المغني - كتاب الصداق
المغني موفق الدين أبو محمد عبد الله بن قدامة المقدسي الحنبلي
(الجزء الثالث الثلاثون – كتاب الصداق) • كتاب الصداق o فصل: للصداق تسعة أسماء o فصل: استحباب أن لا يعرى النكاح عن تسمية الصداق o مسألة: إذا كانت المرأة بالغة رشيدة أو صغيرة عقد عليها أبوها o الفصل الأول: الصداق غير مقدر o فصل: كل ما جاز ثمنا في البيع أو أجرة في الإجارة جاز أن يكون صداقًا o فصل: لو نكحها على أن يحج بها لم تصح التسمية o فصل: إن أصدقها خياطة ثوب بعينه فهلك الثوب لم تفسد التسمية o فصل: إن أصدقها تعليم صناعة أو تعليم عبدها صناعة صح o فصل: إن أصدقها تعليم سورة لا يحسنها نظرت فإن قال: أحصل لك تعليم هذه السورة صح o فصل: المستحق عليه العمل في عين فلم يلزمه إيقاعه في غيره o فصل: إن تعلمت السورة من غيره أو تعذر عليه تعليمها فعليه أجر تعليمها o فصل: إن طلقها قبل الدخول بعد تعليمها السورة رجع عليها بنصف أجر تعليمها o فصل: لو أصدق الكتابية تعليم سورة من القرآن لم يجز ولها مهر المثل o الفصل الثاني: الصداق ما اتفقوا عليه ورضوا به o الفصل الثالث: الصداق لا يكون إلا مالاً o مسألة: الصداق إذا كان معينا فوجدت به عيبا فلها رده كالمبيع المعيب o فصل: إن شرطت في الصداق صفة مقصودة كالكتابة والصناعة فبان بخلافها فلها الرد o مسألة: إذا تزوجها على عبد بعينه تظنه عبدًا مملوكًا فخرج حرًا أو مغصوبًا فلها قيمته o فصل: إن أصدقها مثليًا فبان مغصوبًا فلها مثله o فصل: إن قال: أصدقتك هذا الخمر - وأشار إلى الخل صحت التسمية o فصل: إن تزوجها على عبدين فخرج أحدهما حرًا أو مغصوبًا صح الصداق فيما تملكه ولها قيمة الآخر o مسألة: إذا تزوجها على أن يشتري لها عبدًا بعينه فلم يبع أو طلب فيه أكثر من قيمته أو لم يقدر عليه فلها قيمته o فصل: إن تزوجها على عبد موصوف في الذمة صح o فصل: إن تزوجها على أن يعتق أباها صح o فصل: لا يصح الصداق إلا معلومًا o فصل: جواز أن يكون الصداق معجلاً ومؤجلًا وبعضه معجلًا وبعضه مؤجلاً o مسألة: إذا تزوجها على محرم وهما مسلمان ثبت النكاح o المسألة الثالثة: إذا سمى لها تسمية فاسدة وجب مهر المثل بالغاً ما بلغ o مسألة: إذا تزوجها على ألف لها وألف لأبيها كان ذلك جائزًا o فصل: إن شرط ذلك غير الأب من الأولياء كالجد والأخ والعم فالشرط باطل o فصل: فإن شرط لنفسه جميع الصداق ثم طلق قبل الدخول بعد تسليم الصداق إليه رجع في نصف ما أعطي الأب o مسألة: إذا أصدقها عبدًا صغيرًا فكبر ثم طلقها قبل الدخول o الحكم الثاني: الصداق يتنصف بالطلاق قبل الدخول o فصل: لو خالع امرأته بعد الدخول ثم تزوجها في عدتها o الحكم الثالث: الصداق إذا زاد بعد العقد لم يخل من أن تكون الزيادة غير متميزة o فصل: إن كانت العين تالفة وهي من ذوات الأمثال رجع في نصف مثلها o فصل: إذا أصدقها نخلًا حائلًا فأطلعت ثم طلقها قبل الدخول فله نصف قيمتها وقت ما أصدقها o فصل: إذا أصدقها خشبًا فشقته أبوابًا فزادت قيمته لم يكن له الرجوع في نصفه o فصل: حكم الصداق حكم البيع o فصل: إذا طلق المرأة قبل الدخول وقد تصرفت في الصداق بعقد من العقود o فصل: إن أصدقها شقصًا فهل للشفيع أخذه؟ o مسألة: إذا اختلفا في الصداق بعد العقد في قدره ولا بينة على مبلغه فالقول قولها o فصل: فإن ادعى أقل من مهر المثل وادعت هي أكثر منه رد, إلى مهر المثل o مسألة: إن أنكر أن يكون لها عليه صداق o فصل: إن دفع إليها ألفًا ثم اختلفا فقال: دفعتها إليك صداقا وقالت: بل هبة o فصل: إذا مات الزوجان واختلف ورثتهما قام ورثة كل إنسان مقامه o فصل: إن اختلف الزوج وأبو الصغيرة والمجنونة قام الأب مقام الزوجة في اليمين o فصل: إذا أنكر الزوج تسمية الصداق وادعى أنه تزوجها بغير صداق o مسألة: النكاح يصح من غير تسمية صداق o فصل: إن فرض لها بعد العقد ثم طلقها قبل الدخول فلها نصف ما فرض لها ولا متعة o فصل: من أوجب لها نصف المهر لم تجب لها متعة o فصل: لو طلق المسمى لها بعد الدخول أو المفوضة المفروض لها بعد الدخول فلا متعة لواحدة منهما o فصل: المتعة تجب على كل زوج لكل زوجة مفوضة طلقت قبل الدخول o فصل: المفوضة المهر o فصل: كل فرقة يتنصف بها المسمى توجب المتعة إذا كانت مفوضة o فصل: رجل تزوج امرأة ولم يكن فرض لها مهرًا ثم وهب لها غلامًا ثم طلقها قبل الدخول o مسألة: على الموسع قدره وعلى المقتر قدره o مسألة: لو طالبته قبل الدخول أن يفرض لها أجبر على ذلك o فصل: إن فرض لها أجنبي مهر مثلها فرضيته لم يصح فرضه o فصل: يجب المهر للمفوضة بالعقد وإنما يسقط إلى المتعة بالطلاق o فصل: جواز الدخول بالمرأة قبل إعطائها شيئًا o مسألة: لو مات أحدهما قبل الإصابة وقبل الفرض ورثه صاحبه وكان لها مهر نسائها o فصل: مهر المثل يكون مثل مهر الأقارب o فصل: لا يجب مهر المثل إلا حالًا o فصل: إذا زوج السيد عبده أمته o مسألة: إذا خلا بها بعد العقد فقال: لم أطأها وصدقته لم يلتفت إلى قولهما o مسألة: سواء خلا بها وهما محرمان أو صائمان أو حائض o فصل: إن خلا بها وهي صغيرة لا يمكن وطؤها أو كانت كبيرة فمنعته نفسها أو كان أعمى فلم يعلم بدخولها عليه لم يكمل صداقها o فصل: الخلوة في النكاح الفاسد لا يجب بها شيء من المهر o فصل: إن استمتع بامرأته بمباشرة فيما دون الفرج من غير خلوة o فصل: إذا دفع زوجته فأذهب عذرتها ثم طلقها قبل الدخول فليس عليه إلا نصف صداقها o فصل: إن دفع امرأة أجنبية فأذهب عذرتها أو فعل ذلك بأصبعه o مسألة: الزوج هو الذي بيده عقدة النكاح o فصل: لو بانت امرأة الصغير أو السفيه أو المجنون على وجه يسقط صداقها عنهم o فصل: جواز إذا عفت المرأة عن صداقها الذي لها على زوجها أو عن بعضه o فصل: إذا طلقت قبل الدخول وتنصف المهر بينهما لم يخل من أن يكون دينًا أو عينًا o فصل: إن أصدقها عبدا فوهبته نصفه ثم طلقها قبل الدخول انبنى ذلك على الروايتين o فصل: فإن خالع امرأته بنصف صداقها قبل دخوله بها صح o فصل: إذا أبرأت المفوضة من المهر صح قبل الدخول وبعده o فصل: إن أبرأته المفوضة من نصف صداقها ثم طلقها قبل الدخول فلا متعة لها o فصل: لو باع رجلًا عبدا بمائة فأبرأه البائع من الثمن أو قبضه ثم وهبه إياه ثم وجد المشتري بالعبد عيبًا o فصل: لا يبرأ الزوج من الصداق إلا بتسليمه إلى من يتسلم مالها o مسألة: ليس عليه دفع نفقة زوجته إذا كان مثلها لا يوطأ o فصل: إمكان الوطء في الصغيرة معتبر بحالها واحتمالها o فصل: إن منعت نفسها حتى تتسلم صداقها وكان حالا فلها ذلك o فصل: إن أعسر الزوج بالمهر الحال قبل الدخول فلها الفسخ o مسألة: إذا تزوجها على صداقين سر وعلانية أخذ بالعلانية o فصل: إذا تزوج أربع نسوة في عقد واحد بمهر واحد o فصل: إن جمع بين نكاح وبيع o فصل: إن تزوجها على ألف إن كان أبوها حيًا وعلى ألفين إن كان أبوها ميتا فالتسمية فاسدة ولها صداق نسائها o فصل: إن تزوجها على طلاق امرأة له أخرى لم تصح التسمية o فصل: الزيادة في الصداق بعد العقد تلحق به o مسألة: إذا أصدقها غنما فتوالدت ثم طلقها قبل الدخول كانت الأولاد لها ورجع بنصف الأمهات o فصل: الحكم في الصداق إذا كان جارية كالحكم في الغنم o فصل: إن كان الصداق بهيمة حائلا فحملت فالحمل فيها زيادة متصلة o فصل: إذا كان الصداق مكيلًا أو موزونًا فنقص في يد الزوج قبل تسليمه إليها o مسألة: إذا أصدقها أرضًا فبنتها دارًا أو ثوبًا فصبغته ثم طلقها قبل الدخول رجع بنصف قيمته وقت ما أصدقها o فصل: إذا أصدقها نخلًا حائلًا فأثمرت في يده فالثمرة لها o فصل: إن كانت بحالها إلا أن الصقر المتروك على الثمرة ملك الزوج فإنه ينزع الصقر ويرد الثمرة o فصل: إذا كان الصداق جارية فوطئها الزوج عالما بزوال ملكه وتحريم الوطء عليه o فصل: إذا أصدق ذمي ذميه خمرًا فتخللت في يدها ثم طلقها قبل الدخول احتمل أن لا يرجع عليها بشيء o فصل: إذا تزوج امرأة فضمن أبوه نفقتها عشر سنين صح o فصل: وجوب المهر للمنكوحة نكاحًا صحيحًا والموطوءة في نكاح فاسد والموطوءة بشبهة o فصل: لا فرق بين كون الموطوءة أجنبية أو من ذوات محارمه o فصل: لا يجب المهر بالوطء في الدبر ولا اللواط o فصل: لو طلق امرأته قبل الدخول طلقة وظن أنها لا تبين بها فوطئها لزمه مهر المثل ونصف المسمى o فصل: من نكاحها باطل بالإجماع كالمزوجة والمعتدة إذا نكحها رجل فوطئها عالمًا بالحال وتحريم الوطء وهي مطاوعة عالمة فلا مهر لها o فصل: الصداق إذا كان في الذمة فهو دين إذا مات من هو عليه وعليه دين سواه قسم ماله بينهم بالحصص o فصل: كل فرقة كانت قبل الدخول من قبل المرأة مثل إسلامها أو ردتها أو ارتضاعها وهي صغيرة أو فسخت لإعسارة أو عيبه أو لعتقها تحت عبد أو فسخه بعيبها فإنه يسقط به مهرها ولا يجب لها متعة
كتاب الصداق: الأصل في مشروعيته الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقوله تعالى: {وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين} وقال تعالى: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} قال أبو عبيد: يعني عن طيب نفس بالفريضة التي فرض الله تعالى وقيل: النحلة: الهبة, والصداق في معناها لأن كل واحد من الزوجين يستمتع بصاحبه وجعل الصداق للمرأة فكأنه عطية بغير عوض وقيل: نحلة من الله تعالى للنساء وقال تعالى: {فآتوهن أجورهن فريضة} وأما السنة فروى أنس (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى علي عبد الرحمن بن عوف ردع زعفران, فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: مهيم؟ فقال: يا رسول الله تزوجت امرأة فقال: ما أصدقتها؟ قال: وزن نواة من ذهب فقال: بارك الله لك أولم ولو بشاة) وعنه, أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (أعتق صفية وجعل عتقها صداقها) متفق عليهما وأجمع المسلمون على مشروعية الصداق في النكاح.
فصل:
وللصداق تسعة أسماء الصداق والصدقة, والمهر والنحلة والفريضة, والأجر والعلائق والعقر, والحباء روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (أدوا العلائق قيل: يا رسول الله وما العلائق؟ قال: ما تراضى به الأهلون) وقال عمر: لها عقر نسائها وقال مهلهل: أنكحها فقدها الأراقم في ** جنب وكان الحباء من أدم لو بأبانين جاء يخطبها ** خضب ما وجه خاطب بدم يقال: أصدقت المرأة ومهرتها ولا يقال: أمهرتها.
فصل:
ويستحب أن لا يعرى النكاح عن تسمية الصداق لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يزوج بناته وغيرهن ويتزوج فلم يكن يخلي ذلك من صداق وقال للذي زوجه الموهوبة: (هل من شيء تصدقها به؟ فالتمس فلم يجد شيئا قال: التمس ولو خاتما من حديد فلم يجد شيئا, فزوجه إياها بما معه من القرآن) ولأنه أقطع للنزاع وللخلاف فيه وليس ذكره شرطا بدليل قوله تعالى: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة} وروي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زوج رجلا امرأة ولم يسم لها مهرا.
مسألة:
قال: وإذا كانت المرأة بالغة رشيدة, أو صغيرة عقد عليها أبوها فأي صداق اتفقوا عليه فهو جائز إذا كان شيئا له نصف يحصل في هذه المسألة ثلاثة فصول:
الفصل الأول:
أن الصداق غير مقدر, لا أقله ولا أكثره بل كل ما كان مالا جاز أن يكون صداقا وبهذا قال الحسن وعطاء وعمرو بن دينار, وابن أبي ليلى والثوري والأوزاعي, والليث والشافعي وإسحاق, وأبو ثور وداود وزوج سعيد بن المسيب ابنته بدرهمين وقال: لو أصدقها سوطا لحلت وعن سعيد بن جبير, والنخعي وابن شبرمة ومالك وأبي حنيفة: هو مقدر الأقل ثم اختلفوا, فقال مالك وأبو حنيفة: أقله ما يقطع به السارق وقال ابن شبرمة: خمسة دراهم وعن النخعي: أربعون درهما وعنه عشرون وعنه عشرون وعنه رطل من الذهب وعن سعيد بن جبير: خمسون درهما واحتج أبو حنيفة بما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (لا مهر أقل من عشرة دراهم) ولأنه يستباح به عضو فكان مقدرا كالذي يقطع به السارق ولنا, قول النبي -صلى الله عليه وسلم- للذي زوجه: (هل عندك من شيء تصدقها؟ قال: لا أجد قال: التمس ولو خاتما من حديد) متفق عليه وعن عامر بن ربيعة أن امرأة من بني فزارة, تزوجت على نعلين فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أرضيت من نفسك ومالك بنعلين؟ قالت: نعم فأجازه) أخرجه أبو داود والترمذي, وقال: حديث حسن صحيح وعن جابر أن رسول الله قال: (لو أن رجلا أعطى امرأة صداقا ملء يده طعاما كانت له حلالا) رواه الإمام أحمد, في المسند وفي لفظ عن جابر قال: (كنا ننكح على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على القبضة من الطعام) رواه الأثرم ولأن قول الله عز وجل: {وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم} يدخل فيه القليل والكثير ولأنه بدل منفعتها فجاز ما تراضيا عليه من المال, كالعشرة وكالأجرة وحديثهم غير صحيح رواه مبشر بن عبيد وهو ضعيف, عن الحجاج بن أرطاة وهو مدلس ورووه عن جابر وقد روينا عنه خلافه أو نحمله على مهر امرأة بعينها, أو على الاستحباب وقياسهم لا يصح فإن النكاح استباحة الانتفاع بالجملة والقطع إتلاف عضو دون استباحته وهو عقوبة وحد, وهذا عوض فقياسه على الأعواض أولى وأما أكثر الصداق فلا توقيت فيه, بإجماع أهل العلم قاله ابن عبد البر وقد قال الله عز وجل: {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا} وروى أبو حفص بإسناده أن عمر أصدق أم كلثوم ابنة على أربعين ألفا وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: خرجت وأنا أريد أن أنهى عن كثرة الصداق فذكرت هذه الآية: {وآتيتم إحداهن قنطارا} قال أبو صالح: القنطار مائة رطل وقال أبو سعيد الخدري ملء مسك ثور ذهبا وعن مجاهد: سبعون ألف مثقال.
فصل:
وكل ما جاز ثمنا في البيع, أو أجرة في الإجارة من العين والدين والحال والمؤجل, والقليل والكثير ومنافع الحر والعبد وغيرهما جاز أن يكون صداقا وقد روى الدارقطني, بإسناده قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أنكحوا الأيامى وأدوا العلائق قيل: ما العلائق بينهم يا رسول الله؟ قال: ما تراضى عليه الأهلون, ولو قضيبا من أراك) ورواه الجوزجاني وبهذا قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة: منافع الحر لا تكون صداقا لأنها ليست مالا وإنما قال الله تعالى: {أن تبتغوا بأموالكم} ولنا قول الله تعالى: {إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج} والحديث الذي ذكرناه ولأنها منفعة يجوز العوض عنها في الإجارة, فجازت صداقا كمنفعة العبد وقولهم: ليست مالا ممنوع فإنها تجوز المعاوضة عنها وبها ثم إن لم تكن مالا فقد أجريت مجرى المال في هذا, فكذلك في النكاح وقد نقل مهنا عن أحمد إذا تزوجها على أن يخدمها سنة أو أكثر كيف يكون هذا؟ قيل له: فامرأة يكون لها ضياع وأرضون, لا تقدر على أن تعمرها؟ قال: لا يصلح هذا: قال أبو بكر: إن كانت الخدمة معلومة جاز وإن كانت مجهولة لا تنضبط فلها صداق مثلها كأنه تأول مسألة مهنا على أن الخدمة مجهولة, فلذلك لم يصح ونقل أبو طالب عن أحمد التزويج على بناء الدار وخياطة الثوب, وعمل شيء جائز وذلك لأنه معلوم يجوز أخذ العوض عنه فجاز أن يكون صداقا كالأعيان ولو تزوجها على أن يأتيها بعبدها الآبق من مكان معين, صح لأنه عمل معلوم يجوز أخذ الأجرة عنه وإن أصدقها الإتيان به أين كان لم يصح لأنه مجهول.
فصل:
ولو نكحها على أن يحج بها لم تصح التسمية وبهذا قال الشافعي وقال النخعي, ومالك والثوري والأوزاعي, وأصحاب الرأي وأبو عبيد: يصح ولنا أن الحملان مجهول لا يوقف له على حد, فلم يصح كما لو أصدقها شيئا فعلى هذا لها مهر المثل وكذلك كل موضع قلنا: لا تصح التسمية.
فصل:
وإن أصدقها خياطة ثوب بعينه, فهلك الثوب لم تفسد التسمية ولم يجب مهر المثل لأن تعذر تسليم ما أصدقها بعينه لا يوجب مهر المثل, كما لو أصدقها قفيز حنطة فهلك قبل تسليمه ويجب عليه أجر مثل خياطته لأن المعقود على العمل فيه تلف فوجب الرجوع إلى عوض العمل كما لو أصدقها تعليم عبدها صناعة فمات قبل التعليم, وإن عجز عن خياطته مع بقاء الثوب لمرض أو نحوه فعليه أن يقيم مقامه من يخيطه وإن طلقها قبل خياطته قبل الدخول فعليه خياطة نصفه إن أمكن معرفة نصفه وإن لم يمكن فعليه نصف أجر خياطته إلا أن يبذل خياطة أكثر من نصفه بحيث يعلم أنه قد خاط النصف يقينا, وإن كان الطلاق بعد خياطته رجع عليه بنصف أجره.
فصل:
وإن أصدقها تعليم صناعة أو تعليم عبدها صناعة صح لأنه منفعة معلومة يجوز بذل العوض عنها فجاز جعلها صداقا كخياطة ثوبها وإن أصدقها تعليمه أو تعليمها شعرا مباحا معينا أو فقها أو لغة أو نحوا أو غير ذلك من العلوم الشرعية التي يجوز أخذ الأجرة على تعليمها جاز وصحت التسمية لأنه يجوز أخذ الأجرة عليه فجاز صداقا كمنافع الدار.
فصل:
فإن أصدقها تعليم سورة لا يحسنها نظرت فإن قال: أحصل لك تعليم هذه السورة صح لأن هذه منفعة في ذمته لا تختص به فجاز أن يستأجر عليها من لا يحسنها كالخياطة إذا استأجر من يحصلها له وإن قال: على أن أعلمك فذكر القاضي في الجامع أنه لا يصح, لأنه تعين بفعله وهو لا يقدر عليه فأشبه ما لو استأجر من لا يحسن الخياطة ليخيط له وذكر في المجرد أنه يحتمل الصحة لأن هذه تكون في ذمته فأشبه ما لو أصدقها مالا في ذمته لا يقدر عليه في الحال.
فصل:
فإن جاءته بغيرها, فقالت: علمه السورة التي تريد تعليمي إياها لم يلزمه لأن المستحق عليه العمل في عين فلم يلزمه إيقاعه في غيره كما لو استأجرته لخياطة ثوب فأتته بغيره, فقالت: خط هذا ولأن المتعلمين يختلفون في التعلم اختلافا كثيرا ولأن له غرضا في تعليمها فلا يجبر على تعليم غيرها وإن أتاها بغيره يعلمها, لم يلزمها قبول ذلك لأن المعلمين يختلفون في التعليم ولأن لها غرضا في التعلم منه لكونه زوجها تحل له ويحل لها, ولأنه لما لم يلزمه تعليم غيرها لم يلزمها التعلم من غيره قياسا لأحدهما على الآخر.
فصل:
فإن تعلمتها من غيره أو تعذر عليه تعليمها فعليه أجر تعليمها, فإن اختلفا فقال: علمتكها فأنكرت فالقول قولها لأن الأصل عدم تعليمها وفيه وجه آخر أنهما إن اختلفا بعد أن تعلمتها فالقول قوله لأن الظاهر معها, وإن علمها السورة ثم أنسيتها فلا شيء عليه لأنه قد وفي لها بما شرط وإنما تلف الصداق بعد القبض وإن لقنها الجميع وكلما لقنها آية أنسيتها لم يعتد بذلك تعليما لأن ذلك لا يعد تعليما ولو جاز ذلك لأفضى إلى أنه متى قرأها فقرأتها بلسانها من غير حفظ كان تلقينا ويحتمل أن يكون ذلك تلقينا لأنه قد لقنها الآية وحفظتها, فأما ما دون الآية فليس بتلقين وجها واحدا.
