بديع الزمان سعيد النورسي للدكتور جمال الكيلاني

من معرفة المصادر




بديع الزمان سعيد النُورسي "قراءة جديدة في فكره المستنير"






دكتور/جمال الدين فالح الكيلاني دكتور/زياد حمد الصميدعي











اسم الكتاب : بديع الزمان سعيد النورسي تأليف : د/ زياد حمد الصميدعي د/ جمال الدين فالح الكيلاني تنسيق : أ.محمد القادري - المغرب الناشر : دار الزنبقة _ القاهرة

الطبعة الاولى 2014  

البريد الالكتروني: E-mail : unecriv@net.sy الانتــرنيت : Internet  : : aru@net.sy

                                                                  تصنيف الكتاب : م.م.ت.ث.ع 2014-1110 








“وإنني على قناعة تامة من أن المضايقات التي يضايقونني بها في أغلب الاوقات و العنت الذي أرزح تحته ظلماً، إنما هو لدفعي -بيد عناية خفية رحيمة- إلى حصر النظر في أسرار القرآن دون سواها. و عدم تشتيت النظر و صرفه هنا و هناك. و على الرغم من أنني كنت مغرماً بالمطالعة، فقد وهبت لروحي مجانبة و إعراضاً عن أي كتاب آخر سوى القرآن الكريم”-النورسي










الاهداء الى الذين يتطلعون لرؤية نهضة فكرية اسلامية

قائمة على
"فهم للاسلام سليم" 

لعلهم يجدون في هذه الصفحات بعض مما يبتغون


"زياد و جمال"






بسم الله الرحمن الرحيم


على سبيل التمهيد


إذا كان أهل السياسة يصنعون الأحداث أو تصنعهم الأحداث لزمن ثم يأفلون، فإن رجال الفكر والذكر ودعاة الإصلاح الحقيقيون من المسلمين يُكتب لهم الخلود والحياة في ضمائر الأمم، لارتباطهم الدائم بالقرآن الكريم واعتصامهم بحبله المتين واستمدادهم من أنواره، وحملهم دعوته للناس ليتمثلوه في كل وقت وحين، فهؤلاء هم حملة رسالة الأنبياء يسيرون على هدي النبوة ويقتبسون منها ويتمثلون قول رب العزة في حق نبيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿يا أيَّهَا النّبِيُّ إِنّا أرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشّراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إلى الله بإذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً.﴾الأحزاب :46


وبديع الزمان سعيد النورسي واحد من هؤلاء الرجال أولياء الله تعالى جمع بين الذكر والجهاد وعاش مع القرآن وللقرآن بدمه ولحمه فأفاض عليه القرآن من كنوزه وفيوضاته التي لا حد لها، وحياته اختصرها في جملة واحدة هي: “حياتي بذرة لخدمة القرآن”.


خادم القرآن السعيد مضى على هذا الطريق علما من أعلام الدعوة خلّف تراثاً وربّى جيلا، هم “طلبة النور”، وقضى مجاهدا من سجن إلى سجن ومن حصار إلى حصار.


لم تقعد به همته السامقة “رغم الأذى” عن الكتابة والتأليف وإلقاء الدروس حتى أيامه الأخيرة، فألّف برسائل النور رجالا مازالوا على العهد.

خلاصة الأمر لقد أدرك النورسي بثاقب فكره وتجربته وبفضل الله عليه أن الإصلاح ليس جهاد جيل وانتهى الرحيل وليس الإصلاح عنده إبطال موجود، بل إيجاد مفقود هو استصلاح وإصلاح القلوب وتربيتها على المحبة لا الانتقام وشفاء الغليل، لأن طريق الجهاد طويل يريد عملا ممنهجا، يريد تنظيم جهود يريد تعبئة منظمة يريد استبشارا وتبشيرا لأنفسنا وللإنسان مهما تجهم الزمن في وجهنا وكلحت طلعته واكفهرت ملامحه.


برهن الإمام سعيد النورسي من خلال تراثه الذي خلفه أنه كان بحق شمسا معنوية استمدت نورها من القرآن الكريم فهو رجل من أهل الله لأن أهل الله هم أهل القرآن وخاصته، كما جاء في الحديث، جعلنا الله منهم آمين، وترك الباب مفتوحا لمن كانت له همة أن يقتبس من القرآن وأن يكون من أهل القرآن ومن أهل تدبر القرآن.

﴿كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾.الإسراء:20


المؤلفان

























سعيد النورسي

الاطار والافق









الماضي المبكر

ولد سعيد النورسي سنة 1294هـ الموافقة لسنة 1877ميلادية في قرية   (نورس) ، الواقعة فى شرق الاناضول بكردستان تركيا . 

في وقت مبكر من حياة سعيد ظهرت عليه علامات الذكاء والنبوغ ، وتميز عن أقرانه بحب الاطلاع وكثرة الاستفسار ودقة الملاحظة ، وكان يحرص على حضور مجالس الكبار التي كان يدعو إليها والده في بيته ، ويناقش فيها مع علماء القرية مسائل كثيرة . وفي هذا الصبا المبكر ، جلبت اهتمامه مسائل فلسفية وفكرية عميقة ، كانت تدعوه إلى التأمل والتفكير ، يقول عن نفسه : «كنت قد حدثت خيالي في عهد صباي أي الأمرين تفضل؟ قضاء عمر سعيد يدوم ألف ألف سنة مع سلطنة الدنيا وأبهتها على أن ينتهي ذلك إلى العدم ، أم وجودا باقيا مع حياة اعتيادية ذات مشقة؟ فرأيته يرغب في الثانية ، ويضجر من الأولى قائلا : إنني لا أريد العدم بل البقاء»( ) . سلك سعيد مسلك أخيه الأكبر (الملا عبد الله) في توجهه إلى طلب العلم ، فشرع في تلقي علومه الأولى في قرية (طاغ) سنة (1882 م) على يد شيخ القرية (محمد أفندي) ، وفي نهاية كل أسبوع كان ينتهز فرصة رجوع أخيه إلى البيت ليتلقى منه دروسا إضافية ، غير أنه لم يستمر طويلا في هذه القرية بسبب حدة مزاجه وتخاصمه مع زملائه، فانتقل إلى قرية (بيرمس) ، حيث نال إعجاب شيخ المدرسة لأخلاقه وشجاعته وعلمه حتى لٌقب بــ "تلميذ الشيخ" . ولفرط إعجاب الشيخ به قام بزيارة والديه كي يقف بنفسه على طريقة تنشئته والبيئة التي نشأ فيها( ) . كان ميل النورسي - إذاً - إلى طلب العلم قويا منذ نشأته الأولى ، وأصبح هذا الميل أكثر قوة عندما رأى في منامه رؤيا تحثه على الاستزادة في طلب العلم ، وظلت راسخة في ذاكرته إلى آخر حياته. لذا استأذن والديه وذهب إلى (بتليس) سنة (1888م) ، والتحق بمدرسة الشيخ (أمين أفندي) ، غير أنه لم يمكث بها طويلا ؛ لأن الشيخ رفض تدريسه لصغر سنه وأوكله إلى شخص آخر ، وهذا ما حز في نفس سعيد ، فانتقل إلى مدرسة (مير حسن ولي) في (مكس) ، ثم إلى مدرسة (كواش) في (وان) . وفي كل هذه المدارس لم يجد سعيد ما يحقق طموحه العلمي ، حيث كانت الدراسة تقتصر على النحو والصرف ، كما لم يجد الاهتمام الكافي به ، لكونه من تلاميذ المراحل الأولى( ) . بعد ذلك اتجه إلى مدرسة في قضاء (بايزيد) التابعة لمحافظة (أرضروم) ، وهناك بدأت الدراسة الأساسية للنورسي برعاية أستاذه الشيخ (محمد جلالي) . ومع أن الفترة التي قضاها في هذه المدرسة لم تزد على ثلاثة أشهر ؛ فإنها كانت غنية بالتحصيل العلمي وشكلت نواة التكوين الفكري لديه ، إذ أتم دراسة الكتب المقررة عادة في المدارس الدينية ، وكان يقرأ في اليوم الواحد من متون أصعب الكتب مائتي صفحة ويفهمها دون الرجوع إلى الهوامش والحواشي ، وساعده في ذلك حدة ذكائه وقوة حافظته ، إذ كان باستطاعته حفظ صفحة كاملة من أعقد المتون بمجرد قراءتها قراءة واحدة( ) . وفي هذه الفترة انقطع عن العالم ، و ظل يقضي معظم وقته في القراءة على ضوء القناديل والفوانيس ، ودخل مرحلة زهد وتقشف و رياضة نفس عنيفة ، متأثرا في ذلك بآراء بعض الحكماء الإشراقيين وسلوكهم . وبعد نهاية الأشهر الثلاثة بصحبة الشيخ (محمد جلالي) ، اتجه إلى (بتليس) (1889م) حيث حضر بعض الدروس لأستاذه السابق (محمد أفندي) ، ومن هناك ذهب إلى مدينة (شيروان) فالتقى بأخيه الأكبر (الملا عبد الله) ، و جرت بينهما محاورة برهنت على نبوغ سعيد وتفوقه. ثم اتجه إلى (سعرد) ، حيث التقى بأستاذه السابق (فتح الله أفندي) الذي عجب لقوة ذكائه وحفظه( ) . وبهذا أصبحت سيرة التلميذ العبقري حديث المجالس العلمية ، فشوقت علماء (سعرد) إلى مجادلته في أصعب المسائل العلمية للتأكد من صحة ما يروج حوله . وبالرغم من كثرة السائلين وصعوبة الأسئلة ، فإن سعيدا أفحم الجميع وهو لم يتجاوز بعد الخامسة عشرة من عمره ، فأطلقوا عليه (سعيدي مشهور) ، أي : سعيد المشهور . ومن (سعرد) توجه إلى (بتليس) ، ومنها إلى مدينة (تللو) ، حيث اعتكف مدة في أحد أماكن العبادة ، وهناك حفظ - على ما ترويه المصادر - من كتاب "القاموس المحيط" للفيروزآبادي حتى باب السين . وقد أسهمت إقامته مع والي (بتليس) فيما بعد في إثراء تكوينه العلمي ؛ إذ استفاد من مكتبة الوالي الغنية بأصناف من العلوم ، واطلع على أمهات الكتب في علم الحديث ، وعلم الكلام ، والمنطق ، والنحو ، والتفسير ، والحديث ، والفقه ، فحفظ منها شيئا كثيرا ، كما كانت الكتب والصحف الصادرة من استانبول مصدرا آخر لمعلوماته. وفي (ماردين) تلقى النورسي آخر د روسه الدينية على يد الشيخ (محمد الكفروي)( ) . لقد جمع النورسي إلى حدة الذكاء وقوة الحافظة الشجاعة والإقدام ؛ إذ لم يكن يهاب الأمراء والحكام ، ولم يحل صغر سنه دون مواجهتهم ونصحهم للإقلاع عن ظلمهم للرعية( ) . ذهب سعيد إلى (ماردين) سنة (1892م) بعد أن قضى مدة في (جزرة) ، وهناك نشط في إلقاء الدروس بجامع المدينة والإجابة عن أسئلة قاصديه حتى ذاع صيته . وبدأت منذ ذلك الوقت حياته السياسية الأولى ؛ إذ التقى في (ماردين) بطالبين ساعداه في توسيع آفاقه الفكرية ، أحدهما كان من أتباع جمال الدين الأفغاني (1839-1897 م) ، الذي يرى النورسي أنه استطاع الجمع بين العلم والدين . وسيرا على نهجه أصبح يستخدم مصطلحات الأفغاني في أدبياته . أما الطالب الثاني فكان من أتباع الطريقة السنوسية التي بدأت تعمل منذ (1840م) لتوحيد القبائل البدوية( ) . ونتيجة نشاط النورسي في (ماردين) ، وُشي به إلى الوالي ؛ فنفاه إلى (بتليس) تحت حراسة مشددة . غير أن والي بتليس عرف بعد مدة قصيرة فضل هذا الشاب العالم ومنزلته ، فطلب منه أن يقيم معه في بيته . مكث النورسي خمس عشرة سنة بـ (وان) ، قضاها في التدريس متبعا في ذلك طرقا جديدة غير التي كانت سائدة في المدارس الدينية ، ولم يقتصر نشاطه على التدريس ؛ إذ كان يخرج بين الحين والآخر لإرشاد القبائل والإصلاح بينها ، وحقق في ذلك نجاحا لم يستطع مسؤولو الدولة تحقيقه ، نظرا لما كان يحظى به من احترام وتقدير في تلك الأوساط( ) . وفي هذه الفترة جمعته لقاءات ومناقشات ببعض أساتذة العلوم الحديثة ، شعر فيها بقصور باعه في تلك العلوم ؛ الأمر الذي دفعه إلى تعلمها والتمكن منها في فترة وجيزة ، حيث اطلع على علوم الجغرافيا ، والجيولوجيا ، والفيزياء ، والكيمياء ، والفلك ، والفلسفة ، والتاريخ ، وأصبح قادرا على التأليف في بعضها( ) ، ومناقشة المتخصصين في مجالاتها ، ولحدة ذكائه ونبوغه العلمي ذاعت شهرته ، فلقب : "بديع الزمان" . اهتم النورسي بمتابعة أحوال العالم الإسلامي من خلال الاطلاع على ما ينشر في الصحف اليومية والمطبوعات الأخرى . وأثناء إقامته في (وان) قرأ خبرا مثيرا نقلته إحدى الصحف المحلية عن خطاب لوزير المستعمرات البريطانية (وليم غلادستون)( ) في مجلس العموم البريطاني ، حيث كان يخاطب النواب وبيده نسخة من القرآن الكريم قائلا : «ما دام هذا القرآن بيد المسلمين فلن نستطيع أن نحكمهم ، فلا مناص لنا من أن نزيله من الوجود ، أو نقطع صلة المسلمين به»( ) . ولإنجاز وعده فكر في إنشاء جامعة إسلامية في كردستان تحت اسم "مدرسة الزهراء"( ) ، تكون مركزا لخدمة القرآن الكريم على غرار "الجامع الأزهر" بمصر ، وفق نظام حديث ، تجمع في التدريس بين العلوم القرآنية والعلوم الحديثة ، حتى تخرج شبابا مثقفا ثقافة أصيلة ، مستوعبا لما استجد من العلوم ، فيسهم حينئذ في نشر حقائق الإسلام والدفاع عنها . . ومن أجل تحقيق هذا المشروع شد النورسي الرحال إلى استانبول وهو لم يتجاوز بعد الثالثة والعشرين من عمره ، ومكث هناك سنة ونصف سنة ، محاولا إقناع المسؤولين بمشروعه ، غير أنه لم يفلح في مسعاه ؛ فرجع إلى (وان)( ) . وفي سنة (1907م) - أي بعد إحدى عشرة سنة - عاد إلى استانبول وأقام في خان "الشكرجي"( ) في منطقة (فاتح) ، حيث كان ملتقى كثير من المفكرين والأدباء ، أمثال الشاعر المشهور : "محمد عاكف"( ) ، فعرض عليهم فكرته فاستحسنوها ، ودارت بينهم مناقشات علمية متنوعة برهنت على نبوغه وتفوقه . كان النورسي مدركا بأن الإصلاح التعليمي والسياسي هما أساس أي نهضة ؛ لذا قدَّم – أثناء إقامته في استانبول – التماسا إلى السلطان عبد الحميد الثاني يطلب فيه فتح مدارس للعلوم الرياضية والفيزياء والكيمياء بجانب المدارس الدينية ، ولاسيما في كردستان حيث يسود الجهل والفقر والتخلف . كما طلب من السلطنة القيام بواجبها نحو المسلمين في كل الأنحاء قائلا : «إن مقام الخلافة لا ينحصر في إقامة شعائر صلاة الجمعة ، فكما أن للخلافة قدرة وقوة معنوية ؛ يجب أن تكون لها القدرة المادية التي تكفل مصالح الأمة المحمدية في أقطار الأرض جميعا»( ) . وخلال لقائه بالمسؤولين انتقد النورسي نظام الحكم ، وسياسة الاستبداد المتبعة من السلطة ، مبينا نظام الحكم الصحيح : «لا استبداد في الإسلام ، فما يصدر حول فرد من الأفراد من قرار يجب أن يصدر بعد استكمال جميع مراحل المحاكم التي يجب أن تكون علنية وضمن العدالة الشرعية ، وليس من الجائز صدور القرار من قبل أشخاص غير معروفين ونتيجة دسائس معينة ، واعتمادا على تقارير سرية»( ) . و بعد أسابيع من مكوثه في المستشفى حضر الطبيب المسؤول لفحصه وكتابة تقرير عن حالته ، ومن خلال الحديث الذي دار بينهما ذهل الطبيب ذهولا جعله يكتب في تقريره : «لو صح أن ببديع الزمان أدنى مس من الجنون ، لما وجد على وجه الأرض عاقل»( ) . ومع أن التقرير كان إيجابيا ، فقد بقي النورسي - نتيجة المماطلات - ثمانية أشهر في المستشفى ، ثم أرسل بعد خروجه إلى وزارة الداخلية حيث حاولت السلطة استمالته وإسكاته( ) ، لكنه لم يخضع لهذا كله ، بل إنه اختار حياة العزوبة إلى آخر حياته ، كي لا يتعرض لمثل هذه الضغوط . ولعل اختياره كان له ما يبرره ؛ إذ إن ما واجهه بعد ذلك من سجن ونفي ومطاردة م يكن ليعينه على القيام بأعباء مسؤولية الزواج( ) . قبيل إعلان المشروطية الثانية( ) عام 1908 اتجه النورسي إلى (سلانيك)( ) فرحب به كبار شخصيات الاتحاد والترقي لكونه من دعاة الحرية ومبدأ الشورى الإسلامي ومنتقدي الاستبداد . لقد جمعت الدعوة إلى الحرية ومقاومة نظم الحكم الاستبدادية بين النورسي والاتحاديين ؛ لذا مال إليهم فترة محدودة أملا في ظهور عناصر منهم تسعى إلى ما كان يسعى إليه هو أيضا، وحاولوا – هم بدورهم - تسخيره لخدمة أهدافهم الخاصة ، لكنه ظل مستقلا عنهم وعندما تبين انحرافهم عن الدين ، واجههم بقوله : « لقد اعتديتم على الدين وأدرتم ظهوركم للشريعة» . ذلك أنه بعد إعلان المشروطية وإطلاق حرية الصحافة ، سادت موجة فكرية تدعو إلى الإلحاد ومحاربة الدين ، ظنا من أصحابها أن سبيل النهوض والتقدم هو استبعاد الدين من المجتمع ، من ذلك ما نشره الصحفي "حسين جاهد يالجين"() رئيس تحرير جريدة (طنين) ، وأحد الأعضاء البارزين في جمعية "الاتحاد والترقي" ، حيث قال : « إنه آن الوقت لأن نفكر جديا في اقتباس "العلمانية" ، فالغرب لم يتقدم إلا عندما مزق سيطرة الكنيسة وسيطرة رجال الدين المسيحيين» . فرد عليه النورسي بمقالة بيّن فيها أن الإسلام ليس فيه رجال دين بالمفهوم الغربي المسيحي ؛ لذا فإن المقارنة باطلة : «ليس في الإسلام طبقة الرهبان ؛ ذلك لأن النص الوارد في أنه (لارهبانية في الإسلام) يشكل قاعدة رئيسية من قواعد تفكيرنا ، ويجب أن يكون كذلك في الواقع أيضا ، والمنطق يرفض أن نحمّل النتائج الضارة الناتجة من التطبيق السئ على هذه الفكرة ، وأن نجعلها موضع نقاش . . . إن الإسلام نظام كامل للحياة ؛ فشريعتنا لم تدع وظائفنا التعبدية شيئا نظريا وأمرا منفصلا عن الحياة ، بل أدمجتها ضمن هذه الحياة وضمن نظامها ، فإن انفصلت عقائدنا تماما عن قلب الحياة ، فلا يبقى في أيدينا سوى شئ نظري»( ) . تبيّن النورسي من خلال استقرائه للخطوات التي سار عليها الاتحاديون النتيجة التي ستصل إليها الدولة العثمانية ، كما تبيّن مستقبل الإسلام في أوروبا . وهذه الرؤية المستقبلية تلخصها إجابته عن سؤال مفتي الديار المصرية ، إذ قال بديع الزمان : «إن الدولة العثمانية حبلى حاليا بجنين أوروبا وستلد يوما ما ، أما أوروبا فهي أيضا حبلى بجنين الإسلام وستلد يوما ما»( ) . تشير الوقائع في حياة النورسي أنه حدث تمرد بين أفراد القوة العسكرية المكلفة بحماية (المشروطية) ، في (31/3/1909م) ، حيث ثار الجنود واحتجزوا ضباطهم في ثكنة باستانبول ، واجتمعوا في منتصف الليل بساحة (السلطان أحمد) ، فانضم إليهم بعض الجنود من المعسكرات الأخرى مطالبين بالشريعة ، ومعلنين عصيانا دام أحد عشر يوما ساد فيها الاضطراب والفوضى . ولم تنته الحادثة إلا بعد وصول "جيش الحركة "( ) إلى استانبول في (23/4/1909) ، حيث سيطر على الوضع ، وأعلن الأحكام العرفية ، وعزل السلطان عبد الحميد الثاني في السابع والعشرين من الشهر نفسه ؛ لاتهامه بالوقوف وراء الحادثة التي عدّت محاولة انقلاب . وعلى إثر ذلك شكلت محاكم عسكرية لمحاكمة المسؤولين ؛ فكان النورسي ضمن الذين قدموا إلى المحكمة بسبب مقالاته التي نشرت في جريدة "وولقان" (Volkan)( ) ، وعُدّت محرضة ضد الحكومة . وأثناء المحاكمة شرع الحاكم العسكري في استجواب النورسي قائلا : «أنت أيضا تدعو إلى تطبيق الشريعة؟ إن من يطالب بها يشنق . [ وأشار إلى جثت المشنوقين التي ترى عبر النافذة ]» . فقام بديع الزمان للرد على الحاكم العسكري قائلا - دون خوف أو وجل : « . . لو أن لي ألف روح لما ترددت أن أجعلها فداء لحقيقة واحدة من حقائق الإسلام . . . فقد قلت إني طالب علم ؛ لذا فأنا أزن كل شئ بميزان الشريعة . إنني لا أعترف إلا بملة الإسلام ، إنني أقول لكم وأنا واقف أمام البرزخ الذي تسمونه (السجن) في انتظار القطار الذي يمضي بي إلى الآخرة ، لا لتسمعوا أنتم وحدكم بل ليتناقله العالم كله . . . إنني متهيء بشوق لقدومي إلى الآخرة . . وأنا مستعد للذهاب مع هؤلاء الذين علقوا في المشانق . . تصوروا ذلك البدوي الذي سمع عن غرائب استانبول ومحاسنها فاشتاق إليها ، إنني مثله تماما في شوقي إلى الآخرة والقدوم إليها . إن نفيكم إياي إلى هناك لا يُعدّ عقوبة . . إن كنتم تستطيعون فعاقبوني المعاقبة الوجدانية . لقد كانت هذه الحكومة تخاصم العقل أيام الاستبداد ، والآن فإنها تعادي الحياة ، وإن كانت هذه الحكومة هكذا ؛ فليعش الجنون ، وليعش الموت ، وللظالمين فلتعش جهنم . . . »( ) . ثم بدأ يعدد الجنايات المنسوبة إليه ويرد عليها ردا مفحما ، فعن اتهامه بانضمامه إلى "الاتحاد المحمدي"( ) ردّ النورسي قائلا : «تقولون هل انضممت إلى الاتحاد المحمدي ، وأقول : نعم . . وبكل فخر . . فأنا أصغر فرد من هذا الاتحاد ، ولكن بالصيغة التي أعرفها ، ومن الذي يرضى أن يبقى خارج هذا الاتحاد سوى الملحدين!! أروني من؟»( ) . ثم حمل على جمعية "الاتحاد والترقي" التي أخذت تلصق تهمة الرجعية بكل من يخالفها ، مع أنها كانت تعارض الاستبداد وتدعو إلى (المشروطية)( ) ، فقال : «إن كانت (المشروطية) تعني مخالفة الشريعة واستبداد جماعة معينة ، فليشهد الثقلان( ) أني رجعي ؛ ذلك لأن الاتحاد القائم على الكذب كذب أيضا ، والمشروطية القائمة على أسس فاسدة ومفسدة ، مشروطية فاسدة ؛ ذلك لأن المشروطية الحقة التي لها الدوام ، هي المشروطية القائمة على الحق وعلى الصدق وعلى المحبة وعلى أساس لا امتيازات فيه . سوف أقول الحقيقة فقط ، ولن أجانب الحق أبدا ؛ ذلك لأن مقام الحق سام ، ولن أضحي به لخاطر أحد لذا لن يصرفني عن ذكر الحق لوم لائم»( ) . كما انتقد التوجه التغريبي الذي سار عليه الاتحاديون باسم المدنية ، فقال : «إذا كانت المدنية الحاضرة هي هذه التصرفات التي تمس الكرامة الإنسانية وتعتدي عليها ، وهي هذه الافتراءات التي تؤدي إلى النفاق ، وهي هذه الأفكار التي تغذي الحقد والانتقام ، وهي هذه المغالطات الشيطانية والتحلل من الآداب الدينية . إذا كانت هذه هي المدنية ، فليشهد الثقلان بأنني أفضل قمم الجبال الشاهقة في كردستان ، وأفضل حياة البداوة في تلك الجبال - حيث الحرية المطلقة - على موطن النفاق الذي تسمونه (قصر المدنية) . ثم تمثل بهذه الأبيات الشعرية بالعربية : ولولا تكاليف العلا ومقاصد غوالٍ وأعقاب الأحاديث في غد

لأعطيت نفسي في التخلي مرادها وذاك مرادي مذ نشأت ومقصدي

وأكتم أشياء ولو شئت قلتها ولو قلتها لم أبق للصلح موضعا( )

