن وأهل الشام، حتى ظننت أنه لا يبقى أحد، فأسمع صائحاً يصيح: معشر الناس، الله الله في النساء والولدان من الروم ومن الترك، الله الله. والتقنا، فأسمع حركة من خلفي، فإذا علي يعدو بالراية حتى أقامها، ولحقه ابنه محمد بن الحنفية، فسمعته يقول: يا بني الزم رايتك، فإني متقدم في القوم، فأنظر إليه يضرب بالسيف حتى يفرج له، ثم يرجع فيهم. 54 (3/544)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 545 وقال خليفة: شهد مع علي من البدريين: عمار بن ياسر، وسهل بن حنيف، وخوات بن جبير، وأبو سعد الساعدي، وأبو اليسر، ورفاعة بن رافع الأنصاري، وأبو أيوب الأنصاري بخلف فيه، قال: وشهد معه من الصحابة ممن لم يشهد بدراً: خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وقيس بن سعد بن عبادة، وأبو قتادة، وسهل بن سعد الساعدي، وقرظة بن كعب، وجابر بن عبد الله، وابن عباس، والحسن، والحسين، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وأبو مسعود عقبة بن عمرو، وأبو عياش الزرقي، وعدي بن حاتم، والأشعث بن قيس، وسليمان بن صرد، وجندب بن عبد الله، وجارية بن قدامة السعدي. وعن ابن سيرين قال: قتل يوم صفين سبعون ألفاً يعدون بالقصب. وقال خليفة وغيره: افترقوا عن ستين ألف قتيل، وقيل، عن سبعين ألفاً، منهم خمسة وأربعون ألفاً من أهل الشام. وقال عبد السلام بن حرب، عن يزيد بن عبد الرحمن عن جعفر أظنه ابن أبي المغيرة عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه قال: شهدنا مع علي ثمانمائة ممن بايع بيعة الرضوان، قتل منهم ثلاثة وستون رجلاً، منهم عمار. وقال أبو عبيدة وغيره: كانت راية علي مع هاشم بن عتبة بن أبي 54 (3/545)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 546 وقاص، وكان على الخيل عمار بن ياسر.) وقال غيره: حيل بين علي وبين الفرات، لأم معاوية سبق إلى الماء، فأزالهم الأشعث عن الماء. قلت: ثم افترقوا وتواعدوا ليوم الحكمين. وقتل مع علي: خزيمة بن ثابت، وعمار بن ياسر، وهاشم بن عتبة، وعبد الله بن بديل، وعبد الله بن كعب المرادي، وعبد الرحمن بن كلدة الجمحي، وقيس بن مكشوح المرادي، وأبي بن قيس النخعي أخو علقمة، وسعد بن الحارث بن الصمة الأنصاري، وجندب بن زهير الغامدي، وأبو ليلى الأنصاري. وقتل مع معاوية: ذو الكلاع، وحوشب ذو ظليم، وحابس بن سعد الطائي قاضي حمص، وعمرو بن الحضرمي، وعبيد الله بن عمر بن الخطاب العدوي، وعروة بن داود، وكريب بن الصباح الحميري أحد الأبطال، قتل يومئذ جماعة، ثم بارزه علي فقتله. قال نصر بن مزاحم الكوفي الرافضي: ثنا عمر بن سعد، عن الحارث بن حصيرة، إن ولد ذي الكلاع أرسل إلى الأشعث بن قيس 54 (3/546)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 547 يقول: إن ذا الكلاع قد أصيب، وهو في الميسرة، أفتأذن لنا في دفنه فقال الأشعث لرسوله أقرئه السلام، وقل إني أخاف أن يتهمني أمير المؤمنين، فاطلبوا ذلك إلى سعيد بن قيس الهمداني فإنه في الميمنة، فذهب إلى معاوية فأخبره فقال: ما عسيت أن أصنع، وقد كانوا منعوا أهل الشام أن يدخلوا عسكر علي، خافوا أن يفسدوا أهل العسكر، فقال معاوية لأصحابه: لأنا أشد فرحاً بقتل ذي الكلاع مني بفتح مصر لو افتتحتها، لأن ذا الكلاع كان يعرض لمعاوية في أشياء كان يأمر بها، فخرج ابن ذي الكلاع إلى سعيد ابن قيس، فاستأذنه في أبيه فأذن له، فحملوه على بغل وقد انتفخ. وشهد صفين مع معاوية من الصحابة: عمرو بن العاص السهمي، وابنه عبد الله، وفضالة بن عبيد الأنصاري، ومسلمة بن مخلد، والنعمان بن بشير، ومعاوية بن حديج الكندي، وأبو غادية الجهني قاتل عمار، وحبيب ابن مسلمة الفهري، وأبو الأعور السلمي، وبسر بن أرطأة العامري. 2 (تحكيم الحكمين) عن عكرمة قال: حكم معاوية عمرو بن العاص، فقال الأحنف بن قيس لعلي: حكم أنت وابن عباس، فإنه رجل مجرب، قال: أفعل، فأبت اليمانية وقالوا: لا، حتى يكون منا رجل، فجاء ابن عباس إلى علي لما رآه قد هم أن يحكم أبا موسى الأشعري، فقال له: علام تحكم أبا موسى، فوالله لقد عرفت رأيه فينا، فوالله ما نصرنا، وهو يرجو ما نحن فيه، فتدخله 54 (3/547)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 548 الآن في معاقد أمرنا، مع أنه ليس بصاحب ذاك فإذا أبيت أن تجعلني مع عمرو فاجعل الاحنف بن قيس فإنه مجرب من العرب، وهو، قرن لعمرو، فقال علي أفعل، فأبت اليمانية أيضاً. فلما غلب جعل أبا موسى، فسمعت ابن عباس يقول: قلت لعلي يوم الحكمين: لا تحكم أبا موسى، فإنه معه رجلاً حذر فرس فاره، فلزني إلى جنبه، فإنه لا يحل عقدة إلا عقدتها ولا يعقد عقدة إلا حللتها. قال: يا بن عباس ما أصنع: إنما أوتى من أصحابي، قد ضعفت بينهم وكلوا في الحرب، هذا الأشعث بن قيس يقول: لا يكون فيها مضريان أبداً حتى يكون أحدهما يمان، قال: فعذرته وعرفت أنه مضطهد، وأن أصحابه لا نية لهم. وقال أبو صالح السمان: قال علي لأبي موسى: أحكم ولو على حز عنقي. وقال غيره: حكم معاوية عمراً، وحكم علي أبا موسى، على أن من ولياه الخلافة فهو الخليفة، ومن اتفقنا على خلعه خلع. وتواعدا أن يأتيا في رمضان، وأن يأتي مع كل واحد جمع من وجوه العرب. فلما كان الموعد سار هذا من الشام، وسار هذا من العراق، إلى أن التقى الطائفتان بدومة الجندل وهي طرف من الشام من جهة زاوية الجنوب والشرق. فعن عمر بن الحكم قال: قال ابن عباس لأبي موسى الأشعري: احذر عمراً، فإنما يريد أن يقدمك ويقول: أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسن مني فتكلم حتى أتكلم، وإنما يريد أن يقدمك في الكلام لتخلع علياً. قال: فاجتمعا على إمرة، فأدار عمرو أبا موسى، وذكر له معاوية فأبى، وقال أبو 54 (3/548)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 549 موسى: بل عبد الله بن عمر، فقال عمرو: أخبرني عن رأيك فقال أبو موسى: أرى أن نخلع هذين الرجلين، ونجعل هذا الأمر شورى بين المسلمين، فيختاروا لأنفسهم من أحبوا. قال عمرو: الرأي ما رأيت، قال: فأقبلا على الناس وهم مجتمعون بدومة الجندل، فقال عمرو:) يا أبا موسى أعلمهم أن رأينا قد اجتمع، فقال: نعم، إن رأينا قد اجتمع على أمر نرجو أن يصلح الله به أمر الأمة، فقال عمرو: صدق وبر، ونعم الناظر للإسلام وأهله. فتكلم يا أبا موسى. فأتاه ابن عباس، فخلا به، فقال: أنت في خدعة، ألم أقل لك لا تبدأه وتعقبه، فإني أخشى أن يكون أعطاك أمراً خالياً، ثم ينزع عنه على ملأ من الناس، فقال: لا تخشى ذلك فقد اجتمعنا واصطلحنا. ثم قام أبو موسى فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، قد نظرنا في أمر هذه الأمة، فلم نر شيئاً هو أصلح لأمرنا ولا ألم لشعثها من ان لا نغير أمرها ولا بعضه، حتى يكون ذلك عن رضاً منها وتشاور، وقد اجتمعت أنا وصاحبي على أمر واحد: على خلع علي ومعاوية، وتستقبل الأمة هذا الأمر فيكون شورى بينهم يولون من أحبوا، وإني قد خلعت علياً ومعاوية، فولوا أمركم من رأيتم. ثم تأخر. وأقبل عمرو فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن هذا قد قال ما سمعتم، وخلع صاحبه، وإني خلعت صاحبه وأثبت صاحبي معاوية، فإنه ولي عثمان، والطالب بدمه، وأحق الناس بمقامه، فقال سعد بن أبي وقاص: ويحك يا أبا موسى ما أضعفك عن عمرو ومكايده، فقال: ما أصنع به، جامعني على أمر، ثم نزع عنه، فقال ابن عباس: لا ذنب لك، الذنب للذي قدمك، فقال: رحمك الله غدر بي، فما أصنع: وقال أبو موسى: يا عمرو إنما مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه 55 (3/549)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 550 يلهث، فقال عمرو: إنما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفاراً. فقال ابن عمر: إلى ما صير أمر هذه الأمة إلى رجل لا يبالي ما صنع، وآخر ضعيف. قال المسعودي في المروج: كان لقاء الحكمين بدومة الجندل في رمضان، سنة ثمان وثلاثين، فقال عمرو لأبي موسى: تكلم، فقال: بل تكلم أنت، فقال: ما كنت لأفعل، ولك حقوق كلها واجبة. فحمد الله أبو موسى وأثنى عليه، ثم قال: هلم يا عمرو إلى أمر يجمع الله به الأمة، ودعا عمرو بصحيفة، وقال للكاتب: اكتب وهو غلام لعمرو، وقال: إن للكلام أولاً وآخراً، ومتى تنازعنا الكلام لو نبلغ آخره حتى ينسى أوله، فاكتب ما نقول، قال: لا تكتب شيئاً يأمرك به أحدنا حتى تستأمر الآخر، فإذا أمرك فاكتب، فكتب: هذا ما تقاضى عليه فلان وفلان. إلى أن قال عمرو وإن عثمان كان مؤمناً فقال أبو موسى: ليس لهذا قعدنا قال عمرو: لا بد أن يكون مؤمناً أو كافراً. قال: بل كان مؤمناً. قال: فمره أن يكتب، فكتب. قال عمرو:) فظالماً قتل أو مظلوماً قال أبو موسى: بل قتل مظلوماً، قال عمرو: أفليس قد جعل الله لوليه سلطاناً يطلب بدمه قال أبو موسى: نعم، قال عمرو: فعلى قاتله القتل، قال: بلى. قال: أفليس لمعاوية أن يطلب بدمه حتى يعجز قال: بلى، قال عمرو: فإنا نقيم البينة على أن علياً قتله. 55 (3/550)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 551 قال أبو موسى: إنما اجتمعنا لله، فهلم إلى ما يصلح الله به أمر الأمة، قال: وما هو قال: قد علمت أن أهل العراق لا يحبون معاوية أبداً، وأهل الشام لا يحبون علياً أبداً، فهلم نخلعهما معاً، ونستخلف ابن عمر وكان ابن عمر على بنت أبي موسى قال عمرو: أيفعل ذلك عبد الله قال: نعم إذا حمله الناس على ذلك. فصوبه عمرو وقال: فهل لك في سعد وعدد له جماعة، وأبو موسى يأبى إلا ابن عمر، ثم قال: قم حتى نخلع صاحبينا جميعاً، واذكر اسم من تستخلف، فقام أبو موسى وخطب وقال: إنا نظرنا في امرنا، فرأينا أقرب ما نحقن به الدماء ونلم به الشعث خلعنا معاوية وعلياً، فقد خلعتهما كما خلعت عمامتي هذه، واستخلفنا رجلاً قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، وله سابقة: عبد الله بن عمر، فأطراه ورغب الناس فيه. ثم قام عمرو فقال: أيها الناس، إن أبا موسى قد خلع علياً، وهو أعلم به، وقد خلعته معه، وأثبت معاوية علي وعليكم، وإن أبا موسى كتب في هذه الصحيفة أن عثمان قتل مظلوماً، وأن لوليه أن يطلب بدمه، فقام أبو موسى فقال: كذب عمرو، لم نستخلف معاوية، ولكنا خلعنا معاوية وعلياً معاً. قال المسعودي: ووجدت في رواية أنهما اتفقا وخلعا علياً ومعاوية، وجعلا الأمر شورى، فقام عمرو بعده، فوافقه على خلع علي، وعلى إثبات معاوية، فقال له: لا وفقك الله، غدرت. وقنع شريح بن هانئ عمراً بالسوط. وانخذل أبو موسى، فلحق بمكة، ولم يعد إلى الكوفة، وحلف لا 55 (3/551)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 552 ينظر في وجه علي ما بقي. ولحق سعد وابن عمر ببيت المقدس فأحرما، وانصرف عمرو، فلم يأت معاوية، فأتاه وهيأ طعاماً كثيراً، وجرى بينهما كلام كثير، وطلب الأطعمة، فأكل عبيد عمرو، ثم قاموا ليأكل عبيد معاوية، وأمر من أغلق الباب وقت أكل عبيده، فقال عمرو: فعلتها قال: إي والله بايع وإلا قتلتك. قال: فمصر، قال: هي لك ما عشت. وقال الواقدي: رفع أهل الشام المصاحف وقالوا: ندعوكم إلى كتاب الله والحكم بما فيه.) فاصطلحوا، وكتبوا بينهما كتاباً على أن يوافوا رأس الحول أذرح ويحكموا حكمين، ففعلوا ذلك فلم يقع إتفاق، ورجع علي بالاختلاف والدغل من أصحابه، فخرج منهم الخوارج، وأنكروا تحكيمه وقالوا: لا حكم إلا لله، ورجع معاوية بالألفة واجتماع الكلمة عليه. ثم بايع أهل الشام معاوية بالخلافة في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين. كذا قال: وقال خليفة وغيره إنهم بايعوه في ذي القعدة سنة سبع وثلاثين، وهو أشبه، لأن ذلك كان إثر رجوع عمرو بن العاص من التحكيم. وقال محمد بن الضحاك الحزامي، عن أبيه قال: قام علي على منبر الكوفة، فقال: حين اختلف الحكمان: لقد كنت نهيتكم عن هذه الحكومة 55 (3/552)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 553 فعصيتموني، فقام إليه شاب آدم فقال: إنك والله ما نهيتنا ولكن أمرتنا ودمرتنا، فلما كان منها ما تكره برأت نفسك ونحلتنا ذنبك. فقال علي: ما أنت وهذا الكلام قبحك الله، والله لقد كانت الجماعة فكنت فيها خاملاً، فلما ظهرت الفتنة نجمت فيها نجوم الماغرة. ثم قال: لله منزل نزله سعد بن مالك وعبد الله بن عمر، والله لئن كان ذنباً إنه لصغير مغفور، وإن كان حسناً إنه لعظيم مشكور. قلت: ما أحسنها لولا أنها منقطعة السند. وقال الزهري، عن سالم، عن أبيه قال: دخلت على حفصة وقلت: قد كان من الناس ما ترين، ولم يجعل لي من الأمر شيء، قالت: فالحق بهم، فإنهم ينتظرونك، وإني أخشى أن يكون في احتباسك عنهم فرقة، فذهب. فلما تفرق الحكمان خطب معاوية فقال: من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع إلى قرنه فلنحن أحق بهذا الأمر منه ومن أبيه يعرض بابن عمر قال ابن عمر: فحللت حبوتي وهممت أن أقول: أحق به من قاتلك وأباك على الإسلام. فخشيت أن أقول كلمة تفرق الجمع وتسفك الدم، فذكرت ما أعد الله في الجنان. قال جرير بن حازم، عن يعلى، عن نافع قال: قال أبو موسى: لا أرى لها غير ابن عمر، فقال عمرو لابن عمر: أما تريد أن نبايعك فهل لك أن تعطي مالاً عظيماً على ان تدع هذا الأمر لمن هو أحرص عليه منك. 55 (3/553)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 554 فغضب ابن عمر وقام. رواه معمر، عن الزهري. وفيها أخرج علي سهل بن حنيف على أهل فارس، فمانعوه، فوجه علي زياداً، فصالحوه وأدوا) الخراج. وفيها قال أبو عبيدة: خرج أهل حروراء في عشرين ألفاً، عليهم شبث بن ربعي، فكلمهم علي فحاجهم، فرجعوا. وقال سليمان التيمي، عن أنس قال: قال شبث بن ربعي: أنا أول من حرر الحرورية، فقال رجل: ما في هذا ما تمتدح به. وعن مغيرة قال: أول من حكم ابن الكواء وشبث. قلت: معنى قوله حكم هذه كلمة قد صارت سمة للخوارج. يقال حكم إذا خرج فقال: لا حكم إلا لله. 55 (3/554)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 555 2 (الوفيات) أويس القرني بن عامر بن جزء بن مالك المرادي القرني الزاهد، سيد التابعين، في نسبة أقوال مختلفة، وكنيته أبو عمرو. 55 (3/555)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 556 قال ابن الكلبي: استشهد أويس يوم صفين مع علي. وقال يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: إن أويساً شهد صفين مع علي، ثم روى عن رجل أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أويس خير التابعين بإحسان. وقال غيره: إن أويساً وفد على عمر من اليمن، وروى عنه، وعن علي. روى عنه يسير بن عمرو، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبو عبد رب الدمشقي. وسكن الكوفة، وليس له حديث مسند بل له حكايات. قال أسير بن جابر، عن عمر بن الخطاب، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خير التابعين رجل يقال له أويس بن عامر، كان به بياض فدعا الله فأذهبه عنه إلا موضع الدرهم في سرته، لا يدع باليمن غير أم له، فمن لقيه منكم فمروه فليستغفر لكم. قال عمر: فقدم علينا رجل فقلت له: من أين أنت قال: من اليمن، قلت: ما اسمك قال: أويس. قلت: فمن تركت باليمن قال: أما لي، قلت: أكان بك بياض، فدعوت الله فأذهبه عنك قال: نعم، قلت: فاستغفر لي، قال: أويستغفر مثلي لمثلك يا أمير المؤمنين قال: فاستغفر لي، وقلت له: أنت أخي لا تفارقني، قال: فانملس مني. فأنبئت انه قدم عليكم الكوفة، قال: فجعل رجل كان يسخر بأويس 55 (3/556)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 557 بالكوفة ويحقره يقول: ما هذا) فينا ولا نعرفه، فقال عمر: بلى إنه رجل كذا وكذا، فقال كأنه يضع شأنه: فينا رجل يا أمير المؤمنين يقال له أويس، فقال عمر: أدركه فلا أراك تدركه، قال: فأقبل ذلك الرجل حتى دخل على أويس قبل أن يأتي أهله، فقال له أويس: ما هذه عادتك، فما بدا لك قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: فيك كذا وكذا فاستغفر لي، قال: لا أفعل حتى تجعل لي عليك أن لا تسخر بي فيما بعد، وأن لا تذكر ما سمعته من عمر لأحد، قال: نعم، فاستغفر له، قال أسير: فما لبثنا أن فشا أمره بالكوفة، قال: فدخلت عليه فقلت: يا أخي إن أمرك لعجب ونحن لا نشعر، فقال: ما كان في هذا ما أتبلغ به في الناس، وما يجزى كل عبد إلا بعمله قال: وانملس مني فذهب. رواه مسلم. وفي أول الحديث: قال أسير: كان رجل بالكوفة يتكلم بكلام لا أسمع أحداً يتكلم به، ففقدته فسألت عنه، فقالوا: ذاك أويس فاستدللت عليه وأتيته، فقلت: ما حبسك عنا قال: العري. قال: وكان أصحابه يسخرون به ويؤذونه، فقلت: هذا برد فخذه، فقال: لا تفعل فإنهم إذن يؤذونني، فلم أزل به حتى لبسه، فخرج عليهم فقالوا: من ترون خدع عن هذا البرد قال: فجاء فوضعه، فأتيت فقلت: ما تريدون من هذا الرجل فقد آذيتموه والرجل يعرى مرة ويكتسي أخرى، وآخذتهم بلساني، فقضي أن أهل الكوفة وفدوا على عمر، فوفد رجل ممن كان يسخر به، فقال عمر: ما ها هنا أحد من القرنيين فقام ذلك الرجل، فقال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم 55 (3/557)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 558 قال: إن رجلاً يأتيكم من اليمن يقال له أويس فذكر الحديث. وروى نحو هذه القصة عثمان بن عطاء الخراساني، عن أبيه، وزاد فيها: ثم إنه غزا أذربيجان، فمات، فتنافس أصحابه في حفر قبره. وعن علقمة بن مرثد عن عمر وهو منقطع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يدخل الجنة بشفاعة أويس مثل ربيعة ومضر. وقال فضيل بن عياض: ثنا أبو قرة السدوسي، عن سعيد بن المسيب قال: نادى عمر بمنى على المنبر: يأهل قرن، فقام مشايخ، فقال: أفيكم من إسمه أويس فقال شيخ: يا أمير المؤمنين ذاك مجنون يسكن القنار لا يألف ولا يؤلف، قال: ذاك الذي أعنيه، فإذا عدتم فاطلبوه وبلغوه سلامي وسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فعادوا إلى قرن، فوجدوه في الرمال، فأبلغوه سلام عمر، وسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقال: عرفني أمير المؤمنين وشهر) باسمي، اللهم صل على محمد وعلى آله، السلام على رسول الله، ثم هام على وجهه، فلم يوقف له بعد ذلك على أثر دهراً، ثم عاد في أيام علي فاستشهد معه بصفين، فنظروا فإذا عليه نيف وأربعون جراحة. وقال هشام بن حسان، عن الحسن قال: يخرج من النار بشفاعة أويس أكثر من ربيعة ومضر. 55 (3/558)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 559 وقال خالد الحذاء، عن عبد الله بن شقيق، عن ابن أبي الجدعاء: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم. وقال يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لما كان يوم صفين، نادى منادي أصحاب معاوية: أفيكم أويس القرني قالوا: نعم، فضرب دابته ودخل معهم وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خير التابعين أويس القرني. قال: فوجد في قتلى صفين رضي الله عنه. قال ابن عدي: أويس ثقة صدوق، ومالك ينكر أويساً. قال: ولا يجوز أن يشك فيه. قلت: وروى قصة أويس مبارك بن فضالة، عن مروان الأصغر، عن صعصعة بن معاوية. ورواه هدبة، عن مبارك، عن أبي الأصغر، وقد ذكر ابن جبان أبا الأصفر في الضعفاء، وساق الحديث بطوله. وأخبار أويس مستوعبة في تاريخ دمشق، ليس في التابعين أحد أفضل منه، وأما أن يكون أحد مثله في الفضل فيمكن كسعيد بن المسيب، وهم قليل. 56 (3/559)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 560 جندب بن زهير بن الحارث الغامدي الأزدي، كوفي، يقال: له صحبة. وله حديث تفرد به السري بن اسماعيل، وهو ضعيف. وكان يوم صفين على الرجالة مع علي، فقتل. جهجاه بن قيس وقيل بن سعيد الغفاري، مدني، له صحبة. شهد بيعة الرضوان، وكان في غزوة المريسيع أجيراً لعمر، ووقع بينه 56 (3/560)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 561 وبين سنان الجهني، فنادى: يا للمهاجرين: ونادى سنان: يا للأنصار. وعن عطاء بن يسار، عن جهجاه أنه هو الذي شرب حلاب سبع شياه قبل أن يسلم، فلما أسلم لم يتم حلاب شاة. وقال ابن عبد البر: هو الذي تناول العصا من يد عثمان رضي الله عنه وهو يخطب، فكسرها على ركبته، فوقعت فيها الآكلة، وكانت عصا رسول الله صلى الله عليه وسلم.) توفي بعد عثمان بسنة. حابس بن سعد الطائي ولي قضاء حمص زمن عمر، وكان أبو بكر قد وجهه إلى الشام، وكان من العباد. روى عنه جبير بن نفير. قتل يوم صفين مع معاوية. 56 (3/561)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 562 خباب بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة التميمي، مولى أم السباع بنت أنمار أبو عبد الله من المهاجرين الأوليين يشهد بدراً والمشاهد بعدها، وروى عدة احاديث. وعنه أبو وائل، ومسروق، وعلقمة، وقيس بن أبي حازم، وخلق سواهم. 56 (3/562)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 563 قيل: كان أصابه سبي، فبيع بمكة، فاشترته أم سباع بنت أنمار الخزاعية من حلفاء بني زهرة، ويقال: كانت ختانة بمكة، أسلم قبل دخول دار الأرقم، وكان من المستضعفين بمكة الذين عذبوا في الله. وقال أبو إسحاق السبيعي، عن أبي ليلى الكندي قال: جاء خباب إلى عمر فقال: أدنه، فما أحد أحق بهذا المجلس منك إلا عمار بن ياسر، قال: فجعل خباب يريه آثاراً في ظهره مما عذبه المشركون. وقال مجالد، عن الشعبي: دخل خباب بن الأرت على عمر، فأجلسه على متكئه وقال: ما على الأرض أحد أحق بهذا المجلس من هذا، إلا رجل واحد وهو بلال، فقال: ما هو بأحق به مني، إنه كان من المشركين من يمنعه، ولم يكن لي أحد يمنعني، لقد رأيتني يوماً أخذوني وأوقدوا لي ناراً، ثم سلقوني فيها، ثم وضع رجل رجله على صدري، فما اتقيت الأرض إلا بظهري، قال: ثم كشف عن ظهره، فإذا هو قد برص. وقال حارثة بن مضرب: دخلت على خباب وقد اكتوى سبع كيات، فسمعته يقول: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا ينبغي لأحد أن يتمنى الموت لألفاني قد تمنيته، قال: وقد أتي بكفنه قباطي، فبكى، ثم قال: لكن حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم كفن في بردة، إذا مدت على قدميه قلصت عن رأسه، وإذا مدت على رأسه قلصت عن قدميه، ولقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أملك ديناراً ولا درهماً، وإن في ناحية بيتي في تابوتي لأربعين ألف واف، ولقد خشيت أن تكون عجلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا. 56 (3/563)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 564 وقال الواقدي: سمعت من يقول: هو أول من قبره علي بالكوفة، وصلى عليه منصرفه من) صفين. وقال الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة: إن خباب بن الأرت لبس خاتماً من ذهب، فدخل به على ابن مسعود، فقال له أما آن لهذا الخاتم أن يطرح، فقال: لا تراه علي بعد اليوم. خزيمة بن ثابت م بن الفاكة أبو عمارة الأنصاري الخطمي 56 (3/564)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 565 ذو الشهادتين، يقال إنه بدري، والصحيح أنه شهد أحداً وما بعدها. له أحاديث. روى عنه إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص، وعمرو بن ميمون الاودي، وابنه، عمارة بن خزيمة، وأبو عبد الله الجدلي، وغيرهم. شهد صفين مع علي، وقاتل حتى قتل. ذو الكلاع الحميري إسمه السميفع، ويقال: سميفع بن ناكور. وقيل: اسمه أيفح، كنيته أبو شرحبيل. أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: له صحبة، فروى ابن لهيعة، عن كعب بن علقمة، عن حسان بن كليب، سمع ذا الكلاع يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اتركوا الترك ما تركوكم. 56 (3/565)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 566 كان ذو الكلاع سيد قومه، شهد يوم اليرموك، وفتح دمشق، وكان على ميمنة معاوية يوم صفين. روى عن عمر، وغير واحد. روى عنه أبو أزهر بن سعيد، وزامل بن عمرو، وأبو نوح الحميري. والدليل على أنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم ما روى إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن جرير قال: كنت باليمن، فلقيت رجلين من أهل اليمن: ذا الكلاع، وذا عمرو، فجعلت أحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبلا معي، حتى إذا كنا في بعض الطريق، رفع لنا ركب من قبل المدينة، فسألناهم، فقالوا: قبض النبي صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر. الحديث رواه مسلم. وروى علوان بن داود، عن رل قال: بعثني أهلي بهدية إلى ذي الكلاع، فلبثت على بابه حولاً لا أصل إليه، ثم إنه أشرف من القصر، فلم يبق حوله أحد إلا سجد له، فأمر بهديتي فقبلت، ثم رأيته بعد في الإسلام، وقد اشترى لحماً بدرهم فسمطه على فرسه. وروي أن ذا الكلاع لما قدم مكة كان يتلثم خشية أن يفتتن أحد بحسنه. وكان عظيم الخطر عند معاوية، وربما كان يعارض معاوية، فيطيعه معاوية.) 56 (3/566)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 567 عبد الله بن بديل بن ورقاء بن عبد العزى الخزاعي، كنيته أبو عمرو. روى البخاري في تاريخه أنه ممن دخل على عثمان، فطعن عثمان في ودجه، وعلا التنوخي عثمان بالسيف، فأخذهم معاوية فقتلهم. أسلم مع أبيه قبل الفتح، وشهد الفتح وما بعدها، وكان شريفاً وجليلاً. قتل هو وأخوه عبد الرحمن يوم صفين مع علي، وكان على الرجالة. قال الشعبي: كان على عبد الله يومئذ درعان وسيفان، فأقبل يضرب أهل الشام حتى انتهى إلى معاوية، فتكاثروا عليه فقتلوه، فلما رآه معاوية صريعاً قال: والله لو استطاعت نساء خزاعة لقاتلتنا فضلاً عن رجالها. 56 (3/567)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 568 عبد الله بن كعب المرادي من كبار عسكر علي، قتل يوم صفين، ويقال إن له صحبة. عبيد الله ابن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب القرشي العدوي المدني. ولد في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، وسمع أباه، وعثمان، وأرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم. كنيته أبو عيسى. غزا في أيام أبيه. وأمه أم كلثوم الخزاعية. وعن أسلم، أن عمر ضرب ابنه عبيد الله بالدرة وقال: أتكتني بأبي عيسى، أو كان لعيسى أب وقد ذكرنا أن عبيد الله لما قتل عمر أخذ سيفه وشد على الهرمزان فقتله، وقتل جفنية، ولؤلؤة بنت أبي لؤلؤة، فلما بويع عثمان هم بقتله، ثم عفا عنه. وكان قد أشار علي على عثمان بقتله، فلما بويع ذهب عبيد الله هارباً منه إلى الشام. وكان مقدم جيش معاوية يوم صفين، فقتل يومئذ. 56 (3/568)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 569 ويقال: قتله عمار بن ياسر، وقيل رجل من همدان، ورثاه بعضهم بقصيدة مليحة. عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين المذحجي 57 (3/569)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 570 العنسي أبو اليقظان مولى بني مخزوم، من نجباء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، شهد بدراً والمشاهد كلها، وعاش ثلاثاً وتسعين سنة، وكان من السابقين إلى الإسلام، وممن عذب في الله في أول الإسلام. وأمه سمية أول شهيدة في الإسلام، طعنها أبو جهل في قلبها بحربة فقتلها. له نحو ثلاثين حديثاً. روى عنه ابن عباس، وجابر، ومحمد بن الحنفية، وزر بن حبيش، وهمام بن الحارث،) وآخرون. قدم ياسر بن عامر وأخواه من اليمن إلى مكة يطلبون أخاً لهم، فرجع أخواه وحالف ياسر أبا حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، 57 (3/570)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 571 فزوجه أمة اسمها سمية، فولدت له عماراً، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلم عمار وأبواه وأخواه وأخوه عبد الله، وقتل أخوهما حريث في الجاهلية. وعن عمار قال: لقيت صهيباً على باب دار الأرقم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، فدخلنا فأسلمنا. وعن عمر بن الحكم قال: كان عمار يعذب حتى لا يدري ما يقول، وكذا صهيب، وعامر بن فهيرة. وفيهم نزلت والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا. وقال أبو بلج عن عمرو بن ميمون قال: أحرق المشركون عمار بن ياسر بالنار، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يمر به ويمر يده على رأسه فيقول: يا نار كوني برداً وسلاماً على عمار كما كنت على إبراهيم، تقتلك الفئة الباغية. رواه ابن سعد، عن يحيى بن حماد، أنبأ أبو عوانة، عنه. وقال القاسم بن الفضل: ثنا عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن عثمان بن عفان قال: أقبلت أنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم آخذ بيدي نتماشى في البطحاء حتى أتينا على أبي عمار، وعمار، وأمه، وهم 57 (3/571)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 572 يعذبون، فقال ياسر: الدهر هكذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اصبر، اللهم اغفر لآل ياسر، وقد فعلت. كذا رواه مسلم بن إبراهيم، وموسى بن إسماعيل، وأبو قطن عمرو بن الهيثم، عن القاسم، وهو الحداني، ورواه معتمر بن سليمان، عن القاسم الحداني، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن سلمان الفارسي. وقال هشام الدستوائي: ثنا أبو الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بآل عمار وهم يعذبون، فقال: أبشروا آل عمار، فإن موعدكم الجنة. مرسل. وقال ابن سيرين: لقي النبي صلى الله عليه وسلم عماراً وهو يبكي، فجعل يمسح عن عينيه ويقول: أخذك الكفار فغطوك في النار، فقلت كذا وكذا، فإن عادوا فقل ذاك لهم. قلت: حين تكلم يعني بالكفر، فرخص له في ذلك لأنه مكره. وقال المسعودي، عن القاسم بن عبد الرحمن: أول من بنى مسجداً يصلي فيه عمار.) وقال ابن سعد: قالوا: وهاجر عمار إلى الحبشة الهجرة الثانية. 57 (3/572)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 573 وقال فطر بن خليفة وغيره، عن كثير النواء، سمع عبد الله بن مليك قال: سمعت علياً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه لم يكن نبي قط إلا وقد أعطي سبعة رفقاء نجباء وزراء، وإني أعطيت أربعة عشر: حمزة، وأبو بكر، وعمر، وعلي، وجعفر، وحسن، وحسين، وابن مسعود، وأبو ذر، والمقداد، وعمار، وبلال، وسلمان. وقال أبو إسحاق السبيعي، عن هانئ بن هانئ، عن علي قال: استأذن عمار على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: مرحباً بالطيب المطيب. صححه الترمذي. وقال الأعمش، عن أبي عمار الهمداني، عن عمرو بن شرحبيل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمار مليء إيماناً إلى مشاشه. وقال عبد الملك بن عمير، عن مولى لربعي، عن ربعي، عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، 57 (3/573)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 574 واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد. حسنه الترمذي. وقال ابن عون، عن الحسن، قال عمرو بن العاص: كنا نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب رجلاً، قالوا: من هو قال: عمار بن ياسر، قالوا: فذاك قتيلكم يوم صفين، قال: قد والله قتلناه. رواه جرير بن حازم، عن الحسن. وقال سلمة بن كهيل، عن علقمة، عن خالد بن الوليد قال: كان بيني وبين عمار كلام، فأغلظت له، فشكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من عادى عماراً عاداه الله، ومن أبغض عماراً أبغضه الله. رواه أحمد في مسنده، عن يزيد بن هارون، ثنا العوام عنه. وأخرجه النسائي لكن له علة وهو ما رواه عمرو بن مرزوق، عن شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد، عن أبيه، عن الأسود قال: كان بين عمار وخالد كلام، فذكر الحديث. روى أبو ربيعة الإيادي، عن الحسن، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجنة تشتاق إلى ثلاثة: علي، وعمار، وسلمان. حسنه الترمذي. 57 (3/574)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 575 وعن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دم عمار ولحمه حرام على النار. وقال عمار الدهني، عن سالم بن أبي الجعد قال: جاء رجل إلى ابن مسعود فقال: أرأيت إن) أدركت فتنة، قال: عليك بكتاب الله، قال: أرأيت إن كان كلهم يدعو إلى كتاب الله، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق. فيه انقطاع. وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمار ما عرض عليه أمران إلا اختار أرشدهما. أخرجه النسائي والترمذي، وإسناده صحيح. وقال أبو نعيم: ثنا سعد بن أوس، عن بلال بن يحيى، أن حذيفة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أبو اليقظان على الفطرة، لن يدعها حتى يموت، أو يلبسه الهرم هذا منكر، وسعد ضعيف. 57 (3/575)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 576 ويروى عن عائشة، وعن سعد إن عمار على الفطرة إلا أن تدركه هفوة من كبر. وقال علقمة: سمعت أبا الدرداء يقول: أليس فيكم صاحب السواك والوساد يعني ابن مسعود، أليس فيكم الذي أعاذه الله على لسان نبيه من الشيطان يعني عماراً، أليس فيكم صاحب السر حذيفة. أخرجه البخاري. 57 (3/576)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 577 وقال داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المسجد، فجعل ينقل عمار لبنتين لبنتين، فترب رأسه، فحدثني أصحابي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل ينفض رأسه ويقول: ويحك يا بن سمية تقتلك الفئة الباغية. روى آخره شعبة، عن أبي مسلمة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال: حدثني من هو خير مني أبو قتادة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله. وقال شعبة: أخبرني عمرو بن دينار، سمعت أبا هشام يحدث عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمار: تقتلك الفئة الباغية. وقال أحمد بن المقدام العجلي، عن عبد الله بن جعفر، حدثني العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، نحوه. وقال عبد العزيز الدراوردي، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشر عمار تقتلك الفئة الباغية. قال الترمذي: صحيح غريب من حديث العلاء. 57 (3/577)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 578 وقال خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال لي ولابنه علي: انطلقا إلى أبي سعيد الخدري واسمعها من حديثه، فانطلقنا، فإذا هو في حائط له، فحدثنا أن رسول الله صلى الله) عليه وسلم قال: ويح عمار تقتله الفئة الباغية، ويدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، فجعل عمار يقول: أعوذ بالله من الفتن. أخرجه البخاري. وروى ورقاء، عن عمرو بن دينار، عن زياد مولى عمرو بن العاص، عن مولاه، سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقتل عماراً الفئة الباغية. رواه شعبة عن عمرو بن دينار، فقال، عن رجل، عن عمرو بن العاص. وقال الأعمش، عن عبد الرحمن بن زياد، عن عبد الله بن الحارث قال: إني لأسير مع معاوية منصرفه من صفين، بينه وبين عمرو، فقال عبد الله بن عمرو: يا أبه، أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعمار: ويحك يا بن سمية تقتلك الفئة الباغية قال: فقال عمرو لمعاوية: ألا تسمع ما 57 (3/578)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 579 يقول هذا فقال: لا تزال تأتينا بهنة، ما نحن قتلناه، إنما قتله الذين جاءوا به. وقال جماعة عن الحسن، عن أمه، عن أم سلمة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمار: تقتلك الفئة الباغية. وقال عبد لله بن طاووس، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن ابيه قال: لما قتل عمار دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص فقال: قتل عمار، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: تقتله الفئة الباغية، فدخل عمرو بن العاص على معاوية فقال: قتل عمار، قال معاوية: فماذا قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقتله الفئة الباغية. قال: دحضت في بولك أو نحن قتلناه، إنما قتله علي وأصحابه. وعن عثمان بن عفان، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تقتل عماراً الفئة الباغية. رواه أبو عوانة في مسنده. وقال عبد الله بن أبي الهذيل وغيره، عن عمار قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: تقتلك الفئة الباغية. وله طرق عن عمار. وروي هذا الحديث عن ابن عباس، وابن مسعود، وحذيفة، وأبي 58 (3/579)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 580 رافع، وابن أبي اوفى، وجابر بن سمرة، وأبي اليسر السلمي، وكعب بن مالك وأنس وجابر وغيرهم وهو متواترث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بن حنبل: في هذا غير حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قتلته الفئة الباغية.) وقال أبو إسحاق السبيعي، عن أبي ليلى الكندي قال: جاء خباب، فقال عمر: ادن، فما أحد أحق بهذا المجلس منك، إلا عمار. وقال حارثة بن مضرب: قرئ علينا كتاب عمر: إني بعثت إليكم يعني إلى الكوفة عمار بن ياسر أميراً، وابن مسعود معلماً ووزيراً، وإنهما لمن النجباء من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، من أهل بدر، فاسمعوا لهما، واقتدوا بهما، وقد آثرتكم بهما على نفسي. وعن سالم بن أبي الجعد، أن عمر جعل عطاء عمار ستة آلاف. وعن ابن عمر قال: رأيت عماراً يوم اليمامة على صخرة، وقد أشرف يصيح: يا معشر المسلمين، أمن الجنة تفرون، أنا عمار بن ياسر، هلموا إلي، وأنا أنظر إلى أذنه وقد قطعت، فهي تذبذب، وهو يقاتل أشد القتال. وعن عبد الله بن أبي الهذيل قال: رأيت عمار بن ياسر اشترى قتا بدرهم، فاستزاد حبلاً، فأبى، فجاذبه حتى قاسمه نصفين، وحمله على ظهره وهو أمير الكوفة. وقد روي أنهم قالوا لعمر: إن عمار غير عالم بالسياسة، فعزله. 58 (3/580)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 581 قال الشعبي: قال عمر لعمار: أساءك عزلنا إياك قال: لئن قلت ذاك، لقد ساءني حين استعملتني، وساءني حين عزلتني. وقال نوفل بن أبي عقرب: كان عمار قليل الكلام، طويل السكوت، وكان عامة أن يقول: عائذ بالرحمن من فتنة، عائذ بالرحمن من فتنة، قال: فعرضت له فتنة عظيمة. يعني مبالغته في القيام في أمر عثمان وبعده. وعن ابن عمر قال: ما أعلم أحداً خرج في الفتنة يريد الله إلا عمار ابن ياسر، وما أدري ما صنع. وعن عمار أنه قال وهو يسير إلى صفين: اللهم لو أعلم انه أرضى لك عني ان ارمي بنفسي من هذا الجبل لفعلت، وإني لا أقاتل إلا أريد وجهك. وقال حبيب بن أبي ثابت، عن أبي البختري قال: قال عمار يوم صفين: ائتوني بشربة لبن، قال: فشرب، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن آخر شربة تشربها من الدنيا شربة لبن، ثم تقدم فقاتل حتى قتل. 58 (3/581)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 582 وقال سعد بن إبراهيم، عن رجل، سمع عماراً بصفين ينادي: أزفت الجنان، وزوجت الحور) العين، اليوم نلقى حبيبنا صلى الله عليه وسلم. وقال حماد بن سلمة: ثنا أبو حفص كلثوم بن جبر، عن أبي غادية الجهني. قال: سمعت عمار بن ياسر يقع في عثمان يشتمه بالمدينة، فتوعدته بالقتل، فلما كان يوم صفين جعل يحمل على الناس، فحملت عليه وطعنته في ركبته فوقع، فقتلته. تمام الحديث. فقيل: قتل عمار. وأخبر عمرو بن العاص فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قاتل عمار وسالبه في النار. وقال أيوب، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل عمار وسالبه في النار. وقال الواقدي وغيره: استلحمت الحرب بصفين، وكادوا يتفانون، فقال معاوية: هذا يوم تفانى فيه العرب إلا أن تدركهم خفة العبد، يعني عماراً، وكان القتال الشديد ثلاثة أيام ولياليهن آخرهن ليلة الهرير، فلما كان اليوم الثالث، قال عمار لهاشم بن عتبة ومعه اللواء: إحمل فداك أبي وأمي، فقال هاشم: يا عمار إنك رجل تستخفك الحرب، وإني إنما أزحف باللواء رجاء أن أبلغ بذلك بعض ما أريد. وقال قيس بن أبي حازم: قال عمار: ادفنوني في ثيابي، فإني رجل مخاصم. قال أبو عاصم النبيل: توفي عن ثلاث وتسعين سنة. وكان لا يركب 58 (3/582)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 583 على سرج، وكان يركب راحتله من الكبر. وفيها غزا الحارث بن مرة العبدي أرض الهند، إلى ان جاوز مكران، وبلاد قندابيل، ووغل في جبل القيقان، فآب بسبي وغنائم، فأخذوا عليه بمضيق فقتل هو وعامة من معه في سبيل الله تعالى. قيس بن المكشوح أبو شداد المرادي، أحد شجعان العرب، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم باليمن ولم يره. وهو أحد من أعان على قتل الأسود العنسي، وشهد اليرموك، وأصيبت عينه يومئذ. 58 (3/583)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 584 وقد ارتد بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فيما قيل، وقتل دادويه الأبناوي. ثم حمل عليه المهاجر بن أبي أمية فأوثقه، وبعث به إلى أبي بكر رضي الله عنه، فهم بقتله وقال: قتلت الرجل الصالح، فأنكر وحلف خمسين يميناً قسامة أنه ما قتله، فقال: يا خليفة رسول الله) استبقني لحربك، فإن عندي بصراً بالحرب ومكيدة للعدو، فخلاه، ثم إنه كان من أعوان علي، وقتل يوم صفين رحمه الله تعالى. هاشم بن عتبة بن أبي وقاص الزهري ابن أخي سعد، ويعرف بالمرقال. ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تثبت له صحبة، وشهد اليرموك وأصيبت عينه يومئذ، وشهد فتح دمشق، وكان أحد الأشراف، كانت معه راية علي يوم صفين فيما ذكر حبيب بن أبي ثابت. 58 (3/584)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 585 وقال: كان أعور فجعل علي يقول له: أقدم يا أعور، لا خير في أعور لا يأتي الفرج. فيستحي فيتقدم. قال عمرو بن العاص: إني لأرى لصاحب الراية السوداء عملاً، لئن دام على ما أرى لتقتلن العرب اليوم، قال: فما زال أبو اليقظان حتى لف بينهم. وعن الشعبي أن علياً صلى على عمار بن ياسر، وهاشم بن عتبة، فجعل عماراً مما يليه، فلما قبرهما جعل عماراً أمام هاشم. أبو فضالة الأنصاري بدري. قتل مع علي يوم صفين. إنفرد بهذا القول محمد بن راشد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، وليسا بحجة. أبو عمرة الأنصاري س بشير بن عمرو بن محصن الخزرجي النجاري. وقيل اسم أبي عمرة: بشير، وقيل: ثعلبة، وقيل: عمرو. بدري كبير. له رواية في النسائي. روى عنه ابنه عبد الرحمن بن أبي عمرة، ومحمد بن الحنفية. وقتل يوم صفين مع علي. قاله ابن سعد. 58 (3/585)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 586 58 (3/586)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 587 (أحداث سنة ثمان وثلاثين) فيها وجه معاوية من الشام عبد الله بن الحضرمي في جيش إلى البصرة ليأخذها، وبها زياد ابن أبيه من جهة علي، فنزل ابن الحضرمي في بني تميم وتحول زياد إلى الأزد، فنزل على صبرة بن شيمان الحداني. وكتب إلى علي فوجه علي أعين بن ضبيعة المجاشعي، فقتل أعين غيلة على فراشه. فندب علي جارية بن قدامة السعدي، فحاصر ابن الحضرمي في الدار التي هو فيها، ثم حرقها عليه. 2 (ثورة الخوارج) وفي شعبان ثارت الخوارج وخرجوا على علي، وأنكروا عليه كونه حكم الحكمين، وقالوا: حكمت في دين الله الرجال، والله يقول: إن الحكم إلا لله، فناظرهم، ثم أرسل إليهم عبد الله بن عباس، فبين لهم فساد شبهتهم، وفسر لهم، واحتج بقوله تعالى: يحكم به ذوا عدل منكم، وبقوله فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها، فرجع إلى 58 (3/587)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 588 الصواب منهم خلق، وسار الآخرون، فلقوا عبد الله بن خباب بن الأرت، ومعه امرأته فقالوا: من أنت فانتسب لهم، فسألوه عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، فأثنى عليهم كلهم، فذبحوه وقتلوا امرأته، وكانت حبلى، فبقروا بطنها، وكان من سادات أبناء الصحابة. 2 (وقعة النهروان) وفيها سارت الخوارج لحرب علي، فكانت بينهم وقعة النهروان، وكان على الخوارج عبد الله بن وهب السبائي، فهزمهم علي وقتل أكثرهم، وقتل ابن وهب. وقتل من أصحاب علي اثنا عشر رجلاً. وقيل في تسميتهم الحرورية لأنهم خرجوا على علي من الكوفة، وعسكروا بقرية قريبة من الكوفة يقال لها حروراء، واستحل علي قتلهم لما فعلوا بابن خباب وزوجته. وكانت الوقعة في شعبان سنة ثمان، وقيل: في صفر. قال عكرمة بن عمار: حدثني أبو زميل أن ابن عباس قال: لما اجتمعت الخوارج في دارها، وهم ستة آلاف أو نحوها، قلت لعلي: يا أمير المؤمنين بر بالصلاة لعلي ألقى هؤلاء، فإني أخافهم عليك، قلت: كلا، قال: فلبس ابن عباس حلتين من أحسن الحلل، وكان جهيراً جميلاً، قال: فأتيت القوم، فلما رأوني قالوا: مرحباً بابن عباس وما هذه الحلة قلت: وما تنكرون من) ذلك لقد رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة من أحسن الحلل، قال: ثم تلوت عليهم: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده. 58 (3/588)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 589 قالوا فما جاء بك قلت: جئتكم من عند أمير المؤمنين، ومن عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أرى فيكم أحداً منهم، ولأبلغنكم ما قالوا، ولأبلغنهم ما تقولون: فما تنقمون من ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره فأقبل بعضهم على بعض، فقالوا: لا تكلموه فإن الله يقول: بل هم قوم خصمون وقال بعضهم: ما يمنعنا من كلامه، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدعونا إلى كتاب الله، قال: فقالوا: ننقم عليه ثلاث خلال: إحداهن أنه حكم الرجال في دين الله وما للرجال ولحكم الله والثانية أنه علم فلم يسب ولم يغنم، فإن كان قد حل قتالهم فقد حل سبيهم، وإلا فلا، والثالثة، محا نفسه من أمير المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين، فهو أمير المشركين. قلت: هل غير هذا قالوا: حسبنا هذا. قلت: أرأيتم إن خرجت لكم من كتاب الله وسنة رسوله أراجعون أنتم قالوا: وما يمنعنا، قلت: أما قولكم إنه حكم الرجال في أمر الله، فإني سمعت الله يقول في كتابه: يحكم به ذوا عدل منكم وذلك في ثمن صيد أرنب أو نحوه قيمته ربع درهم فوض الله الحكم فيه إلى الرجال، ولو شاء أن يحكم لحكم. وقال: وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله الآية. أخرجت من هذه قالوا: نعم. قلت: وأما قولكم: قاتل فلم يسب، فإنه قاتل أمكم، لأن الله يقول: وأزواجه أمهاتهم فإن زعمتم أنها ليست بأمكم فقد كفرتم، وإن زعمتم أنها أمكم فما حل سباؤها، فأنتم بين ضلالتين، أخرجت من هذه قالوا: نعم. 59 (3/589)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 590 قلت: وأما قولكم إنه محا اسمه من أمير المؤمنين، فإني أنبئكم عن ذلك: أما تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية جرى الكتاب يبنه وبين سهيل بن عمرو، فقال يا علي اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله فقالوا: لو علمنا أنك رسول الله ما قاتلناك، ولكن اكتب إسمك واسم أبيك، فقال اللهم إنك تعلم أني رسولك، ثم أخذ الصحيفة فمحاها بيده، ثم قال: يا علي اكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله، فوالله ما أخرجه ذلك من النبوة، أخرجت من هذه قالوا: نعم. قال: فرجع ثلثهم، وانصرف ثلثهم، وقتل سائرهم على ضلالة.) قال عوف: ثنا أبو نضرة، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تفترق أمتي فرقتين، تمرق بينهما مارقة تقتلهم، أولى الطائفتين بالحق. وكذا رواه قتادة وسليمان التيمي، عن أبي نضرة. وقال ابن وهب: أنبأ عمرو بن الحارث، عن بكير بن الأشج، عن بسر بن سعيد، عن عبيد الله بن أبي رافع، أن الحرورية لما خرجت على علي قالوا: لا حكم إلا لله، فقال علي: كلمة حق أريد بها باطل، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف ناساً إني لأعرف صفتهم في هؤلاء الذين يقولون الحق بألسنتهم لا يجاوز حناجرهم وأشار إلى حلقه من أبغض خلق الله إليه، 59 (3/590)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 591 منهم أسود إحدى يديه طبي شاة أو حلمة ثدي، فلما قاتلهم علي قال: انظروا، فنظروا فلم يجدوا شيئاً، قال: ارجعوا، فوالله ما كذبت ولا كذبت، ثم وجدوه في خربة، فأتوا به حتى وضعوه بين يديه، قال عبيد الله: أنا حاضر ذلك من أمرهم وقول علي فيهم. وقال يحيى بن سليم، عن ابن خثيم، عن عبيد الله بن عياض، أن عبد الله بن شداد بن الهاد دخل على عائشة ونحن عندها ليالي قتل علي، فقالت: حدثني عن هؤلاء الذين قاتلهم علي، قال: إن علياً لما كاتب معاوية وحكم الحكمين خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس يعني عبادهم فنزلوا بأرض حروراء من جانب الكوفة وقالوا: انسلخت من قميص ألبسك الله وحكمت في دين الله الرجال، ولا حكم إلا لله. فلما بلغ علياً ما عتبوا عليه، جمع أهل القرآن، ثم دعا بالمصحف إماماً عظيماً، فوضع بين يديه، فطفق يحركه بيده ويقول: أيها المصحف حدث الناس، فناداه الناس، ما تسأل إنما هو مداد وورق، ونحن نتكلم بما روينا منه، فماذا تريد فقال: أصحابكم الذين خرجوا، بيني وبينهم كتاب الله تعالى: يقول الله في كتابه: فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها، فأمة محمد أعظم حقاً وحرمة من رجل وامرأة، وذكر الحديث شبه ما تقدم، قال: فرجع منهم أربعة آلاف، فيهم ابن الكواء، ومضى 59 (3/591)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 592 الآخرون، قالت عائشة فلم قتلتهم قال: قطعوا السبيل، واستحلوا أهل الذمة، وسفكوا الدم. 59 (3/592)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 593 2 (الوفيات) الأشتر النخعي واسمه مالك بن الحارث، شريف كبير القدر في النخع. روى عن عمر، وخالد بن الوليد. وشهد اليرموك، وقلعت عينه 59 (3/593)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 594 يومئذ. وكان ممن ألب على عثمان، وسار إليه وأبلى شراً. وكان خطيباً بليغاً فارساً. حضر صفين وبين يومئذ، وكاد أن يظهر على معاوية، فحل عليه أصحاب علي لما رأوا المصاحف على الأسنة، فوبخهم الأشتر، وما أمكنه مخالفة علي، وكف بقومه عن القتال. قال عبد الله بن سلمة المرادي: نظر عمر بن الخطاب إلى الأشتر، وأنا عنده فصعد فيه عمر النظر، ثم صوبه، ثم قال: إن للمسلمين من هذا يوماً عصيباً. ثم إن علياً لما انصرف من صفين أو بعدها، بعث الأشتر على مصر، فمات في الطريق مسموماً، وكان علي يتبرم به ويكرهه، لأنه كان صعب المراس، فلما بلغه موته قال: للمنخرين والفم. وقيل: إن عبداً لعثمان لقيه فسم له عسلاً وسقاه، فبلغ عمرو بن العاص فقال: إن لله جنوداً من عسل. وقال عوانة بن الحكم وغيره: لما جاء نعي الأشتر إلى علي رضي الله عنه قال: إنا لله: مالك، وما مالك وكل هالك، وهل موجود مثل ذلك، لو كان من حديد لكان قيداً، أو كان من حجر لكان صلداً، على مثل مالك فلتبك البواكي. 59 (3/594)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 595 سهل بن حنيف بن واهب بن عكيم الأنصاري الأوسي، والد أبي أمامة، وأخو عثمان. شهد بدراً والمشاهد، وله رواية. روى عنه ابناه أبو أمامة، وعبد الله، وأبو وائل، وعبيد بن السباق، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، ويسير بن عمرو. 59 (3/595)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 596 وقال ابن سعد: قالوا: آخى رسول الله بين سهل بن حنيف، وعلي بن أبي طالب. وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وبايعه على الموت، وجعل ينضح يومئذ بالنبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: نبلوا سهلاً فإنه سهل. وقال الزهري لم يعط رسول الله صلى الله عليه وسلم من أموال بني النضير أحداً من الأنصار، إلا سهل بن حنيف، وأبا دجانة. وكانا فقيرين. وقال أبو وائل: قال سهل بن حنيف يوم صفين: أيها الناس اتهموا رأيكم، فإنا والله ما وضعنا) سيوفنا على عواتقنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر يفظعنا إلا أسهل بنا إلى أمر نعرفه، إلا أمرنا هذا. وعن أبي أمامة قال: مات أبي بالكوفة سنة ثمان وثلاثين، وصلى عليه علي رضي الله عنه. وقال الشعبي، عن عبد الله بن معقل قال: صليت مع علي على سهل، فكبر عليه ستاً. وروى نحوه عن حنش بن المعتمر، وزاد: فكأن بعضهم أنكر ذاك، فقال علي: إنه رضي الله عنه. 59 (3/596)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 597 صفوان بن بيضاء وهي أمه، وأبوه وهب بن ربيعة بن هلال القرشي الفهري، أبو عمرو، أخو سهل وسهيل. قال ابن سعد: قالوا، آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين صفوان ورافع بن المعلى. وقتلا يوم بدر. قال الواقدي: قد روي لنا أن صفوان بن بيضاء لم يقتل يوم بدر، وإنه شهد المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتوفي في رمضان سنة ثمان وثلاثين، والله أعلم. صهيب بن سنان الرومي، لأن الروم سبتة من نينوى بالموصل، وهو من النمر بن فاسط، كان أبوه أو عمه عاملاً بنينوى لكسرى، ثم إنه جلب إلى مكة، فاشتراه عبد الله بن جدعان التيمي، وقيل: بل هرب من الروم فقدم مكة، 59 (3/597)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 598 وحالف ابن جدعان. كان صهيب من السابقين الأولين، شهد بدراً والمشاهد. روى عنه من أولاده: حبيب، وزياد، وحمزة، وسعيد بن المسيب، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وكعب الاحبار، وغيرهم. وكنيته أبو يحيى، توفي بالمدينة في شوال، ونشأ صهيب بالروم، فبقيت فيه عجمة، وكان رجلاً أحمر شديد الحمرة ليس بالطويل ولا بالقصير، وكان كثير شعر الرأس، ويخضب بالحناء. صح من مراسيل الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صهيب سابق الروم. 59 (3/598)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 599 وورد أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كناه أبا يحيى. وعن صيفي بن صهيب قال: إني صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه. وقال منصور، عن مجاهد قال: أول من أظهر الإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو) بكر، وبلال، وخباب، وصهيب. وعن عمر بن الحكم قال: كان صهيب يعذب حتى لا يدري ما يقول. وقال عوف الأعرابي، عن أبي عثمان النهدي أن صهيباً حين أراد الهجرة إلى المدينة، قال له أهل مكة: أتيتنا صعلوكاً حقيراً فتنطلق بنفسك ومالك، والله لا يكون هذا أبداً، قال: أرأيتم إن تركت مالي، أمخلون أنتم سبيلي قالوا: نعم، فترك لهم ماله أجمع، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ربح صهيب ربح صهيب. وروى أنهم أدركوه، وقد سار عن مكة، فأطلق لهم ماله، ولحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعد بقباء، قال: فلما رآني قال: ربح البيع أبا يحيى قالها ثلاثاً، فقلت: يا رسول الله ما أخبرك إلا جبريل. 60 (3/599)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 600 وعن محمد بن إبراهيم التيمي قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين صهيب والحارث بن الصمة. وقد ذكرنا أن صهيباً استخلفه عمر على الصلاة، حتى يتفق أهل الشورى على خليفة، وأنه الذي صلى على عمر. وقال الواقدي: كان صهيب أحمر، شديد الصهبة، تحتها حمرة، وعاش سبعين سنة. وقال المدائني: عاش ثلاثاً وسبعين سنة. محمد بن أبي بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ووزيره ومؤنسه في الغار، وصديق الأمة أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر القرشي التيمي المدني. الذي ولدته أسماء بنت عميس في حجة الوداع، وكان أحد الرؤوس 60 (3/600)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 601 الذين ساروا إلى حصار عثمان كما قدمنا، ثم انضم إلى علي، فكان من أعيان أمرائه، فبعثه على إمارة مصر في رمضان سنة سبع وثلاثين، وجمع له صلاتها وخراجها، فسار إليها في جيش من العراق. وسير معاوية من الشام معاوية بن حديج على مصر أيضاً، وعلى حرب محمد. فالتقى الجمعان، فكسره ابن حديج، وانهزم عسكر محمد، واختفى هو بمصر في بيت امرأة، فدلت عليه فقال: احفظوني لأبي بكر، فقال معاوية بن حديج: قتلت ثمانين رجلاً من قومي في دم عثمان، وأتركك وأنت صاحبه، فقتله ثم جعله في بطن حمار وأحرقه. وقال عمرو بن دينار: أتى عمرو بن العاص بمحمد بن أبي بكر أسيراً، فقال: هل معك عقد) من أحد قال: لا. فأمر به فقتل. روى محمد عن أبيه مرسلاً. وعنه ابنه القاسم بن محمد، ولم يسمع منه. محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس القرشي 60 (3/601)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 602 العبشمي أبو القاسم. كان أبوه من السابقين إلى الإسلام، وهاجر إلى الحبشة فولد له هذا بها. واستشهد يوم اليمامة، فنشأ محمد في حجر عثمان، ثم إنه غضب على عثمان لكونه لم يستعمله أو لغير ذلك، فصار إلباً على عثمان. فلما وفد أمير مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح إلى عثمان، وكان محمد بمصر، فتوثب على مصر وأخرج منها نائب ابن أبي سرح عقبة بن مالك وخلع عثمان واستولى على مصر، فلم يتم أمره، وكان يسمى مشؤوم قريش. وقيل: إنه كان مع علي، فسيره على مصر، فقتلته شيعة عثمان بفلسطين. وقيل: قتلوه سنة ست وثلاثين، وقيل بعدها. أبو قتادة الأنصاري فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فارس شجاع، له شأن مذكور في سنة أربع وخمسين. 60 (3/602)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 603 وأما أهل الكوفة فيقولون: توفي بالكوفة، وصلى عليه علي رضي الله عنهما. قال غسان بن الربيع: توفي سنة ثمان وثلاثين. 60 (3/603)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 604 60 (3/604)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 605 (أحداث سنة تسع وثلاثين) فيها كانت وقعة الخوارج بحروراء بالنخيلة، قاتلهم علي فكسرهم، وقتل رؤوسهم وسجد شكراً لله تعالى لما أتي بالمخدج إليه مقتولاً، وكان رؤوس الخوارج زيد بن حصن الطائي، وشريح بن أوفى العبسي، وكانا على المجنبتين، وكان رأسهم عبد الله بن وهب السبأي، وكان على رجالتهم حرقوص بن زهير. 2 (النزاع على موسم الحج) وفيها بعث معاوية يزيد بن شجرة الرهاوي ليقيم الحج، فنازعه قثم ابن العباس ومانعه، وكان من جهة علي، فتوسط بينهما أبو سعيد الخدري وغيره، فاصطلحا، على أن يقيم الموسم شيبة بن عثمان العبدري حاجب الكعبة. 60 (3/605)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 606 وقيل توفي فيها أم المؤمنين، ميمونة، وحسان بن ثابت الأنصاري، وسيأتيان. وكان علي قد تجهز يريد معاوية، فرد من عانات، واشتغل بحرب الخوارج الحرورية، وهم العباد والقراء من أصحاب علي الذين مرقوا من الإسلام، وأوقعهم الغلو في الدين إلى تكفير العصاة بالذنوب، وإلى قتل النساء والرجال، إلا من اعترف لهم بالكفر وجدد إسلامه. ابن سعد: أنا محمد بن عمر، ثنا عبد الرحمن بن أبي الموالي، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، سمع محمد بن الحنفية يقول: كان أبي يريد الشام، فجعل يعقد لواءه، ثم يحلف لا يحله حتى يسير، فيأبى عليه الناس، وينتشر عليه رأيهم، ويجبنون فيحله ويكفر عن يمينه، فعل ذلك أربع مرات، وكنت أرى حالهم فأرى ما لا يسرني. فكلمت المسور بن مخرمة يومئذ، وقلت: ألا تكلمه أين يسير بقوم لا والله ما أرى عندهم طائلاً، قال: يا أبا القاسم يسير الأمر قد حم، قد كلمته فرأيته يأبى إلا المسير. قال ابن الحنفية: فلما رأى منهم ما رأى قال: اللهم إني قد مللتهم وقد ملوني، وأبغضتهم وأبغضوني، فأبدلني خيراً منهم، وأبدلهم شراً مني. 60 (3/606)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 607 (أحداث سنة أربعين)

2 (النزاع على ولاية اليمن) فيها بعث معاوية إلى اليمن بسر بن أبي أرطأة القرشي العامري في جنود، فتنحى عنها عامل علي عبيد الله بن عباس، وبلغ علياً فجهز إلى اليمن جارية بن قدامة السعدي فوثب بسر على ولدي عبيد الله بن عباس صبيين، فذبحهما بالسكين وهرب، ثم رجع عبيد الله على اليمن. قال ابن سعد: قالوا انتدب ثلاثة من الخوارج، وهم: عبد الرحمن ابن ملجم المرادي، والبرك بن عبد الله التميمي، وعمرو بن بكر التميمي، فاجتمعوا بمكة، فتعاهدوا وتعاقدوا ليقتلن هؤلاء الثلاثة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، ويريحوا العباد منهم. فقال ابن ملجم: أنا لعلي، وقال البرك: أنا لمعاوية، وقال الآخر: 60 (3/607)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 608 أنا أكفيكم عمراً، فتواثقوا أن لا ينكصوا، واتعدوا بينهم أن يقع ذلك ليلة سبع عشرة من رمضان، ثم توجه كل رجل منهم إلى بلد بها صاحبة، فقدم ابن ملجم الكوفة، فاجتمع بأصحابه من الخوارج، فأسر إليهم، وكان يزورهم ويزورونه. فرأى قطام بنت شجنة من بني تيم الرباب، وكان علي قتل أباها وأخاها يوم النهروان، فأعجبته، فقالت: لا أتزوجك حتى تعطيني ثلاثة آلاف درهم، وتقتل علياً، فقال: لك ذلك، ولقي شبيب بن بجرة الأشجعي، فأعلمه ودعاه إلى أن يكون معه فأجابه. وبقي ابن ملجم في الليلة التي عزم فيها على قتل علي يناجي الأشعث بن قيس في مسجده حتى طلع الفجر، فقال له الأشعث: فضحك الصبح، فقام وشبيب، فأخذا أسيافهما، ثم جاءا حتى جلسا مقابل السدة التي يخرج منها علي، فذكر مقتل علي رضي الله عنه، فلما قتل أخذوا عبد الرحمن بن ملجم، وعذبوه فقتلوه. وقال حجاج بن أبي منيع: نبأ جدي، عن الزهري، عن أنس قال: تعاهد ثلاثة من أهل العراق على قتل معاوية، وعمرو بن العاص، وحبيب بن مسلمة، وذكره. 60 (3/608)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 609 2 (من توفي فيها) الأشعث بن قيس أبو محمد الكندي نزيل الكوفة. له صحبة 61 (3/609)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 610 ورواية، وقد ارتد أيام الردة، فحوصر وأخذ بالأمان له ولسبعين من قومه، وقيل لم يأخذ لنفسه أماناً، فأتي به أبو بكر، فقال أبو بكر: إنا قاتلوك. لا أمان لك. فقال: أتمن علي وأسلم قال: نعم. فمن عليه وزوجه بأخته فروة بنت أبي قحافة. وكان سيد كندة، وأصيبت عينه يوم اليرموك. روى عنه قيس بن أبي حازم، وأبو وائل، وجماعة، وكان على ميمنة علي يوم صفين. وقد استعمله معاوية على أذربيجان. وكان سيداً جواداً. وهو أول من مشت الرجال في خدمته وهو راكب وتوفي بعد علي بأربعين ليلة، وصلى عليه الحسن رضي الله عنه. تميم الداري بن أوس بن خارجة بن سود بن جذيمة، أبو رقية اللخمي الدراي. صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلف في نسبه إلى الدار بن هانئ أحد بني لخم، 61 (3/610)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 611 ولخم من يعرب بن قحطان. وفد تميم الداري سنة تسع فأسلم، وحدث النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر بقصة الجساسة في أمر الدجال عن تميم الداري. ولتميم عدة أحاديث، روى عنه أنس، وابن عباس، وكثير بن مرة، وعطاء بن يزيد الليتي، وعبد الله بن موهب، وزرارة بن أوفى، وشهر بن حوشب، وطائفة. قال ابن سعد: لم يزل بالمدينة حتى تحول بعد قتل عثمان إلى الشام. وقال البخاري: هو أخو أبي هند الداري. 61 (3/611)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 612 وروى ابن سعد بإسنادين أن وفد الداريين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفة من تبوك، وهم عشرة، فيهم تميم. وقال ابن جريج: قال عكرمة: لما أسلم تميم قال: يا رسول الله، إن الله مظهرك على الأرض كلها، فهب لي قريتي من بيت لحم، قال: هي لك وكتب له بها، قال: ثم جاء تميم بالكتاب إلى عمر فقال: أنا شاهد ذلك، وأعطاه إياه. وذكر الليث بن سعد، أن عمر قال لتميم: ليس لك أن تبيع، فهي في أيدي أهل بيته إلى اليوم. وقال الواقدي: ليس لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالشام قطيعة غير حبرى وبيت عينون،) أقطعهما تميماً الداري وأخاه نعيماً. وفي البخاري من حديث ابن عباس قال: خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بدا، فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم، فلما قدما بتركته فقدوا جاماً من فضة، فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وجدوا الجام بمكة، فقيل: اشتريناه من تميم وعدي، فقام رجلان من أولياء السهمي، فحلفا لشهادتنا أحق من شهادتهما، وأن الجام لصاحبهم. 61 (3/612)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 613 وفيهم نزلت هذه الآية يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم. وقال قتادة في قوله: ومن عنده علم الكتاب قال: سلمان، وابن سلام، وتميم الداري. وقال قرة بن خالد، عن ابن سيرين: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي، وعثمان، وزيد، وتميم الداري. أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب قال: كان تميم الداري يختم القرآن في سبع. وقال عاصم بن سليمان، عن ابن سيرين: إن تميماً الداري كان يقرأ القرآن في ركعة. وقال عمرو بن مرة، عن أبي الضحى، عن مسروق قال: قال لي رجل من أهل مكة: هذا مقام أخيكم تميم الداري، صلى ليلة حتى أصبح 61 (3/613)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 614 أو كاد، يقرأ آية يرددها ويبكي: أم حسب الذين اجترحوا السيئات الآية. وقال أبو نباتة يونس بن يحيى، عن المنكدر بن محمد، عن أبيه، إن تميماً الداري نام ليلة لم يقم بتهجد، فقام سنة لم ينم فيها، عقوبة للذي صنع. الجريري، عن أبي العلاء، عن رجل قال: أتيت تميماً الداري فتحدثنا حتى استأنست إليه، فقلت: كم جزؤك قال: لعلك من الذين يقرأ أحدهم القرآن ثم يصبح فيقول: قد قرأت القرآن في هذه الليلة، فوالذي نفسي بيده لأن أصلي ثلاث ركعات نافلة أحب إلي من أن أقرأ في ليلة، فأصبح فأقول: قرأت القرآن هذه الليلة، فلما أغضبني قلت: والله إنكم معاشر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من بقي منكم لجدير أن تسكتوا، فلا تعلموا وتعنوا من سألكم، فلما رآني قد غضبت لان وقال: ألا أحدثك يا بن أخي، أرأيت إن كنت أنا مؤمناً قوياً، وأنت مؤمن ضعيف، فتحمل قوتي على ضعفك، فلا تستطيع فتنبت، أو رأيت إن كنت مؤمناً قوياً وأنا مؤمن ضعيف أتيتك بنشاطي حتى أحمل قوتك على ضعفي، فلا أستطيع، 61 (3/614)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 615 فأنبت، ولكن خذ من نفسك لدينك، ومن دينك لنفسك، حتى يستقيم بك الأمر على عبادة تطيقها. رواه ابن المبارك) في كتاب الزهد، عن الجريري. وروى حماد بن سلمة، عن الجريري، عن أبي العلاء، عن معاوية بن حرمل قال: قدمت المدينة فلبثت في المسجد ثلاثاً لا أطعم، فأتيت عمر، فقلت: يا أمير المؤمنين تائب من قبل أن يقدر علي، قال: من أنت قلت: معاوية بن حرمل، قال: اذهب إلى خير المؤمنين فانزل عليه. قال: وكان تميم الداري إذا صلى ضرب بيده عن يمينه وشماله، فأخذ رجلين فذهب بهما، فصليت إلى جنبه، فأخذني، فأتينا بطعام، فأكلت أكلاً شديداً، وما شبعت من شدة الجوع. فبينا نحن ذات ليلة إذ خرجت نار بالحرة، فجاء عمر إلى تميم فقال: قم إلى هذه النار. فقال: يا أمير المؤمنين، ومن أنا، وما أنا، فلم يزل به حتى قام معه، وتبعتهما، فانطلق إلى النار، فجعل تميم يحوشها بيده، حتى دخلت الشعب، ودخل تميم خلفها، فجعل عمر يقول: ليس من رأى كمن لم ير، قالها ثلاثاً. رواه عفان عنه. ومعاوية هذا لا يعرف. قتادة، عن ابن سيرين، أن تميماً الداري اشترى رداء بألف درهم يخرج فيه إلى الصلاة. 61 (3/615)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 616 الأصح همام، عن قتادة، عن أنس، فذكره، فقال حماد بن سلمة، عن ثابت، أن تميماً الداري اشترى حلة بألف، كان يلبسها في الليلة التي ترى فيها ليلة القدر. الزبيدي، عن الزهري، عن السائب بن يزيد قال: أول من قص تميم الداري، استأذن عمر فأذن له فقص قائماً. وعن سهيل بن مالك، عن أبيه، أن تميماً استأذن عمر في القصص فأذن له، ثم مر عليه بعد فضربه بالدرة، ثم قال له: بكرة وعشية عبد الله بن نافع، عن أسامة، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، أن تميماً استأذن عمر في القصص سنتين، ويأبى عليه. فلما أكثر عليه قال: ما تقول قال: أقرأ عليهم القرآن وآمرهم بالخير، وأنهاهم عن الشر، قال عمر: ذلك الذبح، ثم قال: عظ قبل أن أخرج للجمعة، فكان يفعل ذلك، فلما كان عثمان استزاده فزاده يوماً آخر. وقال عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع، أن تميماً الداري استأذن عمر في القصص، فقال له: على مثل الذبح، قال: إني أرجو العاقبة، فإذن له. وقال خالد بن عبد الله، عن بيان، عن وبرة قال: رأى عمر تميماً 61 (3/616)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 617 الداري يصلي بعد العصر، فضربه بدرته على رأسه، فقال له تميم: يا عمر تضربني على صلاة صليتها مع رسول الله) صلى الله عليه وسلم قال: يا تميم ليس كل الناس يعلم ما تعلم. خالد بن إياس، وهو واه، عن يحيى بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدري قال: أول من أسرج المسجد تميم الداري. أخرجه ابن ماجة. قيل: وجد على نصيبة قبر تميم أنه مات سنة أربعين. الحارث بن خزمة بن عدي أبو بشير الأنصاري الأشهلي. شهد بدراً والمشاهد كلها. وهو من حلفاء بني عبد الأشهل. توفي بالمدينة سنة أربعين وله سبع وستون سنة. وخزمة بفتحتين. قيده ابن ماكولا. خارجة بن حذافة د ت ق بن غانم. قال ابن ماكولا: له 61 (3/617)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 618 صحبة، وشهد فتح مصر، وكان أمير ربع المدد الذين أمد بهم عمر بن الخطاب عمرو بن العاص، وكان على شرطة مصر في خلافة عمر، وفي خلافة معاوية، قتله عمرو بن بكير الخارجي بمصر، وهو يعتقد أنه عمرو بن العاص. روى عنه عبد الله بن أبي مرة حديثاً. خوات بن جبير بن النعمان الأنصاري. شهد بدراً والمشاهد بعدها. 61 (3/618)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 619 فائدة لم يشهد خوات بن جبير بدراً. قال عبد الرحمن بن أبي ليلى وغيره: أصابه في ساقه حجر بالصفراء، فرجع فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه. يونس بن محمد: أنبأ فليح بن سليمان، عن ضمرة بن سعيد، عن قيس بن أبي حذيفة، عن خوات بن جبير قال: خرجنا حجاجاً مع عمر، فسرنا في ركب، فيهم أبو عبيدة، وعبد الرحمن بن عوف، فقال القوم: غننا فقال، عمر: دعوا أبا عبد الله فليغن من شعره، فلما زلت أغنيهم حتى كان السحر، فقال عمر: ارفع لسانك يا خوات، فقد أسحرنا. وكان أحد الأبطال المشهورين. له أحاديث. روى عنه عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعطاء بن يسار وابنه صالح بن خوات، وبسر بن سعيد. روى له البخاري في كتاب الأدب، خارج الصحيح. وقيل: هو صاحب ذات النحيين. 62 (3/619)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 620 قال زيد بن أسلم: قال خوات: نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران، فإذا بنسوة يتحدثن، فأعجبنني، فرجعت، فأخرجت حلة فلبستها، وجئت فجلست معهن، وخرج) رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبته فقال: أبا عبد الله ما يجلسك معهن وذكر الحديث. توفي خوات بن جبير بن النعمان سنة أربعين. وقيل سنة اثنتين وأربعين، بعد أن كف بصره. روى له البخاري في الأدب موقوفاً النوم أول النهار خرق، وأوسطه خلق، وآخره حمق. شرحبيل بن السمط م بن الأسود الكندي، أبو يزيد، ويقال 62 (3/620)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 621 أبو السمط. له صحبة ورواية. وروى أيضاً عن عمر، وسلمان الفارسي. وعنه جبير بن نفير، وكثير بن مرة، وجماعة. قال البخاري: كان على حمص، وهو الذي افتتحها. وكان فارساً بطلاً شجاعاً، قيل: إنه شهد القادسية. وكان قد غلب الأشعث بن قيس على شرف كندة. واستقدمه معاوية قبل صفين يستشيره. وقد قال الشعبي: إن عمر استعجل شرحبيل بن السمط على المدائن، واستعمل أباه بالشام، فكتب إلى عمر: إنك تأمر أن لا يفرق بين السبايا وأولادهن، فإنك قد فرقت بيني وبين ابني، قال: فألحقه بابنه. قال يزيد بن عبد ربه الحمصي: توفي شرحبيل سنة أربعين. علي بن أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. أمير المؤمنين أبو الحسن القرشي الهاشمي، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف الهاشمية، وهي بنت عم أبي طالب، كانت من المهاجرات، توفيت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة. قال عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي: قلت لأمي اكفي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سقاية الماء والذهاب في الحاجة، وتكفيك هي الطحن والعجن، وهذا يدل على أنها توفيت بالمدينة. 62 (3/621)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 622 روى الكثير عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعرض عليه القرآن وأقرأه. عرض عليه أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو الأسود الدؤلي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى. وروى عن علي: أبو بكر، وعمر، وبنوه الحسن والحسين، ومحمد، وعمر، وابن عمه ابن عباس، وابن الزبير، وطائفة من الصحابة، وقيس بن أبي حازم، وعلقمة بن قيس، وعبيدة السلماني، ومسروق، وأبو رجاء العطاردي، وخلق كثير. وكان من السابقين الأولين، شهد بدراً وما بعدها، وكان يكنى أبا تراب أيضاً.) قال عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل، إن رجلاً من آل مروان استعمل على المدينة، فدعاني وأمرني أن أشتم علياً فأبيت، فقال: أما إذا أتيت فالعن أبا تراب، فقال سهل: ما كان لعلي اسم أحب إليه منه، إن كان ليفرح إذا دعي به. فقال له: أخبرنا عن قصته لم سمي أبا تراب فقال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة، فلم يجد علياً في البيت، فقال: أين ابن عمك فقالت: قد كان بيني وبينه شيء فغاظني، فخرج ولم يقل عندي، فقال لإنسان: اذهب انظر أين هو. فجاء فقال: يا رسول الله هو راقد في المسجد، فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مضطجع قد سقط 62 (3/622)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 623 رداؤه عن شقه، فأصابه تراب، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عنه التراب ويقول: قم أبا تراب قم أبا تراب. أخرجه مسلم. وقال أبو رجاء العطاردي: رأيت علياً شيخاً أصلع كثير الشعر، كأنما اجتاب إهاب شاة، ربعة عظيم البطن، عظيم اللحية. وقال سوادة بن حنظلة: رأيت علياً أصفر اللحية. وعن محمد بن الحنفية قال: اختضب علي بالحناء مرة ثم تركه. وعن الشعبي قال: رأيت علياً ورأسه ولحيته بيضاء، كأنهما قطن. 62 (3/623)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 624 وعن الشعبي قال: رأيت علياً أبيض اللحية، ما رأيت أعظم لحية منه، وفي رأسه زغبات. وقال أبو إسحاق: رأيته يخطب، وعليه إزار ورداء، أنزع، ضخم البطن، أبيض الرأس واللحية. وعن أبي جعفر الباقر قال: كان علي آدم، شديد الأدمة، ثقيل العينين، عظيمهما، وهو إلى القصر أقرب. قال عروة: أسلم علي وهو ابن ثمان. وقال الحسن بن زيد بن الحسن: أسلم وهو ابن تسع. وقال المغيرة: أسلم وله أربع عشرة سنة. رواه جرير عنه. وثبت عن ابن عباس قال: أول من أسلم علي. وعن محمد القرظي قال: أول من أسلم خديجة، وأول رجلين أسلما 62 (3/624)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 625 أبو بكر، وعلي، وإن أبا بكر أول من أظهر الإسلام، وكان علي يكتم الإسلام فرقاً من أبيه، حتى لقيه أبو طالب فقال:) أسلمت قال: نعم، قال وازر ابن عمك وانصره، وأسلم علي قبل أبي بكر. وقال قتادة إن علياً كان صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وفي كل مشهد. وقال أبو هريرة وغيره: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، ويفتح الله على يديه. قال عمر: فما أحببت الإمارة قبل يومئذ، قال: فدعا علياً فدفعها إليه، وذكر الحديث، كما تقدم في غزوة خيبر بطرقه. وقال محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن المنهال، عن عبد الله ابن أبي ليلى قال: كان أبي يسمر مع علي، وكان علي يلبس ثياب الصيف في الشتاء، وثياب الشتاء في الصيف، فقلت لأبي: لو سألته فسأله، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلي وأنا ارمد العين يوم خيبر، فقلت: يا رسول الله إني أرمد، فتفل في عيني، فقال: اللهم أذهب عنه الحر والبرد، فما وجدت حراً ولا برداً منذ يومئذ. 62 (3/625)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 626 وقال جرير، عن مغيرة، عن أم موسى: سمعت علياً يقول: ما رمدت ولا صدعت منذ مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهي وتفل في عيني. وقال المطلب بن زياد، عن ليث، عن أبي جعفر، عن جابر بن عبد الله، إن علياً حمل الباب على ظهره يوم خيبر، حتى صعد المسلمون عليه ففتحوها يعني خيبر، وأنهم جروه بعد ذلك، فلم يحمله إلا أربعون رجلاً. تفرد به اسماعيل ابن بنت السدي، عن المطلب. وقال ابن إسحاق في المغازي: حدثني عبد الله بن الحسن، عن بعض أهله، عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم برايته، فلما دنا من الحصن، خرج إليه أهله، فقاتلهم، فضربه رجل من اليهود، فطرح ترسه من يده، فتناول علي باباً عند الحصن، فتترس به عن نفسه، فلم يزل في يده، وهو يقاتل، حتى فتح الله علينا، رأيتنا ثم ألقاه، فلقد رأينا ثمانية نفر، نجهد أن نقلب ذلك الباب، فما استطعنا أن نقلبه. وقال غندر: عوف، عن ميمون أبي عبد الله، عن البراء، وزيد بن أرقم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: أنت مني كهارون من موسى، غير أنك لست بنبي. ميمون صدوق. 62 (3/626)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 627 وقال بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد، عن أبيه قال: أمر معاوية سعداً فقال: ما يمنعك أن) تسب أبا تراب قال: أما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، وخلف علياً في بعض مغازيه، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أتخلفني مع النساء والصبيان قال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي. أخرجه الترمذي، وقال: صحيح غريب. وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم خيبر: لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، فدفعها إليه، ففتح الله عليه. ولما نزلت هذه الآية: فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبناءكم، دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفاطمة، وحسناً وحسيناً فقال: اللهم هؤلاء أهلي. بكير احتج به مسلم. وقال إبراهيم بن المنذر الحزامي: ثنا إبراهيم بن مهاجر بن 62 (3/627)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 628 مسمار، عن أبيه، عن عامر بن سعد، عن أبيه قال: أما والله أشهد لقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي يوم غدير خم، وأخذ بضبعيه: أيها الناس من مولاكم قالوا: الله ورسوله، قال: ومن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه الحديث. إبراهيم هذا، قال النسائي: ضعيف. ويروى عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنته فاطمة: قد زوجتك أعظمهم حلماً، وأقدمهم سلماً، وأكثرهم علماً وروى نحوه جابر الجعفي وهو متروك عن ابن بريدة عن أبيه. وقال الأجلح الكندي، عن عبد الله ن بريدة، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا بريدة لا تقعن في علي فإنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي. 62 (3/628)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 629 وقال الأعمش، عن سعيد بن عبيدة، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كنت وليه فعلي وليه. وقال غندر: حدثنا شعبة، عن ميمون أبي عبد الله، عن زيد بن أرقم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. هذا حديث صحيح. وقال أبو الجواب: ثنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن البراء قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مجنبتين على إحداهما علي، وعلى الآخرة خالد بن الوليد، وقال: إذا كان قتال) فعلي على الناس، فافتتح علي حصناً، فأخذ جارية لنفسه، فكتب خالد في ذلك، فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب قال: ما تقول في رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قلت: أعوذ بالله من غضب الله. أبو الجواب ثقة، أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن. 63 (3/629)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 630 قرأت على أبي المعالي أحمد بن إسحاق، أخبركم الفتح بن عبد الله بن محمد. ح. وأخبرنا يحيى بن أبي منصور، وجماعة إجازة قالوا: أنا أبو الفتوح محمد بن علي بن الجلاجلي قالا: أنا أبو القاسم هبة الله بن الحسين الحاسب، أنبأ أبو الحسين أحمد بن محمد بن النقور، ثنا عيسى بن علي بن الجراح املاء سنة تسع وثمانين وثلاثمائة، ثنا أبو القاسم بن عبد الله بن محمد، ثنا سويد بن سعيد، ثنل شريك، عن أبي إسحاق، عن حبشي بن جنادة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: علي مني وأنا من علي، لا يؤدي عني إلا أنا أو هو. رواه ابن ماجة عن سويد، ورواه الترمذي، عن إسماعيل بن موسى، عن شريك، وقال: صحيح غريب، ورواه يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن جده. أخرجه النسائي في الخصائص. وقال جعفر بن سليمان الضبعي: ثنا يزيد الرشك، عن مطرف بن عبد الله، عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سريةً، واستعمل عليهم علياً، وكان المسلمون إذا قدموا من سفر أو غزوا، أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يأتوا رحالهم، فأخبروه بمسيرهم، فأصاب علي جاريةً فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لنخبرنه، قال: فقدمت السرية فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بمسيرهم، فقام إليه أحد الأربعة فقال: يا رسول الله قد أصاب علي جارية، فأعرض عنه، ثم قام الثاني فقال: صنع كذا وكذا، فأعرض 63 (3/630)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 631 عنه، ثم الثالث كذلك، ثم الرابع، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم مغضباً فقال: ما تريدون من علي، علي مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي. أخرجه أحمد في المسند والترمذي، وحسنه، والنسائي. وقالت زينب بنت كعب بن عجرة، عن أبي سعيد قال: اشتكى الناس علياً، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيباً، فقال: لا تشكوا علياً، فوالله إنه لأخيشن في ذات الله أو في سبيل الله. رواه سعد بن إسحاق، وابن عمه سليمان بن محمد أبو كعب، عن عمتهما.) ويروى عن عمرو بن شاس الأسلمي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من آذى علياً فقد آذاني. وقال فطر بن خليفة، عن أبي الطفيل قال: جمع علي الناس في الرحبة، ثم قال لهم: أنشد الله كل امريءٍ سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام، فقام ناس كثير فشهدوا حين أخذ بيده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال للناس: أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا: نعم يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ثم قال لي زيد بن أرقم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك له. 63 (3/631)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 632 قال شعبة عن سلمة بن كهيل قال: سمعت أبا الطفيل يحدث عن أبي سريحة أو زيد بن أرقم، شك شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. حسنه الترمذي ولم يصححه لأن شعبة رواه عن ميمون أبي عبد الله، عن زيد بن أرقم نحوه، والظاهر أنه عند شعبة من طريقين، والأول رواه بندار، عن غندر، عنه. وقال كامل أبو العلاء، عن حبيب بن أبي ثابت، عن يحيى بن جعدة، عن زيد بن أرقم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي يوم غدير خم من كنت مولاه فعلي مولاه. وروى نحوه يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، أنه سمع علياً ينشد في الرحبة. وروى نحوه عبد الله بن أحمد في مسند أبيه، من حديث سماك بن عبيد، عن ابن أبي ليلى، وله طرق أخرى ساقها الحافظ ابن عساكر في ترجمة علي يصدق بعضها بعضاً. وقال حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، وأبي هارون، عن عدي بن ثابت، عن البراء قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين، ونودي في الناس: الصلاة جامعة، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً فأخذ بيده، وأقامه عن يمينه، فقال: ألست أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا: بلى، فقال: فإن هذا مولى من أنا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فلقيه عمر بن 63 (3/632)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 633 الخطاب فقال: هنيئاً لك يا علي، أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة. ورواه عبد الرزاق، عن معمر، عن علي بن زيد. وقال عبيد الله بن موسى، وغيره، عن عيسى بن عمر القاري، عن السدي قال: ثنا أنس بن) مالك، قال: أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيار، فقسمها، وترك طيراً فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي فجاء علي، وذكر حديث الطير. وله طرق كثيرة عن أنس متكلم فيها، وبعضها على شرط السنن، ومن أجودها حديث قطن بن نسير شيخ مسلم، ثنا جعفر بن سليمان، ثنا عبد الله بن المثنى، عن عبد الله بن أنس بن مالك، عن أنس قال: أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حجل مشوي فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي. وذكر الحديث. وقال جعفر الأحمر، عن عبد الله بن عطاء، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: كان أحب النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة، ومن الرجال علي. أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب. 63 (3/633)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 634 وقال أبو إسحاق السبيعي، عن أبي عبد الله الجدلي قال: دخلت على أم سلمة، فقالت لي: ايسب فيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: معاذ الله قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من سب علياً فقد سبني. ورواه أحمد في مسنده. وقال الأعمش، عن عدي بن ثابت، عن زر، عن علي قال: إنه لعهد النبي صلى الله عليه وسلم إلي أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق. أخرجه مسلم، والترمذي وصححه. وقال أبو صالح السمان، وغيره، عن أبي سعيد قال: إن كنا لنعرف المنافقين ببغضهم علياً. وقال أبو الزبير، عن جابر قال: ما كنا نعرف منافقي هذه الأمة إلا ببغضهم علياً. قال المختار بن نافع أحد الضعفاء ثنا أبو حيان التيمي، عن أبيه، عن علي قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحم الله أبا بكر، زوجني 63 (3/634)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 635 ابنته، وحملني إلى دار الهجرة، وأعتق بلالاً. رحم الله عمر، يقول الحق، وإن كان مراً، تركه الحق وما له من صديق. رحم الله عثمان تستحييه الملائكة. رحم الله علياً، اللهم أدر الحق معه حيث دار. أخرجه الترمذي وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وقال الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن الحارث، عن علي قال: يهلك في رجلان، مبغض مفتر، ومحب مطر. وقال يحيى الحماني: ثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن عائشة قالت: كنت قاعدة مع النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أقبل علي فقال: يا عائشة هذا سيد العرب قلت: يا) رسول الله، ألست سيد العرب قال: أنا سيد ولد آدم، وهذا سيد العرب. وروي من وجهين مثله، عن عائشة. وهو غريب. قال أبو الجحاف، عن جميع بن عمير التيمي قال: دخلت مع عمتي على عائشة، فسئلت: أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: فاطمة، فقيل: من الرجال، فقالت: زوجها، إن كان ما علمت صواماً قواماً. أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب. 63 (3/635)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 636 قلت: جميع كذبه غير واحد. وقال عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نخيل امرأة من الأنصار، فقال: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة فطلع أبو بكر، فبشرناه، ثم قال: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة فطلع عمر، فبشرناه، ثم قال: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة وجعل ينظر من النخل ويقول: اللهم إن شئت جعلته علياً. فطلع علي رضي الله عنه. حديث حسن. وعن سعيد بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أثبت حراء فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد وعليه أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي. وذكر بقية العشرة. وقال محمد بن كعب القرظي: قال علي: لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني لأربط الحجر على بطني من الجوع، وإن صدقة مالي لتبلغ اليوم أربعين ألفاً. رواه شريك، عن عاصم بن كليب، عنه. أخرجه أحمد في مسنده. 63 (3/636)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 637 وعن الشعبي قال: قال علي: ما كان لنا إلا إهاب كبش ننام على ناحيته، وتعجن فاطمة على ناحيته، يعني ننام على وجهٍ، وتعجن على وجه. وقال عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، وأنا حديث السن، ليس لي علم بالقضاء، فضرب صدري وقال: اذهب فإن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك قال: فما شككت في قضاءٍ بين اثنين بعد. وقال الأعمش عن إبراهيم التيمي، عن أبيه قال: خطبنا علي فقال: من زعم أن عندنا شيئاً نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة، وفيها أسنان الإبل وشيء من الجراحات، فقد كذب. وعن سليمان الأحمسي، عن أبيه قال: قال علي: والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت، وعلى من نزلت، وإن ربي وهب لي قلباً عقولاً، ولساناً ناطقاً.) وقال محمد بن سيرين: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبطأ علي عن ربيعة أبي بكر، فلقيه أبو بكر فقال: أكرهت إمارتي فقال: لا، ولكن آليت لا أرتدي بردائي إلا إلى الصلاة، حتى أجمع القرآن، فزعموا أنه كتبه على تنزيله فقال محمد: لو أصبت ذلك الكتاب كان فيه العلم. 63 (3/637)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 638 وقال سعيد بن المسيب: لم يكن أحد من الصحابة يقول: سلوني إلا علي. وقال ابن عباس: قال عمر: علي أقضانا، وأبي أقرؤنا. وقال ابن مسعود: كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي. وقال ابن المسيب، عن عمر قال: أعوذ بالله من معضلةٍ ليس لها أبو حسن. وقال ابن عباس: إذا حدثنا ثقة بفتيا عن علي لم نتجاوزها. وقال سفيان عن كليب، عن جسرة، قالت: ذكر عند عائشة صوم عاشوراء، فقالت: من يأمركم بصومه قالوا: علي قالت: أما إنه أعلم من بقي بالسنة. وقال مسروق: انتهى علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمر، وعلي، وعبد الله. وقال محمد بن منصور الطوسي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما ورد لأحدٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضائل ما ورد لعلي. 63 (3/638)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 639 وقال أبو إسحاق، عن عمرو بن ميمون قال: شهدت عمر يوم طعن، فذكر قصة الشورى، فلما خرجوا من عنده قال عمر: إن يولوها الأصيلع يسلك بهم الطريق المستقيم، فقال له ابنه عبد الله فما يمنعكّ يعني أن توليه قال: أكره أن أتحملها حياً وميتاً. وقال سفيان الثوري، عن الأسود بن قيس، عن سعيد بن عمرو، قال: خطبنا علي فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعهد إلينا في الإمارة شيئاً، ولكن رأي، رأيناه، فاستخلف أبو بكر، فقام واستقام، ثم استخلف عمر، فقام واستقام، ثم ضرب الدين بجرانه، وإن أقواماً طلبوا الدنيا فمن شاء الله أن يعذب منهم عذب، ومن شاء أن يرحم رحم. وقال علي بن زيد بن جدعان، عن الحسن، عن قيس بن عباد قال: سمعت علياً يقول: والله ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم عهداً إلا شيئاً عهده إلى الناس، ولكن الناس وقعوا في عثمان فقتلوه، فكان غيري فيه أسوأ حالاً وفعلاً مني، ثم إني رأيت أني أحقهم بهذا الأمر،) فوثبت عليه، فالله أعلم أصبنا أم أخطأنا. قرأت على أبي الفهم بن أحمد السلمي، أخبركم أبو محمد عبد الله بن أحمد الفقيه سنة سبع عشرة وستمائة، أنبأ أبو الفتح محمد بن عبد الباقي، 64 (3/639)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 640 أنبأ مالك بن أحمد سنة أربع وثمانين وأربعمائة، ثنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل إملاء سنة ست وأربعمائة، ثنا أبو علي أحمد بن الفضل بن خزيمة، ثنا عبد الله بن روح، ثنا شبابة، ثنا أبو بكر الهذلي، عن الحسن قال: لما قدم علي البصرة قام إليه ابن الكواء، وقيس بن عباد فقالا له: ألا تخبرنا عن مسيرك هذا الذي سرت فيه، تتولى على الأمة، تضرب بعضهم ببعض، أعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم عهده إليك، فحدثنا فأنت الموثوق المأمون على ما سمعت، فقال، أما أن يكون عندي عهد من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فلا، والله إن كنت أول من صدق به، فلا أكون أول من كذب عليه، ولو كان عندي من النبي صلى الله عليه وسلم عهد في ذلك، ما تركت أخا بني تيم بن مرة، وعمر بن الخطاب يقومان على منبره، ولقاتلتهما بيدي، ولو لم أجد إلا بردي هذا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل قتلاً، ولم يمت فجأة، مكث في مرضه أياماً وليالي، يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة، فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس، وهو يرى مكاني، ثم يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة، فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس، وهو يرى مكاني، ولقد أرادت امرأة من نسائه أن تصرفه عن أبي بكر فأبى وغضب وقال: أنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر يصلي بالناس. فلما قبض الله نبيه، نظرنا في أمورنا، فاخترنا لدنيانا من رضيه نبي الله لديننا. وكانت الصلاة أصل الإسلام، وهي أعظم الأمر، وقوام الدين. 64 (3/640)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 641 فبايعنا أبا بكر، وكان لذلك أهلاً، لم يختلف عليه منا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع منه البراءة، فأديت إلى أبي بكر حقه، وعرفت له طاعته، وغزوت معه في جنوده، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي، فلما قبض، ولاها عمر، فأخذ بسنة صاحبه، وما يعرف من أمره، فبايعنا عمر، لم يختلف عليه منا إثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع البراءة منه. فأديت إلى عمر حقه، وعرفت طاعته، وغزوت معه في جيوشه، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي. فلما قبض تذكرت في نفسي قرابتي وسابقتي وسالفتي وفضلي، وأنا أظن أن لا يعدل بي،) ولكن خشي أن لا يعمل الخليفة بعده ذنباً إلا لحقه في قبره، فأخرج منها نفسه وولده، ولو كانت محاباة منه لآثر بها ولده فبرئ منها إلى رهط من قريش ستة، أنا أحدهم. فلما اجتمع الرهط تذكرت في نفسي قرابتي وسابقتي وفضلي، وأنا أظن أن لا يعدلوا بي، فأخذ عبد الرحمن مواثقنا على أن نسمع ونطيع لمن ولاه الله أمرنا، ثم أخذ بيد ابن عفان فضرب بيده على يده، فنظرت في أمري، فإذا طاعتي قد سبقت بيعتي، وإذا ميثاقي قد أخذ لغيري، فبايعنا عثمان، فأديت له حقه، وعرفت له طاعته، وغزوت معه في جيوشه، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي. فلما أصيب نظرت في أمري، فإذا الخليفتان اللذان أخذاها بعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهما بالصلاة قد مضيا، وهذا الذي قد أخذ له الميثاق، قد 64 (3/641)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 642 أصيب، فبايعني أهل الحرمين، وأهل هذين المصرين. روى إسحاق بن راهوية نحوه، عن عبدة بن سليمان، ثنا أبو العلاء سالم المرادي، سمعت الحسن، وروى نحوه وزاد في آخره: فوثب فيها من ليس مثلي، ولا قرابته كقرابتي، ولا علمه كعلمي، ولا سابقته كسابقتي، وكنت أحق بها منه. قالا: فأخبرنا عن قتالك هذين الرجلين يعنيان: طلحة والزبير قال: بايعني بالمدينة، وخلعاني بالبصرة، ولو أن رجلاً ممن بايع أبا بكر وعمر خلعه لقاتلناه. وروى نحوه الجريري، عن أبي نضرة. وقال أبو عتاب الدلال: ثنا مختار بن نافع التيمي، ثنا أبو حيان التيمي، عن أبيه عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله أبا بكر، زوجني ابنته، وحملني إلى دار الهجرة، وأعتق بلالاً. رحم الله عمر، يقول الحق، ولو كان مراً، تركه الحق وماله من صديق. رحم الله عثمان تستحيه الملائكة. رحم الله علياً، اللهم أدر الحق معه حيث دار. وقال إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن أبي سعيد، سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن، كما قاتلت على تنزيله. 64 (3/642)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 643 فقال أبو بكر: أنا هو قال: لا، قال عمر: أنا هو قال: لا، ولكنه خاصف النعل، وكان أعطى علياً نعله يخصفها. قلت: فقاتل الخوارج الذين أولوا القرآن برأيهم وجهلهم. وقال خارجة بن مصعب، عن سلام بن أبي القاسم، عن عثمان بن أبي عثمان قال: جاء أناس) إلى علي فقالوا: أنت هو، قال: من أنا قالوا: أنت هو، قال: ويلكم من أنا قالوا: أنت ربنا، قال: ارجعوا، فأبوا، فضرب أعناقهم، ثم خد لهم في الأرض، ثم قال: يا قنبر ائتني بحزم الحطب، فحرقهم بالنار وقال: (لما رأيت الأمر أمراً منكراً .......... أوقدت ناري ودعوت قنبرا) وقال أبو حيان التيمي: حدثني مجمع، ان علياً كان يكنس بيت المال ثم يصلي فيه، رجاء أن يشهد له أنه لم يحبس فيه المال عن المسلمين. وقال أبو عمرو بن العلاء، عن أبيه قال: خطب علي فقال: أيها 64 (3/643)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 644 الناس، والله الذي لا إله إلا هو، ما رزأت من مالكم قليلاً ولا كثير، إلا هذه القارورة، واخرج قارورة فيها طيب، ثم قال: أهداها إلي دهقان. وقال ابن لهيعة: ثنا عبد الله بن هبيرة، عن عبد الله بن زرير الغافقي قال: دخلت على علي يوم الأضحى فقرب إلينا خزيرة، فقلت: لو قربت إلينا من هذا الإوز، فإن الله قد أكثر الخير، قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل للخليفة من مال الله إلا قصعتان، قصعة يأكلها هو وأهله، وقصعة يضعها بين يدي الناس. وقال سفيان الثوري: إذا جاءك عن علي شيء فخذ به، ما بنى لبنة، على لبنة، ولا قصبة على قصبة، ولقد كان يجاء بجيوبه في جراب. وقال عباد بن العوام، عن هارون بن عنترة، عن أبيه قال: دخلت على علي بالخورنق، وعليه سمل قطيفة، فقلت: يا أمير المؤمنين إن الله قد جعل لك لأهل بيتك في هذا المال نصيباً، وأنت تفعل هذا بنفسك فقال: إني والله ما أرزؤكم شيئاً، وما هي إلا قطيفتي التي أخرجتها من بيتي. 64 (3/644)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 645 وعن علي أنه اشترى قميصاً بأربعة دراهم فلبسه، وقطع ما فضل عن أصابعه من الكم. وعن جرموز قال: رأيت علياً وهو يخرج من القصر، وعليه إزار إلى نصف الساق، ورداء مشمر، ومعه درة يمشي بها في الأسواق، ويأمرهم بتقوى الله وحسن البيع، ويقول: أوفوا الكيل والميزان، ولا تنفخوا اللحم. وقال الحسن بن صالح بن حي: تذاكروا الزهاد عند عمر بن عبد العزيز، فقال: أزهد الناس في الدنيا علي بن أبي طالب. وعن رجل أنه رأى علياً قد ركب حماراً ودلى رجليه إلى موضع واحد، ثم قال: أنا الذي) أهنت الدنيا. وقال هشيم، عن إسماعيل بن سالم، عن عمار الحضرمي، عن أبي عمر زاذان، أن رجلاً حدث علياً بحديث، فقال: ما أراك إلا قد كذبتني، قال: لم أفعل، قال: إن كنت كذبت أدعو عليك، قال: ادع، فدعا، فما برح حتى عمي. وقال عطاء بن السائب، عن أبي البختري، عن علي قال: وأبردها على الكبد إذا سئلت عما لا أعلم أن أقول: الله أعلم. وقال خيثمة بن عبد الرحمن: قال علي: من أراد أن ينصف الناس، 64 (3/645)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 646 من نفسه فليحب لهم ما يحب لنفسه. وقال عمرو بن مرة، عن أبي البختري قال: جاء رجل إلى علي فأثنى عليه، وكان قد بلغه عنه أمر، فقال: إني لست كما تقول، وأنا فوق ما في نفسك. وقال محمد بن بشر الأسدي وهو صدوق ثنا أبو موسى بن مطير وهو واه عن أبيه، عن صعصعة بن صوحان قال: لما ضرب علي أتيناه، فقلنا: إستخلف، قال: إن يرد الله بكم خيراً استعمل عليكم خيركم، كما أراد بنا خيراً واستعمل علينا أبا بكر. وروى الحسن بن عمارة، عن الحكم، عن أبي وائل قال: قيل لعلي: ألا توصي قال: ما أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوصي، ولكن إن يرد الله بالناس خيراً سيجمعهم على خيرهم، كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم. وروي بإسناد آخر، عن الشعبي، عن أبي وائل، روى عبد الملك بن سلع الهمداني، عن عبد خير، عن علي قال: استخلف أبو بكر، فعمل بعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته، الحديث. وقال الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن عبد الله بن سبع، سمع علياً يقول: لتخضبن هذه من هذه، فما ينتظرني إلا شقي، قالوا: يا أمير المؤمنين، فأخبرنا عنه نبر، عترته، قال: أنشدكم بالله أن تقتلوا 64 (3/646)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 647 غير قاتلي، قالوا: فاستخلف علينا، قال: لا، ولكني أترككم إلى ما ترككم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: فما تقول لربك إذا أتيته قال: أقول: اللهم تركتني فيهم ما بدا لك، ثم قبضتني إليك، وأنت فيهم، إن شئت أصلحتهم، وإن شئت أفسدتهم. وقال الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ثعلبة بن يزيد الحماني سمعت علياً يقول: أشهد) أنه كان يسر إلي النبي صلى الله عليه وسلم: لتخضبن هذه من هذه، يعني لحيته من رأسه، فما يحبس أشقاها. وقال شريك، عن عثمان بن أبي زرعة، عن زيد بن وهب قال: قدم على علي قوم من البصرة من الخوارج، فقال منهم الجعد بن نعجة: اتق الله يا علي فإنك ميت، فقال علي: بل مقتول: ضربة على هذه تخضب هذه، عهد معهود وقضاء مقضي، وقد خاب من افترى، قال: وعاتبه في لباسه فقال: مالكم وللباسي، هو أبعد من الكبر، وأجدر أن يقتدي بي المسلم. 64 (3/647)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 648 وقال فطر، عن أبي الطفيل: إن علياً رضي الله عنه تمثل: (أشدد حيازيمك للموت .......... فإن الموت لاقيكا)

(ولا تجزع من القتل .......... إذا حل بواديكا) وقال ابن عيينة، عن عبد الملك بن أعين، عن أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي، عن أبيه، عن علي قال: أتاني عبد الله بن سلام، وقد وضعت قدمي في الغرز، فقال لي، لا تقدم العراق فإني أخشى أن يصيبك بها ذباب السيف، قلت: وايم الله لقد أخبرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو الأسود: فما رأيت كاليوم قط محارباً يخبر بذا عن نفسه. قال ابن عتبة: كان عبد الملك رافضياً. وقال يونس بن بكير: حدثني علي بن أبي فاطمة، حدثني الأصبغ الحنظلي قال: لما كانت الليلة التي أصيب فيها علي أتاه ابن النباح حين طلع الفجر، يؤذنه بالصلاة، فقام يمشي، فلما بلغ الباب الصغير، شد عليه عبد الرحمن بن ملجم، فضربه، فخرجت أم كلثوم فجعلت تقول: 64 (3/648)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 649 ما لي ولصلاة الصبح، قتل زوجي عمر صلاة الغداة، وقتل أبي صلاة الغداة. وقال أبو جناب الكلبي: حدثني أبو عون الثقفي، عن ليلة قتل علي قال: قال الحسن بن علي: خرجت البارحة وأمير المؤمنين يصلي فقال لي: يا بني إني بت البارحة أوقظ أهلي لأنها ليلة الجمعة صبيحة بدر، لسبع عشرة من رمضان، فملكتني عيناي، فسنح لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، ماذا لقيت من أمتك من الأود واللدد، فقال: ادع عليهم فقلت: اللهم أبدلني بهم من هو خير منهم، وأبدلهم بي من هو شر مني. فجاء ابن النباح فآذنه بالصلاة، فخرج، وخرجت خلفه، فاعتوره رجلان: أما أحدهما فوقعت ضربته في السدة، وأما الآخر فأثبتها في رأسه.) وقال جعفر بن محمد، عن أبيه، إن علياً كان يخرج إلى الصلاة، وفي يده درة يوقظ الناس بها، فضربه ابن ملجم، فقال علي أطعموه واسقوه فإن عشت فأنا ولي دمي. رواه غيره، وزاد: فإن بقيت قتلت أو عفوت فإن مت فاقتلوه قتلتي، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين. وقال محمد بن سعد: لقي ابن ملجم شبيب بن بجرة الأشجعي، 65 (3/649)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 650 فأعلمه بما عزم عليه من قتل علي، فوافقه، قال: وجلسنا مقابل السدة التي يخرج منها علي، قال الحسن: وأتيته سحراً، فجلست إليه فقال: إني ملكتني عيناي وأنا جالس، فسنح لي النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر المنام المذكور. قال وخرج وأنا خلفه، وابن النباح بين يديه، فلما خرج من الباب نادى: أيها الناس الصلاة الصلاة، وكذلك كان يصنع كل يوم، ومعه درته يوقظ الناس، فاعترضه الرجلان، فضربه ابن ملجم على دماغه، وأما سيف شبيب فوقع في الطاق، وسمع الناس علياً يقول: لا يفوتنكم الرجل، فشد الناس عليهما من كل ناحية، فهرب شبيب، وأخذ عبد الرحمن، وكان قد سم سيفه. ومكث علي يوم الجمعة والسبت، وتوفي ليلة الأحد، لإحدى عشرة ليلة بقيت من رمضان. فلما دفن أحضروا ابن ملجم، فاجتمع الناس، وجاءوا بالنفط والبواري، فقال محمد بن الحنفية، والحسين، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب: دعونا نشتف منه، فقطع عبد الله يديه ورجليه، فلم يجزع ولم يتكلم، فكحل عينيه، فلم يجزع، وجعل يقول: إنك لتكحل عيني عمك، وجعل يقرأ: إقرأ بسم ربك الذي خلق حتى ختمها، وإن عينيه لتسيلان، ثم أمر به فعولج عن لسانه ليقطع، فجزع، فقيل له في ذلك. فقال: ما ذاك بجزع، ولكني أكره أن أبقى في الدنيا فواقاً لا أذكر الله، فقطعوا لسانه، ثم أحرقوه في قوصرة، وكان أسمر حسن الوجه، أفلج، شعره مع شحمة أذنيه، وفي جبهته أثر السجود. ويروى أن علياً رضي الله عنه أمرهم أن يحرقوه بعد القتل. وقال جعفر بن محمد، عن أبيه قال: صلى الحسن على علي، ودفن 65 (3/650)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 651 بالكوفة، عند قصر الإمارة، وعمي قبره. وعن أبي بكر بن عياش قال: عموه لئلا تنبشه الخوارج. وقال شريك، وغيره: نقله الحسن بن علي إلى المدينة.) وذكر المبرد عن محمد بن حبيب قال: أول من حول من قبر إلى قبر علي. وقال صالح بن أحمد النحوي: ثنا صالح بن شعيب، عن الحسن بن شعيب الفروي، أن علياً صير في صندوق، وكثروا عليه من الكافور، وحمل على بعير، يريدون به المدينة، فلما كان ببلاد طيء، أضلوا البعير ليلاً، فأخذته طيء وهم يظنون أن في الصندوق مالاً فلما رأوه خافوا فدفنوه ونحروا البعير فأكلوه. وقال مطين: لو علمت الرافضة قبر من هذا الذي يزار بظاهر الكوفة لرجمته، هذا قبر المغيرة بن شعبة. 65 (3/651)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 652 قال أبو جعفر الباقر: قتل علي وهو ابن ثمان وخمسين. وعنه رواية أخرى أنه عاش ثلاثاً وستين سنة، وكذا روي عن ابن الحنفية، وقاله أبو إسحاق السبيعي، وأبو بكر بن عياش، وينصر ذلك ما رواه ابن جريج، عن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، أنه أخبر أن علياً توفي لثلاث أو أربع وستين سنة. وعن جعفر الصادق، عن أبيه قال: كان لعلي سبع عشر سرية. وقال أبو إسحاق السبيعي، عن هبيرة بن يريم قال: خطبنا الحسن بن علي فقال: لقد فارقكم بالأمس رجل ما سبقه إلا الأولون بعلم، ولا يدركه الآخرون، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيه الراية، فلا ينصرف حتى يفتح له، ما ترك بيضاء ولا صفراء، إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه، كان أرصدها لخادم أهله. وقال أبو إسحاق، عن عمرو الأصم قال: قلت للحسن بن علي إن الشيعة يزعمون أن علياً مبعوث قبل يوم القيامة، فقال: كذبوا والله ما هؤلاء بشيعة، لو علمنا أنه مبعوث ما زوجنا نساءه، ولا قسمنا ميراثه. ورواه شريك عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، بدل عمرو. ولو استوعبنا أخبار أمير المؤمنين لطال الكتاب. والله تعالى أعلم. 65 (3/652)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 653 عبد الرحمن بن ملجم المرادي قاتل علي رضي الله عنه: خارجي مفتر، ذكره ابن يونس في تاريخ مصر فقال: شهد فتح مصر، واختط بها مع الأشراف. وكان ممن قرأ القرآن، والفقه. وهو أحد بني تدول وكان فارسهم بمصر. قرأ القرآن على معاذ بن جبل. وكان من العباد. ويقال: هو الذي أرسل صبيغاً التميمي إلى عمر رضي الله عنه، فسأله عما سأله مستعجم القرآن.) وقيل إن عمر كتب إلى عمرو بن العاص: أن قرب دار عبد الرحمن بن ملجم من المسجد ليعلم الناس القرآن والفقه، فوسع له مكان داره، وكانت إلى جانب دار عبد الرحمن بن عديس البلوي، يعني أحد من أعان على قتل عثمان. ثم كان ابن ملجم من شيعة علي بالكوفة سار إليه إلى الكوفة، وشهد معه صفين. قلت: ثم أدركه الكتاب، وفعل ما فعل، وهو عند الخوارج من أفضل الأمة، وكذلك تعظمه النصيرية. قال الفقيه أبو محمد بن حزم: يقولون إن ابن ملجم أفضل أهل 65 (3/653)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 654 الأرض، خلص روح اللاهوت من ظلمة الجسد وكدره. فاعجبوا يا مسلمين لهذا الجنون. وفي ابن ملجم يقول عمران بن حطان الخارجي. (يا ضربة من تقى ما أراد بها .......... إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا)

(إني لأذكره حيناً فأحسبه .......... أوفى البرية عند الله ميزانا) وابن ملجم عند الروافض أشقى الخلق في الآخرة. وهو عندنا أهل السنة ممن نرجو له النار، ونجوز أن الله يتجاوز عنه، لا كما يقول الخوارج والروافض فيه. وحكمه حكم قاتل عثمان: وقاتل الزبير، وقاتل طلحة، وقاتل سعيد بن جبير، وقاتل عمار، وقاتل خارجة، وقاتل الحسين. فكل هؤلاء نبرأ منهم ونبغضهم في الله، ونكل أمورهم إلى الله عز وجل. معقيب ع بن أبي فاطمة الدوسي حليف بني عبد شمس، من مهاجرة الحبشة. 65 (3/654)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 655 قال ابن منده وحده: إنه شهد بدراً. كان معيقيب على خاتم النبي صلى الله عليه وسلم، واستعمله أبو بكر وعمر على بيت المال. له عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثان. روى عنه حفيده إياس بن الحارث، وأبو سلمة بن عبد الرحمن. أبو أسيد الساعدي واسمه مالك بن ربيعة بن البدن الأنصاري. من كبار الصحابة. شهد 65 (3/655)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 656 بدراً والمشاهد كلها، وذهب بصره في آخر عمره. له عدة أحاديث. روى عنه بنوه المنذر، والزبير، وحمزة، وأنس بن مالك، وعباس بن سهل بن سعد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعلي بن عبيد الساعدي مولاه.) توفي سنة أربعين، قاله خليفة وغيره، وهو الصحيح. وقال المدائني: توفي سنة ستين. وقال ابن منده، سنة خمس وستين. وقال أبو حفص الفلاس: توفي سنة ثلاثين. وقال ابن سعد: كانت مع أبي أسيد راية بني ساعدة يوم الفتح. وأخبرني محمد بن عمر، حدثني أبي بن عباس بن سهل، عن أبيه قال: رأيت أبا أسيد بعد أن ذهب بصره قصيراً دحداحاً أبيض الرأس واللحية. وقال ابن عجلان عن عبيد الله بن أبي رافع قال: رأيت أبا أسيد يحفي شاربه كأخي الحلق. وقال ابن أبي ذئب، عن عثمان بن عبيد الله قال: رأيت أبا أسيد، وأبا هريرة، وأبا قتادة، وابن عمر، يمرون بنا ونحن في الكتاب، فنجد منهم ريح 65 (3/656)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 657 العبير، وهو الخلوق يصفرون به لحاهم. وقال عبد الرحمن بن الغسيل، عن حمزة بن أبي أسيد، والزبير بن المنذر بن أبي أسيد أنهما نزعا بن يد أبي أسيد خاتماً من ذهب حين مات. وكان بدرياً. قيل إنه عاش ثمانياً وسبعين سنة، وله عقب بالمدينة وبغداد. رضي الله عنه. أبو مسعود البدري ولم يكن بدرياً بل سكن ماء ببدر فنسب إليه، بل شهد العقبة، وكان أصغر من السبعين حينئذ. اسمه عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة بن عسيرة الأنصاري. نزل 65 (3/657)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 658 الكوفة وكان من الفقهاء. روى عنه ابنه بشير بن أبي مسعود، وأوس بن ضمعج، وربعي بن حراش، وعلقمة، وهمام بن الحارث، وقيس بن أبي حازم، وأبو وائل، وآخرون. وقال الحكم بن عتيبة: كان بدرياً. وقال ابن أبي ذئب: قال عمر، لأبي مسعود الأنصاري: نبئت أنك تفتي الناس، ولست بأمير، فول حارها من تولى قارها. وقال خليفه: لما خرج علي يريد معاوية استخلف أبا مسعود على الكوفة. حماد بن زيد، عن مجالد، عن الشعبي قال: لما خرج علي إلى صفين استخلف أبا مسعود الأنصاري على الكوفة، فكانوا يقولون له: قد والله أهلك الله أعداءه وأظهر أمير المؤمنين، فيقول: إني والله ما أعده ظفراً أن تظهر إحدى الطائفتين على الأخرى. قالوا: فمه قال:) الصلح. فلما قدم علي ذكروا له ذلك، فقال له علي: اعتزل عملنا. قال: ممه قال: إنا وجدناك لا تعقل عقلة. فقال ابن مسعود: أما أنا فقد بقي في عقلي أن الآخر شر. عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن خيثمة بن عبد الرحمن قال: قام أبو مسعود على منبر الكوفة فقال: من كان 65 (3/658)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 659 تخبأ فليظهر، فإن كان إلى الكثرة، فإن أصحابنا أكثر، وما يعد فتحاً أن يلتقي هذان الحيان، فيقتل هؤلاء هؤلاء، حتى إذا لم يبق إلا رجرجة من هؤلاء وهؤلاء، ظهرت إحدى الطائفتين. ولكن الفتح أن يحقن الله دماءهم، ويصلح بينهم. قال المدائني وغيره: توفي سنة أربعين. وقال خليفة توفي قبل الأربعين. وقال الشيخ محيي الدين النووي في شرحه للبخاري: الجمهور على أنه سكن بدراً، ولم يشهدها. وقال: أربعة كبار شهدوها. قاله الزهري، وابن إسحاق، والبخاري، والحكم. وقال الواقدي: مات في آخر خلافة معاوية بالمدينة. وله مائة حديث وحديثان، اتفقا منها على تسعة، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بسبعة. 66 (3/659)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 660 2 (المتوفون في خلافة علي)

2 (تحديداً وتقريباً على الحروف) رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان خ أبو معاذ الأنصاري الزرقي، أخو مالك، وخلاد. شهد بدراً هو وأخوه خلاد، وكان أبوه من نقباء الأنصار. له أحاديث. روى عنه ابناه: عبيد، ومعاذ، وابن أخيه يحيى بن خلاد، وغيرهم. وله عقب كثير بالمدينة، وبغداد. 66 (3/660)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 661 توفي في حدود سنة أربعين. وقال ابن سعد توفي في أول خلافة معاوية. سراقة بن مالك بن جعشم الكناني المدلجي، أبو سفيان. أسلم بعد حصار الطائف، وقيل بل شهد حنيناً. وهو المذكور في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي سأل عن متعة الحج أللأبد هي وكان ينزل قديداً. توفي بعد عثمان بعامين، أو في سنة أربع وعشرين كما مر. صفوان بن عسال المرادي ت ن ق غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثنتي عشرة غزوة. وله أحاديث.) روى عنه زر بن حبيش، وعبد الله بن مسلمة المرادي وأبو الغريف عبيد الله بن خليفة، وأبو سلمة بن عبد الرحمن. وسكن الكوفة. قرظة بن كعب الأنصاري الخزرجي ق أحد فقهاء الصحابة. 66 (3/661)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 662 وهو أحد العشرة الذين وجههم عمر إلى الكوفة ليعلموا الناس، ثم شهد فتح الري زمن عمر. وولاه علي على الكوفة. ثم سار إلى الجمل مع علي، ثم شهد صفين. توفي بالكوفة، وصلى عليه علي على الصحيح. وهو أول من نيح عليه بالكوفة. وقيل: توفي بعد علي. القعقاع بن عمرو التميمي قيل إنه شهد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وله أثر عظيم في قتال الفرس في القادسية وغيرها. وكان أحد الأبطال المذكورين. يقال: إن أبا بكر قال: صوت القعقاع في الجيش خير من ألف رجل. وشهد الجمل مع علي وكان الرسول في الصلح يومئذ بين الفريقين. وسكن الكوفة. 66 (3/662)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 663 هشام بن حكيم بن حزام م د ن بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي. هو وأبوه من مسلمة الفتح. ولهذا رواية. وعنه جبير بن نفير، وعروة بن الزبير، وغيرهما. وهو الذي صارعه النبي صلى الله عليه وسلم فصرعه. قال ابن سعد: كان صليباً مهيباً. وقال الزهري: كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وكان عمر إذا رأى منكراً قال: أما ما عشت أنا وهشام بن حكيم، فلا يكون هذا. وقال ابن سعد: توفي في أول خلافة معاوية. وقيل: إنه قتل بأجنادين، ولا يصح. الوليد بن عقبة ابن أبي معيط، واسم أبي معيط أبان بن أبي عمرو بن أمية بن عبد 66 (3/663)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 664 شمس، القرشي الأموي، أبو وهب. له صحبة يسيرة، وهو أخو عثمان لأمه. روى عنه الشعبي، وأبو موسى الهمداني. وولي الكوفة لعثمان. ولما قتل عثمان سكن الجزيرة، ولم يشهد الفتنة. وكان سخياً جواداً شاعراً شريفاً. قال ابن سعد: إنه أسلم يوم الفتح، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات بني) المصطلق، وولاه عمر صدقات بني تغلب. وولاه عثمان 66 (3/664)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 665 الكوفة بعد سعد، ثم عزله عنها، فقدم المدينة، ولم يزل بها حتى بويع علي، فخرج إلى الرقة فنزلها، واعتزل علياً ومعاوية. وقبره بعين الروحية على بريد من الرقة، وولده بالرقة إلى اليوم. وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق ليصدقوه، فتلقوه بالصدقة، فتوهم منهم، ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن بني المصطلق قد جمعوا لك ليقاتلوك. فنزلت: إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا الآية. وكذا قال قتادة، 66 (3/665)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 666 ويزيد بن رومان، وزاد يزيد فقال: كان رجلاً جباناً، فلما ركبوا يتلقونه ظن أنهم يريدون قتله. وقال محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال الوليد بن عقبة لعلي: أنا أحد منك سناناً، وأبسط منك لساناً، وأملأ للكتيبة منك. فقال علي: اسكت فإنما أنت فاسق، فنزلت أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون. وقال طارق بن شهاب: لما قدم الوليد أميراً على الكوفة، أتاه سعد فقال: يا أبا وهب، أكست بعدي أو استحمقت بعدك. وقال الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قال: كنا في جيش بالروم، ومعنا حذيفة، وعلينا الوليد، فشرب الخمر، فأردنا أن نحده، فقال حذيفة: اتحدون أميركم وقد دنوتم من عدوكم، فبلغه فقال: (لأشربن وإن كانت محرمة .......... وأشربن على رغم أنف من رغما) وقال سعيد بن أبي عروبة، عن عبد الله الداناج، عن أبي ساسان 66 (3/666)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 667 حصين بن المنذر قال: صلى الوليد بن عقبة بالناس الفجر أربع ركعات وهو سكران، ثم التفت إليهم وقال: أزيدكم. فركب ناس من الكوفة إلى عثمان فكلمه علي في ذلك، فقال له عثمان: دونك ابن عمك فخذه. قال: قم يا حسن فاجلده. قال: فيم أنت وهذا قال: بل ضعفت ووهنت، قم يا عبد الله بن جعفر فاجلده، فقام فجلده علي يعد حتى بلغ أربعين. رواه مسلم. وقيل: إن أهل الكوفة كذبوا عليه. وذكر أبو مخنف لوط وهوواه عن خاله الصعق بن زهير عن محمد بن مخنف قال: قال: كان أول عمال عثمان أحدث الوليد بن عقبة: كان يدني السحرة، ويشرب الخمر، ويجالسه أبو زبيد الطائي النصراني. قال: وجاء ساحر من أهل بابل، فأخذ يريهم حبلاً في المسجد مستطيلاً،) وعليه فيل يمشي، وناقة تخب، والناس يتعجبون، ثم يريهم حبلاً يشتد حتى يدخل في فيه، فيخرج من دبره، ثم يضرب رأس رجل فيقع ناحية، ثم يقول: قم. فيقوم. فرأى جندب بن كعب ذلك، فأخذ سيفاً وضرب عنق الساحر وقال: أحيي نفسك، فأمر الوليد بقتله، فقام رجال من الأزد فمنعوه، وقالوا: نقتله بعلج ساحر، فسجنه، وساق القصة بطولها. 66 (3/667)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 668 أبو رافع القبطي ع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، اسمه إبراهيم، وقيل: أسلم. وكان عبداً للعباس، فوهبه للنبي صلى الله عليه وسلم، فلما بشره بإسلام العباس أعتقه. روى عنه ابنه عبيد الله، وحفيده الحسن بن علي بن أبي رافع، وحفيده الفضل بن عبيد الله بن أبي رافع، وعلي بن الحسين، وأبو سعيد المقبري، وعمرو بن الشريد الثقفي، وجماعة كثيرة. وشهد أحداً والخندق. توفي بعد مقتل عثمان. وروابة علي بن الحسين عنه مرسلة. وقيل: توفي سنة أربعين بالكوفة. أبو لبابة بن عبد المنذر قيل: بقي إلى خلافة علي. وقد تقدم. وممن كان في هذا الوقت: 66 (3/668)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 669 سحيم عبد بني الحسحاس شاعر مفلق، بديع القول، لا صحبة له. روى معمر، عن سعيد بن عبد الرحمن، عن السائب قال: قيل لعمر رضي الله عنه: هذا عبد بني الحسحاس يقول الشعر، فدعاه فقال: كيف قلت فقال: (ودع سليمى إن تجهزت غادياً.......... كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا) قال: حسبك، صدقت صدقت. هذا حديث صحيح. 67 (3/669)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 670 وهذه قصيدة طنانة يقول فيها: (جنوناً بها فيما اعتلقنا علاقة.......... علاقة حب ما استسر وباديا) (ليالي تصطاد الرجال بفاحم.......... تراه أثيثاً ناعم النبت عافيا) (وجيد كجيد الريم ليس بعاطل.......... من الدر والياقوت أصبح حاليا) (كأن الثريا عقلت فوق نحرها.......... وجمر غضى هبت له الريح زاكيا) (إذا اندفعت في ريطة وخميصة.......... وألقت بأعلى الرأس سباً يمانيا) (تريك غداة البين كفاً ومعصماً.......... ووجهاً كدينار الأعزة صافيا) ) (فلو كنت ورداً لونه لعشقتني.......... ولكن ربي شانني بسواديا) (أتكتم حييتم على الناس تكتما.......... تحية من أمسى بحبك مغرما) (وماشية مشي القطاة اتبعتها.......... من السير تخشى أهلها أن تكلما) (فقالت له: يا ويح غيرك إنني.......... سمعت كلاماً بينهم يقطر الدما) 67 (3/670)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 671 وله من قصيدة: (وإن لا تلاقي الموت في اليوم فاعلمن.......... بأنك رهن أن تلاقيه غدا) (رأيت المنايا لم يدعن محمداً.......... ولا أحداً إلا له الموت أرصدا) وقيل إن سحيماً لما أكثر التشبيب بنساء الحي عزموا على قتله، فبكت امرأة كان يرمى بها، فقال: (أمن سمية دمع العين مذروف.......... لو أن ذا منك قبل اليوم معروف) (المال مالكم والعبد عبدكم.......... فهل عذابك عني اليوم مصروف) (كأنها يوم صدت ما تكلمنا.......... ظبي بعسفان ساجي الطرف مطروف) ثم قتل عفا الله عنه. (3/671)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 5 5 (الطبقة الخامسة) 1 (الحوادث من سنة إلى) 4 (حوادث سنة واحد وأربعين) ويسمى عام الجماعة لاجتماع الأمة فيه على خليفة واحد، وهو معاوية. قال خليفة: اجتمع الحسن بن علي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان بمسكن وهي من أرض السواد من ناحية الأنبار فاصطلحا وسلم الحسن الأمر إلى معاوية وذلك في ربيع الآخر أو جمادى الأولى واجتمع الناس على معاوية فدخل الكوفة. وقال عبد الله بن شوذب: سار الحسن في أهل العراق يطلب الشام، وأقبل في أهل الشام فالتقوا، فكره الحسن القتال، وبايع معاوية على أن جعل العهد من بعده للحسن، فكان أصحاب الحسن يقولون له: يا عار المؤمنين، فيقول: العار خير من النار. (4/5)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 6 وقال جرير بن حازم: بايع أهل الكوفة الحسن بعد أبيه، وأحبوه أكثر من أبيه. وعن عوانة بن الحكم قال: سار الحسن حتى نزل المدائن، وبعث قيس بن سعد بن عبادة على المقدمة في اثني عشر ألفاً، فبينا الحسن بالمدائن إذ نادى مناد ألا إن قيساً قد قتل، فاختبط الناس، وانتهب الغوغاء سرادق الحسن حتى نازعوه بساطاً تحته، وطعنه رجل من الخوارج من بني أسد بخنجر، فوثب الناس على الرجل فقتلوه، لا رحمه الله، ونزل الحسن القصر الأبيض بالمدائن، وكاتب معاوية في الصلح. وقال نحو هذا: أبو إسحاق، والشعبي. وروي أنه إنما خلع نفسه لهذا، وهو أنه قام فيهم فقال: ما ثنانا عن أهل الشام شك ولا زيغ، لكن كنتم في منتدبكم إلى صفين ودينكم أمام دنياكم، فأصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم. روري أن الخنجر الذي جرح به في إليته كان مسموماً، فتوجع منه شهراً ثم عوفي، ولله الحمد. وقال أبو روق الهزاني: ثنا أبو الغريف قال: لما رد الحسن إلى الكوفة وبايع معاوية، قال له رجل منا يقال له أبو عامر: السلام عليك يا مذل المؤمنين، فقال: لست بمذل المؤمنين ولكني كرهت أن أقتلكم على الملك. (4/6)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 7 وروي أنه قال في شرطه لمعاوية: إن علي عدات وديوناً، فأطلق له من بيت المال نحو) أربعمائة ألف أو أكثر. وكان الحسن رضي الله عنه سيداً لا يرى القتال، وقد قال جده رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين. وقال سكين بن عبد العزيز بصري ثقة: ثنا هلال بن خباب قال: قال الحسن بن علي: يا أهل الكوفة لو لم تذهل نفسي عنكم إلا لثلاث لذهلت: لقتلكم أبي، وطعنكم في فخذي، وانتهابكم ثقلي. ولما دخل معاوية الكوفة خرج عليه عبد الله بن أبي الحوساء بالنخيلة في جمع، فبعث لحربه خالد بن عرفطة، فقتل ابن أبي الحوساء. وفي جمادى الآخرة خرج بناحية البصرة سهم بن غالب الهجيمي والخطيم الباهلي، فقتلا عبادة بن قرط الليثي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بناحية (4/7)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 8 الأهواز، فانتدب لحربهما عبد الله بن عامر بن كريز، فخافا واستأمنا، فأمنهما وقتل طائفة من أصحابهما. وفيها ولي عبد الله بن عامر البصرة، وولي مروان بن الحكم المدينة لمعاوية. وحج بالناس عتبة أخو معاوية. وفيها غزا إفريقية عقبة بن نافع الفهري. وفيها توفي صفوان بن أمية الجمحي، وحفصة أم المؤمنين، ولبيد الشاعر المشهور، وفيه خلف. (4/8)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 9 4 (حوادث سنة اثنتين وأربعين) فيها توفي بخلف: الأسود بن سريع. والأشعث بن قيس. وحبيب بن مسلمة. وعتبة بن أبي سفيان بن حرب. وصفوان بن أمية. وعثمان بن طلحة الحجبي. وعمرو بن العاص وفي سائرهم خلف.. وفيها وجه عبد الله بن عامر على إمرة سجستان عبد الرحمن بن سمرة، وهو من بني عمه،) وكان معه في تلك الغزوة من الشباب الحسن البصري والمهلب بن أبي صفرة، وقطري بن الفجاءة، فافتتح زرنج وبعض كور الأهواز. (4/9)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 10 وفيها وجه ابن عامر راشد بن عمرو إلى ثغر الهند، فشن الغارات وتوغل في بلاد السند. (4/10)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 11 4 (حوادث سنة ثلاث وأربعين) فيها توفي عمرو بن العاص على الصحيح. وعبد الله بن سلام الحبر. ومحمد بن مسلمة. وأقام الحج مروان. وفيها فتح عبد الرحمن بن سمرة الرخج وغيرها من بلاد سجستان. وفيها افتتح عقبة بن نافع الفهري كوراً من بلاد السودان وودان وهي من برقة. وفيها شتى بسر بن أرطأة بأرض الروم مرابطاً. (4/11)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 12 4 (حوادث سنة أربع وأربعين) فيها توفي على الصحيح: أبو موسى الأشعري، ويقال: فيها توفي الحكم بن عمرو الغفاري. وحبيب بن مسلمة الأمير. وأم المؤمنين أم حبيبة. وقتل بكابل أبو قتادة العدوي، وقيل بل هو أبو رفاعة، وافتتحها ابن سمرة. وفيها غزا المهلب بن أبي صفرة أرض الهند، وسار إلى قندابيل، وكسر العدو وسلم وغنم، وهي أول غزواته. وكان من سبي كابل فيما ذكر خليفة: مكحول، ونافع مولى ابن عمر، وكيسان والد أيوب السختياني، وسالم الأفطس. (4/12)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 13 وفيها استلحق معاوية زياد بن أبيه. وفيها حج معاوية بالناس. (4/13)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 14 4 (حوادث سنة خمس وأربعين) فيها توفي: زيد بن ثابت على الصحيح. وعاصم بن عدي. والمستورد بن شداد الفهري. وسلمة بن سلامة بن وقش. وحفصة أم المؤمنين بخلف. وأبو بردة بن نيار. وفيها عزل معاوية: عبد الله بن عامر عن البصرة، واستعمل عليها الحارث بن عمرو الأزدي، ثم عزل عن قريب، وولى عليها زياد. وقتل سهم بن غالب الهجيمي الذي كان قد خرج في أول إمرة معاوية وصلبه. وفيها غزا معاوية بن حديج إفريقية.) (4/14)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 15 وفيها سار عبد الله بن سوار العبدي فافتتح القيقان وغنم وسلم. (4/15)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 16 4 (حوادث سنة ست وأربعين) فيها توفي عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المخزومي على الأصح، ومحمد بن مسلمة، وقد مر. وفيها عزل معاوية: عبد الرحمن بن سمرة عن سجستان، وولاها الربيع بن زياد الحارثي، فخاف الترك. وفيها جمع كابل شاه وزحف إلى المسلمين، فنزح المسلمون عن كابل، ثم لقيهم الربيع بن زياد فهزمهم الله، وسار وراءهم المسلمون إلى الرخج. وفيها شتى المسلمون بأرض الروم والله أعلم. (4/16)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 17 4 (حوادث سنة سبع وأربعين) فيها غزا عبد الله بن سوار العبدي القيقان، فجمع له الترك والتقوا، فاستشهد عبد الله، وسار ذلك الجيش، وغلب المشركون على القيقان. وفيها سار رويفع بن ثابت الأنصاري من أطرابلس المغرب فدخل إفريقية، ثم انصرف من سنته. وأقام الموسم عنبسة بن أبي سفيان. وفيها عزل عقبة بن عامر عن مصر وأمر عليها مسلمة بن مخلد. وفيها شتى مالك بن هبيرة بأرض الروم وفيها توفي أهبان بن أوس، وعتي بن ضمرة. (4/17)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 18 4 (حوادث سنة ثمان وأربعين) فيها عزل معاوية مروان عن المدينة وولاها سعيد بن العاص الأموي، وكتب معاوية إلى زياد لما بلغه قتل عبد الله بن سوار: انظر رجلاً يصلح لثغر الهند فوجهه إليه، قال: فوجه زياد سنان بن سلمة بن المحبق الهذلي. وفيها قتل بالهند عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي. وقيل: توفي فيها الحارث بن قيس الجعفي الفقيه صاحب ابن مسعود، وخزيمة الأسدي. (4/18)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 19 4 (حوادث سنة تسع وأربعين) فيها توفي الحسن بن علي رضي الله عنهما. وأبو بكرة الثقفي في قول. وعبد الله بن قيس) القيني له صحبة. وفيها قتل زياد بالبصرة: الخطيم الباهلي الخارجي. وفي ولاية المغيرة على الكوفة خرج شبيب بن بجرة الأشجعي فوجه إليه المغيرة: كثير بن شهاب الحارثي فقتله بأذربيجان، وكان شبيب ممن شهد النهروان. وفيها شتى مالك بن هبيرة بأرض الروم، وقيل بل شتاها فضالة بن عبيد الأنصاري. وأقام الحج سعيد بن العاص. (4/19)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 20 4 (حوادث سنة خمسين) فيها توفي الحسن بن علي، قاله جماعة. وعبد الرحمن بن سمرة. وعمرو بن الحمق الخزاعي. وكعب بن مالك الأنصاري الشاعر. والمغيرة بن شعبة. ومدلاج بن عمرو. وصفية أم المؤمنين.. ولما احتضر المغيرة استخلف على الكوفة ابنه عروة أو جرير بن عبد الله، فجمع معاوية المصرين البصرة والكوفة تحت إمرة زياد، فعزل عن سجستان الربيع واستعمل عليها عبيد الله بن أبي بكرة. وفيها أنفذ معاوية عقبة بن نافع إلى إفريقية، فخط القيروان وأقام بها ثلاث سنين. (4/20)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 21 وقال محمد بن عمرو بن علقمة، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: لما افتتح عقبة إفريقية ووقف على مكان القيروان قال: يا أهل الوادي إنا حالون إن شاء الله فأظعنوا ثلاث مرات، قال: فما رأينا حجراً ولا شجراً إلا يخرج من تحته دابة حتى هبطن بطن الوادي، ثم قال للناس: إنزلوا باسم الله. وفيها وجه زياد: الربيع الحارثي إلى خراسان فغزا بلخ، وكانت قد أغلقت بعد رواح الأحنف بن قيس عنها، فصالحوا الربيع، ثم غزا الربيع قهستان ففتها عنوة. وفيها فتح معاوية بن حديج فتحاً بالمغرب، وكان قد جاءه عبد الملك بن مروان في مدد أهل المدينة، وهذه أول غزاة لعبد الملك. وفيها غزوة القسطنطينية، كان أمير الجيش إليها يزيد بن معاوية، وكان معه وجوه الناس، وممن كان معه أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه. (4/21)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 22 وقال سعيد بن عبد العزيز: لما قتل عثمان لم يكن للناس غازية ولا صائفة، حتى اجتمعوا على) معاوية سنة أربعين، فأغزى الصوائف وشتاهم بأرض الروم، ثم غزاهم ابنه يزيد في جماعة من الصحابة في البر والبحر حتى أجازهم الخليج، وقاتلوا أهل القسطنطينية على بابها ثم قفل راجعاً. وفيها دعا معاوية أهل الشام إلى البيعة بولاية العهد من بعده لابنه يزيد فبايعوه. وفيها غزا سنان بن سلمة بن المحبق القيقان، فجاءه جيش عظيم من العدو، فقال سنان لأصحابه: أبشروا فإنكم بين خصلتين: الجنة أو الغنيمة، ففتح الله عليه ونصره وما أصيب من المسلمين إلا رجل واحد. (4/22)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 23 1 (تراجم هذه الطبقة مرتبة على الأحرف)

4 (الألف)

4 (الأرقم بن أبي الأرقم) بن أسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي، أحد السابقين الأولين، واسم أبيه عبد مناف. استخفى النبي صلى الله عليه وسلم في أوائل الإسلام في داره، وهي عند الصفا، شهد بدراً وعاش إلى دهر معاوية، وسيأتي. 4 (الأسود بن سريع) بن حمير بن عبادة التميمي السعدي، أبو عبد الله. (4/23)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 24 صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو أول من قص بجامع البصرة. روى عنه: الأحنف بن قيس، والحسين البصري، وعبد الرحمن بن أبي بكرة. يقال: توفي سنة اثنتين وأربعين. 4 (أمامة بنت أبي العاص) بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس الأموية النبوية، بنت السيدة زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي التي كان يحملها النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة. تزوجها علي رضي الله عنه في إمرة عمر، وبقيت معه إلى أن استشهد وجاءه منها أولاد، ثم تزوجها المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب فتوفيت عنده بعد أن ولدت له يحيى. 4 (أهبان بن أوس) ) مكلم الذئب، الأسلمي أبو عقبة، مكلم الذئب، وكان من أصحاب الشجرة. (4/24)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 25 روى له البخاري حديثاً واحداً. 4 (أهبان بن صيفي، الغفاري) أبو مسلم. نزل البصرة. روت عنه عائشة، أن علياً رضي الله عنه أتاه بعد فتنة الجمل فقال: ما خلفك عنا وكان قد اتخذ سيفاً من خشب. وله قصة مشهورة صحيحة عن بنته، قال لما احتضر: كفنوني في ثوبين، فزدناه ثوباً فدفناه فيه، فأصبح ذلك القميص موضوعاً على المشجب. (4/25)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 26 4 (الجيم) جارية بن قدامة، التميمي السعدي، أبو أيوب، ويقال أبو يزيد. له صحبة، وكان بطلاً شجاعاً شريفاً مطاعاً من كبار أمراء علي، شهد معه صفين، ثم وفد بعده على معاوية مع ابن عمه الأحنف. وكان سفاكاً فاتكاً، ويدعى محرقاً لأن معاوية وجه ابن الحضرمي إلى البصرة بنعي عثمان وليستنفرهم، فوجه علي جارية هذا، فتحصن منه ابن الحضرمي كما ذكرنا، فأحرق عليه الدار، فاحترق فيها خلق. ويروى أن علياً بلغه ما صنع بسر بن أرطأة من السفك بالحجاز، فبعث جارية هذا، فجعل لا يجد أحداً خلع علياً إلا قتله وحرقه بالنار حتى انتهى (4/26)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 27 إلى اليمن، فسمي محرقاً. 4 (جبلة بن الأيهم،) أبو المنذر الغساني ملك آل جفنة عرب الشام، وكان ينزل الجولان. كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام، فأسلم، وأهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم هدية، فلما كان زمن عمر داس جبلة رجلاً من مزينة، فوثب المزني فلطمه، فأخذه وانطلق به إلى أبي عبيدة، فقالوا: هذا لطم جبلة قال: فليلطمه، قالوا: وما يقتل ولا تقطع يده قال: لا، فغضب جبلة وقال: بئس الدين هذا، ثم دخل بقومه إلى أرض الروم وتنصر. وقيل: إنه إنما أسلم يوم اليرموك ثم ندم على تنصره، فلم يسلم فيما علمت. 4 (جبلة بن عمرو بن أوس) بن عامر الأنصاري الساعدي. وهم بعضهم وقال: هو أخو أبي مسعود البدري: فأبو مسعود من) بني (4/27)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 28 لحارث بن الخزرج. شهد أحداً وغيرها، وشهد فتح مصر وصفين. قال ابن عبد البر: كان فاضلاً من فقهاء الصحابة، وروى عنه: ثابت بن عبيد، وسليمان بن يسار. وقال ابن سيرين: كان بمصر جبلة الأنصاري له صحبة، جمع بين امرأة رجل وابنته من غيرها. وقال ابن يونس: غزا جبلة بن عمرو إفريقية مع معاوية بن حديج سنة خمسين. قال سليمان بن يسار: نفلنا معاوية بإفريقية فأبى جبلة أن يأخذ من النفل شيئاً. 4 (جندب بن كعب الأزدي) بن عبد الله بن غنم الأزدي الغامدي الذي قتل الساحرعلى الصحيح. وكان هذا الساحر يقتل رجلاً ثم يحييه، ويدخل في فم ناقة ويخرج من حياها، فضرب جندب بن كعب عنقه ثم قال: أحي نفسك. وتلا أفتأتون (4/28)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 29 السحر وأنتم تبصرون، فرفعوا جندباً إلى الوليد بن عقبة فحبسه، فلما رأى السجان قومه وصلاته أطلقه. وقيل: بل قتل السجان أقرباء جندب وأطلقوه، فذهب إلى أرض الروم يجاهد، ومات سنة خمسين، وكان شريفاً كبيراً في الأزد. وقيل: بل الذي قتل الساحر جندب الخير المذكور بعد الستين. 4 (جعفر بن أبي سفيان،) الهاشمي بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي ابن ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. شهد حنيناً مع أبيه وثبتا يومئذ، لا أعلم له رواية. وقال ابن سعد: مات وسط إمرة معاوية. (4/29)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 30 4 (الحاء)

4 (حارثة بن النعمان، الأنصاري) الخزرجي بن رافع وقيل نفع بدل رافع الأنصاري الخزرجي. أحد من شهد بدراً وبقي إلى هذا الوقت. 4 (الحارث بن قيس، الجعفي) الكوفي العابد. صحب علياً، وابن مسعود، ولا يكاد يوجد له حديث مسند، بل روى عنه خيثمة بن عبد الرحمن قال: إذا كنت في الصلاة، فقال لك الشيطان: إنك ترائي، فزدها طولاً.) (4/30)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 31 وحكى عنه: أبو داود الأعمى، ويحيى بن هانئ المرادي. قال خيثمة: كان الحارث بن قيس من أصحاب ابن مسعود، وكانوا معجبين به، كان يجلس إليه الرجل والرجلان فيحدثهما، فإذا كثروا قام وتركهم. وقال حجاج بن دينار: كان أصحاب عبد الله ستة، علقمة، والحارث بن قيس، والأسود، وعبيدة، ومسروق، وعمرو بن شرحبيل. قال ابن المديني: قتل الحارث مع علي. وأما خيثمة بن عبد الرحمن فقال: صلى عليه أبو موسى الأشعري رحمه الله. 4 (حبيب بن مسلمة القرشي) الفهري له صحبة. (4/31)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 32 روى عنه زياد بن جارية في النفل. وهو الذي افتتح أرمينية زمن عثمان، ثم كان من خواص معاوية، وله معه آثار محمودة شكرها له معاوية. يروى أن الحسن قال: يا حبيب رب مسير لك في غير طاعة الله، قال: أما إلى أبيك فلا، قال: بلى والله، ولقد طاوعت معاوية على دنياه وسارعت في هواه، فلئن كان قام بك في دنياك لقد قعد بك في دينك، فليتك إذ أسأت الفعل أحسنت القول. قيل: توفي سنة اثنتين، وقيل سنة أربع وأربعين، قيل: لم يبلغ الخمسين، وكان شريفاً مطاعاً معظماً. 4 (حجر بن يزيدالكندي) بن سلمة الكندي المعروف بحجر الشر، لأنه كان شريراً. (4/32)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 33 وقالوا في حجر بن عدي: حجر الخير. له وفادة على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم، ثم رجع إلى اليمن، ثم نزل الكوفة، وشهد الحكمين، ثم ولاه معاوية أرمينية. 4 (الحسن بن علي،) بن أبي طالب بن عبد المطلب، أبو محمد الهاشمي السيد، ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن ابنته السيدة فاطمة. ولد في شعبان سنة ثلاث من الهجرة، وقيل في نصف رمضان منها. قاله الواقدي، له صحبة) ورواية عن أبيه وجده. (4/33)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 34 روى عنه: ابنه الحسن، وسويد بن غفلة، والشعبي، وأبو الجوزاء السعدي، وآخرون. وكان يشبه النبي صلى الله عليه وسلم. قاله أبو جحيفة وأنس فيما صح عنهما، وقد رآه أبو بكر الصديق يلعب فأخذه وحمله على عنقه وقال: (بأبي شبيه بالنبي .......... ليس شبيهاً بعلي) وعلي يبتسم. وقال أسامة بن زيد: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذني والحسن فيقول: اللهم إني أحبهما فأحبهما وقال أبو بكرة: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقول: إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين. أخرجه البخاري. (4/34)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 35 وقال يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي نعم، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. صححه الترمذي. وعن أسامة بن زيد قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة وهو مشتمل على شيء، فلما فرغت من حديثي قلت: ما هذا الذي أنت مشتمل عليه فكشف فإذا حسن وحسين على وركيه، فقال: هذان ابناي وابنا ابنتي، اللهم إني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما. قال الترمذي: حديث حسن غريب. قلت: رواه من حديث عبد الله بن أبي بكر بن زيد بن المهاجر، مدني مجهول، عن مسلم بن أبي سهل النبال وهو مجهول أيضاً عن الحسن بن أسامة بن زيد، وهو كالمجهول عن أبيه، وما أظن لهؤلاء الثلاثة ذكر في رواية إلا في هذا الواحد، تفرد به موسى بن يعقوب الزمعي، عن عبد الله. وتحسين الترمذي لايكفي في الاحتجاج بالحديث، فإنه قال: وما ذكرنا في كتابنا من حديث حسن فإنما أردنا بحسن إسناده عندنا كل حديث لايكون إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون الحديث شاذاً، ويروى من غير وجه نحو ذلك فهو عندنا حديث حسن. وقال يوسف بن إبراهيم: سمعت أنساً يقول: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أهل بيتك أحب إليك قال: الحسن والحسين وكان يقول لفاطمة: ادعي (4/35)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 36 لي ابني، فيشمهما ويضمهما إليه. حسنه الترمذي.) وقال ميسرة بن حبيب، عن المنهال بن عمرو، عن ذر، عن حذيفة: سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: هذا ملك لم ينزل إلى الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربه أن يسلم علي ويبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. قال الترمذي: حسن غريب. وصحح الترمذي من حديث عدي بن ثابت، عن البراء قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم واضعاً الحسن على عاتقه وهو يقول: اللهم إني أحبه فأحبه. وصحح أيضاً بهذا السند أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر الحسن والحسين فقال: اللهم إني أحبهما فأحبهما. وقال جرير بن عبد الحميد، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرج بين فخذي الحسن وقبل زبيبته. قابوس: حسن الحديث. ومناقب الحسن رضي الله عنه كثيرة، وكان سيداً حليماً ذا سكينة ووقار وحشمة، كان يكره الفتن والسيف، وكان جواداً ممدحاً، تزوج سبعين امرأة ويطلقهن، وقلما كان يفارقه أربع ضرائر. (4/36)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 37 وعن جعفر الصادق قال: قال علي: يا أهل الكوفة لا تزوجوا الحسن فإنه رجل مطلاق، فقال رجل: والله لنزوجنه، فما رضي أمسك، وما كره طلق. وقال ابن سيرين: تزوج الحسن بن علي امرأة فبعث إليها بمائة جارية، مع كل جارية ألف درهم. وقال ابن سيرين: إن الحسن كان يجيز الرجل الواحد بمائة ألف درهم. وقال غيره: حج الحسن بن علي خمس عشرة مرة. وقيل إنه حج أكثرهن ماشياً من المدينة إلى مكة، وإن نجائبه تقاد معه. وقال جرير: بايع أهل الكوفة الحسن وأحبوه أكثر من أبيه. روى الحاكم في مستدركه من طريق عمرو بن محمد العنقزي: حدثنا زمعة، عن سلمة بن وهرام، عن طاووس، عن ابن عباس قال: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم قد حمل الحسن على كتفه، فقال الرجل: نعم المركب ركبت يا غلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ونعم الراكب) هو. شعبة: ثنا يزيد بن خمير سمع عبد الرحمن بن جبير، عن أبيه قال: (4/37)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 38 قلت للحسن: إنهم يقولون إنك تريد الخلافة، فقال: قد كانت جماعة العرب في يدي، يحاربون من حاربت ويسالمون من سالمت، تركتها ابتغاءً لوجه الله وحقن دماء الأمة، ثم أبتزها بأتياس أهل الحجاز. ابن عيينة: ثنا أبو موسى: سمعت الحسن يقول: استقبل الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال، فقال عمرو بن العاص: والله إني لأرى كتائب لا تولي أو تقتل أقرانها. وقال معاوية وكان خير الرجلين: أرأيت إن قتل هؤلاء هؤلاء، من لي بذراريهم، من لي بأمورهم، من لي بنسائهم قال: فبعث عبد الرحمن بن سمرة، فصالح الحسن معاوية وسلم الأمر له، وبايعه بالخلافة على شروط ووثائق، وحمل إليه معاوية مالاً، يقال خمسمائة ألف في جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين. وقال عبد الله بن بريدة: قدم الحسن فاجتمع بمعاوية بعد ما أسلم إليه الخلافة، فقال معاوية: لأجيزنك بجائزة ماأجزت بها أحداً قبلك ولا أجيز بها أحداً بعدك، فأعطاه أربعمائة ألف، ثم إن الحسن رضي الله عنه رجع بآل بيته من الكوفة ونزل المدينة. قال ابن عون، عن عمير بن إسحاق قال: عدنا الحسن بن علي قبل موته، فقام وخرج من الخلاء فقال: إني والله قد لفظت طائفة من كبدي قلبتها بعود، وإني قد سقيت السم مراراً قلم أسق مثل هذا قط، فحرض به الحسين أن يخبره من سقاه، فلم يخبره وقال: الله أشد نقمةً إن كان الذي أظن، وإلا فلا يقتل بي، والله، بريء. وقال قتادة: قال الحسن بن علي: لم أسق مثل هذه المرة. (4/38)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 39 وقال حريز بن عثمان: ثنا عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي قال: لما بايع الحسن معاوية قال له عمرو بن العاص وأبو الأعور السلمي: لو أمرت الحسن فصعد المنبر فتكلم عيي عن المنطق، فيزهد فيه الناس، فقال معاوية: لا تفعلوا، فوالله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمص لسانه وشفته، ولن يعيا لسان مصه النبي صلى الله عليه وسلم أو شفه، قال: فأبوا على معاوية، فصعد معاوية المنبر، ثم أمر الحسن فصعد، وأمره أن يخبر الناس: إني قد بايعت معاوية، فصعد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إن الله هداكم بأولنا، وحقن دماءكم بآخرنا، وإني قد أخذت لكم على معاوية أن يعدل فيكم وأن يوفر عليكم غنائمكم، وأن يقسم فيكم) فيأكم، ثم أقبل على معاوية فقال: أكذاك قال: نعم. ثم هبط من المنبر وهو يقول ويشير بإصبعه إلى معاوية: وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين فاشتد ذلك على معاوية، فقالوا: لو دعوته فاستنطقته يعني استفهمته ما عنى بالآية، فقال: مهلاً، فأبوا عليه، فدعوه فأجابهم، فأقبل عليه عمرو، فقال له الحسن: أما أنت فقد اختلف فيك رجلان، رجل من قريش ورجل من أهل المدينة فادعياك، فلا أدري أيهما أبوك، وأقبل عليه أبو الأعور فقال له الحسن: ألم يعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم رعلاً وذكوان وعمرو بنت سفيان، وهذا اسم أبي الأعور، ثم أقبل عليه معاوية يعينهما، فقال له الحسن: أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن قائد الأحزاب وسائقهم، وكان أحدهما أبو سفيان والآخر أبو الأعور السلمي. زهير بن معاوية: ثنا أبو روق الهزاني، ثنا أبو الغريف قال: كنا في مقدمة الحسن اثني عشر ألفاً تقطر سيوفنا من الجدة عليه، فقال الشاميون: فلما أتانا صلح الحسن لمعاوية كأنما كسرت ظهورنا من الغيظ، قال: وقام سفيان من الليل إلى الحسن فقال: السلام عليك يا مذل المؤمنين، فقال: لا (4/39)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 40 تقل ذاك، إني كرهت أن أقتلكم في طلب الملك. قال ابن عبد البر: قال قتادة، وأبو بكر بن حفص: سم الحسن زوجته بنت الأشعث بن قيس. وقالت طائفة: كان ذلك بتدسيس معاوية إليها، وبذل لها على ذلك، وكان لها ضرائر. قلت: هذا شيء لا يصح فمن الذي اطلع عليه. قال ابن عبد البر روينا من وجوه أنه لما احتضر قال: يا أخي إياك أن تستشرف لهذا الأمر فإن أباك استشرف لهذا الأمر فصرفه الله عنه، ووليها أبو بكر، ثم استشرف لها فصرفت عنه إلى عمر، ثم لم يشك وقت الشورى أنها لا تعدوه، فصرفت عنه إلى عثمان، فلما مات عثمان بويع، ثم نوزع حتى جرد السيف، فما صفت له، وإني والله ما أرى أن يجمع الله فينا النبوة والخلافة، فلا أعرفن ما استخفك سفهاء الكوفة فأخرجوك، وقد كنت طلبت إلى عائشة أن أدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: نعم، وإني لا أدري لعل ذلك كان منها حياءً، فإذا ما مت فاطلب ذلك إليها، وما أظن القوم إلا سيمنعونك، فإن فعلوا فلا تراجعهم. فلما مات أتى الحسين عائشة فقالت: نعم وكرامة، فمنعهم مروان، فلبس الحسين ومن معه السلاح حتى رده أبو هريرة، ثم دفن في البقيع إلى جنب أمه، وشهده سعيد بن العاص وهو الأمير، فقدمه الحسين) للصلاة عليه وقال: هي السنة. توفي الحسن رضي الله عنه في ربيع الأول سنة خمسين، ورخه فيها المدائني، وخليفة العصفري، وهشام بن الكلبي، والزبير بن بكار، والغلابي، وغيرهم. (4/40)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 41 وقال الواقدي، ومحمد بن سعد: توفي سنة تسع وأربعين بالمدينة، رضي الله عنه. 4 (الحكم بن عمرو الغفاري،) أخو رافع بن عمرو، وإنما هما من بني ثعلبة أخي غفار. للحكم صحبة ورواية، ونزل البصرة، وكان رجلاً صالحاً فاضلاً، قد ولي غزو خراسان فسباهم وغنم، وتوفي بمرو. وروى عنه: أبو الشعثاء جابر بن زيد، وسوادة بن عاصم، والحسن البصري، وابن سيرين. وكان محمود السيرة. توفي سنة خمس وأربعين، وقيل: سنة خمسين. هشام بن حسان: إن زياداً بعث الحكم بن عمرو على خراسان، فأصابوا غنائم، فكتب إليه: لا تقسم ذهباً ولا فضةً، فكتب إليه: بالله لو (4/41)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 42 كانت السموات والأرض رتقاً على عبد فاتقى الله يجعل الله له من بينهما مخرجاً، والسلام. وروي أن عمر نظر إلى الحكم بن عمرو وقد خضب بصفرة فقال: هذا خضاب أهل الإيمان. 4 (حفصة أم المؤمنين،) بنت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث من الهجرة. قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. ويروى أنها ولدت قبل النبوة بخمس سنين. لها عدة أحاديث. (4/42)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 43 روى عنها: أخوها عبد الله بن عمر، وحارثة بن وهب الخزاعي، وشتير بن شكل، والمطلب بن أبي وداعة، وعبد الله بن صفوان الجمحي، وغيرهم. وأمهما أعني حفصة وعبد الله هي زينب أخت عثمان بن مظعون. وكانت حفصة قبل النبي صلى الله عليه وسلم تحت خنيس بن حذافة السهمي، أحد من شهد بدراً فتوفي بالمدينة، فلما تأيمت عرضها عمر على أبي بكر فلم يجبه، فغضب عمر، ثم عرضها على عثمان فقال: لا أريد أن أتزوج اليوم، فشكاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تتزوج حفصة من هو خير من عثمان، ويتزوج عثمان من هي خير من حفصة، ثم خطبها منه فزوجه عمر، ثم لقي أبو) بكر عمر فقال: لا تجد علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ذكر حفصة فلم أكن لأفشي سره، فلو تركها لتزوجتها. عفان وجماعة، عن حماد بن سلمة: أنبأ أبو عمران الجوني، عن قيس بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة، فأتاها خالاها عثمان وقدامة ابنا مظعون، فبكت وقالت: والله ما طلقني عن شبع، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها فتجلببت فقال: إن جبريل قال: راجع حفصة فإنها صوامة قوامة. حديث مرسل قوي الإسناد. هشيم: أنبأ حميد، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما طلق حفصة أمر أن يراجعها. عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أن عمر أوصى إلى حفصة. (4/43)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 44 موسى بن علي بن رباح، عن أبيه، عن عقبة بن عامر قال: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة، فبلغ ذلك عمر، فحثا على رأسه التراب وقال: ما يعبأ الله بعمر وابنته بعدها، فنزل جبريل من الغد فقال: إن الله يأمرك أن تراجع حفصة رحمةً لعمر. وفي رواية: وهي زوجتك في الجنة. رواه موسى بن علي بن رباح، عن أبيه، عن عقبة بن عامر. توفيت سنة إحدى وأربعين، وقيل سنة خمس وأربعين، وصلى عليها مروان وهو والي المدينة. قاله الواقدي. 4 (حنظلة بن الربيع،) م ت ن ق بن صيفي التميمي الحنظلي الأسيدي الكاتب، كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ابن أخي حكيم العرب أكثم بن صيفي. (4/44)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 45 كان حنظلة ممن اعتزل الفتنة، وكان بالكوفة، فلما شتموا عثمان انتقل إلى قرقيسياء. روى عنه: مرقع بن صيفي، وأبو عثمان النهدي، ويزيد بن عبد الله بن الشخير، والحسن، وغيرهم. (4/45)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 46 4 (الخاء)

4 (خريم بن فاتك لأسدي) أبو أيمن الأسدي، فاسم أبيه الأخرم بن شداد، وخريم هو أخو سبرة، والده فاتك. قيل إنه شهد بدراً، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن كعب.) روى عنه: ابنه فاتك، ووابصة بن معبد، وأبو هريرة، وابن عباس، والمعرور بن سويد، وشمر بن عطية. ونزل الرقة، وبها توفي زمن معاوية. روى أبو إسحاق السبيعي، عن شمر بن عطية، عن خريم بن فاتك (4/46)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 47 قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم الرجل أنت يا خريم لولا خلتين فيك، قلت: وما هما قال: إسبالك إزارك وإرخاؤك شعرك. رواه أحمد في مسنده. وقال البخاري في تاريخه: خريم بن فاتك شهد بدراً، وقال: قال أبو إسحاق: كنيته أبو يحيى. (4/47)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 48 4 (الدال)

4 (دحية بن خليفة،) بن فروة بن فضالة الكلبي القضاعي. أرسله النبي صلى الله عليه وسلم بكتابه إلى قيصر، وله أحاديث. (4/48)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 49 روى عنه: الشعبي، وعبد الله بن شداد بن الهاد، ومحمد بن كعب القرظي، وخالد بن يزيد بن معاوية، ومنصور بن سعيد. وكان يوم اليرموك أميراً على كردوس، ثم سكن المزة. قال ابن سعد: أسلم دحية قبل بدر ولم يشهدها وكان يشبه بجبريل عليه السلام، وبقي إلى زمن معاوية. وقال عفير بن معدان، عن قتادة، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: يأتيني جبريل في صورة دحية. وكان دحية رجلاً جميلاً. وقال رجل لعوانة بن الحكم: أجمل الناس جرير بن عبد الله، فقال: بل أجمل الناس من ينزل جبريل على صورته، يعني دحية. وقال ابن قتيبة من حديث ابن عباس: كان دحية إذا قدم لم تبق معصر إلا خرجت تنظر إليه. المعصر: هي التي دنت من الحيض، ويقال: هي التي أدركت. (4/49)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 50 4 (الراء)

4 (ركانة بن عبد يزيد،) ت ق بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي المطلبي.) من مسلمة الفتح، له صحبة ورواية. روى عنه: ابنه يزيد وغيره. وهو الذي صارع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة، وكان أشد قريش، فقال: يا محمد إن صرعتني آمنت بك، فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد (4/50)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 51 إنك ساحر. ولما أسلم أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم خمسين وسقاً بخيبر، وسكن المدينة وبها توفي في أول خلافة معاوية. 4 (رويفع بن ثابت الأنصاري،) النجاري. له صحبة، شهد فتح مصر، وروى أحاديث. روى عنه: حنش الصنعاني، وبشر بن عبد الله، ومرثد اليزني. وولي غزو إفريقية لمعاوية سنة ست وأربعين. وقال أحمد بن عبد الله البرقي: توفي ببرقة وهو أمير عليها، رأيت قبره ببرقة رضي الله عنه. (4/51)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 52 4 (الزاي)