فصل:
فإن طلقها قبل الدخول بعد تعليمها السورة رجع عليها بنصف أجر تعليمها لأن الطلاق قبل الدخول يوجب الرجوع بنصف الصداق وإن لم يكن علمها ففيه وجهان: أحدهما عليه نصف أجر تعليمها, لأنها قد صارت أجنبية فلا يؤمن في تعليمها الفتنة والثاني يباح له تعليمها من وراء حجاب من غير خلوة بها كما يجوز له سماع كلامها في المعاملات, وإن كان الطلاق بعد الدخول ففي تعليمها السورة الوجهان وإن أصدقها رد عبدها من مكان معين فطلقها قبل الدخول وقبل الرد فعليه نصف أجر الرد لأنه لا يمكنه نصف الرد, وإن طلقها بعد الرد رجع عليها بنصف أجره.
فصل:
ولو أصدق الكتابية تعليم سورة من القرآن لم يجز ولها مهر المثل وقال الشافعي: يصح لقول الله تعالى {حتى يسمع كلام الله} ولنا أن الجنب يمنع قراءة القرآن مع إيمانه واعتقاده أنه حق فالكافر أولى وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو, مخافة أن تناله أيديهم) فالتحفظ أولى أن يمنع منه فأما الآية التي احتجوا بها فلا حجة لهم فيها فإن السماع غير الحفظ وإن أصدقها أو أصدق المسلمة تعليم شيء من التوراة والإنجيل لم يصح في المذهبين لأنه مبدل مغير ولو أصدق الكتابى الكتابية شيئا من ذلك كان كما لو أصدقها محرما.
الفصل الثاني
أن الصداق ما اتفقوا عليه, ورضوا به لقول الله تعالى {ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة} وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- (العلائق ما تراضى عليه الأهلون) ولأنه عقد معاوضة فيعتبر رضي المتعاقدين كسائر عقود المعاوضات فإن كان الولي الأب فمهما اتفق هو والزوج عليه, جاز أن يكون صداقا قليلا كان أو كثيرا بكرا كانت أو ثيبا صغيرة كانت أو كبيرة على ما أسلفناه فيما مضى ولذلك زوج شعيب عليه السلام موسى عليه السلام ابنته وجعلا الصداق إجارة ثماني حجج من غير مراجعة الزوجة, وإن كان الولي غير الأب اعتبر رضا المرأة والزوج لأن الصداق لها وهو عوض منفعتها فأشبه أجر دارها وصداق أمتها فإن لم يستأذنها الولي في الصداق فحكمه حكم الوكيل المطلق في البيع إن جعل الصداق مهر المثل فما زاد صح ولزم, وإن نقص عنه فلها مهر المثل.
الفصل الثالث:
أن الصداق لا يكون إلا مالا لقول الله تعالى {أن تبتغوا بأموالكم} ويشترط أن يكون له نصف يتمول عادة بحيث إذا طلقها قبل الدخول بقي لها من النصف مال حلال وهذا معنى قول الخرقي: له نصف يحصل وما لا يجوز أن يكون ثمنا في البيع, كالمحرم والمعدوم والمجهول وما لا منفعة فيه وما لا يتم ملكه عليه كالمبيع من المكيل والموزون قبل قبضه وما لا يقدر على تسليمه, كالطير في الهواء والسمك في الماء وما لا يتمول عادة كحبة حنطة وقشرة جوزة لا يجوز أن يكون صداقا لأنه نقل للملك فيه بعوض فلم يجز فيه ما ذكرناه كالمبيع ويعتبر أن يكون نصفه مما يتمول عادة ويبذل العوض في مثله عرفا لأن الطلاق يعرض فيه قبل الدخول, فلا يبقى للمرأة إلا نصفه فيجب أن يبقي لها مال تنتفع به ويعتبر نصف القيمة لا نصف عين الصداق فإنه لو أصدقها عبدا جاز, وإن لم تمكن قسمته.
مسألة:
قال وإذا أصدقها عبدا بعينه فوجدت به عيبا فردته فلها عليه قيمته وجملة ذلك أن الصداق إذا كان معينا فوجدت به عيبا فلها رده كالمبيع المعيب, ولا نعلم في هذا خلافا إذا كان العيب كثيرا فإن كان يسيرا فحكي عن أبي حنيفة, أنه لا يرد به ولنا أنه عيب يرد به المبيع فرد به الصداق كالكثير, وإذا ردته فلها قيمته لأن العقد لا ينفسخ برده فيبقى سبب استحقاقه, فيجب عليه قيمته كما لو غصبها إياه فأتلفه وإن كان الصداق مثليا, كالمكيل والموزون فردته فلها عليه مثله لأنه أقرب إليه, وإن اختارت إمساك المعيب وأخذ أرشه فلها ذلك في قياس المذهب وإن حدث به عيب عندها, ثم وجدت به عيبا خيرت بين أخذ أرشه وبين رده ورد أرش عيبه لأنه عوض في عقد معاوضة فيثبت فيه ذلك, كالبيع وسائر فروع الرد بالعيب فيثبت فيها ها هنا مثل ما يثبت في البيع لما ذكرنا.
فصل:
وإن شرطت في الصداق صفة مقصودة, كالكتابة والصناعة فبان بخلافها فلها الرد, كما ترد به في البيع وهكذا إن دلسه تدليسا يرد به المبيع مثل تحمير وجه الجارية وتسويد شعرها وتجعيده, وتضمير الماء على الحجر وأشباه ذلك فلها الرد به, وإن وجدت الشاة مصراة فلها ردها ورد صاع من تمر قياسا على البيع وقد نقل مهنا, عن أحمد في من تزوج امرأة على ألف ذراع فإذا هي تسعمائة: هي بالخيار إن شاءت أخذت الدار, وإن شاءت أخذت قيمة ألف ذراع والنكاح جائز وهذا فيما إذا أصدقها دارا بعينها على أنها ألف ذراع فخرجت تسعمائة فهذا كالعيب في ثبوت الرد لأنه شرط شرطا مقصودا, فبان بخلافه فأشبه ما لو شرط العبد كاتبا فبان بخلافه وجوز أحمد الإمساك لأن المرأة رضيت بها ناقصة, ولم يجعل لها مع الإمساك أرشا لأن ذلك ليس بعيب ويحتمل أن لها الرجوع بقيمة نقصها أو ردها وأخذ قيمتها.
مسألة:
قال وكذلك إذا تزوجها على عبد فخرج حرا, أو استحق سواء سلمه إليها أو لم يسلمه وجملة ذلك أنه إذا تزوجها على عبد بعينه تظنه عبدا مملوكا فخرج حرا, أو مغصوبا فلها قيمته وبهذا قال أبو يوسف والشافعي في قديم قوليه وقال في الجديد: لها مهر المثل, وقال أبو حنيفة ومحمد في المغصوب كقولنا وفي الحر كقوله لأن العقد تعلق بعين الحر بإشارته إليه فأشبه ما لو علماه حرا ولنا, أن العقد وقع على التسمية فكان لها قيمته كالمغصوب, ولأنها رضيت بقيمته إذ ظنته مملوكا فكان لها قيمته, كما لو وجدته معيبا فردته بخلاف ما إذا قال: أصدقتك هذا الحر أو هذا المغصوب فإنها رضيت بلا شيء, لرضاها بما تعلم أنه ليس بمال أو بما لا يقدر على تمليكه إياها فكان وجود التسمية كعدمها, فكان لها مهر المثل وقول الخرقي: " سواء سلمه إليها أو لم يسلمه " يعني أن تسليمه لا يفيد شيئا لأنه سلم ما لا يجوز تسليمه, ولا تثبت اليد عليه فكان وجوده كعدمه.
فصل:
فإن أصدقها مثليا فبان مغصوبا فلها مثله لأن المثل أقرب إليه, ولهذا يضمن به في الإتلاف وإن أصدقها جرة خل فخرجت خمرا أو مغصوبة فلها مثل ذلك خلا لأن الخل من ذوات الأمثال, وهذا مذهب أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي وقال القاضي:: لها قيمته لأن الخمر ليس بمال ولا من ذوات الأمثال والصحيح ما قلناه لأنه سماه خلا فرضيت به على ذلك, فكان لها بدل المسمى كالحر وما ذكره يبطل بما إذا أصدقها عبدا فبان حرا ولأنه إن أوجب قيمة الخمر فالخمر لا قيمة له, وإن أوجب قيمة الخل فقد اعتبر التسمية في إيجاب قيمته ففي إيجاب مثله أولى.
فصل:
وإن قال: أصدقتك هذا الخمر - وأشار إلى الخل - أو عبد فلان هذا - وأشار إلى عبده - صحت التسمية, ولها المشار إليه لأن المعقود عليه يصح العقد عليه فلا يختلف حكمه باختلاف صفته كما لو قال: بعتك هذا الأسود وأشار إلى أبيض أو هذا الطويل وأشار إلى قصير.
فصل:
وإن تزوجها على عبدين, فخرج أحدهما حرا أو مغصوبا صح الصداق فيما تملكه ولها قيمة الآخر نص عليه أحمد وإن كان عبدا واحدا, فخرج نصفه حرا أو مغصوبا فلها الخيار بين رده وأخذ قيمته وبين إمساك نصفه وأخذ قيمة باقيه نص عليه أحمد, لأن الشركة عيب فكان لها الفسخ كما لو وجدته معيبا فإن قيل: فلم لا تقولون ببطلان التسمية في الجميع, وترجع بالقيمة كلها في المسألتين كما في تفريق الصفقة؟ قلنا: إن القيمة بدل إنما يصار إليها عند العجز عن الأصل, وها هنا العبد المملوك مقدور عليه ولا عيب فيه وهو مسمى في العقد فلا يجوز الرجوع إلى بدله أما تفريق الصفقة, فإنه إذا بطل العقد في الجميع صرنا إلى الثمن وليس هو بدلا عن المبيع, وإنما انفسخ العقد فرجع في رأس ماله وها هنا لا ينفسخ العقد وإنما رجع إلى قيمة الحر منهما لتعذر تسليمه والعبد مقدور على تسليمه فلا وجه لإيجاب قيمته وأما إذا كان نصفه حرا, ففيه عيب فجاز رده بعيبه وقال أبو حنيفة: إذا أصدقها عبدين فإذا أحدهما حر, فلها العبد وحده صداقا ولا شيء لها سواه ولنا أنه أصدقها حرا فلم تسقط تسميته إلى غير شيء, كما لو كان منفردا آخر الجزء الرابع من ربع النكاح من أجزاء الشيخ -رحمه الله-
مسألة:
قال: وإذا تزوجها على أن يشتري لها عبدا بعينه فلم يبع أو طلب فيه أكثر من قيمته, أو لم يقدر عليه فلها قيمته نص أحمد على هذا في رواية الأثرم وقال الشافعي: لا تصح التسمية, ولها مهر المثل لأنه جعل ملك غيره عوضا فلم يصح كالبيع ولنا أنه أصدقها تحصيل عبد معين, فصح كما لو تزوجها على رد عبدها الآبق من مكان معلوم ولا نسلم أنه جعل ملك غيره عوضا وإنما العوض تحصيله وتمليكها إياه إذا ثبت هذا, فإنه إذا قدر عليه بثمن مثله لزمه تحصيله ودفعه إليها وإن جاءها بقيمته, لم يلزمها قبوله لأنه قدر على دفع صداقها إليها فلزمه كما لو أصدقها عبدا يملكه وإن لم يبعه سيده أو تعذر عليه الوصول إليه لتلفه أو غير ذلك, أو طلب فيه أكثر من قيمته فلها قيمته لأنه تعذر الوصول إلى قبض المسمى المتقوم فوجبت قيمته كما لو تلف, وإن كان الذي جعل لها مثليا فتعذر شراؤه وجب لها مثله لأن المثل أقرب إليه.
فصل:
وإن تزوجها على عبد موصوف في الذمة صح لأنه يصح أن يكون عوضا في البيع فإن جاءها بقيمته, لم يلزمها قبولها وبهذا قال الشافعي واختاره أبو الخطاب وقال القاضي: يلزمها قبولها قياسا على الإبل في الدية ولنا أنها استحقت عليه بعقد معاوضة فلم يلزمها أخذ قيمته, كالمسلم فيه ولأنه عبد وجب صداقا فأشبه ما لو كان معيبا وأما الدية فلا يلزم أخذ قيمة الإبل, وإنما الأثمان أصل في الدية كما أن الإبل أصل فيتخير بين دفع أي الأصول شاء, فيلزم الولي قبوله لها على طريق القيمة بخلاف مسألتنا ولأن الدية خارجة عن القياس, فلا يناقض بها ولا يقاس عليها ثم قياس العوض على سائر الأعواض أولى من قياسه على غير عقود المعاوضات, ثم ينتقض بالعبد المعين.
فصل:
وإن تزوجها على أن يعتق أباها صح نص عليه أحمد فإن طلب به أكثر من قيمته أو لم يقدر عليه, فلها قيمته وهذا قول الشعبي ووجهه ما تقدم فإن جاءها بقيمته مع إمكان شرائه لم يلزمها قبولها لما ذكرنا ولأنه يفوت عليها العوض في عتق أبيها.
فصل:
ولا يصح الصداق إلا معلوما يصح بمثله البيع وهذا اختيار أبي بكر, ومذهب الشافعي وقال القاضي: يصح مجهولا ما لم تزد جهالته على مهر المثل لأن جعفر بن محمد نقل عن أحمد في رجل تزوج امرأة على ألف درهم وخادم فطلقها قبل أن يدخل بها: يقوم الخادم وسطا على قدر ما يخدم مثلها ونحو هذا قول أبي حنيفة فعلى هذا إذا تزوجها على عبد, أو أمة أو فرس أو بغل, أو حيوان من جنس معلوم أو ثوب هروي أو مروي وما أشبهه مما يذكر جنسه, فإنه يصح ولها الوسط وكذلك قفيز حنطة وعشرة أرطال زيت وإن كانت الجهالة تزيد على جهالة مهر المثل, كثوب أو دابة أو حيوان أو على حكمها أو حكمه أو حكم أجنبي أو على حنطة أو شعير أو زيت, أو على ما اكتسبه في العام لم يصح لأنه لا سبيل إلى معرفة الوسط فيتعذر تسليمه وفي الأول يصح لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- (العلائق ما تراضى عليه الأهلون) وهذا قد تراضوا عليه, ولأنه موضع يثبت فيه الحيوان في الذمة بدلا عما ليس المقصود فيه المال فثبت مطلقا كالدية ولأن جهالة التسمية ها هنا أقل من جهالة مهر المثل, لأنه يعتبر بنسائها ممن يساويها في صفاتها وبلدها وزمانها ونسبها ثم لو تزوجها على مهر مثلها صح فهاهنا مع قلة الجهل فيه أولى ويفارق البيع فإنه لا يحتمل فيه الجهالة بحال, وقال مالك: يصح مجهولا لأن ذلك ليس بأكثر من ترك ذكره وقال أبو الخطاب: إن تزوجها على عبد من عبيده أو قميص من قمصانه أو عمامة من عمائمه ونحو ذلك صح, لأن أحمد قال في رواية مهنا في من تزوج على عبد من عبيده: جائز فإن كانوا عشرة عبيد, تعطى من أوسطهم فإن تشاحا أقرع بينهم قلت: وتستقيم القرعة في هذا؟ قال: نعم ووجهه أن الجهالة ها هنا يسيرة ويمكن التعيين بالقرعة, بخلاف ما إذا أصدقها عبدا مطلقا فإن الجهالة تكثر فلا يصح ولنا أن الصداق عوض في عقد معاوضة, فلم يصح مجهولا كعوض البيع والإجارة ولأن المجهول لا يصلح عوضا في البيع, فلم تصح تسميته كالمحرم وكما لو زادت جهالته على مهر المثل وأما الخبر, فالمراد به ما تراضوا عليه مما يصلح عوضا بدليل سائر ما لا يصلح وأما الدية, فإنها تثبت بالشرع لا بالعقد وهي خارجة عن القياس في تقديرها, ومن وجبت عليه فلا ينبغي أن تجعل أصلا ثم إن الحيوان الثابت فيها موصوف بسنه مقدر بقيمته, فكيف يقاس عليه العبد المطلق في الأمرين؟ ثم ليست عقدا وإنما الواجب بدل متلف لا يعتبر فيه التراضي, فهو كقيم المتلفات فكيف يقاس عليها عوض في عقد يعتبر تراضيهما به؟ ثم إن قياس العوض في عقد معاوضة على عوض في معاوضة أخرى أصح وأولى من قياسه على بدل متلف, وأما مهر المثل فإنما يجب عند عدم التسمية الصحيحة كما تجب قيم المتلفات, وإن كانت تحتاج إلى نظر ألا ترى أنا نصير إلى مهر المثل عند عدم التسمية ولا نصير إلى عبد مطلق, ولو باع ثوبا بعبد مطلق فأتلفه المشتري فإنا نصير إلى تقويمه ولا نوجب العبد المطلق, ثم لا نسلم أن جهالة المطلق من الجنس الواحد دون جهالة مهر المثل فإن العادة في القبائل والقرى أن يكون لنسائهم مهر لا يكاد يختلف إلا بالبكارة والثيوبة فحسب فيكون إذا معلوما, والوسط من الجنس يبعد الوقوف عليه لكثرة أنواع الجنس واختلافها واختلاف الأعيان في النوع الواحد وأما تخصيص التصحيح بعبد من عبيده, فلا نظير له يقاس عليه ولا نعلم فيه نصا يصار إليه فكيف يثبت الحكم فيه بالتحكم؟ وأما نصوص أحمد على الصحة فتأولها أبو بكر على أنه تزوجها على عبد معين, ثم أشكل عليه إذا ثبت هذا فإن لها مهر المثل في كل موضع حكمنا بفساد التسمية ومن قال بصحتها, أوجب الوسط من المسمى والوسط من العبيد السندي لأن الأعلى التركي والرومي والأسفل الزنجي والحبشي, والوسط السندي والمنصوري قال القاضي: وإن أعطاها قيمة العبد لزمها قبولها إلحاقا بالإبل في الدية. فصل: ويجوز أن يكون الصداق معجلا, ومؤجلا وبعضه معجلا وبعضه مؤجلا لأنه عوض في معاوضة فجاز ذلك فيه كالثمن ثم إن أطلق ذكره اقتضى الحلول, كما لو أطلق ذكر الثمن وإن شرطه مؤجلا إلى وقت فهو إلى أجله وإن أجله ولم يذكر أجله فقال القاضي: المهر صحيح ومحله الفرقة فإن أحمد قال: إذا تزوج على العاجل والآجل, لا يحل الآجل إلا بموت أو فرقة وهذا قول النخعي والشعبي وقال الحسن وحماد بن أبي سليمان, وأبو حنيفة والثوري وأبو عبيد: يبطل الأجل, ويكون حالا وقال إياس بن معاوية وقتادة: لا يحل حتى يطلق أو يخرج من مصرها, أو يتزوج عليها وعن مكحول والأوزاعي والعنبري: يحل إلى سنة بعد دخوله بها واختار أبو الخطاب أن المهر فاسد, ولها مهر المثل وهو قول الشافعي لأنه عوض مجهول المحل ففسد كالثمن في البيع ووجه القول الأول أن المطلق يحمل على العرف, والعادة في الصداق الآجل ترك المطالبة به إلى حين الفرقة فحمل عليه فيصير حينئذ معلوما بذلك فأما إن جعل للآجل مدة مجهولة, كقدوم زيد ومجيء المطر ونحوه لم يصح لأنه مجهول, وإنما صح المطلق لأن أجله الفرقة بحكم العادة وها هنا صرفه عن العادة بذكر الأجل ولم يبينه فبقي مجهولا فيحتمل أن تبطل التسمية, ويحتمل أن يبطل التأجيل ويحل.
مسألة
قال: وإذا تزوجها على محرم وهما مسلمان ثبت النكاح, وكان لها مهر المثل أو نصفه إن كان طلقها قبل الدخول في هذه المسألة ثلاث مسائل: المسألة الأولى أنه إذا سمى في النكاح صداقا محرما كالخمر والخنزير, فالتسمية فاسدة والنكاح صحيح نص عليه أحمد وبه قال عامة الفقهاء منهم الثوري والأوزاعي, والشافعي وأصحاب الرأي وحكي عن أبي عبيد أن النكاح فاسد واختاره أبو بكر عبد العزيز قال لأن أحمد قال في رواية المروذي: إذا تزوج على مال غير طيب, فكرهه فقلت: ترى استقبال النكاح؟ فأعجبه وحكي عن مالك أنه إن كان بعد الدخول ثبت النكاح وإن كان قبله, فسخ واحتج من أفسده بأنه نكاح جعل الصداق فيه محرما فأشبه نكاح الشغار ولنا أنه نكاح لو كان عوضه صحيحا كان صحيحا فوجب أن يكون صحيحا وإن كان عوضه فاسدا, كما لو كان مغصوبا أو مجهولا ولأنه عقد لا يفسد بجهالة العوض فلا يفسد بتحريمه كالخلع, ولأن فساد العوض لا يزيد على عدمه ولو عدم كان العقد صحيحا فكذلك إذا فسد, وكلام أحمد في رواية المروذي محمول على الاستحباب فإن مسألة المروذي في المال الذي ليس بطيب وذلك لا يفسد العقد بتسميته فيه اتفاقا وما حكي عن مالك لا يصح فإن ما كان فاسدا قبل الدخول, فهو بعده فاسد كنكاح ذوات المحارم فأما إذا فسد الصداق لجهالته أو عدمه, أو العجز عن تسليمه فإن النكاح ثابت لا نعلم فيه خلافا وقول الخرقي: " وهما مسلمان " احتراز من الكافرين إذا عقد النكاح بمحرم, فإن هذه قد مر تفصيلها المسألة الثانية: أنه يجب مهر المثل وهذا قول أكثر أهل العلم منهم مالك والشافعي وأبو ثور, وأصحاب الرأي وذلك لأن فساد العوض يقتضي رد المعوض وقد تعذر رده لصحة النكاح فيجب رد قيمته وهو مهر المثل, كمن اشترى شيئا بثمن فاسد فقبض المبيع وتلف في يده فإنه يجب عليه رد قيمته فإن دخل بها استقر مهر المثل, في قولهم جميعا وإن مات أحدهما فكذلك لأن الموت يقوم مقام الدخول في تكميل الصداق وتقريره, وقال أبو الخطاب: فيه رواية أخرى لا يستقر بالموت إلا أن يكون قد فرضه لها وإن طلق قبل الدخول, فلها نصف مهر المثل وبهذا قال الشافعي وقال أصحاب الرأي: لها المتعة لأنه لو لم يسم لها صداقا كان لها المتعة فكذلك إذا سمى لها تسمية فاسدة لأن هذه التسمية كعدمها وذكر القاضي في الجامع أنه لا فرق بين من لم يسم لها صداقا, وبين من سمى لها محرما كالخمر أو مجهولا كالثوب وفي الجميع روايتان إحداهما لها المتعة إذا طلقها قبل الدخول, لأن ارتفاع العقد يوجب رفع ما أوجبه من العوض كالبيع لكن تركناه في نصف المسمى لتراضيهما عليه فكان ما تراضيا عليه أولى ففي مهر المثل يبقى على الأصل في أنه يرتفع وتجب المتعة والثانية, أن لها نصف مهر المثل لأن ما أوجبه عقد النكاح يتنصف بالطلاق قبل الدخول ومهر المثل قد أوجبه العقد فيتنصف به كالمسمى والخرقي فرق بينهما, فأوجب في التسمية الفاسدة نصف مهر المثل وفي المفوضة المتعة وهو مذهب الشافعي لأن المفوضة رضيت بلا عوض وعاد إليها بضعها سليما, وإيجاب نصف المهر لها لا وجه له لأن الله تعالى أوجب لها المتعة ففي إيجاب نصف المهر جمع بينهما أو إسقاط للمتعة المنصوص عليها وكلاهما فاسد وأما التي اشترطت لنفسها مهرا, فلم ترض إلا بعوض ولم يحصل لها العوض الذي اشترطته فوجب لها بدل ما فات عليها من العوض, وهو مهر المثل أو نصفه إن كان قبل الدخول ولأن الأصل وجوب مهر المثل, لأنه وجب بالعقد بدليل أنه يستقر بالدخول والموت وإنما خولف هذا في المفوضة بالنص الوارد فيها, ففيما عداها يبقى على الأصل.
