المعارك الحربية على الجبهة المصرية

من معرفة المصادر

المعارك الحربية على الجبهة المصرية، كتاب من تأليف المؤرخ العسكري جمال حماد، يتناول فيه وقائع حرب أكتوبر 1973.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تقديم

الفصل الأول: كيف جرى التخطيط لحرب أكتوبر 1973؟

بعد هزيمة 5 يونيو وإستيلاء القوات الإسرائيلية على شبة جزيرة سيناء وقطاع غزة،وكان الواجب الرئيسى للقيادة العامة للقوات المسلحة ورئاسة الأركان هو إعادة تنظيم وتسليح وتدريب القوات المسلحة المصرية التى أصيبت بالانهيار خلال الحرب على أسس سليمة من النظام والتخطيط والانضباط . ومنذ شهر يوليو67بدأت هيئة العمليات الحربية فى وضع الخطة العسكرية لتحرير الأرض المحتلة بناء على توجيهات القيادة العامة للقوات المسلحة.وقد ظلت خطط العمليات تتبدل وتتغير عدة مرات ،سواء فى اهدافها المرحلية أو فى أهدافها النهائية، حتى استق الرأى فى النهاية على تبنى(الخطة جرانيت2 المعدلة)والتى تم بموجبها تنظيم التعاون بين القيادتين:المصرية والسورية يوم 7 يونيو 73بمقر القيادة المصرية بمدينة نصر..وهى الخطةالتى تم تغيير اسمها الكودى فى شهر سبتمبر73 إلى الخطة (بدر) ولقد تولى منصب القائد العام للقوات المسلحة خلال الفترة من 11يونيو 67حتى بدء حرب اكتوبر 73 (حوالى ست سنوات واربعة أشهر)ثلاثة من القادة.ومما يدعو الى الالتفات الية انهم جميعا تولوا منصب رئيس اركان حرب القوات المسلحة قبل اسناد منصب القائد العام اليهم ،وهم وفقا لترتيب توليهم مناصبهم:

  • الفريق اول محمد فوزى:وقد تولى منصب رئيس الأركان قبل حرب يونيو67، ثم تولى منصب القائد العام للقوات المسلحة من 11يونيو67 حتى تقدم باستقالته فى13 مايو71،وبذايكون قد أ مضى فى منصبة حوالى أربعة أعوام..
  • الفريق أول محمد أحمد صادق: وقد تولى منصب رئيس الأركان اعتبارا من 10 سبتمبر 69 ،وبعد أن أمضى حوالى عشرين شهراً فى هذا المنصب عهد إليه بمنصب القائد العام للقوات المسلحة يوم 13مايو 71على أثر الأحداث المعروفة بحركة1مايو،استمر فى منصبه حوالى عام ونصف العام حتى تمت للسادات تنحيته فى 26 أكتوبر 72.
  • المشير أحمد إسماعيل على :وقد تولى منصب رئيس الأركان اعتبارا من 10مارس 69،على أثر استشهاد الفريق عبد المنعم رياض ،ولم يبقى فى منصبه سوى ستة أشهر فقط،فقد أمر عبد الناصر بتنحيته عن منصبه فى 10 سبتمبر 69 على أثر وقوع الاغارة البرمائية الإسرائيلية على الزعفرانة على خليج السويس فى اليوم السابق ،

ولكن الرئيس الراحل السادات أسند اليه منصب القائد العام للقوات المسلحة فى يوم 26 أكتوبر 72 على أثر تنحية الفريق أول محمد صادق ،أى قبل نشوب حرب أكتوبر بعام واحد فقط . هذا وقد تولى منصب رئيس أركان القوات المسلحة خلال هذة الفترة أربعة من القادة، ذكرنا منهم اثنين وهما:المشير أحمد اسماعيل والفريق أول محمد صادق.

وهناك اثنان اخران توليا هذا المنصب وهما:

  • الفريق عبد المنعم رياض:وقد تولى منصب رئيس الأركان فى 12 يونيو 67 وظل يتولاه لمدة21 شهرا حتى استشهد فى 9 مارس 69خلال حرب الاستنزاف .
  • الفريق سعد الشاذلى : وقد تولى منصب رئيس الأركان يوم 16 مايو 71 على أثر أحداث 15 مايو المعروفة ، أى قبل نشوب حرب أكتوبر بحوالى عامين ونصف العام. وهؤلاء القادة الخمسة كانوا هم بلا شك المسئولين طول الفترة بين الحربين (يونيو67 واكتوبر73)وفقا لترتيب توليهم لمناصبهم عن وضع الأسس والتوجيهات لهيئة العمليات

الحربية، لاعداد خطط العمليات الهجومية لتحرير الأرض السليبة بشتى أشكالها ومراحلها مع مراعاة مدى امكانات وقدرات القوات المسلحة على التنفيذ.وقد تمت لهم بالطبع مناقشة هذة الخطط الموضوعة على المستوى العسكرى مع هيئة العمليات ومديرى الأفرع والأسلحة وقادة الجيوش الميدانية . وعلى المستوى السياسى مع رئيسى الجمهورية الراحلين:عبد الناصر والسادات .ونظرا لأن ثلاثة فقط من هؤلاء القادة قاموا بنشر ارائهم بالنسبة لخطط العمليات الموضوعة وهم :الفريق أول محمد فوزى والفريق أول محمد صادق والفريق سعد الشاذلى ، لذلك سوف نعرض وجهه نظر كل منهم فى الخطة التى كان يتبناها ،وسوف يتضح لنا من مناقشة وتحليل هذة الخطط الصورة الحقيقية لما كان يدور من مناقشات وخلافات فى وجهات النظر سواء بين القيادات العسكرية بعضها وبعض ،أو بينها وبين القيادة السياسية فى تلك الفترة الخطيرة من تاريخ مصر.

ماذاقال الفريق أول فوزى عن خطة تحرير سيناء؟

ذكر الفريق فوزى أنه بناء على توجيهات الرئيس الراحل عبد الناصر الصادرة إليه فى يوليو67 فى أعقاب الهزيمة، أصبحت إستراتيجية العمل العسكرى للقوات المسلحة المصرية هى تحرير الأرض المحتلة فى سيناء بالقوة،والوصول بالقوات المصرية إلى خط الحدوح المصرية الفلسطينية وتأمينها ،ثم استغلال النجاح سياسيا لاسترداد حقوق الشعب الفلسطينى،وكانت الفترة الزمنية التى حددها عبد الناصر لتحقيق ذلك الغرض هى ثلاث سنوات. ونتيجة لدراسة اللجان العسكرية التى شكلت داخل القيادة العامة برئاسة الفريق عبد المنعم رياض رئيس أركان حرب القوات المسلحة التى استمرت لمدة شهر،تم وضع خطة عامة لتحرير الأرض أطلق عليها اسم الخطة 200،وانبثقت من الخطة200 خطط رحلية وخطط نوعية ،وتم تطبيق هذه الخطط فى شكل مشروعات عمليات مشتركة. وانتهت هذة المرحلة بوضع الخطة (جرانيت)التى كانت تحقق المرحلة الأولى من الخطة 200 الشاملة. ويعنى هذا الكلام بوضوح أن القيادة العامة قد تم لها وضع خطة هجومية شاملة هى الخطة 200 للوصول الى الحدود الدولية ، وأن هذه الخطة كان سيجرى تنفيذها على مرحلتين:المرحلة الأولى ، وأطلق عليها اسم جرانيت، وكانت عبارة عن عبور قناة السويس واقتحام خط بارليف والوصول الى منطقة المضايق الجبلية الاستراتيجية. والمرحلة الثانية: كانت عبارة عن التقدم من منطقة المضايق فى عملية هجومية للوصول الى الحدود الدولية،وبذا يتحقق الغرض النهائى وفقا للخطة 200. وأوضح الفريق فوزى بعد ذلك أنه عقب مرور ثلاثة أعوام على هزيمة يونيو 67 وصلت القوات المسلحة المصرية الى مقدرة وامكانات عسكرية ومعنويات عالية، وتم اختيار التشكيلات الميدانية وجميع أفرع القيادة العامة على واجبات عملياتها ،بحيث أصبح فى امكان هذه القوات البدء فى معركة التحرير بمجرد صدور الأمر إليها بذلك. وفى أواخر أغسطس عام 70 وفى اجتماع مصغر دعا إليه عبد الناصر لعرض الموقفين السياسى والعسكرى بعد أن توقفت حرب الاستنزاف فى 7 أغسطس 70،عقب مبادرة روجرز التى كان أول بنودها ينص على أن يتوقف الطرفان عن اطلاق النار فى الأرض وفى الجو عبر خط وقف اطلاق النار لمدة ثلاثة أشهر، ذكر الفريق فوزى أنه أبدى للرئيس الراحل عبد الناصر استعداد القوات المسلحة لبدء معركة التحرير فور انتهاء فترة وقف اطلاق النار المؤقت فى 7 نوفمبر70.وأكد الفريق فوزى فى مذكراتة أنه فى الأسبوع الأول من سبتمبر 70 حصل على تصديق شفهى من عبد الناصر – خلال وجوده معه فى رحلة إلى مرسى مطروح- على تنفيذ الخطة 200،على أن يركز على تنفيذ الخطة جرانيت أولا وهى الوصول الى منطقة المضايق،وعلى أن يتم تنفيذ ذلك بمجرد انتهاء فترة وقف اطلاق النار .وعلل الفريق فوزى سبب حصوله على تصديق شفهى من عبد الناصر على تنفيذ الخطة200دون بحث أو مناقشة القرارات التفصيلية التى كان يحملها معه والخاصة بالخطة 200الشاملة والخطة جرانيت المرحلية كما كان الاتفاق ، بأنه انما يرجع الى ظروف طارئه ، فقد حضر الرئيس الليبى معمر القذافى ومعه اثنان من زملائه فجأة الى مرسى مطروح وانشغل عبد الناصر معهم دون أن يتمكن الفريق محمد فوزى من الانفراد به خلال الأيام الأربعة التى قضاها معه هناك،ثم ما جرى بعد ذلك من تصاعد الموقف فى عمان على أثر الصدام بين الملك حسين والفلسطينيين، وأخيرا حالت وفاة عبد الناصر فى 28سبتمبر 70التى كانت كما ذكر الفريق فوزى- حادثا ذا آثار إستراتيجية خطيرة- حالت دون استمرار التخطيط الزمنى لبدء معركة التحرير. ورغم ما ذكره الفريق فوزى فى مذكراته بشأن الخطة الهجومية 200ومرحلتها الأولى (جرانيت) فان هناك عدة حقائق مهمة تجعانا نشك فى صحة ما سجله الفريق فوزى، سواء من ناحية الخطة الهجومية التى وضعها أو من ناحية إتمام القوات المسلحة استعدادتها لشن الهجوم فى التاريخ الذى حدده. وتتلخص هذه الحقائق فيما يلى : اولا - ليس من المعقول أن يعامل عبد الناصر الذى عرف عنه الالتزام وتقدير المسئولية القرار المصيرى الذى كان يتوقف عليه مصير بلاده بل مصير عبد الناصر نفسه ونظام حكمه بهذه الخفة والاستهانة اللتين لا مثيل لهما. فلقد انشغل عن القائد العام الذى كان يحمل فى حقيبته أخطر قرارات الحرب وأشدها سرية مدة أربعة أيام كاملة،نظرا لوصول القذافى وبرفقته بعض الضيوف من ليبيا،ثم بلغ انشغاله عن قائده العام إلى الحد الذى جعله يعطى الفريق فوزى تصديقا شفهيا على تنفيذ 200،على أن يركز على تنفيذ الخطة جرانيت أولا ، وذلك بعد انتهاء وقف إطلاق النار المؤقت فى 7 نوفمبر 70،دون أى مناقشات أو دراسة أو أطلاع على خرائط الموقف. ثانيا - فى الوقت الذى سجل فيه الفريق فوزى فى مذكراته أن قياس قدرات قواتنا مع قوات العدو فى أواخر عام70وأوائل عام71كان لصالح قواتنا عددا وتسليحا وكفاءه فى كل أفرع القوات المسلحة،وأن توقيت معركة التحرير (فى نهاية عام70)وتنفيذ الخطة الموضوعة التى تم التدريب عليها عمليا وهى الخطة جرانيت واستكمالها بالخطة 200 الشاملة كان توقيتا مخططا وسليما،وأن ميزان القوى كان إلى جانب مصر- نجد أن الفريق سعد الشاذلى يسجل فى مذكراته أنه عندما بدأ عمله بعد تعيينه رئيسا للأركان فى16مايو71بدراسة إمكانات القوات المسلحة الفعلية ومقارنتها بالمعلومات المتيسرة عن العدو،أتضح له نتيجة لهذه الدراسة أنه ليس من الممكن القيام بهجوم واسع النطاق يهدف إلى تدمير قوات العدو وارغامه على الانسحاب من سيناء وقطاع غزة،وأن امكانات القوات المسلحة المصرية الفعلية قد تمكنها-إذا احسن تجهيزها وتنظيمها - من القيام بعملية هجومية محدودة تهدف الى عبور قناة السويس وتدمير خط بارليف ،ثم التحول بعد ذلك الى الدفاع. ولا شك في أن نتيجة الدراسة التى أجراها الفريق سعد الشاذلى تتناقض تناقضا جوهريا مع ما سبق ذكره الفريق محمد فوزى من أن قدرات قواتنا كانت تفوق قدرات قوات العدو،وأن ميزان القوى كان الى جانب مصر خصوصا وأن الفترة الزمنية التى كان يتحدث عنها القائدان هى فترة زمنية واحدة وهي أوائل عام71. ثالثا -أن مجريات الحوادث عقب وفاة عبد الناصر وتسلم السادات مسئولية الحكم لا تدل مطلقا على أن القوات المسلحة المصرية كانت على تمام الاستعداد للمعركة ،وأن الفريق فوزى كان جادا للبدء حقا فى حرب التحرير بمجرد انتهاء فترة وقف اطلاق النار المؤقت فى يوم7نوفمبر70، فان وفاة عبد الناصر فى28سبتمبرلايمكن أن تكون مبرراً معقولاً لمنع القائد العام للقوات المسلحة من شرف البدء فى حرب التحرير التى أتم تجهيزاته وأعد خططه لها لسترجاع قطعة غالية من ارض الوطن.وفضلا عن ذلك، فان اتمام تجديد فترة وقف اطلاق النار لمدة ثلاثة أشهر أخرى انتهت فى7 فبراير71،ثم تجديدها مرة ثانية لمدة شهر انتهى فى7 مارس

  71 أمر يدل بوضوح على عدم استعداد القوات المسلحة وقتئذ لخوض 

المعركة،وبخاصة أن السادات فى كتابة(البحث عن الذات)كان يشكو من أن الفريق محمد فوزى وجماعته الذين أسماهم مراكز القوى كانوا يهدفون خلال اجتماعاته بهم فى اللجنة التنفيذية العليا عند بحث موضوع تجديد فترة وقف إطلاق النار الى توريطه،وذلك عن طريق عدم التجديد واستئناف حرب الاستنزاف.وقد عارض السادات رأيهم خشية تعرض الوجة القبلى وقتئذ للغارات الإسرائيلية لعدم إرسال الاتحاد السوفيتى الصواريخ التى وعد بإرسالها من قبا.ومن هنا يتضح أن أقصى ما كان يطالب به الفريق فوزى بعد انتهاء فترة وقف إطلاق النار هو السماح له باستئناف حرب الاستنزاف.ولم يطالب رئيس الجمهورية إطلاقا بالتصديق له على تنفيذ الخطة 200أو حتى الخطة المرحلية جرانيت رغم أنخ ذكر أن عبد الناصر سبق أن منحه تصديقا شفهيا بتنفيذها فى الأسبوع الأول من سبتمبر70،وفضلا عن ذلك فانه عندما انتهت اخر فترة لتجديد وقف اطلاق النار فى7 مارس 71 وأعلن السادات على أثرها أن مصر غير ملتزمة بوقف إطلاق النار،لم يحرك الفريق فوزى ساكنا ولم يأمر حتى بشن حرب الاستنزاف التى كان يطالب السادات خلال اجتماعاته به بالتصديق له باستئنافها . فهل تتماشى هذه التصرفات مع قائد كان عاقد العزم فى أوائل سبتمبر70على البدءبحرب التحرير فور انتهاء فترة وقف إطلاق النار فى نوفمبر70؟ رابعا - نشر الفريق فوزى أن السادات قد أصدر له يومى29إبريل و9مايو 71 فى منزله بالجيزة التوجيهات النهائية لعمليات تحرير سيناء كما حدد له اليوم الذى تبدأ فيه المعركة،وأنه قام بالاشتراك مع الفريق محمد صادق رئيس الأركان وقتئذ بكتابة وثيقة تحرير الأرض ،ولكن السادات رفض التوقيع عليها عندما عرضها عليه يوم11مايو،وأنه حاول طوال يوم12 مايو اقناعه بالعدول عن رفضه،ولكنه صمم على رأيه ،وأن ذلك كان السبب الحقيقى فى الاستقالة التى قدمها يوم13مايو71.ولكن الفريق محمد صادق نفى هذه الواقعة من أساسها وأنكر اشتراكه فى كتابة أى وثيقة خاصة بالمعركة مع الفريق فوزى .وعلاوة على ذلك فان الوثيقة التى أكد الفريق فوزى أنها كانت تتضمن تنفيذ الخطة جرانيت أى الوصول الى المضايق،اتضح عند عثورنا عليها أن كل ما كانت تتضمنه هو مجرد القيام بعمليات محدودة ابتداء من الأسبوع الأول من شهر يونيو 71، وهى عمليات تماثل الى حد كبير العمليات التى تم التدريج اليها فى نهاية حرب الاستنزاف قبل أن تتوقف فى8 أغسطس70على أثر مبادرة روجرز،أى أنه لا توجد ضمن هذه الوثيقة أى عبارة تشير إلى تحرير الأرض أو الى الخطة جرانيت أو الى الوصول إلى منطقة المضايق. خامسا - سجل الفريق سعد الشاذلى فى مذكراته مايهدم أقوال الفريق أول محمد فوزى من أساسها،فقد أورد فى مقدمة الفصل الثانى من الباب الأول ما يلى بالحرف: عندما عينت رئيساً لأركان حرب القوات المسلحة في 16 مايو 71 (على إثر تقديم الفريق محمد فوزى استقالته واعتقاله فى أحداث 15 مايو)، لم تكن هناك خطة هجومية.لقد كانت لدينا خطة دفاعية تسمى الخطة 300،وكانت هناك أيضا خطة تعرضيةأخرى تشمل القيام ببعض الغارات على مواقع العدو فى سيناء،ولكنها لم تكن فى المستوى الذى يسمح لنا بأن نطلق عليها خطة هجومية ،وكانت تسمى جرانيت .ومما يسترعى الالتفات إليه ،أن السادات قد أيد ما ذكره الفريق سعد الشاذلى فى مذكراته بشأن الخطة200.فلقد ورد فى كتابه(البحث عن الذات) فى الصفحة 248 مايلى بالحرف:“قبل أن يموت عبد الناصربشهر واحد،دعانى وذهبنا معا سويا الى مبنى القيادة العامة للقوات المسلحة فى مدينة نصر،وهناك جمع القادة المصريين والخبراء السوفيت ومحمد

 فوزى وزير الحربية فى ذلك الوقت. ووقف الخبراء السوفيت والقادة

المصريون لمدة 7 ساعات أمام عبد الناصر وأمامى يشرحون الخطة الدفاعية 200التى أقرها الجميع.كان هذا هو الوضع العسكرى الذى تسلمته من عبد الناصر:خطة دفاعية سليمة 100‰،ولكن لا وجود لخطة هجومية”.ترى ما هو رأى الفريق فوزى بعد شهادتى السادات والشاذلى فى خطته 200التى ادعى أنها هجومية ،وأنها كانت تكفل تحرير سيناء والوصول الى الحدود الدولية فى 12 يوما؟ ≡ماذا قال الفريق أول محمد صادق عن الخطة الهجومية؟≡ نشر الفريق أول محمد صادق مقالا له فى نوفمبر84 ذكر فيه أن التفكير فى حرب شاملة لتحرير كل الاراضى المحتلة فى سيناء أمر لم يكن مطروحا عندما كان قائدا عاما للقوات المسلحة مدام ميزان القوى كان وقتئذ لصالح إسرائيل،ومادامت قدرة مصر على الحصول على الإحتياجات المطلوبة لمثل هذه الحرب كانت رهنا بسياسات الاتحاد السوفيتى. وليس بخاف أن القادة السوفيت كانوا ضد فكرة نشوب حرب جديدة بين العرب وإسرائيل.ونتيجة لذلك كان تصور الفريق صادق للعمليات التى ينبغى أن تقوم بها مصر ضد إسرائيل مرتكزا على الأسس التالية:

أولا -على الجانب الذى يبدأ الحرب أن يضع فى حسابه أن يستثمر النجاح الذى يحققه فى البداية للوصول الى خط دفاعى يستند إلى مواقع طبيعية ليتحرش بالعدو من خلفه وليكون قادرا على مواصله الحرب،إلى أن يتحقق وقف اطلاق النار.ومن خلف هذا الخط يعد كل قواه العسكرية والمدنية لتحمل الضغوط العسكرية المتمثلة فى هجمات مضادة متواصلة للاختراق وتدمير رءوس الكبارى التى يكون قد نجح فى انشائها ،وفى ضربات قد توجه الى اهدافه المدنية لتحقيق خسائر يمكنها أ تولد ضغوطا مؤثرة على القرارين السياسى والعسكرى. ثانيا - بالنسبة لمصر فان تنفيذ خطة الاقتحام المدبرة للمانع المائى وخط بارليف الحصين كان يتطلب بعد انشاء رءوس الكبارى مواصلة التقدم السريع لبعض الوحدات المضرعة والمشاة لاحتلال منطقة المضايق الحاكمة فى سيناء،فهذه المضايق هى الخط الدفاعى الأول والرئيسى عن منطقة القناة.وكانت جميع خطط العمليات تتضمن الأسلوب الملائم لتحقيق هذا الهدف،ومن الازم اسقاط وحدات من المظلات وجنود الصاعقة عند المضايق لاحتلالها كواجب رئيسى ، وفى نفس الوقت تقوم بمنع تدخل احتياطى العدو التعبوى الموجود فى العمق فى عمليات قواتنا حتى يتم العبور بالكامل. ثالثا - لو أن الحلفاء قد توقفوا بعد نجاحهم فى إنشاء رأس كوبرى فى نورماندى واكتفوا بالقيام بالدعاية لهذا النجاح الذى أحرزوه، لكانت الفرصة قد

سنحت للقائد الألمانى الفيلدمارشال روندشتد لكى يقوم بالهجوم المضاد

ويقذف بهم الى البحر بسهولة.ولذا فان الاكتفاء بإنشاء منطقة رءوس الكبارى والوقوف قبل المضايق لن يمكن قواتنا من إنشاء خط دفاعى قوى،ويمكن للعدو حشد قواته واختراق دفاعاتنا وعبور قناة السويس إلى الغرب وتطويق قواتنا التى عبرت إلى الشاطىء الشرقى. رابعا - كانت فكرة السادات أن تعبر القوات المصرية القناة وأن تستولى ولو على متر واحد من الضفة الشرقية ،وبعد ذلك نسعى للوصول إلى حل سياسى.ثم تطورت فكرته إلى ضرورة التوقف بعد إقامة روءس الكبارى شرق القناة وتحريك القضية سياسياً .ولكن الفريق صادق ذكرأنه كان معارضاً لهذه الأفكار وأنه شرح للسادات خطته التى كانت ترتكز على الخطوات التالية: 1 – عبور قناة السويس ، ويمكن بسهولة التغلب على كل الصعاب التى تعترض أو تعرقل عملية العبور. 2 - الاقتصار فى مهاجمة النقط الحصينة فى خط بارليف على تلك التى تؤثر على خطة الاقتحام وأجناب القوات القائمة بالعبور. 3 - إسقاط وحدات مظلات وصاعقة وقوات إقتحام جوى فوق المضايق للتمسك بها حين وصول القوات المدرعة والمشاة المدعمة لها،وفى نفس الوقت منع الإحتياطى التعبوى للعدو الموجود فى العمق من التدخل فى المعركة. 4 - إنطلاق مجموعات من القوات المدرعة والمشاة الميكانيكية إلى المضايق الثلاثة للانضمام وتدعيم القوات التى تم ابرارها عند المضايق. 5 - روءس الكبارى ستستند على القناة وتحتمى خلف الخط الدفاعى المرتكز على المضايق 6 – يجرى نقل بطاريات صواريخ الدفاع الجوى إلى شرق القناة لحماية القوات البرية من أى هجمات جوية معادية بالإضافة إلى وحدات الدفاع الجوى الذاتية الحركة مع مراعاة أن جميع القوات سوف تكون تحت مظلة القوات الجوية. 7 - إن مائة طائرة قاذفة مقاتلة ذات مدى طويل كافية لحماية قواتنا حتى الوصول إلى المضايق.

ولكن الفريق سعد الشاذلى أورد فى مذكراته ما يتعارض مع نشره الفريق محمد صادق.فقد ذكر أن فكرة الفريق صادق عن العملية الهجومية عندما ناقشه فيها عقب تعيين الشاذلى رئيسا للأركان بشهرين،كانت ترتكز على أن نقوم بتدمير جميع قوات العدو فى سيناء والتقدم السريع لتحريرها هى وقطاع غزة فى عملية واحدة ومستمرة.وقد اوضح الشاذلى له عدم توافر الامكانات للقيام بذلك فى الوقت الحالى أو المستقبل القريب.وحتى على فرض أن السوفيت سوف يقومون بتزويدنا بالأسلحة الهجومية التى نطلبها،فاننا نحتاج إلى عدة سنيين للحصول عليها والتدريب على استحدامها. وعندما اقتنع الفريق صادق باستحالة تنفيذ خطتة،فى الوقت الذى كان يعارض فيه بشدة خطة الفريق الشاذلى فى القيام بعملية هجومية محدودة نظرا لما فى هذه الخطة من عيوب وثغرات جسيمة ،تم الوصول إلى حل وسط هو تجهيز خطتين،خطة تهدف إلى الإستيلاء على المضايق،وأخرى تهدف إلى الاستيلاء فقط على خط بارليف. وكان تنفيذ خطة الإستيلاء على المضايق يتوقف على مدى ما سيقدمه لنا الاتحاد السوفيتى من صفقات الأسلحة والمعدات التى تم تحرير كشوفات بها بالاتفاق مع المستشارين السوفيت الذين كانوا يتهموننا دائما بالمغالاة فى مطالبنا.ومن أجل ذلك سافر الرئيس الراحل السادات والفريق صادق الى موسكو فى أكتوبر71 حيث تم الاتفاق على صفقة أسلحة كانت تعتبر أكبرصفقة اسلحة مع السوفيت حتى ذلك الوقت. ورغم ضخامة هذه الصفقة فانها لم تغط جميع الأسلحة اللازمة لتنفيذ خطة الوصول الى المضايق. وقد تمت مناقشة هذه المشكلة- كما ذكر الفريق الشاذلى- فى الاجتماع المصغر الذى تم فى يوم 6 يونيو 72 فى استراحة الرئيس بالقناطر الخيرية ،والذى حضرته الدائرة الصغرى من أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة . وفى هذا الاجتماع قرأاللواء عبد الغنى الجسمى رئيس هيئة العمليات تقريرا عن موقف القوات المسلحة ،كما أشير أيضا الى تقرير أعده اللواء أحمد اسماعيل رئيس المخابرات العامة وقتئذ كان يؤكد فيه أن القوات المسلحة ليست فى وضع يسمح لها بالقيام بعملية هجومية.

وقد اتضح خلال الاجتماع أن السادات كان يؤيد رأى الفريق محمد صادق فى عدم بدء المعركة الا بعد أن تتوافر لمصر قوة ردع،أى يكون عندنا طيران يستطيع أن يضرب عمق العدو. ولكنه فى نفس الوقت تساءل عما يكون العمل اذا اضطرنا الموقف السياسى الى بدء المعركة قبل الانتهاء من بناء قوة الردع. وقد أوضح الفريق الشاذلى فى هذا الاجتماع أنه يمكن التغلب على هذه المشكلة فى حالة تنفيذ الفكرة التى أبداها من قبل ،وهى وجوب التخطيط لمعركة هجومية محدودة فى ظل تفوق جوى معاد. وذكر أنه يمكن الاعتماد فى تحدينا للتفوق الجوى الإسرائيلى خلال تلك المعركة على الصواريخ المضادة للطائرات(سام). وقد أكد الفريق الشاذلى فى مذكراته أن اللواء المسيرى الذى حضر الاجتماع مندوبا عن القوات الجوية قد أيد رأيه تماما. ≡ لماذا دعا السوفيت محمد صادق لزيارة موسكو؟ ≡ ظلت العلاقات بين الرئيس الراحل السادات والفريق أول محمد أحمد صادق قوية وثيقة منذ وقوفه الى جانبه فى أحداث 15 مايو عام71. وكانت وجهة نظرهما فى أغلب الأوقات تبدو متفقة، كما رأينا فى اجتماع المجلس الاعلى للقوات المسلحة يوم6 يونيو عام 72 باستراحة القناطر الخيرية فيما يتعلق بوجوب عدم القيام بعمل عسكرى واسع النطاق ضد اسرائيل الا بعد تكوين قوة الردع،أى أن يكون عندنا طيران يستطيع أن يضرب عمق العدو. وقد بلغت ثقة السادات فى الفريق أول محمد صادق الى الحد الذى جعلة ينتدبة أحيانا ليمثله شخصيا فى بعض اللقاءات المهمة سواء مع الرؤساء العرب أو مع القادة السوفيت. وعندما سافر الفريق صادق فى احدى المرات إلى السعودية لمقابلة الملك فيصل،كان يحمل معه رسالة من السادات إلى الملك فيصل قال فيها:"ان الفريق صادق هو موضع ثقتى الكاملة . ان أى شىء يقوله أو يعد به هو باسمى ، وتستطيع أن تتكلم وتتعامل معه كما لو كنت تتعامل معى". وكان السادات قد سافر الى الاتحاد السوفيتى يومى2،1فبراير72. وفى أول لقاء مع القادة السوفيت سألهم عن المسئول عن تأخير صفقة الأسلحة التى وعدوه بها عند زيارته لموسكو فى11 أكتوبر 71،فرد بريجنيف وقال : انه المسئول ، نظرا للاجراءات المكتبية والروتينية . فرد السادات قائلا :" أنا لست مقتنعا بهذا الكلام ، واذا تكرر ما حدث مرة أخرى فسوف أتخذ قرارا ما". ثم أعاد عل مسامعهم نفس الكلام الذى سبق أن قاله فى زيارته السابقة وخصوصا النقطتين الأساسيتين ، وهما أن مصر لا تريد جنديا سوفيتيا ليحارب فى معركتها، فأنهوا المناقشة بتأكيد التزامهم باتفاقية أكتوبر 71 لتوريد الأسلحة واقامة الصناعات

العسكرية ، ووعدوا علاوة على ذلك بامداد مصر خلال عام 72 بالأسلحة التالية:
  • 200 دبابة ت 62 ( T62 )
  • 20 طائرة تى يو 22 ( TU22 )
  • 25 طائرة ميج 17 يتم تسليمها فوراً كهدية .
  • تدعيم وزيادة طاقة مصر فى الحرب الإلكترونية .

ولتنفيذ هذه الاتفاقية سافر الفريق عبد القادر حسن نائب وزير الحربية على رأس لجنة عسكرية فى 10 مارس 72 إلى موسكو للتوقيع عليها وفقاً للأصناف التى تم الاتفاق عليها بين السادات والقيادة السوفيتيه فى الشهر السابق. وعاد الفريق عبد القادر حسن فى 18 دون أن يوقع على البندين الخاصين بالدبابات T62والطائرات TU22حيث إن القادة السوفيت طلبوا أن تدفع مصر ثمنهما والذخيرة الخاصة بهما بالعملة الصعبة وبالثمن الكامل. وكان أسلوب الدفع بين مصر والاتحاد السوفيتى فيما يتعلق بثمن الأسلحة والمعدات منذ أيام عبد الناصر يقوم على أساس أن يبيع لنا الاتحاد السوفيتى الأسلحة بنصف ثمنها ويتنازل عن النصف الثانى . كما أن النصف الذى نقوم بدفعه كان يسدد بالجنيه المصرى . وكان الاتحاد السوفيتى يقوم باقراض مصر قرضا يغطى ثمن السلاح الذى تشتريه (أى اﻠ 50% التى يجب على مصر أن تدفعها) ، ويتم دفع هذا القرض على أقساط سنوية لمدة 10 – 15 عاما بفائدة 2  % ويبدأ القسط الأول بعد فترة سماح طويلة . وكان ذلك يعنى أن الثمن الذى تدفعه مصر ثمنا للسلاح السوفيتى يعادل 25% من ثمنه فى السوق العالمية . وكان معنى ما طلبة الاتحاد السوفيتى من الفريق عبد القادر حسن أن الطائرة TU22 يصبح ثمنها6¸ 5 مليون دولار ، والدبابة 2 6 T يصبح ثمنها ربع مليون دولار.وهذة الأثمان وان كانت ما تزال تعادل حوالى 50 % من ثمن مثيلتها الغربية فإنها اعتبرت من جانب مصر عملاً يكاد يكون عدائياً . وفى 15 مايو حضر المارشال جريشكو وزير الدفاع السوفيتى إلى القاهرة فى زيارة لمدة خمسة أيام بعد انتهاء جولته فى العراق وسوريا. وقد عقد الفريق أول محمد صادق مع المارشال جريشكو اجتماعين فى وزارة الحربية ، وكانت النقطة الأولى المهمة التى طرحت على بساط البحث خلال المباحثات بينهما هى موضوع ثفقة الأسلحة التى تم الاتفاق عليها من قبل السادات والقادة السوفيت خلال زيارته لموسكو فى فبراير 72، والتى لم تقم اللجنة العسكرية برئاسة الفريق عبد القادر حسن التى سافرت إلى موسكو فى 10 مارس بالتوقيع على البندين الخاصين بالطائرات تى يو 22 والدبابات ت 62 . وكان السبب الحقيقى لعدم التوقيع بالنسبة للطائرات تى يو 22 هو رفض اللجنة العسكرية شراءها ، فقد اكتشفت أن عيوبها لم تكن تقل عن عيوب الطائرة تى يو 16 التى وصلت إلى مصر منذ ثلاثة أشهر سابقة، وضج الطيارون المصريون من الشكوى منها بسبب عدم إمكان استخدامها بنجاح فى العمليات الحربية بسبب ثقل حركتها وقلة سرعتها بالنسبة للطائرات المقاتلة القاذفة الاسرائيلية . أما بالنسبة للدبابات ت 62 فقد امتنعت اللجنة عن التوقيع بسبب إصرار الجانب السوفيتى على أن يتم دفع ثمن هذه الدبابة بالعملة الصعبة كما سبق أن ذكرنا مما كان يجعل ثمن الدبابة الواحدة يصل إلى

ربع مليون دولار . هذا وقد تمكن الفريق أول محمد صادق خلال محادثاته مع جريشكو 

من حل هذا الخلاف . فقد تنازل الجانب السوفيتى عن مطلبهم الخاص بالعملة الصعبة بالنسبة للدبابة 62،وبالتالى تم التوقيع على صفقة الدبابات بنفس الشروط السابقة . هذا وقد أثار المارشال جريشكو خلال محادثاته مع الفريق أول محمد صادق عدداًمن الشكاوى التى تتعلق بالمعاملة السيئة التى يلقاها المستشارون والخبراء وأفراد الوحدات السوفيتية من بعض السلطات المصرية ، وكان فى مقدمة تلك الشكاوى الحادث الذى جرى فى مطار القاهرة يوم 8 مايو عندما أصر رجال الجمارك على تفتيش الضباط والجنود السوفيت العائدين إلى بلادهم بعد انتهاء مدة خدمتهم فى مصر. وشكا جريشكو من أن إدارة التوجيه المعنوى للقوات المسلحة المصرية تتبنى نشاطا معاديا للسوفيت، وكذا من تصرفات بعض كبار قادة القوات المسلحة الذين يوجهون هجومهم علانية على الاتحاد السوفيتى أمام الضباط والجنود خلال مرورهم على الوخدات أو فى أثناء انعقاد المؤتمرات العامة . وخلص جريشكو فى النهاية بأن كل هذه الأعمال والتصرفات قد أدت إلى خلق تيار معاد قوى فى القوات المسلحة المصرية ضد الاتحاد السوفيتى . وكانت التعليقات والتلميحات التى أوردها جريشكو فى خديثه لا تترك مجالا للشك فى أن القادة السوفيت كانوا عل يقين من أن الفريق صادق هو شخصيا وراء كل الحملات المعادية للسوفيت فى القوات المسلحة المصرية . وأكد جريشكو أن حطاب الفريق صادق الذى ألقاة فى الاجتماع الذى عقد بالمنطقة المركزية يوم 24 يناير 72، وحضره عدة الاف من الضباط من جميع الرتب والذى هاجم فيه الاتحاد السوفيتى هجوما عنيفا، وغير ذلك من التصرفات المماثلة ، لا يمكن أن يخدم العلاقات بين مصر والاتحاد السوفيتى . وخلال تلك الزيارة التى قام بها جريشكو لمصر وجهت الدعوة إلى الفريق أول محمد صادق لزيارة موسكو . وكان القادة السوفيت يتوقون إلى استقباله على اعتبار أنه المسئول الأول عن خلق هذا التيار المعادى للاتحاد السوفيتى فى القوات المسلحة وفى رفض منحهم قواعد عسكرية فى مرسى مطروح وبرنيس . وكانوا على ثقة من أن الشعبية التى اكتسبها داخل القوات المسلحة كان مرجعها هو ما اشتهر به من ناحية التصدى للسوفيت ورفض مطالبهم . ولهذا السبب قامت السلطات السوفيتية كوسيلة لتحسين علاقاتها بالفريق صادق باستقباله فى موسكو فى 8 يونيو 72 الاستقبال الذى يعد لرؤساء الدول وليس لوزراء الحربية . وقد حمل الفريق صادق معه رسالة من الرئيس السادات إلى الرئيس السوفيتى بريجنيف ، وقد قرر السادات فيها اعتقاده بأنه لا يمكن إيجاد حل سياسى إلا بعملية ضغط مستمرة على الولايات المتحدة وإسرائيل، وحين تقتنع إسرائيل بأن ميزان القوة العسكرية ليس فى صالحها . وأكد فى نهاية رسالته الحاجة إلى سرعة إنجاز البرنامج السابق الاتفاق عليه فيما يتعلق بتزويد مصر بالأسلحة والمعدات . وكان أول لقاء قمة بين الرئيس السوفيتى بريجنيف والرئيس الأمريكى نيكسون قد تم عقده فى 20 مايو 72 بالكرملين بموسكو ، وأى قبل زيارة صادق بحوالى أسبوعين ، ثم صدر أول بيان وفاقى بين موسكو وواشنطن ينادى بالاسترخاء العسكرى فى الشرق الأوسط ، وقد عبر السادات عن مشاعره عقب صدور هذا البيان فذكر أنه كان صدمة عنيفة لنا لأننا كنا خلف إسرائيل عسكريا بعشرين خطوة ، ومعنى الاسترخاء العسكرى فى هذا الوضع هو التسليم من جانبنا لإسرائيل .

وفى يوم 20 يونيو، أى عقب عودة الفريق صادق بأسبوع من موسكو ، دعا إلى عقد مؤتمر مصغر حضره الفريق سعد الشاذلى رئيس الأركان وقادة القوات الجوية والبحرية والدفاع الجوى وقائدا الجيشين الثانى والثالث ومدير المخابرات الحربية . وقد شرح الفريق صادق تفاصيل زيارته للاتحاد السوفيتى ، وذكر أن رأى المارشال جريشكو فى الموقف يتلخص فيما يلى : ●يجب تجهيز القوات المسلحة والدولة والشعب لمعركة طويلة الأمد . ●إن الموقف فى الشرق الأوسط بالغ التعقيد ، فإن إسرائيل تعرض حلولا لا يمكن قبولها سواء من مصر أو مصر أو الاتحاد السوفيتى . ●إن السوفيت يؤمنون مثلنا بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة . ●يجب العمل معاً فى المحافل الدولية اعتماداً على قرار مجلس الأمن رقم 242 . ●إن الإبقاء على المستشارين السوفيت فى مصر هو ضرورة دولية . ●لن يقوم الاتحاد السوفيتى بعقد مع أمريكا على حساب مصر . ●إن تحرير الأرض يتطلب أولا بناء الجيش الدفاعى لمنع العدو من توسيع رقعة الأرض التى يحتلها، وبعد ذلك يجرى بناء الجيش الهجومى الذى يقوم بتحرير الأرض . وانتقل الفريق صادق بعد ذلك إلى ذكر انطباعاته الشخصية عن الزيارة التى كانت تتلخص فيما يلى: 1 – إن السوفيت مهتمون جدا بالجبهة الداخلية ، بل إنهم طلبوا تنحية الأشخاص الذين تتعارض سياستهم مع الاتحاد السوفيتى . 2 – لا تغيير فى السياسة السوفيتية بعد مؤتمر قمة بريجنيف – نيكسون . 3 – إن السوفيت يريدون تهدئة الموقف فى المنطقة إلى أن ينجح نيكسون فى الانتخابات فى نوفمبر 72، وبعد نجاحه فإن من المتوقع أن يماطلونا فى إمدادنا بالسلاح لتمييع القضية وعلى أمل الوصول إلى حل سلمى . ومما يدعو إلى العجب ، أن الفريق صادق الذى كان ينظر إليه على أنه العدو رقم واحد للسوفيت فى مصر قد تغير تفكيرة تماما بعد الزيارة الودية التى قام بها إلى موسكو ، وبعد الاستقبال الحافل الذى استقبله به القادة السوفيت ، إلى الحد الذى جعله يعتقد أن السادات قد توهم أن اتفاقا سريا قد تم فى موسكو من وراء ظهره بين صادق وبريجنيف مما حمل السادات على الإسراع باتخاذ قراره بطرد الخبراء السوفيت . وقد أوضح الفريق صادق هذا الاعتقاد بقوله : إن السادات عندما اطلع على محضر جلسة المحادثات التى جرت بين بريجنيف وصادق ، والتى تعهد خلالها بريجنيف بحل مشكلة الشرق الأوسط حلا سليما خلال ثلاثة أشهر بعد نجاح نيكسون فى الانتخابات وإلا فسوف يقوم بإمداد القوات المسلحة المصرية بلأسلحة التى تحتاج إليها ، ثار عليه السادات ، وقال له : إنه لا يمكن أن يتم ذلك ، وإن السوفيت خدعوك . وذكر صادق أنه فهم على الفور – نظرا لأنه يعرف جيدا طريقة تفكير السادات – أنه توهم أن تكون هناك صفقة قد تمت بينه وبين الجانب السوفيتى . وقد يكون الأعتقاد الذى دار فى مخيلة الفريق صادق فيه جانب من الحقيقة ، ولكنه لم يكن هو السبب الرئيسى بالطبع فى قرار السادات بإنهاء الوجود العسكرى السوفيتى فى مصر ، وهو القرار الذى اتخذه يوم 8 يوليو 72 عقب أن أبلغه السفير السوفيتى فينوجرادوف برسالة بريجنيف إليه ردا على الرسالة الحارة العاجلة التى أرسلها إلى بريجنيف ، والتى حدد له فيها الخطة التى يقترحها لتحريك الموقف عسكريا ، وكانت أهم نقاطها مطالبة السوفيت بالاسراع فى تنفيذ برامج إرسال الأسلحة إلى مصر التى سبق الاتفاق

عليها . وعندما مضت ثلاثة أسابيع دون أن يصل أى رد من موسكو ، استدعى الدكتور عزيز 

صدقى – رئيس الوزراء وقتئذ – السفير السوفيتى بالقاهرة حيث عبر له عما يعنيه هذا الصمت السوفيتى من إهانة لا تقبلها مصر ، كما استدعى وزير الخارجية المصرية الدكتور مراد غالب السفير السوفيتى ليبلغه احتجاج مصر على هذا التأخير فى الرد على رسالة الرئيس . وعندما وصلت الرسالة المنتظرة بعد أن تم استعجالها بهذه الطريقة المؤسفة ووجد السادات أن الرسالة لا تحوى شيئا جديدا سوى التسويف والمماطلة ، أبلغ السفير السوفيتى عند لقائه به يوم 8 يوليو 72 أنه يرفض هذه الرسالة شكلآ وموضوعا ويرفض هذا الأسلوب فى التعامل، وأنه قرر الاستغناء عن جميع الخبراء العسكريين السوفيت (حوالى 8000) وأن يعودوا إلى الاتحاد السوفيتى فى فترة أسبوع من ذلك اليوم .


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لماذا غير السادات القائد العام قبل المعركة ؟

كان يوم 24 أكتوبر حافلاً بالأحداث السريعة والمتلاحقة . فقد طلب الفريق أول محمد صادق اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى الساعة الثانية عشرة ظهرا ، وكان الهدف من هذا الاجتماع هو الاستماع إلى رأى القادة عن الموقف العسكرى ، وذلك قبل حضور هم اجتماعا اخر فى الساعة الثامنة والنصف مساء من اليوم نفسه بمنزل الرئيس الراحل السادات بالجيزة. وفى الاجتماع الذى عقده الفريق صادق ، تكلم كل من أعضاء المجلس عن موقف قواته وعن المتاعب والمشكلات التى ما زالت تواجهه. وفى نهاية الحديث علق الفريق صادق قائلآ : "إن كل ما أريده هو أن يقوم كل منكم بإعطاء صورة حقيقية عن موقف قواته أمام الرئيس هذا المساء . إن الرئيس يعتقد أننى أبالغ فى ذكر المشكلات ، ولذلك فهو يريد أن يسمعها منكم شخصيا" . فأجاب الجميع بأنهم سيفعلون ذلك وأن ما قالوه أمام الوزير سوف يقولونه أمام الرئيس . هذا وقد انعقد المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى منزل الرئيس السادات فى التاسعة مساء يوم 24 أكتوبر 72،وامتد الاجتماع حتى منتصف الليل . وليس بوسعنا فى هذا المجال أن نسجل كل ما دار فى هذا الاجتماع الخطير الذى استمر أكثر من ثلاث ساعات ، فإن ذلك يحتاج منا إلى عشرات من الصفحات . ورغم أن الأستاذ موسى صبرى قد دون محضرا لهذا الاجتماع فى 55 صفحة(من صفحة 35 إلى صفحة 90) فى كتابه (وثائق حرب أكتوبر) . فإن الفريق محمد صادق صرح لى بأن المحضر السرى للاجتماع النشور فى هذا الكتاب حدث فيه تشويه كبير لحقيقة ما دار فى هذا الاجتماع . والأمر الذى نستطيع أن نؤكده

بالنسبة لحقيقة ما جرى ، هو أن الرئيس الراحل السادات بدأ الاجتماع بكلمه مطولة 

استعرض من خلالها العلاقات بين الاتحاد السوفيتى ومصر منذ توليه مسئولية الحكم ، وكيف استنفد قادة الاتحاد السوفيتى صبره بسبب مماطلتهم وتسويفهم فى إرسال صفقات الأسلحة بما فى ذلك الأسلحة التى كان يتفق عليها خلال زياراته لموسكو منتحلين شتى الحجج والأعذار ، وزاد الطين بلة سوء معاملتهم له وإهمالهم الرد على رسائله إليهم مما اضطره إلى

إصدار قراره بطرد الخبراء والمستشارين السوفيت فى 8 يوليو 72. 

وذكر السادات أنه أخطر القيادة السوفيتية فى إبريل 72 بأن القضية لن تتحرك سياسيا إلا إذا أمكن تحريكها عسكريا ، وأيدهم فى وجهة نظرهم بالعمل على إعادة انتخاب نيكسون فى انتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة فى نوفمبر 72، حيث إنه سيكون أفضل من رئيس جديد يصل إلى الحكم وتحكم تصرفاته رغبته فى البقاء فى الحكم لفترة ثانية . وعندما حضر المارشال جريشكو فى مايو 72 أرسل السادات معه كتابا إلى القيادة السياسية السوفيتية طلب فيه تزويد مصر بطائرات ميج 25 ومعدات وأجهزة الحرب الالكترونية ، وأخبرهم صراحة أنه لا يقبل بقاء أى وحدات سوفيتية ليست تحت القيادة المصرية . وأوضح الرئيس السادات بأنه عقب إبلاغ السفير السوفيتى فى 8 يوليو بقراره بإنهاء عمل المستشارين السوفيت والوحدات السوفيتية فى مصر، وأرسل الدكتور عزيز صدقى رئيس الوزراء إلى موسكو فى 17 يوليو 72 قبل إعلان القرار رسميا ، وكان الغرض من إرساله أن يشرح للقادة السوفيت الموقف ويعرض عليهم إصدار بيان مشترك حول هذا الموضوع ، ولكنهم لم يوافقوا وقالوا : إن السادات اتخذ هذا القرار من جانب واحد ، لذلك فإن الاعلان أيضا يجب أن يكون من جانب واحد . لقد كانوا يظنون أن السادات لا يعنى ما يقول ، ولكن عزيز صدقى أكد لهم أنه جاد فى تنفيذ ذلك . وانتقل السادات بعد ذلك إلى شرح الدور الأمريكى والاتصالات العديدة التى أجريت بين الولايات المتحدة ومصر بشأن الحل السلمى ، وأن المعسكرين الآن – الشرقى والغربى – صديقنا وعدونا قد فقدا الثقة فى إمكان أى تحرك من جانبنا ، وكل ما يصلنا من عروض أصبح يأتى من منطق واحد ، هو أننا قد ألقينا السلاح وعلينا أن نستعد لقبول أى شىء يعرض علينا . وأوضح السادات للقادة الحاضرين أنه أخبر الفريق صادق منذ الصيف الماضى بأنه يجب أن تتحرك القضية عسكريا قبل أن ندخل الجولة الثانية مع إسرائيل بعد الانتخابات الأمريكية وأن ذلك يعتبره قرارا يبلغه للقادة وليس لأخذ رأيهم ، حيث إن الموقف يعتبر اختبار للقوات المسلحة . وفى حالة عدم القيام بعمل عسكرى قبل نهاية هذا العام فإن القضية ستنتهى ويفقد المصريون والعرب ثقتهم بأنفسهم . وعلى الرغم من أن بعض القادة قد اشتركوا بعد المقدمة التى ألقاها السادات فى مناقشات معه ، فإنه ظهر بجلاء عدم ارتياح الرئيس للحوار الذى أجراه معه ثلاثة من القادة، هم الفريق عبد القادر حسن نائب وزير الحربية ، واللواء على عبد الخبير قائد المنطقة المركزية واللواء محمود فهمى قائد القوات البحرية ، ويبدو هذا بجلاء من الحوار الذى دار بين الرئيس السادات والفريق عبد القادر حسن والذى نذكر فيما يلى الجزء الأخير منه الفريق عبد القادر:قد نبدأ بمعركة محدودة ولكنها قد تتطور إلى حرب شاملة ، قد ننجح فى المراحل الأولى من المعركة ولكننا سوف نتحول فى النهاية إلى اتخاذ موقف دفاعى . ستبقى إسرائيل فى شرم الشيخ وفى معظم سيناء وستكون فى موقف أفضل من موقفها الحالى ، وقد يدفعها ذلك إلى أن تدعى حقوقها فى تلك الأراضى التى تكون مازالت فى قبضتها . يجب أن نضع فى حسابنا قدرة العدو على ضرب العمق عندنا وعند سوريا أكثر . لا يصح أن ندفع أنفسنا إلى وضع قد يضطرنا إلى أن نصرخ طالبين النجدة من الاتحاد السوفيتى مرة أخرى ونقول له (ولع ) . الرئيس (يغضب) : يا عبد القادر دى ثانى مرة أنت بتغلط فيها قدامى ، وأنا لا أسمح بهذا مش أنت الحريص على استقلال البلد دى . أنت اللى خدت القرارات ؟ الفريق عبد القادر : لا يا فندم . الرئيس : أنا لا أسمح بهذا أبدا . أنا مسئول عن استقلال البلد ، وأنا عارف أنا بعمل إيه ومحبش تتدخل فى شغل غيرك . دى ثانى مرة تغلط فيها . الثالثة هقولك روح . أنا عارف

أنا عملت إيه وأنا وقفت للاتحاد السوفيتى لأحاسبخ لغاية ما أكمل المعركة . إنما أنا مش 

محتاج إنك –تنبهنى لشغلى يا عبد القادر أبدا . لأنك فى المرة دى أنت غلت . الغلطة الأولانية كانت فى الطيارة وأنا يومها فكرت أشيلك . عيب ، الزم حدودك . الفريق عبد القادر : أنا أسف قوى . الرئيس : أنت شغلك عسكرى بس مش سياسى ، والدعم !عايز تنبهنى لواجبى، دعم إيه؟ بتتكلم عن إيه؟ الفريق عبد القادر: أنا آسف خلاص. هذا وقد سألت الفريق عبد القادر حسن أن يكشف لنا سر الغلطة الأولى التى حدثت منه فى الطائرة والتى أشار إليها الرئيس السادات فى أثناء مناقشته معه ، وماذا كان يقصد بعبارة أننا لا ينبغى أن ندفع أنفسنا إلى وضع قد يضطرنا إلى أن نصرخ طالبين العون من الإتحاد السوفييتى ونقول له (ولع). وقد أجاب الفريق عبد القادر أنه عندما عاد من الإتحاد السوفييتي فى 18 مارس 72 بعد أن رفض التوقيع على صفقة شراء الطائرات TU22 والدبابات T60 بسبب طلب السوفيت أن تسدد مصر ثمنها بالكامل وبالعملة الصعبة على خلاف الإتفاقيات السابقة ، تصادف أنه سافر مع الرئيس السادات إلى ليبيا ضمن وفد مصرى لتقديم العزاء إلى الرئيس الليبى معمر القذافى فى وفاة محمد المقريف عضو مجلس الثورة الليبى . وفىلا الطائرة إستدعى السادات الفريق عبدالقادر ، وعندما جلس إلى جانبه سأله عن نتائج محادثاته فى الإتحاد السوفيتى ، فشرح له موقف السوفييت الذى إضطره إلى عدم التوقيع على صفقة الأسلحة ، وعندئذ أخطروه بأن مطالبتهم مصر بتسديد ثمن صفقة السلاح بالعملة الصعبة إنما هو نتيجة لإتفاق تم بينهم وبين الرئيس السادات. وأوضح الفريق عبدالقادر أنه لم يكن يعلم أن الرئيس السادات قد إعتبر أن هذا الحديث الذى وجه إليه من الطائرة بحسن نيه هو غلطة منه إلا عندما ذكره الرئيس السادات بذلك أمام المؤتمر. ومن وجهة كلمة (ولع) التى وردت ضمن العبارة التى سجلت على لسانه فى المؤتمر ، فقد نفى الفريق عبدالقادر أن تكون قد صدرت منه، لأن الكلمة لا معنى لها ولا تتماشى مع سياق حديثه. ويبدو أن الذى سجل محضر المؤتمر كتب العبارة التى صدرت منه بخط رديء مما جعلها تقرأ خطأ وأن العبارة الصحيحة التى ذكرها فى المؤتمر هى أنه لا ينبغى أن ندفع أنفسنا إلى وضع قد يضطرنا إلى أن نصرخ طالبين العون من الإتحاد السوفييتى ونقول له عاوزين وحدات الدعم. ( وحدات الدعم هى أسراب الطائرات السوفيتية الميج21 بطياريها وبطاريات صواريخ سام3 بأطقمها التى وصلت إلى مصر أوائل عام 70 إستجابة لطلب عبدالناصر من الرئيس السوفيتى بريجينيف للتصدى لغارات العمق التى كانت تقوم بها الطائرات الإسرائيلية فى أثناء حرب الأستنزاف.وقد تم للسادات الإستغناء عنها فى القرار الذى أعلنه للسفير السوفيتى يوم 8 يوليو 72 بالإستغناء عن المستشارين والوحدات السوفيتية). وعلى الرغم من أن الفريق محمد صادق قد صرح بأنه خلال إجتماع المجلس الأعلى لم يتقدم برأى ولم يتكلم مطلقاً ، وترك القادة يتكلمون ليستمع الرئيس لهم بدون تدخل منه ، وعلى الرغم من أنه قال للرئيس فى نهاية الاجتماع : إنه القائد الأعلى للقوات المسلحة وإن الجميع ملتزمون بتنفيذ أى أمر يصدره وسينفذونه كجنود، وإن كل ما قيل فى الاجتماع هو مجرد عرض آراء ووجهات نظر، وإن القرار فى النهاية متروك للرئيس ، فإنه يتضح من مجريات الأحداث أن السادات كان عزمه قد استقر على تنحية الفريق صادق عن منصبه هو والقادة الثلاثة الذين استاء من طريقة مناقشتهم له خلال الاجتماع ، وهم: الفريق عبد القادر حسن واللواء على عبد الخبير واللواء محمود فهمى . وكان السادات يعتقد أنهم يشكلون حلفا ضده . وقد ذكر الفريق صادق أنه عقب الاجتماع دعاه السادات إلى تناول فنجان قهوة معه فى مكتبه ، فعاتبه صادق على انفعاله ضد القادة الذين تناقشوا معه وقال له : لماذا عقدت المجلس إذا لم تكن تريد أن تسمع آراء؟ وذكر صادق أن السادات طلب منه إحالة القادة الثلاثة الذين عارضوه فى الاجتماع إلى المعاش ، فعتذر لعدم اقتناعه بأنهم أخطئوا، وعرض استقالته على السادات فرفض وطلب منه السفر فى اليوم التالى إلى سوريا لحمل رسالة إلى الرئيس السورى حافظ الأسد. وقد أكد لى الفريق صادق أنه لم ينخدع بهذا الطلب الذى لم يكن إلا نوعا من تخدير الأعصاب لأنه كان على يقين من أن السادات قد قرر تنحيته ، وأن مسألة سفره إلى سوريا لم تكن إلا حيلة من السادات ليبعث الاطمئنان إلى نفسه وريثما يتم تعيين القائد العام الجديد خشية أن يفكر فى القيام بعمل ضده . ونظرا لأنه كان متأكدا من نوايا السادات نحوه ، فقد اعتذر عن السفر إلى سوريا ورجاه بأن يعهد بالرسالة إلى شخص آخر لأن لديه عملا مهما يحتاج إلى وجوده بالقاهرة . وكان ظن الفريق صادق فى محله ، فقد استدعى السادات يوم 25 أكتوبر اللواء أحمد إسماعيل مدير المخابرات العامة وقتئذ ، وطلب منه أن يأتى فى اليوم التالى لحلف اليمين القانونية كوزير الحربية . وفى اليوم نفسه أرسل السادات سكرتيره الخاص فوزى عبد الحافظ إلى الفريق محمد صادق بعد الظهر (قبل الافطار فقد كان الوقت فى شهر

رمضان المكرم ) ليبلغه أن استقالته ( التى لم تقدم ) قد قبلت . وأعطى أوامره إلى الفريق 

سعد الشاذلى رئيس الأركان بأن يتولى القيادة إلى أن يحلف اللواء أحمد إسماعيل اليمين . فإن السادات كما قال لم يكن فى إمكانه أن يترك أى فراغ فى القوات المسلحة مهما كان بسيطا ولو للحظات . هذا، وقد شرح السادات المبررات التى دعته إلى عزل الفريق محمد صادق من منصبه ضمن الصفحات من 245 إلى 249 من كتابه (البحث عن الذات ) وتتلخص فى أن السادات استدعى وزير الحربية فى صيف عام 72 فى الأسكندرية ، وابلغه أن يجمع المجلس الأعلى للقوات المسلحة ويخطره بأنه قرر أن تكون القوات المسلحة جاهزة للقتال ابتداء من يوم 15 نوفمبر 72 . وكان المفروض أن يقدم وزير الحربية تقريرآ له عن الخطة والهيكل العام لها ، وقد عاد الفريق صادق بعد يومين وقال له إنه جمع المجلس الأعلى للقوات المسلحة وأبلغهم رسالته ، وإن القوات المسلحة ستكون جاهزة ليس فى 15 نوفمبر 72 – كما طلب – وإنما ستكون جاهزة فى أول نوفمبر 72. وذكر السادات أنه قد ثبت له عند اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى منزله يوم 24 نوفمبر 72 أن وزير الحربية لم يبلغ بعض أعضاء المجلس برسالته ، مما أكد له شكوكه فى أنه لا يريد أن يحارب لأنه يخشى المعركة ، وأن هذا هو السبب الذى دعاه إلى تنحيته عن منصبه .

أهداف خطة المآذن العالية

لقد اتضح لنا من الدراسه التى أجريناها أن خطط العمليات التى سمعنا الكثير عن أسمائها الكودية منذ أن تولى الفريق أول محمد فوزى القيادة العامة للقوات المسلحة فى 11 يونيو 67 إلى حين نشوب حرب أكتوبر 73 ، كانت عبارة عن مشروعات تعبوية بدون جنود ، وكان الغرض منها هو تدريب أعضاء القيادة العامة للقوات المسلحة بأفرعها المختلفة وقيادات القوات الجوية والقوات البحرية وقوات الدفاع الجوى وقيادات الجيوش الميدانية على دور كل منهم فى الخطة الهجومية . ومن أبرز هذه المشروعات ذلك المشروع التعبوى الذى قام بإدارته الفريق أول محمد فوزى والذى أسماه (التدريب العملى الأخير لتطبيق خطة تحرير سيناء) وقد أستغرق تنفيذه 12 يوما متواصلة (من 14 إلى 25 مارس 71)، ولم يتم فى هذا المشروع تحرير سيناء فقط بل تم الاستيلاء كذلك على منطقتى العوجة وإيلات (داخل الحدود اللاسرائيلية ) . ولا يمكن بالطبع اعتبار أن هذا المشروع كان تدريبا على خطة حقيقية موضوعة ، إذ من أين لنا فى بداية عام 71 القوات والأسلحة والمعدات التى كانت تكفل تحقيق أهداف هذه الخطة ؟ ولقد سبق لنا فى كتابنا ( من سيناء إلى الجولان ) القيام بتحليل موضوعى لهذا المشروع ، أثبتنا فيه بالأدلة القاطعة أن الفريق أول فوزى قد استخدم خياله أكثر من اللازم ، سواء فى وضع هذا المشروع أو فى إدارته . هذا وقد أكد الفريق سعد الشاذلى رئيس الأركان السابق فى مذكراته ، أن أول خطة هجومية وضعت فى القوات المسلحة المصرية كانت خطة المآذن العالية ، وأن كل ما وضع قبل هذه الخطة لم يكن سوى مشروعات تعليمية تفترض وجود قوات وأسلحة ومعدات لا نملكها ، وتذكر فقط فى المشروعات لأغراض التدريب . وبالطبع يوجد فرق كبير بين مثل هذه المشروعات التعليمية وخطط العمليات التى توضع على أساس القوات والأسلحة الموجودة بالفعل ، والتى توضع فى خزانة هيئة العمليات الحربية بعد التوقيع عليها من رئيس الأركان ومن وزير الحربية ، وتكون جاهزة للتنفيذ بمجرد صدور القرار السياسى بذلك . وقد وصف الفريق سعد الشاذلى كيف أطلق على الخطة الهجومية الموضوعة اسم (المآذن العالية ) فقال : إنه بعد الانتهاء من تجهيز الوثائق الخاصة بهذه الخطة كان المفترض أن يطلق عليها اسما كوديا ، وعندما حضر إليه رئيس هيئة العمليات وقتئذ اللواء ممدوح تهامى يسأله عن الاسم المقترح سمعا صوت المؤذن يؤذن لصلاة العصر . وفى وسط هذا الجو الروحانى توصلا إلى إطلاق اسم (المآذن العالية ) على الخطة ، وكان الهدف النهائى لخطة المآذن العالية مقصوراً على عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف وإنشاء منطقة رءوس كبارى على عمق 10-12 كم شرق القناة . وقد دافع الفريق سعد الشاذلى عن اقتصار الخطة الهجومية على ذلك الهدف العسكرى المتواضع بقوله : ( لو كان لدى مصر الامكانات العسكرية التى تضمن لنا الاندفاع إلى المضايق واحتلالها فور عبور قناة السويس ولم نقم بتنفيذ ذلك ، فإننا نكون قد ارتكبنا خطأ عسكريا جسيما . ولكن السؤال الذى يطرح نفسه هو : هل كانت لدينا الإمكانات ؟ ويجيب الفريق سعد الشاذلى عن السؤال بقوله : إننا لم نكن نملك وقتئذ الإمكانات التى تتيح لنا الفرصة للاندفاع إلى المضايق للأسباب الآتية : 1 – ضعف قواتنا الجوية وعدم قدرتها على حماية قواتنا البرية فى أثناء تقدمها شرقا فى اتجاه منطقة المضايق . 2 – عدم توافر وحدات دفاع جوى صاروخى (سام 6) نستطيع مرافقة القوات البرية فى أثناء تقدمها نحو الشرق لصد الهجمات الجوية المعادية التى تهاجم قواتنا على الارتفاعات المتوسطة والعالية . 3 – عدم توافر العربات ذات الجنزير لدى القوات البرية بأعداد كافية تسمح لقواتنا بعدم التقيد بالطرق المرصوفة فى أثناء تحركها شرقاً . ≡ مزايا خطة المآذن العالية ≡ كانت خطة المآذن العالية ترمى إلى أن نفرض على إسرائيل أن تخوض حربا بأسلوب ليس من اختيارها بل من اختيارنا نحن ، وهو أسلوب لا يناسبها ولم تهيىء نفسها له عسكريا أو سياسيا او نفسيا . وكانت هذه الخطة تحقق المزايا التالية : 1 – إذا قام العدو بالهجوم على مواقعنا شرق القناة (بعد إنشائنا رءوس الكبارى ) فستكون لدينا الفرصة لأن نحدث خسائر فادحة فى قواته البرية التى تهاجمنا وفى قواته الجوية التى تساندها ، بعد أن نكون قد انتهينا من إعداد أنفسنا لهذا الهجوم المضاد المرتقب وانتظرناه بغاية كثيفة من الصواريخ المضادة للدبابات والصواريخ المضادة للطائرات لم تعرفها الحروب السابقة . وكان الفشل هو النتيجة المؤكدة لمثل هذا الهجوم . 2 – إذا اكتشف العدو أن هذه الهجمات المضادة تكلفة خسائر لا يستطيع أن يتحملها فى الرجال ، وأحجم عن الاستمرار فى هجماته ضد قواتنا ، فإن بقاء قواتنا شرق القناة بهذا الحجم الكبير سيكون مصدر تهديد وقلق دائمين له . لقد كان العدو فى جميع حروبه السابقة مع العرب يحسم المعركة فى وقت قصير مستخدماً فى ذلك أسلوب الحرب الخاطفة ( blitz krieg ) التى تعتمد على سرعة المناورة بالمدرعات والطائرات ، وبذلك لا يضطر إلى تعبئة قواته لمدة تزيد على بضعة أسابيع . وكانت خطة المآذن العالية ترمى إلى إطالة فترة الحرب . ولم يكن الاستيلاء على الأرض هو الأمر المستهدف ، بل كان المهم هو أن نفرض على العدو خيارين أحلاهما مر : فإنما القتال وتحمل الخسائر تحت ظروف ليست مناسبة له ، وإما العزوف عن القتال مع الاستمرار فى تعبئة قواته خوفا من الخطر الذى تسببه له قواتنا التى تتمركز شرق القناة. وحيث إن التعبئة العامة فى إسرائيل تعنى استدعاء 15% من تعداد الشعب اليهودى فإن إطالة مدة التعبئة هى السم الذى يضعف مقاومة إسرائيل يوما بعد يوم . إن الجندى الاسرائيلى الذى يستدعى فى التعبئة هو نفسه الطالب والأستاذ ، وهو نفسه الذى يقوم بجميع النشاطات الأخرى فى الدولة ، فكيف يمكن لهذه الدولة أن تعيش لو امتدت الحرب ستة أشهر فقط وهى بكامل تعبئتها ؟ 3 – كانت مصر شعبا وجيشا وقيادة فى حاجة إلى نصر يرفع معنوياتها ، ويثبت للأعداء والأصدقاء قدرتنا على الأداء فيخشانا الأعداء ويثق بنا الأصدقاء . وليس سرا أن كثيرا من الزعماء العرب كانوا يعتقدون أننا لسنا جادين فى عزمنا على القتال . ولذلك فإنهم كانوا يضنون بتقديم المساعدات العسكرية والمادية . وليس سراً أن الاتحاد السوفيتى كان هو الآخر لا يثق كثيرا بمزايا القيادة السياسية ، وكان يشك فى مقدرة قواتنا المسلحة على عبور قناة السويس ، وبالتالى فإنه كان يضن علينا بالأسلحة الهجومية التى تتطلبها حرب يكون هدفها هو تحرير سيناء بالكامل . وليس سرا أن إسرائيل كانت تعتقد أن الجيش المصرى لا يستطيع أن يعبر قناة السويس ، وأن موشى ديان قال ساخرا فى أحد لقاءاته مع القادة : (لكى يعبر المصريون قناة السويس ، فإنه يلزمهم سلاح المهندسين السوفيتين والأمريكى

مجتمعين لمساعدتهم فى ذلك ) .  

وعلاوة على ذلك ، كان الشعب المصرى قد مل الانتظار الطويل فى فترة اللا سلم

واللا حرب ، وكان بقاء الجنود فى الخنادق لمدة أربع سنوات متتالية قد قتل فيهم الروح 

الهجومية ، وأصبح الدفاع بالنسبة لهم وكأنه هو العقيده القتالية للقوات المسلحة المصرية . وكانت تعبئة الثقفين من خريجى الجامعات فى القوات المسلحة لمدة طويلة قد بدأت تثير الشكوى على المستوى العام وعلى المستوى الخاص . وكان لا بد من عمل شىء يغير كل هذه الأوضاع السيئة . وكانت خطة المآذن العالية هى الحل الوحيد للتغلب على كل هذه المشكلات دفعة واحدة .

عيوب خطة المآذن العالية

على الرغم من المزايا الكبيرة التى كانت خطة المآذن العالية تحققها ، فإن هذه الخطة لم

يكن فى مقدرتها تحقيق الأهداف التى تتطلع إليها مصر، سواء من الناحية السياسية أو 

العسكرية للأسباب الآتية : اولا - من الناحية السياسية : لم يكن تحقيق الخطة يكفل تحريك قضية الأراضى العربية التى احتلتها إسرائيل فى أثناء حرب يونيو 67 سياسيآ ، أو إثارتها على نطاق واسع على المستوى الدولى ، نظرا للعوامل الآتية : 1 – عدم حدوث أى تغيير مؤثر على الوضع الاستراتيجى فى المنطقة ، فإن تحرير شريط ضيق من الأرض طوله 160 كم عل امتداد القناة بعمق 12 كم شرقها لن يغير الوضع الاستراتيجى لسيناء التى سيبقى أكثر من 90% من أراضيها فى يد إسرائيل . 2 – ستبقى جميع المناطق التر بها آبار البترول على الشاطىء الشرقى لخليج السويس فى سيناء فى يد إسرائيل (مناطق أبورديس وأبو زنيمة وسدر) . 3 – ستبقى قناة السويس ، وهى أهم ورقة سياسية فى يد مصر وقتئذ ، مغلقة أمام الملاحة الدولية كما كان الوضع قبل تنفيذ الخطة . إذن سيظل من المستحيل على مصر إجراء أى تطهير بها لاعدادها للملاحة أو إعلان فتحها أمام الملاحة الدولية ما دامت القناة ستستمر واقعة فى مدى مدافع الميدان الإسرائيلية . 4 – سيظل التحكم فى الملاحة فى خليج العقبة كما هو عليه فى يد إسرائيل لاستمرار سيطرتها على شرم الشيخ ومضايق تيران . 5 – لن يلبث التأثير النفسى الكبير الذى سيحدث نتيجة عبور الجيش المصرى لقناة السويس وتحطيم خط بارليف أن يزول بالتدريج بمجرد أن يكتشف العالم أن كل هذا الانتصار المبدئى المذهل قد انتهى إلى مجرد إنشاء خط دفاعى على عمق 12 كم شرق القناة ، وأن الوضع العسكرى بخلاف ذلك لم تحدث به أى تغييرات أخرى جوهرية . ثانيا - من الناحية العسكرية : إن إنشاء مواقع دفاعية على امتداد حوالى 160 كم وعلى عمق 10 – 12 كم شرق القناة فى الصحراء المكشوفة بينما قوات العدو تتحكم فى هذه المواقع من الأراضى المرتفعة فى الشرق فيه أخطار عسكرية جسيمة ، نظرا للعواما اللأتية : 1 – إن لجوء قواتنا للدفاع بعد عملية هجومية ناجحة يتم خلالها اقتحام قناة السويس وتحطيم خط بارليف معناه تسليمنا ميزة المبادأة ( Initiative) للعدو طواعية واختيارا لكى يدبر بعد ذلك الخطط التى تكفل له تحقيق أهدافه الهجومية بقصد القضاء على قواتنا التى تمكنت من عبور قناة السويس . 2 – طبيعة أرض سيناء فى المنطقة ما بين قناة السويس ومنطقة المضايق ترتفع بالتدريج من الغرب إلى الشرق ، مما يعنى أن المواقع الدفاعية المصرية ستكون فى الأرض المنخفضة بينما تشرف عليها المواقع الاسرائيلية من جهه الشرق . 3 – إن إنشاء خط دفاعى فى الصحراء المكشوفة لا يستند هو وأجنابه على موانع طبيعية أو صناعية معناه تعرض هذا الخط الدفاعى إلى أحد احتمالين : إما الاختراق ( Penetration ) بتركيز العدو قوة متفوقة أمام أى جزء ضعيف من أجزائه ، وإما القيام بحركة التفاف ( Outflanking ) بغرض تطويقه من أحد الجانبين أو من كليهما (ncirclement E) . وقد

اتضح بعد الحرب وبعد معرفة الخطط الاسرائيلية التى كانت موضوعة أن العدو لم يكن على استعداد لاتباع الأسلوب الذى بنيت على أسا سه خطة المآذن العالية ، وكان سيحجم عن الهجوم على الخط الدفاعى المصرى عندما يكتشف أن هجماته المضادة على هذا الخط ستكلفه خسائر جسيمة مما سوف يرغمه على إبقاء قواته جامدة شرق مواقعنا الدفاعية مع استمراره فى عملية تعبئة قواته الاحتياطية التى تكلفه غالياً . ولا شك فى أنه من الخطأ الفادح وضع خطة حربية تبنى على أساس أن العدو سيتبع فى القتال أسلوبا خاطئا من الناحيتين الإستراتيجية والتكتيكية . فقد ثبت أن القيادة الإسرائيلية لم تكن على استعداد لترك القوات المصرية داخل منطقة رءوس الكبارى لتستدرج القوات الإسرائيلية للقيام بالهجمات المضادة بقصد استنزافها ، ولذا فقد كان تفكير هذه القيادة متجها إلى إحدى طريقتين : إما تطويق الجناح الأيمن للخط الدفاعى بعبور خليج السويس من الشمال ، والقيام بعملية إنزال برمائية بقوات كبيرة على الشاطىء الغربى للخليج بنفس الأسلوب الذى خططت به الغارة الإسرائيلية البرمائية السابقة على الزعفرانة فى سبتمبر 69، والتى انتهت بإصابة الرءيس الراحل عبد الناصر بنوبة قلبية حادة وإحالة اللواء أحمد إسماعيل رئيس الأركان وقتئذ إلى التقاعد . وكان سيتبع عملية الإنزال على الشاطىء الغربى للخليج تقدم القوات الإسرائيلية شمالا لاتمام تطويق القوات المصرية التى عبرت القناة ، واتخذت مواقعها الدفاعية على الشاطىء الشرقى لها وعزلها عن إتساقها وقواعدها الادارية غرب القناة . إما الخطة الثانية فكانت مبنية على أساس اختراق المواقع الدفاعية المصرية شرق القناة فى أضعف أجزائها وهى منطقة الوصلة بين الجيشين الثانى والثالث عند الدفرسوار شمال البحيرة المرة الكبرى ، ولم تكن خطة الاختراق التى نفذت بالفعل خلال حرب أكتوبر فى هذه المنطقة خاطرا فجائيا طرأ على تفكير القيادة الاسرائيلية فى أثناء احتدام القتال واشتداد المعارك ، بل كانت خطة مسبقة تم تدريب القيادات الإسرائيلية فى سيناء – على المستويات كافة – على القيام بها ، وتم إجراء مناورة تدريبية بالقوات عليها ، وذلك عندما كان الجنرال أريل شارون قائدا للمنطقة الجنوبية . وقد اتضح أنه كان لهذه الخطة اسم كودى هو ( القلب الشجاع ) وملف تفصيلى خاص بها كان محفوظاً بالقيادة الجنوبية . ووصل الأمر إلى حد أن شارون قد حدد على وجه الدقة المنطقة التى اختارها لعبور القناة شمال البحيرة المرة الكبرى ، ووضع فيها علامات لتمييزها وهى عبارة عن حجارة حمراء اللون ، كما تعمد تخفيف الساتر الترابى فى هذه المنطقة بجعله أقل سمكاً من باقى أجزائه الممتدة على طول الشاطىء الشرقى لقناة السويس. 4 – لا يمكن من الناحية التكتيكية أن تكون عملية إنشاء رءوس الكبارى هدفاً حربياً فى حد ذاته ، بحيث يمكن للقوات أن تتوقف بمجرد تحقيقه ، إذ إن الغرض من إنشاء منطقة رءوس الكبارى هو أن تكون قاعدة وطيدة fitm Base تنطلق منها القوات المدرعة والميكانيكية المخصصة لذلك للإندفاع إلى الهدف النهائى. ولعل خير مثال على ذلك ما قامت به جيوش الحلفاء فى الحرب العالمية الثانية ، فعلى أثر نجاحها فى إنشاء منطقة رءوس الكبارى على شاطىء نورماندى شمال غرب فرنسا فى 6 يونيو عام 44 اندفعت الجيوش البريطانية والأمريكية والكندية من منطقة رءوس الكبارى ، ولم تتوقف إلا بعد إجتياحها ألمانيا ، وانتهى الأمر بكسب الحلفاء الحرب واستسلام ألمانيا. ولو كانت قوات الحلفاء إكتفت بإنشاء منطقة رءوس الكباري فى نورماندى دون أن تتبع ذلك بالتقدم الفوري لإحتلال ألمانيا لاستطاع القائد الألمانى فون روندشتيد قذف قوات الحلفاء بسهولة إلى البحر. 5 – لم يثبت حربياً أو تاريخياً أن هناك خطاً دفاعيا غير قابل للإختراق أو التطويق مهما بلغت درجة تحصينه أو مناعته. والأمثلة على ذلك لا تحصى ، كخط ماجينو فى شرق فرنسا وخط سيجفريد فى غرب ألمانيا ، وخط بارليف على الشاطىء الشرقى لقناة السويس. وحتى جدار الأطلنطى الذى تفنن الألمان فى تحصينه وأنفقوا عليه بلايين الجنيهات لم ينجح فى صد قوات الحلفاء، ومنعهم من إنزال قواتهم فى نورماندى. 6 – إذا تأملنا الجولات العربية الإسرائيلية السابقة ، وراجعنا العمليات الحربية

التى وقعت خلال حربى 56 و 67 على الجبهة المصرية ، فسوف نجد أن

جميع الخطوط الدفاعية المصرية فى شمال سيناء التى أقيمت وبذلت

الجهود الكبيرة وأنفقت الأموال الطائلة لتحصينها وزيادة مناعتها : إما أنها

اخترقت وإما أنه تم تطويقها بواسطة القوات الإسرائيلية وأجبرت القوات التى كانت تدافع عنها على الإنسحاب. وأكبر مثال على ذلك المواقع الدفاعية عند جرادة على طريق العريش رفح ، وموقع بيرلحفن جنوب شرق العريش ومواقع ( أبو عجيلة ) وأم قطف. 7 – أثبتت الدروس المستفادة من معارك حرب الصحراء الغربية التى دارت بين القوات البريطانية والقوات الألمانية والإيطالية عام 1942 أن الخطوط الدفاعية التى تقام فى الصحراء دون استنادها على موانع طبيعية خاصة فى الأجناب ، يمكن تطويقها بسهولة عن طريق حركات الإلتفاف. وأكبر مثال على ذلك الخط الدفاعى البريطانى فى ليبيا الذى كان يمتد من الغزالة على البحر المتوسط شمالاً إلى بيرحكيم جنوباً ؛ فقد استطاع ثعلب الصحراء الفيلد مارشال روميل القيام بحركة إلتفاف واسعة النطاق من الجنوب حول هذا الخط بقوات البانزر الألمانية المدرعة وتطويقه ، مما أجبر القائد البريطانى الجينيرال ريتشى على التخلى عن هذا الخط الدفاعى ، والإنسحاب بقوات الجيش الثامن البريطانى – بعد أن دبت فيه الفوضى والإنهيار – فى إتجاه الحدود المصؤية ، بعد أن تكبد خسائر فادحة فى الدبابات.

وعلى العكس عندما أقام الجيش الثامن البريطانى خطاً دفاعيا على عجل عند العلمين مستنداً بجنبه الأيمن على البحر المتوسط وبجنبه الأيسر على منخفض القطارة ، فشل روميل فى اختراق الخط الدفاعى أو القيام بحركة إلتفاف حول أحد جنبيه نظراً لإرتكاز الجنبين على مانعين طبيعيين .


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كيف وضعت الخطة جرانيت 2 المعدلة ( بدر ) ؟

عقب تعيين الفريق أحمد إسماعيل وزيراً للحربية وقائداً عاماً للقوات المسلحة فى 26 أكتوبر 1972 ، عرض عليه الفريق سعد الشاذلى رئيس الأركان الخطة الهجومية لمناقشتها معه. وكان الفريق أحمد إسماعيل قد سبق له تقديم تقرير عن الموقف العسكري تضمن وجهة نظره عندما كان مديراً للمخابرات العامة ، وذلك فى النصف الأول من عام 72. وفى هذا التقرير ذكر أن مصر ليست على استعداد للقيام بحرب هجومية ، وحذر من أنه لو قامت مصر بشن الحرب تحت هذه الظروف فإن ذلك يقود إلى كارثة. وقد عرض هذا التقرير فى الاجتماع المصغر الذى تم يوم 6 يونيو 72 فى استراحة الرئيس بالقناطر الخيرية ، والذى حضرته الدائرة الصغرى من أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة . وقد عرض فيه اللواء عبد الغنى الجمسى رئيس هيئة العمليات خلال هذا الاجتماع تقريراً شاملاً عن موقف القوات المسلحة . وعندما عرض الفريق سعد الشاذلى رئيس الأركان على الفريق أحمد إسماعيل القائد العام الجديد الخطة (جرانيت 2) التى كانت تستهدف الوصول إلى المضايق ، وخطة المآذن العالية التى كانت تستهدف مجرد إنشاء منطقة روءس الكبارى على عمق 10- 12 كم شرق القناة ، اقتنع الفريق أحمد إسماعيل بعدم قدرة القوات المسلحة المصرية على تنفيذ الخطة جرانيت 2 ، واستقر رأيه على أنه ينبغى التركيز على خطة المآذن العالية ، وتحدد ربيع عام 73 كميعاد محتمل للهجوم . وفى 10 يناير 73 صدر قرار من مجلس اتحاد الجمهوريات العربية بتعيين الفريق أحمد إسماعيل قائداً عاماً للقوات الاتحادية . وفور صدور تعيينه وتعيين اللواء بهى الدين نوفل رئيسا لهيئة عمليات القيادة الاتحادية . بدأت هذه القيادة تمارس عملها فى التحطيط لعملية هجومية على الجبهتين المصرية والسورية فى توقيت واحد ، ووضع أسس التعاون الوثيق بينهما فى المراحل المختلفة للمعركة ، وأفضل السبل لاستخدام القوات المسلحة فى الدولتين فى عملية واحدة منسقة ، وربط الجبهتين المصرية والسورية بوسائل وثيقة ومستمرة .

ونتيجة لدراسة الوضع الإستراتيجى على الجبهتين المصرية والسورية ، حدث تبدل كبير فى تفكير الفريق أحمد إسماعيل بالنسبة للخطة المصرية (المآذن العالية ) . فقد وجد أنه من الضرورى تعديل هذه الخطة لكى تشمل الاستيلاء على خط المضايق الإستراتيجية فى سيناء (45-55 كم شرق قناة السويس ) . إن ظروف الجبهة السورية من الناحيتين الجغرافية والإستراتيجية كانت تفرض أن يكون غرض الهجوم السورى هو تحرير هضبة الجولان بأكملها ، ووصول القوات السورية إلى الخط : نهر الأردن – الشاطىء الشرقى لبحيرة طبرية ، وذلك نظراً لأن عمق هضبة الجولان فى أوسع أجزائها لا يزيد على 25 كم مع خلوها من أى موانع طبيعية ، مما يجعل أرض المعركة فى هذه الجبهة مع إسرائيل متصلة . وبالتالى يصبح من الصعب توقف القوات السورية إلا عند الوصول إلى الغرض النهائى بسبب الطبيعة الجغرافية للهضبة السورية . وكان نجاح الهجوم السورى فى اجتياح مرتفعات الجولان معناه وصول المدرعات السورية إلى نهر الأردن الذى لا يفصله عن كبرى الموانى الإسرائيلية فى الشمال ، وهما عكا وحيفا ، سوى مسافة 50 كم ، يمكن للمدرعات قطعها فى بضع ساعات ، كما يعنى وقوع شمال إسرائيل المكتظ بالسكان والذى يضم كثيراً من القرى والمدن والأهداف الإستراتيجية المهمة ، مثل مطار رامات دافيد والمطلة وصفد وطبرية ومشروع تحويل نهر الأردن ومشروع روتنبرج الهيدو – كهربائى – تحت رحمة المدفعية السورية والصواريخ بعيدة المدى . ونظراً لأن الوضع الإستراتيجى على الجبهة المصرية لم يكن يشكل بالنسبة لإسرائيل خطورة عاجلة على المركز ذات الكثافة السكانية فى الجنوب ، بسبب وجود حاجز طبيعى متسع وهو صحراء سيناء ( حوالى 225 كم ) ، فقد كان من المنتظر بمجرد بدء الحرب على الجبهتين المصرية والسورية فى توقيت واحد أن تركز إسرائيل المجهود الرئيسى لقواتها على الجبهة السورية ، مما كان يعنى إتاحة الفرصة أمام القوات المصرية لتطوير الهجوم شرقاً والوصول إلى خط المضايق من جهة . ومن جهة أخرى لم يكن فى الإمكان إقناع القيادة السورية بالخطة المصرية عند القيام بعملية تنظيم التعاون بين الجيشين المصرى والسورى قبل المعركة، فبينما تستهدف الخطة السورية الوصول إلى الخط نهر الأردن – الشاطىء الشرقى لبحيرة طبرية الذى يقع على عمق حوالى 25 كم من خط بدء الهجوم ، فإن الغرض النهائى للخطة المصرية كان ذلك الهدف المتواضع ؛ أى مجرد إنشاء منطقة روءس الكبارى على عمق 10- 12 كم شرق قناة السويس . وكان المنتظر أن يثير ذلك الوضع اعتراض القيادة السورية ، إذ إن تركيز المجهود الرئيسى لإسرائيل ضد الجبهة السورية كما كان منتظراً دون أن يقابله قيام القوات المصرية بضغط مركز على القوات الإسرائيلية التى تواجهها كان يعنى إتاحة الفرصة للقيادة الإسرائيلية لكى تقوم بعملية تثبيت للقوات المصرية فى الجنوب بينما تلقى بكل ثقلها ضد القوات السورية المتقدمة فى مرتفعات الجولان فى الشمال . ورغم الاعتراضات التى تقدم بها الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس الأركان للقائد العام الفريق أحمد إسماعيل حتى لا تجرى أى تعديلات فى خطة المآذن العالية نظراً لأن إمكانات وقدرات القوات المسلحة المصرية لم تتغير عما كانت عليه منذ وضع هذه الخطة ، فإن الوضع الإستراتيجى على الجبهتين أدى إلى تصميم الفريق أحمد إسماعيل على ضرورة تعديل الخطة المصرية لتتلاءم مع الخطة السورية .

وبناء على ذلك ، أخذت هيئة العمليات الحربية المصرية التى كان يرأسها وقتئذ اللواء محمد عبد الغنى الجمسى فى تجهيز خطة عمليات أخرى خلاف خطة المآذن العالية تشمل تطوير الهجوم شرقاً بعد العبور للوصول إلى خط المضايق . ونظراً لأن الخطة الجديدة كانت بالضبط هى الخطة جرانيت 2 مع إدخال بعض التعديلات عليها ، لذلك سميت هذه الخطة باسم (جرانيت 2 المعدلة ) ولكن تم تغيير اسمها بعد ذلك فى شهر سبتمبر 73 أى قبل شن الهجوم بشهر ليكون ( الخطة بدر ) . وتبعاً لذلك أصبح يطلق على خطة العبور وإنشاء رءوس الكبارى اسم ( المرحلة الأولى ) ، بينما أطلق على خطة التطوير شرقاً للوصوا إلى المضايق اسم ( المرحلة الثانية ) . ولإيجاد فاصل بين المرحلتين كان يقال عند الانتقال من ذكر المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية عبارة ( وبعد وقفة تعبوية ) يتم القيام بتطوير الهجوم شرقاً .

وفى 7 يونيو 73 جرت فى القيادة العامة بمدينة نصر عملية تنظيم التعاون للخطة 

الهجومية المشتركة بين القوات المصرية والسورية التى حضرها الفريق أحمد إسماعيل قائد القيادة الاتحادية والفريق سعد الشاذلى رئيس الأركان واللواء بهى الدين نوفل رئيس عمليات القيادة الاتحادية وعدد من القادة المصريين والسوريين ، حيث تم تحديد أهداف الخطة على الجبهتيين ، وكان الهدف هو وصول القوات السورية إلى الخط نهر الأردن – الشاطىء الشرقى لبحيرة طبرية ، ووصول القوات المصرية إلى خط المضايق الإستراتيجية شرق قناة السويس . وقد قام قائد الجيش الثانى اللواء سعد مأمون وقائد الجيش الثالث اللواء عبد المنعم واصل بعد ذلك بتخصيص المهام لقادة الفرق المشاة الخمس التى تقرر قيامها بعبور قناة السويس كنسق أول للجيشين وفقاً للخطة ، وهما الفرقتان 19 و 7 التابعتان للجيش الثالث ، والفرق 16 و 2 و 18 التابعة للجيش الثانى . كذلك خصص القائدان المهام لقائدى الفرقتين 4 و 21 المدرعتين والأولوية المشاة الميكانيكية المعاونة للفرقتين التى تقرر أن تكون فى النسق الثانى للجيشين ، على أن يدفع بها من خلال روءس الكبارى للاندفاع شرقاً إلى المضايق . وقد قام قادة الفرق المشاة بالنسق الأول وقادة الفرق المدرعة وفرق المشاة الميكانيكية بالنسق الثانى جميعاً بأعمال الاستطلاع الخاصة بعملية العبولر وتنفيذ المرحلة الأولى ، وكذا الخاصة بعملية تطوير الهجوم شرقاً والوصول إلى المضايق وإتمام المرحلة الثانية ، ووضعوا خططهم وتم إجراء عملية تنظيم التعاون داخل كل جيش . والأمر الوحيد الجدير بالملاحظة هو أن المرحلة الأولى من الخطة كانت تناقش خلال عملية تنظيم التعاون على كل المستويات بكل تفصيلاتها الدقيقة ، بينما كان يتم المرور على المرحلة الثانية مروراً سريعاً . وقد برر الفريق سعد الشاذلى رئيس الأركان هذه الظاهرة فى مذكراته بأنه هو شحصياً لم يكن يتوقع مطلقاً أن يطلب من القوات المصرية تنفيذ المرحلة الثانية ، وأن هذا كان هو نفس شعور قائدى الجيشين الثانى والثالث .

التوجيه السياسى والعسكرى لحرب أكتوبر

شهد الإعداد لحرب أكتوبر 73 تغييراً كبيراً فى المفهوم الإستراتيجى لدى القيادة السياسية للدولة ؛ إذ لم يحدث فى جميع الجولات العربية اللإسرائيلية السابقة وضع إستراتيجية شاملة لمصر لتحقيق التنسيق والتوازن بين الهدف السياسى للدولة وقدراتها العسكرية .

وكانت القوات المسلحة المصرية فى الجولات السابقة تصدر لها الأوامر للاحتشاد فى سيناء دون أن يحدد لها الهدف العسكرى المطلوب تحقيقه ،ولذا فعندما كان القتال ينشب فى الماضى كانت تصرفات القيادة العسكرية بعيدة تماماً عن تصرفات القيادة السياسية خاصة كما جرى فى حرب يونيو عام 67 التى كانت فيها القوات المسلحة ضحية من ضحاياها ، ولم تكن أبداً هى السبب فيما حاق بالبلاد من هزيمة منكرة . ولكن قبل حرب أكتوبر 73 تم وضع إستراتيجية شاملة للدولة بهدف إعدادها للحرب ، قامت فيها القوات المسلحة بالدور الرئيسى بمعاونة ومؤازرة جميع القوى الأخرى السياسية والاقتصادية والإعلامية بالدولة . وفى أول أكتوبر 73 أرسل الرئيس السادات بصفته رئيساً للجمهورية توجيها سياسياً وعسكريا إلى الفريق أول أحمد إسماعيل وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة كان يتكون من أربع فقرات رئيسية وهى : اولا – عن الوضع العام . ثانيا – عن إستراتيجية العدو. ثالثا – عن إستراتيجية مصر فى هذه المرحلة . رابعا – عن التوقيت . وسوف نتناول فى دراستنا هذه كل فقرة من هذه الفقرات على حدة بالتحليل والشرح فيما عدا الفقرة الأولى التى سنكتفى بعمل تلخيص عام لها باعتبارها فقرة شبه تاريخية وليس لها علاقة بالتخطيط الإستراتيجى للحرب . ●عن الوضع العام .. ركز الرئيس الراحل السادات فى شرحه لهذه الفقرة على عدة نقاط كانت أولاها خاصة بالمحاولات التى تبذلها إسرائيل بتأييد من أمريكا لفرض إرادتها علينا وعلى إنهاء أزمة الشرق الأوسط على نحو يحقق لها سيطرة شبه مطلقة فى المنطقة العربية ، وسجل السادات أن مصر حاولت بكل الوسائل أن تجد حلا للأزمة ، بداية بقبول قرار مجلس الأمن رقم 242 الصادر فى 22 نوفمبر 67 وانتهاء بالمبادرة التى تقدمت بها مباشرة لحل يكون فيه فتح قناة السويس تمهيداً لمراحل انسحاب شامل تطبيقاً لقرار مجلس الأمن ( المقصود هو مبادرة السادات للسلام التى أعلنها فى 4 فبراير 71 فى خطاب له أمام مجلس الشعب ) ، ولكن كل هذه الجهود إما فشلت وإما حاول أعداؤنا الخروج بها عن مقاصدها . وذكر أن مصر قامت بعمليات عسكرية ذات طابع محدود (يقصد حرب الاستنزاف ) فى سنوات 68 و 69 و 70 ، كما قدمت دعما كبيرا لقوات المقاومة الفلسطينية لمباشرة العمليات الفدائية ، ولكن هذه العمليات كلها رغم ما حققته من نتائج لم تصل فى ضغطها على العدو إلى الحد اللازم . وسجل السادات كذلك ما تحمله شعب مصر من أعباء مادية ومعنوية فادحة كانت أكثر مما كان يتصور خصومه وأصدقاؤه على السواء إيماناً منه بحريته . وبالنسبة للموقف العربى ذكر السادات أن تحسينات مهمة قد طرات عليه مما أثر بشكل واضح فى أوضاع تسليحنا، فإلى جانب ما نحصل عليه من

الاتحاد السوفيتى والكتلة الشرقية ،  فقد أتيحت لنا من مصادر أخرى أنواع من 

السلاح لم تكن متوافرة لنا . وأنهى السادات شرحه للوضع العام بتركيزه على أن العدو أصبح فى شبع عزلة بعد الجهود المصرية الناجحة فى المجالات الدولية .

الإستراتيجية الإسرائيلية

ذكر الرئيس الراحا السادات ضمن توجيهه عن هذه الفقرة ما يلى : ( إن العدو الإسلرائيلى – كما نرى – انتهج لنفسه سياسة تقوم على التخويف والادعاء بتفوق لا يستطيع العرب .. وهذا هو أساس نظرية الأمن الإسرائيلى التى تقوم على الردع النفسى ةالسياسى والعسكرى . إن نقطة الأساس فى نظرية الأمن الإسرائيلى هى الوصول إلى إقناع مصر مالأمة العربية بأنه لا فائدة من تحدى إسرائيل ، وبالتالى فليس هناك مفر من الإذعان لشروطها حتى وإن تضمنت هذه الشروط تنازلات عن السيادة الوطنية. انتهى توجيه السادات .

لقد كانت نظرية الأمن الإسرائيلى حتى ما قبل حرب يونيو 67 مبنية على أساس القدرة على توجيه ضربة إجهاض حاسمة ، ونقل الحرب إلى الأراضى العربية بسبب الوضع الجغرافى السيىء لإسرائيل نظراً لطول حدودها المشتركة مع دول المواجهة العربية ، فى الوقت الذى لم يكن فيه عرضها فى منطقة طولكرم وقلقيلية فى الضفة الغربية للأردن يزيد على 15 كم . ونتيجة للإنتصار الإسرائيلى الساحق فى حرب يونيو 67 ، وبعد أن أصبحت الخطوط التى تقف عليها قواتها تمر فوق موانع طبيعية منيعة تمثلها الهضبة السورية وأخدود نهر الأردن شرقا خليجا العقبة والسويس جنوبا ً والبحر المتوسط وقناة السويس غرباً ، تغيرت نظرية الأمن الإسرائيلية ، إذ إن أى حرب قادمة سوف تجرى بعيدا عن المناطق ذات الكثافة السكانية فى إسرائيل ، وبذلك يتوفر للجيش مهلة من الوقت ومجال للمناورة لمجابهة أى هجوم عربى دون أن تصاب الجبهة الداخلية بأضرار . ووفقا لنظرية الأمن الجديدة ركز الفكر الإستراتيجى على ضرورة الاحتفاظ بالأراضى العربية المحتلة فى حرب يونيو 67 باعتبار أنها الحدود الآمنة لإسرائيل ، وأصبحت الإستراتيجية الإسرائيلية الجديدة ترتكز على الأسس التالية : اولا - القدرة على الردع : بأن تكون إسرائيل أقوى دولة فى منطقة الشرق الأوسط ، وأن تكون قوتها توازى قوى الدول العربية مجتمعة . وتقوم القدرة على الردع على العناصر الآتية : 1 – السبق فى توجيه ضربة الإجهاض . إن السبق فى توجيه هذه الضربة معناه إحباط أى تحضيرات عربية للهجوم والاعتماد فى ذلك على قوات جوية متفوقة من أحدث وأقوى الطائرات وأبعدها مدى لتكون

أداة الردع الرئيسية وذراعها الطويلة للوصول إلى أعماق الدول  

العربية ، مع الاعتماد فى الهجوم البرى على جيش عصرى خفيف الحركة مجهز بقوات مدرعة كافية وعلى درجة عالية من الكفاءة القتالية لإمكان تدمير أى جيش عربى بصورة خاطفة وسريعة وتدمير أى هجوم عربى فى ساعات قليلة ، كما جرى فى حربى 1956 و 1967 . 2 – ضرورة الاحتفاظ بالأراضى العربية المحتلة . إذ إن الخطوط الدفاعية الإسرائيلية المرتكزة على قناة السويس ونهر الأردن ومرتفعات الجولان هى أنسب وأقوى أنواع الدفاعات بالنسبة لإسرائيل ، فهى ترتكز على موانع مائية (قناة السويس ونهر الأردن ) وعلى حاجز جبلى كبير (مرتفعات الجولان ) ، مما يسهل مهمة القوات الإسرائيلية فى الدفاع ويجعل مهمة القوات العربية المهاجمة شاقة ومعقدة ، وعلاوة على ذلك تحقق هذه الحدود الآمنة لإسرائيل أحد مبادىء الحرب الرئيسية وهو مبدأ( الاقتصاد فى القوة ) إذ تحتاج إلى قوات قليلة للدفاع والمراقبة ووقف الهجوم العربى لأطول مدة ممكنة ريثما تتم تعبئة الاحتياطى وتحريك التشكيلات المقاتلة من العمق إلى المواقع المحددة لها فى الخطة . ثانيا - ضرورة الاحتفاظ بميزة المبادأة Initiative فى جميع الظروف والأحوال ،

إذ إن المبادأة وفقا لنظريات الحرب هى الوسيلة الأساسية للحصول على 

المفاجأة التى تعد وفقا لتعريف مشاهير القادة وفلاسفة الحرب أهم مبادىء الحرب وأعظمها أثرا فى إحراز النصر . ثالثا - وجود جهاز مخابرات قدير لجمع المعلومات وفرزها وتحليلها بسرعة فائقة ودقة متناهية لاكتشاف أى نوايا هجومية ضد إسرائيل قبل وقوعها بوقت كاف ، مما يسمح للقوات بالاستعداد للقتال واحتلال المواقع المحددة لها فى الخطة ، وفى الوقت نفسه لتنفيذ عملية التعبئة الشاملة أو الجزئية للقوات الاحتياطية . رابعا - ضمان مؤازرة قوة عظمى كحليف موثوق بنجدته فى كل وقت ،وقد تجلى ذلك باعتماد إسرائيل على بريطانيا وفرنسا فى أثناء العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 ، فلم تجرؤ إسرائيل على بدء العمليات الحربية ضد مصر فى 29 أكتوبر إلا بعد التأكد من أن بريطانيا وفرنسا ستشتركان معها فى الحرب ، كما حصلت على تأمين مضمون لحماية جوية فرنسية فوق المدن الرئيسية وميدان القتال بسيناء رغم أن الجيش المصرى لم يكن قد استوعب بعد صفقة الأسلحة التشيكيةالتى حصل عليها فى أواخر عام 195 استيعابا كاملا . وقد نقلت إسرائيل عقب حرب السويس عام 1956 اعتمادها من بريطانيا وفرنسا وألقت بالمسئولية بأكملها على عاتق الولايات المتحدة التى تولت منذ ذلك الحين إمدادها بأحدث الأسلحةوالمعدات المتطورة والتكنولوجيا الحديثة وبالمعونات المالية السخية وبتأييدها الدائم فى المحافل الدولية رغم كل ما ترتكبه من اعتداءات ، وتسخير الفيتو الأمريكى لمنع مجلس الأمن من إصدار أى قرارات بإدانتها .

الإستراتيجية المصرية

ذكر الرئيس الراحل السادات ضمن توجيهه عن هذه الفقرة ما يلى : (إن الهدف الإستراتيجى الذى أتحمل المسئولية السياسية فى إعطائه للقوات المسلحة المصرية ، وعلى أساس كل ما سمعت وعرفت من أوضاع الاستعداد يتلخص فيما يلى  : تحدى نظرية الأمن الإسرائيلى ، وذلك عن طريق عمل عسكرى حسب إمكانات القوات المسلحة يكون هدفه إلحاق أكبر قدر من الخسائر بالعدو وإقناعه بأن مواصلة احتلاله لأراضينا يفرض عليه ثمنا لا يستطيع دفعه ، وبالتالى فإن نظريته فى الأمن – على أساس التخويف النفسى والسياسى و العسكرى – ليست درعا من الفولاز تحميه الآن أو فى المستقبل . وإذا استطعنا بنجاح أن نتحدى نظرية الأمن الإسرائيلى فإن ذلك سوف يؤدى إلى نتائج محققة فى المدى القريب وفى المدى البعيد . فى المدى القريب : فإن تحدى نظرية الأمن الإسرائيلى يمكن أن يصل بنا إلى نتائج محققة تجعل فى الإمكان أن نصل إلى حل مشرف لأزمة الشرق الأوسط . وفى المدى البعيد : فإن تحدى نظرية الأمن الإسرائيلى يمكن أن يحدث متغيرات تؤدى بالتراكم إلى تغيير أساسى فى فكر العدو ونفسيتة ونزعاته العدوانية . انتهى توجيه السادات . لقد بنيت الإستراتيجية المصرية لحرب أكتوبر على أساس مصرى خالص غير مستورد من الشرق أو من الغرب ، وكان الاعتماد فى ذلك يقوم على متابعة واستخدام التقدم العلمى والتكنولوجىفى المجال العسكرى ، وعلى الدروس المستفادة والمستمدة من التجارب المريرة التى شهدتها القوات المسلحة خلال حربى 1956و 1967، وكانت الإستراتيجية المصرية ترتكز على الأسس التالية : أولا - تفويض نظرية الأمن الإسرائيلى: لكى تقوم مصر بتحدى نظرية الأمن الإسرائيلية من الناحية الواقعية ، من الضرورى أن تحصل على ميزةالمبادأة التى كانت تعنى تحديا عمليا لأسلوب الردع المعنوى ، كما كان أمرا جوهريا القيام بهجوم شامل على طول مواجهة القناةوليس على مجرد قطاعات معينة منها حتى يمكن تقويض أسلوب الردع المادى . وكان التخطيط لاقتحام قناة السويس وتدمير خط بارليف بحصونة المنيعة يعنى فى حالةنجاجه أن نظرية الاستناد إلى موانع طبيعية باعتبارها حدودا آمنة ليست سوى وهم كاذب وسراب خداع . ثانيا – خطة الخداع الإستراتيجى : حققت هذه الخطة التى رسمتها ونفذتها القيادة العامة المصرية بالتعاون مع أجهزة الدولة العليا نجاحا كاملا . وقد تم تنسيق الخطط المصرية والسورية الخاصة بالسريةوالأمن والخداع على المستويين الإستراتيجى والسياسى ، ونجحت القيادتان بالفعل بالتعاون مع بعض الأجهزة المدنية كوزارتى الخارجية والإعلام فى المحافظة على سر الهجوم وفى اتباع الأساليب التى تمكننا بها من خداع المخابرات الإسرائيلية والأمريكية اللتين تعدان بلا شك من أبرع أجهزة المخابرات فى العالم ومن أشدها دهاء وحذرا . ثالثاً - إرغام الجيش الإسرائيلى على القتال على جبهتين أساسيتين فى وقت واحد ( الجبهة المصرية والجبهة السورية ) اللتين يفصل بينهما حوالى 500 كم لتشتيت جهوده وبعثرة قواته بين الجبهتين ، ولمنع إسرائيل من ممارسة خطتها التقليدية بتثبيت إحدى الجبهات وتركيز مجهودها الرئيسى ضد الجبهة الأخرى ، وعندما يتم القضاء عليها ينتقل المجهود الرئيسى إلى الجبهة التى تم تثبيتها للقضاء عليها هى الأخرى ، وهو الأسلوب الذى اتبعته بنجاح خلال حرب يونيو 1967 . رابعا - إغلاق مضيق باب المندب : بعد حرب يونيو 1967، أخذت إسرائيل تعلن على الملأ عن عزمها على البقاء فى شرم الشيخ لإبقاء السيطرة على مدخل خليج العقبة ليبقى الطريق من ميناء إيلات إلى إفريقيا وآسيا وبالعكس مفتوحا أمام سفنها التجارية. وقد استهدفت الإستراتيجية المصرية قطع ذلك الشريان الحيوى لإسرائيل وإثبات أن شرم الشيخ ليست مفتاحا لإيلات ، فقد نزل المفتاح إلى أقصى الجنوب بناء على إستراتيجية عربية للبحر الأحمر تم بمقتضاها إغلاق مضيق باب المندب فى وجه السفن الإسرائيلية قبل نشوب الحرب مباشرة . خامساً – إبطال وتحييد عناصر القوة فى الجيش الإسرائيلى وفقا للأساليب التالية : 1 – حرمان العدو من مزايا توجيه الضربة الأولى ، وأن يبدأ الجيشان المصرى والسورى بتوجيه الضربة الأولى فى توقيت واحد للاستفادة بمزاياها . 2 – شل فعالية القوات الجوية الإسرائيلية المتفوقة وإضعاف قوتها من طريق شبكة دفاع جوى متكاملة كانت تعد من أقوى الشبكات الدفاعية فى العالم ، وذلك بالتعاون مع القوات الجوية . 3 – شل فعالية القوات المدرعة الإسرائيلية التى تركز اهتمام إسرائيل بها عقب نجاحها الساحق فى حربى 1956و 1967 ، والحد من تأثيرها عن طريق تزويد المشاة التى تعبر قناة السويس بأكبر عدد من الأسلحة والصواريخ المضادة للدبابات ، تعاونها قوة نيران كثيفة من المدفعية فى المراحل الأولى الحرجة ، على أن يكون القتال معارك أسلحة مشتركة طوال مدة الحرب . ملاحظة : نتيجة لهبوط فعالية القوات الجوية الإسرائيلية بسبب شبكة الصواريخ سام ، غرب قناة السويس وضعف فعالية القوات المدرعة الإسرائيلية بسبب تزويد المشاة المصرية بأعداد وفيرة من الأسلحة والصواريخ المضادة للدبابات ، عجزت إسرائيل عن اتباع أساليب الحرب الخاطفة BlitzKrieg التى كانت تتبعها فى كل حروبها السابقة ، إذ إن الطيران والمدرعات هما السلاحان الرئيسيان فى الحرب الخاطفة التى اعتادت إسرائيل أن تشنها . 4 – عرقلة وصول القوات الاحتياطية الإسرائيلية من العمق . نظراً لأن نظام تعبئة الاحتياطى الإسرائيلى يعد من أفضل النظم الموجودة فى العالم ، ويحقق أحسن المزايا ويتيح الفرصة لتجنيد ثلاثمائة ألف مقاتل وقت الحرب لدفعهم إلى ميدان القتال ، لذلك استهدفت الإستراتيجية المصرية التدخل فى عملية وصول القوات الاحتياطية إلى جبهة سيناء عن طريق التخطيط لإنزال وحدات كاملة من رجال الصاعقة بواسطة طائرات الهيليكوبتر فى عمق سيناء ، وإنزال وحدات صاعقة أخرى عن طريق العريش – رمانة . وكان الغرض من ذلك هو بث الذعر على خطوط مواصلات العدو وتشتيت جهوده وعرقلة وصول احتياطياته إلى ساحة المعركة . التوقيت ذكر الرئيس الراحل السادات ضمن توجيهه عن هذه الفقرة ما يلى : ( إن الوقت من الآن ومن وجهة نظر سياسية ملائم كل الملاءمة لمثل هذا العمل الذى أشرت إليه فى ثالثا من هذا التوجيه ( يقصد إستراتيجية مصر فى هذه المرحلة ) . إن أوضاع الجبهة الداخلية وأوضاع الجبهة العربية العامة بما فى ذلك التنسيق الدقيق مع الجبهة الشمالية ( الجبهة السورية ) وأوضاع المسرح الدولى تعطينا من الآن فرصة مناسبة للبدء . ومع العزلة الدولية للعدو .. ومع الجو الذى يسود عنده بنزعات الانتخابات الحزبية وصراعات الشخصيات – فإن احتمالات الفرصة المناسبة تصبح أحسن أمامنا ) . انتهى توجيه السادات . لقد كانت الأحوال السياسية فى الساحة الدولية بالفعل تسير فى غير صالح إسرائيل ، إذ كانت تعانى وقتئذ من مرارة العزلة السياسيةنتيجة لتحديها المستمر للمجتمع الدولى ولقرارات الأمم المتحدة . وكان الأتحاد السوفيتى إحدى القوتين العظميين ماضيا فى سياسته فى تأييد القضايا العربية وتزويد العرب وخصوصا جيشى مصر وسوريا بكميات ضخمة من أحدث الأسلحة والطائرات والمعدات المتطورة والأجهزة الإلكترونية المتقدمة ، وكان البترول العربى يضغط على دول السوق الأوربية المشتركة وبريطانيا واليابان . وهى الدول الصناعية الكبرى – لتبعد عن الخط الإسرائيلى ولتنتج سياسة أكثر موالاة للعرب . وفى مايو 1973 اتخذ مؤتمر الوحدة الإفريقية الذى عقد فى أديس أبابا عاصمة إثيوبيا قرار ا صريحا بإدانة إسرائيل ، كما قطعت معظم الدول الإفريقية علاقاتها الدبلوماسية معها . وفى الدورة الطارئة لمجلس الأمن المنعقدة فى يونيو 1973 صوت المجلس فى 21 يوليو على قرار يدعم فيه قراره السابق رقم 242 الصادر فى 22 نوفمبر عام 67 بدعوة إسرائيل للانسحاب من الأراضى التى احتلتها فى حرب يونيو عام 1967 ، وحصل القرار على أغلبية 14 صوتا من أى باستثناء صوت واحد هو صوت الفيتو الأمريكى . وفى سبتمبر 1973 أعربت دول عدم الانحياز التى اجتمعت فى مؤتمر القمة بالجزائر عن تأييدها التام للقضية العربية ، ووصفت سياسة إسرائيل بأنها تشكل تهديداً للسلام والأمن العالميين . وبعد أن وصل التأييد العربى والعالمى للقضية العربية فى كل المجالات إلى هذه الدرجة العالية التى لا مجال بعدها لإضافة جديدة إلا إضافة تصنعها القوات المصرية والسورية بقوة السلاح ،بدأ التفكير فى انتخاب أنسب التوقيتات ليوم وساعة الهجوم . ومن ناحية تحديد يوم (ى) يوم الهجوم ذكر الفريق أول أحمد إسماعيل فى حديث له أن البحث كان يدور للاهتداء إلى ليلة تتوافر فيها المميزات التالية : 1 – ليلة مقمرة يتصاعد فيها القمر معنا فى الساعات الحاسمة . 2 – ليلة يكون تيار القناة فيها مناسبا للعبور من ناحية السرعة . 3 – ليلة يكون عملنا فيها بعيدا عن توقعات العدو . 4 – ليلة لا يكون العدو فيها مستعدا للعمل . وهذه المميزات هى التى حددت لنا يوم 6 أكتوبر قبل أن يحل بشهور عديدة الأسباب الآتية : 1 – الحسابات الفلكية كانت تدل على أن القمر فى تلك الليلة ينمو فى أول الليل ثم يغيب فى آخره . 2 – علماء القوات المسلحة بعد دراسة هيئة قناة السويس لسنوات طويلة سابقة من أجل حساب التيارات فى جميع أيام السنة – وجدوا أن يوم 6 أكتوبر أكثرها مناسبة . 3 – العدو لا يتوقع منا العمل فى شهر رمضان . 4 – العدو مشغول بمناسبات مختلفة بينها انتخاباته العامة التى تشد اهتمام الجميع . لقد كان شهر رمضان هو الذى أوحى للقائد العام بتغيير الاسم الرمزى لعملية الهجوم ( الخطة جرانيت 2 المعدلة ) . فقد اختار لها الاسم الرمزى الجديد (بدر) تيمنا بغزوة بدر . وكان السادات من وجهة نظره السياسية يسميها عملية( الشرارة ) . أما من وجهة تحديد ساعة (س) أى ساعة الهجوم ، فقد ذكر الفريق أول أحمد إسماعيل فى حديثه أن الموعد ظل إلى ما قبل بدء القتال موضوع مناقشة بين القيادتين المصرية والسورية . فقد كان السوريون لعدة أسباب من بينها اتجاه الشمس معهم ضد العدو يفضلون العمل مع أول ضوء فى الفجر ، وكان المصريون لعدة أسباب من بينها اتجاه الشمس وضرورات العبور ونصب الكبارى وفتح الطريق لدخول المعدات الثقيلة

كالدبابات والمدافع فى الظلام يفضلون العمل فى آخر ضوء فى المساء . وكان الفريق أول 

أحمد إسماعيل بوصفخ قائداً عاما للجبهتين المصرية والسورية قد بعث إلى السوريين يوم 30 سبتمبر بإشارة التحذير بأن العملية محتملة فى أى وقت ، وسافر هو بنفسه يوم 2 أكتوبر إلى دمشق وحدثت مناقشات عديدة بينه وبين القادة السوريين حول ساعة الهجوم . وبعد دراسة تفصيلية تم الاتفاق على أن تكون الساعة الثانية بعد الظهر موعدا للساعة (س) ، وصدق الرئيس حافظ الأسد على ذلك . وقد كان اختيار ذلك التوقيت أمرا غريبا،

فلم يكن منتظراً ولا مألوفا فى الحروب ،فإن هذا الموعد هو وقت ظهيرة وغداء وراحة ، 

وكان يوافق يوم عيد الغفران لدى إسرائيل وهو إجازة من العمل والطعام والشراب . ومن المعتاد فى الحرب أن تكون الضربات الجوية وبدء الهجوم العام قبل أول ضوء أو قبل آخر ضوء،. أما فى منتصف النهار ، فلم يكن ذلك أمرامألوفا . وكانت إسرائيل تفخر دائما بأنها هى التى تبدأ الحرب وهى التى تنهيها كما حدث فى حربى 1956و 1967 ، ولكننا فى حرب 1973 اختطفنا منها ميزة المبادأة ، ووجدت نفسها لأول مرة فى موقف الدفاع .

التوجيه الإستراتيجى للسادات فى 5 أكتوبر

في يوم 9 من رمضان الموافق 5 من أكتوبر 1973، أرسل الرئيس الراحل السادات بوصفه رئيسا للجمهورية وقائدا أعلى للقوات المسلحة توجيها إستراتيجيا إلى الفريق أول أحمد إسماعيل وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة ، كان نصه كما يلى : 1 - بناء على التوجيه السياسى والعسكرى الصادر لكم منى فى أول أكتوبر 1973، وبناء على الظروف المحيطة بالموقف السياسى والإستراتيجى ، قررت تكليف القوات المسلحة بتنفيذ المهام الإستراتيجية الآتية : أ – إزالة الجمود العسكرى الحالى بكسر وقف إطلاق النار اعتبارا من يوم 6 أكتوبر 1973 . ب – تكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة فى الأفراد والأسلحة والمعدات . ج – العمل على تحرير الأرض المحتلة على مراحل متتالية حسب نمو وتطور إمكانات وقدرات القوات المسلحة . 2 – تنفيذ هذه المهام بواسطةالقوات المسلحة المصرية منفردة أو بالتعاون مع القوات المسلحةالسورية . انتهى توجيه السادات . من هذا التوجيه الإستراتيجى ، يتضح لنا أن الهدف السياسى الذى كان الرئيس السادات يروم تحقيقه من الهجوم العسكرى لم يكن استرداد الأراضى التى احتلتها إسرائيل فى حرب يونيو عام 1967 ( شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة ) ، ولم يكن كذلك تدمير الجيش الإسرائيلى وإنزال هزيمة قاصمة به ، ذلك لأن إمكانات مصر العسكرية فى ذلك الوقت لم تكن تسمح لها بتحقيق أى من هذين الهدفين . وعلى ذلك كان الخيار المطروح أمام القيادة العامة المصرية لتنفيذ توجيه الرئيس فيما يتعلق بإزالة الجمود العسكرى وكسر وقف إطلاق النار هو أحد الاحتمالين التاليين : 1 – العودة إلى شن حرب الاستنزاف . ولكن كان من الواضح أن هذه الحرب قد استنفدت أغراضها فى الفترة التى جريت فيها (فى الأعوام 1968 ، 1969، 1970)، كما أن إسرائيل ان تقبل بالعودة إليها تجنبا للخسائر التى سوف تلحق بها فى الأفراد والأسلحة والمعدات . ولذلك فإن أى محاولة من جانب مصر للعودة إلى هذه الحرب كان من المتوقع أن تقابل من إسرائيل برد فعل قوى وعنيف . وقد أثبتت تجارب حرب الاستنزاف أن القيادة الإسرائيلية عندما ضاقت ذرعا بهذا الأسلوب من الحرب قررت إدخال الطيران الإسرائيلى المعركة اعتبارا من 20 يوليو 1969، وانتقلت حرب الاستنزاف وقتئذ إلى مرحلة خطيرة أطلق عليها الإسرائيليون حرب الاستنزاف المضاد . وكانت أخطر نتائج إدخال الطيران الإسرائيلى هى اتساع رقعة حرب الاستنزاف اتشمل الراضى المصرية بأكملها بدلا من منطقة القناة وحدها كما كان الحال فى بادىء الأمر ، وتعرض العمق المصرى لخسائر فادحة من جراء غارات طائرات الفانتوم وسكاى هوك الإسرائيلية ، مما أجبر الرئيس الراحل عبد الناصر على القيام برحلته السريةالشهيرة إلى موسكو فى 22 يناير 1970 حيث تم اتفاقه مع قادة الكرملين وبعد تهديده لهم بالاستقالةمن منصبه على إمداد مصر بفرقة دفاع جوى كاملة من الفرق السوفيتية بأطقمها السوفيت وصواريخها سام 3 ومعدتها ، وكذا بثلاثةألوية جوية كاملة ( بطائرتها الميج 21 وأطقمها السوفيت ) لتتولى الدفاع عن العمق المصرى . وقد قام الرئيس الراحل السادات بإصدار قراره بالاستغناء عن الخبراء والمستشارين السوفيت وكذا عن هذه الوحدات السوفيتية يوم 8 يوليو عام 1972 وعاد الجميع إلى بلادهم . وعلى ذلك ، كانت العودة إلى إستئناف حرب الاستنزاف فيها مخاطرة كبرى ، علاوة على أن حرب الاستنزاف كانت فى حد ذاتها تعد عملية عسكرية ذات طابع محدود ولا جدوى من ورائها من حيث تحريك القضية سياسيا كما أثبتت التجربة العملية من قبل ، وكان رد الفعل المتوقع من العدو أكبر بكثير من قيمتها السياسية أو العسكرية ، وهذا ما دعا إلى استبعاد حرب الاستنزاف من التفكير . 2 – القيام بعملية حربية كبيرة تتفق مع قدرتنا العسكرية – أى أوسع نطاقا من حرب الاستنزاف وفى الوقت نفسه أقل طموحا من حيث الهدف من تحرير الأرض المحتلة كلها – وفى هذه الحالة سوف يتناسب رد فعل العدو المنتظر مع حجم وقوة ضربتنا . والنوع الوحيد من العمليات التى يمكن لمصر أن تحتفظ فيه بالمبادأة أطول فترة ممكنةمع استمرارها فى تكبيد القوات الإسرائيلية أكبر قدر من الخسائر فى الأفراد والأسلحة والمعدات ، هو إنشاء منطقة متماسكة من رءوس الكبارى المتينة على الشاطىء الشرقى لقناة السويس لتهديد القوات الإسرائيلية تهديداً دائما وتكبيدها أكبر كمية من الخسائر عن طريق صد هجماتها المضادة . ونظراً لأن العدو كان يملك أربع ميزات أساسية ، وهى : تفوقه الجوى ومقدرته التكنولوجية الراقية ومستوى تدريب قواته العالى وأخيراً اعتماده على معاونة عاجلة من الولايات المتحدة تكفل له فور بدء العمليات الحربية سيلا مستمراً من الأسلحة والمعدات لتعويض ما يفقده فى ميدان القتال ، فى الوقت الذى كان يعانى فيه من أربع نقاط ضعف رئيسية وهى : طول خطوط مواصلاته وامتدادها على جبهات متعددة يصعب الدفاع عنها ، وأوضاعه البشرية التى لا تسمح له بتحمل خسائر كبيرة ، وظروفه الاقتصادية التى تمنعه من قبول حرب طويلة الأجل ، وأخيرا ما تملكه من صلف وغرور قاتلين عقب نجاجه الساحق فى حرب يونيو 1967 – لذلك وضعت القيادة العامة المصرية خطتها على أساس تلافى وتحييد نقاط امتياز العدو وفى الوقت نفسه استغلال نقاط ضعفه . وقد ساعد على نجاح التخطيط العسكرى المصرى أن التوجيه الإستراتيجى للرئيس لم ينص على أى مهمة محددة خاصة باسترجاع الأراضى المحتلة ، فقد ترك ذلك حسب نمو وتطور إمكانات وقدرات القوات المسلحة. وكانت حكمة بالغة من القيادة العامة المصرية حينما وضعت فى تخطيطها أن يكون الهجوم بخمس فرق على طول مواجهه قناة السويس على خط يمتد حوالى 160 كم من بور سعيد شمالا إلى السويس جنوبا ، فقد حقق ذلك المزايا التالية : 1 – إرغام العدو على توزيع ضرباته الجوية المضادة على قواتنا سواء فى أثناء العبور أو عند إنشاء رءوس الكبارى . 2 – نظرا لاتساع المواجهه فسوف يرغم العدو على بعثرة وتشتيت قواته المدرعة عند قيامه بشن هجماته المضادة التكتيكية . 3 – لن يتمكن العدو بسبب اتساع المواجهة وقوة رءوس الكبارى من اكتشاف اتجاه المجهود الرئيسى لقواتنا مما سوف يجعل رد فعله متأخراً بالنسبة للهجوم المضاد سواء على المستوى التعبوى أو الإستراتيجى . هذا وقد كان التخطيط يقتضى وقفة تعبوية بعد إتمام عملية العبور وبعد القيام بتأمين رءوس الكبارى شرق قناةالسويس . وكان الغرض من هذه الوقفة التعبوية هو إعادة تقدير الموقف والتأهب للمرحلة الثانية من الخطة (بدر) ، وهى تطوير الهجوم شرقا للوصول إلى منطقة المضايق الإستراتيجية الجبلية . ولم يكن فى التخطيط أن تكون الوقفة التعبوية فترة جمود أو سكون ، ولكنها كانت فترة تقبل لهجمات العدو المضادة على المستوى التكتيكى والتعبوى ، بهدف تدميرها وإلحاق أكبر خسائر ممكنة بالعدو، وفى الوقت نفسه عمل الاستعدادات اللازمة والاحتياطات الكافية لكى يتسنى للقوات المصرية بدء المرحلة الثانية من الخطة .

