المغني - كتاب الشفعة
المغني موفق الدين أبو محمد عبد الله بن قدامة المقدسي الحنبلي
(الجزء التاسع عشر – كتاب الشفعة) • كتاب الشفعة: o مسألة: وجوب الشفعة للشريك المقاسم o فصل: الشرط الثاني أن يكون المبيع أرضًا o فصل: الشرط الثالث أن يكون المبيع مما يمكن قسمته o فصل: الشرط الرابعأن يكون الشقص منتقلاً بعوض o فصل: فيمن جنى جنايتين عمدا وخطأ o فصل: بيع المريض كبيع الصحيح في الصحة o فصل: يملك الشفيع الشقص بأخذه بكل لفظ يدل على أخذه o فصل: إذا أراد الشفيع أخذ الشقص o فصل: إذا أقر البائع بالبيع o مسألة: حق الشفعة على الفور o فصل: من لم يطالب بالشفعة بطلت شفعته o فصل: إذا أظهر المشتري أن الثمن أكثر مما وقع العقد به o فصل: إن لقيه الشفيع في غير بلده فلم يطالبه o فصل: إذا قال الشفيع للمشتري: بعني ما اشتريت o فصل: إن قال: آخذ نصف الشقص سقطت شفعته o فصل: إن أخذ الشقص بثمن مغصوب o فصل: من وجبت له الشفعة o مسألة: من كان غائبًا وعلم بالبيع في وقت قدومه فله الشفعة o مسألة: إن علم وهو في السفر فلم يشهد على مطالبته فلا شفعة له o فصل: إذا أشهد على المطالبة ثم أخر القدوم مع إمكانه o فصل: من كان مريضًا مرضًا لا يمنع المطالبة كالصداع اليسير o مسألة: حكم تصرف المشتري في المبيع قبل أخذ الشفيع أو قبل علمه o فصل: إن قايل البائع المشتري o فصل: إن اشترى شقصًا بعبد ثم وجد بائع الشقص بالعبد عيبًا o فصل: لو كان ثمن الشقص مكيلًا أو موزونًا o فصل: إن اشترى شقصًا بعبد أو ثمن معين o فصل: إذا وجبت الشفعة وقضى القاضي بها والشقص في يد البائع o مسألة: للصغير إذا كبر المطالبة بالشفعة o فصل: لزوم احتياط الولي للصبي في الشفعة o فصل: إذا باع وصي الأيتام فباع لأحدهم نصيبًا في شركة آخر كان له الأخذ للآخر بالشفعة o فصل: إذا عفا ولي الصبي عن شفعته التي له فيها حظ ثم أراد الأخذ بها o فصل: الحكم في المجنون المطبق كالحكم في الصبي سواء o فصل: إذا بيع شقص في شركة مال المضاربة o فصل: لا شفعة بشركة الوقف ذكره القاضيان o مسألة: إذا بنى المشتري أعطاه الشفيع قيمة بنائه o فصل: إن زرع في الأرض فللشفيع الأخذ بالشفعة ويبقى زرع المشتري إلى أوان الحصاد o فصل: إذا نما المبيع في يد المشتري لم يخل من حالين o فصل: إن تلف الشقص أو بعضه في يد المشتري فهو من ضمانه o مسألة: إن كان الشراء وقع بعين أو ورق أعطاه الشفيع مثل ذلك o فصل: يستحق الشفيع الشقص بالثمن الذي استقر عليه العقد o فصل: إن كان الثمن مما تجب قيمته فإنها تعتبر وقت البيع o فصل: إذا كان الثمن مؤجلًا أخذه الشفيع بذلك الأجل o فصل: إذا باع شقصًا مشفوعًا ومعه ما لا شفعة فيه o فصل: إذا باع شقصين من أرضين صفقة واحدة o فصل: لا يأخذ بالشفعة من لا يقدر على الثمن o فصل: لا يحل الاحتيال لإسقاط الشفعة وإن فعل لم تسقط o مسألة: إن اختلفا في الثمن فالقول قول المشتري مع يمينه إلا أن يكون للشفيع بينة o فصل: إن قال المشتري: لا أعلم مبلغ الثمن فالقول قوله o فصل: إن اشترى شقصًا بعرض واختلفا في قيمته o فصل: إذا ادعى الشفيع على بعض الشركاء أنك اشتريت نصيبك فلي أخذه بالشفعة o فصل: إن قال اشتريته لفلان وكان حاضرًا o فصل: الدار تكون بين حاضر وغائب o فصل: إذا ادعى على رجل شفعة في شقص اشتراه o فصل: إذا اختلف المتبايعان في الثمن o فصل: لو اشترى شقصًا له شفيعان o مسألة: إن كانت دار بين ثلاثة لأحدهم نصفها وللآخر ثلثها o فصل: إن كان المشتري شريكًا فللشفيع الآخر أن يأخذ بقدر نصيبه o مسألة: إن ترك أحدهما شفعته لم يكن للآخر أن يأخذ إلا الكل أو يترك o فصل: فإن كان الشفعاء غائبين لم تسقط الشفعة لموضع العذر o فصل: إذا أخذ الأول الشقص كله بالشفعة o فصل: إذا اشترى رجل من رجلين شقصًا فللشفيع أخذ نصيب أحدهما دون الآخر o فصل: إذا باع شقصًا لثلاثة دفعة واحدة فلشريكه أن يأخذ من الثلاثة o فصل: دار بين أربعة أرباعًا باع ثلاثة منهم في عقود متفرقة o فصل: إذا كانت دار بين ثلاثة فوكل أحدهم شريكه في بيع نصيبه مع نصيبه فباعهما لرجل واحد o مسألة: عهدة الشفيع على المشتري وعهدة المشتري على البائع o فصل: حكم الشفيع في الرد بالعيب o مسألة: الشفعة لا تورث إلا أن يكون الميت طالب بها o فصل: إن أشهد الشفيع على مطالبته بها للعذر ثم مات o فصل: إذا بيع شقص له شفيعان فعفا أحدهما عنها o فصل: إن مات مفلس وله شقص فباع شريكه كان لورثته الشفعة o فصل: لو اشترى شقصًا مشفوعًا ووصى به o فصل: لو اشترى رجل شقصًا ثم ارتد فقتل أو مات o فصل: إذا اشترى المرتد شقصًا فتصرفه موقوف o مسألة: إن أذن الشريك في البيع ثم طالب بالشفعة بعد وقوع البيع فله ذلك o فصل: إذا توكل الشفيع في البيع لم تسقط شفعته بذلك o فصل: إن ضمن الشفيع العهدة للمشتري أو شرط له الخيار فاختار إمضاء العقد لم تسقط شفعته o فصل: إذا كانت دار بين ثلاثة فقارض واحد منهم أحد شريكيه o فصل: إن كانت الدار بين ثلاثة أثلاثًا فاشترى أجنبي نصيب أحدهم o فصل: إن قال أحد الشفيعين للمشتري: شراؤك باطل o فصل: إذا ادعى رجل على آخر ثلث داره فأنكره ثم صالحه عن دعواه بثلث دار أخرى صح o فصل: إذا كانت دار بين ثلاثة أثلاثًا فاشترى أحدهم نصيب أحد شريكيه o فصل: دار بين ثلاثة دخلتها الشفعة o فصل: دار بين أربعة أرباعًا o مسألة: لا شفعة لكافر على مسلم o فصل: ثبوت الشفعة على الذمي للذمي o فصل: من حكم بإسلامه فله الشفعة o فصل: تثبت الشفعة للبدوي على القروي وللقروي على البدوي o فصل: ليس في أرض السواد شفعة
كتاب الشفعة: وهي استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه المنتقلة عنه من يد من انتقلت إليه وهي ثابتة بالسنة والإجماع أما السنة فما روى جابر ـ رضي الله عنه ـ قال: (قضى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالشفعة فيما لم يقسم, فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) متفق عليه ولمسلم قال: (قضى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالشفعة في كل شرك لم يقسم ربعة, أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يستأذن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك, فإن باع ولم يستأذنه فهو أحق به) وللبخاري: (إنما جعل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق, فلا شفعة) وأما الإجماع فقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على إثبات الشفعة للشريك الذي لم يقاسم فيما بيع من أرض أو دار أو حائط والمعنى في ذلك أن أحد الشريكين إذا أراد أن يبيع نصيبه, وتمكن من بيعه لشريكه وتخليصه مما كان بصدده من توقع الخلاص والاستخلاص فالذي يقتضيه حسن العشرة, أن يبيعه منه ليصل إلى غرضه من بيع نصيبه وتخليص شريكه من الضرر, فإذا لم يفعل ذلك وباعه لأجنبي سلط الشرع الشريك على صرف ذلك إلى نفسه ولا نعلم أحدا خالف هذا إلا الأصم, فإنه قال: لا تثبت الشفعة لأن في ذلك إضرارا بأرباب الأملاك فإن المشتري إذا علم أنه يؤخذ منه إذا ابتاعه لم يبتعه, ويتقاعد الشريك عن الشراء فيستضر المالك وهذا ليس بشيء لمخالفته الآثار الثابتة والإجماع المنعقد قبله والجواب عما ذكره من وجهين أحدهما أنا نشاهد الشركاء يبيعون, ولا يعدم من يشتري منهم غير شركائهم ولم يمنعهم استحقاق الشفعة من الشراء الثاني أنه يمكنه إذا لحقته بذلك مشقة أن يقاسم, فيسقط استحقاق الشفعة واشتقاق الشفعة من الشفع وهو الزوج, فإن الشفيع كان نصيبه منفردا في ملكه فبالشفعة يضم المبيع إلى ملكه فيشفعه به وقيل: اشتقاقها من الزيادة لأن الشفيع يزيد المبيع في ملكه.
مسألة:
قال أبو القاسم [ولا يجب الشفعة إلا للشريك المقاسم فإذا وقعت الحدود, وصرفت الطرق فلا شفعة]. وجملة ذلك أن الشفعة تثبت على خلاف الأصل إذ هي انتزاع ملك المشتري بغير رضاء منه, وإجبار له على المعاوضة مع ما ذكره الأصم لكن أثبتها الشرع لمصلحة راجحة, فلا تثبت إلا بشروط أربعة: أحدها أن يكون الملك مشاعا غير مقسوم فأما الجار فلا شفعة له وبه قال عمر, وعثمان وعمر بن عبد العزيز وسعيد بن المسيب, وسليمان بن يسار والزهري ويحيى الأنصاري, وأبو الزناد وربيعة والمغيرة بن عبد الرحمن, ومالك والأوزاعي والشافعي, وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر, وقال ابن شبرمة والثوري وابن أبي ليلى, وأصحاب الرأي: الشفعة بالشركة ثم بالشركة في الطريق ثم بالجوار, وقال أبو حنيفة: يقدم الشريك فإن لم يكن وكان الطريق مشتركا, كدرب لا ينفذ تثبت الشفعة لجميع أهل الدرب الأقرب فالأقرب, فإن لم يأخذوا ثبتت للملاصق من درب آخر خاصة وقال العنبري وسوار: تثبت بالشركة في المال, وبالشركة في الطريق واحتجوا بما روى أبو رافع قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (الجار أحق بصقبه) رواه البخاري وأبو داود وروى الحسن عن سمرة, أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (جار الدار أحق بالدار) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح وروى الترمذي في حديث جابر: (الجار أحق بداره بشفعته ينتظر به إذا كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا) وقال حديث حسن ولأنه اتصال ملك يدوم ويتأبد فتثبت الشفعة به, كالشركة ولنا قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود, وصرفت الطرق فلا شفعة) وروى ابن جريج عن الزهري, عن سعيد بن المسيب أو عن أبي سلمة أو عنهما, قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (إذا قسمت الأرض وحدت فلا شفعة فيها) رواه أبو داود ولأن الشفعة ثبتت في موضع الوفاق على خلاف الأصل, لمعنى معدوم في محل النزاع فلا تثبت فيه وبيان انتفاء المعنى, هو أن الشريك ربما دخل عليه شريك فيتأذى به فتدعوه الحاجة إلى مقاسمته أو يطلب الداخل المقاسمة, فيدخل الضرر على الشريك بنقص قيمة ملكه وما يحتاج إلى إحداثه من المرافق وهذا لا يوجد في المقسوم فأما حديث أبي رافع, فليس بصريح في الشفعة فإن الصقب القرب يقال بالسين والصاد قال الشاعر: كوفية نازح محلتها ** لا أمم دارها ولا صقب فيحتمل أنه أراد بإحسان جاره وصلته وعيادته ونحو ذلك وخبرنا صريح صحيح فيقدم, وبقية الأحاديث في أسانيدها مقال فحديث سمرة يرويه عنه الحسن ولم يسمع منه إلا حديث العقيقة قاله أصحاب الحديث قال ابن المنذر: الثابت عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حديث جابر الذي رويناه, وما عداه من الأحاديث فيها مقال على أنه يحتمل أنه أراد بالجار الشريك فإنه جار أيضا ويسمى كل واحد من الزوجين جارا قال الشاعر: أجارتنا بينى فإنك طالقه ** كذاك أمور الناس غاد وطارقه قاله الأعشى وتسمى الضرتان جارتين لاشتراكهما في الزوج قال حمل بن مالك: كنت بين جارتين لي, فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها وهذا يمكن في تأويل حديث أبي رافع أيضا إذا ثبت هذا فلا فرق بين كون الطريق مفردة أو مشتركة قال أحمد, في رواية ابن القاسم في رجل له أرض تشرب هي وأرض غيره من نهر واحد: ولا شفعة له من أجل الشرب إذا وقعت الحدود فلا شفعة وقال, في رواية أبي طالب وعبد الله ومثنى, في من لا يرى الشفعة بالجوار وقدم إلى الحاكم فأنكر: لم يحلف إنما هو اختيار وقد اختلف الناس فيه, قال القاضي: إنما هذا لأن يمين المنكر ها هنا على القطع والبت ومسائل الاجتهاد مظنونة فلا يقطع ببطلان مذهب المخالف, ويمكن أن يحمل كلام أحمد ها هنا على الورع لا على التحريم لأنه يحكم ببطلان مذهب المخالف ويجوز للمشتري الامتناع به من تسليم المبيع فيما بينه وبين الله تعالى.
فصل:
الشرط الثاني, أن يكون المبيع أرضًا لأنها التي تبقى على الدوام ويدوه ضررها وأما غيرها فينقسم قسمين أحدهما, تثبت فيه الشفعة تبعا للأرض وهو البناء والغراس يباع مع الأرض فإنه يؤخذ بالشفعة تبعا للأرض, بغير خلاف في المذهب ولا نعرف فيه بين من أثبت الشفعة خلافا وقد دل عليه (قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقضاؤه بالشفعة في كل شرك لم يقسم ربعة أو حائط) وهذا يدخل فيه البناء والأشجار القسم الثاني, ما لا تثبت فيه الشفعة تبعا ولا مفردا وهو الزرع والثمرة الظاهرة تباع مع الأرض فإنه لا يؤخذ بالشفعة مع الأصل وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك: يؤخذ ذلك بالشفعة مع أصوله لأنه متصل بما فيه الشفعة, فيثبت فيه الشفعة تبعا كالبناء والغراس ولنا أنه لا يدخل في البيع تبعا فلا يؤخذ بالشفعة, كقماش الدار وعكسه البناء والغراس وتحقيقه أن الشفعة بيع في الحقيقة, لكن الشارع جعل له سلطان الأخذ بغير رضي المشتري فإن بيع الشجر وفيه ثمرة غير ظاهرة كالطلع غير المؤبر, دخل في الشفعة لأنها تتبع في البيع فأشبهت الغراس في الأرض وأما ما بيع مفردا من الأرض فلا شفعة فيه, سواء كان مما ينقل كالحيوان والثياب والسفن والحجارة والزرع والثمار أو لا ينقل, كالبناء والغراس إذا بيع مفردا وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي وروي عن الحسن, والثوري والأوزاعي والعنبري, وقتادة وربيعة وإسحاق: لا شفعة في المنقولات واختلف عن مالك وعطاء, فقالا مرة كذلك ومرة قالا: الشفعة في كل شيء حتى في الثوب قال ابن أبي موسى: وقد روى عن أبي عبد الله رواية أخرى, أن الشفعة واجبة فيما لا ينقسم كالحجارة والسيف والحيوان وما في معنى ذلك قال أبو الخطاب: وعن أحمد رواية أخرى أن الشفعة تجب في البناء والغراس, وإن بيع مفردا وهو قول مالك لعموم قوله عليه السلام: (الشفعة فيما لم يقسم) ولأن الشفعة وضعت لدفع الضرر وحصول الضرر بالشركة فيما لا ينقسم أبلغ منه فيما ينقسم ولأن ابن أبي مليكة روى أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (الشفعة في كل شيء) ولنا أن قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) لا يتناول إلا ما ذكرناه, وإنما أراد ما لا ينقسم من الأرض بدليل قوله: " فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق " ولأن هذا مما لا يتباقى على الدوام, فلا تجب فيه الشفعة كصبرة الطعام وحديث ابن أبي مليكة مرسل لم يرد في الكتب الموثوق بها, والحكم في الغراف والدولاب والناعورة كالحكم في البناء فأما إن بيعت الشجرة مع قرارها من الأرض مفردة عما يتخللها من الأرض, فحكمها حكم ما لا ينقسم من العقار ولأن هذا مما لا ينقسم على ما سنذكره ويحتمل أن لا تجب الشفعة فيها بحال لأن القرار تابع لها, فإذا لم تجب الشفعة فيها مفردة لم تجب في تبعها وإن بيعت حصة من علو دار مشترك نظرت فإن كان السقف الذي تحته لصاحب السفل فلا شفعة في العلو لأنه بناء مفرد, وإن كان لصاحب العلو فكذلك لأنه بناء منفرد لكونه لا أرض له فهو كما لو لم يكن السقف له ويحتمل ثبوت الشفعة لأن له قرارا, فهو كالسفل.
فصل:
الشرط الثالث أن يكون المبيع مما يمكن قسمته فأما ما لا يمكن قسمته من العقار, كالحمام الصغير والرحى الصغيرة والعضادة, والطريق الضيقة والعراص الضيقة فعن أحمد فيها روايتان إحداهما, لا شفعة فيه وبه قال يحيى بن سعيد وربيعة والشافعي والثانية, فيها الشفعة وهو قول أبي حنيفة والثوري وابن سريج وعن مالك كالروايتين ووجه هذا عموم قوله عليه السلام (الشفعة فيما لم يقسم) وسائر الألفاظ العامة, ولأن الشفعة ثبتت لإزالة ضرر المشاركة والضرر في هذا النوع أكثر لأنه يتأبد ضرره والأول ظاهر المذهب لما روى عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: (لا شفعة في فناء ولا طريق ولا منقبة) والمنقبة: الطريق الضيق رواه أبو الخطاب في " رءوس المسائل " وروى عن عثمان رضي الله عنه أنه قال: لا شفعة في بئر ولا فحل ولأن إثبات الشفعة في هذا يضر بالبائع لأنه لا يمكنه أن يتخلص من إثبات الشفعة في نصيبه بالقسمة, وقد يمتنع المشتري لأجل الشفيع فيتضرر البائع وقد يمتنع البيع, فتسقط الشفعة فيؤدي إثباتها إلى نفيها ويمكن أن يقال: إن الشفعة إنما تثبت لدفع الضرر الذي يلحقه بالمقاسمة لما يحتاج إليه من إحداث المرافق الخاصة ولا يوجد هذا فيما لا ينقسم وقولهم: إن الضرر ها هنا أكثر لتأبده قلنا: إلا أن الضرر في محل الوفاق من غير جنس هذا الضرر, وهو ضرر الحاجة إلى إحداث المرافق الخاصة فلا يمكن التعدية وفي الشفعة ها هنا ضرر غير موجود في محل الوفاق, وهو ما ذكرناه فتعذر الإلحاق فأما ما أمكن قسمته مما ذكرنا كالحمام الكبير الواسع البيوت, بحيث إذا قسم لم يستضر بالقسمة وأمكن الانتفاع به حماما فإن الشفعة تجب فيه وكذلك البئر والدور والعضائد, متى أمكن أن يحصل من ذلك شيئان كالبئر ينقسم بئرين يرتقي الماء منهما وجبت الشفعة وكذلك إن كان مع البئر بياض أرض, بحيث يحصل البئر في أحد النصيبين وجبت الشفعة أيضا لأنه تمكن القسمة وهكذا الرحى إن كان لها حصن يمكن قسمته بحيث يحصل الحجران في أحد القسمين, أو كان فيها أربعة أحجار دائرة يمكن أن ينفرد كل واحد منهما بحجرين وجبت الشفعة, وإن لم يمكن إلا أن يحصل لكل واحد منهما ما لم يتمكن من إبقائها رحى لم تجب الشفعة فأما الطريق فإن الدار إذا بيعت ولها طريق في شارع أو درب نافذ, فلا شفعة في تلك الدار ولا في الطريق لأنه لا شركة لأحد في ذلك وإن كان الطريق في درب غير نافذ ولا طريق للدار سوى تلك الطريق فلا شفعة أيضا لأن إثبات ذلك يضر بالمشتري, لأن الدار تبقى لا طريق لها وإن كان للدار باب آخر يستطرق منه أو كان لها موضع يفتح منه باب لها إلى طريق نافذ, نظرنا في طريق المبيع من الدار فإن كان ممرا لا تمكن قسمته فلا شفعة فيه, وإن كان تمكن قسمته وجبت الشفعة فيه لأنه أرض مشتركة تحتمل القسمة فوجبت فيه الشفعة كغير الطريق, ويحتمل أن لا تجب الشفعة فيها بحال لأن الضرر يلحق المشتري بتحويل الطريق إلى مكان آخر مع ما في الأخذ بالشفعة من تفريق صفقة المشتري وأخذ بعض المبيع من العقار دون بعض, فلم يجز كما لو كان الشريك في الطريق شريكا في الدار فأراد أخذ الطريق وحدها والقول في دهليز الجار وصحنه كالقول في الطريق المملوك وإن كان نصيب المشتري من الطريق أكثر من حاجته, فذكر القاضي أن الشفعة تجب في الزائد بكل حال لوجود المقتضي وعدم المانع والصحيح أنه لا شفعة فيه لأن في ثبوتها تبعيض صفقة المشتري ولا يخلو من الضرر.