المسألة الثالثة:
أنه إذا سمى لها تسمية فاسدة وجب مهر المثل بالغا ما بلغ وبه قال الشافعي, وزفر وقال أبو حنيفة وصاحباه: يجب الأقل من المسمى أو مهر المثل لأن البضع لا يقوم إلا بالعقد فإذا رضيت بأقل من مهر مثلها, لم يقوم بأكثر مما رضيت به لأنها رضيت بإسقاط الزيادة ولنا أن ما يضمن بالعقد الفاسد اعتبرت قيمته بالغا ما بلغ كالمبيع وما ذكروه فغير مسلم, ثم لا يصح عندهم فإنه لو وطئها وجب مهر المثل ولو لم يكن له قيمة لم يجب فإن قيل: إنما وجب لحق الله تعالى قيل: لو كان كذلك لوجب أقل المهر, ولم يجب مهر المثل.
مسألة:
قال وإذا تزوجها على ألف لها وألف لأبيها كان ذلك جائزا, فإن طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف الألفين ولم يكن على الأب شيء أخذه وجملة الأمر أنه يجوز لأبي المرأة أن يشترط شيئا من صداق ابنته لنفسه وبهذا قال إسحاق وقد روي عن مسروق, أنه لما زوج ابنته اشترط لنفسه عشرة آلاف فجعلها في الحج والمساكين, ثم قال للزوج: جهز امرأتك وروي نحو ذلك عن علي بنالحسين وقال عطاء وطاوس, وعكرمة وعمر بن عبد العزيز والثوري, وأبو عبيد: يكون كل ذلك للمرأة وقال الشافعي: إذا فعل ذلك فلها مهر المثل وتفسد التسمية, لأنه نقص من صداقها لأجل هذا الشرط الفاسد لأن المهر لا يجب إلا للزوجة لأنه عوض بضعها, فيبقى مجهولًا لأننا نحتاج أن نضم إلى المهر ما نقص منه لأجل هذا الشرط وذلك مجهول فيفسد ولنا, قول الله تعالى في قصة شعيب عليه السلام {إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج} فجعل الصداق الإجارة على رعاية غنمه وهو شرط لنفسه, ولأن للوالد الأخذ من مال ولده بدليل قوله عليه السلام (أنت ومالك لأبيك) وقوله: (إن أولادكم من أطيب كسبكم فكلوا من أموالهم) أخرجه أبو داود, ونحوه الترمذي وقال: حديث حسن فإذا شرط لنفسه شيئا من الصداق يكون ذلك أخذا من مال ابنته, وله ذلك وقولهم: إنه شرط فاسد ممنوع قال القاضي: ولو شرط جميع الصداق لنفسه صح بدليل قصة شعيب, فإنه شرط الجميع لنفسه وإذا تزوجها على ألف لها وألف لأبيها فطلقت قبل الدخول, رجع الزوج في الألف الذي قبضته ولم يكن على الأب شيء مما أخذ لأن الطلاق قبل الدخول يوجب نصف الصداق والألفان جميع صداقها فرجع عليها بنصفهما, وهو ألف ولم يكن على الأب شيء لأنه أخذ من مال ابنته ألفا فلا يجوز الرجوع عليه به, وهذا فيما إذا كان قد قبضها الألفين ولو طلقها قبل قبضهما سقط عن الزوج ألف, وبقي عليه ألف للزوجة يأخذ الأب منها ما شاء وقال القاضي:: يكون بينهما نصفين وقال: نقله مهنا عن أحمد لأنه شرط لنفسه النصف ولم يحصل من الصداق إلا النصف وليس هذا القول على سبيل الإيجاب, فإن للأب أن يأخذ ما شاء ويترك ما شاء وإذا ملك أن يأخذ من غير شرط, فكذلك إذا شرط.
فصل:
فإن شرط ذلك غير الأب من الأولياء كالجد والأخ والعم فالشرط باطل نص عليه أحمد وجميع المسمى لها ذكره أبو حفص, وهو قول من سمينا في أول المسألة وقال الشافعي: يجب مهر المثل وهكذا ذكر القاضي في " المجرد " لأن الشرط إذا بطل احتجنا أن نرد إلى الصداق ما نقصت الزوجة لأجله ولا يعرف قدره, فيصير الكل مجهولا فيفسد وإن أصدقها ألفين على أن تعطي أخاها ألفا فالصداق صحيح لأنه شرط لا يزاد في المهر من أجله, ولا ينقص منه فلا يؤثر في المهر بخلاف التي قبلها ولنا, أن جميع ما اشترطته عوض في تزويجها فيكون صداقا لها كما لو جعله لها, وإذا كان صداقا انتفت الجهالة وهكذا لو كان الأب هو المشترط لكان الجميع صداقا وإنما هو أخذ من مال ابنته لأن له ذلك ويشترط أن لا يكون ذلك مجحفا بمال ابنته, فإن كان مجحفا بمالها لم يصح الشرط وكان الجميع لها, كما لو اشترطه سائر أوليائها ذكره القاضي في المجرد.
فصل:
فإن شرط لنفسه جميع الصداق ثم طلق قبل الدخول بعد تسليم الصداق إليه رجع في نصف ما أعطي الأب لأنه الذي فرضه لها, فنرجع في نصفه لقوله تعالى: {فنصف ما فرضتم} ويحتمل أن يرجع عليها بقدر نصفه ويكون ما أخذه الأب له لأننا قدرنا أن الجميع صار لها, ثم أخذه الأب منها فتصير كأنها قبضته ثم أخذه منها وهكذا لو أصدقها ألفا لها وألفا لأبيها ثم ارتدت قبل الدخول, فهل يرجع في الألف الذي قبضه الأب أو عليها؟ على وجهين.
مسألة:
قال وإذا أصدقها عبدا صغيرا فكبر ثم طلقها قبل الدخول, فإن شاءت دفعت إليه نصف قيمته يوم وقع عليه العقد أو تدفع إليه نصفه زائدا إلا أن يكون يصلح صغيرا لما لا يصلح له كبيرا, فيكون له عليها نصف قيمته يوم وقع عليه العقد إلا أن يشاء أخذ ما بذلته له من نصفه في هذه المسألة أحكام منها أن المرأة تملك الصداق بالعقد وهذا قول عامة أهل العلم إلا أنه حكي عن مالك أنها لا تملك إلا نصفه وروي عن أحمد ما يدل على ذلك وقال ابن عبد البر: هذا موضع اختلف فيه السلف والآثار, وأما الفقهاء اليوم فعلى أنها تملكه وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- (إن أعطيتها إزارك جلست ولا إزار لك) دليل على أن الصداق كله للمرأة لا يبقى للرجل منه شيء ولأنه عقد تملك به العوض بالعقد, فملك فيه العوض كاملا كالبيع وسقوط نصفه بالطلاق لا يمنع وجوب جميعه بالعقد ألا ترى أنها لو ارتدت, سقط جميعه وإن كانت قد ملكت نصفه إذا ثبت هذا فإن نماءه وزيادته لها سواء قبضته أو لم تقبضه, متصلا كان أو منفصلا وإن كان مالا زكاتيا فحال عليه الحول فزكاته عليها نص عليه أحمد وإن نقص بعد قبضها له أو تلف, فهو من ضمانها ولو زكته ثم طلقت قبل الدخول كان ضمان الزكاة كلها عليها وأما قبل القبض فهو من ضمان الزوج, إن كان مكيلا أو موزونا وإن كان غيرهما فإن منعها منه, ولم يمكنها من قبضه فهو من ضمانه لأنه بمنزلة الغاصب وإن لم يحل بينه وبينها, فهل يكون من ضمانها أو من ضمانه؟ على وجهين بناء على المبيع, وقد ذكرنا حكمه في بابه.
الحكم الثاني:
أن الصداق يتنصف بالطلاق قبل الدخول لقوله تعالى {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} وليس في هذا اختلاف بحمد الله وقياس المذهب أن نصف الصداق يدخل في ملك الزوج حكما كالميراث لا يفتقر إلى اختياره وإرادته, فما يحدث من النماء يكون بينهما وهو قول زفر وذكر القاضي احتمالا آخر أنه لا يدخل في ملكه حتى يختاره كالشفيع وهو قول أبي حنيفة وللشافعي قولان, كالوجهين ولنا قوله تعالى {فنصف ما فرضتم} أي لكم أو لهن فاقتضى ذلك أن النصف لها والنصف له بمجرد الطلاق, ولأن الطلاق سبب يملك به بغير عوض فلم يقف الملك على إرادته واختياره كالإرث ولأنه سبب لنقل الملك, فنقل الملك بمجرده كالبيع وسائر الأسباب ولا تلزم الشفعة فإن سبب الملك فيها الأخذ بها ومتى أخذ بها ثبت الملك من غير إرادته واختياره, وقبل الأخذ ما وجد السبب وإنما استحق بمباشرة سبب الملك ومباشرة الأسباب موقوفة على اختياره كما أن الطلاق مفوض إلى اختياره فالأخذ بالشفعة نظير الطلاق, وثبوت الملك للآخذ بالشفعة نظير ثبوت الملك للمطلق فإن ثبوت الملك حكم لها وثبوت أحكام الأسباب بعد مباشرتها لا يقف على اختيار أحد, ولا إرادته فإن نقص الصداق في يد المرأة بعد الطلاق فإن كان قد طالبها به فمنعته فعليها الضمان لأنها غاصبة, وإن تلف قبل مطالبته فقياس المذهب أنه لا ضمان عليها لأنه حصل في يدها بغير فعلها ولا عدوان من جهتها فلم تضمنه, كالوديعة وإن اختلفا في مطالبته لها فالقول قولها لأنها منكرة وإن ادعى أن التلف أو النقص كان قبل الطلاق وقالت: بعده فالقول أيضا قولها لأنه يدعي ما يوجب الضمان عليها وهي تنكره والقول قول المنكر وظاهر قول أصحاب الشافعي, أن على المرأة الضمان لما تلف أو نقص في يدها بعد الطلاق لأنه حصل في يدها بحكم قطع العقد فأشبه المبيع إذا ارتفع العقد بالفسخ ولنا ما ذكرناه وأما المبيع فيحتمل أن يمنع وإن سلمنا فإن الفسخ إن كان منهما, أو من المشتري فقد حصل منه التسبب إلى جعل ملك غيره في يده وفي مسألتنا ليس من المرأة فعل, وإنما حصل ذلك بفعل الزوج وحده فأشبه ما لو ألقى ثوبه في دارها بغير أمرها. فصل: ولو خالع امرأته بعد الدخول ثم تزوجها في عدتها, ثم طلقها قبل دخوله بها فلها في النكاح الثاني نصف الصداق المسمى فيه وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة: لها جميعه لأن حكم الوطء موجود فيه بدليل أنها لو أتت بولد لزمه ولنا قول الله سبحانه (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) ولأنه طلاق من نكاح لم يمسها فيه, فوجب أن يتنصف به المهر كما لو تزوجها بعد العدة وما ذكره غير صحيح, فإن لحوق النسب لا يقف على الوطء عنده ولا يقوم مقامه فأما إن كان لم يدخل بها في النكاح الأول أيضا فعليه نصف الصداق الأول, ونصف الصداق الثاني بغير خلاف.
الحكم الثالث:
أن الصداق إذا زاد بعد العقد لم يخل من أن تكون الزيادة غير متميزة كعبد يكبر أو يتعلم صناعة أو يسمن, أو متميزة كالولد والكسب والثمرة فإن كانت متميزة أخذت الزيادة, ورجع بنصف الأصل وإن كانت غير متميزة فالخيرة إليها, إن شاءت دفعت إليه نصف قيمته يوم العقد لأن الزيادة لها لا يلزمها بذلها ولا يمكنها دفع الأصل بدونها فصرنا إلى نصف القيمة وإن شاءت دفعت إليه نصفا زائدا, فيلزمه قبوله لأنها دفعت إليه حقه وزيادة لا تضر ولا تتميز فإن كان محجورا عليها لم يكن لها الرجوع إلا في نصف القيمة لأن الزيادة لها, ولا يجوز لها ولا لوليها التبرع بشيء لا يجب عليها وإن نقص الصداق بعد العقد فهو من ضمانها ولا يخلو أيضا من أن يكون النقص متميزا أو غير متميز, فإن كان متميزا كعبدين تلف أحدهما فإنه يرجع بنصف الباقي ونصف قيمة التالف, أو مثل نصف التالف إن كان من ذوات الأمثال وإن لم يكن متميزا كعبد كان شابا فصار شيخا, فنقصت قيمته أو نسي ما كان يحسن من صناعة أو كتابة أو هزل, فالخيار إلى الزوج إن شاء رجع بنصف قيمته وقت ما أصدقها لأن ضمان النقص عليها فلا يلزمه أخذ نصفه لأنه دون حقه, وإن شاء رجع بنصفه ناقصا فتجبر المرأة على ذلك لأنه رضي أن يأخذ حقه ناقصا, وإن اختار أن يأخذ أرش النقص مع هذا لم يكن له هذا في ظاهر كلام الخرقي وهو قول أكثر الفقهاء وقال القاضي: القياس أن له ذلك كالمبيع يمسكه ويطالب بالأرش وبما ذكرناه كله قال أبو حنيفة, والشافعي وقال محمد بن الحسن: الزيادة غير المتميزة تابعة للعين فله الرجوع فيها لأنها تتبع في الفسوخ فأشبهت زيادة السوق ولنا أنها زيادة حدثت في ملكها, فلم تنصف بالطلاق كالمتميزة وأما زيادة السوق فليست ملكه, وفارق نماء المبيع لأن سبب الفسخ العيب وهو سابق على الزيادة, وسبب تنصيف المهر الطلاق وهو حادث بعدها ولأن الزوج يثبت حقه في نصف المفروض دون العين, ولهذا لو وجدها ناقصة كان له الرجوع إلى نصف مثلها أو قيمتها بخلاف المبيع المعيب, والمفروض لم يكن سمينا فلم يكن له أخذه والمبيع تعلق حقه بعينه, فتبعه ثمنه فأما إن نقص الصداق من وجه وزاد من وجه مثل أن يتعلم صنعة وينسى أخرى أو هزل وتعلم, ثبت الخيار لكل واحد منهما وكان له الامتناع من العين والرجوع إلى القيمة فإن اتفقا على نصف العين جاز وإن امتنعت المرأة من بذل نصفها, فلها ذلك لأجل الزيادة وإن امتنع هو من الرجوع في نصفها فله ذلك لأجل النقص, وإذا امتنع أحدهما رجع في نصف قيمتها.
فصل:
فإن كانت العين تالفة وهي من ذوات الأمثال رجع في نصف مثلها, وإلا رجع في نصف قيمتها أقل ما كانت من حين العقد إلى حين القبض أو إلى حين التمكين منه على ما ذكرنا من الاختلاف لأن العين إن زادت فالزيادة لها تختص بها, وإن نقصت قبل ذلك فالنقص من ضمانه وإن طلقها قبل قبض الصداق وقبل الدخول وقد زادت زيادة منفصلة, فهي لها تنفرد بها وتأخذ نصف الأصل وإن كانت الزيادة متصلة, فلها الخيار بين أن تأخذ النصف ويبقى له النصف وبين أن تأخذ الكل وتدفع إليه قيمة النصف غير زائدة وإن كان ناقصا فلها الخيار بين أخذه ناقصا وبين مطالبته بنصف قيمته غير ناقص.
فصل:
إذا أصدقها نخلا حائلا, فأطلعت ثم طلقها قبل الدخول فله نصف قيمتها وقت ما أصدقها, وليس له الرجوع في نصفها لأنها زائدة زيادة متصلة فأشبهت الجارية إذا سمنت وسواء كان الطلع مؤبرا أو غير مؤبر لأنه متصل بالأصل, ولا يجب فصله عنه في هذه الحال فأشبه السمن وتعلم الصناعة فإن بذلت له المرأة الرجوع فيها مع طلعها أجبر على ذلك لأنها زيادة متصلة لا يجب فصلها وإن قال: اقطعي ثمرتك, حتى أرجع في نصف الأصل لم يلزمها لأن عرف هذه الثمرة أنها لا تؤخذ إلا بالجذاذ بدليل البيع, ولأن حق الزوج انتقل إلى القيمة فلم يعد إلى العين إلا برضاها فإن قالت المرأة: اترك الرجوع حتى أجذ ثمرتي وترجع في نصف الأصل, أو ارجع في الأصل وأمهلني حتى أقطع الثمرة أو قال الزوج: أنا أصبر حتى إذا جذذت ثمرتك رجعت في الأصل أو قال: أنا أرجع في الأصل وأصبر حتى تجذي ثمرتك لم يلزم واحدا منهما قبول قول الآخر لأن الحق انتقل إلى القيمة فلم يعد إلى العين إلا برضاهما ويحتمل أن يلزمها قبول ما عرض عليها لأن الضرر عليه فأشبه ما لو بذلت له نصفها مع طلعها, وكما لو وجد العين ناقصة فرضي بها وإن تراضيا على شيء من ذلك جاز والحكم في سائر الشجر, كالحكم في النخل وإخراج النور في الشجر بمنزلة الطلع الذي لم يؤبر وإن كانت أرضا فحرثتها فتلك زيادة محضة, إن بذلتها له بزيادتها لزمه قبولها كالزيادات المتصلة كلها, وإن لم تبذلها دفعت نصف قيمتها وإن زرعتها فحكمها حكم النخل إذا أطلعت إلا في موضع واحد, وهو أنها إذا بذلت نصف الأرض مع نصف الزرع لم يلزمه قبوله بخلاف الطلع مع النخل, والفرق بينهما من وجهين: أحدهما: أن الثمرة لا ينقص بها الشجر والأرض تنقص بالزرع وتضعف الثاني: أن الثمرة متولدة من النخل فهي تابعة له, والزرع ملكها أودعته في الأرض فلا يجبر على قبوله وقال القاضي: يجبر على قبوله كالطلع سواء وقد ذكرنا ما يقتضي الفرق ومسائل الغراس كمسائل الزرع فإن طلقها بعد الحصاد, ولم تكن الأرض زادت ولا نقصت رجع في نصفها وإن نقصت بالزرع أو زادت به رجع في نصف قيمتها, إلا أن يرضى بأخذها ناقصة أو ترضى هي ببذلها زائدة.
فصل:
وإذا أصدقها خشبا فشقته أبوابا فزادت قيمته, لم يكن له الرجوع في نصفه لزيادته ولا يلزمه قبول نصفه لأنه نقص من وجه فإنه لم يبق مستعدا لما كان يصلح له من التسقيف وغيره وإن أصدقها ذهبا أو فضة فصاغته حليا فزادت قيمته, فلها منعه من نصفه وإن بذلت له النصف لزمه القبول لأن الذهب لا ينقص بالصياغة, ولا يخرج عن كونه مستعدا لما كان يصلح له قبل صياغته وإن أصدقها دنانير أو دراهم أو حليا فكسرته, ثم صاغته على غير ما كان عليه لم يلزمه قبول نصفه لأنه نقص في يدها, ولا يلزمها بذل نصفه لزيادة الصناعة التي أحدثتها فيه وإن عادت الدنانير والدراهم إلى ما كانت عليه فله الرجوع في نصفها, وليس له طلب قيمتها لأنها عادت إلى ما كانت عليه من غير نقص ولا زيادة فأشبه ما لو أصدقها عبدا فمرض ثم بريء وإن صاغت الحلي على ما كان عليه ففيه وجهان: أحدهما: له الرجوع كالدراهم إذا أعيدت والثاني: ليس له الرجوع في نصفه لأنها جددت فيه صناعة, فأشبه ما لو صاغته على صفة أخرى ولو أصدقها جارية فهزلت ثم سمنت, فعادت إلى حالتها الأولى فهل يرجع في نصفها؟ على وجهين.
فصل:
وحكم الصداق حكم البيع في أن ما كان مكيلا أو موزونا لا يجوز لها التصرف فيه قبل قبضه, وما عداه لا يحتاج إلى قبض ولها التصرف فيه قبل قبضه وقال القاضي: ما كان متعينا فلها التصرف فيه وما لم يكن متعينا, كالقفيز من صبرة والرطل من زيت من دن لا تملك التصرف فيه حتى تقبضه, كالمبيع وقد ذكرنا في المبيع رواية أخرى أنها لا تملك التصرف في شيء منه قبل قبضه وهذا مذهب الشافعي وهذا أصل ذكر في البيع وذكر القاضي في موضع آخر أن ما لم ينتقض العقد بهلاكه, كالمهر وعوض الخلع يجوز التصرف فيه قبل قبضه لأنه بذل لا ينفسخ السبب الذي ملك به بهلاكه فجاز التصرف فيه قبل قبضه كالوصية والميراث وقد نص أحمد على هبة المرأة زوجها صداقها قبل قبضها, وهو نوع تصرف فيه وقياس المذهب أن ما جاز لها التصرف فيه فهو من ضمانها إن تلف أو نقص, وما لا تصرف لها فيه فهو من ضمان الزوج وإن منعها الزوج قبضه أو لم يمكنها منه فهو من ضمانه على كل حال لأن يده عادية فضمنه كالغاصب وقد نقل مهنا عن أحمد في رجل تزوج امرأة على هذا الغلام, ففقئت عينه فقال: إن كانت قبضته فهو لها, وإن لم تكن قبضته فهو على الزوج فظاهر هذا أنه جعله قبل قبضه من ضمان الزوج بكل حال وهو مذهب الشافعي وكل موضع قلنا: هو من ضمان الزوج قبل القبض إذا تلف قبل قبضه لم يبطل الصداق بتلفه ويضمنه بمثله إن كان مثليا, وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي في القديم وقال في الجديد: يرجع إلى مهر المثل لأن تلف العوض يوجب الرجوع في المعوض فإذا تعذر رده رجع إلى قيمته, كالمبيع ومهر المثل هو القيمة فوجب الرجوع إليه ولنا أن كل عين يجب تسليمها مع وجودها إذا تلفت مع بقاء سبب استحقاقها, فالواجب بدلها كالمغصوب والقرض والعارية وفارق المبيع إذا تلف فإن البيع انفسخ, وزال سبب الاستحقاق إذا ثبت هذا فإن التالف في يد الزوج لا يخلو من أربعة أحوال أحدها أن يتلف بفعلها, فيكون ذلك قبضا منها ويسقط عن الزوج ضمانه والثاني تلف بفعل الزوج, فهو من ضمانه على كل حال ويضمنه لها بما ذكرناه والثالث أتلفه أجنبي, فلها الخيار بين الرجوع على الأجنبي بضمانه وبين الرجوع على الزوج ويرجع الزوج على المتلف الرابع, تلف بفعل الله تعالى فهو على ما ذكرناه من التفصيل في صدر المسألة.