وأمام هذا الدفاع المفحم لم تستطع المحكمة أن تثبت عليه أي تهمة ، الأمر الذي حدا برئيسها إلى إصدار حكم البراءة في الجلسة نفسها . ومن ثمّ غادر النورسي استانبول عام (1910م) متجها إلى مدينة (وان) ، حيث واصل نشاطه في إرشاد الناس ، وتعليمهم أمور دينهم من خلال دروس دينية واجتماعية ، لخصها في كتابه " المناظرات" الذي طُبع - فيما بعد - باستانبول . في عام (1911م) قام النورسي بزيارة لبلاد الشام ، حيث ألقى خطبة باللغة العربية في المسجد الأموي سُميت فيما بعد (الخطبة الشامية) ، خاطب فيها علماء الشام ، محللا أوضاع العالم الإسلامي ومبينا أمراض الأمة والعلاج اللازم لها . وقد لخص هذه الأمراض فيما يلي : 1 - اليأس والقنوط الذي وجد أسباب الحياة في النفوس . 2 - انعدام الصدق في الحياة الاجتماعية والسياسية . 3 - حب العداوة . 4 - تجاهل الرابطة الروحية التي تربط المؤمنين بعضهم ببعض . 5 - ذيوع الاستبداد ، ذيوعَ الأمراض المعدية . 6 - حصر الهمة في المنفعة الشخصية ، وتجاهل النفع العام . وبعد أن شخّص الأمراض التي تعاني منها الأمة الإسلامية ، وصف العلاج لكل مرض مبتدئاً بـ"الأمل" …( ) . ومن دمشق اتجه النورسي إلى بيروت ، ثم عاد إلى استانبول بحرا ، واستأنف سعيه لتحقيق مشروع (جامعة الزهراء) ، حيث قابل السلطان (محمد رشاد)( ) ، وحصل منه ومن الحكومة العثمانية على وعد قاطع بإنجاز هذا المشروع ، غير أن اندلاع الحرب العالمية الأولى (1914م) حال دون إتمامه( ) . . وقد قام بديع الزمان بمعية لجنة من العلماء( ) بإصدار فتوى للجهاد بعد اندلاع الحرب العالمية ، بالرغم من أنه لم يكن من أنصار المشاركة فيها قبل بدايتها( ) ؛ لعدم تقدير جمعية الاتحاد والترقي لوضع الدولة ، ولقلة فهمها للأوضاع الدولية . وتولت "التشكيلات الخاصة" طبع الفتوى ونشرها بجميع اللغات ، وتوزيعها في الدولة العثمانية وباقي أنحاء البلاد الإسلامية ، وعلى إثر ذلك رجع سعيد إلى (وان) ، وهناك شكّل فرقا مقاتلة - من طلابه ومن الأهالي - بدأت التدريب لمواجهة الجيش الروسي الزاحف على الحدود . وكان النورسي يشاركهم بنفسه في التدريب والإعداد ، ويحضهم بقوله : «تهيأوا واستعدوا . . إن زلزالا رهيبا على الأبواب»( ) . وقد استطاعت قوات المتطوعين حماية الدولة العثمانية ضد عصابات الأرمن المتعاونة مع روسيا لفترة مهمة ، إلاّ أن اندفاع الجيش الروسي - المتفوق عددا وعدّة - تمكن من الزحف نحو الأناضول ، وأثناء التصدي لهذا الزحف وفي وسط الخنادق ألّف النورسي كتاب "إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز"( ) باللغة العربية . وعند دخول الجيش الروسي مدينة ارخدوم فى 16 شباط 1916 ثم دخول مدينة (بتليس) بقي النورسي وطلابه في قلعة المدينة يدافعون عنها وعن الأهالي ، وأثناء المعارك التي استهدفت ضمان الحماية لانسحاب الأهالي ، جُرح سعيد وانكسرت ساقه ؛ فسقط في بركة ماء متجمّد تحت أحد الجسور مع أحد طلابه . حاول الروس استمالة النورسي ليُقنع العشائر الكردية بتسليم أسلحتها ، غير أنه لم يستجب لهم ، بل كانت مواقفه تترجم صلابته وشجاعته . ففي أحد الأيام أثناء زيارة "نيقولا نيقولافيج" - وهو خال القيصر والقائد العام للجبهة - إلى معسكر الأسرى ، قام الجميع لأداء التحية إلا بديع الزمان ، الأمر الذي لفت نظر القائد العام فرجع مرة ثانية أمامه فلم يكترث سعيد ، وفي المرة الثالثة وقف غاضبا وجرت بينهما المحاورة التالية - بواسطة المترجم : -أما عرفني؟ - بلى لقد عرفته . إنه نيقولافيج ، خال القيصر والقائد العام في جبهة القفقاس . - فلم إذن قصد الإهانة؟ - كلاّ ، معذرة ؛ إنني لم أستهن به ، وإنما فعلت ما تأمرني به عقيدتي . - وماذا تأمر العقيدة ؟ - إنني عالم مسلم أحمل في قلبي إيمانا ؛ فالذي يحمل الإيمان في قلبه هو أفضل ممن لا يحمله ، فلو أنني قمت له احتراما ، لكنت قليل الاحترام لعقيدتي ، ولهذا لم أقم له . - إذن فهو بإطلاقه صفة عدم الإيمان عليّ يكون قد أهانني ، وأهان جيشي وأهان أمتي والقيصر ، فلتشكل حالا محكمة عسكرية للنظر في أمره . حاول بعض الأسرى المرافقين للنورسي إقناعه بالإعتذار للقائد الروسي ، لكنه رفض ذلك قائلا : «إنني راغب في الرحيل إلى الآخرة والمثول بين يدي رسول الله  ، فأنا بحاجة إلى جواز سفر فحسب للآخرة ، وأنا لا أستطيع أن أعمل بما يخالف إيماني . . . » . وبموجب مادة إهانة القيصر والجيش الروسي ، أصدرت المحكمة حكمها بالإعدام على النورسي ، غير أنه لم ينزعج لهذا الحكم ، بل استقبله بابتهاج طالبا من الضابط المرافق له إلى ساحة الإعدام السماح له بعض الوقت للوضوء والصلاة . وأثناء أدائه الصلاة ، حضر القائد الروسي بعد أن أيقن من صدق النورسي مع عقيدته ، فقال : «أرجو منك المعذرة ، كنت أظن أنك قمت بعملك هذا قصد إهانتي ، ولكنني واثق الآن أنك كنت تنفذ ما تأمرك به عقيدتك وإيمانك ؛ لذا فقد أبطلت قرار المحكمة ، وإنني أهنئك على صلابتك في عقيدتك وأرجو منك المعذرة مرة أخرى»( ) . هكذا كانت مواقف النورسي أثناء الأسر ، وهي مواقف تعبر صراحة عن شجاعته وقوة إيمانه ، وثباته على عقيدته . وقد استطاع - بعد عناء شديد - الفرار مستغلا أحداث الثورة البلشفية (1917) التي قوضت النظام القيصري .









خطوات على الطريق تأثير الأسر فـي حياة النورســـي : يبدو أن الأسر - وما صاحبه من أحداث قاسية - قد ترك تأثيره في النورسي ، فجعله يؤثر العزلة ، ويستغرق في التأمل والتفكير والعبادة ، سعيا لمقاومة مختلف الضغوط النفسية( ) . ولا خلاف على هول الأحدا ث التي شهدها العالم في هذه الفترة ، ولعل النورسي يصورها تصويرا بليغا حين يقول : «ومع أنني لم أكن أعدّ نفسي شيخا بعد ، فإن الذي يرى الحرب العالمية لابدّ أن يشيب ، حيث مرت أيام يشيب من هولها الولدان ، وكأن سرا من أسرار الآية الكريمة : يوما يجعل الولدان شيباً قد سرى فيها ، ومع أنني كنت قريبا من الأربعين ، فإنني وجدت نفسي كأنني في الثمانين من عمري . . .)( ) . . وقد استغل النورسي فترة الأسر التي دامت أكثر من سنتين في مراجعة مسيرة حياته ، وتقييم أحوال العالم الإسلامي ، ويبدو أنه لم يكن راضيا عن مسيرته ولا عن أوضاع البلاد الإسلامية ، وهذا ما عمّق من حزنه وألمه ، فلم يجد مصرفا عن هذه المعاناة إلا في العبادة والتأمل في آيات القرآن الكريم .

بعد عودته إلى استانبول ، استُقبل بديع الزمان استقبالا بطوليا ، وكوفئ بتعيينه عضوا في دار الحكمة( ) ، إلا أنه لم يكن راغبا في هذه العضوية - على ماكان لها من مكانة اجتماعية - إذ تكرر غيابه عن الاجتماعات حتى طلب إعفاءه بحجة حاجته إلى الراحة بعد عناء الأسر( ) . لكني لا أرجح أن مجرد الحاجة إلى الراحة كان السبب الوحيد في عزوف النورسي عن المشاركة في دار الحكمة ، وإنما أرى أن السبب الأهم هو الانقلاب النفسي الذي حدث له أثناء الأسر ، وجعله يرجع إلى نفسه وينكفئ على ذاته ويقيّم منهجه ومسيرته ، يعترف النورسي - في هذا الصدد - بقوله : «إنه لشئ عجيب ، لقد كنت عضوا في دار الحكمة لأضمد جراح الأمة الإسلامية ، على حين كنت في نفسي مريضا أكثر من أي شخص آخر»( ) . وبعد رحلة بحث طويلة مع الذات ، خَلُصَ النورسي إلى أن العلوم الفلسفية هي التي "لوثت روحه" ، و "أعاقت سموه المعنوي" ؛ لذا لجأ إلى القرآن الكريم ليتخلّص من تأثيرات تلك المسائل الفلسفية . ونكاد نلحظ هنا تماثلا كبيرا بين النورسي والغزالي( ) من حيث تطور التجربة الروحية لكليهما بحثا عن الحقيقة ، ولا غرابة في ذلك ؛ فبديع الزمان شديد الإعجاب بـ"أستاذه" الغزالي ، وهو قدوته في كثير من المجالات المعرفية ، لكن منهجي الرجلين لم يكونا سواءً ، لأسباب مختلفة سأعرض لها في مبحث لاحق . . خرجت الدولة العثمانية منهكة القوى من الحرب العالمية الأولى ؛ إذ سقطت حكومة الاتحاديين ، وفُرضت على الدولة شروط قاسية ، تمّ بموجبها تسريح الجيش العثماني ، واحتلال مدن كثيرة ؛ فانجلترا احتلت مركز الخلافة (استانبول) ، ومدينة (إزميت) ، واحتل الأرمن مدينتي (قارص) و (أظنة) ، أما إيطاليا فسيطرت على (قوش آداسي) و (أنطاليا) ، و (بوردور) . واحتلت اليونان مدنا مهمة ، منها : (إزمير) و (باليكسير) ، و (باندرما) ، و (مودانيا) ، و (آيدن) ، و (إِسكي شِهِر) ، و (آفيون) ، و (بورصة) ، و (أدرنة) . . . وبعد الهدنة التي زادت من سيطرة الحلفاء ، اضطرت الدولة العثمانية إلى توقيع معاهدة "سيفر"( ) ، التي كانت استسلاما شبه مطلق ، فأحس النورسي أن طعنة قوية قد وُجّهت الى العالم الإسلامي ، وشعر بصدمة هذه الأحداث ، فقال : «إنني أستطيع أن أتحمل كل آلامي الشخصية ، ولكن آلام الأمة الإسلامية سحقتني ، إنني أشعر بأن الطعنات التي وُجّهت إلى العالم الإسلامي كأنها وُجهت إلى قلبي أوّلا ، ولهذا ترونني مسحوق الفؤاد ، ولكنني أرى نورا ينسينا هذه الآلام إن شاء الله تعالى»( ) . لكن هذه الهزّة النفسية لم تفقده صوابه أو تثنه عن عزمه ، بل حركت فيه روح الأمل ، وجعلته يستبشر - في وقت مبكر - ببعث إسلامي جديد ، فالمصيبة التي ابتلي بها العالم الإسلامي لم تكن - في رأيه - شرا محضا ؛ لأنها عجّلت بعث الأخوة الإسلامية ، وأيقظت الشعور بالمصير الواحد ونبهت المسلمين جميعا إلى ما يهدد عقيدتهم ووجودهم( ) . وقد بدأ النورسي تصديه للإنجليز وحلفائهم ، بتأليفه كتاب "الخطوات الست" سنة (1920م) ، حيث ردّ على الحرب النفسية التي حاول الاحتلال من خلالها أن يوهم الشعب المسلم أن انهزام الدولة العثمانية وانتصار الحلفاء عقاب رباني للمسلمين ، وقدر إلهي ليس لهم معه إلاّ التسليم المطلق ، وليس الإنجليز وأعوانهم سوى أدوات لتحقيق هذه الإرادة الإلهية . فهاجم النورسي الإنجليز بلهجة عنيفة ، و ردّ شبهاتهم بأدلة مقنعة ، وبيّن أطماعهم الاستعمارية ، داعيا المسلمين إلى مقاومتها ، وإلى شدّ العزائم ومحاربة مشاعر اليأس والقنوط التي رافقت هزيمة الدولة العثمانية وتمزقها . وعلى إثر عثور قوات الاحتلال على نسخة من كتاب " الخطوات الست " ، الذي كان يوزع سرّاً ، صدر حكم غيابي بالإعدام على النورسي ، غير أنه لم يتراجع ، وكانت مواقفه تعبيرا واضحا عن روح الاستعلاء والتحدي للمستعمر ؛ إذ عندما وظّف الإنجليز "كنيسة انجليكان" للشماتة بالمسلمين ، وطلبت الكنيسة من المشيخة الإسلامية الردّ على ستة أسئلة حول الدين الإسلامي في ستمائة كلمة ، وجّهت المشيخة الأسئلة إلى بديع الزمان ، فكان جوابه : «إن هذه الأسئلة لا يُجاب عنها بستمائة كلمة ، ولا بست كلمات ولا بكلمة واحدة بل ببصقة واحدة على الوجه الصفيق للإنجليزي اللعين»( ) . وبالرغم من فداحة الهزيمة التي حلّت بالدولة العثمانية ، فقد قامت في الأناضول حركة مقاومة ضد الاحتلال ، ومع تنامي هذه الحركة واتساعها أصدر شيخ الإسلام آنذاك( ) - تحت ضغط المحتلين - فتوى ضد المقاومة ورجالها وصفتهم بأنهم عصاة ، إلا أن مجموعة من العلماء تصدّت لها وأيّدت مقاتلة المحتلين ، وكان مما قاله النورسي ردّاً على شيخ الإسلام : «إن فتوى تصدر عن مشيخة وإدارة هي تحت ضغط الإنجليز وإمرتهم ، لابدّ أن تكون غير سليمة ولا يجوز الانصياع لها ؛ ذلك لأن الذين قاموا بمقاومة احتلال الأعداء لا يمكن اعتبارهم عصاة ؛ لذا يجب سحب هذه الفتوى»( ) . ونتيجة الدعم الكبير الذي تلقته المقاومة من الأهالي والضباط والجنود ، تقوّى مركزها في (أنقرة) بقيادة (مصطفى كمال أتاتورك) ، لكنه كان يخطط لإزاحة حكومة استانبول ، وقد تمّ له ذلك بعد فرار الخليفة (محمد السادس) إلى الأسطول الإنجليزي ، وتوقيع معاهدة (لوزان)( ) مع الحلفاء بدل معاهدة (سيفر) . دُعي بديع الزمان إلى مركز المقاومة (أنقره) من قِبل أتاتورك للانضمام إليه ، لكنه رفض الدعوة ؛ لأنه أراد أن يجاهد من أخطر الأمكنة في مواجهة المحتل ، ومع تكرر الدعوات وإلحاح بعض الشخصيات المحبة له توجه النورسي إلى (أنقره) ، حيث أُقيم حفل في مجلس النواب تكريما له ، إلاّ أنه انزعج كثيرا لما رآه من انصراف النواب عن الدين وتركهم للصلاة ؛ لذا وجّه إليهم بيانا من عشر نقاط يذكرهم فيه بالإسـلام ، ووجوب الالتزام بتعاليمه ، واستهله بقوله : «أيها المبعوثون . . . إنكم لمبعوثون ليوم عظيم» . ترك هذا البيان تأثيرا واضحا في النواب ، إذ عقب إلقائه التزم ما يقارب ستين نائبا بالصلاة حتى ، إن مسجد بناية المجلس لم يعد يتسع للمصلين . وتضايق (مصطفى كمال) من هذا البيان ؛ فاستدعى النورسي ليعاتبه قائلا : «لا ريب أننا بحاجة إلى أستاذ قدير مثلك . لقد دعوناك إلى هنا للاستفادة من آرائك المهمة ، ولكن أول عمل قمت به هو الحديث عن الصلاة ، فكان أول جهودكم هنا هو بث الفرقة بين أهل هذا المجلس» . فأجابه بديع الزمان في حدّة : «باشا . . باشا . . إن أعظم حقيقة بعد الإيمان هي الصلاة ، وإن الذي لايصلي خائن ، وحكم الخائن مردود . . »( ) . وعلى إثر ذلك حاول أتاتورك إبعاده إلى شرق الأناضول بحجة تعيينه واعظا عاما لكردستان ، لكنه رفض ، وظل في أنقرة يكتب ويؤلف الرسائل في إثبات وجود الله وترسيخ العقيدة ، والردّ على الانحراف الجديد الذي ظهر نتيجة موجة الشك والإلحاد التي تسربت إلى المسؤولين والموجَّهين بالمذاهب المادية الغربية . ورسالة (الطبيعة) التي ألفها في هذه الأثناء تصف بوضوح الأحوال التي دفعته إلى مجابهة أرباب الاتجاه الإلحادي والمسلك الذي اتبعه لتحقيق هدفه ، يقول النورسي : «فجئت - ضمن هذه الرسالة - ببرهان قوي حاد قاطع ، يقطع رأس تلك الزندقة ويدحرج أشلاءها ، وقد صنفتها بالعربية ، واستقيت معانيها وأفكارها من نور هذه الآية الكريمة {قَاَلَت رُسُلُهُم أَفِي اللَّهَ شَكٌّ فَاطِرِ اَلسَّمَوَاتِ وَالأَرضَ} [ إبراهيم : 10 ] ، لإثبات بداهة وجود الله سبحانه ووضوح وحدانيته . . .»( ) . إن سلسلة الهزائم التي لحقت بالعالم الإسلامي شرقا وغربا ، وتحول بعض المنتسبين إلى الإسلام إلى أعداء له ، كل هذا جعل بديع الزمان يشعر بإحباط شديد ؛ فقرر مغادرة (أنقرة) إلى (وان) ، ولعل هذا الإحباط يترجمه آخر حديث له مع مصطفى كمال الذي انكشف اتجاهه المعادي للدين ، وبدأ بنصب تماثيل له في مختلف المدن ، يقول النورسي : «إن هجوم آيات قرآننا العظيم إنما ينصب على التماثيل ، أما النصب التذكارية التي بجب على المسلمين إقامتها ؛ فهي المستشفيات ، والمدارس ، وملاجئ الأيتام ، والأقسام الداخلية للطلبة ، و دور العبادة ، وشقّ الطرق . . . »( ) . لقد فقدَ النورسي الأمل في رجال السياسة والفكر ، واقتنع أن إصلاح الأوضاع يحتاج إلى بناء جديد ، تكون قاعدته الأساسية جيلا قرآنيا مسلحا بعقيدة سليمة راسخة . بعد ثمانية أشهر في (أنقرة) رجع النورسي إلى (وان) ، ليقضي جل وقته قرب إحدى الخرائب المهجورة على جبل (أرك) في التفكير ، والتأمل ، وتدريس جماعة صغيرة من الطلاب ، لكنه تألم كثيرا لما حل بمدينته من خراب ولما فقدَ من أقارب وأصدقاء ؛ إذْ دمّر الروس والأرمن بيوت المسلمين في المدينة كليا ، ولم تبق إلاّ محلة للأرمن . وأمام هول هذه الأحداث اختار النورسي أن يدخل في مجاهدات نفسية ، سعيا للوصول إلى الصفاء الروحي ، وتمهيداً لمواجهة مرحلة جديدة من حياته . النورسي وموقفه من ثورة الشيخ " سعيد البيراني " : أثار اتجاه أتاتورك وحكومته المعادي للدين السخط والنقمة بين أوساط الشعب ؛ لذا قامت حركات تمرد ضد السلطة ، كان أهمها حركة سعيد البيراني عام (1925م) ، وهو زعيم للعشائر الكردية . وتذكر بعض المصادر( ) أنه تمت مراسلات بين سعيد البيراني وبديع الزمان ، من أجل قيام هذا الأخير بدعم الثورة المسلحة ، نظرا لماكان له من تأثير وسط العشائر الكردية ، ولاسيما بمدينة (وان) . وتضيف هذه المصادر أن النورسي رفض رفضا قاطعا ، ناسبةً إليه أقوالا مختلفة في سبب التحذير من الإقدام على الثورة أو التفكير فيها( ) . لم تختلف المصادر على عدم مشاركة النورسي في ثورة عام (1925م) ، وإنما الخلاف بينها في سبب عدم المشاركة . فأكثر المصادر ذكرت أن إحجامه عن المشاركة راجع إلى معارضته مبدأ الثورة ذاته الذي ينجم عنه قتل الأخ لأخيه ، في حين ينفي الأستاذ عزالدين يلدرم( ) هذا القول ، ويعدُّ الرسالة التي - زُعم أنها أُرسلت من بيران إلى النورسي - غير صحيحة . ويضيف قائلا( ) : «صحيح أن النورسي لم يشارك في ثورة بيران ضد كمال أتاتورك ، ولم يكن موافقا على اندلاعها آنذاك ، والسبب ليس كما زُعِمَ ، وإنما لأن النورسي كان يرى أن الطرفين غير متساويين ؛ فالثوار -في رأيه- لا يملكون القوة اللازمة لثورتهم ، فإذا ما أعلنوا الثورة ، فإن خسارة كبيرة سيتكبدونها . أما الكلام المنسوب إلى الأستاذ بديع الزمان الذي جاء في كتاب الأستاذ "إحسان قاسم" ، وكتاب "نجم الدين شاهين أر" ، فلا أساس له من الصحة إطلاقاً ، والنورسي لم يقله قط ، وإنما نُسِبَ له من دون دليل . ولعل الرجوع إلى ماسطره النورسي في الرسائل خير شاهد على رأيه ومنهجه وطريقة تفكيره في مثل هذه القضايا ، ذلك أنه يرى مجرد السكوت على الظلم أمراً غير مقبول ، ويستشهد بثورة الحسين – رضي الله عنه –على ظلم الأمويين ، يقول : "لا . . فإذا رفع التحكم رأسه ، سَلّ حسين (رضي الله عنه) سيف الحرية الشرعية وأحاله على عاتقه ، لكن الجهل والوحشة اللذين هما ركنا الاستبداد وعراقه ، هجما من جوانب العالم لإمداد استبداد "يزيد" في كربلاء ، فأحرق قلب الحق والعدالة عطشا( )" . إن النورسي لم يهادن للحظة واحدة نظام أتاتورك ، لكنه افتقر إلى الوسائل المادية لمقاومته» . والذي أراه أن عدم مشاركة النورسي في هذه الثورة يرجع في الأساس إلى الإحباط الشديد الذي أُصيب به بعد هزيمة العالم الإسلامي ووقوعه تحت الاستعمار ، ثم الانحراف الكبير الذي أصبح يقوده من ينتسبون إلى الإسلام ، وهو انحراف استهدف القضاء على العقيدة والترويج للمذاهب المعادية للدين ؛ الأمر الذي جعل بديع الزمان يؤوب إلى ذاته بحثا عن وسيلة مجدية لإصلاح هذه الأوضاع . ويبدو أن حاجة بديع الزمان إلى تقييم شامل لواقع العالم الإسلامي برزت قبيل مغادرته (أنقرة) ، بعدما رأى الحال الذي آلت إليه الدولة العثمانية ، وبعد أن تأكد من وجود تيارات جارفة تعادي الإسلام وقيمه . يصور النورسي حالته في أيامه الأخيرة بــ (أنقرة) ، حيث صعد إلى إحدى القلاع القديمة في فصل الخريف ، يقول : «فتمثلت تلك القلعة أمامي كأنها حوادث تاريخية متحجرة ، واعتراني حزن شديد وأسى عميق من شيب السنة في موسم الخريف ، ومن شيبي أنا ، ومن هرم القلعة ، ومن هرم البشرية ، ومن شيخوخة الدولة العثمانية العلية ، ومن وفاة سلطنة الخلافة ، ومن شيخوخة الدنيا ؛ فاضطرتني تلك الحالة إلى النظر من ذروة تلك القلعة المرتفعة إلى أودية الماضي وشواهق المستقبل ، أنقب عن نور ، وأبحث عن رجاء وعزاء ينير ماكنت أحس به من أكثف الظلمات التي غشيت روحي هناك ، وهي غارقة في ليل هذا الهرم المتداخل المحيط»( ) . وهكذا قرر النورسي الرجوع إلى (وان) ، لينزوي في قمة جبل (أراك) ليمضي أغلب أوقاته في التأمل والتفكير والتدريس . غير أن هذه العزلة التي اختارها النورسي لم تعفه من تحمل تبعات ثورة (بيران) إذ عقب فشل الثورة( ) قامت الحكومة باعتقال زعماء العشائر الكردية ونفيهم إلى أماكن أخرى حتى يظلوا تحت المراقبة . سيق النورسي من الجبل الذي كان يتعبد فيه إلى استانبول ، فمكث بها عشرين يوماً ، ثم نُقل إلى مدينة (بوردور) ، وظل منفياً فيها لمدة سبعة أشهر تفرغ خلالها للعبادة والتأليف ، فكتب رسالة (المدخل إلى النور) ، وهي دروس قرآنية مخطوطة أصبحت تتداول بين طلابه . ومن (بوردور) نُقل إلى أسبارطة ، ومكث بها عدة أشهر إلى أن تقرر نفيه إلى (بارلا)( ) . في شتاء عام (1926م) وصل بديع الزمان إلى منفاه في (بارلا) (Barla) ، وهي بلدة صغيرة تابعة لنواحي اسبارطة ، اختارتها السلطات لتتخلص من معارضة النورسي للتيار المعادي للدين ، غير أن النتيجة جاءت مخالفة لما خطط له الحكام ، إذ غدت (بارلا) - وهي المنطقة النائية - مركز الإشعاع الأول لدعوة النور ، حيث أنجز فيها القسم الأكبر من مؤلفاته التي سماها : «رسائل النور» فكان منها رسائل : (الكلمات) (Sozler) ، والمكتوبات (Mektubat) ، واللمعات (Lemaler) ، وركزت كلها على بيان حقائق الإسلام ، ومحاربة التيارات الإلحادية ، ودعوة المسلمين إلى المحافظة على عقيدتهم( ) . . وخلال مدة النفي في ( بارلا) التى دامت ثماني سنوات ونصف سنة ، استطاع النورسي أن يكسر طوق العزلة ، فعلى رغم مراقبة السلطات له ، تعرف عليه بعض شباب البلدة ( ) ، وبتوالي اللقاءات أصبح هؤلاء الشباب من أخلص طلبة النورسي ؛ إذ أخذوا على عاتقهم مهمة استنساخ رسائل النور بمئات الآلاف من النسخ ، وتوزيعها سراً في أرجاء تركيا كلها ، متحملين تبعات هذا العمل من اعتقال ومطاردة وتعذيب عن طيب خاطر واطمئنان نفس( ) . وفي الوقت الذي بدأت تتسع فيه دائرة رسائل النور ، وتجمع حولهاالآلاف من الشباب ، والموظفين ، والتجار ، وغيرهم أصدرت الحكومة أمراً بمنع الأذان بالعربية عام (1931م) ، وأصبح يردد باللغة التركية . وبسبب عدم تنفيذ بديع الزمان ومجموعة من طلابه هذا القرار قامت السلطات في (بارلا) بنفيهم إلى (إسبارطة) . النورسي فـي إسبارطة : وفي إسبارطة استمر النورسي في تأليف رسائله إلى غاية سنة (1935م) ، حيث بدأت موجة اعتقالات لطلبة النور شملت مائة وعشرين طالباً ، كما طالت النورسي نفسه ، وسيق الجميع إلى سجن مدينة (اسكي شهر) ، بانتظار محاكمتهم لاتهامهم بمايلي : 1 ـ تأليف جمعية سرية . 2 ـ السعي لهدم أسس الثورة الكمالية . 3 ـ تشكيل طريقة صوفية في الوقت الذي منعت فيه الحكومة هذه الطرق . 4 ـ إثارة روح التدين بنشر رسالة التستر (الحجاب) التي تدعو النساء إلى الاحتشام والتستر واتباع توجيه الإسلام ، وقد عدت الحكومة هذه الرسالة عملاً ضد قانون (الزي)( ) . وعلى إثر ذلك وُضع النورسي - أولاَ - في سجن انفرادي بهدف الضغط عليه وتحطيم روحه المعنوية ، إلا أنه استمر في التأليف ؛ فألف هناك : (اللمعة الثامنة والعشرين) ، و (اللمعة التاسعة والعشرين) ، و (اللمعة الثلاثين) ثم (الشعاع الأول) ، و (الشعاع الثاني) . ولم يقتصر نشاطه على التأليف ، وإنما كان يدعو كثيراً من المجرمين أثناء اتصاله بهم ، فاهتدوا على يديه واستقاموا على الطريق المستقيم( ) . وبعد فترة من اعتقاله قدم بديع الزمان للمحاكمة ، فتولى الدفاع عن نفسه وألقى دفاعاً مشهوراً أورد هنا جزءاً منه : لقد جئ بي إلى هنا بتهمة أنني شخص رجعي اتخذ الدين سبيلاً إلى الإخلال بالأمن العام ، وإنني أقول لكم : إن إمكانية عمل شئ لايستدعي وقوعه ولا المعاتبة عليه ، فعود الكبريت يمكنه إحراق بيت ، ولكن الإمكان لا يعني ارتكاب أي جريمة . إن ولاة الأمور إنما ينظرون إلى اليد لا إلى القلب ، وهناك في كل قطر وفي كل مكان معارضون شديدون للحكومة لايتدخلون في شؤون الإدارة والأمن . حتى إنه في عهد سيدنا عمر - رضى الله عنه - لم يُمس النصارى بشئ مع أنهم كانوا ينكرون الإسلام وقوانين الشريعة . وعلى هذا واستناداً إلى مبدأ حرية الفكر والوجدان إذا كان بعض طلاب النور يرفضون نظمكم ومبادئكم ، وينتقدونها على أساس علمي نقداً بناء ، أو إن صدرت منهم أعمال وتصرفات لاتتفق وتلك المبادئ بما في ذلك إضمار العداء لأولي الأمر ، فليس من حق القانون أن يحاسبهم على ذلك بشرط واحد ، وهو : أن لايتدخلوا في الشؤون الإدارية وألا يخلوا بالأمن والنظام . إن انشغالي بعلوم الإسلام لا يخدم إلا رضى الله تعالى ، وحاشا أن يخدم أي غرض كان غير ذلك لقد سألتم : هل أنا ممن ينشغل بالطرق الصوفية؟ . إنني أقول لكم : إن عصرنا هذا هو عصر حفظ الإيمان ، لاحفظ الطريقة . إن كثيرين يدخلون الجنة بغير الإنتماء إلى طريقة صوفية ، ولكن أحداً لا يدخل الجنة بغير إيمان . وتقولون : من أين تأتي بالمال لجمع الناس من حولك في جمعية؟ . وإنني أسأل هؤلاء : ومن أين لهم الوثائق التي أثبتوا بها أنني اشتغلت بجمعية أو قمت بأي نشاط يحتاج إلى المال؟ . وتعترضون قائلين : إنني لست موظفاً فيما أعمل فيه . وللتدريس مديرية خاصة ينبغى أن أتلقى الإذن منها أولاً . ولكن أقول لكم : لو أن أبواب القبور كلها أغلقت ، وأعدم الموت من الوجود ، لجاز أن ينحصر الإذن في دائرتكم . أما وإن ثلاثين ألف جنازة تنادي كل يوم نداء الموت ، وتوقع على حكمه ، فإن هذا يعني أن ثمة وظائف وواجبات أخرى أهم كثيراً مما انحصر في دائرتكم وأحكامكم( ) . وفي نهاية هذا الدفاع لم تعثر المحكمة على ما يدين النورسي ، إلا رسالته عن الحجاب ، فحكمت عليه بأحد عشر شهراً . بعد أن قضى بديع الزمان مدة الحكم في سجن (اسكي شهر) ، نفي إلى مدينة (قسطموني) سنة (1936م) دون أن يوجه إليه أي اتهام . وبقى هناك تحت الإقامة الجبرية في بيت مقابل لمركز الشرطة لمدة سبع سنوات ، أنجز خلالها قسماً من رسائل النور ، حيث كتب : (الشعاع الثالث) الذي هو رسالة (المناجاة) ، و (الشعاع الرابع) ، و (الشعاع الخامس) ، و (الشعاع السادس) ، و (الشعاع السابع) و (الشعاع الثامن) ، و (الشعاع التاسع) . وقد استطاع طلابه نشر هذه الرسائل بسرعة كبيرة ، فوصلت إلى كل مدينة وقرية من أنحاء تركيا( ) الأمر الذي سبب مصدر إزعاج للحكومة ، فحاولت التخلص منه بواسطة دس السم له في الطعام في أغسطس عام (1943) ، حيث أصيب بحمى شديدة ، لكنه نجا من الهلاك ، فقامت الشرطة بمداهمة منزله في (31/8/1943) ، وبعد تفتيشه لم تعثر إلا على بعض الرسائل التي تتناول قضايا العقيدة والأخلاق . . . وبعد أيام قليلة عاودت الشرطة مداهمة بيته على أمل أن تجد ما يدينه ، فلم تعثر إلا على بعض الكتب الدينية ، وبالرغم من ذلك ألقت عليه القبض في (18/9/1943) مع ستة وعشرين ومائة من طلابه ، وساقتهم إلى (أنقرة) للتهم السابقة ذاتها ، وهي تكوين جمعية سرية ومحاولة قلب نظام الحكم( ) . النورسي أمام محكمة «دنيزلـي» : نُقل النورسي وطلابه من (أنقرة) إلى (اسبارطة) ، ثم إلى (دنيزلي) فى عام 1934 ليمثل أمام محكمتها . وتمهيدياً للمحاكمة شكلت السلطات لجنة للتدقيق في «رسائل النور» ودراستها . وبعد دراسة متأنية لجميع الرسائل ، أصدرت اللجنة تقريراً يبرئ النورسي ومؤلفاته ، ومما جاء فيه : «ليس لبديع الزمان فعالية سياسية ، كما لا يوجد أى دليل على أنه يؤسس طريقة صوفية أو قام بإنشاء أية جمعية . وإن موضوعات كتبه تدور كلها حول المسائل العلمية والإيمانية ، وهي تفسير للقرآن الكريم »( ) . وأثناء إقامته في (أميرداغ) تحت المراقبة ، لاحقته المضايقات وبلغت ذروتها بمحاولة تسميمه ، حيث دُس له السم في الطعام ، فقضى أياماً على فراش المرض ، ومُنع من أداء صلاة الجماعة في المسجد حتى لا يختلط بالناس ( ) . غير أن كل الاجراءات التى اتخذت ضده ، لم تمنع رسائل النور من الانتشار( ) ، والتأثير في مختلف طبقات الشعب ، الأمر الذي حدا بالسلطة إلى إصدار أمر جديد باعتقاله ، حيث داهمت الشرطة منزله في (23/1/1948م) ، ومنازل مجموعة من طلابه في مدن مختلفة ، وساقتهم إلى سجن مدينة (افيون) في انتظار مثولهم أمام المحكمة بالتهم السابقة نفسها . وبعد جلسات متكررة أصدرت المحكمة حكمها بسجن بديع الزمان لمدة عشرين شهراً ، كما حكمت على طلابه بسجنهم لفترات مختلفة . واعترض النورسي على الحكم في محكمة التمييز التى قضت ببطلان الحكم استناداً إلى ما أصدرته محكمة (‎دينزلى) ، لكن المماطلة في إجراءات إطلاق سراحه ، لم تسمح له بالاستفادة من حكم البراءة ، فقضى في السجن عشرين شهراً ، وهي مدة الحكم الأول( ) . وبالرغم من الظروف القاسية التي عاشها النورسي في سجن (افيون) فإنه واصل تأليف رسائله( ) ، وتسريبها إلى طلابه الذين نقلوها إلى الخارج ، كما واصل دعوة السجناء الذين تابوا على يديه ، وأصبحوا من أخلص (طلاب النور)










