تأبين صباحي، ممدوح عدوان
تأبين صباحي، للشاعر السوري ممدوح عدوان.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
القصيدة
قليلاً من الصمت يا أصدقاء
فهذي جنازة أمي
هو الفجر،
حشد من الأمهات اللواتي
يبيّضهن البكاء
يجئن، كما يهجم الدمع وسط المواويل
ثم يجئن مع الفجر،
لا يقبل الضوء
ثم يجئن مع الضحك
لا يسطع الفرح المرتجى في اللقاء
هو الدمع حشد من الأمهات
اللواتي يكابرهن العزاء
توجهن نحو فواجع ترسم أعمارنا
مبطئاتٍ
مجيء السنونو الذي ضل عن سربه
ثم داهمه البرد أدرك أن جناحيه
يتجهان إلى زمهرير الشتاء
هو الفجر
حشد من الأمهات النوادب
للصمت في حزنهن
نشيج العواصف في غابة
يتجمع حشد بقافلة تتقن الدمع
والأم بيت من الكلمات الكسيرة
والضحكات الحزينة
والعبرات السعيدة
أشهق
لم أتهيأ لهذا الصباح المفاجئ بالأمهات
انتهيت من القصف والعربدات
ورحت أجفف عن جثتي ندمي
كنت أنفقت في الليل
تحويشة العمر من ضحكاتي
وهاجمني الفقرُ والدائنون:
الهمومُ التي نبعت من بلادي
التي قدمت لي سهادي
الهمومُ وخيباتها المستعادة
ثم حسابُ الغد المكفهر
يطالبني الدائنون السداد هموداً
وتشرق في القلب ذكرى
أخلصها من ثياب الحداد
أتاني الصباح بطيئاً يعزي
وجئت إلى وعده حاملاً طرقاً للبكاء
هو الفجر
يأخذ شكل الجنازة
حشد من الزغردات يصير عويلاً
وزنبقة من مراح الطفولة
تصلح للقبر
والفجر عصفورة فرحت بالندى
وانتشت بهجة بالشذا
حركت جانحيها الصغيرين نحو السماء
ففاجأها الدبق بين الغصون
وصاحت، فأدركها باشق
يبطئ الفجر
كنت أمل بأني سأحمله في جيوبي
ويبطئ حشد الحنان الذي أخجلته ذنوبي
يحيط بقلبي ضباب
كأن الصباح يشيع أضواءه
ويهربها
وأنا في السكينة وحدي
أهدهد ميتاً بآهاته
وأهدهد صبحاً بأشلائه
وأبدد عمراً بأجراسه
ثم أغلق عينيّ
تنفجر المعولات بقلبي
وأرهب أن أتساءل:
من سيشيّع هذا الصباح؟
لماذا يعود إليّ أسى الأمهات
توابيت تأخذ شكل الجنازة؟
من سيشيّع هذا المساء؟
أضمد ضعفي
أخاف التطلع نحو الظهيرة:
هل سوف تأتي الرصاصة في الشمس
أم تقبل الطعنات مع النسمة الناعمه
وأهجس:
كيف الطعام ليوم جديد
وأين سلامة يوم جديد
وأي الجنود يهدد أمني
وأي المساكين يطلب رأسي
وأي الفواجع تحملها النشرة القادمه
أمد يدي من ظلام المصابيح
في حلك الصبح
أبحث عن رقصات الشباب
كما أتحسس وكر عقارب
حتى أصادف أشباح عربدة دون صوت
وأهتف بالصاخبين،
وأرجو دقيقة شجو:
"قليلاً من الصمت يا أصدقاء
فهذي جنازة أمي"
وأصرخ..
لا يصعد الصوت
أصرخ
لكن قلبي يحاصر
بالتهم المستبدّة
بالصخب القامع
الموت يرقبني شامتاً
أتشبث بالفجر، ينهار
أمسك بالأمهات الفقيدات يغرقن
وأدرك أن الجنازة ليست لأمي
وأجهش
تلك الجنازة تحمل جسمي