فصل:
إذا طلق المرأة قبل الدخول وقد تصرفت في الصداق بعقد من العقود, لم يخل من ثلاثة أقسام: أحدها ما يزيل الملك عن الرقبة كالبيع والهبة والعتق, فهذا يمنع الرجوع وله نصف القيمة لزوال ملكها وانقطاع تصرفها فإن عادت العين إليها قبل طلاقها, ثم طلقها وهي في يدها بحالها فله الرجوع في نصفها لأنه وجدها بعينها فأشبه ما لو لم يخرجها, ولا يلزم الوالد إذا وهب لولده شيئا فخرج عن ملكه ثم عاد إليه حيث لا يملك الرجوع فيه, لأننا نمنع ذلك وإن سلمناه فإن حق الوالد سقط بخروجه عن يد الولد بكل حال بدليل أنه لا يطالب ببذله, والزوج لم يسقط حقه بالكلية بل يرجع بنصف قيمته عند عدمه فإذا وجد كان الرجوع في عينه أولى وفي معنى هذه التصرفات الرهن, فإنه وإن لم يزل الملك عن الرقبة لكنه يراد للبيع المزيل للملك ولذلك لا يجوز رهن ما لا يجوز بيعه, ففي الرجوع في العين إبطال لحق المرتهن من الوثيقة فلم يجز وكذلك الكتابة, فإنها تراد للعتق المزيل للملك وهي عقد لازم فجرت مجرى الرهن فإن طلق الزوج قبل إقباض الهبة أو الرهن, أو في مدة الخيار في البيع ففيه وجهان: أحدهما لا تجبر على رد نصفه إليه لأنه عقد عقدته في ملكها, فلم تملك إبطاله كاللازم ولأن ملكها قد زال, فلم تملك الرجوع فيما ليس بمملوك لها والثاني تجبر على تسليم نصفه لأنها قادرة على ذلك ولا زيادة فيها وللشافعي قولان, كهذين الوجهين فأما إن طلقها بعد تقبيض الهبة والرهن ولزوم البيع فلم يأخذ قيمة النصف حتى فسخ البيع والرهن والهبة, لم يكن له الرجوع في نصفها لأن حقه يثبت في القيمة الثاني تصرف غير لازم لا ينقل الملك كالوصية والشركة والمضاربة فهذا لا يبطل حق الرجوع في نصفه ويكون وجود هذا التصرف كعدمه لأنه تصرف لم ينقل الملك, ولم يمنع المالك من التصرف فلا يمنع من له الرجوع على المالك من الرجوع كالإيداع والعارية فأما إن دبرته, فظاهر المذهب أنه لا يمنع الرجوع لأنه وصية أو تعليق نصفه وكلاهما لا يمنع الرجوع, ولأنه لا يمنع البيع فلم يمنع الرجوع كالوصية ولا يجبر الزوج على الرجوع في نصفه بل يخير بين ذلك وبين أخذ نصف قيمته لأن شركة من نصفه مدبر نقص, ولا يؤمن أن يرفع إلى حاكم حنفي فيحكم بعتقه وإن كانت أمة فدبرتها خرج على الروايتين إن قلنا: تباع في الدين فهي كالعبد, وإن قلنا: لا تباع لم يجبر الزوج على الرجوع في نصفها وإن كاتبت الأمة أو العبد لم يجبر الزوج على الرجوع في العبد لأنه نقص وإن اختار الرجوع وقلنا: الكتابة تمنع البيع منعت الرجوع وإن قلنا: لا تمنع البيع احتمل أن لا تمنع الرجوع كالتدبير, واحتمل أن تمنعه لأن الكتابة عقد لازم يراد لإزالة الملك فمنعت الرجوع كالرهن الثالث: تصرف لازم لا يراد لإزالة الملك كالإجارة والتزويج, فهذا نقص فيتخير بين أن يرجع في نصفه ناقصا لأنه رضي بحقه ناقصا وبين الرجوع في نصف قيمته, فإن رجع في نصف المستأجر صبر حتى تنفسخ الإجارة فإن قيل: فقد قلتم في الطلع الحادث في النخل: إذا قال: أنا أصبر حتى تنتهي الثمرة لم يكن له ذلك قلنا: الفرق بينهما أن في تلك المسألة تكون المنة له, فلا يلزمها قبول منته بخلاف مسألتنا ولأن ذلك يؤدي إلى التنازع في سقي الثمرة, ووقت جذاذها وقطعها لخوف العطش أو غيره بخلاف مسألتنا. فصل: فإن أصدقها شقصا, فهل للشفيع أخذه؟ على وجهين: فإن قلنا: له أخذه فأخذه ثم طلق الزوج رجع في نصف قيمته لأنه قد زال ملكها عنه, وإن طلقها قبل أخذه بالشفعة وطالب الشفيع ففيه وجهان: أحدهما: يقدم الشفيع لأن حقه أسبق, فإنه ثبت بالنكاح وحق الزوج ثبت بالطلاق ولأن الزوج يرجع إلى بدله وهو نصف القيمة وحق الشفيع إذا بطل بطل إلى غير بدل والثاني: يقدم الزوج لأن حقه آكد, فإنه ثبت بنص القرآن والإجماع وحق الشفعة مجتهد فيه غير مجمع عليه, فعلى هذا يكون للشفيع أخذ النصف الباقي بنصف ما كان يأخذ به الجميع.
مسألة:
قال وإذا اختلفا في الصداق بعد العقد في قدره ولا بينة على مبلغه فالقول قولها ما ادعت مهر مثلها وجملة ذلك أن الزوجين إذا اختلفا في قدر المهر ولا بينة على مبلغه, فالقول قول من يدعي مهر المثل منهما فإن ادعت المرأة مهر مثلها أو أقل فالقول قولها وإن ادعى الزوج مهر المثل أو أكثر, فالقول قوله وبهذا قال أبو حنيفة وعن الحسن والنخعي وحماد بن أبي سليمان وأبي عبيد نحوه وعن أحمد رواية أخرى, أن القول قول الزوج بكل حال وهذا قول الشعبي وابن أبي ليلى وابن شبرمة, وأبي ثور وبه قال أبو يوسف إلا أن يدعي مستنكرا وهو أن يدعي مهرا لا يتزوج بمثله في العادة لأنه منكر للزيادة, ومدعى عليه فيدخل تحت قوله عليه السلام (ولكن اليمين على المدعى عليه) وقال الشافعي: يتحالفان فإن حلف أحدهما ونكل الآخر, ثبت ما قاله وإن حلفا وجب مهر المثل وبه قال الثوري لأنهما اختلفا في العوض المستحق في العقد ولا بينة, فيتحالفان قياسا على المتبايعين إذا اختلفا في الثمن وقال مالك: إن كان الاختلاف قبل الدخول تحالفا وفسخ النكاح وإن كان بعده فالقول قول الزوج وبناه على أصله في البيع فإنه يفرق في التحالف بين ما قبل القبض وبعده, ولأنها إذا أسلمت نفسها بغير إشهاد فقد رضيت بأمانته ولنا أن الظاهر قول من يدعي مهر المثل, فكان القول قوله قياسا على المنكر في سائر الدعاوى وعلى المودع إذا ادعى التلف أو الرد ولأنه عقد لا ينفسخ بالتحالف فلا يشرع فيه كالعفو عن دم العمد ولأن القول بالتحالف يفضي إلى إيجاب أكثر مما يدعيه أو أقل مما يقر لها به فإنها إذا كان مهر مثلها مائة فادعت ثمانين وقال: بل هو خمسون أوجب لها عشرين يتفقان على أنها غير واجبة ولو ادعت مائتين, وقال: بل هو مائة وخمسون ومهر مثلها مائة فأوجب مائة لأسقط خمسين يتفقان على وجوبها ولأن مهر المثل إن لم يوافق دعوى أحدهما لم يجز إيجابه لاتفاقهما على أنه غير ما أوجبه العقد, وإن وافق قول أحدهما فلا حاجة في إيجابه إلى يمين من ينفيه لأنها لا تؤثر في إيجابه وفارق البيع فإنه ينفسخ بالتحالف, ويرجع كل واحد منهما في ماله وما ادعاه مالك من أنها استأمنته لا يصح فإنها لم تجعله أمينها ولو كان أمينا لها لوجب أن تكون أمينة له, حين لم يشهد عليها على أنه لا يلزم من الاختلاف عدم الإشهاد فقد تكون بينهما بينة, فتموت أو تغيب أو تنسى الشهادة إذا ثبت هذا فكل من قلنا: القول قوله فهو مع يمينه لأنه اختلاف فيما يجوز بذله تشرع فيه اليمين, كسائر الدعاوى في الأموال وحكي عن القاضي أن اليمين لا تشرع في الأحوال كلها لأنها دعوى في النكاح.
فصل:
فإن ادعى أقل من مهر المثل وادعت هي أكثر منه رد, إلى مهر المثل ولم يذكر أصحابنا يمينا والأولى أن يتحالفا فإن ما يقوله كل واحد منهما محتمل للصحة فلا يعدل عنه إلا بيمين من صاحبه كالمنكر في سائر الدعاوى, ولأنهما تساويا في عدم الظهور فيشرع التحالف كما لو اختلف المتبايعان وهذا قول أبي حنيفة, والباقون على أصولهم.
مسألة:
قال وإن أنكر أن يكون لها عليه صداق فالقول أيضا قولها قبل الدخول وبعده ما ادعت مهر مثلها, إلا أن يأتي ببينة تبرئه منه وجملة ذلك أن الزوج إذا أنكر صداق امرأته وادعت ذلك عليه فالقول قولها فيما يوافق مهر مثلها سواء ادعى أنه وفي ما لها, أو أبرأته منه أو قال: لا تستحق على شيئا وسواء كان ذلك قبل الدخول أو بعده وبه قال سعيد بن جبير, والشعبي وابن شبرمة وابن أبي ليلى والثوري, والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي وحكي عن فقهاء المدينة السبعة أنهم قالوا: إن كان بعد الدخول, فالقول قول الزوج والدخول بالمرأة يقطع الصداق وبه قال مالك قال أصحابه: إنما قال ذلك إذا كانت العادة تعجيل الصداق كما كان بالمدينة, أو كان الخلاف فيما تعجل منه في العادة لأنها لا تسلم نفسها في العادة إلا بقبضه فكان الظاهر معه ولنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال (اليمين على المدعى عليه) ولأنه ادعى تسليم الحق الذي عليه فلم يقبل بغير بينة كما لو ادعى تسليم الثمن, أو كما قبل الدخول.
فصل:
فإن دفع إليها ألفا ثم اختلفا فقال: دفعتها إليك صداقا وقالت: بل هبة فإن كان اختلافهما في نيته كأن قالت: قصدت الهبة وقال: قصدت دفع الصداق فالقول قول الزوج بلا يمين لأنه أعلم بما نواه ولا تطلع المرأة على نيته, وإن اختلفا في لفظه فقالت: قد قلت خذي هذا هبة أو هدية فأنكر ذلك فالقول قوله مع يمينه لأنها تدعى عقدا على ملكه, وهو ينكره فأشبه ما لو ادعت عليه بيع ملكه لها لكن إن كان المدفوع من غير جنس الواجب عليه, كأن أصدقها دراهم فدفع إليها عوضا ثم اختلفا, وحلف أنه دفع إليها ذلك من صداقها فللمرأة رد العرض ومطالبته بصداقها قال أحمد في رواية الفضل بن زياد, في رجل تزوج امرأة على صداق ألف فبعث إليها بقيمته متاعا وثيابا ولم يخبرهم أنه من الصداق, فلما دخل سألته الصداق فقال لها: قد بعثت إليك بهذا المتاع واحتسبته من الصداق فقالت المرأة: صداقي دراهم: ترد الثياب والمتاع, وترجع عليه بصداقها فهذه الرواية إذا لم يخبرهم أنه صداق فأما إذا ادعى أنها احتسبت به من الصداق وادعت هي أنه قال: هو هبة فينبغي أن يحلف كل واحد منهما, ويتراجعان بما لكل واحد منهما وحكي عن مالك أنه قال إن كان مما جرت العادة بهديته كالثوب والخاتم, فالقول قولها لأن الظاهر معها وإلا فالقول قوله ولنا أنهما اختلفا في صفة انتقال ملكه إلى يدها فكان القول قول المالك, كما لو قال: أودعتك هذه العين قالت: بل وهبتها.
فصل:
إذا مات الزوجان واختلف ورثتهما قام ورثة كل إنسان مقامه, إلا أن من يحلف منهم على الإثبات يحلف على البت ومن يحلف على النفي يحلف على نفي العلم لأنه يحلف على نفي فعل الغير وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة إن مات أحد الزوجين فكذلك وإن مات الزوجان, فادعى ورثة المرأة التسمية وأنكرها ورثة الزوج جملة لم يحكم عليهم بشيء قال أصحابه: إنما قال ذلك إذا تقادم العهد لأنه تعذر الرجوع إلى مهر المثل, لأنه تعتبر فيه الصفات والأوقات وقال محمد بن الحسن: يقضي بمهر المثل وقال زفر: بعشرة دراهم لأنه أقل الصداق ولنا أن ما اختلف فيه المتعاقدان قام ورثتهما مقامهما كالمتبايعين وما ذكروه ليس بصحيح لأنه لا يسقط الحق لتقادم العهد, ولا يتعذر الرجوع في ذلك كقيم سائر المتلفات.
فصل:
وإن اختلف الزوج وأبو الصغيرة والمجنونة قام الأب مقام الزوجة في اليمين لأنه يحلف على فعل نفسه, ولأن قوله مقبول فيما اعترف به من الصداق فسمعت يمينه فيه كالزوجة, فإن لم يحلف حتى بلغت وعقلت فاليمين عليها دونه لأن الحق لها وإنما يحلف هو لتعذر اليمين من جهتها, فإذا أمكن في حقها صارت اليمين عليها كالوصي إذا بلغ الأطفال قبل يمينه فيما يحلف فيه فأما أبو البكر البالغة العاقلة, فلا تسمع مخالفته لأن الكبيرة قولها مقبول في الصداق والحق لها دونه وأما سائر الأولياء فليس له تزويج صغيرة, إلا على رواية في بنت تسع وليس لهم أن يزوجوا بدون مهر المثل ولو زوجوها بدون مهر المثل ثبت مهر المثل من غير يمين فإن ادعى أنه زوجها بأكثر من مهر مثلها, فاليمين على الزوج لأن القول قوله في قدر مهر المثل.
فصل:
إذا أنكر الزوج تسمية الصداق وادعى أنه تزوجها بغير صداق فإن كان بعد الدخول نظرنا فإن ادعت المرأة مهر المثل أو دونه وجب ذلك من غير يمين لأنها لو صدقته في ذلك لوجب مهر المثل, فلا فائدة في الاختلاف وإن ادعت أقل من مهر المثل فهي مقرة بنقصها عما يجب لها بدعوى الزوج, فيجب أن يقبل قولها بغير يمين وإن ادعت أكثر من مهر المثل لزمته اليمين على نفي, ذلك ويجب لها مهر المثل وإن كان اختلافهما قبل الدخول انبنى على الروايتين فيما إذا اختلفا في قدر الصداق فإن قلنا: القول قول الزوج فلها المتعة وإن قلنا: القول قول من يدعي مهر المثل قبل قولها ما ادعت مهر مثلها هذا إذا طلقها, وإن لم يطلقها فرض لها مهر المثل على الروايتين وكل من قلنا: القول قوله فعليه اليمين.
مسألة:
قال: وإذا تزوجها بغير صداق, لم يكن لها عليه إذا طلقها قبل الدخول إلا المتعة وجملته أن النكاح يصح من غير تسمية صداق في قول عامة أهل العلم وقد دل على هذا قول الله تعالى {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة} ومتعوهن وروي (أن ابن مسعود سئل عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقا, ولم يدخل بها حتى مات فقال ابن مسعود: لها صداق نسائها لا وكس ولا شطط, وعليها العدة ولها الميراث فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال: قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بروع بنت واشق, امرأة منا مثل ما قضيت) أخرجه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح ولأن القصد من النكاح الوصلة والاستمتاع دون الصداق فصح من غيره ذكره كالنفقة وسواء تركا ذكر المهر, أو شرطا نفيه مثل أن يقول: زوجتك بغير مهر فيقبله كذلك ولو قال: زوجتك بغير مهر في الحال ولا في الثاني صح أيضا وقال بعض الشافعية: لا يصح في هذه الصورة, لأنها تكون كالموهوبة وليس بصحيح لأنه قد صح فيما إذا قال: زوجتك بغير مهر فيصح ها هنا لأن معناهما واحد وما صح في إحدى الصورتين المتساويتين صح في الأخرى وليست كالموهوبة لأن الشرط يفسد, ويجب المهر إذا ثبت هذا فإن المزوجة بغير مهر تسمى مفوضة بكسر الواو وفتحها, فمن كسر أضاف الفعل إليها على أنها فاعلة مثل مقومة ومن فتح أضافه إلى وليها ومعنى التفويض الإهمال, كأنها أهملت أمر المهر حيث لم تسمه ومنه قول الشاعر: لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ** ولا سراة إذا جهالهم سادوا يعني مهملين والتفويض على ضربين تفويض بضع وتفويض مهر فأما تفويض البضع, فهو الذي ذكره الخرقي وفسرناه وهو الذي ينصرف إليه إطلاق التفويض, وأما تفويض المهر فهو أن يجعل الصداق إلى رأي أحدهما أو رأي أجنبي, فيقول: زوجتك على ما شئت أو على حكمك أو على حكمى أو حكمها, أو حكم أجنبي ونحوه فهذه لها مهر المثل في ظاهر كلام الخرقي لأنها لم تزوج نفسها إلا بصداق لكنه مجهول, فسقط لجهالته ووجب مهر المثل والتفويض الصحيح أن تأذن المرأة الجائزة الأمر لوليها في تزويجها بغير مهر, أو بتفويض قدره أو يزوجها أبوها كذلك فأما إن زوجها غير أبيها ولم يذكر مهرا, بغير إذنها في ذلك فإنه يجب مهر المثل وقال الشافعي لا يكون التفويض إلا في الصورة الأولى وقد سبق الكلام معه في أن للأب أن يزوج ابنته بدون صداق مثلها فكذلك يجوز تفويضه فإذا طلقت المفوضة البضع قبل الدخول, فليس لها إلا المتعة نص عليه أحمد في رواية جماعة وهو قول ابن عمر, وابن عباس والحسن وعطاء, وجابر بن زيد والشعبي والزهري, والنخعي والثوري والشافعي وإسحاق, وأبي عبيد وأصحاب الرأي وعن أحمد رواية أخرى, أن الواجب لها نصف مهر مثلها لأنه نكاح صحيح يوجب مهر المثل بعد الدخول فيوجب نصفه بالطلاق قبل الدخول كما لو سمى محرما وقال مالك, والليث وابن أبي ليلى: المتعة مستحبة غير واجبة لأن الله تعالى قال: {حقا على المحسنين} فخصهم بها فيدل أنها على سبيل الإحسان والتفضل والإحسان ليس بواجب, ولأنها لو كانت واجبة لم تختص المحسنين دون غيرهم ولنا قوله تعالى: {ومتعوهن} أمر والأمر يقتضي الوجوب وقال تعالى: {وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين} وقال تعالى: {إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن} ولأنه طلاق في نكاح يقتضي عوضا, فلم يعر عن العوض كما لو سمى مهرا وأداء الواجب من الإحسان فلا تعارض بينهما.
فصل:
فإن فرض لها بعد العقد, ثم طلقها قبل الدخول فلها نصف ما فرض لها ولا متعة وهذا قول ابن عمر, وعطاء والشعبي والنخعي, والشافعي وأبي عبيد وعن أحمد أن لها المتعة يسقط المهر وهو قول أبي حنيفة لأنه نكاح عرى عن تسميته, فوجبت به المتعة كما لو لم يفرض لها ولنا قوله تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} ولأنه مفروض يستقر بالدخول فتنصف بالطلاق قبله كالمسمى في العقد.
فصل:
ومن أوجب لها نصف المهر, لم تجب لها متعة سواء كانت ممن سمى لها صداق أو لم يسم لها لكن فرض بعد العقد وبهذا قال أبو حنيفة في من سمى لها وهو قديم قولي الشافعي وروي عن أحمد: لكل مطلقة متاع وروي ذلك عن علي بن أبي طالب, والحسن وسعيد بن جبير وأبي قلابة, والزهري وقتادة والضحاك, وأبي ثور لظاهر قوله تعالى {وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين} ولقوله تعالى لنبيه: عليه السلام {قل لأزواجك} إلى قوله {فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا} وعلى هذه الرواية لكل مطلقة متاع سواء كانت مفوضة أو مسمى لها, مدخولا بها أو غيرها لما ذكرنا وظاهر المذهب أن المتعة لا تجب إلا للمفوضة التي لم يدخل بها إذا طلقت قال أبو بكر: كل من روي عن أبي عبد الله فيما أعلم روي عنه أنه لا يحكم بالمتعة إلا لمن لم يسم لها مهر إلا حنبلا, فإنه روي عن أحمد أن لكل مطلقة متاعا قال أبو بكر: والعمل عليه عندي لولا تواتر الروايات عنه بخلافها ولنا: قوله تعالى {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن} ثم قال: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} فخص الأولى بالمتعة والثانية بنصف المفروض مع تقسيمه النساء قسمين, وإثباته لكل قسم حكما فيدل ذلك على اختصاص كل قسم بحكمه وهذا يخص ما ذكروه ويحتمل أن يحمل الأمر بالمتاع في غير المفوضة على الاستحباب لدلالة الآيتين اللتين ذكرناهما على نفي وجوبها, جمعا بين دلالة الآيات والمعنى فإنه عوض واجب في عقد فإذا سمى فيه عوض صحيح, لم يجب غيره كسائر عقود المعاوضة ولأنها لا تجب لها المتعة قبل الفرقة, ولا ما يقوم مقامها فلم تجب لها عند الفرقة كالمتوفى عنها زوجها.
