بهمن بن اسفنديار
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
كشتاسب يستخلف بهمن ثم يموت
قال: و لما دنا وقت وفاة كُشتاسب أحضر جاماسبى العالم و قال له: لم يطب عيشى منذ قتل إسفنديار و لا يوما واحدا. و قد رأيت تفويض الأمر الى ولده بهمن، و يكون عمه بِشوتن دستوره و صاحب سره. فعليكم بالسمع و الطاعة. ثم أحضر بهمن و سلم اليه مفاتيح الكنوز و مقاليد الخزائن و تنفس الصعداء و قال: قد وليت السلطنة مائة و عشرين سنة، و قد شارفت الأجل و تصرم عمرى.
فتسلم التاج و التخت و عليك بالعدل و الإِحسان ، و ملازمة سبل السداد، و مصاحبة أهل العقل و الرشاد. فلما فرغ من وصيته خرجت روحه. فدفنوه و عقدوا له المآتم على عادتهم. ثم جلس بهمن على سرير الملك و اعتصب بتاج السلطنة قائما مقام كشتاسب.
قلت: قال غير صاحب الكتاب: كانت أم بهمن تنتسب الى بنيامين بن يعقوب بن إسحاق ابن ابراهيم خليل الرحمن صلوات اللّه و سلامه عليهم أجمعين، و كانت زوجته أم ولده ساسان تنتسب الى سليمان بن داود عليهما السلام. و تفسير بهمن بالعربية« الحسن النية». و كان متواضعا تخرج كتبه. من أردشير عبد اللّه و خادم اللّه السائس لأموركم. و يقال أنه عزا الرومية الداخلة فى ألف ألف مقاتل. و كان فيما قالوا من أعظم ملوك الفرس شأنا و أفضلهم تدبيرا. و من آثاره الباقية القرية المعروفة بهمينيا من الزاب الأعلى، و الأبلّة ، و كان سماها حين بناها بهمن أردشير.
انتقام بهمن لإسفنديار و الأخذ بثأره
قال الفردوسى: ثم إن بهمن لما تمكن من الملك فرّق على عساكره أموالا وافرة و أباحهم ذخائر كثيرة. ثم جلس ذات يوم فى محفل عام، و استحضر جميع وجوه أصحابه و أمرائه و قوّاده ، و قال لهم: إنه لا يخفى عنكم حال إسفنديار و ما عمل به رستم و أبوه الساحر. و ابنه فرامرز متصف بعداوتنا فى السر و العلن. و أنا ممتلئ القلب. من الهم و الحزن.
و ما لي هم إلا بإدراك ثار أبى و إخوتى الذين قتلوا بزابُل . و كل ولد كان من الماء الطاهر سلك مسلك أفريذون حين اقتص من الضحاك بجمشيذ، و منوجِهر حين اقتص لا سال يرج من قتله، و كيخسرو حين اقتص لسياوخش من أفراسياب، و فرامرز حين اقتص من ملك كابل لرستم. و الآن أنا أولى الناس بالانتقام لإسفندِيار الذى لم ير فارس مثله فى الأرض. فما ذا ترون و ماذا تقولون؟ فرفعوا أصواتهم و قالوا: نحن عبيدك المخلصون.
و قلوبنا مملوءة بمحبتك، و نفوسنا مجبولة على طاعتك. و أنت أعلم بالرأى و التدبير. فافعل ما ترى فنحن لك تبع. فلما سمع منه ذلك الجواب ازداد حقده توهجا، و أمرهم بقصد سِجستان . فاستعدوا لذلك، و ارتحل فى مائة ألف فارس
بهمن يكبل زالا أبا رستم و يستهين به
و سار حتى نزل على هيرمند فأرسل الى دستان و أعمله أنه قد جاء طالبا لثأر أبيه و إخوته. فرد اليه فى الجواب: إن الملك أعلم بحال إسفنديار و ما جرى بينه و بين رستم، و أنه كان أمرا محتوما و قدرا مقدورا. فعدّد عليه حقوق رستم على آبائه عامة و عليه خاصة إذ كفله و رباه حين فقد أباه. و وعده، إن كف عنه، أن يعطيه جميع ما احتوت عليه يديه من الكنوز و الخزائن و الدفائن الطارف منها و التالد. فلم يقبل بهمن ذلك منه و توغل سجستان. فتلقاه زال و لما قرب منه ترجل و سجد لديه و عفر لحيته البيضاء فى التراب بين يديه. ثم قال: أيها الملك! إن هذا وقت الرحمة و أوان الرأفة. اذكر سوالف حقوقنا و سوابق خدمتنا، و أخرج من قلبك الداء الدفين و لا تتبع بالثأر ناسا مقتولين.