تجهيز وإعداد مسرح العمليات

بدأت القوات المصرية والقوات الإسرائيلية فى تنفيذ مخطط مسرح العمليات لكل منهما فى أعقاب حرب يونيو 1967 بعد أن فقدت إسرائيل الأمل الذى ظل يراودها طويلا ، وهو أن تقبل مصر عقد معاهدة للصلح معها ، وخاصة بعد الهزيمة النكراء التى منيت بها قواتها المسلحة ، وبعد وصول القوات الإسرائيلية إلى الشاطىء الشرقى لقناة السويس . وقد قام الجانبان بتنفيذ مخططيهما على مراحل بدأت بإعداد وتجهيز المواقع والنطاقات الدفاعية بالقرب من القناة وفى العمق ، ثم تطورت إلى التحضير للعمليات التعرضية . واستمرت هذه الأعمال حتى انطلقت الشرارة الأولى لحرب أكتوبر 1973 .

التجهيزات المصرية

ركزت القوات المسلحة المصرية جهودها وطاقتها مستغلة طاقات الشركات المدنية من القطاعين العام والخاص ، وقامت بأعمال ضخمة شملت الأراضى المصرية على اتساعها ، وقد بلغ ما أنفقته الدولة على تلك الأعمال مئات الملايين من الجنيهات ، بالإضافة إلى عرق ودماء أبنائها من العسكريين والمدنيين . وقد شملت تلك الأعمال الهائلة إقامة التحصينات لوقاية الأفراد والأسلحة والمعدات والذخائر وحفر الخنادق ، ومرابض نيران المدفعية الرئيسية والتبادلية والمؤقتة والهيكلية وتجهيز مراكز القيادة والسيطرة الرئيسية والتبادلية على جميع المستويات وإقامة وتعلية السواتر الترابية غرب القناة لتوفير الوقاية لقواتنا من أعمال مراقبة العدو ونيرانه ولتتمكن قواتنا فى نفس الوقت من مراقبة العدو والسيطرة على مواقعة وإنشاء هيئات حاكمة على الساتر الترابى غرب القناة لاحتلالها بالدبابات والأسلحة المضادة للدبابات ، كما تم إنشاء نقط قوية فى الاتجاهات ذات الأهمية الخاصة . ولقد كان إنشاء قواعد شبكة الصواريخ المضادة للطائرات التى تم إنجازها تحت ضغط مكثف من جانب قوات العدو الجوية ، من أضخم ما قامت به القوات المسلحة المصرية والقطاع المدنى من أعمال . ولتسهيل مناورة القوات ، تم إنشاء شبكة مطورة من الطرق والمدقات الطولية والعرضية بلغ طولها فى منطقة الجبهة فقط حوالى 2000 كم ، كما أقيمت السواتر الترابية على أجناب وفى مواجهة تلك الطرق والدقات لإخفاء تحركات قواتنا عليها ، وتم تجهيز عشرات من المخاضات على ترعتى الإسماعيلية والسويس لتسهيل عملية عبور الترعتين فى حالة نجاح طائرات العدو فى تدمير الكبارى المقامة عليهما . ولكى يتيسر لقواتنا إقامة الكبارى على القناة على مسافات متساوية على طول المواجهة من السويس حتى شمال القنطرة ، تم تجهيز نقط الإسقاط لوحدات الكبارى على الضفة الغربية للقناة وكذلك المنازل

اللازمة لاستخدام المعدات . 

وتفاديا لتكرار تعرض قواتنا الجوية للضربة المفاجئة الأولى ، وضمانا لاستمرار تقديمها للمجهود والدعم اللازمين لتأمين سمائنا ، وكذا لتأمين مسرح عمليات قواتنا البرية والبحرية والعمل على إنزال ضربات ساحقة ومستمرة بقوات العدو وفى أثناء سير العمليات ، تم تنفيذ مخطط ضخم لإنشاء دشم وملاجىء خرسانية مسلحة للطائرات والمعدات الفنية بالقواعد الجوية والمطارات زودت بأبواب من الصلب ، كما تم تطوير شبكة القواعد الجوية والمطارات بإنشاء 20 قاعدة ومطارا جديدا . وقد تم تشكيل وحدات هندسية فى كل مطار لصيانة وسرعة إصلاح ممراته بمجرد قصفها بقنابل الطائرات حتى يسترد المطار كفاءته فى أقصى وقت ممكن . وشملت أعمال المهندسين أيضا تجهيز القواعد البحرية ومراكز قيادة المدفعية الساحلية وحواجز الأمواج الخرسانية بالموانى والمراسى بالبحرين المتوسط والأحمر . وحرصا على تأمين عبور قواتنا قناة السويس ، أجرى العديد من التجارب والدراسات للوصول إلى أنسب وأسرع أسلوب لفتح الثغرات فى الساتر الترابى الضخم الذى أنشأه العدو على الحافة الشرقية للقناة . وقد تدرجت هذه التجارب وتلك الدراسات من محاولات نسف الساتر بالمفرقعات ، إلى استخدام نيران مدفعية والصواريخ ، إلى استخدام طريقة التجريف بالمياه باستخدام مضخة مياه قوية تسمح بضخ 500 متر مكعب فى الساعة . وأخيرا تم التوصل إلى استخدام مضخات مياه خفيفة الوزن تعمل بالوقود وذات قدرة عالية على ضخ المياة ويمكن حملها بالأفراد أو فى القوارب ، كما تم إعداد الكميات الكافيةمن معدات ومهمات العبور وتدريب وحدات المهندسين على إنشاء وتشغيل الكبارى والمعديات والناقلات البرمائية ، وكذا تدريب القوات على استخدام القوارب والعبور بوسائل العبور المختلقة . وقد قامت هيئة العمليات بالاشتراك مع إدارة المساحة العسكرية وإدارة المهندسين وإدارة المركبات بإجراء الدراسات والتجارب العملية لتطوير خرائط السير مقياس 1/100.000، وتم بالفعل إعادة طبع مجموعات خرائط السير مقياس 1/100.000 لمنطقتى شمال وجنوب سيناء بعد إيضاح وإضافة الجديد من المعلومات عن الأرض والطرق والمدقات والأهداف المهمة . وقد كان لهذه الدراسات والتجارب الفضل الكبير فى توفير المعلومات بأكبر قدر ممكن لدى القادةعلىالأرض ومسرح العمليات فى أثناء تنفيذ المهام القتالية فى حرب أكتوبر 1973، كما أمكن التغلب على مشكلة عدم قدرة بعض المركبات ذات العجل على السير فى الأراضى الصعبة عن طريق عمل بعض تعديلات فى الإطارات وضغوط الهواء الخاصة بها .

التجهيزات الإسرائيلية

بعد أن نجحت القوات الإسرائيلية فى تعلية الساتر الترابى على الضفة الشرقية للقناة حتى وصل إلى حوالى 25 مترا وإزاحته غربا حتى وصل إلى الحافة الشرقية للقناة بزاوية ميل حادةحوالى 45 درجة ، أنشأت مصاطب للدبابات على أبعاد تصل من 100 إلى 400 متر فيما بينها ، بحيث يمكن للدبابات الصعود إليها وهى مختفية خلف الساتر حتى تصل إلى ارتفاع يظهر منه البرج والمدفع فقط، وبذلك تشتبك وأجنابها غير معرضة للخطر مع تحقيق التعاون فيما بينها . وأقامت القوات الإسرائيلية عدة نقط حصينة فى باطن الساتر الترابى تركزت أساسا على محاور الاقتراب الرئيسية لقواتنا عبر القناة . وقد بلغ إجمالى المواقع الحصينة 22 موقعا تضمنت 35 نقطة دفاعية بلغت مساحة كل منها 4000متر مربع . وتتكون كل نقطة حصينة من عدة طوابق ، ويتكون كل طابق من عدة دشم من الأسمنت المسلح المقوى بقضبان السكك الحديدية وألواح الصلب ، ويفصل كل طابق عن الآخر طبقة من القضبان والخرسانة المسلحة والأتربة والأحجار . ويبلغ سمك هذه الطبقة مترين كما تعلوها لفات كثيفة من سلك الكنسرتينا وصناديق سلك معبأة بالدبش والحجارة للوقاية من أسلحة الضرب المباشر . ويوجد فى كل نقطةحصينة من 3 إلى 6 ملاجىء للأفراد ومخازن ذخيرة ووقود ودشم ومرابض وهاونات وصواريخ أرض – أرض وخنادق مواصلات مكسوة بألواح الصلب وشكاير وصناديق الذخيرة . وكان الملجأ له أكثر من مدخل ويتفرع من أكثر من خندق مغطى ، وكلها مكسوه بالصاج المعرج بالزوايا الحديدية وتتوافر بها كل سبل الراحة ووسائل التهوية والإضائة والتدفئة والاتصال التليفونى . وقد وفرت هذه التحصينات والأعمال الهندسية المختلفة وقاية للنقط القوية ضد القنابل الثقيلة حتى زنة 1000رطل أو أكثر ، وأحيطت كل نقطة حصينة من جميع الجهات بسورين من السلك الشائك بينهما حقل ألغام مضاد للدبابات وبعض الألغام المضادة للأفراد ، وفى مواجهة النقطة يوجد مانع سلك كثيف غير منتظم يصعب فتح ثغرة فيه أو اجتيازه بالمشاة . وأنشأت القوات الإسرائيلية بين الخط الأول على القناة (خط بارليف ) وخط المضايق الجبلية، خطين دفاعيين هما خط الدفاع الثانى والثالث . ويبعد الخط الثانى من 300إلى 500 متر عن الخط الأول ، ويتركز فى الاتجاه الأكثر صلاحية لعبور القناة وتقدم قواتنا شرق القناة ، وهو مجهز أساسا لاحتلاله بالعناصر المدرعة المتمركزة فى الخلف . أما الخط الثالث على مسافة من 3 إلى 50 كم من الخط الأول على بعض الاتجاهات المهمة وعلى أجناب الطرق الرئيسية المؤدية للعمق . وللتغلب على طبيعة الأرض المفتوحة شرق القناة أقامت القوات الإسرائيلية مجموعة من التلال والسواتر الصناعية على أعماق مختلفة حتى خط المضايق ، وجهزتها لكى تحتل بالدبابات لصد الهجمات المعادية أو كخطوط فتح لشن هجماتها المضادة . وتم تجهيز مناطق تجمع للاحتياطيات المدرعة على أعماق مختلفة ، وتتمركز فى هذه المناطق الاحتياطيات المدرعة للقوات الإسرائيلية فى سيناء وكذلك الأسلحة والصواريخ المضادة للطائرات والصواريخ المضادة للدبابات . وتم تجهيز عدد كبير من مرابض النيران الرئيسية والتبادلية لمدفعية الميدان المتوسطة والبعيدة المدى ، بلغ عددها حوالى 240 موقعا مجهزا. وأنشأت القوات الإسرائيلية شبكة ضخمة من الطرق والمدقات الطولية والعرضية شرق القناة لتسهيل حركة القوات فى أى اتجاه والمناورة بها حسب تطور القتال ، وكان أهم هذه الطرق الطريق الذى أسماه الإسرائيليون (الكسيكون) ، وأطلق عليه المصريون اسم (الطريق العرضى رقم 1 ) وهو طريق ممهد يسير بموازاة قناة السويس من الشمال إلى الجنوب وعلى بعد حوالى من 8 إلى 10 كم شرق القناة . وبموازاة طريق (الكسيكون ) يمتد طريق ممهد من الشمال إلى الجنوب أطلق عليه اسم طريق المدفعية أو ( الطريق العرضى رقم 2) . وعلى بعد من 30 إلى 35 كم شرق القناة كان يمتد الطريق الرئيسى الذى عرف بأسم ( الطريق العرضى رقم 3 ) وكان يمتد من بالوظة شملا إلى الطاسة حيث يتقاطع مع طريق الإسماعيلية أبو عجيلة ، ثم يمتد جنوبا غرب ممرى الجدى ومتلا . ≡ تزويد المشاة بمعدات خاصة وبأسلحة الدعم إن الظروف التى خلقتها مشكلة عبور قناة السويس فرضت على القيادة العامةالمصرية ضرورة ابتكار شدة ميدانية تستطيع أن تستوعب جميع أحمال جندى المشاة بطريقة جيدة ، بعد أن ثبت أن ، الشدة الميدانية ( البل ) التى كان معمولا بها فى القوات المسلحة وقتئذ أصبحت لا تتناسب مع الظروف الجديدة . وقد قامت إدارة المهمات بتجارب عديدة حول هذا الموضوع إلى أن توصلت إلى العينات المطلوبة .وقبل نهاية أكتوبر 1972، كان قد تم تشغيل 50 ألف شدة ميدانية من هذه الأنواع الجديدة .كذلك قامت إدارة المهمات بتغيير (زمزمية ) المياة التى يحملها جنود العبور لكى تصبح سعة 2.5 لتر بدلا من القديمة التى كانت تسع ¾ لتر ماء، حتى يكون مع الجندى ما يكفية من المياه لمدة يوم كامل . ونظرا للأحمال الثقيلة التى أصبح جندى العبور مكلفا بحملها ، فقد تم تزويد المشاة بعربات جر يدوية يمكن جرها لمسافة 5 كم بواسطة فردين بعد تحميلها بحوالى 150 كم من الذخائر والمعدات العسكرية عبر أرض غير ممهدة . وعلاوة على ذلك تم تجهيز جندى المشاة بالكثير من المعدات الحديثة . ففى منتصف عام 1972 كان قد تم تجهيز جميع وحدات المشاة بلأجهزة الرؤية الليلية ( كان بعضها يعمل بنظرية الأشعة تحت الحمراء ، وكان البعض الآخر يعمل بنظرية تقوية وتكبير ضوء النجوم Star Lighter ).وإلى جانب هذه الأجهزة الحديثة كان هناك أجهزة ومعدات بدائية بسيطة مثل النظارات السوداء المعتمة التى كانت تصنع من زجاج سميك معتم من نوع الزجاج الذى يستخدمه عمال لحام الأكسجين ، وذلك حتى يلبسها الجنود عندما يستخدم العدو أشعة Zenon البالغة القوة فى تعميتهم . وكان العدو سيتخدم الضوء الباهر المركب على دباباته فى شل أبصار جنودنا ، فكان الرد على ذلك هو أن يلبس الجندى هذه النظارة ثم يوجه قذيفته إلى مصدر الضوء فيدمره . ومن ضمن هذه الأجهزة البسيطة سلم الحبال ، وهو يشبه السلالم المستخدمة فى الوحدات البحرية وأجنابه مصنوعة من الحبال ولكن درجاته من الخشب يسهل طيه وحمله ثم فرده على الساتر الترابى ، وبذلك يستطيع جندى المشاةأن يتسلق الساتر الترابى دون أن تغوص قدماه فى التراب ، كما أنه بوضع سلمين متجاورين يمكن أن تجر مدافعنا ( المدفع

عديم الارتداد ب 10والمدفع عديم الارتداد11 والصاروخ المالوتكا والقاذف آر بى جى 

والصاروخ المضاد للطائرات ستريللا (سام 7) ومدفع الماكينة المتوسط 7.62مم ومدفع الماكينة الثقيل 12.7 مم ) وكذا عربات الجر التى ترافق المشاة ويمكن أن تسير فوق هذا الساتر الترابى دون أن تغوص عجلاتها فى الرمال . وبعد تجهيز جندى المشاة كما رأينا بأفضل الأسلحة والمعدات ، وبعد أ، تم تحميلة بأقصى ما يستطيع أن يحمل ، كان من الطبيعى أن تكون مقدرته القتالية قد زادت زيادة كبيرة ،فقد أصبح خصما قويا وعنيدا للدبابة والطائرة . ولكن المشكلة التى كانت تواجه القيادة العامة هى كيف يمكن لوحدات المشاة التى تم التخطيط لعبورها فى 12 موجة على مدى ثلاث ساعات ، أن تقوم بتحدى قوة العدو التى تتكون من ثلاثةألوية مدرعة ولواء مشاة متحصنة داخل حصون خط بارليف ونقطه القوية ، وأمامهم قناة السويس التى تعد أشد الموانع المائية صعوبة ؟ وإذا جاز لنا أن نتصور أنهم قادرون على العبور والوصول إلى الشاطىء الشرقى للقناة؛ فهل هم قادرون بعد ذلك على صد الهجوم المضاد الكبير الذى من المنتظر أن يقوم به العدو ؟ لقد كان الموقف يدعو إلى الاطمئنان فيما يتعلق بصد هجمات العدو المضادة التكتيكية التى كان من المنتظر أن يستخدم فيها ثلاثة ألوية مدرعة إذا ما قاتل مشاتنا بصلابة وعناد . ولكن الموقف كان لابد أن يتغير إذا ما دفع العدو باحتياطيه التعبوى الذى كان يقدر بثلاث فرق مدرعة بعد 24 ساعة من بدء الهجوم ، لذلك كان لابد من اتخاذ إجراءات معينة لمواجهة هذا الموقف . وكان الإجراء الأول هو تقديم المعاونة بالنيران لقواتنا التى عبرت إلى الشاطىء الشرقى للقناة بجميع الأسلحة الثقيلة المتيسرة فى غرب القناة . أما الإجراء الثانى ، فكان ينحصر فى فرض قيود مشددة على سرعة تقدم المشاة ، وذلك لضمان وجودها دائما فى مدى المعاونة القريبة بالنيران من الضفة الغربية ، وأن تراعى تقصير خطوطها الدفاعية ، وبذا تزداد قدراتها لصد هجمات الدبابات المضادة . وتطبيقا لذلك ، كان من المقرر أن يصل رأس الكوبرى لكل فرقة مشاة بالتدريج إلى عمق 5 كم فى خلال أربع ساعات من بدء الهجوم . وعند الوصول إلى هذا الخط، يجب على المشاة أن تتوقف إلى أن تصلها أسلحة الدعم التى تعبر على المعديات والكبارى ، والتى كان من المنتظر أ، تبدأ فى الوصول بعد عشر ساعات من بدء القتال . وعقب وصول أسلحة الدعم وإجراء عملية إعادة التنظيم ، كان مخططا أن تستأنف فرق المشاة تقدمها ، بحيث يصبح رأس كوبرى الفرقة 8 كم فى العمق ، و16 كم فى القاعدة فى خلال 18 ساعة من بدء الهجوم . وقد نفذت هذه التوقيتات يدقة تامة خلال معركة العبور ففى الساعة الثامنة صباحا يوم 7 أكتوبر ، أى بعد 18 ساعة ، قامت فرق المشاة الخمس التى عبرت قناة السويس بعد تدعيمها بالدبابات وأسلحة الدعم الأخرى ، بدفع رءوس الكبارى إلى عمق 8 كيلو مترات شرق قناة السويس .


الفصل الثاني: العبور العظيم وتحطيم خط بارليف

العبور العظيم وتحطيم خط بارليف

تعتبر عملية اقتحام مانع مائى مثل قناة السويس ضد عدو يتمركز فى نقط قوية محصنة تحصينا جيدا على الجانب الآخر من أصعب العمليات الحربية وأكثرها تعقيداً ، خصوصا أن عبور المانع المائى كان سيتم بواسطة خمس فرق مشاة وعلى مواجهة قدرها 160 كم . وكان التخطيط موضوعاً على أن الموجة الأولى من قوات العبور تتكون من الأنساق الأولى لكتائب النسق الأول على طول القناة ، وكان عليها عبور القناة فى قواربها المطاطية والخشبية تحت ستر غلالة من قصفات المدفعية فى نقط بعيدة عن النقط الإسرائيلية الحصينة ، ثم تتسلق الساتر الرملى الناعم المقام على الشاطىء الشرقى للقناة ، وتلقى السلالم إلى الجانب الآخر لكى يسهل بعد ذلك للموجات الأخرى التى ستتبعها من المشاة اجتياز الساتر الرملى .. وكانت المهمة المخصصة لقوات الموجة الأولى هى الاندفاع السريع نحو خط النسق الثانى للدفاعات الإسرائيلية مع تجاهل النقط الحصينة من حصون خط بارليف المقامة فى النسق الأول على الشاطىء الشرقى للقناة . ولكى يمكن نجاح القوات المصرية فى هذه المهمه ، خصصت عناصر معينة سميت جماعات اقتناص الدبابات لمواجهة الدبابات الإسرائيلية الموجودة بدفاعات النسق الثانى ، والتى كان من المفترض اندفاعها فى اتجاه قناة السويس بمجرد بدء عملية العبور . وكانت كل جماعة من هذه الجماعات تتكون من حوالى عشرة جنود مسلحين بقواذف آر بى جى 7 R.B.G.7)) ( تشبه قوازف البازوكا وتطلق من الكتف ولها القدرة على نسف برج أى دبابة من طراز سنتوريان أو بانون ) ، ومسلحة كذلك بصواريخ موجهة من طراز مالوتكا المسماة فى حلف الأطلنطى باسم صواريخ ساجر.. وكان التخطيط المرسوم يقضى بأن تتجه الموجة الثانية من المشاة بعد عبور القناة نحو اليمين ونحو اليسار فى اتجاه النقط الحصينة من خط بارليف لتطويقها واقتحامها . ونظرا لأنها كانت فى حاجة إلى المعاونة بقذائف ناسفة للتحصينات من مدافع الضرب المباشر ، فقد اتخذت الترتيبات ضمن خطة المدفعية كى تتولى مدافع الضرب المباشر من مصاطبها على الشاطىء الغربى للقناة معاونة المشاة فى اقتحام هذه النقط الحصينة ونظراً لتوقع قيام العدو بإشعال سطح مياه القناة بالنابالم السائل من تجهيزات إشعال اللهب المقامة داخل حصون خط بارليف ، فقد أرسلت جماعات من أفراد الصاعقة والمهندسين المصريين يوم 5 أكتوبر لقص الخراطيم التى كان مفروضا طبقا لخطة العدو أن تحمل كميات هائلة من النابالم وتلقيها فى القناة لكى تشتعل بالنار عند الإحساس ببدء العبور وكان الجنرال جونين قائد القيادة الجنوبية عقب تلقيه تعليمات رئيس الأركان مساء يوم5 أكتوبر 1973 برفع درجةاستعداد الجيش الإسرائيلى إلى الدرجة القصوى (ج ) ، قد كلف رئيس مهندسيه بإعداد تجهيزتى إشعال اللهب فى القناة فى الفردان والدفرسوار (وهما التجهيزتان الوحيدتان الصالحتان للعمل ) لتكونا جاهزتين اعتباراً من اليوم التالى .وفى صباح يوم 6 أكتوبر 1973، وصلت جماعة من المهندسين بقيادة الملازم شيمون تال إلى خط التحصينات الأمامية ، وتوجهت فى بادىء الأمر إلى النقطة القوية فى الفردان ، وشرح الضابط لجنود الموقع طريقة تشغيل النظام الإشعالى . ونظراً لأن جهاز التحكم الكهربائى داخل الحصن كان تالفاً ، فقد كانت الوسيلة الوحيدة للتشغيل - كما أوضح الضابط المهندس هى أن يخرج بضعةأفراد من الحصن ويجرون بضع مئات من الأمتار فى اتجاه القناة ، ثم يقومون بفتح خراطيم النابالم السائل باليد . وعندما يبدأ تدفق السائل فى مياه القناة كان على الجنود أن يقذفوا قنيلة فوسفورية لإشعال النابالم السائل ، وبذا تتحول مياه القناة إلى قطعة كبيرة من النار واللهب تكفى لمنع المصريين من عبور هذا الحاجز الرهيب وبعد أن أنهى الضابط المهندس مهمته فى حصن (هيزايونHIZAYON)فى منطقة الفردان رحلته نحو الجنوب ، وعندما وصل إلى النقطة القوية (متسميد MATZMED) فى منطقة الدفرسوار اكتشف أن أحد الخراطيم خارج الحصن مقطوع ويحتاج إلى إصلاح ، فانهمك على الفور فى إصلاحه . وفى أثناء قيامه بعمله وقع تحت تأثير قصف شديد من نيران المدفعيةالمصرية ، فقد كانت الساعة وقتئذ قد بلغت الثانية وخمس دقائق بعد الظهر ، وكانت المدفعية المصرية قد بدأت فى تلك اللحظة فى عمل أضخم تمهيد نيرانى شهده الشرق الأوسط . واضطر الملازم شيمون تال من أجل الوقاية إلى الالتصاق بالأرض ، وعندما هم بالنهوض بعد انتقال غلالة المدفعية إلى الداخل فوجىء ببعض رجال الصاعقة المصريين يقفون فوق رأسه حيث اقتادوه أسيراً إلى الشاطىء الغربى للقناة . وقد ترتب على ذلك عدم تمكن الإسرائيليين من تشغيل أى تجهيزات لإشعال اللهب فى مياه قناة السويس ، وبالتالى تجنبت القوات المصرية مواجهة هذا الحاجز الرهيب فى أثناء عبور القناة

كيف تمت أروع عملية عبور فى التاريخ ؟

نظراً لأن التوجيه الإستراتيجى الصادر فى 5 أكتوبر 1973 كان ينص على تحرير الأرض المحتلة على مراحل متتالية حسب نمو وتطوير إمكانات القوات المسلحة ، فقد تركت الأهداف العسكرية مرنة تسمح بالتغيير والتبديل على ضوء الموقف العسكرى وكانت الخطة العسكرية (بدر ) مبنية على الأسس التالية المهمة المباشرة : اقتحام قناة السويس ، وتدمير خط بارليف ، وإنشاء منطقة رءوس كبارى على الشاطىء الشرقى للقناة على عمق 10 – 12 كم ، وصدو تدمير الهجمات المضادة التى يقوم العدو بشنها . المهمة الثانية : بعد وقفة تعبوية أو بدون وقفة تعبوية ، تطوير الهجوم نحو الشرق للاستيلاء على خط المضايق الجبلية الإستراتيجية ، وهى من الشمال إلى الجنوب (الختمية- الجدى – متلا رأس سدر). ولتنفيذ الخطة الهجومية (بدر) تم حشد القوات المصرية طبقاً للأوضاع الآتية : أولا - النسق الأول : كان يتشكل من منطقة البحر الأحمر العسكرية والجيشين الثالث والثانى الميدانيين . ● منطقة البحر الأحمر العسكرية : تحت قيادة اللواء إبراهيم كامل ، وكانت تتشكل من نسق أول واحتياطى . النسق الأول ويتكون من لواءى مشاة مستقلين (عدا كتيبة )، والاحتياطى يتكون من الكتيبة المشاة . ● الجيش الثالث الميدانى : تحت قيادة اللواء عبد المنعم واصل ، وكان يتشكل من نسقين واحتياطى . النسق الأول : فى اليمين الفرقة 19 مشاة بقيادة يوسف عفيفى ،ومعها اللواء 22 المدرع (من الفرقة 6 مشاة ميكانيكية ) . فى اليسار الفرقة 7 مشاة بقيادة العميد أحمد بدوى ومعها اللواء 25 المدرع المستقل . النسق الثانى : الفرقة 4 المدرعة بقيادة العميد محمد عبد العزيز قابيل والفرقة 6 مشاة ميكانيكية (عدا لواء ) بقيادة العميد محمد أبو الفتح محرم الاحتياطى : مجموعة صاعقة ولواء إقليمى وفوج سيارات حدود ولواء ● الجيش الثانى الميدانى : تحت قيادة اللواء سعد مأمون ، وكان يتشكل من نسقين واحتياطى . النسق الأول : فى اليمين الفرقة 16 مشاة بقيادة العميد عبد رب النبى حافظ ومعها اللواء 14 المدرع ( من الفرقة 21 المدرعة ) . وفى الوسط الفرقة 2 مشاة بقيادة العميد حسن أبو سعدةومعها اللواء 24 المدرع (من الفرقة 23 مشاة ميكانيكية ) .وفى اليسار الفرقة 18 النسق الأول : 2 لواء مشاة مستقل بقيادة اللواء عمر خالد . النسق الثانى : الفرقة 21المدرعة ( عدا لواء ) بقيادة العميد إبراهيم العرابى . الاحتياطى : الفرقة 23 مشاة ميكانيكية (عدا لواء ) بقيادة العميد أحمد عبود الزمر واللواء 10 مشاة ميكانيكى (من الفرقة 3 مشاة ميكانيكية الموجودة فى احتياطى القيادة العامة بالقاهرة ) . ثانياً - احتياطى القيادة العامة : كان يتشكل من الفرقة 3 مشاة ميكانيكية ( عدا لواء ميكانيكى ) بقيادة العميد محمد نجاتى فرحات ، ومن لواءين مدرعين مستقلين ولواء مظلات ولواءى اقتحام جوى (عدا كتيبة ) ومجموعة صاعقة . فى الساعة الثانية تماما ً ، قامت أكثر من 200 طائرة مصرية من المقاتلات والمقاتلات القذفة من طراز ميج 21 و ميج 17 وسوخوى 7 ، بعبور قناة السويس فى اتجاه الشرق على ارتفاع منخفض ، بعد أن أقلعت من 20 قاعدة جوية لتنفيذ المهمة التى حددها اللواء طيار محمد حسنى مبارك قائد القوات الجوية فى الضربة المركزة الأولى فى عمق سيناء . التى شملت مركز قيادة العدو فى أم مرجم ومركز الإعاقة والشوشرة فى جبل أم خشيب ومطارى المليز وبير تمادا ومناطق تمركز احتياطيات العدو ومواقع بطاريات الصواريخ هوك المضادة للطائرات ومحطات الردار ومدفعيات العدو بعيدة المدى من عيار 175 مم ، وبعض مناطق الشئون الإدارية وحصن بودابست (من حصون خط بارليف ) الذى يقع على الضفة الرملية شرق بور فؤاد . وقد نجحت الضربة الجوية نجاحاً مؤثراً ، وعادت الطائرات فى الساعة الثانية وعشرين دقيقة بعد أداء مهمتها خلال ممرات جوية محددة تم الاتفاق عليها بين قيادة القوات الجوية وقيادة الدفاع الجوى من حيث الوقت والارتفاع . وكانت خسائر الضربة الجوية المركزة عبارة عن 5 طائرات . وفى الساعة الثانية وخمس دقائق ، بدأت 2000 قطعة مدفعية وهاون ولواء صواريخ تكتيكية أرض أرض ، التمهيد النيرانى الذى يعد واحداً من أكبر عمليات التمهيد النيرانى فى التاريخ . وقد قام بالتخطيط له اللواء محمد سعيد الماحى قائد المدفعية ، واشتركت فيه 135 كتيبة مدفعية وعدة مئات من مدافع الضرب المباشر ، كانت تتبع العميد محمد عبد الحليم أبو غزالة قائد مدفعية الجيش الثانى والعميد منير شاش قائد مدفعية الجيش الثالث . وقد تم تنفيذ التمهيد النيرانى على طول خط المواجهة مع العدو فى أربع قصفات استغرقت 53 دقيقة عن طريق الرمى المباشر وغير المباشر على نقط العدو الحصينة واحتياطياته القريبة ومرابض مدفعياته ومراكز قياداته . وقد صبت المدفعية على مواقع العدو ما يبلغ زينته3000 طن من الذخيرة ، وكان عدد دانات المدفعية فى الدقيقة الأولى 10.500دانة ، أى بمعدل 175 دانة كل ثانية . وقد احتلت مدفعية الضرب المباشر مصاطب الدبابات والسواتر الترابية على الشاطىء الغربى للقناة خلال القصفة الأولى من التمهيد النيرانى ، وذلك لمنع العدو من احتلال السواتر الترابية ومصاطب الدبابات على الشاطىء الشرقى للقناة ، وشل حركة النقط الإسرائيلية الحصينة ، ولكى توفر لقواتنا فى أثناء اقتحامها للقناة ومهاجمتها للنقط الحصينة المعاونة المباشرة بإزالة الأسلاك الشائكة وحقول الألغام وتدمير الدشم والمزاغل وأبراج الملاحظة فى النقط القوية . أما المدفعية المتوسطة من مدافع عيار 130 مم وهاونزر عيار 152 مم ذاتى الحركة فكانت مخصصة للتعامل مع البطاريات الإسرائيليةالمتمركزةفى العمق . ومع بدء التمهيد النيرانى ، بدأت مجموعات اقتناص الدبابات عبور قناة السويس بواسطة قوارب مطاطية ، والقيام بمهمة تدمير دبابات العدو ومنعها من التدخل فى عمليات عبور القوات الرئيسية وحرمانها من استخدام مصاطبها بالساتر الترابى على الضفة الشرقية للقناة . ولقد أثبتت وقائع القتال أن العدو، علاوة على المفاجأةالإستراتيجية التى حاقت به ، قد لحقته أيضا مفاجأةتكتيكية ، إذ لم يتمكن من درجة الاستعداد لقواته إلى الحالة القصوى ساعة الهجوم ، ولم تحتل دباباتة الموجودة بالنسق الثانى أماكنها المحددة لها لتدعيم حصون خط بارليف وسد الثغرات التى بين نقاطه القوية . وعندما بدأت هذه الدبابات فى الساعة الثانية وعشرين دقيقة فى التقدم فى اتجاه القناة على أثر انتهاء القصفة الأولى ، من التمهيد النيرانى ونقل المدفعية قصفها إلى العمق ، تصدت لها مجموعات اقتناص الدبابات التى سبقتها فى احتلال بعض المصاطب المخصصة لها فى الخط الدفاعى الأول ، مما أدى إلى تدمير أعداد كبيرة منها بواسطة هذه المجموعات ، علاوة على القذائف التى انهمرت عليها من مدافع الدبابات والمدافع المضادة للدبابات وصواريخ مالوتكا التى كانت تحتل المصاطب والسواتر الترابية على الشاطىء الغربى للقناة . وقد فوجىء العدو بكثافة نيران المدفعية المصرية ،كما فوجئت قواته الجوية بالطائرات المصرية وهى تدك المواقع الإسرائيلية فى عمق سيناء ، إذ لم تكن هناك أى طائرة إسرائيلية فى الجو . ولكن سرعان ما بدأ رد الفعل بعد مرور خمس دقائق فقط من مهاجمة الطائرات المصريةلأهدافها ، وذلك بدفع أسراب من الطائرات الإسرائيلية التى كانت فى وضع الاستعداد فى مطارات سيناء وجنوب إسرائيل لمحاولة صد الضربة الجوية المصرية . وفى الساعة الثانية وعشرون دقيقة ، كانت المدفعية المصرية قد أتمت القصفة الأولى من التمهيد النيرانى التى استغرقت 15 دقيقة ، والتى تركزت على عمق يتراوح بين كيلو متر واحد وكيو مترونصف فى اتجاه الشرق . وفى اللحظةالتى تم فيها رفع نيران المدفعية لتبدأ القصفة الثانية لمدة 22 دقيقة على الأهداف المعادية إلى عمق يتراوح بين 1.5 و 3 كم منالشاطىء الشرقى للقناة ، وفى هذه اللحظة (س +15) بدأ عبور الموجات الأولى من سرايا النسق الأول من كتائب النسق الأول المشاة فى القوارب الخشبية والمطاطية ، وذلك فى الفواصل بين النقط الحصينة فى خط بارليف . وكانت الموجات الأولى تتكون أساساً من عناصر المشاة ومعها نقط ملاحظة الأسلحة المشتركة، وكانت مدعمة بأسلحة وقواذف خفيفة مضادةللدبابات آربى جى 7وصواريخ الكتف المضادة للطائرات سام 7 ستريلا( strella ( ،كملا زودت بسلالم حبال ليتسنى للأفراد تسلق الساتر الترابى وكذا بحبال البرلون وحبال الجر التى كان لها اثر كبير

فى معاونة المشاة فى جر المدافع عديمة الارتداد ب 10 وب 11 المضادة للدبابات والصاروخ المالوتكا والقاذف آر بى جى والصاروخ سام 7 ومدفع الماكينة المتوسط 7.62 مم ومدفع الماكينة الثقيل 1207 مم ، وفى تسلقها جميعا الساتر الرملى بنجاح وفى نفس التوقيت ، بدأت عناصر من كتائب الصاعقة التى تحت قيادة الجيوش الميدانية فى عبور القناة للعمل ضد مراكز القيادة والسيطرة للعدو ومرابض مدفعياته بهدف إفقاده السيطرة على قواته ، ولدفع الكمائن ورص الألغام على طرق اقتراب العدو وطرق تحرك احتياطياته فى اتجاه حصون خط بارليف ونقطه القوية ، ولمنع الدبابات المتحركة من العمق من التدخل فى المعارك الدائرة للاستيلاء على الحصون والنقط القوية ومع تدفق الموجات الأولى من المشاة ، بدأ الإبرار البحرى لمفرزتين من اللواء 130 المشاة الميكانيكى البرمائى المستقل ، وكانت كل منهما تتكون من كتيبة ميكانيكية مدعمة وذلك عبر البحيرة المرة الصغرى بغرض الاندفاع شرقاً والاستيلاء على مدخل مضيق الجدى ومضيق متلا بالتعاون مع قوة الإبرار الجوى التى سيتم إبرارها بطائرات الهيليكوبتر خلف خطوط العدو . وفى الساعة الثانية وخمس وثلاثين ، دقيقة ، قامت طلائع القوات التى عبرت القناة برفع أعلام جمهورية مصر العربية على الشاطىء الشرقى للقناة معلنة بدء تحرير الأرض السليبة . واستمر تدفق الموجات عبر القناة بانتظام ، بفاصل حوالى 15 دقيقة بين كل موجة وأخرى حتى الموجة الرابعة ، حيث بدأ تناقص معدل التدفق نتيجة لإرهاق الأطقم المخصصة للتجديف فى القوارب ولحدوث بعض الأعطال فيها وتسرب المياه بداخلها وقد أدى عدم انتظام تدفق موجات العبور إلى اللجوء إلى المرونة وعدم التقيد بتسلسل العبور ،ولذا أعطيت الأسبقية لعبور الأفراد والأسلحة المضادة للدبابات والمعدات التى تؤثر على سير القتال مع استخدام بعض الناقلات البرمائية K61(حمولة 3 أطنان ) لنقل الألغام . وقد تمت تعبئة الذخيرة فى عربات جر يدوية مجهزة بعجل كاوتشوك ، وبعد أن يتم تحميل هذه العربات فى القوارب يجرى تفريغها بمجرد الوصول إلى الشاطىء الشرقى ويتم عبور عربات الجر فارغة عبر الساتر الرملى ليعاد تحميلها من جديد ، حيث يواصل دفعها فى اتجاه الوحدات الأمامية . وقد اتبعت هذه الطريقة بعد فشل طريقة نقل الذحيرة وهى داخل عربات الجر عبر الساتر الرملى باستخدام سلالم الحبال ، نظراً لتهايل الساتر الرملى وسقوط عدد من هذه العربات فى القناة . وقد أدت عربات الجر دورها بنجاح فى نقل الذخيرة ، وكذا فى الإمداد بالمياه والتعينات فى المراحل التالية وحتى الساعة الرابعة والنصف مساء ، تم عبور 8 موجات من المشاة وأصبح لدينا على الشاطىء الشرقى للقناة خمسة رءوس كبارى ، قاعدة كل منها حوالى 6 كم وعمق كل منها كيلو متران ، واشتد ضغط أفراد المشاة المصريين على حصون خط بارليف ونقطة القوية . وكان الحصن المقام عند علامة الكيلو متر 19 جنوب بور سعيد (حصن لاهتزانيت Lahtzanit) هو أول الحصون التى سقطت ، وكان ذلك فى الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر ، وتوالى بعد ذلك سقوط الحصون فى أيدى قواتنا ، كما تم إسكان نيران بعض النقط القوية . وانتقل منذ هذا التوقيت العبء الرئيسى فى صد الهجمات المضادة المحلية للعدو بواسطة دباباته التى انطلقت من خط دفاعات النسق الثانى على عاتق المشاة وجماعات قنص الدبابات التى عبرت ، وليس على الأسلحة المضادة للدبابات التى كانت لا تزال على الشاطىء الغربى للقناة وكان التحطيط الذى وضعه اللواء جمال قائد سلاح المهندسين مبنياً على أساس تخصيص 60 معبراً على طول مواجهة قناة السويس ، مما كان يتطلب عمل 60 فتحة فى الساتر الرملى ، وخصص لكل معبر فصيلة مهندسين عسكريين مدعمة بعدد 5 قوارب خشبية حمولتها 105 طن و5 مضخات مياه وآلة جرف . وكانت الخطة تقضى بإقامة عدد12 ممراً فى كل قطاع كل فرقة من فرق المشاة الخمس التى عبرت بالطريقة التالية كوبرى اقتحام ثقيل حمولة 70 طناً ( لعبور الدبابات والمدفعية الثقيلة ) ، وكوبرى اقتحام خفيف حمولة 25 طناً (لعبور المركبات بأنواعها والمدفعية الخفيفة والمشاة) وكوبرى هيكلى ( لعبور بعض المركبات الخفيفة ، حتىيعتقد العدو أنه كوبرى حقيقى )، ومعديتان حمولة كل منهما 70 طناً (لنقل الدبابات ) و5 ناقلات برمائية K61وممران احتياطيان . ومع الموجة الأولى من المشاة عبرت عناصر من المهندسين إلى الشاطىء الشرقى للقناة لتأمين مرور المشاة فى حقول الألغام ، وتلا ذلك مباشرة عبور عناصر أخرى من المهندسين لتحديد محاور الثغرات فى الساتر الترابى ،وأماكن رسو القوارب التى تحمل المضخات ، وإعداد مكان الأكتاف اللازمة للترسية حسب خصائص المعبر المخصص له الممر (معبر كبارى أو معديات أو مركبات برمائية ) . ويعد عبور هذه المجموعات بخمس دقائق بدأ عبور المجموعات المكلفة بتشغيل المضخات ، وفور وصولها إلى الشاطىء الشرقى للقناة وضعت الطلمبات على المصاطب التى أعدت من قبل وفى الساعة الثالثة والنصف بدأ تشغيل الطلمبات ، واندفعت المياة من البشايير كالسيل الجارف تكتسح أمامها الرمال ، وتم فتح الثغرة الأولى فى قطاع الجيش الثانى فى زمن قياسى لم يتجاوز الساعة ، وتوالى بعد ذلك فتح الثغرات على طول مواجهه العدو . وفى نفس الوقت اندفعت مئات من العربات الضخمة المحملة بمهمات الكبارى واللنشات من أماكنها المستورة على الشاطىء الغربى إلى ساحات الإسقاط المحددة على القناة ، وعن طريق المنازل السابق تجهيزها اقتربت العربات بظهرها من سطح المياه واسقطت حمولتها من البراطيم واللنشات إلى الماء حيث بدأت وحدات الكبارى فى عمليات تركيبها وبدأت الكبارى تقام أمام الثغرات التى فتحت فى الساتى الرملى . وخلال فترة زمنية من 6 إلى 9 ساعات كانت كل الكبارى الثقيلة والخفيفة والهيكلية والناقلات البرمائية والمعديات الخاصة بالجيش الثانى قد أقيمت وفقاً للخطة المرسومة ، واندفعت على أثر ذلك الدبابات والعربات المجنزرة والمعدات الثقيلة إلى الشاطىء الشرقى للقناة . أما فى الجيش الثالث ، فقد اصطدمت عملية فتح الثغرات فى الساتر الترابى وإنشاء المعابر بعوامل عديدة معوقة وبخاصة ارتفاع الساتر وسمكه وصلابة التربة واحتوائها على عناصر كلسية مما جعل التجريف عملية شاقة ، وأدت هذه المعوقات إلى الاكتفاء بتجهيز ميول حادة فى الممرات حتى يمكن تقليل الوقت والاكتفاء بعبور الدبابات والعربات المجنزرة التى كانت الحاجة ماسة إليها فى الساعات الأولى من صباح 7 أكتوبر ، على أن يتم بعد ذلك استخدام آلات الجرف فى تخفيف حدة الميول فى الممرات المختلفة . هذا ولم يتم إنشاء كبارى الفرقة 7 مشاة من الجيش الثالث إلا فى نحو 16 ساعة بتأخير زمنى قدره سبع ساعات عن التخطيط الموضوع ، وعلى أثر ذلك عبرت دبابات الفرقة وعرباتها المجنزرة ومعداتها الثقيلة إلى الشاطىء الشرقى للقناة . ونظراً لعدم إمكان تشغيل معابر الفرقة 19 مشاة حتى ذلك التوقيت نتيجة لبعض الصعاب الفنية لأعمال العدو المضادة ، فقد قرر قائد الجيش الثالث الميدانى دفع كتائب دبابات الفرقة 19 مشاة وكتائب اللواء 22 المدرع الذى تحت قيادتها من معابر الفرقة 7 مشاة التى على يسارها . وفى حوالى الساعة الخامسة والنصف مساء ، أى قبيل الغروب ، تم إبرار 4 كتائب صاعقة بواسطة طائرات الهيليكوبتر التى كانت تطير على ارتفاع منخفض فى عمق العدو فى أماكن متفرقة داخل سيناء . ونظراً لخروج هذه الطائرات عن نطاق مظلة الصواريخ المصرية غرب القناة ، فقد استطاع العدو إسقاط عدد منها بحمولتها البشرية . وقامت الدبابات والأسلحة الثقيلة طوال الليل بالانضمام إلى وحدات وتشكيلات وقامت الدبابات والأسلحة الثقيلة طوال الليل بالانضمام إلى وحدات وتشكيلات المشاة فى منطقة رءوس الكبارى . وكانت هذه عملية شاقة نظراً لأنه كان من المطلوب انضمام آلاف من الدبابات والعربات والمدافع خلال ساعات الظلام إلى وحدتها التى عبرت من قبل . وقد بذلت الشرطة العسكرية أقصى جهد ممكن لإرشادها عن طريق تمييز الطرق ووضع علامات الإرشاد ذات الألوان المختلفة الخاصة بالتشكيلات المقاتلة . وقد نجحت هذه العملية رغم صعوبتها بسبب تدريب القوات المصرية عليها لشهور عديدة قبل المعركة حتى أتقنتها .

لماذا نجحت الضربة الجوية

إن الإعدادللضربة الجوية المركزة قد بدأت بلا شك بعد هزيمة 5 يونيو 67 مباشرة ، فقد كان لا مفر من إعادة بناء القوات الجوية من نقطة الصفر بعد تدمير معظم طائراتها ومنشآتها صباح ذلك اليوم المشئوم . وكان جميع أفراد القوات الجوية يحلمون بيوم الثأر لمحو ذلك العار الذى ألصق بسلاحهم ظلما لإخفاء مسئولية وأخطاء الذين تسببوا فى هزيمة مصر فى حرب يونيو 67 . وسنحت أول فرصة لاسترداد الطيارين ثقتهم بأنفسهم بعد 40 يوما فقط من الهزيمة ، فقد صدرت أوامر القيادة العامة فى يوليو 1967 بقصف الحشود الإسرائيلية شرق القناة وتفجير تشوينات الذخيرة الضخمة التى تمكن العدو من جمعها من المواقع المصرية فى سيناء . وانقض الطيارون المصريون بطريقة انتحارية على التجمعات الإسرائيلية بشراسة وعنف وكأنما ينفسون عما كانت تختزنه صدورهم فى ذلك الوقت من مرارة وإحساس بالظلم . وأدى القصف الجوى المركز إلى تشتت قوات العدو وانسحابها شرقاً ، وإلى حدوث انفجارات مروعة فى تشوينات الذخيرة ، واضطر الإسرائيليون إلى الاستعانة بمراقبى الأمم المتحدة طلبا لوقف إطلاق النار . واعتمد التخطيط فى إعادة بناء القوات الجوية على أسلوب علمى منظم ، وهو الإعداد السليم للعناصر الثلاثة التى تشكل الهيكل الأساسى للقوات الجوية وهى الطيارون ، والطائرات والمطارات . وكان العنصر الأول – وهو إعداد الطيارين – هو أشق هذه العناصر وأصعبها ، فإن تدريب الفرد ليكون طياراً مقاتلا كفئا هو مهمة شاقة وتحتاج إلى تدريب متواصل لفترة من أربع إلى خمس سنوات . ولم يكن العنصر الثانى – وهو امتلاك القوات الجوية للطائرات التى تكفل لها التفوق الجوى على الطيران الإسرائيلى – أمرايمكن لمصر وحدها تحقيقه ، فقد كان الاتحاد السوفيتى قبل حرب أكتوبر هو المصدر الوحيد لإمداد مصر بالسلاح ، وكانت هذه العملية تخضع لظروف سياسية بالغة التعقيد ، فهى ترتبط بالعلاقات المصرية السوفيتية من جهه ، وبسياسة وإستراتيجية الاتحاد السوفيتى كإحدى الدولتين العظميين من جهة أخرى . وعلاوة على ذلك فقد كانت الطائرات الأمريكية التى تزود بها الولايات المتحدة إسرائيل بكميات ضخمة تتميز بشكل واضح من جهة الخواص والتسليح والمعدات على الطائرات السوفيتية التى يزود بها الاتحاد السوفيتى مصر .وأدت هذه العوامل بالطبع إلى إحراز الطيران الإسرائيلى التفوق من حيث الكم والكيف على الطيران المصرى ، الأمر الذى من أجله بنيت خطة أستخدام القوات الجوية المصرية على أساس حقيقة لم يكن هناك مناص من الاعتراف بها ، وهى أنها ستعمل تحت ظروف تفوق جوى إسرائيلى . أما العنصر الثالث – وهو المطارات – فقد تم تطويرها بما يتلاءم مع تطور العمليات الجوية الحديثة ، وشملت خطة التطوير إنشاء شبكة من المطارات الجديدة فى الأراضى الصحراوية والزراعية ، وزيادة عدد الممرات ببعض القواعد الجوية المهمة . ولتجنب تدمير الطائرات ، وهى جائمة على الأرض كما جرى يوم 5 يونيو 1967 ، فقد تم إنشاء دشم حصينة فى المطارات لوقاية الطائرات من القصف الجوى ، كما تم إنشاء ملاجىء لوقاية المعدات الفنية المتطورة . ولضمان صيانة الطائرات وسرعة إصلاحها فى حالة ضربها شكلت وحدات خاصة لهذا الغرض منعاً لتعطيل أى مطار نتيجة للغارات الجوية . وقد أثبتت هذه الترتيبات كفاءتها فى أثناء الحرب ، فعلى الرغم مما أسقطه العدو من قنابل وما أطلقه من صواريخ جو أرض ، فإنه لم تصب غير دشمة واحدة من دشم الطائرات بإصابة جزئية ولم تدمر طائرة واحدة على الأرض . وعندما نجح العدو فى ضرب مطار المنصورة تمكنت وحدات الصيانة من إصلاحه فى بضع ساعات . وكانت حرب الاستنزاف فرصة ثمينة سنحت للطيارين المصريين لإثبات جدارتهم وللتدريب العملى على الاشتباك وجها لوجه مع الطائرات الإسرائيلية.وإتقان فن المناورة والانقضاض كما أتاحت لهم فرصة الضرب على الأهداف الإسرائيلية فى عمق سيناء . وخلال المرحلة التحضيرية التى سبقت حرب أكتوبر مباشرة ،كان أشد ما أثار قلق اللواء طيار محمد حسنى مبارك قائد القوات الجوية وقتئذ ، هو احتمال اكتشاف إسرائيل للتحضيرات الهجومية المصرية على الضفة الغربية للقناة مما قد يحفزها على التفكير فى توجيه ضربة إجهاض على غرار الضربة التى وجهتها فى 5 يونيو 1967 . وكان لمخاوف قائد الطيران المصرى ما يبررها . فقد اتضح فيما بعد أن القيادة العسكرية الإسرائيلية طلبت من القيادة السياسية قيام السلاح الجوى الإسرائيلى بتوجيه ضربة إجهاض فى الساعة الواحدة ظهرا يوم 6 أكتوبر ، بهدف إجهاض التحضيرات الهجومية العربية وإرغام مصر وسور يا على وقف الهجوم المنتظر ، ولكن القيادة السياسية فى إسرائيل رفضت القيام بهذه المخاطرة لمحاذير عسكريةوسياسية فى ذلك الوقت . ولمواجهة هذا الاحتمال ، كان اللواء طيار حسنى مبارك قد طلب من جميع مراكز الرصد والإنذار تسجيل جميع طلعات الطيران الإسرائيلى فى سيناء ودخل إسرائيل أولا بأول . وفى الوقت نفسه كانت هناك مظلة جوية مصرية تنتشر فى سماء مصر وترقب أى احتمال لتحركات الطيران الإسرائيلى فى اتجاه مصر . ولو كان الإسرائيليون قد قاموا بأى ضربة جوية مضادة لتحولت إلى مصيدة قاتلة لطائراتهم . وعل الرغم من أن الطيران الإسرائيلى كان فى درجة الاستعداد القصوى منذ ظهر الجمعة 5 أكتوبر بناء على الأمر الذى أصدره الجنرال دافيد أليعازر رئيس الأركان العامة إلى الجنرال بانى بيلد قائد الطيران الإسرائيلى ، ورغم أن مراكز الإنذار والرادار الإسرائيلية فى سيناء قامت برصد جميع طلعات الطيران المصرى ظهر يوم 6 أكتوبر بفضل ما تمتلكه من أجهزة إلكترونية متطورة ، فإن المفاجأة الكاملة لحقت بهم بسبب أساليب الخداع التى خططت لها بنجاح قيادة القوات الجوية ، والتى كان أبرعها بلا جدال رفع درجة الاستعداد القصوى وإعلان حالة التأهب فى جميع المطارات والقواعد الجوية المصرية فى الفترة من 22 إلى 25 سبتمبر . وخلال هذه الفترة تتابع خروج الطلعات من مطارات الدلتا والصعيد بشكل متواصل ، مما أصاب الإسرائيليين بأشد أنواع البلبلة والارتباك ، فقد اضطروا إلى إطلاق طائراتهم فى الجو كلما انطلقت أى طائرة من أى مطار مصرى وعندما لم تحدث أى هجمات جوية مصرية كما كانوا يتوقعون دب إلى نفوسهم الهدوء والاطمئنان ، فقد أيقنوا بأن طلعات الطيران المصرى إنما هى لمجرد التدريب . وعندما رصدوا خروج الطائرات المصرية من القواعد الجوية والمطارات بعد ظهر 6 أكتوبر ظنوا كالعادة أنها مجرد طلعات للتدريب ، وبذا وقعوا فى الفخ وانطلت عليهم الخدعة . وخلال الساعات الحرجة الأخيرة التى سبقت الهجوم أضاف اللواء طيار حسنى مبارك وسيلة أخرى من وسائل التمويه . فقد أجرى ترتيبات دقيقة فى القاهرة واتصالات عاجلة مع طرابلس بعد ظهر يوم الجمعة 5 أكتوبر للإعداد لزيارة أوهم المحيطين به أنه سوف يقوم بها إلى ليبيا وبرفقته بعض كبار ضباطه فى مهمة عاجلة تستغرق 24 ساعة . وعندما كان يقترب موعد إقلاع الطائرة التى تحدد فى الساعة السادسة مساء يوم 5 أكتوبر فى بادىء الأمر ، كان اللواء حسنى مبارك يؤجل الموعد المرة بعد الأخرى حتى تم تحديده نهائيا ليكون فى الساعة الثانية بعد ظهر 6 أكتوبر ، أى فى نفس الموعد المحدد لبدء الحرب . وفى الساعة التاسعة والنصف صباح يوم 6 أكتوبر دعا اللواء حسنى مبارك قائد القوات الجوية إلى اجتماع عاجل فى مقر قيادته ،وألقى عليهم التلقين النهائى لمهمة الطيران المصرى ، وطلب منهم التوجه إلى مركز العمليات الرئيسى كى يأخذ كل منهم مكانه هناك استعداداً لتنفيذ الضربة الجوية المنتظرة التى كان نجاحها يعنى نجاح خطة المفاجأة المصرية وبدء معركة التحرير .وفى الساعة الثانية بعد ظهر السادس من أكتوبر انطلقت أكثر من 200 طائرة مصرية من 20 مطاراً وقاعدة جوية فى مختلف أرجاء الجمهورية . وعن طريق الترتيبات الدقيقة والحسابات المحكمة التى أجرتها قيادة القوات الجوية تم لهذا العدد الضخم من الطائرات عبور خط المواجهة على القناة فى لحظة واحدة على ارتفاعات منخفضة جدا . وكانت أسراب المقاتلات القاذفة والقاذفات المتوسطة تطير فى حماية أسراب المقاتلات . وقد استخدمت الضربة التى تركزت على الأهداف الإسرائيلية الحيوية فى عمق سيناء طائرات من طراز ميج 17 وميج 21 وسوخوى 7 وسوخوى 20 . وفى الساعة الثانية وعشرين دقيقة عادت الطائرات المصرية بعد أداء مهمتها خلال ممرات جوية محددة تم الاتفاق عليها بين القوات الجوية وقيادة الدفاع الجوى من حيث الوقت والارتفاع . هذا وقد نجحت الضربة الجوية فى تحقيق أهدافها بنسبة حوالى 90 %، ولم تزد الخسائر على 5 طائرات مصرية . وكانت نتائج الضربةوفقا لما ورد فى المرجع الموثوق بصدقها هى شل ثلاثة ممرات رئيسية فى مطارى المليز وبير تمادا بالإضافةإلى ثلاثة ممرات فرعية وإسكات حوالى 10 مواقع بطاريات صواريخ أرض جو من طراز هوك وموقعى مدفعية ميدان ، وتدمير مركز القيادة الرئيسى فى أم مرجم ومركز الإعاقة والشوشرة فى أم خشيب وتدمير مإسكات عدد من مراكز الإرسال الرئيسة ومواقع الرادار .

وقد اشتركت بعض القاذفات التكتيكية ( إل 28 ) فى الضربة الجوية ، وركزت قصفها على حصن بودابست الإسرائيلى ( من حصون خط بارليف ، ويقع على الضفة الرملية شرق مدينة بور فؤاد ) . وكان من المقرر القيام بضربة جوية ثانية ضد العدو يوم 6 أكتوبر قبل الغروب ، ولكن نظراً لنجاح الضربة الأولى فى تحقيق كل المهام التى أسندت إلى القوات الجوية ، فقد قررت القيادة العامة إلغاء الضربة الثانية . وقد اضطرت القيادة الإسرائيلية الجنوبية فى سيناء إلى استخدام مركز القيادة الخلفى بعد ضرب المركز الرئيسى فى أم مرجم ،كما أصبح مركز الإعاقة والشوشرة فى العريش هو المركز الوحيد المتبقى لإسرائيل فى سيناء بعد تدمير مركز الإعاقة والشوشرة فى أم خشيب ، مما أتاح حرية العمل للطائرات المصرية فى سماء المعركة وفى تلقيها التوجيهات الملاحية بكفاءة ودقة تامتين .

الحصار البحرى الإستراتيجى لإسرائيل

كانت القوات البحرية المصرية فى الفترة التى سبقت حرب يونيو 1967قد أسندت إليها مسئولية تنفيذ القرار السياسى الذى أصدره الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فى 18 مايو بإنهاء وجود قوات الطوارىء الدولية على أرض مصر وإغلاق خليج العقبة فى وجه السفن الإسرائيلية ، ولذا تركز اهتمام قيادة القوات البحرية وقتئذ على تجميع قوة بحرية متوازنة بهذه المنطقة للسيطرة على الملاحة بمدخل خليج العقبة ، خاصة بعد ما أذيع من أن بعض الدول البحرية قررت إرسال بعض قطع أسطولها لاقتحام خليج العقبة بالقوة وتحدى القرار الذى أعلنه الرئيس المصرى . وقد تمكنت البحرية المصرية من تنفيذ هذه المهمة الصعبة بكفاءة عالية ، وسيطرت بالفعل على المياه التى تشرف على خليج العقبة . وحاولت أجهزة الدعاية الإسرائيلية بعد حرب يونيو 67 الترويج بأن إسرائيل قد تمكنت بخطة خداع ماكرة من اجتذاب الوحدات البحرية المصرية إلى البحر الأحمر لإبعادها عن البحر المتوسط . وعلى الرغم من أن القطع البحرية المصرية أصبحت عقب انتهاء الحرب وإغلاق قناة السويس عاجزة عن العودة إلى قواعدها بالبحر المتوسط ، فإن ذلك الوضع قد أدى إلى تغيير جذرى فى ميزان القوى بالبحر الأحمر لصالح البحرية المصرية ، كما كان له فضل كبير فى تجميع القوة البحرية التى تمكنت بعد حوالى ست سنوات من فرض حصار إستراتيجى محكم على إسرائيل فى البحر الأحمر وخليج العقبة . وفى 21 أكتوبر 1967 ، أى بعد أقل من خمسة أشهر على انتهاء حرب يونيو 1967 ، تم إغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات بواسطة لنشات الصواريخ المصرية . ولم تكن عملية إغراق إيلات فى مياه بور سعيد مجرد معركة بين وحدات بحرية مصرية وإسرائيلية ، بل إنها كانت تمثل حدثا ً مهما اهتزت له الأوساط البحرية . على المستوى العالمى . فقد ثبت أن الصواريخ سطح سطح قد أصبحت سلاحاً فعالاً وذا تأثير خطير على نتائج المعارك البحرية ، وأنها باتت تشكل تهديداً سافرا ضد أضخم القطع البحرية . وخلال حرب الاستنزاف . قامت القوات البحرية ببعض عمليات لا مثيل لها فى الجرأة ، فقد أغارت الضفاضع البشرية المصرية على ميناء إيلات أربع مرات ، وأصابت الميناء الإسرائيلى بخسائر جسيمة فى السفن والأفراد ، كما قامت المدمرات المصرية بقصف بعض الأهداف الحيوية على ساحل العدو . هذا ولم يتولد التخطيط لعملية إغلاق باب المندب فجأة فى الفترة التى سبقت الحرب ، بل إن التخطيط لهذه العملية الإستراتيجية الكبرى بدأ فى الواقع فى أكتوبر 71 أى قبل عامين من نشوب الحرب ، فقد تم إيفاد مجموعة من الخبراء البحريين المصريين إلى منطقة جنوب البحر الأحمر لإعداد الدراسات التفصيلية للموقفين البحرى والجوى فى هذه المنطقة . وفى مايو 1973 تم وضع الخطة التفصيلية وتنسيقها بين القيادات العليا . ومن أجل خداع إسرائيل عن حقيقةالنوايا المصرية ، أرسلت القطع البحرية المصرية فى زيارات مختلفة لبعض الموانى العربية والأجنبية كى تعاد إسرائيل على تحركات هذه القطع البحرية فى اتجاه الجنوب ، وحتى لا يثير تحركها عندما يأزف الموعد المحدد شبهات إسرائيل وشكوكها . وبناء على أمر اللواء بحرى فؤاد أبو ذكرى قائد القوات البحرية تم خروج قوة بحرية تتكون من بعض المدمرات والغواصات ولنشات الصواريخ فى أول أكتوبر 1973من أماكن رسوها فى البحر الأحمر إلى عرض البحر مع الإعلان بأن وجهتها هى الباكستان لإجراء عمرة ولإصلاح بعض الأجهزة والمعدات الحيوية بها . وكان خروج هذه القوة البحرية لتتخذ أوضاع القتال فى باب المندب وتستعد للقيام بالمهام المحددة لها وفقا للتلقين الذى تلقاه قادتها ، يعنى أن الحرب قد بدأت بالنسبة لهذه القوة منذ أول أكتوبر ، فقد فرضت لأغراض المن والسرية ضرورة التزام هذه القطع البحرية بصمت اللاسلكى طوال مدة إبحارها حتى لا يلتقط العدو الإشارات اللاسلكية المتبادلة بينها وبين قيادتها ويضيع عامل المفاجأة ، ولم تكن هناك أى وسيلة للاتصال بهذه القطع البحرية إلا بعد بدء العمليات الفعلية فى 6 أكتوبر وكسر صمت اللاسلكى . وللتأكيد على القيادة العامة بهذه الحقيقة ،اتصل اللواء بحرى فؤاد أبو ذكرى بالقيادة العامة قبل خروج القوة البحرية فى أول أكتوبر لإفادتها بأنه عقب إبحار هذه القوة لن تصبح لديه أى وسيلة للاتصال بها وعندما نشبت الحرب فى الساعة الثانية بعد ظهر السادس من أكتوبر ،تم إبلاغ القوة البحرية المصرية التى كانت قد وصلت إلى مياة باب المندب بالكلمة الكودية عن طريق اللاسلكى لكى تبدأ فى تنفيذ المهام الموكلة إليها . وبهذا سددت البحرية المصرية ضربة إستراتيجية كبرى إلى إسرائيل لم تكن تخطر لها على بال ،فقد تمت سيطرة القطع البحرية المصرية على مضيق باب المندب ( المدخل الجنوبى للبحر الأحمر ) ، وظهرت فجأة المدمرات والغواصات ولنشات الصواريخ لتباشر حق التفتيش واعتراض السفن التجارية التى ترفع العلم الإسرائيلى وكذا السفن الأخرى من مختلف الجنسيات التجهة إلى إسرائيل ، وهو حق يكفله لها القانون الدولى . وقد قطعت البحرية المصرية بهذا الحصار الذى فرضته ، الشريان الحيوى لإسرائيل الذى يربطها بإفريقيا وآسيا والذى اتخذته فى حربى 1956 و 1967 ذريعة لكى تمنع سيطرة مصر على مضايق تيران وشرم الشيخ على مدخل خليج العقبة حتى لا تقطع مصر عنها الطريق إلى ميناء إيلات . لقد أفاد العمق الإستراتيجى للوطن العربى القطع البحرية المصرية وهيأ لها إمكانات ممتازة من حيث التمركز فى موانى صديقة والتزود بكل حاجاتها من الوقود والطعام والمياه ، وكان اختيار مضيق باب المندب المتحكم فى المدخل الجنوبى للبحر الأحمر لفرض الحصار البحرى على إسرائيل والتعرض لخطوط مواصلاتها البحرية عملا إستراتيجياً بارعاً ، إذ لم لم يكن فى مقدرة الطائرات الإسرائيلية ولا القطع البحرية الإسرائيلية الوصول إلى هذا المضيق الذى يبعد عنها أكثر من 2500 كم للقيام بعملية فك الحصار . وقد أثرت هذه الصدمة العنيفة على القيادات الإسرائيلية إلى الحد الذى جعل موشى ديان وزير الدفاع يأمر بمنع نشر أى أنباء عن الحصار البحرى المصرى فى أى وسيلة من وسائل الإعلام الإسرائيلى . وفى الوقت الذى عجزت فيه البحرية الإسرائيلية عن المساس بأمن وسلامة حرية الملاحة إلى المانى الرئيسة المصرية خاصة الإسكندرية على البحر المتوسط وسفاجة على البحر الأحمر ، مما جعل هذه الموانى تستمر فى العمل بحالتها الطبيعية وبنفس طاقاتها المعتادة . كانت نتائج إغلاق باب المندب هى قطع الإمدادات تماما عن ميناء إيلات أى أن نسبة نجاح عمليات البحرية المصريةفى البحر الاحمر وصلت إلى 100%أما فى البحر المتوسط ، فإنه نتيجة لقيام وحدات الأسطولالمصرى بنشر وفتح الغواصات والمدمرات وبث الألغام استطاعت تحقيق مهمة قطع خطوط المواصلات إلى الموانىء الإسرائيلية الواقعة على هذا البحر بنسبة تجاوزت 80 %مما يعد نجاحاً باهراً للقوات البحرية المصرية . وفضلا عن ذلك اشتركت البحرية المصرية فى عملية التمهيد النيرانى للمدفعية التى بدأت فى الساعة الثانية وخمس دقائق فى يوم 6 أكتوبر ، فقد قصفت المدفعية الساحلية فى بور سعيد نقطة العدو الحصينة شرق بور فؤاد (كان الإسرائيليون يطلقون عليها أسم حصن بودابست ) وكذا النقطةالحصينة عند الكيلو متر جنوب بورفؤاد فى منطقة رأس العش (كان الإسرائيليون يطلقون عليها أسم حصن أوركال ) ،كما قصفت المدفعية الساحلية فى السويس الأهداف المعادية التى كانت تواجه قطاع الجيش الثالث وقامت لنشات الصواريخ بتوجيه صواريخها ضد تجمعات العدو فى رمانة ورأس بيرون على ساحل البحر المتوسط وعلى خليج السويس وجهت اللنشات صواريخها على أهداف العدو الحيوية فى رأس سدر ، وهاجمت الضفاضع البشرية منطقة البترول فى بلاعيم ، وتمكنت من تعطيل الحفار الضخم بها وعلى مدخل مضيق تيران فى خليج العقبة وجهت اللنشات صواريخها ضد أهداف العدو فى شرم الشيخ ورأس محمد وقامت وحدات بث الألغام بإغلاق مدخل خليج السويس إلى إيلات . ولقد كان لإغراق لنشات الصواريخ المصرية المدمرة الإسرائيلية إيلات يوم 21 أكتوبر 1967 أثر كبير فى تغيير الفكر الإستراتيجى البحرى على المستوى العالمى . وفى إسرائيل ابتعد التفكير عن حيازة القطع البحرية الكبيرة ، وأخذت تبنى قوتها البحرية على أساس أن اللنشات الصغيرة السريعة والمسلحة بصواريخ سطح سطح هى أساس القوة الضاربة فى البحرية الإسرائيلية . وقد اشترت لهذا الغرض 12 قارباً من طراز سعر SAARمن فرنسا ، وبدأت فى أوائل عام 1973 فى بناء نوع جديد من اللنشات السريعة فى الترسانة البحرية بميناء حيفا أطلق عليه أسم رشيف Reshef، وقد تم تسليح جميع هذه اللنشات بالصواريخ سطح سطح من طراز جبراييل التى قامت بتصنيعها محليا . وقد وقعت عدة اشتباكات بين لنشات من طراز جبراييل التى قامت بتصنيعها محليا . وقد وقعت عدة اشتباكات بين لنشات الصواريخ المصر ية والإسرائيلية قرب بور سعيد وأبى قير وشمال دمياط ، وانتهت بإغراق عدد من لنشات الطرفين

دور المهندسين العسكريين فى ملحمة العبور

إن العبور العظيم الذى تم يوم 6 أكتوبر عام 1973 والذى عبر به العرب من مذلة الهزيمة إلى قمة النصر كان فى مرحلته الأولى عملية مهندسين بحتة ، ولولا فتح الثغرات فى الساتر الترابى على الضفة الشرقية وتركيب الكبارى الثقيلة والخفيفة لعبور المدرعات والمركبات ، وإقامة كبارى الاقتحام لعبور المشاة ، وتجهيز وتشغيل المعديات لنقل الدبابات والأسلحة الثقيلة ، وتشغيل آلاف القوارب التى حملت عشرات الألوف من أفراد المشاة إلى الشاطىء الشرقى للقناة – لولا كل هذه المهام التى قام بها المهندسون فى وقت واحد تقريبا وتحت سيل منهمر من نيرا ن وقذائف وصواريخ العدو من البر والجو لما أمكن لملحمة العبور أن تتم ، ولما تيسر إقتحام قناة السويس أصعب مانع مائى فى العالم خلال ساعات معدودة على مواجهه حوالى 160 كيلو مترا بقوة خمس فرق مشاة تتكون من حوالى 80 ألف جندى بكامل معداتهم وأسلحتهم ومركباتهم فى 12 موجة متتالية ، مستخدمين المعابر والتجهيزات التى أعدها المهندسون لهم لعبور القناة ، ولتعزيز مواقعهم على الشاطىء الشرقى لها فور وصولهم . وكان الذين هيئوا للقوات المصرية فرصة إحراز ذلك النصر العظيم هم ضباط وجنود 35 كتيبة مهندسين من مختلف التخصصات قاموا بعمل خارق كان أشبه بالمعجزات وبعد تطوير أسلحة القتال وإدخال الدبابات والمركبات البرمائية ضمن تنظيم التشكيلات البرية ، لم تعد الأنهار والقنوات تشكل عائقاً كبيرا أمام الجيوش الحديثة كما كان الحال فى الماضى ، إذ أصبح فى مقدور التشكيلات المدرعة والميكانيكية أن تقتحم الموانع المائية بالهجوم من الحركة وعلى مواجهة واسعة عن طريق دفعها لمفارز برمائية أمامها تتولى عبور المانع مباشرة وتقوم بإنشاء رءوس الكبارى الثقيلة والخفيفة التى تعبر عليها القوات الرئيسية بمجرد وصولها إلى المانع المائى . ولا تستغرق عملية تركيب الكبارى الحديثة المتطورة فى الوقت الحاضر أكثر من ساعة ونصف الساعة على أكثر تقدير ، مما يجعل عمليات أقتحام الموانع المائية فى الجيوش الحديثة عملية عادية وخالية من أى تعقيد .. ولكن الوضع بالنسبة للقوات المصرية غرب قناة السويس كان مختلفا أشد الأختلاف ، بل كان على أبلغ درجة من الصعوبة والتعقيد ، إذ كانت القناة فى حد ذاتها تعتبر مانعا مائياً فريدا فى طبيعتة ولا تماثل غيرها من الموانع المائية فى العالم ، كما أن الكبارى البر مائية المتطورة الموجودة فى الجيوش الحديثة لم يكن لها وجود لدى وحدات المهندسين فى مصر ، بل كان كل ما فى حوزتها كبارى قديمة الطراز من النوع الذى استخدم فى الحرب العالمية الثانية ، وبهذا اصبح عبور القوات المصرية للمانع المائى الهائل الذى يواجهها أمرا يكاد يكون مستحيلا سواء من وجهة نظر الأصدقاء أو الأعداء . وقد ثبت أن موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلى خلال حرب أكتوبر ، وفى إحدى المناقشات التى دارت فى رئاسة الأركان الإسرائيلية حول احتمالات عبور المصريين للقناة قال فى صلف وغرور : ( لكى يعبر المصريين قناة السويس ، فإنه يلزمهم سلاح المهندسين الأمريكى وسلاح المهندسين السوفيتى مجتمعين لمساعدتهم فى ذلك ) كما ذكر اللواء جمال على مدير سلاح المهندسين خلال حرب أكتوبر ، أن كبير الخبراء السوفيت قال له ذات مرة قبل رحيل الخبراء السوفيت عن مصر – وهما يتطلعان معا إلى الساتر الترابى الهائل الحجم على الشاطىء الشرقى للقناة : ( إنكم تحتاجون إلى قنبلة ذرية لفتح ثغرة فى هذا الساتر ) ولكن العقل المصرى وما يتميز به من القدرة على الابتكار والإبداع أمكن له القيام بجميع التحضيرات والإنجازات المطلوبة والتغلب على جميع المصاعب والمشكلات ، وتم للقوات البرية المصرية اقتحام القناة دون الحاجة لا إلى تفجير قنبلة ذرية ولا للاستعانة بسلاح المهندسين الأمريكى أو السوفيتى . هذا ويبلغ طول قتاة السويس من بور سعيد شمالا إلى السويس جنوبا نحو 160كيلو مترا،ويتراوح عرضها ما بين 180و 200متر ، ويبلغ عمقها نحوا من 14 – 18 مترا وهى لا تصلح للعبور فى بعض المناطق بقوات كبيرة ، مثل المنطقة الشمالية ما بين بور سعيد حتى جنوب رأس العش ، نظرا لوجود مستنقعات مالحة على الشاطىء الشرقى لا تصلح لسير المركبات ، وكذا منطقة البحيرات المرة نظرا ً لاتساع مسطحها المائى ؛ ولذا فإن أكثر المناطق صلاحية لعبور قوات كبيرة وتأمين طرق إمدادها بواسطة إقامة جسور عائمة ومعديات وكبار هى التى تقع ما بين مدينة القنطرة شمالا إلى مدينة الإسماعيلية جنوبا ، ثم من جنوب بحيرة التمساح حتى شمال البحيرات المرة ، وأخيرامن جنوب البحيرات المرة حتى مدينة السويس وتعد القناة مانعاً صعباً نظراً لأن أجنابها حادة الميل ومكسوة بالدبش والحجارة لمنع انهيار الأتربة والرمال إلى القاع ، مما يجعل من الصعب على أى مركبة برمائية أن تعبرها إلا إذا تم نسف أكتاف الشاطىء وتجهيز منزل ومطلع تستطيع المركبة البرمائية أن تستخدمهما فى النزول إلى الماء والخروج منه . أما بالنسبة للتربة والرمال الناتجة من عمل الكراكات التابعة لهيئة القناة والتى كانت تستخدم قبل حرب يونيو 1967 فى أعمال تطهير القناة وتعميقها لإمكان استقبال سفن ذات غاطس كبير ، فقد كانت تلقى كلها على الضفة الشرقية للقناة باعتبارها صحراء جرداء وغير مأهولة بالسكان ، وقد شكلت هذه الرمال حاجزا يتراوح ارتفاعه ما بين 6 -10 أمتار . وقد زاد المهندسون الإسرائيليون ارتفاع هذا الساتر الترابى إلى حوالى 20-25 مترا فى الأماكن المحتمل اختيارها للعبور ، وبالتالى أصبح الساتر الترابى جزاء مكملا لسلسلة النقاط الحصينة التى أقيمت فى أثناء حرب الاستنزاف على امتداد القناة والتى عرفت بأسم خط بارليف ، وعمل الإسرائيليون بعد ذلك على زحزحة هذا الساتر الترابى إلى القناة حتى أصبح ميله يتقابل مع ميل شاطىء القناة ، وبذا انعدم وجود أى كتف ظاهر أو مصطبة على الشاطىء الشرقى ، وكانت درجة ميل هذا السد الهائل تتراوح ما بين 45 إلى 65 درجة ، وعلاوة على ذلك كانت هناك صعاب طبيعية أخرى إذ إن سرعة اتجاه تيار الماء فى قناة السويس تتبدل أربع مرات يوميا ، كما أن المد والجزر فيها يخلق فرقا فى ارتفاع سطح المياة يتراوح بين نصف متر ومترين ، ولذا فإن الوقت الملائم للعبور يصبح محدودا نسبيا من حيث توافر الوقت المناسب من ناحية سرعة التيار وحالة المد والجزر . وفى أثناء إنشاء تحصينات خط بارليف توصل المهندسون العسكريون الإسرائيليون إلى ابتكار نظام يمكن به عن طريقإشعال النابالم السائل تحول أجزاء كاملة من القناة إلى شعلة من النار واللهب . وكانت الفكرة من إستخدام هذا النظام هى بث الرهبة فى نفوس المصريين على الشاطىء الغربى للقناة ليكفوا عن التفكير فى عبور المانع المائى الذى أصبح من المنتظر أن يعلوه مانع آخر من اللهب أشد منه صعوبة وخطراً ، ويمكن أن يؤدى إلى أحتراقهم بناره . ولتنفيذ هذه الفكرة الجهنمية بنوا خزانات يسع الواحد منها 200 طن من النابالم السائل . ووصلوا هذه الخزانات بخراطيم ممتدة من الخزانات إلى سطح القناة . ونظراً لأن كثافة النابالم أقل من كثافة الماء فإنه يطفو على السطح ، فإذا اشتعل بطريقة كهربائية عن طريق جهاز خاص داخل الحصون الممتدة فى نطاق خط بارليف أو بواسطة إلقاء قنبلة فوسفورية ، تحول سطح المياة إلى قطعة من الجحيم ، ومع استمرار تدفق النابالم تظل المياة مشتعلة . وقد حرصت القيادة الجنوبية للقوات الإسرائيلية على إجراء تجربة عملية يوم 28 فبراير 1971 بواسطة التجهيزات المقامة فى النقطة القوية فى الدفرسوار ليمكن خلق تأثير سيكولوجى رهيب على القوات المصرية . واسترعت تلك التجربة – كما توقع الإسرائيليون أنـظار الوحدات المصرية المرابطة أمام مكان التجربة على الشاطىء الغربى للقناة . وانتقل النبأ بسرعة إلى القيادة العسكرية الأعلى ،حتى وصل إلى القيادة العامة بالقاهرة . وانشغلت القيادة العامة بهذه المشكلةالجديدة التى لم تكن فى الحسبان ،والتى تهدد عملية العبور بأخطار فادحة ، وبدأت فى دراسة الوسائل العلمية التى يمكن بها التغلب عليها . ذلك كان المانع المائى الذى كان على القوات المسلحة المصرية اقتحامه والتغلب على مشكلاته المستعصية . وقد قام اللواء جمال على مدير سلاح المهندسين وأفراد سلاحه بالعمل على حل هذه المشكلات إلى أن تم لهم بالشجاعة والمثابرة والصبر التغلب عليها جميعا . وقد ظل المهندسون العسكريون المصريون أكثر من خمس سنوات يبذلون جهودهم الجبارة ومحاولاتهم المتواصلة لإيجاد الحلول السليمة لمشكلات العبور الصعبة . وقبل حلول 6 أكتوبر 1973 كانت جميع المشكلات قد حلت ،وجميع المصاعب قد ذللت وكانت أهم هذه المشكلات وأعقدها ما يلى :


اولا :فتح الثغرات فى الساتر الترابى : كان من واجب المهندسين الاهتداءإلى أسلوب عملى لفتح الثغرات فى الساتر الترابى الهائل الذى يمتد على طول الشاطىء الشرقى للقناة حتى يمكن عند بدء العبور إقامة وتشغيل الكبارى والمعديات ، وحتى تجد مركبات القتال من دبابات وعربات وجرارات ثقيلة للمدفعية والصواريخ ميولا رأسية تستطيع استخدامها لاجتياز الساتر الترابى . وقد تم إعداد وتجهيز جزء من فرع دمياط بالقرب من القناطر الخيرية ليماثل قناة السويس تماماً من حيث المواصفات وبنفس ارتفاع الساتر الترابى على الضفة الشرقية للقناة . وقد أجريت من أجل التوصل إلى الحل المطلوب مئات التجارب ، واستحدثت شتى الوسائل والأساليب التى كان من ضمنها : النسف بالمفرقعات ، واستعمال البلدوزرات ، والقصف بالطيران ، والرمى بالمدفعية والصواريخ ، إلا أن كل هذه التجارب فشلت فى تحقيق النتائج المطلوبة . وكانت مجموعة من الضباط والمهندسين برئاسة مدير السلاح قد انهمكت فى البحث عن وسيلة عملية أخرى لحل هذه المشكلة المستعصية التى كانت تهدد عملية اقتحام قناة السويس بالتوقف التام . وفى ينيو 1971 تقدم مدير السلاح باقتراح جديد للقيادة وهو استخدام طريقة التجريف بالمياة بواسطة الطلمبات لفتح الثغرات فى الساتر الترابى . وكانت الفكرة سهلة وبسيطة ، ولقد سبق لبعض المهندسين العسكريين مشاهدتها أثناء عملهم فى مشروع السد العالى بأسوان ،إذ تمكن المهندسون السوفيت بهذه الوسيلةمن إزاحة جبل رملى من متخلفات الحفر كان حجمه يبلغ حوالى 5 ملايين متر مكعب من مكانه إلى مكان آخر يبعد عنه نحو خمسة كيلو مترات ، ووفروا بذلك الكثير من الجهد والمال والوقت . ولكن الطلمبات السوفيتية لم تكن تصلح للاستخدام فى مسرح العمليات بالقناة لضخامة حجمها وثقل وزنها وتعذر نقلها إلى الشاطىء الآخر ، لذا نبتت فكرة استخدام طلمبات مياه خفيفة الوزن قوية الدفع لتغذية مدافع المياة خلال الخراطيم المتصلة بها ، وهو نظام مماثل لنظام إطفاء الحرائق . وقام المهندسون بعمل تجربة لاخيبار الأسلوب الجديد الذى اقترحوه ، واستخدموا فيه ثلاث مضخات مياة صغيرة إنجليزية الصنع ، وكللت التجربة بالنجاح . وكان واضحا أنه كلما زاد ضغط المياة زاد تهايل الرمال وبالتالى سرعة فتح الثغرة ، وبعد عدة تجارب أتضح أن كل متر مكعب من المياه يزيح مترا مكعبا من الرمال ، وأن العدد المثالى لكل ثغرة هو خمس مضخات . وبناء على ذلك تقرر منذ منتصف عام 1971 أن يكون أسلوب المهندسين فى فتح الثغرات فى الساتر الترابى هو أسلوب التجريف (ضغط المياة ) . وتقرر على أثر ذلك شراء 300 مضخة مياة إنجليزية الصنع حيث وصلت خلال عامى 1971 و1972 . وفى أوائل عام 1972 تقرر شراء 150 مضخة أخرى ألمانية الصنع من شركة دوبتس الألمانية بجوار مدينة كولون بألمانيا الغربية ، نظرأً أنها أكثر قوة من المضخة الإنجليزية . وبتخصيص ثلاث مضخات إنجليزية ومضختين ألمانيتين لكل ثغرة ، ثبت أنه من الممكن إزاحة 15الأت00 متلر وبعدد مكعب من ربة خلال ساعتين من الأفراد يتراوح ما بين 10 -15 فردا فقط . وكان ذلك يعتبر حلا عمليا وسهلا ، وتم عن طريقه تلافى جميع عيوب الطرق السابقة . ومما يثير الدهشة أنه رغم إجراء عشرات التجارب على أسلوب فى فتح الثغرات الساتر الترابى بطريقة التجريف ، فإن الإسرائيليين لم يفطنوا إلى أن المهندسين المصريين قد توصلوا إلى هذا الأسلوب الجديد فى فتح الثغرات ، وفوجئوا به مفاجأة تامةيوم 6 أكتوبر 1973 . وكان نظام التشغيل يقضى بوضع الطلمبات فى قوارب يستقلها أطقم من المهندسين لترافق قوارب المشاة فى الموجات الأولى من الأقتحام ، وعند الوصول إلى الشاطىء يمد جنود المهندسين مصاطب بسيطة لوضع مدافع المياه عليها ، وعن طريق تشغيل الطلمبات تندفع المياة بقوة هائلة للبدء فى عمل الفتحات . وكانت ترافق قوارب الطلمبات قوارب خاصة لحمل الوقود اللازم لتشغيلها ، وكانت تقف بجوارها لسرعة إمدادها بالوقود عن طريق خراطيم خاصة لهذا الغرض ثانيا  : إنشاء المعديات والكبارى لم يكن لدى سلاح المهندسين عقب حرب يونيو 1967 سوى عدد محدود من الكبارى السوفيتية الصنع ، وهى الكبارى الثقيلة من طراز TPP( لعبور الدبابات وجرارات المدافع والصواريخ ) والكبارى الخفيفة LPP(لعبور المركبات الخفيفة الحركة ) . وكانت هذه الكبارى بنوعيها من الطراز القديم الذى سبق استخدامه فى الحرب العالمية الثانية والتى يستغرق تركيبها ما لا يقل عن خمس ساعات ، ولم يحاول السوفيت إمداد سلاح المهندسين بالكبارى البرمائية الحديثة التى لا يستغرق تركيبها أكثر من ساعة ونصف الساعة . ولم تكن كمية الكبارى التى فى حوزة سلاح المهندسين تزيد على نصف الكمية اللازمة لعبور قوات الجيشين الثانى والثالث . ولكن مخازنه كانت تضم عددا من الكبارى الإنجليزية الصنع من طراز بيلى سبق الاستيلاء عليها من مخزن القاعدة البريطانية بقناة السويس عقب العدوان الثلاثى عام 1956. ونظراً لانها كانت مصممة للاستخدام فى الخطوط الخلفية وكان تركيب الكوبرى الواحد منها يستغرق 24 ساعة لذلك لم يكن فى الفكر الهندسى أمكن تحويل كبارى البيلى الإنجليزية الثقيلة إلى كبارى اقتحام لا يستغرق الإمكان من الناحية التكتيكيةاستخدامها فى عملية عبور القناة . وعلى أثر دراسات تمت على أعلى مستوى من تركيبها أكثر من بضع ساعات ، وذلك باستخدام البراطيم الخاصة بها فقط والاستغناء عن باقى أجزائها . ولكى يمكن استخدامها لتكون كبارى اقتحام تم تخصيص عربات نقل ضخمة لحمل بر اطيمهابنفس الطريقة المستخدمة فى تحميل البراطيم السوفيتية . ولاستكمال النقص الموجود فى عدد الكبارى تم تشغيل عدد من البراطيم ( وفقا للتصميم السوفيتى ) مع بعض المعدات الفنيةالأخرى المصنعة محليا فى مصانع وورش شركات القطاع العام تحت إشراف سلاح المهندسين بما حقق الزيادة المطلوبة فى عدد الكبارى . ونتيجة لذلك أصبحت الكبارى التى يمتلكها سلاح المهندسين يتكون ثلثها من طراز سوفيتى الصنع ،وثلثها من طراز إنجليزى الصنع ،فى حين كان الثلث الآخر صناعة مصرية خالصة . وكانت المعديات raftsالمصممة للانتقال ما بين الشاطئين عن طريق جرها باللنشات يتم إنشاؤها عن طريق تجميع عدد من البراطيم pontoons، وكانت المعديات مخصصة كى تستخدم فى نقل بعض الدبابات والأسلحة الثقيلة ذات الأسبقية الأولى إلى الشاطىء الشرقى للقناة بعد إتمام فتح الثغرات فى الساتر الترابى وقبل ساعتين من موعد البدء فى تشغيل الكبارى . وبعد إتمام تشغيل الكبارى كانت المعديات مصممة لاستخدامها كوسيلة معاونة وتبادلية لها . وكانت الكبارى تتكون من عدد من المعديات التى تضم بعضها إلى بعض حسب طول الكوبرى ،وفى حالة ضرب أجزاء من الكوبرى بواسطة الطائرات الإسرائيلية كانت الخطة موضوعة على أساس أن المعديات التى أصيبت يستبدل بها على الفور معديات احتياطية . واستعداداً لإقامة الكبارى على القناة ، تم تجهيز ساحات الإسقاط لوحدات الكبارى على الضفة الغربية للقناة ، وكذا المنازل اللازمة لاستخدام المعديات ،وذلك على طول المواجهة من شمال القنطرة إلى السويس على مسافات متساوية حتى لا يتمكن العدو من تحديد قطاعات العبور مبكرا ،فيركز جهوده ضدها بما يفسد عملية العبور أو يحبطها . أما عبور المشاة فى المرحلة الأولى من العملية لتأمين رءوس الكبارى ، فكان الأمر يستلزم تدبير 2500 قارب ،وقد أمكن للمهندسين إعداد هذه الكمية الضخمة بفضل تصنيع نصفها محليا فى مصانع وورش شركات القطاع العام ، ولمعاونة المشاة فى تسلق الساتر الترابى على الشاطىء الشرقى للقناة ، ابتكر المهندسون سلالم من الحبال ،وهى تشبه السلالم المستخدمة فى الوحدات البحرية ؛ إذ إن أجنابها من الحبال ،ولكن درجاتها من الخشب ،بحيث يسهل طيها وحملها ،ثم فردها على الساتر الترابى ،وبذلك يستطيع جندى المشاة ان يتسلق الساتر الترابى دون ان تغوص قدماه فى التراب ،كما أنه بوضع سلمين متجاورين يمكن جر المدافع وعربات الجر التى كانت ترافق المشاة فوق هذا الساتر دون أن تغوص عجلاتها فى الرمال . وقد تم تصنيع سلالم الحبال وزلاقات خاصة من الصاج فى ورش سلاح المهندسين . ورغم بساطة هذه المهمات ،فإنها حققت نجاحا كبيرا إذ مكنت قواتنا خلال الفترة من بدء تشغيل الكبارىوالمعديات أن تنتقل أعدادا كبيرة من الأسلحة الخفيفة المضادة للدبابات والرشاشات المتوسطة والرشاشات المضادة للطائرات وصناديق الذخيرة وغيرها من الأسلحة والإمدادادت اللازمة للمشاة فى الساعات الحر جة الأولى من المعركة ثالثا  : تجهيزات إشعال القناة بالنابالم: وفى خلال شهر يونيو 71،أى بعد ثلاثة أشهر فقط من إجراء التجربة الإسرائيليةفى حصن الدفرسوار لإشعال مياة القناة ، أجرى المهندسون المصريون عدة تجارب للاهتداء إلى الطريقة العملية لمقاومة النيران ، وذلك فى المكان المحدد لإجراء التجارب فى فرع دمياط .وقد استخدمت طريقة مقاومة جزر النيران المشتعلةفى المياة بضربها بسعف النخيل لتقسيمها إلى عدةجزر صغيرة ، وتتكرر العملية عدة مرات حتى يتلاشى اللهب من القناة. فشل هذا وعندما اتضح الاسلوب ،تقدم أحد المهندسين باقتراح جديد وهو أن تستبدل بالقوارب التى تقترب من النيران والقابلة للاشتعال مركبات برمائية،وأن يستبدل بسعف النخيل مواد كيماوية يمكن بها إطفاء الحريق ،ولكن هذا الأسلوب لم توافق عليه القيادة العامة . وكان الحل الذى وافق عليه الفريق أول أحمد إسماعيل القائد العام للقوات المسلحة هو ضرورة إغلاق فتحات الخراطيمالتى تصب السائل الملتهب فى القناة قبل بدء العمليات سدا محكما ،وضرب الخزانات المليئة بالنابالم خلف الساتر الترابى بنيران المدفعيةاثناء فترة تحضيرات المدفعية التى تسبق الهجوم .وكانت الوسيلة التبادلية للتغلب على النيران ،هى اختيار نقط العبور بحيث تكون فوق التيار حيث إن النابالم المحترق يسبح مع التيار ويصبح عديم المفعول ضد أى قوات تعبر من فوق إتجاة التيار . وقد استمرت الجيوش الميدانية المصرية نحو عامين فى مراقبة هذا النظام الإشعالى بدقة وانتظام ، ودفعت لهذا الغرض عشرات من دوريات الاستطلاع إلى الشاطىء الشرقى للقناة . ووفقا للمراجع الإسرائيلية وتقارير المخابرات المصرية ،لم يكن قد أنشىء من هذه التجهيزات سوى مجموعتين فقط فى حصون خط بارليف ، إحداهما فى النقطة القوية القويةالتى التى أسمها الكودى هيزانونHizayonفى منطقة الفردان ،والثانية فى النقطة اسمها الكودى متسميد Matzmedفى منطقة الدفرسوار ،وتوقف الإسرائيليون بعد ذلك عن إنشاء أى تجهيزات جديدة نظراً لاكتشافهم عدم جدوى هذا النظام وضعف تأثيره من الناحيةالعملية فى منع المصريين من عبور القناة بسبب سرعة التيار ،مما سوف يؤدى إلى عدم ثبات الأجزاء الملتهبةفى أمكنتها ،إذ إن التيار سيجرفها فى طريقة ،وقد أدى ذلك إلى عدول القيادة الإسرائيلية عن إنشاء باقى التجهيزات فى حصون خط بارليف وفى الساعة الثانية وعشرون دقيقة يوم 6 أكتوبر ،وبعد أن نقلت المدفعية قصفها إلى عمق دفاعات العدو ،عبرت عناصر من المهندسين مع الموجة الأولى إلى الشاطىء الشرقى للقناة لتأمين مرور المشاة فى حقول الألغام المعادية، وتلا ذلك مباشرةعبور عناصر أخرى من المهندسين لتحديد محاور الثغرات فى الساتر الترابى وتجهيز الأرصفة للمعديات والكبارى . وفى الموجه الثانيةعبرت 80 وحدة هندسية فى قواربهم الخشبية المحملة بالطلمبات والخراطيم والوقود وكل التجهيزات اللازمة لفتح الثغرات فى الساتر الترابى وفور وصولها إلى الشاطىء الشرقى للقناةوضعت الطلمبات على المصاطب التى أعدت من قبل . وبتشغيل الطلمبات اندفعت المياة من البشاير كالسيل الجارف تكتسح أمامها الرمال ، وتم فتح الثغرة الأولى فى زمن قياسى لم يتجاوز الساعة . وتوالى بعد ذلك فتح الثغرات علىطول مواجهة العبور . وفى نفس الوقت اندفعت مئات العربات الضخمة المحملة بمهمات الكبارى واللنشات من أماكنها المستورة على الشاطىء الغربى إلى ساحات الإسقاط المحددة على القناة . وعن طريق المنازل السابق تجهيزها اقتربت العربات من سطح المياة وأسقطت حمولتها من البراطيم واللنشات إلى الماء حيث بدأت وحدات الكبارى فى عمليات تركيبها . وخلال ساعتين من بدء العبور كان حجم قوات المهندسين التى عبرت مع المشاة،والتىتعمل فى فتح الثغرات فى الساتر الترابى، والتى تقوم بعملية تركيب الكبارى والمعديات فوق صفحة القناة قد تجاوز الخمسة عشر ألف مقاتل من مختلف التخصصات الهندسية وبأت الكبارى تقام أمام الثغرات التى فتحت فى الساتر الترابى ،وخلال فترة زمنية من 6 إلى 9 ساعات كانت كل كبارىومعديات الجيش الثانى الذى كان يتولى قيادته اللواء سعد مأمون قد أقيمت وفقا للخطة المرسومة .أما فى قطاع الجيش الثالث الذى كان يتولى قيادته اللواء عبد المنعم واصل فقد اصطدمت عمليةفتح الثغرات فى الساتر الترابى وإنشاء الكبارى بعوامل عديدة معوقة خصوصا صلابةالتربة واحتواءها على عناصركلسية ،مما جعل عملية التجريف شاقة . وادت هذه المعوقات إلى أن يتم إنشاء كبارى الجيش الثالث فى نحو 16 ساعة بتأخير زمنى قدره سبع ساعات عن التخطيط الموضوع ،وإلى أن تعبر مركبات الفرقة 19 على كبارى ومعديات الفرقةالسابعة. وأخيرا نجح المهندسون فى إنشاء عشرة كبار ثقيلة وعشرة كبارى مشاة ،وعدد من الكبارى الهيكلية علاوة على 31 معدية أخذت تعمل بين الشاطئين الغربى والشرقى للقناة . واندفعت الدبابات والمركبات والأسلحة الثقيلة تعبر فوق الكبارى والمعديات إلى الشاطىء الشرقى للقناة .وقام العدو خلال هذه العمليات بتركيز هجماته الجوية ونيران مدفعيته على الكبارى لإحباط عملية العبور . وفى خلال ساعات الظلام نجحت بعض دبابات معادية فى الوصول إلى خط المياة،وتمكنت من تعطيل كوبريين اثنين وتدمير بعض وسائل العبور الأخرى ،ولكن قبل طلوع الصباح كان قد تم تدمير الدبابات التى نجحت فى الوصول خلال الليل ،وقام المهندسون بإصلاح الكبارى التى تعطلت فى أزمنة قياسية وتحت نيران العدو وبحلول الساعة الثامنة من صباح الأحد 7 أكتوبر ، كانت المعابر المختلفة التى أقامها المهندسون لاجتياز أصعب مانع مائى فى العالم قد عبر عليهاحوالى مائة ألف ضابط وجندى ،و800دبابة وما يزيد على 13000 مركبة مختلفة الأنواع فى خلال 18 ساعة فقط ، وهو رقم قيا سى لم تحققه أى عملية عبور فى تاريخ البشرية وقد أصيبت معظم الكبارى وأعيد إصلاحها أكثر من خمس مرات ،وقد ضرب العميد أحمد حمدى نائب مدير سلاح المهندسين وقائد أحد ألوية الكبارى المثل الأعلى فى التضحية والفداء ، إذ استشهد بينما كان يشاركأفراد أحد الكبارى فى عملية إصلاحه ، وقد سمى باسمه النفق الذى يربط حاليا بين الشاطئين شمال السويس تقديرا لبطولته . هذا ولم يقتصر دور المهندسين على إنشاء المعديات والكبارى ،بل قاموا بالاشتراك مع الأسلحة الأخرى فى إنشاء مناطق رءوس الكبارى على الشاطىء الشرقى وتعزيزها ،وأسهموا فى صد الهجمات المضادة للعدو برص الألغام المضادة للدبابات لسد طرق الاقتراب المحتملة . وعن طريق المعدات الهندسية الضخمة التى عبرت إلى الضفة الشرقية عاونت وحدات المهندسين القوات التى عبرت فى تجهيز مواقعها بحفر خنادق المشاو ومواقع الدبابات ومرابض المدفعية وإنشاء السواتر والدراوى . وقد بلغ عدد الألغام التى تم لوحدات المهندسين رصها خلال حرب أكتوبر 73 ما يربو على مليون لغم من مختلف الأنواع ≡ خط بارليف تحت وطأه الحصار عندما تسلم الجنرال أريل شارون قيادة المنطقة الجنوبية فى يناير عام 70 ، وجد نفسه فى وضع يفرض عليه تقويه وتدعيم الخط الدفاعى الأمامى الذى اشتهر باسم خط بارليف رغم أنه كان من أشد المعارضين فى إقامته من قبل . وكان هو صاحب نظرية الدفاع المتحرك التى كانت تتعارض مع نظرية الدفاع الثابت التى كان يتبناها الجنرال حاييم بارليف رئيس الأركان العامة ،والتى تم على اساسها إنشاء جصون خط بارليف . وكان الجو فى بداية عام 72 قد أصبح مهيئا للجنرال شارون لتنفيذ اقتراحه السابق بتخفيض عدد الحصون . فقد أحيل معارضه العنيد الجنرال بارليف إلى التقاعد وخلفه فى منصبه الجنرال دافيد أليعازر ، كما أن حرب الأستنزاف توقفت تماما منذ 8 أغسطس عام 70 إثر مبادرة روجرز، وكان الانطباع الذى رسخ فى نفوس القادة الإسرائيليون أن القوات المصرية ليست لديها أى مقدرة عسكريةللقيام بهجوم واسع النطاق عبر المانع المائى الصعب للوصول إلى الدفاعات الإسرائيلية المقامة على الشاطىء الشرقى للقناة وكانت سياسة تخفيض الحصون تتمشى فى نفس الوقت مع اتجاه الرأى العام الإسرائيلى الذى أثقلته الأعباء الاقتصادية بسبب التوسع الهائل فى ميزانية وزارة الدفاع ، لهذه الأسباب تم تنفيذ اقتراح الجنرال شارون بإخلاء 14 حصنا من حصون خط بارليف واكتفت القيادة الجنوبية ببقاء 16 حصنا فقط تم اختيارها فى الأماكن الحيوية التى تقع على محاور التقدم وطرق الاقتراب المهمةداخل سيناء . وبهذا الحل الوسط الذى اتخذه الجنرال شارون للتوفيق بين نظامى الدفاع الثابت والمتحرك فقد خط بارليف توازنه إذ أصبح أقوى من أن يكون جهازا إنذاريا ، وأضعف من أن يكون خطا دفاعيا ، وكان هذا التميع فى مهمته هو السبب فى فشل الخط فى تأدية الدور المطلوب منه ، وعجزه التام عن صد الهجوم المصرى الكاسح بعد ظهر يوم 6 أكتوبر 73 . وكان عدد حصون خط بارليف 16 حصننا ممتدة على الشاطىء الشرقى للقناة ابتداء من بور فؤاد الواقعة على ساحل البحر المتوسط شمالاً إلى بور توفيق الواقعة على خليج السويس جنوبا ، على مواجهة حوالى 160 كيلو متراً ، وبفواصل من 10 إلى 12 كم . وكانت الحصون التى أطلق عليها الإسرائيليون أسماء كودية موزعة على ثلاثة قطاعات رئيسية كما يلى  : القطاع الشمالى : وكان يضم سبعة حصون منها أربعة تقع فى المنطقة الضيقة ما بين إلى المستنقعات شرقا وقناة السويس غربا ، وهى من الشمال الجنوب : أوركال orkal ولا هتزانيتLahtzanitوداروراDroaraوكيتوباketuba. وكان حصن واحد منها يقع على شاطىء البحر شرق بور فؤاد وهو بودابست Budapest،بينما يقع حصنان آخران شرق مدينة القنطرة وهما ميلانو Milano ومفريكيتMifreket. القطاع الاوسط : وكان يضم أربعة حصون هى هيزايون HizayonوبوركانPurkanومتسميدMatzmedولاكيكانLakekan.القطاع الجنوبى : وكان يضم خمسة حصون وهى بوتزر Botzer وليتوفLituf ومفزياه Mafzeah ونيسان Nissan وكواى Quay (المعروف باسم لسان بور توفيق ).وفى الساعة الثانية ووعشرين دقيقة يوم 6 أكتوبر 73 , وبمجرد أن انتقلت نيران تحضيرات المدفعية المصرية إلى العمق ,انطلقت كتائب الدبابات الثلاث الإسرائيلية التى كانت محتلة خط النسق الثانى إلى الأمام بأقصى سرعة لكى تحتل المواقع المخصصة لها داخل حصون خط بارليف لتدعيمها ولاحتلال المصاطب المحددة لها فى الفواصل بين الحصون لسد الثغرات فى الخط الدفاعى الأول على حافة القناة . وكان واضحا من تأخير تقدم هذه الدبابات حتى ذلك الحين أن القوات الإسرائيلية على جبهة القناة علاوة على المفاجئة الإستراتيجية التى أصيب بها قد لحقت بها مفاجأة تكتيكية , فلقد كان المفترض بعد أن عملت القيادة الجنوبية منذ الصباح أن هجوما مصريا كبيرا سوف يقع على طول القناة مما دفعها إلى إعلان حالة الاستعداد القصوى بين قواتها –أن يجرى تنفيذ الخطة شوفاخ يونيم , وأن يتم احتلال الحصون الأمامية بمشاة النسق الأول من لواء القدس , أن تتقدم لتدعيمها دبابات النسق الثانى ,التى يبلغ عددها نحو 100 دبابة ,وبذا كان العبور المصرى للقناة سيقابل بكمية هائلة من النيران وتتعرض القوات المصرية لخسائر جسيمة . وقد تسبب تأخير تقدم الدبابات المصرية عن التوقيت المحدد فى الخطة إلى تغيير كامل فى مجرى المعركة . فقد تم عبور القوات المصرية قناة السويس بخسائر لا تزيد على 280 شهيدا ,بينما تعرضت الدبابات الإسرائيلية خلال تقدمها من الخلف للأمام لغابة من قذائف الصواريخ والقنابل الخارقة للدروع . وكانت الصورة أمام كتائب الدبابات الثلاث رهيبة ومفزعة ,فلقد انهالت عليها قذائف آر بى جى RBG التى كان آلاف من جنود المشاة المصريين الذين عبروا القناة يحملونها ويوجهونها فى عزيمة وثبات إلى أبراج الدبابات الإسرائيلية واحدة ولراء الآخرى كلما أخذت فى الاقتراب من شاطىء القناة . وكانت أشد الصدمات ثأثيرا عليها حينما اكتشفت الدبابات الإسرائيلية أن معظم المصاطب المعدة لها من قبل على طول خط الحصون والتى كانت تتيح لها الفرصة للاستتار من النيران المهلكة التى تتعرض لها قد سبقها رجال الصاعقة المصريون إلى احتلالها ,وراح هؤلاء يمطرونها بوابل من قذائف RBG مما جعلها تهرول فى كل اتجاه بلا نظام للنجاة من هذا الجحيم .ونتيجة للخطأالتكتيكى الجسيم الذى ارتكبه الجنرال جونين قائد المنطقة الجنوبية بتأخيره إصدارتعليمات لدبابات النسق الثانى باحتلال مواقعها على خط الحصون قبل بدء العبور ,وبفضل شجاعة وعزيمة رجال المشاة والصاعقة المصريين الذين تصدوا للدبابات الإسرائيلية فى ثبات ,ونظرا لدقة وكثافة نيران الدبابات والصواريخ المضادة للدبابات من الشاطىء الغربى للقناة ,ثم للقوات المصرية سحق وتدمير كتائب الدبابات الثلاث الإسرائيلية , ولم تنجح من الدبابات الإسرائيلية المائة من طراز باتو و سنتوريان من الدمار والوصول بعد ذلك إلى حصون خط بارليف سوى حفنة قليلة توزعت على بعض الحصون .ومع غروب شمس يوم 6 أكتوبر كان فى إمكان القيادة الإسرائيلية أن تستغل فرصة حلول الظلام لإصدار تعليماتها الفورية لإخلاء هذه الحصون , وكان هذا حتى ذلك الحين أمرا سهلا ومتيسرا , إذ إن الموجات الأولى من المشاة المصرية عقب عبورها القناة من بين الفواصل القائمة بين الحصون اندفعت فى طريقها إلى العمق لكى تحقق مهمتها المباشرة وهى إنشاء مناطق رءوس الكبارى ,ولم تلقى أهمية كبيرة لهذه الحصون التى تركتها وراءها , إذ إن التعامل مع هذه الحصون ومحاولة اقتحامها كان كفيلا بتعطيل التقدم نحو العمق , وبالتالى تأخير عملية إنشاء رءوس الكبارى , ولذا كان واجب أفراد الموجات التالية من المشاة أن تتجه عقب عبور القناة صوب هذه الحصون لتطويقها وضرب الحصار حولها تمهيدا لاقتحامها . ولم يكن هناك فى الواقع أى واجبات رئيسة يمكن لأفراد هذه الحصون البقاء فى مواقعهم من أجل القيم بها عقب نجاح القوات المصرية فى اقتحام القناة والتقدم فى اتجاه العمق .فلقد قدمت الحصون التغطية الازمة لحامياتها أثناءعملية قصف المدفعية خلال فترة التمهيد النيرانى, و قامت بواجباتها كنقاط ملاحظة للمدفعية الإسرائيلية وكنقاط مراقبة للقيادات الخلفية لإبلاغها بتحركات القوات المصرية , ولكن القيادة الإسرائيلية أضاعت الفرصة الثمينة التى كان فى إمكانها الاستفادة منها وهى سرعة إخلاء هذه الحصون بسبب الغرور والثقة المفرطة فى النفس , إذ لم يكن أحد من كبار القادة يجرؤ على إصدار الأمر بإخلائها , إذ إن ذلك يعنى فى نظرهم الانسحاب وكانوا على ثقة من أن الحصون سوف تستطيع الصمود فى القتال , فإن كل حصن منها مزود بذخيرة وطعام وبمياه تكفيه لمدة أسبوع, ولم يجل فى خاطر أحد منهم أن الجيش الإسرائيلى سوف يعجز عن هزيمة المصريين وردهم على أعقابهم إلى الشاطىء الغربى قبل مرور هذا الأسبوع , وفى الحصون الكبرى كان يوجد أطباء ووسائل إسعاف كافية ولذا كان الجرحى الذين يتم إخلاؤهم من الدبابات الإسرائيلية المصابة بالقرب من القناة يجرى نقلهم إلى الحصون الأمامية على خط بارليف وليس إلى مستشفيات الميدان الخلفية كما كان المفترض وذلك من فرط الثقة بأن الحصون آمنة وانه لم تمضى سوى بضعة أيام إلا وتلتحم القوات الإسرائيلية التى ستقوم بطرد المصرييت وإعادتهم إلى الشاطىء الغربى بهذه الحصون الثانية , ويعود الحال إلى ما كان عليه من قيل . وعلاوة على ذلك الغرور القاتل الذى أصبح سمة من سمات القادة الإسرائيلين عقب انتصارهم فى حرب يونيو 67,اتضح أنه لم تكن هناك أى خطة موضوعة من قبل لإخلاء الحصون بل إن التوجيهات التى تم إعدادها فى قيادة الجنرال ماندلر قائد جبهة سيناء فى بداية الحرب كانت تحدد وظيفة الحصون بواجبين :أولهما أن تكون بمثابة عائق لمنع تقدم المصريين إلى العمق , وثانيهما أن تشكل بوجودها فى مؤخرة القوات المصرية قوة خلفية لإرباك تحرك هذه القوات وعزل أقسام كبيرة منها .ولكن أحداث القتال أثبتت أن الحصون لم تستطع تحقيق أى من هذين الواجبين . وعلى العكس لم تكد قوات الجيش الثانى والثالث تثبت أقدامها على الشاطىء الشرقى للقناة , وفور أن تمكنت الفرق المشاة الخمس التى عبرت من إنشاء مناطق رءوس الكبارى ,كانت حصون خط بارليف قد فقدت تماما قيمتها الدفاعية , إذ أصبحت مطوقة بالمصريين من كل جانب ومعزولة عن باقى القوات الإسرائيلية فى سيناء وبدلا من أن تلعب دورها المحدد لها فى الخطة الإسرائيلية شوفاخ يونيم , وهو القيام بواجب الصد الرئيسى ومنع أى عبور مصرى لقناة السويس والحيلولة دون تقدم أى قوات مصرية إلى عمق سيناء , إذابهذه القوات تجد نفسها سجينة فى مصيدة الحصار المصرى , وأصبح إنقاذ هذه القوات مشكلة خطيرة أقلقت القيادة الجنوبية فى سيناء بل رئاسة الأركان العامة فى تل أبيب .

كيف تم إنهاء أسطورة خط بارليف؟ طوال الأربع والعشرين ساعة التى أعقبت عملية اقتحام القوات المصرية لقناة السويس منذ الساعة الثانية بعد ظهر السبت 6 أكتوبر , أسندت قيادة القطاعات الثلاثة الإسرائيلية على جبهة قناة السويس إلى قادة الألوية المدرعة التى كانت ترابط فى الاحتياطى فى مناطق المضايق الجبلية فى الخلف , فتولى العقيد جابى Gapy قيادة القطاع الشمالى , والعقيد آمنون Amnon قيادة القطع الأوسط والعقيد دان Dan قيادة القطاع الجنوبى , وذلك بصفة مؤقتة إلى حين وصول قادة الفرق الاحتياطية بفرقهم الثلاث . ونظرا لأن كلا من هذه الألوية الثلاثة قد فقد الكتيبة المدرعة التى سبق له دفعها لاحتلال مواقع النسق الثانى فى أثناء تقدمها من مواقعها للانضمام إلى الخط الدفاعى الأول وفقا للخطة الموضوعة , بعد أن انهالت عليها كل أنواع القذائف والصواريخ المضادة للدبابات من الشاطئين الشرقى والغربى للقناة , بحيث لم يتمكن من الوصول إلى مواقع الحصون سوى عدد قليل من الدبابات , فقد أصبح كل لواء يتشكل فقط من كتيبتين مدرعتين مجموعة دباباتهما حوالى 70 دبابة .ولو كانت القيادة الجنوبية الإسرائيلية قد فكرت تفكيرا منطقيا وواجهت الموقف المتحرج أمامها بتصرف تكتيكى سليم بعيدا عن تأثير العاطفة , لكان الواجب عليها هو تركيز الدبابات التى كانت فى حوزتها وقتئذ والتى كان عددها يصل إلى نحو 200 دبابة أمام نقاط العبور الرئيسية للقوات المصرية والاشتباك معها, بهدف عرقلة وإبطاء معدل تقدم هذه القوات إلى العمق لإنشاء مناطق رءوس الكبارى إلى حين وصول الفرق الثلاث الاحتياطية التى كانت متقدمة وقتئذ على وجه السرعة وعلى عدة طرق من مركز تجميع الاحتياط فى بئر السبع إلى جهة القتال . ولكن الأمر الذى جرى كان مثيرا للدهشة , إذ إن القيادة الجنوبية التى كان على رأسها وقتئذ قائدان يعدان من أكفأ القادة الإسرائيليين وهما الجنرال شموئيل جونين قائد القيادة الجنوبية والجنرال ألبرت ماندلر قائد جبهة سيناء الذى كان يعد واحا من أقدر الخبراء فى حرب الدبابات , استخداما الألوية المدرعة الثلاثة بطريقة خاطئة أدت إلى القضاء عليها ويبدو أن ذلك كان مرجعه إلى عاملين مهمين :أولهما, اضطرارهما للانصياع للأوامر الصادرة إليهما من رئيس الأركان العامة الجنرال دافيد أليعازر وعدم قدرتهما على مخالفتها , والأمر الثانى , كان يرجع إلى ناحية إنسانية معنوية وهى ناحية أصبحت بمثابة عرف وتقليد فى الجيش الإسرائيلى منذ عام 1948 , وهو عدم ترك القتلى والجرحى فى صفوف العدو وتحت رحمته , وطوال الجولات العربية الإسرائيلية كانت القوات الإسرائيلية تشن هجمات ضاربة لإنقاذ بضعة أفراد أو لاسترجاع بعض جثث فى الوقت الذى كانت تكلفها فيه هذه الهجمات أعدادا من القتلى والجرحى يفوق عددهم كثيرا أولئك الذين جرى الهجوم من أجل إنقاذهم أو إعادة جثثهم . وهكذا صدرت الأوامر لقادة الألوية الثلاثة بالقيام بواجبين كان من الصعب التوفيق بينهما : الأول هو الالتحام بدباباتهم بحصون خط بارليف الموجودة فى قطاع كل منهم لتدعيم هذه الحصون بعدد من الدبابات وإخلاءالقتلى والجرحى . وكان الواجب الثانى هو القيام بعمليات الصد ومنع القوات المصرية التى عبرت القناة من توسيع وتعميق رءوس الكبارى . وطوال ليلتى 6و 7أكتوبر انهمكت المجموعات المدرعة التى أخرجها قائد الألوية فى القيام ببعض الهجمات المضادة ضد رءوس الكبارى المصرية , وكذا فى عمليات قاسية ومريرة من أجل الوصول إلى بعض حصون خط بارليف . وقد نجحت بعض هذه المجموعات فى عمليات الإنقاذ ولكن بعد أن تكبدت خسائر فادحة , كما نجحت حاميات بعض الحصون فى النجاة بأنفسها بمجهوداتها الخاصة والوصول إلى المواقع الإسرائيلية , ولكن بعض الحصون تحت وطأة الهجمات المصرية العنيفة لم تجد أمامها بدا من التسليم ووقع أفرادها أسرى فى أيدى القوات المصرية . ونتيجة لتكليف الألوية المدرعة بهذين الواجبين المتعارضين , فقد كل منهما خلال المعارك نحو ثلثى دباباته . وفى صباح يوم الأحد 7أكتوبر كان ةعدد الدبابات فى كل لواء لا يزيد على 30 دبابة من أصل 100 دبابة بدأ بها القتال فى الساعة الثانية بعد ظهر يوم 6 أكتوبر . وعند ظهر يوم الأحد 7أكتوبر طرأ تغيير كبير فى الموقف ,فقد توالى وصول الفرق الاحتياطية إلى أرض المعركة وألقيت مسئولية الدفاع عن القطاعات على عاتق الفرق المدرعة بدلا من الألوية .وفى القطاع الشمالى تولى الجنرال إبراهام أدان (برن)مهام القيادة , وفى القطاع الأوسط تولى القيادة الجنرال أريل شارون ,بينما انتقل الجنرال ألبرت ماندلر الذى كان يتولى قيادة جبهة سيناء قبل الحرب وخلال يومها الأول من مقر قيادته ليتولى مسئولية قيادة القطاع الجنوبى . ونتيجة لنجاح الفرق المصرية فى تعميق رءوس الكبارى حتى ثمانية كيلو مترات شرقا, فى الوقت الذى تم لها فيه بمعاونة القوات الجوية سحق الهجمات المضادة التكتيكية التى قامت بها الألوية المدرعة الثلاثة كما سبق أن ذكرنا , أصبح موقف المحاضرين داخل الحصون سيئا للغاية , مما اضطر معه موشى ديان وزير الدفاع عندما وصل إلى موقع القيادة الأمامى وعرف الصورة الحقيقية للموقف أن يقرر أنه لا مناص من التخلى عن جنود التحصينات ,وأنه ينبغى أن يهرب كل من هو قادر على الهرب , أما الباقون بمن فيهم الجرحى فينبغى أن يبقوا فى أماكنهم داخل التحصينات حتى يقعوا فى الأسر. ولكن الجنرال شارون كان مشغولا تماما بأمر إنقاذ الأفراد المحاصرين فى المواقع إذ كان هذا فى نظره واجبا أدبيا , ولذا لم يكد يلتقى مع الجنرال دافيد أليعازر رئيس الأركان فى مقر القيادة الأمامية بسيناء حتى عرض عليه خطته المقترحة لإنقاذ أفراد الحصون .و رفض رئيس الأركان اقتراحه , وذكر له أن خطة الإنقاذ المقترحة من شأنها أن تكلف الجبش الإسرائيلى خمسين دبابة . وكان رئيس الأركان متبنيا فى الواقع رأى الجنرال جونين قائد القيادة الجنوبية الذى قرر التخلى عن إنقاذ حاميات الحصون بعدما تكبدته الألوية الثلاثة المدرعة من خسائر فادحة فى الليلة السابقة , وحتى يمكن تركيز الجهود استعدادا لعمليات الصد المستقبلة والتأهب فى نفس الوقت للهجوم المضاد الكبير الذى تقرر أن تقوم به فرقة الجنرال إبراهام أدان صباح اليوم التالى 8أكتوبر فى الشمال على مواجهة الجيش الثانى ,بهدف تدمير القوات المصرية التى عبرت , والاستيلاء على ثلاثة كبار مصرية سليمة بمنطقة الفردان لتقوم الدبابات الإسرائيلية بالعبور فوقها إلى الشاطىء الغربى للقناة ,على أن يقوم الجنرال شارون بعد ذلك بهجوم مضاد فى الجنوب فى اتجاه السويس بمجرد أن ينجح الجنرال أدان فى مهمته . هذا وقد سجل أفراد حصن بودابست الواقع على شاطىء البحر المتوسط جنوب شرق بور فؤاد قصة بطولة نادرة , وكان هذا الحصن قد تم بناؤه بمجهود كبير نظرا لصعوبة البناء فى هذه المنطقة المحصورة بين البحر والمستنقعات. وبعد معارك دامية دامت ثمانية أيام , قامت القوات المصرية برفع الحصار عن حصن بودابست وأصبح هو الحصن الوحيد الذى لم يسقط من حصون خط بارليف طوال الحرب .ولم تلبث نهاية قصة حصون خط بارليف أن حلت بعد أسبوع واحد من بدء القتال , وكان ذلك فى أقصى الجنوب عند الحصن المقام على لسان بور توفيق فى المدخل الجنوبى للقناة .وكان حصنا منيعا ومحاطا بالمياه من جهات ثلاث , ولم يكن هناك سوى طريق ضيق يؤدى إليه . وعندما انتهى قصف المدفعية يوم 6 أكتوبر تمكنت أربع دبابات إسرائيلية من الوصول إلى ساحة الحصن ولكن ثلاثا منها كانت مصابة وكان أوائل الجرحى من رجال هذه الدبابات , ثم أضيف إليهم بالتدريج جرحى من بين جنود الحصن .ولقد تعرض الحصن لآلاف من القذائف والصواريخ التى سقطت فوقه ,ووصل الجنود المصريون إلى جدرانه وألقوا عشرات من القنابل اليدوية داخل سراديبه , وقد أدرك القائد شلومو أردينست منذ الليلة الأولى أن الحصن محاصر و معزول من جميع الجهات ولكنه لم يكن لديه أى شك فى أن قوات الجيش الإسرائيلى ستأتى سريعا لمساعدته وترفع الحصار المصرى عنه . ولكن بعد مرور بضعة أيام تحرج الوضع داخل الحصن ,فقد أخذت الذخيرة فى التناقض ونفد المورفين والأمصال والضمادات وراح الجرحى يتلوون من آلامهم .وأخذ الدكتور ناحوم فربين طبيب الحصن فى علاج المصابين والقيام بالعمليات بدون تخدير .وفى اليوم الخامس وصلت إلى الحصن رسالة لاسلكية من القيادة كان نصها (إذا لم نستطع خلال 24 ساعة إرسال التعزيزات إليكم يمكنكمالاستسلام).وكان داخل الحصن 42 جنديا منهم 5 قتلى و20 جريحا أحدهم مصاب بجروح خطيرة.وفى صباح يوم السبت 13من أكتوبر ظهر ممثلو الصليب الأحمر فى الجانب المصرى من القناة , وعلى أثر ذلك دار بين القيادة الإسرائيلية وقائد الحصن عن طريق اللاسلكى الحوار الآتى بعد:القيادة :هل تستطيع الصمود؟ قائد الحصن :أخشى ألا أستطيع ,وضعنا صعب جدا.أريد الاستسلام .القيادة:إذا قررت الصمود فسنساعدك على قدر ما نستطيع .قائدالحصن:هذا لا يكفى .القيادة :هذه هى الشروط التى قدمناها إلى الصليب الأحمر .. الأمر يعود إليكم.قائد الحصن:أخشى ألا أستطيع الصمود ..سأستسلم حسب الشروط التى وضعتموها .سنضطر إلى الاقتراف .آمل أن أراك قريبا ,سلامى إلى البيت .القيادة:هل تريد شيئا ما؟ قائد الحصن :العودة إلى الوطن .القيادة:هل حالتنا معروفة لك ؟ قائد الحصن : أبدا. القيادة :حالتنا جيدة ..لقد تم الأمر لأنه إلى حين نستطيع أن نصل إليكم سيكون ذلك متأخرا . قائد الحصن :تقبلنا كل شىء بروح طيبة وإلا لكان يوجد هنا مسادة ثانية (مسادة قلعة يهودية مشهورة فى التاريخ اليهودى القديم انتحر كل المحاربين فيها بعد حصارها ونتج عنها عقدة مسادة فى الشخصية اليهودية). القيادة : سنراكم على الشاشة مرفوعى الرأس .أعط توجيهات بأن تكون الرءوس مرفوعة و أن تكون هناك ابتسامة .. هل لديك ما تضيفه ؟ قائد الحصن : إبلاغ الأسر وتعزية الآباء . إنهم ينقلون الجرحى و الموتى , وقد وعدوا بالتصرف وفقا لاتفاقية جنيف. وباستسلام حصن لسان بور توفيق , انتهت من التاريخ أسطورة حصون خط بارليف إلى الأبد .