فصل:
الشرط الرابع, أن يكون الشقص منتقلا بعوض وأما المنتقل بغير عوض كالهبة بغير ثواب, والصدقة والوصية والإرث, فلا شفعة فيه في قول عامة أهل العلم منهم مالك والشافعي, وأصحاب الرأي وحكي عن مالك رواية أخرى في المنتقل بهبة أو صدقة أن فيه الشفعة ويأخذه الشفيع بقيمته وحكي ذلك عن ابن أبي ليلى لأن الشفعة ثبتت لإزالة ضرر الشركة, وهذا موجود في الشركة كيفما كان والضرر اللاحق بالمتهب دون ضرر المشتري لأن إقدام المشتري على شراء الشقص وبذله ماله فيه, دليل حاجته إليه فانتزاعه منه أعظم ضررا من أخذه ممن لم يوجد منه دليل الحاجة إليه ولنا أنه انتقل بغير عوض, أشبه الميراث ولأن محل الوفاق هو البيع والخبر ورد فيه, وليس غيره في معناه لأن الشفيع يأخذه من المشتري بمثل السبب الذي انتقل به إليه ولا يمكن هذا في غيره ولأن الشفيع يأخذ الشقص بثمنه, لا بقيمته وفي غيره يأخذه بقيمته فافترقا فأما المنتقل بعوض فينقسم قسمين أحدهما, ما عوضه المال كالبيع فهذا فيه الشفعة بغير خلاف, وهو في حديث جابر فإن باع ولم يؤذنه فهو أحق به وكذلك كل عقد جرى مجرى البيع كالصلح بمعنى البيع, والصلح عن الجنايات الموجبة للمال والهبة المشروط فيها ثواب معلوم لأن ذلك بيع ثبتت فيه أحكام البيع وهذا منها وبه يقول مالك, والشافعي وأصحاب الرأي إلا أن أبا حنيفة وأصحابه قالوا: لا تثبت الشفعة في الهبة المشروط فيها ثواب حتى يتقابضا لأن الهبة لا تثبت إلا بالقبض, فأشبهت البيع بشرط الخيار ولنا أنه يملكها بعوض هو مال فلم يفتقر إلى القبض في استحقاق الشفعة, كالبيع ولا يصح ما قالوه من اعتبار لفظ الهبة لأن العوض صرف اللفظ عن مقتضاه وجعله عبارة عن البيع, خاصة عندهم فإنه ينعقد بها النكاح الذي لا تصح الهبة فيه بالاتفاق القسم الثاني ما انتقل بعوض غير المال, نحو أن يجعل الشقص مهرا أو عوضا في الخلع أو في الصلح عن دم العمد, فظاهر كلام الخرقي أنه لا شفعة فيه لأنه لم يتعرض في جميع مسائله لغير البيع وهذا قول أبي بكر وبه قال الحسن والشعبي وأبو ثور, وأصحاب الرأي حكاه عنهم ابن المنذر واختاره وقال ابن حامد: تجب فيه الشفعة وبه قال ابن شبرمة, والحارث العكلي ومالك وابن أبي ليلى, والشافعي ثم اختلفوا بم يأخذه؟ فقال ابن شبرمة وابن أبي ليلى: يأخذ الشقص بقيمته قال القاضي: هو قياس قول ابن حامد لأننا لو أوجبنا مهر المثل لقومنا البضع على الأجانب, وأضررنا بالشفيع لأن مهر المثل يتفاوت مع المسمى لتسامح الناس فيه في العادة بخلاف البيع وقال الشريف أبو جعفر, قال ابن حامد: إن كان الشقص صداقا أو عوضا في خلع أو متعة في طلاق, أخذه الشفيع بمهر المرأة وهو قول العكلى والشافعي لأنه ملك الشقص ببدل ليس له مثل, فيجب الرجوع إلى قيمة البدل في الأخذ بالشفعة كما لو باعه بعوض واحتجوا على أخذه بالشفعة بأنه عقار مملوك بعقد معاوضة, فأشبه البيع ولنا أنه مملوك بغير مال أشبه الموهوب والموروث, ولأنه يمتنع أخذه بمهر المثل لما ذكره مالك وبالقيمة لأنها ليست عوض الشقص فلا يجوز الأخذ بها, كالموروث فيتعذر أخذه ولأنه ليس له عوض يمكن الأخذ به, فأشبه الموهوب والموروث وفارق البيع فإنه أمكن الأخذ بعوضه فإن قلنا: إنه يؤخذ بالشفعة فطلق الزوج قبل الدخول, بعد عفو الشفيع رجع بنصف ما أصدقها لأنه موجود في يدها بصفته وإن طلقها بعد أخذ الشفيع, رجع بنصف قيمته لأن ملكها زال عنه فهو كما لو باعته وإن طلق قبل علم الشفيع, ثم علم ففيه وجهان أحدهما حق الشفيع مقدم لأن حقه أسبق, لأنه يثبت بالنكاح وحق الزوج بالطلاق والثاني حق الزوج أولى لأنه ثبت بالنص والإجماع, والشفعة ها هنا لا نص فيها ولا إجماع فأما إن عفا الشفيع ثم طلق الزوج فرجع في نصف الشقص, لم يستحق الشفيع الأخذ منه وكذلك إن جاء الفسخ من قبل المرأة فرجع الشقص كله إلى الزوج لم يستحق الشفيع أخذه لأنه عاد إلى المالك لزوال العقد, فلم يستحق به الشفيع كالرد بالعيب وكذلك كل فسخ يرجع به الشقص إلى العاقد كرده بعيب, أو مقايلة أو اختلاف المتبايعين أو رده لغبن وقد ذكرنا في الإقالة رواية أخرى, أنها بيع فتثبت فيها الشفعة وهو قول أبي حنيفة فعلى هذا لو لم يعلم الشفيع حتى تقايلا فله أن يأخذ من أيهما شاء وإن عفا عن الشفعة في البيع, ثم تقايلا فله الأخذ بها.
فصل:
وإذا جنى جنايتين عمدا وخطأ, فصالحه منهما على شقص فالشفعة في نصف الشقص دون باقيه وبه قال أبو يوسف ومحمد وهذا على الرواية التي نقول فيها: إن موجب العمد القصاص عينا وإن قلنا: موجبه أحد شيئين وجبت الشفعة في الجميع وقال أبو حنيفة: لا شفعة في الجميع لأن في الأخذ بها تبعيض الصفقة على المشتري ولنا, أن ما قابل الخطأ عوض عن مال فوجبت فيه الشفعة كما لو انفرد, ولأن الصفقة جمعت ما تجب فيه الشفعة وما لا تجب فيه فوجبت فيما تجب فيه دون الآخر كما لو اشترى شقصا وسيفا وبهذا الأصل يبطل ما ذكره وقول أبي حنيفة أقيس لأن في الشفعة تبعيض الشقص على المشتري, وربما لا يبقى منه إلا ما لا نفع فيه فأشبه ما لو أراد أحد الشفيعين أخذ بعضه مع عفو صاحبه بخلاف مسألة الشقص والسيف وأما إذا قلنا: إن الواجب أحد شيئين فباختياره الصلح سقط القصاص, وتعينت الدية فكان الجميع عوضا عن المال.
فصل:
وبيع المريض كبيع الصحيح في الصحة, وثبوت الشفعة وسائر الأحكام إذا باع بثمن المثل, سواء كان لوارث أو غير وارث وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة: لا يصح بيع المريض مرض الموت لوارثه لأنه محجور عليه في حقه, فلم يصح بيعه كالصبي ولنا أنه إنما حجر عليه في التبرع في حقه, فلم يمنع الصحة فيما سواه كالأجنبي إذا لم يزد على التبرع بالثلث وذلك لأن الحجر في شيء لا يمنع صحة غيره كما أن الحجر على المرتهن في الرهن لا يمنع التصرف في غيره, والحجر على المفلس في ماله لا يمنع التصرف في ذمته فأما بيعه بالمحاباة فلا يخلو إما أن يكون لوارث أو لغيره فإن كان لوارث, بطلت المحاباة لأنها في المرض بمنزلة الوصية والوصية لوارث لا تجوز ويبطل البيع في قدر المحاباة من المبيع وهل يصح فيما عداه؟ على ثلاثة أوجه أحدها, لا يصح لأن المشتري بذل الثمن في كل المبيع فلم يصح في بعضه كما لو قال: بعتك هذا الثوب بعشرة فقال: قبلت البيع في نصفه أو قال: قبلته بخمسة أو قال: قبلت نصفه بخمسة ولأنه لم يمكن تصحيح البيع على الوجه الذي تواجبا عليه, فلم يصح كتفريق الصفقة الثاني أنه يبطل البيع في قدر المحاباة ويصح فيما يقابل الثمن المسمى, وللمشترى الخيار بين الأخذ والفسخ لأن الصفقة تفرقت عليه وللشفيع أخذ ما صح البيع فيه وإنما قلنا بالصحة لأن البطلان إنما جاء من المحاباة فاختص بما قابلها الوجه الثالث, أنه يصح في الجميع ويقف على إجازة الورثة لأن الوصية للوارث صحيحة, في أصح الروايتين وتقف على إجازة الورثة فكذلك المحاباة له, فإن أجازوا المحاباة صح البيع في الجميع ولا خيار للمشتري, ويملك الشفيع الأخذ به لأنه يأخذ بالثمن وإن ردوا بطل البيع في قدر المحاباة, وصح فيما بقي ولا يملك الشفيع الأخذ قبل إجازة الورثة أو ردهم لأن حقهم متعلق بالمبيع فلم يملك إبطاله وله أخذ ما صح البيع فيه وإن اختار المشتري الرد في هذه الصورة, وفي التي قبلها واختار الشفيع الأخذ بالشفعة قدم الشفيع لأنه لا ضرر على المشتري, ويجري مجرى المعيب إذا رضيه الشفيع بعيبه القسم الثاني إذا كان المشتري أجنبيا والشفيع أجنبي, فإن لم تزد المحاباة على الثلث صح البيع وللشفيع الأخذ بها بذلك الثمن لأن البيع حصل به, فلا يمنع منها كون المبيع مسترخصا وإن زادت على الثلث فالحكم فيه حكم أصل المحاباة في حق الوارث وإن كان الشفيع وارثا, ففيه وجهان أحدهما له الأخذ بالشفعة لأن المحاباة وقعت لغيره فلم يمنع منها تمكن الوارث من أخذها, كما لو وهب غريم وارثه مالا فأخذه الوارث والثاني يصح البيع, ولا تجب الشفعة وهو قول أصحاب أبي حنيفة لأننا لو أثبتناها جعلنا للموروث سبيلا إلى إثبات حق لوارثه في المحاباة ويفارق الهبة لغريم الوارث لأن استحقاق الوارث الأخذ بدينه لا من جهة الهبة وهذا استحقاقه بالبيع الحاصل من موروثه, فافترقا ولأصحاب الشافعي في هذا خمسة أوجه وجهان كهذين والثالث أن البيع باطل من أصله لإفضائه إلى إيصال المحاباة إلى الوارث وهذا فاسد لأن الشفعة فرع للبيع ولا يبطل الأصل ببطلان فرع له وعلى الوجه الأول, ما حصلت للوارث بالمحاباة إنما حصلت لغيره ووصلت إليه بجهة الأخذ من المشتري, فأشبه هبة غريم الوارث الوجه الرابع أن للشفيع أن يأخذ بقدر ما عدا المحاباة بقدره من الثمن بمنزلة هبة المقابل للمحاباة لأن المحاباة بالنصف مثلا هبة للنصف وهذا لا يصح لأنه لو كان بمنزلة هبة النصف, ما كان للشفيع الأجنبي أخذ الكل لأن الموهوب لا شفعة فيه الخامس أن البيع يبطل في قدر المحاباة, وهذا فاسد لأنها محاباة لأجنبى بما دون الثلث فلا تبطل كما لو لم يكن الشقص مشفوعا.
فصل:
ويملك الشفيع الشقص بأخذه بكل لفظ يدل على أخذه, بأن يقول: قد أخذته بالثمن أو تملكته بالثمن أو نحو ذلك إذا كان الثمن والشقص معلومين ولا يفتقر إلى حكم حاكم وبهذا قال الشافعي وقال القاضي, وأبو الخطاب: يملكه بالمطالبة لأن البيع السابق سبب فإذا انضمت إليه المطالبة كان كالإيجاب في البيع انضم إليه القبول وقال أبو حنيفة: يحصل بحكم الحاكم لأنه نقل للملك عن مالكه إلى غيره قهرا فافتقر إلى حكم الحاكم, كأخذ دينه ولنا أنه حق ثبت بالنص والإجماع فلم يفتقر إلى حاكم, كالرد بالعيب وما ذكروه ينتقض بهذا الأصل وبأخذ الزوج نصف الصداق بالطلاق قبل الدخول ولأنه مال يتملكه قهرا, فملكه بالأخذ كالغنائم والمباحات وملكه باللفظ الدال على الأخذ لأنه بيع في الحقيقة, لكن الشفيع يستقل به فانتقل باللفظ الدال عليه وقولهم: يملك بالمطالبة بمجردها لا يصح لأنه لو ملك بها لما سقطت الشفعة بالعفو بعد المطالبة ولوجب أنه إذا كان له شفيعان فطلبا الشفعة, ثم ترك أحدهما أن يكون للآخر أخذ قدر نصيبه ولا يملك أخذ نصيب صاحبه إذا ثبت هذا, فإنه إذا قال: قد أخذت الشقص بالثمن الذي تم عليه العقد وهو عالم بقدره وبالمبيع صح الأخذ, وملك الشقص ولا خيار له ولا للمشتري لأن الشقص يؤخذ قهرا, والمقهور لا خيار له والآخذ قهرا لا خيار له أيضا كمسترجع المبيع لعيب في ثمنه, أو الثمن لعيب في المبيع وإن كان الثمن مجهولا أو الشقص لم يملكه بذلك لأنه بيع في الحقيقة فيعتبر العلم بالعوضين, كسائر البيوع وله المطالبة بالشفعة ثم يتعرف مقدار الثمن من المشتري أو من غيره, والمبيع فيأخذه بثمنه ويحتمل أن له الأخذ مع جهالة الشقص بناء على بيع الغائب.
فصل:
وإذا أراد الشفيع أخذ الشقص, وكان في يد المشتري أخذه منه وإن كان في يد البائع, أخذه منه وكان كأخذه من المشتري هذا قياس المذهب وهو قول أبي حنيفة لأن العقد يلزم في بيع العقار قبل قبضه ويدخل المبيع في ملك المشتري وضمانه ويجوز له التصرف فيه بنفس العقد, فصار كما لو قبضه المشتري وقال القاضي: ليس له أخذه من البائع ويجبر الحاكم المشتري على قبضه ثم يأخذه الشفيع منه وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأن الشفيع يشتري الشقص من المشتري, فلا يأخذه من غيره وبنوا ذلك على أن المبيع لا يتم إلا بالقبض فإذا فات القبض بطل العقد وسقطت الشفعة.
فصل:
وإذا أقر البائع بالبيع, وأنكر المشتري ففيه وجهان أحدهما للشفيع الأخذ بالشفعة وهو قول أبي حنيفة, والمزني والثاني ليس له الأخذ بها ونصره الشريف أبو جعفر في " مسائله " وهو قول مالك وابن شريح لأن الشفعة فرع للبيع, ولم يثبت فلا يثبت فرعه ولأن الشفيع إنما يأخذ الشقص من المشتري وإذا أنكر البيع لم يمكن الأخذ منه ووجه الأول, أن البائع أقر بحقين حق للشفيع وحق للمشتري فإذا سقط حق المشتري بإنكاره, ثبت حق الشفيع كما لو أقر بدار لرجلين فأنكر أحدهما, ولأنه أقر للشفيع أنه مستحق لأخذ هذه الدار والشفيع يدعي ذلك فوجب قبوله, كما لو أقر أنها ملكه فعلى هذا يقبض الشفيع من البائع ويسلم إليه الثمن ويكون درك الشفيع على البائع, لأن القبض منه ولم يثبت الشراء في حق المشتري وليس للشفيع ولا للبائع محاكمة المشتري ليثبت البيع في حقه وتكون العهدة عليه لأن مقصود البائع الثمن, وقد حصل من الشفيع ومقصود الشفيع أخذ الشقص وضمان العهدة وقد حصل من البائع, فلا فائدة في المحاكمة فإن قيل: أليس لو ادعى على رجل دينا فقال آخر: أنا أدفع إليك الدين الذي تدعيه ولا تخاصمه لا يلزمه قبوله, فهل لا قلتم ها هنا كذلك؟ قلنا: في الدين عليه منة في قبوله من غير غريمه وها هنا بخلافه ولأن البائع يدعي أن الثمن الذي يدفعه الشفيع حق للمشتري عوضا عن هذا المبيع, فصار كالنائب عن المشتري في دفع الثمن والبائع كالنائب عنه في دفع الشقص بخلاف الدين, فإن كان البائع مقرا بقبض الثمن من المشتري بقي الثمن الذي على الشفيع لا يدعيه أحد لأن البائع يقول: هو للمشتري و المشتري يقول: لا أستحقه ففيه ثلاثة أوجه أحدها أن يقال للمشتري: إما أن تقبضه, وإما أن تبرئ منه والثاني يأخذه الحاكم عنده والثالث يبقى في ذمة الشفيع وفي جميع ذلك متى ادعاه البائع أو المشتري, دفع إليه لأنه لأحدهما وإن تداعياه جميعا فأقر المشتري بالبيع وأنكر البائع قبض الثمن, فهو للمشتري لأن البائع قد أقر له به ولأن البائع إذا أنكر القبض لم يكن مدعيا لهذا الثمن لأن البائع لا يستحق على الشفيع ثمنا, إنما يستحقه على المشتري وقد أقر بالقبض منه وأما المشتري فإنه يدعيه, وقد أقر له باستحقاقه فوجب دفعه إليه. مسألة: قال: [ومن لم يطالب بالشفعة في وقت علمه بالبيع فلا شفعة له]. الصحيح في المذهب أن حق الشفعة على الفور, إن طالب بها ساعة يعلم بالبيع وإلا بطلت نص عليه أحمد في رواية أبي طالب فقال: الشفعة بالمواثبة ساعة يعلم وهذا قول ابن شبرمة, والبتي والأوزاعي وأبي حنيفة, والعنبري والشافعي في أحد قوليه وحكي عن أحمد رواية ثانية أن الشفعة على التراخي لا تسقط, ما لم يوجد منه ما يدل على الرضا من عفو أو مطالبة بقسمة, ونحو ذلك وهذا قول مالك وقول الشافعي إلا أن مالكا قال: تنقطع بمضي سنة وعنه: بمضي مدة يعلم أنه تارك لها لأن هذا الخيار لا ضرر في تراخيه, فلم يسقط بالتأخير كحق القصاص وبيان عدم الضرر أن النفع للمشتري باستغلال المبيع وإن أحدث فيه عمارة من غراس أو بناء, فله قيمته وحكي عن ابن أبي ليلى والثوري أن الخيار مقدر بثلاثة أيام وهو قول للشافعي لأن الثلاث حد بها خيار الشرط, فصلحت حدا لهذا الخيار والله أعلم ولنا ما روى ابن البيلماني عن أبيه, عن عمر قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (الشفعة كحل العقال) وفي لفظ أنه قال: (الشفعة كنشطة العقال إن قيدت ثبتت, وإن تركت فاللوم على من تركها) وروى عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (أنه قال: الشفعة لمن واثبها) رواه الفقهاء في كتبهم ولأنه خيار لدفع الضرر عن المال فكان على الفور, كخيار الرد بالعيب ولأن إثباته على التراخي يضر المشتري لكونه لا يستقر ملكه على المبيع ويمنعه من التصرف بعمارة خشية أخذه منه, ولا يندفع عنه الضرر بدفع قيمته لأن خسارتها في الغالب أكثر من قيمتها مع تعب قلبه وبدنه فيها والتحديد بثلاثة أيام تحكم لا دليل عليه والأصل المقيس عليه ممنوع, ثم هو باطل بخيار الرد بالعيب وإذا تقرر هذا فقال ابن حامد: يتقدر الخيار بالمجلس وهو قول أبي حنيفة فمتى طالب في مجلس العلم ثبتت الشفعة وإن طال لأن المجلس كله في حكم حالة العقد, بدليل أن القبض فيه لما يشترط فيه القبض كالقبض حالة العقد وظاهر كلام الخرقي أنه لا يتقدر بالمجلس بل متى بادر فطالب عقيب علمه, وإلا بطلت شفعته وهذا ظاهر كلام أحمد وقول الشافعي لما ذكرنا من الخبر والمعنى وما ذكروه يبطل بخيار الرد بالعيب فعلى هذا متى أخر المطالبة عن وقت العلم لغير عذر بطلت شفعته, وإن أخرها لعذر مثل أن يعلم ليلا فيؤخره إلى الصبح أو لشدة جوع أو عطش حتى يأكل ويشرب, أو لطهارة أو إغلاق باب أو ليخرج من الحمام أو ليؤذن ويقيم ويأتي بالصلاة وسننها, أو ليشهدها في جماعة يخاف فوتها لم تبطل شفعته لأن العادة تقديم هذه الحوائج على غيرها فلا يكون الاشتغال بها رضي بترك الشفعة, إلا أن يكون المشتري حاضرا عنده في هذه الأحوال فيمكنه أن يطالبه من غير اشتغاله عن أشغاله فإن شفعته تبطل بتركه المطالبة لأن هذا لا يشغله عنها, ولا تشغله المطالبة عنه فأما مع غيبته فلا لأن العادة تقديم هذه الحوائج فلم يلزمه تأخيرها كما لو أمكنه أن يسرع في مشيه, أو يحرك دابته فلم يفعل ومضى على حسب عادته, لم تسقط شفعته لأنه طلب بحكم العادة وإذا فرغ من حوائجه مضى على حسب عادته إلى المشتري فإذا لقيه بدأه بالسلام لأن ذلك السنة, وقد جاء في الحديث: (من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه) ثم يطالب وإن قال بعد السلام: بارك الله لك في صفقة يمينك أو دعا له بالمغفرة ونحو ذلك لم تبطل شفعته لأن ذلك يتصل بالسلام, فيكون من جملته والدعاء له بالبركة في الصفقة دعاء لنفسه لأن الشقص يرجع إليه فلا يكون ذلك رضي وإن اشتغل بكلام آخر, أو سكت لغير حاجة بطلت شفعته لما قدمنا.