فصل:
ولو طلق المسمى لها بعد الدخول, أو المفوضة المفروض لها بعد الدخول فلا متعة لواحدة منهما إلا على رواية حنبل وقد ذكرنا ذلك وذكرنا قول من ذهب إليه وظاهر المذهب: أنه لا متعة لواحدة منهما, وهو قول أبي حنيفة وللشافعي قولان كالروايتين وقد ذكرنا ذلك إذا ثبت هذا, فإنه يستحب أن يمتعهما نص عليه أحمد فقال: أنا أوجبها على من لم يسم لها صداقا فإن كان سمى صداقا, فلا أوجبها عليه وأستحب أن يمتع وإن سمى لها صداقا وإنما استحب ذلك لعموم النص الوارد فيها ودلالتها على إيجابها وقول علي رضي الله عنه ومن سمينا من الأئمة بها, فلما امتنع الوجوب لدلالة الآيتين المذكورتين على نفي الوجوب ودلالة المعنى المذكور عليه تعين حمل الأدلة الدالة عليها على الاستحباب, أو على أنه أريد به الخصوص وأما المتوفى عنها فلا متعة لها بالإجماع لأن النص العام لم يتناولها وإنما تناول المطلقات, ولأنها أخذت العوض المسمى لها في عقد المعاوضة فلم يجب لها به سواه كما في سائر العقود.
فصل:
والمتعة تجب على كل زوج, لكل زوجة مفوضة طلقت قبل الدخول وسواء في ذلك الحر والعبد والمسلم والذمي, والحرة والأمة والمسلمة والذمية وحكي عن أبي حنيفة: لا متعة للذمية وقال الأوزاعي: إن كان الزوجان أو أحدهما رقيقا فلا متعة ولنا عموم النص ولأنها قائمة مقام نصف المهر في حق من سمي, فتجب لكل زوجة على كل زوج كنصف المسمى ولأن ما يجب من العوض يستوي فيه المسلم والكافر والحر والعبد, كالمهر.
فصل:
فأما المفوضة المهر وهي التي يتزوجها على ما شاء أحدهما أو التي زوجها غير أبيها بغير صداق بغير إذنها, أو التي مهرها فاسد فإنه يجب لها مهر المثل ويتنصف بالطلاق قبل الدخول, ولا متعة لها هذا ظاهر كلام الخرقي وقد صرح به في التي مهرها فاسد وهو مذهب الشافعي وعن أحمد أن لها المتعة دون نصف المهر كالمفوضة البضع وهو مذهب أبي حنيفة لأنه خلا عقدها من تسمية صحيحة, فأشبهت التي لم يسم لها شيء ولنا أن هذه لها مهر واجب قبل الطلاق فوجب أن يتنصف, كما لو سماه أو نقول: لم ترض بغير صداق فلم تجب المتعة كالمسمى لها وتفارق التي رضيت بغير عوض فإنها رضيته بغير صداق, وعاد بضعها سليما فعوضت المتعة بخلاف مسألتنا.
فصل:
وكل فرقة يتنصف بها المسمى, توجب المتعة إذا كانت مفوضة وما يسقط به المسمى من الفرق, كاختلاف الدين والفسخ بالرضاع ونحوه إذا جاء من قبلها لا تجب به متعة لأنها أقيمت مقام نصف المسمى, فسقطت في موضع يسقط كما تسقط الأبدال بما يسقط مبدلها.
فصل:
قال أبو داود: سمعت أحمد سئل عن رجل تزوج امرأة ولم يكن فرض لها مهرا, ثم وهب لها غلاما ثم طلقها قبل الدخول قال: لها المتعة وذلك لأن الهبة لا تنقضي بها المتعة كما لا ينقضي بها نصف المسمى, ولأن المتعة إنما تجب بالطلاق فلا يصح قضاؤها قبله ولأنها واجبة فلا تنقضي بالهبة كالمسمى.
مسألة:
قال: [على الموسع قدره, وعلى المقتر قدره فأعلاه خادم وأدناه كسوة يجوز لها أن تصلي فيها, إلا أن يشاء هو أن يزيدها أو تشاء هي أن تنقصه] وجملة ذلك أن المتعة معتبرة بحال الزوج في يساره وإعساره نص عليه أحمد وهو وجه لأصحاب الشافعي والوجه الآخر قالوا: هو معتبر بحال الزوجة لأن المهر معتبر بها, كذلك المتعة القائمة مقامه ومنهم من قال: يجزئ في المتعة ما يقع عليه الاسم كما يجزئ في الصداق ذلك ولنا قول الله تعالى: {على الموسع قدره وعلى المقتر قدره} وهذا نص في أنها معتبرة بحال الزوج وأنها تختلف, ولو أجزأ ما يقع عليه الاسم سقط الاختلاف ولو اعتبر بحال المرأة لما كان على الموسع قدره وعلى المقتر قدره إذا ثبت هذا فاختلفت الرواية عن أحمد فيها فروي عنه مثل قول الخرقي, أعلاها خادم هذا إذا كان موسرا وإن كان فقيرا متعها كسوتها درعا وخمارا وثوبا تصلي فيه ونحو ذلك قال ابن عباس, والزهري والحسن قال ابن عباس: أعلى المتعة الخادم ثم دون ذلك النفقة ثم دون ذلك الكسوة ونحو ما ذكرنا في أدناها قال الثوري, والأوزاعي وعطاء ومالك, وأبو عبيد وأصحاب الرأي قالوا: درع وخمار وملحفة والرواية الثانية: يرجع في تقديرها إلى الحاكم وهو أحد قولي الشافعي لأنه أمر لم يرد الشرع بتقديره, وهو مما يحتاج إلى الاجتهاد فيجب الرجوع فيه إلى الحاكم كسائر المجتهدات وذكر القاضي في " المجرد " رواية ثالثة: أنها مقدرة بما يصادف نصف مهر المثل لأنها بدل عنه فيجب أن تتقدر به وهذه الرواية تضعف لوجهين أحدهما, أن نص الكتاب يقتضي تقديرها بحال الزوج وتقديرها بنصف مهر المثل يوجب اعتبارها بحال المرأة لأن مهرها معتبر بها لا بزوجها الثاني أنا لو قدرناها بنصف المهر لكانت نصف المهر, إذ ليس المهر معينا في شيء ولا المتعة ووجه قول الخرقي قول ابن عباس: أعلى المتعة الخادم ثم دون ذلك الكسوة رواه أبو حفص بإسناده وقدرها بكسوة تجوز لها الصلاة فيها لأن الكسوة الواجبة بمطلق الشرع تتقدر بذلك كالكسوة في الكفارة, والسترة في الصلاة وروى كنيف السلمي أن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأته تماضر الكلبية فحممها بجارية سوداء يعني متعها قال إبراهيم النخعي: العرب تسمى المتعة التحميم وهذا فيما إذا تشاحا في قدرها, فإن سمح لها بزيادة على الخادم أو رضيت بأقل من الكسوة جاز لأن الحق لهما, لا يخرج عنهما وهو مما يجوز بذله فجاز ما اتفقا عليه, كالصداق وقد روي عن الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه متع امرأة بعشرة آلاف درهم فقالت: متاع قليل من حبيب مفارق.
مسألة:
قال: [ولو طالبته قبل الدخول أن يفرض لها, أجبر على ذلك فإن فرض لها مهر مثلها لم يكن لها غيره وكذلك إن فرض لها أقل منه فرضيته] وجملة ذلك أن المفوضة لها المطالبة بفرض المهر لأن النكاح لا يخلو من المهر فوجبت لها المطالبة ببيان قدره وبهذا قال الشافعي ولا نعلم فيه مخالفا فإن اتفق الزوجان على فرضه جاز ما فرضاه, قليلا كان أو كثيرا سواء كانا عالمين بمهر المثل أو غير عالمين به وقال الشافعي في قول له: لا يصح الفرض بغير مهر المثل إلا مع علمها بمهر المثل لأن ما يفرضه بدل عن مهر المثل فيحتاج أن يكون المبدل معلوما ولنا أنه إذا فرض لها كثيرا, فقد بذل من ماله فوق ما يلزمه وإن رضيت باليسير فقد رضيت بدون ما يجب لها, فلا تمنع من ذلك وقولهم إنه بدل غير صحيح فإن البدل غير المبدل والمفروض إن كان ناقصا فهو بعضه وإن كان أكثر فهو الواجب وزيادة فلا يصح جعله بدلا, ولو كان بدلا لما جاز مع العلم لأنه يبدل ما فيه الربا بجنسه متفاضلا وقد روى عقبة بن عامر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لرجل: (أترضى إني أزوجك فلانة؟ قال: نعم وقال للمرأة: أترضين أن أزوجك فلانا؟ قالت: نعم فزوج أحدهما صاحبه, ودخل عليها ولم يفرض لها صداقا فلما حضرته الوفاة قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زوجني فلانة, ولم يفرض لها صداقا ولم أعطها شيئا وإني قد أعطيتها عن صداقها سهمي بخيبر, فأخذت سهمه فباعته بمائة ألف) فأما إن تشاحا فيه ففرض لها مهر مثلها, أو أكثر منه فليس لها المطالبة بسواه فإن لم ترض به لم يستقر لها حتى ترضاه, فإن طلقها قبل الدخول فليس لها إلا المتعة لأنه لا يثبت لها بفرضه ما لم ترض به كحالة الابتداء وإن فرض لها أقل من مهر المثل, فلها المطالبة بتمامه ولا يثبت لها ما لم ترض به وإن تشاحا وارتفعا, إلى الحاكم فليس له أن يفرض لها إلا مهر المثل لأن الزيادة ميل عليه والنقصان ميل عليها, والعدل المثل لأنه إنما يفرض بدل البضع فيقدر به, كالسلعة إذا تلفت فرجعا في تقويمها إلى أهل الخبرة ويعتبر معرفة مهر المثل ليتوصل إلى إمكان فرضه ومتى صح الفرض صار كالمسمى في العقد في أنه يتنصف بالطلاق ولا تجب المتعة معه وإذا فرضه الحاكم, لزم ما فرضه سواء رضيته أو لم ترضه كما يلزم ما حكم به.
فصل:
وإن فرض لها أجنبي مهر مثلها فرضيته, لم يصح فرضه وكان وجوده كعدمه لأنه ليس بزوج ولا حاكم فإن سلم إليها ما فرضه لها فرضيته, احتمل أن لا يصح لما ذكرنا ويكون حكمها حكم من لم يفرض لها ويسترجع ما أعطاها لأن تصرفه, ما صح ولا برئت به ذمة الزوج ويحتمل أن يصح لأنه يقوم مقام الزوج في قضاء المسمى فيقوم مقامه في قضاء ما يوجبه العقد غير المسمى فعلى هذا, إذا طلقت قبل الدخول رجع نصفه إلى الزوج لأنه ملكه إياه حين قضى به دينا عليه فيعود إليه كما لو دفعه هو ولأصحاب الشافعي مثل هذين الوجهين, وذكروا وجها ثالثا أنه يرجع نصفه إلى الأجنبي وذكره القاضي وجها لنا ثالثا وقد ذكرنا ما يدل على صحة ما قلناه ولو أن رجلا قضى المسمى عن الزوج صح, ثم إن طلقها الزوج قبل الدخول رجع نصفه إليه وإن فسخت نكاح نفسها بفعل من جهتها, رجع جميعه إليه وعلى الوجه الآخر يرجع إلى من قضاه والله أعلم.
فصل:
ويجب المهر للمفوضة بالعقد, وإنما يسقط إلى المتعة بالطلاق وهذا مذهب أبي حنيفة واختلف أصحاب الشافعي فمنهم من قال: الصحيح أنه يجب بالعقد وقال بعضهم: لا يجب بالعقد قولا واحدا ولا يجيء على أصل الشافعي غير هذا لأنه لو وجب بالعقد لتنصف بالطلاق كالمسمى في العقد ولنا, أنها تملك المطالبة به فكان واجبا كالمسمى, ولأنه لو لم يجب بالعقد لما استقر بالموت كما في العقد الفاسد, ولأن النكاح لا يجوز أن يخلو عن المهر والقول بعدم وجوبه يفضي إلى خلوه عنه وإلى أن النكاح انعقد صحيحا وملك الزوج الوطء ولا مهر فيه, وإنما لم يتنصف لأن الله تعالى نقل غير المسمى لها بالطلاق إلى المتعة كما نقل من سمى لها إلى نصف المسمى لها والله أعلم فعلى هذا لو فوض الرجل مهر أمته ثم أعتقها أو باعها ثم فرض لها المهر, كان لمعتقها أو بائعها لأن المهر وجب بالعقد في ملكه ولو فوضت المرأة نفسها ثم طالبت بفرض مهرها بعد تغير مهر مثلها أو دخل بها, لوجب مهر مثلها حالة العقد لما ذكرنا ووافق أصحاب الشافعي على ذلك لأن الوجوب يستند إلى حالة العقد إلا في الأمة التي أعتقها أو باعها في أحد الوجهين. فصل: ويجوز الدخول بالمرأة قبل إعطائها شيئا, سواء كانت مفوضة أو مسمى لها وبهذا قال سعيد بن المسيب والحسن النخعي, والثوري والشافعي وروي عن ابن عباس وابن عمر, والزهري وقتادة ومالك: لا يدخل بها حتى يعطيها شيئا قال الزهري: مضت السنة أن لا يدخل بها حتى يعطيها شيئا قال ابن عباس: يخلع إحدى نعليه, ويلقيها إليها وقد روى أبو داود بإسناده عن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- (أن عليا لما تزوج فاطمة أراد أن يدخل بها, فمنعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى يعطيها شيئا فقال: يا رسول الله ليس لي شيء فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: أعطها درعك فأعطاها درعه, ثم دخل بها) ورواه ابن عباس أيضا قال: (لما تزوج علي فاطمة قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أعطها شيئا قال: ما عندي قال: أين درعك الحطمية؟) رواه أبو داود, والنسائي ولنا حديث عقبة بن عامر في الذي زوجه النبي -صلى الله عليه وسلم- ودخل بها ولم يعطها شيئا وروت عائشة قالت: (أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أدخل امرأة على زوجها, قبل أن يعطيها شيئا) رواه ابن ماجه ولأنه عوض في عقد معاوضة فلم يقف جواز تسليم المعوض على قبض شيء منه كالثمن في البيع, والأجرة في الإجارة وأما الأخبار فمحمولة على الاستحباب فإنه يستحب أن يعطيها قبل الدخول شيئا موافقة للأخبار, ولعادة الناس فيما بينهم ولتخرج المفوضة عن شبه الموهوبة وليكون ذلك أقطع للخصومة ويمكن حمل قول ابن عباس ومن وافقه على الاستحباب, فلا يكون بين القولين فرق والله أعلم.
مسألة:
قال: [ولو مات أحدهما قبل الإصابة وقبل الفرض ورثه صاحبه, وكان لها مهر نسائها] أما الميراث فلا خلاف فيه فإن الله تعالى فرض لكل واحد من الزوجين فرضا وعقد الزوجية ها هنا صحيح ثابت فيورث به لدخوله في عموم النص وأما الصداق فإنه يكمل لها مهر نسائها, في الصحيح من المذهب وإليه ذهب ابن مسعود وابن شبرمة وابن أبي ليلى, والثوري وإسحاق وروي عن علي وابن عباس, وابن عمر والزهري وربيعة, ومالك والأوزاعي: لا مهر لها لأنها فرقة وردت على تفويض صحيح قبل فرض ومسيس فلم يجب بها مهر كفرقة الطلاق وقال أبو حنيفة كقولنا في المسلمة وكقولهم في الذمية وعن أحمد رواية أخرى, لا يكمل ويتنصف وللشافعي قولان كالروايتين ولنا: ما روي (أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قضى لامرأة لم يفرض لها زوجها صداقا, ولم يدخل بها حتى مات فقال: لها صداق نسائها لا وكس ولا شطط, وعليها العدة ولها الميراث فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال: قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بروع ابنة واشق مثل ما قضيت) قال الترمذي: هذا حديث صحيح وهو نص في محل النزاع ولأن الموت معنى يكمل به المسمى, فكمل به مهر المثل للمفوضة كالدخول وقياس الموت على الطلاق غير صحيح فإن الموت يتم به النكاح فيكمل به الصداق والطلاق يقطعه ويزيله قبل إتمامه, ولذلك وجبت العدة بالموت قبل الدخول ولم تجب بالطلاق وكمل المسمى بالموت ولم يكمل بالطلاق, وأما الذمية فإنها مفارقة بالموت فكمل لها الصداق كالمسلمة أو كما لو سمى لها ولأن المسلمة والذمية لا يختلفان في الصداق في موضع, فيجب أن لا يختلفا ها هنا
فصل:
قوله: " مهر نسائها " يعني مهر مثلها من أقاربها وقال مالك تعتبر بمن هي في مثل كمالها ومالها وشرفها ولا يختص بأقربائها لأن الأعواض إنما تختلف بذلك دون الأقارب ولنا قوله في حديث ابن مسعود: لها مهر نسائها ونساؤها أقاربها وما ذكره فنحن نشترطه ونشترط معه أن تكون من نساء أقاربها لأنها أقرب إليهن وقوله: لا يختلف ذلك باختلاف الأقارب لا يصح فإن المرأة تطلب لحسبها, كما جاء في الأثر وحسبها يختص به أقاربها فيزداد المهر لذلك ويقل, وقد يكون الحي وأهل القرية لهم عادة في الصداق ورسم مقرر لا يشاركهم فيه غيرهم, ولا يغيرونه بتغير الصفات فيكون الاعتبار بذلك دون سائر الصفات واختلفت الرواية عن أحمد في من يعتبر من أقاربها, فقال في رواية حنبل: لها مهر مثلها من نسائها من قبل أبيها فاعتبرها بنساء العصبات خاصة وهذا مذهب الشافعي وقال في رواية إسحاق بن هانئ: لها مهر نسائها مثل أمها أو أختها أو عمتها أو بنت عمها اختاره أبو بكر وهو مذهب أبي حنيفة وابن أبي ليلى لأنهن من نسائها والأولى أولى فإنه قد روي في قصة بروع (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قضى في بروع بنت واشق بمثل مهر نساء قومها) ولأن شرف المرأة معتبر في مهرها, وشرفها بنسبها وأمها وخالتها لا تساويانها في نسبها فلا تساويانها في شرفها, وقد تكون أمها مولاة وهي شريفة وقد تكون أمها شريفة وهي غير شريفة وينبغي أن يعتبر الأقرب فالأقرب فأقرب نساء عصباتها إليها أخواتها, ثم عماتها ثم بنات عمها الأقرب فالأقرب ويعتبر أن يكن في مثل حالها في دينها وعقلها, وجمالها ويسارها وبكارتها وثيوبتها وصراحة نسبها, وكل ما يختلف لأجله الصداق وأن يكن من أهل بلدها لأن عادات البلاد تختلف في المهر وإنما اعتبرت هذه الصفات كلها لأن مهر المثل إنما هو بدل متلف فاعتبرت الصفات المقصودة فيه فإن لم يكن في عصباتها من هو في مثل حالها فمن نساء أرحامها, كأمها وجداتها وخالاتها وبناتهن فإن لم يكن فأهل بلدها, فإن لم يكن فنساء أقرب البلدان إليها فإن لم يوجد إلا دونها زيد لها بقدر فضيلتها, وإن لم يوجد إلا خير منها نقصت بقدر نقصها.
فصل:
ولا يجب مهر المثل إلا حالا لأنه بدل متلف فأشبه قيم المتلفات ولا يكون إلا من نقد البلد لما ذكرناه ولا يلزم كالدية لأنها لا تختلف باختلاف صفات المتلف لأنها مقدرة بالشرع, فكانت بحكم ما جعل من الحلول والتأجيل فلا يعتبر بها غيرها ولأنها عدل بها عن سائر الأبدال في من وجبت عليه, فكذلك في تأجيلها تخفيفا عنه بخلاف غيرها فإن كانت عادة نسائها تأجيل المهر, ففيه وجهان أحدهما: يفرض حالا لذلك والثاني يفرض مؤجلا لأن مهر مثلها مؤجل وإن كان عادتهم أنهم إذا زوجوا من عشيرتهم خففوا وإن زوجوا غيرهم ثقلوا اعتبر ذلك وهذا مذهب الشافعي فإن قيل: فإذا كان مهر المثل بدل متلف يجب أن لا يختلف باختلاف المتلف, كسائر المتلفات قلنا: النكاح يخالف سائر المتلفات فإن سائر المتلفات المقصود بها المالية خاصة فلم تختلف باختلاف المتلفين, والنكاح يقصد به أعيان الزوجين فاختلف باختلافهم ولأن سائر المتلفات لا تختلف باختلاف العوائد, والمهر يختلف بالعادات فإن المرأة إذا كانت من قوم عادتهم تخفيف مهور نسائهم وجب مهر المرأة منهم خفيفا, وإن كانت أفضل وأشرف من نساء من عادتهم تثقيل المهر وعلى هذا متى كانت عادتهم التخفيف لمعنى مثل الشرف أو اليسار ونحو ذلك اعتبر جريا على عادتهم والله أعلم.
فصل:
إذا زوج السيد عبده أمته, فقال القاضي: لا يجب مهر لأنه لو وجب لوجب لسيدها ولا يجب للسيد على عبده مال وقال أبو الخطاب: يجب المسمى أو مهر المثل إن لم يكن مسمى, كي لا يخلو النكاح عن مهر ثم يسقط لتعذر إثباته وقال أبو عبد الله: إذا زوج عبده من أمته فأحب أن يكون بمهر وشهود قيل: فإن طلقها؟ قال: يكون الصداق عليه إذا أعتق قيل: فإن زوجها منه بغير مهر؟ قال: قد اختلفوا فيه, فذهب جابر إلى أنه جائز.