4 (زياد بن لبيد، الخزرجي) بن ثعلبة بن سنان، أبو عبد الله الخزرجي. أحد بني بياضة، شهد بدراً والعقبة، وكان لبيباً فقيهاً، ولي للنبي صلى الله عليه وسلم حضرموت، وله أثر حسن في قتال أهل الردة. روى عنه أبو الدرداء ومات قبله، وعوف بن مالك، وسالم بن أبي الجعد، وروايته مرسلة. (4/52)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 53 وقد كان أسلم وسكن مكة ثم هاجر، فهو أنصاري مهاجري. له حديث في ذهاب العلم. قال خليفة: مات في أول خلافة معاوية. 4 (زيد بن ثابت، بن الضحاك) بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار أبو سعيد، وأبو خارجة الأنصاري النجاري المقرئ الفرضي، كاتب الوحي. (4/53)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 54 قتل أبوه يوم بعاث قبل الهجرة، وقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وزيد صبي ابن إحدى عشرة سنة، فأسلم وتعلم الخط العربي والخط العبراني، وكان فطناً ذكياً إماماً في القرآن إماماً في الفرائض.) روى: عن النبي صلى الله عليه وسلم وعرض عليه القرآن، وروى أيضاً عن أبي بكر، وعمر. وعنه: ابنه خارجة، وابن عباس، وابن عمر، ومروان بن الحكم، وعبيد بن السباق، وعطاء بن يسار، وبسر بن سعيد، وعروة بن الزبير، وطاووس، وخلق سواهم، وعرض عليه القرآن طائفة. وقال أبو عمرو الداني: عرض عليه ابن عباس، وأبو العالية، وأبو عبد الرحمن السلمي، وشهد الخندق وما بعدها. وكان عمر إذا حج استخلفه على المدينة. وهو الذي ندبه عثمان لكتابة المصاحف، وهو الذي تولى قسمة غنائم اليرموك. وقال ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيد، عن أبيه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن إحدى عشرة سنة، وأمرني أن أتعلم كتاب يهود، فكنت أقرأ إذا كتبوا إليه، ولما قدم أبي بي إليه فقالوا: هذا غلام من بني النجار، وقد قرأ مما أنزل عليك بضع عشرة سورة، فقرأت عليه فأعجبه ذلك وقال: يا زيد تعلم لي كتاب يهود، فإني والله ما آمنهم على كتابي. (4/54)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 55 قال: فتعلمته فحذقته في نصف شهر. وعن زيد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل الوحي بعث إلي فكتبته. وقال زيد: قال لي أبو بكر: إنك شاب عاقل لا نتهمك، قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه. فقلت: كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: هو والله خير، فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك. وقال أنس: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار: أبي، ومعاذ، وزيد بن ثابت، وأبو زيد الأنصاري. وقال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفرض أمتي زيد بن ثابت. ويروى عن معمر، عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياءً عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد، وأفتاهم أبي، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة الجراح. (4/55)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 56 رواه الترمذي وقال: غريب لا نعرفه من حديث قتادة إلا من هذا الوجه. وقد رواه أبو قلابة، عن أنس. قلت: هو صحيح من حديث أبي قلابة، رواه جماعة عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس) قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: أعلمهم بالفرائض زيد. وقال الشعبي: غلب زيد الناس على اثنتين: على الفرائض والقرآن. وقال مسروق: كان أهل الفتوى من الصحابة: عمر، وعلي، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب، وأبو موسى. وقال أبو نضرة، عن أبي سعيد لما قال قائل الأنصار: منكم أمير ومنا أمير، قال: فقام زيد بن ثابت فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين ونحن أنصاره. فقال أبو بكر: جزاكم الله يا معشر الأنصار خيراً وثبت قائلكم، لو قلتم غير هذا ما صالحناكم. وعن ابن عمر قال: فرق عمر الصحابة في البلدان، وحبس زيد بن ثابت بالمدينة يفتي أهلها. (4/56)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 57 وعن سليمان بن يسار قال: ما كان عمر وعثمان يقدمان أحداً على زيد بن ثابت في القضاء والفتوى والفرائض والقراءة. وقال حجاج بن أرطأة، عن نافع قال: استعمل عمر زيد بن ثابت على القضاء وفرض له رزقاً. وقال ابن شهاب: لو هلك عثمان وزيد بن ثابت في بعض الزمان لهلك علم الفرائض، لقد أتى على الناس زمان وما يعلمهما غيرهما. وقال أحمد بن عبد الله العجلي: الناس على قراءة زيد وفرض زيد. وقال محمد بن عمرو، عن أبي سلمة عن ابن عباس: إنه قدم إلى زيد بن ثابت، فأخذ له بركابه فقال: تنح يا بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إنا هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا وكبرائنا. وقال الأعمش، عن ثابت بن عبيد قال: كان زيد بن ثابت من أفكه الناس في أهله ومن أزمتهم عند القوم. وقال يحيى بن سعيد: لما مات زيد بن ثابت قال أبو هريرة: مات حبر الأمة، ولعل الله أن يجعل في ابن عباس منه خلفاً. (4/57)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 58 الأنصاري: ثنا هشام بن خشان، ثنا محمد بن سيرين قال: خرج زيد بن ثابت يريد الجمعة فاستقبله الناس راجعين، فدخل داراً، فقيل له: فقال: إنه من لا يستحيي من الناس لا يستحيي من الله. قال الواقدي، ويحيى بن بكير، وخليفة، ومحمد بن عبد الله بن نمير: توفي سنة خمس وأربعين.) وقال علي بن المديني: توفي سنة أربع وخمسين. وقال أحمد بن حنبل وأبو حفص الفلاس: سنة إحدى وخمسين. وقال الهيثم بن عدي، والمدائني، ويحيى بن معين: توفي سنة خمس وخمسين. 4 (زيد بن عمر بن الخطاب،) القرشي العدوي، وأمه أم كلثوم بنت فاطمة الزهراء. قال عطاء الخراساني: توفي شاباً ولم يعقب. وقال أبو عمرو بن العلاء، عن رجل من الأنصار، عن أبيه قال: وفدنا مع زيد بن عمر إلى معاوية، فأجلسه على السرير، وهو يومئذ من أجمل (4/58)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 59 الناس، فأسمعه بسر بن أبي أرطأة كلمة، فنزل إليه زيد فخنقه حتى صرعه، وبرك على صدره، وقال لمعاوية: إني لأعلم أن هذا عن رأيك وأنا ابن الخليفتين، ثم خرج إلينا زيد وقد تشعث رأسه وعمامته، ثم اعتذر إليه معاوية، وأمر له بمائة ألف، وأمر لكل واحد منا بأربعة آلاف، ونحن عشرون رجلاً. يقال أصابه حجر في خربة ليلاً فمات. (4/59)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 60 4 (السين) سالم بن عمير، بن ثابت بن النعمان الأنصاري الأوسي. أحد البكائين، شهد بدراً والمشاهد، وبقي إلى خلافة معاوية. 4 (سفيان بن عبد الله،) م ت ن ق بن ربيعة بن الحارث وقيل ابن (4/60)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 61 عبد الله بن حطيط بن عمرو الثقفي الطائفي. ولي الطائف لعمر بن الخطاب، وله صحبة ورواية، وهو الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل آمنت بالله ثم استقم. روى عنه: ابناه عبيد الله، وعاصم، وعروة بن الزبير، وعبد الرحمن بن ماعز، وآخرون. 4 (سفيان بن مجيب الأزدي.) ولي بعلبك لمعاوية، وله صحبة. روى إسماعيل بن عياش، عن سعيد بن يوسف، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلام، عن حجاج الثمالي وله صحبة قال: حدثني سفيان بن مجيب، وكان من قدماء الصحابة.) 4 (السائب بن أبي السائب،) د ن ق صيفي بن عائذ بن عبد الله بن (4/61)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 62 عمر بن مخزوم. مختلف في إسلامه، فابن إسحاق يقول: قتل يوم بدر كافراً. ثم تبعه الزبير بن بكار، ثم نقض الزبير ذلك في موضعين من كتابه، والظاهر إسلامه وبقاؤه إلى خلافة معاوية، وأنه هو شريك النبي صلى الله عليه وسلم كان قبل المبعث. وفي السنن حديث لمجاهد، عن قائد السائب، عن السائب، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروى الزبير بإسناده، عن كعب مولى سعيد بن العاص، أن معاوية طاف في خلافته بالبيت في جنده، فزحموا السائب بن صيفي بن عائذ فوقع. فقال: ما هذا يا معاوية، تصرعوننا حول البيت أما والله لقد أردت أن أتزوج أمك. قال: ليتك فعلت، فجاءت بمثل ولدك أبي السائب. وقد ورد عن ابن عباس، أن السائب أسلم يوم الفتح، وأنه من المؤلفة قلوبهم. (4/62)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 63 قال ابن عبد البر: وهو من حسن إسلامه. وقد اختلف في اسم شريك النبي صلى الله عليه وسلم على أقوال، فقيل هو عبد الله ولد السائب هذا. سلمة بن سلامة، بن وقش الأنصاري الأشهلي، أبو عوف. من أهل المدينة، كان أحد من شهد بدراً والعقبتين، وعاش سبعين سنة. توفي سنة خمس وأربعين، وقيل سنة أربع وثلاثين. روى عنه محمود بن الربيع في مسند أحمد. (4/63)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 64 4 (سهل بن أبي حثمة،) أبو عبد الرحمن، وأبو يحيى الأنصاري الخزرجي المدني. قال أبو حاتم: كان دليل النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أحد، وشهد المشاهد كلها سوى بدر، حدثني بذلك رجل من ولده. وأما الواقدي قال: توفي النبي صلى الله عليه وسلم وله ثمان سنين، وهذا غلط. روى عنه من الصحابة: محمد بن مسلمة، وأبو ليلى الأنصاريان، وابنه محمد، وابن أخيه محمد بن سليمان، وصالح بن خوات، وبشير بن يسار، وعروة بن الزبير، ونافع بن جبير، وآخرون. (4/64)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 65 أظنه توفي في خلافة معاوية، ورواية الزهري عنه مرسلة، وفي اسم أبيه أقوال.) 4 (سهل بن الحنظلية، د ت) وهي أمه، واسم أبيه عمرو ويقال الربيع بن عمرو الأنصاري. شهد بيعة الرضوان، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعنه: بشر أبو قيس التغلبي، وأبو كبشة السلولي. وكان رجلاً متوحداً ما يجالس أحداً، إنما هو في صلاة، فإذا انصرف إنما هو في تسبيح وذكر، وشهد أحداً والخندق، وسكن الشام، وتوفي في صدر خلافة معاوية. (4/65)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 66 4 (الصاد) صفوان بن أمية، بن خلف، أبو وهب الجمحي المكي. (4/66)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 67 قتل أبوه يوم بدر، وأسلم هو يوم الفتح بل بعده، وكان من المؤلفة قلوبهم، ثم شهد اليرموك أميراً على كردوس. روى عنه: ابنه أمية، وابن أخيه حميد بن حجير، وسعيد بن المسيب، وعبد الله بن الحارث بن نوفل، وطاووس. وشهد حنيناً مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو على شركه بعد، وأعار النبي صلى الله عليه وسلم سلاحاً وأدرعاً يومئذ. وكان شريفاًُ مطاعاً كثير المال، ورد أنه ملك قنطاراً من الذهب. يقال إنه وفد على معاوية، فأقطعه زقاق صفوان. وعن أبي حصين الهذلي قال: استقرض النبي صلى الله عليه وسلم من صفوان بن أمية خمسين ألفاً فأقرضه. قال الهيثم بن عدي، والمدائني: مات صفوان سنة إحدى وأربعين. وقال خليفة: سنة اثنتين. 4 (صفية أم المؤمنين،) بنت حيي بن أخطب بن سعية، من سبط (4/67)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 68 لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، ثم من ولد هارون أخي موسى عليهما السلام. تزوجها سلام اليهودي، ثم خلف عليها كنانة بن أبي الحقيق، وكانا من شعراء اليهود، ثم قتل كنانة ثوم خيبر، فسباها رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر، وجعل صداقها عتقها. روى عنها: علي بن الحسين، وإسحاق بن عبد الله بن الحارث، ومولاها كنانة، وغيرهم. قال ابن عبد البر: روينا أن جارية لصفية أتت عمر، فقالت: إن صفية تحب السبت وتصل اليهود، فبعث إليها عمر فسألها فقالت: أما السبت فلم أحبه منذ أبدلني الله به الجمعة، وأما) اليهود فإن لي فيهم رحماً، فأنا أصلها، ثم قالت للجارية: ما حملك على ما صنعت قالت: الشيطان، قالت: فاذهبي فأنت حرة. (4/68)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 69 وفي الترمذي من حديث هاشم بن سعيد الكوفي، حدثنا كنانة، حدثتنا صفية بنت حيي قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بلغني عن حفصة وعائشة كلام، فذكرت ذلك له فقال: ألا قلت: وكيف تكونان خيراً مني وزوجي محمد، وأبي هارون، وعمي موسى. وكان بلغها أنهما قالتا: نحن أكرم على رسول الله منها، نحن أزواجه، وبنات عمه. وقال ثابت البناني: حدثتني سمية، عن صفية بنت حيي أن النبي صلى الله عليه وسلم حج بنسائه، فبرك بصفية جملها، فبكت، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أخبروه، فجعل يمسح دموعها بيده، وهي تبكي، وهو ينهاها، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، فلما كان عند الرواح قال لزينب بنت جحش: افقري أختك جملاً وكانت من أكثرهن ظهراً فقالت: أنا أفقر يهوديتك، فغضب صلى الله عليه وسلم فلم يكلمها حتى رجع إلى المدينة ومحرم وصفر، فلم يأتها، ولم يقسم لها، ويئست منه، فلما كان ربيع الأول دخل عليها، فلما رأته قالت: يا رسول الله ما اصنع قال: وكان لها جارية تخبئها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: فلانة لك. قال: فمشى النبي صلى الله عليه وسلم إلى سريرها، وكان قد رفع، فوضعه بيده، ورضي عن أهله. وقال الحسين بن الحسن الأشقر: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن (4/69)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 70 مالك بن مالك، عن صفية بنت حيي قالت: قلت: يا رسول الله ليس من نسائك أحد إلا ولها عشيرة، فإن حدث بك حدث فإلى من الجأ قال: إلى علي. مالك مجهول، والحديث غريب. وكانت من عقلاء النساء، توفيت سنة خمسين، وقيل: سنة ست وثلاثين. (4/70)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 71 4 (الضاد)

4 (ضباعة بنت الزيبر،) بن عبد المطلب الهاشمية، بنت عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوجة المقداد بن الأسود. روى عنها: زوجها، وبنتها كريمة بنت المقداد، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والأعرج.) (4/71)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 72 4 (العين)

4 (عاصم بن عدي، ن) بن الجد بن العجلان البلوي، أبو عمرو، ويقال أبو عبد الله. حليف بني عمرو بن عوف، رده النبي صلى الله عليه وسلم من بدر إلى مسجد الضرار لشيء بلغه عنهم، وضرب به بسهمه وأجره. وطال عمره، وكان سيد بني العجلان. (4/72)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 73 روى عنه ابنه أبو البداح حديثاً أخرجه النسائي في رمي الجمار. وقال ابن إسحاق: رده رسول الله صلى الله عليه وسلم من الروحاء، واستخلفه على العالية في غزوة بدر. وقيل إنه توفي سنة خمس وأربعين، وله من العمر مائة وخمس عشرة سنة. كذا قال الواقدي في سنه. 4 (عبد الله بن أنيس،) الجهني حليف الأنصار ثم الأنصاري، حليف الأنصار. شهد العقبة، وبدر لم يشهدها، بل شهد أحداً. (4/73)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 74 كنيته أبو يحيى، وقيل يقال له: الجهني، وليس بجهني بل ذلك لقب له، وهو من قضاعة. روى أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع إليه مخصرة كان يتخصر بها، وهو الذي رحل إليه جابر بن عبد الله إلى مصر، وسمع منه حديث القصاص. توفي في خلافة معاوية، وسيعاد. 4 (عبد الله بن سلام الإسرائيل) بن الحارث، أبو يوسف الإسرائيلي النسب حليف الأنصار. أسلم عند قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وكان اسمه الحصين فسماه عبد الله، وشهد له بالجنة. (4/74)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 75 حماد بن سلمة: أنبأ عاصم بن بهدلة، عن مصعب بن سعد، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بقصعة فقال: يجيء رجل من هذا الفج من أهل الجنة يأكل هذه الفضلة، فجاء عبد الله بن سلام فأكلها. رواه عبد الله في مسنده عن عفان، عنه. روى عنه: أنس بن مالك، وقاضي البصرة، وزرارة بن أوفى، وأبو سعيد المقبري، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو بردة بن أبي موسى، وابناه يوسف ومحمد ابنا عبد الله، وجماعة. وشهد فتح بيت المقدس مع عمر. وقيل إنه من ذرية يوسف عليه السلام، وحلفه في القوافل، وكان من الأحبار. تقدم خبر إسلامه) في الترجمة النبوية، وأن اليهود شهدوا فيه أنه عالمهم وابن عالمهم. وفي الصحيح من حديث سعد قال: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد: من أهل الجنة: إلا لعبد الله بن سلام. وقال سعد: فيه نزلت: وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله. (4/75)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 76 وجاء من غير وجه: أن عبد الله رأى رؤيا، فقصها على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: تموت وأنت مستمسك بالعروة الوثقى. وثبت عن يزيد بن عميرة قال: لما احتضر معاذ قيل: أوصنا، قال: أجلسوني، ثم قال: إن العلم والإيمان مكانهما، من ابتغاهما وجدهما، فالتمسوا العلم عن أربعة: عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن سلام الذي كان يهودياً فأسلم، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إنه عاشر عشرة في الجنة. أخرجه الترمذي من حديث أبي إدريس الخولاني، عن يزيد، رواه زيد بن رفيع، عن معبد الجهني، عن يزيد بن عميرة. اتفقوا على وفاته في سنة ثلاث وأربعين. 4 (عبد الله بن قيس القيني.) توفي سنة تسع وأربعين، ولا تحفظ له رواية. 4 (عبد الرحمن بن خالد بن الوليد،) بن المغيرة المخزومي. (4/76)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 77 أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ورآه، وشهد اليرموك مع أبيه، وسكن حمص. وكان أحد الأبطال كأبيه، وكان معه لواء معاوية يوم صفين. وكان يستعمله معاوية على غزو الروم. وكان شريفاً شجاعاً ممدحاً. روى عنه: خالد بن سلمة، وعمرو بن قيس، وغيرهما. وقال سيف: كان عمره يوم اليرموك ثمان عشرة سنة، وكان يومئذ على كردوس. وقال غيره: ولي إمرة حمص مدة وكان مشكور السيرة. قال أبو عبيد وغيره: توفي سنة ست وأربعين. 4 (عبد الرحمن بن سمرة،) بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف (4/77)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 78 بن قصي، أبو سعيد القرشي العبشمي.) هكذا نسبه ابن الكلبي، ويحيى بن معين، والبخاري، وأبو عبيد، وجماعة، وزاد في نسبه مصعب الزبيري، وابن أخيه الزبير بن بكار بعد حبيب: ربيعة. أسلم يوم الفتح، ونزل البصرة، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسأل الإمارة. وغزا سجستان أميراً كما مضى. روى عنه: ابن عباس، وسعيد بن المسيب، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وحيان بن عمير، ومحمد بن سيرين، وحميد بن هلال، والحسن البصري، وأخوه سعيد. ويروى أن اسمه كان: عبد كلال، فغيره النبي صلى الله عليه وسلم. توفي سنة خمسين بالبصرة، ويقال سنة إحدى وخمسين. (4/78)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 79 4 (عتبة بن فرقد السلمي،) ن أبو عبد الله. له صحبة ورواية، وكان من كبار قومه. نزل الكوفة، وروى عنه: قيس بن أبي حازم، والشعبي، وغيرهما. 4 (عتبة بن أبي سفيان،) صخر بن حرب بن أمية الأموي. شهد يوم الدار مع عثمان، وداره بدمشق بدرب الحبالين. ولي المدينة وإمرة الحج غير مرة. وحكى عنه ابنه الوليد أنه شهد الجمل مع عائشة، ثم نجا ولحق بأخيه، وذهبت عينه يومئذ. (4/79)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 80 وولي مصر سنة ثلاث وأربعين، وكان فصيحاً مفوهاً. توفي بثغر الإسكندرية في ذي القعدة سنة أربع وأربعين، وهو أخو معاوية لأبيه. عثمان بن حنيف، د ن ق الأنصاري الأوسي. له صحبة، ولاه عمر السواد، وتولى مساحته بأمر عمر. روى عنه: ابن أخيه أبو أمامة بن سهل، وعمارة بن خريم بن ثابت، وعبيد الله بن عبد الله، وغيرهم، وكان أميراً شريفاً. شعيب بن أبي ضمرة، مما روى عنه ابنه بشر، عن الزهري، عن عمر بن عبد العزيز، عن حريث بن نوفل بن مساحق قال: انتجى عمر وعثمان بن حنيف في المسجد والناس محيطون بهما، فلم يزالا يتجادلان في الرأي حتى (4/80)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 81 أغضب عثمان عمر، فقبض من حصباء المسجد قبضة ضرب بها وجه عثمان، فشج الحصى بجبهته آثاراً من شجاج، فلما رأى عمر كثرة) تسرب الدم على لحيته قال: إمسح عنك الدم، فقال: يا أمير المؤمنين لا يهولنك، فوالله إني لأنتهك ما وليتني أمره من رعيتك أكثر مما انتهكت مني، فأعجب بها عمر من رأيه وحلمه وزاد به عنده خيراً. 4 (عثمان بن طلحة، م د) بن أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي القرشي العبدري الحجبي. حاجب الكعبة، هاجر مع عمرو بن العاص وخالد ثم سكن مكة. روى عنه: ابن عمر، وعروة بن الزبير، وابن عمه شيبة بن عثمان، وغيرهم. ودفع إليه النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة يوم الفتح. (4/81)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 82 وقال عوف الأعرابي عن رجل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى المفتاح شيبة بن عثمان عام الفتح وقال: دونك هذا فأنت أمين الله على بيته. قلت: شيبة أسلم يوم حنين، فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم ولاه الحجابة لما اعتمر من الجعرانة مشاركاً لعثمان هذا في الحجابة، فإن شيبة كان حاجب الكعبة يوم قال له عمر: أريد أن أقسم مال الكعبة، كما في البخاري. فعن أبي بشر، عن مسافع بن شيبة، عن أبيه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة يصلي، فإذا فيها تصاوير، فقال: يا شيبة اكفني هذه، فاشتد ذلك عليه، فقال له رجل: طينها ثم الطخها بزعفران، ففعل. وقالت صفية بنت شيبة: أخبرتني امرأة من بني سليم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج من الكعبة أمر عثمان بن طلحة أن يغيب قرني الكبش، يعني كبش إسماعيل وقال: لا ينبغي للمصلي أن يصلي وبين يديه شيء يشغله. قتل طلحة يوم أحد مشركاً. (4/82)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 83 وقال عبد الله بن المؤمل المخزومي، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خذوها يا بني أبي طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم يعني الحجابة. قال مصعب: قتل بأجنادين سنة ثلاث عشرة.) وقال الهيثم بن عدي، والمدائني: توفي سنة إحدى وأربعين. وقال خليفة: توفي سنة اثنتين وأربعين. عقيل بن أبي طالب، ن ق بن عبد المطلب الهاشمي، أبو يزيد، (4/83)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 84 ويقال أبو عيسى، وكان أكبر من جعفر، وعلي. أسلم وشهد غزوة مؤتة، وله عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث. روى عنه: ابنه محمد، وحفيده عبد الله بن محمد، وموسى بن طلحة، والحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح، وأبو صالح السمان. ووفد على معاوية فأكرمه، وكان أكبر من علي بعشرين سنة، وعاش بعده مدة، وكان علامة بالنسب وأيام العرب. قال ابن سعد: وكان عقيل ممن أخرج من بني هاشم كرهاً إلى بدر، فأسر يومئذ، وكان لا مال له، ففداه العباس. ثم هاجر في أول سنة ثمان، ثم عرض له مرض بعد شهوده غزوة مؤتة، فلم نسمع له بذكر في الفتح ولا ما بعدها، وقد أطعمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر كل سنة مائة وأربعين وسقاً. وعن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أعطي لكل نبي سبعة رفقاء نجباء، وأعطيت أنا أربعة عشر، فذكر منهم عقيلاً. وروي من وجوه مرسلة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعقيل: يا أبا يزيد إني أحبك حبين، حباً لقرابتك مني، وحباً لحب أبي طالب إياك. وعن داود بن أبي هند، أن علياً دخل عليه عقيل ومعه كبش فقال: إن أحد الثلاثة أحمق، فقال عقيل: أما أنا وكبشي فلا. (4/84)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 85 وقال عطاء: رأيت عقيلاً شيخاً كبيراً يقل غرب زمزم. وقال أبو جعفر الباقر: أتى عقيل علياً بالعراق ليعطيه، فأبى، فقال: أذهب إلى من هو أوصل منك، فذهب إلى معاوية، فعرف له معاوية قدومه، ثم قال: هذا عقيل وعمه أبو لهب، فقال: هذا معاوية وعمته حمالة الحطب. وقال غسان بن مضر: ثنا أبو هلال، ثنا حميد بن هلال، أن عقيلاً سأل علياً فقال: إني محتاج وفقير. فقال: اصبر حتى يخرج عطائي، فألح عليه. فقال لرجل: خذ بيده، فانطلق به إلى) الحوانيت، فقل: دق الأقفال وخذ ما في الحوانيت. فقال: تريد أن تتخذني سارقاً. قال: وأنت تريد أن تتخذني سارقاً وأعطيك أموال الناس. قال: لآتين معاوية. قال: أنت وذاك، فأتى معاوية، فأعطاه مائة ألف، ثم قال: اصعد على المنبر فاذكر ما أولاك علي وما أوليتك، قال: فصعد المنبر فحمد الله ثم قال: أيها الناس إني أخبركم أني أردت علياً على دينه، فاختار دينه علي، وأردت معاوية على دينه فاختارني على دينه. فقال معاوية: هذا الذي تزعم قريش أنه أحمق. توفي عقيل في خلافة معاوية. 4 (عمارة بن حزم،) بن زيد بن لوذان الأنصاري النجاري، أبو عبد الله. (4/85)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 86 أحد من شهد بدراً، ذهب بصره، وبقي إلى خلافة معاوية. 4 (عمرو بن أمية،) بن خويلد بن عبد الله بن إياس، أبو أمية الضمري. أسلم بعد أحد، وشهد بئر معونة وما بعدها، وكان من أولي النجدة (4/86)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 87 والشجاعة والإقدام، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية وحده. وبعثه بكتابه إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام فأسلم. روى عنه: ابناه جعفر، وعبد الله، وابن أخيه الزبرقان بن عبد الله، والشعبي، وأبو سلمة، وأبو قلابة الجرمي. وتوفي بالمدينة، وشهد بدراً مع المشركين، وبقي إلى أيام معاوية. 4 (عمرو بن الحمق ن ق الخزاعي.) له صحبة ورواية، وبايع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وسمع منه. روى عنه: رفاعة بن شداد، وجبير بن نفير، وعبد الله بن عامر المعافري. (4/87)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 88 وقال ابن سعد: كان أحد الرؤوس الذين ساروا إلى عثمان، وقتله ابن أم الحكم بالجزيرة. وقال خليفة: كان عمرو بن الحمق يوم صفين على خزاعة مع علي. وعن الشعبي قال: لما قدم زياد الكوفة أثاره عمارة بن عقبة بن أبي معيط فقال: إن عمرو بن الحمق من شيعة علي، فسير إليه يقول: ما هذه الزرافات التي تجتمع عندك من أرادك أو أردت كلامه ففي المسجد.) وعنه قال: تطلب زياد رؤساء أصحاب حجر، فخرج عمرو إلى الموصل هو ورفاعة بن شداد، فكمنا في جل، فبلغ عامل ذلك الرستاق، فاستنكر شأنهما، فسار إليهما في الخيل، فأما عمرو بن الحمق فكان مريضاً، فلم يكن عنده امتناع، وأما رفاعة فكان شاباً، فركب وحمل عليهم، فأفرجوا له، ثم طلبته الخيل، وكان رامياً فرماهم فانصرفوا، وبعثوا بعمرو إلى عبد الرحمن بن أم الحكم أمير الموصل، فكتب فيه إلى معاوية، فكتب إليه معاوية إنه زعم أنه طعن عثمان تسع طعنات بمشاقص، ونحن لا نتعدى عليه فاطعنه كذلك، ففعل به ذلك، فمات في الثانية. وقال أبو إسحاق، عن هنيدة الخزاعي قال: أول رأس أهدي في الإسلام رأس عمرو بن الحمق. وقال عمار الدهني: أول رأس نقل رأس ابن الحمق، وذلك لأنه لدغ فمات، فخشيت الرسل أن تتهم به، فحزوا رأسه وحملوه. (4/88)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 89 وقلت: هذا أصح مما مر، فإن ذاك من رواية ابن الكلبي، فالله أعلم هل قتل أو لدغ. وقال خليفة: قتل سنة خمسين. 4 (عمرو بن العاص، ع) بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن (4/89)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 90 عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب، أبو عبد الله، وأبو محمد القرشي السهمي. أسلم في المدينة وهاجر، واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على جيش غزوة ذات السلاسل، وفيه أبو بكر وعمر، لخبرته بمكيدة الحرب. ثم ولي الإمرة في غزوة الشام لأبي بكروعمر. ثم افتتح مصر ووليها لعمر. وله عدة أحاديث. روى عنه: ابناه عبد الله ومحمد، وأبو عثمان النهدي، وقبيصة بن ذؤيب، وعلي بن رباح، وعبد الرحمن بن شماسة، وآخرون. وقال ابن عبد البر: أسلم عمرو بن العاص في صفر سنة ثمان، وأمره النبي صلى الله عليه وسلم على سرية نحو الشام في جمادى الآخرة سنة ثمان فيما ذكره الواقدي إلى السلاسل، ثم أمده النبي صلى الله عليه وسلم بمائتي فارس، فيهم أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة، إلى أن قال: ثم ولي مصر لمعاوية، ومات بها يوم الفطر سنة ثلاث وأربعين على الأصح، فصلى ابنه عليه، ثم رجع فصلى الناس (4/90)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 91 صلاة العيد، ثم ولي مصر بعده عتبة أخو معاوية، فبقي سنة ومات، فولي مصر مسلمة بن مخلد، انتهى.) وقدم عمرو دمشق رسولاً من أبي بكر إلى هرقل، وله بدمشق دار عند سقيفة كردوس، ودار عند باب الجابية، تعرف ببني حجيجة، ودار عند عين الحمى. وأمه عنزية، وكان قصيراً يخضب بالسواد. قال حماد بن سلمة: عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ابنا العاص مؤمنان، هشام وعمرو. ابن لهيعة عن مشرح، عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسلم الناس، وآمن عمرو بن العاص. رواه الترمذي. وقال ابن أبي مليكة: قال طلحة بن عبيد الله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عمرو بن العاص من صالحي قريش. أخرجه الترمذي، وفيه انقطاع. (4/91)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 92 وقال ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب: أخبرني سويد بن قيس، عن قيس بن سمي، أن عمرو بن العاص قال: يا رسول الله أبايعك على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي، قال: إن الإسلام والهجرة يجبان ما كان قبلهما، قال: فوالله ما ملأت عيني منه ولا راجعته بما أريد، حتى لحق بالله حياءً منه. وقال الحسن البصري: قال رجل لعمرو بن العاص: أرأيت رجلاً مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحبه، أليس رجلاً صالحاً. قال: بلى، قال: قد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحبك، وقد استعملك، قال: بلى، فوالله ما أدري أحباً كان لي منه، أو استعانة بي، ولكن سأحدثك برجلين مات وهو يحبهما: عبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر. فقال الرجل: ذاك قتيلكم يوم صفين. قال: قد والله فعلنا. وروي أن عمراً لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم كان على عمان، فأتاه كتاب أبي بكر بذلك. قال ضمرة، عن الليث بن سعد، أن عمر نظر إلى عمرو بن العاص يمشي فقال: ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلا أميراً. (4/92)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 93 وقال جويرية بن أسماء: حدثني عبد الوهاب بن يحيى بن عبد الله بن الزبير: ثنا أشياخنا أن الفتنة وقعت، وما رجل من قريش له نباهة أعمى فيها من عمرو بن العاص، وقال: ما زال معتصماً بمكة ليس في شيء مما فيه الناس، حتى كانت وقعة الجمل، فلما فرغت بعث إلى ولديه عبد الله ومحمد فقال: إني قد رأيت رأياً، ولستما باللذين ترداني عن رأيي، ولكن أشيرا) علي، إني رأيت العرب صاروا عيرين يضطربان، وأنا طارح نفسي بين جداري مكة، ولست أرضى بهذه المنزلة، فإلى أي الفريقين أعمد قال عبد الله: إن كنت لا بد فاعلاً، فإلى علي. قال: إني إن أتيت علياً قال: إنما أنت رجل من المسلمين، وإن أتيت معاوية يخلطني بنفسه، يشركني في أمره، فأتى معاوية. وعن عروة، أو غيره قال: دعا ابنيه، فأشار عليه عبد الله أن يلزم بيته، لأنه أسلم له، فقال له محمد: أنت شريف من أشراف العرب، وناب من أنيابها، لا أرى أن تتخلف، فقال لعبد الله: أما أنت فأشرت علي بما هو خير لي في آخرتي، وأما أنت يا محمد فأشرت علي بما هو أنبه لذكري، ارتحلا، فارتحلوا إلى معاوية، فأتوا رجلاً قد عاد المرضى، ومشى بين الأعراض، يقص على أهل الشام غدوة وعشية: يا أهل الشام إنكم على خير وإلى خير، تطلبون بدم خليفة قتل مظلوماً، فمن عاش منكم فإلى خير. ومن مات فإلى خير. فقال عبد الله: ما أرى الرجل إلا قد انقطع بالأمر دونك، قال: دعني وإياه، ثم إن عمراً قال: يا معاوية أحرقت كبدي بقصصك، أترى أنا خالفنا علياً لفضل منا عليه، لا والله، إن هي إلا الدنيا نتكالب عليها، وايم الله لتقطعن لي قطعة من دنياك، أو لأنابذنك، قال: فأعطاه مصر، يعطي أهلها عطاءهم، وما بقي فله. ويروى أن علياً كتب إلى عمرو يتألفه، فلما أتاه الكتاب أقرأه معاوية (4/93)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 94 وقال: قد ترى، فإما أن ترضيني، وإما أن ألحق به، قال: فما تريد قال: مصر، فجعلها له. وعن يزيد بن أبي حبيب وغيره، أن الأمر لما صار لمعاوية استكثر طعمة مصر لعمرو، ورأى عمرو أن الأمر كله قد صلح به وبتدبيره وعنائه، وظن ان معاوية سيزيده الشام مع مصر، فلم يفعل معاوية، فتنكر له عمرو، فاختلفا وتغالظا، فدخل بينهما معاوية بن حديج، فأصلح أمرهما، وكتب بينهما كتاباً: أن لعمرو ولاية مصر سبع سنين، وأشهد عليهما شهوداً، ثم سار عمرو إليها سنة تسع وثلاثين، فما مكث نحو ثلاث سنين حتى مات. ويروى أن عمراً ومعاوية اجتمعا، فقال معاوية له: من الناس. قال: أنا، وأنت، والمغيرة بن شعبة، وزياد، قال: وكيف ذاك قال: أما أنت فللتأني، وأما أنا فللبديهة، وأما مغيرة فللمعضلات، وأما زياد فللصغير والكبير، قال: أما ذانك فقد غابا، فهات أنت بهديتك، قال: وتريد ذلك قال: نعم، قال: فأخرج من عندك، فأخرجهم، فقال: يا أمير المؤمنين أسارك، قال: فأدنى منه رأسه، فقال: هذا من ذاك، من معنا في البيت حتى أسارك.) وقال جويرية بن أسماء أن عمراً قال لابن عباس: يا بني هاشم، أما والله لقد تقلدتم لقتل عثمان قرم الإماء العوارك، أطعتم فساق أهل العراق في عتبه، وأجزرتموه مراق أهل مصر، وآويتم قتلته. فقال ابن عباس: إنما تكلم لمعاوية، وإنما تكلم عن رأيك، وإن أحق الناس أن لا يتكلم في أمر عثمان لأنتما، أما أنت يا معاوية فزينت له ما كان يصنع، حتى إذا حصر طلب منك نصرك، فأبطأت عنه، وأحببت قتله وتربصت به، وأما أنت يا عمرو، (4/94)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 95 فأضرمت المدينة عليه، وهربت إلى فلسطين تسأل عن أبنائه، فلما أتاك قتله أضافتك عداوة علي أن لحقت بمعاوية، فبعت دينك منه بمصر، فقال معاوية: حسبك يرحمك الله، عرضني لك عمرو، وعرض نفسه. وكان عمرو من أفراد الدهر دهاءً، وجلادة، وحزماً، ورأياً، وفصاحةً. ذكر محمد بن سلام الجمحي: أن عمر بن الخطاب كان إذا رأى رجلاً يتلجلج في كلامه قال: خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد. وقال مجالد، عن الشعبي، عن قبيصة بن جابر قال: صحبت عمر، فما رأيت رجلاً أقرأ لكتاب الله منه، ولا أفقه في دين الله منه، ولا أحسن مداراة منه، وصحبت طلحة بن عبيد الله، فما رأيت رجلاً أعطى لجزيل منه من غير مسألة، وصحبت معاوية، فما رأيت أحلم منه، وصحبت عمرو بن العاص، فما رأيت رجلاً أبين أو قال انصع طرفاً منه، ولا أكرم جليساً، ولا أشبه سريرة بعلانية منه، وصحبت المغيرة بن شعبة، فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب، لا يخرج من باب منها إلا بمكر لخرج من أبوابها كلها. وقال موسى بن علي، حدثنا أبي: ثنا أبو قيس مولى عمرو بن العاص، أن عمراً كان يسرد الصوم، وقلما كان يصيب من العشاء أول الليل أكثر مما كان يأكل في السحر. وقال عمرو بن دينار: وقع بين المغيرة بن شعبة وبين عمرو بن العاص كلام، فسبه المغيرة، فقال عمرو: يا هصيص، أيستبني ابن شعبة ! فقال (4/95)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 96 عبد الله ابنه: إنا لله، دعوت بدعوى القبائل وقد نهي عنها. فأعتق ثلاثين رقبة. وقال عمرو بن دينار: أخبرني مولى لعمرو بن العاص، أن عمراً أدخل في تعريش الوهط وهو بستان له بالطائف ألف ألف عود، كل عود بدرهم. وقال يزيد بن أبي حبيب: حدثني عبد الرحمن بن شماسة قال: لما حضرت عمرو بن العاص الوفاة بكى، فقال له ابنه: لم تبكي، أجزعاً من الموت قال: لا والله ولكن لما بعده، قال: قد) كنت على خير، فجعل يذكره صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتوحه الشام، فقال عمرو: تركت أفضل من ذلك كله، شهادة أن لا إله إلا الله، إني كنت على ثلاث أطباق، ليس منها طبقة إلا عرفت نفسي فيها: كنت أول شيء كافراً، وكنت أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلو مت حينئذ لوجبت لي النار، فلما بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت أشد الناس منه حياءً، ما ملأت عيني منه، فلو مت حينئذ لقال الناس: هنيئاً لعمرو، أسلم على خير، ومات على خير أحواله، ثم تلبست بعد ذلك بأشياء، فلا أدري أعلي أم لي، فإذا أنا مت فلا يبكي علي ولا تتبعوني ناراً، وشدوا علي إزاري، فإني مخاصم، فإذا وأريتموني فاقعدوا عندي قدر نحر جزور وتقطيعها، أستأنس بكم، حتى أعلم ما أراجع رسل ربي. أخرجه أبو عوانة في مسنده. (4/96)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 97 وقال الزهري: عن حميد بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو أن أباه قال حين احتضر: اللهم أمرت بأمور ونهيت عن أمور، تركنا كثيراً مما أمرت، ووقعنا في كثير ممن نهيت، اللهم لا إله إلا أنت. ثم أخذ بإبهامه، فلم يزل يهلل حتى توفي. وقال أبو فراس مولى عبد الله بن عمرو: إن عمراً توفي ليلة الفطر، فصلى عليه ابنه ودفنه، ثم صلى بالناس صلاة العيد. قال الليث، والهيثم بن عدي، والواقدي، وابن بكير، وغيرهم: توفي سنة ثلاث وأربعين ليلة عيد الفطر، زاد يحيى بن بكير: وسنه نحو مائة سنة. وقال أحمد العجلي: وعمره تسع وتسعون سنة. وقال ابن نمير: توفي في سنة اثنتين وأربعين. فائدة، قال الطحاوي: ثنا المزني: سمعت الشافعي يقول: دخل ابن عباس على عمرو بن العاص وهو مريض فقال: كيف أصبحت؟ قال: (4/97)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 98 أصبحت وقد أصلحت من دنياي قليلاً، وأفسدت من ديني كثيراً، فلو كان ما أصلحت هو ما أفسدت لفزت، ولو كان ينفعني أن أطلب طلبت، ولو كان ينجيني أن أهرب هربت، فعظني بموعظة أنتفع بها يا بن أخي، فقال: هيهات يا أبا عبد الله، فقال: اللهم إن ابن عباس يقنطني من رحمتك، فخذ مني حتى ترضى. ولعمرو بن العاص ترجمة طويلة في طبقات ابن سعد ثمان عشرة ورقة. 4 (عمرو بن معد يكرب) ) بن عبد الله بن عمرو بن عصم بن عمرو بن (4/98)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 99 زبيد، أبو ثور الزبيدي. له وفادة على النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد اليرموك وأبلى بلاءً حسناً يوم القادسية، وكان فارساً بطلاً ضخماً عظيماً، أجش الصوت، إذا التفت التفت جميعاً، وهو أحد الشجعان المذكورين، وارتد عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رجع وحسن إسلامه. وقيل: كان يأكل أكل جماعة، أكل مرة عنزاً رباعياً وثلاثة أصوع ذرة. وقال جويرية بن أسماء: شهد صفين غير واحد أبناء خمسين ومائة سنة، منهم عمرو بن معد يكرب. توفي عمرو هذا في إمرة معاوية. 4 (عمير بن سعد، ت) بن شهيد بن قيس الأنصاري الأوسي. صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان من زهاد الصحابة وفضلائهم. (4/99)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 100 روى عنه: ابنه محمود، وكثير بن مرة، وأبو إدريس الخولاني، وراشد بن سعد، وغيرهم. وكان يقال له: نسيج وحده، واستعمله عمر على حمص. وهم ابن سعد فقال: إنه عمير بن سعد بن عبيد، وإنما هو ابن عم أبيه. وقال عبد الصمد بن سعيد: ولي حمص بعد سعيد بن عامر بن حذيم. وعن الزهري قال: فبقي على إمرة حمص حتى قتل عمر، ثم نزعه عثمان. وقال عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن عمير بن سعد قال: قال لي ابن عمر، ما كان في المسلمين رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من ابيك. وقال ابن سيرين: إن عمر من عجبه بعمير بن سعد كان يسميه: نسيج وحده. أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، أنبأ أحمد بن عبد الواحد البخاري سنة اثنتين وعشرين وستمائة، أنبأ أبو الكرم علي بن عبد الكريم بهمذان، أنبأ أبو غالب أحمد بن محمد المقري سنة ست وخمسمائة، أنبأ عبد الرحمن بن محمد بن شبابة، ثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن الحسن بن عبيد الأسدي، ثنا إبراهيم بن الحسين بن ديزيل، أنبأ عبد الله بن صالح كاتب الليث، ثنا سعيد بن عبد العزيز أنه بلغه أن الحسن بن أبي الحسن قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث عمير بن سعد أميراً على حمص، فأقام بها حولاً، فأرسل إليه عمر وكتب إليه: بسم الله) الرحمن الرحيم. من عمر بن الخطاب إلى عمير بن سعد، السلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا (4/100)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 101 شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وقد كنا قد وليناك شيئاً من أمر المسلمين، فلا أدري ما صنعت، أوفيت بعهدنا، أم خنتنا، فإذا أتاك كتابي هذا إن شاء الله تعالى فاحمل إلينا ما قبلك من فيء المسلمين، ثم أقبل، والسلام عليك. قال: فأقبل عمير ماشياً من حمص، وبيده عكازه، وإداوة، وقصعة، وجراب، شاحباً، كثير الشعر، فلما قدم على عمر قال له: يا عمير، ما هذا الذي أرى من سوء حالك، أكانت البلاد بلاد سوء، أم هذه منك خديعة. قال عمير: يا عمر بن الخطاب ألم ينهك الله عن التجسس وسوء الظن ألست تراني ظاهر الدم، صحيح البدن ومعي الدنيا بقرابها قال عمر: ما معك من الدنيا قال: مزودي أجعل فيه طعامي، وقصعة آكل فيها، ومعي عكازتي هذه أتوكأ عليها وأجاهد بها عدواً إن لقيته، وأقتل بها حية إن لقيتها. فما بقي من الدنيا قال: صدقت، فأخبرني ما حال من خلفت من المسلمين قال: يصلون ويوحدون، وقد نهى الله أن نسأل عما وراء ذلك. قال: ما صنع أهل العهد قال عمير: أخذنا منهم الجزية عن يد وهم صاغرون. قال: فما صنعت بما أخذت منهم قال: وما أنت وذاك يا عمر أرسلتني أميناً، فنظرت لنفسي، وايم الله لولا أني أكره أن أغمك لم أحدثك يا أمير المؤمنين، قدمت بلاد الشام، فدعوت المسلمين، وأمرتهم بما حق لهم علي فيما افترض الله تعالى عليهم، ودعوت أهل العهد، فجعلت عليهم من يجيبهم، فأخذناه منهم، ثم رددناه على فقرائهم ومجهوديهم، ولم ينلك من ذلك شيء، فلو نالك بلغناك إياه. قال عمر: سبحان الله، ما كان فيهم رجل يتبرع عليك بخير ويحملك على دابة، جئت تمشي، بئس المعاهدون فارقت، وبئس المسلمون، أما والله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: لتوطأن حرمهم وليجارن عليهم (4/101)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 102 في حكمهم، وليستأثرن عليهم بفيئهم، وليلينهم رجال إن تكلموا قتلوهم، وإن سكتوا اجتاحوهم. فقال عمير: ما لك يا عمر تفرج بسفك دمائهم وانتهاك محارمهم. قال عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليسلطن الله عز وجل عليكم شراركم، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم. ثم إن عمر قال: هاتوا صحيفة لنجدد لعمير عهداً، قال عمير: والله لا أعمل لك، اتق الله يا أمير المؤمنين واعفني بغيري. وذكر حديثاً طويلاً منكراً. وروي نحوه، عن هارون بن عنترة، عن أبيه.) قال المفضل الغلابي: زهاد الأنصار ثلاثة: أبو الدرداء، وشداد بن أوس، وعمير بن سعيد، رضي الله عنهم. 4 (عنبسة بن أبي سفيان، م) بن حرب بن أمية الأموي، أبو عامر، ويقال أبو عثمان، ويقال أبو الوليد. روى عن أخته أم المؤمنين أم حبيبة. وعنه: مكحول، وعمرو بن أوس، وشهر بن حوشب، وأبو صالح (4/102)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 103 السمان، والقاسم أبو عبد الرحمن، وعطاء بن أبي رباح. ولعله بقي إلى بعد هذا الزمان، لكنه حج بالناس في سنة سبع وأربعين. (4/103)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 104 4 (القاف)

4 (قيس بن عاصم، د ت ن) بن سنان التميمي السعدي المنقري. (4/104)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 105 قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد بني تميم، فأسلم، وكان عاقلاً حليماً كريماً جواداً شريفاً. قال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا سيد أهل الوبر. ويروى أن الأحنف بن قيس قيل له: ممن تعلمت الحلم قال: من قيس بن عاصم. ويقال: إن قيساً كان ممن حرم على نفسه في الجاهلية شرب الخمر. روى عنه: الأحنف، والحسن البصري، وشعبة بن التوأم، وابنه حكيم بن قيس، وحفيده خليفة بن حصين. يكنى أبا علي، ويقال: كنيته أبو طلحة، وقيل: أبو قبيصة. نزل البصرة، وتوفي عن اثنين وثلاثين ذكراً من أولاده وأولادهم. حديثه في السنن. (4/105)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 106 4 (الكاف)

4 (كعب بن مالك، ع بن عمرو بن القين الأنصاري) الخزرجي (4/106)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 107 السلمي، أبو عبد الله، ويقال: أبو عبد الرحمن. شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم، شهد العقبة وأحداً، وحديثه في تخلفه عن غزوة تبوك في الصحيحين.) روى عنه: بنوه عبد الرحمن، وعبد الله، وعبيد الله، ومحمد، وابن عباس، وعمر بن الحكم، وعمر بن كثير بن أفلح، وحفيده عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب. ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين طلحة وكعب بن مالك، وقيل بل آخى بين كعب والزبير بن العوام. قاله عروة. وفي مغازي الواقدي: إن كعباً قاتل يوم أحد قتالاً شديداً، حتى جرح سبعة عشر جرحاً. وقال ابن سيرين: كان شعراء الصحابة: عبد الله بن رواحة، وحسان بن ثابت، وكعب بن مالك. وقال عبد الرحمن بن كعب، عن أبيه، أنه قال: يا رسول الله، قد أنزل الله في الشعراء ما أنزل، قال: إن المجاهد يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده ترمونهم به نضح النبل. (4/107)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 108 قال ابن سيرين: أما كعب فكان يذكر الحرب ويقول: فعلنا ونفعل ويهددهم. وأما حسان فكان يذكر عيوبهم وأيامهم. وأما ابن رواحة فكان يعيرهم بالكفر. وقد أسلمت دوس فرقاً من بيت قاله كعب: (نخيرها ولو نطقت لقالت .......... قواطعهن دوساً أو ثقيفاً) وعن ابن المنكدر، عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن مالك: ما نسي ربك وما كان نسياً بيتاً قلته. قال: ما هو قال: أنشده يا أبا بكر، فقال: (زعمت سخينةً أن ستغلب ربها .......... وليغلبن مغالب الغلاب) عن الهيثم والمدائني أن كعباً مات سنة أربعين،. وروى الواقدي: أنه مات سنة خمسين. وعن الهيثم بن عدي أيضاً: أنه توفي سنة إحدى وخمسين. (4/108)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 109 4 (اللام)

4 (لبيد بن ربيعة، بن مالك) أبو عقيل الهوازني العامري. (4/109)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 110 الشاعر المشهور، الذي له: (ألا كل شيء ما خلا الله باطل .......... وكل نعيم لا محالة زائل) وفد على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم وحسن إسلامه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: أصدق كلمة قالها شاعر، كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل) يقال: إن لبيداً عاش مائة وخمسين سنة، وقيل: إنه لم يقل شعراً بعد إسلامه، وقال: أبدلني الله به القرآن. (4/110)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 111 ويقال: قال بيتاً واحداً وهو: (ما عاتب المرء الكريم كنفسه .......... والمرء يصلحه القرين الصالح) وكان أحد أشراف قومه، نزل الكوفة، وكان لا تهب الصبا إلا نحر وأطعم. وكان قد اعتزل الفتن. وقيل: إنه لم يبق إلى هذا الوقت، بل توفي في إمرة عثمان. وقيل مات يوم دخل معاوية الكوفة. وقال ابن أبي الزناد: عن هشام عن أبيه، عن عائشة قالت: رويت للبيد اثني عشر ألف بيت من الشعر. وللبيد: (ولقد سئمت من الحياة وطولها .......... وسؤال هذا الناس كيف لبيد) (4/111)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 112 4 (الميم)

4 (محمد بن مسلمة ع) بن سلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة. (4/112)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 113 ويقال محمد بن مسلمة بن سلمة بن حريش الأشهلي الأنصاري، أبو عبد الله، ويقال: أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو سعيد. شهد بدراً والمشاهد بعدها، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلفه على المدينة مرة. وكان رجلاً طويلاً، معتدلاً، أسمر، أصلع، عاش سبعاً وسبعين سنة، وهو حارثي من حلفاء بني عبد الأشهل. روى عنه: ابنه محمود، وسهل بن أبي حثمة، وقبيصة بن ذؤيب، وعروة بن الزبير، وأبو بردة بن أبي موسى، وآخرون. وكان على مقدمة عمر في قدومه إلى الجابية. وقال ابن سعد: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي عبيدة، واستخلفه في غزوة تبوك على المدينة. قلت: وكان ممن اعتزل الفتنة. قال علي بن زيد، عن أبي بردة، مررنا بالربذة فإذا فسطاط محمد بن مسلمة، فقلت: لو خرجت إلى الناس فأمرت ونهيت، فقال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ستكون فرقة وفتنة) واختلاف، فاكسر سيفك واقطع وترك واجلس في بيتك، ففعلت ما أمرني به. وقال أبو بردة، عن رجل قال: قال حذيفة إني لأعرف رجلاً لا تضره الفتنة، فإذا فسطاط مضروب لما أتينا المدينة، وإذا محمد بن مسلمة، فسألناه (4/113)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 114 فقال: لا يشتمل على شيء من أمصاركم حتى ينجلي الأمر. وقال عبابة بن رفاعة: كان محمد بن مسلمة أسود طويلاً عظيماً. وقال ابن عيينة: عن موسى بن أبي عيسى قال: أتى عمر بن الخطاب مشربة بني حارثة، فإذا محمد بن مسلمة، فقال له عمر: كيف تراني قال: أراك كما أحب، وكما يجب لك الخير، أراك قوياً على جمع المال، عفيفاً عنه، عدلاً في قسمته، ولو ملت عدلناك كما يعدل السهم في الثقاف. فقال: الحمد لله الذي جعلني في قوم إذا ملت عدلوني. وعن جابر قال: بعثنا عثمان في خمسين راكباً، أميرنا محمد بن مسلمة نكلم الذين جاءوا من مصر في فتنة، فاستقبلنا رجل منهم، وفي يده مصحف، متقلداً سيفاً تذرف عيناه، فقال: ها إن هذا يأمرنا أن نضرب بهذا على ما في هذا، فقال محمد بن مسلمة: اسكت، فنحن ضربنا بهذا على ما في هذا قبلك، وقبل أن تولد. وعن زيد بن أسلم، أن محمد بن مسلمة قال: أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفاً فقال: جاهد في سبيل الله، حتى إذا رأيت من المسلمين فئتين يقتتلان، فاضرب به الحجر حتى تكسره، ثم كف لسانك ويدك حتى تأتيك منية قاضية، أو يد خاطئة. فلما قتل عثمان خرج إلى صخرة، فضربها بسيفه حتى كسره. (4/114)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 115 وقال إسحاق بن أبي فروة: كان محمد يقال له حارس نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلما كسر سيفه اتخذ سيفاً من خشب، وصيره في الجفن في داره وقال: علقته أهيب به ذاعراً. وقال محمد بن مصفى: حدثنا يحيى بن سعيد، عن موسى بن وردان، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله قال: قدم معاوية ومعه أهل الشام، يعني إن شاء الله إلى المدينة، فبلغ رجلاً شقياً من أهل الأردن جلوس محمد بن مسلمة عن علي أو معاوية، فاقتحم عليه المنزل فقتله. وقال يحيى بن بكير، وإبراهيم بن المنذر، وابن نمير، وخليفة: توفي سنة ثلاث وأربعين في صفر، رضي الله عنه، ومن قال سنة ست فقد غلط. 4 (مدلاج بن عمرو، حليف بني عبد شمس) ) شهد بدراً، وتوفي سنة خمسين. وبعضهم يقول: مدلج بن عمرو، حليف لبني غنم بن ذودان، والله أعلم. 4 (المستورد بن شداد، القرشي الفهري.) (4/115)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 116 يقال: توفي سنة خمسين، سيأتي، وهو صحابي مشهور. روى عنه: قيس بن أبي حازم، وغيره. 4 (معقل بن قيس، الرياحي.) توفي سنة اثنتين وأربعين. لا أعرفه، وليست له صحبة. 4 (معقل بن أبي الهيثم،) ويقال معقل بن أبي معقل، ويقال معقل بن أم معقل، الأسدي، حليف لهم. له صحبة، حديثه في فضل العمرة في رمضان، وفي النهي عن (4/116)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 117 التغوط إلى القبلة. عداده في أهل المدينة. روى عنه: مولاه أبو زيد، وأم معقل، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وتوفي في أيام معاوية. 4 (المغيرة بن شعبة، ع) ابن أبي عامر بن مسعود بن معتب الثقفي، أبو عيسى، ويقال أبو عبد الله، ويقال أبو محمد. (4/117)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 118 صحابي مشهور، وكان رجلاً طوالاً، ذهبت عينه يوم اليرموك، وقيل يوم القادسية. وروى المغيرة بن الريان، عن الزهري قال: قالت عائشة: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام المغيرة بن شعبة ينظر إليها، فذهبت عينه. وقال ابن سعد: كان المغيرة أصهب الشعر جداً، يفرق رأسه فروقاً أربعة، أقلص الشفتين، مهتوماً، ضخم الهامة، عبل الذراعين، بعيد ما بين المنكبين. قال: وكان داهية، يقال له: مغيرة الرأي. وعن الشعبي: أن المغيرة سار من دمشق إلى الكوفة خمساً. وقال الواقدي: حدثني محمد بن سعيد الثقفي وجماعة قالوا: قال (4/118)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 119 المغيرة: كنا قوماً متمسكين بديننا، ونحن سدنة اللات، فأراني لو رأيت قومنا قد أسلموا ما تبعتهم، فأجمع نفر من بني مالك الوفود على المقوقس، وإهداء هدايا له، فأجمعت الخروج معهم، فاستشرت عمي عروة بن مسعود، فنهاني وقال: ليس معك من بني أبيك أحد، فأبيت وخرجت معهم، وما معهم من) الأحلاف غيري، حتى دخلنا الإسكندرية، فإذا المقوقس في مجلس مطل على البحر، فركبت زورقاً حتى حاذيت مجلسه، فنظر إلي فأنكرني، وأمر من يسألني، فأخبرته بأمرنا وقدومنا، فأمر أن ننزل في الكنيسة، وأجرى علينا ضيافة، ثم أدخلنا عليه، فنظر إلى رأس بني مالك، فأدناه وأجلسه معه، ثم سأله عن القوم: أكلهم من بني مالك قال: نعم، إلا هذا، قال: فكنت أهون القوم عليه، وسر بهداياهم، وأعطاهم الجوائز، وأعطاني شيئاً يسيراً، وخرجنا، فأقبلت بنو مالك يشترون هدايا لأهلهم وهم مسرورون، ولم يعرض علي رجل منهم مواساةً، وخرجوا وحملوا معهم الخمر، فكانوا يشربون وأشرب معهم وتأبى نفسي أن تدعني ينصرفون إلى الطائف بما أصابوا، ويخبرون قومي بكرامتهم على الملك، وتقصيره بي وازدرائه إياي، فأجمعت على قتلهم، فتمارضت وعصبت رأسي، فوضعوا شرابهم، فقلت: رأسي يصدع، ولكني أجلس وأسقيكم، فجعلت أصرف لهم، يعني لا أمزج، وأنزع الكأس، فيشربون ولا يدرون، حتى ناموا سكراً، ما يعقلون، فوثبت وقتلتهم جميعاً، وأخذت ما معهم، فقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم، فأجده جالساً في المسجد، وعلي ثياب سفري، فسلمت بسلام الإسلام، فعرفني أبو بكر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي هداك للإسلام، فقال أبو بكر: أمن مصر أقبلتم قلت: نعم، قال: فما فعل المالكيون قلت: قتلتهم وجئت بأسلابهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخمسها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إسلامك فنقبله، وأما أموالهم فلا آخذ منها شيئاً، هذا (4/119)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 120 غدر، ولا خير في الغدر، قال: فأخذني ما قرب وما بعد، وقلت: يا رسول الله إنما قتلتهم وأنا على دين قومي، ثم أسلمت حيث دخلت عليك الساعة، قال: فإن الإسلام يجب ما قبله. قال: وكان قد قتل ثلاثة عشر نفساً، فبلغ ذلك أهل الطائف، فتداعوا للقتال، ثم اصطلحوا، على أن تحمل عروة بن مسعود ثلاث عشرة دية. قال المغيرة: وأقمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كانت الحديبية سنة ست، فخرجت معه، وكنت أكون مع أبي بكر، وألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن يلزمه، فبعثت قريش عروة بن مسعود في الصلح، فأتاه فكلمه، وجعل يمس لحيته، وأنا قائم على رأسه مقنع في الحديد، فقلت لعروة: كف يدك قبل أن لا تصل إليك، فقال: من هذا يا محمد، فما أفظه وأغلظه فقال: هذا ابن أخيك المغيرة، فقال: يا عدو الله ما غسلت عني سوءتك إلا بالأمس.) روى عنه: بنوه عروة، وحمزة، وعفار، والمسور بن مخرمة، وأبو أمامة، وقيس بن أبي حازم، ومسروق، وأبو وائل، والشعبي، وعروة بن الزبير، وزياد بن علاقة، وغيرهم. وروى الشعبي، عن المغيرة قال: أنا آخر الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم، لما دفن خرج علي من القبر، فألقيت خاتمي وقلت: يا أبا حسن خاتمي، (4/120)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 121 قال: انزل فخذه، قال: فنزلت فمسحت يدي على الكفن، ثم خرجت. وقال زيد بن أسلم، عن أبيه، أن عمر استعمل المغيرة بن شعبة على البحرين، فأبغضوه، فعزله، فخافوا أن يرده، فقال دهقانهم: إن فعلتم ما آمركم لم يرده علينا، قالوا: مرنا، قال: تجمعون مائة ألف درهم، فأذهب بها إلى عمر فأقول: هذا اختان هذا المال فدفعه إلي، فجمعوا له مائة ألف وأتى بها عمر، فدعا المغيرة فقال: ما هذا قال: كذب، أصلحك الله إنما كانت مائتي ألف، قال: ما حملك على ذلك قال: العيال والحاجة، فقال عمر للدهقان: ما تقول قال: لا والله لأصدقنك: والله ما دفع إلي شيئاً، وقص له أمره. قد ذكرنا أن المغيرة ولي البصرة وغيرها لعمر، وكان ممن قعد عن علي ومعاوية. وقال ابن أبي عروة، عن قتادة: إن أبا بكرة، وشبل بن معبد، وزياداً، ونافع بن عبد الحارث شهدوا على المغيرة، سوى زياد، أنهم رأوه يولجه ويخرجه، يعني يزني بامرأة، فقال عمر: وأشار إلى زياد: إني أرى غلاماً لسناً لا يقول إلا حقاً، ولم يكن ليكتمني شيئاً، فقال زياد: لم أر ما قال هؤلاء، ولكني قد رأيت ريبة وسمعت نفساً عالياً، قال: فجلد عمر الثلاثة. وعن ابن سيرين قال: كان يقول الرجل للرجل: غضب عليك الله كما غضب عمر على المغيرة، عزله عن البصرة فولاه الكوفة. (4/121)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 122 قلت: وقد غزا المغيرة بالجيوش غير مرة في إمرته، وحج بالناس سنة أربعين. وقال جرير، عن مغيرة قال: قال المغيرة بن شعبة لعلي: ابعث إلى معاوية عهده، ثم بعد ذلك اخلعه، فلم يفعل فاعتزله المغيرة بالطائف، فلما اشتغل علي ومعاوية، فلم يبعثوا إلى الموسم أحداً، جاء المغيرة فصلى بالناس ودعا لمعاوية. قال الليث بن سعد: حج سنة أربعين، لأنه كان منعزلاً بالطائف، فافتعل كتاباً عام الجماعة بإمرة الموسم، فقدم الحج يوماً خشية أن يجيء أمير، فتخلف عنه ابن عمر، وصار معظم الناس مع ابن عمر.) قال الليث: قال نافع: لقد رأيتنا ونحن غادون من منى، واستقبلونا مفيضين من جمع، فأقمنا بعدهم ليلة. وقال الزهري: دعا معاوية عمرو بن العاص، وهما بالكوفة، فقال: يا أبا عبد الله أعني على الكوفة، قال: فكيف بمصر قال: استعمل عليها ابنك عبد الله، قال: فنعم إذن، فبينا هم على ذلك طوقهم المغيرة بن شعبة، وكان معتزلاً بالطائف، فناجاه معاوية، فقال المغيرة له: تؤمر عمراً على الكوفة وابنه على مصر، وتكون كقاعدة بين لحيي الأسد قال: فما ترى قال: أنا أكفيك الكوفة، قال: فافعل، فقال معاوية لعمرو حين أصبح: يا أبا عبد الله إني قد رأيت أن أفعل بك ونستوحش إليك، ففهمها عمرو فقال: ألا أدلك على أمير الكوفة قال: بلى، قال: المغيرة بن شعبة، واستعن برأيه وقوته على المكيدة، واعزل عنه المال، كان من قبلك عمر وعثمان قد فعلا ذلك، قال: نعم ما رأيت، فدخل عليه المغيرة فقال: إني كنت أمرتك على الجند (4/122)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 123 والأرض، ثم ذكرت سنة عمر وعثمان قبلي، قال: قد قبلت، فلما خرج قال: قد عزلت الأرض عن صاحبكم. وقال عبد الله بن شوذب: إن المغيرة أحصن أربعة من بنات أبي سفيان بن حرب. وعن الشعبي قال: دهاة العرب: معاوية، والمغيرة، وعمرو بن العاص، وزياد. وقال المغيرة: تزوجت سبعين امرأة. وقال مالك: كان المغيرة بن شعبة نكاحاً للنساء، ويقول: صاحب المرأة إن مرضت مرض، وإن حاضت حاض، وصاحب المرأتين بين نارين تشتعلان، وكان ينكح أربعاً، ثم يطلقهن جميعاً. وقال ابن المبارك: كان تحت المغيرة أربع نسوة، فصفهن بين يديه وقال: أنتن حسان الأخلاق، طويلات الأعناق، ولكني رجل مطلاق، فأنتن الطلاق. المحاربي: حدثني عبد الملك بن عمير قال: رأيت المغيرة بن شعبة يخطب في العيد على بعير، ورأيته يخضب بالصفرة. محمد بن معاوية النيسابوري: ثنا داود بن خلد، عن عباس بن عبد الله بن معبد بن عباس قال: أول من خضب بالسواد المغيرة بن شعبة. (4/123)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 124 أبو عوانة، ومسعر، عن زياد بن علاقة: سمعت جرير بن عبد الله حين مات المغيرة يقول:) استغفروا لأميركم، فإنه كان يحب العافية. وقال عبد الملك بن عمير: رأيت زياداً واقفاً على قبر المغيرة، وهو يقول: (إن تحت الأحجار حزماً وعزماً .......... وخصيماً ألد ذا معلاق)

(حية في الوجار أربد لا ين .......... فع منه السليم نفثة راق) قالوا: توفي المغيرة بالكوفة أميراً عليها سنة خمسين، زاد بعضهم: في شعبان. 4 (المغيرة بن نوفل، بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي) ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة أو بعدها، كنيته أبو يحيى. تزوج بعد مقتل علي رضي الله عنه بأمامة بنت أبي العاص بن الربيع. فأولدها يحيى، وكان قد ولي القضاء في خلافة عثمان، وشهد صفين مع علي. وكان شديد القوة، وهو الذي ألقى على عبد الرحمن بن ملجم بساطاً (4/124)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 125 لما رآه يحمل على الناس، ثم احتمله وضرب به الأرض، وأخذ منه السيف. له حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه أولاده عنه. وذكره أبو نعيم في الصحابة. (4/125)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 126 4 (النون)

4 (ناجية بن جندب بن كعب الأسلمي.) صاحب بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم، له رواية أحاديث يسيرة، وشهد الحديبية. روى عنه عروة بن الزبير، وغيره، وبقي إلى زمن معاوية، ويقال إنه خزاعي، وليس بشيء. 4 (نعيمان بن عمرو، بن رفاعة الأنصاري) من بني مالك بن النجار. (4/126)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 127 هو صاحب الحكايات الظريفة والمزاح، شهد بدراً. يقال: إنه توفي زمن معاوية. اسمه النعمان. 4 (نعيم بن همار) ويقال بن هبار، وقيل في أبيه غير ذلك، الغطفاني. شامي له صحبة ورواية. روى عنه: كثير بن مرة، وأبو إدريس الخولاني، وقيس الحذامي، وقد روى عنه عقبة بن عامر، فلهذا وهم بعضهم وقال: هو تابعي. 4 (النواس بن سمعان، م الكلابي العامري.) ) سكن الشام، له صحبة ورواية. روى عنه: جبير بن نفير، وأبو إدريس الخولاني، وجماعة. (4/127)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 128 4 (الواو)

4 (وائل بن حجر، م بن سعد،) هنيدة الحضرمي. له صحبة ورواية، وكان سيد قومه، وفد على معاوية لما دخل الكوفة. روى عنه: ابناه علقمة، وعبد الجبار، ووائل بن علقمة، وكليب بن شهاب، وآخرون. وقيل إنه كان على راية حضرموت بصفين مع علي. وروى سماك بن حرب، عن علقمة بن وائل، عن أبيه، أنه وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقطعه أرضاً، وأرسل معه معاوية بن أبي سفيان ليعرفه بها. (4/128)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 129 قال: فقال لي معاوية: أردفني خلفك، فقلت: إنك لا تكون من أرداف الملوك، قال: أعطني نعلك، فقلت: انتعل ظل الناقة. فلما استخلف أتيته، فأقعدني معه على السرير فذكرني الحديث، فقلت في نفسي: ليتني كنت حملته بين يدي. 4 (وحشي بن حرب، خ د ق الحبشي العبد،) مولى جبير بن مطعم، وقيل مولى ابنه الحارث بن نوفل. هو قاتل حمزة، وقاتل مسيلمة الكذاب. لما أسلم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل تستطيع أن تغيب وجهك عني. روى عنه: ابنه حرب، وعبيد الله بن عدي بن الخيار، وجعفر بن عمرو بن أمية. وسكن حمص. (4/129)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 130 4 (الكنى)

4 (أبو الأعور السلمي، اسمه عمرو بن سفيان،) وقيل: عمرو بن عبد الله بن سفيان، ويقال غير ذلك. له صحبة، وكان يوم اليرموك أميراً على كردوس، وكان أمير الميسرة يوم صفين مع معاوية. روى عنه: قيس بن أبي حازم، وأبو عبد الرحمن السلمي، وعمرو البكالي. وقال الوليد بن مسلم: ثنا عثمان بن حصن، عن يزيد، عن عبيدة قال: غزا أبو الأعور السلمي قبرس ثانياً سنة سبع وعشرين. (4/130)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 131 وعن سنان بن مالك أنه قال لأبي الأعور: إن الأشتر يدعوك إلى مبارزته، فسكت طويلاً ثم) قال: إن الأشتر، خفته وسوء رأيه، حملاه على إجلاء عمال عثمان من العراق، ثم سار إلى عثمان، فأعان على قتله، لا حاجة لي بمبارزته. توفي أبو الأعور في خلافة معاوية لأني وجدت جرير بن عثمان روى عن عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي قال: لما بايع الحسن معاوية قال له عمرو بن العاص وأبو الأعور عمرو بن سفيان السلمي: لو أمرت الحسن فتكلم على الناس على المنبر عيى عن المنطق، فيزهد فيه الناس، فقال معاوية: لا تفعلوا، فوالله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمص لسانه وشفته، فأبوا على معاوية. وذكر الحديث، تقدم. 4 (أبو بردة بن نيار، ع بن عمرو بن عبيد.) اسمه هانئ حليف الأنصار، وهو بدري شهد بدراً والمشاهد بعدها. (4/131)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 132 روى عنه: ابن أخته البراء بن عازب، وجابر بن عبد الله، وبشير بن يسار، وغيرهم. توفي سنة بعد اثنتين وأربعين. 4 (أم حبيبة أم المؤمنين) بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية الأموية، اسمها رملة. روى عنها: أخواها معاوية، وعنبسة، وابن أخيها عبد الله بن عتبة، وعروة، وأبو صالح السمان، وصفية بنت شيبة، وجماعة. (4/132)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 133 وقد تزوجها أولاً عبيد الله بن جحش بن رباب الأسدي، حليف بني عبد شمس، فولدت منه حبيبة بأرض الحبشة في الهجرة، ثم توفي عبيد الله وقد تنصر بالحبشة، فكاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشي، فزوجها بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأصدق عنه أربعمائة دينار في سنة ست، وكان الذي ولي عقد النكاح خالد بن سعيد بن العاص بن أمية، ودخل بها النبي صلى الله عليه وسلم سنة سبع، وعمرها يومئذ بضع وثلاثون سنة. قال عروة، عن أم حبيبة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بالحبشة، زوجها إياه النجاشي، ومهرها أربعة آلاف درهم من عنده، وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجهازها كله من عند النجاشي. وقال حسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت قال: نزلت في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة.) قال الواقدي والفسوي وأبو القاسم: توفيت أم حبيبة سنة أربع وأربعين. وقال المفضل الغلابي: توفيت سن اثنتين وأربعين. (4/133)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 134 ووهم من قال: توفيت قبل معاوية بسنة، إنما تلك أم سلمة. توفيت أم حبيبة رضي الله عنها بالمدينة على الصحيح، وقيل توفيت بدمشق، وكانت قد أتتها تزور اخاها. 4 (أبو حثمة، والد سهل بن أبي حثمة الأنصاري) الحارثي، اسمه عامر بن ساعدة. شهد الخندق وما بعدها، وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر خارصاً إلى خيبر غير مرة. توفي في أول خلافة معاوية. 4 (أبو رفاعة، م ن العدوي.) له صحبة ورواية، عداده في البصريين. روى عنه: حميد بن هلال، ومحمد بن سيرين، وصلة بن أشيم، وغيرهم. (4/134)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 135 قال خليفة: وهو من فضلاء الصحابة، اسمه عبد الله بن الحارث بن أسد، من بني عدي الرباب، وقيل اسمه تميم بن أسيد، أخباره في الطبقات، علقتها في منتقى الاستيعاب. وكان صاحب ليل وعبادة وغزو، استشهد في سرية عليهم عبد الرحمن بن سمرة، تهجد فنام على الطريق فذبح غيلة. 4 (أبو الغادية الجهني، وجهينة قبيلة من قضاعة،) اسمه يسار بن أزهر وقيل ابن سبع المزني، وقيل اسمه مسلم. وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعه. وروى عنه: ابنه سعد، وكلثوم بن جبر، وخالد بن معدان، والقاسم أبو عبد الرحمن، وغيرهم. وقال ابن عبد البر: أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام. وقال الدار قطني وغيره: هو قاتل عمار بن ياسر يوم صفين. وقال حماد بن سلمة: ثنا كلثوم بن جبر، عن أبي الغادية قال: سمعت عمار بن ياسر يشتم عثمان، فتوعدته بالقتل، فلما كان يوم صفين طعنته، فوقع، فقتلته. (4/135)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 136 4 (أم كلثوم، بنت أبي بكر الصديق.) تزوجها طلحة بن عبيد الله، وهي أم عائشة بنت طلحة. مولدها بعد موت أبي بكر، وتزوجت) بعد طلحة برجل مخزومي، وهو عبد الرحمن ولد عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة، فولدت له أربعة أولاد. 4 (أم كلثوم، بنت عقبة بن أبي معيط.) لها حديث في الصحيحين. وهي أخت عثمان رضي الله عنه لأمه، من المهاجرات الأول. لها ترجمة أيضاً في الطبقات لابن سعد. (4/136)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 137 4 (أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب الهاشمية.) ولدت في حياة جدها صلى الله عليه وسلم، وتزوجها عمر وهي صغيرة، قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي. فروى عبد الله بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده أن عمر تزوجها على أربعين ألف درهم. وعبد الله ضعيف الحديث. قال الزهري وغيره: ولدت له زيداً. وقال ابن إسحاق: توفي عنها عمر، فتزوجت بعون بن جعفر بن أبي (4/137)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 138 طالب، فحدثني أبي قال: دخل الحسن والحسين عليها لما مات عمر فقالا: إن مكنت أباك من ذمتك أنكحك بعض أيتامه، ولئن أردت أن تصيبي بنفسك مالاً عظيماً لتصيبنه، فلم يزل بها علي رضي الله عنه حتى زوجها بعون فأحبته، ثم مات عنها. قال ابن إسحاق: فزوجها أبوها بمحمد بن جعفر، فمات عنها، ثم زوجها بعبد الله بن جعفر، فماتت عنده. قلت: ولم يجئها ولد من الإخوة الثلاثة. وقال الزهري: ولدت جاريةً من محمد بن جعفر اسمها نبتة. وقال غيره: ولدت لعمر زيداً ورقية، وقد انقرضا. وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي قال: جئت وقد صلى عبد الله بن عمر على أخيه زيد بن عمر، وأمه أم كلثوم بنت علي. وقال حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، إن أم كلثوم وزيد بن عمر ماتا فكفنا، وصلى عليهما سعيد بن العاص، يعني إذ كان أمير المدينة. قال ابن عبد البر: إن عمر قال لعلي: زوجنيها أبا حسن، فإني أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد، قال: فأنا أبعثها إليك، فإن رضيتها فقد زوجتكها، يعتل بصغرها، قال: فبعثها إليه ببردة) وقال لها: قولي له: هذا البرد الذي قلت لك، فقالت له ذلك، فقال: قولي له: قد رضيت، رضي الله عنك، ووضع يده على ساقها فكشفها، فقالت: أتفعل هذا، لولا أنك أمير (4/138)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 139 المؤمنين لكسرت أنفك، ثم مضت إلى أبيها فأخبرته وقالت: بعثتني إلى شيخ سوء، قال: يا بنية إنه زوجك. روى نحواً من هذا سفيان بن عيينة، عن عمر بن دينار، عن محمد بن علي. 4 (أبو موسى الأشعري) هو عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار اليماني، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. (4/139)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 140 قدم عليه مسلماً سنة سبع، مع أصحاب السفينتين من الحبشة، وكان قدم مكة، فحالف بها أبا أحيحة سعيد بن العاص، ثم رجع إلى بلاده، ثم خرج منها في خمسين من قومه قد أسلموا، فألقتهم سفينتهم والرياح إلى أرض الحبشة، فأقاموا عند جعفر بن أبي طالب، ثم قدموا معه. استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا موسى على زبيد وعدن، ثم ولي الكوفة والبصرة لعمر. وحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم الكثير، وعن أبي بكر، وعمر، ومعاذ، وأبي بن كعب، وكان من أجلاء الصحابة وفضلائهم. روى عنه: أنس، وربعي بن حراش، وسعيد بن المسيب، وزهدم الجرمي، وخلق كثير، وبنوه أبو بكر، وأبو بردة، وإبراهيم، وموسى. وفتحت أصبهان على يده وتستر وغير ذلك، ولم يكن في الصحابة أطيب صوتاً منه. (4/140)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 141 قال سعيد بن عبد العزيز: حدثني أبو يوسف صاحب معاوية، أن أبا موسى قدم على معاوية، فنزل في بعض الدور بدمشق، فخرج معاوية من الليل يتسمع قراءته. وقال الهيثم بن عدي: أسلم أبو موسى بمكة، وهاجر إلى الحبشة. وقال عبد الله بن بريدة كان أبو موسى قصيراً أثط خفيف الجسم ولم يذكره ابن اسحق فيمن هاجر إلى الحبشة وقال أبو بردة، عن أبي موسى قال: قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم لما قدمنا حين افتتحت خيبر: لكم الهجرة مرتين، هاجرتم إلى النجاشي، وهاجرتم إلي. وقال يحيى بن أيوب، عن حميد، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقدم عليكم غداً قوم أرق قلوباً للإسلام منكم، قال: فقدم الأشعريون، فيهم أبو موسى، فلما دنوا من المدينة جعلوا يرتجزون:) (غداً نلقى الأحبه .......... محمداً وحزبه) فلما أن قدموا تصافحوا، فكانوا أول من أحدث المصافحة. رواه أحمد في مسنده. وقال سماك بن حرب: ثنا عياض الأشعري، عن أبي موسى قال: لما (4/141)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 142 نزل: فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هم قومك يا أبا موسى. صححه الحاكم. وعياض نزل الكوفة، مختلف في صحبته، بقي إلى بعد السبعين، رواه ثقات، عن شعبة بن سماك، عن عياض فقال، عن أبي موسى. وقال مالك بن مغول عن أبي بريدة، عن أبيه قال: خرجت ليلة من المسجد، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم عند باب المسجد قائم، وإذا رجل في المسجد يصلي، فقال لي: يا بريدة أتراه يرائي، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: بل هو مؤمن منيب، ثم قال: لقد أعطي هذا مزماراً من مزامير داود، فأتيته فإذا هو أبو موسى، فأخبرته. وفي الصحيحين من حديث أبي بردة، عن أبي موسى، في قصة جيش أوطاس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلاً كريماً. وقال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أوتي أبو موسى من مزامير آل داود. (4/142)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 143 وقال ثابت، عن أنس قال: قرأ أبو موسى ليلة فقام أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يستمعن لقراءته، فلما أصبح أخبر بذلك، فقال: لو علمت لحبرته تحبيراً ولشوقت تشويقاً. وقال أبو البختري: سألنا علياً عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فسألناه عن أبي موسى فقال: صبغ في العلم صبغة ثم خرج منه. وقال الأعلم بن يزيد: لم أر بالكوفة أعلم من علي وأبي موسى. وقال مسروق: كان القضاء في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ستة: عمر، وعلي، وابن مسعود، وأبي، وزيد بن ثابت، وأبي موسى. وقال الشعبي: قضاة هذه الأمة أربعة: عمر، وعلي، وزيد بن ثابت، وأبو موسى. وقال الحسن: ما قدم البصرة راكب خير لأهلها من أبي موسى. وقال قتادة: بلغ أبا موسى أن ناساً يمنعهم من الجمعة أنه ليس لهم ثياب، قال: فخرج على) الناس في عباءة. وقال ابن شوذب: دخل أبو موسى البصرة على جمل أورق، وعليه خرج لما عزل. (4/143)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 144 قلت: عزله عثمان عنها، وأمر عليها عبد الله بن عامر. وقال أبو بردة: سمعت أبي يقسم بالله أنه ما خرج حين نزع عن البصرة إلا بستمائة درهم. وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن: كان عمر ربما قال لأبي موسى: ذكرنا يا أبا موسى، فيقرأ. وقال أبو عثمان النهدي: ما سمعت مزماراً ولا طنبوراً ولا صنجاً أحسن من صوت أبي موسى، إن كان ليصلي بنا، فنود أنه قرأ البقرة من حسن صوته. رواه سليمان التيمي، عن أبي عثمان. وعن أبي بردة قال: كان أبو موسى لا تكاد تلقاه في يوم حار إلا صائماً. (4/144)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 145 وقال زيد بن الحباب: ثنا صالح بن موسى الطلحي، عن أبيه قال: اجتهد الأشعري قبل موته اجتهاداً شديداً، فقيل له: لو رفقت بنفسك، قال: إن الخيل إذا أرسلت فقاربت رأس مجراها أخرجت جميع ما عندها، والذي بقي من أجلي أقل من ذلك، قال: فلم يزل على ذلك حتى مات. وقال أبو صالح بن السمان: قال علي رضي الله عنه في أمر الحكمين: يا أبا موسى أحكم ولو على حز عنقي. وقال زيد بن الحباب: ثنا سليمان بن المغيرة البكري، عن أبي بردة، عن أبي موسى، أن معاوية كتب إليه: سلام عليك، أما بعد، فإن عمرو بن العاص قد بايعني على ما أريد، وأقسم بالله لئن بايعتني على الذي بايعني عليه، لأستعملن أحد ابنيك على الكوفة والآخر على البصرة، ولا يغلق دونك باب، ولا تقضى دونك حاجة، وقد كتبت إليه بخط يدي، فاكتب إلي بخط يدك، قال: فقال لي: يا بني إنما تعلمت المعجم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتبت إليه كتاباً مثل العقارب، فكتب إليه: أما بعد، فإنك كتبت إلي في جسيم أمر أمة محمد، فماذا أقول لربي إذا قدمت عليه، ليس لي فيما عرضت من حاجة، والسلام عليك. قال أبو بردة: فلما ولي معاوية أتيته، فما أغلق دوني باباً، وقضى حوائجي. قال أبو نعيم، وابن نمير وأبو بكر بن أبي شيبة، وقعنب: توفي سنة أربع وأربعين. (4/145)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 146 وقال الهيثم: توفي سنة اثنتين وأربعين، وحكاه ابن منده. وقال الواقدي: توفي سنة اثنتين وخمسين.) وقال المدائني: توفي سنة ثلاث وخمسين. (4/146)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 147 5 (الطبقة السادسة)

1 (الحوادث من سنة إلى)

4 (حوادث سنة إحدى وخمسين) توفي فيها: زيد بن ثابت في قول. وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. وجرير بن عبد الله البجلي بخلف. وعثمان بن أبي العاص الثقفي. وأبو أيوب الأنصاري. وكعب بن عجرة في قول. وميمونة أم المؤمنين. وعمرو بن الحمق في قول. وقتل حجر بن عدي وأصحابه، كما في ترجمته. ورافع بن عمر الغفاري، ويقال سنة ثلاث، وله خمس وسبعون سنة. وفيها حج بالناس معاوية وأخذهم ببيعة يزيد. قال أحمد بن أبي خيثمة: ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا القاسم بن (4/147)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 148 الفضل، عن محمد بن زياد. قال: قدم زياد المدينة فخطبهم وقال: يا معشر أهل المدينة إن أمير المؤمنين حسن نظره لكم، وإنه جعل لكم مفزعاً تفزعون إليه، يزيد ابنه. فقام عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: يا معشر بني أمية اختاروا منها بين ثلاثة، بين سنة رسول الله، أو سنة أبي بكر، أو سنة عمر، إن هذا الأمر قد كان، وفي أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من لو ولاه ذلك، لكان لذلك أهلاً، ثم كان أبو بكر، فكان في أهل بيته من لو ولاه، لكان لذلك أهلاً، فولاها عمر فكان بعده، وقد كان في أهل بيت عمر من لو ولاه ذلك، لكان له أهلاً، فجعلها في نفر من المسلمين، ألا وإنما أردتم أن تجعلوها قيصرية، كلما مات قيصر كان قيصر، فغضب مروان بن الحكم، وقال لعبد الرحمن: هذا الذي أنزل الله فيه: والذي قال لوالديه أف لكما فقالت عائشة: كذبت، إنما أنزل ذلك في فلان، وأشهد أن الله لعن أباك على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وأنت في صلبه.) وقال سالم بن عبد الله: لما أرادوا أن يبايعوا ليزيد قام مروان فقال: سنة أبي بكر الراشدة المهدية، فقام عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: ليس بسنة أبي بكر، وقد ترك أبو بكر الأهل والعشيرة، وعدل إلى رجل من بني عدي، أن رأى أنه لذلك أهلاً، ولكنها هرقلية. وقال النعمان بن راشد، عن الزهري، عن ذكوان مولى عائشة قال: لما أجمع معاوية على أن يبايع لابنه حج، فقدم مكة في نحو من ألف رجل، فلما دنا من المدينة خرج ابن عمر، وابن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر، فلما قدم معاوية المدينة حمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر ابنه يزيد فقال: من أحق بهذا الأمر منه، ثم ارتحل فقدم مكة، فقضى طوافه، ودخل منزله، فبعث إلى ابن عمر، فتشهد وقال: أما بعد يا بن عمر، إنك كنت تحدثني أنك لا تحب تبيت ليلة سوداء، ليس عليك فيها أمير، وإني أحذرك أن تشق عصا المسلمين، أو تسعى في فساد ذات بينهم. فحمد ابن عمر الله وأثنى عليه، (4/148)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 149 ثم قال: أما بعد، فإنك قد كانت قبلك خلفاء لهم أبناء، ليس ابنك بخير من أبنائهم، فلم يروا في أبنائهم ما رأيت في ابنك، ولكنهم اختاروا للمسلمين حيث علموا الخيار، وإنك تحذرني أن أشق عصا المسلمين، ولم أكن لأفعل، إنما أنا رجل من المسلمين، فإذا اجتمعوا على أمر فإنما أنا رجل منهم. فقال: يرحمك الله، فخرج ابن عمر. ثم أرسل إلى ابن أبي بكر، فتشهد، ثم أخذ في الكلام، فقطع عليه كلامه، وقال: إنك والله لوددت أنا وكلناك في أمر ابنك إلى الله، وإنا والله لانفعل، والله لتردن هذا الأمر شورى في المسلمين، أو لنعيدنها عليك جذعة، ثم وثب ومضى، فقال معاوية: اللهم اكفنيه بما شئت، ثم قال: على رسلك أيها الرجل، لا تشرفن على أهل الشام، فإني أخاف أن يسبقوني بنفسك، حتى أخبر العشية أنك قد بايعت، ثم كن بعد على ما بدا لك من أمرك. ثم أرسل إلى ابن الزبير فقال: يا بن الزبير، إنما أنت ثعلب رواغ، كلما خرج من حجر دخل آخر، وإنك عمدت إلى هذين الرجلين فنفخت في مناخرهما وحملتهما على غير رأيهما. فقال ابن الزبير: إن كنت قد مللت الإمارة فاعتزلها، وهلم ابنك فلنبايعه، أرأيت إذا بايعنا ابنك معك لأيكما تسمع ونطيع لا نجمع البيعة لكما أبداً، ثم خرج. وصعد معاوية المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إنا وجدنا أحاديث الناس ذات عوار، زعموا أن ابن عمر، وابن أبي بكر، وابن الزبير، لن يبايعوا يزيد، وقد سمعوا وأطاعوا وبايعوا له، فقال أهل الشام: والله لا نرضى حتى يبايعوا على رؤوس الأشهاد، وإلا ضربنا أعناقهم،) فقال: سبحان الله ما أسرع الناس إلى قريش بالشر، لا أسمع هذه المقالة من أحد منكم بعد اليوم، ثم نزل، فقال الناس: بايع ابن عمر وابن الزيبر وابن أبي بكر (4/149)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 150 وهم يقولون: لا والله ما بايعنا. فيقول الناس: بلى، وارتحل معاوية فلحق بالشام. وقال أيوب، عن نافع قال: خطب معاوية، فذكر ابن عمر فقال: والله ليبايعن أو لأقتلنه، فخرج إليه ابنه عبد الله فأخبره، فبكى ابن عمر، فقدم معاوية مكة، فنزل بذي طوى، فخرج إليه عبد الله بن صفوان فقال: أنت الذي تزعم أنك تقتل عبد الله بن عمر إن لم يبايع ابنك فقال: أنا أقتل ابن عمر والله لا أقتله. وقال ابن المنكدر: قال ابن عمر حين بويع يزيد: إن كان خيراً رضينا، وإن كان بلاءً صبرنا. وقال جويرية بن أسماء: سمعت أشياخ أهل المدينة يحدثون: أن معاوية لما رحل عن مر قال لصاحب حرسه: لا تدع أحداً يسير معي إلا من حملته أنا، فخرج يسير وحده حتى إذا كان وسط الأراك، لقيه الحسين رضي الله عنه فوقف وقال: مرحباً وأهلاً بابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيد شباب المسلمين، دابةً لأبي عبد الله يركبها، فأتي ببرذون فتحول عليه، ثم طلع عبد الرحمن بن أبي بكر، فقال مرحباً وأهلاً بشيخ قريش وسيدها وابن صديق الأمة، دابةً لأبي محمد، فأتي ببرذون فركبه، ثم طلع ابن عمر، فقال: مرحباً وأهلاً بصاحب رسول الله، وابن الفاروق، وسيد المسلمين، فدعا له بدابة فركبها، ثم طلع ابن الزبير، فقال: مرحباً وأهلاً بابن حواري رسول الله، وابن الصديق، وابن عمة رسول الله، ثم دعا له بدابة فركبها، ثم أقبل يسير بينهم لا يسايره غيرهم، حتى دخل مكة، ثم كانوا أول داخل وآخر خارج، (4/150)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 151 وليس في الأرض صباح إلا أولاهم حباءً وكرامة، ولا يعرض لهم بذكر شيء، حتى قضى نسكه وترحلت أثقاله، وقرب سيره، فأقبل بعض القوم على بعض فقال: أيها القوم لا تخدعوا، إنه والله ما صنع بكم ما صنع لحبكم ولا لكرامتكم، ولا صنعه إلا لما يريده، فأعدوا له جواباً. وأقبلوا على الحسين فقالوا: أنت يا أبا عبد الله فقال: وفيكم شيخ قريش وسيدها هو أحق بالكلام. فقالوا لعبد الرحمن: يا أبا محمد، قال: لست هناك، وفيكم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيد المرسلين. فقالوا لابن عمر: أنت، قال: لست بصاحبكم، ولكن ولوا الكلام ابن الزبير، قال: نعم إن أعطيتموني عهودكم أن لا تخالفوني، كفيتكم الرجل، قالوا: ذاك لك. قال: فأذن لهم ودخلوا، فحمد الله معاوية وأثنى عليه، ثم قال: قد علمتم مسيري فيكم، وصلتي) لأرحامكم، وصفحي عنكم، ويزيد أخوكم، وابن عمكم، وأحسن الناس فيكم رأياً، وإنما أردت أن تقدموه، وأنتم الذين تنزعون وتؤمرون وتقسمون، فسكتوا، فقال: ألا تجيبوني فسكتوا، فأقبل على ابن الزبير فقال: هات يابن الزبير، فإنك لعمري صاحب خطبة القوم. قال: نعم يا أمير المؤمنين، نخيرك بين ثلاث خصال، أيها ما أخذت فهو لك، قال: لله أبوك، إعرضهن، قال: إن شئت صنع ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن صنع ما صنع أبو بكر، وإن شئت صنع ما صنع عمر. قال: ما صنعوا قال: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يعهد عهداً، ولم يستخلف أحداً، فارتضى المسلمون أبا بكر. فقال: إنه ليس فيكم اليوم مثل أبي بكر، إن أبا بكر كان رجلاً تقطع دونه الأعناق، وإني لست آمن عليكم الاختلاف. قال: صدقت، والله ما نحب أن تدعنا، فاصنع ما صنع أبو بكر. قال: لله أبوك وما صنع؟ (4/151)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 152 قال: عمد إلى رجل من قاصية قريش، ليس من رهطه فاستخلفه، فإن شئت أن تنظر أي رجل من قريش شئت، ليس من بني عبد شمس، فنرضى به. قال: فالثالثة ما هي قال: تصنع ما صنع عمر. قال: وما صنع قال: جعل الأمر شورى في ستة، ليس فيهم أحد من ولده، ولا من بني أبيه، ولا من رهطه. قال: فهل عندك غير هذا قال: لا، قال: فأنتم قالوا: ونحن أيضاً. قال: أما بعد، فإني أحببت أن أتقدم إليكم، إنه قد أعذر من أنذر، وإنه قد كان يقوم القائم منكم إلي فيكذبني على رؤوس الناس، فأحتمل له ذلك، وإني قائم بمقالة، إن صدقت فلي صدقي، وإن كذبت فعلي كذبي، وإني أقسم بالله لئن رد علي إنسان منكم كلمة في مقامي هذا ألا ترجع إليه كلمته حتى يسبق إلي رأسه، فلا يرعين رجل إلا على نفسه، ثم دعا صاحب حرسه فقال: أقم على رأس كل رجل من هؤلاء رجلين من حرسك، فإن ذهب رجل يرد علي كلمة في مقامي، فليضربا عنقه، ثم خرج، وخرجوا معه، حتى رقي المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن هؤلاء الرهط سادة المسلمين وخيارهم، لا يستبد بأمر دونهم، ولا يقضى أمر إلا عن مشورتهم، إنهم قد رضوا وبايعوا ليزيد ابن أمير المؤمنين من بعده، فبايعوا بسم الله، قال: فضربوا على يده بالمبايعة، ثم جلس على رواحله، وانصرف الناس فلقوا أولئك النفر فقالوا: زعمتم وزعمتم، فلما أرضيتم وحييتم فعلتم، فقالوا: إنا والله ما فعلنا. قالوا: ما منعكم ثم بايعه الناس. (4/152)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 153 4 (حوادث سنة اثنتين وخمسين) توفي فيها: أبو بكرة الثقفي، في قول.) وعمران بن حصين. وكعب بن عجرة ومعاوية بن حديج. وسعيد بن زيد، في قول. وسفيان بن عوف الأزدي أمير الصوائف. وحويطب بن عبد العزى القرشي. وأبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري، بخلف فيهما. ورويفع بن ثابت، أمير برقة. وفيها ولد يزيد بن أبي حبيب فقيه أهل مصر. وفيها صالح عبيد الله بن أبي بكرة الثقفي رتبيل وبلاده على ألف ألف درهم (4/153)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 154 وأقام الحج سعيد بن العاص. وفيها، أو في حدودها، قال جرير بن حازم، عن جرير بن يزيد قال: خرج قريب وزحاف في سبعين رجلاً في رمضان فأتوا بني ضبيعة، وهم في مسجدهم بالبصرة، فقتلوا رؤبة بن المخبل. قال جرير بن حازم: فحدثني الزبير بن الخريت، عن أبي لبيد: أن رؤبة قال في العشية التي قتل فيها، لرجل في كلام: إن كنت صادقاً فرزقني الله الشهادة قبل أن أرجع إلى بيتي. قال جرير: عن قطن بن الأزرق، عن رجل منهم، قال: ما شعرنا وإنا لقيام في المسجد، حتى أخذوا بأبواب المسجد ومالوا في الناس، فقتلوهم، فوثب القوم إلى الجدر، وصعد رجل المنارة فجعل ينادي: يا خيل الله اركبي، قال: فصعدوا فقتلوه، ثم مضوا إلى مسجد المعاول، فقتلوا من فيه، فحدثني جرير بن يزيد، أنهم انتهوا إلى رحبة بني علي، فخرج عليهم بنو علي، وكانوا رماة، فرموهم بالنبل حتى صرعوهم أجمعين. قال جرير بن حازم: واشتد زياد بن أبيه في أمر الحرورية، بعد قتل قريب وزحاف فقتلهم، وأمر سمرة بن جندب بقتلهم، فقتل منهم بشراً كثيراً. قال أبو عبيدة: زحاف: طائي، وقريب: أودي. (4/154)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 155 4 (حوادث سنة ثلاث وخمسين) ) فيها توفي: فضالة بن عبيد الأنصاري، وقيل سنة تسع. والضحاك بن فيروز الديلمي. وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، بمكة. وزياد بن أبيه. وعمرو بن حزم الأنصاري، بخلف فيه. وفيها بعد موت زياد استعمل معاوية على الكوفة الضحاك بن قيس الفهري، وعلى البصرة سمرة بن جندب، وعزل عبيد الله بن أبي بكرة عن سجستان وولاها عباد بن زياد، فغزا ابن زياد القندهار حتى بلغ بيت الذهب، فجمع له الهند جمعاً هائلاً، فقاتلهم فهزمهم، ولم يزل على سجستان حتى توفي معاوية. وفيها شتى عبد الرحمن بن أم الحكم بأرض الروم. (4/155)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 156 وأقام الموسم سعيد بن العاص. وفيها أمر معاوية على خراسان عبيد الله بن زياد. وفيها قتل عائذ بن ثعلبة البلوي، أحد الصحابة، قتله الروم بالبرلس. يزيد بن هارون: أنبأ حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه أو عن أمه أن أسماء بنت أبي بكر اتخذت خنجراً زمن سعيد بن العاص للصوص، وكانوا قد استعزوا بالمدينة، فكانت تجعله تحت رأسها. (4/156)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 157 4 (حوادث سنة أربع وخمسين) فيها توفي: جبير بن مطعم. وفيها: أسامة بن زيد، على الصحيح. وثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعمرو بن حزم. وفيها حسان بن ثابت. وعبد الله بن أنيس الجهني. وسعيد بن يربوع المخزومي. وحكيم بن حزام.) ومخرمة بن نوفل. وفيها بخلف: حويطب بن عبد العزى، وأبو قتادة الحارث بن ربعي. وفيها عزل عن المدينة سعيد بن العاص بمروان. وفيها غزا عبيد الله بن زياد، فقطع النهر إلى بخارى، وافتتح راميثن، (4/157)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 158 ونصف، بيكند، فقطع النهر على الإبل، فكان أول عربي قطع النهر. وفيها وجه الضحاك بن قيس من الكوفة مصقلة بن هبيرة الشيباني إلى طبرستان، فصالح أهلها على خمسمائة ألف درهم. وفيها عزل معاوية عن البصرة سمرة، بعبد الله بن عمرو بن غيلان الثقفي. وحج بالناس مروان. وفيها توفيت سودة أم المؤمنين في قول، وقد مرت في خلافة عمر. (4/158)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 159 4 (حوادث سنة خمس وخمسين) فيها توفي: زيد بن ثابت في قول المدائني. وسعد بن أبي وقاص، على الأصح. والأرقم بن أبي الأرقم، في قول. وأبو اليسر. وكعب بن عمرو السلمي. وفيها عزل عن البصرة عبيد الله الثقفي، ووليها عبيد الله بن زياد. وفيها غزا يزيد بن شجرة الرهاوي، فقتل، وقيل لم يقتل، إنما قتل في سنة ثمان وخمسين. وأقام الحج مروان بن الحكم. وشتى بأرض الروم مالك بن عبد الله. (4/159)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 160 4 (حوادث سنة ست وخمسين) فيها توفي: عبد الله بن قرط الثمالي. وجويرية أم المؤمنين المصطلقية، وقيل: توفيت سنة خمسين. وفيها: إسحاق بن طلحة بن عبيد الله. وفيها: ولد أبو جعفر محمد بن علي، وعمرو بن دينار. وقد مر أن معاوية ولى على البصرة عبيد الله بن زياد، فعزله في هذه السنة عن خراسان، وأمر عليها سعيد بن عثمان بن عفان، فغزا سعيد ومعه المهلب بن أبي صفرة الأزدي، وطلحة) الطلحات، وأوس بن ثعلبة سمرقند، وخرج إليه الصغد فقاتلوه، فألجأهم إلى مدينتهم، فصالحوه وأعطوه رهائن. وفيها شتى المسلمون بأرض الروم. (4/160)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 161 وفيها اعتمر معاوية في رجب. وفيها توفيت الكلابية التي تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، فاستعاذت منه، ففارقها، أرخها الواقدي. (4/161)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 162 4 (حوادث سنة سبع وخمسين) فيها توفيت أم المؤمنين عائشة، أو في سنة ثمان. وفيها: السائب بن أبي وداعة السهمي. ومعتب بن عوف بن الحمراء. وعبد الله بن السعدي العامري. وفي قول: أبو هريرة. وفيها: كعب بن مرة، أو مرة بن كعب البهزي. وقثم بن العباس. ويقال توفي فيها سعيد بن العاص. وعبد الله بن عامر بن كريز. وفيها عزل الضحاك عن الكوفة، ووليها عبد الرحمن بن أم الحكم. وفيها وجه معاوية حسان بن النعمان الغساني إلى إفريقية، فصالحه من يليه من البربر، وضرب عليهم الخراج، وبقي عليها حتى توفي معاوية. (4/162)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 163 وفيها عزل معاوية مروان عن المدينة، وأمر عليها الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وعزل عن خراسان سعيد بن عثمان، وأعاد عليها عبيد الله بن زياد. وشتى عبد الله بن قيس بأرض الروم. (4/163)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 164 4 (حوادث سنة ثمان وخمسين) فيها توفي: شداد بن أوس. وعبد الله بن حوالة. وعبيد الله بن العباس. وعقبة بن عامر الجهني. وأبو هريرة.) ويزيد بن شجرة الرهاوي. وجبير بن مطعم، في قول المدائني. وفيها غزا عقبة بن نافع من قبل مسلمة بن مخلد، فاختط مدينة القيروان وابتناها. وصلى أبو هريرة على عائشة، وكان مروان غائباً في العمرة. وفيها حج بالناس الوليد بن عتبة. (4/164)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 165 4 (حوادث سنة تسع وخمسين) فيها توفي: سعيد بن العاص الأموي، على الصحيح. وجبير بن مطعم، في قول. وأوس بن عوف الطائفي، له صحبة. وشيبة بن عثمان الحجبي، في قول. وأبو محذورة المؤذن. وعبد الله بن عامر بن كريز، على الصحيح. وأبو هريرة، في قول سعيد بن عفير. ويقال: توفيت فيها أم سلمة، وتأتي سنة إحدى وستين. وفيها ولد عوف الأعرابي. وفيها غزا أبو المهاجر دينار فنزل على قرطاجنة، فالتقوا، فكثر القتل في الفريقين، وحجز الليل بينهم، وانحاز المسلمون من ليلتهم، فنزلوا جبلاً في قبلة تونس، ثم عاودوهم القتال، فصالحوهم على أن يخلو لهم الجزيرة، (4/165)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 166 وافتتح أبو المهاجر ميلة، وكانت إقامته في هذه الغزاة نحواً من سنتين. وفيها شتى عمرو بن مر بأرض الروم في البر. وأقام الحج للناس الوليد بن عتبة. (4/166)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 167 4 (حوادث سنة ستين) فيها توفي: معاوية بن أبي سفيان. وبلال بن الحارث المزني. وسمرة بن جندب الفزاري.) وعبد الله بن مغفل. وفي قول الواقدي: صفوان بن المعطل السلمي. وفيها توفي في قول: أبو حميد الساعدي. وفيها: أبو أسيد الساعدي، في قول ابن سعد. 4 (بيعة يزيد) قال مجالد، عن الشعبي: قال علي رضي الله عنه: لا تكرهوا إمرة معاوية، فإنكم لو فقدتموه رأيتم الرؤوس تندر عن كواهلها.. قلت: قد مضى أن معاوية جعل ابنه ولي عهده بعده، وأكره الناس على ذلك، فلما توفي لم يدخل في طاعة يزيد: الحسين بن علي، ولا عبد الله بن الزبير، ولا من شايعهما. (4/167)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 168 قال أبو مسهر: ثنا خالد بن يزيد، حدثني سعيد بن حريث قال: لما كان الغداة التي مات في ليلتها معاوية فزع الناس إلى المسجد، ولم يكن قبله خليفة بالشام غيره، فكنت فيمن أتى المسجد، فلما ارتفع النهار، وهم يتكون في الخضراء، وابنه يزيد غائب في البرية، وهو ولي عهده، وكان نائبه على دمشق الضحاك بن قيس الفهري، فدفن معاوية، فلما كان بعد أسبوع بلغنا أن ابن الزبير خرج بالمدينة وحارب، وكان معاوية قد غشي عليه مرة، فركب بموته الركبان، فلما بلغ ذلك ابن الزبير خرج، فلما كان يوم الجمعة صلى بنا الضحاك ثم قال: تعلمون أن خليفتكم يزيد قد قدم، ونحن غداً متلقوه، فلما صلى الصبح ركب، وركبنا معه، فسار إلى ثنية العقاب، فإذا بأثقال يزيد، ثم سرنا قليلاً، فإذا يزيد في ركب معه أخواله من بني كلب، وهو على بختي، له رحل، ورائطه مثنية في عنقه، ليس عليه سيف ولا عمامة، وكان ضخماً سميناً، قد كثر شعره وشعث، فأقبل الناس يسلمون عليه ويعزونه، وهو ترى فيه الكآبة والحزن وخفض الصوت، فالناس يعيبون ذلك منه ويقولون: هذا الأعرابي الذي ولاه أمر الناس، والله سائله عنه، فسار، فقلنا: يدخل من باب توما، فلم يدخل، ومضى إلى باب شرقي، فلم يدخل منه وأجازه، ثم أجاز باب كيسان إلى باب الصغير، فلما وافاه أناخ ونزل، ومشى الضحاك بين يديه إلى قبر معاوية، فصفنا خلفه، وكبر أربعاً، فلما خرج من المقابر أتى ببغلة فركبها إلى الخضراء، ثم نودي الصلاة جامعة لصلاة الظهر، فاغتسل ولبس ثياباً نقية، ثم جلس على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر موت أبيه، وقال: إنه كان يغزيكم البر والبحر، ولست) حاملاً واحداً من المسلمين في البحر، وإنه كان يشتيكم بأرض الروم، ولست مشتياً أحداً بها، وإنه كان يخرج لكم العطاء أثلاثاً، وأنا أجمعه لكم كله. قال: فافترقوا، وما يفضلون عليه أحداً. (4/168)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 169 وعن عمرو بن ميمون: أن معاوية مات وابنه بحوارين، فصلى عليه الضحاك. وقال أبو بكر بن أبي مريم، عن عطية بن قيس قال: خطب معاوية فقال: اللهم إن كنت إنما عهدت ليزيد لما رأيت من فضله، فبلغه ما أملت وأعنه، وإن كنت إنما حملني حب الوالد لولده، وإنه ليس بأهل، فاقبضه قبل أن يبلغ ذلك. وقال حميد بن عبد الرحمن: دخلنا على بشير، وكان صحابياً، حين استخلف يزيد فقال: يقولون إنما يزيد ليس بخير أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأنا أقول ذلك، ولكن لأن يجمع الله أمة محمد أحب إلي من أن تفترق. وقال جويرية بن أسماء: سمعت أشياخنا بالمدينة، ما لا أحصي يقولون: إن معاوية لما هلك، وعلى المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، أتاه موته من جهة يزيد قال: فبعث إلى مروان وبني أمية فأخبرهم، فقال مروان: ابعث الآن إلى الحسين وابن الزبير، فإن بايعا، وإلا فاضرب أعناقهما، فأتاه الزبير فنعى له معاوية، فترحم عليه، فقال: بايع يزيد، قال: ما هذه ساعة مبايعة ولا مثلي يبايع هاهنا يا بن الزرقاء، واستبا، فقال الوليد: أخرجهما عني، وكان رجلاً رفيقاً سرياً كريماً، فأخرجا، فجاء الحسين على تلك الحال، فلم يكلم في شيء، حتى رجعا جميعاً، ثم رد مروان إلى الوليد فقال: والله لا تراه بعد مقامك إلا حيث يسؤوك، فأرسل العيون في أثره، فلم يزد حين دخل منزله على أن توضأ وصلى، وأمر ابنه حمزة أن يقدم راحلته إلى ذي الحليفة، مما يلي الفرع، وكان له بذي الحليفة مال عظيم، فلم يزل صافاً قدميه إلى السحر، وتراجعت عنه العيون، فركب دابة إلى ذي الحليفة، فجلس على راحلته، وتوجه إلى مكة، وخرج الحسين من ليلته (4/169)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 170 فالتقيا بمكة، فقال ابن الزبير للحسين: ما يمنعك من شيعتك وشيعة أبيك فوالله لو أن لي مثلهم ما توجهت إلا إليهم، وبعث يزيد بن معاوية عمر بن سعيد بن العاص أميراً على المدينة، خوفاً من ضعف الوليد، فرقي المنبر، وذكر صنيع ابن الزبير، وتعوذه بمكة، يعني أنه عاذ ببيت الله وحرمه، فوالله لنغزونه، ثم لئن دخل الكعبة لنحرقنها عليه على رغم أنف من رغم. وقال جرير بن حزم: حدثنا محمد بن الزبير، حدثني رزيق مولى معاوية قال: بعثني يزيد إلى) أمير المدينة، فكتب إلي بموت معاوية، وأن يبعث إلى هؤلاء الرهط، ويأمرهم بالبيعة، قال: فقدمت المدينة ليلاً، فقلت للحاجب: استأذن لي، ففعل، فلما قرأ كتاب يزيد بوفاة معاوية جزع جزعاً شديداً، وجعل يقوم على رجليه، ثم يرمي بنفسه على فراشه، ثم بعث إلى مروان، فجاء وعليه قميص أبيض وملاءة موردة، فنعى له معاوية وأخبره، فقال: ابعث إلى هؤلاء، فإن بايعوا، وإلا فاضرب أعناقهم، قال: سبحان الله أقتل الحسين وابن الزبير قال: هو ما أقول لك. قلت: أما ابن الزبير فعاذ ببيت الله، ولم يبايع، ولا دعا إلى نفسه، وأما الحسين بن علي رضي الله عنهما، فسار من مكة لما جاءته كتب كثيرة من عامة الأشراف بالكوفة، فسار إليها، فجرى ما جرى وكان أمر الله قدراً مقدوراً. مجالد، عن الشعبي. ح والواقدي من عدة طرق أن الحسين رضي الله عنه قدم مسلم بن عقيل وهو ابن عمه إلى الكوفة، وأمره أن ينزل على هانئ بن عروة المرادي، وينظر إلى اجتماع الناس عليه، ويكتب إليه بخبرهم، فلما قدم عبيد الله بن زياد من البصرة إلى الكوفة، طلب هانئ بن عروة فقال: ما حملك على أن تجبر عدوي وتنطوي عليه قال: يا بن أخي إنه جاء حق هو أحق من حقك، فوثب عبيد الله بعنزة طعن بها في رأس (4/170)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 171 هانئ حتى خرج الزج، واغترز في الحائط، وبلغ الخبر مسلم بن عقيل، فوثب بالكوفة، وخرج بمن خف معه، فاقتتلوا، فقتل مسلم، وذلك في أواخر سنة ستين. وروى الواقدي، والمدائني، بإسنادهم: أن مسلم بن عقيل بن أبي طالب خرج في أربعمائة، فاقتتلوا، فكثرهم أصحاب عبيد الله، وجاء الليل، فهرب مسلم حتى دخل على امرأة من كندة، فاستجار بها، فدل عليه محمد بن الأشعث، فأتي به إلى عبيد الله، فبكته وأمر بقتله، فقال: دعني أوصي، فقال: نعم، فنظر إلى عمر بن سعد بن أبي وقاص فقال: إن لي إليك حاجة وبيننا رحم، فقام إليه فقال: يا هذا ليس هنا رجل من قريش غيري وغيرك وهذا الحسين قد أظلك، فأرسل إليه فلينصرف، فإن القوم قد غروه وخدعوه وكذبوه، وعلي دين فاقضه عني، واطلب جثتي من عبيد الله بن زياد فوارها، فقال له عبيد الله: ما قال لك فأخبره، فقال: أما مالك فهو لك لا نمنعه منك، وأما الحسين فإن تركنا لم نرده، وأما جثته فإذا قتلناه لم نبال ما صنع به، فقتل رحمه الله.) ثم قضى عمر بن سعد دين مسلم، وكفنه ودفنه، وأرسل رجلاً على ناقة إلى الحسين يخبره بالأمر، فلقيه على أربع مراحل، وبعث عبيد الله برأس مسلم وهانئ إلى يزيد بن معاوية، فقال علي لأبيه الحسين: ارجع يا أبه، فقال بنو عقيل: ليس ذا وقت رجوع. (4/171)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 172 1 (تراجم أهل هذه الطبقة مرتبين على الأحرف)

4 (الألف)

4 (الأرقم بن أبي الأرقم،) عبد مناف بن أسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي، الذي استخفى رسول الله صلى الله عليه وسلم في داره المعروفة بدار الخيزران عند الصفا، أبو عبد الله. نفله النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر سيفاً، واستعمله على الصدقات. (4/172)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 173 قال ابن عبد البر: ذكر ابن أبي خيثمة أن والد الأرقم قد أسلم أيضاً، فغلط. وذكر أبو حاتم أن عبد الله بن الأرقم هو ولد الأرقم هذا، فغلط لأنه زهري، ولي بيت المال لعثمان. وقال غيره: عاش الأرقم بضعاً وثمانين سنة، ومات بالمدينة، وصلى عليه سعد بن أبي وقاص بوصيته، وبقي ابنه عبد الله إلى حدود المائة. وروى أحمد في مسنده من حديث هشام بن زياد، عن عثمان بن الأرقم، عن أبيه، في ذم تخطي الرقاب يوم الجمعة، رفع الحديث. قال عثمان: توفي أبي سنة ثلاث وخمسين، وله ثلاث وثمانون سنة. 4 (أسامة بن زيد) ابن حارثة بن شراحيل الكلبي، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه ومولاه، (4/173)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 174 أبو زيد، ويقال أبو محمد، ويقال أبو حارثة. وفي الصحيح عن أسامة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذني والحسن فيقول: اللهم إني أحبهما فأحبهما. وروى عنه: ابناه حسن، ومحمد، وابن عباس، وأبو وائل، وأبو عثمان النهدي، وأبو سعيد المقبري، وعروة، وأبو سلمة، وعطاء بن أبي رباح، وجماعة. وأمه أم أيمن بركة حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم ومولاته.) وكان أسود كالليل، وكان أبوه أبيض أشقر. قاله إبراهيم بن سعد. قالت عائشة: دخل مجزر المدلجي القائف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى أسامة وزيداً، وعليهما قطيفة، قد غطيا رؤوسهما، وبدت أقدامهما، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، فسر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وأعجبه. (4/174)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 175 وقال أبو عوانة، عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه: أخبرني أسامة أن علياً قال: يا رسول الله أي أهلك أحب إليك قال: فاطمة، قال: إنما أسألك عن الرجال، قال: من انعم الله عليه وأنعمت عليه أسامة بن زيد، قال: ثم من قال: ثم أنت، وهذا حديث حسن. وقال مغيرة، عن الشعبي أن عائشة قالت: لا ينبغي لأحد أن يبغض أسامة بعدما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كان يحب الله ورسوله فليحب أسامة. هذا صحيح غريب. وقالت عائشة في شأن المخزومية التي سرقت فقالوا: من يجترئ يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها إلا حب رسول الله أسامة. وقال موسى بن عقبة وغيره، عن سالم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحب الناس إلي أسامة، ما حاشى فاطمة ولا غيرها. قال زيد بن أسلم، عن أبيه، عم عمر أنه فرض لأسامة ثلاثة آلاف وخمسمائة، وفرض لعبد الله بن عمر ثلاثة آلاف، فقال عبد الله: لم فضلته (4/175)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 176 علي، فوالله ما سبقتني إلى مشهد قال: لأن زيداً كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك، وكان أسامة أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، فآثرت حب رسول الله أسامة. فطعنوا في إمارته فقال: إن يطعنوا في إمارته فقد طعنوا في إمارة أبيه، وأيم الله إن كان لمن أحب الناس إلي بعده. وفي المغازي: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسامة على جيش، فيهم أبو بكر، وله ثمان عشرة سنة. وفي: صحيح مسلم، من حديث عائشة قالت: أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يمسح مخاط أسامة فقلت: دعني حتى أكون أنا التي أفعله، فقال: يا عائشة أحبيه فإني أحبه. وقال مجالد، عن الشعبي، عن عائشة قالت: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً أن أغسل وجه أسامة بن زيد وهو صبي، قالت: وما ولدت، ولا أعرف كيف يغسل وجه الصبيان،) فآخذ فأغسله غسلاً ليس بذاك، قالت: فأخذه وجعل يغسل وجهه ويقول: لقد أحسن بنا أسامة إذ لم يكن جارية، ولو كنت جارية لحليتك وأعطيتك. وفي مسند أحمد، من حديث البهي، عن عائشة قالت: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولو كان أسامة جارية لكسوته وحليته حتى أنفقه. (4/176)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 177 وعن عبد الله بن دينار، وغيره قال: لم يلق عمر أسامة قط إلا قال: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته، أمير أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات وأنت علي أمير. وقال عبيد الله بن عمر بن نافع: قال ابن عمر: فرض عمر لأسامة أكثر مما فرض لي فقلت: إنما هجرتي وهجرته واحدة، فقال: إن أباه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك، وإنه كان أحب إلى رسول الله منك. وقال قيس بن أبي حازم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه أن الراية صارت إلى خالد بن الوليد قال: فهلا إلى رجل قتل أبوه، يعني أسامة. وقال الزهري: مات أسامة بالجرف، وحمل إلى المدينة. وعن سعيد المقبري قال: شهدت جنازة أسامة، فقال ابن عمر: عجلوا بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تطلع الشمس. ابن سعد: ثنا يزيد، ثنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الإفاضة من عرفات من أجل أسامة ينتظره، فجاء غلام أسود أفطس، فقال أهل اليمن: إنما حبسنا من أجل هذا فلذلك ارتدوا، يعني أيام الصديق. وقال وكيع: سلم من الفتنة من المعروفين أربعة: سعد، وابن عمر، وأسامة بن زيد، ومحمد بن مسلمة، واختلط سائرهم. وقال ابن سعد: مات في آخر خلافة معاوية بالمدينة. (4/177)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 178 قلت: وقد سكن المزة مدة، ثم انتقل إلى المدينة، وتوفي بها، ومات وله قريب من سبعين سنة. وقيل: توفي سنة أربع وخمسين، فالله أعلم. وقال وهب بن جرير: ثنا أبي، سمعت ابن إسحاق، عن صالح بن كيسان، عن عبيد الله بن عبد الله قال: رأيت أسامة بن زيد مضطجعاً على باب حجرة عائشة، رافعاً عقيرته يتغنى، ورأيته يصلي عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فمر به مروان فقال: أتصلي عند قبر وقال له قولاً) قبيحاً ثم أدبر، فانصرف أسامة ثم قال: يا مروان إنك فاحش متفحش، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يبغض الفاحش المتفحش. 4 (إسحاق بن طلحة، بن عبيد الله.) توفي سنة ست وخمسين بخراسان. وروى عن: أبيه، وعائشة. وعنه: ابنه معاوية، وابن أخيه إسحاق بن يحيى. ووفد على معاوية، و خطب إليه أخته. وهو ابن خالة معاوية، لأن أمه أم أبان بنت عتبة بن ربيعة. 4 (أسماء بنت عميس الخثعمية.) (4/178)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 179 هاجرت مع زوجها جعفر إلى الحبشة، فلما استشهد بمؤتة تزوجها بعده أبو بكر، فولدت له محمداً. ويحيى بن علي بن أبي طالب إخوة لأم. روت أحاديث. وعنها: ابنها عبد الله، وابن أختها عبد الله بن شداد بن الهاد، وسعيد بن المسيب، والشعبي، والقاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، وفاطمة بنت علي بن أبي طالب، وفاطمة بنت الحسين، وآخرون. وهي أخت ميمونة أم المؤمنين، وأم الفضل زوجة العباس من الأم. وقيل: كن تسع أخوات. (4/179)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 180 4 (أوس بن عوف، الطائفي) قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد قومه ثقيف. قال خليفة: توفي سنة تسع وخمسين. وقال أبو نعيم الحافظ: هو أوس بن حذيفة، نسب إلى جده الأعلى. وقيل هو أوس بن أبي أوس روى عنه: ابنه عبد الله، وحفيده عثمان بن عبد الله. وقيل: هو أوس الذي نزل الشام، وهو بعيد. (4/180)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 181 4 (الباء)

4 (بلال بن الحارث المزني) أبو عبد الرحمن. عداده في أهل المدينة. صحابي معروف عاش ثمانين سنة، وكان ينزل جبل) مزينة المعروف بالأجرد، ويتردد إلى المدينة. روى عنه: ابنه الحارث، وعلقمة بن وقاص. وحديثه في السنن. (4/181)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 182 4 (الثاء)

4 (ثوبان مولى رسول الله) صلى الله عليه وسلم. سبي من نواحي الحجاز، فاشتراه النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يخدمه حضراً وسفراً، وحفظ عنه كثيراً، وسكن حمص. (4/182)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 183 روى عنه: جبير بن نفير، وخالد بن معدان، وأبو أسماء الرحبي، وراشد بن سعد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وجماعة كثيرة. توفي سنة أربع وخمسين. (4/183)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 184 4 (الجيم)

4 (جبير بن الحويرث) بن نقيد القرشي. أهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم دم أبيه يوم الفتح، لكونه كان مؤذياً لله ورسوله. ولجبير رؤية. روى عن: أبي بكر، وعمر، وشهد اليرموك. روى عنه: عبد الرحمن بتن سعيد بن يربوع، وعروة، وسعيد بن المسيب. 4 (جبير بن مطعم) بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي (4/184)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 185 النوفلي أبو محمد، ويقال أبو عدي. قدم المدينة مشركاً في فداء أسارى بدر، ثم أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه، وكان من حلماء قريش وأشرافهم. وأبوه هو الذي قام في نقض الصحيفة، وأجار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طاف بالبيت لما رجع من الطائف. ومات مشركاً. لجبير أحاديث، روى عنه: ابناه محمد، ونافع، وسليمان بن صرد، وسعيد بن المسيب، وآخرون. 4 (جرير بن عبد الله) أبو عمرو البجلي، الأحمسي، اليمني. (4/185)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 186 وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة عشر، فأسلم في رمضان، فأكرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه. وكان بديع الجمال، مليح الصورة إلى الغاية، طويلاً، يصل إلى سنام البعير، وكان نعله ذراعاً.) (4/186)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 187 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: على وجهه مسحة ملك. وروي عن عمر رضي الله عنه قال: جرير يوسف هذه الأمة. اعتزل علياً ومعاوية، وأقام بنواحي الجزيرة. روى عنه: حفيده أبو زرعة بن عمرو بن جرير، والشعبي، وزياد بن علاقة، وأبو إسحاق السبيعي، وجماعة. توفي سنة إحدى وخمسين على الصحيح. وقيل: توفي سنة أربع وخمسين. قال مغيرة: عن الشعبي، إن عمر كان في بيت، فوجد ريحاً، فقال: عزمت على صاحب الريح لما قام فتوضأ، فقال جرير: يا أمير المؤمنين أو نتوضأ جميعاً فقال عمر: نعم السيد كنت في الجاهلية، ونعم السيد أنت في الإسلام. قال ابن إسحاق: وفيه يقول الشاعر: (لولا جرير هلكت بجيله .......... نعم الفتى وبئست القبيله) (4/187)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 188 يونس بن أبي إسحاق، عن المغيرة بن شبيل، قال جرير: لما دنوت من المدينة حللت عيبتي، ولبست حلتي، ثم دخلت المسجد، وإذ برسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فرماني الناس بالحدق، فقلت لجليسي: هل ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمري شيئاً قال: نعم ذكرك بأحسن الذكر. وقال جرير: ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسم في وجهي. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم ألقى إليه وسادة وقال: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه. وقيل: رمى إليه بردة ليجلس عليها. 4 (جعفر بن أبي سفيان) بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي. (4/188)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 189 شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم حنيناً، وبقي إلى زمن معاوية، وهو وأبوه من مسلمة الفتح. 4 (جويرية أم المؤمنين) ع بنت الحارث بن أبي ضرار المصطلقي. سباها النبي صلى الله عليه وسلم يوم المريسيع في السنة الخامسة. وكان اسمها برة، فغيره النبي صلى الله عليه وسلم. (4/189)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 190 وكانت قبله عند ابن عمها مسافع بن صفوان بن ذي الشفر، فتزوجها، وجعل صداقها عتق جماعة من) قومها. ثم قدم أبوها الحارث بن أبي ضرار على النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم. وعن جويرية قالت: تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بنت عشرين سنة. زكريا بن أبي زائدة، عن الشعبي قال: أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية واستنكحها، وجعل صداقها عتق كل مملوك من بني المصطلق. وكانت في ملك اليمين، فأعتقها وتزوجها. قال ابن سعد وغيره: وبنو المصطلق من خزاعة. لها أحاديث، روى عنها: ابن عباس، وعبيد بن السباق، وكريب، ومجاهد، وأبو أيوب الأزدي يحيى بن مالك، وغيرهم. توفيت بالمدينة سنة ست وخمسين، وصلى عليها مروان. وعن عائشة قالت: كانت جويرية امرأة حلوةً ملاحة، لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه. (4/190)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 191 والحديث قد مر في سنة خمس. (4/191)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 192 4 (الحاء)

4 (الحارث بن كلدة، الثقفي) الطائفي، طبيب العرب. سافر البلاد، وتعلم الطب بناحية فارس، وتعلم أيضاً ضرب العود بفارس وباليمن. ويقال: إنه بقي إلى أيام معاوية، وهو بعيد، فإن ابنه النضر بن الحارث ابن خالة النبي صلى الله عليه وسلم أسر يوم بدر، وقتله علي بالصفراء. ويروى أن سعد بن أبي وقاص لما مرض بمكة قال النبي صلى الله عليه وسلم: أدعوا (4/192)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 193 له الحارث بن كلدة. 4 (حجر بن عدي) ويدعى حجر بن الأدبر بن جبلة الكندي الكوفي، أبو عبد الرحمن. وقيل لأبيه: الأدبر، لأنه طعن مولياً. ولحجر صحبة ووفادة، ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً. سمع من: علي وعمار، وعنه: مولاه أبو ليلى، وأبو البختري الطائي. شهد صفين أميراً مع علي.) وكان صالحاً عابداً، يلازم الوضوء، ويكثر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان يكذب زياد ابن أبيه الأمير على المنبر، وحصبه مرة فكتب فيه إلى معاوية، فسر حجر عن الكوفة في ثلاثة آلاف بالسلاح، ثم تورع وقعد عن الخروج، فسيره زياد إلى معاوية، وجاء الشهود فشهدوا عند معاوية (4/193)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 194 عليه، وكان معه عشرون رجلاً فهم معاوية بقتلهم، فأخرجوا إلى عذراء. وقيل: إن رسول معاوية جاء إليهم لما وصلوا إلى عذراء يعرض عليهم التوبة والبراءة من علي رضي الله عنه، فأبى من ذلك عشرة، وتبرأ عشرة، فقتل أولئك، فلما انتهى القتل إلى حجر رضي الله عنه جعل يرعد، فقيل له: مالك ترعد فقال: قبر محفور، وكفن منشور، وسيف مشهور. ولما بلغ عبد الله بن عمر قتله حجر قام من مجلسه مولياً يبكي. ولما حج معاوية استأذن على أم المؤمنين عائشة فقالت له: أقتلت حجراً فقال: وجدت في قتله صلاح الناس، وخفت من فسادهم. وقيل: إن معاوية ندم كل الندم على قتلهم، وكان قتلهم في سنة إحدى وخمسين. ابن عوف، عن نافع قال: كان ابن عمر في السوق، فنعي إليه حجر، فأطلق حبوته وقام، وقد غلبه النحيب. هشام، عن ابن سيرين قال: لما أتي معاوية بحجر قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، قال: وأمير المؤمنين أنا اضربوا عنقه، فصلى ركعتين، وقال لمن حضر من أهله، لا تطلقوا عني حديداً، ولا تغسلوا عني دماً، فإني ملاق معاوية على الجادة. 4 (حسان بن ثابت الأنصاري) سوى ت بن المنذر بن حرام الأنصاري النجاري، (4/194)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 195 أبو عبد الرحمن، شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم. (4/195)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 196 دعا له النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم أيده بروح القدس. روى عنه: ابنه عبد الرحمن، وسعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وغيرهم. بلغنا أن حسان، وأباه، وجده، وجد أبيه، عاش كل منهم مائة وعشرين سنة. وكان في حسان جبن، وأضر بأخره. (4/196)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 197 وله شعر فائق في الفصاحة.) توفي سنة أربع وخمسين. 4 (حكيم بن حزام) ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي أبو خالد، وعمته خديجة رضي الله عنها. (4/197)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 198 وكان يوم الفيل مراهقاً، وهو والد هشام، له صحبة، ورواية، وشرف في قومه، وحشمة. روى عنه: ابنه حزام، وسعيد بن المسيب، وعبد الله بن الحارث بن نوفل، وعروة بن الزبير، وموسى بن طلحة، ويوسف بن ماهك، وغيرهم. حضر بدراً مشركاً، وأسلم عام الفتح، وكان إذا اجتهد في يمينه قال: لا والذي نجاني يوم بدر من القتل. وله منقبة وهو أنه ولد في جوف الكعبة. وأسلم وله ستون سنة أو أكثر، وكان من المؤلفة قلوبهم. أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين مائة من الإبل. قاله ابن إسحاق. حصل حكيم أموالاً من التجارة، وكان شديد الأدمة نحيفاً. ولما ضيقت قريش على بني هاشم بالشعب، كان حكيم تأتيه العير، تحمل الحنطة، فيقبلها الشعب، ثم يضرب أعجازها، فتدخل عليهم. وقال عروة: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح: من دخل دار حكيم فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل دار بديل بن ورقاء فهو آمن. (4/198)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 199 وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أسلمت على ما سلف لك من خير. وكان سمحاً جواداً كريماً، عالماً بالنسب، أعتق في الجاهلية مائة رقبة، وفي الإسلام مائة رقبة، وكان ذا رأي وعقل تام، وهو أحد من دفن عثمان سراً. وباع داراً لمعاوية بستين ألفاً، وتصدق بها، وقال: اشتريتها في الجاهلية بزق خمر. وروي أن الزبير لما توفي، قال حكيم بن حزام لابن الزبير: كم على أخي من الدين قال: ألف ألف درهم، قال: علي منها خمسمائة ألف. ودخل على حكيم عند الموت وهو يقول: لا إله إلا الله، قد كنت أخشاك، وأنا اليوم أرجوك. توفي رضي الله عنه سنة أربع وخمسين. 4 (حويطب بن عبد العزى) ) العامري. (4/199)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 200 من مسلمة الفتح، له صحبة، وهو أحد من دفن عثمان، وكان حميد الإسلام. عمر مائة وعشرين سنة. ويروى انه باع من معاوية داراً بالمدينة بأربعين ألف دينار. روى عن عبد الله بن السعدي، حديث رزق العامل، رواه عنه السائب بن يزيد، وهو في الصحيحين، قد اجتمع في إسناده أربعة من الصحابة. توفي حويطب سنة أربع، ويقال سنة اثنتين وخمسين. (4/200)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 201 4 (الخاء)

4 (خالد بن عرفطة) العذري يقال له صحبة ورواية. روى عنه: مولاه مسلم، وأبو عثمان النهدي، وعبد الله بن يسار. وكان أحد الأبطال المذكورين. توفي بالكوفة سنة ستين. قال ابن سعد: وكان سعد ولى خالداً القتال يوم القادسية، وهو الذي (4/201)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 202 قتل الخوارج يوم النخيلة، وله بالكوفة دار وعقب. 4 (خراش بن أمية) الكعبي الخزاعي له دار بالمدينة بسوق الدجاج. شهد بيعة الرضوان وحلق رأس النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ، وتوفي آخر أيام معاوية. قال ابن سعد: لم يرو شيئاً. (4/202)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 203 4 (الدال)

4 (دغفل بن حنظلة،) الشيباني، الذهلي، النسابة. مختلف في صحبته. وقال أحمد بن حنبل: لا أرى له صحبة، توفي في دهر معاوية. (4/203)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 204 4 (الذال)

4 (ذو مخمرالحبشي) ويقال: ذو مخبر الحبشي، ابن أخي النجاشي. هاجر، وخدم النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه.) روى عنه: جبير بن نفير، وخالد بن معدان، وأبو الزاهرية حدير بن كريب، ويزيد بن صلح. توفي بالشام. (4/204)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 205 4 (الراء)

4 (الربيع بن زياد، الحارثي الأمير،) يكنى أبا عبد الرحمن. روى عن: أبي بن كعب، وكعب الأحبار. وعنه: أبو مخلد لاحق، ومطرف بن الشخير، وحفصة بنت سيرين، وأرسل عنه قتادة. ولي خراسان لمعاوية، وكان الحسن البصري كاتباً له. (4/205)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 206 روى الهيثم، عن مجالد، عن الشعبي قال: قال عمر: دلوني على رجل أستعمله، فذكروا له جماعة، فلم يردهم، قالوا: من تريد قال: من إذا كان أميرهم كان كأنه رجل منهم، وإذا لم يكن أميرهم كان كأنه أميرهم، قالوا: ما نعلمه إلا الربيع بن زياد الحارثي، قال: صدقتم. قال أبو أحمد الحاكم في الكنى: لما بلغ الربيع بن زياد مقتل حجر بن عدي، دعا فقال: اللهم إن كان للربيع عندك خير، فاقبضه إليك وعجل، فزعموا أنه لم يبرح من مجلسه حتى مات، رحمه الله. 4 (رويفع بن ثابت لأنصاري) د ت ن الأنصاري أمير المغرب. يقال: توفي سنة اثنتين وخمسين، وقد ذكر في الطبقة الماضية. وأما ابن يونس فقال: توفي سنة ست وخمسين. (4/206)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 207 4 (الزاي)

4 (زياد بن عبيد، الأمير) الذي ادعى معاوية أنه أخوه والتحق به، وجمع (4/207)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 208 له إمرة العراق، كنيته أبو المغيرة، أسلم في عهد أبي بكر، وكان كاتب أبي موسى في إمرته على البصرة. سمع من عمر. روى عنه: محمد بن سيرين، وعبد الملك بن عمير، وجماعة. وولد سنة الهجرة، وأمه سمية جارية الحارث بن كلدة الثقفي. قال البخاري: هو أخو أبي بكرة الثقفي لأمه. وكان زياد لبيباً فاضلاً، حازماً، من دهاة العرب، بحيث يضرب به المثل. يقال أنه كتب لأبي موسى، وللمغيرة بن شعبة، ولعبد الله بن عامر، وكتب بالبصرة لابن) عباس. وذكر الشعبي: أن عبد الله بن عباس لما سار من البصرة مع علي إلى صفين استخلف زياداً على بيت المال. وذكر عوانة بن الحكم أن أبا سفيان بن حرب صار إلى الطائف فسكر، فالتمس بغياً، فأحضرت له سمية، فواقعها، وكانت مزوجة بعبيد مولى الحارث بن كلدة، قال: فولدت زياداً، فادعاه معاوية في خلافته، وأنه من ظهر أبي سفيان. ولما توفي علي كان زياد عامله على فارس، فتحصن في قلعة، ثم كاتب معاوية أن يصالحه على ألفي ألف درهم، ثم أقبل زياد من فارس. وقال محمد بن سيرين: إن زياداً قال لأبي بكرة، وهو أخوه لأمه: ألم تر أن أمير المؤمنين أرادني على كذا وكذا، وقد ولدت على فراش عبيد وأشبهته، وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ادعى إلى غير أبيه، فليتبوأ (4/208)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 209 مقعده من النار. ثم جاء العام المقبل، وقد ادعاه. قال الشعبي: ما رأيت أحداً أخطب من زياد. وقال قبيصة بن جابر: ما رأيت أخصب نادياً، ولا أكرم جليساً، ولا أشبه سريرة بعلانية من زياد، ما كان إلا عروساً. وقال الفقيه الوزير أبو محمد بن حزم في كتاب الفضل: ولقد امتنع زياد وهو فقعة القاع لا عشيرة له ولا نسب، ولا سابقة، ولا قدم، فما أطاقه معاوية إلا بالمداراة، حتى أرضاه وولاه. وقال أبو الشعثاء جابر بن زيد: كان أقتل لأهل دينه ممن يخالف هواه من الحجاج، وكان الحجاج أعلم بالقتل. وقال ابن شوذب: بلغ ابن عمر أن زياداً كتب إلى معاوية: إني قد (4/209)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 210 ضبطت العراق بيميني، وشمالي فارغة، فسأله أن يوليه الحجاز، فقال ابن عمر: اللهم إنك تجعل في القتل كفارة، فموتاً لابن سمية لا قتلاً، فخرج في إصبع زياد الطاعون، فمات. وقال الحسن البصري: بلغ الحسن بن علي أن زياداً يتتبع شيعة علي بالبصرة فيقتلهم، فدعا عليه. وروى ابن الكلبي: أن زياداً جمع أهل الكوفة ليعرضهم على البراءة من علي، فخرج خارج) من القصر فقال: إن الأمير مشغول، فانصرفوا، وإذا الطاعون قد ضربه. توفي سنة ثلاث وخمسين. وله أخبار تطول. 4 (زيد بن ثابت) رضي الله عنه، قد ذكر في الماضية. وقال أحمد بن حنبل، والفلاس: توفي سنة إحدى وخمسين. وقال المدائني، وغيره: توفي سنة خمس وخمسين. (4/210)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 211 4 (السين)

4 (السائب بن خلاد) بن سويد بن ثعلبة، أبو سهلة الأنصاري الخزرجي. له صحبة، وأحاديث قليلة. روى عنه: ابنه خلاد، وعطاء بن يسار، ومحمد بن كعب القرظي، وصالح بن حيوان السبائي، وعبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي صعصعة. وقيل: هما اثنان، وأن والد خلاد ما روى عنه إلا ولده. 4 (السائب بن أبي وداعة،) القرشي السهمي. (4/211)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 212 أسر يوم بدر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تمسكوا به فإن له ابناً كيساً بمكة. فخرج ابنه عبد المطلب سراً حتى قدم، ففدى أباه بأربعة آلاف درهم، ثم أسلم السائب، وتوفي سنة سبع وخمسين. 4 (سبرة بن معبد الجهني.) ويقال سبرة بن عوسجة بن حرملة الجهني. له صحبة ورواية. روى عنه: ابنه الربيع أحاديث. أخرج له مسلم وغيره، وكان رسول علي إلى معاوية من المدينة، بعد مقتل عثمان. وكنيته: أبو ثرية. 4 (سعد بن أبي وقاص) مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة، أبو إسحاق الزهري. (4/212)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 213 أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد السابقين الأولين، كان يقال له (4/213)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 214 فارس الإسلام، وهو أول) من رمى بسهم في سبيل الله. وكان مقدم الجيوش في فتح العراق، مجاب الدعوة، كثير المناقب، هاجر إلى المدينة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد بدراً. روى عنه: بنوه عامر، ومصعب، وإبراهيم، وعمر، ومحمد، وعائشة بنو سعد، وبسر بن سعيد، وسعيد بن المسيب، وأبو عثمان النهدي، وعلقمة بن قيس، وعروة بن الزبير، وأبو صالح السمان، وآخرون. وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس. أسلم وهو ابن تسع عشرة سنة، وكان قصيراً دحداحاً غلظاً، ذا هامة، شثن الأصابع، جعد الشعر، أشعر الجسد، آدم، أفطس. قال سعيد بن المسيب: سمعت سعداً يقول: مكثت سبع ليال، وإني لثلث الإسلام. (4/214)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 215 وقال قيس بن أبي حازم: قال سعيد: ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه لأحد قبلي، قال لي: يا سعد فداك أبي وأمي. وإني لأول من رمى المشركين بسهم، ولقد رأيتني مع النبي صلى الله عليه وسلم سابع سبعة، ما لنا طعام إلا ورق السمر، حتى إن أحدنا ليضع مثل ما تضع الشاة، ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الإسلام، لقد خبت إذن وضل سعيي. وقال بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد، عن أبيه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع له أبويه قال: كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إرم فداك أبي وأمي، قال: فنزعت بسهم ليس فيه نصل، فأصبت جبهته، فوقع، فانكشفت عورته، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى بدت نواجذه. وعن الزهري قال: قتل سعد يوم أحد بسهم رمي به ثلاثة: رموا به، فأخذه سعد، فرمى به فقتل، فرموا به، فأخذه سعد الثانية، فقتل، فرموا به فرمى به، سعد ثالثاً، فقتل ثالثاً، فعجب الناس من فعله. (4/215)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 216 قال ابن المسيب: كان سعد جيد الرمي. وقال علي رضي الله عنه: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع أبويه لأحد غير سعد. وقال ابن مسعود: لقد رأيت سعداً يقاتل يوم بدر قتال الفارس في الرجال.) وروى عثمان بن عبد الرحمن، عن الزهري قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فيها سعد بن أبي وقاص على رابغ، وهو من جانب الجحفة، فانكفأ المشركون على المسلمين، فحماهم سعد يومئذ بسهامه، وهذا أول قتال كان في الإسلام، فقال سعد: (ألا أتى رسول الله أني .......... حميت صحابتي بصدور نبلي)

(فما يعتد رام في عدو .......... بسهم يا رسول الله قبلي) وقال ابن مسعود: اشتركت أنا، وسعد، وعمار، يوم بدر فيما نغنم، فجاء سعد بأسيرين، ولم أجيء أنا ولا عمار بشيء. وعن أبي إسحاق قال: كان أشد الصحابة أربعة: عمر، وعلي، والزبير، وسعد. (4/216)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 217 وجاء عن ابن عمر، وأنس، وعبد الله بن عمرو، من وجوه ضعيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أول من يدخل من هذا الباب عليكم رجل من أهل الجنة، فدخل سعد بن أبي وقاص. وقال سعد: ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي. نزلت في ستة، وأنا وابن مسعود منهم. أخرجه مسلم. وقال مجالد، عن الشعبي، عن جابر قال: أقبل سعد بن أبي وقاص، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا خالي، فليرني امرؤ خاله. وقال عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة قال: شكا أهل الكوفة سعداً يعني لما كان أميراً عليهم إلى عمر فقالوا: إنه لا يحسن يصلي، فقال سعد: أما إني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، صلاتي العشاء، لا أخرم منها، أركد في الأوليين واحذف في الأخريين، فقال: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق، ثم بعث رجالاً يسألون عنه، فكانوا لا يأتون مسجداً من مساجد الكوفة إلا قالوا خيراً، حتى أتوا مسجداً من مساجد بني عبس، فقال رجل يقال له أبو سعدة: أما إذ أنشدتمونا بالله، فإنه كان لا يعدل في القضية، ولا يقسم بالسوية، ولا يغزو في السرية، فقال سعد: اللهم إن كان كاذباً، فأعم بصره، وأطل عمره، وعرضه للفتن، قال عبد الملك: أنا رأيته بعد يتعرض للإماء في السكك، فإذا سئل كيف أنت يقول: شيخ كبير فقير (4/217)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 218 مفتون، أصابتني دعوة سعد. وقال الزبير بن عدي، عن مصعب، إن سعداً خطبهم بالكوفة، ثم قال: يا أهل الكوفة، أي أمير) كنت لكم فقام رجل فقال: إن كنت ما علمتك لا تعدل في الرعية، ولا تقسم بالسوية، ولا تغزو في السرية فقال: اللهم إن كان كاذباً فأعم بصره، وعجل فقره، وأطل عمره، وعرضه للفتن، قال: فما مات حتى عمر وافتقر وسأل، وأدرك فتنة المختار فقتل فيها. وقال شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن سعيد بن المسيب قال: خرجت جارية لسعد، وعليها قميص جديد، فكشفها الريح، فشد عمر عليها بالدرة، وجاء سعد ليمنعه فتناوله بالدرة، فذهب سعد ليدعو على عمر، فناوله الدرة وقال: اقتص، فعفا عن عمر. وقال زياد البكائي عن عبد الملك بن عمير، عن قبيصة بن جابر قال: قال ابن عمر لنا يوم القادسية: (ألم تر أن الله أنزل نصره .......... وسعد بباب القادسية معصم)

(فأبنا وقد آمت نساء كثيرة .......... ونسوة سعد ليس فيهن أيم) فبلغ سعداً فقال: اللهم اقطع عني لسانه، فجاءت نشابة، فأصابت فاه، فخرس، ثم قطعت يده في القتال. وكان في جسد سعد قروح، فأخبر الناس بعذره عن القتال. (4/218)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 219 وقال مصعب بن سعد، وغيره: إن رجلاً نال من علي، فنهاه سعد، فلم ينته، فدعا عليه، فما برح حتى جاء بعير ناد، فخبطه حتى مات. لها طرق عن سعد. وقال جرير بن مغيرة، عن أمه قالت: زرنا آل سعد بن أبي وقاص، فرأينا جارية كان طولها شبر، قلت: من هذه قالوا: ما تعرفينها، هذه بنت سعد، غمست يدها في طهوره فقال: قصه الله قرنك، فما شبت بعد. قد ذكرنا فيما مر أن سعداً جعله عمر أحد الستة أهل الشورى، وقال: إن أصابت الخلافة سعداً، وإلا فليستعن به الخليفة بعدي، فإني لم أعزله من ضعف ولا من خيانة. وسعد كان ممن اعتزل علياً ومعاوية. قال أيوب، عن ابن سيرين: نبئت أن سعداً قال: ما أزعم أني بقميصي هذا أحق مني الخلافة، قد جاهدت إذ أنا أعرف الجهاد، ولا أبخع نفسي إن كان رجل هذا مؤمن وهذا كافر. (4/219)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 220 وقال محمد بن الضحاك الحزامي، عن أبيه، أن علياً رضي الله عنه خطب بعد الحكمين فقال: لله منزل نزله سعد بن مالك وعبد الله بن عمر والله لئن كان ذنباً يعني اعتزالهما إنه لصغير مغفور، ولئن كان حسناً، إنه لعظيم مشكور.) وقال عمر بن الحكم، عن عوانة: دخل سعد على معاوية، فلم يسلم عليه بالإمارة، فقال معاوية: لو شئت أن تقول غيرها لقلت، قال: فنحن المؤمنون ولم نؤمرك، فإنك معجب بما أنت فيه، والله ما يسرني أني على الذي أنت عليه، وإني هرقت محجمة دم. وقال محمد بن سيرين: إن سعداً طاف على تسع جوار في ليلة، ثم أيقظ العاشرة، فغلبه النوم، فاستحيت أن توقظه. وقال الزهري: إن سعداً لما حضرته الوفاة، دعا بخلق جبة من صوف فقال: كفنوني فيها، فإني لقيت فيها المشركين يوم بدر، وإنما خبأتها لهذا اليوم. وقال حماد بن سلمة، عن سماك، عن مصعب بن سعد قال: كان رأس أبي في حجري، وهو يقضي، فبكيت، فرفع رأسه إلي فقال: أي بني ما يبكيك قلت: لمكانك وما أرى بك، فقال: لا تبك، فإن الله لا يعذبني أبداً، وإني من أهل الجنة. وعن عائشة بنت سعد، أن أباها أرسل إلى مروان بزكاة عين ماله، خمسة آلاف، وخلف يوم مات مائتين وخمسين ألف درهم. قال الزبير بن بكار: كان سعد قد اعتزل في الآخر في قصر بناه بطرف حمراء الأسد. (4/220)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 221 قال الواقدي، وابن المديني، وجماعة كثيرة: توفي سنة خمس وخمسين. وقال قعنب بن المحرر: سنة ثمان وخمسين، وقيل سنة سبع، وليس بشيء. وقال ابن سعد: توفي في قصره بالعقيق، على سبعة أميال من المدينة، وحمل إلى المدينة، وصلى عليه مروان، وله أربع وسبعون سنة. 4 (سعيد بن زيد) ابن عمرو بن نفيل بن عبد العزى، القرشي العدوي، أبو الأعور. (4/221)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 222 أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وكان أميراً على ربع المهاجرين، وولي دمشق نيابة لأبي عبيدة، وشهد فتحها. روى عنه: ابن عمر، وأبو الطفيل، وعمرو بن حريث، وزر بن حبيش، وحميد بن عبد الرحمن، وقيس بن أبي حازم، وعروة بن الزبير، وجماعة. وقال أهل المغازي: إن سعيد بن زيد قدم من الشام بعيد بدر، فكلم النبي صلى الله عليه وسلم، فضرب له بسهمه وأجره.) أسلم سعيد قبل دخول دار الأرقم، وكان مزوجاً بفاطمة أخت عمر، وهي بنت عم أبيه. وقال سعيد: ولقد رأيتني وإن عمر لموثقي على الإسلام، فلم يكن عمر أسلم بعد. وعن ابن مكيث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سعيداً وطلحة يتجسسان خبر عير قريش، فلهذا غابا عن وقعة بدر، فرجعا إلى المدينة وقدماها في يوم الوقعة، فخرجا يؤمانه، وشهد سعيد أحداً وما بعدها. وقال عبد الله بن ظالم المازني، عن سعيد بن زيد قال: أشهد على التسعة أنهم في الجنة، ولو شهدت على العاشر لم آثم، يعني نفسه. (4/222)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 223 وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن الشهادة لأبي بكر وعمر بالجنة، فقال: نعم، اذهب إلى حديث سعيد بن زيد. وقال هشام بن عروة، عن أبيه، إن أروى بنت أويس ادعت على سعيد بن زيد أنه اخذ من أرضها شيئاً، فخاصمته إلى مروان، فقال: أنا آخذ من أرضها شيئاً بعدما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت يقول: من أخذ شيئاً من الأرض طوقه من سبع أرضين، فقال مروان: لا أسألك بينة بعد هذا، فقال سعيد: اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها، واقتلها في أرضها، فما ماتت حتى ذهب بصرها، وبينا هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت. رواه مسلم. وقال عطاء بن السائب، عن محارب بن دثار إن معاوية كتب إلى مروان بالمدينة يبايع لابنه يزيد، فقال رجل من أهل الشام: ما يحبسك قال: حتى يجيء سعيد بن زيد فيبايع، فإنه سيد أهل البلد، إذا بايع بايع الناس. (4/223)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 224 وقال نافع: إن ابن عمر لما سمع بموت سعيد بالعقيق، ذهب إليه، وترك الجمعة. وقالت عائشة بنت سعد بن أبي وقاص: مات سعيد بن زيد بالعقيق، فغسله سعد وكفنه، وخرج معه. قال مالك: كلاهما مات بالعقيق. وقال الواقدي: توفي سنة إحدى وخمسين، وهو ابن بضع وسبعين سنة، وقبر بالمدينة، ونزل في قبره سعد وابن عمر، وكان رجلاً آدم، طويلاً، أشعر. وكذا ورخ موته ابن بكير وجماعة، وشذ عبيد الله بن سعد الزهري فقال: سنة اثنتين وخمسين،) وغلط الهيثم بن عدي فقال: توفي بالكوفة رضي الله عنه. وقال عبد الله بن ظالم المازني، عن سعيد بن زيد قال: أشهد على التسعة أنهم في الجنة، فقال: نعم، أذهب إلى حديث سعيد بن زيد. 4 (سعيد بن العاص) ابن سعيد بن العاص بن أمية الأموي، والد عمرو، ويحيى. (4/224)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 225 قتل أبوه يوم بدر مشركاً وخلف سعيداً طفلاً. وقال أبو حاتم: له صحبة. روى عن: عمر، وعائشة. وعنه: ابناه، وعروة بن الزبير، وسالم بن عبد الله. وكان أحد الأشراف الأجواد الممدحين، والحلماء العقلاء. ولي إمرة المدينة غير مرة لمعاوية، وولي الكوفة لعثمان، واعتزل عليا (4/225)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 226 ً ومعاوية من عقله، فلما صفا الأمر لمعاوية وفد إليه، فأمر له بجائزة عظيمة، وقد غزا سعيد طبرستان في إمرته على الكوفة، فافتتحها، وفيه يقول الفرزدق: (ترى الغر الجحاجح من قريش .......... إذ ما الأمر دون الحدثان عالا)

(قياماً ينظرون إلى سعيد .......... كأنهم يرون به هلالا) وقال ابن سعد: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولسعيد بن العاص أبي أحيحة تسع سنين أو نحوها. ولم يزل في ناحية عثمان لقرابته منه، فاستعمله على الكوفة لما عزل عنها الوليد بن عتبة، فقدمها سعيد شاباً مترفاً، فأضر بأهلها إضراراً شديداً، وعمل عليها خمس سنين إلا شهراً، ثم قام عليه أهل الكوفة وطردوه، وأمروا عليهم أبا موسى، فأبى عليهم، وجدد البيعة في رقابهم لعثمان، وكتب إليه فاستعمله عليهم. وكان سعيد بن العاص يوم الدار مع عثمان يقاتل عنه، ولما خرج طلحة والزبير نحو البصرة خرج معهم سعيد، ومروان، والمغيرة بن شعبة، فلما نزلوا مر الظهران قام سعيد خطيباً، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإن عثمان عاش حميداً، وخرج شهيداً، فضاعف الله له حسناته، وقد زعمتم أنكم خرجتم تطلبون بدمه، فإن كنتم تريدون ذلك، فإن قتله عثمان على) صدور هذه المطي وأعجازها، فميلوا عليهم أسيافكم، فقال مروان: لا بل (4/226)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 227 نضرب بعضهم ببعض، فمن قتل ظفرنا منه، ويبقى الباقي فنطلبه وقد وهن، وقام المغيرة فقال: الرأي ما رأى سعيد، وذهب إلى الطائف، ورجع سعيد بن العاص بمن اتبعه، فلم يزل بمكة حتى مضت الجمل وصفين. وقال قبيصة بن جابر: إنهم سألوا معاوية: من ترى لهذا الأمر بعدك قال: أما كريمة قريش فسعيد بن العاص وأما فلان، وذكر جماعة. ابن سعد: ثنا علي بن محمد، عن يزيد بن عياض بن جعدية، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال: خطب سعيد بن العاص أم كلثوم بنت علي بعد عمر بن الخطاب، وبعث إليها بمائة ألف، فدخل عليها أخوها الحسين فقال: لا تزوجيه، فأرسلت إلى الحسن فقال: أنا أزوجه، واتعدوا لذلك، وحضر الحسن، وأتاهم سعيد بن العاص ومن معه، فقال سعيد: أين أبو عبد الله قال الحسن: سأكفيك، قال: فلعل أبا عبد الله كره هذا قال: نعم، قال: لا أدخل في شيء يكرهه، ورجع ولم يعرض للمال، ولم يأخذ منه شيئاً. وقال الوليد بن مزيد: ثنا سعيد بن عبد العزيز قال: عربية القرآن أقيمت على لسان سعيد بن العاص بن سعيد لأنه كان أشبههم لهجةً برسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى الواقدي، عن رجاله، أن سعيد بن العاص خرج من الدار، فقاتل حتى أم، ضربه رجل ضربة مأمومة، قال الذي رآه: فلقد رأيته، (4/227)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 228 ليسمع صوت الرعد، فيغشى عليه. وقال هشيم: قدم الزبير الكوفة زمن عثمان، وعليها سعيد بن العاص، وبعث إلى الزبير بسبعمائة فقبلها. وعن صالح بن كيسان قال: كان سعيد بن العاص حليماً وقوراً، ولقد كانت المأمومة التي أصابت رأسه يوم الدار، قد كاد أن يخف منها بعض الخفة وهو على ذلك من أوقر الرجال وأحلمهم. وقال ابن عون، عن عمير بن إسحاق قال: كان مروان أميراً علينا بالمدينة ست سنين، فكان يسب علياً في الجمع، ثم عزل، فاستعمل عليها سعيد بن العاص، فكان لا يسب علياً. وقال ابن عيينة: كان سعيد بن العاص إذا سأله سائل، فلم يكن عنده شيء قال: اكتب علي بمسألتكم سجلاً إلى أيام ميسرتي.) وروى الأصمعي أن سعيد بن العاص كان يدعوا إخوانه وجيرانه كل جمعة، فيصنع لهم الطعام، ويخلع عليهم الثياب الفاخرة، ويأمرهم بالجوائز الواسعة. وروى عبد الأعلى بن حماد قال: استسقى سعيد بن العاص من دار بالمدينة، فسقوه، ثم حضر صاحب الدار في الوقت مع جماعة يعرض الدار للبيع، وكان عليه أربعة آلاف دينار، فبلغ ذلك سعيداً فقال: إن له عليه ذماماً لسقيه، فأداها عنه. وعن يحيى بن سعيد الأموي: أن سعيد بن العاص أطعم الناس في سنة جدبة، حتى أنفق ما في بيت المال وأدان، فعزله معاوية لذلك. (4/228)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 229 ويروى: أنه توفي وعليه ثمانون ألف دينار. الواقدي: حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبيه قال: لما مات الحسن بعث سعيد بن العاص بريداً يخبر معاوية، وبعث مروان أيضاً بريداً، وأن الحسن أوصى أن يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك لا يكون وأنا حي، فلما دفن الحسن بالبقيع، أرسل مروان بذلك وبقيامه مع بني أمية ومواليهم، وأني يا أمير المؤمنين عقدت لوائي، ولبسنا السلاح في ألفي رجل، فدرأ الله، أن يكون مع أبي بكر وعمر ثالث أبداً، حيث لم يكن أمير المؤمنين عثمان المظلوم وكانوا هم الذين فعلوا بعثمان ما فعلوا، وكتب معاوية إلى مروان يشكر له، وولاه المدينة، وعزل سعيد بن العاص، وكتب إلى مروان أن لا تدع لسعيد مالاً إلا أخذته، فلما جاء مروان الكتاب بعث به مع ابنه عبد الملك إلى سعيد، فلما قرأه أخرج كتابين، وقال لعبد الملك: إقرأهما، فإذا فيهما: من معاوية إلى سعيد، يأمره حين عزل مروان أن يقبض أمواله، ولا يدع له عذقاً، فجزاه عبد الملك خيراً وقال: والله لولا أنك جئتني بهذا الكتاب، ما ذكرت مما ترى حرفاً واحداً، فجاء عبد الملك بن مروان بالكتاب إلي أبيه، قال مروان: هو كان أوصل لنا منا له. وعن صالح بن كيسان قال: كان سعيد بن العاص أوقر الرجال وأحلمهم، وكان مروان حديدي اللسان، سريع الجواب، ذلق اللسان، قلما صبر إن كان في صدره حب أحد أو بغضه إلا ذكره، وكان سعيد خلاف ذلك ويقول: إن الأمور تغير، والقلوب تتغير، فلا ينبغي للمرء أن يكون مادحاً اليوم، غائباً غداً. قال الزبير: مات سعيد في قصره بالعرصة، على ثلاثة أميال من المدينة، وحمل إلى البقيع،) وركب ابنه عمرو بن سعيد إلى معاوية، فباعه (4/229)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 230 منزله وبستانه بالعرصة بثلاثمائة ألف درهم، قاله الزبير بن بكار. وفي ذلك المكان يقول عمرو بن الوليد بن عقبة: (القصر ذو النخل والجمار فوقهما .......... أشهى إلى النفس من أبواب جيرون) قال خليفة وغيره: توفي سنة تسع وخمسين. وقال مسدد: مات سعيد بن العاص، وعائشة، وأبو هريرة، وعبد الله بن عامر: سنة سبع أو ثمان وخمسين. وقال أبو معشر: سنة ثمان وخمسين. 4 (سعيد بن يربوع المخزومي.) من مسلمة الفتح، وشهد حنيناً. كان ممن يجدد أنصاب الحرم لخبرته بحدود الحرم. (4/230)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 231 روى ابنه عبد الرحمن، عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً. توفي سنة أربع وخمسين، وعاش مائة وعشرين سنة، وهو من أقران حكيم بن حزام. 4 (سفيان بن عوف،) الأزدي الغامدي الأمير. شهد فتح دمشق، وولي غزو الرصافة لمعاوية، وتوفي مرابطاً بأرض الروم سنة اثنتين وخمسين، ولا صحبة له. 4 (سمرة بن جندب) ابن هلال الفزاري. (4/231)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 232 له صحبة ورواية وشرف، ولي إمرة الكوفة والبصرة خلافة لزياد. روى عنه: ابنه سليمان، وأبو قلابة الجرمي، وأبو رجاء العطاردي، وأبو نضرة العبدي، وعبد الله بن بريدة، ومحمد بن سيرين، والحسن بن أبي الحسن، وسماعه منه ثابت، فالصحيح لزوم الاحتجاج بروايته عنه، ولا عبرة بقول من قال من الأئمة: لم يسمع الحسن من سمرة، لأن عندهم علماً زائداً على ما عندهم من نفي سماعه منه. وكان سمرة شديداً على الخوارج، فقتل منهم جماعة، وكان الحسن وابن سيرين يثنيان عليه. وقال معاذ بن معاذ: ثنا شعبة، عن أبي سلمة، عن أبي نضرة، عن أبي هريرة، أن النبي صلى) الله عليه وسلم قال لعشرة من أصحابه في بيت: آخركم موتاً في النار. فيهم سمرة بن جندب، قال أبو نضرة: فكان سمرة آخرهم موتاً. أبو نضرة لم يسمع من أبي هريرة، لكن للحديث مع غرابته شاهد من حديث أبي هريرة، وهو ما رواه إسماعيل بن حكيم ولم يذكره أحد بجرح (4/232)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 233 قال: ثنا يونس بن عبيد، عن الحسن، عن أنس بن حكيم الضبي قال: كنت أمر بالمدينة، فألقى أبا هريرة، فلا يبدأ بشيء حتى يسألني عن سمرة، فإذا أخبرته بحياته فرح، فقال: إنا كنا عشرة في بيت، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ونظر في وجوهنا، وأخذ بعضادتي الباب، ثم قال: آخركم موتاً في النار. فقد مات منا ثمانية، ولم يبق غيري وغير سمرة، فليس شيء أحب إلي من أن أكون قد ذقت الموت. وروى مثله حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن أوس بن خالد قال: كنت إذا قدمت على أبي محذورة سألني عن سمرة، وإذا قدمت على سمرة سألني عن أبي محذورة، فسألته، فقال: إني كنت أنا وسمرة، وأبو هريرة في بيت، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: آخركم موتاً في النار، فمات أبو هريرة، ثم مات أبو محذورة. وقال معمر: ثنا عبد الله بن طاوس وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسمرة بن جندب، ولأبي هريرة، ولآخر: آخركم موتاً في النار. فمات الرجل، فكان الرجل إذا أراد أن يغيظ أبا هريرة يقول: مات سمرة، فإذا سمعه غشي عليه وصعق، ثم مات أبو هريرة قبل سمرة. وقتل سمرة بشراً كثيراً. وقال سليمان بن حرب: ثنا عامر بن أبي عامر قال: كنا في مجلس يونس بن عبيد في أصحاب الخز، فقالوا: ما في الأرض بقعة نشفت من الدم ما نشفت هذه البقعة يعنون دار الإمارة قتل بها سبعون ألفاً، فجاء يونس بن عبيد، فقلت: إنهم يقولون كذا وكذا، فقال: نعم من بين قتيل وقطيع، قيل له: ومن فعل ذلك يا أبا عبد الله قال: زياد وابنه عبيد الله وسمرة. قال البيهقي: نرجو لسمرة بصحبته رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى عبد الله بن معاوية الجمحي، عن رجل: أن سمرة استجمر، فغفل عن نفسه، وغفلوا عنه حتى أخذته. (4/233)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 234 وهب بن جرير، عن أبيه، سمع أبا يزيد المديني يقول: لما مرض سمرة أصابه برد شديد،) فأوقدت له نار في كانون بين يديه، وكانون خلفه، وكانون عن يمينه، وآخر عن شماله، فجعل لا ينتفع بذلك، وكان يقول: كيف أصنع بما في جوفي، فلم يزل كذلك حتى مات. وإن صح هذا فيكون إن شاء الله قوله عليه السلام آخركم موتاً في النار متعلقاً بموته في النار، لا بذاته. قال عبد الله بن صبيح، عن ابن سيرين: كان سمرة فيما علمت عظيم الأمانة، صدوقاً، يحب الإسلام وأهله. توفي سمرة سنة تسع وخمسين، ويقال: في أول سنة ستين. 4 (سودة أم المؤمنين) مرت في خلافة عمر. قال الواقدي: الثابت عندنا أنها توفيت سنة أربع وخمسين فيما حدثنا به محمد بن عبد الله بن مسلم، عن أبيه. (4/234)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 235 4 (الشين)

