تاريخ ابن خلدون - الجزء الرابع

من معرفة المصادر

تاريخ ابن خلدون، الجزء الرابع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فهرس المجلد الرابع

  • أخبار الدولة العلوية المزاحمة لدولة بني العبّاس 5
  • الخبر عن خرج الفاطميين بعد فتنة بغداد 12
  • الخبر عن الأدارسة ملوك المغرب الأقصي ومبدأ دولتهم وانقراضها ثم تجدّدها مفترقة في نواحي المغرب 16
  • الخبر عن صاحب الزنج وتصاريف أمره واضمحلال دعوته 24
  • الخبر عن دعاة الديلم والجيل من العلوية وما كان لهم من الدولة بطبرستان للداعي أخيه أولاً ثم الأطروش وبنيه وتصاريف ذلك إلى انقضائه 29
  • استيلاء الصفار على طبرستان 30
  • وفاة الحسن بن زيد وولاية أخيه 31
  • مقتل محمد بن زيد 32
  • ظهور الاطروش العلوي وملكه طبرستان 33
  • إمارة العلوية بطبرستان بعد الأطروش 34
  • الخبر عن دولة الإسماعيلية ونبدأ منهم بالعبيديين الخلفاء بالقيروان والقاهرة. وما كان لهم من الدولة من المشرق والمغرب. 37
  • ابتداء دولة العبيديين 40
  • وصول المهدي إلى المغرب واعتقاله بسجلماسة ثم خروجه من الاعتقال وبيعته 44
  • مقتل أبي عبد الله الشيعي وأخيه 47
  • بقية أخبار المهدي بعد الشيعي 48
  • وفاة عبيد الله المهدي وولاية ابنه أبي القاسم 51
  • وفاة القائم وولاية ابنه المنصور 52
  • بقية أخبار أبي يزيد ومقتله 55
  • بقية أخبار المنصور 57
  • وفاة المنصور وولاية ابنه المعز 58
  • فتح مصر 61
  • فتح دمشق 61
  • مسير المعز إلى مصر ونزوله بالقاهرة 62
  • حروب المعز مع القرامطة واستيلاؤه على دمشق 63
  • وفاة المعز وولاية ابنه العزيز 65
  • بقية أخبار أفتكين 66
  • أخبار الوزراء 70
  • أخبار القضاة 70
  • وفاة المعز وولاية ابنه الحاكم 71
  • خروج أبي ركوة ببرقة والظفر به 73
  • بقية أخبار الحاكم 75
  • وفاة الحاكم وولاية الظاهر 77
  • وفاة الظاهر وولاية ابنه المستنصر 78
  • مسير العرب إلي إفريقية 79
  • مقتل ناصر الدولة ابن حمدان بمصر 80
  • استيلاء بدر الجمالي على الدولة 81
  • وصول الغز إلى الشام واستيلاؤهم عليه وحصارهم مصر 82
  • وفاة المستنصر وولاية ابنه المستعلي 84
  • استيلاء الفرنج على بين المقدس 85
  • وفاة المستعلي وولاية ابنه الأمر 87
  • هزيمة الفرنج لعساكر مصر 87
  • استيلاء الفرنج على طرابلس وبيروت 88
  • استرجاع أهل مصر بعسقلان 88
  • مقتل الأفضل 89
  • ولاية ابن البطائحي 90
  • مقتل البطائحي 90
  • مقتل الآمر وخلافة الحافظ 91
  • ولاية أبي علي بن الأفضل الوزارة ومقتله 92
  • قيام حسن بن الحافظ بأمر الدولة ومكره بأبيه ومهلكه 93
  • وزارة بهرام ورضوان بعده 93
  • وفاة الحافظ وولاية ابنه الظافر 95
  • وزارة ابن مصال ثم ابن السلار 95
  • مقتل الظافر واخويه وولاية ابنه الفائز 97
  • وزارة الصالح بن رزيك 97
  • وفاة الفائز وولاية العاضد 98
  • مقتل الصالح بن رزيك وولاية ابنه رزيك 99
  • وزارة شاور ثم الضرغام من بعده 99
  • مسير شيركوه وعساكر نور الدين إلي مصر مع شاور 100
  • فتنة أسد الدين مع شاور وحصاره 100
  • رجوع أسد الدين إلى مصر ومقتل شاور ووزارته 101
  • وفاة أسد الدين وولاية صلاح الدين الوزارة 103
  • حصار الفرنج دمياط 103
  • واقعة الخصيان وعمارة 104
  • قطع الخطبة للعاضد وانقراض الدولة العلوية بمصر 105
  • الخبر عن بني حمدون ملوك المسيلة والزاب بدعوة العبيديين ومال أمرهم 107
  • الخبر عن القرامطة واستبداد أمرهم وما استقر لهم من الدولة بالبحرين وأخبارها إلي حين انقراضها 110
  • ظهور ذكرويه ومقتله 113
  • خبر قرامطة البحرين ودولة بني الجنابي منها 114
  • فتنة القرامطة مع المعز العلوي 116
  • ذكر المتغلبين بالبحرين من العرب بعد القرامطة 118
  • الخبر عن الإسماعيلية أهل الحصون بالعراق وفالس والشام وسائر أمورهم ومصائرها 121
  • خبر الإسماعيلية بالشام 124
  • بقية الخبر عن قلا ع الإسماعيلية في العراق 125
  • الخبر عن دولة بني الأخيضر باليمامة من بني حسن 126
  • الخبر عن دولة السليمانيين من بني الحسن بمكة ثم بعدها باليمن ومبادئ أمورهم وتصاريف أحوالهم 128
  • الخبر عن دولة الهواشم بمكة من بني الحسن وتصاريف أحوالهم إلى انقراضها 132
  • الخبر عن بني قتادة أمراء مكة بعد الهواشم ثم عن بني أبي نمير منهم أمراؤها لهذا العهد 134
  • إمارة بني أبي نمي بمكة 137
  • الخبر عن بني مهنى أمراء المدينة النبوية من بني الحسن وذكر أوليتهم ومفتتح إمارتهم 139
  • الخبر عن دولة بني الرسى أئمة الزيدية بصعدة وذكر أوليتهم ومصائر أحوالهم 142
  • الخبر عن نسب الطالبيين وذكر المشاهير من أعقابهم144
  • الخبر عن دولة بني أمية بالأندلس من هذه الطبقة المنازعين للدعوة العباسية وبداية أمرهم وأخبار ملوك الطوائف من بعدهم149
  • مسير عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس وتجديده الدولة بها 154
  • وفاة عبد الرحمن الداخل وولاية ابنه هشام 159
  • وفاة هشام وولاية ابنه الحكم 160
  • وقعة الربض 161
  • وقعة الحفرة بطليطلة 162
  • وفاة الحكم وولاية ابنه عبد الرحمن الأوسط 163
  • وفاة عبد الرحمن الأوسط وولاية ابنه محمد 176
  • وفاة الأمير محمد وولاية ابنه المنذر 169
  • وفاة المنذر وولاية أخيه عبيد الله ابن الأمير محمد 170
  • أخبار الثوار وأولهم ابن مروان ببطليوس وأشبونة 170
  • ابن تاكيت بماردة 171
  • بقية خبر ابن مروان 171
  • ثورة لب بن محمد بسرقسطة وتطيلة 172
  • ثورة مطرف بن موسى بن ني النون الهواري بشنة بريه 172
  • ثورة الأمير ابن حفصون في يشتر ومالقة ورندة واليس 172
  • ثوار إشبيلية المتعاقبون 174
  • مقتل الأمير محمد ابن الأمير عبد الله ثم مقتل أخيه المطرف 175
  • وفاة الأمير عبد الله بن محمل وولاية حافده عبد الرحمن الناصر بن محمد 176
  • سطوة الناصر بأخيه القاضي ابن محمد 178
  • سطوة الناصر ببني إسحق المروانيين 178
  • أخبار الناصر مع الثوار 179
  • أخبار طليطلة ورجوعها إلي الطاعة 180
  • أخبار الناصر مع أهل العدوة 181
  • أخبار الناصر مع الفرنجة والجلالقة 182
  • سطوة الناصر بابنه عبد اللّه 184
  • مباني الناصر 184
  • وفاة الناصر وولاية ابنه الحكم المستنصر 185
  • وفاة الحكم المستنصر وبيعة ابنه هشام المؤيد 188
  • أخبار المنصور ابن أبي عامر 189
  • المظفر بن المنصور 190
  • ثورة المهدي ومقتل عبد الرحمن المنصور وانقراض دولتهم 192
  • ثورة البربر وبيعة المستعين وفرار المهدي 192
  • رجوع المهدي إلى ملكه بقرطبة 193
  • هزيمة المهدي وبيعته للمؤيد هشام ومقتله 193
  • حصار قرطبة واقتحامها عنوة ومقتل هشام 194
  • ثورة ابن حمود واستيلاؤه وقومه على ملك قرطبة 195
  • عود الملك إلي بني أمية وأولاد المستظهر 195
  • عود الأمر إلى بني حمود 195
  • المعتمد من بني أمية 196
  • الخبر عن دولة بني حمود التي أدالت من دولة بني أمية بالأندلس و أولية ملكهم وتصاريف أمورهم إلي أخرها196
  • الخبر عن ملوك الطوائف بالأندلس بعد الدولة الأموية 200
  • الخبر عن بني عباد ملوك إشبيلية وغربي الأندلس وعمن تغلبوا عليه من أمراء الطوائف200
  • أخبار ابن جهور 204
  • أخبار ابن الأفطس صاحب بطليوس من غرب الأندلس ومصاير أمره 205
  • أخبار باديس بن حسون ملك غرناطة والبيرة 206
  • الخبر عن بني زي النون ملوك طليطلة من الثغر الجوفي وتصاريف أمورهم ومصاير أحوالهم 206
  • الخبر عن أبي عامر صاحب شرق الأندلس من بني ملوك الطوائف وأخبار الموالي العامريّين الذين كانوا قبله وابن صمادح قائده بالمريّة وتصاريف أحوالهم ومصايرها 207
  • الخبر عن بني هود ملوك سرقسطة من الطوائف صارت إليهم من بني هاشم وما كان من اوليتهم ومصاير أمولهم 209
  • الخبر عن مجاهد العامري صاحب دانية والجزائر الشرقية وأخبار بنية ومواليهم من بعدهم ومصائر أمورهم 210
  • الخبر عن ثوار الأندلس آخر الدولة اللمتونية واستبداد بني مردنيس ببلنسية ومزاحمتهم لدولة بني عبد المؤمن من أولها إلى آخرها ومصائر أحوالهم وتصاريفهم 212
  • الخبر عن ثورة ابن هود على الموحدين بالأندلس ودولته و أولية أمره وتصاريف أحواله 215
  • الخبر عن دولة بني الأحمر ملوك الأندلس لهذا العهد ومبد أ أمورهم وتصاريف أحوالهم218
  • الخبر عن ملوك بني أدفونش من الجلالقة ملوك الأندلس بعد الغوط ولعهد المسلمين وأخبار من جاورهم من الفرنجة والبشكنس والبرتغال والإلمام ببعض أخبارهم 229
  • أخبار القائمين بالدولة العباسية من العرب المستبدين بالنواحي ونبد أ منهم ببنى الأغلب ولاة إفريقية وأولية أمرهم ومصائر أحوالهم 236
  • معاوية بن خديج 236
  • عقبة بن نافع 237
  • أبو المهاجر 237
  • عقبة بن نافع ثانياً 237
  • زهير بن قيس البلوي 238
  • حسان بن النعمان الغساني 238
  • موسى بن نصير 239
  • محمد بن يزيد 240
  • إسماعيل بن أبي المهاجر 240
  • يزيد بن أبي مسلم 240
  • بشر بن صفوان الكلبي 240
  • عبيدة بن عبد الرحمن 241
  • عبيد الله بن الحبحاب 241
  • كلثوم بن عياض 242
  • حبيب بن عبد الرحمن 243
  • عبد الملك بن أبي الجعد الوربجومى 244
  • عبد الأعلي بن السمح المغافري 244
  • محمد بن الأشعث الخزاعي 245
  • عمر بن هزار مرد 246
  • يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب 247
  • أخوه روح بن حاتم 247
  • ابنه الفضل بن روع 248
  • خزيمة بن أعين 248
  • محمد بن مقاتل الكعبي 249
  • إبراهيم بن الأغلب 250
  • ابنه أبو العباس عبد الله 251
  • أخوه زيادة الله 252
  • أخوهما أبو عقال الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب 255
  • ابنه أبو العباس محمد بن الأغلب في إبراهيم 256
  • ابنه أبو إبراهيم أحمد بن أبي العباس محمد 256
  • ابنه زيادة الله الأصغر بن أبي إبراهيم بن أحمل. 257
  • أخوه أبو الغرانيق بن أبي إبراهيم بن أحمل 257
  • بقية أخبار صقلية 257
  • إبراهيم بن أحمد أخو أبي الغرانيق 259
  • ظهور الشيعي بكتامة 261
  • ابنه أبو العباس عبد الله بن إبراهيم أخي محمد أبي الغرانيق 262
  • ابنه أبو مضر زيادة الله 263
  • خروج زيادة الله إلى المشرق 264
  • بقية أخبار صقلية ودولة بني الحسن الكلبيين بها من العرب المستبدين بدعوة العبيديين وبداية أمرهم وتصاريف أحوالهم 264
  • الخبر عن جزيرة اقريطش وما كان بها للمسلمين من الملك على يد بني البلوطي إلي أن استرجعها العدو 270
  • أخبار اليمن والدول الإسلامية التي كانت فيه للعباسيين والعبيديين وسائر ملوك العرب وتصاريفه على الجملة ثم تفسير ذلك على مدنه وممالكه واحدة بعد واحدة 270
  • دعوة زياد بالدعوة العباسية 271
  • الخبر عن بني الصليحي القائمين بدعوة العبيديين باليمن 273
  • الخبر عن دولة بني نجاح بزبيد موالي بني زياد ومبادىء أمورهم وتصاريف أحوالهم 276
  • الخبر عن دولة بني الزريع بعدن من دعاة العبيديين باليمن و أولية أمرهم ومصايره 278
  • أخبار ابن مهدي الخارجي وبنيه وذكر دولتهم باليمن وبدايتها وانقراضها 280
  • قواعد اليمن 281
  • الخبر عن دولة بني حمد ان المستبدين بالدعوة العباسية من العرب بالموصل والجزيرة والشام ومبادىء أمورهم وتصاريف أحوالهم 290
  • مبدأ الدولة وولاية أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان على الموصل 292
  • انتقاض أبي الهيجاء ثم الحسين بن حمدان 292
  • ولاية أبي الهيجاء ثانية على الموصل ثم مقتله 293
  • ولاية سعيد ونصر ابني حمدان على الموصل 294
  • مسير الراضي إلى الموصل 294
  • مسير المتقي إلي الموصل وولاية ناصر الدولة إمارة الأمراء 295
  • أخبار بني حمد ان ببغداد 296
  • خبر عدل التحكمي بالرحبة 297
  • مسير المتقي إلى الموصل وعوده 298
  • استيلاء سيف الدولة على حلب وحمص 299
  • الفتنة بين ابن حمدان وابن بويه 300
  • استيلاء سيف الدولة على دمشق 301
  • الفتنة بين ناصر الدولة ابن حمدان وبين تكين والأتراك 301
  • انتقاض جمان بالرحبة ومهلكه 302
  • فتنة ناصر الدولة مع معز الدولة 302
  • غزوات سيف الدولة 302
  • الفتنة بين ناصر الدولة ومعز الدولة بن بويه 304
  • استيلاء الروم على عين زربة ثم على مدينة حلب 304
  • انتقاض أهل حران 306
  • انتقاض هبة الله 306
  • انتقاض نجا بميافارقين وأرمينية واستيلاء سيف الدولة عليها 306
  • مسير معز الدولة إلي الموصل وحروبه مع ناصر الدولة 307
  • حصار المصيصة وطرسوس واستيلاء الروم عليها 308
  • انتقاض أهل أنْطاكِية وحمص 308
  • خروج الروم إلي الثغور واستيلاؤهم على دارا 309
  • وفاة سيف الدولة ومحبس أخيه ناصر الدولة 310
  • ولاية أبي المعالي بن سيف الدولة بحلب ومقتل أبي فراس 310
  • أخبار أبي ثعلب مع إخوته بالموصل 311
  • خروج الروم إلى الجزيرة والشام 312
  • استبدال قرعويه بحلب 312
  • مسير أبي ثعلب من الموصل إلي ميافارقين 313
  • استيلاء الروم على أنْطاكِية ثم حلب وثم ملاذكرد 313
  • مقتل يعفور ملك الروم 314
  • استيلاء أبي ثعلب على حران 315
  • مصالحة قرعويه لأبي المعالي 315
  • مسير الروم إلى بلاد الجزيرة 315
  • أسر الدمشقي وموته 416
  • استيلاء بختيار بن معز الدولة على الموصل وما كان بينه وبين أبي ثعلب 316
  • عودة أبي المعالي بن سيف الدولة إلى حلب 317
  • استيلاء عضد الدولة بن بويه على الموصل وسائر ملوك بني حمدان 317
  • مقتل أبي ثعلب بن حمدان 319
  • وصول ورد المنازع لملك الروم إلى ديار بكر مستجيراً 320
  • ولاية بكجور على دمشق 321
  • خبرباد الكردي ومقتله على الموصل 322
  • عودة بني حمدان إلي الموصل ومقتل باد 332
  • مهلك أبي طاهر بن حمدان واستيلاء بني عقيل على الموصل 324
  • ملك سعد الدولة بن حمدان بحلب وولاية ابنه أبي الفضائل واستبداد لؤلؤ عليه 325
  • انقراض بني حمدان بحلب واستيلاء بني كلاب عليها 326
  • الخبر عن دولة بني عقيل بالموصل وابتداء أمرهم بأبي الدرداء وتصاريف أحوالهم326
  • مهلك أبي الدرداء وولاية أخيه المقلد 327
  • فتنة المقلد مع بهاء الدولة بن بويه 327
  • القبض على علي بن المسيب328
  • استيلاء المقلد على دقوقا 329
  • مقتل المقلد وولاية ابنه قرو اش 329
  • فتنة قرواش مع بهاء الدولة بن بويه 330
  • قبض قرواش على وزرائه 330
  • حرب قرواش مع العرب وعساكر بغداد 331
  • استيلاء الغز على الموصل 333
  • استيلاء بدران بن المقلد على نصيبين 335
  • الفتنة بين قرواش وغريب بن معن 335
  • فتنة قرواش وجلال الدولة وصلحهما 336
  • أخبار ملوك القسطنطينية لهذه العصور 336
  • الوحشة بين قرواش والأكراد 336
  • خلع قرواش بأخيه أبي كامل ثم عوده 338
  • خلع قرواش ثانية واعتقاله 339
  • وفاة أبي كامل وولاية قريش بن بدران 339
  • استيلاء قريش على الأنبار 340
  • حرب قريش بن بدران والبساسيري ثم اتفاقهما وخطبة قريش لصاحب مصر 340
  • استيلاء طغرلبك على الموصل وولاية أخيه نيال عليها ومعاودة قريش الطاعة 341
  • مقارنة نيال الموصل وما كان لقريش فيها وفي بغداد مع البساسيري وحبسهما القائم 342
  • وفاة قريش في بدل ان وولاية ابنه مسلم 343
  • استيلاء مسلم بن قريش على حلب 343
  • حصار مسلم بن قريش دمشق وعصيان أهل حران عليه 344
  • حرب ابن جهير مع مسلم بن قريش واستيلاؤه على الموصل ثم عودها إليه 345
  • مقتل مسلم بن قريش وولاية ابنه إبراهيم 346
  • نكبة إبراهيم وتنازع محمد وعلي ابني مسلم بعده على ملك الموصل ثم استيلاء على عليها 347
  • عود إبراهيم إلي ملك الموصل ومقتله 347
  • ولاية علي بن مسلم على الموصل ثم استيلاء كربوقا وانتزاعه إياها من يده وانقراض أمر بني المسيب من الموصل 348
  • الخبر عن دولة بني صالح بن مرداس بحلب وابتداء أمرهم وتصاريف أحوالهم349
  • إبتداء أمر صالح في ملك حلب 349
  • استيلاء صالح بن مرداس على حلب 350
  • مقتل صالح وولاية ابنه أبي كامل 350
  • مسير الروم إلي حلب وهزيمتهم 351
  • مقتل نصر بن صالح واستيلاء الوزيري على حلب 351
  • مهلك الوزيري وولاية ثمال بن صالح 351
  • ثورة أهل حلب بابن ملهم وولاية محمود بن نصر بن صالح 352
  • رجوع ثمال بن صالح إلي ملك حلب وفرار محمود بن نصر عنها 352
  • وفاة ثمال وولاية أخيه عطية 353
  • عود محمود إلي حلب وملكه إياها من يد عطية 354
  • مهلك نصر بن محمود وولاية أخيه سابق 354
  • استيلاء مسلم بن قريش علم حلب من يد سابق وانقراض دولة بني صالح بن مرداس 355
  • استيلاء السلطان ملك شاه على حلب وولاية اقسنقر عليها 355
  • الخبر عن دولة بني مزيد ملوك الحلة وابتداء أمرهم وتصاريف أحوالهم356
  • وفاة علي بن مزيد وولاية ابنه دبيس 357
  • استيلاء منصور في الحسين على الجزيرة الدبيسية 357
  • فتنة دبيس مع جلال الدولة وحروبه مع قومه 358
  • الفتنة بين دبيس وأخيه ثابت 359
  • الفتنة بين دبيس وعسكر واسط 359
  • ايقاع دبيس بخفاجة 359
  • حرب دبيس مع الغز وخطبته للعلوي صاحب مصر ومعاودته الطاعة 360
  • وفاة دبيس وامارة ابنه منصور 361
  • وفاة منصور في دبيس وولاية ابنه صدقة 361
  • انتقاض صدقة في منصور بن دبيس على السلطان بركيارق 362
  • استيلاء صدقة على واسط وهيت 362
  • استيلاء صدقة بن مزيد على البصرة 363
  • استيلاء صدقة على تكريت 364
  • الخلف بين صدقة وصاب البطيحة 365
  • مقتل صدقة وولاية ابنه دبيس 366
  • خبر دبيس مع البرسقي ومع الملك مسعود 369
  • فتنة دبيس مع السلطان محمود وإجلاؤه عن بغداد ثم معاودته الطاعة 370
  • مسير دبيس إلي الملك طغرل 372
  • مسير دبيس إلي السلطان سنجر 373
  • فتنة دبيس مع محمود وأسره 374
  • مسير دبيس إلي بغداد مع زنكي وانهزامهما 375
  • مقتل دبيس وولاية ابنه صدقة 375
  • مقتل صدقة وولاية ابنه محمد 376
  • تغلب علي بن دبيس على الحلة وملكه إياها من أخيه محمد 377
  • أخذ السلطان الحلة من يد على وعوده إليها 378
  • نكبة علي بن دبيس 378
  • وفاة على في دبيس وانقراض بني مزيد 379
  • الخبر عن ملوك العجم القائمين بالدعوة العباسية في ممالك الاسلام والمستدين ين على الخلفاء ونبدأ منهم أولا بدولة ابن طولون بمصر وبداية أمرهم ومصائر أحوالهم380
  • الخبر عن دولة احمد بن طولون بمصر وبنيه ومواليه بني طغج وابتداء أمرهم وتصاريف أحوالهم385
  • فتنة ابن طولون مع الموفق 388
  • ولاية أحمل بن طولون على الثغور 389
  • استيلاء أحمد بن طولون على الشام 389
  • الخبر عن انتقاض العباس بن أحمد بن طولون على ابيه 390
  • خروج الصوفي والعمري بمصر 392
  • انتفاض برقة 392
  • انتقاض لؤلؤ على ابن طولون 393
  • مسير المعتمد إلي ابن طولون وعوده عنه من الشام

393

  • اضطراب الثغور ووصول أحمد بن طولون إليها ووفاته

395

  • ولاية خمارويه بن أحمد بن طولون

396

  • مسير خمارويه إلي الشام وواقعته مع ابن الموفق

396

  • فتنة ابن كنداج وابن ابي الساج والخطبة لابن طولون بالجزيرة

397

  • عود طرسوس إلي ايالة خمارويه

399

  • صهر المعتضد مع خمارويه

399

  • مقتل خمارويه وولاية ابنه جيش

400

  • مقتل جيش بن خمارويه وولاية أخيه هارون

400

  • فتنة طرسوس وانتفاضها

400

  • ولاية طغج بن جف على دمشق

401

  • زحف القرامطة إلي دمشق

401

  • استيلاء المكتفي على الشام ومصر وقتل هارون وشيبان ابني خمارويه وانقراض دولة بني طولون

402

  • ولاية عيسي النوشزي على مصر وثورة الخليجي

403

  • ولاية ذكاء الأعور

404

  • ولاية تكين الخزري ثانية

405

  • ولاية أحمد بن كيغلغ

405

  • ولاية أحمد بن كيغلغ الثانية

406

  • استيلاء ابن رائق على الشام من يد الأخشيد

406

  • وفاة الاخشيد وولاية ابنه انوجور واستبداد كافور عليه واستيلاء سيف الدولة على دمشق

408

  • وفاة أنوجور ووفاة أخيه على واستبد اد كافور عليه

408

  • وفاة علي بن الاخشيد وولاية كافول

409

  • وفاة كافور وولاية أحمد بن علي بن الأخشيد

409

  • مسير جوهر إلي مصر وانقراض دولة بني طغج

409

  • الخبر عن دولة بني ملا ان بديار بكر بعد بني حمدان ومبادىء أمورهم وتصاريف أحوالهم

410

  • مقتل أبي علي بن مروان وولاية أخيه أبي منصور

411 مقتل مهد الدولة بن مروان وولاية أخيه أبي نصر 411 استيلاء نصير الدولة بن مروان على الرها 412 حصار بدران بن مقلد نصيبين 412 دخول الغز إلي ديار بكر 413 مسير الروم إلى بلد ابن مروان ثم فتح الرها 414 مقتل سليمان بن نصير الدولة 414 مسير طغرلبك إلي ديار بكر 415 وفاة نصير الدولة بن مروان وولاية ابنه نصر 415 وفاة نصير الدولة وولاية ابنه منصور 416 مسير ابن جهير إلي ديار بكر 416 استيلاء ابن جهير على أمد 417 استيلاء ابن جهير على ميافارقين وجزيرة ابن عمر وانقراض دولة بني مروان 417 الخبر عق دولة بني الصفار ملوك سجستان المتغلبين على خراسان ومبادىء أمورهم وتصاريف أحوالهم 418 استيلاء يعقوب الصفار على كرمان ثم على فارس وعودها 419 ولاية يعقوب الصفار على بلخ وهراة 419 استيلاء الصفار على خراسان وانقراض أمر بني طاهر 420 استيلاء الصفار على فارس 421 حروب الصفار مع الموفق 422


انتقاض الخجستاني بخراسان على يعقوب الصفار وقيامه بدعوة بني طاهر 423 استيلاء الصفار على الأهواز 424 مسير عمرو بن الليث إلى خراسان لقتال الخجستاني 425 حروب عمر مع عساكر المعتمد ومع الموفق 426 ولاية عمرو بن اللين على خراسان ثانيا ومقتل رافع بن الليث 427 استيلاء بني سامان على خراسان وهزيمة عمرو بن الليث وحبسه ثم مقتله 428 ولاية طاهر بن محمد بن عمرو على سجستان وكرمان ثم علم فارس 429 استيلاء الليث على فارس ثم مقتله واستيلاء سيكري 429 انقراض ملك بني الليث من سجستان وكرمان 430 ثورة أهل سجستان بأصحاب ابن سامان ودعوتهم إلي بني عمرو ابن اللين بن الصفار ثم عودهم إلي طاعة أحمد بن إسماعيل بن سامان 431 استيلاء خلف بن أحمد بن على على سجستان ثم انتفاضهم عليه 432 استيلاء خلف بن أحمد على كرمان ثم انتزاع الديلم لها 433 استيلاء طاهر بن خلف على كرمان وعوده عنها ومقتله 434 استيلاء محمود في سبكتكين على سجستان ومحو آثار بني الصفار منها 434 الخبر عن دولة بني سامان ملوك ما وراء النهر المقيمين بها الدولة العباسية و أولية ذلك ومصادره 435 ولاية نصر بن أحمل على ما وراء النهر 436 وفاة نصر بن أحمد وولاية أخيه إسمعيل على ما وراء النهر 436 استيلاء إسمعيل على الري 437 وفاة إسمعيل بن أحمد وولاية ابنه أحمد 438 استيلاء أحمد بن إسمعيل على سجستان 439 مقتل أبي نصر أحمد بن إسمعيل وولاية ابنه نصر 439 انتقاض سجستان 440 انتقاض إسحق العمّ وابنه الياس 441 ظهور الأطروش واستيلاؤه على طبرستان 441

انتقاض منصور بن إسحق العم والحسين والمروروذي 442 انتقاض أحمد بن سهل بنيسابور وفتحها 443 مقتل ليلي بن النعمان ومهلكه 443 حرب سيجور مع ابن الأطروش 444 خروج الياس بن إسحق 445 استيلاء السعيد على الري 446 ولاية أسفار على جرجان والري 447 خروج أولاد الأمير أحمد بن إسمعيل على أخيهم السعيد 448 ولاية ابن المظفر على خراسان 449

  • استيلاء السعيد على كرمان 450
  • استيلاء ماكان على كرمان وانتقاضه 450
  • ولاية علي بن محمد على خراسان وفتحه جرجان 451
  • استيلاء أبي على على الريّ وقتل ماكان بن كالي 451
  • استيلاء أبي على على بلد الجبل 452
  • وفاة السعيد نصر وولاية ابنه نوح 452
  • استيلاء أبي على على الريّ ودخول جرجان في طاعة نوح 453
  • انتقاض أبي على وولاية منصور بن قراتكين على خراسان 454
  • انتقاض ابن عبد الرزاق بخراسان 456
  • استيلاء ركن الدولة بن بويه على طبرستان وجرجان ومسير العساكر إلى جرجان والصلح مع الحسن بن الفيرزان 457
  • مسير ابن قراتكين إلى الريّ وعوده إليه 457
  • وفاة ابن قراتكين ورجوع أبى علي بن محتاج إلى ولاية خراسان 458
  • عزل الأمير أبي على عن خراسان ومسيره إلى ركن الدولة وولاية بكر بن مالك مكانه 458
  • وفاة الأمير نوح وولاية ابنه عبد الملك 459
  • مسير العساكر من خراسان إلى الري وأصفهان 459
  • وفاة عبد الملك بن نوح صاحب ما وراء النهر وولاية أخيه منصور 460
  • مسير العساكر من خراسان إلى الري ووفاة وشمكير 460
  • خبر ابن الياس بكرمان 461

انعقاد الصلح بين منصور بن نوح وبين بني بويه 462 وفاة منصور بن نوح وولاية ابنه نوح 462 عزل ابن سيجور عن خراسان وولاية أبي العباس تاش 462 مسير أبي العباس في عساكر خراسان إلى جرجان ثم مسيره إلى بخاري 463 ردّ أبي العباس إلى خراسان ثم عزله وولاية ابن سيجور 464 انتقاض أبي العباس وخروجه مع ابن سيجور ومهلكه 464 ولاية أبي علي بن سيجور على خراسان 465 خبر فائق 466 استيلاء الترك على بخاري 467 عزل أبي علي بن سيجور عن خراسان وولاية سبكتكين 467 عود ابن سيجور إلى خراسان 468 ظهور سبكتكين وابنه محمود عل أبي على وفائق ومقتل أبي على 468 وفاة الأمير نوح وولاية ابنه منصور وولاية بكثرزون على خراسان 469 عود أبي القاسم بن سيجول إلى خراسان وخيبته 469 انتقاض محمود بن سبكتكين وملكه نيسابور ثم خروجه عنها 470 خلع الأمير منصور وولاية أخيه عبد الملك 470 استيلاء محمود بن سبكتكين على خراسان 470 استيلاء ايلك خان على بخاري وانقراض دولة بني سامان 471 خروج إسمعيل بن نوح بخراسان 472 الخبر عن دولة بني سبكتكين ملوك غزنة وما ورثوه من الملك بخراسان وما وراء النهر عن مواليهم وما فتحوه من بلاد الهند وأول أمرهم ومصائر أحوالهم 473 فتح بست 474 غزو الهند 474 ولاية سبكتكين على خراسان 475 الفتنة بين سيجور وفائق بخراسان وظهور سبكتكين وابنه محمود عليهم 475

مزاحفة سبكتكين وايلك خان 476 أخبار سبكتكين مع فخر الدولة بن بويه 476 وفاة سبكتكين وولاية ابنه إسمعيل 477 استيلاء محمود بن سبكتكين على ملك أبيه وظفره بأخيه إسمعيل 477 استيلاء محمود على خراسان 478 استيلاء محمود على سجستان 479 غزوة بهاطية والملتان وكوكبر 480 مسير ايلك خان إلى خراسان وهزيمته 482 فتح بهيم نقرا 484

  • خبر الفريغون واستيلاء السلطان على الجوزجان 484

غزوة بارين 485

  • غزوة الغور وقصران 485
  • وفاة ايلك خان وصلح أخيه طغان خان مع السلطان 486
  • فتح بارين 487
  • غزوة تنيشرة 488
  • استيلاء السلطان على خوارزم 488

فتح كشمير وقنوج 489

  • غزوة الأفقانية

491

  • فتح سومنات

491 دخول قابوس صاحب جرجان وطبرستان في ولاية السلطان محمود 493 استيلاء السلطان محمود علم الري والجبل 494 استيلاء السلطان محمود على بخاري ثم عوده عنها 495

  • خبر السلطان محمود مع الغز بخراسان 495
  • افتتاح نرسي من الهند

497 وفاة السلطان محمود وولاية ابنه محمل 497 خلع السلطان محمد ابن السلطان محمود وولاية ابنه الآخر مسعود الأكبر 497


عود أصفهان إلى علاء الدولة بن كاكويه ثم رجوعها للسلطان مسعود 498 فتح التيز ومكران وكرمان ثم عود كرمان لأبي كاليجار 499 فتنة عساكر السلطان مسعود مع علاء الدولة بن كاكويه وهزيمته 499 مسير السلطان مسعود إلى غزنة والفتن بالري والجبل 500 عود أحمل نيال تكين إلى العصيان 501 فتح جرجان وطبرستان 501 مسير علاء الدولة إلى أصفهان وهزيمته 501 استيلاء طغرلبك على خرسان 502 مسير السلطان مسعود من غزنة إلى خراسان وإجلاء السلجوقية عنها 503 هزيمة السلطان مسعود واستيلاء طغرلبك على مدائن خراسان وأعمالها 504 خلع السلطان مسعود ومقتله وولاية أخيه محمد مكانه 505 مقتل السلطان محمد وولاية مودود ابن أخيه مسعود 506 استيلاء طغرلبك على خوارزم 507 مسير العساكر من غزنة إلى خراسان 508

  • مسير الهنود لحصار لهاور وامتناعها وفتح حصون أخري من بلادهم 508
  • وفاة مودود وولاية عمه عبد الرشيد 509
  • مقتل عبد الرشيد وولاية فرخزاد 510
  • استيلاء الغورية على لهاور ومقتل خسرو شاه وانقراض دولة بني سبكتكين 511
  • دولة الترك الخبر عن دولة الترك في كاشغر وأعمال تركستان وما كان لهم من الملك في الملة الإسلامية بتلك البلاد وأولية أمرهم ومصائر أحوالهم 512
  • وفاة بقراخان وملك أخيه ايلك خان سليمان 512
  • استيلاء ايلك خان على ما وراء النهر 513
  • ثورة إسمعيل إلى بخارى ورجوعه عنها 513
  • عبور ايلك خان إلى خراسان 514
  • وفاة ايلك خان وولاية أخيه طغان خان 515
  • وفاة طغان خان وولاية أخيه أرسلان خان 515
  • انتقاض قراخان على ارسلان وصلحه 515
  • أخبار قرا خان 516
  • الخبر عن طقفاج خان وولده

517 مقتل قدرخان صاحب سمرقند 519 انتقاض محمد خان عن سنجر 520 استيلاء السلطان سنجر على سمرقند 520 استيلاء الخطا على تركستان وبلاد ما وراء النهر وانقراض دولة الخانية 520 إجلاء القارغية من وراء النهر 523 الخبر عن دولة الغورية القائمين بالدولة العباسية بعد بني سبكتكين وما كان لهم من السلطان والدولة وابتداء أمرهم ومصائر أحوالهم 523

  • مقتل محمد بن الحسين الغوري وولاية أخيه الحسين شاه ثم أخيه شوري 524
  • مقتل شورى بن الحسين وولاية أخيه علاء الدين بن الحسين واستيلاؤه على غزنة وانتزاعها منه 524
  • انتقاض شهاب الدين وغياث الدين على عمهما علاء الدولة 525
  • وفاة علاء الدولة وولاية غياث الدين ابن أخيه من بعده وتغلب الغز على غزنة 525
  • استيلاء شهاب الدين الغوري على لهاور ومقتل خسروشاه صاحبها 526
  • استيلاء غياث الدين على هراة وغيرها من خراسان

526

  • فتح أجرة على يد شهاب الدين

527

  • حروب شهاب الدين مع الهنود وفتح دلهي وولاية قطب الدين ايبك عليها 527
  • مقتل ملك الغور محمد بن علاء الدين 528
  • الفتنة بين الغورية وبين خوارزم شاه على ما ملكوه من بلاد خراسان

528 غزوة شهاب الدين إلى الهند وهزيمة المسلمين بعد الفتح ثم غزوته الثانية وهزيمة الهنود وقتل ملكهم وفتح أجمير 530 غزوة بناوس ومقتل ملك الهند ثم فتح بهنكر 531 استيلاء الغورية على بلخ وفتنتهم مع الخطا بخراسان 531 استيلاء الغورية على ملك خوارزم شاه بخراسان 532

  • فتح نهرواكد من الهند 534
  • إعادة علاء الدين محمد صاحب خوارزم ما أخذه الغورية من خراسان 534
  • حصار هراة 535
  • وفاة غياث الدين وانفراد شهاب الدين بالملك

536 فتنة الغور مع محمد بن تكش صاحب خوارزم وحصار هراة ثم حصارهم خوارزم وحلاب شهاب الدين مع الخطا 536 حلاب شهاب الدين مع بني كوكر والتتراهية 538

  • مقتل شهاب الدين الغول ي وافتراق المملكة بعده 540
  • قيام الذر بدعوة غياث الدين محمود ابن السلطان غياث الدين

541 مسير بهاء الدين سام إلى غزنة وموته وملك بهاء الدين ابنه بعدة غزنة 541 استيلاء الذر على غزنة 542 أخبار غياث الدين بعد مقتل عمه 543 استيلاء خوارزم شاه على بلاد الغورية بخراسان 544 استيلاء علاء الدين ثانياً على غزنة ثم انتزاع الذر إياها من يده 545 انتقاض عباس في باميان ثم رجوعه إلى الطاعة 546 استيلاء خوارزم شاه على ترمذ ثم الطالقان من يد الغورية 547 خبر غياث الدين مع الذر وايبك مولى أبيه 548 مقتل ابن حرميل واستيلاء خوارزم شاه على هراة 549 مقتل غياث الدين محمود 550 استيلاء خوارزم شاه على غزنة وأعمالها 550 استيلاء الذر على لهاور ومقتله 551 الخبر عن دولة الديلم وما كان لهم من الملك والسلطان في ملة الإسلام 551 الخبر عن قواد الديلم وتغلبهم على أعمال الخلفاء بفالس والعراقين 554 أخبار ليلي بن النعمان ومقتله 55 أخبار سرخاب بن وهشوذان ومهلكه وقيام ماكان بن كالي بمكانه 556 بداية أسفار بن شيرويه وتغلبه على جرجان ثم طبرستان 557

  • استيلاء أسفار على الري واستفحال أمره 558
  • مقتل أسفار وملك مرداويج 559
  • استيلاء مرداويج علم طبرستان وجرجان 560

استيلاء مرداويج على همذان والجبل وحروبه مع عساكر المقتدر 560 خبر لشكري في أصفهان 561 استيلاء مرداويج على أصفهان 562 قدوم وشمكير على أخيه مرداويج 562 خبر مرداويج مع ابن سامان على جرجان 562 بداية أمر بني بويه 563 ولاية عماد الدولة بن بويه على كرج وأصفهان 564 استيلاء ابن بويه على أرجان وأخواتها ثم على شيراز وبلاد فارس 565 استيلاء ماكان بن كالي على الريّ 566 مقتل مرداويج وملك أخيه وشمكير من بعده 567 مسير معز الدولة بن بويه إلى كرمان وهزيمته 569 استيلاء ماكان على جرجان وانتقاضه على ابن سامان 570 الخبر عن دولة بني بويه من الديلم المتغلبين على العراقين وفارس 571 استيلاء معز الدولة بن بويه على الأهواز 571 انتزاع وشمكير أصفهان من يد ركن الدولة ومسيره إلى واسط ثم استرجاعه أصفهان 572 مسير معز الدولة إلى واسط والبصرة 573 استيلاء معز الدولة بن بويه على بغداد واق راج أحكام الخلافة في سلطانه 574

  • خلع المستكفي وبيعة المطيع وما حدق في الجباية والإقطاع 575
  • مسير ابن حمد ان إلى بغداد وانهزامه أمام معز الدولة 576
  • استيلاء معز الدولة على البصرة والموصل وصلحه مع ابن حمدان

577 بداية بني شاهين ملوك البطيحة أيام بني بويه 579 وفاة عماد الدولة ابن بويه وولاية عضد الدولة ابن أخيه على بلاد فارس مكانه 479 وفاة الصيمري ووزارة المهلبي 580

  • مسير عساكر ابن سامان على الري ورجوعها 580

استيلاء ركن الدولة ثانيا على طبرستان وجرجان 581 إقامة الدعوة لبني بويه بخراسان 582 مسير عساكر ابن سامان على الري وأصفهان 582 خروج روزبهان على معز الدولة وميل الديلم إليه 583 استيلاء معز الدولة على الموصل ثم عودها 584

  • العهد لبختيار 585
  • استيلاء ركن الدولة على طبرستان وجرجان 585

ظهور البدعة ببغداد 585 وفاة الوزير المهلبي 586 استيلاء معز الدولة ثالثاً على الموصل 586 استيلاء معز الدولة على عمان 587 وفاة معز الدولة وولاية ابنه بختيار 588 مسير عساكر ابن سامان إلى الري ومهلك وشمكير 589 استيلاء عضد الدولة على كرمان 589 مسير ابن العميد إلى حسنويه ووفاته 590 انتقاض كرمان على عضد الدولة 591 عزل أبى الفضل وإزالة ابن بقية 592 استيلاء بختيار على الموصل ثم !جوعه عنها 593 الفتنة بين الديلم والأتراك وانتقاض سبكتكين 594 مسير بختيار لقتال سبكتكين وخروج سبكتكين إلى واسط ومقتله 594 استيلاء عضد الدولة على العراق واعتقال بختيار ثم عوده إلى ملكه 595 أخبار عضد الدولة في ملك عمان 597 اضطراب كرمان على عضد الدولة 597

وفاة ركن الدولة وملك ابنه عضد الدولة 598 مسير عضد الدولة إلى العراق وهزيمة بختيار 599

  • نكبة أبي الفتح في العميد 599
  • استيلاء عضد الدولة على العراق ومقتل بختيار وابن بقية

600 استيلاء عضد الدولة على أعمال بني حمدان 600 إيقاع العساكر ببني شيبان 610 وصول ولد بن منير البطريق الخارج على ملك الروم إلى ديار بكر والقبض عليه 602 دخول بني حسنويه في الطاعة وبداية أمرهم 603 استيلاء عضد الدولة على همذان والري من يد أخيه فخر الدولة وولاية أخيهما مؤيد الدولة عليها 604 استيلاء عضد الدولة على بلاد الهكارية وقلعة سندة 605 وفاة عضد الدولة وولاية ابنه صمصام الدولة 605 استيلاء شرف الدولة بن عضد الدولة على فارس واقتطاعها من أخيه صمصام الدولة 606 وفاة مؤيد الدولة صاحب أصفهان والري وجرجان وعود فخر الدولة إلى ملكه 607

  • انتقاض محمد بن غانم على فخر الدولة 607
  • تغلب باد الكردي على الموصل من يد الديلم ثم رجوعها إليهم 608

استيلاء صمصام الدولة على عمان ورجوعها لمشرف الدولة 609 خروج أبي نصر بن عضد الدولة على أخيه صمصام الدولة وانهزامه وأسره 609 استيلاء القرامطة على الكوفة بدعوة مشرف الدولة ثم انتزاعها منهم 610

  • استيلاء مشرف الدولة على الأهواز ثم على بغداد واعتقال صمصام الدولة 611
  • أخبار مشرف الدولة في بغداد مع جنده ووزرائه

612 وفاة مشرف الدولة وولاية أخيه بهاء الدولة 613

  • وثوب صمصام الدولة بفارس وأخباره مع على ابن أخيه مشرف الدولة 613
  • مسير فخر الدولة صاب الري وأصفهان وهمذان إلى العراق وعوده 614
  • مسير بهاء الدولة إلى أخيه صمصام الدولة بفارس 615
  • القبض على الطائع ونصب القادر للخلافة 615
  • رجوع الموصل إلى بهاء الدولة 616
  • أخبار ابن المعلم 616
  • خروج أولاد بختيار وقتلهم 617
  • استيلاء صمصام الدولة، على الأهواز ورجوعها منه 617

استيلاء صمصام الدولة على الأهواز ثم على البصرة 619 وفاة الصاحب ابن عباد 620 وفاة فخر الدولة صاحب الري وملك ابنه مجد الدولة 620 وفاة العلاء بن الحسن صاحب خوزستان 621 مقتل صمصام الدولة 621 استيلاء بهاء الدولة على فارس وخوزستان 622 مقتل ابن بختيار بكرمان واستيلاء بهاء الدولة عليها 622 مسير ظاهر بن خلف إلى كرمان واستيلاؤه عليها ثم ارتجاعها 623 حروب عساكر بهاء الدولة مع بني عقيل 623 الفتنة بين أبي على وأبي جعفر 624 الفتنة بين مجد الدولة صاحب الريّ وبين أمّه واستيلاء ابن خالها علاء الدين بن كاكويه على أصفهان 625 وفاة عميد العراق وولاية فخر الملك 625 وفاة بهاء الدولة وولاية ابنه سلطان الدولة 627 استيلاء شمس الدولة على الريّ من يد أخيه مجد الدولة ورجوعه عنها 627 مقتل فخر الملك ووزارة ابن سهلان 627 انتقاض أبي الفورس على أخيه سلطان الدولة 628 وثوب مشرف الدولة على أخيه سلطان الدولة ببغداد واستبد اده آخرا بالملك 629 استيلاء ابن كاكويه على همذان 630 وزارة أبي القاسم المغربي لمشرف الدولة ثم عزله 630 وفاة سلطان الدولة بفارس وملك ابنه أبي كليجار وقتل ابن مكرم 631 وفاة مشرف الدولة وملك أخيه جلال الدولة 632 استيلاء جلال الدولة على ملك بغداد 633

  • أخبار ابن كاكويه صاحب أصفهان مع الأكراد ومع الأصبهبذ 633
  • دخول خفاجة في طاعة أبي كليجار 634
  • شغب الأتراك على جلال الدولة

635 استيلاء أبي كليجار على البصرة ثم على كرمان 635 قيام بني دبيس بدعوة أبي كليجار 636 استيلاء أبي كليجار على واسط ثم انهزامه وعودها لجلال الدولة 636 استيلاء محمود بن سبكتكين صاب خراسان على بلاد الريّ والجيل وأصفهان 637 أخبار الغز بالريّ وأصفهان وأعمالها وعودهما إلى علاء الدولة 638 استيلاء مسعود بن سبكتكين على همذان وأصفهان والريّ ثم عودها إلى علاء الدولة بن كاكويه 640 استيلاء جلال الدولة على البصرة ثم عودها لأبي كليجار 641 وفاة القادر ونصب القائم للخلافة 641 وثوب الأتراك ببغداد بجلال الدولة بدعوة أبي كاليجار ثم رجوعهم إلى جلال الدولة 642 استيلاء جلال الدولة على البصرة ثانيا ثم عودها لأبي كاليجار 643 إخراج جلال الدولة من دار الملك ثم عوده 643

  • فتنة بادسطفان ومقتله 644
  • مصالحة جلال الدولة وأبي كاليجار 645

عزل الظهير أبي القاسم عن البصرة واستقلال أبي كاليجار بها 645 أخبار عمان وابن مكرم 646 وفاة جلال الدولة سلطان بغداد وولاية أبي كاليجار 647 أخبار ابن كاكويه مع عساكر مسعود وولايته على أصفهان ثم ارتجاعه منها 648 وفاة علاء الدولة أبي جعفر بن كاكويه 649 موت أبي كاليجار 651 ملك الملك الرحيم بن أبي كاليجار ومواقعه 652

  • الفتنة بين البساسيري وبني عقيل واستيلاؤه على الأنبار 654
  • استيلاء الخوارج على عمان 655
  • الفتنة بين العامّة ببغداد 655
  • استيلاء الملك الرحيم على البصرة

656 استيلاء فلأستون على شيراز بدعوة طغرلبك 656 وقائع البساسيري مع الأعراب والأكراد لطغرلبك 657 فتنة الأتراك واستيلاء عساكر طغرلبك على النواحي 657 الوحشة بين القائم والبساسيري 658 وثوب الأتراك بالبساسيري ونهب داره 659 استيلاء طغرلبك على بغداد والخليفة ونكبة الملك الرحيم وانقراض دولة بني بويه 659 الخبر عن دولة وشمكير وبنيه من الجيل إخوة الديلم وما كان لهم من الملك والسلطان بجرجان وطبرستان و أوّلية ذلك ومصائره 661 استيلاء عساكر خراسان على الري والجيل وملك وشمكير طبرستان 662 استيلاء الحسن في الفيرزان على جرجان 662 رجوع الري لوشمكير واستيلاء ابن بويه عليها 663 استيلاء وشمكير على جرجان 664 استيلاء لكن الدولة على طبرستان وجرجان 664

  • وفاة وشمكير وولاية ابنه بهستون 664
  • وفاة بهستون وولاية أخيه قابوس 665
  • استيلاء عضد الدولة على جرجان وطبرستان 665
  • عودة قابوس إلى جرجان وطبرستان 666
  • مقتل قابوس وولاية ابنه منوجهر 667

وفاة منوجهر وولاية ابنه أنوشروان 668 الخبر عن دولة مسافر من الديلم بأذربيجان ومصائره 668 استيلاء المرزبان بن محمد بن مسافر على أذربيجان 669 استيلاء الروس على مدينة بردعة وظفر المرزبان بهم 670

  • مسير المرزبان إلى الري وهزيمته وجيشه 671
  • وفاة المرزبان وولاية ابنه خستان

673 مقتل خستان وإخوته واستيلاء عمهم وهشودان على أذربيجان 673 استيلاء إبراهيم بن المرزبان ثانيا على أذربيجان 674 دخول الغز أذربيجان 675 استيلاء طغرلبك على أذربيجان 676 الخبر عن بني شاهين ملوك البطيحة ومن ملكها من بعدهم من قرابتهم وغيرهم وابتداء ذلك ومصائره 677 مسير العساكر إلى عمران بن شاهين وانهزامها 678 وفاة عمران بن شاهين وقيام ابنه الحسن مقامه ومحاربته عساكر عضد الدولة 679 مقتل الحسن بن عمران وولاية أخيه أبي الفرج 679 مقتل أبي الفرج وولاية أبي المعالي بن الحسن 680 استيلاء المظفر وخلع أبي المعالي 680 وفاة المظفر وولاية مهذب الدولة 680

  • بعث ابن واصل على البطيحة وعزل مهذب الدولة 681

عود مهذب الدولة إلى البطيحة 682 وفاة مهذب الدولة وولاية ابن أخته عبد الله بن نسي 683 وفاة ابن نسي وولاية السراني 683 نكبة السراني وولاية صدقة المازياري 683 وفاة صدقة وولاية سابور بن المرزبان 684 عزل سابور وولاية أبي نصر 684 عصيان أهل البطيحة على أبي كاليجار 684 استيلاء أبي كاليجار على البطيحة 685 ولاية مهذب الدولة بن أبي الخير على البطيحة 685

  • ولاية نصر بن النفيس والمظفر بن حماد من بعده على البطيحة 686
  • إجلاء بني معروف من البطيحة 687
  • الخبر عن دولة بني حسنويه من الأكراد القائمين بالدعوة العباسية بالدينور والصامغان 687
  • وفاة حسنويه وولاية ابنه بدر 688
  • حروب بدر بن حسنويه وعساكر مشرف الدولة 689
  • مسير ابن حسنويه لحصار بغداد مع أبي جعفر بن هرمز 690
  • انتقاض هلال بن بدر بن حسنويه على أبيه وحروبهما 691
  • استيلاء ظاهر بن هلال على شهرزور 692
  • مقتل بدربن حسنويه وابنه هلال 692
  • مقتل ظاهر بن هلال واستيلاء أبي الشوك على بلادهم ورياستهم 693
  • الفتنة بين أبي الفتح بن أبي الشوك وعمه مهلهل 694
  • استيلاء نيال أخي طغرلبك على ولاية أبي الشوك 695
  • وفاة أبي الشوك وقيام أخيه مهلهل مقامه 696
  • استيلاء سعدي بن أبي الشوك على أعمالهم بدعوة السلجوقية 696
  • نكبة سرخاب واستيلاء نيال على أعمالهم كلها 697
  • بقية أخبار مهلهل وابن أبي الشوك وانقراض أمرهم 697
  • الفهرس 701

تم بحمد الله


تتمة دولة بني سامان وراء النهر

تاريخ ابن خلدون المجلد الرابع من ص400 - حتى النهاية

أذربيجان

<نص مفقود>

وبهرام حشيش من أهل الريّ ونسبهم إليه هكذا: أسد بن سامان خذاه بن جثمان بن طغان بن نوشردين بن بهرام نجرين بن بهرام حشيش. ولا وثوق لنا بضبط هذه الأسماء. وكان لأسد أربعة من الولد: نوح وأحمد ويحيى والياس، وأصل دولتهم، هذه فيما وراء النهر أنّ المأمون لما وليَ خراسان اصطنع بني أسد هؤلاء، وعرف لهم حق سلفهم واستعملهم. فلمّا انصرف إلى العراق ولّى على خراسان غسّان بن عبّاد من قرابة الفضل بن طاهر، مكان إبنه إسحق، ومحمد بن الياس. ثم مات أحمد بن أسد بفرغانة سنة إحدى وستين ، وكان له من الوُلْد سبعة: نصر ويعقوب ويحيى وإسمعيل وإسحق وأسد وكنيته أبو الأشعث، وحميد وكنيته أبو غانم. ولما توفي أحمد، وكانت سمرقند من أعماله، استخلف عليها ابنه نصراً، وأقام في ولايتها أيام بني طاهر و بعدهم. وكان يلي أعماله من قبل ولاة خراسان إلى حين انقراض أمر بني طاهر واستيلاء الصفّار على خراسان.

ولاية نصر بن أحمل علي ما وراء النهر

ولما استولى الصفّار على خراسان، وانقرض أمر بني طاهر، عقد المعتمد لنصر بن أحمد على أعمال ما وراء النهر، فبعث جيوشه إلى شطّ جيحون مسلحة من عبور الصفّار فقتل مقدّمهم. ورجعوا إلى بخارى. وخشيهم واليها على نفسه ففرّ عنها. وولوا عليهم ثم عزلوا، ثم ولّوا ثم عزلوا، فبعث نصر أخاه إسمعيل على شط بخارى. وكان يعظم محلّه ويقف في خدمته. ثم ولّى على غزنة أبا إسحق بن التكين. ثم ولّى على خراسان من بعد ذلك رافع بن هرثمة بولاية بني طاهر، وأخرج عنها الصفار. وحصلت بينه وبين إسمعيل أعمال خوارزم فولاّه إياها، وفسد ما بين إسمعيل وأخيه نصر، وزحف إليه سنة إثنتين وسبعين فأرسل قائده حمويه بن عليّ إلى رافع يستنجده، فسار إليه بنفسه منها، وأصلح بينهما ورجع إلى خرا سان. ثم انتقض ما بينهما وتحاربا سنة خمس وسبعين، وظفر إسمعيل بنصر. ولما حضر عنده ترجّل له إسمعيل وقبّل يده وردّه إلى كرسي إمارته بسمرقند. وأقام نائباً عنه ببخاري، وكان إسمعيل خيّراً مكرماً لأهل العلم والدين.

وفاة نصر بن أحمد وولاية أخيه إسمعيل علي ما وراء النهر

ثم توفي نصر سنة تسع وسبعين، وقام مكانه في سلطان ما وراء النهر أخوه إسمعيل وولاّه المعتضد. ثم ولاّه خراسان سنة سبع وثمانين، وكان سبب ولايته

على خراسان أنّ عمرو بن الليث كان المعتضد ولاّ خراسان، وأمره بحرب رافع بن هرثمة فحاربه وقتله، وبعث برأسه إلى المعتضد، وطلب منه ولاية ما وراء النهر فولاّه وسير العساكر لمحاربة إسمعيل بن أحمد مع محمد بن بشير من خواصه، فانتهوا إلى آمد بشط جيجون. وعبر إليهم إسمعيل فهزمهم وقتل محمد بن بشير، ورجع إلى بخارى فسار عمرو بن الليث من نيسابور إلى بلخ يريد العبور إلى ما وراء النهر، فبعث إليه إسمعيل يستعطفه بأن الدنيا العريضة في يدك وإنما لي هذا الثغر فأبى ولجّ. وعبر إسمعيل النهر، وأحاط به، وهو على نجد فصار محصورا وسأل المحاجزة فأبى إسمعيل وقاتله فهزمه. وأخذه بعض العسكر أسيرا، وبعث به إلى سمرقند. ثم خّيره في إنفاذه إلى المعتضد فاختاره فبعث به إليه، ووصل إلى بغداد سنة ثمان وثمانين، وأدخل على جمل وحبس. وأرسل المعتضد إلى إسمعيل بولاية خراسان كما كانت لهم فاستولى عليها، وصارت بيده. ولما قُتل عمرو بن الليث طمع محمد بن زيد العلوي صاحب طبرستان والديلم في لملك خراسان، فسار إليها، وهو يظن ان إسمعيل بن احمد لا بريدها ولا يتجاوز عمله، فلما سار إلى جرجان، وقد وصل كتاب المعتضد إلى إسمعيل بولاية خراسان، فكتب إليه ينهاه عن المسير إليها فأبى، فسّرح إليه محمد بن هرون قائد رافع، وكان قد فارقه عند هزيمته ومقتله. ولحق بإسمعيل فسرّحه في العساكر لقتال محمد بن زيد العلوي ولقيه على جرجان فانهزم محمد بن زيد وغنم ابن هرون عساكره، وأصابت محمد بن زيد جراحات هلك لأيام منها. وأسر إبنه زيد فانزله إسمعيل ببخارى، وأجرى عليه، وسار محمد بن هرون إلى طبرستان فملكها، وخطب فيها لإسمعيل وولاّه إسماعيل عليها.

استيلاء إسماعيل علي الري

كان محمد بن هرون قد انتقض في طبرستان على إسمعيل، وخلع دعوة العبّاسيّة، وكان الوالى على أهل الري من قبل المكتفي أغرتمش التركي، وكان سئ السيرة فيهم فاستدعوا محمد بن هرون من طبرستان فسار إليهم، وحارب أغرتمش فقتله، وقتل إبنين له، وأخاه كيغلغ من قواد المكتفي. واستولى على الري فكتب المكتفي إلى إسمعيل بولاية الريّ، وسار إليها فخرج محمد بن هرون عنها إلى قزوين وزنجان، وعاد إلى طبرستان، واستعمل إسمعيل بولاية الذين على جرجان فارس الكبير. وألزمه بإحضار محمد بن هرون فكاتبه. فارس، وضمن له إصلاح حاله، فقبل قوله وانصرف عن حسّان الديلمي إلى بخارى في شعبان سنة تسعين ومائتين. ثم قُبِض في طريقه، وأُدْخِل إلى بخارى مقيّداً فحبس بها، ومات لشهرين.

وفاة إسمعيل بن أحمد وولاية ابنه أحمد

ثم توفي إسمعيل بن أحمد صاحب خراسان وما وراء النهر في منتصف سنة خمس وتسعين ومائتين، وكان يلقّب بعد موته بالماضي، وولىَ بعده أبو نصر أحمد، وبعث إليه المكتفي بالولاية، وعقد له لواءه بيده. وكان إسمعيل عادلاً حسن السيرة حليماً. وخرجت الترك في أيامه سنة إحدى وتسعين ومائتين إلى ما وراء النهر في عدد لا يحصى، يقال كان معهم سبعمائة قبّة، وهي لا تكون إلا للرؤساء، فاستنفر لهم إسمعيل الناس، وخرج من الجند والمتطوّعة خلق كثير. وخرجوا إلى الترك وهم غارّون فكبسوهم مصبحين، وقتلوا منهم ما لا يحصى وانهزم الباقون. واستبيح عسكرهم. ولما مات ولىَ إبنه أبو نصر أحمد، واستوسق أمره ببخارى بعث عن عمّه إسحق بن أحمد من سمرقند فقبض عليه، وحبسه. ثم عبر إلى خراسان ونزل نيسابور، وكان فارس الكبير مولى أبيه عاملاً على جرجان، وكان ظهر له أنّ أباه عزله عن جرجان بفارس هذا. وكان فارس قد وليَ الريّ وطبرستان، وبعث إلى إسمعيل أحمد بثمانين حملاً من المال، فلما سمع بوفاة إسمعيل استردّها من الطريق. وحقد له أبو نصر ذلك كله فخافه فارس. فلما نزل أبو نصر نيسابور كتب فارس إلى المكتفي يستأذنه في المسير إليه، وسار في أربعة آلاف فارس، وأتبعه أبو نصر فلم يدركه. وتحصّن منه عامل أبي نصر بالريّ، ووصل إلى بغداد فوجد المقتدر قد وليَ بعد المكتفي، وقد وقعت حادثة ابن المعين فولاّه المقتدر ديار ربيعة، وبعثه في طلب بني حمدان، وخشي أصحاب المقتدر أن يتقدّم عليهم فوضعوا عليه غلاماً له فسمّه، ومات الموصل وتزوج الغلام امرأته.

استيلاء أحمد بن إسمعيل علي سجستان

كانت سجستان في ولاية الليث بن علي بن الليث، وخرج إلى طلب فارس فأسره مؤنس الخادم، وحُبس ببغداد وولى على سجستان أخوه المعدّل. ثم سار أبو نصر أحمد بن إسمعيل سنة سبع وتسعين من بخارى إلى الري، ثم إلى هراة، وطمع في ملك سجستان فبعث إليه العسكر في محرّم سنة ثمان وتسعين مع أعيان قوّاده: أحمد بن سهل، ومحمد بن المظفّر وسيمجور الدواتيّ، والحسين بن علي المروروذيّ. فلما بلغ الخبر ألى المعدّل، بعث أخاه محمد بن علي إلى بست والزنج فحاصرته العساكر بسجستان. وسار أحمد بن إسمعيل إلى بُست فملكها، وأسر محمد بن علي، وبلغ الخبر إلى المعدّل فاستأمن إلى الحسين فملكها، وحمل المعدّل معه إلى بخارى. وولّى الأمير على سجستان أبا صالح منصور بن عمّه إسحق بن أحمد، وكان قد قبض على إسحق لأوّل ولايته. ثم أطلقه الآن وأعاده إلى سمرقند وفرغانة. وقد كان سبُكري هزمته عساكر المقتدر بفارس، وخرج إلى مفازة سجستان فبعث الحسين عسكراً لاعتراضه، وأُخِذَ أسيراً، وبعثوا به وبمحمد بن علي إلى بغداد. وبعث المقتدر إلى أحمد بالخلع والهدايا. ثم انتقض أهل سجستان على سيجور الدواني، وولّوا منصور ابن عمه إسحق على نيسابور

قتل أبي نصر أحمد بن إسمعيل وولاية ابنه نصر

ثم قُتِل أبو نصرأحمد صاحب خراسان وما وراء النهر آخر جمادى الآخرة سنة إحدى وثلثمائة، وكان مولعاً بالصيد فخرج إلى برير متصيّداً. وكان له أسد يربط كل ليلة على باب خيمته، فأغفل ليلة، فعدا عليه بعض غلمانه وذبحوه على سريره. وحمل إلى بخارى فدفن بها، ولقّب الشهيد، وقتل من وُجد من أولئك الغلمان. وولىَ الأمير مكانه إبنه أبا الحسن نصر بن أحمد وهو ابن ثَمان سنين، ولّقب السعيد. وتولّى الأمور له أصحاب أبيه ببخارى، وحمله على عاتقه أحمد بن الليث مستولي الأمور. وانتقض عليه أهل سجستان وعمّ أبيه إسحق بن أحمد بسمرقند، وإبناه منصور والياس ومحمد بن الحسين ونصر بن محمد وأبو الحسين بن يوسف والحسن بن علي المروروذيّ وأحمد بن سهل وليلى بن النعمان من الديلم صاحب العلويّين بطبرستان، ومعه سيمجور وأبو حسين بن الناصر الأطروش وقراتكين، وخرج عليه إخوته يحيى ومنصور وإبراهيم بنو أبيه وجعفر بن داود ومحمد بن الياس، ومرداويج ووشكمير ابنا زياد من أمراء الديلم، وكان سعيد نصر مظفّراً على جميعهم.

انتقاض سجستان

ولما قتل أحمد بن إسمعيل انتقض أهل سجستان وبايعوا للمقتدر، وبعثوا إليه وأخرجوا سيجور الدواتي، فأضافها المقتدر إلى بدر الكبير، وأنفذ إليها الفضل بن حميد وأبا يزيد من قبل السعيد نصر، وسعيد الطالقاني بغزنة كذلك فقصدها الفضل وخالد واستوليا على غزنة وبستة، وقبضا على سعيد الطالقاني وبعثا به إلى بغداد. وهرب عبيد الله الجهستاني. ثم اعتل الفضل وانفرد خالد بالأمور. ثم انتقض فأنفذ إليه المقتدر أخا نجح الطولونيّ فهزمه خالد، وسار إلى كرمان فأنفذه إليه بدر الجيش فأخذ أسيرا ومات، وحمل إلى بغداد.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

انتقاض إسحق العمّ وابنه الياس

كان إسحق بن أحمد عم الأمير أحمد بن إسمعيل والياً على سمرقند، فلما بلغه مقتل الأمير أحمد، وولاية إبنه السعيد نصر، دعا لنفسه بسمرقند، وتابعه إبنه الياس على ذلك. وساروا إلى بخارى فبرز إليهم القائد حمويه بن عليّ فهزمهم إلى سمرقند. ثم جمعوا وعادوا فهزمهم ثانية،وملك سمرقند من أيديهم عنوة. واختفى إسحق وجدّ حمويه في طلبه فضاق به مكانه، واستأمن إلى حمويه وحمله إلى بخارى ،وأقام بها إلى أن هلك، ولحق الياس بفرغانة فأقام بها إلى أن خرج ثانية كما يأتي.

ظهور الأطروش واستيلا ؤه علي طبرستان

قد تقدّم لنا في أخبار العلويّة شأن دولة الاطروش وبنيه بطبرستان، وهو الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمرو بن علي بن الحسن السبط، وأنه استعمل الأمير أحمد على طبرستان مكانه أبا العبّاس أحمد عبد الله بن محمد بن نوح فأحسن السيرة، وعدل في الرعية، وأكرم العلويّة وبالغ في الإكرام والإحسان إليهم. واستمال رؤساء الديلم وهاداهم، وكان الحسن الأطروش قد دخل إليهم بعد قتل محمد بن زيد، وأقام فيهم ثلاث عشرة سنة يدعوهم إلى الإ سلام، ويقتصر منهم على العُشْر، ويدافع عنهم ملكهم ابن حسّان فأسلم منهم خلقٌ كثيرٌ، واجتمعوا إليه، وبنى في بلادهم المساجد، ودعاهم للمسير معه إلى طبرستان فلم يجيبوه إلى ذلك. ثم عزل أبو العبّاس، وتولّى سلام فلم يحسن سياسة الديلم فخرجوا عليه، وقاتلوه فهزمهم، واستعان بالأمير أحمد السعيد، فأعاد الأمير أحمد إليها ابن نوح، فاستعمل عليها أبا العبّاس محمد بن إبراهيم صعلوك، ففسد ما بينه وبين الديلم بإساءة السيرة وعدم السياسة. فطلبهم الأُطروش في الخروج معه فخرجوا، ولقيهم ابن صعلوك على مرحلة من سالوس وهي ثغر طبرستان فانهزم، وقتل من أصحابه أربعة آلاف، وحصر الأطروش الباقين، ثم أمَّنهم وعاد إلى آمد. وسار إليهم الحسن بن القاسم العلويّ الداعي صهر الأُطروش فقتلهم، متعللا عليهم بأنه لم يحضر لعهدهم. واستولى الأطروش على طبرستان سنة إحدى وثلثمائة أيام السعيد نصر، وخرج صعلوك إلى الريّ متعلّلاً عليهم، ومنها إلى بغداد. وكان الذين أسلموا على يد الأطروش الديلم من وراء أسفيجاب إلى آمد، فيهم شيعة زيدية. وكان الأطروش زيديًّا. وخرجت طبرستان يومئذ من ملك بني سامان.

انتقاض منصور بن إسحق العم والحسين والمروروذي

كان الأمير أحمد بن إسمعيل لما افتتح سجستان ولّى عليها منصور ابن عمّه إسحق، وكان الحسين بن عليّ هو الذي تولّى فتحها وطمع في ولايتها. ثم افتتحها ثانياً كما ذكرنا فوليا سيجور الدواتي فاستوحش الحسين لذلك، وداخل منصور بن إسحق في الانتقاض ،على أن تكون إمارة خراسان لمنصور والحسين بن علي خليفته على أعماله. فلما قتل الأمير أحمد انتقض الحسين بهراة، وسار إلى منصور بنيسابور فانتقض أيضاً، وخطب لنفسه سنة إثنتين وثلثمائة.وسار القائد حمويه بن علي من بخارى في العساكر لمحاربتهما، ومات منصور قبل وصوله فلما قارب حمويه نيسابور، سار الحسين عنها إلى هراة، وأقام بها. وكان محمد بن جند على شرطته من مدة طويلة، وبعث من بخارى بالنكير فخشي على نفسه، وعذل عن الطريق إلى هراة فسار الحسين بن علي من هراة إلى نيسابور، بعد أن استخلف عليها أخاه منصوراً فملك نيسابور، فسار إلى محاربته من بخارى أحمد بن سهل فحاصر هراة وملكها من منصور على الأمان. ثم سار إلى نيسابور فحاصر بها الحسين وملكها عنوة، وأسر الحسين سنة إثنتين وثلثمائة. وأقام أحمد بن سهل بنيسابور، وجاءه ابن جيد مزمر وقبض عليه، وسيّره والحسين بن علي إلى بخارى. فأمّا ابن جيد مزمر فُسّير إلى خوارزم ومات بها، وأمّا الحسين فحبس، ثم خلّصه أبو عبد الله الجهانيّ مدبر الدولة، وعاد إلى خدمة السعيد نصر.

انتقاض أحمد بن سهل بنيسابور وفتحها

كان الأمير أحمد بن سهل من قوّاد إسمعيل، ثم إبنه أحمد، ثم ابنه نصر بن أحمد. قال ابن الأثير: وهو أحمد بن سهل بن هاشم بن الوليد بن جبلة بن كامكان بن يزدجرد بن شهربان الملك. قال: وكان كامكان دهقان بنواحي مَرْو قال: وكان لأحمد إخوة ثلاثة وهم: محمد والفضل والحسين قُتُلوا في عصبيّة العرب والعجم. وكان خليفة عمرو بن الليث على مرو فسخطه وحبسه بسجستان. ثم فرّمن محبسه ولحق بمرو فملكها، واستأمن إلى أحمد بن إسمعيل، وقام بدعوته فاستدعاه إلى بخارى وأكرمه ورفع منزلته. ونظّمه في طبقة القوّاد، وبقي في خدمته وخدمة بنيه، فلما انتقض الحسين بن علي بنيسابور على السعيد نصر بن أحمد بن إسمعيل سنة إثنتين وثلثمائة، سار إليه أحمد بن سهل في العساكر وظفر به كما مرّ. وولّى السعيد نصر بن أحمد بن إسمعيل على نيسابور وقراتكين مولاهم.

مقتل ليلي بن النعمان ومهلكه

كان ليلى بن النُعمان من كبار الديلم، ومن قوّاد الأُطروش، وكان الحسن بن القاسم الداعي قد ولاّه على جرجان سنة ثلاث وثلاثمائة، وكان أولاد الأطروش يحلّونه في كتابهم بالمؤيد لدين الله المنتصر لأولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان كريماً شجاعاً . ولمّا وليَ جرجان سار إليه قراتكين، وقاتله عشرة فراسخ من جرجان، فانهزم قراتكين، واستأمن غلامه فارس إلى ليلى في ألف رجل من أصحابه فأمّنه وأكرمه وزوّجه أخته. واستأمن إليه أبو القاسم بن حفص ابن أخت سهل، وحرّضه على المسير إلى نيسابور، وبها قراتكين. وكان أجناده قد كثروا وضاقت عليهم الأموال فاستأذن الداعي في المسير إلى نيسابور، فأذن له، وسار إليها في ذي الحجة سنة ثمان وثلثمائة فملكها، وأقام بها الخطبة للداعي الحسين بن القاسم. وأنفذ السعيد نصر العساكر من بخارى مع حمويه بن علي، ومحمد بن عبيد الله البلغميّ، وأبي جعفر صعلوك، وخوارزم شاه، وسيجور الدواتيّ، فانهزم أكثر أصحاب حمويه، وثبت القوّاد، وجالت العساكر جولة فانهزم ليلى ودخل آمد. ولحقه بقراخان ملك الترك، جاء مع العساكر مدداً فقبض على ليلى في آمد، وبعث إلى حمويه بذلك، فبعث إليه من قطع رأس ليلى في ربيع سنة تسع وثلثمائة. وبعث به إلى بخارى. وطلب قوّاد الديلم الذين كانوا مع ليلى الأمان فأمّنوهم، بعد أن أشار حمويه بقتلهم، والراحة منهم فلم يوافقوه. وهؤلاء القوّاد هم الذين خرجوا بعد ذلك على الجهات وملكوها: مثل أسفار ومرداويج وشبكين وبني بويه، وستأتي أخبارهم. وبقي فارس غلام قراتكين بجرجان والياً عليها. ثم جاءه قراتكين، واستأمن إليه غلامه فارس فأمّنه. ثم قتله سنة ست عشرة وثلثمائة وانصرف عن جرجان.

حرب سيجور مع ابن الأطروش

ولما قتل قراتكين غلامه سنة ست عشرة وثلثمائة، وانصرف عن جرجان، سار إليها أبو الحسن بن ناصر الأطروش من أستراباذ فملكها، وأنفذ السعيد لحربه سيجور الدواتي في أربعة آلاف فارس فنزل على فرسخين من جرجان، وخرج إليه أبو الحسن في ثمانية آلاف راجل من الديلم فاقتتلا. وكان سيجور قد أكمن لهم، وأبطأ عليه الكمين فانهزم واتبعه سُرخاب. وشغل عساكر أبي الحسن بالنهب. ثم خرج عليهم الكمين بعد ساعة فانهزم أبو الحسن، وقتل من عسكره نحو أربعة آلاف. وركب البحر إلى أُستراباذ. واجتمع إليه فلّ من أصحابه. وجاءه سرُخاب بعد أن رجع عن سيجور، وجمع عيال أصحابه ومخلفهم، وقدم بهم. وأقام سيجور بجرجان. ثم مات سُرخاب، ورجع ابن الأطروش إلى سارية بعد أن استخلف ما كان بن كالي على أستراباذ، واجتمع إليه الديلم وأمَّرُوه. ثم سار إلى أستراباذ ومعه محمد ليظهر غناؤهم فخرج من سارية، وولوا عليها بقراخان، ووصلوا إلى جرجان، ثم إلى نيسابور. ورجع ما كان إلى أستراباذ مع جرجان ولحق بقراخان بنيسابور. وهذا كان مبتدأ أمر ما كان بن كالي وستأتي أخباره.

خروج الياس بن إسحق

قد تقدّم لنا انتقاض إسحق وابنه الياس بسمرقند سنة إحدى وثلثمائة، وكيف غلبهم القائد حمويه. وسار بإسحق إلى بخارى ومات بها. ولحق إبنه الياس بفرغانة فأقام بها إلى سنة ست عشرة وثلثمائة، وأجمع المسير إلى سمرقند، واستظهر بمحمد بن الحسين بن مت من قوّاد بني سامان، واستمدّ أهل فرغانة من الترك فأمدّوه، واجتمع إليه ثلاثون ألف فارس، وقصد سمرقند. وبعث السعيد للمدافعة عنها أبا عمرو، ومحمد بن أسد، وغيره في ألفين وخمسمائة راجل. فلما ورد الياس كمنوا له بين الشجر، حتى إذا اشتغلت عساكره بضرب الأبنية خرجوا عليه، فانهزم الحسن بن ست ولحق بأسفيجاب، ومنها إلى ناحية طراز وكريت فلقيه دهقان الناحية فقتله، وأنفذ رأسه إلى بخارى. ثم استمدّ الياس صاحب الشاش، وهو أبو الفضل بن أبي يوسف فأمدّه بنفسه، وبعث إليه أليسعَ بالمدد، وعاود محاربة الوالي بسمرقند، فانهزم إلى كاشغر، وأسر أبو الفضل وحُمل إلى بخارى فمات بها. وسار الياس إلى كاشغر، وصاحبها طغاتكين من ملوك الترك فصاهره بإبنته وأقام معه.

استيلاء السعيد علي الري

كان المقتدر قد عقد على الريّ ليوسف بن أبي الساج، وسار إليه سنة إحدى عشرة وثلثمائة فملكه من يد أحمد بن علي أخي صعلوك، وقد كان فارق أخاه صعلوكاً، وسار إلى المقتدر فولاّه على الري. ثم انتقض على المقتدر ووصل يده بماكان بن كالي قائد الديلم وأولاد الأطروش وهم بطبرستان وجرجان. وفارق طاعة المقتدر فسار إليه يوسف بن أبي الساج وحاربه فقتله، واستولى على الريّ. ثم استدعاه المقتدر سنة أربع عشرة وثلثمائة إلى واسط لقتال القرامطة، وكتب إلى السعيد نصر بن أحمد بولاية الريّ فاستخلف عليها وأمره بالمسير إليها. وأخذها فاتك مولى يوسف بن أبي الساج فسار نصر السعيد لذلك أوّل سنة أربع عشرة وأربعمائة. فلما وصل إلى جبل قارن منعه أبو نصرالطبري من الاجتياز به فبذل له ثلاثين ألف دينار واسترضاه. وسار إلى الريّ فخرج عنها فاتك، واستولى عليها السعيد منتصف السنة، وأقام بها شهرين، ثم عاد عنها إلى بخارى، واستعمل عليها محمد بن علي الملقّب صعلوك، فأقام بها إلى شعبان سنة ست عشرة، ومرض فكاتب الداعي وماكان بن كالي في القدوم ليسلّم لهم الريّ فقدموا، واستولوا على الري. وسار صعلوك عنها فمات في طريقه. وأقام الحسن الداعي بالريّ مالكاً لها. واستولى معها على قزوين وزنجان وأبهر وقمّ، ومعه ماكان. وكان أسفار قد استولى على طبرستان، فسار الداعي وماكان إليه، والتقوا على سارية فانهزم، وقتل الداعي كما مرّ في أخبار العلويّة بطبرستان.


ولاية أسفار علي جرجان والري

كان أسفار بن شيرويه من أعيان الديلم، وكان من أصحاب ماكان بن كالي. وقد تقدّم لنا أنّ أبا الحسن بن الأطروش ولّى ماكان على أستراباذ، وأنّ الديلم اجتمعوا إليه وأمرّوه، وأنه ملك جرجان، واستولى بعدها على طبرستان، وولّى أخاه أبا الحسن بن كالي على جرجان. وكان أسفار بن شيرويه من قوّاده ،فانصرف مغاضباً عنه سنة خمس عشرة وثلثمائة إلى بكر بن محمد بن أليسع بنيسابور فبعثه بكر إلى جرجان ليفتحها، واضطرب أمر جرجان، لأن ماكان بن كالي اعتقل بها أبا علي الأطروش بنظر أخيه ابن كالي، فوثب الأطروش على أخيه أبي الحسن وقتله، وملك جرجان. واستقدم أسفار بن شيرويه فقدم وضبط أمره، وسار إليهم ماكان من طبرستان في جيوشه فهزموه، واتبعوه إلى طبرستان فملكوها وأقاموا بها.وهلك أبو علي ابن الأطروش بطبرستان، فعاد ماكان بن كالي، وأخرج أسفار بن شيرويه من طبرستان. ثم زحف أسفار إلى الداعي وماكان والتقوا على السيَّاريّة فانهزم الداعي وماكان، وقٌتِل الداعي. واستولى أسفار على طبرستان وجرجان والريّ وقزوين وزنجان وأبهر وقمّ والكرخ. ودعا للسعيد نصر بن أحمد صاحب خراسان. واستعمل على آمد هرون بن بهرام يريد استخلاصه لنفسه، لأن هرون كان يخطب لأبي جعفر من ولد الأطروش فولاّه آمد، وزوّجه ببعض نساء الأعيان بها. وحضر عرسه أبو جعفر، وغيره من العلويّين فهجم عليه أسفار يوم العرس، فقبض على أبي جعفر والعلويّين، وحملهم إلى بخارى فاعتقلوا بها، واستفحل أمر أسفار وانتقض على السعيد صاحب خراسان، وعلى الخليفة المقتدر. وسار السعيد من بخارى إلى نيسابور لمحاربته، وأشار عليه وزيره محمد بن مطرّف الجرجاني بطاعة السعيد، وخوّفه منه فقبل إشارته، ورجع إلى طاعة السعيد، وقبل شروطه من حمل المال وغيره. ثم انتقض عليه مرداويح واستدعى ماكان من طبرستان، وهزم أسفار وقتله. وملك ما بيده من الأعمال كما يذكر في أخبار الديلم. ثم ملك طبرستان وجرجان من يد ماكان، فاستمدّ ماكان السعيد فأمدّه بأبي علي بن محمد المظفرّ فهزمهما مرداويج، وعاد أبو علي إلى نيسابور، وماكان إلى خراسان.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خروج أولاد الأمير أحمد بن إسمعيل علي أخيهم السعيد

كان السعيد نصر بن أحمد لمّا وليَ استراب بإخوته، وكانوا ثلاثة: أبو زكريا يحيى، وأبو صالح منصور، وأبو إسحق إبراهيم أولاد الأمير أحمد بن إسمعيل ،فحبسهم في القندهان ببخارى ووكّل بهم. فلما سار السعيد إلى نيسابور سنة خمس عشرة فتقوا السجن، وخرجوا منه على يد رجل خبّاز من أصفهان يسمّى أبا بكر، داخلهم في محبسهم بتسهيل نفقتهم التي كانت على يده. وجاء إلى القندهان قبل يوم الجمعة الذي كان ميقاتاً لفتحه. وأقام عندهم مُظهراً للزهد والدين، وبذل للبوّاب دنانير على أن يخرجه ليلحق الصلاة في الجماعة، ففتح له الباب، وقد أعدّهم جماعة للوثوب، فحبسوا البواب، وأخرجوا أولاد الأمير أحمد ومن معهم في الحبس من العلويّين والديلم والعيّارين. واجتمع إليهم من كان وافقهم من العسكر والقوّاد، ورأسهم شروين الجبليّ، وبايعوا يحيى ابن الأمير أحمد، ونهبوا خزائن السعيد وقصوره. وقدّم يحيى أبا بكر الخبّاز، وبلغ الخبر إلى السعيد فعاد من نيسابور إلى بخارى. وكان أبو بكر محمد بن المظفّر بن محتاج صاحب خراسان مقيماً بجرجان، فاستدعى ماكان بن كالي، وصاهره، وولاّه نيسابور فسار إليها. ولما جاء السعيد إلى بخارى اعترضه أبو بكر الخبّاز عند النهر فهزمه السعيد، وأسره ودخل بخارى فعذّبه وأحرقه في تنوره الذي كان يخبز فيه. ولحق يحيى بسمرقند، ثم مرّ بنواحي الصغانيان، وبها أبو علي بن أحمد بن أبي بكر بن المظفّر بن محتاج صاحب خراسان مقيماً بجرجان، فاستدعى ماكان بن كالي إلى جرجان، ولقوا بها محمد بن الياس، وقوي أمره فلما جاء يحيى إلى نيسابور خطب له، وأظهر دعوته. ثم قصدهم السعيد فافترقوا، ولحق ابن الياس بكرمان، ولحق يحيى وقراتكين بُبْست والرخَّج، ووصل السعيد إلى نيسابور سنة عشرين وثلثمائة، واصطلح قراتكين وأمّنه، وولاّه بلخ، وذهبت الفتنة. وأقام السعيد بنيسابور إلى أن استأمن إليه أخواه يحيى ومنصور وحضرا عنده وهلكا، وفرّ إبراهيم إلى بغداد، ومنها إلى الموصل. وهلك قراتكين بُبسْت، وصلحت أمور الدولة. وكان جعفر بن أبي جعفر بن داود والياً لبني سامان على الخُتَّل، فاستراب به السعيد، وكتب إلى أبي علي أحمد بن أبي بكر محمد بن المظفّر وهو بالصغانيان أن يسير إليه، فسار إليه وحاربه وكسره، وجاء به إلى بخارى فحبس بها، فلما فتق السجن خرج مع يحيى وصحبهم. ثم لما رأى تلاشي أموره استأذنه في المسير إلى الخُتّل فأذن له فسار إليها، وأقام بها، ورجع إلى طاعة السعيد سنة ثمان عشرة وصلح حاله. (والختل بخاء معجمة مضمومة، وتاء مثناة فوقانية مشددة مفتوحة).

ولاية ابن المظفر علي خراسان

كان أبو بكر محمد بن المظفّر واليا للسعيد نصر على جرجان. ولما استفحل أمر مرداويح بالريّ كما يأتي في أخبار الديلم، خرج عنها ابن المظفّر، ولحق بالسعيد نصر في نيسابور وهو مقيم بها، فسار السعيد في عساكره نحو جرجان، ووقعت المكاتبة بين محمد بن عبيد الله البلغميّ مدبر دولته، وبين مُطَّرف بن محمد، واستماله محمد فمال إليه مطّرف، وقتله سلطانه مرداويح. ثم بعث محمد ينتصح لمرداويح، ويذكره نعمة السعيد عنده في اصطناعه وتوليته، وتطّوق العار في ذلك المطرف الوزير الهالك. ويهوّل عليه أمر السعيد ويخوّفه، ويشير عليه بمسالمة جرجان إليه. وصالحه السعيد عليها. ولما فرغ السعيد من أمر جرجان، وأحكمه استعمل محمد بن المظفّر بن محتاج على جيوش خراسان سنة إحدى وعشرين وثلثمائة، وردّ إليه تدبير الأمور بجميع نواحيها. وسار إلى كرسي ملكه ببخارى واستقرّ بها.

استيلاء السعيد علي كرمان

كان محمد بن الياس من أصحاب السعيد، ثم سخطه وحبسه، وشفع فيه محمد بن عبيد الله البلغمي فأطلقه، وسيّره محمد بن المظفّر إلى جرجان. ثم سار إلى يحيى وإخوته عندما توثبوا ببخارى فكان معه في الفتنة، وخطب له بنيسابور كما مرّ. فلمّا زحف السعيد إليهم فارق يحيى ولحق بكرمان، واستولى عليها. ثم خرج إلى بلاد فارس وبها ياقوت مولى الخلفاء فوصل إليه بأصطخر يريد أن يستأمن له، وأطلع ياقوت على مكره، فرجع إلى كرمان. ثم بعث السعيد ماكان بن كالي في العساكر سنة إحدى وعشرين وثلثمائة، وقاتل ابن الياس وهزمه، وملك كرمان بدعوة السعيد نصر بن أحمد. وسار الياس إلى الدّينور. ثم رجع ماكان عن كرمان على ما نذكره بعد، فرجع إليها ابن الياس. وسبب خروج ماكان أنّ السعيد بعد قتل مرداويح، كتب إليه وإلى محمد بن المظفّر صاحب خراسان أن يقصد جرجان والريّ، وبها وشمكير أخو مرداويح، فجاء ماكان على المفازة، ووصل إلى نيسابور بعد أن كان محمد بن المظفّر قد استولى عليها، بعث إليه مدداً فهزمتهم عساكر وشمكين فأقصر ماكان عن حربهم، وأقام بنيسابور وجعلت ولايتها له. وذلك أوّل سنة أربع وعشرين وثلثمائة. ثم صفت كرمان لمحمد بن الياس بعد حروب مع جيش نصر كان له الظفر فيها آخراً.

استيلاء ماكان علي كرمان وانتقاضه

لما ملك مانحين جرجان، وأقام ماكان بنيسابور، وجُعِلَت ولايتها له، وهلك مانحين لأيام من دخوله جرجان، استنفر محمد المظفّر ماكان للمسير إلى جرجان فاعتلّ بالخروج بجميع أصحابه. وسار إلى أسفراين، فأنفذ عسكراً إلى جرجان، واستولى عليها. ثم انتقض وسار إلى نيسابور، وبها محمد بن المظفّر. وكان غير مستعدّ للحرب فسار نحو سرخس، ودخل ماكان نيسابور سنة أربع وعشرين وثلثمائة. ثم رجع عنها خوفا من اجتماع العساكر.


ولاية علي بن محمد علي خراسان وفتحه جرجان: كان أبو بكر محمد بن المظفّر بن محتاج صاحب خراسان من ولاة السعيد عليها سنة احدى وعشرين وثلثمائة، فلمّا كانت سنة سبع وعشرين وثلثمائة اعتلّ أبو بكر، وطال به مرضه، وقصد السعيد راحته فاستقدم ابنه أبا علي من الصغانيان، وبعثه أميراً على خراسان. واستدعى أباه أبا بكر فلقي إبنه أبا عليّ على ثلاث مراحل من نيسابور فوصّاه، وحمّله حملاً من سياسته. وسار إلى بخارى، ودخل إبنه أبو علي نيسابور من السنة فأقام بها أياما. ثم سار في محرّم سنة ثمان وعشرين وثلثمائة إلى جرجان وبها ماكان بن كالي مستنقضاً على السعيد، وقد غّوروا المياه في طريقه فسلك إليهم غمرة حتى نزل على فرسخ من جرجان، وحاصرها وضيّق عليها، وقطع الميرة عنها حتى جهدهم الحصار. وبعث ماكان بن كالي إلى وشمكير وهو بالريّ فأمدّه بقائد من قوّاده، فلما وصل إلى جرجان شرع في الصلح بينهما لينجو فيه ماكان فتمّ ذلك، وهرب ماكان إلى طبرستان واستولى أبو علي على جرجان سنة ثلاث وعشرين واستخلف عليها إبراهيم بن سيجور الدواتي. استيلاء أبي علي على الريّ وقتل ماكان بن كالي: ولما ملك أبو علي جرجان أصلح أمورها. ثم استخلف عليها إبراهيم بن سيجور، وسار إلى الريّ في ربيع سنة ثمان وعشرين وثلثمائة، وبها وشمكير بن زياد أخو مرداويح قد تغلّب عليها من بعد أخيه. وكان عماد الدولة وركن الدولة إبنا بويه يكاتبان أبا علي صاحب خراسان، ويستحثّانه لقصد الريّ بأنّ أبا عليّ لا يقيم بها لسعة ولايته فتصفو لهما. فلمّا سار أبو علي لذلك بعث وشمكير إلى ماكان بن كالي يستنجده، فسار إليه من طبرستان، وسار أبو علي، وجاءه مدد ركن الدولة بن بويه، والتقوا بنواحي الريّ فانهزم وشمكير وماكان. ثم ثبت ماكان، ووقف مستميتاً فأصابه سهم فقتله، وهرب وشمكير إلى طبرستان فأقام بها، واستولى أبو علي على الريّ سنة تسع وعشرين وثلثمائة، وأنفذ رأس ماكان والأسرى معه إلى بخارى فأقاموا حتى دخل وشمكير في

طاعة بني سامان. وسار إلى خراسان سنة ثلاثين وثلثمائة واستوهبهم الأسرى فأطلقوا له، وبقي الرأس ببخارى ولم يحمل إلى بغداد. استيلاء أبي عليّ على بلد الجبل: ولما ملك أبو علي بن محتاج صاحب خراسان بلد الريّ والجبل من يد وشمكير، وأقام بها دعوة السعيد نصر بعث العساكر إلى بلد الجيل ففتحها، واستولى على زنجان وأبهر وقزوين وقُمّ وكرخ وهمذان ونهاوند والدينور إلى حدود حلوان، ورتّب فيها العمّال وجبى الأموال. وكان الحسن بن الفيرزان بسارية وهو ابن عم ماكان بن كالي، وكان وشمكير يطمع في طاعته له وهو يتمنع، فقصده وشمكير وحاصره بسارية وملكها عليه. واستنجد الحسن أبا عليّ بن محتاج فسار معه لحصار وشمكير بسارية سنة ثلاثين وثلثمائة، وضيّق عليه حتى سأل الموادعة، فصالحه أبو علي على طاعة السعيد نصر، وأخذ رهنه، ورحل عنه إلى جرجان سنة إحدى وثلاثين وثلثمائة. ثم بلغه موت السعيد فعاد أبو عليّ إلى خراسان فملكها، وراسله الحسن بن الفيرزان يستميله، وردّ عليه ابنه سلار الرهينة ليستعين به على الخراسانية، فوعده واطمعه. ولما ملك وشمكير الريّ طمع فيه بنو بويه لأنه كان قد اختلّ أمره بحادثته مع أبي علي، فسار الحسن بن الفيرزان إلى الريّ، وقاتل وشمكير فهزمه، واستأمن إليه الكثير من جنده. وسار وشمكير إلى الريّ فاعترضه الحسن بن الفيرزان من جرجان وهزمه إلى خراسان، وراسل الحسن ركن الدولة، وتزّوج بنته واتصل ما بينهما.

وفاة السعيد نصر وولاية ابنه نوح

ثم أصاب السعيد نصراً صاحب خراسان وما وراء النهر مرضُ السلّ فاعتلّ ثلاثة عشر شهراً، ومات في شعبان سنة إحدى وثلاثين وثلثمائة لثلاثين سنة من ولايته. وكان يؤثر عنه الكرم والحلم، وأخلص في مرضه التوبة، إلى أن توفي. ولما مات وليَ مكانه إبنه نوح، وكان يؤثر الكرم والحلم عنه، وبايعه الناس، ولقّب الحميد، وقام بتدبير ملكه أبوالفضل أحمد بن حويه وهو من أكابر أصحاب أبيه، كان أبوه السعيد ولّى إبنه إسمعيل بخارى في كفالة أبي الفضل وولايته، فأساء السيرة مع نوح، وحقد له ذلك. وتوفي إسمعيل في حياة أبيه، وكان يؤثر أبا الفضل فحذّره من إبنه نوح. فلما وليَ نوح سار أبو الفضل من بخارى وعبر جيحون إلى آمد. وكان بينه وبين أبي علي بن محتاج صهر، فبعث إليه يخبره بقدومه فنهاه عن القدوم عليه. ثم كتب له نوح بالأمان، وولاّه سمرقند وكان على الحاكم صاحب الدولة ولا يلتفت إليه، والآخر يحقد عليه ويعرض عنه. ثم انتقض عبد الله بن أشكام بخوارزم على الأمير نوح فسار من بخارى إلى مرَوْ سنة إثنتين وثلاثين وثلثمائة، وبعث إليه جيشا مع إبراهيم بن فارس فمات في الطريق. واستجار ابن اشكام بملك الترك. وكان ابنه محبوسا ببخارى فبعث إليه نوح بإطلاق إبنه على أن يقبض على ابن أشكام، وأجابه ملك الترك لذلك. ولما علم بذلك ابن أشكام عاد إلى طاعة نوح وعفا عنه وأكرمه.

استيلاء أبي علي على الريّ ودخول جرجان في طاعة نوح

ثم إن الأمير نوحاً سار إلى مَرْو، وأمر أبا علي بن محتاج أن يسير بعساكر خراسان الى الريّ وينتزعها من يد ركن الدولة بن بويه فسار لذلك، ولقي في طريقه وشمكير وافداً على الأمير نوح فبعثه إليه. وسار أبو علي إلى بسطام فاضطرب جنوده، وعاد عنه منصور بن قراتكين من أكابر أصحاب نوح، فقصدوا جرجان، وصدّهم الحسن بن الفيرزان فانصرفوا إلى نيسابور. وسار إلى الأمير نوح بمَرُو فأعاده وأمده بالعساكر. وسار من نيسابور في منتصف ثلاث وثلاثين وثلثمائة وعلم ركن الدولة بكثرة جموعه، فخرج من الري واستولى أبو علي عليها، وعلى سائر أعمال الجبال. وأنفذ نوّابه إلى الأعمال، وذلك في رمضان من سنته. ثم سار الأمير نوح من مَرْو إلى نيسابور، وأقام بها، ووضع جماعة من الغوغاء والعامّة يستغيثون من أبي علي، ويشكون سوء السيرة منه ومن نّوابه، فولى على نيسابور إبراهيم بن سيجور، وعاد عنها، وقصد أن يقيم أبو علي بالري لحسن دفاعه عنها، وينقطع طمعه عن خراسان، فاستوحش أبو علي للعزل وشق عليه. وبعث أخاه أبا العبّاس الفضل بن محمد إلى كور الجبال، وولاّه همذان، وخلافة العساكر، فقصد الفضل نهاوند والدينور، واستولى عليها. واستأمن إليه رؤساء الأكراد بتلك النواحي، وأعطوا رهنهم على الطاعة. وكان وشمكير لما وفد على الأمير نوح بمَرْو كما قدّمناه استمدّه على جرجان، فأمدّه بعسكر، وبعث إلى أبي علي بمساعدته فلقي أبا علي منصرفه في المرّة الأولى من الري إلى نيسابور، فبعث معه جميع من بقي من العسكر، وسار وشمكير إلى جرجان، وقاتل الحسن بن الفيرزان فهزمه، واستولى على جرجان بدعوة نوح بن السعيد، وذلك في صفر سنة ثلاث وثلاثين وثلثمائة.

انتقاض أبي على وولاية منصور بن قراتكين علي خراسان

قد تقدم لنا أنّ الأمير نوحا عزل أبا علي بن محتاج عن خراسان، وكان من قبلها عزله عن ديوان الجند وهو لنظره، وبعث من يستعرض الجند فمحا وأثبت وزاد في العطاء ونقص فاستوحش لذلك كله، واستوحش الجند من التعرّض إليهم بالإسقاط، ولأرزاقهم بالنقصان. وخلص بعضهم إلى بعض بالشكوى، واتفقوا في سيرهم إلى الريّ وهم بهمذان على استقدام إبراهيم بن أحمد أخي السعيد الذي كان قد هرب أمامه إلى الموصل كما تقدم. وظهر أبو علي على شأنهم فنكر عليهم فتهدّدوه، وكاتبوا ابراهيم واستدعوه، جاء إليهم بهمذان في رمضان سنة أربع وثلاثين وثلثمائة. وكاتبه أبو علي، وكتب أخوه الفضل سراً إلى الأمير نوح بذلك. ونمي خبر كتابه إلى أخيه أبي علي فقبض عليه، وعلى متولي الديوان. وسار إلى نيسابور، واستخلف على الريّ والجبل، وبلغ الخبر إلى الأمير نوح، فنهض إلى مَرْو، واضطرب الناس عليه، وشكوا من محمد بن أحمد الحاكم مدبّر ملكه، ورأوا أنه الذي أوحش أبا عليّ وأفسد الدولة، فنقموا ذلك عليه، واعتلّوا عليه فدفع إليهم الحاكم فقتلوه منتصف سنة خمس وثلاثين وثلثمائة. ووصل أبو علي إلى نيسابور وبها إبراهيم بن سيجور ومنصور بن قراتكين وغيرهما من القوّاد فاستمالهم، وساروا معه ودخلها في محرم سنة ست وثلاثين وثلثمائة. ثم ارتاب بمنصور بن قراتكين فحبسه، وسار من نيسابور، ومعه العم إبراهيم إلى مَرْو، وهرب أخوه الفضل في طريقه من محبسه، ولحق بقهستان. ولما قاربوا مَرْو اضطرب عسكر الأمير نوح، وجاء إليهم أكثرهم. واستولى عليها وعلى طخارستان. وبعث نوح العساكر من بخارى مع الفضل أبي علي إلى الصغانيان فأقاموا بها، ودسّ إليهم أبو علي فقبض على الفضل وبعثوا به إلى بخارى. وعاد أبو علي من طخارستان إلى الصغانيان فأقاموا بها في ربيع سنة سبع وثلاثين وثلثمائة ، وقاتل العساكر فغلبوه، ورجع إلى الصغانيان. ثم تجاوزها وأقام قريباً منها، ودخلتها العساكر فخّربوا قصوره، ومساكنه، وخرجوا في اتباعه، فرجع وأخذ عليهم المسالك، فضاقت أحوالهم، وجنحوا إلى الصلح معه، على أن يبعث بابنه أبي المظفّر عبد الله إلى الأمير نوح رهينة، فانعقد ذلك منتصف سنة سبع وثلاثين وثلثمائة. وبعث بإبنه إلى بخارى فأمر نوح بلقائه، وخلع عليه وخلطه بندمائه، وسكنت الفتنة. قال ابن الأثير: هذا الذي ذكره مؤرخوا خراسان في هذه القصة، وأمّا أهل العراق فقالوا: إنّ أبا علي لمّا سار نحو الريّ استمدّ ركن الدولة بن بويه أخاه عماد الدولة فكتب يشير عليه بالخروج عن الريّ، وملكها أبو علي. وكتب عماد الدولة إلى نوح سرًّا يبذل له في الريّ في كل سنة مائة ألف دينار وزيادة على ضمان أبي علي، ويعجّل له ضمان سنة وسجله عليه. ثم دسّ عماد الدولة إلى نوح في القبض على أبي علي وخوّفه منه، فأجاب الأمير نوح إلى ذلك، وبعث تقرير الضمان، وأخذ المال. ودسّ ركن الدولة إلى أبي علي بهمذان، ورجع به على خراسان. وعاد ركن الدولة إلى الريّ، واضطربت خراسان، ومنع عماد الدولة مال الضمان خوفاً عليه في طريقه من أبي علي. وبعث إلى أبي علي. يحرّضه على اللقاء، ويعده بالمدد. وفسد ما بينه وبين إبراهيم وانقبض عنه، وأنّ الأمير نوحاً سار إلى بخارى عند مفارقتها أبي علي. وحارب إبراهيم العم ففارقه القوّاد إلى الأمير نوح فأُخِذَ أسيراً، وسمله الأمير نوح وجماعة من أهل بيته، والله أعلم.

انتقاض ابن عبد الرزاق بخراسان

كان محمد بن عبد الرزاق عاملا بطوس وأعمالها، وكان أبو علي استخلفه بنيسابور عندما زحف منها إلى الأمير نوح، فلما راجع الأمير نوح ملكه انتقض ابن عبد الرزاق بخراسان. وولّى الأمير نوح على خراسان محمد بن عبد الرزاق، واتفق وصول وشمكير منهزماً من جرجان أمام الحسن بن فيرزان. واستمدّ الأمير نوحاً فأخرج معه منصوراً في العساكر، وأمرهما بمعاجلة ابن عبد الرزاق، فخرج سنة ست وثلاثين وثلثمائة إلى أستراباذ ومنصور في اتباعه فلحق بجرجان، واستأمن إلى ركن الدولة بن بويه، ومضى إلى الريّ. وسار منصور بن قراتكين إلى طوس، وحاصر رافع إلى قلعة أخرى فحاصره منصور بها حتى استأمن إليه، وجمع ما معه فأنهبه أصحابه. وخرج معهم فافترقوا في الجبال، واحتوى منصور على ما وجد بالحصن، وحمل عيال محمد بن عبد الرزاق وأمّه إلى بخارى فاعتقلوا بها. ولما وصل محمد بن عبد الرزاق إلى ركن الدولة بن بويه أفاض عليه العطاء، وسّرحه إلى محاربة المرزبان بأذربيجان كما يأتي.


استيلاء ركن الدولة بن بويه علي طبرستان وجرجان ومسير العساكر إلي جرجان والصلح مع الحسن بن الفيرزان: ولما وقع من الاضطراب ما وقع بخراسان، اجتمع ركن الدولة بن بويه والحسن بن الفيرزان، وقصدوا بلاد وشمكير فهزموه، وملك ركن الدولة طبرستان. وسار إلى جرجان فملكها، وأقام بها الحسن بن الفيرزان. واستأمن قوّاد وشمكير إليهم فأمّنوهم. وسار وشمكير إلى خراسان مستنجداً بصاحب خراسان، فسار معه منصور بن قراتكين في عساكر خراسان إلى جرجان، وبها الحسن بن الفيرزان. واسترهن ابنه، ثم أبلغه عن الأمير نوح ما أقلعه فأعاد على الحسن ابنه، وعاد إلى نيسابور وأقام وشمكير باورن.

مسير ابن قراتكين إلي الريّ وعوده إليه

ثم سار منصور بن قراتكين سنة تسع وثمانين وثلثمائة إلى الريّ بأمر الأمير نوح لغيبة ركن الدولة بن بويه في نواحي فارس، فوصل إلى الريّ، واستولى عليها وعلى الجبل إلى قرميسين فكبس، الذين بها من العسكر وهم غازون، وأسروا مقدمّهم محكماً وحبس ببغداد، ورجع الباقون إلى همذان. فسار سبكتكين نحوهم، وجاء ركن الدولة إثر الإنهزام، وشاور وزيره أبا الفضل بن العميد فأشار عليه بالثبات. ثم أجفل عسكر خراسان إلى الريّ لانقطاع الميرة عنهم، وكان ذلك سواء بين الفريقين إلاّ أنّ الديلم كانوا أقرب إلى البداوة فكانوا أصبر على الجوع والشظف، فركب ركن الدولة، واحتوى على ما خلفه عسكر خراسان.


وفاة ابن قراتكين ورجوع أبى عليّ بن محتاج إلي ولاية خراسان: ثم توفي منصور بن قراتكين صاحب خراسان بالريّ بعد عوده من أصفهان في ربيع سنة أربعين، وحملت جنازته إلى أسفيجاب فدفن بها عند والده، فولّى الأمير نوح على خراسان أبا علي بن محتاج، وأعاده إلى نيسابور. وقد كان منصور يستقيل من ولاية خراسان لما يلقى بها من جندها، ويستعفى نوحاً المرة بعد المرّة. وكان نوح يعد أبا علي بعوده إلى ولايته. فلما توفي منصور بعث إليه بالخلع واللواء، وأمره بالمسير، وأقطعه الري، وأمره بالمسير إليها فسار عن الصغانيان في رمضان سنة أربعين وثلثمائة، واستخلف مكانه إبنه أبا منصور، وانتهى إلى مَرْو فأقام إلى أن أصلح أمر خوارزم وكانت شاغرة. ثم سار إلى نيسابور فأقام بها. ولما كانت سنة إثنتين وأربعين وثلثمائة كتب وشمكير إلى الأمير نوح أن يأمر أبا علي بن محتاج بالمسير معه في عساكر خراسان، فساروا في ربيع من السنة، وخام ركن الدولة عن لقائهم، فامتنع بطزل، وأقام عليه أبو علي عدّة شهور يقاتله حتى سئم العسكر، وعجفت دوابهم فمال إلى الصلح، وسعى بينهما فيه محمد بن عبد الرزاق المقدّم ذكره، فتصالحا على مائتي ألف دينار ضريبة يعطيها ركن الدولة في كل سنة، ورجع أبو علي إلى خراسان. وكتب وشمكير إلى الأمير نوح بأنّ أبا علي لم ينصح في الحرب، وأنّ بينه وبين ركن الدولة مداخلة. وسار ركن الدولة بعد انصراف أبي علي نحو وشمكير فانهزم إلى أسفراين، واستولى ركن الدولة على طبرستان. عزل الأمير أبي علي عن خراسان ومسيره إلى ركن الدولة وولاية بكر بن مالك مكانه: ولما تمكنت سعاية وشمكير من أبي علي عند الأمير نوح، كتب إليه بالعزل عن خراسان سنة إثنتين وأربعين وثلثمائة، وكتب إلى القواد بمثل ذلك. واستعمل على الجيوش مكانه أبا سعيد بكر بن مالك الفرغاني، وبعث أبو علي يعتذر فلم يقبل. وأرسل جماعة من أعيان نيسابور يسألون إبقاءه فلم يجيبوا، فانتقض أبو علي، وخطب لنفسه بنيسابور. وكتب نوح إلى وشمكير والحسن بن الفيرزان بأن يتفقا ويتعاضدا على أولياء ركن الدولة حيث كانوا ففعلا ذلك، فارتاب أبو علي بأمره، ولم يمكنه العود إلى الصغانيان، ولا المقام بخراسان فصرف وجهه إلى ركن الدولة، واستأذنه في المسير إليه فأذن. وسار أبو علي إلى الريّ سنة ثلاث وأربعين وثلثمائة فأكرمه ركن الدولة، وأنزله معه، واستولى بكر على خراسان.

وفاة الأمير نوح وولاية ابنه عبد الملك

ثم توفي الأمير نوح بن نصر، ولقبه الحميد، في ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وثلثمائة لإثنتي عشرة سنة من ولايته، ووليَ بعده إبنه عبد الملك. وقام بأمره بكر بن مالك الفرغاني فلمّا قرّر أمر دولته، وثبت ملكه، أمر بكراً بالمسير إلى خراسان فكان من شأنه مع أبي علي ما قدّمناه. مسير العساكر من خراسان إلي الري وأصفهان: ثم زحفت عساكر خراسان إلى الريّ سنة أربع وأربعين وثلثمائة، وبها ركن الدولة بن بويه قدم إليها من جرجان، واستمدّ أخاه. مُعِزّ الدولة ببغداد فأمدّه بالحاجب سبكتكين. وبعث بكر عسكراً آخر من خراسان مع محمد بن ماكان على طريق المفازة إلى أصفهان. وكان بأصفهان أبو منصور علي بن بويه بن ركن الدولة فخرج عنها مَجَرم أبيه وخزائنه، وانتهى إلى خالنجان. ودخل محمد بن ماكان أصفهان، وخرج في اتباع ابن بويه، وأدرك الخزائن فأخذها وسار فأدركه. ووافق وصول أبي الفضل بن العميد وزير ركن الدولة في تلك الساعة فقاتله ابن ماكان وهزم أصحابه، وثبت ابن العميد، وشُغِل عسكر ابن ماكان بالنهب، فاجتمع على ابن العميد لمة من العسكر فاستمات، وحمل على عسكر أبن ماكان فهزمهم وأسر ابن ماكان. وسار ابن العميد إلى اصفهان فملكها، وأعاد حرم ركن الدولة وأولاده إلى حيث كانوا من أصفهان. ثم بعث ركن الدولة إلى بكر بن مالك صاحب الجيوش بخراسان، وقرّر معه الصلح على مال يحمله ركن الدولة إليه على الريّ وبلد الجيل، فتقرّر ذلك بينهما، وبعث إليه من عند أخيه ببغداد بالخلع واللواء بولاية خراسان، فوصلت إليه في ذي القعدة سنة أربع وأربعين وثلثمائة. وفاة عبد الملك بن نوح صاحب ما وراء النهر وولاية أخيه منصور: ثم توفي الأمير عبد الملك لإحدى عشرة خلت من شّوال سنة خمس وثلاثين وثلثمائة لسبع سنين من ولايته. ووليَ بعده أخوه أبو الحرث منصور بن نوح، واستولى ركن الدولة لأوّل أيامه على طبرستان وجرجان فملكهما. وسار وشمكير عنها فدخل بلاد الجبل.

مسير العساكر من خراسان إلى الري ووفاة وشمكير

قد ذكرنا من قبل أنّ وشمكير كان يقدح في عمّال بني سامان بأنهم لا ينصحون لهم، ويداخلون عدوّهم من الديلم. ووفد أبو علي بن الياس صاحب كرمان على الأمير أبي الحرث منصور مستجيشا به على بني بويه، فحرّضه على قصد الريّ، وحذّره من الاستمالة في ذلك إلى عمّاله كما أخبره وشمكير، وبعث إلى الحسن بن الفيرزان بالنفير مع عساكره. ثم أمر صاحب جيوش خراسان أبا الحسن بن محمد بن سيجور الدواني بالمسير إلى الريّ وأوصاه بالرجوع إلى رأي وشمكير، وبلغ الخبر إلى ركن الدولة، فاضطرب وبعث بأهله وولده إلى أصفهان. واستمدّ إبنه عضد الدولة بفارس، وبختيار ابن أخيه عزّ الدولة ببغداد، فبادر عضد الدولة إلى إمداده وبعث العساكر على طريق خراسان يريد قصدها لخلوّها من العسكر، فأجحفت عساكر خراسان، وانتهوا إلى الدامغان، فأقاموا. وبرز ركن الدولة نحوهم في عساكره من الريّ. وبينما هم في ذلك ركب وشمكير يوما ليتصيّد فاعترضه خنزير فأجفل فرسه، وسقط إلى الأرض وانهشم ومات، وذلك في المحرم سنة سبع وخمسين وثلثمائة، وانتقض ما كانوا فيه، وقام يسنون بن وشمكير مقام أبيه، وراسل ركن الدولة وصالحه فأمدّه ركن الدولة بالمال والرجال. خبر ابن الياس بكرمان: كان أبو علي بن الياس قد ملك كرمان بدعوة بني سامان، واستبدّ بها وأصابه فالج وأزمن به. وكان له ثلاثة من الولد اليسع والياس وسليمان: فعهد إلى اليسع وبعده الياس، وأمر سليمان بالعود إلى أرضهم ببلاد الصغد، يقيم بها فيما لهم هنالك من الأموال لعداوة كانت بين سليمان وإليسع فخرج سليمان لذلك، واستولى على السيرجان، فأنفذ إليه أبوه أبو علي إبنه الآخر في عسكر، وأمره بإجلائه عن البلاد، ولا يمكنه من قصد الصغد إن طلبها، فسار وحاصره. ولما ضاق الحصار على سليمان جمع أمواله، ولحق بخراسان. وملك إليسع السيرجان، وسار إلى خراسان. ثم لحق أبو علي ببخارى ومعه ابنه سليمان فأكرمه الأمير أبو الحرث، وقرّبه. وأغزاه أبو علي بالريّ، وتجهيز العساكر إليه كما ذكرناه. وأقام عنده إلى أن توفي سنة ست وخمسين وثلثمائة كما نذكر في أخباره. ولحق إليسع ببخارى فأقام بها،ثم سعى سليمان عند الأمير أبي الحرث منصور في المسير إلى كرمان وأطمعه في ملكها، وأنّ أهلها في طاعته فبعث معه عسكراً. ولما وصل أطاعه أهل نواحيها من القُّمْص والبولص وجميع المنتقضين على عضد الدولة، واستفحل أمره فسار إليه كوركين عامل عضد الدولة بكرمان، وحاربه، ونزعت عساكره عنه، فانهزم وقتل معه إبنا أخيه إليسع، وهما بكر والحسين وكثير من القوّاد وصارت كرمان للديلم.


انعقاد الصلح بين منصور بن نوح وبين بني بويه: ثم انعقد الصلح بين الأمير أبي الحرث منصور بن نوح صاحب خراسان وما وراء النهر، وبين ركن الدولة، وزوّجه إبنته، وحمل إليه من الهدايا والتحف ما لم يحمل مثله. وكتب بينهم كتاب الصلح، شهد فيه أعيان خراسان وفارس والعراق. وتمّ ذلك على يد أبي الحسن محمد بن إبراهيم بن سيجور صاحب الجيوش بخراسان من جهة الأمير أبي الحرث في سنة إحدى وستين وثلثمائة. وفاة منصور بن نوح وولاية ابنه نوح: ثم توفي الأمير أبو الحرث منصور ببخارى منتصف سنة ست وستين وثلثمائة، وولي بعده إبنه أبو القاسم نوح صبياً لم يبلغ الحلم، فاستوزر أبا الحسن العتبي، وجعل على حجابة بابه مولاه أبا العبّاس قاسماً، وكان من موالي أبي الحسن العتبي فأهداه إلى الأمير أبي صالح وشركهما في أمر الدولة أبو الحسن فائق، وأقرّ على خراسان أبا الحسن محمد بن إبراهيم بن سيجور، واطردت أمور الدولة على استقامتها.

عزل ابن سيجور عن خراسان وولاية أبي العباس تاش: قد تقدّم لنا شأن خلف بن أحمد الليثي صاحب سجستان، وانتصاره بالأمير منصور ابن فرج على قريبه طاهر بن خلف بن أحمد بن الحسين المنتقض عليه لسنة أربع وخمسين وثلثمائة، وأنه مدّه بالعسكر وردّه إلى ملكه. ثم انتقض طاهر ثانيا بعد انصراف العسكر عن خلف، وبعث مستجيشاً فأمدّه ثانياً. وقد هلك طاهر ووليَ إبنه الحسين فحاصره خلف، وأرهقه الحصار فنزل لخلف عن سجستان ولحق بالسعيد نوح بن منصور. وأقام خلف دعوة نوح في سجستان، وحمل المال متقرّراً عليه كل سنة. ثم قصر في الطاعة والخدمة، وصار يتلقى الأوامر بالإعراض والإهمال فَرُمِيَ بالحسين بن طاهر في جيوش خراسان، وحاصره بقلعة أَرَك، وطال انحصاره. وأمدّه العتبي الوزير بجماعة القوّاد كالحسن بن مالك وبكتاش فأقاموا عليه سبع سنين، حتى فنيت الرجال والأموال. وكان ابن سيجور بخراسان، وكانت أيامه قد طالت بها فلا يطيع السلطان إلا فيما يراه. وكان خلف بن أحمد صاحبه فلم يغن عليه، وعوتب في ذلك، وعزل عن خراسان بأبي العبّاس تاش فكتب يعتذر، ورحل إلى قهستان ينتظر جواب كتابه، فجاءه كتاب الأمير نوح بالمسير إلى سجستان فسار، واستنزل خلفاً من معقله للحسين بن طاهر. وسار خلف إلى حصن الطاق، وداخله ابن سيجور، وأقام خطبة لرضا نوح به وانصرف. ولمّا ولّى الأمير نوح الحاجب أبا العبّاس تاش قيادة خراسان، سار إليها سنة إحدى وسبعين وثلثمائة فلقي هنالك فخر الدولة ابن ركن الدولة، وشمس المعالي قابوس بن وشمكير ناجين من جرجان، وكان من خبرهما أنّ عضد الدولة لما استولى على بلاد أخيه فخر الدولة وهزمه، ولحق فخر الدولة بقابوس، وبعث عضد الدولة في طلبه ترغيباً وترهيباً فأجاره قابوس، وبعث عضد الدولة في طلبه أخاه مؤيد الدولة في العساكر إليهم، ولقيهم قابوس فهزموه فسار إلى بعض قلاعه، واحتمل منها ذخائره ولحق بنيسابور. ولحق به فخر الدولة ناجيا من المعركة فأكرمهم أبو العبّاس تاش، وأنزلهم خير منزل، وأقاموا عنده. واستولى مؤيد الدولة على جرجان وطبرستان.

مسير أبي العباس في عساكر خراسان إلى جرجان ثم مسيره إلي بخاري: ولما وصل قابوس بن وشمكير وفخر الدولة بن ركن الدولة إلى أبي العبّاس تاش مستجيرين بالأمير نوح على استرجاع جرجان وطبرستان من يد مؤيّد الدولة، كتب بذلك إلى الأمير نوح ببخارى فأمره بالمسير معهما، وإعادتهما إلى ملكهما فسار معهما لذلك في العساكر، ونازلوا جرجان شهرين، حتى ضاق عليهم الحصار. وداخل مؤيد الدولة فائقاً من قوّاد خراسان، ورغّبه فوعده بالإنهزام. ثم خرج مؤيد الدولة من جرجان في عساكره مستميتاً فهزمهم، ورجعوا إلى نيسابور، وكتبوا إلى بخارى بالخبر فأجابهم الأمير نوح بالوعد، واستنفر العساكر من جميع الجهات إلى نيسابور للمسير مع قابوس وفخر الدولة فاجتمعوا هنالك. ثم جاء الخبر بقتل الوزير أبي الحسن العتبي، وكان زمام الدولة بيده، فيقال: إنّ أبا الحسن محمد بن إبراهيم بن سيجور وضع عليه من قتله، وذلك سنة إثنتين وسبعين وثلثمائة. ولما قتل كتب الأمير نوح بن منصور إلى الحاجب أبي العبّاس تاش يستدعيه لتدبير دولته ببخارى، فسار عن نيسابور إليها، وقتل من ظفر به من قتلة أبي الحسن. ردّ أبي العباس الى خراسان ثم عزله وولاية ابن سيجور: ولما سار أبو العبّاس إلى بخارى وكان أبو الحسن بن سيجور من حين سار إلى سجستان كما مرّ مقيماً بها. ثم رجع آخراً إلى قهستان. فلما سار أبو العبّاس تاش إلى، بخارى وكتب ابن سيجور إلى فائق يطلب مظاهرته على ملك خراسان أجابه إلى ذلك، واجتمعا بنيسابور، واستوليا على خراسان، وسار إليهما أبو العبّاس تاش في العساكر. ثم تراسلوا كلّهم واتفقوا على أن يكون بنيسابور، وقيادة العساكر لأبي العبّاس تاش، وبلخ لفائق، وهراة لأبي الحسن بن سيجور، وانصرف كل واحد إلى ولايته. وكان فخر الدولة بن بويه خلال ذلك معهما بنيسابور ينتظر النجدة إلى أن هلك أخوه مؤيد الدولة بجرجان في شعبان سنة ثلاث وسبعين وثلثمائة. واستدعاه أهل دولته للملك فكاتبه الصاحب ابن عبّاد وغيره فسار إليهم، واستولى عل ملك أخيه بجرجان وطبرستان. وكان الأمير نوح لما سار أبو العبّاس من بخارى إلى نيسابور استوزر مكانه عبد الله بن عزيز، وكانت بينه وبين أبي الحسن العتبي منافسة وعداوة. ثم لمّا وليَ الوزارة تقدّم على عزل أبي العبّاس عن خراسان وكتب إلى أبي الحسن محمد بن إبراهيم بخراسان بولاية نيسابور.

انتقاض أبي العباس وخروجه مع ابن سيجور ومهلكه: ولما عُزِل أبو العبّاس تاش عن خراسان كتب إلى الأمير نوح يستعطفه فلم يجبه،

فانتقض، وكتب إلى فخر الدولة يستمدّه على ابن سيجور فأمدّه بالأموال والعسكر مع أبي محمد عبد الله بن عبد الرزاق، وسار إلى نيسابور في عساكره وعساكر الديلم، وتحصّن ابن سيجور بنيسابور. وجاءه مدد آخر من فخر الدولة، وبرز ابن سيجور للقائهم فهزموه، وغنموا منه. واستولى أبو العبّاس على نيسابور، وكتب إلى الأمير نوح يستعطفه ولجّ ابن عزيز في عزله. ثم ثاب لابن سيجور رأيه، وعادت إليه قوّته، وجاءه الأمراء من بخارى مدداً. وكاتب شرفُ الدولة أبا الفوارس بن عضد الدولة بفارس يستمدّه فأمده بألفي فارس مراغمة لعمّه فخر الدولة. فلمّا كثف جمعه زحف إلى أبي العبّاس وقاتله فهزمه، ولحق بفخر الدولة ابن بويه بجرجان فأكرمه وعظّمه، وترك له جرجان ودهستان وأستراباذ إقطاعاً. وسار عنها إلى الري، وبعث إليه من الأموال والآلات ما يخرج عن الحدّ. وأقام أبو العبّاس بجرجان. ثم جمع العساكر وسار إلى خراسان فلم يقدر على الوصول إليها، وعاد إلى جرجان وأقام بها ثلاث سنين، ومات سنة سبع وسبعين وثلثمائة. وقام أهل جرجان بأصحابه لما كانوا يحقدون عليهم من سوء السيرة فقاتلهم أصحابه، واستباحوهم حتى استأمنوا وكفّوا عنهم. ثم افترق أصحابه وسار أكثرهم وهم كبار الخواص والغلمان إلى خراسان، وقد كان صاحبها أبو الحسن سيجور مات فجأة. وقام بأمرها مكانه إبنه أبو علي، وأطاعه إخوته وكبيرهم أبو القاسم، ونازعه فائق الولاية فلحق به أصحاب أبي العبّاس، واستكثر بهم لشأنه.

ولاية أبي علي بن سيجور على خراسان

قد تقدم اتفاق أبي الحسن بن سيجور وأبي العبّاس تاش وفائق على أن تكون نيسابور وقيادة خراسان لتاش، وبلخ لفائق، وهراة لأبي علي بن أبي الحسن سيجور. ثم عُزِل تاش بسعاية الوزير ابن عزيز، وولىَ أبو الحسن، وكانت بينهما الحرب التي مرّ ذكرها. وانهزم تاش إلى جرجان فاستقرّ أبو علي بهراة وفائق ببلخ، وكان ابن عزيز يستحثّ الحسن لقصد جرجان. ثم عزل ابن عزيز ونفي إلى خوارزم، وقام مكانه أبو علي محمد بن عيسى الدامغاني. ثم عجز لما نزل بالدولة من قلّة الخراج وكثرة المصاريف، فصرف عن الوزارة بأبي نصر بن أحمد بن محمد بن أبي يزيد، ثم عزل وأعيد أبو علي الدامغاني. وهلك أبو الحسن بن سيجور خلال ذلك، وقام إبنه أبو علي مقامه. وكاتب الأمير نوح بن منصور يطلب أن يعقد له الولاية كما كانت لأبيه فأجيب إلى ذلك ظاهراً، وكتب لفائق بولاية خراسان، وبعث إليه بالخلع والألوية. وكان أبو علي يظنّ أنّها له، فلما بدا له من ذلك ما لم يحتسب، جمع عسكره وأغذ السير، وأوقع بفائق ما بين هراة وبوشنج، فانهزم فائق إلى مرَوْ الروذ، وملك أبو علي مرو، ووصله عهد الأمير نوح بقيادة الجيوش وولاية نيسابور وهراة وقهستان، ولقبه عماد الدولة، ثم رقّاه الأمير نوح. واستولى على سائر خراسان، واستبدّ بها على السلطان حتى طلبه نوح في بعض أعمالها لنفقته فمنعه، وأقام مظهراً لطاعته، وخشي غائلة السلطان من طلبة نوح فكاتب بقراخان ملك الترك ببلاد كاشغر وشاغور يغريه ويستحثّه لملك بخارى وما وراء النهر على أن يستقّر هو بخراسان.

خبر فائق

وأقام بعد انهزامه أمام أبي علي بمرو الروذ حتى اندملت جراحه، واجتمع إليه أصحابه. وسار إلى بخارى قبل أن يستأذن، فارتاب به الأمير نوح فسرّح إليه العساكر مع أخي الحاجب، وفكنزرون فانهزم وعبر النهر إلى بلخ، فأقام بها أياما، وسار إلى ترمذ، وكاتب بقراخان يستحثّه. وكتب الأمير نوح إلى والي الجوزجان أبي الحرث أحمد بن محمد الفيرقوني بقصد فائق، فقصده في جموعه، وسّرح فائق إليه بعض عسكره فهزمه وعاد إلى بلخ. وكان طاهر بن الفضل قد ملك الصغانيان على أبي المظفّر محمد بن أحمد، وهو واحد خراسان فانقطع أبو المظفّر إلى فائق صريخاً فأمده، وسار إلى طاهر بعسكر فائق، واقتتلوا فانهزم طاهر وقتل، وصارت الصغانيان لفائق.

استيلاء الترك علي بخاري

ولما خرج الأمير نوح عن بخارى عبر النهر واستقر بآمل الشط، وكاتب أبا علي بن سيجور يستحثّه للنصرة، وكاتب فائقا أيضاً يستصرخه فلم يصرخه أحد منهما. وبلغه مسير بقراخان عن بخارى فأغذّ السير إليها، وعاود الجلوس على كرسي ملكه، وتباشر الناس بقدومه. ثم بلغه مهلك بقراخان فتزايد سرورهم، ولما عاد الأمير نوح إلى بخارى ندم أبو علي على ما فرّط فيه من نصرته، وأجمع الاستظهار بفائق فأزاحوه عن ملكه وملكوها، ولحق فائق بأبي علي بن سيجور، وتظاهرا على الأمير نوح، وذلك سنة أربع وثمانين وثلثمائة.

عزل أبي علي بن سيجور عن خراسان وولاية سبكتكين

ولما اجتمع أبو علي بن سيجور وفائق على منافرة الأمير نوح وعصيانه، كتب الأمير نوح إلى سبكتكين، وكان أميراً على غزنة ونواحيها يستقدمه لنصره منهما، وإنجاده عليهما وولاّه خراسان. وكان سبكتكين في شغل عن أمرهم بما هو فيه من الجهاد مع كفّار الهند. فلما جاءه كتاب نوح ورسوله بادر إليه، وتلقّى أمره في ذلك، وعاد إلى غزنة فجمع العساكر، وبلغ الخبر أبا علي وفائقاً، فبعثا إلى فخر الدولة بن بويه يستنجدانه، واستعانا في ذلك بوزيره الصاحب ابن عبّاد، فبعث إليهما مدداً من العساكر. ثم سار سبكتكين وابنه محمود نحو خراسان سنة أربع وثمانين وثلثمائة. وسار الأمير نوح واجتمعوا ولقوا أبا علي وفائقاً بنواحي هراة، وكان معهما دارا بن قابوس بن وشمكير، فنزع إلى الأمير نوح، وانهزم أصحاب أبي علي وفائق، وفتك فيهم أصحاب سبكتكين، واتبعوهم إلى نيسابور، فلحقا بجرجان، وتلقّاهما فخر الدولة بالهدايا والتحف والأموال، وأنزلهما بجرجان. واستولى نوح على نيسابور، واستعمل عليها وعلى جيوش خراسان محمود بن سبكتكين، ولقبّه سيف الدولة. ولقّب أباه سبكتكين ناصر الدولة، وعاد نوح إلى بخارى وترك سبكتكين بهراة ومحمود بنيسابور.