فصل:
فإن أخبره بالبيع مخبر فصدقه, ولم يطالب بالشفعة بطلت شفعته سواء كان المخبر ممن يقبل خبره أو لا يقبل لأن العلم قد يحصل بخبر من لا يقبل خبره, لقرائن دالة على صدقه وإن قال: لم أصدقه وكان المخبر ممن يحكم بشهادته كرجلين عدلين بطلت شفعته لأن قولهما حجة تثبت بها الحقوق وإن كان ممن لا يعمل بقوله, كالفاسق والصبي لم تبطل شفعته وحكي عن أبي يوسف أنها تسقط لأنه خبر يعمل به في الشرع في الإذن في دخول الدار وشبهه, فسقطت به الشفعة كخبر العدل ولنا أنه خبر لا يقبل في الشرع, فأشبه قول الطفل والمجنون وإن أخبره رجل عدل أو مستور الحال سقطت شفعته ويحتمل أن لا تسقط ويروى هذا عن أبي حنيفة, وزفر لأن الواحد لا تقوم به البينة ولنا أنه خبر لا تعتبر فيه الشهادة فقبل من العدل, كالرواية والفتيا وسائر الأخبار الدينية وفارق الشهادة فإنه يحتاط لها باللفظ والمجلس وحضور المدعى عليه, وإنكاره ولأن الشهادة يعارضها إنكار المنكر وتوجب الحق عليه, بخلاف هذا الخبر والمرأة في ذلك كالرجل والعبد كالحر وقال القاضي: هما كالفاسق والصبي وهذا مذهب الشافعي لأن قولهما لا يثبت به حق ولنا أن هذا خبر وليس بشهادة, فاستوى فيه الرجل والمرأة والعبد والحر كالرواية والأخبار الدينية والعبد من أهل الشهادة فيما عدا الحدود والقصاص, وهذا مما عداها فأشبه الحر.
فصل:
إذا أظهر المشتري أن الثمن أكثر مما وقع العقد به فترك الشفيع الشفعة, لم تسقط الشفعة بذلك وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي ومالك, إلا أنه قال بعد أن يحلف: ما سلمت الشفعة إلا لمكان الثمن الكثير وقال ابن أبي ليلى: لا شفعة له لأنه سلم ورضى ولنا أنه تركها للعذر فإنه لا يرضاه بالثمن الكثير ويرضاه بالقليل, وقد لا يكون معه الكثير فلم تسقط بذلك كما لو تركها لعدم العلم وكذلك إن أظهر أن المبيع سهام قليلة, فبانت كثيرة أو أظهر أنهما تبايعا بدنانير فبان أنها دراهم, أو بدراهم فبانت دنانير وبهذا قال الشافعي وزفر وقال أبو حنيفة وصاحباه: إن كانت قيمتهما سواء, سقطت الشفعة لأنهما كالجنس الواحد ولنا أنهما جنسان فأشبها الثياب والحيوان, ولأنه قد يملك بالنقد الذي وقع به البيع دون ما أظهره فيتركه لعدم ملكه له وكذلك إن أظهر أنه اشتراه بنقد فبان أنه اشتراه بعرض, أو بعرض فبان أنه بنقد أو بنوع من العرض فبان أنه بغيره أو اشتراه مشتر فبان أنه اشتراه لغيره, أو أظهر أنه اشتراه لغيره فبان أنه اشتراه له أو أنه اشتراه لإنسان فبان أنه اشتراه لغيره لأنه قد يرضى شركة إنسان دون غيره وقد يحابي إنسانا أو يخافه, فيترك لذلك وكذلك إن أظهر أنه اشترى الكل بثمن فبان أنه اشترى نصفه بنصفه أو أنه اشترى نصفه بثمن فبان أنه اشترى جميعه بضعفه أو أنه اشترى الشقص وحده فبان أنه اشتراه هو أو غيره, أو أنه اشتراه هو وغيره فبان أنه اشتراه وحده لم تسقط الشفعة في جميع ذلك لأنه قد يكون له غرض فيما أبطنه دون ما أظهره فيترك لذلك, فلم تسقط شفعته كما لو أظهر أنه اشتراه بثمن فبان أقل منه فأما إن أظهر أنه اشتراه بثمن فبان أنه اشتراه بأكثر أو أنه اشترى الكل بثمن فبان أنه اشترى به بعضه سقطت شفعته لأن الضرر فيما أبطنه أكثر, فإذا لم يرض به بالثمن القليل مع قلة ضرره فبالكثير أولى.
فصل:
وإن لقيه الشفيع في غير بلده فلم يطالبه وقال: إنما تركت المطالبة لأطالبه في البلد الذي فيه البيع, أو المبيع أو لآخذ الشقص في موضع الشفعة سقطت شفعته لأن ذلك ليس بعذر في ترك المطالبة فإنها لا تقف على تسليم الشقص ولا على حضور البلد الذي هو فيه وإن قال: نسيت, فلم أذكر المطالبة أو نسيت البيع سقطت شفعته لأنها خيار على الفور فإذا أخره نسيانا بطل كالرد بالعيب, وكما لو أمكنت المعتقة زوجها من وطئها نسيانا ويحتمل أن لا تسقط المطالبة لأنه تركها لعذر فأشبه ما لو تركها لعدم علمه بها وإن تركها جهلا باستحقاقه لها بطلت, كالرد بالعيب.
فصل:
وإذا قال الشفيع للمشتري: بعني ما اشتريت أو قاسمني بطلت شفعته لأنه يدل على رضاه بشرائه وتركه للشفعة وإن قال: صالحني على مال سقطت أيضا وقال القاضي: لا تسقط لأنه لم يرض بإسقاطها وإنما رضي بالمعاوضة عنها ولم تثبت المعاوضة, فبقيت الشفعة ولنا أنه رضي بتركها وطلب عوضها, فثبت الترك المرضي به ولم يثبت العوض كما لو قال: بعني فلم يبعه ولأن ترك المطالبة بها كاف في سقوطها فمع طلب عوضها أولى ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين فإن صالحه عنها بعوض, لم يصح وبه قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك: يصح لأنه عوض عن إزالة ملك فجاز أخذ العوض عنه كتمليك امرأة أمرها ولنا أنه خيار لا يسقط إلى مال, فلم يجز أخذ العوض عنه كخيار الشرط ويبطل ما قاله بخيار الشرط وأما الخلع فهو معاوضة عما ملكه بعوض وها هنا بخلافه.
فصل:
وإن قال: آخذ نصف الشقص سقطت شفعته وبهذا قال محمد بن الحسن, وبعض أصحاب الشافعي وقال أبو يوسف: لا تسقط لأن طلبه ببعضها طلب بجميعها لكونها لا تتبعض ولا يجوز أخذ بعضها ولنا, أنه تارك لطلب بعضها فيسقط ويسقط باقيها لأنها لا تتبعض ولا يصح ما ذكره فإن طلب بعضها ليس بطلب لجميعها, وما لا يتبعض لا يثبت حتى يثبت السبب في جميعه كالنكاح ويخالف السقوط فإن الجميع يسقط بوجود السبب في بعضه كالطلاق والعتاق.
فصل:
وإن أخذ الشقص بثمن مغصوب, ففيه وجهان أحدهما لا تسقط شفعته لأنه بالعقد استحق الشقص بمثل ثمنه في الذمة فإذا عينه فيما لا يملكه, سقط التعيين وبقي الاستحقاق في الذمة فأشبه ما لو أخر الثمن, أو كما لو اشترى شيئا آخر ونقد فيه ثمنا مغصوبا والثاني تسقط شفعته لأن أخذه للشقص بما لا يصح أخذه به ترك له, وإعراض عنه فتسقط الشفعة كما لو ترك الطلب بها.
فصل:
ومن وجبت له الشفعة, فباع نصيبه عالما بذلك سقطت شفعته لأنه لم يبق له ملك يستحق به ولأن الشفعة ثبتت له لإزالة الضرر الحاصل بالشركة عنه, وقد زال ذلك ببيعه وإن باع بعضه ففيه وجهان أحدهما تسقط أيضا لأنها استحقت بجميعه, فإذا باع بعضه سقط ما تعلق بذلك من استحقاق الشفعة فيسقط باقيها لأنها لا تتبعض, فيسقط جميعها بسقوط بعضها كالنكاح والرق وكما لو عفا عن بعضها والثاني, لا تسقط لأنه قد بقي من نصيبه ما يستحق به الشفعة في جميع المبيع لو انفرد فكذلك إذا بقي وللمشتري الأول الشفعة على المشتري الثاني في المسألة الأولى وفي الثانية إذا قلنا بسقوط شفعة البائع الأول لأنه شريك في المبيع, وإن قلنا: لا تسقط شفعة البائع فله أخذ الشقص من المشتري الأول وهل للمشتري الأول شفعة على المشتري الثاني؟ فيه وجهان أحدهما له الشفعة لأنه شريك فإن الملك ثابت له يملك التصرف فيه بجميع التصرفات, ويستحق نماءه وفوائده واستحقاق الشفعة به من فوائده والثاني لا شفعة له لأن ملكه يوجد بها, فلا تؤخذ الشفعة به ولأن ملكه متزلزل ضعيف فلا يستحق الشفعة به لضعفه والأول أقيس فإن استحقاق أخذه منه لا يمنع أن يستحق به الشفعة, كالصداق قبل الدخول والشقص الموهوب للولد فعلى هذا للمشتري الأول الشفعة على المشتري الثاني سواء أخذ منه المبيع بالشفعة أو لم يأخذ, وللبائع الثاني إذا باع بعض الشقص الأخذ من المشتري الأول في أحد الوجهين فأما إن باع الشفيع ملكه قبل علمه بالبيع الأول فقال القاضي: تسقط شفعته أيضا لما ذكرناه, ولأنه زال السبب الذي يستحق به الشفعة وهو الملك الذي يخاف الضرر بسببه فصار كمن اشترى معيبا, فلم يعلم عيبه حتى زال أو حتى باعه فعلى هذا حكمه حكم ما لو باع مع علمه سواء فيما إذا باع جميعه أو بعضه وقال أبو الخطاب: لا تسقط شفعته لأنها ثبتت له ولم يوجد منه رضي بتركها, ولا ما يدل على إسقاطها والأصل بقاؤها فتبقى وفارق ما إذا علم فإن بيعه دليل على رضاه بتركها, فعلى هذا للبائع الثاني أخذ الشقص من المشتري الأول فإن عفا عنه, فللمشتري الأول أخذ الشقص من المشتري الثاني وإن أخذ منه فهل للمشتري الأول الأخذ من الثاني؟ على وجهين.
مسألة:
قال: [ومن كان غائبا, وعلم بالبيع في وقت قدومه فله الشفعة وإن طالت غيبته] وجملة ذلك أن الغائب له شفعة في قول أكثر أهل العلم روى ذلك عن شريح, والحسن وعطاء وبه قال مالك والليث, والثوري والأوزاعي والشافعي, والعنبري وأصحاب الرأي وروي عن النخعي: ليس للغائب شفعة وبه قال الحارث العكلي والبتي, إلا للغائب القريب لأن إثبات الشفعة له يضر ب المشتري ويمنع من استقرار ملكه وتصرفه على حسب اختياره خوفا من أخذه, فلم يثبت ذلك كثبوته للحاضر على التراخي ولنا عموم (قوله عليه السلام: الشفعة فيما لم يقسم) وسائر الأحاديث ولأن الشفعة حق مالي وجد سببه بالنسبة إلى الغائب, فيثبت له كالإرث ولأنه شريك لم يعلم بالبيع, فتثبت له الشفعة عند علمه كالحاضر إذا كتم عنه البيع والغائب غيبة قريبة, وضرر المشتري يندفع بإيجاب القيمة له كما في الصور المذكورة إذا ثبت هذا فإنه إذا لم يعلم بالبيع إلا وقت قدومه, فله المطالبة وإن طالت غيبته لأن هذا الخيار يثبت لإزالة الضرر عن المال فتراخى الزمان قبل العلم به لا يسقطه كالرد بالعيب, ومتى علم فحكمه في المطالبة حكم الحاضر في أنه إن طالب على الفور استحق وإلا بطلت شفعته, وحكم المريض والمحبوس وسائر من لم يعلم البيع لعذر حكم الغائب لما ذكرنا.
مسألة:
قال: [وإن علم وهو في السفر فلم يشهد على مطالبته فلا شفعة له] ظاهر هذا أنه متى علم الغائب بالبيع, وقدر على الإشهاد وعلى المطالبة فلم يفعل أن شفعته تسقط سواء قدر على التوكيل أو عجز عنه, أو سار عقيب العلم أو أقام وهو ظاهر كلام أحمد في رواية أبي طالب في الغائب: له الشفعة إذا بلغه أشهد, وإلا فليس له شيء وهو وجه للشافعي والوجه الآخر لا يحتاج إلى الإشهاد لأنه ثبت عذره فالظاهر أنه ترك الشفعة لذلك فقبل قوله فيه ولنا, أنه قد يترك الطلب للعذر وقد يتركه لغيره وقد يسير لطلب الشفعة, وقد يسير لغيره وقد قدر أن يبين ذلك بالإشهاد فإذا لم يفعل سقطت شفعته, كتارك الطلب مع حضوره وقال القاضي: إن سار عقيب علمه إلى البلد الذي فيه المشتري من غير إشهاد احتمل أن لا تبطل شفعته لأن ظاهر سيره أنه للطلب وهو قول أصحاب الرأي والعنبري, وقول للشافعي وقال أصحاب الرأي: له من الأجل بعد العلم قدر السير فإن مضي الأجل قبل أن يبعث أو يطلب بطلت شفعته وقال العنبري: له مسافة الطريق ذاهبا وجائيا لأن عذره في ترك الطلب ظاهر, فلم يحتج معه إلى الشهادة وقد ذكرنا وجه قول الخرقي ولا خلاف في أنه إذا عجز عن الإشهاد في سفره أن شفعته لا تسقط لأنه معذور في تركه فأشبه ما لو ترك الطلب لعذر أو لعدم العلم, ومتى قدر على الإشهاد فأخره كان كتأخير الطلب للشفعة إن كان لعذر لم تسقط الشفعة, وإن كان لغير عذر سقطت لأن الإشهاد قائم مقام الطلب ونائب عنه فيعتبر له ما يعتبر للطلب ومن لم يقدر إلا على إشهاد من لا تقبل شهادته, كالصبي والمرأة والفاسق فترك الإشهاد لم تسقط شفعته بتركه لأن قولهم غير معتبر, فلم يلزم إشهادهم كالأطفال والمجانين وإن لم يجد من يشهده إلا من لا يقدم معه إلى موضع المطالبة فلم يشهد فالأولى أن شفعته لا تبطل لأن إشهاده لا يفيد, فأشبه إشهاد من لا تقبل شهادته فإن لم يجد إلا مستوري الحال فلم يشهدهما احتمل أن تبطل شفعته لأن شهادتهما يمكن إثباتها بالتزكية, فأشبها العدلين ويحتمل أن لا تبطل لأنه يحتاج في إثبات شهادتهما إلى كلفة كثيرة وقد لا يقدر على ذلك, فلا تقبل شهادتهما وإن أشهدهما لم تبطل شفعته سواء قبلت شهادتهما أو لم تقبل لأنه لم يمكنه أكثر من ذلك, فأشبه العاجز عن الإشهاد وكذلك إن لم يقدر إلا على إشهاد واحد فأشهده أو ترك إشهاده.
فصل:
إذا أشهد على المطالبة, ثم أخر القدوم مع إمكانه فظاهر كلام الخرقي أن الشفعة بحالها وقال القاضي: تبطل شفعته وإن لم يقدر على المسير وقدر على التوكيل في طلبها, فلم يفعل بطلت أيضا لأنه تارك للطلب بها مع قدرته عليه فسقطت, كالحاضر أو كما لو لم يشهد وهذا مذهب الشافعي إلا أن لهم فيما إذا قدر على التوكيل فلم يفعل وجهين أحدهما, لا تسقط شفعته لأن له غرضا بأن يطالب لنفسه لكونه أقوم بذلك أو يخاف الضرر من جهة وكيله بأن يقر عليه برشوة أو غير ذلك, فيلزمه إقراره فكان معذورا ولنا أن عليه في السفر ضررا, لالتزامه كلفته وقد يكون له حوائج وتجارة ينقطع عنها وتضيع بغيبته, والتوكيل إن كان بجعل لزمه غرم وإن كان بغير جعل لزمته منة ويخاف الضرر من جهته فاكتفى بالإشهاد فأما إن ترك السفر, لعجزه عنه أو لضرر يلحقه فيه لم تبطل شفعته, وجها واحدا لأنه معذور فأشبه من لم يعلم وإن لم يقدر على الإشهاد وأمكنه السفر أو التوكيل, فلم يفعل بطلت شفعته لأنه تارك للطلب بها مع إمكانه من غير وجود ما يقوم مقام الطلب, فسقطت كما لو كان حاضرًا.
فصل:
ومن كان مريضا مرضا لا يمنع المطالبة كالصداع اليسير, والألم القليل فهو كالصحيح وإن كان مرضا يمنع المطالبة كالحمى وأشباهها, فهو كالغائب في الإشهاد والتوكيل وأما المحبوس فإن كان محبوسا ظلما أو بدين لا يمكنه أداؤه فهو كالمريض, وإن كان محبوسا بحق يلزمه أداؤه وهو قادر عليه فهو كالمطلق, إن لم يبادر إلى المطالبة ولم يوكل فيها بطلت شفعته لأنه تركها مع القدرة عليها.
مسألة:
قال: [فإن لم يعلم حتى تبايع ذلك ثلاثة أو أكثر, كان له أن يطالب بالشفعة من شاء منهم فإن طالب الأول رجع الثاني بالثمن الذي أخذ منه, والثالث على الثاني] وجملة ذلك أن المشتري إذا تصرف في المبيع قبل أخذ الشفيع أو قبل علمه, فتصرفه صحيح لأنه ملكه وصح قبضه له ولم يبق إلا أن الشفيع ملك أن يتملكه عليه, وذلك لا يمنع من تصرفه كما لو كان أحد العوضين في البيع معيبا لم يمنع التصرف في الآخر, والموهوب له يجوز له التصرف في الهبة وإن كان الواهب ممن له الرجوع فيه فمتى تصرف فيه تصرفا صحيحا تجب به الشفعة مثل أن باعه, فالشفيع بالخيار إن شاء فسخ البيع الثاني وأخذه بالبيع الأول بثمنه لأن الشفعة وجبت له قبل تصرف المشتري وإن شاء أمضى تصرفه وأخذ بالشفعة من المشتري الثاني لأنه شفيع في العقدين, فكان له الأخذ بما شاء منهما وإن تبايع ذلك ثلاثة فله أن يأخذ المبيع بالبيع الأول وينفسخ العقدان الأخيران, وله أن يأخذه بالثاني وينفسخ الثالث وحده وله أن يأخذه بالثالث, ولا ينفسخ شيء من العقود فإذا أخذه من الثالث دفع إليه الثمن الذي اشترى به, ولم يرجع على أحد لأنه وصل إليه الثمن الذي اشترى به وإن أخذ من الثاني الثمن دفع إليه الذي اشترى به ورجع الثالث عليه بما أعطاه لأنه قد انفسخ عقده, وأخذ الشقص منه فيرجع بثمنه على الثاني لأنه أخذه منه وإن أخذ بالبيع الأول, دفع إلى المشتري الأول الثمن الذي اشترى به وانفسخ عقد الآخرين ورجع الثالث على الثاني بما أعطاه, ورجع الثاني على الأول بما أعطاه فإذا كان الأول اشتراه بعشرة ثم اشتراه الثاني بعشرين, ثم اشتراه الثالث بثلاثين فأخذه بالبيع الأول دفع إلى الأول عشرة, وأخذ الثاني من الأول عشرين وأخذ الثالث من الثاني ثلاثين لأن الشقص إنما يؤخذ من الثالث لكونه في يده وقد انفسخ عقده, فيرجع بثمنه الذي ورثه ولا نعلم في هذا خلافا وبه يقول مالك والشافعي والعنبري, وأصحاب الرأي وما كان في معنى البيع مما تجب به الشفعة فهو كالبيع فيما ذكرنا, وما كان مما لا تجب به الشفعة فهو كالهبة والوقف على ما سنذكره ـ إن شاء الله تعالى ـ .
فصل:
فإن جعله صداقا أو عوضا في خلع أو صلح عن دم عمد انبنى ذلك على الوجهين في الأخذ بالشفعة: فإن قايل البائع المشتري, أو رده عليه بعيب فللشفيع فسخ الإقالة والرد والأخذ بالشفعة لأن حقه سابق عليهما, ولا يمكنه الأخذ معهما وإن تحالفا على الثمن وفسخا البيع فللشفيع أن يأخذ الشقص بما حلف عليه البائع لأن البائع مقر بالبيع بالثمن الذي حلف عليه, ومقر للشفيع باستحقاق الشفعة بذلك فإذا بطل حق المشتري بإنكاره لم يبطل حق الشفيع بذلك, وله أن يبطل فسخهما ويأخذ لأن حقه أسبق.