لماذا تأخرت إسرائيل فى شن هجومها المضاد الرئيسى ؟

بحلول الساعة الثامنة من صباح يوم الأحد 7 أكتوبر كانت القوات المصرية قد حققت نجاحا حاسما فى معركة القناة , وقد تمكنت من اقتحام أصعب مانع مائى فى العالم , وقضت على أسطورة خط بارليف بعد أن سقطت معظم تحصيناته ونقطه القوية فى يدها . وضربت الحصار حول الحصون الباقية , وقد تم ذلك فى زمن لم يتجاوز 18 ساعة من بدء (ساعة س) وبخسائر لم يكن يتصورها أكثر المخططين تفاؤلا , فقد بلغت 280 شهيدا و5 طائرات و20 دبابة , وكان مقدرا أن عملية العبور ستكلف قواتنا 30 ألف ضابط وجندى منهم عشرة آلف قتلى . وفى المقابل فقد العدو فى معارك يوم 6 وليلة 7 أكتوبر و30 طائرة ونحو 200 دبابة وعدة مئات من القتلى والجرحى .. وفى صباح يوم 7 أكتوبر اتضح أن القوات المصرية قد قامت بتنفيذ الخطة بدر تنفيذا رائعا,فقد نجحت الفرق المشاة الخمس فى العبور إلى الشاطىء الشرقى بكامل أسلحتها الثقيلة , وعبرت معها حوالى 800 دبابة ,فى الوقت الذى دمرت فيه القوات الإسرائيلية المعدة لعملية صد الهجوم المصرى , وهى اللواء 116 مشاة (القدس) وثلاثة ألوية مدرعة تدميرا يكاد يكون كاملا .. وكان عدم تمكن العدو من القيام بهجماته المضادة التعبوية طوال يومى 7و 7 أكتوبر ضد القوات المصرية التى انشأت خمسة رءوس كبارى على الشاطىء الشرقى للقناة فيه الدلالة القاطعة على مدى المفاجأة الإستراتيجية التى حاقت بالعدو والتى أدت إلى تأخير وصول قواته الاحتياطية إلى أرض المعركة طوال هذه المدة . وكانت أفرع القيادة العامة المصرية قد اختلفت تقديراتها قبل المعركة حول الموعد المتوقع لقيام القوات الإسرائيلية الرئيسة التى كانت تتمثل فى القوات الاحتياطية بشن هجومها المضاد الرئيسى على رءوس الكبارى المصرية. فبينما قدرت هيئة العمليات الحربية أن هذا الموعد لن يتأخر عن 24 ساعة من بدء تنفيذ الخطة (بدر) على أساس أن العدو رغم كل الإجراءات الخداعية التى اتبعت سوف يكتشف بلا شك الاستعدادت المصرية النهائية قبل بدء المعركة بثلاثة أيام على الأقل , كانت إدارة المخابرات الحربية قد بالغت فى حذرها فقدرت أن العدو سوف يكتشف حتما النوايا الهجومية المصرية بمجرد بدء مرحلة العد التنازلى أى قبل 15 يوم من ساعة الهجوم مما سوف يتيح له الفرصة لاستدعاء قواته الاحتياطية وإتمام حشدها فى أرض المعركة دون أى تدخل أو ضغط , ووفقا لهذا التقدير كان المتوقع أن يتمكن العدو من القيام بهجومه المضاد الرئيسى فى خلال 8 ساعات على أكثر تقدير من بدء الهجوم المصرى ..ولكن الواقع أثبت أن العدو قد خالف كل التقديرات المصرية . فعلى الرغم من أن نقاط المراقبة الأمامية الإسرائيلية قد رصدت وسجلت وصول معدات العبور الثقيلة و الخفيفة وقوارب الاقتحام المصرية إلى قرب خط المياة و أبلغت ذلك على الفور لرئاستها الخلفية , وهى تحضيرات إلى جانب التحضيات الهجومية الأخرى على جبهتى سيناء والجولان كانت قاطعة الدلالة على أن مصر وسوريا سوف تقومان بشن هجوم مشترك على إسرائيل فى توقيت قريب, فإن المخابرات الإسرائيلية بتأثير ما رسخ فى أذهان رجالها من الاستهانة بمقدرة العرب العسكرية أخطأت فى التوصل إلى التقييم السليم لأنباء الاستطلاع, وتقارير المعلومات التى وصلتها , وأسهمت بتقديرها الخاطىء للموقف فى تضليل المسئولين بالقيادتين السياسية والعسكرية , مما جعل إسرائيل تفاجأ بالحرب وكاد يعارضها لكارثة محققة . ولو لا ذلك التحذير الخفى الذى أبلغ للمخابرات الإسرائيلية الساعة الرابعة صباحا يوم 6 أكتوبر والذى تقلته المخابرات إلى القيادتين السياسية و العسكرية فى إسرائيل قبل نشوب الحرب بعشر ساعات فقط لكانت الضربة العربية على جبهتى سيناء والجولان ساحقة ولكانت المفاجأة شديدة مذهلة . ونتيجة لعدم قدرة العدو على القيام بهجومه المضاد الرئيسى المنتظر طوال يومى 6 و 7 أكتوبر و اقتصار هجماته ضد رءوس الكبارى على هجمات مضادة تكتيكية خلال ليلتى 7 و 8 أكتوبراشتركت فيها الألوية المدرعة الثلاثة التى كانت تحت قيادة الجنرال ألبرت ماندلر و التى تم خلالها سحق الكبارى وسد الثغرات فيما بينها وبين الفرق المجاورة داخل كل جيش , وبحلول صباح الاثنين 8 أكتوبر كانت رءوس كبارى الفرق الخمس قد أدمجت فى رأسى كوبريى جيشين .وكان رأس كوبرى الجيش الثانى يمتد من القنطرة شمالا إلى الدفرسوار جنوبا وكانت الدفرسوار داخلة فى نطاق مسئولية الجيش الثانى . وكان رأس كوبرى الجيش الثالث يمتد من البحيرات المرة شمالا حتى بورتوفيق جنوبا . وكان رأس كوبرى كل جيش يصل فى عمقه من 8 إلى 10 كيلو مترات . ونتيجة لهذا الوضع أصبحت هناك ثغرة تفصل بين رأس كوبرى الجيش الثانى ورأس كوبرى الجيش الثالث طولها حوالى 35 كم وتشمل معظم المسطح المائى للبحيرات المرة , وكانت مسئولية وقايتها موزعة بين الجيشين الثانى والثالث دون تحديد واضح لمدى هذه المسئولية . ولم يكن فى مقدرة الجيش الثالث بالقوات التى تحت قيادته أن تمتد حدود مسئوليته لتغطى هذه المساحة الشاسعة فى سطح البحيرة باعتباره مسئولا وفقا للمبادىء التكتيكية عن حماية نقط اتصاله مع جاره الأيسر (الجيش الثانى ). وربما نشأ هذا الوضع على اعتبار أن البحيرات المرة تعد مانعا طبيعيا أمام العدو لا يمكنه اجتيازه, وعلى ذلك فلا داعى لتخصيص قوات معينة لحمايته , ولكن الموانع الطبيعية وفقا للمبادىء التكتيكية السليمة لا قيمة لها إذا لم تخصص قوات معينة بالذات لحمايتها وتغطيتها بشبكة من النيران وتعزيز الدفاع عنها بالموانع الصناعية كحقول الألغام و الأسلاك الشائكة ..وقد دفعت القوات المصرية فيما بعد ثمنا باهظا لوجود هذه الثغرة بين رأسى كوبرى الجيشين الثانى والثالث دون تأمينها تأمينا كافيا .فلقد اكتشفت سرية استطلاع إسرائيلية من قوة القطاع الأوسط الذى كان يتولر قيادته الجنرال شارون بعد ظهر يوم 9 أكتوبر خلو منطقة البحيرة المرة الكبرى من القوات المصرية , وأمكنها الوصول إلى خط المياه وقضاء الليل بأكمله على شاطىء البحيرة . وقد جاء فى روايته إسحاق آجام قائد أحدى الفصائل فى هذه السرية التى كان يتولى قيادتها رافى بارليف- وفقا لما ورد من المراجع الإسرائيلية –أن السرية المذكورة تمكنت فى هذه الليلة من اكتشاف حدود سيطرة الجيش الثانى الجنوبية , وأنها تقدمت على الرمال إلى البحيرة المرة الكبرى وورد فى روايته بعد ذلك أن سرية الاستطلاع هذه هى التى قادت بعد أسبوع واحد فقط القوات الإسرائيلية التى عبرت فى الدفرسوار وأقامت رأس كوبرى غب قناة السويس ..

ماذا جرى يوم 6 أكتوبر على الجبهة الإسرائيلية ؟

عندما نشبت الحب فى 6 أكتوبر 1973 كان الجنال شموئيل جونين shamuel Gonen يتولى قيادة المنطقة الجنوبية فى مقرها بمدينة بئر السبع و كانت المنطقة الجنوبية تشمل القطاع الجنوبى من إسرائيل وصحراء النقب وشبه جزيرة سيناء . والنقب هى فى الأصل صحراء رملية مقفرة توجد فيها بعض المستوطنات خاصة حول بئر السبع وعند ميناء إيلات على البحر الأحمر . وكان الجنرال جونين قد تسلم مسئولية القيادة الجنوبية فى 15 يوليو عام 1973 , أى قبل حوالى ثلاثة أشهر من قيام الحرب , خلفا للجنرال أريل شارون الذى كان قد أمضى أكثر من ثلاثة أعوام ونصف العام قائدا لهذه القيادة , ثم تقاعد عن الخدمة العسكرية للعمل بالزراعة , واشتغل بالسياسة بعد أن انضم إلى حزب الليكود . وكان الجنرال جونين المعروف بالصرامة والعنف من مواليد القدس أى من جيل السابرا (الجيل الذى ولد أفراده فى إسرائيل) وقد أمضى السنوات المبكرة من عمره فى معهد دينى عرف بتزمته . وفى حرب يونيو 1967 كان الجنرال يتولى قيادة اللواء السابع المدرع , واشترك فى سلسلة من العمليات الحربية عبر سيناء جعلت منه أحد القادة البارزين فى القوات الإسرائيلية . وكان معروفا بانضباطه الشديد إلى الحد الذى كان يجعله يسلك فى بعض الأحيان أسلوبا جافا فى التعامل مع ضباطه , ولكن الثقة التى كان يبعثها فى رجاله كانت تدفعه إلى أن يتبعوه فى المعركة . وكان الجنود يعرفونه باسمه الأصلى جوروديشGorodisch , ويعاملونه بمزيج من الكراهية والاحترام . وعلى خط المواجهة على قناة السويس , كان الجنرال إبراهام ماندلر المعروف باسم (ألبرت ) يتولى القيادة وكان يتمتع بشخصية محبوبة وجذابة , واشتهر بأنه من أشد القادة انضباطا واتزانا فى الجيش الإسرائيلى . وقد كان ألبرت الطويل القامة الأحمر الوجه ذو العينين الزرقاوين النافذتين والذى يناهز الخامسة والأربعين من عمره قد سبق له تولى قيادة اللواء المدرع الذى قام باختراق الدفاعات السورية المنيعة فى مرتفعات الجولان فى حرب يونيو 1967 . ونظرا لأن الأوامر قد صدرت بتعيينه قائدا عاما لسلاح المدرعات , فقد تكرر أن يحل محله فى قيادته فى سيناء الجنرال كلمان ماجن يوم الأحد 7 أكتوبر, وكان الجنرال ماجن قد وصل حديثا إلى إسرائيل بعد جولة دراسية فى بريطانيا . وكانت الجبهة الإسرائيلية على قناة السويس التى تمتد على مواجهة حوالى 160 كم مقسمة إلى ثلاثة قطاعات ,تمثل المحاور الرئيسية للتقدم ,و تتشكل قوتها من مجموعة عمليات (أوجدا) بقيادة الجنرال ألبرت ماندلر و تحت قيادته لواء مشاة و ثلاثة ألوية مدرعة و كانت الخطة الإسرائيلية شوفاخ يوتيم (برج الحمام) قائمة على أن تتولى الألوية المدرعة مسئولية الدفاع مؤقتا عن المحاور الثلاثة الرئيسية فى سيناء إلى حين وصول الفرق الاحتياطية بالطريقة التالية : لواء العقيد جابى يتولى مسئولية الدفاع عن محور القنطرة –العريش - لواء العقيد آمنون يتولى مسئولية الدفاع عن محور الإسماعلية –أبو عجيلة- لواء العقيد دان يتولى مسئولية الدفاع عن محور السويس –الممران الجبليان متلا و الجدى. وكان الدفاع يتم فى نسقين فى الأمام واحتياط فى الخلف ,كما يلى: النسق الأول :خط بارليف ,وكان يحتله اللواء 116 (القدس).وهو لواء احتياط ضعيف التدريب و معظم أفراده من مواطنى مدينة القدس وكان تعداده حوالى 500 مقاتل. النسق الثانى :على مسافة 3-5 كم من النسق الأول ,و يتمركز على طرق الاقتراب المهمة و المحاور الرئيسية المؤدية إلى العمق ,وتحتله ثلاث كتائب مدفوعة إلى الأمام من الألوية المدرعة الثلاثة التى فى الإحتياطى .و عند رفع درجة الاستعداد لتلقى الهجوم تندفع الدبابات التى تبلغ جملتها نحو 100 دبابة إلى الأمام لاحتلال المواقع السابق تجهيزها فى الخط الثانى من النسق الأول (حوالى 300-500متر خلف خط بارليف)لإغلاق الثغرات الموجودة بين الحصون ,و لتدعيم الحصون ذاتها بدخول بعض الدبابات إلى داخلها مرابض معدة لها من قبل الاحتياطى :غرب منطقة الممرات الجبلية على بعد حوالى (25-30كم)شرق القناة,ويتكون من 3ألوية مدرعة (عدا 3كتائب مدرعة مدفوعة للأمام فى النسق الثانى )وتبلغ جملة دباباته حوالى 200دبابة .وعند رفع درجة الاستعداد تندفع الألوية المدرعة الثلاثة التى فى الاحتياط إلى الأمام لاحتلال مواقع النسق الثانى استعدادا لشن الهجمات المضادة التكتيكية على القوات المصرية التى تنجح فى عملية عبور القناة . وفى صباح يوم 6 أكتوبر ,و عقب سلسلة الاجتماعات التى عقدها الجنرال دافيد أليعازر رئيس الأركان مع القيادة السياسية و مع هيئة الأركان العامة فى تل أبيب ,وصل الجنرال جونين بعد استدعائه من مقر قيادته فى الجنوب ,وحضر اجتماعا فى رئاسة الأركان العامة تلقى فيه تعليمات الجنرال أليعازر التى كانت تقضى بتأهب القوات الإسرائيلية فى سيناء استعدادا لتلقى الهجوم المصرى المرتقب فى الساعة السادسة مساء وأن تستعد القوات لامتصاص القصف و القيام بعملية الصد .وبعد الهجوم المضاد و انكسار الهجوم المصرى تقوم القوات الإسرائيلية بعبور قناة السويس إلى الغرب و إنشاء رأس كوبرى وفقا للخطط الموضوعة من قبل ومن رئاسة الأركان العامة فى تل أبيب ,بادر الجنرال جونين بالاتصال هاتفيا بالجنرال ألبرت ما ندلر فى مقر قيادته بسيناء ,وأبلغه أنه قد صدرت الأوامر بتعبئة الاحتياطى ,وأن هجوما عربيا على جبهتى القناة والجولان سوف يبدأفى الساعة السادسة مساء ,وكانت تعليمات جونين إلى ماندلر تقضى بسرعة إبلاغ جميع الوحدات و المواقع بالاستعداد لامتصاص الضرب ,وألاتتحرك الدبابات إلى مواقعها الأمامية إلافى الساعة الخامسة مساء,حتى لا يرى المصريون من وراء سواترهم مما يتيح لهم الفرصة لتغيير أوضاع نيران مدفعيتهم ,وحتى لا يكون لديهم إنذاربأن القوات الإسرائيلية قد رفعت درجة الاستعداد مع مراعاة الاحتراس من تصعيد الموقف ,إذ ربما لا يكون فى نية المصريين القتال .واعترض ماندلر على تأخير تحرك الدبابات حتى الساعة الخامسةمساء إذأن الخطة الدفاعية (شوفاخ يونيم)كانت تتطلب توافر ساعتين على الأقل لتنفيذها واقتنع جونين بوجهة نظره ,ووافق على أن تتحرك الدبابات للأمام فى الساعة الرابعة مساء لاحتلال المواقع المحددة لها وفقا للخطة وبناء على الأوامر التى أصدرها الجنرال ماندلر فى الساعة الواحدة ظهرا إلى قواته فى سيناء ,استعدت القوات التى فى داخل حصون خط بارليف لامتصاص الضرب ,وكان هذايعنى إرسال الأفراد الذين ليسوا فى مهام قتالية إلى المؤخرة وارتداء الأفراد الأردية الواقية والخوذات الصلبة وإخلاء العتاد الزائد من الأراضى المكشوفة والاستعداد لتلقى القصف داخل الملاجىء كما كان الحال يجرى فى أثناء حرب الاستنزاف وفى الوقت نفسه ,استعدت القوات المدرعة التى فى النسق الثانى وفى الاحتياطى للتحرك فى الساعة الرابعة مساء لاحتلال مواقعها الأمامية للاشتراك فى صد الهجوم المصرى المنتظر وللقيام بالهجمات المضادة المحلية .ولكن تحريك الدبابات للأمام لم يتم تنفيذه فى الوقت المحدد .ففى الساعة الثانية ظهرا سمع الجنرال ماندلر و ضباط مركز قيادته فجأة هدير الطائرات ,وعندما تطلعوا إلى أعلى شاهدوا طائرات ميج وسوخوى مصرية تهاجم مطار المليز ,وأدركوا أن الحرب قد بدأت قبل أربع ساعات من الموعد الذى تم إخطارهم به وفى الحظة التى دخل فيها الجنرال ماندلر إلى المخبأفى قيادته فى منطقة بير جفجافا كان الجنرال جونين قد وصل إلى مكتبه فى مقر قيادته ببئر السبع ,ولم يكن قد عرف بعد أن الحرب قد اندلعت ,ولكنه بدافع الحرص والحذر اتصل هاتفيا بالجنرال ماندلر لتعديل أمره السابق . وصاح جونين فى الهاتف :(ألبرت ..ينبغى تحريك الدبابات إلى الأمام الآن وعدم الانتظار إلى الساعة الرابعة مساء).ورد عليه ماندلر فى الحال ساخرا :(نعم ينبغى فإنهم يقصفون مطار المليز الآن ).وأجرى ماندلر اتصالا لاسلكيا على الفور بقادة ألوية الدبابات الثلاثة للإسراع بتحريك دباباتهم إلى الأمام لمواجهة العبور المصرى للقناة وقد أثبتت التحقيقات التى أجريت بعد الحرب لتحديد مسئولية التقصير الذى وقع على الجبهة فى سيناء أن الأوامر الصادرة إلى حصون خط بارليف بالتحذير من الهجوم و امتصاص . الضرب لم تصل إلى الجميع .فقد أكد افراد بعض الحصون أنهم لم يتلقوا هذه الأوامر واستمروا فى تصروفاتهم اليومية المعتادة ,وفوجئوا مفاجأة تامة بالهجوم المصرى إلى الحد الذى جعل أحد المهندسين الإسرائيلين (شيمون تال )الذى أرسل لإصلاح تجهيزات إشعال اللهب فى القناة يفاجأ بقصف المدفعية ثم برجال الصاعقة المصريين يقفون فوق رأسه حيث وقع فى الأسر ,كماأن جنود بعض الدشم كانوا خارجها وهم يرتدون المايوهات عند بدء القصف المدفعى المصرى ولقدكان أكبر الأخطاء التى وقعت على الجانب الإسرائيلى يوم 6 أكتوبر هو ذلك الأمر الذى أصدره الجنرال جونين إلى الجنرال ماندلر بعدم تحريك البابات إلا قبل موعد الهجوم المنتظر بساعتين ,وقد استند هذا الأمر على الافتراض بأنه ليس هناك أى احتمال للشك فى أن الهجوم سيبدأ فى الساعة المحددة بالضبط وفقا للمعلومات التى وردت من المخابرات الإسرائيلية ومن هنا ارتبطت جميع اجراءات الإستعداد بالساعة السادسة مساء ,ولم يحاول أحد من قادة إسرائيل على جميع المستويات الافتراض بأن هذا الموعد قد يكون غير صحيح أو قد قصد به التضليل والخداع .وقد جرى ذلك التصرف من جونين رغم أن الجيش الإسرائيلى سبق له القيام بمناورة عام 1969على مستوى رئاسة الأركان العامة ,وقد قدر فى هذه المناورة أن أفضل موعد بالنسبة للمصريين لبدء عملية العبور هو فى الفترة ما بين الساعة الثانية والساعة الثالثة بعد الظهر إذ أنها أكثر الأوقات ملاءمة لهذه العملية ,لأنها تترك للمصريين عدة ساعات قبل غروب الشمس ,وفى نفس الوقت لا تعرضهم مدة طويلة لغارات الطيران الإسرائيلى . و لقد ترتب على هذا الخطأ التيكتيكى الفادح عدم انضمام حوالى100 دبابة مسلحة كل منها بمدفع 105 مم وبر شاشين ثقيلين ,وكانت تحتل خط النسق الثانى,الى قوة اللواء 116 احتياط الضعيف القوة و التسليح,الذى كان يحتل حصون خط باليف والذى واجه وحده فى الساعة العصيبة الحاسمة من مرحلة العبور اقوى قصفة من التمهيد النيرانى التى استمرت لمدة 15 دقيقة كما تلقى فى نفس الوقت آلاف من طلقات مدفعية الضرب المباشر من مرابضها الحصينة على الشاطىء الغبى للقناه ,ولم تكد المدفعية تنقل قذفها الى العمق حتى فوجىء افراد الحصون بمئات من قوارب الاقتحام,وهىتنقل افراد المشاه المصرين عبر القناه اللى الشاطىء ا لشرقى لها,ووجد افراد الحصون الإسرائيليون انفسهم وسط طوفان من امواج العبور المصرية المتدفقة. وكان عدم تحريك الدبابات الإسرائيلية الى مواقعها الأمامية فى النسقين الأول و الثانى وفقا للخطة الموضوعة منقبل عاملا مهمافى هذا النجاح الباهر و السريع الذى صادفتة عملية العبور يوم 6 اكتوبر,وفى تقليل الخسائر المصرية الى الحد الذى لم يكن احد يتخيله.وكان عدم تحريك الدبابات الإسرائيلية الى الأمام يرجع مباشرة الى الأوامر الصارمة التى اصدرها الجنرال جونينقائد القيادة الجنوبية من مركز قيادته ببئرالسبع الى الجنرال ألبرت ماندلر فى سيناء بألا تتحرك الدبابات قبل الساعة الرابعه مساء يوم 6أكتوبر وقدحمّلت لجنة تقصى الحقائق التى شكلتها الحكومة الأسرائيلية بعد وقف القتال برئاسة القاضى شمعون إجرانات رئيس المحكمة العليا,الجنرال جونين مسئولية التقصير الذى وقع على الجبهة المصرية,وأوصت بإعفائه من منصبه , وعدم إسناد أى منصب قيادى له فى الجيش الإسرائيلى. فقد ود فى تقريلر اللجنة أنه "فى يوم الحرب وفى الأيام التى سبقتها لم يقوم بشغل وظيفتة كما يجب ,كما أنه يتحمل فصل كبير من المسئولية الوضع الخطير الذى واجه القوات الإسرائيلية فى الحرب فى يوم الغفران عندما هاجم العدو المصرى المواقع الإسائيلية". وعندما أصدر الجنرال بانى بيليد قائد السلاح الجوى الإسرائيلى فى الساعة الثانية و النصف بعد الظهر أوامره الى طائراته بمحاولة منع عبور المصريين قناة السويس بأى ثمن وأضطرت كثير من الطائرات التى كانت محملة بالصواريخ استعداد للقيام بضربة الإجهاض ضد التحضيرات الهجومية المصرية والسورية بمجرد صدور الأوامر بذلك-إلى إلقاء ذخيرتها فى البحر لكى يمكنها القيام بالمهمة الاعتراضية الجديدة التى ألقيت على عاتقها .وكانت المهمة صعبة ,فقد تداخل الجنود المصريون بين المواقع الإسرائيلية و أصبح من الصعب التمييز بين الفريقين .وخلال ساعتين فقط خرجت حوالى 200 طلعة طيران إلى قناة السويس و إلى الأدبية والزعفرانة على خليج السويس .ونظرا لأن اهتمام الصواريخ سام 2 وسام 3 المنتشرة على الجانب الغربى للقناة وانحصرت إغارتها على فرق المشاة المصرية الخمس التى كانت تشكيلاتها ووحداتها مستمرة فى عبور القناة فى إصرار وبدون توقف ,وفقد الطيران الإسرائيلى فى هذه الطلعات 5 طائرات سكاى هوك وطائرة فانتوم واحدة. ولم تستطيع طائراته رغم هجماتها المتتابعة تدمير أى معبر من المعابر ,التى انهمك المهندسون المصريون فى إنشائها بشجاعة نادرة . دور الدفاع الجوى فى مرحلة اقتحام القناة

أدت قوات الدفاع الجوى دورارئيسيا فى منع الطائرات الإسرائيلية من اكتشاف التحضيرات الهجومية المصرية الضخمة على الجانب الغربى للقناة قبل بدء الهجوم فى 6 أكتوبر عام 73. وكان لإسقاط الصواريخ أرض جو (سام) يوم 17 سبتمبر عام 71 لأغلى طائرة غستطلاع إلكترونى إسرائيلية من طراز (إستراتو كروزو)فى سيناء ومصرع جميع ركابها وكانوا نخبة من العلماء المختصين فى الحرب الإلكترونية رد فعل عنيف فى إسرائيل ,وبالإضافة إلى ذلك أدت عمليات نصب كمائن من بطاريات الصواريخ خلال ساعات الظلام على الشاطةء الغربى للقناة وهى التى نجحت فى إسقاط عدد كبير من الطائرات الإسرائيلية التى تمكن قوات الدفاع الجوى من مد سيطرتها على المجال الجوى إلى شرق القناة وحرمان إسرائيل من عمليات الاستطلاع الجوى التى تعد أحسن مصدر للمعلومات ,كما ساعد على ردعها عن التفكير فى توجيه ضربة إجهاض ضد التحضيرات المصرية للهجوم .إلا أن التحدى الأكبر الذى واجه الدفاع الجوى المصرى عند بدء عملية العبور يوم 6 أكتوبر كان هو منع الطائرات الإسرائيلية من تدمير الكبارى والمعابر التى أخذت وحدات المهندسين العسكريين إقامتها عبر القناة فى القطاعات المحددة لعبور فق المشاة الخمس بدباباتهاو مركباتها و أسلحتها الثقيلة من الغرب إلى الشرق .إذ‘ن تدميرها كان يعنى فشل العملية بأكملها .وكان من المؤكد أن العدو سيعمل على تركيز معظم مجهوده الجوى فى الساعات الأولى من المعركة لمنع إقامة هذة الكبارى وتدمير ما يتم إنشاؤه منها .وعلاوة على نظام الدفاع الجوى المتكامل الذى قامت قيادة الدفاع الجوى بإنشائه لتوفير الغطاء الجوى اللازم للاهداف الحيوية على مستوى مصر بإكملها ,والذى كان من ضمنه إقامة شضبكة الصواريخ الشهيرة على جبهة قناة السويس , وضع اللواء محمد على فهمى قائد قوات الدفاع الجوى خطة خاصة منفصلة لحماية عملية العبور الضخمة و تغطية أعمال إقامة الكبارى والمعابر على طول قناة السويس وعندما أصدر الجنرال بانى بليد قائد السلاح الجوى الإسرائيلى فى الساعة الثانية والنصف بعد الظهر يوم 6 أكتوبر أوامره إلى طائراته بمحاولة منع عبور المصريين قناة السويس بأى ثمن , جاءت الطائرات الإسرائيلية فى التوقيت الذى توقعته قيادة الدفاع الجوى تماما. ففى الساعة الثانية وأبعين دقيقة أخذت أسراب الطائرات المعادية من طراز فانتوم و سكاى هوك فى أفواج متتابعة فى شن هجماتها على إرتفاعات متوسطة و منخفضة ضد وحدات المهندسين القائمة بإنشاء المعاب على طول القناة ضد القوات المصرية التى عبرت إلى الشاطىء الشرقى أو كانت فى طريقها إليه , وتصدت قوات الدفاع الجوى فى الحال للطائرات المغيرة على إرتفاعتها المختلفة مستخدمة صواريخ أرض جو سام 2وسام3 وسام6 (ذاتى الحركة ) وصواريخ الكف سام 7 (ستريلا) وكذا نيران المدافع المضادة للطائرات من عيار 23 مم ثنلئية المواسير ورباعية المواسير (شيلكا) مما أغم الطائرات

الإسرائيلية على الانسحاب فى اتجاه الشرق بعد ما منيت به من خسائر دون أن تستطيع

تحقيق هدفها ,وهو منع أو عرقلة عملية عبور القوات المصية لقناة السويس.وفى حوالى الساعة الخامسة مساء التقطت أجهزة التنصت المصرية بإشارة لاسلكية مفتوحة باللغة العبرية كانت تحمل أوامر الجنرال بيليد قائد القوات الإسرائيلية إلى طياريه بتحاشى الاقتراب من القناة لمسافة تقل عن 15 كم شرقا .

تدفق القوات الإحتياطية على سيناء

فى حوالى الساعة الثانية والنصف ظهرا يوم 6 أكتوبر,انطلقت صفارات الإنذار فى تل أبيب و عرف الشعب الإسرائيلى عن يقين أن الحرب قد نشبت . وفى حوالى الساعة الثالثة مساء أذاع متحدث عسكرى إسرائيلى على الشعب البيان التالى :(إبتداء من الساعة 1400 تهاجم القوات المصرية والسورية سيناء وهضبة الجولان فى الجو والبر , وبعد سلسلة من الغارات الجوية على مواقعنا ومعسكرات قواتنا , بدأت القوات المترجلة فى هجوم برى ,وقد عبرت قوات مصرية قناة السويس فى عدة أماكن ,وبدأت قوات سورية فى هجوم مدرعات ومشاة على طول الخط فى هضبة الجولان . وتعمل قوات جيش الدفاع الإسرائيلى ضد المهاجمين ,وتجرى فى المنطقتين معارك فى الجو والبر ). ولم يجزع المواطنون الإسرائيليون من أنباء الحرب و قد كان الجميع يتوقعون انتصارا عسكريا سهلا على العرب فى خلال بضعة أيام كما كان الحال يجرى فى كل حروبهم السابقة .وفى الساعة الرابعة مساء التقى موشىديان وزير الدفاع بالصحفيين وقال لهم :(غدا مساء يصل الاحتياطى إلى الخط .سوف تبدء الحرب الحقيقية , وستحول المنطقة إلى مقبرة كبرى لهم).ومن قاعة دار سوكولوف التى شهدت المؤتمرات الصحفية الخاصة بأنباء الانتصارات الاسرائيلية الباهرة فى حرب يوليو 67 , أعلن ديان مساء 6 أكتوبر73فى مؤتمر صحفى :(سوف يدحر جيش الدفاع الإسرائيلى المصريين فى سيناء بضربة شديدة , وسوف ينتهى القطار بانتصارنا فى الأيام القادمة ). ومنذ اللحظة التى بدء فيها عبور القوات المصرية قناة السويس أصبح أن الجيش الإسرائيلى يعانى عجزا شديدا فى المدفعية , إذا كانت أكثر من نصف بطاريات المدافع موجودة شرق خط المضايق فى عمق سيناء ,ولم تكن فى قدرة البطاريات الأمامية تغطية الأهداف الكثيرة التى تواجهها. وتسبب النقص الكبير فى المدفعية والهاونات فى زيادة الأعباء الملقاه على عاتق القوات الإسرائيلية الأمامية , وفى صعوبة مهمتها فى صد هذا الطوفان الهائل من المشاة المصريين الذين كانوا يتبعون أسلوب تكتيكيا بارعا ,فقد انصرفت قلة منهم إلى مهاجمة الحصون وضرب الحصار حولها,بينما اندفع الباقون بين الثغرات الفاصلة بينها إلى داخل سيناء لتحقيق المهمة المباشرة المكلفين بها وهى إنشاء مناطق رؤس الكبارى .

وكان النقص فى المدفعية الذى كلف القوات الإسرائيلية ثمنا باهظا وخاصة فى المراحل الأولى من القتال يرجع إلى السياسة الخاطئة التى اتبعتها إسرائيل عقب انتصارتها السهلة فى حربى عامى 56 و67 بفضل قواتها الجوية وقواتها المدرعة .فقد تركز الاهتمام بهذين السلاحين إلى حد إهمال باقى الأسلحة الأخرى .ومنذ إنتهاءحربيونيو 67 أصبح إلحاح إسرائيل على الولايات المتحدة شديدا من أجل الحصول على أحدث وأسرع أنواع الطائرات والدبابات ,كما خصص قسم كبير من الإنتاج المحلى لتحسين الوحدات المدرعة و الطائرات التى تملكها إسرائيل ,فى الوقت الذى أبدى فيه الإسرائيليون اهختماما قليلا بالمدافع وكادوا يهملون دور المشاة إهمالاتاما. ولم يكد عبور القوات المصرية بالقناة يبدأ وتتلقى الدبابات الإسرائيلية أمر الجنرال ماندلر بالتحرك الى الأمام,حتى أندفعت الدبابات فى اتجاه القناة بسعه فائقة,و كان افراد اطقمها على ثقه تامة ـقياسا على تجاربه فى الحروب السابقة ـ من ان دباباتهم سوف تكنس المشاه المصريين بسهولة تامة و تشتت شملهم وترغيمهم على الفرار, و انهم سيحصدونهم برشاشاتهم حصدا. ولكن المفاجأة اذهلتهم ,فقد ثبت المشاة المصريون فى مواقعهم دون أن توعهم الدبابات كما كان يحدث فى الماضى,وعلى العكس أخذوا يطلقون من مسافات قصيرة على الدبابات الإسرائيلية قذائف البازوكا آربى جى , ومن مسا\فات أطول صواريخ ساجر(مالوتكا) التى تتكون وحدتها من جنديين اثنين,أحدهما يثبت الصواريخ ويشد الأسلاك و يوصل الصماماتplugs, و الثانى الذى يبعد مسافة قريبة يقوم بتوجيه الصاروخ الى هدفه بمساعدة جهاز التوجيه.وقد ألحقت هذه الصواريخ بنوعيها الدبابات الإسائيلية خسائر فادحة .وقد وجهت الدبابات الإسرائيلية صعابا عديدة فى قتال المشاة المصريين بسبب النقص الخطير فى عدد المدافع و الهاونات. وعلاوة على ذلك كانت رشاشات الدبابات غير مؤثرة عند الأشتباك معأفراد المشاة المصريين الذين كانوايطلقون صواريخ المالوتكا على الدبابات على مسافات بعيدة.ولم تكن الدبابات الإسرائيلية مزودة بدانات شديدة الأنفجار لكى يمكن إطلاقها ضد أفراد المشاة المصريين وخاصة ضد جماعات اقتناص الدبابات بقصد اسكاتهم.وكانت ذخيراتهم مقتصرة على الدانات الحاقة للدروع Armour Piercing المخصصة لقتال المدرعات, وكان من الإسراف الشديد بالطبع استخدامها ضد أفراد المشاة بالإضافة الى ان تأثيرها فيهم لم يكن مجديا ن الناحية العملية. إزاء الخسائر الجسيمة فى الدبابات الإسرائيلية أصدر الجنرال جونين أوامر قبل الغروب وم 6 اكتوبر الى قادة وحدات الدبابات بتجنب الأقتراب من المشاة المصريين, وأن يراعى إطلاق نيران رشاشاتهم عليهم من مسافات بعيدة . وقد أدى التأخير فى تقدم الدبابات من مواقعها فى الخلف الى الأمام بسبب أوامر الجنرال جونين _ كما سبق أن

أوضحنا _الى أستخدمها بأسلب تكتيكى خاطىء, فبدلا من دخولها كقوة مركزة وكقبضة 

اليد ,وهو الأسلوب الصحيح فى استخدام الدبابات ,انتشرت القوة ,واستخدمت فيه مجموعات صغيرة ودخلت المعركة فى تشكيل سرايا مما ساعد على سرعة تدميرها وسحقها, سواء بواسطة جماعات اقتناص الدبابات التى عبرت إلى الشاطىء الشرقى فور بدء التمهيد النيرانى للمدفعية ,واحتلت بعض المصاطب ابمعدة أصلا للدبابات الإسرائيلية , وأمطرتها بصواريخها لمنعها من التدخل فى عمليات عبور القوات المصرية ,أو بتأثير النيران الكثيفة الدقيقة التصويب التى انهمرت من الدبابات المصرية و المدافع والصواريخ المضادة للدبابات المصرية الرابضة على قمة الساتر الرملى على الضفة الغربية للقناة .

وبعد أن تأكد الجنرال جونين من أن شبكة الاتصالات بين قيادتيه الأمامية والرئيسية تعمل بكفاءة ,انتقل من مركز قيادته الرئيسى فى بئر السبع إلى مركز قيادته المتقدم في منطقة أم مرجم بالقرب من مطار المليز عند منتصف ليلة 6و7أكتوبر .وفور أن تمكنت الفرق المشاة الخمس التى عبرت من إنشاء مناطق رؤس الكبارى ,كانت حصون خط بارليف قد فقدت تماما قيمتها الدفاعية . وطوال ليلة 6و7أكتوبر انهمكت المجموعات المدرعة التى أخرجتها قادة الألوية فى القيام ببعض الهجمات المضادة المحلية ضد رؤس الكبارى المصرية ,وكذا فى عمليات قاسية ومريرة من أجل الوصول إلى بعض حصون خط بارليف . وقد نجحت بعض هذة المجموعات فى عمليات الإنقاذ ,ولكن بعد أن تكبدت خسائر فادحة كما نجحت حاميات بعض الحصون فى النجاة بأنفسها بمجهوداتها الخاصة والوصول إلى المواقع الإسرائيلية ولكن بعض الحصون تحت وطأة الهجمات المصرية العنيفة لم تجد أمامها بدا من التسليم ووقع أفادها فى أيدى القوات المصرية .وفى القطاع الجنوبى دبر العقيد دان قائد اللواء المدرع عملية إخلاء مشتركة لحصن (ليتوف)الذى يقع على الطرف الجنوبى للبحيرة المرة الصغرى تشترك فيها الدبابات والمدفعية , وكان المفترض من رجال المواقع اختراق الحصار تحت هذا الغطاء ,ولكن رجال الحصن تاهوا ,وبدلا من الاتجاه إلى المكان الذى كانت تنتظرهم فيه وحدة الإنقاذ المدرعة الإسرائيلية اتجهوا إلى الاتجاة المعاكس ووصلوا إلى وحدة مدرعة مصرية وسقطوا جميعا فى الأسر .

وكان قادة الألوية المدرعة فى أشد حالات التذمر بسبب تكليفهم بواجبين متعارضين فى وقت واحد ولذا أجروا أكثر من مرة اتصالاتهم مع قائدهم الجنرال ألبرت ماندلر راجين منه تقدير الموقف ثانية ,وقائلين له :(إما أن ندافع عن الحصون وإما أن نصد الهجوم المصرى ,إذلايمكن لنا القيام بالأمرين معا).وأجابهم ألبرت بأنه لا مفر من تنفيذ المهتمين ,وبأنه ليس من صلاحيته إصدار الأوامر بإخلاء الحصون .ولم يكن أحد من كبار القادة الإسرائيلين يجرؤ على إصدار الأمر بإخلائها ,إذ إن ذلك كان يعنى فى

نظرهم الانسحاب وترك القتلى والجرحى فى صفوف العدو وتحت رحمته مما يخالف 

أعراف وتقاليد الجيش الإسرائيلى التى درج عليها منذ حب عام 1948 .ونتيجة لهذا الموقف العصيب ,فقد كل من الألوية المدرعة الثلاثة خلال المعارك نحو ثلثى دباباته.وفى

صباح يوم الأحد7أكتوبر كان عدد الدبابات فى كل لواء لايزيد على 30 دبابة من أصل 

100 دبابة بدأ بها القتال فى الساعة الثانية بعد ظهر يوم 6 أكتوبر .وعلاوة على ذلك تم للقوات المصرية سحق اللواء 116 (القدس)الذى كان يتولى الدفاع عن خط بارليف سحقا تاما .

وقبل ظهر يوم الأحد 7أكتوبر ,تم وصول قادة الفرق المدرعة الاحتياطية من إسرائيل إلى مقرقيادة الجبهة الجنوبية فى سيناء .وبناء على تعليمات الجنرال شموئيل جونين تحولت القطاعات الثلاثة على خط المواجهة من قطاعات الألوية إلى قطاعات فرق ,وتولى الجنرال إبراهام أدان قيادة القطاع الشمالى والجنرال أريل شارون قيادة القطاع الأوسط. أما الجنرال ألبرت ماندلر الذى كان يتولى القيادة العامة لقوات سيناء قبل الحرب وفى يومها الأول,فقد تولى قيادة القطاع الجنوبى .و كان الجنرال ماندلر قد صدر الأمر قبل الحرب مباشرة بتعيينه قائدا عاما لسلاح المدرعات . وجاء الجنرال كلمان ماجن إلىسيناء لكى يستلم منه منصبه يوم 7 أكتوبروكأنما كان ماندلر يتوقع مصيره عندما أبدى تشاؤمه لضباط فرقته المدرعة فى الحفل الذى اقاموه لتكريمه يوم 4 أكتوبر,فقد قال لهم :(هذه حفلة الوداع ,ولكنى أعرف أننى لن أغادر سيناء..سوف تنشب الحرب).وبالفعل صدقت نبوءته فقد نشئت الحرب قبل يوم واحد نت تسليمه قيادته إلى الجنرال ماجن كما أنه لم يغادر سيناء إلا جثة هامدة ,فقد صرعته قذيفة مصرية صباح يوم 13 أكتوبر عندما كان يستقل مكبة قيادته المدرعة ويقوم باستطلاعه بالقرب من أحد مراكز المراقبة فى الخط الأمامى من قطاعه , ومن العجيب أن الجنرال ماجن الذى جاء قبل الحرب لكى يحل محله فى قيادة قوات سيناء وصدر الأمر له بالانضمام إلى قيادة القطع الشمالى بمجرد نشوب الحرب ,هو الذى خلف ماندلر بعد مصرعه فى قيادة القطاع الجنوبى .

وعلى الرغم من وصول قادة الفرق الاحتياطية إلى الجبهة , فإن الفرق الاحتياطية ذاتها كانت ما تزال متقدمة على جميع الطرق الرئيسية فى اتجاه جبهة القتال فى سيناء ,وقد استغرق وصولها بضعة أيام نظرا لطول المسافة بين مراكز تجميع وحدات الاحتياطى فى منطقة بئر السبع بالنقب وبين قناة السويس التى كانت تبلغ حوالى 250 كم . ونظرا لخطورة الموقف على جبهة القناة بالنسبة للنجاح المصرى الساحق فى عملية اقتحام القناة واجتياح خط بارليف ,فقد اضطر الجنرال جونين إلى العمل على سرعة وصول قوات الاحتياطى إلى الجبهة .وعندما علم أن بعض الوحدات المدرعة الاحتياطية قد تعطلت فى بئر السبع لعدم توافر ناقلات للدباباتTransporters أمر بتحريكها إلى الجبهة على جنازير الدبابات مع ما فى ذلك من إهدار لساعات عمل محركاتها وإستهلاك لجنازيرها وحاجتها إلى كميات كبيرة من الوقود .وكان من الطبيعى حدوث بعض أعطال فى الطريق ,فتوقفت بعض الدبابات وسقطت جنازير دبابات أخرى ,مما أدى إلى سد محاورالتقدم وحدوث تأخير فى وصول بعض الوحدات إلى ميدان المعركة ,واستمر تدفق قوات الاحتياطى على الجبهة المصرية عدة أيام و امتلأت الطرق فى شمال سيناء بالأف المركبات والدبابات وحاملات الجنود المدرعة , وكذا بالقوافل الإدارية التى كانت تحمل الوقود والذخائر والمؤن. ولو كانت القيادة المصرية قد خططت من قبل لضرب هذه المركبات الحربية والقوافل الإدارية الإسرائيلية فى أثناء اجتيازها الطرق الصحراوية الطويلة المكشوفة بواسطة الطائرات المصرية عند دخولها فى مدى عملها لكانت قد أوقعت بها خسائر فاضحة خاصة وأن معظم هذه المركبات كانت ملزمة بالسي على الطرق المرصوفة ,ولم يكن فى مقدرتها الانتشار خارج هذه الطرق لتقليل الخسائر عند مواجهة الهجمات الجوية نظرا لنعومة الرمال وتهايلها فى معظم المناطق فى شمال سيناء, و لوكان ذلك التخطيط قد تم لتعطيل وصول الوحدات المدرعة الاحتياطية و قوافل الإمدادات والمؤن إلى الجبهة الإسرائيلية فى سيناء تعطيلا كان سيؤثر بلا شك على سير المعارك , هذا ولم يحدث أى تدخل مصرى لعرقلة وصول قوات الاحتياطي الإسرائيلية إلى جبهةالقتال إلا بواسطة رجال الصاعقة المصريين الذين نقلوا إلى عمق سيناء عن طريق طائرات الهليكوبتر .وكان من ضمن عمليات الصاعقة المهمة عملية قامت بها سرية من الكتيبة 183 صاعقة وفقد قامت بإعداد كمين على الطريق الشمالى القادم من العريش عند مشارف ( رمانة) التى تقع على مسافة حوالى 30 متر من قناة السويس على إعتبار أنها المكان الذى تتم فيه عملية إنزال الدبابات من فوق الناقلات لكى تنطلق الدبابات منه على جنازيرها إلى مواقعها المحددة فى الجبهة

وفى الساعة السابعة صباحا يوم 7 أكتوبر,وعندما وصل اللواء المدرع بقيادة العقيد نيتكا Natka التابع للفرقة المدرعة الاحتياطية التى يتولى قيادتها الجنرال أدان إلى رمانة وبدأالجنود الإسرائيليون فى إنزال الدبابات من فوق الناقلات –انهالت عليهم فجأة نيران البازوكات آربى جى 7 وصواريخ المالوتكا من وراء الشجيرات على جانبى الطريق من أفراد الكمين المصرى . ووفقا لما ورد فى المراجع الإسرائيلية, أصيب دبابتان وعربية مدرعة وقتل ستة جنود وجرح 14 .وها جمت كتيبة المقدم عسافياجورى المدرعة رجال الصاعقة المصريين واشتبكت معهم فى قتال عنيف لمدة تزيد على الساعة فى التلال المحيطة بالمنطقة .وداست الدبابات بجنازيرها فوق الكثيرون منهم . وقد نجحت هذه العملية الانتحارية الجريئة التى كلفت رجال الصاعقة 75 شهيدا وعددا من الجرحى فى تعطيل تقدم القوات الاحتياطية الإسرائيلية لبضع ساعات .

ولقد تم وصول قوات الاحتياطى الإسرائيلية على مراحل وبطريقة تدريجية إلى جبهة سيناء بسبب الظروف العديدة فى تل أبيب التى أدت إلى تعطيل عملية استدعاء الاحتياطى من جهة , ونظرا لقرار رئيس الأركان العامة بتوجيه القوات الاحتياطية الأولى من القوات المدرعة إلى جبهة الجولان فى الشمال على الفور ,بسبب خطورة الوضع على الجبهة السورية بالنسبة لقربها الشديد من المراكز ذات الكثافة السكانية من جهة أخرى . وقد بنيت الإستراتيجية الإسرائيلية على أساس أن تتولى وحات الجيش النظامى عملية الصد ووقف تقدم العدو إلى حين وصول قوات الاحتياطى التى تعتبر القوة الرئيسية فى الجيش الإسرائيلى , وفور إتمام وصول القوات المدرعة الاحتياطية ,تقوم قيادة الجبهة على الفور بشن هجماتها المضادة على المستوى التعبوى ثم بعد ذلك على المستوى الاستراتيجى إذا تطلب الموقف وفقا للخطط الموضوعة من قبل . إلا أن السياسة الاستراتيجية المرسومة لم يكن فى الإمكان تنفيذها فى المرحلة الأولى من حرب أكتوبر ,فإن القوات النظامية الوحيدة التى قامت بعملية الصد ووقف التقدم المصرى و هى ألوية جابى وآمنون ودان المدرعة تحت قيادة الجنرال ماندلر , قد أصيبت بخسائر فادحة كما أن الوحات الاحتياطية تأخرت فى الوصول إلى جبهة القتالو كان وصولها على مراحل وبطريقة تدريجية مما أرغم الجنرال جونين على تأخير قيامه بشن الهجوم المضاد التعبوى الذى كانت القيادة المصرية تتوقع حدوثه قبل ظهر يوم 7أكتوبر على أكثر تقدير .ونتيجة للوضع المتحرج على الجبهة المصرية ,اضطر الجنرال جونين إلى إشراك بعض الألوية المدرعة الاحتياطية التى وصلت إلى الجبهة فى عمليات الصد إلى جانب القوات النظامية بدلا من إتمام حشدها وراء خطوط الدفع المحددة لها من قبل لشن هجماتها المضادة الرئيسة.مما كان له أثر خطير فى ذلك الفشل الذريع الذى منيت به جميع الهجمات المضادة التى وجهت على عجل ضد رءوس الكبارى المصرية فى المرحلة الأولى من الحرب.

ورغم نجاح عملية العبور المصرية هذا النجاح الباهر واجتياح خط بارليف ,لم تكن بعض القيادات فى الخلف ولا الحكومة الإسرائيلية منتبهة إلى المغزى العسكرى الخطير للتوغل المصرى شرق قناة السويس ولا لخسائر المدرعات الإسرائيلية الفادحة ,وكان هناك وزراء يعتقدون أنه لن تمر أيام إلا ولم يتم اكتساح القوات المصرية والقذف بها إلى ما وراء القناة .

المفارز البرمائية عبر بحيرة التمساح والبحيات المرة كان من ضمن التخطيط المرسوم لاقتحام القوات المصرية قناة السويسدفع عدة مفارز من المشاة الميكانيكية البرمائية لعبور بحيرة التمساح والبحيرة المة الصغرى ضمانا لظهور عناصر مدرعة ذات جنزير على الشاطىء الشرقى لقناة السويس بعد وقت قصير من بدء العبور لتدعيم وحدات المشاة التى عبرت من جهة و كنوع من المفاجأة للعدو من جهة أخرى إذ لم يكن من المنتظر ظهو أى دبابات سواء كانت تابعة للفرق الخمس المشاة أو من الألوية المدرعة التى ألحقت بها على الشاطى الشرقى للقناة قبل سبع ساعات على الأقل من بدء العبور نظرا للوقت الذى تحتاج إليه وحدات المهندسين لفتح الثغرات في الساتر الترابى ولإقامة كبارى الإقتحام الثقيلة التى ستعبر عليها الدبابات .

وفى القطاع المتخصص للجيش الثانى تم دفع مفرزتين أماميتين كانت عبارة عن سريتين مشاة مدعمتين منقولتين فى عربيات مدرعة برمائية (إحداهما من الفرقة 16 مشاة من طراز BMP عبر الطرف الجنوبى لبحيرة التمساح ,والأخرى من الفرقة 2 مشاة من طرازBk عبر الطرف الشمالى للبحيرة ). وقد بدأ إبراز المفرزتين عبر البحيرة بمجرد بدء التمهيد النيرانى للمدفعية .وتم وصولها إلى الشاطىء الشرقى خلال نصف ساعة ,وحقق ظهورهما فى هذا التوقيت المبكر مفاجئة كبرى للعدو مما دفعه فى قطاع الفرقة 2 مشاة إلى إخلاء النقطة القوية على لسان بحيرة التمساح وضم أفرادها إلى قوة النقطة القوية التى كانت تقع عند نمرة 6 (كان الإسرائيليون يطلقون عليها اسم حصن بوركان).

وفى القطاع المتخصص للجيش الثالث ,وضع التخطيط على أساس أن يعبر اللواء 

130 المشاة الميكانيكى البرمائى البحيرة المرة الصغرى جنوب (كبريت)بحوالى 2كم . وهذا اللواء هو لواء خاص صدر قرار بإنشائه فى يناير عام 1972 ويتشكل من كتيبتى مشاة ميكانيكتين (الكتيبة 602 والكتيبة 603) , وتم تزويده بعدد 80 مدعة برمائية (طراز توباز)معدة لنقل المشاة الميكانيكية سواء على البر أو عبر المسطحات المائية .وكانت قوة اللواء الضاربة مكونة من عدد 20 دبابة من طراز 76 وعدد من سرايا المقذوفات الصاروخية مالوتكا ,بعضها من طراز (فهد )المحمولة فوق عبات مدرعة توباز ذات الجنزير ,والآخر من طراز (نمر)المحمولة فوق عربات مدرعة بردم ذات العجل الكاوتش . وكانت المهمة التى كلف اللواء 130 برمائى بتحقيقها هى أن تعبر مفرزتان منه (كتيبتان مدعمتان )البحيرة المرة الصغرة ساعة س , وبمجرد وصولها إلى الشاطىء الشرقى للقناة تتقدم مفرزة منها على الطريق المؤدى إلى مضيق الجدى وتتقدم الآخرى على طريق الشط -مضيق متلا للإستيلاء على المدخل الغربى لكل من المضيقين على أن ترسل كل منهما . بعد إجراء عملية التأمين قوة مشاة مترجلة (خارج المضيقين) لمهاجمة ك من مركز الإعاقة والشوشرة للعدو فى جبل أم خشيب وبعض الأهاف الحقيقية فى مطار تمادا .

وكان الهدف الأساسى من دفع هاتين المفرزتين إلى مضيقى الجدى ومتلا هو أن تتمكنا من تأخير وصول الاحتياطى العتيوى للعدو حتى صباح يوم 7 أكتوبر , أى بعد ضمان إتمام إقامة المهندسين المصريين للكبارى على القناة وعبور الألوية المدرعة الملحقة بالفرق المشاة إلى الشرق واستعداد فرق المشاة الخمس بعد تدعيمها بالدبابات لصد أى هجوم مضاد تعبوى للعدو.ولكن خواص هذا اللواء البرمائى وتسليحه وإمكاناته القتالية لم تكن تتيح له الفرصة لتحقيق واجب العمليات الذى أسند إليه ويمكن إدراك ذلك بوضوح عند الاطلاع على ما أورده الفريق سعد الشاذلى فى مذكراته التى أوردها عن حرب أكتوبر , وكان يتولى منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة فى أثناء الحرب ,وعلاوة على ذلك كان يشرف إشرافا شخصيا مباشرا على هذا اللواء البرمائى إلى الحد الذى جعله يبقى بنفسه مع عناصر هذا اللواء طوال الليل فى المشروع التجريبى الذى أجراه ليلة 18/19 يوليو 1973 لاختبار كفاءة هذا اللواء فى منطقة (الحمام ) غرب الإسكندرية والذى تم فيه عبور اللواء لمسطح مائى فى البحر المتوسط لمسافة 30 كم .فلقد ذكر ما يلى بالحرف :(كانت دبابات اللواء 130 البرمائى هى الدبابة ت 76,وهى تشكل قوة نيران كبيرة ضد قوات العدو ومركز قيادته والمواقع غيرالحصينة ,ولكن خفة تدريعها و صغر عيار مدفعها يجعلانها ليست ندا لدبابات العدو المتوسطة بأنواعها كلها والتى كانت مسلحة بالمدفع 105مم) وهذه الحقيقة التى أوضحها الفريق سعد الشاذلى فى مذكراته بوضوح تجعلنا نتساءل عن السر فى إسناد هذه المهمة إلى كتيبتى اللواء المشاة الميكانيكى البر مائى وفقا لما ورد فى خطة العمليات ما دامت إمكاناته القتالية كانت قاصرة تماما عن إمكان تنفيذها .إن كلتا الكتيبتين إثناء تحركهما شرقا سواء على الطريق إلى مضيق الجدى أو إلى مضيق متلا كان من المنتظر بصورة حتمية بناء على المعلومات المتوافرة قبل بدء العمليات عن خطة العدو (شوفاخ يونيم) أن تصطدم أثناء تقدمها بكتيبة مدرعة إسرائيلية (من 35إلى 40 دبابة), فقد كان معروفا أن الألوية المدرعة التى فى الاحتياط والمتمركزة بالقرب من منطقة المضايق سوف تندفع بأقصى سرعة بمجرد بدء عبور القوات المصرية القناة إلى اتجاه الغرب للقيام بهجماتها المضادة التكتيكية على الوحدات المصرية التى نجحت فى تثبيت أقدامها على الشاطىء الشرقى وكان من المعروف أن هناك لواء مدرعا إسرائيليا يتمركز فى القطاع الجنوبى (بقيادة العقيد دان )وليس أمامه من طرق يسلكها للوصول إلى الشاطىء الشرقى للقناة سوى طريق الجدى –القناة وطريق متلا –الشط.

وبإجراء عملية مقارنة القوات ببعضها نجد أنه على كل طريق كان من المحتم أن تواجه

كتيبة مشاة ميكانيكية مصرية لاتملك سوى 10 دبابات خفيفة التدريع ومسلحة بالمدفع 76مم صغير العيار قوة مدرعة إسرائيلية مشكلة من أكثر من 35دبابة إسرائيلية ثقيلة التدريع 

ومسلحة بالمدفع 105 مم الذى يعتبر من المدافع ذات العيار الكبير . ولم يكن للصواريخ المضادة للدبابات مالوتكا المزودة بها كل كتيبة تأثير فعال ضد الدبابات الإسرائيلية مثلما كان الحال يجرى فى القتال بين المشاة المصرية والدبابات الإسرائيلية شرق القناة ,و الذى كان أفراد المشاة يستطيعون خلاله مفاجأة الدبابات الإسرائيلية على مسافات قريبة ومن وراء سواترهم التى اختفوا وراءها ,علاوة على المعاونة التى كانوا يحصلون عليها من مدافع الدبابات ومدافع الضرب المباشر من مصاطبها على الشاطىء الغربى للقناة .أمافى معركة متحركة وفى أرض مفتوحة ,فلم تكن لصواريخ مالوتكا المحملة على عربات مدرعة إلا مقدرة محدودة لقتال دبابات ذات مدفع أبعد منها مدى بمراحل عديدة .

وهكذا تجمعت كل عوامل الفشل قبل أن تبدأ المعركة , وعلاوة على ذلك فقدت الكتيبة الميكانيكية 602 وهى التى عبرت البحيرة أولا لسوءالحظ ,جانبا لا يستهان به من قوتها , إذ إن بعض الدبابات ت 76 والعربات المدرعة من طراز توباز وكثيرا من العربات المدرعة من طراز (بردم) الخاصة بالاستطلاع و التى كان بعضها يحمل المقذوفات الصاروخية (مالوتكا) المضادة للدبابات غرزت فى البحيرة المرة :فقد اتضح فى أثناء العبور أنها ضحلة وموحلة وذات تربة هلامية مما أدى إلى أن تسير العربات المدرعة على جنازيرها عبر

البحيرة عدا الممر الملاحى الأصلى لقناة السويس فى وسط البحيرة . وفتحت جماعة من

المهندسين العسكريين ثغرة فى حقل الألغام الذى اكتشف على الشاطىءالشرقى للبحيرة. و عقب اشتباك بالنيران مع العدو من اتجاه حصن كبريت شرق تقدمت الكتيبة 602 إلى بداية طريق الجدى وفقا للخطة الموضوعة . ولم تكد تقطع 15 كم من الطريق وكان آخر ضوء قد حل –حتى اصطدمت بكتيبة دبابات إسرائيلية من طراز باتون M48 .ودارت معركة عنيفة من الظلام استخدمت فيها الدبابات الإسرائيلية أشعة النور المبهر Zenon ونيران مدافعها 105 مم .ورغم الشجاعة الفائقة التى أظهرها المشاة المصريون واستماتتهم فى القتال عجزت بالطبع مافع الدبابات البرمائية من عيار 76مم وصواريخ المالوتكا التى يصعب توجيهها فى الظلام عن مجابهة هذا العدد الضخم من الدبابات الإسرائيلية التى كانت مدافعها أبعد مدى وأشد تأثيرا .وانتهت المعركة كما كان منتظرا بتدمير دبابات وعربات الكتيبة بعد أن استشهد و أصيب عدد كبير من أفرادها .وو اصلت الكتيبة المدرعة الإسرائيلية تقدمها فى اتجاه قناة السويس , بينما عاد أفراد الكتيبة الذين نجوا من المعركة مترجلين وعلى دفعات إلى حيث انضموا إلى رأس كوبرى الفرقة السابعة مشاة . وقد صدرت الأواملر لهذه الكتيبة الميكانيكية 602 بعد إعادة تنظيمها بالتمركز فى مطار كبريت غرب القناة للدفاع عنه ضد أى تسول للعدو .

أما الكتيبة الثانية من اللواء البرمائى وهى الكتيبة 603 ,فقد كان مصيرها مختلفا عن زميلتها ,.إذ لم تتيح لها الفرصة لحسن الحظ للتقدم على طريق الشط –مضيق مثلا كما كان مقررا.فلم تكد تعبر البحيرة المرة الصغرى وتصل إلى شاطئها الشرقى فى حوالى الرابعة مساء وتتجمع خارج حقل الألغام , حتى دارت معركة عنيفة بينها وبين سرية دبابات إسرائيلية كانت متقدمة من كبريت شرق , إلا أن مجموعة صواريخ مضادة للدبابات من الفرقة السابعة مشاة كلفت بمعاونتها فى صد هجوم الدبابات ,فاضطرت السرية المدلرعة الإسرائيلية إلى الانسحاب فى اتجاه الشرق بعد أن فقدت دبابتين وثلاث مركبات صاروخية . واسندت إلى المفرزة البرمائية ,بعد أن تم الغاء مهمتها الأولى وهى التقدم إلى مضيق متلا ,مهمة جديدة وهى الاستيلاء على النقطة القوية الإسرائيلية فى كبريت شرق (حصن بوتزر كما كان يسميه الإسرائيليون) بالتعاون مع سرية دبابات من اللواء 25 مدرع المستقل (الملحق على الفرقة السابعة مشاة ). وقد نجحت الكتيبة الميكانيكية فى تحقيق مهمتها وأتمت احتلال وتطهير الموقع الإسرائيلى الحصين يوم 9 أكتوبر . وعلى أثر ذلك انضمت قيادة اللواء 130 برمائى إلى الكتيبة الميكانيكية التى تم تمركزها فى حصن كبريت شرق

وعقب نجاح القوات الإسرائيلية فى عملية الاختراق بين الجيشين الثانى والثالث فى الدفر سوار ليلة 16 أكتوبر والعبور إلى غرب القناة ,أحاطت القوات الإسرائيلية شرق

القناة بموقع الكتيبة الميكانيكية 603 فى كبريت شرق , وأصبح الموقف المصرى مثل جزيرة 

صغيرة فى بحر من القوات الإسرائيلية المحيطة به من كل جانب . وصمد أفراد الموقع فى شجاعة وبطولة نادرتين فى وجه الهجمات الإسرائيلية العنيفة المتواصلة التى استخدمت فيها الدبابات والمدفعية والصواريخ علاوة على وابل من القصف الجوى المركز .وأصيب خلال الحصار الذى استمر حوالى 114 يوما قائد اللواء , كما استشهد رئيس عمليات اللواء ورئيس الإشارة وقائد الكتيبة الميكانيكية 603. ورغم العجز التام فى المياه والطعام والوقود والزخيرة تمكن أفراد الموقع المصرى من التغلب على كل هذه الصعاب وانتهى الحصار دون أن يستسلم أفراد الموقع ,وبقيت قصة الكتيبة 603 مشاة ميكانيكية رمزا لصمود وكفاح الجندى المصرى . هذه قصة اللواء 130 مشاة ميكانيكى برمائى الذى كلف لسوء الحظ بمهمة تفوق كثيرا قدراته القتالية , وصمد رغم ذلك فى وجه الظروف الصعبة التى واجهته بشجاعة وبطولة .

والأمر الذى يدعو إلى الدهشة والإستغراب أن الفريق سعد الشاذلى الذى من المفترض أنه أدرى القادة بحكم منصبه كرئيس للأركان خلال حرب أكتوبر بحقيقة ما يدور من وقائع وأحداث على جبهة القتال ,سجل فى الصفحة 237 من مذكراته التى نشرها بالخارج قصة وهمية ليس لها أى سند من الواقع عن عمليات اللواء 130 مشاة برمائى نذكر منها ما يلى بالحرف: (فى خلال يوم 7 أكتوبر قامت قواتنا الخاصة التى تعمل فى مؤخرة العدو بعدة أعمال نشطة كان لها أثركبير فى إرباك قيادات العدو وتعطيل تحرك احتياطياته نحو الجبهة .قامت عناصر من اللواء 130 مشاة الأسطول (برمائى)بالتقدم خلال ممر متلا وممر الجدى حيث قامت بمهاجمة مركز رئاسة القطاع الجنوبى ومحطات الردار والمعسكرات . وقد تقدمت إحدى سراي اللواء خلال ممر الجدى حتى دخلت إلى مطار تمادا الذى يقع على مسافة حوالى 80 كم شرق القناة ).

مناقشة الوضع فى سيناء برئاسة الأركان العامة الإسرائيلية كانت الدبابات التى تبقت من ألوية سيناء الثلاثة التى خاضت معارك يوم 6 وليلة 7 أكتوبر والتى قامت بالهجمات المضادة التكتيكية على المواقع المصرية قد تراجعت عن الخط الأمامى وانتشرت على طريق المدفعية (الطريق العرضى رقم 2) وهو يقع على بعد 8 -10كم شرق القناة ,وتم انشاؤه خلال حرب الاستنزاف على طول القناة لكى يتيح

الفرصة لبطاريات المدفعية الإسرائيلية لسرعة الانتقال من موقع إلى آخر . وعند ظهر يوم 7 

أكتوبر جرت بين مجموعة القيادة فى رئاسة الأركان العامة فى تل أبيب مناقشة عاجلة حول الموقف المتدهور على الجبهة المصرية , بعد أن نجح المصريون خلال الليل فى إنشاء منطقة وطيدة من رءوس الكبارى شرق قناة السويس , وبعد أن فشلت جميع الهجمات المضادة الإسرائيلية المحلية فى اختراقها والوصول إلى حصون خط بارليف على شاطىء القناة .ولم يجرؤ أحد من القادة الحاضرين على التفوه بكلمة الانسحاب , وإنما تم التعبير عن المعنى المقصود بأسلوب آخر وهو القيام بعملية إعادة تنظيم جديدة على طول الطريق العرضى الذى يمتد من بالوظة شمالا إلى الطاسة جنوبا بموازاة طريق المدفعية وعلى بعد حوالى 30كم شرق القناة (أطلق عليه المصريون اسم الطريق العرضى رقم 3) . وكانت شكوى الجنرال جونين قد اشتدت بسبب غياب الطيران الإسرائيلى عن سماء الجبهة المصرية . وكانت الطائرات الإسرائيلية يوم 7 أكتوبر قد حاولت التغلب على شبكة الردار المصرية ومباغتة المطارات المصرية فى وسط وشمال الدلتا عن طريق اقترابها على ارتفاعات منخفضة فوق البحر المتوسط على غرا ما حدث فى الضربة الجوية يوم 5 يونيو 1967,ولكن الطيارين الإسرائيلين فوجئوا بالمقاتلات الاعتراضية من طراز ميج 21 فى انتظارهم . وعندما حاولت الطائرات التسلل إلى أهدافها على ارتفاعات مختلفة قوبلت بغلالة كثيفة من صواريخ سام أرض جو ونيران المدافع المضادة للطائرات , وتم إسقاط خمس طائرات منها ولاذت الطائرات الباقية بالفرار . ونتيجة لهذا الفشل ولشدة حاجة القوات الإسرائيليةعلى جبهة الجولان إلى المجهود الجوى ,أبلغ الجنرال بيليد قائد القوات الجوية الجنرال جونين بأنه لن يستطيع تقديم أى دعم آخر لقواته بسبب الوضع المتحرج على الجبهة الشمالية وأجابه جونين فى قلق (إن لم تأتوا فليس لدى ما أصد به الهجوم).وإزاء إلحاح الجنرال جونين بعد ظهر يوم 7 أكتوبر فى طلب معاونة السلاح الجوى لإنقاذ الموقف على الجبهة المصرية , أصدر الجنرال بيليد أمره بتحويل عدة أسراب من الجبهة السورية إلى الجبهة المصرية , على أن يكون مجهود الطائرات مركزا ضد الكبارى والمعابر التى أقيمت على قناة السويس . ولم تكن هذه الكبارى أهداف سهلة يمكن ضربها , إذا كان المصريون يصعبون مهمة الطيارين الإسرائيلين بإطلاقهم سواتر من

الدخان بالقرب من الكبارى ,علاوة على الكبارى الهيكلية الكثيرة التى أقاموها والتى 

كانت بعض المركبات الخفيفة تقوم بالعبور فوقها لتبدوا من الجو كأنها حقيقة . وكان أفراد المهندسين المصريين يستغلون قترات التوقف بين الغارات الجوية و يقومون بإلقاء معديات جديدة إلى الماء لاستبدال الأجزاء التى تلفت من الكبارى نتيجة للقصف الجوى . وكانوا يلجئون كذلك إلى حيلة بارعة لتقليل الإصابات فى الكبارى فى الفترات التى تتوقف فيها عملية عبور القوات والمعدات المصرية فوق الكبارى عن طريق تقطيع أجزاء كبيرة من الكبارى وربطها بموازاة الجانب الشرقى للقناة ,مما كان يجعل مهمة تحديد أماكن الكبارى وضربها عملية شاقة بالنسبة للطيارين الإسرائيلين ,خاصة وأن ذلك التصرف كان يرغم الطائرات الإسرائيلية على أن تبدأ انقضاضها من ناحية غرب القناة المكتظة بمئات من الصواريخ أرض جو سام و المدافع المضادة للطائرات لكى يمكنها إصابة أجزاء الكبارى المربوطة فى الجانب الشرقى للقناة ,مما كان سببا فى تعرضها إلى خسائر جسيمة دون أى جدوى , إذ كان أفراد سلاح المهندسين المصريين لا يلبثون حتى يقوموا بإصلاح الكبارى وإعادة تعويمها من جديد بمجلرد انتهاء الغارات الجوية الإسرائيلية. وفى تل أبيب لم يصرح المحدث العسكرى الرسمى الإسرائيلى فى البيان الذى أذاعه يوم 7 أكتوبر بأى نبأ عن اندحار القوات الإسرائيلية على جبهة قناة السويس , وإنما تعمد ذكر النبأ بألفاظ مبهمة ,فقال :

(كونت قواتنا المدافعة خطوط دفاع جديدة فى مواجهة رءوس الكبارى المصرية ). وفى سيناء حاول الجنرال ألبرت ماندلر فى الأمر اليومى الذى أصدره أن يرفع روح قواته المعنوية بذكر احتمالات النصر فى المستقبل , فقال :(أيها الجنود ..لقد أوقفتم محاولات الاقتحام الرئيسية من العدو المصرى , وتحققت مهمتنا الأولى وتم وقف العدو عن تقدمه . لقد تلقى خط المواقع الأمامية الضربة الأولى وامتصها وصمد بقوة , وقبل أن يمر يوم سوف تظهر كل عظمة جيش الدفاع الإسرائيلى).














الفصل الثالث: مرحلة اقامة رؤوس الكباري وصد الهجمات المضادة الإسرائيلية

مرحلة إقامة رءوس الكبارى وصد الهجمات المضادة الإسرائيلية نتيجة لطلعات الاستطلاع الجوى التى قامت بها طائرات الاستطلاع الإسرائيلية صباح الأحد 7 فبراير 1973، أكتشف العدو ان المجهود الرئيسى للقوات المصرية التى عبرت إلى الشاطىء الشرقى للقناة يقع فى قطاع الجيش الثانىفى المنطقة الواقعة ما بين الدفرسوار جنوبا والفردان شمالا ، بالنسبة لوجود أكبر حشد من الدبابات والمدرعات المصرية فيها ، ولذا قررت القيادة الإسرائيلية تركيز المجهود الرئيسى لضرباتها ضد القوات المصرية فى هذه المنطقة . وكانت الفرق الثلاث التابعة للجيش الثانى الميدانى ، وهى الفرق 16،2،18المشاة، قد أتمت فى نهاية يوم 6 أكتوبر تحقيق مهمتها المباشرة ، ونجحت كل منها فى إقامة رأس كوبرى على الشاطىء الشرقى للقناة بعمق حوالى 5 كم، وقامت على الفور بأعمال التجهيز الهندسى والتعزيز على الخطوط المكتسبة وتنسيق خطط النيران بمختلف أنواعها وفى ليلة 6/7أكتوبر ، بدأت الألوية المدرعة الثلاثة الملحقة على فرق المشاة بقطاع الجيش الثانى فى العبور بدباباتها وعرباتها المجنزرة على الكبارى الثقيلة المخصصة لها للانضمام إلى مناطق رءوس الكبارى الفرق شرق القناة، وحوالى الساعة السابعة صباحا . يوم 7 أكتوبر تمكنت الألوية المدرعة من إتمام عملية العبور ، فانضم اللواء 14 مدرع ( من الفرقة 21 المدرعة ) إلى الفرقة 16 مشاة فى اليمين ،واللواء 24 مدرع ( من الفرقة 23 مشاة ميكانيكية ) إلى الفرقة2 مشاةفى الوسط ، واللواء 15 مدرع مستقل إلى الفرقة 18 مشاة إلى اليسار . وفى صباح يوم 7 أكتوبر ، اصدر قائد الجيش الثانى تعليماته بأن تقوم الفرق الثلاث مستغلة ما حققته من نجاح بتطوير الهجوم شرقا لتحقيق المهمة التالية لها ، وأن تكون الفرق مستعدة لصد وتدمير أى هجمات مضادة للعدو .وطوال ليلة 6/7 أكتوبر ، بذلت القوات المدرعة الإسرائيلية جهودا مضنية بناء على تعليمات الجنرال جونين للالتحام بحاميات حصون خط بارليف على طول القناة . ففى القطاع الشمالى أرسل العقيد جابى عدة سرايا مدرعة للاتصال بحصن مفريكيت (شمال جزيرة البلاح ) وحصن ميلانو ( القنطرة شرق ) وبعد معارك دامية مع القوات المصرية طوال الليل ، ونظرا لفداحة الخسائر الإسرائيلية ، صدر الأمر صباح 7 أكتوبر بإخلاء حصن مفريكيت أما حصن ميلانو فقد قام أفراد حامية الحصن وعددهم40 ضابطا وجنديا بإخلاء الحصن سراعند منتصف الليل ، وقاموا بمغامرة فذةتستحق التسجيل فقد استغلوا فرصة الظلام الدامس ودخلوا مدينة القنطرة شرق التى كانت قوة من الفرقة 18مشاة قد احتلتها من قبل ،وكانوا يأملون ألا يتعرف عليهم المصريون فى خضم ضجيج الدبابات والمركبات السائد فى المدينة وفى عتمة الشوارع المظلمة واصتدام الإسرائيليون فى أثناء تقدمهم داخل القنطرة شرق عدة مرات بقوات وكمائن مصرية دون أن تتعرف عليهم . ولكن فى إحدى الممرات اضطر أحد الجنود الإسرائيليين الذين يعرفون اللغة العربية إلى الرد على إحدى الدوريات المصرية التى صادفتهم للسماح لهم بالمرور ولكن لهجتة غير المصرية كشفتهم فأطلقت عليهم النيران فى الحال مما أدى إلى مصرع بعضهم بينما لاذالباقون بالفرار وبعد أن تجمعوا فى أحد البيوت الخالية تم لهم عن طريق الاتصال اللاسلكى تحديد نقطة التقاء مع قوة الإنقاذ الإسرائيلية فى الشرق ونجحالذين بقوا على قيد الحياة من أفراد قوة الحصن فى التسلل إلى خارج مدينة القنطرة شرق وعند الفجر تم لقاؤهم بالقوة الإسرائيلية التى كانت فى انتظارهم وهى سرية دبابات باتون من لواء العقيد جابى وفى القطاع الأوسط ، قام العقيد آمون بمحاولات يائسة للاتصال بموقع هيزانون (الفردان ) وحصن بوركان (نموة 6 شرق الإسماعيلية ) وتم إرسال سرية دبابات إلى كل حصن للاقتحام بحاميته وبعد معارك دامية طوال الليل مع قوات من الفرقة 2 مشاة تم تدمير السريتين المدرعتين الإسرائيليتين وإحكام الحصار حول حصنى هيزانون وبوركان .لماذا اقترح موشى ديان الانسحاب إلى خط المضايق ؟ عقب زيارة قام بها موشى ديانلجبهة الجولان فى الشمال فجر يوم 7 أكتوبر ، اتجه فى طائرة هيليكوبتر إلى سيناء وبرفقته العميد زئيفى أحد مساعدى رئيس الأركان . وقبل هبوط الهيليكوبتر بجوار المركز الأمامى للقيادة الجنوبية فى أم مرجم ، اتصل به الجنرال جونين قائد القيادة لاسلكيا ونصحه بالعودة من حيث جاء فلقد وصلت أنباء بأنه يوجد فى المنطقة أفراد من الصاعقة المصريين مختفون فى المرتفعات المسيطرة على مركز القيادة ولكن موشى ديان قرر النزول رغم ذلك وهبطت صائرته فى الساعة 11 والدقيقة الأربعين قبل الظهر وكان يعانى فى قرارة نفسه من أزمة تشاؤم حادة نتيجة لسوؤ الوضع على الجبهة السورية وفى غرفة العمليات بمركز القيادة المتقدم وبعد استعراض الوضع على جبهة القناة قال موشى ديان للجنرال جونين : ( هذه حرب صعبة وليست اشتباك حدود ويجب الانسحاب إلى خط ثان إلى الجبال والتحصن هناك ) وأشار بيده إلى خط الممرات على خريطة العمليات التى كان مرسوما عليها مواقع قوات الطرفين . وعلى أثر ذلك تم اتصال تليفونى بين موشى ديان والجنرال دافيد اليعازر رئيس الأركان فى تل أبيب وسأله ديان : (ماذا تستطيعون تقديمه إلى جونين ؟ ) وكان يقصد بالطبع المعاونة الجوية وصدم ديان • عندما تلقى رد رئيس الأركان فقد أجابه بأنه لا توجد إمكانية فى ذلك الوقت لزيادة المعاونة الجوية للجبهة الجنوبية إذا إن الطائرات مطلوبى أكثر فى الشمال وأخذ ديان يتحدث مع جونين مرة أخرى عن الانسحاب والتثبت بخطوط أخرى قائلا : ( يجب ترك خط المياة والانتقال إلى الطريق العرضى ( يقصد الطريق العرضى رقم 3 ويقع على بعد حوالى 30كم شرق القناة ) وذلك بالمدرعات الباقية وبما سوف يصل بعد ذلك من التشكيلات المدرعى الاحتياطية لكى يمكن ضرب المصريين ليس هناك ما يمكن أن تقدمه للحصوت الامامية وعلى الأصحاء أن يحاولوا اجتياز الخطوط أما الجرحى فلا خيار أمامهم سوى البقاء والوقوع فى الأسر ) وأكد ديان للجنرال جونين أن ما قاله هو نصيحة على مستوى وزارى ،ولكن يجب تنسيق الأمور مع رئيس الأركان . لكن الجنرال جونين لم يكن رأيه متفقا مع رأى وزير الدفاع فى وجوب الانسحاب إلى الطريق العرضى شرقا ،فقد كان عزمة قد استقر على عدم مواصلة التراجع وعلى ضرورة التمسك بطريق المدفعية (الطريق العرضى رقم 2 على بعد حوالى 10 كم شرق القناة ) . وكان الأمل ما يزال يراوده فى إمكان عودة قواته إلى خط المياه . وبناء على نصيحة موشى ديان ،أصدر جونين أوامره إلى قادة القطاعات الثلاثة بترك الجرحى فى حصون خط بارليف وأن تحاول حاميات الحصون بعد إخلائها الانضمام إلى القوات الإسرائيلية شرقا . وأوضح لقادة القطاعات عدم احتمال تلقيهم اى معونة من السلاح الجوى بسبب سوء الموقف على جبهة الجولان وأن عليهم الصمود دون معاونة جوية . وعاد موشى ديان وزير الدفاع من سيناء مباشرة إلى مقر هيئة الأركان العامة فى تل أبيب التى أصبحت بمجرد نشوب الحرب مقر القيادة العليا .وقد وصل إليها حوالى الساعة الثانية والنصف بعد الظهر .وفى غرفة العمليات أخذ ديان يبدى اقتراحه لرئيس الاركان على ضوء الرحلة التى قام بها فاقترح انسحاب القوات الإسرائيلية للتحصن فى خط على المداخل الغربية للمضايق الجبلية ( 35-45 كم شرق القناة ) كما اقترح تقليصالخطوط الدفاعية بالأنسحاب من خليج السويس وبقاء قوة فقط فى شرم الشيخ للاحتفاظ بها .وتساءل رئيس الأركان : ( حتى إذا كان علينا أن نتأهب فى خط ثان ، ولماذا يجب أن نخلى خليج السويس ؟ ) واوضح رئيس الأركان رأيه فى وجوب الصمود على خط دفاعى امام رأس سدر ( على خليج السويس ) وليس فى شرم الشيخ ورد ديان قائلا : ( ربما لا يكون هناك إخلاء ولكن يجب ان ندير هناك معركة تعطيلية ) وكان وزير الدفاع بالقطع فى حالة حادة من التشاؤم بعد زيارتية المتتاليتين لجبهتى الجولان وسيناء ولكن الجنرال أليعازر رئيس الأركان كان أقوى منه أعصابا ولذا لم تصدر عنه أى أوامر إلى القوات الإسرائيلية فى سيناء بالانسحاب تنفيذا لنصيحة موشى ديان. وحضر وزير الدفاع ورئيس الأركان اجتماعا عند رئيسة الوزراء جولدا مائير بعد الظهر واشترك فى الجتماع الذى عقد بمكتبها برئاسة الوزارة نائبها إيجال آلون وإسرائيل جاليلى وزير الدولة . وعرض موشى ديان وجهة نظره بالانسحاب من خط القناة والتمسك بخط دفاعى جديد على مسافة فى الشرق لشن الحرب من هناك ، ووجوب إخلاء الحصون الأمامية .وطالب موشى جولدا مائير بضرورة بذل اقصى جهد ممكن للحصول على طائرات ودبابات من الولايات المتحدة بأسرع وقت نظراً لتفوق العرب فى العدد والسلاح .وقد شرح موشى ديان فى مذكراته (قصة حياتى ) التى نشرها عقب حرب أكتوبر بعض التفاصيل عن هذا الاجتماع فذكر أن رئيسة الوزراء والوزيرين آلون وجاليلى صعقوا من الحقيقة الليمة التى أوضحها ، وهى أنه ليس فى مقدور القوات الإسرائيلية رد المصريين إلى الجانب الآخر من القناة فلقد كانوا متأثرين بالتقارير التى سبق أن وصلتهم عن تدمير الطائرات الإسرائيلية للكبارى المصرية على القناة مما أوهمهم بأن القوات المصرية شرق القناة أصبحت معزولة عن قواعدها غرب القناة .وشرح لهم موشى ديان أن هذه الكبارى ليست بناء متماسكا وإنما هى مجموعة متصلة من معديات خشبية يمكن إصلاحها أو استبدالها فى أثناء الليل واعترض رئيس الأركان على تقديرات موشى ديان ورغم أنه وافقه على إعداد خط ثان بدلا من خط القناة فإنه أبدى رأيه فى وجوب البدء بالهجوم المضاد على الفور واقترح أن يطير إلى القيادة الأمامية الجنوبية فى تلك الليلة لدراسة الموقف وسأل وزير الدفاع عما إذا كان من سلطته اتخاذ القرار بشن هجوم مضاد على القوات المصرية على الضفة الشرقية للقناة فأفاده الوزير بالإيجاب وأبدت رئيسة الوزراء والوزيران ارتياحهم إذ لم يكن فى مقدورهم كما ذكر ديان تحمل التفكير فى افتقار إسرائيل إلى القوة لرد العدو إلى حيث كان منذ 30 ساعة مضت .خطة الهجوم المضاد الإسرائيلى على قطاع الجيش الثانى فى الساعة الثامنة مساء يوم 7 أكتوبر وصل الجنرال دافيد أليعازر رئيس الأركان العامة إلى المركز الأمامى للقيادة الجنوبية فى أم مرجم بطائرة هيليكوبتر وبرفقته الجنرال إسحق رابين رئيس الأركان العامة فى حرب يونيو 67والذى تولى فيما بعد منصب رئيس وزراء إسرائيل وعلى أثر وصولهما عقد اجتماع بمقر القيادة الأمامى حضره الجنرال جونين قائد القيادة الجنوبية وثلاثة من القادة هم الجنرال ألبرت ماندلر وإبراهام أدان (برن)وكلمان ماجن وتأخر الجنرال شارون عن الحضور لمدة ساعتين بسبب خلل أصاب الهيليكوبتر التى أرسلت لإحضاره . وخلال الاجتماع وضع الجنرال أليعازر الخطوط الرئيسة لخطة الهجوم المضاد الذى تقرر أن يبدأ صباح يوم الاثنين 8 أكتوبر على منطقة رءوس الكبارى المصرية شرق القناة . وكانت الخطة تتلخص فيما يلى : تبدأ فرقة الجنرال إبراهامأدانالمدرعة فى القطاع الشمالى الهجوم على قطاع الجيش الثانى من القنطرة إلى الجنوب فى اتجاه الدفرسوار والبحيرات المرة وفى نفس الوقت ترابط فرقة الجنرال شارون فى قطاعها ( القطاع الاوسط ) لصد هجمات العدو ووقف تقدمه شرقا ولتكون فى نفس الوقت بمثابة احتياطى لفرقة أدان .إذا نجح هجوم أدان فى الشمال تقوم فرقة شارون المدرعة بالهجوم على الجيش الثالث من الدفرسوار إلى الجنوب فى اتجاه السويس والطرف الجنوبى للقناة وفى حالة فشل هجوم أدان سيكون على فرقة شارون تعزيز الهجوم ولذا أمر رئيس الأركان بعدم تحريك فرقة شارون من قطاعها إلا بتصديق منه . تظل فرقة ألبرت ماندلر المدرعة فى قطاعها فى الجنوب لوقف تقدم العدو شرقا ولتكون فى نفس الوقت بمثابة احتياطى لفرقة شارون فى حالة قيامه بالهجوم على الجيش الثالث وترك رئيس الأركان تحديد ساعة (س) للجنرال جونين وحذره من اقتراب القوات المهاجمة من التلال الترابية الواقعة شرق القنطرة نظرا لاحتلالها بحشود ضخمة من جنود المشاة المصريين المسلحين بالبازوكات آربى جى وصواريخ ساجر (مالوتكا ) وطلب الجنرال جونين من رئيس الأركان إذنا بالعبور الى الضفة الغربية للقناة إذا نجح الهجوم وقد تردد رئيس الآركان فى قبول الفكرة أو رفضها إذ إن معتاد العبور الإسرائيلى لم يكن معدا وكان من الممكن فقط وفقا لاقتلراح جونين عبور القناة على الكبارى المصرية ولذا رد رئيس الركان على جونين قائلا لتصلوا إلى الكبارى اولا وحينئذ نرى لست أريد أن يعبر جيش كامل على كوبرى واحد وإذا احتللنا عدة كبار ننقل إليها فصائل من الدبابات وعلى كل حال يتم عبور القناة فقط بناء على أمر منى ولا يتحرك شارون إلا بتصديق منى وعندما كان رئيس الأركان فى طريقه لركوب الطائرة الهيليكوبتر قابل الجنرال شارون الذى كان قد وصل لتوه واوضح أليعازر –الذى كانوا يطلقون عليه اسم (دادو) –لشارون أسس خطة الهجوم المضاد فى اليوم التالى . وحاول شارون إقناع رئيس الأركان للسماح له بالعبور بفرقته إلى الضفة الغربية فى الصباح . ولكن دادو يكبح جماحه ويقول له إنه يجب فى البداية ضرب رءوس الكبارى المصرية قبل التفكير فى العبور وكان موضوع إنقاذ الفراد المحاصرين فى حصون خط بارليف هو الشغل الشاغل للجنرال شارون بأعتبارة واجبا إنسانيا ملحا . وقد سبق له قبل مجيئه وضع خطة لإنقاذ أفراد الحصون الثلاثة فى قطاعه وهى حصن متسميد ( الدفرسوار ) ولا كيكان (تل سلام ) وبوتزر (كبريت شرق ) .وقد تحدث بنفسه لاسلكيا مع قادة اثنين منها ، أما الحصن الثالث فقد لقى الضباط فيه مصرعهم ، ولم يجد شارون أحدا يتصل به بالحصنسوى عامل إشارة من الاحتياط كان يعمل قبل الحرب جرسونا فى القدس وبادر شارون بطرح خطتهعلى رئيس الأركان لإنقاذ الأفراد المحاصرين ، ولكن رئيس الأركان اقترح عليه بحث الموضوع مع الجنرال جونين ، وأن يؤجل ذلك انتظارا لما سوف يسفر عنه الهجوم المضاد فى الغد . وحاول شارون بحث الموضوع ثانية مع الجنرال جونين ولكن الحديث معه لم يؤد إلى تغيير رأيه فقد أوضح جونين لشارون خطورة تنفيذ خطته لإنقاذ الحصون إذ إن هذه الخطة سوف تكلف الجيش الإسرائيلى 50 دبابة على الأقل ولكنه كان يأمل فى إمكان الوصول إلى بعض الحصون خلال الهجوم المضاد فى اليوم التالى .وحوالى منتصف الليل توجه موشى ديان مع الجنرال أليعازر عقب عودته إلى تل ابيب إلى غرفة العمليات بمقر رئاسة الأركان.وكان رئيس الأركان يتمتع بروح معنوية عالية وأخذ يشرح لضباط رئاسة الأركان فى حضور وزير الدفاع أسس خطة الهجوم المضاد فى اليوم التالى الذى كان يأمل أن يكون هو نقطة التحول فى الحرب فقد كان يستهدف منه سحق القوات المدرعة المصرية التى عبرت القناةواتخذت مواقعها على طول الضفة الشرقية لها وكان أمل القيادة الإسرائيلية كبيرا فى نجاح الهجوم المضاد فقد أرسلت تعزيزات ضخمة من الدبابات إلى الجبهة الجنوبية وبات من المتوقع أن يكون اليوم التالى هو يوم الدروع المتصارعة . وفى مقر القيادة الإسرائيلية بسيناء وضع الجنرال جونين عند منتصف الليل خطته التفصيلية للهجوم المضاد التى خصص فيها المهام بدقةللفرق المدرعة التى ستقوم بالهجوم. وقد انتقد الجنرال إبراهام أدان (برن) فى الكتاب الذى نشره بعد الحرب باللغة العبرية وأسماه (على ضفتى قناة السويس ) الخطة التى وضعها الجنرال جونين ، وذكر أنها جاءت مخالفة تماما لخطة رئيس الأركان بالإضافة إلى غموضها وعدم وضوحها . فقد حدد جونين مهمةالفرقة المدرعة التى كان يقودها أدان بأن تتولى تطهير خط القناة فى القطاع الشمالى فى المنطقة الواقعة ما بين طريق المدفعية شرقا وخط المياة غربا وإنقاذ وتحرير القوات التى داخل حصون خط بارليف فى هذه المنطقة وسحب الدبابات التى تعطلت والاستعداد للعبور إلى الضفة الغربية للقناة وأوضح أدان أن خطةجونين تضمنت أمرين لم يقرهما رئيس الأركان : اولهما تحرير الأراضى حتى خط المياة (رغم تحذيره بعدم اقتراب الدبابات المهاجمة من التلال الترابية والواقعة شرق القناة )والأمر الثانى هو الاستعداد للعبور إلى الضفة الغربية دون تهيئة الظروف المناسبة لذلك . وانتقد الجنرال أدان خلو خطة جونين من تحديد الخط الذى تتوقف عنده القوات الإسرائيلية بعد العبور إلى الضفة الغربية . وكذا عدم ذكر الحدود التى تفصل بين الفرق المدرعة بعضها ببعض .وفضلا عن ذلك ،فقد ذكر الجنرال أدان أن جونين خالف أمر رئيس الأركان من جهة عدم تأخير الهجوم إلى حين إتمام وصول القوات المدرعة الاحتياطية التى كان عدد دباباتها سيرفع من عدد دبابات الجبهة إلى حوالى 700 دبابة ، إذ إن جونين قرر بدء الهجوم فى الصباح رغم أن عدد الدبابات فى الفرق المدرعة الاحتياطية الثلاث لم يزد وقتئذ على حوالى 500 دبابة مما كان يحقق للدبابات المصرية على الضفة الشرقية للقناة تفوقا كبيرا فى العدد .ورغم مخالفة خطة جونين للخطوط الأساسية التى وضعها رئيس الأركان فإن الجنرال أليعازر عند وصوله إلى مقر قيادته فى تل أبيب فى الخامسة والنصف صباح يوم 8 أكتوبر ، وحينما عرض عليه رئيس العمليات برئاسة الأركان خطة الهجوم المضاد التى تلقاها من الجنرال جونين ، أقرها وأبلغ جونين بتصديقه عليها .وقد أدى هذا التصرف إلى تعرضه لموجة من النقد العنيف عقب فشل الهجوم المضاد كما سيتضح فيما بعد ، رغم أنه ثبت أنه كرر خلال اتصاله بجونين تحذيره له من مغبة الاقتراب بقواته من قناة السويس ، كما أبدى له تشاؤمه بشأن إمكان العبور على كبار مصرية إلى الضفة الغربية للقناة . وقد فضل الجنرال جونين إبلاغ خطة الهجوم المضاد التى وضع تفصيلاتها إلى قادة الفرق عن طريق الاتصال بهم لاسلكيا ، وقد وجه إليه النقد لاتباعه هذه الوسيلة ، إذ لو كان توجه إلى المراكز الامامية لقيادات الفرق لمناقشة تفاصيل الخطةمع قادتها لأمكنه أن يطلع بنفسه على أوضاع كل فرقة على الطبيعة ، ولكان قد أدرك ما فى خطته من مخالفة للواقع ومدى استهانته بقوة المصريين ، مما جعله يدفع ثمنا باهظا لذلك فيما بعد .وتلقى الجنرال أدان لاسلكيا واجب فرقته التى كانت مكلفة وفقا للخطة بالهجوم على الجيش الثانى .وكانت مهمتها تتلخص فى التقدم من القنطرة جنوبا وتدمير القوات المصرية حتى الدفرسوار ، ومن هناك يتم العبور إلى الضفة الغربية للقناة على أن تقوم الفرقة خلال هجومها بإنقاذ الجنود المحاصرين فى حصون هيزانون ( الفردان ) وبوركان( رقم 6 شرق الإسماعلية ) ومتسميد (الدفرسوار ) .وحدد جونين مهمة شارون فى التقدم جنوبا بفرقته من الدفرسوار فى اتجاه السويس ومن موقع حصن نيسان(شرق السويس ) يتم العبور إلى الضفة الغربية واحتلال مدينة السويس ، ثم الاندفاع غربا إلى مسافة20 كم من الشاطىء الغربى للقناة .ويتضح من هذه الخطة التى وضعها جونين ، والتى بنيت على أساس عبور فرقتى أدان وشارون قناة السويس وإنشاء رأس كوبرى إسرائيلى على الضفة الغربية للقناة إلى عمق 20كم ، مقدار جهله بحقيقة الوضع العسكرى للقوات المصرية ، كما يتضح ايضا مدى سوء الفهم داخل المعسكر الإسرائيلى ،إذ كان التفاهم يكاد يكون مفقودا بين رئاسة الأركان وقيادة الجبهة الجنوبية ، وكان على أسوأ ما يكون بين القيادة الجنوبية وقادةالفرق المدرعة الثلاث . مزايا العبور إلى الغرب من قطاع الفردان كانت المهمة التى خصصت للجنرال إبراهام أدان (برن) قائد القطاع الشمالى تقضى بالهجوم فى الصباح بفرقته المدرعة من اتجاة الشمال إلى اتجاة الجنوب بالقرب من الشاطىء الشرقى للقناة ، بهدف تدمير القوات المصرية فى القطاع ما بين القنطرة شمالا والدفرسوار جنوبا واستغلال النجاح للعبور إلى الضفة الغربية للقناة على الكبارى المصرية التى يتم الاستيلاء عليها على أن تقوم الفرقة خلال هجومها بإنقاذالحاميات الإسرائيلية المحاصرة فى الحصون : هيزانون(الفردان) وبوركان (رقم 6الإسماعيلية شرق) ومتسميد (الدفرسوار) وكان نجاح القوات الإسرائيلية فى اختراق المواقع الدفاعية على الشاطىء الشرقى للقناة وفى هذا القطاع يحقق لإسرائيل عدة مكاسب عسكرية بالإضافة إلى مزايا سياسية ودعائية مهمة فمن الناحية العسكرية سوف تكون أجناب القوات الإسرائيلية التى سوف تنجح فى الوصول إلى الضفة الغربية للقناة مؤمنة بموانع طبيعية عن طريق بحيرة المنزلة فى الشمال وترعة الإسماعيلية فى الجنوب كذلك لا يحتاج هذا القطاع إلى قوات كبيرة للتمسك به إذ لا تزيد مواجهته على 45 كم هذا فى الوقت الذى يصعب فيه على القوات المصرية القيام بهجمات مضادة لاستردادة نظرا لوجود بعض الاراضى الزراعية والأشجار بداخله واحتوائه على كثير من الترع والمصارف والقنوات المائية وعلاوة على ذلك ،توجد بالقطاع قاعدتان جويتان مهمتان هما الصالحية وابو صوير وكذا مطار الإسماعيلية . ومن الناحية السياسية فإن استيلاء إسرائيل على ثلاث من المدن المهمة بالقطاع هى :الإسماعيلية والقنطرة والصالحية كان كفيلا بأن يحقق لها نصرا سياسيا ودعائيا كبيرا كما يجعل من السهل عليها عزل مدينة بور سعيد من الجنوب وحصارها تمهيدا للاستيلاء عليها فى الوقت الذى سوف يتم لها السيطرة فيه على مدخل طريقين مهمين للوصول إلى القاهرة وهما طريق الإسماعيلية القاهرة الزراعى (طريق المعاهدة ) وطريق الإسماعيلية القاهرة الصحراوى كانت الخطة التى وضعها الجنرال إبراهام أدان لشن هجومه المضاد على مواجهة الجيش الثانى صباح يوم 8 أكتوبر تستهدف تثبيت قوات الفرقة 18 مشاة فى قطاع القنطرة عن طريق القيام ببعض هجمات ثانوية على مواجهة الفرقة تمهيدا لتوجيه الضربة الرئيسة على رأس كوبرى الفرقة الثانية مشاة فى قطاع الفردان والجنب الأيسر من الفرقة 16 مشاة فى منطقة الإسماعيلية شرق .وكانت مجموعة عمليات أدان فى القطاع الشمالى تتكون من ثلاثة ألوية مدرعة ،وهى :لواء العقيد جابى ،وهو لواء من الجيش النظامى كان يعمل فى القطاع الشمالى من قبل ، واشتبك مع قوات الجيش الثانى طوال يومى 7،6أكتوبر فى معارك الصد وفى محاولات الالتحام بحصون خط بارليف مما انقص كثيرا من قدرته القتالية ولواء العقيد نيتكا ،وهو لواء مدرع احتياط قدم من بئر السبع على الطريق الساحلى العريش – رمانة محمولا فوق ناقلات الدبابات ،وقد سبق أن ذكرنا أنه هوجم فى صباح يوم 7 أكتوبر بواسطة قوة من رجال الصاعقة المصريين عند رمانة فى أثناء إنزال الدبابات من فوق الناقلات كى تتحرك على جنازيرها إلى ساحة القتال وأصيب ببعض الخسائر أما لواء العقيد آربيه ،فهو أيضا لواء احتياط قدم يوم 7أكتوبر من مركز تجمع وحدات الاحتياط فى بئر السبع .وفور أن نجح الجنرال أدان فى حشد معظم القوات التابعة لمجموعة عملياته فى القطاع الشمالى ، قام بنشر ألويته المدرعة الثلاثة على الطريق العرضى رقم 3 ، فقد كان يتوقع – وفقا لما ورد فى كتابه (على ضفتى قناة السويس ) الذى نشره بعد الحرب – أن القوات المصرية بعد النجاح الباهر الذى حققته يومى 7،6أكتوبر سوف تستغل نجاحها فى مواصلة التقدم شرقا للوصول إلى الطريق العرضى رقم 3 الممتد من بالوظة شمالا إلى الطاسة جنوبا ،فقد كان الطريق أمامها ممهدا لتحقيق ذلك الغرض ،مما حدا به على أن يقول فى الكتاب الذى أصدرة( الويل انا لو أنهم قد فعلوا ذلك )وعندما اكتشف الجنرال أدان أن القوات المصرية عبرت القناة اقتصرت جهودها فى هذه المرحلة على عملية إنشاء وتدعيم مناطق رءوس الكبارى تشجع وأمر ألويته المدرعة الثلاثة بالتقدم نحو الغرب فى اتجاه الطريق العرضى رقم 2 ،استعدادا لبدء عملية الهجوم المضاد . وقد حذت القوات المدرعة فى القطاعين الأوسط والجنوبى حذوه بعد إن أمرها قادتها بالتقدم أيضا فى اتجاه الغرب للاقتراب من رءوس الكبارى المصرية .وفضلا عن منطقة المستنقعات الشمالية التى كانت مانعا طبيعيا قويا على الجنب الأيمن لفرقة الجنرال أدان تم تخصيص قوة مدرعة بقيادة الجنرال كلمان ماجن كانت تتكون من كتيبتين مؤمناً بوجود فرقة الجنرال شارون بالقطاع الأوسط . وكان المجهود الرئيسى للهجوم المضاد الإسرائيلى موجهاً نحو قطاع الفرقة 2 مشاه بالفردان وكانت هذه المهمة موكولة الا اللواء المدرع الذى يتولى العقيد جابى قيادته بعد أن تمت إعادة تنظيمه وتدعيمه على أثر معارك يومى6 و 7 اكتوبر المريرة ولتحويل أنظار المصؤيين عن إتجاه المجهود الرئيسى كلف الجنرال آدان كل من العقيد نيتكا والعقيدآربية بالقيام بهجمات ثانوية فى الشمال على مواجهة الفرقة 18 مشاة بالقنطرة .وفى الجنوب على مواجهة الفرقة 16 مشاة فى قطاعها ما بين الدفرسوار والإسماعيلية شرق . وفى الساعة التاسعة صباح يوم 8 أكتوبر ، قامت قوة مدرعة من لواء نيتكا فى الشمال تقدر بحوالى كتيبة دبابات مدعمة بمشاة ميكانيكية بالهجوم على الجنب الأيمن للفرقة 18 مشاة ، ولكن قائد اللواء الأيمن للفرقة قام بدفع احتياطى اللواء المضاد للدبابات إلى اتجاه الهجوم وقام قائد اللواء 15 المدرع المستقل بأوامر من قائد الفرقة 18 مشاة بدفع سريتى دبابات لمعاونةاللواء الأيمن للفرقة والذى وقع ضده الهجوم . وبعد قتال عنيف تم صد الهجوم المضاد الإسرائيلى وتدمير عدد من الدبابات المعادية من طراز باتون M.48 واضطرت القوة المدرعة الإسرائيلية إلى الارتداد شرقا . وفى حوالى نفس التوقيت، قامت قوة مدرعة من لواء آربيه فى الجنوب تقدر بكتيبة مدرعة مدعمة بمشاة ميكانيكية من اتجاه الطاسة بالهجوم على الدفاعات الأمامية على طول مواجهة الفرقة 16 مشاة ، وبعد قتال عنيف تم تدمير 10 دبابات و6 عربات مدرعة من طراز M.113.هل نجحت قوات أدان المدرعة فى العبور إلى غرب القناة ؟ كانت تعليمات الجنرال جونين قائد القيادة الجنوبية إلى الجنرال أدان تقضى بأن يسرع بالاتجاه بقواته جنوبا فى اتجاة الدفرسوار وان يحاول الاستيلاء على كوبرى مصرى سليم عند الفردان للعبور عليه بقوة مدرعة من فرقته إلى الضفة الغربية للقناة . وأجابه أدان بأن قوته أصغر من أن تقوم بهذه المهمة وأنه على استعداد لتنفيذها بشرط معاونته بالطيران والمدفعية . وكان الجنرال أدان قد أمر العقيد جابى فى الصباح الباكر بالتقديم بلوائه المدرع من الشمال إلى الجنوب على أقرب مسافة ممكنة من القناة للقيام بالهجوم الرئيسى على قطاع الفردان الإسماعيلية بهدف تحرير موقعى هيزانون (الفردان) وبوركان(رقم 6 الإسماعيلية شرق ) كما أمر العقيد نيتكا بالبقاء بلوائه المدرع أمام قطاع القنطرة للعمل كاحتياطى للفرقة على أن يعيد تنظيم قواته استعدادا للتقدم فى اتجاه الجنوب بمجرد صدور الأمر إليه بذلك .وفى الساعة السابعة والنصف صباح يوم 8 أكتوبر ، بدأت مجموعات مدرعة من لواء جابى فى الظهور أمام الجنب الأيسر للفرقة 2 مشاة ، والقيام بعملية مناورة أمام المواجهة لمحاولة اكتشاف أنسب اتجاه للوصول إلى النقطة القوية فى الفردان . وعلى أثر اكتشاف قائد الفرقة 2 مشاة العميد حسن أبو سعدة نوايا العدو ، اتخذ قراره بصد وتدمير دبابات العدو القائمة بالهجوم بإمكانات اللواء الأيسر للفرقة وباحتياطى الفرقة المضاد للدبابات وبمعاونة اللواء 24 المدرع (الملحق على الفرقة 2 من الفرقة 23 مشاةميكانيكية الموجودة ضمن احتياطى الجيش الثانى غرب القناة ) .وطلب قائد الفرقة من قائد الجيش الثانى اللواء سعد مأمون المعاونة بنيران مجموعة مدفعية الجيش الثانى واحتياطى الجيش المضاد للدبابات رقم 1.وكان يتولى قيادةمدفعية الجيش الثانى وقتئذ العميد محمد عبد الحليم غزالة وصدق قائد الجيش الثانى على قرار قائد الفرقة 2 مشاة ، على ان يتم استخدام اللواء 24 مدرع فقط فى حالة اختراق العدو لرأس كوبرى الفرقة، والأ يخرج اللواء المدرع خارج رأس الكوبرى إلا بعد الحصول على تصديق منه وأصدر قائد الجيش الثانىتعليماته بأن يجرىالهجوم المضاد على العدو فى حالة اختراقه نقطة الاتصال بين الفرقة 2 مشاة والفرقة 16 مشاة بالتنسيق بين اللواء 24 مدرع (الملحق على الفرقة 2 مشاة ) واللواء 14 مدرع ( الملحق على الفرقة 16 مشاة ) وبأوامر منه شخصيا وفى الساعة التاسعة صباحا بدأ لواء جابى الهجوم فى أنساق متتابعة مركزا هجومه على اللواء الأيسر للفرقة 2 مشاة وتم الاشتباك معه بسريتى دبابات من اللواء 24 المدرع والاحتياطى المضاد للدبابات لكل من اللواء والفرقة. وتمكنت دبابات معادية من اختراق الخط الدفاعى الأمامى للفرقةفى اتجاه حصن الفردان ولكن تم تدميرها باستخدام القنابل اليدوية المضادة للدبابات من طراز حام وبى جى 43 وارتدت باقى الدبابات الإسرائيلية فى حوالى الساعة الحادية عشرة ظهرا .وقبل الظهر اتصل الجنرال يورى بن آرى نائب قائد القيادة الجنوبية بالجنرال أدان وأبلغه ببيان مهم مفاجىء وهو أن هناك أدلة تشير إلى بدء انسحاب القوات المصرية وأن عليه الإسراع بقواته إلى الجنوب وأن يشتبك مع القوات المصرية لتدميرها قبل أن تتمكن من الهرب ثم العبور بسرعةعلى الكوبرى المصرى الموجود فى الفردان إلى الضفة الغربية للقناة فطلب الجنرال أدان إمداده بكتيبة مدرعة من فرقة الجنرال شارون لتعزيز لواء جابى فوعده يورى بن آرى بتلبية مطلبه واعتقد الجنرال أدان عندما طلب منه العبور بسرعةمن الفردان إلى الضفة الغربية واحتلال مواقع هناك أن تعديل الخطة فى هذه المرحلة لابد أن يستند إلى عوامل مفاجئة مهمة ونتيجة لمعلومات مؤكدة وردت من شعبة المخابرات .وخلال تبادل الرسائل اللاسلكيةالتى حملت إلى الجنرال أدان أمر العبور على الكوبرى المصرى بالفردان ، وكان رقيب فى شعبة العمليات برئاسة الأركان العامة فى تل أبيب يتسمع على شبكةالاتصالات اللاسلكية وخيل إليه من الإشارات المتبادلة أن قوات الجنرال أدان توشك على العبور من فوق كوبرى الفردان إلى الضفة الغربية للقناة . وعن طريق هذا الرقيب انتقل النبأ بسرعة من شخص إلى آخر فى مقر رئاسة الأركان حتى وصل إلى العميد زئيفى مساعد رئيس الأركان الذى صارع بالأتصال هاتفيا بالجنرال دايفد أليعازر رئيس الأركان وكان يحضر وقتئذ جلسة لمجلس الوزراء فر (الكرباه) بتل أبيب فى الوقت الذى قام فيه إسرائيل لينور السكرتير العسكرى لجولدا مائير رئيسة الوزراء بنقل النبأ إليها مما أشاع جوا من الابتهاج بين الحاضرين فى جلسة مجلس الوزراء ولحسن حظ السلطات الإسرائيلية لم تتم إذاعة النبأ عن طريق المتحدث الرسمى للجيش الإسرائيلى ولكن النبأ وصل بطريقة خاصة للعميد جور الملحق العسكرى الإسرائيلى فى واشنطن الذى أبلغة لبعض المسئولين فى البنتاجون ونجح صحفى واحد وهو مراسل صحيفة الفيجارو الفرنسية فى تسريب النبأ خارج البلاد مما جعله ينشره فى باريس إلى حين اتضح بعد ذلك أنه لم يكن له أى أساس من الصحة .وبعد أن أنتهت جلسة مجلس الوزراء اتضح لرئيس الأركان ولباقى المسئولين فى إسرائيل أن الجنرال أدان ليس فقط لم يعبر بقواته وإنما أيضا قد تلقى ضربات شديدة من القوات المصرية فعندما حاول لواء جابى تعزيز هجومه قبل الظهر بهجمة مضادة بقوة كتيبة مدرعة على الجنب الأيمن للفرقة 2 مشاة تمكنت قوات اللواء الأيمن من الفرقة باستخدام نيران المدفعية وأسلحة الضرب المبا شر والصواريخ المضادة للدبابات من صد القوات المدرعة الإسرائيلية أمام الحد الأمامى للدفاعات واخذت فى تدمير الدبابات واحدة وراء الأخرى كما أصيب قائد الكتيبة فى ذراعه ولذا قرر الانسحاب تاركاً حطام دباباته واشلاء أطقمها بينما فرت بقية الأطقم ولم يتبق له من 25 دبابة سوى 7 وقتل 20 فرداً من رجاله وعلى الرغم من الأمر الذى صدر إلى الجنرال شارون بإرسال كتيبة مدرعة من فرقته لإنقاذ لواء جابى الذى أصيب بخسائر فادحة فإن شارون رفض إرسال الكتيبة بحجة أن الفرقة سوف يصدر إليها بعد قليل أمرا بالتحرك إلى الجنوب وفقا للخطة الموضوعة وستكون الفرقة فى حاجة إلى هذه الكتيبة وبالفعل لم تمض فترة قصيرة حتى أصدر الجنرال جونين تحت تثير اعتقاده أن خطته الموضوعة تنفذ بنجاح –أمرا إلى الجنرال شارون المتمركز بفرقته فى القطاع الأوسط بالتحرك من الشمال إلى الجنوب فى اتجاه السويس لتنفيذ المهمة الموكلة إليه وهى القيام بهجوم مضاد على الجيش الثالث وقد أرتكب الجنرال شارون عند تحركه بفرقته صوب الجنوب عدة أخطاء تكتيكية فقد غادر قطاعه دون أن يترك خلفه أى قوات من فرقته لحماية القطاع الأوسط ولم يطلب من القيادة الجنوبية إرسال أى وحدات أخرى لملء الفراغ الذى سيحدثه تحركه إلى الجنوب زغم أن القوات المصرية فى مواجهته كانت فى حالة نشاط مستمر . وعندما أدرك الجنرال أدان مدى الفشل الذى اصيب به لواء جابى خلال هجومه على الفرقة 2 مشاة المصرية أصدر أمره إلى العقيد نيتكا بترك كتيبة مدرعة من لوائه أمام قطاع الفرقة 18 مشاةفى القنطرة بغرض تثبيتها والتحرك بالكتيبتين الأخريين جنوبا إلى قطاع الفردان لتعزيز لواء جابى تمهيدا للقيام بهجوم مشترك باللواءين فى اتجاه حصن الفردان (هيزانون) وبادر نيتكا بالتحرك فى الحال واتجه بكتيبته إلى الجنوب حيث احتشدت مدرعاته إلى جانب مدرعات العقيد جابى على طريق المدفعية (الطريق العرضى رقم 2 ) وفور وصول نيتكا اجتمع مع زميله جابى تحت قذف عنيف من نيران المدفعية المصرية واطلع منه على آخر تطورات الموقف وقد شكا له جابى من النقص الشديد فى معاونة المدفعية الإسرائيلية لقواته وكذا العجز الواضح فى المساعدة الجوية وكان العقيد نيتكا رجلا قصير القامة بطىء الحركات وعندما كان قائدا لإحدى الكتائب المدرعة فى حرب يونيو عام 67أصيب بجراح بليغة فى ساقيه نتيجة إصابة دبابته بدانة مدفع خلال مهاجمته أحد المواقع المصرية فى منطقة أم قطف (أبو عجيلة )وقد أجريت له أكثر من عملية جراحية واصبح جزء كبيرمن إحدى ساقيه صناعيا ورغم ذلك فإن هذه الإصابات لم تحطم روحه المعنوية ومارس ضغطا على قيادته حتى وافقوا على إعادته إلى قيادة مقاتلةرغم ما كان يواجهه من معوقات وكان يحتاج إلى مساعدة أحد رجاله حتى يصعد أو يهبط من الدبابة ولكن قوة معنوياته أصبحت حديث الجيش كله وأصبح يعرف باسم البولدج الآدمى وفى الساعة الثانية عشرة ظهرا احتشدت قوة نيتكا (لواء مدرع عداالكتيبة التى تركت أمام القنطرة )وجعل محور هجومه الرئيسى الطريق الممهد والمتفرع من الطريق العرضى رقم 3 إلى الفردان (كان طريق المصريون يطلقون عليه اسم طريق عرام )وعلى يمينه احتشدت المدرعات الباقية من لواء جابى والتى لم تكن تزيد بعد المعركة التى جرت مع اللواء الأيمن من الفرقة 2 مشاة على 25 دبابة فقط وكانت قوات الهجوم المضاد الرئيسى تفتقر إلى قوات المشاة الميكانيكية وإلى المعونة الكافية من المدفعية والطيران معركة الفرقة الثانية المشاة نجحت إحدى مجموعات استطلاع الفرقة 2 مشاة فى أكتشاف أن قوة من العدو تقدر بحوالى 75 دبابة متجمعة شرق كثيب العجرمية شمال شرق رأس كوبرى الفرقة وفى الساعة الثانية عشرة ظهرا وعشر دقائق التقطت الفرقة إشارة لاسلكية باللغة العبرية أرسلها العقيد نيتكا إلىقيادته تفيد باستعداده لبدء لهجوم بأقصى سرعة بعد 20 دقيقة فى اتجاة الفردان ونظرا لضيق الوقت اتخذ العميد حسن أبو سعدة قائد الفرقة الثانية قرارا سريعا على مسئوليته الشخصية لمواجهة هجوم العدو المنتظر الذى قدر أنه سوف يوجد ضد نقطة الاتصال بين لواءى النسق الأول للفرقة . باعتبار أن هذا الاتجاه هو أقرب الطرق للوصول إلى نقطة الفردان الحصينة ( هيزانون) التى كانت لا تزال تقاوم حتى ذلك الوقت كما أن نجاح الهجوم فى هذا الاتجاه كان من المنتظر أن يؤدى إلى قطع رأس كوبرى الفرقة إلى جزأين يسهل بعدها تدمير كل جزء منها على حدة وكان قرار قائد الفرقة الثانية يعتبر أسلوبا جديدا لتدمير العدو وهو جذب قواته المدرعة إلى أرض قتل داخل رأس كوبرى الفرقة والسماح لها باختراق الموقع الدفاعى الأمامى والتقدم حتى تصل إلى مسافة 3 كم من القناة وكانت الخطة مرسومة على أساس تدمير القوات المدرعة التى سوف تتوغل داخل رأس الكوبرى عن طريق مواجهتها بلواء النسق الثانى للفرقة ( اللواء المشاة الميكانيكى ) واللواء 24 المدرع احتياطى الفرقة وكذا باحتياطى الفرقة المضاد للدبابات واحتياطى الجيش المضاد للدبابات رقم 2 مع المناورة باحتياطات ألوية النسق الأول المضاد للدبابات لاحتلال الخطوط الجانبية للمنطقة التى اختيرت وسط رأس كوبرى الفرقة لتكون أرض القتل التى سيتم فيها سحق دبابات العدو . وفى نفس الوقت ، كان التخطيط موضوعا لحصار العدو فى أرض القتل بإغلاق خط الرجعة عليه بواسطة الكتيبة اليمين التى سيتم اختراقها من لواء النسق الاول الذى على يسار الفرقة لمنع أى دبابة من الخروج من رأس الكوبرى . وكان قرار قائد الفرقة 2 مشاة خطيرا ولكن المفاجأة فيه كانت مذهلة مما ساعد على النجاح وفى الساعة الثانية عشرة والنصف ظهرا قام لواء نيتكا بالهجوم المضاد وركز هجومه كما كان منتظرا فى المسافة بين نقط الاتصال بين لواءى النسق الأول وقد جرى الهجوم الإسرائيلى فى نسقين متتابعين وتقدمت كتيبة النسق اليمين من لواء اليسار التى وقع عليها ثقل الهجوم بتنفيذ مهمتها وقبول الاختراق فى مواقعها الأمامية وجذب العدو فى اتجاه أرض القتل ، ثم محاصرته من الخلف ومنع ارتداده نحو الشرق وبمجرد دخول دبابات لواء نيتكا ارض القتل السابق اعدادها وباوامر من قائد الفرقة 2 مشاة انطلقت النيران من مدافع اللواء 24 المدرع ومن جميع الاسلحة والصواريخ من الاحتيياطيات المضادة للدبابات التابعة للألوية والفرقة والجيش ومن جميع الاتجاهات صوب دبابات العدو التى قامت بالاختراق وكان لواء النسق الأول اليسار الذى حدث فيه الاختراق قد دفع كل أطقم اقتناص الدبابات المسلحة بمقذوفات آربى جى وصواريخ المالوتكا خلف القوات الإسرائيلية التى دخلت رأس الكوبرى مما أحال أرض القتال إلى نوع من الجحيم وخلال 13 دقيقة تم تدمير معظم دبابات العدو وتم الإستيلاء على 8 دبابات إسرائيلية سليمة كما تم أسر المقدم عساف ياجورى قائد كتيبة النسق الأول فى لواء نيتكا بواسطة مجموعة من اللواء المشاة الميكانيكى ( النسق الثانى للفرقة ) بقيادة النقيب يسرى عمارة والملازم فتحى بخيت بعد تدمير دبابته ومحاولته الهروب مترجلا فى اتجاه الشرق وعندما انقشعت سحب الدخان التى كانت تغطى سماء المعركة وجد نيتكا أنه لم يبق سليما من مجموع القوة التى بدأت الهجوم سوى 4 دبابات بما فيها دبابته وكان لواء جابى يتقدم على يمين لواء نيتكا ولكنه توقف بعد قليل بعد أن بدأت دباباته تحترق وطلب بإلحاح من قائده مساعدة جوية عاجلة ولكنه لم يتمكن من الحصول عليها رغم طلبها عدة مرات وإزراء الخسائر الجسيمة التى حاقت بلواءى نيتكا وجابى وتدمير معظم دبابات اللواءين اضطر الجنرال أدان إلى التصديق على طلبهما بالانسحاب فورا من المعركة والعودة إلى اتجاة الشرق صوب الطريق العرضى رقم 3 واحتلال المواقع المجهزة فى العمق وانتهت المعركة فى الساعة الثانية ظهرا وبمجرد انتهاء المعركة اتخذ قائد الفرقة الثانية قراره بتطوير الهجوم شرقا لتحقيق المهمة التالية للفرقة .تحقيق أهداف المرحلة الأولى من خطة بدر جائت نتائج الهجوم المضاد الذى جرى يوم 8 أكتوبر مخيبة لآمال الإسرائيليين ففى قطاع الجيش الثانى فى الشمال تمكنت الفرقتان 18 مشاة فى قطاع القنطرة و16 مشاة فى قطاع الدفرسوار – الإسماعيلية شرق من صد الهجمات المضادة التى تعرضت لها وحداتهما منذ صباح يوم 8 أكتوبر وأوقعت بالهاجمين خسائر جسيمة أما فى قطاع الفردان فقد تمكنت الفرقة 2 مشاة من سحق اللواء المدرع الذى كان يتولى قيادته العقيد نيتكا ومن أسر قائد إحدى كتائبه وهو العقيد عساف ياجورى وكذا فى إلحاق خسائر فادحة باللواء المدرع الذى كان يقوده العقيد جابى وإزاء الخسائر الجسيمة التى حاقت بالفرقة المدرعة الإسرائيلية فى أثناء قيامها بالهجوم المضاد الرئيسى على فرق المشاة المصرية فى قطاع الجيش الثانى اضطر الجنرال إبراهام أدان (برن) قائد الفرقة إلى إصدار أوامره إلى قادة ألويته المدرعة الثلاثة (العقيد نيتكا وجابى وآربيه ) بالانسحاب شرقا صوب الطريق العرضى رقم 3 واحتلال المواقع المجهزة فى العمق . وقد لعبت مدفعية الجيش الثانى دورا بارزا فى تشتيت شمل وحدات الهجوم المضاد الإسرائيلى إلى درجة أن مركز قيادة الجنرال أدان المتقدم وقع قبل انتهاء المعركة تحت وابل من نيران المدفعية المصرية فقتل احد ضباط أركان حربه واضطر الجنرال أدان إلى القفز من مكانه والابتعاد بمركز قيادته بعيدا عن نيران المدفعية .وقام نائب الجنرال أدان بإخلاء الجرحى بنفسه من مركز القيادة إلى نقطة إسعاف خلفية .وكان الجنرال جونين قائد القيادة الجنوبية الإسرائيلية قد ارتكب خلال ذلك الهجوم أخطاء تكتيكية جسيمة كان من ابرزها إصدار الأمر إلى الجنرال شارون المتمركز بفرقته المدرعة فى القطاع الأوسط بالتحرك من قطاعه إلى اتجاه السويس فى الجنوب للقيام بهجوم مضاد على الجيش الثالث وفقا للخطة الموضوعة من قبل تحت تأثير اعتقاد خاطىء بأن خطته تنفذ بنجاح .ولو كان الجنرال جونين قد عرف الوضع الحقيقى لقواته فى ساحة القتال كما كان واجبه بوصفه قائدا عاما للجبهة الجنوبية لما أصدر هذا الأمر الخاطىء .فلقد كان الموقف يستدعى منه سرعة تحريك فرقة شارون إلى الشمال وليس إلى الجنوب لتدعيم فرقة الجنرال أدان التى كانت ألويته المدرعة تتلقى وقتئذ أقص الضربات من القوات المصرية وكانت فى أشد الحاجة إلى نجدة قوية لتعزيز هجومها المضاد الذى لم يلبث أن فشل تماما فى حوالى الساعة الواحدة ظهرا .وعندما تنبه جونين أخيرا إلى خطورة موقف الجنرال أدان فى الشمال تدارك الخطأ التكتيكى الذى ارتكبه فأصدر أمرا ثانيا إلى الجنرال شارون الذى كان وقتئذ مندفعا بفرقته نحو الجنوب بوقف تقدمه فى اتجاه السويس والعودة ثانية إلى قطاعه والاشتراك فى الهجوم على القوات المصرية لمحاوله تدعيم وضع فرقة الجنرال أدان المتدهور فى الشمال . ولكن الجنرال شارون أجابه بأنه لم يعد فى مقدرة فرقته بعد كل هذه التحركات الطويلة التى قامت بها والتى ضاعت هباء القيام بهجوم مضاد على قوات الجيش الثانى لنجدة الجنرال أدان .وفى الوقت الذى لحق فيه الفشل بالخطط الإسرائيلية وتوالت فيه الضربات الموجعة على قواتها المدرعة فى سيناء كان يوم الاثنين 8أكتوبر يوما ناجحا بالنسبة للقوات المصرية على جميع المستويات فعلى أثر صد الهجمات الإسرائيلية المضادة على رءوس الكبارى المصرية فى القطاع الشمالى على الضفة الشرقية للقناة صدرت أوامر اللواء سعد مأمون قائد الجيش الثانى إلى قادة الفرق 16و2و18 مشاة بتطوير الهجوم شرقا وتوسيع رءوس كبارى الفرق بالتنسيق والتعاون بعضها مع بعض للاستيلاء على الخط العام بعمق 8-10كم شرق القناة المحدد لها كمهمة تالية وفقا للخطة الموضوعة مع تدمير وتصفية جميع النقط القوية للعدو فى قطاع هذه الفرق والاستعداد لصد وتدمير الهجوم المضاد الرئيسى المنتظر للعدو .وبناء على تلك الأوامر أصدر قائد كل فرقة من الفرق المشاة الثلاث أمره إلى لواءى النسق الأول المشاة بتوسيع رأس الكوبرى وتأمين دفع لواء النسق الثانى (اللواء المشاة الميكانيكى بكل فرقة ) بقصفة نيران لمدة 15 دقيقة بواسطة مجموعات مدفعية الألوية ومجموعة مدفعية الفرقة لكى يتم للواء المشاة الميكانيكى تحت غطاء المدفعية اتخاذ وضعه الجديد فى المسافة الخالية بين لواءى النسق الأول ليصبح تشكيل كل فرقة فى أثناء تقدمها إلى خط المهمة التالية هو ثلاثة ألوية مشاة فى النسق الأول بينما يصبح اللواء المدرع الملحق بالفرقة هو النسق الثانى لها .ففى قطاع الفرقة الثانية بالفردان أصدر قائد الفرقة العميد حسن أبو سعدة أمره إلى تشكيلات ووحدات الفرقة باستغلال النجاح وتطوير الهجوم شرقا وفقا للخطة الموضوعة للاستيلاء على خط المهمة التاليةبالتعاون مع قوات الفرقة 16 مشاة على الجنب الأيمن للفرقة مع سرعة تدمير نقطتى العدو القويتين فى الفردان (هيزانون ) ونمرة 6 الإسماعيلية شرق (بوركان) .وفى ساعةس (الرابعة مساء) بدأت قوات الفرقة الثانية فى التقدم شرقا بعد قصفة نيران مركزة لمدة 15 دقيقة وتمكنت ألوية النسق الأول الثلاثة من الضغط على بعض سرايا الدبابات الإسرائيلية التى تلركها العدو لحماية انسحاب قواته بعد فشل الهجوم المضاد مما أدى إلى تدمير عدد من هذه الدبابات وإجبار الباقى منها على الانسحاب شرقا. وقد نجح اللواء الأيمن فى الفرقة فى مفاجأة العدو واقتحام أحد مراكز قيادته الأمامية فى تبة الشجرة والاستيلاء عليه بكامل وثائقه واسلحته ومعداته وكان الإسرائيليون يطلقون عليه أسم (موقع حموتال ) Hamutal.ونظرا لارتفاع هذا الموقع وتحكمه فى مدخل الطريق الأوسط (الإسماعيلية شرق-الطا سة ) وسيطرته على كل المنطقة المحيطة به فقد اعتبرت القيادة الإسرائيلية أن سقوطه فى يد المصريين يعد خسارة تكتيكية فادحة بالنسبة لها وفى حوالى الساعة التاسعة مساء نجحت ألوية الفرقة الثلاثة فى الاستيلاء على الخط العام تبة الشجرة –بير الهودة بعمق 8 كم شرق القناة محققة بذلك المهمة التالية للفرقة وخلال معركة الاستيلاء على خط المهمة التالية نجحت كتيبة من اللواء الأيسر للفرقة الثانية فى اقتحام نقطة العدو القوية فى الفردان (حصن هيزانون ) فى قتال متلاحم اتسم بالشراسة والعنف ورفعت عليه العلم المصرى فى الساعة الخامسة مساء وبلغت خسائر حامية الحصن 15 قتيلا من بينهم ضابط وتسعة من الأسرى وكمية كبيرة من الأسلحة والمعدات وفى ليلة 8/9أكتوبر قامت قوة مشاة ميكانيكية من اللواء المشاة الميكانيكى بتصفية وتطهير نقطة العدو القوية نمرة 6 الإسماعيلية شرق ( حصن بوركان ) تحت إشراف رئيس عمليات الفرقة واستولت على ما فيه من أسلحة ومعدات ووثائق .وأصدر قائد الفرقة الثانية أمره إلى وحداته لتعزيز خط المهمة التالية وإجراء التجهيزات الهندسية اللازمة وتنسيق خطط الطيران استعدادا لصد هجوم العدو المضاد المنتظر وفى قطاع الفرقة 16 مشاة الممتد من الدفرسوار إلى الإسماعيلية شرق وعقب صد الهجمات المضادة التى قام بها لواء العقيد آربيه على مواجهة الفرقة صباح يوم 8 أكتوبر أصدر قائد الفرقة العميد عبد رب النبى حافظ أمره فى حوالى الساعة الثانية ظهرا بتطوير الهجوم شرقا لتحقيق المهمة التالية للفرقة مع مهاجمة نقطة العدو القوية فى الدفرسوار ( حصن متسميد) والاستيلاء عليها وكان الحصار مضروبا عليها منذ يوم 6 أكتوبر وفى ساعة س ( الواحدة والنصف ظهرا) بدأت قوات الفرقة 16 مشاة فى التقدم شرقا بعد قصفة نيران مركزة لمدة 15 دقيقة ودفعت تشكيلات الفرقة مجموعات اقتناص الدبابات إلى الأمام قبل موعد الهجوم لاصطياد دبابات العدو وكذا دوريات الاستطلاع لملاحقة تحركات قواته المنسحبةفى اتجاة الشرق وقبل الغروب تم لألوية الفرقة الثلاثة الوصول إلى الخط العام كثيب الخيل –أبو وقفة وقامت بتعزيز مواقعها الدفاعية وتنسيق خطط النيران والاستعداد لصد وتدمير الهجوم المضاد المنتظر للعدو بالتعاون مع الفرقة 2 مشاة التى على الجنب الأيسر للفرقة وخلال عملية تطوير الفرقة 16 مشاة لهجومها شرقا تم لها اكتشاف النقطة 57وهى نقطة قوية للعدو تقع جنوب غرب موقع الطالبة وعلى مسافة 8 كم شرق القناة وقد نجح العدو فى القيام بعملية إخفائها وتمويهها إلى الحد الذى جعل عناصر الاستطلاع المدفوعة من تشكيلات الفرقة للأمام تعجز عن اكتشافها كما لم تظهر بتاتا فى الصور الجوية التى التقطت للمنطقة وقد بقيت هذه النقطة القوية مخفاة عن أعين القوات المصرية منذ بدء العبور يوم 6 أكتوبر حتى بدء تطوير الهجوم للفرقة 16 مشاة بعد ظهر يوم 8 أكتوبر إذ قامت حاميتها بفتح نيرانها على كتيبتى النسق الأول من اللواء الأوسط فى تشكيل الفرقة (اللواء المشاة الميكانيكى ) بعد أن تجاوزتها الكتيبتان بهدف إحباط الهجوم وقطع خط الرجعة عليهما ولكن كتيبة المشاة الميكانيكية التى كانت تعمل كنسق ثان للواء الميكانيكى قامت فى الحال بالاشتباك مع القوة الإسرائيلية ونجحت إحدى سراياها فى اقتحام النقطة الحصينة والاستيلاء عليها بعد أن دمرت دبابتين وثلاث عربات لورى وعربيتين مدرعتين وبتفتيش النقطة عثر فيها على خرائط ووثائق مهمة وجهاز ضخم للرؤية الليلية وعدد وافر من الأسلحة والمعدات كما تم العثور على تكديسات ضخمة من الذخيرة والتعينات والمياه تكفى حاميتها للقتال لمدة أسبوعين ونظرا لأهمية هذه النقطة وتحكمها فى كل المنطقة المحيطة بها حاول العدو استردادها بشتى الوسائل مما دعاه إلى أن يشن عليعا خمس هجمات مضادة متتالية يومى 8و9 أكتوبر ولكنها صدت جميعا بعد أن تكبد العدو خسائر كبيرة .وخلال عملية تطوير الهجوم قامت كتيبة من اللواء الأيمن للفرقة 16 مشاة بالهجوم على النقطة القوية فى الدفرسوار (حصن متسميد) وهى نقطة قوية التحصين علاوة على أهميتها الحيوية نظرا لوقوعها عند نقطة التقاء قناة السويس مع البحيرة المرة الكبرى وكانت تتكون من موقعين حصينين تفصلهما مسافة حوالى 500 متر وتوجد فى المسافة بينهما نقطة تابعة لهيئة الرقابة الدولية وقد بدأ هجوم الكتيبة المشاة فى الساعة الثامنة مساء وعندما فشل الهجوم عادت الكتيبة المصرية لتشن هجومها مرة ثانية بعد منتصف الليل وتمكنت بعد قتال عنيف من الاستيلاء على الموقع الذى فى الشمال وباستخدام الموقع الذى سقط فى يدها كقاعدة نيران قامت الكتيبة بالهجوم على الموقع الجنوبى واستولت عليه قبل الفجر وغنمت كل ما كان داخل الحصن من أسلحة ومعدات ووثائق ومؤن وتم لها أسر 5 ضباط و32 صفا وعسكريا وثلاثة أفراد من أعضاء هيئة الرقابةالدولية كما عثر بداخله على 20 قتيلا .وفى خارج رأس الكوبرى الفرقة 16 مشاةوإلى الجنوب الشرقى من النقطة القوية بالدفرسوار (متسميد) التى تم الاستيلاء عليها كانت تقع على الطرف الشمالى الشرقى من البحيرة المرة الكبرى نقطة قوية أطلق عليها المصريون اسم تل سلام (حصن لاكيكان) وقد ثبت من المراجع الإسرائيلية أن حامية الحصن قامت بإخلائه يوم 8 أكتوبر واعتلى جميع أفرادها العربة نصف جنزير الوحيدة التى كانت لديهم وتمكنوا فى خلال ساعة من الوصول إلى خطوط الجيش الإسرائيلى وقد ظل هذا الحصن خاليا بعد أن تركته حاميته الإسرائيلية إذ لم تكن ضمن مسئولية الفرقة 16 مشاة احتلال هذا الموقع الذى كان يقع إلى الشرق من رأس كوبرى الفرقة بمسافة تبلغ حوالى 5 كم وفى الوقت الذى قامت فيه الفرقتان 2و16 مشاة بتطوير هجماتهما نحو الشرق قامت الفرقة 18 مشاة بقيادة العميد فؤاد عزيز غالى فى قطاعها فى أقصى الشمال (منطقة شمال البلاح –القنطرة –الكاب) بتطوير هجومها شرقا بعد دفع لواء النسق الثانى تحت قصف مدفعى مركزلمدة 15 دقيقة .ونظرا لعدم اصطدامها فى أثناء تقدمها بأى قوات للعدوفقد نجحت فى مساء يوم 8 أكتوبر فى الوصول إلى الخط المحدد لمهمتها النهائية بعمق حوالى 10كم شرق القناة دون التوقف على خطة المهمة التالية وأخذت فى تنظيم الدفاع عن رأس كوبرى الفرقة استعدادا لصد وتدمير احتياطيات العدو التعبوية التى كان من المنتظر قيامها بالضربات المضادة . وفى قطاع الجيش الثالث فى الجنوب أصدر اللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث الميدانى أوامره يوم 8 أكتوبر إلى قائدى الفرقتين 19و7 مشاة بعد صد هجمات العدو التكتيكية على فرقتيهما بتطوير هجومهما شرقا للوصول إلى خط المهمة التالية ونظرا لعدم قيام العدو صباح يوم 8 أكتوبر بهجمات مضادة رئيسية على رأس كوبرى الفرقة 19 مشاة ، فقد أصدر العميد يوسف عفيفى قائد الفرقة أمرة إلى تشكيلات فرقته بالتقدم فى اتجاه الشرق لتحقيق المهمة التالية وحاولت مجموعات من دبابات العدو عرقلة تقدم قوات الفرقة بالقيام بهجمات مضادة على نقط الاتصال بين الوية النسق الأول ،ولكنها باءت بالفشل بسبب كثافة نيران المدفعية وقيام الطائرات المصرية بمهاجمة مرابض مدفعية العدو بعيدة المدى من عيار 175 مم . وكانت النقطة القوية الإسرائيلية شرق نقطة الكوبرى (حصن مفزية Mafzeah)قد تم حصارها بقوة من اللواء الأيسر من الفرقة 19 مشاة منذ بدء العبور يوم 6 أكتوبر . ورغم قيام القوة المصرية بمهاجمتها مرتين فإنها لم تتمكن من اقتحامها ، وكان السبب الرئيسى لفشل الهجوم هو تعرض القوة المصرية المهاجمة لنيران المدفعية الإسرائيلية البعيدة المدى والطيران بدقة شديدة ، مما جعل قائد اللواء الأيسر للفرقة يستنتج أن هناك دون شك نقطة ملاحظة قريبة تدار منها مدفعية وطيران العدو . ونظرا لوجود نقطة رقابة دولية جنوب الحصن الإسرائيلى بمسافة 200 متر ، فقد كلف قائد اللواء كتيبة مشاة لدفع مجموعة منها لتفتيش نقطة الرقابة الدولية . واكتشفت المجموعة عند دخولها النقطة الدولية وجود ضابط إسرائيلى برتبه ملازم أول وكان مزودا بجهاز توجيه طائرات وجهاز إرسال لاسلكى لإدارة نيران المدفعية ، فقامت القوة بأسره ومعه كل أجهزته . ومنذ تلك اللحظة توقفت نيران مدفعية العدو بعيدة المدى وطيرانه ، وأصبح من المتيسر لقواتنا اقتحام حصن مفزية . وعلى ذلك قامت قوة من اللواء الأيسر للفرقة 19 مشاة بمهاجمة الحصن الإسرائيلى للمرة الثالثة ونجحت فى اقتحامه والاستيلاء عليه فى الساعة الثالثة مساء يوم 8 أكتوبر ، وبلغت خسائر العدو 38 قتيلا و15 أسيرا من بينهم ضابط ، وتم الإستيلاء على كمية ضخمة من الأسلحة والمعدات . وبعد ظهر 9 أكتوبر ، تمكن اللواء 2 مشاة ميكانيكى بقيادة العقيد الفاتح كريم من احتلال جبل المر المتحكم فى المنطقة . وعلى أثر ذلك قامت الفرقة 19 مشاة بتطوير هجومها شرقا والاستيلاء على الخط العام :جبل أبو غلام وجبل المر واتجاة مضيق متلا بعمق 8 كم شرق القناة ، محققة بذلك المهمة التالية للفرقة . وقامت بتعزيز الموقع الدفاعى وتنسيق خطط النيران والاستعداد لصد الهجوم المضاد التعبوى المنتظر من العدو والتعاون مع الجار الأيسر - الفرقة 7 مشاة - تمهيدا لتحقيق المهمة النهائية والدخول فى رأس كوبرى الجيش . وفى قطاع الفرقة 7 مشاة ارتد العدو الذى كان يحتل خط نيران أمام مواجهة اللواء الأيسر للفرقة فى أول ضوء يوم 8 أكتوبر . وفى الساعة الحادية عشرة قبل الظهر تم دفع اللواء المشاة الميكانيكى بين لواءى النسق الأول بعد قصفة نيران مركزة من المدفعية استعداداَ لتطوير الهجوم شرقا لتحقيق المهمة التالية للفرقة . وحتى يمكن تأمين تقاطع طريق الشط – مضيق الجدى ، وهى المنطقة التى اتخذ منها العدو قاعدة لانطلاق هجماته المضادة على الجانب الأيسر للفرقة نظرا لطبيعتها الحاكمة فى المنطقة ، أصدر قائد الفرقة السابعة العميد أحمد بدوى أمره إلى قائد اللواء 2 المدرع المستقل الملحق على الفرقة بدفع سرية دبابات لحتلا ل منطقة التقاطع والعمل كحرس جنب للفرقة . وفى الساعة الرابعة مساء ، أصدر قائد الفرقة 7 مشاة أمره إلى ألوية الفرقة للبدء بالتقدم لتطوير الهجوم شرقا إلا أن شن هجمات مضادة قوية على الجنب الأيسر للفرقة ، مما عطل عملية الهجوم حتى الساعة السابعة والنصف مساء ، ولذا أمر قائد الفرقة بدفع دورية استطلاع خلف خطوط العدو إلى منطقة جوز الجراد شمال طريق مضيق الجدى للتبليغ عن أوضاع ونشاط العدو فى مواجهة الفرقة . كما أصدر أوامره بدفع سرية دبابات ومعها فصيلة مشاة ميكانيكية للانضمام إلى الكتيبة 603 مشاة ميكانيكية من اللواء 130 المشاة الميكانيكى البرمائى ، والتى توقفت جنوب كبريت شرق بعد عبورها البحيرة المرة الصغرى بعد ظهر يوم 6 أكتوبر ، وعجزت بعد ذلك عن تنفيذ المهمة التى أسندت إليها وهى التقدم على طريق الشط – مضيق متلا ؛للاستيلاء على مدخله الغربى .وكان هدف قائد الفرقة من حشد هذه القوة هو توجيهها لتدعيم سرية الدبابات التى سبق إرسالها للعمل كحرس جنب عند تقاطع طريقى الشط – الجدى ،على أن يتم احتلالها الموقع قبل آخر ضوء يوم 8 أكتوبر .وفى الساعة السابعة والنصف مساء ،بدأت تشكيلات الفرقة فى التقدم فى اتجاه الشرق فاندفع المشاة مترجلين ، وخلفهم وعلى مسافة 200 متر تقدمت الدبابات تليها ناقلات الجنود المدرعة .وتمكن اللواء الأيمن للفرقة من تحقيق مهمته والوصول إلى خط رأس كوبرى الفرقة المحدد بعمق 8كم شرق القناة بعد منتصف الليل .ولكن اللواء المشاة الميكانيكى الذى كان فى النسق الأول وفى منتصف تشكيل الفرقة تعرض جنبه الأيمن عدة مرات لهجمات مضادة قوية من دبابات العدو ،مما عطل تقدمه إلى خط المهمة التالية كما تعطل أيضا تقدم اللواء الأيسرللفرقة بسبب هجمات العدو المضادة . مما دفع قائد الفرقة العميد أحمد بدوى إلى إصدارأمره إلى قائد اللواء 25 المدرع المستقل بدفع كتيبة دبابات للالتفاف حول الجنب الأيسر للعدو وتدميره ، إلا أنه نظرا لرداءة الرؤية وعدم الإلمام بطبيعة الأرض عجزت الكتيبة المدرعة عن الوصول إلى الخط المحدد لها ، ولكنها نجحت فى التحول إلى خط نيران أمام مواجهة العدو وأجبرته بنيران مدافعها على الارتداد شرقا فى الساعة السادسة والنصف صباح يوم 9 أكتوبر .وفى الساعة الواحدة والربع ظهراَ،تمكنت سرية دبابات اللواء المدرع المدعمة بفصيلة مشاة ميكانيكية ، بالتعاون مع الكتيبة 603 من اللواء 130المشاة الميكانيكى البرمائى من الاستيلاء على النقطة القوية للعدو شرق كبريت(حصن بوتزر )دون قتال ، فقد اتضح أن العدو أخلاها مساء يوم 8 أكتوبر .وفى الساعة التاسعة مساء يوم 9 أكتوبر ، تم لألوية الفرقة 7 مشاة احتلال أوضاعها النهائية فى رأس كوبرى الفرقة وتحقيق المهمة التالية ، وبدأت أعمال التجهيز الهندسى وتعزيز الخطوط المكتسبة ورص الألغام أمام الحد الأمامى . وأمر قائد الفرقة بتعليمات من قائد الجيش الثالث بدفع مفرزة على الجنب الأيسر للفرقة مكونة من كتيبة مشاة مدعمة بسرية دبابات لتأمين الجنب الأيسر للجيش وتأمين القوات التى احتلت موقع كبريت .وعلى لأثر وصول فرق المشاة الخمس فى قطاعى الجيش الثانى والثالث إلى خط المهمة التالية ، انتقات مراكز القيادات الرئيسية للفرق والألوية إلى محلاتها شرق القناة ، وفى الوقت نفسه تم عبور باقى مجموعات مدفعية الألوية ومدفعية الفرق واتخذت محلاتها شرق القناة ، وفى ليلة 8/9أكتوبر بدأت الأرتال الإدارية فى عبور قناة السويس على الكبارى تحمل التعيينات والمياة والذخيرة وبخاصة ذخيرة الدبابات والأسلحة المضادة للدبابات والمدفعية التى استهلكت منها كميات كبيرة .وتدفقت حوالى 1000عربة لورى خصصت للجيش الثانى وحوالى 700 عربة لورى خصصت للجيش الثالث عبر قناة السويس وهى محملة باكداس من المؤن والتشوينات ليتماستعاضة ما استهلكته تشكيلات ووحدات الفرق .وقبل أول ضوء يوم 9 أكتوبر عادت العربات الإدارية قبل الفجر إلى الضفة الغربية بعد أن تم تحميلها بالجرحى المصريين ،وكذا بجرحى وأسرى العدو . عوامل فشل الهجوم المضاد الرئيسى لإسرائيل انتهى الهجوم المضاد الإسرائيلى يوم 8 أكتوبر بفشل تام ، فقد عجزت القوات المدرعة الإسرائيلية عن اختراق المواقع المصرية فى القطاع الشمالى من الجبهة حيث تتمركز قوات الجيش الثانى ، وتبددت أحلام الجنرال جونين قائد القيادة الجنوبية فى الاستيلاء على بعض الكبارى المصرية فوق قناة السويس سليمة لتعبر عليها قواته إلى الضفة الغربية للقناة ، وبالتالى لم تحقق القيادة الإسرائيلية أى أهداف تكتيكية أو تعبوية بعد ذلك الهجوم المضاد الفاشل ، وفى الوقت الذى لم تكن فيه القوات المصرية قد استكملت بعد كل وسائلها الدفاعية وانتهت من تثبيت أقدامها على الشاطىء الشرقى للقناة . ولقد كان هذا الفشل نتيجة طبيعية لعدة عوامل وأخطاء تكتيكية يمكن إيجازها فيما يلى : ●عند استخدام الدبابات فى الهجوم المضاد يوم 8 أكتوبر ، كان المتوقع أن تقوم القيادة الإسرائيلية باستغلال ما تملكة من خفة حركة وحرية فى المناورة للقيام بحشد دباباتها فى أحد قطاعات الجبهة لتوجيه ضربة مركزة على مواجهة ضيقة ، وهو الاستخدام الأمثل للدبابات للحصول على نتائج حاسمة ، ولكنها على العكس من ذلك استخدمت فرقها المدرعة فى توجيه ضربات متفرقة وعلى موجات واسعة ، مما ترتب عليه فشل هذه الهجمات جميعا . ولو كان الهجوم المضاد قد تم تركيزه بفرقتى الجنرالين أدان وشارون معا ضد قطاع الفردان مع تدعيمه بمعاونة كافية من المدفعية والطيران ، لكان الاحتمال كبيرا فى أن تتمكن الفرقتان من اختراق هذا القطاع والوصول إلى خط المياة . وقد خالف الجنرال أدان هو الآخر المبدأ التكتيكى السليم فى استخدام الدبابات ، فدفع بألويته الثلاثة المدرعة لمهاجمة قطاع الجيش الثانى وهى متفرقة ومبعثرة بدلا من استخدامها فى هجمة واحدة مركزة ضد أضعف أجزاء هذا القطاع . ظهر لقادة الوحدات المدرعة الإسرائيلية خلال المعارك أن تكتيكات الدبابات التى استخدمت بنجاح خلال حربى 1956 و 1967م , وهى الاندفاع بأقصى سرعة وسط المواقع المصرية لبث الذعر فى صفوف أفرادها وحملهم على الفرار , قد باءت هذه المرة بفشل ذريع . وظهر بوضوح خطأ المفاهيم التى تسربت إلى الفكر العسكرى الإسرائيلى نتيجة لتجارب الحربين السابقتين , وهو الاعتقاد بأن القوات المدرعة يمكنها العمل بحرية دون حاجة إلى دعم من المشاة أو معاونة من المدفعية . وبسبب هذا الخطأ دفعت الدبابات الإسرائيلية ثمنا باهظا و هى تواجه بمفردها آلافا من جنود المشاة المصريين الذى ثبتوا بشجاعة مذهلة وراء سواترهم , وأمطروا الدبابات الإسرائيلية بوابل من قذائف آر بى جى 7 وساجر (مالوتكا)الخارقة للدروع و القنابل اليدوية المضادة للدبابات ذات الحشوة المجوفة من طراز حسام وبى جى 43 مما أوقع بالدبابات خسائر فادحة. • كان النقص الواضح فى بطاريات المدفعية الإسرائيلية سببا فى ضآله كمية النيران التى سقطت على المواقع المصرية لتغطية و تدعيم الهجوم الإسرائيلى . و كان من ضمن اسباب ذلك تأخر وصول بطاريات المدفعية الاحتياطية من مركز تجميع الاحتياط ببئر السبع ,نظرا لجو الارتباك العام الذى ساد عملية استدعاءالاحتياطى فى بادىء الأمر بتأثير المفاجأة الإستراتيجية التى حاقت بإسرائيل ,علاوة على أن القيادة الإسرائيلية قامت بدفع معظم القوات الاحتياطية فى المرحلة الأولى من الحرب إلى جبهة الجولان, نظرا لخطورة الوضع على الجبهة الشمالية بالنسبة لقربها الشديد من المراكز الإسرائيلية ذات الكثافة السكانية .و نتيجة لهذه العوامل تأخر وصول بطاريات المدفعية التابعة لفرقة الجنرال أدان,مما حمل الجنرال جونين على تخصيص بطاريتين فقط من فرقة شارون لمعاونته فى هجومه,و كان ذلك يعنى أن معاونة المدفعية للهجوم المضاد الرئيسى كانت غاية فى الضعف , و كان ذلك بلا شك من عوامل فشله. • لم تكن حرب اكتوبر فى مرحلتها الأولى حرب حركة كما جرى فى حرب يونيو 1967م , ولم تكن قتالا بين الدبابات بعضها وبعض , وإنما كانت معركة نيران وقتال ضار بين مدرعات إسرائيلية وقوات مشاة مصرية , اضطرت فيه الدبابات الإسرائيلية إلى الاعتماد على مدافعها الذاتية للدفاع عن نفسها ضد المشاة المصريين الذين أثبتوا تفوقهم عليها بما كانوا يحملونه من صواريخ فتاكة وأسلحة خارقة للدروع . ولو كان برفقة الدبابات الإسرائيلية فى المرحلة الأولى من الحرب وحدات كافية من المشاة الميكانيكية ومن المدافع ذاتية الحركة والهاونات الخفيفة والثقيلة , لكان المشاة المصريين قد تعرضوا لخسائر فادحة. • كانت المعاونة الجوية لقوات الجنرال أدان فى أثناء قيامها بالهجوم المضاد محدودة , ورغم الإلحاح المستمر من قادة الألوية المدرعة فى طلب المساعدة الجوية , فإن القيادة الجنوبية عجزت عن توفيرها لهم بالحجم المطلوب , فقد كانت أعنف المعارك مشتعلة وقتئذ على جبهة الجولان بعد أن ألقى السوريون بكل ثقلهم فيها , ودفعوا باحتياطهم الأخير من القوات المدرعة فى المعركة , وأصبح الجيش السورى بأكمله على اتصال قتالى مع الجيش الإسرائيلى الذى كانت تشكيلاته الاحتياطية قد تم وصولها إلى ساحة القتال ,وبذا أوشكت المعركة الضاربة على الوصول إلى نهايتها الحاسمة , مما جعل القيادة الإسرائيلية تعجل بدفع معظم الجهود الجوى الإسرائيلى صوب جبهة الجولان .