مسألة:
قال: [وإذا خلا بها بعد العقد فقال: لم أطأها وصدقته لم يلتفت إلى قولهما, وكان حكمهما حكم الدخول في جميع أمورهما إلا في الرجوع إلى زوج طلقها ثلاثا, أو في الزنى فإنهما يجلدان ولا يرجمان] وجملة ذلك أن الرجل إذا خلا بامرأته بعد العقد الصحيح استقر عليه مهرها ووجبت عليها العدة, وإن لم يطأ روي ذلك عن الخلفاء الراشدين وزيد وابن عمر وبه قال علي بنالحسين وعروة وعطاء, والزهري والأوزاعي وإسحاق, وأصحاب الرأي وهو قديم قولي الشافعي وقال شريح والشعبي وطاوس, وابن سيرين والشافعي في الجديد: لا يستقر إلا بالوطء وحكي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وروى نحو ذلك عن أحمد وروي عنه يعقوب بن بختان, أنه قال: إذا صدقته المرأة أنه لم يطأها لم يكمل لها الصداق, وعليها العدة وذلك لقول الله تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} وهذه قد طلقها قبل أن يمسها وقال تعالى: {وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض} والإفضاء: الجماع ولأنها مطلقة لم تمس أشبهت من لم يخل بها ولنا: إجماع الصحابة رضي الله عنهم روى الإمام أحمد, والأثرم بإسنادهما عن زرارة بن أوفى, قال: قضى الخلفاء الراشدون المهديون أن من أغلق بابا أو أرخى سترا, فقد وجب المهر ووجبت العدة ورواه الأثرم أيضا عن الأحنف, عن عمر وعلي وعن سعيد بن المسيب وعن زيد بن ثابت: عليها العدة ولها الصداق كاملا وهذه قضايا تشتهر ولم يخالفهم أحد في عصرهم, فكان إجماعا وما رووه عن ابن عباس لا يصح قال أحمد: يرويه ليث, وليس بالقوي وقد رواه حنظلة خلاف ما رواه ليث وحنظلة أقوى من ليث وحديث ابن مسعود منقطع قاله ابن المنذر ولأن التسليم المستحق وجد من جهتها, فيستقر به البدل كما لو وطئها أو كما لو أجرت دارها, أو باعتها وسلمتها وأما قوله تعالى: {من قبل أن تمسوهن} فيحتمل أنه كنى بالمسبب عن السبب الذي هو الخلوة بدليل ما ذكرناه وأما قوله: {وقد أفضى بعضكم إلى بعض} فقد حكي عن الفراء, أنه قال: الإفضاء الخلوة دخل بها أو لم يدخل وهذا صحيح فإن الإفضاء مأخوذ من الفضاء وهو الخالي, فكأنه قال: وقد خلا بعضكم إلى بعض وقول الخرقي: حكمها حكم الدخول في جميع أمورهما يعني في حكم ما لو وطئها من تكميل المهر ووجوب العدة, وتحريم أختها وأربع سواها إذا طلقها حتى تنقضي عدتها وثبوت الرجعة له عليها في عدتها وقال الثوري وأبو حنيفة: لا رجعة له عليها, إذا أقر أنه لم يصبها ولنا: قوله تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} ولأنها معتدة من نكاح صحيح لم ينفسخ نكاحها ولا كمل عدد طلاقها, ولا طلقها بعوض فكان له عليها الرجعة كما لو أصابها ولها عليه نفقة العدة والسكنى لأن ذلك لمن لزوجها عليها الرجعة ولا تثبت بها الإباحة للزوج المطلق ثلاثا لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لامرأة رفاعة القرظي: (أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك) ولا الإحصان لأنه يعتبر لإيجاب الحد, والحدود تدرأ بالشبهات ولا الغسل لأن موجبات الغسل خمسة وليس هذا منها ولا يخرج به من العنة لأن العنة العجز عن الوطء فلا يزول إلا بحقيقة الوطء ولا تحصل به الفيئة لأنها الرجوع عما حلف عليه, وإنما حلف على ترك الوطء ولأن حق المرأة لا يحصل إلا بنفس الوطء ولا تفسد به العبادات ولا تجب به الكفارة وأما تحريم الربيبة فعن أحمد أنه يحصل بالخلوة وقال القاضي, وابن عقيل: لا تحرم وحمل القاضي كلام أحمد على أنه حصل مع الخلوة نظر أو مباشرة فيخرج كلامه على إحدى الروايتين في أن ذلك يحرم والصحيح أنها لا تحرم لقول الله تعالى {فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم} والدخول كناية عن الوطء والنص صريح في إباحتها بدونه, فلا يجوز خلافه.
مسألة: قال: [وسواء خلا بها وهما محرمان أو صائمان أو حائض, أو سالمان من هذه الأشياء] اختلفت الرواية عن أحمد فيما إذا خلا بها وبهما أو بأحدهما مانع من الوطء كالإحرام والصيام والحيض والنفاس, أو مانع حقيقي كالجب والعنة أو الرتق في المرأة, فعنه أن الصداق يستقر بكل حال وبه قال عطاء وابن أبي ليلى والثوري لعموم ما ذكرناه من الإجماع وقال عمر في العنين: يؤجل سنة, فإن هو غشيها وإلا أخذت الصداق كاملا وفرق بينهما, وعليها العدة ولأن التسليم المستحق عليها قد وجد وإنما الحيض والإحرام والرتق من غير جهتها فلا يؤثر في المهر, كما لا يؤثر في إسقاط النفقة وروي أنه لا يكمل به الصداق وهو قول شريح وأبي ثور لأنه لم يتمكن من تسلمها, فلم تستحق عليه مهرا بمنعها كما لو منعت تسليم نفسها إليه يحققه أن المنع من التسليم لا فرق بين كونه من أجنبي أو من العاقد كالإجارة وعن أحمد رواية ثالثة: إن كانا صائمين صوم رمضان, لم يكمل الصداق وإن كان غيره كمل قال أبو داود سمعت أحمد وسئل عن رجل دخل على أهله, وهما صائمان في غير رمضان فأغلق الباب وأرخى الستر؟ قال: وجب الصداق قيل لأحمد فشهر رمضان؟ قال: شهر رمضان خلاف لهذا قيل له: فكان مسافرا في رمضان قال: هذا مفطر يعني وجب الصداق وهذا يدل على أنه متى كان المانع متأكدا كالإحرام وصوم رمضان, لم يكمل الصداق وقال القاضي: إن كان المانع لا يمنع دواعى الوطء كالجب والعنة, والرتق والمرض والحيض, والنفاس وجب الصداق وإن كان يمنع دواعيه, كالإحرام وصيام الفرض فعلى روايتين وقال أبو حنيفة: إن كان المانع من جهتها, لم يستقر الصداق وإن كان من جهته صيام فرض أو إحرام لم يستقر الصداق, وإن كان جبا أو عنة كمل الصداق لأن المانع من جهته وذلك لا يمنع وجود التسليم المستحق منها فكمل حقها, كما يلزم الصغير نفقة امرأته إذا سلمت نفسها إليه.
فصل: وإن خلا بها وهي صغيرة لا يمكن وطؤها أو كانت كبيرة فمنعته نفسها, أو كان أعمى فلم يعلم بدخولها عليه لم يكمل صداقها نص عليه أحمد في المكفوف يتزوج المرأة, فأدخلت عليه فأرخى الستر وأغلق الباب فإن كان لا يعلم بدخولها عليه, فلها نصف الصداق وأومأ إلى أنها إذا نشزت عليه أو منعته نفسها, لا يكمل صداقها وذكره ابن حامد وذلك لأنه لم يوجد التمكن من جهتها فأشبه ما لو لم يخل بها وكذلك إن خلا بها وهو طفل لا يتمكن من الوطء, لم يكمل الصداق لأنه في معنى الصغيرة في عدم التمكن من الوطء. فصل: والخلوة في النكاح الفاسد لا يجب بها شيء من المهر لأن الصداق لم يجب بالعقد وإنما يوجبه الوطء ولم يوجد ولذلك لا يتنصف بالطلاق قبل الدخول, فأشبه ذلك الخلوة بالأجنبية وقد روي عن أحمد ما يدل على أن الخلوة فيه كالخلوة في الصحيح لأن الابتداء بالخلوة فيه كالابتداء بذلك في النكاح الصحيح فيتقرر به المهر كالصحيح والأولى أولى.
فصل:
فإن استمتع بامرأته بمباشرة فيما دون الفرج من غير خلوة, كالقبلة ونحوها فالمنصوص عن أحمد أنه يكمل به الصداق فإنه قال: إذا أخذها فمسها, وقبض عليها من غير أن يخلو بها لها الصداق كاملا إذا نال منها شيئا لا يحل لغيره وقال في رواية مهنا: إذا تزوج امرأة ونظر إليها وهي عريانة تغتسل, أوجب عليه المهر ورواه عن إبراهيم: إذا اطلع منها على ما يحرم على غيره فعليه المهر لأنه نوع استمتاع فهو كالقبلة قال القاضي: يحتمل أن هذا ينبني على ثبوت تحريم المصاهرة بذلك, وفيه روايتان فيكون في تكميل الصداق به وجهان أحدهما يكمل به الصداق لما روى الدارقطني عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان, قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من كشف خمار امرأة ونظر إليها وجب الصداق, دخل بها أو لم يدخل) ولأنه مسيس فيدخل في قوله تعالى: {من قبل أن تمسوهن} ولأنه استمتاع بامرأته فكمل به الصداق, كالوطء والوجه الآخر: لا يكمل به الصداق وهو قول أكثر الفقهاء لأن قوله تعالى: {تمسوهن} إنما أريد به في الظاهر الجماع ومقتضى قوله: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} أن لا يكمل الصداق لغير من وطئها ولا تجب عليها العدة, ترك عمومه في من خلا بها للإجماع الوارد عن الصحابة فيبقى فيما عداه على مقتضى العموم.
فصل: إذا دفع زوجته, فأذهب عذرتها ثم طلقها قبل الدخول فليس عليه إلا نصف صداقها, وقال أبو يوسف ومحمد: عليه الصداق كاملا لأنه أذهب عذرتها في نكاح صحيح فكان عليه المهر كاملا, كما لو وطئها ولنا قول الله تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} وهذه مطلقة قبل المسيس فأشبه ما لو لم يدفعها, ولأنه أتلف ما يستحق إتلافه بالعقد فلم يضمنه لغيره كما لو أتلف عذرة أمته ويتخرج أن يجب لها الصداق كاملا لأن أحمد قال: إن فعل ذلك أجنبي, عليه الصداق ففيما إذا فعله الزوج أولى فإن ما يجب به الصداق ابتداء أحق بتقرير المهر ونص أحمد في من أخذ امرأته وقبض عليها, وفي من نظر إليها وهي عريانة: عليه الصداق كاملا فهذا أولى.
فصل: وإن دفع امرأة أجنبية فأذهب عذرتها أو فعل ذلك بأصبعه أو غيرها, فقال أحمد: لها صداق نسائها وقال: إن تزوج امرأة عذراء فدفعها هو وأخوه فأذهبا عذرتها, ثم طلقها قبل الدخول فعلى الزوج نصف الصداق وعلى الأخ نصف العقر وروي نحو ذلك عن علي, وابنه الحسن وعبد الله بن معقل وعبد الملك بن مروان وقال الشافعي: ليس عليه إلا أرش بكارتها لأنه إتلاف جزء لم يرد الشرع بتقدير عوضه, فرجع في ديته إلى الحكومة كسائر ما لم يقدر ولأنه إذا لم يكمل به الصداق في حق الزوج, ففي حق الأجنبي أولى ولنا ما روى سعيد قال: حدثنا هشيم حدثنا مغيرة, عن إبراهيم أن رجلا كانت عنده يتيمة فخافت امرأته أن يتزوجها, فاستعانت بنسوة فضبطنها لها فأفسدت عذرتها وقالت لزوجها: إنها فجرت فأخبر عليا, رضي الله عنه بذلك فأرسل علي إلى امرأته والنسوة فلما أتينه, لم يلبثن إن اعترفن بما صنعن فقال للحسن بن علي: اقض فيها يا حسن فقال: الحد على من قذفها والعقر عليها وعلى الممسكات قال علي: لو كلفت الإبل طحنا لطحنت وما يطحن يومئذ بعير وقال: حدثنا هشيم, أخبرنا إسماعيل بن سالم حدثنا الشعبي أن جواري أربعا قالت إحداهن: هي رجل, وقالت الأخرى هي امرأة وقالت الثالثة,: هي أبو التي زعمت أنها رجل وقالت الرابعة: هي أبو التي زعمت أنها امرأة فخطبت التي زعمت أنها أبو الرجل إلى التي زعمت أنها أبو المرأة, فزوجوها إياها فعمدت إليها فأفسدتها بأصبعها فرفع ذلك إلى عبد الملك بن مروان فجعل الصداق بينهن أرباعا, وألغى حصة التي أمكنت من نفسها فبلغ عبد الله بن معقل فقال: لو وليت أنا, لجعلت الصداق على التي أفسدت الجارية وحدها وهذه قصص تنتشر فلم تنكر فكانت إجماعا ولأن إتلاف العذرة مستحق بعقد النكاح, فإذا أتلفه أجنبي وجب المهر كمنفعة البضع.
مسألة: قال: [والزوج هو الذي بيده عقدة النكاح, فإذا طلق قبل الدخول فأيهما عفا لصاحبه عما وجب له من المهر وهو جائز الأمر في ماله, برئ منه صاحبه] اختلف أهل العلم في الذي بيده عقدة النكاح فظاهر مذهب أحمد -رحمه الله- أنه الزوج وروي ذلك عن علي وابن عباس, وجبير بن مطعم رضي الله عنهم وبه قال سعيد بن المسيب وشريح وسعيد بن جبير, ونافع بن جبير مولى ابن عمر ومجاهد وإياس بن معاوية وجابر بن زيد, وابن سيرين والشعبي والثوري, وإسحاق وأصحاب الرأي والشافعي في الجديد وعن أحمد أنه الولي إذا كان أبا الصغيرة وهو قول الشافعي القديم, إذا كان أبا أو جدا وحكي عن ابن عباس وعلقمة والحسن, وطاوس والزهري وربيعة, ومالك أنه الولي لأن الولي بعد الطلاق هو الذي بيده عقدة النكاح لكونها قد خرجت عن يد الزوج ولأن الله تعالى ذكر عفو النساء عن نصيبهن, فينبغي أن يكون عفو الذي بيده عقدة النكاح عنه ليكون المعفو عنه في الموضعين واحدا ولأن الله تعالى بدأ بخطاب الأزواج على المواجهة, بقوله: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} ثم قال: {أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} وهذا خطاب غير حاضر ولنا ما روى الدارقطني بإسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه, عن جده عن (النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ولي العقدة الزوج) ولأن الذي بيده عقدة النكاح بعد العقد هو الزوج فإنه يتمكن من قطعه وفسخه وإمساكه وليس إلى الولي منه شيء, ولأن الله تعالى قال: {وأن تعفوا أقرب للتقوى} والعفو الذي هو أقرب إلى التقوى هو عفو الزوج عن حقه أما عفو الولي عن مال المرأة فليس هو أقرب إلى التقوى, ولأن المهر مال للزوجة فلا يملك الولي هبته وإسقاطه كغيره من أموالها وحقوقها, وكسائر الأولياء ولا يمتنع العدول عن خطاب الحاضر إلى خطاب الغائب كقوله تعالى: {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة} وقال تعالى: {قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم} فعلى هذا متى طلق الزوج قبل الدخول تنصف المهر بينهما, فإن عفا الزوج لها عن النصف الذي له كمل لها الصداق جميعه وإن عفت المرأة عن النصف الذي لها منه, وتركت له جميع الصداق جاز إذا كان العافي منهما رشيدا جائزا تصرفه في ماله, وإن كان صغيرا أو سفيها لم يصح عفوه لأنه ليس له التصرف في ماله بهبة ولا إسقاط ولا يصح عفو الولي عن صداق الزوجة, أبا كان أو غيره صغيرة كانت أو كبيرة نص عليه أحمد في رواية الجماعة وروي عنه ابن منصور: إذا طلق امرأته وهي بكر قبل أن يدخل بها فعفا أبوها أو زوجها, ما أرى عفو الأب إلا جائزا قال أبو حفص: ما أرى ما نقله ابن منصور إلا قولا لأبي عبد الله قديما وظاهر قول أبي حفص أن المسألة رواية واحدة وأن أبا عبد الله رجع عن قوله بجواز عفو الأب وهو الصحيح لأن مذهبه أنه لا يجوز للأب إسقاط ديون ولده الصغير ولا إعتاق عبيده, ولا تصرفه له إلا بما فيه مصلحته ولا حظ لها في هذا الإسقاط فلا يصح وإن قلنا برواية ابن منصور, لم يصح إلا بخمس شرائط: أولها أن يكون أبا لأنه الذي يلي مالها ولا يتهم عليها الثاني أن تكون صغيرة, ليكون وليا على مالها فإن الكبيرة تلي مال نفسها الثالث أن تكون بكرا لتكون غير مبتذلة, ولأنه لا يملك تزويج الثيب وإن كانت صغيرة فلا تكون ولايته عليها تامة الرابع أن تكون مطلقة لأنها قبل الطلاق معرضة لإتلاف البضع الخامس, أن تكون قبل الدخول لأن ما بعده قد أتلف البضع فلا يعفو عن بدل متلف ومذهب الشافعي على نحو من هذا إلا أنه يجعل الجد كالأب.
فصل: ولو بانت امرأة الصغير أو السفيه أو المجنون, على وجه يسقط صداقها عنهم مثل أن تفعل امرأته ما ينفسخ به نكاحها من رضاع من ينفسخ نكاحها برضاعه أو ردة, أو بصفة لطلاق من السفيه أو رضاع من أجنبية لمن ينفسخ نكاحها برضاعه أو نحو ذلك, لم يكن لوليهم العفو عن شيء من الصداق رواية واحدة وكذلك لا يجوز عند الشافعي قولا واحدا والفرق بينهم وبين الصغيرة أن وليها أكسبها المهر بتزويجها وهاهنا لم يكسبه شيئا, إنما رجع المهر إليه بالفرقة.
فصل: وإذا عفت المرأة عن صداقها الذي لها على زوجها أو عن بعضه أو وهبته له بعد قبضه وهي جائزة الأمر في مالها جاز ذلك وصح ولا نعلم فيه خلافا لقول الله تعالى: {إلا أن يعفون} يعني الزوجات وقال تعالى: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} قال أحمد في رواية المروذي: ليس شيء, قال الله تعالى: {فكلوه هنيئا مريئا} سماه غير المهر تهبه المرأة للزوج وقال علقمة لامرأته: هبي لي من الهنيء المريء يعني من صداقها وهل لها الرجوع فيما وهبت زوجها؟ فيه عن أحمد روايات واختلاف بين أهل العلم ذكرناه فيما مضى.
فصل: إذا طلقت قبل الدخول وتنصف المهر بينهما, لم يخل من أن يكون دينا أو عينا فإن كان دينا لم يخل إما أن يكون دينا في ذمة الزوج لم يسلمه إليها أو في ذمتها, بأن تكون قد قبضته وتصرفت فيه أو تلف في يدها وأيهما كان فإن للذي له الدين أن يعفو عن حقه منه, بأن يقول: عفوت عن حقي من الصداق أو أسقطته أو أبرأتك منه أو ملكتك إياه, أو وهبتك أو أحللتك منه أو أنت منه في حل, أو تركته لك وأي ذلك قال: سقط به المهر وبرئ منه الآخر وإن لم يقبله, لأنه إسقاط حق فلم يفتقر إلى قبول كإسقاط القصاص والشفعة والعتق والطلاق ولذلك صح إبراء الميت مع عدم القبول منه, ولو رد ذلك لم يرتد وبرئ منه لما ذكرناه وإن أحب العفو من الصداق في ذمته, لم يصح العفو لأنه إن كان في ذمة الزوج فقد سقط عنه بالطلاق وإن كان في ذمة الزوجة فلا يثبت في ذمتها إلا النصف الذي يستحقه الزوج وأما النصف الذي لها, فهو حقها تصرفت فيه فلم يثبت في ذمتها منه شيء ولأن الجميع كان ملكا لها تصرفت فيه, وإنما يتجدد ملك الزوج للنصف بطلاقه فلا يثبت في ذمتها غير ذلك وأيهما أراد تكميل الصداق لصاحبه فإنه يجدد له هبة مبتدأة وأما إن كان الصداق عينا في يد أحدهما, فعفا الذي هو في يده للآخر فهو هبة له تصح بلفظ العفو والهبة والتمليك ولا تصح بلفظ الإبراء والإسقاط, ويفتقر إلى القبض فيما يشترط القبض فيه وإن عفا غير الذي هو في يده صح بهذه الألفاظ وافتقر إلى مضي زمن يتأتى القبض فيه, إن كان الموهوب مما يفتقر إلى القبض.
فصل: وإن أصدقها عبدا فوهبته نصفه ثم طلقها قبل الدخول, انبنى ذلك على الروايتين فإن قلنا: إذا وهبته الكل لم يرجع بشيء رجع ها هنا في ربعه وعلى الرواية الأخرى يرجع في النصف الباقي كله لأنه وجده بعينه وبهذا قال أبو يوسف ومحمد والمزني وقال أبو حنيفة: لا يرجع بشيء لأن النصف حصل في يده, فقد استعجل حقه وقال الشافعي في أحد أقواله كقولنا والثاني له نصف النصف الباقي, ونصف قيمة الموهوب والثالث يتخير بين هذا وبين الرجوع بقيمة النصف ولنا أنه وجد نصف ما أصدقها بعينه, فأشبه ما لم تهبه شيئا.
فصل: فإن خالع امرأته بنصف صداقها قبل دخوله بها صح وصار الصداق كله له نصفه بالطلاق, ونصفه بالخلع ويحتمل أن يصير له ثلاثة أرباعه لأنه إذا خالعها بنصفه مع علمه أن النصف يسقط عنه صار مخالعا بنصف النصف الذي يبقى لها, فيصير له النصف بالطلاق والربع بالخلع وإن خالعها بمثل نصف الصداق في ذمتها صح, وسقط جميع الصداق نصفه بالطلاق بالمقاصة بما في ذمتها له من عوض الخلع ولو قالت له: اخلعني بما تسلم لي من صداقي ففعل صح وبرئ من جميع الصداق وكذلك إن قالت: اخلعني على أن لا تبعة عليك في المهر صح, وسقط جميعه عنه وإن خالعته بمثل جميع الصداق في ذمتها صح ويرجع عليها بنصفه لأنه يسقط نصفه بالمقاصة بالنصف الذي لها عليه, ويسقط عنه النصف بالطلاق يبقى لها عليها النصف وإن خالعته بصداقها كله فكذلك في أحد الوجهين وفي الآخر, لا يرجع عليها بشيء لأنه لما خالعها به مع علمه بسقوط نصفه بالطلاق كان مخالعا لها بنصفه, ويسقط عنه بالطلاق نصفه ولا يبقى لها شيء. فصل: وإذا أبرأت المفوضة من المهر صح قبل الدخول وبعده, وسواء في ذلك مفوضة البضع ومفوضة المهر وكذلك من سمى لها مهر فاسد كالخمر والمجهول لأن المهر واجب في هذه المواضع وإنما جهل قدره والبراءة من المجهول صحيحة لأنها إسقاط, فصحت في المجهول كالطلاق وقال الشافعي: لا تصح البراءة في شيء من هذا لأن المفوضة لم يجب لها مهر فلا يصح الإبراء مما لم يجب وغيرها مهرها مجهول, والبراءة من المجهول لا تصح إلا أن تقول: أبرأتك من درهم إلى ألف فيبرأ من مهرها إذا كان دون الألف وقد دللنا على وجوبه فيما مضى فيصح الإبراء منه, كما لو قالت: أبرأتك من درهم إلى ألف وإذا أبرأت المفوضة ثم طلقت قبل الدخول فإن قلنا: لا يرجع إلى المسمى لها لم يرجع ها هنا, وإن قلنا: يرجع ثم احتمل أن لا يرجع ها هنا لأن المهر كله سقط بالطلاق ووجبت المتعة بالطلاق ابتداء ويحتمل أن يرجع لأنه عاد إليه مهرها بسبب غير الطلاق وبكم يرجع؟ يحتمل أن يرجع بنصف مهر المثل لأنه الذي وجب بالعقد فهو كنصف المفروض, ويحتمل أن يرجع بنصف المتعة لأنها التي تجب بالطلاق فأشبهت المسمى.
فصل:
وإن أبرأته المفوضة من نصف صداقها ثم طلقها قبل الدخول, فلا متعة لها لأن المتعة قائمة مقام نصف الصداق وقد أبرأت منه فصار كما لو قبضته ويحتمل أن يجب لها نصف المتعة إذا قلنا: إن الزوج لا يرجع عليها بشيء إذا أبرأت من جميع صداقها.