4 (شداد بن أوس) ابن ثابت، أبو يعلى، ويقال: أبو عبد الرحمن الأنصاري النجاري، ابن أخي حسان بن ثابت. (4/235)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 236 له صحبة ورواية، أحد سادة الصحابة. روى عنه: بشير بن كعب، وخالد بن معدان، وأبو الأشعث الصنعاني شراحيل، وأبو إدريس الخولاني، وأبو أسماء الرحبي، وجماعة، ومحمد، ويعلى إبناه. فعن عبادة بن الصامت قال: شداد ممن أوتي العلم والحلم. ابن جوصا: ثنا محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عمرو بن محمد بن شداد بن أوس: حدثني أبي، حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده، قال: كان لأبي يعلى شداد بن أوس خمسة أولاد، منهم بنته أسماء لها نسل إلى سنة ثلاثين ومائة. ذكرت باقي الحديث في تلك السنة. قال البخاري: شداد بن أوس، قيل إنه بدري، ولم يصح. وقال محمد بن سنان القزاز وليس بحجة: ثنا عمر بن يونس اليماني، أنبأ علي بن محمد بن عمارة، سمعت شداد أنبأ عمار يحدث، عن شداد بن أوس، وكان بدرياً. وقال محمد بن سعد: لشداد بقية وعقب ببيت المقدس، وبهامات سنة ثمان وخمسين، وله خمس) وسبعون سنة. وعن خالد بن معدان قال: لم يبق من الصحابة بالشام أحد كان أوثق ولا أفقه ولا أرضى من عبادة بن الصامت، وشداد بن أوس، وعمير بن سعد الذي ولاه عمر حمص. وذكر غير واحد وفاة شداد سنة ثمان وخمسين، إلا ما رواه ابن جوصا (4/236)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 237 عن محمد بن عبد الوهاب بن محمد المذكور، عن آبائه، أنه توفي سنة أربع وستين. وقال سعيد بن عبد العزيز: فضل شداد بن أوس الأنصار بخصلتين: ببيان إذا نطق، وبكظم إذا غضب. وقال ابن سعد: كان عابداً مجتهداً، قيل إن أباه استشهد يوم أحد، وقال غيره: لما قتل عثمان اعتزل شداد الفتنة وتعبد. وقال فرج بن فضالة، عن أسد بن وداعة، عن شداد بن أوس: أنه كان إذا دخل الفراش يتقلب على فراشه، لا يأتيه النوم، فيقول: اللهم إن النار أذهبت مني النوم، فيقوم فيصلي حتى يصبح. نزل شداد بيت المقدس، وأخباره في تاريخ دمشق. شريك بن شداد، الحضرمي التنعي. أحد العشرة الذين قتلوا مع حجر بعذراء صبراً، في سنة إحدى وخمسين. وهو من التابعين. 4 (شيبة بن عثمان) بن أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى (4/237)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 238 العبدري المكي الحجبي، أبو صفية، ويقال أبو عثمان. حاجب الكعبة ابن أخت مصعب بن عمير العبدري، وإليه ينسب بنو شيبة حجبة الكعبة. وأبوه قتله علي رضي الله عنه يوم أحد، فلما كان عام الفتح خرج شيبة مع النبي صلى الله عليه وسلم كافراً إلى حنين، ومن نيته اغتيال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم هداه الله، ومن عليه بالإسلام، فأسلم، وقاتل يومئذ وثبت ولم يول. وروى عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبي بكر، وعمر. وعنه: ابناه مصعب بن شيبة، وصفية بنت شيبة، وأبو وائل، وعكرمة، وحفيده مسافع بن عبد الله. توفي سنة تسع وخمسين، وقيل سنة ثمان وخمسين. (4/238)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 239 وحديثه في البخاري عن عمر. (4/239)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 240 4 (الصاد) ) 4 (صعصعة بن صوحان) بن حجر العبدي الكوفي. أحد شيعة علي، أمره على بعض الكراديس يوم صفين. وكان شريفاً، مطاعاً، خطيباً، بليغاً، مفوهاً، واجه عثمان بشيء فأبعده إلى الشام. (4/240)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 241 وروى عن علي، وغيره. وروى عنه: الشعبي، وأبو إسحاق، وابن بريدة، والمنهال بن عمرو. وقال ابن سعد هو ثقة. وفد على معاوية فخطب، فقال معاوية: إن كنت لأبغض أن أراك خطيباً، قال: وأنا إن كنت لأبغض أن أراك خليفة. وقال ابن سعد: توفي في خلافة معاوية، وكنيته أبو عمر، له حكايات. 4 (صفوان بن المعطل، السلمي،) الذي له ذكر في حديث الإفك. قد مر في سنة تسع عشرة. وقال الواقدي: توفي سنة ستين بسميساط. 4 (صيفي بن قشيل) أو فشيل الربعي. كوفي من شيعة علي، قتل صبراً بعذراء مع حجر بن عدي، وكان من رؤوس أصحابه. (4/241)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 242 4 (الطاء)

4 (طارق بن عبد الله المحاربي) له صحبة ورواية. روى عنه: ربعي بن حراش وأبو صخرة جامع بن شداد. وله حديثان إسنادهما صحيح. (4/242)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 243 وهو في عداد أهل الكوفة. (4/243)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 244 4 (العين)

4 (عائشة أم المؤمنين) بنت أبي بكر الصديق، التيمية أم عبد الله، فقيهة نساء الأمة. (4/244)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 245 دخل بها النبي صلى الله عليه وسلم في شوال بعد بدر، ولها من العمر تسع سنين. روى عنها: جماعة من الصحابة، والأسود، ومسروق، وابن المسيب، وعروة، والقاسم،) والشعبي، ومجاهد، وعكرمة، وعطاء بن أبي رباح، وابن أبي مليكة، ومعاذة العدوية، وعمرة الأنصارية، ونافع مولى ابن عمر، وخلق كثير. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضل عائشة على النساء، كفضل الثريد على سائر الطعام. (4/245)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 246 وعن عائشة: أن جبريل جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذه زوجتك في الدنيا والآخرة. رواه الترمذي وحسنه. وقال عبد العزيز بن المختار: ثنا خالد الحذاء، عن أبي عثمان النهدي، عن عمرو بن العاص قلت: يا رسول الله أي الناس أحب إليك قال: عائشة، قلت: ومن الرجال قال: أبوها. وهذا صحيح صححه الترمذي. وروي بإسناد صحيح من حديث أنس نحوه. وقال زياد بن أيوب: ثنا مصعب بن سلام، ثنا محمد بن سوقة، عن عاصم بن كليب، عن أبيه قال: انتهينا إلى علي، فذكر عائشة فقال: حليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: هذا حديث حسن، فإن مصعباً لا بأس به إن شاء الله. ومن عجيب ما ورد أن أبا محمد بن حزم، مع كونه أعلم أهل زمانه، ذهب إلى أن عائشة أفضل من أبيها، وهذا ما خرق به الإجماع. قال ابن علية، عن أبي سفيان بن العلاء المازني، عن ابن أبي عتيق قال: قالت عائشة: إذا مر ابن عمر فأرونيه، فلما مر قيل لها: هذا ابن عمر، قالت: يا أبا عبد الرحمن ما منعك أن تنهاني عن مسيري قال: رأيت رجلاً قد غلب عليك وظننت أنك لا تخالفينه يعني ابن الزبير قالت: أما إنك لو نهيتني ما خرجت تعني مسيرها في فتنة يوم الجمل. أخبرنا عبد الخالق بن عبد السلام الشافعي، أنبأ ابن قدامة سنة إحدى (4/246)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 247 عشرة وستمائة، أنبأ محمد هو ابن البطي، أنبأ أحمد بن الحسن، أنبأ أبو القاسم بن بشران، ثنا أبو مسعود، أنبأ أبو الفضل بن خزيمة، ثنا محمد بن أبي العوام، ثنا موسى بن داود، ثنا أبو مسعود الجرار، عن علي بن الأقمر فقال: ككان مسروق إذا حدث عن عائشة رضي الله عنها قال: حدثتني الصديقة بنت الصديق، حبيبة حبيب الله، المبرأة من فوق سبع سموات، فلم أكذبها. وقال أبو بردة بن أبي موسى، عن أبيه قال: ما أشكل علينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حديث قط، فسألنا عنه عائشة، إلا وجدنا عندها منه علماً.) وقال مسروق: رأيت مشيخة الصحابة يسألونها عن الفرائض. وقال عطاء بن أبي رباح: كانت عائشة أفقه الناس، وأحسن الناس رأياً في العامة. وقال الزهري: لو جمع علم عائشة إلى علم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل. وقال أبو إسحاق السبيعي، عن عمرو بن غالب: إن رجلاً نال من عائشة رضي الله عنها، عند عمار بن ياسر فقال: أغرب مقبوحاً منبوحاً، أتؤذي حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم. صححه الترمذي. وقال عمار أيضاً: هي زوجته في الدنيا والآخرة. (4/247)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 248 قال الترمذي: حسن صحيح. وقال عروة: كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة. وقال الزهري، عن القاسم بن محمد: إن معاوية لما قدم المدينة حاجاً، دخل على عائشة، فلم يشهد كلامهما إلا ذكوان مولى عائشة فقالت له: أمنت أن أخبئ لك رجلاً يقتلك بأخي محمد قال: صدقت، ثم إنها وعظته وحضته على الاتباع، فلما خرج اتكأ على ذكوان وقال: والله ما سمعت خطيباً ليس رسول الله صلى الله عليه وسلم أبلغ من عائشة. وقال سعيد بن عبد العزيز: قضى معاوية عن عائشة ثمانية عشر ألف دينار. وقال عروة بن الزبير: بعث معاوية مرة إلى عائشة بمائة ألف، فوالله ما أمست حتى فرقتها، فقالت مولاتها: لو اشتريت لنا منن هذه الدراهم بدرهم لحماً فقالت: ألا قلت لي. وقال عروة: ما رأيت أعلم بالطب من عائشة، فقال: يا خالة من أين تعلمت الطب قالت: كنت أسمع الناس ينعت بعضهم لبعض. وعن عروة قال: ما رأيت أعلم بالشعر منها. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أم سلمة لا تؤذيني، والله ما نزل علي الوحي، وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها. (4/248)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 249 وقال القاسم بن محمد: اشتكت عائشة، فجاء ابن عباس فقال: يا أم المؤمنين تقدمين على فرط صدق على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى أبي بكر رضي الله عنه. ولو لم يكن إلا ما في القرآن من البراءة لكفى بذلك شرفاً. ولهذا حظ وافر من الفصاحة والبلاغة، مع ما لها من المناقب رضي الله عنها. توفيت على الصحيح سنة سبع وخمسين بالمدينة، قاله هشام بن عروة، وأحمد بن حنبل،) وشباب. وقال أبو عبيدة، وغيره: في رمضان سنة ثمان. وقال الواقدي: في ليلة سابع عشر رمضان. ودفنت بالبقيع ليلاً، فاجتمع الناس وحضروا، فلم تر ليلة أكثر ناساً منها، وصلى عليها أبو هريرة، ولها ست وستون سنة، وذلك في سنة ثمان. ابن سعد: أنبأ محمد بن عمر حدثني ابن أبي سبرة عن عثمان بن أبي عتيق، عن أبيه قال: رأيت ليلة ماتت عائشة رضي الله عنها حمل معها جريد في الخرق والزيت، فيه ناراً ليلاً، ورأيت النساء بالبقيع كأنه عيد. قال محمد بن عمر: حدثني ابن جريج، عن نافع: شهدت أبا هريرة (4/249)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 250 صلى على عائشة بالبقيع، وكان خليفة مروان على المدينة، وقد اعتمر تلك الأيام. وقال هشام بن عروة، عن أبيه: إن عائشة دفنت ليلاً. قال حفص بن غياث: ثنا إسماعيل، عن أبي إسحاق قال: قال مسروق: لولا بعض الأمر، لأقمت المناحة على أم المؤمنين. وعن عبد الله بن عبيد الله قال: أما إنه لا يحزن عليها إلا من كانت أمه. وخرج البخاري في تفسير النور من حديث ابن أبي مليكة: أن ابن عباس استأذن عليها وهي مغلوبة، فقالت: أخشى أن يثني علي، فقيل ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن وجوه المسلمين، قالت: ائذنوا له، فقال: كيف تجدينك قالت: بخير إن اتقيت، قال: فأنت بخير إن شاء الله، زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتزوج بكراً غيرك، ونزل عذرك من السماء، فلما جاء ابن الزبير قالت: جاء ابن عباس، وأثنى علي، ووددت أني كنت نسياً منسياً. أبو معاوية، عن الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عورة، عن عائشة، رأيتها تصدق بسبعين ألفاً، وإنها لترقع جانب درعها. أبو معاوية: ثنا هشام بن عروة، عن ابن المنكدر عن أم ذرة قالت: بعث ابن الزبير إلى عائشة بمال في غرارتين، يكون مائة ألف، فدعت بطبق، (4/250)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 251 فجعلت تقسم في الناس، فلما أمست قالت: يا جارية هاتي فطري، فقالت أم ذرة: يا أم المؤمنين، أما استطعت أن تشتري لحماً مما أنفقت فقالت: لا تعنفيني، لو أذكرتيني لفعلت. القاسم بن عبد الواحد بن أيمن: ثنا عمر بن عبد الله بن عروة عن جده عن عائشة قالت:) فخرت بمال أبي في الجاهلية، وكان ألف ألف أوقية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عائشة كنت لك كأبي زرع لأم زرع. أخرجه س. مطرف بن طريف، عن أبي إسحاق، عن مصعب بن سعد قال: فرض عمر لأمهات المؤمنين عشرة آلاف، عشرة آلاف، وزاد عائشة ألفين، وقال: إنها حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم. شعبة: أنبأ عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه: أن عائشة كانت تصوم الدهر. حجاج بن الأعور، عن ابن جريج، عن عطاء: كنت آتي عائشة أنا وعبيد بن عمير، وهي مجاورة في جوف ثبير، في قبة لها تركية، عليها غشاؤها، ولكن قد رأيت عليها درعاً معصفراً، وأنا صبي. ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يخفى علي حين ترضين وحين تغضبين، في الرضا تحلفين: لا ورب محمد، وفي الغضب تحلفين: لا ورب إبراهيم، فقلت: صدقت يا رسول الله. (4/251)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 252 رواه أبو أسامة، عن هشام، وفي آخره فقلت: والله لا أهجر إلا اسمك. الواقدي، عن عبد الحكيم بن أبي فروة، عن الأعرج قال: أطعم رسول الله صلى اتلله عليه وسلم عائشة بخيبر ثمانين وعشرين وسقاً. سليمان بن بلال، عن عمرو بن أبي عمرو: سمعت القاسم يقول: كانت عائشة تلبس الأحمرين الذهب والمعصفر وهي محرمة. وقال ابن أبي مليكة: رأيت عليها درعاً مضرجاً. معلى بن أسد: ثنا المعلى بن زياد: حدثنا بكرة بنت عقبة، أنها دخلت على عائشة وهي جالسة في معصفرة، فسألتها عن الحناء فقالت: شدرة طيبة، وماء طهور، وسألتها عن الحفاف فقالت لها: إن كان لك زوج فاستطعت أن تنزعي مقلتيك، فتضعينهما أحسن مما هما فافعلي. المعليان ثقتان. وعن معاذة قالت: رأيت على عائشة ملحفة صفراء. الواقدي: قال ابن أبي الزناد، عن هشام، عن أبيه قال: ربما روت عائشة القصيدة ستين بيتاً وأكثر.) (4/252)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 253 هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: وددت أني إذا مت كنت نسياً منسياً. مسعر، عن حماد بن إبراهيم، قالت عائشة: يا ليتني كنت ورقة من هذه الشجرة. ابن أبي مليكة: إن ابن عباس دخل على عائشة، وهي تموت، فأثنى عليها، فقالت: دعني منك، فوالذي نفسي بيده لوددت أني كنت نسياً منسياً. وعن عمارة بن عمير، عمن سمع عائشة إذا قرأت: وقرن في بيوتكن بكت حين تبل خمارها رضي الله عنها. 4 (عبد الله بن الأرقم،) بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة، الزهري الكاتب. (4/253)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 254 وكان ممن أسلم يوم الفتح، وحسن إسلامه، وكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم لأبي بكر، وعمر. ثم ولي بيت المال لعمر، وعثمان مديدة. وكان من فضلاء الصحابة وصلحائهم. قال مالك: بلغني أنه أجازه عثمان رضي الله عنه وهو على بيت المال بثلاثين ألف درهم، فأبى أن يقبلها. وعن عمرو بن دينار: أنها كانت ثلاثمائة ألف درهم، فلم يقبلها، وقال: إنما عملت لله، وإنما أجري على الله. وروي عن عمر أنه قال لعبد الله بن الأرقم: لو كانت لك سابقة ما قدمت عليك أحداً. وكان يقول ما رأيت أخشى لله من عبد الله بن الأرقم. وروى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبيه قال: والله ما رأيت رجلاً قط، أراه كان أخشى من عبد الله بن الأرقم. قلت: روى عنه عروة، وغيره. 4 (عبد الله بن أنيس الجهني) (4/254)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 255 شذ خليفة بن خياط فقال: شهد بدراً. والمشهور أنه شهد العقبة وأحداً. قد ذكرنا من أخباره في الطبقة الماضية، وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه وحده سرية إلى خالد بن نبيح العنزي، فقتله. روى عنه: جابر بن عبد الله ورحل إليه، وبسر بن سعيد، وضمرة ابنه، وابنا كعب بن مالك:) عبد الله، وعبد الرحمن، وآخرون. توفي سنة أربع وخمسين. 4 (عبد الله بن السعدي) (4/255)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 256 اسم أبيه عمرو بن وقدان على الصحيح، أبو محمد القرشي العامري. ولقب عمرو بالسعدي لأنه كان مسترضعاً في بني سعد. لعبد الله صحبة ورواية، نزل الأردن. وروى عن عمر بن الخطاب. روى عنه: حويطب بن عبد العزى، وعبد الله بن محيريز، وبسر بن سعيد، وأبو إدريس الخولاني، وغيرهم. قال الواقدي: توفي سنة سبع وخمسين. 4 (عبد الله بن حوالة) له صحبة ورواية، نزل الشام. روى عنه جبير بن نفير، وكثير بن مرة، وربيعة بن يزيد القصير، وجماعة. كنيته أبو حوالة، ويقال: أبو محمد. قال ابن سعد: توفي سنة ثمان وخمسين وله اثنتان وسبعون. (4/256)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 257 4 (عبد الله بن عامر) ابن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس القرشي، العبشمي، أبو عبد الرحمن. رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وله حديث وهو: من قتل دون ماله فهو شهيد. (4/257)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 258 روى عنه: حنظلة بن قيس، وأسلم والده يوم الفتح، وبقي إلى زمن عثمان، وقدم البصرة على ابنه عبد الله في ولايته عليها. وهو خال عثمان بن عفان، وابن عمه النبي صلى الله عليه وسلم. ولي عبد الله البصرة وغيرها، وافتتح خراسان، وأحرم من نيسابور شكراً لله، وكان سخياً كريماً جواداً. وفد على معاوية، فزوجه بابنته هند، وكان له بدمشق دار بالجويرة، تعرف اليوم ببيت ابن الحرستاني. قال الزبير بن بكار: هو الذي دعا طلحة والزبير إلى البصرة، في نوبة الجمل يعني وقال: إن) لي بها صنائع، فشخصا معه. وقال ابن سعد: قالوا إنه ولد بعد الهجرة بأربع سنين، وحنكه النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة القضاء، وهو ابن ثلاث سنين، فتلمظ، وولد له ابنه عبد الرحمن، وعمره ثلاث عشرة سنة. وقال غيره: هو خال عثمان رضي الله عنه. وقال أبو عبيدة: إن عامر بن كريز أتى بابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ابن خمس سنسن، فتفل في فمه، فجعل يردد ريق النبي صلى الله عليه وسلم ويتلمظ، فقال: إن ابنك هذا لمسقى، قال: وكان يقال: لو أن عبد الله بن عامر قدح حجراً أمامه، يعني يخرج الماء منه. قال مصعب بن الزبير: يقال إنه كان لا يعالج أرضاً إلا ظهر له الماء. وقال الأصمعي: أرتج على ابن عامر بالبصرة في يوم أضحى، فمكث (4/258)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 259 ساعة، ثم قال: والله لا أجمع عليكم عياً ولؤماً، من أخذ شاة من السوق، فثمنها علي. وقد فتح الله على يدي عبد الله فتوحاً عظيمة، كما ذكرنا في حدود سنة ثلاثين. وكان سخيا، شجاعاً، وصولاً لرحمه، فيه رفق بالرعية، ربما غزا، فيقع الحمل في العسكر، فينزل بنفسه، فيصلحه. قال ابن سعد: لما قتل عثمان حمل ابن عامر ما في بيت مال البصرة من الأموال، ثم سار إلى مكة، فوافى بها عائشة، وطلحة، والزبير، وهو يريدون الشام فقال: لا، بل ائتوا البصرة، فإن لي بها صنائع، وهي أرض الأموال، وفيها عدد الرجال، فلما كان من أمر وقعة الجمل ما كان، لحق بالشام فنزل بدمشق، وقد قتل ولده عبد الرحمن يوم الجمل، ولم نسمع لعبد الله بذكر في يوم صفين، ثم لما بايع الناس معاوية ولى على البصرة بسر بن أرطأة، ثم عزله، فقال له ابن عامر: إن لي بها ودائع، فإن لم تولينها ذهبت، فولاه البصرة ثلاث سنين. ومات قبل معاوية بعام، فقال: يرحم الله أبا عبد الرحمن، بمن نفاخر بعده، وبمن نباهي. وقال أبو بكر الهذلي: قال علي رضي الله عنه يوم الجمل: أتدرون من حاربت، حاربت أمجد الناس، وأنجد الناس يعني عبد الله بن عامر، وأشجع الناس، يعني الزبير، وأدهى الناس، يعني طلحة. (4/259)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 260 قال خليفة ومحمد بن سعد: توفي سنة تسع وخمسين.) 4 (عبد الله بن قرط الأزدي الثمالي.) ولي حمص لأبي عبيدة، وقيل: بل وليها لمعاوية. له صحبة. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل يوم النحر، وعن خالد بن الوليد. وعنه: أبو عامر الهوزني عبد الله بن لحي، وسليم بن عامر الخبايري، وشريح بن عبيد، وعمرو بن قيس السكوني، وغيرهم. يقال: إنه أخو عبد الرحمن بن قرط. قال إسماعيل بن عياش، عن بكر بن زرعة، عن مسلم بن عبد الله الأزدي قال: جاء ابن قرط الأزدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما اسمك؟ (4/260)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 261 قال: شيطان ابن قرط، قال: أنت عبد الله. وعن جنادة بن مروان: أن عبد الله بن قرط والي حمص خرج يحرس ليلة على شاطئ البحر. فلقيه فاثور الروم، فقتله بين بلنياس ومرقية. يقال إنه استشهد سنة ست وخمسين. 4 (عبد الله بن مالك بن بحينة) وهي أمه، أبو محمد الأزدي. له عدة أحاديث. نزل بطن ريم، على مرحلة من المدينة، وكان يصوم الدهر. روى عنه: حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، والأعرج، ومحمد بن يحيى بن حيان. توفي في أواخر أيام معاوية. 4 (عبد الله بن مغفل) ابن عبد نهم بن عفيف لمزني، أبو عبد الرحمن، (4/261)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 262 ويقال: أبو سعيد، ويقال: أبو زياد. صحابي مشهور، شهد بيعة الشجرة، ونزل المدينة، ثم سكن البصرة. قال الحسن البصري: كان عبد الله بن مغفل أحد العشرة الذين بعثهم إلينا عمر بن الخطاب، يفقهون الناس. مات والد عبد الله بن مغفل لطريق مكة مع الناس، قبل فتح مكة. وكان عبد الله من البكائين الذين نزلت فيهم ليس على الضعفاء وقال: إني لممن رفع أغصان الشجرة يوم الحديبية عن النبي صلى الله عليه وسلم.) عوف الأعرابي، عن خزاعي بن زياد المزني قال: أري عبد الله بن مغفل المزني أن الساعة قد قامت وأن الناس حصروا، وثم مكان، من جازه فقد نجا، وعليه عارض، فقيل له: أتريد أن تنجو وعندك ما عندك فاستيقظت فزعاً، قال: فأيقظه أهله، وعنده عيبة مملوءة دنانير، ففرقها كلها. (4/262)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 263 روى عنه: الحسن، ومعاوية بن قرة، وحميد بن هلال، ومطرف بن عبد الله بن الشخير، وابن بريدة، وثابت البناني، وغيرهم. توفي سنة ستين، وستأتي له قصة في ترجمة عبيد الله بن زياد. 4 (عبد الله بن نوفل،) بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي، أبو محمد، وهو أخو الحارث. ولي القضاء بالمدينة زمن معاوية، فيما قيل: وكان يشبه النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يحفظ له سماع من النبي صلى الله عليه وسلم. توفي في خلافة معاوية. وقيل: قتل يوم الحرة، سنة ثلاث وستين. (4/263)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 264 4 (عبد الله بن الحارث) بن هشام بن المغيرة المخزومي، أبو محمد، والد أبي بكر الفقيه وإخوته، وأحد الذين عينهم عثمان لكتابة مصاحف الأمصار. سمع: أباه، وعمر، وعثمان، وعلياً، وحفصة أم المؤمنين، وجماعة. وعنه: ابنه أبو بكر، والشعبي، وأبو قلابة الجرمي، وهشام بن عمرو الفزاري، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب. رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يحفظ عنه. وأرسلته عائشة إلى معاوية يكلمه في حجر بن الأدبر، فوجده قد قتله. قال ابن سعد قالت عائشة: لأن أكون قعدت عن مسيري إلى البصرة أحب إلي من أن يكون لي عشرة من الولد من النبي صلى الله عليه وسلم، مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. قلت: وكان من سادة بني مخزوم بالمدينة، وهو ابن أخي أبي جهل، توفي في أيام معاوية في آخرها، وتوفي أبوه في طاعون عمواس. 4 (عبد الرحمن بن شبل) ) بن عمرو الأنصاري الأوسي. (4/264)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 265 أحد كتاب الأنصار، كان فقيهاً فاضلاً نزل حمص، وله أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. روى عنه: أبو راشد الخيراني، وأبو سلام الأسود، وتميم بن محمود، وغيرهم. توفي زمن معاوية. 4 (عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق) عبد الله بن عثمان، أبو محمد التيمي، ويقال أبو عثمان، شقيق أم المؤمنين عائشة. (4/265)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 266 حضر بدراً مشركاً، ثم أسلم قبل الفتح وهاجر، وكان أسن ولد أبي بكر، وكان شجاعاً رامياً، قتل يوم اليمامة سبعة. روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبيه. وعنه: ابناه عبد الله، وحفصة، وابن أخيه القاسم بن محمد، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبو عثمان النهدي، وعمرو بن أوس الثقفي، وابن أبي مليكة، وجماعة. وكان يتجر إلى الشام. قال مصعب الزبيري: ذهب إلى الشام قبل الإسلام، فرأى هناك امرأة يقال لها ابنة الجودي الغساني، فكان يذكرها في شعره ويهذي بها. وقال ابن سعد: إنه أسلم في هدنة الحديبية وهاجر، وأطعمه النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر أربعين وسقاً، وكان يكنى أبا عبد الله، ومات سنة ثلاث وخمسين. وقال هشام بن عروة، عن أبيه، إن عبد الرحمن قدم الشام، فرأى ابنة الجودي على طنفسة، وحولها ولائد، فأعجبته، فقال فيها: (تذكرت ليلى والسماوة دونها .......... فما لابنة الجودي ليلى وماليا)

(وأنى تعاطي قلبه حارثية .......... تدمن بصرى أو تحل الجوابيا)

(فوأنى يلاقيها بلى ولعلها .......... إن الناس حجوا قابلاً أن توافيا) قال: فلما بعث عمر جيشه إلى الشام قال لمقدمهم: إن ظفرت بليلى بنت الجودي عنوةً فادفعها إلى عبد الرحمن، فظفر بها، فدفعها إليه، فأعجب بها، وآثرها على نسائه، حتى شكونه إلى أخته عائشة، فقالت له: لقد (4/266)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 267 أفرطت، فقال: والله إني أرشف بأنيابها حب الرمان، قال: فأصابها وجع سقطت له قواها، فجفاها حتى شكته إلى عائشة، فقالت: يا عبد الرحمن لقد أحببت ليلى فأفرطت، وأبغضتها فأفرطت، فإما أن تنصفها، وإما أن تجهزها إلى أهلها، فجهزها إلى أهلها،) قال: وكانت بنت ملك يعني من ملوك العرب. قال ابن أبي مليكة: إن عبد الرحمن توفي بالصفاح، فحمل فدفن بمكة والصفاح على أميال من مكة فقدمت أخته عائشة فقالت: أين قبر أخي فأتته فصلت عليه: رواه أيوب السختياني عنه. قال الواقدي، والمدائني، وغيرهما: توفي سنة ثلاث. وقال يحيى بن بكير: سنة أربع وخمسين. وقد صح في الوضوء من صحيح مسلم عن سالم سبلان مولى المهري قال: خرجت أنا وعبد الرحمن بن أبي بكر إلى جنازة سعد بن أبي وقاص. وصح أن سعداً مات سنة خمس وخمسين. 4 (عبيد الله بن العباس) بن عبد المطلب، أبو محمد. (4/267)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 268 ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، له صحبة ورواية، وهو أصغر من عبد الله بسنة، وأمهما واحدة. روى عنه: محمد بن سيرين، وسليمان بن يسار، وعطاء بن أبي رباح. وأردفه النبي صلى الله عليه وسلم خلفه. توفي بالمدينة سنة ثمان وخمسين، وكان جواداً ممدحاً، وكان يتعانى التجارة. ولي اليمن لعلي ابن عمه، وبعث معاوية بسر بن أبي أرطأة على اليمن، فهرب منه عبيد الله، فأصاب بسر لعبيد الله ولدين صغيرين. فذبحهما، ثم وفد فيما بعد عبيد الله على معاوية، وقد هلك بسر، فذكر ولديه لمعاوية، فقال: ما عزلته إلا لقتلهما. وكان يقال بالمدينة: من أراد العلم والجمال والسخاء فليأت دار ابن عباس، أما عبد الله فكان أعلم الناس، وأما عبيد الله فكان أكرم الناس، وأما الفضل فكان أجمل الناس. وروي أن عبيد الله كان ينحر في كل يوم جزوراً، وكان يسمى تيار الفرات. (4/268)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 269 قال خليفة وغيره: توفي سنة ثمان وخمسين. وقال أبو عبيد، ويعقوب بن سيبة وغيرهما: توفي سنة سبع وثمانين، وأنا أستبعد أنه بقي إلى هذا الوقت. وقيل: إنه مات باليمن. 4 (عتبان بن مالك الجهني.) ) بن عمرو بن العجلان الأنصاري الخزرجي. بدري كبير القدر، أضر بأخرة، له أحاديث. روى عنه أنس، ومحمود بن الربيع، والحصين بن محمد السالمي. وتوفي في وسط خلافة معاوية. 4 (عثمان بن أبي العاص) الثقفي، أبو عبد الله الطائفي. (4/269)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 270 أخو الحكم، ولهما صحبة. قدم عثمان على النبي صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف، فأسلم، واستعمله على الطائف لما رأى من فضله وحرصه على الخير والدين، وكان أصغر الوفد سناً. وأقره أبو بكر، ثم عمر على الطائف، ثم استعمله عمر على عمان والبحرين، وهو الذي افتتح توج ومصرها، وسكن البصرة. ذكره الحسن البصري قال: ما رأيت أفضل منه. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد شهدت أمه ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم. روى عنه: سعيد بن المسيب، ونافع بن جيبر بن مطعم، ومطرف ابنا عبد الله بن الشخير، وموسى بن طلحة بن عبيد الله. توفي سنة إحدى وخمسين. (4/270)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 271 روي عن عثمان بن أبي العاص قال: الناكح مغترس، فلينظر أين يضع غرسه، فإن عرق السوء لا بد أن ينزع ولو بعد حين. 5 (فائدة) سالم بن نوح، عن الجريري، عن أبي العلاء، عن عثمان بن أبي العاص أنه بعث غلماناً له تجاراً، فجاءوا، قال: ما جئتم به قالوا: جئنا بتجارة يربح الدرهم عشرة، قال: ما هي قالوا: خمر، وقد نهينا عن شرابها وبيعها فجعل يفتح أفواه الزقاق ويصبها. 4 (عدي بن عميرة الكندي) م د م ق أبو زرارة. وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه. روى عنه: ابنه عدي، وأخوه العرس بن عميرة، وقيس بن أبي حازم، ورجاء بن حيوة. وسكن الجزيرة، وكان من وجوه كندة، رضي الله عنه. 4 (عقبة بن عامر) ) ابن عبس الجهني، أبو حماد. (4/271)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 272 صحابي مشهور، له رواية وفضل. روى عنه: جبير بن نفيل، وأبو عشانة حي بن يؤمن، وأبو قبيل حيي بن هانئ المعافري، وسعيد المقبري، وعلي بن رباح، وأبو الخير مرثد اليزني، وطائفة سواهم. وقد ولي إمرة مصر لمعاوية، وليها بعد عتبة بن أبي سفيان، ثم عزله معاوية، وأغزاه البحر في سنة سبع وأربعين، وكان يخضب بالسواد. له معرفة بالقرآن والفرائض، وكان فصيحاً شاعراً. قال أبو سعيد بن يونس: مصحفه الآن موجود بخطه، رأيته عند علي بن الحسين بن قديد، على غير التأليف الذي في مصحف عثمان، وكان في آخره: وكتب عقبة بن عامر بيده. ولم أزل أسمع شيوخنا يقولون، إنه (4/272)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 273 مصحف عقبة، لا يشكون فيه. وكان عقبة كاتباً قارئاً، له هجرة وسابقة. وقال عبد الله: سمعت حيي بن عبد الله يحدث، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، أن عقبة بن عامر كان من أحسن الناس صوتاً بالقرآن، فقال له عمر: أعرض علي، فعرض عليه سورة براءة، فبكى عمر، ثم قال: ما كنت أظن أنها نزلت. قلت: معناه ما كأني كنت سمعت، لحسن ما حبرها عقبة بتلاوته، أو يكون الضمير في نزلت عائداً إلى آيات من السورة استغربها عمر، والله أعلم. 4 (عمران بن حصين) ابن عبيد بن خلف، أبو نجيد الخزاعي. (4/273)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 274 صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسلم هو وأبوه، وأبو هريرة معاً، ولعمران أحاديث. ولي قضاء البصرة، وكان عمر بن الخطاب بعثه إليهم ليفقههم، وكان الحسن البصري يحلف ما قدم عليهم البصرة بخير لهم من عمران بن حصين. روى عنه: الحسن، ومحمد بن سيرين، ومطرف بن عبد الله بن الشخير، وزرارة بن أوفى، وزهدم الجرمي، والشعبي، وأبو رجاء العطاردي، وعبد الله بن بريدة، وطائفة سواهم. قال زرارة بن أوفى: رأيت عمران بن حصين يلبس الخز. وقال مطرف بن الشخير: قال لي عمران بن حصين، أنا أحدثك حديثاً عسى الله أن ينفعك به،) إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الحج والعمرة، ولم ينه عنه حتى مات، ولم ينزل فيه قرآن يحرمه، وإنه كان يسلم علي، يعني الملائكة، فلما اكتويت، أمسك، فلما تركته عاد إلي. متفق عليه، ولعمران غزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان ببلاد قومه ويتردد إلى المدينة. أبو خشينة حاجب بن عمر، عن الحكم بن الأعرج، عن عمران بن حصين قال: ما مسست ذكري بيميني منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. (4/274)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 275 هشام، عن ابن سيرين قال: ما قدم البصرة أحد يفضل على عمران بن حصين. هشام الدستوائي، عن قتادة: بلغني أن عمران بن حصين قال: وددت أني رماد تذروني. قلت: وكان ممن اعتزل الفتنة وذمها. قال أيوب، عن حميد بن هلال، عن أبي قتادة قال: قال لي عمران بن حصين: إلزم مسجدك. قلت: فإن دخل علي قال: إلزم بيتك، قلت: فإن دخل بيتي فقال: لو دخل علي رجل يريد نفسي ومالي، لرأيت أن قد حل لي قتاله. ثابت، عن مطرف، عن عمران قال: قد اكتوينا، فما أفلحن ولا أنجحن يعني المكاوي. قتادة، عن مطرف قال: أرسل إلي عمران بن حصين في مرضه، فقال إنه كان يسلم علي يعني الملائكة فإن عشت، فاكتم علي، وإن مت، فحدث به إن شئت.. حميد بن هلال، عن مطرف، قلت لعمران: ما يمنعني من عيادتك إلا ما أرى من حالك، قال: فلا تفعل، فإن أحبه إلي أحبه إلى الله. قال يزيد بن هارون: أنبأ إبراهيم بن عطاء مولى عمران بن حصين، (4/275)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 276 عن أبيه: أن عمران قضى على رجل بقشية، فقال: والله لقد قضيت علي بحور، وما ألوت، قال: وكيف ذلك قال: شهد علي بزور، قال: ما قضيت عليك، فهو في مالي، ووالله لا أجلس مجلسي هذا أبداً. وكان نقش خاتم عمران تمثال رجل، مقلداً لسيف. شعبة: ثنا فضيل بن فضالة رجل من قريش، عن أبي رجاء العطاردي قال: خرج علينا عمران بن حصين في مطرف خز، لم نره عليه قبل ولا بعد، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله إذا أنعم على عبد نعمة يحب أن يرى أثر نعمته على عبده.) وقال محمد بن سيرين: سقى بطن عمران بن حصين ثلاثين سنة، كل ذلك يعرض عليه الكي فيأبى، حتى كان قبل موته بسنتين، فاكتوى. رواه يزيد، عن إبراهيم، عنه. وقال عمران بن حدير، عن أبي مجلز قال: كان عمران ينهى عن الكي فابتلي، فاكتوى، فكان يعج. وقال حميد بن هلال، عن مطرف: قال لي عمران: لما اكتويت انقطع عني التسليم، قلت: أمن قبل رأسك كان يأتيك التسليم قال: نعم، قلت: سعود، فلما كان بعد ذلك قال: أشعرت أن التسليم عاد إلي، ثم لم يلبث إلا يسيراً حتى مات. ابن علية، عن سلمة بن علقمة، عن الحسن: إن عمران بن حصين (4/276)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 277 أوصى لأمهات أولاده بوصايا وقال: أيما امرأة منهن صرخت علي، فلا وصية لها. توفي عمران سنة اثنتين وخمسين. 4 (عمرو بن الأسود العنسي) ويسمى عميراً، سكن داريا، وهو مخضرم أدرك الجاهلية. وروى عن: عمر، ومعاذ، وابن مسعود، وجماعة. وعنه: خالد بن معدان، وزياد بن فياض، ومجاهد بن جبر، وشرحبيل بن مسلم الخولاني، وابنه حكيم بن عمير، وجماعة. وكان من عباد التابعين وأتقيائهم، كنيته أبو عياض، وقيل: أبو عبد الرحمن. قال بقية، عن صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير قال: حج عمرو بن الأسود، فلما انتهى إلى المدينة نظر إليه عبد الله بن عمر قائماً يصلي، فسأل عنه، فقيل: هذا الرجل من أهل الشام يقال له عمرو بن الأسود، فقال: ما رأيت أحداً أشبه صلاة ولا هدياً ولا خشوعاً ولا لبسة برسول الله صلى الله عليه وسلم، من هذا الرجل. هكذا رواه عيسى بن المنذر الحمصي، عن بقية. (4/277)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 278 ورواه عنه عبد الوهاب بن نجدة، عن أرطاة بن المنذر الحمصي، عن بقية. ورواه عنه عبد الوهاب بن نجدة، عن أرطأة بن المنذر، حدثني رزيق أبو عبد الله الهاني أن عمرو بن الأسود قدم المدينة، فرآه ابن عمر يصلي فقال: من سره أن ينظر إلى أشبه الناس صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم فلينظر إلى هذا. ثم بعث ابن عمر بقرىً ونفقة وعلف) إليه، فقبل القرى والعلف، ورد النفقة. وأما ما رواه أبو بكر بن أبي مريم الغساني، عن ضمرة بن حبيب وحكيم بن عمير قالا: قال عمر بن الخطاب: من سره أن ينظر إلى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلينظر إلى عمر بن الأسود. فهذا منقطع. وعن شرحبيل قال: قال عمرو بن الأسود يدع كثيراً من الشبع، مخافة الأشر. قرأت على أحمد بن إسحاق: أنبأ الفتح بن عبد السلام، أنبأ ابن الداية وأبو الفضل الأرموي، ومحمد بن أحمد قالوا: أنبأ ابن المسلمة، أنبأ أبو الفضل الزهري، أنبأ جعفر الفريابي: ثنا إبراهيم بن العلاء الحمصي: ثنا إسماعيل بن عياش، عن بجير بن سعيد، عن خالد بن معدان، عن عمرو بن الأسود العنسي: أنه كان إذا خرج إلى المسجد، قبض بيمينه على شماله، فسئل عن ذلك فقال: مخافة أن تنافق يدي، يعني لئلا يخطر بها في مشيته، فيكون ذلك نفاقاً. 4 (عمرو بن حزم) بن زيد بن لوذان بن حارثة، أبو الضحاك (4/278)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 279 وقيل أبو محمد الأنصاري النجاري. قال ابن سعد: شهد الخندق، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على نجران، وهو ابن سبع عشرة سنة، وبعثه أيضاً بكتاب فيه فرائض إلى اليمن. روى عنه: ابنه محمد، وحفيده أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، والنضر بن عبد الله السلمي، وزياد الحضرمي، وامرأته سودة. توفي سنة ثلاث، وقيل سنة أربع، وقيل سنة إحدى وخمسين. عمرو بن الحمق. يقال: قتل سنة إحدى وخمسين. 4 (عمرو بن عوف، بن زيد بن مليحة المزني، أبو عبد الله.) (4/279)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 280 قديم الصحبة، وكان أحد البكائين في غزوة تبوك، شهد الخندق وسكن المدينة. روى كثير بن عبد الله بن عمرو، عن أبيه، عن جده، عدة أحاديث، وكثير واهي الحديث. توفي عمرو في آخر زمن معاوية. 4 (عمرو بن مرة بن عبس الجهني.) له صحبة ورواية قليلة، وكان قوالاً بالحق، وقد وفد على معاوية، وكان ينزل فلسطين، وكان بطلاً شجاعاً، أسلم وهو شيخ، وكان معاوية يسميه أسد جهينة.) روى عنه: عيسى بن طلحة، والقاسم بن مخيمرة، وحجر بن مالك، وغيرهم. وهو والد طلحة، صاحب درب طلحة بداخل باب توما بدمشق. (4/280)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 281 وبقي عمرو إلى أن غزا سنة تسع وخمسين، ولعله بقي بعدها. 4 (عمير بن جودان، العبدي.) بصري، أرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضهم يقول: له صحبة. روى عنه: ابنه أشعث، ومحمد بن سيرين. 4 (عياض بن حمار) المجاشعي التميمي. له صحبة ونزل البصرة، ولما وفد على النبي صلى الله عليه وسلم أهدى له نجيبة فقال: إنا نهينا أن نقبل زبد المشركين، فلما أسلم قبلها منه. روى عنه: العلاء بن زياد العدوي، ومطرف، ويزيد، ابنا عبد الله بن (4/281)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 282 الشخير، والحسن البصري. وله حديث طويل في صحيح مسلم. 4 (عياض بن عمرو الأشعري.) نزل الكوفة، وله صحبة إن شاء الله. (4/282)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 283 روى الشعبي عنه أنه شهد عيداً بالأنبار فقال: ما لي أراهم لا يقلسون كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلس لهم. وقال شعبة، عن سماك، عن عياض قال: لما نزلت فسوف يأتي الله بقوم يحبهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هم قوم أبي موسى. (4/283)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 284 4 (الفاء)

4 (فاطمة بنت قيس الفهرية) أخت الضحاك بن قيس التي كانت تحت أبي عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي، فطلقها، فخطبها معاوية وأبو جهم، فنصحها النبي صلى الله عليه وسلم وأشار عليها بأسامة، فتزوجت به. وهي التي تروي حديث السكنى والنفقة في الطلاق والعدة. وهي راوية حديث الجساسة.) (4/284)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 285 روى عنها: الشعبي، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وغيرهم. توفيت فيما أرى بعد الخمسين. 4 (فضالة بن عبيد،) أبو محمد الأنصاري. قاضي دمشق. كان أحد من بايع بيعة الرضوان، ولي الغزو لمعاوية، ثم ولي له قضاء دمشق، وناب عنه بها. له عدة أحاديث. روى عنه: عبد الله بن محيريز، وحنش الصنعاني، وعبد الرحمن بن جبير بن نفير، وعلاء بن رباح، والقاسم أبو عبد الرحمن، وغيرهم. (4/285)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 286 قال سعيد بن عبد العزيز: كان أصغر من شهد بيعة الرضوان. وقال علاء بن رباح: أمسكت على فضالة بن عبيد القرآن، حتى فرغ منه. توفي سنة ثلاث وخمسين. قاله المدائني. وقال خليفة: توفي سنة تسع وخمسين. ورد أنه قرأ: وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً بالزاي. 4 (فيروز أبو الضحاك الديلمي) قاتل الأسود العنسي، له صحبة ورواية، وهو من أبناء الفرس الذين نزلوا اليمن، وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم برأس الأسود فيما بلغنا فوجده توفي. روى عنه: ابناه عبد الله، والضحاك. د وتوفي سنة ثلاث وخمسين. (4/286)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 287 4 (القاف)

4 (قثم بن العباس) عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمه لبابة بنت الحارث الهلالية، وكانت أول امرأة أسلمت فيما قاله الكلبي بعد خديجة، وقد أردفه النبي صلى الله عليه وسلم خلفه. (4/287)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 288 وكان آخر من خرج من لحد النبي صلى الله عليه وسلم. قاله ابن عباس. ولما ولي علي الخلافة استعمل قثماً على مكة، فلم يزل عليها حتى استشهد علي، قاله خليفة. وقال الزبير بن بكار: استعمله علي على المدينة، ثم إن قثماً سار أيام معاوية مع سعيد بن) عثمان إلى سمرقند، فاستشهد بها. قال ابن سعد: غزا قثم خراسان، وعليها سعيد بن عثمان بن عفان، فقال له: أضرب لك بألف سهم فقال: لا بل خمس، ثم أعط الناس حقوقهم، ثم اعطني بعد ما شئت. وكان قثم ورعاً فاضلاً. كان يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم، وله صحبة ورواية، ولم يعقب. 4 (قطبة بن مالك) الثعلبي الذبياني. صحابي معروف، نزل الكوفة، وله رواية. وعنه: ابن أخيه زياد بن علاقة. (4/288)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 289 4 (قيس بن سعد) بن عبادة بن دليم الأنصاري الخزرجي المدني. كان من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير، له عدة أحاديث. روى عنه: عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعروة بن الزبير، والشعبي، وميمون بن أبي شبيب، وعريب بن حميد الهمداني، وجماعة. (4/289)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 290 وكان ضخماً جسيماً طويلاً جداً، سيداً مطاعاً، كثير المال، جواداً كريماً، يعد من دهاة العرب. قال عمرو بن دينار: كان ضخماً جسيماً، صغير الرأس، وكان ليست له لحية، وإذا ركب الحمار خطت رجلاه الأرض. روي عنه أنه قال: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المكر والخديعة في النار لكنت من أمكر هذه الأمة. وقال مسعر، عن معبد بن خالد، كان قيس بن سعد لا يزال هكذا رافعاً إصبعه المسبحة، يدعو. وقال الزهري: أخبرني ثعلبة بن أبي مالك: أن قيس بن سعد كان صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال جويرية بن أسماء: كان قيس يستدين ويطعمهم، فقال أبو بكر وعمر: إن تركنا هذا الفتى أهلك مال أبيه، فمشيا في الناس، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم يوماً، فقام سعد بن عبادة خلفه فقال: من يعذرني من ابن أبي قحافة وابن الخطاب يبخلان علي ابني. وقال موسى بن عقبة: وقفت على قيس عجوز فقالت: أشكو إليك قلة الجرذان، فقال: ما أحسن) هذه الكناية، املؤوا بيتها خبزاً وسمناً وتمراً. (4/290)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 291 وقال ابن سيرين: أمر علي قيس بن سعد على مصر زاد غيره في سنة ست وثلاثين وعزله سنة سبع، لأن أصحاب علي شنعوا على أنه قد كاتب معاوية، فلما عزل بمحمد بن أبي بكر، عرف قيس أن علياً قد خدع، ثم كان علي بعد يطيع قيساً في الأمر كله. قال عروة: كان قيس بن سعد مع علي في مقدمته، ومعه خمسة آلاف قد حلقوا رؤوسهم بعد موت علي، فلما دخل الجيش في بيعة معاوية، أبى قيس أن يدخل، وقال لأصحابه: ما شئتم، إن شئتم جالدت بكم أبداً حتى يموت الأعجل، وإن شئتم أخذت لكم أماناً، قالوا: خذ لنا، ففعل، فلما ارتحل نحو المدينة جعل ينحر كل يوم جزوراً. وقال أبو تميلة يحيى بن واضح: أخبرني أبو عثمان من ولد الحارث بن الصمة قال: بعث قيصر إلى معاوية: ابعث إلي سراويل أطول رجل من العرب، فقال لقيس بن سعد: ما أظننا إلا قد احتجنا إلى سراويلك، فقام فتنحى، وجاء بها فألقاها، فقال: ألا ذهبت إلى منزلك ثم بعثت بها فقال: (أردت بها كي يعلم الناس أنها .......... سراويل قيس والوفود شهود)

(وأن يقولوا غاب قيس وهذه .......... سراويل عادي نمته ثمود)

(وإني من الحي اليماني لسيد .......... وما الناس إلا سيد ومسود)

(فكدهم بمثلي إن مثلي عليهم .......... شديد وخلقي في الرجال مديد) فأمر معاوية أطول رجل في الجيش فوضعها على أنفه، قلل: فوقفت بالأرض. قال الواقدي وغيره: إنه توفي في آخر خلافة معاوية. (4/291)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 292 4 (قيس بن السكن،) الأسدي الكوفي. روى عن: علي، وابن مسعود، وأبي ذر، وكان ثقة. توفي زمن مصعب بن الزبير، قاله محمد بن سعد، له أحاديث. 4 (قيس بن عمرو) ويقال قيس بن قهد، ويقال قيس بن عمرو بن قهد، وقيل قيس بن سهل، وقيل قيس بن عمرو بن سهل الأنصاري النجاري. له صحبة ورواية. وهو جد يحيى بن سعيد الأنصاري الفقيه.) روى عنه: ابنه سعيد، ومحمد بن إبراهيم التميمي، وعطاء بن أبي رباح، وله أحاديث. قال الترمذي: لم يسمع منه محمد بن إبراهيم. (4/292)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 293 4 (الكاف)

4 (كدام بن حيان العنزي.) أحد من قتل بعذراء مع حجر بن عدي الكندي. 4 (كعب بن عجرة) الأنصاري المدني. (4/293)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 294 شهد بيعة الرضوان، وله أحاديث. روى عنه بنوه: سعد، ومحمد، وعبد الملك، والربيع، وأبو وائل، وطارق بن شهاب، وعبد الله بن معقل، ومحمد بن سيرين، وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، وجماعة. كنيته أبو محمد، وقيل أبو عبد الله، و أبو إسحاق، وكان قد استأخر إسلامه. وقال ضمام بن إسماعيل: عن يزيد بن أبي حبيب، إن كعب بن عجرة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فرأيته متغيراً، قلت: بأبي وأمي، ما لي أراك متغيراً قال: ما دخل جوفي ما يدخل جوف ذات كبد منذ ثلاث. قال: فذهبت، فإذا يهودي يسقي، فسقيت له على كل دلو بتمر، فجمعت تمراً، فأتيته به وأخبرته، فقال: يا كعب أتحبني قلت: بأبي أنت نعم، قال: إن الفقر أسرع إلى من يحبني من السيل إلى محاربه، وإنه سيصيبك بلاء، فأعد له تجفافاً. قال: ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما فعل كعب قالوا: مريض، فخرج يمشي حتى دخل عليه، فقال له: أبشر يا كعب، فقالت أمه: هنيئاً لك الجنة يا كعب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من هذه المتألية على الله قال: هي أمي يا رسول الله، قال: ما يدريك يا أم كعب، لعل كعباً قال ما لا ينفعه، أو منع مالا يغنيه. وقال مسعر، عن ثابت بن عبيد قال: بعثني أبي إلى كعب بن عجرة، فأتيت رجلاً أقطع، فأتيت أبي فقلت: بعثتني إلى رجل أقطع فقال: إن يده قد دخلت الجنة، وسيتبعها ما بقي من جسده، إن شاء الله. قال أبو عبيد وجماعة: توفي كعب بن عجرة سنة اثنتين وخمسين. (4/294)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 295 4 (كرز بن علقمة الخزاعي.) له صحبة ورواية في مسند أحمد روى عنه: عروة بن الزبير، وغيره.) قال ابن سعد: هو الذي قفا أثر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، فانتهى إلى باب الغار فقال: هنا انقطع الأثر، قال: وهو الذي نظر إلى قدم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذه القدم من تلك القدم التي في المقام، يعني قدم إبراهيم عليه السلام. عمر كرز عمراً طويلاً، وكتب معاوية إلى عامله: مر كرز بن علقمة يوقفكم على معالم الحرم، ففعل، فهي معالمه إلى الساعة. 4 (كعب بن مرة،) وقيل: مرة بن كعب البهزي. صحابي نزل البصرة، ثم سكن الأردن، له أحاديث. (4/295)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 296 روى عنه: شرحبيل بن السمط، وجبير بن نفير، وأبو الأشعث الصنعاني، وغيرهم. توفي بالأردن سنة سبع، أو تسع وخمسين. (4/296)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 297 4 (الميم)

4 (مالك بن الحويرث) أبو سليمان الليثي. قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام أياماً، ثم أذن له في الرجوع إلى أهله، ثم نزل البصرة. روى عنه: أبو عطية مولى بن عقيل، ونصر بن عاصم الليثي، وأبو قلابة عبد الله بن زيد. 4 (مالك بن عبد الله الخثعمي،) أبو حكيم الفلسطيني، المعروف بمالك السرايا. (4/297)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 298 يقال له صحبة، قدم على معاوية برسالة عثمان، وقاد الصوائف أربعين سنة، وكسر فيما بلغنا على قبره أربعون لواءً، وكان صواماً قواماً. شتى سنة ست وخمسين بأرض الروم، وعاش بعد ذلك. 4 (مجمع بن جارية) الأنصاري المدني. له صحبة ورواية، وهو مجمع بن يزيد بن جارية. وروى أيضاً عن: خنساء بنت خذام. وعنه: ابنه يعقوب، والقاسم بن محمد، وعكرمة بن سلمة. وقرأ القرآن في صباه. (4/298)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 299 قال الشعبي: توفي النبي صلى الله عليه وسلم، وبقي على مجمع سورتان. وقال محمد بن إسحاق: كان أبوه جارية ممن اتخذ مسجد الضرار، فكان مجمع يصلي بهم فيه،) ثم إنه أخرب، فلما كان زمن عمر كلم في مجمع ليصلي بهم، فقال: أو ليس بإمام المنافقين، فقال لعمر: والله الذي لا إله إلا هو ما علمت بشيء من أمرهم، فيقال: إنه تركه يصلي بهم. 4 (محجن بن الأدرع السلمي.) له رواية وصحبة، وهو الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم: ارموا، وأنا مع ابن الأدرع. روى عنه: عبد الله بن شقيق، ورجاء بن أبي رجاء الباهلي، وحنظلة بن علي الأسلمي. وهو الذي اختط مسجد البصرة. توفي آخر خلافة معاوية. 4 (محيصة بن مسعود) أبو أسعد، الأنصاري الخزرجي. (4/299)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 300 أخو حويصة، ويقال فيهما بتشديد الياء وتخفيفهما. شهد أحداً وما بعدها، ومحيصة الأصغر منهما، وهو أسلم قبل أخيه، له أحاديث. وعنه: حفيده حرام بن سعد بن محيصة، وابنه سعد، وبشير بن يسار، ومحمد بن زياد الجمحي، وغيرهم. 4 (مخرمة بن نوفل،) بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة الزهري، والد المسور. كان من المؤلفة قلوبهم، له شرف وعقل وقعدد، كساه النبي صلى الله عليه وسلم حلة باعها بأربعين أوقية، وعمي في خلافة عثمان. (4/300)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 301 وروى أبو عامر الخزاز، عن أبي يزيد المديني، عن عائشة قالت: جاء مخرمة بن نوفل يستأذن، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم صوته قال: بئس أخو العشيرة، فلما دخل بش به، فلما خرج، قلت له في ذلك، فقال: يا عائشة، أعهدتني فحاشاً، إن شر الناس من يتقى شره. توفي مخرمة رحمه الله سنة أربع وخمسين، وله مائة وخمس عشرة سنة. 4 (مسلم بن عقيل) بن أبي طالب الهاشمي. قدمه ابن عمه الحسين رضي الله عنه بين يديه إلى الكوفة، ليكشف له كيف اجتماع الناس على الحسين، فدخل سراً، ونزل على هانئ المرادي، فطلب عبيد الله بن زياد أمير الكوفة هانئاً، فقال: ما حملك على أن تجير عدوي قال: يا بن أخي، جاء حق هو) أحق من حقك، فوثب عبيد الله فضربه بعنزة شك دماغه بالحائط، ثم أحضر مسلماً من داره فقتله، وذلك في آخر سنة ستين. (4/301)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 302 4 (المستورد بن شداد) بن عمرو القرشي الفهري. له صحبة ورواية، ولأبيه أيضاً صحبة. وعنه: قيس بن أبي حازم، وعلي بن رباح، وأبو عبد الرحمن الحبلي، ووقاص بن ربيعة، وعبد الكريم بن الحارث. 4 (معتب بن عوف) بن الحمراء، أبو عوف الخزاعي. حليف بني مخزوم، أحد المهاجرين إلى الحبشة وإلى المدينة، والحمراء هي أمه، اتفقوا على أنه شهد بدراً، وكان يدعى عيهامة. قال غير واحد، إنه توفي سنة سبع وخمسين، والعجب أن معتباً بقي إلى هذا الوقت، وما روى شيئاً. معقل بن يسار المزني ع: له صحبة ورواية سكن البصرة وهو ممن بايع تحت الشجرة (4/302)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 303 وروى أبضاً عن النعمان بن مقرن. وعنه: عمران بن حصين وهو أكبر منه، والحسن البصري، ومعاوية بن قرة، وعلقمة بن عبد الله المزنيان، وغيرهم. قال محمد بن سعد: لا نعلم في الصحابة من يكنى أبا علي سواه. توفي في آخر زمن معاوية. 4 (معمر بن عبد الله) القرشي العدوي بن نافع بن نضلة القرشي العدوي. (4/303)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 304 أحد المهاجرين، وله هجرة إلى الحبشة، وهو الذي حلق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وعمر بعده دهراً، وحدث عنه. روى عنه: سعيد بن المسيب، وبسر بن سعيد. 4 (معاوية بن حديج) بن جفنة بن قتير التجيبي الكندي، أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو نعيم.) (4/304)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 305 أحد أمراء معاوية على مصر، له صحبة ورواية، وروى أيضاً عن عمر، وأبي ذر. وعنه: ابنه عبد الرحمن، وسويد بن قيس التجيبي، وعلي بن رباح، وعبد الرحمن بن شماسة المهري، وآخرون. وله عقب بمصر، وشهد اليرموك، وكان الوافد على عمر بفتح الإسكندرية، وذهبت عينه في غزوة النوبة، وكان متغالياً في عثمان وفي محبته. وقال ابن لهيعة: حدثني أبو قبيل قال: لما قتل حجر بن الأدبر وأصحابه، بلغ معاوية بن حديج وهو بإفريقية، فقام في أصحابه فقال: يا أشقائي في الرحم، وأصحابي وجيرتي، أنقاتل لقريش في الملك، حتى إذا استقام لهم دفعوا يقتلوننا، أما والله لئن أدركتها ثانياً، لأقولن لمن أطاعني من أهل اليمن، اعتزلوا بنا، ودعوا قريشاً يقتل بعضها بعضاً، فأيهم غلب اتبعناه. قال ابن يونس: توفي معاوية بمصر في سنة اثنتين وخمسين. 4 (معاوية بن الحكم السلمي) له صحبة ورواية، وهو صاحب حديث الجارية السوداء، التي قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أعتقها فإنها مؤمنة. (4/305)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 306 روى عنه: عطاء بن يسار، وأبو سلمة بن عبد الرحمن. ووهم من سماه: عمر. 4 (معاوية بن أبي سفيان) صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، أبو (4/306)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 307 (4/307)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 308 عبد الرحمن القرشي الأموي، وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف. أسلم قبل أبيه في عمرة القضاء، وبقي يخاف من الخروج إلى النبي صلى الله عليه وسلم، من أبيه. روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وأخته أم المؤمنين أم حبيبة. وعنه: ابن عباس، وسعيد بن المسيب، وأبو صالح السمان، والأعرج، وسعيد بن أبي سعيد، ومحمد بن سيرين، وهمام بن منبه، وعبد الله بن عامر اليحصبي، والقاسم أبو عبد الرحمن، وشعيب بن محمد والد عمرو بن شعيب، وطائفة سواهم. وأظهر إسلامه يوم الفتح.) وكان رجلاً طويلاً، أبيض، جميلاً مهيباً، إذا ضحك انقلبت شفته العليا، وكان يخضب بالصفرة. قال أبو عبد رب الدمشقي: رأيت معاوية يصفر لحيته كأنها الذهب. وعن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ قال: سمعت معاوية على منبر المدينة يقول: أين فقهاؤكم يا أهل المدينة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن هذه القصة، ثم وضعها على رأسه أو خده، فلم أر على عروس ولا على غيرها أجمل منها على معاوية. (4/308)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 309 وذكر المفضل الغلابي: أن زيد بن ثابت كان كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان معاوية كاتبه فيما بينه وبين العرب. كذا قال. وقد صح عن ابن عباس قال: كنت ألعب، فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ادع لي معاوية وكان يكتب الوحي. وقال معاوية بن صالح، عن يونس بن سيف، عن الحارث بن زياد، عن أبي رهم السماعي، عن العرباض بن سارية: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعونا إلى السحور: هلم إلى الغداء المبارك. ثم سمعته يقول: اللهم علم معاوية الكتاب والحساب، وقه العذاب. رواه أحمد في مسنده، وقد وهم فيه قتيبة، وأسقط منه أبا رهم والعرباض. وقيل أبو مسهر: ثنا سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، عن عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاوية: اللهم علمه الكتاب والحساب، وقه العذاب. هذا الحديث رواته ثقات، لكن اختلفوا في صحبة عبد الرحمن، والأظهر أنه صحابي، روي نحوه من وجوه أخر. وقال مروان الطاطري: ثنا سعيد بن عبد العزيز، حدثني ربيعة بن يزيد، سمعت عبد الرحمن بن أبي عميرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (4/309)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 310 لمعاوية: اللهم اجعله هادياً مهدياً، واهده واهد به. رواه الوليد بن مسلم، وأبو مسهر، عن سعيد، نحوه، رواه الترمذي، عن الذهلي، عن أبي مسهر، وقال: حسن غريب. وقال نعيم بن حماد: ثنا محمد بن شعيب بن شابور، ثنا مروان بن جناح، عن يونس بن ميسرة، عن عبد الله بن بسر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن أبا بكر وعمر في أمر فقال: أشيروا، فقالا: الله ورسوله أعلم، فقال: أدعوا معاوية، أحضروه أمركم، فإنه قوي أمين. وقد رووه عن ابن شعيب مرسلاً.) قلت: هذا من مناكير نعيم، وهو صاحب أوابد. وقال أبو مسهر، ومحمد بن عائذ، عن صدقة بن خالد، عن وحشي بن حرب بن وحشي، عن أبيه، عن جده قال: أردف النبي صلى الله عليه وسلم معاوية بن أبي سفيان خلفه، فقال: ما يليني منك قال: بطني، قال: اللهم املأه علماً، زاد أبو مسهر: وحلماً. قال صالح جزرة: لا تشتغل بوحشي ولا بأبيه. وقال خليفة: جمع عمر لمعاوية الشام كله، ثم أقره عثمان. وعن إسماعيل بن أمية أن عمر أفرد معاوية بالشام، ورزقه في كل شهر ثمانين ديناراً، والمحفوظ أن الذي جمع الشام لمعاوية عثمان. وقال مسلم بن جندب، عن أسلم مولى عمر قال: قدم علينا معاوية، وهو أبض الناس وأجملهم، فحج مع عمر، وكان عمر ينظر إليه، فيعجب له، ثم يضع إصبعه على متنه ويرفعها، عن مثل الشراك. ويقول: بخ بخ، نحن (4/310)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 311 إذاً خير الناس، أن جمع لنا خير الدنيا والآخرة، فقال معاوية: يا أمير المؤمنين سأحدثك: إنا بأرض الحمامات والريف، فقال عمر: سأحدثك، ما بك إلا إلطافك نفسك بأطيب الطعام، وتصبحك حتى تضرب الشمس منيتك، وذوو الحاجات وراء الباب، قال: فلما جئنا ذا طوى، أخرج معاوية حلة، فلبسها، فوجد عمر منها ريحاً طيبة، فقال: يعمد أحدكم فيخرج حاجاً تفلا، حتى إذا جاء أعظم بلدان الله حرمة أخرج ثوبيه كأنهما كانا في الطيب فيلبسهما، فقال: إنما لبستهما لأدخل فيهما على عشيرتي، والله لقد بلغني أذاك هاهنا وبالشام، والله يعلم إني لقد عرفت الحياء فيه، ونزع معاوية الثوبين، ولبس ثوبيه اللذين أحرم فيهما. وقال أبو الحسن المدائني: كان عمر إذا نظر إلى معاوية قال: هذا كسرى العرب. وروى ابن أبي ذئب، عن المقبري قال: تعجبون من دهاء هرقل وكسرى، وتدعون معاوية. وقال الزهري: استخلف عثمان، فنزع عمير بن سعد، وجمع الشام لمعاوية. وقال مجالد، عن الشعبي، عن الحارث، عن علي قال: لا تكرهوا إمرة معاوية، فإنكم لو فقدتموه رأيتم الرؤوس تندر عن كواهلها. وروى علقمة بن أبي علقمة، عن أمه قالت: قدم معاوية المدينة، فأرسل إلى عائشة: أرسلي إلي بأنبجانية رسول الله صلى الله عليه وسلم وشعره، فأرسلت (4/311)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 312 بذلك معي أحمله، فأخذ الأنبجانية، فلبسها، وغسل الشعر بماء، فشرب منه، وأفاض على جلده.) وروى أبو بكر الهذلي، عن الشعبي قال: لما قدم معاوية المدينة عام الجماعة، تلقته رجال قريش فقالوا: الحمد لله الذي أعز نصرك وأعلى أمرك، فما رد عليهم جواباً، حتى دخل المدينة، فعلا المنبر، ثم حمد الله وقال: أما بعد، فإني والله ما وليت أمركم حين وليته، إلا وأنا اعلم أنكم لا تسرون بولايتي، ولا تحبونها، وإني لعالم بما في نفوسكم، ولكن خالستكم بسيفي هذا مخالسة، ولقد رمت نفسي على عمل ابن أبي قحافة، فلم أجدها تقوم بذلك، وأردتها على عمل عمر، فكانت عنه أشد نفوراً، وحاولتها على مثل سنيات عثمان فأبت علي، وأين مثل هؤلاء، هيهات أن يدرك فضلهم أحد من بعدهم، غير أني قد سلكت بها طريقاً لي فيه منفعة، ولكم فيه مثل ذلك، ولكل فيه مؤاكلة حسنة ومشاربة جميلة ما استقامت السيرة، وحسنت الطاعة، فإن لم تجدوني خيركم، فأنا خير لكم، والله لا أحمل السيف على من لا سيف معه، ومهما تقدم مما قد علمتمونه، فقد جعلته دبر أذني، وإن لم تجدوني أقوم بحقكم كله، فارضوا مني ببغضه، إنها ليست بقائبة قوبها، وإن السيل إذا جاء تترى، وإن قل أغنى، وإياكم والفتنة، فلا تهموا بها، فإنها تفسد المعيشة، وتكدر النعمة، وتورث الاستئصال، وأستغفر الله لي ولكم، ثم نزل. وقال جندل بن والق وغيره: ثنا محمد بن بشر، ثنا مجالد، عن أبي الوداك، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه. (4/312)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 313 مجالد ضعيف. وقد رواه الناس عن: علي بن زيد بن جدعان، وليس بالقوي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، فذكره. ويروى عن أبي بكر بن أبي داود قال: هو معاوية بن تابوه رأس المنافقين، حلف أن يتغوط فوق المنبر. وقال بسر بن سعيد، عن سعد بن أبي وقاص قال: ما رأيت أحداً بعد عثمان أقضى بحق من صاحب هذا الباب، يعني معاوية. وقال أبو بكر بن أبي مريم، عن ثابت مولى أبي سفيان: إنه سمع معاوية يخطب ويقول: إني لست بخيركم، وإن فيكم من هو خير مني: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وغيرهما من الأفاضل، ولكني عسيت أن أكون أنكاكم في عدوكم، وأنعمكم لكم ولايةً، وأحسنكم خلقاً.) وقال همام بن منبه: سمعت ابن عباس يقول: ما رأيت رجلاً كان أخلق للملك من معاوية، كان الناس يردون منه على أرجاء واد رحب، لم يكن بالضيق الحصر العصعص المتغضب. يعني ابن الزبير. وقال جبلة بن سحيم، عن ابن عمر: ما رأيت أحداً أسود من معاوية، قلت: ولا عمر قال: كان عمر خيراً منه، وكان معاوية أسود منه. (4/313)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 314 وقال أيوب، عن أبي قلابة: إن كعب الأحبار قال: لن يملك أحد هذه الأمة ما ملك معاوية. قال سويد بن سعيد: نبأ ضمام بن إسماعيل بالإسكندرية: سمعت أبا قبيل حيي بن هانئ يخبر عن معاوية، وصعد المنبر يوم الجمعة، فقال عند خطبته: أيها الناس، إن المال مالنا، والفيء فيئنا، من شئنا أعطينا، ومن شئنا منعنا، فلم يجبه أحد، فلما كانت الجمعة الثانية قال مثل ذلك، فلم يجبه أحد، فلما كانت الجمعة الثالثة قال مثل مقالته، فقام رجل فقال: كلا، إنما المال مالنا، والفيء فيئنا، من حال بيننا وبينه حكمناه إلى الله بأسيافنا. فنزل معاوية، فأرسل إلى الرجل، فأدخل عليه، فقال القوم: هلك، ففتح معاوية الأبواب، ودخل الناس، فوجدوا الرجل معه على السرير، فقال: إن هذا أحياني أحياه الله، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ستكون أئمة من بعدي. يقولون فلا يرد عليهم قولهم، يتقاحمون في النار تقاحم القردة، وإني تكلمت فلم يرد علي أحد، فخشيت أن أكون منهم، ثم تكلمت الثانية، فلم يرد علي أحد، فقلت في نفسي: إني من القوم، ثم تكلمت الجمعة الثالثة، فقام هذا فرد علي فأحياني أحياه الله، فرجوت أن يخرجني الله منهم، فأعطاه وأجازه. هذا حديث حسن. محمد بن مصفى: ثنا بقية، عن بحير بن سعيد، عن خالد بن معدان قال: وفد المقدام بن معد يكرب، وعمرو بن الأسود، ورجل من الأسد له صحبة إلى معاوية، فقال معاوية للمقدام: توفي الحسن، فاسترجع، فقال: أتراها مصيبة قال: ولم لا، وقد وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره وقال: هذا مني وحسين من علي. فقال للأسدي: ما تقول أنت قال: جمرة أطفئت، فقال المقدام: أنشدك الله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن لبس الذهب والحرير، وعن جلود السباع والركوب عليها قال: نعم، قال: فوالله (4/314)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 315 لقد رأيت هذا كله في بنيك، فقال معاوية: عرفت أني لا أنجو منك.) قلت: توفي كعب قبل أن يستخلف معاوية، وصدق كعب فيما نقله، فإن معاوية بقي خليفة عشرين سنة، لا ينازعه أحد الأمر في الأرض، بخلاف خلافة عبد الملك بن مروان، وأبي جعفر المنصور، وهارون الرشيد، وغيرهم، فإنهم كان لهم مخالف، وخرج عن أمرهم بعض المماليك. قلت: وكان يضرب المثل بحلم معاوية، وقد أفرد ابن أبي الدنيا، وأبو بكر بن أبي عاصم، تصنيفاً في حلم معاوية. قال ابن عون: كان الرجل يقول لمعاوية: والله لتستقيمن بنا يا معاوية أو لنقومنك، فيقول: بماذا فيقولون: بالخشب، فيقول: إذاً نستقيم. وعن قبيصة بن جابر قال: صحبت معاوية، فما رأيت رجلاً أثقل حلماً، ولا أبطأ جهلاً، ولا أبعد أناةً منه. وقال جرير، عن مغيرة قال: أرسل الحسن بن علي وعبد الله بن جعفر إلى معاوية يسألانه، فبعث إليهما بمائة ألف، فبلغ علياً رضي الله عنه، فقال لهما: ألا تستحيان، رجل نطعن فيه غدوةً وعشيةً، تسألانه المال قالا: لأنك حرمتنا وجاد لنا. وقال مالك: إن معاوية نتف الشيب كذا وكذا سنة، وكان يخرج إلى الصلاة ورداؤه يحمل، فإذا دخل مصلاه جعل عليه، وذلك من الكبر. وذكر غيره: أن معاوية أصابته اللقوة قبل أن يموت، وكان اطلع في بئر عادية. (4/315)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 316 بالأبواء لما حج، فأصابته لقوة، يعني بطل نصفه. المدائني، عن أبي عبيد الله، عن عبادة بن نسي قال: خطب معاوية فقال: إن من زرع قد استحصد، وقد طالت إمرتي عليكم، حتى مللتكم ومللتموني، ولا يأتيكم بعدي خير مني كما أن من كان قبلي خير مني، اللهم قد أحببت لقاءك، فأحبب لقائي. الواقدي: ثنا أبي سبرة، عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى قال: قال معاوية ليزيد وهو يوصيه: اتق الله، فقد وطأت لك الأمر، ووليت من ذلك ما وليت، فإن يك خيراً، فأنا أسعد به، وإن كان غير ذلك، شقيت به، فارفق بالناس، وإياك وجبه أهل الشرف والتكبر عليهم. في كلام طويل، أورده ابن سعد. وروى يحيى بن معين، عن عباس بن الوليد النرسي وهو من أقرانه عن رجل، أن) معاوية قال ليزيد: إن أخوف ما أخاف شيئاً عملته في أمرك، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلم يوماً أظفاره، وأخذ من شعره، فجمعت ذلك، فإذا مت فاحش به فمي وأنفي. وروى عبد الأعلى بن ميمون بن مهران، عن أبيه: أن معاوية قال في مرضه: كنت أوضيء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً، فنزع قميصه وكسانيه، فرقعته، وخبأت قلامة أظفاره في قارورة، فإذا مت فاجعلوا القميص على جلدي، واسحقوا تلك القلامة واجعلوها في عيني، فعسى الله أن يرحمني ببركتها. حميد بن هلال، عن أبي بردة بن أبي موسى قال: دخلت على معاوية (4/316)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 317 حين أصابته قرحته فقال: هلم ابن أخي، تحول فانظر، فنظرت، فإذا هي قد سرت. وعن الشعبي قال: أول من خطب الناس قاعداً معاوية، وذلك حين كثر شحمه وعظم بطنه. وعن ابن سيرين قال: أخذت معاوية قرحة، فاتخذ لحفاً تلقى عليه، فلا يلبث أن يتأذى بها، فإذا أخذت عنه، سأل أن ترد عليه، فقال: فبحك الله من دار، مكثت فيك عشرين سنة أميراً، وعشرين سنة خليفة، ثم صرت إلى ما أرى. وقال أبو عمرو بن العلاء: لما حضرت معاوية، الوفاة قيل له: ألا توصي فقال: (هو الموت لا منجى من الموت والذي .......... نحاذر بعد الموت أدهى وأفظع) اللهم أقل العثرة، واعف عن الزلة، وتجاوز بحلمك عن جهل من لم يرج غيرك فما وراءك مذهب. وقال أبو مسهر: صلى الضحاك بن قيس الفهري على معاوية، ودفن بين باب الجابية وباب الصغير فيما بلغني. وقال أبو معشر وغيره: مات معاوية في رجب سنة ستين، وقيل: إنه عاش سبعاً وسبعين سنة. 4 (ميمونة بنت الحارث) أم المؤمنين الهلالية. (4/317)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 318 تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة سبع. روى عنها: مولياها عطاء، وسليمان ابنا يسار، وابن أختها يزيد بن الأصم، وكريب مولى ابن عباس، وابن أختها عبد الله بن عباس، وابن أختها عبد الله بن شداد بن الهاد، وعبيد بن السباق، وجماعة.) وكانت قبل النبي صلى الله عليه وسلم عند أبي رهم بن عبد العزى العامري، فتأيمت منه، فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلت أمرها إلى العباس، فزوجها منه، وبنى بها بسرف بطريق مكة، لما رجع من عمرة القضاء. (4/318)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 319 وهي أخت أسماء بنت عميس لأمها، وأخت زينب بنت خزيمة أيضاً لأمها. روى محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة، عن كريب، عن ابن عباس قال: كان اسم ميمونة برة، فسماها النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة. وقيل: أنها لما ماتت صلى عليها ابن عباس ودخل قبرها، وهي خالته. ابن علية: ثنا أيوب، عن ميمون بن مهران قال: أمرني عمر بن عبد العزيز، فسألت يزيد بن الأصم عن نكاح ميمونة، فقال: نكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم حلالاً بسرف، وبنى بها حلالاً بسرف، وماتت بسرف، فذاك قبرها تحت السقيفة. وروى زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ميمونة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الجبن فقال:: اقطع بالسكين وسم الله وكل. قال إبراهيم بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأخوات الأربع ميمونة، وأم الفضل، وسلمى، وأسماء بنت عميس، أختهن لأمهن مؤمنات، أخرجه النسائي. قال الواقدي: توفيت سنة إحدى وستين، وهي آخر من مات من أمهات المؤمنين. وقال خليفة: توفيت سنة إحدى وخمسين. (4/319)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 320 وقيل أنها ماتت أيضاً بسرف، ووهم من قال: إنها ماتت سنة ثلاث وستين. 4 (ميمونة بنت سعيد.) خادم النبي صلى الله عليه وسلم، لها صحبة ورواية. روى عنها: أيوب بن خالد، وزياد بن أبي سودة، وعثمان بن أبي سودة، وأبو يزيد الضبي، وطارق بن عبد الرحمن القرشي، وغيرهم. (4/320)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 321 4 (الهاء)

4 (هشام بن عامر الأنصاري.) له صحبة ورواية، نزل البصرة، واستشهد أبوه يوم أحد.) روى عنه: سعد بن هشام، ومعاذة العدوية، وأبو قتادة العدوي، وأبو الدهماء العدوي، وحميد بن هلال. 4 (هند بن حارثة، الأسلمي) أخو أسماء. (4/321)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 322 قال الواقدي: قال أبو هريرة: ما كنت أرى أسماء وهند إلا خادمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، من طول لزومهما بابه، وخدمتهما إياه. وقال غيره: كانا من أصحاب الصفة، ولهما إخوة. توفي هند في خلافة معاوية. (4/322)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 323 4 (الواو)

4 (وابصة بن معبد) بن عتبة الأسدي، أسد خزيمة. وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تسع في عشرة من رهطه، فأسلموا ورجعوا إلى أرضهم، ثم نزل وابصة الجزيرة، وسكن الرقة، وله بدمشق دار. روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وعن ابن مسعود، وخريم بن فاتك. وعنه: زر بن حبيش، والشعبي، وعمرو بن ناشد، وهلال بن يساف، وابنه عمر بن وابصة، وجماعة. وقبره بالرقة عند الجامع، وكنيته أبو سالم. (4/323)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 324 4 (الياء)

4 (يزيد بن شجرة الرهاوي.) ورها: قبيلة من مذحج. روى عنه: مجاهد، وله صحبة ورواية، وكان متألهاً متوقياً. وروى عنه أيضاً أبو الزاهرية، وأرسل عنه الزهري. وقد روى هو أيضاً عن: أبي عبيدة بن الجراح، ونزل الشام. وكان معاوية يستعمله على الغزو، وسيره مرة يقيم للناس الحج. استشهد يزيد وأصحابه في غزو البحر، وقيل بالروم سنة ثمان (4/324)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 325 وخمسين، وقيل سنة خمس وخمسين. زائدة، عن منصور، عن مجاهد قال: كان يزيد بن شجرة ممن يذكرنا فيبكي، وكان يصدق بكاءه بفعله.) وقال الأعمش، عن مجاهد: خطبنا يزيد بن شجرة الرهاوي، وكان معاوية استعمله على الجيوش. والرهاوي قيده عبد الغني بالفتح، فخطأه ابن ماكولا. 4 (يعلى بن أمية) بن أبي عبيدة التميمي المكي. (4/325)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 326 حليف قريش، وهو يعلى بن منية بنت غزوان، أخت عتبة بن غزوان. أسلم يوم الفتح، وشهد الطائف وتبوكاً، وروى عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عمر. وعنه: بنوه محمد، وصفوان، وعثمان، وأخوه عبد الرحمن، وابن أخيه صفوان بن عبد الله، وعكرمة، وعبد الله بن بابيه، ومجاهد، وعطاء بن أبي رباح، وآخرون. قال ابن سعد: كان يعلى يفتي بمكة. وقيل: إنه عمل لعمر على نجران، وله أخبار في السخاء. وقال زكريا بن إسحاق، عن عمرو بن دينار قال: كان أول من ورخ الكتب يعلى بن أمية، وهو باليمن. قلت: كان قد ولي صنعاء لعثمان، وكان يعلى ممن شهد مع عائشة يوم الجمل، وأنفق أموالاً عظيمة في ذلك الجيش، فلما هزم الناس هرب يعلى، وبقي إلى أواخر خلافة معاوية. وقيل: قتل بصفين مع علي، والله أعلم. أبو عاصم النبيل: عن عبد الله بن أمية، عن محمد بن حيي، عن صفوان بن يعلى، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البحرمن جهنم. فقيل له في ذلك، فقال: أحاط بهم سرادقها والله لا أدخله، ولا يصيبني منه (4/326)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 327 قطرة حتى أعرض على الله. قال أبو عاصم: حلف على غيب، وهو ممن أعان على علي رضي الله عنه. 4 (يعلى بن مرة الثقفي) بن وهب الثقفي ويقال العامري، واسم أمه سيابة. شهد الحديبية وخيبر، وله أحاديث، وسكن العراق. روى عنه: ابناه عثمان، وعبد الله، وعبد الله بن حفص بن أبي عقيل الثقفي، وراشد بن سعد، وأبو البختري.) وأرسل عنه: المنهال بن عمرو، ويونس بن خباب، وعطاء بن السائب. وكان فاضلاً. (4/327)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 328 4 (الكنى)

4 (أبو أروى الدوسي.) له صحبة ورواية، وكان من شيعة عثمان، نزل ذا الحليفة. وقد روى عن أبي بكر أيضاً. وعنه: أبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو واقد صالح بن محمد بن زيادة المدني. فروى وهيب، عن أبي واقد، عنه، قال: كنت أصلي العصر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم آتي الشجرة قبل غروب الشمس. 4 (ابو أيوب الأنصاري) اسمه خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد عوف بن غنم بن مالك (4/328)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 329 (4/329)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 330 بن النجار، الخزرجي، النجاري، المالكي، المدني. شهد بدراً والعقبة، وعليه نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة، فبقي في داره شهراً حتى بنيت حجره ومسجده. وكان من نجباء الصحابة، وروى أيضاً عن: أبي. وعنه: مولاه أفلح، والبراء بن عازب، وسعيد بن المسيب، وعروة، وعطاء بن يزيد، وموسى بن طلحة، وآخرون. روى إسحاق بن سليمان الرازي، عن أبي سنان، عن حبيب بن أبي ثابت، أن أبا أيوب الأنصاري وفد على ابن عباس بالبصرة، ففرغ ابن عباس له داره وقال: لأصنعن بك ما صنعت برسول الله صلى الله عليه وسلم، كم عليك من الدين قال: عشرو ألفاً، فأعطاه أربيعن ألفاً، وعشرين مملوكاً وقال: لك ما في البيت كله. وشهد أبو أيوب الجمل وصفين مع علي، وكان من خاصته، وكان على مقدمته يوم النهروان، ثم إنه غزا الروم مع يزيد بن معاوية ابتغاء ما عند الله، فتوفي عند القسطنطينية، فدفن هناك، وأمر يزيد بالخيل، فمرت على قبره (4/330)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 331 حتى عفت أثره لئلا ينبش، ثم إن الروم عرفوا مكان قبره، فكانوا إذا أمحلوا كشفوا عن قبره فمرطوا، وقبره تجاه سور القسطنطينية. توفي سنة إحدى وخمسين، أو في آخر سنة خمسين، ووهم من قال: توفي سنة اثنتين وخمسين. 4 (أبو برزة الأسلمي) ) اسمه نضلة بن عبيد، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قيل: إنه قتل ابن خطل يوم الفتح، وهو تحت أستار الكعبة. روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر. وعنه: ابنه المغيرة، وحفيدته منية بنت عبيد، وأبو عثمان النهدي، (4/331)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 332 والأزرق بن قيس، وأبو المنهال سيار بن سلامة، وأبو الرضى عباد بن نسيب، وكنانة بن نعيم العدوي، وجماعة. سكن البصرة، وتوفي غازياً بخراسان. وقيل: اسمه نضلة بن عمرو، وقيل: ابن عائذ، وقيل ابن عبد الله، وقيل: اسمه عبد الله بن نضلة، وقيل: خالد بن نضلة. وكان مع معاوية بالشام، وقيل: شهد صفين مع علي رضي الله عنه. وعن أبي برزة قال: كنا نقول في الجاهلية: من أكل الخمير سمن، فأجهضنا، القوم يوم خيبر عن خبرة لهم، فجعل أحدنا يأكل في الكسرة ثم يمس عطفه، هل سمن وقيل: إن أبا برزة كان يقوم الليل، وله بر ومعروف. توفي سنة ستين قبل معاوية. وقال الحاكم: توفي سنة أربع وستين، فالله أعلم. 5 (فائدة) تدل على بقاء أبي برزة بعد هذا الوقت: قال الأنصاري: ثنا عوف، حدثني أبو المنهال سيار بن سلامة قال: لما خرج ابن زياد، ووثب ابن مروان بالشام، وابن الزبير بمكة، اغتم أبي فقال: انطلق معي إلى أبي برزة الأسلمي، فانطلقنا إليه في داره، فإذا هو قاعد في ظل، فقال له أبي: يا أبا برزة ألا ترى فكان أول شيء تكلم به أن قال: إني أحتسب عند الله أني أصبحت ساخطاً على أحياء قريش وذكر الحديث. (4/332)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 333 قال ابن سعد: مات أبو برزة بمرو، ثم روى ابن سعد أن أبا برزة وأبا بكرة كانا متآخيين. وقال بعضهم: رأيت أبا برزة أبيض الرأس واللحية. 4 (أبو بكرة الثقفي) اسمه نفيع بن الحارث بن كلدة بن عمرو. (4/333)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 334 وقيل: نفيع بن مسروح.) وقيل: كان عبداً للحارث فاستلحقه، وهو أخو زياد بن أبيه لأمه، واسمها سمية مولاة الحارث بن كلدة، وقد كان تدلى يوم الطائف من الحصن ببكرة، وأتى إلى بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم، وكني يومئذ بأبي بكرة. وله أحاديث، روى عنه: عبد الرحمن، وعبد العزيز، ومسلم، ورواد، وعبد الله، وكبشة أولاده، والأحنف بن قيس، وأبو عثمان النهدي، وربعي بن حراش، والحسن، وابن سيرين. وسكن البصرة، فعن الحسن قال: لم ينزل البصرة أفضل منه ومن عمران بن حصين. وكان أبو بكرة ممن شهد على المغيرة، فحده عمر لعدم تكميل أربعة شهداء، وأبطل شهادته، ثم قال له: تب لنقبل شهادتك، فقال: لا أشهد بين اثنين أبداً. وكان أبو بكرة كثير العبادة. وكان أولاده رؤساء البصرة شرفاً وعلماً وولاية. مغيرة بن مقسم، عن شباك، عن رجل، أن ثقيفاً سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد إليهم أبا بكرة عبداً، فقال: لا، هو طليق الله وطليق رسوله. يزيد بن هارون: أنبأ عيينة بن عبد الرحمن، أخبرني أبي، أنه رأى أبا بكرة عليه مطرف خز سداه حرير. قال خليفة: توفي سنة اثنتين وخمسين، وقال غيره: سنة إحدى وخمسين. (4/334)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 335 4 (أبو بصرة الغفاري) اسمه حميل بن بصرة، له صحبة ورواية، وروى عن أبي ذر أيضاً. وعن أبو هريرة وهو من طبقته، وأبو تميم الجيشاني، وعبد الرحمن بن شماسة، وأبو الخير مرثد اليزني، وأبو الهيثم سليمان بن عمرو العتواري. وشهد فتح مصر، وسكنها، وبها توفي. 4 (أبو جهم بن حذيفة) بن غانم القرشي العدوي. (4/335)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 336 اسمه عبيد، أسلم في الفتح، وابتنى داراً بالمدينة، وهو صاحب الأنبجانية. توفي في آخر خلافة معاوية. ويقال: اسمه عامر، أسلم يوم الفتح، وشهد اليرموك، وحضر يوم الحكمين بدومة الجندل، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة، وكان من مشيخة قريش ونسابهم.) والأصح أنه بقي بعد معاوية. فسيعاد. 4 (أبو جهم بن الحارث) بن الصمة الأنصاري. (4/336)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 337 ابن أخت أبي بن كعب، له صحبة ورواية. وعنه: بسر بن سعيد، وعمير مولى ابن عباس، وعبد الله بن يسار مولى ميمونة. توفي في أواخر زمن معاوية. 4 (أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان) قد تقدمت سنة أربع وأربعين. وقال أحمد بن أبي خيثمة: توفيت قبل أخيها معاوية بعام. 4 (أبو حميد الساعدي الأنصاري) المدني، اسمه عبد الرحمن، وقيل: المنذر بن سعد. من فقهالء الصحابة. روى عنه: جابر بن عبد الله، وعروة بن الزبير، وعمرو بن سليم الزرقي، وعباس بن سهل بن سعد، وخارجة بن زيد، ومحمد بن عمرو بن عطاء. (4/337)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 338 توفي سنة ستين، وقيل توفي قبلها بقليل. 4 (أبو زيد عمرو بن أخطب الأنصاري) جد عروة بن ثابت، قال: مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي ودعا لي. ويقال: إنه عاش مائة وعشرين سنة. روى عنه: علباء بن أحمر، والحسن البصري. وقيل له أنصاري تجوزاً، لأنه من غير ذرية الأوس والخزرج، بل من ولد أخيهما عدي. وأبوهم هو حارثة بن ثعلبة. 4 (أم شريك) (4/338)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 339 هي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم. مختلف في اسمها ونسبها، ولها أحاديث. روى عنها: جابر بن عبد الله، وسعيد بن المسيب، وعروة، وشهر بن حوشب، وغيرهم. وهي من بني عامر بن لؤي، وفي ذلك اضطراب. 4 (أبو ضبيس الجهني.) كان يلزم البادية، وبايع تحت الشجرة، وشهد الفتح. توفي في آخر خلافة معاوية. قاله ابن سعد.) 4 (أبو عياش الزرقي.) قيل: عبيد بن الصامت، وقيل: عبيد بن معاوية، الأنصاري (4/339)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 340 الخزرجي، وهو والد النعمان بن أبي عياش. روى عنه: مجاهد، وأبو صالح السمان، وقبلهما أنس بن مالك. وهو فارس حلوة، وحلوة فرس كانت له، لعه غزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم. وتوفي في زمن معاوية بعد الخمسين، وقيل قبلها. 4 (أبو قتادة الأنصاري) السلمي، ع فارس النبي صلى الله عليه وسلم. اسمه على الصحيح الحارث بن ربعي، وقيل النعمان، وقيل عمرو، شهد أحداً وما (4/340)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 341 بعدها، وكان من فضلاء الصحابة. روى عنه: أنس، وسعيد بن المسيب، وعطاء بن يسار، وعبد الله بن رباح الأنصاري، وعلي بن رباح، وعبد الله بن معبد الزماني، وعمرو بن سليم الزرقي، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وابنه عبد الله بن أبي قتادة، ونافع مولاه، وآخرون. وقال الواقدي: اسم أبي قتادة النعمان. وقال الهيثم بن عدي: عمر. وقال ابن معين والبخاري وغيرهما: الحارث بن ربعي. وفي حديث ثابت البناني، عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة في مسيرهم إعوازهم الماء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم نعس، فدعمته غير مرة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: حفظك الله بما حفظت به نبيه. وقال حماد، عن أيوب، عن محمد، إن أبا قتادة قتل مسعدة رأس المشركين. وقال إياس بن سلمة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير فرساننا أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة بن الأكوع. (4/341)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 342 توفي سنة أربع وخمسين، وقيل سنة اثنتين وخمسين، وشهد مع علي مشاهده كلها. 4 (أم قيس بنت محصن) أخت عكاشة، من المهاجرات الأول، رضي الله عنها. روى عنها: مولاها عدي بن دينار، ووابصة بن معبد، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وعمرة،) ونافع موليا حمنة، وغيرهم. تأخرت وفاتها. 4 (أم كرز الكعبية) الخزاعية المكية. لها صحبة ورواية. (4/342)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 343 روى عنها: سماع بن ثابت، وطاووس، وعروة، ومجاهد، وعطاء بن أبي رباح. وتأخرت وفاتها. 4 (أبو لبابة لقرشي) العدوي بن عبد المنذر الأنصاري المدني. قد ذكرنا في خلافة عثمان أيضاً له ترجمة، وإنما ذكرته هنا لرواية سالم بن عبيد الله، ونافع، وعبيد الله بن أبي يزيد، عنه. 4 (أبو محذورة لمؤذن) الجمحي المكي المؤذن. (4/343)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 344 له صحبة ورواية، اختلفوا في اسمه ونسبه، وهو أوس بن معير على الصحيح، وهو من مسلمة الفتح. روى عنه: ابنه عبد الملك، وزوجته، والأسود بن يزيد، وابن أبي مليكة، وعبد الله بن محيريز الجمحي، وغيرهم. وكان من أحسن الناس وأنداهم صوتاً. قاله الزبير بن بكار، قال: وأنشدني عمي لبعضهم: (أما ورب الكعبة المستوره .......... وما تلا محمد من سوره)

(والنغمات من أبي محذوره .......... لأفعلن فعلةً مذكوره) توفي سنة تسع وخمسين، وكان مؤذن المسجد الحرام، علمه النبي صلى الله عليه وسلم الأذان. 4 (أبو مسعود الأنصاري.) (4/344)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 345 مر سنة أربعين، وقال الواقدي: مات في آخر خلافة معاوية بالمدينة. 4 (أم هانيء) بنت أبي طالب الهاشمية، اسمها فاختة، وقيل هند. (4/345)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 346 أسلمت عام الفتح، وصلى ابن عمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتها يوم الفتح صلاة الضحى، وقال لها: قد أجرنا من أجرت يا أم هانيء، وكانت قد أجارت رجلاً.) روى عنها: حفيدها يحيى بن جعدة، ومولاها أبو صالح باذام، وكريب مولى ابن عباس، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعروة، ومجاهد، وعطاء، وآخرون. لها عدة أحاديث، وتأخر موتها إلى بعد الخمسين، وكانت تحت هبيرة بن عمرو بن عائذ المخزومي، فهرب يوم الفتح إلى نجران، وولدت له: عمرو بن هبيرة وهانئاً، ويوسف، وجعدة. قال ابن إسحاق: لما بلغ هبيرة إسلام أم هانيء قال أبياتاً منها: (وعاذلة هبت بليل تلومني .......... وتعذلني بالليل ضل ضلالها)

(وتزعم أني إن أطعت عشيرتي .......... سأردى وهل يرديني إلا زوالها)

(فإن كنت قد تابعت دين محمد .......... وقطعت الأرحام منك حبالها)

(فكوني على أعلى سحيق بهضبة .......... ململة غبراء يبس اختلفوا بلالها.) (4/346)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 347 4 (أبو هريرة الدوسي) رضي الله عنه ودوس قبيلة من الأزد، اختلفوا في اسمه، واسمه عبد شمس. (4/347)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 348 وقال كناني أبي بأبي هريرة، لأني كنت أرعى غنماً فوجدت أولاد هر وحشي، فأخذتهم، فلما رآهم أخبرته، فقال: أنت أبو هر. قال: وكان اسمي في الجاهلية عبد شمس. وقال المحرر بن أبي هريرة: اسم أبي: عمرو بن عبد غنم. وساق ابن خزيمة من حديث محمد بن عمرو بن أبي سلمة، عن أبي هريرة عبد شمس، وقال: هذه دلالة واضحة أن اسمه كان عبد شمس، فإنه إسناد متصل، وهو أحسن إسناداً من سفيان بن حسين، عن الزهري، عن المحرر، اللهم إلا أن يكون كان له اسمان قبل الإسلام. وقال أحمد بن حنبل: اسمه عبد شمس، ويقال: عبد غنم، ويقال سكين. وقال ابن أبي حاتم: اسمه عبد شمس، ويقال عبد غنم، ويقال عامر، قال: وسمي في الإسلام عبد الله، ويقال عبد الرحمن. وقد استوعب الحافظ ابن عساكر أكثر ما ورد في اسمه. وكان أحد الحفاظ المعدودين في الصحابة. روى عنه: ابن عباس، وأنس، وجابر، وسعيد بن المسيب، وعلي بن (4/348)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 349 الحسين، وعروة، والقاسم، وسالم، وعبيد الله بن عبد الله، والأعرج، وهمام بن منبه، وابن سيرين، وحميد بن عبد الرحمن) الزهري، وحميد بن عبد الرحمن الحميري، وأبو صالح السمان، وزرارة بن أوفى، وسعيد بن أبي سعيد المقبري، وأبوه، وسعيد بن مرجانة، وشهر بن حوشب، وأبو عثمان النهدي، وعطاء بن أبي رباح، وخلق كثير. قدم من أرض دوس مسلماً هو وأمه وقت فتح خيبر. قال البخاري: روى عنه ثمانمائة رجل أو أكثر. قلت: يروى له نحو من خمسة آلاف حديث وثلاثمائة وسبعين حديثاً، في الصحيحين، منها ثلاثمائة وخمسة وعشرون حديثاً، وانفرد البخاري أيضاً له بثلاثة وتسعين، ومسلم بمائة وتسعين. وبلغنا أنه كان رجلاً آدم، بعيد ما بين المنكبين، ذا ضفيرتين، أفرق الثنيتين، يخضب شيبته بالحمرة، ولما أسلم كان فقيراً من أصحاب الصفة، ذاق جوعاً وفاقة، ثم استعمله عمر وغيره، وولي إمرة المدينة في زمن معاوية، فمر في السوق يحمل حزمة حطب، وهو يقول: أوسعوا الطريق للأمير. وقال أسامة بن زيد، عن عبد الله بن رافع: قلت لأبي هريرة: لم اكتنيت بأبي هريرة قال: أما تفرق مني قلت: بلى والله إني لأهابك، قال: كنت أرعى غنم أهلي، وكانت لي هريرة صغيرة، فكنت أضعها في شجرة بالليل، فإذا كان النهار ذهبت بها معي، فلقيت بها، وكان من أصحاب الصفة. أخرجه الترمذي. وقال المقبري، عن أبي هريرة قلت: يا رسول الله، أسمع منك (4/349)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 350 أشياء فلا أحفظها، فقال: ابسط رداءك، فبسطته، فحدث حديثاً كثيراً، فما نسيت شيئاً حدثني به. وقال الوليد بن عبد الرحمن عن ابن عمر أنه قال لأبي هريرة: أنت كنت ألزمنا لرسول الله وأحفظنا لحديثه. وقال الأعرج: سمعت أبا هريرة يقول: إنكم تقولون إني أكثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله الموعد، كنت رجلاً مسكيناً أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق، وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً: من بسط ثوبه فلن ينسى شيئاً سمعه مني، فبسطت ثوبي، حتى قضى حديثه، ضممته إلي فما نسيت شيئاً سمعته بعد.) وقال أبو معشر، عن محمد بن قيس قال: كان أبو هريرة يقول: لا تكنوني أبا هريرة، كناني رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبا هر، قال لي: ثكلتك أمك أبا هر، والذكر خير من الأنثى. وقال ابن المسيب، عن أبي هريرة: شهدت خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال قيس بن أبي حازم عنه: جئت يوم خيبر بعدما فرغوا من القتال. وقال ابن سيرين، عنه: لقد رأيتني أصرع بين القبر والمنبر من الجوع، حتى يقول الناس: مجنون (4/350)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 351 وتمخط مرة فقال: الحمد لله الذي تمخط أبو هريرة في الكتان، لقد رأيتني وإني لأخر من الجوع، فيجلس الرجل على صدري، فأرفع رأسي، فأقول: ليس الذي ترى، إنما هو الجوع. وقال أبو كثير السحيمي: حدثني أبو هريرة قال: والله ما خلق الله مؤمناً يسمع بي إلا أحبني، قلت: وما علمك بذاك قال: إن أمي كانت مشركة، وكنت أدعوها إلى الإسلام، وكانت تأبى علي، فدعوتها يوماً، فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره، فأتيته أبكي، وسألته أن يدعو لها، فقال: اللهم أهد أم أبي هريرة، فخرجت أعدو أبشرها، فأتيت فإذا الباب مجاف، وسمعت خضخضة الماء، وسمعت حسي فقالت: كما أنت، ثم فتحت، وقد لبست درعها، وعجلت عن خمارها، فقالت: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبكي من الفرح، فأخبرته فقلت: أدع الله يا رسول الله أن يحببني وأمي إلى عباده المؤمنين، فقال: اللهم حبب عبيدك هذا وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحببهم إليهما. هذا حديث صحيح، أظنه في مسلم. أيوب، عن محمد قال: تمخط أبو هريرة وعليه ثوب من كتان ممشق، فتمخط فيه، وقال: بخ بخ، يتمخط أبو هريرة في الكتان، لقد رأيتني أخر فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحجرة عائشة، يجيء الجائي يظن بي جنوناً، شعبة، عن محمد بن زياد قال: رأيت على أبي هريرة كساء خز. وقال قتادة وغير واحد: كان أبو هريرة يلبس الخز. (4/351)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 352 قيس بن الربيع، عن أبي حصين، عن خباب بن عروة قال: رأيت أبا هريرة عليه عمامة سوداء. اسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن أبي هريرة قال: هاجرت، فأبق مني غلام في الطريق،) فلما قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم بايعته، وجاء الغلام، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة هذا غلامك، قلت: هو حر لوجه الله، فأعتقته. عفان: ثنا سليم بن حيان، عن أبيه، سمع أبا هريرة يقول: نشأت يتيماً، وهاجرت مسكيناً، وكنت أجيراً لبسرة بنت غزوان، بطعام بطني وعقبة رجلي، وكنت أخدم إذا نزلوا، وأحذوا إذا ركبوا، فزوجنيها الله، فالحمد لله الذي جعل الدين قواماً، وجعل أبا هريرة إماماً. ابن سيرين، عن أبي هريرة، أكريت نفسي من ابنة غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي، فقالت لي: لتردن حافياً، ولتركبن قائماً، ثم زوجنيها الله بعد. وقد دعا لنفسه، وأمن النبي صلى الله عليه وسلم على دعائه. فقال النسائي: أنبأ محمد بن صدران: ثنا الفضل بن العلاء، عن إسماعيل بن أمية، عن محمد بن قيس، عن أبيه، أن رجلاً جاء زيد بن ثابت، فسأله عن شيء، فقال: عليك بأبي هريرة، بينما أنا وأبو هريرة وفلان ذات يوم في المسجد ندعو ونذكر ربنا، إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس إلينا فسكتنا، فقال: عودوا للذي كنتم فيه، فدعوت أنا وصاحبي، (4/352)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 353 فأمن النبي صلى الله عليه وسلم على دعائنا، ثم دعا أبو هريرة فقال: اللهم إني أسألك مثل صاحبي، وأسألك علماً لا ينسى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: آمين، فقلنا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن نسألك كذلك، فقال: سبقكما بها الغلام الدوسي. قال الطبراني: لا يروى إلا بهذا الإسناد. وقال أبو نضرة العبدي، عن الطفاوي قال: قرأت على أبي هريرة بالمدينة ستة أشهر، فلم أر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً أشد تشميراً ولا اقوم على ضيف منه، فدخلت عليه ذات يوم ومعه كيس فيه نوى أو حصى يسبح به. وقال ابن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم، عن مالك بن أبي عامر الأصبحي قال: جاء رجل إلى طلحة بن عبيد الله فقال: يا أبا محمد أرأيت هذا اليماني يعني أبا هريرة لهو أعلم بحديث رسول الله منكم، منه أشياء لا نسمعها منكم، أم يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل قال: أما أن يكون سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع فلا أشك، كنا أهل بيوتات وعمل وغنم، فنأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار، وكان مسكيناً لا مال له، ضيفاً على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يده مع يده، ولا أجد أحداً فيه خير، يقول) على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل. وقال محمد بن سعد: ثنا محمد بن عمر: ثنا عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، عن زياد بن مينا قال: كان ابن عباس، وابن عمر، وأبو سعيد، وأبو هريرة، وجابر يفتون بالمدينة، ويحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من لدن توفي (4/353)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 354 عثمان إلى أن توفوا، وهؤلاء الخمسة، إليهم صارت الفتوى. وقال أبو سعد السمعاني: سمعت أبا القاسم المعمر المبارك بن أحمد الأرحبي يقول: سمعت أبا القاسم يوسف بن علي الزنجاني الفقيه: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن علي الزنجاني الفقيه: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن علي الفيروز آباذي، سمعت أبا الطيب الطبري يقول: كنا في حلقة النظر بجامع المنصور، فجاء شاب خراساني، فسأل عن مسألة المصراة، فطالب بالدليل، فاحتج المستدل بحديث أبي هريرة الوارد فيها، فقال الشاب وكان حنيفاً: أبو هريرة غير مقبول الحديث، فما استتم كلامه حتى سقطت عليه حية عظيمة من سقف الجامع، فوثب الناس من أجلها، وهربالشاب وهي تتبعه، فقيل له: تب تب، فغابت الحية، فلم ير لها أثر. الزنجاني ممن برع في الفقه على أبي إسحاق، توفي سنة خمسمائة. وقال حمد بن زيد، عن العباس بن فروخ الحريري: سمعت أبا عثمان النهدي قال: تضيف أبا هريرة سبعاً، فكان هو وامراته وخادمه يعتقبون الليل أثلاثاً، يصلي هذا، ثم يوقظ هذا هذا ويصلي، فقلت: يا أبا هريرة كيف تصوم قال: أصوم من أول الشهر ثلاثاً. قال الداني: عرض أبو هريرة القرآن على أبي بن كعب قرأ عليه من (4/354)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 355 التابعين: عبد الرحمن بن هرمز. وقال قتيبة بن مهران: ثنا سليمان بن مسلم: سمعت أبا جعفر يحكي لنا قراءة أبي هريرة في: إذا الشمس كورت يحزنها شبه الرثاء. وروى عمر بن أبي زائدة، عن أبي خالد الوالبي، أنه كام إذا قرأ بالليل خفض طوراً ورفع طوراً، وذكر أنها قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: وكان أبو هريرة ممن يجهر ببسم الله في الصلاة. وفي البخاري من حديث المقبري: مر أبو هريرة بقوم، بين أيديهم شاة مصلية، فدعوه أن يأكل فأبى وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الدنيا وما شبع من خبز الشعير.) وعن شراحبيل أن أبا هريرة كان يصوم الخميس والاثنين. وقال خالد الحذاء عن عكرمة إن أبا هريرة كان يسبح كل يوم اثني عشرألف تسبيحة، ويقول: أسبح بقدر ذنبي. همام بن يحيى: ثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طليحة أن عمر قال لأبي هريرة: كيف وجدت الإمارة قال: بعثتني وأنا كاره، ونزعتني وقد أحببتها، وأتاه بأربعمائة ألف من البحرين قال: أظلمت أحداً قال: لا، قال: فما جئت به لنفسك قال: عشرين ألفاً، قال: من أين أصبتها؟ قال: (4/355)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 356 كنت أتجر، قال: أنظر رأس مالك ورزقك فخذه، واجعل الآخر في بيت المال. وقال محمد بن سيرين: استعمل عمر أبا هريرة على البحرين، فقدم بعشرة آلاف، فقال له عمر: استأثرت بهذه الأموال يا عدو الله وعدو كتابه، قال: لست بعدو الله ولا عدو كتابه، ولكني عدو من عاداهما، قال: فمن اين هذا قال: خيل نتجت لي وغلة رقيق، وأعطية تتابعت علي، فنظروا فوجدوه كما قال. ثم بعد ذلك دعاه عمر ليستعمله فأبى. وروى معمر، عن محمد بن زياد قال: كان معاوية يبعث أبا هريرة على المدينة، فإذا غضب عليه بعث مروان وعزل أبا هريرة، فلم يلبث أن نزع مروان وبعث أبا هريرة، فقال لغلام أسود: قف على الباب، فلا تمنع أحداً إلا مروان، ففعل الغلام، ودخل الناس، ومنع مراون، ثم جاء نوبة فدخل وقال: حجبنا منك، فقال: إن أحق من لا ينكر هذا لأنت. قلت: كأنه بدا منه نحو هذا في حق أبي هريرة. وقال ثابت البناني، عن أبي رافع قال: كان مروان ربما استخلف أبا هريرة على المدينة، فيركب حماراً ببردعة، وخطامه ليف، فيسير فيلقى الرجل فيقول: الطريق، قد جاء الأمير. وربما أتى الصبيان وهم يلعبون بالليل لعبة الأعراب، فلا يشعرون بشيء حتى يلقي نفسه بينهم، ويضرب برجليه، فيفزع الصبيان ويفرون. وعن ثعلبة بن أبي مالك قال: أقبل أبو هريرة في السوق يحمل حزمة حطب، وهو يومئذ خلفة لمروان، فقال: أوسع الطريق للأمير. (4/356)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 357 وقال سعيد المقبري: دخل مروان على أبي هريرة في شكواه فقال: شفاك الله يا أبا هريرة، فقال: اللهم إني أحب لقاءك فأحب لقائي قال: فما بلغ مروان القطانين حتى مات. وقال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن عمير بن هانئ قال: قال أبو هريرة: اللهم لا تدركني) سنة ستين، فتوفي فيها أو قبلها بسنة. قال الواقدي: توفي أبو هريرة سنة تسع وخمسين، وله ثمان وسبعون سنة. وهو الذي صلى على عائشة في رمضان سنة ثمان وخمسين. وقال هشام بن عروة: مات أبو هريرة وعائشة سنة سبع وخمسين، تابعه المدائني، وعلي بن المديني، وغيرهما. وقال أبو معشر، وحمزة، وعبد الرحمن بن مغراء، والهيثم بن عدي ويحيى بن بكير: توفي سنة ثمان وخمسين. وقال الواقدي، وقبله محمد بن إسحاق، وبعده أبو عبيد، وأبو عمر الضرير، ومحمد بن عبد الله بن نمير: توفي سنة تسع وخمسين. وقيل صلى عليه الوليد بن عتبة بالمدينة، ثم كتب إلى معاوية بوفاته، فكتب إلى الوليد: ادفع إلى ورثته عشرة آلاف درهم، وأحسن جوارهم، فإنه كان ممن ينصر عثمان، وكان معه في الدار. وقيل: كان الذين تولوا حمل سريره ولد عثمان. (4/357)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 358 4 (أبو اليسر السلمي) من أعيان الأنصار، اسمه كعب بن عمرو، وشهد العقبة وله عشرون سنة، وهو الذي أسر ابن العباس يوم بدر. روى عنه: صيفي مولى أبي أيوب الأنصاري، وعبادة بن الوليد الصامتي، وموسى بن طلحة بن عبيد الله، وحنظلة بن قيس الزرقي، وغيرهم. وكان دحداحاً قصيراً، ذا بطن، وهو الذي انتزع راية المشركين يوم بدر، وقد شهد صفين مع علي. وتوفي بالمدينة سنة خمسة وخمسين، وقال بعضهم: وهو آخر من مات من البدريين. آخر هذه الطبقة، والحمد لله وحده دائماً. (4/358)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 5 5 (الطبقة السابعة)

1 (الحوادث من سنة إلى)

4 (حوادث سنة واحد وستين) توفي فيها: جرهد الأسلمي، والحسين بن علي رضي الله عنهما، وحمزة ابن عروة الأسلمي، وأم سلمة أم المؤمنين، وجابر بن عتيك بن قيس الأنصاري، وخالد بن عرفطة، وعثمان بن زياد ابن أبيه أخو عبيد الله، توفي شاباً وله ثلاث وثلاثون سنة، وهمام بن الحارث، وهو مخضرم. 4 (مقتل الحسين) واستشهد مع الحسين ستة عشر رجلاً من أهل بيته. وكان من قصته أنه توجه من مكة طالباً الكوفة ليلي الخلافة. وروى ذلك ابن سعد الكاتب من وجوه متعددة، قال بعد أن سرد عدة أسطر، أسانيد وغير هؤلاء: حدثني في هذا الحديث بطائفة، فكتب جوامع حديثهم في مقتل الحسين رضي الله عنه قالوا: لما أخذ البيعة معاوية لابنه يزيد، كان الحسين ممن لم يبايع، وكان أهل الكوفة يكتبون إلى الحسين يدعونه إلى الخروج إليهم زمن معاوية، وهو يأبى، فقدم منهم قوم إلى محمد ابن الحنفية، وطلبوا إليه أن يخرج معهم، فأبى، وجاء الحسين، فأخبره بما عرضوا عليه وقال: إن القوم إنما يريدون أن يأكلونا ويشيطوا دماءنا، فأقام الحسين على ما هو عليه مهموماً، يجمع الإقامة مرة، ويريد أن يسير إليهم مرة، فجاءه أبو سعيد الخدري فقال: يا أبا عبد الله إني لك ناصح ومشفق، (5/5)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 6 وقد بلغني أن قوماً من شيعتكم كاتبوك، فلا تخرج فإني سمعت أباك بالكوفة يقول: والله إني لقد مللتهم، وأبغضوني وملوني، وما بلوت منهم وفاء، ومن فاز بهم، فإنما فاز بالسهم الأخيب، والله ما لهم ثبات ولا عزم ولا صبر على السيف، قال: وقدم المسيب بن نجبة الفزاري وعدة معه إلى الحسين، بعد وفاة الحسن، فدعوه إلى خلع معاوية وقالوا: قد علمنا رأيك ورأي أخيك، فقال: إني لأرجو أن يعطي الله أخي على نيته، وأن يعطيني على نيتي في حبي جهاد الظالمين. وكتب مروان إلى معاوية: إني لست آمن أن يكون حسين مرضداً للفتنة، وأظن يومكم من حسين طويلاً.) فكتب معاوية إلى الحسين: إن من أعطى الله تعالى صفقة يمينه وعهده لجدير بالوفاء، وقد أنبئت أن قوماً من أهل الكوفة قد دعوك إلى الشقاق، وأهل العراق من قد جربت، قد أفسدوا على أبيك وأخيك، فاتق الله واذكر الميثاق، فإنك من تكدني أكدك. فكتب إليه الحسين: أتاني كتابك، وأنا بغير الذي بلغك عني جدير، وما أردت لك محاربة، ولا عليك خلافاً، وما أظن لي عند الله عذراً في ترك جهادك، وما أعظم فتنة أعظم من ولايتك هذه الأمة. وقال معاوية: إن أثرنا بأبي عبد الله إلا أسداً. رواه بطوله الواقدي، عن جماعة، وعن أشياخهم. وقال جويرية بن أسماء، عن نافع بن شيبة قال: لقي الحسين معاوية بمكة، فأخذ بخطام راحلته، فأناخ به، ثم ساره طويلاً وانصرف، فزجر معاوية راحلته، وقال له يزيد ابنه: لا تزال رجل قد عرض لك، فأناخ بك، (5/6)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 7 قال: دعه لعله يطلبه من غيري، فلا يسوغه، فيقتله. مروان بن سعد، عن المدائني، عن جويرية، ثم قال: رجع الحديث إلى الأول. قالوا: ولما احتضر معاوية أرسل إلى يزيد فأوصاه وقال: انظر حسين بن فاطمة، فإنه أحب الناس إلى الناس، فصل رحمه، وارفق به، فإن بك منه شيء، فإني أرجو أن يكفيكه الله بمن قتل أباه وخذل أخاه. ولما بويع يزيد كتب إلى الوليد بن عتبة أمير المدينة: أن أدع الناس إلى البيعة، وابدأ بوجوه قريش، وليكن أول من تبدأ به الحسين، وارفق به، فبعث الوليد في الليل إلى الحسين وابن الزبير، وأخبرهما بوفاة معاوية، ودعاهما إلى البيعة، فقالا: نصبح وننظر فيما يصنع الناس، ووثبا فخرجا، وأغلظ الوليد للحسين، فشتمه الحسين وأخذ بعمامته فنزعها، فقال الوليد: إن هجنا بأبي عبد الله إلا أسداً، فقيل للوليد: اقتله، قال: إن ذلك لدم مصون. وخرج الحسين وابن الزبير لوقتهما إلى مكة، ونزل الحسين بمكة دار العباس. ولزم عبد الله الحجر، فلبس المغافر، وجعل يحرض على بني أمية، وكان يتردد إلى الحسين، ويشير عليه أن يقدم العراق ويقول له: هم شيعتكم، وكان ابن عباس يقول له: لا تفعل. وقال له عبد الله بن مطيع: فداك أبي وأمي متعنا بنفسك ولا تسر إلى العراق، فوالله لئن قتلك هؤلاء القوم ليتخذنا خولاً أو عبيداً.) وقد لقي عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس بن أبي ربيعة بالأبواء، منصرفين من العمرة، فقال لهما ابن عمر: أذكركما الله إلا رجعتما، فدخلتما (5/7)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 8 في صالح ما يدخل فيه الناس، وننظر، فإن أجمع على يزيد الناس لم تشذا، وإن افترقوا عليه كان الذي تريدان. وقال ابن عمر للحسين: لا تخرج فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خيره الله بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة، وإنك بضعة منه، ولا تنالها يعني الدنيا فاعتنقه وبكى، وودعه، فكان ابن عمر يقول: غلبنا حسين بالخروج، ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة، ورأى من الفتنة وخذلان الناس لهم ما كان ينبغي له أن لا يتحرك ما عاش. وقال له ابن عباس: أين تريد يا ابن فاطمة قال: العراق وشيعتي، قال: إني لكاره لوجهك هذا، تخرج إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك، حتى تركهم سخطة وملهم، أذكرك الله أن تغرر بنفسك. الواقدي: حدثني عبد الله بن جعفر المخرمي، عن أبي عون قال: خرج الحسين من المدينة، فمر بابن مطيع وهو يحفر بئره، فقال: إلى أين، فداك أبي وأمي متعنا بنفسك ولا تسر، فأبى الحسين، قال: إن بئري هذه رشحها، وهذا اليوم ما خرج إلينا في الدلو، ماء، فلو دعوت لنا فيها بالبركة، قال: هات من مائها، فأتى بما في الدلو فشرب منه، ثم مضمض، ثم رده في البئر. وقال أبو سعيد: غلبني الحسين على الخروج، وقد قلت له: اتق الله والزم بيتك، ولا تخرج على إمامك، وكلمه في ذلك جابر بن عبد الله، وأبو واقد الليثي، وغيرهما. (5/8)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 9 وقال سعيد بن المسيب: لو أن حسيناً لم يخرج لكان خيراً له. وقد كتبت إليه عمرة بنت عبد الرحمن تعظم عليه ما يريد أن يصنع، وتأمره بلزوم الجماعة، وتخبره أنه إنما يساق إلى مصرعه وتقول: أشهد لحدثتني عائشة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يقتل حسين بأرض بابل. وكتب إليه عبد الله بن جعفر كتاباً يحذره أهل الكوفة، ويناشده الله أن يشخص إليهم. فكتب إليه الحسين: إني رأيت رؤيا، ورأيت فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمرني بأمر أنا ماض له، ولست بمخبر أحداً بها حتى ألاقي عملي. ولم يقبل الحسين غداً، وصمم على المسير إلى العراق. فقال له ابن عباس: والله إني لأظنك) ستقتل غداً بين نسائك وبناتك كما قتل عثمان، وإني لأخاف أن تكون الذي يقاد به عثمان، فإنا لله وإنا إليه راجعون. فقال: يا أبا العباس إنك شيخ قد كبرت، فبكى ابن عباس وقال: أقررت عين ابن الزبير، ولما رأى ابن عباس عبد الله بن الزبير قال له: قد أتى ما أحببت، هذا الحسين يخرج ويتركك والحجاز. ثم تمثل: (يا لك من قنبرة بمعمر .......... خلا لك الجو فبيضي واصفري) ونقري ما شئت أن تنقري وبعث الحسين إلى أهل المدينة، فسار إليه من خف معه من بني عبد المطلب، وهم تسعة عشر رجلاً، ونساء وصبيان، وتبعهم محمد بن الحنفية فأدرك أخاه الحسين بمكة، وأعلمه أن الخروج ليس له برأي، يومه هذا، فأبى الحسين عليه، فحبس محمد ولده، فوجد عليه الحسين وقال: ترغب بولدك عن موضع أصاب فيه وبعث أهل العراق إلى الحسين الرسل، (5/9)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 10 والكتب يدعونه إليهم، فخرج من مكة متوجهاً إلى العراق، في عشر ذي الحجة، فكتب مروان إلى عبيد الله بن زياد أمير الكوفة: أما بعد فإن الحسين قد توجه إليك، وتالله ما أحد أحب إلينا سلمة من الحسين، فإياك أن تفتح على الحسين ما لا يسده شيء. وكتب إليه عمرو بن سعيد بن العاص: أما بعد، توجه إليك الحسين، وفي مثلها تعتق أو تسترق كما تسترق العبيد. وقال جرير بن حازم: بلغ عبيد الله بن زياد مسير الحسين وهو بالبصرة، فخرج على بغاله هو واثنا عشر رجلاً حتى قدموا الكوفة، فاعتقد أهل الكوفة أنه الحسين وهو متلثم، فجعلوا يقولون: مرحباً بابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسار الحسين حتى نزل نهري كربلاء، وبعث عبيد الله عمر بن سعد على جيش. قال: وبعث شمر بن ذي الجوشن فقال: إن قتله وإلا فاقتله وأنت على الناس. وقال محمد بن الضحاك الحزامي، عن أبيه: خرج الحسين إلى الكوفة، فكتب يزيد إلى واليه بالعراق عبيد الله بن زياد: إن حسيناً صائر إلى الكوفة، وقد ابتلي به زمانك من بين الأزمان، وبلدك من بين البلدان، وأنت من بين العمال، وعندها تعتق أو تعود عبداً. فقتله ابن زياد وبعث برأسه إليه. وقال الزبير بن الخريت: سمعت الفرزدق يقول: لقيت الحسين بذات عرق وهو يريد الكوفة، فقال لي: ما ترى أهل الكوفة صانعين معي حمل بعير من كتبهم قلت: لا شيء، يخذلونك، لا) تذهب إليهم. فلم يطعني. وقال ابن عيينة: حدثني بجير، من أهل الثعلبية، قلت له: أين كنت (5/10)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 11 حين مر الحسين؟ قال: غلام قد أيفعت، قال: كان في قلة من الناس، وكان أخي أسن مني، فقال له: يا ابن بنت رسول الله، أراك في قلة من الناس فقال بالسوط، وأشار إلى حقيبة الرحل: هذه خلفي مملوءة كتباً. قال ابن عيينة: وحدثني شهاب بن خراش، عن رجل من قومه قال: كنت في الجيش الذين بعثهم عبيد الله بن زياد إلى الحسين، وكانوا أربعة آلاف يريدون الديلم، فصرفهم عبيد الله إلى الحسين، فلقيت حسيناً، فرأيته أسود الرأس واللحية، فقلت له: السلام عليك يا أبا عبد الله، فقال: وعليك السلام، وكانت فيه غنة. قال شهاب: فحدثت به زيد بن علي، فأعجبه قوله وكانت فيه غنة. ابن سعد، عن الواقدي، وغيره، بإسنادهم، أن عمر بن سعد بن أبي وقاص أرسل رجلاً على ناقة إلى الحسين، يخبره بقتل مسلم بن عقيل، وكان قد بعثه الحسين إلى الكوفة كما مر في سنة ستين، فقال للحسين ولده علي الأكبر: يا أبه ارجع، فإنهم أهل العراق وغدرهم، وقلة وفائهم، ولا لك بشيء، فقالت بنو عقيل: ليس هذا حين رجوع، وحرضوه على المضي. وقال الحسين لأصحابه: قد ترون ما يأتينا، وما أرى القوم إلا سيخذلوننا، فمن أحب أن يرجع فليرجع، فانصرف عنه جماعة، وبقي فيمن خرج معه من مكة، فكانت خيلهم اثنين وثلاثين فرساً. وأما ابن زياد فجمع المقاتلة وأمر لهم بالعطاء. وقال يزيد الرشك: حدثني من شافه الحسين قال: رأيت أبنية مضروبة بالفلاة للحسين، فأتيته، فإذا شيخ يقرأ القرآن والدموع تسيل على خديه، فقلت: بأبي وأمي يا بن بنت رسول الله، ما أنزلك هذه البلاد والفلاة التي (5/11)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 12 ليس بها أحد قال: هذه كتب أهل الكوفة إلي، ولا أراهم إلا قاتلي، فإذا فعلوا ذلك لم يدعوا لله حرمة إلا انتهكوها، فيسلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من فرم الأمة، يعني مقنعتها. قلت: ندب ابن زياد لقتال الحسين، عمر بن سعد بن أبي وقاص. فروى الزبير بن بكار، عن محمد بن حسين قال: لما نزل عمر بن سعد بالحسين أيقن أنهم قاتلوه، فقام في أصحابه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: قد نزل بنا ما ترون، إن الدنيا قد تغيرت وتنكرت، وأدبر معروفها، واستمرت حتى لم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء، وإلا خسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا) ترون الحق لا يعمل به، والباطل لا ينتاهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله، وإني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برماً. وقال خالد الحذاء، عن الجريري، عن عبد الله أو غيره، إن الحسين لما أرهقه السلاح قال: ألا تقبلون مني ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل من المشركين قيل: وما كان يقبل منهم قال: كان إذا جنح أحدهم للسلم قبل منه، قالوا: لا، قال: فدعوني أرجع، قالوا: لا، قال: فدعوني آتي أمير المؤمنين يزيد. فأخذ له رجل السلاح، فقال له: أبشر بالنار، فقال: بل إن شاء الله برحمة ربي وشفاعة نبيي، قال: فقتل وجيء برأسه حتى وضع في طست بين يدي ابن زياد، فنكته بقضيبه وقال: لقد كان غلاماً صبيحاً، ثم (5/12)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 13 قال: أيكم قاتله؟ فقال الرجل، فقال: ما قال لك فأعاد الحديث، فاسود وجهه. وروى ابن سعد في الطبقات بأسانيده، قالوا: وأخذ الحسين طريق العذيب، حتى نزل قصر أبي مقاتل، فخفق خفقة، ثم انتبه يسترجع وقال: رأيت كأن فارساً يسايرنا ويقول: القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم، فعلمت أنه نعى إلينا أنفسنا، ثم سار فنزل بكربلاء، فسار إليه عمر بن سعد في أربعة آلاف كالمكره، واستعفى عبيد الله فلم يعفه، ومع الحسين خمسون رجلاً، وتحول إليه من الجيش عشرون رجلاً، وكان معه من أهل بيته تسعة عشر رجلاً، وقتل عامة أصحابه حوله، وذلك في يوم الجمعة يوم عاشوراء، وبقي عامة نهاره لا يقدم عليه أحد، وأحاطت به الرجالة، فكان يشد عليهم فيهزمهم، وهم يتدافعونه، يكرهون الإقدام عليه، فصاح بهم شمر: ثكلتكم أمهاتكم ماذا تنتظرون به فطعنه سنان بن أنس النخعي في ترقوته، ثم انتزع الرمح وطعن في بواني صدره، فخر رضي الله عنه صريعاً، واحتز رأسه خولي الأصبحي، لا رحمه الله ولا رضي عنه. وقال أبو معشر نجيح، عن بعض مشيخته، إن الحسين رضي الله عنه قال حين نزلوا كربلاء: ما اسم هذه الأرض قالوا: كربلاء، قال: كرب وبلاء، فبعث عبيد الله عمر بن سعد فقابلهم، فقال الحسين: يا عمر اختر مني إحدى ثلاث: إما أن تتركني أن أرجع، أو أن تسيرني إلى يزيد فأضع يدي في (5/13)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 14 يده، فيحكم في ما أرى، فإن أبيت فسيرني إلى الترك، فأقاتلهم حتى أموت. فأرسل عمر إلى ابن زياد بذلك، فهم أن يسيره إلى يزيد، فقال له شمر بن جوشن كذا قال، والأصح شمر بن ذي الجوشن: لا أيها الأمير، إلا أن ينزل على حكمك، فأرسل إليه بذلك،) فقال الحسين: والله لا أفعل. وأبطأ عمر، فأرسل إليه ابن زياد شمر المذكور فقال: إن تقدم عمر وقاتل وإلا فاقتله وكن مكانه، وكان مع عمر ثلاثون رجلاً من أهل الكوفة، قالوا: يعرض عليكم ابن بنت رسول الله ثلاث خصال، فلا تقبلون منها شيئاً وتحولوا مع الحسين فقاتلوا. وقال عباد بن العوام، عن حصين، عن سعد بن عبيدة قال: رأيت الحسين وعليه جبة برود، ورماه رجل يقال له عمرو بن خالد الطهوي بسهم، فنظرت إلى السهم معلقاً بجنبه. وقال ابن عيينة، عن أبي موسى، عن الحسن قال: قتل مع الحسين رضي الله عنه ستة عشر رجلاً من أهل بيته. وعن غير واحد قالوا: قاتل يومئذ الحسين، وكان بطلاً شجاعاً إلى أن أصابه سهم في حنكه، فسقط عن فرسه، فنزل شمر، وقيل غيره، فاحتز رأسه، فإنا لله وإنا إليه راجعون. (5/14)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 15 وروى شريك عن مغيرة قال: قالت مرجانة لابنها عبيد الله: يا خبيث، قتلت ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا ترى الجنة أبداً. وقال عباد بن العوام، عن حصين: حدثني سعد بن عبيدة قال: إنا لمستنقعين في الفرات مع عمر بن سعد، إذ أتاه رجل فساره، فقال: قد بعث إليك عبيد الله جويرة بن بدر التميمي، وأمره إن أنت لم تقاتل أن يضرب عنقك، قال: فوثب على فرسه، ودعا بسلاحه وعلا فرسه، ثم سار إليهم، فقاتلهم حتى قتلهم، قال سعد: وإني لأنظر إليهم، وإنهم لقريب مائة رجل، ففيهم من صلب علي رضي الله عنه خمسة أو سبعة، وعشرة من الهاشميين، ورجل من بني سليم، وآخر من بني كنانة. وروى أبو شيبة العبسي، عن عيسى بن الحارث الكندي قال: لما قتل الحسين مكثنا أياماً سبعة، إذا صلينا العصر نظرنا إلى الشمس على أطراف الحيطان، كأنها الملاحف المعصفرة، وبصرنا إلى الكواكب، يضرب بعضها بعضاً. وقال المدائني، عن علي بن مدرك، عن جده الأسود بن قيس قال: احمرت آفاق السماء بعد قتل الحسين ستة أشهر، يرى فيها كالدم، فحدثت بذلك شريكاً، فقال لي: ما أنت من الأسود فقلت: هو جدي أبو أمي، فقال: أما والله إن كان لصدوق الحديث. وقال هشام بن حسان، عن ابن سيرين قال: تعلم هذه الحمرة في الأفق مم هو من يوم قتل الحسين.) رواه سليمان بن حرب، عن حماد، عنه. وقال جرير بن عبد الحميد، عن زيد بن أبي زياد قال: قتل الحسين ولي أربع عشرة سنة، وصار الورس الذي في عسكرهم رماداً، واحمرت آفاق السماء، ونحروا ناقة في عسكرهم، وكانوا يرون في لحمها النيران. (5/15)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 16 وقال ابن عيينة: حدثتني جدتي قالت: لقد رأيت الورس عاد رماداً، ولقد رأيت اللحم كأن فيه النار حين قتل الحسين. وقال حماد بن زيد: حدثني جميل بن مرة قال: أصابوا إبلاً في عسكر الحسين يوم قتل، فنحروها وطبخوها، فصارت مثل العلقم. وقال قرة بن خالد: ثنا أبو رجاء العطاردي قال: كان لنا جار من بلهجيم، فقدم الكوفة فقال: ما ترون هذا الفاسق ابن الفاسق قتله الله يعني الحسين، قال أبو رجاء: فرماه الله بكوكبين من السماء، فطمس بصره، وأنا رأيته. وقال معمر بن راشد: أوما عرف الزهري تلكم في مجلس الوليد بن عبد الملك، فقال الوليد: تعلم ما فعلت أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين فقال الزهري: إنه لم يقلب حجر إلا وجد تحته دم عبيط. وروى الواقدي، عن عمر بن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه قال: أرسل عبد الملك إلى ابن رأس جالوت فقال: هل كان في قتل الحسين علامة قال: ما كشف يومئذ حجر إلا وجد تحته دم عبيط. وقال جعفر بن سليمان: حدثتني أم سالم خالتي قالت: لما قتل الحسين مطرنا مطراً كالدم على البيوت والجدر. وقال علي بن زيد بن جدعان، عن أنس قال: لما قتل الحسين جيء برأسه إلى عبيد الله بن زياد، فجعل ينكت بقضيب على ثناياه وقال: إن كان (5/16)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 17 لحسن الثغر، فقلت: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل موضع قضيبك من فيه. وقال حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصف النهار، أشعث أغبر، وبيده قارورة فيها دم، فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله، ما هذا قال: هذا دم الحسين وأصحابه، لم أزل منذ اليوم ألتقطه، فأحصي ذلك اليوم، فوجدوه) قتل يومئذ. وعن سلمى أنها دخلت على أم سلمة وهي تبكي فقالت: ما يبكيك قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، على رأسه ولحيته التراب، فقلت: ما لك يا رسول الله قال: شهدت قتل الحسين آنفاً. أخرجه الترمذي من حديث أبي خالد الأحمر: ثنا رزين، حدثتني سلمى. قلت: رزين هو ابن حبيب، كوفي. قال الترمذي: هذا حديث غريب. وقال حماد بن سلمة، عن عمار: سمعت أم سلمة قالت: سمعت الجن تبكي على حسين وتنوح عليه. وروي عن أم سلمة نحوه من وجه آخر. وروى عطاء بن مسلم، عن أبي جناب الكلبي قال: ثم أتيت كربلاء، فقلت لرجل من أشراف العرب بها: بلغني أنكم تسمعون نوح الجن، فقال: ما تلقى أحداً إلا أخبرك أنه سمع ذلك، قلت: فأخبرني ما سمعت أنت، قال: سمعتهم يقولون: (5/17)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 18 (مسح الرسول جبينه .......... فله بريق في الخدود)

(أبواه من عليا قري .......... ش وجده خير الجدود) رواه ثعلب في أماليه. ثنا عمر بن شيبة: ثنا عبيد بن جناد: ثنا عطاء، فذكره. وقال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن حسن المخزومي قال: لما أدخل ثقل الحسين على يزيد ووضع رأسه بين يديه بكى يزيد وقال: (نفلق هاماً من رجال أحبة .......... إلينا وهم كانوا أعق وأظلما) أما والله لو كنت أنا صاحبك ما قتلتك أبداً. فقال علي بن الحسين: ليس هكذا، قال: فكيف يا بن أم قال: ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها، وعنده عبد الرحمن بن الحكم أخو مروان، فقال: (لهام بجنب الطف أدنى قرابة .......... من ابن زياد العبد ذي النسب الوغل)

(سمية أمسى نسلها عدد الحصى .......... وبنت رسول الله ليس لها نسل) قال يحيى بن بكير: حدثني الليث بن سعد قال: أبى الحسين أن يستأسر، فقاتلوه، فقتل، وقتل ابنه) وأصحابه بالطف، وانطلق ببنيه: علي وفاطمة وسكينة إلى عبيد الله بن زياد، فبعث بهم إلى يزيد بن معاوية، فجعل (5/18)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 19 سكينة خلف سريره، لئلا ترى رأس أبيها، وعلي بن الحسين في غل، فضرب يزيد على ثنيتي الحسين رضي الله عنه وقال: (نفلق هاماً من أناس أعزة .......... علينا وهم كانوا أعق وأظلما) فقال علي: ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها فثقل على يزيد أن تمثل ببيت، وتلا علي آية فقال: فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير، فقال: أما والله لو رآنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مغلوبين، لأحب أن يحلنا من الغل، قال: صدقت، حلوهم، قال: ولو وقفنا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعد لأحب أن يقربنا، قال: صدقت، قربوهم، فجعلت فاطمة وسكينة يتطاولان ليريا رأس أبيهما، وجعل يزيد يتطاول في مجلسه، فيستره عنهما، ثم أمر بهم فجهزوا، وأصلح آلتهم وأخرجوا إلى المدينة. كثير بن هشام: ثنا جعفر بن برقان، عن يزيد بن أبي زياد قال: لما أتي يزيد بن معاوية برأس الحسين جعل ينكت بمخصرة معه سنه ويقول: ما كنت أظن أبا عبد الله بلغ هذا السن، وإذا لحيته ورأسه قد نصل من الخضاب الأسود. وقال ابن سعد، عن الواقدي، والمديني، عن رجالهما، أن محفز بن ثعلبة العائذي، عائذة قريش، قدم برأس الحسين على يزيد فقال: أتيتك يا أمير المؤمنين برأس أحمق الناس وألأمهم، قال يزيد: ما ولدت أم محفز أحمق وألأم، لكن الرجل لم يقرأ كتاب الله: تؤتي الملك من تشاء وتنزع (5/19)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 20 الملك ممن تشاء الآية. ثم بعث يزيد برأس الحسين على عامله على المدينة، فقال: وددت أنه لم يبعث به إلي، ثم أمر به، فدفن بالبقيع عند قبر أمه فاطمة، رضي الله عنها. وقال عبد الصمد بن سعيد القاضي: ثنا سليمان بن عبد الحميد البهراني: سمعت أبا أمية الكلاعي، سمعت أبا كرب قال: كنت في القوم الذين توثبوا على الوليد بن يزيد، وكنت فيمن نهب خزائنهم بدمشق، فأخذت سفطاً وقلت: فيه غنائي، فركبت فرسي وجعلته بين يدي، وخرجت من باب توما، ففتحته، فإذا بحريرة فيها رأس مكتوب عليه: هذا رأس الحسين، فحفرت له بسيفي ودفنته. وقال ابن جرير الطبري: حدثت عن أبي عبيدة، أن يونس بن حبيب حدثه قال: لما قتل الحسين) وبنو أبيه، بعث ابن زياد برؤوسهم إلى يزيد، فسر بقتلهم أولاً، ثم ندم فكان يقول: وما علي لو احتملت الأذى وأنزلت الحسين معي، وحكمته فيما يريد، وإن كان علي في ذلك وهن في سلطاني حفظاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورعاية لحقه وقرابته، لعن الله ابن مرجانة يريد عبيد الله، فإنه أخرجه واضطره، وقد كان سأل أن يخلى سبيله، ويرجع من حيث أقبل، أو يأتيني فيضع يده في يدي، أو يلحق بثغر من الثغور، فأبى ذلك ورده عليه، فأبغضني بقتله المسلمون. وقال المدائني، عن إبراهيم بن محمد، عن عمرو بن دينار: حدثني محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه قال: لما قتل الحسين دخلنا الكوفة، فلقينا رجل، فدخلنا منزله، فألحفنا، فنمت، فلم استيقظ إلا بحس الخيل في الأزقة، فحملنا إلى يزيد، فدمعت عينه حين رآنا، وأعطانا ما شئنا وقال: إنه (5/20)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 21 سيكون في قومك أمور، فلا تدخل معهم في شيء، فلما كان من أهل المدينة ما كان، كتب مع مسلم بن عقبة كتاباً فيه أماني، فلما فرغ مسلم من الحرة بعث إلي، فجئته وقد كتبت وصيتي، فرمى إلي بالكتاب، فإذا فيه: استوص بعلي ابن الحسين خيراً، وإن دخل معهم، في أمرهم فأمنه واعف عنه، وإن لم يكن معهم فقد أصاب وأحسن. وقال غير واحد: قتل مع الحسين ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب، وقد كان في آخر سنة ستين، قتله ابن زياد صبراً، وكان الحسين قد قدمه إلى الكوفة، ليخبر من بها من شيعته بقدومه، فنزل على هانيء بن عروة المرادي، فأحس به عبيد الله بن زياد، فقتل مسلماً وهانئاً. وممن قتل مع الحسين يوم عاشوراء إخوته بنو أبيه: جعفر، وعتيق، ومحمد، والعباس الأكبر بنو علي، وابنه الأكبر علي وهو غير علي زين العابدين، وابنه عبد الله بن الحسين، وابن أخيه القاسم بن الحسين، ومحمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وأخوه عون، وعبد الله، وعبد الرحمن ابنا مسلم بن عقيل، رضي الله عنهم. وفيها: ظناً وتخميناً، قدم على ابن الزبير وهو بمكة المختار بن أبي عبيد الثقفي من الطائف، وكان قد طرد إلى الطائف، وكان قوي النفس، شديد البأس، يظهر المناصحة والدهاء، وكان يختلف إلى محمد بن الحنفية، فيسمعون منه كلاماً ينكرونه، فلما مات يزيد استأذن ابن الزبير في المضي إلى العراق، فأذن له وركن إليه، وكتب إلى عامله على العراق عبد الله بن مطيع يوصيه به، فكان يختلف إلى ابن مطيع، ثم أخذ يعيب في الباطن ابن الزبير ويثني على ابن) الحنفية، ويدعو إليه، ويحرض أهل الكوفة على ابن مطيع، ويكذب وينافق، فراج أمره واستغوى طائفة، وصار له شيعة، إلى أن خافه ابن مطيع، وهرب منه، كما سيأتي إن شاء الله تعالى. (5/21)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 22 4 (حوادث سنة اثنتين وستين)

4 (المتوفون في هذه السنة) توفي فيها: بريدة بن الحصيب، وعبد المطلب بن ربيعة بن الحارث الهاشمي، ومسلمة بن مخلد، وأبو مسلم الخولاني الداراني الزاهد، وعلقمة بن قيس النخعي الفقيه. 4 (الجارود أميرا على السند) وفيها استعمل عبيد الله بن زياد أمير العراق على السند المنذر بن الجارود العبدي، ولأبنه الجارود بن عمرو صحبة. وكان المنذر من وجوه أهل البصرة من أصحاب علي، قتله الحجاج. وفيها غزا سلم بن أحور خوارزم فصالحوه على مال، ثم عبر إلى سمرقند، فنازلها، فصالحوه أيضاً. وفيها نقض أهل كابل، وأخذوا أبا عبيدة بن زياد بن أبي سفيان بن حرب أسيراً، فسار أخوه يزيد في جيش، فهجم عليهم، فقاتلوه، فقتل يزيد، وقتل معه زيد بن جدعان التيمي والد علي بن زيد، وصلة بن أشيم العدوي، وولداه، وعمرو بن قثم، وبديل بن نعيم العدوي، وعثمان بن آدم العدوي، في رجال من أهل الصدق. قاله خليفة. وأقام الموسم للناس عثمان بن محمد بن أبي سفيان بن حرب. (5/22)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 23 4 (حوادث سنة ثلاث وستين)

4 (المتوفون في هذه السنة) فيها توفي: ربيعة بن كعب الأسلمي، ومسروق بن الأجدع. وفيها وقعة الحرة على باب طيبة، واستشهد فيها خلق وجماعة من الصحابة. وفيها بعث سلم بن زياد: ابن أبيه طلحة بن عبد الله الخزاعي والياً على سجستان، فأمره أن يفدي أخاه من الأسر، ففداه بخمسمائة ألف، وأقدمه على أخيه، وأقام طلحة بسجستان. فيها غزا عقبة بن نافع من القيروان، فسار حتى أتى السوس الأقصى، وغنم وسلم، ورد، فلقيه) كسيلة وكان نصرانياً، فالتقيا، فاستشهد في الوقعة عقبة بن نافع، وأبو المهاجر دينار مولى الأنصار، وعامة أصحابهما. ثم سار كسيلة الكلب، فسار لحربه زهير بن قيس البلوي خليفة عقبة على القيروان، فقتل في الوقعة كسيلة، وهزم جنوده، وقتلت منهم مقتلة كبيرة. 4 (قصة الحرة) قال جويرية بن أسماء: سمعت أشياخنا يقولون: وفد إلى يزيد عبد الله بن حنظلة بن الغسيل الأوسي المدني، وله صحبة، وفد في ثمانية بنين له، (5/23)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 24 فأعطاه يزيد مائة ألف، وأعطى لكل ابن عشرة آلاف، سوى كسوتهم، فلما رجع إلى المدينة قالوا: ما وراءك قال: أتيتكم من عند رجل والله لو لم أجد إلا بني هؤلاء لجاهدته بهم، قالوا: إنه قد أكرمك وأعطاك، قال: نعم وما قبلت ذلك منه إلا لأتقوى به عليه، ثم حض الناس فبايعوه. وقال خليفة بن خياط: قال أبو اليقظان: دعوا إلى الرضا والشورى وأمروا على قريش عبد الله بن مطيع العدوي، وعلى الأنصار عبد الله بن حنظلة، وعلى قبائل المهاجرين معقل بن سنان الأشجعي، وأخرجوا من بالمدينة من بني أمية. وقال غيره: خلعوا يزيد، فأرسل إليهم جيشاً عليه مسلم بن عقبة، وأرسل أهل المدينة إلى مياه الطريق، فصبوا في كل ماء زق قطران وغوروه، فأرسل الله السماء عليهم، فما استقوا بدلو. وجاء من غير وجه أن يزيد لما بلغه وثوب أهل المدينة بعامله وأهل بيته، ونفيهم، جهز لحربهم مسلم بن عقبة المري، وهو شيخ، وكانت به النوطة، وجهز معه جيشاً كثيفاً، فكلم يزيد عبد الله بن جعفر بن أبي طالب في أهل المدينة، وكان عنده، وقال: إنما تقتل بهم نفسك، فقال: أجل أقتل بهم نفسي وأشقى، ولك عندي واحدة، آمر مسلماً أن يتخذ المدينة طريقاً، فإن هم لم ينصبوا له الحرب، وتركوه يمضي إلى ابن الزبير فيقاتله، وإن منعوه وحاربوه قاتلهم، فإن ظفر بهم قتل من أشرف له وأنهبها ثلاثاً، ثم يمضي إلى ابن الزبير. فكتب عبد الله بن جعفر إلى أهل المدينة أن لا تعرضوا لجيشه، فورد مسلم بن عقبة، فمنعوه ونصبوا له الحرب، ونالوا من يزيد، فأوقع بهم وأنهبها ثلاثاً، وسار إلى الزبير، فمات بالمشلل، وعهد (5/24)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 25 إلى حصين بن نمير في أول سنة أربع وستين. وروى محمد بن عجلان، عن زيد بن أسلم قال: دخل عبد الله بن مطيع ليالي الحرة على ابن عمر، فقال ابن عمر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من نزع يداً من طاعة لم يكن) له حجة يوم القيامة، ومن مات مفارقاً للجماعة فإنه يموت موتة جاهلية. وقال المدائني: توجه مسلم بن عقبة إلى المدينة في اثني عشر ألف رجل، ويقال في اثني عشر ألف فارس، وخمسة عشر راجل، ونادى منادي يزيد: سيروا على أخذ أعطياتكم، ومعونة أربعين ديناراً لكل رجل. وقال النعمان بن بشير ليزيد: وجهني أكفك، قال: لا، ليس لهم إلا هذا، والله لا أقبلهم بعد إحساني إليهم وعفوي عنهم مرة بعد مرة، فقال: أنشدك الله يا أمير المؤمنين في عشيرتك وأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال له عبد الله بن جعفر: أرأيت إن رجعوا إلى طاعتك، أتقبل ذلك منهم قال: إن فعلوا فلا سبيل عليهم، يا مسلم إذا دخلت المدينة ولم تصد عنها، وسمعوا وأطاعوا فلا تعرضن لأحد، وامض إلى الملحد ابن الزبير، وإن صدوك عن المدينة فادعهم ثلاثة أيام، فإن لم يجيبوا فاستعن بالله وقاتلهم، فستجدهم أول النهار مرضى، وآخره صبراً، سيوفهم أبطحية، فإذا ظهرت عليهم، فإن كان بنو أمية قد قتل منهم أحد فجرد السيف واقتل المقبل والمدبر، وأجهز على الجريح وانهبها ثلاثاً، واستوص بعلي بن الحسين، وشاور حصين بن نمير، وإن حدث بك حدث، فوله الجيش. وقال جرير بن حازم، عن الحسن، أنه ذكر الحرة فقال: والله ما كاد ينجو منهم أحد، ولقد قتل ابنا زينب بنت أم سلمة، فأتيت بهما فوضعتهما بين يديها، فقالت: والله إن المصيبة علي فيكما لعظيمة، وهي في هذا وأشارت إلى أحدهما أعظم منها في هذا وأشارت إلى الآخر، لأن هذا (5/25)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 26 بسط يده، وأما هذا فقعد في بيته، فدخل عليه فقتل، فأنا أرجو به. وقال جرير بن عبد الحميد، عن مغيرة قال: نهب مسرف بن عقبة المدينة ثلاثاً، وافتض فيها ألف عذراء. قال يزيد بن الهاد، عن أبي بكر بن المنكدر، عن عطاء بن يسار، عن السائب بن خلاد، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أخاف أهل المدينة أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. رواه مسلم بن أبي مريم، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، عن عطاء عن السائب، وخالفهم موسى بن عقبة، عن عطاء فقال: عن عبادة بن الصامت، والأول أصح. وقال جويرية بن أسماء: سمعت أشياخنا من أهل المدينة يتحدثون قالوا: خرج أهل المدينة يوم) الحرة بجموع كبيرة، وهيئة لم ير مثلها، فلما رآهم أهل الشام كرهوا قتالهم، فأمر مسلم بن عقبة بسريره، فوضع بين الصفين، ثم أمر مناديه: قاتلوا عني، أو دعوا، فشد الناس في قتالهم، فسمعوا التكبير خلفهم من المدينة، وأقحم عليهم بنو حارثة وهم على الحرة، فانهزم الناس، وعبد الله بن حنظلة متساند إلى بعض بنيه يغط نوماً، فنبهه ابنه، فلما رأى ما جرى أمر أكبر بنيه، فقاتل حتى قتل، ثم لم يزل يقدمهم واحداً بعد واحد، حتى أتى على آخرهم، ثم كسر جفر سيفه، فقاتل حتى قتل. وقال وهيب بن خالد: ثنا عمرو بن يحيى، عن أبيه قال: قيل لعبد الله ابن زيد يوم الحرة: ها ذاك ابن حنظلة يبايع الناس على الموت، فقال: لا أبايع عليه أحداً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. إسناده صحيح. (5/26)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 27 وقال الواقدي: أنا ابن أبي ذئب، عن صالح بن أبي حسان، أنا إسماعيل بن إبراهيم المخزومي، عن أبيه، وثنا سعيد بن محمد بن عمرو بن يحيى، عن عبادة بن تميم، كل قد حدثني، قالوا: لما وثب أهل الحرة، وأخرجوا بني أمية عن المدينة، واجتمعوا على عبد الله بن حنظلة، وبايعهم على الموت قال: يا قوم اتقوا الله، فوالله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء، إنه رجل ينكح أمهات الأولاد والبنات والأخوات، ويشرب الخل ويدع الصلاة، قال: فكان ابن حنظلة يبيت تلك الليالي في المسجد، وما يزيد على أن يشرب، يفطر على شربة سويق ويصوم الدهر، وما رؤي رافعاً رأسه إلى السماء إخباتاً، فلما قرب القوم خطب عبد الله بن حنظلة أصحابه، وحرضهم على القتال، وأمرهم بالصدق في اللقاء وقال: اللهم إنا بك واثقون، فصبح القوم المدينة، فقاتل أهل المدينة قتالاً شديداً حتى كثرهم أهل الشام، ودخلت المدينة من النواحي كلها، وابن حنظلة يمشي بها في عصابة من الناس أصحابه، فقال لمولى له: إحم لي ظهري حتى أصلي الظهر، فلما صلى قال له مولاه: ما بقي أحد، فعلام نقيم ولواؤه قائم ما حوله إلا خمسة، فقال: ويحك، إنما خرجنا على أن نموت، قال: وأهل المدينة كالنعام الشرود، وأهل الشام يقتلون فيهم، فلما هزم الناس طرح الدرع، وقاتلهم حاسراً حتى قتلوه، فوقف عليه مروان وهو ماد إصبعه السبابة، فقال: أما والله لئن نصبتها ميتاً لطالما نصبتها حياً. وقال مبارك بن فضالة، عن أبي هارون العبدي قال: رأيت أبا سعيد الخدري ممعط اللحية،) فقلت تعبث بلحيتك فقال: لا، هذا ما لقيت من ظلمة أهل الشام يوم الحرة، دخلوا علي زمن الحرة فأخذوا ما في البيت، ثم دخلت علي طائفة، فلم يجدوا في البيت شيئاً، فأسفوا وقالوا: أضجعوا (5/27)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 28 الشيخ، فأضجعوني، فجعل كل واحد منهم يأخذ من لحيتي خصلة. عن بعضهم قالوا: ودخلوا المدينة ونهبوا وأفسدوا، واستحلوا الحرمة. قال خليفة: فجميع من أصيب من قريش والأنصار يوم الحرة ثلاثمائة وستة رجال، ثم سرد أسماءهم في ست أوراق، قال: وكانت الوقعة لثلاث بقين من ذي الحجة. الواقدي: حدثني أبو بكر بن أبي سبرة، عن يحيى بن شبل، عن أبي جعفر، أنه سأله عن يوم الحرة: هل خرج فيها أحد من بني عبد المطلب قال: لا، لزموا بيوتهم، فلما قدم مسرف وقتل الناس، سأل عن أبي، أحاضر هو قالوا: نعم، قال: ما لي لا أراه فبلغ ذلك أبي فجاءه ومعه ابنا محمد ابن الحنفية، فرحب بهم، وأوسع لأبي على سريره وقال: كيف كنت إن أمير المؤمنين أوصاني بك خيراً، فقال: وصل الله تعالى أمير المؤمنين، ثم سأله عن عبد الله والحسين ابني محمد، فقال: هما ابنا عمي، فرحب بهما. قلت: فمن أصيب يومئذ: أميرهم عبد الله بن حنظلة، وبنوه، وعبد الله ابن زيد بن عاصم الأنصاري الذي حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعقل بن سنان الأشجعي، حامل لواء قومه يوم الفتح، وواسع بن حبان الأنصاري، مختلف في صحبته، وكثير بن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري، أحد من نسخ المصاحف التي سيرها عثمان، رضي الله عنه، إلى الأمصار، وأبوه أفلح، ومحمد بن أبي الجهم بن حذيفة العدوي، ومحمد بن أبي حذيفة، قتلا مع معقل الأشجعي صبراً. وممن قتل يومئذ: سعد، وسليمان، ويحيى، وإسماعيل، وسليط، وعبد الرحمن، وعبد الله بنو زيد بن ثابت لصلبه. قاله محمد بن سعد. وممن قتل يوم الحرة: إبراهيم بن نعيم النحام بن عبد الله بن أسيد (5/28)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 29 القرشي العدوي. قال ابن سعد: كان ابن النحام أحد الرؤوس يوم الحرة، وقتل يومئذ، وكان زوج رقية ابنة عمر بن الخطاب. وقتل يوم الحرة أيضاً محمد بن أبي بن كعب، وعبد الرحمن بن أبي قتادة، ويزيد، ووهب ابنا عبد الله بن زمعة، ويعقوب بن طلحة بن عبيد الله التيمي، وأبو حكيمة معاذ بن الحارث) الأنصاري القاريء، الذي أقامه عمر يصلي بالناس التراويح، وقد روى عن أبي بكر وعمر، وروى عنه سعيد المقبري، ونافع مولى ابن عمر. ومنهم عمران بن أبي أنيس، توفي النبي صلى الله عليه وسلم وله ست سنين، والفضل ابن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، ويزيد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، ومحمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، ومحمد بن ثابت بن قيس بن شماس. قال عوانة بن الحكم: أتى مسلم بن عقبة بين يدي عبد الله بن زمعة ابن الأسود الأسدي فقال: بايع على كتاب الله وسنة نبيه، فامتنع، فأمر به مسلم فقتل. وقال: دخل مسلم بن عقبة المدينة، ودعا الناس إلى البيعة، على أنهم خول ليزيد، يحكم في أهلهم ودمائهم وأموالهم ما شاء، حتى أتي بابن عبد الله بن زمعة، وكان صديقاً ليزيد وصفياً له، فقال: بل أبايعك على أني ابن عم أمير المؤمنين، يحكم في دمي وأهلي، فقال: إضربا عنقه، فوثب مروان بن الحكم فضمه إليه، فقال مسلم: والله لا أقتله أبداً، وقال: إن تنحى مروان، وإلا فاقتلوهما معاً، فتركه مروان، فضربت عنقه. وقتل أيضاً صبراً أبو بكر بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وأبو بكر بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، ويعقوب بن طلحة بن عبيد الله. (5/29)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 30 وجاء أن معقل بن سنان، ومحمد بن أبي الجهم كانا في قصر العرصة، فأنزلهما مسلم بالأمان، ثم قتلهما، وقال لمحمد: أنت الوافد على أمير المؤمنين، فوصلك وأحسن جائزتك، ثم تشهد عليه بالشرب. وقيل: بل قال له: تبايع أمير المؤمنين على أنك عبد قن، إن شاء أعتقك، وإن شاء استرقك، قال: بل أبايع على أني ابن عم لئيم، فقال: إضربوا عنقه. وروي عن مالك بن أنس قال: قتل يوم الحرة من حملة القرآن سبعمائة. قلت: ولما فعل يزيد بأهل المدينة ما فعل، وقتل الحسين وإخوته وآله، وشرب يزيد الخمر، وارتكب أشياء منكرة، بغضه الناس، وخرج عليه غير واحد، ولم يبارك الله في عمره، فخرج عليه أبو بلال مرداس بن أدية الحنظلي. قال ثابت البناني: فوجه عبيد الله بن زياد جيشاً لحربه، فيهم عبد الله ابن رباح الأنصاري، فقتله أبو بلال.) وقال غيره: وجه عبيد الله بن زياد أيضاً عباد بن أخضر في أربعة آلاف، فقاتلوا أبا بلال في سواد ميسان، ثم قتل عباد غيلة. وقال يونس بن عبيد: خرج أبو بلال أحد بني ربيعة بن حنظلة في أربعين رجلاً، فلم يقاتل أحداً، لم يعرض للسبيل، ولا سأل، حتى نفذ زادهم ونفقاتهم، حتى صاروا يسألون، فبعث عبيد الله لقتالهم جيشاً، عليهم عبد الله بن حصن الثعلبي، فهزموا أصحابه، ثم بعث عليهم عباد بن أخضر، فقتلهم أجمعين. (5/30)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 31 وروى غسان بن مضر، عن سعيد بن يزيد قال: خرج أبو بلال من البصرة في أربعين رجلاً، فلم يقاتلوا، فحدثني من كان في قافلة قال: جاءونا يقودون خيولهم، فتكلم أبو بلال فقال: قد رأيتم ما كان يؤتى إلينا، ولعلنا لو صبرنا لكان خيراً لنا، وقد أصابتنا خصاصة، فتصدقوا، إن الله يجزي المتصدقين، قال: فجاءه التجار بالبدر، فوضعوها بين يديه، فقال: لا، إلا درهمين لكل رجل، فلعلنا لا نأكلها حتى نقتل، فأخذ ثمانين درهماً لهم، قال: فسار إليهم جند فقتلوهم. وقال عوف الأعرابي: كان أبو بلال صديقاً لأبي العالية، فلما بلغ أبا العالية خروجه، أتاه فكلمه فما نفع. وقال ابن عيينة: كان أبو بلال يلبس سلاحه في الليل، ويركب فرسه، فيرفع رأسه إلى السماء ويقول: (إني وزنت الذي يبقى لأعدله .......... ما ليس يبقى فلا والله ما اتزنا)

(خوف الأله وتقوى الله أخرجني .......... ويبيع نفسي بما ليست له ثمنا) وخرج نافع بن الأزرق في آخر خلافة يزيد، فاعترض الناس، فانتدب له أهل البصرة مع مسلم بن عبيس العبشمي القرشي، فقتلا كلاهما. قال معاوية بن قرة: خرجت مع أبي في جيش ابن عبيس، فلقيناهم بدولاب، فقتل منا خمسة أمراء. وقال غيره: قتل في الوقعة قرة بن إياس المزني وأبو معاوية، وله صحبة ورواية. وقال أبو اليقطان: قتل ربيعة السليطي مسلم بن عبيس فارس أهل (5/31)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 32 البصرة، ولما قتل ابن الأزرق رأست الخوارج عليهم عبد الله بن ماحوز، فسار بهم إلى المدائن. ولما قتل مسعود المعني غلبوا على الأهواز وجبوا المال، وأتتهم الأمداد من اليمامة والبحرين،) وخرج طواف بن المعلى السدوسي في نفر من العرب، فخرج في يوم عيد، فحكم أبي قال: لا حكم إلا عند قصر أوس، فرماه الناس بالحجارة، وقاتله ابن زياد ثلاثة أيام، قتل وتمزق جمعه. (5/32)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 33 4 (حوادث سنة أربع وستين)