نهاية الرحلة تنقسم حياة النورسي إلى ثلاث مراحل متميزة : 1 ـ مرحلة سعيدالقديم : وتبدأ من السنوات المبكرة لشبابه حتى نفيه إلى (بارلا) سنة (1926م) ، وخلال هذه المرحلة حاول النورسي خدمة الإسلام عن طريق الانخراط في الحياة السياسية ومحاولة التأثير فيها ، وذلك بدعوته إلى الإصلاح السياسي والتعليمي في عهد السلطان عبد الحميد ، وإلقائه الخطب في الجوامع والساحات ، ونشره المقالات السياسية العنيفة في جريدة «وولقان» ، ومحاولته استمالة رجال الاتحاد والترقي وتسخيرهم لخدمة الإسلام ، وتصديه للتيارات المعادية للدين . لكن انتقال بديع الزمان من المرحلة الأولى إلى الثانية لم يكن سريعاً ؛ إذ مرّ بمرحلة انتقالية( ) دامت أكثر من ثماني سنوات (أي : من فترة وجوده في الأسر (1917م) حتى نفيه إلى (بارلا) (1926م) ، وهي المرحلة التي شهدت أخطر التحولات في الدولة العثمانية ، حيث لفظت آخر أنفاسها وأعقب ذلك هجوم قوي على عقيدة الإسلام ونظمه . 2 ـ المرحلة الثانية : سعيد الجديد : وهي تبدأ من وصوله منفياً إلى (بارلا) سنة (1926م) ، وتستمر إلى غاية خروجه من سجن (آفيون) سنة (1949م) . وفي هذه المرحلة اتبع النورسي منهجاً جديداً ، اشتركت في تحديد معالمه عدة عوامل ، كان أهمها : التحولات السياسية التي عرفتها تركيا والعالم الإسلامي ، والتحولات النفسية التي رافقت تلك الأحداث ، حيث رأى النورسي عقم الأسلوب السياسي ، خاصة بعد انعدام الحرية واتساع موجة العداء للدين ، فوجه جميع جهوده لتجديد أمر الدين ، وبناء العقيدة السليمة القادرة على دعم البناء الإسلامي وإسناده . وفي الواقع لم يكن أمام النورسي في تلك الظروف - ظروف السجن والنفي - إلا سلوك هذا النهج لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ، ولعل أسلوبه الهادئ الذكي جرد السلطة من أي حجة لضرب حركته بالرغم من المحاكمات المتعاقبة التى أقحم فيها . 3 ـ المرحلة الثالثة : (سعيد الثالث) : تبدأ من وقت خروج النورسي من سجن (آفيون) سنة (1949م) إلى غاية وفاته سنة (1960م) وفي هذه الفترة شهدت تركيا تطورات سياسية مهمة ؛ إذ بعد سيطرة نظام الحزب الواحد( ) على الحياة السياسية منذ الاستقلال حتى سنة 1950 ، تم السماح بتشكيل الأحزاب ، فكان أقوى حزب معارض : "الحزب الديمقراطي" الذي شكله ( جلال بايار) و ( عدنان مندريس) واستطاع الفوز في انتخابات (عام1950م)( ) . ومع وصول الحزب الديمقراطي للحكم خفت موجة العداء للدين ، وسمح لأول مرة لرسائل النور بالطبع ، وللنورسي بالتدريس الجماعي والحركة المقيدة . واستجابة لهذه التطورات شرع النورسي في توجيه الرسائل إلى السياسيين ورجال الحكم يدعوهم فيها إلى اتباع الإسلام والالتزام بتعاليمه ، إلا أن جل همه ظل مركزاً على التربية والتكوين ونشر رسائل النور وإنشاء جيل جديد . المرحلة الأخيرة من حياة النورسي : بعد خروجه من السجن سنة (1949م) ، مكث النورسي (بأفيون) لمدة شهرين ، ثم توجه مع بعض طلابه إلى (أميرداغ) ، حيث أقام هناك سنتين انتهز فيها صدور قرار المحكمة بتبرئة (رسائل النور) وعدم معارضتها للقانون ، فقام بمعية طلابه بطبع آلاف النسخ منها على جهاز السحب (الرونيو) وتوزيعها على أنحاء البلاد( ) . وفي سنة (1951م) ، توجه إلى مدينة (إسكي شهر) ، وكانت هذه أول زيارة حرة له منذ سنين كثيرة حيث التقى بطلابه القدامى والجدد ، ومكث شهراً ونصف شهر يستقبل الزوار الذين وفدوا لزيارته دون انقطاع( ) . ثم سافر إلى مدينة (اسبارطة) ، وهناك طبع طلبة النور رسالة «مرشد الشباب» بالحروف اللاتينية ، الأمر الذي أثار الاتجاهات المعادية للدين في الحكومة ، فرفعت ضده دعوى متهمة إياه بمخالفة المادة (163) من الدستور التركي( ) ، التي تحظر أي نشاط يستهدف إقامة الدولة على أسس دينية ، فاستدعي للمثول أمام المحكمة باستانبول سنة (1952م) بعد غياب عنها دام سبعة وعشرين عاماً . لكن المحاكمة انتهت بإعلان براءته فغادر (استانبول) إلى (اميرداغ) ، حيث تعرض لمضايقات جديدة( ) ، فأرسل عريضة إلى وزارتي العدل والداخلية يستنكر فيها تلك المضايقات ونتيجة لقيام بعض طلابه بنشر العريضة في جريدة «الجهاد الأكبر» بمحافظة (صامسون) ، سنة (1953م) ، تمّ اعتقال المدير المسؤول عن الجريدة وأحد طلاب النور ، إلا أن المحكمة برأت ساحتهما ، كما برأت بديع الزمان في القضية المرفوعة ضده بسبب نشره مقالة في الجريدة نفسها ، بعنوان : (أكبر برهان) ، إذ رأت أنه لا يوجد في المقالة ما يوجب العقاب( ) . قامت محكمة (آفيون) سنة (1948م) بتشكيل لجنة خبراء لدراسة محتويات (رسائل النور» وإبداء الرأي حولها من الناحية القانونية ، وبالرغم من أن هذا التدقيق دام فترة طويلة ، فإن اللجنة انتهت سنة (1956م) إلى إصدار تقرير يفيد أن الرسائل تخلو من أي عنصر مخالف للقانون ، واستناداً إلى هذا التقرير ، بدأ النورسي بنشر رسائله في أنحاء تركيا كما قدمنا . وإذ ذاك شعر النورسي أن مهمته قد أنجزت ، فقال : «هذا هو عيد رسائل النور كنت أنتظر مثل هذا اليوم ، لقد انتهت مهمتي ، إذن فسأرحل قريباً» . لقد كانت تبرئة (رسائل النور) نتيجة للتغييرات في الساحة السياسية آنذاك ، هذه التغييرات التي جعلت النورسي نفسه يشارك في انتخاب عام (1957) ، حيث أعطى صوته إلى «الحزب الديمقراطي» ودعا طلابه إلى تأييده ، ليس لأن هذا الحزب كان ذا اتجاه إسلامي ، وإنما لكونه أقل ضرراً من «حزب الشعب»( ) . أقام النورسي في أواخر أيامه بمدينة (اسبارطة) ، وبالرغم من تقدمه في السن ، وسوء حالته الصحية ، كان يقوم بزيارات لبعض المدن التي ينتشر فيها طلابه ، مثل : (بارلا) و (أميرداغ) ، ويتابع ما يجرى في العالم الإسلامي . لكن كثرة تنقلاته بين المدن ، أزعج الأوساط المعادية له في السلطة ، فشنت عليه صحفها حملة عنيفة ، لإثارة الرأي العام ضده ، والتهويل من دعوته . فما أن وصل إلى أنقرة في (11/1/1960م) حتى أبلغته الحكومة أن يستقر في (أميرداغ) ، فتوجه إليها ، وأصبح يتنقل بينها وبين (اسبارطة) فقط . وفي شهر رمضان من عام (1379هـ) (1960م) مرض النورسي مرضاً شديداً حتى فقد وعيه مرات ، إلا أنه في الثامن عشر من الشهر ذاته استدعى طلابه وودعهم واحداً واحداً ، قائلاً : «استودعكم الله … إنى راحل» ثم توجه إلى اسبارطة ، حيث اشتد عليه المرض ، وبالرغم من ذلك ألح على طلابه بالذهاب إلى (أورفة) ، وعند وصوله بتاريخ (21/3/1960م) ، أقام في الفندق يوماً واحداً ، ثم حاصرته الشرطة ؛ لأن الحكومة لم تصرح له بالتنقل خارج (أميرداغ) أو (اسبارطة) وبعد إبلاغ المسؤول له بوجوب عودته إلى (اسبارطة) رد النورسي بقوله : «عجيب أمركم . . إنني لم آت هنا لكي أغادرها . . إنني قد أموت . . ألا ترون حالي؟»( ) . ولشدة مرضه ظل محاصراً في فندق (أورفة) إلى يوم الأربعاء 26 رمضان 1379هـ (23/3/1960م) حيث فارق الحياة . وبعد انتشار خبر وفاته في جميع أنحاء تركيا ، تقاطر على (أورفة) سيل من الناس للاشتراك في توديعه إلى مثواه الأخير بمقبرة «أولو جامع» . (Ulu Cami)( ) . عقب وفاة النورسي بشهرين وقع انقلاب عسكري أطاح بحكومة «الحزب الديمقراطي» التي سيق أعضاؤها إلى «محكمة الدستور» ، فقضت بإعدام رئيس الوزراء «عدنان مندريس» واثنين من وزرائه ، وبالسجن للمسؤولين السابقين في الحزب المطاح به . لقد رأى العسكريون أن استمرار سياسة الحزب الديمقراطي سينسف مبادئ أتاتورك ، وسيمكن للحركة الإسلامية التي اتسع نفوذها وتأثيرها ، فأبدوا عداء واضحاً للتيارات الإسلامية ، ولاسيما حركة «طلاب النور» . ولعل ما يبرهن على هذا العداء قيامهم - بعد أربعة أشهر من الانقلاب - بنقل رفات النورسي من قبره في أورفة إلى جهة أخرى ظلت مجهولة إلى حد الآن ، حيث أجبروا أخاه «عبد المجيد» على توقيع طلب - معدٍّ سلفاً - بنقل جثمان بديع الزمان من (أورفة) ، واقتيد إلى هناك تحت حراسة مشددة ، وفي جوف الليل حفر قبره ونقل جثمانه إلى مكان مجهول( ) . لكن وفاة النورسي لم توقف دعوته ؛ إذ ظل موجوداً ومؤثراً بمؤلفاته ورسائله التي حملت أفكاره واستمرت في أداء وظيفته . ولا شك أنه كان صادقا حينما قال : «إن (رسائل النور) تقوم بإيفاء وظيفتها أفضل مني عشر مرات . . . لذا فلم تبق هناك حاجة لوجودي» .  

حياة علمية لم تعرف "جوانب اخرى"




  عرض الآثار العلمية للنورسي «رسائل النور»

توفى النورسى مخلفاً تراثاً علمياً مهماً يزيد على ثلاثين ومائة رسالة ، هي أساس فكره ودعوته . ألف أغلبها فى المرحلة الثانية من حياته( ) ، وضم إليها أغلب ما ألفه في المرحلة الأولى ، وسماها جميعـاً) رسائل النور). وهذه الرسائل – كما يبين النورسي – تتوزع على أربع مجموعات رئيسية عمدتها المجموعة الأولى المسماة : (الكلمات) ؛ إذ منها تنبثق المجموعة الثانية : (المكتوبات) ، التي بدورها تتشعب عنها المجموعة الثالثة : (اللمعات) ، ثم المجموعة الرابعة : (الشعاعات) وهى متفرعة عن سابقتها .