تبادل الاتهامات بين جونين وأدان هناك حكمة قديمة تقول :(للنصر آباء كثيرون بينما الهزيمة يتيمة). وقد ثبتت صحة هذه الحكمة بعد فشل الهجوم المضاد الإشرائيلى يوم 8 أكتوبر على قطاع الجيش الثانى والثالث . فقد حاول الجنرال جونين إلقاء تبعة الفشل على عائق الجنرال إبراهام أدان (برن) الذى قامت فرقته المدرعة بالهجوم المضاد, ولكن لجنة تقصى الحقائق التى أمرت الحكومة الإسرائيلية بتشكيلها فى أواخر نوفمبر 1973م برئاسة القاضى شمعون أجرانات رئيس المحكمة العليا , لمعرفة أسباب التقصير الذى وقع فى حرب أكتوبر , حملت فى تقريرها صراحة الجنرال جونين قائد القيادة الجنوبية المسئولية الرئيسية فى هزيمة الثامن من أكتوبر , فقد ذكرت فى تقريرها : (إن الجنرال جونين لم يعد خطة عمليات مفصلة , ولم يهتم بإرسال خطة العمليات إلى قادة فرقه, ولم يتأكد من تجمع قواته وإستعدادها على النحو المطلوب للقيام بمهامها . ولم يكلف نفسه عناء الذهاب إلى مسرح العمليات لكى يطلع بنفسه على ما يحدث هناك. وقد اتخذ قرارات حاسمة بتحريك الفرق المدرعة من قطاع لآخر بسرعة , قبل أن يتأكد بشتى الوسائل عما إذا كانت المهام قد أنجزت كما حددها رئيس الأركان العامة له كشرط لتحريك هذه القوات من قطاع الآخر , وقام بتغيير مهام الفرق المدرعة عدة مرات فارضا عليها مهام أخرى دون توعية كل فرقة بأوضاع قواتها وقوات العدو . وعمل بالتدريج على تقليص الهدف والوسيلة التى كلفه بها رئيس الأركان , وذلك بتحمسه للعبور بسرعة دون تهيئة الظروف الضرورية لمثل هذه العملية الخطيرة ). ولقد ثبت أن جونين قد نجح فى الحصول على تصديق الجنرال ديفيد أليعاذر على خططه عن طريق التقارير الخاطئة التى كان يرسلها إليه , والتى صورت لرئيس الأركان وضعا يخالف ما كان واقعا بالفعل . وقد وجه اللوم إلى رئيس الأركان لمنحه جونين التصديق على عبور قواته قناة السويس واحتلال مواقع الضفة الغربية للقناة , وموافقته على الأمر الذى أصدره للجنرال شارون بالتحرك بفرقته جنوبا فى اتجاه السويس للهجوم على الجيش الثالث , بينما كان الموقف يستدعى تحريكه شمالا لنجدة الجنرال أدان وتدعيم هجومه . لكن رئيس الأركان برر ذلك بأنه قد تخلى عن الحذر الواجب نظرا لأن الجنرال جونين كان يعطيه بتقاريره وببياناته الانطباع بأن كل شى كان يجرى على ما يرام وقد اعترف الجنرال أبراهام أدان فى كتابه (على ضفتين قناة السويس) الذى أصدره باللغة العبرية بعد الحرب , بالأخطاء الشخصية التى أرتكبها خلال الهجوم المضاد الذى قامت به فرقته المدرعة يوم الأثنين 8 أكتوبر , فقال بصراحة تامة :( كانت أكبر أخطائى هو هجومى فى اتجاه القناة . لقد أحسست فى الثامن من أكتوبر بضغوطهم علي بينما لم يكن يحدث مثل ذلك فى الحروب السابقة , ولم يكن أمامى مفر سوى أن أستجيب . لم أعرف أن الخطة المتفق عليها فى اليوم السابق قدغيرت , وبينما كنت فى حالة من التردد إذا بأوامر يورى بن آرى (نائب جونين ) تدفع بى للإقتراب بقواتى من القناة و اشترطت بهجومى على القناة ضرورة حصولى على معونة جوية ومساعدة من المدفعية وتدعيمى بكتيبة مدرعة من فرقة شارون . لست أتنصل من مسئولية ما حاق بالفرقة المدرعة التى توليت قيادتها من فشل , فقد كان الأسلوب القتالى للفرقة متخلفا , وكان التنسيق والسيطرة من جانبى على قواتى غير كافيين , وفى الهجوم الثانى لم أنجح فى تدعيم لواء نيتكا حتى لا يهاجم العدو بمفرده , وكان قادة ألويتى المدرعة على نفس هذا الحال فقد كانت سيطرتهم وتنسيقهم بين قواتهم غير كافين , ولم يكن هناك مبرر ليدفعوا بنا للهجوم على مقربة من القناة فى الوقت الذى كان علينا فيه أن ننتشر جنوبا. لقد كان أساس الفشل أننا هاجمنا وحدنا بلا مشاة وبلا مساعدة سواء من المدفعية أو من الطيران لقد وعدنا جونين بالمساعدة الجوية ولكن اتضح لنا بعد ذلك أن المساعدة الجوية مبعثرة ومشتتة فى كل مكان , فمن بين عشرات الطلعات التى قامت بها طائراتنا لمساعدة القوات الأرضية لم تقم إلا بأربع وعشرين طلعة فقط على قطاع الفردان ). وقد سجل الجنرال أدان –بالإضافة إلى اعترافه بأخطائه الشخصية – مسئولية قادة الفرق الأخرين فى وقوع الهزيمة , وركز بالذات على دور الجنرال شارون فى هزيمة الثامن من أكتوبر , فقال: (إن قادة الفرق لا يمكن أن ينقضوا عن كاهلهم غبار المسئولية بدعوى أنهم قد تلقوا أوامر . لقد تلقى شارون على سبيل المثال أمرا من جونين بمغادرة قطاعه , لكن تصرفه كقائد عسكرى يثير العجب . فقد أصدر لقادة ألويته أوامره بالتحرك فى اتجاه الجنوب دون أن يترك أى قوات لحماية القطاع الذى كان يحتله رغم نشاط العدو فى مواجهته , مما جعل قطاعه خاليا وكان معرضا للإحتلال بواسطة المصريين . وقبل تحرك شارون بفرقته لم يوضح حقيقة الموقف للجنرال جونين . ولا استطيع أن أغفل حقيقة مهمة , وهى أن هناك عنصرا حيويا وحاسما من شأنه أن يضعف أو يقوى القوات بميدان القتال , وهو أن تهب القوة لنجدة ومساعدة القوات المجاورة . وإنى لأواجه أقسى النقد لشارون لرفضه التنازل عن كتيبة مدرعة لتدعيم قواتى القائمة بالهجوم فى قطاع الفردان , وكذلك لرفضه بعد أن تلقى أمر جونين بالعودة إلى قطاعه ,و الإسراع بتدعيم هجومى و الاشتراك معى بفرقته, مما أدى بى إلى الفشل . كذلك من الواجب أن أذكر أن عدم السيطرة والتنسيق قد لوحظا على جميع مستويات القيادة , وتمثل ذلك فى أبشع صورة عندما عادت فرقة شارون من الجنوب إلى القطاع الأوسط الذى تركته. لم تعرف إطلاقا أن شارون قد عاد تانية ,مم تسبب فى أن وحدات من الفرقتين أطلقت بعضها على بعض النيران اعتقاد منها أنها تطلق النار على العدو). هذا وقد رد الجنرال أدان فى كتابة على الأنتقادات العنيفة التى وجهها له الجنرال جونين و اتهامه أياه بأنه كان السبب فى هزيمة 8 أكتوبر بقوله:(حاول جونين إلقاء تهمة ما حدث من فشل على شخصى,فادعى أن أوامره كانت منطقية و قابلة للتنفيذ,وأننى لو كنت قد قمت بالهجوم بطريقة مركزة من الشمال الى الجنوب بدلا من الشرق الى الغرب,لكنت قد حطمت بذلك الجناح الأيسر للعدو.لقد كان الهجوم بهذه الطريقة منطقية ما دمنا لانقترب من منطقة البطاريات ومصاطب غرب القناة, ولكن منذ اللحظة التى ضغط على فيها جونين للاقتراب من خط القناة و العبور من الشرق الى الغرب لاحتلال مواقع بالضفة الغربية للقناة , اضطررت إلى الهجوم بالطبع من الشرق إلى الغرب, كما أن الهجوم من الشمال إلى الجنوب بالقرب من القناة معناه تعريض جناح قواتى الأيمن للعدو الذى يملك بطاريات مدافع ومصاطب معدة غرب القناة لتطلق منها الدبابات نيرانها , ولكن تنطلق منها الصواريخ المضادة للدبابات سواء ذات المدى القصير أو البعيد , فى الوقت الذى تهيىءفيه القناة – بحكم أنها عائق مائى ضخم – وقاية وحماية للعدو من خطر انقضاضى وهجومى عليه. وبالنسبة لادعاد جونين عدم قيامى بحشد القوات وتركيز الهجوم المضاد فإنه هو شخصيا الذى أدى الدور الرئيسى فى ارتكاب هذا الخطأ . فعندما بحثنا فى مساءيوم 7أكتوبر الاحتمالات المختلفة للهجوم المضاد الذى سنقوم به فى اليوم التالى , وتقدم ألبرت ماندلر بقتراحه بشن هجوم مركز فى قطاع ضيق بفرقتين مدرعتين تمهيدا للعبور إلى الضفة الغربية رفض هذا الإقتراح . وما دام جونين قد قرر أن يكون الهجوم المضاد بفرقة واحدة فقط , فلماذا لم يسند هذه المهمة إلى فرقة شارون ؟ لقد كانت فرقته منتشرة بالقطاع الأوسط, وكان قد خطط واستعد للعملية من قبل , فلماذا يأتى جونين بفرقة أخرى من مسافة بعيدة للقيام بعمل لم تستعد له ؟ وإذا كانت المهمة قد أوكلت رغم هذه الظروف إلى فرقتى , فلماذا أصدر جونين الأمر إلى شارون بالتحرك من قطاعه إلى الجنوب قبل أن أبدأ هجومى الرئيسى , وبذلك كشف قطاعى فى الوقت الذى ضغط فيه على للتقدم بقواتى على وجه السرعة إلى الجنوب ؟ وفى وجه كل هذه الأخطاء كان من الطبيعى أن ينتهى هجوم فرقتى بالفشل الذريع . لقد خرجنا من الثامن من أكتوبر بدرس مهم مفيد , هو أن من السابق لأوانه التفكير فى القيام بهجوم مضاد على القناة والعبور إلى الضفة الغربية . لقد كان الهدف من الهجوم هو ضرورة انتزاع المبادأه بسرعة من أيدى المصريين , وإرباك وإضعاف صفوفهم , ووقف تقدمهم و استرداد أكبر أجزاء ممكنة من الأرض التى أخليناها . ولو كنا قد علمنا بأمر الوقفة التعبوية التى تضمنتها خطة القيادة المصرية عقب النجاح الذى أحرزته قواتها فى إنشاء منطقة رءوس الكبارى , لكنا قد فضلنا بلا شك الانتظار إلى أن يتم تجميع القوات الاحتياطية وتنظيمها وتزويدها بمعدات العبور , ولكننا للأسف لم نعلم ذلك ). وفى مجال تقييمنا لما ورد فى كتاب الجنرال أدان (على ضفتى قناة السويس )بشأن تحليله لأسباب فشل الهجوم المضاد الإسرائيلى يوم 8 أكتوبر , فإننا نعترف بأنه قد حلل ذلك الفشل من وجهة النظر الإسرائيلية بطريقة موضوعية , وإن كان قد اشتط بعض الشىء – ربما لدوافع شخصية- فى نقده اللاذع للجنرال جونين قائد القيادة الجنوبية والجنرال شارون قائد القطاع الأوسط فى جبهة سيناء , كما أنه أغفل السبب الرئيسى فى فشل الهجوم المضاد , وهو مقدرة وثبات القادة والقوات المصرية التى وقع ضدها هذا الهجوم . ولكن لابد أن نشيد بشجاعة الجنرال أدان الأدبية , فقد كشف بصراحة عن أخطائه الشخصية فى قيادة المعركة وأخطاء مرءوسيه من قادة الألوية المدرعة , دون محاولة لإيجاد التبريرات و الأعذار , وهو أمر نتمنى لو اتبعه غيره من قادة حرب أكتوبر سواء من الجانب العربى أو الإسرائيلى .

لماذا تعين بارليف ممثلا شخصيا لرئيس الأركان ؟ كان لأنباء فشل الهجوم المضاد يوم 8 أكتوبر أثر سىء فى نفوس المسئوليين الإسرائيليين فى تل أبيب , مما حدا بوزير الدفاع موشى ديان ورئيس الأركان الجنرال أليعازر إلى التوجه بطائرة هيليكوبتر إلى مقر القيادة الأمامية للجبهة الجنوبية فى أم مرجم بعد منتصف الليل , لعقد اجتماع عاجل مع الجنرال جونين و كبار ضباط القيادة , وكذا قادة الفرق المدرعة الثلاث أدان و شارون وماندلر . وافتتح جونين المناقشة بعد أن استأذن من وزير الدفاع . وأخذ فى سرد الوقائع التى جلرت محاولا تبرير الأخطاء التى وقع فيها , و لكنه أعترف فى هذه المرة صراحة بوجوب عدم معاودة الهجوم مرة أخرى على القناة , وعدم الأقتراب من حصون خط بارليف التى لا تزال محاصرة , وقرر أن من الخطأ التفكير فى عبور قناة السويس فى هذه المرحلة , واقترح أن يكون العبور من مكان آخر شمال خليج السويس . وأدلى قادة الفرق الثلاث بآرائهم , فكرر ألبرت ماندلر قائد القطاع الجنوبى – وكان بعد واحد من أقدر الخبراء فى حرب الدبابات – رأيه فى وجوب أن يكون الهجوم مركزا فى قطاع ضيق و بقوات كبيرة وبسرعة لضمان النجاح فى الوصول إلى القناة ومحاولة العبور إلى الضفة الغربية . ولكن شارون قائد القطاع الأوسط اعترض على اعتماد التخطيط الهجومى على احتلال جسور مصرية لما يحيط بهذه العملية من صعاب ومشكلات , وذكر أن الواجب هو أن تعد القيادة الإسرائيلية تجهيزاتها الخاصة لعملية عبور تعتمد فيها على معدات عبور إسرائيلية أما الجنرال أدان (برن) فقال إن العبور مرتبط بعملية اختراق صعبة وخطيرة , ولذا ينبغى الانتظار لحين استجماع الجيش لقواه , وأكد على ضرورة أن تكون المعركة القادمة معركة أسلحة مشتركة , أى أن تشترك مع الفرق المدرعة عند هجومها المدفعية والمشاة الميكانيكية و السلاح الجوى . ونظرا لأن معدات العبور ثقيلة الوزن ولم يتم اختبار عملية جر أى أجزاء منها من بعيد , فقد اقترح الجنرال أدان ضرورة تجربة جر هذه المعات فوق الرمال وتدريب بعض الوحدات على ذلك . وبعد أن قام رئيس الأركان فى النهاية بتلخيص الآراء التى نوقشت فى الاجتماع , حدد الخطة التى ستجرى على أساسها العمليات الحربية فى المستقبل , فقال:(ليس فى مقدرتنا أن نهاجم على جبهتين فى وقت واحد , ففى الجبهة الشمالية فى الجولان سنواصل هجومنا , بينما فى الجبهة الجنوبية فى سيناء سننتقل إلى الدفاع . إن مشكلتنا فى الجنوب هى منع المصريين من سحقنا ومن تحقيق إنجازات جديدة , ومع ذلك فعلينا أن نستجمع قوانا استعدادا للإنتقال إلى مرحلة الهجوم , وعلينا أن نبتعد عن الاشتباك مع العدو ونتجنب خوض معارك جديدة معه . فإذا ما حاول الاختراق شرقا فينبغى علينا وقفه بأقل قدر من الخسائر , بشرط ألا نمكنه من الوصول إلى الطريق العرضى (الطريق العرضى رقم 3 على مسافة حوالى 30 كم شرق القناة ) . علينا أن نستريح فى هذه الفترة بقدر الإمكان , وأن نعيد تنظيم وتعزيز قواتنا استعدادا للهجوم , وأن نصلح أكبر قدر من الدبابات المعطوبة . لقد دمرت فرقتا أدان وماندلر , أما فرقة شارون فهى الوحيدة التى نجت ولم تتكبد خسائر لذا فإن عليها الاستعداد لعبور القناة خلال بضعة أيام ). وبعد أن انتهى رئيس الأركان من حديثه , أنهى موشى ديان وزير الدفاع الاجتماع بالإدلاء بملاحظات مهمة , وهى أنه يشعر بقلق عميق إزاء الخسائر الكبيرة التى منيت بها إسرائيل , والتى سيكون لها تأثير كبير على مجرى الحرب , فإن كل ما تبقى فى الجبهة الجنوبية من دبابات يبلغ حوالى 400 دبابة , وليس لدى إسرائيل حاليا مصادر أخرى تعزز بها قواتها , ولذا فإن سياسة ادخار العتاد وإصلاحه التى تقررت تعد أمر بالغ الأهمية . وفور عودة وزير الدفاع ورئيس الأركان إلى تل أبيب , عقدا اجتماعا بغرفة عمليات القيادة العليا . ولأول مرة طرح موشى ديان على نطاق البحث فكرة تعيين قائد جديد للجبهة المصرية بعد أن أثبتت الوقائع الأخيرة أن قيادة الجبهة فى سيناء أكبر من قدرات الجنرال جونين , و أنه ينبغى تعيين قائد آخر محله . وبالإضافة إلى ذلك العامل المهم , كانت العلاقات بين جونين و شارون معقدة منذ البداية بسبب أن جونين سبق له الخدمة كقائد فرقة تحت قيادة شارون حينما كان قائدا للقيادة الجنوبية, وفجأة تبدل الوضع فإذا بجونين يصبح قائدا لشارون الذى تولى قيادة فرقة احتياطية بعد إحالته إلى التقاعد . وهكذا وجد شارون نفسه مرءوسا لمن كان هو قائده قبل أقل من ثلاثة أشهر فقط . ونظرا لأن شارون كان معروفا عنه لدى الجميع أنه شخص مشاكس وعنيد , وقد عجز كبار القادة من قبل عن إخضاعه و ترويضه , فقد أصبح إخضاع شارون إحدى مشكلات جونين الرئيسية . وعندما علم جونين أن شارون بعد توليه قيادة القطاع الأوسط قد خالف أوامره وأنه مستمر فى دفع وحدات من فرقته فى اتجاه القناة لإنقاذ حاميات الحصون الأمامية المحاصرة , طار جونين بطائرة هيليكوبتر إلى مركز قيادة شارون حيث أمره شخصيا بوقف هذه المحاولات التى لا جدوى منها سوى مزيد من الخسائر . وعلى الرغم من أن شارون أبدى له استعداده للاستجابة لتعليماته , فإن جونين لم يلبث أن علو بعد مضى وقت قصير أن شارون يواصل إضاعة الدبابات سدى فى الهجمات الفاشلة التى يقوم بها لإنقاذ حاميات الحصون متحديا بذلك أوامره , وعلى الفور اتصل جونين بالجنرال أليعازر رئيس الأركان وطالبه بضرورة إقصاء شارون عن القيادة .وإزاء عدم مقدرة جونين على تولى مسئولية القيادة بالكفاءة المطلوبة فى هذه الظروف رشح موسى ديان وزير الدفاع الجنرال حاييم بارليف رئيس الأركان العامة السابق ووزير التجارة والصناعة فى الحكومة الإسرائيلية وقتئذ لتولى القيادة الجنوبية بدل من جونين .وعقب اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلى يوم الثلاثاء التاسع من أكتوبر , دعا رئيس الأركان الجنرال بارليف لزيارة القيادة العليا , وشرح له هناك مدى المرارة التى يحس بها من جراء تدهور الموقف فى الجنوب , وكيف أن العلاقة بين جونين وشارون قد ساءت إلى درجة تضر بالوضع العسكرى هناك . وعرض عليه فى نهاية الأمر تولى المسئولية فى القيادة الجنوبية . ووافق بارليف بشرط إجراء ترتيبات مرضية لجونين , والحصول على موافقة رئيسة الوزراء ووزير الدفاع على تعيينه . وتوجه بارليف على أثرذلك إلى منزله لإعداد ردائه العسكرى ومعداته الشخصية ,واستدعى من الحمام ليرد على مكالمة من رئيسة الوزراء جولدا مائير التى قامت بتهنئته على قراره , وذكرت له أنها ستعلن ذلك فى جلسة مجلس الوزراء المزمع عقدها فى تلك الليلة . وبعد قليل اتصل به وزير الدفاع وقال له :(اذهب إلى هناك مباشرة واتخذ ما تراه من قرارات ). وعندما عاد بارليف إلى مقر القيادة فى الساعة العاشرة مساء أخبره أليعاذر أن جونين قد غضب لفكرة تعيينه فى القيادة الجنوبية , إذا اعتبر ذلك بمثابة عزله من منصبه وإلقاء مسئولية كل ما حدث من فشل على عاتقه هو شخصيا . وأجاب بارليف بأنه ليس على استعداد للعمل كمستشار عسكرى لجونين , و أنه لن يتوجه إلى سيناء إلا إذا تم تحديد مركزه بوضوح , وأجرى أليعازر الاتصال بجونين وقال له إنه بينما ترى القيادة أنه لا يستحق التعريض به بشكل علنى بعزله عن قيادته , فإن الصالح العام يقتضى تولى الجنرال بارليف القيادة الجنوبية نظرا للأوضاع العسكرية القاسية فى سيناء . وعلى أثر ذلك عرض جديد وهو تعيين بارليف ممثلا شخصيا لرئيس الأركان فى القيادة الجنوبية مع منحه الصلاحيات الكاملة للقيادة . ووافق بارليف على هذه الصيغة شريطة أن يكون واضحا تماما لجونين أنه قائده وليس مستشاره العسكرى , وذهب لينام على أريكة بمكتب رئيس الأركان , ولم يلبث أليعازر أن أيقظه بعد ساعات قلائل ليقول له إن الجنرال جونين وافق على هذا الحل المقترح .وفى صباح الأربعاء 10 أكتوبر وصل بارليف إلى مقر القيادة الأمامية الإسرائيلية فىسيناء. وفى غرفة العمليات جمع حوله كبار ضباط القيادة وقال لهم فى حضور جونين بلهجته الهادئة البطيئة :(أرسلنى رئيس الأركان هنا ممثلا شخصيا له , وأنا كما تعلمون أقدم ضابط بينكم وأعلى رتبة فيكم ولدى خبرة أكثر من أى شخص منكم , لذلك فمنذ هذه اللحظة أنا الذى أصدر الأوامر هنا). وحينما اختلى بارليف قال له :(ليست لدى أى نية للإضرار بك . لا يزعجنى أن دادو (اسم التدليل للجنرال أليعاذر رئيس الأركان ) الذى كان مرءوس هو الآن قائدى , وآمل ألا أزعجك بأن أكون قائدك ) . وبعد هذه المحادثات الصريحة , تم الاتفاق بين بارليف وجونين على أسلوب العمل فى القيادة , وهو أن يكون بارليف هو المسئول الأول فى القيادة الجنوبية وألا يصدر جونين لأى أوامر تؤثر على سير العمليات على الجبهة إلا بعد الرجوع إليه . وقد علق جونين على ذلك فقال فى مرارة : (سيكون لدى فى الحرب رئيس أركان عامة خصوصى ). وقال بعد ذلك لبارليف فى تأثير : (إنى أخشى أن يضر بى هذا الوضع بعد الحرب ) .

الهجوم المضاد الإسرائيلى على قطاع الفرقة16 مشاة من الخطأ الاعتقاد , أن فترة من الهدوء قد ساءت جبهة القتال فى سيناء فى الأيام الخمسة التى تلت فشل الهجوم المضاد التعبوى الذى شنته القوات الإسرائيلية على قطاع الجيش الثانى يوم 8 أكتوبر 1973 م إلى حين بدأت مرحلة تطوير الهجوم شرقا بتشكيلات النسق الثانى للجيشين الثانى و الثالث يوم 14 أكتوبر , إذ إن القتال خلال هذه الفترة لم يهدأ ولم يتوقف على طول الخط العام للجبهة . ورغم اشتبال المتحاربين فى معارك متصلة طوال هذه المدة فإن كلا منهما يرمى من ورائها إلى تحقيق هدف يختلف تماما عن هدف خصمه . فعلى الجانب المصرى وفى القطاع الجنوبى كان اللواء عبد المنعم وصل قائد الجيش الثالث يستهدف وصول الفرقتين 19 و7 مشاة إلى خط المهمة النهائية المحدد لهما فى الخطة , ودخولهما معا فى رأس كوبرى الجيش . وفى القطاع الشمالى كان اللواء سعد مأمون قائد الجيش الثانى يستهدف وصول الفرق 16 و 2و18 مشاة إلى خط المهمة النهائية المحددة لها فى الخطة (10-12 كم شرق القناة ), على أن تدخل الفرقتان 16 و2 مشاة فى رأس كوبرى الجيش ,بينما تقوم الفرقة 18 مشاة فى قطاعها الممتد من شمال جزيرة البلاح إلى الكاب بتكوين رأس كوبرى خاص بها يبعد عن رأس كوبرى الجيش الثانى بمسافة حوالى 5 كم شمالا . فكان النجاح فى تكوين رءوس الكبارى الموحدة للجيشين يعنى إتمام تحقيق المرحلة الأولى من الخطة الهجومية بدر , والاستعداد لتنفيذ المرحلة الثانية من الخطة , وهى تطوير الهجوم شرقا بدفع النسق الثانى للجيشين اتجاه الطريق العرضى رقم 3 و المضايق الجبلية . وعلى الاجانب الإسرائيلى كانت القيادة الجنوبية تقوم بتنفيذ القرار الذى اتخذه الجنرال دافيد أليعازر رئيس الأركان العامة خلال الاجتماع العاجل الذى عقده فى مركز القيادة المتقدم فى أم مرجم بعد منتصف الليل عقب فشل الهجوم المضاد الرئيسى يوم 8 أكتوبر , والذى حضره وزير الدفاع وقائد القيادة الجنوبية وقادة الفرق المدرعة الثلاث : أدان وشارون و ماندلر , وكان يقضى بانتقال القوات الإسرائيلية فى جبهة سيناء إلى الدفاع , إلى حين تصفية الموقف على جبهة الجولان فى الشمال بإيقاع الهزيمة بالقوات السورية و إخراج سوريا من الحرب , وعلى أن تتخذ الترتيبات فى الجبهة الجنوبية لإعادة تنظيم القوات الإسرائيلية واستعاضة الخسائر و إصلاح العتاد التالف , خصوصا الدبابات بعد معارك الأيام الثلاثة القاسية , وذلك استعدادا لمرحلة الهجوم . و كان أهم ما تضمنته تعليمات رئيس الأركان إلى القيادة الإسرائيلية فى سيناء وهو العمل على وقف عملية تطوير القوات المصرية لهجومها شرقا ومنعها بكل الوسائل من توسيع وتعميق رءوس الكبارى , ومن الوصول إلى الطريق العرضى رقم 3 (على مسافة حوالى 30 كم شرق القناة ). وقد لجأت القيادة الإسرائيلية إلى وسيلتين شديدتى الفعالية لعرقلة عملية تعميق القوات المصرية لرءوس كباريها وتطوير هجومها فى اتجاه الشرق : وكانت أولاهما هى توجيه ضربات مركزة من المدفعية البعيدة المدى والطيران على المواقع المصرية , وإنشاء الستائر المجهزة من الصواريخ المضادة للدبابات ss-II لوقف تقدم القوات المصرية . وكانت الوسيلة الثانية هى قيام القوات المدرعة الإسرائيلية بشن هجمات مضادة على مستوى السرايا و الكتائب على المواقع المصرية بقصد تثبيتها فى أماكنها ومنعها من تطويرهجومها شرقا . ولكن فى يوم الثلاثاء 9 أكتوبر حدث استثناء وحيد فى هذه القاعدة , فقد قام لواء مدرع إسرائيلى بأكمله وهو اللواء قم 600 بهجوم مضاد على مواقع الفرقة 16 مشاة التى كان يتولى قيادتها وقتئذ العميد عبد رب النبى حافظ والتى كان قطاعها يمتد من الدفر سوار جنوبا إلى شرق الإسماعلية شمالا (جنوب الطريق الأوسط مباشرة). وكانت مواجهة الفرقة تمتد على الخط العام النقطة 57 –كثيب الخيل –أبو وقفة (حوالى 10 كم شرق القناة ). وكان الخط محتلا بثلاثة ألوية مشاة فى النسق الأول واللواء 14 مدرع (الملحق من الفرقة 21 مدرعة )فى النسق الثانى . وعلى أثر فشل الهجوم المضاد الإسرائيلى يوم 8 أكتوبر , قام العدو بتجميع اللواء 600 مدرع فى منطقتى كثيب السكن وظهر أم بير شمال الطريق الأوسط على مسافة حوالى 16 كم شرق قناة السويس , وقام بدفع وحدات مدرعة ومشاة ميكانيكة أخرى (كتيبة من اللواء المدرع 460 ) فى اتجاه الطريق الأوسط (طريق الإسماعيلية شرق- الطاسة ). وكانت أعمال العدو القتالية يوم 9 موجهة أساسا ضد الفرقة 16 مشاة مع تثبيت قوات الفرقة 2 مشاة لمنع الفرقتين من تطوير هجومها شرقا ومنع اتصال قواتها معا على الطريق الأوسط . وابتداء من الساعة السادسة والنصف من صباح الثلاثاء 9 أكتوبر , بدأ العدو بشن هجمات مضادة قوية على مواجهة الفرقة 16 مشاة بقوة تقدر بكتيبة مدرعة على اللواء الأيسر للفرقة , وبكتيبتين مدرعتين على لواء المنتصف (اللواء 3 المشاة الميكانيكى ) لاختبار دفاعات الفرقة واكتشاف أضعف أجزائها تمهيدا لتوجيه هجومه الرئيسى فى هذا الاتجاه بهدف اختراق رأس كوبرى الفرقة وإحداث خلخلة فى نظام الدفاع المصرى فى القطاع الشمالى من الجبهة . وعلى الرغم من الخسائر الجسيمة التى حاقت بدبابات العدو بسبب صلابة الدفاعات المصرية , فقد واصل القيام بهجماته المضادة على طول مواجهة الفرقة حتى ارتفع عددها إلى أربع هجمات متتالية فى خلال 4 ساعات فقط . وخشية من قيام العدو بمحاولة اختراق الدفاعات المصرية عند نقطة الاتصال بين الفرقتين 16 و2 مشاة باعتبارها أضعف أجزاء الخط الدفاعى , بادر اللواء سعد مأمون قائد الجيش الثانى الذى كان يتابع الموقف بدقة بإصدار أوامره فى الساعة العاشرة صباحا إلى العميد عبد ربه قائد الفرقة 16 مشاة بدفع كتيبة دبابات من اللواء 14 مدرع (النسق الثانى للفرقة ) لاتخاذ خط صد على يسار تشكيل الفرقة غرب منطقة أبو وقفة لمنع أى اختراق للعدو من هذا الاتجاه . وخلال صد الهجمات المضادة على اللواء المشاة الميكانيكى فى منتصف مواجهة الفرقة , أصدر قائد اللواء العميد شفيق مترى سدراك أمره إلى قائد كتيبة النسق الأول اليمين بتطوير هجوم الكتيبة شرقا لتتمشى أوضاعها مع الخط العام للفرقة , وأثناء تقدم العميد شفيق فى مركبة قيادته المدرعة إلى الأمام فى حوالى الساعة العاشرة صباحا أصابت مركبته قذيفة مباشرة من اتجاه النقطة 118 فاستشهد البطل فى الحال . وكانت هذه هى الخسارة الثانية التى لحقت بقادة تشكيلات الفرقة 16 مشاة قبل مرور أقل من 24 ساعة , ففى اليوم السابق 8 أكتوبر , وخلال قيام اللواء الأيسر للفرقة بتطوير هجومه شرقا لتحقيق المهمة التالية والوصول إلى الخط العام كثيب الخيل أبووقفة , وفى أثناء وجود قائد اللواء العقيد أ.ح عادل يسرى قبل الغروب على قمة النقطة 121 فى منطقة كثيب الخيل لاستطلاع موقف العدو بنفسه فى الأمام أصابته قذيفة خارقة للدروع (سابو) من مدفع دبابة إسرائيلية إصابة مباشرة تسببت فى بتر ساقه اليمنى فى الحال , وتم إخلاؤه إلى الخلف حيث نقل بعد ذلك إلى المستشفى , وبهذا ضرب القادة الكبار فى الفرقة لضباطهم وجنودهم أروع الأمثلة فى الشجاعة والفداء .وفى حوالى الساعة الثانية والنصف ظهرا , قام العدو بهجومه المضاد الرئيسى على لواء المنتصف (اللواء 3 الميكانيكى )بقوة تقدر بكتيبتين مدرعتين (النسق الأول للواء المدرع الإسرائيلى رقم 600) بعد قصف نيرانى مركز من المدفعية والطيران على منطقتى النقطة 57 والطالبة . وتمكن العدو تحت ثقل وطأة هجومه المدرع من اختراق دفاعات كتيبة النسق الأول اليمين والاستيلاء على النقطة الحيوية 57 , وحاول توسيع اختراقه بالاندفاع فى اتجاه الطالية, وهى نقطة جيوية حصينة كانت تحتلها كتيبة النسق الثانى للواء . وفضلا عن أهمية هذه النقطة من حيث توازن الموقع الدفاعى للواء الميكانيكى , فقد كانت تضم مركز قيادة اللواء , ةكما كان يقع إلى الغرب منها المركز المتقدم لقيادة الفرقة 16 مشاة . وكانت الإجراءات التى أتخذت لمجابهة الاختراق الإسرائيلى حاسمة وسريعة , وقامت كتيبة المشاة الميكانيكية (النسق الثانى ) التى كانت تحتل الموقع الدفاعى فى الطالية بدور بطولى فى صد الاختراق , وكان جميع مركباتها المدرعة من طراز BMP المسلحة بالصواريخ مالوتكا الخارقة للدروع , مما أوقع بالدبابات الإسرائيلية المهاجمة خسائر فادحة . وخلال معركة الصد أصدر قائد الفرقة 16 أوامره إلى كتيبة من اللواء 14 مدرع (الملحق من الفرقة 21 مدرعة ) وإلى كتيبة دبابات الفرقة للاشتراك فى صد الإختراق فى الوقت الذى أمر بفتح احتياطى الفرقة المضاد للدبابات واحتياطى الجيش المضاد للدبابات رقم 1 على أجناب القوة المدرعة الإسرائيلية التى نجحت فى الاختراق . وقامت مجموعة مدفعية اللواء 3 الميكانيكى ومجموعة مدفعية الفرقة فى نفس الوقت بقصف الثغرة التى دخلت منها الدبابات الإسرائيلية قصفا مركزا وهكذا وقعت القوة المدرعة الإسرائيلية تحت ضب مركز من نيران المدفعية والصواريخ المضادة للدبابات مما أدى إلى تدمير 38 دبابة من طراز M60 وباتون M48 و4 عربات مدرعة من طراز M113 , وارتدت الدبابات الإسرائيلية من اتجاه الطالية , ولكنها نجحت فى التثبت بالموقع الحيوى فى النقطة 57 التى انسحبت منها الكتيبة الأمامية اليمين مما كان يهدد دفاعات الفرقة 16 بأخطار جسيمة . وفى الساعة السادسة والنصف مساء كرر العدو هجومه المضاد الرئيسى للمرة الثانية بقوة تقدر بحوالى 60 دبابة (بقايا كتيبتى النسق الأول للواء المدرع الإسرائيلى 600 بعد تدعيمها بكتيبة النسق الثانى للواء ) وكان اتجاه الهجوم المضاد خطيرا , فقد استهدف نقطة الاتصال بين اللواء المشاة الميكانيكى فى المنتصف , واللواء الأيمن للفرقة فى الوقت الذى توجد فيه قوة إسرائيلية مدعة فى النقطة 57 , مما جعل الفرصة صالحة للدبابات المهاجمة لإحداث اختراق واسع على الجنب الأيمن للفرقة بلغ عمقه حوالى 3 كم . واتخذ قائد الفرقة 16 مشاة إجراءات مهمة وعاجلة مواجهة أخطر تهديد تعرضت له الفرقة منذ بداية الحرب فى 6 أكتوبر , فأمر قائد اللواء الأيمن للفرقة بدفع كتيبة النسق الثانى للواء التى كانت تحتل مواقعها فى منطقة قرية الجلاء (كان الإسرائيليون يطلقون عليها اسم المزرعة الصينية ) لإغلاق الثغرة التى كانت موجودة بين لواء المنتصف ولواء اليمين . و أمر قائد الفرقة بدفع قوة ضاربة لصد الاختراق كانت تتكون من كتيبة النسق الثانى للواء المشاة الميكانيكى (كتيبة العبات المدرعة BMP )وكتيبة دبابات الفرقة (بعد تعديل أوضاعها التى كانت عليها منذ صد الاختراق الأول ) مع فتح جميع الاحتياطات المضادة للدبابات التابعة للواءى المنتصف واليمين و احتياطى الفرقة واحتياطى الجيش المضاد للدبابات . وطلب قائد الفرقة من قائد الجيش معاونة الفرقة فى صد الاختراق الإسرائيلى بنيران مجموعة مدفعية الجيش الثانى رقم 1 ورقم 2 , وقد اشتركت معها فى الضرب مجموعات مدفعية اللواءين ومدفعية الفرقة . وسرعان ما تحولت منطقة اختراق العدو بعد تركيز القصف المدفعى الكثيف والصواريخ المضادة للدبابات عليها إلى قطعة من الجحيم . واضطرت الدبابات الإسرائيلية إلى الارتداد شرقا بعد أن بلغت خسائرها حوالى 20 دبابة , وتم إغلاق ثغرة الاحتراق بعد معركة عنيفة خسر فيها اللواء المشاة الميكانيكى المصرى خسائر جسيمة . وفى هجوم ليلى صامت ليلة 9 و10 أكتوبر, تم للواء المشاة الميكانيكى بمعونة الفرقة استعادة النقطة 57 بعد أن اضطرت الدبابات الإسرائيلية إلى إخلائها , وعاد رأس كوبرى الفرقة 16 مشاة إلى الوضع الذى كان عليه من قبل تعرضه للهجمات المضادة الإسرائيلية العنيفة يوم 9 أكتوبر . وفى قطاع الفرقة 2 مشاة أصدر قائدها العميد حسن أبو سعدة قراره بتأمين الجنب الأيمن لفرقته لمنع أى قوات مدرعة إسرائيلية من النفاذ إلى داخل دفاعات الفرقة من خلال نقطة الاتصال بين الفرقتين 2و16 مشاة . وكان قراره يتضمن دفع كتيبة مشاة ميكانيكية لاحتلال موقع دفاعى غرب تبة الشجرة فى مواجهة الجنوب مع فتح احتياطى للفرقة المضادة للدبابات رقم 2 فى نفس الاتجاه , وكذا تعديل أوضاع كتيبة الدبابات من اللواء 24 مدرع (الملحق على الفرقة ) بحيث تشترك فى مسئولية تأمين الجنب الأيمن للفرقة . وزيادة فى إجراءات التأمين , أمر قائد الفرقة بسرعة رص حقل ألغام شمال الطريق الأوسط ما بين قناة السويس وتبة الشجرة لإغلاق هذه المواجهة تماما . وقد حاول العدو خلال هجماته على الفرقة 16 تثبيت قوات الفرقة 2 مشاة (الجار الأيسر ), فشن ثلاث هجمات مضادة بقوة سرية مدرعة على اللواء الأيمن للفرقة وهجمتين على اللواء الأيسر لها . وقد صدت جميعا , وخسر العدو 14 دبابة وعربة صواريخ مدرعة مضادة للدبابت . وفى الساعة الواحدة ظهرا , أمر العميد حسن أبو سعدة قواته بتطوير الهجوم شرقا مستغلا نجاح تشكيلاته فى صد الهجمات المضادة عليها . وقد جرت عملية تطوير الهجوم بنفس تشكيل القتال السابق (ثلاثة ألوية مشاة فى النسق الأول واللواء 24 مدرع فى النسق الثانى ). ونظرا لتعرض اللواء الأيمن للفرقة لنيران شديدة على أجنابه من مجموعة دبابات إسرائيلية , فقد اضطر إلى التوقف حتى الساعة الرابعة مساء ولكنه وصل تقدمه فى إصرار, كما تعرض كل من اللواء المشاة الميكانيكى فى منتاصف تشكيل الفرقة واللواء الأيسر لها لنيران شديدة من صواريخ مضادة للدبابات أحدثت خسائر كبيرة فى اللواء الميكانيكى , خاصة فى كتيبة دباباته العضوية . ورغم محاولات العدو المستميتة لعرقلة عملية تطوير الهجوم فقد نجحت تشكيلات الفرقة فى الاستيلاء على خط المهمة النهائية فى الساعة الحادية عشرة مساء .وكان نجاحها الأكبرمركزا على الجنب الأيمن فى مواجهة الطريق الأوسط , فقد نجح اللواء الأيمن فى الاستيلاء على كثيب أبو كثيرة ونقطة المثلثات 100 الذى كان هو اتجاه المجهود الرئيسى للفرقة و الجيش , وكان يؤمن فى نفس الوقت تحقيق مهمة الفرقة النهائية بإنشاء رأس كوبرى جيش موحد مع الفرقة 16 مشاة. لماذا اهتزت أعصاب موشى

ديان؟فى ظهير التاسع من أكتوبر استعرض الجنرال أليعازر رئيس الأركان العامة الإسرائيلي الوضع العام على جبهة القتال فى مؤتمر لرؤساء و الأفرع برئاسة الأركان . وقد أوضح رئيس الأركان أن خطة إسرائيل على الجبهة المصرية بعد فشل الهجوم المضاد الإسرائيلى تستهدف تحسين ميزان القوى عن طريق تكبيد القوات المصرية أقصى ما يمكن من الخسائر فى الأرواح والأسلحة والمعدات . وبعد التصدى للهجوم المصرى الرئيسى الذى كان من المتوقع حدوثه تتوافر عندئذ الإمكانات للقيام بهجوم مضاد قوى لاختراق المواقع المصرية وعبور قناة السويس إلى الضفة الغربية . وفى الساعة السابعة مساء يوم9 أكتوبر التقى موشى ديان وزير الدفاع مع رؤساء تحرير الصحف الإسرائيلية فى وزاة الدفاع , حيث أدلى لهم بتقديره للموقف الذى كان يعكس مدى أزمة التشاؤم الحادة التى انتابت موشى ديان على أثر فشل الهجمات المضادة الإسرائيلية الأخيرة على القوات المصرية , فقد ذكر لهم ما يلى :(إن قواتنا فى سيناء تنتشر انتشارا دفاعيا وهى تتخذ خطا لاحتواء المصريين حتى يتغير الموقف فى الجولان فى غصون الأيام القليلة القادمة . لقد أخلى خط بارليف ذو المواقع الحصينة بنظام أحيانا ويغير نظام أحيانا أخرى , ولم يعد هناك خط يمكن أن يلعب أى دور فقد انقطع اتصالنا بحصونه وتخلينا عنه , وهذا يكشف للعالم بأسره حقائق متعددة : الأولى أننا لسنا أقوى من المصريين , والثانية أننا إذا لم نستطع رد المصريين على أعقابهم فأنهم سوف يواصلون حشد قواتهم ودباباتهم على الجانب الشرقى للقناة . والسؤال المهم الآن : ماذا سيحدث بعد ذلك ؟ لو شن المصريون هجوما من مواقعهم فسيكون علينا أن نجد خطوطا أقصر وأكثر ملاءمة نستطيع أن نصمد فيها صمودا أفضل , وهذه الخطوط ينبغى أن تكون فى مكان ما فى المنطقة ما بين قناة السويس وسلسلة الجبال بحيث لا يستطيعون اجتيازها . ونظر لأن الطريق مفتوح أمام المصريين للتقدم صوب الجنوب إلى أبو رديس فى اتجاه شرم الشيخ فإن علينا أن نتساءل عما يمكن أن يحدث لو أنهم حاولوا الاتجاه جنوبا , أين سانوقفهم؟ أننا لا نستطيع أن نعتمد على الطيران وحده للحيلولة دون هجوم المصريين المتجه نحو الجنوب , وحتى إذا أقمنا خطوطا دفاعية جديدة فأنا أشك فى أن تستطيع قواتنا التمسك بهذه الخطوط ). وعندما علم رءوس تحرير الصحف أن موشى ديان سوف يعلن على الشعب الإسرائيلى فى حديث تليفزيونى فى الساعة التاسعة مساء حقائق الموقف العسكرى وسقوط خط بارليف ؟ وقف الصحفيون فى حالة ذهول . وقال جرشوم شاكن رئيس تحرير جريدة ها آرتس لموشى ديان  :(إذا قلت ما قلته لنا الآن على شاشة التليفزيون هذا المساء فإن ذلك معناه حدوث زلزال فى شعور الشعب فى إسرائيل ). وعقب لقاء ديان مع رؤساء التحرير بفترة وجيزة , تلقت جولدا مائير رئيسة الوزراء تقريرا عما أدلى به وزير الدفاع أمام الصحفيين , وعما يعتزم التحدث به إلى الأمة , واتصل أحد رؤساء التحرير بجولدا هاتفيا واقترح عليها منع الحديث . وطلبت جولدا من موشى ديان عدم الظهور فى تلك الليلة على شاشة التليفزيون . وكان الجنرال أهارون ياريف الذى كان يرأس إدارة المخابرات العسكرية فى إسرائيل لمدة تسع سنوات وحاز خلال ذلك شهرة واسعة قد استدعى من التقاعد فى اليوم الثانى للحرب لكى يتولى مسئولية الإعلام العسكرى عندما اتضح سوءالوضع فى جهاز الإعلام . وفى مساء 9 أكتوبر احتشد جمع غفير من الصحفيين المحليين والأجانب فى إحدى قاعات (دار سوكولوف)كى يستمعوا إلى حديث أهارون ياريف الذى ظهر على شاشة التليفزيون الإسرائيلى بدلا من موشى ديان . وكان الحديث ينقل على الفور بواسطة قمر صناعى إلى محطات التليفزيون المهمة فى العالم . وعرض أهارون ياريف على المشاهدين بصورة متزنة وبدون الإكثار من التفاصيل الوضع على جبهتى القتال فى سيناء والجولان وقال (الوضع ليس سهلا وبسيطا , والحرب من شأنها أن تطول .الجيش الإسرائيلى فى وضع صعب , وقد اضطر إلى الانسحاب من خطوط وقف القتال فى الجولان وسيناء , ورغم ذلك فلا ينبغى أن نفكر بمفاهيم الخطر بالنسبة لشعب إسرائيل ). وكانت هذه هى المرة الأولى التى يتلقى فيها الشعب الإسرائيلى أنباء عما يجرى على الجبهة بدون تزييف , ولأول مرة يسمع الشعب بيانا صريحا يدرك منه أن هذه الحرب ليست استمرارا لحرب الأيام الستة وليست حربا خاطفة . وتذكرت الجماهير تصريحات موشى ديان الجوفاء مساء 6 أكتوبر عند لقائه بالصحفيين عندما قال لهم :(سنحول المنطقة إلى مقبرة كبرى لهم ). كما طافت بأذهانهم وقائع المؤتمر الصحفى الذى نقله التليفزيون من دار سوكولوف مساء اليوم السابق فقط (8 أكتوبر), واسترجعوا كيف صفق السامعون للجنرال أليعازر رئيس الأركان العامة وهو يصرح فى حماسة بأن الجيش الإسرائيلى سيواصل ضرب العدو وتحطيم عظامه . وانتاب أفراد الشعب الشعور بأنهم خدعوا , وأدرك الجميع أن إسرائيل تواجه لأول مرة منذ قيامها حربا مصيرية شرسة , وكان أشد ما أثار حيرة القادة الإسرائيليين فى هذه الفترة الحالة التى أضحى عليها موشى ديان منذ نشبت الحرب الحرب يوم 6أكتوبر , والتى كانت تختلف تماما عن حالته فى أثناء حرب 67 التى كان خلالها فى قمة ثقته واعتدادة بنفسه , وكان يصدر فى ذلك الوقت أخطر القرارات العسكرية دون التشاور مع أحد , إلى الحد الذى جعله يصدر أمره إلى الجنرال دافيد أليعازر قائد القيادة الشمالية وقتئذ بناء على رأيه الخاص باقتحام هضبة الجولان دون الرجوع إلى رئيس الوزراء ليفى أشكول , ورغم صدور قرار من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار . ولكن موشى ديان فى حرب 73 ظهر بصورة الرجل الضعيف المتردد , فقد لوحظ أنه يتجنب إصدار أى قرارات أو تعليمات على المستوى العسكرى , وكان يكتفى فى كل زياراته للقيادات الأمامية بتقديم نصائحه للقادة فى شكل مشورة وزارية غير ملزمة ,أى لا تنفذ إلا بعد الرجوع إلى رئيس الأركان العامة .وخلال اجتماعات القادة فى الجبهة ,كان موشى ديان يكتفى بدور المستمع والمراقب ويحرص على عدم الإدلاء برأيه . وكان من العجيب أن قائدا محنا مثل موشى ديان حاز شهرة عسكرية مدوية وتولى من قبل رئاسة الأركان العامة ثم وزارة الدفاع يتنصل بهذه الصورة من مسئوليته لكى يعرض قرارات ميدانية بحتة على جولدا مائير رئيسة الوزراء لكى تتخذ بشأنها قرارت حاسمة تتعلق بمجرى الحرب .ونتيجة لهذه التصرفات من موشى ديان ,أصبحت جولدا مائير لاتمنحه التصديق النهائى على الاقتراحات الإستراتيجية والقرارات العسكرية المهمة التى يعرضها عليها إلا بعد الرجوع إلى الوزيرين الذين كونا معها شبه مجلس دائم لإدارة الحرب , وهما إيجال آلون نائب رئيس الوزراء ويسرائيل جاليلى وزير الدولة , وإلا بعد التشاور فى معظم الأحيان مع الجنرال أليعازر رئيس الأركان , ومع ممثله فى الجبهة الجنوبية الجنرال حاييم بارليف.

محاور التقدم الرئيسية فى سيناء

خلال المؤتمر الصحفى الذى انعقد فى وزارة الدفاع بتل أبيب فى حوالى الساعة السابعة مساء يوم الثلاثاء 9 أكتوبر73, أى فى اليوم الرابع من الحرب , وعندما كان موشى ديان يشرح لرؤساء تحرير الصحف الإسرائيلية –كما أسلفنا-الوضع العسكرى السيىء على الجبهة المصرية على أثر فشل الهجمات المضادة الإسرائيلية يومى 8و9 أكتوبر على القوات المصرية , لفت موشى ديان الأنظار لأول مرة إلى الخطر الذى تتعرض له سيناء الجنوبية من احتمال هجوم مصرى يوجه ضدها , وقال إن الطريق مفتوح أمام المصريين للتقدم صوب الجنوب إلى أبو رديس فى اتجاه شرم الشيخ . والأمر الذى يستلفت أنه بينما كان موشى ديان يتحدث إلى رؤساء تحرير الصحف عن خطر هجوم مصرى محتمل على جنوب سيناء , كانت قوة مصرية ميكانيكية قد بدأت تقدمها بالفعل فى الساعة العاشرة من صباح نفس اليوم على المحور الجنوبى المتجه إلى شرم الشيخ ,وبدأت القوات الإسرائيلية خاصة الطيران فى التعامل معها . وقدجى ذلك قبل انعقاد المؤتمر الصحفى بعدة ساعات , مما يجعلنا نجزم بأن وزير الدفاع الإسرائيلى كان يعلم الحقيقة بلا شك , ولكنه أثر عدم التصريح بها إلى حين وضوح الموقف فى ساحة القتال من جهة وحفاظا على الروح المعنوية للصحفيين من جهة أخرى , خاصة بعد أنباء فشل الهجمات المضادة الإسرائيلية الأخيرة . وتدفعنا محاولة التقدم الجريئة التى جرت على المحور الجنوبى إلى ضرورة عمل دراسة موجزة لمحاور التقدم الرئيسية عبر سيناء من الغرب إلى الشرق استكمالا لفائدة القراء , وذلك قبل البدء فى سرد الوقائع المتعلقة بتحريك القوى الميكانيكية المصية على المحور الجنوبى .وعلى الرغم من أن شبه جزيرة سيناء تعتب مانعا طبيعيا من الناحية العسكرية فإنها كانت منذ فجر التاريخ المعبر الطبيعى لجميع الغزاة الذين قاموا إلى مصر من الشرق , كما أنها كانت معبرا لجميع الحملات الحربية التى خرجت من مصر فى اتجاه الشرق منذ عهد الفراعنة حتى عصرنا الحديث . وتنحصر محاور التقدم الرئيسية لأى قوات مصرية تتجه من الغرب إلى الشرق فى خمسة محاور رئيسية هى كما يلى :المحور الساحلى :يتميز المحور الملاصق لساحل البحر المتوسط بوجود سهل الطينة وبحيرة البردويل اللذين تليهما جنوبا منطقة كثبان رملية تتدرج فى الارتفاع من الغرب إلى الشرق , ويخترق هذا المحور طريق أسفلتى يسير بحذاء الساحل , ويربط ما بين القنطرة ورفح , ويبلغ طوله من القنطرة شرق إلى العريش 160 كم ومن العريش إلى رفح 45كم , ويمر ببالوظة ورمانة وقاطية وبئر العبد ومصفق والعريش والشيخ زويد . وتتوافر فى هذا المحور بعض الآبار ,والأرض بصفة عامة غير صالحة للسير لمعظم الحملات الميكانيكية إلاعلى الطريق الأسفلتى . المحور الأوسط: يعتبر المحور الرئيسى للتقدم من الغرب إلى الشرق , وهو عبارة عن هضبة متسعة تغطيها الغرود الرملية فى معظم أجزائها , ويقع ما بين السهل الساحلى شمالا والحائط الغربى الجبلى لسيناء جنوبا . ورغم أن الأرض مفتوحة فإن رماله الكثيفة تجعل من الصعب اجتيازه إلا على الطرق والوديان المحدودة به وإلا للمركبات المجنزرة . ويضيق محور التقدم خلاله بعد حوالى 70كم شرق القناة , حيث ينحصر التقدم فيما بين جبل جديرة فى الشمال وجبل سحابة فى الجنوب , وإلى الشرق بحوالى 30كم من هذه المنطقة يقع مضيق الختمية المعروف (حوالى 100كم شرق القناة )...ويخترق هذا المحور الطريق الرئيسى فى سيناء المعروف باسم الطريق الأوسط , وهو طريق أسفلتى يربط ما بين الإسماعلية شرق ومدينة العوجة ويمر على الطاسة وبير جفجافا وبئر روض سالم . وعند علامة الكيلو 161 – وهى وهى تقاطع الطريق الرئيسى مع الطريق الفرعى القادم من العريش وبير لحفن- تنفتح الأرض وتصلح للعمليات الكبرى للدبابات وتحرك الحملات الميكانيكية . ويسير الطريق بعد ذلك إلى أبو عجيلة قبل أن يصل إلى العوجة . ويبلغ طول الطريق الأوسط حوالى 225 كم . محور الجدى : يبدأ الطريق الأسفلتى على هذا المحور شرق البحيرة المرة الصغرى , وبعد سيره حوالى 35كم فى الأرض المفتوحة يخترق الحائط الغربى الجبلى لسيناء خلال ممر الجدى الجبلى المعروف , وبعد خروجه ثانية إلى الأرض المفتوحة بحوالى 15 كم يلتقى بالطريق العرضى بير تمادا – بير جفجافا . محور متلا : يبدأ الطريق الأسفلتى على هذا المحور عند الشط (شرق السويس) وبعد سيره حوالى 35كم فى الأرض المفتوحة يخترق الحائط الغربى الجبلى لسيناء خلال ممر متلا المعروف وهو ممر جبلى شديد الضيق والوعورة يبلغ طوله 31كم . وعند وصوله إلى الأرض المفتوحة عند صدر الحيطان يتفرع إللا اتجاهين شمالا إلى بير تمادا ومنها إلى الحسنة والقسيمة وجنوبا إلى نخل ومنها إلى التمد ورأس النقب . محور سدر : يفصل الحائط الغربى الجبلى فى شمال سيناء عن الكتلة الجبلية الضخمة لجنوب سيناء وادى سدر , ويبدأ هذا المحور من رأس سدر على خليج السويس (43كم جنوب الشط) وبعد مسيرة حوالى 30كم فى الأرض المفتوحة فى وادى سدر فى اتجاه الشمال الشرقى يمر الطريق فى ممر ضيق طوله 30كم يعرف باسم ممر سدر , ويقع بين جبلين هما جبل الراحة فى الشمال وجبل سن بشر فى الجنوب , وعند وصوله إلى نهاية الممر عند عين سدر تنفتح الأرض وتتفرع منه عدة وديان وطرق ممهدة يمكن الوصول منها إلى اتجاهات صدر الحيطان وبير تمادا فى الشمال وإلى نخل فى الشرق . وهذا وترجع أهمية رأس سدر التى كانت الهدف الرئيسى الأول للقوة الميكانيكية المصرية المتقدمة على المحور الجنوبى إلى الأسباب الآتية : 1- وقوعها عند بداية أحد المحاور الرئيسية للتقدم من الغرب إلى الشرق , وهو طريق ممر سدر الجبلى الذى يمكن النفاذ منه عبر الكتلة الجبلية إلى الأرض المفتوحة فى الشرق , ويمكن التقدم بعد ذلك شمالا والوصول إلى المداخل الشرقية لمضيقى متلا والجدى أو تهديدهما بالتطويق فى حالة تطوير الهجوم فى هذا الاتجاه . 2- يلتقى عندها محوران تعبويان مهمان :أولهما الطريق العرضى رقم 3 الذى يبلغ طوله حوالى 200 كم ويبعد حوالى 30كم شرق القناة , ويبدأ من بالوظة شمالا ويقطع الطريق الأوسط عند الطاسة ثم يقطع طريقى الجدى ومتلا بالقرب من المداخل الغربية للممرين , ثم ينحرف غربا إلى رأس سدر . ولا شك فى أنه فى حالة وجود قوة مصرية عند الطرف الجنوبى لهذا الطريق فإن ذلك كان يؤدى إلى تهديد خطير للجنب الأيسر للقوات الإسرائيلية التى كانت تتخذ من هذا الطريق محورا رئيسيا لتحركاتها شمالا وجنوبا على طول الجبهة , وفى نفس الوقت قاعدة لجميع هجماتها المضادة من الشرق إلى الغرب على رءوس الكبارى المصرية . أما المحور التعبوى الثانى فهو طريق الشط شرم الشيخ الذى يطلق عليه اسم طريق الطور , وهو يمتد بحذاء الساحل الشمالى الشرقى لخليج السويس ويبلغ طوله حوالى 325كم , ويمر الطريق قبل وصوله إلى رأس سدر بعيون موسى ورأس مسلة , ثم يمر بعد رأس سدر بعدة مدن أهمها أبوزنيمة و أبورديس والطور ثم شرم الشيخ . 3- أهمية رأس سدر الاقتصادية حيث توجد بها ثلاث مجموعات من حقول البترول وهى سدر وعسل ومطارمة , علاوة على أنها منطقة عمرانية كبيرة , إذا توجد بها مساكن وملاعب ومستشفى ومحطة للكهرباء ورصيف بحرى كما توجد بها عدة صهاريج ضخمة لتخزين البترول .

عملية اللواء الأول ميكانيكى فى اتجاه رأس سدر كان اللواء الأول مشاة ميكانيكى أحد ألوية الفرقة 6 مشاة ميكانيكية التى كان يتولى قيادتها العميد محمد أبو الفتح محرم وكانت الفرقة موضوعة فى النسق الثانى فى قطاع الجيش الثالث الميدانى فى الجنوب عندما اتخذت القوات المصرية أوضاعها النهائية استعدادا لبدء الخطة الهجومية (بدر) يوم 6 أكتوبر 1973م . وكانت التعليمات التى تلقاها قائد اللواء الأول والتى حددت له مهمته وفقا لما ود فى الخطة الموضوعة تتضمن ما يلى : • يعبر اللواء الأول ميكانيكى قناة السويس ليلة 6 /7 أكتوبر على معابر الفرقة 19مشاة إلى منطقة انتظار أمامية شرق القناة داخل رأس كوبرى الفرقة 19 مشاة . وبمجرد إتمام عبور اللواء الأول القناة يخرج من تحت قيادة الفرقة 6 مشاة ميكانيكية ويصبح تحت القيادة المباشرة لقيادة الجيش الثالث . • يكون اللواء الأول جاهزللدفع للاشتباك من خط دفع داخل رأس كوبرى الفرقة 19 اعتبارا من الساعة الخامسة صباح يوم 7 أكتوبر بأمر قائد الجيش الثالث بهدف الاستيلاء على الخط العام رأس مسلة جبل أم جردى (17كم جنوب الشط ) . • اعتبارا نت أول ضوء يوم 8 أكتوبر بدفع اللواء للاشتباك من منطقة رأس مسلة -جبل أم جردى , واعتبارا من هذا التوقيت يخرج اللواء من تحت قيادة الجيش الثالث ويصبح تحت قيادة منطقة البحر الأحمر العسكرية (كانت قيادة هذه المنطقة تقع على الشاطىء الغربى لخليج السويس الذى يبلغ متوسط اتساعه فى الشمال حوالى 35كم ) . بعد الدفع الثانى للاشتباك تكون مهمة اللواء هى الاستيلاء على منطقة رأس سدر (25كم جنوب رأس مسلة ) ويطور الهجوم بعد ذلك بأوامر قائد منطقة البحر الأحمر العسكرية تبعا للموقف فى اتجاه أبورديس (100كم جنوب رأس سدر). وكان قرار قائد اللواء الذى صدق عليه إبراهيم كامل قائد منطقة البحر الأحمر العسكرية (نظرا لأن معظم العمليات المنتظرة للواء الأول ستكون تحت قيادته ) هو أن يتشكل اللواء مع وحدات الدعم من الأسلحة المشتركة التى وضعت تحت قيادته فى ثلاث مجموعات متوازية , تتكون كلا منها من كتيبة مشاة ميكانيكية مدعمة , وعلى أن تتشكل المجموعة الأولى التى ستعمل كمفرزة أمامية للواء من كتيبة المشاة الميكانيكية المزودة بالمركبات المدرعة . BMP (المسلحة بقواذف مالوتكا الصاروخية الخارقة للدروع ) ومعها وحدات الدعم الخاصة بها . وكذا كتيبة دبابات اللواء الأول ويكون محور تحركها هو الطريق الساحلى ( الشط – الطور ) , على أن تتبعها على مسافة من 3 إلى 5كم المجموعتان الأخريان , على أن تتولى المجموعة الثالثة مسئولية تأمين الجنب الأيسر للمفرزة الأمامية خلال التحرك , وعند تطوير الهجوم من رأس سدر فى اتجاه أبو رديس يتبع اللواء نفس هذا التشكيل .. ولكن هذه الخطة التى تم تدريب وحدات اللواء الأول على تنفيذها قبل الحرب وأبلغت لقادة الوحدات الفرعية وأجريت على أساسها عملية تنظيم التعاون على مختلف المستويات , حالت الظروف دون تنفيذها وفقا للتوقيتات المحددة . فلقد حدث – كما سبق أن ذكرنا عند شرح عملية العبور يوم 6أكتوبر – تأخير غير منتظر فى إنشاء معابر الجيش الثالث خاصة بالنسبة للفرقة 19 مشاة نظرا لصعوبة فتح الممرات فى الساتر الترابى شرق القناة فى هذا القطاع , مما أدى تأخير المهندسين فى إقامة كبارى الفرقة 19 مشاة إلى الحد الذى حدا باللواء عبدالمنعم واصل قائد الجيش الثالث إلى إصدار أوامره بعبور كتائب دبابات الفرقة 19 مشاة واللواء 22 مدرع (الملحق على الفرقة )على كبارى الفرقة 7 مشاة (الجا الأيسر للفرقة 19 ) وأدى ذلك التعطيل إلى أن يتأخر عبور اللواء الأول حوالى 48 ساعة , فبدلا من العبور ليلة 6/ 7 أكتوبر حسبما ورد فى الخطة لم يتمكن اللواء من العبور إلا ليلة 8/9 أكتوبر ..وعقب إتمام تجمع اللواء الأول فى المنطقة الأمامية المحددة له شرق القناة تم تأميم دفعة للاشتباك من خط الدفع المحدد له داخل رأس كوبرى الفرقة 19مشاة بنيران كتيبتى مدفعية ميدان من مجموعة مدفعية الفرقة وفقا للخطة الموضوعة وذلك فى الساعة العاشرة صباحا يوم 9 أكتوبر . ولم تمضى أكثر من 75 دقيقة على بدء التحرك حتى تمكنت المفرزة الأمامية من تحقيق المهمة المباشرة والاستيلاء على الخط العام الكرنتينة – عيون موسى (على مسافة 10كم جنوب الشط ) . وقد أتضح أن الحامية الإسرائيلية التى كانت متحصنة فى النقطة القوية عيون موسى لم تحاول إيداء أى مقاومة جدية , ويبدو أنها قد لاذ ت بالفرار , فقد كانت تدرك مدى حرج موقفها نتيجة لانعزالها فى موقعها عقب نجاح القوات المصرية فى عبور القناة وقيامها بإنشاءمناطق رءوس الكبارى . وكانت على علم –نتيجة لتنصتها على شبكة المواصلات اللاسلكية الإسرائيلية – بانهيار خط بارليف وفرار بعض حاميات حصونه وسقوط الباقين أسرى فى أيدى القوات المصرية , مما أصاب أفرادها باليأس . وكانت النقطة الإسرائيلية القوية فى عيون موسى تضم 6 مدافع بعيدة المدى من طراز هاوتزر 155 مم كانت مثبتة على قواعد خرسانية ومخفاة بعناية داخل دشم محصنة , وكانت مصدر تهديد دائم لمدينة السويس ومعامل تكرير البترول بالزيتية , وقد سبق أن اشتركت بنيرانها فى تدميرها خلال حرب الاستنزاف . وقد وجدت المفرزة المصرية التى احتلتها جميع محتويات هذه النقطة القوية من مدافع وأسلحة وذخائر ومعدات ومؤن ومهمات شخصية سليمة , وواصلت المفرزة الأمامية تقدمها بعد ذلك فى اتجاه الجنوب تتبعها الكتيبتان الخلفيتان . وفى الساعة الواحدة ظهرا نجحت فى طرد عناصر للعدو من كثيب العران , وفى الساعة الثالثة بعد الظهر نجحت المفرزة المتقدمة فى الاستيلاء على الخط العام جبل أم جردى مقتل المصرى (17كم جنوب الشط) محققة بذلك المهمة التالية المحددة لها تحت قيادة الجيش الثالث , ودخلت منذ ذلك التوقيت تحت قيادة منطقة البحر الأحمر العسكرية . وعندما استأنفت المفرزة الأمامية تقدمها على الطريق الساحلى فى اتجاه الجنوب , اصطدمت فى الساعة الرابعة والنصف مساء بقوة إسرائيلية تقدر بحوالى سرية دبابات مدعمة بقواذف صاروخية من عيار 106 مم , وبطارية مدفعية كانت تحتل جبل المرازا (علىمسافة 2كم جنوب جبل أم جردى ) وأرغمت المفرزة الأمامية فى إزاحة قوة العدو عن موقعه وإخلاء الطريق أمامها لعجز العربات المدرعة BMP عن القيام بالمناورة والالتفاف على جنب العدو بسبب طبيعة الأرض السبخية علاوة على تدخل طيران العدو . وإزاء هذا الموقف أصدر قائد اللواء أوامره فى الساعة الخامسة مساء إلى قائد المفرزة الأمامية , بتعديل أوضاع قوته واحتلال الميول الجانبية لجبل أم جردى شرق الطريق فى مواجهة العدو , بينما أصدر أوامره إلى الكتيبتين الخلفيتين باحتلال مواقع دفاعية مؤقتة على كثيب العران (على بعد حوالى 5كم من المفرزة الأمامية ) وأصدر تعليماته بدفع عناصر استطلاع إلى الأمام والجنب الأيسر لاستطلاع مواقع العدو , على أن تستعد وحدات اللواء الأول لاستئناف التقدم فى اتجاه الجنوب فى أول ضوء فى اليوم الثالى (10أكتوبر للوصول إلى رأس سدر ) . وقد كان المفترض وفقا لأوامر قائد اللواء الأول أن تتقدم المجموعات الثلاث للواء بنفس ترتيب تحركها السابق فى الساعة السادسة صباحا يوم 10 أكتوبر فى اتجاه رأس سدر التى لم يكن يفصل المفرزة الأمامية عنها سوى 25 كم فقط , ولكن الواقع الذى جرى أن هذه المجموعات بقيت فى أماكنها دون أن تتمكن من القيام بأى محاولة للتحرك إلى الأمام لمدة 48 ساعة , أى منذ صدور أمر قائد اللواء إليها بالتوقف بعد ظهر يوم 9 أكتوبر إلى حين وصول التعليمات القتالية الجديدة إلى قائد اللواء من قيادة الجيش الثالث بعد ظهر يوم 11 أكتوبر بإلغاء المهمة المسندة إلى اللواء الأول , كما سنرى فيما بعد . وخلال هذه الفترة الزمنية كانت أهم الأحداث التى جرت على ساحة عمليات اللواء الأول تتلخص فيما يلى : • لم تتمكن مجموعات اللواء الثلاث من التحرك إلى الأمام فى اتجاه رأس سدر , نظرا لتعرضها خلال هذه الفترة لهجمات جوية متواصلة من الطائرات الإسرائيلية التى كانت تقفذها بصواريخ جو أرض سواء نهارا أو ليلا باستخدام المشاعل المضيئة . • نظرا لضخامة عدد العربات التى كانت تحمل احتياجات اللواء الإدارية ومواد إعاشته لفترة زمنية طويلة باعتبار أن اللواء قوة عمل مستقلة Task Force , فقد أمر قائد اللواء بإرجاع معظم العربات الإدارية إلى الخلف فى منطقة الجباسات وإخلاء منطقة الأشجار فى عيون موسى من جميع المركبات لوقايتها من الغارات الجوية . • تسببت عملية عودة الوحدات الإدارية إلى الخلف وتحك بعض المركبات المدرعة التى كانت قائمة بعملية إخلاء الجرحى من المفرزة الأمامية إلى مستشفى الميدان فى منطقة الشئون الإدارية بالخلف ليلة 9 /10 أكتوبر , فى حدوث بلبلة واضطراب فى نفوس بعض الأفراد وانخفاض فى الروح المعنوية , خاصة مع اشتداد وطأة الغاات الجوية وإلقاء المشاعل المضيئة من الجو , مما أدى إلى فقد السيطرة على بعض الوحدات الصغرى , ولكن قائد اللواء وقادة الكتائب استطاعوا إعادة سيطرتهم على المجموعات بسرعة وعادت أوضاع اللواء إلى ما كانت عليه فى صباح اليوم التالى . وفى الساعة الثالثة مساء يوم 10 أكتوبر وصل إلى قيادة اللواء الأول العميد أ. ح إبراهيم رشيد رئيس مجموعة عمليات البحر الأحمر ومعه ضابط عمليات المجموعة . ووفقا لأوامر القائد العام الفريق أول أحمد إسماعيل التى حملها العقيد أ. ح حسن الزيات صباح يوم 10 أكتوبر إلى قيادة الجيش الثالث , تم وضع اللواء الأول مشاة ميكانيكى تحت قيادة مجموعة عمليات البحر الأحمر التى وضعت تحت قيادة الجيش الثالث إلى حين دفع اللواء من الخط جنوب رأس سدر . ملاحظة : الأحداث التى وقعت على هذا المحور بعد تولى مجموعة عمليات البحر الأحمر مسئولية القيادة سيتم شرحها وتحليلها فى الفصل رقم 12 الخاص بالعمليات الحربية فى منطقة البحر الأحمر .










الفصل الرابع: كيف صدر القرار بتطوير الهجوم شرقا؟

الفصل الرابع: كيف صدر القرار بتطوير الهجوم شرقا؟==

في منتصف ليلة 9/10 أكتوبر، عقد مجلس الحرب الإسرائيلي اجتماعا في مكتب رئيسة الوزراء جولدا مائر، وحضر الاجتاع نائبها ايجال آلون ووزير الدفاع موشي ديان ووزير الدولة يسرائيل جاليلي، وكان يمثل القيادة العسكرية في الاجتماع الجنرال دافيد أليعازر رئيس الأركان العامة ونائبه الجنرال تال ورئيس المخابرات العسكرية إلياهو زعيرا وقائد السلاح الجوي الجنرال باني بيليد. وخلال الجلسة التي استغرقت أكثر من ست ساعات دارت مناقشات مثيرة حول موضوع الساعة الذي عقد من أجله الاجتماع، وهو اختيار الجبهة التي سيركز أمامها المجهود الرئيسي للقوات الإسرائيلية في المرحلة المقبلة. وكان الجنرال أليعازر يرى ضرورة تركيز المجهود الرئيسي للقوات الإسرائيلية على الجبهة السورية للاستفادة بميزة المبادأة التي تمكن الجيش الإسرائيلي من استردادها من أيدي السوريين ، لتوجيه ضربة قاصمة الى الجيش السوري، يمكن بها تصفيته كقوة محاربة، مما يؤدي الى ارغام سوريا على الخروج من الحرب وخاصة بعد الخسائر والضربات العنيفة التي أصابت القوات السورية في معارك مرتفعات الجولان، كما أن وصول طلائع القوات العراقية التي اشترتك في القتال يجعل من الضروري سرعة السيطرة على الموقف في الجبهة السورية قبل وصول القوات الرئيسية العراقية. وأكد الجنرال أليعاز أن توجيه المجهود الرئيسي في هذه الفترة تجاه الجبهة المصرية لا يمكن أن يحسم الحرب، اذ ان المصريين مستحكمون داخل منطقة رءوس الكباري في مواقع دفاعية حصينة، وقد باءت جميع الهجمات المضادة التعبوية التي وجهت ضد قطاع الجيش الثاني يومي 8 و9 أكتوبر بالفشل، مما يدعو الى وجوب الانتظار الى حين تصفية الموقف على الجبهة السورية، وعندئذ يتم نقل المجهود الرئيسي الى الجبهة المصرية في سيناء.

وذكر الجنرال أليعازر أن الهجوم على عمق سوريا لا يستهدف اكتساب أراضي جديدة بقدر ما يستهدف تحطيم الجيش السوري، وتقدم المدفعية الإسرائيلية بعيدة المدى مسافة كافية نحو الشمال لتدخل العاصمة دمشق في مرماها، مما رغم سوريا على وقف الحرب. وكان تركيز الهجوم على سوريا يحقق لإسرائيل غرضا آخر مهما، وهو تحذير الملك حسين حتى لا تراود ذهنه أفكار فتح جبهة ثالثة على حدود الأردن البالغة الطول مع إسرائيل على غرار ما فعله في حرب يونيو 1967م، وحتى لا يخضع من جهة أخرى لضغط منظمة التحرير الفلسطينية لارسال مقاتليها للقيام بعملياتهم الفدائية عبر الحدود الأردنية.

(كان وفد من منظمة التحرير يتألف من أبي داود وصالح رأفت قد قام بالفعل بزيارة عمان ومقابلة زيد الرفاعي رئيس وزراء الأردن يوم 9 أكتوبر لمحاولة اقناع السلطات الأردنية للسماح بالفدائيين الفلسطينين بالعمل في مجموعات كبيرة ضد إسرائيل من خلال الحدود الأردنية).

ولم يكن الملك حسين في الواقع في حاجة الى مثل هذا التحذير، فقد كان رأيه قد استقر منذ بداية الحرب على عدم الاشتراك فيها الا اذا نجح السوريون في احتلال هضبة الجولان، وتمكن المصريون في نفس الوقت من الوصول الى الممرات الجبلية في سيناء.

ولكن الجنرال تال نائب رئيس الأركان العامة كان في الجانب المعارض لرأي رئيسه، فقد كان يرى ضرورة تركيز المجهود الرئيسي على الجبهة المصرية لخطورتها المباشرة على إسرائيل، اذ ان المصريين قادرون على شن الهجوم، بينما القوات السورية مهزمة لا تستطيع القيام بهجوم جديد. وأكد الجنرال تال انه على الرغم من صعوبة تحريك أي قوات برية إسرائيلية من الجبهة السورية الى الجبهة المصرية بهدف زيادة قدراتها الهجومية، فان القيادة الجنوبية بما لديها من قوات تحت قيادتها وبفضل تحركاتها التكتيكية الواعية يمكنها انزال ضربة قاصمة بالجيش المصري وتحقيق تحول جذري في ميزان الحرب. وانتهى الاجتماع بتبني رأي رئيس الأركان العامة بعد ان أيده بحماسة كل من موشيه ديان وايجال آلون ثم جولدا مائير.

ونتيجة لقرار مجلس الحرب بتركيز الجهود الرئيسية ضد سوريا، بدأت القيادة الجوية الإسرائيلية في ضرب أهداف استراتيجية في أعماق سوريا. فأغارت طائرات الفانتوم الإسرائيلية على أهداف حيوية داخل دمشق، وهاجمت مبنى وزارة الدفاع ومبنى قيادة القوات الجوية ومحطات الاذاعة السورية. وسقطت بعض القنابل على بعض المباني السكنية المجاورة لهذه الأهداف، كما أصابت بعضها الحي الراقي في "أبو رمانة" حيث تقع منطقة السفارات. كذلك شنت مجموعات أخرى من الطائرات الإسرائيلية هجمات مركزة على محطة توليد الكهرباء الرئيسية في حمص وعلى مصفاة النفط بها، كما تعرضت خزانات النفط في طرطوس لهجمات مماثلة. وكان واضحا من هذه الهجمات الجوية أن إسرائيل تستهدف انزال أفدح الخسائر بالاقتصاد السوري في محاولة لاجبار سوريا على الخضوع والاستسلام . ومن بين التطورات المثيرة التي وقعت، مهاجمة 6 طائرات إسرائيلية لمحطة الرادار اللبنانية الواقعة على جبل الباروك داخل الأراضي اللبنانية. وقد تمكنت الطائرات من الحاق أضرار جسيمة بالمحطة لتحرم سوريا من المعلومات التي كانت تزودها بها. قد تقدم لبنان بشكوى على اثر ذلك الى الأمين العام للأمم المتحدة. وفي يوم 10 أكتوبر تم انسحاب القوات السورية الرئيسية من هضبة الجولان، وقام رجال المظلات الإسرائيلية بدخول القنيطرة عاصمة الجولان واعادة احتلالها، وتقدمت القوات الإسرائيلية حتى وصلت على خط وقف اطلاق النار السابق بين سوريا وإسرائيل عقب حرب يونيو 1967 المعرف باسم الخط الأرجواني Purple line، وهو الخط الذي بدأت منه القوات السورية الهجوم في 6 أكتوبر 1973م، وبالتالي عاد الوضع الى ما كان عليه قبل الحرب. وقرر الجنرال أليعازر رئيس الأركان العام عدم تأجيل الهجوم على سوريا سوى يوم واحد فقط لاكمال الاستعدادات واعادة التنظيم، على أن يبدأ الهجوم العام يوم 11 أكتوبر في اتجاه دمشق.


لماذا فكرة إسرائيل في العبور الى الضفة الغربية؟

في صباح يوم الأربعاء 10 أكتوبر وصل الجنرال حاييم بارليف الذي عهد اليه بتولي القيادة الجنوبية ، كما سبق أن ذكرنا الى المقر الأمامي للقيادة في أم مرجم. وبعد لقاء قصير مع الجنرال شموئيل جونين القائد السابق الذي أصبح يعمل كنائب له منذ ووصله ومع كبار ضباط القيادة، بدأ الجنرال بارليف يمارس قيادته بالفعل، فأخذ في زيارة الفرق المدرعة الثلاث المتمركزة على خط المواجهة في سيناء لمعرفة أوضاعها القتالية على الطبيعة، كما انشغل بمراقبة المعارك التي كانت تدور وقتئذ بين القوات الإسرائيلية والقوات المصرية على طول الجبهة. ولم تكن المعارك الدائرة في هذه الفترة سوى عمليات دفع صغيرة ذات مكاسب محلية محدودة، فلم يكن المصريون يستهدفون من عملياتهم الا توسيع رءوس الكباري وتعميقها وتعديل بعض أوضاعهم التكتيكية بالاستيلاء على بعض النقاط الحاكمة في قطاعاتهم،واتمام السيطرة على طريق المدفعية (الطريق العرضي رقم 2) على بعد حوالي 10 كم شرق القناة. وكانت القوات الإسرائيلية في سيناء تخوض معركة احتواء، ولم تكن تستهدف من هجماتها المضادة المحلية سوى منع محاولات التقدم المصرية في اتجاه الطريق العرضي رقم 3 (على بعد حوالي 30 كم شرق القناة). وكان التقرير الذي قدمه الجنرال جونين للجنرال بارليف عقب وصوله يشير الى التحسن الكبير الذي طرأ لأول مرة على الوضع العسكري للقوات الإسرائيلية في سيناء على طول الجبهة والذي كان في الامكان ملاحظته بسهولة. فان نسبة السحق في تقديره قد تغيرت لصالح الجيش الإسرائيلي، اذ ان الدبابات المصرية أصبحت خسائرها تفوق خسائر الدبابات الإسرائيلية. وعزا جونين هذا التحسن في الوضع العسكري الى عدة عوامل كان أهمها استكمال وصول معظم القوات الاحتياطية الإسرائيلية، وكذا الكفاءة العالية لوحدات وأطقم صيانة واصلاح الدبابات التي تمكن أفرادها من اصلاح مئات الدبابات المعطوبة في وقت قصير. وبالاضافة الى ذلك استفادة قادة الوحدات الفرعية في الوحدات المدرعة الإسرائيلية من تجاربهم المريرة في أثناء قتالهم في الأيام الأولى من الحرب ضد أطقم اقتناص الدبابات المصرية ، مما دفعهم الى تغيير أسلوبهم التكتيتيك في التعامل مع أفراد المشاة المصريين لتجنب الخسائر الفادحة التي كانت تحلق بهم.

وعند زيارة الجنرال بارليف لمقر قيادة القطاع الأوسط، أبدى له الجنرال شارون استياءه البالغ من وضع الجمود الذي يسود الجبهة المصرية في الجنوب، بينما تركز المجهود الرئيسي على هضبة الجولان في الشمال. وكان رأي شارون أن ما يتبع هو أسلوب استراتيجي خاطئ، لأن الوقت ليس في صالح إسرائيل، ومادام المصريون لا يحاولون الضغط بقواتهم شرقا ويكتفون بأعمال الحفر وتحصين مواقعهم الدفاعية، فان هذا يعني أنهم يهيئون أنفسهم انتظارا لصدور قرار من مجلس الأمن بوقف اطلاق النار ليكونوا وقتئذ في موضع قوة. وان بقاء الجيش الإسرائيلي في سيناء في حالة ثبات يجعله يفقد الميزات الأساسية التي هيأت له النصر في الحروب السابقة، وهي الاحتفاظ بالمبادأة والقتال المتحرك الذي يعتمد على أسلوب المناورة وخفة حركة القوات المدرعة.

وكان شارون قد وضع خطة تهدف الى مهاجمة رأس كوبري الجيش الثالث بلواءين مدرعين من فرقته من الشمال الى الجنوب على أن يكون تقدمهما على الطريق المؤدي للبحيرات المرة لتأمين جنبهما الأيمن، ويكون هجومهما بالتنسيق مع قوات الجنرال ألبرت ماندلر المتمركزة في القطاع الجنوبي. وفي اجتماع بمقر القيادة الجنوبية يوم 11 أكتوبر رأسه الجنرال بارليف، وحضره شارون مع قائدي اللواءين المدرعين اللذين سيقومان بالهجوم، وهما العقيدان أمنون وحاييم ، عرض شارون خطته الهجومية ضد قطاع الجيش الثالث، ولكن الجنرال جونين الذي كان حاضرا الاجتماع رفض الخطة وشاركه في الرفض الجنرال بارليف. وكان سر الاعتراض الذي وجه الى خطة شارون يقوم على أساس أنها عملية باهظة من ضئيلة النتائج، وسوف تؤدي الى أن يلحق باللواءين المدرعين الإسرائيليين خسائر فادحة. وكانت ذكرى فشل هجوم فرقة الجنرال ابراهام أدان على الجيش الثاني يوم الاثنين 8 أكتوبر ما زالت ماثلة في الأذهان، عندما اشتعلت عشرات من الدبابات الإسرائيلية بالنار خلال دقائق معدودة. وفي نفس الوقت كانت الحاجة ماسة الى الاحتفاظ بقوة المدرعات الإسرائيلية قوية وسليمة انتظارا للهجوم المصرية المدرع المرتقب الذي كان – وفقا لأسلوب القتال السوفيتي الذي يتبعه المصريون – من المنتظر أن يقع في اليوم السادس أو السابع من الحرب أي يوم 11 أو 12 أكتوبر على أكثر تقدير. وكان من المحتم أن تعقبه معركة دبابات كبرى بين الجانبين.

وعقب وصول بارليف الى الجبهة الجنوبية بدأ يشعر بالمشكلات الناجمة عن فرض الانضباط على شارون. لقد كان في تقدير موشي ديان والجنرال أليعازر أن المتاعب الكبيرة التي سببها شارون لقائده السابق جونين بسبب حساسية الوضع بينهما سوف تنتهي بمجرد وصول بارليف الى مقر القيادة الجنوبية، فلقد كان بارليف فيما مضى رئيسا للأركان العامة، وكن شارون أحد قادته المرءوسين، ولذلك كان من المفترض أن سلطته القيادية سوف يعترف بها شارون بدون اي اعتراض. ولكن المشكلات لم تلبث أن بدأت وأوجه الخلاف سرعان ما تفاقمت بين الطرفين.

ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي اختلف فيها شارون مع بارليف، فقد عارضه من قبل في أسلوب انشاء خط بارليف، وانتقد بشدة طريقته في محاربة الفدائيين الفلسطينيين. وعندما عين شارون قائدة للقيادة الجنوبية في يناير عام 70 وجه شارون نقده علانية الى رئيس الأركان العامة أمام رؤساء تحرير الصحف الذين اجتمع بهم بسبب الأسلوب الخاطئ الذي تتبعه القوات الاسرائلية على جبهة قناة السويس في الرد على حرب الاستنزاف التي شنها المصريون. ولكن الجنرال بارليف لم يستطع ان يكتم سخطه في هذه المرة من تصرفات شارون الهوجاء، ولم يعد يحتمل عدم انضباطه وتحديه لأوامره، ولذا طلب من رئيس الأركان في 12 أكتوبر أي بعد يومين فقط من توليه القيادة اعفاء شارون من منصبه، فأجابه الجنرال أليعازر بأنه سيقوم باستشارة وزير الدفاع. عندما عرض الأمر على موشي ديان أجاب بأن مثل هذا الاجراء في هذا الوقت سوف يثير مشكلات سياسية ، اذ أن شارون عقب احالته الى التقاعد أصبح أحد الأعضاء البارزين في حزب الليكود المعارض لحكومة حزب العمل التي كانت تتولى الحكم وقتئذ ، ورغم هذه الظروف الحساسة التي أبلغت الى بارليف، فانه اضطرة مرة أخرى بعد فترة قصيرة ازاء استهانة شارون بأوامره وعدم انقياده الى أن يقترح رسميا عزل شارون عن قيادته.

هذا ولم تقع أحداث مهمة على مستوى الجبهة الجنوبية يوم 10 أكتوبر – وهو اليوم الذي تولى فيه الجنرال بارليف القيادة، سوى نجاح قوة تابعة للجنرال كلمان ماجن الذي سبق الحاقه في القطاع الشمالي تحت قيادة الجنرال أدان (برن) في الالتحام بموقع الحصن الإسرائيلي المحاصر الواقع على ساحل البحر المتوسط جنوب شرق بور فؤاد (حصن بودابست)، وقد اضطرت المدرعات الإسرائيلية في سبيل الوصول اليه الى الاستعانة بقوة من المظلات لوقوعه في منطقة محصورة بين البحر والمستنقعات، اشتركت القوتان معا في اقتحام الطريق الساحلي عبر المستنقعات حتى نجحتا في الوصول الى الحصن. وكان هذا الحصن هو الوحيد بين حصون خط بارليف الذي لم يسقط، وصمد في القتال حتى نهاية الحرب بسبب صعوبة الوصول الى موقعه وشجاعة حاميته وبسالتها. وقد ذكرت المراجع الإسرائيلية أن لقاء قوة ماجن بأفراد حامية الحصن كانت من لحظات السعادة القليلة في الحرب، فقد تبادل الجنود الأحضان والقبلات وقاموا على الفور باخلاء الجرحى الى المستشفيات في الخلف عبر الخطوط الاسرائلية. وكان هناك حصن آخر لا يزال يقاوم وهو الحصن المقام على لسان بور توفيق في المدخل الجنوبي للقناة. ورغم مناعة موقعه لاحاطة المياه به من جهات ثلاث فقد اضطرت حاميته الى التسليم كما أسلفنا الى قوات الفرقة 19 مشاة يوم 13 أكتوبر عن طريق ممثلي الصليب الأحمر.

ومنذ يوم 10 أكتوبر كان القلق قد بدأ يسري لدى القيادة الجنوبية الاسرائلية من احتمال بقاء القوات المصرية مستحكمة في مواقعها الدفاعية الحصينة داخل منطقة رءوس الكباري، في الوقت الذي لا تتعرض فيه لاي تهديد جدي من جانب الطيران الإسرائيلي المتفوق بسبب دخولها في نطاق شبكة الصواريخ المصرية أرض جو (سام) المنتشرة على الضفة الغربية للقناة، والتي كانت تهيئ لها الوقاية التامة من الغارات الجوية الإسرائيلية.

وكان نشاط القوات المصرية في اعمال الحفر وبث حقول الألغام بكثافة حول المواقع الدفاعية مؤشرا له دلالته الواضحة على أن القوات المصرية لا تنوي تنفيذ المرحلة الثانية من خطتها الهجومية، وهي تطوير الهجوم شرقا للوصول الى خط الممرات الجبلية.

وكان بقاء 5 فرق مشاة مصرية كاملة متخندقة في مواقعها داخل مناطق رءوس الكباري وهي مدعمة بعد استنزال خسائر المعارك التي وقعت في الأيام السابقة بما لا يقل عن 850 دبابة (5 ألوية مدرعة ملحقة على فرق المشاة الخمس علاوة على كتائب دبابات الفرق والألوية المشاة العضوية) معناه أن القوات الإسرائيلية سوف تضطر الى خوض حرب استنزاف مريرة تنطح خلالها رأسها في الصخر، وتتحكم فيها الدبابات الإسرائيلية أمام صلابة الدفاعات المصرية الحصينة كما جرى في الهجمات المضادة الإسرائيلية يومي 8 و9 أكتوبر التي شنت بطريقة جبهوية من اتجاه الغرب الى الشرق.

وكانت الطريقة الوحيدة للاخلال بتوازن القوات المصرية والسماح للجيش الإسرائيلية باستعادة ميزتي خفة الحركة والقدرة على المناورة اللتين اشتهر بهما هي عبور القوات الاسرائلية قناة السويس من الشرق الى الغرب والعمل على مؤخرة الجيشين الثاني والثالث، وبهذه الوسيلة تنجو إسرائيل من مأزق الحرب الثابتة التي أجبرها المصريون على اتباعها.

هذا ولم يكن عبور القوات الإسرائيلية قناة السويس من الشرق الى الغرب فكرة فجائية طرأت على أذهان المسئولين في القيادة الجنوبية في أثناء الحرب، بل كان هذا الرأي في الواقع عنصرا أساسيا في التخطيط العسكري الإسرائيلي الذي تم وضعه منذ عام 1968 للدفاع عن سيناء في مواجهة أي هجوم مصري واسع النطاق عبر قناة السويس. وقد استمر تجهيز وبناء المعدات اللازمة لعملية العبور الاسرائلية عدة سنوات، وتم اختيار ثلاث مناطق كنقاط صالحة للعبور منها في المستقبل،وهي مناطق القنطرة شرق والدفرسوار (شمال البحيرة المرة الكبرى)، وفي المنطقة التي تقع شمال مدينة السويس. وتعمد الاسرائليون تخفيف سمك الساتر الرملي على الشاطيء الشرقي للقناة في تلك المناطق، كما وضعت علامات بالطوب الأحمر عند الأمكنة التي ينتظر فتحها في الساتر الرملي استعدادا لدفع معدات العبور من خلالها الى خط المياه. وعلاوة على ذلك مهدت طرق خاصة لجر الكباري السابقة التجهيز في اتجاه نقاط العبور المنتخبة، وعند كل نقطة منها أعدت ساحة خاصة، كانت عبارة عن منطقة ممهدة مساحتها 150 ياردة في 700 ياردة تحطيها حوائط عالية من الرمال بهدف استخدامها لاعداد معداد العبور قبل انزالها الى الماء.