4 (المتوفون في هذه السنة) توفي فيها: ربيعة الجرشي في ذي الحجة بمرج راهط، وشقيق بن ثور السدوسي، والمسور بن مخرمة، والضحاك بن قيس الفهري، ويزيد بن معاوية، ومعن بن يزيد السلمي، وابنه ثور، والنعمان بن بشير في آخرها، ومعاوية بن يزيد بن معاوية، والوليد بن عقبة بن أبي سفيان الأموي، والمنذر ابن الزبير بن العوام، ومصعب بن عبد الرحمن بن عوف، ومسعود بن عمرو الأزدي، ومسلم بن عقبة. قال محمد بن جرير: لما فرغ مسلم بن عقبة المري من الحرة، توجه إلى مكة، واستخلف على المدينة روح بن زنباع الجذامي، فأدرك مسلماً الموت، وعهد بالأمر إلى حصين بن نمير، فقال: أنظر يا برذعة الحمار، لا ترع سمعك قريشاً، ولا تردن أهل الشام عن عدوهم، ولا تقيمن إلا ثلاثاً حتى تناجز ابن الزبير الفاسق، ثم قال: اللهم إني لم أعمل عملاً قط بعد الشهادتين أحب إلي من قتل أهل المدينة، ولا أرجى عندي منه، ثم مات، فقدم حصين على ابن الزبير، وقد بايعه أهل الحجاز، وقدم عليه وفد أهل المدينة، وقدم عليه نجدة بن عامر الحنفي الحروري، في أناس من الخوارج، فجرد أخاه المنذر لقتال أهل الشام، وكان ممن شاهد الحرة، ثم لحق به فقاتلهم ساعة، ثم دعى إلى المبارزة، فضرب كل واحد صاحبه، (5/33)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 34 وخر ميتاً، وقاتل مصعب بن عبد الرحمن حتى قتل، صابرهم ابن الزبير على القتال إلى الليل، ثم حاصروه بمكة شهر صفر، ورموه بالمنجنيق، وكانوا يوقدون حول الكعبة، فأقبلت شررة هبت بها الريح، فأحرقت الأستار وخشب السقف، سقف الكعبة، واحترق قرنا الكبش الذي فدى الله به إسماعيل، وكانا في السقف. قال: فبلغ عبد الله بن الزبير موت يزيد بن معاوية، فنادى بأهل الشام: إن طاغيتكم قد هلك، فغدوا يقاتلون، فقال ابن الزبير للحصين ابن نمير: أدن مني أحدثك، فدنا، فحدثه، فقال: لا نقاتلك، فائذن لنا نطف بالبيت وننصرف، ففعل. وذكر عوانة بن الحكم، أن الحصين سأل ابن الزبير موعداً بالليل، فالتقيا بالأبطح، فقال له الحصين: إن يك هذا الرجل قد هلك، فأنت أحق الناس بهذا الأمر، هلم نبايعك، ثم اخرج معي) إلى الشام، فإن هؤلاء وجوه أهل الشام وفرسانهم، فوالله لا يختلف عليك اثنان، وأخذ الحصين يكلمه سراً، وابن الزبير يجهر جهراً، ويقول: أفعل، فقال الحصين: كنت أظن أن لك رأياً، ألا أراني أكلمك سراً وتكلمني جهراً، وأدعوك إلى الخلافة وتعدني القتل ثم قام وسار بجيشه، وندم ابن الزبير فأرسل وراءه يقول: لست أسير إلى الشام، إني أكره الخروج من مكة، ولكن بايعوا لي الشام، فإني عادل عليكم، ثم سار الحصين، وقل عليهم العلف، واجترأ على جيشه أهل المدينة وأهل الحجاز، وجعلوا يتخطفونهم وذلوا، وسار معهم بنو أمية من المدينة إلى الشام. وقال غيره: سار مسرف بن عقبة وهو مريض من المدينة، حتى إذا صدر عن الأبواء هلك، وأمر على جيشه حصين بن نمير الكندي، فقال: قد دعوتك، وما أدري أستخلفك على الجيش، أو أقدمك فأضرب عنقك، قال: أصلحك الله، سهمك، فارم به حيث شئت، قال: إنك أعرابي جلف جاف، وإن قريشاً لم يمكنهم رجل قط من أذنه إلا غلبوه على رأيه، فسر بهذا (5/34)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 35 الجيش، فإذا لقيت القوم فاحذر أن تمكنهم من أذنيك، لا يكون إلا الوقاف ثم الثقاف ثم الانصراف. 4 (وفاة يزيدبن معاوية) وقال الواقدي: ثنا عبد الله بن جعفر، عن أبي عون قال: جاء نعي يزيد ليلاً، وكان أهل الشام يردون ابن الزبير، قال ابن عون: فقمت في مشربة لنا في دار مخرمة بن نوفل، فصحت بأعلى صوتي: يا أهل الشام، يا أهل النفاق والشؤم، قد والله الذي لا إله إلا هو مات يزيد، فصاحوا وسبوا وانكسروا، فلما أصبحنا جاء شاب فاستأمن، فأمناه، فجاء ابن الزبير، وعبد الله بن صفوان، وأشياخ جلوس في الحجر، والمسور يموت في البيت، فقال الشاب: إنكم معشر قريش، إنما هذا الأمر أمركم، والسلطان لكم، وإنما خرجنا في طاعة رجل منكم، وقد هلك، فإن رأيتم أن تأذنوا لنا فنطوف بالبيت وننصرف إلى بلادنا، حتى يجتمعوا على رجل. فقال ابن الزبير: لا، ولا كرامة، فقال ابن صفوان: لم بلى نفعل ذلك، فدخلا على المسور فقال: ومن أظلم ممن منع مساجد الله الآية، قد خربوا بيت الله، وأخافوا عواده، فأخفهم كما أخافوا عواده، فتراجعوا، وغلب المسور ومات من يومه. قلت: وكان له خمسة أيام قد أصابه من حجر المنجنيق شقة في خده فهشم خده. وروى الواقدي، عن جماعة، أن ابن الزبير دعاهم إلى نفسه، فبايعوه، وأبى عليه ابن عباس) وابن الحنفية وقالا: حتى تجتمع لك البلاد وما عندنا خلاف، فكاشرهما ثم غلظ عليهما سنة ست وستين. 4 (البيعة لابن الزبير) وقال غيره: لما بلغ ابن الزبير موت يزيد بايعوه بالخلافة، لما خطبهم ودعاهم إلى نفسه، وكان قبل ذلك إنما يدعوا إلى الشورى، فبايعوه في رجب. (5/35)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 36 4 (البيعة لمعاوية بن يزيد) ولما هلك يزيد بويع بعده ابنه معاوية بن يزيد، فبقي في الخلافة أربعين يوماً وقيل شهرين، أو أكثر متمرضاً، والضحاك بن قيس يصلي بالناس، فلما احتضر قيل له: ألا تستخلف فأبى وقال: ما أصبت من حلاوتها، فلم أتحمل مرارتها وكان لم يغير أحداً من عمال أبيه. وكان شاباً صالحاً، أبيض جميلاً وسيماً، عاش إحدى وعشرين سنة. وصلى عليه عثمان بن عنبسة بن أبي سفيان، فأرادت بنو أمية عثمان هذا على الخلافة، فامتنع ولحق بخاله عبد الله بن الزبير. وقال حصين بن نمير لمروان بن الحكم عند موت معاوية: أقيموا أمركم قبل أن يدخل عليكم شامكم، فتكون فتنة، فكان رأي مروان أن يرد إلى ابن الزبير فيبايعه، فقدم عليه عبد الله بن زياد هارباً من العراق، وكان عندما بلغه موت يزيد خطب الناس، ونعى إليهم يزيد وقال: اختاروا لأنفسكم أميراً، فقالوا: نختارك حتى يستقيم أمر الناس، فوضع الديون وبذل العطاء، فخرج عليه سلمة الرياحي بناحية البصرة، فدعا إلى ابن الزبير، فمال الناس إليه. وقال سعيد بن يزيد الأزدي: قال عبيد الله لأهل لبصرة: اختاروا لأنفسكم، قالوا: نختارك، فبايعوه وقالوا: أخرج لنا إخواننا، وكان قد ملأ السجون من الخوارج، فقال: لا تفعلوا فإنهم يفسدون عليكم، فأبوا عليه، فأخرجهم، فجعلوا يبايعونه، فما تتام آخرهم حتى أغلظوا له، ثم خرجوا في ناحية بني تميم. وروى جرير بن حازم، عن عمه، أنهم خرجوا، فجعلوا يمسحون أيديهم بجدر باب الإمارة، ويقولون: هذه بيعة ابن مرجانة، واجترأ عليه (5/36)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 37 الناس حتى نهبوا خيله من مربطه. وقال غيره: فهرب بالليل، فاستجار بمسعود بن عمرو رئيس الأزد، فأجاره. ثم إن أهل البصرة بايعوا عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي ببه، ورضوا به أميراً عليهم،) واجتمع الناس لتتمة البيعة، فوثبت الحرورية على مسعود بن عمرو، فقتلوه، وهرب الناس، وتفاقم الشر، وافترق الجيش فرقتين، وكانوا نحواً من خمسين ألفاً، واقتتلوا ثلاثة أيام، فكان على الخوارج نافع بن الأزرق. وقال الزبير بن الخريت، عن أبي لبيد إن مسعوداً جهز مع عبيد الله بن زياد مائة من الأزد، فأقدموه الشام. وروى ابن الخريت، عن أبي لبيد، عن الحارث بن قيس الجهضمي قال: قال ابن زياد: إني لأعرف سوراً كان في قومك، قال الحارث: فوقفت عليه فأردفته على بغلتي، وذلك ليلاً، وأخذ على بني سليم فقال: من هؤلاء قلت: بنو سليم، قال: سلمنا إن شاء الله، ثم مررنا على بني ناجية وهم جلوس معهم السلاح، فقالوا: من ذا قلت: الحارث بن قيس، قالوا: إمض راشداً، فقال رجل: هذا والله ابن مرجانة خلفه، فرماه بسهم، فوضعه في كور عمامته، فقال: يا أبا محمد من هؤلاء قلت: الذين كنت تزعم أنهم من قريش، هؤلاء بنو ناجية، فقال: نجونا إن شاء الله، ثم قال: إنك قد أحسنت وأجملت، فهل تصنع ما أشير به عليك، قد عرفت حال مسعود بن عمرو وشرفه وسنه، وطاعة قومه له، فهل لك أن تذهب بي إليه، فأكون في داره، فهي أوسط الأزد داراً، فإنك إن لم تفعل تصدع عليك قومك قلت: نعم، فانطلقت به، فأشعر مسعود وهو جالس يوقد له بقصب على لبنة، وهو يعالج أحد خفيه بخلعه، فعرفنا فقال: إنه قد كان يتعوذ من طوارق السوء، فقلت له: أفتخرجه بعدما دخل عليك بيتك فأمره، فدخل عليه بيت ابنه (5/37)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 38 عبد الغافر، وركب معي في جماعة من قومه، وطاف في الأزد فقال: إن ابن زياد قد فقد، وإنا لا نأمن أن نلطخ به، فأصبحت الأزد في السلاح، وأصبح الناس قد فقدوا ابن زياد فقالوا: أين توجه، ما هو إلا في الأزد قال خليفة: قال أبو اليقظان: فسار مسعود وأصحابه يريدون دار الإمارة، ودخلوا المسجد، وقتلوا قصاراً كان في ناحية المسجد، ونهبوا دار امرأة، وبعث الأحنف حين علم بذلك إلى بني تميم، فجاءوا، ودخلت الأساورة المسجد فرموا بالنشاب، فيقال: فقأوا عين أربعين نفساً. وجاء رجل من بني تميم إلى مسعود فقتله، وهرب مالك بن مسمع، فلجأ إلى بني عدي، وانهزم الناس. وقال الزبير بن الخريت، عن أبي لبيد: إن عبد الله قدم الشام، وقد بايع أهلها عبد الله بن الزبير،) ما خلا أهل الجابية ومن كان من بني أمية، فبايع هو ومروان وبنو أمية خالد بن يزيد بن معاوية، بعد موت أخيه معاوية، في نصف ذي القعدة، ثم ساروا فالتقوا هم والضحاك بن قيس الفهري بمرج راهط، فاقتتلوا أياماً في ذي الحجة، وكان الضحاك في ستين ألفاً، وكان مروان في ثلاثة عشر ألفاً، فأقاموا عشرين يوماً يلتقون في كل يوم. فقال عبيد الله بن زياد لمروان: إن الضحاك في فرسان قيس، ولن تنال منهم ما تريد إلا بمكيدة، فسلهم الموادعة، وأعد الخيل، فإذا كفوا عن القتال فادهمهم، قال: فمشت بينهم السفراء حتى كف الضحاك عن القتال، فشد عليهم مروان في الخيل، فنهضوا للقتال من غير تعبئة، فقتل الضحاك، وقتل معه طائفة من فرسان قيس. وسنورد من أخباره في اسمه. وقال أبو عبيدة: لما مات يزيد انتقض أهل الري، فوجه إليهم عامر بن مسعود أمير الكوفة محمد بن عمير بن عطارد الدارمي. وكان إصبهبذ الري (5/38)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 39 يومئذ الفرخان، فانهزم الفرخان والمشركون. وفيها ظهرت الخوارج الذين بمصر، ودعوا إلى عبد الله بن الزبير، وكانوا يظنونه على مذهبهم، ولحق به خلق من مصر إلى الحجاز، فبعث ابن الزبير على مصر: عبد الرحمن بن جحدم الفهري، فوثبوا على سعيد الأزدي فاعتزلهم. وأما الكوفيون، فإنهم بعد هروب ابن زياد اصطلحوا على عامر بن مسعود الجمحي، فأقره ابن الزبير. وفيها هدم ابن الزبير الكعبة لما احترقت، وبناها على قواعد إبراهيم الخليل، صلى الله عليه وعلى نبينا الحديث المشهور، وهو في البخاري، ومتنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا عائشة، لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لنقضت الكعبة، ولأدخلت الحجر في البيت، ولجعلت لها بابين، باباً يدخل الناس منه، وباباً يخرجون منه، وقال: إن قريشاً قصرت بهم النفقة، فتركوا من أساس إبراهيم الحجر، واقتصروا على هذا، وقال: إن قومك عملوا لها باباً عالياً، ليدخلوا من أرادوا، أو يمنعوا من أرادوا. فبناه ابن الزبير كبيراً، وألصق بابه بالأرض، فلما قتل ابن الزبير وولي الحجاج على مكة أعاد البيت على ما كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ونقض حائطه (5/39)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 40 من جهة الحجر فصغره، وأخرج منه الحجر، وأخذ ما فضل من الحجارة، فدكها في أرض البيت، فعلا بابه،) وسد الباب الغربي. (5/40)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 41 4 (حوادث سنة خمس وستين)

4 (المتوفون في هذه السنة) توفي فيها: أسيد بن ظهير الأنصاري، وعبد الله بن عمرو بن العاص، ومروان بن الحكم، وسليمان بن صرد، والمسيب بن نجبة، ومالك بن هبيرة السكوني، وله صحبة، والنعمان بن بشير في أول سنة، وقيل في آخر سنة أربع، والحارث بن عبد الله الهمداني الأعور. 4 (البيعة لمروان بن الحكم) ولما انقضت وقعة مرج راهط في أول السنة بايع أكثر أهل الشام لمروان، فبقي تسعة أشهر، ومات، وعهد إلى ابنه عبد الملك. وفيها دخل المهلب بن أبي صفرة الأزدي خراسان أميراً عليها من جهة ابن الزبير، فكلمه أميرها الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي في قتال الأزارقة والخوارج، وأشار بذلك الأحنف بن قيس، وأمدوه بالجيوش، فسار وحارب الأزارقة أصحاب ابن الأزرق، وصابرهم على القتال حتى كسرهم، وقتل منهم أربع آلاف وثمانمائة. (5/41)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 42 وفيها سار مروان بجيوشه إلى مصر، وقد كان كاتبه كريب بن أبرهة، وعابس بن سعيد قاضي مصر، فحاصر جيشه والي مصر لابن الزبير، فخندق على البلد، وخرج أهل مصر، وهو اليوم الذي يسمونه يوم التراويح، لأن أهل مصر كانوا ينتابون القتال ويستريحون، واستحر القتل في المعافر، فقتل منهم خلق، وقتل يومئذ عبد الله بن يزيد بن معد يكرب الكلاعي، أحد الأشراف، ثم صالحوا مروان، فكتب لهم كتاباً بيده، وتفرق الناس، وأخذوا في دفن قتلاهم وفي البكاء، ثم تجهز إلى مصر عبد الرحمن بن جحدم، وأسرع إلى ابن الزبير، وضرب مروان عنق ثمانين رجلاً تخلفوا عن مبايعته. وضرب عنق الأكيدر بن حمام اللخمي سيد لخم وشيخها في هذه الأيام، وكان من قتلة عثمان رضي الله عنه، وذلك في نصف جمادى الآخرة، يوم مات عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. وما قدروا يخرجون بجنازة عبد الله، فدفنوه بداره. واستولى مروان على مصر، وأقام بها شهرين، ثم استعمل عليها ابنه عبد العزيز، وترك عنده أخاه بشر بن مروان، وموسى بن نصير وزيراً، وأوصاه بالمبايعة في الإحسان إلى الأكابر، ورجع إلى الشام.) وفيها وفد الزهري على مروان، قال عنبسة بن سعيد، عن يونس، عن الزهري: وفدت على مروان وأنا محتلم. قلت: وهذا بعيد، وإنما المعروف وفادته أول شيء على عبد الملك في أواخر إمارته. (5/42)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 43 وفيها وجه مروان جيش بن دلجة القيني في أربعة آلاف إلى المدينة، وقال له أنت على ما كان عليه مسلم بن عقبة، فسار ومعه عبيد الله ابن الحكم أخو مروان، وأبو الحجاج يوسف الثقفي، وابنه الحجاج وهو شاب، فجهز متولي البصرة من جهة ابن الزبير عمر بن عبيد الله التيمي جيشاُ من البصرة، فالتقوا هم وحبيش بالربذة في أول رمضان، فقتل حبيش بن دلجة، وعبيد الله بن الحكم، وأكثر ذلك الجيش، وهرب من بقي، فتخطفتهم الأعراب، وهرب الحجاج ردف أبيه. وفيها دعا ابن الزيبر إلى بيعته محمد بن الحنفية، فأبى عليه، فحصره في شعب بني هاشم في جماعة من بيته وشيعته وتوعدهم. وفيها خرج بنو ماحوز بالأهواز وفارس، وتقدم عسكرهم، فاعترضوا أهل المدائن، فقتلوهم أجمعين، ثم ساروا إلى أصبهان، وعليها عتاب بن ورقاء الرياحي، فقتل ابن ماحوز، وانهزم الخوارج الذين معه، ثم أمروا عليهم قطري بن الفجاءة. وأما نجدة الحروري فإنه قدم في العام الماضي في جموعه من الحرورية على ابن الزبير، وقاتلوا معه، فلما ذهب أهل الشام اجتمعوا بابن الزبير وسألوه: ما تقول في عثمان فقال: تعالوا العشية حتى أجيبكم، ثم هيأ أصحابه بالسلاح، فجاءت الخوارج، فقال نافع بن الأزرق لأصحابه: قد خشي الرجل غائلتكم، ثم دنا منه فقال: يا هذا اتق الله، وابغض الجائر، وعاد أول من سن الضلالة، وخالف حكم الكتاب، وإن خالفت فأنت من الذين استمتعوا بخلافهم، وأذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا. (5/43)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 44 ثم تكلم خطيب القوم عبيدة بن هلال، فأبلغ. ثم تكلم ابن الزبير، فقال في آخر مقالته: أنا ولي عثمان في الدنيا والآخرة، قالوا: فبريء الله منك يا عدو الله، فقال: وبريء منكم يا أعداء الله، فتفرقوا على مثل هذا. ورحلوا، فأقبل نافع بن الأزرق الحنظلي، وعبد الله بن صفوان السعدي، وعبد الله بن أباض، وحنظلة بن بيهس، وعبد الله، وعبيد الله، وابن الماحوز اليربوعي، حتى قدموا البصرة، وانطلق أبو طالوت، وأبو فديك عبد الله بن ثور، وعطية اليشكري، فوثبوا باليمامة، ثم اجتمعوا بعد ذلك) على نجدة بن عامر الحنفي الحروري. ولما رجع مروان إلى دمشق إذا مصعب بن الزبير قد قدم في عسكر من الحجاز يطلب فلسطين، فسرح مروان لحربه عمرو بن سعيد الأشدق، فقاتله، فانهزم أصحاب مصعب. وورد أن مروان تزوج بأم خالد بن يزيد بن معاوية، وجعله ولي عهده من بعده، ثم بعده عمرو بن سعيد، ثم لم يتم ذلك. وفيها بايع جند خراسان سلم بن زياد بن أبيه، بعد موت معاوية بن يزيد، وأحبوه حتى يقال: سموا باسمه تلك السنة أكثر من عشرين ألف مولود، فبايعوه على أن يقوم بأمرهم حتى يجتمع الناس على خليفة، ثم نكثوا واختلفوا، فخرج سلم وترك عليهم المهلب بن أبي صفرة، فلقيه بنيسابور عبد الله بن خازم السلمي فقال: من وليت على خراسان فأخبره، قال: ما وجدت في مصر رجلاً تستعمله حتى فرقت خراسان بين بكر بن وائل وأزد (5/44)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 45 عمان ! وقال: اكتب لي عهداً على خراسان، فكتب له، وأعطاه مائة ألف درهم، فأقبل إلى مرو، فبلغ المهلب الخبر، فتهيأ وغلب ابن خازم على مرو، ثم صار إلى سليمان بن مرثد، فاقتتلوا أياماً، فقتل سليمان، ثم سار ابن خازم إلى عمرو بن مرثد وهو بالطالقان في سبعمائة، فبلغ عمراً، فسار إليه، فالتقوا فقتل عمرو، وهرب أصحابه إلى هراة، وبها أوس بن ثعلبة، فاجتمع له خلق كثير وقالوا: نبايعك، على أن تشير إلى ابن خازم فيخرج مضر من خراسان كلها، فقال: هذا بغي، وأهل البغي مخذولون، فلم يطيعوه، وسار إليهم ابن خازم، فخندقوا على هراة، فاقتتلوا نحو سنة، وشرع ابن خازم يلين لهم، فقالوا: لا، إلا أن تخرج مضر من خراسان، وإما أن ينزلوا عن كل سلاح ومال، فقال ابن خازم، وجدت إخواننا قطعاً للرحم، قال: قد أخبرتك أن ربيعة لم تزل غضاباً على ربها مذ بعث الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم من مضر. ثم كانت بينه وبين أوس بعد الحصار الطويل وقعة هائلة، أثخن فيها أوس بالجراحات، وقتلت ربيعة قتلاً ذريعاً، وهرب أوس إلى سجستان فمات بها، وقتل من جنده يومئذ من بكر بن وائل ثمانية آلاف، واستخلف ابن خازم ولده على هراة، ورجع إلى مرو. وفيها سار المختار بن أبي عبيد الثقفي في رمضان من مكة، ومعه إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله أميراً من قبل ابن الزبير على خراج الكوفة، فقدم المختار والكوفة والشيعة، قد اجتمعت على سليمان بن صرد، فليس يعدلون به، فجعل المختار يدعوهم إلى نفسه، وإلى) الطلب بدم الحسين، فتقول الشيعة: هذا سليمان شيخنا، فأخذ يقول لهم: إني قد جئتكم من قبل المهدي محمد بن الحنفية، فصار معه طائفة من الشيعة، ثم قدم على (5/45)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 46 الكوفة عبد الله بن يزيد الخطمي من قبل ابن الزبير، فنبهوه على أمر الشيعة، وأن نيتهم أن يتوبوا، فخطب الماس، وسب قتلة الحسين، ثم قال: ليس هؤلاء القوم وليخرجوا ظاهرين إلى قاتل الحسين عبيد الله بن زياد، فقد أقبل إليهم، وأنا لهم على قتاله ظهير، فقتاله أولى بكم، فقام إبراهيم بن محمد بن طلحة، فنقم عليه هذه المقالة وعابها، فقام إليه المسيب بن نجبة فسبه، وشرعوا يتجهزون للخروج إلى ملتقى عبيد الله بن زياد. وقد كان سليمان بن صرد الخزاعي، والمسيب بن نجبة الفزاري وهما من شيعة علي ومن كبار أصحابه خرجا في ربيع الآخر يطلبون بدم الحسين بظاهر الكوفة في أربعة آلاف، ونادوا: يا لثارات الحسين، وتعبدوا بذلك، ولكن ثبط جماعة وقالوا: إن سليمان لا يصنع شيئاً، إنما يلقي بالناس إلى التهلكة، ولا خبرة له بالحرب، وقام سليمان في أصحابه، فحض على الجهاد وقال: من أراد الدنيا فلا يصحبنا، ومن أراد وجه الله والثواب في الآخرة فذلك، وقام صخر بن حذيفة المزني فقال: آتاك الله الرشد، أيها الناس إنما أخرجتنا التوبة من ذنوبنا، والطلب بدم ابن بنت نبينا ليس معنا دينار ولا درهم، إنما نقدم على حد السيوف. وقام عبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي في قومه، فدخل على سليمان ابن صرد فقال: إنما خرجنا نطلب بدم الحسين، وقتلته كلهم بالكوفة، عمر ابن سعد، وأشراف القبائل، فقالوا: لقد جاء برأي، وما نلقى إن سرنا إلى الشام إلا عبيد الله بن زياد، فقال سليمان: أنا أرى أنه هو الذي قتله، وعبأ الجنود وقال: لا أمان له عندي دون أن يستسلم، فأمضي فيه حكمي، فسيروا إليه، وكان عمر بن سعد في تلك الأيام خائفاً، لا يبيت إلا في قصر الإمارة، فخرج عبد الله بن يزيد الخطمي، وإبراهيم بن محمد فأتيا سليمان بن صرد، فقال: إنكم أحب أهل بلدنا إلينا، فلا تفجعونا بأنفسكم، ولا تنقصوا عددنا (5/46)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 47 بخروجكم، أقيموا معنا حتى نتهيأ، فإذا علمنا أن عدونا قد شارف بلادنا خرجنا كلنا فقاتلناه، فقال سليمان: قد خرجنا لأمر، ولا نرانا إلا شاخصين إن شاء الله، قال: فأقيموا حتى نعبئ معكم جيشاً كثيفاً، فقال: سأنظر ويأتيك رأيي. ثم سار، وخرج معه كل مستميت، وانقطع عنه بشر كثير، فقال سليمان: ما أحب أن من تخلف عنكم معكم، وأتوا قبر الحسين فبكوا، وقاموا يوماً وليلة يصلون عليه ويستغفرون له، وقال) سليمان: يا رب إنا قد خذلناه، فاغفر لنا، وتب علينا. ثم أتاهم كتاب عبد الله بن يزيد من الكوفة ينشدهم الله ويقول: أنتم عدد يسير، وإن جيش الشام خلق، فلم يلووا عليه، ثم قدموا قرقيسياء، فنزلوا بظاهرها وبها زفر بن الحارث الكلابي قد حصنها، فأتى بابها المسيب ابن نجبة، فأخبروا به زفر فقال: هذا وفارس مضر الحمراء كلها، وهو ناسك دين، فأذن له ولاطفه، فقال: ممن نتحصن، إنا والله ما إياكم نريد، فأخرجوا لنا سوقاً، فأمر لهم بسوق، وأمر للمسيب بفرس، وبعث إليهم من عنده بعلف كثير، وبعث إلى وجوه القوم بعشر جزائر وعلف وطعام، فما احتاجوا إلى شراء شيء من السوق، إلا مثل سوط أو ثوب، وخرج فشيعهم وقال: إنه قد بعث خمسة أمراء قد فصلوا من الرقة: حصين بن نمير السكوني، وشرحبيل ابن ذي الكلاع، وأدهم بن محرز الباهلي، وربيعة بن المخارق الغنوي، وجبلة الخثعمي، في عدد كثير، فقال سليمان: على الله توكلنا، قال زفر: فتدخلون مدينتنا، ويكون أمرنا واحداً، ونقاتل معكم، فقال: قد أردنا أهل بلدنا على ذلك، فلم نفعل، قال: فبادروهم إلى عين الوردة، فاجعلوا المدينة في ظهوركم، ويكون الرستاق والماء في أيديكم، ولا تقاتلوا في فضاء، فإنهم أكثر منكم، فيحيطون بكم، ولا تراموهم، ولا تصفوا لهم، فإني (5/47)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 48 لا أرى معكم رجالة والقوم ذوو رجال وفرسان، والقوم كراديس. قال: فعبأ سليمان بن صرد كنانته، وانتهى إلى عين الوردة، فنزل في غربيها، وأقام خمساً، فاستراحوا وأراحوا خيولهم، ثم قال سليمان: إن قتلت فأميركم المسيب، فإن أصيب فالأمير عبد الله بن سعد بن نفيل، فإن قتل فالأمير عبد الله بن وال، فإن قتل فالأمير رفاعة بن شداد، رحم الله من صدق ما عاهد الله عليه، ثم جهز المسيب بن نجبة في أربعمائة، فانقضوا على مقدمة القوم، وعليها شرحبيل بن ذي الكلاع، وهم غارون، فقاتلوهم فهزموهم، وأخذوا من خيلهم وأمتعتهم وردوا، فبلغ الخبر عبيد الله بن زياد. فجهز إليهم الحصين بن نمير في اثني عشر ألفاً، ثم ردفهم بشرحبيل في ثمانية آلاف، ثم أمدهم من الصباح بأدهم بن محرز في عشرة آلاف، ووقع القتال، ودام الحرب ثلاثة أيام قتالاً لم ير مثله، وقتل من الشاميين خلق كثير. وقتل من التوابين وكذا كانوا يسمون، لأنهم تابوا إلى الله من خذلان الحسين رضي الله عنه فاستشهد أمراؤهم الأربعة، لم يخبر رفاعة بمن بقي ورد إلى الكوفة، وكان المختار في الجيش، فكتب إلى رفاعة بن شداد: مرحباً بمن عظم الله لهم الأجر، فأبشروا إن سليمان قضى ما عليه،) ولم يكن بصاحبكم الذي به تنصرون، إني أنا الأمير المأمون، وقاتل الجبارين، فأعدوا واستعدوا، وكان قد حبسه الأميران إبراهيم بن محمد بن طلحة، وعبد الله بن يزيد الخطمي، فبقي أشهراً، ثم بعث عبد الله بن عمر يشفع فيه إلى الأميرين، فضمنه جماعة وأخرجوه، وحلفوه فحلف لهما مضمراً للشر، فشرعت الشيعة تختلف إليه وأمره يستفحل. وكانت الكعبة احترقت في العام الماضي من مجمر، علقت النار في (5/48)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 49 الأستار، فأمر ابن الزبير في هذا العام بهدمها إلى الأساس، وأنشأها محكمة، وأدخل من الحجر فيها سعة ستة أذرع، لأجل الحديث الذي حدثته خالته أم المؤمنين عائشة، ثم إنه لما نقضها ووصلوا إلى الأساس، عاينوه آخذاً بعضه ببعض كأسنمة البخت، وأن الستة أذرع من جملة الأساس، فبنوا على ذلك، ولله الحمد، وألصقوا داخلها بالأرض، لم يرفعوا داخلها، وعملوا لها باباً آخر في ظهرها، ثم سده الحجاج، فذلك بين للناظرين، ثم قصر تلك الستة الأذرع، فأخرجها من البيت، ودك تلك الحجارة رفي أرض البيت، حتى علا كما هو في زماننا، زاده الله تعظيماً. وغلب في هذه السنة عبد الله بن خازم على خراسان، وغلب معاوية الكلابي على السند، إلى أن قدم الحجاج البحرين، وغلب نجدة الحروري على البحرين وعلى بعض اليمن. وأما عبيد الله بن زياد فإنه بعد وقعة عين الوردة مرض بأرض الجزيرة، فاحتبس بها وبقتال أهلها عن العراق نحواً من سنة، ثم قصد الموصل وعليها عامل المختار كما يأتي. (5/49)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 50 4 (حوادث سنة ست وستين)

4 (المتوفون في هذه السنة) توفي فيها: جابر بن سمرة، وزيد بن أرقم على الأصح فيهما، وهبيرة بن يريم، وأسماء بن خارجة الفزاري، وقتل عبيد الله بن زياد بن أبيه، وشرحبيل بن ذي الكلاع، وحصين بن نمير السكوني. وقيل: إنما قتلوا في أول سنة سبع وستين. وفي أثناء السنة عزل ابن الزبير عن الكوفة، أميرها وأرسل عليها عبد الله بن مطيع، فخرج من السجن المختار، وقد التف عليه خلق من الشيعة، وقويت بليته، وضعف ابن مطيع معه، ثم إنه توثب بالكوفة، فناوشه طائفة من أهل الكوفة القتال، فقتل منهم رفاعة بن شداد، وعبد الله بن سعد ابن قيس، وغلب على الكوفة، وهرب منه عبد الله بن مطيع إلى ابن الزبير، وجعل يتبع) قتلة الحسين، وقتل عمر بن سعد بن أبي وقاص، وشمر بن ذي الجوشن الضبابي وجماعة، وافترى على الله أنه يأتيه جبريل بالوحي، فلهذا، قيل له المختار الكذاب، كما قالوا مسيلمة الكذاب. ولما قويت شوكته في هذا العام، كتب إلى ابن الزبير يحط على عبد الله بن مطيع، ويقول: رأيته مداهناً لبني أمية، فلم يسعني أن أقره على ذلك وأنا على طاعتك، فصدقه ابن الزبير وكتب إليه بولاية الكوفة، فكفاه جيش عبيد الله بن زياد، وأخرج من عنده إبراهيم بن الأشتر، وقد جهزه للحرب ابن زياد في ذي الحجة، (5/50)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 51 وشيعه المختار إلى دير ابن أم الحكم، واستقبل إبراهيم أصحاب المختار قد حملوا الكرسي الذي قال لهم المختار: هذا فيه سر، وإنه آية لكم كما التابوت آية لبني إسرائيل، قال: وهم يدعون حول الكرسي ويحفون به، فغضب ابن الأشتر وقال: اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، سنة بني إسرائيل إذا عكفوا على العجل. 5 (فائدة) وافتعل المختار كتاباً عن ابن الحنفية يأمره فيه بنصر الشيعة، فذهب بعض الأشراف إلى ابن الحنفية فقال: وددت أن الله انتصر لنا بمن شاء، فوثب إبراهيم بن الأشتر، وكان بعيد الصوت كثير العشيرة، فخرج وقتل إياس بن مضارب أمير الشرطة، ودخل على المختار فأخبره، ففرح ونادى أصحابه في الليل بشعارهم، واجتمعوا بعسكر المختار بدير هند، وخرج أبو عثمان النهدي فنادى: يا ثارات الحسين، ألا إن أمير آل محمد قد خرج. ثم التقى الفريقان من الغد، فاستظهر المختار، ثم اختفى ابن مطيع، وأخذ المختار يعدل ويحسن السيرة، وبعث في السر إلى ابن مطيع بمائة ألف، وكان صديقه قبل ذلك، وقال: تجهز بهذه واخرج، فقد شعرت أين أنت، ووجد المختار في بيت المال سبعة آلاف، فأنفق في جنده قواهم. قال ابن المبارك، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة: حدثني معبد بن خالد، حدثني طفيل بن جعدة بن هبيرة قال: كان لجار لي زيات، كرسي، وكنت قد احتجت، فقلت للمختار: إني كنت أكتمك شيئاً، وقد بدا لي أن أذكره. قال: وما هو قلت: كرسي كان أبي يجلس عليه، كان يرى أن فيه أثرة من علم، قال: سبحان الله أخرته إلى اليوم، قال: وكان ركبه وسخ (5/51)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 52 شديد، فغسل وخرج عواداً نضاراً، فجيء به وقد غشي، فأمر لهم باثني عشر ألفاً، ثم دعا: الصلاة جامعة، فاجتمعوا فقال: إنه لم يكن في الأمم الخالية أمر إلا وهو كائن في هذه الأمة مثله، وإنه كان في بني إسرائيل التابوت، وإن فينا مثل التابوت، اكشفوا عنه، فكشفوا الأثواب، وقامت السبائية فرفعوا) أيديهم، فقام شبث بن ربعي ينكر، فضرب. فلما قتل عبيد الله بن زياد، وخبره المقتلة الآتية، ازداد أصحابه به فتنة، وتغالوا فيه حتى تعاطوا الكفر، فقلت: إنا لله، وندمت على ما صنعت، فتكلم الناس في ذلك، فغيب، قال معبد: فلم أره بعد. قال محمد بن جرير: ووجه المختار في ذي الحجة ابن الأشتر لقتال ابن زياد، وذلك بعد فراغ المختار من قتال أهل السبيع وأهل الكناسة الذين خرجوا على المختار، وأبغضوه من أهل الكوفة، وأوصى ابن الأشتر وقال: هذا الكرسي لكم آية، فحملوه على بغل أشهب، وجعلوا يدعون حوله ويضجون، ويستنصرون به على قتال أهل الشام، فلما اصطلم أهل الشام ازداد شيعة المختار بالكرسي فتنة، فلما رآهم كذلك إبراهيم بن الأشتر تألم وقال: الله لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، سنة بني إسرائيل إذ عكفوا على العجل. وكان المختار يربط أصحابه بالمحال والكذب، ويتألفهم بما أمكن، ويتألف الشيعة بقتل قتلة الحسين. وعن الشعبي قال: خرجت أنا وأبي مع المختار من الكوفة، فقال لنا: أبشروا، فإن شرطة الله قد حسوهم بالسيوف بنصيبين أو بقرب نصيبين، (5/52)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 53 فدخلنا المدائن، فوالله إنه ليخطبنا إذ جاءته البشرى بالنصر، فقال: ألم أبشركم بهذا قالوا: بلى والله. قال: يقول لي رجل همداني من الفرسان: أتؤمن الآن يا شعبي قلت: بماذا قال: بأن المختار يعلم الغيب، ألم يقل إنهم انهزموا، قلت: إنما زعم أنهم هزموا بنصيبين، وإنما كان ذلك بالخازر من الموصل، فقال لي: والله لا تؤمن حتى ترى العذاب الأليم يا شعبي. وروي أن أحد عمومة الأعشى كان يأتي مجلس أصحابه، فيقولون: قد وضع اليوم وحي ما سمع الناس بمثله، فيه نبأ ما يكون من شيء. وعن موسى بن عامر قال: إنما كان يصنع لهم ذلك عبد الله بن نوف ويقول: إن المختار أمرني به، ويتبرأ منه المختار. وفي المختار يقول سراقة بن مرداس البارقي الأزدي: (كفرت بوحيكم وجعلت نذراً .......... علي هجاكم حتى الممات)

(أري عيني ما لم تبصراه .......... كلانا عالم بالترهات) ) 4 (تفشي الطاعون بمصر) وفيها وقع بمصر طاعون هلك فيه خلق من أهلها. 4 (ضرب الدنانير بمصر) وفيها ضرب الدنانير بمصر عبد العزيز بن مروان، وهو أول من ضربها في الإسلام. (5/53)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 54 وفي ذي الحجة التقى عسكر المختار، وكانوا ثلاثة آلاف، وعسكر ابن زياد فقتل قائد أصحاب ابن زياد، واتفق أن قائد عسكر المختار كان مريضاً فمات من الغد، فانكسر بموته أصحابه وتحيزوا. (5/54)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 55 4 (حوادث سنة سبع وستين)

4 (المتوفون في هذه السنة) فيها توفي: عدي بن حاتم، والمختار بن ابي عبيد الكذاب، وعمر وعبيد الله ابنا علي بن أبي طالب، وزائدة بن عمير الثقفي، ومحمد بن الأشعث بن قيس الكندي، قتل هؤلاء الأربعة في حرب المختار، وقتل عبيد الله وأمراؤه في أول العام. 4 (ذكر واقعة الخازر) في المحرم، وقيل: كانت في يوم عاشوراء، بين إبراهيم بن الأشتر، وكان في ثمانية آلاف من الكوفيين، وبين عبيد الله بن زياد، وكان في أربعين ألفاً من الشاميين، فسار ابن الأشتر في هذا الوقت مسرعاً يريد أهل الشام قبل أن يدخلوا أرض العراق، فسبقهم ودخل الموصل، فالتقوا على خمسة فراسخ من الموصل بالخازر، وكان ابن الأشتر قد عبأ جيشه، وبقي لا يسسير إلا على تقية، فلما تقاربوا أرسل عمير بن الحباب السلمي إلى ابن الأشتر: إني معك. قال: وكان بالجزيرة خلق من قيس، وهم أهل خلاف لمروان، وجند مروان يومئذ كلب، وسيدهم ابن بحدل، ثم أتاه عمير ليلاً فبايعه، وأخبره أنه على مسيرة ابن زياد، ووعده أن ينهزم بالناس، فقال ابن الأشتر: ما رأيك (5/55)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 56 أخندق على نفسي قال: لا تفعل، إنا لله، هل يريد القوم إلا هذه، إن طاولوك وماطلوك فهو خير لكم، هم أضعافكم، ولكن ناجز القوم، فإنهم قد ملئوا منكم رعباً، وإن شاموا أصحابك وقاتلوهم يوماً بعد يوم أنسوا بهم واجترءوا عليهم، فقال: الآن علمت أنك ناصح لي، والرأي ما رأيت، وإن صاحبي بهذا الأمر أمدني، ثم انصرف عمير، وأتقن ابن الأشتر أمره ولم ينم، وصلى بأصحابه بغلس، ثم زحف بهم حتى أشرف من تل على) القوم، فجلس عليه، وإذا أولئك لم يتحرك منهم أحد، فقاموا على دهش وفشل، وساق ابن الأشتر على أمرائه يوصيهم ويقول: يا أنصار الدين وشيعة الحق، هذا عبيد الله بن مرجانة قاتل الحسين، حال بينه وبين الفرات أن يشرب منه هو وأولاده ونساؤه، ومنعه أن ينصرف إلى بلده، ومنعه أن يأتي ابن عمه يزيد فيصالحه حتى قتله، فوالله ما عمل فرعون مثله، وقد جاءكم الله به، وإني لأرجو أن يشفي صدروكم، ويسفك دمه على أيديكم، ثم نزل تحت رايته، فزحف إليه عبيد الله بن زياد، وعلى ميمنته الحصين بن نمير، وعلى ميسرته عمير بن الحباب، وعلى الخيل شرحبيل بن ذي الكلاع، فحمل الحصين على ميسرة ابن الأشتر فحطمها، وقتل مقدمها علي بن مالك الجشمي، فأخذ رايته قرة بن علي، فقتل أيضاً، فانهزمت الميسرة، وتحيزت مع ابن الأشتر، فحمل وجعل يقول لصاحب رايته: إنغمس براتيك فيهم، ثم شد ابن الأشتر، فلا يضرب بسيفه رجلاً إلا صرعه، واقتتلوا قتالاً شديداً، وكثرت القتلى، فانهزم أهل الشام، فقال ابن الأشتر: قتلت رجلاً وجدت منه رائحة المسك، شرقت يداه وغربت رجلاه، تحت راية منفردة على جنب النهر، فالتمسوه فإذا هو عبيد الله بن زياد، قد ضربه فقده بنصفين، وحمل شريك التغلبي على الحصين بن نمير فاعتنقا، فقتل أصحاب شريك حصيناً، ثم تبعهم اصحاب ابن الأشتر، فكان من غرق في الخازر أكثر ممن قتل، ثم إن إبراهيم بن الأشتر دخل الموصل، واستعمل عليها وعلى نصيبين وداراً وسنجار، وبعث (5/56)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 57 برؤوس عبيد الله، والحصين، وشرحبيل بن ذي الكلاع إلى المختار، فأرسلها فنصبت بمكة. وممن قتل مع إبراهيم: هبيرة بن يريم، وممن قتله المختار حبيب بن صهبان الأسدي، ومحمد بن عمار بن ياسر بالكوفة. وفيها وجه المختار أربعة آلاف فارس، عليهم أبو عبد الله الجدلي، وعقبة بن طارق، فكلم الجدلي عبد الله بن الزبير في محمد بن الحنيفة، وأخرجوه من الشعب، ولم يقدر ابن الزبير على منعهم، وأقاموا في خدمة محمد ثمانية أشهر، حتى قتل المختار، وسار محمد إلى الشام. فأما ابن الزبير فإنه غضب على المختار، وبعث لحربه أخاه مصعب بن الزبير، وولاه جميع العراق، فقدم محمد بن الأشعث بن قيس وشبث بن ربعي إلى البصرة يستنصران على المختار، فسير المختار إلى البصرة أحمر ابن شميط، وأبا عمرة كيسان في جيش من الكوفة، حتى نزلوا) المدار، فسار إليهم مصعب بأهل البصرة، وعلى ميمنته وميسرته المهلب بن أبي صفرة، الأسدي. وعمر بن عبيد الله التيمي، فحمل عليهم المهلب، فألجأهم إلى دجلة، ورموا بخيولهم في الماء، وانهزموا، فاتبعوهم حتى أدخلوهم الكوفة، وقتل أحمر بن شميط وكيسان، وقتل من عسكر مصعب: محمد بن الأشعث، وعبيد الله بن علي بن أبي طالب، ودخل أهل البصرة الكوفة، فحصروا المختار في قصر الإمارة، فكان يخرج في رجاله، فيقاتل ويعود إلى القصر، حتى قتله طريف وطرف أخوان من بني حنيفة، في رمضان، وأتيا (5/57)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 58 برأسه إلى مصعب، فأعطاهما ثلاثين ألفاً، وقتل بين الطائفتين سبعمائة. ويقال: كان المختار في عشرين ألفاً، فقتل أكثرهم، والله أعلم. وقتل مصعب خلقاً بدار الإمارة غدراً بعد أن أمنهم، وقتل عمرة بنت النعمان بن بشير الأنصاري امرأة المختار صبراً، لأنها شهدت في المختار عبد صالح. وبلغنا من وجه آخر أن طائفة من أهل الكوفة لما بلغهم مجيء مصعب تسربوا إليه إلى البصرة، منهم شبث بن ربعي، وتحته بغلة قد قطع ذنبها وأذنها، وشق قباءه، وهو ينادي: يا غوثاه، وجاء أشراف أهل الكوفة وأخبروا مصعباً بما جرى، وبوثون عبيدهم وغلمانهم عليهم مع المختار، ثم قدم عليهم محمد بن الأشعث، ولم يكن شهد وقعة الكوفة، بل كان في قصر له بقرب القادسية، فأكرمه مصعب وأدناه لشرفه، ثم كتب إلى المهلب بن أبي صفرة وكان عامل فارس ليقدم، فتوانى عنه، فبعث مصعب خلفه محمد ابن الأشعث، فقال له المهلب: مثلك يأتي بريداً قال: إني والله ما أنا بريد أحد، غير أن نساءنا وأبناءنا غلبنا عليهم عبداؤنا وموالينا، فأقبل المهلب بجيوش وأموال عظيمة، وهيئة ليس بها أحد من أهل البصرة. ولما انهزم جيش المختار انهد لذلك، وقال لنجي له: ما من الموت بد، وحبذا مصارع الكرام، ثم حصر القصر، ودام الحصار أياماً، ثم في أواخر الأمر كان المختار يخرج فيقاتل هو وأصحابه قتالاً ضعيفاً، ثم جهدوا وقل عليهم القوت والماء، وكان نساؤهم يجئن بالشيء اليسير خفية، فضايقهم جيش مصعب، وفتشوا النساء، فقال المختار: ويحكم انزلوا بنا نقاتل حتى نقتل كراماً، وما أنا بآيس إن صدقتموهم أن تنصروا، فضعفوا، فقال: أما أنا فلا والله لا أعطي بيدي، فأملس عبد الله بن جعدة بن هبيرة المخزومي فاختبأ، وأرسل المختار إلى امرأته بنت سمرة بن جندب، فأرسلت إليه بطيب كثير، ثم اغتسل وتحنط وتطيب، ثم خرج حوله تسعة عشر رجلاً،) فيهم السائب بن مالك الأشعري (5/58)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 59 خليفته على الكوفة، فقال السائب: ما ترى قال: أنا أرى أم الله يرى قال: بل الله يرى، ويحك أحمق أنت، إنما أنا رجل من العرب، رأيت ابن الزبير انتزى على الحجاز، ورأيت نجدة انتزى على اليمامة، ورأيت مروان انتزى على الشام، فلم أكن بدونهم، فأخذت هذه البلاد، فكننت كأحدهم، إلا أني طلبت بثأر أهل البيت، فقالت على حسبك إن لم يكن لك نية، قال: إنا لله، وما كنت أصنع بحسبي وقال لهم المختار: أتؤمنوني قالوا: لا، إلا على الحكم، قال: لا أحكمكم في نفسي، ثم قاتل حتى قتل، ثم أمكن أهل القصر من أنفسهم، فبعث إليه مصعب: عباد بن الحصين، فكان يخرجهم مكتفين، ثم قتل سائرهم. فقيل: إن رجلاً منهم قال لمصعب: الحمد لله الذي ابتلانا بالإسار، وابتلاك أن تعفو عنا، فهما منزلتان إحداهما رضا الله والثانية سخطه، من عفا عفا الله عنه، ومن عاقب لم يأمن القصاص، يا ابن الزبير نحن أهل قبلتكم وعلى ملتكم، لسنا تركاً ولا ديماً، فإن خالفنا إخواننا من أهل المصر، فإما أن نكون أصبنا وأخطأوا، وإما أن نكون أخطأنا وأصابوا. فاقتتلنا كما اقتتل أهل الشام بينهم، ثم اصطلحوا واجتمعوا، وقد ملكتم فاسجحوا، وقد قدرتم فاعفوا، فرق لهم مصعب، وأرد أن يخلي سبيلهم، فقام عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، فقال: تخلي سبيلهم إخترنا واخترهم، ووثب محمد بن عبد الرحمن الهمداني فقال: قتل أبي وخمسمائة من همدان وأشراف العشيرة ثم تخلهم، ووثب كل أهل البيت، فأمر بقتلهم، فنادوا: لا تقتلنا واجعلنا مقدمتك إلى أهل الشام غداً، فواله ما بك عنا غناء، فإن ظفرنا فلكم، وإن قتلنا لم نقتل حتى نرقهم لكم، فأبى، فقال مسافر بن سعيد: ما تقول لله غداً إذا قدمت عليه، وقد قتلت أمة من المسلمين صبراً، حكموك في دمائهم، فكان الحق في دمائهم أن لا تقتل (5/59)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 60 نفساً مسلمة بغير نفس، فإن كنا عدة رجال منكم، فاقتلوا عدة منا، وخلوا سبيل الباقي، فلم يستمع له، ثم أمر بكف المختار، فقطعت وسمرت إلى جانب المسجد، وبعث عماله إلى البلاد، وكتب إلى ابن الأشتر يدعوه إلى طاعته ويقول: إن أجبتني فلك الشام وأعنة الخيل. وكتب عبد الملك بن مروان أيضاً إلى ابن الأشتر: إن بايعتني فلك العراق، ثم استشار أصحابه فترددوا، ثم قال: لا أؤثر على مصري وعشيرتي أحداً، وسار إلى مصعب. قال أبو غسان مالك بن إسماعيل: ثنا إسحاق بن سعيد، عن سعيد قال: جاء مصعب إلى ابن عمر، يعني لما وفد على أخيه ابن الزبير، فقال: أي عم، أسألك عن قوم خلعوا الطاعة وقاتلوا،) حتى إذا غلبوا تحصنوا وسألوا الأمان، فأعطوا، ثم قتلوا بعد، قال: كم العدد قال: خمسة آلاف، قال: فسبح ابن عمر، ثم قال: عمرك الله يا مصعب، لو أن امرءاً أتى ماشية للزبير، فذبح منها خمسة آلاف شاة في غداة، أكنت تعده مسرفاً قال: نعم، قال: فتراه إسرافاً في البهائم، وقتلت من وحد الله، أما كان فيهم مستكره أو جاهل ترجى توبته أصب يا ابن أخي من الماء البارد ما استطعت في دنياك. وكان المختار محسناً إلى ابن عمر، يبعث إليه بالجوائز والعطايا، لأنه كان زوج أخت المختار صفية بنت أبي عبيد، وكان أبوهما أبو عبيد الثقفي رجلاً صالحاً، استشهد يوم جسر أبي عبيد، والجسر مضاف إليه، وبقي ولداه بالمدينة. فقال ابن سعد: ثنا محمد بن عمر، ثنا عبد الله بن جعفر، عن أم بكر بنت المسور، وعن رباح بن مسلم، عن أبيه، وإسماعيل بن إبراهيم المخزومي، عن أبيه قالوا: قدم أبو عبيد الله من الطائف، وندب عمر الناس (5/60)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 61 إلى أرض العراق، فخرج أبو عبيد إليها فقتل، وبقي المختار بالمدينة، وكان غلاماً يعرف بالانقطاع إلى بني هاشم، ثم خرج في آخر خلافة معاوية إلى البصرة، فأقام بها يظهر ذكر الحسين، فأخبر بذلك عبيد الله بن زياد، فأخذه وجلده مائة، وبعث به إلى الطائف، فلم يزل بها حتى قام ابن الزبير، فقدم عليه. وقال الطبري في تاريخه: كانت الشيعة تكره المختار، لما كان منه في أمر الحسن بن علي يوم طعن، لما قدم مسلم بن عقيل الكوفة بين يدي الحسين نزل دار المختار، فبايعه وناصحه، فخرج ابن عقيل يوم خرج والمختار في قرية له، فجاءه خبر ابن عقيل أنه ظهر بالكوفة، ولم يكن خروجه على ميعاد من أصحابه، إنما خرج لما بلغه أن هانئ بن عروة قد ضرب وحبس، فأقبل المختار في مواليه وقت المغرب، فلما رأى الوهن نزل تحت راية عبيد الله بن زياد فقال: إنما جئت لتنصر مسلم بن عقيل، قال: كلا، فلم يقبل منه، وضربه بقضيب شتر عينيه، وسجنه. ثم إن عبد الله بن عمر كتب فيه إلى يزيد، لما بكت صفية أخت المختار على زوجها ابن عمر، فكتب: إن ابن زياد حبس المختار، وهو صهري، وأنا أحب أن يعافى ويصلح، قال: فكتب يزيد إلى عبيد الله فأخرجه، وقال: إن أقمت بالكوفة بعد ثلاث برئت منك الذمة، فأتى الحجاز، واجتمع بابن الزبير، فحضه على أن يبايع الناس، فلم يسمع منه، فغاب عنه بالطائف نحو سنة، ثم قدم عليه فرحب به، وتحادثا، ثم إن المختار خطب وقال: إني جئت لأبايعك على أن لا) تقضي الأمور دوني، وإذا ظهرت استعنت بي على أفضل عملك، فقال ابن الزبير: أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه، فبايعه ابن الزبير على ما طلب، وشهد معه حصار حصين بن نمير له، وأبلى بلاء حسناً، وأنكى في عسكر الشام. (5/61)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 62 ثم بعد ذلك جاءته الأخبار أن الكوفة كغنم بلا راع، وكان رأي ابن الزبير أن لا يستعمله، فمضى بلا أمر إلى الكوفة، ودخلها متجملاً في الزينة والثياب الفاخرة، وجعل كلما مر على أحد من الشيعة الأشراف قال: أبشر بالنصر واليسر، ثم يعدهم أن يجتمع بهم في داره، قال: ثم أظهر لهم أن المهدي بن محمد الوصي، يعني ابن الحنفية، بعثني إليكم أميناً ووزيراً وأميراً، وأمني بقتال قتلة الحسين، والطلب بدماء أهل البيت، فهويته طائفة، ثم حبسه متولي الكوفة عبد الله بن يزيد، ثم إنه قويت أنصاره، واستفحل شره، وأباد طائفة من قتلة الحسين، واقتص الله من الظلمة بالفجرة، ثم سلط على المختار مصعباً، ثم سلط على مصعب عبد الملك: ألا لله الخلق والأمر. واستعمل مصعب على أذربيجان والجزيرة المهلب بن أبي صفرة الأزدي. (5/62)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 63 4 (حوادث سنة ثمان وستين)

4 (المتوفون في هذه السنة) توفي فيها: عبد الله بن عباس، وأبو شريح الخزاعي، وأبو واقد الليثي، وملك الروم قسطنطين بن قسطنطين، لعنه الله. وتوفي فيها في قول: زيد بن خالد الجهني، وزيد بن أرقم. وفيها عزل ابن الزبير أخاه مصعباً عن العراق، وأمر عليها ولده حمزة بن عبد الله، واستعمل على المدينة جابر بن الأسود الزهري، فأراد من سعيد ابن المسيب أن يبايع لابن الزبير، فامتنع، فضربه ستين سوطاً. كذا قال خليفة. وقال المسبحي: عزل ابن الزبير عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس من المدينة، لكونه ضرب سعيد بن المسيب ستين سوطاً في بيعة ابن الزبير، فلامه ابن الزبير على ذلك وعزله. وفيها كان مرجع الأزارقة من نواحي فارس إلى العراق، حتى قاربوا (5/63)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 64 الكوفة ودخلوا المدائن، فقتلوا الرجال والنساء، وعليهم الزبير بن الماحوز، وقد كان قاتلهم عمر بن عبد الله التيمي أمير البصرة بسابور، وصاح أهل الكوفة بأميرهم الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، الملقب بالقباع،) وقالوا: انهض، فهذا عدو ليست له تقية، فنزل بالنخيلة، فقام إليه إبراهيم بن الأشتر فقال: قد سار إلينا عدو يقتل المرأة والمولود، ويخرب البلاد، فانهض بنا إليه، فرحل بهم، ونزل دير عبد الرحمن، فأقام أياماً حتى دخل شبث بن ربعي، فكلمه بنحو كلام إبراهيم، فارتحل ولم يكد، فلما رأى الناس بطء سيره رجزوا فقالوا: (سار بنا القباع سيراً نكرا .......... يسير يوماً ويقيم شهرا) فأتى الصراة، وقد انتهى إليها العدو، فلما رأوا أن أهل الكوفة قد ساروا إليهم، قطعوا الجسر، فقال ابن الأشتر للحارث القباع: أندب معي الناس حتى أعبر إلى هؤلاء الكلاب، فأجيئك برؤوسهم الساعة، فقال شبث ابن ربعي، وأسماء بن خارجة، دعهم فليذهبوا، لا تبدأوهم بقتال، وكأنهم حسدوا ابن الأشتر. قال: ثم إن الحارث عمل الجسر، وعبر الناس إليهم فطاروا حتى أتوا المدائن، فجهز خلفهم عسكراً، فذهبوا إلى أصبهان، وحاصروها شهراً، حتى أجهدوا أهلها، فدعاهم متوليها عتاب بن ورقاء، وخطبهم وحضهم على مناجزة الأزارقة، فأجابوه، فجمع الناس وعشاهم وأشبعهم، وخرج بهم سحراً، فصبحوا الأزارقة بغتة، وحملوا حتى وصلوا إلى الزبير بن الماحوز، فقاتل حتى قتل في جماعة من عصابته، فانحازت الأزارقة إلى قطري بن الفجاءة، فبايعوه بالخلافة، فرحل بهم، وأتى ناحية كرمان، وجمع الأموال والرجال، ثم نزل إلى الأهواز، فسير مصعب لقتالهم، لما أكلبوا الناس، (5/64)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 65 المهلب بن أبي صفرة، فالتقوا بسولاف غير مرة، ودام القتال ثمانية أشهر. وفيها كان مقتل عبيد الله بن الحر، وكان صالحاً عابداً كوفياً، فخرج إلى الشام فقاتل مع معاوية، فلما استشهد علي، رضي الله عنه، رجع إلى الكوفة، وخرج عن الطاعة، وتبعه طائفة، فلما مات معاوية قوي وصار معه سبعمائة رجل، وعاث في مال الخراج بالمدائن، وأفسد بالسواد في أيام المختار، فلما كان مصعب ظفر به وسجنه، ثم شفعوا فيه فأخرجوه، فعاد إلى الفساد والخروج، فندم مصعب ووجه عسكراً لحربه، فكسرهم، ثم في الآخر قتل. (5/65)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 66 4 (حوادث سنة تسع وستين)

4 (المتوفون في هذه السنة) توفي فيها قبيصة بن جابر الكوفي، وأبو الأسود الدؤلي صاحب النحو.) 4 (الطاعون بالبصرة) وكان في أولها طاعون الجارف بالبصرة، فقال المدائني: حدثني من أدرك الجارف قال: كان ثلاثة أيام، فمات فيها في كل يوم نحو من سبعين ألفاً. قال خليفة: قال أبو اليقظان: مات لأنس بن مالك في طاعون الجارف ثمانون ولداً، ويقال: سبعون. وقيل: مات لعبد الرحمن بن أبي بكرة أربعون ولداً، وقل الناس جداً بالبصرة، وعجزوا عن الموتى، حتى كانت الوحوش تدخل البيوت فتصيب منهم. وماتت أم أمير البصرة، فلم يجدوا من يحملها إلا أربعة. ومات لصدقة بن عامر المازني في يوم واحد سبعة بنين، فقال: اللهم إني مسلم مسلم، ولما كان يوم الجمعة خطب الخطيب بن عامر، وليس في (5/66)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 67 المسجد إلا سبعة أنفس وامرأة، فقال: ما فعلت الوجوه فقالت المرأة: تحت التراب. وقد ورد أنه مات في الطاعون عشرون ألف عروس، وأصبح الناس في رابع يوم ولم يبق حياً إلا القليل، فسبحان من بيده الأمر. وممن قيل إنه توفي فيها: يعقوب بن بجير بن أسيد، وقيس بن السكن، ومالك بن يخامر السكسكي، والأحنف بن قيس، وحسان بن فائد العبسي، ومالك بن عامر الوادعي، وحريث بن قبيصة. قال الواقدي: ثنا عبد الله بن جعفر، عن حبيب بن فليح قال: ركبني دين، فجلست يوماً إلى سعيد بن المسيب، فجاءه رجل فقال: إني رأيت كأني أخذت عبد الملك بن مروان، فوتدت في ظهره أربعة أوتاد، قال: ما رأيت ذا، فأخبرني من رآها قال: أرسلني إليك ابن الزبير بها، قال: يقتله عبد الملك، ويخرج من صلب عبد الملك أربعة، كلهم يكون خليفة، فركبت إلى عبد الملك، فسر بذلك، وأمر لي بخمسمائة دينار وثياب. وفيها أعاد ابن الزبير أخاه مصعباً إلى إمرة العراق، لضعف حمزة بن عبد الله عن الأمور وتخليطه، فقدمها مصعب، فتجهز وسار يريد الشام في جيش كبير، وسار إلى حربه عبد الملك، فسار كل منهما إلى آخر ولايته، وهجم عليهما الشتاء فرجعا. قال خليفة، كانا يفعلان ذلك في كل عام، حتى قتل مصعب، واستناب مصعب على عمله) إبراهيم بن الأشتر. 4 (فتح قرطاجة) وفيها عقد عبد العزيز بن مروان أمير مصر لحسان الغساني على غزو (5/67)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 68 إفريقية، فسار إليها في عدد كثير، فافتتح قرطاجنة، وأهلها إذ ذاك روم عباد صليب. وفيها قتل نجدة الحروري، مال عليه أصحاب ابن الزبير، وقيل اختلف عليه أصحابه فقتلوه. (5/68)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 69 4 (حوادث سنة سبعين)

4 (المتوفون في هذه السنة) توفي فيها: عاصم بن عمر بن الخطاب، ومالك بن يخامر، وبشير بن النضر قاضي مصر، وعمرو بن سعيد الأشدق، وبخلف الحارث الأعور. وفيها أم كلثوم بنت سهل بن الأبرد الأنصاري، وعمير بن الحباب، وبشير بن عقربة، ويقال: بشر الجهني صحابي له حديثان، وأبو الجلد. ويقال: إن طاعون الجارف المذكور كان فيها. وفيها كان الوباء بمصر، فهرب منه عبد العزيز بن مروان إلى الشرقية، فنزل حلوان واتخذها منزلاً، واشتراها من القبط بعشرة آلاف دينار، وبنى بها دار الإمارة والجامع، وأنزلها الجند والحرس. وفيها سارت الروم واستجاشوا على أهل الشام، وعجز عبد الملك بن مروان عنهم، لاشتغاله بخصمه ابن الزبير، فصالح ملك الروم، على أن يؤدي إليه في كل جمعة ألف دينار. وفيها وفد مصعب بن الزبير من العراق إلى مكة على أخيه أمير المؤمنين عبد الله بأموال عظيمة، وتحف وأشياء فاخرة. (5/69)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 70 (5/70)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 71 1 (ذكر أهل هذه الطبقة مرتبين على الأحرف)

4 (حرف الألف)

4 (الأحنف بن قيس، التميمي السعدي) أدرك الجاهلية. ورخه في سنة سبع وستين يعقوب الفسوي، والأصح وفاته سنة اثنتين وسبعين. 4 (أسامة بن شريك، الذبياني الثعلبي.) له صحبة ورواية. روى عنه: زيادة بن علاقة، وعلي بن الأقمر، وغيرهما. حديثه في السنن الأربعة، وعداده في الكوفيين. (5/71)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 72 4 (أسماء بن خارجة، بن حصن) بن حذيفة بن بدر الفزاري، أبو حسان، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو هند. من أشراف الكوفة. روى عن: علي، وابن مسعود. وعنه: ابنه مالك، وعلي بن ربيعة. وله وفادة على عبد الملك بن مروان، وفيه يقول القطامي: (إذا مات ابن خارجة بن حصن .......... فلا مطرت على الأرض السماء)

(ولا رجع البريد بغنم جيش .......... ولا حملت على الطهر النساء) (5/72)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 73 قال شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص قال: فاخر أسماء بن خارجة رجلاً فقال: أنا ابن الأشياخ الكرام، فقال عبد الله: ذاك يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم الخليل. إسناده ثابت. وقال مروان بن معاوية بن الحرث بن عثمان بن أسماء بن خارجة الفزاري: أتيت الأعمش، فانتسبت له فقال: لقد قسم جدك أسماء بن خارجة قسماً، فنسي جاراً له، فاستحيا أن يعطيه، وقد بدأ بآخر قبله، فدخل عليه، وصب عليه المال صباً، أفتفعل أنت شيئاً من ذلك. قال خليفة: توفي سنة ست وستين. 4 (أسماء بنت يزيد، بن السكن، أم عامر،) ) ويقال: أم سلمة الأنصارية الأشهلية. بايعت النبي صلى الله عليه وسلم، وروت جملة أحاديث، وقتلت بعمود خبائها يوم (5/73)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 74 اليرموك تسعة من الروم، وسكنت دمشق. روى عنها: شهر بن حوشب، ومجاهد، ومولاها مهاجر، وابن أخيها محمود بن عمرو، وإسحاق بن راشد. قال عبد بن حميد: أسماء بنت يزيد هي: أم سلمة الأنصارية. قلت: وقبر أم سلمة بباب الصغير، وهي إن شاء الله هذه، وقد روي أنها شهدت الحديبية، وبايعت يومئذ. وروى محمد بن مهاجر، وأخوه عمرو، عن أبيهما، عن أسماء بنت يزيد بنت عم معاذ بن جبل، قالت: قتلت يوم اليرموك تسعة. 4 (أسيد بن ظهير، بن رافع الأنصاري الأوسي.) ابن عم رافع بن خديج، وقيل ابن أخيه، وأخو عباد بن بشير لأمه. شهد الخندق وغيرها، وأبوه عقبي. لأسيد أحاديث، روى عنه: ابنه رافع، ومجاهد، وعكرمة بن خالد، وغيرهم. عداده في أهل المدينة، وروى عن رافع بن خديج. توفي سنة خمس وستين. 4 (أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري.) (5/74)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 75 روى عن: أبي أيوب، وعمر، وزيد بن ثابت. روى عنه: محمد بن سيرين، وعبد الله بن الحارث، وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم. وثقه أحمد بن عبد الله العجلي، وقتل يوم الحرة هو وابنه كثير بن أفلح. قال الواقدي: هو من سبي عين التمر، في خلافة أبي بكر. قال هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، أن أبا أيوب كاتب أفلح على أربعين ألفاُ، فجعلوا يهنئونه، فندم أبو أيوب وقال: أحب أن ترد الكتاب وترجع كما كنت، فجاءه بمكاتبته، فكسرها، ثم مكث ما شاء الله، فقال له أبو أيوب: أنت حر، وما كان لك من مال فهو لك. قال ابن سعد: كان ثقة، يكنى أبا كثير.) 4 (إياس بن قتادة العبشمي) ابن أخت الأحنف بن قيس، بصري نبيل، ولي قضاء الري. (5/75)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 76 4 (حرف الباء)

4 (بريدة بن الحصيب، بن عبد الله بن الحارث،) أبو عبد الله الأسلمي. نزيل البصرة، أسلم قبل غزوة بدر، وله عدة مشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم وعدة أحاديث، سكن مرو في آخر عمره، وبها قبره. (5/76)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 77 روى عنه: ابناه عبد الله، وسليمان، والشعبي، وأبو المليح بن أسامة، وجماعة. توفي سنة اثنتين وستين على الأصح. قال ابن سعد: غزا خراسان زمن عثمان. أنبأ أبو النصر: ثنا شعبة، ثنا محمد بن أبي يعقوب، حدثني من سمع بريدة الأسلمي وراء نهر بلخ وهو يقول: لا عيش إلا طراد الخيل بالخيل وقال بكير بن معروف، عن مقاتل بن حيان، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: شهدت خيبر، فكنت فيمن شهد الثلمة، فقاتلت حتى رئي مكاني، وعلي ثوب أحمر، فما أعلم أني ركبت في الإسلام ذنباً أعظم علي منه للشهرة. قلت: روي له أكثر من مائة وخمسين حديثاً. 4 (بشير بن عقربة، ويقال بشر، أبو اليمان الجهني.) صحابي له حديثان. (5/77)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 78 قال سعيد بن منصور: ثنا ابن الحارث الرملي، عن عبد الله بن عوف الكناني، عامل الرملة لعمر بن عبد العزيز قال: شهدت عبد الملك بن مروان قال لبشر بن عقربة يوم قتل عمرو بن سعيد: قد احتجت يا أبا اليمان إلى كلامك اليوم فقم، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قام بخطبة لا يلتمس إلا رياء وسمعة وقفه الله يوم القيامة موقف رياء وسمعة. 4 (بشير بن النضر، بن بشير بن عمرو.) ) قاضي مصر، توفي في أول سنة سبعين، وولي القضاء بعده عبد الرحمن الخولاني، وكان رزقه في العام ألف دينار. (5/78)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 79 4 (حرف التاء)

4 (تميم بن حذلم، أبو سلمة الضبي) الكوفي المقريء. عرض القرآن على ابن مسعود. وروى عنه: عثمان بن يسار، وإبراهيم النخعي. قال جرير، عن مغيرة عن إبراهيم، عن تميم بن حذلم قال: قرأت القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. (5/79)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 80 وقال هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، أن تميم بن حذلم الضبي قرأ على ابن مسعود، فلم يغير عليه إلا قوله: وكل أتوه مده تميم، وقصره ابن مسعود، وظنوا أنهم قد كذبوا قرأها ابن مسعود مخففة. وقد أدرك تميم أن أبا بكر، وعمر. روى عنه أيضاً: العلاء بن بدر، والركين بن عبد الأعلى، وابنه أبو الخير ابن تميم، وغيرهم. (5/80)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 81 4 (حرف الثاء)

4 (ثور بن معن، بن يزيد بن الأخنس السلمي.) أحد الأشراف، قتل بمرج راهط مع الضحاك، ولأبيه صحبة، وقد عاش بعد ثور أبوه. (5/81)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 82 4 (حرف الجيم)

4 (جابر بن سمرة، بن جنادة،) أبو عبد الله. ويقال: أبو خالد السوائي، وقيل: اسم جنادة: عمرو، وله ولأبيه سمرة صحبه، نزل الكوفة. (5/82)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 83 وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن: خاله سعد بن أبي وقاص، وأبي أيوب. روى عنه: تميم بن طرفة، وسماك بن حرب، وعبد الملك بن عمير، وجماعة، وحديثه في الكتب كثير. قيل: توفي سنة ست وستين. 4 (جابر بن عتيك بن قيس،) ويقال جبر، أبو عبد الله الأنصاري، أحد بني عمرو بن عوف من كبار الصحابة، واتفقوا على) أنه شهد بدراً. وتوفي سنة إحدى وستين، وله إحدى وتسعون سنة. ورخ موته ابن سعد، وخليفة، وابن زبر، وابن مندة، وغيرهم. وكانت معه راية بني معاوية بن مالك بن الأوس يوم الفتح. وفي الموطأ عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك، عن جده (5/83)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 84 لأمه عتيك بن الحارث قال: أخبرني جابر بن عتيك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يعود عبد الله بن ثابت فوجده قد غلب، فاسترجع. قلت: هو آخر البدريين موتاً. 4 (جرهد الأسلمي الذي قال له النبي لله: غط فخذك.) (5/84)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 85 روى عنه ابناه: عبد الله، وعبد الرحمن، وحفيده زرعة. توفي سنة إحدى وستين. له دار بالمدينة. 4 (جعفر بن علي بن أبي طالب قتل شاباً) هو وإخوته مع الحسين رضي الله عنهم أجمعين. 4 (جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي العلقي.) وعلقه: (5/85)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 86 حي من بجيلة، أقام بالبصرة وبالكوفة، له صحبة ورواية كثيرة. روى عنه الحسن، ومحمد بن سيرين، وأنس بن سيرين، وأبو عمران الجوني، وعبد الملك بن عمير، وسلمة بن كهيل، والأسود بن قيس، وآخرون. 4 (جندب الخير) هو جندب بن عبد الله ويقال ابن كعب الأزدي، له صحبة ورواية. وروى أيضاً عن: علي، وسلمان الفارسي. روى عنه: أبو عثمان النهدي، وتميم بن الحارث، وحارثة بن وهب، والحسن البصري. فروى إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حد الساحر ضربة بالسيف (5/86)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 87 . وقال أبو عثمان النهدي: كان ساحر يلعب عند الوليد بن عقبة بن أبي معيط، فيأخذ سيفه فيذبح نفسه ولا يضره، فقام جندب فأخذ السيف فضرب عنقه، ثم قرأ أفتأتون السحر وأنتم تبصرون. إسناده صحيح.) وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود: إن الوليد بن عقبة كان بالعراق يلعب بين يديه ساحر، فكان يضرب عنق الرجل، ثم يصيح به، فيقوم، فترتد إليه رأسه، فقال الناس: سبحان الله يحي الموتى فرآه رجل من صالحي المهاجرين، فاشتمل من الغد على سيفه، فذهب الساحر يلعب لعبه ذلك، فاخترط الرجل سيفه فضرب عنقه. وقال: إن كان صادقاً فينجي نفسه، فأمر به الوليد فسجنه، فأعجب السجان نحو الرجل فقال: أتستطيع أن تهرب فقال: نعم، قال: فاخرج، لا يسألني الله عنك أبداً. 4 (جندرة بن خيشنة أبو قرصافة الكناني،) صحابي نزل الشام (5/87)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 88 واستوطن عسقلان، له أحاديث. روى عنه: حفيدته عزة بنت عياض بنت جندرة، ويحيى بن حسان الفلسطيني، وشداد أبو عمار، وزياد بن سيار، وعطية بن سعيد الكنانيان، وزياد بن أبي جعد. ليس له في الكتب الستة شيء. (5/88)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 89 4 (حرف الحاء)

4 (الحارث بن عبد الله) الهمداني الأعور الكوفي أبو زهير، صاحب علي. روى عن: علي، وابن (5/89)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 90 مسعود. وكان فقيهاً فاضلاً من علماء الكوفة، ولكنه لين الحديث. روى عنه: الشعبي، وعطاء بن أبي رباح، وعمرو بن مرة، وأبو إسحاق السبيعي، وغيرهم. قال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال الحارث: تعلمت القرآن في سنتين، والوحي في ثلاث سنين. وقال الشعبي، وعلي بن المديني، وأبو خيثمة: الحارث كذاب. قلت: هذا محمول من الشعبي على أنه أراد بالكذب الخطأ وإلا فلأي شيء يروي عنه، وأيضاً فإن النسائي مع تعنته في الرجال قد احتج بالحارث. وقال شعبة: لم يسمع أبو إسحاق من الحارث إلا أربعة أحاديث. وروى منصور، عن إبراهيم قال: الحارث يهم. وقال النسائي أيضاً: ليس به بأس. توفي سنة خمس وستين. قال ابن أبي داود: كان الحارث أفقه الناس، وأفرض الناس، وأحسب الناس، تعلم الفرائض من علي. وقال ابن سيرين: أدركت أهل الكوفة وهم يقدمون خمسة، من بدأ بالحارث الأعور ثنى بعبيدة، ومن بدأ بعبيدة ثنى بالحارث، ثم علقم، ثم مسروق، ثم شريح.) وقال ابن معين: الحارث ليس به بأٍ س. وقال مرة: ثقة. 4 (الحارث بن عمرو الهذلي المدني) ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، (5/90)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 91 وحدث عن عمر بن الخطاب. قال ابن سعد. الحارث بن قيس قد ذكر. 4 (حبشي بن جنادة أبو الجنوب السلولي،) نزل الكوفة، له صحبة ورواية. روى عنه الشعب، وأبو إسحاق. وقد بالغ ابن عدي في الثقات له بذكر في الضعفاء، ثم طرز بذلك بقوله: أرجو أنه لا بأس به. قال عبيد الله بن موسى: أنبأ إسرائيل، عن آبي إسحاق، عن حبشي بن جنادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر للمحلقين الحديث. هذا (5/91)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 92 حديث صحيح غريب. وقال مجالد، عن الشعبي، عن حبشي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهو واقف بعرفة، فذكر حديثاً في تحريم المسألة. وعن يوسف بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن حبشي قال: شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة مشاهد، وشهدت مع علي ثلاثة مشاهد ما هن بدونها. قلت ولحبشي أحاديث أخر، وما أدري لأي شيء قال البخاري: إسناده فيه نظر. 4 (حسان بن مالك بن بحدل بن أنيف الأمير) أبو سليمان الكلبي. وكان على قضاعة الشام بين صفين، وهو الذي قام بأمر البيعة لمروان. وذكر (5/92)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 93 الكلبي أنهم سلموا بالخلافة أربعين ليلة على حسان بن مالك، ثم سلمها إلى مروان وقال: (فإن لم يكن منا الخليفة نفسه .......... فما نالها إلا ونحن شهود) وقصر حسان بدمشق وهو قصر البحادلة، ثم صار يعرف بقصر ابن أبي الحديد. 4 (الحسين بن علي رضي الله عنه) ابن أبي طالب أبو عبد الله الهاشمي ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن بنته فاطمة، (5/93)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 94 السعيد الشهيد رضي الله عنه. استشهد بكربلاء وله ست وخمسون سنة. وقد حفظ عن جده، وروى عنه، وعن أبويه، وخاله هند بن أبي هالة. روى عنه: أخوه الحسن، وابنه علي، وابن ابنه محمد بن علي الباقر، وبنته فاطمة بنت الحسين، وعكرمة، والشعبي، والفرزدق همام، وطلحة بن عبيد الله العقيلي.) قال ابن سعد والزبير بن بكار: مولده في خامس شعبان سنة أربع. وقال جعفر الصادق: كان بين الحسن والحسين طهر واحد. وقال أبو إسحاق السبيعي، عن هانئ بن هانئ، عن علي قال: لما ولد الحسن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أروني ابني ما سميتموه قلت حرباً. قال: بل هو حسن، وذكر الحديث وفيه: فقال عليه السلام: إنما سميتهم بأسماء ولد هارون شبر وشبير ومشبر. قلت: وكان وقد ولدت فاطمة بعدهما ولداً فسماه محسناً. وروى الأعمش عن سالم بن أبي الجعد قال: قال علي: كنت أحب الحرب، فلما ولد الحسن هممت أن أسميه حرباً فسماه الحسين، وقال: سميت ابني هذين باسم ابني هارون شبر وشبير. رواه يحيى بن عيسى التميمي، عن الأعمش، وهو من رجال مسلم، لكنه منقطع. (5/94)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 95 وقال عكرمة: لما ولد فاطمة حسناً أتت به النبي صلى الله عليه وسلم فسماه حسناً، فلما ولدت حسيناً أتت به فسماه، وقال: هذا أسن من هذا فشق له من اسمه حسين. وقال أبو إسحاق، عن هانئ، عن علي قال: الحسن أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم، ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين أشبه الناس برسول الله، ما كان أسفل من ذلك. وقال علي بن جعفر بن محمد بن علي: حدثني أخي موسى، عن أبي، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي رضي الله عنهم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الحسن والحسين فقال: من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة. أخرجه الترمذي، وعبد الله بن أحمد في زيادات المسند، عن نصر بن علي الجهضمي، عنه. وفي المسند بإسناد قوي، عن آبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني. وقال عاصم، عن زر، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذان ابناي من أحبهما فقد أحبني. له علة، وهي أن بعضهم أرسله، واسقط منه عبد الله. وقال شهر بن حوشب، عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم جلل علياً، وحسناً، وحسيناً، وفاطمة، كساءً، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، اللهم (5/95)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 96 أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. له طرق صحاح عن شهر، وروي من وجهين آخرين عن أم سلمة. وقال عطية العوفي، عن أبي سعيد، إن هذه الآية نزلت فيهم، يعني إنما يريد الله ليذهب عنكم) الرجس. وعن حذيفة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: جاءني جبريل فبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. رواه أحمد في مسنده بإسناد حسن، وروى نحوه من حديث ابن عمر، وعلي بإسنادين جيدين. وفي الباب عن عمر، وابن عباس، وابن مسعود، ومالك بن الحويرث، وأنس بأسانيد ضعيفة. وقال يزيد بن مردانبة، عن عبد الرحمن بن أبي نعم، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحسن سيدا شباب أهل الجنة. رواه أحمد في مسنده. وقال إسماعيل بن عياش: ثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن راشد، عن يعلى بن مرة قال: جاء الحسن والحسين يسعيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوصل أحدهما قبل الآخر، فجعل يده على رقبته، ثم ضمه (5/96)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 97 إلى إبطه، ثم جاء الأخر فضمه إلى إبطه الأخرى، ثم قبل هذا، ثم قال: إني أحبهما فأحبهما. وقال: إن الولد مبخلة مجبنة مجهلة. روى بعضه معمر، عن ابن خثيم فقال: عن محمد بن الأسود بن خلف. وقال كامل أبو العلاء، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العشاء، فكان إذا سجد ركب الحسن والحسين على ظهره، فإذا رفع رأسه رفع رفعاً رفيقاً، ثم إذا سجد عادا، فلما صلى قلت: ألا أذهب بهما إلى أمهما قال: لا فبرقت برقة فلم يزالا في ضوئها حتى دخلا على أمهما. وقال الترمذي: ثنا الحسن بن عرفة، ثنا إسماعيل بن عياش، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن راشد، عن يعلى بن مرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسيناً حسين سبط من الأسباط. قال الترمذي: هذا حديث حسن. وقال حسين بن واقد: حدثني عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فأقبل الحسن والحسين، عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان، فزل فأخذهما فوضعهما بين يديه، ثم قال: صدق الله إنما أموالكم وأولادكم فتنة رأيت هذين فلم أصبر ثم أخذ في خطبته إسناده صحيح. (5/97)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 98 وقال أبو شهاب مسروق، عن الثوري، عن أبي الزبير، عن جابر قال: دخلت على النبي صلى) الله عليه وسلم وهو يمشي على أربع، وعلى ظهره الحسن والحسين، وهو يقول: نعم الحمل حملكما ونعم العدلان أنتما. تفرد به هذا عن الثوري، وهو حديث منكر. مهدي بن ميمون: ثنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن الحسن ابن سعد، عن عبد الله بن شداد قال: سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة فجاء الحسن أو الحسين قال مهدي: وأكبر ظني أنه الحسين فركب عنقه وهو ساجد، فأطال السجود بالناس حتى ظنوا أنه قد حدث أمر، فلما قضى صلاته قالوا له، فقال: إن ابني هذا ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته. مرسل. عبد الله بن نمير، عن الربيع بن سعد، عن عبد الرحمن بن سابط، عن جابر قال: دخل الحسين فقال جابر: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا، أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله. تفرد به الربيع، وهو صدوق جعفي. أبو نعيم: ثنا سلم الحداء، عن الحسن بن سالم بن أبي الجعد: سمعت أبا حازم، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أحب الحسن والحسين فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني. إسناده قوي وسلم لم يضعف ولا يكاد يعرف ولكن قد روى مثله أبو الجحاف، عن أبي حازم. (5/98)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 99 وقال أبو الحجاف، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي والحسن، والحسين، وفاطمة، فقال: أنا حرب لمن حاربكم سلم لمن سالمكم. رواه أحمد في مسنده، وله شاهد من حديث زيد بن أرقم. وقال بقية، عن بحير، عن خالد بن معدان، عن المقدام بن معديكرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسن مني وحسين من علي. وقال محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن ابن أبي نعم قال: كنت عند ابن عمر، فسأله رجل عن دم البعوض، فقال: ممن أنت قال: من أهل العراق، قال: انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هما ريحانتاي من الدنيا. صححه الترمذي. وعن أبي أيوب الأنصاري قال: دخلت على رسول الله صلى عليه وسلم والحسن والحسين) يلعبان على صدره، فقلت: يا رسول الله أتحبهما قال: وكيف لا أحبهما وهما ريحانتاي من الدنيا (5/99)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 100 . وقال عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن راشد، عن يعلى العامري قال: قال رسول الله صلى الهه عليه وسلم: حسين سبط من الأسباط، من أحبني فليحب حسيناً. رواه أحمد في المسند. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحبني فليحب هذين. ويروى مثله عن أسامة بن زيد، وإبن عباس، وسلمان، وغيرهم. وقال علي بن ابي علي اللهبي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: قعد رسول الله صلى الله عليه وسلم موضع الجنايز، فطلع الحسن والحسين فاعتركا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إيهاً حسن خذ حسيناً. فقال علي: يا رسول الله أعلى حسين تؤلبه وحسن أكبر فقال: هذا جبريل يقول إيهاً حسين. ورواه الحسن بن سفيان في مسنده بإسناد آخر، من حديث أبي هريرة. وقال حماد بن زيد: ثنا يحيى بن سعيد، عن عبيد بن حسين، عن الحسين بن علي قال: صعدت المنبر إلى عمر بن الخطاب فقلت: انزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيك، فقال: إن أبي لم يكن له منبر، فأقعدني معه، فلما نزل ذهب بي إلى منزله، فقال: أي بني من علمك هذا قلت: ما علمنيه أحد، قال: أي بني وهل أنبت على رؤوسنا الشعر إلا أنتم، لو جعلت تأتينا وتغشنا. وقال أبو جعفر الباقر: إن عمر جعل عطاء حسن وحسين مثل عطاء أبيهما خمسة آلاف. (5/100)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 101 وقال الزهري: كسا عمر أبناء الصحابة، فلم يكن فيها ما يصلح للحسن والحسين، فبعث إلى اليمن فأتى لهما بكسوة، فقال: الآن طابت نفسي. وقال أبو عوانة، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي إدريس، عن المسيب بن نجبة قال: سمعت علياً يقول: ألا أحدثكم عني وعن أهل بيتي: أما عبد الله بن جعفر فصاحب لهو، وأما الحسن فصاحب جفنة وخوان فتى من فتيان قريش لو قد التقت حلقتا البطان لم يغن عنكم في الحرب شيئاً، وأما أنا وحسين فنحن منكم وأنتم منا. ويروى أن الحسن كان يقول للحسين: أي أخي والله لوددت أن لي بعض شدة قلبك، فيقول الحسين: وأنا والله وددت أن لي بعض بسط لسانك.) وقال محمد بن سعد: أنا كثير بن هشام، ثنا حماد بن سلمة، عن أبي المهزم قال: كنا في جنازة امرأة، معنا أبو هريرة، فلما أقبلنا أعيا (5/101)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 102 الحسين، فقعد في الطريق، فجعل أبو هريرة ينفض التراب عن قدميه بطرف ثوبه، فقال الحسين: يا أبا هريرة وأنت تفعل هذا فقال: فوالله لو يعلم الناس مثل ما أعلم لحملوك على رقابهم. وقال الإمام أحمد في مسنده: ثنا محمد بن عبيد، ثنا شرحبيل بن مدرك، عن عبد الله بن نجي، عن أبيه أنه سار مع علي، وكان صاحب مطهرته، فلما حاذى نينوى وهو سائر إلى صفين فنادى: اصبر أبا عبد الله بشط الفرات. قلت: وما ذاك قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعيناه تفيضان فقال: قام من عندي جبريل فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات وقال: هل لك أن أشمك من تربته قلت: نعم. فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا. وروى نحوه ابن سعد، عن المدائني، عن يحيى بن زكريا، عن رجل، عن الشعبي أن علياً قال وهو بشط الفرات: صبراً أبا عبد الله، وذكر الحديث. وقال عمارة بن زاذان: ثنا ثابت، عن أنس قال: استأذن ملك القطر على النبي صلى الله عليه وسلم في يوم أم سلمة فقال: يا أم سلمة احفظي علينا الباب لا يدخل علينا أحد، فبينا هي على الباب إذ جاء الحسين فاقتحم الباب ودخل، فجعل يتوثب على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يلثمه، فقال الملك: أتحبه قال: نعم، قال: فإن أمتك ستقتله، إن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه، قال: نعم فجاءه بسهلة أو تراب أحمر. (5/102)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 103 قال ثابت: فكنا نقول: إنها كربلاء. عمارة: صالح الحديث، رواه الناس، عن شيبان، عنه. وقال علي بن الحسين بن واقد: حدثني أبي، ثنا أبو غالب، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنسائه: لا تبكوا هذا الصبي يعني حسيناً، فكان يوم أم سلمة، فنزل جبريل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة: لا تدعي أحداً يدخل. فجاء حسين فبكى، فخلته أم سلمة يدخل، فدخل حتى جلس في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال جبريل: إن أمتك ستقتله، قال: يقتلونه وهم مؤمنون قال: نعم، وأراه تربته. رواه الطبراني. وقال إبراهيم بن طهمان، عن عباد بن إسحاق، وقال خالد بن مخلد، واللفظ له: ثنا موسى بن يعقوب الزمعي كلاهما عن هاشم بن هاشم الزهري، عن عبد الله بن زمعة قال: أخبرتني أم) سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطجع ذات يوم فاستيقظ وهو خاثر، ثم اضطجع ثم استيقظ وهو خاثر دون المرة الأولى، ثم رقد ثم استيقظ وفي يده تربة حمراء، وهو يقبلها، فقلت: ما هذه التربة قال: أخبرني جبريل أن الحسين يقتل بأرض العراق، وهذه تربتها. وقال وكيع: ثنا عبد الله بن سعيد، عن أبيه، عن عائشة أو أم سلمة (5/103)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 104 شك عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: دخل علي البيت ملك لم يدخل علي قبلها، فقال لي إن ابنك هذا حسيناً مقتول، وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها. رواه عبد الرزاق، عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند مثله، إلا أنه قال أم سلمة ولم يشك. وإسناده صحيح. رواه أحمد والناس. وروي عن شهر بن حوشب، وأبي وائل، كلاهما عن أم سلمة نحوه. وروى الأوزاعي، عن شداد أبي عمار، عن أم الفضل بنت الحارث. وروي عن حماد بن زيد، عن سعيد بن جمهان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل بتراب من تراب القرية التي يقتل فيها الحسين، وقيل له: اسمها كربلاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كرب وبلاء. كلا الإسنادين منقطع. وقال أبو إسحاق السبيعي: عن هانئ بن هانئ، عن علي قال: ليقتلن الحسين قتلاً، وإني لأعرف تربة الأرض التي يقتل بها، يقتل بقرية قريب من النهرين. وقال ابن عساكر: وفد الحسين على معاوية وغزا القسطنطينية مع يزيد. وعن عبد الله بن بريدة قال: دخل الحسن والحسين على معاوية، فأمر لهما في وقته بمائتي ألف درهم. (5/104)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 105 وقال محمد بن سيرين، عن أنس قال: شهدت ابن زياد حيث أتى برأس الحسين فجعل ينكت بقضيب في يده، فقلت: أما إنه كان أشهبهها بالنبي صلى الله عليه وسلم. رواه هشام بن حسان، وجرير بن حازم، عن محمد. وقال عبيد الله بن أبي يزيد: رأيت الحسين أسود الرأس واللحية إلا شعرات في مقدم لحيته. وقال ابن جريج: سمعت عمر بن عطاء يقول: رأيت الحسين بن علي يصبغ بالوسمة، أما هو فكان ابن ستين سنة، وكان رأسه ولحيته شديدي السواد. جعفر بن محمد، عن أبيه قال: كان الحسين يتختم في اليسار.) المطلب بن زياد: عن السدي: رأيت الحسين وله جمة خارجة من تحت عمامته. يونس بن أبي إسحاق، عن العيزار بن حريث: رأيت على الحسين مطرفاً من خز، قد خضب رأسه ولحيته بالحناء والكتم. الشعبي: أخبرني من رأى على الحسين جبة من خز. وعن جعفر بن محمد قال: أصيب الحسين وعليه جبة خز. إبراهيم بن مهاجر، عن الشعبي: رأيت الحسين يخضب بالوسمة (5/105)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 106 يتختم في شهر رمضان. وروى غير واحد أن الحسين كان يخضب بالوسمة. عبد العزيز بن رفيع، عن قيس مولى خباب قال: رأيت الحسين يخضب بالسواد. وقال طاووس، عن ابن عباس قال: استشارني الحسين في الخروج، فقلت: لولا أن يزرى بي وبك لنشبت يدي في رأسك، فقال: لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلي من أن أستحل حرمتها يعني الحرم فكان ذلك الذي سلى نفسي عنه. وقال سعيد بن المسيب: لو أن الحسين لم يخرج لكان خيراً له. قلت: وهذا كان رأي ابن عمر، وأبي سعيد، وابن عباس، وجابر، وجماعة سواهم، وكلموه في ذلك كما تقدم في مصرعه. وقد ذكرنا في الحوادث من غير وجه أن الرأس قدم به على يزيد. وقال أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة: حدثني أبي، عن أبيه قال: أخبرني أبي حمزة بن يزيد الحضرمي قال: رأيت امرأة من أجمل النساء وأعقلهن يقال لها ريا حاضنة يزيد بن معاوية، يقال: بلغت مائة سنة، (5/106)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 107 قالت: دخل رجل على يزيد، فقال: يا أمير المؤمنين أبشر فقد مكنك الله من الحسين، فحين رآه خمر وجهه كأنه يشم منه رائحة، قال حمزة: فقلت لها: أقرع ثناياه بقضيب قالت: إي والله. ثم قال حمزة: وقد كان حدثني بعض أهلها أنه رأى رأس الحسين مصلوباً بدمشق ثلاثة أيام، وحدثتني ريا أن الرأس مكث في خزائن السلاح حتى ولي سليمان الخلافة، فبعث إليه فجيء به وقد بقي عظماً أبيض، فجعله في سفط وكفنه ودفنه في مقابر المسلمين، فلما دخلت المسودة سألوا عن موضع الرأس فنبشوه وأخذوه، فالله أعلم ما صنع به. وذكر الحكاية وهي طويلة قوية الإسناد. رواه عبد الرحمن بن أبي نصر، عن أحمد بن محمد بن عمارة، عن المذكور. وعن أبي قبيل قال: لما قتل الحسين احتزوا رأسه وقعدوا في أول مرحلة يشربون النبيذ، فخرج) عليهم قلم من حديد من حائط فكتب بسطر دم: (أترجو أمة قتلت حسيناً .......... شفاعة جده يوم الحساب) فهربوا وتركوا الرأس. (5/107)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 108 وسئل نعيم الفضل بن دكين عن قبر الحسين، فلم يعلم أين هو. وقال الجماعة: قتل يوم عاشوراء، زاد بعضهم يوم السبت. قلت: فيكون عمره على ما ذكرنا من تاريخ مولده ستاً وخمسين سنة وخمسة أشهر وخمسة أيام. وقال سليمان بن قتة يرثيه: (وإن قتيل الطف بني آل هاشم .......... أذل رقاباً من قريش فذلت)

(فإن يتبعوه عائذ البيت يصبحوا .......... كعاد تعمت عن هداها فضلت)

(مررت على أبيات آل محمد .......... فألفيتها أمثالها حين حلت)

(وكانوا لنا غنماً فعادوا رزي .......... لقد عظمت تلك الزوايا وجلت)

(فلا يبعد الله الديار وأهلها .......... وإن أصبحت منهم برغمي تخلت)

(ألم تر أن الأرض أضحت مريضة .......... لفقد حسين والبلاد اقشعرت) يريد بقوله: أذل رقاباً، أي ذللها، يعني أنهم لا يزعمون عن قتل قرشي بعد الحسين، وعائذ إلى البيت هو عبد الله بن الزبير. (5/108)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 109 4 (حصين بن نمير السكوني أحد أمراء الشام،) وهو الذي حاصر ابن الزبير، وقد مر من أخباره في الحوادث وأنه قتل بالجزيرة سنة بضع وستين. 4 (الحكم بن أبي العاص الثقفي) توفي سنة سبع وستين. 4 (حمزة بن عمرو الأسلمي الذي له صحبة ورواية.) وروى أيضاً عن: أبي بكر، وعمر. روى عنه: عروة بن الزبير، وسليمان بن سياه، وحنظلة بن علي الأسلمي، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وابنه محمد بن حمزة. (5/109)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 110 وهو كان البشير إلى أبي بكر بوقعة أجنادين، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وتوفي سنة) إحدى وستين، وقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم على سرية، وكان رجلاً صالحاً يسرد الصوم. ذكره ابن سعد في الطبقة الثالثة من المهاجرين. وقال كثير بن زيد الأسلمي، عن محمد بن حمزة، عن أبيه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فتفرقنا في ليلة ظلماء دحمسة، فأضاءت أصابعي حتى جمعوا عليها ظهرهم وما هلك منهم وان اصابعي لتنير. 4 (حميد بن ثور أبو مثنى الهلالي) ، شاعر مشهور إسلامي. (5/110)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 111 أدرك النبي صلى الله عليه وسلم بالسن، وقال الشعر في أيام عمر، ووفد على مروان وابنه عبد الملك وكان يشبب بجمل، وهو من فحول الشعراء المذكورين. روى الزبير بن بكار، عن أبيه، أن حميد بن ثور وفد على بعض بني أمية، فقال: ما جاء بك فقال: (أتاك بي الله الذي فوق عرشه .......... وخير معروف عليك دليل)

(ومطوية الأقراب أما نهارها .......... فسيب وأما ليلها فذميل)

(ويطوي علي الليل حصنيه إنني .......... لذاك إذا هاب الرجال فعول) (5/111)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 112 4 (حرف الذال)

4 (ذكوان مولى عائشة) روى عنه: علي بن الحسين، وابن أبي ملكية، وجماعة. وكان قارئاً، فصيحاً، عالماً. (5/112)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 113 4 (حرف الراء)

4 (ربيعة بن عمر الجرشي، أبو الغاز) ويقال: ابن الحارث الجرشي، أبو الغاز. أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل له صحبة. وله رواية عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وعن سعد بن أبي وقاص، وأبي هريرة، وعائشة. روى عنه: خالد بن معدان، وعلي بن رباح، وأبو هشام الغاز بن ربيعة ولدة (5/113)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 114 قال أبو المتوكل الناجي: سألت عن ربيعة الجرشي وكان فقيه الناس في زمن معاوية. وقال غيره: فقئت عين ربيعة الجرشي يوم صفين مع معاوية، وقتل يوم مرج راهط مع الضحاك بن قيس.) وقال عطية بن قيس، عن ربيعة الجرشي، إنه كان يقول في قصصه: إن الله جعل الخير من أحدكم كشراك نعله، وجعل الشر منه مد بصره. 4 (ربيعة بن كعب أبو فراس الأسلمي) المدني، من أصحاب الصفة. خدم النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل بعد موته على بريد من المدينة، له أحاديث. روى عنه: أبو سلمة بن عبد الرحمن، ونعيم المجمر، ومحمد بن عمرو بن عطاء، وأبو عمران الجوني. توفي أيام الحرة، وهو الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أسأل مرافقتك في الجنة، فقال: أعني على نفسك بكثرة السجود (5/114)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 115 . 4 (الربيع بن خثيم) أبو يزيد الثوري الكوفي. من سادة التابعين وفضلائهم. روى عن: عبد الله بن مسعود، وأبي أيوب الأنصاري، وعمرو بن ميمون. روى عنه: إبراهيم النخعي، والشعبي، وهلال بن يساف، وآخرون. وكان يعد من عقلاء الرجال، توفي قبل سنة خمس وستين. و عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال: كان الربيع بن خثيم إذا دخل على أبي لم يكن عليه إذن لأحد حتى يفرغ كل واحد من صاحبه، فقال (5/115)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 116 عبد الله: يا أبا يزيد، لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبك وما رأيتك إلا ذكرت المخبتين. وقال سعيد بن مسروق، عن منذر الثوري: كان الربيع بن خثيم إذا أتاه الرجل قال: اتق الله فيما علمت، وما استؤثر به عليك، فكله إلى عالمه، لأنا عليكم في العمد أخوف مني عليكم في الخطأ. وعن الربيع قال: ما لا نبغي به وجه الله يضمحل. وعن الشعبي قال: كان الربيع بن خثيم أشد أصحاب عبد الله ورعاً. (5/116)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 117 4 (حرف الزاي)

4 (زيد بن أرقم) ابن زيد بن قيس بن النعمان، أبو عمرو، ويقال: أبو عامر، ويقال: أبو (5/117)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 118 سعيد، ويقال أبو أنيسة،) الأنصاري الخزرجي، نزيل الكوفة. قال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن صدقك يا زيد، وكان قد نقل إليه أن ابن أبي قال في غزوة تبوك: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فتوقف النبي صلى الله عليه وسلم في نفله، فنزلت الآية بتصديقه. وقال زيد: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع عشرة غزوة. ولزيد رواية كثيرة، روى عنه: عبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبو عمرو الشيباني واسمه سعيد بن إياس وطاوس، وعطاء، ويزيد بن حيان التيمي، وأبو إسحاق السبيعي، وطائفة. قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر، عن بعض قومه، عن زيد بن أرقم قال: كنت يتيماً في حجر عبد الله بن رواحة، فخرج بي معه إلى مؤتة مردفي على حقيبة رحله. وعن عروة قال: رد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد نفراً استصغرهم، منهم ابن عمر، وأسامة، والبراء، وزيد بن ثابت، وزيد بن أرقم، وجعلهم حرساً للذراري والنساء بالمدينة. وروى يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن زيد قال: رمدت، فعادني (5/118)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 119 رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا زيد إن كانت عينك عميت لما بها كيف تصنع قلت: أصبر وأحتسب، قال: إن فعلت دخلت الجنة. وروي نحوه بإسناد آخر. وفي مسند أبي يعلى من طريق أنيسة بنت زيد بن أرقم، أن أباها عمي بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم رد الله عليه بصره. وقال أبو المنهال: سألت البراء عن الصرف، فقال: سل زيد بن أرقم، فإنه خير مني، وأعلم. قال خليفة، والمدائني: توفي سنة ست وستين، وقال الواقدي وغيره: توفي سنة ثمان وستين. 4 (زيد بن خالد الجهني صحابي مشهور.) (5/119)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 120 قال خليفة: توفي سنة ثمان وستين. سيعاد. (5/120)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 121 4 (حرف السين)

4 (السائب بن الأقرع بن جابر بن سفيان الثقفي.) ذكر البخاري أن له صحبة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه، وولاه عمر قسمة الغنائم يوم نهاوند، واستخلفه عبد الله بن بديل على أصبهان، وله ذرية بأصبهان، وهو ابن عم) عثمان بن أبي العاص، الثقفي. روى عنه: أبو عون الثقفي، وأبو إسحاق السبيعي، وغيرهما. 4 (سعيد بن مالك بن بحدل الكلبي،) أخو حسان المذكور. ولي إمرة الجزيرة وقنسرين ليزيد بن معاوية، وإليه ينسب دير ابن بحدل (5/121)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 122 من إقليم بيت المال، وكان شريفاً مطاعاً في قومه. 4 (سليمان بن صرد بن الجون الخزاعي،) أبو مطرف الكوفي. له صحبة ورواية، من صغار الصحابة. وروى أيضاً عن: أبي بن كعب، وجبير بن مطعم. وروى عنه: يحيى بن يعمر، وعدي بن ثابت، وأبو إسحاق السبيعي، وجماعة. وكان صالحاً ديناً، من أشراف قومه، خرج في جماعة تابوا إلى الله من خذلانهم الحسين وطلبوا بدمه، كما تقدم في سنة خمس وستين، فقتل إلى (5/122)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 123 رحمة الله هو وعامة جموعه، وسموا جيش التوابين، وهو الذي قتل حوشباً ذا ظليم يوم صفين. قال ابن عبد البر، وقال: كان ممن كاتب الحسين يسأله القدوم إلى الكوفة ليبايعوه، فلما عجز عن نصره ندم. قيل عاش ثلاثاً وتسعين سنة. 4 (سواد بن قارب الأزدي،) ويقال: السدوسي. وفد على النبي صلى الله عليه من نواحي البلقاء. قال ابن أبي حاتم: له صحبة روى عنه: أبو جعفر محمد بن علي، وسعد بن جبير، سمعت أبي يقول ذلك. قلت: وروى ابن عساكر حديث إسلامه، وقصته مع رئيه من الجن من طريق: سعيد بن جبير، عنه، وأرسله أبو جعفر، وإسناد الحديث ضعيف. وقال ابن عبد البر: كان يتكهن ويقول الشعر، ثم أسلم، وقد داعبه عمر يوماً فقال: ما فعلت كهانتك يا سواد فغضب وقال: ما كنا عليه من جاهليتنا وكفرنا شر من الكهانة، فاستحيا عمر، ثم سأله عن حديثه في بدء الإسلام، وما أتاه به رئيه من ظهور النبي صلى الله عليه وسلم. (5/123)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 124 4 (حرف الشين) ) 4 (شداد بن أوس رضي الله عنه، قد مر.) وقيل توفي سنة أربع وستين. 4 (شرحبيل بن ذي الكلاع الحميري) من كبار أمراء الشام. قتل مع ابن زياد. 4 (شقيق بن ثور أبو الفضل السدوسي) البصري، رئيس بكر بن وائل في الإسلام، وكان حامل رايتهم يوم الجمل، وشهد صفين مع علي. روى عن: أبيه، وعن عثمان، وعلي. (5/124)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 125 روى عنه: خلاد بن عبد الرحمن الصنعاني، وأبو وائل. وله وفادة على معاوية، وقتل أبوه بتستر مع أبي موسى الأشعري. وقال غسان بن مضر، عن سعيد بن يزيد، إن شقيق بن ثور حين حضرته الوفاة قال: ليته لم يكن سيد قومه، كم من باطل قد حققناه وحق قد أبطلناه. توفي سنة خمس ظناً. 4 (شمر بن ذي الجوشن) الضبابي الذي احتز رأس الحسين على الأشهر، كان من أمراء عبيد الله بن زياد، وقع به أصحاب المختار فبيتوه، فقاتل حتى قتل. قال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أبو بشر هارون الكوفي، ثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق قال: كان شمر بن ذي الجوشن يصلي معنا الفجر، ثم يقعد حتى يصبح، ثم يصلي فيقول: اللهم إنك شريف تحب الشرف، وأنت تعلم أني شريف، فاغفر لي، فقلت: كيف يغفر الله لك، وقد خرجت إلى ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعنت على قتله قال: ويحك، فكيف (5/125)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 126 نصنع، إن أمراءنا هؤلاء أمرونا بأمر، فلم نخالفهم، ولو خالفناهم كنا شراً من هذه الحمر. قلت: ولأبيه صحبة، اسمه شرحبيل، ويقال: أوس، ويقال عثمان العامري الضبابي، وكنيته أعني شمر: أبو السابغة. وقال الواقدي: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق قال: رأيت قاتل الحسين شمر بن ذي الجوشن، ما رأيت بالكوفة أحداً عليه طيلسان غيره.) وذكر الحافظ ابن عساكر أنه قدم على يزيد مع آل الحسين رضي الله عنه. (5/126)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 127 4 (حرف الصاد)

4 (صلة بن أشيم) أبو الصهباء العدوي البصري، العابد من سادة التابعين. يروى له عن ابن عباس حديث واحد. روى عنه: الحسن البصري، ومعاذة العدوية وهي زوجته، وثابت البناني، وحميد بن هلال، وغيرهم حكايات. روى ابن المبارك في الزهد عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يكون في أمتي رجل يقال له صلة، يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا. حديث منقطع كما ترى. (5/127)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 128 جعفر بن سليمان، عن يزيد الرشك، عن معاذة قالت: كان أبو الصهباء يصلي حتى ما يستطيع أن يأتي فراشه إلا زحفاً. وقالت معاذة: كان أصحاب صلة إذا التقوا عانق بعضهم بعضاً. وقال ثابت: جاء رجل إلى صلة بن أشيم ينعي أخاه فقال له: أدن فكل، فقد نعي إلي أخي منذ حين، قال الله تعالى: إنك ميت، وإنهم ميتون. وقال حماد بن سلمة، أنبأ ثابت أن صلة كان في الغزو، وعه ابن له، فقال: أي بني تقدم فقاتل حتى أحتسبك، فحمل فقاتل حتى قتل، ثم تقدم هو فقتل، فاجتمع النساء عند امرأته معاذة العدوية، فقالت: إن كنتن جئتن لتهنئتي فمرحباً بكن، وإن كنتن جئتن لغير ذلك فارجعن. وفي الزهد لابن المبارك، عن جرير بن حازم، عن حميد بن هلال، عن صلة بن أشيم قال: خرجنا في بعض قرى نهر تيرى وأنا على دابتي في زمن فيوض الماء، فأنا أسير على مسناة فسرت يوماً لا أجد شيئاً آكله فلقيني علج يحمل على عاتقه شيئاً، فقلت: ضعه، فوضعه، فإذا هو خبز، فقلت: أطعمني، قال: إن شئت، ولكن فيه شحم خنزير، فتركته، ثم لقيت آخر يحمل طعاماً فقلت: أطعمني، فقال: تزودت بهذا لكذا وكذا من يوم، فإن أخذت منه شيئاً أجعتني، فتركته ومضيت، فوالله إني لأسير (5/128)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 129 إذ سمعت خلفي وجبة كوجبة الطير فالتفت، فإذا هو شيء ملفوف في سب أبيض أي خمار فنزلت إليه، فإذا هو دوخلة من رطب في زمان ليس في) الأرض رطبة، فأكلت منه، ثم لففت ما بقي، وركبت الفرس وحملت معي نواهن. قال جرير: فحدثني أوفى بن دلهم قال: رأيت ذلك السب مع امرأته ملفوفاً فيه مصحف، ثم فقد بعد. قلت: هذا حديث صحيح، روى نحوه عوف الأعرابي، عن أبي السليل، عن نضلة. وقال ابن المبارك: ثنا المسلم بن سعيد الواسطي، أنا حماد بن جعفر بن زيد، أن أباه أخبره، قال: خرجنا في غزاة إلى كابل، وفي الجيش صلة بن أشيم، فنزل الناس عند العتمة، فقلت: لأرمقن عمله، فصلى، ثم اضطجع، فالتمس غفلة الناس، ثم وثب فدخل غيضة، فدخلت في أثره، فتوضأ ثم قام يصلي فافتتح الصلاة، وجاء أسد حتى دنا منه فصعدت في شجرة قال: أفتراه التفت إليه أو اعتد به حتى سجد فقلت: الآن يفترسه فلا شيء، فجلس، ثم سلم، فقال: أيها السبع، اطلب رزقك من مكان آخر، فولى وإن له لزئيراً، أقول: تصدع منه الجبال، فما زال كذلك، حتى إذا كان عند الصبح جلس فحمد الله بمحامد لم أسمع بمثلها، إلا ما شاء الله، ثم قال: اللهم إني أسألك أن تجيرني من النار أو مثلي يجترئ أن يسألك الجنة، ثم رجع، فأصبح كأنه بات على الحشايا، وقد أصبحت وبي من (5/129)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 130 الفترة شيء الله به عليم. روى نحوها أبو النعيم في الحلية بإسناد له، إلى مالك بن مغول. وروى ابن المبارك، عن السري بن يحيى، حدثني العلاء بن هلال الباهلي أن رجلاً قال لصلة: يا أبا الصهباء، إني رأيت أني أعطيت شهادة، وأعطيت شهادتين، فقال: تستشهد، وأستشهد أنا وابني، فلما كان يوم يزيد بن زياد لقيهم الترك بسجستان، فكان أول جيش انهزم من المسلمين، فقال صلة: يا بني ارجع إلى أمك، فقال: يا أبت تريد الخير لنفسك وتأمرني بالرجوع ارجع أنت، قال: وأما إذا قلت هذا فتقدم فتقدم فقاتل حتى أصيب، فرمى صلة عن جسده، وكان رجلاً رامياً، حتى تفرقوا عنه، وأقبل حتى أقام عليه فدعا له، ثم قاتل حتى قتل. قلت: وذلك سنة اثنتين وستين. (5/130)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 131 4 (حرف الضاد)

4 (الضحاك بن قيس) القرشي الفهري، أخو فاطمة بنت قيس رضي الله عنها وعنه، وكانت (5/131)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 132 أكبر منه بعشر سنين، له صحبة إن شاء الله ورواية، يكنى أبا أمية، ويقال: أبا أنيس، ويقال: أبا عبد الرحمن، ويقال: أبا) سعيد. وروى أيضاً عن: حبيب بن مسلمة. روى عنه: معاوية وهو أكبر منه، والشعبي، ومحمد بن سويد الفهري، وسعيد بن جبير، وسماك بن حرب، وعمير بن سعد، وأبو إسحاق السبيعي. وشهد فتح دمشق وسكنها، وكان على عسكر أهل الشام يوم صفين. وقال حجاج الأعور، عن ابن جريج، حدثني، محمد بن طلحة، عن معاوية بن أبي سفيان أنه قال: وهو على المنبر: حدثني الضحاك بن قيس وهو عدل على نفسه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال وال من قريش على الناس. وفي مسند أحمد: ثنا حماد، أنا علي بن زيد، عن الحسن، أن الضحاك بن قيس كتب إلى قيس بن الهيثم حين مات يزيد: سلام عليك، أما بعد. فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الدخان، يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه. وإن يزيد بن معاوية قد مات، وأنتم إخواننا وأشقاؤنا، فلا تسبقونا بشيء حتى نختار لأنفسنا. وقال الزبير بن بكار: كان الضحاك بن قيس مع معاوية، فولاه الكوفة، قال: وهو الذي صلى على معاوية وقام بخلافته حتى قدم يزيد، وكان يعني بعد موت يزيد قد دعا إلى ابن الزبير وبايع له، ثم دعا لنفسه، وفي بيت (5/132)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 133 أخته اجتمع أهل الشورى، وكانت نبيلة، وهي راوية حديث الجساسة. وقال الواقدي: ولد الضحاك قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين. وقال غيره: بل سمع منه. وذكر مسلم بن الحجاج أنه شهد بدراً، فغلط. وقال خليفة: مات زياد بن أبيه سنة ثلاث وخمسين بالكوفة، فولاها معاوية الضحاك بن قيس، ثم عزله منها، واستعمله على دمشق، واستعمل على الكوفة عبد الرحمن بن أم الحكم، وبقي الضحاك على دمشق حتى هلك يزيد. وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن الضحاك خطب بالكوفة قاعداً فقام كعب بن عجرة فقال: لم أر كاليوم قط، إمام قوم مسلمين يخطب قاعداً. وكان الضحاك أحد الأجواد، كان عليه برد قيمته ثلاثمائة دينار، فأتاه رجل لا يعرفه فساومه) به، فأعطاه إياه وقال: شح بالرجل أن يبيع عطافه، فخذه فالبسه. وقال الليث بن سعد: أظهر الضحاك بيعة ابن الزبير بدمشق ودعا له، فسار عامة بني أمية وحشمهم وأصحابهم حتى لحقوا بالأردن، وسار مروان وبنو بحدل إلى الضحاك. وقال ابن سعد: أنا المدائني، عن خالد بن يزيد بن بشر، عن أبيه، وعن مسلمة بن محارب، عن حرب بن خالد، وغير واحد: أن معاوية بن يزيد لما مات دعا النعمان بن بشير بحمص إلى ابن الزبير، ودعا زفر بن الحارث (5/133)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 134 أمير قنسرين إلى ابن الزبير، ودعا الضحاك بدمشق إلى ابن الزبير سراً لمكان بني أمية وبني كليب، وبلغ حسان بن مالك بن بحدل وهو بفلسطين، وكان هواه في خالد بن يزيد، فكتب إلى الضحاك كتاباً يعظم فيه حق بني أمية ويذم ابن الزبير، وقال للرسول إن قرأ الكتاب، وإلا فاقرأه أنت على الناس، وكتب إلى بني أمية يعلمهم، فلم يقرأ الضحاك كتابه، فكان في ذلك اختلاف، فسكنهم خالد بن يزيد، ودخل الضحاك الدار، فمكثوا أياماً، ثم خرج الضحاك فصلى بالناس، وذكر يزيد فشتمه، فقام إليه رجل من كلب فضربه بعصاً، فاقتتل الناس بالسيوف، ودخل الضحاك داره، وافترق الناس ثلاث فرق، فرقة زبيرية، وفرقة بحدلية هواهم في بني أمية، وفرقة لا يبالون، وأرادوا أن يبايعوا الوليد بن عقبة بن أبي سفيان، فأبى وهلك تلك الليالي، فأرسل الضحاك إلى مروان، فأتاه هو وعمرو بن سعيد الأشدق، وخالد، وعبد الله ابنا يزيد، فاعتذر إليهم وقال: اكتبوا إلى حسان حتى ينزل الجابية ونسير إليه، ونستخلف أحدكم، فكتبوا إلى حسان، فأتى الجابية، وخرج الضحاك وبنوا أمية يريدون الجابية، فلما استقلت الرايات موجهة قال معن بن ثور ومن معه من أشراف قيس للضحاك: دعوتنا إلى بيعة رجل أحزم الناس رأياً وفضلاً وبأساً، فلما أجبناك خرجت إلى هذا الأعرابي تبايع لابن أخيه قال: فما العمل قالوا: تصرف الرايات، وتنزل فتظهر البيعة لابن الزبير، ففعل وتبعه الناس، وبلغ ابن الزبير، فكتب الضحاك بإمرة الشام، ونفي من بمكة والمدينة من الأمويين، فكتب الضحاك إلى الأمراء الذين دعوا إلى ابن الزبير فأتوه، فلما رأى مروان ذلك سار يريد ابن الزبير ليبايع له ويأخذ الأمان لبني أمية، فلقيهم بأذرعات عبيد الله بن زياد مقبلاً من العراق، فحدثوه، فقال لمروان: سبحان الله: أرضيت لنفسك بهذا، أتبايع لأبي خبيب وأنت سيد قريش وشيخ بني عبد مناف واله لأنت أولى بها منه، قال: فما ترى قال: (5/134)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 135 الرأي أن ترجع وتدعوا إلى نفسك، وأنا أكفيك قريشاً ومواليها، فرجع ونزل عبيد الله بباب) الفراديس، فكان يركب إلى الضحاك كل يوم، فعرض له رجل فطعنه بحربة في ظهره، وعليه من تحت الدرع، فانثنت الحربة، فرجه عبيد الله إلى منزله، فأتاه الضحاك يعتذر، وأتاه بالرجل فعفا عنه، وعاد يركب إلى الضحاك، فقال له يوماً: يا أبا أنيس، العجب لك، وأنت شيخ قريش، تدعوا لابن الزبير وأنت أرضى عند الناس منه، لأنك لم تزل متمسكاً بالطاعة، وابن الزبير مشاق مفارق للجماعة فأصغى إليه ودعا إلى نفسه ثلاثة أيام، فقالوا: قد أخذت عهودنا وبيعتنا لرجل، ثم تدعوا إلى خلعه من غير حدث أحدث وامتنعوا عليه، فعاد إلى الدعاء لابن الزبير، فأفسده ذلك عند الناس، فقال عبيد الله بن زياد: من أراد ما تريد لم ينزل المدائن والحصون، بل يبرز ويجمع إليه الخيل فاخرج عن دمشق وضم إليك الأجناد، فخرج ونزل المرج، وبقي ابن زياد بدمشق، وكان مروان وبنو أمية بتدمر، وتزوج بأم خالد ابن يزيد بن معاوية، وهي بنت هاشم بن عتبة بن ربيعة، واجتمع خلق على بيعة مروان، وخرج أبن زياد فنزل بطرف المرج، وسار إليه مروان في خمسة آلاف، وأقبل من حوارين عباد بن زياد في ألفين من موليه، وكان بدمشق يزيد بن أبي النمس فأخرج عامل الضحاك منها، وأمر مروان بسلاح ورجال، فقدم إلى الضحاك زفر بن الحارث الكلابي من قنسرين، وأمده النعمان بن بشير بشرحبيل بن ذي الكلاع في أهل حمص، فصار الضحاك في ثلاثين ألفاً، ومروان في ثلاثة عشر ألفاً أكثرهم من رجاله ولم يكن في عسكر مروان غير ثمانين عتيقاً نصفها لعباد بن زياد، فأقاموا بالمرج عشرين يوماً يلتقون في كل يوم، وكان على ميمنة مروان عبيد الله بن زياد، وعلى (5/135)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 136 ميسرته عمرو بن سعيد الأشدق، فقال عبيد الله: إنا لا ننال من الضحاك إلا بمكيدة، فادع إلى الموادعة، فإذا أمنوا فكر عليهم، فراسله مروان، فأمسك الضحاك والقيسية عن القتال، وهم يطمعون أن مروان يبايع لابن الزبير، فأعد مروان أصحابه وشد على الضحاك، ففزع قومه إلى راياتهم، ونادى الناس: يا أبا أنيس أعجزاً بعد كيس فقال الضحاك: نعم أنا أبو أنيس عجز لعمري بعد كيس، والتحم الحرب، وصبر الضحاك، فترجل مروان وقال: قبح الله من يوليهمم اليوم ظهره حتى يكون الأمر لإحدى الطائفتين، فقتل الضحاك، وصبرت قيس على رايتها يقاتلون عندها، فاعترضها رجل بسيفه، فكان إذا سقطت الراية تفرق أهلها، ثم انهزموا، فنادى منادي مروان لا تتبعوا مولياً. قال الواقدي: قتلت قيس بمرج راهط مقتلة لم يقتل منها قط، وذلك في نصف ذي الحجة سنة) أربع وستين. وقال المدائني، عن خالد بن يزيد بن بشر الكلبي قال: حدثني من شهد مقتل الضحاك قال: مر بنا زحنة بن عبد الله الكلبي، لا يطعن أحداً إلا صرعه، إذ حمل على رجل فطعنه فصرعه، فأتيته فإذا هو الضحاك، فاحتززت رأسه فأتيت به مروان، فكره قتله، وقال: الآن حين كبرت سني واقترب أجلي، أقبلت بالكتائب أضرب بعضها ببعض، وأمر لي بجائزة. (5/136)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 137 4 (حرف العين)

4 (عاصم بن عمرو بن الخطاب) أبو عمر العدوي. ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. وروى عن أبيه. روى عنه: ابناه حفص، وعبيد الله، وعروة بن الزبير. (5/137)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 138 قال أبو حاتم: لا يروى عنه إلا حديث واحد. وأمه هي جميلة بنت ثابت بن أبي الأقلح الأنصارية التي كان اسمها عاصية، فغير النبي صلى الله عليه وسلم اسمها، وتزوجت بعمد عمر يزيد بن جارية الأنصاري، فولدت له عبد الرحمن. وكان عاصم طويلاً جسيماً، يقال إن ذراعه كان ذراعاً ونحواً من شبر، وكان خيراً فاضلاً ديناً شاعراً مفوهاً فصيحاً، وهو جد الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز لأمه. ولقد رثاه أخوه عبد الله رضي الله عنه فقال: (فليت المنايا كن خلفن عاصماً .......... فعشنا جميعاً أو ذهبن بنا معا) وقيل: كنيته أبو عمرو، توفي سنة سبعين. 4 (عامر بن عبد قيس) التميمي العنبري البصري الزاهد، أبو عبد الله، ويقال: أبو عمرو، عابد زمانه. (5/138)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 139 روى عن: عمر، وسلمان الفارسي. وعنه: الحسن، وابن سيرين، وأبو عبد الرحمن الحبلي وغيرهم. قال أحمد العجلي: كان ثقة من كبار التابعين. وقال أبو عبيد في القراءات: كان عامر بن عبد الله الذي يعرف بابن عبد قيس يقرئ الناس. ثنا عباد، عن يونس، عن الحسن، أن عامراً كان يقول: من أقرئ فيأتيه ناس، فيقرئهم القرآن،) ثم يقوم يصلي إلى الظهر، ثم يصلي إلى العصر، ثم يقرئ الناس إلى المغرب، ثم يصلي ما بين العشاءين، ثم ينصرف إلى منزله فيأكل رغيفاً وينام نومة خفيفة، ثم يقوم لصلاته، ثم يتسحر رغيفاً. وقال بلال بن سعد: إن عامر بن عبد قيس وشي به إلى زياد، وقيل: إلى ابن عامر، فقالوا له: ها هنا رجل قيل له: ما إبراهيم عليه السلام خيراً منك، فسكت وقد ترك النساء، قال فكتب فيه إلى عثمان، فكتب إليه، أن انفه إلى الشام على قتب، فلما جاءه الكتاب أرسل إلى عامر فقال: أنت قيل لك: ما إبراهيم خيراً منك، فسكت فقال: أما والله ما سكوتي إلا تعجباً لوددت أني غبار قدميه، فيدخل بي الجنة، قال: ولم تركت النساء قال: والله ما تركتهن إلا أني قد علمت أنها متى تكون امرأة فعسى أن يكون (5/139)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 140 ولد، ومتى يكون ولد تشعبت الدنيا قلبي، فأحببت التخلي من ذلك، فأجلاه على قتب إلى الشام، فلما قدم أنزله معاوية معه الخضراء، وبعث إليه، بجارية، وأمرها أن تعلمه ما حاله، فكان يخرج من السحر، فلا تراه إلا بعد العتمة، فيبعث إليه معاوية بطعام، فلا يعرض له، ويجيء معه بكسر فيبلها ويأكل منها، ثم يقوم إلى أن يسمع النداء فيخرج، ولا تراه إلا مثلها، فكتب معاوية إلى عثمان يذكر حاله، فكتب إليه عثمان: أن اجعله أول داخل وآخر خارج، ومر له بعشرة من الدقيق وعشرة من الظهر، فأحضره وقال: إن أمير المؤمنين أمر لك بكذا، قال: إن علي شيطاناً قد غلبني، فكيف أجمع على عشرة. وكانت له بغلة فروى بلال بن سعد عمن رآه بأرض الروم يركبها عقبة، ويحمل المهاجر عقبة. قال بلال بن سعد: وكان إذا فصل غازياً يتوسم يعني من يرافقه فإذا رأى رفقة تعجبه اشترط عليهم أن يخدمهم، وأن يؤذن، وأن ينفق عليهم طاقته. رواه ابن المبارك بطوله في الزهد. وقال همام، عن قتادة قال: كان عامر يسأل ربه أن ينزع شهوة النساء من قلبه، فكان لا يبالي إذا لقي ذكراً أو أنثى، وسأل ربه أن يمنع قلبه من الشيطان وهو في الصلاة فلم يقدر عليه، ويقال: إن ذلك ذهب عنه. وعن أبي الحسين المجاشعي قال: قيل لعامر بن عبد قيس. أتحدث نفسك في الصلاة قال: نعم، أحدث نفسي بالوقوف بين يدي الله تعالى ومنصرفي. (5/140)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 141 قال جعفر بن سليمان، عن مالك بن دينار قال: لما رأى كعب الأحبار عامراً بالشام قال: من) ذا قالوا: عامر بن عبد قيس، فقال كعب: هذا راهب هذه الأمة. وروى جعفر بن سليمان، عن أبي عمران الجوني قال: قيل لعامر بن عبد قيس: إنك تبيت خارجاً، أما تخاف الأسد قال: إني لأستحي من ربي أن أخاف شيئاً دونه. وروي مثله عن قتادة. حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة: لقي رجل عامر بن عبد قيس فقال: ما هذا، ألم يقل الله وجعلنا لهم أزواجاً وذرية يعني: وأنت لا تتزوج، فقال: أفلم يقل الله تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون. وقال ابن أبي الدنيا: ثنا محمد بن يحيى الأزدي، ثنا جعفر بن أبي جعفر الرازي، عن أبي جعفر السائح، أنبأ أبو وهب وغيره أن عامر بن عبد قيس كان من أفضل العابدين، ففرض على نفسه كل يوم ألف ركعة، يقوم عند طلوع الشمس، فلا يزال قائماً إلى العصر، ثم ينصرف وقد انتفخت ساقاه فيقول: يا نفس إنما خلقت للعبادة، يا أمارة بالسوء، فوالله لأعملن بك عملاً يأخذ الفراش منك نصيباً. وهبط وادياً يقال له وادي السباع، وفيه عابد حبشي، فانفرد يصلي في ناحية والعابد في ناحية، أربعين يوماً لا يجتمعان إلا في صلاة الفريضة. وقال محمد بن واسع، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير: إن عامراً كان (5/141)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 142 يأخذ عطاءه، فيجعله في طرف ثوبه، فلا يلقاه أحد من المساكين إلا أعطاه، فإذا دخل بيته رمى به إليهم، فيعدونها فيجدونها سواء كما أعطيها. وقال جعفر بن برقان: ثنا ميمون بن مهران أن عامر بن عبد قيس بعث إليه أمير البصرة: مالك لا تزوج النساء قال: ما تركتهن، وإني لدائب في الخطيئة، قال: ومالك لا تأكل الجبن قال: أنا بأرض فيها مجوس، فما شهد شاهدان من المسلمين أن ليس فيه ميتة أكلته، قال: وما يمنعك أن تأتي الأمراء قال: إن لدى أبوابكم طلاب الحاجات، فادعوهم واقضوا حوائجهم، ودعوا من لا حاجة له إليكم. وقال مالك بن دينار: حدثني فلان أن عامراً مر في الرحبة وإذا ذمي، يظلم، فألقى رداءه ثم قال: لا أرى ذمة الله تخفر وأنا حي، فاستنقذه. ويروى أن سبب إرساله إلى الشام كونه أنكر وخلص هذا الذمي، فقال جعفر بن سليمان: ثنا) الجريري قال: لما سير عامر بن عبد الله يعني ابن عبد قيس شيعه إخوانه، وكان بظهر المربد، فقال: إني داع فأمنوا، قال: اللهم من وشى بي وكذب علي وأخرجني من مصري وفرق بيني وبين إخوتي، فأكثر ماله وولده، وأصح جسمه، وأطل عمره. وقال الحسن البصري: بعث بعامر بن عبد قيس إلى الشام، فقال: الحمد لله الذي حشرني راكباً. وقال هشام عن قتادة: إن عامر بن عبد قيس لما احتضر جعل يبكي، فقيل: ما يبكيك قال: والله ما أبكي جزعاً من الموت، ولا حرصاً على الدنيا، ولكن أبكي على ظمأ الهواجر وقيام الليل. (5/142)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 143 روى ضمرة، عن عثمان بن عطاء الخراساني، عن أبيه أن قبر عامر بن عبد قيس ببيت المقدس. وقيل: إنه توفي في زمان معاوية. 4 (عامر بن مسعود أبو سعد،) وقيل: أبو سعيد الزرقي الأنماري، مختلف في صحبته. روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عائشة. وعنه: يونس بن ميسرة بن حلبس ومكحول. وقيل: إنه كان زوج أسماء بنت يزيد بن السكن، سكن دمشق. 4 (عائد بن عمرو بن هلال أبو هبيرة المزني،) له صحبة ورواية، شهد بيعة الحديبية ونزل البصرة. (5/143)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 144 روى عنه: الحسن، ومعاوية بن قرة، وأبو جمرة الضبعي، وأبو شمر الضبعي، وأبو عمران الجوني. وكان من فضلاء الصحابة وصالحيهم، وأوصى أن يصلي عليه أبو برزة الأسلمي. وقد دخل على عبيد الله بن زياد فوعظه، وقال: إن الدعاء الحطمة. 4 (عبد الله بن حنظلة) ابن أبي عامر عبد عمرو بن صيفي بن النعمان، أبو عبد الرحمن، ويقل: أبو بكر ابن الغسيل غسيل الملائكة يوم أحد، ويعرف أبو عامر بالراهب، الأنصاري الأوسي المدني. أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه، وروى عنه، وهو من صغار الصحابة. (5/144)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 145 روى عنه: عبد الله بن يزيد الخطمي، وابن أبي ملكية، وضمضم بن جوس، وأسماء بنت زيد) بن الخطاب، وله رواية عن عمر، وكعب الأحبار، وكان رأس أهل المدينة يوم الحرة. قال الحسن بن سوار: ثنا عكرمة بن عمار، عن ضمضم بن جوس عن عبد الله بن حنظلة بن الراهب قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت على ناقة. تفرد به الحسن، وقد وثقه أحمد وغيره. وقال إبراهيم بن المنذر: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وله سبع سنين، وأصيب يوم الحرة، وأمه جميلة بنت عبد الله بن أبي بن سلول، ولدته بعد مقتل أبيه. 4 (عبد الله بن خثيمة الأنصاري السالمي) الخزرجي. قال ابن سعد: شهد أحداً وبقي إلى دهر يزيد بن معاوية. 4 (عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري) النجاري المازني (5/145)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 146 المدني، أخو حبيب الذي قتله مسيلمة الكذاب، وعم عباد بن تميم، وهو الذي حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم. وله ولأبيه صحبة، وقيل: إنه الذي قتل مسيلمة مع وحشي، واشتركا في قتله، وأخذ بثأر أخيه. روى عنه: ابن أخيه عباد، وسعيد بن المسيب، وواسع بن حبان وغيرهم. واستشهد يوم الحرة. 4 (عبد الله بن السائب المخزومي) بن أبي السائب صيفي بن عابد (5/146)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 147 المخزومي العابدي، أبو السائب ويقال: أبو عبد الرحمن، المكي، قارئ أهل مكة. له صحبة ورواية، وكان أبو السائب شريك النبي صلى الله عليه وسلم قبل المبعث، وأسلم السائب يوم الفتح، وجاء أن عبد الله أم الناس بمكة في رمضان زمن عمر. وقال ابن جريج: عن ابن أبي ملكية قال: رأيت ابن عباس لما فرغوا من قبر عبد الله بن السائب، وقام الناس عنه، قام ابن عباس فوقف على قبره فدعا له وانصرف. روى عنه: ابن أبي ملكية، وعطاء، ومجاهد، وسبطه محمد بن عباد بن جعفر، وآخرون. قرأ على أبي بن كعب. وقرأ عليه: مجاهد، وغيره، وآخر من روى عنه القرآن عبد الله بن كثير. توفي بعد السبعين، وهو من صغار الصحابة. وقيل غير ذلك. المخزومي عبد الله بن سخبرة أبو معمر الأزدي) الكوفي، تابعي مشهور، ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. (5/147)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 148 وروى عن: علي، وعبد الله بن مسعود، والمقداد بن الأسود، وخباب ابن الأرت. روى عنه: إبراهيم، ومجاهد، وعمارة بن العمير التيمي، وغيرهم. وثقه ابن معين. 4 (عبد الله بن عباس) ابن عبد المطلب بن هاشم، الحبر أبو العباس، ابن عم (5/148)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 149 رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو الخلفاء. (5/149)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 150 ولد في شعب بني هاشم قبل الهجرة بثلاث سنين، وذكر ابن عباس أنه يوم حجة الوداع كان قد ناهز الاحتلام. وروى البخاري في صحيحه عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين، وقد قرأت المحكم، فتحقق هذا. وصحب النبي صلى الله عليه وسلم، ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحكمة مرتين. (5/150)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 151 وقال ابن مسعود: نعم ترجمان العرب القرآن ابن عباس. روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وأبي، وأبيه العباس، وأبي ذر، وأبي سفيان بن حرب، وطائفة من الصحابة. روى عنه: أنس، وغيره من الصحابة، وابنه علي، ومواليه الخمسة: كريب، وعكرمة، ومقسم، وأبو معبد نافذ، ودفيف، ومجاهد، وطاوس، وعطاء، وعروة، وسعيد بن جبير، والقاسم، وأبو الشعثاء، وأبو العالية، والشعبي، وأبو رجاء العطاردي، وعطاء بن يسار، وعلي بن الحسين، وأبو صالح السمان، وأبو صالح باذام، ومحمد بن سيرين، والحسن البصري، وأخوه سعيد، وابن أبي مليكة، ومحمد بن كعب القرظي، وميمون بن مهران، والضحاك، وشهر بن حوشب، وعبيد الله بن أبي يزيد، وإسماعيل السدي، وبكر بن عبد الله المزني، وخلق سواهم. وقال أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: جمعت المحكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبض وأنا ابن عشر حجج، قلت: وما المحكم قال: المفصل. خالفه أبو إسحاق السبيعي: فروى عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن خمس عشرة سنة، وأنا ختين.) وقال الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس قال: أقبلت راكباً على أتان، وأنا قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى. (5/151)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 152 قال الواقدي: لا خلاف بين أهل العلم عندنا أنه ولد في الشعب. وقد ذكر أحمد بن حنبل حديث أبي بشر المذكور فقال: هذا عندي حديث أبي إسحاق يوافق حديث الزهري. وقال الزبير بن بكار: توفي النبي صلى الله عليه وسلم وله ثلاث عشرة سنة. وقال ابن يونس: غزا ابن عباس إفريقية مع عبد الله بن سعد، وروى عنه من أهل مصر خمسة عشر نفساً. وقال ابن منده: ولد قبل الهجرة بسنتين، قال: وكان أبيض طويلاً مشرباً صفرة، جسيماً، وسيماً، صبيحاً، له وفرة، يخضب بالحناء. وقال ابن جريج: قال لنا عطاء: ما رأيت القمر ليلة أربع عشرة إلا ذكرت وجه ابن عباس. وقال إبراهيم بن الحكم بن أبان، عن أبيه، عن عكرمة، أن ابن عباس كان إذا مر في الطريق قالت النساء على الحيطان: أمر المسك أم مر ابن عباس. وقال عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: بت في بيت خالتي ميمونة، فوضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلاً، فقال: من وضع هذا قالوا: عبد الله، فقال: اللهم علمه التأويل وفقهه في الدين. وقال ورقاء: ثنا عبيد الله بن أبي يزيد، عن ابن عباس، قال: وضعت (5/152)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 153 لرسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءاً فقال: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل. وروى أبو مالك عبد الملك بن الحسين النخعي، عن أبي إسحاق، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: رأيت جبريل مرتين، ودعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحكمة مرتين. أحمد بن منصور زاج: ثنا سعدان المروزي، ثنا عبد المؤمن بن خالد الحنفي، عن عبد الله بن بريدة، عن ابن عباس قال: أرسلني أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلب الأدام، وعنده جبريل، فقال: هو ابن عباس، قال: بلى، قال: فاستوص به خيراً فإنه حبر أمتك، أو قال: حبر من الأحبار. هذا حديث منكر، وعبد المؤمن ثقة، رواه أيضاً محمد بن الحكم المروزي، عن رجل، عنه.) قلت: جاء من غير وجه أنه رأى جبريل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صورة دحية الكلبي، فروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لن يموت عبد الله حتى يذهب بصره، فكان كذلك. وقال جرير بن حازم، عن يعلى بن حكيم، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار: هلم نسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم اليوم كثير، فقال: يا عجباً لك يا ابن عباس، أترى الناس يحتاجون إليك، وفي الناس من أصحاب رسول الله من ترى فترك الرجل وأقبلت على المسألة، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل، فآتيه وهو قائل فأتوسد ردائي على بابه، فتسفس الريح على التراب فيخرج فيراني، فيقول: (5/153)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 154 يا ابن عم الرسول، ألا أرسلت إلى فآتيك فأقول: أنا أحق أن آتيك فأسألك، قال: فعاش الرجل رآني وقد اجتمع الناس علي، فقال: هذا الفتى أعقل مني. وقال عبد الملك بن أبي سليمان، عن سعيد بن جبير قال: كان ناس من المهاجرين قد وجدوا على عمر رضي الله عنه في إدنائه ابن عباس دونهم، قال: وكان يسأله، فقال عمر: أما إني سأريكم اليوم منه ما تعرفون فضله به، فسألهم عن هذه السورة إذا جاء نصر الله والفتح فقال بعضهم: أمر الله نبيه إذا رأى الناس يدخلون في دين الله أفواجاً أن يحمده ويستغفره، فقال: تكلم يا ابن عباس، فقال ابن عباس: أعلمه متى يموت. قال: إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فهي آيتك من الموت فسبح بحمد ربك. وقال أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان عمر يأذن لي مع أهل بدر. وقال المعافى بن عمران، عن يزيد بن إبراهيم، عن سليمان الأحول، عن طاوس، عن ابن عباس قال: إن كنت لأسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم. وقال أبو بكر الهذلي، عن الحسن قال: كان ابن عباس من الإسلام (5/154)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 155 بمنزل، وكان من القرآن بمنزل، وكان يقوم على منبرنا هذا، فيقرأ البقرة وآل عمران، فيفسرها آية آية، وكان عمر إذا ذكره قال: ذلكم فتى الكهول، له لسان سؤول، وقلب عقول. وقال عكرمة، عن ابن عباس قال: كل القرآن أعلمه إلا الرقيم، وغسلين، وحناناً. وعن سعيد بن جبير قال: قال عمر لابن عباس: لقد علمت علماً ما علمناه. سنده صحيح.) وعن يعقوب بن زيد قال: كان عمر ستشير ابن عباس في الأمر يهمه ويقول: غواص. وعن سعيد بن جبير، قال عمر: لا يلومني أحد على حب ابن عباس. وعن الشعبي، قال ابن عباس: قال لي أبي: يا بني إن عمر يدنيك، فاحفظ عني ثلاثاً: لا تفشين له سراً، ولا تغتابن عنده أحداً، ولا يجربن عليك كذباً. وقال عكرمة: حرق علي ناساً ارتدوا، فبلغ ذلك ابن عباس، فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم بالنار، إن رسول اله صلى الله عليه وسلم قال: لا تعذبوا بعذاب الله ولقتلتهم، لقوله عليه السلام: من بدل دينه فاقتلوه، فبلغ ذلك علياً فقال: ويح ابن أم الفضل، إنه لغواص على الهنات. (5/155)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 156 وعن سعد بن أبي وقاص قال: ما رأيت أحداً أحضر فهماً، ولا ألب لباً، ولا أكثر علماً، ولا أوسع حلماً من ابن عباس، ولقد رأيت عمر يدعوه للمعضلات، فلا يجاوز قوله، وإن حوله لأهل بدر. وعن طلحة بن عبيد الله قال: لقد أعطي ابن عباس فهماً لقناً وعلماً، وما كنت أرى عمر يقدم عليه أحداً. هذا والذي قبله من رواية الواقدي. وقال الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن عبد الله قال: لو أدرك ابن عباس أسناننا ما عشره منا أحد. وفي لفظ: ما عاشره منا أحد، وكذا قال جعفر بن عون، وغيره، والأول أصح. وقال الأعمش، عن إبراهيم قال: قال عبد الله: لو أن هذا الغلام أدرك ما أدركنا، ما تعلقنا نعه بشيء. قال الأعمش: وسمعتهم يتحدثون أن عبد الله قال: ولنعم الترجمان القرآن ابن عباس. وقال الواقدي: ثنا مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن بسر بن سعيد، عن (5/156)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 157 محمد بن أبي بن كعب: سمعت أبي يقول، وكان عنده ابن عباس، فقام فقال: هذا يكون حبر هذه الأمة، أرى عقلاً وفهماً، وقد دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفقهه في الدين. وقال الواقدي: ثنا أبو بكر ابن أبي سبرة، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة قال: سمعت معاوية يقول: مولاك والله أفقه من مات ومن عاش. وعن عائشة قالت: ابن عباس أعل من بقي بالحج.) وقال مجاهد: ما رأيت أحداً قط مثل ابن عباس، لقد مات يوم مات، وإنه لحبر هذه الأمة، كان يسمى البحر لكثرة علمه. وعن عبيد الله بن عبد الله قال: كان ابن عباس قد فات الناس بخصال: بعلم ما سبق إليه، وفقه فيما احتيج إليه، وحلم نسب ونائل، وما رأيت أحداً أعلم بما سبقه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا بقضاء أبي بكر، وعمر، وعثمان، منه، ولا أعلم بما مضى، ولا أثقب رأياً فيما احتيج إليه منه، ولقد كنا نحضر عنده، فيحدثنا العشية كلها في المغازي، والعشية كلها في النسب، والعشية كلها في الشعر. رواه ابن أسعد، عن الواقدي، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عنه. وعن مسروق قال: كنت إذا رأيت ابن عباس قلت: أجمل الناس، وإذا نطق قلت: أفصح الناس، وإذا تحدث قلت: أعلم الناس. وقال القاسم بن محمد: ما رأيت في مجلس ابن عباس باطلاً قط. (5/157)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 158 وقال صالح بن رستم، عن ابن أبي ملكية قال: صحبت ابن عباس من مكة إلى المدينة، فكان يصلي ركعتين، فإذا نزل قام شطر الليل، ويرتل القرآن حرفاً حرفاً، ويكثر في ذلك من النشيج والنحيب. وقال معمر بن سليمان، عن سعيد بن درهم، عن أبي رجاء قال: رأيت ابن عباس وأسفل من عينيه مثل الشراك البالي من البكاء. وجاء عنه أنه كان يصوم الاثنين والخميس. وقد ولي البصرة لعلي، وشهد معه صفين، فكان على ميسرته، وقد وفد على معاوية فأكرمه وأجازه، وجاء أنه كان يلبس حلة بألف درهم. أبو جناب الكلبي، عن شيخ، أن ابن عباس شهد الجمل مع علي. وقال مجالد، عن الشعبي: أقام علي بعد الجمل خمسين ليلة، ثم أقبل إلى الكوفة، واستخلف ابن عباس على البصرة، ولما قتل علي حمل ابن عباس مبلغاً من المال ولحق بالحجاز، واستخلف على البصرة. عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن رشدين بن كريب، عن أبيه قال: رأين ابن عباس يعتم بعمامة سوداء خرقانية، ويرخيها شبراً.) محمد بن أبي يحيى، عن عكرمة: كان ابن عباس إذا اتزر أرخى مقدم إزاره، حتى تقع حاشيته على ظهر قدمه. ابن جريج: أنبأ الحسن بن مسلم، عن سعيد بن جبير، أن ابن عباس كان ينهى عن كتاب العلم، وأنه قال: إنها أضل من كان قبلكم الكتب. حفص بن عمر بن أبي العطاف وهو واه، عن أبي الزناد، عن الأعرج: أن ابن عباس قال: قيدوا العلم بالكتب. (5/158)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 159 نافع بن عمر، ثنا عمرو بن دينار، أنهم كلموا ابن عباس أن يحج بهم وعثمان محصور فدخل عليه فأخبره، فأمره أن يحج بالناس، فحج بهم، فلما قدم وجد عثمان قد قتل، فقال لعلي: إن أنت قمت بهذا الأمر الآن ألزمك الناس دم عثمان إلى يوم القيامة. معتمر بن سليمان، وغيره، عن سليمان التيمي، عن الحسن قال: أول من عرف بالبصرة ابن عباس، كان مثجاً، كثير العلم، قال: فقرأ سورة البقرة، ففسرها آية أية. ابن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد قال: كان ابن عباس إذا سئل عن الأمر، فإن كان في القرآن أو السنة أخبر به، وإلا اجتهد رأيه. حماد بن زيد، عن علي بن زيد، عن سعيد بن جبير، ويوسف بن مهران قالا: ما نحصي ما سمعنا ابن عباس يسأل عن الشيء من القرآن، فيقول: هو كذا، أما سمعت الشاعر يقول: كذا وكذا. أبو أمية بن يعلى، عن سعيد بن أبي سعيد: كنت عند ابن عباس، فقيل له: كيف صومك قال أصوم الاثنين والخميس. مالك بن دينار، عن عكرمة: كان ابن عباس يلبس الخز، ويكره المصمت منه. أبو عوانة، عن أبي الجويرية: رأيت إزار ابن عباس إلى أنصاف ساقيه. (5/159)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 160 شريك، عن أبي إسحاق: رأيت ابن عباس طويل الشعر أيام منى، أظنه قصر، ورأيت في إزاره بعض الإسبال. ابن جريج، عن عطاء: رأيت ابن عباس يصفر، يعني لحيته. يونس بن يزيد قال: استعمل عثمان على الحج وهو مصحور ابن عباس، فلما صدر عن الموسم إلى المدينة، بلغه وهو ببعض الطريق قتل عثمان، فجزع من ذلك وقال: يا ليتني لا أصل حتى يأتيني قاتله فيقتلني، فلما قدم على علي خرج معه إلى البصرة، يعني في وقعة) الجمل، ولما سار الحسين إلى الكوفة قال ابن عباس لابن الزبير، وقد لقيه بمكة: خلا لك والله إلى الكوفة بيت ابن الزبير الحجاز، فقال: والله ما ترون إلا أنكم أحق بهذا الأمر من سائر الناس، وتكالما حتى علت أصواتهما، حتى سكنهما رجال من قريش، وكان ابن عباس وابن الحنيفة قد نزلا بمكة في أيام فتنة ابن الزبير، فطلب منهما أبن يبايعاه، فامتنعا وقالا: أنت وشأنك لا نعرض لك ولا لغيرك. وعن عطية العوفي أن ابن الزبير ألح عليهما في البيعة وقال: والله لتبايعن أو لأحرقنكم بالنار، فبعثا أبا الطفيل عامر بن واثلة إلى شيعتهم بالكوفة، فانتدب أربعة آلاف، وساروا فلبسوا السلاح حتى دخلوا مكة، وكبروا تكبيرة سمعها الناس، وانطلق ابن الزبير من المسجد هارباً، ويقال: تعلق بالأستار، وقال: أنا عائذ الله، قال بعضهم: فمثلنا إلى ابن عباس وابن الحنفية، وقد عمل حول دورهم الحطب ليحرقها، فخرجنا بهم حتى نزلنا بهم الطائف. قلت: فأقام ابن عباس بالطائف سنة أو سنتين لم يبايع أحداً. وقال ابن الحنيفة لما دفن ابن عباس: اليوم مات رباني هذه الأمة. رواه مسلم بن أبي حفصة، عن أبي كلثوم، عنه. (5/160)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 161 وقال أبو الزبير المكي: لما مات ابن عباس جاء طائر أبيض فدخل في أكفانه. وروى عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير نحوه، وزاد: فما رؤي بعد. توفي سنة ثمان وستين. قاله غير واحد، وله نيف وسبعون سنة. روى الواقدي أن ابن عباس عاش إحدى وسبعين سنة، وقيل: اثنتين وسبعين سنة. وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن شعيب بن يسار قال: لما أدرج ابن عباس كفنه دخل فيه طائر أبيض، فما رؤي حتى الساعة. عفان: ثنا حماد بن سلمة، أنا يعلى بن عطاء، عن بجير بن أبي عبيد، أن ابن عباس مات بالطائف، فلما أخرج بنعشه، جاء طائر عظيم أبيض من قبل وج حتى خالط أكفانه، فلم يدر أين يذهب، رضي الله عنه. 4 (عبد الله بن عمرو بن العاص) ابن وائل بن هاشم، أبو محمد، ويقال: أبو عبد الرحمن، القرشي (5/161)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 162 السهمي من نجباء الصحابة، وعلمائهم.) كتب عن النبي صلى الله عليه وسلم الكثير، وروى أيضاً عن: أبيه، وأبي بكر، وعمر. روى عنه: حفيده شعيب بن محمد بن عبد الله، وسعيد بن المسيب وعروة، وطاوس، وأبو سلمة ومجاهد، وعكرمة، وجبير بن نفير، وعطاء، (5/162)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 163 وابن أبي مليكة، وأبو عبد الرحمن الحبلي، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وحميد بن عبد الرحمن، وسالم بن أبي الجعد، ووهب بن منبه، وخلق سواهم. وأسلم قبل أبيه، ولم يكن أصغر من أبيه إلا باثنتي عشرة سنة، وقيل: بإحدى عشرة سنة. وكان واسع العلم، مجتهداً في العبادة، عاقلاً يلوم أباه على القيام مع معاوية بأدب وتؤدة. قال قتادة: كان رجلاً سميناً. وقال علي بن زيد بن جدعان، عن العريان بن الهيثم قال: وفدت مع أبي إلى يزيد، فجاء رجل طوال، أحمر، عظيم البطن، فقلت: من ذا قيل: عبد الله بن عمرو. وقال ابن أبي مليكة: قال طلحة بن عبيد الله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نعم أهل البيت: عبد الله، وأبو عبد الله، وأم عبد الله. وروي نحوه من حديث ابن لهيعة، عن مشرح، عن عقبة بن عامر. وقال ابن جريج: سمعت ابن أبي مليكة يحدث، عن يحيى بن حكيم بن صفوان، عن عبد الله بن عمرو قال: جمعت القرآن فقرأته كله في ليلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إقرأه في شهر، قلت: يا رسول الله دعني أستمتع من قوتي وشبابي، فأبى. (5/163)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 164 وقال أحمد في مسنده: ثنا قتيبة، ثنا ابن لهيعة، عن واهب بن عبد الله المعافري، عن عبد الله بن عمرو قال: رأيت كأن في أحد إصبعي سمناً، وفي الأخرى عسلاً، وأنا ألعقهما، فلما أصبحت ذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: تقرأ الكتابين: التوراة والفرقان، فكان يقرأهما. وعن شفي، عن عبد الله قال: حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف مثل. وقال أبو قبيل: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب ما يقول. وقال ابن إسحاق وغيره: عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قلت: يا رسول الله أكتب ما أسمع منك في الرضا والغضب قال: نعم، فإني لا أقول إلا حقاً.) وقال أبو هريرة: لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر حديثاً مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب، وكنت لا أكتب. وقال إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله، عن مجاهد قال: دخلت على عبد الله بن عمرو، فتناولت صحيفة تحت رأسه، فتمنع علي، فقلت: تمنعني شيئاً من كتبك فقال: إن هذه الصحيفة الصادقة التي سمعتها من (5/164)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 165 رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس بيني وبينه أحد، فإذا سلم لي كتاب الله، وسلمت لي هذه الصحيفة والوهط، لم أبال ما ضيعت الدنيا. الوهط: بستانه بالطائف. وقال عياش بن عباس، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو قال: لأن أكون عاشر عشرة مساكين يوم القيامة، أحب إلي من أن أكون عاشر عشرة أغنياء، فإن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة، إلا من قال هكذا وهكذا، يقول: يتصدق يميناً وشمالاً. وقال شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن أبيه قال: كنت أصنع الكحل لعبد الله بن عمرو، وكان يطفئ السراج ثم يبكي، حتى رسعت عيناه. وعن عبد الله بن عمرو قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم بيتي فقال: ألم أخبر أنك تكفلت قيام الليل وصيام النهار قلت: إني لأفعل. قال: إن من حسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام، وذكر الحديث. وقال خليفة: كان عبد الله على ميمنة معاوية بصفين، وقد ولاه معاوية (5/165)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 166 الكوفة، ثم عزله بالمغيرة بن شعبة. وقال أحمد في مسنده: ثنا يزيد بن هارون، ثنا العوام، حدثني أسود بن مسعود، عن حنظلة بن خويلد قال: بينا أنا عند معاوية، إذ جاءه رجلان يختصمان في رأس عمار، كل واحد يقول: أنا قتلته، فقال عبد الله بن عمرو: ليطب أحدكما به نفساً لصاحبه، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقتله الفئة الباغية فقال معاوية: يا عمرو ألا ترد عنا مجنونك، فما بالك معنا قال: إن أبي شكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي أطع أباك ما دام حياً، فأنا معكم، ولست أقاتل. وقال ابن أبي مليكة: قال ابن عمرو: مالي ولصفين، مالي ولقتال المسلمين، لوددت أني مت قبلها بعشرين سنة، أما والله على ذلك ما ضربت بسيف، ولا رميت بسهم، وذكر أنه كانت) الراية بيده. وقال قتادة، عن عبد الله بن بريدة، عن سليمان بن الربيع قال: انطلقت في رهط من نساك أهل البصرة إلى مكة، فقلنا: لو نظرنا رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحدثنا، فدللنا على عبد الله بن عمرو، فأتينا منزله، فإذا قريب من ثلاثمائة راحلة، فقلنا: على كل هؤلاء حج عبد الله قالوا: نعم، هو ومواليه وأحباؤه، فانطلقنا إلى البيت، فإذا رجل أبيض الرأس واللحية، بين بردين قطريين، عليه عمامة، ليس عليه قميص. رواه حسين المعلم، عن ابن بريدة فقال، عن سليمان بن ربيعة الغنوي. قال غير واحد: إنه توفي سنة خمس وستين، وتوفي بمصر على الصحيح. (5/166)

الجزء الخامس

الكتاب: تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام. تأليف: شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. دار النشر: دار الكتاب العربي. مكان النشر: لبنان/ بيروت. سنة النشر: 1407هـ - 1987م. الطبعة: الأولى. تحقيق: د. عمر عبد السلام تدمري. ملاحظات حول الكتاب: الكتاب موافق للمطبوع كاملاً. غير مفهرس.غير مقابل على نسخة ورقية. بل هو نفس الموجود في مكتبة التراث. قام بنسخه وإدخاله إلى الشاملة أخوكم: أبو عبد الله السني. راجياً منكم دعاءً بظهر الغيب. تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 167 وقيل: مات بالطائف. وقيل: مات بمكة. وقيل: مات بالشام. 4 (عبد الله بن مسعدة الفزاري) ويقال: ابن مسعود، ويدعى صاحب الجيوش، لأنه كان أميراً على غزو الروم. قال الطبراني: له صحبة. وقال الحافظ ابن عساكر: له رؤية، ونزل دمشق وبعثه يزيد مقدماً على جند دمشق في جملة مسلم بن عقبة إلى الحرة، ثم بايع مروان بالجابية. وقال عبد الرزاق: ثنا ابن جريج، عن عثمان بن أبي سليمان، عن ابن مسعدة أن النبي صلى الله عليه وسلم سها في صلاة، وذكر الحديث. وقيل: إن ابن مسعدة من سبي فزارة، وهبه النبي صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة، فأعتقته. وقال عباد بن عبد الله بن الزبير: كان ابن مسعدة شديداً في قتال ابن الزبير، فجرحه مصعب بن عبد الرحمن بن عوف، فما عاد للحرب حتى انصرفوا. 4 (عبد الله بن يزيد) ابن زيد بن حصن الأنصاري الأوسي الخطمي، أبو موسى، شهد (5/167)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 168 الحديبية وله سبع عشرة سنة. وروى أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن حذيفة، وزيد بن ثابت. روى عنه: ابن بنته عدي بن ثابت، والشعبي ومحارب بن دثار، وأبو إسحاق السبيعي، وآخرون. وكان من نبلاء الصحابة، كان الشعبي كاتبه وشهد أبوه يزيد أحداً، ومات قبل الفتح، وشهد أبو) موسى مع علي صفين والنهروان، وولي إمرة الكوفة لابن الزبير، فاستكتب الشعبي، وذلك في سنة خمس وستين، ثم صرف بعبد الله بن مطيع. مسعر، عن ثابت بن عبيد قال: رأيت على عبد الله بن يزيد خاتماً من ذهب، وطيلساناً مدبجاً. الواقدي: ثنا جحاف بن عبد الرحمن، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، أن الفيل لما برك على أبي عبيد يوم الجسر فقتله، هرب الناس، فسبقهم عبد الله بن يزيد الخطمي فقطع الجسر وقال: قاتلوا عن أميركم، ثم قدم عبد الله بن يزيد فأسرع السير، وأخبر عمر خبرهم. (5/168)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 169 4 (عبد الله بن أبي أحمد) ابن جحش بن رباب الأسدي، اسم أبيه عبد. أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وحدث عن: أبيه، وعلي، وكعب الأحبار، وغيرهم. روى عنه: سعيد بن عبد الرحمن، وحسين بن السائب، وعبد الله بن الأشج. ووفد على معاوية، وكان سمحاً جواداً، وكان أبوه من المهاجرين. قال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن الحسن، عن إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز، عن أبيه قال: قال عبد الله بن أبي أحمد: قدمت من عند معاوية بثلاثمائة ألف دينار، فأقمت سنة، وحاسبت قوامي فوجدتني قد أنفقت مائة ألف دينار، ليس بيدي منها إلا رقيق وغنم وقصور، ففزعت من ذلك، فلقيت كعب الأحبار، فذكرت ذلك له، فقال: أين أنت من النخل. قلت: هذا حديث منكر، ويقوي وهنه أنه يقول فيه: فلقيت كعباً، وكعب قد مات في خلافة عثمان، قبل أيام معاوية بسنين. 4 (عبد الرحمن بن أزهر الزهري) ابن عم عبد الرحمن بن عوف. (5/169)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 170 وله صحبة ورواية، وشهد حنيناً. روى عنه: ابناه عبد الرحمن، وعبد الحميد، وطلحة بن عبد الله بن عوف، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، ومحمد بن إبراهيم التيمي. وأمه من بني عبد مناف، وهو مقل من الرواية، له أربعة أحاديث. 4 (عبد الرحمن بن الأسود) ابن عبد يغوث بن وهب، أبو محمد القرشي الزهري المدني.) روى عن: أبي بكر، وعمر، وأبي بن كعب. روى عنه: عبيد الله بن عدي بن الخيار، ومروان بن الحكم وهما من طبقته وأبو سلمة بن عبد الرحمن. وكان من أشراف قريش. قيل: إنه شهد فتح دمشق، وأنه ممن عين في حكومة الحكمين، فقالوا: ليس له ولا لأبيه هجرة، وكان ذا منزلة من عائشة، وأبوه ممن نزل فيه إنا كفيناك المستهزئين. قال أحمد العجلي: هو ثقة من كبار التابعين. وقال أبو صالح كاتب الليث: ثنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبيه (5/170)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 171 قال: لما حصر عثمان، اطلع من فوق داره، فذكر لهم أنه يستعمل عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث على العراق، فبلغ ذلك عبد الرحمن، فقال: والله لركعتين أركعهما أحب إلي من إمرة العراق. 4 (عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة) بن عمرو، وأبو يحيى اللخمي، رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عن: أبي عبيدة بن الجراح، وعمر، وعثمان، ووالده. روى عنه: ابنه يحيى، وعروة بن الزبير. وكان فقيهاً ثقة. ذكره ابن سعد وغيره. توفي سنة ثمان وستين. 4 (عبد الرحمن بن حسان) ابن ثابت بن المنذر بن حرام، أبو محمد، ويقال: أبو سعد الأنصاري (5/171)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 172 الخزرجي المدني، الشاعر المشهور، ابن شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقال: إنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وله رواية عن أبيه. وأمه شيرين القبطية أخت مارية سرية النبي صلى الله عليه وسلم وأم إبراهيم. حكى محمد بن كثير، عن الأوزاعي، أن معاوية قال له ابنه يزيد: ألا ترى عبد الرحمن بن حسان يشبب بابنتك فقال: وما يقول قال: يقول: (هي زهراء مثل لؤلؤة الغ .......... واص ميزت من جوهر مكنون) فقال: صدق، قال: فإنه يقول: (فإذا ما نسبتها لم تجدها .......... في سناء من المكارم دون) ) قال: صدق، قال: فإنه يقول: (ثم خاصرتها إلى القبة الخض .......... راء أمشي في مرمر مسنون) وفيه يقول بعضهم: (فمن للقوافي بعد حسان وابنه .......... ومن للمثاني بعد زيد بن ثابت) (5/172)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 173 4 (عبد الرحمن بن الحكم) ابن أبي العاص بن أمية، أبو حرب، ويقال: أبو الحارث الأموي، أخو مروان. شاعر محسن، شهد يوم الدار مع عثمان رضي الله عنه. ومن شعره: (وأكرم ما تكون علي نفسي .......... إذا ما قل في الكربات مالي)

(فتحسن سيرتي ويصون عرضي .......... ويجمل عند أهل الرأي حالي) وقد عاش إلى يوم مرج راهط، فقال ابن الأعرابي قال عبد الرحمن بن الحكم: (لحا الله قيساً قيس عيلان إنها .......... أضاعت فروج المسلمين وولت)

(أترجع كلب قد حمتها رماحها .......... وتترك قتلى راهط ما أحنت) (5/173)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 174 (فشاول بقيس في الطعان ولا تكن .......... أخاها إذا ما المشرفية سلت)

(ألا إنما قيس بن عيلان قلة .......... إذا شربت هذا العصير تغنت)

4 (عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب) كابن نفيل بن عبد العزى العدوي. أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وحدث عن: أبيه، وعمه عمر بن الخطاب. روى عنه: ابنه عبد الحميد، وسالم بن عبد الله، وحسين بن الحارث، وأبو جناب الكلبي. وولي إمرة مكة ليزيد. قال الزبير: كان عبد الرحمن فيما زعموا من أطول الرجال وأتمهم، وكان شبيهاً بأبيه، وكان عمر إذا نظر إليه قال: (أخوكم غير أشيب قد أتاكم .......... بحمد الله عاد له الشباب) وزوجه عمر بابنته فاطمة، فولدت له عبد الله. وقال ابن سعد: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وله ست سنين، وجده أبو لبابة بن عبد) المنذر. وتوفي أيام عبد الله بن الزبير. (5/174)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 175 وقال غيره: ولاه يزيد مكة سنة ثلاث وستين. 4 (عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني،) صحابي، له أحاديث، وقد سكن حمص وتاجر. روى عنه: خالد بن معدان، والقاسم أبو عبد الرحمن، وربيعة بن يزيد القصير. وبعضهم يقول: هو تابعي. 4 (عبيد الله بن زياد) ابن عبيد الله المعروف أبوه بزياد بن أبيه عند الناس، وعند بني أمية بزياد (5/175)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 176 ابن أبي سفيان، فقد ذكرنا أن زياداً استلحقه معاوية وجعله أخاه، ولى أبو حفص عبيد الله إمرة الكوفة لمعاوية، ثم ليزيد، ثم ولاه إمرة العراق. وقد روى عن: سعد بن أبي وقاص، وغيره. قال الفضل بن دكين: ذكروا أن عبيد الله بن زياد كان له وقت قتل الحسين ثمان وعشرون سنة. وقال ابن معين: هو ابن مرجانة وهي أمة. وعن معاوية أنه كتب إلى زياد: أن أوفد علي ابنك عبيد الله، ففعل، فما سأله معاوية عن شيء إلا أنفذه له، حتى سأله عن الشعر، فلم يعرف منه شيئاً، فقال: ما منعك من رواية الشعر قال: كرهت أن أجمع كلام الله وكلام الشيطان في صدري، فقال: أغرب، والله لقد وضعت رجلي في الركاب يوم صفين مراراً، ما يمنعني من الهزيمة إلا أبيات ابن الإطنابة، حيث يقول: (5/176)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 177 (أبت لي عفتي وأبى بلائي .......... وأخذي الحمد بالثمن الربيح)

(وإعطائي على الإعدام مالي .......... وإقدامي على البطل المشيح)