الكلمات المكتوبات اللمعات

وألف النورسى بالإضافة إلى هاته المجموعات الأربعة الرئيسية رسائل أخرى مستقلة منها : "المدخل إلى النور" ، و"مفتاح لعالم النور" وهي آخر رسالة كتبت ، و"المحاكمات" ، و "ترجمة حياة" ، و "سنوحات" ، و "مناظرات" ، و"ديوان حربي عرفي" . والملاحظ أن الرسائل تختلف اختلافاً كبيراً من حيث الحجم ، فهناك رسائل هي بضع صفحات فقط ، وهناك كتاب كامل يُعد رسالة واحدة ( ) . وأحاول فيما يلي تتبع مؤلفات بديع الزمان مع عرض موجز لمحتوياتها : 1 / سوزلر (الكلمات) :( ) هو كتاب يضم ثلاثاً وثلاثين رسالة (كلمة) ، بدأ بتأليفها سنة (1926م) فى منفاه بـ (بارلا) . كتبها باللغة التركية وترجمها إلى العربية إحسان قاسم الصالحي( ) . . - الكلمة الأولى : وتبين ما في البسملة من قوة وبركة ، وأن الموجودات تذكرها بلسان الحال . - الكلمة الثانية : تفسر قوله تعالى : {الَّذِينَ يُؤمنُونَ بِالغَيبِ} [ البقرة : 3 ] ، مع بيان أن الإيمان سعادة ونعمة . - الكلمة الثالثة : تفسر قوله تعالى : {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم} [ البقرة : 21 ] ؛ فتبين أن العبادة سعادة عظمى ، والفسق خسارة جسيمة . - الكلمة الرابعة : تفسر قوله تعالى : {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} [ النساء : 103 ] . . - الكلمة الخامسة : تبين معنى التقوى ، وتوضح أن وظيفة الإنسان الحقة هي العبودية لله تعالى واجتناب الكبائر . - الكلمة السادسة : توضح أن بيع النفس والمال لله تعالى تجارة رابحة بخمسة أرباح ، وخلافه خسارة فادحة بخمسة خسائر . - الكلمة السابعة : توضح حقيقة الإيمان بالله واليوم الآخر ، وحقيقة الموت التي لها وجه جميل للمؤمن ، و وجه مزعج للكافر . - الكلمة الثامنة : تكشف حقيقة الدنيا و دور الإنسان فيها ، وقيمة الدين لديه في هذه الدنيا . - الكلمة التاسعة : تبين معنى الصلاة ، وحكمة تخصيصها بالأوقات الخمسة المعلومة . - الكلمة العاشرة : وهي رسالة (الحشر) ، وتوضح مسألة الحشر على ضوء تفسير قوله تعالى : {فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها} [ الروم : 50 ] ؛ إذ يوضح النورسي دلائل الحشر في اثنتي عشرة صورة ، ضمن حكاية تمثيلية مع مقدمة تضم ثلاث إشارات إلى أن الكون لابد له من مبدع ، وإلى وظائف النبوة ، وإلى أن العالم الفاني دليل على الباقي ، فهذه الرسالة تثبت حقيقة الحشر والبعث بشكل مفصل . - الكلمة الحادية عشرة : تفسر سورة (الشمس) ، وتوضح أسرار حكمة العالم ، ولغز خلق الإنسان ، ورموز حقيقة الصلاة . - الكلمة الثانية عشرة : تتضمن موازنة إجمالية بين حكمة القرآن الكريم المقدسة ، وحكمة الفلسفة ، ويثبت فيها رجحان القرآن الكريم ، وأفضليته على سائر الكلام والأقوال ، وعجز الفلسفة . - الكلمة الثالثة عشرة : وهي تنقسم قسمين : 1 -القسم الأول : يبين ثروة حكمة القرآن وغناها ، وفقر العلوم الفلسفية وعجزها ، مع بيان تنزه القرآن عن الشعر ، وكيفية تذوق الإعجاز . 2- القسم الثاني : يرشد الإنسان –ولا سيما الشباب- إلى كيفية إنقاذ آخرته . - الكلمة الرابعة عشرة : يفسر فيه بعض الآيات التى يستبعد معانيها الماديون وضعفاء الإيمان ، مثل قوله تعالى : {خلق السموات والأرض في ستة أيام} [ الأعراف : 54 ] ، ويختم هذه الرسالة بتذكير الإنسان المستغرق في المشاكل الدنيوية لإيقاظه من غفلته . - الكلمة الخامسة عشرة : وفيها تفسير لقوله تعالى : {ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين} [ الملك : 5 ] ، حيث يبين مبارزة الملائكة للشياطين ، ويوضح أن القرآن الكريم كلام الله تعالى ، وهو الذي يلزم الشياطين ويسكتهم . - الكلمة السادسة عشرة : تتضمن تفسيراً لقوله تعالى : {إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شىء وإليه ترجعون} [ يس : 82 ] ، ويثبت فيها وحدانية الله تعالى وتنزهه تعالى عن المكان . - الكلمة السابعة عشرة : يبين فيها بعض أسرار الحياة والموت ، ويفسر بعض الآيات في هذا المقام ، ويختم هذه الرسالة بمناجاة وتضرعات ، تزهد في الدنيا ، وترغب في الآخرة . - الكلمة الثامنة عشرة : تنقسم إلى قسمين أو مقامين ، كتب الأول منهما فقط ، وهو يضم ثلاث نقاط :  الأولى : يوجه فيها العتاب إلى نفسه - الأمارة بالسوء - ، كي يكسر فخرها وعجبها ، على ضوء قوله تعالى : {لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبـون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم}. [ آل عمران : 188 ] .  الثانية : يوضح فيها سراً من أسرار الآية الكريمة : {أحسن كل شيء خلقه} [ السجدة : 8 ] . .  الثالثة : يبين فيها أن حسن الصنعة دليل على نبوة محمد  . - الكلمة التاسعة عشرة : وهى تثبت الرسالة الأحمدية بأربعة عشر وجهاً . - الكلمة العشرون : وتنقسم إلى قسمين :  القسم الأول : فيه تفسير لآيات من سورة البقرة متضمنة لبعض الحوادث الجزئية وبعض المعجزات .  القسم الثاني : وفيه تفسير لما في هذه المعجزات من حكم . - الكلمة الحادية والعشرون : وهى ذات مقامين : - المقام الأول : في بيان أهمية الصلاة وفوائدها ، وحث النفس المتكاسلة عليها . - المقام الثاني : في بيان علة الوسوسة وطرق علاجها . - الكلمة الثانية والعشرون : يوضح فيها النورسي حقيقة التوحيد باثنى عشر برهاناً ، كما يعرض اثنتي عشرة "لمعة" حول التوحيد الحقيقي . - الكلمة الثالثة والعشرون : يفسر فيها قوله تعالى : {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} [ التين : 4 ] ، مبيناً محاسن الإيمان وتأثيره في ترقي الإنسان روحياً ومادياً مع بيان سعادة الإنسان وشقائه . - الكلمة الرابعة والعشرون : يبرز فيها على ضوء قوله تعالى : {الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى} تجلى أسماء الله الحسنى على العالم ، كما يقدم أصولاً في فهم الأحاديث النبوية الشريفة . - الكلمة الخامسة والعشرون : وهي رسالة : (المعجزات القرآنية) تقع في ما يقارب من عشرين ومائة صفحة ، وتبحث في بيان إعجاز القرآن الكريم ، وأنه كلام الله تعالى وتعرض بعض وجوه الإعجاز التي أعدها النورسي أربعين وجهاً . - الكلمة السادسة والعشرون : وهي رسالة (القدر) ، تتضمن تفسيراً لقوله تعالى : {وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننـزله إلا بقدر معلوم} [ الحجر : 21 ] ، ويبين النورسي هنا موضوع القدر بأدلة عقلية ، وأن خلق الشر والخير هو من الله تعالى . - الكلمة السابعة والعشرون : بعنوان : (رسالة الاجتهاد) ، وهي تناقش موضوع الاجتهاد مبينة أن بابه مفتوح ، لكن توجد في الوقت الحاضر ستـة موانع تحول دونه ، وختمت الرسالة ببيان حكمة تبدل الشرائع وتعدد المذاهب ، وفضل الصحابة وعلو مرتبتهم . - الكلمة الثامنة والعشرون : يفسر فيها قوله تعالى : {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجرى من تحتها الأنـهار كلما رزقوا منها من ثـمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون} [ البقرة : 25 ] فيتحدث عن الجنة ولطائفها من خلال أسئلة وأجوبة حول بعض أحوال الجنة التي تتعرض إلى النقد . - الكلمة التاسعة والعشرون : توضح قضايا غيبية : بقاء الروح والملائكة ، والحشر . - الكلمة الثلاثون : تبحث في الأنانية الإنسانية ونتائجها تحت ضوء قوله تعالى : {قد أفلح من زكاها} [ الشمس : 9 ] ، كما تبحث في حركة (الذرة) ووظائفها وترد على الماديين القائلين بالصدفة . - الكلمة الحادية والثلاثون : تفسر قوله تعالى : {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير} [ الإسراء : 1 ] ، فتبين حقيقة المعراج وحكمته وثمراته ، وفى الختام توضح معجزة انشقاق القمر . - الكلمة الثانية والثلاثون : تتضمن ثلاث قضايا : أ / القضية الأولى : بيان وحدانيته تعالى وإزالة الأوهام والشبه حولها . ب/ القضية الثانية : إزالة بعض الاعتراضات على الأحدية والواحدية . ج/ القضية الثالثة : استناد كل شيء إلى اسم من الأسماء الحسنى والتدرج في إدراج تلك الأسماء مع بيان نتائج الحياة الدنيا لأهل الضلالة ، ولأهل الهداية ، والفرق بينهما . - الكلمة الثالثة والثلاثون : تتضمن ثلاثة وثلاثين جزءاً سمى كل جزء منها (نافذة) ، نظر عبرها إلى التوحيد ، وكل نافذة عبارة عن تفسير آية أو أكثر توضح تجليات أسماء الله الحسنى في الكون .   جمعت كل الرسائل السابقة في كتاب واحد بعنوان "الكلمات" ، وترجم إلى اللغة العربية في تسعمائة صفحة وتوجد ترجمتان الأولى للأستاذ إحسان قاسم الصالحي ، والثانية للملا محمد زاهد الملا زكردي . 2 / مكتوبات "المكتوبات"( ) تتكون مجموعة (المكتوبات) من ثلاث وثلاثين رسالة أو (مكتوباً) ، ألفها النورسي في المرحلة الثانية من حياته ، ومحتوياتها هي كالتالي : - المكتوب الأول : يتناول البحث في قضايا غيبية كالموت والحياة وجهنم … - المكتوب الثاني : يوضح فيه النورسي أسباب استغنائه عن الناس ، وعدم قبوله هداياهم ، وهي قاعدة سار عليها طول حياته . - المكتوب الثالث : يتضمن تأملات في آيات قرآنية ، ويبين نكتاً إيمانية تتمثل في صعوبة طريق الضلال وسهولة طريق التوحيد . - المكتوب الرابع : يبين فيه بديع الزمان بعض خواطره ومشاعره أثناء تأمله في اسم «الله الحكيم» وهو منزو في منزل على شجرة صنوبر في منفاه (ببارلا) . - المكتوب الخامس : وفيه مقارنة بين طريق التصوف وطريق الحقيقة ، ويذهب النورسي إلى أن انكشاف مسألة واحدة من حقائق الإيمان أفضل من آلاف الأذواق والمواجيد والكرامات . - المكتوب السادس : يبين مشاعـر الغربة التي كان يعيشها النورسي أثناء نفيه بمدينة (إسبارطة) . - المكتوب السابع : في حكمة زواج رسول الله  بزينب رضي الله عنها ، والرد على المنتقدين . - المكتوب الثامن : في بيان سر من أسرار اسمي {الرحمن الرحيم} وأن الشفقة تسمو على المحبة كما في قصة سيدنا يوسف مع والده يعقوب عليهما السلام . - المكتوب التاسع : يوضح الفرق بين الإكرام الإلهي والكرامة والاستدراج ، ويبحث في الفرق بين مدلولى الإسلام والإيمان . - المكتوب العاشر : يبحث في الفرق بين تعبيرى (الإمام المبين) و (الكتاب المبين) ، ويسأل عن ميدان الحشر . المكتوب الحادي عشر : يتضمن أربعة مباحث : أ / تفسير قوله تعالى : {إن كيد الشيطان كان ضعيفاً} [ النساء : 76 ] مع بيان علاج الوسوسة . ب/ تأمل في مناظر الطبيعة (ببارلا) . جـ/ تفسير قوله تعالى : {للذكر مثل حظ الأنثيين} [ النساء : 11 ] ، مع مقارنة بين القانون الإسلامي والقانون الغربي في موضوع الميراث . د/ تفسير قوله تعالى : {فلأمه السدس} [ النساء : 11 ] . - المكتوب الثاني عشر : وفيه جواب عن ثلاثة أسئلة : أ / عن حكمة إخراج آدم عليه السلام من الجنة . . ب/ عن حكمة خلق الشياطين والشرور ، وحكمة بعثة الأنبياء . جـ/ عن وجه العدالة في نزول المصائب . - المكتوب الثالث عشر : ويجيب فيه بديع الزمان عن أسئلة وجهت إليه حول حاله ومعاناته ، وظلم أهل الدنيا له ، وسبب انصرافه عن السياسة . - المكتوب الرابع عشر : ذكر رقمه في الكتاب ، لكن النورسي يفيد بأنه لم يؤلفه . - المكتوب الخامس عشر : يتضمن جواباً عن عدة أسئلة منها : أ / لماذا لم يكشف الصحابة المفسدين ومثيرى الفتنة أثناء الفتنة الكبرى؟ ب/ الحكمة من استشهاد ثلاثة من الخلفاء الراشدين؟ جـ/ ماحقيقة الوقائع في عهد ـ علي ـ رضى الله عنه؟ د / ما الحكمة في المصيبة التي حلت بأهل البيت؟ هـ/ ما الحكمة من خروج الدجال ونزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان؟ و / هل تشمل آية {كل شئ هالك إلا وجهه} [ القصص : 88 ] الآخرة والجنة والنار؟- المكتوب السادس عشر : يوضح النورسي خمس نقاط في ضوء قوله تعالى : {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} [ آل عمران : 173 ] . أ / عن سبب انسحابه من ميدان السياسة . ب/ عن تجنبه الشديد للسياسة . جـ/ عن استغراب أصدقائه لصبره على المصائب . د / عن مجموعة أسئلة وجهت إليه حول مصادر عيشه وأسباب رفضه لمسلك أهل الدنيا . - المكتوب السابع عشر : هو رسالة تعزية في وفاة طفل لأحد طلابه . - المكتوب الثامن عشر : يتناول مسألة "وحدة الوجود" ، ويبين أن ما يبحثه مشاهير الصوفية . مثل : محيى الدين بن عربي لا يرى في عالم الشهادة ، وأن مسلك الصحابة وأهل الصحو أسمى من وحدة الوجود وأسلم . ثم يبين بعض أسرار الكون . - المكتوب التاسع عشر : في بيان أنواع معجزات الرسول  ، إذ يبحث عن أكثر من ثلاثمائة معجزة مع حكمها .  في الذيل الأول لهذه الرسالة يذكر النورسي جوانب من شخصية الرسول  ويفسر بعض آيات من سورة (يس) ، مع ذكر معجزة شق القمر .  أما في الذيل الثاني فيذكر سبب اختصاص الرسول عليه الصلاة السلام بالمعراج . - المكتوب العشرون : يتضمن حديثاً مسهباً عن أهمية التوحيد وإثباته من خلال شرحه لبعض أذكار الرسول  ، منها : (لا إله إلا الله وحده لا شريك له) ، ويخلص في نهاية الرسالة إلى أن في التوحيد سهولة مطلقة ، كما أن في الشرك صعوبة مطلقة . - المكتوب الحادي والعشرون : يبين فيه وجوب بر الوالدين ورعاية حقوق الشيوخ والعجزة في ضوء قوله تعالى : {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغَنَّ عندك الكبر أحدهما أوكلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربيـاني صغيراً ، ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفوراً} [ الإسراء : 23-24-25 ] . - المكتوب الثاني والعشرون : وهو مبحثان :  المبحث الأول : يدعو أهل الإيمان إلى الأخوة والمحبة واجتناب العداوة والبغضاء والتحاسد ، في ضوء قوله تعالى : {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكـم} [ الحجرات : 10 ] ، وقوله تعالى : {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} [ فصلت : 34 ] وقوله أيضاً : {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس} [ آل عمران : 134 ] .  المبحث الثاني : يبين مدى ضرر الحرص والطمع على الحياة الإسلامية . وفى ختام الرسالة ذيل يخص الغيبة والتحذير منها . - المكتوب الثالث والعشرون : يتضمن جواباً عن سبعة أسئلة مختلفة ، منها : أ / أيهما أفضل المجتهدون أم أقطاب الطرق؟ . ب/ ما حكمة المعية في قوله تعالى : {إن الله مع الصابرين} [ البقرة : 153 ] ؟ جـ/ كيف كان الرسول  يتعبد قبل البعثة؟ د / ما معنى الحديث : «خير شبابكم من تشبه بكهولكم . . .»؟ - المكتوب الرابع والعشرون : في أن مقتضيات اسم الرحيم والحكيم والودود ليست متناقضة مع ما يجري في الكائنات من موت ومصائب . وللرسالة ذيلان يبحث الأول في الدعاء وأسراره ، ويبين أنه سر العبادة وروحها ، والثاني في المعراج النبوي وشخص الرسول عليه الصلاة والسلام . . - المكتوب الخامس والعشرون : لم يؤلف . - المكتوب السادس والعشرون : وهو في أربعة مباحث : أ / في تفسير قوله تعالى : {وإما ينزغنك من الشيطان نــزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم} [ فصلت : 36 ] حيث يرد على الشيطان وحزبه بحجة القرآن من خلال محاكمة عقلية حيادية . ب/ المبحث الثاني : يقول في مقدمته : "كتب هذا المبحث بناء على الحيرة الناشئة لدى الذين يخدمونني دائماً"( ) ، ويبين فيه أن الإنسان قد يحمل شخصيات عدة ، وتلك الشخصيات ذات أخلاق متمايزة متباينة بسبب تعدد وظائفه واختلافها . جـ/ المبحث الثالث : وفيه سبع مسائل حول القومية والحمية الدينية . د / المبحث الرابع : وفيه عشر مسائل ، تتضمن تفسير لفظ{رب العالمين} ، وتوضيح بعض مقولات محيي الدين بن عربي ، وتحليل مفاهيم في الإيمان وعلم الكلام والتصوف . - المكتوب السابع والعشرون : هو كتاب الملاحق ، ويحتوى على مراسلات بديع الزمان وطلابه ويتكون من ثلاثة أجزاء كبيرة ، كل جزء يضم تجربة مرحلة من مراحل حياة النورسي ودعوته : - ملحق بارلا (1927 م - 1935 م) - ملحق قسطمونى (1936م - 1944م) - ملحق اميرداغ (1) (1944م - 1947م) : وملحق أميرداغ (2) (1948م حتى وفاته) . ضمت هذه الأجزاء في كتاب واحد ، سُمي "الملاحق في فقه دعوة النور" ، وطابعها العام توجيهي إرشادي يبين أهمية رسائل النور ، ومنهجها في الدعوة إلى الله في هذا العصر ، وتتضمن مراسلات ودية يعبر فيها الطلاب عن مدى تأثرهم بالرسائل واستفادتهم منها ، كما تتضمن خواطر وردت على قلب النورسي . تشكلت هذه الملاحق الثلاثة تدريجياً ، حيث ضمت المراسلات المتبادلة بعضها إلى بعض ، ثم عُرضت على النورسي ، فاختار ما يصلح للنشر منها . ونظراً لأهميتها فقد وضعها ، ضمن رسائل النور الإيمانية ، وجعلها المكتوب السابع والعشرين من مجموعة المكتوبات( ) . - المكتوب الثامن والعشرون : تناول ثماني مسائل ، منها : تعبير الرؤيا ، وسر تأثير رسائل النور ، ودين أجداد النبي  ، وقضايا غيبية نحو الحشر . . . - المكتوب التاسع والعشرون : يتضمن تسعة أقسام ، منها :  القسم الأول : في دراسة تسعة مباحث قرآنية ، منها : طريقة معرفة حقائق القرآن الكريم والقسم في القرآن ، والحروف المقطعة ، واستحالة ترجمة القرآن الكريم ، وأنواع الحقوق في الشريعة . .  القسم الثاني : في حكم صيام رمضان وفوائده .  القسم الثالث : في فهم بعض وجوه إعجاز القرآن الكريم .  القسم الرابع : في التوافقات القرآنية .  القسم الخامس : في بيان بعض أسرار سورة النور .  القسم السادس : في توجيهات لحملة القرآن الكريم ، وتحذيرهم من دسائس الشيطان وهي حب الجاه والشهرة ، والشعور بالخوف والطمع ، وإثارة النعرة القومية ، والأنانية والغرور ، وحب الراحة وتسنم الوظائف ، وفي ذيل هذا القسم توجد رسالة موجهة إلى المسؤولين في الحكومة .  القسم السابع : وفيه سبع إشارات في الرد على المفتونين بالحضارة الغربية ، وتوضيح أسباب تغيير سعيد القديم لمنهجه .  القسم الثامن : هو ثمانى رسائل صغيرة بعنوان "الرموز الثمانية" ، لكن النورسي لم يدرجه في كتاب (المكتوبات) ، ووعد بكتابته في رسالة مستقلة .  القسم التاسع : يشمل تسعة مباحث تخص طرق الولاية والتصوف ومزالقها مع بيان العلاقة بين الشريعة والطريقة ، ثم في ذيل هذا القسم يوضح النورسي أقرب طريق إلى الله ، وهو طريق : العجز ، والفقر ، والشفقة ، والتفكر . - المكتوب الثلاثون : رسالة كبيرة في كتاب مستقل بعنوان : "إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز" ألفه النورسي باللغة العربية ، في المرحلة الأولى من حياته خلال مشاركته في الحرب العالمية الأولى . وسيأتي الحديث عنه في المبحث المقبل . - المكتوب الحادي والثلاثون : هو إحدى وثلاثون رسالة تشكل المجموعة الثالثة من كليات رسائل النور (اللمعات) ، فهذه المجموعة منبثقة عن المجموعة الثانية (المكتوبات) والتي بدورها تنبثق عن (الكلمات) . - المكتوب الثاني والثلاثون : رسالة بعنوان (اللوامع) ، وهي الرسالة ذاتها المنشورة في ختام (الكلمات) . . - المكتوب الثالث والثلاثون : رسالة بعنوان (النوافذ) ، وهي الرسالة نفسها الموجودة ضمن (الكلمات) . 3 / اللمعات( ): يشتمل هذا الكتاب على ثلاث وثلاثين رسالة أو (لمعة) ، ويعد من أهم الكتب في سلسلة كليات رسائل النور . - اللمعة الأولى : في تفسير قوله تعالى : {فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} [ الأنبياء : 87 ] . مع بيان قصة يونس عليه السلام ومناجاته التى هي من أعظم أنواع المناجاة . - اللمعة الثانية : في مناجاة أيوب عليه السلام على ضوء قوله تعالى : {وأيوب إذ نادى في الظلمات أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين} [ الأنبياء : 83 ] ، مع بيان الحاجة إلى الصبر على المصائب والبلاء ، وأن المصيبة الحقيقية هي التي تصيب الدين . - اللمعة الثالثة : تتضمن تفسيراً لقوله تعالى : {كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون} [ القصص : 88 ] في ضوء جملة "يا باقي أنت الباقي" ، وبيان ما فيها من حقائق ، مع عقد مقارنة بين حسي البقاء والفناء في الإنسان . - اللمعة الرابعة : رسالة بعنوان "منهاج السنة" ، وتضمنت تفسيرا "لقوله تعالى : {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيــز عليــه ما عنتم حريص عليكم بالـمؤمنين رؤوف رحيم} [ التوبة : 128-129 ] وقوله تعالى : {قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى} [ الشورى : 23 ] . وفيها حديث عن "مسألة الإمامة" ، وبيان الخلاف بين أهل السنة والشيعة مع محاولة التوفيق بينهما ، وذلك بالنهي عن الإفراط والتفريط . - اللمعة الخامسة : في بيان حقيقة الآية الكريمة : {حسبنا الله ونعم الوكيل} . وقد أجل النورسي كتابتها ؛ لأنه يعدها ذات علاقة بالتفكر والذكر أكثر من علاقتها بالعلم والحقيقة ، وأدمجها في اللمعة التاسعة والعشرين العربية( ) . - اللمعة السادسة : في بيان حقيقة{لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم} ، وقد وضعها النورسي أيضا" ضمن اللمعة التاسعة والعشرين للسبب السابق ذكره . - اللمعة السابعة : في بيان وجه من وجوه الإعجاز وهو الإخبار بالغيب في ختام سورة الفتح من قوله تعالى : {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق} إلى قوله تعالى : {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً} [ الفتح : 27-28-29 ] . - اللمعة الثامنة : فيها ملاحظة بأنها لم تنشر ، وسوف تنشر ضمن مجموعة أخرى . - اللمعة التاسعة : في الإجابة عن أسئلة متفرقة ، منها : بيان النقائص الدقيقة في (وحدة الوجود) وماهية علم (الجفر) ، وادعاء أن لعيسى عليه السلام والداً ، وبيان علة الأوامر الشرعية ونواهيها . - اللمعة العاشرة : بعنوان "لطمات الرأفة وصفعات الرحمة" ، وفيها تفسير لسر من أسرار قوله تعالى : {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد} [ آل عمران : 30 ] ، وذلك ببيان مالا قاه العاملون في خدمة القرآن الكريم بسبب أخطاء ارتكبوها - بحكم جبلتهم البشرية - أثناء خدمتهم . - اللمعة الحادية عشرة : بعنوان "مرقاة السنة وترياق مرض البدعة" ، وفيها يبين النورسي لزوم اتباع السنة خصوصاً في زماننا هذا ، وأهميتها ، ومراتبها ، وذلك في ضوء آيات قرآنية( ) . - اللمعة الثانية عشرة : فيها بيان لمسألتين :  الأولى : إن الرزق بيد الله تعالى ، ولا أحد يموت من عدم الرزق .  الثانية : في إثبات أن الأرض ذات سبع طبقات كالسموات في ضوء قوله تعالى : {الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن} [ الطلاق : 12 ] . - اللمعة الثالثة عشرة : بعنوان : "حكمة الاستعاذة" ، وفيها تفسير لقوله تعالى : {وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون} [ المؤمنون : 97-98 ] . يبين البحث حكمة الاستعاذة من الشيطان وخلقه ، وعلاج وساوسه ، كما يتناول مباحث عقدية أخرى . - اللمعة الرابعة عشرة : بيان لمسألتين :  الأولى : قيام الأرض على الحوت والثور ، مع توضيح كيفية التعامل مع الإسرائيليات .  الثانية : في إبراز ستة أسرار من البسملة . - اللمعة الخامسة عشرة : وهي فهرست لما ألف من رسائل : الكلمات ، والمكتوبات واللمعات إلى غاية اللمعة الرابعة عشرة . - اللمعة السادسة عشرة : فيها إجابة عن أسئلة مختلفة ، منها :  كيف يخبر أهل الطرق الصوفية عما هو خلاف الواقع؟  لم لا يهاجم النورسي سياسة الحكومة؟  وما المعنى الظاهري لحقيقة قوله تعالى : {تغرب في عين حمئة} [ الكهف : 86 ]؟  وموقع سد ذي القرنين وشخصية يأجوج ومأجوج؟ - اللمعة السابعة عشرة : هي مذكرات في المعرفة الإلهية ، تتكون من خمس عشرة مذكرة في تربية النفس ، والحد من ارتباطها بالدنيا الفانية ، وفي نظرته لأوروبا وحضارتها ، والمقارنة بين دعاة أوروبا ودعاة القرآن الكريم ، وتوضيح بعض الحقائق الإيمانية . - اللمعة الثامنة عشرة : أفيد بأن هذه الرسالة ستدرج ضمن مجموعة أخرى . - اللمعة التاسعة عشرة : بعنوان "رسالة الاقتصاد" ويفسر فيها النورسي قوله تعالى : {كلوا واشربوا ولاتسرفوا} [ الأعراف : 31 ] ، مبيناً أن الاقتصاد شكر معنوي ينسجم مع الحكمة الإلهية ، وهو سبب العزة والبركة واللذة ، في حين أن الإسراف استخفاف بالنعمة ومناقض للحكمة الإلهية . - اللمعة العشرون : بعنوان " الإخلاص" . ويفسر فيها قوله تعالى : {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصاً له الدين  ألا لله الدين الخالص} [ الزمر : 2-3 ] ، وقول الرسول  : «هلك الناس إلا العاملون ، وهلك العاملون إلا المخلصون ، والمخلصون على خطر عظيم» . ويبين أهمية الإخلاص في الإسلام داعياً إلى وحدة المسلمين بمقتضاه . - اللمعة الحادية والعشرون : في الإخلاص أيضاً ، وهى تبين أهميته ، ودساتيره ، ووسائل كسبه ، وموانعه ، في ضوء قوله تعالى :  {ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} [ الأنفال : 46 ] .  {وقوموا لله قانتين} [ البقرة : 238 ] .  {قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها} [ الشمس : 9-10 ] .  {ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلا} [ البقرة : 41 ] . - اللمعة الثانية والعشرون : تتضمن رد النورسي على الهجمات التي يشنها عليه منتقدوه نتيجة لابتعاده عن أهل الدنيا وأنظمتهم ، وبيانه لبعض الحكم المستلهمة من الآيات القرآنية . - اللمعة الثالثة والعشرون : بعنوان "رسالة الطبيعة " . يرفض فيها النورسي مذهب الماديين الذين يؤمنون بالطبيعة ، ويبين مدى بعد مسلكهم عن موازين العقل ومدى سماجته وخرافيته ، ويبدأ رسالته بتفسير قوله تعالى : {قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السموات والأرض} [ إبراهيم : 10 ] ، موضحاً السبب الذي دعاه إلى تأليفها ، وهو اتساع موجة العداء للدين ، وانتشار الفكر الفلسفي المادي ، ويخلص إلى أن الطبيعة هي مجموعة قوانين محكومة لا حاكمة . - اللمعة الرابعة والعشرون : بعنوان : "رسالة الحجاب" ، ويفتتحها بقوله تعالى : {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن} [ الأحزاب : 59 ] . ويشرع في تفسيرها قائلاً : «هذه الآية الكريمة تأمر بالحجاب ، بينما تذهب المدنية الزائفة إلى خلاف هذا الحكم الرباني ، فلا ترى الحجاب أمراً فطرياً للنساء ، بل تعده أسراً وقيداً لهن»( ) . ثم يبين أن الحجاب أمر فطري للنساء ، وأن التبرج يناقض الفطرة ، ويقدم الأسس الأخلاقية السليمة التي تنظم العلاقة بين الرجل والمرأة ، وتحفظ نظام الأسرة . وبسبب هذه الرسالة ألقت السلطات القبض عليه ، وحكمت عليه بالسجن لمدة واحد وعشرين شهراً( ) . - اللمعة الخامسة والعشرون : بعنوان : (رسالة المرضى) ، وهي تبين حكمة المرض المادية والمعنوية وعلاجه ، وقد احتوت على خمسة وعشرين دواء (أو حكمة) . - اللمعة السادسة والعشرون : بعنوان : (رسالة الشيوخ) . يفسر فيها قوله تعالى : {كهيعص  ذكر رحمة ربك عبده زكريا إذ نادى ربه نداء خفيا  قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً ولم أكن بدعائك رب شقيا} [ مريم : 1-4 ] ، مبينا أهمية الإيمان في الشيخوخة ، ودوره في كشف جوانب مشرقة من هذه المرحلة في عمر الإنسان . - اللمعة السابعة والعشرون : هي دفاع النورسي أمام محكمة (إسكي شهر) ، ذكر أنها ستنشر ضمن مجموعة (سيرة ذاتية) . - اللمعة الثامنة والعشرون : وهي فقرات مختصرة كتبها النورسي لتسلية إخوانه الذين كانوا معه في سجن (إسكي شهر) ، وقد كان ممنوعاً عن الكلام مع الآخرين والاختلاط بهم ، وتشمل : محاورة حول الذباب ، وخواص الحروف القرآنية ، ومزاياها وتأثيراتها . . . - اللمعة التاسعة والعشرون : بعنوان "رسالة التفكر الإيماني الرفيع والمعرفة التوحيدية السامية" . وهي خلاصة تأمل وتفكر في الآيات القرآنية التي تدعو إلى انتهاج مسلك التفكير وتحض عليه ، كقوله تعالى : {لعلكم تتفكرون} ، {أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى} [ الروم : 8 ] .