فصل:
وإن اشترى شقصا بعبد ثم وجد بائع الشقص بالعبد عيبا فله رد العبد واسترجاع الشقص, ويقدم على حق الشفيع لأن في تقديم حق الشفيع إضرارا بالبائع بإسقاط حقه في الفسخ الذي استحقه والشفعة تثبت لإزالة الضرر, فلا تثبت على وجه يحصل بها الضرر فإن الضرر لا يزال بالضرر وقال أصحاب الشافعي في أحد الوجهين: يقدم حق الشفيع لأن حقه أسبق, فوجب تقديمه كما لو وجد المشتري بالشقص عيبا فرده ولنا أن في الشفعة إبطال حق البائع, وحقه أسبق لأنه استند إلى وجود العيب وهو موجود حال البيع والشفعة ثبتت بالبيع, فكان حق البائع سابقا وفي الشفعة إبطاله فلم تثبت, ويفارق ما إذا كان الشقص معيبا فإن حق المشتري إنما هو في استرجاع الثمن وقد حصل له من الشفيع, فلا فائدة في الرد وفي مسألتنا حق البائع في استرجاع الشقص ولا يحصل ذلك مع الأخذ بالشفعة, فافترقا فإن لم يرد البائع العبد المعيب حتى أخذ الشفيع كان له رد العبد ولم يملك استرجاع المبيع لأن الشفيع ملكه بالأخذ, فلم يملك البائع إبطال ملكه كما لو باعه المشتري لأجنبي فإن الشفعة بيع في الحقيقة, ولكن يرجع بقيمة الشقص لأنه بمنزلة التالف و المشتري قد أخذ من الشفيع قيمة العبد فهل يترجعان؟ فيه وجهان أحدهما, لا يتراجعان لأن الشفيع أخذ بالثمن الذي وقع عليه العقد وهو قيمة العبد صحيحا لا عيب فيه بدليل أن البائع إذا علم بالعيب ملك رده ويحتمل أن يأخذه بقيمته معيبا لأنه إنما أعطى عبدا معيبا, فلا يأخذ قيمة غير ما أعطى والثاني يتراجعان لأن الشفيع إنما يأخذ بالثمن الذي استقر عليه العقد والذي استقر عليه العقد قيمة الشقص, فإذا قلنا: يتراجعان فأيهما كان ما دفعه أكثر رجع بالفضل على صاحبه وإن لم يرد البائع العبد, ولكن أخذ أرشه لم يرجع المشتري على الشفيع بشيء لأنه إنما دفع إليه قيمة العبد غير معيب وإن أدى قيمته معيبا رجع المشتري عليه بما أدى من أرشه وإن عفا عنه, ولم يأخذ أرشا لم يرجع الشفيع عليه بشيء لأن البيع لازم من جهة المشتري لا يملك فسخه, فأشبه ما لو حط عنه بعض الثمن بعد لزوم العقد وإن عاد الشقص إلى المشتري ببيع أو هبة أو إرث أو غيره فليس للبائع أخذه بالبيع الأول لأن ملك المشتري زال عنه, وانقطع حقه منه وانتقل حقه إلى القيمة فإذا أخذها لم يبق له بخلاف ما لو غصب شيئا لم يقدر على رده, فأدى قيمته ثم قدر عليه فإنه يرده لأن ملك المغصوب لم يزل عنه.
فصل:
ولو كان ثمن الشقص مكيلا أو موزونا, فتلف قبل قبضه بطل البيع وبطلت الشفعة لأنه تعذر التسليم, فتعذر إمضاء العقد فلم تثبت الشفعة كما لو فسخ البيع في مدة الخيار, بخلاف الإقالة والرد بالعيب وإن كان الشفيع قد أخذ الشقص فهو كما لو أخذه في المسألة التي قبلها لأن لمشتري الشقص التصرف فيه قبل تقبيض ثمنه فأشبه ما لو اشتراه منه أجنبي.
فصل:
وإن اشترى شقصا بعبد أو ثمن معين, فخرج مستحقا فالبيع باطل ولا شفعة فيه لأنها إنما تثبت في عقد ينقل الملك إلى المشتري, وهو العقد الصحيح فأما الباطل فوجوده كعدمه فإن كان الشفيع قد أخذ بالشفعة لزمه رد ما أخذ على البائع, ولا يثبت ذلك إلا ببينة أو إقرار من الشفيع والمتبايعين فإن أقر المتبايعان وأنكر الشفيع لم يقبل قولهما عليه, وله الأخذ بالشفعة ويرد العبد على صاحبه ويرجع البائع على المشتري بقيمة الشقص وإن أقر الشفيع و المشتري دون البائع, لم تثبت الشفعة ووجب على المشتري رد قيمة العبد على صاحبه ويبقى الشقص معه يزعم أنه للبائع, والبائع ينكره ويدعي عليه وجوب رد العبد والبائع ينكره, فيشتري الشقص منه ويتبارآن وإن أقر الشفيع والبائع وأنكر المشتري وجب على البائع رد العبد على صاحبه, ولم تثبت الشفعة ولم يملك البائع مطالبة المشتري بشيء لأن البيع صحيح في الظاهر وقد أدى ثمنه الذي هو ملكه في الظاهر وإن أقر الشفيع وحده, لم تثبت الشفعة ولا يثبت شيء من أحكام البطلان في حق المتبايعين فأما إن اشترى الشقص بثمن في الذمة ثم نفد الثمن فبان مستحقا, كانت الشفعة واجبة لأن البيع صحيح فإن تعذر قبض الثمن من المشتري لإعساره أو غيره فللبائع فسخ البيع, ويقدم حق الشفيع لأن الأخذ بها يحصل للمشتري ما يوفيه ثمنا فتزول عسرته ويحصل الجمع بين الحقين, فكان أولى.
فصل:
وإذا وجبت الشفعة وقضى القاضي بها والشقص في يد البائع, ودفع الثمن إلى المشتري فقال البائع للشفيع: أقلني فأقاله لم تصح الإقالة لأنها تصح بين المتبايعين, وليس بين الشفيع والبائع بيع وإنما هو مشتر من المشتري فإن باعه إياه صح البيع لأن العقار يجوز التصرف فيه قبل قبضه.
مسألة:
قال: [وللصغير إذا كبر المطالبة بالشفعة] وجملة ذلك, أنه إذا بيع في شركة الصغير شقص ثبتت له الشفعة في قول عامة الفقهاء, منهم الحسن وعطاء ومالك, والأوزاعي والشافعي وسوار, والعنبري وأصحاب الرأي وقال ابن أبي ليلى: لا شفعة له وروى ذلك عن النخعي والحارث العكلي لأن الصبي لا يمكنه الأخذ, ولا يمكن انتظاره حتى يبلغ لما فيه من الإضرار ب المشتري وليس للولي الأخذ لأن من لا يملك العفو لا يملك الأخذ ولنا عموم الأحاديث, ولأنه خيار جعل لإزالة الضرر عن المال فيثبت في حق الصبي كخيار الرد بالعيب وقولهم: لا يمكن الأخذ غير صحيح فإن الولي يأخذ بها كما يرد المعيب قولهم: لا يمكنه العفو يبطل بالوكيل فيه, وبالرد بالعيب فإن ولي الصبي لا يمكنه العفو ويمكنه الرد ولأن في الأخذ تحصيلا للملك للصبي, ونظرا له وفي العفو تضييع وتفريط في حقه ولا يلزم من ملك ما فيه الحظ ملك ما فيه تضييع, ولأن العفو إسقاط لحقه والأخذ استيفاء له ولا يلزم من ملك الولي استيفاء حق المولى عليه, ملك إسقاطه بدليل سائر حقوقه وديونه وإن لم يأخذ الولي انتظر بلوغ الصبي, كما ينتظر قدوم الغائب وما ذكروه من الضرر في الانتظار يبطل بالغائب إذا ثبت هذا فإن ظاهر قول الخرقي, أن للصغير إذا كبر الأخذ بها سواء عفا عنها الولي أو لم يعف وسواء كان الحظ في الأخذ بها, أو في تركها وهو ظاهر كلام أحمد في رواية ابن منصور: له الشفعة إذا بلغ فاختار ولم يفرق وهذا قول الأوزاعي وزفر, ومحمد بن الحسن وحكاه بعض أصحاب الشافعي عنه لأن المستحق للشفعة يملك الأخذ بها سواء كان له الحظ فيها أو لم يكن, فلم يسقط بترك غيره كالغائب إذا ترك وكيله الأخذ بها وقال أبو عبد الله بن حامد: إن تركها الولي لحظ الصبي أو لأنه ليس للصبي ما يأخذها به, سقطت وهذا ظاهر مذهب الشافعي لأن الولي فعل ما له فعله فلم يجز للصبي نقضه كالرد بالعيب, ولأنه فعل ما فيه الحظ للصبي فصح كالأخذ مع الحظ وإن تركها لغير ذلك, لم تسقط وقال أبو حنيفة: تسقط بعفو الولي عنها في الحالين لأن من ملك الأخذ بها ملك العفو عنها كالمالك وخالفه صاحباه في هذا لأنه أسقط حقا للمولي عليه لا حظ له في إسقاطه, فلم يصح كالإبراء وإسقاط خيار الرد بالعيب ولا يصح قياس الولي على المالك لأن للمالك التبرع والإبراء وما لا حظ له فيه بخلاف الولي. فصل: فأما الولي, فإن كان للصبي حظ في الأخذ بها مثل أن يكون الشراء رخيصا أو بثمن المثل وللصبي مال لشراء العقار, لزم وليه الأخذ بالشفعة لأن عليه الاحتياط له والأخذ بما فيه الحظ فإذا أخذ بها, ثبت الملك للصبي ولم يملك نقضه بعد البلوغ في قول أكثر أهل العلم, منهم مالك والشافعي وأصحاب الرأي وقال الأوزاعي: ليس للولى الأخذ بها لأنه لا يملك العفو عنها, فلا يملك الأخذ بها كالأجنبي وإنما يأخذ بها الصبي إذا كبر ولا يصح هذا لأنه خيار جعل لإزالة الضرر عن المال, فملكه الولى في حق الصبي كالرد بالعيب وقد ذكرنا فساد قياسه فيما مضى فإن تركها الولى مع الحظ فللصبى الأخذ بها إذا كبر, ولا يلزم الولى لذلك غرم لأنه لم يفوت شيئا من ماله وإنما ترك تحصيل ماله الحظ فيه فأشبه ما لو ترك شراء العقار له مع الحظ في شرائه, وإن كان الحظ في تركها مثل أن يكون المشتري قد غبن أو كان في الأخذ بها يحتاج إلى أن يستقرض ويرهن مال الصبي, فليس له الأخذ لأنه لا يملك فعل ما لا حظ للصبى فيه فإن أخذ فهل يصح؟ على روايتين إحداهما لا يصح, ويكون باقيا على ملك المشتري لأنه اشترى له ما لا يملك شراءه فلم يصح كما لو اشترى بزيادة كثيرة على ثمن المثل, أو اشترى معيبا يعلم عيبه ولا يملك الولى المبيع لأن الشفعة تؤخذ بحق الشركة ولا شركة للولي, ولذلك لو أراد الأخذ لنفسه لم يصح فأشبه ما لو تزوج لغيره بغير إذنه, فإنه يقع باطلا ولا يصح لواحد منهما كذا ها هنا وهذا مذهب الشافعي والرواية الثانية يصح الأخذ للصبي لأنه اشترى له ما يندفع عنه الضرر به, فصح كما لو اشترى معيبا لا يعلم عيبه والحظ يختلف ويخفى, فقد يكون له حظ في الأخذ بأكثر من ثمن المثل لزيادة قيمة ملكه والشقص الذي يشتريه بزوال الشركة أو لأن الضرر الذي يندفع بأخذه كثير, فلا يمكن اعتبار الحظ بنفسه لخفائه ولا بكثرة الثمن لما ذكرناه فسقط اعتباره, وصح البيع.
فصل:
وإذا باع وصي الأيتام فباع لأحدهم نصيبا في شركة آخر كان له الأخذ للآخر بالشفعة لأنه كالشراء له وإن كان الوصي شريكا لمن باع عليه, لم يكن له الأخذ لأنه متهم في بيعه ولأنه بمنزلة من يشتري لنفسه من مال يتيمه ولو باع الوصي نصيبه كان له الأخذ لليتيم بالشفعة, إذا كان له الحظ فيها لأن التهمة منتفية فإنه لا يقدر على الزيادة في ثمنه لكون المشتري لا يوافقه, ولأن الثمن حاصل له من المشتري كحصوله من اليتيم بخلاف بيعه مال اليتيم, فإنه يمكنه تقليل الثمن ليأخذ الشقص به فإذا رفع الأمر إلى الحاكم فباع عليه, فللوصي الأخذ حينئذ لعدم التهمة وإن كان مكان الوصي أب فباع شقص الصبي, فله أن يأخذه بالشفعة لأن له أن يشتري من نفسه مال ولده لعدم التهمة وإن بيع شقص في شركة حمل لم يكن لوليه أن يأخذ له بالشفعة لأنه لا يمكن تمليكه بغير الوصية وإذا ولد الحمل ثم كبر, فله الأخذ بالشفعة كالصبي إذا كبر.
فصل:
وإذا عفا ولي الصبي عن شفعته التي له فيها حظ ثم أراد الأخذ بها, فله ذلك في قياس المذهب لأنها لم تسقط بإسقاطه ولذلك ملك الصبي الأخذ بها إذا كبر, ولو سقطت لم يملك الأخذ بها ويحتمل أن لا يملك الأخذ بها لأن ذلك يؤدي إلى ثبوت حق الشفعة على التراخي وذلك على خلاف الخبر والمعنى ويخالف أخذ الصبي بها إذا كبر لأن الحق يتجدد له عند كبره فلا يملك تأخيره حينئذ, وكذلك أخذ الغائب بها إذا قدم فأما إن تركها لعدم الحظ فيها ثم أراد الأخذ بها والأمر على ما كان, لم يملك ذلك كما لم يملكه ابتداء وإن صار فيها حظ أو كان معسرا عند البيع فأيسر بعد ذلك انبنى ذلك على سقوطها بذلك فإن قلنا: لا تسقط, وللصبي الأخذ بها إذا كبر فحكمها حكم ما فيه الحظ وإن قلنا: تسقط فليس له الأخذ بها بحال لأنها قد سقطت على الإطلاق فأشبه ما لو عفا الكبير عن شفعته.
فصل:
والحكم في المجنون المطبق كالحكم في الصبي سواء لأنه محجور عليه لحظه, وكذلك السفيه لذلك وأما المغمى عليه فلا ولاية عليه وحكمه حكم الغائب والمجنون ينتظر إفاقته وأما المفلس, فله الأخذ بالشفعة والعفو عنها وليس لغرمائه الأخذ بها لأن الملك لم يثبت لهم في أملاكه قبل قسمتها, ولا إجباره على الأخذ بها لأنها معاوضة فلا يجبر عليها كسائر المعاوضات وليس لهم إجباره على العفو لأنه إسقاط حق, فلا يجبر عليه وسواء كان له حظ في الأخذ بها أو لم يكن لأنه يأخذ في ذمته وليس بمحجور عليه في ذمته, لكن لهم منعه من دفع ماله في ثمنها لتعلق حقوقهم بماله فأشبه ما لو اشترى في ذمته شقصا غير هذا ومتى ملك الشقص المأخوذ بالشفعة تعلقت حقوق الغرماء به, سواء أخذه برضاهم أو بغيره لأنه مال له فأشبه ما لو اكتسبه وأما المكاتب فله الأخذ والترك, وليس لسيده الاعتراض عليه لأن التصرف يقع له دون سيده فأما المأذون له في التجارة من العبيد فله الأخذ بالشفعة لأنه مأذون له في الشراء وإن عفا عنها لم ينفذ عفوه لأن الملك لسيده, ولم يأذن له في إبطال حقوقه وإن أسقطها السيد سقطت ولم يكن للعبد أن يأخذ لأن للسيد الحجر عليه, ولأن الحق قد أسقطه مستحقه فيسقط بإسقاطه.
فصل:
وإذا بيع شقص في شركة مال المضاربة فللعامل الأخذ بها إذا كان الحظ فيها, فإن تركها فلرب المال الأخذ لأن مال المضاربة ملكه ولا ينفذ عفو العامل لأن الملك لغيره فلم ينفذ عفوه كالمأذون له وإن اشترى المضارب بمال المضاربة شقصا في شركة رب المال فهل لرب المال فيه شفعة؟ على وجهين, مبنيين على شراء رب المال من مال المضاربة وقد ذكرناهما وإن كان المضارب شفيعه ولا ربح في المال, فله الأخذ بها لأن الملك لغيره وإن كان فيه ربح وقلنا: لا يملك بالظهور فكذلك وإن قلنا: يملك بالظهور ففيه وجهان كرب المال ومذهب الشافعي في هذا كله على ما ذكرنا فإن باع المضارب شقصا في شركته, لم يكن له أخذه بالشفعة لأنه متهم فأشبه شراءه من نفسه.
فصل:
ولا شفعة بشركة الوقف ذكره القاضيان ابن أبي موسى وأبو يعلى وهو ظاهر مذهب الشافعي لأنه لا يؤخذ بالشفعة, فلا تجب فيه كالمجاور وغير المنقسم ولأننا إن قلنا: هو غير مملوك فالموقوف عليه غير مالك, وإن قلنا: هو مملوك فملكه غير تام لأنه لا يفيد إباحة التصرف في الرقبة فلا يملك به ملكا تاما وقال أبو الخطاب: إن قلنا: هو مملوك وجبت به الشفعة لأنه مملوك بيع في شركته شقص فوجبت به الشفعة كالطلق, ولأن الضرر يندفع عنه بالشفعة كالطلق فوجبت فيه كوجوبها في الطلق, وإنما لم يستحق بالشفعة لأن الأخذ بيع وهو مما لا يجوز بيعه.
مسألة:
قال: [وإذا بنى المشتري أعطاه الشفيع قيمة بنائه إلا أن يشاء المشتري أن يأخذ بناءه, فله ذلك إذا لم يكن في أخذه ضرر]. وجملته أنه يتصور بناء المشتري وغرسه في الشقص المشفوع على وجه مباح في مسائل: منها أن يظهر المشتري أنه وهب له, أو أنه اشتراه بأكثر من ثمنه أو غير ذلك مما يمنع الشفيع من الأخذ بها فيتركها ويقاسمه, ثم يبني المشتري ويغرس فيه ومنها أن يكون غائبًا فيقاسمه وكيله أو صغيرا فيقاسمه وليه, ونحو ذلك ثم يقدم الغائب أو يبلغ الصغير, فيأخذ بالشفعة وكذلك إن كان غائبا أو صغيرا فطالب المشتري الحاكم بالقسمة فقاسم, ثم قدم الغائب وبلغ الصغير فأخذه بالشفعة بعد غرس المشتري وبنائه, فإن للمشتري قلع غرسه وبنائه إن اختار ذلك لأنه ملكه فإذا قلعه فليس عليه تسوية الحفر, ولا نقص الأرض ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي لأنه غرس وبنى في ملكه وما حدث من النقص إنما حدث في ملكه وذلك مما لا يقابله ثمن وظاهر كلام الخرقي أن عليه ضمان النقص الحاصل بالقلع لأنه اشترط في قلع الغرس والبناء عدم الضرر, وذلك لأنه نقص دخل على ملك غيره لأجل تخليص ملكه فلزمه ضمانه كما لو كسر محبرة غيره لإخراج ديناره منها وقولهم: إن النقص حصل في ملكه ليس كذلك فإن النقص الحاصل بالقلع إنما هو في ملك الشفيع فأما نقص الأرض الحاصل بالغرس والبناء فلا يضمنه لما ذكروه فإن لم يختر المشتري القلع, فالشفيع بالخيار بين ثلاثة أشياء ترك الشفعة وبين دفع قيمة الغراس والبناء فيملكه مع الأرض وبين قلع الغرس والبناء, ويضمن له ما نقص بالقلع وبهذا قال الشعبي والأوزاعي وابن أبي ليلى, ومالك والليث والشافعي, والبتى وسوار وإسحاق وقال حماد بن أبي سليمان, والثوري وأصحاب الرأي: يكلف المشتري القلع ولا شيء له لأنه بنى فيما استحق غيره أخذه فأشبه الغاصب, ولأنه بنى في حق غيره بغير إذنه فأشبه ما لو بانت مستحقة ولنا قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (لا ضرر ولا ضرار) ولا يزول الضرر عنهما إلا بذلك, ولأنه بنى في ملكه الذي تملك بيعه فلم يكلف قلعه مع الإضرار كما لو لم يكن مشفوعا وفارق ما قاسوا عليه, فإنه بنى في ملك غيره ولأنه عرق ظالم وليس لعرق ظالم حق, بخلاف مسألتنا فإنه غير ظالم فيكون له حق إذا ثبت هذا, فإنه لا يمكن إيجاب قيمته مستحقا للبقاء في الأرض لأنه لا يستحق ذلك ولا قيمته مقلوعا لأنه لو وجبت قيمته مقلوعا لملك قلعه ولم يضمن شيئا, ولأنه قد يكون مما لا قيمة له إذا قلعه ولم يذكر أصحابنا كيفية وجوب القيمة فالظاهر أن الأرض تقوم وفيها الغراس والبناء ثم تقوم خالية منهما, فيكون ما بينهما قيمة الغرس والبناء فيدفعه الشفيع إلى المشتري إن أحب أو ما نقص منه إن اختار القلع لأن ذلك هو الذي زاد بالغرس والبناء ويحتمل أن يقوم الغرس والبناء مستحقا للترك بالأجرة أو لأخذه بالقيمة إذا امتنعا من قلعه, فإن كان للغرس وقت يقلع فيه فيكون له قيمة وإن قلع قبله لم يكن له قيمة أو تكون قيمته قليلة, فاختار الشفيع قلعه قبل وقته فله ذلك لأنه يضمن النقص فيجبر به ضرر المشتري سواء كثر النقص أو قل, ويعود ضرر كثرة النقص على الشفيع وقد رضي باحتماله وإن غرس أو بنى مع الشفيع أو وكيله في المشاع ثم أخذه الشفيع, فالحكم في أخذ نصيبه من ذلك كالحكم في أخذ جميعه بعد المقاسمة.
فصل:
وإن زرع في الأرض فللشفيع الأخذ بالشفعة ويبقى زرع المشتري إلى أوان الحصاد لأن ضرره لا يتباقى, ولا أجرة عليه لأنه زرعه في ملكه ولأن الشفيع اشترى الأرض وفيها زرع للبائع فكان له مبقى إلى الحصاد بلا أجرة, كغير المشفوع وإن كان في الشجر ثمر ظاهر أثمر في ملك المشتري فهو له مبقى إلى الجذاذ, كالزرع.
فصل:
وإذا نما المبيع في يد المشتري لم يخل من حالين أحدهما أن يكون نماء متصلا, كالشجر إذا كثر أو ثمرة غير ظاهرة فإن الشفيع يأخذه بزيادته لأن هذه زيادة غير متميزة فتبعت الأصل, كما لو رد بعيب أو خيار أو إقالة فإن قيل: فلم لا يرجع الزوج في نصفه زائدا إذا طلق قبل الدخول؟ قلنا: لأن الزوج يقدر على الرجوع بالقيمة إذا فاته الرجوع بالعين وفي مسألتنا إذا لم يرجع في الشقص, سقط حقه من الشفعة فلم يسقط حقه من الأصل لأجل ما حدث من البائع وإذا أخذ الأصل تبعه نماؤه المتصل, كما ذكرنا في الفسوخ كلها الحال الثاني أن تكون الزيادة منفصلة كالغلة, والأجرة والطلع المؤبر والثمرة الظاهرة, فهي للمشتري لا حق للشفيع فيها لأنها حدثت في ملكه وتكون للمشتري مبقاة في رءوس النخل إلى الجذاذ لأن أخذ الشفيع من المشتري شراء ثان, فيكون حكمه حكم ما لو اشترى برضاه فإن اشتراه وفيه طلع غير مؤبر فأبره, ثم أخذه الشفيع أخذ الأصل دون الثمرة ويأخذ الأرض والنخيل بحصتهما من الثمن, كما لو كان المبيع شقصا وسيفا.
