انقـطاع الإنترنـت: أيكـون سـلاحاً جديـداً؟

انقـطاع الإنترنـت: أيكـون سـلاحاً جديـداً؟، بقلم نائل الشافعي، نشر في السفير اللبنانية في 22 ديسمبر 2008.


لم يحتج سكان القاهرة، في عطلة الأسبوع الماضي، إلى النزوح إلى مناطق ريفية نائية طلباً للعزلة عن المدنية والراحة من ضغطها، فقد تكفل انقطاع خدمة الانترنت منذ صباح الجمعة الماضي بتأمين عزلة قسرية شبه تامة عن العالم. في ذلك اليوم، وجد كثيرون من مستخدمي الشبكة أنفسهم تحت ضغط نفسي سببه انقطاع مجهول الأسباب للشبكة استمرّ قرابة ٤٨ ساعة، وبنسبة ٨٠ في المئة، قبل أن تبدأ الخدمة بالعودة تدريجيا وإنما ليس بكامل قوتها، بعدما حوّلت وزارة الاتصالات المصرية طلبها للخدمة إلى كابلات أخرى بعدما أعلنت أن الانقطاع نجم عن تقطّع ثلاثة كابلات بحرية قرب جزيرة صقلية الايطالية، تمدّ مصر وعددا من دول الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا بالخدمة الإلكترونية. وقد أعلنت شركة »فرانس تيليكوم« الفرنسية، أمس، أن انقطاع الاتصالات الهاتفية وعبر الانترنت بين أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، استمرّ أمس، فيما وصلت سفينة صيانة تحمل فريقا تقنيا إلى موقع الكابلات المقطوعة لإصلاحها، و«معرفة ما إذا كانت مرساة سفينة تسببت بقطعها«. وتوقعت الشركة الفرنسية إعادة تشغيل أحد الكابلات يوم الخميس المقبل، واستعادة الوضع الطبيعي الكامل في ليلة رأس السنة. هذا الحادث كان الثاني من نوعه في المنطقة خلال عام واحد، ما رفع من منسوب نظريات المؤامرة، لاسيما أنه لم يعلن حتى الآن عن الأسباب التي أدت إلى انقطاع الخدمة في كانون الثاني الماضي، كما أن أي سبب طبيعي، كوقوع زلزال مثلا، لم يسجل في منطقة انقطاع الكــابلات هذه المرة، بحسب ما نقلت وكالات الأنباء عن السـلطات الإيطالية. برأيه، ينصح خبير الاتصالات المحاضر في »معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا« نايل الشافعي في تصريح لـ»السفير«، بـ»ضرورة البحث عن بدائل عن الكابلات البحرية بسبب تكرار الانقطاع فيها«، طارحاً الفرضية الأسوأ حول أسباب ما حصل: »قد نكون أمام محاولة لربط الدول »بمحابس« في مجال المعلومات، ثم اختبار محبس كل دولة، واستخدامه كوسيلة ضغط في المستقبل«. ماذا انقطع؟ لقد أعلنت شركة »فرانس تيليكوم« أن الكابلات المقطوعة هي ثلاثة كابلات رئيسية: »فلاغ تيليكوم« و»سي مي وي ٣« و»سي مي وي٤«، يمتد عملها بين جنوب فرنسا وجنوب شرق آسيا مرورا بمصر وقناة السويس. لكن اللافت هو بعد هذه الكابلات الواحد عن الآخر بمسافات تصل إلى ١٠٠ كيلومتر. وللتذكير، تعتمد خدمات الانترنت في العالم على »كابلات الاتصالات البحرية« التي تمتد تحت سطح البحر، وغالبا ما تكون مدفونة على عمق بضعة أمتار من قعر البحر. وتستخدم هذه الكابلات تكنولوجيا الألياف الضوئية (fiber optics) المصنوعة من خيوط دقيقة من الزجاج أو البلاستيك (لتوجيه الضوء بطولها)، لنقل البيانات الخاصة بالهاتف والانترنت