وقد جعلها في خمسة أبواب : 

- الباب الأول : في شرح سبحان الله . - الباب الثاني : في شرح الحمد الله . - الباب الثالث : في شرح الله أكبر . - الباب الرابع : في شرح لا إله إلا الله . - الباب الخامس : في شرح لاحول ولا قوة إلا بالله . - اللمعة الثلاثون : يقول النورسي في مقدمــة هذه الرسالة : «هـذا الـدرس القيم ثمرة من ثمار سجن «إسكي شهر» وحصيلة مدرستها اليوسفية»( ) . وهي تضم نكتا دقيقة لستة من الأسماء الحسنى . - اللمعة الحادية والثلاثون : انقسمت هذه الرسالة إلى خمس عشرة رسالة ، وكونت المجموعة الرابعة من كليات رسائل النور المسماة : (الشعاعات) ، وقد نشرت في كتاب مستقل سيأتي الحديث عنه قريبا . - اللمعة الثانية والثلاثون : رسالة "اللوامع" ، وهي آخر ما ألفه "سعيد القديم" خلال عشرين يوما من شهر رمضـان ، وجاءت منظومـة نظما عفويــا ، ونشرت ملحقـة بمجموعـة (الكلمات) . - اللمعة الثالثة والثلاثون : هي كتاب "المثنوي العربي النوري"( ) ، ألفه النورسي باللغة العربية عام (1922 م) في مرحلة التحول النفسي ، والتي انتقل خلالها من "سعيد القديم" إلى "سعيد الجديد" ، يقول نفسه عن ذلك : «فبادر إلى ضمد جراحات قلبه وروحه ، وخلص نفسه من الوساوس والأوهام ، وبخلاصه منها انقلب سعيد القديم إلى سعيد الجديد ، فألف بالعربية ما هو بحكم المثنوي الشريف - الذي هو أصلا بالفارسية - رسائل عدة في أوجز العبارات»( ) . وعدّ النورسي كتاب "المثنوى" مشتل رسائل النور ؛ لأنه حمل خلاصة أفكاره : بل إن كل ما أزهر من أفكاره في الرسائل ، بذوره كامنة في هذا الكتاب ، يقول عن ذلك : «فتبين أن "المثنوى العربى" كان نواة لرسائل النور وغرسا لها ، يخلص الناس من شبهات الشياطين من الإنس والجن»( ) . و"المثنوى" يعكس جوانب من صراع النورسي الهائل مع نفسه المتمردة خلال مرحلة الانتقال من سعيد القديم إلى سعيد الجديد ؛ لذا نرى خطابه متوجها إلى نفسه في إيجاز ، بل وإشكال أحيانا . يقول في مقدمته : «إن هذه الرسالة نوع تفسير شهودي لبعض الآيات القرآنية ، وما فيها من المسائل أزاهير أقتطفت من جنات الفرقان الحكيم ، فلا يوحشنك ما في عباراتها من الإشكال والإجمال والإيجاز ، فكرر مطالعتها حتى ينفتح لك سر تكرار القرآن أمثال : {له ملك السموات والأرض} . ولا تخف من تمرد النفس ؛ لأن نفسي الأمارة المتمردة المتجبرة انقادت ، وذلك تحت سطوة ما في هذه الرسالة من الحقائق ، بل شيطاني الرجيم أفحم وانخس ، كن من شئت فلا نفسك أطغى من نفسي ولا شيطانك أغوى وأشقى من شيطاني»( ) . ضم كتاب المثنوي الرسائل التالية : - الرسالة الأولى : بعنوان : "لمعات من شمس التوحيد" ، وهي مباحث في إثبات عقيدة التوحيد استنادا إلى بعض الآيات القرآنية . - الرسالة الثانية : بعنوان : "رشحات من بحر معرفة النبوة" ، وهى مباحث في إثبات حقيقة نبوة الرسول  وصدقه ، بالإضافة إلى بحوث قرآنية . - الرسالة الثالثة : بعنوان : "لا سيما" ، وهي مباحث في بيان تلازم أركان الإيمان ، وقيام الكفر على محالات ، وفي إثبات عقيدة الحشر بأدلة قرآنية ومنطقية . - الرسالة الرابعة : بعنوان : "قطرة من بحر التوحيد" ، وتتضمن تحليلاً (للمعنى الحرفي) و (المعنى الإسمي) ، والنية ، والنظر ، وهذا يعني أن النظرة القرآنية إلى الموجودات تجعلها بمثابة حروف تعبر عن معنى تجليات الأسماء الحسنى والصفات الجليلة للخالق العظيم سبحانه ، كما تشتمل الرسالة على بيان أمراض النفس ، وهى : (الغرور ، واليأس ، والعجب ، وسوء الظن) ، وتوضيح أهمية الإيمان وتأثيره . - الرسالة الخامسة : بعنوان : "حباب من عمان( ) القرآن الكريم" ، وتتضمن مباحث مختلفة في العقيدة والمعاملات والأخلاق على ضوء الآيات القرآنية . - الرسالة السادسة : بعنوان : "حبة من ثمرات جنان القرآن" ، وهي أيضا مباحث عقدية : في التوحيد ، والنبوة ، ومنزلة القرآن الكريم . - الرسالة السابعة : بعنوان : "زهرة من رياض القرآن الحكيم" . وفيها تحليل للنظرة القرآنية والنظرة الفلسفية للكون . - الرسالة الثامنة : بعنوان : "ذرة من شعاع هداية القرآن" ؛ وهى تبين بعض الحقائق الإيمانية ، وترد على المنكرين والملحدين وتوضح سبب ضلالهم . - الرسالة التاسعة : بعنوان : "شمة من نسيم هداية القرآن" ، وهى في ثلاث قطع ، وتثبت أيضا حقائق إيمانية ، مع بيان أن كل موجود يشهد بأسماء الله تعالى وصفاته . - الرسالة العاشرة : بعنوان : "شعلة من أنوار القرآن" ، وهى في التوحيد ، والإيمان والكفر ، وفيها تسبيحات ودعاء . -الرسالة الحادية عشرة : بعنوان : "نقطة من نور معرفة الله جل جلاله" ، وتوضح براهين التوحيد من خلال حقيقة الرسول  وكتاب الكون والقرآن الكريم ووجدان الإنسان وفطرته ، كما تبين حقيقة الكفر ومحالاته . 4 / شعا علر (الشعا عات)( ) هي المجموعة الرابعة من كليات رسائل النور ، وتبدأ من الرسالة الثانية أو (الشعاع الثاني) : حيث يوضح النورسي إنه كتبه في سجن (إسكى شهر) بعد أن أفرج عن أصدقائه وبقي هو وحيداً . وهذه المجموعة تتألف من خمس عشرة رسالة أو (شعاعاً) . - الشعاع الثاني : يبين فيه المؤلف أسرار الإيمان وثمرات التوحيد الوفيرة : - الشعاع الثالث : بعنوان : "رسالة المناجاة" ، وهى مناجاة إلهية تتعلق بربوبيته تعالى ورحمته وحكمته وقدرته : «تثبت وجوب الوجود ، والوحدة والأحدية ، وجلال الربوبية ، وعظمة القدرة ، وسعة الرحمة ، وعمومية الحاكمية ، وإحاطة العلم ، وشمول الحكمة . . وأمثالها من الأسس الإيمانية . . وإن إشاراتها إلى الحشر قوية جداً»( ) . - الشعاع الرابع : وفيه تفسير وجدانى للآية الكريمة {حسبنا الله ونعم الوكيل} ، يبين خلاله المؤلف أن لذة الإيمان موجودة بنفسها في الإيمان ، كما يبين نظرة الإيمان إلى الحياة ، وقضايا إيمانية أخرى . - الشعاع الخامس : بعنوان : "أشراط الساعة" ، وهى تبين بعض المسائل المتشابهة الواردة في القرآن الكريم ، مثل : علامات الساعة ، ونزول عيسى - عليه السلام- وغيرها من الأمور الغيبية ، وتبرز الرسالة الحكمة من إيراد هذه المتشابهات . - الشعاع السادس : في بيان معانى (التشهد) . - الشعاع السابع : رسالة مهمة بعنوان : "الآية الكبرى" ، حشد فيها النورسي البراهين الدالة على وجوده تعالى ، وأدلة وحدانيته لإفحام المنكرين . ثم اختتمها ببيان مهمة رسائل النور . - الشعاع التاسع : ينتقل النورسي من السابـع إلى التاسع مباشرة ، وهو رسالــة في تفسير قولــه تعالى : {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون} إلى قوله تعالى : {وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم} [ الروم : 17-27 ] . ويبين النورسي هنا مسألة الحشر التي هي محور الإيمان وقطبه ، مقدما البراهين الدالة عليه ، وموضحا الفوائد الروحية والاجتماعية لهذه العقيدة ، وشهادة الأركان الإيمانية عليها . - الشعاع العاشر : هو رسالة "الفهرس" من اللمعة الخامسة عشرة ، نظمه طلاب النور وأدرج كل في موضعه من المجموعات . - الشعاع الحادى عشر : بعنوان : "رسالة الثمرة" ، ألفها النورسي في سجن (دنيزلى) ، وقال في مقدمتها : (هذه الرسالة : دفاع الإيمان ترفعه "رسائل النور" لصد الزندقة والكفر المطلق ، فليس لنا دفاع حقيقي عن قضيتنا - في سجننا هذا - إلا هذا الدفاع ، فنحن لا نسعى إلا للإيمان - ، وهى خاطرة ثمرة أثمرها سجن (دنيزلى) في يومين من أيام الجمع المباركة» . تدور مباحث الرسالة حول الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة ، وثمرة هذا الإيمان . - الشعاع الثاني عشر : بعنوان : "دفاع محكمة (دنيزلى)" ، هذه الرسالة –كما يبين العنوان- تضم عددا من المرافعات والدفاعات المقدمة إلى محكمة (دنيزلى) ، وبيان أسباب رفض النورسي لما عرضه مصطفى كمال عليه من وظائف . - الشعاع الثالث عشر : وهى مجموعة رسائل بعث بها بديع الزمان (في سجن دنيزلى) إلى طلابه لتسليتهم وتوجيههم وتثبيتهم ، حيث وضح فيها مقتضيات خدمة القرآن ومنهج هذه الخدمة . - الشعاع الرابع عشر : بعنوان : "الدفاعــات" ، ويشتمل على دفاعــات النورسي ومرافعاته أمام محكمة (أفيون) ، ودفاعات بعض طلابه . - الشعاع الخامس عشر : بعنوان : "الحجة الزهراء" ، يقول في مقدمتها : «إنها في الحقيقة رسالة عظيمة وواسعة جداً ، وهي فاكهة إيمانية ، وثمرة قرآنية فردوسية أينعت من حياتي التفكرية ، ومن اتحاد علم اليقين وعين اليقين في حياة النور المعنوية التحقيقية»( ) . . يبين النورسي في هذه الرسالة الحجج الإيمانية في (لا إله إلا الله وحده) ، مع تفسير مختصر لسورة الفاتحة ، وإشارات للرسالة المحمدية . هذه المجموعات الأربعة وملحقاتها هي أركان كليات رسائل النور ، وتوجد إلى جانبها رسائل أخرى مستقلة أهمها :

ـ «صيقل الإسلام» أو «محاكمات عقلية في التفسير والبلاغة والعقيدة» : 

وكما يشير العنوان ، فإن هذا المؤلف يتضمن ثلاثة موضوعات رئيسية ، في كل منها مجموعة قضايا فرعية : الموضوع الأول : في التفسير ، حيث يوضح بعض القواعد الفكرية اللازم اتباعها فيه . الموضوع الثاني : في البلاغة ، ويشمل الحديث فيه نظم الكلام ، وفلسفة البيان . الموضوع الثالث : في العقيدة ، وقضية التوحيد ودلائله . ـ «قزل ايجاز» : وهي حاشية كتبها النورسي على متن كتاب «سلم المنطق» في علم المنطق «للشيخ عبد الرحمن الأخضري» ، وقد أوضح أنه كتبها : « . . لأجل تعويد الأذهان على الدقة في الملاحظة والإنعام في النظر»( ) . ـ «تعليقات» : وهي حواش ألفها النورسي على كتاب «برهان للكلنبوي» في علم المنطق أيضاً ، ودوّنها طالبه الملازم له الملاحبيب( ) . ـ «السانحات» : وفيها تفاسير لآيات قرآنية ، ومناقشة لبعض قضايا العقيدة مع بيان تأثيرها في الحياة الاجتماعية( ) . ـ «المناظرات» : وهي مجموعة الدروس التي ألقاها النورسي لإرشاد العشائر الكردية وتوعيتها دينياً واجتماعياً( ) . ـ«المحكمة العسكرية العرفية» : وتتضمن دفاع النورسي في المحكمة عقب اتهامه في حادثة : 31/3/ 1909م( ) . ـ «الخطبة الشامية» : وهي الخطبة التي ألقاها النورسي في المسجد الأموي أمام حشد من علماء الشام أثناء زيارته لدمشق عام 1911م ، وقد بيّن فيها أمراض العالم الإسلامي والعلاج اللازم لها( ) . ـ «الخطوات الست» : وهي رسالة مختصرة ألفها النورسي أثناء الاحتلال الإنجليزي لعاصمة الخلافة ، مبيناً فيها دسائس الاستعمار وداعياً المسلمين إلى مقاومته . وعندما سقطت هذه الرسالة بيد الإنجليز حكموا عليه بالإعدام( ) . وقد قام الأستاذ إحسان قاسم الصالحي بجمع المؤلفات السبعة السابقة في كتاب واحد بعد ترجمتها وتحقيق جزء كبير منها ، وسماه كله باسم أول مؤلف : وهو«صيقل الإسلام



قراءة جديدة في فكر النورسي التنويري

إن الدراسة النقدية لمؤلفات بديع الزمان هي في حقيقة الأمر دراسة لفكره ودعوته وسيرة حياته أيضا ؛ لأن رسائل النور - كما اختار تسميتها - استوعبت أهم الموضوعات العقدية والفكرية والتربوية التي شغلت النورسي ، كما تضمنت بيانا عن جوانب من شخصيته وتفاصيل حياته وبيئته . لكن الدراسة الشاملة والمستفيضة لمنهج الرسائل أمر متعذر هنا ، ليس لأنه لا يعد من مرامي البحث الأساسية ، وإنما لكون هذه الدراسة واسعة ومتشعبة في أكثر من مجال معرفي ، وقد يحتاج كل موضوع إلى بحث خاص ودراسة مستقلة ؛ لذا سأقتصر على تتبع المعالم البارزة في منهج رسائل النور . ولا أخفي أني وجدت صعوبة في استخلاص منهج الرسائل ؛ لأنني لم أتعامل مع كتاب واحد ذي منهج محدد ، وإنما تعاملت مع سلسلة كتب ألفت على مدى أكثر من أربعين سنة ، في ظروف قاسية ، وحالات نفسية متباينة ، كان لها أثر كبير في صبغ هذه المؤلفات بصبغة خاصة . فدراسة الرسائل لا تنفصل عن معرفة ظروف مؤلفها ، بل إن غياب هذه المعرفة يشوه وجه الحقيقة ، ويجعل حكمنا على ما نحن بصدد دراسته غير قائم على أساس موضوعي سليم . ونظراً لصعوبة الإحاطة بدراسة رسائل النور منهجا وموضوعات ، سأكتفي - بعد بيان معالم المنهج - بالتعرف إلى موقف النورسي من أبرز القضايا التي عالجها في رسائله ، وذلك من خلال تناولي للفصول المقبلة . إن الاهتمام الكبير الذي نالته الرسائل مرجعه - في الأساس - إلى صعوبة الظروف التى ظهرت فيها ، وهذا ما يوضحه النورسي نفسه بقوله : « . إن سبب الاهتمام الذي نالته رسائل النور نابع من أهمية الزمان نفسه . ومن شدة الهدم الذي أحدثه هذا العصر في الشريعة المحمدية والشعائر الأحمدية . . . ومن فتنة آخر الزمان الحالية التي استعاذت منها الأمة الإسلامية منذ القدم . . . ومن زاوية إنقاذ إيمان المؤمنين من صولة تلك الفتنة»( ) . مزج النورسي في كتابته للرسائل بين اللغة العربية والتركية ، إضافة إلى الفارسية وهي قليلة جداً . ومؤلفاته العربية هي كالتالي : 1 ـ تفسير "إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز" وهو المكتوب الثلاثون ، ويقع في كتاب مستقل حققه إحسان قاسم الصالحي كما سلفت الإشارة إليه . 2 ـ "المثنوى العربي النوري" ، وهو أيضا مجلد مستقل حققه إحسان قاسم . 3 ـ كتاب "محاكمات عقلية" أو "صيقل الإسلام" . 4 ـ الخطبة الشامية . 5 ـ اللمعة التاسعة والعشرون : وهى : رسالة التفكر الإيماني الرفيع والمعرفة التوحيدية السامية . 6 ـ الحزب الأكبر النوري . 7 ـ مناظرات . 8 ـ قزل إيجاز . وما عدا هذه المؤلفات فقد كتب باللغة التركية ، لكن بحروف عربية إلى غاية سنة (1955م) ، حيث أذن للنورسـى بنشر الرسائل التركية بالحروف اللاتينية ، كي لا يحرم طلاب المدارس الحديثة من رسائل النور( ) . أول ما يلاحظه القارئ لرسائل النور عناوينها وتسميات مواضيعها ، نحو : "الكلمات" ، و"اللمعات" ، و"الشعاعات" ، و"إشارات" ، و"سنوحات" ، و"رشحات من معرفة النبي " ، و"قطرة من بحر التوحيد" ، و"زهرة من رياض القرآن الكريم" ، و"ذرة من شعاع هداية القرآن" ، و"شعلة من أنوار القرآن" ، و"نقطة من نور معرفة الله" . . . ، فهذه العناوين أو التسميات وشبيهاتها تشير إلى أن المؤلف قد امتزجت أفكاره بتجربته النفسية والوجدانية ، وهي تجربة قاسية وقوية ظهرت آثارها في تحليلاته ومناقشاته ، يقول النورسي : «لقد امتزج قلبي بعقلي منذ ثلاثة عشر عاما ضمن انتهاج مسلك التفكر الذي يأمر به القرآن المعجز البيان ، كقوله تعالى : {لعلكم تتفكرون} . . . ولقد تواردت في غضون هذه السنوات الثلاثين على عقلي وقلبي أنوار عظيمة وحقائق متسلسلة طويلة ، فوضعت بضع كلمات - من قبيل الإشارات - لا للدلالة على تلك الأنوار ، بل للإشارة إلى وجودها ولتسهيل التفكر فيها وللمحافظة على انتظامها»( ) . أساس موضوعات رسائل النور هو الإيمان بأركانه المتعددة ، إذ نجد أبرز القضايا المطروحة في الرسائل - إثبات وجود الله تعالى ووحدانيته بأدلة كثيرة ومتنوعة ، وصدق النبوة ومعجزاتها ، وحقيقة الآخرة والحشر ، وعدالة الشريعة ، إضافة إلى قضايا في الدعوة إلى الله ، وقضايا اجتماعية وسياسية مختلفة . لكن لماذا كان هذا التركيز الشديد على إثبات أصول العقيدة في الرسائل؟ يوضح النورسي هذه المسألة في مقدمة رسالة الطبيعة بقوله : «إن الداعي الأشد إلحاحا إلى تأليف هذه الرسالة هو ما لمسته من هجوم صارخ على القرآن الكريم ، والتجاوز الشنيع على الحقائق الإيمانية بتزييفها ، وربط أواصر الإلحاد بالطبيعة ، وإلصاق نعت "الخرافة" على كل ما لا تدركه عقولهم القاصرة العفنة… وقد أثار هذا الهجوم غيظا شديدا في القلب ، ففجر فيه حمما سرت إلى أسلوب الرسالة ، فأنزلت هذه الحمم والصفعات على أولئك الملحدين وذوي المذاهب الباطلة المعرضين عن الحق»( ) . لقد كان الإسلام بأسسه العقدية والتشريعية والأخلاقية يتعرض إلى هجوم عنيف لا يستهدف التشكيك فيه وحسب ، وإنما يستهدف تحطيم هذه الأسس كلها ؛ لذا نجد موضوعات الرسائل قد اتجهت لصد هذا الهجوم . ويؤكد النورسي أن رسائل النور لا تعالج قضايا جزئية ، ولا ترمم بيتا صغيرا – كما عبر عن ذلك ، وإنما ترمم قلعة عظيمة – صخورها كالجبال – تحتضن الإسلام وتحيط به ، كما أنها لا تسعى إلى إصلاح قلب خاص ووجدان معين ، وإنما «تسعى – وبيدها إعجاز القرآن – لمداواة القلب العام المجروح ، وضمد الأفكار العامة المكلومة بالوسائل المفسدة التي هيئت لها و ركمت منذ ألف سنة ، وتنشط لمداواة الوجدان العام الذي توجه نحو الفساد نتيجة تحطم الأسس الإسلامية وتياراته وشعائره التي هي المستند العظيم للجميع ، ولاسيما عوام المؤمنين»( ) . نعم ، هذا ما يقدمه النورسي سببا مباشراً لتركيزه على أمور العقيدة ، وهو سبب لاشك في صحته ومقبوليته ، لكني أرى لهذا السبب جذورا في التكوين النفسي للنورسي ، إذ نجده - منذ سن مبكرة - مشدودا إلى قضايا عقدية وفلسفية أبرزها قضية البقاء والفناء ، فقد مر بنا كيف أنه حدث خياله في عهد صباه عن أي الأمرين يفضل : «قضاء عمر سعيد مع سلطنة الدنيا وأبهتها على أن ينتهي ذلك إلى العدم؟ أم وجودا باقيا مع حياة اعتيادية ذات مشقة؟» فرأى أنه يرغب في الثانية ويضجر من الأولى ، قائلا : «إنني لا أريد العدم بل البقاء»( ) . ويؤكد هذه القضية في مواضيع أخرى كثيرة ، منها قوله : «في فطرة الإنسان عشق شديد نحو البقاء ، حتى إنه يتوهم نوعا من البقاء في كل ما يحبه ، بل لا يحب شيئا إلا بعد توهمه البقاء فيه ، ولكن حالما يتفكر في زواله أو يشاهد فناءه يطلق عليه الزفرات والحسرات من الأعماق . . . نعم إن جميع الآهات والحسرات الناشئة من أنواع الفراق ، إنما هي تعابير حزينة تنطلق من عشق البقاء ، ولولا توهم البقاء لما أحب الإنسان شيئا . . . »( ) . لقد كان النورسي يحمل استعدادا لتناول قضايا العقيدة منذ صباه المبكر ، ثم تطور هذا الاستعداد إلى قدرة على معالجة تلك القضايا معالجة عميقة ، ولعل ما كشف بجلاء عن هذه القدرة هو التحدي الذي واجهته العقيدة آنئذ ، لذلك حرص النورسي على أن تكون مصنفاته أو رسائله ذات طابع خاص يتناسب وطبيعة تحديات العصر «بخلاف مصنفات العلماء السابقين وأغلب الكتب القديمة التي تبحث في ثمار الإيمان ونتائجه وفي فيوضات معرفة الله تعالى ؛ لأنه لم يكن في عصر أولئك العلماء تحد واضح ، ولا هجوم سافر يقتلع جذور الإيمان وأسسه ؛ إذ كانت تلك الأسس متينة ورصينة ، أما الآن فإن هناك هجوما عنيفا جماعيا منظما على أركان الإيمان وأسسه لا تستطيع أغلب تلك الكتب والرسائل التي كانت تخاطب الأفراد وخواص المؤمنين فقط أن تصد التيار الرهيب القوي لهذا الزمان ولا أن تقاومه ، أما رسائل النور ، فلكونها معجزة معنوية للقرآن الكريم فهي تنقذ أسس الإيمان وأركانه ، لا بالاستفادة من الإيمان الراسخ الموجود ، وإنما بإثبات الإيمان وتحقيقه وحفظه في القلوب وإنقاذه من الشبهات والأوهام بدلائل كثيرة وبراهين ساطعة»( ) .








تصنيف رسائل النور : كيف يمكن أن نصنف رسائل النور؟ للإجابة عن هذا السؤال ينبغي أن نتعرف إلى منهج الكتابة الذي سلكه النورسي في رسائله ، أو - بتعبير آخر -طريقة إنشائها . فالرسائل ليست واحدة ، إذ تتنوع موضوعاتها ، ويختلف الداعي إلى كتابتها ، كما يختلف المخاطب بها أحيانا ، وعلى الرغم من هذا الاختلاف ، فإنها تشترك جميعا في خدمة الإيمان ودفع الشبهات عنه . لقد كان النورسي يؤلف الرسائل إما : 1 - جوابا عن سؤال أحد طلبته أو بعضهم ، وهذا منه كثير ، مثال ذلك : الرسالة التاسعة من مجموعة "الكلمات" ، جاء في مقدمتها : {بسم الله الرحمن الرحيم : فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون  وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون} [ الروم : 17-18 ] أيها الأخ ؛ تسألني عن حكمة تخصيص الصلاة في هذه الأوقات الخمسة المعينة ، فنشير إلى حكمة واحدة فقط من بين حكمها الوفيرة»( ) . 2- أو رداً على المعادين للدين ، ودحضا لادعاءاتهم المنافية للحقائق الإيمانية ، مثال ذلك : رسالة "الطبيعة" التي جاء في أولها هذا التنبيه المبين لمضمونها وهدفها : «لقد بينت هذه المذكرة ماهية المذهب الذي يسلكه الجاحدون من الطبيعيين ، وأوضحت مدى بعد مسلكهم عن موازين العقل ، ومدى سماجته وخرافيته ، وذلك من خلال تسعة محالات مستخلصة من تسعين محالا في الأقل . . .»( ) . 3- أو تذكيراً لنفسه وزجراً لها ، مثال ذلك ما جاء في قوله : «اعلم أيها السعيد القاصر العاجز الفقير أن في نفسك قصورا بلا نهاية ، وعجزاً بلا غاية ، وفقراً بلا انتهاء ، واحتياجا بلا حد ، وآمالا بلا عد . . .»( ) . 4- أو تفسيراً لآية أو آيات قرآنية من خلال النظر في دلالاتها وحكمها ، مثال ذلك ما جاء في "رسالة الاقتصاد"( ) ، تفسيرا لقوله تعالى : {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا} [ الأعراف : 31 ] . يقول في مقدمتها : «هذه الآية الكريمة تلقن درسا في غاية الأهمية ، وترشد إرشادا حكيما بليغا بصيغة الأمر إلى الاقتصاد ، ونهي صريح عن الإسراف ، تتضمن هذه المسألة سبع نكت» . 5- أو تفسيراً لحديث شريف ، أو بيانا لحكمة : مثال ذلك قوله : «تسألون يا أخي عن حكمة الحديث الشريف : «جددوا إيمانكم بلا إله إلا الله» ، فقد ذكرناها في كثير من "الكلمات" ، والآن نذكر حكمة منها . . . »( ) . 6ـ أو تسلية للمصابين والمبتلين : مثال ذلك الرسالة الخامسة والعشرون من "اللمعات" ، ويصدرها بقوله تعالى : {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون} [ البقرة : 156 ] . ثم يقول : «في هذه اللمعة نبين خمسة وعشرين دواء بيانا مجملا ، تلك الأدوية التي يمكن أن تكون تسلية حقيقية ومرهما نافعا لأهل البلاء والمصائب وللمرضى العليلين الذين هم عشر أقسام البشرية»( ) . 7 ـ أو مخاطبة لرجال الدولة والمسؤولين : فقد كان يوجه النورسي رسائل إلى المسؤولين ، إما للتعبير عن رفضه لما يلاقيه من ظلم ، أو تقديمه لنصائح وإرشادات . . . مثال ذلك الرسالة الموجهة إلى مدير الأمن العام في أنقرة التي جاء في مقدمتها : «إن كنت تريد أن تقابل شخصا ضعيفا ، قاسى بصورة غير رسمية السجن المنفرد والعزل التام طوال عشرين سنة ، ولاقى من العنت والضيق ما لا نظير له ، ثم آثر السكوت برغم كل ذلك . . . فإن كنت تريد مقابلته مقابلة حقيقية جادة - وليست مقابلة رسمية - فها أنا أتكلم معكم قليلا»( ) . 8 ـ أو دفاعا عن قضية أثناء المحاكمات : مثل ما جاء في دفاعه أمام المحكمة : «إن بعضاً ممن جعلوا السياسة أداة للإلحاد ، يتهمون الآخرين بالرجعية أو باستغلال الدين ، ليتستروا على سيئاتهم وجرائمهم»( ) . تلك هي – عموما - الدواعي التي دفعت النورسي إلى كتابة رسائله ، لكنها جميعا تشترك في السعي لخدمة هدف واحد من خلال عمليتين متوازيتين : عملية هدم للنظريات المعادية للدين ، وعملية بناء لترسيخ أركان الإيمان ، وتكوين جيل محصن ضد كل أنواع الغزو . ومن خلال قراءتي لما توافر لدي من رسائل النور ، وهي حوالي ثمانية مجلدات ضخمة تضم آلاف الصفحات ، فإني لمست الطابع الموسوعي الذي تتميز به هذه الرسائل ، والمنهج الجديد الذي سلكه بديع الزمان ، سواء في تفسيره لكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية أم في نظرته للمعرفة وطرقها . ويؤكد النورسي الطابع الموسوعي للرسائل بقوله : «إن رسائل النور قد حلت أكثر من مئة من أسرار الدين والشريعة والقرآن الكريم ، و وضحتها وكشفتها وألجمت أعتى المعاندين الملحدين وأفحمتهم ، وأثبتت كالشمس ما كان يظن بعيداً عن العقل ، كحقائق المعراج النبوي والحشر الجسماني للمعاندين المتمردين من الفلاسفة والزنادقة حتى أدخلت بعضهم إلى حظيرة الإيمان . . . »( ) . القلب و العقل فـي رسائل النور : سلك النورسي في رسائله مسلكا خاصا ؛ إذ مزج بين العقل والقلب ، بين ما يقوم على البرهنة والاستدلال العقلي ، وبين ما يتحقق بالذوق والتجربة الوجدانية ، وليس من السهل تحقيق التوازن في هذا المزج ، ولاسيما إذا كان في مجال الدفاع عن العقيدة وترسيخ أركانها . لقد حاول النورسي صياغة القضايا الإيمانية والبرهنة على صدقها وأحقيتها بأسلوب هو مزيج من فكر العقل ومشاعر القلب ، ولعله حقق في محاولته هذه نجاحا واضحا : والدليل هو قوة تأثير الرسائل في نفوس قارئيها ، إذ استطاعت أن تجمع حولها مئات الآلاف من الطلبة الذين تحملوا المشاق والعنت ، بل السجن والتغريب من أجل استنساخها ونشرها والدفاع عنها . ويتحدث النورسي عن تجربته الوجدانية التى بدأت خلال الأسر في روسيا ، واتضحت معالمها أثناء نفيه في (بارلا) ، فيقول : «لقد امتزج قلبي بعقلي منذ ثلاثة عشر عاما ضمن انتهاج مسلك التفكر الذي يأمر به القرآن المعجز البيان . . . ولقد تواردت في غضون هذه السنوات الثلاثين على عقلي وقلبي أنوار عظيمة وحقائق متسلسلة طويلة ، فوضعت بضع كلمات - من قبيل الإشارات - ، لا للدلالة على تلك الأنوار ، بل للإشارة إلى وجودها»( ) . لكن هذا المزج بين قلب النورسي وعقله لم يكن دائما بنسب متساوية - في رسائل النور – ؛ لأننا نلحظ أحيانا غلبة الجانب الذاتي أو الوجداني ، بل نراه في بعض الأحيان متضخما إلى حد يبتعد بالنورسي عن المقاييس العقلية والضوابط المنطقية ، وهو ما يعترف به في مقدمة اللمعة الثالثة ، إذ يقول قبيل تفسيره لقوله تعالى : {كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون} [ القصص : 88 ] (لقد مازج هذه اللمعة شئ من الأذواق والمشاعر ، فأرجو عدم تقييمها بموازين علم المنطق ؛ لأن ما تجيش به المشاعر لا يراعي كثيرا قواعد العقل ، ولا يعير سمعا إلى موازين الفكر»( ) . كما أننا نجد النورسي يتجنب في حالات معينة التطرق إلى مناقشة القضايا العلمية للسبب السابق ذاته ، ففي معرض الرد على أسئلة أحد طلابه يقدم أسباب امتناعه عن الإجابة عن أحد الأسئلة آنئذ ، موضحا أنه لا ينشغل إلا بالسوانح القلبية ، لوجود حالات طارئة تحول دون اشتغاله بالمسائل العلمية ، وهذا ما يترتب عليه عدم استطاعته الإجابة عن السؤال بجواب شاف( ) . إن غلبة الجانب الوجداني على شخصية النورسي لها ما يبررها ، فقد كان يخوض صراعين مستمرين وعلى درجة كبيرة من القوة : صراع مع النفس ، وصراع مع الماديين الذين أنكروا الإيمان . وإذا كان الصراع في ميدان العقيدة ، فإننا نستوعب أسباب قوته وضراوته ؛ إذ - مهما كان الإنسان موضوعيا وملتزما بمناهج البحث العلمية المتعارف عليها - لا يستطيع أن يتجرد من ذاتيته وهو يتناول قضايا العقيدة ، ولاسيما إذا كانت هذه العقيدة تتعرض لهجوم عنيف . إن رسائل النور تنقل لنا تصويرا واضحا لهذين الصراعين ، إذ يقول النورسي : «اعلم ‍ ؛ أن هذه ثلاثون سنة لي مجادلة مع طاغوتين ، وهما : " أنا" في الإنسان ، و"الطبيعة" في العالم . . أما هذا ، فرأيته مرآة ظليا حرفيا ، لكن نظر الإنسان إليه نظراً اسميا قصديا بالأصالة ، فتفرعن عليه وتنمرد ، وأما هذه فرأيتها صنعة إلهية ، وصبغة رحمانية . . لكن نظر البشر إليها بنظر الغفلة ، فتحولت لهم "طبيعة" فتألهت عند مادييهم ، فأنشأت كفران النعم المنجر إلى الكفر»( ) . وعندما يتوجه النورسي باللوم والتعنيف إلى نفسه الجموح ، فهو يخاطب من خلالها كل نفس بشرية مغرورة عصية على الاقتناع إلا بالدليل القاطع ، فالدرس الذي أقنع مؤلفه – كما يوضح بديع الزمان - وأزال وساوس نفسه وشبهاتها ، لهو درس قوي «بحيث يتمكن وحده أن يصد تيار الضلالة الحاضرة التي اتخذت شخصية معنوية رهيبة - بتشكيلاتها الجماعية المنظمة - ، بل أن يجابهها ويتغلب عليها»( ) . فالنورسي - إذن - لا يمكث حبيس نفسه وذاتيته ، وإنما يحاول أن يتجاوزها لمخاطبة كل نفس بشرية لكونها ذات خصائص ومكونات واحدة ، مستعينا في ذلك بطول التأمل في الآيات القرآنية والآيات الكونية ، لاستخراج النكت الإعجازية التي تزيل كل ريب أو تردد . القرآن الكريم فـي رسائل النور : اعتمد النورسي - أثناء تأليفه للرسائل - على القرآن الكريم اعتماداً شبه كامل ، فلم يكن لديه ما يرجع إليه من المصادر والمراجع سوى القرآن الكريم . ولئن كان قد جمع بين قوة الذكاء وسعة الحافظة ، فإننا لا نلحظ إلا إشارات خفيفة إلى بعض المصادر الرئيسية في العلوم الإسلامية التي ظلت مسائلها عالقة بذهنه ، هذا باستثناء الحديث النبوي الذي تفوق فيه بديع الزمان ، فإن له حضورا ملحوظا بعد القرآن الكريم . لكن هذا لا يعني أنه لم يفد من كتب السابقين( ) ، بل إنه اطلع عليها في مراحل تكوينه العلمي الأولى ، واستوعب محتوياتها ، وحفظ قسما منها حتى أثرت معرفته وصقلتها ، ولاسيما بعد أن أضاف إليها ما استجد من علوم العصر ؛ وهذا ما هيأ له القدرة على النظر في القرآن الكريم واستخلاص حقائقه وحكمه المعجزة . وهذه العلوم - على عمقها وتنوعها - لم تكن وحدها كافية لإظهار الحقائق والحكم . فالرسائل اكتسبت قوة تأثيرها من قوة مصدرها وهو القرآن المعجز( ) . ويؤكد النورسي قداسة المصدر في الرسائل ، ورجوعها إليه وحده بقوله : «إن رسائل النور ليست كالمؤلفات الأخرى التي تستقي معلوماتها من مصادر متعددة من العلوم والفنون ، فلا مصدر لها سوى القرآن ، ولا أستاذ لها إلا القرآن ، ولا ترجع إلا إلى القرآن . . . ولم يكن عند المؤلف أي كتاب آخر حين تأليفها ، فهي ملهمة مباشرة من فيض القرآن الكريم ، وتنزل من سماء القرآن ومن نجوم آياته الكريمة»( ) .