فصل:
وإن تلف الشقص أو بعضه في يد المشتري فهو من ضمانه لأنه ملكه تلف في يده ثم إن أراد الشفيع الأخذ بعد تلف بعضه, أخذ الموجود بحصته من الثمن سواء كان التلف بفعل الله تعالى أو بفعل آدمي وسواء تلف باختيار المشتري, كنقضه للبناء أو بغير اختياره مثل أن انهدم ثم إن كانت الأنقاض موجودة أخذها مع العرصة بالحصة وإن كانت معدومة أخذ العرصة وما بقي من البناء وهذا ظاهر كلام أحمد, في رواية ابن القاسم وهذا قول الثوري والعنبري وأبي يوسف, وقول للشافعي وقال أبو عبد الله بن حامد: إن كان التلف بفعل آدمي كما ذكرنا وإن كان بفعل الله تعالى, كانهدام البناء بنفسه أو حريق أو غرق, فليس للشفيع أخذ الباقي إلا بكل الثمن أو يترك وهذا قول أبي حنيفة وقول للشافعي لأنه متى كان النقص بفعل آدمي, رجع بدله إلى المشتري فلا يتضرر ومتى كان بغير ذلك, لم يرجع إليه شيء فيكون الأخذ منه إضرارا به والضرر لا يزال بالضرر ولنا أنه تعذر على الشفيع أخذ الجميع وقدر على أخذ البعض, فكان له بالحصة من الثمن كما لو تلف بفعل آدمي سواه أو كما لو كان له شفيع آخر, أو نقول: أخذ بعض ما دخل معه في العقد فأخذه بالحصة كما لو كان معه سيف وأما الضرر فإنما حصل بالتلف, ولا صنع للشفيع فيه والذي يأخذه الشفيع يؤدي ثمنه فلا يتضرر المشتري بأخذه وإنما قلنا: يأخذ الأنقاض وإن كانت منفصلة لأن استحقاقه للشفعة كان حال عقد البيع, وفي تلك الحال كان متصلا اتصالا ليس مآله إلى الانفصال وانفصاله بعد ذلك لا يسقط حق الشفعة ويفارق الثمرة غير المؤبرة إذا تأبرت فإن مآ لها إلى الانفصال والظهور, فإذا ظهرت فقد انفصلت فلم تدخل في الشفعة وإن نقصت القيمة مع بقاء صورة المبيع مثل أن انشق الحائط, واستهدم البناء وشعث الشجر وبارت الأرض, فليس له إلا الأخذ بجميع الثمن أو الترك لأن هذه المعاني لا يقابلها الثمن بخلاف الأعيان ولهذا قلنا: لو بنى المشتري أعطاه الشفيع قيمة بنائه, ولو زاد المبيع زيادة متصلة دخلت في الشفعة.
مسألة:
قال: [وإن كان الشراء وقع بعين أو ورق, أعطاه الشفيع مثل ذلك وإن كان عرضا أعطاه قيمته] وجملته أن الشفيع يأخذ الشقص من المشتري بالثمن الذي استقر عليه العقد لما روي في حديث جابر (أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: هو أحق بالثمن) رواه أبو إسحاق الجوزجاني في "كتابه" ولأن الشفيع إنما استحق الشقص بالبيع, فكان مستحقا له بالثمن ك المشتري فإن قيل: إن الشفيع استحق أخذه بغير رضي مالكه فينبغي أن يأخذه بقيمته, كالمضطر يأخذ طعام غيره قلنا: المضطر استحق أخذه بسبب حاجة خاصة فكان المرجع في بدله إلى قيمته والشفيع استحقه لأجل البيع, ولهذا لو انتقل بهبة أو ميراث لم يستحق الشفعة وإذا استحق ذلك بالبيع وجب أن يكون بالعوض الثابت بالبيع إذا ثبت هذا, فإنا ننظر في الثمن فإن كان دنانير أو دراهم أعطاه الشفيع مثله, وإن كان مما لا مثل له كالثياب والحيوان فإن الشفيع يستحق الشقص بقيمة الثمن وهذا قول أكثر أهل العلم وبه يقول أصحاب الرأي والشافعي وحكي عن الحسن, وسوار أن الشفعة لا تجب ها هنا لأنها تجب بمثل الثمن وهذا لا مثل له فتعذر الأخذ, فلم يجب كما لو جهل الثمن ولنا أنه أحد نوعي الثمن, فجاز أن تثبت به الشفعة في المبيع كالمثلي وما ذكروه لا يصح لأن المثل يكون من طريق الصورة, ومن طريق القيمة كبدل المتلف فإما إن كان الثمن من المثليات غير الأثمان كالحبوب والأدهان, فقال أصحابنا: يأخذه الشفيع بمثله لأنه من ذوات الأمثال فهو كالأثمان وبه يقول أصحاب الرأي وأصحاب الشافعي ولأن هذا مثل من طريق الصورة والقيمة, فكان أولى من المماثل في إحداهما ولأن الواجب بدل الثمن فكان مثله, كبدل القرض والمتلف.
فصل:
ويستحق الشفيع الشقص بالثمن الذي استقر عليه العقد فلو تبايعا بقدر ثم غيراه في زمن الخيار بزيادة أو نقص, ثبت ذلك التغيير في حق الشفيع لأن حق الشفيع إنما يثبت إذا تم العقد وإنما يستحق بالثمن الذي هو ثابت حال استحقاقه ولأن زمن الخيار بمنزلة حالة العقد, والتغيير يلحق بالعقد فيه لأنهما على اختيارهما فيه كما لو كان في حال العقد فأما إذا انقضى الخيار وانبرم العقد, فزادا أو نقصا لم يلحق بالعقد لأن الزيادة بعده هبة يعتبر لها شروط الهبة والنقص إبراء مبتدأ, ولا يثبت ذلك في حق الشفيع وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة: يثبت النقص في حق الشفيع دون الزيادة وإن كانا عنده ملحقان بالعقد لأن الزيادة تضر الشفيع فلم يملكها, بخلاف النقص وقال مالك: إن بقي ما يكون ثمنا أخذ به وإن حط الأكثر أخذه بجميع الثمن الأول ولنا, أن ذلك يعتبر بعد استقرار العقد فلم يثبت في حق الشفيع كالزيادة, ولأن الشفيع استحق الأخذ بالثمن الأول قبل التغيير فلم يؤثر التغيير بعد ذلك فيه كالزيادة وما ذكروه من العذر غير صحيح لأن ذلك لو لحق العقد لزم الشفيع, وإن أضر به كالزيادة في مدة الخيار ولأنه حط بعد لزوم العقد, فأشبه حط الجميع أو الأكثر عند مالك.
فصل:
وإن كان الثمن مما تجب قيمته فإنها تعتبر وقت البيع لأنه وقت الاستحقاق ولا اعتبار بعد ذلك بالزيادة والنقص وإن كان فيه خيار, اعتبرت القيمة حين انقضاء الخيار واستقرار العقد لأنه حين استحقاق الشفعة وبهذا قال الشافعي وحكي عن مالك أنه يأخذه بقيمته يوم المحاكمة وليس بصحيح لأن وقت الاستحقاق وقت العقد وما زاد بعد ذلك حصل في ملك البائع فلا يقوم للمشتري, وما نقص فمن مال البائع فلا ينقص به حق المشتري.
فصل:
وإذا كان الثمن مؤجلا أخذه الشفيع بذلك الأجل, إن كان مليئا وإلا أقام ضمينا مليئا وأخذ وبه قال مالك وعبد الملك, وإسحاق وقال الثوري: لا يأخذها إلا بالنقد حالا وقال أبو حنيفة: لا يأخذها إلا بثمن حال أو ينتظر مضي الأجل ثم يأخذ وعن الشافعي كمذهبنا ومذهب أبي حنيفة لأنه يمكنه الأخذ بالمؤجل لأنه يفضي إلى أن يلزم المشتري قبول ذمة الشفيع والذمم لا تتماثل, وإنما يأخذ بمثله ولا يلزمه أن يأخذ بمثله حالا لئلا يلزمه أكثر مما يلزم المشتري, ولا بسلعه بمثل الثمن إلى الأجل لأنه إنما يأخذه بمثل الثمن أو القيمة والسلعة ليست واحدة منهما فلم يبق إلا التخيير ولنا, أن الشفيع تابع للمشتري في قدر الثمن وصفته والتأجيل من صفاته ولأن في الحلول زيادة على التأجيل, فلم يلزم الشفيع كزيادة القدر وما ذكروه من اختلاف الذمم فإننا لا نوجبها حتى توجد الملاءة في الشفيع, أو في ضمينه بحيث ينحفظ المال فلا يضر اختلافهما فيما وراء ذلك, كما لو اشترى الشقص بسلعة وجبت قيمتها ولا يضر اختلافهما ومتى أخذه الشفيع بالأجل فمات الشفيع أو المشتري, وقلنا: يحل الدين بالموت حل الدين على الميت منهما دون صاحبه لأن سبب حلوله الموت فاختص بمن وجد في حقه.
فصل:
وإذا باع شقصا مشفوعا ومعه ما لا شفعة فيه, كالسيف والثوب في عقد واحد ثبتت الشفعة في الشقص بحصته من الثمن دون ما معه فيقوم كل واحد منهما, ويقسم الثمن على قدر قيمتهما فما يخص الشقص يأخذه الشفيع وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي ويحتمل أن لا تجب الشفعة, لئلا تتبعض صفقة المشتري وفي ذلك إضرار به فأشبه ما لو أراد الشفيع أخذ بعض الشقص وقال مالك تثبت الشفعة فيهما لذلك ولنا, أن السيف لا شفعة فيه ولا هو تابع لما فيه الشفعة فلم يؤخذ بالشفعة, كما لو أفرده وما يلحق المشتري من الضرر فهو ألحقه بنفسه بجمعه في العقد بين ما تثبت فيه الشفعة وما لا تثبت, ولأن في أخذ الكل ضررا ب المشتري أيضا لأنه ربما كان غرضه في إبقاء السيف له ففي أخذه منه إضرار به من غير سبب يقتضيه.
فصل:
وإذا باع شقصين من أرضين صفقة واحدة, لرجل واحد والشريك في أحدهما غير الشريك في الآخر فلهما أن يأخذا ويقتسما الثمن على قدر القيمتين وإن أخذ أحدهما دون الآخر جاز, ويأخذ الشقص الذي في شركته بحصته من الثمن ويتخرج أنه لا شفعة له كالمسألة التي قبلها وليس له أخذهما معا لأن أحدهما لا شركة له فيه ولا هو تابع لما فيه الشفعة, فجرى مجرى الشقص والسيف وإن كان الشريك فيهما واحدا فله أخذهما وتركهما لأنه شريك فيهما وإن أحب أخذ أحدهما دون الآخر فله ذلك وهذا منصوص الشافعي ويحتمل أنه لا يملك ذلك, ومتى اختاره سقطت الشفعة فيهما لأنه أمكنه أخذ المبيع كله فلم يملك أخذ بعضه كما لو كان شقصا واحدا ذكره أبو الخطاب, وبعض أصحاب الشافعي ولنا أنه يستحق كل واحد منها بسبب غير الآخر فجرى مجرى الشريكين, ولأنه لو جرى مجرى الشقص الواحد لوجب إذا كانا شريكين فترك أحدهما شفعته أن يكون للآخر أخذ الكل والأمر بخلافه.
فصل:
ولا يأخذ بالشفعة من لا يقدر على الثمن لأن في أخذه بدون دفع الثمن إضرارا ب المشتري ولا يزال الضرر بالضرر فإن أحضر رهنا أو ضمينا, لم يلزم المشتري قبوله لأن في تأخير الثمن ضررا فلم يلزم المشتري ذلك كما لو أراد تأخير ثمن حال فإن بذل عوضا عن الثمن لم يلزمه قبوله لأنها معاوضة ولم يجبر عليها وإذا أخذ بالشفعة, لم يلزم المشتري تسليم الشقص حتى يقبض الثمن فإن كان موجودا سلمه وإن تعذر في الحال, قال أحمد في رواية حرب: ينظر الشفيع يوما أو يومين بقدر ما يرى الحاكم, وإذا كان أكثر فلا وهذا قول مالك وقال ابن شبرمة وأصحاب الشافعي: ينظر ثلاثا لأنها آخر حد القلة فإن أحضر الثمن, وإلا فسخ عليه وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يأخذ بالشفعة ولا يقضي القاضي بها حتى يحضر الثمن لأن الشفيع يأخذ الشقص بغير اختيار المشتري, فلا يستحق ذلك إلا بإحضار عوضه كتسليم المبيع ولنا أنه تملك للمبيع بعوض, فلا يقف على إحضار العوض كالبيع وأما التسليم في البيع, فالتسليم في الشفعة مثله وكون الأخذ بغير اختيار المشتري يدل على قوته فلا يمنع من اعتباره في الصحة, فإذا أجلناه مدة فأحضر الثمن فيها وإلا فسخ الحاكم الأخذ ورده إلى المشتري وهكذا لو هرب الشفيع بعد الأخذ والأولى أن للمشتري الفسخ من غير حاكم لأنه فات شرط الأخذ, ولأنه تعذر على البائع الوصول إلى الثمن فملك الفسخ كغير من أخذت الشفعة منه, وكما لو أفلس الشفيع ولأن الأخذ بالشفعة لا يقف على حكم الحاكم فلا يقف فسخ الأخذ بها على الحاكم, كفسخ غيرها من البيوع وكالرد بالعيب ولأن وقف ذلك على الحاكم يفضي إلى الضرر ب المشتري لأنه قد يتعذر عليه إثبات ما يدعيه, وقد يصعب عليه حضور مجلس الحاكم لبعده أو غير ذلك فلا يشرع فيها ما يفضي إلى الضرر, ولأنه لو وقف الأمر على الحاكم لم يملك الأخذ إلا بعد إحضار الثمن لئلا يفضي إلى هذا الضرر وإن أفلس الشفيع, خير المشتري بين الفسخ وبين أن يضرب مع الغرماء بالثمن كالبائع إذا أفلس المشتري.
فصل:
لا يحل الاحتيال لإسقاط الشفعة وإن فعل لم تسقط قال أحمد, في رواية إسماعيل بن سعيد وقد سأله عن الحيلة في إبطال الشفعة فقال: لا يجوز شيء من الحيل في ذلك, ولا في إبطال حق مسلم وبهذا قال أبو أيوب وأبو خيثمة وابن أبي شيبة, وأبو إسحاق الجوزجاني وقال عبد الله بن عمر: من يخدع الله يخدعه وقال أيوب السختياني: أنهم ليخادعون الله كما يخادعون صبيا لو كانوا يأتون الأمر على وجهه كان أسهل على ومعنى الحيلة أن يظهروا في البيع شيئا لا يؤخذ بالشفعة معه, ويتواطئون في الباطن على خلافه مثل أن يشتري شقصا يساوى عشرة دنانير بألف درهم ثم يقضيه عنها عشرة دنانير, أو يشتريه بمائة دينار ويقضيه عنها مائة درهم أو يشتري البائع من المشتري عبدا قيمته مائة بألف في ذمته, ثم يبيعه الشقص بالألف أو يشتري شقصا بألف ثم يبرئه البائع من تسعمائة, أو يشتري جزءا من الشقص بمائة ثم يهب له البائع باقيه أو يهب الشقص للمشتري, ويهب المشتري له الثمن أو يعقد البيع بثمن مجهول المقدار كحفنة قراضة, أو جوهرة معينة أو سلعة معينة غير موصوفة أو بمائة درهم ولؤلؤة, وأشباه هذا فهذا كله إذا وقع من غير تحيل سقطت الشفعة وإن تحيلا به على إسقاط الشفعة لم تسقط ويأخذ الشفيع الشقص في الصورة الأولى بعشرة دنانير أو قيمتها من الدراهم وفي الثانية بمائة درهم أو قيمتها ذهبا وفي الثالثة بقيمة العبد المبيع وفي الرابعة بالباقي بعد الإبراء, وهو المائة المقبوضة وفي الخامسة يأخذ الجزء المبيع من الشقص بقسطه من الثمن ويحتمل أن يأخذ الشقص كله بجميع الثمن لأنه إنما وهبه بقية الشقص عوضا عن الثمن الذي اشترى به جزءا من الشقص وفي السادسة يأخذ بالثمن الموهوب وفي سائر الصور المجهول ثمنها يأخذه بمثل الثمن أو بقيمته إن لم يكن مثليا, إذا كان الثمن موجودا وإن لم يوجد عينه دفع إليه قيمة الشقص لأن الأغلب وقوع العقد على الأشياء بقيمتها وقال أصحاب الرأي, والشافعي يجوز ذلك كله وتسقط به الشفعة لأنه لم يأخذ بما وقع البيع به, فلم يجز كما لو لم يكن حيلة ولنا قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (من أدخل فرسا بين فرسين, ولم يأمن أن يسبق فليس بقمار وإن أمن أن يسبق, فهو قمار) رواه أبو داود وغيره فجعل إدخال الفرس المحلل قمارا في الموضع الذي يقصد به إباحة إخراج كل واحد من المتسابقين جعلا, مع عدم معنى المحلل فيه وهو كونه بحال يحتمل أن يأخذ سبقيهما وهذا يدل على إبطال كل حيلة لم يقصد بها إلا إباحة المحرم مع عدم المعنى فيها واستدل أصحابنا بما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: (لا تركبوا ما ارتكبت اليهود, فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل) وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (لعن الله اليهود إن الله لما حرم عليهم شحومها جملوه ثم باعوه, وأكلوا ثمنه) متفق عليه ولأن الله تعالى ذم المخادعين له بقوله تعالى: {يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون} [البقرة: 9]. والحيلة مخادعة وقد مسخ الله تعالى الذين اعتدوا في السبت قردة بحيلتهم فإنه روي أنهم كانوا ينصبون شباكهم يوم الجمعة, ومنهم من يحفر جبابا ويرسل الماء إليها يوم الجمعة فإذا جاءت الحيتان يوم السبت, وقعت في الشباك والجباب فيدعونها إلى ليلة الأحد فيأخذونها, ويقولون: ما اصطدنا يوم السبت شيئا فمسخهم الله تعالى بحيلهم وقال تعالى: {فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين} [البقرة: 66]. قيل: يعنى به أمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أي لتتعظ بذلك أمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيجتنبوا مثل ما فعل المعتدون ولأن الحيلة خديعة وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (لا تحل الخديعة لمسلم) ولأن الشفعة وضعت لدفع الضرر, فلو سقطت بالتحيل للحق الضرر فلم تسقط, كما لو أسقطها المشتري بالبيع والوقف وفارق ما لم يقصد به التحيل لأنه لا خداع فيه ولا قصد به إبطال حق, والأعمال بالنيات فإن اختلفا هل وقع شيء من هذا حيلة أو لا؟ فالقول قول المشتري مع يمينه لأنه أعلم بنيته وحاله إذا ثبت هذا فإن الغرر في الصورتين الأوليين على المشتري لشرائه ما يساوى عشرة بمائة, وما يساوى مائة درهم بمائة دينار وأشهد على نفسه أن عليه ألفا فربما طالبه بذلك, فلزمه في ظاهر الحكم وفي الثالثة الغرر على البائع لأنه اشترى عبدا يساوى مائة بألف وفي الرابعة على المشتري لأنه اشترى شقصا قيمته مائة بألف وكذلك في الخامسة لأنه اشترى بعض الشقص بثمن جميعه وفي السادسة على البادئ منهما بالهبة لأنه قد لا يهب له الآخر شيئا فإن خالف أحدهما ما تواطآ عليه, فطالب صاحبه بما أظهراه لزمه في ظاهر الحكم لأنه عقد البيع مع صاحبه بذلك مختارا, فأما فيما بينه وبين الله تعالى فلا يحل لمن غر صاحبه الأخذ بخلاف ما تواطآ عليه لأن صاحبه إنما رضي بالعقد للتواطؤ فمع فواته لا يتحقق الرضا به.
مسألة:
قال: [وإن اختلفا في الثمن, فالقول قول المشتري مع يمينه إلا أن يكون للشفيع بينة]. وجملته أن الشفيع و المشتري إذا اختلفا في الثمن فقال المشتري: اشتريته بمائة فقال الشفيع: بل بخمسين فالقول قول المشتري لأنه العاقد, فهو أعرف بالثمن ولأن الشقص ملكه فلا ينزع من يده بالدعوى بغير بينة وبهذا قال الشافعي فإن قيل: فهلا قلتم: القول قول الشفيع لأنه غارم ومنكر للزيادة, فهو كالغاصب والمتلف والضامن لنصيب شريكه إذا أعتق؟ قلنا: الشفيع ليس بغارم لأنه لا شيء عليه وإنما يريد أن يملك الشقص بثمنه بخلاف الغاصب والمتلف والمعتق فأما إن كان للشفيع بينة, حكم بها وكذلك إن كان للمشتري بينة حكم بها, واستغنى عن يمينه ويثبت ذلك بشاهد ويمين وشهادة رجل وامرأتين, ولا تقبل شهادة البائع لأنه إذا شهد للشفيع كان متهما لأنه يطلب تقليل الثمن خوفا من الدرك عليه وإن أقام كل واحد منهما بينة احتمل تعارضهما لأنهما يتنازعان فيما وقع عليه العقد, فيصيران كمن لا بينة لهما وذكر الشريف أن البينة بينة الشفيع ويقتضيه مذهب الخرقي لأن بينة الخارج عنده مقدمة على بينة الداخل والشفيع هو الخارج وهذا قول أبى حنيفة وقال صاحباه: البينة بينة المشتري لأنها تترجح بقول المشتري فإنه مقدم على قول الشفيع, ويخالف الخارج والداخل لأن بينة الداخل يجوز أن تكون مستندة إلى يده وفي مسألتنا البينة تشهد على نفس العقد كشهادة بينة الشفيع ولنا, أنهما بينتان تعارضتا فقدمت بينة من لا يقبل قوله عند عدمها كالداخل والخارج ويحتمل أن يقرع بينهما لأنهما يتنازعان في العقد, ولا يد لهما عليه فصارا كالمتنازعين عينا في يد غيرهما. فصل: وإن قال المشتري: لا أعلم مبلغ الثمن فالقول قوله لأن ما يدعيه ممكن لجواز أن يكون اشتراه جزافا, أو بثمن نسي مبلغه ويحلف فإذا حلف سقطت الشفعة لأنها لا تستحق بغير بذل, ولا يمكن أن يدفع إليه ما لا يدعيه فإن ادعى أنك فعلت ذلك تحيلا على إسقاط الشفعة فعليه اليمين على نفى ذلك.