(وقولي كلما جشأت وجاشت .......... مكانك تحمدي أو تستريحي) وكتب إلى أبيه فرواه الشعر، فأسقط عليه منه بعد شيء. قال أبو رجاء العطاردي: ولى معاوية عبيد الله البصرة سنة خمس وخمسين، فلما ولي يزيد الخلافة ضم إليه الكوفة. وقال خليفة: وفي سنة ثلاث وخمسين ولى معاوية عبيد الله بن زياد خراسان، وفي سنة أربع) غزا عبيد الله خراسان وقطع النهر إلى بخارى على (5/177)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 178 الإبل، فكان أول عربي قطع النهر، فافتتح رامين ونسف وبيكند من عمل بخارى. وقال أبو عتاب: ما رأيت رجلاً أحسن وجهاً من عبيد الله بن زياد. ونقل الخطابي أن أم عبيد الله يعني مرجانة كانت بنت بعض ملوك فارس. قال أبو وائل: دخلت على ابن زياد بالبصرة، فإذا بين يديه تل من ورق، ثلاثة آلاف ألف من خراج أصبهان، فقال: ما ظنك برجل يموت ويدع مثل هذا فقلت: فكيف إذا كان غلول قال: ذاك شر على شر. وروى السري بن يحيى، عن الحسن البصري قال: قدم علينا عبيد الله، أمره علينا معاوية، غلاماً، سفيهاً، يسفك الدماء سفكاً شديداً، فدخل عليه عبد الله المزني فقال: إنته عما أراك تصنع، فإن شر الرعاء الحطمة، قال: ما أنت وذاك، إنما أنت من حثالة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فقال له: وهل كان فيهم حثالة، لا أم لك، بل كانوا أهل بيوتات وشرف، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من إمام ولا وال بات ليلة غاشاً لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة. ثم خرج من عنده، فأتى المسجد، فجلست إليه، ونحن نعرف في وجهه ما قد لقي منه، فقلت له: يغفر الله لك أبا زياد، ما كنت تصنع بكلام هذا السفيه على رؤوس الناس فقال: إنه كان عندي علم خفي من علم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحببت أن لا أموت حتى أقول به علانية، ولوددت أن داره وسعت أهل المصر، حتى سمعوا مقالتي ومقالته، قال: فما لبث الشيخ أن مرض، فأتاه الأمير عبيد الله يعوده، قال: أتعهد إلينا شيئاً نفعل فيه الذي تحب قال: أسألك أن لا تصلي علي، ولا تقوم على قبري. (5/178)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 179 قال الحسن: وكان عبيد الله رجلاً جباناً فركب، فإذا الناس في السكك، ففزع وقال: ما هؤلاء قالوا: مات عبد الله بن مغفل، فوقف حتى مر بسريره، فقال: أما إنه لو كان سألنا شيئاً فأعطيناه إياه لسرنا معه. له إسناد آخر، وإنما الصحيح كما أخرجه مسلم أن الذي دخل عليه وكلمه عائذ بن عمرو المزني، ولعلهما واقعتان، فقال جرير بن حازم: ثنا الحسن، أن عائذ بن عمرو دخل على ابن زياد فقال: أي بني، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: شر الرعاء الحطمة، فإياك أن تكون منهم، فقال: إجلس، فإنما أنت من نخالة أصحاب رسول الله، فقال: هل هؤلاء) كان لهم نخالة إنما كانت النخالة بعدهم. المحاربي: ثنا ابن إسحاق، عن طلحة بن عبيد الله بن كريز، عن الحسن قال: كان عبد الله بن مغفل أحد الذين بعثهم عمر إلى البصرة ليفقهوهم، فدخل عليه عبيد الله بن زياد يعوده، فقال: إعهد إلينا أبا زياد، فإن الله قد كان ينفعنا بك، قال: هل أنت فاعل ما آمرك به قال: نعم، قال: إذا مت لا تصل علي، وذكر بقية الحديث. وقد ذكرنا مقتل عبيد الله في سنة سبع وستين يوم عاشوراء. كذا ورخه أبو اليقظان. وروى يزيد بن أبي زياد، عن أبي الطفيا قال: عزلنا سبعة رؤوس وغطيناها، منها رأس حصين بن نمير، وعبيد الله بن زياد، فجئت فكشفتها، فإذا حية في رأس عبيد الله تأكله. روى الترمذي نحوه، وصححه من حديث الأعمش، عن عمارة بن عمير قال: جيء برأس عبيد الله بن زياد وأصحابه، فأتيت وهم يقولون: جاءت، فإذا حية قد جاءت تخلل الرؤوس حتى دخلت في منخري عبيد الله، فمكثت هنيهة، ثم خرجت، فذهبت حتى تغيبت ثم قالوا: قد جاءت قد (5/179)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 180 جاءت، ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثاً. 4 (عبد المطلب بن ربيعة) بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. له صحبة وحديث رواه عنه عبد الله بن الحارث بن نوفل، وروى عن علي حديثاً. توفي بدمشق، وداره بزقاق الهاشميين، وكان شاباً في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، بعثه أبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليوليه عماله، والحديث في مسلم. وفي المسند والترمذي قال مصعب الزبيري: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم (5/180)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 181 أبا سفيان ابن الحارث أن يزوج بنته عبد المطلب بن ربيعة، ففعل وسكن الشام في أيام عمر. وقال خليفة: توفي عبد المطلب في دولة يزيد. وقال الطبراني: توفي سنة إحدى وستين. 4 (عبيد الله بن علي بن أبي طالب الهاشمي،) وأمه ليلى بنت مسعود بن خالد التميمي، أخت نعيم بن مسعود. قدم على مصعب بن الزبير، فوصله بمائة ألق درهم، ثم قتل معه في محاربة المختار سنة سبع وستين.) 4 (عدي بن حاتم) ابن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امريء القيس بن عدي، أبو (5/181)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 182 طريف الطائي، ويكنى أبا واهب، ولد حاتم الجود. وفد على النبي صلى الله عليه وسلم في شعبان سنة سبع، فأكرمه النبي صلى الله عليه وسلم، وكان سيد قومه. له عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عمر. (5/182)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 183 روى عنه: الشعبي، ومحل بن خليفة الطائي، وسعيد بن جبير، وخيثمة بن عبد الرحمن، وعبد الله بن مغفل المزني، وتميم بن طرفة، وهمام بن الحارث، ومصعب بن سعد، وأبو إسحاق السبيعي، وآخرون. قدم الشام مع خالد من العراق، ثم وجهه خالد بالأخماس إلى أبي بكر، وسكن الكوفة مرة، ثم قرقيسياء. وقال أيوب السختياني، عن ابن سيرين، عن أبي عبيدة بن حذيفة قال: كنت أسأل الناس عن حديث عدي بن حاتم، وهو إلى جنبي لا آتيه، فأتيته فسألته، فقال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث بعث فكرهته أشد ما كرهت شيئاً قط، حتى كنت في أقصى أرض مما يلي الروم، فكرهت مكاني ذلك، فقلت: لو أتيت هذا الرجل، فإن كان كاذباً لم يخف علي، وإن كان صادقاً اتبعته فأقبلت، فلما قدمت المدينة استشرفني الناس، وقالوا: جاء عدي بن حاتم، جاء عدي بن حاتم، فأتيته، فقال لي: يا عدي، أسلم تسلم، قلت: بلى. قال: ألست ركوسياً تأكل المرباع قلت: بلى، قال: فإن ذلك لا يحل لك في دينك. فتضعضعت لذلك، ثم قال: يا عدي أسلم تسلم، فأظن مما يمنعك أن تسلم خصاصة تراها بمن حولي، وأنك ترى الناس علينا إلباً واحداً، هل أتيت الحيرة قلت: لم آتها وقد علمت مكانها، قال: توشك الظعينة أن ترتحل من الحيرة بغير جوار حتى تطوف بالبيت، ولتفتحن علينا كنوز كسرى بن هرمز، قلت: كسرى بن هرمز قال: كسرى بن هرمز مرتين أو ثلاثاً، وليفيضن المال حتى يهم الرجل من يقبل منه ماله صدقة. قال عدي: فلقد رأيت اثنتين، وأحلف بالله لتجيئن الثالثة، يعني فيض المال. (5/183)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 184 وقال قيس بن أبي حازم، وغير، إن عدي بن حاتم جاء إلى عمر فقال: أما تعرفني قال:) أعرفك، آمنت إذا كفروا، ووفيت إذا غدروا، وأقبلت إذا أدبروا. رواه جماعة عن الشعبي، وكان قد أتى عمر يسأله من المال. وقال الواقدي: حدثني أسامة بن زيد، عن نافع مولى بن أسيد، عن نائل مولى عثمان قال: جاء عدي بن حاتم إلى باب عثمان وأنا عليه، فمنعته، فلما خرج عثمان إلى الظهر عرض له، فلما رآه عثمان رحب به وانبسط له، فقال عدي: انتهيت إلى بابك وقد عم إذنك الناس، فحجبني هذا، فالتفت عثمان إلي فانتهرني وقال: لا تحجبه واجعله أول من يدخل، فلعمري إنا لنعرف حقه وفضله ورأي الخليفتين فيه وفي قومه، فقد جاءنا بالصدقة يسوقها، والبلاد كأنها شعل النار، من أهل الردة، فحمده المسلمون على ما رأوا منه. وقال ابن عيينة: حدثت عن الشعبي، عن عدي قال: ما دخل وقت صلاة حتى أشتاق إليها. وعن عدي قال: ما أقيمت الصلاة منذ أسلمت إلا وأنا على وضوء. وقال أبو عبيدة: كان عدي بن حاتم على طيء يوم صفين مع علي رضي الله عنه. وقال سعيد بن عبد الرحمن، عن ابن سيرين قال: لما قتل عثمان قال عدي بن حاتم: لا تنتطح فيها عنزان، ففقئت عينه يوم صفين، فقيل له: (5/184)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 185 أليس قلت: لا تنتطح فيها عنزان فقال: بلى، وتفقأ عيون كثيرة. وروي أن ابنه قتل يومئذ. وقال أبو إسحاق: رأيت عدياً رجلاً جسيماً أعور، فرأيته يسجد على جدار ارتفاعه من الأرض ذراع أو نحو ذراع. وقال أبو حاتم السجستاني: قالوا: وعاش عدي بن حاتم مائة وثمانين سنة، فلما أسن استأذن قومه في وطاء يجلس فيه في ناديهم، وقال: أكره أن يظن أحدكم أني أرى أن لي فضلاً، ولكني قد كبرت ورق عظمي. وروى جرير بن عبد الحميد، عن مغيرة قال: خرج عدي بن حاتم، وجرير بن عبد الله البجلي، وحنظلة الكاتب، من الكوفة، فنزلوا قرقيسياء وقالوا: لا نقيم ببلد يشتم فيه عثمان. قال أبو عبيد: توفي عدي سنة ست وستين. وقال ابن سعد: توفي سنة ثمان وستين. وقال هشام بن الكلبي: توفي سنة سبع وستين، وله مائة وعشرون سنة.) 4 (عروة بن الجعد ويقال ابن أبي الجعد،) البارقي (5/185)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 186 الأسدي وبارق جبل نزله قومه. له صحبة ورواية وثلاثة أحاديث. استعمله عمر على قضاء الكوفة مع عثمان بن ربيعة قبل شريح. قاله الشعبي. وروى عنه: الشعبي، ولمازة بن زبار، والعيزار بن حريث، وشبيب بن غرقدة، وأبو إسحاق السبيعي، وغيرهم. وقد أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم ديناراً ليشتري له أضحية، فاشترى له شاتين، فباع إحداهما بدينار، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم بشاة ودينار، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم، فكان لو اشترى التراب ربح فيه. وقال شبيب بن غرقدة: رأيت في دار عروة يعني البارقي سبعين فرساً مربوطة. قال ابن سعد: كان عروة مرابطاً، وله أفراس، فيها فرس أخذه بعشرين ألف درهم. 4 (عطية القرظي) له صحبة ورواية قليلة. (5/186)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 187 روى عنه: مجاهد، وكثير بن السائب، وعبد الملك بن عمير. وقال: كنت من سبي بني قريظة، فكان من أنبت قتل، فكتبت فيمن لم ينبت، فتركت. 4 (عقبة بن الحارث) ابن عامر نوفل بن عبد مناف بن قصي أبو سروعة القرشي النوفلي المكي. أسلم يوم الفتح، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر. روى عنه: إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وعبيد بن أبي مريم المكي، وابن أبي ملكية، وغيرهم. وهو قاتل خبيب. وأما أبو حاتم الرازي فقال: ليس هو الذي روى عنه ابن أبي ملكية. فإن أب سروعة قديم الوفاة. (5/187)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 188 حماد بن زيد: ثنا أيوب، عن ابن أبي ملكية: سمعت عقبة بن الحارث، وحدثني صاحب لي، وأنا لحديث صاحبي أحفظ، قال عقبة: تزوجت أم يحيى بنت أبي أهاب، فدخلت علينا امرأة سوداء، فزعمت أنها أرضعتنا جميعاً، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأعرض عني،) ثم قلت: إنها كاذبة، قال: وما يدريك أنها كاذبة وقد قالت ما قالت، دعها عنك. قلت: فيه دليل على ترك الشبهات، وفيه الرجوع من اليقين إلى الظن احتياطاً وورعاً، واستبراء للعرض والدين. 4 (عقبة بن نافع) ابن عبد قيس بن لقيط القرشي الفهري الأمير. قال أبو سعيد بن يونس: يقال إن له صحبة، ولم يصح، شهد فتح مصر واختط بها، وولي المغرب لمعاوية ويزيد بم معاوية، وهو الذي بنى قيروان إفريقية وأنزلها المسلمين، قتله البربر بهوذة من أرض المغرب سنة ثلاث وستين، وولده بمصر والمغرب. وقال ابن عساكر: وفد على معاوية ويزيد، وحكى عن معاوية، روى (5/188)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 189 عنه قوله: ابنه أبو عبيدة مرة وعبد الله بن هبيرة، وعلي بن رباح، وعمار بن سعد، وغيرهم. وقال الواقدي: ثنا الوليد بن كثير، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير قال: لما فتح المسلمون مصر بعث عمرو بن العاص إلى القرى التي حولها الخيل يطأوهم، فبعث عقبة بن نافع بن عبد قيس، وكان نافخ أخا العاص بن وائل السهمي لأمه، فدخلت خيولهم أرض النوبة غزاة غزوا كصوائف الروم، فلقي المسلمون من النوبة قتالاً شديداً، رشقوهم بالنبل، فلقد جرح عامتهم، وانصرفوا بحدق مفقأة. قال الواقدي: لما ولي معاوية وجه عقبة بن نافع على عشرة آلاف إلى أفريقية، فافتتحها واختط قيروانها، وقد كان موضعه غيضة لا ترام من السباع والحيات، فدعا عليها، فلم يبق منها شيء إلا خرج هارباً بإذن الله، حتى إن كانت السباع وغيرها لتحمل أولادها، فحدثني موسى بن علي، عن أبيه قال: نادى عقبة: إنا نازلون فأظعنوا فخرجن من جحورهن هوارب. وقال محمد بن عمرو: عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: لما افتتح عقبة بن نافع إفريقية وقف وقال: يا أهل الوادي إنا حالون إن شاء الله، فأظعنوا، ثلاث مرات، قال: فما رأينا حجراً ولا شجراً إلا يخرج من تحته دابة، حتى هبطن بطن الوادي، ثم قال للناس: إنزلوا باسم الله. وعن مفضل بن فضالة، وغيره قالوا: كان عقبة بن نافع مجاب الدعوة. وعن علي بن رباح قال: قدم عقبة بن نافع على يزيد، فرده والياً على إفريقية سنة اثنين) وستين، فخرج سريعاً لحينه على أبي المهاجر دينار هو مولى مسلمة بن مخلد فأوثق أبا المهاجر في الحديد، ثم غزا إلى السوس الأدنى، وأبو المهاجر معه مقيد، ثم رجع وقد سبقه أكثر الجيش، فعرض له (5/189)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 190 كسيلة في جمع من البربر والروم، فالتقوا، فقتل عقبة وأصحابه وأبو المهاجر. 4 (علقمة بن قيس) ابن عبد الله بن مالك، أبو شبل النخعي الكوفي، الفقيه المشهور، خال إبراهيم النخعي، وشيخه، وعم الأسود بن يزيد. أدرك الجاهلية، وسمع: عمر، وعثمان، وعلياً، وابن مسعود، وأبا الدرداء، وسعد بن أبي وقاص، وعائشة، وأبا موسى، وحذيفة، وتفقه بابن مسعود وقرأ عليه القرآن. روى عنه: إبراهيم النخعي، والشعبي، وإبراهيم بن سويد النخعي، وهني بن نويرة، وأبو الضحى مسلم، وعبد الرحمن بن يزيد النخعي أخو (5/190)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 191 الأسود، والقاسم بن مخيمرة والمسيب بن رافع، وأبو ظبيان. وقرأ عليه القرآن: يحيى بن وثاب، وعبيد بن نضلة، وأبو إسحاق، وغيرهم. وكان فقيهاً إماماً مقرئاً، طيب الصوت بالقرآن، ثبتاً حجة، وكان أعرج، دخل دمشق واجتمع بأبي الدرداء بالجامع، وكان الأسود أكبر منه، فإن أبا نعيم قال: قال الأسود: إني لأذكر ليلة بنى بأم علقمة. وقال خليفة وغيره: إنه شهد صفين مع علي. وقال مغيرة، عن إبراهيم أن عبد الله كنى علقمة أبا شبل، وكان علقمة عقيماً خلف عمر سنتين. وقال أحمد بن حنبل: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: كان علقمة يشبه بعبد الله ين مسعود في هديه ودله وسمته. وقال الأعمش: ثنا عمارة بن عمير، عن أبي معمر، وهو عبد الله بن سخبرة قال: كنا عند عمرو بن شرحبيل فقال: اذهبوا بنا إلى أشبه الناس هدياً ودلاً وأمراً بعبد الله، فقمنا معه لم ندر من هو، حتى دخل بنا على علقمة. وقال داود الأودي: قلت للشعبي: أخبرني عن أصحاب عبد الله كأني (5/191)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 192 أنظر إليهم، قال: كان علقمة أبطن القوم به، وكان مسروق قد خلط منه ومن غيره، وكان الربيع بن خثيم أسهم اجتهاداً، وكان عبيدة يوازي شريحاً في العلم والقضاء.) وقال إبراهيم: كان أصحاب عبد الله الذين يقرأون ويفتون: علقمة، ومسروق، والأسود، وعبيدة، والحارث بن قيس، وعمرو بن شرحبيل. وقال مرة بن شراحيل: كان علقمة من الربانيين. وقال زائدة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة: قال عبد الله: ما فقال: كان علقمة من البطيء ويدرك السريع. وقال أبو قابوس بن أبي ظبيان: قلت لأبي: كيف تأتي علقمة، وتدع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قال: يا بني إن أصحاب محمد كانوا يسألونه. وقال إبراهيم: كان علقمة يقرأ القرآن في خمس، والأسود في ست، وعبد الرحمن ين يزيد في سبع. وقال الشعبي: إن كان أهل بين خلقوا للجنة فهم أهل هذا البيت: علقمة، والأسود. وقال الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: قلنا لعلقمة: لو صليت في هذا المسجد ونجلس معك فتسأل، قال: أكره أ، يقال هذا علقمة، قالوا: لو دخلت على الأمراء فعرفوا لك شرفك، قال: (5/192)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 193 أخاف أن ينتقصوا مني أكثر مما أنتقص منهم. وقال علقمة لأبي وائل وقد دخل على ابن زياد: إنك لم تصب من دنياهم شيئاً إلا أصابوا من دينك ما هو أفضل منه، ما أحب أن لي مع ألفي ألفين، وإني من أكرم الجند عليه. وقال إبراهيم: إن أبا بردة كتب علقمة في الوفد إلى معاوية، فقال علقمة: امحني امحني. وقال علقمة: ما حفظت وأنا شاب، فكأني أنظر إليه في قرطاس. قال الهيثم: توفي علقمة في خلافة يزيد. وقال أبو النعيم: توفي سنة إحدى وستين. وقال المدائني، وأبو عبيد، وخليفة، وابن معين، ومحمد بن سعد، وابن نمير، وأبو حفص الفلاس: توفي سنة اثنتين وستين. وعن عثمان بن أبي شيبة وغيره: توفي سنة اثتنين وسبعين، وهو غلط. 4 (عمر بن سعد) ابن أبي وقاص القرشي الزهري، أبو حفص المدني نزيل الكوفة. (5/193)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 194 روى عنه: أبيه.) وروى عنه: ابنه إبراهيم، وابن ابنه أبو بكر بن حفص، والعيزار بن حريث، وأبو إسحاق السبيعي، وأرسل عنه قتادة، والزهري، ويزيد بن أبي حبيب. ولعمر بن سعد جماعة إخوة: عمرو بن سعد، أحد من قتل يوم الحرة. وعمير بن سعد: قتل أيضاً يوم الحرة. ومصعب بن سعد، وعامر بن سعد: ماتا بعد المائة. وإبراهيم بن سعد: وله رواية. وإسماعيل، وعبد الرحمن، ويحيى: ذكر ترجمهم ابن سعد. وقد مر أنه قاتل الحسين رضي الله عنه، وشهد دومة الجندل مع أبيه. وقال بكير بن مسمار: سمعت عامر بن يقول: كان سعد في إبله أو غنمه، فأتاه ابنه عمر، فلما لاح قال: أعوذ بالله من شر هذا الراكب، فلما اتنهى إليه قال: يا أبت أرضيت أن تكون أعرابياً في إبلك والناس يتنازعون (5/194)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 195 في الملك ! فضرب صدره بيده وقال: اسكت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يحب العبد الخفي الغني. وروى ابن عيينة، عمن حدثه، عن سالم، إن شاء الله، قال: قال عمر ابن سعد للحسين: إن قوماً من السفهاء يزعمون أني قاتلك، قال: ليسوا بسفهاء ولكنهم حلماء، ثم قال: والله إنه ليقر عيني أنك لا تأكل بر العراق بعدي إلا قليلاً. وروى هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن بعض أصحابه قال: قال علي لعمر بن سعد: كيف أنت إذا قمت مقاماً تخير فيه بين الجنة والنار، فتختار النار. ويروى عن عقبة بن سمعان قال: كان الله قد جهز عمر بن سعد في أربعة آلاف لقتال الديلم، وكتب له عهده على الري، فلما أقبل الحسين طالباً للكوفة دعا عبيد الله عمراً وقال: سر إلى الحسين، قال: إن تعفيني، قال: فرد إلينا عهدنا، قال: فأمهلني اليوم أنظر في أمري، فانصرف يستشير أصحابه، فنهوه. وقال أبو مخنف وليس بثقة لكن له اعتناء بالأخبار: حدثني مجالد، والصقعب بن زهير أنهما التقيا مراراً الحسين، وعمر بن سعد قال: فكتب عمر إلى عبيد الله: أما بعد، فإن بعد، فإن الله قد أطفأ الثائرة، وجمع الكلمة، وأصلح أمر الأمة، فهذا حسين قد أعطاني أن يرجع إلى المكان الذي منه أتى، أو أن يأتي أمير المؤمنين فيضع يده في يده، أو أن يسير إلى ثغر) من الثغور، فيكون رجلاً من المسلمين، له ما لهم وعليه، وفي هذا لكم رضاً، وللأمة صلاح. فلما قرأ عبيد الله الكتاب قال: هذا كتاب ناصح (5/195)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 196 لأميره، مشفق على قومه، نعم قد قبلت، فقام إليه شمر بن ذي الجوشن فقال: أتقبل هذا منه وقد نزل بأرضك وإلى جنبك: والله لئن خرج من بلادك ولم يضع يده في يدك ليكونن أولى بالقوة والعز، ولتكونن أولى بالضعف والعجز، فلا تعطه هذه المنزلة فإنها من الوهن، ولكن لينزل على حكمك هو وأصحابه، فإن عاقبت فأنت ولي العقوبة، وإن غفرت كان ذلك لك، والله لقد بلغني أن حسيناً وعمر بن سعد يجلسان بين العسكرين فيتحدثان عامة الليل، فقال له: نعم ما رأيت الرأي رأيك. وقال البخاري في تاريخه: ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا سليمان بن إسماعيل، ثنا سليمان بن مسلم العجلي قال: سمعت أبي يقول: أول من طعن في سرادق الحسين عمر بن سعد، فرأيت عمر وولديه قد ضربت أعناقهم، ثم علقوا على الخشب، ثم ألهب فيهم النار. وعن أبي جعفر الباقر: إنما أعطاه المختار أماناً بشرط ألا يحدث ونوى بالحدث دخول الخلاء ثم قتله. وقال عمران بن ميثم: أرسل المختار إلى دار عمر بن سعد من قتله وجاء برأسه، بعد أن كان أمنه، فقال ابنه حفص لما رأى ذلك: إنا لله وإنا إليه راجعون فقال المختار: اضرب عنقه، ثم قال: عمر بالحسين، وحفص بعلي بن الحسين، ولا سواء. قلت: هذا علي الأكبر ليس هو زين العابدين. قال خليفة: وسنة ست وستين قتل عمر بن سعد على فراشه. (5/196)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 197 وقال ابن معين: سنة سبع. 4 (عمر بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب) ، وهذا عمر الأكبر قتل مع المختار بن أبي عبيد، وقد روى عن أبيه. روى عنه: بنوه علي، وعبيد الله، ومحمد، وأبو زرعة عمرو بن جابر الحضرمي، ولابنه محمد حديث عنه في السنن. قتل إلى رحمة الله سنة سبع. 4 (عمرو بن الحارث بن أبي ضرار الخزاعي) المصطلقي، أخو أم المؤمنين جويرية.) له صحبة ورواية، نزل الكوفة، وروى أيضاً عن ابن مسعود، وزوجته زينب. روى عنه: مولاه دينار، وأبو وائل، وأبو عبيد بن عبد الله بن مسعود، (5/197)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 198 وأبو إسحاق السبيعي. وهو صهر ابن مسعود. 4 (عمرو بن الزبير) ابن العوام بن خويلد الأسدي، وأمه أم خلد بنت خالد بن سعيد الأموية. سمع: أباه وأخاه، ولا نعلم له رواية، وله وفادة على معاوية وابنه، وكانت بينه وبين أخيه عبد الله خصومة. قال الزبير بن بكار: حدثني مصعب بن عثمان قال: إنما سمي عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان المطرف لأن الناس لما استشرفوا جماله قالوا: هذا حسن مطرف بعد عمرو بن الزبير. وكان عمرو بن الزبير منقطع الجمال، وكان يقال: من يكلم عمرو بن الزبير بندم، كان شديد المعارضة، منيع الحوزة، وكان يجلس بالبلاد ويطرح عصاه، فلا يتخطاها أحد إلا بإذنه، وكان قد اتخذ من الرقيق مائتين. وقال الواقدي: حدثني عبد الله بن جعفر، عن عمته أم بكر، وحدثني شرحبيل بن أبي عون، عن أبيه، وابن أبي الزناد قالوا: كتب يزيد إلى عمرو بن سعيد أن يوجه إلى ابن الزبير جنداً، فسأل: من أعدى الناس له، (5/198)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 199 فقيل: عمرو أخوه، فولاه شرطة المدينة، فضرب ناساً من قريش والأنصار بالسياط وقال: هؤلاء شيعة عبد الله بن الزبير، ثم توجه في ألف من أهل الشام إلى قتال أخيه عبد الله، فنزل بذي طوى، فأتاه الناس يسلمون عليه، فقال: جئت لأن يعطي أخي الطاعة ليزيد ويبر قسمه، فإن أبى قاتلته، فقال له جبير بن شيبة: كان غيرك أولى بهذا منك، تسير إلى حرم الله وأمنه، وإلى أخيك في سنه وفضله، تجعله في جامعة ما أرى الناس يدعونك وما تريد، قال: إني أقاتل من حال دون ذلك، ثم أقبل فنزل داره عند الصفا، وجعل يرسل إلى أخيه، ويرسل إليه أخوه، وكان عمرو يخرج يصلي بالناس، وعسكره بذي طوي، وابن الزبير أخوه معه يشبك أصابعه ويكلمه في الطاعة، ويلين له، فقال عبد الله: ما بعد هذا شيء، إني لسامع مطيع، أنت عامل يزيد، وأنا أصلي خلفك ما عندي خلاف، فأما أن تجعل في عنقي جامعة، ثم أقاد إلى الشام، فإني نظرت في ذلك، فرأيت لا يحل لي أن أحله بنفسي، فراجع صاحبك واكتب إليه، قال: لا والله، ما أقدر على ذلك، فهيأ عبد الله بن صفوان قوماً) وعقد لهم لواء، وأخذ بهم من أسفل مكة، فلم يشعر أنيس الأسلمي إلا بالقوم وهم على عسكر عمر، قالتقوا، فقتل أنيس، وركب مصعب بن عبد الرحمن بن عوف في طائفة إلى عمرو، فلقوه، فانهزم أصحابه والعسكر أيضاً، وجاء عبيد بن الزبير إليه، فقال: يا أخي أنا أجيرك من عبد الله، وجاء به أسيراً والدم يقطر على قدميه، فقال: قد أجرته، قال عبد الله: أما حقي فنعم، وأما حق الناس فلأقضمن منه لمن آذاه بالمدينة، وقال: من كان يطلبه بشيء فليأت، فجعل الرجل يأتي فيقول: قد نتف شفاري، فيقول: قم فانتف أشفاره، وجعل الرجل يقول: قد نتف لحيتي، فيقول: انتف لحيته، فكان يقيمه كل يوم، ويدعو الناس للقصاص منه، فقام مصعب بن عبد الرحمن فقال: قد جلدني مائة جلدة، فأمره فضربه مائة جلدة، فمات، وأمر به عبد المطلب فصلب. رواه ابن سعد، عن الواقدي وقال: بل صح من ذلك الضرب، ثم مر به ابن الزبير بعد إخراجه من (5/199)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 200 السجن، فرآه جالساً بفناء منزله فقال: ألا أراه حياً، فأمر به فسحب إلى السجن، فلم يبلغه حتى مات، فأمر به عبد الله، فطرح في شعب الخيف، وهو الموضع الذي صلب فيه عبد الله بعد. 4 (عمرو بن شرحبيل سوى) أبو ميسرة الهمداني الكوفي. روى عن: عمر، وعلي، وابن مسعود. وكان سيداً صالحاً عابداً، إذا جاءه عطاء تصدق به رحمه الله. روى عنه: أبو وائل، والشعبي، والقاسم بن مخيمرة، وأبو إسحاق السبيعي، وجماعة. الأعمش، عن شقيق قال: ما رأيت همدانياً أحب إلى من أن أكون في مسلاخه، من عمرو بن شرحبيل. شريك، عن عاصم، عن أبي وائل: ما اشتملت همدانية على مثل أبي ميسرة، قيل: ولا مسروق فقال: ولا مسروق. أبو إسحاق، عن أبي ميسرة، وقيل له: ما يحبسك عند الإقامة قال: (5/200)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 201 إني أوتر، ولما احتضر أوصى أن لا يؤذن بجنازته أحد، وكذلك أوصى علقمة. إسرائيل، عن أبي إسحاق قال: رأيت أبا جحيفة في جنازة أبي ميسرة آخذاً بقائمة السرير حتى أخرج، ثم جعل يقول: غفر الله لك أبا ميسرة.) قال ابن سعد: توفي في ولاية عبيد الله بن زياد بالكوفة. 4 (عمرو بن عبسة) ابن عامر بن خالد، أبو نجيح السلمي، نزيل حمص، وأخو أبي ذر لأمه، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم مكة، فكان رابع من أسلم، ورجع ثم هاجر فيما بعد إلى المدينة، له عدة أحاديث. روى عنه: جبير بن نفير، وشداد أبو عمارة، وشرحبيل بن السمط وكثير بن مرة، ومعدان بن أبي طلحة، والقاسم أبو عبد الرحمن، وسليم بن عامر، وحبيب بن عبيد، وضمرة بن حبيب، وأبو إدريس الخولاني، وخلق. (5/201)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 202 وقد روى عنه: ابن مسعود مع جلالته وسهل بن سعد، وأبو أمامة الباهلي. ولا علم هل مات في خلافة معاوية أو في خلافة يزيد، وكان أحد الأمراء يوم اليرموك. روى إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن أبي عمرو السيباني، عن أبي سلام الدمشقي، وعمرو بن عبد الله، سمعنا أبا أمامة، عن عمرو بن عبسة قال: رغبت عن آلهة قومي في الجاهلية، رأيت أنها آلهة باطلة لا تضر ولا تنفع. 4 (عمرو بن سعيد) ابن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي، أبو أمية المعروف بالأشدق. (5/202)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 203 ولي المدينة ليزيد، ثم سكن دمشق، وكان أحد الأشراف من بني أمية، وقد رام الخلافة، وغلب على دمشق، وادعى أن مروان جعله ولي العهد بعد عبد الملك. حدث عن: عمر، وعثمان. روى عنه: بنوه موسى، وأمية، وسعيد، وخثيم بن مروان. وكان زوج أخت مروان أم البنين شقيقة مروان. قال عبد الملك بن عمير، عن أبيه قال: لما احتضر سعيد بن العاص رضي الله عنه جمع بنيه فقال: أيكم يكفل ديني فسكتوا، فقال: ما لكم لا تكلمون فقال عمرو الأشدق، وكان عظيم الشدقين: وكم دينك يا أبت قال: ثلاثون ألف دينار، قال: فيم استدنتها قال: في كريم سددت فاقته ولئيم فديت عرضي منه، فقال: هي علي. وعن سعيد بن المسيب، وسئل عن خطباء قريش في الجاهلية فقال: الأسود بن المطلب بن أسد، وسهيل بن عمرو، وسئل عن خطبائهم في الإسلام فقال: معاوية، وابنه، وسعيد بن العاص،) وابنه وابن الزبير. وفي مسند أحمد، من حديث علي بن زيد بن جدعان قال: (5/203)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 204 أخبرني من سمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليرعفن على منبري جبار من جبابرة بني أمية. قال علي فحدثني من رأى عمرو بن سعيد رعف على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الزبير بن بكار: كان عمرو بن سعيد ولاه معاوية المدينة، ثم ولاه يزيد، فبعث عمرو بعثاً لقتال ابن الزبير. وكان عمرو يدعي أن مروان جعل إليه الأمر بعد عبد الملك، ثم نقض ذلك وجعله إلى عبد العزيز بن مروان، فلما شخص عبد الملك إلى حرب مصعب إلى العراق، خالف عليه عمرو بن سعيد، وغلق أبواب دمشق، فرجع عبد الملك وأحاط به، ثم أعطاه أماناً، ثم غدر به فقتله، فقال في ذلك يحيى بن الحكم عم عبد الملك: (أعيني جودي بالدموع على عمرو .......... عشية تبتز الخلافة بالغدر)

(كأن بني مروان إذ يقتلونه .......... بغاث من الطير اجتمعن على صقر)

(غدرتم بعمرو يا بني خيط باطل .......... وأنتم ذوو قربائه وذوو صهر)

(فرحنا وراح الشامتون عشية .......... كأن على أكتافنا فلق الصخر)

(لحا الله دنيا يدخل النار أهلها .......... وتهتك ما دون المحارم من ستر) وكان مروان يلقب بخيط باطل. وروى ابن سعد بإسناد، أن عبد الملك لما سار يؤم العراق، جلس خالد بن يزيد بن معاوية، وعمرو بن سعيد، فتذاكرا من أمر عبد الملك ومسيرهما معه على خديعة منه لهما، فرجع عمرو إلى دمشق فدخلها وسورها وثيق، فدعا أهلها إلى نفسه، فأسرعوا إليه، وفقده عبد الملك، فرجع بالناس (5/204)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 205 إلى دمشق، فنازلها ست عشرة ليلة حتى فتحها عمرو له وبايعه، فصفح عنه عبد الملك ثم أجمع على قتله، فأرسل إليه يوماً يدعوه، فوقع في نفسه أنها رسالة شر، فزلف إليه فيمن معه، لبس درعاً متكفراً بها، ثم دخل إليه، فتحدثا ساعة، وقد كان عهد إلى يحيى بن عبد الملك عليه فقال: يا أبا أمية، ما هذه الغوائل والزبى التي تحفر لنا ثم ذكره ما كان منه، وخرج إلى الصلاة، ولم يقدم عليه يحيى، فشتمه عبد الملك، ثم اقدم هو ومن معه عليه فقتله. قال خليفة: وفي سنة سبعين خلع عمرو بن سعيد عبد الملك، وأخرج عامله عبد الرحمن بن أم الحكم عن دمشق، فسار إليه عبد الملك، ثم اصطلحا على أن يكون الخليفة من بعد عبد الملك،) وعلى أن لعمرو مع كل عامل عاملاً، وفتح دمشق، ودخل عبد الملك، ثم غدر به فقتله، فحدثني أبو اليقظان قال: قال له عبد الملك: يا أبا أمية، لو أعلم أنك تبقى وتصلح قرابتي لفديتك ولو بدم النواظر، ولكنه قلما اجتمع فحلان في إبل إلا أخرج أحدهما صاحبه. وقال الليث: قتل سنة تسع وستين. 4 (عمرو البكالي أبو عثمان،) صحابي، شهد اليرموك. وروى عن: النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عن ابن مسعود، وأبي الأعور السلمي، وغيرهما. (5/205)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 206 وعنه: معدان بن أبي طلحة، وأبو تميمة الهجيمي طريف، وأسماء الرحبي، وغيرهم. وأم الناس بمسجد دمشق، روى الجريري، عن أبي تميمة: قدمت الشام، فإذا بهم يطوفون برجل، قلت: من هذا فقيل: هذا أفقه من بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا عمرو البكالي، ورأيت أصابعه مقطوعة، فقيل قطعت يوم اليرموك. وقال أبو سعيد بن يونس: قدم عمرو البكالي مصر مع مروان، فروى عنه عبد الله بن جبيرة. وقيل: هو أخو نوف البكالي. وقال أحمد العجلي: هو تابعي ثقة. (5/206)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 207 4 (حرف القاف)

4 (قباث بن أشيم) الليثي، صحابي، شهد اليرموك أميراً، وطال عمره. روى عنه: عبد الرحمن بن زياد، وأبو الحويرث. قال ابن سعد: إنه شهد بدراً مشركاً، وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم بعض المشاهد، وكان على مجنبة أبي عبيدة يوم اليرموك. وقال دحيم مات بالشام، وأدركه عبد الملك بن مروان، فسأله عن سنه، فقال: أنا أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم. كذا قال عبد الرحمن بن سعيد وغيره. (5/207)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 208 وقال إبراهيم بن المنذر: ثنا عبد العزيز بن أبي ثابت، ثنا الزبير بن موسى، عن أبي الحويرث: سمعت عبد الملك بن مروان يقول لقباث بن أشيم الليثي: يا قباث، أنت أكبر أم رسول الله قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر، وأنا أسن منه، ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام) الفيل ووقفت بي أمي على روث الفيل مجيلاً أعقله. اسم أبي الحويرث عبد الملك بن معاوية. وروى سفيان بن حسين الواسطي، عن خالد بن دريك، عن قباث قال: انهزمت يوم بدر، فقلت في نفسي، لم ير مثل هذا اليوم قط، فلما أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأستأمنه قال: قلت: لم أر مثل أمر الله قط فر منه إلا النساء، فقلت: أشهد أنك رسول الله، ما ترمرمت به شفتاي، وما كان إلا شيء عرض لي في نفسي. 4 (قبيصة بن جابر) ابن وهب بن مالك الأسدي الكوفي، أبو العلاء، من كبار التابعين. (5/208)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 209 روى عن: عمر، وعبد الله بن مسعود، وطلحة بن عبيد الله، وعمرو بن العاص، وجماعة. روى عنه: الشعبي، والعريان بن الهيثم، وعبد الملك ابن عمير. وشهد خطبة عمر بالجابية، وكان أخا معاوية من لرضاعة وقد وفد عليه، وكان كاتب سعيد بن العاص بالكوفة، وكان يعد من الفصحاء. وقال ابن سعد: كان ثقة له أحاديث. وروى محمد بن عباد، عن ابن عيينة، عن عبد الملك بن عمير، عن قبيصة قال: ألا أخبركم عمن صحبت صحبت عمر رضي الله عنه، فما رأيت أحداً أفقه في كتاب الله منه، ولا أحسن مدارسة منه، وصحبت طلحة بن عبيد الله، فما رأيت أحداً أعطى لجزيل منه عن غير مسألة، وصحبت عمرو بن العاص، فما رأيت أحداً أنصع ظرفاً منه، وصحبت معاوية، فما رأيت أحداً أكثر حلماً ولا أبعد أناة منه، وصحبت زياداً، فما رأيت أكرم جليساً منه، وصحبت المغيرة بن شعبة، فلو أن مدينة لها أبواب لا يخرج من كل باب إلا بالمكر لخرج من أبوابها كلها. قال خليفة: مات قبيصة سنة تسع وستين. 4 (قيس بن ذريح) أبو يزيد الليثي الشاعر المشهور، من بادية الحجاز، وهو الذي كان (5/209)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 210 يشبب بأم معمر لبنى بنت الحباب الكعبي، ثم إنه تزوج بها، وقيل إنه كان أخا الحسين رضي الله عنه من الرضاعة. قال ثعلب: ثنا عبد الله بن شبيب، ثنا موسى بن عيسى الجعفري: أخبرني عيسى بن أبي جهمة الليثي، وكان مسناً، قال: كان قيس بن ذريح رجلاً منا، وكان ظريفاً شاعراً، وكان يكون بقديد) بسرف وبوادي مكة، وخطب لبنى من خزاعة، ثم من بني كعب فتزوجها وأعجب بها، وبلغت عنده الغاية، ثم وقع بين أمه وبينها فأبغضتها، وناشدت قيساً في طلاقها، فأبى، فكلمت أباه، فأمر بطلاقها، فأبى عليه، فقال: لا جمعني وإياك سقف أبداً حتى تطلقها، ثم خرج في يوم قيظ فقال: لا أستظل حتى تطلقها، فطلقها وقال: أما إنه آخر عهدك بي، ثم إنه اشتد عليه فراقها وجهد وضمر، ولما طلقها أتاها رجالها يتحملونها، فسأل: متى هم راحلون قالوا: غداً نمضي، فقال: (وقالوا غداً أو بعد ذاك ثلاثة .......... فراق حبيب لم يبن وهو بائن)

(فما كنت أخشى أن تكون منيتي .......... بكفي إلا أن ما حان حائن) ثم جعل يأتي منزلها ويبكي، فلاموه، فقال: (كيف السلو ولا أزال أرى لها .......... ربعاً كحاشية اليماني المخلق) (5/210)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 211 (ربعاً لواضحة الجبين به في عزة .......... كالشمس إذ طلعت رخيم المنطق)

(قد كنت أعهدها به في عزة .......... والعيش صاف والعدى لم تنطق)

(حتى إذا هتفوا وأذن فيهم .......... داعي الشتات برحلة وتفرق)

(خلت الديار فزرتها فكأنني .......... ذو حية من سمها لم يفرق) وهو القائل: (وكل ملمات الزمان وجدتها .......... سوى فرقة الأحباب هينة الخطب) ومن شعره: (ولو أنني أسطيع صبراً وسلوة .......... تناسيت لبنى غيرما مضمر حقدا)

(ولكن قلبي قد تقسمه الهوى .......... شتاتاً فما ألفى صبوراً ولا جلداً)

(سل الليل عني كيف أرعى نجومه .......... وكيف أقاسي الهم مستخلياً فردا)

(كأن هبوب الريح من نحو أرضكم .......... تثير قناة المسك والعنبر الندا) وعن أبي عمرو الشيباني قال: خرج قيس بن ذريح إلى معاوية فامتدحه، فأدناه وأمر له بخمسة آلاف درهم ومائتي وقال: كيف وجدك بلبنى قال: أشد وجد، قال: فترضى زواجها قال: ما لي في ذلك من حاجة قال: فما حاجتك قال: تأذن لي في الإلمام بها، وتكتب إلى عاملك، فقد خشيت أن يفرق الموت بيني وبين ذلك، وأنشده:) (أضوء سنا برق بدا لك لمعه .......... بذي الإثل من أجراع بثنة ترقب)

(نعم إنني صب هناك موكل .......... بمن ليس يدنيني ولا يتقرب)

(مرضت فجاءوا بالمعالج والرقى .......... وقالوا: بصير بالدواء مجرب)

(فلم يغن عني ما يعقد طائلاً .......... ولا ما يمنيني الطبيب المجرب)

(وقال أناس والظنون كثيرة .......... وأعلم شيء بالهوى من يجرب)

(ألا إن في اليأس المفرق راحة .......... سيسليك عمن نفعه عنك يعزب)

(فكل الذي قالوا بلوت فلم أجد .......... لذي الشجو أشفى من هوى حين يقرب) (5/211)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 212 (عليها سلام الله ما هبت الصبا .......... وما لاح وهناً في دجى الليل كوكب)

(فلست بمبتاع وصالاً بوصلها .......... ولست بمفش سرها حين أغضب) وقال: (يقولون لبنى فنتة، كنت قبلها .......... بخير فلا تندم عليها وطلق)

(فطاوعت أعدائي وعاصيت ناصحي .......... وأقررت عين الشامت المتخلق)

(وددت وبيت الله أني عصيتهم .......... وحملت في رضوانها كل موبق)

(وكلفت خوض البحر والبحر زاخر .......... أبيت على أثباج موج مغرق)

(كأني أرى الناس المحبين بعدها .......... عصارة ماء الحنظل المتفلق)

(فتنكر عيني بعدها كل منظر .......... ويكه سمعي بعدها كل منطق) فقال كعاوية: هذا وأبيك الحب، وأذن له في زيارتها، فسار حتى نزل على امرأة بالمدينة يقال لها بريكة، وأهدى لها وللبنى هدايا وألطافاً، وأخبرها بكتاب معاوية، فقالت: يا بن عم ما تريد إلى الشهرة، فأقام أياماً، فبلغ زوج لبنى قدومه، فمنع لبنى بريكة، وأيس قيس من لقائها، فبقي متردداً في كتاب معاوية، فرآه ابن أبي عتيق يوماً، فقال: يا أعرابي مالي أراك متحيراً قال: دعني بارك الله فيك، قال: أخبرني بشأنك، فإني على ما تريد، وألح عليه، فأخبره وقال: لا أراني إلا في طلب مثلك، وانطلق به، فأقام عنده ليلة يحدثه وينشده، فلما أصبح ابن أبي عتيق ركب فأتى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فقال: فداك أبي وأمي، اركب معي في حاجة، فركب معه، واستنهض ثلاثة أو أربعة من وجوه قريش، ولا يدرون ما يريد، حتى أتى بهم باب زوج لبنى، فخرج فإذا وجوه قريش، فقال: جعلني الله فداكم، ما جاء بكم قالوا: حاجة لابن أبي) عتيق استعان بنا عليك، فقال: اشهدوا أن حكمه جائز علي، فقال ابن أبي عتيق: اشهدوا أم امرأته لبنى منه طالق، فأخذ عبد الله بن جعفر برأسه ثم قال: لهذا جئت بنا فقال: جعلت فداكم، يطلق هذا امرأته ويتزوج (5/212)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 213 بغيرها خير من أن يموت رجل مسلم، فقال عبد الله: أما إذ فعل ما فعل فله علي عشرة آلاف درهم، فقال ابن أبي عتيق: والله لا أبرح حتى تنقل متاعها، ففعلت، وأقامت في أهلها، حتى انقضت عدتها وتزوج بها قيس، وبقيا دهراً بأرغد عيش، فقال قيس: (جزى الرحمن أفضل ما يجازي .......... على الإحسان خيراً من صديق)

(فقد جربت إخواني جميعاً .......... فما ألفيت كابن أبي عتيق)

(سعى في جمع شملي بعد صدع .......... ورأي حدت فيه عن الطريق)

(وأطفأ لوعة كانت بقلبي .......... أغصتني حرارتها بريقي) هذه رواية. وقال سليمان بن أبي شيخ: ثنا أيوب بن عباية قال: خرج قيس بن ذريح إلى المدينة يبيع ناقة، فاشتراها زوج لبنى وهو لا يعرفه، فقال لقيس: انطلق معي لتأخذ الثمن، فمضى معه، فلما فتح الباب إذا لبنى استقبلت قيساً، فلما رآها ولى هارباً، واتبعه الرجل بالثمن، فقال: لا تركب لي مطيتين أبداً، قال: وأنت قيس بن ذريح قال: نعم، قال: هذه لبنى، فقف حتى أخيرها، فإن اختارتك طلقتها، وظن الزوج أن له في قلبها موضعاً، فخيرت فاختارت قيساً، فطلقها فماتت في العدة. ولقد قيل لقيس: إن مما يسليك عنها ذكر معايبها، فقال: (إذا عبتها شبهتها البدر طالعاً .......... وحسبك من عيب بها شبه البدر)

(لها كفل يرتج منها إذا مشت .......... ومتن كغصن البان مضطمر الخصر) ولقيس: (أريد سلواً عن لبينى وذكرها .......... فيأبى فؤادي المستهام المتيم) (5/213)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 214 (إذا قلت أسلوها تعرض ذكرها .......... وعاودني من ذاك ما الله أعلم)

(صحا كل ذي ود علمت مكانه .......... سواي فإني ذاهب العقل مغرم) وله: (هل الحب إلا عبرة بعد زفرة .......... وحز على الأحشاء ليس له برد) ) (وفيض دموع تستهل إذا بدا .......... لنا علم من أرضكم لم يكن يبدو)

4 (قيس بن السكن الأسدي الكوفي.) سمع: عبد الله بن مسعود، والأشعث بن قيس. روى عنه: عمارة بن عمير، وسعد بن عبيدة، والمنهال بن عمرو، وأبو إسحاق. قال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: توفي في زمن مصعب. 4 (قيس المجنون) ومن به يقاس المحبون. هو قيس بن الملوح بن مزاحم. وقيل: (5/214)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 215 قيس بن معاذ، وقيل: اسمه البحتري بن الجعد، وقيل غير ذلك، وهو مجنون ليلى بنت مهدي أم مالك العامرية، وهو من بني عامر بن صعصعة، وقيل: من بني كعب بن سعد. سمعنا أخباره في جزء ألفه ابن المرزبان، وقد أنكر بعض الناس ليلى والمجنون، وهذا دفع بالصدر، فليس من لا يعلم حجة على من علم، ولا الثبت كالنافي، فعن لقيط بن بكير المحاربي: أن المجنون علق ليلى علاقة الصبا، وذلك لأنهما كانا صغيرين يرعيان أغناماً لقومهما، فعلق كل واحد منهما الآخر، وكبرا على ذلك، فلما كبرا حجبت عنه، فزال عقله، وفي ذلك يقول: (تعلقت ليلة وهي ذات ذؤابة .......... ولم يبد للأتراب من ثديها حجم)

(صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا .......... إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم) وذكر ابن دأب، عن رباح بن حبيب العامري قال: كان في بني عامر جارية من أجمل النساء، لها عقل وأدب، يقال لها ليلى بنت مهدي، فبلغ المجنون خبرها، وكان صباً بمحادثة النساء، فلبس حلة ثم جلس إليها وتحادثا، فوقعت بقلبه، فظل يومه يحادثها، فانصرف فبات بأطول ليلة، ثم بكر إليها فلم يزل عندها حتى أمسى، ولم تغمض له تلك الليلة عين، فأنشأ يقول: (نهاري نهار الناس حتى إذا بدا .......... لي الليل هزتني إليك المضاجع) (5/215)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 216 (أقضي نهاري بالحديث وبالمنى .......... ويجمعني والهم بالليل جامع) ووقع في قلبها مثل الذي وقع بقلبه، فجاء يوماً يحدثها، فخافت عليه وقالت: (كلانا مظهر للناس بغضاً .......... وكل عند صاحبه مكين) فسري عنه، وقالت: إنما أردت أن أمتحنك، وأنا معطية لله عهداً: لا جالست بعد اليوم أحداً) سواك، فانصرف وأنشأ يقول: (أظن هواها بتاركي بمضلة .......... من الأرض لا مال لدي ولا أهل)

(ولا أحد أقضي إليه وصيتي .......... ولا وارث إلا المطية والرحل)

(محا حبها حب الألى كن قبلها .......... وحلت مكاناً لم يكن حل من قبل) قلت: ثم اشتد بلاؤه بها، وشغفته حباً، ووسوس في عقله، فذكر أبو عبيدة: أن المجنون كان يجلس في نادي قومه وهم يتحدثون، فيقبل عليه بعضهم، وهو باهت ينظر إليه لا يفهم ما يحدث به، ثم يثوب إليه عقله، فيسأل عن الحديث فلا يعرفه، حتى قال له رجل: إنك لمخبول، فقال: (إني لأجلس في النادي أحدثهم .......... فأستفيق وقد غالتني الغول)

(يهوي بقلبي حديث النفس نحوكم .......... حتى يقول جليسي أنت مخبول) قال أبو عبيدة: فتزايد به الأمر حتى فقد عقله، فكان لا يقر في موضع، ولا يؤويه رحل، ولا يعلوه ثوب، إلا مزقه، وصار لا يفهم شيئاً مما يكلم به إلا أن تذكر له ليلى فإذا ذكرت له أتى بالبدائه. وقد قيل: إن قوم ليلى شكوا منه إلى السلطان، فأهدر دمه، ثم إن قومها ترحلوا من تلك الناحية، فأشرف فرأى ديارهم بلاقع، فقصد منزلها، وألصق صدره به، وجعل يمرغ خديه على التراب ويقول: (5/216)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 217 (أيا حرجات الحي حيث تحملوا .......... بذي سلم لا جادكن ربيع)

(وخيماتك اللاتي بمنعرج اللوى .......... بلين بلى لم تبلهن ربوع)

(ندمت على ما كان مني ندامة .......... كما ندم المغبون حين يبيع) قال ابن المرزبان: قال أبو عمرو الشيباني: لما ظهر من المجنون ما ظهر، ورأى قومه ما ابتلي به اجتمعوا إلى أبيه وقالوا: يا هذا، ترى ما بابنك، فلو خرجت، به إلى مكة فعاذ ببيت الله، وزار قبر رسوله، ودعا الله رجونا أن يعافى، فخرج به أبوه حتى أتى مكة، فجعل يطوف به ويدعو له، وهو يقول: (دعا المحرمون الله يستغفرونه .......... بمكة وهناً أن تحط ذنوبها)

(فناديت أن يا رب أول سؤلتي .......... لنفسي ليلى ثم أنت حسيبها)

(فإن أعط ليلى في حياتي لا يتب .......... إلى الله خلق توبة لا أتوبها) ) حتى إذا كان بمنى نادى مناد من بعض تلك الخيام: يا ليلى، فخر مغشياً عليه، واجتمع الناس حوله، ونضحوا على وجهه الماء، وأبوه يبكي، فأفاق وهو يقول: (وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى .......... فهيج أطراف الفؤاد وما يدري)

(دعاً باسم ليلى غيرها فكأنما .......... أطار بليلى طائراً كان في صدري) ونقل ابن الأعرابي قال: لما شبب المجنون بليلى وشهر بحبها اجتمع أهلها ومنعوه منها ومن زيارتها، وتوعدوه بالقتل، وكان يأتي امرأة تتعرف له خبرها، فنهوا تلك المرأة، وكان يأتي غفلات الحي في الليل، فسار أبو ليلى (5/217)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 218 في نفر من قومه، فشكوا إلى مروان من قيس بن الملوح، وسألوه الكتاب إلى عامله يمنعه عنهم ويتهدده، فإن لم ينته أهدر دمه، فلما ورد الكتاب على عامل مروان، بعث إلى قيس وأبيه وأهل بيته، فجمعه وقرأ عليهم الكتاب، وقال لقيس: اتق الله في نفسك، فانصرف وهو يقول: (ألا حجبت ليلى وآلى أميرها .......... علي يميناً جاهداً لا أزورها)

(وأوعدني فيها رجال أبوهم .......... أبي وأبوها خشنت لي صدورها)

(على غير شيء غير أني أحبها .......... وأن فؤادي عند ليلى أسيرها) فلما يئس منها صار شبيهاً بالتائه، وأحب الخلوة وحديث النفس، وجزعت هي أيضاً لفراقه وضنيت. ويروى أن أبا المجنون قيده، فجعل يأكل لحم ذراعيه ويضرب نفسه، فأطلقه، فكان يدور في الفلاء عرياناً. وله: (كأن القلب ليلة قيل يغدى .......... بليلى العامرية أو يراح)

(قطاة عزها شرك فباتت .......... تجاذبه وقد علق الجناح) وقيل: إن ليلى زوجت، فجاء المجنون إلى زوجها فقال: بربك هل ضممت إليك ليلى قبيل الصبح أو قبلت فاهاوهل رفت عليك قرون ليلى فقال: اللهم إذ حلفتني فنعم، وكان بين يدي الزوج نار يصطلي بها، (5/218)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 219 فقبض المجنون بكلتي يديه من الجمر، فلم يزل حتى سقط مغشياً عليه. وكانت له داية يأنس بها، فكانت تحمل إليه إلى الصحراء رغيفاً وكوزاً، فربما أكل وربما) تركه، حتى جاءته يوماً فوجدته ملقى بين الأحجار ميتاً، فاحتملوه إلى الحي فغسلوه فدفنوه، وكثر بكاء النساء والشباب عليه، واشتد نشيجهم. قال ابن الجوزي في المنتظم: روينا أنه كان يه في البرية مع الوحش يأكل من بقل الأرض، وطال شعره، وألفه الوحش، وسار حتى بلغ حدود الشام، فكان إذا ثاب إليه عقله، سأل من يمر من أحياء العرب عن نجد، فيقال له: أين أنت من نجد، أنت قد شارفت الشام، فيقول: أروني الطريق، فيدلونه. وشعر المجنون كثير سائر، وهو في الطبقة العليا في الحسن والرقة، وكان معاصراُ لقيس بن ذريح صاحب لبنى، وكان في إمرة ابن الزبير، والله أعلم. (5/219)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 220 4 (حرف الكاف)

4 (كثير بن أفلح مولى أيوب الأنصاري،) أحد كتاب المصاحف التي أرسلها عثمان إلى الأمصار. روى عن: عثمان، وأبي بن كعب. روى عنه: محمد بن سيرين. وقال النسائي: روى عنه الزهري مرسلاً لم يلحقه، فإن كثيراً أصيب يوم الحرة، وروى عنه ابنه. (5/220)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 221 4 (حرف الميم)

4 (محمد بن الأشعث بن قيس) بن معد يكرب، أبو القاسم الكندي الكوفي، ابن أم فروة أخت أبي بكر الصديق لأبيه، تزوج بها الأشعث في أيام أبي بكر. حدث عن: عمر، وعثمان، وعائشة. روى عنه: الشعبي، ومجاهد، وسليمان بن يسار، وابنه قيس بن محمد، وغيرهم. (5/221)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 222 ووفد على معاوية. ومولده في حدود سنة ثلاث عشرة، وكان شريفاً مطاعاً في قومه، قتل مع مصعب في سنة سبع وستين، فأقام ابنه مقامه. 4 (محمد بن أبي بن كعب الأنصاري.) أبو معاذ الأنصاري. ولد في حيا النبي صلى الله عليه وسلم، وحدث عن: أبيه، وعمر.) روى عنه: الحضرمي بن لاحق، وبسر بن سعيد. وكان ثقة، قتل بالحرة. 4 (محمد بن ثابت بن قيس بن شماس) الأنصاري الخزرجي. حنكه النبي صلى الله عليه وسلم بريقه. وروى عن: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبيه، وسالم مولى أبي حذيفة. (5/222)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 223 روى عنه: ابناه إسماعيل، ويوسف، وعاضم بن عمه بن قتادة، وأرسل عنه الزهري. قتل يوم الحرة. 4 (محمد بن عمرو بن حزم) ابن يزيد الأنصاري النجاري. ولد في حيا النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: أنه هو الذي كناه أبا عبد الملك. روى عن: أبيه، وعمر، وعمرو بن العاص. روى عنه: ابنه أبو بكر، وعمر بن كثير بن أفلح. أصيب يوم الحرة. الواقدي، عن ملك، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده اشترى مطرف خز بسبعمائة، فكان يلبسه. وعن محمد بن أبي بكر بن حزم قال: صلى محمد بن عمرو بن حزم (5/223)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 224 يوم الحرة، وجراحه تثعب دماً، وما قتل إلا نظماً بالرماح. وعن محمد بن عمرو أنه كان يرفع صوته: يا معشر الأنصار اصدقوهم الضرب، فإنهم يقاتلون على طمع دنياهم، وأنتم تقاتلون على الآخرة، ثم جعل يحمل على الكتيبة منهم فيفضها حتى قتل. وعن عبد الله بن أبي بكر قال: وأكثر محمد بن عمرو في أهل الشام القتل يوم الحرة، كان يحمل على الكردوس منهم فيفضه، وكان فارساً، ثم حملوا عليه حتى نظموه بالرماح، فلما وقع انهزم الناس. 4 (مالك بن عياض المدني يعرف بمالك الدار.) سمع: أبا بكر، وعمر، ومعاذ بن جبل.) روى عنه: ابناه عون، وعبد الله، وأبو صالح السمان، وعبد الرحمن بن سعيد بن يربوع. وكان خازناً لعمر رضي الله عنه. 4 (مالك بن هبيرة السكوني.) (5/224)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 225 له صحبة ورواية حديث واحد. روى عنه: أبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني، وأبو الأزهر المغيرة بن فروة. وولي لمعاوية حمص، وكان على الرجالة يوم مرج راهط مع مروان. 4 (مالك بن يخامر السكسكي) الحمصي، يقال له صحبة، وكان ثقة كبير القدر متألهاً. روى عن: معاذ، وعبد الرحمن بن عوف. حدث عنه: معاوية على المنبر، وجبير بن نفير، وعمير بن هانيء، ومكحول، وسليمان بن موسى، وخالد بن معدان، وآخرون. قال أبو مسهر: أكبر أصحاب معاذ: مالك بن يخامر، كان رأس القوم. وقال أحمد بن عبد الله العجلي: تابعي ثقة. قال أبو عبيد: توفي سنة تسع وستين. (5/225)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 226 4 (المختار بن أبي عبيد) الثقفي الكذاب، الذي خرج بالكوفة، وتتبع قتلة الحسين يقتلهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: يكون في ثقيف كذاب ومبير فكان أحدهما المختار، كذب على الله وادعى أن الوحي يأتيه، والآخر: الحجاج. قال أحمد في مسنده: ثنا ابن نمير، ثنا عيسى بن عمر، ثنا السدي، عن رفاعة الفتياني قال: دخلت على المختار، فألقى لي وسادة وقال: لولا أن جبريل قام عن هذه لألقيتها لك، فأردت أن أضرب عنقه، فتذكرت حديثاً حدثنيه عمرو بن الحمق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما مؤمن أمن مؤمناً على (5/226)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 227 ذمة فقتله، فأنا من القاتل بريء. مجالد، عن الشعبي قال: أقرأني الأحنف كتاب المختار إليه، يزعم فيه أنه نبي. قلت: قتل في رمضان سنة سبع وستين مقبلاً غير مدبر في هوى نفسه، كما قدمنا. 4 (مروان بن الحكم) ) ابن أبي العاص ابن أمية بن عبد الملك القرشي (5/227)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 228 الأموي، وقيل: أبو القاسم، ويقال: أبو الحكم. ولد بمكة بعد ابن الزبير (5/228)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 229 بأربعة أشهر، ولم يصح له سماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن له رواية إن شاء الله. وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث الحديبية بطوله، وفيه إرسال، لكن أخرجه البخاري. وروى أيضاً عن: عمر، وعثمان، وعلي وزيد بن ثابت. روى عنه: سهل بن سعد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسعيد بن المسيب، وعلي بن الحسين، وعروة بن الزبير، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله، وابنه عبد الملك، ومجاهد. وكان كاتب ابن عمه عثمان، وولي إمرة المدينة والموسم لمعاوية غير مرة، وبايعوه بالخلافة بعد معاوية بن يزيد، وحارب الضحاك بن قيس، فقتل الضحاك في المصاف، وسار إلى مصر، فاستولى عليها وعلى الشام، وكان ابن الزبير مستولياً على الحجاز كله وخراسان وغير ذلك في ذلك الوقت. وقال ابن سعد: توفي النبي صلى الله عليه وسلم ولمروان ثمان سنين، ولم يحفظ عنه شيئاً. وأمه آمنة بنت علقمة الكنانية. وقال الواقدي: أسلم الحكم في الفتح وقدم المدينة، فطرده النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل الطائف، فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة، ومات زمن عثمان، لأنه زور على لسانه كتاباً في شأن محمد بن أبي بكر. (5/229)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 230 وقال ابن أبي السري: كان مروان قصيراً، أحمر الوجه، وأوقص العنق، كبير الرأس واللحية، وكان يلقب خيط باطل لدقة عنقه. وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم سمعت الشافعي يقول لما انهزم الناس يوم الجمل: كان علي يسأل عن مروان، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين إنك لتسأل عنه قال: تعطفني عليه رحم ماسة، وهو مع ذلك سيد من شباب قريش. وقال عبد الملك بن عمير، عن قبيصة بن جابر قال: بعثني زياد إلى معاوية في حوائج، فقلت: من ترى لهذا الأمر من بعدك فسمى جماعة، ثم قال: وأما القاريء لكتاب الله، الفقيه في دين) الله، الشديد في حدود الله: مروان. وقال أحمد بن حنبل: يقال: كان عند مروان قضاء، وكان يتبع قضاء عمر. وقال يونس، عن ابن شهاب، عن قبيصة بن ذؤيب: أن امرأة نذرت أن تنحر ابنها عند الكعبة، وقدمت المدينة تستفتي، فجاءت ابن عمر، فقال: لا أعلم في النذر إلا الوفاء، قالت: أفأنحر ابني قال: قد نهى الله عن ذلك، فجاءت ابن عباس فقال: أمر الله الوفاء بالنذر، ونهاكم أن تقتلوا أنفسكم، وقد كان عبد المطلب نذر إن توافى له عشرة رهط أن ينحر أحدهم، فلما توافوا أقرع بينهم، فصارت القرعة على عبد الله، وكان أحبهم إليه، فقال: اللهم، أهو أو مائة من الإبل، ثم أقرع ثانية بين المائة وبينه، فصارت القرعة على الإبل، فأرى أن تنحري مائة من الإبل مكان ابنك، فبلغ الحديث مروان وهو أمير المدينة فقال: ما أراهما أصابا، إنه لا نذر في معصية الله، فاستغفري الله (5/230)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 231 تعالى وتوبي إليه، واعملي ما استطعت من الخير، فسر الناس بذلك وأعجبهم قوله، ولم يزل الناس يفتون بأنه لا نذر في معصية الله. وقال الواقدي: حدثني شرحبيل بن أبي عون، عن عياش بن عباس قال: حدثني من حضر ابن النباع الليثي يوم الدار يبادر مروان على قفاه ضربة قطع علابي عنقه، ووقع وجهه، فأرادوا أن يدففوا عليه، فقيل: أتبضعون اللحم، فترك. قال الواقدي: وحدثني حفص بن عمر، عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة، عن أبيه، وذكر مروان فقال: والله لقد ضربت كعبه، فما أحسبه إلا قد مات، ولكن المرأة أحفظتني، قالت: ما تصنع بلحمه أن تبضعه، فأخذني الحفاظ، فتركته. وقال خليفة: إن مروان ولي المدينة سنة إحدى وأربعين. وقال ابن علية، عن ابن عون، عن عمير بن إسحاق قال: كان مروان أميراً علينا ست سنين، فكان يسب علياً رضي الله عنه كل جمعة على المنبر، ثم عزل بسعيد بن العاص، فبقي سعيد سنتين، فكان لا يسبه، ثم أعيد مروان، فكان يسبه، فقيل للحسن: ألا تسمع ما يقول هذا فجعل لا يرد شيئاً، قال: وكان الحسن يجيء يوم الجمعة، ويدخل في حجر النبي صلى الله عليه سلم فيقعد فيها، فإذا قضيت الخطبة خرج فصلى، فلم يرض بذلك حتى أهداه له في بيته، قال: فإنا لعنده إذ قيل: فلان بالباب، قال: ائذن له، فوالله إني (5/231)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 232 لأظنه قد جاء بشر، فأذن له فدخل، فقال: يا حسن، إني جئتك من عند سلطان وجئتك بعزمه، قال: تكلم، قال: أرسل مرون ويك بعلي) وبعلي وبعلي، ويك ويك ويك، وما وجدت مثلك إلا مثل البغلة، يقال لها: من أبوك، فتقول: أمي الفرس، قال: ارجع إليه فقل له: إني والله لا أمحو عنك شيئاً مما قلت، فلن أسبك، ولكن موعدي موعدك الله، فإن كنت صادقاُ فجزاك الله بصدقك، وإن كنت كاذباً فالله أشد نقمة، وقد أكرم الله جدي أن يكون مثله أو قال مثلي مثل البغلة، فخرج الرجل، فلما كان في الحجرة لقي الحسين، فقال: ما جئت به قال: رسالة. قال: والله لتخبرني أو لآمرن بضربك، فقال: ارجع، فرجع، فلما رآه الحسن قال: أرسله، قال: إني لا أستطيع، قال: لم قال: إني قد حلفت، قال: قد لج فأخبره، فقال: أكل فلان بظر أمه إن لم يبلغه عني ما أقول له، قل له: ويل لك ولأبيك ولقومك، وآية بيني وبينك أن يمسك منكبيك من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فقال وزاد. وقال حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن أبي يحيى قال: كنت بين الحسن والحسين ومروان، والحسين يساب مروان، فجعل الحسن ينهاه، فقال مروان: إنكم أهل بيت ملعونون، فغضب الحسين وقال: ويلك، قلت هذا، فوالله لقد لعن الله أباك على لسان نبيه وأنت في صلبه. رواه جرير، عن عطاء، عن أبي يحيى النخعي. وقال حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن الحسن والحسين كانا يصليان خلف مروان، فقيل: أما كانا يصليان إذا رجعا إلى منازلهما قالا: لا والله. وقال الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (5/232)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 233 إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً اتخذوا مال الله دولاً، ودين الله دغلاً، وعبادة الله خولاً. سنده ضعيف، وكان عطية مع ضعفه شيعياً غالياً، لكن الحديث من قول أبي هريرة رواه العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عنه. وقد روى أبو المغيرة، عن أبي بكر بن أبي مريم، عن راشد بن سعد قال: قال أبو ذر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا بغت بنو أمية أربعون رجلاً اتخذوا عبادة الله ولاً، ومال الله دولاً، وكتاب الله دغلاً. إسناده منقطع. وذكر عوانة بن الحكم، أن مروان قدم ببني أمية على حسان بن مالك بن بحدل وهو بالجيابية فقال: أتيتني بنفسك إذ أبيت أن آتيك، والله لأجادلن عنك في قبائل اليمن، أو أسلمها إليك، فبايع حسان أهل الأردن لمروان، على أن يبايع مروان لخالد بن يزيد، وله إمرة حمص، ولعمرو بن) سعيد إمرة دمشق، وذلك في نصف ذي القعدة. وقال أبو مسهر: بايع مروان أهل دمشق، وسائر الناس زبيريون، ثم اقتتل مروان وشيعة ابن الزبير يوم راهط فظفر مروان وغلب على الشام ومصر، وبقي تسعة أشهر، ومات. قال الليث: توفي في أول رمضان. وقال ابن وهب: سمعت مالكاً يذكر مروان يوماً، فقال: قرأت كتاب الله منذ أربعين سنة، ثم أصبحت فيما أنا فيه من هرق الدماء، وهذا الشأن. وقال ابن سعد: كانوا ينقمون على عثمان تقريب مروان وتصرفه، وكان كاتبه، وسار مع طلحة والزبير يطلبون بدم عثمان، فقاتل يوم الجمل (5/233)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 234 أشد قتال، فلما رأى الهزيمة رمى طلحة بسهم فقتله، وقد أصابته جراح يومئذ، وحمل إلى بيت امرأة، فداووه واختفى، فأمنه علي، فبايعه وانصرف إلى المدينة، وأقام بها حتى استخلف معاوية، وقد كان يوم الحرة مع مسلم بن عقبة، وحرضه على أهل المدينة، قال: وكان قد أطمع خالد بن يزيد، ثم بدا له، وعقد لولديه عبد الملك وعبد العزيز، فأخذ يضع منه ويزهد الناس فيه، وكان يجلس معه، فدخل يوماً فزبره وقال: تنح يا ابن رطبة الإست، والله مالك عقل، فأضمرت أمه السوء لمروان، فدخل عليها فقال: هل قال لك خالد شيئاً فأنكرت، وكان قد تزوج بها، فقام، فوثبت هي وجواريها فعمدت إلى وسادة فوضعتها على وجهه، وغمرته هي والجواري حتى مات، ثم صرخن وقلن مات فجأة. وقال الهيثم بن مروان: مات مطعوناً بدمشق. 4 (مسلم بن عقبة) الذي يقال له: مسرف بن عقبة بن رباح بن أسعد، أبو عقبة المري. أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد صفين على الرجالة مع معاوية، وهو صاحب وقعة الحرة، وداره بدمشق موضع الخشب الكبير قبلي دار البطيخ، (5/234)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 235 هلك بالمشلل بين مكة والمدينة، وهو قاصد إلى قتال ابن الزبير، لسبع بقين من المحرم سنة أربع وستين. وروى المدائني، عن محمد بن عمر، أظنه الواقدي قال: قال ذكوان مولى مروان: شرب مسلم داوء بعدما نهب المدينة، ودعا بالغداء، فقال له الطبيب: لا تعجل، قال: ويحك إنما كنت أحب البقاء حتى أشفي نفسي من قتلة أمير المؤمنين عثمان، فقد أدركت ما أردت، فليس شيء أحب) إلي من الموت على طهارتي، فإني لا أشك أن الله قد طهرني من ذنوبي بقتل هؤلاء الأرجاس. وقال الواقدي: حدثني الضحاك بن عثمان، عن جعفر بن خارجة قال: خرج مسرف بن عقبة يريد مكة وتبعته أم ولد ليزيد بن عبد الله بن زمعة تسير وراءهم، ومات مسرف فدفن بثنية المشلل، فنبشته ثم صلبته على المشلل. قال الزبير بن بكار: وكان قد قتل مولاها أبا ولدها. وقيل: إنها نبشته، فوجدت ثعباناً يمص أنفه، وأنها أحرقته، فرضي الله عنها وشكر سعيها. 4 (مسروق بن الأجدع) واسم الأجدع عبد الرحمن بن مالك بن أمية، أبو عائشة الهمداني، ثم الوادعي الكوفي. (5/235)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 236 مخضرم، سمع: أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعلياً، وابن مسعود، ومعاذاً، وأبي بن كعب، وخباب بن الأرت، وعائشة، وطائفة. روى عنه: أبو وائل، وسعيد بن جبير، وأبو الضحى، وإبراهيم النخعي، ويحيى بن وثاب، وأبو إسحاق السبيعي، وعبد الله بن مرة، وآخرون. وقدم الشام في طلب العلم، وشهد الحكمين، فقال روح بن عبادة: حدثني المثنى القصير، عن محمد بن المنتشر، عن مسروق قال: كنت مع أبي موسى أيام الحكمين، وفسطاطي إلى جنب فسطاطه، فيصبح الناس ذات يوم قد لحقوا بمعاوية من الليل، فلما أصبح أبو موسى رفع رفرف فسطاطه، فقال: يا مسروق بن الأجدع، قلت: لبيك أبا موسى، قال: إن الإمارة ما اؤتمر فيها، وإن الملك ما غلب عليه بالسيف. وقال ابن سعد: كان مسروق ثقة، له أحاديث صالحة، وقد روى عن: عمر، وعلي، وأبي، وعبد الله، ولم يرو عن عثمان شيئاً. (5/236)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 237 وقال البخاري: رأى أبا بكر. وقال أبو حاتم الرازي: روى عن: أبي بكر، وعمر وعثمان، وعلي. وقال مجالد، عن الشعبي، عن مسروق: قدمت على عمر فقال: ما اسمك قلت: مسروق بن الأجدع، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الأجدع شيطان. أنت مسروق بن عبد الحمن. وقال أبو داود السجستاني: كان الأجدع أفرس فارس باليمن. وابنه مسروق ابن أخت عمرو بن) معديكرب. وقال ابن عيينة: ثنا أيوب بن عائذ الطائي قال: قلت للشعبي: رجل نذر أن ينحر ابنه، قال: لعلك من القياسين، ما علمت أحداً من الناس كان أطلب للعلم في أفق من الآفاق من مسروق، قال: لا نذر في معصية. وقال علي بن المديني: ما أقدم على مسروق أحداً من أصحاب عبد الله، صلى خلف أبي بكر، ولقي عمر، وعلياً، ولم يرو عن عثمان شيئاً. وعن مسروق قال: اخلتفت إلى عبد الله من رمضان إلى رمضان، ما أغبه يوماً. وقال مجالد، عن الشعبي، عن مسروق قال: قالت عائشة: يا مسروق إنك من ولدي، وإنك لمن أحبهم إلي، فها عندك علم بالمخدج. فذكر الحديث. (5/237)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 238 وقال مالك بن مغول: سمعت أبا السفر يقول: ما ولدت همدانية مثل مسروق. وقال منصور، عن إبراهيم قال: كان أصحاب عبد الله الذي يقرئون الناس ويعلمونهم السنة: علقمة، والأسود، وعبيدة، ومسروق، والحارث بن قيس، وعمرو بن شرحبيل. وقال عبد الملك بن أبجر، عن الشعبي قال: كان مسروق أعلم بالفتوى من شريح، وشريح أعلم منه بالقضاء، وكان شريح يستشير مسروقاً، وكان مسروق لا يستشير شريحاً. وقال سفيان الثوري: بقي مسروق بعد علقمة لا يفضل عليه أحداً. وقال عاصم، عن الشعبي: إن عبيد الله بن زياد حين قدم الكوفة قال: أي أهل الكوفة أفضل قالوا: مسروق. وعن الشعبي قال: إن كان أهل بيت خلقوا للجنة فهؤلاء: الأسود، وعلقمة، ومسروق. وقال خليفة: لم يزل شريح على قضاء الكوفة، فأحدره معه زياد إلى البصرة، فقضى مسروق حتى رجع شريح، وذكر أن شريحاً غاب سنة. وقال الأعمش، عن القاسم قال: كان مسروق لا يأخذ على القضاء رزقاً. عارم: ثنا حماد، عن مجالد: أن مسروقاً قال: لأن أقضي بقضية (5/238)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 239 فأوافق الحق أحب إلي من رباط سنة في سبيل الله عز وجل. وقال مجالد، عن الشعبي، عن مسروق: لأن أفتي يوماً بعدل وحق، أحب إلي من أن أغزو في سبيل الله سنة.) وقال شعبة، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر ابن أخي مسروق: إن خالد بن عبد الله بن أسيد عامل البصرة أهدى إلى مسروق ثلاثين ألفاً، وهو يومئذ محتاج، فلم يقبلها. وقال يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه قال: أصبح مسروق يوماً وليس لعياله رزق، فجاءته امرأته قمير فقالت: يا أبا عائشة، إنه ما أصبح لعيالك اليوم رزق، فتبسم وقال: والله ليأتينهم الله برزق. وقال سالم بن أبي الجعد: كلم مسروق زياداً لرجل في حاجة، فبعث إليه بوصيف، فرده، وحلف ألا يكلم له في حاجة أبداً. وقال الأصمعي: سمعت أشياخنا يقولون: انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين: عامر بن عبي قيس، وهرم بن حيان، وأويس القرني، وأبي مسلم الخولاني، والأسود، ومسروق، والحسن البصري، والربيع بن خثيم. وقال إسرائيل: ثنا أبو إسحاق أن مسروقاً زوج بنته بالسائب بن الأقرع على عشرة آلاف اشترطها لنفسه، وقال: جهز أنت امرأتك من عندك، وجعلها مسروق في المجاهدين والمساكين. وقال الأعمش، عن أبي الضحى قال: غاب مسروق في السلسلة (5/239)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 240 سنتين يعني عاملاً عليها فلما قدم نظر أهله في خرجه فأصابوا فأساً بغير عود، فقالوا: غبت سنتين، ثم جئتنا بفأس بغير عود قال: إنا لله، تلك فأس استعرناها، نسينا نردها. وقال الشعبي: بعثه ابن زياد إلى السلسلة، فانطلق، فمات بها. وقال الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق قال: والله ما عملت عملاً أخوف عندي أن يدخلني النار من عملكم هذا، وما بي أن أكون ظلمت فيه مسلماً ولا معاهداً ديناراً ولا درهماً، ولكن ما أدري ما هذا الجعل الذي لم يسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكر، ولا عمر، قيل: فما حملك قال: لم يدعني زياد، ولا شريح، ولا الشيطان، حتى دخلت فيه. وقال سعيد بن جبير: قال لي مسروق: ما بقي شيء يرغب فيه إلا أن نعفر وجوهنا في التراب وما آسى على شيء إلا السجود لله تعالى. وقال إسحاق: حج مسروق، فما نام إلا ساجداً حتى رجع. وقال هشام بن حسان، عن محمد عن امرأة مسروق قالت: ما كان مسروق يوجد إلا وساقاه قد انتفختا من طول القيام، وإن كنت لأجلس خلفه، فأبكي رحمة له.) ورواه أنس بن سيرين، عن امرأة مسروق. وقال أبو الضحى، عن مسروق: إنه سئل عن بيت شعر فقال: أكره أن أجد في صحيفتي شعراً. (5/240)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 241 وقال هشام بن الكلبي، عن أبيه قال: شلت يد مسروق يوم القادسية، وأصابته آمة. وقال أبو الضحى، عن مسروق، وكان رجلاً مأموماً، فقال: ما أحب أنها ليست بي، لعلها لو لم تكن بي، كنت في بعض هذه الفتن. وقال وكيع: لم يتخلف عن علي من الصحابة إلا سعد، ومحمد بن مسلمة، وأسامة بن زيد، وابن عمر، ومن التابعين: مسروق، والأسود، والربيع بن خثيم، وأبو عبد الرحمن السلمي. وقال عمرو بن مرة، عن الشعبي قال: كان مسروق إذا قيل له: أبطأت عن علي وعن مشاهده ولم يكن شهد معه يقول: أذكركم الله، أرأيتم لو أنه صف بعضكم لبعض، وأخذ بعضكم على بعض السلاح، يقتل بعضكم بعضاً، فنزل ملك بين الصفين فقال هذه الآية: ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً أكان ذلك حاجزاً لكم قالوا: نعم، قال: فوالله لقد نزل بها ملك كريم، على لسان نبيكم، وإنها لمحكمة ما نسخها شيء. وقال عاصم بن أبي النجود: ذكر أن مسروقاً أتى صفين، فوقف تبين الصفين، ثم قال: أرأيتم لو أن منادياً، فذكر نحوه، ثم ذهب. وعن أبي ليلى قال: شهد مسروق النهروان مع علي. وقال شريك، عن أبي إسحاق، عن عامر قال: ما مات مسروق حتى استغفر الله من تخلفه عن علي. قال أبو النعيم: توفي مسروق سنة اثنتين وستين. (5/241)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 242 وقال المدائني، وابن نمير، ومحمد بن سعد: سنة ثلاث. وقال أبو شهاب الخياط: هو مدفون بالسلسلة بواسط. 4 (مسلمة بن مخلد) ابن الصامت الأنصاري والخزرجي، أبو معن، ويقال: أبو سعيد، ويقال: أبو معاوية، ويقال أبو معمر، له صحبة ورواية. قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولي عشر سنين رسول الله صلى الله عليه وسلم. روى عنه: أبو أيوب الأنصاري مع جلالته، ومحمود بن لبيد، ومحمد (5/242)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 243 ابن سيرين، ومجاهد،) وعلي بن رباح، وأبو قبيل حيي بن هانيء، وعبد الرحمن بن شماسة، وشيبان بن أمية وآخرون. وكان من أمراء معاوية يوم صفين، كان على أهل فلسطين، وقيل: لم يفد على معاوية إلا بعد انقضاء صفين، ولي إمرة مصر لمعاوية وليزيد، وذكر أن له صحبة جماعة منهم: ابن سعد، وأبو سعيد بن يونس، والدارقطني. وقال ابن أبي حاتم: كان البخاري كتب أن لمسلمة بن مخلد صحبة، فغير أبي ذلك، وقال: ليست له صحبة. وقال ابن مهدي، ومعن بن عيسى، عن موسى بن علي، عن أبيه، عن مسلمة: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وأنا ابن أربع سنين، توفي وأنا ابن أربع عشرة. وقال وكيع: عن موسى بخلاف ذلك، وقال: هو أقرب عهداً بالكتاب. وقال الليث بن سعد: وفي سنة سبع وأربعين نزع عقبة بن عامر عن مصر، وولي مسلمة، فبقي عليها إلى أن مات. وقال مجاهد: صليت خلف مسلمة بن مخلد، فقرأ بسورة البقرة، فما ترك واواً ولا ألفاً. وقال الليث: توفي سنة اثنتين وستين. (5/243)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 244 وقال ابن يونس: في ذي القعدة بالإسكندرية. 4 (المسور بن مخرمة) ابن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن قصي بن كلاب، أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو عثمان الزهري ابن عاتكة أخت عبد الرحمن بن عوف. (5/244)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 245 له صحبة ورواية، روى أيضاً عن: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وخاله. روى عنه: علي بن الحسين، وعروة، وسليمان بن يسار، وابن أبي مليكة، وولداه عبد الرحمن، وأم بكر، وعبد الله بن حنين، وعمرو بن دينار. وقدم بريداً لدمشق من عثمان إلى معاوية أيام حصر عثمان، ووفد على معاوية في خلافته، وكان ممن يلزم عمر ويحفظ عنه، وانحاز إلى مكة كابن الزبير، وكره إمرة يزيد، وأصابه حجر منجنيق لما حاصر الحصين بن نمير ابن الزبير. قال الزبير بن بكار: وكانت الخوارج تغشاه وتعظمه وينتحلون رأيه، حتى قتل تلك الأيام.) وقال أبو عامر العقدي: أنبأ عبد الله بن جعفر، عن أم بكر أن أباها احتكر طعاماً، فرأى سحاباً من سحاب الخريف فكرهه، فلما أصبح جاء إلى السوق فقال: من جاءني وليته، فبلغ ذلك عمر، فأتاه بالسوق فقال: أجننت يا مسور قال: لا والله، ولكني رأيت سحاباً من سحاب الخريف، فكرهته فكرهت أن أربح فيه، وأردت أن لا أربح فيه فقال عمر: جزاك الله خيراً. وقال إسحاق الكوسج: قال ابن معين: مسور بن مخرمة ثقة، إنما كتبت هذا للتعجب، فإنهم متفقون على صحبة المسور، وأنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن مهب: ثنا حيوة، ثنا عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة: أن المسور أخبره أنه قدم على معاوية، فقضى حاجته، ثم خلا به فقال: يا مسور، ما فعل طعنك على الأئمة قال: دعنا من هذا، وأحسن فيما قدمنا له، قال معاوية: والله لتكلمني بذات نفسك بالذي تعيب علي، قال: فلم أترك شيئاً أعيبه عليه إلا بينته له، فقال: لا أبرأ من الذنب، فهل تعد لنا يا مسور بما نلي من الإصلاح في أمر العامة، فإن الحسنة بعشر أمثالها، أم (5/245)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 246 تعد الذنوب وتترك الإحسان ! قلت: لا والله ما نذكر إلا ما نرى من الذنوب، فقال: فإنا نعترف لله بكل ذنب أذنبناه، فهل لك يا مسور ذنوب في خاصتك تخشى أن تهلكك إن تلم يغفر الله لك قال: نعم، قال: فمل يجعلك برجاء المغفرة أحق مني فوالله ما ألي من الإصلاح أكثر مما تلي، ولكن والله لا أخير بين أمرين، بين الله وغيره إلا اخترت الله على ما سواه، وإني لعلى دين يقبل فيه العمل، ويجزى فيه بالحسنات، ويجزى فيه بالذنوب، إلا أن يعفو الله عنها، وإني أحتسب كل حسنة عملتها بأضعافها من الأجر، وألي أموراً عظاماً من إقامة الصلاة، والجهاد، والحكم بما أنزل الله. قال: فعرفت أنه قد خصمني لما ذكر ذلك. قال عروة: فلم أسمع المسور ذكر معاوية إلا صلى عليه. وعن أم بكر بنت المسور أن المسور كان يصوم الدهر، وكان إذا قدم مكة طاف لكل يوم غاب عنها سبعاً، وصلى ركعتين. وقال الواقدي: ثنا عبد الله بن جعفر، عن عتمة أم بكر بنت المسور، عن أبيها، أنه وجد يوم القادسية إبريق ذهب عليه الياقوت والزبرجد، فلم يدر ما هو، فلقيه فارسي فقال: آخذه بعشرة آلاف، فعرف أنه شيء، فبعث به إلى سعد بن أبي وقاص، فنفله إياه، وقال: لا تبعه بعشرة آلاف، فباعه له سعد بمائة ألف، ودفعها إلى المسور، ولم يخمسها. وعن عطاء بن يزيد الليثي قال: لحق بابن الزبير بمكة، فكان ابن الزبير لا يقطع أمراً دونه.) قال الواقدي: وحدثني شرحبيل بن أبي عون. عن أبيه قال: لما دنا الحصين بن نمير أخرج المسور سلاحاً قد حمله من المدينة ودروعاً ففرقها في موال له كهول فرس جلد، فدعاني، ثم قال لي: يا مولى (5/246)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 247 عبد الرحمن بن مسور، قلت: لبيك، قال: اختر درعاً، فاخترت درعاً وما يصلحها، وأنا يومئذ غلام حدث، فرأيت أولئك الفرس غضبوا وقالوا: تخيره علينا والله لو جد الجد تركك، فقال: لتجدن عنده حزماً، فلما كان القتال أحدقوا به، ثم انكشفوا عنه، واختلط الناس، والمسور يضرب بسيفه، وابن الزبير في الرعيل الأول يرتجز قدماً، ومعه مصعب بن عبد الرحمن بن عوف يفعلان الأفاعيل، إلى أن أحدقت جماعة منهم بالمسور، فقام دونه مواليه، فذبوا عنه كل الذب، وجعل يصيح بهم، فما خلص إليه، ولقد قتلوا من أهل الشام يومئذ نفراً. قال: وحدثني عبد الله بن جعفر، عن أم بكر، وأبي عون قالا: أمات المسور حجر المنجنيق، ضرب البيت فانفلق منه فلقة، فأصابت خد المسور وهو قائم يصلي، فمرض منها أياماً، ثم مات في اليوم الذي جاء فيه نعي يزيد، وابن الزبير يومئذ لا يسمى بالخلافة، بل الأمر شورى. زادت أم بكر: كنت أرى العظام تنزع من صفحته، وما مكث إلا خمسة أيام ومات. فذكرته لشرحبيل بن أبي عون فقال: حدثني أبي قال: قال لي المسور: هات درعي، فلبسها، وأبى أن يلبس المغفر، قال: وتقبل ثلاثة أحجار، فيضرب الأول الركن الذي يلي الحجر فخرق الكعبة حتى تغيب، ثم اتبعه الثاني في موضعه، ثم الثالث فينا، وتكسر منه كسرة، فضربت خد المسور وصدغه الأيسر، فهشمته هشماً، فغشي عليه، واحتملته أنا ومولى له، وجاء الخبر ابن الزبير، فأقبل يعدو، فكان فيمن حمله، وأدركنا مصعب بن عبد الرحمن وعبيد بن عمير، فمكث يومه لا يتكلم، فأفاق من الليل، وعهد ببعض ما يريد، وجعل عبيد بن عمير يقول: يا أبا عبد الرحمن كيف ترى في قتال هؤلاء فقال: على ذلك قتلنا، فكان ابن الزبير لا يفارقه بمرضه حتى مات، فولي ابن الزبير غسله، وحمله فيمن حمله إلى الحجون، وإنا لنطأ، به القتلى ونمشي بين أهل الشام، فصلوا معنا عليه. (5/247)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 248 قلت: لأنهم علموا يومئذ بموت يزيد، وكلم حصين بن نمير عبد الله بن الزبير في أن يبايعه بالخلافة، وبطل القتال بينهم. وعن أم بكر قالت: ولد المسور بمكة بعد الهجرة بسنتين، وبها توفي لهلال ربيع الآخر سنة) أربع وستين. وقال الهيثم: توفي سنة سبعين، وهو غلط منه. وقال المدائني: مات سنة ثلاث وسبعين من حجر المنجنيق، فوهم أيضاً، اشتبه عليه بالحصار الأخير. وتابعه يحيى بن معين. وعلى القول الأول جماعة منهم: يحيى بن بكير، وأبو عبيد، والفلاس، وغيرهم. 4 (المسيب بن نجبة بن ربيعة الفزاري) صاحب علي. سمع: علياً، وابنه الحسن، وحذيفة. وروى عنه: عتبة بن أبي عتبة، وسوار أبو إدريس، وأبو إسحاق السبيعي. وقدم مع خالد بن الوليد من العراق، وشهد حصار دمشق، وكان أحد من خرج من الكبار في جيش التوابين الذين خرجوا يطلبون بدم الحسين، وقتل بالجزيرة سنة خمس وستين كما ذكرنا بعدما قاتل قتالاً شديداً. (5/248)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 249 4 (مصعب بن عبد الرحمن بن عوف الزهري،) أحد الكبار الذين كانوا مع ابن الزبير، وقتل معه في الحصار سنة أربع وستين. كان مصعب هذا قد ولي قضاء المدينة، وشرطتها في إمرة مروان عليها، ثم لحق بابن الزبير، وكان بطلاً شجاعاً، له مواقف مشهورة، قتل عدة من الشاميين، ثم توفي، فلما مات هو والمسور دعا ابن الزبير إلى نفسه. 4 (معاذ بن الحارث أبو حليمة الأنصاري) المدني القاريء. روى عنه: ابن سيرين، ونافع مولى ابن عمر. قالت عمرة: ما كان يوقظنا من الليل إلا قراءة معاذ القاريء. قتل معاذ يوم الحرة. 4 (معاوية بن حيدة القشيري) جد بهز بن حكيم، له صحبة (5/249)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 250 ورواية، نزل بالبصرة ثم غزا خراسان ومات بها. روى عنه: ابنه حكيم، وحميد المري رجل مجهول. حديثه في السنن الأربعة، أعني معاوية. 4 (معاوية بن يزيد) ) ابن معاوية بن أبي سفيان الأموي، أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو يزيد، ويقال: أبو ليلى، استخلف بعهد من أبيه عند موته في ربيع الأول، وكان شاباً صالحاً لم تطل خلافته، وأمه هي أم هاشم بنت أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة، ومولده سنة ثلاث وأربعين. (5/250)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 251 قال إسماعيل الخطبي: رأيت صفته في كتاب أنه كان أبيض شديداً، كثير الشعر، كبير العينين، أقنى الأنف، جميل الوجه، مدور الرأس. وعن أبي عبيدة قال: ولي معاوية بن يزيد ثلاثة أشهر، فلم يخرج إلى الناس، ولم يزل مريضاً، والضحاك بن قيس يصلي بالناس. وقال جرير بن حازم: إن معاوية بن يزيد استخلفه أبوه، فولي شهرين، فلما احتضر قيل: لو استخلفت، فقال: كفلتها حياتي، فأتضمنها بعد موتي. وأبى أن يستخلف. وقال أبو مسهر، وأبو حفص الفلاس: ملك أربعين ليلة، وكذا قال ابن الكلبي. وقال أبو معشر، وغيره: عاش عشرين سنة. توفي بدمشق. 4 (معقل بن سنان الأشجعي) له صحبة ورواية، وكان حامل لواء قومه يوم فتح مكة، وهو راوي (5/251)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 252 حديث بروع. روى عنه: علقمة، ومسروق، والأسود، وسالم بن عبد الله بن عمر، والحسن البصري. وكان يكون بالكوفة، فوفد على يزيد، فرأى منه قبائح، فسار إلى المدينة وخلع يزيد، وكان من رؤوس أهل الحرة. قال الحاكم أبو أحمد: كنيته أبو سنان، ويقال: أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو يزيد، من غطفان، قتل صبراً يوم الحرة، فقال الشاعر: (ألا تلكم الأنصار تبكي سراتها .......... وأشجع تبكي معقل بن سنان) وقال الواقدي: حدثني عبد الرحمن بن عثمان بن زياد الأشجعي، عن أبيه، عن جده قال: كان معقل بن سنان قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحمل لواء قومه يوم الفتح، وكان شاباً طرياً، وبقي بعد ذلك، فبعثه الوليد بن عتبة أمير المدينة ببيعة يزيد، فقدم الشام في وفد من أهل المدينة، فاجتمع معقل ومسلم بن عقبة فقال، وكان قد آنسه وحادثه: إني خرجت كرهاً ببيعة هذا، وقد كان من القضاء والقدر خروجي إليه رجل يشرب الخمر وينكح الحرم، ثم نال منه واستكتمه ذلك، فقال: أما أن أذكر ذلك لأمير المؤمنين يومي هذا فلا والله، ولكن لله علي) عهد وميثاق إن مكنت منك لأضربن الذي فيه عيناك، فلما قدم مسلم المدينة وأوقع بهم، كان معقل يومئذ على (5/252)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 253 المهاجرين، فأتى به مأسوراً، فقال: يا معقل أعطشت قال: نعم، قال: أحضروا له شربة ببلور، ففعلوا، فشرب، وقال: أرويت قال: نعم، قال: أما والله لا تتهنأ بها، يا مفرج قم فاضرب عنقه، فضرب عنقه. وقال المدائني، عن عوانة، وأبي زكريا العجلاني، عن عكرمة بن خالد: إن مسلماً لما دعا أهل المدينة إلى البيعة، يعني بعد وقعة الحرة، قال: ليت شعري ما فعل معقل بن سنان، وكان له مصافياً، فخرج ناس من أشجع، فأصابه في قصر العرصة، ويقال: في جبل أحد، فقالوا له: الأمير يسأل عنك فارجع إليه، قال: أنا أعلم به منكم، إنه قاتلي، قالوا: كلا، فأقبل معهم، فقال له: مرحباً بأبي محمد، أظنك ظمآن، وأظن هؤلاء أتعبوك، قال: أجل، قال: شوبوا له عسلاً بثلج، ففعلوا وسقوه، فقال: سقاك الله أيها الأمير من شراب أهل الجنة، قال: لا جرم والله لا تشرب بعدها حتى تشرب من حميم جهنم، قال: أنشدك الله والرحم، قال: ألست قلت لي بطبرية وأنت منصرف من عند أمير المؤمنين وقد أحسن جائزتك: سرنا شهراً وخسرنا ظهراً، نرجع إلى المدينة فنخلع الفاسق يشرب الخمر، عاهدت الله تلك الليلة لا ألقاك في حرب أقدر عليك إلا قتلتك، وأمر به فقتل. 4 (معقل بن يسار المزني البصري،) ممن بايع تحت الشجرة. (5/253)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 254 روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وعن النعمان بن مقرن. روى عنه: عمران بن حصين مع تقدمه، وأبو المليح بن أسامة الهذلي، والحسن البصري، ومعاوية بن قرة، وعلقمة بن عبد الله المزنيان، وغيرهم. وقال ابن سعد: لا نعلم في الصحابة من يكنى أبا علي سواه. 4 (معن بن يزيد) ابن الأخنس بن حبيب السلمي، له ولأبيه وجده الأخنس صحبة. وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً أو حديثين. روى عنه: أبو الجويرية حطان بن خفاف الجرمي، وسهيل بن ذراع، وغيرهما. (5/254)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 255 وكان من فرسان قيس، شهد فتح دمشق، وله بها دار، وشهد صفين مع معاوية.) قال أبو عوانة، عن أبي الجويرية، عن معن بن يزيد قال: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم أنا وأبي، وجدي، فأنكحني، وخطب علي. وقال الليث، عن يزيد بن أبي حبيب: إن معن بن يزيد بن الأخنس من بني سليم، كان هو وأبوه وجده تمام عدة أصحاب بدر، ولا أعلم رجلاً وابنه وابن ابنه شهدوا بدراً مسلمين غيرهم. قلت: لا نعلم ليزيد متابع على هذا القول. وقد ذكر المفضل الغلابي وغيره أن لهم صحبة. وقال محمد بن سلام الجمحي: سمعت بكار بن محمد بن واسع قال: قال معاوية: ما ولدت قرشية لقرشي خيراً لها في دينها من محمد صلى الله عليه وسلم، وما ولدت قرشية لقرشي خيراً لها في دنياها مني، فقال معن بن يزيد: ما ولدت قرشية لقرشي شراً لها في دنياها منك، قال: ولم قال: لأنك عودتهم عادة كأني بهم قد طلبوها من غيرك، فكأني بهم صرعى في الطريق، قال: ويحك، والله إني لأكاتمها نفسي منذ كذا وكذا. قال ابن سميع وغيره: قتل معن بن يزيد بن الأخنس، وأبوه براهط، وقال غيره: بقي معن يسيراً بعد راهط. 4 (المغيرة بن أبي شهاب المخزومي) قال يحيى الذماري: قرأت على ابن عامر، وقرأ ابن عامر على المغيرة بن أبي شهاب، وقرأ المغيرة على عثمان بن عفان. (5/255)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 256 4 (المنذر بن الجارود العبدي) لأبيه صحبة، وكان سيداً جواداً شريفاً ولي إصطخر لعلي، ثم ولي ثغر الهند من قبل عبيد الله بن زياد، فمات هناك سنة إحدى وستين، وله ستون سنة. وهو مذكور في الطبقة الآتية. 4 (المنذر بن الزبير) ابن العوام بن خويلد بن أسد، أبو عثمان الأسدي، ابن حواري النبي صلى الله عليه وسلم، وأمه أسماء بنت الصديق. ولد في أخر خلافة عمر، وغزا القسطنطينية مع يزيد، ولما استخلف يزيد وفد عليه. قال الزبير بن بكار: فحدثني مصعب بن عثمان أن المنذر بن الزبير غاضب أخاه عبد الله، فسار إلى الكوفة، ثم قدم على معاوية، فأجازه بألف ألف درهم، وأقطعه، فمات معاوية قبل أن) يقبض المنذر الجائزة، وأوصى (5/256)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 257 معاوية أن يدخل المنذر في قبره. وفي الموطأ عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة أنها زوجت حفصة بنت أخيها المنذر بن الزبير، فلما قدم أخوها عبد الرحمن من الشام قال: ومثلي يصنع به هذا ويفتات عليه فكلمت عائشة المنذر، فقال: إن ذلك بيد عبد الرحمن، فقال عبد الرحمن: ما كنت لأرد أمراً قضيتيه، فقرت حفصة عند المنذر، ولم يكن ذلك طلاقاً. وقال ابن سعد: فولدت له عبد الرحمن، وإبراهيم، وقريبة، ثم تزوجها الحسن بن علي رضي الله عنهما. وقال الزبير بن بكار: لما ورد على يزيد خلاف ابن الزبير، كتب إلى ابن زياد أن يستوثق من المنذر ويبعث به، فأخبره بالكتاب، وقال: إذهب وأنا أكتم الكتاب ثلاثاً، فخرج المنذر، فأصبح الليلة الثامنة بمكة صباحاً، فارتجز حاديه: (قاسين قبل الصبح ليلاً منكرا .......... حتى إذا الصبح انجلى وأسفرا)

(أصبحن صرعى بالكثيب حسرا .......... لو يتكلمن شكون المنذرا) فسمع عبد الله بن الزبير صوت المنذر على الصفا، فقال: هذا أبو عثمان حشته الحرب إليكم. فحدثني محمد بن الضحاك قال: كان المنذر بن الزبير، وعثمان تبن عبد الله بن حكيم بن حزام يقاتلان أهل الشام بالنهار، ويطعمانهم بالليل. وقتل المنذر في نوبة الحصين، وله أربعون سنة. (5/257)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 258 4 (حرف النون)

4 (النابغة الجعدي) الشاعر المشهور أبو ليلى، له صحبة ووفادة، وهو من بني عامر بن صعصعة، فعن عبد الله بن صفوان قال: عاش النابغة مائة وعشرين سنة، ومات بأصبهان. وروي أن النابغة قال هذه الأبيات: (5/258)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 259 (المرء يهوى أن يعي .......... ش وطول عمر قد يضره)

(وتتابع الأيام ح .......... تى ما يرى شيئاً يسره)

(تفنى بشاشته ويب .......... قى بعد حلو العيش مره) ثم دخل بيته فلم يخرج حتى مات.) وقال يعلى بن الأشدق، وليس بثقة: سمعت النابغة يقول: أنشدت النبي صلى الله عليه وسلم: (بلغنا السماء مجدنا وجدودنا .......... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا) فقال: أين المظهر يا أبا ليلى قلت: الجنة، قال أجل إن شاء الله، ثم قلت: (ولا خير في حلم إذا لم تكن له .......... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا)

(ولا خير في جهل إذا لم يكن له .......... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يفضض الله فاك، مرتين. قلت: كان النابغة يتنقل في البلاد ويمدح الكبار وعمر دهراً ومات في أيام عبد الملك. قال محمد بن سلام: اسمه قيس بن عبد الله بن عدس بن ربيعة بن جعدة. (5/259)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 260 روي عن: عبد الله بن عروة بن الزبير أن نابغة بني جعدة لما أقحمت السنة أتى ابن الزبير، وهو يومئذ بالمدينة، فأنشده في المسجد: (حكيت لنا الصديق لما وليتنا .......... وعثمان والفاروق فارتاح معدم)

(وسويت بين الناس في الحق فاستووا .......... فعاد صباحاً حالك الليل مظلم) في أبيات، فأمر له بسبع قلائص وراحلة تمر وبر، وقال له: لك في مال الله حقان، حق لرؤيتك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحق لشركتك أهل الإسلام، وذكر الحديث. 4 (نجدة بن عامر الحنفي الحروري،) من رؤوس الخوارج، مال عليه أصحاب ابن الزبير فقتلوه بالجمار. وقيل: اختلف عليه أصحابه فقتلوه في سنة تسع وستين. 4 (النعمان بن بشير) ابن سعد بن ثعلبة، أبو عبد الله، ويقال: أبو محمد الأنصاري (5/260)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 261 الخزرجي، ابن أخت عبد الله بن رواحة. شهد أبوه بدراً. وولد النعمان سنة اثنتين من الهجرة، وحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث. روى عنه: ابنه محمد، والشعبي، وحميد بن عبد الرحمن بن عوف، (5/261)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 262 وأبو سلام الأسود، وسماك بن حرب، وأبو إسحاق، ومولاه حبيب بن سالم، وسالم بن أبي الجعد، وأبو قلابة الجرمي، وغيرهم.) وكان منقطعاً إلى معاوية فولاه الكوفة مدة، وولي قضاء دمشق بعد فضالة بن عبيد، وولي إمرة حمص مدة. وقال البخاري: ولد عام الهجرة، وهو أول مولود ولد للأنصار. وقد ورد أن أعشى همدان وفد على النعمان وهو أمير حمص فقال له: ما أقدمك قال: جئت لتصلني، وتحفظ قرابتي، وتقضي ديني، فأطرق ثم قال: والله ما شيء، ثم قال: هه، كأنه ذكر شيئاً، فقام فصعد المنبر، فقال: يا أهل حمص وهم في الديوان عشرون ألفاً هذا ابن عمكم من أهل القرآن والشرف قدم عليكم يسترفدكم، فما ترون قالوا: أصلح الله الأمير احتكم له، فأبى عليهم، قالوا: فإنا قد حكمنا له على أنفسنا من كل رجل في العطاء بدينارين دينارين، فعجلها له من بيت المال أربعين ألف دينار، فقبضها. حاتم بن أبي صغيرة، عن سماك بن حرب قال: كان النعمان بن بشير والله من أخطب من سمعت من أهل الدنيا يتكلم. وروي أن النعمان لما دعا أهل حمص إلى ابن الزبير احتزوا رأسه. وقيل: قتل بقرية بيرين، قتله خالد بن خلي بعد وقعة مرج راهط في آخر سنة أربع وستين. 4 (نوفل بن معاوية الديلي) له صحبة ورواية وشهد (5/262)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 263 الفتح، وغزا مع الصديق سنة تسع. روى عنه: عبد الرحمن بن مطيع، وعراك بن مالك، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، ونزل المدينة في بني الديل. قال الواقدي: شهد بدراً مع المشركين وأحداً والخندق، وكان له ذكر ونكاية، قال: وتوفي يف خلافة معاوية. وقال غيره: توفي في خلافة يزيد. وقيل: عاش ستين سنة في الجاهلية، وستين في الإسلام. وكان سلمى بن نوفل بن معاوية الديلي جواداً ممدحاً، وفيه يقول الجعفري: (يسود أقوام وليسوا بسادة .......... بل السيد المحمود سلمى بن نوفل) (5/263)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 264 4 (حرف الهاء)

4 (هبيرة بن بريم أبو الحارث الشبامي) ) ويقال الخارفي الكوفي. روى عن: علي، وطلحة، وعبد الله بن مسعود. روى عنه: أبو إسحاق السبيعي، وأبو فاختة. وقال الإمام أحمد: لا بأس بحديثه. وقال غيره: توفي سنة ست وستين. وقال ابن خراش: ضعيف. (5/264)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 265 4 (همام بن قبيصة بن مسعود) بن عمير النميري، أحد الأشراف. كان من أبطال معاوية، كان على قيس دمشق يوم صفين، وكان له بدمشق دار صارت لابن جوصا المحدث، عند حمام الجبن. قتل يوم مرج راهط. وله شعر. 4 (هند بن هند بن أبي هالة التميمي،) سبط أم المؤمنين، خديجة رضي الله عنها. قتل مع مصعب بن الزبير في سنة تسع وستين. وقيل: مات في الطاعون بالبصرة. (5/265)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 266 4 (حرف الواو)

4 (الوليد بن عتبة) ابن أبي سفيان بن حرب الأموي، ولاه عمه معاوية المدينة، وكان جواداً حليماً فيه دين وخير. قال يحيى بن بكير: كان معاوية يولي على المدينة مرة مروان ومرة (5/266)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 267 الوليد بن عتبة، وكذا ولاه يزيد عليها مرتين، وأقام الموسم غير مرة، آخرها سنة اثنتين وستين. قال الزبير بن بكار: كان الوليد رجل بني عتبة، وكان حليماً كريماً، توفي معاوية فقدم عليه رسول يزيد، فأخذ البيعة على الحسين وابن الزبير، فأرسل إليهما سراً، فقالا: نصبح ويجتمع الناس، فقال له مروان: إن خرجنا من عندك لم نرهما، فنافره ابن الزبير، وتغالظا حتى تواثبا، وقام الوليد يحجز بينهما، فأخذ ابن الزبير بيد الحسين وقال: امض بنا، وخرجا، وتمثل ابن الزبير: (لا تحسبني يا مسافر شحمة .......... تعجلها من جانب القدر جائع) فأقبل مروان على الوليد يلومه فقال: إني أعلم ما تريد، ما كنت لأسفك دماءهما، ولا أقطع) أرحامهما. وقال المدائني، عن خالد بن يزيد بن بشر، عن أبيه، وعبد الله بن نجاد، وغيرهما قالوا: لما مات معاوية بن يزيد بن معاوية أرادوا الوليد بن عتبة على الخلافة، فأبى وهلك تلك لليالي. وقال يعقوب الفسوي: أراد أهل الشام الوليد بن عتبة على الخلافة، فطعن فمات بعد موته. وقال بعضهم، ولم يصح إنه قدم للصة على معاوية فأصابه الطاعون في صلاته، عليه، فلم يرفع إلا وهو ميت. (5/267)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 268 4 (حرف الياء)

4 (يزيد بن زياد) ابن ربيعة بن مفرغ الحميري البصري الشاعر. كان أحد الشعراء الإسلاميين، وكان كثير الهجو والشر للناس. (5/268)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 269 فذكر المدائني أن عبيد الله بن زياد أراد قتل ابن مفرغ لكونه هجا أباه زياداً ونفاره من أبي سفيان، فمنعه معاوية من قتله، وقال: أدبه: فسقاه مسهلاً، وأركبه على حمار، وطوف به وهو يسلح في الأسواق على الحمار، فقال: (أتغضب أن يقال أبوك حر .......... وترضى أن يقال أبوك زاني)

(فأشهد أن رحمك من زياد .......... كرحم الفيل من ولد الأتان) مات ابن مفرغ في طاعون الجارف أيام مصعب. 4 (يزيد بن معاوية) ابن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، أبو (5/269)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 270 خالد الأموي، وأمه ميسون بنت بحدل الكلبية. (5/270)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 271 وروى عن: أبيه. روى عنه: ابنه خالد، وعبد الملك بن مروان. بويع بعهد أبيه ولد سنة خمس أو ست وعشرين. وقال سعيد بن حريث: كان يزيد كثير اللحم، ضخماً، كثير الشعر. و قال أبو مسهر: حدثني زهير الكلبي قال: تزوج معاوية ميسون بنت بحدل، وطلقها وهي حامل بيزيد، فرأت في النوم كأن قمراً خرج من قبلها، فقصت رؤياها على أمها، فقالت: لئن صدقت رؤياك لتلدين من يبايع له بالخلافة.) وفي سنة خمسين غزا يزيد أرض الروم ومعه أبو أيوب الأنصاري. وقال أبو بكر بن عياش: حج بالناس يزيد سنة إحدى وخمسين، وسنة اثنتين، وسنة ثلاث. وقال أزهر السمان، عن ابن عون، عن محمد، عن عقبة بن عقبة السدوسي، عن عبد الله بن عمرو قال: أبو بكر الصديق أصبتم اسمه، عمر الفاروق قرن من حديد أصبتم اسمه، ابن عفان ذو النورين قتل مظلوماً يؤتى كفلين من الرحمة، معاوية وابنه ملكا الأرض المقدسة، والسفاح، وسلام، ومنصور، وجابر والمهدي، والأمين، وأمير العصب، كلهم من بني كعب بن لؤي، كلهم صالح، لا يوجد مثله. (5/271)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 272 روى نحوه محمد بن عثمان بن أبي شيبة، عن أبيه، عن أبي أسامة، عن الثوري، عن هشام بن حسان، ثنا محمد بن سيرين. وله طريق آخر، ولم يرفعه أحد. وقال يعلى بن عطاء، عن عمه قال: كنت مع عبد الله بن عمرو حين بعثه يزيد إلى ابن الزبير، فسمعته يقول لابن الزبير: تعلم: إني أجد في الكتاب أنك ستعنى وتعنى وتدعي الخلافة ولست بخليفة، وإني أجد الخليفة يزيد بن معاوية. وروى زحر بن حصن، عن جده حميد بن منهب قال: زرت الحسن بن أبي الحسن، فخلوت به فقلت: يا أبا سعيد، ما ترى ما الناس فيه فقال لي: أفسد أمر الناس اثنان: عمرو بن العاص يوم أشار على معاوية برفع المصاحف، فحملت، وقال: أين القراء، فحكم الخوارج، فلا يزال هذا التحكيم إلى يوم القيامة، والمغيرة بن شعبة فإنه كان عامل معاوية على الكوفة، فكتب إليه معاوية: إذا قرأت كتابي هذا فأقبل معزولاً، فأبطأ عنه، فلما ورد عليه قال: ما أبطأ بك قال: أمر كنت أوطئه وأهيئه، قال: وما هو قال: البيعة ليزيد من بعدك، قال: أوفعلت قال: نعم، قال: ارجع إلى عملك، فلما خرج قال له أصحابه: ما وراءك قال: وضعت رجل معاوية في غرز غي لا يزال فيه إلى يوم القيامة. قال الحسن: فمن أجل ذلك بايع هؤلاء لأبنائهم، ولولا ذلك لكانت شورى إلى يوم القيامة. وروى هشام، عن ابن سيرين، أن عمرو بن حزم وفد إلى معاوية، فقال له: أذكرك الله في أمة محمد بمن تستخلف عليها، فقال: نصحت وقلت برأيك، وإنه لم يبق إلا ابني وأبناؤهم، وابني أحق. وقال أبو بكر بن أبي مريم، عن عطية بن قيس قال: خطب معاوية فقال: اللهم إن كنت إنما) عهدت ليزيد لما رأيت من فضله، فبلغه ما أملت وأعنه، وإن كنت إنما حملني حب الوالد لولده، وأنه ليس لما صنعت به أهلاً، فاقبضه قبل أن يبلغ ذلك. وقال محمد بن مروان السعيدي: أنبأ محمد بن سليمان الخزاعي، (5/272)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 273 عن أبيه، عن جده، عن محمد بن الحكم، عن أبي عوانة قال: كان معاوية يعطي عبد الله بن جعفر كل عام ألف ألف، فلما وفد على يزيد أعطاه ألف ألف، فقال عبد الله: بأبي أنت وأمي، فأمر له بألفا ألف أخرى، فقال له عبد الله: والله لا أجمعهما لأحد بعدك. محمد بن بشار بندار، ثنا عبد الوهاب، ثنا عوف الأعرابي، ثنا مهاجر أبو مخلد، حدثني أبو العالية، حدثني أبو مسلم قال: قال أبو الدرداء: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أول من يبدل سنتي رجل ن بني أمية يقال له يزيد. أخرجه الروياني في مسنده، عن بندار، وروي من وجه آخر، عن عوف، وليس فيه أبو مسلم. وفي مسند أبي يعلى: ثنا الحكم بن موسى، ثنا الوليد، عن الأوزاعي، عن مكحول، عن أبي عبيدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال أمر أمتي قائماً بالقسط، حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية يقال له يزيد. ورواه صدقة بن عبد الله، عن هشام بن الغاز، عن مكحول، عن أبي ثعلبة الخشني، عن أبي عبيدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه. لم يلق مكحول أبا ثعلبة، وقد أدركه وصدقة السمين ضعيف. وقال الزبير بن بكار: أخبرني مصعب بن عبد الله، عن أبيه، واخبرني محمد بن الضحاك الحزامي أن ابن الزبير سمع جويرية تلعب وتغني في يزيد بقول عبد الرحمن بن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: (لست منا وليس خالك منا .......... يا مضيع الصلاة للشهوات) (5/273)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 274 فدعا بها وقال: لا تقولي لست منا قولي أنت منا. وقال صخر بن جويرية، عن نافع قال: لما خلع أهل المدينة يزيد جمع ابن عمر بنيه وأهله، ثم تشهد وقال: أما بعد، فإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة يقال: هذه غدرة فلان، وإن من أعظم الغدر ألا يكون الإشراك بالله أن يبايع رجل رجلاً على بيع الله ورسوله ثم ينكث فلا) يخلعن أحد منكم يزيد. وزاد فيه المدائني، عن صخر، عن نافع: فمشى عبد الله بن مطيع وأصحابه إلى محمد بن الحنفية، فأرادوا على خلع يزيد، فأبى، وقال ابن مطيع: إن يزيد يشرب الخمر، ويترك الصلاة، ويتعدى حكم الكتاب، قال: ما رأيت منه ما تذكرون، وقد أقمت عنده، فرأيته مواظباً للصلاة، متحرياً للخير، يسأل عن الفقه، قال: كان ذلك منه تصنعاً لك ورياء. وقال الزبير بن بكار: أنشدني عمي ليزيد: (آب هذا الهم فاكتنعا .......... وأمر النوم فامتنعا)

(راعياً للنجم أرقبه .......... فإذا ما كوكب طلعا)

(حام حتى إنني لأرى .......... أنه بالغور قد وقعا)

(ولها بالماطرون إذا .......... أكل النمل الذي جمعا) (5/274)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 275 (نزهة حتى إذا بلغت .......... نزلت من جلق بيعا)

(في قباب وسط دسكرة .......... حولها الزيتون قد ينعا) قال محمد بن أبي السري: ثنا يحيى بن عبد الملك بن أبي نية، عن نوفل بن أبي الفرات قال: كنت عند عمر بن عبد العزيز، فذكر رجل يزيد فقال: قال أمير المؤمنين يزيد بن معاوية، فقال: تقول أمير المؤمنين وأمر به فضرب عشرين سوطاً. قال أبو بكر بن عياش وغيره: مات يزيد في نصف ربيع الأول سنة أربع وستين. 4 (يوسف بن الحكم الثقفي والد الحجاج.) قدم من الطائف إلى الشام، وذهب إلى مصر وإلى المدينة. له حديث يرويه عن سعد بن أبي وقاص، وقيل: عن ابن تسعد بن أبي وقاص. وكان مع مروان. وتوفي سنة بضع وستين. (5/275)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 276 4 (الكنى)

4 (أبو الأسود الدؤلي) ويقال: الديلي، قاضي البصرة، اسمه ظالم بن عمرو على الأشهر. (5/276)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 277 روى عن: عمر وعلي، وأبي بن كعب، وابن مسعود، وأبي ذر، والزبير. قال الداني: وقرأ القرآن على: عثمان، وعلي.) قرأ عليه: ابنه أبو حرب، ونصر بن عاصم، وحمران بن أعين، ويحيى بن يعمر. روى عنه: ابنه أبو حرب، ويحيى بن يعمر، وعبد الله بن بريدة، وعمر مولى غفرة. (5/277)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 278 قال أحمد العجلي: ثقة، وهو أول من تكلم في النحو. وقال الواقدي: أسلم في حياة النبي تصلى الله عليه وسلم. وقال غيره: قاتل يوم الجمل مع علي، وكان من وجوه شيعته، ومن أكملهم رأياً وعقلاً، وقد أمره علي رضي الله عنه بوضع النحو، فلما أراه أبو الأسود ما وضع قال: ما أحسن هذا النحو الذي نحوت، ومن ثم سمي النحو نحواً. وقيل: إن أبا الأسود أدب عبيد الله بن زياد. وذكر ابن دأب أن أبا الأسود وفد على معاوية بعد مقتل علي رضي الله عنه، فأدنى مجلسه وأعظم جائزته. ومن شعره: (وما طلب المعيشة بالتمني .......... ولكن ألق دلوك في الدلاء)

(تجيء بمثلها طوراً وطوراً .......... تجيء بحمأة وقليل ماء) وقال محمد بن سلام: أبو الأسود أول من وضع باب الفاعل والمفعول، والمضاف، وحرف الرفع والنصب والجر والجزم، فأخذ عنه ذلك يحيى بن يعمر. وقال أبو عبيدة ابن المثنى: أخذ عن علي العربية أبو الأسود، فسمع قارئاً يقرأ إن الله بريء من المشركين ورسوله فقال: ما ظننت أن أمر الناس قد صار إلى هذا، فقال لزياد الأمير: ابغني كاتباً لقناً، فأتى به، فقال له أبو الأسود: إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة أعلاه، وإذا رأيتني ضممت فمي فانقط نقطة بين يدي الحرف، وإن كسرت فانقط تحت الحرف، فإذا أتبعت شيئاً من ذلك غنة فاجعل مكان النقطة نقطتين. فهذه نقط أبي الأسود. (5/278)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 279 وقال المبرد ثنا المازني قال: السبب الذي وضعت له أبواب النحو، أن ابنة أبي الأسود قالت: ما أشد الحر قال: الحصباء بالرمضاء، قالت: إنما تعجبت من شدته، فقال: أوقد لحن الناس فأخبر بذلك علياً عليه الرضوان، فأعطاه أصولاً بنى منها، وعمل بعده عليها. وهو أول من نقط المصاحف. وأخذ عنه النحو عنبسة الفيل، وأخذ عن عنبسة ميمون الأقرن، ثم أخذه عن ميمون: عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي، وأخذه عنه: عيسى بن عمر، وأخذه عنه: عيسى) الخليل، وأخذه عن الخليل: سيبويه، وأخذه عن سيبويه: سعيد بن مسعدة الأخفش. وقال يعقوب الحضرمي: ثنا سعيد بن سلم الباهلي: ثنا أبي، عن جدي، عن أبي الأسود قال: دخلت على علي فرأيته مطرقاً، فقلت فيم تفكر يا أمير المؤمنين قال: سمعت ببلدكم لحناً، فأردت أن أضع كتاباً في أصول العربية، فقلت: إن فعلت هذا أحييتنا، فأتيته بعد أيام، فألقى إلي صحيفة فيها: الكلام كله: اسم، وفعل، وحرف، فالاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل. ثم قال: تتبعه وزد فيه ما وقع لك، فجمعت أشياء، ثم عرضتها عليه. وقال عمر بن شبة: ثنا حيان بن بشر، ثنا يحيى تبن آدم، عن أبي بكر، عن عاصم قال: جاء أبو الأسود إلى زياد فقال: أرى العرب قد خالطت العجم، فتغيرت ألسنتهم، أفتأذن لي أن أصنع للعرب كلاماً يقيمون به كلامهم قال: لا، فجاء رجل إلى زياد فقال: أصلح الله الأمير، توفي أبانا وترك بنون، فقال: ادع لي أبا الأسود، فقال: ضع للناس الذي نهيتك عنه أن تضع لهم. قال الجاحظ: أبو الأسود مقدم في طبقات الناس، كان معدوداً في (5/279)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 280 الفقهاء، والشعراء، والمحدثين، والأشراف، والفرسان، والأمراء، والزهاد، والنحاة، والحاضري الجواب، والشيعة، والبخلاء، والصلع الأشراف. توفي في طاعون الجارف سنة تسع وستين، وله خمس وثمانون سنة وقيل: قبل ذلك، وأخطأ من قال: إنه توفي في خلافة عمر بن عبد العزيز. 4 (أبو بشير الأنصاري الساعدي،) وقيل: المازني، اسمه: قيس الأكبر بن عبيد. قال الدار قطني: له صحبة ورواية. روى عنه: عباد بن تميم، وضمرة بن سعيد، وسعيد بن نافع. له حديث: لا تبقى في رقبة بعير قلادة إلا قطعت، وحديثان آخران. وقد جرح يوم الحرة جراحات. 4 (أبو جهم بن حذيفة) القرشي العدوي، الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم: ائتوني بأنبجانية أبي جهم، (5/280)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 281 واذهبوا بهذه الخميصة إليه، وكان لها أعلام. واسمه عبيد، وهو من مسلمة الفتح، أحضر في تحكيم الخصمين، وكان عالماً بالنسب، وقد بعثه) النبي صلى الله عليه وسلم مصدقاً، وكان معمراً بنى في الجاهلية معهم الكعبة، ثم بقي حتى بنى فيها مع ابن الزبير في سنة أربع وستين. قال ابن سعد ابتنى أبو جهم بالمدينة داراً وكان عمر رضي الله عنه قد أخافه وأشرف عليه حتى كف من غرب لسانه، فلما توفي عمر سر بموته، وجعل يومئذ يحتبش في بيته، يعني يقفز على رجليه. وقالت فاطمة بنت قيس: طلقني زوجي البتة، فأرسلت إليه أبتغي النفقة، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس لك نفقة، وعليك العدة، انتقلي إلى أم شريك، ولا تفوتيني بنفسك ثم قال: أم شريك يدخل عليها إخوتها من المهاجرين، انتقلي إلى بيت ابن أم مكتوم. فلما حللت خطبني معاوية وأبو جهم بن حذيفة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما معاوية فعائل لا شي له، وأما أبو جهم فإنه ضراب للنساء، أين أنتم عن أسامة، فكأن أهلها كرهوا ذلك، فنكحته. (5/281)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 282 وقد شهد أبو جهم اليرموك، ووفد على معاوية مرات، ولم يرو شيئاً مع أنه تأخر. وحكى سليمان بن أبي شيخ أن أبا جهم بن حذيفة وفد على معاوية، فأقعده معه على السرير وقال: يا أمير المؤمنين نحن فيك كما قال عبد المسيح: (نميل على جوانبه كأنا .......... نميل إذا نميل على أبينا)

(نقلبه لنخبر حالتيه .......... فنخبر منهما كرماً ولينا) فأعطاه معاوية مائة ألف. وروى الأصمعي، عن عيسى بن عمر قال: وفد أبو جهم على معاوية، فأكرمه وأعطاه مائة ألف، واعتذر فلم يرض بها، فلما ولي يزيد وفد عليه، فأعطاه خمسين ألفاً، فقلت: غلام نشأ في غير بلده، ومع هذا فابن كلبية، فأي خير يرجى منه، فلما استخلف ابن الزبير أتيته وافداً، فقال: إن علينا مؤناً وحمالات، ولم أجهل حقك، فإني غير مخيب سفرك، هذه ألف درهم فاستعن بها، فقلت: مد الله في عمرك يا أمير المؤمنين، فقال: لم تقل هذا لمعاوية وابنه، وقد نلت منهما مائة وخمسين ألفاً، قلت: نعم، من أجل ذلك قلت هذا، وخفت إن أنت هلكت أن لا يلي أمر الناس بعدك إلا الخنازير. 4 (أم سلمة أم المؤمنين) ) هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومية (5/282)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 283 بنت عم أبي جهل، وبنت عم خالد بن الوليد. بنى بها النبي في سنة ثلاث من الهجرة، وكانت قبله عند الرجل الصالح أبي سلمة بن عبد الأسد، وهو أخو النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة. روت عدة أحاديث. روى عنها: الأسود بن يزيد، وسعيد بن المسيب، وأبو وائل شقيق، والشعبي، وأبو صالح السمان، وشهر بن حوشب، ومجاهد، ونافع بن (5/283)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 284 جبير بن مطعم، ونافع مولاها، ونافع مولى ابن عمر، وابن أبي مليكة، وعطاء بن أبي رباح، وخلق سواهم. وكانت من أجمل النساء، وطال عمرها، وعاشت تسعين سنة أو أكثر، وهي آخر أمهات المؤمنين وفاة، وقد حزنت على الحسين رضي الله عنه وبكت عليه، وتوفيت بعده بيسير في سنة إحدى وستين. وقال بعضهم: توفيت سنة تسع وخمسين، وهو غلط، لأن في صحيح مسلم أن عبد الله بن صفوان دخل عليها في خلافة يزيد. وأبوها أبو أمية يقال: اسمه حذيفة ويلقب بزاد الركب، وكان أحد الأجواد، ووهم من قال اسمها رملة. وروى عطاء بن السائب، عن محارب بن دثار أن أم سلمة أوصت أن يصلي عليها سعيد بن زيد، وروي أن أبا هريرة صلى عليها، ودفنت بالبقيع. وهذا فيه نظر لأن سعيداً وأبا هريرة توفيا قبلها، والله أعلم. ابن سعد: أنبأ محمد بن عمر، أنبأ ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة حزنت حزناً شديداً لما ذكروا لها من جمالها فتلطفت حتى رأيتها والله أضعاف ما وصفت لي في الحسن والجمال، فذكرت ذلك لحفصة وكانت يداً واحدة فقالت: لا والله إنها الغيرة وما هي كما تقولين إنها لجميلة، فرأيتها بعد فكانت كما قالت حفصة، ولكن كنت غيرى. (5/284)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 285 قال مسلم بن خالد الزنجي، عن موسى بن عقبة، عن أمه، عن أم كلثوم قالت: لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة قال لها: إني قد أهديت إلى النجاشي أواق من مسك وحلة، وإني) أراه قد مات، ولا أرى الهدية إلا سترد، فإذا ردت فهي لك. قالت: فكان كما قال، فأعطى كل امرأة من نسائه أوقية من مسك، وأعطى سائره أم سلمة، وأعطاها الحلة. القعنبي: ثنا عبد الله بن جعفر الزهري، عن هشام بن عروة، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أم سلمة أن تصلي الصبح بمكة يوم النحر، وكان يومها، فأحب أن توافيه. الواقدي: عن ابن جريج، عن نافع قال: صلى أبو هريرة على أم سلمة. قلت: هذا من غلط الواقدي، أبو هريرة مات قبلها. 4 (أبو رهم السماعي ويقال: السمعي.) اسمه أحزاب بن أسيد، ويقال: أسد، الظهري، ويقال: بكسر الظاء، وهو غلط من أولاد السمع ويقال: السمع بكسر السين وإسكان الميم بن مالك بن زيد بن سهل. (5/285)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 286 روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً خرجه ابن ماجه، فمن قال: لا صحبة له جعل الحديث مرسلاً. وروى عن: أبي أيوب الأنصاري، والعرباض بن سارية. روى عنه: الحارث بن زياد، وخالد بن معدان، وأبو الخير مرثد اليزني، ومحكول الشامي، وشريح بن عبيد، وجماعة. روى له داود، والنسائي، وابن ماجه. 4 (أبو الرباب القشيري) واسمه مطرف بن مالك، بصري من كبار التابعين وثقاتهم. لقي أبا الدرداء، وكعب الأحبار، وأبا موسى، وشهد فتح تستر. روى عنه: زرارة بن أوفى، وأبو عثمان النهدي، ومحمد بن سيرين. فروى محمد عنه قال: دخلنا على أبي الدرداء نعوده، وهو يومئذ أمير، وكنت خامس خمسة في الذين ولوا قبض السوس، فأتاني رجل بكتاب فقال: بيعونيه، فإنه كتاب الله أحسن أقرأه ولا تحسنون، فنزعنا دفتيه، فاشتراه بدرهمين، فلما كان بعد ذلك خرجنا إلى الشام، وصحبنا شيخ على حمار بين يديه مصحف يقرأه ويبكي، فقلت: ما أشبه هذا المصحف بمصحف شأنه ك ذا وكذا، فقال: إنه ذاك، قلت: فأين تريد قال: أرسل إلي كعب الأحبار عام أول فأتيته، ثم أرسل إلي، فهذا وجهي إليه، قلت: فأنا معك، فانطلقنا حتى قدمنا الشام، فقعدنا عند كعب، فجاء) عشرون من اليهود فيهم شيخ كبير يرفع حاجبيه بحريرة فقالوا: أوسعوا أوسعوا، وركبنا أعناقهم، فتكلموا فقال كعب: يا نعيم، أتجيب هؤلاء أو أجيبهم قال: دعوني حتى أفقه هؤلاء ما قالوا، ثم أجيبهم، إن هؤلاء أثنوا على أهل ملتنا خيراً، ثم قلبوا ألسنتهم، فزعموا أنا بعنا الآخرة بالدنيا، هلم فلنواثقكم، فإن جئتم بأهدى (5/286)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 287 منه لتتبعنا، قال: فتواثقوا، فقال كعب: أرسل إلي ذلك المصحف، فجيء به، فقال: أترضون أن يكون هذا بيننا قالوا: نعم، لا يحسن أحد يكتب مثله اليوم، فدفع إلى شاب منهم، فقرأ كأسرع قاريء، فلما بلغ إلى مكان منه نظر إلى أصحابه كالرجل يؤذن صاحبه بالشيء، ثم جمع يديه فقال به، فنبذه، فقال كعب: آه، وأخذه فوضعه في حجره، فقرا، فأتى على آية منه، فخروا سجداً، وبقي الشيخ يبكي، فقيل: وما يبكيك فقال: ومالي لا أبكي، رجل عمل في الضلالة كذا وكذا سنة، ولم أعرف الإسلام حتى كان اليوم. همام: ثنا قتادة، عن زرارة، عن مطرف بن مالك قال: أصبنا دانيال بالسوس في بحر من صفر، وكان أهل السوس إذا استقوا استخرجوه فاستسقوا به، وأصبنا معه ربطتي كتان، وستين جرة مختومة، ففتحنا جرة، فوجدنا في كل جرة عشرة آلاف، وأصبنا معه ربعة فيها كتاب، وكان معنا أجير نصراني يقال له نعيم، فاشتراها بدرهمين. قال همام: قال قتادة: وحدثني أبو حسان أن من وقع عليه رجل يقال له حرقوص، فأعطاه موسى الربطتين ومائتي درهم، ثم إنه طلب أن يرد عليه الربطتين، فأبى، فشققهما عمائم، فكتب أبو موسى في ذلك إلى عمر، فكتب إليه: إن نبي الله دعا الله أن لا يرثه إلا المسلمون، فصل عليه وادفنه. قال همام: وثنا فرقد، ثنا أبو تميمة أن كتاب عمر جاء: أن اغسله بالسدر وماء الريحان. ثم رجع إلى حديث مطرف قال: فبدا لي أن آتي بيت المقدس، فبينا أنا في الطريق إذ أنا براكب شبهته بذلك الأجير النصراني، فقلت: نعيم، قال: نعم، قلت: ما فعلت نصرانيتك قال: تحنفت بعدك، ثم أتينا دمشق، (5/287)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 288 فلقينا كعباً، فقال: إذا أتيتم بيت المقدس فاجعلوا الصخرة بينكم وبين القبلة، ثم انطلقنا ثلاثين، حتى أتينا أبا الدرداء، فقالت أم الدرداء لكعب: ألا تعديني على أخيك يقوم الليل ويصوم النهار، فجعل لها من كل ثلاث ليال ليلة، ثم انطلقنا حتى أتينا بيت المقدس، فسمعت اليهود بنعيم وكعب، فاجتمعوا، فقال كعب: إن هذا كتاب قديم، وغنه بلغتكم فاقرأوه، فقرأه قارئهم، فأتى على مكان منه، فضرب به الأرض، فغضب نعيم، فأخذه وأمسكه، ثم قرأ) قارئهم حتى أتى على ذلك المكان ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين فأسلم منهم اثنان وأربعون حبراً، وذلك في خلافة معاوية ففرض لهم معاوية وأعطاهم. قال همام: وحدثني بسطام بن مسلم، ثنا معاوية بن قرة، أنهم تذاكروا ذلك الكتاب، فمر بهم شهر بن حوشب فقال: على الخبير سقطتم، إن كعباً لما احتضر قال: ألا رجل أئتمنه على أمانة فقال رجل: أنا، فدفع إليه ذلك الكتاب وقال: راكب البحيرة، فإذا بلغت مكان كذا وكذا فاقذفه، فخرج من عند كعب فقال: هذا كتاب فيه علم، ويموت كعب، لا أفرط به، فأتى كعباً وقال: فعلت ما أمرتني، قال: وما رأيت قال: لم أر شيئاً، فعلم كذبه، فلم يزل يناشده ويطلب إليه حتى رد عليه الكتاب، فلما أيقن كعب بالموت قال: ألا رجل يؤدي أمانتي قال رجل: أنا، فركب سفينة، فلما أتى ذلك المكان ذهب ليقذفه، فانفرج له البحر حتى رأى الأرض، فقذفه فأتاه وأخبره، فقال كعب: إنها التوراة كما أنزل الله على موسى عليه السلام، ما غيرت ولا بدلت، ولكن خشيت أن نتكل على ما فيها، ولكن قولوا: لا إله إلا الله ولقنوها موتاكم. رواه أحمد بن أبي خيثمة في تاريخه، عن هدبة، ثنا همام. 4 (أبو شريح الخزاعي العدوي الكعبي،) من عرب الحجاز، في (5/288)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 289 اسمه أقوال، أشهرها خويلد بن عمرو. أسلم يوم الفتح، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه. حدث عنه: نافع بن جبير بن مطعم، وأبو سعيد المقبري، وابنه سعيد المقبري، وسفيان بن أبي العوجاء. توفي سنة ثمان وستين بالمدينة. 4 (أم عطية الأنصارية نسيبة،) التي أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تغسل بنته زينب. (5/289)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 290 روى عنها: محمد بن سيرين، وأخته حفصة، وأم شراحيل، وعلي بن الأقمر، وعبد الملك بن عمير. هشام بن حسان، عن حفصة بنت سيرين، عن أم عطية قالت: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، فكنت أصنع لهم طعامهم، وأخلفهم في رحالهم، وأداوي الجرحى، وأقوم) على المرضى. وعن أم شراحيل مولاة أم عطية قالت: كان علي رضي الله عنه يقيل عندي، فكنت أنتف إبطه بورسة. 4 (أبو كبشة الأنماري المذحجي،) اسمه عمر، وقيل: عمرو بن سعد. له صحبة ورواية، نزل الشام. روى عنه: ثابت بن ثوبان، وسالم بن أبي الجعد، وأبو البختري سعيد بن فيروز الطائي، وعبد الله بن بسر الحبراني، وعبد الله بن يحيى أبو عامر الهوزني. (5/290)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 291 4 (أبو مالك الأشعري) له صحبة ورواية. واسمه مختلف فيه، فقيل كعب بن عاصم، وقيل: عامر بن الحارث، وقيل: عمرو بن الحارث. روى أحاديث. روى عنه: عبد الرحمن بن غنم، وأم الدرداء، وربيعة الجرشي، وأبو سلام الأسود، وشهر بن حوشب، وعطاء بن يسار، وشريح بن عبيد. وكان يكون بالشام. قال ابن سميع: أبو مالك الأشعري، قديم الموت بالشام، اسمه كعب بن عاصم. وقال ابن سعد: توفي أبو مالك في خلافة عمر. وقال شهر بن حوشب، عن ابن غنم قال: طعن معاذ، وأبو عبيدة، وأبو مالك في يوم واحد. قلت: فعلى هذا رواية أبي سلام ومن بعده، عن أبي مالك مرسلة منقطعة، وهذا الإرسال كثير في حديث الشاميين. روى صفوان بن عمرو، عن شريح عن عبيد، أن أبا مالك الأشعري لما حضرته الوفاة قال: يا سامع الأشعريين إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: حلوة الدنيا مرة الآخرة ومرة الدنيا حلوة الآخرة. (5/291)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 292 4 (أبو مسلم الخولاني) الداراني الزاهد، سيد التابعين بالشام. اسمه عبد الله بن ثوب على الأصح، وقيل: اسمه عبد الله) بن عبد الله، وقيل: ابن ثواب، وقيل: ابن عبيد، وقيل: ابن مسلم، وقيل: اسمه يعقوب بن عوف. قدم من اليمن، وقد أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقدم المدينة في خلافة أبي بكر. (5/292)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 293 وروى عن: عمر، ومعاذ، وأبي عبيدة، وأبي ذر، وعبادة بن الصامت. روى عنه: أبو إدريس عائذ الله الخولاني، وأبو العالية الرياحي، وجبير بن نفيل، وعطاء بن أبي رباح، وشرحبيل بن مسلم، وأبو قلابة الجرمي، ومحمد بن زياد الإلهاني، وعمير بن هانيء، وعطية بن قيس، ويونس بن ميسرة، وفي بعض هؤلاء من روايته عنه مرسلة. قال إسماعيل: ثنا شرحبيل أن الأسود تنبأ باليمن، فبعث إلى أبي مسلم، فأتاه بنار عظيمة، ثم ألقى أبا مسلم فيها، فلم تضره، فقيل للأسود: إن تنف هذا عنك أفسد عليك من اتبعك، فأمره بالرحيل، فقدم المدينة وقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأناخ راحلته ودخل المسجد يصلي، فبصر به عمر، فقام إليه فقال: ممن الرجل قال: من اليمن، فقال: ما فعل الذي حرقه الكذاب بالنار، قال: ذاك عبد الله بن ثوب، قال: فنشدتك بالله أنت هو قال: اللهم نعم، فاعتنقه عمر وبكى، ثم ذهب به حتى أجلسه فيما بينه وبين الصديق وقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد من صنع به كما صنع بإبراهيم الخليل. رواه غير واحد، عن عبد الوهاب بن نجدة، وهو ثقة، ثنا إسماعيل، فذكره. ويروى عن مالك بن دينار أن كعباً رأى أبا مسلم الخولاني، فقال: من هذا قالوا: أبو مسلم الخولاني قال: هذا حكيم هذه الأمة. (5/293)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 294 وقال معمر، عن الزهري قال: كنت عند الوليد بن عبد الملك، فكان يتناول عائشة رضي الله عنها، فقلت: يا أمير المؤمنين ألا أحدثك عن رجل من أهل الشام كان قد أوتي حكمة قال: من هو قلت: أبو مسلم الخولاني، سمع أهل الشام ينالون من عائشة فقال: ألا أخبركم بمثلي ومثل أمكم هذه، كمثل عينين في رأس يؤذيان صاحبهما، ولا يستطيع أن يعاقبهما إلا بالذي هو خير لهما، فسكت. وقال الزهري: أخبرنيه أبو إدريس الخولاني، عن أبي مسلم. وقال عثمان بن أبي العاتكة: علق أبو مسلم سوطاً في مسجده، وكان يقول: أنا أولى بالسوط من البهائم، فإذا دخلته فترة مشق ساقيه سوطاً أو سوطين. قال: وكان يقول: لو رأيت الجنة عياناً والنار ما كان عندي مستزاد.) وقال إسماعيل بن عياش، عن شرحبيل: إن رجلين أتيا أبا مسلم الخولاني في منزله، فلم يجداه، فأتيا المسجد فوجداه يركع، فانتظرا انصرافه، وأحصيا، فقال أحدهما: إنه ركع ثلاثمائة ركعة، والآخر أربعمائة ركعة، قبل أن ينصرف. وقال الوليد بن مسلم: أخبرني عثمان بن أبي العاتكة أن أبا مسلم الخولاني سمع رجلاً يقول: من سبق اليوم فقل: أنا السابق، قالوا: وكيف يا أبا مسلم قال: أدلجت من دارنا، فكنت أول من دخل مسجدكم. وقال أبو بكر بن أبي مريم، عن عطية بن قيس، قال: دخل أناس من أهل دمشق على أبي مسلم وهو غاز في أرض الروم، وقد احتفر جورة في (5/294)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 295 فسطاطه، وجعل فيها نطعاً، وأفرغ فيه الماء، وهو يتصلق فيه، قالوا: ما حملك على الصيام وأنت مسافر قال: لو حضر قتال لأفطر ولتهيأت له وتقويت، إن الخيل لا تجري الغايات وهي بدن، إنما تجري وهي ضمر، ألا وإن أمامنا باقية جائية لها نعمل. وقال يزيد بن يزيد تبن جابر: كان أبو مسلم الخولاني يكثر أن يرفع صوته بالتكبير، حتى مع الصبيان، ويقول: أذكر الله حتى يرى الجاهل أنك مجنون. وقال محمد بن زياد الإلهاني، عن أبي مسلم الخولاني وأراه منقطعاً أنه كان إذا غزا أرض الروم، فمروا بنهر قال: أجيزوا باسم الله، ويمر بين أيديهم، فيمرون بالنهر الغمر، فربما لم يبلغ من الدواب إلا الراكب، فإذا جازوا قال: هل ذهب لكم شيء، فألقى بعضهم مخلاته، فلما جاوزوا قال: مخلاتي وقعت، قال: اتبعني، فاتبعته، فإذا بها معلقة بعود في النهر، فقال: خذها. وقال سليمان بن المغيرة، عن حميد الطويل: إن أبا مسلم أتى على دجلة، وهي ترمي بالخشب من مدها، فوقف عليها ثم حمد الله وأثنى عليه، وذكر مسير بني إسرائيل في البحر ثم لهز دابته، فخاضت الماء، وتبعه الناس حتى قطعوا، ثم قال: فقدتم شيئاً، فأدعوا الله أن يرده علي. وقال عنبسة بن عبد الواحد: ثنا عبد الملك بن عمير قال: كان أبو مسلم الخولاني إذا استسقى سقي. (5/295)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 296 وقال بقية، عن محمد بن زياد، عن أبي مسلم الخولاني: أن امرأة خببت عليه امرأته، فدعا عليها، فذهب بصرها، فأتته، فاعترفت وقالت: إني لا أعود، فقال: اللهم إن كانت صادقة فاردد بصرها، فأبصرت.) وقال ضمرة بن ربيعة، عن بلال بن كعب قال: قال الصبيان لأبي مسلم الخولاني: أدع الله أن يحبس علينا هذا الظبي فنأخذه، فدعا الله فحبسه عليهم حتى أخذوه. وروى عثمان بن عطاء الخراساني، عن أبيه: قالت امرأة أبي مسلم الخولاني: ليس لنا دقيق. فقال: هل عندك شيء قالت: درهم بعنا به غزلاً، قال: ابغنيه، وهاتي الجراب، فدخل السوق، فأتاه سائل وألح، فأعطاه الدرهم، وملأ الجراب من نحاتة النجارة مع التراب، وأتى وقلبه مرعوب منها، فرمى الجراب وذهب، ففتحته، فإذا به دقيق حوارى فعجنت وخبزت، فلما ذهب من الليل هوي جاء فنقر الباب، فلما دخل وضعت بين يديه خواناً وأرغفة، فقال: من أين هذا قالت: من الدقيق الذي جئت به، فجعل يأكل ويبكي. رواها ضمرة بن ربيعة، عن عثمان. وقال أبو مسهر، وغيره: ثنا سعيد بن عبد العزيز أن أبا مسلم استبطأ خبر جيش كان بأرض الروم، فبينا هو على تلك الحال، إذ دخل طائر فوقع وقال: أنا رتباييل مسل الحزن من صدور المؤمنين، فأخبره خبر ذلك (5/296)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 297 الجيش، فقال أبو مسلم: ما جئت حتى استبطأتك. وقال سعيد بن عبد العزيز: كان أبو مسلم الخولاني يرتجز يوم صفين ويقول: ما علتي ما علتيوقد لبست درعتيأموت عبد طاعتي وقال إسماعيل بن عياش: ثنا هشام بن الغاز، حدثني يونس الهرم، أن أبا مسلم الخولاني قام إلى معاوية وهو على المنبر، فقال: يا معاوية، إنما أنت قبر من القبور، إن جئت بشيء كان لك شيء، وإلا فلا شيء لك، يا معاوية، لا تحسب أن الخلافة جمع المال وتفرقته، إنما الخلافة القول بالحق، والعمل بالمعدلة، وأخذ الناس في ذات الله، يا معاوية، إنا لا نبالي بكدر الأنهار إذا صفا لنا رأس عيننا، إياك أن تميل على قبيلة، فيذهب حيفك بعدلك، ثم جلس. فقال معاوية: يرحمك الله يا أبا مسلم. وقال أبو بكر بن أبي مريم، عن عطية بن قيس قال: دخل أبو مسلم على معاوية، فقام بين السماطين فقال: السلام عليك أيها الأجير، فقالوا: مه. قال: دعوه فهو أعرف بما يقول، وعليك السلام يا أبا مسلم، ثم وعظه وحثه على العدل. وقال إسماعيل بن عياش: ثنا شرحبيل بن مسلم الخولاني أنه كان إذا دخل الروم لا يزال في المقدمة، حتى يؤذن للناس، فإذا أذن لهم كان في الساقة، وكانت الولاة يتيمنون به، فيؤمرونه) على المقدمات. وقال سعيد بن عبد العزيز: توفي أبو مسلم بأرض الروم، وكان قد شتى (5/297)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 298 مع بسر بن أبي أرطأة، فأدركه أجله، فأتاه بسر في مرضه، فقال له أبو مسل: اعقد لي على من مات في هذه الغزاة من المسلمين، فإني أرجو أن آتي بهم يوم القيامة على لوائهم. وقال الإمام أحمد: حدثت عن محمد بن شعيب عن بعض مشيخة دمشق قال: أقبلنا من أرض الروم، فمررنا بالعمير، على أربعة أميال من حمص في آخر الليل، فاطلع الراهب من صومعته فقال: هل تعرفون أبا مسلم الخولاني قلنا: نعم. قال: إذا أتيتموه فأقرئوه السلام، فإنا نجده في الكتب رفيق عيسى بن مريم، أما إنكم لا تجدونه حياً، فلما أشرفنا على الغوطة بلغنا موته. قال الحافظ ابن عساكر: يعني سمعوا ذلك. وكانت وفاته بأرض الروم كما حكينا. وقال ابن عياش، عن شرحبيل بن مسلم، عن سعيد بن هانيء قال: قال معاوية: إنما المصيبة كل المصيبة بموت أبي مسلم الخولاني، وكريب بن سيف الأنصاري. هذا حديث حسن الإسناد، يعطي أن أبا مسلم توفي قبل معاوية. وقد قال المفضل بن غسان: توفي علقمة وأبو مسلم الخولاني سنة اثنتين وستين. 4 (أبو ميسرة الهمداني) هو عمرو بن شرحبيل، مر. (5/298)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 299 4 (أبو واقد الليثي) له صحبة ورواية، وروى أيضاً عن: أبي بكر، وعمر، وشهد فتح مكة، وكان يكون بالمدينة وبمكة، وبمكة توفي. روى عنه: عطاء بن يسار، وسعيد بن المسيب، وعروة، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وبسر بن سعيد، وأبو مرة مولى عقيل المدنيون. (5/299)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 300 5 (الطبقة الثامنة أحداث)

1 (الحوادث من سنة إلى)

4 (حوادث سنة إحدى وسبعين) توفي فيها: عبد الله بن أبي حدر الأسلمي. والبراء بن عازب. وفيها خرج عبد الله بن ثور أحد بني قيس بن ثعلبة بالبحرين، فوجه مصعب بن الزبير إلى قتاله عبد الرحمن الإسكاف، فالتقوا بجواثاً فانهزم عبد الرحمن والناس. وفيها: حج بالناس أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير. وعرف بمصر عبد العزيز بن مروان، وكان أول من عرف بمصر. يعني اجتمع الناس عشية عرفة ودعا لهم أو وعظهم. وفيها، أو في التي بعدها. قتل بخراسان أميرها أبو صالح عبد الله بن (5/300)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 301 خازم بن أسماء بن الصلت السلمي، أحد الشجعان المذكورين والأبطال المعدودين. ويقال: له صحبة ورواية، ثار به أهل خراسان وقتله وكيع بن الدورقية. وقيل إن عبد الملك بن مروان كتب إلى ابن خازم كتاباً بولاية خراسان، فمزق كتابه وسب رسوله، فكتب عبد الملك إلى بكير بن وشاح: إن قتلت ابن خازم فأنت الأمير، فعمل على قتله وتأمر بكير على البلاد حتى قدم أمية بن عبد الله. وكان في خلافة عثمان رضي الله عنه قد جمع قارن بهراة، وأقبل في أربعين ألفاً، فهرب قيس بن الهيثم وترك البلاد، فقام بأمر المسلمين عبد الله بن خازم هذا، وجمع أربعة آلاف، ولقي قارناً فهزم جنوده وقتل قارن، وكتب إلى عبد الله بن عامر بالفتح، فأقره ابن عامر أمير العراق على خراسان. قال الواقدي: فيها افتتح عبد الملك قيسارية. (5/301)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 302 4 (حوادث سنة اثنتين وسبعين) توفي فيها: معبد بن خالد الجهني. والأحنف بن قيس. وعبيدة السلماني.) والحارث بن سويد التيمي. وقتل فيها: مصعب بن الزبير. وإبراهيم بن الأشتر. وعيسى وعروة ولدا مصعب. ومسلم بن عمرو الباهلي. وكان مصعب قد سار كعادته إلى الشام إلى قتال عبد الملك بن مروان واستئصاله، وسار إليه عبد الملك، فجرت بينهما وقعة هائلة بدير الجاثليق، ومسكن بالقرب من أوانا. وكان قد كاتب عبد الملك جماعة من الأشراف المائلين إلى بني أمية (5/302)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 303 وغير المائلين يمنيهم ويعدهم إمرة العراق وإمرة أصبهان وغير ذلك، فأجابوه. وأما إبراهيم بن الأشتر فلم يجبه، وأتى بكتابه مصعباً، وفيه إن بايعه ولاه العراق. وقال لمصعب: قد كتب إلى أصحابك بمثل كتابي فأطعني واضرب أعناقهم، فقال: إذاً لا تناصحنا عشائرهم، قال: فأوقرهم حديداً واسجنهم بأبيض كسرى ووكل بهم من إن غلبت ضرب أعناقهم، وإن نصرت مننت عليهم، قال: يا أبا النعمان إني لفي شغل عن ذلك، يرحم الله أبا بحر يعني الأحنف إن كان ليحذر غدر العراق. وقال عبد القاهر بن السري: هم أهل العراق بالغدر بمصعب، فقال قيس بن الهيثم: ويحكم لا تدخلوا أهل الشام عليكم، فوالله لئن تطعموا بعيشكم ليصفين عليكم منازلكم. وكان إبراهيم أشار عليه بقتل زياد بن عمرو ومالك بن مسمع، فلما التقى الجمعان قلب القوم أترستهم ولحقوا بعبد الملك. وقال الطبري: لما تدانى الجمعان حمل إبراهيم بتن الأشتر على محمد بن مروان فأزاله عن موضعه، ثم هرب عتاب بن ورقاء، وكان على الخيل مع مصعب. وجعل مصعب كلما قال لمقدم من عسكره: تقدم، لا يطيعه. فذكر محمد بن سلام الجمحي قال: أخبر عبد الله بن خازم أمير خراسان بمسير مصعب إلى عبد الملك، فقال: أمعه عمر بن عبيد الله التيمي قيل: لا، استعمله على فارس. قال: فمعه المهلب بن أبي صفرة؟ (5/303)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 304 قالوا: لا، استعمله على الموصل قال: فمعه عباد بن الجصين قيل: لا، استعمله على البصرة. فقال ابن خازم: وأنا بخراسان.) ثم تمثل: (خذيني وجريني ضباع وأبشري .......... بلحم امريء لم يشهد اليوم ناصره) قال الطبري: فقال مصعب لابنه عيسى: اركب بمن معك إلى عمك ابن الزبير، فأخبره بما صنع أهل العراق، ودعني فإني مقتول. فقال: والله لا أخبر قريشاً عنك أبداً، و لكن إلحق بالبصرة فهم على الجماعة والطاعة، قال: لا تتحدث قريش أني فررت بما صنعت ربيعة من خذلانها، ولكن: أقاتل، فإن قتلت فما السيف بعار. وقال إسماعيل بن أبي المهاجر: أرسل عبد الملك مع أخيه محمد بن مروان إلى مصعب: إني معطيك الأمان يا ابن العم، فقال مصعب: إن مثلي لا ينصرف عن مثل هذا الموقف إلا غالباً أو مغلوباً. وقيل: إن مصعباً أبى الأمان، وأنهم أثخنوه بالرمي، ثم شد عليه زائدة بن قدامة الثقفي، فطعنه وقال: يا لثارات المختار. وكان ممن قاتل مع مصعب. وقال عبد الله بن مصعب الزبيري، عن أبيه قال: لما تفرق عن مصعب جنده قيل له: لو اعتصمت ببعض القلاع وكاتبت من بعد عنك كالمهلب وفلان، فإذا اجتمع لك من ترضاه لقيت القوم فقد ضعفت جداً واختل (5/304)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 305 أصحابك، فلبس سلاحه وخرج فيمن بقي معه وهو يتمثل بشعر طريف العنبري الذي كان يعد بألف فارس بخراسان: (علام أقول السيف يثقل عاتقي .......... إذا أنا لم أركب به المركب الصعبا)

(سأحميكم حتى أموت ومن يمت .......... كريماً فلا لوماً عليه ولا عتبا) وروى غسان بن مضر، عن سعيد بن يزيد قال: قال ابن الأشتر لمصعب: إبعث إلى زياد بن عمرو ومالك بن مسمع ووجوه من وجوه أهل البصرة فاضرب أعناقهم، فإنهم قد أجمعوا على أن يغدروا بك، فأبى، فقال ابن الأشتر: فإني أخرج الآن في الخيل، فإذا قتلت فأنت أعلم. قال: فخرج وقاتل حتى قتل. وقال الفسوي: قتل مع مصعب ابنه عيسى، وجرح مسلم بن عمرو الباهلي فقال: احملوني إلى خالد بن يزيد، فحمل إليه، فاستأمن له. ووثب عبيد الله بن زياد بن ظبيان على مصعب فقتله عند دير الجاثليق، وذهب برأسه إلى عبد الملك، فسجد لله.) وكان عبيد الله فاتكاً رديئاً، فكان يتلهف ويقول: كيف لم أقتل عبد الملك يومئذ حين سجد، فأكون قد قتلت ملكي العرب. وقال أبو اليقظان وغيره: طعنه زائدة واحتز رأسه ابن ظبيان. ولابن قيس الرقيات: (لقد أورث المصرين حزناً وذلة .......... قتيل بدير الجاثليق مقيم) (5/305)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 306 (فما قاتلت في الله بكر بن وائل .......... ولا صبرت عند اللقاء تميم)

(وكل ثمالي عند مقتل مصعب .......... غداة دعاهم للوفاء دحيم) وقال ابن سعد: إن مصعباً قال يوماً وهو يسير لعروة بن المغيرة بن شعبة: أخبرني عن حسين بن علي رضي الله عنهما كيف صنع حين نزل به، فأنشأ يحدثه عن صبره، وإبائه ما عرض عليه، وكراهيته أن يدخل في طاعة عبيد الله حتى قتل، قال: فضرب بسوطه على معرفة فرسه وقال: (وإن الألى بالطف من آل هاشم .......... تأسوا فسنوا للكرام التأسيا) قال: فعرفت والله أنه لا يفر، وأنه سيصبر حتى يقتل. وقال: والتقيا بمسكن، فقال عبد الملك: ويلكم ما أصبهان هذه قيل. سرة العراق، قال: قد والله كتب إلي أكثر من ثلاثين من أشراف العراق، وكلهم يقول: إن خببت بمصعب فلي أصبهان. قال ابن سعد: فكتب إلى كل منهم: أن نعم، فلما التقوا قال مصعب لربيعة: تقدموا للقتال. فقالوا: هذه عذرة بين أيدينا فقال: ما تأتون أنتن من العذرة، يعني تخلفكم عن القتال. وقد كانت ربيعة قبل مجمعة على خذلانه، فأظهرت ذلك، فخذله الناس. ولم يتقدم أحد يقاتل دونه، فلما رأى ذلك قال: المرء ميت، فلأن يموت كريماً أحسن به من أن يضرع إلى من قد وتره، لا أستعين بربيعة أبداً (5/306)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 307 ولا بأحد من أهل العراق، ما وجدنا لهم وفاء، انطلق يا بني إلى عمك فأخبره بما صنع أهل العراق، ودعني. فإني مقتول، فقال: والله لا أخبر نساء قريش بصرعتك أبداً، قال: فإن أردت أن تقاتل فتقدم حتى أحتسبك، فقاتل حتى قتل، وتقدم إبراهيم بن الأشتر فقاتل قتالاً شديداً حتى أخذته الرماح فقتل، ومصعب جالس على سرير، فأقبل إليه نفر ليقتلوه، فقاتل أشد القتال حتى قتل، واحتز ابن ظبيان رأسه. وبايع أهل العراق لعبد الملك ودخلها، واستخلف على الكوفة أخاه بشر بن مروان.) قيل: إن ابن الزبير لما بلغه مقتل أخيه مصعب قام فقال: الحمد لله الذي خلق الخلق، ثم ذكر مصرع أخيه فقال: ألا إن أهل العراق أهل الغدر والنفاق أسلموه وباعوه، والله ما نموت على مضاجعنا كما يموت بنو أبي العاص، فما قتل منهم رجل في زحف ولا نموت إلا فعصاً بالرماح، وتحت ظلال السيوف. وفيها خرج أبو فديك فغلب على البحرين. وقيل هو الذي قتل نجدة الحروري، فسار إليه جيش من البصرة، عليهم أمية بن عبد الله بن خالد الأموي أخو أميرها خالد، فهزمه أبو فديك، فكتب عبد الملك بن مروان إلى خالد يعنفه لكونه استعمل أمية على حرب الخوارج، ولم يستعمل المهلب، وأمره أن ينهض إليهم بنفسه، ويستعين برأي المهلب، ولا يعمل أمراً دونه. وكتب إلى بشر بن مروان يمده بخمسة (5/307)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 308 آلاف، عليها عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، فسار خالد بالناس حتى قدم الأهواز، وسارت إليه الأزارقة، فتنازل الجيشان نحواً من عشرين ليلة، ثم زحف إليهم خالد فأخذوا ينحازون، فاجترأ عليهم الناس، وكثرت عليهم الخيل، فولوا مدبرين على حمية، وقتل منهم خلق، واتبعهم داود بن قحذم أمير الميسرة وعتاب بن ورقاء، وجعلوا يتطلبونهم بفارس، حتى هلكت خيول الجند وجاعوا، ورجع كثير منهم مشاة. قال الطبري في تاريخه: وفيها كانت وقعت بين ابن خازم بخراسان وبين بحير بن ورقاء بقرب مرو، وقتل خلق، وقتل عبد الله بن خازم في الوقعة، ولي قتله وكيع بن عميرة بن الدورقية. ويقال: اعتور عليه بحير، وعمار الجشمي، وابن الدورقية وطعنوه فصرعوه، فقيل لوكيع: كيف قتلته قال: غلبته بفضل القنا، ولما صرع قعدت على صدره، فحاول القيام فلم يقدر، وقلت: يا ثارات دويلة وهو أخو وكيع لأمه قتل تلك المدة قال: فتن خم في وجهي وقال: لعنك الله، تقتل كبش مضر بأخيك علج لا يسوى كفاً من نوى، فما رأيت أحداً أكثر ريقاً منه على تلك الحال عند الموت. ثم أقبل بكير بن وساج، فأراد أخذ رأس عبد الله بن خازم، فمنعه بحير، فضربه بكير بعمود وأخذ الرأس، وقيد بحيراً، وبعث بالرأس إلى عبد الملك بن مروان. ثم حكى ابن جرير الطبري الخلاف في أن ابن خازم إنما قتل بعد (5/308)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 309 مقتل عبد الله بن الزبير، وأن رأس ابن الزبير ورد على ابن خازم، فلف أن لا يعطي عبد الملك طاعة أبداً، وأنه دعا بطست) فغسل الرأس وكفنه وحنطه، وصلى عليه، وبعث به إلى آل الزبير بالمدينة. قلت: ولعله رأس مصعب بن الزبير. وكان عبد الملك بعث إلى ابن خازم مع سورة النميري: أن لك خراسان سبع سنين على أن تبايعني، فقال للرسول: لولا أن أضرب بين بني سليم وبني عامر لقتلتك، ولكن كل هذه الصحيفة، فأكلها. وفيها سار الحجاج إلى حرب ابن الزبير، فأول قتال كان بينهما في ذي القعدة، ودام الحصار أشهراً. (5/309)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 310 4 (حوادث سنة ثلاث وسبعين) فيها توفي: عبد الله بن عمر. وعوف بن مالك الأشجعي. وعبد الله بن الزبير، وأمه أسماء بنت الصديق رضي الله عنهما. وأبو سعيد بن المعلى الأنصاري. وربيعة بن عبد الله بن الهدير التيمي. وعمرو بن عثمان بن عفان. وعبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحي. وعبد الله بن مطيع بن الأسود العدوي. وعبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي، قتلوا ثلاثتهم مع ابن الزبير. وفيها توفي: مالك بن مسمع الربعي، وأوس بن ضمعج بخلف فيه. وفيها حاصر الحجاج مكة وبها ابن الزبير قد حصنها، ونصب الحجاج عليها المنجنيق. فروى عبد الملك بن عبد الرحمن الذماري: ثنا القاسم بن معن، عن هشام بن عروة، عن أبيه بحديث طويل منه: وقاتل حصين بن نمير ابن الزبير (5/310)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 311 أياماً، وأحرق فسطاطاً له نصبه عند البيت، فطار الشرر إلى البيت، واحترق يومئذ قرنا الكبش الذي فدى به إسحاق، إلى أن قال في الحديث: فخطب عبد الملك بن مروان وقال: من لابن الزبير فقال الحجاج: أنا يا أمير المؤمنين، فأسكته، ثم أعاد قوله، فقال: أنا، فعقد له على جيش إلى مكة، فنصب المنجنيق على أبي قبيس، ورمى به على ابن الزبير وعلى من معه في المسجد، وجعل ابن الزبير على الحجر) الأسود بيضة يعني خوذة ترد عنه، فقيل لابن الزبير: ألا تكلمهم في الصلح، فقال: أوحين صلح هذا، والله لو وجدوكم في جوف الكعبة لذبحوكم جميعاً، ثم قال: (ولست بمبتاع الحياة بسبه .......... ولا مرتق من خشية الموت سلما)