التفسير فـي رسائل النور : أالنورسي لم يؤلف تفسيرا كاملا مترابطا يسير وفق منهج محدد ؛ لأنه يعتقد أن إنجاز هذا العمل – على الوجه الذي يستجيب لمتطلبات العصر – مهمة يعجز عنها المفسر الواحد : «أقول : لما كان القرآن جامعا لأشتات العلوم ، وخطبة لعامة الطبقات في كل الأعصار ، لا يتحصل له تفسير لائق من فهم الفرد الذي قلما يخلص من التعصب لمسلكه ومشربه ؛ إذ فهمه يخصه ، ليس له دعوة الغير إليه إلا أن يعديه (يجيزه) قبول الجمهور »( ) . إن نظرة النورسي إلى التفسير نظرة شمولية تلائم خصائص القرآن الكريم الذي طرح قضايا شاملة ، وخاطب الناس كافة في كل عصر من العصور ؛ لذا فهو يرى أن الطريق الأمثل لإخراج تفسير جامع للقرآن الكريم يستجيب لحاجات العصر ، هو في اجتماع لجنة من كبار العلماء المتخصصين ، كل في مجال تخصصه ، ويقوم كل عالم بدراسات مستفيضة في جانب من جوانب القرآن الكريم ، فيحصل من مجموع تلك الدراسات تفسير جامع للقرآن الكريم ، مستجيب لمستجدات العصر : «… كذلك لا بد لكشف معاني القرآن وجمع المحاسن المتفرقة في التفاسير ، وتثبيت حقائقه المتجلية بكشف الفن (العلم الحديث) وتمخيض الزمان ، من انتهاض هيئة عالية من العلماء المتخصصين ، المختلفين في وجوه الاختصاص ، ولهم مع دقة نظر وسعة فكر لتفسيره»( ) . كما أضاف إلى هذا شرطا مهما ، هو ضرورة توافر الحرية الفكرية للمفسر ؛ إذ بدونها يختل جانب مهم في الدراسة العلمية الموضوعية المرجوة( ) . ولتعذر تحقيق هذا الأمر ، فقد شرع النورسي في تفسير القرآن الكريم -أثناء الحرب العالمية - مبتدئا ببيان إعجاز القرآن البلاغي( ) إلا أن ظروف الحرب والأسر لم تيسر له إتمام كتابه : "إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز" ، كما أن اشتداد موجة العداء للدين ومحاولة تحطيم أسسه ، جعلت بديع الزمان يغير منهجه في الدعوة إلى الإسلام ؛ فمن خلال رسائل النور أصبح يدافع عن العقيدة ويرسخ أركانها . وقد لجأ كثيراً إلى تفسير آيات قرآنية في رسائله حتى عدها كلها تفسيرا لمعاني القرآن : «إن رسائل النور برهان باهر للقرآن الكريم ، وتفسير قيم له ، وهي لمعة من لمعات إعجازه المعنوي»( ) . لكن هذا التفسير لم يسر على نمط واحد ، ولم يتبع منهجا محددا ؛ فالقارىء له يكتشف في بداية قراءته أو نهايتها أن النورسي اتجه إلى الآيات القرآنية اتجاها روحيا ، وتعامل معها تعاملا ذوقيا ، وهو ما يجعل القارئ يصنف هذا التفسير ضمن التفسير الإشاري ، الخاضع للقواعد والشروط التي وضعها العلماء لقبوله ، بل إن النورسي نفسه يصرح بذلك حين يقول : «… فنحن لا نقول في تلك الرسالة : إن المعنى الصريح للآية الكريمة هو هذا ، ليقول العلماء : فيه نظر ؛ ولم نقل فيها : إن كلية المعنى الإشاري هي هذه ، بل نقول : إن تحت المعنى الصريح للآية الكريمة طبقات متعددة من المعاني ، إحدى هذه الطبقات هي المعنى الإشاري أو الرمزي ، فهذا المعنى الإشاري أيضا هو كلى ، له جزئيات في كل عصر ، فرسائل النور فرد في هذا العصر من أفراد كلية طبقة المعنى الإشاري ذاك . . .»( ) . إن إشارية النورسي في تفسيره لم تنحرف به عن القواعد والضوابط التي اصطلح عليها العلماء كي يكون التفسير مقبولا ، بل إننا نجد النورسي يؤكد في أكثر من موضع أن شرط مقبولية أي وجه أو معنى يذهب إليه المفسر ، يكمن في مراعاة قواعد اللغة ومقاصد الشرع ، فما دامت هذه الوجوه والمعاني محكومة بأصول التفسير ، فهي - إذن - مقبولة : « . . إن جميع الوجوه والمعاني التي هي صحيحة حسب علوم العربية ، وصائبة وفق أصول الدين ، ومقبولة في فن المعاني ، ولائقة في علم البيان ، ومستحسنة في علم البلاغة ، هي من معاني القرآن الكريم بإجماع المجتهدين والمفسرين وعلماء أصول الدين وأصول الفقه . .»( ) . ولئن كان النورسي قد سلك في تفسيراته مسلكا إشاريا ، فإنه لم يغفل التفسير بالمأثور ، بل إنه أكد عليه وأبعد عنه كل شبهة ؛ لأنه نصوص قاطعة وأسس وأركان لابد من الإيمان بها …( ) وفى أكثر من موضع يقدم نماذج قيمة تجمع بين التفسير الظاهر والإشاري للآية ، مثال ذلك ما يقدمه في حديثه عن أقوال العلماء في قوله تعالى : {رب العالمين} ، والتي مفادها وجود ثمانية عشر ألف عالم ، فقبل الشروع في تحديد المعنى من قوله تعالى يمهد بعض الأصول المتبعة في التفسير ، ويذكر بأن جمل القرآن الكريم لا تنحصر في معنى واحد بل تتضمن معاني متعددة (لأن القرآن يتوجه لكل طبقة من طبقات البشرية ، فالمعاني المبينة هي في حكم جزئيان لتلك القاعدة الكلية ، وكل مفسر يذكر جزءاً من ذلك المعنى الكلي ، وهو في تفسيره يستند إما إلى كشفياته ، أو إلى دليله ، أو إلى مشربه ، فيرجح معنى دون غيره من المعاني…»( ) . وبعد التمهيد بهذه القاعدة ، يقدم النورسي مثالا تطبيقيا لها على قوله تعالى : {مرج البحرين يلتقيان  بينهما برزخ لا يبغيان} [ الرحمن : 19-20 ] ، فيبين المعاني الجزئية للآية ابتداءً من بحر الربوبية في دائرة الوجوب ، وبحر العبودية في دائرة الإمكان ، وانتهاء إلى بحري الدنيا والآخرة ، وإلى بحري عالم الشهادة وعالم الغيب ، وإلى البحار المحيطة في الشرق والغرب ، وفى الشمال والجنوب ، . . . ، وإلى غيرها من أنواع البحار الموجودة . . ( ) . ومن هذا المثال يخلص إلى القاعدة التي تحدث عنها ، فيؤكد أن جميع هذه الجزيئات هي من معاني الآية ، وتصح أن تكون كلها مرادة ومقصودة فهي معان حقيقية للآية ، ومعان مجازية( ) . وبعد التوضيح والبيان للقاعدة والمثال ينتقل إلى تقديم ما فهمه من قوله تعالى : {رب العالمين} : «وأنا أفهم من الآية الكريمة الآتي : إن في السموات ألوفا من العوالم ، ويمكن أن يكون كل نجم عالما بذاته ، وفى الأرض أيضا ، كل جنس من المخلوقات عالم بذاته ، حتى إن كل إنسان عالم بذاته ، فكلمة {رب العالمين} تعني : أن كل عالم يُدار وتُدبر شؤونه بربوبيته سبحانه وتعالى مباشرة»( ) . إن النورسي يصرح في كثير من المواضع بسلوكه مسلكا فيضيا في تفسير آيات القرآن الكريم( ) ، وهو لا يكتفي بهذا التصريح ، بل إنه لا يربط رسائل النور بشخصه وقدراته الفكرية القاصرة - كما يرى - ، وإنما يربطها بحججها القوية التي قامت عليها . . . ( ) . وأقول : مع كل هذه التصريحات التي يؤكد فيها النورسي الطابع الفيضي في رسائله ، فإنه لم يجنح إلى الغلو في تفسيراته ، مثلما فعل بعض الذين سلكوا هذا المنهج في التفسير ، فعقل النورسي حاضر في الرسائل من خلال التحليلات الدقيقة والمناقشات المستفيضة لما هو معروض فيها ، أضف إلى ذلك أن الآيات القرآنية ذاتها التي تناولها ببيان معانيها الخفية وإشاراتها البليغة ، كان أغلبها ذا علاقة وثيقة بواقع الأمة الإسلامية وما تتعرض له من هجوم يستهدف تحطيم عقيدتها ، وتفكيك نظمها التشريعية والأخلاقية( ) . إن هذه الواقعية في طرح القضايا من خلال رسائل النور هي التي جعلته يتصدى للماديين ، يناقشهم ويبطل حججهم ، وهي التي دفعته إلى مجادلة أهل الكتاب لبيان انحرافهم وضلالهم ، و حملته على تصحيح التصور العقدي لدى المسلمين . . . كل ذلك من أجل تجديد أمر الدين ومحاربة الكفر . إن تحديد طابع التفسير في رسائل النور أمر قد تكتنفه بعض الصعوبات ، وهي صعوبات ناشئة من موسوعية الرسائل ، ومن شمولية التفسير فيها ؛ إذ لم يقتصر النورسي على تفسير الآيات القرآنية ، فالقرآن - كما يرى بديع الزمان - لا ينحصر في القرآن المتلو وحده ، وإنما يتسع ليشمل القرآن المنظور الذي هو الكون كله بسمواته وأراضيه ، بنجومه وكواكبه ، وليشمل القرآن الناطق المطبق الذي هو رسول الله  . فهذه الشمولية في نظرة النورسي هي التي تجعل الحكم على تفسيره يحتاج إلى التريث ، لكن هذا لا يمنعني من القول : إن التفسير في رسائل النور لم يقتصر على الإشاري المقبول ، وإنما ضم إلى جانب ذلك أكثر من طابع من التفسير بحسب الموضوع الذي يتناوله . من هنا ، أستطيع القول : إن تفسيرات النورسي هي من قبيل التفسير الإشاري الموضوعي ، أي : الذي يتناول موضوعات معينة فقط ، وليس كل الموضوعات التي يمكن أن يتطرق لها القرآن الكريم ؛ لأن النورسي كان يرمي من وراء تفسيره إلى خدمة قضايا الإسلام والدفاع عنها ، إذن فلا غرابة أن نلحظ التركيز الشديد في الرسائل على قضية الإيمان بالله ورسله ويوم الحشر ، ولعل تفسير "إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز" يقدم نموذجا واضحا لمنهج النورسي المتميز في التفسير( ) . لا يسير النورسي على نمط واحد في عرض موضوعاته ، لكن الغالب هو أن يستفتح موضوع كل رسالة بآية قرآنية ، أو عدة آيات قرآنية ، أو آية و حديث . ثم يعقب ذلك بمقدمة موجزة تلخص الموضوع ، ثم يشرع في الشرح والتوضيح وعرض عناصر الموضوع مع الاستعانة بالأمثال والحكايات ذات الرموز والدلالات . فمثلا في الرسالة الثانية عشرة من "الكلمات"( ) ، يفتتح بقوله تعالى : {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} [ البقرة : 269 ] ، ثم يمهد بمقدمة يعرض فيها خلاصة الرسالة قائلا : «هذه الكلمة تشير إلى موازنة إجمالية بين حكمة القرآن الكريم المقدسة وحكمة الفلسفة ، وتشير أيضا إلى خلاصة مختصرة لما تلقنه حكمة القرآن من تربية الإنسان في حياته الشخصية والاجتماعية ، فضلا عن أنها تضم إشارة إلى جهة ترجح القرآن الكريم وأفضليته على سائر الكلام . . . بمعنى أن هناك أربعة أسس في هذه الكلمة . . » . وبعد المقدمة يشرع في تقديم عناصر الموضوع الذي قسم إلى أربعة أسس : يبين في الأساس الأول : الفروق بين حكمة القرآن الكريم وحكمة العلوم من خلال أمثلة قصصية تصور هذه الفروق . وفي الأساس الثاني يعقد موازنة بين التربية الأخلاقية التي يربي بها القرآن تلاميذه وبين الدرس الذي تلقنه حكمة الفلسفة . أما في الأساس الثالث فيوضح التأثير التربوي في المجتمع الإنساني لكل من حكمة الفلسفة وحكمة القرآن . وفي الأساس الأخير يوضح سمو القرآن على سائر الكلام ، وذلك من خلال مثالين توضيحيين ، ومن خلال الدعوة إلى تدبر عدة آيات قرآنية تؤكد هذه الحقيقة . وبعد تفصيل الموضوع وشرحه يختم الرسالة بدعاء قصير . هذا نموذج قد تأتي على وفقه الرسائل في كثير من الأحيان ، كما أنها قد تأتي في شكل سؤال وجواب ، أو قد يرد السؤال والجواب أثناء سرد الموضوع أوفى ثناياه ؛ وذلك لإثارة انتباه القارئ ومحاولة شد انتباهه إلى جوهر الموضوع . وهذا أساس مهم يعتمده النورسي في رسائله ؛ إذ يريد أن يشرك قارئه في تجربته الوجدانية ، وينقله بكليته إلى الرحاب النفسية التي يعيشها . ففي الكلمة السادسة يقول بعد ذكر قوله تعالى : {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم} [ التوبة : 111 ] : «إذا أردت أن تعلم أن بيع النفس والمال إلى الله تعالى ، والعبودية له ، والجندية في سبيله أربح تجارة وأشرفها ؛ فانصت إلى هذه الحكاية التمثيلية القصيرة…»( ) . ولم يقتصر النورسي على إثارة انتباه قارئه ، بل نجح في إشراكه معه في تجربته الذاتية ، وأرجح أن سر نجاحه يعود إلى قوة انفعاله وعمقه ، وصدقه في هذه التجربة ، فلا غرو أن يبلغ تأثيرها نفوس مستمعيه ، كما أن انتقاله من الكلي إلى الجزئي ومن المبهم إلى الواضح زاد قوة هذا التأثير( ) . وُهب النورسي خيالا واسعا سمح له بالذهاب بعيدا في التأمل والتفكير ، ولاشك أن العلاقة وثيقة بين التمثيل والخيال ؛ لأن القدرة على ضرب الأمثال وتصوير المجردات بشكل قصص وحكايات قصيرة دليل على سعة الخيال وقوة الذكاء . ولا تكاد تخلو رسالة من رسائل النور من التمثيل والتصوير القصصي ، بل إن بديع الزمان يسير على النمط نفسه في إيراد التشبيه والتمثيل في رسائل متتالية ، ففي الكلمة الأولى يقول مخاطبا نفسه : « . . . فإن كنت راغبة في إدراك مدى ما في{بسم الله} من قوة هائلة . . . فاستمعي إلى هذه الحكاية التمثيلية القصيرة . . .»( ) . ويقول في الكلمة الثانية يقول : «إن كنت تريد أن تعرف ما في الإيمان من سعادة ونعمة ، ومدى ما فيه من لذة وراحة ، فاستمع إلى هذه الحكاية القصيرة . . .»( ) . و يقول في الكلمة الثالثة : «إن كنت تريد أن تفهم كيف أن العبادة تجارة عظمى وسعادة كبرى ، وأن الفسق والسفه خسارة جسيمة وهلاك محقق ، فانظر إلى هذه الحكاية التمثيلية وانصت إليها . . . »( ) ، ويستمر على هذا المنوال في كثير من الرسائل . ولعل هذا التركيز في استخدام التمثيل مرجعه إلى قوة التيار المشكك -باسم العلم - في الدين وأسسه التي كانت في السابق راسخة ، وكان الانقياد لها تاما ، أما وقد أصبحت هذه الأسس هدفا للتشكيك ، فإن بديع الزمان لجأ إلى ضرب الأمثال ليظهر بمنظارها الحقائق البعيدة جداً قريبة جداً( ) يقول في خلاصة حديثه عن ضرب الأمثال : «إنه مهما يظهر من قوة التأثير والجمال في كتاباتي ، فهي ليست إلا من لمعات (ضرب الأمثال) في القرآن الكريم ، وليس حظي من ذلك إلا مجرد الطلب مع شدة الحاجة . . . فالداء مني والدواء من القرآن»( ) . لقد أكثر النورسي من إيراد التشبيه والتمثيل بصورة حكايات ، وهو بذلك يعمل على تحقيق أمرين : - أولاً : استخدام الصور والحكايات في تقريب المعاني إلى الأذهان . - ثانياً : إظهار أن الحقائق الإسلامية لا تنافي العقول بل هي منسجمة معها تماماً ؛ لأن الحكايات ليست مقصودة بذاتها ، وإنما المقصود هو تلك الحقائق التي تنتهي إليها والتي تدل عليها عن طريق الكناية( ) . وإذا كان بديع الزمان قد تفوق في استخدامه التشبيه والتمثيل ، فإن هذا يكشف لنا أيضا عن جوانب مهمة من شخصيته ، حيث ظهر تأثيرها في تمثيلاته وتشبيهاته ؛ فهو مولع بإيراد تمثيلات من ميدان الجندية والقتال ، ولا غرابة في ذلك ، فالنورسي عاش شبابه جنديا وقائدا عسكريا ، شارك في معارك كثيرة إلى أن وقع في الأسر أثناء الحرب العالمية الأولى ؛ لذا فقد ظهر أثر هذا التكوين وانعكست آثار هذه التجربة على تشبيهاته يقول -مثلا- في الكلمة الثالثة : « . . . فانظر إلى هذه الحكاية التمثيلية وانصت إليها : تسلم جنديان اثنان - ذات يوم - أمراً بالذهاب إلى مدينة بعيدة ، فسافرا معا إلى أن وصلا إلى مفترق طرق . . .»( ) . والكلمة الخامسة : « . . . فتأمل في هذه الحكاية التمثيلية القصيرة واستمع إليها : كان في الحرب العالمية الأولى ، في أحد الأفواج جنديان اثنان : أحدهما مدرب على مهمته مجد في واجبه ، والآخر جاهل بوظيفته ، متبع هواه . . . »( ) . وتمثيلات النورسي لا تكشف لنا عن خبرته العسكرية فحسب ، وإنما تدلنا أيضا على طول باعه في العلوم الطبيعية( ) ، وإلمامه بكثير من مجالات المعرفة . يحشد النورسي عدداً كبيراً من الأدلة للبرهنة على قضايا الإيمان ، ولا سيما التوحيد ، فهو لا يكتفي - في الغالب - بدليل واحد أو نوع واحد ، وإنما يمزج بين أنواع مختلفة من الأدلة مزجاً يبدد شبهات المنكرين ، ويزيل شكوك المترددين . فلإثبات وجود الله تعالى مثلا - وهى أولى قضايا الإيمان - يبدأ أولا بهدم ادعاءات المنكرين ؛ فيبين أن الإلحاد ليس مبنيا على علم يقيني ، بل ليس مبنيا على علم تخميني ؛ لأنه يعتمد "النفي" الذي يستند إلى مجموعة من النظريات المتفرقة الخاصة ، أما الإيمان فيعتمد على "الإثبات" الذي كلما تعدد مثبتوه ، كانت النتيجة أقوى ؛ لأنهم يتساندون جميعا ، ثم إن النفي لا يمكن إثباته ؛ لأنه يلزم أن تكون الرؤية محيطة وشاملة لما في الكائنات ، ولأرجاء الدنيا والآخرة كافة ، وشهود الزمان الذي لا يحد بآفاقه وأطرافه جميعا حتى يثبت مثل هذا النفي( ) . بعد هذا التوضيح الذي يقدمه النورسي لإثبات أولى قضايا العقيدة ، يحشد أدلة متنوعة معززة بأمثلة مناسبة لكل نوع( ) : - الدليل العلمي : وقد عرضه لمجموعة من الطلاب الذين جاءوا لسؤاله ، فقالوا : «عرفنا بخالقنا ، فإن مدرسينا لا يذكرون الله لنا» . فأجابهم : «إن كل علم من العلوم التي تقرؤونها يبحث عن الله ، ويعرّف بالخالق الكريم بلغته الخاصة ، فاصغوا إلى تلك العلوم دون المدرسين . . . فمثلا : لو كانت هناك صيدلية ضخمة ، في كل قنينة من قنانيها أدوية ومستحضرات حيوية ، وضعت فيها بموازين حساسة ، وبمقادير دقيقة ، فكما أنها ترينا أن وراءها صيدليا حكيما وكيميائيا ماهرا ، كذلك صيدلية الكرة الأرضية التي تضم أكثر من أربعمائة ألف نوع من الأحياء - نباتا وحيوانا - وكل واحد منها في الحقيقة بمثابة زجاجة مستحضرات كيمياوية دقيقة ، وقنينة مخاليط حيوية عجيبة ، فهذه الصيدلية الكبرى تري حتى للعميان صيدليّها الحكيم ذا الجلال ، وتعرف خالقها الكريم سبحانه بدرجة كمالها ، وانتظامها وعظمتها قياسا على تلك الصيدلية التي في السوق على وفق مقاييس علم الطب الذي تقرؤونه . . . »( ) . ويستمر بديع الزمان في الحديث عن مظاهر أخرى في عالم الأنفس والآفاق من خلال ثمرات علوم متنوعة ، لإثبات هذه الحقيقة الكبرى ، ثم ينتقل إلى أنواع أخرى من الأدلة المدعمة بالأمثلة فيعرض : دليل الحدوث( ) ، ودليل الضرورة الكونية( ) ، ودليل الحياة( ) ، ودليل الإمكان( ) ، ودليل العناية والغاية( ) ، ودليل الاختراع( ) ، ودليل الوجدان الحي( ) ، ودليل الاستقراء الكوني ، ودليل الإجماع( ) ، . . . كل هذه الأدلة من أجل إثبات حقيقة وجوده تعالى ، وهي حقيقة جديرة بمثل هذا الاهتمام ؛ إذ إن البراهين التي تدعم قضايا العقيدة ينبغي أن تتناسب في قوتها مع قوة التيار المعادي لها ، كي تستطيع أن تزيل الريب وتبدد الشبهات . ثم إن النورسي لا يقتصر على إيراد الأدلة العقلية والوجدانية لإثبات وجود الله تعالى ، «بل إنه بعد بناء الأساس المنطقي للإيمان ، يحاول أن يبين أثره العظيم في التوجيه والتربية ، وضبط الحياة ؛ ففي رسائل كثيرة يحاول أن يثبت بأمثلة عملية كثيرة أن الكفر يقطع الإنسان عن الكون وخالقه ، وأن الإيمان يوصل أسباب الإنسان بأسباب الكون ، فيعيش كل جزء في وحدة خلق ، خالقها هو الله الرحمن الرحيم»( ) . يلاحظ القارئ للرسائل وجود تكرار لعدد من القضايا ؛ مثال ذلك : قضية التوحيد ، والتصوف ، والاجتهاد ، وغيرها … فموضوع الاجتهاد يتناوله النورسي في كتاب "المثنوي العربي النوري"( ) ، وفي الرسالة السابعة والعشرين من "الكلمات"( ) بالعناصر نفسها ، لكن لم يستوعب الموضوع إلا صفحتين في الأول في حين استوعب في الثانية إحدى وعشرين صفحة . ويعلل النورسي هذا التكرار بطبيعة الرسائل التي هي تفسير للقرآن الكريـم : «إن رسائل النورسي تفسير للقرآن الكريم ، تفسير نابع من القرآن مدعم بالبراهين ؛ لذا فإن فيها تكرارات ضرورية مساقة لحكمة ومصلحة كالتكرارات القرآنية اللطيفة ، الحكيمة الضرورية ، والتي لا تسئم القارئ أبداً ، وكذا لأن رسائل النور هي دلائل كلمة التوحيد التي تكرر باستمرار على الألسنة في ذوق وشوق دون سأم ، فإن تكراراتها الضرورية لا تعد نقصا فيها ، ولا تضجر القارئ ، ولا ينبغي لها أن تضجر»( ) . إن المسلك الذوقي الذي سلكه النورسي في كتابة رسائله ، هو الذي يفسر ظهور التكرار فيها ، ولاسيما إذا عُلم أنه لم يكن يستنسخ بنفسه ما يؤلفه ، وإنما كان يمليه على طلابه ، كما أنه لم يكن يرجع إلى المصادر والمراجع غير القرآن الكريم . ظهر شئ من الغموض وعدم التناسق في بعض الرسائل( ) ، فعاق فهمها على الوجه الأمثل ، والنورسي نفسه ينبه على هذا القصور ، ويقدم له ما يبرره ، فيبين الظروف التي كتب أثناءها تلك الرسائل ، يقول : مثلا - في مقدمة المسألة العاشرة من رسالة الثمرة( ) : «إخواني الأعزاء الأوفياء : كنت أعاني من حالة مضطربة بائسة حينما تناولت هذه المسألة ؛ لذا اكتنفها شئ من الغموض ، لكونها بقيت كما جاءت عفو الخاطر … ولقد اضطررت إلى كتابتها في غاية الإجمال والاقتضاب ؛ لما كنت أكابد من سوء التغذية وأوجاع الأمراض ، حتى إننى أدرجت في جملة واحدة منها حقائق وحججا غزيرة ، وأتممتها - بفضل الله - في يومين من أيام شهر رمضان المبارك ، فأرجو المعذرة عما بدر منى من تقصير . . » . ويعزو أحد( ) الباحثين بعض أسباب هذا الغموض الذي صاحب مؤلفات النورسي إلى روحه الشاعرية ؛ فبديع الزمان وإن لم ينظم شعراً ، فإن كثيراً مما ألفه هو شعر في جوهره ومعناه ، والعبرة بالجوهر والمعاني لا بالنظم والقوافي . ويضيف هذا الباحث بأن للشعر لغةً خاصة ترقى به عن مستوى الدهماء ؛ لذا فهي لا تخلو أحياناً من الغموض ، لكنه يظل غموضاً مستساغاً ما بقي شفافاً ، يفتح الآفاق ويتجاوز عالم الشهادة إلى عالم الغيب عن طريق صفاء الروح المستتر بالوحي المستدل به . ولذا ، فليس غريباً أن تأتي بعض نصوص النورسي يحيط بها بعض الغموض الذي لم ينكره هو نفسه ، بل بيّن بعض أسبابه الأخرى في رسالة الشيوخ مثلاً ، فذكر : 1 ـ أن الرسالة تخص أحداث حياته الشخصية ووقائعها ، فيصعب ترجمة الأحوال الوجدانية وتناولها بالكتابة . 2 ـ كانت الكتابة بعد صلاة الفجر ، فكان يشعر بتعب وإنهاك شديدين ، فضلا عن الإسراع في الكتابة . 3 ـ ضيق الوقت للقيام بالتصحيح ، وانشغال الناسخ بأمور أخرى . 4 ـ الاقتصار على التصحيحات والتعديلات العابرة دون التوغل في المعاني ، لشدة التعب بعد التأليف . 5 ـ كما ردّ صعوبة فهم بعض الرسائل إلى كونه كتب مشاهداته كما تراءت له وفق فهمه ولنفسه ، ولم يكتبها بمستوى الآخرين ، وإلى كون الموضوع نفسه ذا تشعبات ، ووفرة في الأدلة والبراهين( ) . ولعل قراءة مثل هذه الرسائل التي يصرح فيها مؤلفها بما قد يكون وقع فيه من القصور والإبهام ، تقتضي من القارئ دقة تركيز وقوة انتباه للتنبيه على ما يحتمل من قصور أو تشويش في الأفكار ، لكن ما يشفع للنورسي هو أنه لا يكتفي بالاعتراف بالتقصير في بعض ما كتبه ، وإنما يطلب من طلابه تصحيح ما قد يكون أخطأ فيه : «ولما كنت قد كتبت هذا المكتوب في غاية السرعة - بناء على سبب مهم – ؛ لذا فقد بقي على حاله ، ولم أراجع مسودته ، ولم أدخل عليها أي تعديل ، فلا جرم أنه سيكون فيه شىء من القصور والتشوش في بعض العبارات وفي طريقة العرض ، فأرجو من إخواني أن ينظروا إليه بعين الصفح والسماح ، ويصححوا – إن استطاعوا – ما بدر مني من خطأ ويدعوا لي بالمغفرة…»( ) اختلف الباحثون كثيراً في تحديد مفهوم الحضارة تحديداً دقيقاً ، ولا غرابة في كثرة الاختلاف ؛ لأن الأمر لا يتعلق بمصطلح علمي يخضع في تعريفه إلى قوانين العلم الدقيقة ، وإنما هو مصطلح ذو ارتباط وثيق بالعلوم الإنسانية التي يصعب فيها الاتفاق على تعريفات جامعة مانعة ، ويسهل فيها الاختلاف في وجهات النظر ؛ لأن موضوعها هو الإنسان ، والسلوك الإنساني لا يسير وفق قوانين علمية ثابتة ، وإنما تتداخل عدة عوامل ومؤثرات في سيره وتوجيهه . فمحاولة تفسير هذا السلوك متأثرة - ولاشك - بمدى معرفة هذه العوامل والمؤثرات ، وبمدى أخذها بعين الاعتبار في أي دراسة إنسانية . وهذا ما ينطبق على مصطلح الحضارة ؛ إذ ظهرت في تعريفه اتجاهات مختلفة قد تقترب أو تتفق في بعض الجوانب ، لكن جوهرها قد يكون متبايناً أشد التباين . ونظراً لصعوبة الإحاطة بهذه الاتجاهات كلها ، أحاول بيان أبرزها علماً أن لهذا الموضوع باحثيه وأساتذته المتخصصين . حديث النورسي عن الحضارة - في حقيقته - حديث عن فلسفتها وجذورها ، فهو لا ينشغل كثيراً بمظاهرها ونتاجاتها ؛ لأنه يدرك أن أي حضارة إنما تقوم على فلسفة معينة وتصور محدد لوظيفة الإنسان في هذا الوجود وعلاقته بالكون وخالقه . ولهذا يجد القارئ في أكثر من موضع أن النورسي يستخدم العناصر ذاتها في تحليله لقضايا الحضارة وقضايا الفلسفة وكأنْ لا فرق بين الحضارة والفلسفة( ) . ولعل القارئ لفكر النورسي لا يجد عناءً في تحديد اتجاهه في موضوع الحضارة ، إذ يكاد يرى تطابقاً كاملاً بين ما يذهب إليه بديع الزمان في حديثه عن التصور العقدي ، تمهيداً لدراسة الحضارة وبين ما يذهب إليه أصحاب الاتجاه الثاني لاسيما ألبرت اشفيتسر( ) الذي أكد العلاقة بين الحضارة وبين نظرية الإنسان في الكون -وهي علاقة لا يعيرها أحد التفاتاً في رأيه - ، فقد خلص إلى أن كل تقدم إنساني متوقف على التقدم في نظريته في الكون : «إن العصر الذي نعيش فيه يعوزه إدراك أهمية الظفر بنظرية في الكون . . . وافتقارنا إلى حضارة حقيقية مرجعه إلى افتقارنا إلى نظرية في الكون ، وحينما يتهيأ لنا الوصول إلى نظرية قوية ثمينة في الكون نجد فيها اعتقاداً قوياً ثميناً ، هناك فقط يكون في وسعنا إيجاد حضارة جديدة»( ) . وإذا كان فلاسفة الحضارة الغربيون قد تنبهوا إلى مكمن الداء في الحضارة وهو افتقارها إلى نظرية في الكون ، فإن النورسي - وانطلاقاً من وضوح رؤيته العقدية وأصالتها - يقدم لنا نظرية متكاملة في الكون ، حيث وظيفة الإنسان فيه محددة ، وعلاقته به واضحة ، وتصوره لقضية الألوهية لا غبش فيه . الحضارة الاسلامية: 1- فإن نقطة استنادها : الحق بدلاً من القوة ، والحق من شأنه العدالة والتوازن ، ومن هذا ينشأ السلام . 2- هدفها : الفضيلة بدل المنفعة ، والفضيلة من شأنها : المودة والتجاذب ، ومن هذا تنشأ السعادة وتزول العداوة . 3- دستورها في الحياة : التعاون بدل الجدال والصراع ، وشأن هذا الدستور : الاتحاد والترابط اللذان تحيى بهما الجماعات . 4- خدمتها للمجتمع : بالهدى بدل الأهواء ، وشأن الهدى الارتقاء بالإنسان إلى مراقي التكريم والكمال . 5- رابطتها بين الجماعات البشرية : هي رابطة الدين والإيمان ومن شأن هذه الرابطة : الأخوة الخالصة بدل العنصرية والقومية السلبية . بعد التحليل العلمي الدقيق لأسس الحضارة الإسلامية وفلسفتها وأسس المدنية الغربية وفلسفتها ، يؤكد النورسي أنه لا يذم أوربا على إطلاقها ، ولكنه يميز بين أوربا النافعة للبشرية بما قدمت لحياة الإنسان من خدمات ، وبما توصلت إليه من صناعات وعلوم( ) . وبين أوروبا الثانية التي توهمت سيئات الحضارة حسنات ، فساقت البشرية إلى السفاهة والضلالة ، فإلى هذه يتوجه بالخطاب : «يا أوروبا الثانية ! اعلمي جيداً أنك أخذت بيمينك الفلسفة المضلة السقيمة ، وبشمالك المدنية المضرة السفيهة ، ثم تدعين أن سعادة الإنسان بهما . ألا شُلّت يداك وبئست الهدية هديتك ، ولتكن وبالا عليك وستكون»( ) . إن أوروبا التي ينعي عليها النورسي ويحذر منها بشدة هي أوربا التي ابتعدت عن النصرانية واتبعت الفلسفة المادية القائمة على نسبة آثار الخالق إلى الأسباب والطبيعة الموهومة ، فهوت بالإنسان إلى درجة أدنى من درجة الحيوان ؛ لأنها اضطرته أن يصارع وحده مالا يُعد ولا يحصى من الأعداء ، وألجأته إلى أن يحصل بنفسه على مالا يحد من الحاجات ، مع أن هذه الحاجات لم تكن في الأساس ضرورية ، وإنما بإلحاح المدنية الزائفة استحالت الكماليات أساسيات ، فأضحى الإنسان أسير متطلبات هذه المدنية بما غرست فيه من روح الاستهلاك ، والسعي وراء إشباع أكبر قدر من رغبات النفس . وبهذا تحول إنسان مدنية الغرب - كما يوضح النورسي :