فصل:
وإن اشترى شقصا بعرض واختلفا في قيمته, فإن كان موجودا عرضاه على المقومين وإن تعذر إحضاره فالقول قول المشتري, كما لو اختلفا في قدر الثمن وإن ادعى جهل قيمته فهو على ما ذكرنا فيما إذا ادعى جهل ثمنه وإن اختلفا في الغراس والبناء في الشقص فقال المشتري: أنا أحدثته وأنكر الشفيع, فالقول قول المشتري لأنه ملكه والشفيع يريد تملكه عليه, فكان القول قول المالك.
فصل:
إذا ادعى الشفيع على بعض الشركاء أنك اشتريت نصيبك فلى أخذه بالشفعة فإنه يحتاج إلى تحرير دعواه, فيحدد المكان الذي فيه الشقص ويذكر قدر الشقص والثمن ويدعى الشفعة فيه, فإذا فعل ذلك سئل المدعى عليه فإن أقر, لزمه وإن أنكر وقال: إنما اتهبته أو ورثته, فلا شفعة لك فيه فالقول قول من ينفيه كما لو ادعى عليه نصيبه من غير شفعة فإن حلف برئ, وإن نكل قضى عليه وإن قال لا تستحق على شفعة فالقول قوله مع يمينه ويكون يمينه على حسب قوله في الإنكار وإذا نكل وقضى عليه بالشفعة, عرض عليه الثمن فإن أخذه دفع إليه وإن قال: لا أستحقه ففيه ثلاثة أوجه أحدها يقر في يد الشفيع إلى أن يدعيه المشتري, فيدفع إليه كما لو أقر له بدار فأنكرها والثاني: أن يأخذه الحاكم فيحفظه لصاحبه إلى أن يدعيه المشتري, ومتى ادعاه دفع إليه والثالث يقال له: إما أن تقبضه وإما أن تبرئ منه, كسيد المكاتب إذا جاءه المكاتب بمال المكاتبة فادعى أنه حرام اختار هذا القاضي وهذا مفارق للمكاتب لأن سيده يطالبه بالوفاء من غير هذا الذي أتاه به فلا يلزمه ذلك بمجرد دعوى سيده تحريم ما أتاه به, وهذا لا يطلب الشفيع بشيء فلا ينبغي أن يكلف إبراء مما لا يدعيه والوجه الأول أولى ـ إن شاء الله تعالى ـ .
فصل:
وإن قال اشتريته لفلان وكان حاضرا, استدعاه الحاكم وسأله فإن صدقه, كان الشراء له والشفعة عليه وإن قال: هذا ملكي, ولم أشتره انتقلت الخصومة إليه وإن كذبه حكم بالشراء لمن اشتراه, وأخذ منه بالشفعة وإن كان المقر له غائبا أخذه الحاكم ودفعه إلى الشفيع, وكان الغائب على حجته إذا قدم لأننا لو وقفنا الأمر في الشفعة إلى حضور المقر له لكان في ذلك إسقاط الشفعة لأن كل مشتر يدعى أنه لغائب وإن قال: اشتريته لابنى الطفل أو لهذا الطفل وله عليه ولاية, ففيه وجهان أحدهما لا تثبت الشفعة لأن الملك ثبت للطفل ولا تجب الشفعة بإقرار الولى عليه لأنه إيجاب حق في مال صغير, بإقرار وليه والثاني تثبت لأنه يملك الشراء له فصح إقراره فيه, كما يصح إقراره بعيب في مبيعه فأما إن ادعى عليه شفعة في شقص فقال: هذا لفلان الغائب أو لفلان الطفل ثم أقر بشرائه له لم تثبت فيه الشفعة, إلا أن تثبت ببينة أو يقدم الغائب ويبلغ الطفل فيطالبهما بها لأن الملك يثبت لهما بإقراره به, فإقراره بالشراء بعد ذلك إقرار في ملك غيره فلا يقبل بخلاف ما إذا أقر بالشراء ابتداء: لأن الملك ثبت لهما بذلك الإقرار المثبت للشفعة, فثبتا جميعا وإن لم يذكر سبب الملك لم يسأله الحاكم عنه ولم يطالب ببيانه لأنه لو صرح بالشراء لم تثبت به شفعة, فلا فائدة في الكشف عنه ومذهب الشافعي في هذا الفصل كله كمذهبنا.
فصل:
وإذا كانت دار بين حاضر وغائب فادعى الحاضر على من في يده نصيب الغائب أنه اشتراه منه وأنه يستحقه بالشفعة, فصدقه فللشفيع أخذه بالشفعة لأن من في يده العين يصدق في تصرفه فيما في يديه وبهذا قال أبو حنيفة وأصحابه ولأصحاب الشافعي في ذلك وجهان أحدهما, ليس له أخذه لأن هذا إقرار على غيره ولنا أنه أقر بما في يده فقبل إقراره, كما لو أقر بأصل ملكه وهكذا لو ادعى عليه أنك بعت نصيب الغائب بإذنه وأقر له الوكيل, كان كإقرار البائع بالبيع فإذا قدم الغائب فأنكر البيع أو الإذن في البيع فالقول قوله مع يمينه وينتزع الشقص, ويطالب بأجره من شاء منهما ويستقر الضمان على الشفيع لأن المنافع تلفت تحت يده فإن طالب الوكيل, رجع على الشفيع وإن طالب الشفيع لم يرجع على أحد وإن ادعى على الوكيل, أنك اشتريت الشقص الذي في يدك فأنكر وقال: إنما أنا وكيل فيه أو مستودع له فالقول قوله مع يمينه, فإن كان للمدعى بينة حكم بها وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي, مع أن أبا حنيفة لا يرى القضاء على الغائب لأن القضاء ها هنا على الحاضر بوجوب الشفعة عليه واستحقاق انتزاع الشقص من يده وحصل القضاء على الغائب ضمنا فإن لم تكن بينة, وطالب الشفيع بيمينه فنكل عنها احتمل أن يقضى عليه لأنه لو أقر لقضى عليه, فكذلك إذا نكل واحتمل أن لا يقضى عليه لأنه قضاء على الغائب بغير بينة ولا إقرار من الشقص في يده.
فصل:
وإذا ادعى على رجل شفعة في شقص اشتراه فقال: ليس له ملك في شركتى فعلى الشفيع إقامة البينة أنه شريك وبه قال أبو حنيفة, ومحمد والشافعي وقال أبو يوسف: إذا كان في يده استحق به الشفعة لذلك لأن الظاهر من اليد الملك ولنا, أن الملك لا يثبت بمجرد اليد وإذا لم يثبت الملك الذي يستحق به الشفعة لم تثبت, ومجرد الظاهر لا يكفى كما لو ادعى ولد أمة في يده فإن ادعى أن المشتري يعلم أنه شريك فعلى المشتري اليمين أنه لا يعلم ذلك لأنها يمين على نفى فعل الغير, فكان على العلم كاليمين على نفى دين الميت فإذا حلف سقطت دعواه, وإن نكل قضى عليه.
فصل:
إذا اختلف المتبايعان في الثمن فادعى البائع أن الثمن ألفان, وقال المشتري: هو ألف فأقام البائع بينة أن الثمن ألفان أخذهما من المشتري وللشفيع أخذه بالألف لأن المشتري مقر له باستحقاقه بألف ويدعى أن البائع ظلمه وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة: إن حكم الحاكم عليه بألفين, أخذه الشفيع بهما لأن الحاكم إذا حكم عليه بالبينة بطل قوله وثبت ما حكم به الحاكم ولنا أن المشتري مقر بأن هذه البينة كاذبة, وأنه ظلمه بألف فلم يحكم له به وإنما حكم بها للبائع لأنه لا يكذبها فإن قال المشتري: صدقت البينة, وكنت أنا كاذبا أو ناسيا ففيه وجهان أحدهما لا يقبل رجوعه لأنه رجوع عن إقرار تعلق به حق آدمي غيره فأشبه ما لو أقر له بدين والثاني, يقبل قوله وقال القاضي: هو قياس المذهب عندي كما لو أخبر في المرابحة بثمن ثم قال: غلطت والثمن أكثر, قبل قوله مع يمينه بل ها هنا أولى لأنه قد قامت البينة بكذبه وحكم الحاكم بخلاف قوله, فقبل رجوعه عن الكذب وإن لم تكن للبائع بينة فتحالفا فللشفيع أخذه بما حلف عليه البائع, وإن أراد أخذه بما حلف عليه المشتري لم يكن له ذلك لأن للبائع فسخ البيع وأخذه بما قال المشتري يمنع ذلك, ولأنه يقضى إلى إلزام العقد بما حلف عليه المشتري ولا يملك ذلك فإن رضي المشتري بأخذه بما قال البائع جاز, وملك الشفيع أخذه بالثمن الذي حلف عليه المشتري لأن حق البائع من الفسخ قد زال فإن عاد المشتري فصدق البائع وقال: الثمن ألفان وكنت غالطا فهل للشفيع أخذه بالثمن الذي حلف عليه؟ فيه وجهان, كما لو قامت به بينة.
فصل:
ولو اشترى شقصا له شفيعان فادعى على أحد الشفيعين أنه عفا عن الشفعة وشهد له بذلك الشفيع الآخر, قبل عفوه عن شفعته لم تقبل شهادته لأنه يجر إلى نفسه نفعا وهو توفر الشفعة عليه فإذا ردت شهادته, ثم عفا عن الشفعة ثم أعاد تلك الشهادة لم تقبل لأنها ردت للتهمة, فلم تقبل بعد زوالها كشهادة الفاسق إذا ردت ثم تاب وأعادها لم تقبل ولو لم يشهد حتى عفا, قبلت شهادته لعدم التهمة ويحلف المشتري مع شهادته ولو لم تكن بينة فالقول قول المنكر مع يمينه وإن كانت الدعوى على الشفيعين معا, فحلفا ثبتت الشفعة وإن حلف أحدهما, ونكل الآخر نظرنا في الحالف فإن صدق شريكه في الشفعة في أنه لم يعف لم يحتج إلى يمين, وكانت الشفعة بينهما لأن الحق له فإن الشفعة تتوفر عليه إذا سقطت شفعة شريكه وإن ادعى أنه عفا فنكل, قضى له بالشفعة كلها وسواء ورثا الشفعة أو كانا شريكين وإن شهد أجنبى بعفو أحد الشفيعين واحتيج إلى يمين معه قبل عفو الآخر حلف, وأخذ الكل بالشفعة وإن كان بعده حلف المشتري وسقطت الشفعة وإن كانوا ثلاثة شفعاء, فشهد اثنان منهم على الثالث بالعفو بعد عفوهما قبلت وإن شهدا, قبله ردت وإن شهدا بعد عفو أحدهما وقبل عفو الآخر ردت شهادة غير العافي, وقبلت شهادة العافى وإن شهد البائع بعفو الشفيع بعد قبض الثمن قبلت شهادته وإن كان قبله, ففيه وجهان أحدهما تقبل لأنهما سواء عنده والثاني لا تقبل لأنه يحتمل أن يكون قصد ذلك ليسهل استيفاء الثمن لأن المشتري يأخذه من الشفيع, فيسهل عليه وفاؤه أو يتعذر على المشتري الوفاء لفلسه فيستحق استرجاع المبيع وإن شهد لمكاتبه بعفو شفيعه, أو شهد بشراء شيء لمكاتبه فيه شفعة لم تقبل لأن المكاتب عبده فلا تقبل شهادته له, كمدبره ولأن ما يحصل للمكاتب ينتفع به السيد لأنه إن عجز صار له وإن لم يعجز سهل عليه الوفاء له وإن شهد على مكاتبه بشيء من ذلك, قبلت شهادته لأنه غير متهم فأشبه الشهادة على ولده.
مسألة:
قال: [وإن كانت دار بين ثلاثة لأحدهم نصفها وللآخر ثلثها, وللآخر سدسها فباع أحدهم كانت الشفعة بين النفسين على قدر سهامهما]. الصحيح في المذهب أن الشقص المشفوع إذا أخذه الشفعاء, قسم بينهم على قدر أملاكهم اختاره أبو بكر وروى ذلك عن الحسن وابن سيرين وعطاء وبه قال مالك, وسوار والعنبرى وإسحاق, وأبو عبيد وهو أحد قولي الشافعي وعن أحمد رواية ثانية أنه يقسم بينهم على عدد رءوسهم اختارها ابن عقيل وروى ذلك عن النخعي, والشعبي وبه قال ابن أبى ليلى وابن شبرمة والثوري, وأصحاب الرأي لأن كل واحد منهم لو انفرد لاستحق الجميع فإذا اجتمعوا تساووا كالبنين في الميراث, وكالمعتقين في سراية العتق ولنا أنه حق يستفاد بسبب الملك فكان على قدر الأملاك, كالغلة ودليلهم ينتقض بالابن والأب أو الجد وبالجد مع الإخوة وبالفرسان مع الرجالة في الغنيمة, وأصحاب الديون والوصايا إذا نقص ماله عن دين أحدهم أو الثلث عن وصية أحدهم وفارق الأعيان لأنه إتلاف, والإتلاف يستوى فيه القليل والكثير كالنجاسة تلقى في مائع وأما البنون فإنهم تساووا في التسبب, وهو البنوة فتساووا في الإرث بها فنظيره في مسألتنا تساوى الشفعاء في سهامهم, فعلى هذا ننظر مخرج سهام الشركاء كلهم فنأخذ منها سهام الشفعاء فإذا علمت عدتها, قسمت السهم المشفوع عليها ويصير العقار بين الشفعاء على تلك العدة كما يفعل في مسائل الرد سواء, ففي هذه المسألة التي ذكر الخرقي مخرج سهام الشركاء ستة فإن باع صاحب النصف, فسهام الشفعاء ثلاثة لصاحب الثلث سهمان وللآخر سهم فالشفعة بينهم على ثلاثة, ويصير العقار بينهم أثلاثا لصاحب الثلث ثلثاه وللآخر ثلثه, وإن باع صاحب الثلث كانت بين الآخرين أرباعا لصاحب النصف ثلاثة أرباعه, وللآخر ربعه وإن باع صاحب السدس كانت بين الآخرين أخماسا, لصاحب النصف ثلاثة أخماسه وللآخر خمساه وعلى الرواية الأخرى يقسم الشقص المشفوع بين الآخرين نصفين على كل حال, فإن باع صاحب النصف قسم النصف بين شريكيه لكل واحد الربع, فيصير لصاحب الثلث ثلث وربع وللآخر ربع وسدس وإن باع صاحب الثلث, صار لصاحب النصف الثلثان وللآخر الثلث وإن باع صاحب السدس, فلصاحب النصف ثلث وربع ولصاحب الثلث ربع وسدس والله أعلم.
فصل:
وإن كان المشتري شريكا فللشفيع الآخر أن يأخذ بقدر نصيبه وبهذا قال أبو حنيفة, والشافعي وحكى عن الحسن والشعبي والبتى: لا شفعة للآخر لأنها تثبت لدفع ضرر الشريك الداخل, وهذا شركته متقدمة فلا ضرر في شرائه وحكى ابن الصباغ عن هؤلاء أن الشفعة كلها لغير المشتري ولا شيء للمشترى فيها لأنها تستحق عليه, فلا يستحقها على نفسه ولنا أنهما تساويا في الشركة فتساويا في الشفعة, كما لو اشترى أجنبى بل المشتري أولى لأنه قد ملك الشقص المشفوع وما ذكرناه للقول الأول لا يصح لأن الضرر يحصل بشراء هذا السهم المشفوع من غير نظر إلى المشتري, وقد حصل شراؤه والثاني لا يصح أيضا لأننا لا نقول إنه يأخذ من نفسه بالشفعة وإنما يمنع الشريك أن يأخذ قدر حقه بالشفعة فيبقى على ملكه, ثم لا يمنع أن يستحق الإنسان على نفسه لأجل تعلق حق الغير به ألا ترى أن العبد المرهون إذا جنى على عبد آخر لسيده, ثبت للسيد على عبده أرش الجناية لأجل تعلق حق المرتهن به ولو لم يكن رهنا ما تعلق به إذا ثبت هذا فإن للشريك المشتري أخذ قدر نصيبه لا غير أو العفو وإن قال له المشتري: قد أسقطت شفعتي, فخذ الكل أو اترك لم يلزمه ذلك ولم يصح إسقاط المشتري لأن ملكه استقر على قدر حقه فجرى مجرى الشفيعين إذا أخذا بالشفعة ثم عفا أحدهما عن حقه وكذلك إذا حضر أحد الشفيعين, فأخذ جميع الشقص بالشفعة ثم حضر الآخر فله أخذ النصف من ذلك, فإن قال الأول: خذ الكل أو دع فإنى قد أسقطت شفعتى لم يكن له ذلك فإن قيل: هذا تبعيض للصفقة على المشتري قلنا: هذا التبعيض اقتضاه دخوله في العقد فصار كالرضى منه به, كما قلنا في الشفيع الحاضر إذا أخذ جميع الشقص وكما لو اشترى شقصا وسيفا.
مسألة:
قال: [فإن ترك أحدهما شفعته لم يكن للآخر أن يأخذ إلا الكل أو يترك] وجملته أنه إذا كان الشقص بين شفعاء, فترك بعضهم فليس للباقين إلا أخذ الجميع أو ترك الجميع وليس لهم أخذ البعض قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على هذا وهذا قول مالك, والشافعي وأصحاب الرأي ولأن في أخذ البعض إضرارا ب المشتري بتبعيض الصفقة عليه, والضرر لا يزال بالضرر لأن الشفعة إنما تثبت على خلاف الأصل دفعا لضرر الشريك الداخل خوفا من سوء المشاركة ومؤنة القسمة, فإذا أخذ بعض الشقص لم يندفع عنه الضرر فلم يتحقق المعنى المجوز لمخالفة الأصل, فلا تثبت ولو كان الشفيع واحدا لم يجز له أخذ بعض المبيع لذلك فإن فعل, سقطت شفعته لأنها لا تتبعض فإذا سقط بعضها سقط جميعها, كالقصاص وإن وهب بعض الشركاء نصيبه من الشفعة بعض شركائه أو غيره لم يصح لأن ذلك عفو وليس بهبة, فلم يصح لغير من هو عليه كالعفو عن القصاص.
فصل:
فإن كان الشفعاء غائبين لم تسقط الشفعة لموضع العذر فإذا قدم أحدهم, فليس له أن يأخذ إلا الكل أو يترك لأنا لا نعلم اليوم مطالبا سواه ولأن في أخذه البعض تبعيضا لصفقة المشتري, فلم يجز ذلك كما لو لم يكن معه غيره ولا يمكن تأخير حقه إلى أن يقدم شركاؤه لأن في التأخير إضرارا ب المشتري فإذا أخذ الجميع, ثم حضر آخر قاسمه إن شاء أو عفا فيبقى للأول لأن المطالبة إنما وجدت منهما فإن قاسمه, ثم حضر الثالث قاسمهما إن أحب أو عفا فيبقى للأولين فإن نما الشقص في يد الأول نماء منفصلا, لم يشاركه فيه واحد منهما لأنه انفصل في ملكه فأشبه ما لو انفصل في يد المشتري قبل الأخذ بالشفعة وكذلك إذا أخذ الثاني فنما في يده نماء منفصلا, لم يشاركه الثالث فيه وإن خرج الشقص مستحقا فالعهدة على المشتري يرجع الثلاثة عليه, ولا يرجع أحدهم على الآخر فإن الأخذ وإن كان من الأول فهو بمنزلة النائب عن المشتري في الدفع إليهما والنائب عنهما في دفع الثمن إليه لأن الشفعة مستحقة عليه لهم وهذا ظاهر مذهب الشافعي وإن امتنع الأول من المطالبة حتى يحضر صاحباه, أو قال: آخذ قدر حقى ففيه وجهان أحدهما يبطل حقه لأنه قدر على أخذ الكل وتركه فأشبه المنفرد والثاني, لا يبطل لأنه تركه لعذر وهو خوف قدوم الغائب فينتزعه منه, والترك لعذر لا يسقط الشفعة بدليل ما لو أظهر المشتري ثمنا كثيرا فترك لذلك, ثم بان خلافه فإن ترك الأول شفعته توفرت الشفعة على صاحبيه فإذا قدم الأول منهما فله أخذ الجميع, على ما ذكرنا في الأول فإن أخذ الأول بها ثم رد ما أخذه بعيب فكذلك وبهذا قال الشافعي وحكي عن محمد بن الحسن أنها لا تتوفر عليهما, وليس لهما أخذ نصيب الأول لأنه لم يعف وإنما رد نصيبه لأجل العيب فأشبه ما لو رجع إلى المشتري ببيع أو هبة ولنا أن الشفيع فسخ ملكه, ورجع إلى المشتري بالسبب الأول فكان لشريكه أخذه كما لو عفا ويفارق عوده بسبب آخر لأنه عاد غير الملك الأول الذي تعلقت به الشفعة.
فصل:
إذا أخذ الأول الشقص كله بالشفعة, فقدم الثاني فقال: لا آخذ منك نصفه بل أقتصر على قدر نصيبي وهو الثلث فله ذلك لأنه اقتصر على بعض حقه, وليس فيه تبعيض الصفقة على المشتري فجاز كترك الكل فإذا قدم الثالث, فله أن يأخذ من الثاني ثلث ما في يده فيضيفه إلى ما في يد الأول ويقتسمانه نصفين, فتصح قسمة الشقص من ثمانية عشر سهما لأن الثالث أخذ حقه من الثاني ثلث الثلث ومخرجه تسعة فضمه إلى الثلثين وهي ستة, صارت تسعة ثم قسما التسعة نصفين لا تنقسم فاضرب اثنين في تسعة, تكن ثمانية عشر للثاني أربعة أسهم ولكل واحد من شريكيه سبعة وإنما كان كذلك لأن الثاني ترك سدسا كان له أخذه, وحقه منه ثلثاه وهو التسع فتوفر ذلك على شريكيه في الشفعة, فللأول والثالث أن يقولا: نحن سواء في الاستحقاق ولم يترك واحد منا شيئا من حقه فنجمع ما معنا فنقسمه, فيكون على ما ذكرنا وإن قال الثاني: أنا آخذ الربع فله ذلك لما ذكرنا في التي قبلها فإذا قدم الثالث أخذ منه نصف سدس, وهو ثلث ما في يده فضمه إلى ثلاثة الأرباع وهي تسعة, يصير الجميع عشرة فيقتسمانها لكل واحد منهما خمسة وللثاني سهمان وتصح من اثنى عشر.