عود ابن سيجور الى خراسان

لما افترق نوح وسبكتكين طمع أبو علي وفائق في خراسان، فسار عن جرجان إلى نيسابور في ربيع سنة خمس وثمانين وثلثمائة وبرز محمود للقائهما بظاهر نيسابور، وأعجلوه عن وصول المدد من أبيه سبكتكين. وكان في قلّة ، وانهزم إلى أبيه، وغنموا اسواده. وأقام أبو علي بنيسابور. وكان الأمير نوح يستميله ويتلطّف في العُذْرِ مما كان من سبكتكين فلم يجيباه إلى ما طلب.

ظهور سبكتكين وابنه محمود عل أبي علي وفائق ومقتل أبي علي

ولما دخل أبوعلي نيسابور، وانهزم عنها محمود جمع سبكتكين العساكر، وسار إليه، فالتقوا بطوس، وجاء محمود على أثره مدداً فانهزم، هو وفائق إلى أبيورد، فاتبعهما سبكتكين بعد أن أستخلف إبنه محموداً بنيسابور فلحقا بمرو، ثم آمل الشطّ، وكتبا إلى الأمير نوح يستعطفانه، فشرط على أبي علي أن ينزل بالجرجانّية، ويفارق فائقاً ففعل. ونزل قريباً من خوارزم بالجرجانية، فأكرمه أبو عبد الله خوارزم شاه، وسكن إليه، وبعث من ليلته من جاء به واعتقله وأعيان أصحابه. وبلغ الخبر إلى مأمون بن محمد صاحب الجرجانية فاستعظم ذلك. وسار بعساكره إلى خوارزم شاه، وافتتح مدينته وتسمّى كاش عنوة وخلّص أبا علي من محبسه، وعاد إلى الجرجانية. واستخلف بعض أصحابه على بلاد خوارزم. ولما عاد إلى الجرجانية أخرج خوارزم شاه، وقتله بين يدي أبي علي بن سيجور، وكتب إلى الأمير نوح يشفع في أبي علي

فشفعه. واستدعى أبا علي إلى بخارى فسار إليها وأمر الأمراء والعساكر بتلقيه، فلما دخل عليه أمر بحبسه. وشفع سبكتكين فيه فهرب ولحق بفخر الدولة، وأقام عنده. وأمّا فائق فلما فارقه أبو علي كما شرط عليه الأمير نوح، سار إلى إيلك خان ملك الترك بكاشغر، فأكرمه، وكتب إلى نوح يشفع فيه فقبل شفاعته، وولاّه عليها وأقام بها. وفاة الأمير نوح وولاية ابنه منصور وولاية بكثرزون علي خراسان: ثم توفي الأمير نوح بن منصور منتصف سبع وثمانين وثلثمائة لإحدى وعشرين سنة من ملكه، وانتقض بموته ملك بني سامان، وصار إلى الإنحلال. ولما توفي قام بالملك بعده إبنه أبو الحرث منصور، وتابعه أهل الدولة واتفقوا على طاعته، وقام بتدبير دولته بكثرزون. واستوزر أبا طاهر محمد بن إبراهيم. وبلغ خبر وفاة نوح إلى إيلك خان، فطمع في ملكهم، وسار إلى سمرقند، وبعث من هنالك فائقاً والخاصة إلى بخارى فاضطرب منصور، وهرب عن بخارى. وقطع النهر. ودخل فائق بخارى، وأعلم الناس أنه إنما جاء لخدمة الأمير منصور، فبعث مشايخ بخارى بذلك إلى منصور ودخل. واستقدموه بعد أن أخذوا له مواثيق العهود من فائق، فاطمأن، وعاد إلى بخارى، وأقام فائق بتدبير أمره، وتحكّم في دولته، وأبعد بكثرزون إلى خراسان أميراً. وقد كان سبكتكين توفي في شعبان من هذه السنة، ووقعت الفتنة بين إبنيه إسمعيل ومحمود فقدم بكثرزون أيام فتنتهما واستولى على خراسان. عود أبي القاسم بن سيجول الى خراسان وخيبته: قد ذكرنا مسير بكثرزون إلى خراسان عند مفرّه أيام محمود بن سبكتكين من خراسان، وأقام عند فخر الدولة، وعند أبيه مجد الدولة،واجتمع عنده أصحاب أبيه. وكتب إليه فائق من بخارى يغريه ببكثرزون ويأمره بقصد خراسان، ويخرج بكثرزون منها فسار عن جرجان إلى نيسابور، وبعث جيشاً إلى أسفرايين فملكوها من يد أصحاب بكثرزون. ثم تردّد السفراء بينهما، ووقع الصلح والصهر، وعاد بكثرزون إلى نيسابور. انتقاض محمود بن سبكتكين وملكه نيسابور ثم خروجه عنها: لما فرغ محمود بن سبكتكين من أمر الفتنة بينه وبين أخيه إسمعيل، واستولى على ملك غزنة، وعاد إلى بلخ وجد بكثرزون واليا على خراسان كما ذكرنا فبعث إلى الأمير منصور بن نوح يذكر وسائله في الطاعة والمحاباة، ويطلب ولاية خراسان فاعتذر له عنها، وولاه ترمذ وبلخ وما وراءهما من أعمال بست فلم يرض ذلك، وأعاد الطلب فلم يجب فسار إلى نيسابور، وهرب منها بكثرزون وملكها محمود سنة ثمان وثمانين وثلثمائة فسار الأمير منصور من بخارى إليه فخرج عنها إلى مرو الروذ وأقام بها. خلع الأمير منصور وولاية أخيه عبد الملك: ولما سار الأمير منصور عن بخارى إلى خراسان لمدافعة محمود بن سبكتكين عن نيسابور، سار بكثرزون للقائه فلقيه بسرخس ثم لم يلق من قبوله ما كان يؤمّله فشكا ذلك إلى فائق فألفاه واجداً مثل ذلك فخلصا في نجواهما، واتفقا على خلعه، وإقامة أخيه

عبد الملك مقامه. ووافقهما على ذلك جماعة من أعيان العسكر. ثم قبضوا عليه وسملوه أول سنة تسعين لعشرين شهراً من ولايته. وولى مكانه أخوه عبد الملك، وبعث محمود إلى فائق وبكثرزون يقبح عليهما فعلهما، وسار نحوهما طامعا في الاستيلاء على الملك. استيلاء محمود بن سبكتكين علي خراسان: ثم سار محمود بن سبكتكين إلى فائق وبكثرزون ومعهما عبد الملك الصبي الذي نصّبوه فساروا إليه، والتقوا بمرو سنة تسعين وثلثمائة، وقاتلهم فهزمهم وافترقوا. ولحق عبد الملك ببخارى ومعه فائق، ولحق بكثرزون بنيسابور، ولحق أبو القاسم بن سيجور بقهستان. وقصد محمود نيسابور، وانتهى إلى طرسوس فهرب بكثرزون إلى جرجان، وبعث في أثره ارسلان الحاجب إلى أن وصل جرجان، ورجع فاستخلفه محمود على طرسوس، وسار إلى هراة فخالفه بكثرزون إلى نيسابور وملكها. ورجع إليها محمود فأجفل عنها، ومرّ بمرو فنهبها، ولحق ببخارى. واستقرّ محمود بخراسان، وأزال عنها ملك بني سامان، وخطب فيها للقادر العبّاسي، واستدعى الولاية من قبله فبعث إليه بالعهد عليها والخلع لبني سيجور، وأنزله نيسابور. وسار هو إلى بلخ كرسي أبيه فافتقده واتفق أصحاب الأطراف بخراسان على طاعته، مثل آل افريقون بالجوزجان، والشاه صاحب غرسيان، وبني مأمون بخوارزم. استيلاء ايلك خان علي بخاري وانقراض دولة بني سامان: ولما ملك محمود خراسان، ولحق عبد الملك ببخارى اجتمع إليه فائق وبكثرزون وغيرهما من الأمراء، وأخذوا في جمع العساكر لمناهضة محمود بخراسان. ثم مات فائق في شعبان من هذه السنة فاضطربوا ووهنوا لأنه كان المقدم فيهم، وكان خصيّاً من موالي نوح بن نصر فطمع ايلك خان في الاستيلاء على ملكهم، كما ملكه بقراخان قبله فسار في جموع الترك يظهر المدافعة لعبد الملك عنه، فاطمأنوا لذلك، وخرج بكثرزون وغيره من الأمراء والقواد للقائه فقبض عليهم جميعاً، ودخل بخارى عاشر ذي القعدة، ونزل دار الإمارة. واختفى عبد الملك فبعث العيون عليه حتى ظفر به، وأودعه السجن في أرزكند فمات. وحبس معه أخاه أبا الحارث منصورا المخلوع وإخوته الآخرين أبا إبراهيم

إسمعيل وأبا يعقوب، وأعمامه أبا زكريا وأبا سليمان وأبا صالح القاري وغيرهم من بني سامان. وانقرضت دولتهم بعد أن كانت انتشرت في الافاق ما بين حلوان وبلاد الترك، ووراء النهر، وكانت من أعظم الدول وأحسنها سياسة. خروج إسمعيل بن نوح بخراسان: ثم هرب أبو إبراهيم إسمعيل بن نوح من محبسه في زيّ امرأة كانت تتعاهد خدمته فاختفى ببخارى. ثم لحق بخوارزم، وتلّقب المنتصر، واجتمع إليه بقايا القوّاد والأجناد. وبعث قابوس عسكراً مع إبنيه منوجهر ودارا. ووصل إسمعيل إلى نيسابور في شوّال سنة إحدى وتسعين، وجبى أموالها. وبعث إليه محمود مع التوتناش الحاجب الكبير صاحب هراة فلقيهم، فانهزم المنتصر إلى أبيورد، وقصد جرجان فمنعه قابوس منها فقصد سرخس، وجبى أموالها وسكنها في ربيع سنة إثنتين وتسعين وثلثمائة فأرسل إليها محمود العساكر مع منصور، والتقوا فانهزم إسمعيل، وأسر أبو القاسم بن سيجور في جماعة من أعيان العسكر فبعث بهم منصور إلى غزنة. وسار إسمعيل حائرا فوافى أحياء الغز بنواحي بخارى فتعصبّوا عليه، وسار بهم إلى ايلك خان في شوال سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة فلقيه بنواحي سمرقند. وانهزم ايلك، واستولى الغز على سواده وأمواله، وأسرى من قوّاده. ورجعوا إلى أحيائهم وتفاوضوا في إطلاق الأسرى من أصحاب ايلك خان، وشعر بهم إسمعيل فسار عنهم خائفا، وعبر النهر إلى آمل الشط. وبعث إلى مرو ونسا وخوارزم فلم يقبلوه، وعاودوا العبور إلى بخارى. وقاتله واليها فانهزم إلى دبوسية وجمع بها. ثم عاد فانهزم من معسكر بخارى، وقاتله واليها. وجاءه جماعة من فتيان سمرقند فصاروا في جملته. وبعث إليه أهله بأموال وسلاح ودواب. وسار إليه ايلك خان بعد أن استوعب في الحشد، ولقيه بنواحي سمرقند في شعبان سنة أربع وتسعين وثلثمائة. وظاهر الغز إسمعيل فكانت الدبرة على ايلك خان. وعاد إلى بلاد الترك فاحتشد، ورجع إلى إسمعيل وقد افترقت عنه أحياء الغزّ إلى أوطانهم. وخفّ جمعه فقاتلهم بنواحي مروسية فهزموه، وفتك الترك في أصحابه. وعبر إسمعيل النهر إلى جوزجان فنهبها، وسار إلى مرو وركب المفازة إلى قنطرة راغول، ثم إلى بسطام وعساكر محمود في اتباعه مع ارسلان الحاجب صاحب طوس. وأرسل إليه قابوس عسكراً مع الأكراد الشاهجانية فأزعجوه عن بسطام، فرجع إلى ما وراء النهر، وأدرك أصحابه الكلل والملال ففارقه الكثير منهم، وأخبروا أصحاب ايلك خان وأعلموهم بمكانه فكبسه الجند فطاردهم ساعة. ثم دخل في حي من أحياء العرب بالفلاة من طاعة محمود بن سبكتكين يعرف أميرهم بابن بهيج، وقد تقدم إليهم محمود في طلبه فأنزله عندهم، حتى إذا جنّ الليل وثبوا عليه وقتلوه، وذلك سنة خمس وتسعين. وانقرض أمر بني سامان، وانمحت آثار دولتهم، والبقاء لله وحده.

دولة بني سبكتكين

الخبر عن دولة بني سبكتكين ملوك غزنة وما ورثوه من الملك بخراسان وما وراء النهر عن مواليهم وما فتحوه من بلاد الهند وأول أمرهم ومصائر أحوالهم هذه الدولة من فروع دولة بني سامان وناشئة عنها. وبلغت من الاستطالة والعزّ المبالغ العظيمة، واستولت على ما كانت دولة بني سامان عليه في عدوتي جيحون وما وراء النهر وخراسان وعراق العجم وبلاد الترك، وزيادة بلاد الهند. وكان مبدأ أمرهم عن غزنة. وذلك أنّ سبكتكين من موالي بني التيكين. وكان التيكين من موالي بني سامان، وكان في جملته، وولاّه حجابته، وورد بخارى أيام السعيد منصور بن نوح وهو إذ ذاك حاجبه. ثم توفي التيكين هذا، وعقد له السعيد منصور بن نوح سنة خمس وستين وثلاثمائة، وولّى إبنه نوح، ويكّنى أبا القاسم، واستوزر أبا الحسن العتبي، وولى على نيسابور أبا الحسن محمد بن سيجور. وكان سبكتكين شديد الطاعة له والقيام بحاجاته. وطرقت دولة بني سامان النكبة من الترك، واستولى بقراخان عل! بخارى من يد الأمير نوح. ثم رجع إليها، ومات أبو الحسن بن سيجور، وولي مكانه بخراسان ابنه أبو علي. واستبدّ على الأمير نوح في الاستيلاء على خراسان عند نكبة الترك. فلما عاد الأمير نوح إلى كرسيه وثبت في الملك قدمه كاشفه أبو علي في خراسان بالانتقاض، واستدعى أبا منصور سبكتكين يستمده على أبي علي ويستعين به في أحوال الدولة فبادر لذلك، وكان له المقام المحمود فيه. وولاّه الأمير نوح خراسان فدفع عنها أبا علي. ثم استبد بعد ذلك على بني سامان بها. ثم غلبهم على بخارى وما وراء النهر، ومحا اثر دولتهم وخلفهم أحسن خلف، وأورث ذلك بنيه. واتصلت دولتهم في تلك الأعمال إلى أن ظهر الغزّ، وملك الشرق والغرب بنو سلجوق منهم فغلبوهم على أمرهم، وملكوا تلك الأعمال جميعاً من أيديهم حسبما يذكر ذلك كله. ولنبدأ الان بسبكتكين من الجهاد في بلاد الهند قبل ولايته خراسان.

فتح بست

كانت بست هذه من أعمال سجستان وفي ولايتها. ولما فسد نظام تلك الولاية بانقراض دولة بني الصفّار، واخترقت تلك العمالات طوائف فانفرد ببست أمير اسمه طغان. ثم غلبه عليها آخر إسمه كان، يكنى بأبي ثور فاستصرخ طغان سبكتكين على مال ضمنه على الطاعة والخدمة، فسار سبكتكين إلى بست وفتحها، وأخذ الوزير أبا الفتح علي بن محمد البستيّ الشاعر المشهور فأحضره واستكتبه، وكتب لابنه محمود من بعده. ثم استخلف سبكتكين وسار إلى قصدار من ورائها فملكها وتقبض على صاحبها. ثم أعاده إلى ملكه على مال يؤدّيه، وطاعة يبذلها له.

غزو الهند

ثم سار سبكتكين بعدما فتح بست، وقصد غازياً بلاد الهند، وتوغل فيها حتى افتتح بلادا لم يدخلها أحد من بلاد الإسلام. ولما سمع به ملك الهند سار إليه في جيوشه، وقد عبى العساكر والفيلة على عادتهم في ذلك بالتعبية المعروفة بينهم. وانتهى إلى لمغان من ثغوره، وتجاوزه؟ وزحف إليه سبكتكين من غزنة في جموع المسلمين. والتقى الجمعان، ونصر الله المسلمين، وأسر ملك الهند وفدى نفسه على ألف ألف درهم، وخمسين فيلا، ورهن في ذلك من قومه. وبعث معه رجالا لقبض ذلك فغدر بهم في طريقه. وتقبض عليهم فسار سبكتكين في تعبيته إلى الهند فقبض كل من لقيه من جموعهم، وأثخن فيهم. وفتح لمغان وهدمها، وهي ثغر الهند مما يلي غزنة فاهتز لذلك جيبال واحتشد، وسار إلى سبكتكين فكانت بينهم حرب شديدة. وانهزم جيبال وجموع الكفر، وخمدت شوكتهم، ولم يقم لملوك الهند بعدها معه قاثمة. ثم صرف وجهه إلى إعانة سلطانه الأمير نوح كما نذكر.

ولاية سبكتكين علي خراسان

قد قدّمنا أن الأمير نوح بن منصور لما طرقته النكبة ببخارى من الترك، وملكها عليه بقراخان، عبر النهر إلى آمل الشطّ واستصرخ ابن سيجور صاحب خراسان وفائقاً صاحب بلخ فلم يصرخاه، وبلغه مسير بقراخان عن بخارى فأغذّ السير إليها، وارتجع ملكه كما كان. وهلك بقراخان فثبت قدمه في سلطانه، وارتاب أبو علي وفائق بأمرهم عنده، وغلط فائق بالمبادرة إلى بخارى للتهنئة والتقدّم في الدولة من غير إذن في ذلك، فسّرح الأمير نوح غلمانه ومواليه فحاربوه، وملكوا بلخاً من يده. ولحق بأبي علي بن سيجور فاستظهر به على فتنة الأمير نوح، وذلك سنة أربع وثمانين. فكتب الأمير نوح عند ذلك إلى سبكتكين يستدعيه للنصرة عليهما، وعقد له على خراسان وأعمالها، وكان في شغل شاغل من الجهاد بالهند كما ذكرناه فبادر لذلك. وسار إلى نوح فلقيه، واتفق معه. ثم رجع إلى غزنة، واحتشد وسار هو وابنه محمي، ولقيا الأمير نوحا بخراسان في الموضع الذي تواعد معه، ولقيهم أبو علي بن سيجور وفائق فهزمهما. وفتك فيهم أصحاب سبكتكين واتبعوهم إلى نيسابور، ثم صدوهم عنها إلى جرجان. واستولى نوح على نيسابور؟ واستعمل عليها وعلى جيوش خراسان محمود بن سبكتكين، وأنزله بها، ولّقبه سيف الدولة. وأنزل أباه سبكتكين بهراة، ولقّبه ناصر الدولة ورجع إلى بخارى.

الفتنة بين سيجور وفائق بخراسان وظهور سبكتكين وابنه محمود عليهم

ولما رجع نوح إلى بخارى، وطمع أبو علي بن سيجور وفائق في انتزاع خراسان من يد سبكتكين وابنه. وبادروا إلى محمود بن سبكتكين بنيسابور سنة خمس وثمانين وثلثمائة، وأعجلوه عن وصول المدد إليه من إبنه سبكتكين. وكان في قلّة فانهزم إلى أبيه بهراة، وملك أبو علي نيسابور؟ وسار إليه سبكتكين في العساكر، والتقوا بطوس فانهزم أبو علي وفائق حتى انتهيا إلى آمل الشطّ. واستعطف أبو علي الأمير نوحاً فاستدعاه وحبسه، ثم بعث به إلى سبكتكين وحبسه عنده، ولحق فائق بملك الترك ايلك خان في كاشغر، وشفع فيه إلى الأمير نوح فولاه سمرقند كما مر ذلك كله في أخبارهم. وكان أبو القاسم أخو أبي علي قد نزع إلى سبكتكين يوم اللقاء فأقام عنده مدّة مديدة. ثم انتقض وزحف إلى نيسابور فجاء محمود بن سبكتكين فهرب، ولحق بفخر الدولة بن بويه فأقام عنده، واستولى سبكتكين على خراسان.

مزاحفة سبكتكين وايلك خان: كان ايلك خان ولي بعد بقراخان على كاشغر وشاغور، وعلى أمم الترك، وطمع في أعمال الأمير نوح كما طمع أبوه، ومد يده إليها شيئاً فشيئاً. ثم اعتزم على الزحف إليه فكتب الأمير نوح إلى سبكتكين بخراسان يستجيشه على ايلك خان فاحتشد، وعبر النهر، وأقام بين نسف وكشف حتى لحقه ابنه محمود بالحشود من كل جهة، وهنالك وصله أبو علي بن سيجور مقًيداً، بعث به إليه الأمير نوح فأبى من ذلك، وجمع ايلك خان أمم الترك من سائر النواحي. وبعث سبكتكين إلى الأمير نوح يستحثّه فخام عن اللقاء، وبعث قواده وجميع عساكره وجعلهم لنظره وفي تصريفه فألحّ عليه سبكتكين، وبعث أخاه بغراجق وابنه محموداً لاستحثاثه فهرب الوزير ابن عزيز خوفاً منهم، وتفادى نوح من اللقاء فتركوه، وفت ذلك في عزم سبكتكين. وبعث ايلك خان في الصلح فبادر سبكتكين وبعث أبا القاسم. ثم ارتاب به عند عبوره إلى ايلك خان فحبسه مع أبي علي وأصحابه حتى رجع سبكتكين من طوس إلى بلخ فبلغ الخبر بمقتلهم، ووصل نعي مأمون بن محمد صاحب الجرجانية بخوارزم غدر به صاحب جيشه في صنيع أعده له وقتله، ووصل خبر الأمير نوح اثرهما وأنه هلك منتصف رجب سنة سبع وثمانين وثلاثمائة. أخبار سبكتكين مع فخر الدولة بن بويه: كان أبو علي بن سيجور وفائق لما هزمهما سبكتكين لحقا بجرجان عند فخر الدولة بن بويه. ثم لمّا أجلب أبو القاسم على خراسان، وسار إليه محمود بن سبكتكين، وعمّه بغراجق وكان معه أبو نصر بن محمود الحاجب فهربا إلى فخر الدولة، وأقاما في نزله وتحت حرابه بقومس والدّامغان وجرجان، وأناخ سبكتكين على طوس. ثم وقعت المهاداة بينه وبين فخر الدولة بن بويه صاحب الريّ، وكان آخر هدية من سبكتكين جاء بها عبد الله الكاتب من ثغابة. ونمي إلى فخر الدولة أنه يتجسّس عدد الجند، وغوامض الطرق فبعث إلى سبكتكين بالعتاب في ذلك. ثم ضعف الحال بينهما، واتصل ما بين فخر الدولة والأمير نوح على يد سبكتكين.

وفاة سبكتكين وولاية ابنه إسمعيل

ولما فرغ سبكتكين من أمر ايلك خان ورجع إلى بلخ وأقام بها قليلا طرقه المرض فبادر به إلى غزنة، وهلك في طريقه في شعبان سنة سبع وثمانين لعشرين سنة من ملكه في غزنة وخراسان، ودفن بغزنة. وكان عادلًا خيراً حسن العهد محافظاً على الوفاء كثير الجهاد. ولما هلك بايع الجند لابنه إسمعيل بعهده إليه، وكان أصغر من محمود فأفاض فيهم العطاء وانعقد أمره بغزنة.

استيلاء محمود بن سبكتكين علي ملك أبيه وظفره بأخيه إسمعيل

ولما ولي إسمعيل بغزنة استضعفه الجند واستولوا عليه، واشتطوا عليه في الطلب حتى أنفذ خزائن أبيه، وكان أخوه محمود بنيسابور فبعث إليه أن يكتب له بالأعمال التي لنظره مثل بلخ فأبى، وسعى أبو الحرب والي الجوزجان في الإصلاح بينهما فامتنع إسمعيل، فسار محمود إلى هراة معتزماً عليه، وتحيّز معه عمه بغراجق. ثم سار إلى بست وبها أخوه نصر فاستماله، وساروا جميعاً إلى غزنة. وقد كتب إليه الأمراء الذين مع إسمعيل واستدعوه ووعدوه بالطاعة. وأغذ السير ولقيه إسمعيل بظاهر غزنة فاقتتلوا قتالاً شديداً. وانهزم إسمعيل واعتصم بقلعة غزنة. واستولى محمود على الملك وحاصر أخاه إسمعيل حتى استنزله على الأمان فأكرمه وأشركه في سلطانه، وذلك لسبعة أشهر من ولاية إسمعيل، واستقامت الممالك لمحمود ولقب بالسلطان، ولم يلقّب به أحد قبله ثم سار إلى بلخ.

استيلاء محمود علي خراسان

لما ولي أبو الحارث منصور بعد نوح استوزر محمد بن إبراهيم، وفوّض أمره إلى فائق كفالة وتدبيرا لصغره. وكان عبد الله بن عزيز قد هرب من بخارى عند قدوم محمد إليها في استحثاث الأمير نوح للقاء ايلك خان كما مرّ، فلما مات الأمير نوح وولي ابنه منصور أطمع عزيز أبا منصور محمد بن الحسين الأسفيجابي في قيادة الجيش بخراسان، وجمله على الانحدار به إلى بخارى مستغيثاً بأيلك خان على غرضه، فنهض ايلك خان لمصاحبتهما، وسار بهما كأنه يريد سمرقند. ثم قبض على أبي منصور وابن عزيز وأحضر فائقاً وأمره بالمسير على مقدّمته إلى بخارى فهرب أبو الحارث، وملك فائق بخارى، ورجع ايلك خان. واستدعى فائق أبا الحارث فاطمأن، وبعث من مكانه بكثرزون الحاجب الأكبر على خراسان ولقّبه بستان الدولة، ورجع إلى بخارى فتلقاه فائق، وقام بتدبير دولته. وكانت بينه وبين بكثرزون ضغن فأصلح أبو الحارث بينهما، وأقام بكثرزون وجبى الأموال، وزحف إليه أبو القاسم بن سيجور، وكانت بينهما الفتنة التي مرّ ذكرها. وجاء محمود إلى بلخ بعد فراغه من فتنة أخيه إسمعيل، فبعث إلى أبي الحارث منصور رسله وهداياه، فعقد له على بلخ وترمذ وهراة وبست. واعتذر عن نيسابور فراجعه مع ثقته أبي الحسن الحمولي فاستخلصه أبو الحارث لوزارته، وقعد عن رسالة صاحبه فأقبل محمود إلى نيسابور، وهرب عنها بكثرزون فنهض أبو الحارث إلى نيسابور، فخرج محمود عنها إلى مرو الروذ، وجمع أبو الحارث وكحلة وبكثرزون، وبايعوا لأخيه عبد الملك بن نوح. وبعث محمود إلى فائق وبكثرزون بالعتاب على صنيعهما بالسلطان، وزحف إليهما فبرزا من مرو للقائه. ثم سألوه الإبقاء فأجاب وارتحل عنهم، وبعض أوباشهم في أعقابه فرجع إليهم. وحشدوا الناس للقائه فهزمهم وافترقوا فسار عبد الملك إلى بخارى وبكثرزون إلى نيسابور، وكان معهم أبو القاسم بن سيجور. ولحق بقهستان، واستولى محمود على خراسان وذلك سنة تسع وثمانين وثلثمائة. ثم سار إلى طوس، وهرب بكثرزون إلى جرجان، وبعث محمود ارسلان الحاجب في اثره فأخرجه من نواحي خراسان فولّى ارسلان على طوس، وسار إلى هراة لمطالعة أحوالها فخالفه بكثرزون إلى نيسابور، وملكها. ورجع فطرده عنها أبو القاسم بن سيجور وملكها، وولّي محمود أخاه نصر بن سبكتكين قيادة الجيوش بخراسان، وأنزله بنيسابور. ثم سار إلى بلخ فأنزل بها سريره. ثم استراب بأخيه إسمعيل فاعتقله ببعض القلاع موسعاً عليه، وكتب بالبيعة للقادر الخليفة من بني العبّاس فبعث إليه بالخلع والألوية على العادة. وأقام بين يديه السماطين، واستوثق له ملك خراسان، وبقي يردّد الغزو إلى الهند كل سنة.

استيلاء محمود علي سجستان

كان خلف بن أحمد صاحب سجستان في طاعة بنى سامان ، ولما شغل عنه بالفتن استفحل أمره، وشغل للاستبداد فلما سار سبكتكين للقاء ملك الهند كما مرّ، اغتنم الفرصة من بست، وبعث إليها عسكراً فملكوها وجبوها. ولما رجع سبكتكين من الهند ظافراً تلقّاه بالمعاذير والتعزية والهدايا والطاعة فقبل وأعرض عنه، وارتهن عنده على طاعته. وسار معه الحارث أبو علي بن سيجور بخراسان فملأ يده ويد عسكره بالعطاء، وبتقدّمه لقتال ايلك خان بما وراء النهر كما مرّ فدسّ إلى ايلك خان يغريه بسبكتكين. واعتزم سبكتكين على غزو سجستان، ثم أدركه الموت فاغتنم خلف الفرصة وبعث طاهراً إلق قهستان وبوشنج فملكها، وكاتب البغراجق أخا سبكتكين. فلما فرغ محمود من شأن خراسان، بعث لبغراجق عمه بانتزاع قهستان وبوشنج، فسار إلى طاهر فهزمه واتبعه، وكّر عليه طاهر فقتله وانهزم الفريقان. وزحف محمود إلى خلف سنة تسعين وثلاثمائة فامتنع في حصن بلد، وهي قلعة عالية منيعة، وحاصره بها حتى لاذ بالطاعة.

وبذل مائة ألف دينار فأفرج عنه وسار إلى الهند فتوغّل فيها، وانتهى في اثني عشر ألف فارس، وثلاثين ألف راجل فاختار محمود من عساكره خمسة عشر ألفاً، وسار لقتال جميال فهزمه وأسره في بنيه وحفدته وكثير من قرابته، ووجد في سلبه مقلد من فصوص يساوي مائة ألف دينار وأمثال ذلك، فوزّعها على أصحابه، وكان الأسرى والسبي خمسمائة ألف رأس، وذلك سنة إثنتين وتسعين وثلثمائة. وفتح من بلاد الهند بلادا أوسع من بلاد خراسان. ثم فادى جيبال ملك الهند نفسه بخمسين رأساً من الفيلة ارتهن فيها إبنه وحافده، وخرج إلى بلده فبعث إلى إبنه أندبال وشاهينة وراء سيجور فأعطوه تلك الفيلة، وسار لا يعود له ملك. وسار السلطان محمود إلى ويهند فحاصرها وافتتحها، وبعث العساكر لتدويخ نواحيها فأثخنوا في القتل في أوباش كانوا مجتمعين للفساد، مستترين بخمر الغياض فاستلحموهم. ورجع السلطان محمود إلى غزنة. وكان خلف بن أحمد عند منصرف السلطان عنه أظهر النسك، وولّى ابنه طاهراً على سجستان فلما طالت غيبة السلطان، أراد الرجوع إلى ملكه فلم يمكّنه إبنه فتمارض وبعث إليه بالحضور للوصية، والاطلاع على خبايا الذخيرة. فلما حضر اعتقله، ثم قتله كما مرّ.

وجزعت نفوس قواده لذلك وخافوه، وبعثوا للسلطان محمود بطاعتهم ما بقيت له الدعوة في سجستان سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة. وسار السلطان محمود إلى خلف فامتنع منه في معقله بحصن الطاق، وهو في رأس شاهق تحيط به سبعة أسوار عالية، ويحيط به خندق بعيد المهوى، وطريقه واحدة على جسر فجثم عليه أشهراَ. ثم فرض على أهل العسكر فطع الشجر التي تليه، وطم بها الخندق. وزحف إليه، وقدّم الفيول بين يديه على تعبيتها فحطم الفيل الأعظم على باب الحصن فقلعه ورمى به. وفشا القتل في أصحاب خلف، وتماسكوا داخل الباب يتناضلون بأحجار المجانيق والسهام والحراب فرأى خلف هول المطلع فأثاب واستأمن، وخرج إلى السلطان وأعطاه كثيراً من الذخيرة فرفع من قدره وخّيره في مقاماته فاختار الجوزجان، فأذن له في المسير إليها على ما بينه وبين ايلك خان من المداخلة.

ثم هلك خلف سنة تسع وتسعين وثلثمائة، وأبقى السلطان على ولده عمر، وكان خلف كثير الغاشية من الوافدين والعلماء، وكان محسناً لهم. ألف تفسيراً جمع له العلماء من أهل ايالته، وأنفق عليهم عشرين ألف دينار، ووضعه في مدرسة الصابوني بنيسابور. ونسخه يستغرق عمر الكاتب إلا أن يستغرق في النسخ. واستخلف السلطان على سجستان أحمد الفتحي من قوّاد أبيه ورجع إلى غزنة. ثم بلغه انتقاض أحمد بسجستان فسار إليهم في عشرة آلاف، ومعه أخوه صاحب الجيش أبي المظفّر نصر والتوتناش الحاجب وزعيم العرب أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الطائي فحاصرهم، وفتحها ثانية، ش ولى عليها أخاه صاحب الجيش نصر بن سبكتكين مضافة إلى نيسابور فاستخلف عليها وزيره أبا منصور نصر بن إسحق. وعاد السلطان محمود إلى بلخ مضمراً غزو الهند. هكذا مساق خبر السلطان محمود مع خلف بن أحمد، وخبر سجستان عند العيني. وأمّا عند ابن الأثير فعلى ما وقع في أخبار دولة بني الصفار.

غزوة بهاطية والملتان وكوكبر

ولما فرغ السلطان محمود من سجستان اعتزم على غزو بهاطية من أعمال الهند، وهي وراء الملتان، مدينة حصينة عليها نطاق من الأصبوان، وآخر من الخنادق، بعيدة المهوى. وكانت مشحونة بالمقاتلة والعدّة، وإسم صاحبها بجير فعبر السلطان إليها جيحون، وبرز إليه بجير فاقتتلوا بظاهر بهاطية ثلاثة أيام. ثم انهزم بجير وأصحابه في الرابع. وتبعهم المسلمون إلى باب البلد فملكوه عليهم، وأخذتهم السيوف من أمامهم ومن ورائهم فبلغ القتل والسبي والسلب والنهب فيهم مبالغه. وسار بجير في رؤوس الجبال فستر في شعابها وبعث السلطان سرية في طلبه فأحاطوا به، وقتلوا من أصحابه. ولما أيقن بالهلكة قتل نفسه بخنجر معه، وأقام السلطان محمود في بهاطية حتى أصلح أمورها، واستخلف عليها من يعلم أهلها قواعد الإسلام، ورجع إلى غزنة فلقي في طريقه شدّة من الأمطار في الوحل وزيادة المدد في الأنهار، وغرق كثير من عسكره.

ثم بلغه عن أبي الفتوح والي الملتان أنه ملحد، وأنه يدعو أهل ولايته إلى مذهبه فاعتزم على جهاده، وسار كذلك. ومنعه سيجور من العبور لكثرة المدد فبعث السلطان إلى اندبال ملك الهند في أن يبيح له العبور إلى بلاده لغزو الملتان، فأبى فبدأ بجهاده، وسار في بلاده ودوخّها. وفّر اندبال بين يديه، وهو في طلبه إلى أن بلغ كشمير. ونقل أبو الفتوح أمواله على الفيول إلى سرنديب، وترك الملتان فقصدها السلطان، وامتنع أهلها فحاصرهم حتى افتتحها عنوة، وأغرمهم عشرين ألف ألف درهم عقوبة لهم على عصيانهم.

ثم سار إلى كوكبر واسم صاحبها بيدا، وكان بها ستمائة صنم فافتتحها، وأحرق أصنامها. وهرب صاحبها إلى قلعته وهي كاليجار، وهو حصن كبير يسع خمسمائة ألف إنسان، وفيه خمسمائة وعشرون ألف راية، وهو مشحون بالأقوات، والمسالك إليه متعذرة بخمر الشجر، وملتف الغياض فأمر بقطع الأشجار حتى اتضحت المسالك. واعترضه دون الحصن واد بعيد المهوى فطمّ منه عشرين ذراعاً بالأجربة المحشوة بالتراب، وصيره جسرا ومضى منه إلى القلعة، وحاصرها ثلاثة وأربعين يوماً حتى جنح صاحبها إلى السلم. وبلغ السلطان أن ايلك خان مجمع على غزو خراسان فصالح ملك الهند على خمسين فيلا وثلاثة آلاف من الفضة. وخلع عليه السلطان فلبس خلعته وشد منطقته. ثم قطع خلعته وأنفذها إلى السلطان، وتبعه بما عقد معه، وعاد السلطان إلى خراسان بعد أن كان عازماً على التوغّل في بلاد الهند.

مسير ايلك خان إلي خراسان وهزيمته

كان السلطان محمود لما ملك ايلك خان بخارى كما مرّ، وكتب إليه مهنئاً، وتردّد السفراء بينهما في الوصلة، وأوفد عليه سهل بن محمد بن سليمان الصعلوكي إمام الحديث، ومعه طغان جقّ والي سرخس، في خطبة كريمته بهدية فاخرة من سبائك العقيان واليواقيت والدّر والمرجان والوشي والحمر، وصواني الذهب مملوءة بالعنبر والكافور والعود والنصول، وأمامه الفيول تحت الخروج المغشّاة فقوبلت الهدية بالقبول، والوافد بالتعظيم له ولمن أرسله. وزفّت المخطوبة بالهدايا والألطاف، واتحدت الحال بين السلطانين. ولم يزل السعاة يغرون ما بينهما حتى فسد ما بينهما، فلما سار السلطان محمود إلى الملتان اغتنم ايلك خان الفرصة، وبعث سباسي تكين قريبه وقائد جيشه إلى خراسان، وبعث معه أخاه جعفر تكين وذلك سنة تسعين فملك بلخاً وأنزل بها جعفر تكين. وكان ارسلان الحاجب بهراة أنزله السلطان بها، وأمره إذا دهمه أن ينحاز إلى غزنة. وقصد سباسي هراة وسكنها، وندب الحسين بن نصر إلى نيسابور فملكها، ورتب العمّال واستخرج الأموال. وطار الخبر إلى السلطان بالهند، وقصد بلخ فهرب جعفر تكين إلى ترمذ، واستقر السلطان ببلخ وسرح ارسلان الحاجب في عشرة آلاف من العساكر إلى سباسي تكين بهراة فسار سباسي إلى مرو، واعترضه التركمان، وقاتلهم فهزمهم وأثخن فيهم. ثم سار إلى أبيورد، ثم إلى نسا وارسلان في اتباعه حتى انتهى إلى جرجان فصد عنها، وركب قلل الجبال والغياض، وتسلط الكراكلة على أثقاله ورجاله، واستأمن طوائف من أصحابه إلى قابوس لعدم الظهر. ثم عاد إلى نسا وأصدر ما معه إلى خوارزم شاه أبي الحسن علي بن مأمون، وديعة لأيلك خان، واقتحم المفازة إلى مرو فسار السلطان لاعتراضه، ورماه محمد بن سبع بمائة من القواد حملوا إلى غزنة. ونجا سباسي تكين في فلّ من أصحابه فعبر النهر إلى ايلك خان. وقد كان ايلك خان بعث أخاه جعفر تكين في ستة آلاف راجل إلى بلخ ليفتر من عزيمة السلطان عن قصد سباسي تكين فلم يفتر ذلك من عزمه، حتى أخرج سباسي من خراسان. ثم تصدهم فانهزموا أمامه، وتبعهم أخوه نصر بن سبكتكين صاحب جيش خراسان إلى ساحل جيحون فقطع دابرهم. ولما بلغ الخبر إلى ايلك خان قام في ركائبه وبعث بالصريخ إلى ملك الختّل وهو قدر خان بن بقراخان لقرابة بينهما وصهر فجاءه بنفسه، ونفر معه. واستجاش أحياء النزل ودهاقين ما وراء النهر، وعبر النهر في خمسين ألفاً، وانتهى إلى السلطان خبره، وهو بطخارستان فقدم إلى بلخ، واستعد للحرب، واستنفر

جموع الترك والجند والخلنجية والأفقانية والفربوية. وعسكر على أربعة فراسخ من بلخ. وتزاحفوا على التعبئة فجعل السلطان في القلب أخاه نصراً صاحب الجيش بخراسان، وأبا نصر بن أحمد الفريغوني صاحب الجوزجان، وأبا عبد الله بن محمد بن إبراهيم الطائي في كماة الأكراد والعرب والهنود. وفي الميمنة حاجبه الكبير أبا سعيد التمرتاشي، وفي الميسرة ارسلان الحاجب. وحضن الصفوف بخمسمائة من الفيلة. وجعل ايلك خان على ميمنته قدر خان ملك الختّل، وعلى ميسرته أخاه جعفر تكين، وهو في القلب. وطالت الحرب، واستمات الفريقان. ونزل السلطان وعفّر خدّه بالأرض متضرعاً. ثم ركب وحمل في فيلته على القلب فأزاله عن مكانه، وانهزم الترك واتبعوهم يقتلون ويأسرون إلى أن عبروا بهم النهر. وأكثر الشعراء تهنئة السلطان بهذا الفتح، وذلك سنة سبع وتسعين وثلثمائة. ولما فرغ السلطان من هذه الحرب سار للهند للإيقاع بنواسه شاه أحد أولاد الملوك، كان أسلم على يده، واستخلفه على بعض المعاقل التي افتتحها فارتد، ونبذ الإسلام فأغذّ السير إليه فّفرّ أمامه، واحتوى على المعاقل التي كانت في يده من أصحابه، وانقلب إلى غزنة ظافراً وذلك سنة سبع وتسعين وثلثمائة.

فتح بهيم نقرا

ثم سار السلطان سنة ثمان وتسعين وثلثمائة في ربيع منها غازياً إلى الهند فانتهى إلى سبط وبهند، فلقيه هنالك ابن هزبال ملك الهند في جيوش لا تحصى، فصدقهم السلطان القتال فهزمهم، واتبعهم إلى قلعة بهيم نقرا، وهي حصن على حصن عالية اتخذها أهل الهند خزانة للصنم، ويودعون به أنواع الذخائر والجواهر التي يتقّرب بها للصنم فدافع عنه خزنته أياماً. ثم استأمنوا وأمكنوا السلطان من القلعة فبعث عليه أبا نصر الفريغوني، وحاجبه الكبير ابن التمرتاش، وواسع تكين، وكلفّهما بنقل ما في الخزائن فكان مبلغ المنقول من الوزن سبعين ألف ألف شامية ومن الذهبيات والفضيات موزونة، والديباج السوسي ما لا عهد بمثله. ووجد في جملتها بيت من الفضة الخالصة طوله ثلاثون ذراعا في خمسة عشر صفائح مضروبة، ومعالق للطي والنشر، وشراع من ديباج طوله أربعون ذراعاً في عرض عشرين بقائمتين من ذهب، وقائمتين من فضة فوكلهما بحفظ ذلك. ومضوا إلى غزنة فأمر بساحة داره ففرشت بتلك الجواهر، واجتمعت وفود الأطراف لمشاهدتها، وفيهم رسول طغان أخي ايلك خان.

خبر الفريغون واستيلاء السلطان علي الجوزجان

وكان بنو فريغون هؤلاء ولاة على الجوزجان أيام بني سامان، يتوارثونها. وكان لهم شهرة مكارم. وكان أبو الحارث أحمد بن محمد غرّتهم. وكان سبكتكين خطب كريمته لابنه محمود، وأنكح كريمته أخت محمود لإبنه أبي نصر فالتحم بينهما. وهلك أبو الحارث فأقر السلطان محمود ابنه أبا نصر على ولايته إلى أن مات سنة إحدى وأربعمائة، وكان أبو الفضل أحمد بن الحسين الهمذاني المعروف بالبديع يؤلف له التآليف ويجعلها بإسمه. ونال عنده بذلك فوق ما أمّل.

غزوة بارين

ثم سار السلطان محمود على رأس المائة الرابعة لغزو بلاد الهند فدوّخها واستباحها، وأوقع بملكها، ورجع إلى غزنة فبعث إليه ملك الهند في الصلح على جزية مفروضة، وعسكر مقّرر عليه، وعلى تعجيل مال عظيم، وهديّة فيها خمسون فيلا، وتقّرر الصلح بينهما على ذلك.

غزوة الغور وقصران

بلاد الغور هذه تجاور بلاد غزنة، وكانوا يفسدون السابلة ويمتنعون بجبالهم وهي وعرة ضيقة. وأقاموا على ذلك متمردّين على كفرهم وفسادهم فامتعض السلطان محمود، وسار لحسم عللهم سنة إحدى وأربعمائة. وفي مقدمته التوتناش الحاجب والي هراة وارسلان الحاجب والي طوس، وانتهوا إلى مضيق الجبل وقد شحنوه بالمقاتلة فنازلتهم الحرب ودهمهم السلطان فارتدّوا على أعقابهم، ودخل عليهم لبلادهم وملكها. ودخل حصناً في عشرة آلاف واستطرد لهم السلطان إلى فسيح من الأرض. ثم كر عليهم فهزمهم وأثخن فيهم وأسر ابن سورى وقرابته وخواصه، وملك قلعتهم، وغنم جميع أموالهم، وكانت لا يعبّر عنها. وأسف ابن سورى على نفسه فتناول سماً كان معه ومات. ثم سار السلطان سنة إثنتين وأربعمائة لغزو قصران، وكان صاحبها يحمل ضمانه كل سنة فقطع الحمل، وامتنع بموالاة ايلك خان، وسار إليه فبادر باللقاء وتنصل واعتذر، وأهدى عشرين فيلاً وألزمه السلطان خمسة عشر ألف درهم، ووكل بقبضها ورجع إلى غزنة.

خبر اليشار واستيلاء السلطان علي غرشتان

كان اسم اليشار عند الأعاجم لقباً على ملك غرشتان، كما أن كسرى على ملك الفرس وقيصر على ملك الروم ومعناه الملك الجليل. وكان اليشار أبو نصر محمد بن إسمعيل بن أسد ملكها إلى أن بلغ ولده محمد سن النجابة فغلب على أبيه، وانقطع أبو نصر للنظر في العلوم لشغفه بها، وصاحب خراسان يومئذ أبو علي بن سيجور. ولما انتقض على الرضى نوح خطبهم لطاعته وولايته فأبوا من ذلك لانتقاضه على سلطانه، فبعث العساكر إليهم وحاصرهم زماناً. ثم نهض سبكتكين إلى أبي علي بن سيجور، وانضاف اليشار إلى سبكتكين في تلك الفتنة كلّها فلما ملك السلطان محمود خراسان، وأذعن له ولاة الأطراف والأعمال بعث إليهم في الخطبة فاجابوه. ثم استنفر محمد بن أبي نصر في بعض غزواته فقعد عن النفير، فلمّا رجع السلطان من غزوته بعث حاجبه الكبير أبا سعيد التوتناش في العساكر وأردفه بإرسلان الحاجب والي طوس لمناهضة اليشار ملك غرشتان. واستصحبا معهما أبا الحسن المنيعي الزعيم بمرو الروذ لعلمه بمخادع تلك البلاد. فأمّا أبو نصر فاستأمن إلى الحاجب، وجاء به إلى هراة مرفها محتاطا عليه. وأمّا إبنه محمد فتحضن بالقلعة التي بناها أيام ابن سيجور فحاصروها طويلا، واقتحموها عنوة، وأخذ أسيراً فبعث به إلى غزنة، واستصفيت أمواله، وصودرت حاشيته. واستخلف الحاجب على الحصن ورجع إلى غزنة فامتحن الولد بالسياط، واعتقله مرفّها واستقدم أباه أبا نصر من هراة فأقام عنده في كرامة إلى أن هلك سنة ست وأربعمائة.

وفاة ايلك خان وصلح أخيه طغان خان مع السلطان

كان ايلك خان بعد هزيمته بخراسان يواصل الأسف، وكان أخوه طغان يكبر عليه فعلته، ونقضه العهد مع السلطان. وبعث إلى السلطان يتبرّأ ويعتذر فنافره ايلك خان بسبب ذلك، وزحف إليه. ثم تصالحا. ثم هلك ايلك خان سنة ثلاث وأربعمائة، وولّي مكانه أخوه طغان خان فراسل السلطان محمود وصالحه. وقال له: اشتغل أنت بغزو الهند، وأنا بغزو الترك فأجابه إلى ذلك. وانقطعت الفتنة بينهما، وصلحت الأحوال. ثم خرجت طوائف الترك من جانب الصين في مائة ألف خركاه، وقصدوا بلاد طغان فهال المسلمين أمرهم، فاستنفر طغان من الترك أزيد من مائة ألف، واستقبل جموع الكفرة فهزمهم، وقتل نحوا من مائة ألف، وأسر مثلها، ورجع الباقون منهزمين. وهلك طغان اثر ذلك، وملك بعده أخوه ارسلان خان سنة ثمان وأربعمائة، وخلّص ما بينه وبين السلطان محمود، وخطب بعض كرائمه للسلطان مسعود ولده فأجابه. وعقد السلطان لابنه على هراة فسار إليها سنة ثمان وأربعمائة.

فتح بارين

ثم سار السلطان سنة ثمان وأربعمائة عندما فصل الشتاء غازياً إلى الهند، وتوغل فيها مسيرة شهرين. وامتنع عظيم الهند في جبل صعب المرتقى ومنع القتال. واستدعى الهنود وملك عليهم الفيلة. وفتح الله بارين، وكثرت الأسرى والغنائم. ووجد به في بيت البدجي حجر منقوش تال التراجمة كتابته: إنه مبني منذ أربعين ألف سنة. ثم عاد إلى غزنة، وبعث إلى القادر يطلب عهد خراسان وما بيده من الممالك. غزوة تنيشرة: كان صاحب تنيشرة عاليا في الكفر والطغيان، وانتهى الخبر إلى السلطان في ناحيته من الفيلة فيلة من الفيتلمان الموصوفة في الحروب فاعتزم السلطان على غزوه، وسار إليه في مسالك صعبة وعرة بين أودية وقفارات حتى انتهى إلى نهر طام قليل المخاضة. وقد استندوا من ورائه إلى سفح جبل فسّرب إليهم جماعة من الكماة خاضوا النهر، وشغلوهم بالقتال حتى تعدّت بقية العسكر. ثم قاتلوهم وانهزموا، واستباحهم المسلمون، وعادوا إلى غزنة ظافرين ظاهرين. ثم غزا السلطان على عادته فضل الأدلاء طريقهم فوقع السلطان في مخاضات من المياه غرق فيها كثير من العسكر، وخاض الماء بنفسه أياماً حش تخلّص ورجع إلى خراسان.

استيلاء السلطان علي خوارزم

كان مأمون بن محمد صاحب الجرجانية من خوارزم، وجمان مخلصاً في طاعة الرضى نوح أيام مقامه في آمد كما مرّ فأضاف نسا إلى عمله فلم يقبلهاا لمودّة بينه وبين أبي علي بن سيجور. وكان من خبره مع ابن سيجور واستنقاذه إياه من أسر خوارزم شاه سنة ست وثمانين وثلثمائة ما مرّ ذكره، وصارت خوارزم كلها له. ثم هلك وملك مكانه أبو الحسن علي. ثم هلك وملك مكانه إبنه مأمون، وخطب إلى السلطان محمود بعض كرائمه فزّوجه أخته. واتحد الحال بينهما إلى أن هلك وولّي مكانه أبو العبّاس مأمون، ونكح أخته كما نكحها أخوه من قبله. ثم دعاه إلى الدخول في طاعته والخطبة له كما دعا الناس فمنعه أصحابه وأتباعه، وتوجّس الخيفة من السلطان في ذلك فرجعوا إلى الفتك به فقتلوه، وبايعوا إبنه داود. وازداد خوفهم من السلطان في ذلك فتعاهدوا على الامتناع ومقدّمهم التكين البخاريّ. وسار إليهم السلطان في العساكر حتى أناخ عليهم وبيّتوا محمد بن إبراهيم الطائي، وكان في مقدمة السلطان فقاتلهم إلى أن وصل السلطان فهزمهم، وأثخن فيهم بالقتل والأسر. وركب التكين السفن ناجيا فغدره الملاّحون، وجاؤوا به إلى السلطان فقتله في جماعة من القواد الذين قتلوا مأموناً على قبره. وبعث بالباقين إلى غزنة فأخرجوا في البعوث إلى الهند، وأنزلوا هنالك في حامية الثغور وأجريت لهم الأرزاق، واستخلف على خوارزم الحاجب التونتاش ورجع إلى بلاده.

فتح كشمير وقنوج

ولما فرغ السلطان من أمر خوارزم، وانضافت إلى مملكته عدل إلى بست، وأصلح أحوالها ورجع إلى غزنة. ثم اعتزم على غزو الهند سنة تسع وأربعمائة، وكان قد دوخ بلادها كلها، ولم يبق عليه إلّا كشمير، ومن دونها الفيافي والمصاعب فاستنفر الناس من جميع الجهات من المرتزقة والمتطوّعة. وسار تسعين مرحلة، وعبر نهر جيحون وحيلم وخيالا هو وأمراؤه. وبث عساكره في أودية لا يعبر عن شدة جريها وبعد أعماقها، وانتهى إلى كشمير. وكانت ملوك الهند في تلك الممالك تبعث إليه بالخدمة والطاعة، وجاءه صاحب درب كشمير وهو جنكي بن شاهي وشهي فأقرّ بالطاعة، وضمن دلالة الطريق، وسار أمام العسكر إلى حصن مأمون لعشرين من رجب. وهو خلال ذلك يفتتح القلاع إلى أن دخل في ولاية هردت أحد ملوك الهند فجاء طائعاً مسلماً.

ثم سار السلطان إلى قلعة كلنجد من أعيان ملوكهم فبرز للقائه، وانهزم. واعترضهم أنهار عميقة سقطوا فيها وهلكوا قتلاً وغرقاً، يقال هلك منهم خمسون ألفاً. وغنم السلطان منهم مائة فيل وخمسة إلى غير ذلك مما جلّ عن الوصف. ثم عطف إلى سقط التقيد، وهو بيت مبني بالصخور الصم يشرع منها بابان إلى الماء المحيط، موضوعة أبنيته فوق التلال، وعن جنبتيه ألف قصر مشتملة على بيوت الأصنام.

وفي صدر البلد بيت أصنام: منها خمسة من الذهب الأحمر مضروبة على خمسة أذرع في الهواء قد جعلت عينا كل واحدة منهما ياقوتتين تساويان خمسين ألف دينار، وعين الآخر قطعة ياقوت أزرق تزن أربعمائة وخمسين مثقالا. وفي وزن قدمي الصنم الواحد أربعة آلاف وأربعمائة مثقال، وجملة ما في الأشخاص من الذهب ثمانية وتسعون ألف مثقال. وزادت شخوص الفضة على شخوص الذهب في الوزن فهدمت تلك الأصنام كلّها وخربتّ، وسار السلطان طالباً قنوج، وخرّب سائر القلاع في طريقه، ووصل إليها في شعبان سنة تسع، وقد فارقها نزو جبال حين سمع بقدومه، وعبر نهر كنك الذي نغرق الهنود فيه أنفسهم، ويذرون فيه رماد المحرقين منهم. وكان أهل الهند واثقين بقنوج: وهي سبع قلاع موضوعة على ذلك الماء، فيها عشرة آلاف بيت للأصنام، تزعم الهنود أن تاريخها منذ مائتي ألف سنة أو ثلاثمائة ألف سنة، وأنها لم تزل متعبّداً لهم. فلمّا وصلها السلطان ألفاها خالية قد هرب أهلها ففتحها كلّها في يوم واحد، واستباحها أهل عسكره. ثم أخذ في السير منها إلى قلعة لنج، وتعرف بقلعة البراهمة فقاتلوا ساعة، ثم تساقطوا من أعاليها على سنا الرماح وضياء الصفاح. ثم سار إلى قلعة أسا وملكها جندبال فهرب وتركها، وأمر السلطان بتخريبها. ثم عطف على جندراي من أكابر الهنود في قلعة منيعة، وكان جيبال ملك الهند من قبل ذلك يطلبه للطاعة والإلفة فيمتنع عليه. ولحق جيبال بنهوجد أحد المغرورين بحصانة المعقل فنجا بنفسه.

ورام جندراي المدافعة وثوقاً بامتناع قلعته. ثم تنصح له بجيبال، ومنعه من ذلك فهرب إليه أمواله وأنصاره إلى جبال وراء القلعة، وافتتحها السلطان، وحصل منها على غنائم. وسار في اتباع جندراي، وأثخن فيهم قتلا ونهباً، وغنم منهم أموالاً وفيولا. وبلغت الغنائم ثلاثة آلاف ألف درهم ذهباً وفضّةً ويواقيت، والسبي كثير وبيع بدرهمين إلى عشرة. وكانت الفيول تسمّى عندهم جنداي داد. ثم قضى السلطان جهاده ورجع

إلى غزنة فابتنى مسجدها الجامع، وجلب إليه جذوع الرخام من الهند، وفرشه بالمرمر، وأعالي جدرانه بالأصباغ وصباب الذهب المفرغة من تلك الأصنام. واحتضر بناء المسجد بنفسه. نقل إليه الرخام من نيسابور، وجعل أمام البيت مقصورة تسع ثلاثة آلاف غلام. وبنى بازاء المسجد مدرسة احتوت فيها الكتب من علوم الأوّلين والآخرين، وأجريت بها الأرزاق، واختصّت لنفسه يفضي منه إليه في أمن من العيون وأمر القوّاد والحجّاب وسائر الخدّام، فبنوا بجانب المسجد من الدور ما لا يحصى. وكانت غزنة تحتوي على مربط ألف فيل، يحتاج كل واحد منها لسياسته ومائدته خطّة واسعة.

غزوة الأفقانية

لما رجع السلطان إلى غزنة راسل بيدو ووالي قنوج، وإسمه راجبان بدلحة، وطال بينهما العتاب وآل إلى القتال فقتل والي قنوج، واستلحمت جنوده. وطغى بيدو، وغلب على الملوك الذين معه، وصاروا في جملته، ووعدهم برد ما غلبهم عليه السلطان محمود. ونمي الخبر بذلك إليه فامتعض، وسار إلى بيدو فغلبه على ملكه. وكان ابتداؤه في طريقه بالأفقانية طوائف من كفّار الهند معتصمون بقلل الجبال، ويفسدون السابلة فسار في بلادهم ودّوخها، وعبر نهر كنك، وهو وادٍ عميق، وإذا جيبال من ورائه فعبر إليه على عسر العبور فانهزم جيبال، وأسر كثير من أصحابه. وخلص جريحاً، واستأمن إلى السلطان فلم يؤمّنه إلا أن يسلم فسار ليلحق ببيدو فغدر به بعض الهنود وقتله. فلما رأى ملوك الهند ذلك تابعوا رسلهم إلى السلطان في الطاعة على الاتاوة. وسار إلى مدينة باري من أحصن بلاد الهند فألفاها خالية فأمر بتخريبها وعشر قلاع مجاورة لها، وقتل من أهلها خلقاً. وسار في طلب بيدو، وقد تحصن بنهر أدار ماءه عليه من جميع جوانبه، ومعه ستة وخمسون ألف فارس، وثمانون ألف راجل، وسبعمائة وخمسون فيلا فقاتلهم هنالك يوماً وحجز بينهم الليل فأجفل بيدو، وأصبحت دياره بلاقع. وترك خزائن الأموال والسلاح فغنمها المسلمون، وتتبعوا آثارهم فوجدوهم في الغياض والآكام فأكثروا فيهم القتل والأسر، ونجا بيدو بذماء نفسه، ورجع السلطان إلى غزنة ظافراً.

فتح معبد سومنات

كان للهند صنم يسمّونة سومنات، وهو أعظم أصنامهم في حصن حصين على ساحل البحر بحيث تلتقفه أمواجه. والصنم مبني في بيته على ستة وخمسين سارية من الساج المصفح بالرصاص، وهو من حجر طوله خمسة أذرع: منها ذراعان غائصان في البناء، وليس له صورة مشخّصة، والبيت مظلم يضيء بقناديل الجوهر الفائق، وعنده سلسلة ذهب بجرس وزنها مائة منّ تحرّك بأدوار معلومة من الليل فيقوم عباد البرهمّيين لعبادتهم بصوت الجرس. وعنده خزانة فيها عدد كثير من الأصنام ذهباً وفضةً، عليها ستور معلقة بالجوهر منسوجة بالذهب تزيد قيمتها على عشرين ألف ألف دينار. وكانوا يحجونّ إلى هذا الصنم ليلة خسوف القمر فتجتمع إليه عوالم لا تحصى. وتزعم الهنود أن الأرواح بعد المفارقة تجتمع إليه فيبثّها فيمن شاء بناء على التناسخ والمدّ والجزر عندهم، هو عبادة البحر. وكانوا يقّربون إليه كل نفيس، وذخائرهم كلّها عنده. ويعطون سدنته الأموال الجليلة. وكان له أوقاف تزيد على عشرة آلاف ضيعة. وكان نهرهم المسمّى كنك الذي يزعمون أنّ مصبه في الجنّة، ويلقون فيه عظام الموتى من كبرائهم، وبينه وبين سومنات مائتا فرسخ. وكان يحمل من مائه كل يوم لغسل هذا الصنم. وكان يقوم عند الصنم من عبّاد البرهمّيين ألف رجل في كل يوم للعبادة، وثلاثمائة لحلق رؤوس الزوّار ولحاهم، وثلاثمائة رجل وخمسمائة امرأة يغّنون ويرقصون، ولهم على ذلك الجرايات الوافرة. وكان كلمّا فتح محمود بن سبكتكين من الهند فتحاً أو كسر صنماً يقول أهل الهند: إن سومنات ساخط عليهم، ولو كان راضياً عنهم لأهلك محموداً دونه. فاعتزم محمود بن سبكتكين إلى غزوه، وتكذيب دعاويهم في شأنه. فسار من غزنة في شبعان سنة ست عشرة وأربعمائة في ثلاثين ألف فارس سوى المتطّوعة، وقطع القفر إلى الملتان، وتزوّد له من القوت والماء قدر الكفاية، وزيادة عشرين ألف حمل.

وخرج من المفازة إلى حصون مشحونة بالرجال قد غوّروا آبارهم مخافة الحصار، فقذف الله الرعب في قلوبهم، وفتحها وقتل سكانها وكسر أصنامها، واستقى منها الماء. وسار إلى انهلوارن، وأجفل عنها صاحبها بهيم، وسار إلى بعض حصونه. وملك السلطان المدينة، ومرّ إلى سومنات، ووجد في طريقه حصوناً كثيرة فيها أصنام وضعوها كالنقباء والخدمة لسومنات ففتحها، وخرّبها وكسر الأصنام. ثم سار في قفر معطش، واجتمع من سكانه عشرون ألفا لدفاعه فقاتلهم سراياه، وغنموا أموالهم وانتهوا إلى دبلواه على مرحلتين من سومنات فاستولى عليها، وقتل رجالها، ووصل إلى سومنات منتصف ذي القعدة فوجد أهلها مختفين في أسوارهم، وأعلنوا بكلمة الإسلام فوقها فاشتد القتال، حتى حجز بينهم الليل.

ثم أصبحوا إلى القتال، وأثخنوا في الهنود. وكانوا يدخلون إلى الصنم فيعنّفونه ويبكون ويتضرّعون إليه، ويرجعون إلى القتال. ثم انهزموا بعد أن أفناهم القتل. وركب فلّهم السفن فأدركوا، وانقسموا بين النهب والقتل والغرق، وقتل منهم نحو من خمسين ألفاً. واستولى السلطان على جميع ما في البيت. ثم بلغه أنّ بهيم صاحب انهلوارن اعتصم بقلعة له تسمّى كندهة في جزيرة على أربعين فرسخاً من البّر فرام خوض البحر إليها، ثم رجع عنها، وقصد المنصورة، وكان صاحبها ارتد عن الإسلام ففارقها، وتسّرب في غياض هناك فأحاطت عساكر السلطان بها، وتتبعوهم بالقتل فأفنوهم. ثم سار إلى بهاطية فدان أهلها بالطاعة، ورجع إلى غزنة في صفر سنة سبع عشرة.

دخول قابوس صاحب جرجان وطبرستان في ولاية السلطان محمود

قد قدّمنا وفادة قابوس على الأمير نوح بن منصور بن سامان، وعامله بخراسان أبي العباس تاش مستصرخاً على بني بويه عندما ملكوا طبرستان وجرجان من يده سنة إحدى وسبعين، وأقام بخراسان ثماني عشرة سنة، وهم يعدونه بالنصرة والمدد حتى يئس منهم. ولما جاء سبكتكين وعده بمثل ذلك. ثم شغله شغل بني سيجور، ثم وعده السلطان محمود، وشغلته فتنة أخيه. واستولى أبو القاسم بن سيجور على جرجان بعد مهلك فخر الدولة بن بويه. ثم أمر من ببخارى بالمسير إلى خراسان فسار إلى أسفرايين، واستمدّ قابوس رجال الديلم والجبل فأمدوه، وظاهروه على أمره حتى غلب على طبرستان وجرجان، وملكها كما يذكر في أخبار الديلم والجبل. وكان نصر بن الحسن بن افي زان، وهو ابن عمّ ماكان بن كالي ينازعه فيهما فآل الحال بنصر إلى أن اعتقله بنو بويه بالريّ، واستقلّ قابوس بولاية جرجان وطبرستان وديار الديلم كلّها من ممالك محمود.

استيلاء السلطان محمود علم الري والجبل

كان مجد الدولة بن فخر الدولة صاحب الريّ، وكان قد ضعف أمره، وأدبرت دولته. وكان يتشاغل بالنساء والكتاب نسخاً ومطالعة. وكانت أمه تدبًر ملكه فلما توفيت

انتقضت أحواله، وطمع فيه جنده. وكتب إلى محمود يشكو ذلك، ويستدعي نصرته فبعث إليه جيشاً عليهم حاجبه، وأمره أن يقبض على مجد الدولة فقبض عليه وعلى ابنه أبي دلف عند وصوله. وطيّر بالخبر إلى السلطان فسار في ربيع من سنة عشرين وأربعمائة، ودخل الريّ وأخذ أموال مجد الدولة، وكانت ألف ألف دينار، ومن الجواري قيمة خمسمائة ألف دينار، ومن الثياب ستة آلاف ثوب، ومن الألات ما لا يحصى. ووجد له خمسين زوجة ولدن نيفاً وثلاثين ولداً فسئل عن ذلك فقال: هذه عادة. وأحضر مجد الدولة وعنّفه، وعرض له بتسفيه رأيه في الانتصار عن جندراي منه، وبعثه إلى خراسان فحبس بها. ثم ملك السلطان قزوين وقلاعها، ومدينة ساوة وآوة، وصلب أصحاب مجد الدولة من الباطنية. ونفى المعتزلة إلى خراسان، وأحرق كتب الفلسفة والاعتزال والنجوم، وأخذ مما سوى ذلك من الكتب مائة حمل. وتحصّن منه منوجهر بن قابوس ملك الجيل بالجبال الوعرة فقصده فيها، ولم تصعب عليه فهرب منوجهر وتحصّن بالغياض، وبعث له بخمسمائة ألف دينار استصلاحاً فقبلها، ورجع عنه إلى نيسابور. وتوفيّ منوجهر عقب ذلك، وولي بعده ابنه أنوشروان فأقّره السلطان على ولايته، وقّرر عليه خمسمائة ألف دينار ضريبة. وخطب للسلطان محمود في بلاد الجيل إلى أرمينية، وافتتح ابنه مسعود زنجان وأبهر من يد إبراهيم السيلار بن المرزبان من عقب شوذان بن محمد بن مسافر الديلمي، وجميع قلاعه، ولم يبق بيده إلا شهرزان قرر عليه فيها ضريبة كما يأتي في أخبار الديلم. ثم أطاعه علاء الدولة بن كاكويه بأصفهان، وخطب له، وعاد السلطان إلى خراسان. واستخلف بالري إبنه مسعوداً فقصد أصفهان وملكها من علاء الدولة، واستخلف مسعود عليها بعض أصحابه، وعاد عنها فثار أهلها بعامله، وقتلوه فرجع إليهم واستباحهم، ثم عاد إلى الريّ فأقام بها. استيلاء السلطان محمود علي بخاري ثم عوده عنها: كان ايلك خان ملك الترك وصاحب تركستان لما ملك بخارى من يد بني سامان سنة تسعين وثلاثمائة ولّى عليها، ورجع إلى بلاده كما مرّ، وكان الغزّ أحياء بادية بضواحي بخارى، وزعيمهم ارسلان بن سلجوق عمّ السلطان طغرلبك. وكان بينه وبين ايلك خان

وأخيه بقراخان حروب وفتن، بسبب استظهار بني سامان بهم. فلما ملك ايلك خان بخارى عرف لارسلان بن سيجور حقّه ورفع محلّه، وهو مع ذلك مستوحش. وكان على تكين أخو ايلك خان، وحبس ارسلان ولحق ببخارى فاستولى عليها، وطلب موالاة ارسلان بن سيجور فوالاه واستفحل أمرهما. ونهض إليهما ايلك خان وقاتلهما فهزماه. واستوثق أمر تكين في بخارى. وكان يسيء جوار السلطان محمود بن سبكتكين في أعماله، ويعترض رسله المتردّدين إلى ملوك الترك فأحفظ ذلك السلطان، وأجمع المسير إليه فنهض من بلخ سنة عشرين وأربعمائة، وعبر النهر وقصد بخارى فهرب منها تكين ولحق بأيلك خان. ودخل السلطان بخارى، وملك سائر أعمالها، وأخذ الجزية من سمرقند. وأجفلت أحياء الغزّ وارسلان بن سلجوق، وتلطف في استدعائه. فلما حضر عنده !بض عليه، وبعثه إلى بعض قلاع الهند وحبسه بها. وسار إلى أحياء الغز- فنهبهم، وأثخن فيهم قتلًا وأسراً، ورجع إلى خراسان.

خبر السلطان محمود مع الغز بخراسان

لما حبس السلطان أرسلان بن سلجوق، ونهب أحياءهم أجلاهم عن ضواحي بخارى فعبروا نهر جيحون إلى خراسان، وامتدّت فيهم أيدي العمّال بالظلم والتعدّي في أموالهم وأولادهم فتفّرقوا. وجاءت منهم طائفة في أكشر من ألفي خركاه إلى كرمان، ثم إلى أصفهان، وكانوا يسمّون العراقية. وطائفة إلى جبل بكجان عند خوارزم القديمة، وعاث كل منهم فيما سار فيه من البلاد. وبعث السلطان إلى علاء الدولة بأصفهان لردّ الذين ساروا إليه إلى الريّ وقبلهم، وحاول ذلك بالغدر فلم يستطع، وحاربهم فهزموه وساروا عنه إلى أذربيجان، وأفسدوا ما ساروا عليه وصانعهم وهشوذان صاحب أذربيجان وآنسهم. وكان مقدّموهم: بوقا وكوكاش ومنصور ودانا. وأمّا الذين ساروا إلى خرارزم القديمة فكثر عيثهم في تلك النواحي. وأمر السلطان محمود صاحب طوس ارسلان الحاجب أن يسير في طلبهم فاتبعهم سنتين. ثم جاء السلطان على اثره فشّردهم على نواحي خراسان، واستخدم بعضهم. وكان أمراؤهم: كوكاش وبوقا وقزل ويغمر وتاصفلي.

ولمّا مات السلطان محمود استخدمهم إبنه مسعود أيضاً، وساروا معه من غزنة إلى خراسان فسألوه فيمن بقي منهم بجبل بكجان عند خوارزم فأذن لهم أن يسهلوا إلى البسائط على شرط الطاعة. ثم انتقض أحمد نيال عامل الهند فسار مسعود إليه، وولى على خراسان تاش، وكثر عيث هؤلاء الغز في البلاد فأوقع بهم تاش، وقتل أميرهم يغمر. وبعث السلطان مسعود من أجلاهم عن البلاد، ومثلّ بهم بالقتل والقطع والصلب. فساروا إلى الريّ طالبين أذربيجان للحاق بالعراقية منهم كما مرّ ذكرهم فملكوا الدامغان ونهبوها، ثم سمنان. ونهبوا جوار الريّ وايحاباذ ومشكوبة من أعمال الري، وخربوا كل ما مرّوا عليه من القرى والضياع فاجتمع لحربهم تاش أبو سهل الحمدوني صاحب الريّ. وسار إليهم تاش في العساكر والفيلة على التعبئة، ولقوه مستميتين، وسبق إليه أحياؤهم فهزموه وقتلوه. ثم ساروا إلى الريّ فهزموا أبا سهل الحمدوني وعسكره، ولحق بقلعة طبول، ونهبوا الريّ واستباحوا أموالها. وجاء عساكر من جرجان فاعترضوه وكبسوه، وأثخنوا فيهم قتلاً وأسراً ، ومضوا إلى أذربيجان ليجتمعوا بالعراقية. ثم رجع علاء الدولة بن كاكويه إلى أصفهان بعد مسيرهم من الريّ، وطلبوا مولاه أبا سهل على طاعة مسعود فلم يتم وعاث الغز في أذربيجان، وأوقع بهم وهشوذان وقتل منهم، وجمع عليهم أهل أذربيجان وأوقع بهم ففارقوها إشفاقا من نيال وأخيه طغرلبك، وافترقوا بين الموصل وديار بكر فملكوها ونهبوها وعاثوا في نواحيها، كما مرّ ذكره في أخبار قرواش صاحب الموصل وابن مروان صاحب ديار بكر. هذه أخبار ارسلان بن سلجوق مفصلة إلاّ ما اختصر منها بالريّ وأذربيجان فإنه يأتي في مواضعه من دولة الديلم. وأما طغرلبك واخوته داود وبيقو، وأخوه لأمه نيال المسمى بعد الإسلام إبراهيم فانهزموا وأقاموا بعد سلجوق ببلاد ما وراء النهر. وكان بينهم وبين علي تكين صاحب بخارى حروب ظهر عليهم فيها فعبروا جيحون إلى خوارزم وخراسان، وكان من أخبارهم فيها ومآل أمرهم إلى الملك والدولة ما يأتي ذكره.

افتتاح نرسي من الهند

كان السلطان محمود قد استخلف على الهند من مواليه أحمد نيال تكين، فغزا سنة

إحدى وعشرين مدينة نرسي من أعظم مدن الهند في مائة ألف مقاتل، فنهب وخرب الأعمال واستباحها. وجاء إلى المدينة فدخلها من أحد جوانبها، واستباحها يوماً ولم يستوعبها حتى خرجوا فباتوا بظاهرها خوفاً على أنفسهم من أهل البلد. وقسموا الأموال كيلاً، وأرادوا العود من الغد فدافعهم أهلها، ورجع أحمد نيال بعساكره إلى بلده.

وفاة السلطان محمود وولاية ابنه محمل

ثم توفي السلطان محمود في ربيع سنة إحدى وعشرين وأربعمائة، وكان ملكاً عظيماً استولى على كثير من الممالك الإسلامية، وكان يعظًم العلماء ويكّرمهم، وقصدوه من أقطار البلاد. وكان عادلًا في رعيته رفيقا بهم محسناً إليهم، وكان كثير الغزو والجهاد، وفتوحاته مشهورة. ولما حضرته الوفاة أوصى بالملك لابنه محمد وهو ببلخ، وكان أصغر من مسعود إلا أنه كان مقبلاً عليه ومعرضاً عن مسعود. فلما توفي بعث أعيان الدولة إلى محمد بخبر الوصية واستحثّوه، وخطب له في أقاصي الهند إلى نيسابور، وسار إلى غزنة فوصلها لأربعين يوماً، واجتمعت العساكر على طاعته، وقسم فيهم الاعطيات.

خلع السلطان محمد ابن السلطان محمود وولاية ابنه الآخر مسعود الأكبر

لما توفي السلطان محمود كان ابنه مسعود بأصفهان فسار إلى خراسان، واستخلف على أصفهان فثار أهلها بخليفته وعسكره فقتلوهم، فعاد إليهم مسعود وحصرها وافتتحها عنوة واستباحها. ثم استخلف عليها، وسار إلى الريّ ومنها إلى نيسابور. وكتب إلى أخيه محمد بالخبر وأنه لا ينازعه، ويقتصر على فتحه من طبرستان وبلد الجبل وأصفهان، ويطلب تقديمه على محمد في الخطبة فأحفظه ذلك، واستحلف العساكر. وسار إلى مسعود، وكان أكثر العساكر يميلون إلى مسعود لقوته وشجاعته وعلو سنه. وأرسل التونتاش صاحب خوارزم وكان من أصحاب السلطان محمود يشير على محمد بترك الخلاف فلم يسمع، وسار فانتهى إلى بكياباد أوّل رمضان من سنته. وأقام وكان مشتغلاً باللعب عن تدبير الملك فتفاوض جنده في خلعه والإدالة منه بأخيه مسعود. وتولى كبر ذلك عمّه يوسف بن سبكتكين، وعلي خشاوند صاحب أبيه. وحبسوا محمداً بقلعة بكياباد، وكتبوا بالخبر إلى مسعود، وارتحلوا إليه بالعساكر فلقوه بهراة فقبض على عمّه، وعلى صاحب أبيه، وعلى جماعة من القوّاد. واستقر في ملك أبيه شهر ذي القعدة من سنته، وأخرج الوزير أبا القاسم أحمد بن الحسن السيمندي من محبسه، وفوّض إليه الوزارة وأمور المملكة. وكان أبوه قبض عليه سنة ست عشرة وصادره على خمسة آلاف دينار. ثم سار إلى غزنة فوصلها منتصف إثنتين وعشرين، ووفدت عليه رسل جميع الملوك من جميع الآفاق، واجتمع له ملك خراسان وغزنة والهند والسند وسجستان وكرمان ومكران والري وأصفهان والجبل، وعظم سلطانه.

عود أصفهان إلى علاء الدولة بن كاكويه ثم رجوعها للسلطان مسعود

كان قناخر مجد الدولة بن بويه صاحب أصفهان، وملكها السلطان محمود من يده فهرب عنها، وامتنع بحصن قصران. وأنزل السلطان محمود ابنه مسعوداً بأصفهان، وأنزل معه علاء الدولة بن كاكويه فاستقل بها، وسار عنه مسعود. ثم زحف إليه وملكها من يده، ولحق علاء الدولة بخوزستان يستنجد أبا كاليجار بن سلطان الدولة. وسار عنه إلى تستر ليستمدّ له من أخيه جلال الدولة العساكر لمعاودة أصفهان. وكان ذلك عقب فتنة وحرب بين أبي كاليجار وأخيه جلال الدولة فوعده أبوه بذلك إذا اصطلحا، وأقام عنده إلى أن توفي السلطان محمود. ولما توفي السلطان محمود جمع قناخر جمعاً من الديلم والأكراد، وقصد الريّ، وقاتله نائبه مسعود فهزمه، ودفعه عن الري، وفتك في عسكره قتلاً وأسراً. وعاد قناخر إلى بلده، وبلغ الخبر إلى علاء الدولة بموت السلطان محمود، وهو عند أبي كاليجار بخوزستان، وقد أيس من النصر فبادر إلى أصفهان فملكها، ثم همذان. وقصد الري فقاتله نائب مسعود، ورجع إلى أصفهان. ثم اقتحموا عليه البلد عنوة، ونجا علاء الدولة إلى قلعة قردخان على خمسة عشر فرسخاً من همذان، وخطب لمسعود بالريّ وجرجان وطبرستان.

فتح التيز ومكران وكرمان ثم عود كرمان لأبي كاليجار

كان صاحب التيز ومكران لما توفي خلًف ولدين أبا العساكر وعيسى، واستبدّ عيسى منهما بالملك فسار أبو العساكر إلى خراسان مستنجداً بمسعود فبعث معه عسكراً ودعوا عيسى إلى الطاعة فامتنع، وقاتلوه فاستأمن كثير من أصحابه إلى أبي العساكر فانهزم عيسى وقتل في المعركة. واستولى أبو العساكر على البلاد وملكها. وخطب فيها للسلطان مسعود، وذلك سنة إثنتين وعشرين واربعمائة. وفي هذه السنة ملك السلطان مسعود كرمان، وكانت للملك أبي كاليجار بن سلطان الدولة فبعث إليها السلطان مسعود عساكر خراسان، فحاصروا مدينة بردسير، وشدّوا في حصارها، واستبد إلى أطراف البلاد. ثم وصل عسكر أبي كاليجار إلى جيرفت، واتبعوا الخراسانية بأطراف البلاد فعاود هزيمتهم، ودخلوا المفازة إلى خراسان، وعاد العساكر إلى فارس.

فتنة عساكر السلطان مسعود مع علاء الدولة بن كاكويه وهزيمته

قد تقدم لنا هزيمة علاء الدولة أبي جعفر بن كاكويه من الريّ، ونجاته إلى قلعة قردخان. ثم سار منها إلى يزدجرد ومعه فرهاد بن مرداويج مدداً له. وبعث صاحب الجيوش بخراسان عسكراً مع ابن عمران الديلميّ لاعتراضهما، فلما قاربهما العسكر فرّ فرهاد إلى قلعة شكمين، ومضى علاء الدولة إلى سابور خرات، وملك علي بن عمران يزدجرد. ثم أرسل فرهاد إلى الأكراد الذين مع علي بن عمران، وداخلهم في الفتك به ؛ وشعر بذلك فسار إلى همذان، ولحقه فرهاد فاعتصم بقلعة في طريقه منيعة ؛ وكادوا يأخذونه لولا عوائق الثلج والمطر في ذلك اليوم، وكانوا ضاحين من الخيام فتركوه ورجعوا عنه. وبعث ابن عمران إلى تاش قرواش صاحب جيوش خراسان يستمدّه في العسكر إلى همذان. وبعث علاء الدولة يستدعي أبا منصور ابن أخيه من أصفهان بالسلاح والأموال ففعل. وسار علي بن عمران من همذان لاعتراضه فكبسه بجر باذقان، وغنم ما معه، وقتل كثيراً من عسكره وأسره، وبعث به إلى تاش قرواش صاحب جيوش خراسان، وسار إلى همذان. وزحف إليه علاء الدولة وفرهاد فانقسموا عليه، وجاؤوه من ناحيتين فانهزم علاء الدولة، ونجا إلى أصفهان، وفرّ هارباً إلى قلعة شمكين فتحصّن بها.

مسير السلطان مسعود إلي غزنة والفتن بالري والجبل

لما استولى السلطان على أمره سار من غزنة إلى خراسان لتمهيد أمورها، وكان عامله وعامل أبيه على الهند أحمد نيال تكين قد استفحل فيها أمره، وحدّثته نفسه بالاستبداد فمنع الحمل وأظهر الانتقاض فسار السلطان إلى الهند، ورجع أحمد نيال إلى الطاعة. وقام علاء الدولة بأصفهان، وأظهر الانتقاض، ومعه فرهاد بن مرداويج فزحف إليهم أبو سهل وهزمهم، وقتل فرهاد، ونجا علاء الدولة إلى جبال أصفهان وجرباذقان فامتنع بها. وسار أبو سهل إلى أصفهان فملكها سنة خمس وعشرين واربعمائة، ونهب خزائن علاء الدولة، وحمل كتبه إلى غزنة. وأحرقها الحسين الغوري بعد ذلك.

عود أحمل نيال تكين إلي العصيان

ولما عاد السلطان إلى خراسان لقتال الغز عاد أحمد نيال تكين إلى العصيان بالهند، وجمع الجموع فبعث السلطان سنة ست وعشرين وأربعمائة إليه جيشاً كثيفاً. وكتب إلى ملوك الهند بأخذ المذاهب عليه. فلما قاتله الجيوش انهزم ومضى هارباً إلى ملتان، وقصد منها بهاطية، وهو في جمع فلم يقدر ملك بهاطية على منعه. وأراد عبور نهر السند في السفن فهّيأ له الملك ليعبر إلى جزيرة وسط النهر ظنها متصلة بالبر، وأوصى الملك الملاحين أن ينزلوه بها ويرجعوا عنه. وعلموا أنها منقطعة فضعفت نفوسهم، وأقاموا بها سبعة أيام ففنيت أزوادهم وأكلوا دوابهم، وأوهنهم الجوع. وأجاز إليهم ملك بهاطية فاستوعبهم بالقتل والغرق والأسر، وقتل أحمد نفسه.

فتح جرجان وطبرستان

كانت جرجان وطبرستان وأعمالهما لدارا بن منوجهر بن قابوس، وكان السلطان مسعود قد أقّره عليها فلمّا سار السلطان إلى الهند، وانتشر الغزّ في خراسان منع الحمل، ودخل علاء الدولة بن كاكويه وفرهاد بن ماكان في العصيان. فلمّا عاد مسعود من الهند وأجلى الغزّ عن خراسان، سار إلى جرجان سنة ست وعشرين فملكها. ثم سار إلى آمد فملكها وفارقها أصحابها، وافترقوا في الغياض فتبعهم، وقتل منهم وأسر. ثم راسله دارا في الصلح وتقرير البلاد عليه، وحمل ما بقي عليه فأجابه السلطان إلى ذلك ورجع إلى خراسان.

مسير علاء الدولة إلي أصفهان وهزيمته

كان أبو سهل الحم دوني قد أنزله السلطان بأصفهان ودلّهم على النواحي القريبة من علاء الدولة فأوقع بهم وغنم ما معهم، وقوي طمعه بذلك في أصفهان فجمع الجموع. وسار إليها فخرج إليهم أبو سهل وقاتلهم، وتحيّز من كان مع علاء الدولة من الأتراك إلى أبي سهل فانهزم علاء الدولة، ونهب سواده وسار إلى بروجرد، ثم إلى الطّرم فلم يقبله ابن السلّار صاحبها.

استيلاء طغرلبك علي خراسان

كان طغرلبك وأخواه بيقو وحقربيك، واسم طغرلبك محمد، ولما أسر السلطان محمود ارسلان بن سلجوق وحبسه كما مرّ وأجاز أحياء من الغزّ إلى خراسان فكان من أخبارهم ما قدّمناه، وأقام طغرلبك واخوته في أحيائهم بنواحي بخارى. ثم حدثت الفتنة بينهم وبين عل تكين صاحب بخارى، وكانت بينهم حروب ووقائع، وأوقعوا بعساكره مراراً فجمع أهل البلاد عليهم، وأوقع بهم واستلحمهم واستباحهم فانحازوا إلى خراسان سنة ست وعشرين وأربعمائة، واستخدموا لصاحب خوارزم وهو هرون بن التونتاش. وغدر بهم فساروا عنه إلى مفازة نسا ، ثم قصدوا مرو، وطلبوا الأمان من السلطان مسعود على أن يضمنهم أمان السابلة فقبض على الرسل، ولم يجبهم على ما سألوا. وبعث العساكر فأوقعوا بهم على نسا، ثم طار شررهم في البلاد، وعم ضررهم. وسار السلطان ألب أرسلان إلى نيسابور ففارقها أبو سهل الحمدوني فيمن معه، واستولى عليها داود. وجاء أخوه طغرلبك على اثره، ولقيهم رسل الخليفة إليهم وإلى العراقية الذين فتلهم بالري وهمذان يعنفّهم وينهاهم عن الفساد، ويطمعهم فتلقوا الرسل بالاعظام والتكرمة. ثم امتدّت عين داود إلى نهب نيسابور فمنعه طغرلبك، وعرض له بشهر رمضان ووصية الخليفة فلجّ فقوي طغرلبك في المنع وقال: والله لئن نهبت لأقتلنّ نفسي فكفّ داود عن ذلك، وقسّطوا على أهل نيسابور ثلاثين ألف دينار فرّقوها في أصحابهم. وجلس طغرلبك على سرير ملك مسعود بدار الملك، وصار يقعد للمظالم يومين في الأسبوع على عادة ولاة خراسان، وكانوا يخطبون للملك مسعود مغالطة وإيهاماً.

مسير السلطان مسعود من غزنة إلي خراسان وإجلاء السلجوقية عنها

ولما بلغ الخبر إلى السلطان مسعود باستيلاء طغرلبك والسلجوقية على نيسابور، جمع عساكره من غزنة، وسار إلى خراسان فنزل بلخ في صفر سنة ثلاثين وأربعمائة، وأصهر إلى بعض ملوك الخانية دفعاّ لشرّه. وأقطع خوارزم، ولحق إسمعيل بطغرلبك. ثم أراح السلطان مسعود، وفرغ من خوارزم والخانية فبعث السلطان سباسي فسار إليهم في العساكر فلم يشف نفسه، ونزل سرخس، وعدلوا عن لقائه، ودخلوا المفازة التي بين مرو وخوارزم. واتبعهم السلطان مسعود وواقعهم في شعبان من هذه السنة فهزمهم فما بعدوا حتى عادوا في نواحيه، فأوقع بهم أخرى. وكان القتلى فيها منهم ألفاً وخمسمائة، وهربوا إلى المفازة. وثار أهل نيسابور بمن عندهم وقتلوهم، ولحق فلّهم بأصحابهم في المفازة. وعدل السلطان إلى هراة ليجهّز العساكر ليطلبهم فبلغه الخبر بأنّ طغرلبك سار إلى أستراباذ، وأقام بها في فصل الشتاء يظن أنّ الثلج يمنعهم عنه فسار السلطان إليه هنالك، ففارقها طغرلبك وعدل عن طوس إلى جبال الريّ التي كان فيها طغرلبك وأصحابه، وقد امتنعوا بجبالهم خوفاً من السلطان، لما كان منهم من موالاة السلجوقية فأغذّ إليهم السير، وصبحهم فتركوا أهلهم وأموالهم واعتصموا بوعر الجبل، وغنمت عساكره جميع ما استولوا عليه. ثم صعد إليهم بنفسه وعساكره، وهلك كثير من العسكر بالثلج في شعاب الجبل. ثم ظفروا بهم في قلّة الجبل واستلحموهم. وسار مسعود إلى نيسابور في جمادى سنة إحدى وثلاثين وأربعمائو ليريح ويخرج في فصل الربيع لطلبهم في المفاوز. ثم عاد طغرلبك وأصحابه من المفازة، وبعث إليهم السلطان بالوعيد فيقال إنّ طغرلبك قال لكاتبه، اكتب إليه: { قل اللهمّ مالك الملك } [الآية]، ولا تزده عليها. ولما ورد الكتاب على السلطان مسعود كتب إليه" وآنسه بالمواعيد"، وبعث إليه بالخلع وأمره بالرحيل إلى آمل الشطّ على جيحون. وأقطع نسا لطغرلبك، ودهستان لداود، وبدارة لبيقو، وسمّى كل واحد منهم بالدهقان فلم يقبلوا أشياً من ذلك ولا وثقوا به، وأكثروا من العيث والفساد. ثم كفّوا عن ذلك، وبعثوا إلى السلطان مسعود يخادعونه بالطاعة ببلخ، ورغبوه في أن يسّرح إليهم أخاهم ارسلان المحبوس بالهند فبعث إليه السلطان مسعود، وجاؤوا بارسلان من الهند. ولمّا لم يتم بينهم أمر بإعادته إلى محبسه.

هزيمة السلطان مسعود واستيلاء طغرلبك على مدائن خراسان وأعمالها

ولما تغلّبت السلجوقية على نواحي خراسان، وفضّوا عساكر السلطان، وهزموا الحاجب سباسي اهتز السلطان لذلك، وأجمع لخراسان الحشد وبثّ العطاء وأزاح العلل. وسار من غزنة في الجيوش الكثيفة والفيلة العديدة على التعبية المألوفة، ووصل إلى بلخ، ونزل بظاهرها. وجاء داود بأحيائه فنزل قريباً منه، وأغار يوما على معسكره فساق من باب الملك مسعود عدّة من الجنائب المقربات، معها الفيل الأعظم، وارتاع الملك لذلك. وارتحل مسعود من بلخ في رمضان سنة تسع وعشرين، ومعه مائة ألف مقاتل. ومرّ بالجوزجان فصلب الوالي الذي كان بها للسلجوقية، وانتهى إلى مرو الشاهجان. ومضى داود إلى سرخس، واجتمع معه أخوه طغرلبك وبيقو، وبعث إليهم السلطان في الصلح فوفد عليه بيقو فأكرمه السلطان وخلع عليه، وأجابه هو عن أصحابه بالامتناع من الصلح للخوف من السلطان. وسار من عند السلطان فسقط في يده وسار في اتباعهم من هراة إلى نيسابور، ثم سرخس. كلما تبعهم إلى مكان هربوا منه إلى آخر، حتى أظلهم فصل الشتاء فأقاموا بنيسابور ينتظرون انسلاخه فانسلخ، والسلطان عاكف على لهوه غافل عن شأنه، حتى انقضى زمن الربيع. واجتمع وزراؤه وأهل دولته وعذلوه في إهمال أمر عدوه فسار من نيسابور إلى مرو في طلبهم، فدخلوا المفازة فدخل وراءهم مرحلتين، وقد ضجر العسكر من طول السفر وعنائه. وكانوا منذ ثلاث سنين منقلبين فيه منذ سفرهم مع سباسي فنزل بعض الأيام في منزلة على قليل من الماء، وازدحم الناس على الورود، واستأثر به أهل الدولة والحاشية فقاتلهم عليه الجمهور، ووقعت في العساكر لذلك هيعة. وخالفهم الدعرة إلى الخيام ينهبون ويتخطفون. وكان داود وأحياؤه متابعاً للعسكر على قرب يتخطّف الناس من حولهم فشعر بتلك الهيعة، فركب في قومه، وصدم العساكر، وهم في تلك الحال فولّوا منهزمين، والسلطان والوزير ثابتان في موقفهما يحرّضان الناس على الثبات فلم يثبت أحد، فانصرفا مع المنهزمين في فل، واتبعهم داود وأثخن فيهم بالقتل. ثم رجع إلى العسكر، وقد غنمه أصحابه فآثرهم بالغنائم، وقسم فيهم ما حصل له. وقعد على كرسي السلطان، وأقام عسكره ثلاثة أيام ولياليها خشية من كر العساكر السلطانية عليهم. ونجا السلطان إلى غزنة فدخلها في شوال سنة إحدى وثلاثين، وقبض على سباسي وغيره من الأمراء وسار طغرلبك إلى نيسابور فملكها آخر إحدى وثلاثين وأربعمائة، ونهب عسكره أهلها، وكان بها هرج عظيم من الدعرة. وكانوا ينالون من الناس بالنهب والزنا والقتل فارتدعوا لذلك لهيبة طغرلبك، وسكن الناس. وملك السلجوقية البلاد فسار بيقو إلى هراة فملكها، وسار داود إلى بلخ وبها الحاجب التونتاش فاستخلفه السلطان عليها فأرسل إليه داود في الطاعة فسجن الرسل، وحاصره داود. وبعث السلطان مسعود جيشاً كثيفاً لإمداده. ودفع السلجوقية عن البلاد فسار فريق مشهم إلى الرخج فدفعوا من كان بها من السلجوقية، وهزموهم وأفحشوا في قتلهم وأسرهم. وسار فريق منهم إلى بيقو في هراة فقاتلوه ودفعوه عنها. ثم بعث السلطان ابنه مودود بعساكر أخرى، وجعل معه وزيره أبا نصر أحمد بن محمد بن عبد الصمد يدّبره فسار عن غزنة سنة إثنتين وثلاثين. فلما قارب بلخ وداود يحاصرها، بعث داود جماعة من عسكره فلقوا طلائع مودود فهزمهم. فلمّا وصلت منهزمة تأخّر مودود عن نهايته، وأقام وسمع التونتاش بإحجام مودود عنه فأطاع داود وخرج إليه.

خلع السلطان مسعود ومقتله وولاية أخيه محمد مكانه

ولما بعث السلطان ولده مودود إلى خراسان لمدافعة السلجوقية عنها، وأقام بعده سبعة أيام، وخرج من غزنة في ربيع سنة إثنتين وثلاثين وأربعمائة يريد الهند للمشتى به على عادة أبيه، ويستنفر الهنود لقتال السلجوقية. واستصحب أخاه محمداً المسمول معه. وكان أهل الدولة قد ضجروا منه فتفاوضوا في خلعه وولاية أخيه محمد، وأجمعوا ذلك فلما عبروا نهر سيحون وتقدّم بعض الخزائن فتخلّف أنوش تكين البلخيّ في جماعة من الغلمان الفداوية، ونهبوا بقية الخزائن، وبايعوا لمحمد المسمول، وذلك في منتصف ربيع الاخر من السنة. وافترق العسكر، واقتتلوا وعظم الخطب، وانهزم السلطان محمود، وحاصروه في رباط هناك. ثم استنزلوه على الأمان. وخيره أخوه محمد في السكنى فاختار مسعود قلعة كيدي فبعث إليها، وأمر بإكرامه. ورجع محمد بالعساكر إلى غزنة، وفوّض إلى إبنه أحمد أمر دولته. وكان أهوج

فاعتزم على قتل عمه مسعود، وداخل في ذلك عمّه يوسف وعلي خشاوند فوافقوه عليه، وحرّضوه فطلب من أبيه خاتمه ليختّم به بعض خزائنهم، وبعث بهم إلى القلعة مع بعض خدمه ليؤدّي رسالة مسعود، وهو بخراسان يعتذر بأن أولاد أحمد نيال تكين قتلوا السلطان مسعود قصاصاً بأبيهم فكتب إليه يتوعّده. ثم طمع الجند في السلطان محمد ومدّوا أيديهم إلى الرعايا ونهبوها. وخربت البلاد وارتحل عنها محمد. وكان السلطان مسعود شجاعاً كريماً غزير الفضل حسن الخط سخيّاً محباّ للعلماء مقرّباً لهم محسناً إليهم وإلى غيرهم من ذوي الحاجات، كثير الصلوات والعطاء والجوائز للشعراء، حليت تصانيف العلوم بإسمه، وكثرت المساجد في البلاد بعمارته. وكان ملكه فسيحاً. ملك أصفهان وهمذان والريً وطبرستان وجرجان وخراسان وخوارزم وبلاد الدارون وكرمان وسجستان والسند والرخّج وغزنة وبلاد الغور، وأطاعه أهل البّر والبحر، وقد صنّف في أخباره ومناقبه.

مقتل السلطان محمد وولا ية مودود ابن أخيه مسعود

لما بلغ الخبر بمقتل السلطان مسعود إلى إبنه مودود بخراسان سار مجداً في عساكره إلى غزنة فلقيه عمّه محمد في شعبان سنة إثنتين وثلاثين وأربعمائة، وانهزم محمد وقبض عليه وعلى ابنيه أحمد وعبد الرحمن، وعلي أنوش تكين البلخيّ الخصيّ، وعلى علي خشاوند وقتلهم أجمعين، إلاّ عبد الرحمن لرفقه بأبيه مسعود عند القبض عليه. وقتل كل من داخل في قبض أبيه وخلعه، وسار سيرة جدّه محمود. وبلغ الخبر إلى أهل خراسان فثار أهل هراة بمن عندهم من السلجوقية فأخرجوهم، وتشوّف أهل خراسان للنصر على الغزّ من قبل مودود، وكان أبوه السلطان مسعود قد بعث إبنه الآخر إلى الهند أميراً عليها سنة ست وعشرين وأربعمائة. فلمّا بلغه موت أبيه بايع لنفسه، وقفل إلى لهاور والملتان فملكهما، وأخذ الأموال، وجمع العساكر، وأظهر الخلاف على أخيه مودود. وحضر عيد الأضحى فأصبح ثالثه ميتاً بلهاور، بعد أن كان مودود يجهز العساكر من غزة لقتاله، وهو في شغل شاغل من أمره، ففرغ عن الشواغل، ورسخت قدمه في ملكه، وخالفه السلجوقية بخراسان، وخاطبه خان الترك من وراء النهر بالانقياد والمتابعة.

استيلاء طغرلبك على خوارزم

كانت خوارزم من ممالك محمود بن سبكتكين وابنه مسعود من بعده، وكان عليها التوتناش حاجب محمود من أكابر أمرائه ووليها لهما معاً. ولما شغل مسعود بفتنة أخيه محمد عند مهلك أبيهما أغار على تكين صاحب بخارى من أطراف البلاد وغيرهما. فلما فرغ مسعود من مراجعة محمد، واستقل بالملك بعث إلى التونتاش بالمسير إلى أعمال علي وانتزاع بخارى وسمرقند منه، وأمدّه بالعساكر فعبر جيحون سنة أربع وعشرين وأربعمائة، وأخذ من بلاد تكين كثيراً فأقام بها، وهرب تكين بين يديه. ثم دعته الحاجة إلى الأموال للعساكر، ولم يكن في جبايته تلك البلاد. وجاء بها فاستأذن في العود إلى خوارزم، وعاد واتبعه علي تكين، وكبسه على غّرة فثبت وانهزم علي تكين، ونجا إلى قلعة دبوسية. وحاصره التوتناش وضيّق عليه فبعث إليه واستعطفه فأفرج عنه، وعاد إلى خوارزم ، وكانت به جراحة من هذه الوقعة، فانتقض عليه ومات. وترك من الولد ثلاثة وهم: هرون ورشيد وإسمعيل، وضبط وزيره أحمد بن عبد الصمد البلد والخزائن حتى جاء هرون الأكبر من الولد من عند السلطان بعهده على خوارزم، ثم توفي المتميدي وزير السلطان مسعود، وبعث على أبي نصر لوزارته، واستناب أبو نصر عند هرون بخوارزم ابنه عبد الجبّار. ثم استوحش من هرون وسخطه، وأظهر العصيان في رمضان سنة خمس وعشرينوأربعمائة فاختفى عبد الجبار خوفاً من غائلته، وسعى عند السلطان مسعود. وكتب مسعود الى شاه ملك بن علي أحد ملوك الأطراف بنواحي خوارزم بالمسير لقتال إسمعيل فسار، وملك البلد فهزمهما، وهرب إسمعيل، وشكر إلى طغرلبك وداود صريخين، فسار داود إلى خوارزم فلقيهما شاه ملك وهزمهما. ثم قتل مسعود، وملك ابنه مودود فدخل شاه ملك بأمواله وذخائره في المفاوز إلى دهستان ثم إلى طبس، ثم ولى نواحي كرمان، ثم إلى أعمال البتر ومكران. وقصد أرتاش أخا إبراهيم نيال، وهو ابن عم طغرلبك في أربعة آلاف فارس فأسره، وسلّمه إلى داود واستأثر هو بما غنم من أمواله. ثم أعاد أرتاش الى باذغيس، وأقام على محاصرة هراة على طاعة مودود بن مسعود فامتنعو منه خوفاً من معرّة هجومه عليهم.


مسير العساكر من غزنة إلى خراسان

ولما ملك الغزّ خراسان، واستولوا على سائر أملاكها وأعمالها واستولى طغرلبك على جرجان وطبرستان وخوارزم، وإبراهيم نيال على همذان وعلى الريّ والجبل؟ وولّي على خراسان وأعمالها داود بن ميكايل ، وبعث السلطان أبو الفتح مودود عساكره مع بعض حجابه إلى خراسان سنة خمس وثلاثين فسرح إليهم داود ابنه ألب ارسلان في العساكر فاقتتلوا، وكان الغلب لألب ارسلان. وعاد عسكر غزنة مهزوماً ، وسار محس!كر من الغز إلى نواحي بست وعاثوا وأفسدوا فبعث أبو الفتح مودود إليهم عسكراً فقاتلهم، وانهزموا وظفر عسكر مودود بهم وأثخنوا فيهم. مسير الهنود لحصار لهاور وامتناعها وفتح حصون أخري من بلادهم: وفي سنة خمس وثلاثين اجتمع ثلاثة من ملوك الهند على لهاور فجمع مقدّم العساكر الإسلامية هناك عسكره، وبعثهم للدفاع عنها. وبعث إلى السلطان مودود، وحاصرها الثلاثة ملوك. ثم أفرج الآخران وعادا إلى بلادهما. وسارت عساكر الإسلام في اتباع أحدهما وهو دوبالي هربابة فانهزم منهم، وامتنع بقلعة له هو وعساكره، وكانوا خمسة آلاف فارس وسبعين ألف راجل. وحاصرهم المسلمون حتى استأمنوا، وسلّموا ذلك الحصن وجميع الحصون التي من أعمال الملك، وغنموا أموالهم، وأطلقوا من كان في الحصون من أسرى المسلمين بعد أن أعطوهم خمسة آلاف ثم ساروا إلى ولاية الملك الآخر واسمه باس الريّ فقاتلوه وهزموه وقتل في المعركة هو وخمسة آلاف من قومه، وأسر الباقون، وغنم المسلمون ما معهم. وأذعن ملوك الهند بعدها بالطاعة، وحملوا الأموال وطلبوا الأمان والإقرار على بلادهم فأجيبوا.

وفاة مودود وولاية عمه عبد الرشيد

ثم توفي أبو الفتح مودود بن مسعود بن محمود بغزنة لعشر سنين من ولايته في رجب سنة إحدى وأربعين وأربعمائة، وقد كان كاتب فأجابوه وجمع أبو كليجار صاحب أصفهان العساكر، و0سار في المفازة لنصره فمرض في طريقه ورجع. وسار خاقان إلى ترمذ لنصره، وطائفة أخرى مما وراء النهر إلى خوارزم. وسار مودود من غزنة فعرض له بعد رحيله من غزنة مرض القولنج، فعاد إلى غزنة، وبعث إلى وزيره أبي الفتح عبد الرزاق بن أحمد المتميدي في العساكر إلى سجستان لانتزاعها من الغزّ. ثم اشتدّ وجعه فمات ونصّب إبنه للأمر خمسة أيام. ثم عدل الناس عنه إلى عمه عليّ بن مسعود، وكان مسعود لأوّل ولايته قبض على عمّه عبد الرشيد أخي محمود، وحبسه بقلعة بطريق بُسْت. فلمّا قاربها الوزير أبو الفتح وبلغه وفاة مودود، نزل عبد الرشيد إلى العسكر فبايعوا له، ورجعوا به إلى غزنة فهرب عليّ بن مسعود واستقّر الأمر لعبد الرشيد، ولقّب سيف الدولة، وقيل جمال الدولة. واستقام أمر السلجوقّية بخراسان، واندفعت العوائق عنهم.

مقتل عبد الرشيد وولاية فرخزاد

كان لمودود صاحب إسمه طغرل، وجعله حاجباً ببابه. وكان السلجوقّية قد ملكوا سجستان، وصارت في قسم بيقو أخي طغرلبك، وولّى عليها أبا الفضل من قبله فأشار طغرلبك على عبد الرشيد بانتزاعها منهم، وألحّ عليهم في ذلك، فبعث إليها طغرل في ألف فارس، فحاصر حصن الطاق أربعين يوماً. وكتب أبو الفضل من سجستان يستنجده. وسار طغرل، ولمّا سمع أصوات البوقات والدبادب، وأخبر أنه بيقو فتحاجزوا، وعلم أنه تورط ولقيهم مستمياً فهزمهم وسار إلى هراة. واتبعهم طغرل فرسخين، وعاد إلى سجستان فملكها، وكتب إلى عبد الرشيد بالخبر، واستمدّه لغزو خراسان فأمدّه بالعساكر. ثم حدّثته نفسه بالملك فأغذّ السير إلى غزنة حتى كان على خمسة فراسخ منها، كتب إلى عبد الرشيد باستيجاش العسكر، وطلبهم الزيادة في العطاء فشاور أصحابه فكشفوا له وجه المكيدة في ذلك. وحذّروه من طغرل فصعد إلى قلعة غزنة وتحصّن بها. وجاء طغرل من الغد فنزل في دار الإمارة، وأرسل أهل القلعة في عبد الرشيد فأسلموه إليه فقتله، واستولى على ملكهم. وتزوّج إبنة السلطان عبد الرشيد ويحضهم على الأخذ بثأره فأجابوا ودخلوا عليه في مجلسه وقتلوه وجاء خرخيز الحاجب لخمسة أيام من قتله، وجمع وجوه القوّاد وأعيان البلد، وبايع فرخاد أبن السلطان مسعود، وقام بتدبير دولته وقتل الساعين في إلى غزنة، ولقي الغز وهزمهم. ودخل غزنة فملكها من أيديهم. ثم سار من غزنة إلى كرمان وسوران فملكها. وكرمان هذه بين غزنة والهند، وليست كرمان المعروفة. ثم سار غيّاث الدين إلى نهر السند ليعبر إلى لهاور كرسي خسرو شاه بن بهرام شاه فبادر خسرو شاه ومنعه العبور فرجع، وملك ما يليه من جبال الهند وأعمال الأنبار. وولّى على غزنة أخاه شهاب الدين ورجع إلى بيروز كوه.

استيلاء الغورية علي لهاور ومقتل خسرو شاه وانقراض دولة بني سبكتكين

ولما ولي شهاب الدين الغوري غزنة أحسن السيرة فيهم، وافتتح جبال الهند مما يليه فاستفحل ملكه، وتطاول إلى ملك لهاور قاعدة الهند من يد خسرو شاه فسار سنة تسع وسبعين وأربعمائة في عسكر غزنة والغور، وعبر إليها وحاصرها، وبذل الأمان لخسرو شاه وأنكحه إبنته وسوّغه ما يريد من الإقطاع على أن يخرج إليه، ويخطب لأخيه فأبى من ذلك. وأقام شهاب الدين يحاصره حتى ضاق مخنقه. وخذله أهل البلد فبعث القاضي والخطيب يستأمنان له فأمنّه ودخل شهاب الدين، وبقي خسرو شاه عنده مكرّماً. وبقي شهرين ينتظر المعونة من يد غيّاث الدين فأنفذ خسرو شاه إليه فارتاب من ذلك، وأمنه شهاب الدين وحلف له، وبعث به وبأهله وولده مع جيش يحفظونهم. فلمّا وصلوا بلد الغور حبسهم غياث الدين ببعض قلاعه فكان آخر العهد به، وانقرضت دولة بني سبكتكين بموته، وكان مبدؤها سنة ست وستين وثلاثمائة فتكون مدّة الدولة مائتين وثلاث عشرة سنة.

دولة الترك

الخبر عن دولة الترك في كاشغر وأعمال تركستان وما كان لهم من الملك في الملة الإسلامية بتلك البلاد وأولية أمرهم ومصائر أحوالهم

كان هؤلاء الترك ملوك تركستان، ولا أدري أولية أمرهم بها إلا أنّ أوّل من أسلم منهم سبق قراخان، وتسمّى عبد الملك ، وكانت له تركستان، وقاعدتها كاشغر وساغون وخيمو وما يتصل بها إلى أوان المفازة المتصلة بالصين في ناحية الشمال عنهم، أعمال طراز والشاش وهي للترك أيضاً. إلا أنّ ملوك تركستان أعظم ملكاً منهم بكثير. وفي المغرب عنهم بلاد ما وراء النهر التي كان ملكها لبني سامان وكرسيّهم بخارى. ولما أسلم ملكهم عبد الكريم سبق أقام على ملكه بتلك الناحية، وكان يطيع بني سامان هو وعقبه يستنفرونهم في حروبهم، إلى أن ملك عهد الأمير نوح بن منصور في عشر التسعين والثلاثمائة على حين اضطراب دولة بني سامان، وانتقاض عمّالهم بخراسان.

وانتقض أبو علي بن سيجور فراسل بقراخان وأطمعه في ملك بخارى فطمع بقراخان في البلاد. ثم قصد أعمال بني سامان وملكها شيئاً فشيئا. وبعث الأمير نوح إليه العساكر مع قائده أنج فلقيهم بقراخان وهزمهم، وأسر أنج وجماعة من القوّاد. وسار فائق إلى بقراخان واختصّ به، وصار في جملته. ورجع الأمير نوح إلى بخارى كما مرّ من قبل، وهلك بقراخان في طريقه.

وفاة بقراخان وملك أخيه ايلك خان سليمان

ولما ارتحل بقراخان من بخارى، وهو على ما به من المرض أدركه الموت في طريقه فمات سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة0 وكان دّيناً عادلاً حسن السيرة، محبّاً للعلماء وأهل الدين مكرّماً لهم، متشيّعاً سنياً. وكان موالياً لأل رسول الله صلى اللة وعلية وسلم . ولمّا مات ولي بعده أخوه ايلك خان سليمان، ولقبه شهير الدولة. واستوثق ملكه بتركستان وأعمالها، ووفد عليه فائق بعد حروبه بخراسان مع جيوش الأمير نوح وسبكتكين وإبنه محمود، ولحق به مستصرخاً فأكرمه ووعده، وكتب إلى الأمير نوح يشفع في فائق وأن يوليه سمرقند فولاه عليها وأقام بها.

استيلاء ايلك خان علي ما وراء النهر

لما عاد بقراخان على بخارى وعاد إليها الأمير نوح، وقد كان من أبي علي بن سيجور وإجلائه عن خراسان ما كان استدعى الأمير نوح مولاه سبكتكين بعد ذلك، واختلف إبناه بكثرزون ومنصور كما تقدّم ذلك سنة خمس وثمانين وأربعمائة. ثم هلك سبكتكين كما تقدم ذلك كله قبل، ثم استوحش بكثرزون من منصور واتفق مع فائق على خلعه، فخلعه وسمله بخراسان سنة تسع وثمانين وأربعمائة، وكان فائق خصيّاً من موالي نوح بن منصور. وهذه الأخبار كلها مستوفاة في دولة بني سامان. ثم بلغ الخبر إلى ايلك خان فطمع في ملك بخارى وأعمالها، وسار في جموع الترك إلى بخارى مورياً بالمحاماة عن عبد الملك والنصرة له0 وخرج بكثرزون والأمراء والقواد للقائه فقبض عليهم، وسار فدخل بخارى عاشر ذي القعدة من سنة تسع وثمانين واربعمائة، ونزل دار الإمارة وظفر بعبد الملك فحبسه فانكدر حتى مات. وحبس معه أخاه المخلوع أبا الحارث منصور، وأخويه الآخرين إسمعيل ويوسف ابني نوح، وأعمامه محموداً وداود وغيرهم0 وانقرضت دولة بني سامان والبقاء لله.

ثورة إسمعيل إلي بخارى ورجوعه عنها

قد تقدّم لنا أنّ إسمعيل فر من محبسه ولحق بخوارزم، واجتمع إليه قوادهم، وبايعوه ولقبوه المستنصر. وبعث قائداً من أصحابه إلى بخارى ففر من كان بها من عساكر ايلك خان فهزمهم، وقتل منهم وحبس. وكان النائب بها جعفر تكين أخي ايلك خان فحبسه، واتبع المنهزمين إلى سمرقند. ولحق إسمعيل بأحياء الغز وجمعوا عليه. وجاء ايلك خان في جيوشه، والتقوا فانهزم ايلك خان، وأسروا قوّاده، وغنموا سواده، ورجعوا إلى بلادهم. وتشاوروا في الأسرى فارتاب بهم إسمعيل، وعبر النهر، وانضمّت إليه فتيان سمرقند. واتصل الخبر بأيلك خان فجمع والتقى هو وإسمعيل، وهزمه بنواحي أسروشنّة، وعبر النهر إلى نواحي الجوزجان0 ثم إلى مرو. وبعث محمود العساكر في اثره من خراسان، وكذلك قابوس من جرجان فعاد إلى ما وراء النهر، وقد ضجر أصحابه، ونزل بحيّ من العرب فأمهلوه الليل وقتلوه. واستقّرت بخارى في ملك ايلك خان، وولّى عليها أخوه علي تكين.

عبور ايلك خان إلي خراسان

قد تقدم لنا ما كان انعقد بين ايلك خان ومحمود من المواصلة. ثم دبّت عقارب السعاية بينهما، وأكثر محمود من غزو بلاد الهند. ولمّا سار إلى الملتان اغتنم ايلك خان الفرصة في خراسان، وبعث سباسي تكين صاحب جيشه وأخاه جعفر تكين إلى بلخ في عدة من الأمراء، وأرسلان الحاجب. فسار أرسلان إلى غزنة، وملك سباسي هراة وأقام بها، وبعث إلى نيسابور عسكراً فاستولى عليها. وبادر محمود بالرجوع من الهند، وفرق العطايا وأزاح العلل، واستنفر الأتراك الخلنجيّة. وسار إلى جعفر تكين ببلخ ففارقها إلى ترمذ، وبعث العساكر إلى سباسي بهراة ففارقها إلى مرو ليعبر النهر، فاعترضه التركمان فأوقع بهم، وسار إلى أبيورد والعساكر في اتباعه. ثم سار إلى خراسان فاعترضه محمود وهزمه، وأسر أخاه وجماعة من قوّاده، وعبر النهر إلى ايلك، وأجلى عساكره وأصحابه من خراسان، فبعث ايلك خان إلى قراخان ملك الختل فاستنفر الترك الغزّية والخلنجيّة والهنود، وعسكر على فرسخين من بلخ، وتقدّم ايلك وقراخان في عساكرهما، ونزلوا قبالته، واقتتلوا يوماً إلى الليل، ومن الغد اشتدت الحرب ونزل الصبر. ثم حمل محمود في الفيلة على ايلك خان في القلب فاختلّ المصاف، وانهزم الترك، واتبعهم عساكر محمود، وأثخنوا فيهم بالقتل والأسر إلى أن عبر النهر، وانقلب ظافراً غانماً، وذلك سنة سبع وتسعين وثلثمائة.

وفاة ايلك خان وولاية أخيه طغان خان

ثم هلك ايلك خان سنة ثلاث وأربعمائة، وكان موالياً للسلطان محمود، ومظاهراً له على أخيه طغان خان. فلما ولي تجدّد ما بينه وبين السلطان من الولاية، وصلحت الأحوال وانمحت آثار الفتنة في خراسان وما وراء النهر.

وفاة طغان خان وولاية أخيه أرسلان خان

ثم توفي طغان خان ملك الترك سنة ثمان وأربعمائة بعد أن كان له جهاد مع أمم من الترك خرجوا من الصين في زهاء ثلاثمائة ألف وقصدوا بلاده في ساغون، وهال المسلمون أمرهم فاستنفر طغان طوائف المسلمين وغيرهم، واستقبلهم فهزمهم، وقتل منهم نحو مائة ألف، وأسر مثلها، ورجع الباقون منهزمين. ومات طغان اثر ذلك، وولي بعده أخوه أرسلان. وكان من الغريب الدال على قصد ايمان طغان أنه كان عند خروج الترك إلى بلاد ساغون عليلًا، فلمّا بلغه الخبر تضرّع لله أن يعافيه حتى ينتقم من هؤلاء الكفرة ويدفعهم عن البلاد، فاستجاب الله دعاءه ، وكان محباً لأهل العلم والدين. ولما توفي واصل ارسلان خان الولاية مع السلطان محمود، وأصهر إلى إبنه مسعود في بعض كرائمه فاستحكم الاتصال بينهما.

انتقاض قراخان علي ارسلان وصلحه

كان أرسلان خان قد ولّي على سمرقند قراخان يوسف بن بقراخان هرون الذي ملك بخارى، فانتقض عليه سنة تسع وأربعمائة وكاتب السلطان محمود صاحب خراسان يستظهر به على أرسلان خان، فعقد السلطان على جيحون جسرا من السفن محكمة الربط بسلاسل الحديد، وعبر إليه. ثم ظ م عن لقائه فعاد إلى خراسان وانقطعت الموالاة بينه وبين أرسلان خان، وتصالح مع قراخان واتفقا على محاربة السلطان محمود، والمسير إلى بلاده فسار إلى بلخ، وقاتلهما السلطان قتالًا شديداً حتى انهزم الترك، وعبروا النهر إلى بلادهم. وكان من غرق أكثر ممن نجا، وعبر السلطان في اثرهم، ثم رجع عنهم.


أخبار قراخان

الذي يظهر من كلام ابن الأثير: أن قراخان ولي بلاد الترك بتركستان وساغون، فإنه ذكره عقب هذا الخبر بالعدل وحسن السيرة وكثرة الجهاد. ثم قال عقب كلامه: فمن فتوحاته ختن بين الصين وتركستان، وهي كثيرة العلماء والفضلاء. ثم قال: وبقي كذلك إلى سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة فتوفي فيها. ولمّا توفي خلّف ثلاثة بنين: أرسلان خان وكنيته أبو شجاع، ولقبه شرف الدولة، وبقراخان، ولم يذكر الثالث. والظاهر أنه شرف الدولة. قال: وكان لأرسلان كاشغر وختن وساغون، وخطب له على منابرها وكان عادلاً مكرّماً للعلماء وأهل الدين محسناً لهم، وقصده كثير منهم فأكرمهم. قال: وكان لبقراخان طراز وأسفيجاب. ووقعت الفتنة بين بقراخان وأرسلان فغلبه بقراخان وحبسه وملك بلاده. وقال في موضع آخر: كان يقنع من اخوته وأقاربه بالطاعة فقسّم البلاد بينهم، وأعطى أخاه ارسلان تكين كثيراً من بلاد الترك، وأعطى أخاه طراز وأسفيجاب، وأعطى عمه طغان خان فرغانة بأسرها، وأعطى ابنه علي تكين بخارى وسمرقند وغيرهما. وقنع هو ببلاد ساغون وكاشغر. قال: وفي سنة خمس وثلاثين واربعمائة أسلم كثير من كفّار الترك الذي كانوا يطرقون بلاد الإسلام بنواحي ساغون وكاشغر ويعيشون فيها ويصيفّون ببلاد بلغار فأسلموا، وافترقوا في البلاد، وبقي من لم يسلم التتر والخطا في نواحي الصين انتهى. ورجع إلى بقراخان الأوّل وقال فيه: حبس أخاه ارسلان خان وملك بلاده، ثم عهد بالملك لولده الأكبر او إسمه حسين جعفر تكين. وكان له ولد آخر أصغر من حسين إسمه إبراهيم فغارت أمّه لذلك، وقتلت بقراخان بالسم، وخنقت أخاه أرسلان في محبسه. ثم استلحمت وجوه أصحابه وأمرائه، وملكت إبنها إبراهيم سنة تسع وثلاثين وأربعمائة، وبعثته في العساكر إلى برسخان، مدينة بنواحي تركستان، وكان صاحبها يسمّى نيال تكين. فانهزم إبراهيم، وظفر به نيال تكين وقتله. واختلف أولاد بقراخان وفسد أمرهم، وقصدهم طقفاج خان صاحب سمرقند وفرغانة، فأخذ من أولاد بقراخان الملك من أيديهم.

الخبر عن طقفاج خان وولده

كان بسمرقند وفرغانة أيام بني بقراخان واخوته ملك من الترك الخانية إسمه نصر ايلك، ويلقّب عماد الدولة، ويكّنى أبا المظفّر. ثم فلج سنة إثنتين وأربعمائة ومات، وقد عهد بملكه لابنه شمس الدولة نصر فقصده أخوه طغان خان بن طقفاج وحاصره بسمرقند، وبيّته شمس الدولة فهزمه وظفر به. وكان ذلك في حياة أبيهما. ثم جاء بعد مماته إلى محاربة شمس الدولة بقراخان هرون بن قدرخان يوسف وطغرك خان، وكان طقفاج قد استولى على ممالكه وحاصره بسمرقند، ولم يظفروا به ورجعوا عنه. وصارت أعمال الخانية كلها في أيديهما والأعمال المتاخمة لسبحون لشمس الدولة، والتخم بينهما خجندة. وكان السلطان ألبأرسلان قد تزوّج بابنة قدرخان، وكانت قبله زوجاً لمسعود بن محمود بن سبكتكين.

وتزوّج شمس الدولة بابنة ألبأرسلان شمس الملك ،وذلك سنة خمس وستين وأربعمائة وملكها ونقل ذخائرها إلى سمرقند. وخاف أهل بلخ منه فاستأمنوا إليه وخطبوا له فيها لأن ارباس ألبأرسلان سار إلى الجوزجان، وجاء إليها التكين، وولّى عليها وعاد إلى ترمذ فثار أهل بلخ بأصحابه وقتلوهم فرجع إليهم، وأمر بإحراق المدينة، ثم عفا عنهم وصادر التجّار. وبلغ الخبر إلى ألبارسلان فعاد من الجوزجان وسار في العساكر إلى ترمذ في منتصف سنة خمس ستين واربعمائة فلقيه التكين وهزمه، وغرق كثير من أصحابه في النهر. ثم استقامت الأمور للسلطان ملك شاه فسار إلى ترمذ سنة ست وستين واربعمائة، وحاصرها ورماها بالمنجنيق، وطم خندقها حتى استأمن أهلها واعتصم بقلعتها أخو التكين. ثم استأمن وأطلقه السلطان إلى أخيه. ثم سار ملك شاه إلى سمرقند ففارقها، وبعث أخوه السلطان في الصلح فأجابه ورده إلى سمرقند. ورجع السلطان إلى خراسان انتهى. قال ابن الأثير: ثم مات شمس الدولة، وولي بعده أخوه خضر خان. ثم مات خضر خان فولي بعده إبنه أحمد خان. وكان أحمد هذا أسره ملك شاه في سمرقند لما فتحها، ووكّل به جماعة من الديلم فلقّن عنهم معتقدات الإباحة والزندقة. فلمّا ولّي أظهر الانحلال فاعتزم جنده على قتله، وتفاوضوا في ذلك مع نائبه بقلعة قاشان فأظهر العصيان عليه، فسار في العساكر، وحاصر القلعة. وتمكّن جنده منه فقبضوا عليه، ورجعوا به إلى سمرقند فدفعوه إلى القضاة وقتلوه بالزندقة. وولّوا مكانه مسعود خان ابن عمّه.

قال ابن الأثير: وكان جذه من ملوكهم، وكان أصمّ. وقصده طغان خان بن قراخان صاحب طراز فقتله، واستولى على الملك، وولّى على سمرقند أبا المعالي محمد بن محمد بن زيد العلويّ فوليها ثلاث سنين. ثم عصى عليه فحاصره وأخذه فقتله. ثم خرج

طغان خان إلى ترمذ فلقيه السلطان سنجر، وظفر به وقتله، وأخذها منه عمر خان. وملك سمرقند، ثم هرب من جنده إلى خوارزم فظفر به السلطان أحمد. وولي سمرقند محمد خان، وولي بخارى محمد تكين. وقال ابن الأثير في ذكر كاشغر وتركستان: إنها كانت لأرسلان خان بن يوسف قدرخان كما ذكرنا. ثم صارت لمحمود نوراخان صاحب طراز والشاش فملكها سنة وثلاثة أشهر، ثم مات فولي بعده طغراخان بن يوسف قدرخان، وملك بلاد ساغون وأقام ست عشرة سنة. ثم توفي فملك إبنه طغرل تكين شهرين. ثم جاء هرون بقراخان بن طقفاج نوراخان، وهو أخو يوسف طغرك خان فملك كاشغر، وقبض على هرون، واستولى على ختن، وما يتصل به إلى ساغور، وأقام عشرين سنة، وتوفي سنة ست وتسعين وأربعمائة ، فولي بعده أحمد بن أرسلان خان، وبعث إليه المستظهر بالخلع، ولقبه نور الدولة.

مقتل قدرخان صاحب سمرقند

قال ابن الأثير، سنة خمس وتسعين وأربعمائة: ولمّا سار سنجر إلى بغداد مع أخيه السلطان محمد، طمع قدرخان جبريل بن عمر صاحب سمرقند في خراسان فخالف إليها سنجر بعد رجوعه إليها، وقد عظم الخلاف بين بركيارق وأخيه محمد. وكان بعض أمراء سنجر إسمه كنذعري يكاتب قدرخان ويغريه ويستحثه إلى البلاد، فسار قدرخان إلى بلخ سنة سبع وتسعين وأربعمائة في مائة ألفا. وبادر سنجر إليها في ستة آلاف ، فلمّا تقاربا لحق كنذعري بقدرخان ، فبعثه إلى ترمذ وملكها. وجاء الخبر إلى سنجر بأنّ قدرخان نزل قريباً من بلخ، وأنه خرج متصيداً في ثلاثمائة فارس فجرّد إليه عسكراً مع أميره برغش فهزمهم، وجاء بكنذعري وقدرخان أسيرين. وقيل إنه وقع بينهما مصاف وانهزم قدرخان وأسر فقتله سنجر، وسار إلى ترمذ فحاصرها حتى استأمن إليه كنذعري فأمّنه، ولحق بغزنة. وكان محمد أرسلان خان بن سليمان بن داود بقراخان نازلاً بمرو فبعث عنه السلطان سنجر، وولاّه على سمرقند، وهو من نسل الخانية مما وراء النهر، وأمه بنت السلطان سنجر، وولي ملك شاه دفع عن ملك آبائه فقصد مرّو، وأقام بها فلمّا قتل قدرخان ولاّه سنجر أعماله، وبعث معه العساكر الكثيرة فاستولى عليها، واستفحل ملكه. ثم انتقض عليه من أمراء الترك تيمورلنك ؛ وجمع وسار إلى محمد خان بسمرقند وغيرها فاستنجد محمد خان بالسلطان سنجر فأنجده بالعساكر، وسار إلى تيمورلنك فهزمه وفض جموعه، ورجعت العساكر إليه.

انتقاض محمد خان عن سنجر

ثم بلغ السلطان سنجر سوء سيرة محمد في رعيّته وإهماله لأوّامر السلطان فسار إليه سنة سبع وخمسمائة فخاف محمد خان غائلته، وبعث إلى الأمير قماج أعظم أمراء سنجر يعتذر ويسأله الصلح فشرط عليه الحضور عند السلطان فاعتذر بالخوف، وأنه يقف من وراء جيحون، ويقبّل الأرض من هنالك فأجيب إلى ذلك، ووقفوا بعدوة النهر حتى وافى محمد خان بشرطه وسكنت الفتنة.

استيلاء السلطان سنجر على سمرقند

كان السلطان سنجر لما ملك سمرقند، ولّى عليها أرسلان خان بن سليمان بقراخان داود فأصابه الفالج، واستناب إبنه نصر خان فوثب به أهل سمرقند وقتلوه. وتولّى كبر ذلك إثنان منهم أحدهما علويّ، وكان أبوه محمد المفلوج غائباً فعظم عليه، وبعث عن إبنه الآخر من تركستان فجاء وقتل العلويّ وصاحبه. وكان والد أرسلان خان قد بعث إلى السلطان سنجر يستحثّه قبل قدوم إبنه الآخر فسار سنجر لذلك. فلمّا قدم إلى أبيه أرسلان، وقتل قاتلي أخيه، بعث ارسلان إلى السلطان سنجر يعرّفه، ويسأله العود إلى بلده فغضب لذلك، وأقام أياماً. ثم جيء إليه بأشخاص، واعترفوا بأنّ محمداً خان بعثهم لقتله فغضب، وسار إلى سمرقند فملكها عنوة وتحصّن محمد خان ببعض الحصون حتى استنزله سنجر بالأمان بعد مدّة وأكرمه. وكانت بنته تحبّه فبعثه إليها وأقام عندها، وولّى على سمرقند حسين تكين ورجع إلى خراسان. ومات حسين تكين فولي بعده عليها محمود بن محمد خان أخا زوجته.