- (فرعونا) طاغية ، ولكنه فرعون ذليل يعبد أخس الأشياء ، ويتخذ كل شئ ينتفع منه ربّاً له . 
-و (متمرداً) لكنه متمرد مسكين ؛ لأنه يرضى بالذل والهوان من أجل منفعة خسيسة . 

- و (جباراً) ، لكنه عاجز في ذاته ؛ لأنه لا يجد مرتكزاً في قلبه يستند إليه . إن غاية ما يصبو إليه هو تلبية رغبات النفس ، وإشباع هواها بأي وسيلة وجدت لأنه لا يحب إلا نفسه ، وهو مستعد للتضحية بكل شئ في سبيلها . فقد أصبح يعيش حالة مرضية مستعصية لم تجد هذه المدنية لها علاجاً سوى الملاهي الجذابة التي تبلد الحسّ وتخدر الشعور مؤقتاً ، والكماليات المزخرفة التي تشغل الذهن وتغيّب الوعي . أما إنسان حضارة الإسلام فهو : - (عبد) ، ولكنه عبد عزيز لله ، لا يرضى بعبادة أعظم مخلوق . - وهو (هيّن ليّن) ، ولكنه لا يتذلل لغير الله تعالى . ـ وهو (فقير) ، ولكنه مستغن بما عند الله تعالى . ـ وهو (ضعيف) ، ولكنه يستند إلى قوة سيده المطلقة . ولأن هذا الإنسان مؤمن بأن ما يملكه من نفس ومال هو أمانة لديه ، فإنه يسعى جاهداً لتسليم الأمانة لصاحبها ؛ لذا فهو يشعر بغاية السعادة ما دام ملتزماً بما يأمره به ربه تعالى . إن السعادة الكبرى – كما يخلص إليها النورسي – كامنة في اتباع حكمة القرآن الكريم ، والشقاء الحقيقي هو في اتباع المدنية الزائفة ؛ ولهذا يوجه تحذيره إلى أبناء الأمة الذين فتنوا بمظاهر مدنية الغرب قائلاً : «فيا أسفي! ويا ويل من ضل بطواغيت الأجانب وعلومهم المادية الطبيعية . ويا خسارة أولئك الذين يقلدونهم تقليداً أعمى ، ويتبعونهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع . فيا أبناء هذا الوطن لا تحاولوا تقليد الإفرنج! وهل بعد كل ما رأيتم من ظلم الأوربيين الشنيع وعداوتهم اللدودة تتبعونهم في سفاهتهم ، وتسيرون في ركاب أفكارهم الباطلة؟ . . . فأنتم بهذا تحكمون على أنفسكم وعلى إخوانكم بالإعدام الأبدي . . إنكم كلما اتبعتموهم في سفاهتم وضلالهم ازددتم كذباً وافتراء في دعوى الحمية والتضحية ؛ لأن هذا الاتباع استخفاف بأمتكم واستهزاء بملتكم ، هدانا وإياكم إلى الصراط المستقيم »( ) شارك النورسي في رؤيته للحضارة الغربية فلاسفة كثيرون شرقيون وغربيون أكدوا جميعاً عمق أزمتها وعدم قدرتها على الرقي بالإنسان ، وقد أجاد بعض الباحثين الغربيين في تصوير هذه الأزمة ، وبيان عللها ، فهي لا تلائم الإنسان ؛ لأنها أُنشئت دون معرفة بطبيعته الحقيقية ، يقول ألكسيس كاريل ؛ «يجب أن يكون الإنسان مقياساً لكل شئ ، ولكن الواقع هو عكس ذلك ، فهو غريب في العالم الذي ابتدعه ، إنه لم يستطع أن ينظم دنياه بنفسه ، لأنه لا يملك معرفة عملية بطبيعته . . . ومن ثم فإن التقدم الهائل الذي أحرزته علوم الجماد على علوم الحياة هو إحدى الكوارث التي عانت منها الإنسانية . . . فالبيئة التي ولدتها عقولنا واختراعاتنا غير صالحة لنا ، لأننا ننحط أخلاقياً وعقلياً . . . إن الجماعات والأمم التي بلغت فيها الحضارة الصناعية أعظم نمو وتقدم هي على وجه الدقة الجماعات والأمم الآخذة في الضعف ، ذلك أن مدنيتنا - مثل المدنيات التي سبقتها - أوجدت أحوالاً معينة للحياة من شأنها أن تجعل الحياة نفسها مستحيلة»( ) . لقد أكد كثير من فلاسفة الغرب أن حضارتهم يعوزها البعد الروحي ، وتفتقر إلى نظرية في الكون كما عبّر عن ذلك اشتفيتسر بقوله : «إن العصر الذي نعيش فيه يعوزه إدراك أهمية الظفر بنظرية في الكون»( ) . لكن فلاسفة الحضارة الغربيين( ) ، وإن كانوا قد أجادوا في تشخيص علة حضارتهم ، فإن أغلبهم ظل إما أسير البيئة الفكرية التي نشأ فيها ، أو أسير روح التعصب ضد الإسلام ، وهو ما حال دون توصلهم إلى البديل الحق .





أرنولد توينبي الذي نقد الحضارة الغربية وبيَن أزمتها الروحية العميقة ، عجز عن وصف الدواء الناجع لها ، بل إن موقفه يتميز بتناقض واضح ؛ إذ في الوقت الذي ينعي على الحضارة الغربية انحلالها وعجزها عن إسعاد الإنسان ، وفي الوقت الذي يشيد بالحضارة الإسلامية وإنجازاتها ، فإن مفهومه للإسلام يظل غامضاً مشوشاً ، حيث يحصره في العبادة والشعائر – التي هي جزء من كل متكامل – وهو بذلك يحاكم الإسلام بتصوره للمسيحية ولغيرها من الأديان التي ليست منهج حياة ولا نظام مجتمع طبق أسلوباً للحكم السياسي ، والاجتماعي ، والاقتصادي ، والعسكري( ) . إنه برغم نقد توينبي الشديد للحضارة الغربية لم يكن منصفاً المسلمين حيث دعاهم إلى اقتباس حضارة الغرب بمحاسنها ومساوئها ، وعندما وقف موقف المؤازر للحركة الكمالية في تركيا ، وعدّها مثلاً أعلى لنهضة الشرق وتقدمه( ) . ولعلنا نجد تفسيراً لهذا التناقض في مواقف توينبي ، إذا علمنا أنه كان رجل سياسة يشارك في إدارة أمور الحكم ، فالراجح أن عمله السياسي أملى عليه هذا النهج في التفكير . لكن الأمر يبدو أكثر غرابة وتناقضاً مع ألبرت اشفيتسر ؛ فهذه الشخصية الإنسانية التي حملت هموم الإنسان في كل مكان وتزعمت العمل الخيري ، كيف يمكن أن نفهم موقفها من الإسلام وحضارته ؟ . إن اشفيتسر من أبرز الفلاسفة الذين تفوقوا في تصوير أزمة الغرب حضارياً ولعله لا يختلف عن النورسي في هذا التصوير ، لكنه أخفق في تحديد العلاج ، على الرغم من اعترافه الصريح بما لحضارة الشرق من أسس ثابتة وبما لها من جاذبية قوية يقول في هذا الصدد : «إننا لا نشعر بما يبرر وجودنا تبريراً كاملاً أمام تلك النظريات الشرقية الغريبة ؛ لأن فيها شيئاً حافلاً بالنبل يخلب ألبابنا ، بل يسحرنا ، ومسحة النبالة إنما جاءت من هذه الواقعة ، وهي أن هذه المعتقدات تولدت عن سعي إلى إيجاد نظرية في الكون ومعنى للحياة . أما عندنا نحن ، فالغرائز والدوافع الفعالة تقوم مقام نظرية في الكون»( ) . إنه على الرغم من وجود جماعة كبيرة من الباحثين الغربيين لم تهتد إلى البديل الحق ، فقد توصل نفر بعد بحث ودراسة إلى أن المعنى الذي يعطيه الإسلام للحياة هو الكفيل بإقامة الأسس الراسخة للحضارة . فالمدنية الغربية كما يؤكد ليوبولد فايس (محمد أسد) : «قائمة على أساس المدنية الرومانية الوثنية ، وهي لم تأخذ من النصرانية التي اعتنقتها - لأسباب سياسية قاهرة - سوى الطلاء الخارجي فحسب . . . إن المدنية الأوربية لا تزال في واقعها وثنية مادية لا تؤمن بغير القوة»( ) ويقدم تشبيهاً بليغاً مقتبساً من القرآن الكريم لحال الإنسان الغربي الذي لم يستطع أن يفيد أدبياً من المعرفة التي أمدته بها علومه بسبب افتقاره إلى التوجيه الديني الصادق ، فيورد قوله تعالى : {مَثَلُهُم كَمَثَلِ الَّذِي استَوقَدَ نَاَراً فَلَمَّا أَضَاءَت مَا حَولَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِم وَتَرَكَهُم فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبصِرُونَ} [ البقرة : 17 ] . وهذا أيضاً ما تؤكده الكاتبة الغربية المسلمة فريم جميلة في كتابها : «الإسلام في مواجهة الغرب» (ISLAM VERSUS THE WEST) . فتحذر الأقطار الإسلامية التي انخدعت بفلسفات الغرب المادية ، وتدعوها إلى الاحتفاظ بشخصيتها الإسلامية ، وتخلص إلى أن «التأكيد على الجانب الخلقي والروحي من الحياة هو الذي يشكل الحد الفاصل الرسمي بين الحضارتين : حضارة يوافق عليها الإسلام ويتحمل مسؤوليتها ويباركها ، وتتجلى فيها الشخصية والأصالة والاتباع ، وحضارة يتبرأ منها الإسلام ويخسر فيها المسلمون»( ) . ومن هذا العرض الموجز لآراء بعض فلاسفة الحضارة يبدو أن النورسي كان مدركاً الإدراك الصحيح لأسس حضارة الإسلام وأسس حضارة الغرب ، التي فتن بها من تولوا السلطة في تركيا وفي غيرها من البلاد الإسلامية ، ولعله كان متيقناً من المصير المرعب الذي سيؤول إليه مجتمعه إن أصر حكامه على السير في ركاب الغرب من دون نقد أو تمييز بين ما هو نافع وما هو ضار ؛ لذا تكررت تحذيراته لأبناء الأمة الإسلامية من انجرافهم في حضارة محكوم عليها بالفناء بشهادة أصحابها .

موازنة النورسي بين الأدب الإسلامي والأدب الغربي : إذا كانت الفلسفة أو العقيدة هي قاعدة الارتكاز لكل حضارة ، فإن الأدب يُعدُّ - بكل موضوعية - الصورة الصادقة والمترجمة لروح الحضارة . ونظراً للصلة الوثيقة بين الحضارة والأدب ، آثرت إدراج موقف النورسي من الأدب ضمن حديثي عن موقفه من الحضارة ، على الرغم من أن موضوع الأدب شاسع ومتشعب ، ويحتاج الباحث فيه أن يفرد له دراسة مستقلة ، ليس هذا البحث مجالها ، لذا سأعرض لأهم عناصره باختصار وتركيز شديدين . إن النقد في أي مجال كان عملية تحتاج إلى إحاطة وتمكن ، فليس كل أديب قادراً على النقد لكونه أديباً ، بل إن الناقد لكي يصبح مؤهلاً فعلاً للنقد يشترط فيه أن يكون أديباً مطلعاً على ألوان شتى من الأدب ، ومتمكناً من أصول النقد ، وضوابطه ، فضلاً عن الموهبة الخاصة التي تدعوه إلى الاهتمام بالأدب . والنورسي وإن لم يصرح بكونه أديباً ، فإن كثيراً مما كتبه وألفه كان أدباً ذا طابع خاص ، وهذا ما جعل أحد الباحثين يقول عنه : «النورسي نفس شاعرة . . وقلب مشتاق ، ووجدان رقيق مرهف . . . يملك كل صفات الشاعر العظيم ، إلا أنه لم يقل شعراً ، أعني أنه لم ينظم شعراً كما ينظم الشعراء ، ولكن ما قاله في المثنوي برغم أنه يحمل ميزات النثر ومقوماته شكلاً وقالباً ، فإنه شاعري الروح والنفس ، وجداني الانسياب ، رشيق في صوره وأخيلته ، مع عمق أفكاره ودقيق معانيه»( ) . وقد عالج النورسي عدة قضايا أدبية محاولاً تقديم رؤية لا تخلو من جدّة وإبداع «فكان الموسوعي الذي أسس بكثير من العمق والتجديد أعمدة الأدب الإيماني»( ) . فالأدب كما يرى بديع الزمان ينبغي أن يسير في ظلال القرآن ؛ لذا نجد القرآن الكريم حاضراً فيما كتبه استشهاداً به وتفسيراً له واستلهاماً لمعانيه : « . . . لأني أرى القرآن منبع كل الفيوض ، وما في آثاري من محاسن الحقائق ما هو إلا من فيض القرآن ، فلهذا لا يرضى قلبي أن يخلو أثر من آثاري من ذكر نبذ من مزايا إعجاز القرآن»( ) . علاقة الأديب بالمجتمع من القضايا المهمة التي أثارها النقاد ومازالوا ، فهل للأديب أن يوجه أدبه نحو الوفاء بقيم مجتمعه التي تدفع به إلى الأمام وتخدمه أو أن يوجهه نحو القيم الذاتية والفنية وما يطوى فيها من إتقان التصوير وروعة التعبير؟( ) . يبرز اتجاهان في الإجابة عن هذا السؤال : - اتجاه أول يرى أن الأدب تصور إنساني متوجه نحو القيم الذاتية والفنية فحسب . - واتجاه آخر يرى أن الأدب إنما ينبغي أن يخدم قضايا المجتمع . فالأديب «لا يكتب أدبه لنفسه ، وإنما يكتبه لمجتمعه ، وكل ما يُقال عن فرديته المطلقة غير صحيح»( ) ؛ وذلك لسبب بسيط هو أن الأديب جزء من مجتمعه ، ومرتبط به روحياً وتاريخياً . لذا يصر أصحاب هذا الاتجاه على ضرورة التزام الأديب بقيم مجتمعه وخدمة قضاياه . ولا نجد كبير عناء في التعرف على موقف النورسي من هذه القضية ، فهو يحذر أصحاب الفكر والأدب من تسخير أقلامهم للمساس بقيم الإسلام تحت شعار حرية الفكر والتعبير : « . . . إن نشر ما لا يقبله جمهور المؤمنين في الجرائد العمومية من المستحدثات دعوة إلى الضلالة فناشرها داعٍ إلى الضلالة ، فلا يُجاب بالضرب على فمه فقط بل يُعنف بالأخذ على يده . .»( ) . إن الأدب كما يرى النورسي أداة للإصلاح والتوجيه والإرشاد ، ولا ينبغي أن يوظف في أي اتجاه معادٍ لقيم المجتمع . ولعل هذا الهاجس الدعوي في تناوله لأي قضية من قضايا الفكر هو الذي يفسر لنا تجديده في بعض القضايا الأدبية التي ناقشها النقاد قديماً وحديثاً . فقضية اللفظ والمعنى التي عالجها النقاد قديماً واختلفوا حولها كثيراً ، تناولها النورسي مؤكداً قوة العلاقة بين اللفظ والمعنى ، لكنه يقدم تشبيها جديداً لهذه العلاقة ، وهو تشبيه يخالف التشبيه المتداول الذي يجعل المعنى روحاً واللفظ جسداً ، فيقول : «إن الكلام لفظه ليس جسداً بل لباس له ، ومعناه ليس روحاً بل بدن له ، وما حياته إلا نية المتكلم وحسه ، وما روحه إلا معنى منفوخ من طرف المتكلم»( ) . وهذا التعبير يحمل إضافة وتعديلاً : فالإضافة تتمثل في تشبيه اللفظ باللباس بدلاً من الجسد ؛ لأن اللباس يبلى ويفنى ، أما الجسد – كما يرى النورسي ، فلا يفنى الفناء الحقيقي ، وإنما يفنى فناءً صورياً . أما التعديل ، فيتمثل في تشبيه المعنى بالبدن بدلاً من الروح ، وأما الإضافة ، فهي جعل النية والحس سبباً في نفخ الروح في النص ، بمعنى إعطاء المعنى وجوده المعدوم قبل النية ، وهذا ما يسمى في النقد الحديث : (مقصدية النص) التي بدونها قد يفقد النص مراده ، وتشوه الرسالة التي تنتقل من المرسل إلى المرسل إليه ؛ فالنص – كما يؤكد النورسي - لا يكتسب وجوده ودلالته وفاعليته إلا بالمرسل والمتلقي والمقام والمقصد( ) . ففي هذه القضية كما في غيرها من قضايا النقد الأدبي يظهر بجلاء هاجس الدعوة إلى الإسلام وهاجس الصراع مع الغرب وتابعيه الشرقيين ، الذين استُلبوا فكراً وثقافةً ، فراحوا يروجون لآداب المدنية الغربية من خلال مؤسسات تولت نشر ما أُطلق عليه «الأدب المكشوف» الذي يشيع الفساد والمجون والخلاعة بدعوى الفن والأدب( ) . يلجأ النورسي إلى نقد الجوانب السلبية في المدنية الغربية من خلال عقد موازنات بين حضارة الإسلام وحضارة الغرب ، وكما بيّن أسس الحضارتين وتباينهما وتفوق الحضارة الإسلامية المبنية على التصور القرآني للوجود ، يؤكد أيضاً تفوق الأدب الإسلامي المستلهم من القرآن الكريم على أدب الحضارة الغربية القائم على أساس تصورات بشرية قاصرة . ولكي لا نسئ الفهم ينبغي أن نُبين هنا أن النورسي عندما يتحدث عن الأدب الإسلامي ، إنما يقصد به ذلك الأدب الملتزم بخدمة الإنسان بهداية القرآن الكريم ، كما أنه عندما يتحدث عن الأدب الغربي ، إنما يقصد ذلك الأدب المنحرف الذي ساد في الغرب وفي غيره من الأقطار ، ومنشأ الانحراف فيه انحراف في التصور الإنساني لمعنى الحياة .