فصل:
ولو باع رجلا عبدا بمائة, فأبرأه البائع من الثمن أو قبضه ثم وهبه إياه ثم وجد المشتري بالعبد عيبا, فهل له رد المبيع والمطالبة بالثمن أو أخذ أرش العيب مع إمساكه؟ على وجهين, بناء على الروايتين في الصداق إذا وهبته المرأة لزوجها ثم طلقها قبل الدخول وإن كانت بحالها فوهب المشتري العبد للبائع ثم أفلس المشتري, والثمن في ذمته فللبائع أن يضرب بالثمن مع الغرماء وجها واحدا لأن الثمن ما عاد إلى البائع منه شيء, ولذلك كان يجب أداؤه إليه قبل الفلس بخلاف التي قبلها ولو كاتب عبدا ثم أسقط عنه مال الكتابة, برئ وعتق ولم يرجع على سيده بالقدر الذي كان يجب على السيد أن يؤتيه إياه, كذلك لو أسقط عنه القدر الذي يلزمه إيتاؤه إياه واستوفى الباقي لم يلزمه أن يؤتيه شيئا لأن إسقاطه عنه يقوم مقام الإيتاء وخرجه بعض أصحابنا على وجهين, بناء على الروايتين في الصداق ولا يصح لأن المرأة أسقطت الصداق الواجب لها قبل وجود سبب استحقاق الزوج عليها نصفه وهاهنا أسقط السيد عن المكاتب ما وجد سبب إيتائه إياه, فكان إسقاطه مقام إيتائه ولهذا لو قبضه السيد منه ثم آتاه إياه, لم يرجع بشيء ولو قبضت المرأة صداقها ووهبته لزوجها ثم طلقها قبل الدخول لرجع عليها, فافترقا.
فصل:
ولا يبرأ الزوج من الصداق إلا بتسليمه إلى من يتسلم مالها فإن كانت رشيدة لم يبرأ إلا بالتسليم إليها, أو إلى وكيلها ولا يبرأ بالتسليم إلى أبيها ولا إلى غيره بكرا كانت أو ثيبا قال أحمد: إذا أخذ مهر ابنته وأنكرت, فذاك لها ترجع على زوجها بالمهر ويرجع الزوج على أبيها فقيل له: أليس قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أنت ومالك لأبيك)؟ قال: نعم, ولكن هذا لم يأخذ منها إنما أخذ من زوجها وهذا مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة: له قبض صداق البكر دون الثيب لأن ذلك العادة ولأن البكر تستحي, فقام أبوها مقامها كما قام مقامها في تزويجها ولنا أنها رشيدة, فلم يكن لغيرها قبض صداقها كالثيب أو عوض ملكته وهي رشيدة, فلم يكن لغيرها قبضه بغير إذنها كثمن مبيعها وأجر دارها وإن كانت غير رشيدة, سلمه إلى وليها في مالها من أبيها أو وصيه, أو الحاكم لأنه من جملة أموالها فهو كثمن مبيعها وأجر دارها.
مسألة:
قال: [وليس عليه دفع نفقة زوجته, إذا كان مثلها لا يوطأ أو منع منها بغير عذر فإن كان المنع من قبله, لزمته النفقة] وجملة ذلك أن المرأة إذا كانت لا يوطأ مثلها لصغرها فطلب وليها تسلمها والإنفاق عليها, لم يجب ذلك على الزوج لأن النفقة في مقابلة الاستمتاع ولهذا تسقط بالنشوز وهذه لا يمكنه الاستمتاع بها وإن كانت كبيرة فمنعته نفسها, أو منعها أولياؤها فلا نفقة لها أيضا لأنها في معنى الناشز لكونها لم تسلم الواجب عليها فلا يجب تسليم ما في مقابلته من الإنفاق وكل موضع لزمته النفقة, لزمه تسليم الصداق الحال إذا طولب به فأما الموضع الذي لا تلزمه نفقتها فيه كالصغيرة والمانعة نفسها, فقال أبو عبد الله بن حامد: يجب تسليم الصداق وهو قول الشافعي لأن المهر في مقابلة ملك البضع وقد ملكه بخلاف النفقة, فإنها في مقابلة التمكين ورد قوم هذا وقالوا: المهر قد ملكته في مقابلة ما ملكه من بضعها فليس لها المطالبة بالاستيفاء إلا عند إمكان الزوج استيفاء العوض.
فصل:
وإمكان الوطء في الصغيرة معتبر بحالها واحتمالها لذلك قاله القاضي وذكر أنهن يختلفن فقد تكون صغيرة السن تصلح, وكبيرة لا تصلح وحده أحمد بتسع سنين فقال في رواية أبي الحارث في الصغيرة يطلبها زوجها: فإن أتى عليها تسع سنين دفعت إليه, ليس لهم أن يحبسوها بعد التسع وذهب في ذلك إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم- بنى بعائشة وهي ابنة تسع قال القاضي: وهذا عندي ليس على طريق التحديد وإنما ذكره لأن الغالب أن ابنة تسع يتمكن من الاستمتاع بها فمتى كانت لا تصلح للوطء, لم يجب على أهلها تسليمها إليه وإن ذكر أنه يحضنها ويربيها وله من يخدمها لأنه لا يملك الاستمتاع بها, وليست له بمحل ولا يؤمن شره نفسه إلى مواقعتها فيفضها أو يقتلها وإن طلب أهلها دفعها إليه, فامتنع فله ذلك ولا تلزمه نفقتها لأنه لا يمكن من استيفاء حقه منها وإن كانت كبيرة إلا أنها مريضة مرضا مرجو الزوال, لم يلزمها تسليم نفسها قبل برئها لأنه مانع مرجو الزوال فهو كالصغر ولأن العادة لم تجر بزف المريضة إلى زوجها, والتسليم في العقد يجب على حسب العرف فإن سلمت نفسها فتسلمها الزوج فعليه نفقتها لأن المرض عارض يعرض ويتكرر, فيشق إسقاط النفقة به فجرى مجرى الحيض ولهذا لو مرضت بعد تسليمها, لم تسقط نفقتها وإن امتنع من تسلمها فله ذلك ولا تلزمه نفقتها لأنه لما لم يجب تسليمها إليه, لم يجب عليه تسلمها كالصغيرة ولأن العادة لم تجر بتسلمها على هذه الصفة وقال القاضي: يلزمه تسلمها, وإن امتنع فعليه نفقتها لما ذكرنا من أنه عارض لا يمكن التحرز منه ويتكرر, فأشبه الحيض فأما إن كان المرض غير مرجو الزوال لزم تسليمها إلى الزوج إذا طلبها ولزمه تسلمها إذا عرضت عليه لأنها ليست لها حالة يرجى زوال ذلك فيها, فلو لم تسلم نفسها لم يفد التزويج فائدة وله أن يستمتع بها فإن كانت نضوة الخلق, وهو جسيم تخاف على نفسها الإفضاء من عظم خلقه فلها منعه من جماعها, وله الاستمتاع بها فيما دون الفرج وعليه نفقتها ولا يثبت له خيار الفسخ لأن هذه يمكن الاستمتاع بها لغيره, وإنما امتناع الاستمتاع لمعنى فيه وهو عظم خلقه بخلاف الرتقاء وإن طلب تسليمها إليه وهي حائض, احتمل أن لا يجب ذلك لأنه خلاف العادة فأشبه المرض المرجو الزوال واحتمل وجوب التسليم لأنه يزول قريبا, ولا يمنع من الاستمتاع بما دون الفرج فإذا طلب ذلك لم يجز منعه منه كما لم يجز لها منعه منه بعد تسلمها وإن عرضت عليه, فأباها حتى تطهر فعلى قول القاضي يلزمه تسلمها ونفقتها إن امتنع منه, ويتخرج على ما ذكرنا أن لا يلزمه ذلك كالمرض المرجو الزوال.
فصل:
فإن منعت نفسها حتى تتسلم صداقها وكان حالا فلها ذلك قال ابن المنذر وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن للمرأة أن تمتنع من دخول الزوج عليها, حتى يعطيها مهرها وإن قال الزوج: لا أسلم إليها الصداق حتى أتسلمها أجبر الزوج على تسليم الصداق أولا ثم تجبر هي على تسليم نفسها ومذهب الشافعي في هذا على نحو مذهبه في البيع ولنا أن في إجبارها على تسليم نفسها أولا خطر إتلاف البضع, والامتناع من بذل الصداق ولا يمكن الرجوع في البضع بخلاف المبيع الذي يجبر على تسليمه قبل تسليمه ثمنه فإذا تقرر هذا, فلها النفقة ما امتنعت لذلك وإن كان معسرا بالصداق لأن امتناعها بحق وإن كان الصداق مؤجلا فليس لها منع نفسها قبل قبضه لأن رضاها بتأجيله رضي بتسليم نفسها قبل قبضه, كالثمن المؤجل في البيع فإن حل المؤجل قبل تسليم نفسها لم يكن لها منع نفسها أيضا لأن التسليم قد وجب عليها واستقر قبل قبضه, فلم يكن لها أن تمتنع منه وإن كان بعضه حالا وبعضه مؤجلا فلها منع نفسها قبل قبض العاجل دون الآجل وإن كان الكل حالا فلها منع نفسها على ما ذكرنا فإن سلمت نفسها قبل قبضه, ثم أرادت منع نفسها حتى تقبضه فقد توقف أحمد عن الجواب فيها وذهب أبو عبد الله ابن بطة وأبو إسحاق بن شاقلا إلى أنها ليس لها ذلك وهو قول مالك والشافعي, وأبي يوسف ومحمد لأن التسليم استقر به العوض برضا المسلم فلم يكن لها أن تمتنع منه بعد ذلك, كما لو سلم البائع المبيع وذهب أبو عبد الله بن حامد إلى أن لها ذلك وهو مذهب أبي حنيفة لأنه تسليم يوجبه عليها عقد النكاح فملكت أن تمتنع منه قبل قبض صداقها كالأول فأما إن وطئها مكرهة, لم يسقط به حقها من الامتناع لأنه حصل بغير رضاها كالمبيع إذا أخذه المشتري من البائع كرها وإن أخذت الصداق فوجدته معيبا, فلها منع نفسها حتى يبدله أو يعطيها أرشه لأن صداقها صحيح وإن لم تعلم عيبه حتى سلمت نفسها خرج على الوجهين فيما إذا سلمت نفسها قبل قبض صداقها ثم بدا لها أن تمتنع وكل موضع قلنا: لها الامتناع من تسليم نفسها فلها السفر بغير إذن الزوج لأنه لم يثبت للزوج عليها حق الحبس, فصارت كمن لا زوج لها ولو بقي منه درهم كان كبقاء جميعه لأن كل من ثبت له الحبس بجميع البدل ثبت له الحبس ببعضه, كسائر الديون.
فصل:
وإن أعسر الزوج بالمهر الحال قبل الدخول فلها الفسخ لأنه تعذر الوصول إلى عوض العقد قبل تسليم المعوض فكان لها الفسخ, كما لو أعسر المشتري بالثمن قبل تسليم المبيع وأجاز ابن حامد أنه لا فسخ لها وإن أعسر بعد الدخول فعلى وجهين مبنيين على منع نفسها, فإن قلنا: لها منع نفسها بعد الدخول فلها الفسخ كما قبل الدخول وإن قلنا: ليس لها منع نفسها فليس لها الفسخ كما لو أفلس بدين لها آخر ولا يجوز الفسخ إلا بحكم حاكم لأنه مجتهد فيه.
مسألة:
قال: [وإذا تزوجها على صداقين سر وعلانية, أخذ بالعلانية وإن كان السر قد انعقد به النكاح] ظاهر كلام الخرقي أن الرجل إذا تزوج المرأة في السر بمهر, ثم عقد عليها في العلانية بمهر آخر أنه يؤخذ بالعلانية وهذا ظاهر قول أحمد في رواية الأثرم وهو قول الشعبي وابن أبي ليلى, والثوري وأبي عبيد وقال القاضي: الواجب المهر الذي انعقد به النكاح سرا كان أو علانية وحمل كلام أحمد والخرقي على أن المرأة لم تقر بنكاح السر فثبت مهر العلانية لأنه الذي ثبت به النكاح وهذا قول سعيد بن عبد العزيز, وأبي حنيفة والأوزاعي والشافعي ونحوه عن شريح, والحسن والزهري والحكم بن عتيبة, ومالك وإسحاق لأن العلانية ليس بعقد ولا يتعلق به وجوب شيء ووجه قول الخرقي, أنه إذا عقد في الظاهر عقدا بعد عقد السر فقد وجد منه بذل الزائد على مهر السر فيجب ذلك عليه, كما لو زادها على صداقها ومقتضى ما ذكرنا من التعليل لكلام الخرقي أنه إن كان مهر السر أكثر من العلانية وجب مهر السر لأنه وجب عليه بعقده, ولم تسقطه العلانية فبقي وجوبه فأما إن اتفقا على أن المهر ألف وأنهما يعقدان العقد بألفين تجملا ففعلا ذلك فالمهر ألفان لأنها تسمية صحيحة في عقد صحيح, فوجبت كما لو لم يتقدمها اتفاق على خلافها وهذا أيضا قول القاضي ومذهب الشافعي ولا فرق فيما ذكرناه بين أن يكون السر من جنس العلانية, نحو أن يكون السر ألفا والعلانية ألفين أو يكونا من جنسين مثل أن يكون السر مائة درهم والعلانية مائة دينار وإذا قلنا: إن الواجب مهر العلانية فيستحب للمرأة أن تفي للزوج بما وعدت به, وشرطته على نفسها من أنها لا تأخذ إلا مهر السر قال أحمد في رواية ابن منصور: إذا تزوج امرأة في السر بمهر, وأعلنوا مهرا ينبغي لهم أن يفوا ويؤخذ بالعلانية فاستحب الوفاء بالشرط, لئلا يحصل منهم غرور ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (المؤمنون على شروطهم) وعلى قول القاضي إذا ادعى الزوج عقدا في السر انعقد به النكاح, فيه مهر قليل فصدقته فليس لها سواه, وإن أنكرته فالقول قولها لأنها منكرة وإن أقرت به وقالت: هما مهران في نكاحين وقال: بل نكاح واحد, أسررناه ثم أظهرناه فالقول قولها لأن الظاهر أن الثاني عقد صحيح يفيد حكما كالأول ولها المهر في العقد الثاني ونصف المهر في العقد الأول, إن ادعى سقوط نصفه بالطلاق قبل الدخول وإن أصر على الإنكار سئلت المرأة فإن ادعت أنه دخل بها في النكاح الأول ثم طلقها طلاقا بائنا, ثم نكحها نكاحا ثانيا حلفت على ذلك واستحقت وإن أقرت بما يسقط نصف المهر أو جميعه, لزمها ما أقرت به.
فصل
إذا تزوج أربع نسوة في عقد واحد بمهر واحد مثل أن يكون لهن ولي واحد كبنات الأعمام أو موليات لمولى واحد, أو من ليس لهن ولي فزوجهن الحاكم أو كان لهن أولياء فوكلوا وكيلا واحدا, فعقد نكاحهن مع رجل فقبله فالنكاح صحيح, والمهر صحيح وبهذا قال أبو حنيفة وهو أشهر قولي الشافعي والقول الثاني أن المهر فاسد ويجب مهر المثل لأن ما يجب لكل واحدة منهن من المهر غير معلوم ولنا, أن الفرض في الجملة معلوم فلا يفسد لجهالته في التفصيل كما لو اشترى أربعة أعبد من رجل بثمن واحد وكذلك الصبرة بثمن واحد, وهو لا يعلم قدر قفزانها إذا ثبت هذا فإن الصداق يقسم بينهن على قدر مهورهن في قول القاضي وابن حامد وهو قول أبي حنيفة, وصاحبيه والشافعي وقال أبو بكر: يقسم بينهن بالسوية لأنه أضافه إليهن إضافة واحدة فكان بينهن بالسواء, كما لو وهبه لهن أو أقر به لهن وكما لو اشترى جماعة ثوبا بأثمان مختلفة, ثم باعوه مرابحة أو مساومة كان الثمن بينهم بالسواء وإن اختلفت رءوس أموالهم, ولأن القول بتقسيطه يفضي إلى جهالة العوض لكل واحدة منهن وذلك يفسده ولنا أن الصفقة اشتملت على شيئين مختلفي القيمة فوجب تقسيط العوض عليهما بالقيمة, كما لو باع شقصا وسيفا أو كما لو ابتاع عبدين فوجد أحدهما حرا أو مغصوبا وقد نص أحمد, في من ابتاع عبدين فإذا أحدهما حر أنه يرجع بقيمته من الثمن وكذلك نص في من تزوج على جاريتين, فإذا إحداهما حرة أنه يرجع بقيمة الحرة ولو اشترى عبدين فوجد أحدهما معيبا فرده لرجع بقسطه من الثمن ما ذكره من المسألة غير مسلم له وإن سلم فالقيمة ثم واحدة, بخلاف مسألتنا وأما الهبة والإقرار فليس فيهما قيمة يرجع إليها وتقسم الهبة عليهما, بخلاف مسألتنا وإفضاؤه إلى جهالة التفصيل لا يمنع الصحة إذا كان معلوم الجملة, ويتفرع عن هذه المسألة إذا خالع امرأتين بعوض واحد أو كاتب عبيدا بعوض واحد, أنه يصح مع الخلاف فيه ويقسم العوض في الخلع على قدر المهرين وفي الكتابة على قدر قيمة العبيد وعلى قول أبي بكر يقسم بالسوية في المسألتين. فصل: فإن جمع بين نكاح وبيع, فقال: زوجتك ابنتي وبعتك داري هذا بألف صح ويقسط الألف, على صداقها وقيمة الدار وإن قال زوجتك ابنتي واشتريت منك عبدك هذا بألف فقال: بعتكه, وقبلت النكاح صح ويقسط الألف على العبد ومهر المثل وقال الشافعي في أحد قوليه: لا يصح البيع والمهر لإفضائه إلى الجهالة ولنا أنهما عقدان يصح كل واحد منهما منفردا, فصح جمعهما كما لو باعه ثوبين فإن قال: زوجتك ولك هذا الألف بألفين لم يصح المهر لأنه كمسألة مد عجوة.
فصل:
وإن تزوجها على ألف إن كان أبوها حيا وعلى ألفين إن كان أبوها ميتا, فالتسمية فاسدة ولها صداق نسائها نص عليه أحمد في رواية مهنا لأن حال الأب غير معلومة, فيكون مجهولا وإن قال: تزوجتك على ألف إن لم أخرجك من دارك وعلى ألفين إن أخرجتك منها أو على ألف إن لم يكن لي امرأة وعلى ألفين إن كانت لي امرأة فنص أحمد على صحة التسمية في هاتين المسألتين وقال القاضي, وأبو بكر: في الجميع روايتان إحداهما لا يصح واختاره أبو بكر لأن سبيله سبيل الشرطين فلم يجز, كالبيع والرواية الثانية يصح لأن ألفا معلوم وإنما جهل الثاني وهو معلوم على شرط, فإن وجد الشرط كان زيادة في الصداق والصداق تجوز الزيادة فيه والأولى أولى والقول بأن هذا تعليق على شرط لا يصح لوجهين أحدهما أن الزيادة لا يصح تعليقها على شرط فلو قال: إن مات أبوك, فقد زدتك في صداقك ألفا لم تصح ولم تلزم الزيادة عند موت الأب والثاني أن الشرط ها هنا لم يتجدد في قوله: إن كان لي زوجة, أو إن كان أبوك ميتا ولا الذي جعل الألف فيه معلوم الوجود ليكون الألف الثاني زيادة عليه ويمكن الفرق بين المسألة التي نص أحمد على إبطال التسمية فيها وبين التي نص على الصحة فيها, بأن الصفة التي جعل الزيادة فيها ليس للمرأة فيها غرض يصح بذل العوض فيه وهو كون أبيها ميتا بخلاف المسألتين اللتين صحت التسمية فيهما, فإن خلو المرأة من ضرة تغيرها وتقاسمها وتضيق عليها, من أكبر أغراضها وكذلك إقرارها في دارها بين أهلها وفي وطنها فلذلك خففت صداقها لتحصيل غرضها, وثقلته عند فواته فعلى هذا يمتنع قياس إحدى الصورتين على الأخرى ولا يكون في كل مسألة إلا رواية واحدة وهي الصحة في المسألتين الآخرتين, والبطلان في المسألة الأولى وما جاء من المسائل ألحق بأشبههما به.
فصل:
وإن تزوجها على طلاق امرأة له أخرى لم تصح التسمية, ولها مهر مثلها وهذا اختيار أبي بكر وقول أكثر الفقهاء لأن هذا ليس بمال وإنما قال الله تعالى: {أن تبتغوا بأموالكم} ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: {لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفئ ما في صحفتها ولتنكح, فإنما لها ما قدر لها} صحيح وروى عبد الله بن عمرو عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (لا يحل لرجل أن ينكح امرأة بطلاق أخرى) ولأن هذا لا يصلح ثمنا في بيع ولا أجرا في إجارة, فلم يصح صداقا كالمنافع المحرمة فعلى هذا يكون حكمه حكم ما لو أصدقها خمرا ونحوه, يكون لها مهر المثل أو نصفه إن طلقها قبل الدخول أو المتعة عند من يوجبها في التسمية الفاسدة وعن أحمد رواية أخرى أن التسمية صحيحة لأنه شرط فعلا لها فيه نفع وفائدة, لما يحصل لها من الراحة بطلاقها من مقاسمتها وضررها والغيرة منها, فصح صداقا كعتق أبيها وخياطة قميصها, ولهذا صح بذل العوض في طلاقها بالخلع فعلى هذا إن لم يطلق ضرتها فلها مثل صداق الضرة لأنه سمى لها صداقا لم يصل إليه فكان لها قيمته, كما لو أصدقها عبدا فخرج حرا ويحتمل أن لها مهر مثلها لأن الطلاق لا قيمة له وإن جعل صداقها أن طلاق ضرتها إليها إلى سنة, فلم تطلقها فقال أحمد إذا تزوج امرأة وجعل طلاق الأولى مهر الأخرى إلى سنة أو إلى وقت, فجاء الوقت ولم تقض شيئا رجع الأمر إليه فقد أسقط أحمد حقها لأنه جعله لها إلى وقت فإذا مضى الوقت ولم تقض فيه شيئا, بطل تصرفها كالوكيل وهل يسقط حقها من المهر؟ فيه وجهان ذكرهما أبو بكر أحدهما, يسقط لأنها تركت ما شرط لها باختيارها فسقط حقها كما لو تزوجها على عبد فأعتقته والثاني, لا يسقط لأنها أخرت استيفاء حقها فلا يسقط كما لو أجلت قبض دراهمها وهل ترجع إلى مهر مثلها, أو إلى مهر الأخرى؟ يحتمل وجهان.