استيلاء الخطا علي تركستان وبلاد ما وراء النهر وانقراض دولة الخانية

نقل ابن الأثير هذا الخبر عن اضطراب عنده فيه، على أنّ أخبار هذه الدولة الخانية في كتابه ليست جلّية ولا متّضحة، وأرجو إن مدّ الله في العمر أن أحقّق أخبارها بالوقوف عليها في مظان الصحة وألخّصها مرتبة، فإني لم أوفها حقها من الترتّيب لعدم وضوحها في نقله. وحاصل ما قزر في هذا الخبر من أحد طرقه أنه قال:

إنّ بلاد تركستان وبر كاشغر وبلاد ساغون وختن وطراز وغيرها مما بجوارها من بلاد ما وراء النهر كانت بيد الملوك الخانية من الترك، وهم من نسل فراسياب ملكهم الأوّل المنازع لملوك اليكنيّة من الفرس. وأسلم جدّهم الأوّل سبق قراخان. ويقال سبب إسلامه أنه رأى في منامه رجلاً نزل من السماء فقال له باللسان الترير ما معناه: اسلم تسلم في الدنيا والآخرة فأسلم في منامه ؛ وأصبح مظهرا لإسلامه. ولما مات قام مقامه إبنه موسى، واتصل الملك في عقبه إلى أرسلان خان بن محمد بن سليمان سبق فخرج عليه قدرخان في ملكه سنة أربع وتسعين وأربعمائة. واجتمع الترك عليه، وكانوا طوائف فكان منهم القارغلية، وبقيّة الغزّ الذين عبروا إلى خراسان ونهبوها على ما مرّ.

وكان لأرسلان إبن إسمه نصرخان، وفي صحابته شريف علويّ إسمه الأشرف محمد بن أبي شجاع السمرقنديّ ، فحسّن له طلب الملك من أبيه، وأطمعه فيه فقتلهما أرسلان. ثم وقعت بينه وبين القارغلية من الترك وحشة دعتهم إلى الانتقاض والعصيان، واستنجد بالسلطان سنجر فعبر جيحون بعساكره سنة أربع وعشرين وخمسمائة، ووصل إلى سمرقند وهرب القارغلية بين يديد . ثم عثر على رجّالة استراب بهم فقبضى عليهم، وتهدّدهم فذكروا أنّ أرسلان خان وضعهم على قتله فرجع إلى سمرقند، وملك القلعة وبعث أرسلان أميراً إلى بلخ فمات بها. وقيل إنه اختراع منه، ووضع هذه الحكاية وسيلة لذلك.

ثم ولّى السلطان سنجر على سمرقند فلج طمغاج، وهو أبو المعالي الحسن بن علي المعروف بحسين تكين، كان من أعيان بيت الخانية فلم تطل أيامه. ومات فولّى سنجر مكانه محمود ابن أخته، وهو ابن السلطان أرسلان فأقام ملكاً عليها. وكان ملك الصين كوخان قد وصل إلى كاشغر سنة إثنتين وعشرين وخمسمائة في جيوش كثيفة. ومعنى كو ، بلسان أهل الصين أعظم، وخان سمة ملوك الترك. وكان أعور، وكان يلبس لبسة ملوك الترك، وهو مانويّ المذهب. ولما خرج من الصين، إلى تركستان انضاف إليه طوائف الخطا من الترك، وكانوا قد خرجوا قبله من الصين، وأقاموا في خدمة الخانية أصحاب تركستان فانضافوا إلى كو، ملك الصين، وكثف جمعه بهم. وزحف إليه صاحب كاشغر، وهو الخان أحمد بن الحسين بجموعه فهزمه، وأقامت طوائف الخطا معه في تلك البلاد، وكان سبب خروجهم من الصين ونزولهم ساغون أن أرسلان محمد كان يستنجد بهم، ويجري عليهم الأرزاق والإقطاعات، وينزلهم مسالح في ثغوره. ثم استوحشوا منه ونفروا وطلبوا الرحلة إلى غير بلده، وارتادوا البلاد واختاروا منها بلد الساغون فساروا إليها، وردد عليهم ارسلان الغزو. ولما جاء كوخان ملك الصين صاروا في جملته حتى إذا رجع زحفوا إلى بلاد تركستان فملكوها بلداً بلداً. وكانوا إذا ملكوا المدينة يأخذون ديناراً من كل بيت ولا يزيدون عليه، ويكلّفون من يطيعهم من الملوك أن يعلّق في منطقته لوحاً من فضّة علامة على الطاعة. ثم ساروا إلى بلاد ما وراء النهر سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة. ولقيهم محمود خان بن أرسلان خان فهزموه إلى سمرقند وبخارى، واستنجد بالسلطان سنجر ودعاه لنصر المسلمين فجمع العساكر واستنجد صاحب سجستان ابن خلف والغوريّ صاحب غزنة، وملوك ما وراء النهر وغيرهم. وسار للقائهم وعبر النهر في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين وخمسماية.

وشكا إليه محمود من القارغلية فأراد أخذهم فهربوا إلى كوخان، وسألوه أن يشفع لهم عند السلطان سنجر، وكتب إليه يشفع لهم فلم يشفعه. وكتب إليه يدعوه إلى الإسلام ويتهدّده. ولمّا بلغ الكتاب إلى كوخان عاقب الرسول، وسار للقاء سنجر في أمم الترك والخطا والقارغلية فلقيه السلطان سنجر أوّل صفر سنة ست وخمسماية، وعلى ميمنته قماج، وعلى ميسرته صاحب سجستان وأبلى ذلك اليوم، وساء أثر القارغلية في تلك الحرب، وانهزم السلطان سنجر والمسلمون، واستمرّ القتل فيهم. وأسر صاحب سجستان والأمير قماج وزوجة السلطان إبنة أرسلان خان محمد وأطلقهم الكفار. ولم يكن في الإسلام وقعة أعظم من هذه، ولا أفحش قتلاً. واستقرت الدولة فيما وراء النهر للخطا والترك، وهم يومئذ غلى دين الكفر. وانقرضت دولة الخانية المسلمين الذين كانوا فيها. ثم هلك كوخان منتصف سبع وثلاثين، وكان جميلا حسن الصوت، ويلبس الحرير الصيني، وكان له هيبة على أصحابه ولا يقطع أحداً منهم خوفا على الرعية من العسف. ولا يقدّم أميراً على فوق مائة فارس، خشية أن تحدّثه نفسه بالعصيان. وينهى عن الظلم وعن السكر، ويعاقب عليه. ولا ينهى عن الزنى ولا يقبّحه. ولما مات ملكت بعده إبنته وماتت قريبا فملكت بعدها أمها زوجة كوخان، وبقي ما وراء النهر بيد الخطا إلى أن غلبهم عليه علاء الدين محمد بن خوارّزم شاه صاحب دولة الخوارزمية سنة إثنتي عشرة وستمائة على ما يأتي في أخبار دولتهم.

إجلاء القارغلية من وراء النهر

لما ملك ما وراء النهر سمرقند وبخارى جقري خان بن حسين تكين من بيت الخانية، وأمره سنة تسع وخمسين وخمسماية بإجلاء الترك القارغلية من أعمال بخارى وسمرقند إلى كاشغر، وإلزامهم الفلاحة ومجانية حمل السلاح فامتنعوا من ذلك. وألحّ عليهم جقري خان فامتنعوا واجتمعوا لحربه. وسار إلى بخارى فبعث إليهم بالوعظ في ذلك والوعد الجميل بخلال ما جمع بقراخان، وكبسهم على بخارى فانهزموا، وأثخن فيهم، وقطع دابرهم وأجلاهم عن نواحي سمرقند، وصلحت تلك النواحي والله أعلم.

دولة الغورية

الخبر عن دولة الغورية القائمين بالدولة العباسية بعد بني سبكتكين وما كان لهم من السلطان والدولة وابتداء أمرهم ومصائر أحوالهم

كان بنو الحسين أيام سبكتكين ملوكا على بلاد الغور لبني سبكتكين، وكانت لهم شدّة وشوكة. وكان منهم لآخر دولة بني سبكتكين أربعة أمراء قد اشتهروا واستفحل ملكهم: وهم محمد وشورى والحسين شاه وسام بنو الحسين، ولا أدري إلى من ينسب الحسين، وأظنهم إلى بهرام شاه آخر ملوك بني سبكتكين، والتحم به فعظم شأنه. ثم كانت الفتنة بين بهرام وأخيه أرسلان فمال محمد إلى أرسلان، وارتاب به بهرام لذلك. ثم انقضى أمر أرسلان، وسار محمد بن الحسين في جموعه إلى غزنة سنة ثلاث وأربعين وخمسماية، موريا بالزبارة وهو يريد الغدر به، وشعر بذلك بهرام فحبسه ثم قتله واستوحش الغورية لذلك. مقتل محمد بن الحسين الغوري وولاية أخيه الحسين شاه ثم أخيه شوري: ولما قتل محمد ولي من بعده أخوه شاه بن الحسين، ثم كانت الوقعة. وملك بعده أخوه شورى بن الحسين، وأجمع الأخذ بثأر أخيه من بهرام شاه فجمع له، وشار إلى غزنة سنة ثلاث وأربعين وخمسماية فملكها. وفارقها بهرام شاه إلى بلاد الهند فجمع عسكره التي هناك، ورجع إلى غزنة وعلى مقدّمته السلاّر بن الحسين، وأمير هندوخان إبراهيم العلويّ. وسار شورى للقائه فانفضّ عنه عسكر غزنة إلى بهرام شاه فانهزم وأسره بهرام، ودخل غزنة في محرّم سنة أربع وأربعين وخمسماية، وصلب شورى على باب غزنة واستقر في ملكه.

مقتل شورى بن الحسين وولاية أخيه علاء الدين بن الحسين واستيلاؤه علي غزنة وانتزاعها منه

لما هلك شورى بن الحسين ملك الغور من بعده أخوه الحسين، ويلقّب علاء الدولة. واستولى على جبال الغور ومدينة بيروز كوه المجاورة لأعمال غزنة من بلاد الهند، وهي تقارب في اتساعها بلاد خراسان فاستفحل ملكه، وطمع في ملك خراسان. وسار إلى هراة باستدعاء أهلها فحاصرها ثلاثاً، ثم ملكها بالأمان، وخطب فيها للسلطان سنجر، وسار إلى بلخ، وبها الأمير قماج من قبل السلطان سنجر فغدر به أصحابه فملك علاء الدولة بلخ، وسار إلى السلطان سنجر، وقاتله وظفر به فأسره. ثم خلع عليه وردّه إلى بيروز كوة. ثم سار علاء الدين يريد غزنة سنة سبع وأربعين وخمسماية ففارقها صاحبها بهرام شاه، وملكها علاء الدولة وأحسن السيرة، واستخلف عليهم أخاه سيف الدولة، وعاد إلى بلاد الغور فلما جاء فصل الشتاء وسدّ الثلج المسالك، كتب أهل غزنة إلى بهرام شاه واستدعوه فلمّا وصل وثبوا بسيف الدولة وصلبوه، وبايعوا لبهرام شاه وملكوه عليهم كما كان.

انتقاض شهاب الدين وغياث الدين علي عمهما علاء الدولة

لما استفحل أمر علاء الدولة، واستفحل ملكه استعمل على البلاد العمّال، وكان فيمن ولاه بلاد الغور إبنا أخيه سالم بن الحسين وهما غيّاث الدين وشهاب الدين فأحسنا السيرة في عملّهما، ومال إليهما الناس وكثرت السعاية فيهما عند عمهما بأنهما يريدان الوثوب فبعث عنهما فامتنعا، فجهّز إليهما العساكر فهزماها وأظهرا عصيانه، وقطعا خطبته فسار إليهما فقاتلاه قتالاً شديداً، حتى انهزم فاستأمن إليهما فأجلساه على التخت، وقاما بخدمته. وزوّج غيّاث الدين أحدهما بنتا له، وبقي مستبدّاً على عمّه علاء الدولة، ثم عهد إليه بالأمر من بعده ومات.

وفاة علاء الدولة وولاية غياث الدين ابن أخيه من بعده وتغلب الغز علي غزنة

ثم توفي علاء الدولة ملك الغورية سنة ست وخمسين، وقام بالأمر من بعده بيروز كوه غياث الدين أبو الفتح ابن أخيه سالم، وطمع الغز بموته في ملك غزنة

فملكوها من يده، وبقي غياث الدين في كرسيه ببيروز كوه وأعمالها، وإبنه سيف الدين محمد في بلاد الغور. ثم أساء السيرة الغز فى غزنة بعد مقامهم فيها خمس عشرة سنة، واستفحل أمر غياث الدين فسار إلى غزنة سنة إحدى وسبعين وخمسماية في عساكر الغوريّة. والخلج والخراسانية، ولقي الغزّ فهزمهم وملك غزنة من أيديهم. وسار إلى كرمان وشنوران فملكهما - وكرمان هذه بين غزنة والهند وليست كرمان المعروفة- ثم سار غيّاث الدين إلى لهاور ليملكها من يد خسروشاه بن بهرام فبادر خسروشاه إلى نهر المدّ ومنعه العبور منه فرجع، وملك ما يليه من جبال الهند وأعمال الأثغار، وولّى غزنة أخاه شهاب الدين ورجع إلى بيروز كوه. استيلاء شهاب الدين الغوري علي لهاور ومقتل خسروشاه صاحبها: ولما ولي شهاب الدين الغوري غزنة أحسن السيرة فيهم، وافتتح جبال الهند مما يليه فاستفحل ملكه، وتطاول إلى ملك لهاور قاعدة الهند من يد خسروشاه فسار سنة تسع وسبعين وخمسماية في عساكر خراسان والغور، وعبر إليها وحاصرها، وبذل الأمان لخسروشاه وأنكحه إبنته وسوّغه ما يريد من الإقطاع، على أن يخرج إليه، ويخطب لأخيه فأبى من ذلك، وبقي شهاب الدين يحاصره حتى ضاق مخنقه بالحصار. وخذله أهل البلد فبعث بالقاضي والخطيب يستأمنان له فأمّنه ودخل شهاب الدين البلد، وبقي خسروشاه عنده مكّرماّ. وبعد شهرين وصل الأمر من غيّاث بإنقاذ خسروشاه إليه فارتاب من ذلك فأمنه شهاب الدين، وحلف له وبعث به وبأهله وولده مع جيش يحفظونهم، فلمّا وصلوا بلاد الغور حبسهم غيّاث الدين ببعض قلاعه فكان آخر العهد به وبابنه.

استيلاء غياث الدين علي هراة وغيرها من خراسان

ولما استقر ملك غيّاث الدين بلهاور، كتب إلى أخيه شهاب الدين الذي تولّى فتحها أن يقيم الخطبة له، ويلّقبه بألقاب السلطان فلّقبه غياث الدنيا والدين معين الإسلام والمسلمين، قسيم ؛ أمير المؤمنين 0 ولّقب أخاه شهاب الدين بعزّ الدين. ثم لما فرغ شهاب الدين من أمور لهاور، وسار إلى أخيه غيّاث الدين ببيروز كوه، واتفق رأيهما على المسير إلى هراة مر، خراسان سار في العساكر فحاصرها، وبها عسكر السلطان سنجر

وأمراؤه فاستأمنوا إليها، وملكا هراة. وسار إلى بوشنج فملكها ، ثم إلى باذغيس كذلك. وولّى غياث الدين على ذلك، وعاد إلى بيروز كوه وشهاب الدين إلى غزنة ظافرين غانمين.

فتح أجرة علي يد شهاب الدين

لما عاد شهاب الدين إلى غزنة راح بها أياماً حش استراحت عساكره. ثم سار غازياً إلى بلاد الهند سنة سبع وأربعين وخمسماية، وحاصر مدينة أجرة وبها ملك من ملوكهم فلم يظفر منه بطائل، فراسل امرأة الملك في أنه يتزوّجها اذا ملك البلد فأجابت بالعذر، ورغبت في إبنتها فأجاب فقتلت زوجها بالسمّ وملّكته البلد فأخذ الصبية وأسلمت، وحملها إلى غزنة ووسع عليها الجراية، ووكّل بها من يعلّمها القرآن حتى توفت والدتها ، وتوفت هي من بعدها لعشر سنين. ولما ملك البلد سار في نواحي الهند فدوّخها وفتح الكثير منها، وبلغ منها ما لم يبلغه أحد قبله. حروب شهاب الدين مع الهنود وفتح دلهي وولاية قطب الدين ايبك عليها: ولما اشتدّت نكاية شهاب الدين في بلاد الهند تراسل ملوكهم، وتلاوموا بينهم وتظاهروا على المسلمين، وحشدوا عساكرهم من كل جهة، وجاؤوا بقضهم وقضيضهم في حكم إمرأة ملكت عليهم وسار هو في عساكره من الغوّرية والخلج والخلنجين والخراسانية وغيرهم، والتقوا فمحّص الله المسلمين وأثخن فيهم الكفرة بالقتل. وضرب شهاب الدين في يده اليسرى فشلّت، وعلى رأسه فسقط عن فرسه، وحجز بينهم الليل، وحمله جماعة من غلمانه إلى منجاته ببلده. وسمع الناس بنجاته فتباشروا ووفدوا عليه من كل جهة، وبعث إليه أخوه غياث الدين بالعساكر، وعذله في عجلته. ثم ثارت الملكة ثانياً إلى بلاد شهاب الدين بالعساكر، وبعثت إلى شهاب الدين بالخروج عن أرض الهند إلى غزنة فأجاب إلى ذلك بعد أن يستأذن أخاه غياث الدين وينظر جوابه. وأقاموا على ذلك، وقد حفظ الهنود مخاضات النهر بينهم وهو يحاول العبور فلا يجد، وبينما هو كذلك جاء بعض الهنود فدلّه على مخاضة فاستراب به حتى عرفه قوم من أهل أجرة والملتان. وبعث الأمير الحسن بن حرميد الغوري في عسكر كثيف، وعبر تلك المخاضة ووضع السيف في الهنود فأجفل الموكلون بالمخاضات. وعبر شهاب الدين وباقي العساكر وأحاطوا بالهنود، ونادوا بشعار الإسلام فلم ينج منهم إلاّ الأقل، وقتلت ملكتهم وأسروا منهم أمماً. وتمكن شهاب الدين بعدها من بلاد الهند، وحملوا له الأموال وضربت عليهم الجزية فصالحوه وأعطوه الرهن عليها. وأقطع قطب الدين أيبك مدينة دلهي، وهي كرسي الممالك التي فتحها وأرسل عسكراً من الخلج مختارين ففتحوا من بلاد الهند ما لم يفتحه أحد، حتى قاربوا حدود الصين من جهة الشرق، وذلك كله سنة ثمان وأربعين وخمسمائة.

مقتل ملك الغور محمد بن علاء الدين

قد تقدّم لنا أن محمد بن علاء الدين ملك الغور بعد أبيه، وأقام مملكاً عليها. ثم سار سنة ثمان وخمسين وخمسماية بعد أن احتفل في الاحتشاد، وجمع العساكر، وقصد بلخ وهي يومئذ للغزّ فزحفوا إليه. وجاءهم بعض العيون بأنه خرج من معسكره لبعض الوجوه في خفّ من الجند فركبوا لاعتراضه، ولقوه فقتلوه في نفر من أصحابه، وأسروا منهم آخرين، ونجا الباقون إلى المعسكر فارتحلوا هاربين إلى بلادهم، وتركوا معسكرهم بما فيه فغنمه الغزّ وانقلبوا إلى بلخ ومروا ظافرين غانمين.

الفتنة بين الغورية وبين خوارزم شاه علي ما ملكوه من بلاد خراسان

قد تقدّم لنا أنّ غيّاث الدين وشهاب الدين إبني أبي الفتح سام بن الحسين الغوري رجعا إلى خراسان سنة سبع وأربعين وخمسماية فملكا هراة وبوشنج وباذغيس وغيرها، وذلك عند انهزام سنجر أمام الغزّ، وافترق ملكه بين أمرائه ومواليه فصاروا طوائف، وأظهرهم خوارزم شاه بن أنس بن محمد بن أنوشرتكين صاحب خوارزم. فلما كان سنة خمس وسبعين وخمسماية قام بأمره ابنه سلطان شاه، ونازعه أخوه علاء الدين تكش فغلبه على خوارزم. وخرج سلطان شاه إلى مرو فملكها من يد الغزّ. ثم أخرجوه منها فاستجاش بالخطا وأخرجهم من مرو وسرخس ونسا وأبيورد، وملكها جميعاً، وصرف الخطا إلى بلادهم. وكتب الى غياث الدين أن ينزل له عن هراة وبوشنج وباذغيس وما ملكه من خراسان، وهدّده على ذلك فراجعه بإقامة الخطبة له بمرو وسرخس، وما ملكه من خراسان فامتعض لذلك سلطان شاه وسار إلى بوشنج فحاصرها، وعاث في نواحيها.

وجهز غيّاث الدين عساكره مع صاحب سجستان وابن أخته بهاء الدين سام بن باميان لغيبة أخيه شهاب الدين في الهند فساروا إلى خراسان، وكان سلطان شاه يحاصر هراة فخام عن لقائهم، ورجع إلى مرو، وعاث في البلاد في طريقه، وأعاد الكتاب إلى غيّاث الدين بالتهديد فاستقدم أخاه شهاب الدين من الهند فرجع مسرعاً، وساروا إلى خراسان. وجمع سلطان شاه جموعا ونزل الطالقان، وتردّدت الرسل بين سلطان شاه وغيّاث الدين حتى جنح إلى الصلح بالنزول له عن بوشنج وبادغيس، وشهاب الدين يجنح إلى الحرب، وغيّاث الدين يكفهم.

وجاء رسول سلطان شاه لإتمام العقد فقام شهاب الدين العلويّ وقال: لا يكون هذا أبداً، ولا تصالحوه. وقام شهاب الدين ونادى في عسكره بالحرب، والتقدّم إلى مرو الروذ. وتواقع الفريقان فانهزم سلطان شاه، ودخل إلى مرو في عشرين فارساً. وبلغ الخبر إلى أخيه فسار لتعرّضه عن جيحون. وسمع سلطان شاه بتعرّص أخيه له فرجع عن جيحون، وقصد غيّاث الدين فأكرمه وأكرم أصحابه، وكتب أخوه علاء الدين في ردّه إليه، وكتب إلى نائب هراة يتهدّده فامتعض غيّاث الدين لذلك، وكتب إلى خوارزم شاه بأنه مجير وشفيع له، ويطلب بلاده وميراثه من أبيه، ويضمن له الصلح مع أخيه سلطان شاه. وطلب منه مع ذلك أن يخطب له بخوارزم، ويزوّج أخته من شهاب الدين فامتعض علاء الدين لذلك، وكتب بالتهديد فسرّح غيّاث الدين جميع عساكره مع سلطان شاه إلى خوارزم شاه، وكتب إلى المؤيد أبيه صاحب نيسابور يستنجده فجمع عساكره، وقام في انتظارهم. وسمع بذلك علاء الدين تكش، وهو زاحف للقاء أخيه سلطان شاه، وعساكر الغورية فخشي أن يخالفوه إلى خوارزم وكرّ إليها راجعاً. واحتمل أمواله وعبر إلى الخطا، وقدم فقهاء خوارزم في الصلح والصهر، ووعظه الفقهاء وشكوا إليه بأنّ علاء الدين يستجيش بالخطا فإمّا أن تتخذ مرو كرّسيّاً لك فتمنعنا منهم، أو تصالحه فأجاب إلى الصلح، وترك معاوضة البلاد ورجع إلى كرسيّه.

غزوة شهاب الدين إلي الهند وهزيمة المسلمين بعد الفتح ثم غزوته الثانية وهزيمة الهنود وقتل ملكهم وفتح أجمير

كان شهاب الدين قد سار سنة ثلاث وثمانين وخمسماية إلى الهند وقصد بلاد أجمير، وتعرف بولاية السواك، وإسم ملكهم كوكه فملك عليهم مدينة تبرندة ومدينة أسرستي وكوه رام فامتعض الملك، وسار للقاء المسلمين، ومعه أربعة عشر فيلا ولقيهم شهاب الدين في عساكر المسلمين فانهزمت ميمنته وميسرته، وحمل على الفيلة فطعن منها واحداً، ورمي بحربة في ساعده فسقط عن فرسه. وقاتل أصحابه عليه فخلصوه وانهزموا، ووقف الهنود بمكانهم. ولما أبعد شهاب الدين عن المعركة نزف من جرحه الدم فأصابه الغشي، وحمله القوم على أكتافهم في محفّة اتخذوها من اللبود ووصلوا به إلى لهاور. ثم سار منها إلى غزنة فأقام إلى سنة ثمان وثمانين وخمسماية، وخرج من غزنة غازياً لطلب الثأر من ملك الهند، ووصل إلى برساور. وكان وجوه عسكره في سخطة منه منذ انهزموا عنه في النوبة الأولى فحضروا عنده واعتذروا، ووعدوا من أنفسهم الثبات، وتضّرعوا في الصفح فقبل منهم، وصفح عنهم وسار حتى انتهى إلى موضع المصاف الأوّل وتجاوزه بأربع مراحل، وفتح في طريقه بلاداً. وجمع ملك الهند، وسار للقائه فكّر راجعاً إلى أن قارب بلاد الإسلام بثلاث مراحل، ولحقه الهنود قريبا من بربر فبعث شهاب الدين سبعين ألفاً من عسكره ليأتوا العدوّ من ورائهم، وواعدهم هو الصباح، وأسرى هو ليله فصابحهم فذهلوا وركب الملك فرسه للهروب فتمسّك به أصحابه فركب الفيل، واستماتت قومه عنده، وكثر فيهم القتل ، وخلص إليه المسلمون فأخذوه أسيراً، وأحضروه عند شهاب الدين فوقف بين يديه وجذبوا بلحيته حتى قبّل الأرض. ثم أمر به فقتل ولم ينج من الهنود إلا الأقل. وغنم المسلمون جميع ما معهم وكان في جملة الغنائم الفيول. ثم سار شهاب الدين إلى حصنهم الأعظم وهو أجمير ففتحه عنوة، وملك جميع البلاد التي تقاربه، وأقطعها كلها لمملوكه أيبك نائبه في دلهي وعاد إلى غزنة.

غزوة بنارس ومقتل ملك الهند ثم فتح بهنكر

كان شهاب الدين ملك غزنة قد أمر مملوكه قطب الدين أيبك خليفته على دلهي أن يغم! وبلاد الهند من ناحيته فسار فيها ودوّخها وعاث في نواحيها. وسمع ملك بناوس، وهو أكبر ملوك الهند وولايته من تخوم الصين إلى بلاد ملاوا طولاً، ومن البحر الأخضر إلى عشرة أيام من لهاور عرضا. وتلك البلاد من أيام السلطان محمود مقيمون على إسلامهم، فاستنفر معه مسلمون كانوا في تلك البلاد فسار إلى شهاب الدين سنة تسعين وخمسماية، والتقوا على ماحون نهر كبير يقارب دجلة فاقتتلوا، ونزل الصبر. ثم نصر الله المسلمين واستلحم الهنود، وقتل ملكهم وكثر السبي في جواريهم، والأسرى من أبنائهم، وغنموا منهم تسعين فيلا. وهرب بقية الفيول، وقتل بعضها. ودخل شهاب الدين بلاد بناوس، وحمل من خزائنها ألفا وأربعمائة حمل، وعاد إلى غزنة، ثم سار سنة اثنتين وتسعين إلى بلاد الهند، وحاصر قلعة بهنكر حتى تسلمها على الأمان، ورتب فيها الحامية. وسار إلى قلعة كواكير، وبينهما خمس مراحل يعترضها نهر كبيو فحاصرها شهرا حتى صالحوه على مال يحملونه، فحملوا إليه حمل فيل من الذهب فرحل عنهم إلى بلاد أبي رسود فأغار ونهب وسبى وأسر، وعاد إلى غزنة ظافرا.

استيلاء الغورية علي بلخ وفتنتهم مع الخطا بخراسان

كان الخطا قد غلبوا على مدينة بلخ، وكان صاحبها تركيا اسمه ازبة يحمل إليهم الخراج كل سنة وراء النهر. فتوفي ازبة سنة أربع وتسعين. وكان بهاء الدين سام بن محمد بن مسعود صاحب باميان من قبل خاله غياث الدين فسار إلى بلخ، وقطع الحمل للخطا، وخطب لغياث الدين. وصارت من جملة بلاد الإسلام بعد أن كانت في طاعة الكفار فامتعض الخطا لذلك، واعتزموا على فتنة الغورية. واتفق أن علاء الدين تكش صاحب خوارزم بعث إليهم يغريهم ببلاد غياث الدين. وكان سبب ذلك أنه ملك الري وهمذان وأصفهان وما بينهما، وتعرض لعساكر الخليفة، وطلب الخطبة والسلطنة ببغداد مكان ملوك السلجوقية فبعث الخليفة يشكوه إلى غياث الدين، يقبح فعله وينهاه عن قصد العراق، ويتهدده بسلطان شاه وأخذ بلاده فأنف من ذلك، وبعث إلى الخطا يغريهم ببلاده فجهز ملك الخطا جيشاً كثيفاً مع مقدم عساكره وعبروا النهر إلى بلاد الغور.

وسار علاء الدين تكش إلى طوس لحصارها لأن غياث الدين عاجز عن الحركة بعلة النقرس فعاثوا في بلاده ما شاء الله، وحاصر الخطا بهاء الدين فاشتدت الحرب وثبت المسلمون. وجاء المدد من عند غياث الدين، ثم حملوا جميعاً على الخطا فهزموهم إلى جيحون وألقى الكثير منهم أنفسهم في الماء فهلك منهم نحو اثني عشر ألفا وعظم الأمر على ملك الخطا، وبعث إلى علاء الدين تكش صاحب خوارزم يطوقه الذنب ويطالبه بدية القتلى من أصحابه. وألزمه الحضور عنده فبعث علاء الدين تكش يشكو ذلك إلى غياث الدين فرد جوابه، باللوم على عصيان الخليفة، ودعا ذلك علاء الدين إلى الفتنة مع الخطا وانتزاعه بخارى من أيديهم كما يأتي في أخبارهم.

استيلاء الغورية علم ملك خوارزم شاه بخراسان

ثم توفي علاء الدين تكش صاحب خوارزم، وكان قد ملك بعض خراسان وبلاد الري والبلاد الجبالية فولي بعده ابنه قطب الدين، ولقب علاء الدين بلقب أبيه، وولى علاء الدين أخاه علي شاه خراسان، وأقطعه نيسابور. وكان هندوخان ابن أخيهما ملك شاه فخاف عمه فلحق بمرو، وجمع الجموع. وبعث إليه عمه محمد العسكر مع جنقر التركي فهرب هندوخان، ولحق بغياث الدين مستنجدا به على عمه فأكرمه ووعده. :دخل جنقر إلى مرو، وحمل منها ولدخان وأمه مكرمين إلى خوارزم. وأرسل غياث الدين إلى صاحب الطالقان محمد بن خربك بأن يتهدد جنقر فسار من الطالقان، واستولى على مرو الروذ وبعث إلى جنقر يأمره بالخطبة بمرو لغياث الدين أو يفارقها فأساء الجواب ظاهرا، واستأمن إلى غياث الدين سرا. ولما علم غياث الدين بذلك قوي طمعه في البلاد، وكتب إلى أخيه شهاب الدين بالمسير إلى خراسان فسار من غزنة في عساكره في منتصف سنة ست وتسعين. ولما انتهى إلى الطالقان استحثه جنقر صاحب مرو للبلد، وأخبره بطاعته، حتى إذا وصل إليه خرج في العساكر فقاتله، وهزمه شهاب الدين، وزحف بالفيلة إلى السور فاستأمن من جنقر وخرج إليه، وملك شهاب الدين مرو، وبعث بالفتح إلى غياث الدين فجاء إلى مرو وبعث جنقر إلى هراة مكرما، وسلم مرو إلى هندوخان بن ملك شاه المستنجد به، وأوصاه بالإحسان إلى أهلها. وسار إلى سرخس فحاصرها ثلاثا وملكها على الأمان، وأرسل إلى علي شاه نائب علاء الدين محمد بنيسابور، وينذره الحرب إن امتنع من الطاعة فاستعد للحصار، وخربوا العمائر بظاهرها وقطعوا الأشجار، وحمل محمود بن غياث الدين فضايق البلد، وملك جانبها ورفع راية أبيه على السور.

وحمل شهاب الدين من الناحية الأخرى فسقط السور بين يديه، وملك البلد ونهب الجند عامتها. ثم نادوا بالأمان، ورفع النهب، واعتصم الخوارزميون بالجامع فأخرجهم أهل البلد إلى غياث الدين. ثم سار إلى قهستان فذكر له عن قرية في نواحيها أن أهلها إسماعيلية فدخلها، وقتل المقاتلة وسبى الذرية وخرب القرية. ثم سار إلى مدينة أخرى ذكر له عنها مثل ذلك، وأرسل صاحب قهستان إلى غياث الدين يستغيثون من شهاب الدين، ويذكرونه العهد فأرسل غياث الدين إلى أخيه شهاب الدين بالرجوع عنهم طوعا أو كرها، ووصل الرسول بذلك فامتنع فقطع طنب خيمته، ورحل العسكر فرحل شهاب الدين كرها، ورجع إلى غزنة.

فتح نهرواكد من الهند

لما رجع شهاب الدين من خراسان غاضبا من فعل أخيه لم يعرج على غزنة، ودخل بلاد الهند غازيا سنة ثمان وتسعين. وبعث في مقدمته مملوكه قطب الدين ايبك ولقيه عساكر الهند دون نهرواكد فهزمهم ايبك، واستباحهم وتقدم إلى نهرواكد فملكها عنوة. وفارقها ملكها وجمع، ورأى شهاب الدين أنه لا يقوم بحمايتها إلا مقامه فيها ؛ فصالح ملكها على مال يؤديه إليه عنها، ورجع إلى غزنة.

إعادة علاء الدين محمد صاحب خوارزم ما أخذه الغورية من خراسان

لما فصل الغورية عن خراسان، وملكوا ما ملكوه منها، وسار شهاب الدين إلى الهند غازيا بعث علاء الدين محمد صاحب خوارزم إلى غياث الدين يعاتبه على ما فعل في خراسان، ويطلب إعادة بلده، ويهدده باستدعاء عساكر الخطا فصانعه في الخطا حتى قدم شهاب الدين فطمع بالمصانعة. وبعث إلى نائبهم بخراسان يأمره بالرحيل عن نيسابور، ويتهدده فكتب إلى غياث الدين بذلك، وبميل أهل نيسابور إلى عدوهم فوعده النصر. وسار إليه علاء الدين صاحب خوارزم آخر سنة تسع وتسعين فلما انتهى إلى نسا وأبيورد هرب هندوخان ابن أخيه، ولحق بغياث الدين في فيروز كوه، وملك علاء الدين مدينة مرو. وسار إلى نيسابور وحاصرها شهرين فلما أبطأ عن نائبها المدد من غياث الدين استأمن لصاحب خوارزم، وخرج إليه هو وأصحابه فأحسن إليهم، وطلب علاء الدين ألط يسعى في الصلح بينه وبين غياث الدين وأخيه فوعده بذلك، وسار إلى هراة فأقام بها ولم يمض إلى غياث الدين سخطه لتأخر المدد عنه.

واختص صاحب خوارزم الحسن بن حرميل من أعيان الغورية، واستحلفه أن يكون معه عند غياث الدين. ثم سار إلى سرخس، وبها الأمير زنكي فحاصره أربعين يوما، وتعددت بينهما حروب. ثم بعث ابنه زنكي بأن يتأخر عن البلد قليلا حتى يخرج هو وأصحابه فتأخر بأصحابه، وخرج زنكي فشحن البلد بالأقوات والحطب، وأخرج من ضاق به الحصار. وتحصن فندم صاحب خوارزم على تأخره وجهز عسكرا لحصاره ورجع. فلما بعد سار محمد بن خربك من الطالقان، وأرسل إلى زنكي بأن يكبس العسكر الذي عليه، ونذر بذلك أهل العسكر فأفرجوا عن سرخس. وخرج زنكي ولقي محمد بن خربك في مرو، وجبوا خراج تلك الناحية، وبعث إليهم صاحب خوارزم عسكراً من الثلاثة آلاف فارس فلقيهم محمد بن خربك في تسعمائة فهزمهم، وغنم معسكرهم وعاد صاحب خوارزم إلى بلده، وأرسل إلى غياث الدين في الصلح فأجابه مع أمير من أكابر الغورية اسمه الحسن بن محمد المرغني فقبض عليه صاحب خوارزم، وحبسه. ومرغن من قرى الغور.

حصار هراة

لما بعث صاحب خوارزم إلى غياث الدين في الصلح، وجاء عند الحسن المرغني تبين عنه المغالطة فحبسه، وسار إلى هراة وحاصرها، وكان بها اخوان من خدمة السلطان شاه تكش فكتبا إلى صاحب خوارزم، ووعداه بالثورة له في البلد، وكانا يليان مفاتح الأبواب وأمور الحصار من داخل، فاطلع الأمير الحسن المرغني المحبوس عند صاحب خوارزم على أمرهما فبعث بذلك إلى أخيه عمر صاحب هراة فاعتقلهما. وبعث غياث الدين العساكر مددا لهراة مع ابن أخته ألب غازي فنزل على خمسة فراسخ منها، ومنع الميرة عن عسكر صاحب خوارزم فبعث صاحب خوارزم عسكراً إلى الطالقان للغارة عليها فقاتلهم الحسن بن خربك فظفر بهم، ولم يفلت منهم أحد. ثم سار غياث الدين في عساكره، ونزل قريباً من هراة فاعتزم صاحب خوارزم على الرحيل بعد حصار أربعين يوما لهزيمة أصحابه بالطالقان، ومسير العساكر مع ألب غازي، ثم مسير غياث الدين، ثم توقعه عود شهاب الدين من الهند. وكان قد وصل إلى غزنة منتصف ثمان وتسعين فراسل أمير هراة وصالحه على مال حمله إليه، وارتحل عن البلد، وبلغ الخبر شهاب الدين، وجاء إلى طوس وشتى بها عازما على حصار خوارزم، فجاء الخبر بوفاة أخيه غياث الدين فأثنى عزمه وسار إلى هراة.

وفاة غياث الدين وانفراد شهاب الدين بالملك

ثم توفي غياث الدين أبو الفتح محمد بن سام صاحب غزنة وبعض خراسان، وفيروز كوه ولهاور ودهلي من الهند. وكان أخوه شهاب الدين بطوس كما ذكرنا فسار إلى هراة، وأظهر وفاة أخيه، وجلس للعزاء. وخلف غياث الدين ابنا اسمه محمود فلقب غياث الدين. ولما سار شهاب الدين عن طوس استخلف بمرو الأمير محمد بن خربك، وبعث إليه صاحب خوارزم العساكر فبيتهم ولم ينج منهم إلا القليل، وأنفذ بالأسارى والرؤوس إلى هراة. وأعاد إليه صاحب خوارزم الجيوش مع منصور التركي فلقيهم على عشرة فراسخ من مرو فهزموه، وحاصروه خمسة عشر يوما حتى استأمن إليهم، وخرج فقتلوه. وترددت الرسل بين شهاب الدين وصاحب خوارزم في الصلح فلم يتفق بينهما أمر. ولما اعتزم شهاب الدين على العود إلى غزنة ولى على هراة ابن أخته ألب غازي، وقلد علاء الدين محمد الغوري مدينة فيروز كوه وبلد الغور، وجعل إليه حرب خراسان وأمور المملكة. وجاءه محمود ابن أخيه غياث الدين فولاه على بست وأسفرايين وتلك الناحية، وأبعده عن الملك جملة. وكانت لغياث الدين زوجة مغنية، شغف بها وتزوجها فقبض عليها شهاب الدين وضربها ضربا مبرحا، وضرب ولدها غياث الدين. وزوج أختها، واستصفاهم وغربهم إلى بلاد الهند. وكانت بنت مدرسة ودفنت فيها أباها فخربها، ونبش قبورهم ورمى بعظامهم. وكان غياث الدين ملكا عظيما مظفراً على قلة حروبه فإنه كان قليل المباشرة للحروب، وكان ذا هيبة جوادا حسن العقيدة كثير الصدقة. بنى بخراسان وغيرها المساجد والمدارس للشافعية، وبنى الخوانك في الطرق، وبنى على ذلك الأوقاف الكثيرة، وأسقط المكوس. وكان لا يتعرض إلى مال أحد، ومن مات ووارثه غائب دفعه إلى أمناء التجار من أهل بلده ليوصلوه إلى- ورثته، فإن لم يجد تاجرا ختم عليه القاضي إلى أن يصل مستحقه. وإن كان لا وارث له تصدق عنه بماله. وكان يحسن إلى أهل البلد إذا ملكها ويفرض الأعطيات للفقهاء كل سنة من خزائنه، ويفرق الأموال على الفقراء، ويصل العلوية والشعراء. وكان أديبا بليغا بارع الخط، ينسخ المصاحف ويفرقها في المدارس التي بناها. وكان شافعي المذهب من غير تعصب لهم، ويقول: التعصب في المذاهب هلاك. فتنة الغور مع محمد بن تكش صاحب خوارزم وحصار هراة ثم حصارهم خوارزم وحلاب شهاب الدين مع الخطا: لما هلك غياث الدين ملك أخوه شهاب الدين بعده فطمع محمد بن تكش صاحب خوارزم في ارتجاع هراة. وكان قد راسل شهاب الدين في الصلح فلم يتم. وسار شهاب الدين عن غزنة إلى لهاور غازيا فسار حينئذ محمد بن تكش إلى هراة منتصف سنة ستمائة، وحاصرها وكان بها ألب غازي، ابن أخت شهاب الدين. وطال حصارها إلى سلخ شعبان، وقتل بين الفريقين خلق: منهم رئيس خراسان المقيم يومئذ بمشهد طوس. وكان الحسين بن حرميل من أعيان الغورية بجوربان، وهو إقطاعه، فمكر بصاحب خوارزم، وأظهر له الموالاة. وأشار بأن يبعث إليه فوارس يعطيهم بعض الفيلة. وقعد لهم هو والحسين بن محمد المرغني بالمراصد فاستلحموهم. ثم مات ألب غازي وضجر صاحب خوارزم محمد من الحصار فارتحل إلى سرخس وحاصرها، وبلغت هذه الأخبار شهاب الدين ببلاد الهند فكر راجعأ، وقصد مدينة خوارزم فأغذ محمد بن تكش السير من سرخس، ونزل أثقاله وسبقه إليها وقاتله الخوارزمية قتالا شديدا وفتكوا فيه. وهلك من الغورية جماعة: منهم الحسين بن محمد المرغني، وأسر جماعة من الخوارزمية فأمر شهاب الدين بقتلهم.

ثم بعث خوارزم شاه إلى الخطا يستنجدهم أن يخالفوا شهاب الدين إلى بلاد الغورية فساروا إليها. ولما سمع شهاب الدين كر راجعا إلى البلاد فلقي مقدمه عسكرهم بصحراء ايدخوي في صفر سنة إحدى وستمائة فأوقع بهم، وأثخن فيهم، وجاءت ساقتهم على أثر ذلك فلم يكن لشهاب الدين بهم قبل فانهزم، ونهبت أثقاله، وقتل الكثير من أصحابه. ونجا في الفل إلى ايدخوي، وحاصروه حتى أعطاهم بعض الفيلة، وخلص.

وكثر الارجاف في بلاد الغور بمهلكه ووصل إلى الطالقان في سبعة نفر، وقد لحق بها نائبها الحسين بن حرميل ناجيا من الوقعة فاستكثر له من الزاد والعلوفة، وكفاه مهمه. وكان مستوحشا مع من استوحش من الأمراء بسبب انهزامهم عن شهاب الدين فحمله شهاب الدين إلى غزنة تأنيسا له، واستحجبه. ولما وقع الارجاف بموت شهاب الدين جمع مولاه تاج الدين العسكر، وجاء إلى غزنة طامعا في ملكها فمنعه مستحفظها فرجع إلى إقطاعه، وأعلن بالفساد، وأغرى بالخلج من الترك فكثر عيثهم، وكان له مولى آخر اسمه ايبك فلحق بالهند عند نجاته من المعركة، وأرجف بموت السلطان واستولى على المتان، وأساء فيها السيرة. فلما وصل خبر شهاب الدين جمع تاج الدين الذر- وهو مملوك اشتراه شهاب الدين- الناس من سائر النواحي. ثم جمع شهاب الدين لغزو الخطا والثأر منهم.

حلاب شهاب الدين مع بني كوكر والتتراهية

كان بنو كوكر هؤلاء موطنين في الجبال بين لهاور والملتان معتصمين بها لمنعتها، وكانوا في طاعة شهاب الدين يحملون إليه الخراج فلما وقع الارجاف بموته، انتقضوا وداخلوا صاحب جبل الجودي وغيره من أهل الجبال في ذلك، وجاهروا بالعيث والفساد، وقطع السابلة ما بين غزنة ولهاور وغيرها. وبعث شهاب الدين إلى محمد بن أبي علي لهاور والملتان يأمره بحمل المال بعد أن قتل مملوكه ايبك. قال: ومهد البلاد فاعتذر بنو كوكر فبعث شهاب الدين مملوكه ايبك إلى بني كوكر يتهددهم على الطاعة فقال كبيرهم: لو كان شهاب الدين حيا لكان هو المرسل إلينا، واستخفوا أمر ايبك فعاد الرسول بذلك فأمر شهاب الدين بتجهيز العساكر في قرى سابور. ثم عاد إلى غزنة في شعبان سنة إحدى وستمائة، ونادى بالمسير إلى الخطا. ورجع بنو كوكر إلى حالهم من إخافة السابلة، ودخل معهم كثير من الهنود في ذلك، وخشي على انتقاض البلاد فأثنى عزمه عن الخطا، وسار إلى غزنة، وزحف إلى جبال بني كوكر في ربيع الأول سنة اثنتين. ولما انتهى إلى قرى سابور أغذ السير وكبس بني كوكر في محالهم ، وقد نزلوا من الجبال إلى البسيط يرومون اللقاء فقاتلوه يوما إلى الليل، وإذا بقطب الدين ايبك في عساكره منادين بشعار الإسلام فحملوا عليهم، وانهزموا وقتلوا بكل مكان. واستنجوا باجمة فأضرمت عليهم نارا، وغنم المسلمون أهاليهم وأموالهم حتى بيع المماليك خمسة بدينار. وقتل كبير بني كوكر الذي كان مملكاً عليهم، وقصد دانيال صاحب الجند الجودي، وسار إليها فأقام بها منتصف رجب، وهو يستنفر الناس. ثم عاد نحو غزنة، وأرسل بهاء الدين سام صاحب باميان بالنفير إلى سمرقند، وأن يتخذ الجسر لعبور العساكر. وكان أيضاً ممن دعاه هذا الإرجاف إلى الانتقاض التتراهية، وهم قوم من أهل الهند بنواحي قرى سابور دينهم المجوسية، ويقتلون بناتهم بعد النداء عليهن للتزويج فإذا لم يتزوجها أحد قتلوها، وتزوج المرأة عندهم بعدة أزواج. وكانوا يفسدون في نواحي قرى سابور ؛ ويكثرون الغارة عليها، وأسلم طائفة منهم آخر أيام شهاب الدين الغوري. ثم انتقضوا عند هذا الإرجاف، وخرجوا إلى حدود سوران ومكران، وشنوا الغارة على المسلمين فسار إليهم الخلخي نائب تاج الدين الذي بتلك الجهة فأوقع بهم، وأثخن فيهم، وبعث برؤوس الأعيان منهم فعلقت ببلاد الإسلام وصلح أمر البلاد.

مقتل شهاب الدين الغول ي وافتراق المملكة بعده

لما قضى شهاب الدين شأنه من بلاد الغور، وأصلح ما كان بها من الفساد ارتحل من لهاور عائدا إلى غزنة عازماً على قصد الخطا، بعد أن استنفر أهل الهند وأهل خراسان فلما نزل بدميل قريبا من لهاور طرق خيمته جماعة من الدعار فقتلوا بعض الحرس، وثار بهم الناس، وذهل باقي الحرس بالهيعة فدخل منهم البعض على شهاب الدين وضربوه في مصلاه، وقتلوه ساجدا، وقتلوا عن آخرهم أول شعبان سنة اثنتين وستمائة. فيقال إن هذه الجماعة من الكوكرية الذين أحفظهم ما فعل بهم، ويقال من الإسماعيلية لأنهم كانوا غفوا منه، وكانت عساكره تحاصر قلاعهم. ولما قتل اجتمع الأمراء عند وزيره مؤيد الدين خواجا سحتا، واتفقوا على حفظ المال إلى أن يقوم بالأمر من يتولاه من أهله. وتقدم الوزير إلى أمير العسكر بضبط العسكر، وحملت جنازة شهاب الدين في المحفة، وحملوا خزائنه، وكانت ألفين ومائتي حمل. وتطاول الموالي مثل صونج صهر الذر وغيره إلى نهب المال فمنعهم الأمراء الكبار، وصرفوا الجند الذين إقطاعهم عند قطب الدين ايبك ببلاد الهند أن يعودوا إليه، وساروا إلى غزنة متوقعين البيعة على الملك بين غياث الدين محمود ابن السلطان غياث الدين، وبين بهاء الدين سام صاحب باميان ابن أخت شهاب الدين فيملك الخزانة والأتراك يريدون طريق سوران ليقربوا من فارس. وكان هوى الوزير مؤيد الملك مع الأتراك فلم يزل بالغورية حتى إذا وصلوا طريق كرمان ساروا عليها، ولقوا بها مشقة من غارات التتراهية واقعان وغيرهم. ولما وصلوا إلى كرمان استقبلهم تاج الدين الذر ونزل عن فرسه، وقبل الأرض بين يدي المحفة. ثم كشف عن وجهه فمزق ثيابه وأجد بالبكاء حتى رحمه الناس. وكان شهاب الدين شجاعا قرماً عادلا كثير الجهاد. وكان القاضي بغزنة يحضر داره أربعة أيام في كل أسبوع فيحكم بين الناس، وأمراء الدولة ينفذون أحكامه، وإن رافع أحد خصمه إلى السلطان سمع كلامه ورده إلى القاضي، وكان شافعي المذهب.

قيام الذر بدعوة غياث الدين محمود ابن السلطان غياث الدين

كان تاج الدين الذر من موالي شهاب الدين وأخصهم به فلما قتل طمع في ملك غزنة، وأظهر القيام بدعوة غياث الدين محمود ابن السلطان غياث الدين، وأنه كتب إليه بالنيابة عنه بغزنة لشغله بأمر حران. وتسلم الخزائن من الوزير، وسار إلى غزنة فدفن شهاب الدين بتربته في المدرسة التي أنشأها، وذلك في شعبان من سنة اثنتين وستمائة وأقام بغزنة. مسير بهاء الدين سام إلي غزنة وموته وملك بهاء الدين ابنه بعده غزنة: كان بهاء الدين قد أقطع باميان ابن عمه شمس الدين محمد بن مسعود عندما ملكها، وأنكحه أخته فولدت ابنا هو سام، وكان له ابن آخر من امرأة تركية اسمه عباس فلما مات ملك ابنه الأكبر عباس، فغضب غياث الدين وشهاب الدين لابن أختهما، وعزلوا عباسا وولوه مكانه على باميان فعظم شأنه، وجمع الأموال وترشح للملك بعد أخواله لميل أمراء الغز إليه بعد أخواله. فلما قتل شهاب الدين كان في قلعة غزنة نائب اسمه أميردان فبعث ابنه إلى بهاء الدين محمود ابن السلطان غياث الدين، وابن حرميل عامل هراة بحفظ أعمالها، وإقامة الخطبة له بها. والغورية والأتراك على ما ذكرناه من الاختلاف فسار في عساكره إلى غزنة، ومعه ابنا علاء الدين وأمرهما جميعاً بالمسير إلى غزنة وبلاد الهند. فلما مات ثار ابناه في غزنة وخرج أمراء الغورية لغياث الدين وتلقوهما والأتراك معهم مغلبين فملكوا البلد، ونزلوا دار السلطنة مستهل رمضان من سنة اثنتين وستمائة، واعتزم الأتراك على منعهم وعاد لهم الأمير مؤيد الملك لاشتغال غياث الدين منهم بابن حرميل عامل هراة فلم يرجعوا، ونبذوا إلى علاء الدين وأخيه العهد وآذنوهما بالحرب إن لم يرجعا فبعثا إلى تاج الدين الذر، وهو بإقطاعه يستدعيانه ويرغبانه بالأموال والمراتب السلطانية والترغيب في الدولة.

استيلاء الذر علي غزنة

كان الذر بكرمان لما بلغه مقتل شهاب الدين تسلم الأموال والخزائن من الوزير، وأظهر دعوة غياث الدين ابن مولاه السلطان غياث الدين. وسار بهاء الدين سام من باميان كما ذكرنا. ومات في طريقه وملك ابنه علاء الدين غزنة كما ذكرنا. واستعطف الأتراك، وبعث إلى الذر يرغبه ويسترضيه فأبى من طاعته، وأساء الرد عليه وسار عن كرمان في عساكر كثيفة من الترك والخلخ والغز وغيرهم. وبعث إلى علاء الدين وأخيه بالنذير فأرسل علاء الدين وزيره ووزير ابنه صلة إلى باميان وبلخ وترمذ ليحتشد العساكر، وبعث الذر إلى الأتراك الذين بغزنة بأن مولاهم غياث الدين، واجتمعت جماعة الغورية والأتراك فالتقوا في رمضان، ونزع الأتراك إلى الذر فانهزم محمد بن حدورون وأسر. ودخل عسكر الذر المدينة فنهبوا بيوت الغورية والباميانية. واعتصم علاء الدين بالقلعة، وخرج جلال الدين في عشرين فارسا إلى باميان، وحاصر الذر القلعة حتى استأمن علاء الدين في المسير من غزنة إلى باميان. ولما نزل من القلعة تعرض له بعض الأتراك فأرجلوه عن فرسه، وسلبوه فبعث إليه الذر بالمال والمركب والثياب فوصل إلى باميان فشرع في الاحتشاد وأقام الذر بغزنة يظهر طاعة غياث الدين، ويترحم على شهاب الدين، ولم يخطب له ولا لأحد. وقبض على داود والي القلعة بغزنة. وأحضر القضاة والفقهاء، وكان رسول الخليفة مجد الدين أبو علي بن الربيع الشافعي مدرس النظامية ببغداد وفد على شهاب الدين رسولا من قبل الخليفة وأحضره الذر ذلك اليوم، وشاورهم بالجلوس على التخت والمخاطبة بالألقاب السلطانية. وأمضى ذلك واستوحش الترك حتى بكى الكثير منهم، وكان هناك جماعة من ولد ملوك الغور وسمرقند فأنفوا من خدمته، وانصرفوا إلى علاء الدين وأخيه في باميان، وأرسل غياث الدين محمود أن يصهر إليه في بنته بابنه فأبى من ذلك. ثم جاء في عس!كر من الغوريين من باميان، وأرسل غياث الدين وفرق في أهلها الأموال واستوزر مؤيد الملك فوزر له على كره.

أخبار غياث الدين بعد مقتل عمه

لما قتل السلطان شهاب الدين كان غياث الدين محمود ابن أخيه السلطان غياث الدين في إقطاعه ببست. وكان شهاب الدين قد ولى على بلاد الغور علاء الدين محمد بن أبي علي من أكابر بيوت الغورية، وكان إماميا غالياً فسار إلى بيروز كوه يسابق إليها غياث الدين، وكان الأمراء الغورية أميل إلى غياث الدين، وكذا أهل بيروز كوه فلما دخل خوارزم دعا محمد المرغني، ومحمد بن عثمان من أكابر الغورية، واستحلفهم على قتال محمد بن تكش صاحب خوارزم. وأقام غياث الدين بمدينة بست ينتظر مال الأمر لصاحب باميان لأنهما كان بينهما العهد من أيام شهاب الدين إن تكون خراسان لغياث الدين، وغزنة والهند لبهاء الدين صاحب باميان بعد موت شهاب الدين، فلما بلغه موت شهاب الدين دعا لنفسه، وجلس على الكرسي في رمضان سنة ثلاث وستمائة، واستخلف الأمراء الذين في أثره فأدركوه وجاؤوا به، وملك بيروز كوه، وقبض على جماعة من أصحاب علاء الدين ولما دخل بيروزكوه جاء إلى الجامع فصلى فيه. ثم ركب إلى دار أبيه فسكنها، وأعاد الرسوم، وقدم عليه عبد الجبار محمد بن العشير إلى وزير أبيه فاستوزره، واقتفى بأبيه في العدل والإحسان. ثم كاتب ابن حرميلى بهراة: ولاطفه في الطاعة، وكان ابن حرميل لما بلغه مقتل السلطان بهراة خشي عادية خوارزم شاه فجمع أعيان البلد وغيرهم، واستحلفهم على الإنجاد والمساعدة وقال القاضي وابن زياد: يحلف كل الناس إلا ابن غياث الدين، وينتظر عسكر خوارزم شاه، وشعر غياث الدين بذلك من بعض عيونه فاعتزم على المسير إلى هراة. واستشار ابن حرميل القاضي وابن زياد فأشارا عليه بطاعة غياث الدين على مكر ابن حرميل، وميله إلى خوارزم شاه. وحثه على قصد هراة ليكون ذلك حجة عليه ففعل، وبعث به مع ابن زياد. ثم كاتب غياث الدين صاحب الطالقان وصاحب مرو يستدعيهما فتوقفوا عن إجابته. فقال أهل مرو لصاحبها: إن لم تسلم البلد إلى غياث الدين وتتوجه وإلا سلمناك وقيدناك وأرسلناك إليه فاضطر إلى المجيء إلى فيروزكوة فخلع عليه غياث الدين، ووفر له الإقطاع، وأقطع الطالقان لسونج مولى أبيه المعروف بأمير شكار.

استيلاء خوارزم شاه علي بلاد الغورية بخراسان

كان الحسن بن حرميل نائب الغورية بهراة منتقضا عليهم كما ذكرنا، ومداخلا لخوارزم شاه في الباطن واستدعى العساكر من عنده، وبعث ابن زياد يستوثق له من غياث الدين، وأقام يقدم رجلاً ويؤخر أخرى. ووصل ابن زياد بالولاية والخلع فلم يثنه ذلك عما هو فيه من المكاذبة لهم. ثم وصل عسكر خوارزم شاه فتلقاهم وأكرمهم. وبلغه أن خوارزم شاه في أثرهم على أربع فراسخ من بلخ فندم في أمره ورد إليه عسكره، وبلغ غياث الدين عسكر خوارزم شاه ووصولهم إلى هراة فاستدعى ابن حرميل فقبض على أملاكه، ونكب أصحابه. ورد أقطاعه فاعتزم أهل هراة على القبض عليه. وكتب القاضي وابن زياد بذلك إلى غياث الدين. ونمي الخبر إلى ابن حرميل فخشي على نفسه منهم وأوهمهم أنه يكاتب غياث الدين، وطلبهم في الكتاب مع رسوله، وأوصى الرسول أن يعدل إلى طريق خوارزم شاه، ولحق بهم فردهم، وأصبحوا على البلد لرابعة يوم من سفر الرسول فأدخلهم ابن حرميل البلد، وأمكنهم من أبوابها. وقبض على ابن زياد وسمله، وأخرج القاضي فلحق بغياث الدين في بيروزكوه، ونمي الخبر بذلك إلى غياث الدين، فاعتزم على المسير بنفسه، فبلغه سير علاء الدين صاحب باميان إلى غزنة فاقتصر عن ذلك، وأقام ينتظر شأنه مع الذر. وأما بلخ فإن خوارزم شاه لما بلغه مقتل شهاب الدين أطلق أسرى الغوريين الذين كانوا عنده، وخلع عليه واستألفهم. وبعث أخاه علي شاه في العساكر إلى بلخ فقاتله عمر بن الحسين الغوري نائبها. ونزل منها على أربعة فراسخ.

وجاء خوارزم شاه مددا بنفسه آخر سنة اثنتين وستمائة فحاصرها، فاستمد عمر بن الحسين علاء الدين وجلال الدين من باميان، وشغلوا عنه بغزنة فأقام خوارزم شاه محاصرا له أربعين يوما، وكان عنده محمد بن علي بن بشير، وأطلقه في أسرى الغورية، وأقطعه فبعثه إلى عمر بن الحسين صاحب بلخ في الطاعة فأبى من ذلك، واعتزم خوارزم شاه على المسير إلى هراة. ثم بلغه ما وقع بين الذر وبين علاء الدين وجلال الدين، وأن الذر أسرهما، وأن عمر بن الحسين صاحب بلخ أبى ذلك فأعاد عليه ابن بشير، فلم يزل يفتل له في الذروة والغارب حتى أطاع صاحب خوارزم، وخطب له. وخرج إليه، فخلع عليه وأعاده إلى بلده في سلخ ربيع سنة ثلاث. ثم سار إلى جورقان ليحاصرها، وبها علي بن أبي علي فوقعت المراوضة بينهما. ثم انصرف عن جورقان وتركها لابن حرميل، واستدعى عمر بن الحسين الغوري، وصاحب بلخ فقبض عليه، وبعثه إلى خوارزم، ومضى إلى بلخ فملكها، وولى عليها جعفرا التركي ورجع إلى خوارزم. استيلاء علاء الدين ثانيا علي غزنة ثم انتزاع الذر إياها من يده: قد تقدم لنا استيلاء الذر على غزنة وإخراجه علاء الدين وجلال الدين منها إلى باميان فأقاما بها شهرين، ولحق كثير من الجند بعلاء الدين صاحبهم، وأقام الذر بغزنة متوقفا عن الخطبة لغياث الدين يروم الاستبداد، وهو يعلل الأتراك برجوع رسوله من عند غياث الدين مخافة أن ينفضوا عنه. فلما ظفر بعلاء الدين، وملك القلعة أظهر الاستبداد وجلس على الكرسي. وجمع علاء الدين وجلال الدين العساكر، وساروا من باميان إلى غزنة، وسرح الذر عساكره للقائهما فهزماها وأثخناها. وهرب الذر إلى بلد كرمان واتبعه بعض العسكر فقاتلهم ودفعهم. وسار علاء الدين وأخوه إلى غزنة وملكوها، وأخذوا خزانة شهاب الدين التي كان الذر أخذها من يد الوزير مؤيد الدين عند مقدمه بجنازة شهاب الدين إلى كرمان كما مر. ثم اعتزم علاء الدين وأخوه على العود إلى غزنة وأهلها متوقعون النهب من عسكرهم والفيء. وكان بينهم رسول الخليفة مجد الدين بن الربيع مدرس النظامية، جاء إلى شهاب الدين فقتل وهو عنده، وأقام بغزنة فقصده أهل غزنة أن يشفع فيهم فشفع وسكن الناس. وعاد علاء الدين وأخوه إلى غزنة. ثم وقع بينهما تشاجر على اقتسام الخزانة، وعلى وزارة مؤيد الملك فندم الناس على طاعتهما. وسار جلال الدين ومعه عباس إلى باميان، وبقي علاء الدولة بغزنة، وأساء وزيره السيرة في الجند والرعية ونهب الأموال، حتى باعوا أمهات أولادهم. ويشكون فلا يشكيهم أحد فسار الذر في جموع الأتراك والغز والغورية فكبسهم ايدكن الشرفي مولى شهاب الدين في ألفين وملك كرمان. وجاء الذر أثر ذلك، وأنكر على ايدكن وملك كرمان، وأحسن إلى أهلها. وبلغ الخبر إلى علاء الدين بغزنة فبعث وزيره إلى أخيه جلال الدين في باميان، وكانت عساكر الغورية قد فارقوه ولحقوا بغياث الدين، ووصل الذر آخر سنة اثنتين وستمائة إلى غزنة فملكها، وامتنع علاء الدين بالقلعة فسكن الذر الناس وأمنهم، وحاصروا القلعة. وجاء الخبر إلى الذر بأن جلال الدين قادم عليك بعساكره، ولحق سليمان بن بشير بغياث الدين ببيروز كوه فأكرمه، وجعله أمير داره، وذلك في صفر سنة ثلاث. وسار الذر فلقي جلال الدين وهزمه، وسيق أسيرا إليه. ورجع إلى غزنة وتهدد علاء الدين بقتل الأسرى إن لم يسلم القلعة. وقتل منهم أربعمائة أسير فبعث علاء الدين يستأمنه فأمنه. ولما خرج قبض على وزيره عماد الملك وقتله، وبعث إلى غياث الدين بالفتح.

انتقاض عباس في باميان ثم رجوعه إلى الطاعة

لما أسر علاء الدين وجلال الدين كما قلناه في غزنة وصل الخبر إلى عمهما عباس في باميان ومعه وزير أبيهما. وسار الوزير إلى خوارزم شاه يستنجده على الذر ليخلص صاحبيه فاغتنم عباس غيبته وملك القلعة، وكان مطاعا. وأخرج أصحاب علاء الدين وجلال الدين فرجع الوزير من طريقه فحاصره بالقلعة، وكان مطاعا في تلك الممالك من لدن بهاء الدين ومن بعده. فلما خلص جلال الدين من أسر الذر وصل إلى مدينة باميان واجتمع مع الوزير، وبعثوا إلى عباس ولاطفوه حتى نزل عما كان استولى عليه من القلاع، وقال: إنما أردت حفظها من خوارزم شاه.

استيلاء خوارزم شاه علي ترمذ ثم الطالقان من يد الغورية

كان خوارزم شاه لما ملك بلخ من يد عمر بن الحسين الغوري سار منها إلى ترمذ، وبها ابنه. وقدم إليه محمد بن بشير بما كان من نزول أبيه عن بلخ، وأنه انتظم في أهل دولته وبعثه إلى خوارزم مكرما ورغبه بالإقطاع والمواعيد، وكان قد ضاق ذرعه من الخطا ووهن من أسر الذر أصحابه بغزنة فأطاع واستأمن. وملك خوارزم شاه ترمذ، ورأى أن يسلمها للخطا ليتمكن بذلك من خراسان، ثم يعود عليهم فينتزعها منهم. ولما فرغ من ذلك سار إلى الطالقان وبها سونج نائباً عن غياث الدين محمود وأرسل من يستميله فلج وسار لحربه، حتى إذا التقيا نزل عن فرسه وسأل العفو فذمه بذلك، وأخذ ما كان بالطالقان بعض أصحابه، وسار إلى قلاع كاكوين وسوار فخرج إليه حسام الدين علي بن أبي علي صاحب كاكوين وقاتله، وطالبه في تسليم البلاد فأبى. وسار خوارزم شاه إلى هراة ونزل بظاهرها وابن حرميل في طاعته فكف عس!اكره عن أهل هراة، ولقيه هنالك رسول غياث الدين بالهدايا. ثم سار ابن حرميل إلى أسفرايين في صفر، وقد كان صاحبها سار إلى غياث الدين فحاصرها حتى استأمن إليه وملك البلد. ثم أرسل إلى صاحب سجستان بطاعة خوارزم والخطبة له فأجاب إلى ذلك بعد أن طلبه في ذلك غياث الدين فامتنع. وعند مقام خوارزم شاه على هراة عاد إليها القاضي صاعد بن الفضل الذي كان ابن حرميل أخرجه منها فلحق بشهاب الدين. ثم رجع من عنده إلى خوارزم شاه فسعى به ابن حرميل عنده حتى سجنه بقلعة زوزن وولى على القضاء بهراة الصفي أبا بكر محمد بن السرخسي.

خبر غياث الدين مع الذر وايبك مولى أبيه

لما ملك الذر غزنة وأسر علاء الدين وأخاه جلال الدين كتب إليه غياث الدين يأمره بالخطبة، وطاول في ذلك فبعث إليه يستحثه بأمر الخطيب بالترحم على شهاب الدين والخطبة لنفسه فاستراب الأتراك به، وبعث هو يشترط على غياث الدين العتق فأجابه إلى ذلك بعد توقف. وكان عزمه على أن يصالح خوارزم شاه ويستمده على الذر فلما طلب العتق أعتقه، وأعتق قطب الدين ايبك مملوك عمه شهاب الدين ونائبه ببلاد الهند. وأرسل إلى كل منهما هدية ورد الخبر واستمر الذر على مراوغته وايبك على طاعته فاستمد غياث الدين خوارزم شاه على الذر فأمده على أن يرد ابن حرميل صاحب هراة إلى طاعته، وأن يقسم الغنيمة أثلاثا بينهما وبين العسكر. وبلغ الخبر إلى الذر فسار إلى بكتاباد فملكها، ثم إلى بست وأعمالها كذلك. وقطع خطبة غياث الدين منها، وأرسل إلى صاحب سجستان بقطع خطبة خوارزم شاه وإلى ابن حرميل كذلك وبتهددهما، وأطلق جلال الدين صاحب باميان وزوجه بنته، وبعث معه خمسة آلاف فارس من ايدكين مملوك شهاب الدين ليعيدوا جلال الدين إلى ملكه بباميان. وينزلوا ابن عمه فلما سار معه ايدكين أغراه بالعود إلى غزنة، وأعلمه أن الأتراك مجمعون على خلاف الذر فلم يجبه جلال الدين إلى ذلك فرجع عنه ايدكين إلى إقطاعه بكابل ولقيه رسول من قطب الدين ايبك إلى الذر يتهدده على عصيانه على غياث الدين، ويأمره بالخطبة له، ووصل معه الهدايا والألطاف إلى غياث الدين، وأشار عليه ايبك بإجابة خوارزم إلى جميع ما طلب حتى يفرغ من أمر غزنة.

وكتب إلى ايبك يستأذنه في المسير إلى غزنة ومحاربة الذر فأذن له بمحاربته، ووصل ايدكين في رجب سنة ثلاث، وخطب لغياث الدين بغزنة وامتنعت عليه القلعة فنهب البلد ووصل الخبر إلى الذر بشأن ايدكين في غزنة ومراسلة ايبك له ففت ذلك في عضده، وخطب لغياث الدين في بكتاباد، وأسقط اسمه ورحل إلى غزنة فرحل ايدكين عنها إلى بلد الغور، وأقام في تمواز، وكتب إلى غياث الدين بالخبر، وأنفذ إليه أموالا فبعث إليه غياث الدين بالخلع وأعتقه وخاطبه بملك الأمراء. وسار غياث الدين إلى بست وأعمالها فاستردها وأحسن إلى أهلها وأقام الذر بغزنة. مقتل ابن حرميل واستيلاء خوارزم شاه علي هراة: كان ابن حرميل كما قدمناه استدعى عسكر خوارزم شاه إلى هراة وأنزلهم معه بهراة فساء أمرهم في الناس، وكثر عيثهم فحبسهم، وبعث إلى خوارزم شاه بصنيعهم ويعدده، وكان مشتغلا بقتال الخطا فكتب إليه يحسن فعله، ويستدعي الجند الذين حبسهم. وبعث إلى عز الدين خلدك أن يحتال في القبض على ابن حرميل فسار في ألفي فارس، وكان خلدك أيام السلطان سنجر واليا على هراة فلما قدم خرج ابن حرميل لتلقيه فنزل كل واحد منهما إلى صاحبه، وأمر خلدك أصحابه بالقبض على ابن حرميل فقبضوا عليه. وانفض عنه أصحابه إلى المدينة فأمر الوزير خواجة الصاحب بغلق الأبواب والاستعداد للحصار، ونادى بشعار غياث الدين محمود فحاصره خلدك وبذل له الأمان، وتهدده بقتل ابن حرميل، وخاطبه بذلك ابن حرميل ففعل، وكتب بالخبر إلى خوارزم شاه فبعث ولاته بخراسان يأمرهم بحصار هراة فساروا في عشرة آلاف، وامتنعت هراة عليهم. وكان ابن حرميل قد حصنها بأربعة أسوار محكمة وخندق وشحنها بالميرة، وصار يعدهم إلى حضور خوارزم شاه، وأسروه أياماً حتى فادى نفسه ورجع إلى خوارزم كما يذكر في أخبار دولته. وأرجف بموته في خراسان فطمع أخوه علي شاه في طبرستان وكزل خان في نيسابور إلى الاستبداد بالملك فلما وصل خوارزم شاه هرب أخوه علي شاه، ولحق بشهاب الدين في بيروز كوه فتلقاه وأكرمه. وسار خوارزم شاه إلى نيسابور وأصلح أمرها واستعمل عليها، وسار إلى هراة، وعسكره على حصارها وقيل للوزير قد وصل خوارزم شاه لما وعدته. وتحدث في ذلك جماعة من أهل البلد فقبض عليهم ووقعت بذلك هيعة، وشعر بها خوارزم شاه فزحف إلى السور وخرب برجين منه، ودخل البلد فملكه وقتل الوزير وولى على هراة من قبله وذلك سنة خمس وستمائة ورجع إلى قتال الخطا.

مقتل غياث الدين محمود

لما ملك خوارزم شاه مدينة هراة وولى عليها خاله أمير ملك، وأمره أن يسير إلى بيروز كوه ويقبض على صاحبها غياث الدين محمود بن غياث الدين الغوري، وعلى أخيه علي شاه بن خوارزم شاه فسار أمير ملك واستأمن له محمود فأمنه، وخرج إليه هو وعلي شاه فقبض عليهما أمير ملك وقتلهما، ودخل فيروز كوه سنة خمس وستمائة. وصارت خراسان كلها لخوارزم شاه.

استيلاء خوارزم شاه على غزنة وأعمالها

ولما استولى خوارزم شاه على عامة خراسان، وملك باميان وغيرها أرسل إلى تاج الدين الذر صاحب غزنة في الخطبة والسكة، وأن يقرر الصلح على غزنة بذلك فشاور أهل دولته، وفيهم قطلوتكين من موالي شهاب الدين، وهو النائب عن الذر بغزنة فأشار عليه بطاعته، وأعاد الرسول بالإجابة، وخطب له، وسار عن غزنة متصديا. وبعث قطلوتكين إلى خوارزم شاه سرا أن يبعث إليه من يسلمه غزنة فجاء بنفسه وملك غزنة. وهرب الذر إلى لهاور. ثم أحضر خوارزم شاه قطلوتكين وقتله بعد أن استصفاه وحصل منه على أموال جمة، وولى على غزنة ابنه جلال الدين، وذلك سنة ثلاث عشرة وستمائة ورجع إلى بلده.

استيلاء الذر على لهاور ومقتله

لما هرب الذر من غزنة أمام خوارزم شاه لحق بلهاور، وكان صاحبها ناصر الدين قباجة من موالي شهاب الدين وله معها ملتان وآمد والدبيل إلى ساحل البحر، وله من العسكر خمسة عشر ألف فارس، وجاءه الذر في ألف وخمسمائة فقاتله على التعبئة ومعه الفيلة فانهزم الذر أولا، وأخذت فيوله. ثم كانت له الكرة وحمل فيل له على علم قباجة بإغراء الفيال، وصدق هو الحملة فانهزم قباجة وعسكره وملك الذر مدينة لهاور، ثم سار إلى الهند ليملك مدينة دلهي وغيرها من بلاد المسلمين، وكان قطب الدين ايبك صاحبها قد مات ووليها بعده مولاه شمس الدين فسار إليه، والتقيا عند مدينة سمابا واقتتلا فانهزم الذر وعس!كره وأسر فقتل. وكان محمود السيرة في ولايته كثير العدل والإحسان إلى الرعية لا سيما التجار والغرباء، وكان بملكه انقراض دولة الغورية والبقاء لله وحده.


دولة الديلم

الخبر عن دولة الديلم وما كان لهم من الملك والسلطان في ملة الإسلام ودولة بني بويه منهم المتغلبين علي الخلفاء العباسيين ببغداد وأولية ذلك ومصائده قد تقدم لنا نسب الديلم في أنساب الأمم وأنهم من نسل ماذاي بن يافث، وماذاي معدود في التوراة من ولد يافث. وذكر ابن سعيد ولا أدري عمن نقله: إنهم من ولد سام بن باسل بن آشور بن سام، وآشور مذكور في التوراة من ولد سام. وقالى: إن الموصل من جرموق بن آشور، والفرس والكرد والخزر من ايران بن آشور، والنبط والسوريان من نبيط بن آشور. وهكذا ذكر ابن سعيد والله أعلم. والجيل عند كافة النسابين إخوانهم على كل قول من هذه الأقوال، وهم أهل جيلان جميعاً عصبية واحدة من سائر أحوالهم. ومواطن هؤلاء الديلم والجيل بجبال طبرستان وجرجان إلى جبال الرفي وكيلان وحفافي البحيرة المعروفة ببحيرة طبرستان من لدن أيام الفرس وما قبلها، ولم يكن لهم ملك فيما قبل الإسلام. ولما جاء الله بالإسلام وانقرضت دولة الأكاسرة، واستفحلت دولة العرب وافتتحوا الأقاليم بالمشرق والمغرب والجنوب والشمال كما مر في الفتوحات، وكان من لم يدخل من الأمم في دينهم دان لهم بالجزية، وكان هؤلاء الديلم والجيل على دين المحجوسية، ولم تفتح أيام الفتوحات، وإنما كانوا يؤدون الجزية. وكان سعيد بن العاص قد صالحهم على مائة ألف في السنة، وكانوا يعطونها وربما يمنعونها، ولم يأت جرجان بعد سعيد أحد، وكانوا يمنعون الطريق من العراق إلى خراسان على قومس. ولما ولي يزيد بن المهلب خراسان سنة ست وثمانين للهجرة، ولم يفتح طبرستان ولا جرجان، وكان يزيد بن المهلب يعيره بذلك إذا قصت عليه أخباره في فتوحات بلاد الترك ويقول: ليست هذه الفتوح بشيء والشأن في جرجان التي قطعت الطريق وأفسدت قومس ونيسابور، فلفا ولاه سليمان بن عبد الملك خراسان سنة تسع وتسعين أجمع على غزوها ولم تكن جرجان يومئذ مدينة إنما هي جبال ومحاصر، يقوم الرجل على باب منها فيمنعه. وكانت طبرستان مدينة وصاحبها الأصبهبد. ثم سار إلى جرجان مولاه فراسة، وسار الهادي إليهما وحاصرهما حتى استقاما على الطاعة. ثم بعث المهدي سنة ثمان وتسعين يحيي الحرشي في أربعين ألفا من العساكر فنزل طبرستان وأذعن الديلم. ثم لحق بهم أيام الرشيد يحيى بن عبد الله بن حسن المثنى فأجاروه، وسرح الرشيد الفضل بن يحيى البرمكي لحربهم فسار إليهم سنة خمس وتسعين ومائة فأجابوه إلى التمكين منه على مال شرطوه، وعلى أن يجيء بخط الرشيد وشهادة أهل الدولة من كبار الشيعة وغيرهم فبذل لهم المال، وكتب الكتاب. وجاء الفضل بيحيى فحبسه عند أخيه جعفر حسبما هو مذكور في أخباره. وفي سنة تسع وثمانين كتب الرشيد وهو بالري كتاب الأمان لسروين بن أبي قارن ورندا هرمز بارخشان صاحب الديلم، وبعث بالكتاب مع حسن الخادم إلى طبرستان فقدم بارخشان ورندا هرمز وأكرمهما الرشيد وأحسن إليهما، وضمن رندا هرمز الطاعة والخراج عن سروين بن أبي قارن.

ثم مات سروبن وقام مكانه ابنه شهريار، ثم زحف سنة إحدى وثمانين عبد الله بن خرداذبة وهو عامل طبرستان إلى البلاد والسيزر من بلاد الديلم فافتتحها وافتتح سائر بلاد طبرستان، وأنزل شهريار بن سروين عنها. وأشخص مازيار بن قارن ورندا هرمز إلى المأمون وأسر أبا ليلى. ثم مات شهريار بن سروين سنة عشر وقام مكانه ابنه سابور

فحاربه مازيار بن قارن بن رندا هرمز وأسره ثم قتله. ثم انتقض مازيار على المعتصم وحمل الديلم وأهل تلك الأعمال على بيعته كرها وأخذ رهنهم وجبى خراجهم، وخرب أسوار آمل وسارية، ونقل أهلها إلى الجبال، وبنى على حدود جرجان سورا من طميس إلى البحر مسافة ثلاثة أميال وحصنه بخندق. وكانت الأكاسرة بنته سدا على طبرستان من الترك. وقد نقل أهل جرجان إلى نيسابور وأملى له في انتقاضه الأفشين مولى المعتصم وكبير دولته، طمعه في ولاية خراسان بما كان يضطغن ابن طاهر صاحب خراسان فدس إليه بذلك كتابا ورسالة حتى امتعض. وجهز عبد الله بن طاهر العساكر لحربه مع عمه الحسن ومولاه حيان بن جبلة. وسرح المعتصم العساكر يردف بعضها بعضا حتى أحاطوا بجباله من كل ناحية، وكان قارن بن شهريار أخو مازيار على سارية فدس إلى قواد ابن طاهر بالرجوع من كل ناحية، وكان قارن قد أتى إلى الطاعة والنزول لهم عن سارية على أن يملكوه جبال آبائه، وأسجل له ابن طاهر بذلك فقبض على عمه قارن في جماعة من قواد مازيار، وبعث بهم فدخل قواد ابن طاهر جبال قارن وملكوا سارية. ثم استأمن إليهم قوهيار أخو مازيار ووعدهم بالقبض على أخيه على أن يولوه مكانه فأسجل له ابن طاهر بذلك، فقبض على أخيه مازيار، وبعث به إلى المعتصم ببغداد فصلبه واطلع منه على دسيسة الأفشين مولاه فنكبه وقتله. ووثب مماليك مازيار بقوهيار فثاروا منه بأخيه وفروا إلى الديلم فاعترضتهم العساكر وأخذوا جميعاً. ويقال: إن الذي كان غدر بمازيار هو ابن عمه كان يضطغن عليه، عزله عن بعض جبال طبرستان، وكان مولاه ورأيه عن رأيه. ثم تلاشت الدعوة العباسية بعد المتوكل، وتقلص ظلها. واستبد أهل الأطراف بأعمالهم وظهرت دعاة العلوية في النواحي إلى أن ظهر بطبرستان أيام المستعين الحسن بن زيد الداعي العلوي من الزيدية وقد مر ذكره، وكان على خراسان محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر، وقد ولى على طبرستان عمه سليمان بن عبد الله بن طاهر فكان محمد بن أوس ينوب عنه مستبدا عليه فاساء السيرة، وانتقض لذلك بعض عمال أهل الأعمال ودعوا جيرانهم الديلم إلى الا نتقاض.

وكان محمد بن أوس قد دخل بلادهم أيام السلم وأثخن فيها بالقتل والسبي، فلما استنجدهم أولئك الثوار لحرب سليمان ونائبه محمد بن أوس نزعوا لإجابتهم، واستدعوا الحسن بن زيد من مكانه وبايعوه جميعاً، وزحفوا به إلى آمل فملكوها. ثم ساروا إلى سارية فهزموا عليها سليمان وملكوها. ثم استولى الحسن الداعي على طبرستان وكانت له ولأخيه بقده الدولة المعروفة كما هو معروف في أخبارهم أقامت قريبا من أربعين سنة، ثم انقرضت بقتل محمد بن زيد. ودخل الديلم الحسن الأطروش من ولد عمر بن زين العابدين، وكان زيدي المذهب فنزل فيما وراء السعيد دوى إلى آمل ولبث في الديلم ثلاث عشرة سنة، وملكهم يومئذ حسان بن وهشوذان وكان يدعوهم إلى الإسلام، ويأخذ منهم العشر ويدافع عنهم ملكهم ما استطاع فأسلم على يديه منهم خلق كثير وبنى لهم المساجد، وزحف بهم إلى قزوين فملكها وسالوس من ثغور المسلمين فأطاعوه، وملك آمل ودعاهم إلى غزو طبرستان وهي في طاعة ابن سامان فأجابوه، وساروا إليها سنة إحدى وثلاثمائة. وبرز إليها عاملها ابن صعلوك فهزمه الأطروش واستلحم سائر أصحابه، ولحق ابن صعلوك بالري ثم سار إلى بغداد. واستولى الأطروش على طبرستان وأعمالها، وقد ذكرنا دولته وأخبارها في دول العلوية، وكان استظهاره على أمره بالديلم وقواده في حروبه وولاته على أعماله منهم. ثم قتله جيوش السعيد بن سامان سنة أربع وثلاثمائة، ودال الأمر بين عقبه قواد الديلم كما هو مذكور في أخبارهم.

الخبر عن دولة الديلم وتغلبهم علي أعمال الخلفاء بفالس والعراقين

كان للديلم جماعة من القواد بهم استظهر الأطروش وبنوه على أمرهم: منهم سرخاب بن وهشوذان أخو حسان، وهو معدود في ملوكهم، وكان صاحب جيش أبي الحسين بن الأطروش ثم أخوه علي، ولاه المقتدر على أصفهان. ثم ليلى بن النعمان من ملوكهم أيضاً وكان قائدا للأطروش، وولاه بعده صهره الحسن المعروف بالداعي الصغير على جرجان. ثم ماكان بن كالي وهو ابن عم سرخاب وحسان ابني وهشوذان، وولاه أبو الحسين بن الأطروش مدينة أستراباذ وأعمالها. ثم كان دون هؤلاء جماعة أخرى من القواد فمنهم من أصحاب ماكان بن كالي اسفار بن شيرويه ومرداويج بن زيار بن بادر وأخوه وشمكير ولشكري. ومن أصحاب مرداويج بنو بويه الملوك الأعاظم ببغداد والعراقين وفارس. ولما تلاشت دولة العلوية واستفحل هؤلاء القواد بالاستبداد على أعقابهم في طبرستان وجرجان، وكانت خراسان عند تقلص الدولة العباسية على الأطراف قد غلب عليها الصفار وملكها من يد بني طاهر. ثم نازعه فيها بنو سامان والداعي العلوي فأصبحت مشاعا بينهم. ثم انفرد بها ابن سامان وكل منهم يعطي طاعة معروفة للخلفاء. ومركز ابن سامان وراء النهر وخراسان في أطراف مملكتهم. وزاد تقلص الخلافة عما وراءها فتطاول ملوك الديلم هؤلاء قواد الدولة العلوية بطبرستان إلى ممالك البلاد، وتجافوا عن أعمال ابن سامان لقوة سورته واستفحال ملكه. وساروا في الأرض يرومون الملك وانتشروا في النواحي، وتغلب كل منهم على ما دفع إليه من البلاد. وربما تنازعوا بعضها فكانت لهم دون طبرستان وجرجان بلاد الري، وظفر بنو بويه منهم بملك فارس والعراقين. وحجر الخلفاء ببغداد فذهبوا بفضل القديم والحديث، وكانت لهم الدولة العظيمة التي باهى الإسلام بها سائر الأمم حسبما نذكر ذلك كله في أخبار دولتهم.

أخبار ليلي بن النعمان ومقتله

كان ليلى بن النعمان من قواد الديلم، وكان أولاد الأطروش ينعتونه في كتابهم إليه المؤيد لدين الله المنتصر لأولاد رسول الله. وكان كريما شجاعا قد ولاه الحسن بن القاسم الداعي الصغير على جرجان بعد الأطروش سنة ثمان وثلاثمائة فسار من جرجان إلى الدامغان وهي في طاعة ابن سامان، وعليها مولاه قراتكين فبرزوا إليه وقاتلوه فهزمهم وأثخن فيهم، وعاد إلى جرجان فابتنى أهل الدامغان حصنا يمتنعون به. وسار قراتكين إلى ليلى فبرز إليه من جرجان وقاتله على عشرة فراسخ فانهزم قراتكين وأثخن في عسكره، وسار إليه فارس مولى قراتكين فأكرمه وزوجه أخته وكثرت أجناده، وضاقت أمواله فأغراه أبو حفص القاسم بن حفص بنيسابور، وأمره الحسن الداعي بالمسير إليها فسار وملكها آخر ثمان وثلاثمائة وخطب بها للداعي. وأنفذ السعيد نصر بن سامان عساكره من بخارى مع قواده حمويه بن علي ومحمد بن عبد الله البلغمي وأبو حفص بنيسابور وأبو الحسن صعلوك وسيجور الدواني فقاتلوا ليلى بن النعمان عن طوس، وهزموه فلحق بآمل واختفى فيها، وجاءه بقراخان وأخرجه من الاختفاء وأنفذ بالخبر إلى حمويه فأمره بقتله وتأمين أصحابه فقتل، وحمل رأسه إلى بغداد وذلك في ربيع سنة تسع وثلاثمائة. وبقي فارس غلام قراتكين بجرجان، وعاد قراتكين إلى جرجان فاستأمن إليه مولاه فارس فقتله قراتكين وانصرف عن جرجان.

أخبار سرخاب بن وهشوذان ومهلكه وقيام ماكان بن كالي بمكانه

كان سرخاب بن وهشوذان الديلمي من قواد الأطروش وبنيه، وبايع لأبي الحسن بن الأطروش الناصر بعد مهلك أبيه بطبرستان وأستراباذ وكان صاحب جيشه. ولما انصرف قراتكين عن جرجان بعد مهلك ليلى بن النعمان سار إليها أبو الحسن بن الأطروش وسرخاب فملكوها، وأنفذ السعيد نصر بن سامان سنة عشر سيجور الدواني في أربعة آلاف فارس لقتاله، ونزل على فرسخين من جرجان وحاصرها أشهرا ثم برزوا إليه، وأكمن لهم سيجور كمينا فتباطأ الكمين وانهزم سيجور واتبعه سرخاب. ثم خرج الكمين بعد حين، وانهزم أبو الحسن إلى أستراباذ وترك جرجان، واتبعه سرخاب في الفل بمخلفه ومخلف أصحابه، ورجع سيجور إلى جرجان فملكها. ثم مات سرخاب ولحق ابن الأطروش بسارية فأقام بها واستخلف ماكان بن كالي، وهو ابن عم سرخاب فسار محمد بن عبيد الله البلغمي وسيجور لحصاره، وأقاموا عليه طويلا. ثم بذلوا له مالا على أن يخرج لهم عنها فتقوم لهم بذلك حجة عند ابن سامان ثم يعود ففعل ذلك، وخرج إلى سارية ثم نزل إلى الشمانية عن أستراباذ، وولوا عليها بقراخان فعاد إليها ماكان وملكها ولحق بقراخان بأصحابه في نيسابور.

بداية اسفار بن شيرويه وتغلبه علي جرجان ثم طبرستان

كان اسفار هذا من الديلم من أصحاب ماكان بن كالي، وكان سيىء الخلق صعب العشرة وأخرجه ماكان من عسكره فاتصل ببكر بن محمد بن اليسع في نيسابور وهو عامل عليها من قبل ابن سامان فأكرمه واختصه بالعساكر سنة خمس عشرة لفتح جرجان. وكان ماكان بن كالي يومئذ بطبرستان وولى على جرجان أبا الحسن بن كالي، واستراب بأبي علي بن الأطروش فحبسه بجرجان فجعله عنده في البيت، وقام ليلة إليه ليقتله فأظفر الله العلوي به وقتله وتسرب من الدار. وأرسل من الغد إلى جماعة من القواد فجاؤوا إليه وبايعوه وألبسوه القلنسوة، وولى على جيشه علي بن خرشية، وكاتبوا اسفار بن شيرويه بذلك وهو في طريقه إليهم واستدعوه فاستأذن بكر بن محمد وسار إليهم، وسار علي بن خرشية في القيام بأمر جرجان بدعوة العلوي الذي معهم وضبط ناحيتها. وسار إليهم ماكان بن كالي في العساكر من طبرستان وقاتلوه فهزموه واتبعوه إلى طبرستان فملكوها من يده وقاموا بها. ثم هلك أبو علي الأطروش وعلي بن خرشية صاحب الجيش، وانفرد اسفار بطبرستان. وسار بكر بن محمد بن اليسع إلى جرجان فملكها وأقام فيها دعوة نصر بن سامان. ثم رجع ماكان إلى طبرستان وبها اسفار فحاربه وغلبه، وملك طبرستان من يده، ولحق اسفار بجرجان فأقام بها عند بكر بن اليسع إلى أن توفي بكر فولاه السعيد على جرجان سنة خمس عشرة. ثم ملك نصر بن سامان الري بولاية المقتدر وولى عليها محمد بن علي بن صعلوك فطرقه المرض في شعبان سنة لمست عشرة، وكاتب الحسن الداعي اسفار ملك جرجان بولاية نصر بن سامان فاستدعى مرداويج بن زيار من ملوك الجبل وجعله أمير جيشه، وسار إلى طبرستان فملكها.

استيلاء اسفار علي الري واستفحال أمره

لما استولى اسفار على طبرستان ومرداويج معه، وكان يومئذ على الري وملكها من يد صعلوك كما ذكرناه. واستولى على قزوين وزنجان وأبهر وقم والكرخ، ومعه ا!سن بن القاسم الداعي الصغير وهو قائم بدعوته. فلما خالفه اسفار إلى طبرستان وملكها واستضافها إلى جرجان سار إليه ماكان والداير والتقوا بسارية واقتتلوا، وانهزم ماكان وقتل الداعي، وكانت هزيمته بتخاذل الديلم عنه فإن الحسن كان يشتد عليهم في النهي عن المنكر فنكروه، واستقدموا خال مرداويج من الجبل واسمه هزر سندان. وكان مع أحمد الطويل بالدامغان فمكروا بالداعي واستقدامه للاستظهار به، وهم يضمرون تقديمه عوض ماكان، ونصب أبي الحسن بن الأطروش عوض الحسن الداعي، ودس إليه بذلك أحمد الطويل صاحب الدامغان بعد موت صعلوك فحذرهم حتى إذا قدم هزر سندان أدخله مع قواد الديلم إلى قصره بجرجان. ثم قبض عليهم وقتلهم جميعاً، وأمر أصحابه بنهب أموالهم فامتعض لذلك سائر الديلم، وأقاموا على مضض، حتى إذا كان يوم لقائه اسفار خذلوه فقتل. وفر ماكان واستولى اسفار على ما كان لهم من الرفي وقزوين وزنجان وأبهر وقم والكرخ واستضافها إلى طبرستان وجرجان، وأقام فيها دعوة السعيد بن سامان. ونزل سارية واستعمل على الري هرون بن بهرام صاحب جناح، وكان يخطب فيها! لأبي جعفر العلوي فاستدعاه إليه وزوجه من آمل. وجاء أبو جعفر لوليمته مع جماعة من العلويين فكبسهم اسفار وبعث بهم إلى بخارى فحبسهم بها إلى أن خلصوا مع يحيى أخي السعيد، وكانوا في فتية حسبما ذكرناه. ولما فرع اسفار من الري تطاول إلى قلعة الموت ليحضن بها عياله وذخيرته، وكانت لسياه جشم بن مالك الديلمي ومعناه الأسود العين فاستقدمه اسفار وولاه قزوين، وسأله في ذلك فأجابه فنقل عياله إليها وسرب الرجال إليهم لخدمتهم حتى كملوا مائة. ثم استدعاه فقبض عليه، وثار أولئك بالقلعة فملكوها وكان في طريقه إلى الري استأمن إليه صاحب جبلي نهاوند وقم ابن أمير كان فملكها، ومر بسمنان فامتنع منه صاحبها محمد بن جعفر، وبعث إليه من الري بعض أصحابه فاستأمن إليه وخدعه حتى قتله وتدلى من ظهر القلعة.

ثم استفحل أمر اسفار وانتقض على السعيد بن سامان، وأراد أن يتزوج ويجلس على سرير الذهب، واعتزم على حرب ابن سامان والخليفة فبعث المقتدر العساكر إلى قزوبن مع هرون ابن غريب الحال فقاتله اسفار وهزمه. ثم سار ابن سامان إلى نيسابور لحربه فأشار على اسفار وزيره مطرف بن محمد الجرجاني بمسالمته وطاعته، وبذل الأموال له فقبل إشارته، وبعث بذلك إلى ابن سامان. وتلطف أصحابه في رجوعه إلى ذلك فرجع وشرط عليه الخطبة والطاعة فقبل، وانتظم الحال بينهما ورجع إلى السطوة بأهل الري. ولما كانوا عابوا عليه عسكر القتال ففرض عليهم الأموال وعسف بهم، وخص أهل تزوين بالنهب لما تولوا من ذلك وسلط عليهم الديلم فضاقت بهم الأرض.

مقتل اسفار وملك مرداويج

كان مرداويج بن زيار من قواد اسفار، وكان قد سئم عسفه وطغيانه كما سئمه الناس وبعثه اسفار إلى صاحب سميران الطر الذي ملك أذربيجان بعد ذلك يدعوه إلى طاعته ففاوضه في أمر اسفار وسوء سيرته في الناس، واتفقا على الوثوب عليه به فأجابوه وفيهم مطرف بن محمد وزيره فسار هو وسلار إليه، وبلغه الخبر فثار به الجند فهرب إلى الري، وكتب إلى ماكان بن كالي بطبرستان يستألفه على اسفار فسار إليه ماكان فهرب اسفار من بيهق إلى بست، ثم دخل مفازة الري قاصدا قلعة الموت التي حصن بها أهله وذخيرته. وتخلف عنه بعض أصحابه في المفازة، وجاء إلى مرداويج يخبره فسار إليه، وتقدم بين يديه بعض القواد فلقي اسفار وسأله عن قواده، فأخبره أن مرداويج قتلهم فسر بذلك. ثم حمله القائد إلى مرداويج فأراد أن يحبسه بالري فحذره بعض أصحابه غائلته فأمر بقتله ورجع إلى الري. ولما قتل اسفار تنقل مرداويج في البلاد يملكها فملك قزوين ثم الري ثم همذان ثم كنكور ثم الدينور ثم دجرد ثم قم ثم قاشان ثم أصفهان ثم جرباد، واستفحل ملكه وعتا وتكبر، وجلس على سرير الذهب، وأجلس أكابر قواده على سرير الفضة وتقدم لعسكره بالوقوف على البعد منه ونودي بالخطاب بينهم وبين حاجبه.

استيلاء مرداويج علم طبرستان وجرجان

قد ذكرنا أن الإلفة الواقعة بين مرداويج وماكان وتظاهرهما على اسفار حتى قتل وثبت مرداويج في الملك واستفحل أمره فتطاول إلى ملك طبرستان وجرجان. وسار إليهما سنة ست عشرة فانهزم ماكان أمامه، واستولى مرداويج على طبرستان وولى عليها اسفهسلان، وأمر على عسكره أبا القاسم، وكان حازما شجاعا. ثم سار إلى جرجان فهرب عامل ماكان عنها وملكها مرداويج، وولى عليها صهره أبا القاسم المذكور خليفة عنه، ورجع إلى أصفهان. ولحق أبو القاسم وهزمه فرجع السائر إلى الديلم ولحق ماكان بنيسابور، واستمد أبا علي بن المظفر صاحب جيوش ابن سامان فسار معه في عساكره إلى جرجان فهزمهما أبو القاسم ورجعا إلى نيسابور. ثم سار ماكان إلى الدامغان فدفعه عنها أبو القاسم فعاد إلى خراسان. استيلاء مرداويج علي همذان والجبل وحروبه مع عساكر المقتدر: لما ملك مرداويج بلاد الري أقبلت الديلم إليه فأفاض فيهم العطاء، وعظمت عساكره فلم تكفه جباية أعماله، وامتدت عينه إلى الأعمال التي تجاوره فبعث إلى همذان سنة تسع عشرة جيشا كثيفا مع ابن أخته، وبها محمد بن خلف وعسكر المقتدر فاقتتلوا* وأعان على همذان عسكر الخليفة فظفروا بعسكر مرداويج، وقتلوا ابن أخته فسار إليهم مرداويج من الري. وهرب عس!كر الخليفة من همذان ودخلها عنوة فأثخن فيهم واستلحمهم وسباهم ثم أمنهم وزحفت إليه عساكر المقتدر مع هرون ابن غريب الحال فهزمهم بنواحي همذان، وملك بلاد الجبل وما وراء همذان، وبعث قائدا من أصحابه إلى الدينور ففتحها عنوة، وبلغت عساكره نحو حلوان، وامتلأت أيديهم من الذهب والسبي ورجعوا.

خبر لشكري في أصفهان

كان لشكري من الديلم ومن أصحاب أسفار واستأمن بعد قتله إلى المقتدر، وصار في جند هرون ابن غريب الحال. ولما انهزم هرون أمام مرداويج سنة تسع عشرة أقام في قرقلنين ينتظر مدد المقتدر. وبعث لشكري هذا إلى نهاوند يجيئه بمال منها فتغلب عليها، وجمع بها جندا، ثم مضى إلى أصفهان في منتصف السنة وبها أحمد بن كيغلغ فحاربه وهزمه، وملك أصفهان ودخل إليها عس!كره. وأقام هو بظاهرها فرأى لشكري فقصده يظنه من بعض جنده أي أحمد، فلما تراءى دافع أحمد بن كيغلغ عن نفسه فقتل، وهرب أصحابه ورجع ابن كيغلغ إلى أصفهان. استيلاء مرداويج علي أصفهان: ثم بعث مرداويج عس!كرا آخر إلى أصفهان سنة تسع عشرة فملكوها، وجددوا له مساكن أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف فنزلها، وعسكره يومئذ أربعون أو خمسون ألفا. ثم بعث عسكراً إلى الأهواز وخوزستان فملكوها وجبوا أعمالها، وبعث إلى المقتدر وضمن هذه البلاد بمائتي ألف دينار في كل سنة فقررت عليه، وأقطعه المقتدر همذان ورماه الكوفة. قدوم وشمكير علي أخيه مرداويج: وفي سنة ست عشرة بعث مرداويج رسوله من الجند ليأتيه بأخيه وشمكير فبعث إليه وأبلغه رسالة أخيه، وأعمه بمقامه في الملك فاستبعد ذلك ثم استغربه، ونكر على أخيه مشايعته للمسودة لأن الديلم والجيل كانوا شيعة للعلوية طبرستان فلم يزل الرسول به حتى سار به إلى أخيه. فخرج به إلى قزوين وألبسه السواد بعد مراوضة. وقدم على أخيه بدوياً حافياً مستوحشاً فلم يكن إلا أن رهف الملك أعطافه فأصبح أرق الناس حاشية وأكثر الناس معرفة بالسياسة. خبر مرداويج مع ابن سامان علي جرجان: كان أبو بكر المظفر صاحب جيوش ابن سامان بخراسان قد غلب على جرجان

وانتزعها من ملكه مرداويج، فلما فرغ مرداويج من أمر خوزستان والأهواز رجع إلى الري وسار منها إلى جرجان فخرج ابن المظفر عن جرجان إلى نيسابور، وبها يومئذ السعيد نصر بن سامان فسار لمدافعة مرداويج عن جرجان، وكاتب محمد بن عبد الله البلغمي من قواد ابن سامان مطرف بن محمد وزير مرداويج واستماله. وشعر بذلك فقتل وزيره، وبعث إليه البلغمي يعذله في قصد جرجان، ويطوق ذلك بالوزير مطرف، ويذكره حقوق السعيد بن سامان قبله وقصور قدرته عنه، ويشير عليه بالنزول له عن جرجان وتقرير المال عليه بالري فقبل مرداويج إشارته، وعاد عن جرجان وانتظم الحال بينهما. بداية أمر بني بويه: وكانوا إخوة ثلاثة أكبرهم عماد الدولة أبو الحسن علي، وركن الدولة الحسن، ومعز الدولة أبو الحسن أحمد. لقبهم بهذه الألقاب الخلفاء عندما ملكوا الأعمال وقلدوهم إياها على ما نذكر بعد. وهم الذين تولوا حجر الخلفاء بعد ذلك ببغداد كما يأتي. وأبوهم أبو شجاع بويه بن قناخس. وللناس في نسبهم خلاف: فأبو نصر بن ماكولا أينسبهم إلى كوهى بن شيرزيك الأصغر بن شيركوه بن شيرزيك الأكبر ابن سران شاه بن سيرقند بن سيسانشاه بن سير بن فيروز بن شروزيل بن سنساد بن هراهم جور، وبقية النسب مذكور في ملوك الفرس. وابن مشكويه قال: يزعمون أنهم من ولد يزدجرد بن شهريار آخر ملوك الفرس. والحق أن هذا النسب مصنوع تقرب إليهم به من لا يعرف طبائع الأنساب في الوجود، ولو كان نسبهم ذا خلل في الديلم لم تكن لهم تلك الرياسة عليهم، وإن كانت الأنساب قد تتغير وتخفى وتنتقل من شعب إلى شعب ومن قوم إلى قوم فإنما هو بطول الأعصار وتناقل الأجيال واندراس الأزمان والأحقاب. وأما هؤلاء فلم يكن بينهم وبين يزدجرد وانقطاع الملك من الفرس إلا ثلاثمائة سنة، فيها سبعة أجيال أو ثمانية أجيال ميزت فيها أنسابهم وأحصيت أعقابهم. فكيف يدرك مثل هذه الأنساب الخفاء في مثل هذه الأعصار. وإن قلنا كان نسبهم إلى الفرس ظاهرا منع ذلك من رياستهم على الديلم فلا شك في هذه التقادير في ضعة هذا النسب والله أعلم. وأما بدايتهم فإنهم كانوا من أوسط الديلم نسبا وحالا. وفي أخبارهم أن أباهم أبا

شجاع كان فقيرا، وأنه رأى في منامه أنه يبول فخرج من ذكره نار عظيمة فاستضاءت الدنيا بها فاستطالت وارتفعت إلى السماء. ثم افترقت ثلاث شعب، ومن كل شعب عدة شعب فاستضاءت الدنيا بها والناس خاضعون لتلك النيران. وأن عابرا عبر له الرؤيا بأنه يكون له ثلاثة أولاد يملكون الأرض ويعلو ذكرهم في الآفاق كما علت النار، ويولد لهم ملوك بقدر الشعب. وأن أبا شجاع استبعد ذلك واستنكره لما كانوا عليه من توسط الحال في المعيشة فرجع المعبر إلى السؤال عن وقت مواليدهم فأخبروه بها، وكان منجما فعدل طوالعهم ، وقضى لهم جميعاً بالملك فوعدوه وانصرف. ولما خرج قواد الديلم لملك البلاد، وانتشروا في الأعمال مثل ليلى وماكان وأسفار ومرداويج خرج مع كل واحد منهم جموع من الديلم رؤوس وأتباع، وخرج بنو أبي شجاع هؤلاء في جملة قواد ماكان فلما اضطرب أمره، وغلبه مرداويج عن طبرستان وجرجان مرة بعد مرة لحق آخرا بنيسابور مهزوما فاعتزم بنو بويه على فراقه، واستأذنوه في ذلك، وقالوا إنما نفارقك تخفيفا عليك فإذا صلح أمرك عدنا إليك. وساروا إلى مرداويج وتبعتهم جماعة من تواد ماكان فقبلهم مرداويج، وقلد كل واحد منهم ناحية من نواحي الجبل. وقلد علي بن بويه كرمس وكتب لهم العهود بذلك. وساروا إلى الري وبها يومئذ أخوه وشمكير ومعه وزيره الحسين بن محمد العميد والد أبي الفضل. ثم بدا لمرداويج في ولاية هؤلاء القواد المستأمنة فكتب إلى أخيه وشمكير ووزيره الحميد بردهم عن تلك الأعمال. وكان علي بن بويه قد أسلف عند العميد يدا في بغلة فارهة عرضها للبيع، واستأمنها العميد فوهبها له فرعى له العميد هذه الوسيلة. فلما قرأ كتاب مرداوبج دس إلى ابن بويه بأن يغذ السير إلى عمله فسار من حينه. وغدا وشمكير على بقية القواد فاستعاد العهود من أيديهم، وأمر ابن بويه فأشار عليه أصحابه بترك ذلك لما فيه من الفتنة فتركه.

ولاية عماد الدولة بن بويه علي كرج وأصفهان

ولما وصل عماد الدولة إلى كرج ضبط أمورها وأحسن السياسة في أهلها وأعمالها، وقتل جماعة من الخرمية كانوا فيها وفتح قلاعهم، وأصاب فيها ذخائر كثيرة فأنفقها في جنده فشاع ذكره وحمدت سيرته. وكتب أهل الناحية إلى مرداويج بالنبأ فغص وجاء من طبرستان إلى الري، وأطلق مالا لجماعة من قواده على كرج فاستمالهم عماد الدولة وأحسن إليهم فأقاموا عنده. واستراب مرداويج فكتب إلى عماد الدولة في استدعائهم فدافعه وحذرهم منه فحذروا. ثم استأمن إليه سيراذ من أعيان قواد مرداويج فكثف به جمعه وسار إلى أصفهان وبها المظفر بن ياقوت من قبل القاهر في عشرة آلاف مقاتل، وعلى خراجها أبو علي بن رستم فاستأذنهما في الانحياز إليهما والدخول في طاعة الخليفة فأعرضا عنه. ومات خلال ذلك ابن رستم وبرز ابن ياقوت من أصفهان لمدافعته واستأمن إليه من كان مع ابن ياقوت من الجيل والديلم ثم لقيه عماد الدولة في تسعمائة فهزمه وملك أصفهان.

استيلاء ابن بويه علي أرجان وأخواتها ثم علي شيراز وبلاد فارس

ولما بلغ خبر أصفهان إلى مرداويج اضطرب وكتب إلى عماد الدولة بن بويه يعاتبه وش!تميله، ويطلب منه إظهار طاعته، ويمده بالعساكر في البلاد والأعمال، ويخطب له فيها. وجهز له أخاه وشمكير في جيش كثيف ليكبسه وهو مطمئن إلى تلك الرسالة. وشعر ابن بويه بالمكيدة فرحل عن أصفهان بعد أن جباها شهرين وسار إلى أرجان وبها أبو بكر ابن ياقوت من أصفهان والياً عليها ففصل عنها. ولما ملك ابن بويه أرجان كاتبه أهل شيراز يستدعونه إليهم وعليهم يومئذ ياقوت عامل الخليفة، وثقلت وطأته عليهم وكثر ظلمه فاستدعوا ابن بويه، وخام عن المسير إليهم فأعادوا إليه الكتاب بالحث على ذلك، وأن مرداويج طلب الصلح من ياقوت فعاجل الأمر قبل أن يجتمعا فسار إلى النوبندجان في ربيع سنة إحدى وعشرين، وسبقته إليها مقدمة ياقوت في ألفين من شجعان قومه. فلما وافاهم ابن بويه انهزموا إلى كرمان، وجاءهم ياقوت هنالك في جميع أصحابه. وأقام عماد الدولة بالنوبندجان، وبعث أخاه ركن الدولة الحسن إلى كازرون وغيرها من أعمال فارس فلقي هنالك عساكرا لياقوت فهزمهم وجبى تلك الأعمال، ورجع إلى أخيه با لأموال.

ثم وقعت المراسلة بين مرداوبج وياقوت في الصلح، وسار وشمكير إليه عن أخيه فخشيهما عماد الدولة وسار من نوبندجان إلى اصطخر، ثم إلى البيضاء وياقوت في اتباعه. وسبقه ياقوت إلى قنطرة على طريق كرمان فصده عن عبوره، واضطره للحرب فتحاربوا واستأمن جماعة من أصحاب ابن بويه إلى ياقوت فقتلهم فخشيه الباقون واستماتوا. وقدم ياقوت أمام عسكره رجالة بقوار النفط فلما أشعلوها وقذفت أعادتها الريح عليهم فعلقت بهم فاضطربوا، وخالطهم أصحاب ابن بويه في موقفهم وكانت الدبرة على ياقوت. ثم صعد إلى ربوة ونادى في أصحابه بالرجوع فاجتمع إليه نحو أربعة آلاف نجارس، وأراد الحملة عليهم لاشتغالهم بالنهب ففطنوا له، وتركوا النهب وقصدوه فانهزم واتبعوهم فأثخنوا فيهم.

وكان معز الدولة أحمد بن بوبه من أشد الناس بلاء في هذه الحرب ابن تسع عشرة سنة لم يطر شاربه، ثم رجعوا إلى السواد فنهبوه، وأسروا جماعة منهم فأطلقهم ابن بويه وخيرهم فاختاروا المقام عنده فأحسن إليهم. ثم سار إلى شيراز فأمنها ونادى بالمنع من الظلم، واستولى على سائر البلاد وعرفوه بذخائر في دار الإمارة وغيرها من ودائع ياقوت وذخائر بني الصفار فنادى في الجند بالعطاء وأزاح عللهم، وامتلأت خزائنه. وكتب إلى الراضي وقد أفضت إليه الخلافة وإلى وزيره أبي علي بن مقلة تقرير البلاد عليه بألف درهم فأجيب إلى ذلك، وبعثوا إليه بالخلع واللواء. وكان محمد بن ياقوت قد فارق أصفهان عند خلع القاهر وولاية الراضي، وبقيت عشرين يوما دون أمير فجاء إليها وشمكير وملكها فلما وصل الخبر إلى مرداويج باستيلاء ابن بويه على فارس سار إلى أصفهان للتدبير عليه، وبعث أخاه وشمكير إلى الري.

استيلاء ماكان بن كالي علي الري

قد ذكرنا في دولة بني سامان أن أبا علي محمد بن الياس كان سنة اثنتين وعشرين بكرمان منتقضا على السعيد فبعث إليه في هذه السنة جيشا كثيفا فاستولى على كرمان، وأقام فيها الدعوة لابن سامان. وكان أصل محمد بن الياس من أصحاب السعيد فسخطه وحبسه، ثم أطلقه بشفاعة البلغمي. وبعث مع صاحب خراسان محمد بن المظفر إلى جرجان حتى إذا خرج أخوه السعيد من محبسهم وبايعوا ليحيى منهم كان محمد بن الياس معهم، حتى تلاشى أمرهم ففارقه ابن الياس من نيسابور إلى كرمان فاستولى عليها إلى هذه الغاية، فأزاله عنها ماكان ولحق بالدينور، وأقام ماكان واليا بكرمان بدعوة بني سامان.

مقتل مرداويج وملك أخيه وشمكير من بعده

لما استفحل أمر مرداويج كما قلنا عتا وتجبر وتتوج بتاج مرصع على هيئة تاج كسرى، وجلس على كرسي الذهب وأجلس أكابر قواده على كراسي الفضة، واعتزم على قصد العراق والمدائن وقصور كسرى وأن يدعى بشاه. وكان له جند من الأتراك كان كثير الإساءة إليهم، ويسميهم الشياطين والمردة فثقلت وطأته على الناس، وخرج ليلة الميلاد من سنة ثلاث وعشرين إلى جبال أصفهان، وكانوا يسمونها ليلة الوقود لما يضرم فيها من النيران فأمر بجمع الحطب على الجبل من أوله إلى آخره أمثال الجبال والتلال، وجمع ألفي طائر من الغربان والحدآت وجعل النفط في أرجلها ليضرم الجبل نارا حتى يضيء الليل. واستكثر من أمثال هذا اللعب، ثم عمل سماطاً للاكل بين يديه فيه مائة فرس ومائتا بقرة وثلاثة آلاف كبش وعشرة آلاف من الدجاج وأنواع الطير، وما لا يحصى من أنواع الحلوى، وهيأ ذلك كله ليأكل الناس ثم يقوموا إلى مجلس الشرب والندمان فتشعل النيران. ثم ركب آخر النهار ليطوف على ذلك كله بنفسه فاحتقره وسخط من تولى ترتيبه، ودخل خيمته مغضبأ ونام فأرجف القواد بموته فدخل إليه وزيره العميد وأيقظه، وعرفه بما الناس فيه فخرج وجلس على السماط وتناول لقمتين، ثم ذهب وعاد إلى مكانه فقام في معسكره بظاهر أصفهان ثلاثا لا يظهر للناس. ثم قام في اليوم الرابع ليعود إلى قصره بأصفهان فاجتمعت العساكر ببابه، وكثر صهيل الخيل ومراحها فاستيقظ لكثرة الضجيج فازداد غضبه، وسأل عن أصحاب الدواب فقيل إنها للأتراك نزلوا للخدمة وتركوها بين يدي الغلمان فأمر أن تحل عنها السروج، وتجعل على ظهور الأتراك ويقودونهم إلى اصطبلات الخيل، ومن امتنع من ذلك ضرب فأمسكوا ذلك على أقبح الهيئات، واصطنعوا ذلك عليه واتفقوا على الفتك به في الحمام.

وكان كورتكين يحرسه في خلوته وحمامه فسخطه ذلك اليوم، وطرده فلم يتقدم إلى الحرس لمراعاته وداخلوا الخادم الذي يتولى خدمته في الحمام في أن يفقده سلاحه، وكان يحمل خنجرا فكسر حديد الخنجر وترك النصاب لمرداويج فلم يجد له حدا فأغلق باب الحمام، ودعمه من ورائه بسرير الخشب الذي كان صاعدا عليه فصعدوا إلى السطح وكسروا الجامات ورموه بالسهام فانحجر في زوايا الحمام، وكسروا الباب عليه وتتلوه. وكان الذي لولى كبر ذلك جماعة من الأتراك، وهم: توزون الذي صار بعد ذلك أمير الأمراء ببغداد، ويارق بن بقراخان، ومحمود بن نيال الترجمان، ويحكم الذي ولي إمارة الأمراء قبل تورون. ولما قتلوه خرجوا إلى أصحابهم فركبوا ونهبوا قصر مرداويج وهربوا وكان الديلم والجيل بالمدينة فركبوا في أثرهم فلم يدركوا منهم إلا من وقفت دابته فقتلوهم وعادوا لنهب الخزائن فوجدوا العميد قد أضرمها نارا.

ثم اجتمع الديلم والجيل وبايعوا أخاه وشمكير بن زيار وهم بالري، وحملوا معهم جنازة مرداويج فخرج وشمكير وأصحابه لتلقيهما على أربع فراسخ حفاة، ورجع العسكر الذي كان بالأهواز إلى وشمكير واجتمعوا عليه، وتركوا الأهواز لياقوت فملكها، وقام وشمكير بملك أخيه مرداويج في الديلم والجيل، وأقام بالري وجرجان في ملكه. وكتب السعيد بن سامان إلى محمد بن المظفر صاحب خراسان وإلى ماكان بن كالي صاحب كرمان بالمسير إلى جرجان والري فسار ابن المظفر إلى قومس ثم إلى بسطام، وسار ماكان على المفازة إلى الدامغان، واعترضه الديلم من أصحاب وشمكير في جيش كثيف فهزموهم ولحق بنيسابور آخر ثلاث وعشرين، وجعلت ولايتها لماكان بن كالي فأقام بها. وسار أبو علي بن الياس إلى كرمان بعد انصراف ماكان عنها فملكها وصفت له بعد حروب شديدة طويلة مع جيوش السعيد بن سامان، وكان له الظفر آخرا. وأما الأتراك الذين قتلوا مرداويج فافترقوا في هزيمتهم فرقتين. فسارت فرقة إلى عماد الدولة بن بويه وهم الأقل، وفرقة إلى الجيل مع يحكم وهم الأكثر فجبوا خراج الدينور وغيره. ثم ساروا إلى النهروان وكاتبوا الراضي في المسير إلى بغداد فأذن لهم واستراب الحجرية بهم فردهم الوزير ابن مقلة إلى بلد الجيل وأطلق لهم مالا فلم يرضوا به فكاتبهم ابن رائق، وهو يومئذ صاحب واسط البصرة فلحقوا به، وقدم عليهم يحكم فكاتب الأتراك من أصحاب مرداويج فقدم عليه منهم عدة وافرة واختص يحكم، وتولاه ونعته بالرائقي نسبة إليه، وأمره أن يرسمها في كتابه.

مسير معز الدولة بن بويه إلي كرمان وهزيمته

لما ملك عماد الدولة بن بويه وأخوه ركن الدولة بلاد فارس والجيل بعثا أخاهما الأصغر معز الدولة إلى كرمان خالصة له فسار في العسكر إليها سنة أربع وعشرين، واستولى على السيرجان. وكان إبراهيم بن سيجور الدواني قائد ابن سامان يحاصر محمد بن الياس بن اليسع فى قلعته هنالك. فلما بلغه خبر معز الدولة سار من كرمان إلى خراسان، وخرج محمد بن الياس من القلعة التي كان محاصرا بها إلى مدينة قم على طرف المفازة بين كرمان وسجستان فسار إلى جيرفت، وهي قصبة كرمان. وجاء رسول علي بن أبي الزنجي المعروف بعلي بن كلونة أمير القفص والبلوص، كان هو وسلفه متغلبين على تلك الناحية، ويعطون طاعتهم للأمراء والخلفاء على البعد، ويحملون إليهم المال. فلما جاء رسوله بالمال امتنع معز الدولة من قبوله إلا بعد دخول جيرفت، فلما دخل جيرفت صالحه وأخذ رهنه على الخطبة له. وكان علي بن كلونة قد نزل بمكان صعب المسلك على عشرة فراسخ من جيرفت فأشار على معز الدولة بعض أصحابه أن يغدر به ويكبسه، ففعل ذلك، وأتى لعلي بن كلونة عيونه بالخبر فأرصد جماعة لمعز الدولة بمضيق في طريقه، فلما مر بهم ساريا ثاروا به من جوانبه وقتلوا من أصحابه وأسروا وأصابته جراح كثيرة وقطعت يده اليسرى من نصف الذراع وأصابع يده اليمنى، وسقط بين القتلى. وبلغ الخبر إلى جيرفت فهرب أصحابه منها، وجاء علي بن كلونة فحمله من بين القتلى إلى جيرفت، وأحضر الأطباء لعلاجه. وكتب إلى أخيه عماد الدولة يعتذر ويبذل الطاعة فأجابه وأصلحه. وسار محمد بن الياس من سجستان إلى بلد خبابة فتوجه إليه معز الدولة وهزمه، وعاد ظافرا. ومر بابن كلونة فقاتله وهزمه وأثخن في أصحابه، وكتب إلى أخيه عماد الدولة بخبره مع ابن الياس وابن كلونة فبعث إليه قائدا من قواده، واستقدمه إليه بفارس فأقام عنده بإصطخر إلى أن قدم عليهم أبو عبد الله البريدي منهزما من ابن رائق ويحكم المتغلبين على الخلافة ببغداد، فبعث عماد الدولة أخاه معز الدولة، وجعل له ملك العراق عوضا عن ملك كرمان كما يذكر بعد.

استيلاء ماكان علي جرجان وانتقاضه علي ابن سامان

قد ذكرنا انهزام ماكان على جرجان أيام بانجين الديلمي ورجوعه إلى نيسابور فأقام بها ثم بلغ الخبر بمهلك بانجين بجرجان فاستأذن ماكان محمد بن المظفر في الخروج لاتباع بعض أصحابه هرب عنه وطالبه به عارض الجيش فأذن له، وسار إلى أسفرايين وبعث معه جماعة من عسكره إلى جرجان فاستولى عليها. ثم أظهر لوقته الانتقاض على ابن المظفر. وسار إليه بنيسابور فتخاذل أصحابه، وهرب عنها إلى سرخس، وعاد عنها ماكان خوفاً من اجتماع العساكر عليه، وذلك في رمضان سنة أربع وعشرين.

دولة بني بويه

الخبر عن دولة بني بويه من الديلم المتغلبين علي العراقين وفارس والمستبدين علي الخلفاء ببغداد من خلافة المستكفي إلي أن صاروا في كفالتهم وتحت حجرهم إلي انقراض دولتهم وأولية ذلك ومصائره

قد تقدم لنا التعريف ببني بويه وذكر نسبهم؟ وهم من قواد الديلم الذين تطاولوا للاستيلاء على أعمال الخلفاء العباسيين ولما لم يروا عنها مدافعاً ولا لها حامية فتنقلوا في نواحيها، وملك كل واحد منهم أعمالا منها. واستولى بنو بويه على أصفهان والري، ثم انعطفوا على بلاد فارس فملكوا أرجان وما إليها. ثم استولوا على شيراز وأعمالها، وأحاطوا بأعمال الخلافة بنواحي بغداد من شرقها وشمالها، وكانت الخلافة قد طرقها الاعلال، وغلب عليها الموالي والصنائع. وقد كان أبو بكر محمد بن رائق عاملا بواسط ؛ واضطرب حال الراضي ببغداد فاستقدمه وقلده إمارة الجيوش، ونعته أمير الأمراء. وكان بنو البريدي في خوزستان والأهواز فغضوا به، ووقعت الوحشة بينه وبينهم فبعث ابن رائق بدرا الخرشني، ويحكم الذي نزع إليه أتراك مرداويج فساروا في العسكر لقتال ابن البريدي، واستولوا على الأهواز سنة خمس وعشرين، ولحق ابن البريدي بعماد الدولة بن بويه لما ملك العراق وسهل عليه أمره. وذلك عند رجوع أخيه معز الدولة من كرمان وامتناعها عليه كما ذكرناه فبعث معه العساكر.

استيلاء معز الدولة بن بويه علي الأهواز

لما لحق أبو عبد الله البريدي بعماد الدولة ناجيا من الأهواز مستنجدا له بعث أخاه معز الدولة في العساكر، بعد أن أخذ منه ابنيه أبا الحسن محمداً وأبا جعفر الفياض رهنا. وسار معز الدولة سنة ست وعشرين فانتهى إلى أرجان ويحكم جاء للقائهم، وانهزم أمامهم إلى الأهواز فأقام بها، وأنزل بها بعض عسكره في عسكر مكرم فقاتلوا معز الدولة ثلاثة عشر يوما. ثم انهزموا إلى تستر فرحل معز الدولة إلى عسكر مكرم، وأنفذ ابن البريدي خليفته إلى الأهواز. ثم بعث إلى معز الدولة بأن ينتقل إلى السوس، ويبعد عنه فيؤمن له الأهواز فعذله وزيره أبو جعفر الصيمري وغيره من أصحابه، وأروه أن البريدي يخادعه فامتنع معز الدولة من ذلك، وبلغ اختلافهم إلى يحكم فبعث محس!كرا من قبله فاستولى على ا!لناس، وجند نيسابور وبقية الأهواز بيد ابن البريدي، وعسكر مكرم بيد معز الدولة. وضاق حال جنده وتحدثوا في الرجوع إلى فارس فواعدهم لشهر، وكتب إلى أخيه عماد الدولة بالخبر فبعث إليه مددا من العسكر فعادوا واستولوا على الأهواز. وسار يحكم من واسط فاستولى على بغداد، وقلده الراضي إمارة الأمراء، وهرب ابن رائق فاختفى ببغداد.

انتزاع وشمكير أصفهان من يد ركن الدولة ومسيره إلي واسط ثم استرجاعه أصفهان

قد ذكرنا وشمكير المستولي بعد أخيه مرداويج على الري، وكان عماد الدولة استولى على أصفهان ودفعها إلى أخيه ركن الدولة فبعث إليها وشمكير سنة سبع وعشرين جيشا كثيفا من الري فملكوها من يده، وخطبوا فيها لوشمكير. ثم سار وشمكير إلى قلعة الموت فملكها، ورجع فلحق ركن الدولة بإصطخر، وجاءه هنالك رسول أخيه معز الدولة من الأهواز بأن ابن البريدي أنفذ جيشا إلى السوس، وقتل قائدها من الديلم، وأن الوزير أبا جعفر الصيمري كان على خراجها محتصرا بقلعة السوس فسار ركن الدولة إلى السوس، وهرب عساكر ابن البريدي بين يديه. ثم سار إلى واسط ليستولي عليها لأنه قد خرج عن أصفهان، وليس له ملك يستقل به فنزل بالجانب الشرقي، وسار الراضي ويحكم من بغداد لحربه فاضطرب أصحابه، واستأمن جماعة منهم لابن البريدي فخام ركن الدولة عن اللقاء، ورجع إلى الأهواز فسار إلى أصفهان، وهزم عسكر وشمكير بها وملكها. وكان هو وأخوه عماد الدولة بعثا لابن محتاج صاحب خراسان يحرضانه على ماكان ووشمكير، واتصلت بينهم مودة.

مسير معز الدولة إلي واسط والبصرة

كان ابن البريدي بالبصرة وواسط قد صالح يحكم أمير الأمراء ببغداد، وحرضه على المسير إلى الجبل ليرجعها من يد ركن الدولة بن بويه، ويسير هو إلى الأهواز فيرتجعها من يد معز الدولة. واستمد يحكم فأمده بخمسمائة رجل، وسار إلى حلوان فى انتظاره. وأقام ابن البريدي يتربص به وينتظر أن يبعد عن بغداد فيهجم هو عليها، وعلم ا يحكم بذلك فرجع إلى بغداد، ثم سار إلى واسط فانتزعها من يد ابن البريدي، وذلك ا لسنة ثمان وعشرين. وولي الخلافة المتقي، وكان ظل الدولة العباسية قد تقلص حتى قارب التلاشي والاضمحلال، وتحكم على الدولة بعد مولاه ابن رائق وابن البريدي الذي كان يزاحمه في التغلب على الدولة فبعث عس!اكره من البصرة إلى واسط فسرح إليه يحكم العساكر مع مولاه تورون فهزمهم، وجاء يحكم على أثره ولقيه خبر هزيمتهم فاستقام أمره، وطفق يتصدى في تلك النواحي إلى أن عرض له بعض الأكراد ممن له عنده ثأر وهو منفرد عن عسكره فقتله، وافترق أصحابه فلحق جماعة من الأتراك بالشام، ومقدمهم تورون.

وولى الباقون عليهم يكسك مولى يحكم، وكان الديلم عند مقتله قد ولوا عليهم باسوار بن ملك بن مسافر بن سلار، وسلار جده، صاحب شميران الطرم الذي داخل مرداويج في قتل أسفار، وملك ابنه محمد بن مسافر بن سلار أذربيجان فكانت له ولولده بها دولة. ووقعت الفتنة بين الديلم والأتراك فقتله الأتراك، وولى الديلم مكانه كورتكين ولحقوا بابن البريدي فزحف بهم إلى بغداد. ثم تنكروا واتفقوا مع الأتراك على طرده فلحقوا بواسط، واستفحل الديلم وغلبوا الأتراك وقتل كورتكين كثيرا من الديلم، واستبد بإمرة الأمراء ببغداد. ثم جاء تورون من الشام بابن رائق، وهزم كورتكين الديلم وقتل أكثرهم، وانفرد ابن رائق بأمرة الأمراء ببغداد سنة اثنتين وثلاثمائة.

وكان ابن البريدي في هذه الفترة بعد يحكم قد استولى على واسط فبعث إليه ابن رائق واستوزره ففعل على أن يقيم بمكانه، ويستخلف ابن شيرزاد ببغداد. ثم سار إليهم إلى واسط فهرب ابن رائق والمقتفي إلى الموصل، وتخلف عنهم تورون، وعاث أصحاب ابن البريدي في بغداد فشكا له الناس. ولما وصل المقتفي ولى ابن حمدان إمرة الأمراء بمكانه وقصدوا بغداد فهرب وخالفه تورون إلى المقتفي وابن حمدان وملكوا بغداد. وسار سيف الدولة أمام ابن البريدي، وخرج ناصر الدولة في اتباعه فنزل المدائن، وانكشف سيف الدولة أمام ابن البريدي حتى انتهوا إلى أخيه ناصر الدولة بالمدائن فأمده ورجع فهزم ابن البريدي وغلبه على واسط فملكها، ولحق ابن البريدي بالبصرة، وأقام سيف الدولة بواسط ينتظر المدد ليسير إلى البصرة. وجاءه أبو عبد الله الكوفي بالأموال فشغب عليه الأتراك في طلب المال وثاروا به، ومقدمهم تورون فهرب إلى بغداد وهم في اتباعه، وكان أخوه قد انصرف إلى بغداد ثم إلى الموصل فلحق به. ودخل تورون بغداد وولي الأمر بها. ثم استوحش من المقتفي وتربص مسيره إلى واسط لقتال ابن البريدي، وسار إلى الموصل سنة إحدى وثلاثين ومعز الدولة بن بويه في أثناء هذا كله مقيم بالأهواز مطل على بغداد وأعمال الخليفة، يروم التغلب عليها وأخوه عماد الدولة بفارس، وركن الدولة بأصفهان والري فلما سار المقتفي من الرقة إلى تورون خلعه وسمله، ونصب المكتفي. وقد قدمنا هذه الأخبار كلها مستوعبة في أخبار الدولة العباسية وإنما أعدناها توطئة لاستيلاء بني بويه على بغداد واستبدادهم على الجلالقة. ثم عاد معز الدولة إلى واسط سنة ثلاث وثلاثين فسار تورون والمستكفي لدفاعه ففارقها وعاد إلى الأهواز.