قبل أن يشرع في المقارنة بين الأدبين يحدد النورسي مجالات الأدب ، وهي ثلاثة لا غير : 1- مجال الحماسة والبطولة . 2- مجال الحسن والعشق . 3- مجال تصوير الحقيقة والواقع( ) . ثم يؤكد بديع الزمان أن الأدب الأجنبي في مجال البطولة لا ينشد الحق ، بل يغرس شعور الافتتان بالقوة بتمجيده للظلم والطغيان . وهذا الحكم وإن كان يبدو فيه تعميمٌ لأول وهلة ، فإنه لا يجانب الصواب ؛ إذ إن النورسي كان يعيش واقعاً يحكمه الصراع بين الغرب الذي يريد أن يفرض سيطرته وقيمه على العالم وبين أجزاء من البلاد الشرقية التي مازالت فيها بقية من حياة . ولقد كان لهذا الصراع - ولاشك - أدبه وفلسفته ، أدب يبرر السيطرة على الضعفاء ، ويصورها بطولة ونصراً ؛ فالاستعمار الغربي الذي بلغ مداه في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين لم يكن يتم إلا تحت شعارات مخالفة تماماً لطبيعة الاستعمار ؛ إذ كانت كل دولة غربية استعمارية تنتحل لنفسها أسمى الشعارات الإنسانية (التمدين ، والتحضير . . .) لتنفذ سياسة استغلالية واستعبادية ضد الشعوب المستعمرة . وإدراك هذه الحقيقة هو الذي حمل النورسي ـ فيما أرى ـ على أن يحكم بمثل هذا الحكم القاطع على الأدب الغربي في ميدان الحماسة والبطولة . أما في مجال الحسن والعشق ، فالأدب الغربي - كما يرى النورسي – لا يعرف العشق الحقيقي ؛ لأنه يقتصر على إثارة الشهوات في النفس . وهذا الحكم أيضاً لا يبتعد عن الحقيقة ، ولاسيما إذا اطلعنا على الآداب الغربية التي انتشرت في زمن النورسي – ومازالت منتشرة - ، وفُتن بها من لم ينل حظاً من العلوم الإسلامية أو لم يُفد منها ، فهذه الآداب الخالية من كل أدب هي التي ينعي عليها بديع الزمان . أما في مجال تصوير الحقيقة والواقع ، فالأدب الغربي لا ينظر إلى المخلوقات على أنها صنعة إلهية ، ولكنه يحصر نظره في الطبيعة وعلى ضوئها يحاول تصوير الحقائق ؛ فيصبح بذلك داعياً إلى عشق الطبيعة وتأليه المادة . ثم إن هذا الأدب – كما يوضح النورسي - عاجز عن منح الروح الطمأنينة والسكينة ؛ لأنه ينشر الضلالة ، ولأنه بكل أشكاله الموجودة : الأدب الروائي ، أو السينمائي ، أو المسرحي أدب لا حياة فيه ، فلا يمكن للميت أن يهب الحياة لغيره . وعلى الرغم من ادعائه ظاهراً أن «السفاهة عاقبتها وخيمة لا تليق بالإنسان» وبيانه لنتائجها المضرة ، فإنه يصور السفاهة تصويراً مثيراً جذاباً ، يفقد معه العقل كل سيطرة على شهوات النفس المستثارة . وبذا يخلص النورسي إلى أن الأدب الغربي قد سلك مسلك الضلالة والانحلال الخلقي ، في حين أن الأدب المستظل بظلال القرآن ، لا يثير الهوى ، بل يحث الإنسان على نشدان الحق ومحبة الحسن المجرد والجمال الحقيقي ، ومحبة الحقيقة . ويضيف بديع الزمان أن الأدب الإسلامي لا ينظر إلى الكون نظرة مادية ، بل يرى الكون كله صنعة إلهية ، وأثراً لرحمة الله تعالى ؛ وبذلك لا يغرر بالعقل ، وإنما يرشده إلى الطريق المستقيم ، ويلقنه معرفة الخالق ويدله إلى دلائل التوحيد . وبهذا كان الفرق بين الأدبين شاسعاً وتأثيرهما متبايناً ، ويشبه النورسي هذا الفرق ببكاء يتيم مِلْؤُهُ الحزن القاتم واليأس المرير ، في مقابل عاشق عفيف حزين ملؤه الشوق والأمل . فالأدبان يورثان حزناً مؤثراً ، لكن هذا التأثير متباين : الأدب الغربي يورث حزناً مهموماً كئيباً - لانبعاثه من المدنية الضالة المعتقدة بالطبيعة- يسيطر على كيان الإنسان فيسوقه إلى الضلال والإلحاد . أما الأدب المستلهم من القرآن الكريم ، فإنه يمنح حزناً سامياً نابعاً من فراق الأحباب لا من فقدهم . والأدبان يمنحان شوقاً وفرحاً ، لكن تأثيرهما مختلف أيضاً : الشوق - في الأدب الغربي - يهيج النفس فحسب ، ولا يمنح الروح فرحاً وسروراً . في حين أن الشوق الذي يمنحه الأدب القرآني هو شوق برئ يحث الروح والقلب والعقل على السير إلى المعالي لنيل الجنة التي بشر بها القرآن الكريم المؤمنين . ومن خلال هذا العرض الموجز لموضوع الأدب - كما يتناوله النورسي - أخلص إلى أن التصور الاعتقادي والهاجس الدعوي حاضران في تحليل هذا الموضوع كما هما حاضران في غيره من الموضوعات ؛ لذا فإن رؤيته لجملة القضايا التي تناولها مبنية على الأسس العقدية المفصلة في أغلب رسائل النور . وهذا يؤكد أن صراع النورسي ضد التيارات المعادية للإسلام كان صراعاً متعدد الجبهات ومتنوع المجالات ، داخل دائرة المنتسبين إلى الإسلام وخارجها ، وفي مجالات الفكر والأدب والعلوم ، كما في مجالات الدعوة .



ونظراً لأن الدولة العثمانية والعالم الإسلامي كانا يواجهان تهديداً استعمارياً غربياً حثيثاً ، فإن بديع الزمان كان يحاول إصلاح الأوضاع الداخلية لمواجهة الأخطار الخارجية . ولعل أبرز عمل في مسيرة النورسي المبكرة للإصلاح دعوته لإنشاء جامعة إسلامية عالمية تحت اسم «جامعة الزهراء» ، وقد بيّن أهداف هذا المشروع كما يلي : 1- توحيد المدارس الدينية وإصلاحها . 2- إنقاذ الإسلام من الأساطير والإسرائيليات والتعصب الممقوت الناشئ عن الجهل ، والمتمثل في قسم من مقلدي أوروبا وملحديها . 3- فتح باب لنشر محاسن المشروطية . 4- إدراج العلوم الكونية الحديثة في منهاج المدارس الدينية . 5- تقليص الهوة بين المدارس الدينية والمدارس الحديثة وأهل الزوايا «التكايا» ، سعياً إلى توحيد المقصد وتوحيد الصف في المجتمع( ) . دعا النورسي إلى مشروعه - بداية - في الصحف محاولاً إبراز فائدته( ) ، ثم توجه إلى مقر الخلافة لإقناع السلطان عبد الحميد الثاني بجدوى المشروع ، لكن انتقاده الصريح لنظام الحكم جعل السلطان يرد عليه بإحالته إلى مستشفى المجانين ، ثم إلى السجن . وبعد خروجه من السجن واصل نشاطه بكتابته في مجلة «ولقان» (volkan) الناطقة باسم الاتحاد المحمدي وغيرها من المجلات ، مركزاً على وجوب التمسك بالإسلام ، وضرورة قيام المسلمين بالجهاد لإعلاء كلمة الله ونشر الحق والعدل وتحقيق التعاون بين المسلمين( ) . ولئن كان النورسي قد وجد نفسه في صف واحد مع الاتحاديين في المطالبة بالحرية السياسية وإصلاح نظام الحكم الاستبدادي ، فإنه حاول أن يربط هذه المفاهيم بضوابط الشريعة وآدابها ، كي لا تصبح ستاراً لاستبداد جديد( ) . وأثناء التهديد الخارجي من قبل روسيا وغيرها من الدول المعادية للدولة العثمانية ، كان موقف النورسي صريحاً ، إذ قاد الفرق المتطوعة للدفاع عن الحدود أمام الزحف الروسي إلى أن وقع في الأسر . وعقب خلاصه من الأسر ، استأنف النورسي نشاطه - وإن كان بدرجة أقل - بالعمل داخل دار الحكمة ، لكن خلال فترة وجيزة سقطت البلاد تحت الاحتلال الغربي ، وأصبحت استانبول عاصمة الخلافة في يد الاستعمار الانجليزي ، فكان لهذا الحدث أثره البالغ في النورسي ، لذا قام داعياً إلى مقاومة المحتل ، ونشر رسالته الشهيرة «الخطوات الست»( ) التي كشف فيها عن دسائس الاستعمار وحرّض على مقاومته ، يقول في هذا الصدد : «إن محبة الإسلام توجب عداءكم وخصومتكم . . . إن أشد العقول بلاهة عقل يرى إمكان التوفيق والتلاؤم بين أطماع (الانجليز) ومنافعهم وبين عزة الإسلام ومصلحته . . وإن أكثر القلوب حماقة قلب يظن إمكان الحياة تحت حمايتهم ، إذ يعلقون حياتنا بشرط محال في محال . . . »( ) . وإذا كان بديع الزمان قد ابتهج باندحار الاستعمار الغربي وجلائه عن البلاد ، فإنه أصيب بإحباط شديد بسبب التوجه المعادي للإسلام الذي سار فيه مصطفى كمال أتاتورك وحكومته ، حيث أنكروا أصل الإيمان بوجود الله تعالى وجحدوا عالم الغيب ، واستبدلوا الشريعة الإسلامية بقوانين الغرب البشرية . وأمام ضخامة موجة العداء للإسلام وسقوط كثير من الأقطار الإسلامية تحت السيطرة الأجنبية ، رأى النورسي عدم جدوى العمل السياسي في وسط يحكمه الاستبداد بكل أشكاله ، ومع أنه حاول أن ينأى بنفسه بعيداً عن استانبول وأحداثها المتلاحقة ، فإنه لم يسلم من تبعات هذه الأحداث ، حيث لاحقته السلطة في خلوته سنة (1925م) واعتقلته بتهمة المشاركة في الثورة المسلحة على الحكومة الكمالية ومنذ ذلك الحين فرضت عليه السلطة قيوداً محكمة كادت تشل حركته تماماً ، فتوزعت حياته بعد ذلك وعلى مدى أكثر من ثلاثين سنة بين السجن أو الإقامة المحروسة . وعلى الرغم من هذا الطوق المحكم الذي ضرب على النورسي ، فإنه استطاع كسره ، ونجح في تكوين جماعة من الطلاب انكبت على رسائل النور كتابةً وقراءةً ونشراً . وإذا كان بديع الزمان قد حصر اهتمامه في خدمة قضايا العقيدة ، وأكد في مناسبات كثيرة ابتعاده عن السياسة بعد أن خاض غمارها ردحاً من عمره فإنه لا يمكن الجزم بأن هذا الموقف كان ثابتاً ، كما لا يمكن عدُّه منهجاً مختاراً من لدن النورسي ، وإنما هو موقف أملته الظروف السياسية التي أضحى يعيشها . وما يؤكد هذا القول ، عودة النورسي في آخر مراحل حياته إلى النشاط السياسي وإسهامه في إضعاف شوكة العلمانية بتأييده لحزب عدنان مندريس المنافس لحزب الشعب الكمالي . إن منهج النورسي يبدو - ولاشك - ثابتاً من حيث الأهداف التي حددها لدعوته في كل الأطوار السياسية التي شهدها ، وهي أهداف واضحة يلخصها الأستاذ شكري أصلان( ) في نقطتين رئيسيتين : 1 ـ الدفاع عن القرآن وتعاليمه ، ودفع الشبهات عن العقيدة والدعوة إلى تبني الإسلام شريعة شاملة كاملة . 2 ـ توحيد الشعوب الإسلامية في إطار سياسي يضمن لها تحقيق مكانتها بين شعوب العالم . هاتان النقطتان هما اللتان شكلتا حجر الأساس في البناء الفكري للنورسي ، وقد ظل ثابتاً عليهما برغم كل العقبات التي واجهته ، وبرغم التغييرات العميقة التي شهدها العالم الإسلامي حاول بديع الزمان في عهد السلطان عبد الحميد وعهد الاتحاديين تحقيق أهدافه بخوض غمار السياسة واستعمال وسائل الإعلام المتاحة ، لكنه أمام الأحوال التي آل إليها العالم الإسلامي وضخامة موجة العداء للإسلام ، لجأ إلى أسلوب آخر يعتمد في الأساس على مراجعة الماضي ودراسة الحاضر ، لوضع لبنة في بناء المستقبل ، مستعيناً في ذلك بطول النفس وبُعد النظر والأمل في الجيل الجديد القادم …












تأخر العالم الإسلامي : يحلل النورسي واقع العالم الإسلامي ، مبيناً أن أسباب تأخره تكمن في الأمراض التالية( ) : 1 ـ اليأس الذي وجد أسباب الحياة في النفوس . 2 ـ انعدام الصدق في الحياة الاجتماعية والسياسية . 3 ـ حب العداوة . 4 ـ الجهل بالروابط السامية التي تربط المؤمنين بعضهم ببعض . 5 ـ سريان الاستبداد ، مثل سريان الأمراض المعدية . 6 ـ حصر الهمة في المنفعة الشخصية . 7 ـ عدم مراعاة أحكام الشريعة الغراء . 8 ـ التعصب المقيت في غير محله ، سواء لدى عالم جاهل أو جاهل عالم . 9 ـ تقليد مساوئ المدنية الأوروبية . ولمّا كان بديع الزمان يرى أن هذه هي أسباب تأخر العالم الإسلامي ، فإنه يعتقد أن أهمها إطلاقاً هو الاستبداد السياسي ، ويليه اختلاف الأفكار الذي هزّ أسس الأخلاق وفرّق الأمة ، يقول في ذلك : «إن من أهم أسباب تأخرنا في مضمار المدنية بعد الاستبداد هو تباين الأفكار واختلاف المشارب لدى منتسبي ثلاث شعب كبيرة : المدارس الحديثة ، والمدارس الدينية ، والتكايا»( ). حاول النورسي إصلاح الأحوال التي آلت إليها الدولة العثمانية في آخر عهدها ، مستعيناً في ذلك بمشاركته في ميدان السياسة ، لكن بعد الانهيار الأخير للدولة وسيطرة كمال أتاتورك على السلطة ، لم يتسع المجال لبديع الزمان كي يشارك بأي شكل في خضم الحياة السياسية ، بل فُرض عليه من القيود ما كاد يشل حركته تماماً ؛ لذا رأى أن أنسب الوسائل لمواجهة هذه الظروف تكمن في تكوين جيل جديد تكويناً إسلامياً عقيدة وفكراً وسلوكاً ، كي يكون اللبنة الصالحة التي يقوم بها بناء الدولة الإسلامية المنشودة . تلك هي الوسيلة التي اتبعها النورسي لخدمة هدفه الثابت بعد أن يئس من أبناء جيله الذين انجرف أغلبهم مع تيار الحضارة الغربية ، وبعد أن أصبح التغريب سياسة رسمية للدولة ، وهو يعبر عن هذا اليأس بقوله : «آليت على نفسي ألاّ أخاطبكم . . وأتوجه بالخطاب إلى القادمين في المستقبل ، أيا من اختفى خلف عصر شاهق لما بعد ثلاثمائة سنة يستمع إلى كلمات النور بصمت وسكون . . . إننى أتوجه بالخطاب إليكم . . إنني أتكلم معكم عبر أمواج الأثير الممتدة من الوديان السحيقة للماضي - المسمى بالتاريخ - إلى ذرى مستقبلكم الرفيع . ما حيلتي ؟ لقد استعجلت وشاءت الأقدار أن آتي خضم الحياة في شتائها . . أما أنتم فطوبى لكم ، ستأتون إليها في ربيع زاهر كالجنة . إن ما يزرع الآن ويستنبت من بذور النور ستتفتح أزاهير يانعة في أرضكم . . »( ) . ولا يكتفي النورسي بإعلان يأسه من معاصريه ، بل إنه يصرح بضجره من المضايقات المتكررة التي يتعرض لها ، مبيناً أن عمله إنما هو لخدمة مَنْ سيأتي من الجيل القادم : «لم تنشغلون بنا وبرسائل النور دون داع أو سبب ؟ إني أبلغكم قطعاً بالآتي : إنني ورسائل النور لا نبارزكم ، بل لا نفكر فيكم ، ونعد ذلك خارج وظيفتنا ؛ لأن رسائل النور وطلابها الحقيقيين يؤدون خدمة جليلة للجيل المقبل الذي سيأتي بعد خمسين سنة ويسعون لإنقاذهم من ورطة جسيمة ، ويجدّون في إنقاذ هذه البلاد والأمة من خطر عظيم»( ) . استطاع النورسي أن يكون مجموعة من الطلاب من خلال تعرفه عليهم في السجن ، أوفي الأماكن التي كان يرحل إليها ، وتظهر قوة شخصيته - ولا شك - في سرعة التأثير والإقناع ، إذ تمكن من تحويل كبار المجرمين في السجون إلى طلبة ورعين ومجدين في العمل لدعوة رسائل النور( ) ، حيث قاموا باستنساخ الرسائل وتوزيعها في كل أنحاء تركيا حتى إنه بلغ عدد النسخ سنة (1950) ستمائة ألف نسخة ، وأصبح الطلبة يعدّون بالآلاف( ) .




ولم تحل المحاكمات المستمرة للنورسي وطلبته دون انتشار الرسائل ، بل أصبح عددها في ازدياد مطرد ، ولاسيما بعد حدوث تغييرات في النظام السياسي عقب الحرب العالمية الثانية ، إذ قررت المحكمة المكلفة بإعطاء رأيها في محتويات رسائل النور تبرئتها( ) ، وهو ما أصبح يعني إمكان طبعها وتداولها دون عراقيل ،وبعد رحلة الأفغاني الطويلة في الدعوة إلى الوحدة الإسلامية وجدت أفكاره مجالاً في مقر الخلافة على عهد السلطان عبد الحميد الثاني الذي كان أحوج إليها لمعالجة الأوضاع الداخلية ومجابهة التهديدات الخارجية ، إذ تبنى السلطان سياسة الجامعة الإسلامية لجمع المسلمين من حوله ، ولمقاومة الحركة الدستورية والمعارضة ، ولمقاومة الدول الاستعمارية( ) . ويبدو تأثر بديع الزمان بالأفغاني في الدعوة إلى الجامعة الإسلامية واضحاً من خلال ما يصرح به في قوله : «فأسلافي في هذه المسألة هم الشيخ جمال الدين الأفغاني ومفتي الديار المصرية الشيخ محمد عبده ، ومن العلماء الأعلام "على سعاوي" و"العالم تحسين" والشاعر "نامق كمال" الذي دعا إلى الاتحاد الإسلامي»( ) . لقد خلص النورسي - بعد الأحداث التي شهدها العالم الإسلامي - إلى أن دعوة إصلاح المجتمع لا يمكن أن تتم في مرحلة واحدة بَلهَ أن يقوم بها شخص بمفرده ، وأن هناك أولويات لابد من تحقيقها في مسيرة الإصلاح . ـ أولها : العمل على ترسيخ قاعدة الإيمان التحقيقي ، وهي وظيفة لا تحتاج إلى القدرة المادية ، ولكنها تحتاج إلى القوة المعنوية المتمثلة في الإخلاص والوفاء وقوة العقيدة . ثانيهما : تنفيذ الشريعة وتطبيق أحكامها ، وهي وظيفة تحتاج إلى قوة مادية عظيمة وسلطة ذات شأن . ثالثها : خدمة الإسلام بإعلان الخلافة الإسلامية ، والاستناد إلى الوحدة الإسلامية ، وتحتاج هذه الوظيفة إلى سلطة عظيمة وقوة هائلة وملايين الفدائيين( ) . لهذا ، فالنورسي لا يدعي القدرة على القيام بكل هذه الوظائف ، بل إنه أمام الهدم الشديد الذي أصاب كيان الدولة العثمانية - على ما به من ضعف - يعترف بأنه وطلابه ، إنما يمهدون الطريق لمن يأتي بعدهم ، فيكمل بقية الوظائف اللازمة لدعوة الإصلاح .












خلاصة

لقد أراد النورسي أن يخاطب الناس ، ليريهم حقائق الإيمان ويحثهم على تجديد أمر دينهم ، ومن ثمّ يقحمهم في ميدان الصراع ضد التيارات الغربية المعادية للإسلام . وسيراً على النهج التحليلي نفسه ، عقد النورسي موازنات بين الأدب الإسلامي والأدب الغربي الذي وجد رواجاً في البلاد الإسلامية ، فانتهى إلى أن الأدب الإسلامي فاق كثيراً الأدب الغربي المروّج له ؛ لأنه مستظل بظلال القرآن ، ومستلهم معانيه وتوجيهاته التي تسمو بالإنسان إلى مراقي التكريم ، في حين أن الأدب الغربي هو صورة من صور الحضارة الغربية القائمة على أسس مادية ، ومفاهيم وتصورات بشرية قاصرة . كما تصدى النورسي لدعوة تتريك الدولة ، وتتريك الشعائر الإسلامية ، مبيناً أبعاد هذه الدعوة عقدياً واجتماعياً وسياسياً ، وداعياً إلى تعميم اللغة العربية ، لاعتقاده الراسخ أن اللغة العربية هي أوثق رابطة تربط بين المسلمين ، وهي ألزم وسيلة لفهم الدين وضروراته . إن هذه الرؤية الواضحة التي عالج بها النورسي جل القضايا ، سواء في الفكر أم الدعوة ، مرجعها في الأساس إلى أصالة منطلقه ، فقد كان في قضايا الفكر منطلقاً من القرآن الكريم ، مستلهماً معانيه ، ومسترشداً بتعاليمه .







مصادر ومراجع



1 – أحمد خالد شكري

آراء النورسي في وجوه إعجاز القرآن الكريم – المؤتمر العالمي الثالث حول فكر بديع الزمان – استانبول –24/9/1995م . 

2 – حسن الأمراني شعرية النص في المثنوي العربي النوري – المؤتمر العالمي الثالث حول فكر بديع الزمان – استانبول – 24/9/1995م . 3 – زياد خليل محمد الدغامين منهج بديع الزمان النورسي في بيان إعجاز القرآن الكريم – المؤتمر العالمي الثالث حول فكر بديع الزمان . 4 – سهيل صابان الأوضاع الثقافية في تركيا في القرن الرابع الهجري – دراسة وتقويم – رسالة دكتوراه – جامعة الإمام محمد بن سعود – الرياض- 1415هـ/1994م . 5 – شكري أصلان الإمام سعيد النورسي رائد الحركة الإسلامية في تركيا وأوضاع الدولة التركية – 1415هـ/1995م . 6 – الصديق عمر يعقوب جمال الدين الأفغاني بين تجديد الفكر ودعوة الإصلاح – رسالة ماجستير – كلية دار العلوم – القاهرة . 7 – عبد الرزاق عبد الرحمن السعدي إعجاز القرآن اللغوي في فكر النورسي – المؤتمر العالمي الثالث حول فكر بديع الزمان . استانبول 24/9/1995م . 8 – عماد الدين خليل الرسول  في رسائل النور- المؤتمر العالمي الثالث حول فكر بديع الزمان . 9- جمال الدين الكيلاني و زياد حمد الصميدعي تاريخ الدولة العثمانية رجال وحوادث ، المنظمة المغربية ، 2013 الدوريات: 1 – أحد أدباء الإنجليز الحركة الطورانية الجديدة في تركيا ـ مجلة المقتطف ـ 49/425- 431 . 2 – شكيب أرسلان نظريتان متضادتان في تركيا ـ مجلة الزهراء ـ 4/38 (الربيعان 1346هـ) . 3 – عبد الكريم مشهداني ثورة الشيخ سعيد في تركيا لإحياء الخلافة الإسلامية ـ مجلة الأمة _ عدد (12) ، السنة الأولى – ذي الحجة 1401هـ/أكتوبر 1981م . 4 – محب الدين الخطيب أنقرة والدين الإسلامي ـ مجلة الفتح ، ع : 61 (2جمادى الأولى 1346هـ) . 5 – محمد شاكر مقارنة بين زعيم وزعيمة ـ مجلة الفتح ، ع69 ـ (9/5/1346هـ) . 6 – يحيى الشريف ثورة الأوجادين ـ مجلة العربي _ الكويت ـ ع 230 – سنة 1978م .