(أنافس سهماً إنه غير بارح .......... ملاقي المنايا أي صرف تيمما) قال: وكان على ظهر المسجد طائفة من أعوان ابن الزبير يرمون عدوه بالآجر، وحمل ابن الزبير فأصابته آجرة في مفرقه فلقت رأسه. وقال الواقدي: ثنا مصعب بن ثابت، عن أبي الأسود، عن عباد بن عبد الله بن الزبير، قال: وثنا شرحبيل بن أبي عون، عن أبيه، وثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه قالوا: لما قتل (5/311)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 312 عبد الملك مصعباً بعث الحجاج إلى ابن الزبير في ألفين، فنزل الطائف، وبقي يبعث البعوث إلى عرفة، ويبعث ابن الزبير بعثاً فتهزم خيل ابن الزبير، ويرد أصحاب الحجاج إلى الطائف، فكتب الحجاج إلى عبد الملك في دخول الحرم ومحاصرة ابن الزبير، وأن يمده بجيش، فأجابه وكتب إلى طارق بن عمرو فقدم على الحجاج في خمسة آلاف، فحج الحجاج بالناس، سنة اثنتين يعني، ثم صدر الحجاج بن يوسف وطارق ولم يطوفا بالبيت ولا قربا النساء حتى قتل ابن الزبير فطافا. وحصر ابن الزبير من ليلة هلال ذي القعدة ستة أشهر وسبع عشرة ليلة. وقدم على ابن الزبير حبشان من أرض الحبشة، فجعلوا يرمون فلا يقع لهم مزراق إلا في إنسان، فقتلوا خلقاً. وكان معه أيضاً من خوارج أهل مصر، فقاتلوا قتالاً شديداً، ثم ذكروا عثمان فتبرءوا منه، فبلغ ابن الزبير فناكرهم، فانصرفوا عنه. وألح عليه الحجاج بالمنجنيق وبالقتال من كل وجه، وحبس عنهم الميرة فجاعوا، وكانوا يشربون من زمزم فتعصمهم، وجعلت الحجارة تقع في الكعبة. وثنا شرحبيل، عن أبيه قال: سمعت ابن الزبير يقول لأصحابه: انظروا كيف تضربون بسيوفكم، وليصن الرجل سيفه كما يصون وجهه، فإنه قبيح بالرجل أن يخطيء مضرب سيفه، فكنت أرمقه إذا ضرب فما يخطيء مضرباً (5/312)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 313 واحداً شبراً من ذباب السيف أو نحوه، وهو يقول: خذها وأنا ابن الحواري. فلما كان يوم الثلاثاء قام بين الركن والمقام فقاتلهم أشد القتال، وجعل الحجاج يصيح بأصحابه: يا أهل الشام، يا أهل الشام، الله الله في الطاعة، فيشدون الشدة الواحدة حتى يقال: قد اشتملوا) معليه، فيشد عليهم حتى يفرجهم ويبلغ بهم باب بني شيبة ثم يكر ويكرون عليه، وليس معه أعوان، فعل ذلك مراراً حتى جاءه حجر عائر من ورائه فأصابه في قفاه فوقذه فارتعش ساعة، ثم وقع لوجهه، ثم انتهض فلم يقدر على القيام، وابتدره الناس، وشد عليه رجل من أهل الشام فضرب الرجل فقطع رجليه وهو متكيء على مرفقه الأيسر، وجعل يضربه وما يقدر أن ينهض حتى كثروه، فصاحت امرأة من الدار: وا أمير المؤمنيناه قال: وابتدروه فقتلوه رحمه الله. وقال الواقدي: حدثني إسحاق بن يحيى، عن يوسف بن ماهك قال: رأيت المنجنيق يرمى به، فرعدت السماء وبرقت، واشتد الرعد، فأعظم ذلك أهل الشام وأمسكوا، فجاء الحجاج ورفع الحجر بيده ورمى معهم، ثم إنهم جاءتهم صاعقة تتبعها أخرى، فقتلت من أصحابه اثني عشر رجلاً، فانكسر أهل الشام، فقال الحجاج: لا تنكروا هذه فهذه صواعق تهامة، ثم جاءت صاعقة فأصابت عدة من أصحاب ابن الزبير من الغد. وقال الواقدي حدثني إسحاق بن عبد الله، عن المنذر بن الجهم قال: رأيت ابن الزبير يوم قتل وقد خذله من معه خذلاناً شديداً، وجعلوا يخرجون (5/313)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 314 إلى الحجاج نحو من عشرة آلاف، وقيلك أنه ممن فارقه ولعله من الجوع ابناه حمزة وخبيب، فخرجا إلى الحجاج وطلبا أماناً لأنفسهما. فروى الواقدي عن أبي الزناد، عن محمد بن سليمان قال: دخل ابن الزبير على أمه وقال: يا أمه خذلني الناس حتى ولدي وأهلي، ولم يبق معي إلا من ليس عنده دفع أكثر من صبر ساعة، والقوم يعطوني ما أردت من الدنيا، فما رأيك قالت: أنت أعلم، إن كنت تعلم أنك على حق وإليه تدعو فامض له، فقد قتل عليه أصحابك، ولا تمكن من رقبتك يتلعب بها غلمان بني أمية، وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت، أهلكت نفسك ومن قتل معك. فقبل رأسها وقال: هذا رأيي الذي قمت به، ما ركنت إلى الدنيا، وما دعاني إلى الخروج إلا الغضب لله، فانظري فإني مقتول، فلا يشتد حزنك، وسلمي لأمر الله، في كلام طويل بينهما. وقال: وجعل الزبير يحمل فيهم كأنه أسد في أجمة ما يقدم عليه أحد ويقول: لو كان قرني واحداً لكفيته وبات ليلة الثلاثاء سابع عشر جمادى الأولى وقد أخذ عليه الحجاج بالأبواب، فبات يصلي عامة الليل، ثم احتبى بحمائل سيفه فأغفى، ثم انتبه بالفجر، فصلى الصبح فقرأ: ن والقلم حرفاً حرفاً،) ثم قام فحمد الله وأثنى عليه، وأوصى بالثبات. (5/314)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 315 ثم حمل حتى بلغ الحجون، فأصيب بآجرة في وجهه شجته، فقال: (ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا .......... ولكن على أقدامنا تقطر الدما) ثم تكاثروا عليه فقتلوه، وبعث برأسه، ورأسي عبد الله بن صفوان، وعمارة بن عمرو بن حزم إلى الشام بعد أن نصبوا بالمدينة. واستوسق الأمر لعبد الملك بن مروان، واستعمل على الحرمين الحجاج بن يوسف، فنقض الكعبة التي من بناء ابن الزبير، وكانت تشعثت من المنجنيق، وانفلق الحجر الأسود من المنجنيق فشعبوه، وبناها الحجاج على بناء قريش ولم ينقضها إلا من جهة الميزاب، وسد الباب الذي أحدثه ابن الزبير وهو ظاهر المكان. وفيها غزا محمد بن مروان بن الحكم قيسارية وهزم الروم. وفيها سار عمر بن عبيد الله التيمي بأهل البصرة في نحو عشرة آلاف لحرب أبي فديك، فالتقوا، فكان على ميمنة أهل البصرة محمد بن موسى بن طلحة، وعلى الميسرة أخوه عمر بن موسى. فانكسرت الميسرة، وأثخن (5/315)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 316 أميرها بالجراح، وأخذه الخوارج فأحرقوه، في الحال، ثم تناخى المسلمون وحملوا حتى استباحوا عسكر الخوارج، وقتل أبو فديك وحصروهم في المشقر، ثم نزلوا على الحكم فقتل عمر بن عبيد الله منهم نحو ستة آلاف، وأسر ثمانمائة. وكان أبو فديك قد أسر جارية أمية بن عبد الله، فأصابوها وقد حبلت من أبي فديك. وفيها عزل عبد الملك بن مروان خالداً عن البصرة وأضافها إلى أخيه بشر بن مروان. واستعمل على خراسان بكير بن وشاح. (5/316)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 317 4 (حوادث سنة أربع وسبعين) توفي فيها: رافع بن خديج. وأبو سعيد الخدري. وسلمة بن الأكوع. وخرشة بن الحر الكوفي يتيم عمر. وعاصم بن ضمرة.) وعبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، له رؤية. ومحمد بن حاطب الجمحي. ومالك بن أبي عامر الأصبحي جد مالك الإمام. وأبو جحيفة السوائي. وفيها في أولها قيل إن ابن عمر توفي، وقد ذكر. وفيها سار الحجاج من مكة بعدما بنى البيت الحرام إلى المدينة، فأقام بها ثلاثة أشهر يتعنت أهلها، وبنى بها مسجداً في بني سلمة، فهو ينسب إليه. (5/317)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 318 واستخف فيها ببقايا الصحابة وختم في أعناقهم. فروى الواقدي، عن ابن أبي ذئب، عمن رأى جابر بن عبد الله مختوماً في يده، ورأى أنساً مختوماً في عنقه، يذلهم بذلك. قال الواقدي: وحدثني شرحبيل بن أبي عون، عن أبيه قال: رأيت الحجاج أرسل إلى سهل بن سعد الساعدي فقال: ما منعك لأن تنصر أمير المؤمنين عثمان قال: قد فعلت، قال: كذبت، ثم أمر به فختم في عنقه برصاص. وفيها ذكره ابن جرير ولي عبد الملك المهلب بن أبي صفرة حرب الأزارقة، فشق ذلك على بشر، وأمره أن يختار من أراد من جيش العراق، فسار حتى نزل رامهرمز، فلقي بها الخوارج، فخندق عليه. وفيها عزل عبد الملك بكير بن وشاح عن خراسان، واستعمل عليها أمية بن عبد الله بن خالد، عزل بكيراً خوفاً من افتراق تميم بخراسان، فإنه أخرج ابن عمه بحيراً من الحبس، فالتف على بحير خلق، فخاف أهل خراسان وكتبوا إلى عبد الملك أن يولي عليهم قرشياً لا يحسد ولا يتعصب عليه، ففعل. وكان أمية سيداً شريفاً فلم يتعرض لبكير ولا لعماله، بل عرض عليه أن يوليه شرطته، فامتنع، فولى بحير بن ورقاء. ويقال: فيها كان مقتل أبي فديك، وقد مر في سنة ثلاث. (5/318)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 319 4 (حوادث سنة خمس وسبعين) فيها توفي:) العرباض بن سارية السلمي. وأبو ثعلبة الخشني. وكريب بن أبرهة الأصبحي أمير الإسكندرية. وبشر بن مروان أمير العراق. وعمرو بن ميمون الأودي فيها، وقيل: في التي قبلها. وسليم بن عتر التجيبي قاضي مصر وقاصها. وفيها وفد عبد العزيز بن مروان على أخيه، واستخلف على مصر زياد بن حناطة التجيبي، فتوفي زياد في شوال، واستخلف أصبغ بن عبد العزيز بن مروان. وفيها حج بالناس عبد الملك بن مروان، وخطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وسير على إمرة العراق الحجاج، فسار من المدينة إلى الكوفة في اثني عشر راكباً بعد أن وهب البشير ثلاثة آلاف دينار. (5/319)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 320 قال الوليد بن مسلم: حدثني عبيد الله بن يزيد بن أبي مسلم الثقفي، عن أبيه قال: كان الحجاج عاملاً لعبد الملك على مكة، فكتب إليه بولايته على العراق، قال: فخرجت معه في نفر ثمانية أو تسعة على النجائب، فلما كنا بماء قريب من الكوفة نزل فاختضب وتهيأ، وذلك في يوم جمعة، ثم راح معتماً قد ألقى عذبة العمامة بين كتفيه متقلداً سيفه، حتى نزل عند دار الإمارة عند مسجد الكوفة، وقد أذن المؤذن بالأذان الأول، فخرج عليهم الحجاج وهم لا يعلمون، فجمع بهم، ثم صعد المنبر فجلس عليه فسكت، وقد اشرأبوا إليه وجثوا على الركب وتناولوا الحصى ليقذفوه بها، وقد كانوا حصبوا عاملاً قبله، فخرج عليهم، فسكت سكتة أبهتتهم، وأحبوا أن يسمعوا كلامه، فكان بدء كلامه أن قال: يا أهل العراق، يا أهل الشقاق ويا أهل النفاق، والله إن كان أمركم ليهمني قبل أن آتي إليكم، ولقد كنت أدعوا الله أن يبتليكم بي، فأجاب دعوتي، ألا إني سريت البارحة فسقط مني سوطي، فاتخذت هذا مكانه وأشار إلى سيفه فوالله لأجرنه فيكم جر المرأة ذيلها، ولأفعلن ولأفعلن. قال يزيد: فرأيت الحصى متساقطاً من أيديهم، وقال: قوموا إلى بيعتكم، فقامت القبائل قبيلة قبيلة تبايع، فيقول: من فتقول: ينو فلان، حتى جاءته قبيلة فقال: من قالوا النخع، قال: منكم كميل بن زياد قالوا: نعم، قال: فما فعل قالوا أيها الأمير شيخ كبير، قال: لا بيعة لكم عندي ولا) تقربون حتى تأتوني به. قال: فأتوه به منعوشاً في سرير حتى وضعوه إلى جانب المنبر، فقال: ألا لم يبق ممن دخل على عثمان الدار غير هذا، فدعا بنطع وضربت عنقه. (5/320)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 321 وقال أبو بكر الهذلي: حدثني من شهد الحجاج حين قدم العراق، فبدأ بالكوفة، فنودي: الصلاة جامعة، فأقبل الناس إلى المسجد، والحجاج متقلد قوساً عربية وعليه عمامة خز حمراء متلثماً، فقعد وعرض القوس بين يديه، ثم لم يتكلم حتى امتلأ المسجد، قال محمد بن عمير: فسكت حتى ظننت أنه إنما يمنعه العي، وأخذت في يدي كفاً من حصى أردت أن أضرب به وجهه، فقام فوضع نقابه، وتقلد قوسه، وقال: (أنا ابن جلا وطلاع الثنايا .......... متى أضع العمامة تعرفوني) إني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها، كأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى. (ليس بعشك فادرجي .......... قد شمرت عن ساقها فشمري)

(هذا أوان الحرب فاشتدي زيم .......... قد لفها اليل بسواق حطم)

(ليس براعي إبل ولا غنم .......... ولا بجزار على ظهر وضم) (5/321)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 322 (قد لفها الليل بعصلبي .......... مهاجر ليس بأعرابي) مهاجر ليس بأعرابي إني والله ما أغمز غمز التين، ولا يقعقع لي بالشنان، ولقد فررت عن ذكاء، وفتشت عن تجربة، وجريت إلى الغاية، فإنكم يا أهل العراق طالما أوضعتم في الضلالة، وسلكتم سبيل الغواية، أما والله لألحونكم العود، ولأعصبنكم عصب السلمة، ولأقرعنكم قرع المروة، ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل، ألا إن أمير المؤمنين نثل كنانته بين يديه، فعجم عيدانها، فوجدني أمرها عوداً وأصلبها مكسراً، فوجهني إليكم، فاستقيموا ولا يميلن منكم مائل، واعلموا أني إذا قلت قولاً وفيت به، من كان منكم من بعث المهلب فليلحق به، فغني لا أجد أحداً يسير في زرافة إلا سفكت دمه، واستحللت ماله. ثم نزل. (5/322)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 323 رواه المبرد بنحوه، عن الثوري، بإسناد، وزاد فيه: قم يا غلام فاقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين. فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين إلى من بالكوفة، سلام عليكم. فسكتوا، فقال: اكفف يا غلام، ثم أقبل عليهم فقال: يسلم عليكم أمير المؤمنين فلا تردون عليه شيئاً، هذا أدب ابن نهية. أما والله لأؤدبنكم غير هذا الأدب أو لتستقيمن. إقرأ يا غلام، فقرأ قوله: السلام عليكم، فلم يبق في المسجد أحد إلا قال: وعلى أمير المؤمنين السلام.) العصلبي: الشديد من الرجال. والسواق الحطم: العنيف في سوقه. والوضم: كل شيء وقيت به اللحم من الأرض من خوان وقرمية. وعجمت العود إذا عضضته بأسنانك. والزرافات: الجماعات. وقال ابن جرير: فأول من خرج على الحجاج بالعراق عبد الله بن الجارود، وذلك أن الحجاج ندبهم إلى اللحاق بالمهلب، ثم خرج فنزل رستقباذ ومعه وجوه أهل البصرة، وكان بينه وبين المهلب يومان، فقال للناس: إن الزيادة التي زادكم ابن الزبير، في أعطياتكم زيادة فاسق منافق (5/323)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 324 لست أجيزها، فقام إليه عبد الله بن الجارود العبدي فقال: بل هي زيادة أمير المؤمنين عبد الملك، فكذبه وتوعده، فخرج ابن الجارود على الحجاج، وتابعه خلق، فقتل ابن الجارود في طائفة معه. وكتب الحجاج إلى المهلب وإلى عبد الرحمن بن مخنف: أن ناهضوا الخوارج، قال: فناهضوهم وأجلوهم عن رامهرمز، فقال المهلب لعبد الرحمن بن مخنف: إن رأيت أن تخندق على أصحابك فافعل، وخندق المهلب على نفسه كعادته، وقال أصحاب ابن مخنف: إنما خندقنا سيوفنا، فرجع الخوارج ليبيتوا الناس، فوجدوا المهلب قد أتقن أمر أصحابه، فمالوا نحو ابن مخنف، فقاتلوه، فانهزم جيشه، وثبت هو في طائفة، فقاتلوا حتى قتلوا، فبعث الحجاج بدله عتاب بن ورقاء، وتأسفوا على ابن مخنف، ورثاه غير واحد. وقال خليفة: ثم في ثالث يوم من مقدم الحجاج الكوفة أتاه عمير بن ضابيء البرجمي، وهو القائل: (هممت ولم أفعل، وكدت وليتني .......... تركت على عثمان تبكي حلائله) فقال الحجاج: أخروه، أما أمير المؤمنين عثمان فتغزوه بنفسك، وأما الخوارج الأزارقة فتبعث بديلاً، وكان قد أتاه بابنه فقال: إني شيخ كبير، وهذا ابني مكاني، ثم أمر به فضربت عنقه. واستخلف الحجاج لما خرج على الكوفة عروة بن المغيرة بن شعبة، (5/324)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 325 وقدم البصرة يحث على قتال الأزارقة. وفيها خرج داود بن النعمان المازني بنواحي البصرة، فوجه الحجاج لحربه الحكم بن أيوب) الثقفي متولي البصرة، فظفر به، فقتله، فقال شاعرهم: (ألا فاذكرن داود إذ باع نفسه .......... وجاد بها يبغي الجنان العواليا) وفيها غزا محمد بن مروان الصائفة عند خروج الروم بناحية مرعش. وفيها خطبهم عبد الملك بمكة لما حج، فحدث أبو عاصم، عن ابن جريج، عن أبيه قال: خطبنا عبد الملك بن مروان بمكة، ثم قال: أما بعد، فإنه كان من قبلي من الخلفاء يأكلون من هذا المال ويؤكلون، وإني والله لا أداوي أدواء هذه الأمة إلا بالسيف، ولست بالخليفة المستضعف يعني عثمان ولا الخليفة المداهن يعني معاوية ولا الخليفة المأبون يعني يزيد وإنما نحتمل لكم ما لم يكن عقد راية. أو وثوب على منبر، هذا عمرو بن سعيد حقه حقه وقرابته قرابته، قال برأسه هكذا، فقلنا بسيفنا هكذا، ألا فليبلغ الشاهد الغائب. (5/325)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 326 وفيها ضرب الدنانير والدراهم عبد الملك، فهو أول من ضربها في الإسلام. وحج فيها عبد الملك وخطب بالموسم غير مرة، وكان من البلغاء العلماء الدهاة، قال: إني رأيت سيرة السلطان تدور مع الناس، فإن ذهب اليوم من يسير بسيرة عمر، وأغير على الناس في بيوتهم، وقطعت السبل، وتظالم الناس، وكانت الفتن، فلا بد للوالي أن يسير كل وقت بما يصلحه، نحن نعام والله أنا لسنا عند الله ولا عند الناس كهيئة عمر ولا عثمان، ونرجو خير ما نحن بإزائه من إقامة الصلوات والجهاد والقيام لله بالذي يصلح ذينه، والشدة على المذنب، وحسبنا الله ونعم الوكيل. (5/326)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 327 4 (حوادث سنة ست وسبعين) توفي فيها: حبة بن جوين العني. وزهير بن قيس البلوي. وفيها، أو في سنة خمس توفي: سعيد بن وهب الهمداني الخيواني. وفيها خرج صالح بن مسرح التميمي، وكان صالحاً ناسكاً مخبتاً، وكان يكون بدارا والموصل، وله أصحاب يقرئهم ويفقههم ويقص عليهم، ولكنه يحط على الخليفتين عثمان وعلي كدأب الخوارج، ويتبرأ منهما ويقول: تيسروا رحمكم الله لجهاد هذه الأحزاب المتحزبة، وللخروج من) دار الفناء إلى دار البقاء، ولا تجزعوا من القتل في الله، فإن القتل أيسر من الموت، والموت نازل بكم. فلم ينشب أن أتاه كتاب شبيب بن يزيد من الكوفة فقال: أما بعد، فإنك شيخ المسلمين، ولن نعدل بك أحداً، وقد دعوتني فاستجبت لك، وإن أردت تأخير ذلك أعلمتني، فإن الآجال غادية ورائحة، ولا آمن أن تخترمني المنية ولم أجاهد الظالمين، فيا له غبناً، ويا له فضلاً متروكاً، جعلنا الله (5/327)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 328 وإياك ممن يريد بعمله الله ورضوانه. فرد عليه الجواب يحضه على المجيء، فجمع شبيب قومه، منهم أخوه مصاد، والمحلل بن وائل اليشكري، وإبراهيم بن حجر المحلمي، والفضل بن عامر الذهلي، وقدم على صالح وهو بدارا، فتصمدوا مائة وعشرة أنفس. ثم وثبوا على خيل لمحمد بن مروان فأخذوها، وقويت شوكتهم وأخافوا المسلمين. وفيها غزا حسان بن النعمان الغساني إفريقية وقتل الكاهنة. ولما خرج صالح بن مسرح بالجزيرة ندب لحربه عدي بن عدي بن عميرة الكندي، فقاتلهم، فهزم عدياً، فندب لقتاله خالد بن جزء السلمي، والحارث العامري، فاقتتلوا أشد قتال، وانحاز صالح إلى العراق، فوجه الحجاج إلى لحربه عسكراً، فاقتتلوا، ثم مات صالح بن مسرح مثخناً بالجراح في جمادى الآخرة، وعهد إلى شبيب بن يزيد، فاقتفى شبيب هو وسورة بن الحر، فانهزم سورة بعد قتال شديد. ثم سار شبيب فلقي سعيد بن عمرو الكندي، فاقتتلوا، ثم انصرف شبيب فهجم على الكوفة، وقتل بها أبا سليم مولى عنبسة بن أبي سفيان والد (5/328)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 329 ليث بن أبي سليم، وقتل بها عدي بن عمرو، وأزهر بن عبد الله العامري، ثم خرج عن الكوفة فوجه الحجاج لحربه زائدة بن قدامة الثقفي ابن عم المختار، في جيش كبير، فالتقوا بأسفل الفرات، فهزمهم وقتل زائدة، فوجه الحجاج لحربه عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، فلم يقاتله. وكان مع شبيب امرأته غزالة، وكانت معروفة بالشجاعة، فدخلت مسجد الكوفة تلك الليلة وقرأت وردها في المسجد، وكانت نذرت أن تصعد المنبر فصعدت. ثم حار الحجاج في أمره مع شبيب، فوجه لقتاله عثمان بن قطن الحارثي، فالتقوا في آخر العام، فقتل عثمان وانهزم جمعه بعد أن قتل يومئذ ممن معه ستمائة نفس، منهم مائة وعشرون من) كندة، وقتل من الأعيان: عقيل بن شداد السلولي، وخالد بن نهيك الكندي، والأبرد بن ربيعة الكندي. واستفحل أمر شبيب، وتزلزل له عبد الملك بن مروان، ووقع الرعب في قلوبهم من شبيب، وحار الحجاج، فكان يقول: أعياني شبيب. (5/329)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 330 4 (حوادث سنة سبع وسبعين) فيها توفي: أبو تميم الجيشاني أبو عبد الله بن مالك بمصر. وشريح القاضي وفيه خلاف. وفيها سار شبيب بن يزيد، فنزل المدائن، فندب الحجاج لقتاله أهل الكوفة كلهم، عليهم زهرة بن حوية السعدي، شيخ كبير قد باشر الحروب. وبعث إلى حربه عبد الملك من الشام سفيان بن الأبرد، وحبيباً الحكمي في ستة آلاف. ثم قدم عتاب بن وراق على الحجاج مستعفياً من عشرة المهلب بن أبي صفرة، فاستعمله الحجاج على الكوفة، ولجمع جميع الجيش خمسين ألفاً. وعرض شبيب بن يزيد جنده بالمدائن، فكانوا ألف رجل، فقال: يا قوم إن الله ينصركم وأنتم مائة أو مائتان، فأنتم اليوم مئون. ثم ركب، فأخذوا يتخلفون عنه ويتأخرون، فلما التقى الجمعان تكامل (5/330)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 331 مع شبيب ستمائة، فحمل في مائتين على ميسرة الناس فانهزموا، واشتد القتال، وعتاب بن ورقاء جالس هو وزهرة بن حويه على طنفسة في القلب، فقال عتاب: هذا يوم كثر فيه العدد وقل الغناء، والهفي على خمسة من رجال تميم. وتفرق عن عتاب عامة الجيش، وحمل عليه شبيب، فقاتل عتاب ساعة وقتل، ووطئت الخيل زهرة فهلك، فتوجع له شبيب لما رآه صريعاً، فقال له رجل من قومه: والله يا أمير المؤمنين إنك لمنذ الليلة لمتوجع لرجل من الكافرين قال: إنك لست أعرف بضلالتهم مني، إني أعرف من قديم أمرهم ما لا تعرف، لو ثبتوا عليه كانوا إخواننا. وقتل في المعركة: عمار بن يزيد الكلبي، وأبو خيثمة بن عبد الله. ثم قال شبيب لأصحابه: ارفعوا عنهم السيف، ودعا الناس إلى طاعته وبيعته، فبايعوه، ثم هربوا) ليلاً. هذا كله قبل أن يقدم جيش الشام، فتوجه شبيب نحو الكوفة، وقد دخلها عسكر الشام، فشدوا ظهر الحجاج وانتعش بهم، واستغنى بهم عن عسكر الكوفة، وقال: يا أهل الكوفة لا أعز الله من أراد بكم العز، الحقوا بالحيرة، فانزلوا مع اليهود والنصارى، ولا تقاتلوا معنا. وحنق بهم، وهذا مما يزيد فيه بغضاً. ثم إنه وجه الحارث بن معاوية الثقفي في ألف فارس في الكشف، فالتمس شبيب غفلتهم والتقوا، فحمل شبيب على الحارث فقتله، وانهزم من معه. (5/331)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 332 ثم جاء شبيب فنزل الكوفة. وحفظ الناس السكك، وبنى شبيب مسجداً بطرف السبخة، فخرج إليه أبو الورد مولى الحجاج في عدة غلمان فقاتل حتى قتل. ثم خرج طهمان مولى الحجاج في طائفة، فقتله شبيب. ثم إن الحجاج خرج من قصر الكوفة، فركب بغلاً، وخرج في جيش الشام، فلما التقى الجمعان نزل الحجاج وقعد على كرسي، ثم نادى: يا أهل الشام، أنتم أهل السمع والطاعة والصبر واليقين، لا يغلبن باطل هؤلاء حقكم، غضوا الأبصار، واجثوا على الركب، وأشرعوا إليهم بالأسنة. وكان شبيب في ستمائة، فجعل مائتين معه كردوساً، ومائتين مع سويد بن سليم، ومائتين مع المحلل بن وائل، فحمل سويد عليهم، حتى إذا غشي أطراف الأسنة وثبوا في وجوههم يطعنونهم قدماً قدماً، فانصرفوا، فأمر الحجاج بتقديم كرسيه، وصاح في أصحابه فحمل عليهم شبيب، فثبتوا، وطال القتال، فلما رأى شبيب صبرهم نادى: يا سويد احمل على أهل هذا السكة لعلك تزيل أهلها عنها، فتأتي الحجاج من وراءه ونحن من أمامه، فحمل سويد على أهل السكة، فرمي من فوق البيوت، فرد. قال أبو مخنف: فحدثني فروة بن لقيط الخارجي قال: فقال لنا شبيب يومئذ: يا أهل الإسلام، إنما شرينا الله، ومن شرى الله لم يكثر عليه ما أصابه، شدة كشداتكم في مواطنكم المعروفة، وحمل على الحجاج، فوثب أصحاب الحجاج طعناً وضرباً، فنزل شبيب وقومه، فصعد الحجاج على مسجد شبيب في نحو عشرين رجلاً وقال: (5/332)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 333 إذا دنوا فارشقوهم بالنبل، فاقتتلوا عامة النهار أشد قتال في الدنيا، حتى أقر كل فريق للآخر.) ثم إن خالد بن عتاب بن ورقاء قال للحجاج: ائذن لي في قتالهم، فإني موتور وممن لا يتهم في نصيحة، فأذن له، فخرج في عصابة ودار من ورائهم، فقتل مصاداً أخا شبيب، وغزالة امرأة شبيب، وأضم النيران في عسكره. فوثب شبيب وأصحابه على خيولهم، فقال الحجاج: احملوا عليهم فقد أرعبوا، فشدوا عليهم فهزموهم، وتأخر شبيب في حامية قومه. فذكر من كان معه شبيب أنه جعل ينعس ويخفق برأسه وخلفه الطلب، قال: فقلت له: يا أمير المؤمنين التفت فانظر من خلفك، فالتفت غير مكترث ثم أكب يخفق، ثم قلت: إنهم قد دنوا، فالتفت ثم أقبل يخفق. وبعث الحجاج إلى خيل أن دعوه في حرق النار، فتركوه ورجعوا. ومر أصحاب شبيب بعامل للحجاج على بلد بالسواد فقتلوه، ثم أتوا بالمال على دابة فسبهم شبيب على مجيئهم بالمال وقال: اشتغلتم بالدنيا، ثم رمى بالمل في الفرات. ثم سار بهم إلى الأهواز وبها محمد بن موسى بن طلحة بن عبيد الله، فخرج لقتاله وسأل محمد المبارزة، فبارزه شبيب وقتله. ومضى إلى كرمان فأقام شهرين ورجع إلى الأهواز فندب له الحجاج جيش الشام: سفيان بن الأبرد الكلبي، وحبيب بن عبد الرحمن الحكمي، فالتقوا على جسر دجيل، فاقتتلوا حتى حجز بينهم الليل، ثم ذهب شبيب، فلما صار على جسر دجيل قطع الجسر، فوقع شبيب وغرق، (5/333)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 334 وقيل: نفر به فرسه فألقاه في الماء وعليه الحديد، فقال له رجل: أغرقاً يا أمير المؤمنين قال: ذلك تقدير العزيز العليم فألقاه دجيل إلى ساحله ميتاً، فحمل على البريد إلى الحجاج، فأمر به فشق بطنه وأخرج قلبه، فإذا هو كالحجر، إذا ضرب به الأرض نبا عنها، فشقوه فإذا بداخلاه قلب صغير. وقال ابن جرير الطبري في تاريخه: ثم أنفق الحجاج الأموال، ووجه سفيان بن الأبرد في طلب القوم، قال: وأقام شبيب بكرمان، حتى إذا انجبر واستراش كر راجعاً، فيستقبله ابن الأبرد في ثلاثة كراديس، فاقتتلوا أكثر النهار، وثبت الفريقان، وكر شبيب وأصحابه أكثر من ثلاثين كرة، وابن الأبرد ثابت، ثم آل أمرهم إلى أن ازدحموا عند الجسر، واضطر شبيب أصحاب ابن الأبرد إلى الجسر، ونزل في نحو مائة، فتقاتلوا إلى الليل قتالاً عظيماً، ثم تحاجزوا. وقال أبو مخنف: حدثني فروة قال: ما هو إلا أن انتهينا إلى الجسر، فعبرنا شبيب في الظلمة وتخلف في آخرنا فأقبل على فرسه، وكانت بين يديه حجرة فنزل فرسه عليها وهو على) الجسر، فاضطربت الماذيانة ونزل حافر الفرس على حرف السفينة فنزل في الماء فلما سقط قال: ليقضي الله أمراً كان مفعولاً فانغمس ثم ارتفع فقال: ذلك تقدير العزيز العليم. قال: وقيل كان معه رجال قد أصاب من عشائرهم وأبغضوه، فلما تخلف في الساقة اشتوروا فقالوا: نقطع به الجسر، ففعلوا، فمالت السفن، ونفر فرسه فسقط وغرق. (5/334)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 335 ثم تنادوا بينهم: غرق أمير المؤمنين فأصبح الناس فاستخرجوه وعليه الدرع. قال أبو مخنف: فسمعتهم يزعمون أنه شق بطنه فأخرج قلبه، فكان مجتمعاً صلباً، كأنه صخرة، وأنه كان يضرب به الأرض فيثب قامة الإنسان. وسيأتي في ترجمته من أخباره أيضاً. وفيها أمر عبد العزيز بن مروان بجامع مصر، فهدم وزيد فيه من جهاته الأربع. وأمر ببناء حصن الإسكندرية، وكان مهدوماً منذ فتحها عمرو بن العاص. وفيها افتتح عبد الملك بن مروان هرقلة وهي مدينة معروفة داخل بلاد الروم. وحج بالناس أبان بن عثمان بن عفان. وفيها وغل عبد الله بن أمية بن عبد الله الأموي بسجستان، فأخذ عليه الطريق، فأعطى مالاً حتى خلوا عنه، فعزله عبد الملك بن مروان ووجه مكانه موسى بن طلحة بن عبيد الله. (5/335)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 336 4 (حوادث سنة ثمان وسبعين) توفي فيها: جابر بن عبد الله الأنصاري. وزيد بن خالد الجهني. وعبد الرحمن بن غنم الأشعري. وأبو المقدام شريح بن هانيء. وقال خليفة: فيها أمر الحجاج على سجستان عبيد الله بن أبي بكرة الثقفي، فوجه عبيد الله أبا بردعة فأخذ عليه المضيق، وقتل شريح بن هانيء الحارثي، وأصاب العسكر ضيق وجوع شديد، حتى هلك عامتهم. قال محمد بن جرير: وقد قيل إن هلاك شبيب بن يزيد كان في سنة ثمان. وكذلك قيل في هلاك قطري بن الفجاءة، وعبيدة بن هلال.) وعبد ربه الكبير، رؤوس الخوارج. وقال خليفة: فيها ولي خراسان المهلب بن أبي صفرة. (5/336)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 337 وقال ابن الكلبي: فيها غزا محرز بن أبي محرز أرض الروم وفتح أزقلة، فلما قفل أصابهم مطر شديد من وراء درب الحدث، فأصيب فيه ناس كثير. وفيها قتل سليمان بن كندير القشيري، قتله أصحاب الحجاج. وفيها جرت حروب ووقعات بإفريقية والمغرب، وولي فيها إمرة المغرب كله موسى بن نصير اللخمي، فسار إلى طنجة وقدم على مقدمته طارق بن زياد الصدفي مولاهم الذي افتتح الأندلس، وأصاب فيها المائدة التي يتحدث أهل الكتاب أنها مائدة سليمان عليه السلام. وفيها حج بالناس ابن أمير المؤمنين الوليد. وفيها وثبت الروم على ملكهم فخلعته وقطعت أنفه ونفته إلى بعض الجزائر. قاله المسبحي. وفيها فرغ الحجاج من بناء واسط، سميت بذلك لأنها وسط ما بين الكوفة والبصرة. وقيل: بنيت سنة ثلاث وثمانين. (5/337)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 338 4 (حوادث سنة تسع وسبعين) فيها توفي: عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي. وعبيد الله بن أبي بكرة بسجستان. وقطري بن الفجاءة بطبرستان، بخلف فيه. وفيها استعمل الحجاج على البحرين محمد بن صعصة الكلابي وضم إليه عمان فخرج عليه الريان النكري، فهرب محمد وركب البحر حتى قدم على الحجاج. وفيها ولى الحجاج هارون بن ذراع النمري ثغر الهند وأمره بطلب العلافيين، وهما محمد ومعاوية ابنا الحارث من بني سامة بن لؤي، كانا قد قتلا عامل الحجاج هناك، فظفر هارون بأحدهما فقتله، وهرب الآخر. وفيها غزا الوليد ابن أمير المؤمنين من ناحية ملطية، فغنم وسبى. وقال عوانة بن الحكم: أول قبيل غزاهم موسى بن النصير من البربر (5/338)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 339 الذين قتلوا عقبة بن نافع، فسار إليهم بنفسه فقتل وسبى، وهرب ملكهم كسيلة.) يقال: بلغ سبيهم عشرين ألفاً. قال ابن جرير: وفيها أصحاب أهل الشام الطاعون حتى كادوا يفنون من شدته. وقال غيره: فيها كان مصرع قطري بن الفجاءة واسم الفجاءة جعونة بن مازن بن يزيد التميمي المازني أبو نعامة، خرج في زمن مصعب بن الزبير، وبقي بضع عشرة سنة يقاتل ويسلم عليه بالخلافة وبأمرة المؤمنين، وتغلب على بلاد الفرس. ووقائعه مشهورة، قد ذكر منها المبرد قطعة في كامله. وقد سير الحجاج لقتاله جيشاً بعد جيش وهو يهزمهم. وحكي عنه أنه خرج في بعض الحروب على فرس أعجف، وبيده عمود خشب، فبرز إليه رجل فكشف قطري وجهه، فولى الرجل، فقال: إلى أين قال: لا يستحس الإنسان أن يفر من مثلك. توجه لقتاله سفيان بن الأبرد الكلبي، فظهر عليه وظفر به وقتله. وقيل: بل عثرت به فرسه فاندقت فخذه، فلذلك ظفروا به بطبرستان، وحمل رأسه إلى الحجاج. (5/339)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 340 وقيل: إن الذي قتله سورة بن الدرامي. وكان قطري مع شجاعته المفرطة وإقدامه من خطباء العرب المشهورين بالبلاغة والشعر، وله أبيات مذكورة في الحماسة، والله أعلم. (5/340)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 341 4 (حوادث سنة ثمانين) فيها توفي: عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. وأسلم مولى عمر. وأبو إدريس الخولاني الفقيه. وعبد الرحمن بن عبد القاري. وناعم بن أجيل المصري، وعبد الله بن زرير الغافقي. وجنادة بن أبي أمية. وجبير بن نفير، بخلف فيهما. وفيها صلب عبد الملك معبداً الجهني على إنكاره القدر. قاله سعيد بن عفير.) (5/341)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 342 وفيها توفي: سويد بن غفلة قاله أبو نعيم وعبيد الله بن أبي بكرة. قاله ابن معين. وشريح القاضي. قاله ابن نمير. والسائب بن يزيد. قاله بعضهم. وحسان بن النعمان الغساني بالروم. وفيها كان سيل الجحاف، وهو سيل عظيم جاء بمكة حتى بلغ الحجر الأسود، فهلك خلق كثير من الحجاج. قال مصعب الزبيري: سمعت محمد بن نافع الخزاعي قال: كان من قصة الجحاف أن أهل مكة قحطوا، ثم طلع في يوم قطعة غيم، فجعل الجحاف يضرط به ويقول: إن جاءنا شيء فمن هذا، فما برح من مكانه حتى جاء سيل فحمل الجمال وغرق الجحاف. وفيها غزا البحر من الإسكندرية عبد الواحد بن أبي الكنود حتى بلغ قبرس. وفيها هلك أليون الملك عظيم الروم لا رحمه الله. وفيها سار يزيد بن أبي كبشة فالتقى هو والريان النكري بالبحرين، ومع الريان امرأة من الأزد تقاتل، اسمها جيداء، فقتل هو وهي وعامة أصحابهما، وصلب هو. (5/342)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 343 وفيها أول فتنة ابن الأشعث: وذلك أن الحجاج كان شديد البغض لعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الكندي، يقول: ما رأيته قط إلا أردت قتله. ثم إنه أبعده عنه وأمره على سجستان في هذا العام بعد موت عبيد الله بن أبي بكرة، فسار إليها ففتح فتوحاً، وسار ينهب بلاد رتبيل ويأسر ويخرب، ثم بعث إليه الحجاج مع هذا كتباً يأمره بالوغول في تلك البلاد ويضعف همته ويعجزه، فغضب ابن الأشعث وخطب الناس، وكان معه رؤوس أهل العراق فقال: إن أميركم كتب إلي بتعجيل الوغول بكم في أرض العدو، وهي البلاد التي هلك فيها إخوانكم بالأمس، وإنما أنا رجل منكم، أمضي إذا مضيتم وآبى إذا أبيتم، فثار إليه الناس فقالوا: لا بل تأبى على عدو الله ولا نسمع له ولا نطيع. وقال عامر بن واثلة الكناني: إن الحجاج ما يرى بكم إلا ما رأى القائل الأول: احمل عبدك على الفرس، فإن هلك هلك،) وإن نجا فلك إن الحجاج ما يبالي، إن ظفرتم أكل البلاد وحاز المال، وإن ظفر عدوكم كنتم أنتم الأعداء البغضاء، اخلعوا عدو الله الحجاج وبايعوا عبد الرحمن بن محمد ابن الأشعث، فنادوا: فعلنا فعلنا، ثم أقبلوا كالسيل المنحدر، وانضم إلى ابن الأشعث جيش عظيم، فعجز عنهم الحجاج، واستصرخ بأمير المؤمنين، فجزع لذلك عبد الملك بن مروان، وجهز العساكر الشامية في الحال، كما سيأتي في سنة إحدى وثمانين إن شاء الله تعالى. والحمد لله وحده. (5/343)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 344 1 (تراجم أهل هذه الطبقة)

4 (حرف الألف)

4 (إبراهيم بن الأشتر) واسمه مالك بن الحارث النخعي الكوفي. كان أبوه من كبار أمراء علي. وكان إبراهيم من الأمراء المشهورين بالشجاعة والرأي، وله شرف وسيادة، وهو الذي قتل عبيد الله بن زياد يوم الخازر، ثم كان مع مصعب ابن الزبير، فكان من أكبر أمرائه، وقتل معه سنة اثنتين وسبعين. (5/344)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 345 4 (الأحنف بن قيس) ابن معاوية بن حصين، أبو بحر التميمي الذي يضرب به المثل في (5/345)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 346 الحلم. من كبار التابعين وأشرافهم. اسمه الضحاك، ويقال: صخر، وغلب عليه الأحنف لاعوجاج رجليه. وكان سيداً مطاعاً في قومه. أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ووفد على عمر. وحدث عن: عمر، وعثمان، وعلي، وأبي ذر، والعباس، وابن مسعود. روى عنه: الحسن البصري، وعمرو بن جاوان، وعروة بن الزبير، وطلق بن حبيب، وعبد الله بن عميرة، ويزيد بن عبد الله بن الشخير، وخليد العصري. وكان من أمراء علي يوم صفين. قال ابن سعد: كان الأحنف ثقة مأموناً قليل الحديث، وكان صديقاً لمصعب بن الزبير، فوفد عليه إلى الكوفة، فتوفي عنده.) قال سليمان بن أبي شيخ: كان أحنف الرجلين جميعاً، ولم يكن له إلا بيضة واحدة. (5/346)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 347 قال: وكان اسمه صخر بن قيس أحد بني سعد، وأمه امرأة من باهلة، فكانت ترقصه وتقول: (والله لولا حنف برجله .......... وقلة أخافها من نسله) ما كان في فتيانكم من مثله وقال المرزباني: قيل إن اسمه الحارث، وقيل: حصين. وقال أبو أحمد الحاكم: هو افتتح مرو الروذ، وكان الحسن، وابن سيرين في جيشه ذلك. و قال علي بن زيد، عن الحسن، عن الأحنف قال: بينا أنا أطوف في زمن عثمان إذ لقيني رجل من بني ليث، فقال: ألا أبشرك قلت: بلى. قال: أما تذكر إذ بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومك بني سعد أدعوهم إلى الإسلام، فجعلت أخبرهم وأعرض عليهم، فقلت: إنه يدعو إلى خير، وما أسمع إلا حسناً، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم اغفر للأحنف. وكان الأحنف يقول: فما شيء أرجى عندي من ذلك. رواه أحمد في مسنده. والبخاري في تاريخه. وقال علي بن زيد، عن الحسن، عن الأحنف قال: قدمت على عمر فاحتبسني عنده حولاً، فقال: يا أحنف، إني قد بلوتك وخبرتك فرأيت علانيتك حسنة، وأنا أرجو أن تكون سريرتك مثل علانيتك، وإنا كنا نتحدث إنما يهلك هذه الأمة كل منافق عليم. وقال العلاء بن الفضل بن أبي سوية: ثنا العلاء بن حريز قال: حدثني (5/347)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 348 عمر بن مصعب بن الزبير، عن عمه عروة، حدثني الأحنف بن قيس أنه قدم على عمر بفتح تستر، فقال: يا أمير المؤمنين، قد فتح الله عليك تستر، وهي من أرض البصرة، فقال رجل من المهاجرين: يا أمير المؤمنين، إن هذا، يعني الأحنف، الذي كف عنا بني مرة حين بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدقاتهم، وقد كانوا هموا بنا، قال الأحنف: فحبسني عمر عنده بالمدينة سنة، يأتيني في كل يوم وليلة، فلا يأتيه عني إلا مل يحب، فلما كان رأس السنة دعاني فقال: يا أحنف هل تدري لم حبستك قلت: لا. قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذرنا كل منافق عليم، فخشيت أن تكون منهم، فاحمد الله يا أحنف. قلت: وكان الأحنف فصيحاً مفوهاً. قال أحمد العجلي: هو بصري ثقة، وكان سيد قومه، وكان أعور أحنف، دميماً فصيراً كوسجاً،) له بيضة واحدة، حبسه عمر عنده سنة يختبره، فقال عمر: هذا والله السيد. قلت: ذهبت عينه بسمرقند. ذكره الهيثم. وقال معمر، عن قتادة قال: خطب الأحنف عند عمر، فأعجبه منطقه، فقال: كنت أخشى أن تكون منفقاً عالماً، وأرجو أن تكون مؤمناً، فانحدر إلى مصرك. (5/348)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 349 قلت: مصره هي البصرة. وعن الأحنف قال: ما كذبت منذ أسلمت إلا مرة، سألني عمر عن ثوب بكم أخذته فأسقطت ثلثي الثمن. وقال خليفة: توجه ابن عامر إلى خراسان وعلى مقدمته الأحنف. وقال ابن سيرين: كان الأحنف يحمل، يعني في قتال أهل خراسان، ويقول: (إن على كل رئيس حقا .......... أن يخضب الصعدة أو يندقا) قال: وسار الأحنف إلى مرو الروذ، ومنها إلى بلخ، فصالحوه على أربعمائة ألف، ثم أتى الأحنف خوارزم، فلم يطقها، فرجع. وقال ابن إسحاق: خرج ابن عامر من خراسان قد أحرم من نيسابور بعمرة، وخرج على خراسان الأحنف فجمع أهل خراسان جمعاً كبيراً، واجتمعوا بمرو، فقاتلهم الأحنف وهزمهم وقتلهم، وكان جمعاً لم يجتمع مثله قط. وقال أيوب السختياني، عن محمد قال: نبئت أن عمراً ذكر بني تميم فذمهم فقام الأحنف فقال: إنك ذكرت بني تميم فعممتهم بالذم، وإنما هم من الناس، فيهم الصالح والطالح، فقال: صدقت. فقام الحتات وكان يناوئه فقال: يا أمير المؤمنين ائذن لي فلأتكلم، قال: اجلس، فقد كفاكم سيدكم الأحنف. (5/349)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 350 وقال علي بن زيد، عن الحسن قال: وكتب عمر إلى أبي موسى: ائذن للأحنف، وشاوره، واسمع منه. وقال الحسن البصري: ما رأيت شريف قوم كان أفضل من الأحنف. وقال خالد بن صفوان: كان الأحنف يفر من الشرف والشرف يتبعه. وقال والد حماد بن زيد: قيل للأحنف: إنك شيخ كبير، وإن الصيام يضعفك قال: إني أعده لسفر طويل.) وقال حماد بن زيد: حدثني زريق بن رديح، عن سلمة بن منصور، عن رجل قال: كان الأحنف عامة صلاته بالليل، وكان يضع إصبعه على السراج فيقول: حس. ثم يقول: يا أحنف ما حملك على أن صنعت كذا وكذا يوم كذا وكذا. غيره يقول: ابن ذريح. وقال أبو كعب صاحب الحرير: ثنا أبو الأصفر، أن الأحنف أصابته جنابة في ليلة باردة، فلم يوقظ غلمانه، وذهب يطلب الماء، فوجد ثلجاً فكسره واغتسل. وقال مروان الأصغر: سمعت الأحنف يقول: اللهم إن تغفر لي فأنت أهل لذلك. وإن تعذبني فأنا أهل لذلك. وقال جرير، عن مغيرة: قال الأحنف: ذهبت عيني من أربعين سنة، ما شكوتها إلى أحد. (5/350)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 351 ويروى أنه وفد على معاوية فقال: أنت الشاهر علينا سيفك يوم صفين والمخذل عن عائشة أم المؤمنين فقال: لا تؤنبنا بما مضى منا، ولا ترد الأمور على أدبارها، فإن القلوب التي أبغضناك بها بين جوانحنا، والسيوف التي قاتلناك بها على عواتقنا، في كلام غيره، فقيل: إنه لما خرج قالت أخت معاوية: من هذا الذي يتهدد قال: هذا الذي إن غضب غضب لغضبه مائة ألف من تميم، لا يدرون فيم غضب. وقال ابن عون، عن الحسن قال: ذكروا عند معاوية شيئاً، والأحنف ساكت: فقال معاوية: يا أبا بحر، ما لك لا تتكلم: قال: أخشى الله إن كذبت وأخشاكم إن صدقت. وعن الأحنف قال: عجبت لمن يجري في مجرى البول مرتين، كيف يتكبر. وقال سليمان التيمي: قال الأحنف: ما أتيت باب هؤلاء إلا أن أدعى، ولا دخلت بين اثنين حتى يدخلاني بينهما، ولا ذكرت أحداً بعد أن يقوم من عندي إلا بخير. وعن الأحنف قال: ما نازعني أحد فكان فوقي إلا عرفت له قدره، ولا كان دوني إلا رفعت قدري عنه، ولا كان مثلي إلا تفضلت عليه. وقال ابن عون، عن الحسن، قال الأحنف: لست بحليم، ولكني أتحالم. وبلغنا أن رجلاً قال للأحنف: لئن قلت واحدة لتسمعن عشراً، فقال له: لكنك لئن قلت عشراً لم تسمع واحدة. (5/351)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 352 وإن رجلاً قال له: بم سدت قومك؟ قال: بتركي من أمرك ما لا يعنيني كما عندك من أمري ما) لا يعنيك. وعنه قال: ما ينبغي للأمير أن يغضب، لأن الغضب في القدرة لقاح السيف والندامة. وقال الأصمعي: قال عبد الملك بن عمير: قدم علينا الأحنف الكوفة مع مصعب، فما رأيت خصلة تذم إلا رأيتها فيه، كان ضئيلاً، صغير الرأس، متراكب الأسنان، مائل الذقن، ناتيء الوجه، باخق العينين، خفيف العارضين، أحنف الرجل، فكان إذا تكلم جلا عن نفسه. باخق: منخسف العين. وقال ابن الأعرابي: الأحنف الذي يمشي على ظهر قدميه. وقال غيره: هو أن تقبل كل رجل على صاحبتها. وللأحنف أشياء مفيدة أورد الحافظ ابن عساكر جملة منها. وكان زياد بن أبيه كثير الرعاية للأحنف، فلما ولي بعده ابنه عبيد الله تغيرت حال الأحنف عند عبيد الله، وصار يقدم عليه من دونه، ثم إنه وفد على معاوية بأشراف أهل العراق، فقال لعبيد الله: أدخلهم على قدر مراتبهم، فكان في آخرهم الأحنف، فلما رآه معاوية أكرمه لمكان سيادته، وقال له: يا أبا بحر إلي، وأجلسه معه، وأقبل عليه، وأعرض عنهم، فأخذوا في شكر عبيد الله، وسكت الأحنف، فقال معاوية له: لم لا تتكلم قال: إن تكلمت خالفتهم، فقال: اشهدوا أني قد عزلت عبيد الله، فلما خرجوا كان فيهم من يروم الإمارة، ثم أتوا معاوية بعد ثلاث، وذكر كل واحد شخصاً، وتنازعوا، فقال معاوية: ما تقول يا أبا بحر قال: إن وليت أحداً من أهل بيتك لم تجد من يسد مسد عبيد الله، قال: قد أعدته، فلما خرجوا خلا (5/352)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 353 معاوية بعبيد الله وقال: كيف ضيعت مثل هذا الذي عزلك وأعادك وهو ساكت؟ ! فلما عاد عبيد الله إلى العراق، جعل الأحنف خاصته وصاحب سره. وقال عبد الرحمن بن القاسم صاحب مالك، عن أبي شريح المعافري، عن عبد الرحمن بن عمارة بن عقبة قال: حضرت جنازة الأحنف بالكوفة، فكنت فيمن نزل قبره، فلما سويته رأيته قد فسح له مد بصري، فأخبرت بذلك أصحابي، فلم يروا ما رأيت. رواها ابن يونس في تاريخ مصر. توفي الأحنف سنة سبع وستين في قول يعقوب الفسوي. وقال غيره: توفي سنة إحدى وسبعين.) وقال غير واحد: توفي في إمرة مصعب على العراق. ولم يعينوا سنة، رحمه الله. 4 (أسماء بنت أبي بكر الصديق) أم عبد الله ذات النطاقين، آخر المهاجرين والمهاجرات وفاة، وأمها (5/353)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 354 قتيلة بنت عبد العزى العامرية. لها عدة أحاديث. روى عنها: عبد الله، وعروة ابنا الزبير، وابناهما عبادة، وعبد الله، ومولاها عبد الله، وابن عباس، وأبو واقد الليثي، وتوفيا قبلها، وفاطمة بنت المنذر بن الزبير، وعباد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير، وابن أبي مليكة، وأبو نوفل معاوية بن أبي عقرب، ووهب بن كيسان، والمطلب بن عبد الله، ومحمد بن المنذر، وصفية بنت شيبة. وشهدت اليرموك مع ابنها عبد الله وزوجها. وهي وابنها وأبوها وجدها صحابيون. روى شعبة، عن مسلم القري قال: دخلنا على أم ابن الزبير، فإذا هي امرأة ضخمة عمياء، نسألها عن متعة الحج، فقالت: قد رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها. قال ابن أبي الزاد: كانت أكبر من عائشة بعشر سنين. قلت: فعمرها على هذا إحدى وتسعون سنة. (5/354)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 355 وأما هشام بن عروة فقال: عاشت مائة سنة ولم يسقط لها سن. وقال ابن أبي مليكة: كانت أسماء تصدع فتضع يدها على رأسها فتقول: بذنبي وما يغفره الله أكثر. وقال هشام بن عروة: أخبرني أبي، عن أسماء قالت: تزوجني الزبير، وما له شيء غير فرسه، فكنت أعلفه وأسوسه، وأدق النوى لناضحه، وأعلفه، وأستقي، وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز، فكان يخبز لي جارات من الأنصار، وكن نسوة صدق، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي، وهي على ثلثي فرسخ، فجئت يوماً والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه جماعة، فدعاني فقال: إخ إخ. ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته، فمضى، فلما أتيت أخبرت الزبير، فقال: والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه، قالت: حتى أرسل إلي) أبو بكر بعد ذلك بخادم، فكفتني سياسة الفرس، فكأنما أعتقني. وقال إبراهيم بن المنذر: ثنا عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة، عن هشام بن عروة قال: ضرب الزبير أسماء، فصاحت لعبد الله بن الزبير، فأقبل، فلما رآه قال: أمك طالق إن دخلت قال: أتجعل أمي عرضة ليمينك، فاقتحم عليه وخلصها، فبانت منه. وقال حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، إن الزبير طلق أسماء، فأخذ (5/355)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 356 عروة وهو يومئذ صغير. وقال أسامة بن زيد، عن ابن المنكدر قال: كانت أسماء سخية النفس. وقال أبو معاوية: ثنا هشام، عن فاطمة بنت المنذر قالت: قالت أسماء: يا بناتي تصدقن ولا تنتظرن الفضل فإنكن إن انتظرتن الفضل لن تجدنه، وإن تصدقن لن تجدن فقده. وقال علي بن مسهر، عن هشام بن عروة، عن القاسم بن محمد قال: سمعت ابن الزبير يقول: ما رأيت امرأتين قط أجود من عائشة وأسماء، وجودهما يختلف، أما عائشة فكانت تجمع الشيء إلى الشيء، حتى إذا اجتمع عندها وضعته مواضعه، وأما أسماء فكانت لا تدخر شيء لغد. قال ميمون بن مهران: كانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط تحت الزبير، وكانت فيه شدة على النساء، وكانت له كارهة تسأل الطلاق، فطلقها واحدة، وقال: لا ترجع إلي أبداً. وقال أيوب، عن نافع، وسعد بن إبراهيم، إن عبد الرحمن بن عوف طلقها ثلاثاً، يعني لتماضر، فورثها عثمان منه بعد انقضاء العدة، ثم قال سعد: وكان أبو سلمة أمه تماضر بن الأصبغ. وروى عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن تماضر، حين طلقها الزبير بن العوام، وكان أقام عندها سبعاً، ثم لم ينشب أن طلقها. (5/356)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 357 وقال مصعب بن سعد: فرض عمر ألفاً ألفاً للمهاجرات، منهن أم عبد، وأسماء. وقالت فاطمة بنت المنذر: إن جدتها أسماء كانت تمرض المرضة، فتعتق كل مملوك لها. وقال الواقدي: كان سعيد بن المسيب من أعبر الناس للرؤيا، أخذ ذلك عن أسماء بنت أبي بكر، وأخذت عن أبيها. وقال الواقدي: ثنا موسى بن يعقوب، عن إبراهيم بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن أبي ربيعة، عن أمه: إن أسماء كانت تقول وابن الزبير يقاتل الحجاج: لمن كانت الدولة اليوم فيقال لها:) للحجاج. فتقول: ربما أمر الباطل. فإذا قيل لها: كانت لعبد الله، تقول: اللهم انصر أهل طاعتك ومن غضب لك. وقال هشام بن عروة، عن أبيه قال: دخلت على أسماء أنا وعبد الله، قبل أن يقتل بعشر ليال، وإنها لوجعة، فقال لها عبد الله: كيف تجدينك قالت: وجعة، قال: إن في الموت لعافية. قالت: لعلك تشتهي موتي، فلا تفعل، وضحكت، وقالت: والله ما أشتهي أن أموت حتى يأتي علي أحد طرفيك، إما أن تقتل فأحتسبك، وإما أن تظفر فتقر عيني، وإياك أن تعرض علي خطة لا توافق، فتقبلها كراهية الموت. إسحاق الأزرق، عن عوف الأعرابي، عن أبي الصديق الناجي، أن الحجاج دخل على أسماء فقال: إن ابنك ألحد في هذا البيت، وإن الله أذاقه من عذاب أليم. قالت: كذب، كان براً بوالديه، صواماً قواماً، ولكن قد (5/357)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 358 أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيخرج من تثقيف كذابان، الآخر منهما شر من الأول، وهو مبير. إسناده قوي. وقال ابن عيينة: ثنا أبو المحياه، عن أمه قالت: لما قتل الحجاج ابن الزبير دخل على أمه أسماء وقال ها: يا أمه، إن أمير المؤمنين أوصاني بك فهل لك من حاجة فقالت: لست لك بأم، ولكني أم المصلوب على رأس البنية، وما لي من حاجة، ولكن أحدثك: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يخرج في ثقيف كذاب ومبير فأما الكذاب، فقد رأيناه تعني المختار بن أبي عبيد وأما المبير فأنت، فقال لها: مبير المنافقين. أبو المحياه هو يحيى بن يعلى التيمي. وقال يزيد بن هارون: أنبأ الأسود بن شيبان، عن أبي نوفل، عن أبي عقرب، أن الحجاج لما قتل ابن الزبير صلبه، وأرسل إلى أمه أن تأتيه، فأبت، فأرسل إليها لتأتين أو لأبعثن من يسحبك بقرونك، فأرسلت إليه: والله لا آتيك حتى تبعث إلي من يسحبني بقروني. فلما رأى ذلك أتى إليها فقال: كيف رأيتني صنعت بعبد الله قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك، وقد بلغني أنك كنت تعيره بابن ذات النطاقين، وذكرت الحديث، فانصرف ولم يراجعها. وقال حميد بن زنجويه: ثنا ابن أبي عباد، ثنا سفيان بن أبي عيينة، عن منصور بن عبد الرحمن، عن أمه قالت: قيل لابن عمر أن أسماء في ناحية المسجد، وذلك حين قتل ابن الزبير) وهو مصلوب، فمال إليها، فقال: إن هذه الجثث ليست بشيء، وإنما الأرواح عند الله، فاتقي الله، وعليك بالصبر. فقالت: وما يمنعني وقد أهدي رأس يحيى بن زكريا إلى بغي من (5/358)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 359 بغايا بني إسرائيل. رواه حرملة بن يحيى، عن سفيان بن المبارك. أنا مصعب بن ثابت، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه قال: قدمت قتيلة بنت عبد العزى على بنتها أسماء بنت أبي بكر وكان أبو بكر طلقها في الجاهلية بهدايا، زبيب وسمن وقرظ، فأبت أن تقبل هديتها، وأرسلت إلى عائشة: سلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لتدخلها وتقبل هديتها. ونزلت لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين. الآية. شريك، عن الركين بن الربيع قال: دخلت على أسماء بنت أبي بكر وهي كبيرة عمياء، فوجدتها تصلي، وعندها إنسان يلقنها: قومي اقعدي افعلي. وقال ابن أبي مليكة: دخلت على أسماء، فقالت: بلغني أن هذا صلب ابن الزبير، اللهم لا تمتني حتى أوتى به أحنطه وأكفنه، فأتيت به بعد ذلك قبل موتها، فجعلت تحنطه بيدها وتكفنه بعد ما ذهب بصرها. قال ابن سعد: ماتت أسماء بعد وفاة ابنها بليال. ويروى عن ابن أبي مليكة قال: كفنته وصلت عليه، وما أتت عليه جمعة حتى ماتت. 4 (الأسود بن يزيد) ابن قيس النخعي، الفقيه أبو عمرو، ويقال أبو عبد الرحمن، أخو (5/359)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 360 عبد الرحمن، ووالد عبد الرحمن، وابن أخي علقمة بن قيس، وخال إبراهيم بن زيد النخعي. وكان أسن من علقمة. روى عن: معاذ بن جبل، وعبد الله بن مسعود، وبلال، وحذيفة، وأبي موسى الأشعري، وعائشة، وقرأ عليه القرآن: يحيى بن وثاب، وإبراهيم النخعي، وأبو إسحاق. وكان من العبادة والحج على أمر كبير. فروى شعبة، عن أبي إسحاق قال: حج الأسود ثمانين من بين حجة وعمرة. وقال ابن عون: سئل الشعبي، عن الأسود بن يزيد فقال: كان صواماً قواماً حجاجاً. (5/360)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 361 وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: ثنا عبد الله بن صندل، ثنا تفضيل بن عياض، عن ميمون،) عن منصور، عن إبراهيم قال: كان الأسود يختم القرآن في رمضان في كل ليلتين: وكان ينام بين المغرب والعشاء، وكان يختم القرآن في غير رمضان في كل ست ليال. وقال يحيى بن سعيد القطان: ثنا يزيد بن عطاء، عن علقمة بن مرثد قال: كان الأسود يجتهد في العبادة، يصوم حتى يخضر ويصفر، فلما احتضر بكى، فقيل له: ما هذا الجزع فقال: ما لي لا أجزع، والله لو أتيت بالمغفرة من الله لأهمني الحياء منه مما قد صنعت، إن الرجل ليكون بينه وبين آخر الذنب الصغير، فيعفو عنه، فلا يزال مستحيياً منه. في وفاته أقوال، أحدها سنة خمس وسبعين. 4 (أسلم مولى عمر بن الخطاب) العدوي أبو زيد، ويقال أبو خالد، من سبي عين التمر. وقيل: حبشي. وقيل: من سبي اليمن. وقد اشتراه عمر بمكة لما حج بالناس سنة (5/361)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 362 إحدى عشر في خلافة الصديق. وقال الواقدي: سمعت أسامة بن زيد بن أسلم يقول: نحن قوم من الأشعريين، ولكنا لا ننكر منة عمر رضي الله عنه. سمع: أبا بكر، وعمر، وعثمان، ومعاذاً، وأبا عبيدة، وابن عمر، وابن عمر، وكعب الأحبار. روى عنه: ابنه زيد، والقاسم بن محمد، ومسلم بن جندب، ونافع ابن مولى عمر. قال الزهري، عن القاسم، عن أسلم قال: قدمنا الجابية مع عمر، فأتينا بالطلاء وهو مثل عقيد الرب. وقال الواقدي: حج عمر بالناس سنة إحدى عشرة، فابتاع فيها أسلم. وقال الواقدي أيضاً: ثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: اشتراني عمر سنة اثنتي عشرة، وهي السنة التي قدم فيها بالأشعث بن قيس أسراً، فأنا أنظر إليه في الحديد يكلم أبا بكر، وهو يقول له: فعلت وفعلت، حتى كان آخر ذلك أسمع الأشعث يقول: يا خليفة رسول الله استبقني لحربك، وزوجني أختك، فمن عليه أبو بكر وزوجه أخته أم فروة، فولدت له محمد بن الأشعث. وقال جويرية، عن نافع: حدثني أسلم مولى عمر الأسود الحبشي: والله ما أريد عيبه. وعن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: قال ابن عمر: يا أبا خالد، إني أرى (5/362)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 363 أمير المؤمنين يلزمك لزوماً لا يلزمه أحداً من أصحابك، لا يخرج سفراً إلا وأنت معه، فأخبرني عنه، قال: لم يكن) أولى القوم بالظل، وكان يرحل رواحلنا ويرحل رحله وحده، ولقد فزعنا ذات ليلة وقد رحل رحالنا وهو يرحل رحله ويرتجز: (لا يأخذ الليل عليك بالهم .......... والبسن له قميص واعتم)

(وكن شريك رافع وأسلم .......... واخدم الأقوام حتى تخدم) رواه القعمدي، عن يعقوب بن حماد، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه. قال أبو عبيد: توفي أسلم سنة ثمانين. 4 (أميمة بنت رقيقة) واسم أبيها عبد بن بجاد التيمي، وهي بنت أخت خديجة بنت خويلد لأمها. عدادها في صحابيات أهل المدينة. روى عنها: ابنتها حكيمة، وعبد الله بن عمرو، ومحمد بن المنكدر، وصرح ابن المنكدر بأنه سمع منها، وبأنها بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحديث في الموطأ. (5/363)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 364 4 (أوس بن ضمعج الكوفي العابد.) ثقة كبير مخضرم. روى عن: سلمان الفارسي، وأبي مسعود البدري الأنصاري، وعائشة. روى عنه: إسماعيل بن رجاء، وإسماعيل بن عبد الرحمن السدي، وإسماعيل بن أبي خالد. توفي سنة ثلاث أو أربع وسبعين. (5/364)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 365 4 (حرف الباء)

4 (بجالة بن عبدة التميمي البصري.) كاتب جزء بن معاوية، عم الأحنف بن قيس. روى عن: عبد الرحمن بن عوف، وابن عباس، وقال: جاءنا كتاب عمر رضي الله عنه. روى عنه: الزبير بن الخريت، ويعلى بن حكيم، وطالب بن السميدع. ووفد على يزيد بن معاوية. 4 (البراء بن عازب) ابن الحارث أبو عمارة الأنصاري الحارثي المدني، نزيل الكوفة. (5/365)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 366 صحب النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه، وعن أبي بكر، وغيره.) روى عنه: أبو جحيفة السوائي، وعبد الله بن يزيد الخطمي، الصحابيان، وعدي بن ثابت، وسعد بن عبيدة، وأبو عمر زادان، وأبو إسحاق السبيعي، وآخرون. واستصغر يوم بدر، وشهد غير غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. أبو إسحاق، عن البراء: استصغرني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر فردني، (5/366)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 367 وغزوت معه خمس عشرة غزوة، وما قدم علينا المدينة حتى قرأت سوراً من المفصل. شعبة، وجماعة، عن أبي السفر، رأيت على البراء خاتم ذهب. وقال البراء: كنت أنا وابن عمر لدة. توفي سنة اثنتين وسبعين، وقيل: سنة إحدى وسبعين. 4 (بسر بن أبي أرطأة) عمير بن عويمر بن عمران، ويقال: بسر بن أرطأة، أبو عبد الرحمن (5/367)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 368 العامري القرشي، نزيل دمشق. روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم حديثين، وهما اللهم أحسن عاقبتنا. وحديث: لا تقطع الأيدي في الغزو. روى عنه جنادة بن أبي أمية، وأيوب بن ميسرة، وأبو راشد الحبراني، وغيرهم. قال الواقدي: ولد قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين. وقال ابن يونس المصري: كان صحابياً شهد فتح مصر: وله بها دار وحمام، وكان من شيعة معاوية، وولي الحجاز واليمن له، ففعل أفعالاً قبيحة، وشوش في آخر أيامه. قلت: وكان أميراً سرياً شجاعاً بطلاً فاتكاً، ساق ابن عساكر أخباره في (5/368)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 369 تاريخه، فمن أخبث أخباره التي ما عملها الحجاج، على أن الصحيح أن بسراً لا صحبة له. قال الواقدي، وأحمد بن حنبل، وابن معين: لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وبسر صغير. قال موسى بن عبيدة: ثنا زيد بن عبد الرحمن بن أبي سلامة، عن أبي الزيات، وآخر، سمعا أبا ذر يتعوذ من يوم العورة، قال زيد: فقتل عثمان، ثم أرسل معاوية بسر بن أرطأة إلى اليمن، فسبى نساء مسلمات، فأقمن في السوق. وقال ابن إسحاق: قتل بسر: عبد الرحمن، وقثم ولدي عبيد الله بن عباس باليمن.) وروى ابن سعد، عن الواقدي، عن داود بن جسرة، عن عطاء بن أبي مروان قال: بعث معاوية بسر بن أبي أرطأة إلى الحجاز واليمن يقتل من كان في طاعة علي، فأقام بالمدينة شهراً لا يقال له: هذا ممن أعان على قتل عثمان، إلا قتلة. وكان عبيد الله على اليمن، فمضى بسر إليها فقتل ولدي عبيد الله، وقتل عمرو بن أراكة الثقفي، وقتل من همدان أكثر من مائتين، وقتل من الأبناء طائفة. وذلك بعد قتل علي، وبقي إلى خلافة عبد الملك. ويروى عن الشعبي أن بسراً هدم بالمدينة دوراً كثيرة، وصعد المنبر وصاح: يا دينار، شيخ سمح عهدته ها هنا بالأمس، ما فعل يعني عثمان يا أهل المدينة لولا عهد أمير المؤمنين ما تركت بها محتلماً إلا قتلته، ثم مضى (5/369)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 370 إلى اليمن فقتل بها ابني عبيد الله بن عباس، صبيين مليحين، فهامت أمهما بهما. قلت: وقالت فيهما أبيات سائرة، وبقيت تقف للناس مكشوفة الوجه، وتنشد في الموسم منها: (ها من أحسن بابني الذين هما .......... كالدرتين تجلى عنهما الصدف)

4 (بشر بن مروان) ابن الحكم بن أبي العاص بن أمية القرشي الأموي. كان سمحاً جواداً ممدحاً. ولي إمرة العراقين لأخيه عبد الملك. وله دار بدمشق عند عقبة المتان، وجمع له أخوه إمرة العراقين. فعن الضحاك العتابي قال: خرج أيمن بن خريم إلى بشر بن مروان، (5/370)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 371 فقدم فرأى الناس يدخلون عليه بلا استئذان، فقال: من يؤذن الأمير بنا قالوا: ليس عليه حجاب، فأنشأ يقول: (يرى بارزاً للناس بشر كأنه .......... إذا لاح في أثوابه قمر بدر)

(بعيد مراة العين مارد طرفه .......... حذار الغواشي رجع باب ولا ستر)

(ولو شاء بشر أغلق الباب دونه .......... طماطم سود أو صقالبة حمر)

(ولكن بشراً يسر الباب للتي .......... يكون له في جنبها الحمد والشكر) فقال: تحتجب الحرم، وأجزل صلته. وقال أبو مسهر: ثنا الحكم بن هشام قال: ولى عبد الملك أخاه بشراً على العراقين، فكتب إليه حين وصله الخبر: يا أمير المؤمنين إنك قد شغلت إحدى يدي، وهي اليسرى، وبقيت الأخرى فارغة. فكتب إليه بولاية الحجاز واليمن، فلما بلغه الكتاب حتى وقعت القرحة في يمينه، فقيل) له: نقطعها من مفصل الكف، فجزع، فما أمسى حتى بلغت المرفق، ثم أصبح وقد بلغت الكتف، وأمسى وقد خالطت الجوف، فكتب إليه: أما بعد، فإني كتبت إليك يا أمير المؤمنين، وأنا في أول يوم من أيام الآخرة، قال: فجزع عليه عبد الملك، وأمر الشعراء فرثوه. وقال علي بن زيد بن جدعان: قال الحسن: قدم علينا بشر بن مروان البصرة وهو أبيض بض، أخو خليفة، وابن خليفة، فأتيت داره، فلما نظر إلى الحاجب قال: من أنت قلت: الحسن البصري. قال: ادخل، وإياك أن تطيل الحديث ولا تمله، فدخلت فإذا هو على سرير عليه فرش قد كاد أن يغوص فيها، ورجل متكيء على سيفه قائم على رأسه، فسلمت، فقال: من أنت قلت: الحسن البصري. فأجلسني، ثم قال: ما تقول في زكاة أموالنا، ندفعها للسلطان أم إلى الفقراء قلت: أي ذلك فعلت أجزأ عنك، فتبسم، ثم رفع رأسه إلى الذي على رأسه، فقال: لشيء ما يسود من سود، ثم عدت إليه من العشي، وإذا هو قد اندحر من سريره إلى أسفل وهو يتململ، والأطباء حوله، ثم عدت من الغد والناعية (5/371)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 372 تنعاه، والدواب قد جزوا نواصيها. ودفن في جانب الصحراء. ووقف الفرزدق على قبره ورثاه بأبيات، فما بقي أحد إلا بكى. قال خليفة: مات سنة خمس وسبعين، وهو أول أمير مات في البصرة. توفي وعمره نيف وأربعون سنة. (5/372)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 373 4 (حرف االتاء)

4 (توبة بن الحمير) صاحب ليلى الأخيلية، أحد المتيمين. وكان لا يرى ليلى إلا متبرقعة، وكان يشن الغارة على بني الحارث بن كعب، وكانت بين أرض بني عقيل وبين مهرة، فكمنوا له وقتلوه، فرثته ليلى الأخيلية بأبيات. ومن شعره قوله: (فإن تمنعوا ليلى وحسن حديثها .......... فلن تمنعوا مني البكا والقوافيا) (5/373)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 374 (فهلا منعتم إذ منعتم كلامها .......... خيالاً يمسينا على النأي هاديا)

(لعمري لقد أسهرتني يا حمامة ال .......... عقيق وقد أبكيت من كان باكيا)

(ذكرتك بالغور التهامي فأصعدت .......... شجون الهوى حتى بلغن التراقيا) وله شعر سائر جيد.) ذكر ترجمته ابن الجوزي تقريباً في حدود سنة ست وسبعين. (5/374)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 375 4 (حرف الثاء)

4 (ثابت بن الضحاك بن خليفة،) أبو زيد الأنصاري الأشهلي. قال ابن سعد: توفي في فتنة ابن الزبير، وكان له ثمان سنين أو نحوها عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. روى عنه أبو قلابة الجرمي في الحلف بملة سوى الإسلام. (5/375)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 376 وفي البخاري: عن أبي قلابة، أن ثابت بن الضحاك أخبره أنه بايع تحت الشجرة. رواه البخاري بإسناد نازل. وهذا يدل على أن ابن سعد غلط في عمره كما ترى. (5/376)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 377 4 (حرف الجيم)

4 (جابر بن عبد الله) ابن عمرو بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري (5/377)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 378 السلمي أبو عبد الله، ويقال أبو عبد الرحمن، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبنو سلمة بطن من الخزرج. روى الكثير عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عن: أبي بكر، وعمر، ومعاذ، وأبي عبيدة، وخالد بن الوليد. وقد روى عن: أم كلثوم بنت الصديق، وهي تابعية. روى عنه: سعيد بن المسيب، ومجاهد، وعطاء، وأبو سلمة، وأبو جعفر، والحسن بن محمد بن الحنفية، وسالم بن أبي الجعد، والشعبي وزيد بن أسلم، وأبو الزبير، وعاصم بن عمر بن قتادة، وسعيد بن مينا، ومحارب بن دثار، وخلق سواهم. فعن جابر قال: كنت في الجيش الذين مع خالد بن الوليد الذين أمدهم أبو عبيدة وهو يحاصر دمشق. قال عروة، وموسى بن عقبة: جابر بن عبد الله شهد العقبة. وقال ابن سعد: شهد العقبة مع السبعين، وكان أصغرهم، وأراد شهود بدر، فخلفه أبوه على أخواته، وكن تسعاً وخلفه يوم أحد فاستشهد يومئذ، وكان أبوه عقبياً بدرياً من النقباء. وقال الثوري، عن جابر يعني الجعفي عن الشعبي، عن جابر قال: كنا مع رسول الله) صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة، وأخرجني خالي وأنا لا أستطيع أن أرمي الحجر. وروي عن جابر قال: حملني خالي الجد بن قيس في السبعين الذين (5/378)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 379 وفدوا على رسول الله من الأنصار، فخرج إلينا ومعه العباس. وذكر البخاري، عن عمرو، عن جابر أنه شهد العقبة. وفي مسند الحسن بن سفيان: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: كنت أمتح لأصحابي الماء يوم بدر. قال الواقدي: هذا وهم من أهل العراق. قلت: صدق، فإن زكريا بن إسحاق روى عن أبي الزبير، عن جابر قال: لم أشهد بدراً ولا أحداً، منعني أبي فلما قتل لم أتخلف عن غزوة. أخرجه البخاري. ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر قال: شهدنا بيعة العقبة سبعون رجلاً، فوالينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعباس يمسك بيده. وقال عمرو بن دينار: سمعت جابراً يقول كنا يوم الحديبية ألفاً وأربعمائة، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتم اليوم خير أهل الأرض. وقال أبو عبيدة الحداد عبد الواحد بن واصل: ثنا ليث بن كيسان، عن أبي الزبير، عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لي: هل تزوجت قلت: نعم. قال: بكر أو ثيب قلت: بل ثيب قال: فهلا بكراً تضاحكها وتضاحكك، قلت: يا نبي الله إنها وإنها، وإنما أردت لتقوم على أخواتي، قال: أصبت أرشدك الله. وبه عن جابر قال: استغفر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة البعير خمساً وعشرين مرة. صححه الترمذي. (5/379)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 380 قلت: بغير جابر له طرق كثيرة. وأخرج مسلم من حديث أبي الزبير، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يصعد ثنية المرار فإنه يحط عنه ما حط عن بني إسرائيل، فكان أول من صعدها خيلنا خيل بني الخزرج، وتتابع الناس، فقال: كلكم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر، تعال يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: والله لأن أجد ضالتي أحب إلي من أن يستغفر لي) صاحبكم. وقال ابن المنكدر: سمعت جابراً يقول: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدني لا أعقل، فتوضأ وصب علي من وضوئه، فعقلت. وقال هشام بن عروة: رأيت لجابر بن عبد الله حلقة في المسجد يؤخذ عنه. وقال ابن المنكدر: سمعت جابراً يقول: دخلت على الحجاج: فلما سلمت عليه. وقال زيد بن أسلم: إن جابراً كف بصره. وقال الواقدي، عن أبي بن عباس بن سهل، عن أبيه قال: كنا بمنى، فجعلنا نخب جابراً بما نرى من إظهار قطف الخز والوشي، يعني السلطان وما يصنعون، فقال: ليت سمعي قد ذهب كما ذهب بصري حتى لا أسمع من حديثهم شيئاً ولا أبصره. (5/380)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 381 وروى الواقدي بإسناده أن جابراً دخل على عبد الملك لما حج، فرحب به، فكلمه في أهل المدينة أن يصل رحابهم، فلما خرج في أمر له بخمسة آلاف درهم، فقبلها. وقال محمد بن عباد المكي: ثنا حنظلة بن عمرو الأنصاري، عن أبي الحويرث قال: هلك جابر بن عبد الله، فحضرنا في بني سلمة، فلما خرج سريره من حجرته إذا حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب بين عمودي السرير، فأمر به الحجاج أن يخرج من بين العمودين، فيأبى عليهم فسأله بنو جابر إلا خرج فخرج، وجاء الحجاج حتى وقف بين العمودين حتى وضع، فصلى عليه، ثم جاء إلى القبر، فإذا حسن بن حسن قد نزل في القبر، فأمر به الحجاج أن يخرج فأبى، فسأله بنو جابر بالله، فخرج، فاقتحم الحجاج الحفر حتى فرغ منه. هذا حديث منكر، فإن جابراً توفي والحجاج على إمرة العراق. قال يحيى بن بكير، والواقدي، وغير واحد: توفي سنة ثمان وسبعين. وقال أبو نعيم: توفي سنة سبع وسبعين، وقيل: إنه عاش أربعاً وتسعين سنة. 4 (جبير بن نفير) ابن مالك بن عامر، أبو عبد الرحمن الحضرمي الحمصي. (5/381)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 382 أدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عن: أبي بكر، وعمر، وأبي ذر، وأبي الدرداء، وعبادة بن الصامت، وأبي هريرة، وعائشة، وجماعة. وروى عنه: ابنه عبد الرحمن، وسليم بن عامر، وأبو الزاهرية حدير بن كريب، ومكحول،) وخالد بين معدان، وشرحبيل بن مسلم، وربيعة بن يزيد، وآخرون. قال سليم بن عامر، عن جبير بن نفير قال: استقبلت الإسلام من أوله، فلم أزل أرى في الناس صالحاً وطالحاً. وكان جبير من علماء أهل الشام. قال بقية. ثنا علي بن زبيد الخولاني، عن مرثد بن سمي، عن جبير بن نفير، أن يزيد بن معاوية كتب إلى أبيه أن جبير بن نفير قد نشر في مصري حديثاً، فقد تركوا القرآن، قال: فبعث إلى جبير، فجاء فقرأ عليه كتاب يزيد، فعرف بعضه وأنكر بعضه فقال معاوية: لأضربنك ضرباً أدعك لمن بعدك نكالاً، وقال: يا معاوية، لا تطغ في، أن الدنيا قد انكسر عمادها، وانخسفت أوتادها، وأحبها أصحابها، قال: فجاء أبو الدرداء فأخذ بيد جبير وقال: لئن كان تكلم به جبير لقد تكلم به أبو الدرداء، ولو شاء جبير أن يخبر أن ما سمعه مني لفعل. (5/382)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 383 هذا حديث منكر، جبير لم يكن له ذكر في أيام أبي الدرداء، بل كان شاباً لم يؤخذ عنه بعد، وأخرى فيزيد كان صغيراً بمرة في أيام أبي الدرداء، ولعل بعضه قد جرى. وقد روى جبير أيضاً، عن أبي مسلم الخولاني، وأم الدرداء، ومالك بن يخامر. قال أبو عبيد، وأبو حسان الزيادي: توفي جبير بن نفير سنة خمس وسبعين. وقال ابن سعد، وخليفة، وعلي بن عبد الله التميمي: توفي سنة ثمانين. 4 (جنادة بن أبي أمية) الأزدي الدوسي، واسم أبيه كبير، وله صحبة. (5/383)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 384 روى جنادة عن: معاذ، وأبي الدرداء، وعبادة بن الصامت، وعمر بن الخطاب، وبسر بن أرطأة. روى عنه: ابنه سليمان وبسر بن سعيد، ومجاهد، ورجاء بن حيوة، والصنابحي مع تقدمه، وأبو الخير مرثد اليزني، وعلي بن رباح، وقيس بن هانيء، وعبادة بن نسي، وآخرون. وولي البحر لمعاوية، وشهد فتح مصر، وقد أدرك الجاهلية. قال إبراهيم بن الجنيد، سمعت يحيى بن نعيم، وقيل له: جنادة بن أبي أمية الذي روى عنه مجاهد له صحبة قال: نعم، قلت: هو الذي يروي عن عبادة بن الصامت قال: هو هو. وعد ابن سعد، وأحمد بن عبد الله العجلي، وطائفة في تابعي أهل الشام، وهو الحق.) وله حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن صح فيكون مرسلاً. قال أبو سعيد بن يونس: توفي سنة ثمانين. قال المدائني: توفي سنة خمس وسبعين، وتابعه يحيى بن نعيم. وقال الهيثم بن عدي: توفي سنة سبع وسبعين. وقال علي بن عبد الله التميمي: توفي سنة ست وثمانين. 4 (جهيم العنزي) روى عن: عثمان، وعبد الرحمن بن عوف، وعمار بن (5/384)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 385 ياسر، وسعد. وعنه: أبو عون الثقفي، وحصين بن عبد الرحمن. ذكره ابن أبي حاتم. وقيل: اسمه جهم. (5/385)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 386 4 (حرف الحاء)

4 (الحارث بن الأزمع العبدي، ويقال الوادعي.) عن: عمر، وابن مسعود، وعمرو ابن العاص. وعنه الشعبي، وأبو إسحاق السبيعي. قال أبو حاتم. 4 (الحارث بن سعيد الكذاب) الذي ادعى النبوة بالشام. دمشقي، يقال إنه مولى مروان بن الحكم. فروى الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن حسان قال: كان الحارث الكذاب دمشقياً، وكان مولى لأبي الجلاس، وكان له أب بالحولة. وكان متعبداً زاهداً لو لبس جبة من ذهب لرؤيت عليه زهادة، وكان إذا أخذ في التحميد لم يسمع السامعون إلى كلام أحسن من كلامه، فكتب إلى أبيه وهو بالحولة: يا أبتاه أعجل علي، فقد رأيت أشياء أتخوف أن يكون الشيطان قد (5/386)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 387 عرض لي، قال: فزاده أبوه غياً فكتب إليه: أقبل على ما أمرت به إن الله يقول: في الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم ولست بأفاك ولا أثيم. وكان يجيء إلى أهل المسجد رجل فيذاكره أمره، ويأخذ عليهم العهد والميثاق إن رأى ما يرضى قبل، وإلا كتم عليه، وكان يريهم الأعاجيب، يأتي رخامة في المسجد فينقرها بيده) فتسبح، ويطعمهم فاكهة الصيف في الشتاء، ويقول: اخرجوا حتى أريكم الملائكة، فيخرجهم إلى دير مران فيريهم رجالاً على خيل. فتبعه بشر، كثير، وفشا الأمر في المسجد، وكثر أصحابه، فوصل الأمر إلى القاسم بن مخيمرة، قال: فعرض على القاسم وأخذ عليه العهد والميثاق، ثم قال: إني نبي. قال: كذبت يا عدو الله، ولا عهد لك عندي، قال: فقال له أبو إدريس الخولاني: بئس ما صنعت إذ لم تلن حتى تأخذه، الآن يفر، قال: وقام من مجلسه فدخل على عبد الملك بن مروان، فأعلمه بالأمر، وطلب فلم يقدروا عليه، وخرج عبد الملك فنزل الصنبرة واتهم عامة عسكره بالحارث أن يكونوا يروا رأيه. وأتى الحارث بيت المقدس مختفياً، وكان أصحابه يخرجون يلتمسون الرجال يدخلونهم عليه، وكان رجل من أهل البصرة قد أتى بيت المقدس، فأدخل عليه، فأخذ في التحميد، فسمع البصري كلاماً حسناً، ثم أخبره بأمره وأنه نبي، فقال: إن كلامك حسن، ولكن في هذا نظر، ثم خرج، ثم عاد إليه، فأعاد عليه كلامه، فقال: قد وقع في قلبي كلامك، وقد آمنت بك، هذا الدين المستقيم، فأمر أن لا يحجب، فأقبل البصري يتردد إليه ويعرف (5/387)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 388 مداخله وحيله وأين يهرب، حتى اختص به، ثم قال: ائذن لي، قال: إلى أين قال: إلى البصرة أكون داعياً لك بها، فأذن له، فأسرع إلى عبد الملك وهو بالصنبرة، ثم صاح: النصيحة النصيحة، فأدخل وأخلي، فقال له: ما عندك قال: الحارث، فلما ذكر الحارث طرح نفسه من سريره وقال: أين هو قال: ببيت المقدس يا أمير المؤمنين، وقص شأنه، قال: أنت صاحبه، وأنت أمير بيت المقدس، وأمير ما ها هنا، فمرني بما شئت، قال: ابعث معي أقواماً لا يفقهون الكلام، فأمر أربعين رجلاً من أهل فرغانة، فقال: انطلقوا مع هذا فأطيعوه، فلما قدم أعطاه الكتاب فقال: مرني بما شئت، فقال: اجمع لي إن قدرت كل شمعة ببيت المقدس، وادفع كل شمعة إلى رجل، ورتبهم على أزقة البلد، فإذا قلت أسرجوا، فأسرجوا جميعاً، ففعل ذلك، وتقدم البصري وحده إلى منزل الحارث، فأتى الباب، فقال للحاجب: استأذن لي على نبي الله، فقال: في هذه الساعة ما نؤذن عليه حتى نصبح، قال: أعلمه أني إنما رجعت شوقاً إليه قبل أن أصل، فدخل فأعلمه كلامه وأمره، قال: ففتح الباب، ثم صاح البصري أسرجوا، فأسرجت الشموع حتى كأنه النهار، ثم قال: من مر بكم فاضبطوه، ودخل كما هو إلى الموضع الذي يعرفه، فنظر فإذا هو لا يجده، فطلبه فلم يجده، فقال أصحابه: هيهات، تريدون أن تقتلوا نبي الله، قد رفع إلى السماء، قال:) فطلبه في شق كان قد هيأه سرباً، قال: اربطوا، فربطوه، قال: فبينا هم يسيرون به إذ قال: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم. الآية. فقال أهل فرغانة: هذا كرآننا فهات كرآنك، فسار به حتى أتى به عبد الملك، فأمر بخشبة فنصبت، وصلبه، وأمر رجلاً بحربة فطعنه، فأصاب ضلعاً من أضلاعه، (5/388)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 389 فكفت الحربة، فجعل الناس يصيحون: الأنبياء لا يجوز فيهم السلاح. فلما رأى ذلك رجل من المسلمين تناول الحربة ومشى إليه فطعنه فأنقذه. قال الوليد بن مسلم: فبلغني أن خالد بن يزيد بن معاوية دخل على عبد الملك فقال: لو حضرت ما أمرتك بقتله، قال: ولم قال: كان به المذهب، فلو جوعته ذهب ذلك عنه. قال الوليد، عن المنذر بن نافع أنه سمع خالد بن اللجلاج يقول لغيلان: ويحك يا غيلان، ألم نأخذك في شبيبتك ترامي النساء في شهر رمضان بالتفاح، ثم صرت حارثياً تحجب امرأته، وتزعم أنها أم المؤمنين، ثم صرت قدرياً زنديقاً. وقال موسى بن عامر: ثنا الوليد بن مسلم، ثنا ابن جابر قال: دخل القاسم بن مخيمرة على أبي إدريس فقال: إن حارثاً لقيني فأخذ عهدي لأسمعن منه، فإن قبلته قبلته وإن سخطته كتمت علي. فزعم أن رسول الله، قلت: إنه أحد الدجالين الذين أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الساعة لا تقوم حتى يخرج ثلاثين دجالاً، كلهم يزعم أنه نبي، وهو أحدهم، فارفع شأنه إلى عبد الملك، فقال أبو إدريس: أسأت، لو أدنيته إلينا حتى نأخذه، قال: ورفع أمره إلى عبد الملك فطلبه وتغيب، فأخذه عبد الملك فصلبه، فحدثني من سمع عتبة الأعور يقول: سمعت العلاء بن زياد يقول: ما غبطت عبد الملك بشيء من ولايته إلا بقتله حارثاً. وقال ضمرة بن ربيعة: ثنا علي بن أبي حملة قال: لما ظهر الحارث أتاه مكحول، وعبد الله بن أبي زكريا، وجعلا له الأمان، وسألاه عن أمره، فأخبرهما، فكذبا وردا عليه، وقالا: لا أمان لك، ثم أتيا عبد الملك (5/389)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 390 فأخبراه، قال: وهرب الحارث حتى أتى بيت المقدس، فبعث في طلبه حتى أتي به فقتله. وقال عبد الوهاب بن الضحاك العرضي: ثنا شيخ يكنى أبا الربيع، وقد أدرك ناساً من القدماء قال: لما أخذ الحارث ببيت المقدس حمل على البريد، وجعلت في عنقه جامعة من حديد، فأشرف على عقبة بيت المقدس، فتلا: قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما) يوحي إلي ربي قال: فتقلقلت الجامعة ثم سقطت من يده ورقبته إلى الأرض، فوثب إلي الحرس فأعادوها، فلما أشرف على عقبة أخرى قرأ آية أخرى، فسقطت من رقبته ويده، فأعادوها عليه، فلما تقدموا على عبد الملك حبسه، وأمر رجالاً كانوا معه في السجن من أهل الفقه والعلم أن يعظوه ويخوفوه بالله، ويعلموه أن هذا من الشيطان، فأبى أن يقبل منهم، فأمر به فصلب، وطعنه رجل بحربة، فانثت الحربة، فقال الناس: ما ينبغي لمثل هذا أن يقتل، ثم أتاه حرسي برمح فطعنه بين ضلعين من أضلاعه، ثم هزه فأنفذه، قال: وسمعت غير واحد ولا اثنين يقولون: إن الذي طعنه بالحربة فانثنت قال له عبد الملك: أذكرت الله حين طعنته قال: نسيت، أو قال: لا، قال: فاذكر الله ثم اطعنه، قال: فطعنه فأنفذها. قيل: كان ذلك سنة تسع وسبعين. 4 (الحارث بن سويد التيمي الكوفي.) (5/390)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 391 روى عن: عمر، وعلي، وعبد الله بن مسعود، وغيرهم. وكان كبير القدر، رفيعاً، ثقة نبيلاً. روى عنه: إبراهيم التيمي، وعمارة بن عمير، وغيرهما. كنيته أبو عائشة. 4 (حبة بن جوين العرني الكوفي،) أبو قدامة. روى عن: علي، وابن مسعود، وحذيفة. وعنه: مسلم الملائي، وسلمة بن كهيل، والحكم بن عتبة. وكان من شيعة علي، شهد معه النهروان. (5/391)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 392 ضعفه يحيى بن معين. وقال النسائي: ليس بالقوي. قال ابن سعد: توفي سنة ست وسبعين. وهو ضعيف له أحاديث. 4 (حسان بن كريب الرعيني،) أبو كريب مصري، شهد فتح مصر. وحدث عن: عمر، وعلي، وأبي ذر، وأبي مسعود البدري. وعنه: مرثد اليزني، وواهب بن عبد الله المعافري، وكعب بن علقمة، وعبد الله بن هبيرة) السبائي، وآخرون. روى يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد، عنه، عن علي قال: القائل الفاحشة والذي سمع في إثم سواء. قاله البخاري في تاريخه، عن أبي موسى الزمن، عن وهب بن جرير، عن أبيه، عن يحيى بن أيوب عن يزيد. 4 (حسان بن النعمان الغساني) من أمراء عرب الشام، يقال إنه ابن النعمان بن المنذر. روى عن عمر. (5/392)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 393 ولاه عبد الملك بن مروان غزو المغرب في سنة بضع وسبعين. روى عنه من المصريين أبو قبيل حي بن يؤمن. وكان غازياً مجاهداً، وكان له بدمشق دار. قال خليفة في سنة سبع وخمسين: وجهه معاوية إلى إفريقية، فصالحه من يليه من البربر، ووضع عليهم خراج. وفي سنة ثمان وسبعين قفل حسان من القيروان واستخلف سفيان بن ملك الثقفي وقد على عبد الملك، فرده على إفريقية، وزاده أطرابلس. وفي سنة ثمانين غزا حسان بأهل الشام البحر. وقيل في سنة أربع وسبعين أغذى عبد الملك حسان بن النعمان المغرب، فبلغ القيروان، فبعثت الكاهنة ابنها، فطلب حسان، فهزمه وحصره حتى أكلوا الدواب، ثم حمل حسان والمسلمون فأفرجوا لهم، ونزل العسكر بقصور حسان. وكتب حسان إلى عبد العزيز بن مروان يستمده، فأمده بجيش عظيم، فسار إلى الكاهن، وجرت بينهم حروب. ثم قتلت الكاهنة وابنها. وافتتح حسان عدة حصون، وصالح أهل إفريقية والبربر، وافتتح فاس ومصر القيروان. قال أبو سعيد بن يونس: توفي حسان بأرض الروم سنة ثمانين. 4 (حارثة بن مضرب العبدي الكوفي.) (5/393)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 394 عن: علي، وعمار، وابن مسعود، وسلمان. وعنه: أبو إسحاق السبيعي.) قال أحمد بن حنبل: حسن الحديث. 4 (حارثة بن وهب الخزاعي،) أخو عبيد الله بن عمر بن الخطاب لأمه، وأمهما أم كلثوم بنت جرول الخزاعية. له صحبة ورواية، نزل الكوفة. وروى أيضاً عن حفصة عمة أخيه. وعنه: معبد بن خالد، وأبو إسحاق، والمسيب بن رافع. 4 (حطان بن عبد الله الرقاشي) البصري. ثقة مشهور. (5/394)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 395 روى عن: علي بن أبي طالب، وأبي موسى، وأبي الدرداء، وعبادة. وعنه: أبو مجلز لاحق، ويونس بن جبير، والحسن البصري، وغيرهم. وقد قرأ القرآن على أبي موسى. قرأ عليه: الحسن. وثقه ابن المديني. 4 (حمران بن أبان) من سبي عين التمر. كان للمسيب بن نجبة، فابتاعه منه عثمان رضي الله عنه وأعتقه. سكن البصرة، وحدث عن: عثمان، وابن عمر، ومعاوية. (5/395)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 396 روى عنه: عروة، وأبو سلمة، وجامع بن راشد، والحسن البصري، ونافع مولى ابن عمر، ومحمد بن المنكدر، وزيد بن أسلم، وبكر بن عبد الله بن الأشج، وبيان بن بشر، وآخرون. وكانت له بدمشق دار. وعن قتادة قال: كان عثمان يصلي بالناس، فإذا أخطأ فتح عليه حمران. وقال الأصمعي: قال أبو عاصم: حدثني رجل من ولد عبد الله بن عامر قال: حدثني أبي، أن حمران بن أبان مد رجله، فابتدره معاوية وعبد الله بن عامر لكي يغمزانه، وكان الحجاج قد أغرم حمران مائة ألف، فبلغ ذلك عبد الملك بن مروان، فكتب إليه: إن حمران أخو من مضى وعم من بقي، فاردد عليه ما أخذت منه، فدعا بحمران، فقال: كم أغرمناك قال: مائة ألف،) فبعث بها إليه مع غلمان، فقال: هي لك مع الغلمان. وقسمها حمران بين أصحابه، وأعتق الغلمان. وإنما أغرمه الحجاج لأنه كان ولي بعض نيسابور. وعن الزهري قال: كان عثمان يأذن عليه مولاه حمران. وقال يحيى بن بكير: ثنا الليث أن عثمان اشتكى شكاة، فخاف فأوصى، واستخلف عبد الرحمن بن عوف، وكان عبد الرحمن في الحج، وكان الذي ولي كتابه حمران، فاستكتمه وعوفي، فقدم عبد الرحمن، فلقيه حمران فأخبره، فقال: أيش فعلت لا بد أن أخبره، قال: إذاً والله يهلكني. فقال: والله ما يسعني فأترك ذلك لئلا يأمنك على مثلها، ولكن لا أفعل حتى أستأمنه لك فأخبره، فدعا به عثمان فقال: إن شئت جلدتك مائة، وإن شئت (5/396)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 397 فاخرج عني، فاختار الخروج، فخرج إلى الكوفة. وقال خليفة. مات بعد سنة خمس وسبعين. 4 (حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق) عبد الله بن أبي قحافة التيمي. روت عن: أبيها، وعمتها عائشة، وأم سلمة. روى عنها: عراك بن مالك، ويوسف بن ماهك، وعبد الرحمن بن سابط. 4 (حنظلة أبو خلدة بصري قديم.) روى عن: عمر، وعلي، وابن مسعود، وعمار. وعنه: سوادة بن أبي الأسود، وجويرية بن بشير، وأبو ثمامة محمد بن مسلم. ذكره ابن أبي حاتم، وغيره. 4 (حيان بن حصين) أبو الهياج الأسدي والد منصور. (5/397)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 398 سمع: علياً، وعماراً. وعنه: أبو وائل، وعامر الشعبي، وابنه جرير. (5/398)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 399 4 (حرف الخاء)

4 (خرشة بن الحر الكوفي.) ) كان يتيماً في حجر عمر، وأخته سلامة لها صحبة. يروي عن: عمر، وأبي ذر، وعبد الله بن سلام. وعنه: ربعي بن خراش، وأبو زرعة بن عمرو بن جرير، والمسيب بن رافع، وسليمان بن مسهر، وآخرون. توفي سنة أربع وسبعين. (5/399)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 400 4 (حرف الراء)

4 (رافع بن خديج) ابن رافع بن عدي بن يزيد الأنصاري الخزرجي. (5/400)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 401 شهد أحدا والخندق، واستصغر يوم بدر. ويقال: أصابه سهم يوم أحد فنزعه وبقي النصل إلى أن مات. وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أشهد لك يوم القيامة. وشهد رافع صفين مع علي، وله عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث. روى عنه: بشير بن يسار، وحنظلة بن قيس الزرقي، والسائب بن يزيد، وعطاء بن أبي رباح، ومجاهد، ونافع، وابنه رفاعة بن رافع، وحفيده عباية بن رفاعة، وآخرون. شعبة: عن أبي بشر، عن يوسف بن ماهك: رأيت ابن عمر أخذ بعمودي جنازة رافع بن خديج، فجعله على منكبيه يمشي بين يدي السرير، حتى انتهى إلى القبر، وقال: إن الميت يعذب ببكاء الحي. توفي في أول سنة أربع وسبعين، وصلى عليه ابن عمر، وعاش ستاً وثمانين سنة، رحمه الله تعالى. وكان يتعانى المزارع ويفلحها. قال خالد بن يزيد الهدادي وهو ثقة: ثنا بشر بن حرب قال: كنت في جنازة رافع بن خديج ونسوة يبكين ويولولن على رافع، فقال ابن عمر: إن رافعاً شيخ كبير لا طاقة له بعذاب الله، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الميت يعذب ببكاء أهله عليه. (5/401)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 402 4 (الربيع بنت معوذ بن عفراء الأنصارية) النجارية.) لها صحبة، دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة بنى بها. روت عدة أحاديث، وطال عمرها. روى عنها: خالد بن ذكوان، وعبادة بن الوليد بن عبادة بن االصامت، وسليمان بن يسار، وأبو سلمة، ونافع، وعمرو بن شعيب، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وآخرون. 4 (ربيعة بن عبد الله بن الهدير القرشي) التيمي عم محمد بن المنكدر. روى عن: عمر، وطلحة بن عبيد الله. روى عنه: ابن المنكدر، ومحمد بن إبراهيم التيمي، وربيعة الرأي، وغيرهم. وتوفي سنة ثلاث وسبعين أو بعدها. (5/402)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 403 4 (حرف الزاي)

4 (زفر بن الحارث بن عبد عمرو بن معاز) ، أبو الهذيل الكلابي. من أمراء العرب. سمع: عائشة، ومعاوية. روى عنه: ثابت بن الحجاج، وغيره. سكن البصرة، ثم الشام، وكان أميراً على أهل قنسرين يوم صفين، وشهد يوم راهط مع الضحاك بن قيس، وهرب فتحصن بقرقيسياء. وله شعر. توفي في خلافة عبد الملك. (5/403)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 404 4 (زهير بن قيس البلوي المصري.) شهد فتح مصر وسكنها ويقال له صحبة. قتلته الروم ببرقة، وذلك أن الصريح أتاهم بمصر أن الروم نزلوا على برقة، فأمره عبد العزيز بن مروان بالنهوض، وكان واجداً عليه لأنه قاتله بناحية أيلة، إذ دخل مروان مصر، وسير ابنه عبد العزيز إلى مصر على طريق أيلة، فخرج زهير على البريد مغاضباً في أربعين رجلاً، فلقي الروم فأراد أن يكف حتى يلحقه الناس، فقال فتى معه: جبنت أبا شداد: فقال: قتلتنا فقتلت نفسك، ثم لاقى العدو، فقتل هو وأصحابه، وذلك في سنة ست وسبعين.) له حديث تفرد به عنه سويد بن قيس، مجهول. 4 (زياد بن حدير أبو المغيرة الأسدي الكوفي.) سمع: علياً، وعمر. وعنه: الشعبي، وإبراهيم بن مهاجر، وحفص بن حميد. قال أبو حاتم: ثقة. وقال حفص بن حميد: يكنى أبا عبد الرحمن. (5/404)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 405 4 (زيد بن خالد الجهني) أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو طلحة. صحابي مشهور، نزل الكوفة بعد المدينة. وحدث عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عثمان، وأبي طلحة الأنصاري. روى عنه: ابنه خالد، وبسر بن سعيد، وعطاء بن يسار، وأبو سلمة، وعطاء بن أبي رباح، وسعيد بن يسار، وجماعة. توفي بالكوفة فيما قيل ولم أر للكوفيين عنه رواية. وتوفي سنة ثمان وسبعين. 4 (زينب بنت أبي سلمة) عبد الله بن عبد الأسد بن هلال المخزومية، ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، (5/405)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 406 وأخت عمر، ولدتهما أم سلمة بالحبشة. روت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أمهات المؤمنين الأربعة: أمها، وزينب بنت جحش، وعائشة، وأم حبيبة. روى عنها: حميد بن نافع، وعراك بن مالك، وعروة، وعلي بن الحسين، والقاسم بن محمد، وعبيد الله بن عبد الله، وأبو قلابة الجرمي، وكليب بن وائل، وعمرو بن شعيب، ومحمد بن عمرو بن عطاء، وابنها أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة، وآخرون. روى عبد الله بن لهيعة، عن عمرو بن شعيب قال: حدثتني زينب بنت أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند أم سلمة، فجعل الحسن في شق، والحسين في شق، وفاطمة في حجره فقال: رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد وأنا وأم سلمة جالستان، فبكت أم سلمة، فقال: ما يبكيك قالت: خصصتهم وتركتني وبنتي، قال: أنت وابنتك من أهل) البيت. هذا حديث جيد السند. توفيت قريباً من سنة أربع وسبعين. (5/406)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 407 4 (حرف السين)

4 (سراقة بن مرداس الأزدي البارقي) ، شاعر مشهور. هرب من المختار ابن أبي عبيد إلى دمشق، وكان قد هجاه. وكان مع بشر بن مروان بالعراق. وكانت بينه وبين جرير مهاجاة. (5/407)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 408 وذكرنا له بيتين في المختار. 4 (سعد بن مالك هو أبو سعيد. يأتي بكنيته.)

4 (سعيد بن وهب الهمداني الخيواني الكوفي.) قال ابن سعد في الطبقات: سمع سعيد بن وهب من معاذ بن جبل باليمن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان لزوماً لعلي، كان يقال له القراد للزومه إياه. أنبأ أبو نعيم: ثنا يونس بن أبي إسحاق قال: رأيت سعيد بن وهب، وقد كان عريف قومه. وقال يونس: ورأيته مخضوباً بالصفرة. قال ابن سعد: توفي سنة ست وثمانين. كذا قال. وروى عن: سلمان الفارسي، وخباب بن الأرت. وعنه: ابنه عبد الرحمن، وأبو إسحاق السبيعي، وغيرهما. وثقه يحيى بن معين. وتوفي سنة ست وسبعين. (5/408)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 409 4 (سلمة بن أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي،) ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابن أم سلمة، له رؤية ولا يحفظ له رواية. قال ابن سعد: زوج النبي صلى الله عليه وسلم سلمة بن أبي سلمة أمامة بنت حمزة بن المطلب، وقال: هل جزيت سلمة يقول ذلك لأن سلمة هو ابن زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد جزاه بما صنع.) ثم قال: توفي سلمة بالمدينة في خلافة عبد الملك بن مروان. 4 (سليم بن عتر) أبو سلمة التجيبي المصري، قاضي مصر وقاصها ومذكرها، وكان يسمى الناسك لشدة عبادته. حضر خطبة عمر بالجابية. وحدث عن: عمر، وعلي، وأبي الدرداء، وأم المؤمنين حفصة. روى عنه: علي بن رباح، وأبو قبيل، ومشرح بن عاهان، وعقبة بن مسلم، والحسن بن ثوبان، وابن عمه الهيثم بن خالد. قال الدارقطني: وكان سليم بن عتر يقص وهو قائم، وكان رجلاً صالحاً قال وروي أنه كان يختم كل ليلة ثلاث ختمات، ويأتي امرأته (5/409)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 410 ويغتسل ثلاث مرات، وأن امرأته قالت بعد موته: رحمك الله، لقد كنت ترضي ربك وترضي أهلك. وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن حجيرة قال: اختصم إلى سليم بن عتر في ميراث، فقضى بين الورثة، ثم تناكروا فعادوا إليه، فقضى بينهم، وكتب كتاباً بقضائه، وأشهد فيه شيوخ الجند، فكان أول من سجل لقضائه. وقال ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد، أن سليم بن عتر كان يقرأ القرآن كل ليلة ثلاث مرات. وقال ضمام بن إسماعيل، عن الحسن بن ثوبان، عن سليم بن عتر قال: لما قفلت من البحر تعبدت في غار بالإسكندرية سبعة أيام، ما أكلت ولا شربت ولولا أني خشيت أن أضعف لزدت. وقال ابن بكير: ثنا ابن لهيعة، حدثني أبو قبيل قال: لما استخلف يزيد كره عبد الله بن عمرو بيعته، وكان مسلمة بن مخلد بالإسكندرية، فبعث إليه مسلمة كريب بن أبرهة، وعابس بن سعيد، ومعهما سليم بن عتر، وهو يومئذ قاص أهل الشام وقاضيهم، فوعظوا عبد الله في بيعة يزيد، فقال: والله لأنا أعلم بأمر يزيد منكم، وأنا لأول الناس أخبر به معاوية أنه سيستخلف، ولكني أردت أن يلي هو بيعتي. وقال الكريب أتدري ما مثلك يا كريب كقصر في صحراء غشيه الناس، قد أصابهم الحر، فدخلوا يستظلون فيه، فإذا هو ملآن من مجالس الناس وإن صوتك في العرب كريب بن أبرهة، وليس عندك شيء. وأما أنت يا عابس، فبعت آخرتك) بدنياك. وأما أنت يا سليم كنت قاصاً، فكان معك ملكان يعينانك ويذكرانك، ثم صرت قاضياً ومعك شيطانان يزيغانك ويفتنانك. قال ابن يونس: توفي بدمياط سنة خمس وسبعين. (5/410)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 411 وثقه أحمد العجلي. 4 (سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أبو عبد الرحمن، كان عبداً لأم سلمة فأعتقته، وشرطت عليه أن يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ما عاش. له صحبة ورواية. روى عنه: ابناه عبد الرحمن، وعمر، وسعيد بن جمهان، والحسن البصري، ومحمد بن المنكدر، وسالم بن عبد الله، وصالح أبو الخليل، وأبو ريحانة عبد الله بن مطر، وقتادة وغيرهم. واسمه مهران، وقيل: رومان، وقيل: قيس، وقيل غير ذلك. (5/411)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 412 وقد حمل مرة متاع القوم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم له: ما أنت إلى سفينة، فلزمه. وروى أسامة بن زيد، عن ابن المنكدر، عنه أنه ركب البحر، فانكسر بهم المركب، فألقاه البحر إلى الساحل، فلقي الأسد فقال له: أنا سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدله الأسد على الطريق، وذكر الحديث. 4 (سلمة بن الأكوع) هو سلمة بن عمرو بن سنان بن عبد الله بن قشير الأسلمي المدني، (5/412)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 413 صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحد من بايع تحت الشجرة. والأكوع لقب سنان. روى عنه: ابنه إياس، ومولاه يزيد بن أبي عبيد، ويزيد بن خصيفة، وعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، والحسن بن محمد بن الحنفية. كنيته: أبو مسلم، ويقال: أبو عامر، ويقال: أبو إياس. قال يزيد بن أبي عبيد: رأيت أبا سلمة يصفر لحيته. وقال عرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة، عن أبيه قال: كان شعارنا ليلة بيتنا هوازن مع أبي بكر، أمره علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمت أمت، وقتلت بيدي ليلتئذ سبعة أهل) أبيات. وقال عطاف بن خالد، عن عبد الرحمن بن رزين: أتينا سلمة بن الأكوع بالربذة، فأخرج إلينا يداً ضخمة كأنها خف البعير، فقال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: بيدي هذه، فأخذنا يده فقبلناها. وقال الحميدي: ثنا علي بن يزيد الأسلمي: ثنا إياس بن سلمة، عن أبيه قال: أردفي رسول الله صلى الله عليه وسلم مراراً، ومسح على وجهي، مراراً، واستغفر لي مراراً، عدد ما في يدي من الأصابع. (5/413)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 414 وقال حماد بن مسعدة: ثنا يزيد، عن سلمة أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في البدو، فأذن له. وقال حماد بن مسعدة، عن يزيد بن أبي عبيدة قال: لما ظهر نجدة وجبا الصدقات قيل لسلمة ألا تباعد منهم فقال: والله لا أتباعد ولا أبايعه، قال: ودفع صدقته إليهم، قال: وأجاز الحجاج سلمة بجائزة فقبلها. ابن عجلان، عن عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع قال: رأيت سلمة تبن الأكوع يحفي شاربه أخي الحلق. وقال ابن سعد: ثنا عمر بن محمد، ثنا عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، عن زياد بن مينا قال: كان ابن عباس، وابن عمر، وأبو سعيد، وأبو هريرة، وجابر، ورافع بن خديج، وسلمة بن الأكوع، وأبو واقد الليثي، وعبد الله بن بحينة، مع أشباه لهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتون بالمدينة، ويحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من لدن توفي عثمان، إلى أن توفوا. وقال سلمة: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات. وقال إياس بن سلمة، ما كذب أبي قط، رضي الله عنه. وفي البخاري، من حديث يزيد بن أبي عبيد قال: لما قتل عثمان خرج سلمة بن الأكوع إلى الربذة وتزوج هناك، وجاءه أولاد، فلم يزل بها إلى قبل أن يموت بليال، فنزل المدينة. (5/414)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 415 قال الواقدي، وجماعة: توفي سنة أربع وسبعين. وأوردنا من أخباره في المغازي.) 4 (سويد بن منجوف بن ثور) بن عفير السدوسي البصري. رأى علياً وسمع أبا هريرة، ووفد على معاوية. وهو والد علي بن سويد. روى عنه المسيب بن رافع. قال خليفة: توفي سنة اثنتين وسبعين. (5/415)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 416 4 (حرف الشين)

4 (شبث بن ربعي بن حصين التميمي اليربوعي،) أحد الأشراف، كان ممن خرج على علي، ثم أناب ورجع. قال حفص بن غياث: سمعت الأعمش يقول: شهدت جنازة شبث، فأقاموا العبيد على حدة، والجواري على حدة، والخيل على حدة، والجمال (5/416)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 417 على حدة، وذكر الأصناف، ورأيتهم ينوحون عليه يلتدمون، ذكره ابن سعد. وقد روى عن: علي، وحذيفة. وعنه محمد بمن كعب القرظي، وسليمان التيمي. له حديث واحد في سنن. 4 (شبيب بن يزيد) ابن نعيم بن قيس بن عمرو بن الصلت الشيباني الخارجي، خرج بالموصل، فبعث إليه الحجاج خمسة قواد، فقتلهم واحد بعد واحد. ثم سار إلى الكوفة وقاتل الحجاج وحاصره، كما ذكرنا. وكانت امرأته غزالة من الشجاعة والفروسية بالوضع العظيم مثله، هرب الحجاج منها ومنه، فعيره بعض الناس بقوله: (أسد علي وفي الحروب نعامة .......... فتخاء تنفر من صفير الصافر)

(هلا برزت إلى غزالة في الوغى .......... بل كان قلبك في جناحي طائر) (5/417)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 418 وكانت أمه جهيزة تشهد الحروب. وقال بعضهم: رأيت شبيباً وقد دخل المسجد وعليه جبة طيالسة، عليها نقط من أثر المطر، وهو طويل، أسمط، جعد، آدم، فبقي المسجد يرتج له.) ولد سنة ست وعشرين، وغرق بدجيل سنة سبع وسبعين. ويقال: إنه أحضر إلى عبد الملك بن مروان رجل وهو عتبان الحروري، فقال له عبد الملك ألست القائل: (فإن يك منكم كان مروان وابنه .......... وعمرو ومنكم هاشم وحبيب)

(فمنا حصين والبطين وقعنب .......... ومنا أمير المؤمنين شبيب) فقال: يا أمير المؤمنين، إنما قلت ومنا أمير المؤمنين، ونصبه على النداء، فاستحسن قوله وأطلقه. وجهيزة هي التي يضرب بها المثل في الحمق، لأنها لما حملت قالت: في بطني شيء ينقز، فقيل: أحمق من جهيزة. ويروى عنها ما يدل على عدم الحمق، فإن عمر بن شبة قال: حدثني خلاد بن يزيد الأرقط قال: كان شبيب ينعى لأمه، فيقال لها: قتل، فلا تقبل، (5/418)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 419 فلما قيل لها: إنه غرق، قبلت، وقالت: إني رأيت حين ولدته أنه خرج مني شهاب نار، فعلمت أنه لا يطفئه إلا الماء. 4 (شريح بن الحارث) ابن قيس بن الجهم بن معاوية بن عامر القاضي: أبو أمية الكندي (5/419)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 420 الكوفي قاضيها. ويقال: شريح بن شراحيل، ويقال: ابن شرحبيل، ويقال: إنه من أولاد الفرس الذي كانوا باليمن. وقد أدرك الجاهلية، ووفد من اليمن بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وولي قضاء الكوفة لعمر. وروى عنه: وعن: علي، وعبد الرحمن بن أبي بكر. روى عنه: الشعبي، وإبراهيم النخعي، ومحمد بن سيرين، وقيس بن أبي حازم، ومرة الطيب، وتميم بن سلمة. وهو مع فضله وجلالته قليل الحديث. وثقه يحيى بن معين. وعن ابن سيرين قال: سئل شريح: ممن أنت قال: ممن أنعم الله عليه بالإسلام، وعدادي في كندة. وقال: كان شريج شاعراً، راجزاً، قائفاً، وكان كوسجاً. وقال الشعبي: كان شريح أعلمهم بالقضاء، وكان عبيدة يوازيه في علم القضاء، وأما علقمة فانتهى إلى قول عبد الله لم يجاوزه، وأما (5/420)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 421 مسروق، فأخذ من كل، وأما الربيع بن خثيم فأقل) القوم علماً وأشدهم ورعاً. وقال أبو وائل: كان شريح يقل غشيان عبد الله للاستغناء. وقال زكريا بن أبي زائدة: ثنا عاصم، عن عامر الشعبي أن عمر بعث ابن سور على قضاء البصرة، وبعث شريحاً على قضاء الكوفة. وقال مجالد، عن الشعبي أن عمر رزق شريحاً مائة درهم على القضاء. وقال هشيم: ثنا سيار، عن الشعبي قال: لما بعث شريحاً على القضاء قال: أنظر مل تبين لك في كتاب الله، فلا تسأل عنه أحداً، وما لم يتبين لك في كتاب الله فاتبع فيه السنة، وما لم يتبين لك في السنة فاجتهد فيه رأيك. وقال ابن عيينة، عن أبي إسحاق الشيباني، عن الشعبي قال: كتب عمر إلى شريح إذا أتاك أمر في كتب الله فاقض به، فإن لم يكن في كتاب الله في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقض به، فإن لم يكن في كتاب الله ولا في سنة رسول الله فاقض بما قضى به أئمة الهدى، فإن لم يكن في كتاب الله ولا في سنة رسوله، ولا فيما قضى به أئمة الهدى فأنت الخيار، إن شئت (5/421)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 422 تجتهد رأيك، وإن شئت تؤآمرني، ولا أرى مؤآمرتك إياي إلا أسلم لك. وقال الثوري، عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن يريم: أن علياً جمع الناس في الرحبة وقال: إني مفارقكم، فاجتمع في الرحبة رجال أيما رجال، فجعلوا يسألونه حتى نفد ما عندهم، ولم يبق إلا شريح، فجثا على ركبتيه وجعل يسأله، فقال له علي: اذهب، فأنت أقضى العرب. وقال حجاج بن أبي عثمان، عن ابن سيرين، عن شريح أنه كان إذا قيل له: كيف أصبحت قال: أصبحت وشطر الناس علي غضاب. وقال مجاهد: اختصم إلى شريح في ولد هرة، فقالت امرأة: هو ولد هرتي، وقالت الأخرى: هو ولد هرتي. فقال شريح: ألقها مع هذه فإن هي قرت ودرت واسبطرت فهي لها، وإن هي هرت وفرت واقشعرت وفي لفظ: وازبأرت فليس لها. اسبطرت: امتدت للإرضاع. وتزبئر: تنتفش. وقال ابن عون، عن إبراهيم أن رجلاً أقر عند شريح بشيء ثم ذهب ينكر فقال: قد شهد عليك ابن أخت خالتك.) وقال جويرية، عن مغيرة قال: شريح يدخل يوم الجمعة بيتاً يخلو فيه، لا يدري الناس ما يصنع فيه. (5/422)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 423 وقال أبو المليح الرقي، عن ميمون بن مهران قال: لبث شريح في فتنة ابن الزبير تسع سنين لا يخبر، فقيل له: قد سلمت قال: فكيف بالهوى. وقال أبو عوانة، عن الأعمش قال: كان شريح يقرأ بل عجبت ويسخرون ويقول: إنما يعجب من لا يعلم، فذكرت ذلك لإبراهيم، فقال: كان شريح شاعراً معجباُ برأيه، عبد الله بن مسعود أعلم بذلك. وروى شريك، عن يحيى بن قيس الكندي قال: أوصى شريح أن يصلى عليه بالجبانة، وأن لا يؤذن به أحد، ولا تتبعه صائحة، وأن لا يجعل على قبره ثوب، وأن يسرع به في السير، وأن يلحد له. قال أبو نعيم: مات شريح وهو ابن مائة وثمان سنين، سنة ثمان وسبعين. وكذا قال في موته الهيثم بن عدي، والمدائني. وقال خليفة، وابن نمير: سنة ثمانين. وجاء أنه استعفى من القضاء قبل موته بسنة. 4 (شريح بن هانيء) أبو المقدام الحارثي المذحجي الكوفي: أدرك الجاهلية. (5/423)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 424 وروى عن: أبيه، وعلي بن أبي طالب وكان من أصحابه وعمر، وعائشة، وسعد، وأبي هريرة. روى عنه: ابناه محمد، والمقدام، والشعبي، والقاسم بن مخيمرة، وحبيب بن أبي ثابت، ويونس بن أبي إسحاق. وشهد تحكيم الحكمين، ووفد على معاوية يشفع في كثير بن شهاب، فأطلقه له. وروى الواقدي، عن مجالد، عن الشعبي، عن زياد بن النضر أن علياً بعث أبا موسى ومعه أربعمائة رجل، عليهم شريح بن هانيء. ومعهم ابن عباس يصلي بهم ويلي أمرهم، يعني إلى دومة الجندل. وقال سليمان بن أبي شيخ: كان شريح بن هانيء جاهلياً إسلامياً، قال في إمرة الحجاج: (أصبحت ذا بث اقاسي الكبرا .......... قد عشت بين المشركين أعصرا) ) (ثمت أدركت النبي المنذرا .......... وبعده صديقه وعمرا)

(والجمع في صفينهم والنهرا .......... ويوم مهران ويوم تسترا) (5/424)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 425 (وبا جميراوات والمشقرا .......... هيهات ما أطول هذا عمرا) قال القاسم بن مخيمرة: ما رأت حارثياً أفضل من شريح بن هانيء. ووثقه ابن معين وغيره. وذكر أبو حاتم السجستاني أنه عاش مائة وعشرين سنة. وقال خليفة: وفي سنة ثمان وسبعين ولى الحجاج عبيد الله بن أبي بكرة سجستان، فوجه أبا برذعة، فأخذ عليه المضيق، وقتل شريح بن هانيء. (5/425)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 426 4 (حرف الصاد)

4 (صلة بن زفر العبسي الكوفي.) روى عن: ابن مسعود، وعمار بن ياسر، وحذيفة، وغيرهم. روى عنه: إبراهيم النخعي، والشعبي، وأبو إسحاق السبيعي، وآخرون. توفي سنة اثنتين وسبعين، وكان من جلة الكوفيين وثقاتهم، له قلب منور. (5/426)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 427 4 (حرف العين)

4 (عاصم بن ضمرة السلولي الكوفي) صاحب علي، له عدة أحاديث عنه. روى عنه: الحكم بن عيينة، وحبيب بن أبي ثابت، وأبو إسحاق السبيعي، وغيرهم. وهو حسن الحديث. وقال النسائي: ليس به بأس. ولينة ابن عدي، ووثقه جماعة. (5/427)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 428 4 (عبد الله بن جعفر) ابن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، أبو جعفر الهاشمي الجواد (5/428)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 429 ابن الجواد. له صحبة ورواية. ولد بالحبشة من أسماء عميس، ويقال: لم يكن في الإسلام أسخى منه. وروى أيضاُ عن: أبويه، وعن عمه علي. روى عنه: بنوه إسماعيل، وإسحاق، ومعاوية، وابن مليكة، وسعد بن إبراهيم، وعباس بن سهل بن سعد، وعبد الله بن محمد بن عقيل، والقاسم بن محمد، وآخرون.) وهو آخر من رأى النبي صلى الله عليه وسلم من بني هاشم، سكن المدينة ووفد على معاوية وابنه وعبد الملك. قال مهدي بن ميمون: ثنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن الحسن بن سعد مولى الحسن بن علين عن عبد الله بن جعفر قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه، فأسر إلي حديثاً لا أحدث به أحداً فدخل حائطاً، فإذا جمل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حن وذرفت عيناه الحديث. وقال ضمرة، عن علي بن أبي حملة قال: وفد عبد الله بن جعفر على يزيد، فأمر له بألفي ألف. (5/429)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 430 وقال إسماعيل بن عياش، عن هشام بن عروة، عن أبيه: إن عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن جعفر بايعا النبي صلى الله عليه وسلم وهما ابنا سبع سنين، فلما رآهما تبسم وبسط يده وبايعهما. وقال فطر بن خليفة، عن أبيه، عن عمرو بن حريث قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن جعفر وهو يلعب بالتراب فقال: اللهم بارك له في تجارته. وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي: إن ابن عمر كان إذا سلم على عبد الله بن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين. وقال جرير بن حازم: ثنا محمد بن أبي يعقوب، عن الحسن بن سعد، عن عبد الله بن جعفر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم بعدما أخبرهم بقتل جعفر بن أبي طالب بعد ثلاثة، فقال: لا تبكوا أخي بعد اليوم. ثم قال: ائتوني ببني أخي، فجيء بنا كأننا أفرخ، فقال: ادعوا لي الحلاق، فأمره، فحلق رؤوسنا، ثم قال: أما محمد فشبه عمنا أبي طالب، وأما عبد الله فشبه خلقي وخلقي،، ثم أخذ بيدي فأشالها وقال: اللهم اخلف جعفراً في أهله وبارك لعبد الله في صفقته، قال: فجاءت أمنا فذكرت يتمنا، فقال: العيلة تخافين عليهم وأنا وليهم في الدنيا والآخرة حديث صحيح. وعن أبان بن تغلب قال: ذكر لنا أن عبد الله بن جعفر قدم على معاوية، وكان يفد في كل سنة، فيعطيه ألف ألف درهم ويقضي له مائة حاجة، وذكر أن أعرابياً وقف في الموسم على مروان بالمدينة، فسأله فقال: ما عندنا ما نصلك، ولكن عليك بابن جعفر، فأتاه الأعرابي، فإذا ثقله قد سار، وراحلة بالباب عليها متاعها، وسيف معلق، فخرج عبد الله، فأنشأ الأعرابي يقول:) (أبو جعفر من أهل بيت نبوة .......... صلاتهم للمسلمين طهور) (5/430)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 431 (أبا جعفر ضن الأمير بماله .......... وأنت على ما في يديك أمير)

(أبا جعفر يا بن الشهيد الذي له .......... جناحان في أعلى الجنان يطير)

(أبا جعفر ما مثلك اليوم أرتجي .......... فلا تتركني بالفلاة أدور) فقال: يا أعرابي سار الثقل، فعليك الراحلة بما عليها، وإياك أن تخدع عن السيف، فإني أخذته بألف دينار. قال عفان: ثنا حماد بن زيد، أنبأ هشام، عن محمد قال: مر عثمان بسبخة فقال: لمن هذه قيل: لفلان، اشتراها عبد الله بن جعفر بستين ألفاً. قال: ما يسرني أنها لي بنعلي. قال: فجزأها عبد الله ثمانية أجزاء، وألقى فيها العمال، ثم قال عثمان لعلي: ألا تأخذ على يدي ابن أخيك وتحجر عليه، اشترى سبخة بستين ألفاً، ما يسرني أنها لي بنعلي. قال: فأقبلت، فركب عثمان ذات يوم فمر بها، فأعجبته، فأرسل إلى عبد الله أن ولني جزءين منها، قال: أما والله دون أن ترسل إلى الذين سفهتني عندهم فيطلبون ذلك إلي، فلا أفعل، ثم أرسل إليه: إني قد فعلت. قال: والله لا أنقصك جزءين من مائة وعشرين ألفاً، قال: قد أخذتهما. وروى الأصمعي، عن رجل، أن عبد الله بن جعفر أسلف الزبير ألف ألف، فلما توفي قال ابن الزبير لعبد الله بن جعفر: إني وجدت في كتب أبي أن له عليك ألف ألف درهم. قال: هو صادق، فاقبضها إذا شئت، ثم لقيه بعد فقال: إنما وهمت عليك، المال لك عليه، قال: فهو له، قال: لا أريد ذلك. قلت: هذه الحكاية من أبلغ ما بلغنا في الجود. وعن الأصمعي قال: جاءت امرأة إلى عبد الله بن جعفر بدجاجة (5/431)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 432 مسموطة فقالت: بأبي أنت هذه الدجاجة كانت مثل بنتي تؤنسني وآكل من بيضها، فآليت أن لا أدفنها إلا في أكرم موضع أقدر عليه، ولا والله ما في الأرض موضع أكرم من بطنك، قال: خذوها منها واحملوا إليها من الحنطة كذا، ومن التمر كذا، ومن الدراهم كذا، وعدد شيئاً كثيراً، فلما رأت ذلك قالت: بأبي إن الله لا يحب المسرفين. قال محمد بن سيرين: جلب رجل سكراً إلى المدينة، فكسد عليه فبلغ عبد الله بن جعفر، فأمر قهرمانه أن يشتريه وأن يهبه الناس.) ولعبد الله رضي الله عنه من هذا الأنموذج أخبار في السخاء. قال الواقدي، ومصعب الزبيري: توفي سنة ثمانين. وقال المدائني: توفي سنة أربع أو خمس وثمانين. قال: ويقال: سنة ثمانين. وقال أبو عبيد: سنة أربع وثمانين، ويقال سنة تسعين. 4 (عبد الله بن أبي حدرد) الأسلمي أبو محمد بن سلامة بن عمير، له صحبة ورواية. وروى أيضاً عن: عمر. (5/432)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 433 روى عنه: ابنه القعقاع، وأبو بكر بن حزم، ويزيد بن عبد الله بن قسيط، والزهري، وسفيان بن فروة الأسلمي. وشهد الجابية مع عمر. وقال ابن سعد: شهد الحديبية وخيبر، وتوفي سنة إحدى وسبعين، وهو ابن إحدى وثمانين. وفي الصحيح من حديث عبد الله بن كعب بن مالك أنه تقاضى ابن أبي حدرد دينا عليه في المسجد حتى ارتفعت أصواتهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا كعب ضع الشطر، قال: قد فعلت. وقال غير واحد إنه توفي سنة إحدى وسبعين، إلا خليفة فقال: سنة اثنتين وسبعين. وقد طول أبو أحمد الحاكم ترجمة عبد الله بن أبي حدرد، وساقها في كراس، وذكر أنه لا صحبة له، ولم يصنع شيئاً بل أفادنا العلم بأن له صحبة. وقد علقت حاشية في ذلك في ترجمته في تاريخ دمشق. 4 (عبد الله بن حوالة شذ) أبو سعيد بن يونس فقال: قدم مصر مع مروان. (5/433)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 434 يقال: توفي سنة ثمانين. قلت: وقد مر في سنة ثمان وخمسين، ورخه جماعة. 4 (عبد الله بن خازم بن أسماء بن الصلت،) أبو صالح السلمي أمير خراسان، أحد الأبطال المشهورين والشجعان المذكورين، ويقال له صحبة، ولا يصح.) روى عنه سعيد بن الأزرق، وسعد بن عثمان الرازي. وقد استعمله ابن عامر على خراسان في أيام عثمان، وقد حضر مواقف (5/434)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 435 مشهورة وأبلى فيها، وولي خراسان زماناً، وافتتح الطبسين. وقد مر في الحوادث من أخباره. 4 (عبد الله بن الزبير) ابن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد الله بن قصي بن كلاب، أبو بكر، (5/435)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 436 وأبو خبيب القرشي الأسدي. أول مولود ولد في الإسلام بالمدينة. له صحبة ورواية، وروى أيضاً عن: أبيه، وأبي بكر، وعمر وعثمان. روى عنه: أخوه عروة، وابناه عامر، وعباد، وابن أخيه محمد بن عروة، وعبيدة السلماني، وطاوس، وعطاء، وابن أبي مليكة، وأبو إسحاق السبيعي، وأبو الزبير المكي، وعمرو بن دينار، وثابت البناني، ووهب بن كيسان، وسعيد بن مينا، وابن ابنه مصعب بن ثابت، وابن ابنه الآخر يحيى بن عباد، وخلق سواهم. وشهد وقعة اليرموك، وغزا القسطنطينية، وغزا المغرب، وله مواقف مشهورة، وكان فارس قريش في زمانه. بويع بالخلافة في سنة أربع وستين، وحكم على الحجاز، واليمن، ومصر، والعراق، وخراسان، وأكثر الشام، ولد سنة اثنتين من الهجرة وتوفي (5/436)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 437 رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله ثمان سنين وأربعة أشهر. روى شعيب بن إسحاق الدمشقي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، وفاطمة بنت المنذر قال: خرجت أسماء حين هاجرت حبلى، فنفست بعبد الله بقباء، قالت: أسماء: ثم جاء بعد سبع سنين ليبايع النبي صلى الله عليه وسلم أمره بذلك الزبير، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم حين رآه مقبلاً، ثم بايعه. وقال الواقدي، عن مصعب بن ثابت، عن أبي الأسود يتيم عروة قال: لما قدم المهاجرون أقاموا لا يولد لهم، فقالوا سحرتنا يهود، حتى كثرت في ذلك القالة، فكان أول مولود ولد بعد الهجرة عبد الله بن الزبير، فكبر المسلمون تكبيرة واحدة حتى ارتجت المدينة، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر فأذن في أذنيه بالصلاة.) وقال مصعب بن عبد الله، عن أبيه قال: كان عارضا ابن الزبير خفيفين، فما اتصلت لحيته حتى بلغ ستين سنة. وقال أبو يعلى في مسنده: ثنا موسى بن محمد بن حيان، ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا هنيد بن القاسم: سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير، سمعت أبي يقول: إنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحتجم، فلما فرغ قال: يا عبد الله اذهب بهذا الدم فأهرقه حيث لا يراك أحد، فلما برز عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمد إلى الدم فشربه، فلما رجع قال: ما صنعت بالدم، قال: عمدت إلى أخفى موضع علمت فجعلته فيه، قال: لعلك شربته، قال: نعم. قال: ولم شربت الدم، ويل للناس منك، وويل لك من الناس. قال موسى بن إسماعيل: حدثت به أبا عاصم فقال: كانوا يرون أن (5/437)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 438 القوة التي به من ذلك الدم. ورواه تمتام، عن موسى. وقال خالد الحذاء، عن يوسف أبي يعقوب، عن محمد بن حاطب، والحارث قال: طالما حرص ابن الزبير على الإمارة، قلت: وما ذاك قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بلص فأمر بقتله، فقيل له: إنه سرق، قال: اقطعوه، ثم جيء به في إمرة أبي بكر وقد سرق، وقد قطعت قوائمه، فقال أبو بكر: ما أجد لك شيئاً إلا ما قضى فيك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أمر بقتلك، فأمر بقتله أغيلمة من أبناء المهاجرين، أنا فيهم، فقال ابن الزبير: أمروني عليكم، فأمرناه علينا، فانطلقنا به إلى البقيع، فقتلناه. وقال الحارث بن عبيد: ثنا أبو عمران الجوني أن نوفاً قال: إني لأجد في كتاب الله المنزل أن ابن الزبير فارس الخلفاء. وقال مهدي بن ميمون: ثنا محمد بن أبي يعقوب، أن معاوية كان يلقى ابن الزبير فيقول: مرحباً بابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم، وابن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويأمر له بمائة ألف. وقال ابن جريج، عن ابن أبي مليكة قال: ذكر ابن الزبير عند ابن عباس فقال: قاريء لكتاب الله، عفيف في الإسلام، أبوه الزبير، وأمه أسماء، وجده أبو بكر، وعمته خديجة، وخالته عائشة، وجدته صفية، والله لأحاسبن له نفسي محاسبة لم أحاسب بها لأبي بكر وعمر. وقال عمرو بن دينار: ما رأيت مصلياً أحسن صلاة من ابن الزبير.) وقال مجاهد: كان ابن الزبير إذا قام في الصلاة كأنه عود، وحدث أن (5/438)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 439 أبا بكر كان كذلك. وقال ثابت البناني: كنت أمر بابن الزبير وهو يصلي خلف المقام كأنه خشبة منصوبة لا يتحرك. وقال يوسف بن الماجشون، عن الثقة بسنده قال: قسم ابن الزبير الدهر على ثلاث ليال، فليلة هو قائم حتى الصباح، وليلة هو راكع حتى الصباح، وليلة هو ساجد حتى الصباح. وقال يزيد بن إبراهيم التستري، عن عبد الله بن سعيد، عن مسلم بن يناق المكي قال: ركع ابن الزبير يوماً ركعة، فقرأنا البقرة وآل عمران والنساء والمائدة، وما رفع رأسه. وقال يزيد بن إبراهيم، عن عمرو بن دينار قال: كان ابن الزبير يصلي في الحجر، وحجر المنجنيق يصيب طرف ثوبه، فما يلتفت إليه. وقال هشام بن عروة، عن ابن المنكدر قال: لو رأيت ابن الزبير يصلي كأنه غصن تصفقها الريح، والمنجنيق يقع ها هنا، ويقع ها هنا. وقال أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق قال: ما رأيت أحداً أعظم سجدة بين عينيه من ابن الزبير. قال مصعب بن عبد الله: حدثني أبي، عن عمر بن قيس، عن أمه أنها دخلت على عبد الله بن الزبير بيته، فإذا هو يصلي، فسقطت حية على ابنه هاشم، فصاحوا: الحية الحية، ثم رموها، فما قطع صلاته. (5/439)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 440 وعن أم جعفر بنت النعمان أنها سلمت على أسماء بنت أبي بكر، وذكر عندها عبد الله بن الزبير فقالت: كان ابن الزبير قوام اليل صوام النهار، وكان من يسمى حمامة المسجد. وقال ميمون بن مهران: رأيت عبد الله بن الزبير يواصل من الجمعة إلى الجمعة، فإذا أفطر استعان بالسمن حتى يلين بالسمن. وروى ليث، عن مجاهد قال: ما كان باب في العبادة يعجز الناس عنه إلا تكفله ابن الزبير، ولقد جاء سيل طبق البيت فجعل يطوف سباحة. وعن عثمان بن طلحة قال: كان ابن الزبير لا ينازع في شجاعة ولا عبادة ولا بلاغة. وقال إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن أنس: إن عثمان أمر زيد بن ثابت، وابن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوا القرآن في المصاحف، وقال:) إذا اختلفتم أنتم وزيد في شيء فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم. وقال أبو نعيم: ثنا عبد الواحد بن أيمن قال: رأيت على ابن الزبير رداء عدنياً يصلي فيه، وكان صيتاً، إذا خطب تجاوب الجبلان، وكانت له جمة إلى العنق ولحية صفراء. وقال مصعب بن عبد الله: ثنا أبي والزبير بن خبيب قالا: قال ابن الزبير: هجم علينا جرجير في عسكرنا في عشرين ومائة ألف، فأحاطوا بنا ونحن في عشرين ألفاً، يعني في غزوة إفريقية، قال: واختلف الناس على ابن أبي سرح، فدخل فسطاطه، ورأيت غرة من جرجير بصرت به خلف (5/440)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 441 عساكره على برذون أشهب، معه جاريتان تظلان عليه بريش الطواويس، بينه وبين جيشه أرض بيضاء، فأتيت ابن أبي سرح، فندب لي الناس، فاخترت ثلاثين فارساً، وقلت لسائرهم: البثوا على مصافكم، وحملت وقلت للثلاثين: احموا لي ظهري، فخرقت الصف إليه، فخرجت صامداً، وما يحسب هو وأصحابه إلا أني رسول إليه، حتى دنوت منه، فعرف الشر، فتبادر برذونه مولياً، فأدركته فطعنته، فسقط، ثم احتززت رأسه، فنصبته على رمحي، وكبرت، وحمل المسلمون، فارفض العدو ومنح الله أكتافهم. وقال معمر، عن هشام بن عروة قال: اخذ عبد الله بن الزبير من وسط القتلى يوم الجمل، وبه بضع وأربعون ضربة وطعنة. وعن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: أعطت عائشة للذي بشرها أن ابن الزبير لم يقتل عشرة آلاف درهم. وعن عروة قال: لم يكن أحد أحب إلى عائشة بعد رسول الله وبعد أبي بكر من عبد الله بن الزبير. وقال الواقدي: ثنا ربيعة بن عثمان، وابن أبي ميسرة وغيرهما قالوا: لما جاء نعي يزيد في ربيع الآخر سنة أربع وستين قام ابن الزبير فدعا إلى نفسه، وبايعه الناس، ودعا ابن عباس ومحمد بن الحنفية إلى البيعة فأبيا حتى يجتمع الناس له، فبقي يداريهما سنين، ثم أغلظ عليهما ودعاهما فأبيا. قال مصعب بن عبد الله وغيره: كان يقال لابن الزبير عائذ بيت الله. وقال ابن سعد: أنا محمد بن عمر، حدثني عبد الله بن جعفر، عن (5/441)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 442 عمته أم بكر، وحدثني شرحبيل بن أبي عون، عن أبيه، وحدثني ابن أبي الزناد، وغيرهم أيضاً قد حدثني بطائفة من) هذا الحديث، قالوا: لم يزل عبد الله بن الزبير بالمدينة في خلافة معاوية. فذكر الحديث إلى أن قال: فخرج ابن الزبير إلى مكة، ولزم الحجر ولبس المغافر، وجعل يحرض على بني أمية، ومشى إلى يحيى بن حكيم الجمحي والي مكة، فبايعه ليزيد، فقال: لا أقبل هذا حتى يؤتى به في جامعة ووثاق، فقال له ابنه معاوية بن يزيد: يا أمير المؤمنين ادفع الشر عنك ما اندفع، فإن ابن الزبير رجل لجوج ولا يطيع لهذا أبداً، وإن تكفر عن يمينك فهو خير، فغضب وقال: إن في أمرك لعجباً، قال: فادع عبد الله بن جعفر فسله عما أقول، فدعاه فذكر له قولهما، فقال عبد الله: أصاب أبو ليلى ووفق، فأبى أن يقبل، وامتنع ابن الزبير أن يذل نفسه وقال: اللهم إني عائذ ببيتك، فمن يومئذ سمي العائذ. وأقام بمكة لا يعرض له أحد، فكتب يزيد إلى والي المدينة عمرو بن سعيد أن يوجه إليه جنداً، فبعث لقتاله أخاه عمراً في ألف، فظفر ابن الزبير بأخيه وعاقبه، ونحى ابن الزبير الحارث بن يزيد عن الصلاة بمكة، وجعل مصعب بن عبد الرحمن بن عوف يصلي بالناس، وكان لا يقطع أمراً دون المسور بن مخرمة، ومصعب بن عبد الرحمن، وجبير بن شيبة، وعبد الله بن صفوان بن أمية يشاورهم في الأمور ولا يستبد بشيء، ويصلي بهم الجمعة، ويحج بهم، وكانت الخوارج وأهل الأهواء كلهم قد أتت ابن الزبير، وقالوا: عائذ بيت الله، وكان شعاره لا حكم إلا لله. فلم يزل على ذلك، وحج عشر سنين بالناس آخرها سنة إحدى وسبعين ودعا إلى نفسه فبايعوه، وفارقته الخوارج، فولى على المدينة أخاه مصعباً، وعلى البصرة الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، وعلى الكوفة عبد الله بن مطيع، وعلى مصر عبد الرحمن بن جحدم الفهري، وعلى اليمن آخر، وعلى خراسان آخر، وأمر على الشام الضحاك بن قيس، فبايع له عامة الشام، وأطاعه الناس، إلا (5/442)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 443 طائفة من أهل الشام مع مروان. قلت: ثم قوي أمر مروان، وقتل الضحاك، وبايعه أهل الشام، وسار في جيوشه إلى مصر فأخذها، واستعمل عليها ولده عبد العزيز. وعاجلته المنية، فقام بعده ابنه عبد الملك، فلم يزل حتى أخذ البلاد، ودانت له العباد. وقال شعيب بن إسحاق: ثنا هشام بن عروة، عن أبيه، أن يزيد كتب إلى ابن الزبير: إني قد بعثت إليك بسلسلة فضة، وقيد من ذهب، وجامعة من فضة، وحلفت لتأتيني في ذلك، قال فألقى الكتاب وقال:) (ولا ألين لغير الحق أسأله .......... حتى يلين لضرس الماضغ الحجر) قال خليفة: ثم حضر ابن الزبير الموسم سنة ثنتين وسبعين، فحج بالناس، ولم يقفوا الموقف، وحج الحجاج بن يوسف بأهل الشام، ولم يطوفوا بالبيت. وروى الدراوردي، عن هشام بن عروة قال: أول من كسا الكعبة الديباج عبد الله بن الزبير، وإن كان ليطيبها حتى يجد ريحها من دخل الحرم. زاد غيره: كانت كسوتها الأنطاع. وقال عبد الله بن شعيب الحجبي: إن المهدي لما جرد الكعبة كان فيما نزع عنها كسوة من ديباج، مكتوب عليها لعبد الله أبي بكر أمير المؤمنين. (5/443)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 444 وروى أبو عاصم، عن عمر بن قيس قال: كان لابن الزبير مائة غلام، يتكلم كل غلام منهم بلغة، وكان ابن الزبير يكلم كل واحد منهم بلغته، وكنت إذا نظرت إليه في أمر الدنيا قلت هذا رجل لم يرد الله طرفة عين، وإذا نظرت إليه في أمر آخرته قلت هذا رجل لم يرد الدنيا طرفة عين. وروى الأعمش، عن أبي الضحى قال: رأيت على رأس ابن الزبير من المسك ما لو كان لي كان رأس مال. قلت: وكان في ابن الزبير بخل ظاهر، مع ما أوتي من الشجاعة. قال الثوري، عن عبد الملك بن أبي بشير، عن عبد الله بن مساور قال: سمعت ابن عباس يعاتب ابن الزبير في البخل ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس المؤمن الذي يبيت وجاره جائع. وقال عبيد الله بن عمرو الرقي، عن ليث بن أبي سليم قال: كان ابن عباس يكثر أن يعنف ابن الزبير بالبخل، فقال: لم تعيرني فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن المؤمن لا يشبع وجاره وابن عمه جائع. وقال يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن ابن أبزى، عن عثمان: أن ابن الزبير قال له حيث حصر: إن عندي نجائب قد أعددتها لك، فهل لك أن تحول إلى مكة فيأتيك من أراد أن يأتيك قال: لا، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يلحد بمكة كبش من قريش اسمه عبد الله، عليه مثل نصف أوزار الناس. رواه أحمد في مسنده عن إسماعيل بن أبان،) عن القمي. (5/444)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 445 وقال عباس الترقفي: ثنا محمد بن كثير، عن الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يلحد بمكة رجل من قريش يقال له عبد الله، عليه نصف عذاب العالم، فوالله لا أكونه، فتحول منها، فسكن الطائف. قلت: محمد هو المصيصي، ضعيف، احتج به أبو داود، والنسائي. وللحديث شاهد. قال الإمام أحمد: ثنا أبو النضر، ثنا إسحاق بن سعيد، ثنا سعيد بن عمرو قال: أتى عبد الله بن عمرو عبد الله بن الزبير وهو في الحجر فقال: يا ابن الزبير إياك والإلحاد في حرم الله، فإني أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يلحد بها رجل من قريش، لو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لوزنتها، قال: فانظر أن لا تكونه يا بن عمرو، فإنك قد قرأت الكتب وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فإني أشهدك أن هذا وجهي إلى الشام مجاهداً. وقال الزبير بن كبار: حدثني خالد بن وضاح، حدثني أبو الخصيب نافع مولى آل الزبير، عن هشام بن عروة قال: رأيت الحجر من المنجنيق يهوي حتى أقول: لقد كاد أن يأخذ لحية ابن الزبير، وسمعته يقول: والله إن أبالي إذا وجدت ثلاثمائة يصبرون صبري لو أجلب علي أهل الأرض. وقال الواقدي: ثنا إسحاق بن عبد الله عن المنذر بن الجهيم الأسلمي قال: رأيت ابن الزبير يوم قتل وقد خذله من كان معه خذلاناً شديداً، وجعلوا يخرجون إلى الحجاج، وجعل الحجاج يصيح: أيها الناس علام تقتلون أنفسكم، من خرج إلينا فهو آمن لكم عهد الله وميثاقه، وفي حرم الله وأمنه، ورب هذه البنية لا أغدر بكم، ولا لنا حاجة في دمائكم، فيسلك إليه نحو من (5/445)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 446 عشرة آلاف، فلقد رأيت ابن الزبير وما معه أحد. وعن إسحاق بن أبي إسحاق قال: حضرت قتل ابن الزبير، جعلت الجيوش تدخل عليه من أبواب المسجد، فكلما دخل قوم من باب حمل عليهم وحده حتى يخرجهم، فبينا هو على تلك الحال إذا جاءت شرفة من شرفات المسجد فوقعت على رأسه فصرعته، وهو يتمثل: (أسماء يا أسماء لا تبكيني .......... لم يبق إلا حسبي وديني) وصارم لاثت به يميني وقال الواقدي ثنا فروة بن زبيد، عن عباس بن سهل بن سعد، قال: سمعت ابن الزبير يقول: ما) أراني اليوم إلا مقتولاً، لقد رأيت في ليلتي كأن السماء فرجت لي فدخلتها، فقد والله مللت الحياة وما فيها، ولقد قرأ في الصبح يومئذ متمكناً ن والقلم حرفاً حرفاً، وإن سيفه لمسلول إلى جنبه، وإنه ليتم الركوع والسجود كهيئته قبل ذلك. وقال الواقدي: حدثني عبد الله بن نافع، عن أبيه قال: سمع ابن عمر التكبير فيما بين المسجد إلى الحجون حين قتل ابن الزبير، فقال ابن عمر: لمن كان كبر حين ولد ابن الزبير أكثر وخير ممن كبر على قتله. وقال عبد الرزاق: أنبأ معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين قال: قال ابن الزبير: ما شيء كان يحدثنا به كعب إلا قد أتى على ما قال، إلا قوله: ثقيف يقتلني، وهذا رأسه بين يدي، يعني المختار. وقال عبد الوهاب، عن عطاء، عن زياد بن أبي الجصاص، عن (5/446)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 447 علي بن زيد، عن مجاهد، أن ابن عمر قال لغلامه: لا تمر بي على ابن الزبير، يعني وهو مصلوب. قال: فغفل الغلام فمر به، فرفع رأسه، فرآه، فقال: رحمك الله، ما علمتك إلا صواماً قواماً وصولاً للرحم، أما والله إني لأرجو مع مساويء ما قد عملت من الذنوب أن لا يعذبك الله. قال: ثم التفت إلي فقال: حدثني أبو بكر الصديق: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يعمل سوءاً يجز به في الدنيا. وقال ابن أبي الدنيا في كتاب الخلفاء: وصلب ابن الزبير منكساً، وكان آدم نحيفاً، ليس بالطويل، بين عينيه أثر السجود، يكنى: أبا بكر، وأبا خبيب، وبعث عماله على الحجاز والمشرق كله. وقال ابن المبارك، عن جويرية بن أسماء، عن جدته، أن أسماء بنت أبي بكر غسلت ابن الزبير بعدما تقطعت أوصاله، وجاء الأذن من عبد الملك بن مروان إلى الحجاج أن يأذن لها، وحنطته وكفنته وصلت عليه، وجعلت فيه شيئاً حين رأته يتفسخ إذا مسته. قال مصعب بن عبد الله: حملته فدفنته في المدينة في دار صفية بنت حيي، ثم زيدت دار صفية في المسجد، فهو مدفون مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر رضي الله عنهما. قال ابن إسحاق وجماعة كثيرة: قتل في جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين، وله نيف وسبعون سنة. وقال ضمرة، وأبو نعيم، وعثمان بن أبي شيبة: قتل سنة اثنتين وسبعين.) والصحيح ما تقدم. (5/447)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 448 4 (عبد الله بن زرير الغافقي المصري،) من شيعة علي ومحبيه. وفد على علي من مصر. يروي عنه: مرثد اليزني، وعياش القتباني، وعبد الله بن هبيرة السبائي. توفي سنة ثمانين. 4 (عبد الله بن سعد بن خيثمة الأنصاري) الأوسي. له صحبة، شهد الجابية وخيبر، فشهدها وله فيما قال الواقدي سبع عشرة سنة. وتوفي بعد مقتل ابن الزبير بالمدينة. واستشهد أبوه يوم بدر، وجده يوم أحد. وقد تفرد رباح بن أبي معروف، عن المغيرة بن حكيم، وكل منهما ثقة، قال: سألت عبد الله بن سعد بن خيثمة: أشهدت بدراً قال: نعم، والعقبة مع أبي رديفاً. رواه عاصم، وأبو داود، وأبو أحمد الزبيري، عن رباح. (5/448)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 449 4 (عبد الله بن سلمة المرادي) عن علي، وابن مسعود، وصفوان بن عسال، وجماعة. وعنه: عمرو بن مرة، وأبو إسحاق، وأبو الزبير المكي. وثقه العجلي. وقال البخاري: لا يتابع في حديثه. وقال عمرو بن مرة: كان قد كبر، فكان يحدثنا فنعرف وننكر. ويقال: لقي عمر. 4 (عبد الله بن شهاب أبو الجزل.) روى عن: عمر وعائشة. (5/449)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 450 وعنه: الشعبي وخيثمة بن عبد الرحمن، وشبيب بن غرقدة. ذكره ابن أبي حاتم. 4 (عبد الله بن الصامت الغفاري البصري،) من جلة التابعين.) روى عن: عمه أبو ذر الغفاري، وعمر بن الخطاب، وجماعة. وقد تأخرت وفاته عن هذه الطبقة، فسيعاد إن شاء الله تعالى. 4 (عبد الله بن صفوان) ابن أمية بن خلف بن وهب، أبو صفوان الجمحي المكي. (5/450)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 451 ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وحدث عن: أبيه، وعمر، وأبي الدرداء، وحفصة، وصفية بنت أبي عبيد. وغيرهم. روى عنه: حفيده أمية بن صفوان بن عبد الله، وابن أبي مليكة، وسالم بن أبي الجعد، وعمرو بن دينار، والزهري. وكان من سادات قريش وأشرافهم، وله دار بدمشق. قال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن سلام، حدثني يزيد بن عياض بن جعدبة قال: لما قدم معاوية مكة لقيه عبد الله بن صفوان على بعير، فسايره، فقال أهل الشام: من هذا الأعرابي الذي ساير أمير المؤمنين فلما انتهى إلى مكة إذا الجبل أبيض من غنى عليه، فقال: يا أمير المؤمنين هذه ألفا شاة أجزرتكها، فقسمها معاوية في جنده، فقالوا: ما رأينا أسخى من ابن عم أمير المؤمنين هذا الأعرابي. وروى ابن أبي مليكة: أن عمر بن عبد العزيز قال له: ما بلغ ابن صفوان ما بلغ قلت: سأخبرك، والله لو أن عبداً وقف عليه يسبه ما استنكف عنه، إنه لم يكن يأتيه أحد قط إلا كان أول خلق الله تسرعاً إليه بالرجال، ولم يسمع بمفازة إلا حفرها، ولا ثنية إلا سهلها. وعن مجاهد، أنه وصف ابن صفوان بالحلم والاحتمال. وقال الزبير: حدثني محمد بن سلام، عن أبي عبد الله الأزدي (5/451)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 452 قال: وفد المهلب بن أبي صفرة الأزدي على ابن الزبير، فأطال الخلوة معه، فجاء ابن صفوان فقال: من هذا الذي قد شغلك منذ اليوم قال: هذا سيد العرب بالعراق قال: ينبغي أن يكون المهلب، فقال المهلب: من هذا الذي يسأل عني يا أمير المؤمنين قال: سيد قريش بمكة. قال: ينبغي أن يكون عبد الله بن صفوان. وقال يحيى بن سعيد: رأيت رأس ابن الزبير، ورأس عبد الله بن مطيع، ورأس عبد الله بن صفوان أتي بها إلينا المدينة. رواه ابن عيينة، عن يحيى.) وقال خليفة: قتل وهو متعلق بأستار الكعبة مع ابن الزبير سنة ثلاث وسبعين. 4 (عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي) المدني. (5/452)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 453 رأى النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه حديثاً أخرجه النسائي. وروى أيضاً عن: عمه عبد الله بن مسعود، وعمر بن الخطاب، وعمار، وأبي هريرة. روى عنه: ابناه الفقيه عبيد الله، وعون الزاهد، ومحمد بن سيرين، وأبو إسحاق السبيعي. قال ابن سعد: كان ثقة، رفيعاً، كثير الحديث والفتيا. توفي سنة أربع وسبعين. 4 (عبد الله بن عمر بن الخطاب.) أبو عبد الرحمن القرشي العدوي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن وزيره. (5/453)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 454 هاجر به أبوه قبل أن يحتلم، واستصغر عن أحد، وشهد الخندق وما (5/454)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 455 بعدها مع النبي صلى الله عليه وسلم. وهو شقيق حفصة أم المؤمنين، أمهما زينب بنت مظعون. روى علماً كثيراً عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبي بكر، وعمر، والسابقين. روى عنه: بنوه حمزة، وسالم، وبلال، وزيد، وعبد الله، وعبيد الله، ومولاه نافع، ومولاه عبد الله بن دينار، وسعيد بن المسيب، وعروة، وسعيد بن جبير، وطاوس، ومجاهد، وعطاء، وعكرمة، والشعبي، وأبو سلمة، وزيد ابن أسلم، وأبوه أسلم، وآدم بن علي، وبشر بن حرب، وجبلة بن سحيم، وثابت البناني، وعمرو بن دينار، وثوير بن أبي فاختة، وأبو الزبير المكي، وخلق كثير. قال أبو بكر بن البرقي: كان ربعة، وكان يخضب بالصفرة، وتوفي بمكة سنة أربع وسبعين. وقال ابن يونس: شهد فتح مصر. وقال غيره: شهد الغزو بفارس. وقال أبو إسحاق: رأيت ابن عمر آدم جسيماً ضخماً له إزار إلى نصف الساقين يطوف. وقال أبو معاوية: ثنا هشام بن عروة قال: رأيت ابن عمر له جمة. وروى حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أنس، وسعيد بن (5/455)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 456 المسيب قالا: شهد ابن عمر بدراً، قال الواقدي: وهذا غلط بين.) وقال نافع، عن ابن عمر قال: عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة، فلم يجزني، وأجازني يوم الخندق. وقال أبو إسحاق، عن البراء قال: عرضت أنا وابن عمر يوم بدر، فاستصغرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى سالم، وغيره، عن ابن عمر قال: كنت غلاماً، عزباً شاباً، وكنت أنام في المسجد، فرأيت كأن ملكين أتياني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، لها قرون كقرون البقر، فرأيت فيها ناساً قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، فلقينا ملك فقال، لن ترع، فقصتها حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل. قال: فكان عبد الله لا ينام بعد من الليل إلا قليلاً. وفي رواية صحيحة قال: إن عبد الله رجل صالح. وقال الأعمش، عن إبراهيم قال: قال عبد الله بن مسعود: إن من أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا عبد الله بن عمر. وقال ابن عون، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عبد الله قال: لقد رأيتنا (5/456)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 457 ونحن متوافرون، وما فينا شاب هو أملك لنفسه من عبد الله بن عمر. وقال أبو سعد البقال: ثنا أبو حصين، عن شقيق، عن حذيفة قال: ما منا أحد لو فتش إلا فتش عن جائفة أو منقلة إلا عمر وابنه. وقال سالم بن أبي الجعد، عن جابر قال: ما منا أحد أدرك الدنيا إلا وقد مالت به، إلا ابن عمر. وعن عائشة قال: ما رأيت أحداً ألزم للأمر الأول من ابن عمر. وقال أبو سفيان بن العلاء أخو أبي عمرو، وعن ابن أبي عتيق قال: قالت عائشة لابن عمر: ما منعك أن تنهاني عن مسيري قال: رأيت رجلاً قد استولى عليك وظننتك لن تخالفيه، يعني ابن الزبير. وقال شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي سلمة قال: مات ابن عمر وهو في الفضل مثل أبيه. وقال قتادة، وغير، عن سعيد بن المسيب قال: لو شهدت لأحد أنه من أهل الجنة لشهدت لعبد الله بن عمر، وكان يوم مات خير من بقي. وعن طاوس قال: ما رأيت أورع من ابن عمر.) (5/457)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 458 وقال جويرية، عن نافع: إن ابن عمر كان ربما لبس المطرف الخز ثمنه خمسمائة درهم. أبو أسامة: ثنا عمر بن حمزة، أخبرني سالم، عن ابن عمر قال: لأظن قسم لي منه ما لم يقسم لأحد إلا النبي صلى الله عليه وسلم. يعني الجماع. تفرد به عمر، وهو ثقة. عبد الرحمن بن مهدي: ثنا عثمان بن موسى، عن نافع، أن ابن عمر تقلد سيف عمر يوم قتل عثمان، وكان محلى، قلت: كم كانت حليته قال: أربعمائة. وقال محمد بن سوقة: سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقول: كان ابن عمر إذا سمع من النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً لا يزيد ولا ينقص، لم يكن أحد من الصحابة في ذلك مثله. وقال ابن وهب: أخبرني مالك، عمن حدثه: أن ابن عمر كان يتبع أمر النبي صلى الله عليه وسلم وآثاره وحاله ويهتم به حتى كان قد خيف على عقله من اهتمامه بذلك. وقال خارجة بن مصعب، عن موسى بن عقبة، عن نافع قال: لو نظرت إلى ابن عمر إذا اتبع أثر رسول الله لقلت هذا مجنون. وقال عبد العزيز الماجشون، عن عبد الله بن عمر، عن نافع: أن ابن عمر كان يتبع أثار رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل مكان صلى فيه، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل تحت شجرة، فكان ابن عمر يتعاهدها فيصب في أصلها الماء لكيلا تيبس. (5/458)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 459 وعن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو تركنا هذا الباب للنساء. قال: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات. متفق على صحته. وقال عاصم بن محمد العمري، عن أبي قال: ما سمعت ابن عمر ذكر النبي صلى الله عليه وسلم إلا بكى. وقال يوسف بن ماهك: رأيت ابن عمر عند عبيد بن عمير وهو يقص، فرأيت ابن عمر وعيناه تهراقان دمعاً. وقال أبو شهاب: ثنا حبيب بن الشهيد قال: قيل لنافع: ما كان يصنع ابن عمر في منزله قال: لا تطيقونه، الوضوء لكل صلاة، والمصحف فيما بينهما. وقال عبد العزيز بن أبي روداد، عن نافع، إن ابن عمر كان إذا فاتته العشاء في جماعة أحيا بقية ليلته.) وقال ابن المبارك: أنبأ عمر بن محمد بن زيد: أخبرني أبي أن عبد الله بن عمر كان يصلي ما قدر له، ثم يصير إلى الفراش، فيغفى إغفاءة الطائر، ثم يقوم فيتوضأ ويصلي، يفعل ذلك في الليل أربع مدات أو خمسة. وقال نافع: كان ابن عمر لا يصوم في السفر، ولا يكاد يفطر في الحضر. (5/459)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 460 وقال سالم: ما لعن ابن عمر خادماً، له إلا مرة، فأعتقه. وقال محمد بن مطرف، عن أبي حازم، عن عبد الله بن دينار قال: خرجت مع ابن عمر إلى مكة فعرسنا، فانحدر علينا راع من جبل، فقال له ابن عمر: أراع أنت قال: نعم. قال: بعني شاة من الغنم قال: إني مملوك. قال: قل لسيدك أكلها الذئب. قال: فأين الله عز وجل قال ابن عمر: فأين الله، ثم بكى، واشتراه بعد فأعتقه. وروى أسامة بن زيد، عن نافع، عن ابن عمر نحواً منه. وقال عبيد الله، عن نافع قال: ما أعجب ابن عمر شيء إلا قدمه. وقال يزيد بن هارون: أنبأ محمد بن عمرو بن حماس، عن حمزة بن عبد الله بن عمر، عن أبيه قال: خطرت هذه الآية لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون، فما وجدت شيئاً أحب إلي من جاريتي رميثة، فعتقتها، فلولا أني لا أعود في شيء جعلته لله لنكحتها، فأنكحتها نافعاً، فهي أم ولده. وقال قتيبة: ثنا محمد بن يزيد بن خنيس، ثنا عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع قال: كان رقيق عبد الله ربما شمر أحدهم فيلزم المسجد فيعتقه، فيقولون له: إنهم يخدعونك، فيقول: من خدعنا بالله انخدعنا له، وما مات حتى أعتق ألف إنسان أو زاد، وكان يحيي الليل صلاة. الفضل بن موسى الشيباني، وغيره، عن أبي حمزة السكري، عن إبراهيم الصائغ، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان له كتب ينظر فيها قبل أن يخرج إلى الناس. (5/460)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 461 الصائغ صدوق، قال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال ابن وهب: أنبأ عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله، ثنا أبي أن ابن عمر كاتب غلاماً له بأربعين ألفاً، فخرج إلى الكوفة، فكان يعمل على حمر له حتى أدى خمسة عشر ألفاً، فجاءه إنسان فقال: أمجنون أنت ها هنا تعذب نفسك وابن عمر يشتري الرقيق، ويعتق إرجع فقل له قد عجزت، فجاء إليه فقال: قد عجزت وهذه صحيفتي فامحها، قال: لا، ولكن امحها إن شئت،) فمحاها، ففاضت عيناه، وقال: اذهب فأنت حر، قال: أصلحك الله، أحسنت، أحسن إلى ابني هذين. قال: هما حران. قال: أحسن إلى أميهما. قال: هما حرتان، فأعتق الخمسة. وقال عاصم بن محمد العمري، عن أبيه قال: أعطى عبد الله بن جعفر ابن عمر بنافع عشرة آلاف درهم أو ألف دينار، فدخل على صفية امرأته فأخبرها، قالت: فما تنتظر قال: فهلا ما هو خير من ذلك هو حر لوجه الله. وقال معمر، عن الزهري قال: أراد ابن عمر أن يلعن خادماً، فقال: اللهم الع، فلم يتمها، وقال: إن هذه الكلمة لا أحب أن أقولها. وعن نافع قال: أتى ابن عمر ببضعة وعشرين ألفاً، فما قام حتى فرقها وزاد عليها. وروى برد بن سنان، عن نافع قال: إن كان ابن عمر ليقسم في المجلس الواحد ثلاثين ألفاً، ثم يأتي عليه شهر ما يأكل مزعة من لحم. (5/461)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 462 وقال أيوب، عن نافع قال: بعث معاوية إلى ابن عمر بمائة ألف، فما حال عليها الحول. وقال حماد، عن أيوب، عن نافع قال: اشتهى ابن عمر العنب في مرضه في غير وقته، فجاؤوه بسبع حبات عنب بدرهم فجاء سائل، فأمر له به ولم يذقه. وقال مالك بن مغول، عن نافع إن ابن عمر أتي بجوارش فكرهه وقال: ما شبعت منذ كذا وكذا. وقال جعفر بن محمد، عن نافع أن المختار بن أبي عبيد كان يرسل إلى ابن عمر بالمال، فيقبله ويقول: لا أسأل أحداً، ولا أرد ما رزقني الله عز وجل. قلت: والمختار هو أخو صفية زوجة ابن عمر. وقال قبيصة، ثنا سفيان، عن أبي الوازع، قلت لابن عمر: لا يزال الناس بخير ما أبقاك الله لهم، فغضب وقال: إني لأحسبك عراقياً، وما يدريك ما يغلق عليه ابن أمك بابه. وقال أبو جعفر الرازي، عن حصين قال: قال ابن عمر: إني لأخرج وما لي حاجة إلا لأسلم على الناس ويسلمون علي. قال مالك: كان إمام الناس عندنا بعد زيد بن ثابت عبد الله بن عمر، مكث ستين سنة يفتي الناس. (5/462)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 463 وقال أسامة بن زيد، عن عبد الله بن واقد قال: رأيت ابن عمر قائماً يصلي، فلو رأيته مقلولياً،) ورأيته يفت المسك في الدهن يدهن به. وقال معمر: سمعت عبد الملك بن أبي جميلة، عن عبد الله بن موهب أن عثمان قال لابن عمر: اقض بين الناس، قال: أوتعفيني يا أمير المؤمنين قال: فما تكره من ذلك وقد كان أبوك يقضي قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كان قاضياً فقضى بالعدل فبالحري أن يفلت منه كفافاً فما أرجو بعد ذلك. أخرجه الترمذي. وقال عبد الله بن إدريس، عن ليث، عن نافع قال: لما قتل عثمان جاء علي بن أبي طالب إلى ابن عمر فقال: إنك محبوب إلى الناس، فسر إلى الشام، فقال ابن عمر: بقرابتي وصحبتي النبي صلى الله عليه وسلم والرحم التي بيننا، فلم يعاوده. وقال ابن عيينة، عن عمر، عن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر قال: بعث إلي علي: إنك مطاع في أهل الشام، فسر، فقد أمرتك عليهم، فقلت: أذكرك الله وقرابتي من رسول الله وصحبتي إياه إلا ما أعفيتني، فأبى علي، فاستعنت عليه بحفصة، فأبى، فخرجت ليلاً إلى مكة، فقيل له: قد خرج إلى الشام، فبعث في أثري، فأرسلت إليه حفصة: إنه لم يخرج إلى الشام، إنما خرج إلى مكة. وقال مسعر، عن أبي حصين قال: قال معاوية: من أحق بهذا الأمر منا وابن عمر شاهد، قال: فأردت أن أقول أحق منك من ضربك عليه وأباك، فخفت الفساد. (5/463)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 464 وروى عكرمة، عن خالد، وغيره، عن ابن عمر قال: خطب معاوية بعد الحكمين فقال: من أراد أن يتكلم فليطلع إلي قرنة، فلنحن أحق بهذا الأمر، قال: فحللت حبوتي وأردت أن أقول: أحق به من قاتلك وأباك على الإسلام، فخشيت أن أقول كلمة تفرق الجمع وتسفك الدماء، فذكرت ما أعد الله في الجنان. وقال جرير بن حازم، عن يعلى، عن نافع قال: قدم أبو موسى، وعمرو للتحكيم، فقال أبو موسى: لا أرى لهذا الأمر غير عبد الله بن عمر، فقال عمرو لابن عمر: أما تريد أن نبايعك فهل لك أن تعطي مالاً عظيماً، على أن تدع هذا الأمر لمن هو أحرص عليك منه، فغضب وقام، فأخذ ابن الزبير بطرف ثوبه، فقال: يا أبا عبد الرحمن، إنما قال تعطى مالاً على أن أبايعك فقال: والله لا أعطي عليها ولا أعطى عليها ولا أقبلها إلا عن رضا من المسلمين. وقال خالد بن نزال الأيلي، عن سفيان، عن مسعر، عن علي بن الأقمر قال: قال مروان لابن) عمر: ألا تخرج إلى الشام فيبايعوك قال: فكيف أصنع بأهل العراق قال: تقاتلهم بأهل الشام، قال: والله ما يسرني أن يبايعني الناس كلهم إلا أهل فدك، وإني أقاتلهم فقتل منهم رجل واحد، فقال مروان: (إني أرى فتنة تغلي مراجلها .......... والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا) قلت: أبو ليلى هو معاوية بن يزيد. (5/464)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 465 وقال أبو عوانة، عن مغيرة، عن فطر قال: قال رجل لابن عمر: ما أحد شر لأمة محمد صلى الله عليه وسلم منك، قال: ولم قال: إنك لو شئت ما اختلف فيك اثنان، قال: ما أحب أنها أتتني ورجل يقول: لا، وآخر يقول: بلى. وقال يونس بن عبيد، عن نافع قال: كان ابن عمر يسلم على الخشبية والخوارج وهم يقتتلون، فقال: من قال: حي على الصلاة أجبته، ومن قال: حي على قتل أخيك المسلم وأخذ ماله، فلا. وقال الزهري: أخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر قال: أقبل علينا بن عمر فقال: ما وجدت في نفسي من أمر هذا الأمة ما وجدت في نفسي من أن أقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله، فقلنا له: ومن ترى هذه الفئة الباغية قال: ابن الزبير بغى على هؤلاء القوم، فأخرجهم من ديارهم ونكث عهدهم. العوام بن حوشب، عن عياش العامري، عن سعيد بن جبير قال: لما احتضر ابن عمر قال: ما آسى على شيء من الدنيا إلا على ثلاث: ظمأ الهواجر، ومكابدة الليل، وأني لم أقاتل هذه الفئة الباغية التي نزلت بنا، يعني الحجاج. قلت: هذا ظن من بعض الرواة، وإلا فهو قد قال الفئة الباغية ابن الزبير كما تقدم، والله أعلم. وقال أيوب، عن نافع قال: أصابت ابن عمر عارضة المحمل بين إصبعيه عند الجمرة، فمرض، فدخل عليه الحجاج، فلما رآه ابن عمر أغمض عينيه، قال: فكلمه فلم يكلمه، فغضب وقال: إن هذا يقول: إني (5/465)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 466 على الضرب الأول. وقال سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص: إن ابن عمر قدم حاجاً، فدخل عليه الحجاج وقد أصابه زج رمح، فقال: من أصابك قال: أصابني من أمرتموه بحمل السلاح في مكان لا يحل فيه حمله، رواه البخاري. قال الأسود بن شيبان: ثنا خالد بن نمير قال: خطب الحجاج فقال: إن ابن الزبير حرف كتاب) الله، فقال له ابن عمر: كذبت كذبت، ما يستطيع لا ذلك وأنت معه، فقال: اسكت فإنك قد خرفت وذهب عقلك يوشك شيخ أن يضرب عنقه فيجر، قد انتفخت خصيتاه، يطوف به صبيان أهل البقيع. وقال أيوب، وغيره، عن نافع قال: قدم معاوية المدينة، فحلف على المنبر ليقتلن ابن عمر، فلما دنا من مكة تلقاه الناس، فقال له عبد الله بن صفوان: إيهاً، جئتنا لتقتل ابن عمر قال: ومن يقول هذا، ومن يقول هذا. زاد ابن عون، عن نافع قال: والله لا أقتله. وقال مالك: بلغ ابن عمر سبعاً وثمانين سنة. (5/466)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 467 قلت: بلغ أربعاً وثمانين سنة، لأنه قال: إنه كان يوم الخندق ابن خمس عشرة سنة. قال ضمرة بن ربيعة، والهيثم، وأبو نعيم، وابن المديني، وأبو بكر بن شيبة، وأبو مسهر: توفي سنة ثلاث وسبعين. وقال سعيد بن عفير، وخليفة: توفي سنة أربع. قلت: هذا أصح، لأنه صلى على رافع بن خديج. وعن نافع، وغيره، أن ابن عمر أوصى عند الموت: ادفنوني خارج الحرم، فلم نقدر على ذلك من الحجاج، قال: فدفناه بفخ في مقبرة المهاجرين. زاد بعضهم: وصلى عليه الحجاج. 4 (عبد الله بن عياش بن ربيعة) بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي. قال خليف: قتل بسجستان سنة ثمان وسبعين مع عبيد الله بن أبي بكرة، كذا قال في تاريخه. وقال في الطبقات: إن الذي قتل مع عبيد الله بسجستان عبد الله بن عياش المخزومي الذي ولد بأرض الحبشة. (5/467)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 468 4 (عبد الله بن عياش) ابن أبي ربيع عمرو بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي. ولد بأرض الحبشة، وله رؤية وشرف، وكان من أقرأ أهل المدينة لكتاب الله وأقومهم به. قرأ على أبي بن كعب، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمع من: عمر، وأبيه، وابن) عباس. روى عنه: ابنه الحارث، وسليمان بن يسار، وسعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، وزياد مولى ابن عياش، وأبو جعفر يزيد بن القعقاع مولاه أيضاً، ونافع مولى ابن عمر. قال سعيد بن داود الزبيري: ثنا مالك، قال نافع، سمعت من عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة حديثاً لا أدري عمن حدث به قال: يبعث الله ريحاً بين يدي الساعة لا تدع أحداً في قلبه من الخير إلا أماتته. وقد قرأ على ابن عياش القرآن مولاه أبو جعفر أحد العشرة، وذكر أنه كان يمسك المصحف على مولاه عبد الله. (5/468)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 469 والذي أعتقد أن أبا الحارث عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة بقي إلى هذا الزمان، وأنه لم يمت سنة ثمان وأربعين كما غلط بعضهم وصحف سبعين بأربعين. 4 (عبد الله بن مطيع) ابن الأسود القرشي العدوي المدني. ولد في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحدث عن أبيه. روى عنه: الشعبي، وغيره. وله حديث في صحيح مسلم. وقد ولاه ابن الزبير على الكوفة، فلما غلب عليها المختار هرب عبد الله وقدم مكة، فكان مع ابن الزبير، وكان أحد الشجعان المذكورين، وكان على قريش يوم الحرة أيضاً. الواقدي: حدثني إسحاق بن يحيى بن طلحة، عن عيسى بن طلحة قال: قلت لعبد الله بن مطيع: كيف نجوت يوم الحرة؟ قال: كنا نقول: لو (5/469)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 470 أقاموا شهراً ما فعلوا بنا شيئاً، فلما صنع بنا وولى الناس ذكرت قول الحارث بن هشام: (وعلمت أني إن أقاتل واحداً .......... أقتل ولا يضرر عدوي مشهدي) فتواريت، ثن لحقت بابن الزبير، ثن قال عيسى: قال عبد الملك بن مروان: نجا ابن مطيع من مسلم بن عقبة، ثم لحق بابن الزبير، ونجا ولحق بالعراق، وكثر علينا في كل وجه، ولكن من رأي الصفح عنه وعن غيره من قومي. وعن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: استعمل أبي على الكوفة ابن مطيع.) وعن عروة قال: فقدم المختار الكوفة، وحرض الناس على ابن مطيع، وقويت شوكته، فهرب ابن مطيع من الكوفة، ولحق بابن الزبير، فكان معه بمكة إلى أن توفي قبل ابن الزبير بيسير في الحصار، أصابه حجر المنجنيق فقتله بمكة مع ابن الزبير وهو في عشر السبعين. 4 (عبد الله بن همام أبو عبد الرحمن السلولي) الكوفي، أحد الشعراء الفصحاء. مدح يزيد بن معاوية بعد أن هجاه لما استخلف بقوله من أبيات: (شربنا الغيظ حتى لو سقينا .......... دماء بني أمية ما روينا)