استيلاء معز الدولة بن بويه علي بغداد واق راج أحكام الخلافة في سلطانه

ثم إن تورون في فاتح سنة أربع وثلاثين عقد الأتراك الرياسة عليهم لابن شيرزاد، وولاه المستكفي أمرة الأمراء في الأرزاق فضاقت الجبايات على العمال والكتاب والتجار، وامتدت الأيدي إلى أموال الرعايا وفشا الظلم وظهرت اللصوص وكبسوا المنازل وأخذ الناس في الجلاء عن بغداد. ثم استعمل ابن شيرزاد على واصل نيال كوشة وعلى تكريت الفتح اليشكري فانتقضا، وسار الفتح لابن حمدان فولاء على تكريت من قبله وبدعوته، وبعث نيال كوشة إلى معز الدولة وقام بدعوته. واستدعاه لملك بغداد فزحف إليها في عس!اكر الديلم ولقيه ابن شيرزاد والأكراد فهزمهم، ولحقوا بالموصل وأخفى المستكفي وقدم معز الدولة كاتبه الحسن بن محمد المهلبي إلى بغداد فدخلها، وظهر الخليفة من الاختفاء، وحضر عند المهلبي فبايع له عن معز الدولة أحمد بن بويه، وعن أخويه عماد الدولة وركن الدولة الحسن وولاهم المستكفي على أعمالهم ولقبهم بهذه الألقاب ورسمها على سكته. ثم جاء معز الدولة إلى بغداد فملكها وصرف الخليفة في حكمه، واختص باسم السلطان، وبعث إليه أبو القاسم البريدي صاحب البصرة فضمن واسط وأعمالها وعقد له عليها.

خلع المستكفي وبيعة المطيع وما حدق في الجباية والإقطاع

وبعد أشهر قلائل من استيلاء معز الدولة على بغداد نمي إليه أن المستكفي يريد الإدالة منه فتنكر له، وأجلسه في يوم مشهود للقاء وافد من أصحاب خراسان، وحضر معز الدولة في قومه وعشيرته. وأمر رجلين من نقباء الديلم بالفتك بالخليفة، فتقدما ووصلاه ليقبلا يد المستكفي. ثم جذباه عن سريره وقاداه ماشيا واعتقلاه بداره، وذلك في منتصف أربع وثلاثين فاضطرب الناس، وعظم النهب ونهبت دار الخلافة. وبايع معز الدولة للفضل بن المقتدر، ولقبه المطيع لله. وأحضر المستكفي فأشهد على نفسه بالخلع، وسلم على المطيع بالخلافة، وسلب الخليفة من معاني الأمر والنهي وصيرت الوزارة إلى معز الدولة يولي فيها من يرى. وصار وزير الخليفة مقصور النظر على إقطاعه ومقتات داره، وتسلم عمال معز الدولة وجنده من الديلم وغيرهم أعمال العراق وأراضيه ولاية وإقطاعا حتى كان الخليفة يتناول الإقطاع بمراسم معز الدولة، وإنما ينفرد بالسرير والمنبر والسكة والختم على الرسائل والصكوك، والجلوس للوفد وإجلال التحية والخطاب، ويقومون مع ذلك بأوضاع القائم على الدولة وترتيبه.

وكان القائم منهم على الدولة تفرد في دولة بني بويه والسلجوقية بلقب السلطان ولا يشاركه فيه غيره، ومعاني الملك من القدرة والأبهة والعز وتصريف الأمر والنهي حاصل للسلطان دون الخليفة. وكانت الخلافة حاصلة للعباسي المنصوب لفظا مسلوبة عنه معنى. ثم طلب الجند أرزاقهم بأكثر من العادة لتجدد الدولة فاضطر إلى ضرب المكوس، ومد الأيدي إلى أموال الناس، وأقطعت جميع القرى والضياع للجند فارتفعت أيدي العمال وبطلت الدواوين، لأن ما كان منها بأيدي الرؤساء لا يقدرون على النظر فيها، وما كان بأيدي الأتباع خرب بالظلم والمصادرات والحيف في الجباية وإهمال النظر في إصلاح القناطر وتعديل المشارب، وما خرب منها عوض صاحبه عنه بآخر فيخربه كما يخرب الاخر. ثم إن معز الدولة أفرد جمعها من المكوس والظلامات، وعجز السلطان عن ذخيرة يعدها لنوائبه. ثم استكثر من الموالي ليعتز بهم على قومه وفرض لهم الأرزاق والإقطاع فحدثت غيرة قومه من ذلك وآل الأمر إلى المنافرة كما هو الشأن في الدول.

مسير ابن حمدان إلي بغداد وانهزامه أمام معز الدولة

ولما بلغ استيلاء معز الدولة على بغداد، وخلعه المستكفي إلى ناصر الدولة بن حمدان امتعض لذلك. وسار من الموصل إلى بغداد في شعبان سنة أربع وثلاثين فقدم معز الدولة عساكره فأوقع بها ابن حمدان بعكبرا. ثم سار معز الدولة ومعه المطيع إلى مدافعته، ولحق به ابن شيرزاد فاستحثه إلى بغداد سنة أربع وثلاثين، وخالفه معز الدولة إلى تكريت ونهبها وتسابقوا جميعاً إلى بغداد فنزل معز الدولة والمطيع بالجانب الشرقي، وابن حمدان بالجانب الغربي، فقطع الميرة عن معسكر معز الدولة فغلت الأسعار وعزت الأقوات، ونهب عسكره مرارا فضاق به الأمر واعتزم على العود إلى الأهواز فأمر وزيره أبا جعفر الصيمري بالعبور في العساكر لقتال ابن حمدان فظفر به الصيمري، وغنم الديلم أموالهم وظهرهم.

ثم أمن معز الدولة الناس، وأعاد المطيع إلى داره في محرم سنة خمس وثلاثين، ورجع ابن حمدان إلى عكبرا وأرسل في الصلح سرا فنكر عليه الأتراك التورونية وهموا بقتله، وفر إلى الموصل ومعه ابن شيرزاد، ثم صالحه معز الدولة كما طلب. ولما فر عن الأتراك التورونية أعلمهم تكين الشيرازي فقبضوا على من تخلف من أصحابه، وساروا في اتباعه وقبض هو في طريقه على ابن شيرزاد، وتجاوز الموصل إلى نصيبين فملكها تكين، وسار في اتباعه إلى السند فلحقه هنالك عسكر من معز الدولة كما طلب، وأمده به مع وزيره أبي جعفر الصيمري، وقاتل الأتراك فهزمهم، وسار إلى الموصل هو والصيمري فدفع ابن شيرزاد إلى الصيمري، وحمله إلى معز الدولة، وذلك سنة خمس وثلاثين.

استيلاء معز الدولة علي البصرة والموصل وصلحه مع ابن حمدان

وفي سنة خمس وثلاثين انتقض أبو القاسم بن البريدي بالبصرة فجهز معز الدولة الجيش إلى واسط، ولقيهم جيش ابن البريدي في الماء وعلى الظهر فانهزموا إلى البصرة وأسروا من أعيانهم جماعة. ثم سار معز الدولة سنة ست وثلاثين إلى البصرة ومعه المطيع كارها من قتال أبي القاسم البريدي، وسلكوا إليها البرية. وبعث القرامطة يعذلون في ذلك معز الدولة فكتب يتهددهم. ولما قارب البصرة استأمنت إليه عساكر أبي القاسم، وهرب هو إلى القرامطة فأجاروه وملك معز الدولة البصرة. ثم سار هو منها إلى الأهواز ليلقى أخاه عماد الدولة، وترك المطيع وأبا جعفر الصيمري بالبصرة، وانتقض على معز الدولة كوكير من أكابر الديلم فقاتله الصيمري وهزمه وأسره، وحبسه معز الدولة بقلعة رامهرمز.

ثم لقي أخاه معز الدولة بأرجان في شعبان من السنة، وسلك في تعظيمه وإجلاله من وراء الغاية. وكان عماد الدولة يأمره بالجلوس في مجلسه فلا يفعل. ثم عاد معز الدولة والمطيع إلى بغداد ونودي بالمسير إلى الموصل فترددت الرسل من ابن حمدان في الصلح وحمل المال. ثم سار إليه سنة سبع وثلاثين في شهر رمضان واستولى على الموصل، وأراد الاثخان في بلاد ابن حمدان فجاءه الخبر عن أخيه ركن الدولة بأن عساكر خراسان قصدت جرجان، واضطر إلى الصلح. واستقر الصلح بينهما على أن يعطي ابن حمدان عن الموصل والجزيرة والشام ثمانية آلاف ألف درهم كل سنة، ويخطب لعماد الدولة ومعز الدولة في بلاده، وعاد إلى بغداد. استيلاء ركن الدولة علي الري ثم طبرستان وجرجان ومسير عساكر ابن سامان إليها: قد تقدم لنا استيلاء ركن الدولة على أصفهان من يد وشمكير حين بعث عساكره مددا لماكان بن كالي، وكان ركن الدولة وأخوه عماد الدولة بعثا إلى أبي علي بن محتاج قائد بني سامان يحرضانه على ماكان ووشمكير، ويعدانه المظاهرة عليهما فسار أبو علي إلى وشمكير بالري، ولقيه ركن الدولة بنفسه. واستمد وشمكير ماكان فجاءه في عساكره والتقوا فانهزم وشمكير ولحق بطبرستان. ثم سار بعساكره إلى بلد الجبل فاقتحمها واستولى على زنجان وأبهر وقزوين وقم وكرج وهمذان ونهاوند والدينور إلى حدود حلوان، ورتب فيها العمال وجبى أموالها. ثم وقع خلاف بين وشمكير والحسن بن الفيرزان ابن عم ماكان، واستنجد الحسن بأبي علي بن محتاج فأنجده حتى وقع بينهما صلح وعاد ابو علي إلى خراسان وصحبه الحسن بن الفيرزان ولقيه في طريقه رسل السعيد بن سامان، وأمر أبا علي بن محتاج سنة ثلاث وثلاثين بغدر الحسن بأبي علي، ونهب سواده وعاد إلى جرجان فملكها وملك معها الدامغان وسمنان. وسار وشمكير من طبرستان إلى الري فاستولى عليها أجمع، وكان في قل من العسكر لفناء رجاله في حروبه مع أبي علي بن محتاج والحسن بن الفيرزان فتطاول حينئذ ركن الدولة إلى الاستيلاء على الري، وسار إلى الري. وقاتل وشمكير فهزمه فلحق بطبرستان، واستولى ركن الدولة على الري وأجمع مخالصة الحسن بن الفيرزان وزوجه ابنته، وتمسك بمواصلته ومودته، واستفحل بذلك ملك بني بويه وامتنع وصارت لهم أعمال الري والجبل وفارس والأهواز والعراق، ويحمل إليهم ضمان الموصل وديار بكر. ثم سار ركن الدولة بن بويه إلى بلاد وشمكير سنة ست وثلاثين ومعه الحسن بن الفيرزان مددا، ولقيهما وشمكير فانهزم أمامهما ولحق بخراسان مستنجدا بابن سامان، وملك ركن الدولة طبرستان وسار منها إلى جرجان فأطاعه الحسن بن الفيرزان وولاه ركن الدولة عليها، واستأمن إليه قواد وشمكير ورجع إلى أصفهان.

بنو شاهين

بداية بني شاهين ملوك البطيحة أيام بني بويه

كان عمران بن شاهين من أهل الجامدة، وكان يتصرف في الجباية وحصل منها بيده مال فصرفه وهرب إلى البطيحة ممتنعا من الدولة. وأقام هنالك بين القصب والآجام يقتات بسمك الماء وطيره، ويأخذ الرفاق التي تمر به، واجتمع إليه لصوص الصيادين فقوي وامتنع على السلطان، وتمسك بطاعة أبي القاسم بن البريدي بالبصرة فقلده حماية الجامدة وحماية البطائح ونواحيها فعز جانبه وكثر جمعه وسلاحه، واتخذ معاقل على التلال بالبطيحة وغلب على تلك النواحي. وأهم معز الدولة أمره، وبعث وزيره أبا جعفر الصيمري في العساكر سنة ثمان وثلاثين وحصره وأيقن بالهلاك وما نفس عن مخنقه إلا وصول الخبر بوفاة عماد الدولة بن بويه، ومبادرة الوزير الصيمري إلى شيراز فعاد عمران إلى حاله وقوي أمره كما يأتي في أخبار دولته.

وفاة عماد الدولة ابن بويه وولاية عضد الدولة ابن أخيه علي بلاد فارس مكانه

ثم توفي عماد الدولة أبو الحسن علي بن بويه بمدينة شيراز كرسي مملكة فارس في منتصف سنة ثلاث وثلاثين، بعد أن كان طلب من أخيه ركن الدولة أن ينفذ إليه ابنه عضد الدولة فتأخر ليوليه عهده إذ لم يكن له ولد ذكر، فأنفذه إليه ركن الدولة في جماعة من أصحابه لسنة بقيت من حياته. وركب عماد الدولة للقائه ودخل به إلى داره في يوم مشهود، وأجلسه على السرير وأمر الناس أن يحيوه بتحية الملك. وكان في قواد عماد الدولة جماعة أكابر لا يستكينون لعماد الدولة فضلا عن عضد الدولة مكانه بفارس، واختلف عليه أصحابه فجاء إليه ركن الدولة أبوه من الري بعد أن استخلف عليها علي بن كتامة وكتب معز الدولة إلى وزيره الصيمري بأن يترك محاربة ابن شاهين. ويسير إلى شيراز مدداً لعضد الدولة، وأقام ركن الدولة في شيراز تسعة أشهر، وبعث إلى أخيه معز الدولة بهدية من الأموال والسلاح، وكان عماد الدولة هو أمير الأمراء، وإنما كان معز الدولة نائبا عنه في كفالة الأموال وولاية أعمال العراق فلما مات عماد الدولة انقلبت إمرة الأمراء إلى ركن الدولة، وبقي معز الدولة نائبا عنه كما كان عن عماد الدولة لأنه كان أصغر منهما.

وفاة الصيمري ووزارة المهلبي

كان أبو جعفر أحمد الصيمري وزير معز الدولة قد عاد من فارس إلى أعمال الجامدة، وأقام يحاصر عمران بن شاهين إلى أن هلك منتصف تسع وثلاثين، وكان يستخلف بحضرة معز الدولة في وزارته أبا محمد الحسن بن محمد المهلبي فباشره معز الدولة، وعرف كفايته واضطلاعه فاستوزره مكان الصيمري فحسن أثره في جمع الأموال وكشف الظلامات وتقريب أهل العلم والأدب والإحسان إليهم.

مسير عساكر ابن سامان علي الري ورجوعها

لما سار ركن الدولة إلى بلاد فارس بعث الأمير نوح بن سامان إلى منصور بن قراتكين صاحب جيوشه بخراسان أن يسير إلى الري فسار إليها سنة تسع وثلاثين، وكان لها علي بن كتامة خليفة ركن الدولة ففارقها إلى أصفهان، وملك منصور الري وبث العساكر في البلاد فملكوا الجبل إلى قرميس، واستولوا على همذان وبعث ركن الدولة من فارس إلى أخيه معز الدولة بإنفاذ العساكر إلى مدافعتهم فبعث سبكتكين الحاجب في جيش كثيف من الديلم وغيرهم فكبسهم، وأسر مقدمهم فعادوا إلى همذان. ثم سار إليهم ففارقوها. وملكها وورد عليه ركن الدولة بهمذان فعدل منصور بن قراتكين إلى أصفهان فملكها، وسار إليها ركن الدولة وسبكتكين في مقدمته، وشغب عليه بعض الأتراك فأوقع بهم وترددوا في تلك الناحية.

وكتب معز الدولة إلى ابن أبي الشوك الكردي يتبعهم فقتل منهم وأسر، ونجا بعض الموصل. وترك ركن الدولة قريبا من أصفهان، وجرت بينه وبين منصوبى حروب، وضاقت الميرة على الفريقين إلا أن الديلم كانوا أصبر على الجوع وشظف العيش من أهل خراسان لقرب عهدهم بالبداوة. ومع ذلك فهم ركن الدولة بالفرار لولا وزيره ابن العميد كان يثبته ويريه أنه لا يغني عنه، وأن الاستماتة أولى به فصبر وشغب على منصور بن قراتكين جنده، وانفضوا جميعاً إلى الري وتركوا مخلفهم بأصفهان فاحتوى عليه ركن الدولة، وذلك فاتح سنة أربعين. ومات منصور بن قراتكين بالري في ربيع الأول من السنة، ورجعت العساكر إلى نيسابور.

استيلاء ركن الدولة ثانيا علي طبرستان وجرجان

قد كنا قدمنا استيلاء ركن الدولة على طبرستان وجرجان سنة ست وثلاثين، وأنه م استخلف على جرجان الحسن بن الفيرزان. وسار وشمكير إلى خراسان مستنجدا بابن سامان فسار معه صاحب جيوش خراسان منصور بن قراتكين، وحاصر جرجان فصالحه الحسن بن الفيرزان بغير رضا من وشمكير لانحرافه عنه وعن الأمير نوح. ورجع إلى نيسابور وأقام وشمكير بجرجان والحسن بزوزن. ثم سار ركن الدولة سنة أربعين من الري إلى طبرستان وجرجان ففارقها وشمكير إلى نيسابور، واستولى ركن الدولة عليها، واستخلف بجرجان الحسن بن الفيرزان وعلي بن كتامة وعاد إلى الري فقصدهما وشمكير وانهزما منه، واسترد البلاد من ركن الدولة. وكتب الأمير نوح يستنجده على ركن الدولة فأمر أبا علي بن محتاج بالمسير معه في جيوش خراسان فسار في ربيع سنة اثنتين وأربعين وامتنع ركن الدولة ببعض معاقله. وحاربه أبو علي بن محتاج في جيوش خراسان حتى ضجرت عساكره وأظلهم فصل الشتاء فراسل ركن الدولة في الصلح على أن يعطيهم ركن الدولة مائتي ألف دينار في كل سنة، وعاد إلى خراسان. وكتب وشمكير إلى الأمير نوح بأن ابن محتاج لم ينصح في أمرركن الدولة، وأنه ممالىء فسخطه من أجل ذلك وعزله عن خراسان. ولما عاد ابن محتاج عن ركن الدولة سار هو إلى وشمكير فانهزم وشمكير إلى أسفرايين، واستولى ركن الدولة على طبرستان.

إقامة الدعوة لبني بويه بخراسان

ولما عزل الأمير نوح أبا علي بن محتاج عن خراسان استعمل مكانه أبا سعيد بكر بن مالك الفرغاني فانتقض حينئذ وخطب لنفسه بنيسابور، وتحيز عنه ابن الفيرزان مع وشمكير إلى الأمير نوح فخام ابن محتاج عن عداوتهم. واستأذن ركن الدولة في المسير إليه. ثم سار سنة ثلاث وأربعين فتلقاه بأنواع الكرامات، وسأل منه ابن محتاج أن يقتضي له عهد الخليفة بولاية خراسان فبعث ركن الدولة في ذلك إلى أخيه معز الدولة ببغداد، وجاءه العهد والمدد فسار إلى خراسان فخطب بها للخليفة وركن الدولة. ثم مات نوح خلال ذلك وولى ابنه عبد الملك فبعث بكر بن مالك من بخارى إلى خراسان لإخراج ابن محتاج منها فسار إليه، وهرب ابن محتاج إلى الري فآواه ركن الدولة وأقام عنده، واستولى بكر بن مالك على خراسان. ثم سار ركن الدولة إلى جرجان، ومعه ابن محتاج فتركها وملكها ولحق وشمكير بخراسان.

مسير عساكر ابن سامان علي الري وأصفهان

ولما فرغ بكر بن مالك من أمر خراسان، وأخرج منها ابن محتاج وسار منها سنة أربع وأربعين في أتباعه إلى الري وأصفهان وكان ركن الدولة غائبا بجرجان فملكها ورجع إلى الري في المحرم من السنة، وكتب إلى أخيه معز الدولة يستمده فأمده بالعساكر مع ابن سبكتكين. وجاء مقدمة العساكر من خراسان إلى أصفهان من طريق المفازة وبها الأمير منصور بن بويه بن ركن الدولة، ومقدم العساكر محمد بن ماكان فملك أصفهان وخرج في طلب ابن بويه، واتفق وصول الوزير أبي الفضل بن العميد فلقيه محمد بن ماكان فهزمه، وعاد أولاد ركن الدولة وحرمه إلى أصفهان. وراسل ركن الدولة بكر بن مالك صاحب العساكر بخراسان في الصلح على مال يحمله إليه، وتكون الري وبلد الجبل في ضمانه فأجابه بكر بن مالك إلى ذلك وصالحه عليه وكتب ركن الدولة إلى أخيه معز الدولة بأن يبعث إلى بكر بن مالك خلعاً ولواء بولاية خراسان فبعث بها في ذي القعدة من السنة.

خروج روزبهان علي معز الدولة وميل الديلم إليه

كان روزبهان ونداد خرشيد من كبار قواد الديلم، وكان معز الدولة قد رفعه ونوه بذكره فخرج سنة خمس وأربعين بالأهواز ومعه أخوه أسفار، وخرج أخوه بلكا بشيراز. ولما خرج روزبهان زحف إليه الوزير المهلبي لقتاله فنزع الكثير من أصحابه إلى روزبهان فانحاز عنه، وبعث بالخبر إلى معز الدولة فسار إليهم واختلفت عليه الديلم ومالوا مع روزبهان. وفصل معز الدولة من بغداد خامس شعبان من السنة قاصدا لحربه، وبلغ الخبر إلى ناصر الدولة بن حمدان فبعث ابنه أبا الرجال في العساكر للاستيلاء على بغداد فخرج الخليفة عنها منحدرا، وأعاد معز الدولة سبكتكين الحاجب وغيره لمدافعة ابن حمدان عن بغداد. وسار إلى أن قارب الأهواز والديلم في شغب عليه وعلى عزم اللحاق بروزبهان إلا نفراً يسيرا من الديلم كانوا خالصة فكان يعتمد عليهم وعلى الأتراك، وكان يفيض العطاء في الديلم فيمسكون عما يهمون به. ثم ناجز روزبهان الحرب سلخ رمضان فانهزم وأخذ أسيرا، وعاد إلى بغداد إلى أبي الرجال بن حمدان، وكان بعكبرا فلم يجده لأنه بلغه خبر روزبهان فأسرع العود إلى الموصل، ودخل معز الدولة بغداد، وغرق روزبهان وكان أخوه بلكا الخارج بشيراز أزعج عنها عضد الدولة. وسار إليه أبو الفضل بن العميد وقاتله فظفر به، وعاد عضد الدولة إلى ملكه وانمحى أثر روزبهان واخوته، وقبض معز الدولة على جماعة منهم ممن ارتاب بهم، واصطنع الأتراك وقدمهم، وأقطع لهم فاعتزوا وامتدت أيديهم.

استيلاء معز الدولة علي الموصل ثم عودها

كان ناصر الدولة بن حمدان قد صالح معز الدولة على ألفي ألف درهم كل سنة، ثم لم يحمل فسار إليه معز الدولة منتصف سبع وأربعين ففارق الموصل إلى نصيبين، وحمل معه سائر أهل دولته من الوكلاء والكتاب ومن يعرف وجوه المال، وأنزلهم في قلاعه: كقلعة كواشي والزعفران وغيرهما. وقطع الميرة عن عسكر معز الدولة فضاقت عليهم الأقوات فسار معز الدولة إلى نصيبين للميرة، وبلغه أن أبا الرجاء وهبة الله في محس!كر سنجار فبعث إليهم بعض عساكره، وكبسوهم فهربوا واستولى العسكر على مخلفهم ونزلوا في خيامهم. وكر عليهم أولاد ناصر الدولة وهم غارون فأثخنوا فيهم وأقاموا بسنجار. وسار معز الدولة إلى نصيبين فلحق ناصر الدولة بميافارقين، واستأمن الكثير من أصحابه إلى معز الدولة فلحق بأخيه سيف الدولة بحلب فبالغ في تكرمته وخدمته، وتوسط في الصلح بينه وبين معز الدولة بثلاثة آلاف ألف فأجابه معز الدولة وتم ذلك بينهما، ورجع معز الدولة إلى العراق في محرم سنة ثمان وأربعين.

العهد لبختيار

وفي سنة خمس طرق معز الدولة مرض استكان له وخشي على نفسه فأراد العهد لابنه بختيار، وعهد إليه بالأمر وسلم له الأموال وكان بين الحاجب سبكتكين والوزير المهلبي منافرة فأصلح بينهما ووصاهما بابنه بختيار، وعهد إليه بالأمور، واعتزم على العود إلى الأهواز مستوحشا هواء بغداد فلما بلغ كلواذا اجتمع به أصحابه وسفهوا رأيه في الانتقال من بغداد على ملكه، وأشاروا عليه بالعود إليها وأن يستطيب الهواء في بعض جوانبها المرتفعة ويبني بها دورا لسكنه ففعل، وأنفق فيها ألف ألف دينار وصادر فيها جماعة من أصحابه.

استيلاء ركن الدولة علي طبرستان وجرجان

وفي سنة إحدى وخمسين سار ركن الدولة إلى طبرستان، وبها وشمكير فحاصره بمدينة سارية وملكها، ولحق وشمكير بجرجان، وترك طبرستان فملكها ركن الدولة وأصلح أمرها. ثم سار إلى جرجان فخرج عنها وشمكير، واستولى عليها ركن الدولة، واستأمن إليه من عسكر وشمكير ثلاثة آلاف رجل فازداد بهم قوة، ودخل وشمكير بلاد الجبل مسلوباً واهنا.

ظهور البدعة ببغداد

وفي هذه السنة كتب الشيعة على المساجد بأمر معز الدولة لعن معاوية بن أبي سفيان صريحا ولعن من غصب فاطمة فدك، ومن منع أن يدفن الحسن عند جذه، ومن نفى أبا ذر الغفاري، ومن أخرج العباس من الشورى، ونسب ذلك كله لمعز الدولة لعجز الخليفة. ثم أصبح ممحوا وأراد معز الدولة إعادته فأشار عليه الوزير المهلبي بأن يكتب مكانه لعن الله الظالمين لآل رسول الله ، ولا يذكر أحدا باللعن الا معاوية رضي الله عنه.

وفاة الوزير المهلبي

وفي سنة اثنتين وخمسين سار المهلبي وزير معز الدولة إلى عمان ليفتحها فلما ركب البحر طرقه المرض فعاد إلى بغداد، ومات في طريقه في شعبان من السنة، ودفن ببغداد. وقبض معز الدولة أمواله وذخائره، وقبض على حواشيه وحبسهم، ونظر في الأمور بعده أبو الفضل بن العباس بن الحسن الشيرازي وأبو الفرج محمد بن العباس بن فسانجس، ولم يتسموا باسم الوزارة.

استيلاء معز الدولة ثالثاً علي الموصل

كان ناصر الدولة بن حمدان قد ضمن الموصل كما تقدم، وأجابه معز الدولة إلى ضمانه فبذل له ناصر الدولة زيادة على أن يدخل معه في الضمان أبو ثعلب فضل الله الغضنفر، ويحلف لهما معز الدولة فأبى من ذلك، وسار إلى الموصل منتصف ثلاث وخمسين ففارقها ابن حمدان إلى نصيبين وملكها معز الدولة. ثم خرج إلى طلب ابن حمدان منتصف شعبان واستخلف على الموصل بكتورون وسبكتكين العجمي. وسار ابن حمدان عن نصيبين وملكها معز الدولة، وخالفه ابن حمدان إلى الموصل، وحارب محس!كر معز الدولة فيها فهزموه. وجاء الخبر إلى معز الدولة فظفر أصحابه بابن حمدان، وسار ونزل جزيرة ابن عمر فسار في اتباعه فوصل سادس رمضان فوجده قد جمع أولاده وعساكره إلى الموصل، فأوقع بأصحاب معز الدولة وأسر الأميرين اللذين خلفا بها، واستولى على ما خلفوه من مال وسلاح، وحمل الجميع مع الأسرى إلى قلعة كواشي فأعيا معز الدولة أمره، وهو من مكان إلى مكان في اتباعه فأجابه إلى الصلح، وعقد عليه ضمان الموصل وديار ربيعة والرحبة بمال قرره فاستقر الصلح على ذلك، وأطلق ابن حمدان الأسرى، ورجع معز الدولة إلى بغداد.

استيلاء معز الدولة علي عمان

قد تقدم لنا أن عمان كانت ليوسف بن وجيه، وأنه حارب بني البريدي بالبصرة حتى قارب أخذها، حتى عملوا الحيلة في إضرام النار في سفنه فولى هاربا في محرم سنة اثنتين وثلاثين، وأنه ثار عليه مولاه في هذه السنة فغلبه على البلد وملكها من يده. ولما استوحش معز الدولة من القرامطة كتب إليهم ابن وجيه صاحب عمان يطمعهم في البصرة، واستمدهم في البر وسار هو في البحر سنة إحدى وأربعين، وسابقه الوزير المهلبي من الأهواز إليها، وأمده معز الدولة بالعساكر والمال فاقتتلوا أياما. ثم ظفر المهلبي بمراكبه وما فيها من سلاح وعدة. ولم يزل القرامطة يناورونها حتى غلبوا عليها سنة أربع وخمسين، واستولوا عليها وهرب رافع عنها. وكان له كاتب يعرف بعلي بن أحمد ينظر في أمور البلد والقرامطة بمكانهم من هجر فاتفق قاضي البلد، وكان ذا مشير وعصابة، على أن ينصبوا للنظر في أمورهم أحد قوادهم فقدموا لذلك ابن طغان ففتك بجميع القواد الذين معه، وثأر منه بعض قرابتهم فقتلوه فاجتمع الناس على تقديم عبد الوهاب بن أحمد بن مروان من قرابة القاضي مكانه فولوه، واستكتب علي بن أحمد كاتب القرامطة قبله من الجند فامتعضوا لذلك فدعاهم إلى بيعته فأجابوه وسواهم في العطاء مع البيض فسخط البيض ذلك، ودارت بينهم حرب سكنوا آخرها واتفقوا وأخرجوا عبد الوهاب من البلد واستقر علي بن أحمد الكاتب أميراً فيها.

ثم سار معز الدولة إلى واسط سنة خمس وخمسين، وقدم إليه نافع مولى ابن أخيه الذي كان ملكها بعد مولاه فأحسن إليه وأقام عنده حتى فرغ من أمر عمران بن شاهين، وانحدر إلى الأبلة في رمضان من السنة، وجهز المراكب إلى عمان مائة قطعة، وبعث فيها الجيوش بنظر أبي الفرج محمد بن العباس، وتقدم إلى عضد الدولة بفارس أن يمدهم بالعساكر من عنده فوافاهم المدد بسيراف، وساروا إلى عمان فملكوها يوم الجمعة يوم عرفة من السنة وفتكوا فيها بالقتل وأحرقوا لهم تسعين مركبا، وخطب لمعز الدولة وصارت من أعماله.

وفاة معز الدولة وولاية ابنه بختيار: كان معز الدولة قد سار سنة خمس وخمسين إلى واسط لمحاربة عمران بن شاهين فطرقه المرض سنة ست وخمسين فسار إلى بغداد، وخلف أصحابه بواسط على أن يعود إليهم فاشتد مرضه ببغداد، وجدد العهد لابنه بختيار. ثم مات منتصف ربيع الآخر من السنة فقام ابنه عز الدولة بختيار مكانه، وكتب إلى العساكر بمصالحة عمران بن شاهين ففعلوا وعادوا. وكان فيما أوصى به معز الدولة ابنه بختيار طاعة عمه ركن الدولة والوقوف عند إشارته، وابن عمه عضد الدولة لعلو سنه عليه وتقدمه في معرفة السياسة، وأن يحفظ كاتبيه أبا الفضل العباس بن الحسن وأبا الفرج بن العباس والحاجب سبكتكين فخالف جميع وصاياه، وعكف على اللهو وعشرة النساء والمغنين والصفاعين فأوحش الكاتبين والحاجب فانقطع الحاجب عن حضور داره. ثم طرد كبار الديلم عن مملكته طمعا في إقطاعاتهم فشغب عليه الصغار، واقتدى بهم الأتراك في ذلك، وطلبوا الزيادات. وركب الديلم إلى الصحراء وطلبوا إعادة من أسقط من كبارهم، ولم يجد بدا من إجازتهم لانحراف سبكتكين عنه فاضطربت أموره، وكان الكاتب أبو الفرج العباس في عمان منذ ملكها فلما بلغه موت معز الدولة خشي أن ينفرد عنه صاحبه أبو الفضل العباس بن الحسن بالدولة فسلم عمان لعضد الدولة، وبادر إلى بغداد فوجد أبا الفضل قد انفرد بالوزارة ونم يحصل على شيء.

مسير عساكر ابن سامان إلي الري ومهلك وشمكير

كان أبو علي بن الياس قد سار من كرمان إلى بخارى مستنجدا بالأمير منصور بن نوح بن سامان فتلقاه بالتكرمة فأغراه ابن الياس بممالك بني بويه، وأشار له قواده في أمرهم فصدق ذلك عندما كان يذكر وشمكير عنهم، وتقدم إلى وشمكير والحسن بن الفيرزان بالى سير مع عساكره إلى الري. ثم جهز العساكر مع صاحب خراسان أبي الحسن محمد بن إبراهيم بن سيجور الدواني، وأمره بطاعة وشمكير وقبول إشارته فسار لذلك سنة ست وخمسين، وأنزل ركن الدولة أهله بأصفهان، وكتب إلى ابنه عضد الدولة بفارس وإلى ابن أخيه عز الدين بختيار ببغداد يستنجدهما فأنفذ عضد الدولة العساكر على طريق خراسان ليخالفهم إليها فأحجموا وتوقفوا وساروا إلى الدامغان، وقصدهم ركن الدولة في عساكره من الري. وبينما هم كذلك هلك وشمكير، عندما استعرض خيلا واختار منها واحدا وركب للصيد، واعترضه خنزير فرماه بحربة، وحمل الخنزير عليه فضرب الفرس فسقط إلى الأرض، وسقط وشمكير ميتا، وانتقض جميع ما كانوا فيه ورجعوا إلى خراسان.

استيلاء عضد الدولة علي كرمان

كان أبو طي بن الياس قد ملك كرمان بدعوة بني سامان واستبد بها كما مر في أخبارهم، ثم أصابه فالج وأزمن به، وعهد إلى ابنه اليسع ثم لالياس من بعده، وأمرهما بإجلاء أخيهما سليمان إلى أرضهم ببلاد الروم ويقيم لهم ما هنالك من الأموال، لعداوة كانت بين سليمان واليسع فلم يرض سليمان ذلك، وخرج فوثب على السيرجان فملكها فسار إليه أخوه اليسع فحبسه. وهرب من محبسه واجتمع إليه العسكر وأطاعوه، ومالوا إليه مع أبيه. ثم إن أبا علي هم أن يلحق بخراسان فلحق. ثم سار إلى الأمير أبي الحارث ببخارى وأغراه بالري كما مر، وتوفي سنة ست وخمسين، وصفت كرمان لإليسع. وكان عضد الدولة مزاحما لإليسع في بعض عمله مدلا بجهل الشباب فاستحكمت القطيعة بينهما، وهرب بعض أصحاب عضد الدولة إليه فزحف إليه واستأمن إليه أصحابه، وبقي في قل من أصحابه فاحتمل أهله وأمواله، ولحق ببخارى. وسار عضد الدولة إلى كرمان فملكها وأقطعها ولده أبا الفوارس الذي ملك العراق بعد، ولقب شرف الدولة. واستخلف عليها كورتكين بن خشتان وعاد إلى فارس وبعث إليه صاحب سجستان الطاعة وخطب له. ولما وصل اليسع إلى بخارى أنذر بني سامان على تقاعدهم عن نصره فنفوه إلى خوارزم، وكان قد خلف أثقاله بنواحي خراسان فاستولى عليها أبو علي بن سيجور، وأصاب اليسع رمد اشتد به بخوارزم فضجر منه، وقطع عرقه بيده. وكان ذلك سبب هلاكه ولم يعد لبني الياس بكرمان بعده ملك.

مسير ابن العميد إلي حسنويه ووفاته

كان حسنويه بن الحسين الكردي من رجالات الكرد، واستولى عن نواحي الدينور واستفحل أمره، وكان يأخذ الخفارة من القوافل التي تمر به، ويخيف السابلة إلا أنه كان فئة للديلم على عساكر خراسان متى قصدتهم. وكان ركن الدولة يرعى له ذلك، ويغضي عن إساءته. ثم وقعت بينه وبين سلار بن مسافر بن سلار فتنة وحرب فهزمه حسنويه وحصره وأصحابه من الديلم في مكان. ثم جمع الشوك وطرحه بقربهم وأضرمه نارا حتى نزلوا على حكمه فأخذهم، وقتل كثيرا منهم فلحقت ركن الدولة الغيرة لعصبية الديلم، وأمر وزيره أبا الفضل بن العميد بالمسير إليه فسار في محرم سنة تسع وخمسين، وقعد ابنه أبو الفتح وكان شاباً مليحا قد أبطره العز والدالة على أبيه، وكان يتعرض كثيرا لما يغضبه. وكانت بأبي الفضل علة النقرس فتزايدت عليه وأفحشت عليه. ولما وصل إلى همذان توفي بها لأربع وعشرين سنة من وزارته، وأقام ابنه أبا الفتح مقامه، وصالح حسنويه على مال أخذه منه، وعاد إلى الري إلى مكانه من خدمة ركن الدولة. وكان أبو الفضل بن العميد كاتبا بليغا، وعالما في عدة فنون مجيدا فيها، ومطلعا على علوم الأوائل وقائماً بسياسة الملك مع حسن الخلق ولين العشرة والشجاعة المعروفة بتدبير الحروب، ومنه تعلم عضد الدولة السياسة وبه تأدب.

انتقاض كرمان علي عضد الدولة

ولما ملك عضد الدولة كرمان كما قلناه اجتمع القفص والبلوص وفيهم أبو سعيد وأولاده، واتفقوا على الانتقاض والخلاف. واستمد عضد الدولة كورتكين بن حسان بعابد بن علي فسارا لي العساكر إلى جيرفت، وحاربوا أولئك الخوارج فهزموهم وأثخنوا فيهم وقتلوا من شجعانهم، وفيهم ابن لأبي سعد. ثم سار عابد بن علي في طلبهم وأوقع بهم عدة وقائع وأثخن فيهم، وانتهى إلى هرمز فملكها واستولى على بلاد التيز ومكران، وأسر منهم ألف أسير حتى استقاموا على الطاعة وإقامة حدود الإسلام. ثم سار عائدا إلى طائفة أخرى يعرفون بالحرومية والجاسكية يخيفون السبيل برا وبحرا، وكانت قد تقدمت لهم إعانة سليمان بن أبي علي بن الياس فلما أوقع بهم أثخن فيهم حتى استقاموا على الطاعة، وصلحت تلك البلاد مدة. ثم عاد البلوص إلى ما كانوا عليه من إخافة السبيل بها فسار عضد الدولة إلى كرمان في ذي القعدة سنة اثنتين، وانتهى إلى السيرجان وسرح عابد بن علي في العساكر لاتباعهم فأوغلوا في الهرب، ودخلوا إلى مضائق يحسبونها تمنعهم فلما زاحمتهم العساكر بها آخر ربيع الأول من سنة إحدى وستين صابروا يوما. ثم انهزموا آخره فقتلت مقاتلتهم وسبيت ذراريهم ونساؤهم ولم ينج منهم إلا القليل ثم استأمنوا فأمنوا ونقلوا من تلك الجبال، وأنزل عضد الدولة في تلك البلاد أكرة وفلاحين. ثم شملوا الأرض بالعمل، وتتبع العابد أثر تلك الطوائف حتى بدد شملهم ومحا ما كان من الفساد منهم.

عزل أبى الفضل وإزالة ابن بقية

كان أبو الفضل العباس بن الحسن وزيراً لمعز الدولة ولابنه بختيار من بعده، وكان سيىء التصرف وأحرق في بعض أيامه الكرخ ببغداد فاحترق فيه عشرون ألف إنسان وثلاثمائة دكان وثلاثة وثلاثون مسجداً، ومن الأموال ما لا يحصى. وكان الكرخ معروفا بسكنى الشيعة وكان هو يزعم أنه يتعصب لأهل السنة، وكان كثير الظلم للرعية غصابا للاموال مفرطاً في أمر دينه. وكان محمد بن بقية وضيعاً في نفه، من الفلاحين في أوانا، من ضياع بغداد. واتصل ببختيار، وكان يتولى الطعام بين يديه، ويتولى الطبخ ومنديل الخوان على كفه: فلما ضاقت الأحوال على الوزير أبي الفضل، وكثرت مطالبته بالأرزاق والنفقات عزله بختيار وصادره وسائر أصحابه على أموال عظيمة أخذت منهم، واستوزر محمد بن بقية فاستقامت أموره، ونمت أحواله بتلك الأموال فلما نفدت عاد إلى الظلم ففسدت الأحوال وخربت تلك النواحي وظهر العيارون وتزايد شرهم وفسادهم. وعظم الاختلاف بين بختيار والأتراك، ومقدمهم يومئذ سبكتكين وتزايدت نفرته. ثم سعى ابن بقية في إصلاحه وجاء به إلى بختيار ومعه الأتراك فصالحه بختيار، ثم قام غلام ديلمي فرمى وتبنه بحربة في يده فأثبته فصاح سبكتكين بغلمانه فأخذوه، ويظن أنه وضع قتله وقرره فلم يعترف فبعث إلى بختيار فأمر به فقتل فعظم ارتيابه، وأنه إنما قتل حذراً من إفشاء سره فعظمت الفتنة، وق! د الديلم قتل سبكتكين، ثم أرضاهم بختيار بالمال فسكنوا.

استيلاء بختيار علي الموصل ثم !جوعه عنها

فلما قبض أبو ثعلب بن ناصر الدولة بن حمدان على أبيه وحبسه، واستقل بملك الموصل وعصى طيه إخوته من سائر النواحي كلبهم، ولحق أخوه أحمد وإبراهيم ببختيار فاستصرخاه فوعدهما بالمسير معهما وأن يضمن حمدان البلاد. ثم أبطأ عليهما فرجع إبراهيم إلى أخيه أبي ثعلب، وقارن ذلك وزارة ابن بقية وقصر أبو ثعلب في خطابه فأغرى به بختيار فسار إليه، ونزل الموصل وفارقها أبو ثعلب إلى سنجار وأخلاها من الميرة والكتاب والدواوين. ثم سار من سنجار إلى بغداد فحاربها ولم يحدث في سوادها حدثا. وبعث بختيار اثره العساكر مع ابن بقية والحاجب سبكتكين فدخل ابن بقية بغداد، وأقام سبكتكين بجدى. وثار العيارون واضطربت الفتنة بين أهل السنة والشيعة، وضربوا الأمثال لنشتد على الوزير بحرب الجمل، وهذا كله في الجانب الغربي.

ونزل أبو ثعلب حذاء سبكتكين بجدى واتفقا في سر على خلع الخليفة ونصب غيره والقبض على الوزير وعلى بختيار، وتكون الدولة لسبكتكين، ويعود أبو ثعلب إلى الموصل ليتمكن من بختيار. ثم قصر سبكتكين عن ذلك وخشي سوء المغبة، واجتمع به الوزير ابن بقية وصالحوا أبا ثعلب على ضمان أعماله كما كانت، وزيادة ثلاثة آلاف كرمن الغلة لبختيار، وأن يرد على أخيه حمدان أملاكه وأقطاعه إلا ماردين، وأرسلوا إلى بختيار بذلك. ودخل أبو ثعلب إلى الموصل فلما نزل الموصل وبختيار بالجانب الآخر فغضب أهل الموصل لأبي ثعلب لما نالهم من عسف بختيار فتراسلوا في الصلح ثانيا وسأل أبو ثعلب لقبا سلطانيا وتسليم زوجته ابنة بختيار فأبى ذلك، ورحل عنه إلى بغداد. وبلغه في طريقه أن أبا ثعلب قتل مخلفين من أصحاب بختيار فأقام بالكحيل، وبعث بالوزير وابن بقية وسبكتكين فجاؤوه في العساكر، ورجع إلى الموصل وفارقها أبو ثعلب، وبعث إلى الوزير كاتبه ابن عرس وصاحبه ابن حوقل معتذرا وحلفا عنه عن العلم بما وقع فاستحكم بينهم صلح آخر، وانصرف كل منهم إلى بلده، وبعث بختيار إليه زوجته واستقر أمرهما على ذلك.

الفتنة بين الديلم والأتراك وانتقاض سبكتكين

كان جند بختيار وأبيه معز الدولة طائفتين من الديلم عشيرتهم والأتراك المستنجدين عندهم، وعظمت الدولة وكثرت عطاياها وأرزاق الجند حتى ضاقت عنها الجباية وكثر شذب الجند، وساروا إلى الموصل لسد ذلك فلم يقع لهم ما يسده فتوجهوا إلى الأهواز صحبة بختيار ليظفروا من ذلك بشيء، واستخلف سبكتكين على بغداد، فلما وصلوا إلى الأهواز صحبة بختيار حمل إليه حملين من الأموال والهدايا ملء عينه، وهو مع ذلك يتجنى عليه. ثم تلاحى خلال ذلك عاملان ديلمي وتركي وتضاربا ونادى كل منهما بقومه فركبوا في السلاح بعضهم على بعض، وسالت بينهما الدماء وصاروا إلى النزاع واجتهدوا في تسكين الناس فلم يقدروا. وأشار عليه الديلم بالقبض على الأتراك فأحضر رؤساءهم واعتقلهم، وانطلقت أيدي الديلم على الأتراك فافترقوا ونودي في البصرة بإباحة دمائهم. واستولى بختيار على إقطاع سبكتكين، ودس بأن يرجفوا بموته فإذا جاء سبكتكين للعزاء قبضوا عليه. وقيل كان وطأهم على ذلك قبل سفره، وجعل موعده قبضه على الأتراك فلما أرجفوا بموته ارتاب سبكتكين بالخبر، وعلم أنها مكيدة، ودعاه الأتراك للأمر عليهم فأبى ودعا ابن معز الدولة أبا إسحق إليها فمنعته أمه فركب سبكتكين في الأتراك وحاصروا بختيار يومين. ثم أحرقها وبعث لأبي إسحق وأبي ظاهر ابني معز الدولة، وسار بهما إلى واسط فاستولى على ما كان لبختيار، وأنزل الأتراك في دور الديلم، وثار العامة بنصر سبكتكين وأوقعوا بالشيعة وقتلوهم وأحرقوا الكرخ.

مسير بختيار لقتال سبكتكين وخروج سبكتكين إلى واسط ومقتله

ولما انتقض سبكتكين انتقض الأتراك في كل جهة حتى اضطرب على بختيار غلمانه الذين بداره، وعاتبه مشايخ الأتراك على فعلته، وعذله الديلم أصحابه وقالوا: لا بد لنا من الأتراك ينصحون عنا فأطلق المعتقلين منهم ورجع، وجعل أردويه صاحب الجيش مكان سبكتكين، وكتب إلى عمه ركن الدولة وابنه عضد الدولة يستنجدهما، وإلى أبي ثعلب بن حمدان يستمده بنفسه، ويسقط عنه مال الضمان، وإلى عمران بن شاهين بأن يمده بعسكر فبعث عمه ركن الدولة العساكر مع وزيره أبي الفتح ابن العميد، وأمر ابنه عضد الدولة بالمسير معهم فتربص به ابن العميد. وأنفذ أبو ثعلب بن حمدان أخاه أبا عبد الله الحسين بن حمدان إلى تكريت، وأقام ينتظر خروج سبكتكين والأتراك عن بغداد ليملكها: وانحدر سبكتكين ومعه الأتراك إلى واسط وحمل معه الخليفة الطائع الذي نصبه وأباه المطيع مكانه افتكين. وساروا إلى بختيار ونازلوه بواسط خمسين يوما، والحرب بينهم متصلة والظفر للأتراك في كلها، وهو يتابع الرسل إلى عضد الدولة ويستحثه.

استيلاء عضد الدولة علي العراق واعتقال بختيار ثم عوده إلي ملكه

ولما بلغ عضد الدولة ما فعله الأتراك مع بختيار اعتزم على المسير إليه بعد أن كان يتربص به فسار في عساكر فارس، وسار معه أبو القاسم بن العميد وزير أبيه من الأهواز في عساكر الري، وقصدوا واسط. ورجع افتكين والأتراك إلى بغداد. وكان أبو ثعلب عليها فأجفل وكتب بختيار إلى طبة الأسدي صاحب عين التمر، وإلى بني شيبان بمنع الميرة عن بغداد و.إفساد سابلتها فعدمت الأقوات، وسار عضد الدولة إلى بغداد ونزل في الجالب الشرقي وبختيار في الجانب الغربي. وخرج افتكين والأتراك لعضد الدولة فلقيهم بين دباني والمدائن منتصف جمادى سنة أربع وستين فهزمهم، وغرق كثير منهم. وساروا إلى تكريت، ودخل عضد الدولة بغداد ونزل دار الملك، واسترد الخليفة الطائع من افتكين والأتراك وكانوا أكرهوه على الخروج معهم، وخرج للقائه في دجلة وأنزله بدار الخلافة، وحدثته نفسه بملك العراق، واستضعف بختيار ووضع عليه الجند يطالبونه بأرزاقهم ولم يكن عنده في خزانته شيء. وأشار عليه بالزهد في إمارتهم يتنصح له بذلك سرا والرسل تتردد إلى بختيار والجند فلا يقبل عضد الدولة تقربهم. ثم تقبض عليه آخرا ووكل به، وجمع الجند ووعدهم بالإحسان والنظر في أمورهم فسكنوا وبعث عضد الدولة عسكره إلى ابن بقية ومعه عسكر ابن شاهين فهزموا عسكر عضد الدولة، وكاتبوا ركن الدولة فكتب إليهم بالثبات على شأنهم.

فلما علم أهل النواحي بأفعال عضد الدولة اضطربوا عليه وانقطعت عنه مواد فارس. وطمع فيه الناس حتى عامة بغداد فحفل الوزير أبا الفتح بن العميد إلى أبيه ركن الدولة الرسالة بما وقع، وبضعف بختيار، وأنه إن عاد إلى الأمر خرجت المملكة والخلافة عنه، وأنه يضمن أعمال العراق بثلاثين ألف ألف درهم في كل سنة ويبعث إليه بختيار بالري وإلا قتلت بختيار وأخويه وجميع شيعتهم، وتركت البلاد فخشي ابن العميد من هذه الرسالة، وأشار بأن يبعث بها غيره ويمضي هو إلى ركن الدولة فيحاول على مقاصد عضد الدولة فمضى الرسول إلى ركن الدولة فحجبه أولا، ثم أحضره وذكر له الرسالة فهم بقتله. ثم رده وحمله من الإساءة في الخطاب فوق ما أراد، وجاء ابن العميد فحجبه ركن الدولة، وأنفذ إليه بالوعيد. وشفع إليه أصحابه واعذر بأنه إنما جعل رسالة عضد الدولة طريقا إلى الخلاص منه فأحضره، وضمن له ابن العميد إطلاق بختيار. ثم سار إلى عضد الدولة وعرفه بغضب أبيه فأطلق بختيار من محبسه ورده إلى ملكه على أن يكون نائبا عنه ويخطب له، ويجعل أخاه أبا إسحق أمير الجيش لضعفه عن الملك. وخلف أبا الفتح بن العميد لقضاء شؤونه فتشاغل هو مع بختيار فيما كان فيه من اللذات عن ركن الدولة. وجاء ابن بقية فأكد الوحشة بين بختيار وعضد الدولة، وجبى الأموال واختزنها وأساء التصرف واحترز من بختيار.

أخبار عضد الدولة في ملك عمان

لما توفي معز الدولة كان أبو الفرج بعمان فسار عنها لبغداد، وبعث إلى عضد الدولة بأن يتسلمها فوليها عمر بن نبهان الطائي بدعوة عضد الدولة. ثم قتلته الزنج وملكوا البلد وبعث عضد الدولة إليها جيشا من كرمان مع قائده أبي حرب طغان، وساروا في البحر وأرسوا على صحار، وهي قصبة عمان، ونزلوا إلى البر فقاتلوا الزنج وظفروا بهم. واستولى طغان على صحار سنة اثنتين وستين. ثم اجتمع الزنج إلى مدين رستاق على مرحلتين من صحار فأوقع بهم طغان واستلحمهم وسكنت البلاد. ثم خرج بجبال عمان طوائف الشراة مع ورد بن زياد منهم، وبايعوا لحفص بن راشد، واشتدت شوكتهم. وبعث عضد الدولة المظفر بن عبد الله في البحر فنزل في أعمال عمان وأوقع بأهل خرخان. ثم سار إلى دما على أربع مراحل وقاتل الشراة فهزمهم وهرب أميرهم، ورد بن حفص إلى يزوا، وهي حصن تلك الجبال. ولحق حفص باليمن فصار فيه معلما، واستقامت البلاد ودانت لطاعة عضد الدولة.


صفحة بيضاء


القسم الخامس المجلد الرابع من تاريخ العلامة ابن خلدون

اضطراب كرمان علي عضد الدولة

كان ظاهر بن الصنمد من الحرومية، وهي البلاد الحارة، قد ضمن من عضد الدولة ضمانات واجتمعت عليه أموال. ولما سار عضد الدولة إلى العراق، وبعث وزيره المظهر بن عبد الله إلى عمان خلت كرمان من العساكر فطمع فيها ظاهر، وجمع الرجال الحرومية. وكان بعض موالي بني سامان من الأتراك، واسمه مؤتمر، استوحش من ابن سيجور صاحب خراسان، فكاتبه ظاهر وأطمعه في أعمال يرمان فسار إليه وجعله ظاهر أميراً. ثم شنب عليه بعض أصحاب ظاهر فارتاب به مؤتمر وقاتله فظفر به وباصحابه، وبلغ الخبر إلى الحسين بن علي بن الياس بخراسان فطمع في البلاد، وسار إليها واجتمعت عليه جموع. وكتب عضد الدولة إلى المظهر بن عبد الله، وقد فرغ من أمر عمان بالمسير إلى كرمان فسار إليه سنة أربع وستين، ودوخ البلاد في طريقه. وكبس مؤتمرا بنواحي مدينة قم فلحق بالمدينة وحصره فيها حتى استأمن، وخرج إليه ومعه ظاهر فقتله المظهر، وحبس مؤتمرا ببعض القلاع، وكان آخر العهد به. ثم سار إلى ابن الياس وقاتله على باب جيرفت، وأخذه أسيرا وضاع بعد ذلك خبره، ورجع المظهر ظافرا، وصلحت كرمان لعضد الدولة.

وفاة ركن الدولة وملك ابنه عضد الدولة

كان ركن الدولة ساخطاً على ابنه عضد الدولة كما قدمناه. وكان ركن الدولة بالري

فطرقه المرض سنة خمس وستين وثلاثمائة فسار إلى أصفهان. وتلطف الوزير أبو الفتح بن العميد إليه في الرضا عن ابنه عضد الدولة، وأن يحضره ويعهد إليه فأحضره من فارس، وجمع سائر ولده. وكان ركن الدولة قد خص من مرضه فعمل الوزير ابن العميد بداره صنيعا وأحضرهم جميعا. فلما قضوا شأن الطعام خاطب ركن الدولة أحد أولاده بولاية أصفهان وأعمالها نيابة عن أخيه عضد الدولة، وخلع عضد الدولة في ذلك اليوم على سائر الناس الأقبية والأكسية بزي الديلم. وحياه إخوته والقواد بتحية الملك المعتاد لهم، وأوصاهم أبوهم بالاتساق وخلع عليهم من الخاص، وسار عن أصفهان في رجب من السنة. ثم اشتد به المرض في الري فتوفي في محرم سنة ست وستين لأربع وأربعين سنة من ولايته، وكان حليماً كريما واسع المعروف حسن السياسة لجنده ورعيته عادلا فيهم، متحرياً من الظلم عفيفاً عن الدماء، بعيد الهمة عظيم الجد والسعادة محسنا لأهل البيوتات، معظما للمساجد متفقدا لها في المواسم، متفقدا أهل البيت بالبر والصلات، عظيم الهيبة لين الجانب مقرباً للعلماء محسنا إليهم، معتقدا للصلحاء براً بهم رحمه الله تعالى.

مسير عضد الدولة إلى العراق وهزيمة بختيار

ولما توفي ركن الدولة ملك عضد الدولة بعده، وكان بختيار وابن بقية يكاتبان أصحاب القاصية مثل فخر الدولة أخيه، وحسنويه الكردي وغيرهم للتظافر على عضد الدولة فحركه ذلك لطلب العراق فسار لذلك وانحدر بختيار إلى واسط لمدافعته، وأشار عليه ابن بقية بالتقدم إلى الأهواز. واقتتلوا في ذي القعدة من سنة ست وستين، ونزع بعض عساكر بختيار إلى عضد الدولة فانهزم بختيار ولحق بواسط، ونهب سواده ومخلفه، وبعث إليه ابن شاهين بأموال وسلاح وهاداه وأتحفه فسار إليه إلى البطيحة، وأصعد منها إلى واسط. واختلف أهل البصرة فمالت مضر إلى عضد الدولة، وربيعة مع بختيار ضربت مضر عند انهزامه، وكاتبوا عضد الدولة فبعث إليهم عسكرا واستولوا على البصرة. وأقام بختيار بواسط، وقبض الوزير ابن بقية لاستبداده واحتجانه الأموال وليرضى عضد الدولة بذلك. وترددت الرسل بينهم في الصلح، وتردد بختيار في إمضائه. ثم و!له ابنا حسنويه الكردي في ألف فارس مددا فاعتزم على محاربة عضد الدولة. ثم بدا له وسار إلى بغداد فأقام بها، ورجع ابنا حسنويه إلى أبيهما وسار عضد الدولة إلى البصرة فأصلح بين ربيعة ومضر بعد اختلافهما مائة وعشرين سنة.

نكبة أبي الفتح في العميد

كان عضد الدولة يحقد على أبي الفتح بن العميد مقامه عند بختيار ببغداد ومخالطته له، وما عقده من وزارته بعد ركن الدولة. وكان ابن العميد يكاتب بختيار بأحواله وأحوال أبيه، وكان لعضد الدولة عين على بختيار ويكاتبه بذلك ويغريه. فلما ملك عضد الدولة بعد أبيه كتب إلى أخيه فخر الدولة بالري بالقبض على ابن العميد وعلى أهله وأصحابه واستصفيت أموالهم ومحيت آثارهم، وكان أبو الفضل بن العميد ينذرهم بذلك لما يرى من مخايل أبي الفتح وإنكاره عليه.

استيلاء عضد الدولة علي العراق ومقتل بختيار وابن بقية

ولما دخلت سنة سبع وستين سار عضد الدولة إلى بغداد وأرسل إلى بختيار يدعوه إلى طاعته، وأن يسير عن العراق إلى أي جهة أراد فيمده بما يحتاج إليه من مال وسلاح فضعفت نفسه فقلع عينه وبعثها اليه، وخرج بختيار عن بغداد متوجها إلى الشام. ودخل عضد الدولة بغداد وخطب له بها ولم يكن خطب لأحد قبله، وضرب على بابه ثلاث نوبات ولم يكن لمن تقدمه، وأمر أن يلقى ابن بقية بين أرجل الفيلة فضربته حتى مات وصلب على رأس الجسر في شوال سنة سبع وستين ولما انتهى بختيار إلى عكبرا، وكان معه حمدان بن ناصر الدولة بن حمدان فزين له قصد الموصل، واستماله إليه عن الشام، وقد كان عقد معه عضد الدولة أن لا يقصد الموصل لموالاة بينه وبين أبي ثعلب فسار هو إلى الموصل ونقض عهده، وانتهى إلى تكريت فبعث اليه أبو ثعلب يعده المسير معه لقتال عضد الدولة؟ واعادة ملكه على أن يسلم إليه أخاه حمدان فقبض بختيار عليه وسلمه إلى سفرائه وحبسه أبو ثعلب وسار بختيار إلى الحديثة، ولقيه أبو ثعلب في عشرين ألف مقاتل ورجع معه إلى العراق، ولقيهما عضد الدولة بنواحي تكريت فهزمهما وجيء ببختيار أسيرا فأشار أبو الوفاء طاهر بن إسمعيل كبير أصحاب عضد الدولة بقتله فقتل لاثنتي عشرة سنة من ملكه، واستلحم كثير من أصحابه، وانهزم أبو ثعلب بن حمدان إلى الموصل.

استيلاء عضد الدولة علي أعمال بني حمدان

ولما انهزم أبو ثعلب سار عضد الدولة في أثره فملك الموصل منتصف ذي القعدة سنة ست وستين، وكان حمل معه الميرة والعلوفات خوفاً أن يقع به مثل ما وتع بسلفه فأقام بالموصل مطمئنا، وبث السرايا في طلب أبي ثعلب ولحق بنصيبين ثم بميافارقين فبعث عضد الدولة في أثره سرية عليها أبو ظاهر بن محمد إلى سنجار وأخرى عليها الحاجب أبو حرب طغان إلى جزيرة ابن عمر فترك أبو ثعلب أهله بميافارقين، وسار إلى تدلس. ووصل أبو الوفاء في العساكر إلى ميافارقين فامتنعت عليه فسار في اتباع أبي ثعلب إلى أرزن الروم، ثم إلى الحسنية من أعمال الجزيرة. وصعد أبو ثعلب إلى قلعة كواشي فأخذ أمواله منها، وعاد أبو الوفاء وحاصره بميافارقين. وسار عضد الدولة وقد افتتح سائر ديار بكر، وسار أبو ثعلب إلى الرحبة، ورجع أصحابه إلى أبي الوفاء فأمنهم وعاد إلى الموصل فتسلم ديار مضر من يده. وكان سعد الدولة على الرحبة وتقرى أعمال أبي ثعلب وحصونه مثل هوا والملاسي وفرقى والسفياني وكواشي بما فيها من خزائنه وأمواله، واستخلف أبر الوفاء على الموصل وجميع أعمال بني ثعلب وعاد إلى بغداد. وسار أبو ثعلب إلى الشام فكان فيه مهلكه كما مر في أخباره.

إيقاع العساكر ببني شيبان

كان بنو شيبان قد طال إفسادهم للسابلة، وعجز الملوك عن طلبهم، وكانوا يمتنعون بجبال شهرزور لما بينهم وبين أكرادها من المواصلة فبعث عضد الدولة العساكر سنة تسع وستين فنازلوا شهرزور، واستولوا عليها وعلى ملكها رئيس بني شيبان فذهبوا في البسيط، وسار العسكر في طلبهم فأوقعوا بهم واستباحوا أموالهم ونساءهم، وجيء منهم إلى بغداد بثلاثمائة أسير. ثم عادوا الطاعة وانحسمت علتهم. وصول ولد بن منير البطريق الخارج علي ملك الروم إلي ديار بكر والقبض عليه: كان أرمانوس ملك الروم لما توفي خلف ولدين صغيرين ملكا بعده، وكان نقفور وهو يومئذ الدمستق غائبا ببلاد الشام، وكان نكاء فيها فلما عاد حمله الجند وأهل الدولة على النيابة عن الولدين فامتنع. ثم أجاب وأقام بدولة الولدين، وتزوج أمهما ولبس

التاج. ثم استوحشت منه فراسلت ابن الشمسيق في قتله، وبيته في عشرة من أصحابه فقتلوا نقفور واستولى ابن الشمسيق على الأمر، واستولى على الأولاد وعلى انجه ورديس واعتقلهم في بعض القلاع. وسار في أعمال الشام فعاث فمها وحاصر طرابلس فامتنعت عليه. وكان لوالد الملك أخ خصي وهو الوزير يومئذ فوضع عليه من سقاه السم، وأحس به فأسرع العود إلى القسطنطينية، ومات في طريقه. وكان ورد بن منير من عظماء البطارقة فطمع في الملك، وكاتب أبا ثعلب بن حمدان عند خروجه بين يدي عضد الدولة، وظاهره واستجاش بالمسلمين بالثغور، وساروا إليه وقصد القسطنطينية، وبرزت إليه عساكر الملكين فهزمهم مرة بعد أخرى فأطلق الملكان ورديس بن لاون وبعثاه في العساكر لقتال ورد فهزمه بعد حروب صعبة، ولحق ورد ببلاد الإسلام، ونزل ميافارقين. وبعث أخاه إلى عضد الدولة ببذل الطاعة وبطلب النصرة. وبعث إليه ملك الروم، واستمالاه فجنح إليهما، وكتب إلى عامله بميافارقين بالقبض على ورد وأصحابه فيئسوا منه، وتسللوا عنه فبعث أبو علي الغنمي عنه إلى داره للحديث معه. ثم قبض عليه وعلى ولده وأخيه وجماعة من أصحابه واعتقلهم بميافارقين، ثم بعث بهم إلى بغداد فحبسوا بها.

دخول بني حسنويه في الطاعة وبداية أمرهم

كان حسنويه بن حسن الكردي من جنس البرز، فكان من الأكراد من طائفة منهم يسمون الذولنية، وكان أميراً على البرز مكان خاله ونداد. وكان ابنا أحمد بن علي من طائفة أخرى من البرز فكانوا يسمون العيشائية، وغلبا على أطراف الدينور وهمذان ونهاوند والدامغان وبعض أطراف أذربيجان إلى حد شهرزور، وبقيت في أيديهم خمسين سنة. وكانت تجتمع عليها من الأكراد جموع عظيمة. ثم توفي عام ست وخمسين وثلاثمائة، وكانت له قلعة بسنان وغانم أباد وغيرها فملكها بعده ابنه أبو سالم إلى أن غلبه الوزير أبو الفتح بن العميد. وتوفي ونداد سنة تسع وأربعين وقام ابنه عبد الوهاب أبو الغنائم مقامه وأراد السادنجان، وأسلمه إلى حسنويه فاستولى على أملاكه وقلاعه. وكان حسنويه عظيم السياسة حسن السيرة، وبنى أصحابه حصن التلصص، وهي قلعة سرماج بالصخور المهندسة، وبنى بالدينور جامعا كذلك، وكان كثير الصدقة بالحرمين. ثم توفي سنة تسع وستين وافترق أولاده من بعده، فبعضهم صار إلى طاعة فخر الدولة صاحب همذان وأعمال الجبل، والآخرون صاروا إلى عضد الدولة. وكان بختيار منهم بقلعة سرماج ومعه الأموال والذخائر فكاتب عضد الدولة بالطاعة، ثم انتقض فبعث عضد الدولة عسكرا فحاصروه، وملكوا القلعة من يده والقلاع الأخرى من إخوته. واستولى عضد الدولة على أعمالهم واصطنع من بينهم أبا النجم بن حسنويه وأمده بالعسكر فضبط تلك النواحي، وكف عادية الأكراد بها واستقام أمرها.

استيلاء عضد الدولة علي همذان والري من يد أخيه فخر الدولة وولاية أخيهما مؤيد الدولة عليها

قد تقدم أن ركن الدولة عهد إلى ابنه فخر الدولة، وكان يكاتب بختيار، وعلم بذلك عضد الدولة فأغضى فلما فرغ من شأن بختيار وابن حمدان وحسنويه وعظم استيلاؤه أراد إصلاح الأمر بينه وبين أخيه، وقابوس بن وشمكير فكالب مؤيد الدولة، وفخر الدولة يعاتبه ويستميله. وكان الرسول خواشادة من أكبر أصحاب عضد الدولة فاستمال أصحاب فخر الدولة، وضمن لهم الإقطاعات وأخذ عليهم العهود، واعتزم عضد الدولة على المسير إلى الري وهمذان، وسرب العساكر إليها مسالله: فأبو الوفاء طاهر في عسكر، وخواشادة في معسكر وأبو الفتح المظفر بن أحمد فى سس!كر. ثم سار عضد الدولة في أثرهم من بغدادـ ولما أطلت عساكره استأمن من قواد فخر الدولة وبنو حسنويه ووزيره أبو الحسن عبيد الله بن محمد بن حمدويه، ولحق فخر الدولة ببلاد الديلم ثم بجرجان، ونزل على شمس المعالي قابوس بن وشمكير مستجيرا فأمنه وأواه، وحمل إليه فوق ما أمله، وشاركه فيما بيده من الملك وغيره، وملك عضد الدولة همذان والري وما بينهما من الأعمال، وأضافها إلى أخيه مؤيد الدولة ابن بويه صاحب أصفهان وأعمالها. ثم عطف على ولاية حسنويه الكردي، وفتح نهاوند والدينور وسرماج، وأخذ ما كان فيها لبني حسنويه، وفتح عدة من قلاعهم، وخلع على بدر بن حسنويه وأحسن إليه وولاه رعاية الأكراد، وقبض على إخوته عبد الرزاق وأبي العلاء وأبي عدنان. ولما لحق فخر الدولة بجرجان، وأجاره قابوس بعث إليه أخوه عضد الدولة في طلبه فأجاره وامتنع من إسلامه فجهز إليه عضد الدولة أخاه مؤيد الدولة صاحب أصفهان بالعساكر والأموال والسلاح فسار إلى جرجان، وبرز قابوس للقائه والتقوا بنواحي أستراباذ في منتصف إحدى وسبعين فانهزم قابوس، ومر ببعض قلاعه فاحتمل منها ذخيرته، ولحق بنيسابور. وجاء فخر الدولة منهزما على اثره، وكان ذلك لأول ولاية حسام الدولة تاش خراسان من قبل أبي القاسم منصور من بني سامان فكتب بخبرهما إلى الأمير نوح ووزيره العتبي أبي العباس تاش فجاءه الجواب بنصرهما فجمع عس!اكر خراسان، وسار معهما إلى جرجان فحاصروا بها مؤيد الدولة شهرين حتى ضاقت أحوال مؤيد الدولة واعتزم هو وأصحابه على الخروج والاستماتة بعد أن كاتب فائقاً الخاصة السامانجي، ورغبه فوعده بالانهزام عند اللقاء. وخرج مؤيد الدولة، وانهزم فائق وتبعه العسكر، وثبت تاش وفخر الدولة وقابوس إلى آخر النهار. ثم انهزموا ولحقوا بنيسابور، وبعثوا بالخبر إلى الأمير نوح فبعث إليهم بالعساكر ليعود إلى جرجان. ثم قتل الوزير العتبي كما تقدم في أخبار دولتهم، وانتقض ذلك الرأي.

استيلاء عضد الدولة علي بلاد الهكارية وقلعة سندة

كان عضد الدولة قد بعث عساكره إلى بلاد الأكراد الهكارية من أعمال الموصل فحاصر قلاعهم وضيق عليهم، وكانوا يؤملون نزول الثلج فترحا عنهم العساكر. وتأخر نزوله فاستأمنوا ونزلوا من قلاعهم إلى الموصل، واستولت عليها العساكر وغدر بهم مقدم الجيش فقتلهم جميعا. وكانت قلعة بنواحي الجبل لأبي عبد الله المري مع قلاع أخرى، وله فيها مساكن نفيسة. وكان من بيت قديم فقبض عليه عضد الدولة وعلى أولاده واعتقلهم وملك القلاع، ثم أطلقهم الصاب ابن عباد يخما بمد، واستخدم أبا طاهر من ولده واستكتبه وكان حسن الخط واللفظ.

وفاة عضد الدولة وولاية ابنه صمصام الدولة

ثم توفي عضد الدولة ثامن شوال سنة اثنتين وسبعين لخمس سنين ونصف من ولايته العراق، وجلس ابنه صمصام الدولة أبو كليجار المرزبان للعزاء فجاءه الطائع معزيا. وكان عضد الدولة بعيد الهمة شديد الهيبة حسن. السياسة ثاقب الرأي محبا للفضائل وأهلها، وكان كثير الصدقة والمعروف، ويدفع المال لذلك إلى القضاة ليصرفوه في وجوهه. وكان محبا للعلم وأهله مقربا لهم محسنا إليهم، ويجلس معهم ويناظرهم في المسائل فقصده العلماء من كل بلد، وصنفت الكتب باسمه كالإيضاح في النحو والحجة في القراءات والملكي في الطب والتأخي في التواريخ، وعمل البيمارستانات وبنى القناطر. وفي أيامه حدثت المكوس على المبيعات، ومنع من الاحتراف ببعضها وجعلت متجرا للدولة. ولما توفي عضد الدولة اجتمع القواد والأمراء على ابنه أبي كاليجار المرزبان وولوه الملك مكانه، ولقبوه صمصام الدولة فخلع على أخيه أبي الحسن أحمد وأبي ظاهر فيروز شاه وأقطعهما فارس وبعثهما إليها.

استيلاء شرف الدولة بن عضد الدولة علي فارس واقتطاعها من أخيه صمصام الدولة

كان شرف الدولة أبو الفوارس شرزيك قد ولاه أبوه عضد الدولة قبل موته كرمان وبعث إليه فلما بلغه رفاة أبيه سار إلى فارس فملكها، وقتل نصر بن هرون النصراني وزير أبيه لأنه كان يسيء عشرته، وأطلق الشريف أبا الحسن محمد بن عمر العلوي كان أبوه حبسه بما قال عنه وزيره المظهر بن عبد الله عند قتله نفسه على البطيحة. وأطلق النقيب أبا أحمد والد الشريف الرضى والقاضي أبا محمد بن معروف وأبا نصر خواشادة، وكان أبوه حبسهم. وقطع خطبة أخيه صمصام الدولة وخطب لنفسه، وتلقب بأخي الدولة ووصل أخوه أبو الحسن أحمد وأبو ظاهر فيروزشاه اللذان أقطعهما صمصام الدولة بشيراز فبلغهما خبر شرف الدولة بشيراز فعادا إلى الأهواز. وجمع شرف الدولة وفرق الأموال، وملك البصرة وولى عليها أخاه أبا الحسين. ثم بعث صمصام الدولة العساكر مع ابن تتش حاجب أبيه، وأنفذ مشرف الدولة مع أبي الأغر دبيس بن عفيف الأسدي، والتقيا بظاهر عقرقوف، وانهزم سس!كر صمصام الدولة، وأسر ابن تتش الحاجب، واستولى حينئذ الحسين ابن عضد الدولة على الأهواز وراء هرمز وطمع في الملك.

وفاة مؤيد الدولة صاحب أصفهان والري وجرجان وعود فخر الدولة إلي ملكه

ثم توفي مؤيد الدولة يوسف بن بويه بن ركن الدولة صاحب أصفهان والري بجرجان سنة ثلاث وسبعين، واجتمع أهله للشورى فيمن يولوه فأشار الصاحب إسمعيل بن عباد بإعادة فخر الدولة إلى ملكه لكبر سنه، وتقدم إمارته بجرجان وطبرستان فاستدعوه من نيسابور وبعث ابن عباد من استخلفه لنفسه، وتقدم إلى جرجان فتلقماه العسكر بالطاعة وجلس على كرسيه. وتفادى ابن عباس من الوزارة فمنعه واستوزره، والتزم الرجوع إلى إشارته في القليل والكثير. وأرسل صمصام الدولة وعاهده على الاتحاد والمظاهرة. ثم عزل الأمير نوح أبا العباس تاش عن خراسان، وولى عليها ابن سيجور فانتقض تاش ولقيه ابن سيجور فهزمه فلحق بجرجان، فكافأه فخر الدولة وترك له جرجان ودهستان وأستراباذ، وسار عنها إلى الري وأمده بالأموال والآلات، وطلب خراسان فلم يظفر بها فأقام بجرجان ثلاث سنين. ثم مات سنة سبع وتسعين كما ذكرنا في أخبار بني سامان.

انتقاض محمد بن غانم علي فخر الدولة

قد تقدم لنا ذكر غانم البرزيكاني خال حسنويه، وأنهم كانوا رؤساء الأكراد. إنه مات سنة خمسين وثلاثمائة وكان ابنه دلسيم مكانه في قلاعه فستتان وغانم أبا، وملكها منه أبر الفتح بن العميد. ولما كان سنة ثلاث وسبعين انتقض محمد بن غانم بناحية كردون من أعمال قم على فخر الدولة، ونهبت غلات السلطان وامتنع بحصن الفهجان، واجتمع إليه البرزيكاني وسارت العساكر لقتاله في شوال فهزمها مرة بعد أخرى إلى أن بعث فخر الدولة إلى أبي النجم بدر بن حسنويه بالنكير في ذلك فصالحه أول أربع وسبعين. ثم سارت إليه العساكر سنة خمس وسبعين فقاتلها وأصيب بطعنة، ثم أخذ أسيرا ومات بطعنته.

تغلب باد الكردي علي الموصل من يد الديلم ثم رجوعها إليهم

قد تقدم لنا استيلاء عضد الدولة على الموصل وأعمالها، وتقدم لنا ذكر باد الكودي خال بني مروان، وكيف خان عضد الدولة لما ملك الموصل، وطلبه فصار يخيف ديار بكر ويغير عليها حتى استفحل أمره. وملك ميافارقين كما ذكرنا ذلك كله في أخبار بني مروان. وأن صمصام الدولة جهز إليه العساكر مع أبي سعيد بهرام بن أردشير فهزمه باد، وأسر أصحابه فأعاد صمصام الدولة إليه العساكر مع أبي سعيد الحاجب، وفتك باد في الديلم بالقتل والأسر. ثم اتبع سعيد خانور الحسينية من بلد كواشي فانهزم سعيد الحاجب إلى الموصل، وثارت العامة بالديلم. وملك باد سنة ثلاث وسبعين الموصل، وحدث نفسه بملك بغداد، وأخرج الديلم عنها واهتم صمصام الدولة بأمره وبعث زياد بن شهراكونه من أكبر قواد الديلم لقتاله، واستكثر له من الرجال والعدد والمال؟ وسار إلى باد فلقيه في صفر سنة أربع وسبعين، وانهزم باد وأسر أكثر أصحابه؟ ودخل زياد بن شهراكونه الموصل. وبعث سعيد الحاجب في طلب باد فقصد جزيرة ابن عمر وعسكر آخرا في نصيبين. وجمع باد الجموع بديار بكر؟ وكتب صمصام الدولة إلى سعد الدولة بن سيف الدولة بتسليم ديار بكر له فبعث إليها عساكره من حلب، وحاصره وميافارقين وخاموا عن لقاء باث فرجعوا عن حلب، ووضع سعيد الحاجب رجلاً لقتل باد فدخل عليه وضربه في خيمته فأصابه، وأشرف على الموت منها فطلب الصلح على أن يكون ديار بكر والنصف من طور عبدين فأجابه الديلم إلى ذلك وانحدروا إلى بغداد. وأقام سعيد الحاجب بالموصل إلى أن توفي سبع وسبعين أيام مشرف الدولة فتجرد الكردي وطمع في الموصل، وولى شرف الدولة عليها أبا نصر خواشادة وجهزه بالعساكر. ولما زحف إليه باد الكردي كتب إلى مشرف الدولة يستمد العساكر والأموال فأبطأ عليه المدد، فاستدعى العرب من بني عقيل وبني نمير وأقطعهم البلاد ليدافعوا عنها، وانحدر باد واستولى على طورعبدين ولم يقدر على النزول على الصحراء؟ وبعث أخاه في عسكر لقتال العرب فهزموه وقتلوه. ثم أتاهم الخبر بموت مشرف الدولة فعاد خواشادة إلى الموصل، وأقامت العرب بالصحراء يمنعون باد من النزول وينتظرون خروج خواشادة لمدافعة باد وحربه، وبينما هم في ذلك جاء إبراهيم وأبو الحسين ابنا ناصر الدولة بن حمدان فملكا الموصل كما ذكرنا في أخبار دولتهم.

استيلاء صمصام الدولة علي عمان ورجوعها لمشرف الدولة

كان مشرف الدولة استولى على فارس وخطب له بعمان، وولى عليها أستاذ هرمز فانتقض عليه وصار مع صمصام الدولة، وخطب له بعمان فبعث مشرف الدولة إليه عسكراً فهزموا أستاذ هرمز وأسروه، وحبس ببعض القلاع وطولب بالأموال وعادت عمان إلى مشرف الدولة.

خروج أبي نصر بن عضد الدولة علي أخيه صمصام الدولة وانهزامه وأسره

كان أسفار بن كردويه من أكابر قواد الديلم، واستوحش من صمصام الدولة فمال عن طاعته إلى أخيه مشرف الدولة وهو بفارس، وداخل رجال الديلم في صمصام الدولة، وأن ينصبوا بهاء الدولة أبا نصر بن عضد الدولة نائباً عن أخيه مشرف الدولة حتى يقدم من فارس. وتمكن أسفار من الخوض في ذلك فمرض صمصام الدولة، وتأخر عن حضور الدار، وراسله صمصام الدولة أنه لا ذنب له لأنه كان صبيبا فاعتقله مكرما، وسعى إليه بابن سعدان وزيره أوهواه كان معهم فعزله وقتله، ومضى أسفار إلى أبي الحسن بن عضد الدولة بالأهواز، ومضى بقية العسكر إلى مشرف الدولة بفارس.

استيلاء القرامطة علي الكوفة بدعوة مشرف الدولة ثم انتزاعها منهم

كان للقرامطة محل من البأس والهيبة عند أهل الدول وكانوا يدافعونهم في أكثر الأوقات بالمال، وأقطعهم معز الدولة وابنه بختيار ببغداد وأعمالها، وكان يأتيهم ببغداد أبو بكر بن ساهويه يحتكم بحكم الوزراء فقبض عليه صمصام الدولة، وكان على القرامطة في هجر ونيسابور مشتركان في إمارتهما، وهما إسحق وجعفر فلما بلغهما الخبر سارا إلى الكوفة فملكاها وخطبا لمشرف الدولة. وكاتبهما صمصام الدولة بالعتب فذكرا أمرهما ببغداد، وانتشر القرامطة في البلاد وجبوا الأموال، ووصل أبو قيس الحسن بن المنذر من أكابرهم إلى الجامعين فسرح صمصام الدولة العسكر، ومعهم العرب فعبروا الفرات وقاتلوه فهزموه وأسروه، وقتلوا جماعة من قواد القرامطة؟ ثم عاودوا عسكرا آخر. ولقيتهم عساكر صمصام الدولة بالجامعين فانهزم القرامطة وقتل مقدمهم وغيره وأسروا منهم العساكر، وساروا في اتباعهم إلى القادسية فلم يدركوهم.

استيلاء مشرف الدولة علي الأهواز ثم علي بغداد واعتقال صمصام الدولة

ثم سار مشرف الدولة أبو الفوارس بن عضد الدولة من فارس لطلب الأهواز، وقد كان أخوه أبو الحسين تغلب عليها عند انهزام عساكر صمصام الدولة سنة اثنتين وسبعين، وكان صمصام الدولة عدما ملك بعث أبا الحسين وأبا ظاهر أخويه على فارس كما قدمناه فوجدا أخاهما مشرف الدولة قد سبقهما إلى ملكها. وعندما ملك فارس والبصرة ولاهما على البصرة. فلما انهزمت عساكر صمصام الدولة أمام عسكر مشرف الدولة بعث أبا الحسين على الأهواز فملكها وأقام بها. واستخلف على البصرة أخاه أبا ظاهر فلما سار مشرف الدولة هذه السنة إلى الأهواز قدم إليه الكتاب بأن يسير إلى العراق، وأنه يقره على عمله فثق ذلك على أبي الحسين، وتجهز للمدافعة فعاجله مشرف الدولة عن ذلك، وأغذ السير إلى أرجان فملكها ثم رامهرمز، وانتقض أجناده ونادوا بشعار مشرف الدولة فهرب إلى عملا فخر الدولة بالري، وأنزله بأصفهان ووعده بالنصر، وأبطأ عليه فثار في أصفهان بدعوة أخيه مشرف الدولة فقبض عليه جندها وبعثوا به إلى الري فحبسه فخر الدولة إلى أن مرض واشتد مرضه فأرسل من قتله في محبسه.

ولما هرب أبو الحسين من الأهواز سار إليها مشرف الدولة، وأرسل إلى البصرة قائدا فملكها، وقبض على أخيه أبي ظاهر وبعث إليه صمصام الدولة في الصلح، وأن يخطب له ببغداد، وسارت إليه الخلع والألقاب من الطائع، وجاء من قبل صمصام الدولة من يستحلفه. وكان معه الشريف أبو الحسن محمد بن عمر الكوفي فكان يستحثه إلى بغداد. وفي خلال ذلك جاءته كتب القواد من بغداد بالطاعة، وبعث أهل واسط بطاعتهم فامتنع من إتمام الصلح، وسار إلى واسط فملكها وأرسل صمصام الدولة أخاه أبا نصر يستعطفه بالسلافة فلم يعطف عليه. وشغب الجند على صمصام الدولة فاستشار صمصام الدولة أصحابه في طاعة أخيه فنهوه. وقال بعضهم نصعد إلى عكبرا ونتبين الأمر، وإن دهمنا ما لا ننوي عليه سرنا إلى الموصل وننتصر بالديلم، وقال آخرون: نقصد فخر الدولة بأصفهان ثم نخالفه إلى فارس فنحتوي على خزائن مشرف الدولة وذخائره فيصالح كرهاً فأعرض عنهم، وركب صمصام الدولة إلى أخيه مشرف الدولة في خواصه فتلقاه بالمبرة. ثم قبض عليه وسار إلى بغداد فدخلها في رمضان سنة ست وسبعين وأخوه صمصام الدولة في اعتقاله بعد أربع سنين من إمارته بالعراق.

أخبار مشرف الدولة في بغد اد مع جنده ووزرائه

لما دخل مشرف الدولة بغداد كان الديلم معه في قوة وعدد تنتهي عدتهم إلى خمسة عشر ألفا، والأتراك لا يزيدون على ثلاثة آلاف فاستطال الديلم بذلك، وجرت بين اتباعهم لأول دخولهم بغداد مصاولة آلت إلى الحرب بين الفريقين فاستظهر الديلم على الترك، وتنادوا بإعادة صمصام الدولة إلى ملكه فارتاب بهم مشرف الدولة، ووكل صمصام الدولة من يقتله إن هموا بذلك. ثم أتيحت الكرة للأتراك على الديلم وفتكوا فيهم، وافترقوا واعتصم بعضهم بمشرف الدولة. ثم دخل من الغد إلى بغداد فتقبله الطائع وهنأه بالسلامة. ثم أصلح بين الطائفتين واستحلفهم جميعا. وحمل صمصام الدولة إلى قلعة ورد بفارس فاعتقل بها، وكان نحرير الخادم يشير بقتله فلا يجيبه أحد. واعتقل سنة تسع وسبعين وأشرف على الهلاك. ثم أشار نحرير في قتله أو سمله فبعث لذلك من يثق به فلم يقدم على سمله حتى استشار أبا القاسم بن الحسن الناظر هناك فأشار به فسمله.

وكان صمصام الدولة يقول إنما أعماني العلاء لأنه في معنى حكم سلطان ميت. ولما فرغ مشرف الدولة من فتنة الجند صرف نظره إلى تهذيب ملكه فرد على الشريف محمد بن عمر الكوفي جميع أملاكه، وكانت تغل في كل سنة ألفي ألف وخمسمائة ألف درهم، ورد على النقيب أبي أحمد والد الرضي جميع أملاكه، وأقر الناس على مراتبهم. وكان قبض على وزيره أبي محمد بن فسانجس، وأفرج عن أبي منصور الصاحب، واستوزره فأقره على وزارته ببغداد. وكان قراتكين قد أفرط في الدولة والضرب على أيدي الحكام فرأى أن يخرجه إلى بعض الوجوه، وكان حنقاً على بدر بن حسنويه لميله مع عمه فخر الدولة فبعثه إليه في العساكر سنة سبع وسبعين فهزمه بدر بوادي قرمسين بعد أن هزمه قراتكين أولا.

ونزل العسكر فكر عليهم بدر فهزمهم وأثخن فيهم، ونجا قراتكين في الفل إلى جسر النهروان حتى اجتمع إليه المنهزمون، ودخل بغداد واستولى بدر على أعمال الجبل. ولما رجع قراتكين أغرى الجند بالشغب على الوزير أبي منصور بن صالحان فأصلح مشرف بينه وبين قراتكين، وحقدها له فقبض عليه بعد أيام وعلى جماعة من اصحابه واستصفى أموالهم. وشغب الجند من أجله فقتله وقدم عليهم مكانه طغان الحاجب. ثم قبض سنة ثمان وسبعين على شكر الخادم خالصة أبيه عضد الدولة يخالصته، وكان يحقد عليه من أيام أبيه من سعاياته فيه: منها إخراجه من بغداد إلى كرمان تقربا إلى أخيه صمصام الدولة بإخراجه. فلما ملك مشرف الدولة بغداد اختفى شكر فلم يعثرعليه، وكان معه في اختفائه جارية حسناء فعلقت بغيره، وفطن لها فضربها فخرجت مغاضبة له، وجاءت إلى مشرف الدولة فدلت عليه فأحضره وهم بقتله، وشفع فيه نحرير الخادم حتى وهبه له. ثم استأذن في الحج وسار هن مكة إلى مصر فاختصه خلفاء الشيعة وأنزلوه عندهم بالمنزلة الرفيعة.

وفاة مشرف الدولة وولاية أخيه بهاء الدولة

ثم توفي مشرف الدولة أبو الفوارس سرديك بن عضد الدولة ملك العراق في منتصف تسع وسبعين لثمانية أشهر وسنتين من ملكه ودفن بمشهد علي، ولما اشتدت علته بعث ابنه أبا علي إلى بلاد فارس بالخزائن والعدد مع أمه وجواريه في جماعة عظيمة من الأتراك، وسأله أصحابه أن يعهد فقال: أنا في شغل عن ذلك فسألوه نيابة أخيه بهاء الدولة ليسكن الناس إلى أن يستفيق من مرضه فولاه نيابته. ولما جلس بهاء الدولة فى دست الملك ركب إليه الطائع فعزاه وخلع عليه خلع السلطنة، وأقر بهاء الدولة أبا منصور بن صالحان على وزارته.

وثوب صمصام الدولة بفارس وأخباره مع علي ابن أخيه مشرف الدولة

قد تقدم لنا أن صمصام الدولة اعتقله أخوه مشرف الدولة بقلعة ورد، قرب شيراز من أعمال فارس، عندما ملك بغداد سنة ست وسبعين. فلما مات مشرف الدولة وكان قد بعث ابنه أبا علي إلى فارس، ولحقه موت أبيه بالبصرة فبعث ما معه في البحر إلى أرجان، وسار إليها في البر مخفا. والتف عليه الجند الذين بها، وكاتبه العلاء بن الحسن من شيراز بخبر صمصام الدولة فسار إلى شيراز، واختلف عليه الجند، وهم الديلم بإسلامه إلى صمصام الدولة فتحرك الأتراك وقاتل الديلم أياما. ثم سار إلى نسا والأتراك معه فأخذوا ما بها من المال، وقتلوا الديلم ونهبوا أموالهم وسلاحهم. وسار أبو علي إلى أرجان، وبعث الأتراك إلى شيراز فقاتلوا صمصام الدولة والديلم ونهبوا البلد وعادوا إليه بأرجان. وجاءه رسول عمه ابهاء الدولة من بغداد بالمواعيد الجميلة، ودس مع رسوله إلى الأتراك واستمالهم فح!نوا لأبي علي المسير إلى عمه بهاء الدولة فسار إليه ولقيه بواسط منتصف ثمانين وثلاثمائة وقد أعد له الكرامة والنزول. ثم قبض عليه لأيام وقتله وتجهز للمسير إلى فارص.

مسير فخر الدولة صاب الري وأصفهان وهمذان إلي العراق وعوده

كان الصاحب أبو القاسم إسمعيل بن عباد وزير فخر الدولة ابن ركن الدولة يحب العراق ويريد بغداد، لما كان بها من الحضارة واستئثار الفضائل. فلما توفي مشرف الدولة سلطان بغداد رأى أن الفرصة قد تمكنت فدس إلى فخر الدولة من يغريه بملك بغداد حتى استشاره في ذلك فتلطف في الجواب بأن أحاله على سعادته فقبل إشارته، وسار إلى حمدان ووفد عليه بدر بن حسنويه ودبيس بن عفيف الأسدي، وشاوروا في المسير فسار الصاحب ابن عباد وبدر في المقدمة على الجادة، وفخر الدولة على خوزستان ثم ارتاب فخر الدولة بالصاحب ابن عباد خشية من ميله مع أولاد عضد الدولة فاستعاده، وساروا جميعا إلى الأهواز فملكها فخر الدولة وأساء السيرة في جندها وجنده، وحبس عنهم العطاء فتخاذلوا. وكان الصاحب منذ اتهمه ورده عن طريقه معرضا عن الأمور ساكتا فلم تستقم الأمور بإعراضه. ثم بعث بهاء الدولة عساكره إلى الأهواز فقاتلوهم، وزادت دجلة إلى الأهواز وانفتقت أنهارها فتوهم الجند وحبسوها مكيدة فانهزموا، وأشار عليه الصاحب بإطلاق الأموال فلم يفعل فانغضت عنه عساكر الأهواز وعاد إلى الري وقبض في طريقه على جماعة من قواد الديلم والري، وعادت الأهواز إلى دعوة بهاء الدولة.

مسير بهاء الدولة إلى أخيه صمصام الدولة بفارس

ثم سار بهاء الدولة سنة ثمانين إلى خوزستان عازما على قصد فارس، وخلف ببغداد أبا نصر خواشادة من كبار قواد الديلم، ومر بالبصرة فدخلها، وسار منها إلى خوزستان وأتاه نعي أخيه أبي ظاهر فجلس لعزائه، ودخل أرجان وأخذ جميع ما فيها من الأموال، وكانت ألف ألف دينار وثمانية آلاف ألف درهم. وهرعت إليه الجنود وتفرقت فيهم تلك الأموال كلها. ثم بعث مقدمته أبا العلاء بن الفضل إلى النوبندجان فهزموا بها عسكر صمصام الدولة فأعاد صمصام الدولة العساكر مح فولاد بن هاندان، فهزموا أبا العلاء بمراسلة وخديعة من فولاد كبسه في أثرها فعاد إلى أرجان مهزوما، ولحق صمصام الدولة من شيراز بفولاد. ثم ترددت الرسل في الصلح على أن يكون لصمصام الدولة بلاد فارس وأرجان، ولبهاء الدولة خوزستان والعراق، وبكون لكل منهما إقطاع في بلد صاحبه

فتم ذلك بينهما وتحالفا عليه، وعاد بهاء الدولة إلى الأهواز. وبلغه ما وقع ببغداد من العيارين، وبين الشيعة وأهل السنة، وكيف نهبت الأموال وخرجت المساكين فأعاد السير إلى بغداد وصلحت الأحوال.

القبض علي الطائع ونصب القادر للخلافة

قد ذكرنا أن بهاء الدولة وقد شغب الجند عليه لقفة الأموال وقبض وزيره فلم يغن عنه. وكان أبو الحسن بن المعلم غالبا على هواه فأطمعه في مال الطائع وزين له القبض عليه فأرسل إليه بهاء الدولة في الحضور عنده فجلس على العادة، ودخل بهاء الدولة في جمع كبير، وجلس على كرسيه وأهوى بعض الديلم إلى يد الطائع ليقبلها. ثم جذبه عن سريره وهو يستغيث ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون. واستصفيت خزائن دار الخلافة فمشى بها الحال أياما، ونهب الناس بعضهم بعضا. ثم أشهد على الطائع بالخلع ونصبوا للخلافة عمه القادر أبا العباس أحمد المقتدر استدعوه من البطيحة. وكان فر إليها أمام الطائع كما تقدم في أخبار الخلفاء وهذا كله سنة أحد وثمانين وثلثمائة.

رجوع الموصل إلي بهاء الدولة

كان أبو الرواد محمد بن المسيب أمير بني عقيل قتل أبا طاهر بن حمدان آخر ملوك بني حمدان بالموصل، وغلب عليها وأقام بها طاعة معروفة لبهاء الدولة، وذلك سنة ثمانين كما مر في أخبار بني حمدان وبني المسيب. ثم بعث بهاء الدولة أبا جعفر الحجاج بن هرمز من قواد الديلم في محس!كر كبير إلى الموصل فملكها آخر إحدى وثمانين فاجتمعت عقيل مع أبي الرواد على حربه، وجرت بينهم عدة وقائع، وحسن فيها بلاء أبي جعفر بالقبض عليه فخشي اختلاف أمره هناك وراجع في أمره، وكان بإغراء ابن المعلم وسعايته. ولما شعر الوزير بذلك صالح أبا الرواد وأخذ رهنه، وأعاده إلى بغداد فوجد بهاء الدولة قد نكب ابن المعلم.

أخبار ابن المعلم

هو أبو الحسن بن المعلم قد غلب على هوى بهاء الدولة وتحكم في دولته، وصدر كثير من عظائم الأمور بإشارته فمنها نكبة أبي الحسن محمد بن العلوي، وكان قد عظم شنأنه مع مشرف الدولة وكثرت أملاكه. فلما ولي بهاء الدولة سعى به عنده، وأطمعه في ماله فقبض عليه واستصفى سائر أملاكه، ثم حمله على نكبة وزيره أي منصور بن صالحان. سنة ثمان واستوزر أبا نصر سابور بن أردشير قبل مسيره إلى خوزستان، ثم حمله على خلع الطائع واستصفى أمواله وحمل ذخائر الخلافة إلى داره، ثم حمله على نكبة وزيره أبي نصر سابور واستوزر أبا القاسم عبد العزيز بن يوسف، وبعد مرجعه من خوزستان. قبض على أبي خواشادة. وأبي عبد الله بن ظاهر سنة إحدى وثمانين، لأنهما لم يوصلا لابن المعلم هداياهما فحمل بهاء الدولة على نكبتهما. ولما استطال على الناس وكثر الضجر منه شغب الجند على بهاء الدولة، وطالبوه بإسلامه إليهم، وراجعهم فلم يقبلوا فقبض عليه وعلى سائر أصحابه ليسترضيهم بذلك فلم يرضوا إلا به فأسلمه إليهم وقتلوه. ثم اتهم الوزير أبا القاسم بمداخلة الجند في الشغب على الوزير فقبض عليه، واستوزر مكانه أبا نصر سابور وأبا نصر بن الوزير الأولين وأقاما شريكين في الوزارة.

خروج أولاد بختيار وقتلهم

كان عضد الدولة قد حبس أولاد بختيار فأقاموا معتقلين مدة أيامه وأيام صمصام الدولة من بعده. ثم أطلقهم مشرف الدولة وأحسن إليهم وأنزلهم بشيراز وأقطعهم. فلما مات مشرف الدولة حبسوا في قلعة ببلاد فارس فاستمالوا الموكل الذي عليهم والجند الذي معه من الديلم فأفرجوا عنهم، وذلك سنة ثلاث وثمانين، واجتمع إليهم أهل تلك النواحي وأكثرهم رجالة. وبلغ الخبر إلى صمصام الدولة فبعث أبا علي بن أستاذ هرمز في عسكر فافترقت تلك الجموع، وتحصن بنو بختيار ومن معهم من الديلم، وحاصرهم أبو علي وأرسل أحد الديلم مع!م فأصعدهم سرا وملكوا القلعة وقتلوا أولاد بختيار.

استيلاء صمصام الدولة، على الأهواز ورجوعها منه

ثم انتقض الصلح سنة ثلاث وثمانين بين بهاء الدولة صاحب بغداد وأخيه صمصام الدولة صاحب ض زستان، وذلك أن بهاء الدولة بعث أبا العلاء عبد الله بن الفضل الى الأهواز، وأسرا إليه أن يبعث العساكر متفرقة فإذا اجتمعوا عنده صدم بهم بلاد فارس فسار أبو العلاء، وتشاغل بهاء الدولة عن ذلك، وظهر الخبر فجهز صمصام الدولة عسكره إلى خوزستان، واستمد أبو العلاء بهاء الدولة فتوافت عساكره والتقى العسكران. وانهزم أبو العلاء وأخذ أسيرا فأطلقته أم صمصام الدولة، وقلق بهاء الدولة لذلك وافتقد الأموال فأرسل وزيره أبا نصر سابور إلى واسط، وأعطاه جواهر وأعلاقا يسترهنها عند مهذب الدولة صاحب البطيحة فاسترهنها ولما هرب الوزير أبو نصر استعفى ابن الصالحان من الانفراد بالوزارة فأعفي. واستوزر بهاء الدولة أبا القاسم علي بن أحمد، ثم عجز وهرب. وعاد أبو نصر سابور إلى الوزارة بعد أن أصلح الديلم. ثم بعث بهاء الدولة طغان التركي إلى الأهواز في سبعمائة من المقاتلة فملكوا السوس، ورحل أصحاب صمصام الدولة عن الأهواز وانتشرت عساكر طغان في أعمال خوزستان، وكان أكثرهم من الترك فغص الديلم بهم الذين في عسكر طغان فضل الدليل وأصبح على بعد منهم، ورآهم الأتراك فركبوا إليهم وأكمن ألوفا واستأمن كثير منهم وأمنهم طغان حتى نزلوا بأمر الأتراك فقتلوهم كلهم. وانتهى الخبر إلى بهاء الدولة بواسط وسار إلى الأهواز، وسار صمصام الدولة إلى شيراز وذلك سنة أربع وثمانين، وأمر صمصام الدولة بقتل الأتراك في جميع بلاد فارس سنة خمس وثمانين فقتل منهم جماعة وهرب الباقون فعاثوا في البلاد ولحقوا بكرمان، ثم ببلاد السند حتى توسطهم الأتراك فأطبقوا عليهم واستلحموهم.

استيلاء صمصام الدولة علي الأهواز ثم علي البصرة

ثم بعث صمصام الدولة عساكره الديلم سنة خمس وثمانين إلى الأهواز، وكان نائب بهاء الدولة قد توفي وعزم الأتراك على العود إلى بغداد فبعث بهاء الدولة مكانه أبا كاليجار المرزبان بن سفهيعون، وأنفذ أبا محمد الحسن بن مكرم إلى رامهرمز مدداً لنائبها لفتكين، وقد انهزم إليها أمام عسكر صمصام الدولة فترك أبا محمد بن مكرم بها. ومضى إلى الأهواز وسار إلى خوزستان فكاتبه العلاء بن الحسن يخادعه. ثم سار إلى رامهرمز وحارب ابن مكرم ولفتكين وبعث بهاء الدولة ثمانين من الأتراك يأتون من خلف الديلم فشعروا بهم وقتلوهم أجمعين وخام بهاء الدولة عن اللقاء فرجع إلى الأهواز. ثم سار إلى البصرة ونزل بها، وانتهى خبره إلى ابن مكرم فعاد إلى عسكر مكرم واتبعه العلاء والديلم فأجلوه عنها إلى قرب تستر. وتكررت الوقائع بين الفريقين فكان بيد الأتراك من تستر إلى رامهرمز، وبيد الديلم من رامهرمز.

ورجع الأتراك واتبعهم العلاء فوجدهم قد سلكوا طريق واسط فرجع عنهم، وأقام بعسكر مكرم. ورجع بهاء الدولة إلى بغداد، وكان مع العلاء قائد من قواد الديلم اسمه شكراستان فاستأمن إليه من الديلم الذين مع بهاء الدولة نحو من أربعمائة رجل فاستكثر بهم، وسار إلى البصرة وحاصرها، ومال إليهم أبو الحسن بن جعفر العلوي من أهل البصرة وكانوا يحملون الميرة. وعلم بهاء الدولة فأنفذ من يقبض عليهم فهربوا إلى ذلك القائد وقوي بهم، وجمعوا له السفن فركبها إلى البصرة، وقاتل أصحاب بهاء الدولة وهزمهم وملك البصرة واستباحها. وكتب بهاء الدولة إلى مهذب الدولة صاحب البطيحة بأن يرتجعها من يد الديلم ويتولاها فأمده عبد الله بن مرزوق، وأجلى الديلم عنها، ثم رجع للقاء شكراستان. وهجم عليها في السفن فملكها. وكاتب بهاء الدولة بالطاعة والضمان فأجابه وأخذ ابنه رهينة، وكان يظهر طاعة بهاء الدولة وصمصام الدولة.

وفاة الصاحب ابن عباد

وفي سنة خمس وثمانين وثلاثمائة توفي أبو القاسم إسمعيل بن عباد وزير فخر الدولة بالري، وكان أوحد زمانه علما وفضلا ورياسة ورأيا وكرما. وعرفاً بأنواع العلوم، عارفا بالكتابة؟ ورسائله مشهورة مدونة. وجمع من الكتب ما لم يجمعه أحد، حتى يقال كانت تنقل في أربعمائة حمل. ووزر بعده لفخر الدولة أبو العباس أحمد بن إبراهيم الضبي الملقب بالكافي. ولما توفي استصفى فخر الدولة أمواله بعد أن أوصاه عند الموت فلم ينفذ و!يته. وكان الصاحب قد أحسن إلى القاضي عبد الجبار المعتزلي وقدمه وولاه قضاء الري وأعمالها. فلما مات قال عبد الجبار: لا أرى الترحم عليه لأنه مات على غير توبة ظهرت منه فنسب إليه قلة الوفاء بهذه المقالة. ثم صادر فخر الدولة عبد الجبار فباع في المصادرة ألف طيلسان وألف ثوب من الصوف الرفيع. ثم تتبع فخر الدولة اثار ابن عباد، وأبطل ما كان عنده من المسامحات، وقبض على أصحابه والبقاء لله وحده. وفاة فخر الدولة صاحب الري وملك ابنه مجد الدولة: ثم توفي فخر الدولة بن ركن الدولة بن بويه صاحب الري وأصفهان وهمذان في

شعبان سنة خمس وثلاثين بقلعة طبرك، ونصب للملك من بعده ابنه مجد الدولة أبو طالب رستم وعمر، أربع سنين، نصبه الأمراء وجعلوا أخاه شمس الدولة بهمذان وقرميس إلى حدود العراق، وكان زمام الدول!ة بيد أم رستم مجد الدولة، وإليها تدبير ملكه، وبين يديها في مباشرة الأعمال أبو ظاهر صاحب فخر الدولة وأبو العباس الضبي الكافي.

وفاة العلاء بن الحسن صاحب خوزستان

ثم توفي العلاء بن الحسن عامل خوزستان لصمصام الدولة بعسكر مكرم فبعث صمصام الدولة أبا علي بن أستاذ هرمز بالمال ففرقه في الديلم، ودفع أصحاب بهاء الدولة عن جنديسابور بعد وقائع كان الظفر فيها له، ثم دفعهم عن خوزستان إلى واسط واستمال بعضهم فنزعوا إليه ورتب العمال في البلاد وجبى الأموال سنة سبع وثمانين. ثم سار أبو محمد بن مكرم من واسط مع الأتراك فدافعهم، وكانت بينه وبينهم وقائع. ثم سار بهاء الدولة في أثرهم من واسط، وكان لحق بهم !في واسط أبو علي بن إسمعيل الذي كان نائبا ببغداد عند مسيره إلى الأهواز سنة ست وثمانين، وجاء المقلد بن المسيب من الموصل للعيث في جهات بغداد فبرز أبو علي لقتاله فنكر ذلك بهاء الدولة مغالطة، وبعث من يصالحه، ويقبض على أبي علي فهرب أبو علي إلى البطيحة. ثم لحق بهاء الدولة وهو بواسط فوزر له وزير أمره وأشار عليه بالمسير لإنجاد أبي محمد بن مكرم في قتال أبي علي بن أستاذ هرمز بخوزستان فسار بهاء الدولة ونزل القنطرة البيضاء، وجرت بينه وبين أبي علي بن أستاذ هرمز وقائع، وانقطعت الميرة عن معسكر بهاء الدولة فاستمد بدر بن حسنويه فأمده ببعض الشيء، وكثرت سعاية الأعداء في أبي علي بن إسمعيل فكاد ينكبهم، وبينما هم على ذلك بلغهم مقتل صمصام الدولة فصلحت الإحوال واجتمعت الكلمة.

مقتل صمصام الدولة

كان أبو القاسم وأبو نصر ابنا بختيار محبوسين كما تقدم فخدعا المتوكلين بهما في القلعة، وخرجا فاجتمع إليهما لفيف من الأكراد. وكان صمصام الدولة قد عرفى جنده وأسقط منهم نحواً من ألف لم يثبت عنده نسبهم في الديلم فبادروا إلى ابني بختيار، والتقوا عليهما في أرجان، وكان أبو جعفر أستاذ هرمز مقيما فثار به الجند ونهبوا داره فاختفى. ثم انتقضوا طى صمصام الدولة ونهبوه وهرب إلى الرودمان على مرحلتين من شيراز فقبض عليه صاحبها، وجاء أبو نصر بن بختيار فأخذه منه وقتله في ذي الحجة سنة ثمان لتسع سنين من إمارته بفارس، وأسلمت أمه إلى بعض قواد الديلم فقتلها، ودفنها بداره حتى ملك بهاء الدولة فارس فنقلها إلى تربة بني بويه.

استيلاء بهاء الدولة علي فارس وخوزستان

ولما قتل صمصام الدولة وملك ابنا بختيار فارس بعثا إلى أبي علي بن أستاذ هرمز . يستميلانه، ويأمرانه بأخذ العهد لهما على الذين معه من الديلم، ومحاربة بهاء الدولة. وكتب إليه بهاء الدولة يستميله ويؤمنه ويؤمن الديلم الذين معه ويرغبهم، واضطرب رأي أبي علي لخوفه من ابني بختيار لما أسلف من قتل أخوتهما وحبسهما فمال عنهما، ومال الديلم عن بهاء الدولة خوفا من الأتراك الذين معه فما زال أبو علي بهم حتى بعثوا جماعة من أعيانهم إلى بهاء الدولة، واستوثقوا يمينه ونزلوا إلى خدمته، وساروا إلى الأهواز ثم إلى رامهرمز وأرجان. واستولى بهاء الدولة على سائر بلاد خوزستان، وبعث وزيره أبا علي بن إسمعيل إلى فارس فنزل بظاهر شيراز وبها ابنا بختيار فحاربهما، ومال بعض أصحابهما إليه. ثم انفضوا عنهما إلى أبي علي وأطاعوه واستولى على شيراز، ولحق أبو نصر بن بختيار ببلاد الديلم وأخوه أبو القاسم ببدر بن حسنويه ثم بالبطيحة. وكتب الوزير أبو علي إلى بهاء الدولة بالفتح فسار إلى شيراز وأمر بنهب قرية الرودمان فملكها، وأقام بهاء الدولة بالأهواز، واستخلف ببغداد أبا علي بن جعفر المعروف بأستاذ هرمز، ولقبه عميد العراق. وبقي ملوك الديلم بعد ذلك يقيمون بفارس والأهواز ويستخلفون على العراق مدة طويلة.

مقتل ابن بختيار بكرمان واستيلاء بهاء الدولة عليها

لما استقر أبو نصر بن بختيار ببلاد الديلم كاتب جند الديلم بفارس وكرمان، واستمالهم فاستدعوه إلى فارس فاجتمع إليه كثير من الربض والديلم والأكراد. ثم سار إلى كرمان وبها أبو جعفر بن السيرجان، ومضى ابن بختيار إلى جيرفت فملكها، وملك أكثر كرمان فبعث بهاء الدولة وزيره الموفق أبا علي بن إسمعيل في العساكر. ولما وصل جيرفت استأمن إليه أهلها وملكها، وهرب ابن بختيار فاختار الوزير من أصحابه ثلاثمائة رجل وسار في اتباعه، وترك باقي العسكر بجيرفت. ولما أدركه أوقع به، وغدر بابن بختيار بعض أصحابه فقتله وجاء برأسه إلى الموفق، واستلحم الباقين وذلك سنة تسعين. واستولى الموفق على كرمان وولى عليها أبا موسى سياه جشم. وعاد إلى بهاء الدولة فقبض عليه واستصفاه، وكتب إلى وزيره سابور بالقبض على أنسابه وأصحابه فدس إليهم سابور بذلك وهربوا. ثم قتل بهاء الدولة الموفق سنة أربع وسبعين وثلاثمائة، ثم استعمل بهاء الدولة على خوزستان وأعمالها أبا علي الحسن بن أستاذ هرمز، ولقبه عميد الجيوش، وعزل عنها أبا جعفر الحجاج بن هرمز لسوء سيرته وفساد أحوالها بولايته وكثرة مصادراته فصلحت حالها بولاية أبي علي، وحصل إلى بهاء الدولة منها الأموال مع كثرة العدل.

مسير ظاهر بن خلف إلي كرمان واستيلاؤه عليها ثم ارتجاعها

قد تقدم لنا أن ظاهر بن خلف خرج عن طاعة أبيه خلف بن أحمد السجستاني، وحاربه فظفر به أبوه فسار إلى كرمان يروم التوثب عليها، وتكاسل عاملها عن أمره فكثر جمعه، واجتمع إليه بحيالها كثير من المخالفين فنزل بهم إلى جيرفت فملكها وملك غيرها سنة إحدى وتسعين. وكان بكرمان أبو موسى سياه جشم فسار إليه بمن معه من الديلم فهزمه ظاهر، وأخذ ما بقي بيده فبعث بهاء الدولة أبا جعفر أستاذ هرمز في العساكر إلى كرمان فهزم ظاهرا إلى سجستان وملك كرمان وعادت الديلم.

حروب عساكر بهاء الدولة مع بني عقيل

كان قرواش بن المقلد قد بعث جمعا من بني عقيل سنة ثلاث وتسعين فحاصروا المدائن، وبعث أبو جعفر الحجاج بن هرمز وهو ببغداد نائب لبهاء الدولة عساكره فدفعوهم عنها فاجتمع بنو عقيل وأبو الحسن بن مزيد من بني أسد وبرز إليهم الحجاج، واستدعى خفاجة من الشام وقاتلهم فانهزم واستبيح عسكره، وانهزم ثانيا وبرز إليهم فالتقوا بنواحي الكوفة فهزمهم وأثخن فيهم، ونهب من حلل بني يزيد ما لا يعبر عنه من العين والمصاغ والثياب.

الفتنة بين أبي علي وأبي جعفر: لما غاب أبو جعفر الحجاج عن بغداد قام بها العيارون واشتد فسادهم، وكثر القتل والنهب فبعث بهاء الدولة أبا علي بن جعفر المعروف بأستاذ هرمز لحفظ العراق فانهزم أبو جعفر بنواحي الكوفة مغضبا. ثم جمعوا الجموع من الديلم والأتراك والعرب فانهزم أبو جعفر، وأمن أبو علي جانبه فسار إلى خوزستان، وبلغ السوس فأتاه الخبر بأن أبا جعفر عاد إلى الكوفة فكر راجعاً، وعاد الحرب بينهم-. وبينما هم على ذلك أرسل بهاء الدولة إلى أبي علي يستدعيه سنة ثلاث وتسعين لحرب ابن واصل بالبصرة فسار إليه، وكانت الحرب بينه وبين ابن واصل كما يأتي في أخبار ملوك البطيحة، ورجع إلى بغداد. ونزل أبو جعفر على فلح حامي طريق خراسان وأقام هنالك، وكان فلح مباينا لعميد الجيوش أبي علي. وتوفي سلخ سنة سبع وتسعين فولى أبو علي مكانه أبا الفضل بن عنان، وكان بهاء الدولة في محاربة ابن واصل بالبصرة فأتاهم الخبر بظهور بهاء الدولة عليه فأوهن ذلك منهم وافترقوا. ولحق ابن مزيد ببلده؟ وسار أبو جعفر وابن عيسى إلى حلوان. وأرسل أبو جعفر في إصلاح حاله عند بهاء الدولة فأجابه إلى ذلك، وحضر عنده بتستر فأعرض عنه خوفا أن يستوحش أبو علي. وحقد بهاء الدولة لبدر بن حسنويه فسار إليه، وبعث إليه بدرا في المصالحة فقبله وانصرف، وتوفي أبو جعفر الحجاج بن هرمز بالأهواز سنة إحدى وأربعمائة.

الفتنة بين مجد الدولة صاب الري وبين أمه واستيلاء ابن خالها علاء الدين بن كاكويه علي أصفهان

قد تقدم لنا ولاية مجد الدولة أبي طالب رستم بن فخر الدولة على همذان وقرميسين إلى حدود العراق، وتدبير الدولتين لأمه وهي متحكمة عليها فلما وزر لمجد الدولة الخطير أبو علي بن علي بن القاسم استمال الأمراء عنها، وخوف مجد الدولة منها فاسترابت وخرجت من الري إلى القلعة فوضع عليها من يحفظها فأعملت الحيلة حتى لحقت ببدر بن حسنويه مستنجدة به. وجاءها ابنها شمس الدولة في عساكر همذان وسار معهما بدر، وذلك سنة سبع وتسعين فحاصروا أصفهان وملكوها عنوة. وعاد إليها الأمر فاعتقلت مجد الدولة، ونصبت شمس الدولة للملك، ورجع بدر إلى بلده. ثم بعد سنة استرابت بشمس الدولة فأعادت مجد الدولة إلى ملكه. وسار شمس الدولة إلى همذان، وانتقض بدر بن حسنويه لذلك، وكان فني شغل بفتنة ولده هلال. واستمد شمس الدولة فأمده بعسكر وحاصر قم فاستصعبت عليه، وكان علاء الدين أبو حفص بن كاكويه ابن خال هذه المرأة، وكاكويه هو الخال بالفارسية فلذلك قيل له ابن كاكويه، وكانت قد استعملته على أصفهان فلما فارق أمرها فسد حاله فسار هو إلى بهاء الدولة بالعراق، وأقام عنده فلما عادت إلى حالها هرب أبو حفص إليها من العراق فأعادته إلى أصفهان، ورسخ فيها ملكه وملك بنيه كما يأتي في أخبارهم.

وفاة عميد العراق وولاية فخر الملك

كان أبو جعفر أستاذ هرمز من حجاب عضد الدولة وخواصه وصير ابنه أبا علي في خدمة ابنه صمصام الدولة فلما قتل صمصام الدولة رجع إلى بهاء الدولة. وبلغه ما وقع ببغداد في مغيبه من الهرج وظهور العيارين فبعث بهاء الدولة مكانه على العراق فخر الملك أبا غالب، وأصعد إلى بغداد فلقيه الكتاب والقواد والأعيان في ذي الحجة من السنة، وبعث العساكر من بغداد لقتال أبي الشوك حتى استقام. وكانت الفتنة قد وقعت بين بدر بن حسنويه وابنه هلال، واستنجد بدر بهاء الدولة فأنجده من يده وأخذ ما فيها من الأموال، وفتح دير العاقول. وجاء سلطان وعلوان ورجب بنو ثمال الخفاجي في أعيان قومهم، وضمنوا حماية سقي الفرات من بني عقيل، وساروا معه إلى بغداد فبعثهم مع ذي السعادتين الحسن بن منصور للأنبار فعاثوا في نواحيها، وحبس ذو السعادتين نفرا منهم. ثم أطلقهم فهموا بقبضه، وشعر بهم فحاول عليهم حتى قبض على سلطان منهم وحبسهم ببغداد. ثم شفع فيهم أبو الحسن بن مزيد فأطلقهم فاعترضوا الحاج سنة اثنتين وأربعمائة، ونهبوهم فبعث فخر الملك إلى أبي الحسن بن مزيد بالانتقام منهم فلحقهم بالبصرة فأوقع بهم وأثخن فيهم، واسترد من أموال الحاج ما وجد، وبعث به وبالأسرى إلى فخر الملك. ثم اعترضوا الحاج مرة أخرى ونهبوا سواد الكوفة فأوقع بهم أبو الحسن بن مزيد مثل ذلك وبعث بأسراهم إلى بغداد.

وفاة بهاء الدولة وولاية ابنه سلطان الدولة

ثم توفي بهاء الدولة أبو نصر بن عضد الدولة ح بن بويه، هلك بالعراق منتصف ثلاث وأربعمائة بأرجان، وحمل إلى تربة أبيه بمشهد علي فدفن بها لأربع وعشرين سنة من ملكه، وملك بعده ابنه سلطان !الدولة أبو شجاع وسار من أرجان إلى شيراز، وولى أخاه جلال الدولة أبا ظاهر على البصرة وأخاه أبا الفوارس على كرمان. استيلاء شمس الدولة علي الري من يد أخيه مجد الدولة ورجوعه عنها:

قد تقدم لنا أن شمس الدولة بن فخر الدولة كان ملك همذان وأخوه مجد الدولة ملك الري بنظر أمه، وكان بدر بن حسنويه أمير الأكراد وبينه وبين ولده هلال فتنة وحروب نذكرها في أخبارهم. واستولى شمس الدولة على كثير من بلادهم وأخذ ما فيها من الأموال كما يذكر في أخبارهم. ثم سار إلى الري يروم ملكها ففارقها أخوه مجد الدولة ومعه أفه إلى دنباوند. واستولى شمس الدولة على الري، وسار في طلب أخيه وأمه فشغب الجند عليه وطالبوه بأرزاقهم فعاد إلى همذان، وعاد أخوه مجد الدولة وأمه إلى الري.

مقتل فخر الملك ووزارة ابن سهلان

ثم قبض سلطان الدولة على نائبه بالعراق ووزيره فخر الملك أبي غالب، وقتله في سلخ ربيع الأول سنة ست وأربعمائة لخمس سنين ونصف من ولايته، واستصفى أمواله وكانت ألف ألف دينار سوى العروض وما نهب. وولى مكانه بالعراق أبا محمد الحسن بن سهلان ولقبه عميد الجيوش، واستوزر مكانه الرجحي بعد أن كان ابن سهلان هرب إلى قرواش فأقامه عنده بهيت، وولى سلطان الدولة مكانه في الوزارة أبا القاسم جعفر بن فسانجس. ثم رجع ابن سهلان إلى سلطان الدولة فلما قتل فخر الملك ولاه مكانه فسار إلى العراق في محرم سنة تسع وأربعمائة، ومر في طريقه ببني أسد فرأى أن يثأر منهم من مضر بن دبيس بما كان قبض عليه قديما بأمر فخر الملك فأسرى إليه، والى أخيه مهارش، وفي جملته أخوهم طراد، وأتبعهما حتى أدركهما، وقاتله رجال الحي فقتل جماعة من الديلم والأتراك. ثم انهزموا ونهب ابن سهلان أموالهم وسبى حريمهم، وبذل الأمان لمضر ومهارش، وأشرك بينهما وبين طراد في الجزيرة. ونكر عليه سلطان الدولة ذلك، ورحل هو إلى واسط والفتن بها فقتل جماعة منهم

وأصلحها، وبلغه ما ببغداد من الفتنة فسار إليها ودخلها في ربيع من السنة، وهرب منه العيارون، ونفى جماعة من العباسيين وأبا عبد الله بن النعمان فقيه الشيعة، وأنزل الديلم بأطراف البلد فكثر فسادهم وفساد الأتراك، وساروا إلى سلطان الدولة بواسط شاكين من ابن سهلان فوعدهم وأمسكهم، وبعث عن ابن سهلان فارتاب وهرب إلى بني خفاجة، ثم إلى الموصل، ثم استقر بالبطيحة. وبعث سلطان الدولة العساكر في طلبه فأجاره وإليها الشرابي، وهزم العساكر. وكان ابن سهلان سار إلى جلال الدولة بالبصرة، ثم أصلح الرجحي حاله مع سلطان الدولة ورجع إليه. وضعف أمر الديلم في هذه السنة ببغداد وواسط، وثارت لهم العامة فلم يطيقوا مدافعتهم. ثم قبض سلطان الدولة على وزيره فسانجس وأخويه، واستوزر أبا غالب ذا السعادتين الحسن بن منصور. وقبض جلال الدولة صاحب البصرة على وزيره أبي سعد عبد الواحد علي ابن ماكولا.

انتقاض أبي الفورس علي أخيه سلطان الدولة

كان سلطان الدولة قد ولى أخاه أبا الفوارس على كرمان فاجتمع إليه بعض الديلم، وداخلوه في الانتقاض فانتقض، وسار إلى شيراز فملكها سنة سبع وأربعمائة. وسار سلطان الدولة فهزمه إلى كرمان، وسار في اتباعه فلحق بمحمود بن سبكتكين ببست ووعده بالنصرة، وبعث معه أبا سعيد الطائي في العساكر إلى كرمان، وقد انصرف عنها سلطان الدولة إلى بغداد فملكها أبو الفوارس، وسار إلى بلاد فارس فملكها، ودخل إلى شيراز فسار سلطان الدولة إليه فهزمه فعاد إلى كرمان سنة ثمان وأربعمائة. وبعث سلطان الدولة في أثره فملكوا عليه كرمان، ولحق بشمس الدولة صاحب همذان لأنه كان أساء معاملة أبي سعيد الطائي فلم يرجع إلى محمود بن سبكتكين. ثم فارق شمس الدولة إلى مهذب الدولة صاحب البطيحة فبالغ في تكرمته، وأنزله بداره. وأنفذ إليه أخوه جلال الدولة مالا وعرض عليه المسير إليه فأبى. ثم ترددت الرسل بينه وبين أخيه سلطان الدولة فعاد إلى كرمان، وبعث إليه التقليد والخلع.

وثوب مشرف الدولة علي أخيه سلطان الدولة ببغداد واستبد اده اخرا بالملك

ثم شغب الجند على سلطان الدولة ببغداد سنة إحدى عشرة، ونادوا بولاية مشرف الدولة أخيه فهم بالقبض عليه فلم يتمكن من ذلك. ثم أراد الانحدار إلى واسط لبعض شؤون الدولة فطلب الجند أن يستخلف فيهم أخاه مشرف الدولة فاستخلفه. ورجع من واسط إلى بغداد. ثم اعتزم على قصد الأهواز فاستخلف أخاه مشرف الدولة ثانيا على العراق بعد أن كانا تحالفا أن لا يستخلف أحد منهما ابن سهلان. فلما بلغ سلطان الدولة تستر استوزر ابن سهلان فاستوحش من مشرف الدولة. ثم بعث سلطان الدولة إلى الأهواز فنهبوها فدافعهم الأتراك الذين بها، وأعلنوا بدعوة مشرف الدولة فانصرف سلطان الدولة عنهم. ثم طلب الديلم من مشرف الدولة المسير إلى بيوتهم بخوزستان فأذن لهم، وبعث معهم وزيره أبا غالب ولحق الأتراك الذين كانوا معه بطراد بن دبيس الأسدي بجزيرة بني دبيس وذلك لسنة ونصف من ولايته الوزارة، وصودر ابنه أبو العباس على ثلاثين ألف دينار، وسر سلطان الدولة بقتل أبي غالب، وبعث أبا كاليجار إلى الأهواز فملكها. ثم تراسل سلطان الدولة ومشرف الدولة في الصلح وسعى فيه بينهما أبو محمد بن مكرم صاحب سلطان الدولة، ومؤيد الملك الرجحي وزير مشرف الدولة: على أن يكون العراق لمشرف الدولة، وفارس وكرمان لسلطان الدولة وتم ذلك بينهما سنة ثلاث عشرة.

استيلاء ابن كاكويه علي همذان

كان شمس الدولة بن بويه صاحب همذان قد توفي، وولي مكانه ابنه سماء الدولة. وكان فرهاد بن مرداوبج مقطع يزدجرد فسار إليها سماء الدولة، وحاصره فاستنجد بعلاء الدولة بن كاكويه فأنجده بالعساكر، ودفع سماء الدولة عن فرهاد. ثم سار علاء الدولة وفرهاد إلى همذان وحاصراها، وخرجت عساكر همذان مع عساكر تاج الملك الفوهي قائد سماء الدولة فدفعهم، ولحق علاء الدولة بجرباذقان فهلك الكثير من عسكره بالبرد. وسار تاج الملك الفوهي إلى جرباذقان فحاصر بها علاء الدولة، حتى استمال بها قوما من الأتراك الذين مع تاج الملك. وخلص من الحصار وعاود المسير إلى همذان فهزم عساكرها. وهرب القائد تاج الملك. واستولى علاء الدولة على سماء الدولة فأبقى عليه رسم الملك، وحمل إليه المال، وسار فحاصر تاج الملك في حصنه حتى استأمن إليه فأمنه وسار به وبسماء الدولة إلى همذان فملكها، وملك سائر أعمالها. وقبض على جماعة من أمراء الديلم فحبسهم وقتل آخرين وضبط الملك، وقصد أبا الشوك الكردي فشفع فيه مشرف الدولة فشفعه وعاد عنه، وذلك سنة أربع عشرة.

وزارة أبي القاسم المغربي لمشرف الدولة ثم عزله

كان عنبر الخادم مستوليا على دولة مشرف الدولة بما كان حظي أبيه وجده، وكان يلقب بالأثير، وكان حاكما في دولة بني بويه مسموع الكلمة عند الجند. وعقد الوزير مؤيد الملك الرجحي على بعض اليهود من حواشيه مائة ألف دينار فسعى الأثير الخاب م وعزله في رمضان سنة أربع عشرة، واستوزر لناصر الدولة بن حمدان، ونزع عنه إلى خلفاء العبيديين، وولاه الحاكم بمصر. وولد له بها ابنه أبو القاسم الحسين، ثم قتله الحاكم فهرب ابنه، أبو القاسم إلى مفرج بن الجراح أمير طيىء بالشام، وداخله في الانتقاض على العبيديين بأبي الفتوح أمير مكة فاستقدمه وبايع له بالرملة. ثم صونع من مصر بالمال فانحل ذلك الأمر، ورجع أبو الفتوح إلى مكة، وقصد أبو القاسم العراق واتصل بالعميد فخر الملك أبي غالب فأمره القادر بإبعاده فقصد الموصل، واستوزره صاحبها. ثم نكبه وعاد إلى العراق. وتقلب به الحال إلى أن وزر بعد مؤيد الملك الرجحي فساء تصرفه في الجند، وشغب الأتراك عليه وعلى الأثير عنبر بسببه فخرجا إلى السندية، وخرج معهما مشرف الدولة فأنزلهم قرواش. ثم ساروا إلى أوانا، وندم الأتراك فبعثوا المرتضى وأبا الحسن الزينبي يسألون الإقالة، وكتب إليهم أبو القاسم المغربي بأن أرزاقكم عند الوزير مكرا به. وشعر بذلك فهرب إلى قرواش لعشرة أشهر من وزارته، وجاء الأتراك إلى مشرف الدولة والأثير عنبر فردهما إلى بغداد.