فصل:
إذا اشترى رجل من رجلين شقصا, فللشفيع أخذ نصيب أحدهما دون الآخر وبهذا قال الشافعي وحكي عن القاضي أنه لا يملك ذلك وهو قول أبي حنيفة ومالك, لئلا تتبعض صفقة المشتري ولنا أن عقد الاثنين مع واحد عقدان لأنه مشتر من كل واحد منهما ملكه بثمن مفرد فكان للشفيع أخذه, كما لو أفرده بعقد وبهذا ينفصل عما ذكروه وإن اشترى اثنان نصيب واحد فللشفيع أخذ نصيب أحد المشتريين وبه قال مالك, والشافعي وأبو حنيفة في إحدى الروايتين عنه وقال في الأخرى: يجوز له ذلك بعد القبض ولا يجوز قبله لأنه قبل القبض تتبعض صفقة البائع ولنا, أنهما مشتريان فجاز للشفيع أخذ نصيب أحدهما كما بعد القبض وما ذكروه لا نسلمه, على أن المشتري الآخر أخذ نصيبه فلا يكون تبعيضا فإن باع اثنان من اثنين فهي أربعة عقود, وللشفيع أخذ الكل أو ما شاء منهما.
فصل:
وإذا باع شقصا لثلاثة دفعة واحدة, فلشريكه أن يأخذ من الثلاثة وله أن يأخذ من أحدهم وله أن يأخذ من اثنين دون الثالث لأن عقد كل منهما منفرد فلا يتوقف الأخذ به على الأخذ بما في العقد الآخر, كما لو كانت متفرقة فإذا أخذ نصيب واحد لم يكن للآخرين مشاركته في الشفعة لأن ملكهما لم يسبق ملك من أخذ نصيبه ولا يستحق الشفعة إلا بملك سابق فأما إن باع نصيبه لثلاثة, في ثلاثة عقود متفرقة ثم علم الشفيع فله أيضا أن يأخذ الثلاثة, وله أن يأخذ ما شاء منها فإن أخذ نصيب الأول لم يكن للآخرين مشاركته في شفعته لأنهما لم يكن لهما ملك حين بيعه وإن أخذ نصيب الثاني وحده, لم يملك الثالث مشاركته لذلك ويشاركه الأول في شفعته لأن ملكه سابق لشراء الثاني فهو شريك حال شرائه ويحتمل أن لا يشاركه لأن ملكه حال شراء الثاني يستحق أخذه بالشفعة, فلا يكون سببا في استحقاقها وإن أخذ من الثالث وعفا عن الأولين ففي مشاركتهما له وجهان وإن أخذ من الثلاثة ففيه وجهان أحدهما, أنه لا يشاركه أحد منهم لأن أملاكهم قد استحقها بالشفعة فلا يستحق عليه بها شفعة والثاني يشاركه الثاني في شفعة الثالث وهذا قول أبي حنيفة, وبعض أصحاب الشافعي لأنه كان مالكا ملكا صحيحا حال شراء الثالث ولذلك استحق مشاركته إذا عفا عن شفعته فكذلك إذا لم يعف لأنه إنما استحق الشفعة بالملك الذي صار به شريكا, لا بالعفو عنه ولذلك قلنا في الشفيع إذا لم يعلم بالشفعة حتى باع نصيبه: فله أخذ نصيب المشتري الأول وللمشتري الأول أخذ نصيب المشتري الثاني وعلى هذا يشاركه الأول في شفعة الثاني والثالث جميعا فعلى هذا إذا كانت دار بين اثنين نصفين, فباع أحدهما نصيبه لثلاثة في ثلاثة عقود في كل عقد سدسا, فللشفيع السدس الأول وثلاثة أرباع الثاني وثلاثة أخماس الثالث وللمشتري الأول ربع السدس الثاني وخمس الثالث وللمشتري الثاني خمس الثالث فتصح المسألة من مائة وعشرين سهما, للشفيع الأول مائة وسبعة أسهم وللثاني تسعة وللثالث أربعة وإن قلنا: إن الشفعة على عدد الرءوس فللمشتري الأول نصف السدس الثاني وثلث الثالث, وللثاني ثلث الثالث وهو نصف التسع فتصح من ستة وثلاثين للشفيع تسعة وعشرون, وللثاني خمسة وللثالث سهمان.
فصل:
دار بين أربعة أرباعا باع ثلاثة منهم في عقود متفرقة, ولم يعلم شريكهم ولا بعضهم ببعض فللذي لم يبع الشفعة في الجميع وهل يستحق البائع الثاني والثالث الشفعة فيما باعه البائع الأول والثاني؟ على وجهين وكذلك هل يستحق الثالث الشفعة فيما باعه الأول والثاني؟ على وجهين وهل يستحق مشتري الربع الأول الشفعة فيما باعه الثاني والثالث؟ وهل يستحق الثاني شفعة الثالث؟ على ثلاثة أوجه أحدها, يستحقان لأنهما مالكان حال البيع والثاني لا حق لهما لأن ملكهما متزلزل يستحق أخذه بالشفعة فلا تثبت به والثالث إن عفا عنهما أخذا, وإلا فلا فإذا قلنا: يشترك الجميع فللذي لم يبع ثلث كل ربع لأن له شريكين فصار له الربع مضموما إلى ملكه فكمل له النصف, وللبائع و المشتري الأول الثلث لكل واحد منهما السدس لأنه شريك في شفعة وللبائع الثاني و المشتري الثاني السدس لكل واحد منهما نصفه لأنه شريك في شفعة بيع واحد, وتصح من اثني عشر.
فصل:
وإذا كانت دار بين ثلاثة فوكل أحدهم شريكه في بيع نصيبه مع نصيبه فباعهما لرجل واحد, فلشريكهما الشفعة فيهما وهل له أخذ أحد النصيبين دون الآخر؟ فيه وجهان أحدهما له ذلك لأن المالك اثنان فهما بيعان, فكان له أخذ نصيب أحدهما كما لو توليا العقد والثاني ليس له ذلك لأن الصفقة واحدة, وفي أخذ أحدهما تبعيض الصفقة على المشتري فلم يجز كما لو كانا لرجل واحد وإن وكل رجل رجلا في شراء نصف نصيب أحد الشركاء, فاشترى الشقص كله لنفسه ولموكله فلشريكه أخذ نصيب أحدهما لأنهما مشتريان فأشبه ما لو وليا العقد والفرق بين هذه الصورة والتي قبلها, أن أخذ أحد النصيبين لا يفضي إلى تبعيض صفقة المشتري ولأنه قد يرضي شركة أحد المشتريين دون الآخر بخلاف التي قبلها فإن المشتري واحد. مسألة: قال: [وعهدة الشفيع على المشتري, وعهدة المشتري على البائع]. يعني أن الشفيع إذا أخذ الشقص فظهر مستحقا فرجوعه بالثمن على المشتري, ويرجع المشتري على البائع وإن وجده معيبا فله رده على المشتري أو أخذ أرشه منه و المشتري يرد على البائع, أو يأخذ الأرش منه سواء قبض الشقص من المشتري أو من البائع وبهذا قال الشافعي وقال ابن أبي ليلى وعثمان البتي: عهدة الشفيع على البائع لأن الحق ثبت له بإيجاب البائع, فكان رجوعه عليه ك المشتري وقال أبو حنيفة: إن أخذه من المشتري فالعهدة عليه, وإن أخذه من البائع فالعهدة عليه لأن الشفيع إذا أخذه من البائع تعذر قبض المشتري فينفسخ البيع بين البائع و المشتري فكان الشفيع آخذا من البائع مالكا من جهته, فكانت عهدته عليه ولنا أن الشفعة مستحقة بعد الشراء وحصول الملك للمشتري ثم يزول الملك من المشتري إلى الشفيع بالثمن فكانت العهدة عليه, كما لو أخذه منه ببيع ولأنه ملكه من جهة المشتري بالثمن فملك رده عليه بالعيب, ك المشتري في البيع الأول وقياسه على المشتري في جعل عهدته على البائع لا يصح لأن المشتري ملكه من البائع, بخلاف الشفيع وأما إذا أخذه من البائع فالبائع نائب عن المشتري في التسليم المستحق عليه ولو انفسخ العقد بين المشتري والبائع بطلت الشفعة لأنها استحقت به.
فصل:
وحكم الشفيع في الرد بالعيب, حكم المشتري من المشتري وإن علم المشتري بالعيب ولم يعلم الشفيع, فللشفيع رده على المشتري أو أخذ أرشه منه وليس للمشتري شيء ويحتمل أن لا يملك الشفيع أخذ الأرش لأن الشفيع يأخذ بالثمن الذي استقر عليه العقد فإذا أخذ الأرش, فما أخذه بالثمن الذي استقر على المشتري وإن علم الشفيع دون المشتري فليس لواحد منهما رد ولا أرش لأن الشفيع أخذه عالما بعيبه فلم يثبت له رد ولا أرش, ك المشتري إذا علم العيب و المشتري قد استغنى عن الرد لزوال ملكه عن المبيع, وحصول الثمن له من الشفيع ولم يملك الأرش لأنه استدرك ظلامته ورجع إليه جميع ثمنه, فأشبه ما لو رده على البائع ويحتمل أن يملك أخذ الأرش لأنه عوض عن الجزء الفائت من المبيع فلم يسقط بزوال ملكه عن المبيع كما لو اشترى قفيزين, فتلف أحدهما وأخذ الآخر فعلى هذا ما يأخذه من الأرش يسقط عن الشفيع من الثمن بقدره لأن الشقص يجب عليه بالثمن الذي استقر عليه العقد, فأشبه ما لو أخذ الأرش قبل أخذ الشفيع منه وإن علما جميعا فليس لواحد منهما رد ولا أرش لأن كل واحد منهما دخل على بصيرة ورضي ببذل الثمن فيه بهذه الصفة وإن لم يعلما, فللشفيع رده على المشتري وللمشتري رده على البائع فإن لم يرده الشفيع, فلا يرده للمشتري لما ذكرنا أولا وإن أخذ الشفيع أرشه من المشتري فللمشتري أخذه من البائع وإن لم يأخذ منه شيئا فلا شيء للمشتري ويحتمل أن يملك أخذه, على الوجه الذي ذكرناه فإذا أخذه فإن كان الشفيع لم يسقطه عن المشتري سقط عنه من الثمن بقدره لأنه الثمن الذي استقر عليه البيع, وسكوته لا يسقط حقه وإن أسقطه عن المشتري توفر عليه, كما لو زاده على الثمن باختياره فأما إن اشتراه بالبراءة من كل عيب فالصحيح من المذهب أنه لا يبرأ فيكون كأنه لم يبرأ إليه من شيء وفي رواية أخرى, أنه يبرأ إلا أن يكون البائع علم بالعيب فدلسه, واشترط البراءة فعلى هذه الرواية إن علم الشفيع باشتراط البراءة فحكمه حكم المشتري لأنه دخل على شرائه, فصار كمشتر ثان اشترط البراءة وإن لم يعلم ذلك فحكمه حكم ما لو علمه المشتري دون الشفيع.
مسألة:
قال: [والشفعة لا تورث إلا أن يكون الميت طالب بها] وجملة ذلك, أن الشفيع إذا مات قبل الأخذ بها لم يخل من حالين أحدهما أن يموت قبل الطلب بها, فتسقط ولا تنتقل إلى الورثة قال أحمد: الموت يبطل به ثلاثة أشياء الشفعة والحد إذا مات المقذوف, والخيار إذا مات الذي اشترط الخيار لم يكن للورثة هذه الثلاثة الأشياء إنما هي بالطلب فإذا لم يطلب فليس تجب, إلا أن يشهد إني على حقى من كذا وكذا وأني قد طلبته فإن مات بعده, كان لوارثه الطلب به وروي سقوطه بالموت عن الحسن وابن سيرين والشعبي, والنخعي وبه قال الثوري وإسحاق وأصحاب الرأي وقال مالك, والشافعي والعنبري: يورث قال أبو الخطاب ويتخرج لنا مثل ذلك لأنه خيار ثابت لدفع الضرر عن المال فيورث, كخيار الرد بالعيب ولنا أنه حق فسخ ثبت لا لفوات جزء فلم يورث, كالرجوع في الهبة ولأنه نوع خيار جعل للتمليك أشبه خيار القبول فأما خيار الرد بالعيب, فإنه لاستدراك جزء فات من المبيع الحال الثاني إذا طالب بالشفعة ثم مات فإن حق الشفعة ينتقل إلى الورثة قولا واحدا ذكره أبو الخطاب وقد ذكرنا نص أحمد عليه لأن الحق يتقرر بالطلب, ولذلك لا يسقط بتأخير الأخذ بعده وقبله يسقط وقال القاضي: يصير الشقص ملكا للشفيع بنفس المطالبة وقد ذكرنا أن الصحيح غير هذا فإنه لو صار ملكا للشفيع, لم يصح العفو عن الشفعة بعد طلبها كما لا يصح العفو عنها بعد الأخذ بها فإذا ثبت هذا فإن الحق ينتقل إلى جميع الورثة على حسب مواريثهم, لأنه حق مالي موروث فينتقل إلى جميعهم كسائر الحقوق المالية, وسواء قلنا: الشفعة على قدر الأملاك أو على عدد الرءوس لأن هذا ينتقل إليهم من موروثهم فإن ترك بعض الورثة حقه توفر الحق على سائر الورثة, ولم يكن لهم أن يأخذوا إلا الكل أو يتركوا كالشفعاء إذا عفا بعضهم عن شفعته لأنا لو جوزنا أخذ بعض الشقص المبيع, تبعضت الصفقة على المشتري وهذا ضرر في حقه.
فصل:
وإن أشهد الشفيع على مطالبته بها للعذر ثم مات, لم تبطل وكان للورثة المطالبة بها نص عليه أحمد لأن الإشهاد على الطلب عند العجز عنه يقوم مقامه, فلم تسقط الشفعة بالموت بعده كنفس الطلب.
فصل:
وإذا بيع شقص له شفيعان فعفا أحدهما عنها, وطالب الآخر بها ثم مات المطالب فورثه العافي, فله أخذ الشقص بها لأنه وارث لشفيع مطالب بالشفعة فملك الأخذ بها كالأجنبي وكذلك لو قذف رجل أمهما وهي ميتة, فعفا أحدهما فطالب الآخر ثم مات الطالب, فورثه العافي ثبت له استيفاؤه بالنيابة عن أخيه الميت إذا قلنا بوجوب الحد بقذفها.
فصل:
وإن مات مفلس, وله شقص فباع شريكه كان لورثته الشفعة وهذا مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة: لا شفعة لهم لأن الحق انتقل إلى الغرماء ولنا, أنه بيع في شركة ما خلفه موروثهم من شقص فكان لهم المطالبة بشفعته كغير المفلس ولا نسلم أن التركة انتقلت إلى الغرماء بل هي للورثة, بدليل أنها لو تمت أو زاد ثمنها لحسب على الغرماء في قضاء ديونهم وإنما تعلق حقهم به, فلم يمنع ذلك من الشفعة كما لو كان لرجل شقص مرهون فباع شريكه, فإنه يستحق الشفعة به ولو كان للميت دار فبيع بعضها في قضاء دينه لم يكن للورثة شفعة لأن البيع يقع لهم, فلا يستحقون الشفعة على أنفسهم ولو كان الوارث شريكا للموروث فبيع نصيب الموروث في دينه فلا شفعة أيضا لأن نصيب الموروث انتقل بموته إلى الوارث, فإذا بيع فقد بيع ملكه فلا يستحق الشفعة على نفسه.
فصل:
ولو اشترى شقصًا مشفوعًا ووصى به, ثم مات فللشفيع أخذه بالشفعة لأن حقه أسبق من حق الموصى له فإذا أخذه, دفع الثمن إلى الورثة وبطلت الوصية لأن الموصي به ذهب فبطلت الوصية, له كما لو تلف ولا يستحق الموصى له بدله لأنه لم يوص له إلا بالشقص وقد فات بأخذه ولو وصى رجل لإنسان بشقص ثم مات, فبيع في تركته شقص قبل قبول الموصي له فالشفعة للورثة في الصحيح لأن الموصي به لا يصير للوصي إلا بعد القبول ولم يوجد, فيكون باقيًا على ملك الورثة ويحتمل أن يكون للموصي إذا قلنا: إن الملك ينتقل إليه بمجرد الموت فإذا قبل الوصية استحق المطالبة لأننا تبينا أن الملك كان له فكان المبيع في شركته ولا يستحق المطالبة قبل القبول لأنا لا نعلم أن الملك له قبل القبول, وإنما يتبين ذلك بقبوله فإن قبل تبينا أنه كان له وإن رد تبينا أنه كان للورثة ولا تستحق الورثة المطالبة أيضا لذلك ويحتمل أن لهم المطالبة لأن الأصل عدم القبول, وبقاء الحق لهم ويفارق الموصى له من وجهين أحدهما أن الأصل عدم القبول منه والثاني أنه يمكنه أن يقبل ثم يطالب, بخلاف الوارث فإنه لا سبيل له إلى فعل ما يعلم به ثبوت الملك له أو لغيره فإذا طالبوا ثم قبل الوصي الوصية كانت الشفعة له, ويفتقر إلى الطلب منه لأن الطلب الأول تبين أنه من غير المستحق وإن قلنا بالرواية الأولى فطالب الورثة بالشفعة فلهم الأخذ بها وإن قبل الوصي أخذ الشقص الموصى به, دون الشقص المشفوع لأن الشقص الموصى به إنما انتقل إليه بعد الأخذ بشفعته فأشبه ما لو أخذ بها الموصي في حياته وإن لم يطالبوا بالشفعة حتى قبل الموصي له فلا شفعة للموصى له لأن البيع وقع قبل ثبوت الملك له, وحصول شركته وفي ثبوتها للورثة وجهان بناء على ما لو باع الشفيع نصيبه قبل علمه ببيع شريكه.
فصل:
ولو اشترى رجل شقصا ثم ارتد فقتل أو مات, فللشفيع أخذه بالشفعة لأنها وجبت بالشراء وانتقاله إلى المسلمين بقتله أو موته لا يمنع الشفعة كما لو مات على الإسلام, فورثه ورثته أو صار ماله لبيت المال لعدم ورثته, والمطالب بالشفعة وكيل بيت المال.
فصل:
وإذا اشترى المرتد شقصا فتصرفه موقوف فإن قتل على ردته أو مات عليها, تبينا أن شراءه باطل ولا شفعة فيه وإن أسلم, تبينا صحته وثبوت الشفعة فيه وقال أبو بكر: تصرفه غير صحيح في الحالين لأن ملكه يزول بردته فإذا أسلم عاد إليه تمليكا مستأنفا وقال الشافعي, وأبو يوسف: تصرفه صحيح في الحالين وتجب الشفعة فيه ومبنى الشفعة ها هنا على صحة تصرف المرتد ويذكر في غير هذا الموضع وإن بيع شقص في شركة المرتد, وكان المشتري كافرا فأخذ بالشفعة انبنى على ذلك أيضا لأن أخذه بالشفعة شراء للشقص من المشتري, فأشبه شراءه لغيره وإن ارتد الشفيع المسلم وقتل بالردة أو مات عليها انتقل ماله إلى المسلمين, فإن كان طالب بالشفعة انتقلت أيضا إلى المسلمين ينظر فيها الإمام أو نائبه وإن قتل أو مات قبل طلبها, بطلت شفعته كما لو مات على إسلامه ولو مات الشفيع المسلم ولم يخلف وارثا سوى بيت المال, انتقل نصيبه إلى المسلمين إن مات بعد الطلب وإلا فلا.
مسألة:
قال: [وإن أذن الشريك في البيع ثم طالب بالشفعة بعد وقوع البيع, فله ذلك]. وجملة ذلك أن الشفيع إذا عفا عن الشفعة قبل البيع فقال: قد أذنت في البيع أو قد أسقطت شفعتي أو ما أشبه ذلك, لم تسقط وله المطالبة بها متى وجد البيع هذا ظاهر المذهب وهو مذهب مالك والشافعي, والبتي وأصحاب الرأي وروى عن أحمد ما يدل على أن الشفعة تسقط بذلك فإن إسماعيل بن سعيد قال: قلت لأحمد ما معنى قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (من كان بينه وبين أخيه ربعة, فأراد بيعها فليعرضها عليه) وقد جاء في بعض الحديث: " ولا يحل له إلا أن يعرضها عليه " إذا كانت الشفعة ثابتة له؟ فقال: ما هو ببعيد من أن يكون على ذلك وأن لا تكون له الشفعة وهذا قول الحكم, والثوري وأبي عبيد وأبي خيثمة, وطائفة من أهل الحديث قال ابن المنذر: وقد اختلف فيه عن أحمد فقال مرة: تبطل شفعته وقال مرة: لا تبطل واحتجوا بقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (من كان له شركة في أرض ربعة أو حائط, فلا يحل له أن يبيع حتى يستأذن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك) ومحال أن يقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " ومن شاء ترك " فلا يكون لتركه معنى ومفهوم قوله: " فإن باع, ولم يؤذنه فهو أحق به " أنه إذا باعه بإذنه لا حق له ولأن الشفعة تثبت في موضع الاتفاق على خلاف الأصل لكونه يأخذ ملك المشتري من غير رضائه ويجبره على المعاوضة به, لدخوله مع البائع في العقد الذي أساء فيه بإدخاله الضرر على شريكه وتركه الإحسان إليه في عرضه عليه وهذا المعنى معدوم ها هنا, فإنه قد عرضه عليه وامتناعه من أخذه دليل على عدم الضرر في حقه ببيعه وإن كان فيه ضرر فهو أدخله على نفسه, فلا يستحق الشفعة كما لو أخر المطالبة بعد البيع ووجه الأول أنه إسقاط حق قبل وجوبه, فلم يصح كما لو أبرأه مما يجب له أو أسقطت المرأة صداقها قبل التزويج وأما الخبر, فيحتمل أنه أراد العرض عليه ليبتاع ذلك إن أراد فتخف عليه المؤنة, ويكتفي بأخذ المشتري الشقص لا إسقاط حقه من شفعته. فصل: إذا توكل الشفيع في البيع لم تسقط شفعته بذلك, سواء كان وكيل البائع أو المشتري ذكره الشريف وأبو الخطاب وهو ظاهر مذهب الشافعي وقال القاضي وبعض الشافعية: إن كان وكيل البائع, فلا شفعة له لأنه تلحقه التهمة في البيع لكونه يقصد تقليل الثمن ليأخذ به بخلاف وكيل المشتري وقال أصحاب الرأي: لا شفعة لوكيل المشتري, بناء على أصلهم أن الملك ينتقل إلى الوكيل فلا يستحق على نفسه ولنا أنه وكيل, فلا تسقط شفعته كالآخر ولا نسلم أن الملك ينتقل إلى الوكيل إنما ينتقل إلى الموكل, ثم لو انتقل إلى الوكيل لما ثبتت في ملكه إنما ينتقل في الحال إلى الموكل فلا يكون الأخذ من نفسه, ولا الاستحقاق عليها وأما التهمة فلا تؤثر لأن الموكل وكله مع علمه بثبوت شفعته راضيا بتصرفه مع ذلك فلا يؤثر, كما لو أذن لوكيله في الشراء من نفسه فعلى هذا لو قال لشريكه: بع نصف نصيبي مع نصف نصيبك ففعل ثبتت الشفعة لكل واحد منهما في المبيع من نصيب صاحبه وعند القاضي تثبت في نصيب الوكيل, دون نصيب الموكل.