والى جانب هذه التجهيزات، أجريت التدريبات اللازمة في شكل مشروعات تعبوية على عملية عبور القناة الى الغرب على المستويات الكبرى بدءا من مستوى قيادات الفرق المدرعة الاحتياطية في سيناء ومستوى القيادة الجنوبية حتى مستوى أفرع رئاسة الأركان العامة في تل أبيب. وقد اتضح أن الجنرال شارون عندما تولى رئاسة القيادة الجنوبية أعد ملفا تفصيليا تم حفظه في القيادة عن عملية العبور الى الغرب، كما قام باجراء مناورة لتدريب قواته عليها. وعندما أفاقت القيادة الجنوبية من صدمة العبور المصري يوم 6 أكتوبر التي أفقدتها توازنها، وبدأت تعود الى تماسكها خاصة بعد تزايد أعداد ما تحت إمرتها من الدبابات بدأت هذه القيادة في الاعداد للعملية الكبرى التي سبق التجهيز لها منذ عدة سنوات بدقة واتقان، وهي عملية العبور الى الضفة الغربية للقناة بهدف الاخلال بتوازن القوات المصرية شرق القناة التي تشل حركتها الى مرحلة القتال المتحرة الذي تستغل فيه ميزاتها الأساسية في خفة الحرك والقدرة على المناورة عبر الأراضي المفتوحة غرب القناة. وفي ليلة 9/10 أكتوبر أمر الجنرال جونين رئيس مهندسي القيادة الجنوبية باتخاذ الخطوات اللازمة لتجميع أجاء السر السابق التركيب في منطقة قريبة من القناة استعدادا لدفعه الى الأمام ألى النقطة التسي يتم اختيارها للعبور منها الى غرب القناة.

سر تأجيل عملية العبور الى غرب القناة

وفي مساء الخميس 11 أكتوبر انعقد مؤتمر مهم برئاسة الجنرال حاييم بارليف في المركز الأمامي للقيادة الجنوبية حضره رؤساء أفرع القيادة وقادة الفرق المدرعة للاتفاق على أصلح نقطة يتم من خلالها العبور الى الضفة الغربية للقناة. ونوقشت خلال المؤتمر عدة اقتراحات كان من مضنها العبور من أقصى الشمال للاستيلاء على مدينتي بورفؤاد وبورسعيد، كما كان من ضمنها العبور من الطرف الشمالي لخليج السويس للقيام بعملية شبه الغارة المدرعة البرمائية على الزعفرانة يوم 9 سبتمبر عام 69 ، وكان من ضمن الاقتراحات أيضا العبور من منطقة القنطرة شرق. ولكن هذه الاقتراحات رفضت جميعا.

وقد ثبت أن أفضل الاقتراحات التي طرحت خلال الاجتماع كان الاقتراح الذي قدمه الجنرال جونين ، وهو أن يتم العبور من منطقة الدفرسوار. وبرغم التحفظات التي أبداها كل من شارون وأدان فقد أصر جونين على رأيه الذي كان يحقق من وجهة نظره ووصول القوات الإسرائيلية الى القناة دون أن تصادف أي مقاومة كبيرة، بينما كان العبور من المناطق الأخرى المقترحة يتطلب خوض معركة رئيسية والقيام بعملية اختراق للدفاعات المصرية قبل بدء العبور الفعلي. وانحاز الجنرال بارليف بعد انتهاء المناقشات الى فكرة العبور عن طريق الدفرسوار نظرا لما كانت تحققه من مزايا كبيرة، اذ ان الجناح الأيسر للقوات التي ستكلف بالعبور سيكون مؤمنا تماما لوجود ثغرة مقدارها حوالي 35 كم بين رأس كوبري الجيش الثالث ورأس كوبري الجيش الثاني على شاطؤ البحيرة المرة خالية من القوات المصرية، كما أن الأرض المواجهة لنقطة العبور على الضفة الغربية تعتبر أصلح الأراضي للعمليات الحربية بالنسبة لقوات العبور الإسرائيلية بعد وصولها الى الشاطئ الغربي للقناة، حيث لا توجد أمامها سوى ترعة واحدة فقط للمياه العذبة الممتدة من الاسماعيلية الى السويس يمكن عبورها بسهولة، كما أن المنطقة في واجهتها مفتوحة مما يجعلها ملائمة تماما لتحركات القوات المدرعة وقيامها بأعمالها المناورة، في حين أن منطقة القنطرة لا تسمح لقوات العبور بهذه المزايا نظرا لوجود عدة قنوات مائية ومناطق زراعية تعترض اتجاه تقدمها مما يجعل تحركات القوات المدرعة مقيدة ومحدودة. وكان توقيت الهجوم يعتمد الى حد كبير على التحركات المتوقعة للقوات المصرية.

وكانت المشكلة التي واجهت القيادة الجنوبية هي: ماذا ينبغي أن يكون تصرفها في حالة اصرار المصريين على البقاء مستحكمين داخل رءوس الكباري الحصينة على الضفة الشرقية للقناة انتظار لصدور قرار من مجلس الأمن بوقف اطلاق النار وبقاء الأنساق الثانية للجيشين والاحتياطي العام متمركزة في أمكنتها غرب القناة دون أن تفكر القيادة المصرية في الدفع بها لعبور القناة والاندفاع شرقا في اتجاه المضايق. وكان التصرف الوحيد الذي يمكن للقيادة الاسرائلية عن طريقه انقاذ الموقف في هذه الحالة هو القيام بعملية عبور للقناة.

ولكن عملية العبور الى الضفة الغربية سوف تكون بلا شك عملية بالغة الخطورة مع وجود فرقتين مدرعتين (الفرقة الرابعة المدرعة والفرقة 21 مدرعة) وفرقتين ميكانيكيتين (الفرقة 6 والفرقة 23 مشاة ميكانيكية) ، وكانت ثلاثة ألوية مدرعة من هذه الفرق الأربعة ملحقة على ثلاث فرق مشاة شرق النقاة: لواء من الفرقة 21 مدرعة ولواء من كل من الفرقتين الميكانيكيتين، ولذا فان العدد الحقيقي للدبابات غرب القناة لم يكن يتجاوز وقتئذ 400 دبابة ولكن كان برفقتها عدد ضخم من العربات المدرعه ذات الجنزير التابعة للفرقتين الميكانيكيتين، وكانت هذه القوات المدرعة متمركزة داخل النطاق التعبوي للجيشين الثاني والثالث على بعد حوالي 20 كم غرب القناة ومحتلة مواقع دفاعية حصينة، ومكلفة بواجب رئيسي وهو الاكتشاف المبكر لأي قوات للعدو، تتمكن من اختراق المواقع الدفاعية المصرية شرق القناة والاشتباك معها في الحال لتدميرها ومنعها من الوصول الى أي أهداف حيوية غرب القناة.

ونتيجة لهذا الوضع كان الانطباع السائد بين القادة الإسرائيليين بصفة عامة أنه من الخطورة بمكان على إسرائيل تنفيذ عملية العبور الى الضفة الغربية في وجود هذا الحشد الضخم من القوات المدرعة والميكنيكية المصرية. وفي يوم الجمعة 12 أكتوبر انتقل الجنرال بارليف بطائرة هيليكوبتر الى تل ابيب حيث حضر اجتماعا عسكريا بالقيادة العامة عرض فيه الخطوط الرئيسية لخطة العبور على الجنرال أليعازر رئيس الاركان وعلى كبار معاونيه. وعندما حضر موشي ديان وزير الدفاع الاجتماع لعرض الخطة عليه بناء على طلب رئيس الأركان للحصول على تصديقه، أبدى ديان تشككه في جدوى العملية كلها، وأكد أنها لن تجبر المصريين على طلب وقف اطلاق النار. وعندئذ انبرى بارليف للدفاع عن الخطة فقال: "هذه هي الخطة الوحيدة لترجيح الكفة في الحرب، بدون عبور لن يكون هناك وقف اطلاق نار، لأنه ليس هناك أي ضغط على المصريين ولا حتى ضغط سياسي". ورد ديان في حدة: "لتتركوا المسألة السياسية جانبا وعليكم البحث من الناحية العسكرية، هل الخطة قابلة للتنفيذ من هذه الناحية أم لا؟". وترك ديان الاجتماع دون أن يحدد موقفه.

وبناء على طلب الجنرال أليعازر، انعقد مجلس الحرب الذي حضره من أعضاء الحكومة كل من جولدا مائير رئيسة الوزراء وايجال آلون نائبها وموشي ديان وزير الدفاع ويسرائيل جاليلي وزير الدولة، وقدم مع رئيس الأركان العامة عدد من كبار معاونيه، كما حضر الجنرال بارليف الاجتماع ولكن بصفته قائدة للقيادة الجنوبية وليس بصفته وزيرا في الحكومة. وعرض بارليف خطته لعبور قناة السويس، وشرح بالتفصيل الخطوط الرئيسية لعملية العبور، وثارت مناقشات حادة ، فقد كان الحاضرون يناقشون في الواقع عمليةمن أهم العمليات العسكرية وأكثرها تعقيدا ومن أخطرها في نفس الوقت على إسرائيل من حيث النتائج فيما لو صادفها الفشل. ومن خلال المناقشات ، اتضح أن رئيس الأركان وقائد السلاح الجوي الجنرال باني بيليد هما من أشد المتحمسين للخطة وأن موشي ديان مؤيد لها كذلك.

ولكن في نفس الوقت ارتفعت أصوات المعارضين للخطة، فقد حذر أحد كبار القادة من خطورة عبور مائي في صعوبة قناة السويس، بينما يسيطر العدو على كل جانب من جانبيه. ونصح قائد آخر بوجوب التريث والانتظار الى حين أن تقوم القوات المدرعة المصرية بهجومها المتوقع. وبعد أن يتم صده، تقوم القوات الإسرائيلية بالهجوم عبر القناة، وذكر أنه وفقا للعقيدة السوفيتية فان المتوقع أن يشن المصريون هجوما واسع النطاق بمدرعاتهم ما بين يومي 11 و12 أكتوبر.

وعندما قويت نغمة المعارضة في المجلس، وازدادت أسئلة الوزراء التي كانت تعكس مدى قلقهم وانزعاجهم لاجراء مثل هذه المغامرة غير مأمونة العواقب، شعر الجنرال بارليف بنوع من الاحباط ، فقد أدرك أن الخطة التي بنى عليها كل آماله لاستعادة زمام الموقف واسترداد المبادأة من المصريين لا يمكنه في مثل هذه الظروف الحصول على تصديق مجلس الحرب عليها، ولذا بدأ يطوي أوراقه وخرائطه استعداد لمغادرة الاجتماع والعودة الى مقر قيادته.

ولكن القدر تدخل تدخلا عجيبا، فقبل أن ينفض الاجتماع بدقائق اقتحم المجلس أحد ضباط العمليات ليلقي بالنبأ المثير الذي اهتز له جميع الحاضرين. لقد بدأ عبور القوات المدرعة المصرية الذي طال انتظاره، واخذت وحدات من الفرتقين 4 و21 المدرعتين في التدفق على الكباري المصرية في طريقها الى الضفة الشرقية. ونهض بارليف في نشوة ليطلب من مجلس الحرب تأجيل اتخاذ أي قرار الى حين أن تقوم القيادة الجنوبية بصد الهجوم المصري أولا، فلقد أعد خطته الجريئة وأن له أن يجني الثمار.

مصرع الجنرال ألبرت ماندلر

فور وصول الجنرال أليعازر الى المركز الأمامي للقيادة الجنوبية في أم مرجم صباح السبت 13 أكتوبر، استقل طائته الهيليكوبتر وبرفقته الجنرال بارليف قائد القيادة الجنوبية متجهين الى الطاسة. وهي مركز القيادة الأمامي للقطاع الأوسط الذي كان يتولى قيادته الجنرال شارون، والتي اختيرت مقرا لجتماع القادة برئيس الأركان العامة نظرا لموقعها المتوسط في الجبهة. وطار الجنرال جونين بطائرة هيليكوتبر اخرى وبرفقته الجنرال عيزرا وايزمان قائد القوات الجوية الأسبق والرئيس السابق لفرع العمليات برئاسة الأركان والعامة، وكان واحدا من القادة البارزين الذي تم استعداؤهم من الاحتياط لمعاونة رئيس الأركان في أثناء الحرب، وجرت محادثة باللاسلكي بين الجرنال جونين في أثناء وجوده بالطائرة والجنرال ألبرت ماندلر قائد المنطقة الجنوبية الذي كان وقتئذ يستقل مركبة قيادته بالقرب من أحد مراكز المراقبة في الخط الأمامي من قطاعه بسبب العمليات التي جرت صباح ذلك اليوم على قطاع الجيش الثالث والتي لم يكن الجنرال ماندلر راضيا على نتائجها. وتم الاتفاق بين جونين وماندلر على اللقاء معا لاستكمال بحث الموضوع في الموقع الذي كان يتحدث منه ماندلر، وكان يقع على أحد المفارق الجانبية للطريق المؤدي الى ممر الجدي، وذلك عقب انتهاء الاجتماع الذي سيعقده رئيس الأركان العامة في الطاسة. وحدد مندلر لجونين الاسم الكودي الموجود على الخريطة لمكان لقائهما المنتظر. ووجه جونين سؤالا آخر الى ماندلر ولكنه لم يتلق جوابا، فقال على الفور لرفيقه في الطائرة الجنرال وايزمان: "لقد حدث شيء لألبرت". فرد عليه وايزمان: "ما هذا الهراء أيها الأحمق؟". ولكن جونين أحس بانقباض مفاجئ ، وقال : "مادام ألبرت لم يرد على سؤالي فهذا يعني شيئا واحدا: أنه مات". وحاول عامل اللاسلكي بالطائرة أن يحصل على اجابة ولكن دون جدوى. وعندما هبطت الطائرة الهيليكوبتر في مقر قيادة الطاسة كانت تنتظر جوني رسالة من نائبه يخطره فيها بأن الجنرال ألبرت ماندلر قد قتل بقذيفة مصرية.

وكان ألبرت ما زال حيا عندما نقلوه الى طائرة هيليكوبتر تطير به الى المستشفى، ولكنه مات في الطريق، ودخل الجنرال جونين الاجتماع حزينا، وهمس بالنبأ إلى الجنرال أليعازر ريس الأركان الذي أصدر أمرا في الحال بتعيين كلمان ماجن الذي كان ملحقا على القطاع الشمالي ليتولى قيادة القطاع الجنوبي محل ألبرت ماندلر. وهذا انتهت قصة ذالك الصبي الذي هرب مع أمه من النمسا عقب الاحتلال النازي ووصل الى فلسطين قبل نشوب الحرب العالمية الثانية كهاجر غير شرعي. وكان ألبرت طويل القامة صاحب العينين الزرقاوين يتميز بشخصية غير عادية، وكان ارتباطه بقادته وجنوده أمرا يثير الالتفات اليه ، وكان ينتمى الى جيل الجنرالات الإسرائيلين الذين كانوا خلال حرب عام 1948 قادة سرايا، وكان ألبرت في أثناء حرب يونيو 1967 يتولى قيادة اللواء المدرع الذي اخترق الدفاعات السورية المنيعة في مرتفعات الجولان، وكان المفترض أن يترك منصبه كقائد للقوات الإسرائيلية في سيناء يوم الأحد 7 أكتوبر ليخلفه كلمان ماجن وذلك بعد تعيين ألبرت قائدا للقوات المدرعة في الجيش الإسرائيلي خلفا للجنرال أبراهام أدان (برن) الذي أحيل الى التقاعد، واستدعي بعد نشوب الحرب لقيادة فرقة مدرعة احيتياطية.

وكان آخر حديث أدلى به ألبرت للصحفيين في مقر قيادته الأمامي قوله: "لقد غيرت هذه الحرب في نظري قيما كثيرة، واشتهرت بأنني ضابط متعنت ومحترف، ولكنني في الأساس ليبرالي. والآن بعد هذا الهجوم المفاجئ الذي قام به المصريون يبدو لي أننا لن نستطيع بعد ذلك أبدا أن نسمح لأنفسنا بركوب مخطارات من هذا النوع. وسيكون أصعب جانب في هذه الحرب بالنسبة لي هو الذهاب الى عائلات جنودي الذين قتلوا". ويبدو أن القدر قد وفر عليه هذه المهمة البغيضة الى نفسه، فقد اصبح بعد ثلاثة أيام فقد من هذا الحديث بين القتلى، وكان موته رمزا لسقوط الخط الدفاعي الإسرائيلي الذي كان مسئولا عنه عندما نشبت الحرب وهو خط بارليف.

وخلال اجتاع رئيس الأركان بالقادة الإسرائيليين في الطاسة، والذي حضره كلمان ماجن بعد استدعائه من مقر قيادته ليتلقى أمر تعيينه رسميا قائدا للفرقة المدرعة في القطاع الجنوبي، أصدر الجنرال أليعازر أوامره بالاستعداد للقيام بعملية عبور قناة السويس ليلة 14/15 أكتوبر سواء وقع الهجوم المصري أو لم يقع، اذ ان عبور القوات المدرعة المصرية القناة الى الشرق كان يعني فقد الدفاعات المصرية توازنها غرب القناة مما يجعل الأمل في نجاح عملية العبور من الدفرسوار الى الغرب كبيرا.

وفي حوالي الساعة الواحدة والنصف من نفس اليوم 13 أكتوبرظهرت طائرة استطلاع فوق منطقة القناة، ولم تكتف بتغطية الجبهة بأكملها بل طارت فوق الدلتا قبل أن تخرج من المجال الجوي المصري. ورغم أنها طارت فوق مناطق مكتظة بصواريخ أرض جو (سام) فان رجال الدفاع الجوي لم يتمكنوا من اسقاطها، ولم تستطتع الطائرات المقاتلة الاعتراضية ادراكها، واتضح انها طائرة تجسس أمريكية من طراز SR17A تطير على ارتفاع 30 كيلو متر وبسرعة 3 ماخ (ثلاثة أضعاف سرعة الصوت). وقد ثبت أن هذه الطائرة قد مرت كذلك فوق كل سيناء وإسرائيل وسوريا، أي فوق جميع ميادين القتال في الشمال والجنوب. وقد ورد بالمراجع الإسرائيلية أنه نتيجة لمرور هذه الطائرة فوق الأراضي الإسرائيلية أطلقت صفارات الانذار وحاولت الطائرات الاعتراضية اللحاق بها دون جدوى. ومهما كان جان الصدق في أقوال الإسرائيليين عن هذه الطائرة، فان الأمر المنطقي أن الولايات المتحدة قد أمدت إسرائيل بكل الصور والمعلومات المتناهية في الدقة التي حصلت عليها هذه الطائرة، وبالتالي أصبحت إسرائيل على علم تام بأوضاع القوات الصمرية شرق القناة وغربها على وجه اليقين.

الضغط السوري على مصر لتطوير الهجوم شرقا

كانت مفاجأة كبرى لإسرائيل ظهر يوم 6 أكتوبر 73 أن تواجه حربا حقيقية شاملة على جبهتين، كل منهما نائية عن الأخرى: جبهة الجولان في الشمال، وجبهة سيناء في الجنوب اللتين تفصل بينهما مسافة حوالي 500 كم، مما كان لابد أن يرغمها على توزيع قواتها وتشتيت جهودها ولا يتيح لها الفرصة لعملية نقل قواتها من جبهة الى أخرى بسهولة وسرعة كما جرى الحال في حرب يونيو 1967. وبفضل وجود القيادة الاتحادية للجيشين المصري والسوري، تم لهذه القيادة عن طريق عملية تنظيم التعاون بين القيادتين المصرية والسورية تنسيق خطة هجوم مشتركة على الجبهتين في توقيت واحد، فقد تم توحيد ضربة الطيران بحيث اجتازت حوالي 200 طائرة مصرية و100 طائرة سورية خطي المواجهة مع إسرائيل على الجبهتين في لحظة واحدة لضرب الأهداف الحيوية في العمل ، كما تم توحيد توقيت التمهيد النيراني للمدفعية ليجري تنفيذه بحوالي 2000 مدفع مصري و1000 مدفع سوري في نفس اللحظة.

لقد وضعت الخطة وتمت أعمال التحضير والتنسيق للعملية عن طريق السيطرة الكاملة للقائد العام للقوات الاحتياطية الفريق أول أحمد إسماعيل وبالاشتراك مع هيئة عمليات كلا البلدين، فبدأت الحرب في صورة رائعة، وفي توافق وتنسيق كاملين بحيث أثارت الذعر والارتباك في صفوف القوات الإسرائيلية. ولكن تلك البداية المشتركة الناجحة لم تلبث أن تلاشت تدريجيا فور بدء العمليات الهجومية على الجبهتين، فقد حدث انفصام تام بين الجيشين العربيين في الشمال والجنوب، وانفردت قيادة كل جيش بادارة عملياتها وفقا للموافق والأحداث التي أخذت تواجهها.

وقد أتاح هذا الوضع الاستراتيجي للجبهتين المصرية والسورية الفرصة للقيادة الإسرائيلية لتحديد أولويات عملها، وجنبها مواجهة أزمة خطيرة على كلتا الجبهتين في وقت واحد. ويرجع السبب الرئيسي في ذلك الى عدم وجود هيئة قيادة موحدة للجبهتين لديها سلطة إصدار أوامر العمليات وتعليمات التحرك للقوات على الجبهتين. وعلى الرغم من تشكيل هيئة مشتركة للعمليات في القيادة العامة الاتحادية بالقاهرة التي كان يرأسها اللواء بهي الدين نوفل، وتضم مصريين وعددا من الضباط السوريين، وكذا وجود عدد مم ضباط الاتصال المصريين ضمن هيئة العمليات بالقيادة السورية بدمشق، فان واقع الأمر أثبت أنه لم يكن لوجود هيئة العمليات بالقيادة الاتحادية أي جدوى، فلم تستطع اجراء أي نوع من التنسيق أو الربط بين الجبهتين في مراحل القتال الفعلية، واقتصر عملها طوال مدة الحرب على القيام فقط بمهمة الاتصال بين الجبهتين عن طريق تبادل الاشارات والرسائل اللاسلكية والانهماك في حل الشفرة وتبليغ المعلومات عن الوضع العسكري على الجبهة السورية الى الفريق أحمد إسماعيل دون أن تعطى لهذه الهيئة أي فرصة او امكانات حقيقة لأداء واجبها الصحيح وهو تنسيق العمليات وربط الخطط المشتركة بين الجبهتين.

لقد كان الأمر المفترض هو وجود هيئة قيادة موحدة تضم ادارة كاملة للعمليات وأخرى للمخابرات، مما كان يكفل استغلال الأزمة الحادة والارتباك الشديد اللذين واجهتهما القيادة الإسرائيلية خلال الأيام الأولى من المعركة عندما تلقت صدمة الحرب العنيفة على كلتا الجبهتين في وقت واحد. ولو كانت هذه القيادة موجودة بالفعل لاستغلت فرصة تركيز إسرائيل لمجهودها الجوي وقواتها الاحتياطية في الفترة الأولى من الحرب في مواجهة الجبهة السورية للقيام بعملية تطوير ناجحة للهجوم المصري شرقا في اتجاه المضايق الجبلية دون اجراء الوقفة الطويلة التي استمرت خمسة أيام (من يوم 9 إلى يوم 13 أكتوبر) مما أضاع على القوات لامصرية فرصة ثمينة لا يمكن تعويضها للوصول الى خط الدفاع الطبيعي عن القناة وهو منطقة المضايق الجبلية الاستراتيجية. ولو كان ذلك قد تم لما أمكن للقوات الإسرائيلة القيام بعملية الاختراق التي جرت بعد ذلك في الدفاعات المصرية شرق القناة عند الدفرسوار 15/16 أكتوبر والتي انتهت بعبورها القناة ووصولها الى الضفة الغربية لها والقيام بعملياتها على مؤخرة الجيشين الثاني والثالث غرب القناة.

لقد تمكنت إسرائيل من التخلص من الموقف العصيب الذي واجهته في بداية الحرب بتركيز اهتمامها بكل جبهة على حدة واعتبارهما بمثابة جبهتين منفصلتين. وقد كشف موشي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي الستار عن وجهنة النظر الإسرائيلية هذه بقوله: "ان قواتنا تتخذ أوضاع الدفاع على جبهة القناة وتقيم الخطوط الدفاعية لوقف تقدم المصريين لحين تحول الوضع على جبهة الجولان في الشمال لصالح إسرائيل خلال الأيام القليلة القادمة".

وعلى الرغم من التحالف الوثيق الذي كان قائما بين مصر وسوريا والذي كان في قمة ازدهاره يوم 6 أكتوبر 73 عندما شنت الدولتان هجوما مشتركا على جبهتي سيناء والجولان. فان وقائع الحرب لم تلبث أن أخذت تؤثر على العلاقات الوثيقة بين الدولتين الحليفتين، وبدأ التوتر يزداد بين القيادتين المصرية والسورية منذ نشوب الحرب في المجالين العسكري والسياسي، حتى وصل الأمر بينهما في النهاية الى مرحلة خطيرة من سوء الفهم والشك وتبادل التهم.

ومنذ اليوم الأول من الحرب تولدت بذور الريب والشكوك، فقد استقبل الرئيس الراحل السادات في الثامنة من مساء يوم 6 أكتوبر في قصر الطاهرة السفير السوفيتي فينوجرادوف الذي أخبره بأن الرئيس السوفيتي بريجنيف قد اتصل به هاتفيا وطلب منه أن ينقل الى الرئيس المصري رسالة شفيهة كانت تتضمن فقرتين: اولاهما هي تقديم تهاني الاتحاد السوفيتي الى السادات على عملية العبور الناجحة والعظيمة لقناة السويس. أما الفقرة الثانية التي أثارت دهشة السادات فهي أن القيادة السياسية السورية ليس لديها مانع من تقديم مشروع الى مجلس الأمن بوقف اطلاق النار. وأكد السفير السوفيتي للسادات أن قادة الكرملين مهتمون أشد الاهتمام بالخطوة السياسية القادمة التي يراها. وأبدى السادات تعجبة للسفير السوفيتي، وسأله عن المصدر الذي استقت منه موسكو معلوماتها عن المطلب السوري بوقف اطلاق النار، فأكد له أن ذلك جرى في لقاء بين الرئيس السوري حافظ الأسد والسفير السوفيتي في دمشق قبل نشوب الحرب ببضع ساعات فقط. وطلب السادات من فينوجرادوف أن يرجع الى موسكو لتأكيد معلوماته لأنه لا يصدق أن الرئيس السوري حافظ الأسد قد تقدم بمثل هذا الطلب، وقال انه يفهم أن يكون اقتراح وقف اطلاق النار صادرا من الولايات المتحدة نظرا لان المعركة تدور لصالح العرب. وبالنسبة لمصر فانه من المستحيل التفكير في وقف اطلاق النار، اذ أن هناك خمس فرق مشاة مصرية بدأت تثبت أقدامها على الشاطئ الشرقي للقناة، وفور الانتهاء من اقامة الكباري فان القوات المدرعة سوف تنضم اليها على الفور. واختتم السادات اللقاء قائلا: "نحن نريد السلام ولكن لا نفكر فيه قبل جلاء آخر جندي إسرائيلي عن سيناء".

وفي يوم الأحد 7 أكتوبر جرى لقاء آخر بين السادات والسفير السوفيتي أكد فينجرادوف خلاله صحة الرسالة التي تلقاها السفير السوفيتي في دمشق من الرئيس السوري، وهي أنه ليس لدى سوريا اعتراض على فكرة وقف اطلاق النار اذا تم تقديم اقتراح الى مجلس الأمن بشأن ذلك. وفور انتهاء اللقاء أرسل السادات برقية لاسلكية الى حافظ الأسط ذكر فيها أن وقف اطلاق النار الآن ليس في صالح العرب وأنه سيجعل إسرائيل في وضع أقوى مما كانت عليه قبل نشوب الحرب. وأكد له أن من الخطأ التفكير في أن الغرض من الحرب هو اكتساب أراض، اذ ان الغرض ينبغي ان يكون هو استنزاف قوى العدو، ومن أجل تحقيق ذلك يجب أن نكون على استعداد لتحمل أي خسائر تحل بنا. وفي يوم الاثنين 8 أكتوبر تلقى السادات ردا من حافظ الأسد على برقيته اليه في اليوم السابق، وقد نفى الرئيس السوري في رده أنه طلب من الاتحاد السوفيتي تقديم مشروع قرار الى مجلس الأمن بوقف اطلاق النار، وأنه في دهشة من هذه المعلومات الخاطئة التي رواها فينوجرادوف، وأوضح الأسد أن المعركة في ساحة الجولان تسير بنجاح وفقا للتخطيط السوري، وقد أصيب العدو بخسائر فادحة، وتمكنت القوات السورية من تحرير أكثر من نصف مرتفعات الجولان، وأن معدل الخسائر السورية يعتبر طبيعيا، ومن المتيسر استعاضته من الاحتياطي السوري، أكد الرئيس السوري في نهاية برقيته أن أي قرار مهم مثل وقف اطلاق النار لا يمكن التباحث مع أحد بشأنه على الاطلاق الا بعد الاتفاق بين الدولتين الحليفتين أولا.

ولكن الأيام الأربعة التالية (من 9 إلى 12 أكتوبر) شهدت خلافا عسكريا حادا بين القيادتين المصرية والسورية. فان القيادة العسكرية السورية اعترضت على بقاء القوات المصرية مستقرة في رءوس الكباري عقب نجاحها في صد الهجمات المضادة الإسرائيلة بسبب التعليمات الصادرة اليها بعمل وقفة تعبوية، وبذا أضاعت فرصة ذهبية للتقدم الى خط المضايق الجبلية الاستراتيجية في وسط سيناء. وذكر السوريون أن عملية تنظيم التعاون التي اجريت في يوم 7 يونيو 1973 في القيادة العامة بالقاهرة للخطة الهجومية جرانيت 2 المعدلة (الخطة بدر) بين القوات المصرية والسورية والتي اشترك فيها عددا من كبار القادة المصريين والسوريين تحددت فيها الأهداف على أساس وصول القوات المصرية المنطقة المضايق الجبلية في سيناء ووصول القوات السورية الى نهر الأردن وبحيرة طبرية، وبعد تحقيق هذه الأهداف يمكن فقط عمل وقفة تعبوية، ولكن القيادة المصرية كان من رأيها ضرورة عمل الوقفة التعبوية عقب عبور القناة واقتحام خط بارليف بهدف اعادة التنظيم والاستعداد لملاقاة الهجمات المضادة الإسرائيلية المنتظرة، وبعد انتهاء هذه المرحلة يمكن التقدم الى اتجاه المضايق.

هذا، ولم تكن الوقفة التعبوية للقوات المصرية مثار انتقاد السوريين فحسب، فقد عبر المسئولون بالاتحاد السوفيتي عن قلقهم لتوقف الهجوم المصري بعد الانتصار الساحق على الإسرائيلين وتدمير خط بارليف، وأبدوا تعجبهم لعدم استغلال المصريين لنجاحهم للوصول الى خط المضايق، وخاصة أن هذا التقديم علاوة على أنه ضرورة حربية ومرحلة تعبوية مهمة من المحتم القيام بها، فانه في نفس الوقت سيساعد على تخفيف الضغط الواقع على سوريا من جراء تركيز المجهود الرئيسي الإسرائيلي ضدها.

وفي يوم الأربعاء 10 أكتوبر كانت آخر القوات الرئيسية السورية قد أتمت انسحابها من مرتفعات الجولان الى خط وقف اطلاق النار عام 1967م الذي بدأت منه الهجوم في 6 أكتوبر بعد أن تكبدت خسائر فادحة في الارواح والأسلحة والمعدات، وتأهبت إسرائيل لشن هجوم على العمق السوري مما أرغم القيادة السورية على أن تقذف الى المعركة باحتياطيها الاستراتيجي الأخير، وهو الفرقة الثالثة المدرعة التي كانت تتمركز في شمال دمشق. وفي الساعة الحادية عشرة من صباح الخميس 11 أكتوبر بدأت القوات الإسرائيلية هجومها العام على عمق سوريا على محورين بعد هجمات جوية عنيفة على القوات السورية، وعندما وصل موشي ديان الى الجبهة قال لرفائل ايتان قائد المحور الشمالي: "سيكون هناك طعم لسنواتي الستين اذا رأيت تلال دمشق". وفي المساء وصل الطابور المدرع الإسرائيلي على المحور الشمالي الى حوالي 40 كم من دمشق. ولكن في يوم 13 أكتوبر وصل الهجوم الإسرائيلي على سوريا الى حده الاقصى، فلم يكن في مقدرة الفرقة الإسرائيلية المدرعة الثلاث- التي قامت بصد الهجوم السوري الى الجولان أولا، ثم كلفت رغم خسائرها الفادحة في الأرواح والمعدات بالهجوم العام في اتجاه دمشق – أن تواصل التقدم الى الأمام خطوة واحدة ، فان قواها كانت قد استنفدت تماما، خصوصا أن القوات السورية بعد انسحابها من الجولان عادت الى مواقعها الحصينة السابقة التجهيز على خط وقف اطلاق النار القديم (الخط الأرجواني) وانضم اليها في الخط الدفاعي تشكيلات من الفرقة الثالثة المدرعة العراقية المزودة بدبابات سنتوريون البريطانية الطراز التي كانت طلائعها قد وصلت الى الجبهة يوم 11 أكتوبر، وكذا اللواء 40 المدرع الأردني المزود بدبابات باتون الأمريكية الطراز. وكان الملك حسين قد استدعى السفير الأمريكي يوم 11 أكتوبر وأبلغه أنه لا يستطيع الوقوف جانبا دون التدخل في الحرب، ولكنه لن يفتح جبهة جديدة على حدود بلاده مع إسرائيل، وسيكتفي بارسال اللواء 40 المدرع لمساعدة السوريين وأرسل الملك حسين رسالة بهذا المعنى أيضا الى الرئيس الراحل السادات بالقاهرة.

وبهذا يمكن اعتبار أن المعارك الرئيسية على الجبهة السورية قد انتهت مساء يوم 13 أكتوبر، وان الخط الدفاعي الارجواني عاد كما كان قبل حرب أكتوبر دون أي تغير، وذلك في الجزأين الأوسط والجنوبي منه، أما الشمالي فقد نجحت فرقة رفائيل ايتان في التقدم 15 كم شمال الخط القديم مكونة ما عرف وقتئذ باسم جيب سعسع وهي مدينة تقع على مسافة 40 كم من دمشق، وعندما أدرك السوفيت مقدار ما وقع في الجبهة السورية من انهيار، ومدى ما تتعرض له دمشق من خطر، أذيع تصريح غاضب في الكرملين كان نصه: "لن يستطيع الاتحاد السوفيتي البقاء دون اكتراث ازاء الأعمال الاجرامية من الجيش الإسرائيلي". وقاد دوبرنين السفير السوفيتي في واشنطن بنقل التحذير الى الدكتور هنري كيسنجر وزير خارجية أمريكا، وأبلغه الاتحاد السوفيتي أنه لن يتخذ موقف اللامبالاة ازاء تهديد إسرائيل لدمشق، فاذا استمرت إسرائيل في تقدمها فقد تفلت الأمور في النهاية. وعقب هذا التحذير تلقت الادارة الأمريكية رسالة من موسكو تعبر عن احتجاجها الشديد على ضرب إسرائيل للمدنين في مصر وسوريا، وعلى ضربها السفن التجارية في الموانئ السورية. وفضلا عن ذلك قرر الاتحاد السوفيتي أن يأخذ على عتقه حماية مينائي اللاذقية وطرطوس، وتجمعت في كل منهما صواريخ سوفيتي ووضعت على أرصفتها صواريخ أرض جو سام، وامتنع السلاحان البحري والجوي الإسرائيليان منذ ذلك الحين عن القيام بأي هجمات ضد هذين المنياءين.

وعندما لاحظت القيادة السورية أن القوات المصرية – ما تزال رغم وقوع هذه التطورات الخطيرة في سوريا – باقية في أماكنها شرق القناة دون أن تبدو في الافق أي اشارات تدل على أن من المنتظر صدور الأمر لها بالتحرك شرقا في اتجاه المضايق وفقا للخطة المتفق عليها بين الجيشين. أخذت القيادة السورية بدمشق تمطر هيئة عمليات القيادة الاتحادية بالقاهرة بسيل من البرقيات تستفسر فيها عن الموعد الذي سوف تقوم به القوات المصرية بالتقدم للأمام لتخفيف الضغط عن الجبهة السورية. وكان اللواء بهي الدين نوفل رئيس العمليات الاتحادية المشتركة يشعر بمزيد من الحرج وهو يعرض بين ساعة وأخرى ما تلقاه من هذه البرقيات على الفريق أحمد إسماعيل قائد القيادة الاتحادية. وازاء هذا الضغط السوري المركز والالحاح المستمر اضطر الريس الراحل السادات الى الاستجابة لمطالب السوريين، فاتخذ قراره السياسي الخطير بتطوير الهجوم المصري شرقا صباح 13 أكتوبر الذي تم تأجيله 24 ساعة ليجري صباح 14 أكتوبر. ومما يؤسف له أن هذا القرار الصحيح قد صدر في موعد خاطئ فأصبح شأنه شأن القرار الخاطي في الموعد الصحيح سواء بسواء، وكان له أسوأ النتائج على مجرى الحرب.

كيف صدر القرار السياسي بتطوير الهجوم؟

أوضح الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس اركان حرب القوات المسلحة خلال حرب أكتوبر الظروف التي صدر فيها القرار السياسي بتطوير الهجوم، فذكر في الصفحتين 245 و246 من مذكراته ما يلي:

"بعد عودتي من الجبهة يوم الخميس 11 أكتوبر، فاتحني الوزير (الفريق أحمد إسماعيل) في موضوع تطوير هجومنا نحو المضايق، ولكني عارضت الفكرة وأبديت له الأسباب، وبدا لي أنه اقتنع بهذا وأغلق بذلك الموضوع. ولكنه عاد وفاتحني بالموضوع مرة أخرى في صباح اليوم التالي (الجمعة 12 أكتوبر) مدعيا هذه المرة أن الهدف من هجومنا هو تخفيف الضغط على الجبهة السورية، عارضت الفكرة على أساس أن هجومنا لن يخفف الضغط على الجبهة السورية، حيث ان هذه القوات قادرة على صد أي هجوم نقوم به. اذ أن لدى العدو 8 ألوية مدرعة أمامنا، حيث ان هذه القوات قادرة على صد اي هجوم نقوم به. وليس لدينا دفاع جوي متحرك الا أعداد قليلة جدا من سام 6 لا تكفي لحماية قواتنا. وقواتنا البرية ستقع فريسة للقوات الجوية الإسرائيلية نظرا لتفوقها بمجرد خروجها من تحت مظلة الدفاع الجوي، أي بعد حوالي 15 كم شرق القناة. اذا نحن قمنا بهذه العملية فاننا سوف ندمر قواتنا دون أن نقدم أي مساعدة لتخفيف الضغط على الجبهة السورية. وحوالي الظهر تطرق الوزير لهذا الموضوع للمرة الثالثة خلال 24 ساعة، وقال هذه المرة: "القرار السياسي يحتم علينا ضرورة تطوير الهجوم نحو المضايق، ويجب أن يبدأ ذلك صباح الغد 13 أكتوبر". وبعد الظهر كانت التعليمات الخاصة بتطوير الهجوم قد تم اعدادها، وتحرك اللواء محمد غنيم الى الجيش الثاني واللواء طه المجدوب الى الجيش الثالث حاملين معهما تلك الأوامر الى قائدي الجيشين، وبمجرد وصول التعليمات كان اللواء سعد مأمون قائد الجيش الثاني يطلبني على الهاتف، وقال بغضب: "سيادة الفريق أنا لا أستطيع أن أقوم بتنفيذ التعليمات التي أرستلموها مع اللواء غنيم". ولم تمض بعض دقائق حتى كان اللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث هو الآخر على الخط الهاتفي وأبدى معارضة شديدة لتلك التعليمات التي وصلته مع اللواء طه المجدوب. وفي محادثتي مع كل من اللواء سعد مأمون واللواء عبد المنعم واصل لم أخف عنهما أنني أنا أيضا قد عارضه هذه التعليمات ، ولكني أجبرت عليها.

فاتحت الوزير مرة أخرى في الموضوع وتقرر استدعاء سعد مأمون وعبد المنعم واصل لحضور مؤتمر بالقيادة في مساء اليوم نفسه.. وفي خلال المؤتمر الذي امتد حتى الساعة الحادية عشرة مساء كرر كل منا وجهة نظره مرارا وتكرارا، ولكن كان هناك اصرار من الوزير على أن القرار سياسي، ويجب أن نلتزم به، وكل ما أمكن عمله هو تأجيل الهجوم الى فجر يوم 14 بدلا من فجر يوم 13 كما كان محددا. لقد كان هذا القرار هو أول غلطة كبيرة ترتكبها القيادة المصرية خلال الحرب. وقد جرتنا هذه الغلطة الى سلسلة أخرى من الأخطاء التي كان لها أثر كبير على سير الحرب ونتائجها. ولكي نطور هجومنا للشرق مع المحافظة على رءوس الكباري قوية ومؤمنة، كان لابد لنا من أن ندفع الانساق الثانية الى المعركة". انتهت أقوال سعد الشاذلي.

وهكذا أصبح من الواضع – بعد الاطلاع على ما أورده سعد الشاذلي في مذكراته، وهو حقيقة يعلمها معظم قادة حرب أكتوبر – أن قرار تطوير الهجوم شرقا الذي جرى صباح يوم 14 أكتوبر كان قرار سياسي اتخذه الرئيس الراحل السادات على مسئوليته بوصفه رئيسا للقيادة السياسية في الدولة وقائدا أعلى للقوات المسلحة، مما كن يجعل من مسئوليته واختصاصه رسم الاستراتيجية العليا للدولة، وبالتالي اصدار القرارات السياسية التي تتماشى مع هذه الاستراتيجية. ومهما كان رأي القادة العسكريين في القرارات السياسية التي يصدرها رئيس الدولة، فان هذا الرأي لا يعدوا رأيا استشاريا محضا، ويصبح من واجبهم بعد ابداء مشورتهم تنفيذ القرارات السياسية بحذافيرها دون اعتراض مهما كان تقديرهم لعواقبها الوخيمة على قواتهم، وهو الأمر الذي جرى تماما مساء يوم 12 أكتوبر خلال مؤتمر القادة الذي انعقد في المركز 10 بالقيادة العامة المصرية بالقاهرة. فلقد أبدى القادة العسكريون اعتراضهم الشديد على القرار السياسي الذي أصدره السادات بتطور الهجوم شرقا في هذا التوقيت الخاطئ، ولكن الفريق أحمد إسماعيل القائد العام أصر على أن القرار سياسي وعلى القادة العسكريين الالتزام به.

وهذا الخلاف في الرأي الذي كثيرا ما يحدث بين القيادتين السياسية والعسكرية، هو موضوع شائك وخطير، وله أمثلة وسوابق لاحصر لها سواء في التاريخ القديم أو الحديث. وعلى الرغم من أن القادة العسكريين هم الذين يتحملون وحدهم أمام الرأي العام وأمام التاريخ ما ينجم عن القرارات السياسية الخاطئة من عواقب وخيمة أو هزائم منكرة في ساحات القتال، فان القواعد الاستراتيجية والنظم الدستورية تحتم عليهم الخضوع للقرارات السياسية دون اعتراض، مهما كانت درجة مخالفتها لأصول الفن العسكري، أو أن يطلبوا اعفاءهم من قيادتهم اذا شاءوا، فان أساس استخدام القوات المسلحة هو أن تكون الأداة المنفذة للسياسة الخارجية للدولة، وما الحرب – وفقا للمفهوم الاستراتيجي – الا استمرار للعمل السياسي ولكن بصورة أخرى.

رغم أن التاريخ حافل بالشواهد التاريخية على القرارات السياسية الخاطئة التي أدت الى هزائم منكرة أو كوارث عسكرية مريرة، فاننا نكتفسي هنا بذكر مثال واحد فقط لذلك الموضوع، وقد وقع عليه اختيارنا بحكم أنه ما يزال حيا في نفوس المصريين، فلقد جرى في مصر ومنذ أقل من عشرين عاما فقط، وما تزال مصر تكتوي بناره حتى اليوم ان لم نقل الأمة العربية بأسرها. ففي المرحلة التحضيرية التي سبقت حرب يونو 67 والتي بدأت بحشد القوات المصرية في سيناء يوم 15 مايو 67 أصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ثلاثة قرارات سياسية خلال هذه الفترة، كانت بلا شك من العوامل الأساسية للهزمية النكراء التي منيت بها القوات المصرية في حرب يونيو 67. ومن الثابت أن بعض القادة العسكريين قد أبدوا اعتراضهم على هذه القرارات، وحذروا من نتائجها الوخيمة، ولكن القيادة السياسية لم تعر اعتراضهم التفاتا وأصرت على موقفها. ونسرد فيما يلي هذه القرارات السياسية بايجاز:

1- القرار السياسي بسحب قوة الطوارئ الدولية: بناء على تعليمات القيادة السياسية طلبت الحكومة المصرية من يوثانت السكرتير العام للامم المتحدة يوم 17 مايو 67 سحب قوة الطوارئ الدولية من قطاع غزة وسيناء. وعندما أبدى يوثانت موافقته أعلنت مصر في 18 مايو قرار انهاء وجود هذه القوات على أرضها، وأعقب ذلك اعلان قرار سياسي آخر وهو أغلاق خليج العقبة في وجه السفن الإسرائيلية.

ولم يكن أمام القوات المسلحة لتنفيذ القرار السياسي المفاجئ بالسرعة الواجبة سوى ان تنشئ جسرا جويا بين مطار ألماظة ومنطقة شرم الشيخ، وتحركت عبر هذا الجسر قبل أول ضوء يوم 19 مايو وحدة كاملة من رجال المظلات محمولين على طائرات هيليكوبتر، وتحرك في نفس الوقت رتل بري من الدبابات والمدافع تمثل الوحدات الفرعية التي تم سحبها من عدة تشكيلات كبيرة ودمجها معها لتشكيل قوة خاصة على وجه السرعة، مما أضعف هذه التشيكلات بالطبع، وواجه الرتل المتحرك صعابا ضخمة في الوصول الى هذه المنطقة البعدية، فتعطلت مئات المركبات على طول الطريق، وقاسي الأفراد الأهوال من سوء الشئون الادارية، ولم يتم وصول هذه القوة الى بعد بضعة أيام. ونتيجة لفتح المحور التعبوي الجديد الذي لم تكن القيادة العسكرية قد أعدت له حسابا في خطتها العسكرية من قبل، اضطرت القوات الجوية هي الاخرى الى بذل مجهودات مضنية ليتسنى لها تمركز سرب مقاتل في الغردقة، حيث لم يكن المطار مجهزا، كما اضطرت القوات البحرية الى تحريك أكثر من ست قطع بحرية مختلفة الأنواع من البحر المتوسط الى البحر الأحمر وخليج العقبة، وازداد بالتالي طول خط المواجهة مع إسرائيل ليصبح ضعف خط المواجهة الأصلي (أصبح 500 كم من رفح الى شرم الشيخ بدلا من 250 كم من رفع الى رأس النقب)، وأدى ذلك كله الى زيادة الأعباء العسكرية والادارية على عاتق القوات المصرية في سيناء واضعاف قدرتها القتالية وتشتيت وحداتها دون أن تجني من فتح هذا المحور الجديد أي فائدة استراتيجية أو تكتيكية.

2- قررت القيادة السياسية في مؤتمر عسكري – حضره الرئيس الراحل عبد الناصر وتحدث فيه طويلا – ضرورة الدفاع عن رفح مذكرا أن التزامنا نحو الفلسطينيين والدول العربية تقتضي الدفاع عن هذه المنطقة. وكان هذا القرار مفاجئا للقيادة العسكرية، فقد كان الحد الأمامي للدفاعات المصرية وفقا للخطة الموضوعة منذ عام 1957 يمر على بعد بضعة كيلومترات شرق العريش ويبعد كثيرا عن رفع، ولم يكن الوقت كافيا لدراسة الأرض واتمام الاعمال الهندسية اللازمة للمواقع الجديدة التي اختيرت بالطبع على وجه السرع. ولتنفيذ هذا القرار السياسي تم دفع الفرقة 7 مشاة واللواء 14 المدرع الى منطقة رفح ابتداء من 22 مايو لاحتلال خط دفاعي غير مجهز في شريط ساحلي ليس له أي عمق دفاعي، مما أدى الى اختراق قوات المحور الشمالي الإسرائيلية للمواقع المصرية في رفح دون أي صعوبة يوم 5 يونيو 67 رغم ما أبدته هذه القوات من بسالة، وما حاق بها من خسائر فادحة.

30 كان أخطر القرارات السياسية التي أصدرها الرئيس الراحل عبد الناصر خلال المرحلة التحضيرية، بل كان من العوامل الأساسية في هزيمة يونيو 67 هو ذلك القرار الذي أعلنه في أهم اجتماع عسكري عقد بمكتب المشير عامر يوم الجمعة 2 يونيو 67 بالطابق السادس من مبنى القيادة العامة بمدينة نصر، والذي شهده من السياسيين أنور السادات وزكريا محيي الدين وحسين الشافعي وعلي صبري، ومن العسكريين الفريق أول محمد فوزي وشمس بدران وزير الحربية وقتئذ، وقادة القوات والرؤساء الأفرع والقادة الميدانيون ومديرو مكتب المشير. ويعتبر هذا الاجتماع نقطة تحول كبرى في مجرى الأحداث التي سبقت الحرب، ويوضح بجلاء الاثر الخطير الذي يحدثه القرار السياسي الخاطئ على سلامة الاوضاع الاستراتيجية للقوات العسكرية. فقد أعلن عبد الناصر خلال الاجتماع بعد تحليل موجز للموقفين السياسي والعسكري أن استراتيجية مصر قد تحولت من هجومية الى دفاعية، وان إسرائيل من المحتمل قيامها لعمليات هجومية في خلال يومين أو ثلاثة أيام، أي يوم 4 أو 5 يونيو 67، وان إسرائيل سوف تبدأ هجومها بضربة جوية ضد قواتنا الجوية ودفاعنا الجوي حتى يم شلها واخراجها من المعركة، وطلب من القادة العسكريين الاستعداد لتلقي الضربة الأولى، واتخاذ ما يلزم لتقليل خسائرها الى الحد الأدنى حتى يمكننا بعدئذ توجيه ضربة رادعة ضد قوات العدو الجوية. وكان هذا القرار سببا في تدمير سلاح الطيران المصري على الارض صباح 5 يونيو في بضع ساعات، وبالتالي في هزيمة 67 الشائنة.

ولسنا نقصد بذكر ما صدر في المرحلة التحضيرية لحرب يونيو 67 من قرارات سياسية تحميل جمال عبد الناصر وحده مسئولية هزيمة مصر في هذه الحرب، فقد كان المشير عبد الحكيم عامر ضالعا معه في كل ما صدر خلال هذه المرحلة التحضيرية من قرارات سواء عسكرية أو سياسية، ويمكن اعتباره شريكا متضامنا معه في جميع تصرفاته وقراراته بشأن هذه الحرب. ولم يكن المشير عامر في الواقع يمثل القيادة العسكرية بالمعنى الذي نقصده في هذا البحث، فقد كان عمله سياسيا في الدرجة الأولى، وبهذا يمكن أن نعتبر أن عبد الناصر وعامر كانا يمثلان معا القيادة السياسية التي أصدرت القرارا المذكورة. وعندما تفرغ المشير عامر بمجرد نشوب الحرب في 5 يونيو للممارسة القيادة العسكرية الفعلية للقوات المصرية ، وأصبح هو المسئول الأول عن ادارتها، أدت قيادته المتسمة بالتسرع والاضطراب واهتزاز الأعصاب الى انهيار الموقف العسكري على الجبهة المصرية انهيارا لم يكن يخطر لأشد المتفائلين من قادة إسرائيل حتى في أعذب أحلامه.

وبذا يمكن أن نقرر في انصاف ان القرارات السياسية الخاطئة التي صدرت في المرحلة التحضيرية للحرب، بالاضافة الى الادارة العسكرية السيئة والمهتزة الأ‘صاب للعمليات الحربية، قد أسهمتا معا في وقوع كارثة يونيو 67 التي ليس لها نظير في تاريخ مصر.

ولعل من المفيد للقراء ونحن نستعرض مواضيع الخلاف التي تحدث أحيانا بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية بشأن القرارات الاستراتيجية أن نسجل تلك الواقعة الخطيرة التي جرت في أثناء الحرب الكورية في بداية الخمسينيات ، عندما حاول القائد الأمركي الشهير دوجلاس ماك آرثر – الذي كان يتولى القيادة العامة للقوات الأمريكية وقات الأمم المتحدة في الحرب التي نشبت بين كوريا لجنوبية والشمالية عام 1950 – أن يتجاهل القيادة السياسية وأن يتبع ما يمليه عليه الموقف العسكري في ميدان القتال. وعلى الرغم من سجله العسكري الحافل بمعاركه الكبرى لتحرير الفلبين خلال الحرب العالمية الثانية، عندما كان قائدا للقوات الأمريكية في الشرق الأقصى، ورغم أنه كان القائد الأمريكي الذي قام باحتلال اليابان عقب اعلان استسلامها في أغسطس 1945، فان الرئيس الأمريكي هاري ترومان لم يتردد في عزله من جميع مناصبه في 11 أبريل عام 51 نظرا لاعتداده بآرائه وتجاهله القرارات السياسية الصادرة اليه من الرئيس الأمريكي، واختلافه معه بشأن الاستراتيجية الأمريكية الواجب اتباعها تجاه الصين التي كانت تساند كوريا الشمالية وقتئذ بتزويدها بالأسلحة والمعدات، ثم تطور الأمر الى امدادها ببعض الوحدات العسكرية المقاتلة لرد الأمريكيين على اعقابهم عند اقترابهم من الحدود الصينية.

الخطة العامة لتطوير الهجوم

كان التعديل الذي تم ادخاله على الخطة الهجومية جرانيت 2 والذي أدى الى تسميتها باسم الخطة جرانيت 2 المعدلة (الخطة بدر بعد ذلك) هو الاستيلاء على خط المضايق الاستراتيجية في سيناء.وكان الغرض من هذا التعديل هو اقناع القيادة السورية بالخطة الهجومية المصرية عند اجراء عملية تنظيم التعاون بين الجيشين المصري والسوري قبل الحرب، اذ لم يكن معقولا أن تستهدف الخطة السورية تحرير مرتفاعت الجولان والوصولو الى الخط نهر الأردن – الشاطئ الشرقي لبحيرة طبرية على عمق حوالي 25 كم من خط بدء الهجوم، بينما تقتصر الخطة المصرية على ذلك الهدف المتواضع الذي كانت تتضمنها الخطة الأصلية جرانيت 2 وهو انشاء منطقة رءوس الكباري على عمق 10-12 كم شرق القناة، وتبعا لذلك أصبح يطلق على خطة العبور وانشاء رءوس الكباري اسم المرحلة الأولى، بينما أطلق على خطة تطوير الهجوم شرقا للاستيلاء على المضايق اسم المرحلة الثانية.

وفي 7 يونيو 1973 جرت في القيادة العامة بمدينة نصر عملية تنظيم التعاون للخطة الهجومية المشتركة بين القوات المصرية والسورية التي حضرها الفريق أحمد اسماعيل قائد القيادة الاتحادية واللواء بهي الدين نوفل رئيس هيئة عمليات القيادة الاتحادية وعدد من كبار القادة المصريين والسوريين، حيث تم تحديد أهداف خطة الهجوم على الجبهتين وتوحيد التوقيتات لضربتي الطيران والمدفعية وساعة س. والأمر الجدير بالملاحظة هو أن المرحلة الأولى من الخطة كانت تناقش خلال عملية تنظيم التعاون على المستويات كافة بكل تفصيلاتها الدقيقة، بينما كان يتم المرور على المرحلة الثانية مرورا سريعا. وقد برر الفريق سعد الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة خلال حرب أكتوبر هذه الظاهرة في مذكراته بأنه هو شخصيا لم يكن يتوقع مطلقا أن يطلب من القوات المصرية تنفيذ المرحلة الثانية،وأن هذا كان هو نفس شعور قائدي الجيشين الثاني والثالث.

والأمر الذي يمكن ادراكه بوضوح من تحليلنا لسير الوقائع والاحداث خلال الايام الاولى من الحرب ان القيادة المصرية بعد نجاحها في تحقيق المرحلة الاولى من الخطة "بدر" وهي اقتحام قناة السويس وتحطيم خط بارليف وانشاء منطقة رءوس الكباري على عمق 10-12 كم شرق القناة، لم تفكر جديا في تنفيذ المرحلة الثانية من الخطة الهجومية الموضوعة، اذ لو كان الامر موضع تفكيرها حقا لسارعت باغتنام فرصة تركيز إسرائيل لمجهودها الرئيسي ضد الجبهة السورية في الشمال وفرصة ما صدفه الهجوم المضاد الرئيسي لإسرائيل أمام قوات الجيش الثاني المصري يوم الاثنين 8 أكتوبر من فشل ذريع، وما منيت به القوات المدرعة الإسرائيلية في سيناء من خسائر فادحة في الدبابات في الأيام الثلاثة الأولى من الحرب لتقوم بتنفيذ المرحلة الثانية من الخطة "بدر"، ولبادرت باصدار الأمر لقواتها بالتقدم يوم 9 أكتوبر على أكثر تقدير في اتجاه الشرق للاستيلاء على خط المضايق الجبلية الاستراتيجية، اذ ان هذا كان أفضل توقيت ممكن لتنفيذ هذه العملية خلال أيام الحرب كلها. أما القرار السياسي الذي صدر بتطوير الهجوم شرقا صباح يوم 14 أكتوبر، فعلاوة على ما شابه من خطأ من ناحية التوقيت، كما سبق أن أوضحنا، فان الخطة ذاتها التي أصدرتها القيادة العامة لتنفيذ هذا القرار كانت تختلف تماما عن خطة التطوير الأصلية التي كانت تتضمنها الخطة جرانيت 2 المعدلة "بدر" والتي اجريت على أساسها عملية تنظيم التعاون على جميع المستويات، والتي اطلق عليها اسم المرحلة الثانية. فان خطة تطوير الهجوم الاصلية كانت تقضي بتقدم القوات الرئيسية المصرية من منطقة رءوس الكباري شرق القناة مدعمة بالفرق المدرعة والميكانيكية التي في النسق الثاني في غرب النقاة في اتجاه الشرق بهدف الاستيلاء على المضايق اي اختراقها والوصول الى مداخلها الشرقية واتخاذ مواقع دفاعية على الخط العام قلعة الجندي-المداخل الشرقية لممري متلا والجدي –بير جفجافا-بير العبد، اي تقدم الخط الدفاعي المصري بأكمله من منطقة رءوس الكباري على عمق 10-12 كم شرق القناة الى الخط الحائطي الجبلي الغربي لسيناء على عمق 70-80 كم شرق القناة الذي يعتبر في الواقع خط الدفاع الطبيعي عن مصر.

أما خطة تطوير الهجوم يوم 14 أكتوبر فقد كان من المستحيل أن تنفذ كالخطة الأصلية سواء من ناحية الأسلوب أو من ناحية الاهداف المطلوب تحقيقها،فلقد تغيرت الأوضاع الاستراتيجية العامة بعد ان تم تجميد الجبهة السورية واصبحت إسرائيل تحارب على جبهة واحدة فقط هي الجبهة المصرية مما جعلها تركز ضدها مجهودها الرئيسي بأكمله، وأصبح من الخطورة بمكان تقدم أي قوات كبيرة شرقا الى مدى أبعد من 15-20 كم شرق القناة وهو نطاق الوقاية الذي يمكن ان تحققه شبكة الدفاع الجوي حتى لا تصبح هذه القوات فريسة سهلة للطائرات الاسرائلية، فيتم تدميرها قبل وصولها الى أهدافها. ولهذه الاسباب بنيت خطة تطوير الهجوم الجديدة على اساس ثبات رءوس الكباري الجيشين الثاني والثالث في اماكنها والاكتفاء بدفع مفارز أمامية، تم تخصيص معظمها من الفرتقين 4 و21 المدرعتين المتمركزتين في النسق الثاني غرب القناة، لكي تعبر القناة ثم تندفع من خطوط دفع داخل رءوس الكباري للوصول الى الطريق العرضي رقم 3 الذي يمر بجوار المداخل الغربية لمضيقي متلا والجدي، ثم يتقاطع مع الطريق الأوسط عند الطاسة ومع الطريق الساحلي عند بالوظة ويقع هذا الطريق على عمق حواي 30 كم شرق القناة أي أن هناك فرقا بين خطتي التطوير الاصلية والجديدة من ناحية عمق الهجوم لا يقل عن 45 كم.

وكانت الخطة التي رسمت لتطوير الهجوم شرقا اعتبار من اول ضوء يوم 14 اكتوبر تستهدف تدمير حشود العدو على خط المواجهة، وان يبدأ الهجوم بتمهيد نيراني لمدة 15 ديقة تسبقه ضربة جوية ضد الاهداف المعادية في العمق، وان يركز المجهود الرئيسي للطيران لوقاية القوات من الجو وتقديم المعاونة المباشرة لها في اثناء تقدمها، بينما تركز قوات الدفاع الجوي مجهودها الرئيسي لتأمين دفع القوات للاشتباك ووقاية التجميع الرئيسي للقوات. وكانت خطة التطوير تقضي بتقدم 4 مفارز أمامية (مفرزتان من كل جيش) على المحاور الرئيسية الاربعة التالية.

محور ممر متلا: لواء مدرع من الفرقة 4 المدرعة (النسق الثاني للجيش الثالث) يتقدم في اتجاه ممر متلا للاستيلاء على المدخل الغربي للممر وتأمينه، وتعاونه بالعمل كمفرزه متقدمه على الجانب الأيمن كتيبة مشاة ميكانيكية من الفرقة 6 مشاة ميكانيكية (من قوات النسق الثاني بالجيش الثالث).

محور ممر الجدي: لواء مشاة ميكانيكي من الفرق 7 مشاة (الفرقة اليسار من النسق الأول للجيش الثالث) يتقدم شرقا للاستيلاء على تقاطع الطريق العرضي 3 مع طريق الجدي بالتعاون مع كتيبة من اللواء 25 مدرع مستقل (الملحق على الفرقة 7 مشاة) .

محور الطاسة: الفرقة21 المدرعة (النسق الثاني للجيش الثاني) تتقدم شرقا للاستسلاء على تقاطع الطريق العرضي 3 مع الطريق الأوسط عند الطاسة.

محور بالوظة: اللواء 15 المدرع المستقل (الملحق على الفرقة 18 مشاة) يتقدم شرقا للاستيلاء على تقاطع الطريق العرضي 3 مع الطريق الساحلي عند بالوظة.

معركة الدبابات أمام مضيق متلا

في الساعة العاشرة والنصف مساء يوم 12 أكتوبر، صدرت تعليمات قيادة الجيش الثالث بدفع لواء مدرع من الفرقة 4 المدرعة كمفرزة متقدمة للجيش للاستيلاء على المدخل الغربي لممر متلا وتأمينه، وبادر العميد أ. ح محمد عبد العزيز قابيل قائد الفرقة باستعداء العقيد أ. ح نور الدين عبد العزيز قائد اللواء 3 المدرع، وكذا رءساء الأسلحة المقاتلة والأفرع بالفرقة الى مركز قيادته، حيث قام بتخصيص المهمة لقائد اللواء وقبل أول ضوء يوم 13 أكتوبر تحرك اللواء 3 المدرع من منطقة تمركزه جنوب جبل عوبيد مستخدما طريق القاهرة - السويس، وبدأت عناصره المتقدمة في الوصول إلى الكوبري رقم 1، المعبر الذي خصص له في قطاع الفرقة 19 مشاة. ونظرا لانشغال الكوبري بعبور وحدة من الدفاع الجوي، لذا لم يستطع اللواء اكمال عبوره الى في الساعة الواحدة ظهرا، وتم احتشاده في منطقة الانتظار الأمامية المحددة له على طريق الشط-عيون موسى. وخلال وجود وحدات اللواء في منطقة الانتظار الأمامية قام العدو بقصف المنطقة بنيران المدفعية بعيدة المدى، وتعرضت الوحدات لبعض الخسائر في الأرواح والمركبات، نظرا لعدم وجود تجهيزات هندسية بالمنطقة. وكان قائد اللواء في أثناء قيام وحداته بالعبور قد انتهى من إعداد قراره وتم له عرضه على اللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث في الساعة الحادية عشر صباح يوم 13 أكتوبر في مركز القيادة المتقدم بالجيش، حيث حصل على تصديقه عليه. وفور وصول قائد اللواء إلى منطقة الانتظار الأمامية التي تم فيها احتشاد وحدات اللواء المدرع ووحدات الدعم، بدأت على الفور اجراءات تنظيم المعركة، فاصطحب القائد قادة الكتائب ورؤساء الأفرع لاستطلاع الخط الذي سيدفع منه اللواء للاشتباك داخل رأس كوبري الفرقة 19 مشاة، وبدأت عناصر مراقبة المرور في فتح محاور التقدم. وفي الساعة السابعة مساء أتم القائد اجراءات تنظيم المعركة.

وفي الوقت الذي كان فيه اللواء المدرع منشغلا طوال يوم 13 أكتوبر بعملية العبور واجراءات تنظيم المعركة، كانت كتيبة المشاة الميكانيكية من اللواء 113 الميكانيكي التابع للفرقة 6 مشاة ميكانيكية والمتمركز ببئر عديب على الشاطئ الغربي لخليج السويس جنوب جبل عتاقة قد تم للعميد محمد أبو الفتح محرم قائد الفرقة تخصيص المهمة لقائدها وفقا للتعمليات التي أصدرها قائد الجيش الثالث ، وهي أن تعمل الكتيبة كمفرزة متقدمة على الجانب الأيمن للواء المدرع على محور طريق عيون موسى للاستيلاء على منطقة تقاطعه مع الطريق العرضي 3. وفي ليلة 12-13 أكتوبر قامت الكتيبة مشاة الميكانيكية بالتحرك شمالا من بئر عديب عل الطريق المؤدي إلى السويس، وفي الساعة العاشرة والنصف صباحا يوم 13 أكتوبر بدأت في عبور القناة على أحد معابر الفرقة 19 مشاة. وبمجرد اتمام عبورها وضعت تحت قيادة اللواء 3 المدرع من الفرقة الرابعة المكلف بمهمة التطوير. وبناء على تعليمات قائد الجيش الثالث، وضعت سرية مدرعة من اللواء 3 المدرع تحت قيادة الكتيبة الميكانيكية لتدعيمها. واتجهت الكتيبة بعد ذلك جنوبا على طريق الشط-الطور-شرق خليج السويس للى منطقة الانتظار الأمامية المخصصة لها في منطقة عيون موسى، حيث انضمت اليها وحدات الدعم المخصصة لها. وقام قائد اللواء 3 المدرع باصدار تعليمات التعاون وخطة الدفع للاشتباك الى قائد الكتيبة.

ولتأمين دفع كتيبة المشاة الميكانيكية للاشتباك من الخط المحدد لها في منطقة عيون موسى، قام قائدها باجراء عملية تنظيم التعاون مع قادة الوحدات المجاورة، وهي اللواء الأيمن من الفرقة 19 مشاة واللواء الأول مشاة ميكانيكية من الفرقة 6 مشاة ميكانيكية المتمركز في منطقة عيون موسى، والذي يعمل كحرس بجلنب الفرقة 19 مشاة (أسندت هذه المهمة الى اللواء الأول المشاة الميكانيكي بعد ظهر يوم 11 أكتوبر بعد فشله في الوصول إلى رأس سدر). وفي الساعة الثامنة مساء وصل قائد كتيبة المشاة الميكانيكية إلى مركز قيادة اللواء 3 المدرع في منطقة الانتظار الأمامية داخل رأس كوبري الفرقة 19 مشاة، حيث عرض على قائد اللواء قراره وتم تصديقه عليه، وتمت بين القائدين عملية تنظيم التعاون.

وفي الساعة الحادية عشرة مساء قام العميد أ.ح. محمد عبد العزيز قابيل قائد الفرقة 4 المدرعة بالمرور على االواء 3 المدرع في منطقة الانتظار الأمامية، وأشرف على مدى استعداده لتنفيذ المهمة التي كلف بها، واصطحب معه قائد اللواء الى مركز القيادة المتقدم لقائد الفرقة 19 مشاة العميد أ. ح. يوسف عفيفي، حيث أجريت عملية تنظيم التعاون بين تنظيم الحركة حتى حوالي الساعة الرابعة صباحا يم 14 أكتوبر.

وللحصول على معلومات عن العدو تم دفع مجموعة استطلاع بأوامر قائد الفرقة السادسة مشاة ميكانيكية، من كتيبة استطلاع الفرقة بعد ظهر يوم 13 أكتوبر من منطقة عيون موسى على محور تقدم كتيبة المشاة الميكانيكية، كما تم للواء 3 مدرع قبل أول ضوء يوم 14 أكتوبر دفع مجموعتي استطلاع من اللواء الى اتجاه خط الدفع.

وفي التوقيت المحدد، بدأت وحدات اللواء 3 المدرع في التدقم من منطقة الانتظار الأمامية الى خط الدفع للاشتباك، وقامت وحدات المدفعية بضرب قصفة النيران لمدة 15 دقيقة لتأمين دفع اللواء، ولكن القصف المدفعي لم يكن مؤثرا، اذ تم بطريقة الضرب الحسابي، ولم يوجه ضد أهداف محددة، فقد كانت المعلومات عن أوضاع العدو على خط المواجهة قاصرة للغاية، وكان ذلك أحد العوامل الرئيسية لعدم نجاح عمليات التطوير على طوال المواجهة، علاوة على ذلك لم يتم تنفيذ طلعة الطيران التي كانت تحت طلب الجيش، وكان من المفترض أن تقوم بها المقاتلات القاذفة. وساعد على اضعاف قوة اللواء المدرع قبل قيامه بعملية تطوير الهجوم أن بعض وحدات الدعم المهمة التي سبق تخصيصها له لم تصل اليه قبل ساعة الهجوم، مما اضطره الى تنفيذ عملية التطوير بدونها، وكان من ضمنها سرية مقذوفات موجهة مضادة للدبابات (صواريخ ماليوتكا على عربات بردم) وسرية 57 مم مضادة للطائرات ثنائية المواسير ذاتية الحركة وفصيلة مهندسين عسكريين.

وفي الساعة السادسة والنصف صباح يوم 14 أكتوبر بدأت وحدات اللواء في عبور خط الدفاع من رأس كوبري الفرقة 19 مشاة تحت اشراف قائد الفرقة 4 المدرعة ومجموعة قيادته. وكان من أهم العوامل التي ساعدت اللواء 3 المدرع على مواصلة التقدم في اتجاه الهدف المحدد له بسرعة، هو المهارة التي اختير بها محور تقدمه اذ تجنب الطريق الرئيسي (الشط-متلا) الذي كان متكظاً بتحصينات العدو وستائره المضادة للدبابات، وبدلا من ذلك قام اللواء لمدرع بحركة التفاف من الجنوب على جناح العدو الأيسر من خلال وادي مبعوق ووادي المر، مما أدى إلى تقدمه شرقا إلى أبعد عمق بلغته وحدة مصرية في حرب أكتوبر (حوالي 25 كم شرق القناة)، وتمكن من الوصول إلى مسافة حوالي 6 كم فقط من المدخل الغربي لممر متلا. وقد اعترفت المراجع الإسرائيلية بأن المفاجأة المصرية الوحيدة في عملية تطوير الهجوم المصري يوم 14 أكتوبر ، كانت في القطاع الجنوبي أمام فرقة الجنرال كلمان ماجن، حيث قام اللواء المدرع من الفرقة 4 المدرعة بتطويق عميق عن طريق اختراقه لأحد الوديان الرئيسية في حركة التفاف من الجنوب إلى الشمال الشرقي، وان ذلك كان المكان الوحيد الذي نجح فيه المصريون في التوغل شرقاً إلى عمق أكثر من 20 كم في الطريق المؤدي إلى ممر متلا. وقد اكتشفت هذا التقدم المصري وحدة دورية استطلاع تابعة للواء 401 المدرع الذي كان يقوده دان شومرون، فاستدعت الكتيبة 46 مدرعات، بقيادة دافيد شوفال، التي أوقفت ذلك الهجوم الالتفافي المصري ودمرت بعض دباباته.

وكان اللواء 3 المدرع يتقدم في نسقين واحتياطي. وقد تشكل النسق الأول من كتيبتي دبابات مدعمتين بسرييتين مشاة ميكانيكيتين وتشكل النسق الثاني من كتيبة دبابات عدا سرية، وتشكل الاحتياطي من كتيبة المشاة الميكانيكية للواء عدة سريتين. وفي الساعة الثامنة صباحا اصطدمت كتيبة النسق الأول اليمنى بقوة إسرائيلية مدرعة مشكلة من دبابات ومشاة ميكانيكية ومدعمة بستائر من الصواريخ المضادة للدبابات SS II مما أوقفها عن التقدم، وقام طيران العدو بقصف جوي مركز على تشكيل قتال اللواء وهاجم بشدة مركبات مراكز القيادة والمدفعية والاحتياطيات. ونتيجة للقصف الجوي انفصل رتل مجموعة مدفعية اللواء عن باقي تشكيل قتال اللواء حيث دمرت بعض جرارات المدافع وغرز بعضها الآخر في رمال وادي المر وعجزت عن ملاحقة الدبابات التي واصلت التقدم للأمام.

وفي نفس الوقت أفادت عناصر استطلاع اللواء أن وحدات مدرعة قوية من العدو تحتل مجموعة من الهيئات الجبلية العالية التي تبعد حوالي 3-4 كم من مدخل ممر متلا، وكانت تتحكم تماما في طريق اقتراب اللواء المدرع الى المدخل الغربي للممر. ولم تكد تقترب كتيبتا النسق الأول من هذه الهيئات حتى جوبهتا بنيران مركزة من المدفعية ومن ستائر الصواريخ المضادة للدبابات، مما أدى منذ اللحظة الأولى للاشتباك الى تدمير سريتي الحرس الأمانمي ومركزي القيادة والمراقبة للكتيبتين، كما أصيبت باقي دبابات الكتيتبتين بخسائر فادحة. وأدت تلك النيران الكثيفة المركزة الى قوع حالة شديدة من الارتباك في تشكيل القتال لكتيبتي النسق الأول. فقد تكدست الدبابات في منطقة ضيقة وعجزت عن الانتشار لاتخاذ تشكيل المعركة. ورغم شدة النيران وفقد السيطرة على القوات، نجحت بعض سرايا الدبابات في احتلال خطوط فتح مناسبة واشتبكت بشدة مع قوة العدو ودمرت له نحو 13 دبابة.

وكان سوء الحظ الذي أصاب اللواء المدرع بفقده مجموعة مدفعيته في أثناء تقدمه نتيجة للقصف الجوي عاملا رئيسيا في عدم قدرته على اسكات عناصر العدو المضادة للدبابات والمتحكمة في مدخل المضيق والتي سببت للواء مزيدا من الخسائر. وكان مركز القيادة المتقدم للواء موجودا في الأمام بين كتيبتي النسق الأول وواقعا في مدى أسلحة الضرب المباشر للعدو، ورغم ذلك أخذ قائد اللواء العقيد أ. ح نور الدين عبد العزيز يتحرك بمركبة قيادته بين وحداته في شجاعة نادرة حتى أصيبت مركبته بقذيفة مباشرة من أحمد مواقع العدو الأمامية، فاستشهد البطل في الحال، وفقد مركز قيادة اللواء المتقدم السيطرة على كتيبتي النسق الأول.

وكان رئيس أركان اللواء الموجود في مركز القيادة الخلفي مع كتيبة النسق الثاني في جهل تام بما يجري في الأمام، نتيجة لتدمير مركبة القيادة ودبابتي قائدي الكتيبتين المدرعتين بالنسق الأول اللتين كانتا مشتبكتين اشتباكا عنيفا مع قوات العدو المتمركزة غرب مدخل ممر متلا. وقام رئيس عمليات اللواء بدفع ضابط اتصال من مركز القيادة المتقدم للواء إلى مركز القيادة الخلفي لابلاغه بالموقف، ولكي يتولى رئيس أركان اللواء قيادة اللواء بعد استشهاد قائده، ولكن ضابط الاتصال لم يتمكن من الوصول لشدة القصف الجوي المركز للعدو ولوعورة الأرض، واضطر رئيس عمليات اللواء وكان برتبة المقدم أمر كتيبة النسق الثاني بالتقدم على الجانب الأيسر للواء بهدف المناورة على جانب العدو ومؤخرته حتى يمكن تدميره، ولتخفيف الضغط على قوات النسق الأول المتوقفة بسبب شدة نيران العدو. ولكن كتيبة النسق الثاني لم تتمكن من تحقيق المناورة المطلوبة، فقد تورطت دباباتها في منطقة غردود رملية شديدة الوعورة، مما جعلها عاجزة عن التقدم، وانهالت عليها نيران العدو. وفي نفس الوقت قام العدو بتحريك قوة من دباباته على الجانب الأيمن لتشكيل قتال اللواء مما أوقع كتيبة المشاة الميكانيكية التي تقوم بحماية الجنب تحت تأثير نيران دبابات العدو، فقامت مركباتها بالفتح والاشتباك مع دباباته في الحال.

وحوالي الساعة العاشرة صباحا، ونظرا لعدم وضوح الموقف لمركز قيادة اللواء الخلفي، تقدم رئيس أركان اللواء إلى الأمام بمركز قيادته حيث تم تحقيق الاتصال مع الكتائب المدرعة الثلاث وكتيبة المشاة الميكانيكية التي كانت جميعا متخذة خطوط فتح ومشتبكة في قتال مرير مع دبابات العدو وأسلحته المضادة للدبابات، وأصدر رئيس أركان اللواء الذي تولى قيادة اللواء منذ هذا التوقيت أمره إلى كتائب اللواء بأن تتمسك بالخط الذي وصلت إليه بكل قوة، مع تحسين أوضاع سراياها التي كانت داخلة في مدى نيران دبابات العدو ومقذوفاته الموجهة المضادة للدبابات، وأصدر رئيس أركان اللواء الذي تولى قيادة اللواء منذ هذا التوقيت أمره إلى كتائب اللواء بأن تتمسك بالخط الذي وصلت إليه بكل قوة، مع تحسين أوضاح سراياها التي كانت داخلة في مدى نيران دبابات العدو ومقذوفاته الموجهة المضادة للدبابات للحد من تأثير هذه النيران عليها تقليلا للخسائر. ونظرا لأن الجهاز اللاسلكي R 151 المخصص للاتصال بقائد الجيش الثالث كان داخل مركبة القيادة التي كان بها قائد اللواء والتي تم تدميرها، فقد أرسل رئيس الأركان ضابط عمليات من قيادة اللواء ومعه تقرير عن موقف اللواء الى قيادة الجيش، حيث حدد في التقرير الخط الذي وصل إليه اللواء والذي يبعد حوالي 6 كم فقط من المدخل الغربي لممر متلا. كما أوضح في التقرير خسائر اللواء، وطلب من قائد الجيش الثالث تدعيم اللواء بقوة كتيبة مشاة ميكانيكية حتى يتمكن اللواء من تأمين الخط المكتسب باحتلال المشاة الميكانيكية للهيئات الرملية الموجودة شمال وجنوب شرق وادي المر، تمهيدا لقيام الدبابات باستكمال الهجوم والاستيلاء على مدخل ممر متلا بعد طرد قوات العدو المتحكمة في الطريق المتجه إليه أو تدعيم الخط المكتسب وتعزيزه بالمشاة الميكانيكية. وطلب رئيس الأركان كذلك قصف المدخل الغربي لممر ملا بالمدفعية أو بالقوات الجوية.

ونظرا لوجود بعض الدبابات والمركبات التي لم تدمر، وكانت غارزة في الغرود الرملية، فقد تم لقيادة اللواء تشكيل أطقم نجدة من بعض الدبابات والعربات المجنزرة حيث قامت بنجدتها واصلاحها في شجاعة بالغة تحت تأثير نيران العدو المركزة مما أمكن معه تدعيم الكفاءة القتالية للواء. وخلال أعمال النجدة تم العثور على عامل اللاسلكي الذي كان يعمل في مركبة القيادة ومعه الجهاز R 151 سليما، وفي حوالي الساعة الثانية ظهرا وفي أثناء محاولة مركز قيادة اللواء الاتصال بقيادة الجيش الثالث التقط قائد الفرقة 4 المدرعة النداء وتم تحقيق الاتصال بين رئيس أركان اللواء وقائد الفرقة. وبعد أن استمع قائد الفرقة الى تقرير عن موقف اللواء أصدر أمره بضرورة تمسك وحدات اللواء بالخط المكتسب دون أي ارتداد للخلف. واستمر قائد اللواء بالنيابة في محاولة تحسين الدفاعات والقيام بأعمال التجهيز الهندسي، ودفع قوات لتأمين الأجناب والاحتفاظ باحتياط لمواجهة أي تهديد للعدو، بينما استمر العدو في قصف القطاع الدفاعي للواء بنيران المدفعية والقيام بأعمال الاستطلاع ووصلت الى خطوط العدو طائرات هليكوبتر لنقل جرحاه.

وقاد قائد الفرقة 4 المدرعة بايضاح الموقف لقائد الجيش الثالث، وأخطره بخسائر اللواء التي بلغت حوالي 60 دبابة ت 55 و9 مركبات مدرعات ب ك وجميع مدافع كتيبة مدفعية الميدان نتيجة للقصف الجوي والستائر الصاروخية المضادة للدبابات SS II، علاوة على استشهاد قائد اللواء ووجود عدد كبير من الشهداء والجرحى في ساحة القتال. هذا في الوقت الذي لا توجد فيه أي قوات من الجيش الثالث يمكن تدعيم اللواء بها، ولا توجد مع اللواء أسلحة مضادة للطائرات توفر له إمكانات الوقاية من الجو، خاصة بعد تقدمه للأمام وخروجه من شبكة الدفاع الجوي.ونظرا لهذه الأوضاع السيئة للواء أصدر قائد الجيش الثالث أمره إلى قائد اللواء 3 المدرع بالنيابة بالارتداد إلى داخل رأس كوبري الفرقة 19 مشاة، وقد تمت عملية الانسحاب ليلة 14-15 أكتوبر، واستغلت وحدات اللواء ساعات الظلام لتفادي نيران العدو، مما جعلها تصل دون أي خسائر إلى رأس كوبري الفرقة 19 مشاة في الساعة الحادية عشرة صباحا يوم 15 أكتوبر. وبدأت في الحال عملية حصر الخسائر واعادة التنظيم لسرعة استعادة الكفاءة القتالية للواء. وكانت كتيبة المشاة الميكانيكية من الفرقة السادسة قد تم دفعها هي الأخرى من خط الدفع للاشتباك المحدد لها في منطقة عيون موسى في الساعة السادسة والنصف صباحا يوم 14 أكتوبر بعد قصفة نيران لمدة 15 دقيقة من مجموعة مدفعية اللواء الأول مشاة ميكانيكي لتنفيذ المهمة المسندة إليها، وهي التقدم كمفرزة جنب للواء 3 المدرع على طريق عيون موسى في اتجاه تقاطعه مع الطريق العرضي 3. ولم تستطع الكتيبة مواصلة التقدم. فقد اصطدمت بقوة مدرعة مع العدو ووقعت تحت تأثير نيران كثيفة من المدفعية ونيران الدبابات ومن المقذوفات الصاروخية المضادة للدبابات في الوقت الذي تعرضت فيه لقصف جوي مركز، مما أدى الى شدة الارتباك وفقد السيطرة وتفرق رتل الكتيبة في كل اتجاه. ونظرا لانقطاع الاتصال اللاسلكي بين كتيبة المشاة الميكانيكية واللواء 3 المدرع الذي كان يتحرك على يسارها بسبب استشهاد قائد اللواء وتدمير مركبته واللواء كما سبق أن ذكرنا، فقد قام قائد الفرقة 6 مشاة ميكانيكية الذي كان موجودا في مركز الملاحظة الأمامي في عيون موسى بدفع ريس عمليات ورئيس اشارة الفرقة الى قائد الكتيبة في الأمام لابلاغه بضرورة مواصلة التقدم، وأن يتم جميع اتصالات اللاسلكية مستقبلا مع قيادة الجيش الثالث مباشرة عن طريق الجهاز اللاسلكي R151 الموجود في مركبة قيادته، واندفع قائد الكتيبة بجزء من قواته إلى الأمام رغم كثافة نيران العدو للوصول الى تقاطع الطريق العرضي 3، كي يحقق المهمة المسندة إلى كتيبته، ولكن باقي الكتيبة انفصل عنه بتأثير القصف الجوي وتمكن العدو من تدمير المركبات المدرعة المتقدمة في اتجاهه، ومن أسر قائد الكتيبة والمجموعة التي كانت ترافقه. وبدأت سرايا الكتيبة في الارتداد على دفعات الى منطقة عيون موسى، وأمر قائد الفرقة 6 مشاة ميكانيكية بناء على تعليمات قائد الجيش الثالث بوضع بقايا الكتيبة المشاة الميكانيكية التي انسحبت تحت قيادة اللواء الأول مشاة ميكانيكي في منطقة عيون موسى مع العمل على حصر الخسائر واعادة التنظيم لاستعادة كفاءة الكتيبة القتالية بأسرع وقت ممكن.

معركة مضيق الجدي التي سبقت موعدها بيوم كامل

كانت القوة المخصصة للقيام بعملية التطوير في القطاع الأيسر للجيش الثالث هي لواء مشاة ميكانيكي من الفرقة 7 مشاة – التي كان يتولى قيادتها العميد أ. ح. أحمد بدوي – يتم دفعه من رأس كوبري الفرقة للعمل كمفرزة أمامية للجيش في اتجاه ممر الجدي. وكان المفترض أن يبدأ اللواء المشاة الميكانيكي هجومه في نفس التوقيت الذي حددته القيادة العامة بالمركز 10 بالقاهرة لجميع المفارز الأمامية على مواجهة الجيشين الثاني والثالث لتطوير الهجوم شرقا وهو الساعة السادسة والنصف صباح يوم 14 أكتوبر. ولكن حادثا من الحوادث الفريدة في نوعها جرى بالنسبة لهذا اللواء، فقد قام بعملية تطوير هجومه مبكرا 24 ساعة عن التوقيت الي بدأت فيه جميع المفارز الأمامية للجيش الثاني والثالث عمليات تطوير هجومها شرقا، وفيما يلي القصة الحقيقية لهذا الحادث:

بعد ظهر يوم 12 أكتوبر، تم اعداد التعليمات الخاصة بتطوير الهجوم شرقا بناء على أمر الفريق أحمد إسماعيل في المركز 10 بالقاهرة وتحرك اللواء محمد غنيم الى الجيش الثاني واللواء طه المجدوب الى الجيش الثالث حاملين معها تعليمات العمليات لتسليمها إلى اللواء سعد مأمون واللواء عبد المنعم واصل قائدي الجيشين، وكانت تقضي ببدء عمليات التطوير في الساعة السادسة والنصف صباح يوم 13 أكتوبر. وعندما علم الفريق أحمد إسماعيل القائد العام من الفريق سعد الشاذلي رئيس الأركان بالمعارضة الشديدة التي أبداها الجيشين لعملية تطوير الهجوم خلال اتصالهما به هاتفيا قرر استدعائهما لحضور مؤتمر بالقيادة العامة بالمركز 10 بالقاهرة في مساء اليوم نفسه. ورغم توجه قائدي الجيشين الى القاهرة فإن مركز القيادة المتقدم لكل جيش منهما استمر في اعداد التحضيرات اللازمة للمعركة بمجرد تسلمه تعليمات العمليات الواردة من القيادة العامة نظرا لضيق الوقت، على أساس أن عملية تطوير الهجوم ستبدأ وفقا للموعد المحدد في هذه التعليمات في الساعة السادسة والنصف صباح يوم 13 أكتوبر، ولذا صدرت في الحال الأوامر الانذارية الى المفارز المعينة للعملية وإلى التشكيلات والوحدات الأخرى التي ستقوم بتأمين دفع هذه المفارز من خطوط الدفع المحددة لها وفقا للتعليمات.

في الساعة الحادية عشرة مساء اتصل كل من اللواء سعد مأمون واللواء عبد المنعم واصل من المركز 10 بالقاهرة بمركزي قيادتهما في الجبهة وأبلغاهما بتأجيل موعد تنفيذ المهمة لمدة 24 ساعة، أي أن عملية التطوير ستبدأ في الساعة السادسة والنصف صباح يوم 14 أكتوبر.

وقامت شعبة العمليات في كل من الجيشين الثاني والثالث بناء على تعليمات قائد الجيشين بإبلاغ جميع التشكيلات والوحدات التابعة للجيش بتأجيل عملية التطوير لمدة 24 ساعة، إلا أن خطأ ما قد جرى فيما يتعلق بابلاغ قيادة الفرقة 7 مشاة بقرار التأجيل. فقد ثبت أن قائد الفرقة مشاة العميد أ. ح. أحمد بدوي أغفلت شعبة عمليات الجيش الثالث – ربما بدافع من السهر أو الخطأ – إخطاره بقرار التأجيل مثل باقي تشكيلات الجيش، وترتب على ذلك أن اللواء 11 المشاة الميكانيكي من الفرقة 7 مشاة وفقا للتعليمات السابقة التي صدرت من قبل الى قيادة الفرقة تم دفعه وحده على طول جبهة القتال في الساعة السادسة والنصف صباح يوم 13 أكتوبر لتطوير هجومه شرقا في اتجاه ممر الجدي، ليصبح ذلك الحادث أحد الحوادث العجيبة التي سجلت في تاريخ الحروب. وكان العميد أ. ح. أحمد بدوي قائد الفرقة 7 مشاة قد استدعى قائد اللواء 11 مشاة ميكانيكي (لواء المنتصف في النسق الأول من قطاع الفرقة الدفاعي) عند منتصف ليلة 12 أكتوبر، حيث قام بتخصيص المهمة له وفقا للتعمليات السابق صدورها إليه. وكانت تتلخص فيما يلي:

1 - تم دفع اللواء 11 مشاة ميكانيكي من يسار الموقع الدفاعي للواء داخل رأس كوبري الفرقة للعمل كمفرزوة أمامية للاستيلاء على تقاطع طريق الجدي مع الطريق العرضي 3 وتحددت ساعة س (موعد بدء الهجوم) لدفعه هو وباقي المفارز على مستوى الجبهة لتكون الساعة السادسة والنصف صباح يوم 13 أكتوبر على أن تعاون المفرزة بقصفة نيران لمدة 15 دقيقة قبل بدء الدفع.

2- يتم تدعيم اللواء بكتيبة دبابات الفرقة وبالعناصر اللازمة من مدفعية الميدان والهاون الثقيل (120 مم) والصواريخ المضادة للدبابات والمضادة للطائرات والمهندسين والاستطلاع والصاعقة.

وفي الساعة الواحدة والنصف صباح يوم 13 أكتوبر وصل قائد اللواء الى مركز قيادته المتقدم، حيث كانت مجموعة الأوامر في انتظاره، وتم له تخصيص المهام لقادة وحداته الفرعية، وكان قراره بشأن تشكيل قتال اللواء يقضي بأن تعين كتيبة النسق الثاني للواء للعمل كمفرزة متقدمة، على أن تدعم بتكيبة دبابات الفرقة وعناصر التدعيم الأخرى الازمة لها، وتدفع من خط دفع اللواء في ساعة س على أن تتبعها الكتيبتان الخلفيتان بفاصل حوالي من 3 إلى 5 كم، ويجري التحرك بواحدة منهما على يمين طريق الجدي وبالكتيبة الأخرى على يسار الطريق (كانت كتيبة اليمين مزودة بمركبات ب ك المدرعة بينما كانت كتيبة اليسار مزودة بمركبات B.M.P المدرعة)، والى الخلف من الكتيبتين تسير مجموعة مدفعية اللواء التي تتبعها احتياطيات اللواء. وفي الساعة السادسة والنصف صباحا يوم 13 أكتوبر عبرت كتيبة المفرزة المتقدمة خط الدفع بعد قصفة نيران لمدة 15 دقيقة من مجموعة مدفعية الفرقة بطريقة الضرب الحسابي، ولكن دون أن تنضم اليها كتيبة دبابات الفرقة، فقد تأخرت في الوصول بسبب ضيق الوقت الذي كان مخصصا للتحضير للمعركة. ولنفس هذا السبب لم تصل سرية الصواريخ المضادة للدبابات، ولا كتيبة المدفعية المضادة للطائرات، مما أدى إلى تحرك تشكيل قتال اللواء بدون هذه الوحدات. وكن قائد اللواء قد قام بدفع كتيبة من الصاعقة في الساعة الخامسة صباحا أي قبل موعد دفع اللواء بساعة ونصف ساعة في اتجاه محور التقدم. وقد نجحت عناصر من الصاعقة في التسلل من خلال مواقع العدو والوصول خلف دفاعاته التي تواجه محور تقدم اللواء، وكانت لها فائدة كبيرة في أثناء المعركة من ناحية الابلاغ عن مواقع العدو وتحرك احتياطياته وتأثير نيران مدفعيتنا على مواقعه.

ولم تكد كتيبة المفرزة المتقدمة تتحرك حوالي كيلو متر ونصف شرقا على طريق الجدي حتى أجبرت على التوقف والفتح في تشكيل القتال، نظرا لاصطدامها بقوة من العدو تقدر بسرية دبابات تعاونها نيران المدفعية وساتر من الصواريخ المضادة للدبابات SS II كانت متحصنة في مواقع دفاعية في منطقة تقاطع طريق الجدي مع الطريق العرضي 3. واشتبكت الكتيبة في الحال مع عناصر العدو بالنيران، وحوالي الساعة الثامنة والنصف صباحا وصلت كتيبة دبابات الفرقة، إلا أنها لم تتمكن من الانضمام إلى تشكيل قتال كتيبة المفرزة المتقدمة نظرا لكثافة الصواريخ المضادة للدبابات التي أطلقت عليها مما أرغمها على التوقف خلف تشكيل قتال الكتيبة بمساقة 100 متر. والى الخلف من كتيبة الدبابات اتخذ مركز قيادة اللواء المتقدم موقعه لمراقبة المعركة، وإزاء التوقف الذي جرى ولتدمير العدو المواجه لتشكيل قتال اللواء، قرر قائد اللواء دفع الكتيبة الخلفية اليسار المزودة بالمركبات المدرعة BMP-1 بعد قصفة نيران لمدة 15 دقيقة من مجموعة مدفعية اللواء للالتفاف على الجنب الأيسر للعدو وتدميره في مواقعه أو ارغامه على الانسحاب وذلك بالاستفادة من طبيعة الأرض في هذا الاتجاه وباستغلال السرعة التي تتميز بها هذه المركبات (حوالي 30 كم في الساعة). وقد صدق قائد الفرقة على قرار قائد اللواء.

وفي حوالي الساعة الحادية عشرة والنصف صباحا، تم دفع الكتيبة المدرعة B.M.P من أقصى يمين كتيبة المفرزة المتقدمة في اتجاه الجنب الأيسر للعدو واتخذت الكتيبة تشكيل القتال ولكنها لم تتمكن من التقدم أكثر من 2 كم قم توقفت بسبب تركيز العدو نيران مدفعيته وصواريخه المضادة للدبابات على تشكيل قتال هذه الكتيبة. كما قام العدو بتركيز قصفه الجوي على تشكيل قتال اللواء، مما أحدث بالوحدات خسائر كبيرة. وازاء عجز المركبات المدرعة عن التقدم في وجه الستائر المضادة للدبابات، أمر قائد اللواء باخفاء المركبات المدرعة خلف الثنيات الأرضية والكثبان الرملية، ونزول أطقمها منها للعمل كأفراد مشاة عاديين على الأقدام، واستخدام طريقة الضرب بالنيران مع الحركة لمحاولة التقدم إلى مواقع العدو تحت ستر نيران الدبابات والمركبات المدرعة المستترة في الخلف. وكان القرار سببا في نجاح بعض الفصائل في الوصول إلى مسافات قريبة من العدو، فقد أصدر قائد الفرقة 7 مشاة في حوالي الساعة الواحدة ظهرا أمرا عن طريق اللاسلكي الى قائد اللواء بوقف تقدم اللواء والارتداد فورا إلى أوضاعه الأصلية داخل رأس كوبري الفرقة، ولكن قائد اللواء اقترح على قائد الفرقة تأجيل تنفيذ قراره بالارتداد حتى آخر ضوء يوم 13 أكتوبر، نظرا لأن وحداته في حالة اشتباك مع العدو، وفي حالة محاولتها التخلص من الاشتباك والارتداد غربا في اتجاه رأس كوبري الفرقة فإن العدو سوف يقوم بمطاردتها ويوقع بوحدات اللواء خسائر فادحة. وقد صدق قائد الفرقة على اقتراح قائد اللواء.

ونتيجة للبحث الدقيق الذي أجريناه بشأن مصرع الجنرال الإسرائيلي ألبرت ماندلر، اتضح لنا أنه خلال المعركة الحامية التي نشبت بين وحدات اللواء 11 المشاة الميكانيكي والقوات الإسرائيلية التي كانت تسد عليها طريق التقدم إلى تجاه مضيق الجدي، حدث أن مجموعة مدفعية اللواء أثناء قيامها بقصف مواقع العدو أصابت احدى قذائفها مركبة القيادة التي كانت يستقلها الجنرال ألبرت ماندلر قائد القطاع الجنوبي في سيناء عندما كان يقوم باستطلاع أرض المعركة بمنظاره المكبر من أحد مراكز المراقبة بالخط الأمامي مما أدى إلى مصرع أربعة من ركابها منهم ألبرت ماندلر ورافي أونجر مراسل الإذاعة الإسرائيلية الذي كان قد ألحق بفرقته. وعند آخر ضوء يوم 13 أكتوبر وصل اللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث والعميد أ. ح أحمد بدوي قائد الفرقة السابعة المشاة إلى مقر القيادة الأمامي للواء المشاة الميكانيكي. وبعد التداول في الموقف صدر الأمر الى قائد اللواء باعادة الوحدات الفرعية للواء إلى مواقعها الأصلية بداخل رأس كوبري الفرقة والاستعداد لتطوير الهجوم شرقا في الساعة السادسة والنصف صباح اليوم التالي 14 أكتوبر مع باقي المفارز المتقدمة على طول خط الجبهة لتحقيق نفس المهمة التي سبق تخصيصها للواء صباح يوم 13 أكتوبر. وكان السبب في ذلك كما سبق أن ذكرنا يرجع إلى إغفال إخطار قائد الفرقة السابعة بقرار تأجيل التطوير لمدة 24 ساعة.

وقد تقدم قائد اللواء 11 مشاة ميكانيكي بمطلبين أساسيين إلى قائد الجيش الثالث حتى يمكنه تحقيق المهمة المطلوبة منه بنجاح في اليوم التالي. وكان المطلبان هما:

1 - تأجيل موعد دفع اللواء للاشتباك من الساعة السادسة والنصف صباحا إلى الساعة الواحدة ظهرا يوم 14 أكتوبر، حتى يمكن في الصباح اعادة ملء المركبات المدرعة بالوقود واستعاضة الذخائر واعادة تنظيم اللواء بعد المعارك العنيفة التي خاضتها وحداته مع العدو.

2 - دعم اللواء بكتيبة دبابات اضافية من اللواء 25 مدرع مستقل (الملحق على الفرقة 7 مشاة) ليتم دفعها للاشتباك من الجنب الأيمن للواء في اتجاه تقاطع طريق الجدي مع الطريق العرضي 3، مع قيامها بحركة التفاف على يسار العدو المتمركز في منطقة تقاطع الطريق وشغله بالنيران، في الوقت الذي يتم فيه دفع اللواء من خط دفعه للاشتباك. ولهذا السبب اقترح قائد اللواء أن يتم دفع كتيبة الدبابات من خط الدفع للاشتباك قبل دفع كتيبة المفرزة الأمامية للواء بحوالي 15 دقيقة.

وقد قرر قائد الجيش الثالث التصديق على مطلبي قائد اللواء، كما تقرر تأمين ارتداد وحدات اللواء الأمامية التي كانت ما تزال مشتبكة مع العدو إلى رأس كوبري الفرقة بقصفة نيران من مدفعية اللواء ومدفعية الفرقة. وقد تم للواء الارتداد غربا تحت ستر نيران المدفعية واستعادة أوضاعه الدفاعية في رأس الكوبري حوالي الساعة الثانية صباح يوم 14 أكتوبر. وفي الساعة التاسعة صباحا، وأثناء قيام وحدات اللواء بالتجهيز للمعركة، أجرى قائد اللواء تأكيد المهام على قادة وحداته الفرعية كما خصص المهمة الجديد لقائد كتيبة الدبابات التي أرسلت من اللواء 25 مدرع المستقل.

وفي حوالي الساعة الواحدة ظهرا يوم 14 أكتوبر تم دفع كتيبة الدبابات من اللواء 25 مدرع مستقل من خط الدفع المحدد لها بعد تأمين دفعها بقصفة نيران من المدفعية لمدة 15 دقيقة . وقد أمكن لكتيبة الدبابات التقدم في اتجاه تقاطع الطرق بسرعة كبيرة إلى الحد الذي جعلها تقطع مسافة 7 كم في 15 دقيقة حتى أوشكت على تحقيق أهداف هجومها. وكانت الكتيبة قد اشتبكت مع العدو خلال تقدمها ودمرت له حوالي 5 دبابات. إلا أنه في حوالي الساعة الواحدة والربع ظهرا صدرت الأوامر من قيادة الجيش الثالث بوقف دفع اللواء المشاة الميكانيكي، وكذا انسحاب كتيبة الدبابات التي دفعت من قبل إلى رأس كوبري الفرقة 7 مشاة، ويبدو أن السبب في ذلك يرجع إلى قرار اتخذته القيادة العامة في المركز 10 بالقاهرة بعد ادراكها فشل عملية تطوير الهجوم على المحاور الأخرى. وكانت عملية التطوير على تلك المحاور قد بدأت في الساعة السادسة والنصف صباحا أي قبل أكثر من 6 ساعات من بدء عملية التطوير على طريق ممر الجدي. وعقب وصول هذه التعليمات من قيادة الفرقة 7 مشاة إلى قائد اللواء أصدر أوامره الى وحدات اللواء التي كانت على وشك التحرك في الموعد المحدد للدفع للاشتباك الى التمسك بمواقعها داخل رأس كوبري الفرقة، وأصدر أمرا عن طريق اللاسلكي الى قائد كتيبة الدبابات بالارتداد إلى رأس كوبري الفرقة. ونظرا لأن عملية التخلص من الاشتباك مع العدو والارتداد غربا قد تمت في أثناء النهار، لذلك عاود العدو هجماته العنيفة على مؤخرة كيبة الدبابات وعلى السرية التي كلفت بستر ارتدادها، كما قام بتركيز نيران مدفعيته عليها مما أدى إلى وقوع خسائر جسيمة بالكتيبة، فقد فقدت 13 دبابة وأصيب عدد كبير من أفرادها، كما استشهد قائدها بعد اصابة دبابته بصاروخ مضاد للدبابات، وقد قامت مدفعية الفرقة 7 مشاة بستر ارتداد كتيبة الدبابات بجميع وسائل النيران المتيسرة بناء على أوامر قائد الفرقة. وحوالي الساعة الرابعة مساء تمكنت الكتيبة من دخول رأس كوبري الفرقة السابعة مشاة.

خطة تطوير الهجوم شرقا في الجيش الثاني

على الرغم من أن عملية تطوير الهجوم شرقا التي جرت في قطاع الجيش الثاني صباح يوم 14 أكتوبر 1973 كانت تتفق مع عملية التطوير التي جرت في قطاع الجيش الثالث من حيث توقيت الهجوم، ومن جهة عمق الأهداف المطلوب تحقيقها، فان الاختلال الوحيد بينهما كان منحصرا في ناحية الحجم، فقد كان حجم القوات التي اشتركت في قطاع الجيش الثاني يفوق كثيرا – خاصة في الدبابات – حجمها في قطاع الجيش الثالث، وكان السبب في ذلك يعود إلى أن المجهود الرئيسي لعملية تطوير الهجوم وفقا للخطة التي وضعتها القيادة العامة كان يقع في نطاق الجيش الثاني. وكانت خطة التطوير في قطاع الجيش الثاني تتلخص فيما يلي:

  • الفرقة 21 المدرعة (النسق الثاني للجيش الثاني) يتم دفعها من رأس كوبري الفرقة 16 مشاة بمهمة الوصول إلى الخط العام – الطريق العرضي 3 – والاستيلاء على الطاسة. ويرجع السبب في تخصيص فرقة مدرعة كاملة للاستيلاء على الطاسة إلى أهمية موقعها الحيوي بالنسبة خط المواجهة مع إسرائيل. فعلاوة على وقوعها في منطقة تقاطع الطريق الأوسط مع الطريق العرضي 3، فقد كانت تضم مركز القيادة المتقدم للقطاع الأوسط الذي يتولى قيادته الجنرال أرئيل شارون، كما كانت منطة تمركز الاحتياطيات التعبوية الإسرائيلية باعتبارها موقعا متوسطا بالنسبة لجبهة القتال يمكن منه دفع الوحدات المدرعة والميكانيكية إلى أي قطاع مهدد في الجبهة شمالا أو جنوبا باستخدام الطريق العرضي 3 وكان الاستيلاء على الطاسة يفتح الطريق على مصراعيه أمام القوات المصرية للتقدم شرقا دون الحاجة إلى اختراق مضايق أو اجتياز أي موانع طبيعية. كما كان يشكل في نفس الوقت تهديدا خطيرا لمركز القيادة المتقدم للقيادة الجنوبية الإسرائيلية في منطقة أم مرجم التي تبعد حوالي 40 كم فقط شرق الطاسة.
  • اللواء 15 المدرع المستقل (الملحق على الفرقة 18 مشاة بقطاع القنطرة شرق) يتم دفعه من رأس كوبري الفرقة على المحور الشمالي بمهمة الوصول إلى منطقة بالوظة والاستيلاء على تقاطع الطريق الساحلي مع الطريق العرضي 3.

وكان التوقيت المحدد لبدء عملية التطوير شرقا في قطاع الجيش الثاني وفقا لتوجيهات العمليات التي صدرت بعد ظهر يوم 12 أكتوبر هو صباح يوم 12 أكتوبر. ونظرا لاستدعاء قائد الجيش الثاني إلى القاهرة لحضور المؤتمر الذي عقد بالمركز 10 مساء يوم 12 أكتوبر والذي ترأسه الفريق أول أحمد إسماعيل وحضره أيضا قائد الجيش الثالث، فقد انتقل اللواء تيسير العقاد رئيس أركان الجيش الثاني من مركز القيادة الرئيسي إلى مركز القيادة المتقدم للجيش الثاني كي يتولى القياد باجراءات تنظيم المعركة، حيث ان الوقت المحدد لبدء عملية تطوير الهجوم، وهو الساعة السادسة والنصف صباحا يوم 13 أكتوبر لم يكن باقيا عل حلوله أكثر من 12 ساعة فقط. وأصدر اللواء تيسير العقاد على وجه السرعة أوامر إنذارية بمضمون المهمة الى قادة التشكيلات التي ستقوم بعملية التطوير في الصباح للبدء في اجراءات التحضير للمعركة، وكذا الى قادة التشكيلات الأخرى ورؤساء الأسلحة والأفرع بالجيش الثاني للاستعداد لتأمين دفع الفرقة 21 المدرعة من راس كوبري الفرقة 16 مشاة واللواء 15 المدرع من رأس كوبري الفرقة 18 مشاة. ونظرا لأن اللواء 14 مدرع (من ضمن تشكيل الفرقة 21 المدرعة) كان ملحقا على الفرقة 16 مشاة منذ يوم 6 أكتوبر، وقد تم عبوره قناة السويس ليلة 6/7 أكتوبر، وكان متمركزا في هذا الوقت في المنطقة شرق طوسون، فقد صدرت تعليمات عاجلة بأن يقوم اللواء الأول المدرع الذي كان متمركزا ضمن باقي قوات الفرقة في النسق الثاني غرب القناة بعبور قناة السويس ليلة 12/13 أكتوبر، وأتم اللواء تمركزه في منطقة الانتظار المحددة له حوالي الساعة الثامنة والنصف صباح يوم 13 أكتوبر. وفي الساعة الحادية عشرة مساء يوم 12 أكتوبر كان اللواء سعد مأمون قد اتصل من المركز 10 بالقاهرة عقب انتهاء المؤتمر برئيس أركان الجيش الثاني وأبلغه بأن تنفيذ المهمة قد تأجل لمدة 24 ساعة، أي أن تطوير الهجوم سوف يبدأ في الساعة السادسة والنصف يوم 14 أكتوبر. وأمره بنقل مركز قيادة الجيش المتقدم من منطقة أبو صوير إلى المركز التبادلي بالإسماعيلية قبل منتصف الليل، وأن يدعو القادة والرؤساء لحضور مؤتمر بمركز القيادة الجديد في الساعة الثامنة صباح اليوم التالي (السبت 13 أكتوبر).

وقد تم عقد المؤتمر بمركز القيادة المتقدم للجيش الثاني بالإسماعيلية برئاسة اللواء سعد مأمون وقد حضره رئيس أركان الجيش الثاني، وقادة التشكيلات الميدانية، ورؤساء الأسلحة والأفرع الرئيسية بالجيش، وقام رئيس استطلاع الجيش الثاني في بداية المؤتمر بشرح الموقف العام للعدو على مواجهة الجيش الثاني وفقا للمعلومات المتوافرة لديه. وقد تبين أنه يوجد للعدو حوالي 230 دبابة على اتصال برؤوس كباري الفرق المصرية الثلاث 16و 2و 18 مشاة، وهي باقيا الألوية المدرعة التي سبق لهذه الفرق صد وتحطيم هجماتها المضادة في الأيام السابقة. وقد قامت مفارز من هذه الدبابات باحتلال خطوط صد تم اختيارها بعناية باستغلال طبيعة الأرض على طرق الاقتراب المحتملة لقواتنا بعد تدعيمها بساتر من الصواريخ المضادة للدبابات، وقد تمكن العدو من حشد لوائين مدرعين ولواء مشاة ميكانيكي كاحتياطي تعبوي أمام مواجهة الجيش الثاني.

وكان التخطيط الذي وضعه العدو عقب اكتشافه نوايانا لتطير الهجوم شرقا هو الاستعداد لصد القوات المصرية القائمة بتطوير الهجوم عن طريق خطوط الصد السابق تجهيزها بالدبابات والمدعمة بالاحتياطيات المدرعة والستائر المضادة للدبابات وباجراء التعاون مع الطيران الإسرائيلي لمحاولة تدميرها، مع الاحتفاظ باحتياطي تعبوي قوي من القوات المدرعة والميكانيكية استعدادا لانتزاع المبادأة من القوات المصرية عقب القضاء على عملية تطوير الهجوم، والقيام على الفور بتوجيه ضربة مضادة قوية كي تفقد القوات المصرية توزانها. وشرح اللواء سعد مأمون للقادة الحاضرين قرار القيادة العامة بتطوير الهجوم شرقا بقصد تخفيف الضغط على الجبهة السورية، وحدد بشكل عام المهمة التي أوكل إلى الجيش الثاني تحقيقها، وهي الاستيلاء على الخط العام الطاسة-بالوظة عل الطريق العرضي 3، والذي يبلغ عمقه حوالي 15 كم، وذكر بأن القيادة العامة قررت تخصيص مجهود جوي رئيسي لتأمين دفع وتطوير العملية الهجومية للجيش الثاني. وعلى أثر ذلك قام بتأكيد المهام للقادة التي سبق تخصيصها لهم وفقا للخطة الموضوعة، وحدد الاجراءات التي قرر اتخاذها لتأمين أوضاع راس كوبري الجيش والقوات القائمة بالتطوير، وكانت تتخلص فيما يلي:

  • تقوم الفرقة الثانية المشاة بدفع كتيبة مشاة ميكانيكية مدعمة من اللواء الميكانيكي بالفرقة للعمل كمفرزة أمامية والتقدم على محور طريق عرام (الطريق الممتد من الفردان إلى الطريق العرضي 3) بمهمة تأمين الجنب الأيسر للفرقة 21 المدرعة أثناء تقدمها شرقا.
  • تقوم الفرقة 18 مشاة] بدفع كتيبة مشاة ميكانيكية مدعمة من اللواء الميكانيكي بالفرقة للعمل كمرفزة أمامية والتقدم على محور طريق القنطرة حوض أبو سمارة بمهمة الاستيلاء عل تقاطع الطرق في منطقة أبو سمارة، وتأمين الجنب اليمين للواء 15 المدرع المستقل في أثناء تقدمه شرقا.
  • يتم سحب اللواء 24 مدرع (من الفرقة 23 مشاة ميكانيكية والملحق على الفرقة الثانية مشاة منذ بدء الحرب) من تجميع الفرقة الثانية المشاة ليتمركز في منطقة المحطة 3 شرق الإسماعيلية ليكون احتياطيا في يد قائد الجيش الثاني لصالح رأس كوبري الجيش الثاني الموحد (الفرقة 16 والفرقة 2 مشاة) نظرا لاشتراك اللواء 14 المدرع (الذي كان ملحقا على الفرقة 16 مشاة) ضمن قوات الفرقة 21 المدرعة في عملية التطوير. وعقب انتهاء المؤتمر عرض القادة فكرة قراراتهم على قائد الجيش الثاني للتصديق عليها. وكانت فكرة قرار العميد أ. ح ابراهيم العرابي قائد الفرقة 21 المدرعة (المجهود الرئيسي للجيش الثاني في عملية تطوير الهجوم) التي عرضها على قائد الجيش الثاني تتضمن تقدم الفرقة جنوب الطريق الأوسط في اتجاه الطاسة بهدف الاستيلاء عليها. ويكون التقدم في نسقين:
  • النسق الأول – اللواء الأول المدرع في اليمين (المجهود الرئيسي للفرقة) واللواء 14 المدرع في اليسار.
  • النسق الثاني – اللواء 18 مشاة ميكانيكي.

وقد صدق اللواء سعد مأمون قائد الجيش الثاني على قرار قائد الفرقة، وبعد أن أجرى قائد الفرقة 21 المدرعة استطلاعه بسرعة نظرا لضيق الوقت قام بتخصيص المهمة لقائد كل من اللواء الأول المدرع، واللواء 14 المدرع (النسق الأول للفرقة) في الساعة الخامسة مساء في مركز القيادة المتقدم للفرقة 16 مشاة. ولم يتسر للقائدين فسحة كافية من الوقت لاجراء استطلاعهما على الأرض، فقد كان الوقت المتبقي قبل آخر ضوء لا يتجاوز 30 ديقة. أما قادة الكتائب المدرعة فقد اشتركوا بكتائبهم في المعركة في اليوم التالي دون أن يتسنى لهم أو لقادة سراياهم القيام باي استطلاع على الأرض مما يخالف جميع القواعد والأصول التكتيكية. ولم يتمكن قائد الفرقة 21 المدرعة نظرا لضيق الوقت من تخصيص المهمة لقائد اللواء 18 المشاة الميكانيكي (النسق الثاني) إلا في الساعة الرابعة صباحا يوم 14 أكتوبر أي قبل ساعتين ونصف الساعة فقط من بدء المعركة. ونظراً لأن مجموعة كبيرة من وحدات الفرقة 21 مدرعة كان قد تم تدعيم الفرقة 16 مشاة بها منذ بدء العمليات في 6 أكتوبر أو في الأيام التالية لها، لذلك لم يتيسر الوقت لاصدار أوامر قتال تفصيلية لهذه الوحدات بحكم انتشارها داخل رأس كوبري الفرقة 16 مشاة. هذا وقد تم اجراء عملية تنظيم التعاون بين الفرقة 21 المدرعة وبين الفرقتين 16 و2 مشاة لفتح الثغرات في حقول الألغام أمام اللواءين المدرعين، ليمكن دفعهما من خطوط الدفع المحددة لهما في الخطة. كذلك تم تنظيم التعاون بين عناصر الصاعقة التي كان من المقرر دفعها إلى جنوب غرب الطاسة، ولكن الاتصال انقطع مع هذه العناصر منذ لحظة دفعها. وبناء على تعليمات العميد أ. ح ابراهيم العرابي قائد الفرقة 21 المدرعة بدأ اللواء 18 مشاة الميكانيكي في عبور قناة السويس في حوالي الساعة الرابعة صباحا، ولكن عبوره تأخر بعض الوقت لتعطل أحد الكباري بسبب قصف مدفعية العدو بعيدة المدى. وأخيرا تم للواء بعد اتمام عبوره التمركز في منطقة انتظار أمامية شرق طوسون صباح يوم 14 أكتوبر تمهيدا للتحرك شرقا إلى منطقة الطالية استعدادا لدفعه للاشتباك بأمر من قائد الفرقة.

معركة الفرقة 21 المدرعة

وفي الساعة السادسة والنصف صباح يوم 14 أكتوبر، تم دفع الفرقة 21 المدرعة من خط الدفاع المحدد لها داخل راس كوبري الفرقة 16 مشاة (اللواء الأول المدرع في اليمين، واللواء 14 المدرع في اليسار) وتم تأمين دفعها بضربة جوية في اتجاه المجهود الرئيسي (اللواء الأول المدرع) من الساعة السادسة إلى الساعة السادسة والربع صباحا، اشتركت فيه 16 كتيبة مدفعية واستهلت فيه 0.4 وحدة نارية.

وفي الساعة الواحدة والنصف صباح يوم 13 أكتوبر وصل قائد اللواء الى مركز قيادته المتقدم، حيث كانت مجموعة الأوامر في انتظاره، وتم له تخصيص المهام لقادة وحداته الفرعية، وكان قراره بشأن تشكيل قتال اللواء يقضي بأن تعين كتيبة النسق الثاني للواء للعمل كمفرزة متقدمة، على أن تدعم بتكيبة دبابات الفرقة وعناصر التدعيم الأخرى الازمة لها، وتدفع من خط دفع اللواء في ساعة س على أن تتبعها الكتيبتان الخلفيتان بفاصل حوالي من 3 إلى 5 كم، ويجري التحرك بواحدة منهما على يمين طريق الجدي وبالكتيبة الأخرى على يسار الطريق (كانت كتيبة اليمين مزودة بمركبات ب ك المدرعة بينما كانت كتيبة اليسار مزودة بمركبات B.M.P المدرعة)، والى الخلف من الكتيبتين تسير مجموعة مدفعية اللواء التي تتبعها احتياطيات اللواء. وفي الساعة السادسة والنصف صباحا يوم 13 أكتوبر عبرت كتيبة المفرزة المتقدمة خط الدفع بعد قصفة نيران لمدة 15 دقيقة من مجموعة مدفعية الفرقة بطريقة الطرب الحسابي، ولكن دون أن تنضم اليها كتيبة دبابات الفرقة، فقد تأخرت في الووصل بسبب ضيق الوقت الذي كان مخصصا للتحضير للمعركة. ولنفس هذا السبب لم تصل سرية الصواريخ المضادة للدبابات، ولا كتيبة المدفعية المضادة للطائرات، مما أدى إلى تحرك تشكيل قتال اللواء بدون هذه الوحدات. وكن قائد اللواء قد قام بدفع كتيبة من الصاعقة في الساعة الخامسة صباحا أي قبل موعد دفع اللواء بساعة ونصف ساعة في اتجاه محور التقدم. وقد نجحت عناصر من الصاعقة في التسلل من خلال مواقع العدو والوصول خلف دفاعاته التي تواجه محور تقدم اللواء، وكانت لها فائدة كبيرة في أثناء المعركة من ناحية الابلاغ عن مواقع العدو وتحرك احتياطياته وتأثير نيران مدفعيتنا على مواقعه.

ولم تكد كتيبة المفرزة المتقدمة تتحرك حوالي كيلو متر ونصف شرقا على طريق الجدي حتى أجبرت على التوقف والفتح في تشكيل القتال، نظرا لاصطدامها بقوة من العدو تقدر بسرية دبابات تعاونها نيران المدفعية وساتر من الصواريخ المضادة للدبابات SS II كانت متحصنة في مواقع دفاعية في منطقة تقاطع طريق الجدي مع الطريق العرضي 3. واشتبكت الكتيبة في الحال مع عناصر العدو بالنيران، وحوالي الساعة الثامنة والنصف صباحا وصلت كتيبة دبابات الفرقة، إلا أنها لم تتمكن من الانضمام إلى تشكيل قتال كتيبة المفرزة المتقدمة نظرا لكثافة الصواريخ المضادة للدبابات التي أطلقت عليها مما أرغمها على التوقف خلف تشكيل قتال الكتيبة بمساقة 100 متر. والى الخلف من كتيبة الدبابات اتخذ مركز قيادة اللواء المتقدم موقعه لمراقبة المعركة، وإزاء التوقف الذي جرى ولتدمير العدو المواجه لتشكيل قتال اللواء، قرر قائد اللواء دفع الكتيبة الخلفية اليسار المزودة بالمركبات المدرعة B.M.P بعد قصفة نيران لمدة 15 دقيقة من مجموعة مدفعية اللواء للالتفاف على الجنب الأيسر للعدو وتدميره في مواقعه أو ارغامه على الانسحاب وذلك بالاستفادة من طبيعة الأرض في هذا الاتجاه وباستغلال السرعة التي تتميز بها هذه المركبات (حوالي 30 كم في الساعة). وقد صدق قائد الفرقة على قرار قائد اللواء.

وفي حوالي الساعة الحادية عشرة والنصف صباحا، تم دفع الكتيبة المدرعة B.M.P من أقصى يمين كتيبة المفرزة المتقدمة في اتجاه الجنب الأيسر للعدو واتخذت الكتيبة تشكيل القتال ولكنها لم تتمكن من التقدم أكثر من 2 كم قم توقفت بسبب تركيز العدو نيران مدفعيته وصواريخه المضادة للدبابات على تشكيل قتال هذه الكتيبة. كما قام العدو بتركيز قصفه الجوي على تشكيل قتال اللواء، مما أحدث بالوحدات خسائر كبيرة. وازاء عجز المركبات المدرعة عن التقدم في وجه الستائر المضادة للدبابات، أمر قائد اللواء باخفاء المركبات المدرعة خلف الثنيات الأرضية والكثبان الرملية، ونزول أطقمها منها للعمل كأفراد مشاة عاديين على الأقدام، واستخدام طريقة الضرب بالنيران مع الحركة لمحاولة التقدم إلى مواقع العدو تحت ستر نيران الدبابات والمركبات المدرعة المستترة في الخلف. وكان القرار سببا في نجاح بعض الفصائل في الوصول إلى مسافات قريبة من العدو، فقد أصدر قائد الفرقة 7 مشاة في حوالي الساعة الواحدة ظهرا أمرا عن طريق اللاسلكي الى قائد اللواء بوقف تقدم اللواء والارتداد فورا إلى أوضاعه الأصلية داخل رأس كوبري الفرقة، ولكن قائد اللواء اقترح على قائد الفرقة تأجيل تنفيذ قراره بالارتداد حتى آخر ضوء يوم 13 أكتوبر، نظرا لأن وحداته في حالة اشتباك مع العدو، وفي حالة محاولتها التخلص من الاشتباك والارتداد غربا في اتجاه رأس كوبري الفرقة فإن العدو سوف يقوم بمطاردتها ويوقع بوحدات اللواء خسائر فاحدة. وقد صدق قائد الفرقة على اقتراح قائد اللواء.


مقتل الجنرال ماندلر

ونتيجة للبحث الدقيق الذي أجريناه بشأن مصرع الجنرال الإسرائيلي ألبرت ماندلر، اتضح لنا أنه خلال المعركة الحامية التي نشبت بين وحدات اللواء 11 المشاة الميكانيكي والقوات الإسرائيلية التي كانت تسد عليها طريق التقدم إلى تجاه ممر الجدي، حدث أن مجموعة مدفعية اللواء أثناء قيامها بقصف مواقع العدو أصابت احدى قذائفها مركبة القيادة التي كانت يستقلها الجنرال ألبرت ماندلر قائد القطاع الجنوبي في سيناء عندما كان يقوم باستطلاع أرض المعركة بمنظاره المكبر من أحد مراكز المراقبة بالخط الأمامي مما أدى إلى مصرع أربعة من ركابها منهم ألبرت ماندلر ورافي أونجر مراسل الإذاعة الإسرائيلية الذي كان قد ألحق بفرقته. وقد سبق أو أوردنا قصة مصرع الجنرال ماندلر في بداية هذا الفصل. وعند آخر ضوء يوم 13 أكتوبر وصل اللواءعبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث والعميد أ. ح أحمد بدوي قائد الفرقة السابعة المشاة إلى مقر القيادة الأمامي للواء المشاة الميكانيكي. وبعد التداول في الموقف صدر الأمر الى قائد اللواء باعادة الوحدات الفرعية للواء إلى مواقعها الأصلية بداخل رأس كوبري الفرقة والاستعداد لتطوير الهجوم شرقا في الساعة السادسة والنصف صباح اليوم التالي 14 أكتوبر مع باقي المفارز المتقدمة على طول خط الجبهة لتحقيق نفس المهمة التي سبق تخصيصها للواء صباح يوم 13 أكتوبر. وكان السبب في ذلك كما سبق أن ذكرنا يرجع إلى إغفال إخطار قائد الفرقة السابعة بقرار تأجيل التطوير لمدة 24 ساعة.