وفاة سلطان الدولة بفارس وملك ابنه أبي كاليجار وقتل ابن مكرم

ثم توفي سلطان الدولة أبو شجاع بن بهاء الدولة صاحب فارس بشيراز، وكان محمد بن مكرم صاحب دولته، وكان هواه مع ابنه أبي كاليجار وهو يومئذ أمير على الأهواز فاستقدمه للملك بعد أبيه. وكان هوى الأتراك مع عمه أبي الفوارس صاحب كرمان فاستقدموه. وخشي محمد بن مكرم جانبه، وفر عنه أبو المكارم إلى البصرة، وسار العادل أبو منصور بن مافنة إلى كرمان لاستقدام أبي الفوارس، وكان صديقا لابن مكرم

فحسن أمره عند أبي الفوارس، وأحال الأجناد بحق البيعة على ابن مكرم فضجر وماطلهم فقبض عليه أبو الفوارس وقتله، ولحق ابنه القاسم بأبي كاليجار بالأهواز فتجهز إلى فارس، وقام بتربيته بابن مزاحم صندل الخادم. وسار في العساكر إلى فارس ولقيهم أبو منصور الحسن بن علي النسوي وزير أبي الفوارس فهزموه وغنموا معسكره. وهرب أبو الفوارس إلى كرمان وملك أبو كاليجار شيراز واستولى على بلاد فارس. وتنكر للديلم الذين بها فبعثوا إلى من كان منهم بمدينة نسا فتمسكوا بطاعة أبي الفوارس. ثم شغب معسكر أبي كاليجار عليه، وطالبوه بالمال فظاهرهم الديلم فسلم إلى النوبندجان ثم إلى شعب بوان. وكاتب الديلم بشيراز أبا الفوارس يستحثونه. ثم أصلحوا بينهما على أن تكون لأبي الفوارس كرمان، ويعود أبو كاليجار لفارس لما فارقه بها من نعمته. وكان الديلم يطيعونه فساروا في العساكر وهزموا أبا الفوارس فلحق بدارابجرد، واستولى أبو كاليجار على فارس. ثم زحف إليه أبو الفوارس في عشرة آلاف من الأكراد فاقتتلوا بين البيضاء واصطخر فانهزم أبو الفوارس ولحق بكرمان، واستولى أبو كاليجار على فارس، واستقر ملكه بها سنة سبع عشرة وأربعمائة.

وفاة مشرف الدولة وملك أخيه جلال الدولة

ثم توفي مشرف الدولة أبو علي بن بهاء الدولة بن بويه سلطان بغداد في ربيع الأول سنة ست عشرة وأربعمائة لخمس سنين من ملكه. ولما توفي خطب ببغداد لأخيه جلال الدولة وهو بالبصرة، واستقدم فلم يقدم، وانتهى إلى واسط فأقام بها يخطب لأبي كاليجار ابن أخيه سلطان الدولة، وهو يومئذ بخوزستان مشغول بحرب عمه أبي الفوارس كما قدمناه. فحينئذ أسرع جلال الدولة من واسط إلى بغداد فسار الجند ولقوه بالنهروان وردوه كرها بعد أن نهبوا بعض خزائنه، وقبض على وزيره أبي سعيد ابن ماكولا، واستوزر ابن عمه أبا علي، واستحث الجند أبا كاليجار فعللهم بالوعد وشغل بالحرب، وكثر الهرج ببغداد من العيارين وانطلقت أيديهم وأحرقوا الكرخ، ونهاهم الأمير عنبر عن ذلك فلم ينتهوا فخافهم على نفسه فلحق بقرواش في الموصل، وعظمت الفتن ببغداد.

استيلاء جلال الدولة على ملك بغداد

ولما عظم الهرج ببغداد ورأى الأتراك أن البلاد تخرب، وأن العرب والأكراد والعامة قد طمعوا فيهم ساروا جميعا إلى دار الخلافة مستعتبين ومعتذرين عما صدر منهم من الانفراد باستقدام جلال الدولة، ثم رده واستقدم أبي كاليجار، مع أن ذلك ليس لنا وإنما هو للخليفة، ويرغبون في استدعاء جلال الدولة لتجتمع الكلمة وشمكن الهرج، ويسألون أن يستخلف فأجابهم الخليفة القادر، وبعث إلى جلال الدولة فسار من البصرة فبعث الخليفة القاضي أبا جعفر السمناني لتلقيه، ويستخلفه لنفسه فسار ودخل بغداد سنة ثمان عشرة وركب الخليفة لتلقيه. ثم سار إلى مشهد الكاظم ورجع، ودخل دار الملك، وأمر بضرب النوب الخمس فراسله القادر في قطعها فقطعها غصباً، ثم أذن له في إعادتها، وبعث جلال الدولة مؤيد الملك أبا علي الرجحي إلى الأثير عنبر الخادم عند قرواش بالتأنيس والمحبة والعذر عن فعل الجند.

أخبار ابن كاكويه صاب أصفهان مع الأكراد ومع الأصبهبد

كان علاء الدولة بن كاكويه قد استعمل أبا جعفر عليا ابن عمه على نيسابور خوست ونواحيها، وضم إليه الأكراد الجودرقان ومقدمهم أبو الفرج البابوني. فجرت بين أبي جعفر وأبي الفرج البابوني مشاجرة، وترافعا إليه فأصلح بينهما علاء الدولة وأعادهما. ثم قتل أبو جعفر أبا الفجر فانتقض الجودرقان وعظم فسادهم فبعث علاء الدولة عسكراً وأقاموا أربعة أيام ثم فقدوا الميرة، وجاء علاء الدولة وأعطاهم المال فافترقوا واتبعهم. وجاء إليه بعض الجودرقان وانتهى في اتباعهم إلى وفد وقاتلوه عندها فهزمهم وقتل ابني ولكين في المعركة، ونجا هو في الفل إلى جرجان، وأسر الأصبهبد وابنان له ووزيره، وهلك في الأسر منتصف سنة تسع عشرة. وتحصن علي بن عمران بقلعة كنكور فحاصره بهاء الدولة، وصار ولكين إلى صهره منوجهر قابوس وأطمعه في الدخكت. وكان ابنه صهر علاء الدولة على ابنته وأقطعه مدينة قم فعصى عليه، وبعث إلى أبيه ولكين. فسار بعساكره وعساكر منوجهر، ونازلوا مجد الدولة بن بويه بالري، وجرت بينهم وقائع فصالح علاء الدولة علي بن عمران ليسير إليهم فارتحلوا عن الري. وجاء علاء الدولة إليها وأرسل إلى منوجهر يوبخه ويتهدده فسار منوجهر، وتحصن بكنكور، وقتل الذين قتلوا أبا جعفر ابن عمه وقبل الشرط وخرج إلى علاء الدولة فأقطعه الدينور عوضاً عن كنكور وأرسل منوجهر إلى علاء الدولة في الصلح فصالحه.

دخول خفاجة في طاعة أبي كاليجار

كان هؤلاء خفاجة وهم من بني عمرو بن عقيل موطنين بضواحي العراق ما بين بغداد والكوفة وواسط والبصرة، وأميرهم بهذه العصور منيع بن حسان، وكانت بينه وبين صاحب الموصل منافسات جرتها المناهضة والجوار فترددت الرسل بين السلم والمحرب. وسار منيع بن حسان سنة سبع عشرة إلى الجامعين من أعمال دبيس فنهبها، وسار دبيس في طلبه ففارق الكوفة وقصد الأنبار من أعمال قرواش فحاصرها أياما، ثم افتتحها وأحرقها. وجاء قرواش لمدافعته ومعه عريب بن معن فلم يجدوه فمضوا إلى القصر فخالفهم منيع إلى الأنبار فعاث فيها ثانية. فسار قرواش إلى الجامعين واستنجد دبيس بن صدقة فسار معه في بني أسد، ثم خاموا عن لقاء منيع فافترقوا ورجع قرواش إلى الأنبار فأصلحها ورم أسوارها. وكان دبيس وقرواش في طاعة جلال الدولة فسار منيع بن حسان إلى أبي كاليجار بالأهواز فأطاعه وخلع عليه، ورجع إلى بلده يخطب له بها.

شغب الأتراك علي جلال الدولة

ولما استقل جلال الدولة بملك بغداد، وكثر جنده من الأتراك واتسعت أرزاقهم من الديوان، وكان الوزير أبو علي بن ماكولا فطالبوه بأرزاقهم فعجز عنها، وأخرج جلال الدولة صياغات وباعها وفرقها في الجند. ثم ثاروا عليه وطالبوه بأرزاقهم وحصروه في : اره حتى فقد القوت والماء. وسأل الإنزال إلى البصرة وخرج بأهله ليركب السفن إلى البصرة، وقد ضرب سرادقا على طريقهم ما بين داره والسفن فقصد الأتراك السرادق فامتعض جلال الدولة لحريمه، ثم نادى في الناس وخرج الجند ونادوا بشعاره ثم شغبوا عليه بعد أيام قلائل في طلب أرزاقهم، واضطر جلال الدولة إلى بيع ملبوسه وفرشه وخيامه، وفرق أثمانها فيهم. وعزل جلال الدولة وزيره أبا علي واستوزر أبا طاهر، ثم عزله بعد أربعين يوما وولى سعيد بن عبد الرحيم وذلك سنة تسع عشرة.

استيلاء أبي كاليجار علي البصرة ثم علي كرمان

ولما أصعد جلال الدولة إلى بغداد استخلف على البصرة ابنه الملك العزيز أبا منصور، وكان بين الأتراك وبين الديلم من الفتنة ما ذكرناه فتجددت بينهم الفتنة فغلب الأتراك، وأخرجوا الديلم إلى الأبلة مع بختيار بن علي فسار إليهم الملك العزيز ليرجعهم فحاربوه، ونادوا بشعار أبي كاليجار بن سلطان الدولة وهو بالأهواز فعاد منهزما. ونهب الديلم الأبلة، ونهب الأتراك البصرة. وبلغ الخبر إلى أبي كاليجار فبعث من الأهواز عسكرا إلى بختيار والبصرة، الديلم فقاتلوا الملك العزيز وأخرجوه فلحق بواسط، وملكوا البصرة ونهبوا أسواقها سنة تسع عشرة، وهم جلال الدولة بالمسير إليهم وطلب المال للجند، وشغل بمصادرة أرباب الأموال. وبلغ خبر استيلاء أبي كاليجار على البصرة إلى كرمان، وكان بها عمه قوام الدولة أبو الفوارس، وقد تجهز لقصد بلاد فارس فأدركه أجله فمات فنادى أصحابه بشعار أبي كاليجار واستدعوه فسار ملك بلاد كرمان، وكان أبو الفوارس سيىء السيرة في رعيته وأصحابه.

قيام بني دبيس بدعوة أبي كاليجار

كانت جزيرة بني دبيس بنواحي خوزستان لطراد بن دبيس وغلب عليه فيها منصور وخطب فيها لأبي كاليجار، ومات طراد فسار إلى منصور ابنه علي واستنجد جلال الدولة عليه فأمده بعسكر من الأتراك وسار عجلا. واتفق أن أبا صالح كوكين هرب من جلال الدولة إلى أبي كاليجار فأراد أن يفتتح طاعته باعتراض أصحاب جلال الدولة فسار إلى منصور بالجزيرة. وخرجوا لقتال علي بن طراد ولقوه بمبرود فهزموه وقتلوه، واستقر منصور بالجزيرة على طاعة أبي كاليجار. استيلاء أبي كاليجار علي واسط ثم انهزامه وعودها لجلال الدولة: ثم إن نور الدولة دبيس على صاحب حلب والنيل خطب لأبي كاليجار في أعماله لما بلغه أن ابن عمه المقلد بن الحسن ومنيع بن حسان أمير خفاجة سارا مع عساكر بغداد إليه، فخطب هو لأبي كاليجار. واستدعاه فسار من الأهواز إلى واسط، وقد كان لحق بها الملك العزيز بن جلال الدولة ومعه جماعة من الأتراك. فلما وصل أبو كاليجار فارقها الملك العزيز إلى النعمانية واستولى أبو كاليجار على واسط. ووفد عليه دبيس وبعث إلى قرواش صاحب الموصل والأثير عنبر عنده، وأمرهما أن ينحدرا إلى العراق فانحدرا، ومات الأثير عنبر بالكحيل. ورجع قرواش وجمع جلال الدولة العساكر واستنجد أبا الشوك وغيره وسار إلى واسط، وضاقت عليه الأمور لقلة المال.

وأشار عليه أصحابه بمخالفة أبي كاليجار إلى الأهواز لأخذ أمواله، وأشار أصحاب أبي كاليجار بمخالفة جلال الدولة إلى العراق. وبينما هم في ذلك جاءهم الخبر من أبي الشوك بمسير عساكر محمود بن سبكتكين إلى العراق ويشير بإجماع الكلمة. وبعث أبو كاليجار بكتابه إلى جلال الدولة فلم يعرج عليه. وسار إلى الأهواز ونهبها وأخذ من دار الإمارة خاصة مائتي ألف دينار سوى أموال الناس، وأخذت والدة أي كاليجار وبناته وعياله وحملن إلى بغداد. وسار جلال الدولة لاعتراضه، وتخلف عنه دبيس بن مزيد خشية أحيائه من خفاجة، والتقى أبو كاليجار وجلال الدولة قي ربيع سنة إحدى وعشرين فاقتتلوا ثلاثا. ثم انهزم أبو كاليجار وقتل من أصحابه نحو من ألفين ورجع إلى الأهواز. وأتاه العادل بن مافنة بمال أنفقه في جنده، ورجع جلال الدولة إلى واسط واستولى عليها وأنزل ابنه العزيز بها ورجع.

استيلاء محمود بن سبكتكين صاحب خراسان علي بلاد الري والجبل وأصفهان

كان مجد الدولة بن فخر الدولة متشاغلا بالنساء والعلم، وتدبير ملكه لأمه وتوفيت سنة تسع عشرة فاختلفت أحواله وطمع فيه جنده فكتب إلى محمود بن سبكتكين يشكو إليه فبعث إليه عسكرا مع حاجبه، وأمره بالقبض عليه فركب مجد الدولة لتلقيه فقبض عليه وعلى ابنه أبي دلف، وطير بالخبر إلى محمود فجاء إلى الري ودخلها في ربيع الآخر سنة عشرين، وأخذ منها مال مجد الدولة ألف ألف دينار، ومن الجواهر قيمة خمسمائة ألف دينار، وستة آلاف ثوب ومن الحرير والآلات ما لا يحصى. وبعث بمجد الدولة إلى خراسان فاعتقل بها. كم ملك قزوين وقلاعها، ومدينة ساوة وآوة ويافث، وقبض على صاحبها ولكين وبعث به الى خراسان، وقتل من الباطنية خلقا، ونفى المعتزلة إلى خراسان وأحرق كتب الفلسفة والاعتزال والنجامة. وملك حدود أرمينية، وخطب له علاء الدولة بن كاكويه بأصفهان، واستخلف على الري ابنه مسعودا فافتتح زنجان وأبهر، ثم ملك أصفهان من يد علاء الدولة، واستخلف عليها بعض أصحابه فثار به أهل أصفهان وقتلوه فسار إليها وفتك فيهم، ويقال قتل منهم خمسة آلاف قتيل وعاد إلى الري فأقام بها.

أخبار الغز بالري وأصفهان وأعمالها وعودهما إلي علاء الدولة

قد تقدم لنا في غير موضع بداية هؤلاء الغز، وأنهم كانوا بمفازة بخارى وكانوا فريقين أصحاب ارسلان بن سلجوق وأصحاب بني أخيه ميكائيل بن سلجوق، وأن يمين الدولة محمود بن سبكتكين لما ملك بخارى وما وراء النهر قبض على ارسلان بن سلجوق، وسجنه بالهند ونهب أحياءه. ثم نهض إلى خراسان ولحق بعضهم بأصفهان، وبعث محمود في طلبهم إلى علاء الدولة بن كاكويه فحاول على أخذهم، وشعروا ففروا إلى نواحي خراسان، وكثر عيثهم فأوقع بهم تاش الفوارس قائد مسعود بن سبكتكين فساروا إلى الري قاصدين أذربيجان، وكانوا يسمون العراقية، وكان أمراء هذه الطائفة كوكتاش ويرفأ وقزل ويعمر وناصفلي، فلما انتهوا إلى الدامغان خرج إليهم عسكرها فلم يطيقوا دفاعهم فتحصنوا بالجبل.

ودخل الغز "البلد ونهبوه، ثم فعلوا في سمنان مثل ذلك، ثم في جوار الري وفي اسحاقاباذ وما جاورها من القرى. ثم ساروا إلى مسكويه من أعمال الري فنهبوها وكان تاش الفوارس قائد بني سبكتكين بخراسان ومعه أبو سهل الحمدوني من قوادهم، فاستنجدوا مسعود بن سبكتكين وصاحب جرجان وطبرستان فأنجداهم وقاتلا الغز فانهزما وقتل تاش الفوارس. وسار إلى الري أبو سهل الحمدوني فهزموه وتحصن بقلعة طبرك، ودخل الغز الري ونهبوه، ثم قاتلوه ثانيا فأسر منهم ابن أخت لعمر من قوادهم فبذلوا فيه ثلاثين ألف دينار وإعادة ما أخذوا من عسكر تاش من المال والأسرى فأبى أبو سهل من إطلاقه، وخرج الغز من الري ووصل عسكر جرجان، وقاتلوا الغز عندما قاربوا الري وأسروا قائدهم وألفين معه، وساروا إلى أذربيجان وذلك سنة سبع وعشرين. ولما سار الغز إلى أذربيجان سار علاء الدولة إلى الري فدخلها بدعوة مسعود بن سبكتكين، وأرسل إلى أبي سهل الحمدوني أن يضمنه على البلد مالا فأبى فأرسل علاء الدولة يستدعي الغز فرجع إليه بعضهم وأقام عنده. ثم استوحشوا منه وعادوا إلى العيث بنواحي البلاد فكرر علاء الدولة مراسلة أبي سهل في الضمان ليكون في طاعة مسعود بن سبكتكين. وكان أبو سهل بطبرستان فأجابه وسابر إلى نيسابور، وملك علاء الدولة الري. ثم اجتمع أهل أذربيجان لمدافعة الغز الذين طرقوا بلادهم وانتقموا من الغز فافترقوا

فسارت طائفة إلى الري ومقدمهم يرفأ، وطائفة إلى همذان ومقدمهم منصور وكوكتاش فحاصروا بها أبا كاليجار بن علاء الدولة. وأنجده أهل البلاد على دفاعهم وطال حصارهم لهمذان حتى صالحهم أبو كاليجار، وصاهر كوكتاش. وأما الذين قصدوا الري فحاصروا بها علاء الدولة بن كاكويه، وانضم إليهم فاخسرو بن مجد الدولة وكامد صاحب ساوة فطال حصارهم وفارق البلد في رجب ليلا إلى أصفهان، وأجفل أهل البلد وتمزقوا ودخلها الغز من الليل واستباحوها. وأتبع علاء الدولة جماعة منهم فلم يدركوه فعدلوا إلى كرج ونهبوها، ومضى ناصفلي منهم إلى قزوين فقاتلهم حتى صالحوه على سبعة آلاف دينار وصاروا إلى طاعته. ولما ملكوا الري رجعوا إلى حصار همذان ففارقها أبو كاليجار وصحبه الوجوه والأعيان وتحصنوا بكنكون. وملك الغز همذان ومقدمهم كوكتاش ومنصور ومعهم فناخسرو بن مجد الدولة في عدد من الديلم فاستباحوها، وبلغت سراياهم إلى أستراباذ وقرى الدينور وقاتلهم صاحبها أبو الفتح بن أبي الشوك فهزمهم، وأسر منهم حش صالحوه على إطلاقهم فأطلقهم. ثم راسلوا أبا كاليجار بن علاء الدولة في التقدم عليهم يدبر ملكهم بهمذان فلما جاءهم وثبوا به فنهبوا ماله وانهزم، وخرج علاء الدولة من أصفهان فوقع في طريقه بطائفة من الغز فظفر بهم ورجع إلى أصفهان منصورا. ولما أجاز الفريق الثاني من الغز السلجوقية من وراء النهر، وهم أصحاب طغرلبك وداود وجفر بيك وبيقوا وأخوهم إبراهيم نيال في العسكر لاتباع هؤلاء الذين بالري وهمذان، ساروا إلى أذربيجان وديار بكر والموصل، وافترقوا عليها وفعلوا فيها الأفاعيل كما تقدم في أخبار قرواش صاحب الموصل، وابن مروان صاحب ديار بكر، وكما يأتي في أخبار ابن وهشودان.

استيلاء مسعود بن سبكتكين علي همذان وأصفهان والري ثم عودها إلى علاء الدولة بن كاكويه

ولما فارق الغز همذان بعث إليها مسعود بن سبكتكين عسكرا فملكوها، وسار هو إلى أصفهان فهرب عنها علاء الدولة واستولى على ما كان بها من الذخائر، ولحق علاء الدولة إلى أبي كاليجار بتستر يستنجده عقب انهزامه أمام جلال الدولة سنة إحدى وعشرين كما قدمنا فوعده بالنصر إذا اصطلح مع عمه جلال الدولة. ثم توفي محمود بن سبكتكين، ورجع مسعود من خراسان، وكان فناخسرو بن مجد الدولة معتصما بعمران فطمع في الري وجمع جمعا من الديلم والأكراد وقصدها فهزمه نائب مسعود بها، وقتل جماعة من عسكره وعاد إلى حصنه. وعاد علاء الدولة من عند أبي كاليجار، وقد كان خائفا من مسعود أن يسير إليهم ولاطاقة لهم به، فجاء بعد موت محمود، وملك أصفهان وهمذان والري، وتجاور إلى أعمال أنوشروان وسروا إليه بالري واشتد القتال، وغلبوه على الري ونهبوها ونجا علاء الدولة جريحا إلى قلعة فردخان على خمسة عشر فرسخا من همذان فاعتصم بها، وخطب بالري وأعمال أنوشروان لمسعود بن سبكتكين، وولى عليها تاش الفوارس فأساء السيرة فولى علاء الدولة.

استيلاء جلال الدولة علي البصرة ثم عودها لأبي كاليجار

قد كنا قدمنا أن جلال الدولة خالف أبا كاليجار إلى الأهواز، واتبعه أبو كاليجار من واسط فهزمه جلال الدولة، ورجع إلى واسط فارتجعها. وبعث أبو منصور بختيار بن علي نائبا لأبي كاليجار فبعث أربعمائة سفينة للقائهم مع عبد الله السراني الركازي صاحب البطيحة فانهزموا، وعزم بختيار على الهرب. ثم ثبت وأعاد السفن لقتالهم والعسكر في البر، وجاء الوزير أبو علي لحربهم في سفينة فلما وصل نهر أبي الخصيب وبه عساكر بختيار رجع مهزوما وتبعه أصحاب بختيار. ثم ركب بختيار بنفسه، وأخذوا سفن أبي علي كلها وأخذوه أسيرا. وبعثه بختيار إلى أبي كاليجار فقتله بعض غلمانه اطلع له على ريبة وخشية فقتله. وكان قد أحدث في ولايته رسوما جائرة من المكوس، ويعين فيها. ولما بلغ خبره إلى جلال الدولة استوزر مكانه ابن عمه أبا سعد عبد الرحيم، وبعث الأجناد لنصرة الذين كانوا معه فملكوا البصرة في شعبان سنة إحدى وعشرين، ولحق بختيار بالأبلة في عساكره، واستمد أبا كاليجار فبعث إليه العساكر مع وزيره ذي السعادات أبي الفرج بن فسانجس فقاتلوا عساكر جلال الدولة بالبصرة، فانهزم بختيار أولا وأخذ كثير من سفنه. ثم اختلف أصحاب جلال الدولة بالبصرة وتنازعوا وافترقوا، واستأمن بعضهم إلى ذي السعادات فركبوا إلى البصرة وملكوها وعادت لأبي كاليجار كما كانت.

وفاة القادر ونصب القائم للخلافة

وفي ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة توفي الخليفة القادر لإحدى وأربعين سنة من خلافته، وكان مهيبا عند الديلم والأتراك. ولما مات نصب جلال الدولة للخلافة ابنه القائم بأمر الله أبا جعفر عبد الله بعد أبيه ولقبه القائم وبعث القاضي أبا الحسن الماوردي إلى أبي كاليجار في الطاعة فبايع، وخطب له في بلاده، وأرسل إليه بهدايا جليلة وأموال، ووقعت الفتنة ببغداد في تلك الأيام بين السنة والشيعة، ونهبت دور اليهود وأحرقت من بغداد أسواق، وقتل بعض جباة المكس وثار العيارون. ثم هم الجند بالوثوب على جلال الدولة، وقطع خطبته ففرق فيهم الأموال فسكتوا. ثم عاودوا فلزم جلال الدولة الأصاغر فشكا من قواده الأكابر وهما بأرسطعان وبلدوك، وأنهما استأثرا بالأموال فاستوحشا لذلك وطالبهما الغلمان بعلوفتهم وجراياتهم فسارا إلى المدائن، وندم الأتراك على ذلك. وبعث جلال الدولة مؤيد الملك الرجحي فاسترضاهما ورجعا. وزاد شغب الجند عليه ونهبوا دوابه وفرشه وركب إلى دار الخليفة مغضبا من ذلك وهو سكران فلاطفه ورده إلى بيته. ثم زاد شغبهم وطالبوه في الدواب لركوبهم فضجر وأطلق ما كان في اسطبله من الدواب وكانت خمس عشرة وتركها عائرة، وصرف حواشيه وأتباعه لانقطاع خزائنه فعوتب بتلك الفتنة، وعزل وزيره عميد الملك، ووزر بعده أبو الفتح محمد بن الفضل أياما، ولم يستقم أمره فعزله، ووزر بعده أبو إسحق إبراهيم بن أبي الحسين السهيلي وزير مأمون صاحب خوارزم وهرب لخمسة وعشرين يوما.

وثوب الأتراك ببغداد بجلال الدولة بدعوة أبي كاليجار ثم رجوعهم إلى جلال الدولة

ثم تجددت الفتنة بين الأتراك وجلال الدولة سنة ثلاث وعشرين في ربيع الأول فأغلق بابه، ونهب الأتراك داره، وسلبوا الكتاب وأصحاب الدواوين. وهرب الوزير أبو إسحق السهيلي إلى حي غريب بن محمد بن معن. وخرج جلال الدولة إلى عكبرا وخطبوا لأبي كاليجار، واستدعوه من الأهواز فمنعه العادل بن مافنة إلى أن يحضره بين قوادهم فعادوا إلى جلال الدولة وتطارحوا عليه فعاد لثلاث وأربعين يوما من مغيبه. واستوزر أبا القاسم بن ماكولا ثم عزله لفتنة الأتراك به، وإطلاق بعض المصادرين من يده.

استيلاء جلال الدولة علي البصرة ثانيا ثم عودها لأبي كاليجار

ثم توفي أبو منصور بختيار بن علي نائب أبي كاليجار بالبصرة منتصف أربع وعشرين فقام مكانه صهره أبو القاسم لاضطلاعه وكفايته، واستبد بها، ونكر أبو كاليجار استبداده وبعث بعزله فامتنع، وخطب لجلال الدولة. وبعث لابنه يستدعيه من واسط فجاء وملك البصرة وطرد عساكر أبي كاليجار. ثم فسد ما بين أبي القاسم والعزيز واستجار منه بعض الديلم بالعزيز، وشكوا منه فأخرجه العزيز عن البصرة وأقام بالأبلة، ثم عاد إلى محاربة العزيز حتى أخرجه عن البصرة، ورجع أبو القاسم إلى طاعة أبي كاليجار.

إخراج جلال الدولة من دال الملك ثم عوده

وفي رمضان من سنة أربع وعشرين استقدم جلال الدولة الوزير أبا القاسم فاستوح!ش الجند، واتهموه بالتعرض لأموالهم فهجموا عليه في دار الملك، وأخرجوه إلى مسجد في داره فاحتمل جلال الدولة الوزير أبا القاسم وانتقل إلى الكرخ. وأرسل إليه الجند بأن ينحدر عنهم إلى واسط على رسمه، ويقيم لإمارتهم بعض ولده الأصاغر فأجاب، وبعث إليهم واستمالهم فرجعوا عن ذلك واستردوه إلى داره، وحلفوا له على المناصحة. واستوزر عميد الدولة أبا سعد سنة خمس وعشرين عوضا من ابن ماكولا فاستوحش ابن ماكولا، وسار إلى عكبرا فرده إلى وزارته، وعزل أبا سعد فبقي أياما. ثم فارقها إلى أوانا فأعاد أبا سعد عبد الرحيم إلى وزارته. ثم خرج أبو سعد هاربا من الوزارة ولحق بأبي الشوك، ووزر بعده أبو القاسم فكثرت مطالبات الجند له، وهرب لشهرين فحمل إلى دار الخلافة مكشوف الرأس، وأعيد أبو سعد إلى الوزارة وعظم فساد العيارين ببغداد. وعجز عنهم النواب فولي جلال الدولة البساسيري من قواد الديلم حماية الجانب الغربي ببغداد فحسن فيه غناؤه، وانحل أمر الخلافة والسلطنة ببغداد حتى أغار الأكراد والجند على بستان الخليفة، ونهبوا ثمرته. وطلب أولئك الجند جلال الدولة فعجز عن الانتصاف منهم أو إسلامهم للخليفة فتقدم الخليفة إلى القضاة والشهود والفقهاء بتعطيل رسومهم فوجم جلال الدولة، وحمل أولئك الجند بعد غيبتهم أياماً إلى دار الخليفة فاعترضهم أصحابهم وأطلقوهم، وعجز النواب عن إقامة الأحكام في العيارين ببغداد، وانتشر العرب في ضواحي بغداد وعاثوا فيها حتى سلبوا النساء في المقابر عند جامع المنصور، وشغب الجند سنة سبع وعشرين بجلال الدولة فخرج متنكرا في سيما بدوي إلى دار المرتضى بالكرخ، ولحق منها برافع بن الحسين بن معن بتكريت، ونهب الأتراك داره وخربوها. ثم أصلح القائم أمر الجند وأعاده.

فتنة بادسطفان ومقتله

قد قدمنا ذكر بادسطفان هذا وأنه من أكابر قواد الديلم ويلقب حاجب الحجاب، وكان جلال الدولة ينسبه لفساد الأتراك والأتراك ينسبونه إلى إحجاز الأموال فاستوحش واستجار بالخليفة منتصف سبع وعشرين فأجاره، وكان يراسل أبا كاليجار ويستدعيه فبعث أبو كاليجار عسكراً إلى واسط، وثار معهم العسكر الذين بها وأخرجوا العزيز بن جلال الدولة إلى بغداد، وكشف بادسطفان القناع في الدعاء لأبي كاليجار، وحمل الخطباء على الخطبة لامتناع الخليفة منها. وجرت بينه وبين جلال الدولة حرب وسار إلى الأنبار، وفارقه قرواش إلى الموصل، وقبض بادسطفان على ابن فسانجس فعاد منصور بن الحسين إلى بلده. ثم جاء الخبر بأن أبا كاليجار سار إلى فارس فانتقض عن بادسطفان الديلم الذين كانوا معه، وترك ماله وخدمه وما معه بدار الخليفة القائم وانحدر إلى واسط. وعاد جلال الدولة إلى بغداد، وبعث البساسيري وبني خفاجة في طلب بادسطفان، وسار هو ودبيس في اتباعهم فلحقوه بالخيزرانية فقاتلوه وهزموه، وجاؤوا به أسيرا إلى جلال الدولة ببغداد، وطلب من القائم أن يخطب له ملك الملوك فوقف عن ذلك إلا أن يكون بفتوى الفقهاء فأفتاه القضاة أبو الطيب الطبري وأبو عبد الله الصيمري وأبو القاسم الكرخي بالجواز ومنع أبو الحسن الماوردي، وجرت بينهم مناظرات حتى رجحت فتواهم وخطب له بملك الملوك. وكان الماوردي من أخص الناس بجلال الدولة فخجل وانقطع عنه ثلاثة أشهر، ثم استدعاه وشكر له إيثار الحق وأعاده إلى مقامه.

مصالحة جلال الدولة وأبي كاليجار

ثم ترددت الرسل بين جلال الدولة وأبي كاليجار ابن أخيه، وتولى ذلك القاضي أبو الحسن الماوردي وأبو عبد الله المردوسي فانعقد بينهما الصلح والصهر لأبي منصور بن أبي كاليجار على ابنة جلال الدولة، وأرسل القائم إلى أبي كاليجار بالخلع النفيسة. عزل الظهير أبي القاسم عن البصرة واستقلال أبي كاليجار بها: قد قدمنا حال الظهير أبي القاسم في ملك البصرة بعد صهره أبي منصور بختيار،

وأنه عصى على أبي كاليجار بدعوة جلال الدولة. ثم عاد إلى طاعته واستبد بالبصرة، وكان ابن أبي القاسم بن مكرم صاحب عمان يكاتب أبا الجيش وأبا كاليجار بزيادة ثلاثين ألف دينار في ضمان البصرة فأجيب إلى ذلك، وجهز له أبو كاليجار العساكر مع العادل أبي منصور بن مافنة، وجاء أبا الجيش بعساكره في البحر من عمان وحاصروا البصرة برا وبحرا وملكوها، وقبض على الظهير واستصفيت أمواله وصودر على تسعين ألفاً فحملها في عشرة أيام، ثم على مائة ألف وعشرة آلاف فحملها كذلك، ووصل الملك أبو كاليجار إلى البصرة سنة إحدى وثلاثين، وأنزل بها ابنه عز الملوك والأمير أبا الفرج بن فسانجس وعاد إلى الأهواز ومعه الظهير أبو القاسم.

أخبار عمان وابن مكرم

قد قدمنا خبر أبي محمد بن مكرم، وأنه كان مدبر دولة بهاء الدولة وقبله ابنه أبو الفوارس، وأن ابنه أبا القاسم كان أميرا بعمان منذ سنة خمس عشرة، ثم توفي سنة إحدى وثلاثين وخلف بنين أربعة وهم: أبو الجيش والمهذب وأبو محمد وآخر صغير لم يذكر اسمه. وكان علي بن هطال صاحب جيش أبي القاسم فأقره أبو الجيش، وبالغ في تعظيمه حتى كان يقوم له إذا دخل عليه في مجلسه فنكر ذلك المهذب على أخيه، وحقدها له ابن هطال فعمل دعوة واستأذن أبا الجيش في إحضار أخيه المهذب لها، وأحضره وبالغ في خدمته حتى إذا طعموا وشربوا وانتشوا فاوضه ابن هطال في التوثب بأخيه أبي الجيش، واستكتبه بما يوليه من المراتب ويعطيه من الإقطاع على مناصحته في ذلك. ثم وقف أبا الجيش على خطة أخبره أنه لم يوافقه ثم قال له: وبسبب ذلك كان نكيره عليك في شأني فقبض أبو الجيش على أخيه واعتقله ثم خنقه. ثم توفي أبو الجيش بعد ذلك بيسير وهم ابن هطال بتولية أخيه محمد فأخفته أمه حذرا عليه، ورفعت الأمر إلى ابن هطال فولي عمان وأساء السيرة وصادر التجار، وبلغ ذلك إلى أبي كاليجار فأمر العادل أبا منصور بن مافنة أن يكاتب المرتضى نائب أبي القاسم بن مكرم بجبال عمان، ويأمره بقصد ابن هطال في عمان. وبعث إليه العساكر من البصرة فسار إلى عمان وحاصرها واستولى على أكثر أعمالها. ثم دس إلى خادم كان لابن مكرم، وصار لابن هطال، وأمره باغتياله فاغتاله وقتله. ومات العادل أبو منصور بهرام بن مافنة وزير أبي كاليجار سنة ثلاث وثلاثين، ووزر بعده مهذب الدولة وبعث لمدافعتهم عنها، وكانوا

يحاصرون جيرفت فأجفلوا عنها، ولم يزل في اتباعهم حتى دخلوا المفازة ورجع مهذب الدولة إلى كرمان فأصلح فسادهم. وفاة جلال الدولة سلطان بغد اد وولاية أبي كاليجار: ثم توفي جلال الدولة ببغداد في شعبان سنة خمس وثلاثين وأربعمائة لسبع عشرة سنة من ملكه ولد كان بلغ في الضعف وشغب الجند عليه واستبداد الأمراء والنواب فوق الغاية. ولما توفي انخذل الوزير كمال الملك عبد الرحيم وأصحاب السلطان الأكابر إلى حريم دار الخلافة خوفا من الأتراك والعامة، واجتمع قواد العسكر فمنعوهم من النهب. وكان ابنه الأكبر الملك العزيز أبو منصور بواسط فكاتبه الجند بالطاعة، وشرطوا عليه تعجيل حق البيعة فأبطأ عنهم. وبادر أبو كاليجار صاحب الأهواز فكاتبهم ورغبهم في المال وتعجيله فعدلوا عن الملك العزيز إليه. وأصعد بعد ذلك من الأهواز فلما انتهى إلى النعمانية غدر به أصحابه فرجع إلى واسط، وخطب الجند ببغداد لأبي كاليجار. وسار العزيز إلى دبيس بن مزيد، ثم إلى قرواش بن المقلد بالموصل ثم فارقه إلى أبي الشوك لصهر بينهما فغدر به، وألزمه على طلاق بنته فسار إلى إبراهيم نيال أخي طغرلبك. ثم قدم بغداد مختفيا يروم الثورة بقتل بعض أصحابه ففر ولحق بنصير الدولة بن مروان فتوفي عنده بميافارقين، وقدم أبو كاليجار بغداد في صفر سنة ست وثلاثين وأربعمائة، وخطب له بها. واستقر سلطانه فيها بعد أن بعث بأموال فرقت على الجند ببغداد وبعشرة آلاف دينار وهدايا كثيرة للخليفة. وخطب له فيها أبو الشوك ودبيس بن مزيد كل بأعماله ولقبه الخليفة بمحيي الدولة. وجاء في قل من عساكره خوفا أن يستريب به الأتراك فدخل بغداد في شهر رمضان، ومعه وزيره أبو السعادات أبو الفرج محمد بن جعفر بن فسانخس، واستعفى القائم من الركوب للقائه، وتقدم بإخراج عميه من بغداد فمضيا إلى تكريت، وخلع على أصحاب الجيوش وهم البساسيري والساري والهمام أبو اللقاء وثبت قدمه في الملك. أخبار ابن كاكويه مع عساكر مسعود وولايته علي أصفهان ثم ارتجاعه منها: قد تقدم انهزام علاء الدولة بن كاكويه من الري ومسيره جريحا ومعه فرهاد بن

مرداويج الذي جاءه إلى قلعة فردخان مدداً وساروا منها إلى يزدجرد، واتبعهم علي بن عمران قائد تاش قرواش. وافترقوا من يزدجرد فمضى أبو جعفر إلى نيسابور عند الأكراد الجردقان، وصعد فرهاد إلى قلعة سمكيس، واستمال الأكراد الذين مع علي- بن عمران وحملهم على الفتك به فشعر علي وسار إلى همذان، واتبعه فرهاد والأكراد فحصروه في قرية بطريقه فامتنع عليهم بكثرة الأمطار ورجعوا عنه، وبعث علي بن عمران إلى الأمير تاش يستمده وعلاء الدولة إلى ابن أخيه بأصفهان يستمد المال والسلاح فاعترضه علي بن عمران من همذان، وكبسه بجردقان وغنم ما معه وأسره، وخالفه علاء الدولة وأقره على أصفهان على ضمان معلوم. وكذلك قابوس في جرجان وطبرستان وولى على الري أبا سهل الحمدوني. وأمر تاش قرواش صاحب خراسان بطلب شهربوس بن ولكين صاحب ساوة، وكان يفسد السابلة ويعترض الحاج، وسار إلى الري وحاصرها بعد موت محمود فبعث تاش العساكر في أثره، وحاصروه ببعض قلاع قم، وأخذوه أسيرا فأمر بصلبه على ساوة ثم اجتمع علاء الدولة بن كاكويه وفرهاد بن مرداويح على قتال أبي سهل الحمدوني وقد زحف في العساكر من خراسان فقاتلاه، وقتل فرهاد وانهزم علاء الدولة إلى جبل بين أصفهان وجرجان فاعتصم به. ثم لحق بأيدج وهي للملك أبي كاليجار. واستولى أبو سهل على أصفهان ونهب خزائن علاء الدولة وحملت كتبه إلى غزنة إلى أن أحرقها الحسين بن الحسين الغوري، وذلك سنة خمس وعشرين. ثم سار علاء الدولة سنة سبع وعشرين وحاصر أبا سهل في أصفهان، وغدرته الأتراك فخرج إلى يزدجرد ومنها إلى الطرم فلم يقبله ابن السلار خوفا من ابن سبكتكين فسار عنه. ثم غلبه طغرلبك على خراسان سنة تسع وعشرين وارتجعها مسعود سنة ثلاثين كما ذكرناه ونذكره.

وفاة علاء الدولة أبي جعفر بن كاكويه

ثم توفي علاء الدولة شهربان بن كاكويه في محرم سنة ثلاث وثلاثين، وقد كان عاد إلى أصفهان عند شغل بن سبكتكين بفتنة طغرلبك فملكها. ولما توفي قام مكانه بأصفهان ابنه الأكبر ظهير الدين أبو منصور قرامرد. وسار ولده الآخر أبو كاليجار كرشاسف إلى نهاوند فملكها، وضبط البلد وأعمال الجيل. وبعث أبو منصور قرامرد إلى مستحفظ قلعة

نظير التي كان فيها ذخائر أبيه وأمواله فامتنع بها وعصى، وسار أبو منصور لحصاره ومعه أخوه أبو حرب فلحق أبو حرب بالمستحفظ، ورجع أبو منصور إلى أصفهان. وبعث أبو حرب إلى السلجوقية بالري يستنجدهم فسارت طائفة منهم إلى جرجان فنهبوها وسلموها لأبي حرب. فسير أبو منصور العساكر وارتجعها فجمع أبو حرب فهزموه، وحاصروا أبا حرب بالقلعة فأسرى من القلعة، ولحق بالملك أبي كاليجار صاحب فارس، واستنجده على أخيه أبي منصور فأنجده بالعساكر وحاصروا أبا منصور وأوقعوه عدة وقائع.

ثم اصطلحوا آخرا على مال يحمله أبو منصور إلى أبي كاليجار، وعاد أبو حرب إلى قلعة نظيرا، واشتد الحصار عليه. ثم صالح أخاه أبا منصور على أن يعطيه بعض ما في القلعة وتبقى له فاتفقا على ذلك. ثم سار إبراهيم نيال إلى الري، وطلب الموادعة من أبي منصور فلم يجبه فسار إلى همذان ويزدجرد فملكهما وسعى الحسن الكيا في اتفاقه مع أخيه أبي حرب فاتفقا، وخطب أبو حرب لأخيه أبي منصور في بلاده، وأقطعه أبو منصور همذان. ثم ملك طغرلبك البلاد من يد ابن سبكتكين، واستولى على خوارزم وجرجان وطبرستان. وكان إبراهيم نيال عندما استولى طغرلبك على خراسان، وهو أخوه لأمه، تقدم في عساكر السلجوقية إلى الري فاستولى عليها. ثم ملك يزدجرد، ثم قصد همذان سنة أربع وثلاثين ففارقها صاحبها ابن علاء الدولة إلى نيسابور وجاء إبراهيم إلى همذان بطلب طاعتهم فشرطوا عليه استيلاءه على عساكر كرشاسف فسار إليها، وتحصن في سابور خواست، وملك عليه البلاد وعاث في نواحيها، ونحصن هو بالقلعة، وعاد هو إلى الري. وقد صمم طغرلبك على قصدها فسار إليه، وترك همذان، ورجع كرشاسف، وملك طغرلبك الري من يد إبراهيم. وبعث إلى سجستان، وأمر بعمارة ما خرب من الري، ووجد بدار الإمارة مراكب ذهب مرصعة بالجواهر، وبرنيتين من النحاس مملوءتين جواهر وذخائر مما سوى ذلك وأموالاً كثيرة. ثم ملك قلعة طبرك من يد مجد الدولة بن بوبه، وأقام عنده محرماً. وملك قزوين ل!صالحه صاحبها بثمانين ألف دينار وصار في طاعته. ثم بعث إلى كركتاش وموقا من الغز العراقية الذين تقدموا إلى الري، واستدعاهم من نواحي جرجان فارتابوا وشردوا خوفا منه، ثم بعث إلى ملك الديلم يدعوه إلى الطاعة ويطلب منه المال فأجاب وحمل، وبعث إلى سلار الطرم بمثل ذلك فأجاب وحمل مائتي ألف دينار وقرر عليه ضمانا معلوما. ثم بعث السرايا إلى أصفهان، وخرج من الري في اتباعها فصانعه قرامرد بالمال فرجع عنه. وسار إلى همذان فملكها، وقد كان سار إليه كرشاسف بن علاء الدولة وهو بالري فأطاعه، وسار معه إلى أبهر وزنجان فملكهما، وأخذ منه همذان وتفرق عنه أصحابه.

وطلب منه طغرلبك قلعة كشكور فأرسل إلى مستحفظها بنزولهم عنها فامتنعوا، واتبعه طغرلبك إلى الري، واستخلف على همذان ناصر الدين العلوي، وكان كرشاسف قد قبض عليه فأخرجه طغرلبك، وجعله رديفاً للذي ولاه البلد من السلجوقية، ثم نزل كرشاسف على كشكور سنة ست وثلاثين، وجاء إلى همذان فملكها وطرد عنها عمال طغرلبك. وخطب للملك أبي كاليجار فبعث طغرلبك أخاه إبراهيم نيال سنة سبع وثلاثين إلى همذان، ولحق كرشاسف بشهاب الدولة أبي الفوارس منصور بن الحسين صاحب جزيرة بني دبيس، وارتاع الناس بالعراق لوصول إبراهيم نيال إلى حلوان. وبلغ الخبر إلى أبي كاليجار فأراد التجمع لإبراهيم نيال فمنعه قلة الظهر. وحدثت فتنة بين طغرلبك وأخيه إبراهيم نيال، وأخذ الري وبلاد الجيل من يده. ثم سار إلى أصفهان فحاصرها في محرم سنة اثنين وأربعين، وبعث السرايا فبلغت البيضاء، وأقام يحاصرها حولا كاملا حتى جهدهم الحصار، وعدموا الأقوات وحرقوا السقف لوقودهم حتى سقف الجامع. ثم استأمنوا وخرجوا إليه، وملك أصفهان سنة ثلاث وأربعين، وأقطع صاحبها أبا منصور وأجناده في بلاد الجيل. ونقل أمواله وسلاحه من الري إليها وجعلها كرسيا لملكه. وانقرضت دولة فخر الدولة بن بويه من الري وأصفهان وهمذان. وبقي منهم بالعراق وفارس أبو كاليجار والبقاء لله وحده.

موت أبي كاليجار

ولما رأى أبو كاليجار استيلاء طغرلبك على البلاد، وأخذه الري وأصفهان وهمذان والجيل من قومه، وإزالة ملكهم راسله في الصهر والصلح، بأن يزوجه ابنته، وزوج داود أخو طغرلبك ابنته من أبي منصور بن أبي كاليجار، وانعقد ذلك بينهما في منتصف تسع وثلاثين. وكتب طغرلبك إلى أخيه إبراهيم نيال عن العراق وأعماله ابن سكرستان من الديلم، وقرر عليه مالا فطاول في حمله، ورافع فشكر له أبو كاليجار، وانتزع من يده قلعة يزدشير وهي تعلقه. ثم استمال أجناده فقتلهم بهرام، واستوحش فسار إليه أبو كاليجار، وانتهى إلى قصر مجامع من خراسان فطرقه المرض، وضعف عن الركوب فرجعوا به إلى مدينة خبايا وتوفي بها في جمادى الأول سنة أربعين وأربعمائة لأربع سنين وثلاثة أشهر من ملكه العراق.

ولما توفي نهب الأتراك خزائنه وسلاحه ودوابه، وانتقل ولده أبو منصور فلاستون إلى مخيم الوزير أبي منصور وكانت منفردة عن العسكر فأقام عنده، واختلف الأتراك والديلم وأراد الأتراك نهب الأمير والوزير فمنعهم الديلم، واختلفوا إلى شيراز فملكها الأمير أبو منصور، وامتنع الوزير بقلعة حزقة. وبلغ وفاة أبي كاليجار إلى بغداد وبها ابنه أبو نصر فاستخلف الجند. وأمر القائم بالخطبة على عادة قومه. وسأل أن يلقب بالرحيم فمنع الخليفة من ذلك أدبا، ولقبه به أصحابه واستقر بالعراق وخوزستان والبصرة. وكان بالبصرة أخوه أبو علي فأقره عليها. ثم بعث أخاه أبا سعد في العساكر في شوال من السنة إلى شيراز فملكها وخطبوا له بها، وقبضوا على أخيه أبي منصور وأمه وجاؤوا بهما إليه. وكان الملك العزيز بن جلال الدولة عند إبراهيم نيال، الحق به بعد مهلك أبيه. فلما مات أبو كاليجار زحف إلى البصرة طامعا في ملكها فدافعه الجند الذين بها. وبلغه استقامة الملك ببغداد للرحيم فأقطع وذهب إلى ابن مروان فهلك عنده كما مر.

ملك الملك الرحيم بن أبي كاليجار ومواقعه\

قد تقدم لنا أن أبا منصور فلاستون بن أبي كاليجار سار إلى فارس بعد موت أبيه فملكها، وأنه بعث أخاه أبا سعيد بالعساكر فقبضوا عليه وعلى أمه ثم انطلق ولحق بقلعة اصطخر ببلاد فارس فسار الملك الرحيم من الأهواز في اتباعه سنة إحدى وأربعين، وأطاعه أهل شيراز وجندها، ونزل قريباً منها. ثم وقع الخلاف بين جند شيراز وبين جند بغداد، وعادوا إلى العراق فعاد معهم الملك الرحيم لارتيابه بجند شيراز، وبعث الجند والديلم جميعا ببلاد فارس إلى أخيه فلاستون. ولما عاد استخلف العساكر، وسار إلى أرجان عازماً على قصد الأهواز. وعاد الملك الرحيم للقائه من الأهواز في ذي القعدة من السنة، واقتتلوا وانهزم الملك الرحيم، وعاد إلى واسط منهزما. وسار بعض إلى الملك الرحيم يستجيشون به للرجوع إلى فارس فأرسل إلى بغداد، واستنفر الجند، وسار إلى الأهواز فبلغه طاعة أهل فارس، وأنهم منتظرون قدومه فأقام بالأهواز ينتظر عساكر بغداد. ثم سار إلى عسكر مكرم فملكها سنة ثلاث وأربعين.

ثم اجتمع جمع من، لعرب والأكراد مقدمهم طراد بن منصور ومذكور بن نزار فقصدوا سرف فنهبوها ونهبوا درق. وبعث الملك الرحيم بعساكره في محرم سنة ثلاث وأربعين فهزموا العرب والأكراد، وقتل مطارد وأسر ابنه واسترد النهب. وبلغ الخبر إلى الملك الرحيم وهو بعسكر مكرم فتقدم إلى قنطرة اربق، ومعه دبيس بن مزيد والبساسيري وغيرهما. ثم سار هزارسب بن تنكر ومنصور بن الحسين الأسدي بمن معهما من الديلم والأتراك من أرجان إلى تستر فسابقهم الملك الرحيم فكان الظفر له. ثم زحف في محس!كر إلى رامهرمز وبها أصحاب هزارسب فهزموهم وأثخنوا فيهم، وتحيزوا إلى رامهرمز في طاعة الملك الرحيم. ثم قبض هزارسب عليهم وأرسل إلى الملك الرحيم بطاعته فبعث أخاه أبا سعيد إليه فملك إصطخر، وخدمه أبو نصر بعسكره وماله، وأطاعته جموع من عساكر فارس من الديلم والترك والعرب والأكراد وحاصروا قلعة بهندر فخالفه هزارسب ومنصور بن الحسين الأسدي إلى الملك الرحيم فهزموه.

وفارق الأهواز إلى واسط وعاد إلى سعد بشيراز فقاتلهم وهزمهم. ثم عاودوا القتال فهزمهم وأثخن فيهم واستأمن إليه كثير منهم، وصعد فلاستون إلى قلعة بهندر فامتنع بها وأعيدت الخطبة للملك الرحيم بالأهواز. ثم مضى فلاستون وهزارسب إلى ايدج، وبعثوا بطاعتهم إلى السلطان طغرلبك واستمدوه، وبعث إليهم العساكر والملك الرحيم بعسكر مكرم، وقد انصرف عنه البساسيري إلى العراق ودبيس بن مزيد والعرب والأكراد، وبقي معه ديلم الأهواز، وأنزل بغداد فسار من عسكر مكرم إلى الأهواز، وحاصروه بها فبعث أخاه أبا سعد صاحب فارس حين طلبه صاحب إصطخر ليفت ف!ر عضد فلاستون وهزارسب ويرجعوا عنه فلم يهجهم ذلك، وساروا إلى الأهواز قاتلوه فهزموه. ولحق في الفل بواسط ونهبت الأهواز. وفقد في الوقعة الوزير كمال الملك أبو المعالي بن عبد الرحيم وكانت السلجوقية قد ساروا إلى فارس فاستولى ألب ارسلان ابن أخي طغرلبك على مدينة نسا وعاثوا فيها، وذلك سنة ثلاث وأربعين. ثم ساروا سنة أربع وأربعين إلى شيراز، ومعهم العادل بن مافنة وزير فلاستون فقبضوا عليه، وملكوا منه ثلاث قلاع وسلموها إلى أبي سعد أخي الملك الرحيم، واجتمعت عساكر شيراز فهزموا الغز الذين ساروا إليها وأسروا بعض مقدميهم. ثم ساروا إلى نسا وقد كان تغلب عليها بعض السلجوقية فأخرجوهم عنها وملكوها.

الفتنة بين البساسيري وبني عقيل واستيلاؤه علي الأنبار

لما سار الملك الرحيم إلى شيراز سنة إحدى وأربعين ثار بعض بني عقيل باردوفا فنهبوها وعاثوا فيها، وكانت من أقطاع البساسيري فلما عاد من فارس سار إليهم من بغداد فأوقع بأبي كامل بن المقلد، واقتتلوا قتالا شديدا. ثم تحاجزوا ورفع إلى البساسيري أن قرواش أساء السيرة في أهل الأنبار، وجاء أهلها متظلمين منه فبعث معهم عسكرا فملكوها، وجاء على أثرهم فأصلح أحوالها. وزحف قريش إليها سنة ست وأربعين فملكها وخطب فيها لطغرلبك، ونهب ما كان فيها للبساسيري، ونهب حلل أصحابه بانحاص. وجمع البساسيري وقصد الأنبار وخوي فاستعادها من يد قريش ورجع إلى بغداد.

استيلاء الخوارج علي عمان

كان أبو المظفر بن أبي كاليجار أميرا على عمان، وكان له خادم مستبد عليه فأساء السيرة في الناس، ومد يده إلى الأموال فنفروا منه. وعلم بذلك الخوارج في جبالها فجمعهم ابن رشد منهم وسار إلى المدينة فبرز إليه أبو المظفر وظفر بالخوارج. ثم جمع ثانية وعاد لقتال أبي المظفر والديلم وأعانه عليهم أهل البلد لسوء سيرتهم فهزمهم ابن رشد وملك البلد، وقتل الخادم وكثيرا من الديلم والعمال، وأخرب دار الإمارة وأسقط المكوس، واقتصر على ريع العشر من أموال التجار والواردين. وأظهر العدل ولبس الصوف، وبنى مسجدا لصلاته وخطب لنفسه، وتلقب الراشد بالله. وقد كان أبو القاسم بن مكرم بعث إليه من قبل ذلك من حاصره في جبله وأزال طمعه.

الفتنة بين العامة ببغداد

وفي صفر من سنة ثلاث وأربعين تجددت الفتنة ببغداد بين أهل السنة والضيعة وعظمت، وتظاهر الشيعة بمذاهبهم وكتبوا بعض عقائدهم في الأبواب، وأنكر ذلك أهل السنة واقتتلوا. وأرسل القائم نقيبي العباسية والعلوية لكشف الحال فشهدوا للشيعة ودام القتال. وقتل رجل من الهاشمية من أهل السنة فقصدوا مشهد باب النصر، ونهبوا ما فيه وأحرقوا ضريح موسى الكاظم وحافده محمد المتقي وضرائح بني بويه وبعض خلفاء بني العباس، وهموا بنقل شلو الكاظم إلى مقبرة أحمد بن حنبل فحال دون ذلك جهلهم بعين الجدث. وجاء نقيب العباسية فمنع من ذلك، وقتل أهل الكرخ من الشيعة أبا سعيد السرخسي مدرس الحنفية، وأحرقوا محال الفقهاء ودورهم وتعدت الفتنة إلى الجانب الشرقي. وبلغ إحراق المشهد إلى دبيس فعظم عليه، وقطع خطبة القائم لأنه وأهل ناحيته كانوا شيعة، وعوتب في ذلك فاعتذر بأن أهل الناحية تغري القائم بأهل السنة، وأعاد الخطبة بحالها. ثم عظمت الفتنة سنة خمس وأربعين واطرحوا مراقبة السلطان، ودخل معهم طوائف من الأتراك، وقتل بعض العلوية فصرخ النساء بثأره واجتمع السواد الأعظم، وركب القواد لتسكين الفتنة فقاتلهم أهل الكرخ قتالا شديدا وحرقت أسواق الكرخ. ثم منع الأتراك من الدخول بينهم فسكنوا قليلا.

استيلاء الملك الرحيم علي البصرة

قد كنا قدمنا أن الملك الرحيم لما تولى بغداد بعد أبيه أقر أخاه أبا علي على إمارة البصرة، ثم بدا منه العصيان فبعث إليه العساكر مع البساسيري القائم بدولته فزحف إلى البصرة وبرزوا إليه في الماء فقاتلهم عدة أيام. ثم هزمهم وملك عليهم الأنهار، وسارت العساكر في البر إلى البصرة، واستأمنت ربيعة ومضر فأمنهم وملك البصرة، وجاءته رسل الديلم بخوزستان يعتذرون، ومضى أبو علي فتحصن بشط عثمان وخندق عليه فمضى الملك الرحيم إليه وملكه، ومضى أبو علي وابنه إلى عبادان ولحق منها إلى جرجان متوجها إلى السلطان طغرلبك. فلما وصل إليه بأصفهان لاقاه بالتكرمة وأنزله بعض قلاع جرباذقان، وأقطع له في أعمالها. وأقام الملك الرحيم بالبصرة أياما، واستبدل من أجناد أخيه أبي علي بها. واستخلف عليها البساسيري وسار إلى الأهواز. وترددت الرسل بينه وبين منصور بن الحسين وهزارشب فدخلوا في طاعته، وصارت تستر إليه، وأنزل بأرجان فولاد بن خسرو الديلمي فسار في أعمالها، وحمل المتغلبين هناك على طاعة الملك الرحيم حتى أذعنوا.

استيلاء فلأستون علي شيراز بدعوة طغرلبك

قد قدمنا أنه كان بقلعة إصطخر أبو نصر بن خسرو مستوليا عليها، وأنه أرسل بطاعته سنة ثلاث وأربعين إلى الملك الرحيم عندما ملك رامهرمز، واستدعى منه أخاه أبا سعيد ليملكه بلاد فارس فسار إليه بالعساكر وملك البلاد، ونزل شيراز، وكان معه عميد الدولة أبو نصر الظهير قد استبد في دولته، وساءت سيرته في جنده. وأوحش أبا نصر مستدعيهم للملك فانتقض عليهم، وداخل الجند في الانتقاض فشغبوا وقبضوا على عميد الدولة، ونادوا بدعوة أبي منصور فلاستون واستدعوه، وأخرجوا أبا سعيد عنهم إلى الأهواز، ودخل أبو منصور إلى الأهواز فملكها وخطب لطغرلبك وللملك الرحيم ثم لنفسه بعدهما.

وقائع البساسيري مع الأعراب والأكراد لطغرلبك

لما استولى طغرلبك على النواحي وأحاط بأعمال بغداد من جهاتها، وأطاعه أكثر الأكراد إلى حلوان وكثر فسادهم وعيثهم، والتفت عليهم الأعراب، وأهم الدولة شأنهم فسار إليهم البساسيري، واتبعهم إلى البوازيج فظفر بهم وقتل وغنم وعبروا الزاب. وجاء الديلم فتمكن من العبور إليهم وذلك سنة خمس وأربعين. ثم دعاه دبيس صاحب الجلة إلى قتال خفاجة، وقد عاثوا في بلاده فاستنجد به وسار إليهم فأجلاهم عن الجامعين، ودخلوا المفازة واتبعهم فأدركهم بخفان فأوقع بهم وغنم أموالهم وأنعامهم، وحاصر حصن خفان وفتحه وخربه. وأراد تخريب القائم الذي به، وهو بناء في غاية الارتفاع كالعلم يهتدى به. قيل إنه وضع لهداية السفن لما كان البحر إلى النجف فصانع عنه ربيعة بن مطاعم بالمال وترك له، وعاد فصلب من كان معه من أسرى العرب. ثم سار إلى خوي فحصرها وقرر عليها سبعة آلاف دينار.

فتنة الأتراك واستيلاء عساكر طغرلبك علي النواحي

كان الأتراك من جند بغداد قد استفحل أمرهم على الدولة، واشتطوا وتطاولوا إلى الفتنة عندما هبت ريحها بظهور طغرلبك واستيلائه على النواحي، فطالبوا الوزير في محرم سنة ست وأربعين بمبلغ كبير من أرزاقهم ورسومهم وأرهقوه، واختفى في دار

الخلافة فاتبعوه وطلبوه من أهل الدار فجحدوه فشغبوا على الديوان، وتعدوا إلى الشكوى من الخليفة، وساء الخطاب بينهم وبين أهل الديوان وانصرفوا، وشاع بين الناس أنهم محاصرون دار الخلافة فانزعجوا. وركب البساسيري، وهو النائب يومئذ ببغداد إلى دار الخلافة، وطلب الوزير وكبس الدور من أجله فلم يوقف له على خبر. وشغب الجند ونهبوا دار الروم وأحرقوا البيع، وكبسوا دار ابن عبيد وزير البساسيري. ووقف أهل الدروب لمنع بيوتهم من الأتراك فنهبوا الواردين، وعدمت الأقوات. والبساسيري في خلال ذلك مقيم بدار الخلافة إلى أن ظهر الوزير، وقام بهم بما عليهم من أثمان دوابه وقماشه. واتصل الهرج، وعاد الأعراب والأكراد إلى العيث والإغارة والنهب والقتل. وجاءت أصحاب قريش صاحب الموصل فكبسوا حلل كامل ابن عمه بالبردوان، ونهبوا منها دواب وجمالا من البخاتي كانت هناك للبساسيري فتضاعف الهرج، وانحل نظام الملك. ووصل عساكر الغز إلى الدسكرة مع إبراهيم بن إسحق من أمراء طغرلبك ورستبارد فاستباحوها. ثم تقدموا إلى قلعة البردوان وقد عصى صاحبها سعدي على طغرلبك فامتنعت عليهم فعاثوا في نواحيها، وخربت تلك الأعمال وانجلى أهلها. وسارت طائفة أخرى إلى الأهواز فخربوا نواحيها، وقوي طمع السلجوقية في البلاد، وخافت الديلم ومن معهم من الأتراك وضعفت نفوسهم. ثم بعث طغرلبك أبا علي بن أبي كاليجار الذي كان صاحب البصرة في عساكر السلجوقية إلى خوزستان فانتهى إلى سابورخواست، وكاتب الديلم بالوعد والوعيد فنزع إليه أكثرهم واستولى على الأهواز، ونهبها عس!اكر السلجوقية وصادروا أهلها، وهرب أهلها منهم.

الوحشة بين القائم والبساسيري

قد قدمنا ما وقع من قريش بن بدران في نهب حلل البساسيري أصحابه سنة ست وأربعين. ثم وصل إلى بغداد أبو الغنائم وأبو سعد ابنا المجلبان صاحب قريش، ودخلا في خفية فهم البساسيري بأخذهما فأجارهما الوزير رئيس الرؤساء عليه فغضب، وسار إلى خوي والأنبار فملكهما، ورجع ولم يعرج على دار الخلافة. وأسقط مشاهرات القائم والوزير وحواشي الدار من دار الضرب، ونسب إلى الوزير مكاتبته طغرلبك. ثم سار في ذي الحجة من سنة ست وأربعين إلى الأنبار، وبها أبو الغنائم بن المجلبان، ونصب عليها المجانيق ودخلها عنوة، وأسر أبا الغنائم في خمسمائة من أهلها، ونهب البلاد وعاد إلى بغداد. وقد شهر أبا الغنائم وهم بصلبه فشفع فيه دبيس بن صدقة، وكان قد جاء مددا له على حصار الأنبار فشفعه وصلب جماعة من الأسرى.

وثوب الأتراك بالبساسيري ونهب داره

كان هذا البساسيري مملوكا لبعض تجار بسا من مدائن فارس فنسب إليها. ثم صار لبهاء الدولة بن عضد الدولة، ونشأ في دولته، وأخذت النجابة بضبعه. وتصرف في خدمة بيته إلى أن صار في خدمة الملك الرحيم. وكان يبعثه في المهمات ومدافعة الفتن هذه فدافع الأكراد من جهة حلوان، ودافع قريش بن بدران من الجانب الغربي، وهما قائمان بدعوة طغرلبك. ثم سارا إلى الملك الرحيم بواسط وقد تأكدت الوحشة بينه وبين الوزير رئيس الرؤساء كما تقدم. وبعث إليه وزيره أبو سعد النصراني بجرار خمر فدس عليها الوزير قوما ببغداد كانوا يقومون في تغيير المنكر فكسروها. وأراقوا خمرها فتأكدت الوحشة بذلك. واستفتى البساسيري الفقهاء الحنفية في ذلك فأفتوه باحترام مال النصراني، ولا يجوز كسرها عليه ويغرم من أتلفها. وتأكدت الوحشة بين الوزير وبين البساسيري، وكانت الوحشة بينه وبين الأتراك كما مر فدس الوزير بالشغب على البساسيري فشغبوا، واستأذنوا في نهب دوره فأذن لهم من دار الخلافة فانطلقت أيدي النهب عليها. وأشاع رئيس الرؤساء أنه كاتب المستنصر العلوي صاحب مصر، واتسع الخرق. وكاتب القائم الملك الرحيم بإبعاد البساسيري، وأنه خلع الطاعة. وكاتب المستنصر العلوي فأبعده الملك الرحيم.

استيلاء طغرلبك علي بغداد والخليفة ونكبة الملك الرحيم وانقراض دولة بني بويه

كان طغرلبك قد سار غازيا إلى بلاد الروم فأثخن فيها، ثم رجع إلى الري فأصلح فسادها، ثم وصل همذان في المحرم سنة سبع وأربعين عاملا على الحج وأن يمر بالشام ويزيل دولة العلوية بمصر. وتقدم إلى أهل الدينور وقرميس وغيرهما بإعداد العلوفات والزاد في طريقه، وعظم الإرجاف بذلك في بغداد وكثر شغب الأتراك وقصدوا ديوان الخلافة يطلبون القائم في الخروج معهم للمدافعة. وعسكروا بظاهر البلد فوصل طغرلبك إلى حلوان وانتشر أصحابه في طريق خراسان، وأجفل الناس إلى غربي بغداد، وأصعد الملك الرحيم من واسط بعد أن طرد عنه البساسيري بأمر القائم فلحق بدبيس بن صدقة صاحب الحلة لصهر بينهما. وبعث طغرلبك إلى القائم بطاعته، وإلى الأتراك بالمواعيد الجميلة فرد الأتراك كتابه وسألوا من القائم رده عنهم فأعرض، وجاء الملك الرحيم يعرض نفسه فيما يختاره فأمر بتقويض الأتراك خيامهم، وأن يبعثوا بالطاعة لطغرلبك ففعلوا وأمر القائم الخطباء بالخطبة لطغرلبك فبعث إلى طريقهم الوزير أبا نصر الكندري، وأمر الأجناد ثم دخل طغرلبك بغداد يوم الخميس ليومين من رمضان، ونزل بباب الشماسية، ووصل قريش صاحب الموصل وكان في طاعته قبل ذلك. ثم انتشرت عساكر طغرلبك في البلد وأسواقها فوقعت الهيعة، وظن الناس أن الملك الرحيم أذن بقتال طغرلبك فأقبلوا من كل ناحية، وقتلوا الغز في الطرقات إلا أهل الكرخ فإنهم أمنوهم وأجاروهم، وشكر الخليفة لهم ذلك وتمادى العامة في ثورتهم، وخرجوا إلى!سكر طغرلبك. ودخل الرحيم بأعيان أصحابه إلى دار الخلافة تفادياً من الظنة به، وركبت عساكر طغرلبك فهزموا العامة وكسروهم، ونهبوا بعض الدروب ودروب الخلفاء والرصافة ودرب الدروب. وكانت هذه الدروب قد نقل الناس إليها أموالهم ثقة باحترامها. وفشا النهب واتسع الخرق، وأرسل طغرلبك من الغد إلى القائم بالعتب على ما وقع، ونسبه إلى الملك الرحيم، ويطلب حضوره وأعيان أصحابه فيكون براءة لهم فأمرهم الخليفة بالركوب إليه، وبعث معهم رسوله ليبرئهم فساروا في ذمامه، وأمر طغرلبك بالقبض عليهم ساعة وصولهم. ثم حمل الملك الرحيم إلى قلعة السيروان فحبس بها وذلك ل!ست سنين من ولايته، وانقرض أمر بني بويه ونهب في الهيعة حلة قريش صاحب الموصل، ونجا سليمان إلى خيمة بدر بن مهلهل فأجاره، ثم خلع عليه طغرلبك ورده إلى حلله. ونقم القائم على طغرلبك ما وقع، وبعث في إطلاق المحبوسين فاتهم في ذمامه، وهدده بالرحيل عن بغداد فاطلق بعضهم ومحا عسكر الرحيم من الدواوين، وأذن لهم في السعي في معاشهم فلحق كثير منهم بالبساسيري فكثر جمعه. واستصفى طغرلبك أموال الأتراك ببغداد من أجله، وبعث إلى دبيس بإبعاده، فلحق بالرحبة، وكاتب المستنصر صاحب مصر بالطاعة.

وخطب دبيس لطغرلبك في بلاده، وانتشر الغز في سواد بغداد فنهبوه، وفشا الخراب فيه، وانجلى أهله وولى طغرلبك البصرة والأهواز هزارسب فخطب لنفسه بالأهواز فقط، وأقطع الأمير أبا علي ابن الملك أبي كاليجار قرميسين، وأعمالها، وأمر أهل الكرخ أن يؤذنوا في مساجدهم في نداء الصبح: الصلاة خير من النوم وأمر بعمارة دار الملك فعمرت على ما اقترحه، وانتقل إليها في شوال سنة سبع وأربعين واستقرت قدمه في الملك والسلطان، وكانت له الدولة التي ورثها بنوه وقومه السلجوقية ولم يكن للإسلام في العجم أعظم منها والملك لله يؤتيه من يشاء.

الخبر عن دولة وشمكير وبنيه من الجيل إخوة الديلم وما كان لهم من الملك والسلطان بجرجان وطبرستان و أولية ذلك ومصائره

قد تقدم لنا ذكر مرداويج بن زيار، وأنه كان من قواد الديلم للأطروش، وأنه كان من الجيل إخوة الديلم وكانت حالهم واحدة. وكان منهم قواد للعلوية استظهروا بهم على أمرهم حتى إذا انقرضت دولة الأطروش وبنيه على حين فشل الدولة العباسية، ومحي أعمالها من السلطان ساروا في النواحي لطلب الملك متفرقين فيها فملكوا الري وأصفهانا وجرجان وطبرستان والعراقين وفارس وكرمان، وكل منهم في ناحية. وتغلب بنو بويه على الخليفة وحجروه إلى آخر أيامهم. وذكرنا أن مرداويج عندما استفحل ملكة بعث عن أخيه وشمكير من بلاد كيلان سنة عشرين وأربعمائة فاستظهر به على أمره وولاه على الأعمال الجليلة، وكان قد استولى على أصفهان والري وأصبح من أعظم الملوك، وكان له أموال من الأتراك تنكروا له لشدته عليهم فاغتالوه، وقتلوه في محرم سنة ثلاث وعشرين فاجتمعت العساكر بعده على أخيه وشمكير بالري، وبعث إلى ماكان بن كالي وهو بكرمان بعدما ملكها من أبي علي بن الياس بالمسير إليه بالري مع ابن محتاج. وسار ماكان على المفازة إلى الدامغان، وبعث وشمكير قائده تاتجيز الديلمي مع جيش كثيف لاعتراضه، ومع ماكان عس!كر ابن مظفر مددا له فتقاتلوا وهزمهم تاتجيز فعادوا إلى نيسابور، وجعلت ولايتها لماكان، وقد مر ذكر ذلك كله. ثم سار تاتجيز إلى جرجان وأقام بها. ثم هلك آخر السنة من سقطة عن فرسه فاستولى عليها ماكان، وحاصره ابن محتاج

سنة ثمان وعشرين فملكها وسار ماكان إلى طبرستان فأقام بها. وكان ركن الدولة بن بويه غلب على أصفهان فبعث وشمكير عساكره إلى ماكان مددا له في حروبه مع ابن محتاج، فاغتنم ركن الدولة خلو وشمكير من العساكر فسار إلى أصفهان فملكها، واتصل ما بينه وبين صاحب خراسان وانفرد وشمكير بملك الري.

استيلاء عساكر خراسان علي الري والجيل وملك وشمكير طبرستان

لما ملك ركن الدولة أصفهان وصل يده بأبي علي بن محتاج صاحب خراسان، هو وأخوه عماد الدولة صاحب فارس، وحرضاه على أخذ الري من وشمكير رجاء أن يكون طرفا لعمله فيتمكن به من ملكها فسار أبو علي لذلك، واستمد وشمكير ماكان للمدافعة فجاء بنفسه. وبعث ركن الدولة مددا لابن محتاج فلقوه بإسحاقاباد، وتقاتلوا فانهزم وشمكير، ولحق بطبرستان فملكها وقتل من كان بالمعركة، واستولى أبو علي على الري. ثم بعث أبو علي العساكر إلى بلد الجيل فاستولى على زنكان وأبهر وتزوين وكرج وهمذان ونهاوند والدينور إلى حلوان.

استيلاء الحسن في الفيرزان علي جرجان

كان الحسن بن الفيرزان ابن عم ماكان وكان مناهضه في الصرامة فلما قتل ماكان، وملك وشمكير طبرستان بعث إليه بالدخول في طاعته فأبى، ونسبه إلى المواطأة على قتل ماكان فقصده وشمكير ففارق سارية وسار إلى ابن محتاج صاحب خراسان. واستنجده فسار معه ابن محتاج، وحاصر وشمكير بسارية حولا كاملا حتى رجع إلى طاعة ابن سامان؟ وأعطى ابنه سلار رهينة بذلك ورجع هو والحسن إلى خراسان، وهو مكابده للصلح ولقيهما موت سعيد بن سامان فثار الحسن بأبي علي بن محتاج، ونهب سواده وأخذ ابن وشمكير الذي كان عنده، ورجع فملكها من يد إبراهيم بن سيجور الدواني ولحق ابن سيجور بنيسابور فعصى أبا علي بن محتاج كما مر في أخبارهم.

رجوع الري لوشمكير واستيلاء ابن بويه عليها

لما انصرف أبو علي إلى خراسان وفعل به الحسن ما ذكرناه سار وشمكير إلى الري فملكها، وراسله ابن الفيرزان يستميله؟ ورد عليه ابنه سلار فصانعه ولم يبالغ محافظة على عهد ابن محتاج. ثم طمع ركن الدولة بن بويه في ملك الري لخلو يده وقلة عس!كره فسار إليه وهزمه، واستأمن كثير من عسكره إليه وملك الري، ورجع وشمكير إلى طبرستان فاعترضه الحسن وهزمه فلحق بخراسان، وراسل ابن الفيرزان ركن الدولة بويه وواصله.

استيلاء وشمكير علي جرجان

لما ملك ابن بويه الري من يد وشمكير ولحق طبرستان واعترضه ابن الفيرزان، وهزمه ولحق بخراسان سار إلى نوح بن سامان مستنجدا به، وبعث معه عسكرا وأرسل إلى ابن محتاج صاحب خراسان بمظاهرته فبعثه فيمن معه إلى جرجان، وبها الحسن ابن الفيرزان فهزمه وشمكير وملك جرجان. استيلاء لكن الدولة علي طبرستان وجرجان: لما ملك وشمكير جرجان من يد الحسن بن الفيرزان سار إلى ركن الدولة بن بويه وأقام عنده بالري، ثم سار سنة ست وثلاثين إلى بلاد وشمكير ولقيهم فهزموه، وملك ركن الدولة طبرستان، وسار منها إلى جرجان، ورجع إلى الري. وسار وشمكير إلى خراسان مستنجدا بابن سامان فأمر منصور بن قراتكين صاحب خراسان أن يستوفد العساكر لإنجاده فسار معه، وكان مصطنعا عليه. وكتب وشمكير إلى ابن سامان يشكو من ابن قراتكين. ثم كتب الأمير نوح إلى أبي علي بن محتاج أن يسير معه إلى الري فسار معه وقاتلوا ركن الدولة فلم يظفروا به حتى صالحهم كما تقدم، ورجع إلى وشمكير فانهزم أمامه إلى أسفرايين، وملك ابن بويه طبرستان وحاصر سارية وملكها، ولحق وشمكير بجرجان وسار إلى جرجان في طلب وشمكير إلى بلد الجيل، واستولى ابن بويه عليها.

وفاة وشمكير وولاية ابنه بهستون

لما غلب بنو بويه على كرمان من يد أبي علي بن الياس لحق وشمكير بالأمير منصور بن نوح ببخارى مستنصراً به، وأطمعه في ممالك بني بويه. وأسر إليه أن قواده بخراسان لا يناصحونه في شأنه فكتب إلى أبي الحسن محمد بن إبراهيم بن سيجور صاحب خراسان بالمسير إلى الري بطاعة وشمكير والتصرف عن رأيه، واستعد ركن الدولة للقائهم، واستنجد ابنه عضد الدولة، وخالفهم إلى خراسان وبلغهم الخبر فتوقفوا بالدامغان يستطلعون الأخبار. وركب وشمكير للصيد فاعترضه خنزير فرماه بحربة من يده فحمل عليه الخنزير فشب الفرس، وسقط وشمكير إلى الأرض ومات من سقطته في محرم سنة سبع وخمسين، وانتقض جميع من كانوا معه. ولما مات وشمكير قام ابنه بهستون مقامه، وراسل ركن الدولة وصالحه فأمده بالعساكر والأموال.

وفاة بهستون وولاية أخيه قابوس

ثم توفي بهستون بن وشمكير بجرجان سنة ست وستين لسبع سنين من ولايته، وكان أخوه قابوس عند خاله رستم بجبل شهريار، وترك بهستون ابنا صغيرا بطبرستان في كفالة جده لأمه فطمع له جده بالملك، وبادر به إلى جرجان، وقبض على من كان عنده ميل إلى قابوس من القواد، وفي خلال ذلك وصل قابوس فخرج الجيش إليه واجتمعوا عليه وملكوه، وهرب أصحاب ابن منصور فكفله عمه قابوس وجعله أسوة بنيه، وقام بملك جرجان وطبرستان. استيلاء عضد الدولة علي جرجان وطبرستان: لما توفي ركن الدولة سنة ست وستين وثلاثمائة عهد لابنه عضد الدولة، وولى ابنه فخر الدولة على همذان وأعمال الجبل وابنه مؤيد الدولة على أصفهان. وكان بختيار بن معز الدولة ببغداد فاستولى عليه. ثم سار إلى أخيه فخر الدولة بهمذان فهرب إلى قابوس، ونزل عضد الدولة الري. وبعث إلى قابوس في طلب أخيه فخر الدولة فأبى فأمر أخاه مؤيد الدولة بخراسان أن يسير إليه، وأمده بالأموال والعساكر. وسار إلى جرجان سنة إحدى وسبعين. ولقيه فخر الدولة بخراسان عندما وليها حسام الدولة أبو العباس تاش من قبل الأمير أبي القاسم بن نوح، وكتب إلى العباس تاش يأمر بإنجاد قابوس بن وشمكير وفخر الدولة على مؤيد الدولة، وإعادة قابوس إلى بلده فزحف في العساكر إلى جرجان

وحاصرها شهرين حتى ضاقت أحوالهم. وكاتب مؤيد الدولة فائقا الخاصة من قواد خراسان، واستماله فوعده أن ينهزم بمن معه يوم اللقاء. وخرج مؤيد الدولة فقاتلهم وانهزم فائق بمن معه كما وعد، ووقف حسام الدولة وفخر الدولة قليلا ثم اتبعوه منهزمين إلى خراسان. ثم استدعى تاش لتدبير الدولة ببخارى بعد قتل الوزير العتبي فسار إليه سنة اثنتين وسبعين مؤيد الدولة، وكان من خبر وفاته ما قدمناه. ووقعت الفتنة بين تاش وابن سيجور، وانهزم تاش إلى جرجان، وقابله فخر الدولة بكثير من الكرامة والنصرة بما لم يعهد مثله حسبما مر في أخبارهم. ولما ملك فخر الدولة جرجان وطبرستان والري اعتزم على رد جرجان وطبرستان إلى قابوس رغبا لما كان بينهما بدار الغربة، وأنه الذي جر على قابوس الخروج عن ملكه فشاور عن ذلك وزيره الصاحب ابن عباد فلم يوافقه، وبقي مقيما بخراسان، وأنجده بنو سامان بالعساكر المرة بعد المرة فلم يقدر له الظفر حتى كان استيلاء سبكتكين.

عودة قابوس إلى جرجان وطبرستان

ولما ولي سبكتكين خراسان وعد قابوس برده إلى ملكه جرجان وطبرستان. ثم مضى إلى بلخ فمات سنة سبع وثمانين فأقام قابوس إلى سنة ثمان وثمانين فبعث الأصبهبذ إلى جبل شهريار، وعليه رستم بن المرزبان خال مجد الدولة. وجمع له فقاتله وانهزم رستم واستولى أصبهبذ على الجبل. وخطب فيه لشمس المعالي قابوس. وكان نائب ابن سعيد بناحية الاستنداوية، وكان يميل إلى شمس المعالي فسار إلى آمد، وطرد عنها عسكر مجد الدولة واستولى عليها، وخطب فيها لقابوس، وكتب إليه بذلك ثم كتب أهل جرجان إلى قابوس يستدعونه فسار إليهم من نيسابور وسار أصبهبذ، ويأتي ابن سعيد إليها من مكانهما فخرج إليهما عساكر جرجان فقاتلوهما فانهزم العسكر، ورجعوا إلى جرجان فلقوا مقدمة قابوس عندها فانهزموا ثانية إلى الري. ودخل شمس المعالي قابوس جرجان في شعبان سنة ثمان وثمانين. وجاءت العساكر من الري لحصاره فأقاموا، ودخل فصل الشتاء وتوالت عليهم الأمطار وعدمت الأقوات فارتحلوا وتبعهم قابوس، وقاتلهم فهزمهم، وأسر جماعة من أعيانهم. وملك ما بين جرجان وأستراباذ. ثم إن الأصبهبذ حدث نفسه بالملك، واغتر بما اجتمع له من

الأموال والذخائر فسارت إليه العساكر من الري مع المرزبان خال مجد الدولة فهزموه وأسروه، وأظهروا دعوة شمس المعالي بالجبل لأن المرزبان كان مستوحشا من مجد الدولة فانضافت مملكة الجبل جميعا إلى مملكة جرجان وطبرستان، وولى عليها قابوس ابنه منوجهر ففتح الري وايات وشالوش، وقارن ذلك استيلاء محمود بن سبكتكين على خراسان فراسله قابوس وهاداه، وصالحه على سائر أعماله.

مقتل قابوس وولاية ابنه منوجهر

كان شمس المعالي قابوس قد استفحل ملكه، وكان شديد السطوة مرهف الحد فعظمت هيبته على أصحابه وتزايدت حتى انقلبت إلى العتو فأجمعوا على خلعه وكان ببعض القلاع فساروا إليه ليمسكوه بها فامتنع عليهم فانتهبوا موجوده، ورجعوا إلى جرجان وجاهروا بالخلعان، واستدعوا ابنه من طبرستان فأسرع إليهم مخافة أن يولوا غيره، واتفقوا على طاعته بأن يخلع أباه فأجاب إلى ذلك كرها، وسار قابوس من حصنه إلى بسطام يقيم بها حتى تضمحل الفتنة فساروا إليه، وأكرهوا منوجهر على المسير معهم وينفرد هو للعبادة بقلعة ابخيا، وأذن له أبوه بالقيام بالملك حذرا من خروجه عنهم، وبقي المتولون لكبر تلك الفتنة من الجند مرتابين من قابوس. وكتبوا من جرجان إلى منوجهر يستأذنونه في قتله، ولم ينتظروا رد الجواب وساروا إليه فدخلوا عليه البيت، وجردوه من ثيابه فما زال يستغيث حتى مات من شدة البرد، وذلك سنة ثلاث وأربعمائة لخمس عشرة سنة من استيلائه، وقام بالملك ابنه منوجهر، وخطب له على منابره ولم يزل في التدبير على الرهط الذين قتلوا أباه حتى أباد كثيرا منهم وشرد الباقين.

وفاة منوجهر وولاية ابنه أنوشروان

ولما سار محمود بن سبكتكين سنة عشرين وأربعمائة عندما قبض حاجبه على مجد الدولة، وملك الري بدعوة محمود. وسار إليه محمود فهرب منوجهر بن قابوس من جرجان وبعث إليه بأربعمائة ألف دينار ليصلحه، وتحصن منه بجبال وعرة. ثم أبعد المذهب ودخل في الغياض الملتفة. وأجابه محمود فبعث إليه منوجهر بالمال، ونكب عنه في رجوعه إلى نيسابور. ثم توفي منوجهر اثر ذلك سنة ست وعشرين وولي بعده ابنه

أنوشروان فأقره محمود على ولايته، وقرر عليه خمسمائة ألف أميري. وخطب لمحمود في بلاد الجبل إلى حدود أرمينية. ثم استولى مسعود بن محمود أعوام الثلاثين على جرجان وطبرستان، ومحا دولة بني قابوس كأن لم تكن، والبقاء لله وحده.

الخبر عن دولة مسافر من الديلم بأذربيجان ومصائره

كانت أذربيجان عند ظهور الديلم وانتشارهم في البلاد؛ واستيلائهم على الأعمال أعوام الثلاثين والثلاثمائة بيد رستم بن إبراهيم الكردي من أصحاب يوسف بن أبي الساج. وكان من خبره أن أباه إبراهيم من الخوارج من أصحاب هرون الشاري الخارج بالموصل هرب بعد مقتله إلى أذربيجان. وأصهر في الأكراد إلى بعض رؤسائهم فولد له ابنه رستم، ونشأ في أذربيجان. ولما كبر استضافه ابن أبي الساج وتنقل في الأطوار إلى أن استولى على أذربيجان بعد يوسف بن أبي الساج، وكان معظم جيوشه الأكراد. ولما استولى الديلم على البلاد، وملك وشمكير الري ولى أعمال الجبل لشكري وجمع الأموال والرجال، وسار لشكري إلى أذربيجان ليملكها سنة ست وعشرين، وحاربه دسيم في بعض جهات أذربيجان، واستولى لشكري على سائر بلاد أذربيجان إلا أردبيل فإن أهلها امتنعوا ثقة بحصن بلادهم. وراسلهم فلم يجيبوه وحاصرها وشد حصارها، وثلم سورها وملكها أياماً يدخل نهارا وبخرج إلى حس!اكره ليلا ثم سدوا ثلم السور وامتنعوا وعادوا إلى الحصار. واستدعوا دسيما فجاء لقتال لشكري من ورائه، وناشبته أهل أردبيل القتال من أمامه فانهزم وقتل عامة أصحابه، وتحيزوا إلى موقان. واستنجد أصبهبذ بن دوالة فجمعوا وساروا إلى دسيم فانهزم أمامهم، وعبر نهر ارس، وقصدوا وشمكير في الري واستنجده، وضمن له مالا كل سنة فبعث معه عسكرا واستمال عسكر لشكري فداخلوه وكاتبوا وشمكير بالطاعة. وعلم بذلك لشكري فتأخر إلى الزوزن عازما على الموصل أن يملكها، ومر بأرمينية فنهب وسبى. ولما انتهى إلى الزوزن لقيه بعض الرؤساء من الأرمن، وصانعه بالمال على بلده حتى كف عنها وأكمن له في مضيق بطريقه، ودس لبعض الأرمن أن ينهبوا شيئاً من ثقله، ويسلكوا المضيق. وركب لشكري في اثرهم فقتله الكمين ومن معه وقدم أهل العسكر عليهم ابنه الشكرستان، ورجعوا إلى بلد الطرم الأرميني ليثأروا من الأرمن بصاحبهم. وكان أكثر بلده مضايق فقاتلهم الأرمن عليها وفتكوا فيهم، ولحق العسكر والشكرستان في الفل بالموصل فأقام بها عند ناصر الدولة بن حمدان، وكانت له معادن أذربيجان وولى عليها ابن عمه أبا عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان. وبعث معه الشكرستان وأصحابه فقاتلهم دسيم على المعادن، وغلبهم عليها ورجعوا واستولى دسيم على أذربيجان.

استيلاء المرزبان بن محمد بن مسافر علي أذربيجان

كان محمد بن مسافر من كبار الديلم، وكان صاحب الطرم. وكان له أولاد كثيرون منهم سلار ومنهم صعلوك ومنهم وهشودان والمرزبان، أمه بنت حسان. ووهشودان ملك الديلم، وقد مر خبره. وكان دسيم بن إبراهيم الكردي بعد مدافعة لشكري وابنه عن أذربيجان أقام عنده بعض الديلم من عسكر وشمكير الذين أنجدوه على شأنه. ثم إن قومه من الأكراد استبدوا عليه بأطراف أعماله، وملكوا بعض القلاع فاستظهر عليهم بأولئك الديلم وغلبهم، واستدعى صعلوك بن محمد من قلعة أبيه الطرم فجاء إليه جماعة من الديلم وسار بهم إلى التي تغلب عليها الأكراد فانتزعها منهم، وقبض على جماعة منهم. ثم استوحش منه وزيره أبو القاسم علي بن جعفر من أهل أذربيجان فهرب إلى الطرم، ونزل على محمد بن مسافر عندما استوحش منه ابناه وهشودان والمرزبان، وغلبا على بعض قلاعه. ثم قبضا عليه وانتزعا منه أمواله وذخائره فتقرب الوزير علي بن جعفر إلى المرزبان، وكان يشاركه في دين الباطنية، وأطمعه في أذربيجان فاستوزره المرزبان. وكانت الديلم الذين عند دسيم وغيره من جنده واستمالهم فأجابوه، وسار المرزبان إلى أذربيجان وبرز دسيم للقائه فنزع الديلم إلى المرزبان، واستأمن إليه كثير من الأكراد، وهرب دسيم إلى أرمينية ونزل على صاحبها حاجيق بن الديراني. وملك المرزبان أذربيجان سنة ثلاثين وثلاثمائة وأساء وزيره علي بن جعفر السيرة مع أصحابه فتظافروا عليه وشرعوا في السعاية فيه فأطمع المرزبان في أموال بتبريز يضمنها له. وسار إليها في عسكر من الديلم وأسر لأهلها أنه جاء لمصادرتهم فوثبوا بمن معه من الديلم وقتلوهم، واستدعوا دسيم بن إبراهيم فجاء إلى تبريز وملكوه، ولحق به الأكراد الذين استأمنوا إلى المرزبان

فسار المرزبان في عساكره وحاصرهم دسيم بتبريز، وكاتب علي بن جعفر وحلف له على الوفاء بما يرومه منه فطلب منه السلامة، وترك العمل فأجابه واشتد الحصار على دسيم فهرب من تبريز إلى أردبيل، وخرج الوزير إليه فوفى له المرزبان. ثم طلب دسيم أن ينزله بأهله بقلعة من قلاع الطرم ففعل وأقام المرزبان فيها.


الروس

استيلاء الروس علي مدينة بردعة وظفر المرزبان بهم هؤلاء الروس من طوائف الترك ويجاورون الروم في مواطنهم، وأخذوا بدين النصرانية معهم منذ أزمان متطاولة، وبلادهم تجاور بلاد أذربيجان فركبت طائفة منهم البحر سنة اثنتين وثلاثين. ثم صعدوا من البحر في نهر اللكنهر، وانتهوا إلى مدينة بردعة من بلاد أذربيجان وبها نائب المرزبان فخرج إليهم في نحو خمسة آلاف مقاتل من الديلم وغيرهم فهزمهم الروس، وقتلوا الديلم وتبعوهم إلى البلد فملكوه ونادوا بالأمان، وأحسنوا السيرة وجاءت العساكر الإسلامية من كل ناحية فلم يقدر عليهم. وظاهرهم العوام والرعاع فلما انصرفت العساكر غدرت الروسية بهم فقتلوهم، ونهبوا أموالهم واستعبدوهم. وأحزن المسلمين ذلك واستنفر المرزبان الناس وسار لهم وأكمن لهم كمينا، وزحف إليهم، وخرجوا إليه واستطرد لهم حتى جاوزوا موضع الكمين فاستمر أصحابه على الهزيمة ورجع هو مع أخيه وصاحب له مستميتين، وخرج الكمين من ورائهم واستلحم الروسية وأميرهم، ونجا ففهم إلى البلد فاعتصموا بحصنه. وكانوا قد نقلوا إليه السبي والأموال، وحاصرهم المرزبان وصابروه. ثم إن ناصر الدولة بن حمدان صاحب الموصل بعث إلى ابن عمه الحسين بن سعد بن حمدان في هذه السنة إلى أذربيجان ليملكها فبلغ الخبر إلى المرزبان بأنه انتهى إلى سلماس فجهز عسكرا إلى الروس، وسار لقتال ابن حمدان فقاتله أياما. ثم أستدعاه ابن عمه ناصر الدولة من الموصل وأخبره بموت تورون وأنه سائر إلى بغداد، وأمره بالرجوع فرجع وأما الروس فحاصرهم العسكر أياما واشتد فيهم الوباء فانقضوا من الحصن ليلا، وحملوا ما قدروا عليه من الأموال ولحقوا باللكن فركبوا سفنهم ومضوا إلى بلادهم، وطهر الله البلاد منهم.

مسير المرزبان إلي الري وهزيمته وجيشه

ولما سارت عساكر خراسان إلى الري وظن المرزبان أن ذلك يشغل ركن الدولة بن بويه عنه، وكان قد بعث رسوله إلى معز الدولة ببغداد فصرفه مذموما مدحورا فاعتزم على غزو الري، وطمع في ملكه. واستأمن إليه بعض قواد الري، وأغراه بذلك دوراسله ناصر الدولة بن حمدان يستحثه لذلك، ويشير عليه ببغداد قبل الري. وكتب ركن الدولة إلى أخويه عماد الدولة ومعز الدولة يستنجدهما فبعثوا إليه بالعساكر، وسار بها من بغداد سبكتكين الحاجب. ولما انتهى الدينور انتقض عليه الديلم، ووثبوا به فركب في الأتراك فتخاذل الديلم وأعطوه الطاعة. وكان المرزبان قبل وصول العساكر زحف إلى الري، وهزمه ركن الدولة وحبسه، ورجع الفل إلى أذربيجان ومعهم محمد بن عبد الرزاق. واجتمع أصحاب المرزبان على أبيه محمد بن مسافر، وأساء السيرة فهموا بقتله. وكان ابنه وهشودان قد هرب منه، واعتصم بحصن له فلحق به أبوه محمد فقبض عليه وهشودان وضيق عليه حتى مات. ثم استدعى دسيم الكردي من مكانه بقلعة الطرم حيث أنزله المرزبان عند ظفره به، وبعثه إلى محمد بن عبد الرزاق، وأقام بنواحي أذربيجان. ثم رجع إلى الري سنة ثمان وثلاثين، واستعتب إلى سلطانه نوح بن سامان فأعتبه وعاد إلى طوس. واستولى دسيم على أذربيجان لوالي القلعة حتى تمكنوا من قتله فقتله المرزبان، ولحق بأخيه وهشودان سنة اثنتين وأربعين. وكان علي بن منكلي من قواد ركن الدولة قد لحق بوهشودان، وأغراه بدسيم فبعثه وهشودان فى العساكر، وكاتب الديلم واستمالهم. وسار إليه دسيم، وخلف وزيره أبا عبد الله النعيمي بأردبيل فجمع مالأ كان صادره عليه، وهرب بما معه من المال إلى علي بن منكلي. وبلغ الخبر إلى دسيم عند أذربيجان فعاد إلى أردبيل، وشغب عليه الديلم ففرق فيهم ما كان معه من المال، وسار للقاء علي بن منكلي فالتقيا. وهرب الديلم الذين معه إلى علي بن منكلي. وانهزم هو إلى أرمينية. ثم جاءه الخبر بأن المرزبان تخلص من محبسه بقلعة سيرم وملك أردبيل، واستولى على أذربيجان. وأنفذ العساكر في طلبه فهزم دسيم إلى بغداد فأكرمه معز الدولة وأقام عنده. ثم استدعاه شيعته بأذربيجان سنة ثلاث وأربعين فسار إليهم وطلب من معز الدولة المدد، لأن أخاه ركن الدولة كان قد صالح المرزبان فسار دسيم إلى ناصر الدولة بن حمدان بالموصل، واستنجد به فلم ينجده فسار إلى سيف الدولة فأقام عنده بالشام. فلما كان سنة أربع وأربعين خرج على المرزبان خارج باب الأبواب فسار إليه، وخالفه دسيم إلى أذربيجان فاستدعاه مقدم من الأكراد وملك سلماس فبعث إليه المرزبان قائدا من قواده فهزمه دسيم. ولما فرغ المرزبان من أمر الخارج وعاد إلى أذربيجان هرب دسيم إلى أرمينية واستجاش بابن الديراني، وكتب إليه المرزبان بحمل دسيم إليه فسلمه وحبسه حتى إذا توفي المرزبان قتله بعض أصحابه حذرا من فتنته.

وفاة المرزبان وولاية ابنه خستان

ثم توفي المرزبان صاحب أذربيجان سنة خمس وأربعين، وعهد بالملك إلى أخيه وهشودان وبعده لابنه خستان وكان قد أوصى نوابه بالقلاع أن يسلموها لابنه خستان، ثم لأخويه إبراهيم وناصر، ثم إلى أخيه وهشودان عندما عهد بالعهد الثاني إلى أخيه عرفه بإمارات بينه وبين نوابه يرجعون إليها في ذلك. وبعث إلى النواب عبد الله النعيمي. وهرب وهشودان من أردبيل فلحق بالطرم، وجاء قواد المرزبان إلى خستان بن شرمول فإنه كان مقيما على ارمينية فانتقض بها. مقتل خستان وإخوته واستيلاء عمهم وهشودان علي أذربيجان: ولما ولي خستان بن المرزبان انغمس في لذاته وعكف على اللهو وقبض على وزيره أبي عبد الله النعيمي، وكان خستان بن برسموه منتقضا بأرمينية وقد ملكها، وكان وزيره أبو الحسن عبد الله بن محمد بن حمدويه صهراً للوزير النعيمي فاستوحش لنكبته، وحمل صاحبه ابن سرمدان على مكاتبة إبراهيم بن المرزبان فأطمعه في الملك، وسار به إلى مراغة فملكها فراسله أخوه خستان، وسار إلى موقان. وكان بأذربيجان رجل من ولد المكتفي متنكراً يدعو للرضا من آل محمد، ويأمر بالعدل، ويلقب بالمجير، وكثرت جموعه فبعث إليه النعيمي من موقان وأطمعه في الخلافة، وأن يملكه أذربيجان على أن يقصد بغداد ويترك لهم أذربيجان فسار إليه خستان وإبراهيم ابنا المرزبان فهزماه وقتلاه. فلما رأى وهشودان الخلاف بين بني أخيه المرزبان استمال إبراهيم، وسار ناصر إلى موقان وطمع الجند في المال فساروا إلى ناصر، وملكوا بهم أردبيل.

وطالبه الجند بالمال فعجز وقعد عمه وهشودان عن نصره، وتبين له أنه كان يخادعه فاجتمع مع أخيه خستان واضطربت عليهما الأمور وانتقضت أصحاب الأطراف فاضطرهما الحال إلى طاعة عمهما وهشودان وراسلاه في ذلك واستحلفاه، وقدما عليه مع أمهما فغدر وقبض عليهم وعقد الإمارة على أذربيجان لابنه إسمعيل. وسلم له أكثر قلاعه. ولحق إبراهيم بن المرزبان بمراغة، وجمع لاستنقاذ أخويه ومنازعة إسمعيل فقتل وهشودان أخويه وأمهما، وأمر خستان بن سرمند بقتال إبراهيم بمراغة، وبعث إليه بالمدد. وانضم إبراهيم إلى نواحي ارمينية سنة تسع وأربعين فاستولى ابن سرمدن على مراغة واستضافها إلى أرمينية، وجمع إبراهيم. وكانت ملوك ارمينية من الأرمن والأكراد، وأصلح خستان بن سرمدن. ثم جاء الخبر بوفاة إسمعيل ابن عمه فسار إلى أردبيل فملكها، وانصرف ابن منكلي إلى وهشودان، وزحف إليهما إبراهيم وهزمهما فلحقا ببلاد الديلم. واستولى إبراهيم على أعمال وهشودان. ثم جمع وهشودان وعاد إلى قلعته بالطرم، وبعث أبو القاسم بن منكلي العساكر لقتال إبراهيم فهزموه ونجا إلى الري مستنجدا بركن الدولة لصهر بينهما. استيلاء إبراهيم بن المرزبان ثانيا علي أذربيجان: قد تقدم هزيمة إبراهيم بن المرزبان أمام عساكر ابن منكلي، وأنه لحق بركن الدولة مستنجدا به فبعث معه الأستاذ أبا الفضل ابن العميد في العساكر فاستولى على أذربيجان، وحمل أهلها على طاعة إبراهيم، وقاد له خستان بن سرمدن وطوائف الأكراد فتمكن من البلاد. وكتب ابن العميد إلى ركن الدولة أن يعطيه ملكها. ولعله يعوض إبراهيم عنها لكثرة جبايتها وقلة معرفة إبراهيم بالجباية، وأن يشهد فيها بالخروج عن ملكه فأبى من ذلك، وقال لا أفعل ذلك بمن استجار بي فسلم له ابن العميد البلاد ورجع.

(تنبيه) أخبار بني مسافر المعروفين ببني السلار ملوك أذربيجان نقلتها من كتاب ابن الأثير وإلى ههنا انتهى في أخبارهم. وأحال على ما بعده فقال بعد ذلك: وكان الأمير كما ذكر ابن العميد قد أخذ إبراهيم وحبسه على ما ذكره، ولم نقف على ذكر شيء من أخذ إبراهيم بعد ذلك ولا من خبر قومه. وذكر أن محمود بن سبكتكين بعد خبر استيلائه على الري سنة عشرين وأربعمائة أنه بعث إلى المرزبان بن الحسين بن حرابيل من أولاد ملوك الديلم، والتجأ إلى محمود فبعثه إلى بلاد السلار؟ وهو إبراهيم بن المرزبان بن إسمعيل بن وهشودان بن محمد بن مسافر الديلمي، وكان له من البلاد شهرخان وزنجان وشهرزور وغيرها فقصدها واستمال الديلم. وعاد محمود إلى خراسان فسار السلار إبراهيم إلى قزوين فملكها، وقتل من عساكر محمود الذين بها وتحصن بقلعة الري، وكان بينهم وقائع ظهر فيها السلار. ثم استمال مسعود بن محمود طوائف من عسكره وجاؤوا إليه ودلوه على عورة الحصن الذي فيه السلار، وسلكوا بعسكره من طرق غامضة. وبعث إليه العسكر في رمضان سنة ست وعشرين فانهزم. وقبض عليه مسعود وحمله إلى سرجهار، وبها ولده، وطالب أن يسلم إليه القلعة فأبى وعاود عنه. وتسلم بقية قلاعه، وأخذ أمواله، وقرر على ابنه بسرجهار مالا، وعلى الأكراد الذين في جواره. وعاد إلى الري. وهذا السلار الذي ذكر غير السلار الأول. ولم يتصل الخبر بالخبر المتقدم. ثم ذكر أخبار الغز الذين تقدموا بين يدي السلجوقية وانتشروا في بلاد الري وملكوها وكثيرا من بلادها. ووصلت طائفة منهم إلى أذربيجان الذين كان مقدمهم بوقا وكوكتاش ومنصور ودانا.

دخول الغز أذربيجان

يقال دخل هؤلاء الغز إلى أذربيجان وسمى صاحبها يومئذ وهشودان بن غلاك فأكرمهم، وصاهرهم يدافع شرهم بذلك، ويستميلهم لنصرته فلم يحصل من ذلك بطائل. وعاثوا في البلاد أشد العيث، ودخلوا مراغة سنة تسع وعشرين وأربعمائة فقتلوا أهلها وحرقوا مساجدها. وفعلوا كذلك بالأكراد الهمذانية فاتفق أهل البلاد على مدافعتهم. وأصلح أبو الهيجاء ابن ربيب الدولة ووهشودان صاحبا أذربيجان، واتفقت كلمتهما واجتمع معهما أهل همذان فانصرفت تلك الطائفة عن أذربيجان، وافترقوا على الري كما تقدم في أخبارهم. وبقي الغز الذين تقدموا قبلهم فقاسى منهم أهل أذربيجان شدة وفتك فيهم وهشودان بتبريز سنة اثنتين وثلاثين فتكة أوهنت منهم. ودعا منهم جمعا كثيرا إلى صنيع، وقبض على ثلاثين من مقدميهم فقتلهم، وفر الباقون من ارمينية إلى بلاد الهكارية من أعمال الموصل، وكانت بينهم وبين الأكراد وقائع ذكرناها في أخبار الغز بالموصل. ولم يعد ابن الأثير لبني المرزبان ملوك أذربيجان ذكرا إلى أن ذكر استيلاء

طغرلبك على البلاد، والمفهوم من فحوى الأخبار أن الأكراد استولوا عليها بعد بني المرزبان، وابثه أعلم.

استيلاء طغرلبك علي أذربيجان

قال ابن الأثير: وفي سنة ست وأربعين سار طغرلبك إلى أذربيجان وقصد تبريز، وصاحبها الأمير منصور بن وهشوذان بن محمد الروادي فأطاعه وخطب له وحمل إليه، ورهن عنده ولده فسار طغرلبك عنه إلى الأمير أبي الأسوار صاحب جنزة فأطاع وخطب، وكذلك سائر النواحي أرسلوا إليه يبذلون الطاعة والخطبة، وانقاد العساكر إليه فأبقى عليهم بلادهم، وأخذ رهنهم وسار إلى أرمينية كذلك. وقصد ملاذكرد وهي للنصرانية فعاث في بلادها وخرب أعمالها، وغزا من هنالك بلاد الروم وانتهى إلى أرزن الروم فأثخن في بلادهم ودوخها، وعاد ابن السلار إلى العراق. وذكر ابن الأثير خلال هذا غزوة فضلون الكردي إلى الخزر من التركمان على ما مر أول الكتاب فقال: كان بيد فضلون الكردي قطعة كبيرة من أذربيجان فغزا إلى الخزر سنة إحدى وعشرين، ودوج البلاد وقفل فجاؤوا في أثره وكبسوه، وقتلوا أيضا بخطط ملك الإنجاز إلى مدينة تفليس فقال: وفي سنة تسع وعشرين زحف ملك الإنجاز إلى أذربيجان ليتعرف المسلمين على حين وصول الغز إلى أذربيجان وما فعلوه فيها، وسمع الإنجاز بأخبارهم فأجفلوا عن مخلفهم، ووصل وهشوذان صاحب أذربيجان وصرف نظره إلى ملاطفة الغز ومصاهرتهم ليستعين بهم كما مر. هذا آخر ما وجدناه من أخبار ملوك أذربيجان، والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين. الخبر عن بني شاهين ملوك البطيحة ومن ملكها من بعدهم من قرابتهم وغيرهم وابتداء ذلك ومصائره: كان عمران بن شاهين من المصامدة، وكان يتصرف في الجباية، وحصل بيده منها مال فتخوف وألح عليه الطلب فهرب إلى البطيحة ممتنعا من الدولة. وكان له نجدة وبأس وصبر على الشظف فأقام هنالك بين القصب والآجام يقتات بسمك الماء والطير، ويتعرض للرفاق التي تمر بالطريق فيأخذها. واجتمع إليه لصوص الصيادين فقوي وامتنع على السلطان، وتمسك بخدمة أبي القاسم بن البريدي صاحب البصرة فأمنه، ووصل حبل الطاعة بيده، وقلده حماية تلك النواحي إلى الجامدة دفعا لضرره عن السابلة فعز جانبه، وكثر جمعه وسلاحه واتخذ معاقل على التلال بالبطائح، وغلب على تلك النواحي ولما استولى معز الدولة على بغداد، وقام بكفالة الخلافة والنظر في أمورها أهمه شأن عمران هذا وامتناعه في معاقله في نواحي بغداد فجهز إليه وزيره أبا جعفر الصيمري في العساكر. وسار إليه سنة ثمان وثلاثين وتعددت بينهما الحروب والوقائع، ثم هزمه الصيمري. ثم أتاه الخبر بمسيره إلى شيراز كما تقدم في أخبار دولتهم.

مسير العساكر إلى عمران بن شاهين وانهزامها

ولما انصرف الصيمري عن عمران عاد إلى حاله فبعث معز الدولة لقتاله روزبهان من أعيان الديلم في العساكر فتحصن منه في مضايق البطائح، فطاوله فضجر روزبهان، واستعجل قتاله فهزمه عمران، وغنم ما معهم فاستفحل وقوي وأفسد السابلة. وكان أصحابه يطلبون الخفارة من جند السلطان إذا مروا بهم إلى ضياعهم ومعايشهم بالبصرة فبعث معز الدولة بالعساكر مع المهلبي، وزحف إلى البطائح سنة أربعين، ودخل عمران في مضائقه، وأشاروا عليه بالهجوم فلم يفعل فكتب إليه معز الدولة بذلك بإشارة روزبهان فدخل المهلبي المضائق بجميع عسكره، وقد أكمن لهم عمران فخرج عليهم الكمين، وتقسموا بين القتل والغرق والأسر، ونجا المهلبي سابحا في الماء. وكان روزبهان متأخرا في الزحف فسلم، وأسر عمران كثيرا من قوادهم الأكابر ففاداه معز الدولة بمن في أسره من أهله وأصحابه، وقلده ولاية البطائح فاستفحل أمره.

ثم انتقض سنة أربع وأربعين لخبر بلغه عن مرض طرق معز الدولة، وأرجف أهل بغداد بموته، ومر به مال من الأموال يحمل إلى معز الدولة، ومعه جماعة من التجار فكبسهم وأخذ جميع ما معهم. ثم رد ذلك بعد ابلال معز الدولة من مرضه، وفسد ما بينهما من الصلح. ثم سار معز الدولة إلى واسط سنة خمس وخمسين فبعث العساكر من هنالك لقتال عمران مع أبي الفضل العباس بن الحسن. وقدم عليه نافع مولى ابن وجيه صاحب عمان يستنجده عليها فانحدر إلى الأبلة، وبعث معه المراكب إلى عمان. وسارت عس!اكره إلى البطائح فنزلوا الجامدة، وسدوا الأنهار التي نصب إليها.

ثم رجع معز الدولة من الأبلة، وطرقه المرض فجهز العساكر لقتال عمران ودعا إلى بغداد فهلك وولي بعده ابنه عز الدولة بختيار فأعاد العساكر المجمرة على عصران، وعقد معه الصلح فاستمر حاله. ثم زحف بختيار إليه سنة تسع وخمسين، وأقام بواسط يتصيد شهرا. ثم بعث وزيره إلى الجامدة، وطرق البطيحة فسد مجاري المياه، وقلبها إلى أنهارها وهي الجسور إلى العراق. ثم جاء المد من دجلة وخرب جميع ذلك. ثم انتقل عمران إلى معقل آخر ونقل ماله إليه، حتى إذا حسر المياه وانتهجت الطرق فقدوا عمران من مكانه، وطال عليهم الأمر، وشغب الجند على الوزير فأمر بختيار بمصالحته على ألف ألف درهم. ولما رحل العسكر عنه ثار أصحابه في أطراف الناس فنهبوا كثيرا من العساكر، ووصلوا إلى بغداد سنة إحدى وستين. وفاة عمران بن شاهين وقيام ابنه الحسن مقامه ومحاربته عساكر عضد الدولة: ثم توفي عمران بن شاهين فجأة في محرم سنة تسعة وستين لأربعين سنة من ثورته، بعد أن طلبه الملوك والخلفاء ورددوا عليه العساكر فلم يقدروا عليه. ولما هلك قام بعده ابنه الحسن فطمع عضد الدولة فيه، وجهز العساكر مع وزيره وسدوا عليه المياه وأنفق فيها أموالا وجاء المد فأزالها، وبقوا كلما سدوا فوهة فتق الحسن أخرى وفتح الماء أمثالا لها، ثم وافقهم في الماء فاستظهر عسكر الحسن، وكان معه المظفر أبو الحسن ومحمد بن عمر، العلوي الكوفي، فاتهمه بمراسلة الحسن وإفشاء سره إليه، وخاف أن تنقص منزلته عند عضد الدولة فطعن نفسه فمات، وأدرك بآخر رمق فقال: محمد بن عمر حملني على هذا، وحمل إلى ولده بكازرون فدفن هنالك، وأرسل عضد الدولة إلى العسكر من رجعه إليه، وصالح الحسن بن عمران على مال يحمله وأخذ رهنه بذلك.

مقتل الحسن بن عمران وولاية أخيه أبي الفرج

كان الحسن بن عمران آسفا على أخيه أبي الفرج وحنقا عليه، ولم يزل يتحيل عليه إلى أن دعاه إلى عيادة أخت لهما مرضت، وأكمن في بيتها جماعة أعذها القتلة فدخل الحسن منفردا عن أصحابه فأغلقوا الباب دونهم وقتلوه. وصعد أبو الفرج إلى السطح فأعلمهم بقتله ووعدهم فسكنوا. ثم بذل لهم المال فأقره، وكتب إلى بغداد

بالطاعة فكتب له بالولاية، وذلك لثلاث سنين من ولاية الحسن. مقتل أبي الفرج وولاية أبي المعالي بن الحسن: ثم إن أبا الفرج لما قتل أخاه الحسن قدم الجماعة الذين قتلوه على أكابر القواد، وكان الحاجب المظفر بن علي كبير قواد عمران والحسن فاجتمع إليه القواد وشكوا إليه فسكنهم فلم يرضوا، وحملوه على قتل أبي الفرج فقتله، ونصب أبا المعالي ابن أخيه الحسن مكانه لأشهر من ولايته. ثم تولى تدبيره بنفسه لصغره، وقتل من كان يخافه من القواد واستولى على أموره كلها. استيلاء المظفر وخلع أبي المعالي: ثم إن المظفر بن علي الحاجب القائم بأمر أبي المعالي طمع في الاستقلال بأمر البطيحة فصنع كتابا على لسان صمصام الدولة سلطان بغداد بولايته، وجاء به ركابي عليه أثر السفر وهو بدست إمارته فقرأه بحضرتهم، وتلقاه بالطاعة. وعزل أبا المعالي وأخرجه مع أمه إلى واسط، وكان يصلهما بالنفقة. وأحسن السيرة بالناس وانقرض بيت عمران بن شاهين. ثم عهد إلى ابن أخته علي بن نصر ويكنى أبا الحسن ه وتلقب بالأمير المختار، وبعده إلى ابن أخته الأخرى ويكنى أبا الحسن وشمى علي بن جعفر.

وفاة المظفر وولاية مهذب الدولة

ثم توفي الحاجب المظفر صاحب البطيحة سنة ست وسبعين لثلاث سنين من ولايته، وولي بعده ابن أخيه أبو الحسن علي بن نصر بعهده إليه كما مر. وكتب إلى شرف الدولة سلطان بغداد بالطاعة فقلده، ولقبه مهذب الدولة فأحسن السيرة، وبذل المعروف وأجار الخائف فقصده الناس وأصبحت البطيحة معقلا. واتخذها الأكابر وطنا وبنوا فيها الدور والقصور. وكاتب ملوك الأطراف وصاهره بهاء الدولة بابنته، وعظم شأنه واستجار به القادر عندما خاف من الطائع وهرب إليه فأجاره، ولم يزل عنده بالبطيحة ثلاث سنين إلى أن استدعي منها للخلافة سنة إحدى وثمانين.

بعث ابن واصل علي البطيحة وعزل مهذب الدولة

كان من خبر أبى العباس بن واصل هذا أنه كان ينوب عن رزبوك الحاجب، وارتفع معه ثم استوحش منه ففارقه وسار إلى شيراز، واتصل بخدمة فولاد وتقدم عنده. ثم قبض على فولاد فعاد إلى الأهواز، ثم أصعد إلى بغداد، ثم خرج منها، وخدم أبا محمد بن مكرم. ثم انتقل إلى خدمة مهذب الدولة بالبطيحة وتقدم عنده. ولما استولى السكرستان على البصرة بعثه مهذب الدولة في العساكر لحربه فقتله وغلبه، ومضى إلى شيراز فأخذ سفن محمد بن مكرم وأمواله ورجع إلى أسافل دجلة فتغلب عليها، وخلع طاعة مهذب الدولة فأرسل إليه مائة سميرية مشحونة بالمقاتلة فغرق بعضها وأخذ ابن واصل الباقي وعاد إلى الأبلة فبعث إليه أبا سعيد بن ماكولا فهزمه ثانية، واستولى على ما معه، وأصعد إلى البطيحة وخرج مهذب الدولة إلى شجاع بن مروان وابنه صدقة فغدروا به، وأخذوا أمواله ولحق بواسط. واستولى ابن واصل على البطيحة وعلى أموال مهذب الدولة وجمع ما كان لزوجه ابنة بهاء الدولة. وبعث به إلى أبيها وكانت قد لحقت ببغداد. ثم اضطرب عليه أهل البطائح وبعث سبعمائة فارس إلى البلاد المجاورة فقاتلهم أهلها وظفروا بهم، وخشي ابن واصل على نفسه فعاد إلى البصرة وترك البطائح فوضى، ونزل البصرة في قوة واستفحال. وخشي أهل النواحي عاديته فسار بهاء الدولة من فارس إلى الأهواز ليتلافى أمره، واستدعى عميد الجيوش من بغداد وسيره في العساكر إليه فجاء إلى واسط، واستكثر من السفن، وسار إلى البطائح. وسار إليه ابن واصل من البصرة فهزمه، وغنم ثقله وخيامه، ورجع ابن واصل مفلولا.

عود مهذب الدولة إلي البطيحة

ولما انهزم عميد الجيوش أقام بواسط فجمع عساكره لمعاودة ابن واصل. ثم بلغه أن نائب بن واسط بالبطائح قد خرج مجفلا فبعث إلى بغداد وبعث بالعساكر، وهم بالانتقاض فاستدعى عميد الجيوش مهذب الدولة من بغداد، وبعثه بالعساكر في السفن إلى البطيحة سنة خمس وستين فاستولى عليها. واجتمع عليه أهل الولايات وأطاعوه، وقرر عليها بهاء الدولة خمسين ألف دينار في كل سنة. وشغل عن ابن واصل بتجهيز العساكر الى خوزستان وطمع في الملك، واجتمع عنده كثير من الديلم وأصناف الأجناد.

وسار إلى الأهواز، وسير بهاء الدولة عسكرا للقائه فهزموهم، ودخل دار الملك وأخذ ما كان فيها. وبعث إلى بهاء الدولة في الصلح فصالحه وزاد في إقطاعه. ثم بعث بهاء الدولة العساكر للقائه وسار إلى الأهواز، وزحف إليها ابن واصل ومعه بدر بن حسنويه فبعث بهاء الدولة الوزير بالبطيحة فهزمه الوزير ثانية، فمضى مع حسان بن محال الخفاجي الكوفي وملك إلى الكوفة، وملك البصرة. وسار ابن واصل إلى دجلة قاصدا بدر بن حسنويه فبلغ جامعين فأنزله أصحاب بدر، وكان أصحاب أبي الفتح بن عنان قريبا منه فكبسه، وجاء به إلى بغداد فبعثه عميد الجيوش إلى بهاء الدولة فقتله سنة ست وتسعين كما مر في أخبار الدولة. وفاة مهذب الدولة وولاية افي أخته عبد الله بن نسي: ثم توفي مهذب الدولة عبد الله بن علي بن نصر في جمادى سنة ثمان وأربعمائة، وكان ابن أخته أبو عبد الله محمد بن نسى قائما بأموره ومرشحا للولاية مكانه. وقد اجتمع عليه الجند واستحلفهم لنفسه. وبلغه قبل وفاة خاله أن ابنه أبا الحسن أحمد داخل بعض الجند في البيعة له بعد أبيه فاستدعاه، وحمله إليه الجند فقبض عليه. ودخلت إليه أمه فخبرته الخبر فلم يزد على الأسف له. وتوفي مهذب الدولة من الغد، وولي أبو محمد بن نسى مكانه وقتل أبو الحسين ابن خاله لثلاث من وفاة أبيه.

وفاة ابن نسي وولاية السراني

ثم توفي أبو عبد الله محمد بن نسى لثلاثة أشهر من ولايته، واتفق الجند على ولاية أبي محمد الحسين بن بكر السراني من خواص مهذب الدولة فولوه عليهم، وبذل لسلطان الدولة ملك بغداد مالا فأقره على ولايته.

نكبة السراني وولاية صدقة المازياري

وأقام أبو محمد السراني على البطيحة إلى سنة عشر وأربعمائة، وبعث سلطان الدولة صدقة بن فارس المازياري فنكبه وملك البطيحة، وبقي عنده أسيراً إلى أن توفي صدقة وخلص على ما يذكر.

وفاة صدقة وولاية سابور بن المرزبان: ثم توفي صدقة بن فارس المازياري في محرم لاثنتي عشرة سنة من ولايته، وكان سابور بن المرزبان بن مردان قائد جيشه. وكان أبو الهيجاء محمد بن عمران بن شاهين قد تنقل بعد موت أبيه في البلاد بمصر، وعند بدر بن حسنويه حتى استقر عند الوزير أبي غالب، ونفق عنده بما كان لديه من الأدب.

عزل سابور وولاية أبي نصر

ثم إن أبا نصر بن مردان زاد في المقاطعة ولم يبلغها سابور، وتخلى عن الولاية وفارق البطيحة إلى جزيرة بني دبيس، واستقر أبو نصر في ولايتها. ثم عادت إلى أبي عبد الله الحسين بن بكر السراني. عصيان أهل البطيحة علي أبي كاليجار: وبعث أبو كاليجار سنة ثمان عشرة وزيره أبا محمد بن نابهشاد إلى البطيحة، ومقدمها يومئذ أبو عبد الله الحسين بن بكر السراني فعسف بالناس في أموالهم، وقسط عليهم مقادير تؤخذ منهم فانجلوا إلى البلاد. وعزم الباقون على قتل السراني. ونما الخبر إلى السراني فجاء إليهم واعتذر إليهم، وأوعدهم بالمساعدة. وأشار عليه الوزير بإصلاح السفن حتى زحزحها بحيث لا يتمكن منها. ثم وثبوا به فأخرجوه، وكان عندهم جماعة من عسكر جلال الدولة محبوسين فأخرجوهم، واستعانوا بهم وعادوا إلى الامتناع الذي كانوا عليه أيام مهذب الدولة فتم لهم ذلك. ثم جاء ابن العبراني فغلب على البطيحة وأخرج منها السراني فلحق بيزيد بن مزيد، وأقام بها ابن العبراني سنة ثلاث وثلاثين فزحف إليه أبو نصر بن الهيثم فغلبه عليها ونهبها واستقر في ملكها على ما يؤديه لجلال الدولة.

استيلاء أبي كاليجار علي البطيحة

ولما كانت سنة تسع وثلاثين بعث أبو كاليجار أبا الغنائم أبا السعادات الوزير في عسكر لحصار البطيحة فحاصرها، وبها أبو منصور بن الهيثم حتى جنح إلى الصلح، واستأمن نفر من أصحابه إلى أبي الغنائم وأخبروه بضعفه وعزمه على الهرب فحفظ عليه الطرق. ولما كان شهر صفر من السنة واقعهم أبو الغنائم فظفر بهم، وقتل من أهل البطيحة خلقا كثيرا وغرقت منهم سفن متعددة وتفرقوا في الآجام، وركب ابن الهيثم السفن ناجيا بنفسه وأحرقت داره ونهب ما فيها.

ولاية مهذب الدولة بن أبي الخير علي البطيحة

ثم كان بعد ذلك لبني أبي الخير ولاية على البطيحة فيما قبل المائة الخامسة وما بعدها ولا أدري ممن هؤلاء بنو أبي الخير إلا أن ابن الأثير قال: كان إسمعيل ولقبه المصطنع، ومحمد ولقبه المختص، هما ابنا أبي الخير، ولهما رياسة قومهما. وهلك المختص وقام مكانه ابنه مهذب الدولة. ونازع ابن الهيثم صاحب البطيحة إلى أن غلبه مهذب الدولة أيام كوهرايين الشحنة ببغداد. وكان بنو عمه وعشيرته تحت حكمه. وأقطع السلطان محمد سنة خمس وتسعين وخمسمائة مدينة واسط لصدقة بن مزيد صاحب البطيحة والحلة فضمنها منه مهذب الدولة أحمد بن أبي الخير صاحب البطيحة، وفرق أولاده في الأعمال. وطالبه صدقة بالأموال وحبسه وضمن حماد ابن عمه واسط. وكان مهذب الدولة يصانع حماد ابن عمه إسمعيل ويداريه، وحماد يطمح إلى رياسته فلما هلك كوهرايين نازع حماد مهذب الدولة ابن عمه، واجتهد مهذب الدولة في إصلاحه فلم يقدر، فجمع النفيس بن مهذب الدولة فهرب حماد إلى صدقة مستجيشا به فعاد بالجيش، وحاربه مهذب الدولة وزاده صدقة المدد فانهزم مهذب الدولة. وهلك أكثر عس!كره وقوي طمع حماد. واستمد صدقة فأمده بالعساكر مع مقدم جيشه حميد بن سعيد. وبعث مهذب الدولة لصاحب الجيش بالإقامات والصلات فمال إليه، وأصلح ما بينه وبين صدقة. وبعث مهذب الدولة ابنه النفيس إلى صدقة فأصلح بينهم وبين حماد ابن عمهم، وكان ذلك أعوام الثلاثين.

ولاية نصر بن النفيس والمظفر بن حماد من بعده علي البطيحة

ثم كان انتقاض دبي! بن صدقة أيام المسترشد والسلطان محمود، وكان البرسقي شحنة ببغداد فانتزع السلطان البطيحة من يد دبيس، وأقطعها إلى سحان الخادم مولاه فولى عليها نصر بن النفيس بن مهذب الدولة أحمد بن محمد بن أبي الخير. وأمر السلطان محمود البرسقي بالمسير لقتال دبيس فاحتشد وسار لذلك، ومعه نصر بن النفيس صاحب البطيحة، وابن عمه المظفر بن حماد بن إسمعيل بن أبي الخير، وبينهما من العداوة المتوارثة ما كان بين سلفهما. والتقى البرسقي ودبيس، وهزمه دبيس، وجاءت العساكر منهزمة. وبقي نصر بن النفيس وابن عمه حماد عند ساباط النهر فقتله، ولحق بالبطيحة فملكها، وبعث إلى دبيس بطاعته وبعث دبيس إلى الخليفة يصانعه بالطاعة على البعد. وبلغ الخبر إلى السلطان محمود فقبض على منصور بن صدقة أخي دبيس وولده فكحلهما فاستشاط دبيس وساء أثره في البلاد وبعث إلى أحيائه بواسط فمنعهم الأتراك الذين بها فبعث مهلهل بن أبي العسكر مقدم عساكره في جيش، وكتب إلى المظفر بن حماد صاحب البطيحة بمعاضدته على قتال واسط فتجهز وأصعد، وعاجل مهلهل الحرب قبل وصوله فهزمه أهل واسط وغنموا ما معه، وكان في جملتها بخط دبيس وصار معهم، وساءت آثار دبيس في البلاد، ولم يزل حال البطيحة على ذلك. ثم صار أمرها لبني معروف وأجلاهم الخلفاء عنها.

إجلاء بني معروف من البطيحة

كان بنو معروف هؤلاء أمراء بالبطيحة في آخر المائة السادسة، ولا أدري ممن هم فلما استجمع للخلفاء أمرهم، وخرجوا عن استبداد ملوك السلجوقية، واقتطعوا الأعمال من أيديهم شيئا فشيئا فصار لهم الحلة والكوفة وواسط والبصرة وتكريت وهيت والأنبار والحديثة. وجاءت دولة الناصر وبنو معروف على البطيحة وكبيرهم معلى. قال ابن الأثير: وهم قوم من ربيعة كانت غربي الفرات تحت سورا وما يتصل بها من البطائح، وكثرت إذاياتهم وإفسادهم في النواحي. وبلغت الشكوى بهم إلى الديوان فأمر الخليفة الناصر مغذا الشريف متولي بلاد واسط أن يسير إلى قتالهم فاستعد لذلك، وجمع من سائر تلك الأعمال فسار إليهم سنة ست عشرة بالعير من بلاد البطيحة، وفشا القتل بينهم. ثم انهزم بنو معروف، وتفرقوا بين القتل والأسر والغرق، واستبيحت أموالهم وانتظمت البطيحة في أعمال الناصر، ولم يبق بها ملك ولا دولة.