و ارحم عجز دستان بن سام و وقوفه هكذا ضارعا ذليلا بين يديك. فغضب بهمن من كلامه، و أمر بفمه فقيد و حبس، و لم يسمع فيه شفاعة أحد من أصحابه. ثم استخرجوا من قصور دستان و كنوزه أحمالا من الذهب و الجوهر و المسك و العنبر و التيجان و المناطق و الملابس و المفارش و غير ذلك من الخيل و الأسلحة و سائر ما اقتناه رستم مدّة عمره، و اكتسبه من الملوك الماضين الى آخر عهده. ثم أطلق أيدى أصحابه فى الأسر و النهب فى جميع نواحى و زابل.
مقاتلة بهمن لفرامرز بن رستم و مقتل فرامرز
و بلغ الخبر بذلك الى فرامرز و هو فى ناحية بُست . فركب فى عساكره و جنوده يريد قتال بهمن. فتلقاه بهمن و التقوه فى موضع يقال له كورابذ. فقامت الحرب بينهم على ساق، و اتصل القتل و القتال و فيما بينهم الى تمام ثلاثة أيام بلياليهن. و لما كان اليوم الرابع ثارت ريح عاصف فى وجه فرامرز و أصحابه، و كانت عليهم دبور الأدبار، فتبعه بهمن الريح الثائرة، و حمل بأصحابه على صفوف فرامرز، و وضعوا فيهم السيف فولوا الأدبار فلم يبق منهم غير فرامرز، فإنه ثبت فى مستنقع الموت مع عدّة من أسود رجاله، و ما زال يضرب بالسيف حتى أسره. فحمل الى بهمن فأمر به فصلب و هو حى ثم رشقوه بالسهام حتى مات.
بهمن يطلق سراح زال و يعود إلى إيران
قال: ثم إن بِشوتن عم بهمن أتاه، و هو مرجع القلب من قتل فرامرز و ما جرى على دستان ابن سام، فقال: إنك قد أدركت ثأر أبيك، و بلغت فى ذلك غاية أمانيك. فأقل من هذا النهب الذريع و القتل الشنيع، و استشعر الخوف من اللّه عز و جل، و انظر الى تصاريف الزمان و ما صنعتْ بإسفنديار حين قصد زابل، و برستم بن دستان حين يمم كابل. و لا تؤذ أحدا ينتسب الى أصل كريم، و ينتمى الى بيت قديم. و إن دستان بن سام بن نريمان إن دعا اللّه عز و جل عليك، و ردّ الحكم فيما بينك و بينه اليه لأثر فيك و إن كنت قوى الطالع عالى النجم صاعد الجدّ .
ثم إن هذا التاج لم يصل اليك إرثا عن أبيك و جدك. و إنما حصل لك بسبب رستم الذى قرّره بالسيف على كيقباد و من بعده من الملوك. فانف الشر من قلبك، و أطلق هذا الشيخ الكبير من حبسك». فأدرك بهمن الندم، و أطلق دستان و أمر العسكر بالإِمساك عن القتل و النهب. ثم رجع عائدا الى إيران، و أقام فى مستقرّة ملكه ينهى و يأمر، و يعطى و يمنع.
زواج بهمن من هما
و كان له ابن شجاع يسمى ساسان، و بنت تسمى هُماى ذات رأى و عقل، و كانت تلقب جِهرآزاد . فبنى بها أبوها بمقتضى الهة الفهلوية، و كان يحبها لفرط حسنها و جمالها. فحملت منه و ضعفت و نحفت. فعظم ذلك على بهمن حتى أمرضه. و ازداد مرضه فاستحضر ابنته هماى، و استدعى الأكابر و الأعيان، و قال: إنى قد فوّضت الأمر الى ابنتى هماى، و عهدت اليها حتى تكون هى بعدى صاحبة التاج و التخت، و الأمر و النهى الى أن تلد فيصير ذلك لولدها ذكرا كان أو أنثى. فرضوا بذلك.
ثم إن ولده ساسان لما رأى ذلك عظم عليه، و حار فى أمره و ملكه الهم فترك أباه و هرب و صار الى نيسابور فتزوّج بها بعض بنات أكابرها. و كان يكتم أمره و لا يعرّف أحدا بنسبه. فحملت منه زوجته و ولدت ابنا فسماه ساسان أيضا. ثم مات هو بعد زمان يسير. فترعرع ولده ساسان و كبر فلم يصادف عنده ما يزجى به وقته فأوجه الفقر الى أن صار راعيا لصاحب المدينة يرعى بين تلك الجبال و الشعاب. فيقال هو جدّ الساسانية. و سيأتى تمام خبره من بعد.