وقد تقدم قائد اللواء 11 المشاة الميكانيكي بمطلبين أساسيين إلى قائد الجيش الثالث حتى يمكنه تحقيق المهمة المطلوبة منه بنجاح في اليوم التالي. وكان المطلبان هما:

1- تأجيل موعد دفع اللواء للاشتباك من الساعة السادسة والنصف صباحا إلى الساعة الواحدة ظهرا يوم 14 أكتوبر، حتى يمكن في الصباح اعادة ملء المركبات المدرعة بالوقود واستعاضة الذخائر واعادة تنظيم اللواء بعد المعارك العنيفة التي خاضتها وحداته مع العدو.

2- دعم اللواء بتكيبة دبابات اضافية من اللواء 25 مدرع مستقل (الملحق على الفرقة 7 مشاة) ليتم دفعها للاشتباك من الجنب الأيمن للواء في اتجاه تقاطع طريق الجدي مع الطريق العرضي 3، مع قيامها بحركة التفاف على يسار العدو المتمركز في منطقة تقاطع الطريق وشغله بالنيران، في الوقت الذي يتم فيه دفع اللواء من خط دفعه للاشتباك. ولهذا السبب اقترح قائد اللواء أن يتم دفع كتيبة الدبابات من خط الدفع للاشتباك قبل دفع كتيبة المفرزة الأمامية للواء بحوالي 15 دقيقة.

وقد قرر قائد الجيش الثالث التصديق على مطلبي قائد اللواء، كما تقرر تأمين ارتداد وحدات اللواء الأمامية التي كانت ما تزال مشتبكة مع العدو إلى رأس كوبري الفرقة بقصفة نيران من مدفعية اللواء ومدفعية الفرقة. وقد تم للواء الارتداد غربا تحت ستر نيران المدفعية واستعادة أوضاعه الدفاعية في رأس الكوبري حوالي الساعة الثانية صباح يوم 14 أكتوبر. وفي الساعة التاسعة صباحا، وأثناء قيام وحدات اللواء بالتجهيز للمعركة، أجرى قائد اللواء تأكيد المهام على قادة وحداته الفرعية كما خصص المهمة الجديد لقائد كتيبة الدبابات التي أرسلت من اللواء 25 مدرع المستقل.

وفي حوالي الساعة الواحدة ظهرا يوم 14 أكتوبر تم دفع كتيبة الدبابات من اللواء 25 مدرع مستقل من خط الدفع المحدد لها بعد تأمين دفعها بقصفة نيران من المدفعية لمدة 15 دقيقة . وقد أمكن لكتيبة الدبابات التقدم في اتجاه تقاطع الطرق بسرعة كبيرة إلى الحد الذي جعلها تقطع مسافة 7 كم في 15 دقيقة حتى أوشكت على تحقيق أهداف هجومها. وكانت الكتيبة قد اشتبكت مع العدو خلال تقدمها ودمرت له حوالي 5 دبابات. إلا أنه في حوالي الساعة الواحدة والربع ظهرا صدرت الأوامر من قيادة الجيش الثالث بوقف دفع اللواء المشاة الميكانيكي، وكذا انسحاب كتيبة الدبابات التي دفعت من قبل إلى رأس كوبري الفرقة 7 مشاة، ويبدو أن السبب في ذلك يرجع إلى قرار اتحذته القيادة العامة في المركز 10 بالقاهرة بعد ادراكها فشل عملية تطوير الهجوم على المحاور الأخرى. وكانت عملية التطوير على تلك المحاور قد بدأت في الساعة السادسة والنصف صباحا أي قبل أكثر من 6 ساعات من بدء عملية التطوير على طريق ممر الجدي. وعقب وصول هذه التعليمات من قيادة الفرقة 7 مشاة إلى قائد اللواء أصدر أوامره الى وحدات اللواء التي كانت على وشك التحرك في الموعد المحدد للدفع للاشتباك الى التمسك بمواقعها داخل رأس كوبري الفرقة، وأصدر أمرا عن طريق اللاسلكي الى قائد كتيبة الدبابات بالارتداد إلى رأس كوبري الفرقة. ونظرا لأن عملية التخلص من الاشتباك مع العدو والارتداد غربا قد تمت في أثناء النهار، لذلك عاود العدو هجماته العنيفة على مؤخرة كيبة الدبابات وعلى السرية التي كلفت بستر ارتدادها، كما قام بتركيز نيران مدفعيته عليها مما أدى إلى وقوع خسائر جسيمة بالكتيبة، فقد فقدت 13 دبابة وأصيب عدد كبير من أفرادها، كما استشهد قائدها بعد اصابة دبابته بصاروخ مضاد للدبابات، وقد قامت مدفعية الفرقة 7 مشاة بستر ارتداد كتيبة الدبابات بجميع وسائل النيران المتيسرة بناء على أوامر قائد الفرقة. وحوالي الساعة الرابعة مساء تمكنت الكتيبة من دخول رأس كوبري الفرقة السابعة مشاة.

خطة تطوير الهجوم شرقا في الجيش الثاني

على الرغم من أن عملية تطوير الهجوم شرقا التي جرت في قطاع الجيش الثاني صباح يوم 14 أكتوبر 1973 كانت تتفق مع عملية التطوير التي جرت في قطاع الجيش الثالث من حيث توقيت الهجوم، ومن جهة عمق الأهداف المطلوب تحقيقها، فان الاختلال الوحيد بينهما كان منحصرا في ناحية الحجم، فقد كان حجم القوات التي اشتركت في قطاع الجيش الثاني يفوق كثيرا – خاصة في الدبابات – حجمها في قطاع الجيش الثالث، وكان السبب في ذلك يعود إلى أن المجهود الرئيسي لعملية تطوير الهجوم وفقا للخطة التي وضعتها القيادة العامة كان يقع في نطاق الجيش الثاني. وكانت خطة التطوير في قطاع الجيش الثاني تتلخص فيما يلي:

  • الفرقة 21 المدرعة (النسق الثاني للجيش الثاني) يتم دفعها من رأس كوبري الفرقة 16 مشاة بمهمة الوصول إلى الخط العام – الطريق العرضي 3 – والاستيلاء على الطاسة. ويرجع السبب في تخصيص فرقة مدرعة كاملة للاستيلاء على الطاسة إلى أهمية موقعها الحيوي بالنسبة خط المواجهة مع إسرائيل. فعلاوة على وقوعها في منطقة تقاطع الطريق الأوسط مع الطريق العرضي 3، فقد كانت تضم مركز القيادة المتقدم للقطاع الأوسط الذي يتولى قيادته الجنرال أرئيل شارون، كما كانت منطة تمركز الاحتياطيات التعبوية الإسرائيلية باعتبارها موقعا متوسطا بالنسبة لجبهة القتال يمكن منه دفع الوحدات المدرعة والميكانيكية إلى أي قطاع مهدد في الجبهة شمالا أو جنوبا باستخدام الطريق العرضي 3 وكان الاستيلاء على الطاسة يفتح الطريق على مصراعيه أمام القوات المصرية للتقدم شرقا دون الحاجة إلى اختراق مضايق أو اجتياز أي موانع طبيعية. كما كان يشكل في نفس الوقت تهديدا خطيرا لمركز القيادة المتقدم للقيادة الجنوبية الإسرائيلية في منطقة أم مرجم التي تبعد حوالي 40 كم فقط شرق الطاسة.
  • اللواء 15 المدرع المستقل (الملحق على الفرقة 18 مشاة بقطاع القنطرة شرق) يتم دفعه من رأس كوبري الفرقة على المحور الشمالي بمهمة الوصول إلى منطقة بالوظة والاستيلاء على تقاطع الطريق الساحلي مع الطريق العرضي 3.

وكان التوقيت المحدد لبدء عملية التطوير شرقا في قطاع الجيش الثاني وفقا لتوجيهات العمليات التي صدرت بعد ظهر يوم 12 أكتوبر هو صباح يوم 12 أكتوبر. ونظرا لاستدعاء قائد الجيش الثاني إلى القاهرة لحضور المؤتمر الذي عقد بالمركز 10 مساء يوم 12 أكتوبر والذي ترأسه الفريق أول أحمد إسماعيل وحضره أيضا قائد الجيش الثالث، فقد انتقل اللواء تيسير العقاد رئيس أركان الجيش الثاني من مركز القيادة الرئيسي إلى مركز القيادة المتقدم للجيش الثاني كي يتولى القياد باجراءات تنظيم المعركة، حيث ان الوقت المحدد لبدء عملية تطوير الهجوم، وهو الساعة السادسة والنصف صباحا يوم 13 أكتوبر لم يكن باقيا عل حلوله أكثر من 12 ساعة فقط. وأصدر اللواء تيسير العقاد على وجه السرعة أوامر إنذارية بمضمون المهمة الى قادة التشكيلات التي ستقوم بعملية التطوير في الصباح للبدء في اجراءات التحضير للمعركة، وكذا الى قادة التشكيلات الأخرى ورؤساء الأسلحة والأفرع بالجيش الثاني للاستعداد لتأمين دفع الفرقة 21 المدرعة من راس كوبري الفرقة 16 مشاة واللواء 15 المدرع من رأس كوبري الفرقة 18 مشاة. ونظرا لأن اللواء 14 مدرع (من ضمن تشكيل الفرقة 21 المدرعة) كان ملحقا على الفرقة 16 مشاة منذ يوم 6 أكتوبر، وقد تم عبوره قناة السويس ليلة 6/7 أكتوبر، وكان متمركزا في هذا الوقت في المنطقة شرق طوسون، فقد صدرت تعليمات عاجلة بأن يقوم اللواء الأول المدرع الذي كان متمركزا ضمن باقي قوات الفرقة في النسق الثاني غرب القناة بعبور قناة السويس ليلة 12/13 أكتوبر، وأتم اللواء تمركزه في منطقة الانتظار المحددة له حوالي الساعة الثامنة والنصف صباح يوم 13 أكتوبر. وفي الساعة الحادية عشرة مساء يوم 12 أكتوبر كان اللواء سعد مأمون قد اتصل من المركز 10 بالقاهرة عقب انتهاء المؤتمر برئيس أركان الجيش الثاني وأبلغه بأن تنفيذ المهمة قد تأجل لمدة 24 ساعة، أي أن تطوير الهجوم سوف يبدأ في الساعة السادسة والنصف يوم 14 أكتوبر. وأمره بنقل مركز قيادة الجيش المتقدم من منطقة أبو صوير إلى المركز التبادلي بالإسماعيلية قبل منتصف الليل، وأن يدعو القادة والرؤساء لحضور مؤتمر بمركز القيادة الجديد في الساعة الثامنة صباح اليوم التالي (السبت 13 أكتوبر).

وقد تم عقد المؤتمر بمركز القيادة المتقدم للجيش الثاني بالإسماعيلية برئاسة اللواء سعد مأمون وقد حضره رئيس أركان الجيش الثاني، وقادة التشكيلات الميدانية، ورؤساء الأسلحة والأفرع الرئيسية بالجيش، وقام رئيس استطلاع الجيش الثاني في بداية المؤتمر بشرح الموقف العام للعدو على مواجهة الجيش الثاني وفقا للمعلومات المتوافرة لديه. وقد تبين أنه يوجد للعدو حوالي 230 دبابة على اتصال برؤوس كباري الفرق المصرية الثلاث 16و 2و 18 مشاة، وهي باقيا الألوية المدرعة التي سبق لهذه الفرق صد وتحطيم هجماتها المضادة في الأيام السابقة. وقد قامت مفارز من هذه الدبابات باحتلال خطوط صد تم اختيارها بعناية باستغلال طبيعة الأرض على طرق الاقتراب المحتملة لقواتنا بعد تدعيمها بساتر من الصواريخ المضادة للدبابات، وقد تمكن العدو من حشد لوائين مدرعين ولواء مشاة ميكانيكي كاحتياطي تعبوي أمام مواجهة الجيش الثاني.

وكان التخطيط الذي وضعه العدو عقب اكتشافه نوايانا لتطير الهجوم شرقا هو الاستعداد لصد القوات المصرية القائمة بتطوير الهجوم عن طريق خطوط الصد السابق تجهيزها بالدبابات والمدعمة بالاحتياطيات المدرعة والستائر المضادة للدبابات وباجراء التعاون مع الطيران الإسرائيلي لمحاولة تدميرها، مع الاحتفاظ باحتياطي تعبوي قوي من القوات المدرعة والميكانيكية استعدادا لانتزاع المبادأة من القوات المصرية عقب القضاء على عملية تطوير الهجوم، والقيام على الفور بتوجيه ضربة مضادة قوية كي تفقد القوات المصرية توزانها.

وشرح اللواء سعد مأمون للقادة الحاضرين قرار القيادة العامة بتطوير الهجوم شرقا بقصد تخفيف الضغط على الجبهة السورية، وحدد بشكل عام المهمة التي أوكل إلى الجيش الثاني تحقيقها، وهي الاستيلاء على الخط العام الطاسة-بالوظة عل الطريق العرضي 3، والذي يبلغ عمقه حوالي 15 كم، وذكر بأن القيادة العامة قررت تخصيص مجهود جوي رئيسي لتأمين دفع وتطوير العملية الهجومية للجيش الثاني. وعلى أثر ذلك قام بتأكيد المهام للقادة التي سبق تخصيصها لهم وفقا للخطة الموضوعة، وحدد الاجراءات التي قرر اتخاذها لتأمين أوضاع راس كوبري الجيش والقوات القائمة بالتطوير، وكانت تتخلص فيما يلي:

  • تقوم الفرقة الثانية المشاة بدفع كتيبة مشاة ميكانيكية مدعمة من اللواء الميكانيكي بالفرقة للعمل كمفرزة أمامية والتقدم على محور طريق عرام (الطريق الممتد من الفردان إلى الطريق العرضي 3) بمهمة تأمين الجنب الأيسر للفرقة 21 المدرعة أثناء تقدمها شرقا.
  • تقوم الفرقة 18 مشاة بدفع كتيبة مشاة ميكانيكية مدعمة من اللواء الميكانيكي بالفرقة للعمل كمرفزة أمامية والتقدم على محور طريق القنطرة حوض أبو سمارة بمهمة الاستيلاء عل تقاطع الطرق في منطقة أبو سمارة، وتأمين الجنب اليمين للواء 15 المدرع المستقل في أثناء تقدمه شرقا.
  • يتم سحب اللواء 24 مدرع ( من الفرقة 23 مشاة ميكانيكية والملحق على الفرقة الثانية مشاة منذ بدء الحرب) من تجميع الفرقة الثانية المشاة ليتمركز في منطقة المحطة 3 شرق الإسماعيلية ليكون احتياطيا في يد قائد الجيش الثاني لصالح رأس كوبري الجيش الثاني الموحد (الفرقة 16 والفرقة 2 مشاة) نظرا لاشتراك اللواء 14 المدرع (الذي كان ملحقا على الفرقة 16 مشاة) ضمن قوات الفرقة 21 المدرعة في عملية التطوير. وعقب انتهاء المؤتمر عرض القادة فكرة قراراتهم على قائد الجيش الثاني للتصديق عليها. وكانت فكرة قرار العميد أ. ح ابراهيم العرابي قائد الفرقة 21 المدرعة (المجهود الرئيسي للجيش الثاني في عملية تطوير الهجوم) التي عرضها على قائد الجيش الثاني تتضمن تقدم الفرقة جنوب الطريق الأوسط في اتجاه الطاسة بهدف الاستيلاء عليها. ويكون التقدم في نسقين:

- النسق الأول – اللواء الأول المدرع في اليمين (المجهود الرئيسي للفرقة) واللواء 14 المدرع في اليسار.

- النسق الثاني – اللواء 18 مشاة ميكانيكي.

وقد صدق اللواء سعد مأمون قائد الجيش الثاني على قرار قائد الفرقة، وبعد أن أجرى قائد الفرقة 21 المدرعة استطلاعه بسرعة نظرا لضيق الوقت قام بتخصيص المهمة لقائد كل من اللواء الأول المدرع، واللواء 14 المدرع (النسق الأول للفرقة) في الساعة الخامسة مساء في مركز القيادة المتقدم للفرقة 16 مشاة. ولم يتسر للقائدين فسحة كافية من الوقت لاجراء استطلاعهما على الأرض، فقد كان الوقت المتبقي قبل آخر ضوء لا يتجاوز 30 ديقة. أما قادة الكتائب المدرعة فقد اشتركوا بكتائبهم في المعركة في اليوم التالي دون أن يتسنى لهم أو لقادة سراياهم القيام باي استطلاع على الأرض مما يخالف جميع القواعد والأصول التكتيكية. ولم يتمكن قائد الفرقة 21 المدرعة نظرا لضيق الوقت من تخصيص المهمة لقائد اللواء 18 المشاة الميكانيكي (النسق الثاني) إلا في الساعة الرابعة صباحا يوم 14 أكتوبر أي قبل ساعتين ونصف الساعة فقط من بدء المعركة.ونظرا لأن مجموعة كبيرة من وحدات الفرقة 21 مدرعة كان قد تم تدعيم الفرقة 16 مشاة بها منذ بدء العمليات في 6 أكتوبر أو في الأيام التالية لها، لذلك لم يتيسر الوقت لاصدار أوامر قتال تفصيلية لهذه الوحدات بحكم انتشارها داخل رأس كوبري الفرقة 16 مشاة. هذا وقد تم اجراء عملية تنظيم التعاون بين الفرقة 21 المدرعة وبين الفرقتين 16 و2 مشاة لفتح الثغرات في حقول الألغام أمام اللواءين المدرعين، ليمكن دفعهما من خطوط الدفع المحددة لهما في الخطة. كذلك تم تنظيم التعاون بين عناصر الصاعقة التي كان من المقرر دفعها إلى جنوب غرب الطاسة، ولكن الاتصال انقطع مع هذه العناصر منذ لحظة دفعها. وبناء على تعليمات العميد أ. ح ابراهيم العرابي قائد الفرقة 21 المدرعة بدأ اللواء 18 مشاة الميكانيكي في عبور قناة السويس في حوالي الساعة الرابعة صباحا، ولكن عبوره تأخر بعض الوقت لتعطل أحد الكباري بسبب قصف مدفعية العدو بعيدة المدى. وأخيرا تم للواء بعد اتمام عبوره التمركز في منطقة انتظار أمامية شرق طوسون صباح يوم 14 أكتوبر تمهيدا للتحرك شرقا إلى منطقة الطالية استعدادا لدفعه للاشتباك بأمر من قائد الفرقة.

معركة الفرقة 21 المدرعة

وفي الساعة السادسة والنصف صباح يوم 14 أكتوبر، تم دفع الفرقة 21 المدرعة من خط الدفاع المحدد لها داخل راس كوبري الفرقة 16 مشاة (اللواء الأول المدرع في اليمين، واللواء 14 المدرع في اليسار) وتم تأمين دفعها بضربة جوية في اتجاه المجهود الرئيسي (اللواء الأول المدرع) من الساعة السادسة إلى الساعة السادسة والربع صباحا، اشتركت فيه 16 كتيبة مدفعية واستهلت فيه 0.4 وحدة نارية.

وفي الساعة الثامنة صباحا اصطدمت قوات الفرقة بمقاومة شديدة من مواقع مجهزة للعدو على الخط العام النقطة 118 – القطاوية – النقطة 146 جنوب وشمال الطريق الأوسط – كثيب عفان (شمال الطريق الأوسط). وفي نفس الوقت وصلت معلومات تفيد بأن العدو بدأ يحرك احتياطيه المدرع في اتجاه حبيطة على الجانب الأيمن للفرقة 16 مشاة. وكان موقف اللواء الأول المدرع بالغ السوء منذ بدء تحركه. فقد تعرض لقصف مركز من مدفعية العدو البعيدة المدى من عيار 175 مم، علاوة على نيران كثيفة من الدبابات وستائر الصواريخ المضادة للدبابات من النقطة 118 مما أدى إلى استشهاد العقيد أ.ح محمد توفيق أبو شادي قائد اللواء وكذا قائد مدفعية اللواء في أول 15 دقيقة من المعركة، وتدمير دبابة قائد كتيبة اليسار وتولى رئيس أركان اللواء مسئولية القيادة. وأدى هذا الموقف بالاضافة إلى شدة وكثافة النيران التي تركزت على وحدات اللواء الى ضياع السيطرة، خاصة بعد انقطاع الاتصال بين قيادة اللواء وبعض وحداته الفرعية. ونتيجة لذلك فقدت بعض هذه الوحدات اتجاهها، وتحركت نحو الشمال لتفادي المقاومات الشديدة التي أوقفت تقدمها بدلا من الاتجاه نحو الشرق وفقا للخطة الموضوعة، مما أدى إلى التصاق بعض سرايا الدبابات من اللواء الأول المدرع بوحدات اللواء 14 المدرع.

وكان موقف اللواء 14 المدرع أفضل من موقف اللواء الأول، فقد نجح في تدمير موقع العدو الذي اعترض طريق تقدمه، وتمكن من التقدم حوالي خمسة كيلو مترات أمام الحد الأمامي لرأس كوبري الفرقة 16 مشاة، ومن الوصول إلى الخط العام كثيب الصناعات كثيب عيفان، ولكنه أرغم على التوقف أمام نيران الدبابات والستائر المضادة للدبابات التي تركزت على وحداته من موقع العدو الحصين والسابق التجهيز في النقطة 146 شمال وجنوب الطريق الأوسط.

وفي الساعة الثامنة والنصف صباحا أصيب اللواء سعد مأمون قائد الجيش الثاني الذي كان يتابع موقف الفرقة 21 المدرعة من مركز القيادة المتقدم للجيش بنوبة قلبية، وقد بادر بالاتصال باللواء تيسير العقاد رئيس أركان الجيش الذي كان موجودا في الخلف في مركز القيادة الرئيسي للجيش وأبلغه بمرضه، ودعاه للحضور إلى مركز القيادة المتقدم للجيش لتولي القيادة بدلا منه، وانتقل هو الى غرفة الاستراحة بمركز القيادة حيث أخذ بعض الأطباء في علاجه.

وقد اختلفت الأقوال حول السبب الحقيقي لمرض اللواء سعد مأمون والذي أدى إلى تنحيه عن قيادة الجيش الثاني يوم 14 أكتوبر وإلى اخلائه فيما بعد إلى مستشفى المعادي. وقد تطرق الفريق سعد الشاذلي في مذكراته، فأورد في الصفحة 247 ما يلي: "لقد كان تأثير أخبار هزيمة قواته (يقصد اللواء سعد مأمون) صباح اليوم ذات أثر كبير عليه فانهار. وكان معاونوه يعتقدون أنه بعد عدة ساعات من النوم سوف يستعيد نشاطه، ولذلك حجبوا المعلومات عن القيادة العامة".

وفي الساعة العاشرة صباحا يوم 14 أكتوبر وصل اللواء تيسير العقاد رئيس أركان الجيش الثاني إلى مركز القيادة المتقدم للجيش في الإسماعيلية. وتولى القيادة اعتبارا من هذا التوقيت. وكانت الفرقة 21 المدرعة ماتزال مشتبكة في قتال عنيف مع مقاومات العدو التي أوقفتها عن التقدم. وأصدر قائد الفرقة أمرا إلى اللواء 18 مشاة ميكانيكية (النسق الثاني للفرقة) بالتحرك إلى منطقة الطالية، وأن يكون مستعدا للدفع للاشتباك من اتجاه كثيب الخيل يمين اللواء 14 المدرع. وكانت فكرة قائد الفرقة ترمي إلى استخدام المشاة المترجلة كي تتعاون مع الدبابات لتدمير مقاومات العدو التي أوقفت تقدم اللواء 14 المدرع خاصة في النقطة 146 بعد توجيه قصفة النيران عليها من الطيران والمدفعية. وقد تمت معاونة هجوم الفرقة 21 المدرعة بحشد ضخم من نيران المدفعية اشتركت فيه مجموعة مدفعية الجيش الثاني ومجموعات مدفعية الفرق 21 المدرعة و16 مشاة و2 مشاة وتركزت قصف نيرانها على مواقع العدو التي أوقفت تقدم الفرقة 21 المدرعة، وعلى مواقع بطاريات مدفعية العدو في العمق. وعندما طلب قائد الفرقة مجهوداً جوياً قامت مدفعية الفرقة المدرعة بضرب ستارة دخان لتحديد الخط الذي وصلت إليه قوات الفرقة لقواتنا الجوية. وقد تم تنفيذ 2 طلعات طيران لمعاونة الفرقة، وقامت الطائرات بقصف مواقع العدو، ولكن تأثير الضرب كان محدودا بسبب عدم تحقيق اتصال مباشر بين الفرقة والطيران لتحديد الأهداف المطلوب تدميرها.

وكان موقف اللواء الأول المدرع لا يزال سيئا بعد فقد قيادة اللواء السيطرة على بعض وحداته الفرعية نتيجة لاستشهاد قائد اللواء في بداية المعركة وانقطاع الاتصال مع احدى كتائبه المدرعة بسبب تدمير دبابة قائدها، مما أدى إلى انضمام عناصر منه إلى اللواء 14 المدرع، كما أن جانبا من وحداته الفرعية دخلت في رأس كوبري الفرقة 16 مشاة. وقد بذل العميد أ.ح ابراهيم العرابي قائد الفرقة 21 المدرعة جهدا كبيرا لاعادة تجميع اللواء الأول المدرع واحكام السيطرة عليه تمهيدا لاستعادة كفاءته القتالية.

وفي نفس الوقت استمر اللواء 14 المدرع يقاتل بعناد من موقعه على الخط كثيب الصناعات-كثيب عيفان ضد المقاومة العنيفة للعدو في النقطة الحصينة 146. وقامت الفرقة الثانية المشاة بمعاونة اللواء المدرع وحماية جنبه الأيسر بنيران مدفعيتها وأسلحتها المضادة للدبابات. وعندما شن العدو هجمة مضادة على الجانب الأيمن للواء بسريتي دبابات مدعمتين ببعض المشاة الميكانيكية، تمكن اللواء بالتعاون مع احتياطي الفرقة المضاد للدبابات الذي قام بالفتح على جانبه الأيمن من صد الهجوم المضاد وتدمير 5 دبابات للعدو. وقد قام العدو طوال يوم 14 أكتوبر بتركيز نيران مدفعيته بعيدة المدى من عيار 155 مم و175 مم وقصفه الجوي على مواقع ووحدات الفرقة 21 المدرعة والفرقة 16 مشاة. وعندما حاولت بعض الاحتياطيات المدرعة للعدو القيام بهجوم مضاد من اتجاه كثيب الحبشي من الجنوب على الطريق العرضي 2 قامت الفرقة 16 مشاة بصد هذا الهجوم، وتمكنت من تدمير 4 دبابات.

وفي الساعة الواحدة والنصف ظهرا أصبح موقف الفرقة 21 المدرعة حرجا. فلقد عجز اللواء الأول المدرع عن تطوير أعمال قتاله شرقا وأصيب بخسائر كبيرة، وأصبحت دباباته المتبقية 66 دبابة. بينما تعرض اللواء 14 المدرع لهجوم جوي مركز ونيران كثيفة وضرب مباشر من الدبابات والصواريخ المضادة للدبابات، وأصبحت دباباته المتبقية 44 دبابة، أي أن الفرقة فقدت حوالي 50% من دباباتها اذا أضفنا إليها دبابات اللواء الميكانيكي الذي لم يشترك في القتال.

وكان اللواء 18 المشاة الميكانيكي مستمرا في التجمع في أرتال سرايا في منطقة الطالية استعدادا لدفعه للاشتباك، وقد تعرض أثناء ذلك لقصف جوي ونيران مدفعية مركزة أما وحدات مدفعية الفرقة فقد كانت ما تزال في محلاتها خلف خط الدفع داخل رأس كوبري الفرقة 16 مشاة وقائمة بتقديم المعونة المطلوبة للوحدات بنيرانها. وكان قرار قائد الفرقة المدرعة هو التمسك بالخط العام كثيب الصناعات عيفان بقوة اللواء 14 المدرع والكتيبة التي انضمت اليه من اللواء الأول المدرع، واعادة تجميع اللواء الأول المدرع (عدا كتيبة) في المنطقة جنوب كثيب أبو وقفة مع استمرار تمركز اللواء 18 المشاة الميكانيكي غرب الطالية، وسرعة استعادة الكفاءة القتالية للفرقة استعدادا لاستئناف التقدم وتحقيق المهمة التي كلفت بها. وقد صدق قائد الجيش بالنيابة على قرار قائد الفرقة حوالي الساعة الثانية ظهرا. وفي نفس التوقيت قام اللواء تيسير العقاد الذي كان يتولى قيادة الجيش الثاني بالاتصال بالقائد العام الفريق أول أحمد اسماعيل بالمركز 10 بالقاهرة وشرح له موقف الفرقة 21 المدرعة وقراره الذي أصدره باستمرار الفرقة في تحقيق مهمتها، ولكنه طلب من القائد العام تقديم معاونة جوية للفرقة لمساعدتها في ازاحة مقاومات العدو التي اعترضت طريقها وأوقفتها عن التقدم.

وازاء الموقف الجديد بعد تمركز معظم وحدات الفرقة 21 المدرعة داخل رأس كوبري الفرقة 16 مشاة، أصدر اللواء تيسير العقاد أمره باستمرار اللواء 24 المدرع في مكانه الأصلي في رأس كوبري الفرقة 2 مشاة وألغى القرار السابق بتحركه الى منطقة المحطة 3 شرق الاسماعيلية ليكون احتياطيا في يد قائد الجيش لصالح رأس كوبري الجيش الموحد.

وكان الرئيس الراحل أنور السادات قد وصل حوالي الواحدة والنصف ظهرا يوم 14 أكتوبر إلى المركز 10 بناء على طلب من القائد العام، وأخطره الفريق أول أحمد إسماعيل بعد حضوره إلى مقر القيادة بأن عملية تطوير الهجوم على طول الجبهة لم تصادف نجاحا، وأن القوات المدرعة والميكانيكية التي قامت بعملية تطوير الهجوم في قطاعي الجيشين الثاني والثالث قد منيت بخسائر كبيرة في الدبابات بلغت حوالي 250 دبابة. وأمر الرئيس الراحل السادات الفريق سعد الشاذلي رئيس الأركان بالتحرك في الحال إلى الجبهة لرفع معنويات الضباط والجنود. وفي حوالي الساعة الرابعة مساء وصل الفريق الشاذلي إلى مركز القيادة المتقدم للجيش الثاني، وقام بزيارة اللواء سعد مأمون الذي كان يرقد في الاستراحة والى جانبه الطبيب الذي كان يشرف على علاجه. وقد ذكر الفريق سعد الشاذلي في مذكراته أنه عندما أبلغ اللواء سعد مأمون أثناء زيارته له بأنه سيتم اخلاؤه الى مستشفى المعادي ، انزعج كثيرا ورجاه ألا يفعل ذلك مؤكدا أنه يستطيع أن يمارس مسئولياته فورا، لكن الطبيب بناء على اتفاق مسبق مع سعد الشاذلي اتصل به هاتفيا صباح اليوم التالي (15 أكتوبر) وأخبره بأن حالة سعد مأمون لم تتحسن، ولذا فقد تم اخلاؤه إلى مستشىف القصاصين في بادئ الأمر ثم الى مستشفى المعادي، حيث بقى فيه إلى ما بعد وقف إطلاق النار. وبعد أن غادر الفريق الشاذلي غرفة اللواء سعد مأمون اجتمع مع ضباط قادة الجيش الثاني وبحث معهم الموقف، كما قام قام بالاتصال بجميع قادة الفريق وأبلغهم تحيات الرئيس وتشجيعه لهم.

ورغم تحذيرات العميد أ. ح ابراهيم العرابي للفريق سعد الشاذلي بعدم العبور إلى شرق القناة نظرا لهبوط الظلام مما سوف يجعل التحرك ليلا في ميدان المعركة عملية بالغة الخطورة ، فان الفريق سعد الشاذلي صمم على زيارة الفرقة 21 المدرعة نظرا لأنها التشكيل الذي تحمل العبء الأكبر من المعركة صباح هذا اليوم ولكنه عجز عن عبور القناة بعربته، فلقد وجد أحد الكباري مدمرا ووجد الكوبري الأخر مرفوعا من مكانه لتفادي تدميره بواسطة مدفعية العدو التي كانت مستمرة طوال الوقت في عمليات القصف، ولذا فقد اضطر رئيس الأركان إلى العودة مرة أخرى إلى مركز قيادة الجيش فوصله حوالي الساعة الثامنة مساء. وبعد أن اتصل هاتفيا بالعميد ابراهيم العرابي تحرك عائدا إلى القاهرة ووصل إلى المركز 10 حوالي الساعة الحادية عشر مساءا، حيث أبلغ الموقف إلى الفريق أول أحمد إسماعيل. وحوالي منتصف الليل اتصل به الرئيس الراحل السادات، ولما استفسر منه عن الموقف أعاد على مسامعه كل ما رآه وفعله في تلك الزيارة.

وفي الساعة التاسعة مساء كان الأوامر قد صدرت من قيادة الجيش الثاني بناء عل تعليمات القيادة العامة الى قائد الفرقة 21 المدرعة بتجميع الفرقة داخل رأس كوبري الفرقة 16 مشاة قبل أو ضوء يوم 15 أكتوبر، وذلك لتدعيم الدفاع عن رأس الكوبري مع استمرار أعمال اعادة تجميع الفرقة واستعادة كفاءتها القتالية في أقرب وقت ممكن.

ورغم الخسائر الجسيمة التي أصابت بها الفرقة 21 المدرعة، والمواقف الصعبة التي واجهتها خلال عملية تطوير الهجوم صباح يوم 14 أكتوبر، فان الفرقة قاتلت العدو قتالا مجيدا، وخسرت عدد كبير من رجالها ودباباتها. ولكن الظروف غير المواتية والأخطاء التكتيكية التي وقعت وقفت حائلا دون تحقيق الفرقة للمهمة التي تم تكليفها بها.

معركة اللواء 15 المدرع المستقل

كانت المهمة التي خصصت للواء 15 المدرع المستقل هي أن يدفع كمفرزة أمامية للفرقة على المحور الشمالي بعد تدعيمه بوحدات الدعم اللازم بمهمة الوصول إلى منطقة بالوظة (تقع في أقصى شمال الطريق العرضي 3 وعلى بعد 23 كم شرق القناة) والاستيلاء على تقاطع الطريق العرضي 3 مع الطريق الساحلي الشمالي (طريق القنطرة شرق-العريش). ولتأمين تقدم اللواء المدرع، تقرر دفع كتيبة مشاة ميكانيكية من اللواء المشاة الميكانيكي بالفرقة 18 مشاة مدعمة بكتيبة دبابات اللواء على محور طريق القنطرة-حوض أبو سمارة بمهمة تأمين الجنب الأيمن للواء المدرع.

وفي الساعة العاشرة مساء يوم 13 أكتوبر، عرض العقيد أ. ح تحسين شنن قائد اللواء 15 المدرع قراره على العميد أ. ح فؤاد عزيز غالي قائد الفرقة 18 مشاة، وكان مبينا على أساس دفع اللواء المدرع في اتجاه بالوظة على ثلاثة محاور تتقدم على كل محور منها كتيبة دبابات مدعمة. وقد تعينت الكتيبة التي تقرر تقدمها على المحور الأوسط (طريق القنطرة العريش الرئيسي) لتكون المفرزة الأمامية للواء، ويتم دفعها للاشتباك من خط الدفع داخل رأس كوبري الفرقة 18 مشاة الساعة السادسة والنصف صباح يوم 14 أكتوبر، على أن تتبعها بعد فترة زمنية قدرها 45 دقيقة القوة الرئيسية للواء التي تتكون من كتيبة دبابات مدعمة ومركز قيادة اللواء المتقدم وتتحرك على محور الطريق الأيمن، وكتيبة دبابات مدعمة وتتحرك على محور الطريق الأيسر. وفي الساعة السادسة صباحا، تم دفع كتيبة المفرزة الأمامية بعد قصفة نيران مدفعية لمدة 15 دقيقة، وبعد حوالي 45 دقيقة أبلغ قائد كتيبة المفرزة الأمامية بتعرض كتيبته لنيران مدفعية مركزة، واتضح من استطلاعه للموقف أن العدو يحتل موقعا دفاعيا حصينا يعترض طريق تقدم اللواء نحو الشرق، وكان هذا الموقف يبعد عن الحد الأمامي لدفاعات الفرقة 18 مشاة ما بين 2 إلى 3 كم، ويمتد من بير البرج جنوبا إلى النقطة القوية رقم 17 شمالا. وكانت دفاعات العدو في هذه النقطة القوية شديدة التأثير على عملية تقدم تشكيل اللواء، فقد كانت مجهزة بمرابض للدبابات وستائر من الصواريخ المضادة للدبابات، علاوة على معاونة المدفعية لها، ولم تكن تبعد عن الطريق الساحلي الرئيسي أكثر من 200 متر شمالا، مما جعلها تتحكم في هذا الطريق تحكما تاما، ولم يكن هناك أي أمل في امكان تحقيق اللواء لمهمته إلا بعد الاستيلاء على هذه النقطة القوية أو ازاحة مقاومة العدو منها.

وحاول قائد كتيبة المفرزة الأمامية بعد توقفها أمام مقاومة العدو مهاجمة النقطة القوية رقم 17 ، بعد أن تم قصفها بنيران مجموعة مدفعية الفرقة لمدة 10 دقائق، وذلك بمواجهتها بجزء من قوته مع القيام بحركة التفاق بباقي سراياه، ولكن الهجوم الذي قام به قائد الكتيبة تحت ستر كتيبة المدفعية الملحقة به لم ينجح لشدة النيارن المعادية المؤثرة على سراياه. وحاول قائد اللواء المدرع تعزيز هجوم كتيبة المفرزة الأمامية بدفع كتيبة الدبابات التي تتحرك على محور الطريق الأيمن من على الجانب الأيمن للمفرزة الأمامية في الساعة التاسعة صباحا لتواصل التقدم شرقا في اتجاه بالوظة، ولتصبح بعد نجاحها في اجتياز مقاومة العدو هي كتيبة المفرزة الأمامية للواء. ولكن هذه الخطة لم تنجح بدورها نظرا لكثافة نيران مدفعية العدو وصواريخه المضادة للدبابات، مما أرغم كتائب اللواء الثلاث على التوقف تماما.

وقرر قائد اللواء ضرورة اقتحام قوة العدو المتمركزة في النقطة رقم 17 لفتح الطريق أمام تشكيل اللواء لتحقيق مهتمه، وأبلغ قائد الفرقة قراره الذي كان يقضي بالهوم على مواقع العدو في هذه النقطة القوية بعد قصفة نيران لمدة 10 دقائق من مجموعة مدفعية الفرقة ومجموعة مدفعية اللواء بقوة كتيبتي دبابات في النسق الأول وكتيبة في النسق الثاني. وصدق قائد الفرقة على قراره. وفي الساعة الحادية عشرة صباحا بدأ الهجوم تحت ستر نيران المدفعية. وبعد 10 دقائق أبلغ قائدا كتيبتي النسق الأول بكثافة نيران مدفعية العدو ونيران صواريخه المضادة للدبابات من الأمام ومن الأجناب وعن وقوع خسائر كبيرة في وحدتيهما، مما أدى إلى انتشار سرايا الدبابات لتقليل الخسائر.

وفي حوالي الساعة الحادية عشرة والنصف صباحا أصدر قائد اللواء المدرع أوامره بالتوقف على الخط الذي وصلت اليه الدبابات والتمسك به، وأوقف دفع كتيبة النسق الثاني التي كانت على وشك الدفع للاشتباك لتعزيز كتيبتي النسق الأول وأبلغ قيادة الفرقة 18 مشاة بالتوقف.

ولم يلبث قائد الفرقة أن أصدر أمره الى قائد اللواء المدرع بالتمسك بالخط الذي وصلت اليه قواته وتعزيز كتيبتي النسق الأول بتدعيمات من الأسلحة المضادة للدبابات. وفي الساعة السادسة مساء أمر قائد الفرقة - بناء على تعليمات قيادة الجيش الثاني – باعادة تجميع اللواء في منطقة تمركزه بالقنطرة شرق، وتم التنفيذ بسحب قوات النسق الأول تحت نيران كتيبة النسق الثاني. وعاد اللواء 15 المدرع المستقل الى موقعه الأصلي داخل رأس كوبري الفرقة 18 مشاة بعد أن بلغت خسائره نحو 18 دبابة ت 62 و6 عربات مدرعة ب.ك.

تقييم خطة تطوير الهجوم شرقا

لم يكن في الامكان نجاح عملية تطوير الهجوم بناء على الخطة التي وضعت أو باجراءات التنفيذ التي تمت. فلقد أجري الهجوم بالقوات المدرعة بطريقة الهجوم المدرع المتدرج اذ تم التخطيط لدفع 4 ألوية مدرعة ولواءين مشاة ميكانيكيين على مواجهة طولها حوالي 15 كم على أربعة محاور منفصلة ليس بينها أي ترابط أو معونة متبادلة. ويكفي أن نذكر أن المحور الشمالي الذي تقدم عليه اللواء 15 المدرع المستقل كان يبعد عن محور الطريق الأوسط الذي تقدمت الفرقة المدرعة جنوبه في اتجاه الطاسة بمسافة لا تقل عن 50 كم، كما أن محور طريق مضيق متلا في أقصى الجنوب الذي تقدم عليه اللواء 3 المدرع من الفرقة 4 المدرعة كان يبعد عن الطريق الأوسط بمسافة لا تقل عن 60 كم. هذا ولم يشترك في القتال الفعلي يوم 14 أكتوبر سوى 4 ألوية مدرعة فقط (لواء على المحور الشمالي ولواءين جنوب الطريق الأوسط ولواء على المحور الجنوبي) اذ لم يجد قائد الفرقة 21 المدرعة وكذا قائد الجيش الثاني اي جدوى من دفع اللواء 18 المشاة الميكانيكي (النسق الثاني للفرقة) للاشتباك لتعزيز هجوم اللواءين المدرعين بالنسق الأول وفقا للخطة الموضوعة بعد توقفهما تماما أمام مقاومات العدو، فان الفشل وفقا للمبادئ التكتيكية لا ينبغي تعزيزه. كما لم يقم اللواء 11 مشاة ميكنيكية من الفرقة السابعة مشاة بالهجوم على طريق مضيق الجدي يوم 14 أكتوبر، كما كان مقررا بالخطة، فقد اتضح أنه قام بعملية التطوير وحده على طول الجبهة يوم 13 أكتوبر حسب التعليمات الأولية التي صدرت بعد ظهر يوم 12 أكتوبر بسبب عدم ابلاغ قائد الفرقة 7 مشاة بتأجيل الهجوم 24 ساعة – عن طريق شعبة العمليات – ولم يكن في الامكان بعد أن عجز اللواء عن تحقيق هدفه وعاد إلى رأس كوبري الفرقة عند منتصف الليل أن يعاود الهجوم في الساعة السادسة والنصف صباحا وفقا للخطة، ولذلك تأجلت ساعة دفعه إلى الواحدة والربع ظهرا. وقبل أن يحل الموعد كان الأمر بوقف دفعه قد صدر، فظل متمركزا في مواقعه داخل رأس كوبري الفرقة 7 مشاة.

ولقد القيادة المصرية في هذا اليوم في نفس الأخطاء التكتيكية التي وقعت فيها القيادة الإسرائيلية من قبل عندما شنت هجومها المضاد الرئيسي على مواجهة الجيش الثاني يوم 8 أكتوبر من ناحية تجاهل المبادئ السليمة لاستخدام المدرعات والتي تقي باستخدام القوات المدرعة بطريقة مجمعة مثل قبضة اليد، مما يعني ضرورة حشد تشيكلات ووحدات مدرعة ضخمة على مواجهة ضيقة ليتسنى لها احداث قوة الصدمة المطلوبة واختراق المواقع الدفاعية للعدو. أما التخطيط لهجوم مدرع على طول جبهة القتال باستخدام 4 ألوية مدرعة على محاور منفصلة ومتباعدة بعضها عن بعض بحيث لا يمكن اجراء أي تعاون بينها أو تنسيق بين هجماتها، فهذا يعني أن المعركة تعتبر فاشلة من قبل أن تبدأ.

ويبدو أن معظم القادة على مختلف المستويات قبل المعركة لم يكونوا مقتنعين بسلامة الخطة ولم يكن لديهم الشهور بامكان تحقيقها للأغراض التي كانت تستهدفها على عكس الشعور الحمايس الجارف الذي كان سائدا يوم 6 أكتوبر قبل عبور قناة السويس. ويبدو أنهم كانوا يعتبرون العملية مجرد تأدية واجب لارضاء الرئيس الذي اصدر القرار السياسي. وليس أدل على ذلك من أن بعض الوحدات (اللواء 3 المدرع من الفرقة 4 المدرعة واللواء المشاة الميكانيكي من الفرقة 7 مشاة) تم تدفعهما للهجوم دون أن تصلهما بعض وحدات الدعم الحيوية التي لا يمكن الاستغناء عنها، والتي أثر غيابها بلا شك على أعمال قتال هذه الوحدات بحيث عجزت عن تحقيق المهام الموكولة إليها. ويبدو ذلك أيضا في سرعة توقف الوحدات القائمة بالهجوم فور اصطدامها بمواقع دفاعية للعدو وعدم بذل محاولات جدية ومستميتة للتقدم كما كان الحال يجري عقب اقتحام قناة السويس. كما تتذح هذه الظاهرة بجلاء في امتناع قادة التشكيلات الأعلى عن مساعدة الوحدات الفرعية المتوقفة أمام مقاومات العدو بجميع ما يملكونه من وسائل لضمان مواصلة تقدمها أو على الأقل اصدار الأمر لها بالتمسك بالمواقع التي وصلت إليها. وبدلا من ذلك نجد أن جميع الأوامر التي صدرت بعد ظهر يوم 14 أكتوبر للوحدات التي قامت بالتطوير هي ترك مواقعها التي وصلت اليها بعد أن تكبدت خسائر جسيمة، والعودة ثانية إلى رؤوس الكباري التي بدأت منها الهجوم مما يخالف المبادي المتفق عليها.

ولا شك أنه من الأخطاء التكتيكية الجسيمة التي وقعت هو دفع الألوية المدرعة للهجوم بالمواجهة على مواقع سبق اعدادها بتجهيزات هندسية ومجهزة بمرابض للدبابات وبستائر من الصواريخ المضادة للدبابات دون أن تشترك معها في الهجوم قوات من المشاة المترجلة لمعاونتها في الوصول إلى مواقع العدو باستخدام تكتيكات المشاة في الضرب بالنيران مع الحركة للأمام وبدون دعم قوي ومؤثر من المدفعية والطيران لاسكات مقاومة العدو، اذ أن ذلك لم يكن متيسرا بالنسبة لضعف المعلومات عن العدو. وكانت النتيجة كما كان متوقعا خسارة القوات المدرعة المصرية عددا من الدبابات في هجوم يوم 14 أكتوبر في بضع ساعات يزيد على كل ما خسرته طوال الأيام الثمانية الأولى من الحرب.

لقد كانت عملية تطوير الهجوم في التوقيع الخاطئ الذي تمت فيه وبالخطة الحربية القاصرة التي وضعت، عملية لم يكن في الامكان نجاحها بأي صورة من الصور، وقد أجريت رغم معارضة بعض كبار القادة المسئولين، ومنهم قائدا الجيش الثاني والثالث تنفيذا لقرار سياسي عاطفي لم يراعي الاعتبارات العسكرية، وكان هدفه كما أعلن الرئيس السادات الذي كان المسئول عن اصداره تخفيف الضغط عن سوريا ومن المؤسف أن هذه العملية الحربية التي خسرت فيها القوات المصرية خسارة كبيرة في الأرواح والأسلحة والمعدات (كانت الخسارة في الدبابات فقط حوالي 250 دبابة) والتي تسببت في اهتزاز الروح المعنوية بين أفرادها، لم تحقق الهدف المنشود بالمرة، فلم تسحب إسرائيل أي جزء من قواتها من جبهة سوريا إلى الجبهة المصرية، وعلى عكس ما جرى في القوات المصرية، رفعت نتائج المعركة معنويات الإسرائيليين. كما ذكر الجنرال هيرزوج في كتابه حرب التكفير: اتصل الجنرال حاييم بارليف قائد القيادة الجنوبية برئيسة الحكومة جولدا مائير عقب المعركة، وقال لها بصوته الهادئ "كان هذا يوما جيدا عادت قواتنا إلى نفسها، وكذلك عاد المصريون أيضا". ولم تكن القوات الإسرائيلية على جبهة سيناء في اليوم التاسع من الحرب في حاجة إلى قوات تأتي لنجدتها من الجبهة السورية، فقد كان متمركزا في الجبهة المصرية وقتئد ثلاثة فرق مدرعة كاملة بقيادة الجنرالات: إبراهام أدان (برن) واريل شارون وكلمان ماجن، وقد كانت كافية لصد أي هجوم مصري خاصة اذا وضعنا في الاعتبار أن الوقفة التعبوية التي لم يكن لها داع والتي استمرت خمسة أيام على الجبهة المصرية (من يوم 9 إلى يوم 13 أكتوبر) أتاحت الفرصة للقيادة الإسرائيلية الجنوبية لاعداد نفسها وقواتها لدحر أي هجوم مصري محتمل، فقد تم وصول جميع القوات الاحتياطية، وأعيد تنظيم الفرق المدرعة على أسس سليمة، وتم استعاضة واصلاح جميع الأسلحة والمعدات التالفة والمدمرة، والأهم من ذلك أن الوقت قد أتيح لهذه القيادة والقيادات التي تتبعها لتحصين المواقع الدفاعية التي تواجه رؤوس الكباري المصرية بالتجهيزات الهندسية الكافية، وتم تجهيزها بمرابض الدبابات والأسلحة المضادة للدبابات وأعدت المدفعية خططها وحساباتها لغمر أرض القتل المحصورة بين الحدود الأمامية لرءوس الكباري المصرية وبين المواقع الإسرائيلية بنيران مركزة ومؤثرة من مدافعها الميدانية والبعيدة المدى وهاوناتها الثقيلة.

هذا وقد اتخذت القيادة الإسرائيلية قرارها بتركيز المجهود الرئيسي لإسرائيل على الجبهة المصرية اعتبارا من 14 أكتوبر، ليس بسبب عملية تطوير الهجوم، وانما لأن خطتها في تصفية الجبهة السورية قد تحققت بعد أن تم استقرار هذه الجبهة يوم 13 أكتوبر، ولم يكن هذا القرار يعني من الناحية الواقعية نقل قوات برية من الشمال إلى الجنوب، فقد كان ذلك صعبا لاعتبارات عسكرية وادارية عديدة، علاوة على عدم الحاجة إليه وقتئذ، وانما كان يعني في المقام الأول نقل المجهود الرئيسي للسلاح الجوي الإسرائيلي الى الجبهة المصرية.

هذا ويعد يوم 14 أكتوبر 1973 من الأيام الحاسمة في تاريخ حرب أكتوبر. فقد أمكن للقوات الإسرائيلية عقب القضاء على عملية تطوير الهجومن انتزاع ميزة المبادأة من يد القوات المصرية التي ظلت في حوزتها منذ بداية الحرب. ومما يدل على ذلك أن الجنرال دافيد أليعازر رئيس الأركان العامة الإسرائيلي أصدر أوامره الى القيادة الجنوبية بعد ظهر يوم 14 أكتوبر عقب انتهاء العمليات بالاستعداد فورا لتنفيذ عملية عبور قناة السويس من الشرق إلى الغرب من منطقة الدفرسوار في الليلة التالية 15/16 أكتوبر. كما أنه في الساعة السادسة والنصف من مساء هذا اليوم هبطت في مطار اللد الطائرة الأولى العملاقة من طراز جالاكسي سي 5 من طائرات الجسر الجوي الأمريكي، فلقد كان الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون قد أصدر أمره يوم 13 أكتوبر باقامة جسر جوي أمريكي لامداد إسرائيل بالأسلحة والمعدات الحربية التي تحتاج إليها بصورة علنية ومن قواعد أمريكية. واستطاع الجسر الجوي نقل أكثر من 800 طن يوميا من الأسلحة والمعدات والذخائر التي تم نقل معظمها إلى الجبهة الإسرائيلية في سيناء، بعد أن كاد النشاط يتوقف على الجبهة السورية. وبدأت القوات الإسرائيلية في سيناء منذ هذا التوقيت تتلقى سيلا لا ينقطع من الأسلحة والمعدات المتطورة الأمريكية، بحيث أصبحت لا تعاني من أي عجز أو قصور في أي نوع من الأسلحة والمعدات والذخائر أو المهمات، بل بدأت في استخدام أسلحة ومعدات جديدة لم يسبق لها استخدامها في المرحلة السابقة من الحرب لعدم وجودها من قبل في حوزة إسرائيل مثل الصواريخ تاو المضادة للدبابات والقنابل والصواريخ التلفزيونية. كما نقلت عبر الجسر الجوي الأمريكي معدات وأجهزة إلكترونية متقدمة، ولذا وصل معها خبراء أمريكيون متخصصون في الإلكترونيات لتدريب الجنود على استخدامها. وبسبب هذه التطورات المفاجئة التي جرت يوم 14 أكتوبر حدث تحول خطير في مجرى الأحداث وسير الحرب، وواجهت القوات المصرية في صبر وبطولة وجلد خلال الأيام العشر التالية من 15 أكتوبر حتى صدور قرار مجلس الأمن رقم 340 في 24 أكتوبر بانشاء قوة طوارئ دولية مرحلة صعبة وأوقاتا عصيبة للغاية.

لماذا فشلت الفرقة 21 في تحقيق مهمتها؟

لم يكن قائد الفرقة 21 المدرعة العميد أ. ح إبراهيم العرابي يتوقع ان يطلب منه في اليوم التاسع من القتال تطوير الهجوم بفرقته شرقا والاستيلاء على الطاسة، اذ ان معظم وحدات الفرقة كانت قد تم سحبها من تحت قيادته منذ يوم 6 أكتوبر والايام التالية لتدعيم الفرقة 16 مشاة بها. لقد تم سحب اللواء المدرع 14 بأكمله وكتيبة دبابات من اللواء المشاة الميكانيكي، وكتائب وسرايا مضادة للدبابات وللطائرات ومدفعية صاروخية. كما وضع في معاونة الفرقة 16 مشاة لواء مدفعية الميدان للفرقة 21 وكذا كتيبة مدفعية ميدان من اللواء المشاة الميكانيكي.

وعلاوة على وحدات الدعم السابقة التي سحبت من الفرقة كان اللواء 18 مشاة ميكانيكي يحتل الموقع الثالث للفرقة 16 مشاة غرب القناة، وقد دفع كتيبة مشاة ميكانيكية منه لاحتلال المصاطب غرب القناة وكتيبة أخرى لاحتلال موقع شمال مطار فايد، ولا شك في ان سحب هذه الوحدات من الفرقة 21 المدرعة قد أثر على كفاءتها القتالية. ولو كان لدى القيادة العامة نية حقيقية منذ بداية الحرب لتخصيص مهمة تطوير الهجوم شرقا والاستيلاء على الطاسة للفرقة 21 المدرعة، لما كانت قد سمحت بسحب أي وحدات فرعية منها لتدعيم فرقة أخرى، ولكانت قد حافظت على بقاء الفرقة المدرعة كاملة بجميع وحداتها على اعتبار انها القوة الضاربة الاساسية للجيش الثاني الميداني والتي يمكن دفعها اما لتطوير الهجوم شرقا واما لدرء اي تهديد يقع من جانب العدو ضد الجيش الثاني سواء على الضفة الشرقية او الضفة الغربية لقناة السويس.

وبالاضافة الى ذلك كانت هناك عوامل عديدة أخرى أدت الى عدم نجاح الفرقة في تحقيق المهمة التي خصصت لها، يمكن أن نلخص أهما فيما يلي:

• كانت المعلومات عن اوضاع العدو سواء على مواجهة هجوم الفرقة او على مستوى الجبهة واضواع احتياطياته القريبة والبعيدة قاصرة وغير دقيقة ويتحمل جهاز المخابرات الحربية بلا شك جانبا كبيرا من هذه المسئولية، اذ ان جلب المعلومات الدقيقة عن الدعوة سواء عن طريق الاستطلاع الجوي او الارضي او الالكتروني يعتبر من صميم واجباته. كما ان عناصر الاستطلاع في الجيش الثاني تشترك في جزء من هذا القصور الواضح في معرفة المعلومات الدقيقة عن العدو. وبالاضافة الى ذلك كان من واجب الفرقة 16 مشاة والفرقة 21 المدرعة دفع دوريات استطلاع ودوريات قتال مشتركة ليلة الهجوم امام الحد الامامي لرأس كوبري الفرقة 16 مشاة لجلب معلومات دقيقة عن مواقع العدو القريبة من الدفاعات المصرية قبل بدء هجوم الفرقة 21 المدرعة في الصباح. • كانت مواقع العدو في مواجهة خط الدفع للاشتباك لا تبعد أكثر من 3 كم من الحد الامامي لدفاعاتنا، وكانت تقع في سلسلة من المرتفعات ممتدة من جبل حبيطة جنوبا حتى كثب عيفان شمالا، مما جعلها مسيطرة تماما على خط دفع الفرقة وعلى محور تقدمها نحو الشرق. وقد استغل العدو هذه المرتفعات لتجهيزها هندسيا وتزويدها بمرابض للدبابات وبستائر من الصواريخ المضادة للدبابات، وبذا أصبحت المنطقة المنخفضة الواقعة بين الحد الأمامي لدفاعاتنا وبين مواقع العدو منطقة قتل مثالية ضد دبابات الفرقة 21 المدرعة، وكان واجب قيادة الجيش الثاني تكليف قوات خاصة من الصاعقة والمشاة بمهمة الاستيلاء على هذه المرتفعات في عملية ليلية قبل دفع الفرقة للاشتباك في الصباح. وعلاوة على ذلك ادى قرب مواقع العدو الشديد من دفاعاتنا وسيطرتها بالنيران على خطوط الدفع الى تعرض الالوية المدرعة لنيران العدو فور دفعها من خطوط الدفع للاشتباك، واضطرها الى خوض المعركة مع مواقع العدو جبهويا، مما أفقدها أهم مميزات القوات المدرعة وهي خفة الحركة والقدرة على المناورة والقيام بحركات الالتفات والتطويق. • كانت اختيار القيادة العامة توقيت الدفع ليكون الساعة السادسة والنصف صباحا غلطة لا تغتفر. ففي حين تم اختيار الساعة الثانية ظهرا موعد لبدء الهجوم يوم 6 أكتوبر حتى تكون الشمس في أعين العدو كان توقيت الهجوم في الساعة السادسة والنصف يعني اننا سلمنا هذه الميزة للقوات الإسرائيلية باختيارنا، وعرضنا قواتنا في نفس الوقت لمشقة كبرى وهي التقدم والشمس في أعينهم مما جعل من الصعب عليهم ان يحددوا مواقع العدو الت يتواجه تقدمهم بدقة، وادى الى عدم امكان التنشين الدقيق لأطقم المدافع من داخل الدبابات لتدمير الأهداف المعادية. وفي نفس الوقت لم يحسب حساب الشابورة الصابحية التي تتكاثف في الاراضي المنخفضة شرق القناة في هذا الوقت من السنة والتي تؤدي الى صعوبة بالغة في المحافظة على الاتجاه. • كان من السهل على العدو اكتشاف نوايانا لتطوير الهجوم شرقا واعداد قواته تبعا لذلك لاستقبال الهجوم المنتظر. ولم يكن الامر يحتاج الى مهارة خاصة من مخابرات العدو او من عناصر استطلاعه الارضية والجوية، فان الالوية المدرعة والميكانيكية التي تقرر قيامها بالهجوم ووحدات الدعم التي الحقت عليها وكذا كتائب الصواريخ سام 2 وسام 3 التي تقرر دفعها شرق القناة للوقاية الجوية عبرت معظمها قناة السويسة ليلة 12/13 أكتوبر من معابر الفرق التي سيجرى دفعها من خلالها، واستكملت الوحدات الأخرى عبورها ليلة 13/14 أكتوبر. وقد اتضح ان طيران العدو تعمد عدم التدخل في عملية عبور هذه القوات بمهاجمتها أو محاولة تدمير الكباري التي تستخدمها اذ ان مصلحة إسرائيل كانت تتفق مع اخلاء الضفة الغربية من القوات المدرعة تمهيدا لتنفيذ عملية عبور القناة الى الغرب السابق تجهيزها من منطقة الدفرسوار. ولقد سبق او اوضحنا ان نقطة الخلاف في القيادة الإسرائيلية كانت تنخصر في هل يتم عبور القوات الإسرائيلية قناة السويس لتدمير القوات المدرعة المصرية او الانتظار حتى تعبر هذه القوات لتدور المعركة معها شرق القناة؟ وحينما علموا ليلة 12/13 أكتوبر أن قواتنا بدأت العبور قرروا أن تكون المعركة الرئيسية لها شرق القناة، فتركوا القوات المدرعة المصرية تعبر في سلام ليستدرجوها بعد ذلك الى مناطق القتل التي أعدوها بعناية. • لا يمكن من الناحية التكتيكية خوض غمار معركة ناجحة بدون اجراءات تنظيم معركة سليمة. ونظرا لان القرار بتطوير الهجوم شرقا كان قرار فجائيا دون سابق تمهيد أو انذار فقد كان من المستحيل ان يبدأ الهجوم في الموعد الذي جرى تحديده في بادئ الامر وهو صباح يوم 13 أكتوبر. وعندما نجح قائدا الجيشين الثاني والثالث خلال المؤتمر الذي انعقد في المركز 10 مساء يوم 12 أكتوبر في تأجيله لمدة 24 ساعة لكي يبدأ صباح يوم 14 أكتوبر، كن الوقت لا يزال ضيقا ولم يسمح للقادة على مختلفة المستويات بالقيام باجراءات نظيم المعركة على الوجه السليم، وترتب على ذلك عدم قيام هؤلاء القادة باجراء عملية استطلاعهم على الارض لاتخاذ قرارهم وتخصيص المهام للقادة المرءوسين. وقد كان أمرا مؤسفا الا تتاح الفرصة لقائدي اللواءين المدرعين في الفرقة 21 المدرعة، بسبب ضيق الوقت، للقيام باستطلاعهما الا قبل آخر ضوء بنصف ساعة، كما لم يتمكن قادة الكتائب والسرايا المدرعة من ميزة استطلاع مواقع العدو الذي سيواجهونه واختيار انسب الطرق لتقدم دباباتهم. وقد اضطر قائد الفرقة 21 المدرعة الى تخصيص المهمة لقائد اللواء 18 المشاة الميكانيكي في الساعة الرابعة صباحا يوم 14 أكتوبر أي قبل ساعتين ونصف الساعة من بدء المعركة ، وبالاضافة الى ذلك لم يتوافر الوقت الكافي لاتخاذ الاجراءات اللازمة لتأمين دفع القوات من خط الدفع للاشتباك مثل تعليم المحاور وخطوط الفتح وتحديد الثغرات في حقول الالغام، خاصة في خطوط الدفع التي كانت تبعد حوالي 7 كم من مناطق الانتظار الامامية التي تمركزت فيها القوات عقب عبورها قناة السويس. وقد ادى اغفال القيام بهذه الترتيبات الضرورية نظرا لضيق الوقت الى وقوع بعض الحوادث الفردية المؤسفة كاطلاق بعض الدبابات من الفرقة 21 المدرعة نيرانها على مواقع في الحد الأمامي للفرقة 16 مشاة اعتقادا منها أنها قد خرجت من رأس كوبري الفرقة وان المواقع التي أمامها هي مواقع إسرائيلية، وهذا الخطأ يعد من الحوادث الشائعة في الحروب. • كان التطوير حسب الخطة الأصلية جرانيت 2 المعدلة يقضي بدفع الفرقة 21 المدرعة والفرقة 16 مشاة عدا لواء من رأس كوبري الفرقة 16 مشاة جنوب الطريق الأوسط، وبدفع الفرقة 23 مشاة ميكانيكية والفرقة 2 مشاة عدا لواء من رأس كوبري الفرقة 2 مشاة شمال الطريق الأوسط. وبعد أن تم تعديل خطة التطوير في قطاعي الفرقتين 2 و16 مشاة ليتقصر التطوير على الفرقة 21 المدرعة كان من الافضل اجراء بعض التعديلات على الخطة لكي يتم دفع لواء مدرع شمال الطريق الأوسط ودفع اللواء المدرع الآخر جنوب هذا الطريق، اذ أن هذا الأسلوب يحقق المزايا التالية:

1- توزيع وحدات الفرقة 21 المدرعة على رأس كوبريين (الفرقة 16 والفرقة 2 مشاة) بدلا من تكديس قوات الفرقتين 16 مشاة و21 المدرعة في رأس كوبري واحد ضيق، مما جعل ضرب طيران العدو ومدفعيته شديد التأثير وأدى الى زيادة الخسائر. 2- تخفيف الضغط على معابر الفرقة 16 مشاة التي تركز عليها عبور أعداد كبيرة من الوحدات والأرتال الادارية. 3- زيادة القدرة على المناورة بالهجوم من اتجاهين مختلفين، وتقليل الخسائر الناشئة من تركيز ضرب الطيران والمدفعية على القوات القائمة بالهجوم من اتجاه واحد.


الفصل الخامس: العبور الإسرائيلي إلى غرب القناة

الفصل الخامس: العبور الإسرائيلي إلى غرب القناة

كانت الاستعدادات الإسرائيلية لعبور قناة السويس قد بدأت منذ مساء الخميس 11 أكتوبر. ففي خلال المؤتمر الذي انعقد في المركز المتقدم للقيادة الجنوبية برئاسة الجنرال حاييم بارليف وحضره قادة الفرق المدرعة الثلاث ورؤساء أفرع القيادة، تم الاتفاق على اقتراح الجنرال جونين باختيار منطقة الدفرسوار (مكان دخول قناة السويس الى البحيرة المرة الكبرى) لتكون مكانا للعبور الى الضفة الغربية للقناة نظرا لما يحققه هذا الموقع من مزايا عديدة. وفي يوم الجمعة 12 أكتوبر وفي الوقت الذي انهمك فيه الجنرال جونين ورؤساء أفرع القيادة الجنوبية في وضع التفصيلات الدقيقة لخطة العبور، انتقل الجنرال حاييم بارليف بطائرة هليكوبتر الى تل ابيب للحصول على تصديق رئاسة الأركان العامة على الخطوط الرئيسية للخطة. ونظرا لحدوث خلافات في وجهات النظر بين كبار القادة العسكريين ولتردد وزير الدفاع موشي ديان طلب رئيس الأركان دعوة مجلس الحرب للاجتماع. وخلال اجتماع المجلس الذي رأسته جولدا مائير رئيسة الوزراء واجهت خطة العبور معارضة حادة من بعض الوزراء وبعض القادة العسكريين وبخاصة الجنرال تال نائب رئيسي الأركان، فقد كانوا يقدرون خطورة القيام بعملية العبور الاسرائيلية الى الغرب في وجود فرقتين مدرعتين مصريتين وفرقتين مشاة ميكانيكيتين ومجموعات من الصاعقة بمجموع من الدبابات يصل الى حوالي 400 دبابة تتمركز كلها على الضفة الغربية لقناة السويس. وعندما بلغ الحاضرين خلال الاجتماع النبأ المثير وهو بدء عبور القوات المدرعة المصرية الى شرق القناة تم الاتفاق على تأجيل اتخاذ القرار النهائي الى حين ان تقوم القيادة الجنوبية بصد الهجوم المصري المنتظر أولا.

وفي يوم السبت 12 أكتوبر صدرت أوامر القيادة الجنوبية بتجميع جميع معدات العبور الموجودة في أماكن مختلفة في سيناء في القطاع الأوسط الذي يتولى قيادته الجنرال شارون ، وكلف المهندسون بتركيب أجزاء الجسر الذي سيتم القاؤه في قناة السويس عند الدفرسوار ليربط بين الشاطئين، وخصصت كتيبة مدرعة من لواء حاييم (من فرقة شارون) للتدريب على المهمة التي ستقوم بها دباباتها عند اصدار قرار العبور، وهي جر هذا الجسر السابق التركيب من يوكون إلى اتجاه نقطة العبور بالدفرسوار (تقع يوكون في منتصف المسافة بين الطاسة والطريق العرضي 2). وعلى أثر فشل المصريين في عملية تطوير الهجوم يوم الأحد 14 أكتوبر أصدر الجنرال دافيد أليعازر رئيس الأركان العامة الإسرائيلي أمرا الى القيادة الجنوبية بالاستعداد لتنفيذ عملية عبور قناة السويس – وفقا للخطة الموضوعة ليلة 15/16 أكتوبر، حضر الجنرال أليعازر اجتماعا للحكومة الاسرائيلية في تل أبيب حيث قام بشرح الخطة العامة لعبور القناة الى الضفة الغربية في منطقة الدفرسوار، وعرض المكاسب الكبيرة التي ستجنيها إسرائيل بعد نجاح العبور من الناحيتين العسكرية والسياسية، وفي نفس الوقت الانهيار المتوقع حدوثه في القوات المصرية شرق القناة عندما يرون القوات الاسرائيلية تعمل على حطوط مؤخرتهم غرب القناة. وانتهى الاجتماع بعد مناقشات طويلة اشترك فيها معظم الوزراء بالتصديق على قرار العبور. وفي الساعة الحادية عشرة مساء يوم 14 أكتوبر، عقد اجتماع بغرفة عمليات القيادة الجنوبية برئاسة الجنرال حاييم بارليف حضره الجنرال جونين ونائبه يوري بن آري وقادة الفرق المدرعة الثلاث ورؤساء أفرع القيادة الجنوبية. وكان الغرض من الاجتماع اصدار الأوامر التفصيلية لقادة الفرق لتنفيذ خطة عبور قناة السويس من الشرق الى الغرب عند منطقة الدفرسوار ليلة 15/16 أكتوبر 73. وقد أطلق على هذه الخطة الاسم العبري abiray lev وترجمته الصحيحة باللغة العربية هي (القلب الشجاع). ام الاسم الكودي الغزالة الذي اقترن بهذه العملية وأصلح علما عليها فيرجع الى خطأ الترجمة من اللغة العبرية الى الانجليزية وقع فيه أحد مراسلي وكالات الأنباء الغربية. وشاع هذا الاسم الخاطئ بعد ذلك في كل مكان حتى أصبح يتردد في مؤلفات معظم المؤرخين والمحللين العسكريين.

وكانت الخطوط العامة لخطة العبور الاسرائيلية تتلخص فيما يلي: • فرقة الجنرال شارون. وكان يطلق عليها اسم مجموعة العمليات رقم 143، وكانت تتكون من 3 ألوية مدرعة (300 دبابة) بقيادة العقداء آمنون ريشيف وتوفيا رافيف وحاييم آريز. وتم الحاق لواء مظلات عليها من أجل عملية العبور بقيادة العقيد داني مات. وكان لواء المظلات متمركزا من قبل في الاحتياط عند منطقة ممر متلا ويتبع القطاع الجنوبي الذي يتولى الجنرال كلمان ماجن قيادته. وقد أسندت الى فرقة شارون المهام الآتية:

1- انشاء رأس الكوبري، تقوم الفرقة بانشاء رأس كوبري على ضفتي قناة السويس ليلة 15/16 أكتوبر في منطقة الدفرسوار ، كما أن من واجبها اقامة جسرين على قناة السويس أحدهما سابق التركيب، والثاني من المعديات التي توصل ببعضها البعض، على أن يكون احدهما على الاقل جاهزا للاستخدام صباح يوم 16 أكتوبر. ويجري العبور في ساعة س بواسطة لواء المظلات في قوارب مطاطية منفوخة، وتعبر مع اللواء على معديات متحركة سرية الدبابات التي تم تدعيمه بها. كما تقو كتيبة مدرعة تابعة للواء حاييم بعبور القناة على معديات متحركة خلف لواء المظلات مباشرة وقبل انشاء الجسرين الثابتين. 2- مهمة التأمين شرق القناة: نظرا لأن الجناح الأيسر لرأس الكوبري مؤمن بالبحيرة المرة الكبرى لذلك يصير تأمين الجناح الأيمن شرقا لمسافة 4 كم من خط المياه وشمالا 4 كم من نقطة العبور عند الدفرسوار، أي حتى المنطقة شمال المزرعة الصينية (قرية الجلاء)، وفي نفس الوقت يتم تطهير المحورين الرئيسيين اللذين ستتحرك عليهما القوات والمعدات المخصصة للعبور وهما:

المحور الأول: محور أكافيش، وهو الذي نطلق عليه نحن طريق الطاسة تل سلام (تل سلام هو احدة نقاط خط بارليف الحصينة ، وكان الاسرائيليون يطلقون عليها اسم لاكيكان) وتقع على الشاطء الشرقي للبحيرة المرة الكبرى على بعد حوالي 6 كم جنوب شرق الدفرسوار، وقد أخلتها حاميتها دون قتال مساء يوم 8 أكتوبر. وتم للواء 16 مشاة (لواء الجنب الأيمن للفرقة 16 مشاة) دفع دورية استطلاع مساء يوم 12 أكتوبر، وقد قامت بتفيش النقطة فوجدتها خالية وعاد ومعها علم اسرائيلي بعد أن رفعت العلم المصري عليها. ورغم أهمية هذا الموقع الحيوي فلم تصدر أي اوامر باحتلاله لوقوعه في الثغرة التي تركتها القيادة العامة خالية بين الجيشين الثاني والثالث والتي تبلغ نحو 35 كم اعتمادا على تفكير تكتيكي خاطئ، وهو أن المسطح المائي للبحيرات المرة يعتبر مانعا طبيعيا لا يمن للعدو اجتيازه. وقد أعاد الاسرائيليون احتلال النقطة الحصينة في تل سلام يوم 15 أكتوبر، واعتمدوا عليها اعتمادا تاما في حماية وتأمين الجناح الأيسر لمعبرهم عند الدفرسوار.

المحور الثاني: محور طرطور وهو طريق قام الاسرائيليون بشقه وتمهيده قبل الحرب، ويمتد من الطريق العرضي رقم 2 الى النقطة الحصينة بالدفرسوار، وهي احدة حصون خط بارليف (كانت النقطة تتكون من موقعين محصنين على شاطئ القناة بينهما فاصل يبلغ نحو 500 متر، وكان الاسرائيليون يطلقون عليها اسم متسميد) وقد قامت باقتحامها والاستيلاء عليها مفرزة اقتحام من احدى كتائب اللواء 16 مشاة، في الساعة السادسة صباحا يوم 9 أكتوبر. وقد أنشئ طريق طرطور خصيصا لتحرك الكباري الضخمة والمعديات الى نقطة العبور في الدفرسوار باعتبارها احدى النقاط الملائمة التي تم للقيادة الجنوبية اختيارها قبل الحرب على خط المواجهة مع مصر في حالة التفكير في عبورها الى غرب القناة. ونظرا لان قطاع اللواء 16 مشاة كان يشرف بالنظر وبالنيران على اجزاء عديدة من محوري أكافيش وطرطور، كما يخترق الجزء الأخير من محور طرطور الدفاعات الأمامية لهذا اللواء لذلك كان أحد الأهداف الرئيسية لخطة تأمين معبر الدفرسوار وتطهير مجوري التقدم "أكافيش وطرطور" هو تدمير اللواء 16 مشاة واحتلال مواقعه الدفاعية أو على الأقل زحزحته شمالا حوالي خمسة كيلومترات ليتم اخلاء المنطقة حتى شمال قرية الجلاء من القوات المصرية (حتى المغذي الرئيسي).

مهمة التأمين غرب القناة: يقوم لواء المظلات معززا بكتيبة الدبابات من لواء حاييم بتوسيع رأس الكوبري غرب القناة في اتجاه الغرب حتى ترعة المياة الحلوة (ترعة السويس) كما يقوم بتوسيعه 4 كم شمال وجنوب نقطة الانزال حتى يصبح المعبر خارج مرمى الهاونات والصواريخ المضادة للدبابات.

• فرقة الجنرال إبراهام أدان (برن) التي كان يطلق عليها اسم مجموعة العملياة رقم 162 وكانت تتكون من 3 ألوية مدرعة (300 دبابة). وفي وقت مبكر يوم 15 أكتوبر تم سحب هذه الفرقة من منطقة عملها في القطاع الشمالي وتحركت على الطريق العرضي رقم 3 الى منطقة تجمع جنوب الطاسة. وعلى أثر تحرك فرقة برن الى الجنوب وتركها الخط الدفاعي تولت قوة القطاع الساحلي بقيادة العميد ساسون مسئولية القطاع الشمالي بأكملة، وأصبحت مسئولية خط المواجهة مع القوات المصرية مقسمة ما بين قوة ساسون في الشمال وفرقة ماجن في الجنوب، وتم ذلك على اثر اسناد مسئولية العبور الى فرقتي شارون وبرن. وكانت المهمة التي خصصت لفرقة الجنرال أبراهام أدان (برن) هي العبور صباح يوم 16 أكتوبر على الجسرين اللذين كلفت فرقة شارون بمهمة تركيبهما على القناة ليلة 15/16 أكتوبر . ووفقا للخطة كان على ألوية الفرقة المدرعة الثالثة بمجرد الوصول الى الشاطئ الغربي للقناة القيام باختراق الحاجز الزرعي وتدمير القوات المصرية بالمنطقة الواقعة بين ترعة الاسماعيلية شمالا وقناة السويس شرقا والى مدى 20 كم من خط المياة غربة وجبل عتاقة جنوبا، وتطهير الضفة الغربية للقناة البحيرة المرة. وكان على فرقة برن بعد ذلك تحقيق واجبين أساسيين: أولهما تدمير كتائب الصواريخ المصرية سام المضادة للطائرات في هذه المنطقة لاتاحة الفرصة للطيران الاسرائيلي للحصول على السيطرة الجوية فوق ميدان القتال. وكان الواجب الثاني هو تطوير الهجوم نحو الجنوب بحذاء قناة السويس واحتلال مدينة السويس، وبذا يتم عزل الجيش الثالث الميداني المتمركز شرق القناة عن خطوط مواصلاته تمهيدا لحصاره وتدميره. • فرقة كلمان ماجن التي يطلق عليها اسم مجموعة العمليات رقم 252، وتتكون من لواءين مدرعين ولواء مشاة ميكانيكي، وكان واجبها في المرحلة الأولى الاشتراك مع قوة ساسون في الشمال في شن هجمات قوية ومستمرة بالدبابات والمشاة الميكانيكية على طول المواجهة لتثبيت القوات المصرية في مواقعها الدفاعية وشغلها عما يجري في منطقة الدفرسوار ، وبمجرد أن تنجح قوات الجنرال شارون في اقامة الجسرين على القناة وتأمين ممر العبور عند الدفرسوار الذي يبلغ 4 كم شمالا وجنوبا وشرقا من موضع الجسرين، تحل محل فرقة شارون في المحافظة على سلامة وتأمين المعبر وبقائه مفتوحا الى الشرق. ووفقا للخطة كان على فرقة شارون بعد اخلائها من مهمتها العبور بعد ذلك الى الشاطئ الغربي للقناة، والتحرك في اتجاه الجنوب لحماية مؤخرة فرقة دان والاشتراك معه في تنفيذ المهام المسندة الى فرقته.

ولكن خطة العبور التي وضعت بمعرفة القيادة الجنوبية لم يتم تنفيذها وفقا للمهام التي خصصت أو بالمراحل التي حددت. فقد أثبتت الوقائع أن الخطة قد صيغة في جو من التفاؤل الفرط، وعلى افتراض أن كل الأمور سوف تمضي بسهولة ويسر دون أي عقبات أو صعاب، وأن المقاومة المصرية على الشاطئ الشرقي للقناة ستكون ضعيفة بما يسمح بتأمين منطقة العبور وفتح محوري التقدم (أكافيش وطرطور) وتركيب الجسرين على القناة في المواعيد المحددة، كما أن تطهير الضفة الغربية للقناة من حد ترعة الاسماعيلية شمالا واحتلال مدينة السويس جنوبا لن يتعدى يوم 18 أكتوبر.. وقد اختلف الأمر تماما عند القيام بتنفيذ الفعلي للخطة. فكما سوف نرى حدثت تعديلات كبيرة في الخطة وبلغت الصعاب والمشكلات الحد الذي جعل القادة الاسرائيليون المسئولين في مساء يوم 16 أكتوبر يفكرون جديا في الغاء العملية بأسرها واصدار الأوامر الى قوات المظلات والمدرعات التي عبرت بالعودة مرة ثانية الى الشاطئ الشرقي.

خطة شارون للعبور من الدفرسوار

من دراستنا لخطة العبور الاسرائيلي الى غرب القناة، يتضح لنا ان العبء الرئيسي لعملية العبور قد ألقى على عاتق الجنرال أريل شارون. فقد أسندت الى فرقته اخطر مهمتين في العملية بأسرها، وهما اقامة رأس كوبري على ضفتي القناة في منطقة الدفرسوار، ثم القيام بمهمة تأمينه سواء على الشاطئ الشرقي للقناة أو على شاطئها الغربي. وكان تأمين الشاطئ الشرقي يستدعي تطهير المحورين الرئيسيين اللذين ستتحرك عليهما القوات والمعدات المخصصة للعبور، وهما محور أكافيش (طريق الطاسة تل سلام) ومحور طرطور، وهو طريق شقه ومهده الاسرائيليون قبل الحرب ليربط بين الطريق العرضي رقم 2 ونقطتهم الحصينة في الدفرسوار.

وكانت هذه المهمة تستلزم ان تكون المنطقة شمال نقطة الدفرسوار – التي تم اختيارها لتكون نقطة العبور الى الغرب – خالية من القوات المصرية الى مسافة لا تقل عن 5 كم شمالا لتأمين معبر الدفرسوار من نيران الأسلحة الصغيرة والهاونات والصواريخ المضادة للدبابات. هذا بالاضافة الى أن موقع اللواء الأيمن للفرقة 16 مشاة كانت تسيطر بالنيران على أجزاء عديدة من محوري التقدم، كما أن الجزء الأخير من طريق طرطور الدفرسوار كان يخترق الدفاعات الأمامية لقطاع اللواء 16 مشاة (اللواء اليمين للفرقة 16 ) ، ولتحقيق ذلك الغرض اضطرت قوات شارون المدرعة الى خوض أعنف الاشتباكات الدموية التي شهدتها هذه المرحلة من الحرب مع القوات المصرية التي كانت متمركزة في قطاع هذا اللواء ومع قوات من الفرقة 21 المدرعة فيما عرف باسم معركة المزرعة الصينية (قرية الجلاء)، التي اعترف الاسرائيليون بأنها كانت من أشرس المعارك التي خاضوها خلال الحرب، وأن خسائرهم فيها كانت فاحدة، كما سيرد بالتفصيل عند شرحنا لهذه المعارك. وعلاوة على مهمة تأمين المعبر شرق القناة كان من واجب شارون أيضا تأمين نطقة الانزال غرب القناة بتقدم قواته غربا للاستيلاء على المعابر التي على ترعة المياه الحلوة وتوسيع رأس الكوبري 4 كم شمالا وجنوبا.

وكان الحلم الذي طالما داعب خيال الجنرال شارون منذ بداية الحرب، هو تنفيذ المشروع الذي وضعه منذ كان قائدا للقيادة الجنوبية، وهو عبور القوات الاسرائيلية قناة السويس الى الغرب. وقد بذل محاولات عديدة في المرحلة الأولى من الحرب لاقناع رئيس الأركان العامة ووزير الدفاع بتنفيذ هذا المشروع الذي كان يرى أنه الطريق الوحيد أمام الجيش الاسرائيلي لانتزاع المبادأة من المصريين واستعادة حرية الحركة والقدرة على المناورة بعد أن أصبح مكبلا بأغلال الحرب الثابتة التي فرضها عليه المصريون بعد أن تم تخندقهم واستقرارهم في تحصيناتهم المنيعة داخل رءوس الكباري شرق القناة.وعندما بدأت العجلة تدور للاعداد لخطة العبور وبدأت الجسور والمعديات ومعدات العبور تتجمع في القطاع الأوسط الذي يتولى شارون قيادته بناء على أوامر القيادة الجنوبية يوم 13 أكتوبر، أصبح شارون يتطلع بلهفة الى اللحظة التي ستبدأ فيها عملية العبور التي عقد عليها كل آماله. وفي الاجتماع الذي عقد بمقر القيادة الجنوبية في الساعة الحاية عشرة مساء يوم 14 أكتوبر، تلقى الجنرال شارون الاوامر التفصيلية بشأن المهمة التي أسندت الى فرقته ضمن الخطة العامة للعبور.

وعقب اجتماعه مع مساعدين في مركز قيادته المتقدم في الطاسة، وضع شارون الخطة الخاصة بفرقته، وكانت تتخلص فيما يلي:

1- اللواء المدرع بقيادة توفيا: يقوم في الساعة الخامسة مساء يوم الاثنين 15 أكتوبر بهجمات خداعية بكتائبه المدرعة على وسط ويسار رأس كوبري الفرقة 16 مشاة لتثبيت المواقع المصرية من جهة، ولجذب انتباه الفرقتين 16 مشاة و21 المدرعة الى اتجاه الطريق الأوسط (الطاسة-الاسماعيلية شرق) من جهة أخرى. وفي نفس الوقت لتحويل أنظار المصريين عن موقع العبور في الدفرسوار جنوب رأس كوبري الفرقة 16 مشاة. 2- اللواء المدرع بقيادة آمنون: نظرا لضخامة مسئولية هذا اللواء في خطة العبور، فقد تم تعزيزه بكتيبة مدرعة من لواء توفيا وبكتيبتين مشاة ميكانيكيتين لتصبح قوته 4 كتائب مدرعة و3 كتائب مشاة ميكانيكية علاوة على كتيبة استطلاع الفرقة. ويقوم هذا اللواء في الساعة السادسة مساء يوم 15 أكتوبر بحركة التفاف جنوب طريق أكافيش (الطاسة تل سلام) عبر التلال الرملية للوصول الى الحصن المهجور لاكيكان (تل السلام) على شاطئ البحيرة المرة الكبرى وعلى بعد حوالي 6 كم جنوب شرق الدفرسوار، ويتقدم اللواء بعد ذك شمالا بحذاء شاطئ البحيرة للاستيلاء على حصن متسميد (الدفرسوار) الذي كان أيضا خاليا من القوات المصرية ويتم التسلل اليه من الثغرة التي بين الحد الأيمن لدفاعات اللواء 16 مشاة وبين قناة السويس

وفور الوصول الى نقطة العبور في الدفرسوار، تنقسم قوة آمنون الى ثلاث مجموعات: • كتيبة مدرعة تتجه نحو الشمال الشرقي على طريق أكافيش لتطهيره من أي قوات مصرية وتأمين هذا الطريق لتقدم لواء المظلات بقيادة داني مات عند تحركه من الطاسة الى الدفرسوار. • مجموعة من 3 كتائب مدرعة بقيادة العقيد آمنون تقدم بتطهير طريق طرطور ومهاجمة الجنب الأيمن للجيش الثاني (اللواء 16 مشاة) وارغامه على الارتداد شمالا لتوسيع ممر العبور والاستيلاء على المزرعة الصينية (قرية الجلاء) وتحويل أنظار القيادات المصرية عن عملية العبور التي تجرى في جنوب رأس كوبرى الفرقة 16 مشاة. • مجموعة من 3 كتائب مشاة ميكانيكية في عربات نصف جنزير في الاحتياطي بالقرب من معبر الدفرسوار. • كتيبة استطلاع الفرقة تتولى تأمين الساحة التي تحيط بمنطقة العبور الى حين وصول لواء المظلات. • مجموعة من 3 كتائب مشاة ميكانيكية في عربات نصف جنزير في الاحتياطي بالقرب من معبر الدفروسوار.

وبعد نجاح لواء آمنون في تحقيق المهام الموكولة اليه، يعبر اللواء الى الضفة الغربية على الكباري التي سيتم تركيبها ويسلم مهمة تأمين رأس الكوبرى شرق القناة الى لواء توفيا.

3- اللواء المدرع بقيادة حاييم: تقوم كتيبة مدرعة من هذا اللواء بجر أجزاء الكباري (الكوبري السابق التجهيز وكوبري المعديات) من يوكون الى الدفرسوار. وعقب عبور لواء المظلات قناة السويس في القوارب المطاطية تعبر خلفه مباشرة الى الضفة الغربية كتيبة مدرعة من هذا اللواء على معديات متحركة. 4- لواء المظلات بقيادة العقيد داني مات: يتقدم هذا اللواء وهو معزز بسرية دبابات على طريق أكافيش وتتولى فتح هذا الطريق أمامه كتيبة مدرعة من لواء آمنون. وعند اقترابه من القناة يتحرك غربا خارج الطريق وتيجه الى حصن متسميد (الدفرسوار)، ويقوم اللواء بعد ذلك بعبور قناة السويس الى الضفة الغربية في القوارب المطاطية التي ستسلم له.

عبور لواء المظلات الى الضفة الغربية

كان لواء المظلات متجمعا في الاحتياطي في منطقة ممر متلا التابعة للقطاع الجنوبي من الجبهة، وفي الساعة السادسة صباحا يوم 15 أكتوبر استدعى العقيد داني مات قائد اللواء الى مقر قيادة الجنرال شارون المتقدم في الطاسة حيث تلقى التعليمات الخاصة بعبور لواء المظلات الى الضفة الغربية ليلة 15/ 16 أكتوبر . وكانت النقطة المهمة أن وحدات هذا اللواء وفقا للخطة العامة الاسرائيلية لعبور القناة الى الغرب أصبحت هي الوحدات الاسرائيلية الأولى التي ستضع أقدامها عقب عبور القناة على الأراضي المصرية. وبعد أن عاد العقيد داني الى منطقة تمركز اللواء في منطقة ممر متلا، أصدر أمره الى وحدات اللواء بالاستعداد للتحرك، ثم وضع خطته التفصيلية لتحقيق المهمة التي كلف بها اللواء، وكانت تتخلص فيما يلي:

تتولى سرية استطلاع اللواء وسرية المهندسين تحت قيادة قائد ثاني اللواء المقدم آربك قيادة عملية العبور لاقامة رأس كوبري على الضفة الغربية للقناة، وتعين نائب قائد اللواء ليكون قائدا لساحة العبور في الدفرسوار، وهذه الساحة التي تبلغ مساحتها 700 متر X 150 متر سبق أعدادها بأوامر الجنرال شارون، حينما كان قائدا للقيادة الجنوبية، وهي محاطة بجدران رملية للوقاية، وتقع في منتصفها على شاطئ القناة النقطة المحددة للعبور، وكانت داخل الساحة مواقع يمكن اتخاذها قاعدة للنيران لشغل قوات العدو على الشاطئ الآخر للقناة.

وفور احتلال أول موطئ قدم على الشاطئ الغربي للقناة، تعبر كتيبة من اللواء بقيادة المقدم دان، وتقوم بتوسيع رأس الكوبري في اتجاه الجنوب، بينما تقوم كتيبة أخرى من اللواء بقيادة المقدم زفي بتوسيعه في اتجاه الشمال. وتقوم القوات التي عبرت باحتلال المعابر على ترعة المياه الحلوة (ترعة الاسماعيلية) التي تقع على بعد حوالي 2 الى 3 كم غرب القناة، ويراعى ألا يقل عرض رأس الكوبري عن 4 كم في اتجاهي الشمال والجنوب.

وفي الساعة الواحدة ظهرا، عرض العقيد داني مات خطته على الجنرال شارون الذي صدق عليها. وفي الساعة الواحدة والنصف عاد العقيد داني الى مقر لوائه وأصدر أوامره الى قادة وحداته الفرعية بأن تحرك اللواء سيبدأ في الساعة الرابعة والنصف مساء يوم 15 أكتوبر. ورغم أن قائد اللواء تم ابلاغه أنه سوف يخصص له 60 قاربا مطاطيا، وسيتم تسليمها له في معسكرة في الساعة العاشرة صباحا، فان هذه القوارب لم تصله حتى وقت تحرك اللواء، كما أن العربات نصف الجنزير التي تقرر تزويد اللواء بها وعددها 60 عربة للتحرك بها الى الدفرسوار لم تصل منها سوى 32 عربة فقط. واستخدم العقيد داني وسيلة غير مشروعة لاستكمال العربات المدرعة على أساس المبدأ الذي يقول أن الغاية تبرر الوسيلة، فقد أرسل أحد قادة السرايا ومعه 30 سائقا الى منطقة رفديم (الجفجافا) حيث وضعوا أيديهم على 26 عربة نصف جنزير كانت معدة لتسليمها لمندوب احدى الفرق، واستطاع ضباط المظلات ايهام الضابط المسئول عن تسليم هذه العربات بأنه هو المندوب الذي ينتظره وانطلق مسرعا بالعربات الى مقر اللواء، وبذا ارتفع عدد العربات نصف جنزير بلواء المظلات الى 58 عربة. وعلم العقيد داني مات خلال عملية بحثه عن قوارب العبور ان القوارب موجودة على بعد 5 كم غرب الطاسة، فقد ارسلت بطريق الخطأ الى هذا المكان وقت وقوع التباس نتيجة للتشابه في الأسماء الكودية.

وعقب ان اصدر قائد اللواء أوامره الى قادة وحداته الفرعية بناء على الخطة التي وضعها التي تم تصديق قائد الفرقة عليها، بدأ تحرك اللواء في الساعة الرابعة والنصف مساء. وعندما واصل اللواء تحركه على الطريق العرضي 3 في اتجاه الطاسة دخل في ازدحام مرور كبير حتى انه قطع 25 كم للوصول الى الطاسة في ساعتين ونصف الساعة.. وانحرف طابور اللواء من الطاسة الى الغرب على طريق أكفيش المتجه الى القناة ليتزود بقوارب العبور التي كانت في انتظاره على مسافة 25 كم غرب الطاسة، وكان ازدحام السير في هذه المرحلة أسوأ كثيرا مما سبق معاناته من قبل حتى ان طابور اللواء قطع الكيلو مترات الخمسة في ساعتين، وتم له تسليم القوارب في الساعة التاسعة مساء، رغم أن الأوامر كانت تقضي يتلسمه لها في معسكره في العاشرة صباحا، أي أن التأخير بلغ حوالي 12 ساعة.

واضطر قائد اللواء نظرا لنقص العربات نصف جنزير بالنسبة لحجم قواته الى وضع 25 جنديا في كل عربة منها بالاضافة الى القارب الذي وضع على ظهرها. واستغل قادة الوحدات الفرعية فرصة بطء السير وكثرة الوقفات بسبب ازدحام المرور لاستكمال الترتيبات اللازمة للعبور ولتوزيع احزمة النجاة وبعض المعدات الأخرى الى جنودهم. واضطر العقيد داني مات الى عمل بعض التعديلات في خطة العبور، فان سرية استطلاع اللواء التي خصصت لقيادة العبور وكانت متأخرة في الخلف لتحركها في عربات عادية لم تلبث أن غرزت في الرمال، لذا تم تكليف كتيبة المقدم دان للقيام بهذا الواجب. وفي حوالي الساعة العاشرة والنصف مساء وعندما كان لواء المظلات على بعد حوالي 10 كم من القناة انضمت اليه سرية دبابات من لواء حاييم وتحركت على رأس طابول اللواء.

وتعرض طابور اللواء عند اقترابه من النيران القناة لنيران مدفعية وصواريخ ورشاشات، مما أدى الى اصابة عدد من الآليات من القوارب، ولم يلبث طابور اللواء الذي كانت تتقدمه قوة الاقتحام ان انحرف عن محور أكافيش بعد منتصف الليل بوقت قصير متجها الى الغرب نحو موقع ساحة العبور التي كانت على بعد حوالي 3 كم. وعلى الرغم من أن لواء آمنون سبق له عبور هذه المنطقة وأبلغ أنها خالية من القوات المصرية فان العقيد داني مات زيادة في الحيطة والحذر أمر سرية الدبابات التي ألحقت على اللواء باتخاذ موقع لها عند مفترق طريق طرطور والطريق العرضي رقم 1 (الطريق الموازي للقناة) على مسافة نحو 800 متر شمال منطقة العبور لتكون بمثابة حاجز أمام أي تدخل محتمل للقوات المصرية من الشمال أو الشرق. ولكن سرية الدبابات لم تلبث أن دخلت في كمين محكم أعدته قوة من اللواء المصري 16 مشاة عند مفترق الطرق، وتم تدمير سرية الدبابات بأكملها دون أن يعلم العقيد داني مات شيئا عن مصيرها التعس.

وعلى أثر وصول اللواء الى الاسحة اقميت نقاط مراقبة المرور، وفتحت مجموعة القيادة على مدخل الساحة، وكان التخطيط موضوعا على أساس انشاء نقطتي ابحار: احداهما خضراء والثانية حمراء وتضاء النقطتان بفوانيس تحمل هذين اللوونين على كلا الشاطئين حتى تتجه القوارب من نقطة الابحار الى اللون المحدد لها عند نقطة الانزال. ولكن عندما اقترب الجنود لانزال القوارب الى الماء اكتشفوا أن الارض في شمال الساحة طينية لزجة، لذلك تم تعديل الخطة واستخدم نقطة ابحار واحدة فقط، ولكن بقية الخطة ظلت على ما هي عليه حيث تقرر انزال القوة على الشاطئ الغربي في نقطتين وفقا للخطة. وقبل عملية الابحار مباشرة وبناء على أمر قائد لواء المظلات فتحت جميع وحدات المدفعية التي كانت في معاونة عملية العبور نيرانها وركزت الضرب على منطقة الانزال على الشاطئ الغربي للقناة المقابلة لمنطقة الابحار وفي قطاع طوله 900 متر وعرضه 200 متر.

ولقد قدر ما نزل من القذائف على هذه المنطقة بحوالي 70 طنا. ومن العجيب أن المنطقة التي تركز عليها كل هذا القصف كانت خالية من المصريين. وفي الساعة الواحدة والدقيقة 35 يوم 16 أكتوبر، عبرت القناة الموجة الأولى من القوات الاسرائيلية ووضعت أقدامها على الضفة الغربية للقناة. وفور الوصول شق المهندسون الأسلاك الشائكة ولم يجدوا أي ألغام أو كمائن، وأبلغ قائد قوة الاقتحاح قائد اللواء عن طريق جهاز اللاسلكي بأن كل شي على ما يرام، بينما صاح صوت في الجهاز "نحن الآن في أفريقيا". وعبرت مجموعة قيادة اللواء في الساعة الثانية والدقيقة 40 ، وتولى عبور وحدات اللواء حتى الساعة الخامسة صباحا حينما انتهت عملية عبور جميع أفراد المظلات. وبدأ الجنود وفقا للخطة في التحرك على أقدامهم لاتمام عملية تأمين راس الكوبري غرب القناة الى مسافة 4 كم شمالا والاستيلاء على المعابر على ترعة الاسماعيلية غربا. وفي صباح يوم 16 أكتوبر أصبح العقيد داني مات مسيطرا على رأس كوبري امتد من الشاطئ الشمالي للبحيرة المرة الكبرى حتى 4 كم شمالا، وكانت المقاومة التي صادفها تكاد لا تذكر.. ونظرا لأن عملية العبور الاسرائيلي الى غرب القناة لم تكن قد وصلت بعد الى علم أحد المصريين حتى ذلك الحين، فقد تمكنت قوة المظلات الاسرائيلية من ابادة عناصر كثيرة من وحدات مصرية مختلفة، كانت متحركة على طريق النقاة بعرباتها في أمان، وتم اطلاق النار عليها قبل أن يتمكن راكبوها من ادراك حقيقة المأساة التي جرت.

وقبيل الصباح وصل عدد المعديات المتحركة الى ساحة العبور بالدفرسوار ولم يكن متيسرا انزالها الى المياه قبل ازالة الساتر الرملي على القناة، وعندما قامت جرافتان بازالته انزلقت المعدات الى المياه وأسرعت الدبابات تحتل أمكنتها فوق المعديات، وبعد دقائق معدودة دارت المحركات واتجهت المعديات بحمولتها الى الشاطئ الغربي حيث تم انزال الدبابات، واخذت عملية عبور الدبابات من لواء حاييم تجري بانتظام وفقا للخطة الموضوعة. وفي تقرير أبلغه شارون في الصباح باللاسلكي الى الجنرال بارليف أفاد بأن لواء المظلات بكامل وحداته قد تم عبوره بعد منتصف الليل الى الضفة الغربية بالقوارب. وتم تعزيزه في الصبح بمجموعة من 30 دبابة عبرت فوق المعديات من لواء حايم الذعبر بنفسه على رأس المجموعة. وأفاد شارون أيضا أن العقيد حاييم بدأ الانتشار بدبابته من خلال رأس الكوبري لمهاجمة بطاريات الصواريخ سام المضادة للطائرات على الضفة الغربية.

ولكن المشكلة المعقدة التي أضحت تواجه الجنرال بارليف هي أن رأس الكوبري على الضفة الشرقية لم يكن قد تم تأمينه بعد، كما لم يتم اقامة أي جسر فوق القناة لربط القوة الاسرائيلية المعزولة على الضفة الغربية بقواعدها على الضفة الشرقية، مما كان يهدد عملية العبور الى الغرب بأفدح الأخطار.

لماذا أوشكت خطة العبور على الفشل؟

رغم التخطيط الجيد الذي وضعه أريل شارون قائد مجموعة العمليات رقم 143 لتحقيق المهمة التي أسندت الى فرقته ضمن الخطة القلب الشجاع، والتي كانت تتلخص في اقامة وتأمين رأس كوبري على ضفتي قناة السويس عند نقطة الدفرسوار ليلة 15/16 أكتوبر تميهدا لعبور فرقة الجنرال أبراهام أدان (بران) صباح يوم 16 أكتوبر على الجسرين اللذين كلفت فرقة شارون بمهمة تركيبهما على القناة، فان خطة شارون أوشكت على الفشل بسبب عاملين رئيسيين:

أولهما: تأخر ووصول الكباري ومعدات العبور الى منطقة المعبر بالدفرسوار، نتيجة لازدحام المرور على محوري التقدم الأساسيين (أكافيش وطرطور) واغلاق أجزاء منهما لوقوعهما تحت سيطرة القوات المصرية. وكانت الخطة الاسرائيلية الاصلية لعليمة العبور للغرب، والتي سبق التخطيط لها قبل الحرب مبنية على أساس أن العبور سيتم تنفيذه أثناء وجود القوات المصرية غرب القناة، أي أن الشاطئ الشرقي للقناة سيكون تحت سيطرة القوات الاسرائيلية، وان حصون خط بارليف سيتم استخدامها في تأمين عملية العبور، وان الكباري الثقيلة ومعدات العبور سيجري تجميعها وتجهيزها على مقربة من طريق لكسيكون (الطريق العرضي رقم 1 الموازي للقناة) بدون أي ضغط أو تدخل من المصريين. ولكن الظروف التي أجريت فيها عملية العبور الفعلية ليلة 15/16 أكتوبر كانت مختلفة تماما عما كان مقدرا في الخطة الأصلية، فلقد أجريت العملية رغم أن كلا الشاطئين الشرقي والغربي للقناة كانا تحت السيطرة التامة للقوات المصرية، كما أن معدات العبور والجسر السابق التركيب، وجسر معديات البونتون وكلها أحمال ثقيلة الوزن كبيرة الحكم تم جرها بالدبابات مسافة حوالي 20 كم فوق الرمال وتحت وابل من نيران مدفعية المصرييين وهاوناتها ورشاشاتهم، مما أدى الى تعطيل وصولها فترة طويلة.

أما العامل الرئيسي الثاني الذي كاد يتسبب في فشل عملية العبور، فهو التعطيل الذي جرى في عمليات تأمين المعبر عند الدفرسوار وتطهير المحورين الرئيسيين للتقدم (أكافيش وطرطور)،والتي كانت تستلزم ضرورة السيطرة على المنطقة الممتدة من نقطة العبور حتى مسافة 5 كم شمالا أو حتى شمال المزرعة الصينية، وكان مقدرا لها أن تتم خلال ليلة 15/16 أكتوبر. وقد أسند شارون هذه المهمة الى اللواء المدرع بقيادة آمنون بعد أن عززه بكتيبة مدرعة من لواء توفيا وبكتيبتين مشاة ميكانيكيتين لتصبح قوته 4 كتائب مدرعة و3 كتائب مشاة ميكانيكية، علاوة على كتيبة استطلاع الفرقة. ورغم تركيز آمنون هجمومه بهذه القوة الكبيرة على قطاع اللواء 16 مشاة (أقصى الجنب الأيمن للجيش الثاني) والتي كانت مواقعه تدخل ضمن نطاق منطقة التأمين المطلوب اخلاؤها من القوات المصرية، فان الاسرائيليين فوجئوا بأن القوة التي واجهتهم كانت أكبر مما قدروا، كما أن المقاومة العنيدة التي أبدتها كانت أشد كثيرا مما كانوا يتوقعون.

ونتيجة لهذين العاملين تعثرت خطة العبور الاسرائيلية وانهار الجدول الزمني المحدد لها وواجه لواء المظلات بقيادة العقيد داني مات الذي عبر قناة السويس ليلة 15/16 أكتوبر في قوارب مطاطية وقتا عصيبا. فقد ظل معزولا بالضفة الغربية للقناة مع 30 دبابة من لواء حاييم عبرت فوق معديات متحركة عن قواعده بالضفة الشرقية لمدة تقرب من 40 ساعة، اذ لم تتم قامة أي جسر يربط بين شاطئ القناة الا ليلة 17/18 أكتوبر، كما أن الجنرال حاييم بارليف أصدر أمرا بعد ظهر يوم 16 أكتوبر بعدم عبور أي قوات اسرائيلية أو دبابات الى الضفة الغربية في قوارب أو على معديات متحركة الى حين اقامة جسور ثابتة فوق القناة حتى لا يزداد حجم القوة الاسرائيلية الموجودة غرب القناة والمعزولة عن قواعدها في الشرق والمعرضة لخطر الابادة.

ولو كانت القيادات المصرية على مختلف المستويات قد تنبهت مبكرا الى طبيعة وأهداف العملية التي كانت تجرى في الدفرسوار، وتم لها اتخاذ التدابير السريعة الواجبة ودفع القوة الكافية لمواجهتها لكان من المتعذر بقاء القوة الاسرائيلية التي عبرت الى غرب القناة والتي كانت تتكون من لواء مظلات و30 دبابا طوال يومي 16/17 أكتوبر دون أن تتعرض لخطر الابادة أو الوقوع في الأسر، ولكان من المستحيل على القيادة الاسرائيلية استكمال عملية العبور، واقامة أي جسر ثابت فوق القناة في حال سقوط نقطة الانزال غرب القناة في أيدي المصريين، كما لم يكن في مقدرتها القيام بعد ذلك بعملية عبور أخرى من نقطة جديدة خلال الدفرسوار بعد زوال عامل المفاجأة. ولكن عامل الحظ تدخل بصورة عجيبة، بالاضافة الى التقصير الذي وقع من بعض القيادات المصرية. وهكذا نجحت المغامرة الاسرائيلية التي كان من المحتم فشلها، وأضفت القيادة الاسرائيلية على نفسها بسبب ذلك النجاح هالات من العظمة والمجد والقدرة على تحقيق الخوارق والمعجزات، بينما لم تكن العملية في حقيتها تستحق كل هذه الصفات.

تحويل أنظار المصريين عن منطقة العبور

كان التخطيط الاسرائيلي لعملية العبور يهدف في الدرجة الأولى الى تحويل انظار المصريين عما سوف يجري مساء يوم 15 أكتوبر في النطقة الحصينة متسميد (الدفرسوار) التي اختيرت لتكون مكان العبور، وكانت في الماضي أحد حصون خط بارليف.وقد سبق لمفرزة اقتحام من احدى كتائب اللواء 16 مشاة اقتحامها والاستيلاء عليها صباح يوم 9 أكتوبر. ولتحقيق ذلك الهدف بدأت غارات جوية اسرائيلية مركزة اعتبارا من الساعة الخامسة صباحا يوم 15 أكتوبر على رءوس كباري الجيش الثاني، خاصة رأس كوبري الفرقة 2 مشاة ورأس كوبري الفرقة 16 مشاة الذي كان يضم داخله أيضا وحدات الفرقة 21 المدرعة. وظلت الغارات الجوية مستمرة حتى قرب آخر ضوء ذلك اليوم. وقد أدى ذلك القصف الجوي المتواصل الى تأخير اعادة تجميع الفرقة 21 المدرعة كما كان مقررا من قبل، بعد معركة تطوير الهجوم التي اشتركت فيها في اليوم السابق مباشرة، وتكبدت خلالها خسائر كبيرة خاصة في الدبابات.

وتحت ساتر من التمهيد النيراني بالمدفعية هاجم اللواء المدرع بقيادة توفيا وسط ويسار الفرقة 16 مشاة من أجل توجيه انتباه الفرقتين 16 مشاة و21 المدرعة تجاه الشمال نحو الطريق الأوسط (طريق الطاسة-الاسماعيلية شرق). وعندما بدأت الهجمات الاسرائيلية تشتد في المساء على الجنب الأيمن للواء 16 مشاة ظل المصريون يعتقدون لأكثر من 24 ساعة أن الهدف الاسرائيلي الحقيقي كان طي الجناح الأيمن للجيش المصري، ولم يخطر على بال أحد ان هذه المعارك الشرسة المتصلة ضد اللواء 16 مشاة كان من ضمن اهدافها خداع المصريين عن حقيقة ما يجري في نقطة العبور بالدفرسوار على الشاطئ الشرقي للقناة، والتي لم تكن تبعد شرقا عن الحد الأيمن لقطاع هذا اللواء بأكثر من 3 كم.

وقد كان خلو النقطتين الحصينتين الدفرسوار وتل السلام من القوات المصرية (كانتا من ضمن حضون خط بارليف التي تم الاستيلاء عليها من قبل) من أهم العوامل التي ساعدت الجنرال شارون على تنفيذ جانب كبير من خطته في سهولة ويسر وبلا صعاب أو مشكلات، فقد أمكن للواء آمنون القيام بحركة التفاف عبر التلال الرملية بعيدا عن المحورين الرئيسيين للتقدم "أكافيش وطرطور"، وأمكنه الوصول الى حصن لاكيكان (تل سلام) على شاطئ البحيرة المرة الكبرى وعلى بعد 6 كم جنوب شرق الدفرسوار واعادة احتلاله ، ثم تقدم بعد ذلك شمالا على الطريق الملاصق للبحيرة والذي شقه الاسرائيليون من قبل لربط حصني الدفرسوار وتل السلام، وأطلقوا عليه اسم (طريق نهالا)،وعن طريق الثغرة التي تفصل ما بين شاطئ القناة والحد الأيمن لدفاعات اللواء 16 مشاة تم تسرب القوات الاسرائيلية الى النقطة الحصينة بالدفروسوار حيث قاموا باعادة احتلالها واستخدموا الساحة التي بجوارها، والتي سبق اعدادها لهذا الغرض منذ كان شارون قائدة للقيادة الجنوبية لتكون المعبر الذي تم عن طريقه عبور لواء المظلات بواسطة القوارب المطاطية، وعبور 30 دبابة من لواء حاييم فوق أطواف عائمة الى الضفة الغربية كما سبق أن ذكرنأز

وهكذا تم للقوات الاسرائيلية استخدام حصن الدفروسار ليكون المعبر الرئيسي لقواتهم الى الغرب، وكذا استخدام حصن تل سلام لحماية وتأمين الجناح الأيسر لمعبرهم عند الدفرسوار دون أن يبذلوا أي جهد أو يشتبكوا في أي قتال لتحقيق ذلك الهدف. ومما يثير الدهشة بقاء الحصنين الاسرائيليين السابقين من حصون بارليف بعد سقوطهما في أيدي المصريين دون احتلالهما بأي قوات أو على الأقل نسفهما وجعلهما غير صالحين للاستخدام، رغم أن التعلميات قد صدرت الى قادة الفرق المشاة بنسف جميع حصون خط بارليف التي تقع داخل قطاعات فرهم، وقد تم ذلك خلال المؤتمر الذي عقد في مركز القيادة المتقدم للجيش الثاني بالاسماعيلية صباح يوم 13 أكتوبر تنفيذا لأوامر القائد العام الفريق أحمد إسماعيل.

معركة تقاطع الطرق

كان للتقدم السريع للواء آمنون الذي تم في مساء يوم 15 أكتوبر دون أن يواجه أي مقاومة أثره في أن تسود موجة من التفاؤل في المركز المتقدم للقيادة الجنوبية والذي كان موجودا به وقتئذ الجنرال دافيد أليعازر رئيس الأركان وموشي ديان وزير الدفاع، وخاصة بعد أن أبلغهما شارون بنبأ الاستيلاء على حصني تل سلام والدفرسوار، وأن محور اكافيش قد أصبح مفتوحا للمرور. وفي الوقت الذي كانت فيه كتيبة استطلاع الفرقة التي ألحقها شارون على لواء آمنون تقوم بتأمين ساحة العبور عند الدفروسوار انتظار لقدوم لواء المظلات بقيادة داني مات (أول قوة اسرائيلية عبرت القناة الى الغرب كما أوضحنا من قبل)، أرسل آمنون كتيبة مدرعة من وقاته الى طريق أكافيش لتطهيره بعد أن علم أنه قد أغلق ثانية عقب مروره بقواته، بينما تقدم بثلاث كتائب مدرعة وثلاث كتائب مشاة ميكانيكية الى اتجاه الشمال والشرق لمهاجمة الجنب الأيمن للفرقة 16 مشاة (اللواء 16 مشاة). وقد ارسل آمنون في بادئ الأمر كتيبتين مدرعتين من حصن لاكيكان (تل سلام) في اتجاه الشمال عن طريق لكسيكون (الطريق العرضي رقم 1) ولم تكادا تقتربان من منطقة المفرق (تقاطع طريق طرطور والطريق العرضي 1) الذي يقع في قطاع الكتيبة اليمين من اللواء 16 مشاة حتى انالت على قواته نيران الصواريخ والأسلحة المضادة لدبابات، فتم تدمير 27 دبابة اسرائيلية ، ولكن 7 دبابات تمكنت من اختراق الموقع الأيمن في اقصى الدفاعات على جانبي الطريق العرضي رقم 1. وأمر العقيد أ.ح عبد الحميد عبد السميع قائد اللواء 16 مشاة بدفع أعداد كبيرة من أطقم اقتناص الدبابات من كتائب اللواء الى منطقة قرية الجلاء لتدمير دبابات العدو التي نجحت في اختراق الموقع وتقدمت شمالا في اتجاه القرية، وكذا اغلاق منطقة الاختراق حول الطريق الرئيسي بنيران الأسلحة المضادة للدبابات وتدعيم الكتيبة التي تعرضت للهجوم وهي كتيبة اليمين بسرية من الدبابات، كما وضع مجموعة مدفعية اللواء في معاونتها. تحرك آمنون بباقي قواته تحت ستر الظلام بحذاء الساتر الرملي للقناة بعيدا عن مرمى نيران دفاعات اللواء 16 مشاة. وعندما اندفعت الدبابات الاسرائيلية نحو الشمال وجد آمنون نفسه فجأة في قلب منطقة ضخمة من مئات اللوريات والمركبات والمدافع ومنصات الصواريخ المضادة للطائرات ومحطات الرادار، واتضح أن دبابات آمنون قد دخلت الى المناطق الادارية لوحدات اللواء 16 مشاة ومرابض مدفعيته، ثم لم تلبث أن اقترتب من مركز القيادة الرئيسي ومنطقة الشئون القيادية الرئيسية موضوعة في هذه المناطق الخلفية على مقربة من القناة على اعتبار أنها آمنة من هجوم العدو الذي كان متجها في هجومه المتوقع من ناحية الشرق حيت تواجهه اقوى الدفاعات المصرية. ولكن الدبابات الاسرئايلية اقتحمت المناطق الخلفية في أضعف حالاتها. ولم تلبث النيران أن فتحت من الطرفين من آلاف الأسلحة من جميع الأنواع وفي جميع الاتجاهات واشتغلت بعض الحرائق في عربات الذخيرة ومنصات الصواريخ أرض جو، وقامت كتيبتان مدرعتنان من الفرقة 21 المدرعة بشن هجوم مضاد على الدبابات الاسرائيلية وأجبترها على الارتداد جنوبا بعد أن تكبدت خسائر جسيمة.

وكانت المشكلة التي تواجه آمنون هي ضرورة الاستيلاء على النقطة الحيوية (تقاطع طريق طرطور مع الطريق العرضي رقم 1) حيث ان اجراءات تامين نقطة العبور وتطهير طريق تطرطور كانت متوقفة على ذلك . ونظرا لما أبدته قوات اللواء 16 مشاة ووحدات من الفرقة 21 المدرعة من شجاعة وبطولة واستماته في القتال في معركة قرية الجلاء (المزرعة الصينية). فقد آثرت أن أسجل وصف هذه المعركة وفقا لما ورد في المراجع الاسرائيلية حتى لا يتطرق الشك الى أحد أن ما نسجله هو نوع من التحيز أو المبالغات. وفيما يلي خلاصة ما ورد بشأن هذه المعركة في المراجع الاسرائيلية:

عند منتصف الليل أمر آمنون المقدم "ناثان" قائد كتيبة مشاة ميكانيكية بعد أن دعمه بسرية دبابات أن يهاجم منطقة تقاطع الطرق. ودفع ناثان سرية الدبابات الى الأمام، وعندما أبلغه قائدها بعد بضع دقائق أن الطريق مفتوح أمر ناثان مجموعة عربات نصف جنزير من كتيبته بقيادة "هاليفي" بالوصول الى التقاطع من الجنب عن طريق معركة التفات. وأثناء تقدم العربات المدرعة الى الأمام اتضح أن سرية الدبابات التي سبقتها قد دمرت عن آخرها، وسرعان ما انهالت النيران على العربات المدرعة مما أرغمها على التوقف، وأفاد قائدها هاليفي أنه لا يستطيع التحرك وانه أصيب بخسائر جسيمة، ونتيجة لذللك حاولت باقي العربات المدرعة بالكتيبة التقدم لمساعدة قوة هاليفي ولكنها لم تلبث أن ضربت بشدة، وتم غمر المنطقة بنيران مركزة، وفشلت جميع المحاولات للوصول الى العربات المدرعة المصابة في الأمام – واتضح أن كتيبة المشاة الميكانيكية قد وقعت في فخ محكم وأصبحت مكشوفة في العراء تحت وطأة نيران كاسحة من المواقع المصرية التي في قطاع اللواء 16 مشاة، وأنها عاجزة عن التحرك الى اي اتجاه او انقاذ العربات المدرعة المعزولة. واضطر ضباط وجنود الكتيبة الى ترك عرباتهم المدرعة والانبطاح على الأرض محاولين أن يحفروا بأظافرهم مخابئ لهم. واستطاع المقدم ناثان قائد الكتيبة النجاة بنفسه بأعجوبة مع عدد من عرباته المدرعة والخروج من المنطقة المتأججة بالنيران،ولكنها كانت مأساة أليمة له عندما أدرك أن كتيبته غدت فلولا مشتتة.

في سبيل انقاذ العربات المدرعة المتورطة في الأمام خصص آمنون سرية دبابات ثانية للتقدم لتخليصها. وتقدمت الدبابات شمالا الى قرية الجلاء (كان الاسرائيليون يطلقون عليها اسم المزرعة الصينية، نظرا لوجود كتابات على جدرانها باللغة اليابانية كتبت بواسطة خبراء الزراعة اليابانيين اللذين كانوا يعملون بالقربة قبل حرب يونيو 67. وقد ظن الاسرائيليون أن هذه الكتابات مدونة باللغة الصينية ولذا أطلقوا عليها اسم المزرعة الصينية، وقد اقترن هذا الاسم بالقرية في جميع مؤلفاتهم التي صدرت عن حرب اكتوبر 73، وحذا حذوهم جميع الكتاب والمؤلفين الأجانب حتى أصبح هذا الاسم علما عليها).

وعندما اقتربت الدبابات الاسرائيلية من القرية، استطاع قادتها رؤية مئات من المشاة المصريين المسلحين بالبازوكات آر بي جي 7 وصواريخ المالوتكا رابضين في قنوات وحواجز القرية وانقضت الدبابات في جهد خارق للوصول الى قوة المدرعات المعزولة التي كان أفرادها مشتبكين بالنيران مع المواقع المصرية، ولكن سيلا منهمرا من الصواريخ أخذ يطارد الدبابات الاسرائيلية في كل تحركاتها مما أرغمها على الانسحاب. وأخذ ناثان يناشد رئيسه آمنون عن طريق الاتصال اللاسلكي لكي يعاونه في الوصول الى قواته المتورطة في الأمام، ووعده آمنون بأنه سيبذل أقصى جهده، ولم يكن ناثان يدري أن آمنون نفسه كان في ذلك الوقت يقاتل في معركة مريرة وأنه يصارع من أجل البقاء ضد القوات المصرية وأن وحداته منيت بخسائر فادحة. ولما أدرك هاليفي اليأس من امكان وصول أي قوات إسرائيلية لانقاذه، حمل جرحاه وحاول التسلل بقواته خارج ميدان المعركة تحت ستر جماعتين من مدافع الماكينة، وبينما هم يتحركون ببطء وبعذاب نحو خطوطهم اذا بقوة دبابات مصرية (من الفرقة 21 المدرعة) تعترض طريق انسحابهم ولم تلبث أن أبادتهم عن آخرهم". انتهى الوصف الاسرائيلي للمعركة.

ورغم ما حاق بقوة آمنون من خسائر في معركة تقاطع الطرق، فانه صمم في عناد شديد على ضرورة القيام في الحال بهجوم ثاني على منطقة التقاطع، وأمر المقدم بروم قائد كتيبة استطلاع الفرقة الملقة على لوائه، والتي كانت متمركزة بالقرب من ساحة العبور في الدفرسوار للقيام بعملية التأمين، أن يشن الهجوم بكتيبته على التقاطع. وضمانا للمفاجأة أمره أن يجري الهجوم من اتجاه الغرب نظرا لأن المواقع المصرية كانت تستعد لمواجهة الهجوم من اتجاهي الشرق والجنوب. وقام المقدم بروم بالهجوم بعرباته المدرعة من الدفرسوار على منطقة التقاطع من الغرب، ولكن بروم لم يلبث أن قتل على مسافة 30 مترا من المواقع المصرية وأصيبت قواته بخسائر جسيمة مما أحبط عملية الهجوم، واضطر آمنون إلى أن يصدر أمره الى قائد ثاني كتيبة الاستطلاع بالانسحاب بالكتيبة الى الخلف لاعادة التنظيم.

ولم يكف آمنون عن محاولاته العنيدة للاستيلاء على تقاطع الطرق، فأمر المقدم ايتان (قائد ثاني اللواء) بالتقدم على رأس سرية دبابات لمهاجمة منطقة التقاطع من الجنوب، وبدأ الهجوم في الساعة الرابعة صباحا يوم 16 أكتوبر، ولكن الهجوم قوبل بمقاومة شديدة وأصيبت 3 دبابات منها دبابة المقدم إيتان، وفشلت محاولة الهجوم للمرة الثالثة.


كيف فشل شارون في تأمين معبر الدفرسوار؟

أوضحنا في الصفحات السابقة المعارك العنيفة التي خاضها لواء آمنون المدرع (من ضمن تشكيل فرقة الجنرال شارون) ليلة 15/16 أكتوبر لاختراق مواقع كتيبة اليمين من اللواء 16 مشاة والاستيلاء على منطقة تقاطع الطرق (طريق طرطور مع طريق العرض رقم 1 الموازي لقناة السويس) والوصول الى قرية الجلاء (المزرعة الصينية) لتحقيق المهمة المسندة اليه في الخطة، وهي تأمين المعبر عند الدفرسوار باخلاء المنطقة حتى شمال قرية الجلاء من القوات المصرية، وتطهير محوري التقدم الرئيسيين أكافيش وطرطور لتأمين وصول معدات العبور والجسور التي ستقام فوق القناة للربط بين نقطة العبور في الشرق ونقطة الانزال في الغرب. ولهذا الغرض شن آمنون ثلاث هجمات عنيفة على منطقة تقاطع الطرق من بعد منتصف الليل حتى فجر يوم 16 أكتوبر بالدبابات والمشاة الميكانيكية، ولكن الهجمات الثلاث انتهت بالفشل بعد أن تكبدت قوات الهجوم الاسرائيلية خسائر فادحة في الأفراد والأسلحة والمعدات.