دولة بني حسنويه

الخبر عن دولة بني حسنويه من الأكراد القائمين بالدعوة العباسية بالدينور والصامغان ومبد أ أمولهم وتصاريف أحوالهم كان حسنويه بن الحسين الكردي من طائفة الأكراد يعرفون بالريزنكاس، وعشيرة منهم يسمون الدويلتية، وكان مالكا قلعة سرياج وأميرا على البررفكان. وورث الملك عن خاليه ونداد وغانم ابني أحمد بن علي، وكان صنفهما من الأكراد يسمون العبابية وغلبا على أطراف الدينور وهمذان ونهاوند والصامغان، وبعض نواحي أذربيجان إلى حدود شهرزور فملكاها نحوا من خمسين سنة، ولكل واحد منهما ألوف من العساكر، وتوفي ونداد بن أحمد سنة تسع وأربعين، وقام مقامه ابنه أبو الغنائم عبد الوهاب إلى أن أسره الشادنجان من طوائف الأكراد، وسلموه إلى حسنويه فأخذ قلاعه وأملاكه. وتوفي غانم سنة خمسين وثلثمائة فقام ابنه أبو سالم دسيم مكانه بقلعة فتنان إلى أن أزاله أبو الفتح بن العميد، واستصفى قلاعه المسماة بستان وغانم أفاق وغيرهما. وكان حسنويه حسن السيرة ضابطا لأمره، وبنى قلعة سرماج بالصخور المهندسة وبنى بالدينور جامعا كذلك، وكان كثير الصدقة للحرمين. ولما ملك بنو بويه البلاد واختص ركن الدولة بالري وما يليه كان شيعة ومددا على عدوه فكان يرعى ذلك، ويغضي عن أموره إلى أن وقعت بين ابن مسافر من قواد الديلم وكبارهم وقعة هزمه فيها حسنويه، وتحصن بمكان فحاصره فيه وأضرمه عليه نارا فكاد يهلك. ثم استأمن له فغدر به وامتعض لذلك ركن الدولة وأدركته نعرة العصبية، وبعث وزيره أبا الفضل بن العميد في العساكر سنة تسع وخمسين فنزل همذان وضيق على حسنويه، ثم مات أبو الفضل فصالحه ابنه أبو الفتح على مال ورجع عنه. وفاة حسنويه وولاية ابنه بدر: ثم توفي حسنويه سنة تسع وستين وافترق ولده على عضد الدولة لقتال أخويه محمد وفخر الدولة. وكانوا جماعة أبو العلاء وعبد الرزاق وأبو النجم بدر وعاصم وأبو عدنان وبختيار وعبد الملك. وكان بختيار بقلعة سرماج ومعه الأموال والذخائر فكاتب

عضد الدولة ورغب في طاعته، ثم رغب عنه فسير إليه عضد الدولة جيشاً وملك قلعته وغيرها من قلاعهم. ولما سار عضد الدولة لقتال أخيه فخر الدولة، وملك همذان والري وأضافهما إلى أخيه مؤيد الدولة، ولحق فخر الدولة بقابوس بن وشمكير، عرج عضد الدولة إلى ولاية حسنويه الكردي فافتتح نهاوند والدينور وسرماج وأخذ ما فيها من ذخائره، وكانت جليلة المقدار. وملك معها عدة من قلاع حسنويه، ووفد عليه أولاد حسنويه فقبض على عبد الرزاق وأبي العلاء وأبي عدنان، واصطنع من بينهم أبا النجم بدر بن حسنويه وخلع عليه وولاه على الأكراد، وقواه بالرجال فضبط ملك النواحي وكف عادية الأكراد بها. واستقام أمره فحسده أخواه، وأظهر عاصم وعبد الملك منهم العصيان، وجمعا الأكراد المخالفين. وبعث عضد الدولة العساكر فأوقعوا بعاصم وهزموه وجاؤوا به أسيرا إلى همذان، ولم يوقف له بعد ذلك على خبر، وذلك سنة سبعين. وقتل جميع أولاد حسنويه وأقر بدرا على عمله. حروب بدر بن حسنويه وعساكر مشرف الدولة : ولما توفي عضد الدولة وملك ابنه صمصام الدولة ثار علية أخوه مشرف الدولة !بفارس، ثم ملك بغداد. وكان فخر الدولة بن ركن الدولة قد عاد من خراسان إلى مملكة أصفهان والري بعد وفاة أخيه مؤيد الدولة، وأوقع بينه وبين مشرف الدولة فكان مشرف الدولة يحقد عليه. فلما استقر ببغداد وانتزعها من يد صمصام الدولة وكان قائده قراتكين الجهشاري مدلا عليه متحكما في دولته، وكان ذلك يثقل على مشرف الدولة، جهزه في العساكر لقتال بدر بن حسنويه يروم إحدى الراحتين فسار إلى بدر سنة سبع وسبعين، ولقيه على وادي قرميسين. وانهزم بدر حتى توارى ولم يتلقوه ونزلوا في خيامه، ثم كر بدر فأعجلهم عن الركوب، وفتك فيهم واحتوى على ما معهم. ونجا قراتكين في فل إلى جسر النهروان فلحق به المنهزمون، ودخل بغداد. واستولى بدر على أعمال الجبل وقويت شوكته واستفحل أمره. ولم يزل ظاهراً عزيزاً وقلد من ديوان الخلافة سنة ثمان وثمانين أيام السلطان بهاء الدولة، ولقب ناصر الدولة. وكان كثير الصدقات بالحرمين، وكثير الطعام للعرب بالحجاز لخفارة الحاج، وكف أصحابه من الأكراد عن إفساد السابلة فعظم محله وسار ذكره.

مسير ابن حسنويه لحصار بغداد مع أبي جعفر بن هرمز: كان أبو جعفر الحجاج بن هرمز نائبا بالعراق عن بهاء الدولة، ثم عزل فدال منه بأبي علي بن أبي جعفر أستاذ هرمز، وتلقب عميد الجيوش فأقام أبو جعفر بنواحي الكوفة وقاتل عميد الجيوش فهزمه العميد. ثم جرت بينهما حروب سنة ثلاث وستين، وأقاما على الفتنة والاستنجاد بالعرب من بني عقيل وخفاجة وبني أسد وبهاء الدولة مشتغل بحرب ابن واصل في البصرة. واتصل ذلك إلى سنة سبع وتسعين. وكان ابن واصل قد قصد صاحب طريق خراسان وهو قلج، ونزل عليه واجتمعا على فتنة عميد الجيوش. وتوفي هذه السنة فولى عميد الجيوش مكانه أبا الفتح محمد بن قلج عنان عدو بدر بن حسنويه. وفحل الأكراد المسامي لبدر في الشؤون وهو من الشادنجان من طوائف الأكراد، وكانت حلوان له فغضب لذلك بدر ومال إلى أبي جعفر، وجمع له الجموع من الأكراد مثل الأمير هندي بن سعدي وأبي عيسى سادي بن محمد وورام بن محمد وغيرهم. واجتمع له معهم علي بن مزيد الأسدي. وزحفوا جميعا إلى بغداد ونزلوا على فرسخ منها. ولحق أبو الفتح بن عنان بعميد الجيوش، وأقام معه ببغداد حامياً ومدافعا إلى أن وصل الخبر بهزيمة ابن واصل وظهور بهاء الدولة عليه فأجفلوا عن بغداد، وسار أبو جعفر إلى حلوان ومعه أبو عيسى وراسل بهاء الدولة. ثم سار ابن حسنويه إلى ولاية رافع بن معن من بني عقيل يجتمع مع بني المسيب في المقلد، وعاث فيها لأنه كان آوى أبا الفتح بن عنان حين أخرجه بدر من حلوان وقرميسين، واستولى عليها فأرسل بدر جيشا إلى أعمال رافع بالجناب ونهبوها وأحرقوها. وسار أبو الفتح بن عنان إلى عميد الجيوش ببغداد فوعده النصر، حش إذا فرغ بهاء الدولة من شأن ابن واصل وقتله أمر عميد الجيوش بالمسير إلى بدر بن حسنويه لإعانته على بغداد، وإمداده ابن واصل فسار لذلك، ونزل جنديسابور، وبعث إليه بدر في الصلح على أن يعطيه ما أنفق على العساكر فحمل إليه ورجع عنه. انتقاض هلال بن بدر بن حسنويه علي أبيه وحروبهما: كانت أم هلال هذا من الشادنجان رهط أبي الفتح بن عنان وأبي الشوك بن

مهلهل، واعتزلها أبوه لأول ولادته فنشأ مبعدا عن أبيه، واصطفى بدر ابنه الآخر أبا عيسى وأقطع هلالا الصامغان فأساء مجاورة ابن المضاضي صاحب شهرزور، وكان صديقا لبدر فنهاه عن ذلك فلم ينته. وبعث ابن المضاضي يتهدده فبعث إليه أبوه بالوعيد فجمع وقصد ابن المضاضي وحاصره في قلعة شهرزور حتى فتحها. وقتل ابن المضاضي واستباح بيته ، فاتسع الخرق بينه وبين أبيه واستمال أصحاب أبيه بدر، وكان بدر نسيكا فاجتمعوا إلى هلال وزحف لحرب أبيه والتقيا على الدينور. وانهزم بدر وحمل أسيرا إلى ابنه هلال فرده في قلعته للعبادة، وأعطاه كفايته بعد أن ملك الحصن الذي تملكه بما فيه. للما استقر بدر بالقلعة حصنها، وأرسل إلى أبي الفتح بن عنان وإلى أبي عيسى سادي بن محمد بأستراباذ وأغراهما بأعمال هلال فسار أبو الفتح إلى قرميسين وملكها. وأساء الديلم فاتبعه هلال إليها ووضع السيف في الديلم. وأمكنه ابن رافع من أبي عيسى فعفا عنه وأخذه معه، وأرسل بدر من قلعته يستنجد بهاء الدولة فبعث إليه الوزير فخر الملك في العساكر، وانتهى إلى سابور خواست. واستشار هلال أبا عيسى بن سادي فأشار عليه بطاعة بهاء الدولة، وإلا فالمطاولة وعدم العجلة باللقاء فاتهمه وسار العسكر ليلا فكبسه. وركب فخر الملك في العساكر، وثبت فبعث إليه هلال بأني إنما جثت للطاعة. ولما عاين بدر رسوله طرده وأخبر الوزير أنها خديعة فسر بذلك، وانتفت عنه الظنة ببدر. وأمر العساكر بالزحف فلم يكن بأسرع من مجيء هلال أسيرا، فطلب منه تسليم القلعة لبدر فأجاب على أن لا يمكن أبوه منه، واستأمنت أمه ومن معها بالقلعة فأمنهم الوزير، وملك القلعة وأخذ ما فيها من الأموال يقال أربعون ألف بدرة دنانير، وأربعمائة ألف بدرة دراهم سوى الجواهر والثياب والسلاح، وسلم الوزير فخر الملك القلعة لبدر وعاد إلى بغداد. استيلاء ظاهر بن هلال علي شهرزور: كان بدر بن حسنويه قد نزل عن شهرزور لعميد الجيوش ببغداد، وأنزل بها نوبة فلما كانت سنة أربع وأربعمائة، وكان هلال بن بدر معتقلا سار ابنه ظاهر إلى شهرزور، وقاتل عساكر فخر الملك منتصف السنة وملكها من أيديهم، وأرسل إليه الوزير يعاتبه ويأمره بإطلاق من أسر من أصحابه ففعل وبقيت شهرزور بيده.

مقتل بدربن حسنويه وابنه هلال

ثم سار بدر بن حسنويه أمير الجيل إلى الحسن بن مسعود الكردي ليملك عليه بلاده، وحاصره بحصن كوسجة، وأطال حصاره فغدر أصحاب بدر وأجمعوا قتله. وتولى ذلك الجورقان من طوائف الأكراد فقتلوه وأجفلوا فدخلوا في طاعة شمس الدولة بن فخر الدولة صاحب همذان. وتولى الحسين بن مسعود تكفين بدر ومواراته في مشهد علي. ولما بلغ ظاهر بن هلال مقتل جده وكان هاربا منه بنواحي شهرزور، وجاء لطلب ملكه فقاتله شمس الدولة فهزمه، وأسره وحبسه بهمذان واستولى على بلاده. وصار الكرية والشادنجان من الأكراد في طاعة أبي الشوك. وكان أبوه هلال بن بدر محبوسا عند سلطان الدولة ببغداد فأطلقه، وجهز معه العساكر ليستعيد بلاده بن شمس الدولة فسار ولقيه شمس الدولة فهزمه وأسره وقتله، ورجعت العساكر منهزمة إلى بغداد. وكان في ملك بدر سابور خواست والدينور وبروجرد ونهاوند وأستراباذ وقطعة ة من إعمال الأهواز، وما بين ذلك من القلاع والولايات. وكان عادلاً كثير المعروف عظيم الهمة. ولما هلك هو وابنه هلال بقي حافده ظاهر محبوساً عند شمس الدولة بهمذان.

مقتل ظاهر بن هلال واستيلاء أبي الشوك علي بلادهم ورياستهم

كان أبو الفتح محمد بن عنان أمير الشادنجان من الأكراد، وكانت بيده حلوان وأقام عليها أميرا وعلى قومه عشرين سنة. وكان يزاحم بدر بن حسنويه وبنيه في الولايات واعمال بالجيل. وهلك سنة إحدى وأربعمائة، وقام مكانه ابنه أبو الشوك وطلبته العساكر من بغداد فقاتلهم، وهزموه فامتنع بحلوان إلى أن أصلح حاله مع الوزير فخر الملك لما قدم العراق بعد عميد الجيوش من قبل بهاء الدولة. ثم إن شمس الدولة بن فخر الدولة ابن بويه أطلق ظاهر بن هلال بن بدر من محبسه بعد أن استخلفه على الطاعة، وولاه على قومه وعلى بلاده بالجبل، وأبو الشوك صاحب حلوان والسهل، وبينهما المنافسة القديمة فجمع ظاهر وحارب أبا الشوك فهزمه. وقتل سعدى بن محمد أخاه، ثم جمع ثانية فانهزم أبو الشوك أيضاً وامتنع بحلوان: وملك ظاهر عامة البسيط، وأقام بالنهروان. ثم تصالحا وتزوج ظاهر أخت أبي الشوك فلما أمنه ظاهر وثب عليه أبو الشوك فقتله بثأر أخيه سعدي، ودفنه أصحابه بمقابر بغداد، وملك سائر الأعمال ونزل الدينور.

ولما استولى علاء الدولة- بن كاكويه على همذان سنة أربع عشرة عندما هزم عساكر شمس الدولة بن بويه واستبد عليه سار إلى الدينور فملكها من يد أبي الشوك، ثم إلى سابور خواست وسائر تلك الأعمال. وسار في طلب أبي الشوك فأرسل إليه مشرف الدولة سلطان بغداد وشفع فيه فعاد عنه علاء الدولة. ولما زحف الغز إلى بلاد الري سنة عشرين وأربعمائة، وملكوا همذان وعاثوا في نواحيها إلى أستراباذ وقرى الدينور، خرج إليهم أبو الفتح بن أبي الشوفي وقاتلهم فهزمهم، وأسر منهم جماعة. ثم عقد الصلح معهم على إطلاق أسراهم ورجعوا عنه. ثم استولى أبو الشوك سنة ثلاثين على قرميسين من أعمال الجبل، وقبض على صاحبها من الأكراد الترهية، وسار أخوه إلى قلعة أرمينية فاعتصم بها من أبي الشوك وكانت لهم مدينة خولنجان فبعث إليها عسكراً فلم يظفروا وعادوا عنها. ثم جهز آخر وبعثهم ليومهم يسابقون جندهم، ومروا بأرمينية فنهبوا ربضها، ص وقاتلوا عن ظفروا به وانتهوا إلى خولنجان فكبسوها على حين غفلة. واستأمن إليهم أهلها وتحصن الحامية بقمعه وسط البلد فحاصروها وملكوها عليهم في ذي القعدة من السمة.

الفتنة بين أبي الفتح بن أبي الشوك وعمه مهلهل

كان أبو الفتح بن أبي الشوك نائبا عن أبيه بالدينور، واستفحل بها وملك قلاعا عدة وحمى أعماله من الغز فأعجب بنفسه، ورأى التفوق على أبيه. وسار في شعبان سنة إحدى وثلاثين إلى قلعة بكورا من قلاع الأكراد، وصاحبها غائب وبها زوجته فراسلت مهلهلا لتسلم له القلعة نكاية لأبي الفتح، وكانت حلة مهلهل في نواحي الصامغان فانتظر حتى عاد أبو الفتح عن القلعة. وجمر العساكر لحصارها. وسار إليها أبو الفتح فورى له عن قصده، ورجع فأتبعه أبو الفتح فقاتله عمه مهلهل، ثم ظفر به وأسره وحبسه. وجمع أبو الشوك وقصد شهرزور وحاصرها. ثم قصد بلاد مهلهل، وطال الأمر، ولج مهلهل في شأنه وأغرى علاء الدولة بن كاكويه ببلد أبي الفتح فملك عليه الدينور وقرميسين سنة اثنتين وثلاثين. ثم سار أبو الشوك إلى دقوقا وقدم إليها ابنه سعدي فحاصرها وجاء على أثره فنقبوا سورها وملكها عنوة، ونهب بعض البلد، وأخذت أسلحة الأكراد وثيابهم، وأقام أبو الشوك بها ليلة. ثم بلغه أن أخاه سرخاب بن محمد قد أغار على مواضع من ولايته فخاف على البندنجين. ورجع وبعث إلى جلال الدولة سلطان بغداد يستنجده فبعث إليه العساكر وأقاموا عنده، وسار مهلهل إلى علاء الدولة بن كاكويه يستصرخه على أخيه أبي الشوك على الاعتصام بقلعة السيروان. ثم بعث إلى علاء الدولة يعرض له بالرجوع إلى جلال الدولة صاحب بغداد فصالحه على أن يكون الدينور لعلاء الدولة ورجع عنه. ثم سار أبو الشوك إلى شهرزور فحاصرها وعاث في سوادها، وحصر قلعة بيزاز شاه فدافعه أبو القاسم بن عياض عنها ووعده بخلاص ابنه أبي الفتح من أخيه مهلهل فسار من شهرزور إلى نواحي سند من أعمال أبي الشوك. ولما بعث إليه ابن عياض بالصلح مع أخيه أبي الشوك امتنع فسار أبو الشوك من حلوان إلى الصامغان. ونهب ولاية مهلهل كلها. وأجفل مهلهل بين يديه. ثم تردد الناس بينهما في الصلح وعاد عنه أبو الشوك.

استيلاء نيال أخي طغرلبك علي ولاية أبي الشوك

ثم سار إبراهيم نيال بأمر أخيه طغرلبك من كرمان إلى همذان فملكها، ولحق كرساشف بن علاء الدولة بالأكراد الجورقان وكان أبو الشوك حينئذ بالدينور ففارقها إلى قرميسين وملكها نيال. وسار في اتباعه إلى قرميسين ففارقها إلى حلوان، وترك كل من في عسكره من الديلم والأكراد الشادنجان. وسار إليها نيال وملكها عليهم عنوة واستباحها. وفتك في العسكر ولحق فلهم بأبي الشوك في حلوان فقدم أهله وذخيرته إلى قلعة السيروان وأقام. ثم سار نيال إلى الصيمرة فملكها ونهبها، وأوقع بالأكراد المجاورين لها في الجورقان فانهزموا. وكان عندهم كرساشف بن علاء الدولة فلحق ببلد شهاب الدولة . وشرد أهلها في البلاد، ووصل إليها نيال آخر شعبان فملكها وأحرقها وأحرق دار أبي الشوك وسارت طائفة من الغز في اثر جماعة منهم فأدركوهم بخانقين فغنموا ما معهم، وانتشر الغز في تلك النواحي. وتراسل أبو الشوك وأخوه مهلهل. وكان ابنه أبو الفتح قد مات في سجن مهلهل فبعث مهلهل ابنه وحلف له أنه لم يقتله، وإن ثبت فاقتل أبا الغنائم بثأره فقبل ورضي، واصطلحا على دفاع نيال عن أنفسهما. وكان أبو الشوك قد أخذ ممتلكات سرخاب أخيه ما عدا قلعة دوربلونة، وتقاطعا لذلك فسار سرخاب إلى البندنجين، وبها سعدي بن أبي الشوك ففارقها سعدي إلى أبلة ونهبها سرخاب.

وفاة أبي الشوك وقيام أخيه مهلهل مقامه: ثم توفي أبو الشوك فارس بن محمد سنة سبع وثلاثين بقلعة السيروان من حلوان، وقام مقامه أخوه مهلهل، واجتمع إليه الأكراد مائلين إليه عن ابن أخيه سعدي بن أبي الشوك فلحق سعدي بنيال أخي طغرلبك يستدعيه لملك البلاد. ولما استولى مهلهل بعد موت أخيه أبي الشوك، وكان نيال عندما غدا من حلوان، ولى على قرميسين بدر بن ظاهر بن هلال بن بدر بن حسنويه فسار إليها مهلهل سنة ثمان وثلاثين فهرب بدر عنها وملكها. وبعث ابنه محمدا الى الدينور وبها عساكر نيال فهزمهم وملكها. استيلاء سعدي بن أبي الشوك علي أعمالهم بدعوة السلجوقية: ولما ملك مهلهل بعد أخيه أبي الشوك تزوج بأم سعدي وأهله وأساء معاملة الأكراد الشادنجان فراسل سعدي نيال، وسار إليه بالشادنجان فبعث معهم عسكرا من الغز سنة تسع وثلاثين فملك حلوان، وخطب فيها لإبراهيم نيال. ورجع إلى مابدشت فخالفه عمه مهلهل إلى حلوان فملكها، وقطع منها خطبة نيال فعاد سعدي إلى عمه سرخاب فكبسه ونهب حلله. وسير إلى البندنجين جمعا فقبضوا على نائب سرخاب ونهبوها. وصعد سرخاب إلى قلعة دوربلونة، وعاد سعدي إلى قرميسين، وبعث مهلهل ابنه بدرا إلى حلوان فملكها فجمع سعدي وأكثر من الغز. وسار فملك حلوان، وتقدم إلى عمه مهلهل فلحق بتيراز شاه من قلاع شهرزور واستباح الغز سائر تلك النواحي وحاصر سعدي تيراز شاه ومعه أحمد بن ظاهر قائد نيال، ونهب الغز حلوان. وأراد مهلهل أن يسير إلى ابن أخيه فتكاسلوا ثم قطع سعدي البندنجين لأبي الفتح بن دارم على أن يحاصر معه عمه سرخاب بقلعة دوربلونة فساروا إليها، وكانت ضيقة المسلك فدخلوا المضيق فلم يخلصوا، وأسر سعدي وأبو الفتح وغيرهما من الأعيان، ورجع الغز عن تلك النواحي بعد أن كانوا ملكوها. نكبة سرخاب واستيلاء نيال علي أعمالهم كلها: ثم إن سرخاب لما قبض سعدي ابن أخيه أبي الشوك غاضبه ابنه أبو العسكر واعتزله، وكان سرخاب قد أساء السيرة في الأكراد فاجتمعوا وقبضوا عليه، وحملوه إلى

نيال فاقتلع عينه وطالبه بإطلاق سعدي بن أبي الشوك فأطلقه أبو العسكر ابنه، واستحلفه على السعي في خلاص أبيه سرخاب فانطلق سعدى، واجتمع عليه كثير من الأكراد. وسار إلى نيال فاستوحش منه، وسار إلى الدسكرة، وكاتب أبا كاليجار بالطاعة. ثم سار إبراهيم نيال إلى قلعة كلجان وامتنعت عليهم. ثم حاصروا قلعة دوربلونة فتقدمت طائفة إلى البندنجين فنهبوها. وسار إبراهيم فيها بالنهب والقتل والعقوبة في المصادرة حتى يموتوا. وتقدمت طائفة إلى الفتح فهرب وترك حلله فعرجوا عليها واتبعوه فقاتلهم وظفر بهم وبعث مستنجدا فلم ينجدوه فعبر، وأمر بنزول حلله إلى جانب الغز. وكان سعدي بن أبي الشوك نازلا على فرسخين من باجس فكبسه الغز فهرب وترك حلله وغنمها الغز، ونهبوا تلك الأعمال والدسكرة والهارونية وقصر سابور. وتقسم أهلها بين القتل والغرق والهلاك بالبرد. ووصل سعدي إلى دبال ولحق منها بابي الأغردبيس بن مزيد فأقام عنده. وحاصر نيال قلعة السيروان وضيق عليها، وضربت سراياه في البلاد وانتهت إلى قرب تكريت. ثم استأمن أهل قلعة السيروان إلى نيال فملكها وأخذ منها ذخيرة سعدي، وولى عليها من أصحابه ثم مات صاحب قلعة السيروان وبعث وزيره إلى شهرزور فملكها، وهرب مهلهل وأبعد في الهرب، وحاصر عسكر نيال قلعة هواز شاه. ثم راسل مهلهل أهل شهرزور بالتوثب بالغز الذين عندهم فقتلوهم، ورجع قائد نيال ففتك فيهم. ثم سار الغز المقيمون بالبندنجين إلى نهر سليلي وقاتلوا أبا دلف القاسم بن محمد الجاواني فهزمهم وظفر بهم وغنم ما معهم. وسار في ذي الحجة جمع من الغز إلى بلد علي بن القاسم فعاثرا فيها فأخذ عليهم المضيق فأوقع بهم واسترد ما غنموه. ولم يزل احمد بن ظاهر قائد نيال محاصرا قلعة تيراز شاه في شهرزور إلى أن دخلت سنة أربعين، ووقع الموتان في عسكره. واستمد نيال فلم يمده فرحل عنها إلى مايدشير. وبلغ ذلك مهلهلا فبعث أحد أولاده إلى شهرزور فملكها، وأجفل الغز من السيروان. وسارت عساكر بغداد إلى حلوان وحاصروا قلعتها ولم يظفروا فنهبوا مخلف الغز وخربوا الأعمال، وسار مهلهل إلى بغداد فانزل أهله وأمواله بها، وأنزل حلله على ستة فراسخ منها فسار عسكر من بغداد إلى البندنجين، وقاتلوا الغز الذين بها فهزمهم الغز وقتلوهم جميعا.

بقية أخبار مهلهل وابن أبي الشوك وانقراض أمرهم: ثم سار مهلهل أخو أبي الشوك إلى السلطان طغرلبك سنة ثلاث وأربعين فأحسن إليه وأقره على إقطاعه السيروان ودقوقا وشهرزور والصامغان، وسعى في أخيه سرخاب وكان محبوسا عنده فأطلقه وسوغه قلعة الماهكي، وكانت له فسار إليها، وأقطع سعدي بن أبي الشوك الرادندبين. ثم بعثه سنة ست وأربعين في معسكر من الغز إلى نواحي العراق فنزل بمابدشت، ومار منها إلى أبي دلف الجاواني فهرب بين يديه وأدركه فنهب أمواله وفلت بنفسه. وكان خالد ابن عمه مع الوزير ومطر ابني علي بن معن العقيلي فوفد أولادهم على سعدي يشكون مهلهلا فوعدهم النصر، ورجعهم من عنده فاعترضهم أصحاب مهلهل فأسرهم بنو عقيل ففداهم مهلهل وأوقع بهم على تل عكبرا، ونهبهم فساروا إلى سعدي وهو بسامراء. واتبع عمه مهلهلا وظفر به وأسره، وأسر مالكا ابنه، ورد غنائم بني عقيل ورجع إلى حلوان. واضطربت بغداد، واجتمعت عساكر الملك الرحيم ومعهم أبو الأغردبيس بن مزيد يسعى عند سعدي في أبيه. وكان ابن سعدي عند السلطان طغرلبك رهينة فرده على أبيه عوضا عن مهلهل، وأمره بإطلاق مهلهل فامتعض لذلك سعدي وعصى على طغرلبك. وسار إلى حلوان فامتنعت عليه، وأقام يتردد بين رشقباد والبردان. وأظهر مخالفة طغرلبك، ورجع إلى طاعة الملك الرحيم فبعث طغرلبك العساكر بدران بن مهلهل إلى شهرزور، ووجد إبراهيم بن إسحق من قواده فأوقعوا به، ومضى إلى قلعة رشقباد. وسار بدر بن مهلهل إلى شهرزور، ورجع إبراهيم بن إسحق إلى حلوان فأقام بها. ثم نهض سنة ست وأربعين إلى الدسكرة فنهبها واستباحها، وسار إلى رشقباد وهي قلعة سعدي وفيها ذخيرته، وفي القلعة البردان فامتنعت عليه فخرب أعمالها ووهن الديلم في كل ناحية. وبعث طغرلبك أبا علي بن أبي كاليجار صاحب البصرة في عس!كر من الغز إلى الأهواز فملكها ونهبها الغز، ولقي الناس منهم عيثا بالنهب والمصادرة. وأحاطت دعوة طغرلبك ببغداد من كل ناحية. وانقرض الأكراد من أعمالهم واندرجوا في جملة السلطان طغرلبك. وتلك الأيام نداولها بين الناس، والله يؤتي ملكه من يشاء والله يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين لا راد لأمره.

الفهرست

الدولة العلوية

تم بحمد الله 1. تاريخ ابن خلدون، المجلد الرابع، ص 3-55

القسم الأول من تاريخ العلامة ابن خلدون: الدولة العلوية


أخبار الدولة العلوية المزاحمة لدولة بني العبّاس

ونبدأ منهم بدولة الأدارسة بالمغرب الأَقصى. قد تقدّم لنا ذكر شيعة أهل البيت لعليّ بن أبي طالب وبنيه رضي الله عنهم، وما كان من شأنهم بالكوفة، وموجدتهم على الحسن في تسليم الأمر لغيره، واضطراب الأمر على زياد بالكوفة من أجلهم، حتى قتل المتولون كَبِر ذلك، منهم حِجْر بن عديّ وأصحابه, ثم استدعوا الحسين بعد وفاة معاوية فكان من قَتِله بِكربلاء ما هو معروف، ثم ندم الشيعة على قعودهم عن مناصرته، فخرجوا بعد وفاة يزيد، وبيعة مروان، وخرج عبيد الله بن زياد عن الكوفة، وسَمّوا أنفسهم التوّابين، وولّوا عليهم سليمان بن صُرَد، ولقيتهم جيوش ابن زياد بأطراف الشام فاستلحموهم. ثم خرج المختار بن أبي عُبَيد بالكوفة طالباً بدم الحسين رضي الله عنه، وداعياً لمحمد بن الحنفيّة وتبعه على ذلك جموعه من الشيعة، وسمّاهم شرطة الله، وزحف إليه عبيد الله بن زياد فهزمه المختار وقتله، وبلغ محمد بن الحنفيَة من أحوال المختار ما نقمه عليه ،فكتب إليه بالبراءة منه فصار إلى الدعاء لعبد الله بن الزبير. ثم استدعى الشيعة من بعد ذلك زيد بن عليّ بن الحسين إلى الكوفة أيام هشام بن عبد الملك، فقتله صاحب الكوفة يوسف بن عمر وصلبه، وخرج إليه ابنه يحيى بالجوزجان من خُراسان فقُتِل وصُلِب كذلك، وطلت دماء أهل البيت في كل ناحية، وقد تقدّم ذلك كله في أخبار الدولتين. ثم اختلف الشيعة وافترقت مذاهبهم في مصير الإمامة إلى العلويّة وذهبوا طرائق قِدَداً، فمنهم الإمامية القائلون بوصيّة النبي  لعلىّ بالإمامة، ويسمّونه الوصىّ بذلك، ويتبرؤون من الشيخين لما منعوه حقه بزعمهم، وخاصموا زيدا بذلك حين دعا بالكوفة. ومن لم يتبرأ من الشيخين رفضوه فسمَوا بذلك رافضة. ومنهم الزيدية القائلون بإمامة بني فاطمة لفضل علي وبنيه على سائر الصحابة، وعلى شروط يشترطونها، وإمامة الشيخين عندهم صحيحة وإن كان عليّ أفضل، وهذا مذهب زيد وأتباعه، وهم جمهور الشيعة، وأبعدهم عن الانحراف والغلو. ومنهم الكيسانية نسبة إلى كيسان يذهبون إلى إمامة محمد بن الحنفية وبنيه من بعد الحسن والحسين، ومن هؤلاء كانت شيعة بني العبّاس القائلون بوصيّة أبي هاشم بن محمد بن الحنفيّة إلى محمد بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس بالإمامة. وانتشرت هذه المذاهب بين الشيعة، وافترق كل مذهب منها إلى طوائف بحسب اختلافهم. وكان الكيسانية شيعة بني الحنفية أكثرهم بالعراق وخراسان. ولما صار أمر بني أمية إلى اختلال ،أجمع أهل البيت بالمدينة، وبايعوا بالخلافة سّراٌ لمحمد بن عبد الله بن حسن المُثّنى بن الحسن بن عليّ وسلّم له جميعهم، وحضر هذا العقد أبو جعفر عبد الله بن محمد بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس، وهو المنصور، وبايع له فيمن بايع له من أهل البيت، وأجمعوا على ذلك لتقدمه فيهم لما علموا له من الفضل عليهم، ولهذا كان مالك وأبو حنيفة رحمهما الله يحتّجان إليه حين خرج من الحجاز، ويريدون أنّ إمامته أصح من إمامة أبي جعفر لإنعقاد هذه البيعة من قبل، وربّما صار إليه الأمر عند الشيعة بانتقال الوصية من زيد بن عليّ. وكان أبو حنيفة يقول بفضله، ويحتج إلى حقّه فتأذّت إليهما المحنة بسبب ذلك أيام أبي جعفر المنصور، حتى ضرب مالك على الفتيا في طلاق المكره، وحبس أبو حنيفة على القضاء.

(ولما انقرضت) دولة بني أمية، وجاءت دولة بني العبّاس، وصار الأمر لأبي جعفر المنصور سعى عنده ببني حسن، وأنّ محمد بن عبد الله يروم الخروج، وأنّ دعاته ظهروا بخراسان فحبس المنصور لذلك بني حسن وإخوته وإبراهيم وجعفر، وعلي القائم، وابنه موسى بن عبد الله، وسليمان وعبد الله ابن أخيه داود، ومحمد وإسماعيل واسحاق بنو عمّه إبراهيم بن الحسن في خمسة وأربعين من أكابرهم وحبسوا بقصر ابن هُبيرة ظاهر الكوفة حتى هلكوا في حبسهم، وأرهبوا لطلب محمد بن عبد الله فخرج بالمدينة سنة خمس وأربعين، وبعث أخاه إبراهيم إلى البصرة فغلب عليها، وعلى الأهواز وفارس، وبعث الحسن بن معاوية إلى مكة فملكها، وبعث عاملاٌ إلى اليمن، ودعا لنفسه، وخطب على منبر النبيّ  وتسمّى بالمهدي وكان يُدعى النفس الزَكِيّة، وحبس رباح بن عثمان المّري عامل المدينة، فبلغ الخبر إلى أبي جعفر المنصور فأشفقوا من أمره وكتب إليه كتابه المشهور( ونصه:)

قالب:اقتباس خاص

فأجابه المنصور: قالب:اقتباس خاص

ثم عقد أبو جعفر على حربه لعيسى ابن عمّه موسى بن علي، فزحف إليه في العساكر، وقاتله بالمدينة فهزمه، وقتله في منتصف رمضان سنة خمس وأربعين، ولحق ابنه عليّ بالسند إلى أن هلك هناك، واختفى ابنه الاخر عبد الله الأشتر إلى أن هلك في أخبار طويلة قد استوفيناها كلها في أخبار أبي جعفر المنصور، ورجع عيسى إلى المنصور فجهّزه لحرب إبراهيم، أخي محمد، بالعيرة فقاتله آخر ذي القعدة من تلك السنة فهزمه، وقتله حسبما مرّ ذكره هنالك، وقتل معه عيسى بن زيد بن عليّ فيمن قتل من أصحابه.( وزعم ابنّ قُتيبة )أنّ عيسى بن زيد بن عليّ ثار على المنصور بعد قتل أبي مسلم، ولقيه0 في مائة وعشرين الفاً، وقاتله أياما إلى أن همّ المنصور بالفرار، ثم اتيح له الظفر فانهزم عيسى ولحق بابراهيم بن عبد الله بالبصرة فكان معه هنالك إلى ان لقيه عيسى بن موسى بن علي وقتلهما كما مر. (ثم خرج بالمدينة أيام المهدي) سنة تسع وستين من بني حسن الحسين بن عليّ بن حسن المثلّث، وهو أخو عبد الله بن حسن المثنّى، وعمّ المهدي، وبويع للرضا من آل محمد وسار إلى مكة، وكتب الهادي إلى محمد بن سليمان بن علي وقد كان قدم حاجّاً من البصرة فولاّه حربه يوم التَرْويَة فقاتله بفجّة على ثلاثة أميال من مكة،

وهزمه وقتله، وافترق أصحابه، وكان فيهم عمّه إدريس بن عبد الله فأفلت من الهزيمة مع من افلت منهم يومئذٍ، ولحق بمصر نازعاً إلى المغرب، وعلى بريد مصر يومئذ واضح مولى 5مالح بن المنصور ويعرف بالمسكين، وكان يتشيّع ،فعلم بشأن إدريس وأتاه إلى المكان الذي كان به مستخفياً، وحمله على البريد إلى المغرب ومعه راشد مولاه فنزل بو ليلى سنة ست وسبعين، وبها يومئذ إسحاق بن محمد بن عبد الحميد أمير أوربة من قبائل البربر، وكبيرهم لعهده فأجاره وأكرمه، وجمع البربر على القيام بدعوته، وخلع الطاعة العبّاسية، وكشف القناع واجتمع عليه البرابرة بالمغرب فبايعوه وقاموا بأمره، وكان فيهم مجوس فقاتلهم إلى أن أسلموا. وملك المغرب الأقصى، ثم ملك تلمسان سنة ثلاث وسبعين0 ودخلت ملوك زناتة أجمع في طاعته، واستفحل مُلْكه، وخاطب إبراهيم بن الاغلب صاحب القَيروان، وخاطب الرشيد بذلك فشدّ إليه الرشيدّ مولى من موالي المهدي اسمه سليمان بن حريز، ويرف بالشمّاخ، وأنفذه بكتابه إلى ابن الأغلب فأجازه ولحق بإدريس مظهراً للنزوع إليه فيمن نزع من وحدان المغرب متبرئاً من الدعوة العبّاسية، ومنتحلاً للطالبيين ،واختصه الإمام إدريس وًحلِىَ بعينيه، وكان قد تأبّط سّماً في سنون فناوله اياه عند شكايته من وجع اسنانه فكان فيها فيما زعموا حتفه، ودفن ببوليلى سنة خمس وسبعين، وفرّ الشمّاخ، ولحقه راشد بوادي ملوية فاختلفا بينهما ضربتين قطع فيها راشد يده، وأجاز الشمّاخ الوادي فاعجزه وبايع البرابرة بعد مهلكه ابنه إدريس سنة ثمان وثمانين، واجتمعوا على القيام بأمره ولحق به كثير من العرب من إفريقيا والأندلس، وعجز بنو الأغلب امراء إفريقيا عنه فاستفحلت له ولبنيه بالمغرب الأقصى دولة إلى أن انقرضت على يد أبي العافية وقومه مكناسة أولياء العبيديين عام ثلاثة عشر وثلاثمائة حسبما نذكر ذلك في أخبار البربر، ونعدّد ملوكهم هناك واحداً واحداً، وانقراض دولتهم وعودها، ونستوعب ذلك كله لانه امّس بالبربر فإنهم كانوا القائمين بدعوتهم.

(ثم خرج يحيى) اخو محمد بن عبد الله بن حسن وإدريس في الدَيْلَم سنة ست وسبعين أيام الرشيد، واشتدت شوكتهم وسرح الرشيد لحربه الفضل بن يحيى فبلغ الطالقان، وتلطّف في استنزاله من بلاد الدَيْلَم على ان يشترط ما أحب ويكتب له الرشيد بذلك خطّه، فتمّ بينهما، وجاء به الفضل فوفّى له الرشيد بكل ما أحب، وأجرى له أرزاقاً سنيّة ،ثم حبسه بعد ذلك لسعاية كانت فيه من آل الزبير، فيقال اطلقه بعدها، ووصله بمال ،ويقال سمه لشهر من اعتقاله، ويقال اطلقه جعفر بن يحيى افتياتاً فكان بسببه نكبة البرامكة، وانقرض شأن بني حسن، وخفيت دعوة الزيديّة حيناً من الدهر حتى كان منهم بعد ذلك باليمن والديلم ما نذكره والله غالب على امره.

الخبر عن خرج الفاطميين بعد فتنة بغداد

كانت الدولة العبّاسية قد تمهدت من لدن أبي جعفر المنصور منهم، وسكن أمر الخوارج والدعاة من الشيعة من كل جهة حتى إذا هلك الرشيد، ووقع بين بنيه من الفتنة ما وقع، وقتل الأمين بيد طاهر بن الحسين، ووقع حصار بغداد من الحرب والعبث ما وقع، وبقي المأمون مقيماً بخراسان تسكيناً لأهلها عن ثائرة الفتن، وولى على العراق الحسن بن سهل اتسع الخرق حينئذ بالعراق وأشيع عن المأمون انّ الفضل بن سهل غلب عليه، وحجره فامتعض الشيعة لذلك، وتكلّموا ،وطمع العلويّة في التوثّب على الامر، فكان في العراق أعقاب إبراهيم بن محمد بن حسن المثنّى المقتول بالبصرة أيام المنصور. وكان منهم محمد بن إسمعيل بن إبراهيم ولقبه أبوه طباطبا، للكنة كانت في لسانه، أيام مرباه بين داياته فلقَّب بها. وكان شيعته من الزيدية وغيرهم يدعون إلى إمامته لأنها كانت متوارثة في آبائه من إبراهيم الإمام جدّه على ما قلناه في خبره، فخرج سنة تسع وتسعين، ودعا لنفسه، ووافاه أبو السرايا السريّ بن منصور كبير بني شيبان فبايعه وقام بتدبير حربه، وملك الكوفة وكثر تابعوه من الأعراب وغيرهم، وسرّح الحسن بن سهل زهير بن المسيب لقتاله فهزمه طباطبا واستباح معسكره، ثم مات محمد في صبيحة ذلك اليوم فجأة، ويقال إنّ أبا السرايا، سمّه لما منعه من الغنائم فبايع أبو السرايا يومه ذلك لمحمد بن محمد بن زيد بن عليّ زين العابدين واستبدّ عليه، وزحفت عليهم جيوش المأمون فهزمهم أبو السرايا، وملك البصرة وواسط والمدائن.

وسرح الحسن بن سهل لحربه هرثَمة بن اعين وكان مغضباً فاسترضاه وجهزّ له الجيوش، وزحف إلى أبي السرايا وأصحابه فغلبهم على المدائن، وهزمهم وقتل منهم خلقاً، ووجه أبو السرايا إلى مكّة الحسين الأفطس بن الحسن بن عليّ زين العابدين، وإلى المدينة محمد بن سليمان بن داود بن حسن المثنّى ابن الحسن، وإلى البصرة زيد بن موسى بن جعفر الصادق، وكان يقال له زيد النار لكثرة من أحرق من الناس بالبصرة فملكوا مكة والمدينة والبصرة، وكان بمكّة مسرور الخادم الأكبر، وسليمان بن داود بن عيسى فلما أحسوا بقدوم الحسين فّروا عنها، وبقي الناس في الموقف فوضى، ودخلها الحسين من الغد فعاث في أهل الموسم ما شاء الله، واستخرج الكنز الذي كان في الكعبة من عهد الجاهلية، وأقره النبي  والخلفاء بعده، وقدره فيما قيل مائتا قنطار اثنتان من الذهب فأنفقه وفّرقه في أصحابه ما شاء الله. ثم إن هرثَمَةَ واقع أبا السرايا فهزمه، ثم بحث عن منصور بن المهدي فكان أميراً معه، واتبع أبا السرايا فغلبه على الكوفة، وخرج إلى القادسية، ثم إلى واسط ولقيه عاملها وهزمه، ولحق بجلولا مغلولاً جريحاً فقبض عليه عاملها وقدمه إلى الحسن بن سهل بالنهروان فضرب عنقه، وذلك سنة مائتين0 وبلغ الخبر الطالبييّن بمكة فاجتمعوا وبايعوا محمد بن جعفر الصادق، وسمّوه أمير المؤمنين، وغلب عليه ابناه عليّ وحسين فلم يكن يملك معهما من الامر شيئاً، ولحق إبراهيم بن أخيه موسى الكاظم بن جعفر الصادق باليمن في أهل بيته فدعا لنفسه هنالك، وتغلّب على الكثير من بلاد اليمن، وسُمّيَ الجزَار لكثرة ما قتل من الناس. وخلص عامل اليمن وهو إسحاق بن موسى بن عيسى إلى المأمون فجهزهّ لحرب هؤلاء الطالبيين فتوجّه إلى مكة وغلبهم عليها، وخرج محمد بن جعفر الصادق إلى الأعراب بالساحل فاتبعهم إسحاق وهزمهم، ثم طلبهم وطلب محمد الأمان فامّنه، ودخل مكّة وبايع للمأمون وخطب على المنبر بدعوته، وسابقته الجيوش إلى اليمن فشرّدوا عنه الطالبييّن وأقاموا فيه الدعوة العباسية، ثم خرج الحسين الأفطس، ودعا لنفسه بمكة، وقتله ابنيه علياً ومحمداً.

ثم إنّ المأمون لما رأى كثرة الشيعة واختلاف دعاتهم، وكان يرى مثل رأيهم او قريباً منه في شأن عليّ والسبطين فعهد بالعهد من بعده لعلي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق سنة إحدى ومائتين، وكتب بذلك إلى الافاق، وتقدّم إلى الناس فنزع السواد ولبس الخضرة، فحقد بنو العبّاس ذلك من أمره وبايعوا بالعراق لعمّه إبراهيم بن المهدي سنة اثنين ومائتين، وخطب له ببغداد، وعظمت الفتنة. وشخص المأمون من خراسان متلافياً امر العراق ،وهلك علي بن موسى في طريقه فجأة، ودفن بطوس سنة ثلاث ومائتين. ووصل المأمون إلى بغداد سنة أربع، وقبض على عمّه إبراهيم وعفا عنه، وسكن الفتنة. (وفي سنة تسع) بعدها خرج باليمن عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب يدعو للرّضا من آل محمد، وبايعه أهل اليمن، وسرّح إليه المأمون مولاه ديناراً، واستأمن له فافنّه وراجع الطاعة. (ثم كثر خروج الزيدية) من بعد ذلك بالحجاز والعراق والجبال والديلم، وهرب إلى مصر خلق، وأخذ منهم خلق، وتتابع دعاتهم. (فأوّل) من خرج منهم بعد ذلك محمد بن القاسم عليّ بن عمر بن زين العابدين، هرب خوفا من المعتصم سنة تسع عشرة ومائتين، وكان بمكان من العبادة والزهد فلحق بخراسان، ثم مضى إلى الطالقان ودعا بها لنفسه، واتبعته أمم الزيدية كلهم. ثم حاربه عبد الله بن طاهر صاحب خراسان فغلبه وقبض عليه، وحمله إلى المعتصم فحبسه حتى مات، ويقال إنه مات مسموماً. (ثم خرج) من بعده بالكوفة أيضاً الحسين بن محمد بن حمزة بن عبد الله بن الحسين الأعرج بن علي بن زين العابدين، واجتمع إليه الناس من بني أسد وغيرهم من جموعه وأشياعه، وذلك سنة إحدى وخمسين ومائتين، وزحف إليه ابن بشكال من أمراء الدولة فهزمه، ولحق بصاحب الزنج فكان معه، وكاتبه أهل الكوفة في العود إليه، وظهر عليه صاحب الزنج فقتله. وكان خروج صاحب الزنج بالبصرة قبله بقليل، واجتمعت له جموع العبيد من زنج البصرة وأعمالها، وكان يقول في لفظه من أعلمه أنه من ولد عيسى بن زيد الشهيد وأنه عليّ بن محمد بن زيد بن عيسى. ثم انتسب إلى يحيى بن زيد الشهيد، والحق أنه دعّي في أهل البيت كما نذكره في أخباره. وزحف إليه الموفّق اخو المعتمد ودارت بينه وبينهم حروب إلى ان قتله، ومحا أثر تلك الدعوة كما قدّمناه في أخبار الموفّق ونذكره في أخبارهم. (ثم خرج في الديلم) من ولده الحسن بن زيد بن الحسن السبط الداعي المعروف بالعلوي، وهو الحسن بن زيد بن محمد بن إسمعيل بن الحسن خرج لخمس وخمسين فملك طبرستان وجرجان وسائر أعمالها، وكانت له ولشيعته الزيدية دولة هناك. ثم انقرضت آخر المائة الثالثة، وورثها من ولد الحسن السبط، ثم من ولد عمر بن علي بن زين العابدين الناصر الأطروش، وهو الحسن بن علي بن الحسين بن عليّ بن عمر، وهو ابن صاحب الطالقان. اسلم الديلم على يد هذا الأطروش وملك بهم طبرستان وسائر أعمال الداعي، وكانت له ولبنيه هنالك دولة،وكانوا سببا لملك الديلم البلاد وتغلّبهم على الخلفاء كما نذكر ذلك في أخبار دولتهم.

(ثم خرج باليمن) من الزيدية من ولد القاسم الرسيّ بن إبراهيم طباطبا، أخي محمد صاحب أبي السرايا عام ثمانية وثمانين ومائتين يحيى بن الحسين بن القاسم الرسيّ فاستولى على صعدة وأورث عقبه فيها ملكا باقيا لهذا العهد، وهي مركز الزيدية كما نذكر في أخبارهم.( وفي خلال ذلك خرج بالمدينة) الأخوان محمد وعليّ ابنا الحسن بن جعفر بن موسى الكاظم وعاثاً في المدينة عيثاً شديداً، وتعطلت الصلاة بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم نحوا من شهر وذلك سنة إحدى وسبعين. (ثم ظهر بالمغرب) من دعاة الرافضة أبو عبد الله الشيعي في كتامة من قبائل البربر عام ستة وثمانين ومائتين داعياّ لعبيد الله المهدي محمد بن جعفر بن محمد بن إسمعيل الإمام بن جعفر الصادق فظهر على الأغالبة بالقيروان، وبايع لعبيد الله المهدي سنة ست وتسعين 0فتم أمره وملك المغربين، واستفحلت له دولة بالمغرب ورثها بنوه. ثم استولوا بعد ذلك على مصر سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة فملكها منهم المعزّ لدين الله معد بن إسمعيل بن أبي القاسم بن عبيد الله المهدي، وشيّد القاهرة. ثم ملك الشام واستفحل ملكه إلى أن انقرضت دولتهم على العاضد منهم على يد صلاح الدين بن ايوب سنة خمس وستين وخمسمائة. (ثم ظهر في سواد الكوفة) سنة ثمان وخمسين ومائتين من دعاة الرافضة رجل اسمه الفرج بن يحيى، ويدعى قرمط، بكتاب زعم أنه من عند أحمد بن محمد بن الحنفيَّة فيه كثير من كلمات الكفر والتحليل والتحريم، وادّعى أن محمد بن الحنفيَّة هو المهدي المنتظر، وعاث في بلاد السواد، ثم في بلاد الشام وتلقّب وكرويه بن مهرويه واستبدّ طائفة منهم بالبحرين ونواحيها ورئيسهم أبو سعيد الجناجيّ، وكان له هناك ملك ودولة أورثها بنيه من بعده إلى أن انقرضت اعوامهم كما يذكر 0في اخبار دولتهم. وكان أهل البحرين هؤلاء يرجعون إلى دعوة العبيديّين بالمغرب وطاعتهم.

(ثم كان بالعراق) من دعاة الإسماعيلية وهؤلاء الرافضة طوائف آخرون، استبدوا بكثير من النواحي، ونسب إليهم فيها القلاع: قلعة الموت وغيرها، وينسبون تارة إلى القرامطة، وتارة إلى العبيديّين، وكان من رجالاتهم الحسن بن الصبّاح في قلعة الموت وغيرها إلى أن انقرض أمرهم آخر الدولة السلجوقية. (وكان باليمامة ومكة والمدينة) من بعد ذلك دول للزيديّة والرَّافضة فكان باليمامة دولة لبني الأخضر، وهو محمد بن يوسف بن إبراهيم بن موسى الجون بن عبد الله بن حسن المثّنى، خرج أخوه إسمعيل بن يوسف في بادية الحجاز سنة اثنتين وخمسين ومائتين وملك مكة. ثم مات فمضى أخوه محمد إلى اليمامة فملكها وأورثها لبنيه إلى أن غلبهم القرامطة.

(وكان بمكة) دولة لبني سليمان بن داود بن حسن المثّنى، خرج محمد بن سليمان أيام المأمون وتسمّى بالناهض، وملك مكّة، واستقرّت إمارتها في بنيه إلى أن غلبهم عليها الهواشم وكبيرهم محمد بن جعفر بن أبي هاشم محمد بن الحسن بن محمد بن موسى بن عبد الله أبي الكرام بن موسى الجون فملكها من إبراهيم سنة أربع وخمسين وأربعمائة، وغلب بني حسن على المدينة وداول الخطبة بمكة بين العبّاسيين والعُبيديّين واستفحل ملكه في بنيه إلى أن انقرضوا آخر المائة السادسة، وغلب على مكة بنو أبي قمي أمراؤها لهذا العهد. ملك أولهم أبو عزيز قتادة بن إدريس مطاعن بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن محمد بن سليمان بن عبد الله بن موسى الجون وورث دولة الهواشم وملكهم، أورثها بنيه إلى هذا العهد كما نذكر في أخبارهم، وهؤلاء كلهم زيديّة. (وبالمدينة) دولة للرافضة لولد الهناء. قال المسبجي: اسمه الحسن بن طاهر بن مسلم، وفي كتاب العتبي مؤرخّ دولة ابن سبكتكين أنّ مسلماً اسمه محمد بن طاهر، وكان صديقاً لكافور، ويدبّر أمره وهو من ولد الحسن بن عليّ زين العابدين. واستولى طاهر بن مسلم على المدينة أعوام ستين وثلاثمائة وأورثها بنيه لهذا العهد كما نذكر في أخبارهم، والله وارث الأرض ومن عليها.

الخبر عن الأدارسة ملوك المغرب الأقصي

ومبدأ دولتهم وانقراضها ثم تجدّدها مفترقة في نواحي المغرب

لما خرج حسين بن عليّ بن حسن المثلّث. بن حسن المثّنى بن الحسن السبط بمكة في ذي القعدة سنة ست وتسعين ومائة أيام المهدي، واجتمع عليه قرابته وفيهم عماه إدريس ويحيى، وقاتلهم محمد بن سليمان بن علي بعجة على ثلاثة أميال عن مكة فقتل الحسين في جماعة من أهل بيته وإنهزموا وأسر كثير منهم. ونجا يحيى بن إدريس وسليمان، وظهر يحيى بعمد ذلك في الديلم، وقد ذكرنا خبره من قبل وكيف استنزله الرشيد وحبسه.

(وأمّا إدريس )ففّر ولحق بممصر، وعلى بريدها يومئذ واضح مولى صالح بن المنصور ويرف بالمسكين، وكان واضح يتشّيع فعلم شأن إدريس وأتاه إلى الموضع الذي كان به مستخفياً، ولم ير شيئا أخلص من أن يحمله على البريد إلى المغرب ففعل، ولحق إدريس بالمغرب الأقصي حر ومولاه راشد، ونزل بو ليلى سنة اثنتين وسبعين، وبها يومئذ إسحاق بن محمد بن عبد الحميد امير أوربة وكبيرهم لعهده فاجاره، واجمع البرابر على القيام بدعوته، وكشف القناع في ذلك، واجتمعت عليه زواغة ولواتة ومدراته وغياثة ونفرة ومكناسة وغمارة وكافة البربر بالمغرب فبايعوه، وقاموا بأمره. وخطب الناس يوم بويع فقال بعد حمد الله والصلاة على نبيه لا تمدّن الأعناق إلى غيرنا فإنّ الذي تجدونه عندنا من الحق لا تجدونه عند غيرنا ولحق به من إخوته سليمان، ونزل بأرض زناتة من تلمسان ونواحيها ونذكر خبره فيما بعد.

(ولما استوثق) أمر إدريس وتمت دعوته زحف إلى البرابرة الذين كانوا بالمغرب على دين المجوسيّة واليهوديَّة. والنصرانيَّة مثل قندلاوة وبهلوانة ومديونة وما زار، وفتح تامستا ومدينة شالة وتادلا، وكان أكثرهم على دين اليَّهودية والنصرانيّة فأسلموا على يديه طوعاً وكرهاً وهدم معاقلهم وحصونهم. ثم يزحف إلى تلمسان وبها من قبائل بني يعرب ومغراوه سنة ثلاث وسبعين، ولقيه أميرها محمد بن حرز بن جزلان فأعطاه الطاعة، وبذل له إدريس الأمان ولسائر زناتة فأمكنه من قياد البلد، وبنى مسجدها وأمر بعمل منبره، وكتب اسمه فيه حسبما هو مخطوط في صفح المنبر لهذا العهد. ورجع إلى مدينة وليلى، ثم دسّ إليه الرشيد مولى من موالي المهدي اسمه سليمان بن حريز ويعرف بالشمّاخ أنفذه بكتابة إلى ابن الأغلب فأجازه، ولحق بإدريس مظهراً النزوع إليه فيمن نزع من وهران المغرب متبرئا من الدعوة العبّاسية ومنتحلًا للطلب. واختصه الإمام إدريس وحلا بعينه وكان قد تأبّط سمَّا في سنون، فناوله إيّاه عند شكايته من وجع أسنانه، فكان فيه كما زعموا حتفه ودفن بوليلى سنة خمس وسبعين.

وفر الشمّاخ ولحقه فيما زعموا راشد بوادي ملويَّة فاختلفا ضربتين قطع فيها راشد يد الشمّاخ، وأجاز الوادين فاعجزه، واعتلق بالبرابر من أوربة وغيرهم فجمل من دعوته في ابنه إدريس الأصغر من جاريته كنزه، بايعوه حملاً ثم رضيعاً ثم فصيلاً إلى أن شبّ واستنم فبايعوه بجامع وليلى سنة ثمان وثمانين ابن إحدى عشرة سنة، وكان ابن الأغلب دسّ إليهم الأموال واستمالهم حتى قتلوا راشداً مولاه سنة ست وثمانين، وقام بكفالة إدريس من بعده أبو خالد بن يزيد بن الياس العبديّ، ولم يزل كذلك إلى أن بايعوا لإدريس، فقاموا بأمره وجردوا لانفسهم رسوم الملك بتجديد طاعته، وافتتحوا بلاد المغرب كلّها واستوثق لهم الملك بها، واستوزر إدريس مصعب بن عيسى الأزدي المّسمى بالملجوم من ضربة في بعض حروبهم.

وسمته على الخرطوم وكأنها خطام، ونزع إليه كثير من قبائل العرب والأندلس، حتى اجتمع إليه منهم زهاء خمسمائة فاختصهم دون البربر، وكانوا له بطانة وحاشية، واستفحل بهم سلطانه. ثم قتل كبير أوربة إسحاق بن محمود سنة اثنتين وتسعين لما أحسّ منه بموالاة إبراهيم بن الاغلب، وكثرت حاشية الدولة، وأنصارها، وضاقت وليلى بهم فاعتام موضعاّ لبناء مدينة لهم، وكانت فاس موضعا لبني بوغش وبني الخير من وزاغة، وكان في بني بوغش مجوس ويهود ونصارى، وكان موضع شيبوبة منها بيت نار لمجوسهم، وأسلّموا كلهم على يده. وكانت بينهم فتن فبعث للإصلاح بينهم كاتبه أبا الحسن عبد الملك بن مالك الخزرجيّ. ثم جاء إلى فاس وضرب أبنيته بكزواوه، وشرع في بنائها فاختط عدوة، الأندلس سنة اثنين وتسعين. وفي سنة ثلاث بعدها اختطّ عدوة القرويين وبنى مساكنه، وانتقل إليها، وأسس جامع الشرفاء، وكانت عدوة القرويّين من لدن باب السلسلة إلى غدير الجوزاء والجرف، واستقام له أمر الخلافة وأمر القائمين بدعوته وأمر العزَ والملك. ثم خرج غازياً المصامدة سنة سبع وتسعين فافتتح بلادهم ودانوا بدعوته. ثم غزا تلمسان وجدّد بناء مسجدها وإصلاح منبرها، وأقام بها ثلاث سنين، وانتظمت كلمة البرابرة وزناتة ومحوا دعوة الخوارج منهم، واقتطع الغربيّين عن دعوة العبّاسيين من لدن الشموس الاقصى إلى شلف. ودافع إبراهيم بن الأغلب عن حماه بعد ما ضايقه بالمكاد، واستقاد الأولياء، واستمال بهلول بن عبد الواحد المظفري بمن معه من قومه عن طاعة إدريس إلى طاعة هارون الرشيد. ووفد عليه بالقيروان، واستراب إدريس بالبرابرة فصالح ابراهيم بن الأغلب، وسكن من غربه. وعجز الأغالبة من بعد ذلك عن مدافعة هؤلاء الأدارسة، ودافعوا خلفاء بني العبّاس بالمعاذير بالغضّ من إدريس والقدح في نسبه إلى أبيه إدريس بما هو أوهن من خيوط العناكب.

(وهلك إدريس) سنة ثلاث عشرة، وقام بالأمر من بعده ابنه محمد بعهده إليه فأجمع أمره بوفاة جدّته كنزة أمّ إدريس، على أن يشرك إخوته في سلطانه ويقاسم ممالك أبيه. فقّسم المغرب بينهم أعمالاً اختص منها القاسم بطنجة وبسكلة وسبته وتيطاوين وقلعة حجر النسر وما إلى ذلك من البلاد والقبائل واختصّ عمر بتيكيسان وترغة وما بينهما من قبائل صنهاجة وغمارة واختص داود ببلاد هوارة وتسول وتازى وما بينهما من القبائل: مكناسة وغياثة واختص عبد الله بإغمات وبلد نفيس وجبال المصامده وبلاد لمطة والسوس الأقصى واختص يحيى <*>، بأصيلاً والعرائش وبلاد زوغة وما إلى ذلك. واختص عيسى بشالة وسلا وأزمور وتامستا وما إلى ذلك من القبائل. واختص حمزة بوليلى وأعمالها، وأبقى الباقين في كفالتهم وكفالة جدّتهم كنزة لصغرهم. وبقيت تلمسان لولد سليمان بن عبد الله. وخرج عيسى بأزمور على أخيه محمد طالباً الأمر، لنفسه فبعث لحربه أخاه عمر بعد أن دعا القاسم لذلك فامتنع. ولما أوقع عمر بعيسى وغلب على ما في يده إستنابه إلى أعماله باذن أخيه محمد. ثم أمره أخوه محمد بالنهوض إلى حرب القاسم لقعوده عن إجابته في محاربة عيسى فزحف إليه، وأوقع به، واستناب عليه إلى ما في يده فصار الريف البحري كلّه من عمل عمر هذا من تيكيسان، وبلاد غمارة إلى سبتة، ثم إلى طنجة. وهذا ساحل البحر الرومي ثم ينعطف إلى أصيلا ثم سلا، ثم أزمور وبلاد تامستا، وهذا ساحل البحر الكبير. وتزهد القاسم وبنى رباطا بساحل أصيلا للعبادة إلى أن هلك. واتسعت ولاية عمر بعمل، عيسى والقاسم، وخلصت طويته لأخيه محمد الأمير، وهلك في إمارة أخيه محمد ببلد صنهاجة بموضع يقال له :فجّ الفرص سنة عشرين ومائتين، ودفن بفاس وعمر هذا هو جدّ المحمودييّن الدائلين بالأندلس من بني أمية كما نذكره. وعقد الأمير محمد على عمله لولده عليّ بن عمر. ثم كان مهلك الأمير محمد لسبعة أشهر من مهلك أخيه عمر سنة إحدى وعشرين ومائتين بعد أن استخلف ولده علياًّ في مرضه وهو ابن تسع سنين فقام بأمره الأولياء والحاشية من العرب وأوربة وسائر البربر وصنائع الدولة، وبايعوه غلاماً مترعرعاً، وقاموا بأمره وأحسنوا كفالته وطاعته فكانت أيامه يخر أيام، وهلك سنة أربع وثلاثين لثلاث عشرة سنة من ولايته، وعهد لأخيه يحيى بن محمد فقام بالأمر، وامتدّ سلطانه، وعظمت دولته، وحسنت آثار ايامه.

واستجدّت فاس في العمران وبنيت بها الحمامات والفنادق للتجار، وبينت الأرباض، ورحل إليها الناس من الثغور القاصية واتفق أن نزلتها امرأة من أهل القيروان تسمّى أم البنين بنت محمد الفهريّ ،وقال ابن أبي ذرع اسمها فاطمة، وإنها من هّوارة، وكانت مثرية بموروث أفادته من ذويها واعتزمت على صرفه في وجوه الخير فاختطت المسجد الجامع بعدوة القرويين أصغر ما كان سنة خمس وأربعين في أرض بيضاء كان أقطعها الإمام إدريس، وأنبطت بصحنها بئراً شراباً للناس، فكأنما نبّهت بذلك عزائم الملوك من بعدها، ونقلت إليه الخطبة من جامع ادري لضيق محلته وجوار بيته. واختط بعد ذلك أحمد بن سعيد بن أبي بكر اليغرنيّ صومعته سنة خمس وأربعين وثلاثمائة، على رأس مائة سنة من اختطاط الجامع حسبما هو منقوش في الحجارة بالركن الشوقي منها. ثم أوسع في خطته المنصور بن أبي عامر، وجلب إليه الماء وأعدّله السقاية والسلسلة بباب الحفاة منه. ثم أوسع في خطته آخر ملوك لمتونة من الموحدين، وبنى مرين واستمرّت العمارة به، وانصرفت هممهم إلى تشييده والمنافسات في الاحتفال به فبلغ الاحتفال فيه ما شاء الله حسبما هو مذكور في تواريخ المغرب. وهلك يحيى هذا سنة وولي ابنه يحيى بن يحيى فأساء السيرة وكثر عبثه في الحرم، وثارت به العامّة لمركب شنيع أتاه وتولى كبر الثورة عبد الرحمن بن أبي سهل الحزامي، وأخرجوه من عدوة القرويّين إلى عدوة الأندلسيّين فتوارى ليلتين، ومات أسفاً لليلته. وانقطع الملك من عقب محمد بن ادريس. وبلغ الخبر بشأن يحيى إلى ابن عمّه علي بن عمر صاحب الريف ،واستدعاه أهل الدولة من العرب والبربر والموالي فجاء إلى فاس ودخلها وبايعو، واستولى على أعمال المغرب إلى أن ثار عليه عبد الرزاق الخارجي، خرج بجبال لمتونة وكان على رأي الصفريّة فزحف إلى فاس، وغلب عليها ففرّ إلى أوربة، وملك عبد الرزاق عدوة الأندلس، وامتنعت منه عدوة القروييّن، وولوا على أنفسهم يحيى بن القاسم بن إدريس، وكان يعرف بالصرام، بعثوا إليه فجاءهم في جموعه، وكانت بينه وبين الخارجي حروب. ويقال إنه اخرجه من عدوة الأندلس، واستعمل عليها ثعلبة بن محارب بن أبي صفرة. ثم استعمل إبنه عبد الله ،المعروف بعبود من بعده، ثم ابنه محارب بن عبود بن ثعلبة إلى أن اغتاله الربيع بن سليمان سنة اثنتين وتسعين ومائتين. وقام بالأمر مكانه يحيى بن إدريس بن عمر صاحب الريف، وهو ابن أخي عليّ بن عمر فملك جميع أعمال الأدارسة، وخطب له على سائر أعمال المغرب، وكان أعلى بني ادريس ملكاً وأعظمهم سلطانً، وكان فقيهاً عارفاً بالحديث، ولم يبلغ احد من الأدارسة مبلغه في السلطان والدولة، وفي أثناء ذلك كله خلط الملك للشيعة بأفريقيا، وتغلّبوا على الإسكندرية واختطوا المهديّة كما نذكره في دولة كتامة. ثم طمحوا إلى ملك المغرب، وعقدوا لمضالة بن حبوس كبير مكناسة، وصاحب تاهرت على محاربة ملوكه سنة خمس وثلاثمائة، فزحف إليه في عساكر مكناسة وكتامة، وبرز لمدافعته يحيى بن إدريس صاحب المغرب بجموعه من المغرب، وأولياء الدولة من أوربة وسائر البرابرة والموالي، والتقوا على مكناسة وكانت الدبرة على يحيى وقومه، ورجع إلى فاس مغلولاً، وأجاز له بها معاملة إلى أن صالحه على مال يؤديه إليه وطاعة معروفة لعبيد الله الشيعي سلطانه، يؤدّيها فقبل الشرط، وخرج عن الأمر، وخلع نفسه، وأنفذ بيعته إلى عبيد الله المهدفيّ وابقى عليه مصالحه في سكنى فاس، وعقد له على عملها خاصة، وعقد لابن عمه موسى بن أبي العافية أمير مكناسة يومئذ وصاحب سنوروتازه على سائر أعمال البربر كما نذكره في أخبار مكناسة ودولة موسى.

وكان بين موسى بن أبي العافية وبين يحيى بن إدريس شحناء وعداوة، يضطغنها كل واحد لصاحبه حتى إذا عاد مضالة إلى المغرب في غزاته الثانية سنة تسع أغزاه موسى بن أبي العافية بطلحة بن يحيى بن إدريس صاحب فاس، فقبض عليه مضالة واستصفى أمواله وذخائره وغّربه إلى أصيلا والريف عمل ذي قرباه ورحمه، وولىّ على فاس ريحان الكتامّي. ثم خرج يحيى يريد إفريقيا فاعترضه ابن أبي العافية وسجنه سنتين واطلقه ولحق بالمهدية سنة إحدى وثلاثين، وهلك في حصار أبي يزيد سنة واستبد ابن أبي العافية بملك المغرب وثار على ريحان الكتامّي بفاس سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة الحسن بن محمد بن القاسم بن إدريس الملقب بالحجّام، ونفى ريحان عنها وملكها عامين، وزحف للقاء موسى بن أبي العافية، وكانت بينهما حروب شديدة هلك فيها ابنه منهال بن موسى، وانجلت المعركة على أكثر من ألف قتيل، وخلص الحسن إلى فاس منهزماً وغدر به حامد بن حمدان الأوربي واعتقله.

وبعث إلى موسى فوصل إلى فاس وملكها وطالبه بإحضار الحسن فدافعه عن ذلك، وأطلق الحسن متنكراً فتدلى من السور فسقط ومات من ليلته. وفّر حامد بن حمدان إلى المهدّية، وقتل موسى بن أبي العافية عبد الله بن ثعلبة بن محارب وابنيه محمداً ويوسف، وذهب ملك الأدارسة، واستولى ابن أبي العافية على جميع المغرب وأجلى بني محمد بن القاسم بن إدريس، وأخاه الحسن إلى الريف فنزلوا البصرة، واجتمعوا إلى كبيرهم ابراهيم بن محمد بن القاسم أخي الحسن وولّوه عليهم، واختط لهم الحصن المعروف بهم هنالك وهو حجر النسر سنة سبع عشرة وثلاثمائة، وانزلوه وبنو عمر بن إدريس يومئذ بغمارة من لدن تيجساس إلى سبتة وطنجة، وبقي إبراهيم كذلك. وشمّر الناصر المرواني لطلب المغرب، وملك سبتة عليّ بن إدريس سنة تسع عشرة، وكبيرهم يومئذ أبو العيش بن ادريس بن عمر فانجابوا له عنها وأنزل بها حاميته. وهلك إبراهيم بن محمد كبير بني محمد فتوليّ عليهم من بعده أخوه القاسم الملقب بكانون، وهو اخو الحسن الحجّام، واسمه القاسم بن محمد بن القاسم، وقام بدعوة الشيعة انحرافاٌ عن أبي العافية ومذاهبه. واتصل الأمر في ولده، وغمارة أولياؤهم والقائمون بأمرهم كما نذكره في أخبار غمارة. ودخلت دعوة المروانيين خلفاء قرطبة إلى المغرب، وتغلّبت زناتة على الضواحي. ثم ملك بنو يعرب فاس وبعدهم مغراوة وأقام الأدارسة بالريف مع غمارة وتجدّد لهم به ملك في بني محمد، وبني عمر بمدينة البصرة وقلعة حجر النسر ومدينة سبتة وأصيلا. ثم تغلّب عليهم المروانيون وأنخنوهم إلى الأندلس،، ثم أجازوهم إلى الاسكندرية. وبعث العزيز العبيديّ بن كانون منهم لطلب ملكهم بالمغرب فغلبه عليه المنصور بن أبي عامر وقتله.

وعليه كان انقراض أمرهم، وانقراض سلطان أوربة من المغرب، وكان من أعقاب الأدارسة الذين أووا إلى غمارة فكانوا الدائلين من ملوك الأموية بالأندلس. وذلك أنّ الأدارسة لما انقرض سلطانهم، صاروا إلى بلاد غمارة واستجدّوا بها رياسة، واستمرّت في بني محمد وبني عمر من ولد إدريس بن إدريس، وكانت للبربر إليهم بسبب ذلك طاعة وخلطة. وكان بنو حمود هؤلاء من غمارة فأجازوا مع البربر حين أجازوا في مظاهرة المستعين. ثم غلبوه بعد ذلك على الأمر وصار لهم ملك الأندلس حسبما نذكر في أخبارهم.

(وأما سليمان) أخو إدريس الاكبر فإنه فرّ إلى المغرب أيام العبّاسيّين فلحق بجهات تاهرت بعد مهلك أخيه ادريس، وطلب الأمر هناك فاستنكره البرابرة وطلبه ولاة الاغالبة فكان في طلبهم تصحيح نسبه. ولحق بتلمسان فملكهما واذعنت له زناتة وسائر قبائل البربر هنالك، وورث ملكه ابنه محمد بن سليمان على سننه ،ثم افترق بنوه على ثغور المغرب الأوسط، واقتسموا ممالكه ونواحيه فكانت تلمسان من بعده لابنه حمد بن أحمد بن القاسم بن محمد بن أحمد، وأظنّ هذا القاسم هو الذي يدعي بنو عبد الواد نسبه فإنّ هذا أشبه من القاسم بن ادريس بمثل هذه الدعوى. وكانت أرشكول لعيسى بن محمد بن سليمان وكان منقطعاً إلى الشيعة، وكانت جراوة لإدريس بن محمد بن سليمان، ثم لابنه عيسى، وكنيته أبو العيش، ولم تزل إمارتها في ولده ووليها بعده ابنه ابراهيم بن عيسى، ثم ابنه يحمى بن ابراهيم، ثم أخوه ادريس بن ابراهيم، وكان إدريس بن إبراهيم، صاحب أرشكول منقطعا إلى عبد الرحمن الناصر وأخوه يحيى كذلك. وأرتاب من قبله ميسور قائد الشيعة فقبض عليه سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة، ثم انحرف عنهم فلما أخذ ابن أبي العافية بدعوة العلوية نابذ أولياء الشيعة فحاصر صاحب جراوة الحسن بن أبي العيش، وغلبه على جراوة فلحق بابن عمه إدريس بن إبراهيم صاحب أرشكول. ثم حاصرها البوري بن موسى ابن أبي العافية وغلب عليهما، وبعث بهما إلى الناصر فأسكنهما قرطبة، وكانت تنس لإبراهيم بن محمد بن سليمان، ثم لابنه محمد من بعده، ثم لابنه يحيى بن محمد، ثم ابنه عليّ بن يحيى، وتغلّب عليه زيري بن مناد سنة إثنتين وأربعين وثلاثمائة ففرّ إلى الجبر بن محمد بن خزر، وجاز إبناه حمزة ويحيى إلى الناصر فتلقّاهما رحباً وتكرمة. ورجع يحيى منهما إلى طّلب تنس فلم يظفر بها. وكان من ولد إبراهيم هذا أحمد بن عيسى بن إبراهيم صاحب سوق إبراهيم، وسليمان بن محمد بن إبراهيم من رؤساء المغرب الأوسط. وكان من بني محمد بن سليمان هؤلاء وبطوش بن حناتش بن الحسن بن محمد بن سليمان، قال ابن :حزم وهم بالمغرب كثير جداً، وكان لهم بها ممالك، وقد بطل جميعها، ولم يبق منهم بها رئيس بنواحي بجاية. وحمل بني حمزة هؤلاء جوهر إلى القيروان، وبقيت منهم بقايا في الجبال والأطراف معروفون هنالك عند البربر، والله وارث الأرض ومن عليها.

الخبر عن صاحب الزنج وتصاريف أمره واضمحلال دعوته

هذه الدعوة فيها اضطراب منذ اوَّلها فلم يتم لصاحبها دولة، وذلك أنّ دعاة العلوية منذ زمان المعتصم من الزيدية كما شرحناه، وكان من أعظمهم الذين دعا لهم شيعتهم بالنواحي عليّ بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد الشهيد، ولما اشتهر أمره فرّ وقتل ابن عمه عليّ بن محمد بن الحسن بن علم بن عيسى، وبقي هو متغيباً فادعى صاحب الزنج هذا سنة خمس وخمسين ومائتين أيام المهدي أنه هو فلما، ملك البصرة ظهر هذا المطلوب، ولقيه صاحب الزنج حيّاً معروفا بين الناس فرجع عن دعوى نسبه وانتسب إليه إلى يحمى بن يزيد قتيل الجون، ونسبه المسعودي إلى طاهر بن الحسين بن عليّ، وقال فيه علي بن محمد بن جعفر بن الحسين بن طاهر. ويشكل ذلك بأنّ الحسين بن فاطمة لم يكن له عقب إلاّ من زين العابدين، قاله ابن حزم وغيره فإن أراد بطاهر، طاهر بن يحيى المحدث بن الحسن بن عبيد الله بن الحسن الأصغر بن زين العابدين فتطول سلسلة نسبه، وتشتمل على إثني عشرة إلى الحسين بن فاطمة، ويبعد ذلك إلى العصر الذي ظهر فيه. والذي عليه المحقّقون الطبري وابن حزم وغيرهما أنه رجل من عبد القيس من قرية تسمّى ودريفن من قرى الري، وإسمه علي بن عبد الرحيم حدثّته نفسه بالتوثب، ورأى كثرة خروج الزيديّة من الفاطميين فانتحل هذا النسب وادّعاه، وليس من أهله. ويصدق هذا أنه كان خارجيّاً على رأي الأزارقة يعلن الطائفتين من أهل الجمل وصفين، وكيف يكون هذا من علويّ صحيح النسب؟ ولأجل انتحاله هذا النسب وبطلانه في دعاويه فسد أمره فقتل ولم تقم له دولة بعد أن فعل الأفاعيل، وعاث في جهات البصرة، واستباح الأمصار وخرّبها، وهزم العساكر وقتل الأمراء الأكابر، واتخذ لنفسه حصونا قتل فيها، من جاوبه لمكره، سنة الله في عباده.

(وسياق الخبر عنه )أنه شخص من الذين حجبوا ببغداد مع جماعة من حاشية المنتصر، ثم سار إلى البحرين سنة تسع واربعين ومائتين فادّعى انه علويّ من ولد الحسين بن عبيد الله بن عباس بن عليّ، ودعا الناس إلى طاعته فاتبعه كثير من أهل هجر. ثم تحوّل إلى الإحساء، ونزل على بعض بني تميم ومعه قوارة يحيى بن محمد الأزرق وسليمان بن جامع، وقاتل أهل البحرين فهزموه وافترقت العرب عنه، ولحق بالبصرة والفتنة فيها بين البلاليّة والسعديّة، وبلغ خبره محمد بن رجاء العامل فطلبه فهرب وحبس أبنه وزوجته وبعض أصحابه، ولحق هو ببغداد فانتسب إلى عيسى بن زيد الشهيد كما قلناه، وأقام بها حولاً. ثم بلغه أنّ البلالية والسعدية اخرجوا محمد بن رجاء من البصرة، وأن أهله خلصوا فرجع إلى البصرة في رمضان سنة خمس وخمسين، ومعه يحمى بن محمد وسليمان بن جامع.

ومن أهل بغداد الذين استمالهم جعفر بن محمد الصمدحاني، وعلي بن أبان وعبدان غير من سمينا فنزل بظاهر البصرة، ووجّه دعوته إلى العبيد من الزنوج وأفسدهم على مواليهم ورغبّهم في العتق، ثم في الملك، واتخذ راية رسم فيها، "إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم" الآية. وجاءه موالي العبيد في طلبهم فأمرهم بضربهم وحبسهم، ثم أطلقهم. وتسايل إليه الزنوج واتبعوه، وهزم عساكر البصرة والأبلَّة وذهب إلى القادسية، وجاءت العساكر من بغداد فهزمهم، ونهب النواحي، وجاء المدد إلى البصرة مع جعلان من ّقواد الترك، وقاتلوه فهزمهم. ثم ملك الأبلّة واستباحها، وسار إلى الأهواز، وبها إبراهيم بن المدبر على الخوارج 0فافتتحها وأسر ابن المدير سنة ست وخمسين، إلى أن فر من محبسهم فبعث المعتمد سعيد بن صالح الحاجب لحربهم سنة سبع وخمسين، وهو يومئذ عامل البصرة وسار من واسط فهزمه علي بن أبان من قوّاد الزنج لحربهم، هزمه إلى البحرين فتحصّن بالبصرة، وزحف علي بن أبان لحصاره حتى نزل على أمانه، ودخلها وأحرق جامعها، ونكب عليه صاحب الزنج فصرفه، وولّى على البصرة مكانه يحيى بن محمد البحراني.

وبعث المعتمد محمد المولد إلى البصرة فأخرج عنها الزنج، ثم بيتوا محمد بن المولد فهزموه0 ثم ساروا إلى الأهواز، وعليها منصور الخياط فواقع الزنج فغلبوه وكان المعتمد قد استقدم أخاه أبا أحمد الموفق من مكة وعقد له على الكوفة والحرمين وطريق مكة واليمن، ثم عقد له على بغداد والسواد وواسط وكور دجلة والبصرة والأهواز، وأمره أن يعقد ليارجوج على البصرة وكور دجلة واليمامة والبحرين مكان سعيد بن صالح. ثم انهزم سعيد بن صالح فعقد يارجوج لمنصور بن جعفر مكانه، ثم قتله الزنج كما قلناه فأمر المعتمد أخاه الموفّق بالمسير إليهم في ربيع سنة ثمان وخمسين، وعلى مقدّمته مفلح فأجفل الزنج عن البصرة، وسار قائدهم عليّ بن أبان فلقي مفلحاً فقتل مفلح وانهزم أصحابه ورجع الموفّق إلى سامّرا، وكان اصطيخور ولي الأهواز بعد منصور الخيّاط، وجاءه يحيى بن محمد البحراني من قّواد الزنج، وبلغهم مسير الموفق فانهزم يحمى البحراني، ورجع في السفن فأخذ وحمل إلى سامرا فقتل وبعث صاحب الزنج مكانه عليّ بن أبان وسليمان الشعراني فملكوا الأهواز من يد اصطيخور سنة تسع وخمسين، بعد ان هزموه وهرب في السفن فغرق.

وسرحّ المعتمد لحربهم موسى بن بغا بعد أن عقد له على تلك الأعمال فبعث إلى الأهواز عبد الرحمن بن مفلح، وإلى البصرة إسحاق بن كيداجق، وإلى باداورد إبراهيم بن سليمان، وأقاموا في حروبهم مدّة سنة ونصفها. ثم استعفى موسى بن بغا وولّى على تلك

الأعمال مكانه مسرور البلخي، وجهّز المعتمد أخاه أبا أحمد الموفقّ حربهم بعد أن عهد له بالخلافة ولقبه الناصر لدين الله الموفق، وولّي على أعمال المشرق كلها إلى آخر أصفهان، وعلى الحجاز فسار لذلك سنة أثنتين وستين واعترضه يعقوب الصفّار يريد بغداد فشغل بحربه، وانهزم الصفّار وانتزع من يده ما كان ملكه من الأهواز.

وكان مسرور البلخي قد سار إلى المعتمد وحضر معه حرب الصفّار فاغتنم صاحب الزنج خلو تلك النواحي من العسكر، وبث سراياه للنهب والتخريب في القادسيّة، وجاءت العساكر من بغداد مع أغرتمش وخشنش فهزمهم الزنج وقائدهم سليمان بن جامع، وقتل خشنش. وكان علي بن أبان من قوّادهم قد سار إلى الأهواز، وأميرها يومئذ محمد بن هزار مرد الكردي فبعث مسرور البلخي أحمد بن الينونة للقائهم فغلب أولاً على الأهواز عليّ بن أبان 0ثم ظاهره، محمد بن هزار مرد والأكراد فرجع إلى السوس، وأقام علي بن أبان وصاحبه بتستر، وطمع أنه يخطب لصاحب الزنج فخطب هو للصفّار فاقتتلا، وانهزم علي بن أبان وخرج، واضطربت فارس بالفتنة. ثم ملك الصفاّر الأهواز وواعد الزنج، وسار سليمان بن جامع من قوّاد الزنج، وولّى الموفّق على مدينة واسط أحمد بن المولد، فزحف إليه الخليل بن أبان فهزمه، واقتحم واسطاً واستباحها سنة أربع وستين وضربت خيولهم في نواحي السواد إلى النعمانية إلى جرجراًيا فاستباحوها، وسار علي بن ابان إلى الأهواز فحاصرها، واستعمل الموفق عليها مسروراً البلخيّ فبعث تكيد البخاريّ إلى تستر فهزمهم علي بن أبان وجماعة الزنج، وسألوه الموادعة فوادعهم واتهمه مسرور فقبض عليه، وبعث مكانه اغرتمش فهزم الزنج أولاً ثم هزموه ثانياً فوادعهم. ثم سار علي بن أبان إلى محمد بن هزارمرد الكرديّ فغلبه على رامهرمز حتى صالحه عليها على مائتي ألف درهم، وعلى الخطبة له في أعماله. ثم سار ابن أبان لحصار بعض القلاع بالأهواز، فزحف إليه مسرور البلخيّ فهزمه واستباح معسكره.

وكان الموفق لما اقتحم الزنج مدينة واسط بعث ابنه أبا العبّاس سنة ست وستين فم عشرة آلاف من المقاتلة، ومعه السفن في النهر عليها أبو حمزة نصير فكتب إليه نصير بان سليمان بن جامع أقبل في المقاتلة، والسفن براً وبحراً وعلى مقدمته الجناني، ولحقهم سليمان بن موسى الشعراني بالعساكر، ونزلوا من الطفح إلى أسفل واسط فسار إليهم أبو العبّاس فهزمهم فتأخروا وراءهم وأقام على واسط يرددّ عليهم الحروب والهزائم مرة بعد أخرى ،ثم أمر صاحب الزنج قائده ابن أبان وابن جامع أن يجتمعا الحرب أبي العبّاس بن الموفق، وبلغ ذلك الموفّق فسار من بغداد في ربيع سنة سبع وستين فانتهى إلى المنيعة، وقاتل الزنج فانهزموا أمامه واتبعهم أصحاب أبي العبّاس إبنه فاقتحموا عليهم المنيعة وقتلوا وأسروا، وهدم سور المنيعة وطمس خندقها، وهرب الشعراني وابن جامع وسار أبو العباس إلى المنصورة بطهشا فنازلها وغلب عليها، وأفلت ابن جامع إلى واسط وغلب على ما فيها من الذخائر والأموال، وهدم سورها وطمّ خنادقها ورجع إلى واسط. ثم سار الموفّق إلى الزنج بالأهواز واستخلف ابنه هرون على جنده بواسط، وجاءه الخبر برجوع الزنج إلى طهشا والمنصورة ،فردّ إليهم من يوقع بهم، ومضى لوجهه فانتهى إلى السوس وعليّ بن أبان بالأهواز، فسار إلى صاحبه واستأمن المخلفون هنالك إلى الموفّق فأمّنهم، وسار إلى تستر وأمّن محمد بن عبد الله الكردي، ثم وافى الاهواز وكتب إلى ابنه هرون أن يوافيه بالجند بنهر المبارك من فرات البصرة ،وبعث ابنه أبا العبّاس لحرب الخبيث بنهر أبي الخصيب وأستأمن إليه جماعة من قوّاده فأمّنه وكتب إليه بالدعوة والأعذار، وزحف إليه في مدينته المختارة له، وأطلق السفن في البحر وعبّى عساكره وهي نحو من خمسين ألفاً والزنج في نحو من ثلاثمائة ألف مقاتل، ونصب الالات ورتّب المنازل للحصار، وبنى المقاعد للقتال واختطّ مدينة الموفقية لنزوله، وكتب بحمل الأموال والميرة إليها فحملت، وقطع الميرة عن المختارة، وكتب إلىظالبلاد بإنشاء السفن والاستكثار منها، وقام يحاصرها من شعبان سنة سبع وستين إلى صفر من سنة سبعين.

ثم اقتحم عليهم المختارة فملكها وفّر الخبيث وابنه انكلاي وابن جامع إلى معقل أعده، واتبعه طائفة من الجند فانقطعوا عنه، وأمرهم من الغد باتباعه فانهزم وقتل من أصحابه وأسر ابن جامع. ثم قتل صاحب الزنج وجيء برأسه، ولحق انكلاي بالديناري في خمسة آلاف، ولحقهم أصحاب الموفق فظفروا بهم وأسروهم أجمعين. وكان درمونة من قواده قد لحق بالبطيحة، واعتصم بالمغايض والآجام ليقطع الميرة عن أصحاب الموفّق. فلما علم بقتل صاحبه استأمن إلى الموفّق فأمنّه. ثم أقام الموفق بمدينته قليلا وولى على البصرة والأبلة وكوردجلة، ورجع إلى بغداد فدخلها في جمادى سنة سبعين، وكان لصاحب الزنج من الولد محمد ولقبه انكلاي، ومعناه بالزنجية ابن الملك، ثم يحيى وسليمان والفضل حبسوا في المطبق إلى أن هلكوا. والله وارث الأرض ومن عليها. الخبر عن دعاة الديلم والجبل من العلويّة وما كان لهم من الدولة بطبرستان للدّاعي و أخيه أولاً. ثم للأطروش وبنيه وتصاريف ذلك إلى انقضائه: (كان) أبو جعفر المنصور قد اختص من العلوية من بني الحسن السبط حافده الحسن بن زيد بن الحسن وولاّه المدينة، وهو الذي امتحن الإمام مالكاً رحمه الله كما هو معروف. وهو الذي أغرى المنصور من قبل ببني حسن وأخبره بدسيسة محمد المهديّ وابنه عبد الله في شأن الدعاء لهم حتى قبض عليهم وحملهم إلى العراق كما قدّمناه. وكان له عقب بالريّ منهم: الحسن بن زيد بن محمد بن إسمعيل بن الحسن والي المدينة، ولما حدث بين عامل طبرستان محمد بن أوس الكافل بها لسليمان بن عبد الله بن طاهر نائباً عن محمد بن طاهر صاحب خراسان، وبين محمد وجعفر من بني رستم من أهل نواحي طبرستان حادث فتنة، وقد تقدّم ذكرها، أغروا به أهل تلك النواحي وبعثوا إلى الديلم ليستنجدوا بهم عليه، وكانوا على المجوسيّة يومئذ، وهم حرب لمحمد بر، أوس لدخوله بلادهم، وقتله وسبيه منهم أيام المسالمة، وملكهم يومئذ وهشوذار بن حسّان فأجابوا ابني رستم إلى حربه.

وبعث ابنا رستم إلى محمد بن إبراهيم بطبرستان لكون الدعوة له فامتنع، ودلهم على الحسن بن زيد بالري فاستدعوه بكتاب محمد بن إبراهيم فشخص إليهم، وقد اتفق الديلم وابنا رستم وأهل ناحيتهم على بيعته فبايعوه، وانضم إليهم أهل جبال طبرستان. وزحف إلى آمد فقاتله ابن أوس دونه، وخالفه الحسن بن زيد في جماعة إلى آمد فملكها، ونجا ابن أوس إلى سليمان بن عبد الله بن طاهر بسارية وزحف إليهم الحسن فخرجوا للقائه فناشبهم الحرب، وبعث بعض قواده، إلى سارية فملكها، وانهزم سليمان إلى جرجان، واستولى الحسن على معسكره بما فيه وعلى حرمه وأولاًده فبعثهم إليه في السفن.

ويقال: إنّ سليمان انهزم له لدسيسة التشّيع التي كانت في بني طاهر، ثم أقبل الحسن بن زيد إلى طبرستان فملكها وهرب عنها سليمان.، ثم بعث الحسن دعاته إلى النواحي، وكان يعرف بالداعي العلوي فبعث إلى الري القاسم ابن عمّه علي بن إسمعيل، وبها القاسم بن علي بن زيد العابدين السمري فملكها، واستخلف بها محمد بن جعفر بن أحمد بن عيسى بن حسين الصغير بن زين العابدين. وبعث إلى قزوين الحسين المعروف بالكوكبي بن أحمد بن محمد بن إسمعيل بن محمد بن جعفر، وهزمه وأسره فبعث الحسن بن زيد قائده دواجن إلى محمد بن ميكال فهزمه وقتله، وملك الري من يده، وذلك سنة خمسين ومائتين.

ثم زحف سليمان بن عبد الله بن طاهر من جرجان في العساكر فأجفل الحسن بن زيد عن طبرستان إلى الديلم ودخلها سليمان. ثم قصد سارية وأتاه ابنا قاران بن شهرزاد من الديلم، وأتاه أهل آمد وغيرهم طائعين فصفح عنهم. ثم سار محمد بن طاهر إلى لقاء الحسن فهزمه، وقتل من أعيان أصحابه ثلاثمائة وأربعين رجلاً 0ثم زحف موسى بن بغا لحربهم سنة ثلاث وخمسين فلقيه الحسن الكوكبي على قزوين، وأنهزم إلى الديلم، واستولى موسى بن بغا على قزوين، ثم رجع الكوكبيّ سنة ست وخمسين فاستولى على الري، واستولى القاسم بن علي بعدها على الكرخ سنة سبع0 ثم زحف الحسن بن زيد إلى جرجان، وبعث إليها محمد بن طاهر صاحب خراسان العساكر فهزمهم الحسن، وغلبهم عليها، وانتقض أمر ابن طاهر بخراسان من يومئذ واختلف المغلبون عليه، وكان ذلك داعياً إلى انتزاع يعقوب الصفّار خراسان من يده. ثم غلبه الحسين سنة تسع وخمسين على قومس.

استيلاء الصفار علي طبرستان

كان عبد الله السخري، ينازعه يعقوب بن الليث الصفّار الرياسة بسجستان، فلما استولى يعقوب على الأمر هرب عبد الله إلى نيسابور مستجيراً بابن طاهر فاجاره. فلما هلك يعقوب الصفار بنيسابور، هرب عبد الله إلى الحسن بن زيد ونزل سارية وبعث فيه يعقوب الصفار فلم يسلمه الحسن بن زيد، فسار إليه يعقوب سنة ستين، وهزمه فلحق بارض الديلم، ولحق عبد الله بالري، وملك يعقوب سارية وآمد، وجبى خراجها، وسار في طلب الحسن فتعلق بجبال طبرستان واعترضته الأمطار والأوحال فلم يخلص إلا بمشقة. وكتب إلى الخليفة بخبر الحسن، وما فعله معه، وسار إلى الريّ في طلب عبد الله السخري فأمكنه منه، والي الريّ فقتله. ثم رجع الحسن بن زيد إلى طبرستان سنة إحدى وستين، وغلب عليها اصحاب الصفار، واقتطعها عنهم. ثم انتقض السجستانيّ على يعقوب بن الليث بخراسان، وملكها من يده كما ذكرناه فسار وحاربه أبو طلحة بن شركب وامره الحسن بن زيد فسار السجستاني إلى محاربته بسبب ذلك سنة خمس وستين، وانتزاع جرجان من يده، ثم خرج عنها بقتال عمرو بن الليث بعد موت أخيه يعقوب كما نذكر في أخبارهم، فملكها الحسن بن زيد. ثم أوقع السجستاني بالحسن بن زيد سنة ست وستين، كبسه بجرجان وهو غاز فهزمه، ولحق بآمد، وملك سارية، واستخلف عليها الحسن بن محمد بن جعفر بن عبد الله الشيعي بن الحسين الأصغر بن زين العابدين. وانصرف فأظهر . الحسن بسارية قتل الحسن بن زيد، ودعا لنفسه فبايعه جماعة، ثم وافاه الحسن بن زيد فظفر به وقتله.

وفاة الحسن بن زيد وولاية أخيه

ثم توفي الحسن بن زيد صاحب طبرستان في رجب سنة سبعين وولي مكانه أخوه محمد، وكان قيامهم أولاً على ابن طاهر كما ذكرناه. ثم غلب يعقوب الصفار على خراسان، وانتقض عليه أحمد السجستاني، وملكها من يده. ثم مات يعقوب سنة خمس وستين وولي مكانه أخوه عمرو، وزحف إلى خراسان، وقاسم السجستاني فيها، وكانت بينهما حروب، وكان الحسن داعي طبرستان يقابلهما جميعاً إلى ان هلك، وولي مكانه أخوه كما ذكرناه. وكانت قزوين تغلّب عليها أثناء ذلك عساكر الموفّق، ووليها أذكوتكين من مواليهم فزحف إلى الري سنة اثنتين وسبعين، وزحف إليه محمد بن زيد في عالم كبير من الديلم وأهل طبرستان وخراسان فانهزم، وقتل من عسكره ستة آلاف، وأسر ألفان، وغنم أذكوتكين عسكره جميعا وملك الريّ وفرق عماله في نواحيها. ثم مات السجستاني وقام بأمره في خراسان رافع بن الليث من قواد الظاهرية فغلب محمد بن زيد على طبرستان وجرجان فلحق بالديلم، ثم صالحه سنة إحدى وثمانين، وخطب له فيها سنة إثنتين وثمانين على أن ينجده على عمرو بن الليث0 وكتب له عمرو بن الليث يعذله عن ذلك فأقصر عنه، فلما غلب عمرو على رافع رعى لمحمد بن زيد خذلانه لرافع فخفى له عن طبرستان وملكها.

مقتل محمد بن زيد

كان عمرو بن الليث لما ملك خراسان، وقتل رافع بن هرثمة، طلب من المعتضد ولاية ما وراء النهر فولاّه. واتصل الخبر بإسماعيل بن أحمد الساماني ملك تلك الناحية فعبر جيحون، وهزم جيوش عمرو بن الليث، ورجع إلى بخارى، فزحف عمرو بن الليث من نيسابور إلى بلخ وأعوزه العبور. وجاء إسمعيل فعبر النهر، وأخذ عليه الجهات بكثرة جموعه فأصبح كالمحاصر، ثم اقتتلوا فانهزم عمرو وأسره إسمعيل، وبعث به إلى المعتضد سنة ثمان وثمانين فحبسه إلى أن قتل، وعقد لإسماعيل على ما كان بيد عمرو. ولما اتصل بمحمد بن زيد، واقعة عمرو وأمره سار من طبرستان لا يرى أنّ إسمعيل يقصدها فلما انتهى إلى جرجان بعث إليه إسمعيل يصده عن ذلك فأبى، فسرح إليه محمد بن هرون، وكان من قواد رافع بن هرثمة، وصار من قواد إسمعيل بن سامان فلقي ا محمد بن زيد على جرجان واقتتلوا فانهزم محمد بن هارون أولاً. ثم رجعت الكرة على محمد بن زيد، وافترقت عساكره، وقتل من عسكره عالم وأسر أبنه زيد، وإصابته هو جراحات هلك منها، لأيام قلائل، وغنم ابن هارون عسكره بما فيه، وسار إلى طبرستان فملكها، وبعث يزيد إلى إسمعيل فأنزله ببخارى، ووسع عليه الانفاق، واشتدت عليه شوكة الديلم. وحاربهم إسمعيل سنة تسع وثمانين، وملكهم يومئذ ابن حسان فهزمهم، وصارت طبرستان وجرجان في ملك بني سامان مع خراسان، إلى أن ظهر بها الأطروش كما نذكر بعد. ويقال إن زيد بن محمد بن زيد ملك طبرستان من بعد ذلك، إلى أن توفي وملكها من بعده إبنه الحسن بن زيد.

ظهور الأطروش العلوي وملكه طبرستان

الأطروش هذا من ولد عمر بن زين العابدين الذي كان منهم داعي الطالقان أيام المعتصم، وقد مر ذلك. واسم الأطروش الحسن بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن عمر، دخل إلى الديلم بعد مقتل محمد بن زيد وأقام فيهم ثلاث عشرة سنة، يدعوهم إلى الإسلام ويأخذ من العشر، ويدافع عنهم ملكهم ابن حسّان فأسلم منهم خلق كثير، واجتمعوا عليه وبنى في بلادهم المساجد، وحملهم على رأي الزيدية فدانوا به. ثم دعاهم إلى المسير معه إلى طبرستان. وكان عاملها محمد بن نوح، من قبل أحمد بن إسمعيل بن سامان، وكان كثير الإحسان إليهم فلم يجيبوا الأطروش إلى البغي عليه. ثم عزل ابن سامان عن طبرستان ابن نوح، وولىّ عليها غيره فأساء السيرة فأعاد إليها ابن نوح، ثم مات فاستعمل عليها أبا العبّاس محمد بن إبراهيم، صعلوكاً فأساء السيرة وتنكر لرؤساء الديلم، فدعاهم الحسن الأطروش للخروج معه فأجابوه فسار إليهم صعلوك، ولقيهم بشاطئ البحر على مرحلة من سالوس فانهزم وقتل من أصحابه نحو من أربعة آلاف، وحصر الأطروش بقيتهم في سالوس حتى استأمنوا إليه فأمنهم ونزل آمد.

وجاء صهره الحسن بن قاسم بن عليّ بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد البطحاني بن القاسم بن الحسن بن زيد والي المدينة، وقد مر ذكره فلم يحضر قتل أولئك المستأمنين، واستولى الأطروش على طبرستان وتسمى الناصر، وذلك سنة إحدى وثلاثمائة، ولحق صعلوك بالري، وسار منها إلى بغداد. ثم زحف الناصر سنة اثنتين [وثلثمائة] فخرج عن آمد، ولحق بسالوس، وبث إليه صعلوك العساكر فهزمهم الحسن الداعي، وهو الحسن بن زيد. ثم زحفت إليه عساكر خراسان وهي للسعيد نصر بن أحمد فقتلوه سنة أربع وثلاثمائة، وولى صهره وبنوه، وكانت بينهم حروب بالديلم كما نذكره. وكان له من الولد أبو القاسم وأبو الحسن، وكان قواده من الديلم جماعة منهم ليلى بن النعمان، وولاه صهره الحسن بعد ذلك جرجان، وما كان بن كالي، وكانت له ولاية استراباذ، ويقرأ من كتاب الديلم، وكان من قواده الديلم جماعة أخرى منهم أسفار بن شيرويه من أصحاب ما كان ومرداويج من أصحاب أسفار والسيكري من أصحابه أيضا، ومولويه من أصحاب مرداويح، ويأتي الخبر عن جميعهم.

وكان الحسن بن قاسم صهر الأطروش، وكان رديفه في الأمر حتى كان يعرف بالداعي الصغير، واستعمل على جرجان سنة ثمان وثلاثمائة ليلى بن النعمان من كبار الديلم، وكان له مكان في قومه، وكان الأطروش وأولاًده يلقّبونه المؤيد لدين الله، المنتصر لآل رسول الله، وكانت خراسان يومئذ لنصر بن أحمد من بني سامان. وكان الدامغان ثغرها من ناحية طبرستان، وكان بها فراتكين من موالي ابن سامان فوقعت بينه وبين ليلى حروب، وهزمه ليلى، واستفحل أمره، ونزع إليه فارس مولى فراتكين فأكرمه وأصهر إليه بأخته واستأمن إليه أبو القاسم بن حفص وهو ابن أخت أحمد بن سهل قائد السامانية عندما نكب خاله أحمد فأمّنه وأجاره. ثم حرضه الحسن بن قاسم الداعي الصغير على المسير إلى نيسابور، فسار إليها، ومعه أبو القاسم بن حفص فملكها من يد فراتكين، سنة ثمان وثلاثمائة ،وخطب بها للداعي. وأنفذ السعيد نصر عساكره إليه من بخارى مع قائده حمويّه بن عليّ، ومعه محمد بن عبيد الله البلعي وأبو جعفر صعلوك، وخوارزم شاه وسيجور الدواني ويقراخان فلقيهم ليلى بطوس، وقاتلوه فانهزم إلى آمد، ولم يقدر على الحصار، ولحقه يقراخان فقبض عليه، وبعث حمويه من قتله، واستأمن الديلم إليهم فأمّنوهم، وأشار حمويه بقتلهم فاستجاروا بالقواد، وبعث برأس ليلى إلى بغداد، وذلك في ربيع من سنة تسع وبقي فارس مولى فراتكين بجرجان.

إمارة العلوية بطبرستان بعد الأطروش

ولما قتل الحسن الأطروش سنة أربع وثلاثمائة، كما قدّمناه، ولّى مكانه بطبرستان صهره، وهو الحسن بن القاسم، وقد مرذكره، ويسّمى بالداعي الصغير، ويلقب بالناصر. وبعض الناس يقولون هو الحسن بن محمد أخي الأطروش، هكذا قال ابن حزم وغيره، وليس بصحيح، وانما هو صهره، الحسن بن القاسم من عقب الحسين بن زيد والي المدينة. ثم من عقب حافده محمد البطحاني بن القاسم بن الحسن، وكان أبو الحسن بن الأطروش باستراباذ فبايع له ما كان بن كالي، وقام بأمره فلما قتل ليلى بن النعمان صاحب جرجان، وعاد فراتكين إليها، ثم انصرف عنها وجاءه أبو الحسن بن الأطروش باستراباذ فبايع له فملكها، فبعث السعيد بن سامان صاحب خراسان قائده سيجور الدوانى في أربعة آلاف فارس لحصاره بجرجان فحاصره شهراً، ومع الحسن صاحب جيشه سرخاب بن وهشوداب، وهو ابن عم ما كان بن كالي فلما اشتدّ بهم الحصار خرج أبو الحسن وسرخاب في ثمانية آلاف من الديلم والجند فانهزم سيجور أوّلاً فاتبعوه، وقد أكمن لهم الكمائن فخرجت عليهم، وقتل من الديلم والجند نحو أربعة آلاف، وخلص أبو الحسن في البحر إلى استراباذ، ولحقه سرخاب فخلفه، وأقام سيجور بجرجان.

ثم هلك سرخاب وسار أبو الحسن إلى سارية، وإستخلف ما كان بن كالي على استراباذ، فاجتمع إليه الديلم، وولّوه على أنفسهم، وزحف إليه عساكر السعيد بن سامان فحاصروه مدّة. ثم خرج عن استراباذ إلى سارية فملكوها وولوا عليها يقراخان، وعادوا إلى جرجان، ثم إلى نيسابور، ثم سار ما كان بن كالي إلى استراباذ وملكها من يد يقراخان، ثم ملك جرجان، وأقام بها، وذلك سنة عشر وثلثمائة. ثم استولى أسفار بن شيرويه على جرجان، واستقلّ بها، وكان سبب ذلك أنه كان من أصحاب ما كان بن كالي، ونكره لبعض أحواله فطرده من عسكره، وسار إلى أبي بكر بن محمد بن اليسع من السامانية بنيسابور فخدمه، وبعثه في عسكر إلى جرجان ليفتحها له، وقد كان ما كان سار إلى طبرستان، وولّى على جرجان مكانه أخاه أبا الحسن عليّاً، وكان أبو الحسن بن الأطروش معتقلا عنده، وهمّ ليله بقتله، وقصده في محبسه فظفر به أبو علي وقتله، وخرج من الدار. واختفى، وبعث من الغد إلى القوّاد فبايعوا لى، وولّوا علىّ جيشه علي بن خرشيد ورضوا به. واستقدموا أسفار بن شيرويه فأستأذن بكر بن محمد وقدم عليهم، وسار إليهم ما كان بن كالي فحاربوه وغلبوه على طبرستان، وأنزلوا بها أبا عليّ بن الأطروش فأقام بها أياما، ومات على أثره علي بن خرشيد صاحب جيشه، وجاء ما كان بن كالي لحرب أسفار بطبرستان فانهزم أسفار ولحق ببكر بن محمد بجرجان، وأقام إلى أن توفي سنة خمس عشرة وثلاثمائة فولاّه السعيد على جرجان، وأرسل إلى مرداوبج بن دينار الجبلي، وجعله أمير جيشه،. وزحفوا إلى طبرستان فملكوها. وكان الحسن بن القاسم الدّاعي قد استولى على الريّ وقزوين وزنجان وأبهر وقمّ، وقائده ما كان بن كالي الديلميّ فسار إلى طبرستان، وقاتله أسفار فانهزم ما كان، والحسن بن القاسم الداعي، وقتل بخذلان أصحابه إيّاه، لأنه كان يشتدّ عليهم في تغيير المنكرات فتشاوروا في أن يستقدموا هذرسيدان من رؤساء الجبل، وكان خال مرداويج ووشكين فيقدموه عليهم، ويحبسوا الحسن الداعي وينصبوا أبا الحسن بن الأطروش.

ونما الخبر بذلك إلى الداعي، وقدم هذرسيدان فلقيه الداعي مع القواد وادخلهم إلى عصره بجرجان ليأكلوا من مائدته فدخلوا، وقتلهم عن آخرهم ،فعظمت نفرتهم عنه فخذلوه في هذا الموطن وقتل، واستولى أسفار على طبرستان والريّ وجرجان وقزوين وزنجار وابهر وقُمَ والكرج، ودعا للسعيد بن سامان صاحب خراسان، وأقام بسارية، واستعمل على آمد هرون بن بهرام، وقصد بذلك استخلاصه لنفسه لأنه كان يخطب لابي جعفر، من ولد الناصر الأطروش فولاه آمد وزوّجه بإحدى نسائه الأعيان بها، وحضر عرسه أبو جعفر وغيره من العلويّين، وهجم عليه أسفار يوم عرسه بآمد، فقبض على أبي جعفر وغيره من اعيان العلويّين، وحملهم إلى بخارى فاعتقلوا بها إلى أن خلصوا من بعد ذلك.

(ومن تاريخ بعض المتأخرين): أنّ الحسن بن القاسم الداعي صهر الأطرواش، بويع بعد موته ولقب الناصر، وملك جرجان. وكان الديلم قد اشتملوا على جعفر بن الأطروش، وتابعوه فصار الداعي إلى طبرستان وملكها، ولحق جعفر بدنباوند فقبض عليه عليّ بن أحمد بن نصر وبعث به إلى عليّ بن وهشودان بن حسّان ملك الديلم وهو عامله، فحبسه عليّ بن وهشودان بن حسّان ملك الديلم فلما قتل أطلقه من بعده حسرة فيروز، فاستجاش جعفر بالديلم، وعاد إلى طبرستان فملكها وهرب الحسن. ثم مات جعفر فبويع أبو الحسن، ابن أخيه الحسن فلما ظهر ما كان بن كالي بايع للحسن الداعي وأخرجه إليه، وقبض على الحسن أحمد وهو ابن أخي جعفر وحبسه بجرجان عند أخيه أبي علي ليقتله فقتله الحسن ونجا، وبايعه القواد بجرجان.

ثم حاربه ما كان فانهزم الحسن إلى آمد، ومات بها، وبويع أخوه أبو جعفر بن محمد بن أحمد، وقصده ما كان من الري فهرب من آمد إلى سارية، وبها أسفار ابن شيرويه. فقاتل دونه، وانهزم أسفار إلى جرجان، واستأمن إلى أبي بكر بن محمد بن الياس. ثم بايع ما كان لأبي القاسم الداعي، وخرج الحسن إلى الري وطلب مرداويج بثأر خاله سيداب بن بندار. وكان الداير بجرجان سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، وانصرف ما كان إلى الديلم، ثم ملك طبرستان وبايع بها لأبي عليّ الناصر بن إسمعيل ابن جعفر بن الأطروش، وهلك بعد مدّة. ومضى أبو جعفر محمد بن أبي الحسن أحمد بن الأطروش إلى الديلم، إلى أن غلب مرداويج على الريّ، فكتب إليه وأخرجه عن الديلم، وأحسن إليه. فلما غلب على طبرستان وأخرج ما كان عنها بايع لأبي جعفر هذا، وسمّي صاحب القلنسوة إلى أن مات، وبويع أخوه ولقب الثائر، وأقام مع الديلم. وزحف سنة ست وثلاثين إلى جرجان، وبها ركن الدولة بن بويه، فسرح إليه ابن العميد فانهزم الثائر، وتعلق بالجبال، وأقام مع الديلم وملوك العجم يخطبون له إلى أن هلك سنة خمس وخمسين وثلاثمائة، لثلاثين سنة من ملكه، وبايعوا لأخيه الحسين بن جعفر، وتلقّب بالناصر، وتقبض عليه ليكوبن وشكس ملك الجبل وسلّمه وانقرض ملك الفاطميّين أجمع بتلك الجبال والبقاء لله وحده.

الخبر عن دولة الإسماعيلية

ونبدأ منهم بالعبيديين الخلفاء بالقيروان والقاهرة. وما كان لهم من الدولة من المشرق والمغرب.

أصل هؤلاء العبيديّين من الشيعة الإمامية، وقد تقدم لنا حكاية مذهبهم، والبراءة من الشيخين ومن سائر الصحابة، لعدولهم عن بيعة عليّ إلى غيره، مع وصية النبيّ له بالإمامة بزعمهم، وبهذا امتازوا عن سائر الشيعة. وإلا فالشيعة كفهم مطبقون على تفضيل عليّ ولم يقدح ذلك عند الزيدية في إمامة أبي بكر لقولهم بجواز إمامة المفضول مع الافضل، ولا عند الكيسانية لأنهم لم يدّعوا هذه الوصية، فلم يكن عندهم قادح فيمن خالفها. وهذه الوصية لم تعرف لأحد من أهل النقل. وهي من موضوعات الإمامية، وقد يسمّون رافضة، قالوا لأنه لما خرج زيد الشهيد بالكوفة، واختلف عليه الشيعة ناظروه في أمر الشيخين، وأنهم ظلموا علياً فنكر ذلك عليهم فقالوا له: وأنت أيضا فلم يظلمك أحد، ولا حق لك في الأمر، وانصرفوا عنه ورفضوه فسموا رافضة، وسمّي أتباعه زيدية. ثم صارت الإمامة من عليّ إلى الحسن، ثم الحسين، ثم ابنه علي زين العابدين، ثم ابنه محمد الباقر، ثم ابنه جعفر الصادق، كل هؤلاء بالوصيّة، وهم ستة أئمة لم يخالف احد من الرافضة في إمامتهم.

ثم افترقوا من ههنا فرقتين: وهم الاثنا عشرية والإسماعيلية. واختص الاثنا عشرية باسم الإمامية لهذا العهد، ومذهبهم أنّ الإمامة انتقلت من جعفر الصادق إلى ابنه موسى الكاظم، وخرج دعاته بعد موت أبيه فحمله هرون من المدينة وحبسه عند عيسى بن جعفر، ثم أشخصه إلى بغداد وحبسه عند ابن شاهك. ويقال أنّ يحيى بن خالد سمّه في رطب فقتله، وتوفي سنة ثلاث وثمانين ومائة، وزعم شيعتهم أنّ الإمام بعده ابنه عليّ الرضا وكان عظيماً في بني هاشم، وكانت له مع المأمون صحبة، وعهد له بالامر من بعده سنة إحدى ومائتين عند ظهور الدعاة للطالبيّين، وخروجهم في كل ناحية. وكان المأمون يومئذ بخراسان، لم يدخل العراق بعد مقتل أخيه الأمين فنكر ذلك عليه شيعة العبّاسيّين وبايعوا لعمّه إبراهيم بن المهدي ببغداد، فارتحل المأمون إلى العراق وعليّ الرضا معه، فهلك عليّ في طريقه سنة ثلاث ومائتين ودفن بطوس، وبقال إن المأمون سمّه.

(ويحكى) أنه دخل عليه يعوده في مرضه فقال له: أوصني، فقال له عليّ إياك ان تعطي شيئاً وتندم عليه، ولا يصح ذلك لنزاهة المأمون عن إراقة الدماء بالباطل، سما دماء أهل البيت. ثم زعم شيعتهم أنّ الأمر من بعد علي الرضا لابنه محمد التقي، وكان له من المأمون مكان، وأصهر إليه في ابنته، فأنكحه المأمون إياها سنة خمس ومائتين، ثم هلك سنة عشرين ومائتين ودفن بمقابر قريش وتزعم الاثنا عشرية أنّ الإمام بعده ابنه علىّ، ويلقّبونه الهادي، ويقال الجواد، ومات سنة أربع وخمسين ومائتين وقبره بقمّ، وزعم ابن سعيد أن المقتدر سمَّه. ويزعمون انّ الإمام بعده ابنه الحسن، ويلقّب العسكري لأنه ولد بسر من رأى، وكانت تسمّى العسكر، وحبس بها بعد أبيه إلى أن هلك سنة ستين ومائتين، ودفن إلى جنب أبيه في المشهد، وترك حملا ولد منه ابنه محمد فاعتقل، ويقال دخل مع أمّه في السرداب بدار أبيه، وفقد، فزعمت شيعتهم انه الإمام بعد أبيه، ولقّبوه المهدي والحجة. وزعموا انه حي لم يمت، وهم الآن ينتظرونه، ووقفوا عند هذا الانتظار، وهو الثاني عشر من ولد عليّ، ولذلك سمّيت شيعته الاثني عشرية. وهذا المذهب في المدينة والكرخ والشام والحلّة والعراق، وهم حتى الآن على ما بلغنا يصلّون المغرب، فإذا قضوا الصلاة قدّموا مركباً إلى دار السرداب بجهازه وحليته ونادوا بأصوات متوسطة: أيها الإمام اخرج إلينا فإن الناس منتظرون، والخلق حائرون، والظلم عام، والحق مفقود! فاخرج إلينا فتقرب الرحمة من الله آثارك! ويكررون ذلك إلى أن تبدو النجوم، ثم ينصرفون إلى الليلة القابلة، هكذا دأبهم. وهؤلاء من الجهل بحيث ينتظرون من يقطع بموته مع طول الامد، لكن التعصب حملهم على ذلك، وربما يحتجون لذلك بقصة الخضر والاخرى أيضا باطلة، والصحيح أن الخضر قد مات.

(وأما الإسماعيلية) فزعموا أنّ الإمام بعد جعفر الصادق ابنه إسمعيل، وتوفي قبل أبيه. وكان أبو جعفر المنصور طلبه فشهد له عامل المدينة بأنه مات. وفائدة النصّ عندهم على إسمعيل، وإن كان مات قبل أبيه بقاء الإمامة في ولده كما نص موسى على هارون صلوات الله عليهما ومات قبله. والنصّ عندهم لا مرجع وراءه، لأن البداء على الله محال. ويمولون في ابنه محمد أنه السابع التامّ من الأئمة الظاهرين، وهو أول الأئمة المستورين عندهم الذين يستترون ويظهرون الدعاة، وعددهم ثلاثة، ولن تخلو الأرض منهم عن إمام، إما ظاهر بذاته أو مستور، فر بد من ظهور حجّته ودعاته. والأئمة يدور عددها عندهم على سبعة عدد الاسبوع، والسماوات والكواكب، والنقباء تدور عندهم على اثني عشر. هم يغلّطون الأئمة المستورين عندهم محمد بن إسمعيل، وهو محمد المكتوم، ثم ابنه جعفر المصدق، ثم ابنه محمد الحبيب، ثم ابنه عبد الله المهدي صاحب الدولة بإفريقية والمغرب التي قام بها أبو عبد الله الشيعي بكتامة.

وكان من هؤلاء الإسماعيلية القرامطة، واستقرّت لهم دولة بالبحرين في أبي سعيد الجنابيّ وبنيه أبي القاسم الحسين بن فروخ بن حوشب الكوفي داعي اليمن لمحمد الحبيب، ثم ابنه عبد الله وشممى بالمنصور، وكان من الاثني عشرية أولا،ً فلما بطل ما في أيديهم رجع إلى رأي الإسماعيلية وبعث محمد الحبيب أبو عبد الله إلى اليمن داعية له فلّما بلغه عن محمد بن يعفر ملك صنعاء أنه أظهر التوبة والنسك، وتخلّى عن الملك فقدم اليمن ووجد بها شيعة يعرفون ببني موسى في عدن لاعة. وكان عليّ بن الفضل من أهل اليمن، ومن كبار الشيعة، وطاهر بن حوشب على أمره، وكتب له الإمام محمد بالعهد لعبد الله ابنه، وأذن له في الحرب فقام بدعوته وبثها في اليمن وجيّش الجيوش، وفتح المدائن وملك صنعاء، وأخرج منها بني يبعن، وفرّق الدعاة في اليمن واليمامة. والبحرين والسند والهند ومصر والمغرب، وكان يظهر الدعوة للرضا من آل محمد، وكان من دعاته أبو عبد الله الشيعي صاحب كتامة. ومن عنده سار إلى إفريقية فوجد في كتامة من الباطنية خلقا كثيراً، وكان هذا المذهب هنالك من لدن الدعاة الذين بعثهم جعفر الصادق إلى المغرب. أقاموا بإفريقية وبثّوا فيها الدعوة، وتناقله من البرابرة أمم، وكان أكثرهم من كتامة فلما جاء أبو عبد الله الشيعي داعية المهدي ووجد هذا المذهب في كتامة فقام على تعليمه وبثّه وإحيّائه، حتى تم الأمر وبويع لعبد الله كما نذكر الآن في أخبارهم. ابتداء دولة العبيديين وأولهم عبيد الله المهدي بن محمد الحبيب بن جعفر الصادق بن محمد المكتوم بن جعفر الصادق0 ولا عبرة بمن أنكر هذا النسب من أهل القيروان وغيرهم وبالمحضر الذي ثبت ببغداد أيام القادر بالطعن في نسبهم، وشهد فيه أعلام الائمة. وقد مرّ ذكرهم 0فإن كتاب المعتضد إلى ابن الأغلب بالقيروان، وابن مدرار بسجلماسة، يغريهم بالقبض عليه لمّا سار إلى المغرب0 شاهد بصحّة نسبهم. وشعر الشريف الرضيّ مسجّل بذلك. والذين شهدوا في المحضر فشهادتهم على السماع، وهي ما علمت. وقد كان نسبهم ببغداد منكرا عند أعدائهم شيعة بني العباس منذ مائة سنة، فتلّون الناس بمذهب أهل الدولة، وجاءت شهادة عليه مع أنها شهادة على النفي، ميم أنّ طبيعة الوجود في الانقياد إليهم، وظهور كلمتهم حتى في مكة والمدينة أدل شيء على صحة نسبهم.

وأما من يجعل نسبهم في اليهودية والنصرانية ليعمون القدح وغيره فكفاه ذلك إثماً وسفسفة. وكان شيعة هؤلاء العبيديين بالمشرق واليمن وأفريقية. وكان أصل ظهورهم بأفريقية دخول الحلواني وأبي سفيان من شيعتهم إليها أنفذهما جعفر الصادق، وقال لهما بالمغرب أرض بور فاذهبا واحرثاها حتى يجيء صاحب البذر فنزل أحدهما ببلد مراغة، والآخر ببلد سوف جمار وكلاهما من أرض كتامة ففشت هذه الدعوة في تلك النواحي، وكان محمد الحبيب ينزل سلمية من أرض حمص، وكان شيعتهم يتعاهدونه بالزيارة إذا زاروا قبر الحسين، فجاء محمد بن الفضل من عدن لاعة من اليمن لزيارة محمد الحبيب، فبعث معه رستم بن الحسن بن حوشب من أصحابه لإقامة دعوته باليمن، وأنّ المهدي خارج في هذا الوقت، فسار وأظهر الدعوة للمهدي من آل محمد بنعوته . المعروفة عندهم، واستولى على أكثر اليمن، وتّسمى بالمنصور، وابتنى حصناً بجبل لاعة. وملك صنعاء من بني يعفر، وفرّق الدعاة في اليمن واليمامة والبحرين والسند والهند ومصر والمغرب. وكان أبو عبد الله الحسين بن محمد بن زكريا المعروف بالمحتسب، وكان محتسباً بالبصرة، وقيل أنما المحتسب أخوه أبو العباس المخطوم وأبو عبد الله. هذا يعرف بالمعلم لأنه كان يعلم مذهب الإمامية، فاتصل أبو عبد الله بمحمد الحبيب، ورأى ما فيه من الاهليّة فأرسله إلى ابن حوشب باليمن ليأخذ عنه، ثم يذهب إلى المغرب، يقصد بلد كتامة فيظهر بينهم الدعوة. فجاء أبو عبد الله إلى ابن حوشب ولزمه، وشهد مجالسه، وأفاد علمه.

ثم خرج مع حاج اليمن إلى مكة فلقي بالموسم رجالات كتامة ورؤساءهم، وفيهم من القي الحلواني وابن بكّار واخذوا عنهما فقصدهم أبو عبد الله في رحالهم، وكان منهم موسى بن حريث كبير بني سكان من جملة أحد شعوبهم وأبو القاسم الورنجومي من أحلافهم،

ومسعود بن عيسى بن ملال المساكتي، وموسى بن تكاد فجلس إليهم وسمعوا منه مذاهبهم، ورأوا ما هو عليه من العبادة والزهد فعلق ببقلوبهم، وصار يتعهدهم في رحالهم فاغتبطوا به0 واغتبط بهم. ولما أرادوا الرحلة إلى بلادهم سألوه الصحبة فوافقهم طاوياً وجه مذهبه عنهم، بعد أن سألهم عن قومهم وعصابتهم وبلادهم وملكة السلطان فيهم فكشفوا له علم ذلك وأنهم أنما يعطون السلطان طاعة معروفة فاستيقن تمام أمره فيهم، وخرج معهم إلى المغرب، وسلكوا طريق الصحراء، وعدلوا عن القيروان إلى أن وصلوا بلد سوماثة، وبها محمد بن حمدون بن سماك الاندلسيّ من بجاية الأندلس نزيلا عندهم، وكان قد أدرك الحلواني وأخذ عنه. فنزل أبو عبد الله الشيعي عليه فاكرمه، وفاوضه، وتفرس ابن حمدون فيه أنه صاحب الدولة.

ثم ارتحلوا وصحبهم ابن حمدون، ودخلوا بلد كتامة منتصف ربيع سنة ثمان وثمانين ومائتين فنزل على موسى بن حريث ببلده انكجان في بلد بني سكتان من جبيلة، وعين له مكان منزله بفج الأخيار، وأن النص عنده من المهدي بذلك، وبهجرة المهدي، وأن أنصار الأخيار من أهل زمانه، وأن إسمهم مشتق من الكتمان. واجتمع إليه الكثير من أهل كتامة، ولقي علماءهم واشتمل عليه الكثير من أهوائهم فجاهر بمذهبه، وأعلن بإمامة أهل البيت، دعا للرضا من آل محمد، واتبعه أكثر كتامة، وكانوا يسمّونه بأبي عبد الله الشيعي والمشرقيّ. وبلغ خبره إلى أمير إفريقية إبراهيم بن أحمد بن الأغلب، فبعث إليه بالتهديد والوعيد، فأساء الرد عليه، وخاف رؤساء كتامة عادية ابن الأغلب، وأغراهم عمال بلادهم بالشيعي، مثل موسى بن عياش صاحب مسيلة، وعليّ بن حفص بن عسلوجة صاحب سريف. وجاء ابن تميم صاحب يلزمة فاجتمعوا وتفاوضوا في شأنه، وحضريحى المساكتي وكان يدعى الأمير، ومهديّ بن أبي كمارة رئيس لهيعة، وفرج بن حيران رئيس أجانة، وثمل بن بحل رئيس لطانة. وراسلوا بيان بن صفلان رئيس بني سكتان، وأبو عبد الله الشيعي عندهم بجبل ايكجان، في أن يسلمه إليهم أو يخرجه من بلدهم، وحذروه عاقبة أمره فردّ أمره إلى أهل العلم، فجاؤوا بالعلماء وهمّوا باغتياله فلم يتم لهم ذلك، وأطبقت بجيلة على مظاهرته فهزموا هؤلاء المثيرين عليه وردّوهم خائبين. ثم راجعوا بيات بن صقلاب في أمره ولاطفوه حتى صفا إليهم، وشعر بذلك أبو عبد الله الشيعيّ وأصحابه، فبعثوا إلى الحسن بن هارون الغسّاني يسألونه الهجرة إليهم فأجابهم، ولحق

ببلدة تازروت من بلادهم واجتمعت غسّان لنصرته مع بطون كتامة الذين بايعوه من قبل، فاعتز وامتنع وعظم أمره. ثم انتفض على الحسن بن هارون أخوه محمد منافسة له في الرياسة، وكان صديقاً لمهدي بن أبي كمارة فداخله في التثريب على أبي عبد الله، وعظمت الفتنة بين لهيعة وغسّان، وولّى أبو عبد الله الشيعي الحسن بن هارون على حروبه، وظهر بعد أن كان مختفياً.

وكان لمهدي بن أبي كمارة شيخ لهيعة إخ اسمه أبو مديني، وكان من أحباب أبي عبد الله فقتل اخاه مهديا ورأس على لهيعة مكانه فصاروا جميعاً إلى ولاية أبي عبد الله وأبي مديني شيخهم.

ثم تجمعت كتامة لحرب الشيعي وأصحابه، ونازلوه بمكانه من تازروت، وبعث الشيعي سهل بن فوكاش إلى فحل بن نوح رئيس لطانة، وكان صهره، لينجد له عن حربهم في السلم فمشى إلى كتامة، وأبوا إلأ أن يناجزوهم الحرب، فغلبهم أبو عبد الله وأصحابه، وانهزمت كتامة وابلى عروبة بن يوسف الملوشي في ذلك اليوم بلاءً حسناً، واجتمعت إلى أبي عبد الله غسانّ كلها ويلزمة ولهيعة وعامّة بجاية ورئيسهم يومئذ ماكنون بن ضبارة وأبو زاكي تمام بن معارك. ولحق بجيلة من بجاية فرج بن خيران، ويوسف بن محمد من لطانة، وفحل بن نوح، واستقام أمر الباقي للشيعي وجمع فتح بن يحمى من أطاعه من قومه مسالمة لحرب الشيعي فسار إليهم وأوقع بهم، ولحق فلهم بسطيف.

ثم استأمنوا إليه فأمنهم ودخلوا في أمره، وولّى منهم هارون بن يونس على حروبه، ولحق رئيسهم فتح بن يحيى بعجيسة، وجمع ثانية لحربه الشيعي فسار إليه ومعه جموع كتامة، وتحصّن منه فتح ببعض قلاعهم فحاصره الشيعي وفتحها، واجتمعت إليه عجيسة وزواوة وجميع قبائل كتامة، ورجع إلى تازروت وبثّ دعاته في كل ناحية فدخل الناس في أمره طوعا وكرها. ولحق فتح بن يحى بالأمير إبراهيم بن احمد بتونس، واستحثه لحرب الشيعي. ثم فتح أبو عبد الله مساكتة بمداخلة بعض أهلها، وقتل صاحبها موسى بن عيّاش وولّى عليها ماكنون بن ضبارة الجاي وهو أبو يوسف ولحق إبراهيم بن موسى بن عيّاش بأبي العبّاس إبراهيم بن الاغلب بتونس، بعد خروج أبيه إلى صقلية. وكان فتح بن يحيى المساكتي قد نزع إليه من قبل ذلك، ووعده المظاهرة فجهز العساكر، وعقد عليها لابنه أبي خوال، وزحف من تونس سنة تسع وثمانين فدوّخ كتامة، ثم صمد إلى تازروت فلقيه أبو عبد الله الشيعي في جموعه ببلد ملوسة فهزمهم أبو خوال، وفرّ الشيعي من قصر تازروت إلى ايكجان فامتنع بها، فهدم أبو خوال القصر، واتبعه. وتوغل أبو خوال في بلاد كتامة فاضطرب أمره، وتوقع البيات.