وغيرها. وبهذه المواصفات، يمتد كابل »سي مي وي ٤« ( South East Asia-Middle East-Western Europe 4 ) بطول ١٨ ألف و٨٠٠ كيلومتر ليصل بين سنغافورة، ماليزيا، تايلاند، بنغلادش، الهند، سيريلانكا، باكستان، الإمارات، السعودية، السودان، مصر، إيطاليا، تونس، الجزائر وفرنسا. ورغم أن الانقطاع صادف عطلة نهاية الأسبوع في مصر وبعض دول الخليج، ما حدّ قليلا من الخسائر، إلا أن الصحف المصرية أشارت إلى تأثر شركات السياحة والطيران ومراكز الاتصال بشكل كبير بهذا الانقطاع بسبب اعتمادها بشكل أساسي على الانترنت. كما تأثرت المؤسسات الإعلامية لانقطاع وسائل الاتصال بينها وبين مصادر المعلومات. وأفردت صحيفة »المصري اليوم« مساحة لتقرير حول تأثرها بالانقطاع، والذي نجم عنه غياب بعض مقالات كتابها الذين اعتادوا إرسال مواضيعهم بالبريد الإلكتروني. لماذا انقطع؟ تتعدد النظريات حول أسباب الانقطاع التي تصيب الكابلات البحرية عادة، فمنها الطبيعية كالزلازل وتردي الطقس والحوادث البحرية، ومنها... المفتعلة. ويقول خبير الاتصالات والمعلومات المهندس أشرف صلاح الدين لـ»السفير« إن انقطاعاً كهذا قد تحدثه »سفن صيد الأسماك أو الزلازل والبراكين أو الأسماك... كما قد يحدثه قطع متعمد من جهات معادية لدولة ما، أو لإلحاق خسائر اقتصادية بدول بعينها، أو ربما تكون المسألة صراعا بين شركات عالمية للاستحواذ على أكبر عدد من العملاء«. وكان الانقطاع السابق للانترنت قد أطلق العديد من النظريات التي تدور في فلك المؤامرة بسبب غياب أي تفسير رسمي له. وأرجع بعض الخبراء ذلك الانقطاع إلى المنافسة المحتدمة بين الشركات المالكة للكابلات، بحيث قد تعمد إحداها إلى تخريب كابلات منافسيها، فيما تحدث آخرون عن دور لما يسمى »حرب المعلومات«، وهو برنامج سري يديره البنتاغون. فقد أشار مقال نشره موقع »آي بي سي« في شباط الماضي حول أثر الانقطاع الأول، إلى أن »الولايات المتحدة وإسرائيل قامتا بقطع الكابلات من أجل حرمان إيران من خدمة الانترنت«. ونقل موقع موسوعة »المعرفة« عن بعض الكتاب مثل جون دفوراك في »داو جونز ماركت واتش«، إشارته إلى »أن الانقطاع أو العطب في تلك الكابلات كان سابقاً مباشرة لموعد البدء المزمع لبورصة النفط الإيرانية في جزيرة كيش بين ١ و١١ شباط الماضي. وقد عطّل انقطاع الإنترنت إطلاق تلك البورصة، التي كان الهدف منها المضاربة«الوساطة على مبيعات النفط باليورو (»ترويورو«)، والتي كانت محاولة إيرانية لإلحاق ضرر إضافي بالدولار بتخفيض حجم النفط المباع بـ»الترودولار«... وبذلك تم إحباط المحاولة«. ويرى الشافعي أن الحل لهذه المشكلة قد تكون »بالاعتماد أساسا على خطوط كابلات برية قدر الإمكان، ومن ثم إدخال الكابلات البحرية ضمن الأنابيب النفطية البحرية، المستخدمة أو غير المستخدمة، ما يسمح بحمايتها من أي تخريب أو أعطال، بسبب الربط الذي يحدثه هذا الأمر بين النفط والمعلومات«. لمزيد من المعلومات حول الموضوع: www.marefa.org www.abc.com www.news.bbc.co.uk