وعند الفجر صعد العقيد آمنون الى تبة مرتفعة تشرف على أرض المعركة، فوقعت عيناه كما ذكر بعد ذلك على منظر مفزع، فقد كانت الصحراء مغظاة بأعداد كبيرة من الدبابات والمركبات والمدافع والناقلات المحترقة والمشتعلة. وكذا عشرات من مركبات القيادة وورش الصيانة المتنقلة والمنصات الضخمة لحمل الصواريخ سام 2 والمطابخ المتنقلة. وكانت أشلاء الجنود الاسرائيليين متناثرة هنا وهناك ولا يفصل بينها وبين المواقع المصرية سوى أمتار قليلة.

وقد زار مراسل صحيفة "نيويورك تايمز" أرض المعركة بعد انتهاء الحرب مباشرة فوصف المشهد المفجع الذي وقع عليه بصره قائلا: "في قطعة صغيرة من الأرض لا تزيد على بضعة ألاف من الأمتار المرعبة وجدت 24 دبابة باتون إسرائيلية محروقة تماما، أما الدبابات التي أصيبت بصورة أقل فقد سحبت من المنطقة لاعادة اصلاحها. وكان عدد كبير من الدبابات المصرية المدمرة منتشرا في أرض المعركة. وفي مكان واحدت وجدت دبابة باتون اسرائيلية ودبابة (ت-55) مصرية لا يفصل بين مدفعيها سوى بضعة أمترا".

سقوط موقع تقاطع الطرق

عندما أخذت التقارير قبيل فجر يوم 16 أكتوبر تصل الى القيادة الجنوبية تنقل صورة القتال المرير الذي يخوضه لواء آمنون والمصاعب غير المتوقعة التي ظهرت عند البدء في تنفيذ الخطة، سيطر على مركز القيادة المتقدم للقيادة الجنوبية جو من التوتر والقلق، واقترح موشي ديان وزير الدفاع سحب لواء المظلات من نقطة الانزال بالشاطئ الغربي للقناة والغاء العملية كلها، مبررا ذلك بقوله: "لقد حاولنا ولكن محاولاتنا ذهبت أدراج الرياح، ولذا فاني اقترح الغاء فكرة العبور اذ أن المصريين سوف يذبحون قواتنا على الشاطئ الآخر". فرد الجنرال جونين قائلا: "لو كنا نعلم مقدما ان ذلك سيحدث ما كنا بدأنا عملية العبور، أما الآن وما دمنا قد عبرنا فلنستمر حتى النهاية المريرة".

وقد أيد الجنرال حاييم بارليف رأي جونين، ولم يحاول موشي ديان مناقشتهما، جريا على النهج الذي اتبعه طوال مدة الحرب ، وهي تجنب اصدار أوامر مباشرة للتنفيذ.

وحوالي الساعة السادسة صباحا، اتصلت جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل من تل أبيب هاتفيا بموشي ديان للاستفسار على الموقف، وابلغها ديان أن الجسور فوق القناة لم تتم اقامتها بعد. وقد تمكنت القوات المصرية التي شمال المعبر من اغلاق محور التقدم الى الدفرسوار على الضفة الشرقية للقناة، مما يهدد رأس الكوبري المقام على الضفة الغربية.

وذكر لها ان الأمل كبير في التغلب على هذه المقاومة، ونقل الجسور الى المعبر وتركيبها أثناء فترة الناهر. أما عن الموقف في الضفة الغربية فقد أبلغ ديان رئيس الوزراء أن لواء المظلات بقيادة لاعقيد داني مات قد أتم عبوره الى نقطة الانزال غرب القناة دون أي تدخل من القوات المصرية، ولا توجد نوايا لدى القيادة الجنوبية لاعادته الى الضفة الشرقية حتى لو تأخر تركيب الجسور. وأبدت جولدا مائير حلال حديثها قلقها الشديد من احتمال قيام المصريين بعزل قوات المظلات ، وأن هذا الأمر قد أحدث جدلا كبيرا بين الوزراء أثناء اجتماع الحكومة.

هذه ولم يتخل العقيد آمنون عن محاولة تحقيق المهمة التي أسندت اليه رغم ما حاق بقواته من خسائر فاحدحة خلال هجماته الثلاثة المتتالية. ففي صباح يوم 16 أكتوبر قاد آمون بنسفه هجوما مركزا على منطقة تقاطع الطرق للمرة الرابعة بالكتيبة 40 المدرعة بعد أن ضم اليها مجموعة من الدبابات التي تم اصلاحها أثناء الليل، وأجرى آمنون الهجوم من اتجاهين. ففي الوقت الذي تقدمت فيه الكتيبة 40 المدرعة من اتجاه القناة الى اتجاه التقاطع اي من الغرب الى الشرق، قامت سرية من الدبابات بالهجوم من الجنوب الى الشمال. ومن الاستطلاع الذي أجراه آمنون أثناء النهار، اكتشف أن المصريين قد أقامون بمنطقة التقاطع حاجزا قويا مضادا للدبابات كان يتكون من دبابات مخندقة في مواقع حصينة وأسلحة وصواريخ مضادة للدبابات علاوة على الألغام التي بثوها على جانبي الطريق، مما أدى الى انفجار عدد من الدبابات الاسرائيلية أثناء الهجمات السابقة، وكان أفراد الشماة من كتيبة اليمين باللواء 16 مشاة المسلحين بالبازوكات آر بي جي 7 وصواريخ المالتوكا قد انتخبوا مواقعهم بمهارة مستغلين الحواجز الترابية وقنوات الري الجافة في المزرعة الصينية مما أدى الى فشل جميع الهجمات الاسرائيلية السابقة.

واستفاد آمنون من دروس المعارك السابقة ومن نتائج استطلاعه للمواقع المصرية، فلم يندفع هذه المرة بقواته من اتجاهي الغرب والجنوب نحو منطقة التقاطع حتى لا تحيق الخسائر الفادحة بدباباته، كما جرى في الهجمات السابقة بتأثير النيران الكاسحة المضادة للدبابات التي يطلقها المصريون. ولجأ آمنون هذه المرة الى طريقة جديدة هي التوقف بقواته بعديا عن منطقة التقاطع والبدء في معركة استنزاف بطيئة للقضاء بالتدريج على مقاومة القوات المصرية التي تدافع عن هذا الموقع الحيوي والتي كانت قواها قد أنهكت بعد القتال البطولي المجيد الذي خاضته طوال الليل ضد قوات آمنون المدرعة، وكان موقفها قد ساء نتيجة النقص الحاد في الذخيرة، مما أجبرها في النهاية على الانسحاب من مواقها. وتقدم آمنون بقواته واستولى على منطقة تقاطع الطرق، واندفع شمالا حيث تمركز في المنطقة التي تقع ما بين المزرعة الصينية (قرية الجلاء) وقناة السويس.

وكان الجنرال شارون قد أرسل مبكرا صباح يوم 16 أكتوبر كتيبتين من الدبابات بقيادة المقدمين إمي وعوزي لنجدة آمنون بعد أن علم بالخسائر الجسيمة التي لحقت بقواته ليلة 15/16 أكتوبر ، واعتزم آمنون بعد أن تمكن من الاستيلاء على تقاطع الطرق والوصول الى المزرعة الصينية أن ينجز المهمة التالية الخطيرة التي تم تكليفه بها من قبل، وهي تطهير طريق طرطور، ولذا ترك كتيبة دبابات من لوائه (حوالي 30 دبابة) في المنطقة بين تقاطع الطرق وغرب المزرعة الصينية، وقام بشن هجوم بالكتيبتين المدرعتين اللتين أمده شارون بهما عن طريق طرطور في الجزء الذي تسيطر عليه وحدات اللواء 16 مشاة. فقامت كتيبة منهما بالهجوم من الشمال الشرقي، بينما شنت الثانية هجومها من اتجاه الغرب، ولكن الهجو مفشل، فقد اصطدم بنيران كثيفة من الدبابات والأسلحة المضادة للدبابات من مواقع كتيبة اليسار من اللواء 16 مشاة واضطر آمنون الى الانسحاب.

وفي صباح يوم 16 أكتوبر كان وضع لواء آمنون قد غدا سيئا للغاية، فلم يتبق له سوى 27 دبابة، أي أنه خسر أزيد من ثلثي دباباته خلال معاركه أمام تقاطع الطرق والمزرعة الصينية وتطهير طريق طرطور، كما خسر عددا كبيرا من القتلى وكانت نسبة عالية من الضباط وقادة الدبابات من المصابين ، وظل محور طرطور رغم كل الهجمات التي جرت مغلقا. وكان النجاح الوحيد الذي أحرزه آمنون هو استيلاؤه على منطقة تقاطع الطرق ووجود كتيبة مدرعة من لوائه في المنطقة غرب المزرعة الصينية. ونظرا لحاجته الشديدة الى اعادة تجميع قواته واعادة الملء لدباباته وتعويض ما فقده من ذخيرة وعتاد، فقد طلب آمنون من قائده شارون التصديق له بسحب باقي لوائه الى موقع لاكيكان (تل سلام) على شاطئ البحيرات المرة لتجديد كفاءته القتالية.

مهمة فرقة برن في تأمين العبور

في صباح يوم 16 أكتوبر أرسل شارون تقريرا الى الجنرال بارليف يتعلق بالموقع في القناة ذكر فيه أن الجسر السابق التركيب قد تحطم في أحد أجزائه في أثناء قيام كتيبة دبابات من لواء حاييم بجره على طريق أكافيش، وأن المهندسين في حاجة الى بضع ساعات كي يتمكنوا من اصلاحه، وذكر شارون أنه بحاجة الى قوات اضافية لتحقيق عملية تأمين المعبر شرق القناة نظرا للمقاومة العنيفة التي تبديها القوات المصرية في قطاع اللواء 16 مشاة، مما ألحق بقوات آمنون خسائر فادحة في الأفراد والدبابات، وجعلها تعجز عن تحقيق المهمة التي أسندت اليها، وهي اختراق الموقع الدفاعي شمال معبر الدفرسوار وتدميره أو ارغام القوات المدافعة التي تحتله على الانسحاب شمالا لمسافة 5 كم، واخلاء المنطقة حتى شمال المزرعة الصينية.

وبناء على تقرير شارون، أرسل الجنرال بارليف أمرا انذاريا الى فرقة الجنرال ابراهام أدان (برن) التي كانت على أهبة الاستعداد وفقا لخطة العبور الى غرب القناة فور اقامة الجسر بأن تستعد لاحتمال دعوتها للمشاركة في فتح الممر المطلوب فتحه في اتجاه القناة الى جانب فرقة شارون.

وفي هذه الأثناء، نشب نقاش جديد بين شارون والقيادة الجنوبية حول المضي في تنفيذ خطة العبور دون انتظار اقامة الجسور الثابتة، اذ أن السهولة التامة التي عبر بها لواء المظلات قناة السويس، وكذا الكتيبة المدرعة التي لحقت به وعدم اصطدامهما بأي مقاومة تذكر عند نقطة الانزال، كل ذلك شجع الجنرال شارون على أن يطلب من الجنرال جونين استغلال هذه الفرصة لكي يأمر بعبور فرقة الجنرال برن قناة السويس بدباباتها فوق الأطواف المتحركة في الموعد الذي حدد لها في الخطة وتجاهل المقاومة المصرية في المزرعة الصينية وعلى طريقي أكفيش وطرطور. ولما اعترض الجنرال جونين على هذا الاقتراح، لجأ شارون الى الجنرال بارليف عسى أن يمكنه عن طريقه التغلب على اعتراض جونين، ولكن بارليف أيد وجهة نظر جونين، وأوضح لشارون خطورة تنفيذ اقتراحه، فان عملية عبور القناة التي تجريها القيادة الجنوبية هي عملية هجوم واسعة النطاق وليست محض اغارة سريعة عبر القناة، ولذا فان القيام بشن هجوم عبر القناة بفرقتي شارون وبرن – أي بقوة تقرب من حجم فيلق – يضم مئات من الدبابات بدون أن يؤمن له طريق امدادات فوق جسر ثابت عبر القناة سيكون عملا بعيدا عن الحكمة والمسئولية، اذ ان هذه الدبابات لابد أن تتوقف عن الحركة في ظرف 24 ساعة بعد نفاد الوقود. وأبدى بارليف كذلك عدم موافقته على عبور الدبابات والأفراد قناة السويس على أطواف متحركة مكشوفة ومعرضة لنيران المدفعية المصرية والطيران. ونظرا للمقاومة العنيدة التي يبديها المصريون في وجه الهجمات الاسرائيلية لتأمين منطقة المعبر في الدفرسوار واستعدادهم لشن هجمات مضادة على القوات الاسرائيلية في تلك المنطقة، لذا فان نقل قوة أدان الى الضفة الغربية سيؤدي الى عدم وجود قوات اسرائيلية كافية شرق القناة لمواجهة الأعمال القتالية للمصرييين. لهذه الأسباب رفض بارليف اقتراح شارون، وقرر أن الواجب الذي ينبغي أن تكلف به فرقة برن هو استكمال تطهير الممر على الشاطئ الشرقي للقناة. وعلى أثر ذلك أصدر الجنرال بارليف بعد ظهر يوم 16 أكتوبر أمرا بعدم عبور أي قوات اسرائيلية أو دبابات الى الضفة الغربية للقناة حتى صدور أوامر أخرى.

وفي الصباح الباكر يوم 16 أكتوبر استقل الجنرال جونين طائرة هليكوبتر متوجها الى مركز القيادة المتقدم للجنرال برن، وكان يقع على تبة مرتفعة تطل على طريق أكافيش. وقد ذكر الجنرال برن في الكتاب الذي أصدره بعد الحرب باللغة العبرية بعنوان "على ضفتي قناة السويس" أن الجنرال جونين خلال الزيارة التي أجراها له في مركز قيادته المتقدم شكا له من فشل شارون في تنفيذ لمهمة المحددة له في الخطة، وقال له بصراحة: "ان شارون قد خيب أملنا. إنني لا أعرف ماذا حدث له في هذه الحرب". ولانقاذ الموقف أسند جونين مسئولية تحريك جسر المعديات الى فرقة برن، وألقى على العميد دافيد تماري نائب برن مسئولية القيام بهذه المهمة، كما ألقى بمسئولية تحريك الجسر السابق التركيب على عاتق العميد جاكوب نائب الجنرال شارون، وفي نفس الوقت أصدر امرا انذاريا على الجنرال برن ليكون مستعدا بفرقته عند الظهر لتطهير محوري أكافيش وطرطور والقاء جسر المعديات في مياه القناة، وأبلغ ما أصدره من تعليمات الى الجنرال بارليف في مركز قيادته. وفي منتصف النهار أبلغ جونين شارون بالمهام الجديدة التي تم تخصيصها للفرق، وهي أن تتولى فرقة برن تطهير محوري التقدم أكافيش وطرطور، والقاء جسر المعديات في مياه القناة ،وأبلغ ما أصدره من تعليمات الى الجنرال بارليف في مركز قيادته. وفي منتصف النهار أبلغ جونين شارون بالمهام الجديدة التي تم تخصيصها للفرق، وهي أن تتولى فرقة برن تطهير محوري التقدم أكافيش وطرطور، بينما تتولى فرقة شارون الاستيلاء على المزرعة الصينية والمواقع المصرية شمالها والمجاورة لقناة السويس. ولكن نظرا لاحتياج دبابات شارون على أثر معارك الليلة السابقة الى القيام بعملية اعادة الملء وتعويض الذخيرة، فقد اتفق مع جونين على ان ينتظر قيام فرقة برن بتطهير محوري التقدم أولا قبل أن تبدأ فرقته بهذه العملية حتى يمكنه شن هجومه على المزرعة الصينية بعد تجديد كفاءته القتالية.

وفي الساعة الرابعة والنصف مساء يوم 16 أكتوبر، التقى القادة الثلاثة موشي ديان والجنرال بارليف والجنرال جونين في مركز القيادة المتقدم للقيادة الجنوبية، وأوضح جونين أنه في حالة عدم وصول الجسر الثابت (السابق التركيب) أو جسر المعديات، فلن يكون هناك مفر من الانسحاب من الضفة الغربية للقناة. وفي حالة وصول عدد من المعديات المتحركة فقط، فانه يمكن في هذه الحالة بقاء القوة التي عبرت الى الغرب، ولكن لا ينبغي نقل فرقة برن بهذه الوسيلة لكي تنضم اليها، ولكن فور اقامة أي جسر ثابت على القناة فان على جميع القوات المخصصة العبور الى الضفة الغربية ان تبدأ عبورها في الحال.

وكان الجنرال برن متمركزا بفرقته (مجموعة العمليات رقم 162) جنوب الطاسة على أهبة الاستعداد منذ فجر يوم 16 أكتوبر لاستغلال النجاح والعبور على الجسر الذي يتم تركيبه على القناة الى الضفة الغربية. ولهذا الغرض تقدم الى الأمام مع مجموعة قيادته المقتدمة مخترقا الرمال بموازاة طريق أكافيش نظرا لأن الطريق نفسه كان مغلقا بالقوافل الضخمة.

معركة اللواء المصري 16 مشاة

عندما اقتربت الساعة من العاشرة مساء يوم 16 أكتوبر قدم العقيد عوزي مائيري نفسه الى الجنرال برن، وذكر له أن لواء المظلات الذي يتولى قيادته قد تم وصوله وأنه جاهز، لتنفيذ أي عملية تسند إليه. وشرح برن الموقف باختصار للعقيد عوزي، وبعد مناقشة قصيرة أعد قائد المظلات خطته لتحقيق المهمة التي كلف بها، وهي التحرك في اتجاه القناة بقواته لتطهير محوري التقدم أكافيش وطرطور. وفي الساعة الحادية عشرة والنصف مساء بدأ المظليون تحركهم على الطريقين، ووصلت الى أضيق منطقة يتقارب فيها طريقا أكافيش وطرطور، ولا يزيد عرضها على كيلو مترين، فوجئت الكتيبة بسيل منهمر من نيران المدفعية ونيران مدفعية الماكينة انصبت عليها من مواقع اليسار في قطاع اللواء 16 مشاة التي كانت تواجه هذه المنطقة والتي تمتد دفاعاتها في العمق الى اتجاه قرية الجلاء (المزرعة الصينية). واكتشف المظليون أن أكثر من عشرة رشاشات جرينوف في مواقع حصينة تغمر المنطقة التي كانوا يجتازونها بطوفان من النيران، وكان موقف المظليين حرجا فقد زجوا بأنفسهم في عملية تطهير محوري التقدم دون استطلاع سابق للمواقع المصرية أو معرفة معلومات كافية عنها، كما تقدموا على الطريقين بمفردهم دون أن تشترك معهم أي وحدات مدرعة لفتح الطريق أمامهم، ولم يكن في امكانهم الحصول على معاونة المدفعية نظرا لأن عمليتهم كانت ليلية، وكان من الصعب تحديد موقعهم خلال الظلام.

ولم يكن أمام كتيبة ايزاك خيار سوى الانقضاض على مواقع الرشاشات لاسكاتها وازاحة المصريين عن مواقعهم، واندفعت سرية ياكي وتلتها سرية مارجال نحو المواقع المصرية، ووقعت اشتباكات دموية وصل فيها المظليون الى بعد أمتار قليلة من المواقع المصرية. ونظرا لأن المصريين كانوا في مواقع حصينة ، ولم يكونوا في حاجة الى الخروج من مواقعم لملاقاة المظليين المتقدمين في العراء، فقد تبعثرت عشرات من جثث الاسرائيليين الممزقة على طول خط الدفاعات المصرية، وانتشرت سرايا المظلات في المنطقة يحاول أفرادها التقدم للأمام دون جدوى، فقد كانت نيران المصريين كاسحة بحيث لقى معظم قادة السرايا وقادة الفصائل مصارعهم، وأصيب الكثيرون اصابات بالغة. وعندما أصدر الجنرال برن ازاء سوء الموقف أمره الى قوة المظلات بترك طريق طرطور الملاصق للدفاعات المصرية والتركيز على تطهير أكافيش، اكتشف المظليون أنهم عاجزون عن ترك مواقعهم أو القيام بأي نوع من الحركة أو المناورة، فقد أرغمتهم شدة النيران المصرية على الالتصاق بالأرض دون حراك.

وعندما بلغت الساعة الثالثة صباحا وأوشك الفجر على الطلوع ، أدرك الجنرال برن أنه اذا لم يستطع خلال فترة الظلام القليلة المتبقية على طلوع النهار دفع جسر معديات البونتون الى ساحة العبور بالدفرسوار، فان ذلك معناه مرور يوم آخر دون اقامة أي جسر عبر القناة، وبالتالي عدم عبور أي قوات اسرائيلية جديدة الى غرب القناة، مما لابد أن يعرض قوة شارون المحدودة التي عبرت الى الغرب الى خطر التدمير الكامل. وفي الوقت يعرض قوة شارون المحدودة التي عبرت الى الغرب الى خطر التدمير الكامل. وفي الوقت الذي انغرز فيه المظليون في مواقعهم بين طريقي أكافيش وطرطور أمام الجانب الأيمن للفرقة 16 مشاة، أجرى الجنرال برن محاولة جديدة لدفع جسر المعديات الى خط المياه، فأرسل سرية استطلاع في عربات مدرعة نصف جنزير لاستطلاع طريق أكافيش المتجه الى القناة وتحديد موقع المقاومة المصرية التي تغلق الطريق.

وقبيل الساعة الثالثة والنصف صباحا تلقى برن رسالة باللاسلكي من قائد سرية الاستطلاع بأنه قد تم له الوصول الى ساحة العبور بالدفرسوار دون أن تعترضه أي مقاومة على طول الطريق. واتضح الجنرال برن أن قوة المظلات رغم ما حاق بها من خسائر قد قدمت خدمة جليلة الى عملية العبور. فان المواقع المصرية شمال محوري التقدم التي كانت تسيطر على طريق على طريق أكافيش بالنيران انشغلت تماما عن التحركات التي كانت تجري على هذا الطريق بعد أن تركز كل انتباهها الى المعركة الضارية التي كانت محتدمة وقتئذ بين القوات المصرية وقوات المظلات الاسرائيلية على طريق طرطور.

وانتهز الجنرال برن الفرصة وأصدر أوامره الى العميد دافيد تماري لكي يتحرك بأسرع ما يمكن على طريق أكافيش بجسر معديات البونتون. وتمكن العميد دافيد بدفع بعض الجرارات الثقيلة أمام قافلته من ازالة الدبابات والمركبات المحترقة والمعطلة التي كانت تعرقل التحرك، مما أدى الى اخلاء الطريق. وتقدمت قافلة معديات البونتون دون تعطيل على طريق أكافيش حتى وصلت الى حصن لاكيكان (تل سلام) على البحيرة المرة الكبرى، وواصلت التحرك بعد ذلك شمالا على طريق ناهالا بحذاء شاطئ البحيرة حتى وصلت الى ساحة العبور بالدفرسوار. وحوالي الساعة السادسة صباحا يوم 17 أكتوبر قام المهندسون التابعون لفرقة شارون بدفع أول مدعية بونتون الى مياه قناة السويس تمهيدا لدفع باقي المعديات التي سيتكون من توصيلها بعضها ببعض أول جسر معديات بونتون عبر القناة التي يبلغ اتساعها في هذه المنطقة حوالي 180 مترا.

وعندما أشرقت الشمس، أصبح واضحا لدى المظليين أنه لا يمكنهم الاستيلاء على المواقع المصرية التي تواجههم، وشعر قائدهم العقيد عوزي أن قواته قد استنفدت كل طاقاتها، وأنه ينبغي معاونته في اخلاء جرحاه الذين يمثلون أرض المعركة والتصديق على أن تستبدل بقوته قوة أخرى ليستنى له اعادة تنظيم وحداته الممزقة، وعلى أثر اتصال برن بالجنرال جونين رفض جونين طلب عوزي بسحب قوة المظلات، ولم يوافق الا على اخلاء الجرحة فقط. وعندما قام الجنرال بارليف بزيارة الجنرال برن واكتف حقيقة موقف قوة المظلات صدق على سحبهم الى الخلف لاعادة التنظيم وتم تخصيص كتيبة مدرعة لانقاذ رجال المظلات المنبطحين على الرمال أمام المواقع المصرية. ولم يستطع "أهود" قائد الكتيبة المدرعة تحديد مكان قوة المظليين بقدعة، ولذا قام قائدهم باطلاق قنبلة دخان أحمر ليهديهم الى مكانه، واتضح أن هذا التصرف كان سلاحا ذا حدين فقد تمكن المصريون بدورهم من أن يحددوا بدقة موقع المظليين وصبت عليهم المدفعية المصرية وابلا من قذائفها، مما أحدث بهم خسائر جديدة. وبدأت الدبابات الاسرائيلية في الانقضاض على المواقع المصرية، وخلال دقيقتين اشتعلت النيران في ثلاث دبابات اسرائيلية بفعل الصواريخ المصرية المضادة للدبابات. ورغم النيران الكاسحة المصرية ظل المظليون صامدين في المعركة التي استمرت منذ منتصف الليل لمدة 14 ساعة متوالية. واتضح أن من المتعذر تخليص رجال المظلات وخروجهم مكشوفين من المعركة، ولذا تمت الاستعانة بالعربات المدرعة التي اندفعت تحت وابل من النيران وقامت باخلاء الجرحى.

وأخيرا أمكن أن تستبدل بقوة المظلات المتورطة كتيبة من لواء توفيا المدرع وسحبهم الى المخلف تحت ستر نيران الدبابات. وبلغت خسائر قوة المظلات 70 قتيلا و100 جريح فضلا عما فقدته من الأسلحة والمعدات. واعترف العقيد عوزي قائد المظلات أن هذهالمعركة هي أقسى ما خاضته قواته من معارك طوال مدة الحرب. وقد وصف موشي ديان في مذكراته قصة لقائه مع العقيد عوزي مائيري قائد قوة المظلات يوم 21 أكتوبر بعد انتهاء المعركة بأيام، فقال: "كنت أعرف عوزي جيدا منذ كان مديرا لمكتب رئيس الأركان في عهد بارليف، وكنت أعرف أنه فقد كثيرا من رجاله في المعركة، ولكني لم أكن أتوقع أن أراه على هذه الصورة من الاكتئاب. كان وجهه يحميل سيماء حزن يفوق الوصف، وتحدثنا عن معركته لفتح مدخل الطريق الى القناة. وقال حاييم بارليف الذي كان معي ان عوزي قد تكبد خسائر فادحة لكنه فتح الطريق. وظل عوزي متمسكا برأيه، فأصر على أنه لم يفتح الطريق وانما فتحته الدبابات، وقال: "كنت أود القول بأن وحدتي فتحت الطريق، ولكن هذا لم يحدث، ولقد خسرنا 70 رجلا لأننا تسرعنا جدا في البدء بالمعركة قبل أن نحصل على معلومات سليمة عن دفاعات العدو".

أول رد فعل مصري للعبور الاسرائيلي

عندما صدرت الأوامر بتطوير الهجوم شرقا ودفع الفرقة 21 المدرعة صباح يوم 14 أكتوبر من رأس كوبري الفرقة 16 مشاة لم يعد موجودا بالضفة الغربية للقناة في قطاع الجيش الثاني أي تشكيلات مقاتلة لسحق أي اختراق يقوم به العدو سوى اللواء 10 مشاة ميكانيكي بقيادة العقيد أ. ح محمود نمر (من احتياطي القيادة العامة) وكان مسئولا عن تأمين الضفة الغربية للقناة في قطاع القنطرة، والفرقة 23 مشاة ميكانيكية (عدا اللواء 24 المدرع الملحق على الفرقة 2 مشاة) بقيادة العميد أ. ح أحمد عبود الزمر وكانت متمركزة غرب القناة في النطاق الدفاعي الثاني للجيش الثاني الميداني شمال ترعة الاسماعيلية. ولتحقيق نوع من التوازن في النطاق الدفاعي الثاني أصدر اللواء سعد مأمون قائد الجيش الثاني أمره بتحرك اللواء 116 مشاة ميكانيكي من الفرقة 23 مشاة ميكانيكية الى قتاطع عثمان أحمد عثمان (تقاطع طريق الاسماعيلية القاهرة الصحراوي مع طريق القصاصين أبو سلطان)، وقد أطلق عليه هذا الاسم لوجود استراحة خاصة بعثمان أحمد عثمان بالقرب منه، ويقع على بعد حوالي 30 كم غرب القناة. وقد تم تمركز اللواء في منطقة التقاطع في الساعة الواحدة ظهرا يوم 13 أكتوبر وكلف بمهمة القيام بهجوم مضاد لصد أي اختراق للعدو جنوب ترعة الاسماعيلية حتى خط الحدود مع الجيش الثالث في الجنوب.

وتم تخصيص سرية مشاة مدعمة من اللواء 116 مشاة ميكانيكي للعمل ضد قوات الابرا الجوي المعادي. وقام هذا اللواء بدفع كتيبة مشاة ميكانيكية قامت باحتلال تقاطع طريق (أبو سلطان مع طريق المعاهدة) الموازي للقناة في الساعة الثانية بعد الظهر يوم 14 أكتوبر، ويقع هذا التقاطع على مسافة حوالي 5 كم غرب البحيرة المرة الكبرى ومطار الدفرسوار. وكان الشاطئ الغربي للبحيرة المرة الكبرى محتلا من الدفرسوار شمالا حتى فايد جنوبا بكتيبة مشاة كويتية، ومن فايد حتى خط الحدود مع الجيش الثالث بكتيبة الحراسة رقم 10 وهما كتيبتان ضعيفتا التسليح والتدريب. وكانت المجموعة رقم 129 صاعقة متمركزة في مطار أبو صوير وكتيبة هاون ثقيل وسرية كشف راداري متمركزتين في مطار الدفرسوار الذي لم يكن يستخدم لأغراض الطيران. وكانت مجموعة مدفعية الجيش رقم 1 تحتل مرابضعها جنوب ترعة الاسماعيلية بينما احتلت مجموعة مدفعية الجيش رقم 2 مرابضها شمال الترعة، وكان يتولى قيادتهما العميد أ. ح محمد عبد الحليم أبو غزالة قائد مدفعية الجيش الثاني. أما كتائب الصواريخ سام 2 وسام 3 المضادة للطائرات فكانت منتشرة في مواقعها على بعد حوالي 10-15 كم غرب القناة لتقديم الحماية اللازمة من الجو للقوات المصرية شرق وغرب القناة.

هذا ولم تصل أي معلومات إلى أي قيادة من القيادات المصرية عن عملية عبور لواء المظلات الاسرائيلي غربا الى الدفرسوار بقيادة العقيد داني مات التي بدأت حوالي الساعة الواحدة والنصف صباحا يوم 16 أكتوبر بواسطة القوارب المطاطية والتي انتهت في الساعة الخامسة صباحا الا في الساعة السابعة صباحا. فقد أبلغ قائد كتيبة الكشف الراداري مركز القيادة الرئيسي للجيش الثاني أن قائد السرية التابعة له في مطار الدفرسوار أبلغه عن وجود بعض الدبابات الاسرائيلية مع قوة من المظليين، وكان يطلب التصديق على تدمير جهاز الكشف الراداري الذي يتولى تشغيله حتى لا يقع في يد العدو. وعلى الفور أمر رئيس أركان الجيش الثاني بارسال دورية استطلاع في عربتين مدرعتين من كتيبة المشاة الميكانيكية المتمركزة في منطقة تقاطع طريق أبو سلطان مع طريق المعاهدة، لاستطلاع قوة العدو في مطار الدفرسوار الذي لم يكن يبعد عن مكان التقاطع أكثر من 5 كم شرقا، ولكن الدورية بسبب عدم قيامها باجراءات الوقاية اللازمة وقعت في كمين وتم تدميرها على مدخل مطار الدفرسوار، وتمكن أحد الجرحى من أفرادها من تبليغ رئاسته بالموقف حوالي الساعة التاسعة والنصف صباحا.

وفي حوالي العاشرة صباحا يوم 16 أكتوبر، وصل أول بلاغ عن وجود قوات اسرائيلية غرب القناة الى مركز القيادة المتقدم للجيش الثاني بمعسكر الجلاء بالاسماعيلية ، فقد ابلغ فرع استطلاع الجيش الثاني أن سرية الهاون الثقيل بمطار الدفرسوار أبلغت عن وجود 5 دبابات برمائية اسرائيلية في المطار. وفي الساعة العاشرة والنصف صباحا أبلغ رئيس فرع المياه عن ابرار جوي معاد، وأن العدو تمكن من الاستيلاء على الكوبري البيلي على ترعة السويس (حوالي 2 كم غرب القناة) الذي يمتد فوقه طريق أبو سلطان الى تقاطع عثمان.

وفي الساعة الحادية عشرة صباحا، صدرت أوامر قيادة الجيش الثاني الى كتيبة المشاة الميكانيكية المتمركزة عند تقاطع (طريق أبو سلطان – طريق المعاهد) بدفع سرية مشاة ميكانيكية مدعمة بفصيلة دبابات الى مطار الدفرسوار لتدمير قوة العدو بالمطار والتي قدرت وقتئذ بحوالي 5 دبابات، ولكن هذه السرية لم تلبث أن انقطع اتصالها مع قيادتها واتضح انها عجزت عن تحقيق مهمتها.

وقبيل الظهر قام العدو بأول عملية هجومية عميقة ف اتجاه الغرب، فبينما قامت قوة منه تقدر بحوالي 13 دباباة وبعض عربات نصف جنزير ومقذوفات موجهة صاروخية SS11 بمحاصرة موقع كتيبة المشاة الميكانيكية عند تقاطع (أبو سلطان – طريق المعاهدة) القريب من الدفرسوار، اندفع رتل من قواته يقدر بحوالي 8 دبابات و4 عربات نصف جنزير في اتجاه الغرب مخترقا الأرض الصحراوية شمال وصلة أبو سلطان في اتجاه تقاطع عثمان أحمد عثمان.

وفي الساعة الثانية عشرة ظهرا اتخذ اللواء تيسير العقاد الذي تولى قيادة الجيش الثاني بعد مرض اللواء سعد لواء مأمون صباح يوم 14 أكتوبر قراره بتدمير الرتل المتقدم للعدو في اتجاه العمق، فكلف قائد اللواء 116 مشاة المتمركز في منطقة تقاطع عثمان بالتحرك شرقا بمجموعة قتال تتكون من كتيبة مشاة ميكانيكية مدعمة بفصيلة دبابات وفصيلة مدافع اقتحام SU.100 وكتيبة مدفعية ميدان وسرية 37 مم مضادة للطائرات بمهمة تدمير العدو المتقدم في اتجاه تقاطع عثمان. ونتيجة لتحرك مجموعة القتال على الطريق الأسفلت المتجه من تقطاع عثمان الى اتجاه القناة دون دفع عناصر استطلاع في مقدمة القوة وتعيين حرس جنب لوقاية الأجناب ولعدم وجود دراية سابقة لهذه القوة بالأرض، وقعت مجموعة القتال بأسرها في كمين محكم نصبه العدو عند تقاطع وصلة أبو سلطان مع الطريق القادم شمالا من أبو صوير (على بعد 15 كم شرق تقاطع عثمان) مستغلا التجهيزات الهندسية السابقة للفرقة 16 مشاة في هذا التقاطع قبل عبورها الى شرق القناة. وانتهت المعركة باستشهاد قائد اللواء 116 مشاة ميكانيكي العقيد أ. ح حسين رضوان وتدمير 15 عربة مدرعة ب ك ومعظم الدبابات ومدافع الاقتحام، واحتلت القوات المتبقية بعد المعركة موقعا دفاعيا على بعد 6كم غرب منطقة التقاطع التي دارت فيها المعركة. أما الهجوم الذي شنته الدبابات الاسرائيلية على كتيبة المشاة الميكانيكية عند تقاطع أبوسلطان – طريق المعاهدة عقب القيام بحصارها ، فقد انتهى باختراق دفاعات الكتيبة وتشتت أفرادها وفقدها لقدرتها القتالية.

وعلى مستوى القيادة العامة بالمركز 10 بالقاهرة وصلت المعلومات الأولى من قيادة الجيش الثاني عن عبور العدو الى الغرب صباح يوم 16 أكتوبر ، وكانت المعلومات مقتضبة ولا تثير أي قلق أو انزعاج، اذ كان البلاغ يقول: "نجحت جماعات صغيرة من العدو في العبور الى الضفة الغربية، ويقوم الجيش الثاني باتخاذ الاجراءات اللازمة للقضاء عليها". ولكن في خلال نهار يوم 16 أكتوبر بدأت المعلومات تصل الى المركز 10 بان عددا من كتائب الصواريخ سام قد هوجمت بواسطة دبابات العدو وكانت بعض هذه الكتائب تقع على عمق حوالي 15 كم غرب القناة. وكانت الدبابات الاسرائيلية تظهر فجأة بقوة 7.5 دبابات بالقرب من أحد مواقع الصواريخ، ثم تشتبك مع الموقع من مسافة حوالي 2 كم، فتقوم بتدميره أو اسكاته، ثم تنسحب فجأة لتظهر في مكان آخر وهكذا. ولم تكن كتائب الصواريخ سام لديها الأسلحة الأرضية التي ترد بها على مثل هذا الهجوم، وبالتالي فان دبابات العدو كانت تنسحب بعد تنفيذ المهمة دون أن تلحق بها أي خسائر.

كيف ضللت القيادات المصرية عن حقيقة العبور الاسرائيلي؟

كانت البلاغات التي انهمرت على قيادة الجيش الثاني في صباح يوم 16 أكتوبر 1973 والتي اتسمت بعدم الدقة والتضارب، تشير الى أن عددا محدودا من الدبابات الاسرائيلية قد عبر الى الضفة الغربية للقناة. وكان البلاغ الذي كان من المفترض أن تعول قيادة الجيش عليه لصدوره عن الفرع المسئول عن جمع المعلومات عن العدو وهو فرع الاستطلاع بالجيش يشير بدوره الى وجود خمس دبابات اسرائيلية برمائية في مطار الدفرسوار. وحدث في هذا الوقت الذي كان يوجد فيه بمنطقة الدفرسوار غرب القناة لواء مظلات اسرائيلي كامل وحوالي 30 دبابة وعدد من العربات المدرعة نصف جنزير.

وكان القصور الشديد في أسلوب الاستطلاع والعجز الواضح في الحصول على المعلومات الصحيحة عن العدو الذي يعد من صميم عمل جهاز المخابرات الحربية في الميدان وكذا أفرع الاستطلاع في قيادة الجيش الثاني والتشيكلات التابعة له، سببا في تضليل القيادات المحلية في قطاع الجيش الثاني، ثم على مستوى القيادة العامة في القاهرة عن حقيق الأعمال القتالية التي كان يجريها العدو وقتئذ، مما جعل الانطباع يسود بين هذه القيادات بأن الدبابات الاسرائيلبية التي شوهدت والتي تم التبليغ عنها ليست سوى اغارة اسرائلية جريئة قصد منها احداث أكبر قدر من البلبلة والازعاج في صفوف القوات المصرية في هذه المنطقة كنوع من أنواع الحرب النفسية، وأن القوة الاسرائيلية المغيرة لن تلبث أن تعود أدراجها الى الضفة الشرقية قبل أن تتعرض لخطر الابادة أو الأسر.

ونتيجة للتهوين المستمر من جانب القيادات المحلية بشأن حجم ومهمة القوة الاسرائيلية المغيرة، لم يخطر على بال أحد في قيادة الجيش الثاني أو القيادة العامة بالقاهرة أن ما يجري من وراء ظهورهم في الدفرسوار هو عملية حربية واسعة النطاق لاقامة رأس كوبري على ضفتي القناة، وأنه لن يمر سوى وقت قصير حتى تعبر من خلال معبر الدفرسوار ثلا فرق مدرعة اسرائيلية كاملة الى الضفة الغربية للقناة.

ومن الثابت أن المعلومات عن وجود دبابات اسرائيلية في منطقة الدفرسوار غرب القناة قد وصلت من قيادة الجيش الثاني الى القيادة العامة في المركز 10 بالقاهرة في صباح يوم 16 أكتوبر. ورغم أن البلاغات كانت مطمئنة ولا تثير أي ازعاج على اعتبار أن القيادات المحلية قادرة على القضاء على هذه القوة الصغيرة للعدو، فان اللواء 23 المدرع ( من الفرقة 3 مشاة ميكانيكية باحتياطي القيادة العامة ) والذي كان متمركزا بالقاهرة تلقى أمرا انذاريا من هيئة العمليات برفع درجة استعداده وأن يكون جاهزا للتحرك الى قطاع الجيش الثاني بالقناة في ظرف ساعة من صدور الأمر اليه.

والأمر الذي يثير التساؤل هو أنه رغم وصول التبليغات عن وجود قوة اسرائيلية غرب القناة الى القيادة العامة ورغم استنفار اللواء 23 المدرع للاستعداد للتحرك، فان أكبر مسئولين عن الحرب في مصر – وهما رئيس الجمهورية والقائد العام للقوات المسحلة – لم يتم ابلاغهما على الفور بذلك النبأ المثير. فقد ثبت من أقوال الرئيس الراحل السادات والفريق أول أحمد إسماعيل أنهما حضرا جلسة مجلس الشعب التي عقدت ظهر يوم 16 أكتوبر والتي ألقى خلالها السادات خطابه الشهير الذي أعلن فيه شروط مصر لوقف اطلاق النار دون أن تصلها قبل حضور الجلسة أي معلومات عن وجود دبابات اسرائيلية غرب قناة السويس.

وفي حديث صحفي للفريق أول أحمد اسماعيل مع الأستاذ محمد حسنين هيكل رئيس تحرير الأهرام في ذلك الوقت وكان تاريخ الحديث هو 18 نوفمبر 1973، أكد أحمد اسماعيل أنه لم تصله شخصيا أي معلومات عن عبور العدو الى غرب القناة الا بعد عودته من مجلس الشعب. وكانت المعلومات التي وجدها في انتظاره – كما ورد في حديثه – تشير الى تسلل أعداد صغيرة من الدبابات البرمائية الاسرائيلية الى غرب القناة، وكان تقدير القيادات المحلية ان القضاء عليها بسرعة أمر ممكن. وعدد الفريق أول اسماعيل ضمن حديثه أسباب اهتزاز الصورة أمامه خلال عملية العبور الاسرائيلي الى غرب القناة. وكان من ضمن هذه الأسباب التي ذكرها، أن خلالا في وصول المعلومات قد جرى نتيجة لتبادل المسئوليات في بعض القيادات نظرا لظروف طارئة – وكان القائد يعني بلا شك ذلك التغيير المؤثر الذي جرى في قيادة الجيش الثاني.


تعيين عبد المنعم خليل قائدا للجيش الثاني

عندما بدأت عملية تطوير الهجوم شرقا في الساعة السادسة والنصف صباحا يوم 14 أكتوبر وأثناء وجود اللواء سعد مأمون قائد الجيش الثاني في مركز قيادته المتقدم لمتابعة موقف قواته أصيب في الساعة الثامنة والنصف صباحا بنوبة قلبية مفائجة أعجزته عن الاستمرار في القيادة وتم نقله الى ملجأ الاستراحة بمركز القيادة حيث أخذ بعض الأطباء في علاجه. وبعد أن أمضى يومين تحت العلاج تم اخلاؤه الى مستشفى القصاصين ومنه الى مستشفى المعادي. وفور تنحي اللواء سعد مأمون عن القيادة، جرى الاتصال باللواء تيسير العقاد رئيس أركان الجيش في مركز القيادة الرئيسي بالخلف، فقام على الفور بالانتقال الى مركز القيادة المتقدم بالاسماعيلية. ووفقا للقاعدة المتعبة في مثل هذه الأحوال تولى اللواء تيسير في الساعة العاشرة صباح يوم 14 أكتوبر مسئولية قيادة الجيش الثاني. ولا شك في أن مرض اللواء سعد مأمون وابتعاده عن قيادة الجيش الثاني في هذه المرحلة الحرجة من مراحل الحرب بعد خسارة كبيرة لحقت بالجيش الثاني وأثرت تأثيرا ملمومسا في مجرى الأحداث على طول الجبهة المصرية. فان الخبرات والتجارب التي اكتسبها خلال قيادته الناجحة لهذا الجيش سواء في أثناء اعداده للقتال أو خلال مراحل الحرب لم يكن من السهل تعويضها. وقد قام الجيش الثاني تحت قيادته بتنفيذ جميع المهام التي أوكلت اليه وفقا للخطة الموضوعة "بدر" تنفيذا سليما، كما تلقت القوات الاسرائيلية التي قامت بهجماتها المضادة العنيفة على طول مواجهة الجيش وخاصة خلال يومي 8 و9 أكتوبر هزائم منكرة.

هذا، وقد كان من المفترض وفقا لما جري عليه العرف والنظم المعمول بها وما اتبع بالفعل في الحالات المماثلة أن يستمر رئيس أركان الجيش في تولي مسئولية القيادة (سواء كان هو اللواء تيسير العقاد أو أي شخص غيره) اذ ان القاعدة التي كانت متبعة عند اختيار أي رئيس للأركان سواء لوحدة أو لتشكيل أن يراعي أن يكون صالحا لتولي منصب قائد الوحدة أو التشكيل عند حدوث أي طارئ يمنع القائد الأصلي من استمراره في القيادة كأن يستشهد مثلا في ساحة القتال أو يصاب بجراح أو مرض. واذا كان مدى صلاحية رئيس الأركان لتولي القيادة تقاس بهذه الدقة عند اختيار أي ضابط لشغل منصب رئيس الأركان في الوحدات والتشكيلات، فمن باب أولى أن يكون هذا المعيار الدقيق قد تم تطبيقه عند اختيار رئيس الأركان لأكبر تشكيل ميداني في القوات المسلحة المصرية، وهو الجيش الثاني الميداني، وبالتالي يكون تعيين اللواء تيسير العقاد رئيسا لأركان هذا الجيش يعني أنه – من وجهة نظرة القيادة العامة – لديه الصلاحية والمؤهلات لتولي منصب قائد الجيش الثاني في حالة تنحي اللواء سعد مأمون عن قيادته كما جرى يوم 14 أكتوبر بسبب المرض الذي أصابه.

ولكن الذي جرى كان أمرا مختلفا تماما عما كان متوقعا ففي الساعة الثانية عشرة والنصف ظهرا يوم 16 أكتوبر تم استدعاء اللواء عبد المنعم خليل قائد المنطقة المركزية بالقاهرة الى القيادة العامة بالمركز 10 لمقابلة الفريق سعد الشاذلي رئيس الأركان الذي عهد اليه بمسئولية قيادة الجيش الثاني، وطلب منه التوجه الى مركز القيادة المتقدم للجيش في الاسماعيلية ليتولى القيادة على الفور. وعندما طلب اللواء عبد المنعم معلمومات عن أوضاع قواتنا أحاله الفريق سعد الشاذلي الى اللواء محمد غنيم نائب رئيس هيئة العمليات الذي أوضح له على الخريطة فكرة عامة عن أوضاع الجيشين الثاني والثالث. أما عن آخر تطورات الموقف بالنسبة للعدو فلم تزد المعلومات التي تلقاها سواء من الفريق الشاذلي أو من اللواء غنيم على أن 7 دبابات اسرائيلية قد عبرت القناة عند الدفرسوار، وأن عناصر من الصاعقة من الجيش الثاني مشتبكة معها وتمكنت من تدمير بعضها ، وأن الموقف بصفة عامة غير واضح حتى الآن.

ونظرا لأن الفريق سعد الشاذلي كان يتعجل رحيل اللواء عبد المنعم خليل الى القناة بالحاح واضح، فقد استقل اللواء عبد المنعم عربة جيب واتجه الى مركز القيادة المتقدم للجيش الثاني بالاسماعيلية حيث وصله في الساعة الرابعة مساء. وفي مركز القيادة التقى اللواء عبد المنعم خليل مع اللواء تيسير العقاد رئيس الأركان والذي كان يتولى قيادة الجيش بالنيابة ، كما قام بزيارة اللواء سعد مأمون الذي كان لا يزال راقدا في ملجأ الاستراحة ولكن الأطباء قاموا بنقله الى مستشفى القصاصين بعد وصول اللواء عبد المنعم ومنه الى مستشفى المعادي.

وفي الساعة الرابعة والنصف مساء اتصل القائد العام الفريق أول أحمد اسماعيل باللواء عبد المنعم خليل هاتفيا عقب عودته من جلسة مجلس الشعب وسأله عن الموقف، فأجابه أنه وصل فقط الى قيادته منذ نصف ساعة وأنه لا يزال منهمكا في دراسة الموقف. فتمنى له أحمد اسماعيل التوفيق واستحثه على ضرورة تدمير الدبابات الاسرائيلية التي تسللت الى الدفرسوار هذه الليلة. وعلى أثر ذلك بدأ قائد الجيش الثاني الجديد في الاتصال هاتفيا بقادة التشكيلات الذين تحت قيادته لابلاغهم بتوليه قيادة الجيش ولمعرفة أوضاع وحداتهم وأوضاع العدو الذي يواجههم، وطلب من فرعي العمليات والاستطلاع موافاته بآخر معلومات لديهم عن القوة الاسرائيلية التي عبرت الى غرب القناة.

هذا وقد كان من أهم الأسباب التي دعت القيادة العامة الى اختيار اللواء عبد المنعم خليل لتولي قيادة الجيش الثاني هو أنه سبق له قيادة هذا الجيش مدة تقرب من ثلاث سنوات، كان من بينها فترة حرب الاستنزاف التي أبلى فيها الجيش تحت قيادته بلاء حسنا، ولكنه كان قد سلم قيادة الجيش الثاني في 5 يناير 1972 الى اللواء سعد مأمون اي أنه ابتعد عن هذا الجيش حوالي 21 شهرا.

ورغم اعترافنا بكفاءة اللواء عبد المنعم خليل وقدراته العسكرية والذهنية، ورغم اقتناعنا بصفاته الشخصية ومؤهلاته التي جعلت منه قائدا ناجحا ومحبوبا في مختلف القيادات التي تولاها، فان تعيينه قائدا للجيش الثاني بهذه الطريقة المفاجئة وارساله رأسا من القاهرة الى ميدان القتال ليتولى قيادة الجيش في أخطر مرحلة من مراحل الحرب دون أن يكون له اتصال سابق بمجرى العمليات في ساحة القتال أو يكون على دراسة بالموقف المتدهور الذي بات عليه أن يواجهه هو خطأ كبير بلا شك ، وفيه اجحاف باللواء عبد المنعم خليل وتاريخه، لأنه لا يعني سوى أنه قد أرسل ليواجه الفشل الذي لم يرض أحد من القادة الكبار بالمركز 10 أن يواجهه.

ان القائد الذي كان من المفترض تعيينه في هذه القيادة الميدانية الكبرى في مثل تلك الظروف كان لابد أن يتوافر فيه شرطان أساسيان أولهما: أن يكون من المتصلين منذ بداية الحرب بسير العمليات على طول الجبهة وعلى دراية تامة بأوضاع قواتنا وقوات العدو، بحيث لا يحتاج الى تلقين من أحد عند تعيينه ليبسط له الخريطة ويشرح له المواقف، أو يحتاج الى اجراء اتصالات مع قادة التشكيلات الذين تحت قيادته ليعرف منهم حقيقة الأوضاح في قطاعاتهم عند وصوله الى مركز قيادته، وهو الأمر الذي اضطر اللواء عبد المنعم خليل مرغما الى اتباعه. أما الشرط الثاني والذي كان يتعلق بالوضع العسكري الذي كان قد تدهور في قطاع الجيش الثاني بهذه الصورة الخطيرة، فقد كان من الضروري ازاء هذه الحالة اختيار قائد له ثقله ووزنه في المركز 10 بالقيادة العامة حتى يمكن للقائد العام منحه التفويض الكامل للمارسة سلطاته هناك بحيث يكون من حقه ومن ضمن صلاحياته اتخاذ القرارات الفورية على الطبيعة وبما يتلاءم مع الموقف الذي يواجهه دون الرجوع الى المركز 10 لابلاغهم بكل موقف جديد يطرأ أمامه وبالقرار الذي اتخذه للحصول على التصديق اللازم مما يضيع الوقت سدى. فاذا طبقنا هذين الشرطين على القادة الموجودين وقتئذ وجدنا أنهما لا ينطبقان الا على واحد من اثنين: اما الفريق سعد الشاذلي رئيس الأركان، وأما اللواء عبد الغني الجمسي رئيس هيئة العمليات.

ويحق لنا الآن بعد مرور هذه السنوات أن نطرح هذا السؤال المهم على القادة العسكريين المصريين السابقين والحاليين: أيهما كان أفضل وأجدى لمصر: أن يبقى الشاذلي والجمسي في المركز 10 يتلقيام الاشارات اللاسلكية ويتناقشان أمام الخرائط وينظران الى الأسهم التي تدل على تحركات العدو وتحركات قواتنا، أو أن يذهب أحدهما الى مركز القيادة المتقدم ليقود نفسه المعركة الضارية التي كانت تدور رحاها وقتئذ، والتي كان يتوقف عليها مصير مصر ومستقبل الحر؟! ان معركة العبور الاسرائيلي الى الدفرسوار تعتبر بلا شك نقطة التحول بالنسبة لحرب اكتوبر 73 ولم تكن هناك معارك أخرى على طول الجبهة. وكانت تلك الحقيقة تستدعي أن تحشد القيادة العامة كل ما لديها من خبرات وقدرات قيادية، وليس ما لديها من قوات فقط، في سبيل انقاذ الموقف. وكان الأمر يستدعي بلا شك اما وجود القائد العام بنفسه لقيادة هذه المعركة المصيرية، واما أن يرسل على الأقل مثلا اما وجود القائد العام نفسه لقيادة هذه المعركة المصرية، واما أن يرسل على الأقل ممثلا شخصيا له يمنحه كل صلاحياته ليحل محله في هذه المهمة. ولم يكن غياب الشاذلي أو الجمسي عن المركز 10 سيؤدي الى أي قصور أو ارتباك في العمل، فقد كان في امكان الحاضر منهما أن يتولى بالاضافة الى عمله اختصاص زميله الغائب الذي أرسل الى الميدان ليتولى القيادة.

وليس هذا الأمر بدعة لم يسبق حدوثها من قبل في تاريخ الحروب، فلقد جرى موقف مماثل في تاريخ معاصر، وذلك في حرب الصحراء الغربية أثناء الحرب العالمية الثانية. فحينما ألحق القائد الألماني الشهير الفيلد مارشال إروين روميل هزيمة ساحقة بقوات الجنرال البريطاني ريتشي في معركة الغزالة التي انسحب على أثرها الجيش البريطاني نحو الحدود المصرية في حالة عارمة من الفوضى والارتباط، في الوقت الذي تقدم فيه روميل بقواته في برقة على الطريق الساحلي في اتجاه الاسكندرية، وواجهت بريطانيا أخطر محنة صادفتها في الشرق الأوسط، قام الفيلد مارشال كلود أوكنلنك القائد العام للقوات البريطانية في الشرق الأوسط بعزل الجنرال ريتشي عن قيادته في 25 يونيو 1942، وتوجه هو بنفسه الى ميدان القتال حيث تولى قيادة الجيش الثامن وأمكنه وقف القوات الألمانية عند خط العلمين. ولم يجد الجنرال أوكنلك غضاضة وهو القائد العام لجميع الجيوش البريطانية في الشرق الأوسط في أن يتولى بنفسه قيادة أحد الجيوش الميدانية التابعة له في سبيل انقاذ بلاده من محنتها.


خطاب السادات في مجلس الشعب

كانت الحكومة الأمريكية على يقين ف خلال 48 ساعة فقط من بدء القتال في 6 أكتوبر 1973 سوف تتمكن من استعادة المبادأة وهزيمة القوات المصرية والسورية، لذا حاول الدكتور هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية – دون جدوى – اقناع الاتحاد السوفيتي ومصر بتأييد قرار يصدره مجلس الأمن بوقف اطلاق النار وعودة القوات المتحاربة الى خطوط ما قبل 6 أكتوبر.

وعندما أرسل كيسنجر الى حافظ اسماعيل في 9 أكتوبر رسالة يستفسر منه فيها على الخطوة القادمة لقمر، رد عليه حافظ اسماعيل مستشار الرئيس لشئون الأمن القومي يوم 10 أكتوبر أن شروط مصر لتسوية الموقف تتحدد في خمس نقاط:

1- وقف اطلاق النار وانسحاب اسرائيل الى خطوط ما قبل 5 يونيو 67 تحت اشراف الأمم المتحدة. 2- حرية الملاحة في مضايق تيران وضمانها بتواجد الأمم المتحدة في شرم الشيخ لفترة محددة. 3- انهاء حالة الحرب مع اتمام الانسحاب الاسرائيلي. 4- حق تقرير المصير لسكان قطاع غزة. 5- عقد مؤتمر سلام تحت اشراف الأمم المتحدة خلال فترة محددة من انهاء الحرب.

وعندما استمرت الانتصارات المصرية وفشل الهجوم المضاد الاسرائيلي ، غير كيسنجر موقفه وتبنى الدعوة الى قرار جديد يصدره مجلس الأمن بوقف القتال على الخطوط الحالية. وأوعزت الولايات المتحدة الى ادوارد هيث رئيس وزراء بريطانيا يعرض هذا الاقتراح على مصر فأرسل مضومنه بالفعل الى السادات في رسالة أبلغها له سير فيليب آدمز السفير البريطاني بالقاهرة في لقاء تم بينهما في الساعة الخامسة من صباح يوم 13 أكتوبر.

لكن السادات رفض الاقتراح وذكر أنه سيطلب من الصين الشعبية استخدام حق (الفيتو) اذا قامت القوتان العظيمتان بتقديمه الى مجلس الأمن.

ومع فشل تطوير الهجوم المصري يوم 14 أكتوبر وبداية الهجوم المضاد الاسرائيلي على الجبهة المصرية ابتداء من 15 أكتوبر، رأى السادات أن الموقف يستدعي وجوب البحث عن حل سياسي. لذا اعتزم القاء خطاب أمام مجلس الشعب ظهر يوم 16 أكتوبر، وكان القصد الحقيقي منه أن يعلن على العالم خطته لاحلال السلام في الشرق الأوسط.

وقد ذكر السادات الى ذلك الخطاب استعداد مصر لقبول وقف اطلاق النار في حالة قبول اسرائيل الانسحاب الى خطوط ما قبل 5 يونيو 67 تحت اشراف دولي. وأعلن السادات أنه فور اتمام هذا الانسحاب فان مصر مستعدة لحضور مؤتمر دولي للسلام تعقده الأمم المتحدة وأنه سوف يبذل قصارى جهده لاقناع القادة العرب المعنيين وممثلي الشعب الفلسطيني للمشاركة في المؤتمر. وأكد السادات أن مصر تنوي البدء فورا في أعمال تطهير قناة السويس لكي يمكن فتحها للملاحة الدولية.

ونظرا لأن جولدا مائير رئيسة وزراء اسرائيل كان من المقرر أن تلقى خطابا لها أمام الكنيست في نفس الوقت المحدد للسادات لالقاء خطابه أمام مجلس الشعب، لذلك قررت جولدا تأجيل خطابها الى الساعة الرابعة مساء لكي يمكنها سماع خطاب السادات والرد عليه. وعندما ألقت جولدا مائير خطابها كان أهم ما أثار التفات العالم بأسره وقتئذ ما ذكرته من أن القوات الاسرائيلية تقاتل الآن شرق وغرب القناة. وكانت هذه الفقرة من الخطاب مفاجأة مذهلة للسادات، لذا بادر الى الاتصال هاتفيا بالقائد العام الفريق أول أحمد اسماعيل الذي أبلغه أنه على علم الآن فقط عند رجوعه من مجلس الشعب الى مراكز القيادة بأن 7 دبابات اسرائيلية قد نجحت في العبور الى غرب القناة وأن القيادة المحلية هناك سوف تتولى تدميرها في الحال. وكانت هذه البلاغات الخاطئة المضللة التي أرسلت الى القيادة العامة هي نقطة البداية للخطأ الجسيم الذي تم ارتكابه في حرب أكتوبر 73، وكانت هي المقدمة المؤسفة للمأساة التي جرت بعد ذلك.

محادثات كوسيجين والسادات

على أثر انتهاء الرئيس الراحل السادات من القاء خطابه أمام مجلس الشعب تلقى رسالة لاسلكية من الرئيس السوري حافظ الاسد كانت تعكس بوضوح بداية التصدع في صرح العلاقات الوثيقة بين الدولتين الحليفتين سواء في الناحية العسكرية أو السياسية، فقد بعث حافظ الأسد يقول: "لقد كنت أفضل بينما نحن ما نزال في منتصف المعركة أن أطلع على المقترحات التي أعلنتموها من جانبكم أمام مجلس الشعب قبل أن تذاع على الملأ. لست أريد أن أحذو حذو الآخرين باتخاذي موقف التأييد أو المعارضة لهذه القرارات. ولكني أشعر أن كلا منا له الحق في معرفة أفكار وأهداف الآخر قبل سماعها عن طريق الاذاعة. لا أشعر بالسعادة وأنا أكتب هذه الكلمات، ولكني لا أريد أن أخفي عنكم أيا من آرائي وأفكاري منذ اشتبكنا جنبا الى جنب في معركة حياة أو موت".

وأجاب السادات على الفور على الرسالة قائلا: "الأخ حافظ. ان المقترحات التي أعلنتها بالأمس كانت ترتكز أساسا على السياسة التي اتفقنا عليها معا. ولم يكن بها أي جديد يدعو الى التشاور ما دامت تشترطت الانسحاب الاسرائيلي وحقوق الشعب الفلسطيني. لقد اضطرت الى التعجيل بهذا الخطاب عندما علمت أن جولدا مائير على وشك توجيه خطاب الى الكنيست الاسرائيلي. ونظرا لاقتناعي بضرورة مضينا في المعركتين العسكرية والسياسية جنبا الى جنب، لذا رأيت أنه يمكننا باعلان هذه المقترحات التحرك الى الأمام، علما بأنه ليس هناك مجال للمناورة في الصيغة التي اقترحتها. اذا استجد أي أمر جديد فلابد لنا بالطبع من التشاور معا، وأنا أشعر بسعادة كبيرة لأن مشاعركم لم تتغير نحوي".

وفي الساعة الخامسة مساء من نفس اليوم 16 أكتوبر، وصل رئيس الوزراء الاسرائيلي كوسيجين الى القاهرة، وبدأت على الفور محادثاته مع السادات. كان السوفييت يريدون وقف اطلاق النار على الخطوط الحالية، وكانوا على اتفاق تام في ذلك الأمر مع الولايات المتحدة. وقد أوضح كوسيجين للسادات أن الحرب في الشرق الأوسط وصلت الى مفترق الطرق ،وأن العرب غير قادرين على تحقيق مكاسب أخرى، وأنه من المتوقع الآن أن يبدأ انحدارهم، فقد فشلت عملية تطوير الهجوم المصري نحو الشرق يوم 14 أكتوبر، كما انسحبت القوات السورية من هضبة الجولان، وأصبحت دمشق داخل مرمى المدافع الاسرائيلية، وأن المعكرة حاليا مع معدل خسائرها المرتفع في الأسلحة والمعدات تعتبر خطيرة.

وقد استمرت محادثات كوسيجين مع السادات طوال اليومين التاليين، وكان يقضي اليوم كله في السفارة السوفيتية ويقابل السادات في المساء، ومن المرجح أن كوسيجين لم تكن لديه أي معلومات عن العبور الاسرائيلي لقناة السويس عندما غادر موسكو، ولكن الأنباء التي وصلته بعد ذلك خلال زيارته للقاهرة أدت الى ازدياد ضغطه على السادات من أجل قبوله لقرار يصدره مجلس الأمن بوقف اطلاق النار على الخطوط الحالية.

وعندما أوضح له السادات أن ما جرى هو محض اغارة اسرائيلية محدود يقصد بها احداث التأثير النفسي، عرض ليه كوسيجين مساء يوم 18 أكتوبر صورا تم للأقمار الصناعية السوفيتية التقاطها، وأرسلت على وجه السرعة من موسكو الى القاهرة، وكانت تظهر بوضوح رأس الكوبري الاسرائيلي على ضفتي القناة. وحاول كوسيجين اقناع السادات بوجوب التساهل وعدم التمسك بالشرط الذي أعلنه في خطابه، وهو ضرورة اعلان اسرائيل موافقتها على مبدأ الانسحاب على خطوط ما قبل 5 يونيو 67 قبل أن تعلن مصر قبولها لقرار وقف اطلاق النار. ورغم أن الموقف المتحرج غرب القناة جعل السادات أميل الى التساهل، فانه كان يخشى من التأثير النفسي في الشعب المصري في حالة تنازله عن هذا الشرط، كما كان يخشى من التأثير السياسي السيئ في الدول العربية الأخرى وبخاصة حليفته سوريا. وهكذا لم تصل محادثات السادات وكوسيجين الى حل نهائي، وقفل الرئسي السوفيتي عائدا الى بلاده يوم 19 أكتوبر.

أوضاع القوات المصرية داخل رأس الكوبري الموحد

واجهت وحدات الفرقة 21 المدرعة – بعد عملية تطوير الهجوم شرقا يوم 14 أكتوبر التي انتهت بالفشل – أعباء جسيمة، فقد صدرت تعليمات قيادة الجيش الثاني الى قيادة الفرقة بوجوب اعادة تجميع وحداتها داخل رأس كوبري الفرقة 16 مشاة قبل انتهاء يوم 15 أكتوبر.

ورغم خسارة الفرقة 21 المدرعة حوالي 50% من دباباتها التي اشتركت في عملية تطوير الهجوم فقد واصلت وحدات الفرقة عملية اعادة التجميع وفقا للمهام التي خصصها لها العميد أ. ح إبراهيم العرابي قائد الفقرة طوال يوم 15 أكتوبر في وجه قصف جوي مركز من العدو ونيران مدفعية بعيدة المدى عيار 155 مم و175 مم، وأمكن لألوية الفرقة الثلاثة التمركز في المناطق المخصصة لها كما يلي:

اللواء الأول المدرع (66 دبابة) تمركز في منطقة محطة 3 (الإسماعيلية شرق) استعدادا لصد أي اختراق، اللواء 14 المدرع (39 دبابة) تمركز في منطقة غرب أبو وقفة لتدعيم دفاعات لواء اليسار من الفرقة 16 مشاة، اللواء 18 مشاة ميكانيكي (31 دبابة) وضع تحت قيادة الفرقة 16 مشاة وتمركز في منطقة شرق طوسون استعدادا للقيام بالهجوم المضاد لحماية الجنب الأيمن للفرقة 16 مشاة.

وفي ليلة 15/16 أكتوبر – كما أسلفنا – نجحت بعض الدبابات الاسرائيلية في اختراق الموقع اليمين للواء 16 مشاة، وتقدمت شمالا في اتجاه قرية الجلاء (المزرعة الصينية) كما اندفعت الدبابات الاسرائيلية من لواء آمنون المدرع التابع لفرقة الجنرال شارون الى مناطق الشئون الادارية للفرقتين 16 مشاة و21 المدرعة بعد أن تحركت بحذاء الساتر الرملي للقناة بعيدا عن مرمى نيران دفاعات اللواء 16 مشاة (الجنب الأيمن للفرقة 16 مشاة) واقتربت من مركز القيادة الرئيسي لكل من الفرقتين 16 مشاة و21 المدرعة. وفي مواجهة هذا الهجوم تم دفع كتيبة دبابات عدا سرية من اللواء 18 مشاة ميكانيكي وكتيبة دبابات من اللواء 14 المدرع لحصر دبابات العدو في ثغرة الاختراق ومنعه من توسيعها. وقامت الكتيبتان بشن هجوم مضاد وأجبرت الدبابات الاسرائيلية على الارتداد جنوبا بعد أن كبدتها خسائر جسيمة.

وكانت الخطة التي صدقت قيادة الجيش الثاني على تنفيذها لمنع العدو من توسيع اختراقه شمالا هي تحريك اللواء 18 مشاة ميكانيكي من منطقة تمركزه شرق طوسون لاحتلال خط دفاعي خلف قطاع اللواء 16 مشاة شمال قرية الجلاء (بدون كتيبة الدبابات)، فقد تم وضع هذه الكتيبة تحت تصرف قائد الفرقة 16 مشاة للعمل كاحتياطي عام للفرقة، وفي نفس الوقت تحريك اللواء الأول المدرع من منطقة تمركزه في المحطة 3 (الاسماعيلية شرق) لاحتلال الخط شمال المغذي الرئيسي (بمحاذاة موقع اللواء 18 مشاة ميكانيكي بين الطريق العرضي رقم 1 وقناة السويس). وقد اشتبك اللواء الأول المدرع فور وصوله مع مجموعات من الدبابات من اللواء المدرع الاسرائيلي بقيادة آمنون وهي التي نجحت في الوصول الى قرية الجلاء، ودمر منها حوالي 15 دبابة وبعض العربات المدرعة نصف جنزير.

وفي الساعة الواحدة ظهرا، تم تنفيذ طلعة طيران مصرية قوية على قرية الجلاء وأحدثت خسائر كبيرة بالدبابات الاسرائيلية ، وفي الساعة الثانية ظهرا حاول العدو تطويق اللواء الأول المدرع بالالتفاف بكتيبة دبابات على جنبه الأيسر، ولكن اللواء الأول تمكن من تدمير 10 دبابات منها وأجبر الباقي على الانسحاب جنوبا. واستمر القصف العنيف من الجو ومن المدفعية الاسرائيلية بعيدة المدة على وحدات الفرقة 21 المدرعة، وتركزت بوجه خاص على اللواء الأول المدرع. وبلغت خسائر العدو خلال قتاله مع الفرقة 21 المدرعة طوال يوم 16 أكتوبر حوالي 50 دباباة وعربة مدرعة نصف جنزير مع أسر دبابتين سليمتين.

وعلى الغرم من الخسائر الكبيرة التي تكبدها العدو، فقد واصل هجماته على الجنب الأيمن للفرقة 16 مشاة في موجات متوالية من الدبابات تحت ستر غطاء جوي قوي لتعزيز قواته التي نجحت في الاختراق. وقد بلغ عدد الدبابات الاسرائيلية التي تمركزت غرب قرية الجلاء حوالي 30 دبابة وساعدها على الاختفاء استغلالها لطبيعة الأرض والمباني والترع والمصارف الجافة التي كانت موجودة بالقرية.

وحوالي الساعة الثالثة والنصف مساء صدر قرار من القيادة العامة المركز 10 الى قيادة الجيش الثاني بضرورة استعادة الموقف على الجنب الأيمن للفرقة 16 مشاة وتصفية قوة العدو التي قامت بالاختراق.

ولضمان توحيد القيادة واحكام السيطرة على راس كوبري الفرقة 16 مشاة الذي كان يضم الفرقتين 16 و21 المدرعة معا، أصدر اللواء تيسير العقاد قائد الجيش الثاني بالنيابة أمرا بأني تولى العميد أ. ح عبد رب النبي قيادة جميع القوات داخل رأس الكوبري باعتباره القائد الأقدم. كما أصدر تعليمات قتال الى الفرقتين 16 مشاة و21 المدرعة كانت تقضي بقيام الفرقة 21 المدرعة باستغلال ضربة الطيران والتمهيد النيراني للمدفعية لمدة 10 دقائق لتدمير العدو الذي قام باختراق وتمركز في قرية الجلاء ومنعه من الانسحاب جنوبا مع استمرار تماسك وثبات رأس كوبري الفرقة 16 مشاة واستعادة الأوضاع الى ما كانت عليه على جنبها الأيمن وكان ذلك تنفيذا لقرار القيادة العامة.

وفي الساعة الرابعة مساء وصل من القاهرة اللواء عبد المنعم خليل الى مركز القيادة المتقدم للجيش الثاني بالاسماعيلية حيث تولى مسئولية القيادة. وعلى أثر ذلك تم الغاء الأمر السابق بتولي العميد أ. ح عبد رب النبي قائد الفرقة 16 مشاة مسئولية قيادة جميع قوات رأس الكوبري،ودعي قائدا للفرقتين 16 مشاة و21 المدرعة لحضور مؤتمر لتنظيم التعاون بين الفرقتين في الساعة الثامنة مساء بمركز القيادة المتقدم للفرقة 21 المدرعة برئاسة اللواء تيسير العقاد رئيس أركان الجيش الثاني، ولكن اللواء تيسير العقاد لم يتمكن من الحضور الى مكان المؤتمر الا في حوالي الساعة العاشرة مساء بسبب سحب جميع معابر الفرقة 16 مشاة شمالا في اتجاه الاسماعيلية لتعرضها للضرب الأرضي المباشر من قوة العدو الموجودة شرق القناة عند نقطة العبور في الدفرسوار، وكذا للقصف الجوي المركز بعد نجاح دبابات العدو التي عبرت الى غرب القناة في اسكان وتدمير عدد من كتائب الصواريخ سام 2 وسام 3، مما أدى الى حدوث ثغرة في شبكة الدفاع الجوي المصري، واهو الأمر الذي أتاح لطائرات العدو فرصة القيام بغاراتها الجوية على الكباري والمعابر والقوات الأرضية شرق وغرب القناة، وأصبح العبور الخاص بالفرقتين 16 مشاة و21 المدرعة محصورا في كباري ومعابر الفرقة 2 مشاة المتمركزة شمالا في قطاع الفردان مع استخدامها ليلا فقط نظرا لنشاط طائرات العدو أثناء النهار. ولهذا السبب قام اللواء تيسير بعبور القناة بواسطة معدية برمائية سوفيتية الصنع من طراز pts من احدى نقاط العبور في قطاع الفرقة 2 مشاة. وخلال مؤتمر تنظيم التعاون الذي عقده اللواء تيسير بمركز القيادة المتقدم للفرقة 21 المدرعة وحضره العميد عبد رب النبي والعميد ابراهيم العرابي، اتضح من دراسة أوضاع الفرقتين عدم امكان الفرقة 21 المدرعة وحدها – نظرا للمعارك العنيفة التي خاضتها وحدات الفرقة ونظرا للخسائر الجسيمة التي منيت بها منذ يوم 14 حتى يوم 16 أكتوبر – القيام بالهجوم المضاد لاغلاق ثغرة الاختراق وتدمير الدبابات الموجودة في قرية الجلاء واستعادة الموقف على الجانب الأيمن للفرقة 16 مشاة، وفقا لتعليمات القتال التي صدرت من قيادة الجيش الثاني في الساعة الرابعة مساء تنفيذا لقرار القيادة العامة (المركز 10).

وقبل انتهاء المؤتمر فوجئ القادة الحاضرون بأن العميد ابراهيم العرابي قائد الفرقة 21 المدرعة مطلوب على جهاز الاتصال اللاسلكي للتخاطب مع القيادة العامة المركز 10 بالقاهرة، ودار حديث بينه وبين القائد العام الفريق أول أحمد اسماعيل الذي أخذ يؤكد فيه ضرورة قيام الفرقة 21 المدرعة باغلاق ثغرة الاختراق وتدمير العدو الموجود داخلها واستعادة الموقف الى ما كان عليه من قبل. ثم طلب منه محادثة الرئيس الراحل السادات الذي كان موجودا وقتئذ في المركز 10. ودار حديث قصير بين السادات وعرابي انتهى بعبارة مؤثرة حينما اختتم السادات حديثه قائلا: "شرف مصر يا عرابي".

ونظرا لأن اللواء تيسير العقاد وصل الى شرق القناة في عربة جيب ولم يكن معه سوى ضابط اشارة مع جهاز r 151 وجندي حراسة واحدة ولم يزود بأي طاقم للقيادة أو أي وسائل للاتصال، فقد اضطر كل من قائدي الفرقتين 16 و21 المدرعة الى أن يعرض عليه أن يبقى معه في مركز قيادته حتى يمكنه ادارة أي عمليات في المستقبل باستخدام الامكانيات المتاحة لديه، ولكن اللواء تيسير فضل البقاء في مركز القيادة المتقدم للعميد ابراهيم العرابي قائد الفرقة 21 المدرعة.

مؤتمر كيشوف الاسرائيلي kishuf

عندما كانت المعركة بين لواء المظلات الاسرائيلي بقيادة العقيد عوزي مائير واللواء 16 مشاة محتدمة ليلة 16/17 أكتوبر، أمر الجنرال ابراهام أدان (برن) قائدي لواءيه المدرعين (العقيد نيتكا وجابي) بالتحرك وتطهير محوري أكافيش وطرطور. وعندما لاحظ برن أن لواء توفيا (من ضمن تشكيل فرقة شارون) منتشر بدباباته أمام مواجهة الفرقة 16 مشاة دون القيام بأي أعمال قتالية فعالة، في الوقت الذي كان فيه اللواءان التابعان لفرقته مشتبكين في قتال عنيف لفتح محوري التقدم، فقد طلب من الجنرال جونين التصديق على وضع اللواء المدرع بقيادة العقيد توفيا تحت قيادته الى حين الانتهاء من مهمته، ووافق جونين في الحال.

وهكذا أخذ برن يضغط على قوات الفرقة 16 مشاة المتمركزة في مجال الممر الاسرائيلية ضغطا متزايدا بثلاثة ألوية مدرعة من الشرق الى الغرب، وتمكنت احدى وحدات دباباته من اخلاء قوة المظلات المتورطة والتي كانت تقاتل ضد اللواء 16 مشاة من مواقعها حوالي الساعة الحادية عشرة صباحا يوم 17 أكتوبر.

وفي نفس اليوم عند الظهر، وصل موشي ديان وزير الدفاع الاسرائيلي الى مركز القيادة المتقدم للجنرال برن على أحد التلال بالقرب من موقع كيشوف (جنوب تقاطع طريق أكافيش مع الطريق العرضي رقم 2). ووصل على أثره مباشرة الجنرال حاييم بارليف، وبعد قليل طائرة هليوكوبتر نزل منها الجنرال دافد أليعازر رئيس الأركان وبرفقته يوري بن آري نائب الجنرال جونين. وأخيرا وصل الجنرال شارون في عربة نصف جنزيل وكان معصوب الرأس بسبب اصابة جبهته بجروح بسيطة من شظايا قذيفة مصرية. وعقد القادة الحاضرون مجل حرب بعد أن جلسوا جميعا في دائرة على التل وأمامهم الخرائط. وكان للخسائر الفادحة والضغط المصري المستمر والقصف الجوي والمدفعي تأثيره في ظهور التوتر واللق على الحاضرين، يضاف الى ذلك أن العلاقات الشخصية لم تكن تتميز بطابع الانسجام خاصة بين أليعاز وبارليف من جانب وشارون من جانب آخر. كان شارون مقتنعا بأنهم متعصبون ضده ولا يثقون بآرائه بالنسبة للمعركة، وكان رؤساؤه دائمي الشكوى من تجاهله المستمر لأوامرهم ومن أنه يستلهم في كل تصرفاته وأنه يخرج على المبادئ الأولية للنظام العسكري بالاتصال تليفونيا بأصدقائه والشخصيات السياسية في تل أبيب من مقر قيادته في إفريقيا (التعبير الذي أطلقه شارون على الضفة الغربية للقناة)، كما كان يقحم هؤلاء الأصدقاء بطريقة غير قانونية في الشئون العسكرية. وكان شارون الذي سبق له مرة أخرى في الصباح الباكر المجادلة بالحاح مع رؤسائه في ضرورة عبور دبابات الجنرال برن على أطواف عائمة عبر القناة، قد حضر الى هذا المؤتمر ليعرض اقتراحا آخر يحقق له المزيد من الشهرة والمجد.

كان اقتراح شارون أن تقوم قوات الجنرال برن بغيار قواته المتمركزة في رأس الكوبري على ضفتي القناة، وبذا يمكن لفرقة شارون استكمال عبور القناة واستغلال النجاح غرب القناة بالاندفاع جنوبا خلف الجيش الثالث المصري. ولكن برن اعترض بشدة على ذلك الاقتراح، وذكر أن وحداته قد ظلت طوال 30 ساعة متواصلة لتحقيق الأهداف التي أسندت مسئولية تنفيذها من قبل الى شارون ولم يتمكن من تحقيقها ، وأن هذا الاقتراح ليس الا محاولة من شارون لاكتساب كل ما يمكنه من الشرق والمجد. وقبل أن تحتد المناقشة بين شارون وبرن، تدخل الجنرال اليعازر رئيس الاركان وحسم الموقف. وكان رأيه أن التخطيط للعملية "القلب الشجاع" قد تم بحكمة وبراعة، وعلى الرغم من حدوث بعض التعطيل في التنفيذ فانه لا يوجد أي سبب يدعو الى اجراء أي تغيير في الخطة الأساسية. لذا ينبغي أن يستكمل شارون عملياته للتمسك برأس الكوبري وتأمين الممر المؤدي اليه. وعندئذ تعبر فرقة برن من خلاله الى غرب القناة لاستغلال النجاح في اتجاه الجنوب، وعلى أثر ذلك تتسلم فرقة الجنرال كلمان ماجن رأس الكوبري وتلحق فرقة شارون بفرقة برن.

وبناء على الحاح شارون في ضرورة تعزيز كتيبة الدبابات من لواء حاييم (30 دبابة) التي عبرت الى غرب القناة على أطواف عائمة فجر يوم 16أكتوبر نظرا لتعرضها لبعض الخسائر،وافق الجنرال بارليف على عبور بعض دبابات اضافة على أطواف عائمة أيضا لتصل قوة حاييم الى لواء مدرع كامل، على ألا يتم عبور أي دبابات أخرى الا بعد اقامة الجسور الثابتة عبر القناة. وحوالي الساعة الواحدة ظهرا كف القادة في المؤتمر عن النقاش بعد أن تركز اهتمامهم صوب ما يجري في الجنوب. وكانت رسالة من الجنرال كلمان ماجن قائد القطاع الجنوبي قد وصلتهم عند بدء المؤتمر بأن نقاط استطلاعه قد سجلت تحركا لرتل مدرع مصري على مقربة من الشاطئ الشرقي للبحيرة المرة الكبرى في طريقه الى الشمال. وقبل انتهاء المؤتمر تلقوا رسالة أخرى من العقيد آمنون الذي كان لا يزال منهمكا في اعادة تنظيم لواء المدرع وفي اصلاح دباباته المعطوبة بالقرب من حصن لاكيكان (تل السلام) بأن عاصفة ضخمة من الغبار تهب عليه من اتجاه الجنوب وتدل على اقتراب الرتل المدرع المصري الذي قام الجيش الثالث بدفعه الى الشمال. ولم يلبث الاستطلاع الجوي أن أكد أن هذا الرتل هو لواء مدرع يتكون من حوالي 100 دباب ت 62. وترك الجنرال أدان (برن) المؤتمر وبرفقته مركز مقيادته المتقدم متجها نحو الجنوب ليقود المعركة بنفسه ضد هذا اللواء الذي اتضح أنه اللواء 25 المدرع المستقل والذي كان ملحقا على الفرقة 7 مشاة من قوات الجيش الثالث.


الفصل السادس: المحاولات المصرية لتدمير ثغرة الدفرسوار

مع توالي الهجمات الاسرائيلية العنيفة بالقوات المدرعة على الجنب الأيمن للفرقة 16 مشاة منذ ليلة 15/16 أكتوبر، أدركت القيادة المصرية أن القوات الاسرائلية تقوم بمجهود خارق وبدون اكتراث للخسائر الفادحة التي أصيبت بها، لفتح ممر من الشرق الى الغرب حتى منطقة الدفرسوار شمال البحيرة المرة الكبرى، ولكنها لم تكن تتخيل أنه بينما كان القتال محتدما بهذه الشدة والشراسة بين القوات المصرية والقوات الاسرائيلية في منطقة الممر، يمكن للقيادة الاسرائيلية ان تخاطر بالقاء قوة كبيرة عبر القناة الى الضفة الغربية دون ان تنشئ لها في البداية طريقا مؤمنا لتلقي الامدادات عبر جسور ثابتة بين الشاطئين. وهذا ما دعا القيادة المصرية الى تركيز جهودها في بادئ الأمر لمحاولة تدمير الممر الاسرائيلي على الضفة الشرقية للقناة عن طريق اغلاق ثغرة الاختراق التي وقعت على الجنب الأيمن للفرقة 16 مشاة (الجناح الأيمن للجيش الثاني) ثم ابادة أو أسر القوة الاسرائيلية التي كانت متمركزة وقتئذ داخل هذه الثغرة.

ولهذا السبب لم تبذل القيادة المصرية الاهتمام الذي كان ينبغي بذله لتدمير القوة الاسرائلية التي عبرت الى غرب القناة والتي من السهل في بداية الأمر ابادتها أو أسرها، اعتقادا منها بأن الهدف من ارسال هذه القوة هو القيام بسلسلة من الاغارات الجريئة لاحداث التأثير النفسي في القوات المصرية وصولا الى خفض روحها المعنوية، وكذا العمل ضد مواقع الصواريخ المصرية غرب القناة بهدف تدميرها أو اسكاتها لفتح ثغرة في نظام الدفاع الجوي المصري بعد أن عجزت الطائرات الاسرائيلية عن تحقيق ذلك الغرض، مما سوف يتيح للطيران الاسرائيلية الحصول على التفوق الجوي فوق ارض المعركة.

وساعد على رسوخ هذا الاعتقاد، المعلومات الخطائة التي كانت تصل الى قيادة الجيش الثاني والى المركز 10 في القاهرة، والتي كانت تبعث على الاطمئنان والتهوين من قوة العدو غرب القناة، مما كان يكشف بوضوح عن مدى القصور في وسائل جمع المعلومات وأعمال الاستطلاع التي كانت من صميم مسئولية المخابرات الحربية في الميدان وأفرع الاستطلاع بالجيش الثاني وتشكيلاته الميدانية. وعلاوة على ذلك، نجحت قوة المظلات وكتيبة الدبابات الاسرائيلية في تفادي رصدهما من اي استطلاع جوي عن طريق الاختفاء في الحزام الاخضر بين قناة السويس وترعة المياة الحلوة الموازية لها (ترعة السويس) كما اختبأت معظم الدبابات الاسرائيلية في هناجر مطار الدفرسوار المهجور.

الخطة المصرية لتدمير ثغرة الاختراق من شرق القناة

خلال المؤتمر الذي عقهد الفريق أول أحمد اسماعيل القائد العام بالمركز 10 بعد ظهر يوم 16 أكتوبر على أثر عودته من جلسة مجلس الشعب، والذي حضره رئيس الأركان ورئيس هيئة العمليات ورؤساء أفرع القيادة العامة، صدر القرار بتدمير ثغرة الاختراق عن طريق توجيه ضربة قوية ضد العدو في منطقة الاختراق بالدفرسوار شرق القناة. وكان التخطيط أن يقوم اللواء 25 المدرع المستقل الملحق على الفرقة 7 مشاة (من تشكيل الجيش الثالث) بتوجيه ضربة من الجنوب الى الشمال شرق البحيرة المرة الكبرى لكي يلتقي بهجوم الفرقة 21 المدرعة التي تقرر بتوجيه ضربتها من مواقعها شرق القناة على الجنب الايمن لرأس كوبري الفرقة 16 مشاة (شمال قرية الجلاء، والمغذي الرئيسي) في اتجاه الجنوب بهدف اغلاق ثغرة الاختراق عند الدفرسوار وتدمير قوة العدو الموجودة داخلها مع تمسك الفرقة 16 مشاة بمواقعها الدفاعية في رأس الكوبري، وفي نفس الوقت يقوم اللواء 116 مشاة ميكانيكي غرب القناة بتوجيه ضربة ثانوية من الغرب الى الشرق لتدمير قوة العدو التي عبرت الى غرب القناة.

ونظرا لأن التوقيت المحدد لتنفيذ هذه الخطة كان في بادئ الأمر ليلة 16/17 أكتوبر ، فقد قام اللوء تيسير العقاد قائد الجيش الثاني بالنيابة ظهر يوم 16 أكتوبر باصدار تعليمات قتال كانت تتضمن المهام التي خصصتها القيادة العامة للفرقتين 16 مشاة و21 المدرعة، وفقا للأوامر التي وصلت الى قيادة الجيش الثاني. وفي قطاع الجيش الثالث وفي نفس التوقيت، قام رئيس عمليات هذا الجيش العميد أ. ح نبيه السيد بتخصيص المهمة للعميد أ. ح أحمد حلمي بدوي قائد اللواء 25 المدرع المستقل في مركز القيادة المتقدم للفرقة السابعة المشاة بحضور العميد أ. ح أحمد بدوي قائد الفرقة، على أن يبدأ تحرك اللواء عند آخر ضوء يوم 16 أكتوبر. ونظرا للاعتراض الشديد الذي أبداه قائد الفرقة 7 مشاة على سحب اللواء 25 المدرع من تحت قيادته على اعتبار أن ذلك سوف يؤثر في التوازن الدفاعي لرأس كوبري الفرقة، فقد أمر اللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث بوضع كتيبة دبابات من اللواء 3 المدرع (من الفرقة 4 المدرعة) الذي كان يعمل كاحتياطي لقائد الجيش الثالث لتكون تحت قيادة الفرقة 7 مشاة.

وعلى الرغم من أن الخطة التي وضعتها القيادة العامة لتصفية ثغرة الاختراق عند الدفرسوار كانت تبدو سليمة من الناحية النظرية، فان مجرى الأحداث أثبت أنها كانت خطة خاطئة وغير واقعية. وكان أهم خطأ فيها هو دفع اللواء 25 المدرع المستقل على الضفة الشرقية للقناة. بينما كان القرار السليم يقضي بعبوره من شرق القناة الى الشاطئ الغربي خلال الليل على أن يقوم صباح يوم 17 أكتوبر بعد اتمام تجمعه بتوجيه ضربته من الجنوب الى الشمال على الضفة الغربية للقناة.

وقد ثبت أن فكرة دفع اللواء 25 المدرع المستقل على الضفة الشرقية للقناة قد لقيت معارضة شديدة وأحدثت انقساما حادا بين القادة داخل المركز 10 الى الحد الذي أدى الى دعوة الرئيس الراحل السادات للحضور بنفسه الى المركز 10 لابداء رأيه في هذا الخلاف، وعند حضوره بعد ساعات قليلة لم يلبث أن أيد قرار القائد العام وثار ثورة عنيفة في وجه القادة الذين طلبوا عبور اللواء المدرع الى الغرب لدفعه من هذا الاتجاه، وأمر بعدم سحب أي قوات من الشرق الى الغرب أو مناقشة هذه الفكرة على الاطلاق. وكان اللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث قد سبق له الاتصال برئيس الأركان وأبلغه أنه يفضل سحب اللواء المدرع من الشرق ليقوم بتوجيه ضربته ضد الثغرة من الغرب وأن قائد اللواء 25 المدرع يشاركه هذا الرأي، ولكن هذه الآراء لم يعد لها أي تأثير بالطبع بعد تدخل رئيس الجمهورية شخصيا في الأمر وتأييده لقرار دفع اللواء على الضفة الشرقية للقناة.


عيوب خطة دفع اللواء المدرع من الشرق

لاشك في ان فكرة دفع اللواء 25 المدرع من الجنوب الى الشمال شرق القناة على الطريق العرضي 1 (طريق الشط) الموازي للبحيرات المرة ليقوم بضربة قوية بالاشتراك مع الفرقة 21 المدرعة المدفوعة من الشمال الى الجنوب لتدمير العدو عند نقطة التقائهما في منطقة الدفرسوار كانت خطة محطمة وبديعة، ولكن على الخريطة فقط. أما من الناحية الواقعية وفي ظل الظروف التي كانت موجودة وقتئذ فقد كانت خطة فاشلة قبل أن يبدأ تنفيذها للاسباب التالية: • المسافة التي من المفترض أن يقطعها اللواء المدرع من موقعه برأس كوبري الفرقة 7 مشاة للوصول الى أرض المعركة في الدفرسوار كانت تتجاوز 30 كم، وكان العدو مسيطرا عليها تماما مما كان من المحتم معه الاصطدام بعدة مقاومات للعدو ونشوب عدة معارك تعطيلية أثناء تحرك رتل اللواء المدرع، الأمر الذي سوف يؤدي الى تعطيل التحرك ووقع الخسائر. • سيكون رتل اللواء المدرع محصورا طوال التحرك في مجرى أشبه بالمضيق لوجود شاطئ البحيرة المرة على يساره الذي تمتد بمحاذاته حقول ألغام متصلة وقديمة العهد. ونظرا لأن طبيعة الأرض شرق القناة تتدرج في الارتفاع كلما اتجهنا شرقا لذلك فان من المنتظر قيام العدو باحتلال سلسلة المرتفعات والهيئات الحاكمة التي تقع شرق خط تحرك اللواء المدرع والسيطرة عليه بالنيران. وبانحصار رتل اللواء في مثل هذاالمجرى الضيق يكون اللواء المدرع قد فقد أهم خصائص القوات المدرعة وهي خفة الحركة والقدرة على المناورة والقايم بحركات الالتفاف والتطويق، وأصبح مرغما على خوض معاركة مع قوات العدو بطريقة جبهوية. • عدم امان اللواء المدرع الاستفادة بمعاونة مدفعية الجيش الثالث الا لمسافة محدودة (حتى مع استخدام المدفعية المتوسطة من عيار 130 مم)، وبعد ذلك يصبح اللواء خارج مرمى مدفعية هذا الجيش، كما أنه كان من الصعب الاستفادة بمعاونة مدفعية الجيش الثاني المتمركز على الضفة الغربية للقناة نظرا لبعد المرمى بسبب وجود البحيرة المرة الكبرى التي يبلغ متوسط عرضها 14 كم من جهة ولعدم اجراء أي تنسيق أو تنظيم تعاون مسبق لهذه العملية مع الجيش الثاني من جهة أخرى. • تعرض رتل اللواء المدرع طوال التحرك لهجمات العدو الجوية، خصوصا الطيران المنخفض، ولم تكن في مقدرة الأسلحة المضادة للطائرات التقليدية المرافقة للواء وهي المدافع 57 مم ثنائي الماسير (ذح) والرشاشات 14.5 مم المحملة على لوريات تقديم الوقاية المطلوبة للواء. وعلاوة على ذلك، فقد كان من المنتظر تعرض رتل اللواء لنيران مدفعية العدو البعيدة المدى من عيار 155 مم و175 مم، بالاضافة الى ما ينتظر أن تحدثه الغارات الجويةونيران المدفعية من خسائر في الأفراد والأسلحة والمعدات، فانها سوف تتسبب بلاشك في ارتباك وتعطيل تحرك وحدات اللواء. • نظرا لضيق الوقت لم يكن متيسرا اجراء عملية تنظيم التعاون بين اللواء 25 المدرع المستقل والفرقة 21 المدرعة، رغم ما لهذه العملية من أهمية حيوية في مثل هذه الظروف، ونظرا لان اللقاء المنتظر بين الفرقة المدرعة من الجيش الثاني واللواء المدرع من الجيش الثالث لم يسبقه اجراء أي تدريب أو تنسيق عليه من قبل، فقد كان من الواجب منعا لوقوع أي حوادث بينهما بطريق الخطأ اجراء أي قدر من تنظيم التعاون أو الاتصال المباشر بين الطرفين لتحديد خطوط التقابل وخطوط وقف النيران واشارات التعارف، وكذا تنظيم شبكة التعاون بينهما لضمان تأمين وسائل الاتصال. • ثبت أن اللواء 25 المدرع لم تكن لدية قبل خروجه أي معلومات عن العدو الذي كانت من المنتظر ان يواجهه بعد هذا التحرك الطويل الشاق لمسافة من المفترض أن تزيد على 30 كم، فقد كانت قيادة الجيش الثالث لا يوجد لديها بالطبع أي معلومات عن العدو المتمكز في ثغرة الاختراق في قطاع الجيش الثاني، ولم تكن لدى القيادة العامة بالاقهرة صورةواضحة دقيقة عن أوضاع العدو شرق وغرب القناة بسبب القصور الشديد في أعمال الاستطلاع، مما أدى الى عدم ابلاغ قيادة الجيش الثالث بالمعلومات التي كان من الواجب افادة اللواء 25 المدرع بها قبل تحركه. وكانت النتيجة أن اللواء المدرع عندما اقترب من أرض المعركة وجد في انتظاره مجموعة العمليات رقم 162 التي كانت يتولى قيادتها الجنرال ابراهام أدان (برن) والتي كانت تتكون من ثلاة ألوية مدرعة، أي أن نسبة تفوق العدو على قوات اللواء 25 المدرع كانت (3:1). • ان الفرقة 21 المدرعة التي كان من المفترض وفقا للخطة الموضوعة أن تلتقي مع اللواء 25 المدرع المستقل عند منطقة الدفرسوار لم يكن من المنتظر وصولها الى هذه المنطقة ولا لقاؤها مع هذا اللواء المدرع بأي حال من الأحوال. فان العبرة عند تحديد حجم أي قوة بالنسبة للمهمة المخصصة لها أن يجري هذا التحديد حسب قدراتها الحقيقة، وليس حسب حجمها التنظيمي. ولذا فعندما يصل عدد دبابات الفرقة 21 المدرعة مساء يوم 16 أكتوبر الى حوالي 100 دبابة فينبغي تقدير حجم هذه الفرقة بأنها في حجم لواء مدرع فقط، وعندما تخصص لها مهمة فمن الواجب أن تتناسب هذه المهمة مع قدراتها الحقيقية أي مع قدرات لواء مدرع. لقد فقدت الفرقة 21 المدرعة منذ معركتها في تطوير الهجوم شرقا يوم 14 أكتوبر ثم معاركها العنيفة يومي 15 و16 أكتوبر ضد دبابات العدو في قرية الجلاء، وفي صد الهجمات المضادة على الجناح الأيمن للجيش الثاني حوالي 150 دبابة، هذا علاوة على الخسائر الأخرى التي حاقت بها نتيجة للقصف المكثف من المدفعية والطيران بسبب تمركزها مع الفرقة 16 مشاة في رأس كوبري واحد ضيق مما جعل قصف العدو الجوي والمدفعي شديد التأثير. وكانت قوات العدو التي من المنتظر أن تواجه الفرقة 21 المدرعة عند تحركها لتنفيذ الخطة الموضوعة والتقدم جنوبا على طول القناة لكي يتم لقاؤها مع اللواء 25 المدرع القادم من الجنوب عند منطقة الدرفسوار، هي مجموعة العمليات رقم 143 بقيادة الجنرال شارون، وكانت تتكون من ثلاثة ألوية مدرعة ولواء مظلات. ونظرا لعبور لواء المظلات وكتيبة مدرعة من لواء حاييم الى الضفة الغربية للقناة ليلة 15/16 أكتوبر فقد كانت القوة المنتظرة أن تواجهها الفرقة 21 المدرعة في منطقة الثغرة لا تقل عن 200 دبابة اسرائيلية، أي أن نسبة تفوق العدو على قوات الفرقة 21 المدرعة كانت 2 إلى 1. ومما تجدر ملاحظته أن خسائر الوحدات المدرعة الاسرائيلية في معاركها كانت تعوض على الفور اما باصلاح الدبابات المعطوبة في الميدان بواسطة ورش الصيانة ذات الكفاءة العالية، واما بوصول دبابات جديدة بفضل الجسر الجوي الأمريكي الذي بدأت شحناته تتدفق على اسرائيل اعتبارا من 14 أكتوبر 73. • كان من ضمن شحنات الأسلحة التي أرسلتها الولايات المتحدة الى اسرائيل عبر الجسر الجوي الأمريكي عدد 2000 صاروخ tow الذي يوجه ويعمل على تتبع الهدف بواسطة السلك. وهذه الصواريخ تعتبر الجيل الثاني للصواريخ الفرنسية الصنع ss11 و ss10 بعد ادخال التحسينات عليها، ولذا فهو أكثر دقة وتأثيرا في الدبابات من الصواريخ الفرنسية، وكذا من الصواريخ السوفيتية الصنع saggers (المالوتكا) التي تم للمشاة المصريين استخدامها بكفاءة تامة ضد الدبابات الاسرائيلية في المرحلة الأولى من الحرب، وأوقعوا بها خسائر فادحة. ولقد أنكرت المصادر الرسمية الاسرائيلية ما تردد عن استخدام القوات الاسرائيلية للصاروخ tow خلال المرحلة الأخيرةمن الحرب، وأكدت أن هذا الصاروخ لم يصل الى أيدي القوات الاسرائيلية قبل وقف اطلاق النار في 24 أكتوبر 73. الا أنه باستقصاء حقيقة هذا الموضوع في مختلف المراجع الأجنبية بما فيها المراجع الأمريكية يمكن الجزء بأن الصاورخ tow والأطقم التي دربت الاسرائيليين على استخدامه وصلت الى اسرائيلي اعتبارا من يوم 14 أكتوبر، ولذا فليس من المحتمل ان تكون هذه الصواريخ الفتاكة قد استخدمت ضد الدبابات المصرية يوم تطوير الهجوم شرقا في 14 أكتوبر، ولكنها استخدمت بالتأكيد يوم 17 أكتوبر ضد وحدات الفرقة 21 المدرعة وضد اللواء 25 المدرع مما تسبب في ارتفاع نسبة الخسائر فيهما، كما جرى استخدامها بعد ذلك في جميع المعارك على ضفتي قناة السويس ضد الدبابات المصرية منذ هذا التاريخ لحين وقف اطلاق النار.

ماذا كان الحل الأفضل للقضاء على ثغرة الدفرسوار

لو كان اللواء 25 المدرع قد اتبع في دفعه الحل الأفضل وهو عبوره القناة ليلة 16/17 أكتوبر خلال ساعات الظلام على معابر الفرقة 7 مشاة، ثم دفعه في أول ضوء يوم 17 أكتوبر في اتجاه الدفرسوار على الجانب الغربي للقناة على محور طريق المعاهدة، لكانت قد تحققت له المزايا التالية:

1- المسافة التي كان اللواء سيقطعها اللواء من الجنوب الى الشمال كانت كلها تحت سيطرة القوات المصرية مما كان كفيلا بعدم حدوث اي تعطيل له أثناء التحرك. وعلى العكس كانت القوات المصرية غرب القناة ستقوم بتوفير المعاونة والحماية التي يحتاج اليها أثناء تحركه بشتى أنواعها. 2- تعتبر الأرض غرب القناة بطبيعتها الزراعية والصحراوية أرضا صالحة لقتال الدبابات، نظرا لوجود الأشجار والمباني في بعض أجزائها مما يسمح باستتار الدبابات خلال الهجمات الجوية عند الاصطدام بأي مقاومات للعدو، كما أن وجود معظم الهيئات الأرضية المرتفعة غرب خط تحرك اللواء (جبال الشلوفة وجنيفة والجوزة الحمراء وشبراويت والشهابي) كان يهيئ لرتل اللواء الوقاية من الجنب الايسر عن طريق القوة التي كان سيدفعها للعمل كحرس جنب في هذا الاتجاه والتي كان في مقدرتها عن طريق احتلال هذه الهيئات المرتفعة على التوالي على طول طريق التقدم، السيطرة التامة على التحركات على طريق المعاهدة ومنع أي حركات التفاف أو تطويق من جانب دبابات العدو – التي عبرت الى غرب القناة – ضد رتل اللواء. هذا في الوقت الذي كان في الجنب الأيمن للواء مؤمنا لوجود قناة السويس والبحيرة المرة. 3- كان من المتيسر للواء الاستفادة بمعاونة مدفعية الجيش الثالث، ثم بمعاونة مدفعية الجيش الثاني حال خروجه من حدود الجيش الثالث، لأن معظم مجموعات مدفعية الجيشين كانت متمركزة غرب القناة، ولم يكن هناك فاصل متسع مثل المسطح المائي للبحيرة المرة الكبرى يجعل رتل اللواء بعيدا عن مرمى مدفعية الجيش الثاني. 4- ضمان الوقاية الكافية من الهجمات الجوية نظرا لتحرك اللواء تحرك مظلة الدفاع الجوي سام غرب القناة، وكان من المصعب على مدفعية العدو بعيدة المدى على الضفة الشرقية للبحيرة المرة قصف رتل اللواء بنيرانها قصفا مؤثرا لبعد المرمى من جهة ولصعوبة عملية مراقبة النيران من جهة أخرى. 5- كان العدو المنتظر مقابلته في منطقة الدفرسوار نهار يوم 17 أكتوبر غرب القناة عبارة عن لواء مظلات و30 دبابة وبعض العربات المدرعة نصف جنزير، وكان في مقدرة اللواء 25 المدرع بدباباته من طراز ت 62 ذات المدفع من عيار 115 مم التغلب على الدبابات الاسرائيلية ذات المدفع من عيار 105 مم، وكان في مقدرة المدفع 115 مم بالدبابة المصرية اطلاق دانات شديدة الانفجار الى مسافة 3.5 كم ودانات خارقة للدروع بمختلف انواعها الى مسافة حوالي 2 كم مما كان كفيلا باحداث خسائر فادحة في القوة الاسرائيلية غرب القناة (سواء المدرعات أو رجال المظلات). 6- كان القضاء على الثغرة الاسرائيلية توجيه ضربة قوية مركزة تشرف عليها قيادة واحدة لضمان احكام القيادة والسيطرة، وكان هذا ليلا يتأتي الا بتوافر عاملين: • تحقيق قوة الصدمة ، وذلك بهجوم مشترك من لواءين مدرعين في وقت واحدة ضد قوة العدو في الفدرسوار غرب القناة، وكان أحد اللواءين هو اللواء 25 المدرع القادم من الجنوب، أما اللواء الآخر فقد كان المفترض أن يكون اللواء 23 المدرع (من الفرقة 3 مشاة ميكانيكية باحتياطي القيادة العامة بالقاهرة) وكان هذا اللواء قد تم وصوله وفقا لتعليمات القيادة العامة الى تقاطع عثمان أحمد عثمان (تقاطع طريق الاسماعيلية القاهرة الصحراوي مع طريق القصاصين أبو سلطان) في الساعة التاسعة مساء يوم 16 أكتوبر. وكان التقاطع يقع على بعد حوالي 30 كم غرب القناة، وكان من السهل تنسيق هجوم هذا اللواء من الغرب على منطقة الدفرسوار ليتم في وقت واحد مع هجوم اللواء 25 المدرع من الجنوب قبل ان يحل ظهر يوم 17 أكتوبر. • تحقيق وحدة القيادة والسيطرة بوضع اللواء 25 المدرع تحت قيادة الجيش الثاني حال دخوله الى حدود هذا الجيش، وبالتالي تتولى قيادة الجيش الثاني الاشراف على جميع اجراءات المعركة للواءين 23 و25 المدرعين وتنظيم التعاون بينهما وتوفير المعونة اللازمة لهما من المدفعية والطيران وتنظيم شبكة التعاون لضمان تأمين وسائل الاتصال بينهما، وكذا للاتصال مع قيادة الجيش الثاني ثم الاشراف على ادارة معركة اقضاء على الثغرة اشرافا مباشرا. • بعد اتمام القضاء على الثغرة غرب القناة كما كان المنتظر، لم يكن في مقدرة القيادة الاسرائيلية اقمامة أي جسور اسرائيلية عبر القناة، وبالتالي الغاء عملية القلب الشجاع وخطة العبور الى الغرب الغاء تاما. ولم يكن في امكان القوات الاسرائيلية المتجمعة في الثغرة الضيقة شرق القناة وكانت تقدر بحوالي فرقتين مدرعتين (فرقة شارون وفرقة برن) البقاء في هذا المكان الضيق المحدود زمنا طويلا، والا ساء موقفهما من الوجهة التكتيكية، ولم يكن في مقدرة القيادة الاسرائيلية في حالة فشل عملية القلب الشجاع القيام بأي عمليات حربية أخرى سوى العودة الى أسلوبها القديم الذي ثبت فشله من قبل وهو القيام بالهجمات المضادة على رءوس الكباري المصرية. وكان هذا الموقف الخطير من الوجهة الاستراتيجية لابد أن يرغم اسرائيل على سرعة الضغط على الولايات المتحدة من اجل صدور قرار من مجلس الأمن بوقف اطلاق النار على الفور. وشتان بين قرار كان سوف يصدر في ظل هذه الأوضاع العسكرية السيئة المتحرجة بالنسبة لاسرائيل، والقرار الذي صدر في 22 أكتوبر في وجود ثلاث فرقة مدرعة اسرائيلية كاملة غرب قناة السويس.

هل كلف اللواء المدرع بمهمة انتحارية؟

كانت وحدات اللواء 25 المدرع تحتل موقعا دفاعياعلى الجنب الأيسر من الحد الأمامي لدفاعات الفرقة 7 مشاة. وعند ظهر يوم 16 أكتوبر تلقى العميد أ. ح أحمد حلمي بدوي قائد اللواء تعليمات قيادة الجيش الثالث بالمهمة التي خصصت للوائه،وهي التحرك شمالا على طول الشاطئ الشرقي للبحيرة المرة للالتقاء بالفرقة 21 المدرعة، ليقوما معا بتدمير ثغرة العدو في منطقة الدفرسوار. ونظرا لضيق الوقت، لم يتمكن قائد اللواء من اصدار تعلميات القتال وتعليمات تنظيم التعاون الى مجموعة الأوامر الا على الخرائط في مركز قيادته المتقدم. وفي الموعد المحدد للتحرك وهو آخر ضوء يوم 16 أكتوبر بدأ رتل اللواء في التحرك شمالا في تشكيل القتال من خلال الثغرات في حقول الألغام التي قام لواء المشاة اليسار بالفرقة 7 مشاة بفتحها: وقبل أن تصل سرية الحرس الأمامي من كتيبة المقدمة الى نقطة كبريت شرق (حصن بوتزر الاسرائيلي السابق) تلقى قائد اللواء أمرا من قائد الفرقة السابعة بتوقف اللواء الذي لم يكن قد خرج منه من رأس كوبري الفرقة سوى كتيبة المقدمة فقط، وعودة جميع الوحدات الى مواقعها السابقة، على أن يكون اللواء على استعداد للتحرك في خلال ساعة من صدور الأمر اليه بذلك. وأمر قائد اللواء وحداته التي سبق أن أخلت مواقعها وانتظمت في تشكيل القتال بالعودة ثانية لاحتلال تجهيزاتها الهندسية . ونظرا لأن هذه العملية تمت خلال الظلام، لم يتمن قائد اللواء من اخطار قائد الفرقة باتمامها الا في الساعة الثانية صباحا يوم 17 أكتوبر. وفي الساعة الرابعة صباحا اتصل قائد الفرقة 7 مشاة بقائد اللواء المدرع ليخطره بأن التعليمات قد صدرت بتحرك اللواء في أول ضوء يوم 17 أكتوبر لتحقيق المهمة التي سبق تخصيصها له.

والأمر الذي يثير الدهشة هو سر ذلك التضارب في الأوامر بهذه الصورة الغريبة، وفي خلال ساعات قليلة محدودة. وقد أدى ذلك بالطبع الى هذه التحركات الكثيرة التي أجرتها وحدات اللواء بدون داع أو مبرر، مما أصاب الضباط والجنود بارهاق وعناء شديدين، وحرمهم من أن ينالوا كفايتهم من النوم ليلة المعركة ليكونوا على أتم استعداد لها في الصباح. وعلى الرغم من أن عملية تحرك اللواء من مواقعه في آخر ضوء يوم 16 أكتوبر، ثم صدور الأمر اليه بعد أقل من ساعتين بالتوقف، ثم بالعودة ثانية لاحتلال مواقعه السابقة، لم تسجل في أي مرجع من المراجع العربية أو بالأجنبية، وبالتالي لم يقدم أحد من الكتاب أو المؤرخين تعليلا مقنعا لها، على الرغم من ذلك يمكن التوصل الى سرها اذا استخدمنا أسلوب التحليل المنطقي. فقد سبق أن سجلنا ذلك الخلاف الحاد الذي جرى بين القادة في المركز 10 بعد ظهر يوم 16 أكتوبر على أثر عودة الفريق أل أحمد اسماعيل من جلسة مجلس الشعب واخطاره بعبور بعض الدبابات الاسرائيلية الى غرب القناة، وكان سبب الخلاف كما ذكرنا يرجع الى اختلاف رأي القادة بشأن الاتجاه الذي يدفع منه اللواء 25 المدرع، وهل الأفضل أن يكون من شرق القناة أو غربها؟ وكان الأمر الطبيعي هو صدور التعليمات بارجاء دفع اللواء مؤقتا وتأجيل تنفيذ الخطة الموضوعة من قبل لتصفية الثغرة من شرق القناة الى حين التوصل الى رأي نهائي في هذا الموضوع. ونظرا للبطء الروتيني الذي كان ملحوظا في نظام سير المعلومات والأوامر بين القيادة العامة وقيادة الجيش الثالث، الذي سبق أن سجلنا من قبل بعض شواهده، لذا لم يصل أمر القيادة العامة بتأجيل تحرك اللواء 25 المدرع الذي أبلغ لقيادة الفرقة السابعة عن طريق قيادة الجيش الثالث الا متأخرا عن موعده، وبعد أن كان اللواء المدرع قد انتظمت وحداته في تشكيل القتال، بل خرجت من رأس كوبري الفرقة 7 مشاة بالفعل كتيبة المقدمة ومركز القيادة المتقدم للواء. وكان ذلك هو السبب في حدوث هذا الارتباك الذي جرى واضطرار قائد الفرقة السابعة الى اصدار أمره بتوقف اللواء وعودة وحداته الى مواقعها الأصلية. وعندما تم حسم الخلاف على اثر استدعاء الرئيس الراحل السادات الى المركز 10 واستقر الرأي نهائيا على تنفيذ الخطة الموضوعة من قبل دون أي تعديل، صدر الأمر عند منتصف الليل من القيادة العامة بتحرك اللواء المدرع في أول ضوء يوم 17 أكتوبر.

ونظرا لأن اللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث كان من رأيه دفع اللواء 25 المدرع من اتجاه غرب القناة، وقد أبلغ هذا الرأي هاتفيا لرئيس الأركان في المركز 10، وقد ازداد الموقف تعقيدا من وجهة نظره بعد اخلاء وحدات اللواء مواقعها والانتظام في تشكيل القتال ثم الغاء أمر التحرك وعودة الوحدات الى مواقعها الأصلية قبيل الفجر دون أن ينال الأفراد أي قسط من الراحة أو النوم، فقد رأى اللواء عبد المنعم واصل أن يبذل محاولة أخيرة لمنع تحرك اللواء صباح يوم 17 أكتوبر.

وقد سجل الفريق سعد الشاذلي رئيس الأركان وقتئذ هذه المحاولة في الصفحة 254 من الباب السابع في مذكرته، فقال: "وحوالي منتصف الليل أويت الى فراشي، ولكن ضابط العمليات المناوب أيقظني في الساعة الثالثة صباحا وأخبرني أن اللواء عبد المنعم واصل يطلب محادثتي بصفة عاجلة. أخبرني واصل بأن اللواء المدرع 25 لن يستطيع التحرك في هذا اليوم (17 أكتوبر) لاسباب فنية. وكان واضحا أن اللواء عبد المنعم واصل وقائد اللواء المدرع 25 يتوقعان كارثة بالنسبة لهذا اللواء، وأنهما يريدان خلق المشكلات التي قد تؤدي الى منع قيامه بهذه العملية الانتخارية. لقد كنت أشعر في قرارة نفسي بصدق واحساس كل كلمة يقولها واصل، ولكن مسئوليتي في ذلك الوقت كانت تحتم علي أن اعارض عبد المنعم واصل. كمبدأ عام يمكن للقادة أن يختلفوا عند ابداء وجهة نظرهم قبل اتخاذ القرار، أما بعد اتخاذه فيجب أن يعمل كل منهم قدر طاقته لتنفيذه، سواء أكان يتفق مع وجهة نظره أم لا.

وقد تم اتخاذ القرار ولا سبيل الى التراجع عنه الآن. وبعد حديث طويل مع عبد المنعم واصل ، قال لي بيأس شديد: "لاحول ولا قوة الا بالله. سوف أقوم بتنفيذ هذه الأوامر ولكني أقولها مسبقا: سوف يدمر هذا اللواء".

معركة اللواء 25 المدرع

في الساعة السادسة والنصف صباح يوم 17 أكتوبر، بدأ تحرك رتل اللواء 25 المدرع من منطقة تقاطع الطريق العرضي 1 مع طريق ممر الجدي، وعلى رأس الرتل المدرع تحركت كتيبة المقدمة المدعمة بعناصر من المدفعية والمشاة الميكانيكية والدفاع الجوي والمهندسين ودفعت أمامها سرية الحرس الأمامي. وخلف كتيبة المقدمة مباشرة سار مركز قيادة اللواء المتقدم وبرفقته الاحتياطي المضاد للدبابات واحتياطي المهندسين وضابط الملاحظة الأمامي من مجموعة مدفعية الجيش الثالث التي كانت تحتل مرابضها شرق القناة. وبعد فاصل من كتيبة المقدمة تحركت القوة الأساسية للواء يتقدمها مركز القيادة الرئيسي، وكانت تتكون من كتيبتي دبابات مدعمتين. وخلف القوة الأساسية كانت تسير كتيبة مدفعية اللواء (عدا السرية الملحقة على كتيبة المقدمة)، وكان يتبعها مباشرة حرس المؤخرة. وفي ذيل الرتل المدرع كانت تتحرك لوريات النسق الأول الاداري للواء التي تحمل الذخيرة والوقود وبعض عربات الاسعاف.

وقامت قيادة اللواء باتخاذ الاجراءات اللازمة لتأمين الأجانب بتخصيص سرية دبابات من القوة الأساسية للعمل كحرس جنب الناحية اليمنى على أن تتحرك بوثبات على الهيئات الأرضية المرتفعة على يمين محور التحرك لصد أي هجمات مضادة من هذا الاتجاه، كما تخ تخصيص فصيلة دبابات من حرس المؤخرة للعمل كحرس جنب من الناحية اليسرى في حالة ظهور أي تهديد من اتجاه البحيرة المرة الكبرى. ولكي يمكن الحصول على معلومات عن العدو دفعت سرية استطلاع اللواء عدة دوريات ف عرباتها المدرعة الى أقصى الأمام وعلى الأجناب خارج رتل اللواء.

وفي أثناء تقدم تشكيل قتال اللواء في اتجاه الشمال على طول الشاطئ الشرقي للبحيرة المرة الكبرى، اصطدم ببعض مقاومات للعدو اعترضت طريقه من الأمام، ومن الجنب اليمين بقصد تعطيل تحركه، ولكنه استطاع التغلب عليها وواصل تقدمه دون أن يخسر سوى بعض دبابات من مجموع دباباته الت يكان يبلغ عددها 75 دبابة من طرازات 62.

ومنذ بداية تحرك اللواء المدرع، تركزت عليه أنظار الإسرائيليين. فقد أرسل الجنرال كلمان ماجن قائد القطاع الجنوبي رسالة الى القادة المجتمعين في مركز القيادة المتقدم للجنرال ابراهام أدان (برن) بالقرب من موقع كيشوف، وهم وزير الدفاع ورئيس الأركان العامة والجنرال حاييم بارليف، أخطرهم فيها بتحرك رتل مدرع مصري على مقربة من الشاطئ الشرقي للبحيرة المرة في طريقه الى الشمال، وسرعان ما تأكدت هذه المعلومات عن طريق الاستطلاع الجوي. وفي حوالي الساعة الواحدة ظهرا تلقى القادة الثلاثة رسالة أخرى من العقيد آمنون قائد لواء مدرع في تشكيل فرقة الجنرال شارون، والذي كان منهمكا في اعادة تنظيم لوائه وفي اصلاح دباباته المعطوبة بالقرب من حصن لاكيكان (تل سلام) بعد المعارك العنيفة التي خاضها على الجنب الأيمن للفرقة 16 مشاة، بأن عاصفة ضخمة من الغبار تهب عليه من تجاه الجنوب، وتدل على اقتراب الرتل المدرع المصري. ولم يلبث الجنرال آدان أن ترك مركز قيادته المتقدم متجها نحو الجنوب ليقود المعركة بنفسه ضد اللواء المدرع المصري.

وقبل أن يغادر المؤتمر، طلب الجنرال أدان من الجنرال حاييم بارليف أن يعود اللواء المدرع بقيادة العقيد آرييه للعمل تحت قيادته، وكان هذا اللواء ضمن تشكيل فرقته ولكن تم سحبه ليعمل كاحتياطي عام في يد قائد المنطقة الجنوبية. واستجاب بارليف على الفور لمطلب آدان.

ونظرا لأن ثلاثة ألوية مدرعة بقيادة العقداء توفيا ونيتكا وجابي كانت مشتبكة في ذلك الوقت في معارك عنيفة مع وحدات الفرقتين 16 مشاة و21 المدرعة لفتح محوري أكافيش وطرطور ولاتمام الاستيلاء على المزرعة الصينية (قرية الجلاء)، فقد أصدر الجنرال أدان تعليماته إلى العقيد نيتكا بترك كتيبة من لوائه المدرع للاشتراك في عمليات لواءئ جانبي وتوفيا على أن يقوم بتخليص نفسه من المعركة بكتيبتين مدرعتين من لوائه ليتبعه الى ساحة المعركة المقبلة. وفي الوقت الذي كان فيه الجنرال أدان مندفعا بأقصى سرعة نحو الجنوب على الطريق العرضي 2 (طريق المدفعية) وقد سار خلفه العقيد نيتكا على رأس كتيبتيه المدرعتين، استمع الى صوت العقيد آمنون وهو يستغيث في جهازه اللاسلكي طالبا النجدة، فقد اقترب اللواء المدرع المصري من موقعه بجوار البحيرة المرة ولم يكن بحوزته وقتئذ سوى 30 دبابة فقط صالحة للقتال.

وكان اللواء 25 المدرع لقد لقى كثيرا من المشاق والأخطار أثناء تقدمه ، فقد تعرض لقصف عنيف من المدفعية بعيدة المدى من عيار 155 مم، و175 مم، وقد ثبت أن هذه المدفعية كانت من مجموعات مدفعية القصف الجنوبي الذي يتولى قيادته الجنرال ماجن، وقد اشتركت أيضا فيما بعد في معاونة الدبابات الاسرائيلية أثناء المعركة الرئيسية ضد اللواء المدرع المصري. وفي نفس الوقت واصلت الطائرات الاسرائيلية هجماتها الجوية ضد دباباته ومركباته على ارتفاعات متوسطة ومنخفضة. ونتيجة للقنابل العنقودية التي قذفتها هذه الطائرات أصيب معظم عجلات الجرارات التي تجر المدافع من عيار 122 مم هاوتزر والمصنوعة من الكاوتشوك بشظايا البلي، وأدى تمزقها الى تعذر فتح تشكيل قتال مجموعة مدفعية اللواء، وبالتالي الى حرمان اللواء المدرع من أي معونة من المدفعية خلال معركته الرئيسية، فقد خرج قبل ذلك من مدى معونة مجموعة مدفعية الجيش الثالث الفرعية رقم 2 بعد أن أصبح خارج مرمى مدافعها من عيار 130 مم.

وأعد الجنرال أدان مصيدة محكمة اللواء 25 المدرع مستغلال تفوق عدد دباباته وصواريخه ومعاونة المدفعية والطيران لعملياته، فجهز الكمائن للاحاطة به من الجهات الثلاث الشمالية والشرقية والجنوبية، وكانت البحيرة المرة الكبرى تستكمل ضلع الكمين من الناحية الغربية. وفي الوقت الذي كان فيه لواء آمنون يواجه بدباباته وصواريخه اللواء المدرع المصري من الأمام عند حصن لاكيكان (تل سلام) وقد وضع 4 دبابات على الطريق جنوب الحصن لوقاية قواته، أمر النرال أدان العقيد نيتكا بوضع ستارة قوية مضادة للدبابات من لوائه في منطقة كثيب الحبشي (على بعد حوالي 7 كم شرق تل سلام) بحيث تمتد الستارة في اتجاه الجنوب وفي مواجهة البحيرة المرة الكبرى على الجنب الأيمن للواء المدرع المصري، كما أصدر أمره الى العقيد آرييه الذي كان في الاحتياط في منطقة الطاسة بأن يتحرك بلوائه على وجه السرعة عبر الوصلة المؤدية من الطريق العرضي 3 الى الطريق العرضي 2، ثم القيام بحركة التفاف في اتجاه الجنوب الشرقي لاحتلال عدة مواقع خلف محور تقدم اللواء المدرع حتى يقطع على المصريين خط الرجعة في حالة محاولتهم الارتداد الى قطاع الجيش الثالث أو الدخول الى حصن بوتزر (كبريت شرق). وكان اللواء 25 المدرع لا يزال حتى ذلك الوقت يسير في تشكيل منضم، وقد ذكر الاسرائيليون أن الرؤية كانت شديدة الووضح مما جعل اللواء المصري هدفا مثاليا.