وسار إبراهيم بن موسى بن عيّاش من عسكر أبي خوال إلى نواحي مسيلة يتجسّس الاخبار فتواقع مع طائفة من أصحاب الشيعي فهزموه، واتبعوه إلى المعسكر فاضطرب، وأجفل أبو خوال، وخرج من بلاد كتامة، واستوطن أبو عبد الله ايكجان، وبنى بها بلدا وسمّاها دار الهجرة. واستبصر الناس في امره، ودخلوا في دعوته. ثم هلك الحسن بن هارون، وجهز أبو العباس العساكر ثانية مع ابنه أبي خوال، ورده لحرب الشيعي وكتامة فسار في بلادهم، ورجع منهزماً، وأقام قريباً منهم يدافعهم، ويمنعهم من التقدم. وفي خلال ذلك هلك إبراهيم بن أحمد بن الاغلب، وقتل ابنه أبو العبّاس، وقام بالامر ابنه زيادة الله فاستدعى اخاه أبا خوال وقتله، وانتقل من تونس إلى وقادة، وانهمك في لذاته، وانتشرت جيوش الشيعي في البلاد، وعلا أمره وبشّرهم بأنّ المهدي قرب ظهوره فكان كما قال.

وصول المهدي إلى المغرب واعتقاله بسجلماسة ثم خروجه من الاعتقال وبيعته

ولما توفي محمد الحبيب بن جعفر بن محمد بن إسمعيل الإمام، عهد إى ابنه عبيد الله وقال له: أنت المهدي وتهاجر بعدي هجرة بغيدة، وتلقى محنا شديدة. واتصل خبره بسائر دعاته في إفريقية واليمن، وبعث إليه أبو عبد الله رجالا من كتامة يخبرونه بما فتح الله عليهم، وانهم في انتظاره. وشاع خبره، واتصل بّالعباسيّين ،فطلبه المكتفي ففر، من أرض الشام إلى العراق. ثم لحق بمصر ومعه ابنه أبو القاسم غلاما حدثا وخاصته ومواليه، بعد أن كان أراد قصد اليمن فبلغه ما أحدث بها عليّ بن الفضل من بعد ابن حوشب، وانه أساء السيرة فانثنى عن ذلك، واعتزم على اللحاق بابي عبد الله الشيعي بالمغرب فارتحل من مصر إلى الإسكندرية، ثم خرج من الإسكندرية في زي التجّار. وجاء كتاب المكتفي إلى عامل مصر، وهو يومئذ عيسى النوشري بخبرهم، والقعود لهم بالمراصد، وكتب نعته وحليته فسرح في طلبهم حتى وقف عليهم، وامتحن أحوالهم فلم بقف على اليقين في شيء منها فخلى سبيلهم.

وجدّ المهدي في السير، وكان له كتب في الملاحم منقولة عن آبائه سرقت من رحله في طريقه، فيقال إن ابنه أبا القاسم استردّها من برقة حين زحف إلى مصر، ولما انتهى إلى طرابلس وفارقه التجّار أهل الرفقة بعث معهم أبا العباس أخا أبي عبد الله الشيعي إلى أخيه بكتامة، ومرّ بالقيروان، وقد سبق خبرهم إلى زيادة الله، وهو يسأل عنهم فقبض على أبي العباس، وساءله فانكر فحبسه. وكتب إلى عامل طرابلس بالقبض على المهدي ففاته، وسار إلى قسنطينة. ثم عدل عنها خشية على ابم العبّاس، أخي الشيعي المعتقل بالقيروان فذهب إلى سجلماسة، وبها اليسع بن مدرار فأكرمه.

ثم جاء كتاب زيادة الله، ويقال كتاب المكتفي بأنه المهدي الذي داعيته في كتامة فحبسه اليسع، ثم إن أبا عبد الله الشيعي بعد مهلك أبي خوال الذي كان مضايقاً لهم اجتمعت إليه سائر كتامة، وزحف إلى سطيف فحاصرها مدة، وكان بها علي بن جعفر بن عسكوجة صاحبها، وأخوه أبو حبيب فملكها وكان بها ايضا داود بن جاثة من كبار لهيعة، لحق بها فيمن لحق من وجوه كتامة فقام بها من بعد علي وأخيه، واستأمن أهل سطيف فأمّنهم أبو عبد الله ودخلها فهدمها، وجهز زيادة الله العساكر إلى كتامة مع قريبه إبراهيم بن حشيش، وكانوا أربعين ألفا فانتهى إلى قسنطينة، فأقام بها وهم متحصنون بجبلهم. ثم زحف إليهم وواقعهم عند مدينة يلزمة فانهزم إلى باغاية، ولحق بالقيروان. وكتب الشيعي بالفتح إلى المهدي مع رجال من كتامة، اخفوا أنفسهم حتى وصلوا إليه وعرّفوه بالخبر. ثم زحف الشيعي إلى طبنة فحاصرها وقتل فتح بن يحيى المساكتي، ثم افتتحها على الأمان. ثم زحف إلى يلزمة فملكها عنوة.

وجهّز زيادة الله العساكر مع هارون الطبني عامل باغاية فانتهوا إلى مدينة أزمول، وكانوا في طاعة الشيعي فهدمها هارون وقتل أهلها، وزحف إليه عروبة بن يوسف من أصحاب الشيعي فهزمه وقتله. ثم فتح الشيعي مدينة ينجبت كلّها على يد يوسّف الغساني، ولحق عسكرها بالقيروان. وشاع عن الشيعي وفاؤه بالأمان فافنه الناس، وكثر الارجاف بزيادة الله فجهز العساكر وأزاح العلل، وأنفق ما في خزائنه وذخائره، وخرج بنفسه سنة خمس وتسعين، ونزل الأريس. ثم حاد عن اللقاء، وأشار عليه أصحابه بالرجوع إلى القيروان، ليكون ردءاً للعساكر فرجع، وقدم على العساكر إبراهيم بن أبي الأغلب من قرابته، وأمره بالمقام هنالك. ثم زحف الشيعي إلى باغاية فهرب عاملها وملكها صلحاً، وبعث إلى مدينة قرطاجنة فافتتحها عنوة، وقتل عاملها، وسرح عساكره في إفريقية فردّدوا فيها الغارات على قبائل البربر من نفزة وغيرهم. ثم استأمن إليه أهل تيفاش فأمّنهم، واستعمل عليهم صواب بن أبي القاسم السكتاني فجاء إبراهيم بن الأغلب واقتحمها عليه. ثم نهض الشيعي في احتفال من العساكر إلى باغاية، ثم إلى سكتانة، ثم إلى تبسة ففتحها كفها على الأمان. ثم إلى القصرين من قمودة فأمّن أهلها وأطاعوه، وسار يريد رقادة فخشي إبراهيم بن أبي الأغلب على زيادة الله لقلة عسكره، فنهض إلى الشيعي واعترضه في عساكره واقتتلوا، ثم تحاجزوا، ورجع الشيعي إلى ايكجان، وإبراهيم إلى الأريس.

ثم سار الشيعي ثانية بعساكره إلى قسنطينة فحاصرها، واقتحمها على الأمان، ثم إلى قفصة كذلك، ثم رجع إلى باغاية فأنزل بها عسكراً مع أبي مكدولة الجيلي. ثم سار إلى إيكجان، وخالفه إبراهيم إلى باغاية، وبلغ الخبر إلى الشيعي فسرح لقتاله أبا مديني بن فروخ اللهيمي، ومعه عروبة بن يوسف الملوشي، ورجاء بن أبي قنة في اثني عشر ألفاً فقاتلوا ابن أبي الاغلب، ومنعوه من باغاية فرحل عنها، واتبعوه إلى فجّ العرعر ورجعوا عنه. ثم زحف أبو عبد الله الشيعي سنة ست وتسعين في مائتي الف من العساكر إلى إبراهيم بن أبي الاغلب بالاريس. ثم اقتتلوا أياما، ثم انهزم إبراهيم، واستبيح عسكره، وفرّ إلى القيروان، ودخل الشيعي الأريس فاستباحها، ثم سار فنزل قمودة، واتصل الخبر بزيادة الله وهو برقادة ففرّ إلى المشرق، ونهبت قصوره. وافترق أهل رقادة إلى القيروان وسوسة. ولما وصل إبراهيم بن أبي الاغلب إلى القيروان نزل قصر الإمارة، وجمع الناس، وأرادهم على البيعة له على أن يعينوه بالاموال فاعتدوا، وتصايحت به العامّة ففر عنها، ولحق بصاحبه. وبلغ أبا عبد الله الشيعي خبر فرارهم بسبيبة فقدّم إلى رقادة، وقدم بين يديه عروبة بن يوسف وحسن بن أبي خنزير فساروا، وأمّنوا الناس، وجاء على أثرهم.

وخرج أهل رقادة والقيروان للقائه فأفمّهم وأكرمهم، ودخل رقادرة في رجب سنة ست وتسعين، ونزل قصرها، وأطلق أخاه أبا العبّاس من الاعتقال ونادى بالأمان فتراجع الناس، وفر العمّال في النواحي. وطلب أهل القيروان فهربوا، وقسّم دور البلد، على كتامة فسكنوها، وجمع أموال زيادة الله وسلاحه فأمر بحفظها وحفظ جواريه، واستأذنه الخطباء لمن يخطبون فلم يعين أحداً. ونقش على السكة من أحد الوجهين بلغت حجة الله، ومن الآخرّ تفرق أعداء الله، وعلى السلاح عدة في سبيل الله، وفي وسم الخيل، الملك لله. ثم ارتحل إلى سجلماسة في طلب المهدي، واستخلف على إفريقية أخاه أبا العبّاس، وترك معه أبا زاكي تمام بن معارك الألجائي، واهتزّ المغرب لخروجه، وفرت زناتة من طريقه. ثم بعثوا إليه بالطاعة فقبلهم، وأرسل إلى اليسع بن مدرار صاحب سجلماسة يتلطفه فقتل الرسل، وخرج للقائه. فلمّا تراءى الجمعان انفض معسكره، وهرب هو وأصحابه وخرج أهل البلد من الغد للشيعي، وجاؤوا معه إلى محبس المهدي وابنه فأخرجهما وبايع للمهدي، ومشى للمهدي، ومشى مع رؤساء القبائل بين أيديهما وهو يبكي من الفرح ويقول: هذا مولاكم، حتى أنزله بالمخّيم، وبعث في طلب اليسع فأدرك ،وجيء به فقتل، وأقاموا بسجلماسة اربعين يوماً، ثم ارتحلوا إلى إفريقية، ومروا بأيكجان، فسلم الشيعي ما كان بها من الاموال للمهدي. ثم نزلوا رقادة في ربيع سبع وتسعين، وحضر أهل القيروان، وبويع للمهدي البيعة العامة، واستقام أمره، وبث دعاته في الناس فأجابوا إلا قليلا عرض عليهم السيف، وقسم الأموال والجواري في رجال كتامة، واقطعهم الأعمال، ودوّن الدواوين وجبى الأموال، وبعث العفال على البلاد فبعث على طرابلس ماكنون بن ضبارة الألجائي، وعلى صقلية الحسن بن احمد بن أبي خنزير، فسار إليها ونزل البحر، ونزل مازر في عيد الأضحى من سنة سبع وتسعين، فاستقضى إسحاق بن المنهال، وولّى اخاه على كريت. ثم أجاز البحر سنة ثمان وتسعين إلي العدوة الشمالية، ونزل بسيط قلورية من بلاد الافرنج فاثخن فيها، ورجع إلى صقلّية فاساء السيرة في أهلها فثاروا به وحبسوه، وكتبوا إلى المهدي فقبل عذرهم، وولّى عليهم مكانه علي بن عمر البلويّ فوصل خاتم تسع وتسعين.

مقتل أبي عبل الله الشيعي وأخيه

لما استقام سلطان عبيد الله المهدي بإفريقية استبدّ بأمره، وكفح أبا عبد الله الشيعي واخاه أبا العبّاس عن الاستبداد عليه، والتحكم في أمره فعظم ذلك عليهما، وصرّح أبو العبّاس بما في نفسه فنهاه أخوه أبو عبد الله عن ذلك فلم يصر إليه. ثم استماله أبو العباس لمثل رأيه فأجابه، وبلغ ذلك إلى المهدّي فلم يصدقه. ثم نهى أبا عبد الله عن مباشرة الناس، وقال إنه مفسد للهيبة فتلطّف في ردّه ولم يجبه إليه ففسدت النية بينهما، واستفسدوا كتامة وأغروهم به وذكروهم بما اخذه من أموال أيكجان، واستأثر به دونهم وألقوا اليهم ان هذا ليس هو الإمام المعصوم الذي دعونا إليه، حتى بعث إلى المهدي رجل كان في كتامة يعرف بشيخ المشايخ، وقال له :جئنا بآية على أمرك فقد شككنا فيك، فقتله المهدي، ثم عظمت استرابتهم واتفقوا على قتل المهدي، وداخلهم في ذلك أبو زاكي تمام بن معارك، وغيره من قبائل كتامة.

ونمي الخبر إلى المهدي فتلطفّ في أمرهم وولّى من داخلهم من قّواد كتامة على البلاد، فبعث تمام بن معارك على طرابلس، وبعث إلى عاملها ماكنون بقتله، فقتله عند وصوله. ثم اتهم المهدي ابن الغريم بمداخلتهم، وكان من أصحاب زيادة الله فأمر بقتله واستصفاء أمواله، وكان أكثرها لزيادة الله. ثم إنّ المهدي استدعى عروبة بن يوسف، وأخاه حباسة، وأمرهما بقتل الشيعي وأخيه فوقفا لهما عند القصر، وحمل عروبة على أبي عبد الله فقال له: لا تفعل! فقال :الذي أمرتنا بطاعته أمرنا بقتلك! ثم أجهز عليهما في نصف جمادى سنة ثمان وتسعين. ويقال إن المهدي صلىّ على أبي عبد الله وترحم عليه، وعلم أن الذي حمله على ذلك اغراء أبي العبّاس أخيه، وثارت فتنة بسبب قتلهما من أصحابهما فركب المهدي وسكنها. ثم ثارت فتنة أخرى بين كتامة وأهل القيروان، وفشا القتل فيهم فركب المهدي وسكّنها، وكف الدعاة عن طلب التشيع من العامة، وقتل جماعة من بني الأغلب برقادة لما رجعوا إليها بعد زيادة الله.

بقية أخبار المهدي بعد الشيعي

ولما استقام أمر المهدي بعد الشيعي، جعل ولاية عهده لابنه أبي القسم نزار، وولى على برقة وما إليها حباسة بن يوسف. وعلى المغرب أخاه عروبة، وأنزله باغاية فسار إلى تاهرت فاقتحمها، وولّى عليها دواس بن صولات اللهيص. ثم انتقضت عليه كتامة بقتله أبا عبد الله الشيعي، ونصبوا طفلاً لقبوه المهدي، وزعموا أنه نبيّ، وأن أبا عبد الله الشيعي لم يمت فجهز ابنهّ أبا القاسم لحربهم فقاتلهم وهزمهم، وقتل الطفل الذي نصبوه، وأثخن فيهم ورجع 0ثم انتقض أهل طرابلس سنة ثلاثمائة وأخرجوا عاملهم ماكنون فبعث إليهم ابنه أبا القاسم فحاصرها طويلاً، ثم فتحها وأثخن فيهم وأغرمهم ثلاثمائة ألف دينار. ثم أغزى ابنه أبا القاسم وجموعه كتامة سنة إحدى وثلاثمائة إلى الإسكندرية ومصر، وبعث أسطوله في البحر في مائتين من المراكب، وشحنها بالإمداد، وعقد عليها لحباسة بن يوسف، وسارت العساكر فملكوا برقة ثم الإسكندرية والفيوم.

وبعث المقتدر العساكر من بغداد مع سبكتكين ومؤنس الخادم فتواقعوا مّرات، وأجلاهم عن مصر فرجعوا إلى المغرب. ثم عاد حباسة في العساكر في البحر سنة اثنتين إلى الإسكندرية فملكها، وسار يريد مصر فجاء مؤنس الخادم من بغداد لمحاربته فتواقعوا مّرات، وكان الظهور آخراً لمؤنس، وقتل من أصحابه نحو من سبعة آلاف. وانصرف إلى المغرب فقتله المهدي وانتقض لذلك أخوه عروبة بالمغرب، واجتمع إليه خلق كثير من كتامة والبربر. وسرح إليهم المهدي مولاه غالبا في العساكر فهزمهم، وقتل عروبة وبني عمه في أمم لا تحصى. ثم انتقض أهل صقلية وتقبضوا على عاملهم عليّ بن عمرو، وولوا عليهم أحمد بن قهرب فدعا للمقتدار العبّاسي، وذلك سنة أربع وثلاثمائة، وخلع طاعة المهديّ وجهز إليه الأسطول مع الحسن بن أبي خنزير فلقيه أسطول بن قهرب فغلبه، وقتل ابن أبي خنزير. ثم راجع أهل صقلية أمرهم وكاتبوا المهدي وثاروا بابن قهرب فخلعوه، وبعثوا به إلى المهدي فقتله على قبر ابن أبي خنزير، وولّى على صقلية علي بن موسى بن أحمد، وبعث معه عساكركتامة، ثم اعتزم المهدي على بناء مدينة على ساحل البحر يتخّذها معصماً لاهل بيته لما كان يتوقعه على الدولة من الخوارج.

(ويحكى عنه) أنه قال: بنيتها لتعتصم بها الفواطم ساعة من نهار، وأراهم موقف صاحب الحمار بساحتها فخرج بنفسه يرتاد موضعاً لبنّائها، ومربتونس وقرطاجنة حتى وقف على مكانها جزيرة متصلة بالبر كصورة كف اتصلت بزند، فاختطّ المهدية بها، وجعلها دار ملكه، وأدار بها سوراً محكماً، وجعل لها أبواباً من الحديد وزن كل مصراع مائة قنطار، وابتدأ ببنائها آخر سنة ثلاث. ولما ارتفع السور رمى من فوقه بسهم إلى ناحية المغرب، ونظر إلى منتهاه وقال: إلى هذا الموضع يصل صاحب الحمار يعني أبا يزيد. ثم أمر أن يبحث في الجبل لإنشاء السفن تسعمائة سفين، وبحث في أرضها أهراء للطعام ومصانع للماء، وبنى فيها القصور والدور فكملت سنة ست، ولما فرغ منها قال :اليوم أمنت على الفواطم.

ثم جهز إبنه أبا القاسم بالعساكر إلى مصر مرّة ثانية سنة سبع وثلاثمائة فملك الإسكندرية، ثم سار فملك الجيزة والاشمونين وكثيراً من الصعيد. وكتب إلى أهل مكة بطلب الطاعة فلم يجيبوا إليها، وبعث المقتدر مؤنساً الخادم في العساكر وكانت بينه وبين أبي القاسم عدة وقعات ظهر فيها مؤنس، وأصاب عسكر أبي القاسم الجهد من الغلاء والوباء فرجع إلى إفريقية، وكانت مراكبهم قد وصلت من المهدّية إلى الإسكندرية في ثمانين اسطولاً مدداً لأبي القاسم، وعليها سليمان الخادم ويعقوب الكتامي، وكانا شجاعين، وسار الأسطول من طرسوس للقائهم في خمسة وعشرين مركباً والتقوا على رشيد وظفرت مراكب طرسوس، واحرقوا وأسروا سليمان ويعقوب فمات سليمان في حبس مصر، وهرب يعقوب من حبس بغداد إلى إفريقية.

ثم اغزى المهدي سنة ثمان مضالة بن حبوس في رجالات مكناسة إلى بلاد المغرب، فأوقع بملك فاس من الأدارسة، وهو يحيى بن إدريس بن إدريس بن عمرو، واستنزله عن سلطانه إلى طاعة المهدي فأعطى بها صفقته، وعقد لموسى بن أبي العافية المكناسى من رجالات قومه على أعمال المغرب ورجع. ثم عاود غزو المغرب سنة تسع فدوخّه ومهد جوانبه، وأغراه قريبه عامل المغرب موسى بن أبي العافية بيحيى بن إدريس صاحب فاس، فتقبّض عليه، وضم فاس إلى أعمال موسى، ومحا دعوة الإدريسيّة من المغرب، وأجهضهم عن أعماله فتحيزوا إلى بلاد الريف وغمارة واستجدّوا بها ولاية كما نذكره في أخبار غمارة. ومنهم كان بنو حمود العلويون المستولون على قرطبة عند انقراض ملك الأمويين في سنة ثلاث وأربعمائة، كما نذكر هنالك ثم صمد مضالة إلى بلاد سجلماسة فقتل أميرها من آل مدرار المكناسيين المنحرف عن طاعة الشيعة، وعقد لابنّ عمه كما نذكر في أخبارهم. وسار في أتباعه زناتة في نواحي المغرب فكانت بينه وبينهم حروب، هلك مضالة في بعضها على يد محمد بن خرز. واضطرب المغرب فبعث المهدي ابنه أبا القاسم غازيا إلى المغرب في عساكره كتامة وأولياء الشيعة سنة خمس عشرة وثلاثمائة ففرّ محمد بن خزر، وأصحابه إلى الرمال.

وفتح أبو القاسم بلد مزاتة ومطماطة وهوّارة وسائر الإباضيّة والصفريّة ونواحي تاهرت قاعدة المغرب الأوسط إلى ما وراءها ثم عاج إلى الريف فافتتح بلد لكور من ساحل المغرب الأوسط. ونازل صاحب جراوة من آل إدريس وهو الحسن بن أبي العيش، وضيّق عليه ودوخ أقطار المغرب، ورجع ولم يلق كيداً. ومر بمكان بلد المسيلة وبها بنو كملان من هوّارة، وكان يتوقع منهم الفتنة فنقلهم إلى فجّ القيروان، وقضى الله أن يكونوا أولياء لصاحب الحمار عند خروجه. ولما نقلهم أمر ببناء المسيلة في بلدهم وسمّاها المحمّديّة، ودفع علي بن حمدون الاندلسي من صنائع دولتهم إلى بنائها، وعقد له عليها وعلى الزاب بعد اختطاطها فبناها وحصّنها وشحنها بالأقوات ،فكانت مددا للمنصور في حصار صاحب الحمار كما يذكر.

ثم انتقض موسى بن أبي العافية عامل فاس والمغرب، وخلع طاعة الشيعة، وانحرف إلى الأمويّة من وراء البحر، وبثّ دعوتهم في أقطار المغرب فنهض إليه أحمد ابن بصلين المكناسيّ قائد المهدي، وسار في العساكر فلقيه ميسور وهزمه، وأوقع به وبقومه بمكناسة، وأزعجه عن الغرب إلى الصحارى وأطراف البلاد، ودوّخ المغرب، وثقف أطرافه ورجع ظافراً.

وفاة عبيد الله المهدي وولاية ابنه أبي القاسم

ثم توفي عبيد الله في ربيع سنة اثنتين وعشرين، لاربع وعشرين سنة من خلافته، وولّي ابنه أبو القاسم محمد، ويقال نزار بعده، ولقب القائم بأمر الله فعظم حزنه على أبيه حتى يقال أنه لم يركب سائر أيامه إلاًمرتين، وكثر عليه الثوّار. وثار بجهات طرابلس ابن طالوت القرشي، وزعم أنه ابن المهدي، وحاصر طرابلس. ثم ظهر للبربر كذبه فقتلوه. ثم أغزى المغرب وملكه، وولّى على فاس أحمد بن بكر بن أبي سهل الجذابي، وحاصرا الأدارسة ملوك الريف وغوارة فنهض ميسور الخصيّ من القيروان في العساكر، ودخل المغرب، وحاصر فاس، واستنزل عاملها أحمد بن بكر. ثم نهض في اتباع موسى فكانت بينهما حروب، وأخذ الثوري بن موسى في بعضها أسيراً، وأجلاه ميسور عن المغرب، وظاهره عليه الأدارسة الذين بالريف، وانقلب ميسورا إلى القيروان سنة أربع وعشرين، وعقد للقاسم بن محمد كبير أدارسة الريف من ولد محمد بن إدريس على أعمال بن أبي العافية، وما يفتحه من البلاد فملك المغرب كلها ما عدا فاس، واقام دعوة الشيعة بسائر أعماله. ثم جهّز أبو القاسم اسطولًا ضخماً لغزو ساحل الإفرنجة، وعقد عليه ليقرب بن إسحاق فأثخن في بلاد الإفرنجة، وسبى ونازل بلد جنوة وافتتحها، وعظم صنع الله في شأنها، ومروا بسردانية من جزر الفرنج فأثخنوا فيها. ثم مروا بقرقيسا من سواحل الشام فاحرقوا مراكبها. ثم بعث عسكراً إلى مصر مع خادمه زيران فملكوا الإسكندرية، وجاءت عساكر الأخشيد من مصر فأزعجوهم عنها ورجعوا إلى المغرب. أخبار أبي يزيد الخارجي:

وهو أبو يزيد مخلد بن كيراد، وكان أبوه كيراد من أهل قسطيلة من مدائن بلد توزر، وكان يختلف إلى بلاد السودان بالتجارة وبها ولد ولده أبو يزيد ونشأ بتوزر. وتعلم القرآن وخالط النكاريّة من الخوارج، وهم الصفريّة فمال إلى مذهبهم، واخذ به ثم سافر إلى تاهرت، وأقام بها يعلّم الصبيان. ولما صار الشيعي إلى سجلماسة في طلب المهدي انتقل هو إلى تقيوس، واقام يعلم. فيها. وكان يذهب إلى تكبير أهل ملّته، واستباحة الاموال والدماء والخروج على السلطان. ثم اخذ نفسة بالحسبة على الناس، وتغيير المنكر بسنة ست عشرة وثلاثمائة فكثر أتباعه. ولمّا مات المهدي خرج بناحية جبل أوراس، وركب الحمار، وتلقّب بشيخ المؤمنين، ودعا للناصر صاحب الأندلس من بني أمّية فاتبعه أمم من البربر. وزحف إليه عامل باغاية فلقيه في جموع البربر وهزمه، وزحف إلى باغاية فحاصرها ثم انهزم عنها، وكتب إلى بني واسى من قبائل زناتة بضواحي قسنطينة يأمرهم بحصارها فحاصروها سنة ثلاث وثلاثين. ثم فتح تبسة صلحاً، ومجانة كذلك، وأهدى له رجل من أهل مرماجنة حمارا اشهبّ فكان يركبه وبه لقب. وكان يلبس جبة صوف قصيرة ضيّقة الكميّن. وكان عسكر الكتاميين على الأريس فانفضوا، وملكها أبو يزيد واحرقها ونهبها، وتتل في الجامع من لجأ إليه، وبعث عسكراً إلى سبيبة ففتحها وقتل عاملها. وبلغ الخبر إلى القاسم فقال لا بدّ أن يبلغ المصلى من المهدية. ثم جهز العساكر وبعثها إلى رقادة والقيروان، وبعث خادمه ميسوراً الخصيّ لحربه0 وبعث عسكرا مع خادمه بشرى إلى باجة فنهض إليه أبو يزيد وهزمه إلى تونس، ودخل أبو يزيد باجة فنهبها وأحرقها، وقتل الأطفال وسبى النساء، واجتمع إليه قبائل البربر، واتخذ الأبنية والبيوت وآلات الحرب، وبعث إليه بشرى عسكراً من تونس. وبعث أبو يزيد للقائهم عسكراً آخر فانهزم أصحاب أبي يزيد وظفر أصحاب بشرى. ثم ثار أهل تونس ببشرى فهرب فاستأمنوا لأبي يزيد فأمنّهم وولّى عليهم، وسار إلى القيروان، وبعث القائم خديمه بشرى للقائه0 وأمره أن يبعث من يتجسس عن أخباره فبعث طائفة، وبعث أبو يزيد طائفة أخرى فانهزم عسكر أبي يزيد، وقتل منهم أربعة آلاف، وجيء بأسراهم إلى المهديّة فقتلوا فسار أبو يزيد إلى قتال الكتاميّين فهزم طلائعهم، واتبعهم إلى القيروان، ونزل على رقادة في مائتي ألف مقاتل، وعاملها يومئذ خليل بن إسحاق، وهو ينتظر وصول ميسور بالعساكر، ثم ضايقه أبو يزيد وأغراه الناس بالخروج فخرج، وهزمه أبو يزيد فمضى إلى القيروان. ودخل أبو يزيد رقادة فعاث فيها وبعث أيوب الزويلي في عسكر إلى القيروان فملكها في صفر سنة ثلاث وثلاثين، ونهبها وأمن خليلاً فقتله أبو يزيد، وخرج إليه شيوخ أهل القيروان فأمنهم ورفع النهب عنهم وزحف ميسور إلى أبي يزيد، وكان معه أبو كملان فكاتبوا أبا يزيد، وداخلوه في الغدر بميسور، وكتب إليه القائم بذلك فحذّرهم فطردهم عنه. ولحقوا بأبي يزيد، وسار معه إلى ميسور فانهزم ميسور، وقتله بنو كملان وجاؤوا برأسه فاطافه بالقيروان، وبعث بالبشرى إلى البلاد.

وبلغت هزيمة ميسور إلى القائم بالمهدية فاستعد للحصار، وأمر بحفر الخنادق، وأقام أبو يزيد سبعين عاماً في مخيم ميسور، وبث السرايا في كل ناحية يغنمون ويعودون، وارسل سرية إلى سوسة ففتحوها عنوة واستباحوها، وخّرب عمران افريقية من سائر الضواحي، ولحق فلهم بالقيروان حفاة عراة. ومات أكثرهم جوعاً وعطشاً. ثم بعث القائم إلى رؤساء كتامة والقبائل، وإلى زيري بن مناد ملك صنهاجة بالمسير إلى المهدية فتأهّبوا لذلك، وسمع أبو يزيد بخبرهم فنزل على خمسة فراسخ من المهدية، وبثّ السرايا في جهاتها، وسمع كتامة بافتراق عسكره في الغارة فخرجوا لبياته آخر جمادى الاول. وكان ابنه فضل قد جاء بالمدد من القيروان فبعثه للقاء كتامة، وركب في أثرهم، ولقي أصحابه منهزمين. ولما رآه الكتاميون انهزموا بغير قتال

وأتبعهم أبو يزيد إلى باب المهدية ورجع. ثم جاء أيام لقتالهم فوقف على الخندق المحدث، وعليه جماعة من العبيد فقاتلهم ساعة، وهزمهم وجاوز السور إلى البحر، ووصل المصلى على رمية سهم من البلد، والبربر يقاتلون من الجانب الاخر. ثم حمل الكتاميون عليهم فهزموهم، وبلغ ذلك أبا يزيد، وسمع بوصول زيري بن مناد فاعتزم ان يمر بباب المهدية، ويأتي زيري وكتامة من ورائهم فقاتلوا أهل الأرباض، ومالوا عليه لما عرفوه ليقتلوه، وتخلّص بعد الجهد، ووصل إلى منزله فوجدهم يقاتلون العبيد كما تركهم فقوي أصحابه وانهزم العبيد. ثم رحل وتأخّر قليلا وحفر على معسكره خندقاً، واجتمع عليه خلق عظيم من البربر ونفوسة والزاب واقاصي المغرب، وضيق على أهل المرية، ثم زحف إليها آخرّ جمادى فقاتلها وتورط في قتالها يومه ذلك. ثم خلص، وكتب إلي عامل القيروان أن يبعث إليه مقاتلتها فجاؤوا، وزحف بهم آخر رجب فانهزم، وقتل من أصحابه. ثم زحف الزحف الرابع آخر شوال ولم يظفرّ، ورجع إلى معسكره، واشتد الحصار على أهل المهدية حتى أكلوا الميتات والدواب وافترق اهلها في النواحي، ولم يبق بها إلا الجند. وفتح القائم أهراء الزرع التي أعدهّا المهدي وفرقها فيهم. ثم اجتمعت كتامة وعسكروا بقسنطينة فبعث إليهم أبو يزيد بعثاً من ورجومة وغيرهم فهزموا كتامة ووافت أبا يزيد حشود البربر من كل ناحية واحاط بسوسة وضيّق عليها. ثم انتقض البربر عليه بما كان منه من المجاهرة بالمحرّمات والمنافسة بينهم فانفضوا عنه، ورجع إلى القيروان سنة أربع وثلاثين. وغنم أهل المهديّة معسكره، وكثر عبث البربر في امصار إفريقية وضواحيها، وثار أهل القيروان بهم، وراجعوا طاعة القائم. وجاء علي بن حمدون من المسيلة بالعساكر فبيته أيوب بن أبي يزيد وهزمه، وسار إلى نونس وجاءت عساكر القائم فواقعوه مرّات، وانهزم إلى القيروان في ربيع سنة أربع وثلاثين. فبعث ايوب ثانية لقتال عليّ بن حمدون ببلطة. وكانت حروبه معه سجالاً إلى ان اقتحم عليه البلد بمداخلة بعض أهلها. ولحق ابن حمدون ببلاد كتامة، واجتمعت قبائل كتامة ونفزة ومزاتة وعسكروا بقسطنطينة. وبعث ابن حمدون العساكر إلى هوارة فأوقعوا بهم، وجاءهم مدد أبي يزيد فلم يغن عنهم. وملك ابن حمدون مدينة يتجست وباغاية. ثم زحف أبو يزيد إلى سوسة في جمادى الاخر من سنته وبها عسكر القائم، وتوفي القائم وهو بمكانه من حصارها.

وفاة القائم وولاية ابنه المنصور

ثم توفي القائم أبو القاسم محمد بن عبيد الله المهدي صاحب أفريقية، بعد أن عهد إلى ولده إسمعيل بعده، وتلقّب بالمنصور، وكتم موت أبيه حذراً أن يطلع عليه أبو يزيد وهو بمكانه من حصار سوسة، فلم يسمّ بالخليفة، ولا غّير السكة ولا الخطبة ولا البنود إلى أن فرغ من أمر أبي يزيد كما يذكر.

بقية أخبار أبي يزيد ومقتله

ولمّا مات القائم كان أبو يزيد محاصراً لسوسة كما تقدّم، وقد جهد أهلها الحصار، فلمّا وليّ إسمعيل المنصور، وكان أول عمله أن بعث الأساطيل من المهديّة إلى سوسة مشحونة بالمدد من المقاتلة والأمتعة والميرة مع رشيق الكاتب، ويعقوب بن إسحق، وخرج بنفسه في أثرهم وأشار أصحابه بالرجوع فرجع ووصل الاسطول إلى سوسة، وخرجوا لقتال أبي يزيد، وعساكر سوسة معهم فانهزم أبو يزيد، واستُبيح معسكره نهبا وإحراقاً، ولحق بالقيروان فمنعه أهلها من الدخول، وثاروا بعامله فخرج إليه، ورحل إلى سبيبة وذلك أواخر شّوال سنة أربع. وجاء المنصور إلى القيروان وأمّن أهلها، وأبقى على حرم أبي يزيد وأولاده، وأجرى عليهم الرزق، وخرجت سرية من عسكر المنصور لاستكشاف خبر أبي يزيد. وجاءت أخرى من عسكر أبي يزيد لمثل ذلك، فالتقوا وانهزمت سرية المنصور، فقوي أبو يزيد بذلك، وكثر جمعه، وعاد فقاتل القيروان وخندق المنصور على عساكره، وقاتلهم أبو يزيد فكان الظفر أول يوم للمنصور ثم قاتلهم ثانياً فانهزموا وثبت المنصور وراجع أصحابه من طريق المهديّة وسوسة.ولما رأى أبو يزيد امتناعهم عليه رحل آواخر ذي القعدة، ثم رجع فقاتلهم، وكانت الحرب سجالا، وبعث السرايا إلى طريق المهديّة وسوسة نكاية فيهم، وبعث إلى المنصور في حرمه وأولاده فبعثهم إليه بعد أن وصلهم. وقد كان أقسم على الرحيل فلّما وصلوا إليه نكث وقاتلهم خامس المحّرم سنة خمس وثلاثين، فهزمهم. ثم عبّى المنصور عساكره منتصف المحّرم، وجعل البرابر في الميمنة وكتامة في الميسرة، وهو وأصحابه في القلب. وحمل أبو يزيد على الميمنة فهزمها، ثم على القلب فلقيه المنصور واشتدّ القتال. ثم حملوا عليه حملة رجل واحد فانهزم وأسلم أثقاله وعسكره، وقتل خلق من أصحابه وبلغت رؤوس القتلى الذي في أيدي صبيان القيروان عشرة آلاف، ومضى أبو يزيد لوجهه، ومّر بباغاية فمنعه أهلها من الدخول فأقام يحاصرها، ورحل المنصور في ربيع الأول لاتباعه، واستخلف على المهديّة مراما الصقليّ وأدركه على باغاية فأجفل المنصور في إتباعه. وكّلما قصد حصناً سبقه المنصور إليه إلى أن نزل المنصور طبنة فجاءته رسل محمد بن خزر أمير مغراوة، من أصحاب أبي يزيد،ومواطئه بالغرب الأوسط فاستأمن للمنصور فأمنه، وأمره بطلب أبى يزيد. ووصل أبو يزيد إلى بني برَْزال وكانوا نكاريّة، وبلغه خبر المنصور في اتباعه فسلك الرملة. ثم عاد نواحي غمرت فصادف المنصور وقاتله فانهزم أبو زيد إلى جبل سالات، والمنصور في أثره في جبال وأوعار ومضايق تفضي إلى القفر، وأصابهم الجهد وعلم أنه ليس أمامه إلاّالمفازة إلى بلاد السودان فرجع إلى غمرت من بلاد صنهاجة. ووفد عليه هنالك زيري بن مناد أمير صنهاجة فأكرمه ووصله كما يجب له. وجاء كتاب محمد بن خزر بالمكان الذي فيه أبو يزيد من المفازة، وأقام المنصور هنالك لمرض أصابه فرجع أبو يزيد إلى المسيلة وحاصرها. فلما عوفي المنصور رحل أوّل رجب سنة خمس وثلاثين وقصده فأفرج عن المسيلة، وقصد المفازة يريد بلاد السودان فأبى عليه بنو كملان أصحابه فرجعوا إلى جبال كتامة وعجيسة فتحصّنوا بها. وجاء المنصور ننزل بساحتهم عاشر شعبان، ونزل أبو يزيد فقاتلهم فانهزم وأسلم عسكره وأولاده، وطعنه بعض الفرسان فأكبّه وحامى عنه أصحابه فقتل في الحومة ما يزيد على عشرة آلاف، وتخلص. ثم سار المنصور في آثره أوّل رمضان، ولم يقدر أحد من الفريقين على الهزيمة لضيق المكان وصعوبته. ثم انهزم أبو يزيد لما ضرسه الحرب، وترك أثقاله وساروا إلى رؤوس الجبال يرمون بالصخر، وتزاحفوا حتى تعانقوا بالأيدي، وكثر القتل. ثم تحاجزوا وتحصّن أبو يزيد بقلعة كتامة، واستأمن الذين معه من هوارة فأمنهم المنصور، وحصر أبا يزيد في القلعة وقاتلها غير مرة حتى افتتحها عنوة وأضرمها ناراً، وقتل أصحاب أبي يزيد في كل ناحية، وجمع أهله وأولاده في القصر، وأظلم الليل فأمرالمنصور بإشعال النيران في الشعراء المحيطة بالقصر، حتى أضاء الليل لتكون أحواله بمرأى منهم حذراً من فراره، حتى خرج الليل وحمل في أصحاب المنصور حملة منكرة فأفرجوا له، وأمر المنصور بطلبه فألفوه، وقد حمله ثلاثة من أصحابه لأنه كان جريحاً فسقط من الوعر وارتث فحملوه إلى المنصور فسجد سجدة الشكر، وأقام عنده إلى سلخ المحرم من سنة ست وثلاثين. ثم هلك من الجراحة التي به فأمر بسلخ جلده، وحشوه تبناً، واتخذ له قفصاً فأدخل فيه مع قردين يلاعبانه بعثاله. ورحل إلى القيروان والمهديّة، ولحق ابنه فضل بمعبد بن خزر، وزحف به إلى طبنة وبسكرة. وقصد المنصور فانهزم معبد، وصعد إلى كتامة فبعث إليه العساكر مع مولييه شفيع وقيصر، ومعهما زيري بن مناد في صنهاجة، فانهزم فضل ومعبد، وافترق جمعهم، ورجع المنصور إلى القيروان فدخلها.

بقية أخبار المنصور

ثم انتقض حميد بن يضلبتن عامل المغرب وانحرف عن طاعة الشيعة، ودعا للأموية من وراء البحر، وزحف إلى تاهرت فحاصرها فنهض إليه المنصور في صفر سنة ست وثلاثين، وجاء إلى سوق حمزة فأقام به. وحشد زيري بن مناد جموع صنهاجة من كل ناحية، ورحل مع المنصور فأخرج حميد عن تاهرت، وعقد عليها ليعلى بن محمد اليفرني، وعقد لزيري بن مناد على قومه وعلى سائر بلادهم. ثم رحل لقتال لواتة فهربوا إلى الرمال، وأقام هو على واد ميناس، وكان هنالك ثلاثة جبال، كل منهم عليه قصر مبني بالحجر المنحوت، فوجد في وجه أحد هذه القصور كتابة على حجر فسيح فأمر المنصور التراجمة بقراءته، وإذا فيه أنا سليمان السردغوس، خالف أهل هذا البلد على الملك، فبعثني إليهم ففتح الله عليهم وبنيت هذا البناء لأذكر به. ذكر هذه الغريبة ابن الرقيق في تاريخه.ثم رحل المنصور إلى القيروان بعد أن خلع على زيري بن مناد وحمله، ودخل المنصورية في جمادى سنة ست وثلاثين فبلغه أن فضل بن ابي يزيد جاء إلى جبل أوراس، وداخل البربر في الثورة فخرج إليه المنصور فدخل الرمل، ورجع المنصور إلى القيروان ثم إلى المهدية، ورجع فضل بن أبي يزيد إلى باغاية. وأقام يحاصرها فغدر به باطيط، وبعث برأسه إلى المنصور. ثم عقد سنة تسع وثلاثين للحسين بن عليّ بن أبي الحسين الكلبيّ على صقليّة وأعمالها، وكانت لخليل بن إسحق فصرفه الحسين واستقلّ بولايتها، فكان له فيها ولبنيه ملك سنذكره. وبلغ المنصور أنّ ملك إفرنجة يريد غزو المسلمين فأخرج أسطوله، وشحنه بالعساكر لنظر مولاه فرج الصقليّ، وأمر الحسين بن عليّ عامل صقلية بالخروج معه فأجازوا البحر إلى غُدْوَة الإفرنجة، ونزلوا قلورية ولقيهم رجاء ملك الفرنجة فهزموه. وكان فتحا لا كفاء له، وذلك سنة أربعين وثلاثمائة، ورجع فرج بالغنائم إلى المهديّة سنة إثنين وأربعين، وكان معبد بن خزر بعد مظاهرته لفضل بن أي يزيد لم يزل منتقضاً وأولياء المنصور في طلبه حتى أخذ في بعض الوقائع، وسيق مع ابنه إلى المنصور فطيف بهما في أسواق المنصوريّة، ثم قتلا سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة.

وفاة المنصور وولاية ابنه المعز

ثم توفى المنصور إسمعيل بن القاسم سلخ رمضان سنة إحدى وأربعين لسبع سنين من خلافته، أصابه الجهد من مطر وثلج تجلّد على ملاقاته، ودخل على أثره الحمّام فعيت حرارته، ولازمه السهر فمات. وكان طبيبه إسحق بن سليمان الإسرائيلي قد نهاه عن الحمّام فلم يقبل. وولى الأمر بعده ابنه معدّ ، ولقب المعز لدين الله فاستقام أمره، وخرج لجبل أوراس سنة إثنتين وأربعين، وجالت فيه عساكره واستأمن إليه بنو كملان ومليلة من هوارة، ودخلوا في طاعته فأمنهم وأحسن إليهم. واستأمن إليه محمد بن خزر بعد مقتل أخيه معبد فأمنّه، ورجع إلى القيروان وترك مولاه قيصر في العساكر، وعقد له على باغاية فدّوخ البلاد وأحسن إلى الناس، وألف من كان شارداً من البربر، ورجع بهم إلى القيروان فأكرمهم المعز ووصلهم. ثم وفد بعدهم محمد بن خزر أمير مغراوة فلقّاه مبّرة وتكريماً. وأقام عنده بالقيروان إلى أن هلك سنة ثمان وأربعين. واستقدم المعزّ زيري بن مناد سنة ثلاث وأربعين أمير صنهاجة، فقدم من أشير فأجزل صلته، وردّه إلى عمله. وبعث إلى الحسين بن علي عامل صقلية سنة أربع وأربعين أن يخرجه بأسطوله إلى ساحل المرية من بلاد الأندلس، فعاث فيه، وغنم وسبى، ورجع فأخرج الناصر صاحب الأندلس أسطوله إلى سواحل إفريقية، مع غالب مولاه فمنعتهم العساكر، وأقلعوا. ثم عاودوا سنة خمس وأربعين في سبعين مركباً فأحرقوا مرسى الخزر، وعاثوا في جهات سوسة، ثم في نواحي طبرنة ورجعوا. واستقام أمر المعز في بلاد أفريقية والمغرب، واتسعت إيالته وكانت أعماله من ايفكان خلف تاهرت بثلاثة مراحل، إلى زناتة التي دون مصر، وعلى تاهرت وإيفكان يعلى بن محمد اليفرني، وعلى أشير وأعمالها زيرى بن مناد الصنهاجي، وعلى المسيلة وأعمالها جعفر بن علي الأندلسي، وعلى باغية وأعمالها قيصر الصقلي. وكان على فاس أحمد بن بكر بن أبي سهل الجذامي، وعلى سجلماسة محمد بن واسول المكناسي. ثم بلغه سنة سبع وأربعين أن يعلى بن محمد اليفرني داخل الأموية من وراء البحر، وأنّ أهل المغرب الأقصى نقضوا طاعة الشيعة فأغزى جوهر الصقلّيّ الكاتب إلى المغرب بالعساكر، وكان على وزارته، وخرج معه جعفر بن عليّ صاحب المسيلة، وزيري بن مناد صاحب أشير، وتلقّاهم يعلى بن محمد صاحب المغرب الأوسط .ولما ارتحل عن ايفكان وقعت هيعة في أصحاب صيلة، وقيل له إن بني يعرب أوقعوها فتقبض على يعلى، وناشته سيوف كتامة لحينه، وخرب ايفكان وأسر ابنه يدو بن يعلى، وتمادوا إلى فاس، ثم تجاوزوها إلى سجلماسة فأخذها، وتقّبض على الشاكر لله محمد بن الفتح الذي تلقّب بأمير المؤمنين من بني واسول، وولّى ابن المعتز من بني عمه مكانه ودوّخ المغرب إلى البحر. ثم رجع إلى فاس وحاصرها وواليها يومئذ أحمد بن بكر بن أبي سهل الجذامي، وقاتلها مدّة فامتنعت عليه، وجاءته هدايا الأمراء الأدكرنية من السوس. ثم رحل إلى سجلماسة، وبها محمد بن واسول من مكناسة، وقد تلقّب بأمير المؤمنين الشاكر لله، وضرب السكة بإسمه، تقدّست عزة الله، فلما سمع بجوهر هرب، ثم أخذ أسيراً وجيء به إلى جوهر، وسار عن سجلماسة، وافتتح البلاد في طريقه. ثم عاد إلى فاس، وأقام في حصارها إلى أن افتتحها عنوة على يد زيري بن مناد تسنمّ أسوارها ليلاً، ودخلها وتقبّض على أحمد بن بكر، وذلك سنة ثمان وأربعين، وولّى عليها من قبله وطرد عمّال بني أمية من سائر المغرب. وانقلب إلى القيروان ظافراً عزيزاً، وضم تاهرت إلى زيري بن مناد. وقدم بالفاطميين، وبأحمد بن بكر وبمحمد بن واسال أسيرين في قفصين، ودخل بهما إلى المنصورية في يوم مشهود. وكانت ولاية المغرب والمشرق منقسمة بين مولييه قيصر ومُظفرَّ، وكانا متغلبين على دولته فقبض عليهما سنة تسع وأربعين وقتلهما. وفي سنة خمسين كان تغلّب النصارى على جزيرة إقريطش، وكان بها أهل الأندلس من جالية الحكم بن هشام بسبب ثورة الرفض، ففر بهم إلى الاسكندريّة فثاروا بها، وعبد الله بن طاهر يومئذ عامل مصر فحاصرهم بالأسكنـدريـة، حتى نزلوا على الأمان، وأن يجيزوا البحر إلى جزيرة إقريطش فعمروها ونزلوها منذ تلك الأيام، وأميرها أبو حفص البلّوطي منهم، واستبدّ بها وورث بنوه رياسة فيها إلى أن نازلهم النصارى في هذه السنة في سبعمائة مركب، واقتحموها عليهم عنوة، وقتلوا منهم وأسروا، وبقيت في أيدي النصارى لهذا العهد، والله غالب على أمره. وافتتح صاحب صقلية سنة إحدى وخمسين قلعة طرمين، من حصون صقلّية، بعد حصار طويل أجهدهم فنزلوا على حكم صاحب صقلية بعد تسعة أشهر ونصف للحصار، وأسكن المسلمين بالقلعة وسمّاها المُعزيَّة نسبة إلى المُعزّ صاحب إفريقية. ثم سار صاحب صقلية بعدها، وهو أحمد بن الحسن بن علي بن أبي الحسن إلى حصار رمطة من قلاع صقلية فاستمدوا ملكهم صاحب القسطنطينيّة فجهز لهم العساكر برا وبحرا، واستمد صاحب صقلية المعزّ فأمده بالعساكر مع إبنه الحسن ووصل مدده إلى مدينة ميسنى، وساروا بجموعهم إلى رمطة، وكان على حصارها الحسن بن عمار فحمل عسكرا على رمطة وزحف إلى عسكر الروم مستميتا فقاتلهم فقتل أمير الروم وجماعة من البطارقة، وهزموا أقبح هزيمة، واعترضهم خندق فسقطوا فيه، وأثخن المسلمون فيهم وغنموا عساكرهم. واشتدّ الحصار على أهل رمطة، وعدموا الأقوات فاقتحمها المسلمون عنوة، وركب فلّ الروم البحر يطلبون النجاة فأتبعهم الأمير احمد بن الحسن في أسطوله فأدركهم، وسبح بعض المسلمين في الماء فخرّق مراكبهم وانهزموا، وبث أحمد سرايا المسلمين في مدائن الروم فغنموا منها وعاثوا فيها حتى صالحوهم على الجزية، وكانت هذه الواقعة سنة أربع وخمسين وتسمّى وقعة المجاز.


فتح مصر

ثم إنّ المعز لدين الله بلغه اضطراب أحوال مصر بعد موت كافور الأخشيدي، وعظم فيها الغلاء، وكثرت الفتن وشغل بغداد عنهم بما كان من الفتن بين بختيار بن مُعزّ الدولة، وعُضدُ الدولة ابن عمه، فاعتزم المُعزّ على المسير إلى مصر، وأخرج جوهراً الكاتب إلى المغرب لحشد كتامة، وأوعز إلى عمّال برقة لحفر الآبار في طريقها، وذلك سنة خمس وخمسين فسيّره إلى مصر، وخرج لتوديعه وأقام أياماً في معسكره، وسار جوهر وبلغ خبره إلى عساكر الأخشيدية بمصر فافترقوا، وكان ما يذكر في أخبارهم، وقدم جوهر منتصف شعبان من سنة تمان وخمسين فدخلها، وخطب في الجامع العتيق منه باسم المُعزّ، وأقيمت الدعوة العلويّة. وفي جمادى من سنة تسع وخمسين دخل جوهر جامع ابن طولون فصلّى فيه، وأمر بزيادة حيّ على خير العمل في الآذان، فكان أوّل أذان أذّن به في مصر. ثم بعث إلى المعزّ بالهدايا وبأعيان دولة الأخشيدية فحبسهم المعز بالمهديّة، وأحسن إلى القضاة والعلماء من وفدهم، وردّهم إلى مصر، وشرع جوهر في بناء القاهرة واستحث المعزّ للقدوم على مصر.

فتح دمشق

ولما فتحت مِصْرَ، وأُخِذَ بنو طفج ،هرب منهم الحسن بن عبد الله بن طفج إلى مكّة، ومعه جماعة من قوّادهم، فلّما استشعر جوهر به بعث جعفر بن فلاح الكتامي في العساكر إليه فقاتله مراراً، ثم أسره ومن كان معه من القوّاد، وبعث بهم إلى جوهر فبعث بهم جوهر إلى المُعِزّ بأفريقية. ودخل جعفر الرملة عنوة فاستباحها، ثم أمّن من بقي وجبى الخراج وسار إلى طبرية، وبها ابن مُلْهَم وقد أقام الدعوة للمعز فتجافى عنه، وسار إلى دمشق فافتتحها عنوة وأقام بها الخطبة للمعز لأيام من المحّرم سنة تسع وخمسين، وكان بدمشق الشريف أبو القاسم بن يعلى الهاشميّ، وكان مطاعاً فيهم فجمع الأوباش والذعّار وثار بهم في الجمعة الثانية، ولبس السواد، وأعاد الخطبة للمطيع فقاتلهم جعفر بن فلاح أياماً وأولى عليهم الهزائم. وعاثت جيوش المغاربة في أهل دمشق فهرب ابن أبي يعلى ليلا من البلد، وأصبحوا حيارى، وكانوا قد بعثوا الشريف الجعفري إلى جعفر في الصلح فأعاده إليهم بتسكين الناس والوعد الجميل، وأن يدخل البلد، فيطوف فيه، ويرجع إلى معسكره فدخل، وعاث المغاربة في البلد بالنهب فثار الناس بهم وحملوا عليهم، وقتلوا منهم، وشرعوا في حفر الخنادق وتحصين البلد. ومشى الشريف أبو القاسم في الصلح بينهم وبين جعفر بن فلاح، فتم ذلك منتصف ذي الحجة من سنة تسع وخمسين، ودخل صاحب شرطة جعفر فسَكَنَ الناس وقَبَضَ علي جماعة من الأحداث، وقتل منهم وحبس. ثم قبض على الشريف أبي القاسم بن أبي يعلى في المحرّم من سنة ستين، وبعث به إلى مصر، واستقام ملك دمشق لجعفر بن فلاح، وكان خرج بأفريقية في سنة ثمان وخمسين أبوجعفر الزناتي واجتمعت إليه جموع من البربر والنكاريَّة، وخرج إليه المُعزِّ بنفسه، وانتهى إلى باغاية، وافترقت جموع أبي خزر، وسلك الأوعار فعاد المعزّ وأمر بلكين بن زيري بالمسير في طلبه فسار لذلك حتى انقطع عنه خبره، ثم جاء أبو جعفر مستأمناً سنة تسع وخمسين فقبله، وأجرى عليه الرزق، وعلى أثر ذلك وصلت كتب جوهر بإقامة دعوته بمصر والشام، وباستدعائه إليها فاشتدّ سرور المعز بذلك، وأظهره في الناس، ونطق الشعراء بامتداحه. ثم زحف القرامطة إلى دمشق وعليهم ملكهم الأعصم. ولقيهم جعفر بن فلاح فظفر بهم وقتلهم. ثم رجعوا إليه سنة إحدى وستين وبرز إليهم جعفر فهزموه وقتلوه، وملك الأعصم دمشق، وسار إلى مصر، وكاتب جوهر بذلك للمُعزّ فاعتزم على الرحلة إليها.

مسير المعز إلى مصر ونزوله بالقاهرة

ولما انتهت هذه الأخبار إلى المعزّ اعتزم على المسير إلى مصر، وبدأ بالنظر في تمهيد المغرب وقطع شواغله، وكان محمد بن الحسن بن خزر المغراوي مخالفا عليه بالمغرب الأوسط، وقد كثرت جموعه من زناتة والبربر، وكان جّباراً طاغياً فأَهَمّ المُعزّ أمره، وخشي على أفريقية عائلته، فأمر بلكين بن زيري بن مناد بغزوه، فغزاه في بلاده، وكانت بينهما حروب عظيمة. ثم انهزم محمد بن خزر وجموعه، ولما أحسّ بالهزيمة تحامل على سيفه فقتل نفسه، وقتل في المعركة سبعة عشر من أمراء زناتة، وأُسِرَ منهم كثيرٌ وذلك سنة ستين. وسَرَّ المَعز ذلك، وقعد للهناء به. واستقدم بلكين بن زيري فاستخلفه على أفريقية والمغرب، وأنزله القيروان وسمّاه يوسف، وكنّاه أبا الفتوح، وولّى على طرابلس عبد الله بن يخلف الكتامي، ولم يجعل لبلكين ولاية عليه، ولا على صاحب صقليّة. وجعل على جباية الأموال زيادة الله بن الغريم، وعلى الخراج عبد الجبّار الخراسانيّ، وحسين بن خلف المرصدي بنظر بلكين، وعسكر ظاهر المنصوريّة آخر شوّال من سنة إحدى وستين، وأقام على سردانية قريباً من القيروان حتى فرغ من أعماله، ولحقته عسكره، وأهل بيته وعمّاله وحمل له ما كان في قصره من الأموال والأمتعة. وارتحل بعد أربعة أشهر من مقامه، وسار معه بلكين قليلا، ثم وّدعه وردّه إلى عمله، وسار هو إلى طرابلس في عساكره، وهرب بعضهم إلى جبل نَفُوسة فامتنعوا به، وسار إلى بَرْقَة فقتل بها شاعره محمد بن هانىء الأندلسي، وجد قتيلا بجانب البحر في آخر رجب من سنة إثنتين وستين. ثم سار إلى الإسكندريّة وبلغها في شعبان من هذه السنة، ولقيه بها أعيان مصر فأكرمهم ووصلهم، وسار فدخل القاهرة لخمس من رمضان من هذه السنة فكانت منزله ومنزل الخلفاء بعده إلى آخر دولتهم.

حروب المعز مع القرامطة واستيلاؤه علي دمشق

كان للْقَرَامِطَةِ على بني طفج بدمشق ضريبة يؤدّونها إليهم، فلّما ملك ابن فلاح بدعوة المُعِزّ قطع تلك الضريبة، وآسفهم بذلك فرجعوا إلى دمشق، وعليهم الأعصم ملكهم، فبرز إليهم جعفر بن فلاح فهزموه وقتلوه، وملكوا دمشق وما بعدها ،إلى الرَمْلَة، وهرب من كان بالَرمْلَة وتحصّنوا بيافا. وملك القرامطة الَرمْلَة، وجهّزوا العساكر على يافا، وساروا إلى مِصْرَ، ونزلوا عَيْن شمس وهي المعروفة لهذا العهد بالمطرية. واجتمع إليهم خلق كثير من العرب، وأولياء بني طفج، وحاصروا المغاربة بالقاهرة، وقاتلوهم أياماً فكان الظفر بهم. ثم خرج المغاربة واستماتوا، وهزمهم فرحلوا إلى الرَمْلَة، وضيّقوا حصار يافا، وبعث إليهم جعفر بالمدد في البحر فأخذه القرامطة وانتهى الخبر إلى المعزّ بالقيروان. وجاء إلى مصر ودخلها كما ذكرناه. وسمع أنهم يريدون المسير إلى مصر فكتب إلى الأعصم يذكّره فضل بنيه، وأنهم إنما دعوا له ولآبائه وبالغ في وعظه وتهدّده فأساء في جوابه، وكتب إليه: وصل كتابك الذي قلّ تحصيله، وكَثُر تفصيله، ونحن سائرون إليك والسلام. وسار من الأحساء إلى مصر، ونزل عين شمس في عساكره، واجتمع إليه الناس من العرب وغيرهم. وجاء حسَان بن الجرّاح في جموع عظيمة من طيء، وبثّ سراياه في البلاد فعاثوا فيها وأهمّ المعز شأنه فراسل ابن الجرّاح، واستماله بمائة ألف دينار على أن ينهزم على القرامطة واستحلفوه على ذلك. وخرج المعز ليوم عيّنوه لذلك فانهزم ابن الجرّاح بالعرب، وثبت القرامطة قليلا، ثم إنهزموا وأخذ منهم نحو ألف وخمسمائة أسير. وساروا في أتباعهم ولحق القرامطة باذرعات، وساروا منها إلى الأحساء، وقتلوا صبراً ونهب معسكرهم. وجرّد المعز القائد أبا محمود في عشرة آلاف فارس، وبعث المعز القائد ظالم ابن موهوب العُقيليّ والياً على دمشق فدخلها، وكان العامل بها من قبل القرامطة أبو اللجاء وابنه. في جماعة منهم فحبسهم ظالم، وأخذ أموالهم، ورجع القائد أبو محمود من اتباع القرامطة إلى دمشق فتلقّاه ظالم وسرّ بقدومه، وسأله المقام بظاهر دمشق حذراً من القرامطة ففعل ودفع أبا اللجاء وابنه فبعث بهم إلى مصر فحبسوا بها، وعاث أصحاب أبي محمود في دمشق، فاضطرب الناس، وقتل صاحب الشرطة بعضهم فثاروا به وقتلوا أصحابه. وركب ظالم بذراريهم وأجفل أهل الضواحي إلى البلد من عيث المغاربة، ثم وقعت في منتصف شوّال من سنة ثلاث وستين فتنة بين العامّة وبين عسكر أبي محمود وقاتلوه أياماً، ثم هزمهم وتبعهم إلى البلد. وكان ظالم بن موهوب يداري العامّة فأشفق في هذا اليوم على نفسه، وخرج من دار الإمارة وأحرق المغاربة ناحية باب الفراديس، ومات فيها خلق، واتصلت الفتنة إلى ربيع الآخر من سنة أربع وستين. ثم وقع الصلح بينهم على إخراج ظالم من البلد، وولاية جيش بن الصمصامة ابن أخت محمود فسكن الناس إليه. ثم رجع المغاربة إلى العيث، وعاد العامّة إلى الثورة، وقصدوا القصر الذي فيه جيش فهرب ولحق بالعسكر، وزحف إلى البلد فقاتلهم وأحرق ما كان بقي، وقطع الماء عن البلد فضاقت الأحوال، وبطلت الأسواق، وبلغ الخبر إلى المعزّ فنكر ذلك على أبي محمود واستعظمه، وبعث إلى زياد الخادم في طرابلس يأمره بالمسير إلى دمشق لاستكشاف حالها، وأن يصرف القائد أبا محمود عنها ،فصرفه إلى الرملة، وبعث إلى المعز بالخبر، وأقام بدمشق إلى أن وصل أفتكين والياً على دمشق. وكان أفتكين هذا من موالي عزّ الدولة بن بويه، ولما ثار الأتراك على إبنه بختيار مع سبكتكين، ومات سبكتكين، قدّمه الأتراك عليهم، وحاصروا بختيار بواسط، وجاء عضد الدولة لإنجاده فاجفلوا عن واسط فتركوه ببغداد. وسار أفتكين في طائفة من الجند إلى حمص فنزل قريباً منها، وقصده ظالم بن موهوب العُقيليّ ليقبضه فعجز عنه، وسار أفتكين فنزل بظاهر دمشق وبها زياد خادم المعز، وقد غلب عليه، وعلى أعيان البلد الأحداث والذّعار، فلم يملكوا معهم أمر أنفسهم فخرج الأعيان إلى أفتكين، وسألوا منه الدخول إليهم ليولّوه، وشكوا إليه حال المغاربة، وما يحملونهم عليه من عقائد بعض الرفض، وما أنزل بهم عمّالهم من الظلم والعسف فأجابهم واستحلفهم، وحلف لهم، وملك البلد، وخرج منها زياد الخادم، وقطع خطبة الُمعزّ العلوي، وخطب للطائع العبّاسيّ، وقمع أهل الفساد، ودفع العرب عمّا كانوا استولوا عليه من الضواحي. واستقل ملك دمشق، وكاتب المعزّ بطلب طاعته وولايتها من قبله فلم يثق إليه، وردّه وتجهز لقصده، وجهّز العساكر فتوفي بعسكره ببلبيس كما يذكر.

وفاة المعز وولاية ابنه العزيز

ثم توفي المعزّ بمصر في منتصف ربيع الآخر سنة خمس وستين لثلاث وعشرين سنة من خلافته، ووليَ إبنه نزار بعهده إليه، ووصّيته، ولقّب العزيز بالله، وكتم موت أبيه إلى عيد النحر من السنة فصلّى بالناس وخطبهم، ودعا لنفسه وعزّى بأبيه، وأقّر يعقوب بن كلس على الوزارة كما كان أيام أبيه، وأقّر بلكين بن زيري على ولاية أفريقية، وأضاف إليه ولاية عبد الله بن يخلف الكتامي، وهي طرابلس، وسرت وجرابيه. وكان أهل مكة والمدينة قد خطبوا للمعز أبيه في الموسم، فتركوا الخطبة للعزيز فبعث جيوشه إلى الحجاز فحاصروا مكة والمدينة، وضيّقوا عليهم حتى رجعوا إلى دعوتهم، وخطب للعزيز بمكة، وكان أمير مكة عيسى بن جعفر، والمدينة طاهر بن مسلم، ومات في هذه السنة فولي إبنه الحسن وابن أخيه مكانه.

بقية أخبار أفتكين

ولما توفي المعز وولي العزيز قام أفتكين، وقصد البلاد التي لهم بساحل الشام فبدأ بصيدا فحاصرها، وبها ابن الشيخ في رؤوس المغاربة، وظالم بن موهوب العُقيليّ فبرزوا إليه، وقاتلوه فاستنجد لهم، ثم كرّ عليهم وأوقع بهم، وقتل منهم أربعة آلاف، وسار إلى عكة فحاصرها، وقصد طبرية وفعل فيها مثل صيدا. ورجع واستشار العزيز وزيره يعقوب بن كلس فأشار بإرسال جوهر الكاتب إليه، فجهّزه العزيز وبعثه، وأقبل أفتكين على أهل دمشق يريهم التحوُّل عنهم، ويذكرهم بذلك ليختبرهم فتطارحوا إليه، واستماتوا واستحلفهم على ذلك، ووصل جوهر في ذي القعدة سنة خمس وستين فحاصر دمشق شهرين، وضيّق حصارها وكتب افتكين إلى الأعصم مَلِك القرامطة يستنجده، فسار إليه من الإحساء، واجتمع إليهم من رجال الشام والعرب نحو من خمسين ألفاً وأدركوا جوهراً بالرملة، وقطعوا عنه الماء فارتحل إلى عسقلان فحاصروه بها حتى بلغ الجهد، وأرسل جوهر إلى أفتكين بالمغاربة والوعد. والقرمطيّ يمنعه، ثم سأله في الاجتماع فجاءه أفتكين، ولم يزل جوهر يعتل له في الدروة والغارب، وأفتكين يعتذر بالقرمطيّ ويقول: أنت حملتني على مداراته. فلما أيس منه، كشف له عمّا هم فيه من الضيق، وسأله الصنيعة وأنها يتّخذها عند العزيز فحلف له على ذلك، وعزله القرمطيّ. وأراه جوهر أن يحمل العزيز على المسير بنفسه فصُمّ من عزله وأبى إلاّ الوفاء، وانطلق جوهر إلى مصر وأغرى العزيز بالمسير إليهم، فتجهّز في العساكر، وسار وجوهر في مقدّمته، ورجع أفتكين والقرمطيّ إلى الرملة، واحتشدوا ووصل العزيز فاصطفوا للحرب بظاهر الرملة في محّرم سنة سبع وستين. وبعث العزيز إلى أفتكين يدعوه إلى الطاعة،و يرغّبه ويعده بالتقدّم في دولته، ويدعوه إلى الحضورعنده فتقدم بين الصفّين، وترجّل وقبّل الأرض وقال: قل لأمير المؤمنين لوكان قبل هذه لسارعت، وأما الآن فلا يمكنني. وحمل على المسيرة فهزمهم وقتل الكثير منهم فامتعض العزيز وحمل هو والميمنة جميعاً فهزمهم، ووضع المغاربة السيف فقتلوا نحواً من عشرين الفاً. ثم نزل في خيامه، وجيء بالأسرى فخلع على من جاء بهم، وبذل لمن جاء بأفتكين مائة ألف دينار، فلقيه المفرّج بن دغفل الطائي، وقد جهده العطش فاستسقاه، وتركه بعرشه مُكَّرماً. وجاء إلى العزيز فأخبره بمكانه، وأخذ المائة ألف التي بذلها فيه، وأمكنه من قياده. ولما حضر عند العزيز وهو لا يشك أنه مقتول أكرمه العزيز ووصله، ونصب له الخيام، وأعاد إليه ما نهب له، ورجع به إلى مصر فجعله أخص خدمه وحجّابه، وبعث إلى الأعصم القرمطيّ من يردّه إليه ليصله، كما فعل بأفتكين فأدرك بطبرية، وامتنع من الرجوع فبعث إليه بعشرين ألف دينار، وفرضها له ضريبة. وسار القرمطيّ إلى الأحساء، وعاد العزيز إلى مصر، ورقي رتبة أفتكين وخصّ به الوزير يعقوب بن كلس فسمّه، وسمع العزيز بأنه سمّه فحبسه أربعين يوماً وصادره على خمسمائة ألف دينار، ثم خلع عليه، وأعاده إلى وزارته. وتوفي جوهر الكاتب في ذي القعدة من سنة إحدى وثمانين، وقام إبنه الحسن مقامه، ولقّب قائد القوّاد. وكان أفتكين قد استخلص أيام وزارته بدمشق رجلا إسمه قسّام، فعلا صبته وكثُر تابعه، واستولى على البلد. ولما انهزم أفتكين والقرامطة، بعث العزيز القائد أبا محمود بن إبراهيم والياً على دمشق كما كان لأبيه المعزّ فوجد فيها قسّاماً قد ضبط البلد، وهو يدعو للعزيز فلم يتم له معه ولاية. وبقي قسّام مستبداً عليه إلى أن مات أبو محمود سنة سبعين. ثم جاء أبو ثعلب بن حمدان صاحب الموصل إلى دمشق، عند انهزامه أمام عضد الدولة فمنعه قسّام من الدخول، وخاف أن يغلبه على البلد بنفسه أو بأمر العزيز،واستوحش أبو ثعلب لذلك فقاتله قليلا، ثم رحل إلى طبريّة. وجاءت عساكر العزيز مع قائده الفضل فحاصروا قسّاما بدمشق، ولم يظفروا به ورجعوا. ثم بعث العزيز سنة تسع وستين سليمان بن جعفر بن فلاح فنزل بظاهرها، ولم يمكّنه قسّام من دخولها، ودسّ إلى الناس فقاتلوه، وأزعجوه عن مكانه. وكان مفرج بن الجرّاح أمير بني طيء، وسائر العرب بأرض فلسطين قد كثرت جموعه، وقويت شوكته، وعاث في البلاد، وخّربها فجهّز العزيز العساكر لحربه مع قائده بلتكين التركيّ ،فسار إلى الرملة، واجتمع إليه العرب من قيس وغيرهم، ولقي ابن الجرّاح وقد أكمن لهم بلتكين من ورائهم، فانهزم ومضى إلى أنْطاكِية، فأجاره صاحبها. وصادف خروج ملك الروم من القسطنطينية إلى بلاد الشام فخاف ابن الجرّاح، وكاتب بكجور مولى سيف الدولة وعامله على حمص، ولجأ إليه فأجاره. ثم زحف بلتكين إلى دمشق وأظهر لقسّام أنه جاء لإصلاح البلد. وكمان مع قسّام جيش بن الصمصامة ابن أخت أبي محمود قد قام بعده في ولايته، فخرج إلى بلتكين فأمره بالنزول معه بظاهر البلد هو وأصحابه. واستوحش قسّام وتجهّز للحرب. ثم قاتل وانهزم أصحابه، ودخل بلتكين أطراف البلد فنهبوا وأحرقوا. واعتزم أهل البلد على الإستئمان إلى بلتكين، وشافهوه بذلك فأذن لهم وسمع قسّام فاضطرب وألقي ما بيده، واستأمن الناس إلى بلتكين لأنفسهم ولقسّام فأمّن الجميع. وولّى على البلد أميراً إسمه خطلج ،فدخل البلد، وذلك في المحرم سنة إثنتين وسبعين. ثم اختفى قسّام بعد يومين فنهبت دوره ودور أصحابه، وجاء ملقياً بنفسه على بلتكين فقبله، وحمله إلى مصر فأمّنه العزيز. وكان بكجور في غويّة من غلمان سيف الدولة وعامله على حمص. وكان يمدّ دمشق أيام هذه الفتنة والغلاء، ويحمل الأقوات من حمص إليها، ويكاتب العزيز بهذه الخدم. ثم استوحش سنة ثلاث وسبعين من مولاه أبي المعالي فاستنجز من العزيز وعده إياه بولاية دمشق، وصادف ذلك أنّ المغاربة بمصر أجمعوا على التوثّب بالوزير ابن كلس، ودعت الضرورة إلى استقدام بلتكين من دمشق فأمره العزيز بالقدوم، وولاية بكجور على دمشق ففعل، ودخلها بكجور في رجب من سنة ثلاث وسبعين، وعاث في أصحاب ابن كلس وحاشيته بدمشق، لما كان يبلغه عنه من صدّ العزيز عن ولايته.ثم أساء السيرة في أهل دمشق فسعى ابن كلس في عزله عند العزيز، وجهّز العساكر سنة ثمان وسبعين مع منير الخادم، وكتب إلى نزال عامل طرابلس بمظاهرته، وجمع بكجور العرب وخرج للقائه فانهزم. ثم خاف من وصول نزال فاستأمن لهم وتوجّه إلى الرقّة فاستولى عليها، ودخل منير دمشق واستقرّ في ولايتها، وارتفعت منزلته عند العزيز وجهزه لحصار سعد الدولة بحلب. وكان بكجور بعد انصرافه من دمشق إلى الرقّة سأل من سعد الدولة العَوْد إلى ولاية حمص فمنعه فأجلب عليه، واستنجد العزيز لحربه، وبعث إلى نزال عامل طرابلس بمظاهرته فسار إليه بالعساكر، وخرج سعد الدولة من حلب للقائهم. وقد أضمر نزال الغدر ببكجور، وتقدّم إليه بذلك عيسى بن نسطورس وزير العزيز بعد ابن كلس.وجاء سعد الدولة للقائهم، وقد استمدّ عامل أنْطاكِية للروم فامدّه بجيش كثير وداخل العرب الذين مع بكجور في الإنهزام عنه، ووعدوه ذلك من أنفسهم، فلما تراءى الجمعان، وشعر بكجور بخديعة العرب فاستمات، وحمل على الصفّ بقصد سعد الدولة فقتل لؤلؤ الكبير مولاه بطعنه إياه، ثم حمل عليه سعد الدولة فهزمه، فسار إلى بعض العرب، وحمل إلى سعد الدولة فقتله، وسار إلى الرقّة فملكها وقبض جميع أمواله وكانت شيئاً لا يعبّر عنه. وكتب أولاده إلى العزيز يستشفعون به فشفع إلى سعد الدولة فيهم أن يبعثهم إلى مصر، ويتهدّده على ذلك فأساء سعد الدولة الردّ، وجهّز لحصار حلب الجيوش مع منجوتكين، فنزل عليها وحاصرها، وبها أبو الفضائل بن سعد الدولة، ومولاه لؤلؤ الصغير. وأرسلا إلى بسيل ملك الروم يستنجدانه، وهو في قتال بلغار فبعث إلى عامل أنْطاكِية أن يمدّهما، فسار في خمسين ألفاً حتى نزل حبس العاصي، وبلغ خبره إلى منجوتكين فارتحل عن حلب، ولقي الروم فهزمهم وأثخن فيهم قتلاً وأسرا.وسار إلى أنْطاكِية وعاث في نواحيها، وخرج أبو الفضائل في مغيب منجوتكين إلى ضواحي حلب، فنقل ما فيها من الغلال وأحرق بقيتها لتفقد عساكر منجوتكين الأقوات. فلما عاد منجوتكين إلى الحصار، جهّز عسكره، وأرسل لؤلؤ إلى أبي الحسن المغربيّ في الصلح، فعقد له ذلك، ورحل منجوتكين إلى دمشق، وبلغ الخبر إلى العزيز فغضب، وكتب إلى منجوتكين بالعود إلى حصار حلب وإبعاد الوزير المغربيّ، وأنفذ الأقوات للعسكر في البحر إلى طرابلس. وأقام منجوتكين في حصار حلب. وأعادوا مراسلة ملك الروم فاستنجدوه وأغروه، وكان قد توسط بلاد البلغار فعاد مجدّا في السير. وبعث لؤلؤ إلى منجوتكين بالخبر حذرا على ال مسلمين، وجاءته جواسيسه بذلك فأجفل بعد أن خرّب ما كان اتخذه في الحصار من الأسواق والقصور والحمّامات. ووصل ملك الروم إلى حلب ولقي أبا الفضائل ولؤلؤاً، ثم سار في الشام وافتتح حمص وشيزر، ونهبهما، وحاصر طرابلس أربعين يوما، فامتنعت عليه، وعاد إلى بلاده، وبلغ الخبر إلى العزيز فعظم عليه، واستنفر الناس للجهاد، وبرز من القاهرة، وذلك سنة إحدى وثمانين. ثم انتقض منير في دمشق،فزحف إليه منجوتكين إلى دمشق.


أخبار الوزراء

كان وزير المعز لدين الله، يعقوب بن يوسف بن كلس أصله من اليهود وأسلم، وكان يدبّر الأحوال الأخشيدية بمصر، وعزله أبو الفضائل بن الفرات سنة سبع وخمسين، وصادره فاستتر بمصر، ثم فّر إلى المغرب ولقي المعز لدين الله، وجاء في ركابه إلى مصر فاستوزره وعظم مقامه عنده، واستوزره بعده إبنه العزيز إلى أن توفي سنة ثمانين، وصلى عليه العزيز وحضر دفنه، وقضى عنه دينه، وقسّم عمله فردّ النظر في الظلامات إلى الحسن بن عمّار كبير كتامة، وردّ النظر في الأموال إلى عيسى بن نسطورس، ولم تزل الوزارة سائر دولتهم في أرباب الأقلام، وكانوا بمكان، وكان منهم البارزي. وكان مع الوزارة قاضي القضاة وداعي الدعاة. وسأل أن يرسم إسمه على السكّة فغرب ومنع، ومات قتيلا بتنيس. وأبو سعيد النسري، وكان يهودياً وأسلم قبل وزارته، والجرجاني وقطع الجرجاني في أمر منع من الكتب فيه فكتب وحلف الحاكم بيمين لا تكفّر ليُقطعنّه. ثم ردّه بعد ثلاث وخلع عليه وابن أبي كُدينة ثلاثة عشر شهراً. ثم صرف وقتل وأبو الطاهر بن ياشاد، وكان من أهل الدين واستعفى فأُعفِيَ، وأقام معتكفاً في جامع مصر، وسقط ليلة من السطح فمات. وكان آخرهم الوزير أبو القاسم بن المغربيّ، وكان بعده بدر الجيالي أيام المستنصر وزير سيف الدولة، واستبدّ له على الدولة، ومن بعده منهم كما يأتي في أخبارهم.

أخبار القضاة

كان النُعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن حيُّون في خطة القضاء للمعزّ بالقيروان. ولما جاء إلى مصر أقام بها في خطة القضاء إلى أن توفي، وولي ابنه عليّ، ثم توفي سنة أربع وسبعين وثلاثمائة، فولّى العزيز أخاه أبا عبد الله محمداً، خلع عليه وقُلّده سيفاً. وكان المعز قد وعد أباه بقضاء إبنه محمد هذا بمصر، وتمّ في سنة تسع وثمانين أيام الحاكم. وكان كبير الصيت، كثير الإحسان، شديد الاحتياط في العدالة فكانت أيامه شريفة. ووليَ بعده ابن عمه أبو عبد الله الحسين علي بن النعمان أيام الحاكم، ثم عزل سنة أربع وتسعين، وقتل وأحرق بالنار، ووليَ مكانه ملكة بن سعيد الفارقيّ إلى أن قتله الحاكم سنة خمس وأربعمائة بنواحي القصور، وكان عالم المنزلة عند الحاكم ومداخلاً له في أمور الدولة، وخالصة له في خلواته. وولّى بعده أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي العوّام. واتصل في آخرين إلى آخر دولتهم، كان كثيراً ما يجمعون للقاضي المظالم والدعوة، فيكون داعي الدعاة، وربما يفردون كلاًّ منهما. وكان القاضي عندهم يصعد مع الخليفة المنبر مع من يصعده من أهل دولته عندما يخطب الخلفاء في الجمع والأعياد.

وفاة المعز وولاية ابنه الحاكم

قد تقدم لنا أنّ العزيز استنفر الناس للجهاد سنة إحدى وثمانين، وبرز في العساكر لغزو الروم، ونزل بلبيس فاعتورته الامراض، واتصلت به إلى أن هلك آخر رمضان سنة ست وثمانين لإحدى عشرة سنة ونصف من خلافته، ولقّب الحاكم بأمر الله، واستولى برجوان الخادم على دولته كما كان لأبيه العزيز بوصيته بذلك، وكان مدبّر دولته، وكان رديفه في ذلك أبو محمد الحسن بن عمّار ويلقّب بأمين الدولة، وتغلّب على ابن عمّار، وانبسطت أيدي كتامة في أموال الناس وحرمهم، ونكر منجوتكين تقديم ابن عمّار في الدولة، وكاتب برجوان بالموافقة على ذلك فأظهر الانتقاض، وجهّز العساكر لقتاله مع سليمان بن جعفر بن فلاح فلقيهم بعسقلان، وانهزم منجوتكين وأصحابه، وقتل منهم ألفين، وسيق أسيراً إلى مصر فأبقى عليه ابن عمّار، واستماله للمشارقة، وعقد على الشام لسليمان بن فلاح، ويكّنى أبا تميم، فبعث من طبريّة أخاه عليا إلى دمشق، فامتنع أهلها، فكاتبهم أبو تميم، وتهدّدهم وأذعنوا، ودخل على البلد ففتك فيهم. ثم قدّم أبو تميم فأمّن وأحسن، وبعث أخاه علياً إلى طرابلس، وعزل عنها جيش ابن الصمصامة فسار إلى مصر، وداخل برجوان في الفتك بالحسن بن عمّار وأعيان كتامة، وكان معهما في ذلك شكر خادم عضد الدولة، نزع إلى مصر بعد مهلك عضد الدولة، ونكبة أخيه شرف الدولة إياه، فخلص إلى العزيز فقرّبه، وحظي عنده، فكان مع برجوان وجيش بن الصمصامة. وثارت الفتنة، واقتتل المشارقة والمغاربة فانهزمت المغاربة، واختفى ابن عمّار وأظهر برجوان الحاكم وجدّد له البيعة، وكتب إلى دمشق بالقبض على أبي تميم بن فلاح فنهب، ونهبت خزائنه، واستمرّ القتل في كتامة واضطربت الفتنة بدمشق، واستولي الأحداث. ثم أذن برجوان لابن عمّار شي الخروج من أستاره، وأجرى له أرزاقه على أن يقيم بداره. واضطرب الشام فانتقض أهل صور، وقام بها رجلٌ ملاّح إسمه العلاّقة، وانتقض مُفَرّج بن دغفل بن الجّراح، ونزل على الرملة، وعاث في البلاد، وزحف الدوقش ملك الروم إلى حصن أفامية محاصراً لها. وجهّز برجوان العساكر مع جيش ابن الصمصامة فسار إلى عبد الله الحسين بن ناصر الدولة بن حمدون، وأسطولاً في البحر، واستنجد العلاّقة ملك الروم فأنجده بالمقاتلة في المراكب، فظفر بهم أسطول المسلمين. واضطرب أهل صور، وملكها ابن حمدان، وأسر العلاّقة، وُبعِثَ به إلى مصر فسلخ وصلب، وسار جيش ابن الصمصامة إلى الفرج بن دغفل فهرب أمامه، ووصل إلى دمشق وتلقّاه أهلها مذعنين، وأحسن إليهم وسكّنهم، ورفع أيدي العدوان عنهم. ثم سار إلى أفامية وصافّ الروم عندها فانهزم أولاً هو وأصحابه ،وثبت بشارة أخشيدي بن قرارة في خمسمائة فارس، ووقف الدوقش ملك الروم على رابية في ولده، وعدّة من غلمانه ينظر فعل الروم في المسلمين، فقصد كردي من مصاف الأخشيدي ،وبيده عصا من حديد يسمّى الخشت، وظنّه الملك مستأمناً، فلما دنا منه ضربه بالخشت فقتله، وانهزم الروم وأتبعهم جيش بن الصمصامة إلى أنْطاكِية يغنم ويسبى ويحرق. ثم عاد مظفّراً إلى دمشق فنزل بظاهرها ولم يدخل. واستخلص رؤساء الأحداث واستحجبهم وأُقيم له الطعام في كل يوم، وأقام على ذلك برهة. ثم أمر أصحابه إذا دخلوا للطعام أن يغلق باب الحجرة عليهم، ويوضع السيف في سائرهم، فقتل منهم ثلاثة آلاف، ودخل دمشق، وطاف بها، وأحضر الأشرف فقتل رؤساء الأحداث بين أيديهم، وبعث بهم إلى مصر، وأمّن الناس.ثم إنه توفي وولىّ محمود بن جيش، وبعث برجوان إلى بسيل ملك الروم فصالحه لعشر سنين، وبعث جيشاً إلى برقة وطرابلس المغرب ففتحها، وولّى عليها يانساً الصِقليّ. ثم ثقل مكان برجوان على الحاكم فقتله سنة تسع وثمانين، وكان خِصِيّا أبيض، وكان له وزير نصراني استوزره الحاكم من بعده. ثم قتل الحسين بن عمّار، ثم الحسين بن جوهر القائد. ثم جهّز العساكر مع يارختكين إلى حلب،

وقصد حسّان بن فرج الطائي، لما بلغ من عيثه وفساده. فلما رحل من غزوه إلى عسقلان لقيه حسّان وأبوه مفرج فانهزم وقتل، ونهبت النواحي، وكثرت جموع بني الجرّاح، وملكوا الرملة، واستقدموا الشريف أبا الفتوح الحسن بن جعفر أمير مكة فبايعوه بالخلافة.ثم استمالهما الحاكم ورغّبهما فردّاه إلى مكة، وراجعا طاعة الحاكم، وراجع هو كذلك، وخطب له بمكة. ثم جهّز الحاكم العساكر إلى الشام مع عليّ ابن جعفر بن فلاح، وقصد الرملة، فانهزم حسّان بن مفرج وقومه، وغلبهم على تلك البلاد واستولى على أموالهم وذخائرهم، وأخذ ما كان لهم من الحصون بجبل السراة، ووصل إلى دمشق في شوّال سنة تسعين، فملكها واستولى عليها، وأقام مفرج وابنه حسّان شريدين بالقفز نحواً من سنتين. ثم هلك مفّرج، وبعث حسّان إبنه إلى الحاكم فأمّنه وأقطعه، ثم وفد عليه بمصر فأكرمه ووصله.

خروج أبي ركوة ببرقة والظفر به

كان أبو ركوة هذا يزعم أنه الوليد بن هشام بن عبد الملك بن عبد الرحمن الداخل، وأنه هرب من المنصور بن أبي عامر حين تتّبعهم بالقتل وهو ابن عشرين سنة، وقصد القيروان فأقام بها يعلّم الصبيان. ثم قصد مصر وكتب الحديث، ثم سار إلى مكة واليمن والشام، وكان يدعو للقائم من ولد أبيه هشام، وإسمه الوليد، وإنما لقبه أبا ركوة لأنه كان يحملها لوضوئه على عادة الصوفيّة. ثم عاد إلى نواحي مصر ونزل على بني قُرَّة من بادية هلال بن عامر، وأقام يعلّم الصبيان ويؤمهم في صلاتهم. ثم أظهر ما في نفسه، ودعا للقائم. وكان الحاكم قد اسرف في القتل في أصناف الناس وطبقاتهم، والناس معه على خطر، وكان قتل جماعة من بني قُرَّة، وأحرقهم بالنار لفسادهم، فبادر بنو قُرَّة، وكانوا في أعمال برقة فأجابوه وانقادوا له وبايعوا. وكان بينهم وبين لواتة ومزاتة وزناتة جيرانهم في الاصل حروب ودماء فوضعوها، واتّفقوا على بيعته.وكتب عامل برقة أنيال الطويل بخبرهم إلى الحاكم فأمره بالكفّ عنهم. ثم اجتمعوا وساروا إلى برقة فهزموا العامل برمادة، وملكوا برقة، وغنموا الأموال والسلاح وقتلوه. وأظهر أبو ركوة العدل، وبلغ الخبر إلى الحاكم فاطمأنت نفسه، وكفّ عن الأذى والقتل، وجهّز خمسة آلاف فارس مع القائد أبي الفتوح الفضل بن صالح فبلغ ذات الحمّام، وبينها وبين برقة مفازة صعبة معطشة، وأمر أبو ركوة من غور المياه التي فيها. على قلبها. ثم سار للقائهم بعد خروجهم من المفازة على جهد العطش فقاتلهم، ونال منهم وثبت أبو ركوة، واستأمن إليه جماعة من كتامة لما نالهم من أذى الحاكم وقتله فأمّنهم، ولحقوا به، وانهزمت عساكر الحاكم، وقتل خلق كثير منهم. ورجع أبو ركوة إلى برقة ظافراً، وردّد البعوث والسرايا إلى الصعيد وأرض مصر. وأهمّ الحاكم أمره، وندم على ما فّرط. وجهّز عليّ بن فلاح العساكر لحربهم. وكاتب الناس أبا ركوة يستدعونه، وممن كتب إليه الحسن بن جوهر قائد القوّاد، وبعثهم في ستة عشر ألف مقاتل سوى العرب، وبعث أخاه في سرية فواقع بني قُرَّة وهزمهم، وقتل من شيوخهم عبد العزيز بن مّصعب، ورافع بن طراد ومحمد بن أبي بكر، واستمال الفضل بني قُرَّة فأجابه ماضي بن مقرب من أمرائهم، وكان يطالعه بأخبارهم. وبعث عليّ بن فلاح عسكراً إلى الفيّوم فكبسه بنو قُرَّة وهزموه، ونزل أبو ركوة بالهرمين، ورجع من يومه. ثم رحل الفضل إلى الفيّوم لقتالهم فواقعهم برأس البركة وهزمهم، واستأمن بنو كلاب وغيرهم، ورجع عليّ بن فلاح، وتقدّم الفضل لطلب أبي ركوة، وخذل ماضي بن مقرب بني قُرَّة عن أبي ركوة فقالوا له أنج بنفسك إلى بلد النوبة، ووصل إلى تخومهم وقال: أنا رسول الحاكم، فقالوا: لا بدّ من استئذان الملك، فوكّلوا به، وطالعوا الملك بحقيقة الحال. وكان صغيراً قد وليَ بعد سرقة أبيه، وبعث إليه الفضل بشأنه، وطلبه فكتب إلى شجرة بن مينا قائد الخيل بالثغر بأن يسلّمه إلى نائب الحاكم، فجاء به رسول الفضل، وأنزله الفضل في خيمة، وحمله إلى مصر فطيف به على جمل لابسا طرطوراً وخلفه قرد يصفعه. ثم حمل إلى ظاهر القاهرة ليقتل، فمات قبل وصوله، وقُطِعَ رأسهُ وصُلِبَ. وبالغ الحاكم في إكرام الفضل، ورفع مرتبته، ثم قتله بعد ذلك، وكان ظفر الحاكم بأبي ركوة سنة سبع وتسعين.


بقية أخبار الحاكم

كان الحسن بن عمّار زعيم كتامة مدّبر دولته كما ذكرناه، وكان برجوان خادمه وكافله، وكان بين الموالي والكتاميين في الدولة منافسة. وكان كثيراً ما يفضي إلى القتال. واقتتلوا سنة سبع وثمانين. وأركب المغاربة ابن عمّار، والموالي برجوان، وكانت بينهم حروب شديدة. ثم تحاجزوا واعتزل ابن عمّار الأمور، وتخلّى بداره عن رسومه وجراياته، وتقدّم برجوان بتدبير الدولة. وكان كاتب بن فهر بن إبراهيم يربع، وينظر في الظلامات، ويطالعه. وولّى على برقة يانس صاحب الشرطة مكان صندل. ثم قتل برجوان سنة تسع وثمانين، ورجع التدبير إلى القائد أبي عبد الله الحسين بن جوهر، وبقي ابن فهر على حاله. وفي سنة تسعين انقطعت طرابلس عن منصور بن بلكين بن زيري صاحب أفريقية، وولّى عليها يأنس العزيزي، من موالي العزيز، فوصل إليها، وأمكنه عامل المنصور منها، وهو عصولة بن بكّار.وجاء إلى الحاكم بأهله وولده وماله وأطلق يد يأنس على مخلّفه بطرابلس، يقال كان له من الولد نيف وستون بين ذكر وأنثى، ومن السراري خمس وثلاثون فتلقيّ بالمبّرة وهُيّيء له القصور، ورُتّب له الجراية وقلّده دمشق وأعمالها ،فهلك بها لسنة من ولايته. وفي سنة إثنتين وتسعين وصل الصريخ من جهة فلفول بن خزرون المُغراوي في ارتجاع طرابلس إلى منصور بن بلكين، فجهزّت العساكر مع يحيى بن علي الأندلسي الذي كان جعفر أخوه عامل الزاب للعبيديين، ونزع إلى بني أمية وراء البحر. ولم يزل هو وأخوه في تصريفهم إلى أن قتل المنصور بن أبي عامر جعفراً منهما، ونزع أخوه يحيى إلى العزيز بمصر فنزل عليه، وتصرّف في خدمته وبعثه الآن الحاكم في العساكر لما قدّمناه، فاعترضه بنو قُرَّة ببرقة ففضّوا جموعه. ورجع إلى مصر وسار يانس من برقة إلى طرابلس، فكان من شأنه مع عصولة ما ذكرناه.وبعد وفاة عصولة وليَ على دمشق مفلح الخادم، وبعده عليّ بن فلاح سنة ثمان وتسعين. وبعد مسير يانس ولى على برقة صندل الأسود. وفي سنة ثمان وتسعين عزل الحسين بن جوهر القائد، وقام بتدبير الدولة صالح بن علي بن صالح الروباذيّ. ثم نكب حسين القائد بعد ذلك وقتل، ثم قتل صالح بعد ذلك، وقام بتدبير الدولة الكافي بن نصر بن عبدون، وبعده زُرعة بن عيسى بن نسطورس، ثم أبو عبد الله الحسن بن طاهر الوزّان. وكثر عيث الحاكم في أهل دولته، وقتْلِهِ إيّاهم مثل الجرجراي وقطعه أيديهم، حتى أنّ كثيراً منهم كانوا يهربون من سطوته، وآخرون يطلبون الأمان فيكتب لهم به السجلاّت. وكان حاله مضطرباً في الجور والعدل، والإخافة والأمن، والنسك والبدعة. وأمّا ما يرمى به من الكفر، وصدور السجلات بإسقاط الصلوات فغير صحيح، ولا يقوله ذو عقل، ولو صدر من الحاكم بعض ذلك لقتل لوقته. وأمّا مذهبه في الرافضة فمعروف. ولقد كان مضطرباً فيه مع ذلك، فكان يأذّن في صلاة التراويح ثم ينهى عنها. وكان يرى بعلم النجوم ويؤثره، وينقل عنه أنه منع النساء من التصرّف في الأسواق، ومنع من أكل الملوخيّا. ورفع إليه أنّ جماعة من الروافض تعرّضوا لأهل السُنَّة في التراويح بالرجم، وفي الجنائز فكتب في ذلك سجلاً قرىء على المنبر بمصر كان فيه:أمّا بعد، فإن‍ّ أمير المؤمنين، يتلو عليكم آية من كتاب الله المبين،{ لا إكراه في الدين }[ الآية]. مضى أمس بما فيه، وأتى اليوم بما يقتضيه. معاشر المسلمين نحن الأئمة، وأنتم الأمّة. لا يحلّ قتل من شهد الشهادتين ولا يحلّ عروة بين إثنين، تجمعها هذه الأخوّة، عصمَ الله بها من عصمْ، وحرّم لها ما حرّم، من كل محرّم، من دم ومال ومنكح، الصلاح والأصلح بين الناس أصلح، والفساد والإفساد من العبّاد يستقبح. يطوى ما كان فيما مضى فلا يُنْشَر، ويعرض عما انقضى فلا يُذْكَر. ولا يقبل على ما مرّ وأدبر من إجراء الأمور على ما كانت عليه في الأيام الخالية أيام آبائنا الأئمة المهتدين، سلام الله عليهم أجمعين، مهديهم بالله، وقائمهم بأمر الله، ومنصورهم بالله، ومعزّهم لدين الله، وهو إذ ذاك بالمهديّة والمنصوريّة، وأحوال القيروان تجري فيها ظاهرة غير خفيّة، ليست بمستورة عنهم ولا مطويّة. يصوم الصائمون على حسابهم ويفطرون، ولا يعارض أهل الرؤية فيما هم عليه صائمون ومفطرون، صلاة الخمس للدين بها جاءهم فيها يصلون، وصلاة الضحى وصلاة التراويح لا مانع لهم منها ولا هم عنها يدفعون. يخمّس في التكبير على الجنائز

المخمّسون، ولا يمنع من التكبير عليها المربّعون. يؤذّن بحيّ على خير العمل المؤذّنون، ولا يؤذى من بها لا يؤذّنون. لا يسبّ أحد من السلف، ولا يحتسب على الواصف فيهم بما يوصف، والخالف فيهم بما خلف. لكل مسلم مجتهد في دينه اجتهاده وإلى الله ربّه ميعاده، عنده كتابه، وعليه حسابه. ليكن عباد الله على مثل هذا عملكم منذ اليوم، لا يستعلي مسلم على مسلم بما اعتقده، ولا يعترض معترض على صاحبه فيما اعتمده. من جميع ما نصّه أمير المؤمنين في سجلّه هذا، وبعد قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم تعملون } والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. كتب في رمضان سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة.

وفاة الحاكم وولاية الظاهر

ثم توفي الحاكم بأمر الله منصور بن العزيز نزار، قتيلا ببركة الحبش بمصر، وكان يركب الحمار ويطوف بالليل، ويخلو بدار في جبل المقطم للعبادة، ويقال لاستنزال روحانية الكواكب. فصعد ليلة من ليالي لثلاث بقين من شوّال سنة إحدى عشرة ركب على عادته ومشى معه راكبان فردّهما واحداً بعد آخر في تصاريف أموره. ثم افتُقِدَ ولم يرجع، وأقاموا أياماً في انتظاره. ثم خرج مُظَفَّر الصقلي والقاضي وبعض الخواصّ إلى الجبل فوجدوا حماره مقطوع اليدين، واتبعوا أثره إلى بركة الحبش فوجدوا ثيابه مُزرّرة، وفيها عدّة ضربات بالسكاكين فأيقنوا بقتله. ويقال إنّ أخته بلغه أنّ الرجال يتناوبون بها فتوعّدها فأرسلت إلى ابن دواس من قوّاد كتامة، وكان يخاف الحاكم فأغرته بقتله، وهوّنته عليه، لما يرميه به الناس من سوء العقيدة، فقد يهلك الناس ونهلك معه. ووعدته بالمنزلة والاقطاع، فبعث إليه رجلين فقتلاه في خلوته. ولما أيقنوا بقتله اجتمعوا إلى أخته ست الملك فأحضرت عليّ بن دواس، وأجلس علي بن الحاكم صبياً لم يناهز الحلم، وبايع له الناس ولقّب الظاهر لإعزاز دين الله، ونفذت الكتب إلى البلاد بأخذ البيعة له. ثم حضر ابن دواس من الغد، وحضر معه القوّ‍اد فأمرت ست الملك خادمها فعلاه بالسيف امامهم حتى قتله، وهو ينادي بثأر الحاكم فلم يختلف فيه اثنان، وقامت بتدبير الدولة أربع سنين. ثم ماتت، وقام بتدبير الدولة الخادم مِعُضاد وتافر بن الوزّان، وولى وزارته أبو القاسم علي بن احمد الجرجراي وكان متغلبا على دولته، وانتقض الشام خلال ذلك، وتغلّب صالح بن مرداس من بني كلاب على حلب، وعاث بنو الجراح في نواحيه فبعث الظاهر سنة عشرين قائده الزريري والي فلسطين في العساكر، وأوقع بصالح بن الجراح، وقُتِل صالح وابنه وملك دمشق.وملك حلب من يد شبل الدولة نصر بن صالح وقتله، وكان بينه وبين بني الجَراح قبل ذلك وهو بفلسطين حروب؟ حتى هرب من الرملة إلى قيسارية فاعتصم بها، وأخرب ابن الجّراح الرملة واحرقها. وبعث السرايا فانتهت إلى العريش وخشي أهل بلبيس وأهل القرافة على أنفسهم فانتقلوا إلى مصر، وزحف صالح بن مرداس في جموع العرب لحصار دمشق، وعليها يومئذ ذو القرنين ناصر الدولة بن الحسين. وبعث حسّان بن الجّراح إليهم بالمدد، ثم صالحوا صالح بن مرداس، وانتقل إلى حصار حلب، وملكها من يد شعبان الكتامي وجردّت العساكر من الشام مع الوزيري، وكان ما تقدّم، وملك دمشق وأقام بها.

وفاة الظاهر وولاية ابنه المستنصر

ثم توفي الظاهر لإعزاز دين الله أبو الحسن عليّ ابن الحاكم منتصف شعبان سنة سبع وعشرين لست عشرة سنة من خلافته، فولي أبنه أبو تميم معدّ، ولقّب المستنصر بأمر الله، وقام بأمره وزير أبيه أبو القاسم عليّ بن أحمد الجرجراي، وكان بدمشق الوزيري واسمه أقوش تكين. وكانت البلاد صلحت على يديه لعدله ورفقه وضبطه، وكان الوزير الجرجراي يحسده ويبغضه، وكتب إليه بإبعاد كاتبه ابي سعيد فانفذ إليه أنه يحمل الوزيري على الانتقاض فلم يجب الوزيري إلى ذلك واستوحش، وجاء جماعة من الجند إلى مصر في بعض حاجاتهم فداخلهم الجرجراي في التوثّب به، ودسّ معهم بذلك إلى بقية الجند بدمشق فتعلّلوا عليه * فخرج إلى بعلبك سنة ثلاث وثلاثين، فمنعه عاملها من الدخول فسار إلى حماة فمُنِع أيضاً فقوتل، وهو خلال ذلك ينهب فاستدعى بعض اوليائه من كفر طاب، فوصل إليه في ألفي رجل، وسار إلى حلب فدخلها وتوفي بها في جمادى الآخرة من السنة، وفسد بعده أمر الشام، وطمع العرب في نواحيه، وولّى الجرجراي على دمشق الحسين بن حمدان فكان قصارى أمره منع الشام، وملك حسّان بن مفرّج فلسطين، وزحف معزّ الدولة بن صالح الكلابي إلى حلب فملك المدينة، وامتنع عليه أصحاب القلعة، وبعثوا إلى مصر للنجدة فلم ينجدهم فسلّموا القلعة لمعزّ الدولة بن صالح فملكها.

مسير العرب إلي إفريقية

كان المعز بن باديس قد انتقض دعوة العبيديين بإفريقية، وخطب للقائم العباسيّ،وقطع الخطبة للمستنصر العلويّ سنة أربعين وأربعمائة فكتب إليه المستنصر يتهدّده. ثم إنه استوزر الحسين بن علي التازوري بعد الجرجراي، ولم يكن في رتبته فخاطبه المعز دون ما كان يخاطب من قبله، كان يقول في كتابه إليهم عبده، ويقول في كتاب التازوري صنيعته فحقد ذلك، واغرى به المستنصر واصلح بين زغبة ورياح من بطون هلال، وبعثهم إلى إفريقية وملكهم كل ما يفتحونه، وبعث إلى المعز: أما بعد فقد أرسلنا إليك خيولاً، وحملنا عليها رجالاً فحولاً، ليقضي الله أمراً كان مفعولا. فساروا إلى برقة فوجدوها خالية، لأن المعز كان اباد أهلها من زناتة فاستوطن العرب برقة، واحتقر المعز شأنهم، واشترى العبيد واستكثر منهم، حتى اجتمع له منهم ثلاثون الفاً.وزحف بنو زغبة إلى طرابلس فملكوها سنة ست وأربعين، وجازت رياح الأتبح وبنو عدي إلى إفريقية فأضرموها ناراّ. ثم سار امراؤهم إلى المعز، وكبيرهم مؤنس بن يحيى من بني مرداس من زياد فأكرمهم المعزّ، وأجزل لهم عطاياه فلم يغن شيئاً، وخرجوا إلى ما كانوا عليه من الفساد، ونزل بإفريقية بلاء لم ينزل بها مثله. فخرج إليهم المعزّ في جموعه من صنهاجة والسودان نحوا من ثلاثين الفاً، والعرب في ثلاثة آلاف فهزموه واثخنوا في صنهاجة بالقتل واستباحوهم. ودخل المعزّ القيروان مهزوما. ثم بيتهم بوم النحر، وهم في الصلاة فهزموه أعظم من الأولى.ثم سار إليهم بعد أن احتشد زناتة معه فانهزم ثالثة، وقتل من عساكره نحو من ثلاثة آلاف، ونزل العرب بمصلّى القيروان، ووالوا عليهم الهزائم، وقتلت منهم أمم. ثم أباح لهم المعز دخول القيروان للميرة فاستطالت عليهم العامة فقتلوا منهم خلقاً، وأدار المعزّ السور على القيروان سنة ست وأربعين. ثم ملك مؤنس بن يحيى مدينة باجة سنة ست وأربعين، وأمر المعز أهل القيروان بالانتقال إلى المهدية للتحصّين بها، وولّى عليها ابنه تيما سنة خمس وأربعين. ثم انتقل إليها سنة تسع وأربعين، وانطلقت أيدي العرب على القيروان بالنهب والتخريب، وعلى سائر الحصون والقرى كما يذكر في أخبارهم. ثم كانت الخطبة للمستنصر ببغداد على يد البساسيري من مماليك بني بويّه عند انقراض دولتهم، واستيلاء السلجوقيّة كما نذكره في أخبارهم.

مقتل ناصر الدولة ابن حمدان بمصر

كانت أمّ المستنصر متغلّبة على دولته، وكانت تصطنع الوزراء وتوليّهم، وكانوا يتخذون الموالي من الأتراك للتغلّب على الدولة. فمن استوحشت منه أغرت به المستنصر فقتله. فاستوزرت أولاً أبا الفتح الفلاحي، ثم استوحشت منه فقبض عليه المستنصر وقتله، ووزر بعده أبا البركات حسن بن محمد وعزله. ثم ولّي الوزارة أبا محمد التازوري من قرية بالرملة تسمى تازور، فقام بالدولة إلى أن قتل. ووزر بعده أبو عبد الله الحسين ابن البابلي، وكان في الدولة من موالي السودان ناصر الدولة بن حمدان، واستمالوا معهم كتامة والمصامدة. وخرج العبيد إلى الضياع واجتمعوا في خمسين ألف مقاتل، وكان الأتراك ستة آلاف، وشكوا إلى المستنصر فلم يشكهم، فخرجوا إلى غرمائهم والتقوا بكوم الريش، وأكمن الأتراك للعبيد ولقوهم فانهزموا، وخرج كمينهم على العبيد، وضربوا البوقات والكاسات فارتاب العبيد وظنّوه المستنصر فانهزموا وقتل منهم وغرق نحو أربعين الفاً.وفدى الأتراك وتغلّبوا، وعظم الإفتراء فيهم فخلت الخزائن، واضطربت الأمور وتجمّع باقي العسكر من الشام وغيره إلى الصعيد، واجتمعوا مع العبيد وكانوا خمسة عشر الفاً، وساروا إلى الجيزة فلقيهم الأتراك، وعليهم ناصر الدولة بن حمدان فهزموهم إلى الصعيد، وعاد ناصر الدولة والأتراك ظافرين. واجتمع العبيد في الصعيد، وحضر الأتراك بدار المستنصر فأمرت أمه العبيد بالدار أن يفتكوا بمقدمي الأتراك ففعلوا وهربوا إلى ظاهر البلد، ومعهم ناصر الدولة، وقاتل أولياء المستنصر فهزمهم، وملك الإسكندرية ودمياط وقطع الخطبة منهما ومن سائر الريف للمستنصر. وراسل الخليفة العبّاسيّ ببغداد وافترق الناس من القاهرة. ثم صالح المستنصر ودخل القاهرة واستبدّ عليه، وصادر أمه على خمسين ألف دينار، وافترق عنه أولاده وكثير من أهله في البلاد. ودسّ المستنصر لقوّاد الأتراك بأنه يحول الدعوة فامتعضوا لذلك، وقصدوه في بيته، وهو آمن منهم فلما خرج إليهم تناولوه بسيوفهم حتى قتلوه وجاءوا برأسه، ومروا على أخيه في بيته فقطعوا رأسه، وأتوا بهما جميعاً إلى المستنصر، وذلك سنة خمس وستين، وولّى عليهم الذكر منهم وقام بأمر الدولة. باستيلاء بدر الجمالي علي الدولة: أصل بدر هذا من الأرمن من صنائع الدولة بمصر وواليها، وكان حاجباً لصاحب دمشق، واستكفاه فيما وراء بابه. ثم مات صاحب دمشق فقام بالأمور إلى أن وصل الأمير على دمشق، وهو ابن منير فسار هو إلى مصر وترقًى في الولايات إلى أن ولي عكَا وظهر منه كفاية واضطلاع. ولما وقع بالمستنصر ما وقع من استيلاء الترك عليه،

والفساد والتضييق، استقدم بدرا الجمالي لولاية الأمور بالحضرة فاستأذن في الاستكثار من الجند لقهر من تغلب من جند مصر فأذن له في ذلك، وركب البحر من عكا في عشرة مراكب، ومعه جند كثيف من الارمن وغيرهم فوصل إلى مصر، وحضر عند الخليفة فولاَه ما وراء بابه، وخلع عليه بالعقد المنظوم بالجوهر مكان الطوق، ولقبه بالسيد الأجل أمير الجيوش، مثل والي دمشق. وأضيف إلى ذلك كافل قضاة المسلمين، وداعي دعاة المؤمنين، ورتّب الوزارة وزاده سيفه ورد الأمور كلّها إليه، ومنه إلى الخليفة. وعاهده الخليفة على ذلك، وجعل إليه ولاية الدعاة والقضاة، وكان مبالغاً في مذهب الإمامية فقام بالأمور، واستردّ ما كان تغلّب عليه أهل النواحي مثل ابن عفار بطرابلس، وابن معروف بعسقلان وبني عقيل بصور. ثم استرد من القوّاد والأمراء بمصر جميع ما أخذوه أيام الفتنة من المستنصر من الأموال والأمتعة.وسار إلى دمياط وقد تغلَب عليها جماعة من المفسدين من العرب وغيرهم فأثخن في لواته بالقتل والنهب في الرجال والنساء، وسبى نساءهم، وغنم خيولهم. ثم سار إلى جهينة وقد ثاروا ومعهم قوم من بني جعفر فلقيهم على طرخ العليا سنة تسع وستين فهزمهم، وأثخن فيهم، وغنم أموالهم. ثم سار إلى أسوان وقد تغلب عليها كنز الدولة محمد فقتله وملكها، وأحسن إلى الرعايا ونظّم حالهم وأسقط عنهم الخراج ثلاث سنين، وعادت الدولة إلى أحسن ما كانت عليه.

وصول الغز إلى الشام واستيلاؤهم عليه وحصارهم مصر

كان السلجوقية وعساكرهم من الغزّ قد استولوا في هذا العصر على خراسان والعراقين وبغداد، وملكهم طغرلبك، وانتشرت عساكرهم في سائر الأقطار، وزحف إتسز

بن أنز من أمراء السلطان ملك شاه وسماه الشاميون أفسفس، والصحيح هذا، وهو اسم تركي هكذا قال ابن الأثير فزحف سنة ثلاث وثلاثين، بل وستين ففتح الرملة، ثم بيت المقدس، وحاصر دمشق وعاث في نواحيها، وبها المعلى بن حيدرة، ولم يزل يوالي عليها البعوث إلى سنة ثمان وستين، وكثر عسف المعلى بأهلها مع ما هم فيه من شدة الحصار فثاروا به، وهرب إلى بلسيس. ثم لحق بمصر فحبس إلى أن مات، ولما هرب من دمشق اجتمعت المصامدة وولوا عليهم انتصار بن يحمى منهم ولقبوه وزير الدولة. ثم اضطربوا مما هم فيه من الغلاء، وجاء أمير من القدس فحاصرهم حتى نزلوا على أمانه.وانزل وزير الدولة بقلعة بانياس، ودخل دمشق في ذي القعدة، وخطب فيها للمقتدي العباسي. ثم سار إلى مصر سنة تسع وستين فحاصرها، وجمع بدر الجمالي العساكر من العرب وغيرهم وقاتله فهزمه، وقتل اكثر أصحابه، ورجع إتسز منهزما إلى الشام فأتى دمشق، وقد صانوا مخلفه فشكرهم ورفع عنهم خراج سنة تسع وستين، وجاء إلى بيت المقدس فوجدهم قد عاثوا في مخلفه، وحصروا أهله وأصحابه في مسجد داود عليه السلام فحاصرهم ودخل البلد عنوة، وقتل أكثر أهله حتى قتل كثيرا في المسجد الأقصى.ثم جهز أمير الجيوش بدر الجمالي العساكر من مصر مع قائده نصير الدولة فحاصر دمشق، وضيق عليها، وكان ملك السلجوقية السلطان ملك شاه قد اقطع أخاه تتش سنة سبعين وأربعمائة بلاد الشام، وما يفتحه منها فزحف إلى حلب وحاصرها وضيق عليها، ومعه جموع كثيرة من التركمان فبعث إليه إتسز من دمشق يستصرخه فسار إليه، وأجفلت عساكر مصر عن دمشق، وخرج إتسز من دمشق للقائه فقتله وملك البلد، وذلك سنة إحدى وسبعين. وملك ملك شاه بعد ذلك حلب، واستولى السلجوقية على الشام أجمع وزحف أمير الجيوش بدر الجمالي من مصر في العساكر إلى دمشق، وبها تاج الدولة تتش فحاصره وضيق عليه، وامتنع عليه، ورجع، وزحفت عساكر مصر سنة اثنتين وثمانين إلى الشام فاسترجعوا مدينة صور من يد أولاد القاضي عين الدولة بن ابي عقيل، كان أبوهم قد انتزى عليها، ثم فتحوا مدينة صيدا، ثم مدينة جميل(3)، وضبط أمير الجيوش البلاد وولى عليها العمال. وفي سنة أربع وثمانين استولى الفرنج على جزيرة صقلية، وكان أمير الجيوش قد ولى على مدينة صور منير الدولة الجيوشى من طائفته فانتقض سنة ست وثمانين، وبعث إليه أمير الجيوش العساكر فثار به أهل المدينة، واقتحمت عليهم العساكر، وبعث منير الدولة إلى مصر في جماعة من أصحابه فقتلوا كلهم.ثم توفي أمير الجيوش بدر الجمالي سنة سبع وثمانين في ربيع الأول لثمانين سنة من عمره. وكان له موليان أمين الدولة لاويز ونصير الدولة أفتكين، فلما قضى بدر نحبه استدعى المستنصر لاويز ليقلده فأنكر ذلك أفتكين، وركب في الجند وشغبوا على المستنصر، واقتحموا القصر، وأسمعوه خشن الكلام فرجع إلى ولاية ولد بدر، وقدم للوزارة ابنه محمدا الملك أبا القاسم شاه، ولقبه بالأفضل مثل لقب أبيه. وكان أبو القاسم بن المقري رديفا لبدر في وزارته بما كان اختصه لذلك، فولى بعد موته الوزارة المقري، وكانت عندهم عبارة عن التوقيع بالقلم الغليظ. وقام الأفضل أبو القاسم بالدولة، وجرى على سنن أبيه في الاستبداد، وكانت وفاة المستنصر قريبا من ولايته.

وفاة المستنصر وولاية ابنه المستعلي

ثم توفي المستنصر معد بن الظاهر يوم التروية سنة سبع وثمانين لستين سنة من خلافته، ويقال لخمس وستين بعد أن لقي أهوالا وشدائد وانفتقت عليه فتوق استهلك فيها أمواله وذخائره حتى لم يكن له إلا بساطه الذي يجلس عليه، وصار إلى حد العزل والخلع، حتى تدارك أمره باستقدام بدر الجمالي من عكا فتقوم أمره، ومكنه في خلافته. ولما مات خلف من الولد احمد ونزارا وأبا القاسم. وكان المستنصر فيما يقال قد عهد لنزار، وكانت بينه وبين ابي القاسم الأفضل عداوة فخشي بادرته، وداخل عمته في ولاية أبي القاسم، على أن تكون لها كفالة الدولة، فشهدت بان المستنصر عهد له بمحضر القاضي والداعي فبويع ابن ست، ولقب المستعلى بالله واكره أخوه الأكبر على بيعته ففر إلى الإسكندرية بعد ثلاث، وبها نصير الدولة أفتكين مولى بدر الجمالي الذي سعى للأفضل فانتقض وبايع لنزار بعهده، ولقب المصطفى لدين الله.

وسار الأفضل بالعساكر وحاصرهم بالإسكندرية، واستنزلهم على الامان أعطاهم اليمين على ذلك، واركب نزارا السفن إلى القاهرة وقتل بالقصر. وجاء الأفضل ومعه أفتكين اشيرا فأحضره يوما ووبخه فهم بالرد عليه فقتل بالضرب بالعصى، وقال: لا يتناول اليمين هذه للقتلة، ويقال أن الحسين بن الصباح رئيس الإسماعيلية بالعراق قصد المستنصر في زفي تاجر وسأله إقامة الدعوة له ببلاد العجم فأذن له في ذلك، وقال له الحسن من إمامي بعدك؟ فقال: ابني نزار فسار ابن الصباح ودعا الناس ببلاد العجم إليه سرا. ثم أظهر أمره وملك القلاع هنالك، مثل قلعة الموت وغيرها كما نذكره في أخبار الإسماعيلية، وهم من اجل هذا الخبر يقولون بإمامة نزار.ولما ولي المستعلي خرج ثغرعن طاعته وولي عليه واليه كشيلة، وبعث المستعلي العساكر فحاصره، ثم اقتحموا عليه، وحملوه إلى مصر فقتل بها سنة إحدى وتسعين وأربعمائة. وكان تتش صاحب الشام قد مات، واختلف بعده ابناه رضوان ودقاق، وكان دقاق بدمشق، ورضوان بحلب فخطب رضوان في أعماله للمستعلي بالله أياما قلائل ثم عاودوا الخطبة للعباسيين.

استيلاء الفرنج علي بين المقدس

كان بيت المقدس قد أقطعه تاج الدولة تتش للأمير سليمان بن ارتق التركماني، وقارن ذلك استفحال الفرنج واستطالهم على الشام، وخروجهم سنة تسعين وأربعمائة، ومروا بالقسطنطينية وعبروا خليجها وخلى صاحب القسطنطينية سبيلها ليحولوا بينه وبين صاحب الشام من السلجوقية والغز فنازلوا اولاً أنْطاكِية فأخذوها من يد باغيسيان، من قواد السلجوقية، وخرج منها هاربا فقتله بعض الأرمن في طريقه، وجاء برأسه إلى الفرنج بأنْطاكِية. وعظم الخطب على عساكر الشام، وسار كربوقا صاحب الموصل فنزل مرج دابق واجتمع إليه دقاق بن تتش، وسليمان بن ارتق، وطغتكين أتابك صاحب حمص، وصاحب سنجار، وجمعوا من كان هنالك من الترك والعرب، وبادروا إلى أنْطاكِية لثلاثة عشر يوماً من حلول الفرنج بها.وقد اجتمع ملوك الفرنج ومقدمهم بنميد، وخرج الفرنج وتصادموا مع المسلمين، فانهزم المسلمون وقتل الفرنج منهم ألوفا، واستولوا على معسكرهم، وساروا إلى معرة النعمان، وحاصروها أياما، وهربت حاميتها، وقتلوا منها نحوا من مائة ألف، وصالحهم ابن منقذ على بلده شيزر، وحاصروا حمص فصالحهم عليها جناح الدولة، ثم حاصروا عكة فامتنعت عليهم، وأدرك عساكر الغز من الوهن ما لا يعبر عنه فطمع أهل مصر فيهم، وسار الأفضل بن بدر بالعساكر لاسترجاع بيت المقدس فحاصرها، وبها سقمان، وأبو الغازي ابنا ارتق، وابن أخيهما ياقوتي وابن عمهما سوتج، ونصبوا عليها نيفا وأربعين منجنيقاً، أقاموا عليها نيفا وأربعين يوما ثم ملكوها بالأمان في سنة تسعين.وأحسن الأفضل إلى سقمان وأبي الغازي ومن معهما، وخفى سبيلهم، فسار سقمان إلى بلد الرها وأبو الغازي إلى بلد العراق، وولى الأفضل على بيت المقدس، ورجع إلى مصر ثم سارت الفرنج إلى بيت المقدس وحاصروه نيفا وأربعين يوما، ونصبوا عليه برجين، ثم اقتحموها من الجانب الشمالي لسبع بقين من شعبان، واستباحوها أسبوعا، ولجأ المسلمون إلى محراب داود عليه السلام، واعتصموا به، إلى أن استنزلهم الفرنج بالأمان، وخرجوا إلى عسقلان، وقتل بالمسجد عند الشجرة سبعون الفاً، واخذوا من المسجد نيفاً وأربعين قنديلا من الفضة، يزن كل واحد منها ثلاثة آلاف وستمائة، وتنورا من الفضة يزن أربعين رطلا بالشامي، ومائة وخمسين قنديلا من الصفر، وغير ذلك مما لا يحصى. وأجفل أهل بيت المقدس وغيرهم من أهل الشام إلى بغداد، باكين على ما أصاب الإسلام ببيت المقدس من القتل والسبي والنهب. وبعث الخليفة أعيان العلماء إلى السلطان بركيارق وإخوته محمد وسنجر، بالمسير إلى الجهاد فلم يتمكنوا من ذلك، للخلاف الذي كان بينهم. ورجع الوفد مؤيسين من نصرهم. وجمع الأفضل أمير الجيوش بمصر العساكر، وسار إلى الفرنج فساروا إليهم وكبسوهم على غير أهبة فهزموهم. وافترق عسكر مصر، وقد لاذوا بخم الشعراء هناك فأضرموها عليهم ناراً فاحترقوا وقتل من ظهر، ورجع الفرنج إلى عسقلان فحاصروها حتى أنزلوا لهم عشرين ألف دينار فارتحلوا.


وفاة المستعلي وولاية ابنه الأمر: ثم توفي المستعلي أبو القاسم أحمد بن المستنصر منتصف صفر سنة خمس وتسعين لسبع سنين من خلافته، فبويع ابنه أبو علي ابن خمس سنين، ولقب الآمر بأحكام الله، ولم يل الخلافة فيهم أصغر منه، ومن المستنصر فكان هذا لا يقدر على ركوب الفرس وحده.

هزيمة الفرنج لعساكر مصر

ثم بعث الأفضل أمير الجيوش بمصر العساكر لقتال الفرنج مع سعد الدولة الفراسي أميرا، مملوك أبيه، فلقي الفرنج بين الرملة ويافا، ومقدمهم بغدوين فقاتلهم، وانهزم وقتل واستولى الفرنج على معسكره فبعث الأفضل ابنه شرف المعالي في العساكر فبارزوهم قرب الرملة وهزمهم، واختفى بغدوين في الشجر، ونجا إلى الرملة مع جماعة من زعماء الفرنج، فحاصرهم شرف المعالي خمسة عشر يوما حتى أخذهم فقتل منهم أربعمائة صبرا. وبعث ثلاثمائة إلى مصر ونجى بغدوين للغزو، وسار بهم إلى عسقلان فهرب شرف المعالي وعاد إلى أبيه. وملك الفرنج عسقلان، وبعث العساكر في البر مع تاج العجم مولى أبيه إلى عسقلان، وبعث ا أسطول في البحر إلى يافا مع القاضي ابن قادوس فبلغ إلى يافا، واستدعى تاج العجم وحبسه. وبعث جمال الملك من مواليه إلى عسقلان مقدم العساكر الشامية. ثم بعث الأفضل سنة ثمان وتسعين ابنه سنا الملك حسين، وأمر جمال الملك بالسير معه لقتال الفرنج فساروا في خمسة آلاف، واستمدوا طغتكين أتابك دمشق فأمدهم ألف وثلاثمائة، ولقوا الفرنج بين عسقلان ويافا فتفانوا بالقتل، وتحاجزوا، وافترق المسلمون إلى عسقلان ودمشق. وكان مع الفرنج بكتاش بن تتش، عدل عنه طغتكين بالملك إلى بني أخيه دقاق بن تتش فلحق بالإفرنج مغاضبا.

استيلاء الفرنج علي طرابلس وبيروت

كانت طرابلس رجعت إلى صاحب مصر، وكان يحاصرها من الفرنج ابن المرداني صاحب صيحيل، والمدد يأتيهم من مصر. فلما كانت سنة ثلاث وخمسين وصل اسطول من الفرنج مع "ويمتدين" إلى صيحيل، من قمامصتهم فنزل على طرابلس، وتشاجر مع المرداني فبادر بغدوين صاحب القدس، وأصلح بينهم ونزلوا جميعا على طرابلس، وألصقوا أبراجهم بسورها، وتأخرت الميرة عنهم من مصر في البحر لركود البحر فاقتحمها الفرنج عنوة ثاني الأضحى من سنة ثلاث وخمسين، وقتلوا ونهبوا وأسروا وغنموا. وكان واليها قد أستأمن قبل فتحها في جماعة من الجند فلحقوا بدمشق، ووصل الأسطول بالمدد وكفاية سنة من الأقوات بعد فتحها ففرقوه في صور وصيدا وبيروت، واستولى الفرنج على معظم سواحل الشام. وإنما خصصنا هذه بالذكر في الدولة العلوية لأنها كانت من أعمالهم وسنذكر البقية في أخبار الفرنج أن شاء الله تعالى.

استرجاع أهل مصر بعسقلان

كان الأمير قد استولى على عسقلان، وبها قائد من قواد شص الخلافة فداخل بغدوين صاحب بيت المقدس من الفرنج وهاداه ليمتنع به على أهل مصر، وجهز أمير الجيوش عسكرا من مصر للقبض عليه إذا حضر وشعر بذلك، وانتقض، وأخرج من عنده من أهل مصر، وخاف الأفضل أن يسلم عسقلان إلى الفرنج فأقره على عمله، وارتاب شمس الخلافة بأهل عسقلان وأتخذ بطانة من الأرمن فاستوحش أهل البلد فثاروا به وقتلوه، وبعثوا إلى الآمر والأفضل بذلك فأرسل إليهم الوالي من مصر، واحسن إليهم واستقامت أحوالهم. وحاصر بغدوين بعد ذلك مدينة صور وفيها عساكر الأرمن واشتد في حصارها بكل نوع وكان به عز الملك الأعز من أولياء

الأمر فاستمد طغتكين اتابك دمشق فأمده بنفسه وطال الحصار، وحضر أوان الغلال فخشي الفرنج أن يفسد طغتكين غلال بلدهم فأفرجوا عنها إلى عكا وكفى بالله شرهم. ثم زحف بغدوين ملك الفرنج من القدس إلى مصر وبلغ سنتين، وسبح في النيل فانتقض عليه جرح كان به، وعاد إلى القدس ومات، وعهد بملك القدس للقمص صاحب الرها، ولولا ما نزال بملوك السلجوقية من الفتنة لكانوا قد استرجعوا من الفرنج جميع ما ملكوه من الشام. ولكن الله خبأ ذلك لصلاح الدير بن أيوب حتى فاز بذكره.

مقتل الأفضل

قد قدمنا أن الآمر ولاه الأفضل صغيرا ابن خمس، فلما استجمع واشتد تنكر للأفضل وثقلمت وطأته عليه، فانتقل الأفضل إلى مصر وبنى بها دارا ونزلها، وخطب منه الأفضل ابنته فزوجها على كره منه، وشاور الآمر اصحابه في قتله فقال له ابن عمه عبد المجيد، وكان ولي عهده لا تفعل، وحذره سوء الاحدوثة لما اشتهر بين الناس من نصحه ونصح أبيه وحسن ولايتهما للدولة، ولا بد من إقامة غيره والاعتماد فيتعرض للحذر من مثلها إلى الامتناع منه. ثم أشار عليه من مداخلة ثقته ابي عبد الله بن البطائحي في مثل ذلك فإنه يحسن تدبيره ويضع عليه من يغتاله، وبقتل به فيسلم عرضك. وكان ابن البطائحي فراشا بالقصر، واستخلصه الأفضل ورقاه واستحجبه فاستدعاه الآمر وداخله في ذلك، ووعده بمكانه فوضع عليه رجلان فقتلاه بمصر، وهو سائر في موكبه من القاهرة منقلبا من خزانة السلاح في سنة خمس عشرة وخمسمائة، كان يفرق السلاح على العادة في الأعياد، وثار الغبار في طريقه فانفرد عن الموكب فبدره الرجلان وطعناه فسقط، وقتلا، وحملا إلى داره وبه رمق فجاءه الآمر متوجعا، وسأله عن ماله فقال: أما الظاهر فأبو الحسن ابن ابي أسامة يعرفه، وكان أبوه قاضيا بالقاهرة، واصله من حلب. وأما الباطن فإن البطائحي يعرفه. ثم قضى الأفضل نحبه لثمان وعشرين سنة من وزارته، وإحتاط الآمر على داره فوجد له ستة آلاف كيس من الذهب العين، وخمسين أردبا من الورق، ومن الديباج الملون والمتاع البغدادي والاسكندري، وطرف الهند، وأنواع الطيوب والعنبر

والمسك ما لا يحصى. حتى لقد كان من ذخائره دكة عاج وأبنوس محلاه بالفضة عليها عرم متمن من العنبر زنته ألف رطل، وعلى العرم مثل طائر من الذهب برجلين مرجانا ومنقار زمرذا، وعينان ياقوتتان كان ينصبها في بيته ويضوع عرفها فيعم القصر وصارت إلى صلاح الدين.