(ولو جاءوا برملة أو بهند .......... لبايعنا أميرة مؤمنينا) (5/470)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 471 4 (عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي مولى) نافع بن عبد الحارث. استنابه نافع على مكة حين انتقل عمر بن الخطاب إلى عسفان، فقال: من استخلفت على أهل الوادي قال: ابن أبزى، وقال: إنه قاريء لكتاب الله عالم بالفرائض، ثم إن عبد الرحمن سكن الكوفة ووليها مرة. وله صحبة ورواية، وروى أيضاً عن: أبي بكر، وعمر، وأبي بن كعب، وعمار. روى عنه: أبناه سعيد، وعبد الله، والشعبي، وعلقمة بن مرثد، وأبو إسحاق السبيعي، وجماعة. وذكر ابن الأثير أن علياً استعمله على خراسان. ويروى عن عمر قال: ابن أبزى ممن رفعه الله بالقرآن. 4 (عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود) الهذلي الكوفي. (5/471)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 472 توفي أبوه وله ست سنين، وقد حفظ عن أبيه شيئاً. وروى عن: علي، والأشعث بن قيس، ومسروق، وغيرهم. روى عنه: ابناه القاسم ومعن وهما علواء افلكوفة وسماك بن حرب وأبو اسحاق وأخرون. وثقة ابن معين وقال: لم يسمع لاهو ولا أخوه أبو عبيدة من أبيهما شيئاً قلت: وحدثه في الصحيحين عن مسروق وحديثة في السنين الأربعة عن أبيهوهو قليل الحديث. عبد الرحمنبن عبد القادري ع المدني) والقارة وعضل أخوان من ذرية مدركة بن إلياس قال أبو داود: لأتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير، قلت: روى عن عمر والي طلحة بن زبر بن سطل وأبي أيوب خالد بن زيد. (5/472)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 473 وروى عنه: عروة وعبيد الله بن عبد الله والأعرج والزهري وغيرهم. وعاش ثمانياً وسبعين سنة، توفي سنة ثمانين، وهو من ثقات التابعين الكبار. 4 (عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله القرشي) التيمي، ابن أخي طلحة ابن عبيد الله. له صحبة ورواية، أسلم يوم الحديبية، وقيل يوم الفتح. وروى أيضاً عن: عمه، وعثمان بن عفان، وغيرهم. روى عنه: بنوه، وعثمان، ومعاذ، وهند، وسعيد بن المسيب، وأبو سلمة، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، ومحمد بن المنكدر، وغيرهم. وكان يقال له شارب الذهب. وهو ابن أخت عبد الله بن جدعان التيمي. قتل مع ابن الزبير سنة ثلاث وسبعين. 4 (عبد الرحمن بن عسيلة) أبو عبد الله المرادي الصنابحي نزيل الشام. (5/473)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 474 هاجر فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل قدومه بخمس اليال أو ست ليال. وروى عن: أبي بكر، ومعاذ، وبلال، وعبادة بن الصامت، وغيرهم. روى عنه: عطاء بن يسار، ومحمود بن لبيد، ومكحول، وأبو عبد الرحمن الحبلي، ومرثد بن عبد الله اليزني، وربيعة بن يزيد، وجماعة. وكان صالحاً، عارفاً، كبير القدر. قال محمد بن يحيى بن حبان، عن ابن محيريز، عن الصنابحي قال: دخلت على عبادة بن الصامت وهو في الموت، فبكيت، فقال: مه، لم تبكي، فوالله لئن استشهدت لأشهدن لك، ولأن شفعت لأشفعن لك، ولئن استطعت لأتبعنك. ثم قال: ما من حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكم فيه خير إلا حدثتكموه، إلا حديث واحد، وسوف أحدثكموه في الموت وقد أحيط بنفسي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من شهد أن لا إله إلا الله وأن) محمداً رسول الله حرم الله عليه النار. رواه مسلم. وقال محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد بن عبد الله، عن عبد الرحمن الصنابحي قال: ما فاتني النبي صلى الله عليه وسلم إلا بخمس ليال، قبض وأنا بالجحفة، فقدمت المدينة، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (5/474)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 475 متوافرون، فسألت بلالاً عن ليلة القدر، فلم تعتم. فقال: ليلة ثلاث وعشرين. وقال ابن عون: ثنا رجاء بن حيوة، عن محمد بن الربيع قال: كنا عند عبادة بن الصامت، فأقبل الصنابحي، فقال عبادة: من سره أن ينظر إلى رجل كأنما زقي به فوق سبع سماوات فعمل على ما رأى فلينظر إلى هذا. قال يحيى بن معين: عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي أدرك عبد الملك بن مروان، وكان يجلس معه على السرير، يروي عن أبي بكر، قال: وعبد الله الصنابحي يروي عنه المدنيون، يشبه أن يكون له صحبة. وقال علي بن المديني: الذي روى عنه قيس بن أبي حازم في الحوض هو الصنابح بن الأعسر الأحمسي، له صحبة، وأبو عبد الله عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي، قال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث. وقال يعقوب بن شيبة: هؤلاء الصنابحيون إنما هم اثنان فقط: الصنابح الأحمسي، وهو: الصنابح بن الأعسر، فمن قال الصنابحي فيه فقد أخطأ، يروي عنه الكوفيون، قيس بن أبي حازم، وغيره. وعبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي، يروي عنه أهل الحجاز وأهل الشام، دخل المدينة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث أو أربع ليال. روى عن: أبي بكر، وبلال، وأرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم. فمن قال: أبو (5/475)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 476 عبد الرحمن الصنابحي فقد أخطأ، ومن قال: عبد الرحمن الصنابحي فقد أخطأ، وجعل كنيته اسمه. قلت: توفي بدمشق. 4 (عبد الرحمن بن غنم الأشعري) نزيل فلسطين. روى عن: عمر، وعلي، ومعاذ بن جبل، وأبي ذر، وأبي الدرداء، وأبي مالك الأشعري.) روى عنه: ابنه محمد، وأبو سلام ممطور الحبشي الأسود، وأبو إدريس الخولاني، وشهر بن حوشب، ومكحول، ورجاء بن حيوة، وعبادة بن نسي، وإسماعيل بن عبيد الله، وصفوان بن سليم. قال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله، بعثه عمر إلى الشام يفقه الناس. وكان أبوه ممن هاجر مع أبي موسى. (5/476)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 477 وقال أبو القاسم البغوي: ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، مختلف في صحبته. قلت: وخرج أحمد بن حنبل في مسنده له أحاديث، وهي مراسيل فيما يغلب على الظن. وذكره يحيى بن بكير في الصحابة. وذكر عن الليث، وابن لهيعة أنهما قالا: له صحبة. وقال الترمذي: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال أبو مسهر: وبفلسطين عبد الرحمن بن غنم الأشعري، وهو رأس التابعين. وقال الهيثم، وخليفته: توفي سنة ثمان وسبعين. 4 (عبيد الله بن أبي بكرة) أبو حاتم الثقفي الأمير، ابن صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، أمير سجستان. (5/477)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 478 ولد سنة أربع عشرة، وكان أحد الكرام الأجواد. روى عن: أبيه، وعلي بن أبي طالب. روى عنه: سعيد بن جمهان، ومحمد بن سيرين، وغيرهما. وقد ولي قضاء البصرة. قال خليفة: وفي سنة ثلاث وخمسين عزل عبيد الله بن أبي بكرة عن سجستان، وكان قد وليها في سنة خمسين، ثم وليها في إمرة الحجاج. كان عبيد الله بن أبي بكرة أسود اللون. قال أبو هلال، عن أبي جمرة قال: أول من رأيناه يتوضأ بالبصرة هذا الوضوء عبيد الله بن أبي بكرة، فقلت: انظروا إلى هذا الحبشي يلوط إسته، يعني يستنجي بالماء. وقال أحمد العجلي: وهو تابعي ثقة. وقال محمد بن سلام الجمحي، عن مؤرج قال: كان عبيد الله بن أبي بكرة من الأجواد، فاشترى) جارية يوماً بمال عظيم، فطلب دابة تحمل عليها، فجاء رجل فنزل عن دابته، فحملها عليها، وقال له: اذهب بها إلى منزلك. وقال جرير بن حازم: كان عبيد الله بن أبي بكرة ينفق على جيرانه، ينفق على أربعين داراً عن يمينه، وأربعين عن يساره، وأربعين أمامه، وأربعين ورائه، سائر نفقاته، ويبعث إليهم بالتحف والكسوة ويزوج من أراد منهم التزويج، ويعتق في كل عيد مائة عبد. وروى قريش بن أنس أن محمد بن المهلب بن أبي صفرة وجه إلى (5/478)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 479 عبيد الله بن أبي بكرة أنه أصابتني علة، فوصف لي لبن البقر، قال: فبعث إليه بسبعمائة بقرة ورعاتها. وروى المدائني، عن سلمة بن محارب وذكره الكلبي أنه يزيد بن مفرغ الحميري قدم على عبيد الله بن أبي بكرة بسجستان، فأمر له بخمسين ألفاً، فانصرف وهو يقول: (يسائلني أهل العراق عن الندى .......... فقلت: عبيد الله حلف المكارم)

(فتى حاتمي في سجستان داره .......... وحسبك منه أن يكون كحاتم)

(سما لبناء المكرمات فنالها .......... بشدة ضرغام وبذل الدراهم) وقال خليفة: توفي سنة تسع وسبعين بسجستان. 4 (عبيد الله بن قيس الرقيات القرشي) العامري الحجازي، أحد الشعراء المجودين. مدح مصعب بن الزبير، وعبد الله بن جعفر، وكان مولده في أيام عمر. وهو القائل: (خليلي ما بال المطايا كأنها .......... نراها على الأدبار بالقوم تنكص) (5/479)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 480 الأبيات المشهورة. وقيل لأبيه: قيس الرقيات لأن له جدات عدة يسمين رقية. 4 (عبيد بن نضيلة أبو معاوية الخزاعي) الكوفي المقريء، مقريء أهل الكوفة. سمع: المغيرة بن شعبة، ومسروقاً، وعبيد السلماني، وأرسل عن ابن مسعود، وقرأ القرآن على علقمة. قرأ عليه: حمران بن أعين، ويحيى بن وثاب، وروى عنه: إبراهيم النخعي، وأشعث بن سليم،) والحسن العرني. قيل: إنه توفي في ولاية بشر بن مروان العراق، وكان مقريء أهل الكوفة في زمانه، ويقال: قرأ على ابن مسعود، رواه يحيى بن آدم، عن الكسائي، عن أبي محمد الأنصاري، عن الأعمش قال: قرأت على يحيى بن وثاب، قلت: فيحيى على من قرأ قال: على عبيد بن نضيلة، وقرأ عبيد على ابن مسعود. 4 (عبيد بن عمير) ابن قتادة أبو عاصم الليثي الجندعي المكي الواعظ المفسر. (5/480)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 481 ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. وروى عن: عمر، وعلي، وأبي، وأبي ذر، وعائشة، وأبي موسى، وابن عباس، وأبيه عمير. روى عنه: ابنه عبد الله، وعطاء بن أبي رباح، وابن أبي مليكة، وعمرو بن دينار، وعبد العزيز بن رفيع، وأبو الزبير، وطائفة سواهم. وكان ابن عمر رضي الله عنهما يحضر مجلسه، وكان ثقة إماماً. قال حماد بن سلمة، عن ثابت قال: أول من قص عبيد بن عمير على عهد عمر بن الخطاب. وقال أبو بكر بن عياش، عن عبد الملك، عن عطاء قال: دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة، فقالت له: خفف فإن الذكر ثقيل، تعني إذا وعظت. وقال عبد الواحد بن أيمن: رأيت عبيد بن عمير له جمة إلى قفاه، ولحيته صفراء. (5/481)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 482 توفي قبل وفاة ابن عمر بيسير، وقيل: توفي سنة أربع وستين. 4 (عبيدة بن عمرو السلماني) المرادي، من سلمان بن ناجية بن مراد. كان أحد الفقهاء الكبار بالكوفة. أسلم زمن الفتح، ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذ عن: علي، وابن مسعود. روى عنه: إبراهيم النخعي، والشعبي، ومحمد بن سيرين، وعبد الله بن سلمة المرادي، وأبو حسان مسلم الأعرج، وأبو إسحاق السبيعي، وآخرون. قال الشعبي: كان عبيدة يوازي شريحاً في القضاء. وقال أحمد العجلي: كان عبيدة أعور، وكان أحد أصحاب ابن مسعود الذين يفتون ويقرئون. (5/482)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 483 وقال ابن سيرين: ما رأيت رجلاً كان أشد توقياً من عبيدة.) وكان ابن سيرين مكثراً عن عبيدة. هشام، عن ابن سيرين: سمعت عبيدة يقول: أسلمت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين، وصليت ولم ألقه. هشام بن حسان، عن محمد، عن عبيدة قال: اختلف الناس في الأشربة، فما لي شراب منذ ثلاثين سنة إلا العسل واللبن والماء. هشام بن حسان، عن محمد: قلت لعبيدة: إن عندنا من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من قبل أنس، فقال: لأن يكون عندي منه شعرة أحب إلي من كل صفراء وبيضاء على ظهر الأرض. توفي على الصحيح سنة اثنتين وسبعين. قال أبو أحمد الحاكم: كنيته أبو مسلم، وأبو عمرو. 4 (العرباض بن سارية) أبو نجيح السلمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد أصحاب الصفة التي (5/483)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 484 بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن البكائين الذين نزل فيهم ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم الآية. سكن حمص. روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي عبيدة. روى عنه: جبير بن نفير، وأبو رهم السماعي، وعبد الرحمن بن عمرو السلمي، ويحيى بن أبي المطاع، وخالد بن معدان، والمهاجر بن حبيب، وحجر بن حجر، وحبيب بن عبيد، وآخرون. قال ابن وهب: ثنا سعيد بن أيوب، عن سعد بن إبراهيم، عن عروة بن رويم، عن العرباض بن سارية، وكان يحب أن يقبض، فكان يدعو: اللهم كبرت سني ووهن عظمي، فاقبضني إليك، قال: فبينا أنا يوماً في مسجد دمشق أصلي وأدعو أن أقبض إذا أنا بفتى شاب من أجمل الناس، وعليه دواج أخضر، فقال: ما هذا الذي تدعو به قال: فقلت: كيف أدعو يا بن أخي قال: قل: اللهم حسن العمل وبلغ الأجل، فقلت: من أنت يرحمك الله قال: أنا رتباييل الذي يسل الحزن من صدور المؤمنين، ثم التفت فلم أر أحداً.) وقال إسماعيل بن عياش، عن ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد قال: قال عتبة بن عبد السلمي: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه رجل وله اسم لا يحبه غيره، ولقد أتيناه وإنا لسبعة من بني سليم، أكبرنا العرباض بن سارية، فبايعناه. وقال إسماعيل بن عياش: ثنا أبو بكر بن عبد الله بن حبيب بن عبيد، عن العرباض بن سارية قال: لولا أن يقال: فعل أبو نجيح لألحقت مالي (5/484)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 485 سبله، ثم لحقت وادياً من أودية لبنان، فعبدت الله حتى أموت. وقال النضر بن شميل: ثنا شعبة، عن أبي الفيض: سمعت عمر أبا حفص الحمصي قال: أعطى معاوية المقدام حماراً من المغنم، فقال له العرباض بن سارية: ما كان لك أن تأخذه، وما كان له أن يعطيك، كأني بك في النار تحمله على عنقك، فرده. قال أبو مسهر، وغيره: توفي سنة خمس وسبعين. 4 (عطية بن بسر المازني) أخو عبد الله، ولها صحبة. ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليهما فقدما له تمراً وزبداً، وكان يحب الزبد. قال صدقة، عن ابن جابر، عن سليم بن عامر، عن ابني بسر ولم يسمهما. 4 (عطية السعدي ابن عروة،) ويقال: ابن سعد، ويقال: ابن (5/485)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 486 عمرو بن عروة بن القين. له صحبة ورواية، ونزل البلقاء بالشام، وله ذرية بالبلقاء. روى عنه: ابنه محمد أبو عروة، وربيعة بن يزيد، وإسماعيل ابن أبي المهاجر، وعطية بن قيس. قال معمر، عن سماك بن الفضل، عن عروة بن محمد بن عطية، عن أبيه، عن جده، سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اليد المعطية خير من اليد السفلى. 4 (عقبة بن صهبان الأزدي البصري.) روى عن: عثمان، وعائشة، وعياض بن عمار، وغيرهم. روى عنه: الصلت بن دينار، وقتادة، وعلي بن زيد بن جدعان. قال ابن سعد: توفي في أول ولاية الحجاج على العراق، قال: وكان ثقة.) 4 (علقمة بن وقاص الليثي العتواري المدني.) جد محمد بن (5/486)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 487 عمرو بن علقمة. سمع: عمر، وعائشة، وابن عباس. روى عنه: ابناه عمرو، وعبد الله، ومحمد بن إبراهيم التيمي والزهري، وابن أبي مليكة. وثقه ابن سعد، وكان قليل الرواية. 4 (عمارة بن رؤيبة الثقفي.) صحابي معروف، نزل الكوفة، كنيته أبو زهيرة. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن علي. روى عنه: ابنه أبو بكر بن عمارة، وأبو إسحاق السبيعي، وعبد الملك بن عمير، وحصين بن عبد الرحمن. وهو الذي رأى بشر بن مروان يخطب رافعاً يديه، فقال: قبح الله هاتين (5/487)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 488 اليدين، وكان ذلك في سنة ثلاث أو أربع وسبعين. 4 (عمر بن أبي سلمة) ابن عبد الأسد بن هلال، أبو حفص المخزومي المدني، ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولد بأرض الحبشة في السنة الثانية من الهجرة، على ما قال ابن عبد البر، وهو خطأ، وذلك لأن مولده قبل. وعن ابن الزبير قال: هو أكبر مني بسنتين. قلت: لما توفي والده أبو سلمة في سنة ثلاث كان له أربعة أولاد: عمر، وهو الأكبر فيما أرى، وسلمة، وزينب، ودرة، وقد تزوج عمر، واستفتى النبي صلى الله عليه وسلم عن القبلة للصائم، وقد تزوج نبي الله بأمه أم سلمة سنة أربع، وورد أنه هو الذي زوج أمه، وأنه كان صبياً مميزاً. (5/488)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 489 وكان يوم الخندق في أطم حسان بن ثابت مع النساء، فكان يحمل ابن الزبير لينظر، فهذه الأشياء تدل على أن مولده قبل عام الهجرة ولا بد. وكان عند أمه أم سلمة، وعلمه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا بني سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك.) وروى عن أمه. روى عنه: عروة، وابن المسيب، ووهب بن كيسان، وقدامة بن إبراهيم، وثابت البناني، وأبو وجزة السعدي يزيد بن عبيد، وابنه محمد بن عمر، وغيرهم. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه من الرضاع. قال ابن سعد: توفي في خلافة عبد الملك. ثم رأيت ابن الأثير قد ورخ موته سنة ثلاث وثمانين، فيؤخر. 4 (عمرو بن أخطب أبو زيد الأنصاري) الخزرجي الأعرج. (5/489)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 490 غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة غزوة ومسح رأسه وقال: اللهم جمله فبلغ مائة سنة، ولم يبيض من شعره إلا اليسير. نزل البصرة وله بها مسجد. روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث. روى عنه: ابنه بشير، ويزيد الرشك، وعلباء بن أحمر، وأنس بن سيرين، وأبو قلابة الجرمي، وجماعة. 4 (عمرو بن الأسود) ويقال عمير بن الأسود، أبو عياض العنسي الحمصي، ويقال: إنه سكن داريا، وقيل: كنيته أبو عبد الرحمن، من كبار تابعي الشام. روى عن: عمر، وابن مسعود، وأبي الدرداء، وعبادة بن الصامت، وأم حرام بنت ملحان، وغيرهم. (5/490)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 491 روى عنه: مجاهد، وخالد بن معدان، وأبو راشد الحبراني، ويوسف بن سيف. قال أبو زرعة الدمشقي، وأبو الحسن بن سميع: عمرو بن الأسود هو عمير بن الأسود، يكنى أبا عياض. قلت وحديثه في صحيح البخاري في الجهاد: عمير بن الأسود. وقال أحمد في مسنده: ثنا أبو اليمان، ثنا أبو بكر بن أبي مريم، عن حمزة بن حبيب، وحكى ابن عمير قالا: قال عمر بن الخطاب: من سره أن ينظر إلى هدي رسول الله صلى الله عليه) وسلم فلينظر إلى هدي عمر بن الأسود، رواه محمد بن حرب، وغيره، عن أبي بكر بن أبي مريم، عن ضمرة فقط، عن عمرو بن الأسود أنه مر على عمر. وقال عبد الوهاب بن نجدة، ثنا بقية، عن أرطأة بن المنذر، حدثني زريق أبو عبد الله الألهاني، أن عمرو بن الأسود قدم المدينة، فرآه ابن عمر يصلي، فقال: من سره أن ينظر إلى أشبه الناس صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم فلينظر إلى هذا، ثم بعث إليه ابن عمر بقرى وعلف ونفقة. فقبل القرى والعلف ورد النفقة، فقال بن عمر: ظننت أنه سيفعل ذلك. (5/491)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 492 أخبرنا أحمد بن إسحاق الأبرقوهي. أنا الفتح بن عبد الله، أنبأ أبو غالب محمد بن علي، ومحمد بن أحمد، ومحمد بن عمر القاضي قالوا: نا أبو جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة، أنا عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري، ثنا جعفر الفريابي، ثنا إبراهيم بن العلاء الحمصي، ثنا إسماعيل بن عياش، عن بحير بن سعيد، عن خالد بن معدان، عن عمرو بن الأسود العنسي أنه كان إذا خرج إلى المسجد قبض بيمينه على شماله، فسأل عن ذلك، فقال: مخافة أن تنافق يدي. قلت: لئلا يخطر بها في مشيته. وقال إسماعيل بن عياش: حدثني شرحبيل، عن عمرو بن الأسود أنه كان يدع كثيراً من الشبع مخافة الأشر. 4 (عمرو بن حريث القرشي) المخزومي، له صحبة. (5/492)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 493 قال خليفة: توفي سنة ثمان وسبعين بالكوفة. قلت: والصحيح أنه توفي سنة خمس وثمانين. 4 (عمرو بن عتبة) ابن فرقد السلمي الكوفي الزاهد. عن: عبد الله بن مسعود، وسبيعة الأسلمية. وعنه: الشعبي، وحوط بن رافع العبدي، وعبد الله بن ربيعة، وعيسى بن عمر الهمداني، لكن لك يدركه. قال علي بن صالح بن حي: كان عمرو بن عتبة يرعى ركاب أصحابه وغمامة تظله، وكان يصلي والسبع يضرب بذنبه يحميه.) وقال الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن عبد الله بن ربيعة قال: قال (5/493)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 494 عتبة بن فرقد: يا عبد الله ألا تعينني على ابني فقال عبد الله: يا عمرو، أطع أباك. فقال: يا أبه، إنما أنا رجل أعمل في فكاك رقبتي فدعني، فبكى أبوه ثم قال: يا بني إني لأحبك حبين، حباً لله، وحب الوالد لولده، قال: يا أبه إنك كنت أتيتني بمال بلغ سبعين ألفاً، فإن أذنت لي أمضيته. قال: قد أذنت لك، فأمضاه حتى ما بقي منه درهم. وعن أحمد بن يونس اليربوعي، عمن حدثه قال: قام عمرو بن عتبة يصلي، فقرأ حتى بلغ وأنذرهم يوم الآزفة الآية. فبكى حتى انقطع، ثم قعد، فعل ذلك حتى أصبح. ويروى أن حنشاً جاءه في الصلاة، فالتف على رجله، فلم يترك صلاته. وروى عبد الله بن المبارك عن عيسى بن عمر قال: كان عمرو بن عتبة بن فرقد يخرج على فرسه ليلاً، فيقف على القبور، فيقول: يا أهل القبور قد طويت الصحف، وقد رفعت الأعمال، ثم يبكي ويصف قدميه حتى يصبح فيرجع فيشهد صلاة الصبح. رواها النسائي عن سويد بن نصر، عن ابن المبارك في السنن، وعيسى لم يدرك عمراً. (5/494)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 495 وعن بعض التابعين قال: كان عمرو بن عتبة يفطر على رغيف ويتسحر برغيف. وقال فضيل، عن الأعمش قال: قال عمرو بن عتبة بن فرقد: سألت الله ثلاثاً فأعطاني اثنتين وأنا أنتظر الثالثة: سألته أن يزهدني في الدنيا فما أبالي ما أقبل وما أدبر، وسألته أن يقويني على الصلاة فرزقني منها، وسألته الشهادة، فأنا أرجوها. وقال إبراهيم النخعي، عن علقمة قال: خرجنا ومعنا مسروق، وعمرو بن عتبة، ومعضد العجلي غازين، فلما بلغنا ماسبذان، وأميرها عتبة بن فرقد، فقال لنا ابنه عمرو: إنكم إن نزلتم عليه صنع لكم نزلاً، ولعل أن تظلموا فيه أحداً، ولكن إن شئتم قلنا في ظل هذه الشجرة وأكلنا من كسرنا، ثم رحنا، ففعلنا، فلما قدمنا الأرض قطع عمرو بن عتبة جبة بيضاء فلبسها فقال: والله إن تحدر الدم على هذه لحسن، فرمى، فرأيت الدم ينحدر على المكان الذي وضع يده عليه، فمات رحمه الله. وقال هشام الدستوائي: لما توفي عمرو بن عتبة دخل بعض أصحابه على أخته، فقال: أخبرينا عنه، فقالت: قام ذات ليلة فاستفتح سورة حم فلما بلغ هذه الآية وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين فما جاوزها حتى أصبح.) له حديث واحد عند ابن ماجه، وحكاية عند النسائي، وهو في طبقة (5/495)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 496 أبي وائل، وشريح، وعلقمة، ومسروق، والقدماء من حيث الوفاة. أما أبو عتبة بن فرقد فمن أشراف بني سليم، شهد فتح خيبر فيما قيل، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم، وولي إمرة الموصل لعمر بن الخطاب، وله بها مسجد معروف ودار، ولا أعلم لعتبة رواية. 4 (عمرو بن عثمان بن عفان بن أبي العاص) بن أمية القرشي الأموي. روى عن: أبيه، وأسامة بن زيد، وهو قليل الحديث. روى عنه: علي بن الحسين، وسعيد بن المسيب، وأبو الزناد. توفي في حدود الثمانين، وكان زوج رملة بنت معاوية. 4 (عمرو بن ميمون) الأودي المذحجي أبو عبد الله. (5/496)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 497 أدرك الجاهلية، ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، وقدم الشام مع معاذ بن جبل، ثم نزل الكوفة. وروى عن: عمر، وعلي، ومعاذ، وابن مسعود، وأبي أيوب، وأبي هريرة، وجماعة. روى عنه: أبو إسحاق، والشعبي، وعبدة بن أبي لبابة، ومحمد بن سوقة، وحصين بن عبد الرحمن، وآخرون. ووثقه ابن معين. قال أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن معاذ قال: كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له عفير. وفي المسند: ثنا الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعي، عن حسان بن عطية، حدثني عبد الرحمن بن سابط، عن عمرو بن ميمون الأودي قال: قدم (5/497)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 498 علينا معاذ اليمن رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشحر، رافعاً صوته بالتكبير، أجش الصوت، فألقيت عليه محبتي، فما فارقته حتى حثوت عليه التراب، ثم نظرت إلى أفقه الناس بعده، فأتيت ابن مسعود، وذكر الحديث. وقال عمرو بن ميمون: رأيت قردة في الجاهلية اجتمع عليها قردة فرجموها، فرجمتها معهم.) رواه البخاري. وقال أبو إسحاق: حج عمرو بن ميمون ستين ما بين حجة وعمرة. وقال منصور، عن إبراهيم قال: لما كبر عمرو بن ميمون أوتد له في الحائط، وكان إذا سئم من القيام أمسك به، أو يربط حبلاً فيتعلق به. وقال يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه قال: كان عمرو بن ميمون إذا رؤي ذكر الله تعالى. وقال عاصم بن كليب: رأيت عمرو بن ميمون، وسويد بن غفلة التقيا، فاعتنق كل واحد منهما صاحبه. قال أبو نعيم: توفي سنة أربع وسبعين. وقال الفلاس: سنة خمس وسبعين. (5/498)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 499 4 (عمير بن جرموز المجاشعي) قاتل حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، قتله تقرباً بذلك إلى علي، وقال لما جاء يستأذن عليه بشر قاتل الزبير بالنار، فندم وسقط في يده، وبقي كالبعير الأجرب، كل يتجنبه ويهول عليه ما صنع، ورأى منامات مزعجة. ولما ولي مصعب بن الزبير إمرة العراق خافه ابن جرموز، ثم جاء بنفسه إلى مصعب وقال: أقدني بالزبير، فكاتب أخاه ابن الزبير في ذلك، فكتب إلى مصعب: أنا أقتل ابن جرموز بالزبير ولا بشسع نعله أقتل أعرابياً بالزبير، خل سبيله، فتركه، فكره الحياة لذنبه، وأتى بعض السواد، وهنالك قصر عليه زج فأمر إنساناً أن يطرحه عليه، فطرحه عليه فقتله. 4 (عمير بن ضابيء البرجمي) من أعيان أهل الكوفة. اتهمه الحجاج بأنه من قتلة عثمان، فقتله بذلك أول ما دخل أميراً على الكوفة في سنة خمس. (5/499)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 500 4 (عمير بن أبي اللحم) له صحبة، شهد خيبر مع مولاه، وحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم. روى عنه: محمد بن إبراهيم التيمي، ويزيد بن أبي عبيد، ويزيد ابن عبد الله بن الهاد، ومحمد بن زيد بن المهاجر، عداده في أهل المدينة. 4 (عميرة بن سعد الشبامي الهمداني.) ) سمع علياً. وعنه: طلحة بن مصرف، وعرار بن سويد. يكنى أبا السكن. (5/500)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 501 4 (عوف بن مالك) الأشجعي الغطفاني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. شهد الفتح، وله أحاديث. وعنه: أبو هريرة، وأبو مسلم الخولاني، وجبير بن نفير، وكثير بن مرة، وأبو إدريس الخولاني، والشعبي، وراشد بن سعد، ويزيد بن الأصم، وسالم أبو النضر، وشداد أبو عمار، وسليم بن عامر، وآخرون. وشهد غزوة مؤتة. قال عاصم بن علي: نا المسعودي، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن عوف بن مالك الأشجعي قال: رأيت كأن سيفاً من السماء تدلى، وأن الناس تطاولوا، وأن عمر فضلهم بثلاثة أذرع. قلت: وما ذاك قال: لأنه خليفة من خلفاء الله، ولا يخاف في الله لومة لائم، وأنه يقتل شهيداً قال: فقصصتها على الصديق، فطلب عمر، فلما جاء قال: يا عوف قصها عليه، (5/501)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 502 فلما أبنت له أنه خليفة من خلفاء الله قال: أكل هذا يرى النائم. فلما ولي عمر رآني بالجابية وهو يخطب، فدعاني فأجلسني، فلما فرغ من الخطبة قال: قص علي رؤياك فقلت له: ألست قد جبهتني عنها قال: خدعتك أيها الرجل. فلما قصصتها عليه قال: أما الخلافة فقد أوتيت ما ترى، وأما أن لا أخاف في الله لومة لائم، فإني أرجو أن يكون الله قد علم مني ذلك، وأما أن أقتل فأنى لي بالشهادة وأنا في جزيرة العرب. ولقد رأيت مع ذلك كأن ديكاً ينقر سرتي، وما أمتنع عنه بشيء. وقال ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي مسلم الخولاني قال: قال: حدثني الحبيب الأمين أما هو إلي فحبيب، وأما هو عندي فأمين عوف بن مالك الأشجعي قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة أن ثمانية أو تسعة فقال: ألا تبايعون رسول الله فرددها ثلاثاً، فقدمنا أيدينا فبايعناه، وذكر الحديث. وقال عمارة بن زاذان: ثنا ثابت عن أنس قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عوف بن مالك والصعب بن جثامة.) وقال الواقدي: كانت راية أشجع يوم الفتح مع عوف بن مالك. (5/502)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 503 وقال يزيد بن زريع: ثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي المليح، عن عوف قال: عرس بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتوسد كل إنسان منا ذراع راحلته، فانتبهت في بعض الليل، فإذا أنا لا أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند راحلته، فأفزعني ذلك، فانطلقت ألتمسه، فإذا أنا بمعاذ وأبي موسى، وإذا هما قد أفزعهما ما أفزعني، فبينا نحن كذلك إذ سمعنا هزيزاً على أعلى الوادي كهزيز الرحى. قال: فأخبرناه بما كان من أمرنا، فقال: أتاني الليلة آت من ربي عز وجل فخيرني بين الشفاعة، وبين أن يدخل نصف أمتي الجنة، فاخترت الشفاعة، فقلت: أنشدك الله يا نبي الله والصحبة لما جعلتنا من أهل شفاعتك، قال: فإنكم من أهل شفاعتي، قال: فانتهينا إلى الناس، فإذا هم قد فزعوا حين فقدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال هلال بن العلاء: ثنا حسين بن عياش، ثنا جعفر بن برقان، ثنا ثابت بن الحجاج قال: شتونا في حصن دون القسطنطينية، وعلينا عوف بن مالك الأشجعي، فأدركنا رمضان ونحن في الحصن، فقال عوف: قال عمر: صيام يوم ليس من رمضان، وإطعام مسكين يعدل صيام يوم من رمضان، ثم جمع بين إصبعيه. قال ثابت: هو تطوع، من شاء صامه ومن شاء تركه، يعني الإطعام. وروى جبير بن نفير قال: قال عوف بن مالك: ما من ذنب إلا وأنا أعرف توبته، قيل: يا أبا عبد الرحمن وما توبته قال: أن تتركه ثم لا تعود إليه. قلت: وقيل إن كنيته أبو محمد، وقيل أبو حماد، وقيل أبو عمرو، وقيل أبو عبد الله. (5/503)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 504 قال الواقدي وخليفة: توفي سنة ثلاث وسبعين، وتوفي بالشام. قاله أبو عبيد. 4 (عياض بن عمرو الأشعري) سمع: أبا عبيدة، وخالد بن الوليد، وعياض بن غنم الفهري، وجماعة. روى عنه: الشعبي، وسماك بن حرب، وحصين بن عبد الرحمن. وأحسبه نزل الكوفة. قال الشعبي: مر عياض بن عمرو الأشعري في يوم عيد فقال: مالي لا أراهم يقلسون فإنه من السنة. قال هشيم: التقليس الضرب بالدف.) وقال أحمد في مسنده: ثنا غندر نا شعبة، عن سماك: سمعت عياضاً الأشعري قال: شهدت اليرموك وعلينا خمسة أمراء: خالد بن الوليد، (5/504)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 505 وأبو عبيدة بن الجراح، ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وعياض هو ابن غنم، وقال عمر: إذا كان قتال فعليكم أبو عبيدة، قال: فكتبنا إليه: إنه قد جاش إلينا الموت، فاستمددناه، فكتب إلينا، إنه قد جاءني كتابكم تستمدوني، وأنا أدلكم على من هو أعز نصراً وأحصن جنداً: الله تبارك وتعالى فأشهدوه، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم قد نصر يوم بدر في أقل من عدتكم، قال: فقاتلناهم فهزمناهم وقتلناهم أربع فراسخ، وأصبنا أموالاً، قال: فتشاوروا، فأشار علينا عياض أن نعطى عن كل رأس عشرة، قال: وقال أبو عبيدة: من يسابقني فقال له شاب: أنا إن لم تغضب، قال: فسبقه: فرأيت عقيصتي أبي عبيدة تنقزان وهو خلفه على فرس عربي. (5/505)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 506 4 (حرف الغين)

4 (غضيف بن الحارث) ابن زنيم، أبو أسماء السكوني. مختلف في صحبته. روى عن: عمر، وأبي عبيدة، وأبي ذر، وبلال، وأبي الدرداء. روى عنه: ابنه عبد الرحمن، وعبد الرحمن بن عائذ اليماني، وحبيب بن عبيد، ومكحول، وعبادة بن نسي، وسليم بن عامر، وشرحبيل بن مسلم، وأبو راشد الحبراني، وجماعة. وسكن حمص. فروى العلاء بن يزيد الثمالي: ثنا عيسى بن أبي رزين الثمالي: سمعت غضيف بن الحارث قال: كنت صبياً أرمي نخل الأنصار، فأتوا بي (5/506)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 507 النبي صلى الله عليه وسلم، فمسح برأسي وقال: كل ما سقط ولا ترم نخلهم. رواه خيثمة الأطرابلسي، عن سليمان بن عبد الحميد قال: سمعت العلاء فذكره، فإن صح هذا الحديث فهو صحابي. ويقويه ما روى معن، عن معاوية، بن صالح، عن يونس بن سيف، عن غضيف بن الحارث الكندي أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم واضعاً يده اليمنى على اليسرى في الصلاة. وقال يونس المؤدب: ثنا حماد عن برد أبي العلاء، عن عبادة بن نسي، عن غضيف بن الحارث أنه مر بعمر بن الخطاب فقال: نعم الفتى غضيف. فلقيت أبا ذر بعد ذلك، فقال: أي) أخي استغفر لي، قلت: أنت صاحب رسول اله صلى الله عليه وسلم، وأنت أحق أن تستغفر لي، قال: إني سمعت عمر، يقول: نعم الفتى غضيف، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ضرب الحق على لسان عمر وقلبه. وروى نحوه مكحول، عن غضيف. قال ابن سعد: غضيف بن الحارث الكندي ثقة، في الطبقة الأولى من تابعي أهل الشام. وقال ابن أبي حاتم: له صحبة، وقيل فيه الحارث بن غضيف، وقال أبي، وأبو زرعة: الصحيح أنه غضيف بن الحارث له صحبة. وقال أبو الحسن بن سميع: غضيف بن الحارث الثمالي من الأزد، حمصي. وقال أبو اليمان، عن صفوان بن عمرو: إن غضيف بن الحارث كان (5/507)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 508 يتولى لهم صلاة الجمعة بحمص إذا غاب خالد بن يزيد. وقال بقية، عن أبي بكر بن عبد الله، عن حبيب بن عبيد، عن غضيف قال: بعث إلي عبد الملك بن مروان فقال: يا أبا أسماء، قد جمعنا الناس على أمرين، رفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة، والقصص بعد الصبح والعصر، قال غضيف: أما إنها أمثل بدعتكم عندي، ولست مجيبك إلى شيء منهما، قال: لم قلت: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة. فتمسك بسنة خير من إحداث بدعة. رواه أحمد في المسند. (5/508)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 509 4 (حرف الفاء)

4 (فروة بن نوفل الأشجعي الكوفي.) لأبيه صحبة. سمع: أباه، وعلياً، وعائشة. روى عنه: هلال بن يساف، ونصر بن عاصم الليثي، وأبو إسحاق السبيعي. وروى أبو إسحاق أيضاً، عن رجل، عنه. (5/509)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 510 4 (حرف القاف)

4 (قرط بن خيثمة البصري) عن: علي بن أبي طالب، وأبي موسى. وعنه: مسلم بن مخراق، وأبو الأسود، وطلق بن خساف، وداوود بن نفيع.) قاله ابن أبي حاتم عن أبيه. 4 (قطري بن الفجاءة) واسم أبيه جعونة بن مازن بن يزيد التميمي المازني، أبو نعامة، رأس (5/510)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 511 الخوارج في زمانه. كان أحد الأبطال المذكورين، خرج في خلافة ابن الزبير، وبقي يقاتل المسلمين، ويستظهر عليهم بضع عشرة سنة، وسلم عليه بإمرة المؤمنين، وقد جهز إليه الحجاج جيشاً بعد جيش، وهو يستظهر عليهم ويكسرهم، وتغلب على نواحي فارس وغيرها، ووقائعه مشهورة. وقيل لأبيه الفجاءة لأنه قدم على أهله من سفر فجاءة. ولقطري، وكان من البلغاء: (أقول لها وقد طارت شعاعاً .......... من الأبطال ويحك تراعي)

(فإنك لو سألت بقاء يوم .......... على الأجل الذي لك لم تطاعي)

(فصبراً في مجال الموت صبراً .......... فما نيل الخلود بمستطاع)

(ولا ثوب الحياة بثوب عز .......... فيطوي عن أخي الخنع اليراع)

(سبيل الموت غاية كل حي .......... وداعيه لأهل الأرض داع)

(ومن لم يعتبط يسأم ويهرم .......... وتسلمه المنون إلى انقطاع)

(وما للمرء خير في حياة .......... إذا ما عد من سقط المتاع (5/511)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 512 ) .......... في سنة تسع وسبعين اندقت عنقه، إذ عثرت به فرسه كما تقدم، وقيل: بل قتل. (5/512)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 513 4 (حرف الكاف)

4 (كثير بن الصلت بن معديكرب) الكندي المدني أخو الزبير. قدم المدينة في خلافة الصديق وروى عنه، وعن: عمر، وعثمان، وزيد بن ثابت. روى عنه: يونس بن جبير، وأبو علقمة مولى ابن عوف. روى أبو عوانة في مسنده من حديث نافع، عن ابن عمر: أن كثير بن الصلت كان اسمه قليلاً، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً. وخالفه سليمان بن بلال، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، فجعل الذي غير اسم كثير بن الصلت عمر رضي الله عنه.) وقال ابن سعد: كان له شرف وحال جميلة، وله دار بالمدينة كبيرة بالمصلى. (5/513)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 514 وقال أحمد العجلي: تابعي ثقة. وقال غيره: كان كاتباً لعبد الملك بن مروان على الرسائل. 4 (كثير بن مرة) أبو شجرة، ويقال: أبو القاسم الحضرمي الحمصي. سمع: عمر، وروى عن: معاذ بن جبل، ونعيم بن همار، وعمرو بن عبسة، وتميم الداري، وعبادة بن الصامت، وعوف بن مالك، وجماعة. روى عنه: مكحول، وخالد بن معدان، ويزيد بن أبي حبيب، وعمرو بن جابر المصريان، وأبو الزاهرية حدير بن كريب، وعبد الرحمن بن جبير بن نفير، وسليم بن عامر. ويقال إنه أدرك سبعين بدرياً. قاله يزيد بن أبي حبيب. وشهد الجابية مع عمر. روى نصر بن علقمة، عن أخيه محفوظ: عن ابن عائذ قال: قال كثير بن مرة لمعاذ ونحن بالجابية: من المؤمنون قال معاذ: أمبرسم ! والكعبة (5/514)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 515 إن كنت لأظنك أفقه مما أنت، هم الذين أسلموا وصاموا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة. قال أبو مسهر: أدرك كثير بن مرة عبد الملك، يعني وفاة عبد الملك. قاله البخاري. قلت: فيؤخر إلى الطبقة التاسعة. 4 (كريب بن أبرهة) ابن مرثد أبو رشدين الأصبحي المصري، الأمير، أحد الأشراف. روى عن: أبي الدرداء، وحذيفة، وكعب الأحبار. قال يزيد بن أبي حبيب: إن عبد العزيز بن مروان قال لكريب بن أبرهة: أشهدت خطبة عمر بالجابية قال: حضرتها وأنا غلام أسمع ولا أدري ما يقول. وقال ابن يونس: كريب شهد فتح مصر، وأدركت قصره بالجيزة، هدمه ذكاء الأعور، وبنى عوضه قيسارية ذكاء يباع فيها البز، قال: وولي كريب الإسكندرية لعبد العزيز بن مروان أمير مصر، وتوفي سنة خمس وسبعين.) وقال أحمد العجلي: هو ثقة من كبار التابعين. (5/515)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 516 قلت: روى عنه: ثوبان بن شهر، وسليم بن عتر، وأبو سليط شعبة، والهيثم بن خالد التجيبي، ووفد على معاوية. وعن يعقوب بن عبد الله بن الأشج قال: رأيت كريب بن أبرهة يخرج من عنده عبد العزيز، فيمشي تحت ركابه خمسمائة من حمير. 4 (كميل بن زياد النخعي شريف مطاع) من كبار شيعة علي رضي الله عنه. روى عن: عثمان، وعلي، وابن مسعود. قتله الحجاج. روى عنه: أبو إسحاق، وعبد الرحمن بن عائش، والأعمش، وجماعة. وثقه ابن معين. (5/516)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 517 4 (حرف اللام)

4 (ليلى الأخيلية) الشاعرة المشهورة. كانت من أشعر النساء، لا يقدم عليها في الشعر غير الخنساء. وقيل: إن النابغة الجعدي هجاها فقال: (وكيف أهاجي شاعراً رمحه استه .......... خضيب البنان لا يزال مكحلا) فأجابته: (5/517)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 518 (أعيرتني داء بأمك مثله .......... وأي حصان لا يقال لها هلا) ودخلت على عبد الملك بن مروان وقد أسنت، فقال لها: ما رأى توبة منك حتى عشقك قالت: ما رأى الناس منك حتى جعلوك خليفة، فضحك وأعجبه. ويقال: إنه قال لها: هل كان بينكما سوء قط قالت: لا والذي ذهب بنفسه، إلا أنه غمز يدي مرة. وقال أبو الحسن المدائني، عمن حدثه، عن مولى لعنبسة بن سعيد بن العاص قال: دخلت يوماً على الحجاج، فأدخلت إليه امرأة، فطأطأ رأسه، فجلست بين يديه فإذا امرأة قد أسنت، حسنة الخلق، ومعها جاريتان لها، فإذا هي ليلى الأخيلية، فقال: يا ليلى، ما أتى بك قالت: إخلاف) النجوم، وقلة الغيوم، وكلب البرد، وشدة الجهد، وكنت لنا بعد الله الرفد، والناس مستنون، ورحمة الله يرجون، وإني قد قلت في الأمير قولاً، قال: هاتي، فأنشأت تقول: (أحجاج لا يفلل سلاحك إنما ال .......... منايا بكف الله حيث يراها)

(إذا هبط الحجاج أرضاً مريضة .......... تتبع أقصى دائها فشفاها)

(شفاها من الداء العضال الذي بها .......... غلام إذا هز القناة سقاها)

(إذا سمع الحجاج رزء كتيبة .......... أعد لها قبل النزول قراها) ثم ذكر باقي القصة بطولها وأن الحجاج وصلها بمائة ناقة، وقال (5/518)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 519 لجلسائه: هذه ليلى الأخيلية التي مات توبة الخفاجي من حبها، أنشدينا بعض ما قال فيك، قالت: نعم، قال في: (وهل تبكي ليلى إذا مت قبلها .......... وقام على قبري النساء النوائح)

(كما لو أصاب ليلى الموت بكيتها .......... وجاد لها دمع من العين سافح)

(وأغبط من ليلى بما لا أناله .......... ألا كلما قرت به العين صالح)

(ولو أن ليلى الأخيلية سلمت .......... علي ودوني جندل وصفائح)

(لسلمت تسليم البشاشة أو زقا .......... إليها صدي من جانب القبر صائح) قال الحجاج: فهل رابك منه شيء قالت: لا والذي أسأله أن يصلحك، غير أنه قال لي مرة، ظننت أنه قد خضع لأمر، فأنشأت أقول: (وذي حاجة قلنا له لا تبح بها .......... فليس إليها ما حييت سبيل)

(لنا صاحب لا ينبغي أن نخونه .......... وأنت لأخرى فارغ وخليل)

4 (لمازة بن زبار) أبو لبيد الجهضمي البصري. (5/519)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 520 روى عن: عمر وعلي، وأبي موسى الأشعري، وغيرهم. وعنه: الربيع بن سليم، والزبير بن الخريت، ويعلى بن حكيم، ومطر بن جمران، وطالب بن السميدع. ووفد على يزيد. قال ابن سعد: سمع من علي وله أحاديث صالحة، وكان ثقة. وقال أحمد: أبو لبيد صالح الحديث.) سيعاد. (5/520)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 521 4 (حرف الميم)

4 (مالك بن أبي عامر الأصبحي المدني،) جد مالك بن أنس. روى عن: عمر، وعثمان، وطلحة بن عبيد الله، وعائشة، وأبي هريرة، وكعب الحبر. روى عنه: ابناه أنس، وأبو سهل نافع، وسالم أبو النضر، ومحمد بن إبراهيم التيمي، وسليمان بن يسار، وغيرهم. وكان ثقة فاضلاً. توفي سنة أربع وسبعين. 4 (مالك بن مسمع أبو غسان الربعي البصري.) (5/521)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 522 كان سيد ربيعة في زمانه، وكان رئيساً حليماً، يذكر في نظراء الأحنف بن قيس في الشرف. ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وله وفادة على معاوية. قال خليفة: مات سنة ثلاث وسبعين. 4 (محمد بن إياس بن البكير.) عن: أبي هريرة، وعبد الله بن عمرو. وعنه: أبو سلمة بن عبد الرحمن، ونافع مولى ابن عمر، ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، وغيرهم. 4 (محمد بن حاطب بن الحارث القرشي) الجمحي، أخو (5/522)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 523 الحارث بن حاطب. له صحبة، وحديثان، واحد في الضرب بالدف في النكاح. وروى عن: علي أيضاً. روى عنه: بنوه الحارث، وعمر، وإبراهيم، وحفيده عثمان بن إبراهيم بن محمد، وسعد بن إبراهيم الزهري، وسماك بن حرب، وأبو بلج، يحيى بن سليم، وهو رضيع عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. وقيل: هو أول من سمي في الإسلام محمداً.) ولد بمكة، وقيل: ولد بالحبشة. وفي الصحابة محمد بن مسلمة كبير مشهور لكنه سمي محمداً قبل الإسلام. توفي ابن حاطب هذا في سنة أربع وسبعين. 4 (مسروح بن سندر الجذامي،) مولى روح بن زنباع، كنيته أبو الأسود. قدم مصر بعد فتحها بكتاب عمر. روى عنه: مرثد بن عبد الله اليزني، وربيعة بن لقيط. وهو قليل الحديث. (5/523)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 524 4 (مصعب بن الزبير) ابن العوام بن خويلد بن أسد، أبو عيسى، ويقال أبو عبد الله القرشي الأسدي المدني. حكى عن أبيه. روى عنه: الحكم بن عيينة. ووفد على معاوية، واستعمله أخوه على البصرة، وقتل المختار بن أبي عبيد، ثم عزله أخوه، واستعمله بعد ذلك على العراق، فأقام بها يقاوم عبد الملك بن مروان ويحاربه إلى أن قتل. وأمه الرباب بنت أنيف الكلبي. (5/524)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 525 وكان يسمى آنية النحل من كرمه وجوده. وفيه يقول عبيد الله بن قيس الرقيات: (إنما مصعب شهاب من الل .......... ه تجلت عن وجهه الظلماء)

(ملكه ملك عزة ليس فيه .......... جبروت منه ولا كبرياء)

(يتقي الله في الأمور وقد أف .......... لح من كان همه الإتقاء) وفيه يقول أيضاً: (لولا الإلة ولولا مصعب لكم .......... بالطف قد ضاعت الأحساب والذمم)

(أنت الذي جئتنا والدين مختلس .......... والحر معتبد والمال مقتسم)

(ففرج الله عمياها وأنقذنا .......... بسيف أروع من عرنينه شمم)

(مقلد بنجاد السيف فضله .......... فعل الملوك لا عيب ولا قرم) ) (في حكم لقمان يهدي مع نقيبته .......... يرمي به الأعداء وينتقم)

(وبيته الشرف الأعلى سوابغها .......... في الدارعين إذا ما سألت الخدم) قال مصعب الزبيري: ومصعب يكنى أبا عبد الله، ولم يكن له ولد اسمه عبد الله. وقال إسماعيل بن أبي خالد: ما رأيت أميراً قط أحسن من مصعب. وقال عمر بن أبي زائدة: قال الشعبي: ما رأيت أميراً قط على منبر أحسن من مصعب. وقال المدائني: كان مصعب يحسد على الجمال، فنظر يوماً وهو يخطب إلى أبي خيران الحماني، فصرف وجهه عنه، ثم دخل ابن جودان (5/525)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 526 الجهضمي، فسكت وجلس، ودخل الحسن فنزل عن المنبر. وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه قال: اجتمع في الحجر عبد الله، ومصعب، وعروة بنو الزبير، وعبد الله بن عمر، فقالوا: تمنوا، فقال عبد الله بن الزبير: أما أنا فأتمنى الخلافة، وقال عروة: أما أنا فأتمن أن يؤخذ عني العلم، وقال مصعب: أما أنا فأتمنى إمرة العراق، والجمع بين عائشة بنت طلحة، وسكينة بنت الحسين، وقال ابن عمر: أما أنا فأتمنى المغفرة، فنالوا ما تمنوا، ولعل ابن عمر قد غفر له. قال خليفة: في سنة تسع وستين جمع ابن الزبير العراق لأخيه مصعب. وقال محمد بن عبد العزيز الزهري، عن أبيه قال: ما رأيت الملك بأحد قط أليط منه بمصعب بن الزبير. وقال علي بن زيد بن جدعان قال: بلغ مصعباً عن عريف الأنصار شيء فهم به، فدخل عليه أنس بن مالك فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: استوصوا بالأنصار خيراً، إقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم، فألقى مصعب نفسه عن السرير، وألزق خده بالبساط، وقال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرأس والعين، وتركه. رواه الإمام أحمد. وقال مصعب بن عبد الله: أهديت لمصعب نخلة من ذهب عثاكلها من صنوف الجواهر، فقومت بألفي ألف دينار، وكانت من متاع الفرس، فدفعها إلى عبد الله بن أبي فروة. وقال أبو عاصم النبيل: كان ابن الزبير إذا كتب للرجل بجائزة ألف درهم جعلها مصعب مائة ألف.) (5/526)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 527 وسئل سالم بن عبد الله: أي ابني الزبير أشجع قال: كلاهما جاء الموت وهو ينظر إليه. وعن الكلبي قال: قال عبد الملك يوماً لجلسائه: من أشجع العرب قيل: شبيب، قطري، فلان، فلان، فقال: إن أشجع العرب لرجل ولي العراقين خمس سنين، فأصاب ألف ألف، وألف ألف، وألف ألف، وتزوج سكينة بنت الحسين، وعائشة بنت طلحة، وأمة الحميد بنت عبد الله بن عامر بن كريز، وأمه رباب بنت أنيف الكلبي، وأعطي الأمان، فأبى ومشى بسيفه حتى مات، ذاك مصعب بن الزبير. وروى أبو بكر بن عياش، عن عبد الملك بن عمير قال: دخلت القصر بالكوفة، فإذا رأس الحسين بين يدي عبيد الله بن زياد، ثم دخلت القصر بالكوفة، فإذا رأس عبيد الله بين يدي المختار، ثم دخلت القصر، فإذا رأس المختار بين يدي مصعب بن الزبير، ثم دخلت بعد، فرأيت رأس مصعب بين يدي عبد الملك بن مروان. وعن عامر بن عبد الله بن الزبير، قال: قتل مصعب يوم الخميس، النصف من جمادى الأولى سنة اثنتين وسبعين. وقال غيره: قتل وله أربعون سنة. ولابن قيس الرقيات يرثيه: (إن الرزية يوم مس .......... كن والمصيبة والفجيعه)

(بابن الحواري الذي .......... لم يعده يوم الوقيعه)

(غدرت به مضر العرا .......... ق وأمكنت منه ربيعه)

(فأصبت وترك يا ربي .......... ع وكنت سامعة مطيعه)

(يا لهف لو كانت له .......... بالدير يوم الدير شيعه)

(أو لم تخونوا عهده .......... أهل العراق بنو اللكيعه) (5/527)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 528 (لوجدتموه حين يح .......... در لا يعرس بالمضيعه)

4 (معبد بن خالد الجهني) أبو زرعة. له صحبة ورواية. كان صاحب لواء جهينة يوم الفتح، وكان ألزمهم للبادية. أخذ عن أبي بكر الصديق أيضاً. روى عنه: عمرو بن دينار، وغيره.) ولا رواية له في شيء من الكتب السنة. وعاش ثمانين سنة. توفي سنة اثنتين وسبعين. فأما معبد الجهني صاحب القدر فسيأتي. 4 (معدان بن أبي طلحة اليعمري الشامي.) (5/528)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 529 قال ابن معين: أهل الشام يقولون: معدان بن طلحة، وهم أثبت فيه. وثقه أحمد العجلي وغيره. روى عن: عمر، وأبي الدرداء، وثوبان. روى عنه: الوليد بن هشام المعيطي والسائب بن حبيش الكلاعي، وسالم بن أبي الجعد، ويعيش بن الوليد، وغيرهم. ذكره أبو زرعة في الطبقة التي تلي الصحابة. 4 (المنذر بن الجارود العبدي) من وجوه أهل البصرة. ولي إمرة اصطخر لعلي رضي الله عنه، ووفد على معاوية، ثم ولي السند من قبل عبيد الله بن زياد. يقال إنه قتل في زمن الحجاج. وقال ابن إسحاق: قدم الجارود بن عمرو بن حنش العبدي على النبي صلى الله عليه وسلم وكان نصرانياً. وقال غيره: للجارود صحبة. وقتل في خلافة عمر بفارس. كنية المنذر أبو الأشعث، ويقال أبو عتاب. (5/529)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 530 حرف النون 4 (ناعم بن أجيل الهمداني المصري،) مولى أم سلمة. سبي في الجاهلية فاشترته أم سلمة فأعتقته فروى عنها، وعن: علي، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو.) روى عنه: عبيد الله بن المغيرة، والأعرج، ويزيد بن أبي حبيب، وآخرون. وكان أحد الفقهاء بمصر. توفي سنة ثمانين. 4 (نافع مولى أم سلمة أيضاً من القدماء.) روى عن أم سلمة في صحة صوم الجنب حديثاً تفرد به عنه عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. (5/530)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 531 4 (نبيط بن شريط الأشجعي) له صحبة ورواية. زوجه النبي صلى الله عليه وسلم فريعة بنت أسعد بن زرارة، وعاش دهراً. روى عنه: ابنه سلمة، ونعيم بن أبي هند، وأبو مالك الأشجعي سعد بن طارق. 4 (النزال بن سبرة الهلالي الكوفي.) (5/531)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 532 روى عن: عثمان، وعلي، وابن مسعود. روى عنه: الشعبي، والضحاك بن مزاحم، وعبد الملك بن ميسرة، وإسماعيل بن رجاء الزبيدي. وثقه أحمد العجلي وغيره. (5/532)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 533 4 (حرف الهاء)

4 (هرم بن حيان) العبدي الربعي ويقال الأزدي البصري. روى عن: عمر. روى عنه: الحسن البصري، وغيره. وكان من سادة العباد، ولي بعض الحروب في أيام عمر وعثمان بأرض فارس. قال ابن سعد: كان عاملاً لعمر، وكان ثقة له فضل وعبادة. وقيل سمي هرماً لأنه بقي في بطن أمه سنتين حتى طلعت ثنيتاه. (5/533)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 534 قال أبو عمران الجوني، عن هرم بن حيان أنه قال: إياكم والعالم الفاسق، فبلغ عمر، فكتب إليه وأشفق منها: ما العالم الفاسق فكتب: يا أمير المؤمنين ما أردت إلا الخير، يكون إمام يتكلم) بالعلم، ويعمل بالفسق، ويشبه على الناس فيضلوا. قلت: إنما أنكر عليه عمر أنهم لم يكونوا يعدون العالم إلا من عمل بعلمه. وروى الوليد بن هشام القحذمي، عن أبيه، عن جده، أن عثمان بن العاص وجه هرم بن حيان إلى قلعة فافتتحها عنوة. وقال الحسن البصري: خرج هرم وعبد الله بن عامر بن كريز، فبينما رواحلهما ترعى إذ قال هرم: أيسرك أنك كنت هذه الشجرة قال: لا والله، لقد رزقني الله الإسلام، وإني لأرجو من ربي، فقال هرم: لكني والله لوددت أني كنت هذه الشجرة، فأكلتني هذه الناقة، ثم بعرتني، فاتخذت جلة، ولم أكابد الحساب، ويحك يا ابن عامر إني أخاف الداهية الكبرى. قال الحسن: كان والله أفقههما وأعلمهما بالله. وقال قتادة: كان هرم بن حيان يقول: ما أقبل عبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم. وقال صالح المري: قال هرم: صاحب الكلام على إحدى منزلتين، إن قصر فيه خصم، وإن أغرق فيه أثم. وقال قتادة: قال هرم: ما رأيت كالنار نام هاربها، ولا كالجنة نام طالبها. (5/534)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 535 وقال الحسن: مات هرم بن حيان في يوم صائف، فلما دفن جاءت سحابة قدر قبره فرشته ثم انصرفت. وقال حميد بن هلال، وغيره: قيل لهرم: ألا توصي قال: قد صدقتني نفسي في الحياة وما لي شيء أوصي، ولكن أوصيكم بخواتيم سورة النحل. قال ابن عساكر: قدم هرم بن حيان دمشق في طلب أويس القرني. 4 (همام بن الحارث النخعي) يروي عن، عمر: وعمار، والمقداد بن الأسود، وحذيفة وجماعة، روى عنه: إبراهيم النخعي، وسليمان بن يسار، ووبرة بن عبد الرحمن. وثقه يحيى بن معين. وقال ابن سعد: توفي زمن الحجاج. وقال حصين، عن إبراهيم النخعي: إن همام بن الحارث كان يدعو: (5/535)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 536 اللهم اشفني من النوم) بالسير، وارزقني سهراً في طاعتك. فكان لا ينام إلا هنيهة وهو قاعد. وقال ابن الجوزي: كان الناس يتعلمون هديه وسمته، وكان طويل السهر، رحمة الله عليه. (5/536)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 537 4 (حرف الياء)

4 (يحيى بن الحكم) ابن أبي العاص بن أمية الأموي. روى: عن معاذ. روى عنه: سلمة بن أسامة. وولي المدينة لابن أخيه عبد الملك، ثم ولي حمص. قال الواقدي، عن بعض أصحابه قال: كان يحيى بن الحكم على المدينة، وكان فيه حمق فوفد على عبد الملك بلا إذن، فعزله. وذكر العتبي أن عبد الملك بن مروان قال: كيف لنا بمثل التي يقول فيها يحيى بن الحكم: (هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة .......... لفاء غامضة العينين معطار)

(خوذ من الخفرات البيض لم يرها .......... بساحة الدار لا بعل ولا جار) (5/537)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 538 وعن جنادة بن مروان، عن أبيه قال: قدم عبد الملك بن مروان حمص، فأمر بإسحاق بن الأشعث، فقتل صبراً، فتكلم أهل حمص فنودي: الصلاة جامعة وصعد المنبر. وقال: ما حديث بلغني عنكم يا أهل الكوفة فقام إليه عبد الرحمن بن ذي الكلاع فقال: يا أمير المؤمنين لسنا بأهل الكوفة، ولكنا الذين قاتلنا معك مصعب بن الزبير، وأنت تقول يومئذ: والله يا أهل حمص لأوسينكم ولو بما ترك مروان، وعليك يومئذ قباؤك الأصفر، فقال له رجل: اعزل عنا سفيهك يحيى بن الحكم. فقال: ارحل عن جوار القوم. 4 (يزيد بن الأسود الجرشي) أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقدم الشام، وسكن بقرية زبدين في الغوطة، وله دار بداخل باب شرقي. قال سعيد بن عبد العزيز، عن يونس بن ميسرة قال: قلت ليزيد بن الأسود: يا أبا الأسود، كم أتى عليك قال: أدركت العزى تعبد في قرية قومي. وقال أبو إسحاق الفزاري، عن صفوان بن عمرو، عن أبي اليمانرجل تابعيعن يزيد بن) الأسود أنه قال لقومه: اكتبوا في الغزو، قالوا: قد (5/538)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 539 كبرت قال: سبحان الله، اكتبوني فأين سوادي في المسلمين قالوا: أما إذا فعلت فأفطر وتقو على العدو، قال: ما كنت أراني أبقى حتى أعاتب في نفسي. والله لا أشبعها من طعام، ولا أوطئها من منام حتى تلحق بالذي خلقها. وقال أبو اليمان: ثنا صفوان، عن سليم بن عامر، إن السماء قحطت، فخرج معاوية وأهل دمشق يستسقون، فلما قعد معاوية على المنبر قال: أين يزيد بن الأسود الجرشي فناداه الناس، فأقبل يتخطى الناس، فأمره معاوية فصعد المنبر فقعد عند رجليه، فقال معاوية: اللهم إنا نستشفع إليك بخيرنا وأفضلنا، اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بيزيد بن الأسود، يا يزيد ارفع يديك إلى الله، فرفع يزيد يديه، ورفع الناس، فما كان بأوشك أن ثارت سحابة كأنها ترس، وهبت لها ريح فسقينا حتى كاد الناس أن لا يبلغوا منازلهم. وقال سعيد بن عبد العزيز، ويحيى بن أبي عمر السيباني وغيرهما، إن الضحاك بن قيس استسقى بيزيد بن الأسود، فما برحوا حتى سقوا. وقال سعيد بن عبد العزيز: إن عبد الملك لما خرج مصعب بن الزبير رحل معه يزيد بن الأسود، فلما التقوا قال: اللهم احجز بين هذين الجبلين، وول الأمر أحبهما إليك، فظفر عبد الملك. روى الحسن بن محمد بن بكار، عن أبي بكر عبد الله بن يزيد القرشي قال: حدثني بعض المشيخة أن يزيد بن الأسود الجرشي كان يسير هو (5/539)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 540 ورجل في أرض الروم، فسمع منادياً يقول: يا يزيد إنك لمن المقربين، وإن صحبك لمن العابدين، وما نحن بكاذبين. قال علي بن الحسن بن عساكر الحافظ: بلغني أن يزيد بن الأسود كان يصلي العشاء الآخرة بمسجد دمشق، ويخرج إلى زبدين، فتضيء إبهامه اليمنى، فلا يزال يمشي في ضوئها حتى يبلغ زبدين. قلت: وقد حضره واثلة بن الأسقع عند الموت. 4 (يزيد بن شريك التيمي الكوفي،) من تيم الرباب لا تيم قريش. روى عن: عمر، وعلي، وأبي ذر، وحذيفة. روى عنه: ابنه إبراهيم التيمي، وإبراهيم النخعي، والحكم بن عتبة، وغيرهم.) وثقه يحيى بن معين. محمد بن جحادة عن سليمان، عن إبراهيم التيمي قال: كان على أبي قميص من قطن، فقلت: يا أبه، لو لبست فقال: لقد قدمت البصرة، فأصبت آلافاً فما اكترثت بها فرحاً، ولا حدثت نفسي بالكره أيضاً، ولوددت أن كل لقمة طيبة أكلتها في فم أبغض الناس إلي، إني سمعت أبا الدرداء (5/540)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 541 يقول: إن ذا الدرهمين يوم القيامة أشد حساباً من ذي الدرهم. سفيان الثوري، عن همام قال: لما قص إبراهيم التيمي أخرجه أبوه رحمه الله. 4 (يزيد بن عميرة الزبيدي،) ويقال الكندي، ويقال السكسكي الحمصي. روى عن: أبي بكر، وعمر، ومعاذ بن جبل، وغيرهم. روى عنه: أبو إدريس الخولاني، وشهر بن حوشب، وأبو قلابة الجرمي، وعطية بن قيس، وغيرهم. وهو قليل الحديث. قال أحمد بن عبد الله العجلي: شامي ثقة من كبار التابعين. وقال أبو مسهر: أكبر أصحاب مالك بن يخامر وكان رأس القوم يزيد بن عميرة الزبيدي. (5/541)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 542 4 (الكنى)

4 (أبو إدريس الخولاني) اسمه عائذ الله بن عبد الله، فقيه أهل دمشق، وقاضي دمشق. وقيل اسمه عبد الله بن إدريس بن عائذ الله بن عبد الله بن عتبة. ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم عام حنين. (5/542)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 543 وحدث عن: أبي ذر، وأبي الدرداء، وحذيفة، وعبادة بن الصامت، وأبي موسى، والمغيرة بن شعبة، وأبي هريرة، وعقبة بن عامر، وعوف بن مالك، وشداد بن أوس، وابن عباس، وأبي مسلم الخولاني، وجماعة. روى عنه: مكحول، وأبو سلام الأسود، وأبو قلابة الجرمي، والزهري، وربيعة بن يزيد، ويحيى بن يحيى الغساني، وأبو حازم الأعرج، ويونس بن ميسرة، وآخرون كثيرون. قال العباس بن سالم الدمشقي، وهو ثقة: سمعت أبا إدريس الخولاني قال: لم أنس عبد الله بن) مسعود قائماً على درج كنيسة دمشق يحدثنا بالأحاديث. قال أبو زرعة الدمشقي: قلت لدحيم: أي الرجلين عندك أعلم: جبير بن نفير، أو أبو إدريس الخولاني قال: أبو إدريس عندي المقدم، ورفع من شأن جبير لإسناده وأحاديثه. وقال الزهري: حدثني أبو إدريس، وكان من فقهاء أهل الشام. وقال مكحول: ما رأيت مثل أبي إدريس الخولاني. عن سعيد بن عبد العزيز قال: كان أبو إدريس عالم الشام بعد أبي الدرداء. وقال محمد بن شعيب بن شابور، أخبرني يزيد بن عبيدة أنه رأى أبا إدريس في زمن عبد الملك، وأن حلق المسجد بدمشق يقرأون القرآن (5/543)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 544 يدرسون جميعاً، وأبو إدريس جالس إلى بعض العمد، فكلما مرت حلقة بآية سجدة بعثوا إليه يقرأ بها، فأنصتوا له وسجد بهم، وسجدوا جميعاً بسجوده، وربما سجد بهم اثنتي عشرة سجدة، حتى إذا فرغوا من قراءتهم قام أبو إدريس يقص. ثم قدم القصص بعد ذلك. وقال خالد بن يزيد بن أبي مالك، عن أبيه قال: كنا نجلس إلى أبي إدريس الخولاني فيحدثنا، فحدث يوماً بغزاة حتى استوعبها، فقال رجل: أحضرت هذه الغزاة قال: لا، فقال: قد حضرتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنت أحفظ لها مني. وقال سعيد بن عبد العزيز: عزل عبد الملك بلالاً عن القضاء وولى أبا إدريس. وقال الوليد عن ابن جابر: إن عبد الملك عزل أبا إدريس عن القصص وأقره على القضاء، فقال: عزلتموني عن رغبتي، وتركتموني في رهبتي. وقال أبو عمر بن عبد البر: سماع أبي إدريس عندنا من معاذ صحيح. قال خليفة: توفي سنة ثمانين. 4 (أبو بحرية التراغمي) الحمصي. اسمه عبد الله بن قيس. شهد خطبة الجابية. (5/544)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 545 وحدث عن: معاذ، وأبي هريرة، ومالك بن يسار. روى عنه: خالد بن معدان، وضمرة بن حبيب، ويزيد بن قطب، ويونس بن ميسرة، وأبو بكر بن أبي مريم، وغيرهم.) أدرك الجاهلية. ووثقه ابن معين، وغيره، وفي لقي ابن أبي مريم له نظر. قال بقية: حدثني أبو بكر بن أبي مريم، عن يحيى بن جابر، عن أبي بحرية قال: إذا رأيتموني ألتفت في الصف فأوجئوا في لحيي حتى أستوي. وحكى عبد الله القطربلي، عن الواقدي أن عثمان كتب إلى معاوية: أن أغز الصائفة رجلاً مأموناً على المسلمين، رفيقاً بسياستهم، فعقد لأبي بحرية عبد الله بن قيس الكندي، وكان فقيهاً ناسكاً يحمل عنه الحديث، وكان عثماني الهوى حتى مات في زمن الوليد، وكان معاوية وخلفاء بني أمية تعظمه. يؤخر إلى الطبقة التاسعة. 4 (أبو تميم الجيشاني) اسمه عبد الله بن مالك بن أبي الاسحم المصري أخو سيف. (5/545)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 546 ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وقدما المدينة زمن عمر. روى أبو تميم عن: عمر، وعلي، وأبي ذر، وقرأ القرآن على معاذ بن جبل. روى عنه: عبد الله بن هبيرة، وكعب بن علقمة، ومرثد بن عبد الله اليزني، وبكر بن سوادة، وغيرهم. قال يزيد بن أبي حبيب: كان من أعبد أهل مصر. قلت: توفي في سنة سبع وسبعين. نقله سعيد بن عفير. وقال أبو عبد الرحمن المقريء: ثنا ابن لهيعة، حدثني ابن هبيرة: سمعت أبا تميم الجيشاني يقول: أقرأني معاذ بن جبل القرآن حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن. قلت: وتعلم معاذ كثيراً من القرآن من ابن مسعود، قاله الأعمش، عن إبراهيم النخعي. قال ابن مسعود: جاء معاذ، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم أقرئه، فأقرأته ما كان معي، ثم كنت أنا وهو نختلف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئنا. (5/546)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 547 4 (أبو ثعلبة الخشني) اسمه على أشهر ما قيل جرثوم بن ناشم. له صحبة ورواية، وروى أيضاً عن: أبي عبيدة، ومعاذ. روى عنه: سعيد بن المسيب، وجبير بن نفير، وأبو إدريس الخولاني، وأبو رجاء العطاردي،) وأبو الزاهرية، وعمير بن هانيء. وسكن الشام، وكان يكون بداريا. وقيل: إنه سكن قرية البلاط وله ذرية بها. وقال الدارقطني وغيره: بايع بيعة الرضوان، وضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهم يوم خيبر، وأرسله إلى قومه فأسلموا. (5/547)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 548 وقال أحمد في مسنده: ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي ثعلبة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله اكتب لي بأرض كذا وكذا بالشام لم يظهر عليها النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا تسمعون ما يقول هذا فقال أبو ثعلبة: والذي نفسي بيده لتظهرن عليها. قال: فكتب له بها. وقال عمر بن عبد الواحد الدمشقي، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن إسماعيل بن عبيد الله قال: بينا أبو ثعلبة الخشني، وكعب جالسين، إذ قال أبو ثعلبة: يا أبا إسحاق، ما من عبد تفرغ لعبادة الله إلا كفاه الله مؤونة الدنيا، قال: أي شيء سمعته من رسول الله صلى اله عليه وسلم أم شيء تراه قال: بل شيء أراه، قال: فإن في كتاب الله المنزل من جمع همومه هماً واحداً، فجعله في طاعة الله، كفاه الله ما أهمه، وكان رزقه على الله، وعمله لنفسه، ومن فرق همومه، فجعل في كل واد هماً، لم يبال الله في أيها هلك، ثم تحدثا ساعة، فمر رجل يختال بين بردين، فقال أبو ثعلبة: يا أبا إسحاق بئس الثوب ثوب الخيلاء، فقال: أشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بل شيء أراه، قال: فإن في كتاب الله المنزل: من لبس ثوب خيلاء لم ينظر الله إليه حتى يضعه عنه، وإن كان يحبه. وقال خالد بن محمد الوهبي والد أحمد: سمعت أبا الزاهرية قال: سمعت أبا ثعلبة يقول: إني لأرجو أن لا يخنقني الله عز وجل كما أراكم تخنقون عند الموت، قال: فبينما هو يصلي في جوف الليل قبض وهو ساجد. (5/548)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 549 قال أبو حسان الزيادي: توفي سنة خمس وسبعين. 4 (أبو جحيفة السوائي) اسمه وهب بن عبد الله، ويقال له وهب الخير من صغار الصحابة، توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو مراهق، وكان صاحب شرطة علي، وكان إذا خطب علي يقوم تحت منبره.) روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وعن علي، والبراء. روى عنه: علي بن الأقمر، وسلمة بن كهيل، والحكم بن عتبة، وابنه عون بن أبي جحيفة، وإسماعيل ابن أبي خالد، وغيرهم. توفي سنة إحدى وسبعين، والأصح أنه توفي سنة أربع وسبعين، وقيل: إنه بقي إلى سنة نيف وثمانين. 4 (أم خالد الأموية) بنت خالد بن سعيد بن العاص بن أمية الأموية، اسمها أمة. (5/549)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 550 ولدت لأبيها بالحبشة. ولها صحبة ورواية حديثين. وتزوجها الزبير بن العوام فولدت له عمراً، وخالداً. روى عنها: سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، وموسى بن عقبة. وأظنها آخر من مات من النساء الصحابيات. الواقدي: حدثني جعفر بن محمد بن خالد، عن أبي الأسود، عن أم خالد بنت خالد: سمعت النجاشي يوم خرجنا يقول لأصحاب السفينتين: أقرئوا جميعاً رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام، قالت: فكنت فيمن أقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم من النجاشي السلام. أبو نعيم، والطيالسي قالا: ثنا إسحاق بن سعيد، حدثني أبي، حدثتني أم خالد بنت خالد قالت: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بثياب فيها خميصة سوداء صغيرة، فقال: من ترون أكسو هذه فسكتوا، فقال: ائتوني بأم خالد، فأتي بي أحمل، فألبسنيها بيده وقال: أبلي وأخلقي يقولها مرتين، وجعل ينظر إلى علم الخميصة أحمر وأصفر، فقال: هذا سنا يا أم خالد هذا سنا ويشير بإصبعه إلى العلم. والسنا بلسان الحبش: الحسن. قال إسحاق: فحدثتني امرأة من أهلي أنها رأت الخميصة عند أم خالد. 4 (أبو سالم الجيشاني) اسمه سفيان بن هانيء المصري. (5/550)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 551 شهد فتح مصر، ووفد على علي رضي الله عنه.) وروى عن: علي وأبي ذر، وزيد بن خالد الجهني. روى عنه: ابنه سالم، وابن ابنه سعيد بن سالم، وبكر بن سوادة، ويزيد بن حبيب، وعبد الله بن أبي جعفر. 4 (أبو سعيد الخدري) صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان من فضلاء الصحابة بالمدينة. وهو (5/551)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 552 سعيد بن مالك بن سنان بن ثعلبة بن عبيد الأنصاري الخزرجي الخدري. روى الكثير عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن: أبي بكر، وعمر، وأخيه لأمه قتادة بن النعمان. روى عنه: زيد بن ثابت، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وسعيد بن المسيب، وطارق بن شهاب، وسعيد بن جبير، وأبو صالح السمان، وعطاء بن يسار، والحسن، وأبو الوداك، وعمرو بن سليم الزرقي، وأبو سلمة، ونافع مولى ابن عمر، وخلق. وقتل أبوه يوم أحد. قال أبو هارون العبدي: كان أبو سعيد الخدري لا يخضب، كانت لحيته بيضاء خضلاء. (5/552)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 553 وقال ابن سعد، وغيره، شهد أبو سعيد الخندق وما بعدها من المشاهد. وحدثنا محمد بن عمر، ثنا سعيد بن أبي زيد، عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه، عن جده قال: عرضت يوم أحد على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن ثلاث عشرة فجعل أبي يأخذ بيدي فيقول: يا رسول الله إنه عبل العظام، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصعد في النظر يصوبه، ثم قال: رده فردني. وقال ابن المبارك: أنا إسماعيل بن عياش، حدثني عقيل بن مدرك، يرفعه إلى أبي سعيد الخدري، أن رجلاً أتاه فقال: أوصني يا أبا سعيد، قال: عليك بتقوى الله، فإنها رأس كل شيء، وعليك بالجهاد فإنه رهبانية الإسلام، وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن، فإنه روحك في أهل السماء وذكرك في أهل الأرض، وعليك بالصمت إلا في حق فإنك تغلب الشيطان. وقال حنظلة بن أبي سفيان، عن أشياخه، إنه لم يكن أحد من أحداث أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أعلم من أبي سعيد الخدري. وقال وهب بن جرير: ثنا أبو عقيل الدورقي: سمعت أبا بصرة يحدث قال: ودخل أبو سعيد يوم) الحرة غاراً، فدخل فيه عليه رجل ثم خرج، فقال لرجل من أهل الشام: أدلك على رجل تقتله، فلما انتهى الشامي إلى باب الغار، قال لأبي سعيد، وفي عنق أبي سعيد السيف: أخرج إلي، قال: لا أخرج وإن تدخل علي أقتلك، فدخل الشامي عليه، فوضع أبو سعيد السيف، وقال: بؤ بإثمي وإثمك وكن من أصحاب النار، قال: أبو سعيد (5/553)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 554 الخدري أنت؟ قال: نعم. قال: فاستغفر لي غفر الله لك. خالد بن مخلد: ثنا عبد الله بن عمر، عن وهب بن كيسان قال: رأيت أبا سعيد الخدري يلبس الخز. الثوري، عن ابن عجلان، عن عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع: رأيت أبا سعيد يحفي شاربه كأخي الحلق. قال الواقدي والجماعة: توفي سنة أربع وسبعين. وقال ابن المديني قولين لم يتابع عليهما. وقال إسماعيل القاضي: سمعته يقول: توفي سنة ثلاث وستين. وقال البخاري: قال علي: مات بعد الحرة بسنة. 4 (أبو سعيد بن المعلى الأنصاري) المدني، قيل اسمه رافع. له صحبة ورواية. روى عنه: حفص بن عاصم، وعبيد بن حنين. توفي سنة ثلاث وسبعين. قال الواقدي: توفي سنة أربع وسبعين، يعني أبا سعيد بن المعلى. وقال ابن سعد: هو أبو سعيد بن أوس بن المعلى بن لوذان من بني جشم بن الخزرج. (5/554)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 555 4 (أبو الصهباء البكري صهيب.) عن: علي، وابن مسعود، وابن عباس. وعنه: سعيد بن جبير، وطاوس، وأبو نضرة، ويحيى بن الجزار. قال أبو زرعة الرازي: مدني ثقة. وقال البخاري: سمع علياً، وابن مسعود.) 4 (أبو عامر الهوزني) عبد الله بن لحي الحمصي، والد أبي اليمان عامر. من قدماء التابعين، أدرك الإسلام، من أوله، وسمع: عمر، ومعاذ بن جبل، وبلالاً، وعبد الله بن قرط، ومعاوية، وجماعة. وشهد خطبة الجابية. (5/555)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 556 روى عنه: أبو سلام الأسود، وراشد بن سعد، وأزهر الحرازي، وابنه أبو اليمان، وحيوة بن عمر. وقال أبو زرعة الدمشقي: كان من أصحاب أبي عبيدة. ووثقه محمد بن عبد الله بن عمار. 4 (أبو عبد الله الأشعري) الشامي الدمشقي. روى عن: معاذ، وخالد بن الوليد، وأبي الدرداء، ويزيد بن أبي سفيان. روى عنه: أبو صالح الأشعري، وإسماعيل بن أبي المهاجر، وزيد بن واقد. 4 (أبو عبد الرحمن السلمي) مقريء الكوفة بلا مدافعة. اسمه عبد الله بن حبيب بن ربيعة. (5/556)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 557 قرأ القرآن على: عثمان، وعلي، وابن مسعود، وسمع منهم ومن عمر. روى حسين بن علي الجعفي، عن محمد بن أبان، عن علقمة بن مرثد قال: تعلم أبو عبد الرحمن القرآن من عثمان، وعرض على علي. روى عنه: إبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير، وعلقمة بن مرثد، وعطاء بن السائب، وإسماعيل السدي، وغيرهم. وأقرأ بالكوفة من خلافة عثمان إلى إمرة الحجاج، قرأ عليه عاصم بن أبي النجود. توفي سنة أربع وسبعين، وقيل سنة ثلاث، وقيل توفي في إمرة بشر بن مروان، وقيل غير ذلك. وأما قول ابن قانع إنه توفي سنة خمس ومائة، فوهم لا يتابع عليه. وعليه تلقن عاصم القرآن. قال أبو إسحاق: أقرأ أبو عبد الرحمن في المسجد أربعين سنة.) وقال عطاء بن السائب: دخلنا على أبي عبد الرحمن نعوده، فذهب بعضهم يرجيه، فقال: أنا أرجو ربي وقد صمت له ثمانين رمضاناً. (5/557)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 558 وقال حجاج، عن شعبة إنه لم يسمع من عثمان ولا من ابن مسعود، وهذا فيه نظر، فإن روايته عن عثمان في الصحيح، وفي كتب القراءآت إنه قرأ على عثمان، وعلي، وابن مسعود، وزيد بن ثابت. قال أبو بكر بن عياش، عن عاصم إن أبا عبد الرحمن قرأ على علي رضي الله عنه. وقال ابن مجاهد في كتاب السبعة: أول من أقرأ الناس بالكوفة بالقراءة التي جمع الناس عليها عثمان أبو عبد الرحمن السلمي، فجلس في مسجدها الأعظم، ونصب نفسه لتعليم القرآن أربعين سنة. قلت: روايته عن عمر في سنن النسائي. و يقال إنه أضر بآخره، رحمه الله تعالى. قال الداني: أخذ القراءة عرضاً عن: عثمان، وعلي، وابن مسعود، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت. عرض عليه: عاصم، وعطاء بن السائب، ويحيى بن و ثاب، وأبو إسحاق، وعبد الله بن عيسى بن أبي ليلى، ومحمد بن أبي أيوب، وعامر الشعبي، وإسماعيل بن أبي خالد. وكان من المعمرين. شعبة، عن علقمة بن مرثد، عن سعد بن عبيدة أن أبا عبد الرحمن أقرأ في خلافة عثمان إلى أن توفي في إمارة الحجاج. 4 (أبو عطية الوادعي الكوفي) روى عن: ابن مسعود، وعائشة. (5/558)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 559 وعنه: محمد بن سيرين، وخيثمة بن عبد الرحمن، وعمارة بن عمير، وأبو إسحاق، وغيرهم. وثقه ابن معين. وقد ورد أن الأعمش روى عنه، فإن كان قد سمع منه فيؤخر عن هنا. 4 (أبو غطفان المري الحجازي) روى عن: سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وأبي هريرة، وابن عباس، وغيرهم.) روى عنه: إسماعيل بن أمية، وقانط بن شيبة الزهري، ويعقوب بن عتبة بن الأخنس، وآخرون. 4 (أبو قرصافة الكناني،) جندرة بن خيشنة رضي الله عنه. (5/559)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 560 صحابي معروف، نزل عسقلان وروى أحاديث. روى ضمرة بن ربيعة، عن بلال بن كعب قال: زرنا يحيى بن حسان أنا وإبراهيم بن أدهم في قريته، فقال: أمنا في هذا المسجد أبو قرصافة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أربعين سنة، يصوم يوماً ويفطر يوماً، فولد لأبي غلام، فدعاه في اليوم الذي يصومه فأفطر. رواه البخاري في الأدب له. 4 (أبو مراوح الغفاري ويقال الليثي المدني.) قال مسلم: اسمه سعد. قلت: روى عن: أبي ذر، وحمزة بن عمرو الأسلمي. وعنه: عروة بن الزبير، وسليمان بن يسار، وزيد بن أسلم، وغيرهم. وكان ثقة نبيلاً، يقال: إنه ولد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. 4 (أبو معرض الأسدي أخو خزيمة.) (5/560)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 561 كوفي شاعر، اسمه مغيرة بن عبد الله ويعرف بالأقيشر. ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وبقي إلى أن وفد على عبد الملك بن مروان. وهو القائل في أم الخبائث: (تريك القذى من دونها وهي دونه .......... لوجه أخيها في الإناء قطوب)

(كميت إذا شجت وفي الكأس وردة .......... لها في عظام الشاربين دبيب) وقيل له الأقيشر لأنه كان أحمر الوجه أقشر. وله شعر كثير. 4 (أبو عمار الهمذاني) اسمه عريب بن حميد، عداده في الكوفيين. سمع: عمار بن ياسر، وقيس بن سعد. وعنه: أبو إسحاق السبيعي، والقاسم بن مخيمرة.) 4 (أبو قرة الكندي كوفي،) اسمه سلمة بن معاوية بن وهب. عن: ابن مسعود، وسلمان، والمغيرة بن شعبة، وعلقمة. وعنه: الشعبي، وتميم بن حذلم الضبي، وأبو إسحاق. 4 (أبو الكنود يقال: عبد الله بن عمران الأزدي،) ويقال: عبد الله بن (5/561)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 562 عويمر، ويقال: عبد الله بن عامر. سمع: ابن مسعود، وخباب بن الأرت. وعنه: أبو إسحاق السبيعي، وأبو سعد الأزدي. وهو مقل. 4 (أبو كنف العبدي) سمع: ابن مسعود، وسعد بن أبي وقاص، وأبا هريرة. وعنه: عبد الله بن مرة الخارقي، وعامر الشعبي. 4 (أبو نملة الأنصاري الظفري) قيل اسمه عمار بن معاذ بن زرارة. قال أبو أحمد الحاكم: له صحبة. أدرك الحرة، وقتل يومئذ ابناه عبد الله، ومحمد. ومات هو بعد ذلك في ولاية عبد الملك بن مروان. روى عنه: ابنه نملة بن أبي نملة شيخ الزهري. وله حديث في سنن أبي داود: إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم. (5/562)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 563 4 (أبو يحيى الكوفي) هو حكيم بن سعد الحنفي. عن: علي، وعمار، وأبي موسى. وعنه: عمران بن ظبيان، وليث بن أبي سليم، وجعفر بن عبد الرحمن. قال ابن معين: ليس به بأس. 4 (أبو تحيى الأعرج المعرقب مولى) ) معاذ بن عفراء الأنصاري. اسمه مصدع، قاله عمرو بن دينار. وقال ابن معين: أبو يحيى الأعرج اسمه زياد. روى عن: علي، وعائشة، وابن عباس. وعنه: سعيد بن أبي الحسن، وسعد بن أوس العدوي. 4 (أبو مسلم الجليلي) من أهل جبل الجليل، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وكان معلم كعب الأحبار، (5/563)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 564 أسلم في عهد عمر، وقيل في عهد معاوية. حكى عنه: أبو مسلم الخولاني، وأبو قلابة، وحزام بن حكيم، وجبير بن نفير، ومسلم بن مشكم، وشريح بن عقيل، ولقمان بن عامر، وغيرهم. روى قاسم الرحال، عن أبي قلابة أن أبا مسلم الجليلي أسلم على عهد معاوية، فأتاه أبو مسلم الخولاني فقال: ما منعك أن تسلم على عهد أبي بكر وعمر فقال: إني وجدت في التوراة أن هذه الأمة ثلاث أصناف، صنف يدخل الجنة بغير حساب، وصنف يحاسبون حساباً يسيراً، وصنف يصيبهم شيء ثم يدخلون الجنة، فأردت أن أكون من الأولين، فإن لم أكن منهم كنت ممن يحاسب حساباً يسيراً، فإن لم أكن منهم كنت من الآخرين. صالح المري، عن أبي عبد الله الشامي، عن مكحول، عن أبي مسلم الخولاني أنه لقي أبا مسلم الجلولي، وكان مترهباً، نزل من صومعته أيام عمر وأسلم، فقال: تركت الإسلام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر، وذكر الحديث. الجريري، عن عقبة بن وساج: كان لأبي مسلم الخولاني جار يهودي يكنى أبا مسلم كان يمر به فيقول: يا أبا مسلم أسلم تسلم، فمر به يوماً وهو يصلي، وذكر شبه حديث أبي قلابة. قال ابن معين: أبو مسلم الجليلي، ويقال: الجلولي، شامي. 4 (الأغر بن سليك) ويقال ابن حنظلة الكوفي. (5/564)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 565 عن: علي، وأبي هريرة. وعنه: سماك بن حرب، وعلي بن الأقمر، وأبو إسحاق السبيعي.) روى له النسائي. آخر الطبقة الثامنة والحمد لله أولاً وآخراً. (5/565)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 5 5 (بسم الله الرحمن الرحيم)

5 (الطبقة التاسعة أحداث)

1 (الحوادث من سنة إلى)

4 (حوادث سنة احدى وثمانين) توفي فيها: أبو القاسم محمد بن الحنفية. وسويد بن غفلة. وعبد الله بن شداد بن الهاد. وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود. وفيها خلع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الطاعة، وتابعه الناس، وسار يقصد الحجاج، وقد ذكرنا في السنة الماضية سبب خروجه. قال المدائني: لما أجمع ابن الأشعث المسير من سجستان وقصد العراق، لقي ذراً الهمداني، فوصله وأمره أن يحض الناس، فكان يقص كل يومٍ، وينال من الحجاج، ثم سار الجيش وقد خلعوا الحجاج، ولا يذكرون خلع عبد الملك بن مروان. وقال غيره: فاستصرخ الحجاج بعبد الملك، ثم سار، وقدم الحجاج طليعته، فالتقى ابن الأشعث وهم عند دجيل يوم الأضحى، فانكشف عسكر الحجاج وانهزم إلى البصرة، فتبعه ابن الأشعث، وكان مع ابن الأشعث خلقٌ (6/5)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 6 من المطوعة من البصرة، فدخلوها، فخرج الحجاج إلى طف البصرة. قال ابن عون: فرأيت ابن الأشعث متربعاً على المنبر يتوعد الذين تخلفوا عنه توعداً شديداً ن. قال غيره: فبايعه على حرب الحجاج وعلى خلع عبد الملك جميع أهل البصرة من القراء والعلماء، ثم خندق ابن الأشعث على البصرة وحصنها. وفيها غزا موسى بن نصير كعادته بالمغرب، فقتل وسبى أهل طبنة وفيها أصابت الصاعقة صخرة بيت المقدس.) وفيها قتل بحير بن ورقاء الصريمي وكان من كبار القواد بخراسان، قاتله ابن خازم وظفر به فقتله، ثم قتل بكير بن وساج، فحمل عليه رهط بكير فقتلوه بعد ذلك (6/6)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 7 وفيها حج بالناس سليمان بن عبد الملك بن مروان، وحجت معه أم الدرداء. (6/7)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 8 4 (احداث سنة اثنتين وثمانين) فيها: قتل جماعة مع ابن الأشعث. ومات: سفيان بن وهب الخولاني. وأبو عمر زاذان الكندي. وفيها كانت وقعة الزاوية بالبصرة بين ابن الأشعث وبين جيش الحجاج. ولابن الأشعث مع الحجاج وقعات كثيرة: منها وقعة دجيل المذكورة يوم عيد الأضحى، وهذه الوقعة، ووقعة دير الجماجم، ووقعة الأهواز. فيقال إنه خرج مع ابن الأشعث ثلاثةٌ وثلاثون ألف فارس، ومائةٌ وعشرون ألف راجل، فيهم علماء وفقهاء وصالحون، خرجوا معه طوعاً على الحجاج. وقيل: كان بينهما أربعٌ وثمانون وقعة في مائة يوم، فكانت منها ثلاثٌ وثمانون على الحجاج، وواحدة له. قال ابن جرير الطبري: كانت وقعة دير الجماجم في شعبان سنة (6/8)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 9 اثنتين، قال ابن جرير: وفي قول بعضهم هي في سنة ثلاثٍ وثمانين. فذكر هشام بن الكلبي، عن أبي مخنف لوط بن يحيى قال: حدثني أبو الزبير الهمداني قال: خرجت مع ابن الأشعث، وخرج أهل الكوفة يستقبلونه، فقال لي: اعدل عن الطريق لا يرى الناس جراحتكم، فإني لا أحب أن يستقبلهم الجرحى، فلما دخل الكوفة مالوا إليه كلهم، وحفت به حمدان، إلا أن طائفةً من تميم أتوا مطر بن ناجية، وقد كان وثب على قصر الكوفة، فلم يطق قتال الناس، فنصب ابن الأشعث السلالم على القصر فأخذوه، وأتوا بمطر بن ناجية، فقال لابن الأشعث، فقال لابن الأشعث: استبقني فإني أفضل فرسانك وأعظمهم غناءً عنك، فحبسه، ثم عفا عنه، فبايعه وبايعه الناس بالكوفة، ثم أتاه أهل البصرة، وتفوضت إليه المسالح والثغور، وجاءه عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بعد أن قاتل الحجاج) بالبصرة ثلاثة أيام. وأقبل الحجاج من البصرة يسير من بين القادسية والعذيب، فنزل دير قرة، وكان أراد نزول القادسية، فجهز له ابن الأشعث عبد الرحمن بن العباس، فمنعه من نزولها، ونزل عبد الرحمن الهاشمي دير الجماجم، فكان الحجاج بعد يقول: أما كان عبد الرحمن يزجر الطير حيث رآني نزلت بدير قرة، ونزل بدير الجماجم. واجتمع جل الناس على قتال الحجاج لظلمه وسفكه الدماء، فكانوا مائة ألف مقاتل فجاءته أمداد الشام، فنزل وخندق عليه، وكذا خندق ابن الأشعث على الناس، ثم كان الجمعان يلتقون كل يوم، واشتد الحرب، وثبت الفريقان. وأشار بنو أمية على عبد الملك بن مروان، وقالوا: إن كان إنما يرضى أهل العراق أن تنزع عنهم الحجاج فانزعه عنهم تخلص لك طاعتهم، فبعث ابنه عبد الله بن عبد الملك، وكتب إلى أخيه محمد بن مروان بالموصل، فسار إليه، وأمرهما أن يعرضا على أهل العراق نزع الحجاج عنهم، وأن يجري عليهم العطاء، وأن ينزل ابن الأشعث أي بلدٍ شاء من العراق، يكون (6/9)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 10 عليه والياً، فإن قبلوا فاعزلا عنهم الحجاج، ومحمد أخي مكانه، وإن أبوا فالحجاج أميركم كلكم وولي القتال، قال: فقدموا على الحجاج، فاشتد عليه ذلك، وشق عليه العزل، فراسلوا أهل العراق، فجمع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الناس وخطبهم، وأشار عليهم بالمصالحة، فوثب الناس من كل جانب وقالوا: إن الله قد أهلكهم، وأصبحوا في الأزل والضنك والمجاعة والقلة فلا نقبل. وأعادوا خلع عبد الملك ثانيةً، وتعبؤا للقتال، فكان على ميمنة ابن الأشعث حجاج بن جارية الخثعمي، وعلى ميسرته الأبرد بن قرة التميمي، وعلى الخيل عبد الرحمن بن العباس الهاشمي، وعلى الرجالة محمد بن سعد بن أبي وقاص، وعلى المجنبة عبد الله بن رزام الحارثي، وعلى المطوعة والصلحاء جبلة بن زحر الجعفي. وكان على ميمنة الحجاج عبد الرحمن بن سليم الكلبي، وعلى ميسرته عمارة بن تميم اللخمي، وعلى الخيالة سفيان بن الأبرد الكلبي، فاقتتلوا أياماً، وأهل العراق تأتيهم الأمداد والخيمات من البصرة، وجيش الحجاج في ضيق وغلاء سعر. فيقال إن يوم دير الجماجم كان في ربيع الأول، ولا شك أن نوبة دير الجماجم كانت أياماً، بل) أشهراً، اقتتلوا هناك مائة يوم، فلعلها كانت في آخر سنة اثنتين، وأوائل سنة ثلاثٍ. فعن أبي الزبير الهمداني قال: كنت في خيل جبلة بن زحر، وكان على القراء، فحمل علينا عسكر الحجاج مرة بعد أخرى، فنادانا عبد الرحمن بن أبي ليلى: يا معشر القراء، ليس الفرار بأحدٍ من الناس بأقبح منكم، وبقي (6/10)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 11 يحرض على القتال. وقال أبو البختري: أيها الناس، قاتلوهم على دينكم ودنياكم. وقال سعيد بن جبير نحواً من ذلك، وكذا الشعبي. وقال بعضهم: قاتلوهم على جورهم واستذلالهم الضعفاء، وإماتتهم الصلاة. قال: ثم حملنا عليهم حملةً صادقةً، فبدعنا فيهم، ثم رجعنا، فمررنا بجبلة بن زحر صريعاً فهدنا ذلك، فسلانا أبو البختري، فنادونا: يا أعداء الله هلكتم، قتل طاغوتكم. وقال خالد بن خداش: ثنا غسان بن مضر قال: خرج القراء مع ابن الأشعث، وفيهم أبو البختري، وكان شعارهم يومئذ يا ثارات الصلاة. وقيل إن سفيان بن الأبرد حمل على ميسرة ابن الأشعث، فلما دنا منها هرب الأبرد بن قرة التميمي، ولم يقاتل كبير قتال، فأنكرها منه الناس، وكان شجاعاً لا يفر، وظن الناس أنه خامر، فلما انهزم تقوضت الصفوف، وركب الناس وجوههم. وكان ابن الأشعث على منبرٍ قد نصب له يحرض على القتال، فأشار عليه ذوو الرأي: انزل وإلا أسرت، فنزل وركب، وخلى أهل العراق، وذهب، فانهزم أهل العراق كلهم، ومضى ابن الأشعث مع ابن جعدة بن هبيرة في أناسٍ من أهل بيته، حتى إذا حاذوا قرية بني جعدة عبر في معبر الفرات، ثم جاء إلى بيته بالكوفة، وهو على فرسه، وعليه السلاح لم ينزل، (6/11)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 12 فخرجت إليه بنته، فالتزمها، وخرج أهله يبكون، فوصاهم وقال: لا تبكوا، أرأيتم إن لم أترككم، كم عسيت أن أعيش معكم، وإن أمت فإن الذي يرزقكم حي لا يموت، وودعهم وذهب. وقال الحجاج: اتركوهم فليتبددوا، ولا تتبعوهم، ونادى مناديه: من رجع فهو آمن، ثم جاء إلى الكوفة فدخلها، وجعل لا يبايع أحداً منها إلا قال له: اشهد على نفسك أنك كفرت، فإذا قال نعم بايعه، وإلا قتله، فقتل غير واحد ممن تحرج أن يشهد على نفسه بالكفر. وجيء برجل فقال الحجاج: ما أظن هذا يشهد على نفسه بالكفر، فقال الرجل: أخادعي عن نفسي، أنا أكفر أهل الأرض، وأكفر من فرعون ذي الأوتاد، فضحك وخلاه.) وأما محمد بن سعد بن أبي وقاص فنزل بعد الوقعة بالمدائن، فتجمع إليه ناس كثير، وخرج عبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة العبشمي، فأتى البصرة وبها ابن عم الحجاج أيوب بن الحكم، فأخذ البصرة، وقدم عليه عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، وجاء إليه الخلق، وقال ابن سمرة له: إنما أخذت البصرة لك، ولحق محمد بن سعد بهم، فسار الحجاج لحربهم، وخرج الناس معه إلى مسكن على دجيل. وتلاوم أصحاب ابن الأشعث على الفرار، وتبايعوا على الموت، فخندق ابن الأشعث على أصحابه، وسلط الماء في الخندق، وأتته النجدة من خراسان، فاقتتلوا خمس عشرة ليلةً أشد القتال، وقتل من أمراء الحجاج زياد بن غنيم القيني. ثم عبأ الحجاج جيشه وصرخ فيهم وحمل بهم، فهزم أصحاب ابن الأشعث، وقتل أبو البختري، وابن أبي ليلى، وكسر بسطام بن مصقلة في أربعة آلافٍ جفون سيوفهم وثبتوا، وقاتلوا قتالاً شديداً، كشفوا فيه عسكر (6/12)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 13 الحجاج مراراً، فقال الحجاج: علي بالرماة، قال: فأحاط بهم الرماة، فقتلوا خلقاً منهم بالنبل، وانهزم ابن الأشعث في طائفةٍ، وطلب سجستان، فأتبعهم جيش الحجاج، عليهم عمارة بن تميم، فالتقوا بالسوس، فاقتتلوا ساعةً، ثم انهزم ابن الأشعث، فأتى سابور، واجتمعت إليه الأكراد، ثم قاتلهم عمارة، فقتل عمارة وانهزم عسكره، ثم مضى ابن الأشعث إلى بست، وعليها عامله، فأنزله وتفرق أصحاب ابن الأشعث، فوثب عامل بست عليه فأوثقه، وأراد أن يتخذ بالقبض عليه يداً عند الحجاج. وقد كان رتبيل سمع بمقدم ابن الأشعث، فسار في جيوشه حتى أحاط ببست، فراسل عاملها يقول له: والله لئن آذيت ابن الأشعث لا أبرح حتى أستنزلك، وأقتل جميع من معك، فخافه، ودفع إليه ابن الأشعث، فأكرمه رتبيل، قال ابن الأشعث: إن هذا كان عاملي فغدر بي وفعل ما رأيت، فأذن لي في قتله، قال: قد أمنته، ثم مضى ابن الأشعث مع رتبيل إلى بلاده، فأكرمه وعظمه. وكان مع ابن الأشعث عدد كثير من الأشراف والكبار، ممن لم يثق بأمان الحجاج، ثم تبع أثر ابن الأشعث خلق من هذه البابة حتى قدموا سجستان، ونزلوا على عبد الله بن عامر البعار، فحصروه، وكتبوا إلى ابن الأشعث بعددهم وجماعتهم، وعليهم كلهم عبد الرحمن بن العباس الهاشمي، فقدم عليهم ابن الأشعث بمن معه، ثم غلبوا على مدينة سجستان، وعذبوا ابن عامر) وحبسوه، ثم لم يشعر ابن الأشعث إلا وقد فارقه عبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة، وسار في ألفين، فغضب ابن الأشعث ورجع إلى رتبيل، وقيل غير ذلك. وقيل: ساروا مع الهاشمي فقاتلهم يزيد بن المهلب، فأسر منهم (6/13)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 14 وهزمهم، وفي تفصيل ذلك اختلاف ومن بقية سنة اثنتين وثمانين: قال عوانة بن الحكم: كان بينهم إحدى وثمانون وقعة، كلها على الحجاج، إلا آخر وقعة كانت على ابن الأشعث، وقتل من القراء بدير الجماجم خلق. وقال شعبة، عن عمرو بن مرة قال: أتى القراء يوم دير الجماجم أبا البختري الطائي يؤمرونه عليهم، فقال: إني رجل من الموالي، فأمروا رجلاً من العرب، فأمروا جهم بن زحر الخثعي عليهم. وقال سلمة بن كهيل: رأيت أبا البختري بدير الجماجم، وشد عليه رجل بالرمح فطعنه، وانكشف ابن الأشعث فأتى لبصرة، وتبعه الحجاج، فخرج منها إلى أرض دجيل الأهواز، واتبعه الحجاج، فالتقوا بمسكين، فانهزم ابن الأشعث، وقتل من أصحابه ناسٌ كثير، وغرق منهم ناس كثير. وقال عمرو بن مرة: افتقد بمسكن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الله بن شداد، وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود. وقال ابن عيينة: حدثني أبو فروة قال: افتقد ابن أبي ليلى بسوراء، وأسر الحجاج ناساً كثيراً منهم: عمران بن عصام، وعبد الرحمن بن مروان، وأعشى همدان، قال أبو اليقظان: قتلهم جميعاً. (6/14)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 15 وقال خليفة: أول وقعةٍ كانت في يوم النحر سنة إحدى وثمانين، والوقعة الثانية في المحرم سنة اثنتين بالزاوية، والوقعة الثالثة بظهر المربد في صفر، والوقعة الرابعة بدير الجماجم في جمادى، والوقعة الخامسة ليلة دجيل في شعبان سنة اثنتين. قال: ثم سار ابن الأشعث يريد خراسان، وتبعه طائفةٌ قليلةٌ، فتركهم وصار إلى خراسان، فقام بأمر الحرب عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة الهاشمي، ومعه القراء، فالتقى هو ومتولي هراة مفضل بن المهلب بن أبي صفرة، فهزمه المفضل، ثم قتل عبد الرحمن، وأسر عدة منهم: محمد بن سعد بن أبي وقاص، والهلقام بن نعيم.) وكان عبد الرحمن قد ولي بلاد فارس وغزا الترك، ثم خلع عبد الملك وفعل الأفاعيل، ودعا إلى نفسه. قال خليفة: تسمية القراء الذين خرجوا مع ابن الأشعث. مسلم بن يسار المزني، وأبو مرانة العجلي، وقد قتل، وعقبة بن عبد الغافر العوذي فقتل، وعقبة بن وساج البرساني، وقتل، وعبد الله بن غالب الجهضمي، فقتل، وأبو الجوزاء الربعي، وقتل، والنضر بن أنس بن مالك، وعمران والد أبي جمرة الضبعي، وأبو المنهال سيار بن سلامة الرياحي، ومالك بن دينار، ومرة بن دباب الهداوي وأبو نجيد الجهضمي، وأبو شيخ الهنائي، وسعيد بن أبي الحسن البصري، وأخوه الحسن، وقال: أكرهت على الخروج. (6/15)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 16 وقال أيوب السختياني: قيل لابن الأشعث إن أحببت أن يقتلوا حولك كما قتلوا حول الجمل مع عائشة فأخرج الحسن. ومن أهل الكوفة: سعيد بن جبير، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الله بن شداد، والشعبي، وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، والمعرور بن سويد، ومحمد بن سعد بن أبي وقاص، وأبو البختري، وطلحة بن مصرف، وزبيد بن الحارث الياميان، وعطاء بن السائب. قال أيوب السختياني: ما صرع أحدٌ مع ابن الأشعث إلا رغب له عن مصرعه، ولا نجا منهم أحد إلا حمد الله الذي سلمه. وقال عوانة بن الحكم: قتل الحجاج بمسكن خمسة آلاف أو أربعة آلاف أسير. وقال خليفة: فيها يعني سنة اثنتين قتل قتيبة بن مسلم: عمر بن أبي الصلت، وأخاه، وموسى بن كثير الحارثي، وبكير بن هارون البجلي. وفيها كانت غزوة محمد بن مروان بأرمينية، فهزم العدو، ثم صالحوه، فولى عليهم أبا شيخ بن عبد الله، فغدروا به وقتلوه. (6/16)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 17 وفيها فتح عبد الملك بن مروان حصن سنان من ناحية المصيصة. وفيها كانت غزوة صنهاجة بالمغرب. وأسر يوم الجماجم محمد بن سعد، فضربت عنقه صبراً، وقتل ماهان الأعور القاص، والفضيل بن بزوان يومئذٍ. وقال مالك بن دينار: لما كان يوم الزاوية قال عبد الله بن غالب أبو قريش الجهضمي: إني) لأرى أمراً ما بي صبر، روحوا بنا إلى الجنة، فقاتل حتى قتل، فكان يوجد من ريح قبره المسك. وكان عابداً له أوراد، سمعته يقول: رحم الله بني ماتوا ولم أتمتع من النظر إليهم. روى ابن غالب عن: أبي سعيد الخدري. وروى عنه: عطاء السليمي، وغيره. (6/17)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 18 4 (احداث سنة ثلاثٍ وثمانين) كانت فيها غزوة عطاء بن رافع صقلية، وخرج عمران بن شرحبيل على البحر، وجعل على الإسكندرية عبد الملك بن أبي الكنود. وفيها عزل أبان بن عثمان عن المدينة، وولي هشام بن إسماعيل المخزومي. وفي سنة ثلاثٍ بنى الحجاج مدينة واسط. واستعمل على فارس محمد بن القاسم الثقفي وأمره بقتل الأكراد. وفيها بعث الحجاج عمارة بن تميم القيني إلى رتبيل في أمر ابن الأشعث، فقيد هو وجماعةٌ في الحديد، وقرن به في القيد أبو العنز، وساروا بهم إلى الحجاج، فلما كانوا بالرخج طرح ابن الأشعث نفسه من فوق بنيان فهلك هو وقرينه، فقطع رأسه وحمل إلى الحجاج، فرأسه مدفون بمصر وجثته بالرخج. (6/18)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 19 وكان قد أمره مصعب بن الزبير عند قتل أبيه محمد بن الأشعث بن قيس الكندي. وفي سنة ثلاثٍ ضم عبد الملك بن مروان إلى أخيه محمد بن مروان إمرة أذربيجان وأرمينية مع إمرة الجزيرة، وبقي على ذلك إلى آخر أيام الوليد. وله غزوات وفتوحات كثيرة. (6/19)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 20 4 (احداث سنة أربع وثمانين) فيها توفي: عتبة بن الندر السلمي، صحابي شامي. والأسود بن هلال المحاربي. وزيد بن وهب الجهني. وعبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي. وعمران بن حطان السدوسي. وروح بن زنباع الجذامي.) وقيل فيها ظفروا بابن الأشعث وطيف برأسه في الأقاليم. وفيها قتل الحجاج أيوب بن القرية، وكان من فصحاء العرب وبلغائهم، خرج مع ابن الأشعث، واسمه أيوب بن زيد بن قيس أبو سليمان الهلالي، ثم ندم الحجاج على قتله. (6/20)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 21 وفيها ولي إمرة الإسكندرية عياض بن غنم التجيبي. وبعث فيها عبد الملك بن مروان بالشعبي إلى مصر، إلى أخيه عبد العزيز بن مروان، فأقام عنده سنة. وفيها فتحت المصيصة، على يد عبد الله بن عبد الملك. وفيها افتتح موسى بن نصير بلد أولية من المغرب، فقتل وسبى، حتى قيل إن السبي بلغ خمسين ألفاً. وفيها غزا محمد بن مروان أرمينية فهزمهم وحرق كنائسهم وضياعهم، وتسمى سنة الحريق. (6/21)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 22 4 (احداث سنة خمسٍ وثمانين) فيها توفي: عبد الله بن عامر بن ربيعة. وعمرو بن حريث. وعمرو بن سلمة الجرمي. وواثلة بن الأسقع توفي فيها أو في التي تليها. وعمرو بن سلمة الهمداني. ويسير بن عمرو بن جابر. وعبد العزيز بن مروان. وفيها، على ما صرح ابن جرير الطبري هلاك ابن الأشعث، قال: فتتابعت كتب الحجاج إلى رتبيل أن ابعث إلي بابن الأشعث، وإلا فوالله لأوطئن أرضك ألف ألف مقاتل، ووعده بأن يطلق له خراج بلاده سبع سنين، فأسلمه إلى أصحاب الحجاج، فقيل إنه رمى بنفسه من علٍ فهلك. وقال أبو مخنف: حدثني سليمان بن أبي راشد أنه سمع مليكة بنت يزيد تقول: والله ما مات عبد الرحمن إلا ورأسه في حجري على فخذي، (6/22)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 23 يعني من جرح به، فلما مات حز رأسه رتبيل وبعث به إلى الحجاج.) قلت: هذا قول شاذ، وأبو مخنف كذاب. وفيها غزا محمد بن مروان أرمينية، فأقام بها سنة، وولى عليها عبد العزيز بن حاتم بن النعمان الباهلي، فبنى مدينة دبيل ومدينة برذعة. وفيها قال ابن الكلبي: بعث عبد الله بن عبد الملك بن مروان وهو مقيم بالمصيصة يزيد بن حنين في جيشٍ، فلقيته الروم في جمعٍ كثير، فأصيب الناس، وقتل ميمون الجرجماني في نحو ألف نفسٍ من أهل أنطاكية، وكان ميمون أمير أنطاكية من موالي بني أمية، مشهورٌ بالفروسية، وتألم غاية الألم لمصابهم. وفيها عزل يزيد بن المهلب بن أبي صفرة عن خراسان، وولي أخوه (6/23)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 24 المفضل يسيراً، ثم عزل وولي قتيبة بن مسلم. وفيها قتل موسى بن عبد الله بن خازم السلمي، وكان بطلاً شجاعاً وسيداً مطاعاً، غلب على ترمذ وما وراء النهر مدة سنين، وحارب العرب، من هذه الجهة، والترك من تيك الجهة، وجرت له وقعات، وعظم أمره، وقد ذكرنا والده في سنة نيف وسبعين، وآخر أمر موسى أنه خرج ليلةً في هذا العام ليغير على جيشٍ فعثر به فرسه، فابتدره ناسٌ من ذلك الجيش فقتلوه. وقد استوفى ابن جرير أخباره وحروبه. وقيل قتل سنة سبع وثمانين. وبعث عبد الملك على مصر ابنه عبد الله، وعقد بالخلافة من بعده لابنيه الوليد، ثم سليمان، وفرح بموت أخيه، فإنه عزم على عزله من ولاية العهد، فجاءه موته. (6/24)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 25 4 (احداث سنة ست وثمانين) توفي فيها: أبو أمامة الباهلي. وعبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي. وعبد الملك بن مروان. وقبيصة بن ذؤيب. وفيها وقيل سنة ثمان وهو أصح عبد الله بن أبي أوفى. وفيها كان طاعون الفتيات، سمي بذلك لأنه بدأ في النساء، وكان بالشام وبواسط وبالبصرة.) وفيها سار قتيبة بن مسلم متوجهاً إلى ولايته، فدخل خراسان، وتلقاه دهاقين بلخ، وساروا معه، وأتاه أهل صاغان بهدايا ومفتاح من ذهب، وسلموا بلادهم بالأمان. (6/25)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 26 وفيها افتتح مسلمة بن عبد الملك حصن بولق وحصن الأخرم. وعقد عبد الملك لابنه عبد الله على مصر، فدخلها في جمادى الآخرة، وعمره يومئذٍ سبعٌ وعشرون سنة، ثم أقره أخوه الوليد عليها لما استخلف، وأما ابن يونس فذكر أن الوليد عزل أخاه عبد الله عن مصر بقرة بن شريك أول ما استخلف. وفيها هلك ملك الروم الأخرم بوري لا رحمه الله، قبل أمير المؤمنين عبد الملك بشهر. وفيها توفي يونس بن عطية الحضرمي قاضي مصر، فولي ابن أخيه أوس بن عبد الله بن عطية القضاء بعده قليلاً وعزل، وولي القضاء مضافاً إلى الشرط أبو معاوية عبد الرحمن بن معاوية بن حديج، ثم عزل بعد ستة أشهر بعمران بن عبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة. وولي الخلافة الوليد بعهدٍ من أبيه. (6/26)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 27 4 (احداث سنة سبعٍ وثمانين) توفي فيها: عتبة بن عبد السلمي. والمقدام بن معديكرب الكندي. وعبد الله بن ثعلبة بن صعير، والأصح وفاته سنة تسع. ويقال فيها افتتح قتيبة بن مسلم أمير خراسان بيكند. وفيها شرع الوليد بن عبد الملك في بناء جامع دمشق، وكتب إلى أمير المدينة عمر بن عبد العزيز ببناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. (6/27)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 28 وفي هذه السنة ولي عمر المدينة وله خمسٌ وعشرون سنة، وصرف عنها هشام بن إسماعيل، وأهين ووقف للناس، فبقي عمر عليها إلى أن عزله الوليد بن أبي بكر بن حزم. وفيها قدم نيزك طرخان على قتيبة بن مسلم، فصالحه وأطلق من في يده من أسارى المسلمين. وفيها غزا قتيبة نواحي بخارى، فكانت هناك وقعة عظيمة وملحمة هائلة، هزم الله فيها المشركين، واعتصم ناس منهم بالمدينة، ثم صالحهم، واستعمل عليها رجلاً من أقاربه، فقتلوا عامة أصحابه وغدروا، فرجع قتيبة لحربهم وقاتلهم، ثم افتتحها عنوةً، فقتل وسبى وغنم أموالاً) عظيمة. (6/28)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 29 وفيها أغزى أمير المغرب موسى بن نصير عندما ولاه الوليد بن عبد الملك إمرة المغرب جميعه ولده عبد الله سردانية، فافتتحها وسبى وغنم. وفيها أغزى موسى بن نصير ابن أخيه أيوب بن حبيب ممطورة، فغنم وبلغ سبيهم ثلاثين ألفاً. وفيها غزا مسلمة بن عبد الملك، فافتتح قمقم وبحيرة الفرسان، فقتل وسبى. ويسر الله في هذا العام بفتوحات كبار على الإسلام. وأقام للناس الموسم عمر بن عبد العزيز، فوقف غلطاً يوم النحر، فتألم عمر لذلك، فقيل له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوم عرفة يوم يعرف الناس. وكانوا بمكة في جهد من قلة الماء، فاستسقوا ومعهم عمر، فسقوا، قال بعضهم: فرأيت عمر يطوف والماء إلى أنصاف ساقيه. (6/29)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 30 4 (احداث سنة ثمانٍ وثمانين) توفي فيها: عبد الله بن بسر المازني. وأبو الأبيض العنسي. وعبد الله بن أبي أوفى، على الصحيح. وفيها جمع الروم جمعاً عظيماً وأقبلوا فالتقاهم مسلمة ومعه العباس بن الخليفة الوليد، فهزم الله الروم، وقتل منهم خلق، وافتتح المسلمون من جرثومة وطوانة. وفيها غزا قتيبة بن مسلم، فزحف إليه الترك ومعهم الصغد وأهل فرغانة، وعليهم ابن أخت ملك الصين، ويقال بلغ جمعهم مائتي ألف، فكسرهم قتيبة، وكانت ملحمة عظيمة. وفيها غزا مسلمة بن عبد الملك وابن أخيه العباس، وتعبؤا بقرى (6/30)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 31 أنطاكية، ثم التقوا الروم وحج بالناس عمر بن الوليد بن عبد الملك. ويقال إن فيها شرع الوليد ببناء الجامع وكان نصفه كنيسة للنصارى، وعلى ذلك صالحهم أبو عبيدة بن الجراح، فقال الوليد للنصارى: إنا قد أخذنا كنيسة توما عنوة، يعني كنيسة مريم فأنا أهدمها، وكانت أكبر من النصف الذي لهم، فرضوا بإبقاء كنيسة مريم، وأعطوا النصف وكتب لهم بذلك، والمحراب الكبير هو كان باب الكنيسة، ومات الوليد وهم بعد في زخرفة بناء) الجامع، وجمع عليه الوليد الحجارين والمرخمين من الأقطار، حتى بلغوا فيما قيل اثني عشر ألف مرخم، وغرم عليها قناطير عديدةً من الذهب، فقيل إن النفقة عليه بلغت ستة آلاف ألف دينار، وذلك مائة قنطارٍ وأربعة وأربعون قنطاراً بالقنطار الدمشقي. وفيها أمر الوليد عامله على المدينة عمر بن عبد العزيز ببناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يزاد فيه من جهاته الأربع، وأن يعطي الناس ثمن الزيادات شاءوا أو أبوا. قال محمد بن سعد: ثنا محمد بن عمر، ثنا عبد الله بن يزيد الهذلي قال: رأيت منازل أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هدمها عمر بن عبد العزيز، فزادها في المسجد، وكانت بيوتاً باللبن، ولها حجر من جريد مطرورٌ بالطين، عددت تسعة أبياتٍ بحجرها، وهي ما بين بيت عائشة إلى الباب الذي يلي باب النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الواقدي: حدثني معاذ بن محمد، سمع عطاءً الخراساني يقول: (6/31)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 32 أدركت حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من جريد النخل، على أبوابها المسوح من شعرٍ أسود، فحضرت كتاب الوليد يقرأ بإدخال الحجر في المسجد، فما رأيت باكياً أكثر باكياً من ذلك اليوم، فسمعت سعيد بن المسيب يقول: لو تركوها فيقدم القادم من الآفاق فيرى ما اكتفى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته. وعن عمران بن أبي أنس قال: ذرع الستر الشعر ذراع في طول ثلاثة. وفيها كتب الوليد، وكان مغرماً بالبناء، إلى عمر بن عبد العزيز بحفر الأنهار بالمدينة، وبعمل الفوارة بها، فعملها وأجرى ماءها، فلما حج الوليد وقف ونظر إليها فأعجبته. وقال عمر بن مهاجر وكان على بيت مال الوليد: حسبوا ما أنفقوا على الكرمة التي في قبلة مسجد دمشق، فكان سبعين ألف دينار. وقال أبو قصي إسماعيل بن محمد العذري: حسبوا ما أنفقوا على مسجد دمشق، فكان أربعمائة صندوق، في كل صندوق ثمانيةٌ وعشرون ألف دينار. قلت: جملتها على هذا: أحد عشر ألف ألف دينار ونيف. قال أبو قصي: أتاه حرسيه فقال: يا أمير المؤمنين تحدثوا أنك أنفقت الأموال في غير حقها، فنادى: الصلاة جامعة، وخطبهم فقال: بلغني كيت وكيت، ألا يا عمر قم فأحضر الأموال من بيت المال. فأتت البغال تدخل بالمال، وفضت في القبلة على الأنطاع، حتى لم يبصر من في) القبلة من في الشام، ووزنت بالقبابين، وقال لصاحب الديوان: أحص من قبلك ممن يأخذ رزقنا، فوجدوا ثلاثمائة ألف في جميع الأمصار، وحسبوا ما يصيبهم، فوجدوا عنده رزق ثلاث سنين، ففرح الناس، وحمدوا الله، فقال: إلى أن تذهب هذه الثلاث السنين قد أتانا الله بمثله ومثله، ألا وإني رأيتكم يا أهل دمشق تفخرون على الناس بأربع: بهوائكم، ومائكم، وفاكهتكم، وحماماتكم، (6/32)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 33 فأحببت أن يكون مسجدكم الخامس، فانصرفوا شاكرين داعين. وروي عن الجاحظ، عن بعضهم قال: ما يجوز أن يكون أحدٌ أشد شوقاً إلى الجنة من أهل دمشق، لما يرون من حسن مسجدهم. (6/33)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 34 4 (احداث سنة تسع وثمانين) توفي فيها على الصحيح: عبد الله بن ثعلبة. ويقال: توفي فيها عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة. وأبو ظبيان. وأبو وائل، والصحيح وفاتهم في غيرها. وفيها افتتح عبد الله بن موسى بن نصير جزيرتي ميورقة ومنورقة، وهما جزيرتان في البحر، بين جزيرة صقلية وجزيرة الأندلس، وتسمى غزوة الأشراف، فإنه كان معه خلقٌ من الأشراف والكبار. وفيها غزا قتيبة ورذان خذاه ملك بخارى، فلم يطقهم، فرجع. (6/34)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 35 وفيها أغزى موسى بن نصير ابنه مروان السوس الأقصى، فبلغ السبي أربعين ألفاً. وفيها غزا مسلمة بن عبد الملك عمورية، فلقي جمعاً من الروم، فهزمهم الله تعالى. وفيها ولي خالد بن عبد الله القسري مكة، وذلك أول ما ولي. وفيها عزل عن قضاء مصر عمران بن عبد الرحمن، بعبد الواحد بن عبد الرحمن بن معاوية بن حديج، وله خمسٌ وعشرون سنة. وقد ذكر ابن جرير الطبري أن الواقدي زعم، أن عمر بن صالح حدثه، عن نافع مولى بني مخزوم قال. سمعت خالد بن عبد الله يقول على منبر مكة: أيها الناس، أيهما أعظم، خليفة الرجل على أهله، أم رسوله إليهم والله لو لم تعلموا فضل الخليفة إلا أن إبراهيم خليل الرحمن) استسقى فسقاه الله ملحاً أجاجًا، واستسقاه الخليفة فسقي عذباً فراتاً، بئراً حفرها الوليد بن عبد الملك عند ثنية الحجون، وكان ينقل ماؤها فيوضع في حوض من أدم إلى جنب زمزم، ليعرف فضله على زمزم. قال: ثم غارت البئر فذهبت، فلا يدري أين موضعها. قلت: ما أعتقد أن هذا وقع. والله أعلم. (6/35)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 36 4 (احداث سنة تسعين) توفي فيها: خالد بن يزيد بن معاوية. وأبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني المصري. وعبد الرحمن بن المسور الزهري. وأبو ظبيان الجنبي. ويزيد بن رباح. وعروة بن أبي قيس المصريان. وقال أبو خلدة: توفي فيها في شوال أبو العالية الرياحي. وقال ابن المديني: توفي جابر بن زيد سنة تسعين. وقال شعيب بن الحبحاب: توفي فيها أنس بن مالك. وقال خليفة: توفي فيها مسعود بن الحكم الزرقي. وفيها غزا قتيبة بن مسلم ورذان خداه الغزوة الثانية، فاستصرخ على قتيبة بالترك، فالتقاهم قتيبة، فهزمهم الله وفض جمعهم. (6/36)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 37 وفيها غزا العباس ابن أمير المؤمنين، فبلغ الأرزن ثم رجع. وفيها أوقع قتيبة بأهل الطالقان بخراسان، فقتل منهم مقتلةً عظيمة، وصلب منهم طول أربعة فراسخ في نظام واحد، وسبب ذلك أن ملكها غدر ونكث، وأعان نيزك طرخان على خلع قتيبة. قاله محمد بن جرير. وفيها سار قرة بن شريك أميراً على مصر على البريد في شهر ربيع الأول، عوضاً عن عبد الله بن عبد الملك بن مروان، وقيل قبل ذلك، والله أعلم.) (6/37)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 38 1 (تراجم رجال هذه الطبقة)

4 (الألف) أبان بن عثمان بن عفان ابن أبي العاص الأموي، أبو سعيد. سمع: أباه، وزيد بن نابت. وعنه: عامر بن سعد، والزهري، وعمرو بن دينار، وأبو الزناد، وجماعة. ووفد على عبد الملك. (6/38)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 39 قال ابن سعد: كان ثقةً له أحاديث عن أبيه، وكان به صمم ووضحٌ كثير، وأصابه الفالج قبل أن يموت. وقال خليفة: أبان وعمر وأمهما أم عمرو بنت جندب بن عمرو الدوسي، وأبان توفي سنة خمسٍ ومائة. وقال الواقدي: كانت ولاية أبان على المدينة سبع سنين. وقال الحكم بن الصلت: ثنا أبو الزناد قال: مات أبان قبل عبد الملك بن مروان. وقال يحيى القطان: فقهاء المدينة عشرة، فذكر منهم أبان. وقال مالك: حدثني عبد الله بن أبي بكر أن أبا بكر بن حزم كان يتعلم من أبان القضاء. وقال أبو علقمة الفروي: حدثني عبد الحكيم بن أبي فروة، عمن قال، قال عمرو بن شعيب: ما رأيت أحداً أعلم بحديثٍ ولا فقهٍ من أبان. أدهم بن محرز الباهلي الحمصي، الأمير، أول من ولد بحمص، شهد صفين مع معاوية، وكان (6/39)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 40 ناصبياً سباباً. حكى عنه: عمرو بن مالك القيني، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وفروة بن لقيط. قال هشيم، عن أبي ساسان، حدثني أبي الصيرفي: سمعت عبد الملك بن عمير يقول: أتيت الحجاج وهو يقول لرجل: أنت همدان مولى علي فقال: سبه، قال: ما ذاك جزاؤه مني، رباني وأعتقني، قال: فما كنت تسمعه يقرأ من القرآن قال: كنت أسمعه في قيامه وقعوده وذهابه ومجيئه يتلو: فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيءٍ حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً الآية. قال: فابرأ منه. قال: أما هذه فلا، سمعته يقول: تعرضون على سبي) فسبوني، وتعرضون على البراءة مني، فلا تبرأوا مني فإني على الإسلام، قال: أما ليقومن إليك رجلٌ يتبرأ منك ومن مولاك، يا أدهم بن محرز قم فاضرب عنقه، فقام يتدحرج كأنه جعل، وهو يقول: يا ثارات عثمان، فما رأيت رجلاً كان أطيب نفساً بالموت منه، فضربه فندر رأسه. إسناده صحيح. الأسود بن هلال المحاربي الكوفي، أبو سلام. من المخضرمين. (6/40)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 41 روى عن: معاذ، وعمرو بن مسعود، وأبي هريرة. روى عنه: أشعث بن أبي الشعثاء، وأبو إسحاق السبيعي، وأبو حصين عثمان بن عاصم الأسدي، وآخرون. وثقه يحيى بن معين. توفي سنة أربع وثمانين. الأعشى الهمداني الشاعر، هو أبو المصبح عبد الرحمن بن عبد الله بن الحارث، أحد الفصحاء المفوهين بالكوفة. كان له فضل وعبادة، ثم ترك ذلك، وأقبل على الشعر، وقد وفد على النعمان بن بشير إلى حمص ومدحه، فيقال إنه حصل له من جيش حمص أربعين ألف دينار، ثم إن الأعشى خرج مع ابن الأشعث، ثم ظفر به الحجاج فقتله، رحمه الله. وكان هو والشعبي كل منهما زوج أخت الآخر. الأغر بن سليك ويقال ابن حنظلة. (6/41)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 42 كوفي. روى عن: علي، وأبي هريرة. وعنه: أبو إسحاق، وعلي بن الأقمر، وسماك بن حرب. مقل. أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية الأموي. روى عن: ابن عمر. روى عنه: عبد الله بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، والمهلب بن أبي صفرة،) وأبو إسحاق السبيعي. وولي إمرة خراسان لعبد الملك. توفي سنة سبعٍ وثمانين. (6/42)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 43 أيوب بن القرية واسم أبيه يزيد بن قيس بن زرارة بن سلم النمري الهلالي، والقرية أمه. كان أعرابياً أمياً، صحب الحجاج ووفد على عبد الملك، وكان يضرب به المثل في الفصاحة والبيان. قدم في عام قحط عين التمر، وعليها عامل، فأتاه من الحجاج كتابٌ فيه لغة وغريب، فأهم العامل ما فيه، ففسره له أيوب، ثم أملى له جوابه غريباً، فلما قرأه الحجاج علم أنه ليس من إنشاء عامله، وطلب من العامل الذي أملى له الجواب، فقال: لابن القرية، فقال له: أقلني من الحجاج، قال: لا بأس عليك، وجهزه إليه، فأعجب به، ثم جهزه الحجاج إلى عبد الملك، فلما خرج ابن الأشعث كان أيوب بن القرية ممن خرج معه، وذلك لأن الحجاج بعثه رسولاً إلى ابن الأشعث إلى سجستان، فلما دخل عليه أمره أن يقوم خطيباً، وأن يخلع الحجاج ويسبه أو ليضربن عنقه، فقال: أنا رسول، قال: هو ما أقول لك، ففعل، وأقام مع ابن الأشعث، فلما انكسر ابن الأشعث أتي بأيوب أسيراً إلى الحجاج، فقال: أخبرني عما أسألك، قال: سل، قال: أخبرني عن أهل العراق. قال: أعلم الناس بحقٍ وباطل، قال: فأهل الحجاز، قال: أسرع الناس إلى فتنة، وأعجزهم فيها، قال: فأهل الشام قال: أطوع الناس لأمرائهم، قال: فأهل مصر قال: عبيد من طلب، قال: فأهل الموصل قال: أشجع فرسان، وأقتل للأقران، قال: فأهل اليمن قال: أهل سمعٍ وطاعة، ولزوم للجماعة. ثم سأله عن قبائل (6/43)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 44 العرب وعن البلدان، وهو يجيب، فلما ضرب عنقه ندم. وفي ترجمته طول في تاريخ دمشق، وابن خلكان. توفي سنة أربعٍ وثمانين. (6/44)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 45 4 (الباء) بحير بن ورقاء البصري الصريمي، أحد الأشراف والقواد بخراسان.) وهو الذي حارب ابن خازم السلمي وظفر به، وهو الذي تولى قتل بكير بن وساج بأمر أمية بن عبد الله الأموي، فعمل عليه طائفة من رهط بكير فقتلوه سنة إحدى وثمانين. بشير بن كعب بن أبي خ أبو أيوب الحميري العدوي البصري. (6/45)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 46 يقال إن أبا عبيدة استعمله على شيءٍ من المصالح. روى عن: أبي ذر، وأبي الدرداء، وأبي هريرة. روى عنه: عبد الله بن بريدة، وطلق بن حبيب، وقتادة، والعلاء بن زياد، وثابت البناني، وغيرهم. وكان أحد القراء والزهاد. وثقه النسائي. وأما: بشير بن كعب العلوي شاعر كان في زمان معاوية، له ذكر. (6/46)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 47 4 (التاء) تياذوق الطبيب كان بارعاً في الطب، ذكياً عالماً، وكان عزيزاً عند الحجاج وله ألفاظ في الحكمة. توفي قريباً من سنة تسعين، وقد شاخ. صنف كناشاً كبيراً وكتاب الأدوية وغير ذلك. توفي بواسط. (6/47)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 48 4 (الحاء) الحارث بن أبي ربيعة المخزومي المكي المعروف بالقباع. ولي إمرة البصرة لابن الزبير، ووفد على عبد الملك. روى عن: عمر، وعائشة، وأم سلمة، وغيرهم. روى عنه: الزهري، وعبد الله بن عبيد بن عمير، والوليد بن عطاء، وعبد الرحمن بن سابط.) (6/48)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 49 قال الأصمعي: سمي القباع لأنه وضع لهم مكيالاً سماه القباع. وقيل: كانت أمه حبشية. قال حاتم بن أبي صغيرة وغيره، عن أبي قزعة: إن عبد الملك قال: قاتل الله ابن الزبير حيث يكذب على أم المؤمنين، يقول سمعتها، تقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا عائشة لولا حدثان قومك بالكفر، لنفضت البيت حتى أزيد فيه من الحجر، فإن قومك قصروا عن البناء، فقال الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة: لا تقل هذا يا أمير المؤمنين، فأنا سمعت أم المؤمنين تحدث هذا، فقال: لو كنت سمعته قبل أن أهدمه لتركته على بناء ابن الزبير. حجر بن عنبس الحضرمي أبو العنبس، ويقال أبو السكن. مخضرم كبير. صحب علياً وروى عنه، وعن وائل بن حجر. حدث عنه: سلمة بن كهيل، وموسى بن قيس. وذكره الخطيب في تاريخ بغداد، ووثقه وقال: قدم المدائن. (6/49)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 50 حجر المدري اليماني عن: زيد بن ثابت، وعلي، وابن عباس. وعنه: طاووس، وشداد بن جابان. وله حديث في السنن الثلاثة. حسان بن النعمان أمير المغرب. قيل إنه هو حسان بن النعمان بن المنذر الغساني، ابن زعيم عرب الشام. حكى عنه أبو قبيل المعافري. وكان بطلاً شجاعاً غزاءً، ولي فتوحاتٍ بالمغرب ووفد على عبد الملك وغيره، وكانت له بدمشق دار. وجهه معاوية سنة سبعٍ وخمسين، فصالح البربر، وقرر عليهم الخراج. (6/50)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 51 ثم وفد إلى الشام بعد نيفٍ وعشرين سنة، وكان قد تمكن بإفريقية، ودانت له، وهذبها بعد قتل الكاهنة، فلما ولي الوليد أرسل إلى نوابه يحرضهم على الجهاد ويبالغ، وأمرهم بعمل المراكب والإكثار منها، وبحرب الروم والبربر في البر والبحر، وعزل حسان فقدم عليه بتحفٍ عظيمة وأموال وجواهر، وقال: يا أمير المؤمنين إنما خرجت مجاهداً في سبيل الله وليس مثلي من) خان الله وأمير المؤمنين، فقال: أنا أردك إلى عملك، فحلف أنه لا ولي لبني أمية ولاية أبداً. وكان حسان يسمى الشيخ الأمين لثقته وأمانته. وأما أبو سعيد بن يونس فقال: إن موت حسان سنة ثمانين. حصين بن مالك بن الخشخاش، وهو حصين بن أبي الحر التميمي العنبري البصري، جد القاضي عبيد الله بن الحسن العنبري. عن: جده الخشخاش وله صحبة، وعن سمرة بن جندب، وعمران بن حصين. وعنه: ابنه الحسن، وعبد الملك بن عمير، ويونس بن عبيد، وقيل يونس، عن رجل، عنه. (6/51)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 52 مات في حبس الحجاج. حكيم بن جابر بن طارق الأحمسي الكوفي. روى عن: أبيه، وعمر، وابن مسعود، وعبادة بن الصامت. وعنه: بيان بن بشير، وإسماعيل بن أبي خالد، وطارق بن عبد الرحمن البجلي، وغيرهم. وثقه ابن معين. حكيم بن سعد أبو تحيا الكوفي. حدث عن: علي، وأبي موسى، وأم سلمة. روى عنه: أبو إسحاق، وعمران بن ظبيان، وعبد الملك بن مسلم، وآخرون. شهد وقعة النهروان مع علي. وثقه أحمد العجلي. حمران بن أبان مولى عثمان، من سبي عين التمر، كان. (6/52)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 53 للمسيب بن نجبة، فابتاعه عثمان. روى عن: عثمان، وعن معاوية. وعنه: عطاء بن يزيد الليثي، ومعاذ بن عبد الرحمن، وعروة بن الزبير، وزيد بن أسلم، وبكير بن الأشج، وبيان بن بشر، وطائفة. قال صالح بن كيسان: سباه خالد بن الوليد من عين التمر. وقال مصعب الزبيري: إنما هو حمران بن أبا، فقال بنوه: ابن أبان.) وقال ابن سعد: نزل البصرة، وادعى ولده أنهم من النمر بن قاسط. وقال قتادة: كان حمران يصلي مع عثمان، فإذا أخطأ فتح عليه. وعن الزهري أنه كان يأذن على عثمان. وقال عثمان بن أبي شيبة: كان كاتب عثمان، وكان محترماً في دولة عبد الملك، وطال عمره، وتوفي بعد الثمانين. حميد بن عبد الرحمن الحميري يقال: توفي سنة إحدى وثمانين. (6/53)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 54 وسيأتي. حنش بن المعتمر ويقال ابن ربيعة الكناني، ثم الكوفي. روى عن: علي، وأبي ذر. ويأتي سنة مائة حنش الصنعاني وهو أصغر من ذا وأوثق. وأما هذا فروى عنه: الحكم بن عتيبة، وسماك، وسعيد بن أشوع، وإسماعيل بن أبي خالد. قال البخاري: يتكلمون في حديثه. وقال ابن عدي وغيره: لا بأس به. (6/54)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 55 4 (الخاء) خالد بن عمير البصري شهد خطبة عتبة بن غزوان. عنه: أبو نعامة عمرو بن عيسى العدوي، وحميد بن هلال. وثقه ابن حبان. خالد بن يزيد د ابن معاوية بن أبي سفيان، أبو هاشم الأموي الدمشقي، أخو معاوية، وعبد الرحمن. (6/55)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 56 روى عن: أبيه، ودحية الكلبي. وعنه: رجاء بن حيوة، وعلي بن رباح، والزهري، وأبو الأعيس الخولاني. قال الزبير: كان خالد بن يزيد موصوفاً بالعلم وقول الشعر. وقال ابن سميع: داره هي دار الحجارة بدمشق.) وقال أبو زرعة: كان هو وأخوه من صالحي القوم. وقال عقيل، عن الزهري: إن خالد بن يزيد بن معاوية كان يصوم الأعياد كلها: الجمعة، والسبت، والأحد. ويروى أن شاعراً وفد عليه وقال: (6/56)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 57 (سألت الندى والجود: حران أنتما .......... فقالا جميعاً: إننا لعبيد)