فصل:
الزيادة في الصداق بعد العقد تلحق به نص عليه أحمد قال في الرجل يتزوج المرأة على مهر, فلما رآها زادها في مهرها: فهو جائز فإن طلقها قبل أن يدخل بها فلها نصف الصداق الأول, والذي زادها وهذا قول أبي حنيفة وقال الشافعي: لا تلحق الزيادة بالعقد فإن زادها فهي هبة تفتقر إلى شروط الهبة وإن طلقها بعد هبتها, لم يرجع بشيء من الزيادة قال القاضي: وعن أحمد مثل ذلك فإنه قال: إذا زوج رجل أمته عبده ثم أعتقهما جميعا, فقالت الأمة: زدني في مهري حتى أختارك فالزيادة للأمة ولو لحقت بالعقد كانت الزيادة للسيد وليس هذا دليلا على أن الزيادة لا تلحق بالعقد, فإن معنى لحوق الزيادة بالعقد أنها تلزم ويثبت فيها أحكام الصداق من التنصيف بالطلاق قبل الدخول وغيره وليس معناه أن الملك يثبت فيها قبل وجودها, وأنها تكون للسيد واحتج الشافعي بأن الزوج ملك البضع بالمسمى في العقد فلم يحصل بالزيادة شيء من المعقود عليه فلا تكون عوضا في النكاح, كما لو وهبها شيئا ولأنها زيادة في عوض العقد بعد لزومه فلم يلحق به, كما في البيع ولنا قول الله تعالى: {ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة} ولأن ما بعد العقد زمن لفرض المهر فكان حالة الزيادة كحالة العقد وبهذا فارق البيع والإجارة وقولهم: إنه لم يملك به شيئا من المعقود عليه قلنا: هذا يبطل بجميع الصداق فإن الملك ما حصل به, ولهذا صح خلوه عنه وهذا ألزم عندهم فإنهم قالوا: مهر المفوضة إنما وجب بفرضه لا بالعقد, وقد ملك البضع بدونه ثم إنه يجوز أن يستند ثبوت هذه الزيادة إلى حالة العقد فيكون كأنه ثبت بهما جميعا كما قالوا في مهر المفوضة إذا فرضه, وكما قلنا جميعا فيما إذا فرض لها أكثر من مهر مثلها إذا ثبت هذا فإن معنى لحوق الزيادة بالعقد أنه يثبت لها حكم المسمى في العقد في أنها تتنصف بالطلاق, ولا تفتقر إلى شروط الهبة وليس معناه أن الملك يثبت فيها من حين العقد ولأنها تثبت لمن كان الصداق له لأن الملك لا يجوز تقدمه على سببه, ولا وجوده في حال عدمه وإنما يثبت الملك بعد سببه من حينئذ وقال القاضي: في الزيادة وجه آخر أنها تسقط بالطلاق ولا أعرف وجه ذلك, فإن من جعلها صداقا جعلها تستقر بالدخول وتتنصف بالطلاق قبله وتسقط كلها إذا جاء الفسخ من قبل المرأة, ومن جعلها هبة جعلها جميعها للمرأة لا تتنصف بطلاقها إلا أن تكون غير مقبوضة, فإنها تسقط لكونها عدة غير لازمة فإن كان القاضي أراد ذلك فهذا وجه وإلا فلا.
مسألة:
قال: [وإذا أصدقها غنما فتوالدت, ثم طلقها قبل الدخول كانت الأولاد لها ورجع بنصف الأمهات, إلا أن تكون الولادة نقصتها فيكون مخيرا بين أن يأخذ نصف قيمتها وقت ما أصدقها أو يأخذ نصفها ناقصة] قد ذكرنا أن المهر يدخل في ملك المرأة بمجرد العقد فإذا زاد فالزيادة لها, وإن نقص فعليها وإذا كانت غنما فتوالدت فالأولاد زيادة منفصلة تنفرد بها دونه, لأنه نماء ملكها ويرجع في نصف الأمهات إن لم تكن نقصت ولا زادت زيادة متصلة لأنه نصف ما فرض لها وقد قال الله تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} وإن كانت نقصت بالولادة أو بغيرها, فله الخيار بين أخذ نصفها ناقصا لأنه راض بدون حقه وبين أخذ نصف قيمتها: وقت ما أصدقها لأن ضمان النقص عليها وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة: لا يرجع في نصف الأصل وإنما يرجع في نصف القيمة لأنه لا يجوز فسخ العقد في الأصل دون النماء لأنه موجب العقد, فلم يجز رجوعه في الأصل بدونه ولنا أن هذا نماء منفصل عن الصداق فلم يمنع رجوع الزوج, كما لو انفصل قبل القبض وما ذكروه فغير صحيح لأن الطلاق ليس برفع للعقد ولا النماء من موجبات العقد, إنما هو من موجبات الملك إذا ثبت هذا فلا فرق بين كون الولادة قبل تسليمه إليها أو بعده إلا أن يكون قد منعها قبضه فيكون النقص من ضمانه, والزيادة لها فتنفرد بالأولاد وإن نقصت الأمهات خيرت بين أخذ نصفها ناقصة, وبين أخذ نصف قيمتها أكثر ما كانت من يوم أصدقها إلى يوم طلقها وإن أراد الزوج نصف قيمة الأمهات من المرأة لم يكن له ذلك وقال أبو حنيفة: إذا ولدت في يد الزوج ثم طلقها قبل الدخول, رجع في نصف الأولاد أيضا لأن الولد دخل في التسليم المستحق بالعقد لأن حق التسليم تعلق بالأم فسرى إلى الولد, كحق الاستيلاد وما دخل في التسليم المستحق يتنصف بالطلاق كالذي دخل في العقد ولنا قول الله تعالى: {فنصف ما فرضتم} وما فرض ها هنا إلا الأمهات, فلا يتنصف سواها ولأن الولد حدث في ملكها فأشبه ما حدث في يدها, ولا يشبه حق التسليم حق الاستيلاد فإن حق الاستيلاد يسري وحق التسليم لا سراية له, فإن تلف في يد الزوج وكانت المرأة قد طالبت به فمنعها ضمنه كالغاصب, وإلا لم يضمنه لأنه تبع لأمه.
فصل:
والحكم في الصداق إذا كان جارية كالحكم في الغنم فإذا ولدت كان الولد لها, كولد الغنم إلا أنه ليس له الرجوع في نصف الأصل لأنه يفضي إلى التفريق بين الأم وولدها في بعض الزمان وكما لا يجوز التفريق بينهما وبين ولدها في جميع الزمان, لا يجوز في بعضه فيرجع أيضا في نصف قيمتها وقت ما أصدقها لا غير. فصل: وإن كان الصداق بهيمة حائلا فحملت فالحمل فيها زيادة متصلة, إن بذلتها له بزيادتها لزمه قبولها وليس ذلك معدودا نقصا, ولذلك لا يرد به المبيع وإن كانت أمة فحملت, فقد زادت من وجه لأجل ولدها ونقصت من وجه لأن الحمل في النساء نقص لخوف التلف عليها حين الولادة, ولهذا يرد بها المبيع فحينئذ لا يلزمها بذلها لأجل الزيادة ولا يلزمه قبولها لأجل النقص, وله نصف قيمتها وإن اتفقا على تنصيفها جاز وإن أصدقها حاملا فولدت, فقد أصدقها عينين الجارية وولدها وزاد الولد في ملكها فإن طلقها, فرضيت ببذل النصف من الأم والولد جميعا أجبر على قبولهما لأنها زيادة غير متميزة وإن لم تبذله لم يجز له الرجوع في نصف الولد لزيادته, ولا في نصف الأم لما فيه من التفرقة بينها وبين ولدها ويرجع بنصف قيمة الأم وفي نصف الولد وجهان أحدهما, لا يستحق نصف قيمته لأنه حالة العقد لا قيمة له وحالة الانفصال قد زاد في ملكها فلا يقوم الزوج بزيادته ويفارق ولد المغرور, فإن وقت الانفصال وقت الحيلولة فلهذا قوم فيها بخلاف مسألتنا والثاني, له نصف قيمته لأنه أصدقها عينين فلا يرجع في إحداهما دون الأخرى ويقوم حالة الانفصال لأنها أول حالة إمكان تقويمه وفي المسألة وجه آخر وهو أن الحمل لا حكم له, فيكون كأنه حادث.
فصل:
إذا كان الصداق مكيلا أو موزونا فنقص في يد الزوج قبل تسليمه إليها أو كان غير المكيل والموزون, فمنعها أن تتسلمه فالنقص عليه لأنه من ضمانه وتتخير المرأة بين أخذ نصفه ناقصا مع أرش النقص, وبين أخذ نصف قيمته أكثر ما كانت من يوم أصدقها إلى يوم طلقها لأنه إن زاد فلها وإن نقص فعليه, فهو بمنزلة الغاصب ولا يضمن زيادة القيمة لتغير الأسعار لأنها ليست من ضمان الغاصب فهاهنا أولى.
مسألة
قال: [وإذا أصدقها أرضا, فبنتها دارا أو ثوبا فصبغته ثم طلقها قبل الدخول رجع بنصف قيمته وقت ما أصدقها, إلا أن يشاء أن يعطيها نصف قيمة البناء والصبغ فيكون له النصف أو تشاء هي أن تعطيه زائدا, فلا يكون له غيره] إنما كان له نصف القيمة لأنه قد صار في الأرض والثوب زيادة للمرأة وهي البناء والصبغ فإن دفعت إليه نصف الجميع زائدا, فعليه قبوله لأنه حقه وزيادة وإن بذل لها نصف قيمة البناء والصبغ ويكون له النصف فقال الخرقي: " له ذلك " قال القاضي: هذا محمول على أنهما تراضيا بذلك, لا أنها تجبر على قبوله لأن بيع البناء معاوضة فلا تجبر المرأة عليها والصحيح أنها تجبر لأن الأرض حصلت له وفيها بناء لغيره, فإذا بذل القيمة لزم الآخر قبوله كالشفيع إذا أخذ الأرض بعد بناء المشتري فيها, فبذل الشفيع قيمته لزم المشتري قبولها, وكذلك إذا رجع المعير في أرضه وفيها بناء أو غرس للمستعير فبذل المعير قيمة ذلك لزم المستعير قبولها .
فصل:
إذا أصدقها نخلا حائلا, فأثمرت في يده فالثمرة لها لأنها نماء ملكها فإن جذها بعد تناهيها, وجعلها في ظروف وألقى عليها صقرا من صقرها, وهو سيلان الرطب بغير طبخ وهذا يفعله أهل الحجاز حفظا لرطوبتها لم يخل من ثلاثة أحوال: أحدها, أن لا تنقص قيمة الثمرة والصقر بل كانا بحالهما أو زادا, فإنه يردهما عليها ولا شيء عليه الثاني أن تنقص قيمتها, وذلك على ضربين: أحدهما أن يكون نقصهما متناهيا فإنه يدفعهما إليها وأرش نقصهما لأنه تعدى بما فعله من ذلك الضرب الثاني, أن لا يتناهى بل يتزايد ففيه وجهان أحدهما, أنها تأخذ قيمتها لأنها كالمستهلكة والثاني هي مخيرة بين ذلك وبين تركها حتى يستقر نقصها وتأخذها وأرشها, كالمغصوب منه الحال الثالث أن لا تنقص قيمتها لكن إن أخرجها من ظروفها نقصت قيمتها فللزوج إخراجها وأخذ ظروفها, إن كانت الظروف ملكه وإذا نقصت فالحكم على ما ذكرناه وإن قال الزوج: أنا أعطيكها مع ظروفها فقال القاضي: يلزمها قبولها لأن ظروفها كالمتصلة بها التابعة لها ويحتمل أن لا يلزمها قبولها لأن الظروف عين ماله فلا يلزمها قبولها, كالمنفصلة عنها.
فصل:
فإن كانت بحالها إلا أن الصقر المتروك على الثمرة ملك الزوج فإنه ينزع الصقر, ويرد الثمرة والحكم فيها إن نقصت أو لم تنقص كالتي قبلها وإن قال: أنا أسلمها مع الصقر والظروف فعلى الوجهين اللذين ذكرناهما وفي الموضع الذي حكمنا أن له رده, إذا قالت: أنا أرد الثمرة وآخذ الأصل فلها ذلك في أحد الوجهين والآخر ليس لها ذلك مبنيان على تفريق الصفقة في البيع, وقد ذكرناها في موضعها.
فصل:
إذا كان الصداق جارية فوطئها الزوج عالما بزوال ملكه وتحريم الوطء عليه, فعليه الحد لأنه وطء في غير ملكه وعليه المهر لسيدتها أكرهها أو طاوعته لأن المهر لمولاتها, فلا يسقط ببذلها ومطاوعتها كما لو بذلت يدها للقطع والولد رقيق للمرأة وإن اعتقد أن ملكه لم يزل عن جميعها, كما حكي عن مالك أو كان غير عالم بتحريمها عليه فلا حد عليه فلا حد عليه للشبهة, وعليه المهر والولد حر لا حق نسبه به وعليه قيمته يوم ولادته, ولا تصير أم ولد له وإن ملكها بعد ذلك لأنه لا ملك فيها, وتخير المرأة بين أخذها في حال حملها وبين أخذ قيمتها لأنه نقصها بإحبالها وهل لها الأرش مع ذلك؟ يحتمل أن لها الأرش لأنها نقصت بعدوانه أشبه ما لو نقصها الغاصب بذلك وقال بعض أصحاب الشافعي في الأرش ها هنا قولان وقال بعضهم: ينبغي أن يكون لها المطالبة بالأرش, قولا واحدا لأن النقص حصل بفعله الذي تعدى به فهو كالغاصب وكما لو طالبته فمنع تسليمها وهذا أصح.
فصل:
إذا أصدق ذمي ذميه خمرا, فتخللت في يدها ثم طلقها قبل الدخول احتمل أن لا يرجع عليها بشيء لأنها قد زادت في يدها بالتخلل, والزيادة لها وإن أراد الرجوع بنصف قيمتها قبل التخلل فلا قيمة لها, وإنما يرجع إذا زادت في نصف قيمتها أقل ما كانت من حين العقد إلى حين القبض وحينئذ لا قيمة لها وإن تخللت في يد الزوج, ثم طلقها فلها لأن الزيادة لها ويحتمل أن يكون الخل له وعليه نصف مهر مثلها, إذا ترافعا إلينا قبل القبض أو أسلما أو أحدهما.
فصل:
إذا تزوج امرأة فضمن أبوه نفقتها عشر سنين, صح ذكره أبو بكر لأن أكثر ما فيه أنه ضمان مجهول أو ضمان ما لم يجب وكلاهما صحيح, ولا فرق بين كون الزوج موسرا أو معسرا واختلف أصحاب الشافعي فمنهم من قال كقولنا ومنهم من قال: لا يصح إلا ضمان نفقة المعسر لأن غير المعسر يتغير حاله فيكون عليه نفقة الموسر أو المتوسط, فيكون ضمان مجهول والمعسر معلوم ما عليه ومنهم من قال: لا يصح أصلا لأنه ضمان ما لم يجب ولنا أن الحبل لا يمنع صحة الضمان, بدليل صحة ضمان نفقة المعسر مع احتمال أن يموت أحدهما فتسقط النفقة ومع ذلك صح الضمان, فكذلك هذا.
فصل:
ويجب المهر للمنكوحة نكاحا صحيحا والموطوءة في نكاح فاسد والموطوءة بشبهة بغير خلاف نعلمه ويجب للمكرهة على الزنى وعن أحمد, رواية أخرى: أنه لا مهر لها إن كانت ثيبا واختاره أبو بكر ولا يجب مع ذلك أرش البكارة وذكر القاضي أن أحمد قد قال في رواية أبي طالب في حق الأجنبية إذا أكرهها على الزنى, وهي بكر: فعليه المهر وأرش البكارة وهذا قول الشافعي وقال أبو حنيفة: لا مهر للمكرهة على الزنى ولنا (قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: فلها المهر بما استحل من فرجها) وهذا حجة على أبي حنيفة فإن المكره مستحل لفرجها فإن الاستحلال الفعل في غير موضع الحل, كقوله عليه السلام: (ما آمن بالقرآن من استحل محارمه) وهو حجة على من أوجب الأرش لكونه أوجب المهر وحده من غير أرش ولأنه استوفى ما يجب بدله بالشبهة وفي العقد الفاسد كرها, فوجب بدله كإتلاف المال وأكل طعام الغير ولنا على أنه لا يجب الأرش, أنه وطء ضمن بالمهر فلم يجب معه أرش كسائر الوطء, يحققه أن المهر بدل المنفعة المستوفاة بالوطء وبدل المتلف لا يختلف بكونه في عقد فاسد وكونه تمحض عدوانا, ولأن الأرش يدخل في المهر لكون الواجب لها مهر المثل ومهر البكر يزيد على مهر الثيب ببكارتها, فكانت الزيادة في المهر مقابلة لما أتلف من البكارة فلا يجب عوضها مرة ثانية يحققه أنه إذا أخذ أرش البكارة مرة لم يجز أخذه مرة أخرى, فتصير كأنها معدومة فلا يجب لها إلا مهر ثيب ومهر الثيب مع أرش البكارة هو مهر مثل البكر, فلا تجوز الزيادة عليه والله أعلم.
فصل:
ولا فرق بين كون الموطوءة أجنبية أو من ذوات محارمه وهو اختيار أبي بكر ومذهب النخعي ومكحول وأبي حنيفة, والشافعي وعن أحمد رواية أخرى أن ذوات محارمه من النساء لا مهر لهن وهو قول الشعبي لأن تحريمهن تحريم أصل, فلا يستحق به مهر كاللواط وفارق من حرمت تحريم المصاهرة فإن تحريمها طارئ, وكذلك ينبغي أن يكون الحكم في من حرمت بالرضاع لأنه طارئ أيضا وعن أحمد رواية أخرى أن من تحرم ابنتها لا مهر لها, كالأم والبنت والأخت ومن تحل ابنتها كالعمة والخالة, فلها المهر لأن تحريمها أخف ولنا أن ما ضمن للأجنبي ضمن للمناسب, كالمال ومهر الأمة ولأنه أتلف منفعة بضعها بالوطء فلزمه مهرها, كالأجنبية ولأنه محل مضمون على غيره فوجب عليه ضمانه, كالمال وبهذا فارق اللواط فإنه ليس بمضمون على أحد.
فصل:
ولا يجب المهر بالوطء في الدبر ولا اللواط لأن الشرع لم يرد ببدله ولا هو إتلاف لشيء, فأشبه القبلة والوطء دون الفرج ولا يجب للمطاوعة على الزنى لأنها باذلة لما يجب بذله لها, فلم يجب لها شيء كما لو أذنت له في قطع يدها فقطعها إلا أن تكون أمة, فيكون المهر لسيدها ولا يسقط ببذلها لأن الحق لغيرها فأشبه ما لو بذلت قطع يدها.
فصل:
ولو طلق امرأته قبل الدخول طلقة, وظن أنها لا تبين بها فوطئها لزمه مهر المثل, ونصف المسمى وقال مالك: لا يلزمه إلا مهر واحد ولنا أن المفروض يتنصف بطلاقه بقوله سبحانه: {فنصف ما فرضتم} ووطؤه بعد ذلك عرى عن العقد فوجب به مهر المثل, كما لو علم أو كغيرها أو كما لو وطئها غيره.
فصل:
ومن نكاحها باطل بالإجماع كالمزوجة والمعتدة, إذا نكحها رجل فوطئها عالما بالحال وتحريم الوطء وهي مطاوعة عالمة, فلا مهر لها لأنه زنى يوجب الحد وهي مطاوعة عليه وإن جهلت تحريم ذلك أو كونها في العدة فالمهر لها لأنه وطء شبهة وقد روى أبو داود, بإسناده (أن رجلا يقال له بصرة بن أكثم نكح امرأة فولدت لأربعة أشهر, فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- لها الصداق وفي لفظ قال: لها الصداق بما استحللت من فرجها فإذا ولدت فاجلدوها) وروى سعيد في " سننه ", عن عمران بن كثير أن عبيد الله بن الحر تزوج جارية من قومه يقال لها الدرداء فانطلق عبيد الله, فلحق بمعاوية ومات أبو الجارية فزوجها أهلها رجلا يقال له عكرمة, فبلغ ذلك عبيد الله فقدم فخاصمهم إلى علي رضي الله عنه فقصوا عليه قصتهم فرد عليه المرأة, وكانت حاملا من عكرمة فوضعت على يدي عدل فقالت المرأة لعلي: أنا أحق بمالي أو عبيد الله؟ قال: بل أنت أحق بمالك قالت: فاشهدوا أن ما كان لي على عكرمة من صداق فهو له, فلما وضعت ما في بطنها ردها على عبيد الله بن الحر وألحق الولد بأبيه.
فصل:
والصداق إذا كان في الذمة, فهو دين إذا مات من هو عليه وعليه دين سواه قسم ماله بينهم بالحصص قال أحمد في مريض تزوج في مرضه وعليه دين ومات: ما ترك بين الغرماء والمرأة بالحصص وذلك لأن نكاح المريض صحيح, والصداق دين فتساوى سائر الديون.
فصل:
وكل فرقة كانت قبل الدخول من قبل المرأة مثل إسلامها, أو ردتها أو إرضاعها من ينفسخ النكاح بإرضاعه أو ارتضاعها وهي صغيرة, أو فسخت لإعسارة أو عيبه أو لعتقها تحت عبد, أو فسخه بعيبها فإنه يسقط به مهرها ولا يجب لا متعة لأنها أتلفت المعوض قبل تسليمه, فسقط البدل كله كالبائع يتلف المبيع قبل تسليمه وإن كانت بسبب الزوج كطلاقه, وخلعه وإسلامه وردته, أو جاءت من أجنبي كالرضاع أو وطء ينفسخ به النكاح, سقط نصف المهر ووجب نصفه أو المتعة لغير من سمى لها ثم يرجع الزوج على من فسخ النكاح إذا جاء الفسخ من قبل أجنبي وإن قتلت المرأة, استقر المهر جميعه لأنها فرقة حصلت بالموت وانتهاء النكاح فلا يسقط بها المهر, كما لو ماتت حتف أنفها سواء قتلها زوجها أو أجنبي أو قتلت نفسها, أو قتل الأمة سيدها وإن طلق الحاكم على الزوج في الإيلاء فهو كطلاقه لأنه قام مقامه في إيفاء الحق عليه عند امتناعه منه وفي فرقة اللعان روايتان إحداهما هي كطلاقه لأن سبب اللعان قذفه الصادر منه والثانية, يسقط به مهرها لأن الفسخ عقيب لعانها فهو كفسخها لعنته وفي فرقة شرائها لزوجها أيضا روايتان إحداهما يتنصف بها مهرها لأن البيع الموجب للفسخ تم بالسيد القائم مقام الزوج وبالمرأة, فأشبه الخلع والثانية يسقط المهر لأن الفسخ وجد عقيب قبولها فأشبه فسخها لعنته وفيما إذا اشترى الحر امرأته وجهان, مبنيان على الروايتين في شرائها لزوجها وإذا جعل لها الخيار فاختارت نفسها أو وكلها في الطلاق, فطلقت نفسها فهو كطلاقه لا يسقط مهرها لأن المرأة وإن باشرت الطلاق فهي نائبة عنه, ووكيلة له وفعل الوكيل كفعل الموكل فكأنه صدر عن مباشرته وإن علق طلاقها على فعل من قبلها, لم يسقط مهرها لأن السبب وجد منه وإنما هي حققت شرطه والحكم ينسب إلى صاحب السبب والله أعلم.