ولاية ابن البطائحي

قال ابن الأثير: كان أبوه من جواسيس الأفضل بالعراق، ومات ولم يخلف شيئا. ثم ماتت أمه وتركته معلقا فتعلم البناء اولاً. ثم صار يحمل الأمتعة بالأسواق، ويدخل بها على الأفضل فخف عليه واستخدمه مع الفراشين، وتقدم عنده واستحجبه ولما قتل الأفضل ولاه الآمر مكانه وكان يعرف بابن فاتت، وابن القائد فدعاه الآمر جلال الإسلام، ثم خلع عليه بعد سنتين من ولايته للوزارة، ولقبه المأمون فجرى على سنن الأفضل في الاستبداد، ونكر ذلك الآمر، وتنكر له، واستوحش المأمون، وكان له أخ يلقب المؤتمن فاستأذن الآمر في بعثه إلى الإسكندرية لحمايتها ليكون له ردءاً هنالك فأذن له، وسار معه القواد، وفيهم علي بن السلار، وتاج الملوك قائمين، وسنا الملك الجمل ودري الحروب وأمثالهم، وأقام المأمون على استيحاش من الآمر، وكثرت السعاية فيه وأنه يدعي أنه ولد نزار من جارية خرجت من القصر حاملا به، وأنه بعث ابن نجيب الدولة إلى اليمن يدعو له فبعث الآمر اليمن في استكشاف ذلك.

مقتل البطائحي

ولما كثرت السعاية فيه عند الآمر، وتوغر صدره عليه، كتب إلى القواد الذين كانوا مع أخيه بثغر الإسكندرية بالوصول إلى دار الخلافة (1) فهم لذلك علي بن

سلار فحضروا، واستأذن المؤتمن بعدهم في الوصول فأذن له. وحضر رمضان من سنة تسع عشرة فجاؤوا إلى القصر للإفطار على العادة، ودخل المأمون والمؤتمن فقبض عليهما وحبسهما داخل القصر، وجلس الآمر من الغد في إيوانه، وقرأ عليه وعلى الناس كتابا بتعديد ذنوبهم. وترك الآمر رتبة الوزارة خلوا، وأقام رجلين من أصحاب الدواوين يستخرجان الأموال من الخراج والزكاة والمكس، ثم عزلهما لظلمهما. ثم حضر الرسول الذي بعثه إلى اليمن ليكشف خبر المأمون، وحضر ابن نجيب وداعيته فقتل، وقتل المأمون وأخوه المؤتمن.

مقتل الآمر وخلافة الحافظ

كان الآمر مؤثرا للذاته، وطموحا إلى المعالي وقاعدا عنها، وكان يحدث نفسه بالنهوض إلى العراق في كل الوقت، ثم يقصر عنه، وكان يقرض الشعر قليلا ومن قوله:

  1. أصبحت لا أرجو ولا القى إلا إلهي وله الفضــل
  2. جدي نبي وإمامي ابي ومذهبي التوحيد والعـدل

وكانت الفداوية تحاول قتله فيتحرر منهم، واتفق أن عشرة منهم اجتمعوا في بيت، وركب بعض الأيام إلى الروضة، ومر على الجسر بين الجزيرة ومصر فسبقوه فوقفوا في طريقه. فلما توسط الجسر أنفرد عن الموكب لضيقه فوثبوا عليه، وطعنوه وقتلوا لحينهم، ومات هو قبل الوصول إلى منزله سنة أربع وعشرين وخمسمائة لتسع وعشرين سنة ونصف من خلافته. وكان قد استخلص مملوكين، وهما برغش العادل، وبرعوارد هزبر الملوك، وكان يؤثر العادل منهما، فلما مات الآمر تحيلوا في قيام المأمون عبد الحميد بالأمر، وكان أقرب القرابة سنا وابوه أبو القاسم بن المستضيء معه، وقالوا أن الآمر أوصى بأن فلانة حامل فدلته الرؤيا بأنها تلد ذكرا فهو الخليفة بعدي، وكفالته لعبد الحميد فأقاموه كافلا ولقبوه الحافظ لدين الله؟ وذكروا من الوصية أن يكون هزبر الملوك وزيرا والسعيدباس من موالي الأفضل صاحب الباب، وقرأوا السجل بذلك في دار الخلافة.

ولاية أبي علي بن الأفضل الوزارة ومقتله

ولما تقرر الأمر على وزارة هزبر الملوك، وخلع عليه أنكر ذلك الجند، وتولى كبر ذلك رضوان بن ونحش كبيرهم. وكان أبو علي بن الأفضل حاضرا بالقصر فحثه برغش العادل على الخروج حسدا لصاحبه، وأوجد له السبيل إلى ذلك فخرج، وتعلق به الجند، وقالوا: هذا الوزير ابن الوزير، وتنصل فلم يقبلوا، وضربوا له خيمة بين القصرين، وأحدقوا به، وأغلقت أبواب القصر فتسوروه، وولجوا من طيقانه. واضطر الحافظ إلى عزل هزبر الملوك، ثم قتله وولى أبو علي احمد بن الأفضل الوزارة، وجلس بدست أبيه، ورد الناس أموال الوزارة المقضية. واستبد على الحافظ ومنعه من التصرف، ونقل الأموال من الذخائر والقصر إلى داره، وكان إماميا متشددا فأشار عليه الإمامية بإقامة الدعوة للقائم المنتظر. وضرب الدراهم بإسمه دون الدنانير. ونقش عليها الله الصمد الإمام محمد، وهو الإمام المنتظر. وأسقط ذكر إسمعيل من الدعاء على المنابر، وذكر الحافظ، وأسقط من الآذان حي على خير العمل. ونعت نفسه بنعوت أمر الخطباء بذكرها على المنابر. وأراد قتل الحافظ بمن قتله الآمر من أخوته، فإن الآمر أجحفهم عند نكبة الأفضل، وقتلهم فلم يقدر أبو علي على قتله، فخلعه واعتقله. وركب بنفسه في المواسم، وخطب للقائم مموها فتنكر له أولياء الشيعة ومماليك الخلفاء. وداخل يونس الجند من كتامة وغيرهم في شأنه، واتفقوا على قتله. وترصد له قوم من الجند فاعترضوه خارج البلد، وهو في موكبه، وهم يتلاعبون على الخيل. ثم اعتمدوه فطعنوه وقتلوه، وأخرجوا الحافظ من معتقله، وجددوا له البيعة بالخلافة، ونهب دار ابي علي. وركب الحافظ وحمل ما بقي فيها إلى القصر. واستوزر أبا الفتح يانسا الحافظي، ولقبه أمير الجيوش، وكان عظيم الهيبة بعيد الغور، واستبد عليه، فاستوحش كل منهما بصاحبه. ويقال أن الحاكم وضع له سما في المستراح هلك به، وذلك آخر ذي الحجة سنة ست وعشرين.

قيام حسن بن الحافظ بأمر الدولة ومكره بأبيه ومهلكه

ولما هلك يانس، أراد الحافظ أن يخلي دست الوزارة ليستريح من التعب الذي عرض منهم للدولة، وأجمع أن يفوض ا أمور إلى ولده، وفوض إلى ابنه سليمان. ومات لشهرين فأقام ابنه الآخر حسنا فحدثته نفسه بالخلافة، وعزم على اعتقال أبيه، وداخل الإجناد في ذلك فأطاعوه، واطلع أبوة على أمره ففتك بهم. يقال إنه قتل منهم في ليلة أربعين. وبعث أبوه خادما من القصر فهزمه حسن، وبقي الحافظ محجورا، وفسد أمره، وبعث حسن بهرام الأرمني لحشد الأرمن ليستظهر بهم على الجند، وثاروا بحسن وطلبوه من أبيه، ووقفوا بين القصرين، وجمعوا الحطب لإحراق القصر. واستبشع إلى حافظ قتله بالحديد، فأمر طبيبه ابن فرقة عنه في ذلك سنة تسع وعشرين.

وزارة بهرام ورضوان بعده

ولما مات حسن بن الحافظ، ورحل بهرام لحشد الأرمن، اجتمع الجند وكان بهرام كبيرهم وراودوا الحافظ على وزارته فوافقهم، وخلع عليه، وفوض إليه الأمور السلطانية، واستثنى عليه الشرعية، وتبعه تاج الدولة أفتكين في الدولة، واستعمل الأرمن، وأهانوا المسلمين، وكان رضوان بن ولحيس صاحب الباب، وهو الشجاع الكاتب من أولياء الدولة، وكان ينكر على بهرام ويهزأ به فولاه بهرام الغربية، ثم جمع رضوان وأتى إلى القاهرة ففر بهرام وقصد قوص، في ألفين من ا أرمن، ووجد أخاه قتيلا فلم يعرض لأهل قوص، وباء بحق الخلافة، وصعد إلى أسوان فامتنعت عليه بكنز الدولة. ثم بعث رضوان العساكر في طلبه مع أخيه الأكبر، وهو إبراهيم ا أوحد فاستنزله على الأمان له وللأرمن الذين معه. وجاء به فأنزله الحافظ في القصر إلى أن مات على دينه، واستقر رضوان في الوزارة، ولقب بالأفضل وكان سنيا، وثان أخوه إبراهيم إماميا فأراد الاستبداد، وأخذ في تقديم معارفه سيفا وقلما. وأسقط المكوس، وعاقب من تصدى لها فتغير له الخليفة فأراد خلعه، وشاور في ذلك داعي الدعاة وفقهاء الإمامية فلم يعينوه في ذلك بشىء.

وفطن له الحافظ فدس خمسين فارسا ينادون في الطرقات بالثورة عليه، وينهضون باسم الحافظ فركب لوقته هاربا منتصف شوال سنة ثلاث وثلاثين، ونهبت داره، وركب الحافظ، وسكن الناس، ونقل ما فيها إلى قصره. وسار رضوان يريد الشام ليستنجد الترك، وكان في جملته شاور، وهو من مصطفيه وأرسل الحافظ الأمير بن مصال ليرده على الأمان فرجع وحبس في القصر، وقيل وصل إلى سرخد فأكرمه صاحبها أمين الدولة كمستكين، وأقام عنده ثم رجع إلي مصر سنة أربع وثلاثين فقاتلهم عند باب القصر وهزمهم. ثم افترق عنه أصحابه أرادوا العود إلى الشام فبعث عنه الحافظ بن مصال، وحبسه بالقصر إلى سنة ثلاث وأربعين فنقب الحبس وهرب إلى الجيزة، وجمع المغاربة وغيرهم، ورجع إلى القاهرة، ونزل عند جامع الأقمر، وأرسل إلى الحافظ في المال ليفرقه فبعث عشرين ألفاً على عادتهم مع الوزير، ثم استزاد عشرين وعشرين. وفي خلال ذلك وضع الحافظ عليه جمعا كثيرا من السودان فحملوا عليه وقتلوه، وجاؤوا برأسه إلى الحافظ. واستمر الحافظ في دولته مباشرا لأموره وأخلى رتبة الوزارة فلم يول أحدا بعده.

وفاة الحافظ وولاية ابنه الظافر

ثم توفي الحافظ لدين الله عبد الحميد بن الأمير أبي القاسم، أحمد بن المستنصر، سنة أربع وأربعين لتسع عشرة سنة ونصف من خلافته، وعن أبي العالية يقال بلغ عمره سبعا وسبعين سنة، ولم يزل في خلافته محجور الوزارة، ولما مات ولي بعده ابنه أبو منصور إسمعيل بعهده إليه بذلك، ولقب الظافر بأمر الله.

وزارة ابن مصال ثم ابن السلار

كان الحافظ لما عهد لابنه الظافر أوصاه بوزارة ابن مصال فاستوزره أربعين يوما، وكان علي بت السلار واليا على الإسكندرية، ومعه بلارة بنت عمه القاسم، وابنه منها عباس، وتزوجت بعده بابن السلار، وشب عباس، وتقدم عند الحافظ حتى ولي الغربية فلم يرض ابن السلار وزارة ابن مصال، واتفق مع عباس على عزله، وبلغ الخبر إلى ابن مصال فشكا إلى الظافر فلم يشكه فقال ذوو الحرب: ليس هنا من يقاتل ابن السلار فغضب الظافر، ودس عليه من بني علي مصلحيه فخرج إلى الصعيد وقدم ابن السلار إلى القاهرة فاستوزره الظافر، وهو منكر له، ولقبه العادل. وبعث العساكر مع العباس ربيبه في اتباع ابن مصال فخرج في طلبه. وكان جماعة من لواتة السودان فتحصنوا من عباس في جامع دولام فأحرقه عليهم، وقتل ابن مصال وجاء برأسه. وقام ابن سلار بالدولة وحفظ النواميس وشد من مذاهبه أهله. وكان الخليفة مستوحشا منه منكرا له، وهو مبالغ في النصيحة والخدمة. واستخدم الرجالة لحراسته فارتاب له صبيان الخاص من حاشية الخليفة فاعتزموا على قتله ونمي ذلك فقبض على رؤوسهم فحبسهم، وقتل جماعة منهم وافترقوا، ولم يقدر الظافر على إنكار ذلك. واحتفل ابن السلار بأمر عسقلان، ومنعها من الفرنج، وبعث إليها بالمدد كل حين من الأقوات والأسلحة فلم يغن ذلك عنها، وملكها الفرنج، وكان لذلك من الوهن على الدولة ما تحدث به الناس. ولما قتل العادل بن السلار صبيان الخاص تأكد نكر الخليفة له، واشتد قلقه. وكان عباس بن أبي الفتوح صديقاً ملاطفا له فكان يسكنه ويهديه. وكان لعباس ولد اسمه نصير، استخصه الظافر واستدناه، ويقال كان يهواه ففاوض العادل عباسا في شأن ابنه، عن مخالطة ابنه للظافر فلم ينته ابنه، فنهى العادلى جدته عن السماح للولد أن يدخل إلى بيته فشق ذلك على نصير وعلى أبيه، وتنكر للعادل. وزحف الفرنج إلى عسقلان فجهز العادل الجيوش والعساكر إليها مددا مع ما كان يمدها به، وبعثهم مع عباس ابن أبي الفتوح فارتاب لذلك، وفاوض الظافر في قتل العادل وحضر معهم مؤيداً لدولة الأمير أسامة بن منقذ أحد أمراء شيزر وكان مقرباً عند الظافر، وصديقا لعباس فاستصوب ذلك وحث عليه، وخرج عباس بالعساكر إلى بلبيس، وأوصى ابنه نصير بقتله فجاء في جماعة إلى بيت جدته، والعادل نائم فدخل إليه وضربه فلم يجهز عليه، وخرج إلى أصحابه. ثم دخلوا جميعا فقتلوه وجاؤوا برأسه إلى الظافر، ورجع عباس من بلبيس بالعساكر فاستوزره الظافر وقام بالدولة، وأحسن إلى الناص وأيس أهل عسقلان من المدد فأسلموا أنفسهم وبلدهم بعد حصار طويل، وكان ذلك كله سنة ثمان وأربعين.

مقتل الظافر واخويه وولاية ابنه الفائز

ولما وزر عباس للظافر، وقام بالدولة، كان ولده نصير من ندمان الظافر، وكان يهواه كما تقدم. وكان أسامة بن منقذ من خلصاء عباس وأصدقائه فقبح عليه سوء المقالة في ابنه، وأشار عليه بقتل الظافر فاستدعى ابنه نصيرا وقبح عليه في شناعة الاحدوثة فيه ببن الناس، وأغراه باغتيال الظافر ليمحو عنه ما يتحدث به الناس فسأل نصير من الظافر أن يأتي إلى بيته في دعوة فركب من القصر إليه فقتله نصير، ومن جاء معه، ودفنهم في داره وذلك في محرم سنة تسع وأربعين وباكر إلى القصر، ولم ير الظافر، وسأل خدام القصر فأحسن العذر، ورجع إلى أخوي الظافر يوسف وجبريل فخبرهما بركوب الظافر إلى دار نصير فقالا له: خبر الوزير. فلما جاء عباس من الغد أخبره بأنه ركب إلى بيت نصير ابنه، ولم يعد فاستشاط غيظا عليه، ورماه بأنه داخل اخويه في قتله. ثم استدعاهما فقتلهما، وقتل معهما ابنا هنالك لحسن بن الحافظ. ثم أخرج ابنه القاسم عيسى ابن خمس سنين، وحمله على كتفه، وأجلسه على سرير الملك، وبايع له بالخلافة، ولقبه الفائز بالله ونقل عباس بسب ذلك ما في القصر من الأموال والذخائر ما لا حد له. وعند خروجه بأخويه رأى القتلى فاضطرب وفزع، وبقي سائر أيامه يعتاده الصرع. وزارة الصالح بن رزيك: ولما قتل الظافر وأخواه كما ذكرناه، كتب النساء من القصر إلى طلائع بن زريك وكان واليا على الاشمونين، والبهنسة. وجاء الخبر بان الناس اختلفوا على عباس بسبب ذلك فجمع وقصد القاهرة ولبس السواد حزنا، ورفع على الرماح الشعور التي بعث بها النساء حزنا. ولما عبر البحر خرج عباس وولده، ودفعوا ما قدروا عليه من مال وسلاح من حاصل الدولة، ومعهما صديقهما أسامة بن منقذ فاعترضهم الفرنج،

وقاتلوا فقتل عباس، وأسر ولده، ونجا أسامة إلى الشام. ودخل طلائع القاهرة في ربيع سنة تسع وخمسين، رجاء إلى القصر راجلا. ثم مضى إلى دار عباس ومعه الخادم الذي حضر لقتله فاستخرجه من التراب، ودفنه عند آبائه، وخلع الفائز عليه الوزارة ولقبه الصالح. وكان إماميا كاتبا أديبا فقام بأمر الدولة، وشرع في جمع الأموال والنظر في الولايات. وكان الأوحد بن تميم من قرابة عباس والياً على تنيس، وكان لما سمع بفعله قريبه عباس جمع وقصد القاهرة فسبقه طلائع؟ فلما استقل بالوزارة أعاده إلى عمله بدمياط وتنيس. ثم بعث في فداء نصير من عباس بن الفرنج فجيء به وقتله، وصلبه به زويله. ثم نظر في المزاحمين من أهل الدولة، ولم يكن أرفع رتبة من تاج الملوك قايماز، وابن غالب فوضع عليهما الجند فطلبوهما فهربا، ونهب دورهما وتتبع كبراء الأمراء بمثل ذلك حتى خلا الجو، ووضع الرقباء والحجاب على القصر، وثقلت وطأته على الحرم، ودبرت عمة الفائز في قتل الصلح، وفرقت الأموال في ذلك. ونمي الخبر إليه فجاء إلى القصر، وأمر الأستاذين والصقالبة بقتلها فقتلوها سرا، وصار الفائز في كفالة عمته الصغرى، وعظم اشتداد الفائز واستفحل أمره، وأعطى الولايات للأمراء، واتخذ مجلساً لأهل الأدب يسامرون فيه، وكان يقرض الشعر ولا يجيده. وولى شاور السعدي على قرضه، وأشار عليه حجابه يصرفه، واستقدمه فامتنع وقال: أن عزلني دخلت بلاد النوبة. وعلى عهده كان استيلاء نور الدين محمود الملك العادل على دمشق من يد ابن طغتكين أتابك تتش، سنة تسع وأربعين وخمسمائة.

وفاة الفائز وولاية العاضد

ثم توفي الفائز بنصر الله، أبو القاسم عيسى بن الظافر إسمعيل، سنة خمس وخمسين، لست سنين من خلافته فجاء الصالح بن رزيك إلى القصر، وطلب الخدام بإحضار أبناء الخلفاء ليختار منهم، وعدل عن كبرائهم إلى صغرائهم لمكان استبداده فوقع اختياره على ابي محمد عبد الله بن يوسف قتيل عباس فبايع له بالخلافة، وهو غلام، ولقبه العاضد لدين الله، وزوجه ابنته وجهزها بما لم يسمع بمثله.


مقتل الصالح بن رزيك وولاية ابنه رزيك

ولما استفحل يمر الصالح، وعظم استبداده بجباية الأموال والتصرف، وحجر العاضد تنكر له الحرم ودس إلى الأمراء بقتله. وتولت كبر ذلك عمة العاضد الصغرى التي كانت كافلة الفائز بعد أختها. واجتمع قوم من القواد والسودان، منهم الريفي الخادم، وابن الداعي والأمير بن قوام الدولة، وكان صاحب الباب، وتواطؤا على قتله، ووقفوا في دهليز القصر، وأخرج ابن قوام الدولة الناس أمامه وهو خارج من القصر، واستوقفه عنبر الريفي يحادثه، وتقدم ابنه رزيك فوثب عليه جماعة منهم وجرحوه، وضرب ابن الداعي الصالح فأثبته، وحمل إلى داره فبقي يجود بنفسه يومه ذلك. وإذا أفاق يقول رحمك الله يا عباس ومات من الغد. وبعث إلى العاضد يعاتبه على ذلك فحلف على البراءة من ذلك، ونسبه إلى العمة، وأحضر ابنه رزيك وولاه الوزارة مكان أبيه، ولقبه العادل فأذن له في الأخذ بثأره فقتل العفة، وابن قوام الدولة، والأستاذ عنبر الريفي، وقام بحمل الدولة، وأشير عليه بصرف شاور من قوص، وقد كان أبوه أوصاه ببقائه وقال له قد ندمت على ولايته، ولم يمكني عزله فصرفه، وولى مكانه الأمير بن الرفعة فاضطرب شاور وخرج إلى طريق الواحات، وجمع وقصد القاهرة، وجاء الخبر إلى رزيك فعجز عن لقائه، وخرج في جماعة من غلمانه بعدة أحمال من المال والثياب والجوهر، وانتهى إلى طفيحة، واعترضه ابن النضر، وقبض عليه، وجاء به إلى شاور فاعتقله، واعتقل معه أخاه فأراد الهرب من محبسه فوشى به أخوه فقتل لسنة من ولايته، ولتسع سنين من ولاية أبيه.

وزارة شاور ثم الضرغام من بعده

ودخل شاور القاهرة سنة ثمان وخمسين، ونزل بدار سعيد السعداء ومعه ولده طبن، وشجاع والطازي، وولاه العاضد الوزارة ولقبه أمير الجيوش، وأمكنه من أموال بني رزيك فاستصفى معظمها، وزاد أهل الرواتب والجرايات عشرة أمثالها، واحتجب

عن الناس، وكان الصالح بن رزيك قد أنشأ في لواتة أمراء يسمون البرقية، وكان مقدمهم الضرغام، وكان صاحب الباب فنازع شاور في الوزارة لتسعة أشهر من ولايته، وثار عليه وأخرجه من القاهرة فلحق بالشام، وقتل ولده عليا وكثيرا من أمراء المصريين، حتى ضعفت الدولة، وخلت من الأعيان، وأدى ذلك إلى خرابها. مسير شيركوه وعساكر نور الدين إلي مصر مع شاور: ولما لحق شاور إلى الشام نزل على الملك العادل نور الدين بدمشق صريخا، وشرط له ثلث الجباية على أن يقيم له العساكر. وجهز نور الدين شيركوه وكان مقدما في دولته ويذكر سبب اتصاله به في موضعه فساروا في جمادى الآخرة سنة تسع وخمسين، وقد تقدم نور الدين إلى أسد الدين شيركوه بان يعيد شاور إلى وزارته، وينتقم له ممن نازعه، وسار نور الدين بعساكره إلى طرف بلاد الفرنج ليمنعهم من اعتراض أسد الدين أن هموا به، ولما وصل اشد الدين وشاور إلى بلبيس، لقيهم ناصر الدين همام، وفخر الدين همام أخو الضرغام في عساكر مصر فهزموه، ورجع إلى القاهرة، وقتل رفقاؤه الأمراء البرقية الذين أغروه بشاور. ودخل أسد الدين القاهرة، ومعه أخو الضرغام أسيرا، وفر الضرغام فقتل بالجسر عند مشهد السيدة نفيسة، وقتل أخواه، وعاد شاور إلى وزارته، وتمكن منها. ثم نكث عهده مع أسد الدين وسلطانه وصرفه إلى الشام.

فتنة أسد الدين مع شاور وحصاره

ولما رجع أسد الدين من مصر إلى الشام، أقام بها في خدمة نور الدين. ثم استأذن نور الدين العادل سنة اثنتين وستين في العود إلى مصر فأذن له، وجهزه في العساكر وسار إلى مصر، ونازل بلاد الفرنج في طريقه. ثم وصل إلى أطفيح من ديار مصر، وعبر النيل إلى الجانب الغربي، ونزل الجيزة، وتصرف في البلاد الغربية نيفا وخمسين واستمد شاور الفرنج، وجاء بهم إلى مصر، وخرج معهم للقاء أسد الدين شيركوه فأدركوه بالصعيد فرجع للقائهم على رهب لكثرة عددهم، وصدقهم القتال فهزمهم على قلة من معه فأنهم لم يبلغوا ألفي فارس. ثم سار إلى الاسكندرية، وهو يجبي الأموال في طريقه إلى أن وصلها فاستأمن أهلها، وملكها، وولى عليها صلاح الدين يوسف بن أخيه نجم الدين أيوب، ورجع إلى جباية الصعيد. واجتمعت عساكر مصر والفرنج على القاهرة، وأزاحوا عللهم وساروا إلى الأسكندرية وحاصروا بها صلاح الدين فسار أسد الدين إليهم من الصعيد، ثم خذله بعض من معه من التركمان بمداخلة شاور، وبعثوا له أثر ذلك في الصلح فصالحهم ورد إليهم الأسكندرية، ورجع إلى دمشق فدخلها آخر ذي القعدة من سنة اثنتين وستين. واستطال الفرنج على أهل مصر، وشرطوا عليهم أن ينزلوا القاهرة وشحنة، وان تكون أبوابها بأيديهم لئلا تدخل عساكر نور الدين، وقرر ضريبة يحملها كل سنة فأجابه إلى ذلك.

رجوع أسد الدين إلى مصر ومقتل شاور ووزارته

ثم طمع الإفرنج في مصر، واستطالوا على أهلها، وملكوا بلبيس، واعتزموا على فصد القاهرة. وأمر شاور بتخريب مصر خشية عليها منهم فحرقت ونهب أهلها، ونزل الفرنج على القاهرة وأرسل العاضد إلى نور الدين يستنجده، وخشي شاور من إتفاق العاضد ونور الدين فداخل الفرنج في الصلح على ألفي ألف دينار مصرية معجلة، وعشرة آلاف إردب من الزرع، وحذرهم أمر القهر إلى ذلك، وكان فيه السفير الجليس بن عبد القوي، وكان الشيخ الموفق كاتب السر، وكان العاضد قد أمرهم بالرجوع إلى رأيه وقال: هو رب الحرمة علينا وعلى آبائنا، وأهل النصيحة لنا. فأمر الكامل شجاع بن شاور القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني أن يأتيه، ويشاوره فقال له قل لمولانا يعني العاضد أن تقرير الجزية للفرنج خير من دخول الغز للبلاد، وإطلاعهم على الأحوال. ثم بعث نور الدين العساكر مع أسد الدين شيركوه مددا للعاضد كما سأل، وبعث صلاح الدين ابن أخيه، وجماعة الأمراء فلما سمع الفرنج بوصولهم أفرجوا عن وفاة أسد الدين وولاية صلاح الدين الوزارة وقال ابن الطويل، مؤرخ دولة العبيدين: إنه هزمهم على القاهرة، ونهب معسكرهم، ودخل أسد الدين إلى القاهرة في جمادى سنة أربع وستين، وخلع عليه العاضد ورجع إلى معسكره، وفرضت له الجرايات. وبقي شاور على ريبة وخوف، وهو يماطله فيما يعين له من الأموال. ودس العاضد إلى أسد الدين بقتل شاور وقال: هذا غلامنا، ولا خير لك في بقائه، ولا لنا فبعث عليه صلاح الدين بن أخيه، وعز الدين خرديك. وجاء شاور إلى أسد الدين على عادته فوجده عند قبر الإمام الشافعي فسار إليه هنالك فاعترضه صلاح الدين وخرديك فقتلاه، وبعثا برأسه إلى العاضد، ونهبت العامة دوره، واعتقل ابناه شجاع والطازي، وجماعة من أصحابه بالقصر، وخلع عليه للوزارة واستقر في الأمر، وغلب على الدولة، وأقطع البلاد لعساكره. واستعد أصحابه في ولايتها، ورد أهل مصر إلى بلدهم، وأنكر ما فعلوه في تخريبها. ثم اجتمع بالعاضد مرة أخرى وقال له جوهر الأستاذ: يقول لك مولانا لقد تيقنا أن الله أدخرك نصرة لنا على أعدائنا فحلف له أسد الدين على النصيحة فقال له: الأمل فيك أعظم، وخلع عليه، وحسن عنده موقع الجليس بن عبد القوي، وكان داعي الدعاة وقاضي القضاة فأبقاه على مراتبه.


وفاة أسد الدين وولاية صلاح الدين الوزارة

ثم توفي أسد الدين رحمه الله تعلى لشهرين في أيام قلائل من وزارته، وقيل لأحد عشر شهرا، وأوصى أصحابه أن لا يفارقوا القاهرة. ولما توفي كان معه جماعة من الأمراء النورية، منهم عين الدولة الفاروقي، وقطب الدين نسال، وعين الدين المشطوب الهكاوي، وشهاب الدين محمود الحازمي فتنازعوا في طلب الرياسة، وفي الوزارة، وجمع كل أصحابه للمغالبة. ومال العاضد إلى صلاح الدين لصغره وضعفه عنهم، ووافقه أهل دولته على ذلك، بعد أن ذهب كثير منهم إلى دفع الغز وعساكرهم إلى الشرقية، ويولى عليهم قراقوش. ومال آخرون إلى وزارة صلاح الدين، ومالى العاضد إلى ذلك لمكافأته عن خدمته السالفة فاستدعاه، وولاه الوزارة، واضطرب أصحابه. وكان الفقيه عيسى الهكاري من خلصاء صلاح الدين فاستمالهم إليه إلا عين الدولة الفاروقي فإنه سار إلى الشام، وقام صلاح الدين بوزارة مصر نائباً عن نور الدين يكاتبه بالأمير الأصفهسان، ويشركه في الكتاب مع كافه الأمراء بالديار المصرية. ثم استبد صلاح الدين بالأمور، وضعف أمر العاضد، وهدم دار المعرفة بمصر، وكانت حبسا. وبناها مدرسة للشافعية، وبنى دار الغزل كذلك للمالكية، وعزل قضاة الشيعة، وأقام قاضيا شافعياً في مصر، واستناب في جميع البلاد.

حصار الفرنج دمياط

ولما جاء أسد الدين وأصحابه إلى مصر، وملكوها ودفعوهم عنها، ندموا على ما فرطوا فيها، وانقطع عنهم ما كان يصل إليهم، وخشوا غائلة العز على بيت المقدس، وكاتبوا الفرنج بصقلية والأندلس، واستنجدوهم، وجاءهم المدد من كل ناحية فنازلوا دمياط سنة خمس وستين، وبها شمس الخواص منكوريين فأمدها صلاح الدين بالعساكر والأموال، مع بهاء الدين قراقوش وأمراء الغز، واستمد نور الدين، واعتذر عن المسير إليها بشأن مصر والشيعة فبعث نور الدين العساكر إليها شيئا فشيئا، وسار بنفسه إلى بلاد الفرنج بسواحل الشام فضيق عليها، فاقلع الفرنج عن دمياط لخمسين يوما من نزولها فوجدوا بلادهم خراباً. وأثنى العاضد على صلاح الدين في ذلك. ثم بعث صلاح الدين غرابيه نجم الدين وأصحابه إلى مصر وركب العاضد للقائه تكرمة له.

واقعة الخصيان وعمارة

ولما استقام الأمر لصلاح الدين بمصر غص به الشيعة وأولياؤهم، واجتمع منهم العوريش، وقاضي القضاة ابن كامل، والأمير المعروف، والكاتب عبد الصمد، وكان فصيحا، وعمارة اليمني الشاعر الزبيدي، وكان متولي كبرها فاتفقوا على استدعاء الفرنج لأخراج الغز من مصر، وجعلوا لهم نصيبا وافرا من ارتفاعها، وعمدوا إلى شيعي من خصيان القصر اسمه نجاح ولقبه مؤتمن الدولة وكان قد ربى العاضد وصهره فأغروه بذلك، ورغبوا على أن يجمع رسول الفرنج بالعاضد فجمعه معه في بيته ملبساً بذلك، ولم يكن العاضد الذي حضر، وأوهموه انه عقد معه. ثم اتصل الخبر بنجم الدين بن مضال من أولياء الشيعة، وكان نجم الدين قد اختصه صلاح الدين وولاه الأسكندرية، واستغضبه بهاء الدين قراقوش ببعض النزغات فظنوا أنه غضب فاطلعوه على شأنهم، وأن يكون وزيرا وعمارة كات الدست، وصاحب ديوان الإنشاء، والمكاتبات مكان الفاضل بن كامل قاضي القضاة داعي الدعاة، وعبد الصمد جابي الأموال، والعوريش ناظرا عليه فوافقهم ابن مضال ووشى بهم إلى صلاح الدين فقبض عليهم، وعلى رسول الفرنج، وقررهم في عدة مجالس. وأحضر زمام القصر، وهو مختص بالغز، ونكر عليه خروج العاضد إلى بيت نجاح فحلف على نفسه وعلى العاضد أن هذا لم يقع، وأخبر العاضد بطلب حضور نجاح مع مختص فحضر، واعترف بالحق أن العاضد لم يحضر فتحقق صلاح الدين براءته. وكان عمارة يجالس شمس الدولة تورنشاه فنقل لأخيه صلاح الدين أنه امتدحه بقصيدة يغريه فيها بالمضي إلى اليمن، ويحمله على الإستبداد وأنه تعرض فيها للجانب النبوي، يوجب استباحة دمه وهو قوله:

  1. فاخلق لنفسك ملكا لا تضاف به إلى سواك وأور النار في العلم
  2. هذا ابن تومرت قد كانت ولايته كما يقول الورى لحماً على وضم
  3. وكان أول هذا الدين من رجل سعى إلى أن دعوه سيد الأمم

فجمعهم صلاح الدين وشنقهم في يوم واحد بين القصرين، وأخر ابن كامل عنهم عشرين يوما. ثم شنقه ومرعمارة بباب القاضي الفاضل فطلب لقاءه فمنع فقال وهو سائر إلى المشقة:

  1. عبد الرحيم قد احتجب أن الخلاص هو العجب

وفي كتاب ابن الأثير: أن صلاح الدين إنما اطلع على أمرهم من كتابهم الذي كتبوه إلى الفرنجة، عثر على حامله، وقرأ الكتاب، وجيء به إلى صلاح الدين فقتل مؤتمن الخلافة لقرينة، وعزل جميع الخدام، واستعمل على القصر بهاء الدين قراقوش وكان خصيا أبيض، وغضب السودان لقتل مؤتمن الخلافة، واجتمعوا في خمسين ألفاً وقاتلوا أجناد صلاح الدين بين القصرين، وخالفهم إلى بيوتهم فأضرمها نارا، واحرق أموالهم وأولادهم فانهزموا، وركبهم السيف. ثم استأمنوا ونزلوا الجيزة وعبر إليهم شمس الدولة توريشاه فاستلحمهم.

قطع الخطبة للعاضد وانقراض الدولة العلوية بمصر

كان نور الدين العادل يوم استقل صلاح الدين بملك مصر، وضعف أمر العاضد بها، وتحكم في قصره يخاطبه في قطع دعوتهم من مصر، والخطبة بها للمستضيء العباسي، وهو يماطل بذلك حذرا من استيلاء نور الدين عليه، ويعتذر بتوقع المخالفة من أهل مصر في ذلك فلا يقبل. ثم ألزمه ذلك فاستأذن فيه أصحابه فأشاروا به، وانه لا يمكن مخالفة نور الدين. ووفد عليه من علماء العجم الفقيه الخبشاني، وكان يدعى بالأمير العالم فلما رأى أحجامهم عن هذه الخطبة قال: أنا أخطبها فلما كان أول جمعة من المحرم سنة سبع وستين وخمسمائة، صعد المنبر قبل

الخطيب، ودعا للمستنصر فلم ينكر أحد عليه فأمر صلاح الدين في الجمعة الثانية الخطباء بمصر والقاهرة أن يقطعوا خطبة العاضد ويخطبوا للمستضيء ففعلوا، وكتب بذلك إلى سائر أعمال مصر. وكان العاضد في شدة من المرض فلم يعلمه أحد بذلك، وتوفي في عاشوراء من السنة، وجلس صلاح الدين للعزاء فيه، واحتوى طى قصر الخلافة بما فيه فحمله بهاء الدين قراقوش إليه، وكان في خزائنهم من الذخيرة ما لم يسمع بمثله من أصناف الجواهر واليواقيت والزمرد وحلي الذهب وآنية الفضة والذهب، ووجد ماعون القصر *، من الموائد والطسوت والأباريق والقدور والصحاف والخوان والبواقيل والمناير والطيافر والقباقب والأسورة كل ذلك من الذهب. ووجد من أنواع الطيوب واللباس والمذهبات والقرقبيات والمعلقات والوشي ما لا تقله الأوقار، ومن الكتب ما يناهز مائة وعشرين ألف سفر أعطاها للفاضل عبد الرحيم البيساني كاتبه وقاضيه، ومن الظهر والكراع والسلاح ومن الخدم والوصائف خمسين الفاً. ومن المال ما يملأ مائة بيت. ثم حبس رجالهم ونساءهم حش ماتوا، وكانت الدولة عند عهد العزيز والحاكم قد خلا جوها من رجالات كتامة، وتفرقوا في المشرق في سبيل ذلك الملك، وانقرضوا بانقراض أمر الشيعة وموت العاضد آخر خلفائهم، وأكلتهم الأقطار والوقائع شأن الدول كما ذكرناه من قبل. ولما هلك العاضد وحول صلاح الدين الدعوة إلى العباسية اجتمع قوم من الشيعة بمصر، وبايعوا الداود بن العاضد، ونمي خبرهم إلى صلاح الدين فقبض عليهم وقتلهم، وأخرج داود من القصر، وذلك سنة تسع وستين وخمسمائة. ثم خرج بعد حين ابنه سليمان بن داود رضي الله تعالى عنه بالصعيد، وحبس إلى أن هلك. وظهر بعد حين بجهة فاس بالمغرب محمد بن عبد الله بن العاضد، ودعا هنالك، وتسمى بالمهدي فقتل وصلب. ولم يبق للعبيديين ذكر إلا في بلاد الحثيثية من العراق، وهم دعاة الفداوية. وفي بلاد الإسماعيلية التي كانت فيها دعوتهم بالعراق. وقام بها ابن الصباح في قلعة الموت وغيرها كما يذكر في أخبارهم، إلى أن انقرضت تلك الدعوة اجمع بانقطاع دعوة العباسيين ببغداد على يد هولاكو، من ولد جنكزخان ملوك التتر سنة خمس وخمسين وستماية، والأمر لله وحده. هذه أخبار الفاطميين ملخصة من كتاب ابن الأثير، ومن تاريخ دولتهم لابن الطوير، وقليل من ابن المسيحي جمعت ما أمكنني منها ملخصا والله ولي العون.

الخبر عن بني حمدون ملوك المسيلة والزاب بدعوة العبيديين وما لأمرهم

كان علي بن حمدون أبوهم من أهل الأندلس، وهو علي بن حمدون بن سماك بن مسعود بن منصور الجذامي، يعرف بابن الأندلسي، واتصل بعبيد الله وأبي القاسم بالمشرق قبل شأن الدعوة، وبعثوه من طرابلس إلى عبد الله الشيعي فاحسن اللقاء والانصراف، ولزمهم أيام اعتقالهم بسجلماسة فلما استفحل ملكهم جذبوا أبا ضبيعة ورقوه إلى الرتب. ولما رجع أبو القاسم من حركته إلى المغرب سنة خمس عشرة وثلاثمائة، واختط مدينة المسيلة استعمل علي بن حمدون على بنائها وسماها المحمدية. ولما تم بناؤها عقد له على الزاب، وانزله بها، وشحنها بالأقوات التي كانت ميرة للعساكر عند محاصرة المنصور لأبي يزيد صاحب الحمار بجبل كتامة. ولم يزل واليا على الزاب، ورئى ابنيه جعفراً ويحيى بدار أبي القاسم. وكان جعفر سار إلى المعز. ولما كانت فتنة ابي يزيد وأضرمت إفريقية نارا وفتنة، وأهاب القائم بالأولياء من كل ناحية، كتب إلى ابن حمدون أن يجند قبائل البربر، ويوافيه فنهض إلى المهدية في عسكر ضخم بقسنطينة وهو يحتشد كل من مر به في طريقه حتى وصل إلى شق بنارية. ثم قارب باجة، وكان بها أيوب بن ابي يزيد في عسكر كبير من النكارية والبربر فزحف إليهم وتناور الفريقان. ثم بيته أيوب فاستباح معسكره وتردى كلي بن حمدون من بعض الشواهق فهلك سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة. ولما انقضت فتنـة ابي يزيد عقد المنصور على المسيلة والزاب لجعفر بن على بن حمدون، وأنزله بها أخاه يحيى، واستجدوا بها سلطاناً ودولة، وبنوا القصور وإلمنتزهات، واستفحل بها ملكهم وقصدهم بها العلماء والشعراء، وكان فيمن قصدهم ابن هانىء شاعر الأندلس وأمداحه فيهم معروفة مذكورة. وكان بين جعفر هذا وبين زيري بن مناد عداوة جرتها المنافسة والمساماة في الدولة فساء أثر زيري فيه عند صدمته للمغرب، وفتكه بزناتة، وسعوا به إلى الخليفة والقح له في جوانحه العداوة فكانت داعيته إلى زناتة.وتولى محمد بن خزر أمير مغراوة. ثم أن المعز لما اعتزم على الرحيل إلى القاهرة سنة اثنتين وثلاثمائة استقدم جعفرا فاستراب جعفر، ومال بعسكره إلى زناتة قبل قدومه، وانقطعت الرسائل بينه وبين صنهاجة والخليفة المعز، وشملت عليه زناتة قبل قدومه واجتمعوا عليه، ودعا إلى نقض طاعة المعز والدعاء للحاكم المستنصر فوجدهم اقدم إجابة لها، وناهضهم زيري الحرب قبل استكمال التعبية فكانت عليه من أمراء زناتة فكبا بزيري فرسه فطاح فقصوا رأسه، وبعثوا به مع جماعة من زناتة إلى الحاكم المستنصر فكرم الحاكم وفادتهم، ونصب رأس زيري بسوق قرطبة وأسنى جوائز الوفد، ورفع منزلة يحمى بن علي وأذن لجعفر في اللحاق بسدته.ولما علمت زناتة أن يوسف بن زيري يطالبهم بدم أبيه أظهروا الغدر به، ورأى أن يتجنب مجابهتهم لضيق ذات يده، وعجز رؤساؤهم عن الذب والدفاع عنها وقبضت الأيدي عن تناوله لدنو الفتنة ومراس العصبية فأوجس الخيفة في نفسه، وألطف الحيلة في الفرار رغبة بحيلته، وشحن السفن بما معه من المال والمتاع والرقيق والحشم وذخيرة السلطان، وأجاز البحر، ولحق بسدة الخلافة من قرطبه، وأجاز معه عظماء الزناتيين معطين الصفقة على القيام بدعوته، والإحتطاب في جبل طاعته فكرم مثواه وأجمل وفادتهم، وأحسن منصرفهم، وانقلبوا لمحبته والتشيع له، ومناغاة الأدارسة للقيام في خدمته بالمغرب الأقصى وبث دعوته. وتخلف عنهم أولاد علي بن حمدون بالحضرة، وأقاموا بسدة الخلافة، ونظموا في طبقات الوزراء وأجريت عليهم سنيات الارزاق، والتحقوا على حديث عهدهم بالقوم من أولياء الدولة.ثم كان بعد ذلك شأن اعتقالهم على طريق التأديب، لارتكابهم في منازعتهم أمرا، خرقوا به حدود الآداب مع الخلافة فاستدعوا إلى القصر واعتقلوا، ثم أطلقوا لأيام قلائل، لما انغمس الحكم في عله الفالج، وركدت ريح المروانية بالمغرب، واحتاجت الدولة إلى رجالهم لسد الثغور ودفع العدو. واستدعي يحمى بن محمد بن هاشم من العدوة، وكان والياً على فاس والمغرب، وأداله الحاجب المصفحي لجعفر بن علي بن حمدون، وجمعوا بين الانتفاع في مقارعة زناتة بالعدوة والراحة مما يتوقع منه على الدولة عند من ولي الخلافة، لما كانوا صاروا إليه من النكبة، وطروق المحنة فعقدوا له ولأخيه يحيي على المغرب، وخلعوا عليهما، وأمكنوهما من مال وكسى فاخرة للخلع على ملوك العدوة فنهض جعفر إلى المغرب سنة خمس وستين وضبطه، واجتمع إليه ملوك زناتة من بني يفرن ومغراوة وسجلماسة. ولما هلك الحكم، وولي هشام، وقام بأمره المنصور بن أبي عامر اقتصر لأول قيامه على سبتة من بلاد العدوة فضبطها جند السلطان، ورجال الدولة، وقلدها أرباب السيوف والأقلام من الأولياء والحاشية، وعدل في ضبطه على ما وراء ذلك على ملوك زناتة ونقدهم بالجوائز والخم وصار إلى إكرام وفودهم وإثبات من رغب الإثبات في ديوان السلطان منهم فجدوا في ولاية الدولة، وبث الدعوة، وفسد ما بين هذين الأميرين جعفر وأخيه، واقتطع يحمى مدينة البصرة لنفسه، وذهب بأكثر الرجال. ثم كانت على جعفر النكبة التي نكبته بنو غواطة في غزاته إياهم. ثم استدعاه حمد بن أبي عامر لأول أمره لما رأى من الاستكانة إليه، وشد أزره به ونقم عليه كراهته لما لقيه بالأندلس من الحكم، ثم أصحبه وتخلى لأخيه عن عمل المغرب وأجاز البحر إلى ابن أبي عامر فحل منه بالمكان الأثير ولما زحف بلكين إلى المغرب سنة تسع وستين زحفته المشهورة، خرج حمد بن ابي عامر من قرطبة إلى الجزيرة لمدافعته بنفسه، وأجاز جعفر بن علي إلى سبتة وعقد له على حرب بلكين وأمده بمائة حمل 5كأ المال، وانضمت إليه ملوك زناتة، رجع عنهم بلكين كما نذكره. ولما رجع إلى ابن أبي عامر اغتاله في بعض ليالي معاقرتهم وأعذله رجالا في طريقه من سمره إلى داره فقتلوه سنة (1) ولحق يحيى بن علي بمصر ونزل بدار العزيز، وتلقاه بالمبرة والتكريم وطال به ثراؤه، واستكفى به العظائم، ولما استصرخ فلفول بن خزرون بالحاكم في استرجاع طرابلس من يد صنهاجة المتغلبين عليه، دفع إليه العساكر، وعقد عليها ليحى بن علي، واعترضه بنو قُرَّة من الهلاليين ببرقة ففلوه وفضوا جموعه، ورجع إلى مصر. ولم يزل بمصر إلى أن هلك هنالك. والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.

الخبر عن القرامطة واستبداد أمرهم وما استقر لهم من الدولة بالبحرين وأخبارها إلي حين انقراضها

هذه الدعوة لم يظهرها أحد من أهل نسب العلوية ولا الطالبيين، وإنما قام بها دعاة المهدي من أهل البيت على اختلاف منهم في تعيين هذا المهدي كما نذكره وكان مدار دعوتهم على رجلين أحدهما يسمى الفرج بن عثمان القاشاني، من دعاة المهدي، ويسمى أيضا كرويه بن مهدويه وهو الذي انتهى إليه دعاتهم بسواد الكوفة، ثم بالعراق والشام، ولم يتم لهؤلاء دولة، والآخر يسمى أبا سعيد الحسن بن بهرام الجنابي، كانت دعوته بالبحرين، واستقرت له هنالك دولة ولبنيه. وانتسب بعض مزاعمهم إلى دعاة الإسماعيلية الذين كانوا بالقيروان كما نذكره.ودعوى هؤلاء القرامطة في غاية الاضطراب مختلة العقائد والقواعد، منافية للشرائع والإسلام في الكثير من مزاعمهم وأول من قام بها بسواد الكوفة سنة ثمان وسبعين ومائتين رجل اظهر الزهد والتقشف، وزعم أنه يدعو إلى المهدي، وان الصلوات المفروضة خمسون كل يوم واستجاب له جمع كثير ولقب قرمط، وأصلها بالكاف. وكان يأخذ من كل من يجيب دعوته دينارا للإمام. وجعل عليهم نقباء وسماهم الحواريين، وشغل الناس بذلك عن شؤونهم، وحبسه عامل الناحية ففرمن محبسه، ولم يوقف له على خبر فازداد أتباعه فتنة فيه ثم زعم أنه الذي بشر به أحمد بن محمد ابن الحنفية. وأن أحمد نبي، وفشا هذا المذهب في السواد، وقرىء بينهم كتاب زعموا أنه جاءهم من داعيه المهدي نصه بعد البسملة:يقول الفرج بن عثمان الحمد الله بكلمته وتعالى باسمه المنجد لأوليائه قل أن الأهلة مواقيت للناس، ظاهرها لتعلم عدد السنين والحساب والشهور والأيام. وباطنها أوليائي الذين عرفوا عبادي سبيلي اتقوني يا أولي الألباب، وأنا الذي لا أسأل عما افعل، وأنا العليم الحكيم، وأنا الذي أبلو عبادي وأستخبر خلقي فمن صبر على بلائي ومحنتي واختباري ألقيته في جنتي، وأخلدته في نعمتى، ومن زال عن امري، وكذب رسلي أخلدنه مهانا في عذابي، وأتممت اجلي، وأظهرت على ألسنة رسلي. فأنا الذي لا يتكبرعلي جبار إلا وضعته، ولا عزيز إلا ذللته، فليس الذي أصر على أمره ودام على جهالته، وقال لن نبرح عليه عاكفين، وبه مؤمنين، أولئك هم الكافرون. ثم يركع ويقول في ركوعه مرتين سبحان ربي ورب العزة تعالى عما يصف الظالمون وفي سجوده الله أعلى مرتين الله أعظم مرة، والصوم مشروع يوم المهرجان والنيروز، والنبيذ حرام والخمر حلال، والغسل من الجنابة كالوضوء، ولا يؤكل ذو ناب ولا ذو مخلب. ومن خالف وحارب وجب قتله، ومن لم يحارب أخذت منه الجزية انتهى.إلى غير ذلك من دعاوى شنيعة متعارضة، يهدم بعضها بعضاً وتشهد عليهم الكذب. والذي حملهم على ذلك إنما هو ما اشتهر بين الشيعة من أمر المهدي، مستندين فيه إلى الأحاديث التي خرجها بعضهم، وقد أريناك عللها في مقدمة الكتاب في باب الفاطمي فلهجوا به، وبالدعوة إليه فمن الصادق فيمن يعنيه، وأن كان كاذبا في استحقاقه. ومنهم من بني أمره على الكذب والانتحال، عساه يستولي بذلك على حظ من الدنيا ينال بها صفقة. وقد يقال أن ظهور هذا الرجل كان قبل مقتل صاحب الزنج، وإنه سار على الأمان وقالى له أن ورائي مائة ألف سيف فناظرني لعلنا نتفق ونتعاون. ثم اختلفا وانصرف قرمط عنه، وكان يسمي نفسه القائم بالحق.وزعم بعض الناس أنه كان يرى رأي الأزارقة من الخوارج، ثم زحف إليه أحمد بن محمد الطائي صاحب الكوفة في العساكر فأوقع بهم، وفتك بهم، وتتابعت العساكر في السواد في طلبهم، وأبادوهم وفر هو إلى أحياء العرب فلم يجبه أحد منهم فاختفى في القفر في جب بناه، واتخذه لذلك، وجعل عليه باب حديد، واتخذ بجانبه تنورا سحرا أن أرهقه الطلب فلا يفطن له. ولما اختفى في الجب بعث أولاده في كلب بن دبرة بأنهم من ولد إسمعيل الإمام مستجيرون بهم. ثم دعوا إلى دعوتهم أثناء ذلك وكانوا ثلاثة يحمى وحسين وعلي فلم يجبهم أحد، إلى ذلك، إلا بنو القليص بن ضمضم بن علي بن جناب فبايعوا ليحمى على أنه يحمى بن عبد الله بن محمد بن إسمعيل الإمام، وكنوه أبا القاسم ولقبوه الشيخ. ثم حول اسمه وادعى أنه محمد بن عبد الله، وأنه كان يكتم هذا الاسم وأن ناقته التي يركبها مأمورة ومن تبعها منصور فزحف إليه سبك مولى المعتضد في العساكر فهزمها، وقتل فسار إليه محمد بن أحمد الطائي في العساكر فانهزمت القرامطة، وجيء ببعضهم أسيرا فحتضره المعتضد وقال:هل تزعمون أن روح الله وأنبيائه تحل فيكم فتعصمكم من الزلل، وتوفقكم لصالح العمل. فقال له: يا هذا أرأيت لو حلت روح إبليس فما ينفعك فاترك ما لا يعنيك إلى ما يعنيك. فقال له قل فيما يعني فقال له قبض رسول الله  وأبوكم العباس في فلم يطلب هذا الأمر ولا بايعه أحد، ثم قبض أبو بكر واستخلف عمر وهو يرى العباس ولم يعهد إليه عمر ولا جعله من أهل الشورى، وكانوا ستة وفيهم الأقرب والأبعد، وهذا إجماع منهم على دفع جدك عنها فبماذا تستحقون أنتم الخلافة؟ فأمر المعتضد به فعذب، وخلعت عظامه، ثم قطع مرتين ثم قتل.ثم زحف القرامطة إلى دمشق وعليها طغج مولى ابن طولون سنة تسعين، واستصرخ بابن سيده بمصر فجاءت العساكر لامداده فقاتلهم مرارا، وقتل يحيى بن ذكرويه المسمى بالشيخ في خلق من أصحابه، واجتمع فلهم على أخيه الحسين وتسمى أحمد أبا العباس، وكانت في وجهه شامة يزعم أنها * فلقب صاحب الشامة المهدي أمير المؤمنين، وأتاه ابن عمه عيسى بن مهدي وهو عبد الله بن أحمد بن محمد بني إسمعيل الإمام، ولقبه المدثر، وعهد إليه وزعم أنه المذكور في القرآن. ولقب غلاما من أهله المطوق. ثم دعا الناس فأجابه كثير من أهل البوادي، وسار إلى دمشق فحاصرها حتى صالحوه على مال ودفعوه له. ثم سار إلى حمص وحماة والمعرة وبعلبك فخطب له بها، واستباحها جميعا ثم إلى سلمية وبها جماعة من بني هاشم فاستلحمهم حتى الصبيان بالمكاتب والبهائم. ثم خر المكتفي إليه وقدم عساكره فكبسهم ونجا ففهم إلى حلب. وانتهى المكتفي إلى الرقة، وقد سار بدر مولى ابن طولون في اتباع القرامطة فهزمهم واثخن فيهم وبعث المكتفي العساكر مع يحى بن سليمان الكاتب، وفيهم الحسين بن حمدان من بني تغلب ومعهم بنو شيبان فواقعوا القرامطة سنة إحدى وتسعين فهزموهم، وقتل منهم خلق من أصحاب القرمطي، ونجا ابنه أبو القاسم ببعض ذخيرته. وسار هو مستخفيا إلى ناحية الكوفة. ومعه المدثر والمطوق وغلام له، وانتهوا إلى الرحبة فوشى بهم إلى العامل فقبض عليهم، وبعث بهم إلى المكتفي بالرقة، ورجع إلى بغداد فقطعهم بعد أن ضرب صاحب الشامة مائتي سوط، وأما علي بن ذكرويه ففر بعد مقتل أخيه يحيى على دمشق إلى ناحية الفرات. واجتمع إليه فل من القرامطة فاستباح طبرية.ثم لما اتبعهم الحسين بن حمدان فر إلى اليمن، واجتمع إليه دعاتهم هنالك، وتغلب على كثير من مدنه، وقصد صنعاء فهرب عنها ابن يعفر فاستباحها وتجافى عن صعدة لذمة العلوية بينه وبين بني الرسى، ونازل بني زياد بن بيد، ومات في نواحي اليمن. وفي خلال ذلك بعث أبوه ذكرويه إلى بني القليص بعد أن كانوا استكانوا، وأقاموا بالسماوة فبعث إليهم من أصحابه عبد الله بن سعيد، ويسمى أبا غانم فجاءهم بكتابه سنة ثلاث وتسعين بأنه أوحي إليه بأن صاحب الشامة وأخاه الشيخ مقبلان، وأن إمامه يظهر من بعدهما يمالأ الأرض عدلا، ويظهر وطاب أبو غانم على أحياء؟طب فاجتمع إليه جماعة منهم، وقصد الشام فاستباح بصرى وأذرعات، ونازل دمشق وعاملها يومئذ أحمد بن كيغك، وهو غائب بمصر في محاربة الجليجي الثائر من شيعة بني طولون على عساكر المكتفي، وقابله خلفاؤه فهزمهم، وقتل بعضهم وسار إلى الأردن فقتل عاملها، ونهب طبرية وبعث المكتفي الحسين بن حمدان في العساكر ففر أبو غانم إلى السماوة وغور مياهها، واتبعته العساكر إلى أن جهدهم العطش. ثم رجع الحسين بهم إلى الرحبة وقيل إنهم تقبضوا على ابي غانم وقتلوه، وافترق جمعهم، وذلك سنة ثلاث وتسعين.

ظهور ذكرويه ومقتله

ثم اجتمع القرامطة إلى ذكرويه وأخرجوه من الجب الذي كان مختفيا فيه منذ عشرين سنة، وحضر عنده دعاتهم فاستخلف عليهم أحمد بن القاسم بن أحمد، وعرفهم بما له عليهم من المنة وأن رشادهم في امتثال أمره، ورمز لهم في ذلك بآيات من القرآن حرف تأويلها، وسار وهو محتجب يدعونه السيد ولا يرونه، والقاسم يباشر الأمور ويتولاها. وبعث المكتفي عساكره فهزمهم القرامطة بالسواد، وغنموا معسكرهم، وساروا لاعتراض الحاج ومروا بالصوان، وحاصروا الواقصة فامتنعت عليهم، وطموا الآبار والمياه في تلك النواحي. وبعث المكتفي محمد بن إسحق بن كنداج الصهال ورجعوا. ونهب القرامطة الحاج، وقتلوهم بعد أن قاتلوهم ثلاثا على غير ماء فاستسلموا، وغنم أموالهم وأموال التجار وأموال بني طولون كانوا نقلوها من مصر إلى مكة. ثم من مكة إلى بغداد عندما أجمعوا النقل إليها. ثم حاصر القرامطة بقية الحاج في حمص قبل فامتنعوا وجهز المكتفي العساكر مع وصيف بن صوارتكين وجماعة من القواد فساروا على طريق خفان، وأدركوا القرامطة فقاتلوهم يومين، ثم هزموهم، وضرب ذكرويه على رأسه فانهشم وجيء به اشيرا، وبخليفة القاسم وابنه وكاتبه وزوجته، ومات لخمس ليال فسيق شلوه إلى بغداد، وصلب وبعث برأسه إلى خراسان من اجل الحاج الذين نهبهم من أهلها. ونجا الفل من اصحابه إلى الشام فأوقع بهم الحسين بن حمدان واستلحمهم، وتتبعوا بالقتل في نواحي الشام والعراق، وذلك سنة أربع وتسعين وثلاثمائة.

خبر قرامطة البحرين ودولة بني الجنابي منها

وفي سنة إحدى وثمانين جاء إلى القطيعي من البحرين رجل تسمى بيحيى بن المهدي، وزعم أنه رسول من المهدي، وأنه قد قرب خروجه وقصد من أهل القطيف علي بن المعلي بن أحمد الدبادي، وكان متغاليا في التشيع فجمع الشيعة وأقرأهم كتاب المهدي، وشنع الخبر في سائر قرى البحرين فأجابوا كلهم، وفيهم أبو سعيد الجنابي، واسمه الحسن بن بهرام، وكان منه عظمائهم. ثم غاب عنهم يحمى بن المهدي مدة ورجع بكتاب المهدي يشكرهم على إجابتهم، ويأمرهم أن يدفعوا ليحيى ستة دنانير وثلاثين عن كل رجل فدفعوها. ثم غاب وجاء بكتاب آخر يأمرهم أن يدفعوا إليه خمس أموالهم فدفعوا، وقام يتردد في قبائل قيس. ثم أظهر أبو سعيد الجنابي الدعوة بالبحرين سنة ثلاث وثمانين، واجتمع إليه القرامطة والأعراب، وسار إلى القطيف طالبا البصرة وكان عليها أحمد بن محمد بن يحمى الواثقي فأدار السور على البصرة، وبعث المعتمد على ابن عمر الغنوي، وكان على فارس فاقطعه اليمامة والبحرين، وضم إليه ألفين من المقاتلة، وسيره إلى البصرة فاحتشد وخرج للقاء الجنابي ومن معه، ورجع عنه عند اللقاء بنو ضبة فانهزم واشره الجنابي واحتوى على معسكره، وحرق الأسرى بالنار. من عليه وأطلقه فسار إلى الأبلة ومنها إلى بغداد وسار أبو سعيد إلى هجر فملكها وأمنها واضطربت البصرة للهزيمة، وهم أهلها بالارتحال فمنعهم الواثقي. ومن كتاب ابن سعيد في خبر قرامطة البحرين ملخصا من كلام الطبري فلعله كما ذكره قال: كان ابتداء أمر القرامطة سنة ثمان وثلاثمائة فنقل الكلام، وكان أبو سعيد عهد لابنه الأكبر سعيد فلم (1) به وثار به أخوه الأصغر والظاهر سليمان فقتله، وقام بأمرهم، وبايعه العقدانية، وجاءه كتاب عبيد الله المهدي بالولاية. وفي سنة ست وثمانين وصل أبو القاسم القائم إلى مصر، واستدعى أبا طاهر القرمطي وانتطره فأعجلة مؤنس الخادم عن انتظاره، وسار من قبل المقتدر فهزمه ورجع إلى المهدئة. ثم سار أبو الطاهر سنة سبع إلى البصرة فاستباحها، ورجع واضطربت بغداد، وأمر المقتدر بإصلاح ما تثلم من سورها. ثم زحف إ أليها أبو الطاهر سنة إحدى عشرة فاستباحها، وخرب الجامع وتركها خربة. تم خرج سنة اثنتي عشرة لاعتراض الحاج فأوقع بهم، وهزم قواد السلطان الذين كانوا معهم، وأسر أميرهم أبا النجاء بن حمدون، واستصفى النساء والصبيان وترك الباقي بالبرية فهلكوا.ثم خرج سنة أربع عشرة إلى العراق فعاث في السواد، ودخل الكوفة، وفعل فيها أشد من البصرة. وفي سنة أربع عشرة وقع بين العقدانية وأهل البحرين خلاف فخرج أبو الطاهر وبنى مدينة الأحساء، وسماها المؤمنية فلم تعرف إلا به، وبنى قصره وأصحابه حوله. وفي سنة خمس عشرة استولى على عمان وهرب واليها في البحر إلى فارس، وزحف سنة ست عشرة إلى الفرات وعاث في بلاده. وبعث المقتدر عن يوسف بن ابي الساج من أذربيجان وولاه واسط، وبعته لحربه فالتقوا بظاهر الكوفة وهزمه أبو طاهر وأسره. وأرجف أهل بغداد، وسار أبو طاهر إلى الأنبار، وخرجت العساكر من بغداد لدفاعه مع مؤنس المظفر وهارون بن غريب الحال فلم يطيقوا دفاعه، وتوافقوا ثم تحاجزوا، وعاد مؤنس إلى بغداد، وسار هو إلى الرحبة واستباحها ودوخ بلاد الجزيرة بسراياه. وسار إلى هشت والكوفة، وقاتل الرقة فامتنعت عليه، وفرض الأتاوة على أعراب الجزيرة يحملونها إلى هجر، ودخل في دعوته جماعة من بني سليم بن منصور وبنى عامر بن صعصعة. وخرج إليه هرون بن غريب الحال فانصرف أبو طاهر إلى البرية، وظفر هارون بفريق منهم فقتلهم وعاد إلى بغداد.وفي سنة سبع عشرة هجم على مكة وقتل كثيرا من الحاج ومن أهلها، ونهب أموالهم جميعا، وقلع باب البيت والميزاب، وقسم كسوة البيت في أصحابه، واقتلع الحجر الأسود وانصرف به، وأراد أن يجعل الحج عنده، وكتب إليه عبيد الله المهدي من القيروان يوبخه على ذلك، ويتهدده فكتب إليه بالعجز عن رده من الناس، ووعد برد الحجر فرده سنة تسع وثلاثين بعد أن خاطبه منصور إسمعيل من القيروان في رده فردوه، وقد كان الحكم المتغلب على الدولة ببغداد أيام المستكفي بذل لهم خمسين ألفاً من الذهب على أن يردوه فأبوا، وزعموا انهم إنما حملوه بأمر إمامهم عبيد الله وإنما يردونه بأمره وأمر خليفته. وأقام أبو طاهر بالبحرين وهو يتعاهد العراق والشام بالغزو حتى ضربت له الأتاوة ببغداد وبدمشق على بني طغج. ثم هلك أبو طاهر سنة اثنتين وثلاثين لإحدى وثلاثين سنة من ملكه، ومات عن عشرة من الولد كبيرهم سابور، وولى أخوه الأكبر احمد بن الحسن، واختلف بعض العقدانية عليه، ومالوا إلى ولاية سابور بن ابي طاهر، وكاتبوا القائم في ذلك فجاء جوابه بولاية الأخ احمد، وان يكون الولد سابور ولي عهده فاستقر احمد في الولاية عليهم، وكنوه أبا منصور، وهو الذي رد الحجر الأسود إلى مكانه كما قلناه. ثم قبض سابور على عمه ابي منصور فاعتقله بموافقة اخوته له على ذلك، وذلك سنة ثمان وخمسين. ثم ثار بهم أخوه فاخرجه من الاعتقال، وقتل سابور ونفى إخوته واشياعهم إلى جزيرة أوال. ثم هلك أو منصور سنة تسع وخمسين، يقال مسموماً على يد شيعة سابور، وولى ابنه أبو علي الحسن بن احمد ويلقب الأعصم، وقيل الأغنم فطالت مدته وعظمت وقائعه، ونفى جمعا كثيرا من ولد ابي طاهر، يقال اجتمع منهم بجزيرة أوال نحو من ثلاثمائة، وحج هذا الأعصم بنفسه ولم يتعرض للحاج، ولا أنكر الخطبة للمطيع.

فتنة القرامطة مع المعز العلوي

ولما استولى جوهر قائد المعز لدين الله على مصر وجعفر بن فلاح الكتامي على دمشق طالب الحسن بالضريبة التي كانت له على دمشق فمنعوه ونابذوه، وكتب له المعز وأغلظ عليه، ودس لشيعة أبي طاهر وبنيه أن الأمر لولده، وأطلع الحسن على ذلك فخلع المعز سنة اثنتين، وخطب للمطيع العباسي في منابره، ولبس السواد. ثم زحف إلى دمشق وخرج جعفر بن فلاح لحربه فهزمه الأعصم وقتله، وملك دمشق وسار إلى مصر فحاصر جوهرا بها وضيق عليه. ثم غدر به العرب وأجفلوا فأجفل معهم وعاد إلى الشام ونزل الرملة، وكتب إليه المعز سنة إحدى وستين بالنفي والتوبيخ، وعزله عن القرامطة وولى بني أبي طاهر فخرجوا من أوال ونهبوا الاحساء في غيبته، وكتب إليهم الطائع العباسي بالتزام الطاعة، وأن يصالحوا ابن عمهم ويقيموا بجزيرة أوال. وبعث من أحكم بينهم الصلح. ثم سار الأعصم إلى الشام وتخطاها دون صور فقاتلوه وراء الخنادق، وبذل جوهر المال للعرب فافترقوا عنه، وانهزم ونهب معسكره. وجاء المعز من إفريقية ودخل القاهرة سنة ثلاث وستين، وسرح العساكر إلى الشام فاستولوا عليه فنهض الأعصم إليهم فأوقع بهم، وأثخن فيهم، وانتزع ما ملكوه من الشام، وسار إلى مصر، وبعث المعز لدين الله ابنه عبد الله فلقيهم على بلبيس وانهزم الأعصم وفشا القتل والأسر في أصحابه فكانوا نحوا من ثلاث آلاف، ورجع الأعصم إلى الإحساء واستخلص المعز بني الجراح أمراء الشام من طسىء حتى استرجع بهم ما غلب عليه القرامطة من الشام بعد حروب وحصار. ثم مات المعز سنة خمس وستين، وطمع الأعصم في بلاد الشام، وكان أفتكين التركي مولى معز الدولة بن بويه لما انتقض على أبيه بختيار، وهزمه ببغداد سار أفتكين منهزما إلى دمشق، وكانوا مضطربين فخرجوا إليه وولوه عليهم وصالح المعز إلى أن توفي فنابذ العزيز، وبعث إليه جوهر في العساكر فحاصره فكتب أفتكين إلى الأعصم، واستدعاه فجاء إلى الشام سنة ست وستين. وخرج معه أفتكين، ونازلوا الرملة فملكوها من يد جوهر، وزحف إليهم العزيز وهزمهم، وتقبض على أفتكين، ولحق الأعصم بطبرية منهزما. ثم ارتحل منها إلى الاحساء، وأنكروا ما فعله الأعصم من البيعة لبني العباس، واتفقوا على إخراج الأمر عن ولد ابي سعيد الجنابي وقدموا رجلين منهم: وهما جعفر وإسحاق، وسار بنو أبي سعيد إلى جزيرة أوال وكان بنو أبي طاهر قبلهم فقتلوا كل من دخل إليهم من ولد أحمد بن أبي سعيد واشياعه. ثم قام بأمر القرامطة جعفر وإسحاق هذان، ورجعوا إلى دعوة العلوية ومحاربة بني بويه ورجعوا سنة أربع وستين إلى الكوفة فملكوها. وبعث صمصام الدولة بن بويه العساكر إليهم فهزمهم على الفرات، وقتل منهم خلق واتبعوهم إلى القادسية. ثم اختلف جعفر وإسحق، وطمع كل منهما في الرياسة على صاحبه وافترق أمرهم وتلاشت دعوتهم إلى أن استولى الأصغر لن ابي الحسن الثعلبي سنة ثمان وتسعين عليهم، وملك الأحساء من أيديهم، واذهب دولتهم وخطب للطائع واستقرت الدولة له ولبنيه.

ذكر المتغلبين بالبحرين من العرب بعد القرامطة

كان بأعمال البحرين خلق من العرب، وكان القرامطة يستنجدونهم على أعدائهم، ويستعينون بهم في حروبهم، وربما يحاربونهم ويقاطعونهم في بعض الأوقات، وكان أعظم قبائلهم هنالك بنو ثعلب وبنو عقيل وبنو سليم، وأظهرهم في الكثرة والعزة بنو ثعلب. ولما فشلت دولة القرامطة بالبحرين، واستحكمت العداوة بينهم وبين بني بويه بعد انقراض ملك بني الجنابي، وعظم اختلافهم عند القائم بدعوة العباسية وكان خالصة للقرامطة، ودعاه إلى إذهاب دولتهم فأجابه، وداخل بني مكرم رؤساء عمان في مثل ذلك فأجابوه، واستولى الأصغر على البحرين وأورثها بنيه، واستولى بنو مكرم على عمان ثم غص بنو ثعلب بسليم، واستعانوا عليهم ببني عقيل، وطردوهم من البحرين فساروا إلى مصر ومنها كان دخولهم إلى إفريقية كما يأتي.ثم اختلف بنو ثعلب وبنو عقيل بعد مده، وطردهم بنو ثعلب إلى العراق فملكوا الكوفة والبلاد العراقية، وامتد ملك الأصغر، وطالت أيامه، وتغلب على الجزيرة والموصل، وحارب بني عقيل سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة برأس عين من بلاد الجزيرة، وغص بشأنه نصير الدولة بن مروان صاحب ميافارقين وديار بكر فقام له، وجمع له الملوك من كل ناحية فهزمه واعتقله، ثم أطلقه ومات. وبقي الملك متوارثا في بنيه بالبحرين إلى أن ضعفوا وتلاشوا وانقرضت دولة بني عقيل بالجزيرة، وغلبهم عليها وعلى تلك البلاد أولياء الدولة السلجوقية فتحولوا عنها إلى البحرين مواطنهم ا أولى، ووجدوا بنيئ ثعلب قد أدركهم الهرم فغلبوا عليهم. قال ابن سعيد: سألت أهل البحرين حين لقيتهم بالمدينة النبوية سنة إحدى وخمسين وستمائة عن البحرين فقالوا :الملك فيها لبني عامر بن عوف بن عقيل، وبنو ثعلب من جملة رعاياهم، وبنو عصفور منهم أصحاب الأحساء. (ولنذكر) هنا نبذة في التعريف بكاتب القرامطة وأمصار البحرين وعمان لما أن ذلك من توابع أخبارهم. الكاتب - كان كاتبهم أبو الفتح الحسين بن محمود، ويعرف بكشاجم، كان من أعلام الشعراء وذكره الثعالبي في اليتيمة والحصري في زهر الآداب، وهو بغدادي المولد، واشتهر بخدمة القرامطة فيما ذكره البيهقي وكتب لهم بعده ابنه أبو الفتح نصر، ولقبه كشاجم مثل أبيه كاتبا للأعصم.البحرين - إقليم يسمى باسم مدينته، ويقال هجر باسم مدينة أخرى منه وكانت حضرية فخربها القرامطة وبنو الاحساء وصارت حاضرة، وهذا الإقليم مسافة شهر على بحر فارس بين البصرة وعمان شرقيها بحر فارس، وغربيها متصل باليمامة، وشماليها البصرة وجنوبها بعمان، كثيرة المياه ببطونها على القامة والقامتين كثيرة البقل والفواكه، مفرطة الحر منهالة الكثبان، يغلب الرمل عليهم في منازلهم وهي من الإقليم الثاني، وبعضها في الثالث. كانت في الجاهلية لعبد القيس، وبكر بن وائل من ربيعة، وملكها للفرس، وعاملها من قبلهم المنذر بن ساوى التميمي. ثم صارت رياستها صدر الإسلام لبني الجار ودى، ولم يكن ولاة بني العباس ينزلون هجر، إلى أن ملكها أبو سعيد القرمطي بعد حصار ثلاث سنين، واستباحها قتلا وإحراقا وتخريبا. ثم بنى أبو طاهر "مدينة الأحساء، وتوالت دولة القرامطة، وغلب على البحرين بنو أبي الحسن بن ثعلب، وبعدهم بنو عامر ابن عقيل قال ابن سعيد: والملك الآن فيهم في بني عصفور. (الأحساء)- بناها أبو طاهر القرمطي في المائة الثالثة، وسميت بذلك لما فيها من أحساء المياه في الرمال ومراعي الإبل وكانت للقرامطة بها دولة وجالوا في أقطار الشام والعراق ومصر والحجاز وملكوا الشام وعمان.

(دارين)- هي من بلاد البحرين ينسب إليها الطيب، كما تنسب الرماح إلى الخط بجانبها، فيقال مسك دارين، والرماح الخطية. (عمان)- وهي من ممالك جزيرة العرب المشتملة على اليمن والحجاز والشحر وحضرموت وعمان وهي خامسها، إقليم سلطاني منفرد على بحر فارس من غربية مسافة شهر شرقيها بحر فارس وجنوبها بحر الهند، وغربيها بلاد حضرموت، وشماليها البحرين كثيرة النخل والفواكه، وبها مغاص اللؤلؤ سميت بعمان بن قحطان، أول من نزلها بولاية أخيه يعرب، وصارت بعد سيل العرم للأزد. وجاء الإسلام وملوكها بنو الجلندي، والخوارج بها كثيرة. وكانت لهم حروب عمال بني بويه وقاعدتهم تروى وملك عمان من البحر ملوك فارس غير مرة، وهي في الإقليم الثاني، وبها مياه وبساتين وأسواق، وشجرها النخل. وكانت بها في الإسلام دولة لبني شامة بن لؤي بن غالب. وكثير من نسابة قريش يدفعونهم عن هذا النسب أولهم بها محمد بن القاسم الشامي، عثه المعتضد وأعانه ففتحها وطرد الخوارج إلى تروى قاعدة الجبال، وأقام الخطبة لبني العباس، وتوارث ذلك بنوه، وأظهروا شعار السنة. ثم اختلفوا سنة خمس وثلاثمائة، وتحاربوا ولحق بعضهم بالقرامطة، وأقاموا في فتنة إلى أن تغلب عليهم أبو طاهر القرمطي سنة سبع عشرة عند اقتلاعه الحجر، وخطب بها لعبيد الله المهدي وترددت ولاة القرامطة عليها من سنة سبع عشرة إلى سنة خمس وسبعين فترهب واليها منهم، وزهد وملكها أهل تروى الخوارج وقتلوا من كان بها من القرامطة والروافض، وبقيت في أيديهم ورياستها للأزد منهم. ثم سار بنو مكرم من وجوه عمان إلى بغداد واستخدموا لبني بويه، وأعانوهم بالمراكب من فارس فملكوا مدينة عمان وطردوا الخوارج إلى جبالهم، وخطوا لبني العباس.ثم ضعفت دولة بني بويه ببغداد فاستبد بنو مكرم بعمان، وتوارثوا ملكها، وكان منهم مؤيد الدولة أبو القاسم علي بن ناصر الدولة الحسين بن مكرم، وكان ملكاً جواداً ممدوحاً. قاله البيهقي، ومدحه مهيار الديلمي وغيره، ومات سنة ثمان وعشرين وأربعمائة بعد مدة طويلة في الملك، وفي سنة اثنين وأربعين، ضعف ملك بني مكرم، وتغلب عليهم النساء والعبيد فزحف إليها الخوارج وملكوها، وقتلوا بقيتهم وانقطع منها رسم الملك، وصار في حجار من مدر هذا الإقليم قلهاة هي عرصة عمان على بحر فارس من الإقليم الثاني ومما يلي الشحر وحجار في شماليها إلى البحرين بينهما سبع مراحل، وهي فم جبال منيعة فلم تحتج إلى سور، وكان ملكها سنة ثمان وأربعين زكريا بن عبد الملك الازدي من ذرية رياسة. وكان الخوارج بتروى مدينة الشراة يدينون لهم، ويرون أنهم من ولد الجلندى.


الخبر عن الإسماعيلية أهل الحصون بالعراق وفالس والشام وسائر أمورهم ومصائرها

هذا المذهب هو مذهب القرامطة، وهم غلاة الرافضة، وهو على ما رأيته من الاضطراب والاختلاف. ولم يزل متناقلا في أهله بأنحاء العراق وخراسان وفارس والشام. واختلف بعضهم باختلاف الاعصار والامصار، وكانوا يدعون أولا قرامطة. ثم قيل لهم بالعراق باطنية، ثم الإسماعيلية، ثم النزارية لما حدث من عهد المستضيء العلوي لابنه نزار، وقتله شيعتهم بمصر ولم يبايعوا له، وكان عنده ابن الصباح من هؤلاء الإسماعيلية، ونفى الإمامة بعده عن أئمتهم بصر فسموا اصحابه لذلك نزارية، وكان هذا المذهب بعد موت ذكرويه، وانحلال عقدتهم بقي منبثا في الأقطار ويتناوله أهله، ويدعون إليه ويكتمونه، ولذلك سموا الباطنية وفشت أذيتهم بالأمصار، بما كانوا يعتقدونه، من استباحة الدماء فكانوا يقاتلون الناس، ويجتمع لذلك جموع منهم يكمنون في البيوت ويتوصلون إلى مقاصدهم من ذلك.ثم عظمت أمورهم أيام السلطان ملك شاه عندما استمر الملك للعجم من الديلم والسلجوقية وعقل الخلفاء وعجزوا عن النظر في تحصين إمامتهم، وكف الغوائل عنها فانتشروا في هذه العصور، وربما اجتمع منهم جماعة بساوة بأنحاء همذان فصلوا صلاة العيد بأنحائهم فحبسهم الشحنة، ثم أطلقهم. ثم استولوا بعد ذلك على الحصون والقلاع فأول قلعة غلبوا عليها قلعة عند فارس، كان صاحبها على مذهبهم فأووا إليه واجتمعوا عنده، وصاروا يخطفون الناس من السابلة، وعظم ضررهم بتلك النواحي.ثم استولوا على قلعة أصفهان واسمها شاه در، كان السلطان ملك شاه بناها وانزل بها عامله فاتصل به أحمد بن غطاش، كان أبوه من مقدمي الباطنية، وعنه اخذ ابن الصباح وغيره منهم، وكان أحمد هذا عظيما فيهم لمكان أبيه ورسوخه في العلم بينهم فعظموه لذلك وتوجوه، وجمعوا له مالا وقدموه عليهم، واتصل بصاحب القلعة فآثر مكانه، وقلده الأمور حتى إذا توفي استولى احمد بن غطاش على قلعة شاه در، وأطلق ايدي أصحابه في نواحيها يخيفون السابلة من كل ناحية. ثم استولوا على قلعة الموت من نواحي قزوين وهي من بنيان الديلم، ومعنى هذا الاسم عندهم تميل العقاب. ويقال لتلك الناحية طالقان، وكانت في ضمان الجعفري فاستناب بها علويا، وكان بالري أبو مسلم صهر نظام الملك، واتصل به الحسن بن الصباح، وكان بينهم عالما بالتعاليم والنجوم والسحر، وكان من جملة تلامذة ابن غطاش صاحب قلعة أصفهان، ثم اتهمه أبو مسلم بجماعة من دعاة المصريين عنده فهرب منه، وجال في البلاد وانتهى إلى مصر فأكرمه المستنصر وأمره بدعاء الناس إلى إمامته وقال له الحسن من الإمام بعدك فأشار إلى ابنه نزار، وعاد من مصر إلى الشام والجزيرة وديار بكر وبلاد الروم، ورجع إلى خراسان بقلعة الموت فنزل على العلوي فأكرمه، واعتقد البركة فيه، وأقام بها وهو يحاول إحكام أمره في تملكها، فلما تم له من ذلك ما أراد اخرج العلوي منها وملكها. واتصل الخبر بنظام الملك فبعث العسكر لحصارها فجهده الحصار، وبعث جماعة من الباطنية فقتلوا نظام الملك، ورجعت العساكر واستولوا أيضا على قلعة طبس وما جاورها من قلاع قوهستان، وهي زرون وقائد. وكان رئيس قوهستان المنور من أعقاب بني سيجور، أمراء خراسان للسامانية فطلبه عامل قوهستان وأراد اغتصاب أخته فاستدعى الإسماعيلية وملكهم هذه القلاع، واستولوا على قلعة خالنجان على خمسة فراسخ من أصفهان كانت لمؤيد الملك بن نظام الملك، وانتقلت إلى جاولي سقاور من أمراء الغز، وولى عليها بعض الترك فاتصل به بعض الباطنية وخدمه، وأهدى له حتى صارت مفاتيح القلعة في يده، فدس لابن غطاش في قلعة شاه در فجاء في جمع من أصحابه ليلا، وهرب التركي فملكها، وقتل من كان بها وقوي بها على أهل أصفهان، وفرض عليهم القطائع.ومن قلاعهم أسويا، وندبين الرمل وآمد، ملكوها بعد ملك شاه غدرا، ومنها أزدهر ملكها أبو الفتوح ابن أخت الحسن بن الصباح. ومنها كردكوه، ومنها قلعة الناظر بخوزستان، وقلعة الطنبور قرب أزجان، ملكها أبو حمزة الإسكاف من أهل أزجان، وقد كان سافر إلى مصر فأخذ بمذهبهم ورجع داعية لهم. ومنها قلعة ملاوخان بين فارس وخوزستان امتنع بها المفسدون نحوا من مائتي سنة لقطع الطريق، حتى فتحها عضد الدولة بن بويه، وقتل من بها فلما ملك ملك شاه أقطعها للأمير أنز فولى عليها من قبله، وداخله الباطنية الذين من أزجان في بيعها منهم فأبى، فقالوا نرسل إليك من يناظرك حتى نرى الحق في مذهبنا، وبعثوا إليهم رجالا منهم فاعتقلوا مملوكه حتى سلم لهم مفاتيح القلعة، وقبضوا على صاحبها وقويت شوكتهم. وامتدت أيدي الناس إلى قتلهم، واعتقدوا جهادهم، وثاروا بهم في كل وجهة فقتلوهم وقتلتهم العامة بأصفهان، وكانوا قد ظهروا بها عند محاصرة السلطان بركيارق أصفهان، وبها أخوه محمد وأمه خاتون الجلالية، وفشت فيها دعوتهم وكثر فيها الاغتيال من أتباعهم فثاروا بهم، وقتلوهم وحفروا الاخاديد وأوقدوها بالنيران، وجعلوا يأتون بالباطنية فيلقونهم فيها، وتجرد جاولي سقاور، وكان واليا بفارس للجهاد فيهم، وتحيل عليهم بجماعة من أصحابه، أظهروا الهروب إليهم فوثقوا هم وسار هو من بعد ذلك إلى همذان فأغزاهم.ثم صار الباطنية من بعد ذلك إلى همذان لقتل أمراء السلجوقية غدرا فكان يقصد أحدهم أميرا من هؤلاء وقد استبطن خنجرا واستمات. حملهم على ذلك السلطان بركيارق، واستعان بهم على أمر أخيه فكان أحدهم يعرض نفسه بين يدي الأمير حتى يتمكن من طعنه فيطعنه، ويهلك غالبا وبقتل الباطني لوقته فقتلوا منهم كذلك جماعة؟ ولما ظهر بركيارق على أخيه محمد انتشروا في عسكره واستعانوا بطائفة منهم، وتهددوا بالقتل على ذلك حتى ارتاب أمراء العسكر بأنفسهم، وخافوا عاديتهم ولازموا حمل السلاح، وشكوا إلى بركيارق بذلك وبما يلقونه منهم ومن عسكر أخيه فيما يرمونهم به من الاتحاد بهؤلاء الباطنية فأذن في قتلهم، وركب والعسكر معه فتتبعوهم بالقتل، حتى أن الأمير محمدا من أعقاب علاء الدولة بن كاكويه وكان صاحب يزد اتهم برأيهم فهرب وقتل. وكتب إلى بغداد في أبي إبراهيم الاستراباذي وكان بركيارق بعثه رسولا فاخذ هنالك وقتل واستلحموا في كل جهة، واستلحم المتهمون وانطلقت عليهم الأيدي في كل ناحية، وذلك سنة ست وثمانين. ولما استفحل أمر السلطان محمد بعد أخيه بركيارق زحف إلى قلعة شاه در، التي بها أحمد بن غطاش، لقربها من أصفهان سرير ملكه فجمع العساكر والأمم، وخرج في رجب من أول المائة السادسة وأحاط بجبل القلعة، ودووه أربعة فراسخ، ورتب الامراء لقتالهم نوبا. ولما اشتد الأمر بهم سألوا فتوى الفقهاء في أمرهم وكتبوا ما نصه: ما يقول السادة الفقهاء أئمة الدين في قوم يؤمنون بالله واليوم الآخر، وكتبه ورسله، وإن ما جاء به محمد عته حق وصدق، وإنما يخالفون في الإمام، هل يجوز للسلطان مساعدتهم ومراعاتهم وأن يقبل طاعتهم ويحرسهم من كل أذى أم لا؟ فأجاب أكثر الفقهاء بجواز ذلك، وتوقف بعضهم، وجمعوا للمناظرة. فقال السمنجاني من كبار الشافعية: يجب قتالهم، ولا يجوز قرارهم بمكانهم، ولا ينفعهم التلفظ بالشهادتين، فإنهم لا يرون مخالفة إمامهم إذا خالف أحكام الشرع، وبذلك تباح دماؤهم إجماعاً، وطالت المناظرة في ذلك. ثم سألوا أن يأتيهم من العلماء، من يناظرهم وعينوا أعياناً من أصفهان، وقصدوا بذلك المطاولة والتعلل فبعثهم السلطان إليهم فعادوا من غير شيء فاشتد السلطان إليهم في حصارهم، واستأمنوا على أن يعوضوا عن قلعتهم بقلعة خالنجان على سبعة فراسخ من أصفهان وان يؤجلوا في الرحيل شهرا فأجابهم، واقاموا في تلك المدة يجمعون ما يقدرون عليه من الأطعمة، ووثبوا على بعض الأمراء وسلم منهم فجدد السلطان حصارهم، وطلبوا أن ينتقلوا إلى قلعة الناظر وطبس، ويبعث السلطان معهم من يوصلهم ويقيم الباقون بضرس من القلعة إلى أن يصل الأولون، ثم يبعث مع الآخرين من يوصلهم إلى ابن الصباح بقلعة الموت فأجابهم إلى ذلك وخرج الأولون إلى الناظر وطبس، وخرب السلطان القلعة وتمسك ابن غطاش بالضرس الذي هو فيه، وعزم على الاعتصام به، وزحف إليه الناس عامة، وهرب بعضهم إلى السلطان فدله على عورة المكان فصعدوا إليه وقتلوا من وجدوا فيه، وكانوا ثمانين وأخذ ابن غطاش أسيرا فسلخ وحشي جلده تبنا، وقتل ابنه وبعث براشيهما إلى بغداد، وألقت زوجه نفسها من الشاهق فهلكت.

خبر الإسماعيلية بالشام

لما قتل أبو إبراهيم الاستراباذي ببغداد كما تقدم، هرب بهرام ابن أخيه إلى الشام وأقام هنالك داعية متخفيا، واستجاب له من الشام خلق. وكان الناس يتبعونهم لكثرة ما اتصفوا به من القتل غدرا. وكان أبو الغازي بن ارتق بحلب يتوصل بهم إلى غرضه في أعدائه، وأشار أبو الغازي على ابن طغتكين الأتابك بدمشق بمثل ذلك فقبل رأيه، ونقل إليه فأظهر حينئذ شخصه، وأعلن بدعوته، وأعانه الوزير أبو علي ظاهر بن سعد المزدغاني، لمصلحتهم فيه فاستفحل أمره، وكثر تابعوه، وخاف من عامة دمشق فطلب من ابن طغتكين ووزيره أبي علي حصنا يأوي إليه فأعطوه قلعة بانياس سنة عشرين وخمسمائة، وترك بدمشق خليفة له يدعو الناس إلى مذهبه فكثروا وانتشروا، وملك هو عدة حصون في الجبال منها القدموس وغيره وكان بوادي التيم من أعمال بعلبك طوائف من المجوس والنصرانية والدرزية وأميرهم يسمى الضحاك فسار بهرام لقتالهم، سنة اثنتين وعشرين، واستخلف على بانياس إسمعيل من أصحابه، ولقيهم الضحاك في ألف رجل، وكبس عسكره فهزمهم وقتله(1) وعاد فلهم إلى بانياس فألام بأمرهم إسمعيل، وجمع شملهم وبث دعاته في البلاد، وعاضده المزدغاني وزير دمشق وانتصر لهذه الطائفة، وأقام بدمشق خليفة لبهرام اسمه أبو الوفا فقوي أمره، وكثر أتباعه. واستبد على صاحبها تاج الملوك بن طغتكين. ثم أن المزدغاني راسل الفرنج أن يملكهم دمشق على أن يعطوه صور، وتواعدوا ليوم عينوه، ودس للإسماعيلية أن يكونوا ذلك اليوم على أهبة، ونمى الخبر إلى إسمعيل فخاف أن يثور به الناس فأعطى بانياس للفرنج، وانتقل إليهم ومات سنة أربع وعشرين وكان للإسماعيلية قلاع في تلك الجهات تتصل بعضها ببعض أعظمها قلعة مصياف فسار صلاح الدين لما ملك الشام سنة اثنتين وسبعين إليها وحاصر مصياف وضيق حصارها، وبعث سنان مقدم الإسماعيلية إلى خال صلاح الدين بحماة، وهو شهاب الدين الحادي، أن يسأل صلاح الدين في الصلح معهم، ويتهددونه على ذلك سرا فسار إلى صلاح الدين وأصلح أمرهم عنده ورحل عنهم.

بقية الخبر عن قلا ع الإسماعيلية في العراق

ولم تزل قلاع هؤلاء الإسماعيلية بالعراق عشا لهذه الغواية، وسفطا لهؤلاء الخباث، منذ سار بها أحمد بن غطاش، والحسن بن الصباح. وكان لهذا الحسن مقالات في مذاهب الرافضة عريقة في الغلو داخلة من باب الكفر وتسميها الرافضة المقالات الجديدة ولا يدين بقبولها إلا الغلاة منهم. وقد ذكرها الشهرستاني في كتاب الملل والنحل فعليك به أن أردت معرفتها. وبقي الملوك يقصدونهم بالجهاد لما اشتهر عنهم من الضرر بالاغتيال، ولما افترق أمر السلجوقية واستبد ايتغمش بالري وهمذان، سار إليهم سنة ثلاث وستمائة إلى قلاعهم المجاورة لقزوين فحاصرها، وفتح منها خمس قلاع، واعتزم على حصار قلعة الموت فعرض له ما شغله عن ذلك، ثم زحف إليهم جلال الدين منكبري بن علاء الدين وخوارزم شاه عندما رجع من الهند، وملك بلاد أذربيجان وأرمينية فقتلوا بعض أمرائه بمثل قتلهم فسار إلى بلادهم ودوخ نواحي الموت، وقد مر ذكره. وقلاعهم التي بخراسان خربها واستباحها قتلا ونهبا. وكانوا منذ ظهر التتر قد شرهوا على الجهات فأوقع بهم جلال الدين هذه الواقعة سنة أربع وعشرين وستمائة، وكفحهم عما سموا إليه من ذلك. ولما استفحل أمر التتر سار هولاكو عام الخمسين والستمائة من بغداد وخرب قلاعهم، وزحف الظاهر بعد ذلك إلى قلاعهم التي بالشام فخرب كثيرا منها وطوع ما بقي منها، وصارت مصياف وغيرها في طاعته، وانقرض أمرهم، إلا مغتالين يستعملهم الملوك في قتل أعدائهم على البعد غدرا، ويسمون الفداوية أي الذين يأخذون فدية أنفسهم على الاستماتة في مقاصد من يستعملهم. والله وارث الأرض ومن عليها.

الخبر عن دولة بني الأخيضر باليمامة من بني حسن

كان موسى الجون بن عبد الله بن حسن المثنى بن الحسن السبط لما اختفى أخواه محمد وإبراهيم، طالبه أبو جعفر المنصور بإحضارهما فضمن له ذلك. ثم اختفى وعثر عليه المنصور فضربه ألف سوط، فلما قتل أخوه محمد المهدي بالمدينة اختفى موسى الجون إلى أن هلك وكان من عقبه إسمعيل وأخوه محمد الأخيضر ابنا يوسف بن إبراهيم بن موسى فخرج إسمعيل في أعراب الحجاز وتسمى السفاك سنة إحدى وخمسين ومائتين. ثم قصد مكة فهرب عاملها جعفر بسباسات، وانتهب منزله ومنازل أصحاب السلطان، وقتل جماعة من الجند وأهل مكة، وأخذ ما كان حمل للإصلاح من المال، وما في الكعبة وخزائنها من الذهب والفضة، وأخذ كسوة الكعبة، وأخذ من الناس نحوا من مائتي ألف دينار. ثم نهبها وأخرق بعضها بعضا وأقام في ذلك خمسين يوما. ثم سار إلى المدينة فتوارى عاملها وحاصرها حتى مات أهلها جوعا ولم يصل أحد في مسجد رسول الله ، ووصل عساكر المعتز إلى المدينة فأفرج عنها، ورجع إلى مكة وحاصرها حتى جهدها الحصار، ورحل بعد مقامه شهرين إلى جدة فأخذ أموال التجار ونهب ما في مراكبهم، ورجع إلى مكة، وقد وصل إليها محمد بن عيسى بن المنصور وعيسى بن محمد المخزومي بعثهما المعتز لقتاله فتواقعوا بعرفة، واقتتلوا وقتل من الحاج نحو ألف، وسلبوا الناس وهربوا إلى مكة، وبطل الموقف إسمعيل وأصحابه، وخطب لنفسه، ثم رجع إلى جدة، واستباحوها ثانية. ثم هلك لسنة من خروجه بالجدري آخر سنة اثنتين وخمسين أيام حرب المستعين والمعتز. وكان يتردد بالحجاز منذ اثنتين وعشرين سنة، ومات ولم يعقب، وولي مكانه أخوه محمد الأخيضر، وكان أسن منه بعشرين سنة، ونهض إلى اليمامة فملكها واتخذ قلعة الحضرمية، وكان له من الولد محمد وإبراهيم وعبد الله ويوسف. وهلك فولي بعده ابنه يوسف، وأشرك ابنه إسمعيل معه في الأمر مدة حياته. ثم هلك وانفرد إسمعيل بملك اليمامة وكان له من الإخوة الحسن وصالح ومحمد بنو يوسف. فلما هلك إسمعيل ولي من بعده أخوه الحسن، وبعده ابنه أحمد بن الحسن. ولم يزل ملكها فيهم إلى أن غلب عليهم القرامطة، وانقرض أمرهم، والبقاء لله. وكان بمدينة غانة من بلاد السودان بالمغرب مما يلي البحر المحيط ملك بني صالح، ذكرهم صاحب كتاب زجار في الجغرافيا. ولم نقف على نسب صالح هذا من خبر يعول عليه. وقال بعض المؤرخين إنه صالح بن عبد الله بن موسى بن عبد الله الملقب أبا الكرام ابن موسى الجون، وإنه خرج أيام المأمون بخراسان، وحمل إليه وحبسه وابنه محمد من بعده، ولحق بنوه بالمغرب فكان لهم ملك في بلد غانة. ولم يذكر ابن حزم في أعقاب موسى الجون صالحا هذا بهذا النسب ولعله صالح الذي ذكرناه آنفا في ولد يوسف بن محمد الأخيضر والله أعلم.


دولة السليمانيين

الخبر عن دولة السليمانيين من بني الحسن بمكة ثم بعدها باليمن ومبادئ أمورهم وتصاريف أحوالهم

مكة هذه أشهر من أن نعرف بها أو نصفها، إلا أنه لما انقرض سكانها من قريش بعد المائة الثانية بالفتن الواقعة بالحجاز من العلوية مرة بعد أخرى فأقفرت من قريش، ولم يبق بها إلا أتباع بني حسن أخلاط من الناس، ومعظمهم موال سود من الحبشة والديلم. ولم يزل العمال عليها من قبل بني العباس وشيعتهم، والخطبة لهم إلى أن اشتغلوا بالفتن أيام المستعين والمعتز وما بعدهما فحدثت الرياسة فيها لبني سليمان بن داود بن حسن المثنى بن الحسن السبط. وكان كبيرهم آخر المائة الثانية محمد بن سليمان، وليس هو سليمان بن داود لأن ذلك ذكره ابن حزم أنه قام بالمدينة أيام المأمون، وبين العصرين نحو من مائة سنة، سنة إحدى وثلاثمائة أيام المقتدر، وخلع طاعة العباسية، وخطب في الموسم فقال: الحمد الله الذي أعاد الحق إلى نظامه، وابرز زهر الإيمان من أكمامه وكمل دعوة خير الرسل بإسباطه لابني أعمامه  وعلى آله الطاهرين، وكف عنا ببركته أسباب المعتدين، وجعلها كلمة باقية في عقبه إلى يوم الدين ثم أنشد: لأطلبن بسيفي ما كان للحق دينا واسطون بقوم بغوا وجاروا علينا يعدون كل بلاد من العراق علينا

وكان يلقب بالزيدي نسبة إلى نحلته من مذاهب الإمامية، وبقي ركب العراق يتعاهد مكة إلى أن اعترضه أبو طاهر القرمطي سنة اثنتي عشرة، وأسر أبا الهيجاء بن حمدان والد سيف الدولة وجماعة معه، وقتل الحجاج وترك النساء والصبيان بالقفر فهلكوا وانقطع الحاج من العراق بسبب القرامطة. ثم أنفذ المقتدر سنة سبع عشرة منصورا الديلمي من مواليه، فوافاه يوم التروية بمكة أبو طاهر القرمطي فنهب الحاج، وقتلهم حتى في الكعبة والحرم، وامتلأ زمزم بالقتل، والحجاج يصيحون كيف يقتل جبران الله فيقول ليس بجار من خالف أوامر الله ونواهيه. ويتلو: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ) الآية. وكان يخطب لعبيد الله المهدي صاحب إفريقية. ثم قلع الحجر الأسود وحمله إلى الاحساء، وقلع باب البيت وحمله، وطلع رجل يقلع الميزاب فسقط ومات فقال اتركوه فإنه محروس، حتى يأتي صاحبه يعني المهدي فكتب إليه ما نصه: والعجب من كتبك إلينا ممتنا علينا بما ارتكبته واجترمته باسمنا، من حرم الله وجيرانه، بالأماكن التي لم تزل الجاهلية تحرم إراقة الدماء فيها وإهانة أهلها. ثم تعديت ذلك، وقلعت الحجر الذي هو يمين الله في الأرض يصافح بها عباده، وحملته إلى أرضك ورجوت أن نشكرك فلعنك الله ثم لعنك، والسلام على من سلم المسلمون من لسانه ويده، وفعل في يومه ما عمل فيه حساب غده انتهى. فانحرفت القرامطة عن طاعة العبيديين لذلك. ثم قتل المقتدر على يد مؤنس سنة عشرين وثلاثمائة، وولى أخوه القاهر، وحج بالناس أميره تلك السنة. وانقطع الحج من العراق بعدها إلى أن كاتب أبو علي يحيى الفاطمي سنة سبع وعشرين من العراق، أبا طاهر القرمطي، أمراء يطلق السبيل للحجاج على مكس يأخذه منهم. وكان أبو طاهر يعظمه لدينه ويؤمله فأجابه إلى ذلك، واخذ المكس من الحجاج لم يعهد مثله في الإسلام. وخطب في هذه السنة بمكة للراضي بن المقتدر. وفي سنة تسع وعشرين لأخيه المقتفي من بعده، ولم يصل ركب العراق في هذه السنين من القرامطة. ثم ولي المستكفي بن المكتفي سنة ثلاث وثلاثين على يد توروز أمير الأمراء ببغداد فخرج الحاج في هذه السنة لمهادنة القرامطة بعد أبي طاهر. ثم خطب للمطيع ابن المقتدر بمكة مع معز الدولة سنة أربع وثلاثين عندما استولى معز الدولة ببغداد، وقلع عين المستكفي واعتقله. ثم تعطل الحاج بسبب القرامطة وردوا الحجر الأسود سنة تسع وثلاثين بأمر المنصور العلوي صاحب إفريقية، وخطابه في ذلك لأميرهم احمد بن ابي سعيد.ثم جاء الحاج إلى مكة سنة اثنتين وأربعين مع أمير من العراق، وأمير من مصر فوقعت الحرب بينهما على الخطبة لابن بويه ملك العراق، وابن الأخشيد صاحب مصر فانهزم المصريون وخطب لابن بويه، واتصل ورود الحاج من يومئذ. فلما كانت سنة ثمان وأربعين وجاء الحاج من بغداد، ومصر، كان أمير الحاج من العراق، ومحمد بن عبيد الله (1) فأجابه إلى ذلك. ثم جاء إلى المنبر مستعدا، وأمر بالخطبة لابن بويه فوجم الآخر، وتمت عليه الحيلة وعاقبه أميره كافور ويقال قتله. ووقع ابن بويه لمحمد بن عبيد الله باتصال إمارته على الحاج. ولما كانت سنة ست وخمسين، وصل بركب العراق أبو أحمد الموسوي، نقيب الطالبيين، وهو والد الشريف الرضي، ليحج بالناس، ونهب بنو سليم حاج مصر، وقتل أميرهم. وفي سنة ست وخمسين حج بالناس أبو أحمد المذكور، وخط بمكة لبختيار بعد موت أبيه معز الدولة، والخليفة يومئذ المطيع. واتصل حج ابي أحمد بركب العراق. وفي سنة ثلاث وخمسين خطب للقرمطي بمكة، فلما قتل أحمد وقعت الفتنة بين ابي الحسن القرمطي وخلع طاعة العبيديين، وخطب للمطيع وبعث إليه بالرايات السود، ونهض إلى دمشق فقتل جعفر بن فلاح قائد العلويين، وخطب للمطيع. ثم وقعت الفتنة بين ابي الحسن وبين جعفر، وحصلت بينهم دماء. وبعث المعز العلوي من اصلح بينهم، وجعل دية القتلى الفاضلة في مال المعز. وهلك بمصر أبو الحسن فولي أخوه عيسى. ثم ولي بعده أبو الفتوح الحسن بن جعفر سنة أربع وثمانين. ثم جاءت عساكر عضد الدولة ففر الحسن بن جعفر إنى المدينة ولما مات العزيز بالرملة، وعاد بنو ابي طاهر، وبنو أحمد بن ابي سعيد إلى الفتنة فجاء من قبل الطائع أمير علوي إلى مكة، وأقام له بها خطبة.وفي سنة سبع وستين بعث العزيز من مصر باديس بن زيري الصنهاجي، وهو أخو بلكين صاحب إفريقية، أميرا على الحاج فاستولى على الحرمين وأقام له الخطبة، وشغل عضد الدولة في العراق بفتنة بختيار ابن عمه فبطل ركب العراق. ثم عاد في السنة بعدها وخطب لعضد الدولة أبو أحمد الموسوي، وانقطعت بعدها خطبة العباسيين عن مكة وعادت لخلفاء مصر العبيديين إلى حين من الدهر. وعظم شأن ابي الفتوح واتصلت إمارته في مكة، وكتب إليه القادر سنة ست وتسعين في الأذن لحاج العراق فأجابه على أن الخطبة للحاكم صاحب مصر. وبعث الحاكم إلى ابن جراح أمير طيىء باعتراضهم وكان على الحاج الشريف الرضي، وأخوه المرتضى فلاطفهم ابن الجراح وخلى سبيلهم على أن لا يعودوا. ثم اعترض حاج العراق سنة أربع وتسعين الأصيغر الثعلبي عندما ملك الجزيرة فوعظه قارئان كانا في الركب. ثم اعترضهم في السنة بعدها أعراب خفاجة ونهبوهم. وسار في طلبهم علي بن يزيد أمير بني أسد فأوقع بهم سنة اثنتين وأربعمائة. ثم عادوا إلى مثل ذلك من السنة بعدها فعاد علي بن يزيد وأوقع بهم، وسما له بذلك ذكر، وكان سببا لملكه وملك قومه.ثم كتب الحاكم سنة اثنتين وأربعين إلى عماله بالبراءة من ابي بكر وعمر، ونكر ذلك أبو الفتوح أمير مكة، وانتقض له، وحمل الوزير أبو القاسم المغربي على طلب الأمر لنفسه. وكان الحاكم قتل أباه وأعمامه فخطب أبر الفتوح لنفسه، وتلقب الراشد بالله، وسار إلى مدينة الرملة لاستدعاء ابن الجراح أمير طيىء لمغاضبة بينه وبين الحاكم. ثم سرب الحاكم أمواله في بني الجراح فانتقضوا على ابي الفتوح وأسلموه، وفر الوزير المغربي إلى ديار بكر من أرض الموصل، ومعه ابن سبابة. وفر التهامي إلى الري، وكان معه. وقطع الحاكم الميرة عن الحرمين، ثم راجع أبو الفتوح الطاعة فعفا عنه الحاكم وأعاده إلى إمارته بمكة. ولم يحج من العراق في هذه السنين أحد. وفي سنة اثنتي عشرة حج بأهل العراق أبو الحسن محمد بن الحسن الافساسي فقيه الطالبيين، واعترضهم بنو نبهان من طيىء، وأميرهم حسان بن عدي، وقاتلوهم فهزموهم، وقتل أميرهم حسان. وخطب في هذه السنة للظاهر بن الحاكم بمكة. ولما كان الموسم سنة ثلاث عشرة وأربعمائة ضرب رجل من قوم مصر الحجر الأسود بدبوس فصدعه وثلمه، وهو يقول: كم تعبدكم تقبل فتبادر إليه الناس فقتلوه، وثار أهل العراق بأهل مصر فنهبوهم وفتكوا فيهم. تم حج بركب العراق سنة أربع عشرة النقيب بن الافساسي، وخشي من العرب فعاد إلى دمشق الشام وحج في السنة التي بعدها، وبطل حج العراق. ولما بويع القائم العباسي سنة اثنتين وعشرين رام أن يجهز الحاج فلم يقدر لاستيلاء العرب وانحلال أمر بني بويه. ثم خطب بمكة للمستنصر بن الظاهر. ثم توفي الأمير أبو الفتوح الحسن بن جعفر بن محمد بن سليمان رئيس مكة، وبني سليمان، سنة ثلاثين وأربعمائة، لأربعين سنة من إمارته، وولى بعده إمارة مكة ابنه شكر، وجرت له مع أهل المدينة خطوب ملك في أثنائها المدينة وجمع بين الحرمين وعليه انقرضت دولة بني سليمان سنة ثلاثين بمكة، وجاءت دولة الهواشم كما يذكر. وشكر هذا هو الذي يزعم بنو هلال بن عامر أنه تزوج الجازية بنت سرحان من أمراء الأثبج منهم، وهو خبر مشهور بينهم في أقاصيصهم، وحكايات يتناقلونها ويطرزونها بأشعار من جنس لغتهم، ويسمونه الشريف بن هاشم. وقال ابن حزم: غلب جعفر بن أبي هاشم على مكة أيام الأخشيديين، وولي بنوه من بعده عيسى بن جعفر وأبو الفتوح وابنه شكر بن ابي الفتوح وقد انقرض لأن شكرا لم يولد له، وصار أمر مكة إلى عبد كان له. انتهى كلام ابن حزم. وليس أبو هاشم الذي نسب جعفر إليه أبا الهواشم الذي يأتي ذكرهم، لأن هذا كان أيام الأخشيديين، وذلك أيام المستضيء العبيدي وبينهما نحو من مائة سنة.

دولة الهواشم

الخبر عن دولة الهواشم بمكة من بني الحسن وتصاريف أحوالهم إلى انقراضها

هؤلاء الهواشم من ولد ابي هاشم محمد بن الحسن بن محمد بن موسى بن عبد الله ابي الكرام بن موسى الجون، ونسبه معروف وقد مر. وكانت بين هؤلاء الهواشم وبين السليمانيين فتن متصلة ولما مات شكر ذهبت الرياسة من بني سليمان لأنه لم يعقب. وتقدم فيهم طراد بن احمد، ولم يكن من بيت الإمارة، وإنما كانوا يؤملونه لإقدامه وشجاعته. وكان رئيس الهواشم يومئذ محمد بن جعفر بن محمد، وهو أبو هاشم المذكور، وقد ساد في الهواشم، وعظم ذكره فاقتتلوا سنة أربع وخمسين، بعد موت شكر فهزم الهواشم بني سليمان، وطردوهم عن الحجاز فساروا إلى اليمن، وكان لهم بها ملك كما يذكر. واستقل بمكة الأمير محمد بن جعفر وخطب للمستنصر العبيدي ثم ابتدأ الحاج من العراق سنة ست وخمسين بنظر السلطان البارسلان بن داود ملك السلجوقية حين استولى على بغداد والخلافة، طلب منه القائم ذلك فبذل المال وأخذ رهائن العرب. وحج بالناس أبو الغنائم نور الدين المهدي الزيني نقيب الطالبيين.

ثم جاور في السنة بعدها واستمال الأمير محمد بن جعفر عن طاعة العبيديين فخطب لبني العباس سنة ثمان وخمسين، وانقطعت ميرة مصر عن مكة فعذله أهله على ما فعل فرد الخطبة للعبيديين ثم خاطبه القائم وعاتبه، وبذل له أموالا فخطب له سنة "اثنتين وستين بالموسم فقط، وكتب إلى المستنصر بمصر معتذرا ثم بعث القائم أبا الغنائم الزيني سنة ثلاث وستين أميرا على الركب العراقي، ومعه عسكر ضخم، ولأمير مكة من عند ألب أرسلان ثلاثون دينارا وتوقيعا بعشرة آلاف دينار.واجتمعوا بالموسم وخط الأمير محمد بن جعفر وقال: الحمد لته الذي هدانا إلى أهل بيته بالرأي المصيب، وعوض بيته بلبسة الشباب بعد لبسة المشيب، وأمال قلوبنا إلى الطاعة، ومتابعة إمام الجماعة. فانحرف المستنصر عن الهواشم، ومال إلى السليمانيين. وكتب إلى علي بن محمد الصبيحي صاحب دعوتهم باليمن أمراء يعينهم على استرجاع ملكهم، وينهض معهم إلى مكة فنهض، وانتهى إلى المهجم. وكان سعيد بن نجاح الأحوال موتور بني الصبيحي قد جاء من الهند، ودخل صنعاء فثار بها واتبع الصبيحي في سبعين رجلا، وهو في خمسة آلاف فبيته بالمهجم وقتله. ثم جمع محمد بن جعفر أجنادا من الترك، وزحف بها إلى المدينة فأخرج منها بني حسن، وملكها وجمع بين الحرمين.ثم مات القائم العباسي، وانقطع ما كان يصل إلى مكة فقطع محمد بن جعفر الخطبة للعباسيين. ثم جاء الزيني من قابل بالأموال فأعادها. ثم بعث المقتدي سنة سبعين منبرا إلى مكة صنيعاً استجيد خشبه، ونقش عليه بالذهب اسمه. وبعث على الحاج ختلع التركي. وهو أول تركي تامر على الحاج، وكان واليا بالكوفة. وقهر العرب مع جماعته فبعثه المقتدي أميرا على الحاج فوقعت الفتنة بين الشيعة وأهل السنة، وكسر المنبر وأحرق وتم الحج. ثم عاودوا الفتنة سنة ثلاث وسبعين، وقطعت الخطبة للمستنصر، وأعيدت للمقتدي واتصلت إمارة ختلع على الحاج وبعده خمارتكين إلى أن مات ملك شاه، ووزيره نظام الملك فانقطعت الخطبة للعباسيين، وبطل الحاج من العراق باختلاف السلجوقية، وتغلب العرب.ومات المقتدي خليفة بغداد، وبويع ابنه المستظهر ومات المستنصر خليفة مصر وبويع ابنه المستعلي من إمارته وهو الذي أظهر الخطبة العباسية بمكة، وبها ابتدىء أمره وكان يسقطها بعض الأحيان. وولي بعده ابنه قاسم فكثر اضطرابه، ومهد بنو مزيد أصحاب الحلة طريق الحاج من العراق فاتصل حجهم. وحج سنة اثنتي عشرة وخمسمائة نظر الخادم من قبل المسترشد بركب العراق، وأوصل الخلع والأموال إلى مكة. ثم توفي قاسم بن محمد سنة ثمان عشرة وخمسمائة لثلاثين سنة من إمارته، وكانت في اضطراب. وتغلب وولي بعده ابنه أبو قليبة بمكة فافتتح بالخطبة العباسية، وأحسن الثناء عليه بالعدل، ووصل نظر الخادم أميرا على الركب ومعه الأموال والخلع.ثم مات أبو قليبة سنة سبع وعشرين لعشر سنين من إمارته، والخطبة للعباسيين، وإمارة الحاج لنظر الخادم. ثم كانت واقعة المسترشد مع السلطان مسعود ومقتله، وتعطل ركب الحاج. ثم حج نظر الخادم في السنة بعدها. ثم بعثت أسماء الصبيحية صاحبة اليمن لأمير مكة قاسم بن ابي قليبة فتوعدته على قطع خطبة الحافظ، وماتت فكفاه الله شرها، وانقطع الركب العراقي في هذه السنين للفتن والغلاء. ثم حج سنة أربع وأربعين نظر الخادم ومات في طريقه فولي قيماز واعترضه رهط من الأعراب فنهب الركب، واتصل حج قيماز والخطبة لبني العباس إلى سنة خمس وخمسين قبله.وبويع المستنجد فخطب له كما كان لأبيه المقتفي- ثم قتل قاسم بن ابي قليبة سنة ست وستين، وبعث المستضيء بالركب طاتنكين التركي. وانقرضت دولة العبيديين بمصر، ووليها صلاح الدين بن أيوب، واستولى على مكة واليمن، وخطب له بالحرمين ثم مات المستضيء سنة خمس وسبعين، وبويع ابنه الناصر، وخطب له بالحرمين، وحجت أمه بنفسها سنة خمس وثلاثين، وكانت له آثار عظيمة ورجعت فانهت إلى الناصر بن عيسى بن قاسم ما اطلعت عليه من أحواله فعزله عن إمارة مكة، وولى أخاه مكثر بن قاسم، وكان جليل القدر، ومات سنة تسع وثمانين السنة التي مات فيها صلاح الدين. وضعف أمر الهواشم، وملك مكة من أيديهم، وانقرضت دولتهم، والبقاء لله.

بنو قتادة

الخبر عن بني قتادة أمراء مكة بعد الهواشم ثم عن بني أبي نمير منهم أمراؤها لهذا العهد

كان من ولد موسى الجون الذي مر ذكره في بني حسن، عبد الله ابي الكرام، وكان له على ما نقل نسابتهم ثلاثة من الولد: سليمان وزيد واحمد. ومنه تشعبت ولده. فأما زيد فولده اليوم بالصحراء بنهر الحسنية، وأما احمد فولده بالدهناء، وأما سليمان فكان من ولده مطاعن بن عبد الكريم بن يوسف بن عيسى بر سليمان. وكان لمطاعن إدريس وثعلب، بالثعالبة بالحجاز. فكان لإدريس ولدان قتادة النابغة وصرخة. فأما صرخة فولده شيع يعرفون بالشكرة، وأما قتادة النابغة فكان يكنى أبا عزيز، وكان من ولده علي الأكبر وشقيقه حسن. فمن ولده حسن إدريس وأحمد ومحمد وجمان، وإمارة ينبع في أعقابهم ومنهم لهذا العهد أميران يتداولان إمارتها من ولد إدريس بن حسن بن إدريس وأما أبو عزيز قتادة النابغة فمن ولد موالي عز أمراء مكة لهذا العهد. وكان بنو حسن بن الحسن كلهم موطنين بنهر العلقمية من وادي ينبع لعهد إمارة الهواشم بمكة وكانوا ظواعن بادية. ولما نشأ فيهم قتادة هذا جمع ذوي مطاعن، وأركبهم واستبد بإمارتهم، وكان بوادي ينبع بنو خراب من ولد عبد الله بن حسن بن الحسن، وبنو عيسى بن سليمان بن موسى الجون فحاربهم بنو مطاعن هؤلاء، وأميرهم أبو عزيز قتادة وأخرجهم، وملك ينبع والصفراء، واستكثر من الجند والمماليك. وكان على عهد المستنصر العباسي في أواسط المائة السادسة.وكان الأمراء يومئذ بمكة الهواشم من ولد جعفر بن هاشم بن الحسن بن محمد بن موسى بن أبي الكرام عبد الله، وقد مر ذكرهم. وكان أخرجهم مكثر بن عيسى بن قاسم الذي بنى القلعة على جبل أبي قبيس، ومات سنة تسع وثمانين وخمسمائة فسار قتادة إلى مكة، وانتزعها من أيديهم وملكها، وخطب للناصر العباسي، وأقام في إمارتها نحوا من أربعين سنة. واستفحل ملكه، واتسع إلى نواحي اليمن، وكان لقبه أبا عزيز. وفي سنة ثلاث وستمائة حج بالركب وجه السبع التركي من مماليك الناصر، وفر من طريقه إلى مصر فنهب الركب. وفي سنة ثمان وستمائة وثب شخص من حاج العراق على شريف من قرابة قتادة فقتله فاتهم الشرفاء به أمراء الركب فثاروا بهم، وقتلوا منهم خلقا. ثم بعث إليهم بالأموال من بغداد، وبعث قتادة بعض أولاده يستعتب فأعتب. وفي سنة خمس عشرة خطب بمكة للعادل بن أيوب بعد الناصر الخليفة، وللكامل بن العادل بعدهما.وفي سنة ست عشرة كان خروج التتر، وكان قتادة عادلا وأمن الناس في أيامه، ولم يعد قط على أحد من الخلفاء ولا من الملوك، وكان يقول أنا أحق بالخلافة، وكانت الأموال والخلع تحمل إليه، واستدعاه الناصر في بعض السنين فكتب إليه:

ولي كف ضرغام أذل ببسطها واشري بها عز الورى وأبيع
تظل ملوك الأرض تلثم ظهرها وفي بطنها للمجدبين ربيع
أأجعلها تحت الرجا ثم ابتغي خلاصا لها إني إذا لوضيع
وما أنا إلا المسك في كل بقعة يضوع وأما عندكم فيضيع

واتسعت دولته فملك ملك مكة والينبع وأطراف اليمن، وبعض أعمال المدينة، وبلاد نجد، وكان يستكثر من المماليك. وتوفي سنة سبع عشرة وستمائة، ويقال سمه ابنه حسن ويقال داخل ابنه حسن جاريته فأدخلته ليلا فخنق أباه، ثم قتلها وملك مكة، وامتعض لذلك ابنه راجح بن ابي عزيز قتادة، وشكاه إلى أمير حاج أقباش التركي عند وصوله فأشكاه، ووعده بالإنصاف منه فأغلق حسن أبواب مكة، وخرج بعض أصحابه إلى الأمير أقباش فلقوه عند باب المعلى فقتلوه، وعلقوه بالمسعى.ثم جاء المسعود بن الكامل سنة عشرين من اليمن إلى مكة فحج وقاتله حسن ببطن المسعى فغلبه المسعود، وملك مكة، ونصب رايته، وأزال راية أمير الركب، وكتب الخليفة من بغداد يعاتب أباه على ذلك، وعلى ما فعله في مكة والتخلف فكتب إليه أبوه: برئت يا أقسى من ظهر العادل أن لم أقطع يمينك فقد نبذت وراء ظهرك دنياك ودينك، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فغرم ديات الشرفاء، وأصابه شلل في يده، ومضى حسن بن قتادة إلى بغداد صريخا بعد أن بقي طريدا بالشام والجزيرة والعراق. ثم جاء إلى بغداد دخيلا وهم الترك بقتله بأقباش أمير الركب فمنعوا منه. ومات ببغداد سنة اثنتين وعشرين ودفن بمشهد الكاظم. ثم مات المسعود بن الكامل بمكة سنة ست وعشرين،ودفن بالمعلى وبقي على مكة قائده فخر الدين بن الشيخ، وعلى اليمن أمير الجيوش عمر بن علي بن رسول. وقصد راجح بن قتادة مكة سنة تسع وعشرين مع عساكر عمر بن رسول فملكها سنة ثلاثين من يد فخر الدين بن الشيخ، ولحق فخر الدين بمصر، ثم جاءت عساكر مصر سنة اثنتين وثلاثين مع الأمير جبريل، وملكوا مكة، وهرب راجح إلى اليمن. ثم جاء عمر بن رسول معه بنفسه فهربت عساكر مصر، وملك راجح مكة وخطب لعمر بن رسول بعد المستنصر. ولما ملك التتر العراق سنة أربع وثلاثين، وعظم أمرهم وانتهوا إلى أربل ابطل المستنصر الحج من أمر الجهاد، وأفتاه العلماء بذلك.ثم جهز المعتصم الحاج مع أمه سنة ثلاث وأربعين وشيعها إلى الكوفة. ولما حجت ضرب تركي في الموسم شريفا وكتب راجح فيه إلى الخليفة فقطعت يده، وبطل الحج بعد ذلك. ثم قوي أمر الموطىء أمام الزيدية باليمن، واعتزم على قطع الخطبة لبني الباس فضاق به المظفر بن عمر بن رسول، وكاتب المعتصم يحرضه على تجهيز الحاج بسبب ذلك. ثم قوي أمر الموطىء أمام الزيدية باليمن، وسار جماز بن حسن بن قتادة سنة إحدى وخمسين إلى الناصر بن العزيز بن الظاهر بن أيوب بدمشق مستجيشا على أبي سعيد، وسار إلى مكة فقتل أبا سعيد فرب الحرم، ونقض عهد الناصر، وخطب لصاحب اليمن.قال ابن سعيد: وفي سنة ثلاث وخمسين بلغني وأنا بالمغرب أن راجح بن قتادة جاء إلى مكة وهو شيخ كبير السن، وكان يسكن السدير على نحو اليمن فوصل إلى مكة، وأخرج منها جماز بن ابي عزيز فلحق بالينبع. قال: وفي سنة اثنتين وستين وصل الخبر إلى المغرب بأن أمر مكة دائر بين أبي نمى بن أبي سعيد الذي قتل جماز به على إمارة مكة، وبين غالب بن راجح الذي أخرجه أبوه جماز إلى الينبع. ثم استبد أبو نمي على أمر مكة، ونفى قتلة أبيه ابي سعيد إلى الينبع، وهم إدريس وجماز ومحمد، وقد كان إدريس منهم ولي أمر مكة قليلا فانطلقوا إلى الينبع وملكوه، وأعقابهم أمراؤه لهذا العهد. وأقام أبو نمى أميرا بمكة نحوا من خمسين سنة، وهلك على رأس المائة السابعة أو بعدها بسنتين، وخلف ثلاثين ولدا.

إمارة بني أبي نمي بمكة

ولما هلك أبو نمي قام من بعده بأمر مكة ابناه رميثة وحميضة ونازعهما عطيفة وأبو الغيث فاعتقلاهما، ووافق ذلك وصول بيبرس الجاشنكير كافل الملك الناصر بمصر، لأوّل ولايته فأطلقهما وولاهما وبعث برميثة وحميضة إلى مصر، ثم ردّهما السلطان إلى إمارتهما بمكة مع عسكره، وبعث إليه بعطيفة وأبي الغيث. ثم طال تنازعهم وتعاقبهم في إمارة مكة مرّة بعد أخرى. وهلك أبو الغيث في بعض حروبهم ببطن مرّ. ثم تنازع حميضة ورميثة، وسار رميثة إلى الملك الناصر سنة خمس عشرة، واستمدّ بأمرائه وعساكره. وهرب حميضة بعد أن استصفى أموال أهل مكة. ثم رجع بعد رجوع العساكر إلى مكّة. ثم اصطلحوا وتوافقوا. ثم خالف عطيفة سنة ثمان عشرة، ووصل إلى السلطان، وجاء بالعسكر فملك مكّة، وتقبض على رميثة فسجن أياماً ثم أطلق سنة عشرين عند مقدم السلطان من حجه، وأقام بمصر.وبقي حميضة مشرداً إلى أن استأمن السلطان فأمنّه، وكان معه جماعة من المماليك فرّوا إليه من مصر أيام انتقاضه فشعروا بطاعته فخافوا على أنفسهم أن يحضروا معه فقتلوه، وجاؤوا إلى السلطان يعتقدون ذلك وسيلة عنده فأقاد رميثة منهم بأخيه فقتل المباشر للقتل، وعفا عن الباقين. وأطلق رميثة إلى مكة مشاركاً لأخيه عطيفة في إمارتها. ثم هلك عطيفة، وأقام أخوه رميثة بعده مستقلاً بإمارة مكة إلى أن كبر وهرم. ثم هلك وكان إبناه ثقبة وعجلان قد اقتسما معه إمارة مكة برضاه. ثم أراد الرجوع عن ذلك فلم يجيباه إلى شيء مما أراد، واستمراً على ولايتهما معه. ثم تنازعا وخرج ثقبة، وبقي عجلان بمكّة. ثم غلبه عليها ثقبة، ثم اجتمعا بمصر سنة ست وخمسين فولي صاحب الأمر بمصر عجلان منهما، وفرّ ثقبة إلى بلاد الحجاز فأقام هنالك، وعاقبه إلى مكة مراراً. وجاء عجلان سنة إثنتين وستين بالمدد من عسكر القاهرة فكبسه ثقبة وقتل أخاه وبعضاً من العسكر ولم يزل عجلان على إمارته سالكاً سبيل العدل والإنصاف في الرعيّة، متجافياً عن الظلم عما كان عليه قومه من التعرض للتجّارّ والمجاورين. وسعى في أيام إمارته في قطع ما كان لعبيدهم على الحاج من المكس. وثبت لهم في ديوان السلطان عليها عطاء يتعاهدهم أيام الموسم، وكانت من حسنات سلطان مصر. وسعى هذا الأمير عجلان جزاه الله خيراً، وأقام على ذلك إلى أن هلك سنة سبع وسبعين، وولي ابنه أحمد بعده. وقد كان فوّض إليه في حياته وقاسمه في أمره فقام أحمد بأمر مكّة، وجرى على سنن أبيه في إنبات مراسم العدل وإحياء معالمه، حتى شاع عنه ذلك في الآفاق على السنة الحاج والمجاورين.وولّاه صاحب مصر لعهده الملك الظاهر أبو سعيد برقوق على ما كان أبوه. وسيّر إليه بالخلع والتفويض على عادتهم في ذلك. وكان في محبس أحمد جماعة من قرابته منهم أخوه محمد، ومحمد ابن أخيه ثقبة، وعنانّ ابن عمّه مغامس، في آخرين. فلما مات أحمد هربوا من محبسهم ولحقوا بهم فردوهم، وأجلوا محمد بن عجلان منهم، إلاّ عناناً فإنه لحق بمصر مستجيشا على محمد وكبيش فأنجده السلطان وبعثه مع أمير الركب ليطالع أحوالهم، واستصحب معّه جماعة من الباطنّية فتكوا بمحمد عند لقائه المحمل الذي عليه كسوة الكعبة بشارة الخليفة، وتقبيله الخص الذي يحمله على العادة في ذلك، وتركوه صريعاً في مكانه، ودخلوا إلى مكّة فولي أمير الحاج عنان بن مغامس، ولحق كبيش وشيعته بجدّة فلما انقضى الموسم ورجع الحاج، جاء كبيش وأصحابه وحاصروا مكة.وكان بينهم وبين عنان حروب قتل كبيش في بعضها. ثم لحق عليّ بن عجلان وأخوه حسن بالملك الظاهر صاحب مصر فرأى أن يحسم المادّة بولايته فولاّه سنة تسع وثمانين مشاركاً لعنان بن مغامس في الإمارة، وسار مع أمير الركب فلما وصلوا لكومرد بكّروا إلى مكّة على العادة، وخرج عنانّ للقائهم. ثم نكص من بعض الطريق هارباً، ودخل على مكة واستقل بإمارتها. ولما انفضّ الموسم ورجع الحاج جاء عنان ومعه بنو عمه مبارك، وجماعة الشرفاء فحاصروا مكة على عليّ ونازعوه الإمارة ثم أفرجوا، ثم رجعوا، وحالهم على ذلك متصل لهذا العهد. ووفدوا على السلطان بمصر سنة أربع وتسعين فأفرد علياً بالإمارة وأفاض عليه العطاء، وأكثف له الجند والمستخدمين، وأبقى عنان بن مغامس عنده، وأجرى عليه الرزق ونظّمه في أهل دولته. ثم نمى إلى السلطان انه يروم الفرار إلى الحجاز لينازع أمير مكّة علي بن عجلان فقبض عليه وحبسه، فقبض طي بن ب ن على الأشراف الذين