(فقلت: فمن مولاكما فتطاولا .......... علي وقالا: خالد بن يزيد) فأمر له بمائة ألف درهم. وقد كان ذكر خالد للخلافة عند موت أخيه معاوية، ثم بويع مروان على أن خالداً ولي عهده، فلم يتم ذلك. وقال الأصمعي: ثنا عمرو بن عتبة، عن أبيه قال: تهدد عبد الملك خالد بن يزيد بالحرمان والسطوة، فقال: أتهددني ويد الله فوقك مانعة، وعطاؤه دونك مبذول. وقال الأصمعي: قيل لخالد بن يزيد: ما أقرب شيء قال: الأجل، قيل: فما أبعد شيء قال: الأمل، قيل: فما أرجى شيء قال: العمل. وعنه قال: إذا كان الرجل لجوجاً ممارياً معجباً برأيه، فقد تمت خسارته. توفي سنة تسعين، وقيل أربعٍ وثمانين، وقيل سنة خمس. وله ترجمة طويلة في تاريخ ابن عساكر. ونقل ابن خلكان أنه كان يعرف الكيمياء، وأنه صنف فيها ثلاث رسائل. وهذا لم يصح. وعن مصعب الزبيري قال: كان خالد بن يزيد يوصف بالحلم، ويقول الشعر. (6/57)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 58 وزعموا أنه هو الذي وضع حديث السفياني، وأراد أن يكون للناس فيه طمع حين غلب مروان على الأمر. قال ابن الجوزي: هذا وهمٌ من مصعب، أمر السفياني قد تتابعت فيه روايات. خيثمة بن عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي الكوفي، أبوه وجده صحابيان. يروى عن: أبيه، وعائشة وابن عباس، وعبد الله بن عمرو، وعدي بن حاتم، وسويد بن غفلة،) وطائفة سواهم. ولم يلق ابن مسعود. روى عنه: عمرو بن مرة، وطلحة بن مصرف، ومنصور، والأعمش، وابن أبي خالد، وغيرهم. وكان رجلاً صالحاً، كبير القدر، لم ينج من فتنة ابن الأشعث بالكوفة (6/58)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 59 إلا هو وإبراهيم النخعي. وحديثه في الكتب الستة. وكان سخياً كريماً يركب الخيل. (6/59)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 60 4 (الذال) ذر بن عبد الله الهمداني الكوفي. عن: سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، وعبد الله بن شداد، وسعيد بن جبير، وجماعة. روى عنه: الحكم بن عتيبة، وابنه عمر بن ذر، وسلمة بن كهيل، والأعمش، ومنصور. قال أبو داود، وغيره: كان مرجئاً. (6/60)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 61 4 (الراء) الربيع بن خثيم بن عائذ الثوري، أبو يزيد الكوفي. أرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وسمع: ابن مسعود، وأبا أيوب، وعمرو بن ميمون. وعنه: الشعبي، وإبراهيم، ومنذر الثوري، وهلال بن يساف، وآخرون. وكان عبداً صالحاً جليلاً ثقة نبيلاً، كبير القدر. ربيعة بن لقيط التجيبي المصري. عن: عمرو بن العاص، ومعاوية، وابن حوالة. وعنه: ابنه إسحاق، ويزيد بن أبي حبيب. وثقه أحمد العجلي. وله في مسند أحمد بن حنبل. روح بن زنباع أبو زرعة) الجذامي الفلسطيني، ويقال أبو زنباع. (6/61)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 62 حدث عن: أبيه، وتميم الداري، وعبادة بن الصامت، وكعب الأحبار، وغيرهم. وعنه: ابنه روح بن روح، وشرحبيل بن مسلم، ويحيى الشيباني، وعبادة بن نسي، وجماعة. وكان ذا اختصاص بعبد الملك، لا يكاد يغيب عنه، وهو كالوزير له. ولأبيه زنباع بن روح بن سلامة صحبة، وكان لروح دار بدمشق في طرف البزوريين، أمره يزيد على جند فلسطين، وشهد يوم راهط مع مروان. (6/62)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 63 وقال مسلم: له صحبة. ولم يتابع مسلماً أحدٌ. وروى ضمرة، عن عبد الحميد بن عبد الله قال: كان روح بن زنباع إذا خرج من الحمام أعتق رقبة. قال ابن زيد: مات سنة أربعٍ وثمانين. رياح بن الحارث د ن ق النخعي الكوفي. عن: علي، وابن مسعود، وعمار، وسعيد بن زيد. وعنه: حفيده صدقة بن المثنى بن رياح، والحسن بن الحكم النخعي، وحرملة بن قيس، وأبو حمزة الضبعي. ذكره ابن حبان في الثقات (6/63)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 64 4 (الزاي) زاذان أبو عمر الكندي مولاهم الكوفي البزاز الضرير، شهد خطبة عمر بالجابية، وحدث عن: علي، وابن مسعود، وسلمان، وحذيفة، وعائشة، وجرير بن عبد الله، والبراء، وابن عمر. روى عنه: أبو صالح السمان، وعمرو بن مرة، وعطاء بن السائب، (6/64)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 65 وحبيب بن أبي ثابت، ومحمد بن سوقة، والمنهال بن عمرو، ومحمد بن جحادة. وكان ثقةً، قليل الحديث. وقال النسائي: ليس به بأس. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالمتين عندهم.) وعن أبي هاشم الرماني قال: قال زاذان: كنت غلاماً حسن الصوت، جيد الضرب بالطنبور، وكنت أنا وصحب لي، وعندنا نبيذ، وأنا أغنيهم، فمر ابن مسعود، فدخل فضرب الباطية بددها، وكسر الطنبور، ثم قال: لو كان ما أسمع من حسن صوتك هذا يا غلام بالقرآن كنت، أنت أنت، ثم مضى، فقلت لأصحابي: من هذا قالوا: هذا ابن مسعود، فألقى في نفسي التوبة، فسعيت وأنا أبكي، ثم أخذت بثوبه، فقال: من أنت قلت: أنا صاحب الطنبور، فأقبل علي فاعتنقني وبكى، ثم قال: مرحباً بمن أحبه الله، اجلس مكانك، ثم دخل فأخرج إلي تمراً. وقال زبيد: رأيت زاذان يصلي كأنه جذع خشبة. وروى ابن نمير قال: قال زاذان يوماً: إني جائع، فسقط عليه من الروزنة رغيف مثل الرحى. وقال عطاء بن السائب: كان زاذان إذا جاءه رجل يشتري الثوب نشر الطرفين وسامه سومة واحدة. وقال شعبة: سألت سلمة بن كهيل عن زاذان فقال: أبو البختري أحب إلي منه. وقال إبراهيم بن الجنيد، عن يحيى بن معين: هو ثقة. (6/65)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 66 وقال خليفة: توفي سنة اثنتين وثمانين. زر بن حبيش ع ابن حباشة بن أوس، أبو مريم الأسدي الكوفي. ويقال أبو مريم وأبو مطرف. (6/66)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 67 أدرك الجاهلية، وعمر دهراً. حدث عن: عمر، وأبي بن كعب، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وعبد الرحمن بن عوف، وعمار بن ياسر، وحذيفة، والعباس، وصفوان بن عسال. وقرأ القرآن على: علي، وابن مسعود، وأقرأه. وقرأ عليه: عاصم، ويحيى بن وثاب، وأبو إسحاق، والأعمش، وحدث عنه: عاصم، وعبدة بن أبي لبابة، وعدي بن ثابت، والمنهال بن عمرو، وأبو إسحاق الشيباني، وأبو بردة بن أبي موسى، وإسماعيل بن أبي خالد. قال عاصم: كان زر من أعرب الناس، كان عبد الله بن مسعود يسأله عن العربية. وقال ابن سعد: كان ثقةً كثير الحديث. وقال همام: ثنا عاصم، عن زر قال: وفدت إلى المدينة في خلافة عثمان، وإنما حملني على) ذلك حرصي على لقاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقيت صفوان بن عسال فقلت له: هل رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم، وغزوت معه ثنتي عشرة غزوة. وقال شيبان، عن عاصم، عن زر قال: خرجت في وفد من أهل الكوفة، وايم الله إن حرضني على الوفادة إلا لقاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قدمت المدينة أتيت أبي بن كعب، وعبد الرحمن بن عوف، فكانا جليسي وصاحبي، فقال أبي: يا زر ما تريد أن تدع من القرآن آيةً إلا سألتني عنها. شعبة، عن عاصم، عن زر قال: كنت بالمدينة يوم عيد، فإذا عمر (6/67)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 68 ضخم أصلع، كأنه على دابةٍ مشرف. حماد بن زيد، عن عاصم، عن زر قال: قدمت المدينة، فلزمت عبد الرحمن بن عوف وأبياً. وقال حماد بن زيد، عن عاصم قال: أدركت أقواماً كانوا يتخذون هذا الليل جملاً، يلبسون المعصفر، ويشربون نبيذ الجر، لا يرون به بأساً، منهم زر، وأبو وائل. وقال أبو بكر بن عياش، عن عاصم قال: كان أبو وائل عثمانياً، وكان زر بن حبيش علوياً، وما رأيت واحداً منهما قط تكلم في صاحبه حتى ماتا، وكان زر أكبر من أبي وائل، فكانا إذا جلسا جميعاً لم يحدث أبو وائل مع زر. وقال ابن أبي خالد: رأيت زر بن حبيش وإن لحييه ليضطربان من الكبر، وقد أتى عليه عشرون ومائة سنة. قال أبو عبيد: مات زر سنة إحدى وثمانين. وقال خليفة، والفلاس: سنة اثنتين. وعن عاصم قال: ما رأيت أقرأ من زر. زياد بن جارية التميمي دمشقي فاضل من قدماء (6/68)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 69 التابعين، لا نعلم له رواية إلا عن حبيب بن مسلمة. روى عنه: مكحول، ويونس بن ميسرة بن حلبس وعطية بن قيس. وله دار غربي قصر الثقفيين. قال سعيد بن عبد العزيز: كان زياد بن جارية إذا خلا بأصحابه قال أخرجوا مخبآتكم. وقال الهيثم بن مروان العنسي: دخل زياد بن جارية مسجد دمشق وقد تأخرت صلاتهم) بالجمعة، فقال: والله ما بعث الله نبياً بعد محمد صلى الله عليه وسلم أمركم بهذه الصلاة. قال: فأخذ فأدخل الخضراء، فقطع رأسه، وذلك في زمن الوليد بن عبد الملك. قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن زياد بن جارية فقال: شيخ مجهول. زيد بن عقبة الفزاري الكوفي. (6/69)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 70 عن: سمرة بن جندب. وعنه: ابنه سعيد، ومعبد بن خالد، وعبد الملك بن عمير. وكان ثقة. قاله النسائي. زيد بن وهب الجهني أبو سليمان، كوفي قديم اللقاء، رحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقبض وهو في الطريق. سمع: عمر، وعلياً، وابن مسعود، وأبا ذر، وحذيفة بن اليمان. وقرأ القرآن على ابن مسعود. (6/70)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 71 روى عنه: الأعمش، وحبيب بن أبي ثابت، وحصين بن عبد الرحمن، وإسماعيل بن أبي خالد، وعبد العزيز بن رفيع، وجماعة. توفي بعد وقعة الجماجم. وكان من الثقات. (6/71)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 72 4 (السين) سعد بن هشام بن عامر الأنصاري، ابن عم أنس بن مالك. عن: أبيه، وعائشة، وأبي هريرة. وعنه: زرارة بن أوفى، والحسن البصري، وحميد بن هلال، وحميد بن عبد الرحمن. وكان مقرئاً، صالحاً، فاضلاً، نبيلاً. سعيد بن علاقة وهو أبو فاختة، مولى أم هانيء (6/72)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 73 بنت أبي طالب، ووالد ثوير بن أبي فاختة. وفد على معاوية، وروى عن: علي، وابن مسعود، وأم هانيء، وعائشة، والأسود بن يزيد. وعنه: ابنه، وعمرو بن دينار، ويزيد بن أبي زياد، وإسحاق بن سويد العدوي. وثقه العجلي.) سفيان بن وهب أبو أيمن الخولاني المصري. صحب النبي صلى الله عليه وسلم، وحدث عنه، وعن عمر، والزبير. وغزا المغرب، وسكن مصر، وطال عمره. طلبه عبد العزيز بن مروان ليحدثه، فأتي به شيخٌ كبيرٌ محمول. روى عنه: أبو عشانة المعافري، وبكر بن سوادة، والمغيرة بن زياد، ويزيد بن أبي حبيب، وآخرون. عده في الصحابة أحمد بن البرقي، وابن أبي حاتم، وابن يونس، وذكره في التابعين ابن سعد، والبخاري. (6/73)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 74 سليم بن أسود هو أبو الشعثاء. سنان بن سلمة بن المحبق الهذلي، كنيته أبو عبد الرحمن، وقيل أبو حبتر، أحد الشجعان المذكورين. قيل إنه ولد يوم الفتح، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم سناناً. وقد استعمله زياد بن عبيد سنة خمسين على غزو الهند. وله رواية يسيرة. روى له النسائي، عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً، فهو مرسل. وروى عن: أبيه، وعمر، وابن عباس. وحديثه عن ابن عباس صحيح. روى عنه: سلمة بن جنادة، ومعاذ بن سمرة، وخبيب أبو عبد الصمد الأزدي، وخلد الأشج، وقتادة. (6/74)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 75 وطال عمره وبقي إلى أواخر أيام الحجاج. وقد ولي غزو الهند سنة خمسين. سهم بن منجاب بن راشد الضبي الكوفي. شريف، لأبيه صحبة. روى عن: أبيه، والعلاء بن الحضرمي، وقرثع الضبي، وقزعة بن يحيى، وهو أصغر منه.) وعنه: إبراهيم النخعي، وأبو سنان ضرار بن مرة الشيباني، وعطية بن يعلى الضبي، وآخرون. سويد بن غفلة ع ابن عوسجة بن عامر، أبو أمية الكوفي من كبار المخضرمين، وقيل إنه (6/75)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 76 صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه، ولم يصح، بل أسلم في حياته، وسمع كتابه إليهم، وشهد اليرموك. وحدث عن: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وأبي بن كعب، وبلال، وأبي ذر. روى عنه: أبو ليلى الكندي، والشعبي، وإبراهيم النخعي، وعبدة بن أبي لبابة، وسلمة بن كهيل، وعبد العزيز بن رفيع، وغيرهم. قال نعيم بن ميسرة: حدثني بعضهم، عن سويد بن غفلة قال: أنا لدة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولدت عام الفيل وروى زياد بن خيثمة، عن عامر، يعني الشعبي قال: قال سويد بن غفلة: أنا أصغر من النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين. وقال أحمد في مسنده: ثنا هشيم، أنا هلال بن خباب، ثنا ميسرة أبو صالح، عن سويد بن غفلة قال: أتانا مصدق النبي صلى الله عليه وسلم، فجلست إليه وسمعت عهده. (6/76)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 77 وقال سفيان بن وكيع، عن يونس بن بكير، عن عمرو بن شمر، عن إبراهيم بن عبد الأعلى، عن سويد بن غفلة قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أهدب الشعر، مقرون الحاجبين، واضح الثنايا، أحسن شعر وضعه الله على رأس إنسان. أخرجه ابن مندة في معرفة الصحابة. وقال مبشر بن إسماعيل، عن سليمان بن عبد الله بن الزبرقان، عن أسامة بن أبي عطاء، قال: كنت عند النعمان بن بشير، فدخل عليه سويد بن غفلة، فقال له النعمان: ألم يبلغني أنك صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم مرة قال: لا، بل مراراً، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نودي بالأذان، كأنه لا يعرف أحداً من الناس. قلت: الحديثان ضعيفان. وقد قال زهير بن معاوية: ثنا الحارث بن مسلم بن الرحيل الجعفي قال: قدم الرحيل وسويد بن غفلة حين فرغوا من دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم.) وقال أبو النضر هاشم بن القاسم: ثنا محمد بن طلحة، عن عمران بن مسلم قال: مر رجل من صحابة الحجاج على مؤذن جعفي وهو يؤذن، فأتى الحجاج فقال: ألا تعجب من أني سمعت مؤذناً يؤذن بالهجير قال: فأرسل فجاء به، فقال: ما هذا قال: ليس لي أمرٌ، إنما سويد الذي يأمرني بهذا، فأرسل إلى سويد، فجيء به، فقال: ما هذه الصلاة قال: صليتها (6/77)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 78 مع أبي بكر، وعمر، وعثمان، فلما ذكر عثمان جلس وكان مضطجعاً، فقال: أصليتها مع عثمان قال: نعم. قال: لا تؤمن قومك، وإذا رجعت إليهم فسب علياً. قال: نعم، سمعاً وطاعة، فلما أدبر قال الحجاج: لقد عهد الشيخ الناس وهو يصلون الصلاة هكذا. وقال الخريبي: سمعت علي بن صالح يقول: بلغ سويد بن غفلة عشرين ومائة سنة، لم ير محتبياً قط ولا متسانداً، فأصاب بكراً، يعني في العام الذي توفي فيه. وقال عاصم بن كليب: تزوج سويد بن غفلة بكراً، وهو ابن مائةٍ وست عشرة سنة. وعن عمران بن مسلم قال: كان سويد بن غفلة إذا قيل له: أعطي فلان وولي فلان، قال: حسبي كسرتي وملحي. وعن علي بن المديني قال: دخلت منزل أحمد بن حنبل، فما شبهته إلا بما وصف من بيت سويد بن غفلة من زهده وتواضعه. توفي سنة إحدى وثمانين. قال ابن نمير، وأبو عبيد، وهارون بن حاتم، وغيرهم. وقال الفلاس: سنة اثنتين. (6/78)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 79 4 (الشين) شبث بن ربعي التميمي اليربوعي الكوفي. عن: علي بن أبي طالب، وحذيفة. وعنه: أنس بن مالك، ومحمد بن كعب القرظي، وسليمان التيمي. (6/79)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 80 وكان من كبار الحرورية، ثم تاب وأناب شبيب أبو روح الوحاظي الحمصي. عن: رجل له صحبة، وأبي هريرة، ويزيد بن حمير. وعنه: عبد الملك بن عمير، وسنان بن قيس شامي، وحريز بن عثمان.) وقد وثق. شتير بن شكل خ م بن حميد، أبو عيسى العبسي الكوفي. عن: أبيه ولأبيه صحبة، وعن علي، وابن مسعود، وحفصة، وغيرهم. (6/80)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 81 وعنه: الشعبي، وأبو الضحى، وبلال بن يحيى العبسي. وثقه النسائي. شراحيل بن آدة م على الصحيح، أبو الأشعث الصنعاني، صنعاء دمشق. في الكنى بعد المائة، فيحول إلى هنا. وأما ابن سعد فقال: توفي زمن معاوية، فوهم، لأن هذا الرجل روى عنه: عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، ويحيى بن الحارث الدماري، وطبقتهما. شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل، (6/81)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 82 أبو عمرو القرشي السهمي. سكن الطائف، وحدث عن: جده، وابن عباس، وابن عمر، ومعاوية بن أبي سفيان. واختلف في سماعه من أبيه محمد، ولم يختلف أولو المعرفة في سماعه من جده. روى عنه: ابناه عمرو، وعمر، وثابت البناني، وعطاء الخراساني، وعثمان بن حكيم، وغيرهم. وأما أبوه محمد فقل من ذكر له ترجمة، بل هو كالمجهول. شقيق أبو وائل ع ابن سلمة الأسدي شيخ إمام معمر. (6/82)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 83 روى عن: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود وقرأ عليه القرآن وحذيفة، وعائشة، وسلمان الفارسي، ومعاذ، وعمار، وسعد بن أبي وقاص، وطائفة. روى عنه: الشعبي، والحكم بن عتيبة، وحبيب بن أبي ثابت، وعمرو بن مرة، وعبدة بن أبي لبابة، وحصين بن منصور، والأعمش، وعاصم بن بهدلة، وخلق كثير. أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من الأذكياء الحفاظ، والأولياء العباد. قال أبو الأحوص: ثنا مسلم الأعور عن أبي وائل: كنت مع عمر بالشام، فمر دهقان فسجد له،) فقال: ما هذا قال: هكذا نفعل بالملوك. فقال: اسجد لربك الذي خلقك. قال ابن سعد: سمع أبو وائل بالشام من أبي الدرداء، وكان ثقة كثير الحديث. (6/83)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 84 وقال عاصم بن أبي النجود: سمعت أبا وائل يقول: أدركت سبع سنين من سني الجاهلية. وقال أبو العنبس: سمعت أبا وائل يقول: بعث النبي صلى الله عليه وسلم وأنا غلام شاب. وقال هشيم، عن مغيرة، عن أبي وائل قال: أتانا مصدق النبي صلى الله عليه وسلم، فأتيته بكبشٍ لي فقلت: صدق هذا، قال: ليس فيه صدقة. فقال الأعمش: قال لي أبو وائل: وقعت من جملي يوم الردة، أفرأيت لو مت، أليس كانت النار، وكنا قد هربنا من خالد بن الوليد يوم بزاخة، وسمعته يقول: كنت يومئذٍ ابن إحدى عشرة سنة. وقال إبراهيم النخعي: ما من قريةٍ إلا وفيها من يدفع عن أهلها به، وإني لأرجو أن يكون أبو وائل منهم. وقال: رأيت الناس وهم متوافرون، وهم يعدون أبا وائل من خيارهم. وقال عمرو بن مرة: قلت لأبي عبيدة: من أعلم أهل الكوفة بحديث عبد الله بن مسعود قال: أبو وائل. وقال عاصم بن أبي النجود: كان عبد الله إذا رأى أبا وائل قال: (6/84)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 85 الثابت، وإذا رأى الربيع بن خثيم قال: وبشر المخبتين. وقال محمد بن فضيل بن غزوان، عن أبيه، عن شقيق أنه تعلم القرآن في شهرين وقال ابن المبارك ثنا سفيان قال: أمهم أبو وائل، فرأى من صوته، قال: كأنه أعجبه، فترك الإمامة. وقال عاصم بن بهدلة: كان أبو وائل إذا خلا ينشج، ولو جعل له الدنيا على أن يفعل ذلك وأحد يراه لم يفعل وقال جرير، عن مغيرة قال: كان إبراهيم التيمي يقص في منازل أبي وائل، فكان أبو وائل ينتفض انتفاض الطائر. وقال حماد بن زيد، عن عاصم قال: كان لأبي وائل خص يكون فيه هو وفرسه، فإذا غزا نقضه، وإذا رجع بناه. وقال أبو بكر، عن عاصم قال كان عطاء أبي وائل ألفين فإذا خرج عطاؤه أمسك ما يكفي أهله) سنةً، وتصدق بما سواه. وروى جعفر بن عون، عن المعلى بن عرفان: سمعت أبا وائل، وجاءه رجل فقال: ابنك على السوق، فقال: والله لو جئتني بموته كان أحب إلي، إني لأكره أن يدخل بيتي من عمل عملهم، فقال عاصم: كان ابنه على قضاء الكناسة. (6/85)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 86 وقال الأعمش: قال لي شقيق: أسمع الناس يقولون: دانق، قيراط، أيهما أكبر، الدانق أو القيراط. وقال عاصم: ما رأيت أبا وائل ملتفتاً في صلاةٍ ولا غيرها، ولا سمعته سب دابة، إلا أنه ذكر الحجاج يوماً، فقال: اللهم أطعمه من ضريعٍ لا يسمن ولا يغني من جوع، ثم تداركها فقال: إن كان ذلك أحب إليك. ولا رأيته قائلاً لأحدٍ: كيف أصبحت، ولا كيف أمسيت. وقال عاصم: قلت لأبي وائل: شهدت صفين قال: نعم، وبئست الصفون كانت، فقيل له: أيهما أحب إليك، علي أو عثمان قال: علي، ثم صار عثمان أحب إلي من علي. وقال الأعمش: قال لي أبو وائل: إن أمراءنا هؤلاء ليس عندهم تقوى أهل الإسلام، ولا أحلام أهل الجاهلية. وقال ابن عيينة: ثنا عامر بن شقيق، سمع أبا وائل يقول: استعملني ابن زياد على بيت المال، فأتاني رجل بصك: أعط صاحب المطبخ ثمانمائة درهم، فقلت له: مكانك، فدخلت على ابن زياد فقلت: إن عمر استعمل ابن مسعود على القضاء وعلى بيت المال، وعثمان بن حنيف على ما سقى الفرات، وعمار بن ياسر على الصلاة والجند، ورزقهم كل يومٍ شاةً، فجعل نصفها وسقطها لعمار، لأنه على الصلاة، والجند، وجعل لعبد الله ربعها، ولعثمان ربعها، ثم قال: إن مالاً يؤكل منه كل يوم شاة لسريع الفناء. فقال ابن زياد: ضع المفاتيح واذهب حيث شئت. وقال عاصم، عن أبي وائل قال: بعث إلي الحجاج، فأتيته، فقال: ما اسمك قلت: ما بعث إلي الأمير إلا وقد عرف اسمي، قال: متى نزلت (6/86)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 87 هذا البلد؟ قلت: ليالي نزله أهله، قال: إني مستعملك على السلسلة، قلت: إن السلسلة لا تصلح إلا برجالٍ يعملون عليها، وأما أنا فرجل ضعيف أخرق، أخاف بطانة السوء، فإن يعفني الأمير فهو أحب إلي، وإن يقحمني أقتحم، إني والله لأتعار من الليل، فأذكر الأمير، فلا أنام حتى أصبح، ولست له على عمل، والله ما رأيت الناس هابوا أميراً قط هيبتك، فإني والله ما أعلم رجلاً أحرى على ذم مني، وأما قولك: إن) يعفني الأمير، فإن وجدنا غيرك أعفيناك، ثم قال: تنصرف، قال: فمضيت فغفلت على الباب كأني لا أبصر، فقال: أرشدوا الشيخ قال خليفة: مات أبو وائل بعد الجماجم سنة اثنتين وثمانين. وذكر الواقدي أنه مات في خلافة عمر بن عبد العزيز. (6/87)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 88 4 (الصاد) صالح بن خوات بن جبير الأنصاري المدني. عن: أبيه، وخاله عمر، وسهل بن أبي حثمة. وعنه: ابنه خوات، والقاسم، ويزيد بن رومان، وعامر بن عبد الله بن الزبير. وثقه النسائي. صالح بن شريح السكوني الحمصي. (6/88)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 89 حدث عن: أبي عبيدة بن الجراح، وأبي هريرة، ومعاوية، وغضيف بن الحارث، وجبير بن نفير. روى عنه: ابنه محمد، وعيسى بن أبي رزين، ومحمد بن زياد الإلهاني، وعمرو بن حريث. وذكر أبو الحسن والد تمام الرازي أنه كان كاتباً لأبي عبيدة. وقال ابن المبارك، عن عيسى بن أبي رزين قال: حدثني صالح بن شريح قال: رأيت أبا عبيدة رضي الله عنه يمسح على فراهيجتين. رواه جنادة بن مروان، عن عيسى أيضاً، فروى عمران بن بكار، أحد الأثبات، عن جنادة بن مروان وقد ضعف، عن عيسى بن أبي رزين، عن صالح بن شريح قال: كنت عند ابن قرط الثمالي بحمص، إذ أقبل أبو عبيدة من دمشق يريد قنسرين، فلما تغدى قال له ابن قرط: لو نزعت فراهيجيك وتوضأت، قال: ما نزعتهما منذ خرجت من دمشق، ولا أنزعهما حتى أرجع إليها. تفرد به جنادة، عن عيسى، عن صالح، ولا تقوم بهؤلاء الحجة. وقال البخاري: صالح بن شريح كاتب عبد الله بن قرط، وكان عبد الله أميراً لأبي عبيدة على حمص. سمع أبا عبيدة، والنعمان بن الرازية. قال أبو زرعة الدمشقي: بقي إلى وسط إمرة عبد الملك.) صدي بن عجلان أبو أمامة الباهلي. يأتي في الكنى من هذه الطبقة. صفوان بن عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف (6/89)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 90 الجمحي المكي، زوج الدرداء بنت أبي الدرداء. روى عن: علي، وأبي الدرداء، وأم الدرداء، وابن عمر. وعنه: الزهري، وعمرو بن دينار، وأبو الزبير، وغيرهم. وثقه أحمد العجلي. قال عبد الملك بن أبي سليمان، عن أبي الزبير، عن صفوان بن عبد الله قال: قدمت الشام، فأتيت أبا الدرداء فلقيته بالسوق. وذكر الحديث ومتنه: دعاء الرجل مستجاب لأخيه بظهر الغيب. صفية بنت شيبة ابن عثمان الحجبي، القرشية العبدرية. يقال إنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم، ووهى ذلك الدارقطني. (6/90)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 91 روت عن النبي صلى الله عليه وسلم في كتابي أبي داود، والنسائي، فهو مرسل. وروت عن: عائشة، وأم حبيبة، وأم سلمة، أمهات المؤمنين وغيرهن. روى عنها: ابنها منصور بن صفية وهو منصور بن عبد الرحمن الحجبي وسبطها ومحمد بن عمران الحجبي، ومحمد بن مسلم بن يناق، وإبراهيم بن مهاجر، وقتادة، ويعقوب بن عطاء بن أبي رباح، وعمر بن عبد الرحمن بن محيصن السهمي، وآخرون. قال ابن معين: لم يسمع منها ابن جريح بل أدركها. وفي كتاب ابن ماجه، من حديث ابن إسحاق أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، دخل الكعبة وبها عيدان فكسرها. صفية بنت أبي عبيد بن مسعود الثقفي، أخت المختار الكذاب، زوجة ابن عمر. روت عن: عمر، وحفصة، وعائشة، وغيرهم.) روى عنها: سالم بن عبد الله، ونافع، وحميد الأعرج، وعبد الله بن دينار، وموسى بن عقبة وغيرهم. (6/91)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 92 4 (الضاد) ضبة بن محصن العنزي البصري. عن: عمر، وأبي موسى، وأم سلمة. وعنه: الحسن وقتادة، وميمون بن مهران وغيرهم. ذكره ابن حبان، في الثقات. (6/92)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 93 4 (الطاء) طارق بن شهاب ابن عبد شمس بن مسلمة الأحمسي البجلي. رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وغزا غير مرة في خلافة الصديق. وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً، وروى عن: أبي بكر، وعمر، وبلال، وخالد بن الوليد، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وجماعة من الكبار. (6/93)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 94 روى عنه: قيس بن مسلم، وسماك بن حرب، وعلقمة بن مرثد، وسليمان بن ميسرة، وإسماعيل بن أبي خالد، ومخارق بن عبد الله. قال قيس بن مسلم: سمعته يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وغزوت في خلافة أبي بكر، وعمر بضعاً وأربعين، أو قال: بضعاً وثلاثين من بين غزوة أو سرية. توفي طارق سنة ثلاثٍ وثمانين، وقيل سنة اثنتين وثمانين. وقال أحمد بن زهير، عن ابن معين إنه توفي سنة ثلاثٍ وعشرين ومائة، وهذا وهمٌ فاحش. الطفيل بن أبي بن كعب. يكنى أبا بطن لعظم بطنه. روى عنه: أبيه، وعمر، وابن عمر، وكان صديقاً لابن عمر. وعنه: عبد الله بن محمد بن عقيل، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، وغيرهما. قال ابن سعد: ثقة قليل الحديث. (6/94)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 95 4 (العين) عابس بن ربيعة النخعي) عن: عمر، وعلي، وعائشة. وعنه: ابناه إبراهيم، وعبد الرحمن، وإبراهيم النخعي، وأبو إسحاق وغيرهم. وكان مخضرماً. عاصم بن حميد السكوني الحمصي. (6/95)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 96 عن: عمر، ومعاذ بن جبل، وعائشة. وعنه: أزهر الحرازي، وعمرو بن قيس السكوني، وراشد بن سعد، وجماعة. وثقه الدارقطني. عامر بن سعد البجلي الكوفي. يروي عن: أبي مسعود البدري، وجرير البجلي، وأبي هريرة. روى عنه: العيزار بن حريث، وإبراهيم بن عامر الجمحي، وأبو إسحاق السبيعي. عباد بن زياد أخو عبيد الله بن زياد بن أبيه، أبو حرب. (6/96)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 97 ولي إمرة سجستان لمعاوية بعد عبيد الله بن أبي بكرة، وكان يوم مرج راهط مع مروان. وله حديث في المسح على الخفين يرويه مالك، عن الزهري أنه سمع ذلك من عباد، عن عروة، وحمزة ابني المغيرة بن شعبة، عن أبيهما، لكن أخطأ مالك فيه، إذ نسب عباداً أنه من ولد المغيرة، ورواه جماعة على الصواب. وسيعاد، فإنه مات سنة مائة. عباد بن عبد الله بن الزبير كان عظيم القدر عند والده، (6/97)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 98 استعمله على القضاء وغير ذلك، وكان صادق اللهجة. كانوا يظنون أن أباه يعهد إليه بالخلافة. روى عن: عائشة، وأبيه، وجدته أسماء. وعنه: ابنه يحيى، وابن عمه هشام بن عروة، وابن أبي مليكة، وابن أخيه عبد الواحد بن حمزة، وابن عمه محمد بن جعفر بن الزبير، وآخرون. عبد الله بن أم أوفى) علقمة بن خالد بن الحارث الخزاعي، ثم الأسلمي، أبو إبراهيم، (6/98)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 99 ويقال أبو معاوية، ويقال أبو محمد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد من بايع بيعة الرضوان، وله عدة أحاديث. قال أبو يعفور، عنه: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزواتٍ نأكل الجراد. وبلغنا أنه قدم على أبي عبيدة بكتابٍ من عمر وهو محاصر دمشق. روى عنه: الشعبي، وعمرو بن مرة، وعدي بن ثابت، وسلمة بن كهيل، وطلحة بن مصرف، وإبراهيم بن مسلم الهجري، وإبراهيم السكسكي، وعبد الملك بن عمير، والأعمش، وأبو إسحاق الشيباني، وسعيد بن جهمان، وإسماعيل بن أبي خالد، وآخرون. وقال الواقدي، وخليفة، ويحيى بن بكير، وجماعة: توفي سنة ستٍ وثمانين. وقال البخاري: سنة سبعٍ أو ثمانٍ وثمانين. قلت: وهو آخر من مات من الصحابة بالكوفة. وممن مات في عشر المائة بيقين أو تجاوز المائة: عبد الله بن بسر ابن أبي بسر، أبو صفوان المازني، نزيل حمص. (6/99)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 100 له صحبة ورواية. روى عنه: محمد بن عبد الرحمن اليحصبي، وراشد بن سعد، وخالد بن معدان، وأبو الزاهرية، ومحمد بن زياد الألهاني، وسليم بن عامر، وحريز بن عثمان، وصفوان بن عمرو، وحسان بن نوح، وغيرهم. وغزا قبرس مع معاوية، وهو أخو عطية بن بسر، والصماء بنت بسر، ولهم ولأبيهم صحبة. قال حريز: رأيت عبد الله بن بسر له جمة، لم أر عليه قميصاً ولا عمامة. وقال عبد الله بن محمد البغوي: ثنا زياد بن أيوب، ثنا ميسرة، ثنا حريز بن عثمان قال: رأيت عبد الله بن بسر وثيابه مشمرة، ورداؤه فوق القميص، وشعره مفروقٌ يغطي أذنيه، وشاربه مقصوص مع الشفة، وكنا نقف عليه ونتعجب له. (6/100)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 101 وقال صفوان بن عمرو: رأيت في جبهة عبد الله بن بسر أثر السجود. وقال البخاري في تاريخه: ثنا داود بن رشيد، أبو حيوة شريح بن يزيد الحضرمي، عن إبراهيم بن محمد بن زياد الألهاني، عن أبيه، عن عبد الله بن بسر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال له: يعيش هذا الغلام قرناً. فعاش مائة سنة. وقال الطبراني: ثنا محمد بن الحسن الأنماطي، ثنا حاجب بن الوليد، ثنا حيوة، فذكر نحوه، ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على رأسه وقال: يعيش هذا الغلام قرناً فعاش مائة سنة. وكان في وجهه ثؤلول، فقال: لا يموت هذا الغلام حتى يذهب هذا الثؤلول فلم يمت حتى ذهب. وقال عصام بن خالد: ثنا الحسن بن أيوب الحضرمي قال: أراني عبد الله بن بسر شامةً في قرنه، فوضعت إصبعي عليها، فقال: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم إصبعه عليها، ثم قال: لتبلغن قرناً. رواه أحمد في مسنده. وقال جنادة بن مروان: ثنا محمد بن القاسم الحمصي، سمع عبد الله بن بسر يقول: أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا حيساً ودعا لنا، ثم التفت إلي وأنا غلام، فمسح رأسي، ثم قال: يعيش هذا الغلام قرناً. قال: فعاش مائة سنة. روى نحوه سلمة بن جواس، عن محمد بن القاسم أنه كان مع عبد الله بن بسر في قريته، وزاد فيه: فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله، كم (6/101)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 102 القرن؟ قال: مائة سنة. وروى صفوان بن عمرو، عن يزيد بن خمير: سال عبد الله بن بسر: كيف حالنا من حال من قبلنا قال: سبحان الله، لو نشروا من القبور ما عرفوكم إلا أن يجدوكم قياماً تصلون. وقال يحيى الوحاظي: حدثتنا أم هاشم الطائية قالت: رأيت عبد الله بن بسر يتوضأ فخرجت نفسه. وقال الواقدي: آخر من مات من الصحابة بالشام عبد الله بن بسر، توفي سنة ثمانٍ وثمانين، وله أربعٌ وتسعون سنة، ورخه فيها جماعة. وقال أبو زرعة الدمشقي: توفي سنة مائة. وقال عبد الصمد بن سعيد القاضي: توفي سنة ستٍ وتسعين. وقال يزيد بن عبد ربه: توفي في إمرة سليمان بن عبد الملك. (6/102)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 103 عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري أبو محمد المدني، حليف بني زهرة. أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ومسح على رأسه، ووعى ذلك.) وقيل: بل ولد عام الفتح، وشهد الجابية. وحدث عن: عمر، وسعد بن أبي وقاص، وأبي هريرة، وجابر، وأبيه ثعلبة. روى عنه: الزهري، وأخو الزهري عبد الله، وعبد الله بن الحارث بن زهرة. وكان شاعراً نسابة. قال مالك، عن ابن شهاب: إنه كان يجالس عبد الله بن ثعلبة، وكان يتعلم منه الأنساب وغير ذلك، فسأله عن شيءٍ من الفقه، فقال: إن كنت (6/103)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 104 تريد هذا فعليك بسعيد بن المسيب. قال خليفة، وطائفة: توفي سنة تسعٍ وثمانين. وممن روى عنه: سعد بن إبراهيم الزهري، وعبد الحميد بن جعفر. عبد الله بن الحارث بن جزء أبو الحارث الزبيدي. شهد فتح مصر وسكنها، وهو آخر الصحابة بها موتاً. له أحاديث. روى عنه الأئمة: عبيد الله بن المغيرة، وعقبة بن مسلم، وسليمان بن زياد الحضرمي، ويزيد بن أبي جبيب، وعمرو بن جابر الضرمي، وآخرون. توفي بقرية سفط القدور من أسفل مصر، سنة ست وثمانين، وقد عمي. (6/104)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 105 وقيل: توفي سنة خمس، وقيل: سنة سبعٍ، أو سنة ثمانٍ وثمانين. والأول أصح. وهو ابن أخي محمية بن جزء. عبد الله بن الحارث بن نوفل ابن عبد المطلب بن هاشم، أبو محمد الهاشمي النوفلي المدني، (6/105)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 106 نزيل البصر. ولقبه ببه. فذكر الزبير بن بكار أن أمه، وهي هند أخت معاوية بن أبي سفيان كانت تنقزه وتقول: (يا ببه يا ببه: .......... لأنكحن ببه)

(جاريةً خدبه .......... تسود أهل الكعبة) اصطلح أهل البصرة على تأميره عليهم عند هروب عبيد الله بن زياد إلى الشام، وكتبوا إلى ابن الزبير بالبيعة له، فاستعمله عليهم) روى عن: عمر، وعثمان، وعلي، وأبي بن كعب، والعباس، وحكيم بن حزام، وصفوان بن أمية، وأم هانيء بنت أبي طالب، وكعب الأحبار، وجماعة. وأرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد الجابية. روى عنه: ابناه إسحاق، وعبد الله، وأبو التياح يزيد بن حميد، والزهري، وعبد الملك بن عمير، ويزيد بن أبي زياد، وهو مولاه، وعمر بن عبد العزيز، وأبو إسحاق، وآخرون. وذكر ابن سعد: أنه ثقة تابعي، أتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتفل في فيه ودعا له. قال: وخرج هارباً من البصرة إلى عمان من الحجاج عند فتنة ابن الأشعث فمات بعمان سنة أربعٍ وثمانين. وقال أبو عبيد: توفي سنة ثلاث. (6/106)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 107 عبد الله بن الحارث الزبيدي م الكوفي المكتب. روى عن: ابن مسعود، وجندب بن عبد الله، وطليق بن قيس. وعنه: حميد الأعرج الكوفي لا المدني، وأبو سفيان ضرار بن مرة، وعمرو بن مرة الجملي. قال ابن معين: ثبت. عبد الله بن خليفة الهمداني الكوفي روى عن: عمر، وجابر بن عبد الله. روى عنه: أبو إسحاق السبيعي، وابنه يونس بن أبي إسحاق. وله رواية في تفسير ابن ماجه. عبد الله بن الخليل ويقال: ابن أبي الخليل الحضرمي الكوفي. (6/107)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 108 عن: علي، وعمر، وزيد بن أرقم، وابن عباس. وعنه: إسماعيل بن رجاء، والشعبي، وأبو إسحاق، والأعمش. عبد الله بن ربيعة بن فرقد السلمي.) يقال: له صحبة، فإن لم تكن فحديثه مرسل. وله عن: ابن مسعود، وعبيد بن خالد السلمي، وابن عباس. روى عنه: عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعمرو بن ميمون الأودي، ومنصور بن المعتمر ابن أخي عتاب بن ربيعه السلمي، وعطاء بن السائب، وعلي بن الأقمر. وقال شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن عبد الله بن ربيعة، فقال في حديثه: وكانت له صحبة، ولم يتابع عليه. توفي بالكوفة بعد الثمانين تقريباً. وربيعة مشدد. عبد الله بن الزبير بن سليم ويقال ابن الأسلم بن الأعشى أبو كبير، ويقال أبو سعد الأسدي (6/108)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 109 الكوفي الشاعر. وفد على معاوية ويزيد فامتدحهما. وضبط اسم أبيه عبد الغني وغيره، وقال: هو الشاعر الذي أتى ابن الزبير مستحملاً، فحرمه ابن الزبير، فقال: لعن الله ناقةً حملتني إليك، قال: وهو وراكبها. وعن إسماعيل بن جعفر أن عبد الله بن الزبير الأسدي دخل على مصعب بالعراق، فقال له مصعب: أنت القائل: (إلى رجبٍ أو غرة الشهر بعده .......... توافيكم بيض المنايا وسودها)

(ثمانين ألفاً دين عثمان دينها .......... مسومة جبريل فيها يقودها) ففزع وقال: نعم أمتع الله بك، فعفا عنه وأعظم جائزته. يقال: مات في أيام الحجاج. (6/109)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 110 عبد الله بن زرير الغافقي المصري. روى عن: عمر، وعلي. روى عنه: عياش القتباني، ومرثد بن عبد الله اليزني، وبكر بن سوادة، وعبد الله بن هبيرة، والحارث بن يزيد، وغيرهم. توفي سنة ثمانين، وقيل سنة إحدى وثمانين.) وقد مر اسمه. عبد الله بن سرجس م المزني البصري، حليف بني مخزوم. له صحبة، صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر له. وروى أيضاً عن عمر. (6/110)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 111 روى عنه: عثمان، بن حكيم، وقتادة، وعاصم الأحول، وغيرهم. قال عاصم الأحول: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن له صحبة. قال ابن عبد البر: لا يختلفون في ذكره في الصحابة على مذهبهم في اللقاء والسماع، وأما عاصم فأحسبه أراد الصحبة التي يذهب إليها العلماء، وأولئك قليل كالعشرة. عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي المدني، أبو الوليد. كان يأتي الكوفة، وكانت أمه سلمى بنت عميس تحت حمزة بن عبد المطلب، رضي الله عنه، فلما استشهد تزوجها شداد، فولدت له هذا. روى عن: أبيه، وطلحة بن عبيد الله، ومعاذ، وعلي، وابن مسعود، (6/111)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 112 وعائشة، وأم سلمة، وجماعة. روى عنه: الحكم بن عتيبة، وعبد الله بن شبرمة، ومنصور، وأبو إسحاق الشيباني، وسعد بن إبراهيم الزهري، ومعاوية بن عمار الدهني، وذر الهمداني. وعده خليفة في تابعيي أهل الكوفة. وقال ابن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل المدينة: روى عن عمر، وعلي، وكان ثقةً قليل الحديث شيعياً. قال محمد بن عمر: كان يأتي الكوفة كثيراً فينزلها، وخرج مع ابن الأشعث فقتل ليلة دجيل سنة اثنتين. وقال عطاء بن السائب: سمعت عبد الله بن شداد يقول: وددت أني قمت على المنبر من غدوةٍ إلى الظهر، فأذكر فضائل علي عليه السلام، ثم أنزل فتضرب عنقي. رواها خالد الطحان، ثنا عطاء، فذكرها.) عبد الله بن شرحبيل بن حسنة لم يلحق الرواية عن أبيه. وروى عن: عثمان، وعبد الرحمن بن أزهر، ووفد على معاوية من المدينة. روى عنه: الزهري، وسعد بن إبراهيم، وأبو إسحاق مولى ابن عباس. عبد الله بن ضمرة السلولي (6/112)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 113 عن: أبي الدرداء، وأبي هريرة، وكعب الأحبار. وعنه: أبو صالح السمان، وعطاء بن قرة، وأبو الزبير المكي، وجماعة. وهو أخو عاصم بن ضمرة. عبد الله بن أبي طلحة زيد بن سهل بن الأسود بن حزام، والد الفقيه إسحاق، وأخو أنس بن مالك لأمه. ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي حملت به أم سليم ليلة مات ابنها، فأصبح أبو طلحة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أعرستم الليلة؟ بارك الله لكم في ليلتكم. (6/113)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 114 وقيل إن الصبي الذي توفي تلك الليلة هو أبو عمير الذي مازحه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما ولد عبد الله هذا قال أنس: حملته وأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرسلتني به أمي وأرسلت معي تمرات فحنكه النبي صلى الله عليه وسلم منها بعد أن مضغها، وسماه عبد الله. توفي عبد الله بالمدينة زمن الوليد، وقيل: قتل بفارس، وكان له عشرة أولاد كلهم قرأ القرآن، وروى أكثرهم العلم، واشتهر منهم إسحاق، وعبد الله، رويا عنه. وروى عنه: أبو طوالة، وسليمان مولى الحسن بن علي. وله رواية عن أبيه، وأخيه أنس. عبد الله بن عامر بن ربيعة بن محمد العنزي، وعنز أخو (6/114)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 115 بكر بن وائل المدني حليف بني عدي بن كعب. استشهد أخوه وسميه عبد الله يوم الطائف، وكان أبوه عامر من كبار الصحابة. روى عنه: أبيه، وعمر، وعثمان، وعبد الرحمن بن عوف. وولد سنة ست من الهجرة، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومع كون الحديث فيه) إرسال هو في سنن أبي داود. روى عنه: عاصم بن عبيد الله، وأبو بكر بن حفص الوقاصي، ويحيى بن سعيد الأنصاري، والزهري، وغيرهم. توفي سنة خمسٍ وثمانين. عبد الله بن عكيم الجهني قيل إنه توفي سنة ثمانٍ (6/115)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 116 وثمانين، واختلفوا في صحبته، وهو القائل: أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بشهرين: لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب. روى عنه غير واحد. قال موسى الجهني، عن ابنة عبد الله بن عكيم قالت: كان أبي يحب عثمان، وكان عبد الرحمن بن أبي ليلى يحب علياً وكان متآخيين، فما سمعتهما يذكرانهما بشيءٍ قط، إلا أني سمعت أبي يقول: لو أن صاحبك صبر أتاه الناس. وكان عبد الله بن عكيم قد صلى خلف أبي بكر، وأسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. عبد الله بن عمرو بن غيلان بن سلمة الثقفي. نزل دمشق، وولاه معاوية إمرة البصرة. وحدث عن: ابن مسعود، وكعب الأحبار، وغيرهما. روى عنه: يزيد بن ظبيان الجنبي، وأبو بشر جعفر بن أبي وحشية، (6/116)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 117 وقتادة بن دعامة. ولي البصرة بعد سمرة بن جندب سنة خمسٍ وخمسين. عبد الله بن عوف أبو القاسم الكناني الدمشقي القاري. رأى عثمان، وروى عن: أبي جمعة الأنصاري، وبشير بن عقربة، وكعب. روى عنه: الزهري، ورجاء بن أبي سلمة. يحول من هذه الطبقة، فإن عمر بن عبد العزيز استعمله في شيءٍ. عبد الله بن غالب الحداني البصري، عابد أهل البصرة وقاصهم، يكنى أبا فراس، وقيل أبا قريش. له عن: أبي سعيد الخدري حديثٌ واحد.) روى عنه: عطاء السلمي، ومالك بن دينار، وعون بن أبي شداد، وأبو مسلمة سعيد بن يزيد، وقتادة، والقاسم بن الفضل الحداني، وغيرهم. (6/117)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 118 أنبأني أحمد بن سلامة، عن مسعود بن أبي منصور، وأبي المكارم اللبان قالا: أنا أبو علي، ثنا أبو نعيم، ثنا أبو بحر محمد بن الحسن، ثنا محمد بن غالب، ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا صدقة بن موسى، حدثني مالك بن دينار، عن عبد الله بن غالب الحداني، عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خصلتان لا تجتمعان في مؤمن: البخل، وسوء الخلق. وأنبئت عن اللبان، أنا أبو علي، أنا أبو نعيم، ثنا عبد الله بن جعفر، ثنا يونس، ثنا أبو داود، ثنا صدقة بهذا، رواه الترمذي، عن الفلاس، عن أبي داود، قال نصر بن علي: ثنا نوح بن قيس، ثنا عون بن أبي شداد، أن عبد الله بن غالب كان يصلي الضحى مائة ركعة ويقول: لهذا خلقنا وبهذا أمرنا، ويوشك أولياء الله أن يكفوا ويحمدوا. قال نصر: ونا نوح بن قيس، عن أخيه خالد، عن قتادة أن عبد الله بن غالب كان يقص ي المسجد، فمر عليه الحسن فقال: يا عبد الله، لقد شققت على أصحابك. فقال: ما أرى أعينهم انفقأت، ولا ظهورهم اندقت، والله يأمرنا يا حسن أن نذكره كثيراً، وتأمرنا أن نذكره قليلاً كلا لا تطعه واسجد واقترب، ثم سجد. قال الحسن: بالله ما رأيت كاليوم، ما أدري أسجد أم لا. قال غسان بن مضر: ثنا سعيد بن يزيد قال: سجد عبد الله بن غالب، ومضى رجل إلى الجسر فاشترى حاجة ورجع، وهو ساجد. جعفر بن سليمان: ثنا مالك بن دينار قال: سمعت ابن غالب يقول في دعائه: اللهم إنا نشكو إليك سفه أحلامنا، ونقص علمنا، واقتراب، (6/118)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 119 آجالنا، وذهاب الصالحين منا. القواريري: ثنا جعفر بن سليمان، ثنا أبو فلان قال: لما كان يوم الزاوية رأيت ابن غالب دعا بماءٍ فصبه على رأسه، وكان صائماً في الحر، وحوله أصحابه، فكسر جفن سيفه، وقال لأصحابه: روحوا إلى الجنة، فنادى عبد الملك بن المهلب: أبا فراس أنت آمن أنت آمن، فلم يلتفت، وضرب بسيفه حتى قتل، فلما دفن كانوا يأخذون من تراب قبره كأنه مسكٌ يصرونه في ثيابهم. وقال يحيى القطان: قتل عبد الله بن غالب في الجماجم سنة ثلاثٍ وثمانين، رحمه الله تعالى. عبد الله بن فروخ.) سمع: أبا هريرة، وعائشة. وعنه: أبو سلام الأسود، وشداد أبو عمار، وزيد بن سلام. قال أحمد العجلي: هو شامي ثقة. وقال أبو حاتم: روى عنه مبارك الزبيري، وهو مجهول. قلت: ما هو بمجهول. عبد الله بن فيروز الديلمي أبو بشر، وقيل أبو (6/119)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 120 بسر، أخو الضحاك بن فيروز. عن: أبيه، وأبي بن كعب، وابن مسعود، وحذيفة، وزيد بن ثابت، وغيرهم. وعنه: وهب بن خالد الحمصي، وعروة بن رويم اللخمي، وربيعة بن يزيد، ويحيى بن أبي عمرو السيباني، وآخرون. وكان يسكن ببيت المقدس، ووثقه ابن معين. روى محمد بن سيرين، عن عبد الله بن الديلمي قال: كنت ثالث ثلاثة ممن يخدم معاذ بن جبل. (6/120)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 121 عبد الله بن قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف بن قصي القرشي المطلبي المدني. قيل له صحبة، وليس بشيء. حدث عن: أبيه، وابن عمر، وزيد بن خالد الجهني. روى عنه: ابنه المطلب، وإسحاق بن يسار أبو محمد، وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم. ووفد على عبد الملك، وكان قاضي المدينة في أيامه، وولي له بالبصرة أيضاً. عبد الله بن معانق أبو معانق الأشعري الشامي، وقيل الأزدي روى عن: أبي مالك الأشعري، وعبد الرحمن بن غنم، وعبد الله بن سلام. وعنه: شهر بن حوشب، ويحيى بن أبي كثير، وأبو سلام ممطور، وبسر بن عبيد الله. قال البرقاني، عن الدارقطني: مجهول لا شيء، قال: أما الجهالة فمعدومة. (6/121)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 122 عبد الله بن معقل بن مقرن المزني، أبو الوليد الكوفي. لأبيه صحبة.) وهو أخو عبد الرحمن بن معقل. روى عن: أبيه، وعلي، وابن مسعود، وكعب بن عجرة. روى عنه: أبو إسحاق، وعبد الملك بن عمير، ويزيد بن أبي زياد، وأبو إسحاق الشيباني وغيرهم. قال أحمد العجلي: ثقة من خيار التابعين، وقال: توفي سنة ثمانٍ وثمانين. عبد الله بن معبد الزماني البصري (6/122)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 123 روى عن: ابن مسعود، وأبي قتادة الأنصاري، وأبي هريرة. روى عنه: غيلان بن جرير، وقتادة، وثابت البناني، وغيرهم. عبد الله بن نجي الحضرمي الكوفي عن: أبيه، وعلي، وعمار، وحذيفة. وعنه: أبو زرعة بن عمرو بن جرير، والحارث العجلي، وجابر الجعفي، وغيرهم. وثقه النسائي. عبد الله بن أبي الهذيل (6/123)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 124 أبو المغيرة العنزي الكوفي، العابد الورع. روى عن: أبي بكر، وعمر، وعلي، وعمار، وأبي بن كعب، وابن مسعود، والكبار. روى عنه: الأجلح الكندي، وإسماعيل بن رجاء، وسلمة بن عطية، وعطاء بن السائب، وواصل الأحدب، وأبو التياح الضبعي ووثقه النسائي. قال أبو التياح: ما رأيته إلا وكأنه مذعور. وقال العوام بن حوشب: قال عبد الله بن أبي الهذيل: إني لأتكلم حتى أخشى الله، وأسكت حتى أخشى الله عبد الرحمن بن آدم البصري صاحب السقاية، وهو إن شاء الله عبد الرحمن مولى أم برثن، أو عبد الرحمن بن برثن، أو ابن برثم، وكانت أم برثن قد تبنته، وهو مجهول الأب. قال الدارقطني: عبد الرحمن بن آدم، إنما نسب إلى آدم أبي البشر. قلت: روى عن: أبي هريرة، وعبد الرحمن بن عمرو، وجابر.) (6/124)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 125 وعنه: أبو العالية الرياحي وهو أكبر منه، وقتادة، وسليمان التيمي، وعوف الأعرابي. قال المدائني: استعمل عبيد الله بن زياد عبد الرحمن بن أم برثن، ثم غضب عليه، فعزله وأغرمه مائة ألف، فخرج إلى يزيد، قال: فنزلت على مرحلةٍ من دمشق، وضرب لي خباء وحجرة، فإني لجالسٌ إذا كلبٌ سلوقي قد دخل في عنقه طوقٌ من ذهب، فأخذته، وطلع فارسٌ، فلما رأيته هبته، فأدخلته الحجرة، وأمرت بفرسه فجرد، فلم ألبث أن توافت الخيل، فإذا هو يزيد بن معاوية، فقال لي بعدما صلى: من أنت فأخبرته، فقال: إن شئت كتبت لك من مكانك، وإن شئت دخلت. قال: فأمر فكتب إلى عبيد الله: أن رد عليه مائة ألفٍ، فرجعت، قال: وأعتق عبد الرحمن يومئذٍ في المكان الذي كتب له فيه الكتاب ثلاثين مملوكاً، وقال لهم: من أحب أن يرجع معي فليرجع، ومن أحب أن يذهب فليذهب، وكان عبد الرحمن يتأله. قال المدائني: ورمى غلاماً له يوماً بسفود فأخطأه، وأصاب ابنه، فنثر دماغه، فخاف الغلام، فدعاه وقال: اذهب فأنت حر، فما أحب أن ذلك كان بك لأني رميتك متعمداً، فلو قتلتك هلكت، وأصبت ابني خطأً، ثم عمي عبد الرحمن بعدٌ، ومرض، فدعا الله أن لا يصلي عليه الحكم، يعني ابن أيوب أمير البصرة، ومات في مرضه، وشغل الحكم فلم يصل عليه. وقال جويرية بن أسماء: إن أم برثن كانت تعالج الطيب، وتخالط نساء عبيد الله بن زياد، فأصابت غلاماً لقطته فربته وتبنته، وسمته عبد الرحمن، فنشأ، فولاه عبيد الله، وكان يقال له عبد الرحمن بن أم برثن. قلت: وكان الحكم على البصرة، فلما خرج ابن الأشعث سنة اثنتين (6/125)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 126 وثمانين هرب الحكم ولحق بالحجاج، فهذا يدل على أن عبد الرحمن مات قبل خروج ابن الأشعث. عبد الرحمن بن حجيرة الخولاني البصري القاضي روى عن: أبي ذر، وابن مسعود، وأبي هريرة. روى عنه: دراج أبو السمح، والحارث بن يزيد الحضرمي، وعبد الله بن ثعلبة، وابنه عبد الله بن عبد الرحمن، ونضلة بن كليب. وكان أمير مصر عبد العزيز قد جمع له القضاء والقصص وبيت المال، وكان رزقه في العام ألف دينار، ولا يدخرها، رحمه الله. كنيته أبو عبد الله، وتوفي سنة ثلاثٍ وثمانين.) عبد الرحمن بن عوسجة الهمداني كان على ميمنة ابن الأشعث، فقتل يوم الزاوية سنة اثنتين وثمانين. وقد حدث عن البراء بن عازب. (6/126)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 127 روى عنه: طلحة بن مصرف، وقبان النهمي، وأبو إسحاق السبيعي، وغيرهم. قال النسائي: ثقة. وقيل: كان يوم الزاوية سنة ثلاثٍ وثمانين. وقد روى أيضاً عن علقمة، وغيره. عبد الرحمن بن أبي ليلى أبو عيسى الأنصاري الكوفي، ويقال أبو محمد الفقيه المقريء. (6/127)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 128 روى عن: عمر، وعلي، وابن مسعود، وأبي ذر، وأبي بن كعب، وصهيب، وقيس بن سعد بن عبادة، وأبي أيوب، والمقداد وروايته عن معاذ في السنن الأربعة، ولم يلحقه وطائفة سواهم. ولأبيه صحبة. ولد في وسط خلافة عمر، وهو يصغر عن السماع عنه، بل رآه يمسح على الخفين. روى عنه: الحكم بن عتيبة، وعمرو بن مرة، وعبد الملك بن عمير، وحصين بن عبد الرحمن، والأعمش، وكان قد أخذ عن علي القرآن. قال محمد بن سيرين: جلست إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى وأصحابه يعظمونه كأنه أمير. وقال ثابت البناني: كنا إذا قعدنا إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى قال لرجل: اقرأ القرآن فإنه يدلني على ما تريدون، نزلت هذه الآية في كذا، وهذه في كذا. وقال عطاء بن السائب، عن ابن أبي ليلى: أدركت عشرين ومائةً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار، إذا سئل أحدهم عن شيءٍ ود أن أخاه كفاه. وروي عن أبي حصين أن الحجاج استعمل ابن أبي ليلى على القضاء، ثم عزله، ثم ضرب ليسب علياً رضي الله عنه، وكان قد شهد النهروان مع علي. وعن عبد الله بن الحارث، أنه اجتمع بابن أبي ليلى فقال: ما شعرت أن النساء ولدن مثل هذا. قلت: وكان ابن أبي ليلى قد خرج على الحجاج، فيمن خرج من (6/128)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 129 العلماء والصلحاء مع ابن) الأشعث، فغرق ليلة دجيل، وقيل قتل في وقعة الجماجم، واسمه عبد الرحمن بن يسار، وقيل: ابن بلال، وقيل ابن داود بن أحيحة بن الجلاح بن الحريش بن جحجبا بن كلفة. وقال ابنه محمد بن عبد الرحمن: وفد أبي على معاوية. وقال شعبة بن عمرو بن مرة، عن ابن أبي ليلى قال: صحبت علياً في الحضر والسفر، وأكثر ما يحدثون عنه باطل. وقال الأعمش: رأيت ابن أبي ليلى وقد ضربه الحجاج، وكأن ظهره مسح، وهو متكئ على ابنه، وهم يقولون له: العن الكذابين، فيقول: لعن الله الكذابين ثم يقول: الله الله، علي بن أبي طالب، عبد الله بن الزبير، المختار بن أبي عبيد. قال: وأهل الشام كأنهم حمير لا يدرون ما يقول، وهو يخرجهم من اللعن. وقال عمرو بن مرة: افتقد عبد الرحمن بمسكن. وقال شعبة: قدم عبد الله بن شداد وابن أبي ليلى، فاقتحم بهما فرساهما الفرات، فذهبا. وقال أبو نعيم: قتل بوقعة الجماجم. عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ابن قيس الكندي، أمير سجستان. (6/129)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 130 قد ذكرنا حروبه للحجاج، وآخر الأمر أنه رجع إلى الملك رتبيل، فقال له علقمة بن عمرو: لا أدخل معك لأني أتخوف عليك، وكأني بكتاب الحجاج قد جاء إلى رتبيل يرغبه ويرهبه، فإذا هو قد بعث بك سلماً أو قتلك، ولكن ها هنا خمسمائة قد تبايعنا على أن ندخل مدينةً ونتحصن فيها، ونقاتل حتى نعطي أماناً أو نموت كراماً، فقال: أما لو دخلت معي لواسيتك وأكرمتك. فأبى عليه، فدخل عبد الرحمن إلى رتبيل، وأقام الخمسمائة حتى قدم عمارة بن تميم، فقاتلوا حتى أمنهم ووفى لهم. وتتابعت كتب الحجاج إلى رتبيل في شأن ابن الأشعث، إلا أن بعث به إليه، وترك له الحمل الذي كان يؤديه سبع سنين. ويروى أن عبد الرحمن أصابه سل ومات، فقطعوا رأسه، وبعثوا به إلى الحجاج. ويروى أن الحجاج بعث إلى رتبيل: إني قد بعثت إليك عمارة في ثلاثين ألفاً يطلبون ابن الأشعث، فأبى أن يسلمه، وكان مع ابن الأشعث عبيد بن أبي سبيع، فأرسله مرة إلى رتبيل، فخف على رتبيل، واختص به، فقال القاسم بن محمد بن الأشعث لأخيه: إني لا آمن غدر هذا،) فاقتله، فهم (6/130)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 131 به، وبلغه ذلك، فخاف، فوشى به إلى رتبيل، وخوفه الحجاج، وهرب سراً إلى عمارة، فاستعجل في ابن الأشعث ألف ألف، وكتب بذلك عمارة إلى الحجاج، فكتب إليه: أن أعط عبيداً ورتبيل ما طلبا، فاشترط أشياء فأعطيها، وأرسل إلى ابن الأشعث وإلى ثلاثين من أهل بيته، وقد أعد لهم الجوامع والقيود فقيدهم، وأرسلهم جميعاً إلى عمارة، فلما قرب ابن الأشعث ألقى نفسه من قصرٍ فمات، وذلك في سنة أربعٍ وثمانين. عبد الرحمن بن عمرو بن سهل الأنصاري وهو عبد الرحمن بن سهل. سمع: سعيد بن زيد، وسعد بن أبي وقاص، وقيل لقي عثمان. وعنه: طلحة بن عبد الله بن عوف، وابنه عمرو بن عبد الرحمن، والحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب. ويقال: قتل يوم الحرة، فيقدم. عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة م بن نوفل الزهري المدني، أبو المسور الفقيه. (6/131)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 132 سمع: أباه، وسعد بن أبي وقاص، وأبا رافع. روى عنه: ابن جعفر، وحبيب بن أبي ثابت، والزهري. وكان ثقةً قليل الحديث توفي سنة تسعين. عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي أبو بكر الفقيه، أخو الأسود وابن أخي علقمة. روى عن: عثمان، وسلمان، وابن مسعود، وحذيفة، وجماعة. وعنه: إبراهيم النخعي، وأبو صخرة جامع بن شداد، وعمارة بن عمير، وأبو إسحاق السبيعي، ومنصور، وابنه محمد بن عبد الرحمن. وثقه يحيى بن معين، وغيره. وتوفي في حدود سنة اثنتين وثمانين. عبد العزيز بن مروان أبو الأصبغ الأموي، أمير مصر، وولي عهد المؤمنين بعد أخيه (6/132)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 133 عبد الملك بعهدٍ من مروان، إن) صححنا خلافة مروان، فإنه خارج على ابن الزبير باغ، فلا يصح عهده إلى ولديه، إنما تصح إمامة عبد الملك من يوم قتل ابن الزبير. ولما ملك مروان الشام وغلب عليها سار إلى مصر، فاستولى عليها، (6/133)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 134 واستخلف عليها عبد العزيز ولده، فبقي عليها إلى أن مات. روى عن: أبيه، وأبي هريرة، وعقبة بن عامر، وابن الزبير. وشهد بقتل عمرو بن سعيد الأشدق بدمشق. وكانت داره الخانقاه السميساطية، وانتقلت من بعده إلى ابنه عمر بن عبد العزيز. روى عنه: ابنه، والزهري، وكثير بن مرة، وعلي بن رباح، وابن أبي مليكة، وبحير بن ذاخر. وقال ابن سعد: كان ثقةً قليل الحديث. وقال النسائي: ثقة. وقال ابن وهب: ثنا يحيى بن أيوب، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سويد بن قيس، قال: بعثني عبد العزيز بن مروان بألف دينار إلى ابن عمر، فجئته فدفعت بن مروان بألف دينار إلى ابن عمر، فجئته فدفعت إليه الكتاب، فقال: أين المال فقلت: حتى أصبح. فقال: لا والله، لا أبيت الليلة ولي ألف دينار، فجئته بها ففرقها. وقال ابن أبي مليكة: شهدت عبد العزيز بن مروان يقول عند الموت: يا ليتني لم أكن شيئاً، يا ليتني كهذا الماء الجاري. وقال داود بن المغيرة: لما حضرت عبد العزيز الوفاة قال: ائتوني بكفني، فلما وضع بين يديه ولاهم ظهره، فسمعوه وهو يقول: أف لك أف لك ما أقصر طويلك وأقل كثيرك. (6/134)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 135 وعن حماد بن موسى قال: لما احتضر أتاه بشيرٌ يبشره بماله الذي كان بمصر حين كان عاملاً عليها عامه، فقال: هذا مالك، هذه ثلاثمائة مدي من ذهب، فقال: ما لي وله، والله لوددت أنه كان بعراً حائلاً بنجد. قال خليفة: مات سنة أربع وثمانين. قلت: وهو غلط. وقال سعيد بن عفير، ومحمد بن سعد، وأبو حسان الزيادي وغيرهم: توفي سنة خمسٍ وثمانين، زاد الزيادي فقال: في جمادى الأولى.) وقال أبو سعيد بن يونس: قال الليث بن سعد: توفي في جمادى الآخرة سنة ستٍ وثمانين. قلت: وكأن هذا أيضاً وهمٌ، والصحيح قول الجماعة. وقد كان مات بمصر قبله بستة عشر يوماً ابنه الأصبغ فحزن عليه، ومرض، ومات بحلوان، وهي المدينة التي بناها على مرحلة من مصر وحمل إلى مصر في النيل. ولما بلغ عبد الملك بن مروان موته بايع بولاية العهد لابنيه الوليد ثم سليمان، بعد أن كان هم بخلع أخيه. عبد الملك بن مروان ابن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن (6/135)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 136 (6/136)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 137 قصي بن كلاب الخليفة، أبو الوليد القرشي الأموي. بويع بعهدٍ من أبيه في خلافة ابن الزبير، وبقي على مصر والشام، وابن الزبير على باقي البلاد مدة سبع سنين، ثم غلب عبد الملك على العراق، وما والاها في سنة اثنتين وسبعين، وبعد سنةٍ قتل ابن الزبير، واستوسق، الأمر لعبد الملك. ولد سنة ست وعشرين. قال ابن سعد: وكان عابداً ناسكاً بالمدينة قبل الخلافة، وشهد يوم الدار مع أبيه، وهو ابن عشر سنين، وحفظ أمرهم: قال: واستعمله معاوية على المدينة وهو ابن ست عشرة سنة. قلت: هذا لا يتابع ابن سعدٍ عليه أحدٌ من استعمال معاوية له على المدينة. وقال صالح بن وجيه: قرأت في كتاب صفة الخلفاء في خزانة المأمون: كان عبد الملك رجلاً طويلاً، أبيض، مقرون الحاجبين، كبير العينين، مشرف الأنف، رقيق الوجه، حسن الجسم، ليس بالقضيف ولا البادن، أبيض الرأس واللحية. قلت: سمع عثمان، وأبا هريرة، وأبا سعيد، وأم سلمة، وبريرة مولاة عائشة، وابن عمر، ومعاوية. روى عنه: عروة، وخالد بن معدان، وإسماعيل بن عبيد الله، (6/137)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 138 ورجاء بن حيوة، وربيعة بن يزيد، ويونس بن ميسرة، والزهري، وحريز بن عثمان، وطائفة. قال عبد الله بن العلاء بن زبر، عن يونس بن ميسرة، عن عبد الملك، أنه قال وهو على المنبر: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من امرئٍ مسلم لا) يغزو في سبيل الله أو يجهز غازياً، أو يخلفه بخيرٍ إلا أصابه الله بقارعةٍ قبل الموت. قال مصعب بن عبد الله: أول من سمي في الإسلام عبد الملك: عبد الملك بن مروان. وقال يعقوب بن إبراهيم بن سعد: أمه هي عائشة بنت معاوية بن أبي العاص. وقال ضمرة، عن رجاء بن أبي سلمة، عن عبادة بن نسي قال: قيل لابن عمر: إنكم معشر أشياخ قريش يوشك أن تنقرضوا، فمن نسأل بعدكم فقال: إن لمروان ابناً فقيهاً فسلوه. وقال النضر بن محمد، عن عكرمة بن عمار، عن محمد بن أيوب اليمامي، عن سحيم مولى أبي هريرة: أن عبد الملك بن مروان دخل عليهم وهو غلامٌ شابٌ، فقال: هذا يملك العرب. محمد بن أيوب مجهول. وقال جرير بن حازم، عن نافع قال: لقد رأيت المدينة وما بها شاب (6/138)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 139 أشد تشميراً، ولا أفقه، ولا أنسك، ولا أقرأ لكتاب الله من عبد الملك بن مروان. وقال أبو الزناد: فقهاء المدينة: سعيد بن المسيب، وعبد الملك بن مروان، وعروة بن الزبير، وقبيصة بن ذؤيب. وعن ابن عمر قال: ولد الناس أبناءً، وولد مروان أباً. وعن عبدة بن رياح الغساني، أن أم الدرداء قالت: يا أمير المؤمنين تعني عبد الملك ما زلت أتخيل هذا الأمر فيك منذ رأيتك. قال: وكيف ذاك قالت: ما رأيت أحسن منك محدثاً، ولا أحلم منك مستمعاً. وقال سعيد بن داود: قال مالك: سمعت يحيى بن سعيد يقول: أول من صلى في المسجد بين الظهر والعصر عبد الملك بن مروان وفتيان معه، كانوا إذا صلى الإمام الظهر قاموا فصلوا إلى العصر، فقيل لسعيد بن المسيب: لو قمنا فصلينا كما يصلي هؤلاء، فقال سعيد: ليست العبادة بكثرة الصلاة ولا الصوم، إنما العبادة التفكر في أمر الله، والورع عن محارم الله. وروى إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي قال: ما جالست أحداً إلا وجدت لي عليه الفضل، إلا عبد الملك بن مروان، فإني ما ذاكرته حديثاً إلا زادني فيه، ولا شعراً إلا زادني فيه. وقال خليفة: قال لي أبو خالد: أغزى مسلمة بن مخلد معاوية بن حديج سنة خمسين، وكتب معاوية إلى مروان، أن ابعث عبد الملك على بعث المدينة إلى المغرب، فقدم عبد الملك، فدخل إفريقية مع معاوية بن حديج، فبعثه ابن حديج إلى حصنٍ، فحصر أهله، ونصب عليه المنجنيق.) وقال حماد بن سلمة: أنبأ حميد عن بكر بن عبد الله المزني، أن يهودياً (6/139)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 140 أسلم، وكان اسمه يوسف، قد قرأ الكتب، فمر بدار مروان، فقال: ويلٌ لأمة محمد من أهل هذه الدار. فقلت له: إلى متى قال: حتى تجيء راياتٌ سودٌ من قبل خراسان. وكان صديقاً لعبد الملك بن مروان، فضرب يوماً على منكبه وقال: اتق الله في أمة محمد، إذا ملكتهم. فقال: دعني ويحك، ودفعه، ما شأني وشأن ذلك فقال: اتق الله في أمرهم. قال: وجهز يزيد جيشاً إلى أهل مكة، فقال عبد الملك: أعوذ بالله، أيبعث إلى حرم الله فضرب يوسف بمنكبه وقال: جيشك إليهم أعظم. وقال أحمد بن إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني: ثنا أبي، عن أبيه قال: لما نزل مسلم بن عقبة المدينة دخلت مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فجلست إلى جنب عبد الملك، فقال لي عبد الملك: أمن هذا الجيش أنت قلت: نعم. قال: ثكلتك أمك، أتدري إلى من تسير إلى أول مولودٍ ولد ف الإسلام، وإلى ابن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى ابن ذات النطاقين، وإلى من حنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما والله إن جئته نهاراً وجدته صائماً، ولئن جئته ليلاً لتجدنه قائماً، فلو أن أهل الأرض أطبقوا على قتله لأكبهم الله جميعاً في النار. فلما صارت الخلافة إلى عبد الملك، وجهنا مع الحجاج حتى قتلناه. وقال ابن عائشة: أفضى الأمر إلى عبد الملك والمصحف في حجره، فأطبقه وقال: هذا آخر العهد بك. وقال الأصمعي: ثنا عباد بن مسلم بن زياد، عن أبيه قال: ركب عبد الملك بن مروان بكراً، فأنشأ قائده يقول: (يأيها البكر الذي أراكا .......... عليك سهل الأرض في ممشاكا)

(ويحك هل تعلم من علاكا .......... خليفة الله الذي امتطاكا) لم يحب بكراً مثل ما حباكا فلما سمعه عبد الملك قال: إيهاً يا هناه، قد أمرت لك بعشرة آلاف درهم. (6/140)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 141 وقال الأصمعي: قيل لعبد الملك: يا أمير المؤمنين، عجل عليك الشيب، فقل: وكيف لا، وأنا أعرض عقلي على الناس في كل جمعة. وروى عبيد الله بن عائشة، عن أبيه قال: كان عبد الملك إذا دخل عليه رجل من أفقٍ من) الآفاق قال: اعفني من أربع، وقل بعدها ما شئت: لا تكذبني فإن المكذوب لا رأي له، ولا تجبني فيما لا أسألك، فإن فيما أسألك عنه شغلاً، ولا تطرني فإني أعلم بنفسي منك، ولا تحملني على الرعية، فإني إلى الرفق بهم أحوج. وقال يحيى بن بكير: سمعت مالكاً يقول: أول من ضرب الدنانير عبد الملك، وكتب عليها القرآن. وقال مصعب بن عبد الله: كتب عبد الملك على الدينار: قل هو الله أحدٌ وفي الوجه الآخر: لا إله إلا الله، وطوقه بطوق فضة، وكتب فيه ضرب بمدينة كذا، وكتب في خارج الطوق محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق. وقال موسى بن سعيد بن أبي بردة: لحن جليسٌ لعبد الملك بن مروان، فقال رجل: زد ألف، فقال له عبد الملك، وأنت فزد ألفاً. وقال يوسف بن الماجشون: كان عبد الملك بن مروان إذا قعد للحكم قيم على رأسه بالسيوف. وروى الأصمعي، عن محمد بن حرب الزيادي قال: قيل لعبد الملك (6/141)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 142 ابن مروان: من أفضل الناس؟ قال: من تواضع عن رفعةٍ وزهد عن قدرة، وأنصف عن قوة. وروى جرير بن عبد الحميد لعبد الملك: (لعمري لقد عمرت في الدهر برهةً .......... ودانت لي الدنيا بوقع البواتر)

(فأضحى الذي قد كان مما يسرني .......... كلمح مضى في المزمنات الغوابر)

(فيا ليتني لم أعن بالملك ساعةً .......... ولم أله في لذات عيشٍ نواضر)

(وكنت كذي طمرين عاش ببلغةٍ .......... من الدهر حتى زار ضنك المقابر) وقال إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني: حدثني أبي، عن أبيه، قال: كان عبد الملك بن مروان كثيراً ما يجلس إلى أم الدرداء في مؤخر المسجد بدمشق، فقالت له مرةً: بلغني يا أمير المؤمنين أنك شربت الطلاء بعد النسك والعبادة، فقال: إي والله، والدماء، قد شربتها. وقال أحمد بن عبد الله العجلي: إن عبد الملك كان أبخر، وأنه ولد لستة أشهر. وذكر ابن عائشة، عن أبيه أن عبد الملك كان فاسد الفم. وقال الشعبي: خطب عبد الملك فقال: اللهم إن ذنوبي عظام، وإنها (6/142)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 143 صغار في جنب عفوك، فاغفرها لي يا كريم.) قالوا: توفي عبد الملك في شوال سنة ست وثماني، وخلافته المجمع عليها من وسط سنة ثلاثٍ وسبعين. وقيل: إنه لما احتضر دخل عليه الوليد ابنه، فتمثل: (كم عائدٍ رجلاً وليس يعوده .......... إلا ليعلم هل تراه يموت) وتمثل أيضاً: (ومشتخبرٌ عنا يريد بنا الردى .......... ومستخبراتٌ والعيون سواجم) فجلس الوليد يبكي، فقال: ما هذا، تحن حنين الأمة إذا مت فشمر وائتزر والبس جلد النمر، وضع سيفك على عاتقك، فمن أبدى ذات نفسه فاضرب عنقه، ومن سكت مات بدائه. وقال علي بن محمد المدائني: لما أيقن عبد الملك بالموت دعا مولاه أبا علاقة فقال: والله لوددت أني كنت منذ ولدت إلى يومي هذا حمالاً. ولم يكن له من البنات إلا واحدة، وهي فاطمة، وكان قد أعطاها قرطي مارية، والدرة اليتيمة، وقال: اللهم إني لم أخلف شيئاً أهم منها إلي فاحفظها، فتزوجها عمر بن عبد العزيز، وأوصى بنيه بتقوى الله، ونهاهم عن الفرقة والاختلاف، وقال: انظروا مسلمة واصدروا عن رأيه يعني أخاهم فإنه مجنكم الذي به تجتنون ونابكم الذي عنه تفترون، وكونوا بني أم بررة، وكونوا في الحرب أحراراً، وللمعروف مناراً، فإن الحرب لم تدن منيةً قبل وقتها، وإن المعروف يبقى أجره وذكره، واحلولوا في مرارة، ولينوا في شدة، وكونوا كما قال ابن عبد الأعلى الشيباني: (إن القداح إذا اجتمعن فرامها .......... بالكسر ذو حنقٍ وبطشٍ أيد)

(عزت فلم تكسر، وإن هي بددت .......... فالكسر والتوهين للمتبدد) (6/143)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 144 يا وليد اتق الله فيما أخلفك فيه، واحفظ وصيتي، وخذ بأمري، وانظر إلى أخي معاوية، فإنه ابن أمي، وقد ابتلي في عقله بما علمت، ولولا ذلك لآثرته بالخلافة، فصل رحمه، واحفظني فيه، وانظر أخي محمد بن مروان، فأقره على الجزيرة، ولا تعزله، وانظر أخاك عبد الله، فلا توآخذه، وأقرره على عمله بمصر، وانظر ابن عمنا هذا علي بن عبد الله بن عباس، فإنه قد انقطع إلينا بمودته وهواه ونصيحته، وله نسبٌ وحق، فصل رحمه واعرف حقه، وانظر الحجاج فأكرمه، فإنه هو الذي وطأ لكم المنابر، وهو سيفك يا وليد، ويدك على من ناوأك، فلا تسمعن فيه قول أحدٍ، وأنت إليه أحوج منه إليك. وادع الناس إذا مت إلى البيعة، فمن قال) برأسه هكذا، فقل بسيفك هكذا، ثم تمثل بقول عدي بن زيد: (فهل من خالدٍ إما هلكنا .......... وهل بالموت يا للناس عار) وعاش إحدى وستين سنة، وكان له سبعة عشر ولداً. قال ابن جرير الطبري: فمن أولاده: الوليد، وسليمان، ومروان الأكبر، وعائشة، وأمهم ولادة بنت العباس بن ربيعة بن مازن. ويزيد، ومروان الأصغر، ومعاوية، وأم كلثوم، وأمهم عاتكة بنت يزيد بن معاوية بن أبي سفيان. وهشام، وأمه أم هشام بنت هشام بن إسماعيل المخزومي. وأبو بكر، وأمه عائشة بنت موسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي. والحكم، ومات قديماً، أمه أم أيوب بنت عمرو بن عثمان بن عفان. وفاطمة، وأمها أم المغيرة بنت المغيرة بن خالد بن العاص المخزومية. (6/144)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 145 ومسلمة، وعبد الله، والمنذر، وعنبسة، والحجاج، لأمهات أولاد. وتزوج أيضاً بأم أبيها بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وبنت علي بن أبي طالب. عبد الملك بن أبي ذر الغفاري. روى عن: أبيه، وسلمان الفارسي. وقدم الشام غازياً صحبة سلمان الفارسي، ثم سكن مصر مدةً. روى عنه: أبو تميم الجيشاني، وحنش الصنعاني، وقيس بن شريح، وعلي بن أبي طلحة، وجعفر بن ربيعة، وآخرون. عبيد الله بن الأسود ويقال ابن الأسد الخولاني، ربيب ميمونة أم المؤمنين. روى عنها، وعن: عثمان، وابن عباس، وزيد بن خالد. (6/145)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 146 روى عنه: بسر بن سعيد، وعاصم بن عمر بن قتادة. عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي. ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو شقيق عبد الله.) قيل له رؤية، وروايته في النسائي. روى عنه: ابنه عبد الله، وعطاء، وابن سيرين، وسليمان بن يسار. وكان أحد الأجواد. قال ابن سعد في الطبقات في الطبقة الخامسة من الصحابة: كان أصغر من عبد الله بسنةٍ واحدة. سمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وكان رجلاً تاجراً، مات بالمدينة، فذكر الواقدي أنه بقي إلى زمن يزيد. (6/146)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 147 قلت: وولي اليمن لعلي، وحج بالناس. وقيل إنه أعطى رجلاً مرةً مائة ألف. قال البخاري، والفسوي: مات زمن معاوية. وقال خليفة وغيره: سنة ثمانٍ وخمسين. وقال أبو عبيد، وأبو حسان الزيادي: مات سنة سبعٍ وثمانين. عبيد الله بن عدي بن الخيار يؤخر إلى الطبقة الآتية. عبيد بن حصين أبو جندل النميري المعروف بالراعي، وذلك لكثرة وصفه للإبل في شعره وكان من فحول الشعراء في صدر (6/147)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 148 الإسلام، له ذكر. وقد هجاه جرير بقصيدته التي يقول فيها: (فغض الطرف إنك من نميرٍ .......... فلا كعباً بلغت ولا كلابا) عبيد بن السباق المدني الثقفي. روى عن: زيد بن ثابت، وجويرية أم المؤمنين، وأسامة بن زيد، وسهل بن حنيف، وابن عباس. روى عنه: ابنه سعيد، والزهري، وأبو أمامة بن سهل بن حنيف. وهو من علماء أهل المدينة. عبد خير بن يزيد ويقال عبد خير بن يجمد بن خولي (6/148)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 149 الهمداني، أبو عمارة الكوفي.) أدرك الجاهلية، وسمع: علياً، وابن مسعود، وزيد بن أرقم، وغيرهم. وقال: جاءنا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. روى عنه: الشعبي، وأبو إسحاق السبيعي، وخالد بن علقمة، وإسماعيل السدي، وحصين بن عبد الرحمن، وعطاء بن السائب، وآخرون. وثقه العجلي، وغيره. عتبة بن عبد السلمي أبو الوليد، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. له عدة أحاديث. (6/149)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 150 روى عنه: ابنه يحيى، وخالد بن معدان، وراشد بن سعد، ولقمان بن عامر، وعبد الله بن ناسح الحضرمي، وعامر بن زيد البكالي وطائفة. قال إسماعيل بن عياش، عم ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد قال: قال: قال عتبة بن عبد: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى الاسم لا يحبه حوله، ولقد أتيناه وإنا لسبعةً من بني سليم، أكبرنا العرباض بن سارية، فبايعناه جميعاً. وعن عتبة بن عبد قال: كان اسمي عتلة، فسماني النبي صلى الله عليه وسلم عتبة. وقال الواقدي: عاش أربعاً وتسعين سنة. وورخه أبو عبيد، وطائفة في سنة سبع وثمانين. توفي بحمص. عتبة بن الندر السلمي له صحبة، وحديثان، نزل الشام. (6/150)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 151 روى عنه: خالد بن معدان، وعلي بن رباح. وذكره في الصحابة: البغوي، والطبراني، وابن المنذر، وابن البرقي. وتفرد بحديثه سويد بن عبد العزيز. وقال ابن سعد: كان ينزل دمشق. وقال خليفة: توفي سنة أربعٍ وثمانين. عروة بن أبي قيس) مولى عمرو بن العاص، المصري الفقيه. روى عن: عبد الله بن عمرو، وعقبة بن عامر. روى عنه: بكير بن الأشج، وعبيد الله بن أبي جعفر، وسعيد بن عبد الله بن راشد، وسلام بن غيلان، وعبد العزيز بن صالح. وكان من الفقهاء. يؤخر، فإن ابن يونس قال: توفي قريباً من سنة عشرٍ ومائة، على أن بعضهم ورخه أنه توفي سنة تسعين. عروة بن المغيرة بن شعبة الثقفي الكوفي، أخو حمزة، وعقار. (6/151)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 152 ولي إمرة الكوفة من قبل الحجاج. روى عنه: الشعبي، وعباد بن زياد ابن أبيه، ونافع بن جبير بن مطعم. وكان شريفاً مطاعاً لبيباً، وكان أفضل الإخوة، وكان أحول. توفي سنة بضعٍ وثمانين. روى اليسير عن والده وعقار أخوه روى عنه: فإنه روى عن: أبيه، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمرو. وعنه: مجاهد، ويعلى بن عطاء العامري، وحسان بن أبي وجزة، وعبد الملك بن عمير، وجماعة. له حديث في الكتب الثلاثة وهو: لم يتوكل من اكتوى أو استرقى، وفي لفظ الكتب الثلاثة فقد بريء من التوكل. (6/152)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 153 عريب بن حميد أبو عمار الدهني الهمداني الكوفي. روى عن: علي، وعمار، وقيس بن سعد بن عبادة. روى عنه: طلحة بن مصرف، وأبو إسحاق السبيعي، والأعمش، وغيرهم. وهو بكنيته أشهر. عقبة بن عبد الغافر) الأزدي العوذي البصري. روى عن: أبي سعيد الخدري، وعبد الله بن مغفل. روى عنه: سليمان التيمي، ويحيى بن أبي كثير، وابن عون، وقتادة، وغيرهم. قيل هلك في وقعة الجماجم. (6/153)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 154 وثقه أحمد العجلي وغيره. وقال مرة بن دباب: مررت بعقبة بن عبد الغافر وهو جريح في الخندق، فقال لي: يا فلان، ذهبت الدنيا والآخرة. وقال حماد بن زيد: قال أيوب ذكر القراء الذي خرجوا مع ابن الأشعث، فقال: لا أعلم أحداً منهم قتل إلا رغب له عن مصرعه، ولا نجا فلم يقتل إلا ندم على ما كان منه. عمران بن حطان ابن ظبيان السدوسي البصري، أحد رؤوس الخوارج. (6/154)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 155 روى عن: عائشة، وأبي موسى الأشعري، وابن عباس. روى عنه: محمد بن سيرين، ويحيى بن أبي كثير، وقتادة. قال أبو داود: ليس في أهل الأهواء أصح حديثاً من الخوارج، ثم ذكر عمران بن حطان، وأبا حسان الأعرج. وقال الفرزدق: كان عمران بن حطان من أشعر الناس، لأنه لو أراد أن يقول مثلنا لقال، ولسنا نقدر أن نقول مثل قوله. وروى سلمة بن علقمة، عن ابن سيرين قال: تزوج عمران بن حطان امرأة من الخوارج، فكلموه فيها، أو فكلموها فيه، فقال: سأردها إلى الجماعة، يعني قال: فصرفته إلى مذهبها. وذكر المدائني أنها كانت ذات جمال، وكان دميماً قبيحاً، فأعجبته مرة، فقالت: أنا وأنت في الجنة. قال: من أين علمت قالت: لأنك أعطيت مثلي، فشكرت، وابتليت بمثلك، فصبرت، والشاكر والصابر في الجنة. وقال الأصمعي: بلغنا أن عمران بن حطان كان ضيفاً لروح بن زنباع، فذكره لعبد الملك وقال: اعرض عليه أن يأتينا، فأعلمه روح ذلك، فهرب، ثم كتب إلى روح: (يا روح كم من كريم قد نزلت به .......... قد ظن ظنك من لخمٍ وغسان) ) (حتى إذا خفته زايلت منزله .......... من بعدما قيل عمران بن حطان)

(قد كنت ضيفك حولاً ما تروعني .......... فيه طوارق من إنس ومن جان) (6/155)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 156 (حتى أردت بي العظمى فأوحشني .......... ما يوحش الناس من خوف ابن مروان)

(فاعذر أخاك ابن زنباع فإن له .......... في الحادثات هناتٍ ذات ألوان)

(لو كنت مستغفراً يوماً لطاغيةٍ .......... كنت المقدم في سري وإعلاني)

(لكن أبت لي آيات مفصلة .......... عقد الولاية في طه وعمران) وعن قتادة قال: لقيني عمران بن حطتن فقال: يا أخي احفظ عني هذه الأبيات: (حتى متى تسقى النفوس بكأسها .......... ريب المنون وأنت لاهٍ ترتع)

(أفقد رضيت بأن تعلل بالمنى .......... وإلى المنية كل يومٍ تدفع)

(أحلام نومٍ أو كظلٍ زائلٍ .......... إن اللبيب بمثلها لا يخدع)

(فتزودن ليوم فقرك دائباً .......... واجمع لنفسك لا لغيرك تجمع) ومن شعره في قاتل علي رضي الله عنه: (يا ضربةً من تقي ما أراد بها .......... إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا)

(إني لأذكره حيناً فأحسبه .......... أوفى البرية عند الله ميزانا)

(أكرم بقومٍ بطون الطير أقبرهم .......... لم يخلطوا دينهم بغياً وعدوانا) (6/156)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 157 فبلغ شعره عبد الملك، فأدركته الحمية، فنذر دمه، ووضع عليه العيون، فلم تحمله أرضٌ حتى أتى روح بن زنباع، فأقام في ضيافته، فقال: ممن أنت؟ قال: من الأزد، فبقي عنده سنة، فأعجبه إعجاباً شديداً، فسمر روح ليلةً عند عبد الملك، فتذاكرا شعر عمران بن حطان هذا، فلما انصرف روح تحدث مع عمران، وأخبره بالشعر الذي ذكره عبد الملك، فأنشده عمران بقيته، فلما أتى عبد الملك قال: إن في ضيافتي رجلاً ما سمعت منك حديثاً قط إلا حدثني به وبأحسن منه، ولقد أنشدته البارحة البيتين اللذين قالهما عمران في ابن ملجم، فأنشدني القصيدة كلها، فقال: صفه لي، فوصفه له، فقال: إنك لتصف صفة عمران بن حطان، اعرض عليه أن يلقاني، قال: نعم. فانصرف روح إلى منزله وقص على عمران الأمر، فهرب وأتى الجزيرة، ثم لحق بعمان، فأكرموه، فأقام بها حياته. وورد أن سفيان الثوري كان يتمثل بأبيات عمران بن حطان هذه:) (أرى أشقياء الناس لا يسأمونها .......... على أنهم فيها عراةٌ وجوع)

(أراها وإن كانت تحب فإنها .......... سحابة صيفٍ عن قليلٍ تقشع)

(كركبٍ قضوا حاجاتهم وترحلوا .......... طريقهم بادي العلامة مهيع) توفي سنة أربعٍ وثمانين. قاله ابن قانع. (6/157)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 158 عمران بن طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن كعب التيمي المدني. روى عن: أبيه، وأمه حمنة بنت جحش، وعلي بن أبي طالب. روى عنه: ابنا أخيه إبراهيم بن محمد، ومعاوية بن إسحاق، وسعد بن طريف. وله وفادة إلى معاوية. قال أحمد بن عبد الله العجلي: هو تابعي ثقة. قال ابن سعد: قد انقرض ولده. وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي سماه. عمران بن عصام أبو عمارة الضبعي، والد أبي جمرة. من علماء أهل البصرة، وممن خرج على الحجاج مع ابن الأشعث، (6/158)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 159 وكان صالحاً، عابداً، مقرئاً، يقص بالبصرة. روى عن: عمران بن حصين، وقيل عن رجلٍ، عن عمران، وهو الصحيح. قال المثنى بن سعيد: أدركت عمران بن عصام، وهو إمام مسجد بني ضبيعة، يؤمهم في رمضان، ويختم بهم في كل ثلاثٍ، ثم أمهم قتادة، فكان يختم في كل سبع. روى عنه: قتادة، وأبو التياح، وابنه أبو جمرة. وظفر به الحجاج فامتحنه، وقال: أتشهد على نفسك بالكفر قال: ما كفرت بالله منذ آمنت به، فقتله في سنة ثلاثٍ وثمانين. عمر بن أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، أبو (6/159)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 160 حفص المخزومي المدني، ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم. له صحبة ورواية. وروى عن أمه أيضاً.) وعنه: أبو أمامة بن سهل، وعروة، وعطاء بن أبي رباح، وثابت البناني، ووهب بن كيسان، وأبو وجزة السعدي يزيد بن عبيد، وجماعة. قال عروة: مولده بالحبشة. وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن ابن الزبير قال: كنت أنا وعمر بن أبي سلمة يوم الخندق مع النسوة في أطم حسان، فكان يطأطيء لي مرة، فأنظر، وأطأطيء له مرة فينظر. وقال ابن عبد البر: كان مع علي يوم الجمل، فاستعمله على فارس وعلى البحرين. توفي سنة ثلاثٍ وثمانين بالمدينة. قلت: وكان شاباً في أيام النبي صلى الله عليه وسلم، وتزوج إذ ذاك، واستفتى النبي صلى الله عليه وسلم عن تقبيل زوجته وهو صائم. وهو أكبر من أختيه: درة، وزينب، وقد مات أبوهم سنة ثلاثٍ، فلعل مولد عمر قبل عام الهجرة بعامٍ أو عامين. (6/160)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 161 وقد روى الزبير بن بكار، عن علي بن صالح، عن عبد الله بن مصعب، عن أبيه قال: كان ابن الزبير يذكر أنه كان في فارع حسان يوم الخندق، ومعهم عمر بن أبي سلمة، فإني لأظلمه يومئذٍ، وهو أكبر مني بسنتين فأقول له: تحملني حتى أنظر، فإني أحملك إذا نزلت، فإذا حملني ثم سألني أن يركب، قلت: هذه المرة. قلت: هو آخر من مات من الصحابة من بني مخزوم. عمر بن عبيد الله بن معمر ابن عثمان، أبو حفص القرشي التيمي الأمير، أحد وجوه قريش (6/161)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 162 وأشرافها وشجعانها المذكورين، وكان جواداً ممدحاً. ولي فتوحات عديدة، وولي البصرة لابن الزبير. وحدث عن: ابن عمر، وجابر، وأبان بن عثمان. روى عنه: عطاء بن أبي رباح، وابن عون. ووفد على عبد الملك، فتوفي بدمشق، وقد ولي إمرة فارس. قال المدائني: ولد هو، وعمر بن سعد أبي وقاص، وعمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عام قتل عمر. وقال الوليد بن هشام القحذمي: قام رجل إلى المهلب فقال: أيها الأمير أخبرنا عن شجعان) العرب. قال: أحمر قريش، وابن الكلبية، وصاحب النعل الديزج، فقال: والله ما نعرف من هؤلاء أحداً، قال: بلى، أما أحمر قريش فعمر بن عبيد الله بن معمر، والله ما جاءتنا سرعان خيلٍ قط إلا ردها، وأما ابن الكلبية فمصعب بن الزبير، أفرد في سبعة، وجعل له الأمان، فأبى حتى مات على بصيرته. وأما صاحب النعل الديزج فعباد بن الحصين الحبطي، والله ما نزل بنا شدةٌ إلا فرجها، فقال له الفرزدق، وكان حاضراً: إنا لله، فأين أنت عن عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن خازم قال: إنما ذكرنا الإنس ولم نذكر الجن. وقال حميد الطويل، عن سليمان بن قتة قال: بعث معي عمر بن عبيد الله بألف دينار إلى عبد الله بن عمر، والقاسم بن محمد، فأتيت ابن عمر وهو يغتسل في مستحمه، فأخرج يده، فصببتها فيها، فقال: وصلته رحمٌ لقد (6/162)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 163 جاءتنا على حاجة، فأتيت القاسم، فأبى أن يقبل، فقالت امرأته: إن كان القاسم ابن عمه فأنا ابنة عمته فأعطنيها، فأعطيتها. وذكر الحرمازي أن إنساناً من الأنصار وفد على عمر بن عبيد الله بن معمر بفارس، فوصله بأربعين ألفاً. ويروى أن عمر بن عبيد الله اشترى مرةً جارية بمائة ألف، فتوجعت لفراق سيدها وقالت أبياتاً، وهي: (هنيئاً لك المال الذي قد أصبته .......... ولم يبق في كفي إلا تفكري)

(أقول لنفسي وهي في كرب غشيةٍ .......... أقلي فقد بان الخليط أو أكثري)

(إذا لم يكن في الأمر عندك حيلةٌ .......... ولم تجدي بداً من الصبر فاصبري) فقال مولاها: (ولولا قعود الدهر بي عنك لم يكن .......... يفرقنا شيءٌ سوى الموت فاعذري)

(أأوب بحزنٍ من فراقك موجعٌ .......... أناجي به قلباً طويل التذكر)

(عليك سلامٌ لا زيارة بيننا .......... ولا وصلٌ إلا أن يشاء ابن معمر) فقال: خذها وثمنها. وقال مسلمة بن محارب: خرج عمر بن عبيد الله بن معمر زائراً لابن أبي بكرة بسجستان، فأقام أشهراً لا يصله، فقال له عمر: إني اشتقت إلى الأهل، فقال عبيد الله: سوءة من أبي حفص أغفلناه، كم في بيت المال، قالوا: ألف ألف وسبعمائة ألف قال: احملوها إليه، فحملت إليه.) رواها المدائني، وغيره، عن مسلمة. قال المدائني: توفي سنة اثنتين وثمانين. عمر بن علي بن أبي طالب ابن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي. (6/163)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 164 روى عن أبيه. روى عنه ابنه محمد، ووفد على الوليد ليوليه صدقة أبيه. قال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن سلام، حدثني عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي قال: سألت أبي، فحدثني عن أبيه، قال: عمر بن علي: ولدت لأبي بعدما استخلف عمر، فقال له: يا أمير المؤمنين ولد لي الليلة غلامٌ، فقال: هبه لي. قال: هو لك. قال: قد سميته عمر ونحلته غلامي مورقاً. قال ابن الزبير: فلقيت عيسى فحدثني بذلك. قال مصعب بن عبد الله عمر، ورقية ابنا علي توءم أمهما الصهباء التغلبية من سبي خالد بن الوليد أيام الردة. وقال أحمد العجلي: هو تابعي ثقة. وذكر مصعب: أن الوليد لم يعطه صدقة علي، وكان عليها الحسن بن الحسن بن علي، وقال: لا أدخل على بني فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم غيرهم، فانصرف غضبان ولك يقبل منه صلة. وقيل: إن عمر بن علي قتل مع مصعب بن الزبير أيام المختار. قلت: فلعله أخوه وسميه، وإنما المعروف أن الذي قتل مع مصعب (6/164)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 165 عبيد الله بن علي، وذلك في سنة اثنتين وسبعين. عمرو بن حريث المخزومي بن عمرو بن عثمان المخزومي، أخو سعيد. ولد قبل الهجرة، وله صحبة ورواية. وروى أيضاً عن: أبي بكر، وابن مسعود، وسكن الكوفة. روى عنه: ابنه جعفر، والحسن العرني، ومغيرة بن سبيع، والوليد بن سريع، وعبد الملك بن عمير، وإسماعيل بن أبي خالد. (6/165)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 166 وآخر من رآه خلف بن خليفة، شيخ الحسن بن عرفة، فابن عرفة من أتباع التابعين.) توفي عمرو سنة خمسٍ وثمانين. عمرو بن سلمة أبو بريد الجرمي البصري. وقيل: أبو يزيد، الذي كان يصلي بقومه وهو صبي في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وفد على النبي صلى الله عليه وسلم ويقال: هو له وفادة مع أبيه وصحبةٌ ما. روى عن أبيه. روى عنه: أبو قلابة الجرمي، وأبو الزبير المكي، وعاصم الأحول، وأيوب السختياني. قيل: توفي سنة خمسٍ وثمانين، وهو أقدم شيخ لأيوب. ورخ موته أحمد بن حنبل. عمرو بن سلمة الهمداني الكوفي (6/166)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 167 سمع: علياً، وابن مسعود، وحضر النهروان مع علي. روى عنه: الشعبي، وزياد بن أبي زياد. قال البخاري: ودفن هو وعمرو بن حريث في يومٍ واحد. قلت: وأبوه بكسر اللام كالجرمي المذكور قبله. وأما عمرو بن سلمة بالفتح فشيخ مجهول للواقدي. وله شيخ آخر قزويني. يروي عنه أبو الحسن القطان. عمرو بن عثمان بن عفان الأموي، أخو أبان، وسعيد. (6/167)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 168 روى عن: أبيه، وأسامة بن يزيد. وعنه: علي بن الحسين، وسعيد بن المسيب، وأبو الزناد، وابنه عبد الله بن عمرو. له حديث: لا يرث المسلم الكافر في الكتب الستة. عنترة بن عبد الرحمن أبو وكيع الشيباني. روى عن: علي، وأبي الدرداء، وابن عباس. روى عنه: ابنه هارون بن عنترة، أبو عبد الملك، وعبد الله بن عمرو بن مرة الشيباني، وأبو) سنان الشيباني. (6/168)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 169 4 (الفاء) فروخ بن النعمان أبو عياش المعافري. عن: علي، ومعاذ، وابن مسعود، وعبادة بن الصامت، وغيرهم. حدث بمصر. روى عنه: يزيد بن أبي حبيب، وبكر بن سواد، وخالد بن أبي عمران. ذكره ابن يونس. (6/169)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 170 4 (القاف) قبيصة بن ذؤيب أبو سعيد الخزاعي المدني، الفقيه. (6/170)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 171 يقال: إنه ولد عام الفتح، وأتي به النبي صلى الله عليه وسلم بعد موت أبيه ليدعو له. روى عن: أبي بكر، وعمر، وأبي الدرداء، وعبد الرحمن بن عوف، وبلال، وعبادة بن الصامت، وتميم الداري، وغيرهم. روى عنه: ابنه إسحاق، ومكحول، ورجاء بن حيوة، وأبو الشعثاء جابر بن زيد، وأبو قلابة الجرمي، وإسماعيل بن أبي المهاجر، والزهري، وهارون بن رياب. وآخرون. وكان على الخاتم والبريد لعبد الملك بن مروان، وسكن دمشق، وأصيبت عينه يوم الحرة، وله دارٌ بباب البريد. وكناه ابن سعد: أبا إسحاق، وقال: شهد أبوه ذؤيب بن حلحلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتح، وكان يسكن قديداً، وكان قبيصة آثر الناس عند عبد الملك، وكان على الخاتم والبريد، فكان يقرأ الكتب إذا وردت، ثم يدخل بها على الخليفة، وكان ثقةً مأموناً كثير الحديث. مات سنة ست أو سبع وثمانين. وقال البخاري: سمع أبا الدرداء، وزيد بن ثابت. وقال أبو الزناد: كان عبد الملك بن مروان رابع أربعةٍ في الفقه والنسك، (6/171)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 172 هو وابن المسيب، وعروة، وقبيصة بن ذؤيب. وقال محمد بن راشد المكحولي: ثنا حفص بن نبيه الخزاعي، عن أبيه، أن قبيصة بن ذؤيب) كان معلم كتاب. وعن مجالد بن سعيد قال: كان قبيصة كاتب عبد الملك. وعن مكحول قال: ما رأيت أحداً أعلم من قبيصة. وعن الشعبي أنه قال: كان قبيصة أعلم الناس بقضاء زيد بن ثابت. وروى ابن لهيعة، عن ابن شهاب قال: كان قبيصة بن ذؤيب من علماء هذه الأمة. قال علي بن المدائني وجماعة: توفي سنة ست وثمانين، وقيل سنة سبعٍ أو سنة ثمانٍ. قدامة بن عبد الله بن عمار الكلابي. له صحبة، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم يرمي الجمار، رواه عنه أيمن بن نابل المكي أحد صغار التابعين. (6/172)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 173 قيس بن عائذ أبو كاهل الأحمسي، نزيل الكوفة. رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على ناقةٍ، وحبشي ممسكٌ بخطامها. رواه أحمد في مسنده، ثنا محمد بن عبيد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عنه. قيس بن عباد سوى ق أبو عبد الله القيسي الضبعي البصري، روى عن: عمر، وعلي، وأبي بن كعب، وأبي ذر، وعمار بن ياسر، وجماعة. روى عنه: الحسن، وابن سيرين، وأبو مجلز لاحق بن حميد، وأبو (6/173)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 174 نضرة المنذر بن مالك، وغيرهم. وكان كثير العبادة والغزو، ولكنه شيعي، وقد رحل إلى المدينة، وصلى مع عمر. وروى الحكم بن عطية، عن النضر بن عبد الله: أن قيس بن عباد وفد إلى معاوية، فكساه ريطةً من رياط مصر، فرأيتها عليه قد شق علمها. وقال ابن سعد: كان ثقةً قليل الحديث. وقال يونس المؤدب: ثنا عبيد الله بن النضر، عن أبيه، عن قيس بن عباد: أنه كانت له فرسٌ عربية، كلما نتجت مهراً حمل عليه إذا أدرك في سبيل الله، وكان إذا صلى بهم الغداة لم) يزل يذكر الله حتى يرى السقائين قد مروا بالماء، مخافة أن يصير أجاجاً أو يصير غوراً، أو حتى تطلع الشمس من مطلعها، مخافة أن تطلع من مغربها. وعن أبي مخنف قال: عاش قيس بن عباد حتى قاتل مع ابن الأشعث، وبلغ الحجاج فعائله، وأنه يلعن عثمان، فأرسل إليه فضرب عنقه. قلت: ابن مخنف واهٍ. قيصر الدمشقي. عن ابن عمر. وعنه: مكحول، ويزيد بن أبي حبيب، وجعفر بن ربيعة. قال أبو حاتم: ليس به بأس. (6/174)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 175 4 (الكاف) كثير بن العباس م د ن بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي. روى عن: أبيه، وعمر، وعثمان، وأخيه عبد الله بن عباس. وقيل إنه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، روى عنه: الأعرج، والزهري، وأبو الأصبغ مولى بني سليم. قال مصعب بن عبد الله: كان فقيهاً فاضلاً لا عقب له، وأمه أم ولد. وقال ابن أبي الزناد: كان يسكن بقريةٍ على فراسخ من المدينة. وورد أنه كان من أعبد الناس، رحمه الله. كليب بن شهاب بن المجنون الجرمي الكوفي. (6/175)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 176 روى عن: أبيه، وعلي، وأبي موسى الأشعري، وأبي هريرة، وجماعة. روى عنه: ابنه عاصم، وإبراهيم بن مهاجر. ووثقه أبو زرعة، وغيره. كميل بن زياد ابن نهيك بن هيثم النخعي الصهباني الكوفي.) حدث عن: عمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وأبي هريرة. (6/176)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 177 روى عنه: عبد الرحمن بن عابس، والعباس بن ذريح، وعبد الله بن يزيد الصهباني، وأبو إسحاق السبيعي، والأعمش. وقدم دمشق زمن عثمان، وشهد صفين مع علي، وكان شريفاً مطاعاً ثقةً عابداً على تشيعه، قليل الحديث، قتله الحجاج. قاله ابن سعد. وقال المدائني: وفي الكوفة من العباد: أويس، وعمرو بن عنبسة، ويزيد بن معاوية النخعي، والربيع بن خثيم، وهمام بن الحارث، ومعضد الشيباني، وجندب بن عبد الله، وكميل بن زياد. ووثقه ابن معين، وغيره. وقال محمد بن عبد الله بن عمار: كميل رافضي ثقة. وقال هشام بن عمار: ثنا أيوب بن حسان، ثنا محمد بن عبد الرحمن قال: منع الحجاج النخع أعطياتهم حتى يأتوه بكميل بن زياد، فلما رأى ذلك كميل أقبل على قومه فقال: أبلغوني الحجاج فأبلغوه، فقال الحجاج: يا أهل الشام، هذا كميل الذي قال لعثمان أقدني من نفسك، فقال كميل: فعرف حقي، فقلت: أما إذ أقدتني فهو لك هبة، فمن كان أحسن قولاً أنا أو هو، فذكر الحجاج علياً، فصلى عليه كميل، فقال الحجاج: والله لأبعثن إليك إنساناً أشد بغضاً لعلي من حبك له، فبعث إليه ابن أدهم الحمصي فضرب عنقه. وقال المدائني: مات كميل سنة اثنتين وثمانين، وهو ابن تسعين سنة. أنبأ ربا، عن محمد بن أبي زيد، أنبأ محمود بن إسماعيل، أنبأ ابن فادشاه، ثنا الطبراني، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا عبد الله بن رجاء، أنبأ إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن كميل بن زياد، عن أبي هريرة قال: قال (6/177)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 178 رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أدلك على كنزٍ من كنوز الجنة قلت: بلى. قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ولا منجى من الله إلا إليه. (6/178)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 179 4 (الميم) محمد بن أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي، ابن حب رسول الله صلى الله عليه وسلم. مدني قليل الرواية.) روى عن أبيه. روى عنه: سعيد بن عبيد بن السباق، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وعبد الله بن دينار، ويزيد بن قسيط. وثقه ابن سعد، يقال: توفي سنة ستٍ وتسعين. محمد بن إياس بن البكير بن عبد ياليل الليثي المدني، من أولاد البدريين. (6/179)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 180 روى عن: عائشة، وأبي هريرة، وابن عباس. روى عنه، أبو سلمة بن عبد الرحمن، ونافع، ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان. محمد بن حاطب ورخه أبو نعيم في سنة ستٍ وثمانين. وقد مر في الطبقة الماضية. محمد بن سعد سوى د. بن أبي وقاص، أبو القاسم الزهري. روى عن: أبيه، وعثمان، وأبي الدرداء. (6/180)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 181 روى عنه: ابناه إبراهيم، وإسماعيل، وأبو إسحاق السبيعي، ويونس بن جبير، وإسماعيل بن أبي خلد، وجماعة. له أحاديث عديدة، وأسر يوم دير الجماجم، فقتله الحجاج. محمد بن علي بن أبي طالب أبو القاسم الهاشمي، ابن الحنفية، واسمها خولة بنت جعفر من سبي اليمامة، وهي من بني حنيفة. ولد في صدر خلافة عمر، ورأى عمر. وروى عن: أبيه، وعثمان، وعمار بن ياسر، وأبي هريرة، وغيرهم. (6/181)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 182 روى عنه: بنوه الحسن، وعبد الله، وعمر، وإبراهيم، وعون، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وسالم بن أبي الجعد، ومنذر الثوري، وعمرو بن دينار، وأبو جعفر محمد بن علي، وجماعة. ووفد على معاوية، وعلى عبد الملك. قال أبو عاصم النبيل: صرع محمد بن الحنفية مروان يوم الجمل وجلس على صدره، فلما وفد) على ابنه ذكره بذلك، فقال: عفواُ يا أمير المؤمنين، فقال: والله ما ذكرت ذلك وأنا أريد أن أكافئك به. قال الزبير بن بكار: سمته الشيعة المهدي، فأخبرني عمي قال: قال كثير عزة: (هو المهدي أخبرناه كعبٌ .......... أخو الأحبار في الحقب الخوالي) فقيل لكثير: ولقيت كعباً قال: قلته بالوهم. وقال أيضاً: (ألا إن الأئمة من قريشٍ .......... ولاة الحق أربعة سواء)

(علي والثلاثة من بنيه .......... هم الأسباط ليس بهم خفاء)

(فسبطٌ سبط إيمان وبر .......... وسبطٌ غيبته كربلاء)

(وسبطٌ لا تراه العين حتى .......... يقود الخيل يقدمها لواء)

(تغيب لا يرى عنهم زماناً .......... برضوى عنده عسلٌ وماء) قال الزبير: وكانت شيعة محمد بن علي يزعمون أنه لم يمت. وفيه يقول السيد الحميري: (6/182)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 183 (ألا قل للوصي فدتك نفسي .......... أطلت بذلك الجبل المقاما)

(أضر بمعشرٍ والوك منا .......... وسموك الخليفة والإماما)

(وعادوا فيك أهل الأرض طر ا .......... مقامك عنهم ستين عاماً)

(وما ذاق ابن خولة طعم موتٍ .......... ولا وارت له أرضٌ عظاما)

(لقد أمسى بمورق شعب رضوى .......... تراجعه الملائكة الكلاما)

(وإن له به لمقيل صدقٍ .......... وأنديةً تحدثه كراما)

(هدانا الله إذ حزتم لأمرٍ .......... به وعليه نلتمس التمام)

(تمام مودة المهدي حتى .......... تروا راياتنا تترى نظاما) وقال السيد أيضاً: (يا شعب رضوى ما لمن بك لا يرى .......... وبنا إليه من الصبابة أولق)

(حتى متى وإلى متى وكم المدى .......... يا بن الوصي وأنت حي ترزق) وقال ابن سعد: مولده في خلافة أبي بكر.) وقال الواقدي: ثنا ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: رأيت أم محمد بن الحنفية سنديةً سوداء، وكانت أمةً لبني حنيفة، ولم تكن منهم، وإنما صالحهم خالد بن الوليد على الرقيق، ولم يصالحهم على أنفسهم. وقال فطر بن خليفة، عن منذر: سمعت ابن الحنفية قال: كانت رخصةً لعلي رضي الله عنه قال: يا رسول الله إن ولد لي بعدك ولدٌ أسميه باسمك، وأكنيه بكنيتك؟ قال: نعم. (6/183)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 184 قلت: وكان يكنى أيضاً بأبي عبد الله، فقال أبو مالك الأشجعي: ثنا سالم بن أبي الجعد أنه كان مع ابن الحنفية في الشعب، فقلت له ذات يوم: يا أبا عبد الله. وذكر النسائي الكنيتين. وعن ابن الحنفية قال: ولدت لسنتين بقيتا من خلافة عمر. رواه محمد بن حميد، بإسنادٍ صحيحٍ إلى ابن الحنفية، لكن ابن حميد ضعيف. وقد قال زيد بن الحباب: ثنا الربيع بن منذر الثوري، حدثني أبي، سمع ابن الحنفية يقول: دخل عمر وأنا عند أختي أم كلثوم، فضمني وقال: ألطفيه بالحلواء. وقال عبد الواحد بن أيمن: جئت محمد بن الحنفية وهو مكحول مخضوب بحمرة، وعليه عمامة سوداء. وقال سالم بن أبي حفصة، عن منذر، عن ابن الحنفية قال: حسن وحسين خير مني، ولقد علما أنه كان يستخليني دونهما، وأني صاحب البغلة الشهباء وقال الزهري: قال رجل لمحمد بن الحنفية: ما بال أبيك كان يرمي بك في مرامٍ لا يرمي فيها الحسن والحسين قال: لأنهما كانا خديه، وكنت يده، فكان يتوقى بيده عن خديه. وقال غيره: لما جاء نعي معاوية خرج الحسين وابن الزبير إلى مكة، وأقام ابن الحنفية حتى سمع بدنو جيش مسرفٍ أيام الحرة، فرحل إلى مكة، (6/184)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 185 فقعد مع ابن عباس، فلما مات يزيد دعاهما ابن الزبير إلى بيعته، فأبيا حتى تجتمع له البلاد، فكاشرهما، ثم وقع بينهم شر، وغلظ الأمر حتى خافاه، ومعهما النساء والذرية، فأساء جوارهم وحصرهم، وأظهر شتم ابن الحنفية، وأمرهم وبني هاشم أن يلزموا شعبهم بمكة، وجعل عليهم الرقباء، وقال فيما قال: والله لتبايعن أو لأحرقنكم بالنار، فخافوا. قال سليم بن عامر: فرأيت ابن الحنفية محبوساً بزمزم، فقلت: لأدخلن عليه، فدخلت فقلت: ما لك وهذا الرجل قال: دعاني إلى البيعة. فقلت: إنما أنا من المسلمين، فإذا اجتمعوا عليك، فأنا) كأحدهم. فلم يرض بهذا، فاذهب، فأقريء ابن عباسٍ السلام وقل: ما ترى فدخلت على ابن عباس وهو ذاهب البصر، فقال: من أنت قلت: من الأنصار. قال: رب أنصاريٍ هو أشد علينا من عدونا، فقلت: لا تخف، أنا ممن لك كله، وأخبرته، فقال: قل له لا تطعه ولا نعمة عينٍ، إلا ما قلت، ولا تزده عليه، فأبلغته، فهم أن يقدم الكوفة وبلغ ذلك المختار بن أبي عبيد، فثقل عليه قدومه. قلت: وقد كان يدعو إليه قال: إن في المهدي علامة يقدم بلدكم هذا، فيضربه رجلٌ في السوق ضربةً بالسيف لا تضره ولا تحيك فيه. فبلغ ذلك ابن الحنفية، فأقام، فقيل له: لو بعثت إلى شيعتك بالكوفة فأعلمتهم ما أنتم فيه، فبعث أبا الطفيل عامر بن واثلة إلى شيعتهم بالكوفة، فقدم عليهم وقال: إنا لا نأمن ابن الزبير على هؤلاء، وأخبرهم بما هم فيه من الخوف، فجهز المختار بعثاً إلى مكة، فانتدب منه أربعة آلاف، فعقد لأبي عبد الله الجدلي عليهم، وقال له: سر، فإن وجدت بني هاشم في الحياة فكن لهم أنت ومن معك عضداً، وانفذ لما أمروك به، وإن وجدت ابن (6/185)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 186 الزبير قد قتلهم، فاعترض أهل مكة حتى تصل إلى ابن الزبير، ثم لا تدع من آل الزبير شعراً ولا ظفراً. وقال: يا شرطة الله، لقد أكرمكم الله بهذا المسير، ولكم بهذا الوجه عشر حججٍ وعشر عمر. فساروا حتى أشرفوا على مكة، فجاء المستغيث: أعجلوا، فما أراكم تدركونهم، فانتدب منهم ثمانمائة، عليهم عطية بن سعد العوفي، فأسرعوا حتى دخلوا مكة، فكبروا تكبيرةً سمعها ابن الزبير، فانطلق هاباً، وتعلق بأستار الكعبة، وقال: أنا عائذ الله. قال عطية: ثم ملنا إلى ابن عباس، وابن الحنفية، وأصحابهما في دورٍ وقد جمع لهم الحطب، فأحيط بهم الحطب حتى بلغ رؤوس الجدر، لو أن ناراً تقع فيه ما رؤي منهم أحدٌ، فأخرناه عن الأبواب، فأقبل أصحاب ابن الزبير، فكنا صفين نحن وهم في المسجد نهارنا، ولا ننصرف إلا إلى الصلاة حتى أصبحنا، وقدم أبو عبد الله الجدلي في الجيش، فقلنا لابن عباس وابن الحنفية: ذرونا نرح الناس من ابن الزبير، فقالا: هذا بلد حرمه الله ما أحله لأحدٍ إلا للنبي صلى الله عليه وسلم ساعةً، فامنعونا وأجيرونا، قال: فتحملوا، وإن منادياً لينادي في الجبل، ما غنمت سريةٌ بعد نبيها ما غنمت هذه السرية، إن السرية إنما تغنم الذهب والفضة، وإنما غنمتم دماءنا، فخرجوا بهم حتى أنزلوهم منى، ثم انتقلوا إلى الطائف وأقاموا.) وتوفي ابن عباس، فصلى عليه ابن الحنفية، وبقينا مع ابن الحنفية، فلما كان الحج وحج ابن الزبير وافى ابن الحنفية في أصحابه إلى عرفة، فوقف ووافى نجدة بن عامر الحنفي الحروري في أصحابه، فوقف ناحيةً، وحجت بنو أمية على لواءٍ، فوقفوا بعرفة. وعن محمد بن جبير أن ابن الزبير أقام الحج تلك السنة، وحج ابن (6/186)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 187 الحنفية في الخشبية، وهو أربعة آلاف، نزلوا في الشعب الأيسر من منى، ثم ذكر أنه سعى في الهدنة والكف حتى حجت كل طائفة من الطوائف الأربع، قال: ووقفت تلك العشية إلى جنب غبن الحنفية، فلما غابت الشمس التفت إلي فقال: يا أبا سعيد ادفع، ودفعت معه، فكان أول من دفع. وقال الواقدي: حدثني جعفر بن محمد بن خالد بن الزبير، عن عثمان بن عروة، عن أبيه: ح، ونا إسحاق بن يحيى بن طلحة، وغيره، قالوا: كان المختار لما قدم الكوفة أشد شيءٍ على ابن الزبير، وجعل يلقي إلى الناس أن ابن الزبير كان يطلب هذا الأمر لأبي القاسم يعني ابن الحنفية ثم ظلمه إياه، وجعل يذكر ابن الحنفية وحاله وورعه، وأنه يدعو له، وأنه بعثه، وأنه كتب له كتاباً، وكان يقرأه على من يثق به ويبايعونه سراً، فشك قومٌ وقالوا: أعطينا هذا الرجل عهودنا أن زعم أنه رسول محمد بن الحنفية، وابن الحنفية بمكة، ليس هو منا ببعيد، فشخص منهم قومٌ فأعلموه أمر المختار، فقال: نحن قومٌ حيث ترون محبوسون، وما أحب أن لي الدنيا بقتل مؤمن، ولوددت أن الله انتصر لنا بمن شاء، فاحذروا الكذابين، وانظروا لأنفسكم ودينكم، فذهبوا على هذا. وجعل أمر المختار يكبر كل يومٍ ويغلظ، وتتبع قتلة الحسين فقتلهم، وبعث ابن الأشتر في عشرين ألفاً إلى عبيد الله بن زياد فقتله، وبعث المختار برأسه إلى محمد بن الحنفية وعلي بن الحسين، فدعت بنو هاشم للمختار، وعظم عندهم. (6/187)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 188 وكان ابن الحنفية يكره أمره، ولا يحب كثيراً مما يأتي به. ثم كتب إليه المختار: لمحمد بن علي، من المختار الطالب بثأر آل محمد. وقال ليث بن أبي سليم، عن منذر الثوري، عن ابن الحنفية قال: سمعت أبا هريرة يقول: لا حرج إلا في دم امرئٍ مسلمٍ. فقلت لابن الحنفية: تطعن على أبيك قال: لست أطعن على أبي، بايع أبي أولو الأمر، فنكث ناكثٌ فقاتله، ومرق مارقٌ فقاتله، وإن ابن الزبير يحسدني على مكاني هذا، ود أني ألحد في الحرم كما ألحد.) وقال قبيصة: ثنا سفيان، عن الحارث الأزدي قال: قال ابن الحنفية: رحم الله امرأً أغنى نفسه، وكف يده، وأمسك لسانه، وجلس في بيته له ما احتسب وهو مع من أحب ألا إن أعمال بني أمية أسرع فيهم من سيوف المسلمين، ألا إن لأهل الحق دولةً يأتي بها الله إذا شاء، فمن أدرك ذلك منكم ومنا كان عندنا في السنام الأعلى، ومن يمت فما عند الله خيرٌ وأبقى. وقال أبو عوانة: ثنا أبو جمرة قال: كانوا يسلمون على محمد بن علي: سلام عليك يا مهدي، فقال: أجل، أنا رجلٌ مهدي، أهدي إلى الرشد والخير، اسمي محمد، فليقل أحدكم إذا سلم: سلامٌ عليك يا محمد، أو يا أبا القاسم. وقال ابن سعد: قالوا: وقتل المختار سنة ثمانٍ وستين، فلما دلت سنة تسعٍ أرسل ابن الزبير أخاه عروة إلى محمد بن الحنفية أن أمير المؤمنين (6/188)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 189 يقول لك: إني غير تاركك أبداً حتى تبايعني، أو أعيدك في الحبس، وقد قتل الله الكذاب الذي كنت تدعي نصرته، وأجمع أهل العراق علي، فبايع، وإلا فهي الحرب بيني وبينك. فقال: ما أسرع أخاك على قطع الرحم والاستخفاف بالحق، وأغفله من تعجيل عقوبة الله، ما يشك أخوك في الخلود، والله ما بعثت المختار داعياً ولا ناصراً، وللمختار كان أشد انقطاعاً إليه منه إلينا، فإن كان كذاباً فطالما قر به على كذبه، وإن كان غير ذلك فهو أعلم به، وما عندي خلاف، ولو كان عندي خلاف ما أقمت في جواره، ولخرجت إلى من يدعوني، ولكن ها هنا، والله لأخيك قرن يطلب مثل ما يطلب أخوك، كلاهما يقاتلان على الدنيا، عبد الملك بن مروان، والله لكأنك بجيوشه قد أحاطت برقبة أخيك، وإني لأحسب أن جوار عبد الملك خير لي من جوار أخيك، ولقد كتب إلي يعرض علي ما قبله ويدعوني إليه. قال عروة: فما يمنعك من ذلك قال: أستخير الله، وذلك أحب إلى صاحبك. فقال بعض أصحاب ابن الحنفية: والله لو أطعتنا لضربنا عنقه، فقال: وعلى ماذا جاء برسالةٍ من أخيه، وليس في الغدر خير، وأنتم تعلمون أن رأيي لو اجتمع الناس علي كلهم إلا إنسان واحد لما قاتلته. فانصرف عروة فأخبر أخاه وقال: والله ما أرى أن تعرض له، دعه فليخرج عنك، ويغيب وجهه، فعبد الملك أمامه لا يتركه يحل بالشام حتى يبايعه، وهو لا يفعل أبداً، حتى يجتمع عليه الناس، فإما حبسه أو قتله. وقال أبو سلمة التبوذكي: ثنا أبو عوانة، عن أبي جمرة قال: كنت مع محمد بن علي، فسرنا من الطائف إلى أيلة، بعد موت ابن عباس بزيادةٍ على أربعين ليلة، وكان عبد الملك قد كتب لمحمد) عهداً، على أن يدخل في أرضه هو وأصحابه، حتى يصطلح الناس على رجلٍ، فلما قدم محمدٌ الشام كتب إليه عبد الملك: إما أن تبايعني، وإما أن تخرج من أرضي، (6/189)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 190 ونحن يومئذٍ سبعة آلاف، فبعث إليه: على أن تؤمن أصحابي. ففعل، فقام فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: فقام فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: إن الله ولي الأمور كلها، وحاكمها، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، كل ما هو آتٍ قريب، عجلتم بالأمر قبل نزوله، والذي نفسي بيده إن في أصلابكم لمن يقاتل مع آل محمدٍ ما يخفى على أهل الشرك أمر آل محمد، وأمر آل محمد مستأخر، والذي نفس محمد بيده ليعودن فيهم كما بدأ، الحمد لله الذي حقن دماءكم، وأحرز دينكم، من أحب منكم أن يأتي مأمنه إلى بلده آمناً محفوظاً فليفعل. فبقي معه تسعمائة رجلٍ، فأحرم بعمرة وقلد هدياً، فلما أردنا أن ندخل الرحم تلقتنا خيل ابن الزبير، فمنعتنا أن ندخل، فأرسل إليه محمد: لقد خرجت وما أريد أن أقاتلك، ورجعت وما أريد أن أقاتلك، دعنا ندخل، فلنقض نسكنا، ثم نخرج عنك. فأبى، ومعنا البدن قد قلدناها، فرجعنا إلى المدينة، فكنا بها حتى قدم الحجاج، وقتل ابن الزبير، ثم سار إلى العراق، فلما سار مضينا فقضينا نسكنا، وقد رأيت القمل يتناثر من محمد بن الحنفية، ثم رجعنا إلى المدينة، فمكث ثلاثة أشهر، ثم توفي. قلت: هذا خبر صحيح، وفيه أنهم قضوا نسكهم بعد عدة سنين. وقال ابن شعبان: أنبأ محمد بن عمر، ثنا عبد الله بن جعفر، عن صالح بن كيسان، عن الحسن بن محمد بن الحنفية قال: لم يبايع أبي الحجاج لما قتل ابن الزبير، فبعث إليه: قد قتل عدو الله. فقال أبي: إذا بايع الناس بايعت. قال: والله لأقتلنك، قال: إن لله في كل يومٍ ثلاثمائة وستين لحظةً، في كل لحظةٍ منها ثلاثمائة وستون قضية، فلعله أن يكفيناك في قضية. قال: فكتب بذلك الحجاج إلى عبد الملك، فأتاه كتابه فأعجبه، وكتب به إلى صاحب الروم، وذلك أن ملك الروم كتب إليه يتهدده، أنه قد جمع له جموعاً كثيرةً. (6/190)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 191 ثم كتب عبد الملك: قد عرفنا أن محمداً ليس عنده خلاف، وهو يأتيك ويبايعك فارفق به. فلما اجتمع الناس قال ابن عمر له: ما بقي شيءٌ، فبايع، فكتب بالبيعة إلى عبد الملك، وبايع الحجاج. وقال إسحاق بن منصور السلولي: ثنا الربيع بن المنذر، عن أبيه، أنه رأى على محمد بن الحنفية حبرة تجلل الغزار، وكان له برنس خز. وقال ابن عيينة: ثنا أبو إسحاق الشيباني: أنه رأى محمد بن الحنفية بعرفة واقفاً، عليه مطرف) خز. وقال يعلى بن عبيد: ثنا سفيان بن دينار قال: رأيت محمد بن الحنفية ورأسه ولحيته مخضوبين بالحناء والكتم. وروى إسرائيل، عن عبد الأعلى: أن ابن الحنفية سئل عن الخضاب بالوسمة، فقال: هو خضابنا أهل البيت. وقال يعقوب بن شيبة: ثنا صالح بن عبد الله الترمذي، ثنا محمد بن (6/191)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 192 الفضيل، عن سالم بن أبي حفصة، عن منذر الثوري قال: رأيت محمد بن الحنفية يتلوى على فراشه وينفخ، فقالت امرأته: يا مهدي ما يلويك من أمر عدوك هذا ابن الزبير. قال: والله ما بي هذا، ولكن بي ما يؤتى في حرمه غداً، ثم رفع يديه إلى السماء: فقال: اللهم إنك تعلم أني كنت أعلم مما علمتني أنهلا يخرج منها إلا قتيلاً يطاف به في الأسواق. عثمان بن أبي شيبة: ثنا محمد بن الحسن الأسدي، ثنا عبد ربه أبو شهاب، عن ليث، عن محمد بن بشر، عن محمد بن الحنفية قال: أهل بيتين من العرب يتخذهم الناس أنداداً من دون الله، نحن، وبنو عمنا هؤلاء، يعني بني أمية. وقال أبو زبيد عنتر، عن سالم بن أبي حفصة، عن منذر، عن ابن الحنفية قال: نحن أهل بيتين من قريش، نتخذ من دون الله أنداداً، نحن، وبنو عمنا. وروى ابن المبارك، عن يحيى بن سعيد المدني وليس بالأنصاري قال: رأى محمد بن الحنفية أنه لا يموت حتى يملك أمر الناس، فأرسل إلى سعيد بن المسيب فسأله فقال: لا يملك ولا أحدٌ من ولده، وإن هذا الملك من بني أبيك لفي غيرك. وقال محمد بن فضيل، عن رضا بن أبي عقيل، عن أبيه قال: كنا جلوساً على باب ابن الحنفية في الشعب، فخرج إلينا غلام فقال: يا معشر الشيعة، إن أبي يقرئكم السلام، ويقول لكم: إنا لا نحب اللعانين ولا الطعانين، ولا نحب مستعجلي القدر. وقال سفيان الثوري، عن أبيه: إن الحجاج أراد أن يضع رجله على المقام، فزجره ابن الحنفية. (6/192)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 193 وقال الواقدي: إن زيد بن السائب قال: سألت عبد الله بن محمد بن الحنفية: أين دفن أبوك فقال: بالبقيع، قلت: أي سنة قال: سنة إحدى وثمانين، وهو ابن خمس وستين سنة، مات في المحرم.) وقال أبو عبيد، والفلاس: توفي سنة إحدى وثمانين. وقال أبو نعيم: توفي سنة ثمانين. وقال المدائني: توفي سنة ثلاثٍ وثمانين. وهذا غلط. وقال علي بن المدائني: توفي سنة اثنتين أو ثلاثٍ وتسعين، وهذا أفحش مما قبله. ماهان الحنفي أبو سالم الأعور الكوفي، ويقال له المسبح. روى عن: ابن عباس، وغيره. وعنه: عمار الدهني، وجعفر بن أبي المغيرة، وطلحة بن الأعلم، وجماعة. قال فضيل بن غزوان: كان لا يفتر من التسبيح، فأخذه الحجاج وصلبه، وكان يسبح ويعقد، قال: فطعن، وقد عقد تسعاً وستين. (6/193)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 194 وقال إبراهيم بن أبي حنيفة: رأيت ماهان الحنفي حيث صلب، فجعل يسبح حتى عقد على تسعٍ وعشرين، فطعن، فرأيته بعد شهرٍ عاقداً عليها، وكنا نؤمر بالحرس على خشبته، فنرى عنده الضوء. قال أبو داود السجستاني: قطع الحجاج أربعته وصلبه. وقال البخاري: قتل الحجاج ماهان أبا سالم الحنفي، قال: وقال بعضهم: ماهان أبو صالح، وهو وهم. قال ابن أبي عاصم: قتل سنة ثلاثٍ وثمانين. محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب، أبو عمير التميمي، الدارمي، الكوفي. أرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم. رواه أبو عمران الجوني. وكان سيد أهل الكوفة، وأجود مضر، وصاحب ربع تميم. وفد على عبد الملك بن مروان، ثم سار إلى أخيه عبد العزيز بن (6/194)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 195 مروان، وقد شهد صفين مع علي. وقيل فيه: (علمت معد والقبائل كلها .......... أن الجواد محمد بن عطارد) ) مرثد بن عبد الله أبو الخير اليزني المصري. ويزن بطنٌ من حمير. روى عن: أبي أيوب الأنصاري، وأبي بصرة الغفاري، وزيد بن ثابت، وعمرو بن العاص، وعقبة بن عامر، وعبد الله بن عمرو، وجماعة. وكان يلزم عقبة. روى عنه: عبد الرحمن بن شماسة، وجعفر بن ربيعة، ويزيد بن أبي حبيب، وعبيد الله بن أبي جعفر، وعياش بن عباس القتباني، وغيرهم. وكان أحد الأئمة الأعلام. وقال أبو سعيد بن يونس: كان مفتي أهل مصر في أيامه، وكان عبد العزيز بن مروان، يعني أمير مصر، يحضره مجلسه للفتيا، قال: وقال ابن عون: توفي سنة تسعين. مرة الطيب ويلقب أيضاً مرة الخير، لعبادته وخيره، وهو (6/195)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 196 ابن شراحيل الهمداني الكوفي. مخضرم كبير القدر. روى عن: أبي بكر، وعمر، وأبي ذر، وابن مسعود، وأبي موسى الأشعري. روى عنه: أسلم الكوفي، وزبيد اليامي، وإسماعيل السدي، وحصين بن عبد الرحمن، وعطاء بن السائب، وإسماعيل بن أبي خالد، وجماعة. وثقه يحيى بن معين. ابن عيينة: سمعت عطاء بن السائب يقول: رأيت مصلى مرة الهمداني مثل مبرك البعير. وقال عطاء أو غيره: كان مرة يصلي كل يومٍ ستمائة ركعة. ونقل عنه أنه سجد حتى أكل التراب جبهته. (6/196)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 197 المستورد بن الأحنف الكوفي عن: ابن مسعود، وحذيفة، وصلة بن زفر. روى عنه: سعد بن عبيدة، وعلقمة بن مرثد، وأبو حصين عثمان بن عاصم. وثقه علي بن المديني. مسعود بن الحكم بن الربيع، أبو هارون الأنصاري، الزرقي، المدني.) ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. وروى عن: عمر، وعلي، وعبد الله بن حذافة السهمي. روى عنه: بنوه عيسى، وإسماعيل، وقيس، ويوسف، ومحمد بن المنكدر، والزهري، وأبو الزناد. قال الواقدي: كان سرياً مثرياً ثقة. وقال خليفة: مات سنة تسعين. (6/197)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 198 معاذة بنت عبد الله أم الصهباء العدوية، العابدة البصرية. روت عن: علي، وعائشة، وهشام بن عامر الأنصاري. روى عنها: أبو قلابة الجرمي، ويزيد الرشك، وعاصم الأحول، وأيوب، وعمر بن ذر، وإسحاق بن سويد، وآخرون. ووثقها ابن معين. وبلغنا أنها كانت تحيي الليل وتقول: عجبت لعينٍ تنام وقد علمت طول الرقاد في ظلم القبور. ولما قتل زوجها صلة بن أشيم وابنها في بعض الحروب، اجتمع النساء عندها، فقالت: مرحباً بكن إن كنتن جئتن لتهنئنني، وإن كنتن جئتن لغير ذلك فارجعن. وكانت تقول: والله ما أحب البقاء إلا لأتقرب إلى ربي بالوسائل، لعله يجمع بيني وبين أبي الصهباء وولده في الجنة. ورخها ابن الجوزي في سنة ثلاثٍ وثمانين. (6/198)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 199 معبد بن سيرين أخو محمد، ومولى أنس بن مالك، وهو أقدم إخوته مولداً ووفاةً. روى عن: عمر، وأبي سعيد الخدري. روى عنه: أخوان محمد، وأنس. معبد الجهني البصري أول من تكلم بالقدر. روى عن: ابن عباس، ومعاوية، وابن عمر، وعمران بن حصين، وحمران بن أبان، وغيرهم.) روى عنه: معاوية بن قرة، وزيد بن رفيع، وقتادة، ومالك بن دينار، وعوف الأعرابي، وسعد بن إبراهيم، وآخرون. وثقه ابن معين. (6/199)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 200 وقال أبو حاتم: صدوق في الحديث. قلت: هو معبد بن عبيد الله بن عويمر، ويقال: معبد بن عبد الله بن عكيم، ولد الذي روى: لا تنتفعوا من الميتة بإهابٍ ولا عصب. وقيل: هو معبد بن خالد. وكان من أعيان الفقهاء بالبصرة. قال يعقوب بن شيبة: حدثني محمد بن إسحاق بن أحمد، عمن حدثه، عن عبد الملك بن عمير قال: اجتمعت القراء إلى معبد الجهني، وكان ممن شهد دومة الجندل موضع الحكمين، فقالوا له: قد طال أمر هذين الرجلين، فلو لقيتهما فسألتهما عن بعض أمرهما، فقال: لا تعرضوني لأمرٍ أنا له كارهٌ، والله ما رأيت كهذا الحي من قريش، كأن قلوبهم أقفلت بأقفال الحديد، وأنا صاير إلى ما سألتم، قال معبد: فخرجت فلقيت أبا موسى الأشعري، فقلت له: صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنت من صالحي أصحابه، واستعملك، وقبض وهو عنك راضٍ، وقد وليت أمر هذه الأمة، فانظر ما أنت صانعٌ، فقال: يا معبد غداً ندعو الناس إلى رجلٍ لا يختلف فيه اثنان، فقلت في نفسي: أما هذا فقد عزل صاحبه، فطمعت في عمرو بن العاص، فخرجت فلقيته وهو راكب بغلته يريد المسجد، فأخذت بعنانه، فسلمت عليه فقلت: يا أبا عبد الله، إنك قد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنت من صالحي أصحابه، قال: بحمد الله. قلت: واستعملك، وقبض راضياً عنك. قال: بمن الله. ثم نظر إلي شزراً، فقلت: قد وليت أمر هذه الأمة، فانظر ما أنت صانعٌ، فنزع عنانه من يدي، ثم قال: إيهاً تيس جهينة، ما أنت وهذا؟ لست (6/200)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 201 من أهل السر ولا العلانية، والله ما ينفعك الحق ولا يضرك الباطل، فأنشأ معبد يقول: (إني لقيت أبا موسى فأخبرني .......... بما أردت وعمرو ضن بالخبر)

(شتان بين أبي موسى وصاحبه .......... عمرو لعمرك عند الفضل والخطر)

(هذا له غفلةٌ أبدت سريرته .......... وذاك ذو حذرٍ كالحية الذكر) قال أبو موسى إسحاق الجوزجاني: كان قوم يتكلمون في القدر احتمل الناس حديثهم لما عرفوا) من اجتهادهم في الدين والصدق والأمانة، لم يتوهم عليهم الكذب، وإن بلوا بسوء رأيهم، فمنهم: قتادة، ومعبد الجهني، وهو رأسهم. وقال محمد بن شعيب: سمعت الأوزاعي يقول: أول من نطق في القدر رجلٌ من أهل العراق، يقال له سوسن، كان نصرانياً فأسلم، ثم تنصر، فأخذ عنه معبد الجهني، وأخذ غيلان عن معبد. وقال محمد بن حمير: ثنا محمد بن زياد الإلهاني قال: كنا في المسجد، إذ مر بمعبد الجهني إلى عبد الملك، فقال الناس: إن هذا لهو البلاء، فسمعت خالد بن معدان يقول: إن البلاء كل البلاء إذا كانت الأئمة منهم. وقال مرحوم العطار: حدثني أبي وعمي قالا: سمعنا الحسن يقول: إياكم ومعبداً الجهني، فإنه ضال مضل. وقال جرير بن حازم، عن يونس بن عبيد، قال: أدركت الحسن وهو يعيب قول معبد، يقول: هو ضال مضل، قال: ثم تلطف له معبد، فألقى في نفسه ما ألقى. (6/201)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 202 وعن مسلم بن يسار قال: إن معبداً يقول بقول النصارى. وقال عمرو بن دينار: قل لنا طاووس: احذروا معبداً الجهني فإنه كان قدرياً. وقال جعفر بن سليمان: ثنا مالك بن دينار قال: لقيت معبداً الجهني بمكة بعد فتنة ابن الأشعث وهو جريح، وقد قاتل الحجاج في المواطن، فقال: لقيت الفقهاء والناس، لم أر مثل الحسن، يا ليتنا أطعناه، كأنه نادمٌ على قتال الحجاج. وقال حمزة بن ربيعة، عن صدقة بن يزيد قال: كان الحجاج يعذب معبداً الجهني بأصناف العذاب، ولا يجزع ولا يستغيث، قال: فكان إذا ترك من العذاب يرى الذبابة مقبلةً تقع عليه، فيصيح ويضج، فيقال له فيقول: إن هذا من عذاب بني آدم، فأنا أصبر عليه، وأما الذباب فمن عذاب الله، فلست أصبر عليه، فقتله. قلت: وعذاب بني آدم من عذاب الله، لأنه تعالى هو الذي سلط عليه الحجاج، وأما القدرية فلا يعتقدون أن الله أراد ذلك ولا قدره. وقال سعيد بن عفير: في سنة ثمانين صلب عبد الملك معبداً الجهني بدمشق. وقال خليفة: مات قبل التسعين. المعرور بن سويد) أبو أمية الأسدي الكوفي. (6/202)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 203 عن: ابن مسعود، وأبي ذر، وغيرهما. وعنه: واصل الأحدب، وسالم بن أبي الجعد، وعاصم بن بهدلة، والأعمش، ومغيرة اليشكري. وثقه ابن معين. وقال أبو حاتم: قال الأعمش: رأيته وهو ابن عشرين ومائة سنة، أسود الرأس واللحية. المقدام بن معد يكرب ابن عمرو بن يزيد الكندي، أبو كريمة على الصحيح، وقيل: أبو (6/203)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 204 زيد، وقيل: أبو صالح، ويقال: أبو بشر، ويقال أبو يحيى، نزيل حمص، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. له عدة أحاديث. روى عنه: جبير بن نفير، والشعبي، وخالد بن معدان، وشريح بن عبيد، وأبو عامر الهوزني، والحسن، ويحيى ابنا جابر، وعبد الرحمن بن أبي عوف، وسليم بن عامر، ومحمد بن زياد الألهاني، وجماعة، وابنه يحيى، وحفيده صالح بن يحيى. روى أبو مسهر، وغيره، عن يزيد بن سنان، عن أبي يحيى الكلاعي قال: أتيت المقدام في المسجد، فقلت: يا أبا يزيد، إن الناس يزعمون أنك لم تر النبي صلى الله عليه وسلم، قال: سبحان الله، والله لقد رأيته وأنا أمشي مع عمي، فأخذ بأذني هذه، وقال لعمي: أترى هذا، يذكره أباه وأمه. وقال محمد بن حرب الأبرش: ثنا سليمان بن سليم، عن صالح بن يحيى بن المقدام، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلحت يا قديم إن مت ولم تكن أميراً ولا جابياً ولا عريفاً. قال خليفة: والفلاس، أبو عبيد: مات سنة سبعٍ وثمانين، زاد الفلاس: وهو ابن إحدى وتسعين سنة. وقال غيره: قبره بحمص. وقال علي بن عبد الله التميمي: مات سنة ثمانٍ وثمانين. قلت: وحديثه في صحيح البخاري في البيوع. (6/204)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 205 المهلب بن أبي صفرة د ت ن ظالم بن سراق بن صبح بن كندي بن عمرو، الأمير أبو سعيد (6/205)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 206 الأزدي العتكي، أحد) أشراف أهل البصرة، ووجوههم، وفرسانهم، وأبطالهم، ودهاتهم، وأجوادهم. قيل: ولد عام الفتح في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وغزا في خلافة عمر. قلت: أحسب هذا الكلام في حق أبيه. وروى عن: سمرة بن جندب، والبراء، وعبد الله بن عمرو، وابن عمر، وغيرهم. روى عنه: سماك بن حرب، وأبو إسحاق السبيعي، وعمر بن سيف، وآخرون. الثوري، عن أبي إسحاق، عن المهلب بن أبي صفرة: حدثني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن بيتم الليلة فليكن شعاركم: حم لا ينصرون. وقال ابن سعد: كان أبو صفرة من أزد دباء فيما بين عمان والبحرين، ارتد قومه، فقاتلهم عكرمة بن أبي جهل، وظفر بهم، فبعث بذراريهم إلى الصديق، فيهم أبو صفرة غلام لم يبلغ، ثم نزل البصرة في إمرة عمر. وقال ابن عون: كان المهلب يمر بنا ونحن في الكتاب رجلٌ جميل. وقال خليفة: في سنة أربعٍ وأربعين غزا المهلب أرض الهند، وولي الجزيرة لابن الزبير سنة ثمانٍ وستين، وولي حرب الخوارج كما ذكرنا، ثم ولي خراسان. وقد ورد من غير وجهٍ أن الحجاج بالغ في إكرام المهلب لما رجع من حرب الأزارقة، فإنه بدع فيهم وأبادهم، وقتل منهم في وقعةٍ واحدة أربعة (6/206)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 207 آلاف وثمانين. قال حماد بن زيد، عن جرير بن حازم، عن الحسن بن عمارة، عن أبي إسحاق قال: ما رأيت أميراً قط أفضل من المهلب بن أبي صفرة، ولا أسخى، ولا أشجع لقاءً، ولا أبعد مما تكره، ولا أقرب مما تحب. وقال محمد بن سلام الجمحي: كان بالبصرة أربعةٌ، كل رجل منهم في زمانه لا نعلم في الأنصار مثله: الأحنف في حلمه وعفافه ومنزلته من علي عليه السلام، والحسن في زهده وفصاحته وسخائه ومحله من القلوب، والمهلب بن أبي صفرة، فذكر أمره، وسوار بن عبد الله القاضي في عفافه وتحريه للحق. وعن المهلب قال: يعجبني في الرجل خصلتان: أن أرى عقله زائداً على لسانه، ولا أرى لسانه زائداً على عقله. وقال قتادة: سمعت المهلب بن أبي صفرة وكان عاقلاً يقول: نعم الخصلة السخاء تسد) عورة الشريف، وتمحق خسيسه الوضيع، وتحبب المزهو. وقال روح بن قبيصة، عن أبيه، قال المهلب: ما شيءٌ أبقى للملك من العفو، وخير مناقب الملك العفو. قال خليفة، وأبو عبيد: مات المهلب سنة اثنتين وثمانين. وقال آخر: توفي غازياً بمرو الروذ في ذي الحجة. وقال خالد بن خداش: حدثني ابن أبي عيينة قال: توفي المهلب في (6/207)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 208 ذي الحجة سنة ثلاثٍ، وله ست وسبعون سنة، وولي بعده ابنه يزيد خراسان. ميسرة أبو صالح الكوفي شهد قتال الحرورية مع علي، وسمع منه ومن غيره. روى عنه: سلمة بن كهيل، وهلال بن خباب، وعطاء بن السائب. ميسرة الطهوي أبو جميلة الكوفي، صاحب راية علي. روى عن: علي، وعثمان. وعنه: ابنه عبد الله، وعبد الأعلى بن عامر الثعلبي، وعطاء بن السائب، وحصين بن عبد الرحمن. ميمون بن أبي شبيب أبو نصر الربعي الكوفي. روى عن: علي، ومعاذ بن جبل، وأبي ذر، وعمار بن ياسر، وعبد الله بن مسعود، وعائشة، وغيرهم. (6/208)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 209 روى عنه: الحكم بن عتيبة، وحبيب بن أبي ثابت، ومنصور بن منصور بن زاذان. كان تاجراً خيراً فاضلاً. وله ذكر في مقدمة صحيح مسلم. توفي سنة ثلاثٍ وثمانين. (6/209)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 210 4 (النون) ناجية بن كعب الأسدي الكوفي. عن: علي، وعمار، وابن مسعود.) وعنه: أبو إسحاق، ويونس بن أبي إسحاق، وأبو حسان الأعرج، ووائل بن داود. قال أبو حاتم: شيخ. وقال ابن المديني: إنما هو ناجية بن خفاف. نصر بن عاصم الليثي البصري صاحب العربية. (6/210)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 211 يقال إنه أول من وضع العربية. حكاه أبو داود السجستاني، وغيره. وحدث عن: مالك بن الحويرث، وأبي بكرة الثقفي، وغيرهما. روى عنه: حميد بن هلال، وقتادة، والزهر ي، وعمرو بن دينار، وملك بن دينار الزاهد. ووثقه النسائي. وقال أبو داود: كان من الخوارج. وقال الداني: قرأ القرآن على أبي الأسود. قرأ عليه: عبد الله بن أبي إسحاق، وأبو عمرو بن العلاء. نوفل بن فضالة البكالي الشامي، ابن امرأة كعب الأحبار. روى عن: علي، وأبي أيوب الأنصاري، وكعب. وعنه: يحيى بن أبي كثير، ونسير بن ذعلوق، وآخرون. كان يقص. نوفل بن مساحق بن عبد الله القرشي العامري الحجازي. (6/211)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 212 روى عن: عمر، وعثمان بن حنيف، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. روى عنه: ابنه عبد الملك، وعمر بن عبد العزيز، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، وصالح بن كيسان، وغيرهم. وكان على صدقات المدينة، وكان أحد الفقهاء، ولي القضاء سنة ست وثمانين. وتوفي بعد ذلك، وله بدمشق دار، وكان أحد الأشراف الأجواد. (6/212)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 213 4 (الهاء) ) الهرماس بن زياد أبو حدير الباهلي. رأى النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بمنى على ناقته. روى عنه: حنبل بن عبد الله، وعكرمة بن عمار. هزيل بن شرحبيل خ الأودي الكوفي. روى عن: علي، وابن مسعود، وسعد بن أبي وقاص، وأبي موسى. (6/213)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 214 روى عنه: الشعبي، وأبو قيس عبد الرحمن بن ثروان، وطلحة بن مصرف، وأبو إسحاق السبيعي. هشام بن إسماعيل ابن هشام بن الوليد بن المغيرة، أبو الوليد المخزومي المدني، حمو عبد الملك بن مروان وأميره على المدينة، وهو الذي ضرب سعيد بن المسيب لما امتنع من البيعة بولاية العهد للوليد وسليمان، ورأى أن ذلك لا يجوز، وقال: أنظر ما يصنع الناس، فضربه هشام ستين سوطاً، وطوف به وسجنه، فبعث عبد الملك إلى هشام يعنفه ويلومه. قال أبو المقدام: مروا علينا بسعيد بن المسيب، ونحن في الكتاب، وقد ضرب مائة سوط، وعليه تبان شعرٍ، وأوهموه أنهم يسلبونه. وقد أرسل هشام عن النبي صلى الله عليه وسلم. روى عنه: محمد بن إبراهيم التيمي، ومحمد بن يحيى بن حسان، وقدم دمشق. وقيل: هو أول من أحدث دراسة القرآن في جامع دمشق في السبع. (6/214)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 215 وهو جد هشام بن عبد الملك لأمه، ولما ولي الوليد عزله عن المدينة بعمر بن عبد العزيز. وقال الواقدي: حدثني ابن أبي سمرة، عن سالم مولى أبي جعفر قال: كان هشام بن إسماعيل يؤذي علي بن الحسين وأهل بيته، يخطب بذلك على المنبر، وينال من علي، فلما ولي المدينة عزله، وأمر بأن يوقف للناس، فقال سعيد بن المسيب لولده محمد: لا تؤذه فإني أدعه لله وللرحم، ومر عليه علي بن الحسين، فسلم عليه، فقال هشام: الله أعلم حيث يجعل رسالاته. وقد كان سليمان بن عبد الملك شفع فيه إلى الوليد حتى خلاه وعفا عنه. (6/215)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 216 4 (الواو) ) واثلة بن الأسقع ابن كعب بن عامر الليثي، وقيل ابن أبي الأسقع بن عبد العزى بن (6/216)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 217 عبد ياليل، أبو الخطاب، ويقال أبو الأسقع، ويقال أبو شداد. أسلم والنبي صلى الله عليه وسلم يتجهز إلى تبوك، فشهدها معه، وكان من فقراء أهل الصفة. له أحاديث، وروى أيضاً عن: أبي مرثد الغنوي، وأبي هريرة. روى عنه: مكحول، وربيعة بن يزيد، وشداد أبو عامر، وبسر بن عبيد الله، وعبد الواحد البصري، ويونس بن ميسرة، وإبراهيم بن أبي عبلة وآخرون، آخرهم وفاةً معروف الخياط شيخ دحيم، وغيره. وشهد فتح دمشق، وسكنها، ومسجده معروفٌ بدمشق إلى جانب حبس باب الصغير وداره إلى جانب دار ابن البقال. قال أبو حاتم الرازي، وجماعة: ثنا سليم بن منصور بن عمار، ثنا أبي، ثنا معروف أبو الخطاب الدمشقي: سمعت واثلة بن الأسقع يقول: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت، فقال: اغتسل بماءٍ وسدر. وقال هشام بن عمار، ثنا معروف الخياط قال: رأيت واثلة يملي على الناس الأحاديث وهم يكتبونها بين يديه، ورأيته يخضب بالصفرة، ويعتم بعمامةٍ سوداء يرخي لها من خلفه قدر شبرٍ، ويركب حماراً. وقال الأوزاعي: ثنا أبو عمار، رجلٌ منا، حدثني واثلة بن الأسقع قال: جئت أريد علياً فلم أجده، فقالت فاطمة: انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه، فاجلس، قال: فجاءه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلا، ودخلت معهما، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حسناً وحسيناً، وأجلس كل واحدٍ منهما على فخذه، وأدنى فاطمة من حجره وزوجها، ثم لف عليهم ثوبه فقال: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً اللهم هؤلاء أهلي، فقلت: (6/217)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 218 يا رسول الله، وأنا من أهلك قال: وأنت من أهلي، قال واثلة: إنها لمن أرجى ما أرجو. قال أبو حاتم الرازي: سكن واثلة البلاط خارجاً من دمشق على ثلاثة فراسخ، القرية التي كان يسكن فيها بسرة بن صفوان ثم تحول ونزل بيت المقدس وبها مات.) قلت: إنما هي على فرسخٍ واحد من دمشق. قال إسماعيل بن عياش، وابن معين، والبخاري: توفي سنة ثلاثٍ وثمانين. وقال أبو مسهر، وعلي بن عبد الله التميمي، ويحيى بن بكير، وأبو عمر الضرير، وغيرهم: توفي سنة خمسٍ وثمانين، وله ثمانٍ وتسعون سنة. وقال سعيد بن بشير: كان آخر الصحابة موتاً بدمشق واثلة بن الأسقع. وراد كاتب المغيرة بن شعبة ومولاه. روى عنه، وعن معاوية وهو قليل الحديث. روى عنه: الشعبي، ورجاء بن حيوة، والقاسم بن مخيمرة، وعبدة بن أبي لبابة، والمسيب بن رافع. (6/218)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 219 وفاء بن شريح الحضرمي مصري. عن: المستورد بن شداد، ورويفع بن ثابت، وسهل بن سعد. وعنه: زياد بن نعيم، وبكر بن سوادة، وغيرهما. الوليد بن عبادة بن الصامت سوى د أبو عبادة الأنصاري. ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وحدث عن أبيه فقط. روى عنه: سليمان بن حبيب المحاربي، ويزيد بن أبي حبيب، والأعمش، وابنه عبادة بن الوليد. (6/219)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 220 4 (الياء) يحيى بن جعدة بن هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ المخزومي. سمع: جدته أم هانيء بنت أبي طالب، وأبا هريرة، وزيد بن أرقم. روى عنه: مجاهد، وأبو الزبير، وعمرو بن دينار، وحبيب بن أبي ثابت. وثقه أبو حاتم الرازي. يحيى بن الجزار) م العرني الكوفي، من غلاة الشيعة. (6/220)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 221 روى عن: علي بن أبي طالب، وعائشة، وابن عباس، وجماعة. روى عنه: حبيب بن أبي ثابت، والحكم بن عتيبة، وعمرو بن مرة، والحسن العرني. وثقه أبو حاتم، وغيره. يزيد بن خمير اليزني لا الرحبي، وكلاهما حمصي، وهذا الكبير، وذاك من طبقة قتادة. روى عن: أبي الدرداء، وعوف بن مالك، وكعب الأحبار. روى عنه: بسر بن عبيد الله الحضرمي، وشريح بن عبيد، وشبيب بن نعيم، وفضيل بن فضالة الحمصيون. يزيد بن رباح أبو فراس الرومي كان رباح مولى لعبد الله بن عمرو بن العاص. (6/221)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 222 روى عن: عبد الله بن عمرو، وأم سلمة، وابن عمر. روى عنه أهل مصر: بكر بن سوادة، ويزيد بن أبي حبيب، وجعفر بن ربيعة. توفي سنة تسعين. يسير بن جابر خ م ن هو يسير بن عمرو بن جابر، أبو الخيار العبدي البصري. (6/222)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 223 توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وله عشر سنين، فيقال إنه رآه. وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم والظاهر أن ذلك مرسل. وروى عن: عمر وعلي، وابن مسعود، وسهل بن حنيف. روى عنه: زرارة بن أوفى، ومحمد بن سيرين، وأبو نضرة العبدي، وأبو عمران الجوني، وأبو إسحاق الشيباني وغيرهم. وأبو نضرة يسميه: أسير بن جابر. وهو راوي حديث أويس القرني الذي في صحيح مسلم. توفي سنة خمسٍ وثمانين، وسنه خمسٌ وثمانون سنة. وحديثه عن سهل متفقٌ عليه.) يونس بن عطية الحضرمي قاضي مصر وصاحب الشرطة. توفي سنة سبعٍ وثمانين، وولي بعده القضاء ابن أخيه أويس بن عبد الله بن عطية، ثم عزل. (6/223)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 224 4 (الكنى) أبو الأبيض العنسي الشامي حدث عن: حذيفة بن اليمان، وأنس بن مالك. روى عنه: ربعي بن حراش، ويمان بن المغيرة، وإبراهيم بن أبي عبلة، وغيرهم. ويقال اسمه عيسى. قال يمان بن المغيرة: ثنا أبو الأبيض قال: قال لي حذيفة: أقر أيامي لغير يومٍ أرجع إلى أهلي فيشكون الحاجة. وقال علي بن أبي حملة: لم يكن أحدٌ بالشام يستطيع أن يعيب الحجاج علانيةً إلا ابن محيريز، وأبو الأبيض العنسي، فقال الوليد لأبي الأبيض: لتنتهين أو لأبعثن بك إليه. وقال الوليد بن مسلم: قتل في غزوة طوانة سنة ثمانٍ وثمانين جماعةٌ منهم أبو الأبيض العنسي. (6/224)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 225 أبو الأحوص عوف بن مالك بن نضلة الجشمي الكوفي. روى عن: ابن مسعود، وأبي موسى الأشعري، وأبي مسعود البدري، وابنه مالك. روى عنه: مسروق مع تقدمه، والحكم بن عتيبة، وعلي بن الأقمر، وأبو إسحاق السبيعي، وعبد الملك بن عمير، وعبد الله بن مرة، وآخرون. وثقه ابن معين، وغيره. قتله الخوارج. أبو الأحوص. عن: أبي ذر. وعنه: الزهري. مجهول. (6/225)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 226 أبو إدريس تقدم.) أبو أيوب الحميري وهو بشير بن كعب. قد ذكر. أبو أيوب الأزدي سوى ت العتكي البصري، يقال: اسمه يحيى بن مالك. وقيل: حبيب بن مالك. روى عن: أم المؤمنين جويرية، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمرو، وسمرة بن جندب، وابن عباس. روى عنه: أبو عمران الجوني، وقتادة، وثابت البناني، وغيرهم. ويقال له المراغي، فقيل هو نسبة إلى قبيلةٍ من الأزد، وقيل هو موضعٌ بناحية عمان. أبو أمامة الباهلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: نزيل حمص، اسمه صدي بن عجلان بن (6/226)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 227 وهب بن عريب من أعصر بن سعد بن قيس عيلان. روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عمر، وأبي عبيدة، ومعاذ، وغيرهم. روى عنه: خالد بن معدان، وسالم بن أبي الجعد، وسليم بن عامر، وشرحبيل بن مسلم، ومحمد بن زياد الألهاني، وأبو غالب حزور، ورجاء بن حيوة، والقاسم أبو عبد الرحمن، وطائفة. توفي النبي صلى الله عليه وسلم وله ثلاثون سنة. وروي أنه ممن بايع تحت الشجرة. (6/227)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 228 وقال محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن رجاء بن حيوة، عن أبي أمامة قال: أنشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني غزواً فأتيته فقلت: ادع الله لي بالشهادة، فقال: اللهم سلمهم وغنمهم فسلمنا وغنمنا، وقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: عليك بالصوم فإنه لا مثل له فكان أبو أمامة وامرأته وخادمه لا يلفون إلا صياماً. وقال أبو غالب، عن أبي أمامة قال: أرسلني النبي صلى الله عليه وسلم إلى باهلة، فأتيتهم وهم على طعام لهم، فرحبوا بي وأكرموني، وقالوا: كل، فقلت: جئت أنهاكم عن هذا الطعام، وأنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم لتؤمنوا به، فكذبوني وردوني، فانطلقت من عندهم وأنا جائع ظمآن، قد نزل بي جهدٌ شديد، فنمت فأتيت في منامي بشربةٍ من لبنٍ، فشربت فشبعت ورويت فعظم بطني، فقال القوم: رجلٌ من أشرافكم وخياركم رددتموه، اذهبوا إليه فأطعموه،) فأتوني بطعامهم وشرابهم، فقلت: لا حاجة لي في طعامكم وشرابكم، فإن الله قد أطعمني وسقاني، فنظروا إلى حالتي التي أنا عليها، فآمنوا بي وبما جئتهم به من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه علي بن الحسين بن واقد، عن أبيه، ويونس بن محمد المؤدب، عن صدقة بن هرمز، كلاهما عن أبي غالب. وقال إسماعيل بن عياش: حدثني محمد بن زياد قال: رأيت أبا أمامة أتى على رجلٍ ساجدٍ يبكي ويدعو، فقال: أنت أنت، لو كان هذا في بيتك. وقال يحيى الوحاظي: ثنا يزيد بن زياد القرشي، ثنا سليمان بن حبيب (6/228)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 229 قال: دخلت علي أبي أمامة مع مكحول، وابن أبي زكريا، فنظر إلى أسيافنا، فرأى فيها شيئاً من وضحٍ، فقال: إن المدائن والأمصار فتحت بسيوفٍ ما فيها الذهب ولا الفضة، فقلنا: إنه أقل من ذلك، فقال: هو ذاك، أما إن أهل الجاهلية كانوا أسمح منكم، كانوا لا يرجون على الحسنة عشر أمثالها، وأنتم ترجون ذلك ولا تفعلونه، فقال مكحول لما خرجنا: لقد دخلنا على شيخ مجتمع العقل. وقال سليم بن عامر: كنا نجلس إلى أبي أمامة، فيحدثنا حديثاً كثيراً عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يقول: اعقلوا وبلغوا عنا ما تسمعون. وقال الوليد بن مسلم: ثنا بن جابر، عن مولاة لأبي أمامة قالت: كان أبو أمامة يحب الصدقة، ولا يقف به سائلٌ إلا أعطاه، فأصبحنا يوماً وليس عنده إلا ثلاثة دنانير، فوقف به سائلٌ، فأعطاه ديناراً، ثم آخر فكذلك، ثم آخر فكذلك، قلت: لم يبق شيءٌ، ثم راح إلى مسجده صائماً، فرققت له، واقترضت له ثمن عشاء، وأصلحت فراشه، فإذا تحت المرفقة ثلاثمائة دينار، فلما دخل ورأى ما هيأت له حمد الله وتبسم وقال: هذا خيرٌ من غيره، ثم تعشى، فقلت: يغفر الله لك جئت بما جئت به، ثم تركته بموضع مضيعة، قال: وما ذاك قلت: الذهب. ورفعت المرفقة، ففزع لما رأى تحتها وقال: ما هذا ويحك قلت: لا علم لي. فكثر فزعه. وقال معاوية بن صالح، عن الحسن بن جابر قال: سألت أبا أمامة عن كتابة العلم، فلم ير به بأساً. وقال إسماعيل بن عياش: ثنا عبد الله بن محمد، عن يحيى بن أبي كثير، عن سعيد الأزدي، ورواه عتبة بن السكن الفزاري، عن أبي زكريا، عن حماد بن زيد، عن سعيد، واللفظ) لإسماعيل قال: شهدت أبا أمامة وهو في النزع، فقال لي: يا سعيد إذا أنا مت فافعلوا بي كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال (6/229)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 230 لنا: إذا مات أحدكم فنثرتم عليه التراب فليقم رجلٌ منكم عند رأسه، ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة، فإنه يسمع، ولكنه لا يجيب، ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة، فإنه يستوي جالساً، ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة، يقول: أرشدنا يرحمك الله، ثم ليقل: أذكر ما خرجت عليه من الدنيا، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأنك رضيت بالله رباً، وبمحمدٍ نبياً، وبالإسلام ديناً، فإنه إذا فعل ذلك أخذ منكر ونكير أحدهما بيد صاحبه ثم يقول له اخرج بنا من عند هذا، ما نصنع به وقد لقن حجته. قال المدائني، وخليفة وجماعة: توفي سنة ستٍ وثمانين. وشذ إسماعيل بن عياش فقال: توفي سنة إحدى وثمانين. أبو أمية الشعباني الدمشقي قال أبو مسهر، وجماعة: اسمه يحمد. روى عن: معاذ، وكعب الخير، وأبي ثعلبة الخشني. عنه: عمرو بن جارية اللخمي، وعبد السلام بن مكلبة، وعبد الملك بن سفيان الثقفي. أدرك الجاهلية. (6/230)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 231 أبو البختري الطائي مولاهم الكوفي الفقيه العابد، اسمه سعيد بن فيروز. روى عن: علي، وابن مسعود، وروايته عنهما مرسلة، وسمع ابن عباس، وأبا برزة الأسلمى، وابن عمر، وأبا سعيد. روى عنه: عمرو بن مرة، وعطاء بن السائب، ويونس بن خباب، ويزيد بن أبي زياد. وثقه ابن معين وغيره. وكان مقدم القراء مع ابن الأشعث، فقتل في وقعة الجماجم، وكان نبيلاً جليلاً. قال حبيب بن أبي ثابت: اجتمعت أنا وسعيد بن جبير، وأبو البختري، فكان أبو البختري أعلمنا وأفقهنا رحمه الله. (6/231)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 232 أبو الجوزاء أوس بن عبد الله الربعي البصري.) روى عن: عائشة، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو. روى عنه: أبو الأشهب العطاردي، وعمرو بن مالك النكبري، وبديل بن ميسرة وجماعة. يقال: قتل في وقعة الجماجم. وكان قوياً. روى نوح بن قيس، عن سليمان الربعي قال: كان أبو الجوزاء يواصل في الصوم سبعة أيام، ويقبض على ذراع الشاب فيكاد يحطمها، رحمه الله. أبو حذيفة واسمه سلمة بن صحيبة، أو صهيب (6/232)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 233 الهمداني الكوفي. عن: علي، وحذيفة، وابن مسعود، وعائشة. وعنه: خيثمة بن عبد الرحمن، وأبو إسحاق السبيعي، وعلي بن الأقمر. أم الدرداء الصغرى ع هجيمة، وقيل جهيمة الأوصابية الحميرية. روت عن: زوجها أبي الدرداء وقرأت عليه القرآن، وسلمان الفارسي، وكعب بن عاصم الأشعري، وعائشة، وأبي هريرة. وكانت فاضلةً عالمةً زاهدةً، كبيرة القدر. روى عنها: جبير بن نفير، وأبو قلابة، ورجاء بن حيوة، وسالم بن أبي الجعد، ويونس بن ميسرة، ومكحول، وعطاء الكيخاراني، وإسماعيل بن (6/233)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 234 عبيد الله، وزيد بن أسلم، وأبو حازم سلمة بن دينار، وإبراهيم بن أبي عبلة، وعثمان بن حيان الدمشقي. قال أبو مسهر: أم الدرداء هجيمة بنت حيي الوصابية، وأم الدرداء الكبرى خيرة بنت أبي حدرد صحابية. وجاء عن سعيد بن عبد العزيز: هجيمة، وجهيمة. وقال محمد بن سليمان بن أبي الدرداء: اسم أم الدرداء الفقيهة التي مات عنها أبو الدرداء وخطبها معاوية هجيمة بنت حيي الأوصابية. وقالت أم جابر، وابن أبي العاتكة: كانت أم الدرداء يتيمةً في حجر أبي الدرداء، تختلف معه في برنسٍ تصلي في صفوف الرجال، وتجلس في حلق القراء تعلم القرآن، حتى قال لها أبو الدرداء يوماً: الحقي بصفوف النساء.) وقال عبد الله بن صالح: ثنا معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير، عن أم الدرداء، أنها قالت لأبي الدرداء عند الموت: إنك خطبتني إلى أبوي في الدنيا فأنكحوك، وأنا أخطبك إلى نفسك في الآخرة، قال: فلا تنكحين بعدي، فخطبها معاوية، فأخبرته بالذي كان، فقال: عليك بالصيام. رواه فرج بن فضالة، عن لقمان بن عامر، عن أم الدرداء، وزاد فيه: وكان لها جمالٌ وحسن. وقال عمرو بن ميمون بن مهران، عن أبيه، عن أم الدرداء قالت: قال لي أبو الدرداء: لا تسألي أحداً شيئاً، فقلت: إن احتجت، قال: تتبعي الحصادين فانظري ما يسقط منهم، فخذيه واخلطيه، ثم اطحنيه وكليه. (6/234)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 235 قال مكحول: كانت أم الدرداء فقيهة. وروى المسعودي، عن عون بن عبد الله قال: كنا نأتي أم الدرداء، فنذكر الله عندها. وقال يونس بن ميسرة: كان النساء يتعبدن مع أم الدرداء، فإذا ضعفن عن القيام في صلاتهن تعلقن بالحبال. وقال عيسى بن يونس، عن ابن جابر، عن عثمان بن حيان قال: سمعت أم الدرداء تقول: إن أحدهم يقول: اللهم ارزقني، وقد علم أن الله لا يمطر عليه ديناراً ولا درهماً، وإنما يرزق بعضهم من بعض، فمن أعطي شيئاً فليقبل، فإن كان عنه غنياً فليضعه في ذي الحاجة، وإن كان فقيراً فليستعين به. وقال إسماعيل بن عبيد الله: كان عبد الملك بن مروان جالساً في صخرة بيت المقدس، وأم الدرداء معه جالسةٌ، حتى إذا نودي للمغرب قام، وقامت تتوكأ على عبد الملك حتى يدخل بها المسجد فتجلس مع النساء، ومضى عبد الملك إلى المقام فصلى بالناس. وقال إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني، عن أبيه، عن جده قال: كان عبد الملك كثيراً ما يجلس إلى أم الدرداء في مؤخر المسجد بدمشق. وعن عبد ربه بن سليمان قال: حجت أم الدرداء سنة إحدى وثمانين. كانت لأم الدرداء حرمةٌ وجلالةٌ عجيبة. (6/235)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 236 أبو سالم الجيشاني حليف لهم، اسمه سفيان بن هانيء المصري.) شهد فتح مصر، ووفد على علي رضي الله عنه، وكان مصرياً علوياً، وهذا نادر، فإن أكثرهم عثمانيون. روى عن: أبي ذر، وعلي، وزيد بن خالد الجهني، وغيرهم. وعنه: ابنه سالم، وبكر بن سوادة، ويزيد بن أبي حبيب، وعبد الله بن أبي جعفر، وحفيده سعيد بن سالم بن أبي سالم، وآخرون. وتوفي بالإسكندرية في خلافة عبد الملك. أبو راشد الحبراني الحمصي، قيل اسمه أخصر، وقيل النعمان. (6/236)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 237 روى عن: علي، وعبادة بن الصامت، وكعب الأحبار. وغزا مع أبي الدرداء، وشهد غزوة قبرس. روى عنه: شريح بن عبيد، ومحمد بن زياد الألهاني، ولقمان بن عامر، والزبيدي، وغيرهم. قال أحمد العجلي: تابعي ثقة، لم يكن في دمشق في زمانه أفضل منه. وقال صفوان بن عمرو: رأيت أبا راشد الحبراني يصفر لحيته. قلت: ويحتمل أنه بقي بعد هذه الطبقة. أبو الشعثاء المحاربي الكوفي سليم بن أسود. روى عن: حذيفة، وأبي ذر، وأبي أيوب الأنصاري، وأبي موسى، وعائشة، وأبي هريرة، وابن عمر، وجماعة. روى عنه: ابنه الأشعث، وأبو صخرة جامع بن شداد، وإبراهيم بن (6/237)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 238 مهاجر، وحبيب بن أبي ثابت. قال أبو حاتم الرازي: لا يسأل عن مثله. وقال غيره: قتل يوم الزاوية مع ابن الأشعث. وقال الواقدي: شهد مع علي كل شيء. أبو صادق الأزدي الكوفي عن: أخيه ربيعة بن ناجد وغيره. وأرسل عن علي، وأبي هريرة.) وعنه: سلمة بن كهيل، والحارث بن حصيرة، وشعيب بن الحبحاب، والقاسم بن الوليد الهمداني، وجماعة. قال النسائي: اسمه عبد الله بن ناجد. أبو صالح الحنفي الكوفي اسمه عبد الرحمن بن قيس روى عن: علي، وابن مسعود، وأبي هريرة، وغيرهم. (6/238)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 239 روى عنه: بيان بن بشر، وسعيد بن مسروق الثوري، وأبو عون محمد بن عبيد الله الثقفي، وإسماعيل بن أبي خالد. وثقه يحيى بن معين. روى أحاديث يسيرة. أبو ظبيان هو حصين بن جندب بن عمرو الجنبي الكوفي، والد قابوس. روى عن: عمر، وعلي، وحذيفة إن صحت روايته عن هؤلاء، وروى عن: أسامة بن زيد، وجرير بن عبد الله، وابن عباس، وغيرهم. وثقه جماعة. وروى عنه: ابنه قابوس، وحصين بن عبد الرحمن، وعطاء بن السائب، والأعمش، وآخرون. (6/239)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 240 توفي سنة تسعٍ وثمانين، وقيل سنة تسعين. ورد أنه غزا قسطنطينية مع يزيد. أبو ظبية السلفي ثم الكلاعي الحمصي. قال ابن منده: يقال فيه أبو طبية بطاء مهملة وهذا وهم، فعلى الأول مسلم، والحسين القباني، وابن ماكولا، وآخرون. شهد خطبة عمر بالجابية. وروى عن: معاذ، وعمرو بن عبسة، والمقداد بن الأسود، وعمرو بن العاص. روى عنه: شهر بن حوشب، وثابت البناني، وشريح بن عبيد، ومحمد بن سعد الأنصاري. قال عمر بن عطية، عن شهر بن حوشب قال: دخلت المسجد، فإذا أبو أمامة جالسٌ، فجلست) إليه، فجاء شيخ يقال له أبو ظبية، من أفضل رجلٍ بالشام، إلا رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وقال أبو زرعة: لا أعرف أحداً سميه. ووثقه ابن معين. (6/240)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 241 وقال الدارقطني: ليس به بأس. أبو العالية الرياحي قال أبو قطن، عن أبي خلدة إنه توفي يوم الإثنين في شوال سنة تسعين. وسيعاد في سنة ثلاثٍ وتسعين. أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود الهذلي، أخو عبد (6/241)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 242 الرحمن، يقال: اسمه عامر، وكان ممن علماء الكوفة. روى عن أبيه مرسلاً، وعن: أبي موسى، وكعب بن عجرة، وعائشة، وجماعة. وعنه: إبراهيم النخعي، وسالم الأفطس، وسعد بن إبراهيم، وخصيف الجزري، وأبو إسحاق السبيعي، وآخرون. توفي سنة إحدى وثمانين. أبو عطية الوادعي سوى ق الهمداني الكوفي، مالك بن عامر، وقيل: ابن أبي عامر، وقيل: ابن حمرة، وقيل اسمه عمرو بن (6/242)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 243 جندب، وقيل غير ذلك. نع: ابن مسعود، وعائشة، وأبي موسى، ومسروق. وعنه: ابن سيرين، وأبو الشعثاء المحاربي، وعمارة بن عمير، وحصين، والأعمش، وآخرون. أبو عنبة الخولاني ق له صحبة، وشهد اليرموك، وصحب معاذ بن جبل، وسكن حمص. روى عنه: محمد بن زيد الألهاني، وأبو الزاهرية حدير، وبكر بن زرعة، وطلق بن سمير، وغيرهم. قال ابن ماجه: ثنا هشام بن عمار، ثنا الجراح بن مليح، ثنا بكر بن زرعة: سمعت أبا عنبة الخولاني، وكان ممن صلى إلى القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل الدم في) الجاهلية. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم لطاعته. قال ابن معين: قال أهل حمص إنه من كبار التابعين، وأنكروا أن تكون هل صحبة. (6/243)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 244 وقال أحمد في مسنده: ثنا سريج بن النعمان، ثنا بقية، عن محمد بن زياد، حدثني أبو عنبة قال سريج وله صحبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الله بعبد خيراً عسله قيل: وما عسله قال: يفتح له عملاً صالحاً ثم يقبضه عليه. وقال ابن سعد: له صحبة. وقال أبو زرعة الدمشقي: أسلم أبو عنبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي، وصحب معاذاً. أخبرني بذلك حيوة، عن بقية، عن محمد بن زياد. وقال الدارقطني: مختلفٌ في صحبته. وقال إسماعيل بن عياش، عن شرحبيل بن مسلم: قد رأيته وكان هو وأبو فالج الأنماري قد أكلا الدم في الجاهلية، ولم يصحبا النبي صلى الله عليه وسلم. أبو فاختة هو سعيد بن علاقة. ذكر. أبو قتادة العدوي البصري يقال له صحبة، اسمه (6/244)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 245 تميم بن نذير ويقال: نذير بن قنفذ. روى عن: عمر، وعمران بن حصين، وأسير بن جابر، وجماعة. وعنه: أبو قلابة، وحميد بن هلال، وإسحاق بن سويد. وثقه ابن معين. أبو كبشة السلولي الدمشقي خ د ت ن روى عن: عبد الله بن عمرو، وسهل بن الحنظلية. روى عنه: حسان بن عطية، وأبو سلام الأسود، وربيعة بن يزيد. قال أحمد العجلي: هو شامي ثقة. قال الوليد بن مزيد البيروتي: ثنا ابن جابر، حدثني ربيعة بن يزيد قال: قدم أبو كبشة دمشق في ولاية عبد الملك، فقال له عبد الله بن عامر: لعلك قدمت تسأل أمير المؤمنين شيئاً فقال: وأنا أسأل أحداً بعد الذي حدثني سهل بن الحنظلية، قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم الأقرع) وعيينة فسألاه، (6/245)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 246 فدعا معاوية فأمره بشيءٍ، فانطلق فجاء بصحفتين، فألقى إلى كل واحدٍ واحدةً، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم تبعته فقال: إنه من يسأل عن ظهر غنىً فإنما يستكثر من جمر جهنم. فقلت: يا رسول الله، وما ظهر الغنى قال: أن تعلم أن عند أهلك ما يغديهم أو يعشيهم فأنا أسأل أحداً بعد هذا شيئاً. أبو كبشة السكوني. عن: حذيفة، وسعد بن أبي وقاص. وعنه: إياد بن لقيط، وغيره. اسمه البراء السكوني، من قال غير ذلك فقد صحف، ذكره البخاري ومسلم، وغيرهما فقالوا: أبو كبشة. وأما عبد الغني المصري فقال: أبو كيسة بالياء المثناة والسين المهملة. أبو كثير الزبيدي الكوفي زهير بن الأقمر، وقيل: عبد الله بن مالك، وقيل: جمهان، وقيل: هما رجلان. (6/246)

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السادس الصفحة 247 روى عن: علي، والحسن بن علي، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو. وعنه: عبد الله بن الحارث الزبيدي المؤدب. وثقه النسائي. أبو الكنود الأزدي الكوفي ق عبد الله بن عامر، أو ابن عويمر وقيل: عمرو بن حبشي، وقيل: عبد الله بن سعد. عن: علي، وابن مسعود، وخباب. وعنه: أبو سعد الأزدي القاري، وأبو إسحاق السبيعي، وإسماعيل بن أبي خالد. له حديث في سنن ابن ماجه. أبو مريم د الثقفي المدائني، ويقال الحنفي الكوفي، وكأنهما اثنان. روى عن: علي، وأبي الدرداء، وعمار، وأبي موسى. وعنه: نعيم، وعبد الملك ابنا حكيم المدائني. قال أبو حاتم: اسمه قيس.) (6/247)