فصل:
وإن ضمن الشفيع العهدة للمشتري أو شرط له الخيار فاختار إمضاء العقد لم تسقط شفعته وبهذا قال الشافعي وقال أصحاب الرأي: تسقط لأن العقد تم به, فأشبه البائع إذا باع بعض نصيب نفسه ولنا أن هذا سبب سبق وجوب الشفعة فلم تسقط به الشفعة, كالإذن في البيع والعفو عن الشفعة قبل تمام البيع وما ذكروه لا يصح فإن البيع لا يقف على الضمان ويبطل بما إذا كان المشتري شريكا, فإن البيع قد تم به وتثبت له الشفعة بقدر نصيبه.
فصل:
وإذا كانت دار بين ثلاثة فقارض واحد منهم أحد شريكيه بألف, فاشترى به نصف نصيب الثالث لم تثبت فيه شفعة في أحد الوجهين لأن أحد الشريكين رب المال, والآخر العامل فهما كالشريكين في المتاع فلا يستحق أحدهما على الآخر شفعة وإن باع الثالث باقي نصيبه لأجنبي, كانت الشفعة مستحقة بينهم أخماسا لرب المال خمساها وللعامل خمساها, ولمال المضاربة خمسها بالسدس الذي له فيجعل مال المضاربة كشريك آخر لأن حكمه متميز عن مال كل واحد منهما.
فصل:
فإن كانت الدار بين ثلاثة أثلاثا فاشترى أجنبي نصيب أحدهم, فطالبه أحد الشريكين بالشفعة فقال: إنما اشتريته لشريكك لم تؤثر هذه الدعوى في قدر ما يستحق من الشفعة فإن الشفعة بين الشريكين نصفين, سواء اشتراها الأجنبي لنفسه أو للشريك الآخر وإن ترك المطالب بالشفعة حقه منها بناء على هذا القول, ثم تبين كذبه لم تسقط شفعته وإن أخذ نصف المبيع لذلك ثم تبين كذب المشتري, وعفا الشريك عن شفعته فله أخذ نصيبه من الشفعة لأن اقتصاره على أخذ النصف بني على خبر المشتري فلم يؤثر في إسقاط الشفعة, واستحق أخذ الباقي لعفو شريكه عنه وإن امتنع من أخذ الباقي سقطت شفعته كلها لأنه لا يملك تبعيض صفقة المشتري ويحتمل أن لا يسقط حقه من النصف الذي أخذه ولا يبطل أخذه له لأن المشتري أقر بما تضمن استحقاقه لذلك, فلا يبطل برجوعه عن إقراره وإن أنكر الشريك كون الشراء له وعفا عن شفعته وأصر المشتري على الإقرار للشريك به فللشفيع أخذ الكل لأنه لا منازع له في استحقاقه, وله الاقتصار على النصف لإقرار المشتري له باستحقاق ذلك.
فصل:
وإن قال أحد الشفيعين للمشتري: شراؤك باطل وقال الآخر: هو صحيح فالشفعة كلها للمعترف بالصحة وكذلك إن قال: ما اشتريته إنما اتهبته وصدقه الآخر أنه اشتراه فالشفعة للمصدق بالشراء لأن شريكه مسقط لحقه باعترافه أنه لا بيع صحيح ولو احتال المشتري على إسقاط الشفعة بحيلة لا تسقطها, فقال أحد الشفيعين: قد أسقطت الشفعة توفرت على الآخر لاعتراف صاحبه بسقوطها ولو توكل أحد الشفيعين في البيع أو الشراء أو ضمن عهدة المبيع, أو عفا عن الشفعة قبل البيع وقال: لا شفعة لي كذلك توفرت على الآخر وإن اعتقد أن له شفعة وطالب بها, فارتفعا إلى حاكم فحكم بأنه لا شفعة له توفرت على الآخر لأنها سقطت بحكم الحاكم فأشبه ما لو سقطت بإسقاط المستحق.
فصل:
إذا ادعى رجل على آخر ثلث داره فأنكره, ثم صالحه عن دعواه بثلث دار أخرى صح ووجبت الشفعة في الثلث المصالح به لأن المدعي يزعم أنه محق في دعواه, وأن ما أخذه عوض عن الثلث الذي ادعاه فلزمه حكم دعواه ووجبت الشفعة ولا شفعة على المنكر في الثلث المصالح عنه لأنه يزعم أنه على ملكه لم يزل, وإنما دفع ثلث داره إلى المدعي اكتفاء لشره ودفعا لضرر الخصومة واليمين على نفسه فلم تلزمه فيه شفعة وإن قال المنكر للمدعي: خذ الثلث الذي تدعيه بثلث دارك ففعل, فلا شفعة على المدعي فيما أخذه وعلى المنكر الشفعة في الثلث الذي أخذه لأنه يزعم أنه أخذه عوضا عن ملكه الثابت له وقال أصحاب الشافعي: تجب الشفعة في الثلث الذي أخذه المدعي أيضا لأنهما معاوضة من الجانبين بشقصين فوجبت الشفعة فيهما, كما لو كانت بين مقرين ولنا أن المدعي يزعم أن ما أخذه كان ملكا له قبل الصلح ولم يتجدد له عليه ملك, وإنما استنقذه بصلحه فلم تجب فيه شفعة كما لو أقر به.
فصل:
إذا كانت دار بين ثلاثة أثلاثا فاشترى أحدهم نصيب أحد شريكيه, ثم باعه لأجنبي ثم علم شريكه فله أن يأخذ بالعقدين, وله الأخذ بأحدهما لأنه شريك فيهما فإن أخذ بالعقد الثاني أخذ جميع ما في يد مشتريه لأنه لا شريك له في شفعته وإن أخذ بالعقد الأول ولم يأخذ بالثاني, أخذ نصف المبيع وهو السدس لأن المشتري شريكه في شفعته ويأخذ نصفه من المشتري الأول, ونصفه من المشتري الثاني لأن شريكه لما اشترى الثلث كان بينهما نصفين لكل واحد منهما السدس, فإذا باع الثلث من جميع ما في يده وفي يده ثلثان فقد باع نصف ما في يده, والشفيع يستحق ربع ما في يده وهو السدس فصار منقسما في يديهما نصفين, فيأخذ من كل واحد منهما نصفه وهو نصف السدس ويدفع ثمنه إلى الأول, ويرجع المشتري الثاني على الأول بربع الثمن الذي اشترى به وتكون المسألة من اثني عشر ثم ترجع إلى أربعة, للشفيع نصف الدار ولكل واحد من الآخرين الربع وإن أخذ بالعقدين أخذ جميع ما في يد الثاني, وربع ما في يد الأول فصار له ثلاثة أرباع الدار ولشريكه الربع, ويدفع إلى الأول نصف الثمن الأول ويدفع إلى الثاني ثلاثة أرباع الثاني ويرجع الثاني على الأول بربع الثمن الثاني لأنه يأخذ نصف ما اشتراه الأول, وهو السدس فيدفع إليه نصف الثمن لذلك وقد صار نصف هذا النصف في يد الثاني, وهو ربع ما في يده فيأخذه منه ويرجع الثاني على الأول بثمنه, وبقي المأخوذ من الثاني ثلاثة أرباع ما اشتراه فأخذها منه ودفع إليه ثلاثة أرباع الثمن وإن كان المشتري الثاني هو البائع الأول, فالحكم على ما ذكرنا لا يختلف وإن كانت الدار بين الثلاثة أرباعا لأحدهم نصفها وللآخرين نصفها بينهما, فاشترى صاحب النصف من أحد شريكيه ربعه ثم باع ربعا مما في يده لأجنبي ثم علم شريكه فأخذ بالبيع الثاني, أخذ جميعه ودفع إلى المشتري ثمنه وإن أخذ بالبيع الأول وحده أخذ ثلث المبيع, وهو نصف سدس لأن المبيع كله ربع فثلثه نصف سدس يأخذ ثلثه من المشتري الأول, وثلثه من الثاني ومخرج ذلك من ستة وثلاثين النصف ثمانية عشر, ولكل واحد منهما تسعة فلما اشترى صاحب النصف تسعة كانت شفعتها بينه وبين شريكه الذي لم يبع أثلاثا, لشريكه ثلثها ثلاثة فلما باع صاحب النصف ثلث ما في يده حصل في المبيع من الثلاثة ثلثها, وهو سهم بقي في يد البائع منها سهمان فترد الثلاثة إلى الشريك ويصير في يده اثنا عشر, وهي الثلث ويبقى في يد المشتري الثاني ثمانية وهي تسعان, وفي يد صاحب النصف ستة عشر وهي أربعة أتساع ويدفع الشريك الثمن إلى المشتري الأول, ويرجع المشتري الثاني عليه بتسع الثمن الذي اشترى به لأنه قد أخذ منه تسع مبيعه وإن أخذ بالعقدين أخذ من الثاني جميع ما في يده وأخذ من الأول نصف التسع, وهو سهمان من ستة وثلاثين فيصير في يده عشرون سهما, وهي خمسة أتساع ويبقى في يد الأول ستة عشر سهما وهي أربعة أتساع, ويدفع إليه ثلث الثمن الأول ويدفع إلى الثاني ثمانية أتساع الثمن الثاني ويرجع الثاني على الأول بتسع الثمن الثاني.
فصل:
إذا كانت دار بين ثلاثة لزيد نصفها, ولعمرو ثلثها ولبكر سدسها فاشترى بكر من زيد ثلث الدار, ثم باع عمرا سدسها ولم يعلم عمرو بشراه للثلث ثم علم, فله المطالبة بحقه من شفعة الثلث وهو ثلثاه وذلك تسعا الدار, فيأخذ من بكر ثلثي ذلك وقد حصل ثلثه الباقي في يده بشرائه للسدس فيفسخ بيعه فيه, ويأخذه بشفعة البيع الأول ويبقى من مبيعه خمسة أتساعه لزيد ثلث شفعته, فيقسم بينهما أثلاثا وتصح المسألة من مائة واثنين وستين سهما الثلث المبيع أربعة وخمسون سهما لعمرو ثلثاها بشفعته ستة وثلاثون سهما, يأخذ ثلثيها من بكر وهي أربعة وعشرون سهما وثلثها في يده اثنا عشر سهما, والسدس الذي اشتراه سبعة وعشرون سهما قد أخذ منها اثني عشر بالشفعة بقي منها خمسة عشر, له ثلثاها عشرة ويأخذ منها زيد خمسة فحصل لزيد اثنان وثلاثون سهما, ولبكر ثلاثون سهما ولعمرو مائة سهم وذلك نصف الدار وتسعها ونصف تسع تسعها, ويدفع عمرو إلى بكر ثلثي الثمن في البيع الأول وعليه وعلى زيد خمسة أتساع الثمن الباقي بينهما أثلاثا وإن عفا عمرو عن شفعة الثلث فشفعة السدس الذي اشتراه بينه وبين زيد أثلاثا, ويحصل لعمرو أربعة أتساع الدار ولزيد تسعاها ولبكر ثلثها, وتصح من تسعة وإن باع بكر السدس لأجنبي فهو كبيعه إياه لعمرو, إلا أن لعمرو العفو عن شفعته في السدس بخلاف ما إذا كان هو المشتري فإنه لا يصح عفوه عن نصيبه منها وإن باع بكر الثلث لأجنبي, فلعمرو ثلثا شفعة المبيع الأول وهو التسعان يأخذ ثلثهما من بكر, وثلثهما من المشتري الثاني وذلك تسع ثلث تسع يبقى في يد الثاني سدس وسدس تسع, وهو عشرة من أربعة وخمسين بين عمرو وزيد أثلاثا وتصح أيضا من مائة واثنين وستين ويدفع عمرو إلى بكر ثلثي ثمن مبيعه ويدفع هو وزيد إلى المشتري الثاني ثمن خمسة أسباع مبيعه بينهما أثلاثا, ويرجع المشتري الثاني على بكر بثمن أربعة أتساع مبيعه وإن لم يعلم عمرو حتى باع مما في يده سدسا لم تبطل شفعته في أحد الوجوه وله أن يأخذ بها كما لو لم يبع شيئا الثاني تبطل شفعته كلها والثالث, تبطل في قدر ما باع وتبقى فيما لم يبع وقد ذكرنا توجيه هذه الوجوه فأما شفعة ما باعه ففيها ثلاثة أوجه أحدهما أنها بين المشتري الثاني وزيد وبكر أرباعا, للمشتري نصفها ولكل واحد منهما ربعها على قدر أملاكهم حين بيعه والثاني, أنها بين زيد وبكر على أربعة عشر سهما لزيد تسعة, ولبكر خمسة لأن لزيد السدس ولبكر سدس يستحق منه أربعة أتساعه بالشفعة فيبقى معه خمسة أتساع السدس, ملكه مستقر عليها فأضفناه إلى سدس زيد وقسمنا الشفعة على ذلك, ولم نعط المشتري الثاني ولا بكرا بالسهام المستحقة بالشفعة شيئا لأن الملك عليها غير مستقر والثالث إن عفا لهم عن الشفعة استحقوا بها وإن أخذت بالشفعة لم يستحقوا بها شيئا وإن عفا عن بعضهم دون بعض, استحق المعفو عنه بسهامه دون غير المعفو عنه وما بطلت الشفعة فيه ببيع عمرو فهو بمنزلة المعفو عنه فيخرج في قدره وجهان ولو استقصينا فروع هذه المسألة على سبيل البسط, لطال وخرج إلى الإملال.
فصل:
وإذا كانت دار بين أربعة أرباعا فاشترى اثنان منهم نصيب أحدهم, استحق الرابع الشفعة عليهما واستحق كل واحد من المشتريين الشفعة على صاحبه فإن طالب كل واحد منهم بشفعته قسم المبيع بينهم أثلاثا, وصارت الدار بينهم كذلك وإن عفا الرابع وحده قسم المبيع بين المشتريين نصفين وكذلك إن عفا الجميع عن شفعتهم فيصير لهما ثلاثة أرباع الدار, وللرابع الربع بحاله وإن طالب الرابع وحده أخذ منهما نصف المبيع لأن كل واحد منهما له من الملك مثل ما للمطالب فشفعة مبيعه بينه وبين شفيعه نصفين, فيحصل للرابع ثلاثة أثمان الدار وباقيها بينهما نصفين وتصح من ستة عشر وإن طالب الرابع وحده أحدهما دون الآخر, قاسمه الثمن نصفين فيحصل للمعفو عنه ثلاثة أثمان والباقي بين الرابع والآخر نصفين, وتصح من ستة عشر وإن عفا أحد المشتريين ولم يعف الآخر ولا الرابع قسم مبيع المعفو عنه بينه وبين الرابع نصفين, ومبيع الآخر بينهم أثلاثا فيحصل للذي لم يعف عنه ربع وثلث ثمن وذلك سدس وثمن, والباقي بين الآخرين نصفين وتصح من ثمانية وأربعين وإن عفا الرابع عن أحدهما ولم يعف أحدهما عن صاحبه, أخذ ممن لم يعف عنه ثلث الثمن والباقي بينهما نصفين ويكون الرابع كالعافي في التي قبلها وتصح أيضا من ثمانية وأربعين وإن عفا الرابع, أو أحدهما عن الآخر ولم يعف الآخر فلغير العافي ربع وسدس, والباقي بين العافيين نصفين لكل واحد منهما سدس وثمن وتصح من أربعة وعشرين وما يفرع من المسائل فهو على مساق ما ذكرنا.
مسألة:
قال: [ولا شفعة لكافر على مسلم]. وجملة ذلك أن الذمي إذا باع شريكه شقصا لمسلم, فلا شفعة له عليه روى ذلك عن الحسن والشعبي وروي عن شريح وعمر بن عبد العزيز, أن له الشفعة وبه قال النخعي وإياس بن معاوية وحماد بن أبي سليمان, والثوري ومالك والشافعي, والعنبري وأصحاب الرأي لعموم قوله عليه السلام: (لا يحل له أن يبيع حتى يستأذن شريكه وإن باعه, ولم يؤذنه فهو أحق به) ولأنه خيار ثابت لدفع الضرر بالشراء فاستوى فيه المسلم والكافر, كالرد بالعيب ولنا ما روى الدارقطني في كتاب " العلل " بإسناده عن أنس, أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (لا شفعة لنصراني) وهذا يخص عموم ما احتجوا به ولأنه معنى يملك به يترتب على وجود ملك مخصوص فلم يجب للذمي على المسلم, كالزكاة ولأنه معنى يختص العقار فأشبه الاستعلاء في البنيان يحققه أن الشفعة إنما ثبتت للمسلم دفعا للضرر عن ملكه, فقدم دفع ضرره على دفع ضرر المشتري ولا يلزم من تقديم دفع ضرر المسلم على المسلم تقديم دفع ضرر الذمي فإن حق المسلم أرجح, ورعايته أولى ولأن ثبوت الشفعة في محل الإجماع على خلاف الأصل, رعاية لحق الشريك المسلم وليس الذمي في معنى المسلم فيبقى فيه على مقتضى الأصل وتثبت الشفعة للمسلم على الذمي لعموم الأدلة الموجبة, ولأنها إذا ثبتت في حق المسلم على المسلم مع عظم حرمته ورعاية حقه فلأن تثبت على الذمي مع دناءته, أولى وأحرى.
فصل:
وتثبت للذمي على الذمي لعموم الأخبار ولأنهما تساويا في الدين والحرمة فتثبت لأحدهما على الآخر, كالمسلم على المسلم ولا نعلم في هذا خلافا وإن تبايعوا بخمر أو خنزير وأخذ الشفيع بذلك لم ينقض ما فعلوه وإن كان التقابض جرى بين المتبايعين دون الشفيع, وترافعوا إلينا لم نحكم له بالشفعة وبهذا قال الشافعي وقال أبو الخطاب: إن تبايعوا بخمر وقلنا: هي مال لهم حكمنا لهم بالشفعة وقال أبو حنيفة: تثبت الشفعة إذا كان الثمن خمرا لأنها مال لهم, فأشبه ما لو تبايعوا بدراهم لكن إن كان الشفيع ذميا أخذه بمثله وإن كان مسلما أخذه بقيمة الخمر ولنا أنه بيع عقد بخمر, فلم تثبت فيه الشفعة كما لو كان بين مسلمين ولأنه عقد بثمن محرم, أشبه البيع بالخنزير والميتة ولا نسلم أن الخمر مال لهم فإن الله تعالى حرمه, كما حرم الخنزير واعتقادهم حله لا يجعله مالا كالخنزير وإنما لم ينقض عقدهم إذا تقابضوا, لأننا لا نتعرض لما فعلوه مما يعتقدونه في دينهم ما لم يتحاكموا إلينا قبل تمامه ولو تحاكموا إلينا قبل التقابض لفسخناه.
فصل:
فأما أهل البدع, فمن حكم بإسلامه فله الشفعة لأنه مسلم فتثبت له الشفعة كالفاسق بالأفعال ولأن عموم الأدلة يقتضي ثبوتها لكل شريك, فيدخل فيها وقد روى حرب أن أحمد سئل عن أصحاب البدع هل لهم شفعة ويروى عن إدريس, أنه قال: ليس للرافضة شفعة فضحك وقال: أراد أن يخرجهم من الإسلام فظاهر هذا أنه أثبت لهم الشفعة وهذا محمول على غير الغلاة منهم وأما من غلا, كالمعتقد أن جبريل غلط في الرسالة فجاء إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإنما أرسل إلى على ونحوه ومن حكم بكفره من الدعاة إلى القول بخلق القرآن فلا شفعة له لأن الشفعة إذا لم تثبت للذمي الذي يقر على كفره, فغيره أولى.
فصل:
وتثبت الشفعة للبدوي على القروي وللقروي على البدوي في قول أكثر أهل العلم وقال الشعبي والبتي: لا شفعة لمن لم يسكن المصر ولنا عموم الأدلة واشتراكهما في المعنى المقتضي لوجوب الشفعة.
فصل:
قال أحمد, في رواية حنبل: لا نرى في أرض السواد شفعة وذلك لأن أرض السواد موقوفة وقفها عمر رضي الله عنه على المسلمين ولا يصح بيعها, والشفعة إنما تكون في البيع وكذلك الحكم في سائر الأرض التي وقفها عمر رضي الله عنه وهي التي فتحت عنوة في زمنه ولم يقسمها, كأرض الشام وأرض مصر وكذلك كل أرض فتحت عنوة ولم تقسم بين الغانمين, إلا أن يحكم ببيع ذلك حاكم أو يفعله الإمام أو نائبه فإن فعل ذلك, ثبتت فيه الشفعة لأنه فصل مختلف فيه ومتى حكم الحاكم في المختلف فيه بشيء نفذ حكمه والله أعلم.