وعند بدء عبور دبابات كتيبة المقدمة المصارف الجافة على مسافة حوالي 2 كم جنوب الخط كثيب الحبشي-تل سلام، تعرضت دبابات الكتيبة لسيل منهمر من نيران مدافع الدبابات والمقذوفات الصاروخية من الأمام من اتجاه تل سلام، ومن الجنب الأيمن من اتجاه كثيب الحبشي، فسارع تشكيل قتال اللواء الى الفتح استعدادا للاشتباك مع قوات العدو التي طوقته من الأمام ومن الجنب الأيمن. وبذلت المحاولة الأولى من اللواء المدرع لاختراق الستارة المضادة للدبابات من الجنب الأيسر في اتجاه تل سلام، فدفعت كتيبة المقدمة سرية الحرس الأمامي، ثم قامت بدفع سرية التي تتبعتها، ولكن المحاولة فشلت نظرا لفداحة الخسائر مما أجبر الكتيبة على التوقف. وازاء سوء الموقف طلب قائد اللواء من قيادة الجيش الثالث باشارة لاسلكية تدعيمه بمعونة جوية وبمعاونة عاجلة من المدفعية وأن يسمح له بالتوقف لتقوم وحداته بتعزيز الأرض المكتسبة ، ولكن قيادة الجيش أجابته بعدم التوقف بتاتا وبوجوب مواصلة تقدمه في اتجاه رأس كوبري الفرقة 16 مشاة (كانت وحدات اللواء لا تزال على بعد حوالي 8 كم من رأس كوبري هذه الفرقة)ز

ورأى قائد اللواء بعد أن فشلت المحاولة لاختراق ستارة العدو من ناحية اليسار من جهة البحيرة المرة، أن يقوم بمحاولة جديدة للالتفاف على موقع الستارة من ناحية اليميمن من جهة كثيب الحبشي، فأصدر قراره بأن تتمسك كتيبة المقدمة بالمواقع التي وصلت اليها مع تحسين أوضاعها وأن تعمل كقاعدة نيران ضد ستارة العدو التي تواجهها، بينما تقوم الكتيبة الأمامية من القوة الأساسية بحركة الالتفاف على جنب الستارة في منطقة كثيب الحبشي بهدف الوصول الى مؤخرة العدو، أملا في الالتقاء بأي وحدة من وحدات الفرقة 21 المدرعة التي كان من المفترض وفقا للخطة الموضوعة أن تتقدم من موقعها شمال قرية الجلاء في اتجاه الجنوب ليتم اللقاء بينهما وبين اللواء 25 المدرع.

ونتيجة لكثافة نيران مدافع الدبابات والمقذوفات الصاروخية من اتجاه موقف كثيب الحبشي ، وهو هيئة أرضية مرتفعة تسيطر على كل المنطقة التي حولها، بالاضافة الى شدة لتطويق العدو خاصة أن هجومها لم يدعم بأي معاونة من المدفعية أو الطيران ما عدا طلعة جوية من طائرتين من طراز ميج 17 قامتا بقذف مواقع العدو في كثيب الحبشي بالصواريخ قبل آخر ضوء. وعندما فشلت المحاولة من اليمين اندفعت بعض الدبابات من الكتيبة الثانية من القوة الأساسية في اتجاه البحيرة المرة للهجوم على تل سلام من اليسار، ولكنها تورطت في حقل الألغام الممتد بمحاذاة البحيرة المرة وأصيب معظمها. وازاء تحرج الموقف وتفاقم نسبة الخسائر، أرسل قائد اللواء اشارة لاسلكية مكررا طلبه من قيادة الجيش الثالث بالسماح له بالتوقف لتعزيز الارض المكتسبة أو التصديق له بالارتداد بالقوة المتبقية من اللواء الى حسن كبريت شرق، الا أن قيادة الجيش أكدت تعليماتها السابقة بوجوب التقدم بأي ثمن إلى رأس كوبري الفرقة 16 مشاة. ولم تلبث نيران الدبابات والمقذوفات الصاروخية من الستائر الاسرائيلية المضادة للدبابات أن دمرت دبابات مركز القيادة المتقدم للواء 25 المدرع وكذا مركبة القيادة في المركز الرئيسي، كما أشعلت النيران في عدد كبير من الدبابات المصرية. ولم يجد قائد اللواء وسيلة للاتصال بقيادة الجيش الثالث الا عن طريق جهاز لاسلكي احتياطي بعربة جيب عثر عليها في مركز القيادة الرئيسي، فأبلغ قيادة الجيش بالموقف وباستحالة التقدم. وقامت الدبابات المتبقية من اللواء بالاستتار خلف بعض سواتر الترعة الجافة وبدأت عملية التراشق بالنيران بنيها وبين مواقع الستائر الاسرائيلية المضادة للدبابات حتى حلول الظلام. وأصدر قائد اللواء 25 المدرع أمره بارتداد القوة المتبقية من دبابات ومركبات اللواء الى حصن كبريت شرق تحت ستر الظلام. ولسوء الحظ خسر اللواء بعض دباباته السليمة أثناء العودة لتورطها في حقل الألغام الذي كان يحيط بالحصن.

وهكذا انتهت معركة اللواء 25 المدرع بهذه النهاية المفجعة بعد أن زج به داخل هذه المصيدة المهلكة التي حرمته من فرصة استخدام خصائصه كلواء مدرع من ناحتي خفة الحركة والقدرة على المناورة. كما حرمته من الاستفادة من تفوق مدافعه من عيار 115 مم من جهة بعد المرمى على مدافع الدبابات الاسرائيلية من عيار 105 مم، اذ لم تتح له الفرصة مطلقا للاشتباك مع الدبابات الاسرائيلية وجها لوجه في معركة دبابات، فقد ثبت أن معظم الخسائر في الدبابات المصرية كانت بفعل المقذوفات الصاروخية الموجهة ومن مدافع الدبابات المستترة داخل مرابضها ضمن الستائر المضادة للدبابات. ورغم الظروف السيئة التي قاتل فيها اللواء 25 المدرع، فان المراجع الاسرائيلية والأجنبية اعترفت بأن معظم دباباته قد قاتلت بشجاعة ومهارة، وأنه لم تكن هناك أي فرصة أمام هذا اللواء للنجاح بسبب تفوق الدبابات الاسرائيلة عليه تفوقا ساحقا من ناحية العدد ومن جهة القدرة على المناورة، علاوة على العدد الضخم من الصواريخ الفتاكة التي كانت تدعمها ومن المعاونة الفعالة لها من المدفعية والطيران، في الوقت الذي كان فيه اللواء المدرع المصري يقاتل بعيدا ومعزولا عن أي قوات مصرية ومحروما من أي دعم مؤثر سواء من المدفعية أو الطيران.

وقد قدرت المصادر الاسرائيلية خسائر اللواء المدرع بعدد 86 دبابة ت 62 من أصل 96 دبابة ادعت أن اللواء بدأ بها تحركه، وأن الدبابات الاسرائيلية العشر الباقية هي التي تمكنت من العودة الى حصن بوتزر (كبريت شرق) علاوة على فقد اللواء لكل المركبات المدرعة الخاصة بكتيبة المشاة الميكانيكة التي هي من ضمن التشكيل العضوي للواء، وكذا كل عربات قافلته الادارية، كما ادعت أن الخسائر الاسرائيلية في هذه المعركة اقتصرت على 4 دبابات فقط تم تدميرها بسبب تورطها في حقل الألغام الذي كان يحيط بحصن بوتزر أثناء مطاردتها للدبابات المصرية.

والحقيقة، أن اللواء 25 المدرع لم يتجاوز عدد دباباته عند تحركه 75 دبابة، فقد خسر عددا من دباباته خلال معاركه السابقة خاصة في عملية تطوير الهجوم يوم 14 أكتوبر أثناء معاونة احدى كتابه للواء 11 مشاة ميكانيكي من الفرقة 7 مشاة، كما كانت احدى سراياه المدرعة داخل النطاق الدفاعي لحصن كبريت شرق، ولم تتم له استعاضة الدبابات التي فقدها كما كان الحال يجري في الوحدات المدرعة الاسرائيلية خاصة بعد تدفق شحنات الجسر الجوي الأمريكي. وقد ثبت أن 10 دبابات ت 62 كما وصلت الى الحصن 7 مركبات مدرعة (ب ك) و180 ضابطا وجنديا من كتيبة المشاة الميكانيكية التي كانت موزعة كوحدات دعم على كتائب الدبابات. وكانت هذه الخسائر الفادحة هي النتيجة الطبيعية للخطة الموضوعة الخاطئة بدفع اللواء 25 المدرع من ناحية شرق القناة وليس من ناحية الغرب.

علاقة القيادة السياسية بالقيادة العسكرية

سبق أن أوضحنا في الفصل الرابع من هذا الكتاب مسئولية رئيس الدولة في رسم الاستراتيجية العليا للدولة وحقه في اصدار القرارات السياسية التي تستهدف تنفيذ هذه الاستراتيجية. وأكدنا أن واجب القيادة العسكرية هو تنفيذ هذه القرارات دون أي اعتراض، اذ أن أساس استخدام القوات المسلحة هو أن تكون الأداة المنفذة للسياسة الخارجية للدولة.

ولكن حق رئيس الدولة في هذا المجال ينبغي أن يكون محصورا في اطار معين وأن يقتصر دوره على رسم الاستراتيجية العليا فقط دون التدخل في تفصيلات الخطط الحربية التي يتحقق عن طريقها تنفيذ هذه الاستراتيجية، اذ ان ذلك الأمر هو من مسئولية واختصاص القيادة العسكرية، فقد يكون رئيس الدولة رجلا مدنيا وليس لديه اي المام بالشئون العسكرية. وعلى فرض أن رئيس الدولة رجل عسكري، فليس من المحتم أن تكون لديه الثقافة العسكرية التي تؤهله للتدخل في الخطط الحربية التي تضعها هيئة العمليات التي تعمل تحت الاشراف المباشر لرئيس الأركان أو القائد العام، والتي تشكل كما جرت العادة من ضباط على أعلى مستوى من الثقافة والكفاءة والخبرة العسكرية.

ولقد مارس الرئيس الراحل السادات مسئولياته كرئيس للدولة داخل هذه الحدود التي فصلناها ممارسة سليمة في الفترة التي سبقت حرب أكتوبر مباشرة. فقد أرسل في بادئ الأمر التوجيه السياسي والعسكري في أول أكتوبر 73 الى الفريق أول أحمد اسماعيل وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة.

ولم يلبث السادات ان ألحق بهذا التوجيه توجيها استراتيجيا آخر الى الفريق أول أحمد اسماعيل في 5 أكتوبر 1973.

وكان هذا التوجيه يحدد المهام التي قرر رئيس الجمهورية تكليف القوات المسلحة بتنفيذها، وكانت تتحدد في ثلاث مهام رئيسية هي:

1- ازالة الجمود العسكري الحالي بكسر وقف اطلاق النار اعتبارا من يوم 6 أكتوبر 73. 2- تكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة في الأفراد والأسلحة والمعدات. 3- العمل على تحرير الأرض المحتلة على مراحل متتالية حسب نمو وتطور امكانات وقدرات القوات المسلحة.

ومن تحليل هذا التوجيه الاستراتيجي يتضح لنا أن رئيس الجمهورية لم يحدد للقائد العام سوى الأهداف الاستراتيجية المطلوب تحقيقها بواسطة القوات المسلحة المصرية والتي كانت تتماشى مع استراتيجية مصر التي سبق للرئيس شرحها في التوجيع العسكري والسياسي الصادر منه في أول أكتوبر 73 الى القائد العام. أي أن الرئيس لم يتدخل مطلقا في تحديد الخطط الحربية التي يتم بها تحقيق هذه الأهداف، بل ترك ذلك الأمر – كما هو الواجب – للقيادة العسكرية، اذ أنه هي الجهة الوحيدة التي من اختصاصها ترجمة الأهداف الاستراتيجية الى خطط حربية واعداد القوات المسلحة لتنفيذ هذه الخطط، ثم ادارة المعارك الحربية على جبهة القتال مستهدفة من ذلك كله تحضير الأهداف الاستراتيجية التي حددها لها رئيس الدولة.

وهذه التفرقة بين مسئوليات رئيس الدولة باعتباره قمة القيادة السياسية ومسئوليات القيادة العسكرية يمكن اعتبارها معيارا للتفرقة بين الاستراتيجية التي يمكن تعريفها بأنها في القيادة العام في الحرب بأجمعها، وبين التكتيك الحربي الذي يمكن تعريفه بأنه فن القيادة في ميدان المعركة. ولا نعني هذه التفرقة في المسئوليات أن هناك خطا فاصلا أو حاجزا قائما بين الاستراتيجية والتكتيك الحربي بحيث لا يمكن اجتيازه. فمن المعروف أن الاستراتيجية العليا للدولة لا يمكن لرئيس الدولة أن يرسمها وحده، بل لابد من أن يسهم معه في رسمها مجموعة من المستشارين والخبراء المتخصصين في الشئون العسكرية والسياسية والاقتصادية. ورغم أن مسئولية الرئيس تتحدد في رسم الاستراتيجية العليا للدولة وليس من اختصاصه التدخل في وضع الخطط الحربية، اذ ان ذلك من مسئولية واختصاص القيادة العسكرية الا ان ذلك لا يعني ابتعاده كلية عن الشئون الحربية، سواء أثناء المرحلة التحضيرية التي تسبق الحرب أو خلال مرحلة سير المعارك عندما تنشب الحرب بالفعل، فان رئيس الدولة من واجبه أن يدلي بآرائه وأن يقدم نصائحه للقيادة العسكرية للاستفادة من حصيلة تجاربه ومن بعد أفقه الاستراتيجي والسياسي. كما أنه مطلوب منه أن يشعر القيادات العسكرية بمشاركته المادية والمعنوية لهم أثناء المرحلة التحضيرية للحرب، وذلك بحضور بعض الاجتماعات المهمة للقادة العسكريين وحضور بعض المناورات والبيانات العملية والقيام بزيارات لبعض التشكيلات والوحدات الميدانية، وغير ذلك من أوجه الأنشطة العسكرية ذات الأهمية الخاصة.

أما خلال مرحلة الحرب، فان الرئيس مطلوب منه زيارة مقر القيادة العامة من حين لاخر للاطلاع على اخر التطورات على الجبهة، وكذا القيامب ببعض الزيارات الميدانية لمراكز القيادة المتقدمة لبعض التشكيلات في ميدان القتال كوسيلة لرفع الوح المعنوية للقادة وللقوات على الجبهة، واشعارهم بمدى مشاركة الدولة لهم وتقديرها لجهودهم. ولكن ذلك كله ينبغي أن يجري داخل اطار معين وفي حدود مرسومة وبشرط ألا يزج الرئيس بنفسه في خطط العمليات والا يتورط – خاصة اذا كان الرئيس رجلا عسكريا – تحت تاثير نزعاته الكامنة وخدمته العسكرية السابقة الى الحد الذي يجعله يصدر بنفسه أو يشترك مع القادة العسكريين في اصدار قرارات تكتيكية خاصة بالمعارك الدائرة، اذ ان ذلك معناه تدخل القيادة السياسية في اعمال القيادة العسكرية، وهو أمر – وفقا لدروس التاريخ وعبره – ذو عواقب خطيرة على مجرى الحروب ونتائجها.

وأبرز مثال على ذلك التاريخ الحديث ما جرى في الحرب العالمية الثانية . ففي الوقت الذي كان فيه رئيس الوزراء البريطاني الشهير ونستون تشرشل والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت يقتصر دورهما على رسم الخطط الاستراتيجية لمعسكر الحلفاء تاركين ادارة القتال وقيادة المعارك لقادتهم العسكريين الأفذاذ أمثال ايزنهاور ومنتجمري وألكسندر وبرادلي وباتون وماك آرثر وغيرهم، كان الدكتاتور الألماني هتلر العديم الخبرة والكفاءة العسكرية يتدخل في أعمال القيادات العسكرية الألمانية ويجبرها على تنفيذ خطط حربية خاطئة رغم أنها كانت تضم نخبة من أمهر وأعظم القادة العسكريين أمثال فون روندشتد وإروين روميل وجورديان وغيرهم، مما أدى الى شل هذه القيادات وعجزها عن تنفيذ مخططاتها، وكانت الحصيلة النهائية هي انتصار الحلفاء ودمار ألمانيا وخسارتها في الحرب.

وقد كان واضحا منذ اليوم الأول من حرب اكتوبر أن الرئيس السادات يتوق الى ممارسة القيادة العسكرية الى جانب ممارسته للقيادة السياسية. والدليل الأكبر على ذلك هو ارتداؤه الزي العسكري بصفة دائمة طوال مدة الحرب، وظهوره به في جميع الزيارات والاجتماعات والمناسبات العامة حتى في خلال لقائه مع السياسيين والسفراء الأجانب. وموضوع شغف السادات بارتداء الزي العسكري هو موضوع سابق على حرب أكتوبر، وقد بدأ في الظهور منذ أن تولى السادات مسئولية الحكم في اكتوبر عام 70، وهو أمر يعود بلا شك الى عوامل نفسية مترسبة في أعماقه منذ مطلع شبابه وبداية خدمته في العسكرية، حينما كان شديد الانبهار بالعسكرية الألمانية. ولم يكد يتولى مقاليد الحكم حتى برزت هذه النزعات المكبوتة على السطح، وأصبح واضحا شغفه الشديد بالزي العسكري الى الحد الذي جعله يرتدي في مناسبات مختلفة الزي الخاص بالجيش والبحرية والطيران. وبلغ زهوه بالزي العسكري الفخم الذي ابتكره هو شخصيات للقائد الأعلى للقوات المسلحة، والذي كان يشبه كثيرا زي القادة الالمان، الحد الذي جعل صورته بهذا الزي هي الصورة الرسمية في الدولة التي تعلق على جدران المكاتب والأماكن العامة.

ومن الطبيعي بعد ان اقتنع السادات في أعماق نفسه بصفته القيادية أن يتجه الى تحقيق حلمه الكبير وأمنية شبابه حينما كان ضابطا حديث الرتبة، وهو الحلم الذي يراود عادة خيال كل ضابط عند تخرجه في الكلية الحربية، الا وهو أن يجد نفسه يوما ما على راس القوات المسلحة، وأن يتولى قيادتها العامة أثناء الحرب. ولهذا السبب حضر السادات قبل ساعة لاصفر يوم 6 أكتوبر الى مقر القيادة العامة المركز 10 في عربة جيب عسكرية وبرفقته الفريق أول أحمد اسماعيل وتوجها الى غرفة العمليات حيث جلس السادات في موضع القيادة في المنتصف على يمينه القائد العام، وعلى يساره رئيس الأركان وأمامهم خريطة ضخمة للعمليات كان موضحا عليها أوضاع قواتنا وأوضاع قوات العدو. وظل السادات يتابع وصول البلاغات التي اخذت تبعث بها القيادات الميدانية عن عملية عبور قواتنا الى الضفة الشرقية للقناة لمدة 6 ساعات متواصلة، ويتلقى في نفس الوقت تقارير قادة الأسلحة عن عمليات قواتهم في معاونة التشكيلات الميدانية، الى ان اضطر في الساعة الثامنة مساء الى مغادرة غرفة العمليات للتوجه الى قصر الطاهرة عندما علم أن السفير السوفيتي فينوجرادوف يرغب في لقائه. وقد ذكر السادات في كتابه "البحث عن الذات" أنه قد انتقل الى قصر الطاهرة يوم الخميس 4 أكتوبر بعد أن تم تجهيزه باحدث اجهزة الاتصال ليكون مركز قيادة لادارة الحرب.

وتبدو سلطة نزعة القيادة العسكرية على تفكير السادات بشكل يثير الدهشة من واقعة رواها الصحفي المعروف محمد حسنين هيكل الذي كان خلال فترة الحرب يكاد يلازم السادات معظم الوقت، عن لقاء تم بين السادات وبين السفير السوفيتي فينوجرادوف بعد ظهر يوم 9 أكتوبر. فقد ذكر في الصفحة 219 من كتابه "الطريق الى رمضان" طبعة لندن الانجليزية عام 75 مايلي: "ويبدو أن آخر الموضوعات التي تحدث عنها السفير السوفيتي مع الرئيس كان سؤالا وجه اليه عن الغرض السياسي الذي يريد تحقيقه عن طريق القتال. فقد كان السوفيت دائمي التفكير في التحرك التالي المنتظر لمصر. وعندئذ نظر الرئيس الى السفير وقال له وهو عابس الوجه: أنت الآن تتحدث مع القائد الأعلى للقوات المسلحة. اعتبر أنني لم أستمع اليك. اذا كنت تريد أن تتحدث عن الموقف السياسي فاذهب وتحدث معه مع الدكتور محمود فوزي".

وهذه الواقعة الغربية تدل بجلاء على حقيقة المشاعر الكامنة في أعماق السادات خاصة في هذه المرحلة من الحرب التي كانت حافلة بالمجد والانتصارات الحربية، وهي عدم اهتمامه بابراز دوره كرئيس للقيادة السياسية ، في الوقت الذي تركز فيه اهتمامه للظهور على الملأ – خاصة أمام السوفيت الذي تولى طرد خبرائهم ومستشاريهم العسكريين من مصر في يوليو 72 – بأنه على رأس القيادة العسكرية التي حققت معجزة العبور وتحطيم خط بارليف وأنزلت الهزائم بالاسرائيليين.

والأمر الذي يمكن ملاحظته من تصرفات السادات في المركز 10، أنه في خلال المرحلة الأولى من الحرب وهي فترة الانتصارات المجيدة لمصر والحاق الهزائم المنكرة بالقوات الاسرائلية لم يكن لدية الدافع الذي يحفزه الى التدخل في شئون العمليات الحربية، ولذا كانت زياراته لمقر القيادة العامة تتسم بالبشاشة وهدوء الأعصاب وتشجيع القادة.

ولكن هذا المنظر لم يلبث أن تحول الى النقيض منذ أن أصدر السادات قراره السياسي بتطوير الهجوم شرقا يوم 14 اكتوبر لتخفيف الضغط على الجبهة السورية. فعلى أثر فشل عملية التطوير التي تكبدت فيها القوات المصرية خسائر فادحة، وعلى أثر قيام الاسرائيليين بعملية عبور القناة الى الضفة الغربية ليلة 15/16 أكتوبر عند الدفرسوار وما تبع ذلك من تدهور الموقف العسكري، بدأت أعصاب السادات في الانفلات بعد احساسه بمسئوليته الشخصية عن تردي الوضع العسكري بهذه الصورة نتيجة لقراره السياسي الخاطئ بتطوير الهجوم الذي ادى الى انتقال الاحتياطي التعبوي الى الضفة الشرقية للقناة. وفي سبيل انقاذ الموقف قام السادات بمحاولات مستميتة لاستعادة الأوضاح العسكرية الى ما كانت عليه قبل حدوث ثغرة الاختراق على الجناح الأيمن للجيش الثاني وقبل العبور الاسرائيلية الى غرب القناة. وكانت هذا المحاولات سببا في تدخل السادات بشكل سافر في أعمال القيادة العامة، وأدت الى تورطه بشكل متزايد في تحمل مسئولية القرارات التكتيكية التي كانت تصدر وقتئذ من المركز 10 الى التشكيلات الميدانية بهدف تدمير ثغرة الاختراق عند الدفرسوار. ووصل التورط الى حد أن السادات اخذ في الاتصال لاسلكيا بنفسه ببعض قادة الفرق في الميدان بقصد تقوية روحهم المعنوية أحيانا، كما حدث عندما اتصل بالعميد أ. ح ابراهيم العرابي قائد الفرقة 21 المدرعة ليقول له في تأثر "شرف مصر ياعرابي"، وأحيانا أخرى لاصدار توجيهات شفهية كما حدث عندما اتصل بالعميد أ. ح محمد عبد العزيز قابيل قائد الفرقة الرابعة المدرعة ليقول له "ثبت الاسرائيليين ولا تجعلهم يتمكنون من التوسع، واياك أن تشتبك معهم الى ان تصلك الامدادات".

ولقد خلق السادات في المركز 10 في المرحلة الأخيرة من الحرب – بأعصابه الثائرة وعباراته الحادة – جوا من الرهبة، مما جعل بعض القادة يؤثرون السكوت وعدم الافصاح عن وجهة نظرهم الحقيقية ازاء المواقف التي تواجهها بعض التشكيلات والوحدات في الميدان واقتراح الحلول السليمة لها خشية التعرض لحدة غضبه.

وهناك واقعتان تكشفان بوضوح عن الجو الذي كان سائدا في المركز 10 في المرحلة الأخيرة من الحرب. فعلى أثر فشل احدى الوحدات في تحقيق المهمة التي اشترك السادات مع القائد العام في تخصيصها لهذه الوحدة، وبرغم أن المهمة كانت خاطئة ومن المستحيل تنفيذها فان السادات لم يلبث ان اشتغل غضبا بمجرد سماعه بأنباء هذا الفشل واصدر أمره في الحال بتجريد العميد قائد الوحدة من رتبته وعزله من قيادته رغم أنه كان من أكفأ وأشجع القادة، واضطر القائد العام الى التدخل لتهدئة الموقف وطالب الرئيس بأن يترك له علاج الموضوع.

أما الواقعة الثانية فقد أوردها الفريق سعد الشاذلي رئيس الأركان وقتئذ في الصفحة 253 من الباب السابع من مذكراته، وقد حدثت مساء يوم 16 أكتوبر عندما عارضه القائد العام في اقتراحه بسحب بعض القوات من الشرق لتوجيه الضربة ضد العدو من الغرب، فقد ذكر ما يلي: "وبعد ساعات قليلة، وصل الرئيس الى المركز 10 وفكرت في أن أستعين برئيس الجمهورية لكي ينقض قرار القائد العام، وأن يوافق على وجهة نظري فيما يتعلق بسحب ب، بعض القوات من الشرق، وأن نقوم بتوجيه ضربتنا الرئيسية ضد الثغرة من الغرب. شرحت اقتراحاتي، ولكن الرئيس لم يمهلني لكي أتمها، وثار ثورة عارمة وفقد أعصابه وأخذ يصرخ في وجهي بعصبية: أن لا أريد أن أسمع منك مرة ثانية هذه الاقتراحات الخاصة بسحب القوات من الشرق. اذا أثرت هذا الموضوع مرة أخرى فاني سوف أحاكمك".

العلاقة بين أحمد اسماعيل والشاذلي

أثرت العلاقة الشخصية السيئة بين أحمد اسماعيل وسعد الشاذلي على مجرى الأحداث في حرب أكتوبر 73 تاثيرا بالغا، فقد كان الاثنان لا يطيق أحدهما الآخر. وتمتد جذور الكراهية بين الرجلين الى عام 1960 حينما تصادف وجودهما في وقت واحد في ليوبولدفيل عاصمة الكونغو: العقيد سعد الشاذلي قائد الكتيبة المصرية التي كانت ضمن قوات الأمم المتحدة في الكونغو والعميد أحمد اسماعيل رئيس البعثة العسكرية المصرية لدراسة وسائل النهوض بجيش الكونغو. وعندما حاول العميد فرض سلطته على العقيد بحكم الأقدمية رفض الشاذلي ذلك رفضا باتا لعدم وجود أي صلات في العمل بين المهمتين، وتبادل الاثنان الكلمات الخشنة حتى كادا يشتبكان بالأيدي. وفي 10 مارس 69 عين الرئيس الراحل عبد الناصر اللواء أحمد اسماعيل رئيسا للأركان بعد استشهاد الفريق عبد المنعم رياض، وفي الحال توجه العميد الشاذلي الى مكتب الفريق أول محمد فوزي وزير الحربية وقدم استقالته وتوجه الى منزله حيث بقى ثلاثة أيام بعيدا عن عمله. ولكن الرئيس تدخل في الموضوع وأرسل زوج ابنته اشرف مروان الى منزل الشاذلي حيث أقنعه بالعودة الى عتمله بعد أن أكد له وعد الرئيس بعدم احتكاك أحمد اسماعيل به. وبالفعل لم تطأ قدم أحمد اسماعيل طوال الشهور الستة التي قضاها رئيسا للأركان قاعدة أنشاص التي كان يعمل بها سعد الشاذلي قائدا للقوات الخاصة (الصاعقة والمظلات). وفي يوم 10 سبتمبر 69 أحال عبد الناصر اللواء أحمد اسماعيل على التقاعد اثر عملية الاغارة الاسرائيلية على الزعفرانة على خليج السويس. وفي ليلة 15 مايو 1971 وعلى أثر تصفية الرئيس الراحل السادات لمجموعة مراكز القوى استعان الرئيس في وقت واحد بالغريمين لتدعيم مركزه وتثبيت حكمه، فأسند الى سعد الشاذلي منصب رئيس الأركان خلفا للفريق محمد صادق الذي عينه السادات في تلك الليلة وزيرا للحربية وقائدا عاما للقوات المسلحة بعد الاطاحة بالفريق أول محمد فوزي، كما تم له استدعاء اللواء احمد اسماعيل من التقاعد حيث اسند اليه منصب مدير المخابرات العامة. ورغم أنه لم يكن هناك احتكاك مباشر في العمل بين مدير المخابرات العامة ورئيس الأركان فان العلاقة بين الرجلين ظلت على حالها من حيث البرودة والكراهية المتبادلة.

وفي 26 أكتوبر نفذ السادات تدبيره باقالة الفريق أول محمد صادق، وقام بتعيين الفريق احمد اسماعيل وزيرا للحربية وقائدا عاما للوقات المسلحة. وقبل تعيين احمد اسماعيل في هذا المنصب ببضع ساعات عرض السادات الأمر الذي انتواه على سد الشاذلي، وكانت مفاجأة سيئة بالنسبة له، فروى للرئيس التاريخ الطويل للخلافات بينهما منذ عام 196

في الكونغو وما تتسم به علاقتهما من فتور وبرودة مما يجعل التعاون بينهما شبه مستحيل. ولكن الرئيس أكد له أن العلاقة بينهما ستكون حسنة وأفضل كثيرا من العلاقة السابقة بينه وبين محمد صادق.

وذكر الشاذلي في مذكراته أنه فكر وقتئذ في الاستقالة، ولكن عاملين منعاه من ذلك، أملهما: ان استقالته سوف تفسر على أنها تضامن مع الفريق محمد صادق بعد اقالة الرئيس له. والعامل الثاني: أن البعض قد يفسر استقالته بأنه لا يريد دخول الحرب في حين أن الحقيقة هي عكس ذلك.

وهكذا وجد الغريمان نفسيهما فجأة في مقر قيادة واحد وفي مكتبين متجاورين بعد أن أجبرتهما الظروف على ضرورة التعاون المتبادل والاشتراك معا في قيادة القوات المسلحة في فترة من أحرج الفترات التي مرت عليها في تاريخها، وهي فترة استكمال التحضيرات للمعركة الهجومية التي كان الفريق سعد الشاذلي للحقيقة والتاريخ قد بذل جهدا مضنيا وعملا شاقا متواصلا في سبيل اعداد القوات المسلحة لهذه المعركة المصيرية منذ أن تولى منصب رئيس الأركان.

ورغم التحسن الذي جرى في الظاهر في العلاقات بين احمد اسماعيل وسعد الشاذلي، فان الكراهية العميقة بين الرجلين ظلت على حالها. ولم يكن ذلك في صالح القوات المسلحة المصرية بالطبع، اذ كيف يمكن أن تسير الأمور سيرا طبيعيا في المركز 10 في الوقت الذي يوجد فيه هذا الانشقاق بين القائدين اللذين يتوليان أخطر منصبين في الحرب وهما القائد العام ورئيس الأركان. ولا جدال في أنا جانبا من غضب السادات وثورته الجامحة على سعد الشاذلي في المرحلة الأخيرة من الحرب الى حد تهديده بالمحاكمة العسكرية حتى انتهى الأمر بعزله من منصبه كان يرجع الى جهود احمد اسماعيل في ايغار صدر السادات ضده عن طريق النقد اللاذع لتصرفاته والشكوى من عدم انصياعه لأوامره وآرائه.

وكان أحمد اسماعيل من جهة أخرى شديد الولاء والاخلاص للسادات، ولا يمكن أن يفكر ف معارضته أو الوقوف في وجه آرائه، فقد كان السادات هو صاحب الفضل الأول عليه بعد أن أطاح به عبد الناصر في 10 سبتمبر 69 وأيقن وقتئذ أن حياته العملية قد انتهت ولم يبق أمامه سوى البقاء في ظلال النسيان حتى يوافيه الأجل.

وكان ذلك الشعور بالولاء المطلق للسادات بالاضافة الى الدرس القاسي الذي تلقاه من عبد الناصر حين أقاله من منصبه بسبب الاغارة الاسرائيلية على الزعفرانه فيه تفسير نفسي واضح للنهج الذي انتهجه احمد اسماعيل في المركز 10 وف الاسلوب الذي اتبعه في القيادة طوال مدة الحرب، وهو الحرص على عدم اغضاب السادات مما جعله يتمادى في تدخل في الشئون العسكرية، وفي خطط العمليات بشكل لا يتفق اطلاق مع الهيبة الواجبة للقيادة العامة وفي احترام اختصاصاتها. هذا الى جانب الترحيب الشخصي من احمد اسماعيل باشتراك الرئيس معه في اصدار القرارات العسكرية ذات الحساسية الخاصة والخطورة ضمانا لعدم تحمل المسئولية في حالة الفشل، اذ ان القرار في هذه الحالة هو قرار الرئيس ، ومن ذا الذي يجرؤ على أن يوجه الى القائد العام حينئذ اللوم أو المؤاخذة أو يطالب بتقديمه للمساءلة والحساب؟


كيف استخدمت الفرقة 21 المدرعة بأسلوب تكتيكي خاطئ؟

كان أحد العيوب الرئيسية للخطة التي وضعتها القيادة العامة المصرية لتدمير ثغرة الاختراق شرق القناة في منطقة الدفرسوار أنها خصصت للفرقة 21 المدرعة مهمة التقدم يوم 17 أكتوبر من مواقعها شمال قرية الجلاء، والمغذي الرئيسي في اتجاه الجنوب كي تلتقي مع اللواء 25 المدرع المستقل الذي تقرر دفعه من قطاع الجيش الثالث من الجنوب الى الشمال. وعندما تلتقي القوتان عند منطقة الدفرسوار – شرق القناة – يتم حصار العدو داخل ثغرة الاختراق وتدميره. ولم يكن في مقدرة الفرقة 21 المدرعة تحقيق المهمة التي أسندت اليها بأي حال من الأحوال، فان العبرة – كما سبق أن أوضحنا عند تحديد حجم أي قوة بالنسبة للمهمة المخصصة لها – أن يجري هذا التحديد حسب قدراتها الحقيقية وليس حسب حجمها التنظيمي ، على أن يوضع ايضا في الاعتبار قوة العدو التي ينتظر مواجهتها عند تنفيذ المهمة.

ونظرا لان القدرات الحقيقية للفرقة 21 المدرعة بعد المعارك العنيفة التي خاضتها منذ عملية تطوير الهجوم يوم 14 أكتوبر الى حين تكليفها بهذه المهمة الجديدة لم تكن تزيد على قدرة لواء مدرع فقط، لذلك لم تتمكن أي وحدة من وحدات الفرقة 21 المدرعة من الالتقاء مع اللواء 25 المدرع للاشتراك معه في تحقيق المهمة التي كلفت بها القوتان. وكان ذلك من ضمن العوامل الرئيسية التي أدت الى تدمير هذا الواء المدرع جنوب الخط كثيب الحبشي – تل سلام بعد معركة غير متكافئة وصفتها بعض المراجع الأجنبية بأنها كانت معركة دبابات كلاسيكية يحلم بها كل قائد.

وبعد فشل الفرقة 21 المدرعة في تحقيق المهمة التي خصصت لها في عملية تطوير الهجوم شرقا يوم 14 أكتوبر والتي خسرت خلالها نحو 50% من الدبابات التي اشتركت بها في المعركة، لم تسنح الفرصة لقائدها العميد أ. ح ابراهيم العرابي للقيام بعملية اعادة تجميع وحدات فرقته والقيام بأعمال الاصلاح السريعة للمعدات المعطوبة بالطريقة السليمة، وبعيدا عن ضغط العدو لكي يمكنه تجديد الكفاءة القتالية للفرقة. فقد أمضت وحدات الفرقة طوال يوم 15 أكتوبر تحت قصف جوي مركز من العدو ونيران مدفعية بعيدة المدى من عيار 155 مم و175 مم. وزاد من خسائر الفرقة وشل من قدرتها على الانتشار لتجنب خسائر القصف الجوي والمدفعي حشرها مع الفرقة 16 مشاة في رأس كوبري واحد ضيق مما جعل الموقف يزداد صعوبة وتعقيدا.

وعلاوة على الموقف السيئ الذي واجهته الفرقة طوال يوم 15 أكتوبر، والذي كان سببا في عرقلة عملية اعادة تجميع وحداتها، فان وضعها لم يلبث أن ازداد تحرجا بعد أن قررت القيادة الاسرائيلية البدء في تنفيذ خطتها (القلب الشجاع) اعتبارا من ليلة 15/16 أكتوبر لاقمة رأس كوبري على ضفتي قناة السويس عند الدفرسوار، اذ أصبح رأس كوبري الفرقة 16مشاة الذي يضم الفرقة 21 المدرعة هدفا لهجوم عنيف ومتواصل من القوات المدرعة الاسرائيلية لاختراق الجنب الأيمن للفرقة 16 مشاة بقصد تأمين ساحة العبور عند الدفرسوار (الحصن الاسرائيلي السابق متسميد) وتوسيع الاختراق شمالا الى مسافة حوالي 5 كم أي حتى شمال قرية الجلاء والمغذي الرئيسي، وتطهير محوري التقدم أكافيش وطرطور اللذين ستتحرك عليهما القوات والمعدات المخصصة للعبور، وكانا يمران أمام مواجهة اللواء 16 مشاة (الجنب الأيمن للفرقة 16 مشاة) بل كان محور طرطور يخترق المواقع الأمامية لهذا اللواء. وكان تحقيق أهداف خطة العبور الاسرائيلية الى غرب القناة يعني تدمير اللواء 16 مشاة واحتلال مواقعه الدفاعية، أو على الاقل زحزته شمالا حوالي 5 كم ليتم اخلاء المنطقة من ساحة العبور بالدفرسوار حتى شمال قرية الجلاء والمغذي الرئيسي من القوات المصرية. وكانت الهجمات الاسرائيلية المركزة على الجنب الايمن للفرقة 16 مشاة التي انتهت باختراق الموقع الدفاعي للواء 16 مشاة، ووصول الدبابات الاسرائيلية الى قرية الجلاء سببا في تكليف وحدات الفرقة 21 المدرعة قبل أن يتسنى لها اتمام عملية اعادة التجميع بشن هجمات مضادة على قوات العدو في ثغرة الاختراق ومحاولة طرد دبابات العدو من قرية الجلاء.

ونظرا للأوضاع المتحرجة على الجنب الأيمن للفرقة 16 مشاة اضطرت قيادة الجيش الثاني الى استخدام وحدات الفرقة 21 المدرعة بأسلوب يخالف المبادئ التكتيكية السليمة في استخدام المدرعات، اذ تم دفع الفرقة للهجوم بأسلوب الهجوم الموزع ، فتبعثرت كتائبها المدرعة في شتى الاتجاهات وتوزعات جهودها على مختلف الجبهات، مما أدى في النهاية الى تفتيتها وفقدانها لقوتها الضاربة.

ورغم ما حاق بالفرقة 21 المدرعة من خسائر بلغت أكثر من 150 دبابة فان المهمة الرئيسية التي اعتادت قيادة الجيش الثاني تكليفها بها منذ العبور الاسرائيلي الى غرب القناة تنفيذا لتعليمات القيادة العامة المركز 10 كانت دائما هيا استعادة الموقف الى ما كان عليه في الجناح الأيمن للجيش الثاني. وكان من المحتمل نجاح الفرقة 21 المدرعة في اداء هذه المهمة الصعبة، رغم ما واجهته من ظروف قاسية لو أتيحت لها الفرصة لاستعاضة خسائرها في الدبابات، وتم لها تسلم دبابات جديدة لتعود مرة أخرى الى حجمها التنظيمي الكامل، كما كان الحال يجري في الوحدات المدرعة الاسرائيلية خاصة بعد تدفق شحنات الجسر الجوي الامريكي، ولكن ذلك الامر لم يكن من المتيسر تحقيقه نظرا لعدم توافر دبابات احتياطية في مخازن القوات المسلحة المصرية، كما ان الدبابات السوفيتية التي ارسلت عن طريق الجسر البحري السوفيتي، والبالغ عددها 400 دبابة من طراز ت 55 وت 62 تم شحنها كلها عن طريق البحر من ميناء اوديسا على البحر الاسود الى ميناء اللاذقية السوري، نظرا للخسائر الثقيلة التي تكبدتها القوات السورية اثناء هجومها على مرتفعات الجولان، مما لم يتح الفرصة لوصول أي شحنات من الدبابات السوفيتية الجديدة الى مصر.

العمليات الحربية شرق القناة يوم 17 أكتوبر

في مساء يوم 16 أكتوبر 73 كانت أوضاع وحدات الفرقة 21 المدرعة كما يلي:

اللواء الأول المدرع: شمال منطقة المغذي الرئيسي ما بين الطريق العرضي (1) وقناة السويس.

اللواء 14 المدرع: شرق الطالية لحماية نقطة الاتصال بين اللواء 16 مشاة (لواء اليمين) واللواء 3 مشاة ميكانيكي (لواء المنتصف).

اللواء 18 مشاة ميكانيكي: في أوضاع دفاعية شمال قرية الجلاء بدون كتيبة الدبابات التي هي من ضمن التنظيم العضوي للواء بعد تخصيصها للعمل كاحتياطي تحت تصرف قائد الفرقة 16 مشاة.

وكان العدو لا يزال يهاجم الجنب الايمن للفرقة 16 مشاة لاستكمال فتح محوري أكافيش وطرطور، وتوسيع ثغرة الاختراق عند الدفرسوار. وكانت القيادة الجنوبية الاسرائيلية قد كلفت الجنرال ابراهام أدان (برن) بتحقيق هذه المهمة بعد فشل الجنرال شارون في انجازها، ولذا اخذ يشن هجماته على راس كوبري الفرقة 16 مشاة بلواءين مدرعين من تشكيل فرقته (لواء العقيد نيتكا ولواء العقيد جابي) بالاضافة الى اللواء المدرع بقيادة العقيد توفيا (من تشكيل فرقة شارون، ووضع تحت قيادة ادان لتحقيق المهمة التي كلف بها). وكان جسر المديات قد أمكن للعميد دافيد تماري نائب الجنرال ادان تحريكه حوالي الساعة الرابعة صباح يوم 17 أكتوبر على طريق أكافيش، ووصل الى ساحة العبور في الدفرسوار حوالي الساعة السادسة صباحا من نفس اليوم. ولهذا تركزت جهود الاسرائيليين في فتح طريق طرطور حتى يمكن للعميد جاكي نائب شارون تحريك الجسر السابق التركيب على هذا الطريق الى ساحة العبور بالدفرسوار ليتم اقامة الجسرين بين شاطئي القناة وفقا للخطة الموضوعة، بعد ذلك التأخير غير المتوقع الذي جرى والذي كاد يتسبب في الغاء عملية القلب الشجاع.

وفي حوالي الساعة الرابعة صباح يوم 17 أكتوبر صدرت توجيهات العملايت من المركز 10 بالقاهرة الى قيادة الجيش الثاني، وكانت تتضمن ان العدو قد حشد حوالي 50 دبابة مدعمة بعناصر صاروخية مضادة للدبابات في المنطقة من كبريت شرق حتى الدفرسوار، وانه يقوم بمهاجمة راس كوبري الفرقة 16 مشاة بعدد 80 دبابة ، وان قرار القيادة العامة هو ان يقوم الجيش الثاني بهجوم مضاد لاستعادة الموقف الى ما كان عليه في راس كوبري الفرقة 16 مشاة. وتحددت الساعة السابعة صباح يوم 17 اكتوبر موعدا للاستعداد للتحرك. وكان قرار القيادة العامة يتضمن دفع اللواء 25 المدرع اعتبارا من اول ضوء يوم 17 اكتوبر من قطاع الجيش الثالث الى الشمال لمعاونة الجيش الثاني في تدمير العدو المخترق. وركز القرار على ضرورة بذل عناية خاصة الى تعارف القوات وتمييزها وتأمين قتال القوات ضد ستائر العدو المضادة للدبابات، واحتياطي العدو المضاد للدبابات الطائر (المقصود طائرات الهليكوبتر المجهزة بالصواريخ المضادة للدبابات التي تطلق من الجو). واعتبارا من الساعة الخامسة صباحا يوم 17 أكتوبر ركز العدو ضربه الجوي ونيران مدفعيته على مواقع اللواءين الاول المدرع و18 المشاة الميكانيكي، وتسبب هذا القصف المركز في وقوع بعض الخسائر.

وحوالي الساعة السابعة صباحا صدرت تعليمات قيادة الجيش الثاني بدفع اللواء الأول المدرع لتدمير العدو شرق الدفرسوار وتأمين الجنب الايمن للفرقة 16 مشاة، وكانت المهمة التي خصصها قائد الفرقة 21 المدرعة لقائد اللواء الاول تقضي بان يقوم اللواء المدرع بعد ضربة طيران وقصفة نيران مدفعية لمدة 15 دقيقة تنتهي في الساعة الثامنة والربع صباحا بمهاجمة العدو في المنطقة جنوب شرق قرية الجلاء وتدميره والاستيلاء على النقطة القوية في الدفرسوار، بالتعاون مع عناصر المظلات المصرية التي تحتل الضفة الغربية للقناة والوصول الى الخط على امتداد طريق الدفرسوار وتأمينه، ويكون اللواء الاول المدرع على استعداد للاتصال باللواء 25 المدرع الذي عبر خط كبريت في الساعة السابعة صباحا من خلال شبكة التعاون رقم 145.

وهكذا اتضح ان الفرقة 21 المدرعة لم يكن في مقدرتها دفع اي قوة مدرعة الى الجنوب لالتقاء مع اللواء 25 المدرع سوى بقايا اللواء الاول المدرع الذي لم يكن عدد دباباته يزيد على 53 دبابة، فقد كانت وحدات الفرقة الاخرى مكلفة بمهام أخرى حيوية لا يمكنها التخلي عنها حتى لا يفقد راس كوبري الفرقة 16 مشاة توازنه الدفاعي.

وفي الساعة الثامنة والربع صباح يوم 17 أكتوبر، وبعد القصف الجوي والمدفعي الذي جرى لمدة 15 دقيقة وفقا للخطة الموضوعة، قامت دبابات اللواء الاول المدرع بتوجيه ضربة مضادة من موقعها شمال المغذي الرئيسي الى اتجاه الدفرسوار جنوبا. ورغم الظروف القاسية التي كان يواجهها اللواء الاول المدرع فقد تمكنت دباباته من تدمير العدو في المنطقة جنوب المغذي الرئيسي وغرب قرية الجلاء، ومن الوصول الى نقطة الدفرسوار القوية الشمالية واحتلالها حوالي الساعة التاسعة صباحا، ولكنها اضطرت الى الارتداد شمالا تحت ضغط العدو والضرب الجوي المركز ونيران المدفعية بعيدة المدى، وعاد الدبابات المتبقية من اللواء الاول التي لم يتجاوز عددها 33 دبابة بعد اصابة 20 دبابة في المعركة الى مواقعها على خط المغذي الرئيسي، واستمرت تقاتل العدو الذي واصلت دباباته الضغط عليها بشدة، واستطاع العدو الوصول الى مسافة كيلو متر واحد فقط جنوب خط المغذي الرئيسي ، واستمر القتال محتدما بين دبابات اللواء الاول والدبابات الاسرائيلية حتى الساعة التاسعة مساء حينما تمكن اللواء الاول من اتخاذ الاوضاع الدفاعية الملائمة.

وحوالي الساعة الثانية بعد ظهر يوم 17 اكتوبر صدرت التعليمات بتعيين اللواء تيسير العقاد رئيس اركان الجيش الثاني قائدا لراس الكوبري الموحد من الفرقتين 16 مشاة و21 مدرعة. ونظرا لعدم تزويده باي طاقم قيادة او اي وسائل للاتصال بقيادة الجيش الثاني او بالتشكيلات التي كلف بقيادتها، اذ كان كل ما خاصص له هو عربة جيب وضابط اشارة مع جهاز R151 وجندي حراسة، فقد اضطر اللواء تيسير الى البقاء بمركز القيادة المتقدم للفرقة 21 المدرعة كي يمارس قيادته واتصالاته عن طريق دبابة القيادة المخصصة للعميد أ. ح ابراهيم العراقي قائد الفرقة 21 المدرعة.

وحوالي الساعة الخامسة مساء يوم 17 أكتوبر، طرحت في قيادة الجيش الثاني فكرة صدقت عليها القيادة العامة لمنع العدو من توسيع ثغرة الاختراق، وهي اغراق المنطقة – شمال قرية الجلاء والمغذي الرئيسي – بالمياه عن طريق اطلاق المياه الى مواسير الضخ الممتدة من غرب القناة الى شرقها. وكانت توجد ست مواسير ضخمة تمتد عبر قاع قناة السويس لنقل المياه من الترعة الحلوة الموازية للقناة (ترعة السويس) الى شرق القناة لتصب في الترعة التي تم حفرها شمال قرية الجلاء ويطلق على هذا النظام اسم المغذي الرئيسي. والغرض من نقل مياه النيل الى ترعة الجلاء ري الارض المستصلحة في نطاق القرية. وعقب هزيمة حرب يونيو 67، واستيلاء القوات الاسرائيلية على سيناء اوقفت السلطات المصرية بالطبع طخ المياه من الضفة الغربية مما ادى الى جفاف الترعة. وكانت قيادة الجيش الثاني تستهدف ضخ المياه بغزارة عبر المواسير لاغراق الاراضي شمال قرية الجلاء لتكون مانعا ضد الدبابات، وهي فكرة وجيهة لجات اليها كثير من الدول في الحروب. ورغم دفع مفرزة موانع متحركة من المهندسين العسكريين الى محطة الضخ غرب القناة لاطلاق المياه ، فان العملية لم يتم تنفيذها لاسباب فنية كانت ترجع بلا شك الى التلف الذي اصاب محركات الضخ بسبب توقفها عن العمل لاكثر من ستة سنوات.

وفي الساعة الخامسة مساء تم تكليف اللواء 18 مشاة الميكانيكي الذي كان يتخذ اوضاعا دفاعية شمال قرية الجلاء بتصفية العدو الموجود في القرية بواسطة احدى كتائبه والقيام بعملية تأمينها. ولكن هجوم الكتيبة لم يلبث ان باء بالفشل وتكبدت الكتيبة خسائر جسيمة أدت الى صدور الاوامر بسحبها من مواقعها لاعداة تجميعها جنوب كوبري سرابيوم. واستمر باقي اللواء 18 مشاة الميكانيكي في الدفاع على الخط شمال مدق السواحل – قناة السويس بعد تدعيمه بعدد 10 دبابات من اللواء 14 المدرع.

وازاء النقص الشديد في دبابات الفرقة 21 المدرعة، امر اللواء تيسير العقاد قائد راس الكوبري الموحد بتحرك كتيبة دبابات من اللواء 24 المدرع (الملحق على الفرقة 2 مشاة منذ بداية الحرب من الفرقة 23 مشاة ميكانيكية) الى منطقة راس كوبري الفرقة 16 مشاة على ان توضح تحت قيادة الفرقة 21 المدرعة، وعند تحرك كتيبة الدبابات من مكان تمركز اللواء 24 المدرع (الاسماعيلية شرق) على الطريق العرضي رقم 1 (طريق الشط). وقبيل وصول الكتيبة الى راس كوبري الفرقة 16 مشاة انقض عليها طيران العدو محاولا تدميرها، ولكن حسن تصرف قائد الكتيبة انقذها من المدار، فقد امر باستدارة دبابات الكتيبة صوب الشرق وسرعة انتشارها، ولهذا لم تلحق بها اي خسائر.


تقلص رأس كوبري الفرقة 16 مشاة

تعرض راس كوبري الفرقة 16 مشاة منذ ليلة 15/16 أكتوبر التي بدا خلالها الاسرائيليون عملية عبورهم الى غرب القناة لهجمات عنيفة متواصلة على طول المواجهة مع ضرب جوي مركز ونيران كثيفة من المدفعية بعيدة المدى من عيار 155 مم و175 مم مما الحق بوحدات الفرق خسائر كبيرة. هذا وقد ركز الجنرال شارون – الذي كلفت فرقته بانشاء راس الكوبري عند الدفرسوار وتأمينه – هجماته على مواقع اللواء 16 مشاة (الجنب الايمن للفرقة 16 مشاة) مستهدفا اختراق مواقع هذا اللواء وتدميره لتأمين ساحة العبور من الشمال. وبعد قتال عنيف ومتواصل دار بين اللواء الذي يقوده العقيد آمنون وبين كتيبة اليمين في اللواء أصيب فيه الاسرائيليون بخسائر جسيمة سقط أخيرى في صباح 16 أكتوبر موقع تقاطع الطرق (الطريق العرضي رقم 1 مع طريق طروطور) ،واندفع آمنون بدباباته شمالا حيث احتل المنطقة ما بين المزرعة الصينية (قرية الجلاء) وقناة السويس، وفي ليلة 17 أكتوبر هاجم لواء المظلات بقيادة العقيد عوزي مائيري الذي تم نقله جوا بطائرات الهليكوبتر من رأس سدر على خليج السويس موقع الكتيبة اليسار من اللواء 16 مشاة، واستمر القتال محتدما طوال الليل. ونظرا للخسائر الفادحة التي لحقت بالمظليين الاسرائليين لم يتيسر سحبهم الى المخلف الا تحت ستر نيران كتيبة من الدبابات قامت بعد سحب جنود المظلات بشن هجماتها على موقع الكتيبة المصرية مما ادى الى تعرضاه لخسائر كبيرة.

ولقد ساعد على تثبيت دبابات العدو بقرية الجلاء، رغم الهجمات المضادة التي وجهت ضدها، استغلال العدو لطبيعة الارض والمباني بقرية الجلاء، وكذا المصارف والترع الجافة وعربات الأرتال الادارية المدمرة أو التي تركها سائقوها اثناء الضرب الجوي الاسرائيلي. وكانت طبيعة الارض الرملة المتهايلة سببا في سوء حالة التجهيز لوقاية القوات المصرية في هذا القطاع، خاصة من الغارات الجوية التي اشتدت بعد عبور القوات الاسرائيلة الى غرب القناة، نتيجة للثغرة التي حدثت في شبكة الدفاع الجوي غرب القناة عقب مهاجمة الدبابات الاسرائيلية لمواقع الصواريخ سام على الضفة الغربية للقناة. وفي الساعة الخامسة والنصف مساء يوم 17 أكتوبر كان موقف اللواء 16 مشاة قد ساء الى درجة خطيرة، فقد تم تدمير مجموعة مدفعية اللواء، وكذا معظم الدبابات والاسلحة والصواريخ المضادة للدبابات الموجودة في وحدات اللواء وارتفع معدل الخسائر بدرجة عالية، كما ساء موقف الذخيرة بشكل ينذر بالخطر.

ونتيجة لتعرض وحدات اللواء ومركز قيادته الادارية لهجوم عنيف من دبابات العدو، في الوقت الذي اشتد فيه الضرب الجوي وازدادت كثافة نيران المدفعية وأصبح اللواء عاجزا عن الاحتفاظ بمواقعه، أرسلت قيادة الفرقة 16 مشاة اشارة لاسلكية الى قائد اللواء 16 مشاة بتعديل أوضاعه وتجميع العناصر المتبقية من اللواء على خط المبنى المنعزل والانضمام الى المواقع الدفاعية التي يحتلها اللواء 18 المشاة الميكانيكي من الفرقة 21 المدرعة شمال قرية الجلاء لتعزيز الخط الدفاعي. وباخلاء اللواء 16 مشاة مواقعه الدفاعية حقق العدو غرضه في توسيع ثغرة الاختراق شمالا لتأمين معبر الدفرسوار. وفي نفس الوقت اضطر قائد الفرقة 16 مشاة الى تعديل اوضاع وحداته الدفاعية، بعد ان تقلص راس كوبري الفرقة وتمكن العدو من فتح طريق اكافيش وطرطور واحتلال المزرعة الصينية (قرية الجلاء) التي تكبد الطرفان في معاركها أفدح الخسائر.

مهاجمة مواقع الصواريخ المصرية (سام) غرب القناة

في الساعة الرابعة مساء يوم 16 أكتوبر وصل اللواء عبد المنعم خليل من القاهرة الى مركز القيادة المتقدم للجيش الثاني في الاسماعيلية بعد تعيين قائدا لهذا الجيش خلفا للواء سعد مأمون الذي كان قد أصيب في الساعة الثامنة والنصف صباح يوم 14 أكتوبر بنوبة قلبية مفائجة أعجزته عن الاستمرار في القيادة. وعلى أثر وصول اللواء عبد المنعم قام الأطباء بنقل سعد مأمون الى مستشفى القصاصين ومنه الى مستشفى المعادي، وبدأ اللواء عبد المنعم خليل يمارس قيادته على الجيش الثاني في مرحلة تعد من أصعب المراحل التي مرت عليه منذ بداية الحرب في 6 أكتوبر 73.

وحتى صباح يوم 17 أكتوبر لم يكن العدو قد نجح في اقامة اي جسر ثابت عبر قناة السويس في منطقة الدفرسوار كما كان مقررا في الخطة الموضوعة، ولهذا السبب ظلت قوة الجنرال شارون – التي عبرت الى غرب القناة باستخدام القوارب المطاطية ومعديات البونتون المتحركة – معزولة عن قواعدها شرق القناة لمدة تقرب من 40 ساعة، وكانت القوة المذكورة تتكون من لواء مشاة من المظلات بقيادة العقيد داني مات و30 دبابة من اللواء المدرع بقيادة العقيد حاييم ومجموعة من العربات المدرعة. وقد رفض الجنرال حاييم بارليف الممثل الشخصي لرئيس الاركان العامة في القيادة الجنوبية – رغم الحاح الجنرال شارون – التصديق بعبور أي امدادات لتعزيز هذه القوة الا بعد اقامة جسور ثابتة عبر القناة خشية تعرض القوة الاسرائيلية غرب القناة لخطر الابادة أو الوقوع في الأسر.

وكانت القوة الاسرائيلية التي عبرت الى غرب القناة على الرغم من صغر حجمها قد اثارت كثيرا من عوامل اقلق والارتباك بين القيادات والقوات المصرية الموجودة غرب القناة، بسبب الأسلوب الجيد الذي اتبعته لاخفاء افرادها وأسلحتها عن الاستطلاع الجوي والاستطلاع الارضي باستغلال المباني والاشجار وهناجر مطار الدفرسوار المهجور، مما جعل المعلومات التي تنقلها عناصر الاستطلاع الى القيادات المحلية تتسم بالتضارب وعدم الدقة والميل الى التهوين من حجم وقوة العدو.

وكان راس الكوبري الاسرائيلي غرب القناة في مرحلته الاولى وقبل اقامة الجسور الثابتة عبر القناة، يمتد من مرسى أبو سلطان الى البحيرة المرة الكبرى جنوبا حتى قرب سرابيوم شمالا (حوالي 8 كم) ومن قناة السويس شرقا حتى الرعة غربا (حوالي من 2 الى 3 كم) . وكان افراد لواء المظلات نظرا لمسئوليتهم عن حماية راس الكوبري غرب القناة، قد قاموا باحتلال الهيئات والاهداف المهمة في المنطقة وتحنوا داخل الخنادق التي حفروا واحتلوا بعض المصاطب المصرية السابقة الممتدة عتلى الساتر الترابي المحاذي للقناة مما شكل تهديدا خطيرا للقوات المصرية الموجودة شرق القناة. ولتدعيم قوة المظلات ، أمر الجنرال شارون ببقاء 7 دبابات داخل راس الكوبري، أما باقي الدبابات فقد استخدمت في قتالها اسلوبا يشبه الى حد كبير اسلوب حرب العصابات، فقد كانت تعمل في مفارز صغيرة (من 3 إلى 5 دبابات) مدعمة بالمشاة الميكانيكية في العربات المدرعة نصف جنزير وبالعناصر الصاروخية المضادة للدبابات. وكانت هذه المفارز تتقدم غربا الى العمق مستغلة المباني والمناطق المزروعة لسهولة الاختفاء، وتقوم بمهاجمة مواقع كتائب الصواريخ المصرية سام 2 وسام 3 المضادة للطائرات. وكانت الدبابات الاسرائيلية تظهر فجاة بالقرب من احد مواقع الصواريخ ثم تشتبك مع المواقع من مسافة حوالي (1.5 – 2 كم) فتقوم بتدميره أو اسكاته ثم تنسحب فجاة لتظهر في مكان آخر وهكذا. ولم تكن كتائب صواريخ سام لديها الاسلحة الارضية التي ترد بها على مثل هذا الهجوم. وقبل حلول الظلام تعود لمفارز المدرعة الاسرائيلية الى قواعدها في راس الكوبري للمبيت واعادة الملء. وكان العدوم يستهدف من هذه الاغارات المتواصلة على كتائب صواريخ سام تصفية وسائل الدفاع الجوي في قطاع عريض غرب القناة، لتأمين ممر للطائرات الاسرائيلية لتستطيع النفاذ منه بحرية الى الضفة الغربية للقناة لتقديم المعاونة الجوية للقوات الارضية اثناء قيامها بعملياتها ضد القوات المصرية.

وخلال ليلة 16/17 أكتوبر، تمكن العدو من اعادة تجميع قواته في راس الكوبري غرب القناة في مناطق الدفرسوار – مرسى أبو سلطان – معسكر قادش (شمال مطار الدفرسوار ) – سرابيوم ، ونجحت قواته في ابعاد القوات المصرية التي دفعت للضغط عليه وفي احتلال المصاطب المصرية في منطقة الدفرسوار غرب القناة.

العمليات الحربية غرب القناة يوم 17 أكتوبر

كانت أوضاع القوات المصرية في قطاع الجيش الثاني التي خصصت للهجوم على راس الكوبري الاسرائيلي غرب القناة صباح يوم 17 أكتوبر كما يلي:

اللواء 116 مشاة ميكانيكي: أحد وحدات الفرقة 23 مشاة ميكانيكية التي كان يتولى قيادتها العميد أحمد عبود الزمر. كان متمركزا قبل العبور الاسرائيلي في منطقة تقاطع عثمان أحمد عثمان (30 كم غرب القناة)، وفي يوم 16 أكتوبر أصيب هذا اللواء بخسائر فادحة، فقد هاجمت دبابات العدو احدى كتائبه التي كانت تحتل موقعا دفاعيا عند تقاطع أبو سلطان – طريق المعاهدة واخترقت دفاعاتها وشتت أفرادها. وعندما تقدم قائد اللواء من تقاطع عثمان شرقا على وصلة أبو سلطان على راس مجموعة قتال مكونة من كتيبة مشاة ميكانيكية مدعمة، بمهمة تدمير العدو المتقدم في اتجاه التقطاع وقعت المجموعة بأسرها في كمين محكم نصبه العدو عند تقاطع وصلة أبو سلطان مع الطريق القادم شمالا من أبو صوير (على بعد 15 كم شرق تقاطع عثمان)، وانتهت المعركة باستشهاد قائد اللواء وتدمير جانب كبير من دبابات وعربات اللواء المدرعة ومدافع الاقتحام، واحتلت القوات المتبقية بعد المعركة موقعا دفاعيا على بعد حوالي 6 كم غرب منطقة التقاطع التي دارت فيها المعركة.

وفي صباح يوم 17 أكتوبر أصدر قائد الجيش الثاني أمره بأن تتحرك كتيبة المشاة الميكانيكية المتبقية من اللواء 116 ، والمتمركزة في تقاطع عثمان شرقا على وصلة أبو سلطان، وتنضم اليها خلال التحرك بقايا الكتيبتين اللتين سبق للعدو تدميرها في اليوم السابق، وأن يقوم رئيس أركان اللواء الذي تولى القيادة بعد استشهاد القائد، باعادة تجميع وحدات اللواء واحتلال الموقع الثالث (موقع دفاعي غرب تقاطع وصلة أبو سلطان مع طريق المعاهدة) ويقع على بعد حوالي 5 كم من مطار الدفرسوار والبحيرة المرة الكبرى بمهمة منع العدو من التقدم غربا. وقد تم تدعيم اللواء 116 بعدد 14 دبابة من ضمن 20 دبابة وصلت الجيش الثاني من القاهرة لسد الخسائر.

المجموعة 129 صاعقة: كانت المجموعة بقيادة العقيد أ. ح على هيكل متمركزة منذ بداية الحرب في مطار أبو صوير (من ضمن احتياطي الجيش الثاني) وفي يوم 16 أكتوبر وبعد وصول معلومات الى قيادة الجيش الثاني بتسلل عدد من الدبابات الاسرائيلية الى غرب القناة، وبناء على المهمة التي تلقاها قائد المجموعة تم ارسال الكتيبة 73 صاعقة (عدا سرية) الى منطقة تجمع في عين غصين (على الترعة الحلوة وعلى بعد حوالي 12 كم جنوب نفيشة) – وكانت المهمة التي حددها العقيد أ. ح علي هيكل لقائد الكتيبة هي التقدم جنوبا في اتجاه الدفرسوار وأبو سلطان لتدمير 7 دبابات اسرائيلية نجحت في التسلل الى الضفة الغربية للقناة.

ووفقا للمهمة، تقدمت سرية صاعقة من عين غصين بعد ظهر يوم 16 أكتوبر على المدق الترابي شرق الترعة الحلوة في اتجاه الدفرسوار،وعندما اقتربت من الناحية الشمالية لمطار الدفرسوار فوجئت بمقاومة قوية من المظليين الاسرائيليين الذين كانوا مختفين في المطار، واستمر الاشتباك طول الليل. وانظر لعجز السرية عن التقدم ولشدة حاجتها الى الذخيرة صدر لها الامر من قيادة المجموعة صباح يوم 17 أكتوبر بالانسحاب الى سرابيوم حيث احتلت موقعا دفاعيا تم تدعيمه بفصيلة صاعقة أخرى أرسلها قائد المجموعة.

وكانت السرية الاخرى من الكتيبة 73 صاعقة قد تقدمت من عين غصين على المدقات غرب الترعة الحلوة في اتجاه معسكرات أبو سلطان ومحطة السكة الحديد للوصول الى شاطئ البحيرة المرة الشمالي جنوب الدفرسوار، وقد تمكنت فصيلة منها من التسلل الى شاطئ البحيرة المرة، ولكن العدو تمكن من اكتشاف السرية صباح يوم 17 أكتوبر وهاجمتها الدبابات الاسرائيلية هجوما عنيفا من مواقعها جنوب غرب مطار الدفرسوار. ورغم الخسائر الكبيرة التي تكبدتها السرية الخاصة ف الضباط فقد تمكنت من تدمير 5 دبابات وعربات مجنزرة اسرائيلية، ورغم تلقي السرية أمرا من قيادة المجموعة بالانسحاب الى معسكرات أبو سلطان فقد عجزت السرية عن التنفيذ نظرا لكثافة نيران العدو واضطرت الى التشبت بمواقعها، مما دعا قائد المجموعة الى أن يطلب من مدفعية الجيش الثاني قصف المنطقة التي يحتلها العدو في أبو سلطان بأكملها بالنيران بما فيها سرية الصاعقة المصرية.

الكتيبة 85 مظلات: كانت الكتيبة متمركزة ضمن وحدات اللواء 182 مظلات في صحراء بلبيس، وكان اللواء 182 مظلات جاهزا بمعداته وأجهزته وعلى استعداد كامل لنقله جوا واسقاطه في أي منطقة وفقا لتعليمات القيادة العامة. ولكن عقب تحرج الموقف على الضفة الغربية للقناة بعد العبور الاسرائيلي الى الدفرسوار استقر رأي القيادة على استخدام اللواء 182 مظلات كلواء مشاة عادي، وكان هذا الاستخدام يعد بلا شك خسارة كبيرة من ناحية فقد لواء المظلات لميزته الاساسية علاوة على أنه يختلف من ناحية تدريبه وتسليحه على الألوية المشاة. وفي الساعة الثانية بعد ظهر يوم 16 أكتوبر تلقى المقدم عاطف منصف قائد الكتيبة 85 مظلات من العقيد اسماعيل عزمي قائد اللواء 182 مظلات أمرا بالتحرك بالعربات الى منطقة تقاطع عثمان أحمد عثمان حيث قد تقرر وضعه تحت قيادة الفرقة 23 مشاة ميكانيكية. وفي الساعة السابعة مساء وعلى أثر وصول الكتيبة 85 مظلات الى منطقة التقاطع، قام العميد أ . ح أحمد عبود الزمر قائد الفرقة 23 مشاة ميكانيكية بتكليف الكتيبة 85 مظلات بالهجوم على دبابات العدو التي عبرت الى الضفة الغربية في منطقة الدفرسوار وتدميرها والقيام بعد ذلك باحتلال وتأمين مرسى أبو سلطان والنقطتين القويتين بمطار الدفرسوار. وتم تدعيم الكتيبة 85 مظلات بكتيبة مدرعة من اللواء 23 المدرع. وفي أول ضوء يوم 17 أكتوبر تحركت الكتيبة 85 شرقا الى تقاطع طريق المعاهدة مع وصلة أبو سلطان وتم تنظيم التعاون بين قائد الكتيبة والعقيد صلاح طه أركان حرب اللواء 116 الميكانيكي الذي أسندت اليه قيادة اللواء عقب استشهاد قائده يوم 16 أكتوبر.

وفي الساعة الرابعة بعد الظهر يوم 17 أكتوبر بدأت الكيبة 85 مظلات في تنفيذ مهمتها بالتقدم على محورين:

المحور الثانوي – تقدمت عليه سرية مظلات مدعمة بسرية دبابات من الكتيبة المدرعة (من اللواء 23 مشاة ميكانيكي) في اتجاه مرسى أبو سلطان بمهمة تدمير قوات العدو والاستيلاء على مرسى أبو سلطان وتأمينه. وعندما وصلت سرية المظلات المدعمة بسرية الدبابت الى الكوبري الحجري على ترعة السويس الحلوة وقعت القوة في كمين اسرائيلي وتم تمديرها واستشهد معظم ضباطها.

المحور الرئيسي – تقدمت عليه الكتيبة 85 مظلات (عدا سرية) مدعمة بالكتيبة المدرعة عدا سرية (من اللواء 23 مشاة ميكانيكي) بقيادة المقدم عاطف منصف، من تقاطع طريق المعاهدة مع وصلة سرابيوم في اتجاه مطار الدفرسوار (بزاوية 135 درجة) بمهمة تدمير قوات العدو والاستيلاء على مطار الدفرسوار وتأمينه واحتلال النقطتين القويتين به. وقد انصفت كتيبة الدبابات (عدا سرية) عن قوة الكتيبة 85 مظلات (عدا سرية) نظرا لتعذر تحرك الدبابات مع أفراد المظلات المترجلين لعدم ملاءمة الارض لها بسبب وجود عدة موانع تعترض طريق تقدمها. ولهذا السبب تحركت كتيبة الدبابات شرقا في اتجاه القناة لكي تتقدم جنوبا بعد ذلك على الطريق الموازي لقناة السويس. وتم التنسيق بين قائد الكتيبة 85 مظلات وقائد كتيبة الدبابات على اسلوب التعاون بين الكتيبتين عند الاقتراب من مطار الدفرسوار للقيام بالهجوم معا في عملية مشتركة على قوة العدو بالمطار.

ولكن هذه العملية لم يقيض لها النجاح، فقد وقعت كتيبة الدبابات في كمين اسرائيلي قرب محطة سرابيوم حيث تم تدميرها. أما الكتيبة 85 مظلات (عدا سرية) ، فقد قامت بالعملية وحدها بدون معاونة الدبابات - نظرا لتدمير الكتيبة المدرعة – واشتبكت مع مجموعة من الدبابات وعربات العدو المدرعة كانت متمركزة في المنطقة الشجرية الكثيفة المحيطة بمطار الدفرسوار. ورغم قيام وحدات من مدفعية الجيش الثاني بمعاونة العملية الهجومية فانه ازاء تفوق العدو أصيبت الكتيبة 85 مظلات (عدا سرية) بخسائر فادحة. وبسبب تكاثف الظلام سرد وغرق في ترعة السويس الحلوةب عض أفرادها وارتد قائد الكتيبة مع الافراد المتبقين معه الى اتجاه تقاطع طريق المعاهدة مع وصلة أبو سلطان فجر يوم 18 أكتوبر، وكان بمنطقة التقاطع مركز القيادة المتقدم للفرقة 23 مشاة ميكانيكية. وفي الساعة السادسة مساء يوم 18 أكتوبر أعيد تمركز الكتيبة 85 مظلات بمعسكرات انشاص لتجديد كفاءتها القتالية.

اللواء 23 مدرع: من الفرقة 3 مشاة ميكانيكية التي كانت ضمن الاحتياطي الاستراتيجي للقيادة العامة. صدرت الاوامر من هيئة العمليات بالمركز 10 بتحركه من منطقة تمركزه بالقاهرة الى تقاطع عثمان أ؛مد عثمان ليحتل الموقع الذي كان يحتله اللواء 116 مشاة ميكانيكي قبل دفعه شرقا. وبناء على تعليمات العميد أ. ح محمد نجاتي فرحات قائد الفرقة بدأ اللواء 23 المدرع تحركه على طريق القاهرة الاسماعيلية الصحراوي حوالي الساعة الثانية مساء يوم 16 أكتوبر على جنازير الدبابات، وتم وصوله الى منطقة التقاطع حوالي الساعة التاسعة مساء يوم 16 أكتوبر، ووضع بمجرد وصوله تحت قيادة الجيش الثاني. وصدر أمر قائد الجيش الثاني صباح 17 أكتوبر بتخصيص كتيبة مدرعة من اللواء 23 المدرع للاشتراك مع الكتيبة 85 مظلات في التحرك من تقاطع عثمان الى تقاطع طريق المعاهدة مع وصلة سرابيوم، ومن هذه المنطقة يتم هجوم كتيبة المظلات على قوات العدو بمنطقة الدفرسوار بمعاونة الكتيبة المدرعة.

كما أصدر قائد الجيش الثاني ، أمره بأن يكون اللواء 23 المدرع (عدا كتيبة) مستعدا للقيام بهجوم مضاد على قوات العدو في اتجاهي الدفرسوار ومرسى أبو سلطان، على أن يقوم اللواء المدرع في الحال بدفع عناصر استطلاع الى المنطقة التي سيجرى تحركه خلالها منعا للمفاجأة. وأبلغ قائد اللواء المدرع بأنه سيوضع عند دفعه تحت قيادة الفرقة 23 مشاة ميكانيكية.

الخطة التي وضعت لتصفية الثغرة غرب القناة

في صباح يوم 17 أكتوبر اتصل اللواء عبد المنعم خليل قائد الجيش الثاني بالعميد أ. ح أحمد عبود الزمر قائد الفرقة 23 مشاة ميكانيكية وأبلغه أنه بناء على تعليمات القيادة العامة قد تم تكليفه بمهمة تصفية قوة العدو التي عبرت الى غرب القناة، وتقرر وضع الوحدات الموجودة في قطاع الجيش الثاني جنوب ترعة الاسماعيلية تحت قيادته، ومن أجل ذلك عليه نقل مركز القيادة المتقدم للفرقة 23 مشاة ميكانيكية من شمال ترعة الاسماعيلية الى جنوبها.

ونظرا لورود بلاغ الى قيادة الجيش الثاني عن تقدم قوة العدو جنوبا في اتجاه فايد، لذا طلب قائد الجيش الثاني من هيئة العمليات بالقيادة العامة لمركز 10 تكليف قيادة الجيش الثالث بارسال دورية من الكتيبة الفلسطينية التي تتولى حراسة شاطئ البحيرة المرة من حدود الجيش الثاني شمالا حتى نهاية البحيرة جنوبا، للتعامل مع قوة العدو. كما طلب أن يبقى اللواء 116 مشاة ميكانيكي في أوضاعه الدفاعية غرب تقاطع طريق المعاهدة مع وصلة أبو سلطان (شمال وجنوب الوصلة) لمنع تقدم العدو الى الغرب أو الشمال.

وحتى الساعة التاسعة صباحا يوم 17 أكتوبر لم تتمكن القوات المصرية من تحقيق المهام التي حددتها لها قيادة الجيش الثاني، فقط ظل العدو محتلا مطار الدفرسوار، ولم تتمكن الكتيبة 73 صاعقة من دخوله أو الوصول الى مرسى أبو سلطان.

وعلاوة على قوة العدو المتمركزة في الدفرسوار ومرسى أبو سلطان حاولت مفرزة صغيرة من دباباته التسلل خارج منطقة الدفرسوار على وصلة أبو سلطان وعبور الكوبري الحجري على الترعة الحلوة، واتجهت مفرزة ثانية الى محطة سكة حديد أبو سلطان، بينما اتجهت مفرزة ثالثة الى معسكر (زكريا) الكائن شمال المحطة وحاولت مفرزة رابعة الاتجاه شمالا الى سرابيوم.

ونظرا لأن الوحدات المصرية حتى الساعة الثانية بعد ظهر يوم 17 أكتوبر لم تكن قد تمكنت بعد من تحقيق المهام التي كلفت بها ولم تتم تصفية ثغرة الاختراق غرب القناة، فقد أصدرت هيئة العمليات بالقيادة العامة المركز 10 تعليمات عمليات الى قيادة الجيش الثاني كانت تتضمن المهام التالية:

1- تدمير دبابات العدو الفردية التي تسللت الى الضفة الغربية. 2- القيام بحصر دبابات العدو المتجمعة في منطقتي الدفرسوار ومرسى أبو سلطان غرب القناة ثم تدميرها. 3- يقوم اللواء 23 المدرع بدفع مجموعة استطلاع في اتجاه الشرق استعداد للقيام بهجوم مضاد على قوات العدو في الدفرسوار. 4- يتم تأمين شواطئ البحيرات المرة بالألغام الشاطئية. 5- يجري احتلال المصاطب على الضفة الغربية لمعاونة عمليات القوات على الضفة الشرقية.

وبادر قائد الجيش الثاني باصدار تعليماته في الساعة الثالثة مساء يوم 17 أكتوبر الى قائد الفرقة 23 مشاة ميكانيكية الذي أصبح مسئولا عن جميع عمليات تصفية رأس الكوبري الاسرائيلية في الدفرسوار غرب القناة وحدد له المهام التالية:

• الكتيبة 85 مظلات: تقوم الكتيبة (عدا سرية) بالاشتراك مع الكتيبة المدرعة عدا سرية (من اللواء 23 المدرع) والكتيبة 73 صاعقة (من المجموعة 129 صاعقة) بتنفيذ المهام السابق تخصيصها لهذه الوحدات، وتقوم بالهجوم المضاد على قوات العدو في المنطقة ما بين مرسى أبو سلطان جنوبا حتى سرابيوم شمالا. • اللواء 23 المدرع (عدا كتيبة) يكون مستعدا للقيام بهجوم مضاد في اتجاه الدفرسوار ويدفع فورا عناصر لاستطلاع تحركات العدو في المنطقة التي سيجري دفعه منها وتحركه خلالها. • بمجرد تصفية العدو في منطقة الدفرسوار يتم تأمين الساتر الترابي واحتلال المصاطب والسيطرة على جميع محاور التقدم الفرعية في اتجاه الغرب مع التركيز على تأمين منطقتي الدفرسوار وجبل مريم. • يقوم المهندسون العسكريون برص الألغام الشاطئية في منطقة من جنوب الدفرسوار حتى فايد وفي ثغرات الصيادين على البحيرة المرة.

وفي حوالي الساعة الخامسة مساء يوم 17 أكتوبر ، أصدرت القيادة العامة المركز 10 قرارها بدفع اللواء 23 المدرع (عدا كتيبة) من الفرقة 3 مشاة ميكانيكية في الساعة السادسة والنصف صباحا يوم 18 أكتوبر ، للقيام بالهجوم المضاد المخطط من قبل على قوات العدو في منطقة الدفرسوار غرب القناة على أن يجري الهجوم بأسرع ما يمكن وبدون توقف مع تجنب الاشتباك بأي مقاومات وتقبل الخسائر من الكمائن، وخصصت للواء مهمة تدمير قوات العدو في منطقة الدفرسوار واحتلال المصاطب الى مسافة 5 كم شمال الدفرسوار واستخدام المصاطب غرب القناة لتدمير القوات الاسرائيلية على الضفة الشرقية للقناة ومنع أي قوات للعدو من العبور غربا. وهكذا صدر القرار أخيرا بدفع اللواء 23 المدرع للقيام بالهجوم المضاد صباح يوم 18 أكتوبر لتدمير قوات العدو في الدفرسوار.

الأخطاء التكتيكية في عملية تصفية الثغرة

رغم صغر حجم قوات العدو التي عبرت الى غرب القناة في منطقة الدفرسوار والتي كانت تتكون من لواء مشاة من المظلات وعدد 30 دبابة، ورغم بقائها لمدة تقرب من 40 ساعة معزولة عن قواعدها شرق القناة وبدون أي تعزيزات اضافية لقوتها بناء على تعليمات الجنرال بارليف انتظارا لاقامة الجسور الثابتة عبر القناة، ورغم أن القيادة العامة خصصت لعملية الهجوم المضاد على رأس الكوبري الاسرائيلي قوات مصرية كانت تتفوق بشكل واضح على قوات العدو من حيث الخجم والتسليح، فان عملية تصفية الثغرة الاسرائيلية باءت بالفشل لمخالفة الأسلوب الذي تم تصفيتها للمبادئ التكتيكية السليمة. ويتضح ذلك مما يلي:

1- تم دفع الوحدات المصرية لمهاجمة رأس الكوبري الاسرائيلي بطريقة لاهجوم الموزع، فكلفت بالهجوم على قوات العدو وحدات فرعية صغيرة الحجم ضعيفة التسليح مما أدى الى فشل هجماتها جميعا اذ لم تستطع أي قوة منها احداث قوة الصدمة المطلوبة للقضاء على العدو. 2- لو تم تجميع الوحدات التي كانت موجودة في المنطقة جنوب ترعة الاسماعيلية يوم 17 أكتوبر وهي اللواء 23 المدرع – اللواء 116 مشاة ميكانيكي – الكتيبة 85 مظلات – الكتيبة 73 صاعقة، في عملية هجوم واحدة منسقة على راس الكوبري الاسرائيلي غرب القناة كان هناك قدر معقول من الامل في النجاح. أما تفتيتها وبعثرتها بالأسلوب الذي اتبع فقد جعل ذلك كلا منها فريسة سهلة أمام العدو. 3- كان الأمر الذي يدعو للعجب هو احتجاز اللواء 23 المدرع في منطقة تقاطع (عثمان أحمد عثمان) لمدة تبلغ نحو 36 ساعة دون أن يكلف بأي مهمة قتالية، وكان كل ما تلقاه قائده هو سلسلة من الاوامر المتكررة بالاستعداد للهجوم على الدفرسوار، واصدار التعليمات له بدفع عناصر استطلاعه في اتجاه الشرق منعا لتعرضه للمفاجاة. وكان من الخطأ بلا شك سحب كتيبة مدرعة من تشكيل هذا اللواء لتتحرك الى تقاطع وصلة سرابيوم – طريق المعاهدة للتعاون مع الكتيبة 85 مظلات في عملية هجومية ضد العدو، فقد كان من الواجب الاحتفاظ بقوة اللواء بأكملها مجمعة، اذ انه كان القوة المدرعة الوحيدة التي تحت قيادة الجيش الثاني غرب القناة، والتي كان في امكانها احداث قوة الصدمة ضد قوة العدو في الدفرسواء. 4- عندما صدر الأمر اخيرا الى اللواء 23 المدرع بالهجوم في الساعة السادسة والنصف صباح يوم 18 أكتوبر بعد ذلك التأخير الذي جرى دون أي مبرر، لعب سوء الحظ دورا كبيرا لافشال مهمته، فقد كان جسر معديات البونتون الاسرائيلي قد تمت اقامته عبر القناة عند الدفرسوار بعد ظهر يوم 17 أكتوبر، ولذا فعندما قام اللواء 23 المدرع (عدا كتيبة) بهجومه صباح يوم 18 أكتوبر لم يكن في مواجهته داخل راس الكوبري الاسرائيلي قوة تقل عن 30 دباباة كما كان الحال يوم 17 أكتوبر وانما كان في مواجهته فرقة مدرعة تتكون من لواءين مدرعين قوتهما 200 دبابة، علاوة على قوة الدبابات التي كانت موجودة قبل اقامة الجسر، ولذا باء هجومه كما كان منتظرا بالفشل التام.

اقامة الجسور الاسرائيلية عبر القناة

كان الجنرال ابراهام أدان قائد مجموعة العمليات رقم 162 قد انتهز فرصة انشغال وحدات اللواء 16 مشاة (الجنب الأيمن للفرقة 16 مشاة) في قتالها العنيف ليلة 16/17 أكتوبر ضد لواء المظلات الاسرائلي بقيادة العقيد عوزي مائيري والذي تم احضاره بطائرات الهليكوبتر من رأس سدر على خليج السويس كي يرسل سرية استطلاع على طريق أكافيش لاختبار قوة المقاومة المصرية على هذا الطريق. وفي الساعة الثالثة والنصف صباح يوم 17 أكتوبر تلقى الجنرال ادان اشارة لاسلكية من قائد سرية الاستطلاع. بأنه تمكن من اجتياز طريق أكافيش ووصلت سريته بسلام الى ساحة العبور بالدفرسوار دون أن تصادفه أي مقاومة، ورغم وجود قوة مصرية شمال الطريق فان انتباهها كان مشدودا الى المعرفة العنيفة التي كانت ناشبة وقتئذ ضد المظليين على طريق طرطور والى القتال الدائر في المزرعة الصينية (قرية الجلاء). وأمر الجنرال أدان في الحال نائبه العميد دافيد تماري بالتحرك على الفور بأجزاء جسر المعديات على طريق أكافيش، في الوقت الذي كان فيه الجسر السابق التركيب معطلات على طريق طرطور في انتظار نتيجة القتال الدائر على هذا الطريق. وتمكن العميد دافيد تماري بدفع بعض الجرارات الثقيلة أمام قافلة معدياته من ازالة حطام الدبابات والمركبات المدمرة والمطعلة التي كانت عرقل الحركة مما ادى الى اخلاء الطريق، ونتيجة لذلك تقدمت قافلة معديات البونتون دون تعطيل على طريق أكافيش حتى وصلت الى حسن لاكيكان (تل سلام) على شاطئ البحيرة المرة الكبرى، وواصلت التحرك بعد ذلك شمالات على طريق ناهالا بحذاء شاطئ البحيرة، وعندما بدأت أنوار الفجر في الظهور اخذت اجزاء جسر المعديات يتوالى وصولها ببطء الى ساحة العبور بالدفرسوار.

وحوالي الساعة السادسة صباح يوم 17 أكتوبر قام المهندسون التابعون لفرقة شارون بدفع أول معدية بونتون الى مياه القناة تمهيدا لدفع باقي المعديات عبر قناة السويس التي يبلغ اتساعها في هذه المنطقة حوالي 180 متر.

وفي الساعة الحادية عشر صباحا وصل العميد جاكي نائب الجنرال شارون الى ساحة العبور وأصبحت تحت قيادته جميع القوات الموجودة في هذه المنطقة. وقبل الساعة الرابعة مساء يوم 17 أكتوبر تم ربط المعدية الأخيرة من سلسلة معديات الجسر، وأصبح جسر المعديات جاهزا في انتظار وصول فرقة الجنرال أدان التي كانت منهمكة في ذلك التوقيت في عملية اعادة التنظيم، وكانت دباباته تقوم باعادة الملء وتعويض الذخيرة بالقرب من موقع كيشوف الذي كان الجنرال ادان قد فتح فيه في اليوم السابق مركز قيادته الأمامي والذي انعقد بالقرب منه صباح يوم 17 أكتوبر مؤتمر كيشوف الذي حضره وزير الدفاع ورئيس الأركان والجنرال بارليف وكل من الجنرال اشرون والجنرال ادان.

عبور فرقة برن الى غرب القناة

كانت مدفعية الجيش الثاني المصري من بعد ظهر يوم 16 أكتوبر قد أخذت في اطلاق نيرانها بشدة في اتجاه رأس الكوبري الاسرائيلي حيث لم يكن المهندسون الاسرائيليون قد تمكنوا بعد من اقامة أي جسر عبر قناة السويس. وقبيل الغروب يوم 16 أكتوبر شنت طائارت الميج 17 المصرية هجوما مركزا على قوات رأس الكوبري الاسرائيلية فوق القناة، أعلن كل طرف بعدها أنه دمر للطرف الآخر 10 طائرات. وفي صباح يوم 17 أكتوبر وبعد أن أخذ المهنسدون التابعون لفرقة الجنرال شارون في مد جسر المعديات من ساحة العبور في الدفرسوار الى الشاطئ الغربي للقناة. فطن المصريون الى خطورة العملية التي يدبرها الاسرائيليون وبدأت على اثر ذلك مدفعية الجيش الثاني في قصف راس الكوبري على ضفتي القناة قصفا عنيفا، فأصيب مركز قيادة العقيد داني مات قائد لواء المظلات الذي عبر الى غرب القناة ليلة 15/16 أكتوبر اصابة مباشرة وجرح نائبة وعشرات من رجاله وتم اخلاؤهم الى الضفة الشرقية للقنالة. وسرعان ما انهالت دانات المدفعية وقذائفها الصاروخية على الضفة الشرقية للقناة. وثبت للاسرائليين ان المدفعية الصمرية نجحت في تحديد مكان ساحة العبور وفي رصد جسر المعديات فوجهت اليهما نيران عشران من بطاريات المدفعية من كل الأعيرة والأنواع. ومنذ صباح 17 أكتوبر حتى نهاية الحرب لم يتوقف القصف المدفعي المصري على الاطلاق.

وعلى الرغم من كثافة نيران المدفعية استمر المهنسدون الاسرائيليون في اقامة جسر المعديات عبر القناة وكانوا يقومون باخلاء الافراد المصابين الى الخلف وتغيير المعديات التي تدمر بمعديات غيرها. وكان عدد الجرافات يقوم بازالة الساتر الرملي على شاطئ القناة وتسوية الأرض في موضع الجسر، وكانت الأطواف العائمة والقوارب المطاطية تنطلق ذهابا وايابا بين شاطئي القناة حاملة الافراد والعتاد للمعاونة في اقامة أول جسر اسرائيلية في الدفرسوار عبر قناة السويس.

وفي اثناء اقامة جسر المعديات قامت الطائرات الاسرائيلية باعداد ضخمة بغارات عنيفة على الجنب الايمن للفرقة 16 مشاة ووحدات الفرقة 21 المدرعة شمال قرية الجلاء والمغذي الرئيسي لمنع أي وحدات مصرية من التدخل في اعمال اقامة جسر المعديات الاسرائيلي.

وكان الجنرال ابراهام أدان (برن) عقب انتهاء معركته مع اللواء 25 المدرع المصري قد قفل عائدا بوحداته المدرعة الى منطقة كيشوف للقيام بعملية اعادة التنظيم. وقبيل الغروب استمع برن في شبكة الاتصال بدبابة القيادة التي كان يستقلها الى صوت الجنرال شارون وهو يردد دون انقطاع "أين برن؟" كل شيئ جاهز للعبور، لماذا يتسبب برن في تعطيل كل شيء؟، ورغم ما انتاب الجنرال برن من غضب فانه قام على الفور بالاتصال بالجنرال جونين واخطره انه يقوم باعادة تموين وحداته بالوقود والذخيرة وانه سيكون على استعداد لعبور الجسر المقام على القناة عقب حلول الظلام مباشرة، وطلب غيار قواته التي ما زالت تعمل تحت قيادة شارون والتي ما تزال مشتبكة في القتال مع القوات الصمرية على الجناح الايمن للجيش الثاني وفي والمزرعة الصينية. وكانت هذه القوات تتكون من اللواء المدرع بقيادة العقيد جابي وكتيبة مدرعة من لواء العقيد نيتكا، ولم يتم اعادة هذه الوحدات الى لفرقة لاجنرال ادان الا متاخرا مساء يوم 17 أكتوبر.

وفي الساعة التاسعة مساء يوم 17 أكتوبر تحركت فرقة الجنرال برن من منطقة كيشوف على طريق أكافيش وكان برن مع مركز قيادته الامامي في المقدمة وكان يتبعه لواء العقيد نيتكا ثم لواء العقيد جابي وكان من المنتظر ان يلحق به لواء العقيد آرييه قبل بدء العبور ليستكمل الجنرال برن وحدات فرقته.

وفي الساعة العاشرة مساء وصل طابور فرقة الجنرال برن المقيد الاضاءة الى جسر المعديات الذي تمت اقامته عبر القناة بين النقطتين القويتين لحصن الدفرسوار (الحصن الاسرائيلي السابق متسميد). وفي هذا الوقت تلقى الجنرال أدان (برن) رسالة لاسلكية من الجنرال جونين يخطره فيها بان اللواء المدرع بقيادة العقيد آرييه تم سحبه من تحت قيادته ليصبح الاحتياطي العام للقيادة الجنوبية. ويتضح من هذا العمل مدى حرص القيادة الجنوبية الاسرائيلية على أن يظل محتفظا بصفة دائمة باحتياطي عام تحت قيادته المباشرة تحسبا للطوارئ. وكان اللواء المدرع بقيادة العقيد توفيا التابع لتشكيل فرقة شارون والذي كان قد وضع مؤقتا تحت قيادة برن أثناء عملية تطهير محوري أكافيش وطرطور قد أعيد الى قيادة شارون عندما تأهبت فرقة برن للعبور الى غرب القناة. لذلك نقصت قوة الجنرال برن الى حوالي 200 دبابة فقط وأصبح مجموعة أفراد فرقته لا يتجاوز تسعة آلاف من الضباط والجنود.

وفور الوصول الى جسر المعديات اندفعت الدبابات لعبور القناة الى الغرب وفي مقدمتها دبابة الجنرال برن الذي أخذ يصيح في ابتهاج في جهاز اللاسلكي "عبرت الى أفريقيا .. عبرت إلى أفريقيا". بينما اخرج أحد رجاله زجاجة من الخمر وشرب نخبا احتفالا بهذه المناسبة وأخذت الزجاجة تنتقل من رجل الى اخر. وكان العقيد حاييم قائد اللواء المدرع التابع لفرقة شارون والذي سبق عبوره على راس 30 دباباة من لوائه الى غرب المنطقة التي تم تحديدها لتجميع الفرقة في مطار الدفرسوار. وعندما وصل الجنرال برن بدبابة قيادته الى الشاطئ الغربي للنقاة قابله العقيد حاييم باشد مظاهر الترحيب بعد ان ظل وحده بدباباته الثلاثين مع لواء المظلات حوالي 40 ساعة دون ان تلحق بهم اي قوات اضافية. وعندما وقف برن على الشاطئ الغربي لمشاهدة عبور فرقته التي لم تصل منها بعد دبابته سوى دبابتين فقط، لاحظ لجزعه الشديد أن العبور قد توقف، فقد انهالت قذائف المدفعية المصرية من وحدات مدفعية الجيش الثاني في غلالات كثيفة على جسر المعديات وساحتي الابحار شرق القناة والابرار غربها في اشد عمليات قصف حدثت منذ بداية الحرب، مما اضطر معه الجنرال أدان ومجموعة قيادته الى الاحتماء في الحفر وجدران المباني لتجنب النيران التي كانت تنهمر عليهم في تركيز شديد.

واكتشف المهندسون العسكريون الذين اندفعوا نحو الجسر من الشاطئئ – بعضهم على الاقدام والبعض الاخر في قوارب – للاطمئنان الى سلامته، ان احدى قذائف المدفعية المصرية قد فتحت فجوة في الجسر مما كان يعني تعطيل عبور فرقة الجنرال برن. وكان الموقف حرجا فقد احتشد في ساحة العبور وفي الطرق المؤدية اليها طابور طويل من الدبابات والمركبات المحملة بالامدادات والذخيرة ولم تكن قافلة معديات البونتون الاحتياطية قد وصلت بعد. اذ كانت لا تزال معطلة على طريق أكافيش في زحمة السير الهائلة التي احتشدت عليه.

وبناء على نصيحة العميد جاكي نائب شارون والمسئول عن اقامة وتأمين الجسور اصدر الجنرال برن أوامره بالاستمرار في نقل الدبابات الى الشاطئ الغربي فوق المعديات المتحركة ريثما تتم علية اصلاح الجسر التي كان من المنتظر ان تستغرق بعض ساعات. وخلال تحرك المعديات من شرق القناة الى غربها وهي تحمل الدبابات تلقت معدية منها وهي في منتصف اقناة اصابة مباشرة من المدفعية المصرية فغرقت الدبابتان اللتان على سطحها واستطاع ثلاثة أفراد فقط من طاقميها القفز الى الخارج والنجاة بأنفسهم بينما غرق الباقون.

وفي الوقت الذي اجتاحت فيه الجنرال برن عوامل القلق بسبب هذه الظروف العصيبة التي واجهت عبور فرقته. لمعت فكرة ذكية في ذهن أحد الضباط المهندسين لامكان اصلاح الجسر بسرعة، فقد أمر دبابة معدة لمد الجسور من طراز باتون من دبابات العقيد حاييم بالصعود الى الجسر، وعند المكان الذي فتحت فيه الفجوة توقفت الدبابة ومدت فوق جسر المعديات الجسر المعدني القابل للانطواء المتصل بالدبابة وبذلك تم سد الفجوة واصبح الجسر جاهزا لاستنئاف عبور دبابات الجنرال برن. وبحلول الساعة الرابعة صباحا يوم 18 أكتوبر كانت جميع وحدات فرقة برن قد وصلت سالمة الى راس الكوبري غرب القناة والذي كان يمتد بين قناة السويس وترعة المياه الحلوة الموازية للقناة (ترعة السويس). وهكذا أصبح للعدو صباح يوم 18 أكتوبر غرب القناة فرقتان مدرعتان كانت احداهما بقيادة الجنرال شارون وتتكون من لواء المظلات بقيادة العقيد داني مات واللواء المدرع بقيادة حاييم (بعد أن تم لباقي دبابات اللواء العبور الى الغرب واللحاق بمجموعة الدبابات الثلاثين التي عبرت صباح يوم 16 أكتوبر) وكانت الفرقة الأخرى بقيادة الجنرال ابراهام ادان (برن) وتتكون من لواءين مدرعين بقيادة العقيدين نيتكا وجابي.

زيارة ديان لقيادة شارون غرب القناة

عند ظهر يوم 17 أكتوبر وعقب انتهاء مؤتمر كيشوف الذي عقد بمركز القيادة الامامي للجنرال برن الذي غادر المؤتمر مع مجموعة قيادته وتوجه جنوبا لقيادة المعركة ضد اللواء 25 المدرع. اصطحب الجنرال شارون معه موشى ديان وزير الدفاع الى ساحة العبور حيث عبرا قناة السويس معا على ظهر احدى معديات البونتون المتحركة وتوجها الى مقر القيادة المتقدم للجنرال شارون على الضفة الغربية للقناة.

وقد وصف موشى ديان هذه الزيارة التي كانت اول زيارة له الى الضفة الغربية للقناة في مذكراته فقال: "طلب مني ايريك (اسم التدليل لشارون) بعد عبورنا القناة ان نصعد على ظهر عربة مدرعة، ولكني فضلت ان اقطع جزءا من الطريق سيرا على الاقدام. وكان رجال المظلات يرقدون على المنحدرات الترابية وهم محملون بالمعدات الشخصية وكانوا مجهدين وعيونهم نصف مغمضة. بينما في اقصى الغرب في عمق ارض العدو كانت تقف عدة دبابات، أخبرني ايريك انه ترك سبعة دبابات مع العقيد داني مات (قائد لواء المظلات) للدفاع عن راس الكوبري بينما تقف باقي الدبابات التي يزيد عددها على العشرين دبابة على الجبهة الامامية. وانهم في اليوم السابق (16 أكتوبر) وأثناء العمليات على الضفة الغربية اعطبوا 20 دبابة مصرية ودمروا بطاريتين من صواريخ الدفاع الجوي سام".

وخلال زيارة موشى ديان لمقر قيادة شارون اقترح عليه خطة جديدة لتوسيع ثغرة الاختراق اشد تاثيرا من وجهة نظره من العمليات العميقة السابقة الواسعة النطاق التي رسمت لتطويق القوات المصرية. وذكر ديان ان الحل الافضل هو طي الجناح الايمن للجيش الثاني المصري شرق القناة عن طريق الاندفاع شمالات في عمليتين متوازيتين شرق وغرب القناة ومن خلال المعاونة المتبادلة بين القوات الاسرائيلية على كلا الشاطئين، يمكن لكل قوة منهما على الشاطئ احداث تهديد خطير لجنب القوات المصرية على الشاطئ الآخر للقناة مما يؤدي الى تهطير الشاطئين وتويع ثغرة الاختراق.

وحول هذه النقطة بالذات انفجر نقاش حاد وعنيف بين الجنرال شارون والجنرال جونين ، فقد طلب شارون عبور لواء آمنون المدرع التابع لفرقته الى الضفة الغربية للقناة في الوقت الذي كان يصر فيه الجنرال جونين على ضرورة بقائه على الضفة الشرقية ودفعه شمالا في اتجاه الطالية (في منتصف راس كوبري الفرقة 16 مشاة)، بهدف توسيع ثغرة الاختراق. والتجا شارون الى الجنرال حاييم بارليف (الممثل الشخصي لرئيس الاركان العامة في القيادة الجنوبية) فاستجاب لطلبه وامر بعبور لواء آمنون الى الغرب. ونظرا لان شارون أصبح – ومعظم قواته بعد عبور لواء آمنون – موجودا على الضفة الغربية للقناة، فقد ذهب ثانية الى بارليف مقترحا تغيير الخطة الموضوعة من قبل، وبدلا من ان تتجه فرقته جنوبا والى الغرب من فرقة برن بحذاء القناة كان اقتراح شارون يقضي بان يبقى في موقعه لتوسيع راس الكوبري بهدف الاندفاع شمالا بعد ذلك في اتجاه الاسماعيلية. ووافق بارليف، واستدعى جونين لابلاغه بالتغيير الذي جرى في الخطة، وبدلا من ان تكون فرقة كلمان ماجن مسئولة عن تامين راس الكوبري بعد تسلمها هذه المهمة من فرقة شارون كما كان مقررا في الخطة، أصبحت مهمتها الاندفاع جنوبا غرب فرقة برن في اتجاه السويس، وأصبح من واجب شارون البقاء بفرقته في راس الكوبري في موقعه الحالي للاندفاع شمالا بعد ذلك الى الاسماعيلي. ووافق جونين في الحال على هذا التعديل في الخطة، موضحا لبارليف ان الحياة ستكون اسهل كثيرا بالنسبة له عندما يتولى قيادة فرقتي برن وماجن بدلا من شارون، اذ انه سيتعامل مع قادة يشعر بانهم يتعاونون معه، وان تحفظاتهم – ان وجدت – لن يكون لها طابع شخصي. ورحب جونين بان يكون الاندفاع الاسرائيلي نحو الجنوب على شكل مروحة: برن الى اليسار وماجن الى ايمين ومن خلفه، وبذلك يزداد العمق اثناء التقدم كما يتم خلق قاعدة وطيدة للمقاومة في حالة حدوث اي تعثر على الجبهة.

وقبل عبور لواء آمنون الى الضفة الغربية للقناة، امره الجنرال شارون بمهاجمة المزرعة الصينية (قرية الجلاء) من الخلف، كانت قوات اللواء 16 مشاة ووحدات الفرقة 21 المدرعة قد استنزفت في المعارك المريرة القاسية التي دارت رحاها داخل القرية، ولذا لم تلبث المزرعة الصنيية ان سقطت في يد القوات الاسرائيلية. وانكشف امام انظار الاسرائيليين صورة لمنطقة دفاعية على مستوى عالي من التنظيم كانت تضم في ارجائها مواقع عديدة مهجورة لاسلحة ومدافع وصاريخ ساجر (مالوتكا) المضادة للدبابات والتي كانت منتشرة بكثافة في المنطقة باكملها. وبعد سقوط المزرعة الصنيية، واصل آمنون الضغط لتوسيع راس الكوبري شرق القناة الى مسافة حوالي 5 كم شمالا.

زيارة ديان للمزرعة الصينية

وبعد الظهر، وصل موشي ديان الى ارض المعركة برفقة الجنرال شارون، وقد وصف موشي ديان في مذكراته هذه الزيارة التي قام بها للمزرعة الصنية فقال: "لم استطع اخفاء مشاعري عند مشاهدتي لها، فقد كانت مئات من العربات العسكرية المهشمة والمحترقة متناثرة في كل مكان وبعضها ما زال يتصاعد منه الدخان، كما كانت هناك دبابات اسرائيلية ودبابات مصرية لا يبعد بعضها عن بعض سوى بضع ياردات، وكانت هناك ايضا عربات نقل امدادات مهجورة فاجاتها الغارة الجوية وقذائف المدفعية، وكانت بين الاسلحة والمعدات بطاريات سام 2 وسام 3، وكان وسط كل بطارية منصة ثابتة لاطلاق الصواريخ وحولها عربات محملة بالصواريخ بعضها سليم لم يمس وبعضها مدمر. ومع اقترابنا من كل دبابة كان الامل يراودني ألا أجد علاوة الجيش الاسرائيلي عليها، وانقبض قلبي كان هناك الكثير من الدبابات الاسرائيلية. ومع ان مناظر الحرب أو المعركة لم تكن غريبة بالنسبة لي، فانني لم اشاهد على الاطلاق مثل ذلك المنظر لا على الطبيعة ولا في اللوحات ولا في افظع افلام السينمائية الحربية. لقد كان امامنا ميدن شاسع لمذبحة اليمة يمتد الى أبعد ما تستطيع العين الوصول اليه. كانت الدبابات والمركبات والعربات المدرعة والمدافع وعربات نقل الذخيرة المعطلة والمقلوبة والمحترقة دليلا مروعا على المعركة الرهيبة التي دارت هنا".

وعندما شاهد آمنون مدى تاثر موشى ديان وارتجافه بسبب آثار هذه المعركة الوحشية قال له: "انظر الى وادي الموت هذا".. وتمتم ديان بدهشة قائلا: "ماذا فعل رجالك هنا؟".

اقامة الجسر السابق التركيب

في الصباح الباكر يوم 18 أكتوبر، أمر الجنرال شارون نائبه العميد جاكسي الذي أصبح المسئول الاول عن عملية اقامة جميع الجسور عبر القناة باحضار الجسر السابق التركيب الى الامام. وكان هذا الجسر قد ظل معطلا منذ الليلة الاولى للعبور (ليلة 15/16 أكتوبر) بعد أن غرزت بعض اجزائه على طريق طرطور على بعد حوالي 18 كم شرق النقاة، ولم يكن من المتيسر جره الى اتجاه ساحة العبور في الدفرسوار الا بعد ان يتم للقوات الاسرائيلية فتح طريق طرطور الذي كان الجزء الاخير منه يخترق مواقع اللواء 16 مشاة (الجنب الايمن للفرقة 16 مشاة) . ونظرا لنجاح قوات الجنرال ادان في تحقيق المهمة التي اسندت اليها قبل عبورها الى الضفة الغربية، وهي فتح طريقي أكافيش وطرطور والاشتراك مع قوات الجنرال شارون في الاستيلاء على المزرعة الصينية (قرية الجلاء)، لذلك أصبحت الفرصة متاحة لاحضار الجسر المعطل على طريق طرطور، والعمل على اقامته على وجه السرعة عبر القناة عند الدفرسوار بجوار جسر معديات البونتون، ليكون هناك جسران ثابتان فوق القناة وفقا للخطة الاصلية (القلب الشجاع)، اذ كان من الخطر عبور فيلق مدرع (فرقتي شارون وأدان) الى الضفة الغربية مع الاعتماد على جسر واحد فقط للربط بين ضفتي القناة.

وبناء على تعليمات شارون، بدأ الجسر السابق التركيب والبالغ طوله حوالي 180 متر في التحرك غربا في اتجاه ساحة العبور صباح يوم 18 أكتوبر على طريق طرطور، وكانت تجره مجموعة مكونة من 12 دبابة اسرائيلية، كان الجسر متصلا بها بواسطة حبال لاسلكية سميكة، وكان ينزلق ببطء على الرمال فوق اسطوانات تدور حول نفسها ومثبتة به من أسفل. ولم تكن عملية الجر سهلة ، فقد كانت حبال الجر التي تربط الدبابات بالجسر ينقطع بعضها أثناء التحرك فتضطر القافلة الى التوقف لاصلاحها، علاوة على الضرب المركز من المدفعية المصرية التي كانت تطلق نيرانها من راس كوبري الفرقة 16 مشاة شرق القناة مما كان يعرقل سير القافلة، وقد تسبب في وقوع خسائر عديدة في الافراد والمعدات.

وكانت ثلاثة جرارات ثقيلة تتقدم القافلة لازالة اي عوائق بما فيها حطام الدبابات والمركبات المدمرة او المعطلة لتدفع بها خارج الطريق. وعلى راس قافلة الجسر سارت عربة جيب كان يستقلها المقدم جوني تان رئيس المهندسين العسكريين الذي كله العميد جاكي بمهمة احضار الجسر الى القناة واقامته في موضعه المحدد، والى جواره جلس مساعده اسحق بن دوف. ونظرا لان طريق طوطور كان مليئا بالألغام، فقد أسندت مهمة تطويره الى مجموعة المهندسين العسكريين من خبراء المفرقعات، ولم تكن العملية سهلة، فقد كانت القافلة تتحرك تحت قصف متواصل من المدفعية المصرية مما جعل خبراء المفرقعات – منعا لتعطيل السير – يخاطرون برفع الالغام دون اتخاذ اجراءات الوقاية اللازمة لتأمينها كي يضعوها على جانبي الطريق وهي حية، أي بدون استخراج المفجر منها لابطال مفعولها.

واجتاز افراد الدبابات والمهندسون الاسرائيليون المنطقة الاخيرة من الطريق التي كانت تخترق مواقع اللواء المصري 16 مشاة السابقة قبل أن تضطر وحدات اللواء الى اخلائها والانسحاب شمالا تحت ضغط العدو. وكانت آثار المعارك الشرسة التي دارت بين الطرفين واضحة للعيان، ففي كل جزء من الطريق كانت جثث المصريين والاسرائليين مطروحة على الارض جنبا الى جنب، وقد تناثرت حطام الدبابات والمركبات والاسلحة المصرية والاسرائيلية مما جعل المنطقة اشبه بواد للموت أو مقبرة رهيبة للحرب.

وعلى الرغم من ان قوات الجنرال ادان قد تمكنت من فتح الطريق وازاحة المقاومات المصرية فان العميد جاكي خصص وحدة من الدبابات واخرى من الاسلحة المضادة للطائرات لمرافقة الجسر وتامينه اثناء التحرك. وقد عانى افراد اطقم هذه الدبابات عناء بالغا بسبب اضطرارهم الى التحرك ببطء بمعدل جر اجزاء الجسر، كما أن ذلك جعلهم هدفا سهلا للكمائن المصرية من اطقم اقتناص الدبابات.

ووصل الجسر بعد مشقة وعناء الى تقاطع طريق طرطور مع طريق لكسيكون (الطريق العرضي رقم 1) الموازي للقناة، وتعرضت القافلة عند وصولها الى التقاطع لغارة جوية عنيفة قامت بها مجموعة من طائرات الميج المصرية، مما اجبرها على التوقف ومحاولة الانتشار للوقاية من هجوم الطائرات. وكلفت هذه الغارة الاسرائليين ثمنا باهظا. فقد قتل خلالها المقدم جوني تان رئيس المهندسين العسركيين ، وكان يعد من امهر الخبراء العسكريين الاسرائيليين في اقامة الجسور علاوة على درايته التامة باحوال منطقة العبور، اذ كان يعرف كل شبر فيها. وادرك العميد جاكي بعد مصرعه مدى الورطة التي أصبح يواجهها، اذ ان اي خطوة يمكن ان تؤدي الى فشل عملية اقامة الجسر بأكملها. ولم يكن أمامه من حل سوى ان يفحص بنفسه مدى تحمل التربة من منطقة التقاطع الى ساحة العبور، وامتطى العميد جاكي دبابة قائد كتيبة الدبابات التي كانت تحمي القافلة وبرفقته عربة مدرعة نصف جنزير وتحرك من التقاطع في اتجاه ساحة العبور وهو يفحص بدقة تامة مدى صلابة الارض حتى يمكن للجسر الثقيل ان يتبع خط سيره دون ان يغرز في الرمال. وأخيرا نجحت التجربة ووصل الجسر السابق التركيب الى ساحة العبور بالدفرسوار قبل آخر ضوء يوم 18 أكتوبر. وعند منتصف الليل انتهى المهندسون العسكريون من اقامة الجسر بين شاطئي القناة في موضع يقع على بعد حوالي 200 متر فقط شمال موضع جسر المعديات البونتون. وبعد ان فتح الجسر للعبول اصبح لاسرائيل جسران ثابتان فوق قناة السويس. وفي يوم 19 أكتوبر تم اقامة جسر ثالث من معديات البونتون شمال الجسر الثاني. وكانت الجسور الثلاثة مقامة في مساحة طولية تبلغ نحو 500 متر من القناة بهدف تركيز الدفاع عنها سواء ضد غارات الطائرات المصرية أو ضد عمليات التسلل تحت الماء من الضفادع البشرية المصرية. وكانت ساحة العبور بالدفرسوار التي اصبحت مزدحمة بالافراد ومعدات الجسور والدبابات والمركبات تتولى قوة العميد جاكي ادارتها وتشغيلها، وكانت هذه القوة مشكلة من كتائب المهندسين العسكريين لاقامة الجسور واصلاحها وصيانتها ووحدات مضادة للدبابات لحمايتها من الغارات الجوية ومراكز طبية لاخلاء الجرحى والمصابين القادمين من غرب القناة الى مستشفيات الميدان.

الخطة التي وضعت لتصفية ثغرة الاختراق شرق وغرب القناة

عندما أدركت القيادة المصرية حقيقة العملية الكبرى التي تجري على ضفتي قناة السويس، وأمكنها رصد منطقة الجسور فوق القناة، وكذا ساحة العبور على الضفة الشرقية وساحة الابرار عند الدفرسوار على الضفة الغربية، تعرضت كل هذه المواقع لنيران مركزة متواصلة من وحدات مدفعية الجيش الثاني شرق وغرب القناة. وكان القصف مؤثرا الى الحد الذي ادى الى مقتل 41 ضابطا وجنديا من قوة جاكي في ليلة واحدة فقط، وبلغ عدد القتلى في نهاية المرحلة في ساحلة العبور وحدها وفقا للاحصائيات الرسمية الاسرائيلية اكثر من 100 قتيل، هذا بخلاف المئات من الجرحى والمصابين.

وكانت الخطة المصرية التي وضعت لتصفية ثغرة الاختراق الاسرائيلية شرق القناة وغربها يوم 18 أكتوبر تقضي بقيام اللواء 23 المدرع (من الفرقة 3 مشاة ميكانيكية) بهجوم مضاد على قوات العدو الموجودة داخل راس الكوبري الاسرائيلي في منطقة الدفرسوار غرب قناة السويس بمعاونة اللواء 116 مشاة ميكانيكي واللواء 182 مظلات، وفي نفس الوقت تقوم وحدات من الفرتقين 16 مشاة و21 المدرعة بهجوم مضاد على قرية الجلاء (المزرعة الصينية) والنقطة القوية في الدفرسوار شرق القناة لمحاولة اغلاق الطريق المؤدي الى ساحة العبور الاسرائيلية واستعادة الاوضاع الى ما كانت عليه في راس كوبري الفرقة 16م مشاة (الجناح الأيمن للجيش الثاني).

وفي ليلة 17/18 أكتوبر، قام اللواء تيسير العقاد قائد راس الكوبري الموحد الذي كان يضم الفرقتين 16 مشاة بقيادة العميد أ. ح عبد رب النبي حافظ و21 المدرعة بقيادة العميد أ. ح ابراهيم العرابي بتنظيم التعاون لعملية الهجوم المضاد، وفقا لقرار اللواء عبد المنعم خليل قائد الجيش الثاني، وقد تم ذلك في مركز القيادة المتقدم للفرقة 21 المدرعة بحضور قائدي الفرتقين المشاة والمدرعة وكذا قادة الوحدات التي ستشترك في عملية الهجوم المضاد.

وكان الموقف العام للعدو ولقواتنا كما يلي:

العدو: يدافع جنوب خط المغذي الرئيسي بحوالي كيلو متر وتقدر قوته باكثر من 50 دبابة مدعمة بعناصر مشاة ميكانيكية وبكتيبتين مضادتين للدبابات، علاوة على عدة نقط قوية في قريتي الجلاء ومنطقة الدفرسوار (شرق القناة).

قواتنا: كان العدد المتبقي من دبابات الفرقة 21 المدرعة بعد المعارك التي خاضتها منذ تطوير الهجوم يوم 14 أكتوبر لا يزيد على 40 دبابة. ولهذا صدرت الاوامر بتحرك كتيبة من اللواء 24 المدرع (من الفرقة 23 مشاة ميكانيكية وملحق على الفرقة 2 مشاة منذ بداية الحرب) لكي تنضم من مكان تمركز اللواء بالاسماعيلية شرق على قوات الهجوم المضاد وكانت قواتها 21 دبابة، هذا بالاضافة الى كتيبة دبابات الفرقة 16 مشاة التي كانت قوتها حوالي 20 دبابة مما يجعل جملة الدبابات المخصصة للهجوم المضاد نحو 80 دبابة.

وتحددت الساعة الثانية عشرة ظهرا يوم 18 أكتوبر موعدا لبدء الهجوم، وذلك لعدم توافر المجهود الجوي الذي سيخصص لمعاونة العملية قبل ذلك التوقيت.

وقبل ساعة س (موعد بدء الهجوم) تعرض راس الكوبرب الموحد لهجمات متواصلة من طائرات العدو والى قصف عنيف من مدفعيته بعيدة المدى من عيار 155 مم و175 مم، مما ادى الى ارباك التحضيرات الهجومية لقواتنا، وتسبب في وقوع كثير من الخسائر الى الحد الذي اضطر معه قائد راس الكوبري الموحد الى تاخير ساعة س. وتسبب في وقوع كثير من الخسائر الى الحد الذي اضطر معه قائد راس الكوبري الموحد الى تاخير ساعة س. وكان من بين الذين اصيبوا العميد أ. ح عبد النبي حافظ قائد الفرقة 16 مشاة الذي اصيب بشظية في فخذه من احدى دانات المدفعية اثناء وجوده في مركز الملاحظة الامامي للفرقة شرق الطالية، وتم اخلاؤه الى مستشفى المعادي وتولى قيادة الفرقة من بعده العميد أنور حب الرمان رئيس أركان الفرقة 16 مشاة.

وكانت خطة الهجوم المضاد تقضي بقياد كتيبة مشاة ميكانيكية من اللواء 18 مشاة ميكانيكي بمهاجمة قرية الجلاء وتدمير العدو فيها واتخاذ مواقع دفاعية جنوبها مع الاستعداد لصد أي هجمات مضادة للعدو.

وكان على اللواء الاول المدرع مهاجمة العدو غرب قرية الجلاء في القطاع المحصور ما بين الطريق العرضي رقم 1 وقناة السويس وتدمير العدو في مواجهته وتطوير الهجوم معتمدا على المشاة الميكانيكية للوصول الى النقطة القوية الشمالية في الدفرسوار والاستيلاء عليها. وكان الأمل معقودا على نجاح القوات المصرية التي ستقوم بالهجوم المضاد غرب القناة، لتدمير العدو والاستيلاء على المصاطب الممتدة على الساتر الترابي المحاذي للشاطئ الغربي للقناة والتي يمكنها في هذه الحالة معاونة قوات الهجوم المضاد شرق القناة وتهديد جنب العدو شرق القناة تهديدا مباشرا.

وعند الهجوم ، لم تتمكن كتيبة المشاة الميكانيكية من اللواء 18 مشاة ميكانيكي المكلفة بمهاجمة قرية الجلاء من تنفيذ مهمتها، نظرا لشدة الضرب الجوي المركز عليها، فتم ارتدادها الى الخلف وانضمت الى باقي وحدات اللواء للدفاع عن الخط الممتد شمال قرية الجلاء.

وأثناء تقدم اللواء الاول المدرع لتنفيذ المهمة المسندة اليه، اشتبك مع حشد كبير من دبابات العدو قامت بهاجمته من الشرق والجنوب وامكنه تدمير 13 دبابة اسرائيلية ولكن موقفه ازداد سوءا لقيام بعض دبابات العدو الموجودة على الشاطئ الغربي للقناة واطلاق نيران مدافعها عليه عبر القناة وتهديد جنبه الايمن. ونتيجة لكثافة نيران العدو اضطر الى الارتداد للخلف بعد ان اصبح عدد دباباته المتبقية 9 دبابات فقط.

وازاء شدة ضغط العدو على الجنب الايمن لراس الكوبري الموحد وقلة عدد الدبابات، اصدر قائد الجيش الثاني امره الى قائد اللواء 24 المدرع الذي كان متمركزا بمنطقة الاسماعيلية شرق والذي سبق له ارسال كتيبة من وحداته للانضمام الى قوة الهجوم المضاد، بان يقوم بالتخرك بباقي اللواء الى منطقة شمال غرب الطالية، واثناء تقدم اللواء 24 المدرع في اتجاه الطالية تعرض لقصف مركز من طيران ومدفعية العدو، ولكنه تمكن من الوصول الى راس الكوبري الموحد، واشترك مع باقي عناصر الفرقة 21 المدرعة في صد دبابات العدو التي هاجمت الجنب الايمن للفرقة 16 مشاة بقوة. ورغم ما ابدته هذه القوات من شجاعة وعناد وما تكبده العدو من خسائر فادحة، فان قوات العدو واصلت تقدمها شمالا من قرية الجلاء في اتجاه مدق السواحل شمال المغذي الرئيسي، واصبح الخط الذي تحتله وحدات الفرقة 21 المدرعة بعد انسحابها يتحاذي تقريبا مع سرابيوم على الضفة الغربية للقناة.

وهذا تحولت مهمة القوات التي كانت مخصصة للهجوم المضاد الى مهمة اخرى وهي صد اختراق العدو. وكان جانب كبير من هذا التحول في الخطة يرجع الى فشل القوات التي قامت في الصباح بالهجوم المضاد على راس كوبري العدو غرب القناة في مهمتها، وبالتالي احتفاظ العدو بسيطرته على المصاطب المصرية السابقة غرب القناة من مصطبة الدفرسوار جنوبا الى مصطبة الضخ شمالا، مما جعل الجنب الايمن للفرقة 21 المدرعة واقعت تحت تهديده المباشر.

وبعد ظهر يوم 18 أكتوبر، أبلغت القيادة العامة المركز 10 العميد أ. ح ابراهيم العرابي قائد الفرقة 21 المدرعة بان الصور الجوية التي التقطت للمنطقة شرق الدفرسوار وجنوب المغذي الرئيسي توضح ان وحدات الفرقة 21 المدرعة قد دمرت عددا كبيرا من دبابات العدو. وقد ساعدت هذه الاشارة اللاسلكية على رفع الروح المعنوية في الفرقة بعد الخسائر الجسيمة التي تكبدتها في الارواح والاسلحة والمعدات. وحوالي الساعة الرابعة مساء ارسل اللواء عبد المنعم خليل قائد الجيش الثاني تقرير موقف مطولا ضمن اشارات لاسلكية الى القائد العام الفريق اول احمد اسماعيل، كان القسم الأول منه عبارة عن شرح للموقف غرب القناة. اما القسم الثاني والاخير منه فكان عبارة عن شرح للموقف شرق القناة. وكان اهم ما تضمنه القسم الخاص بشرق القناة ان العدو قام بالاختراق حتى الضخ (المغذي الرئيسي) وزاد اختراقه حتى مدق السواحل، ولكن رغم هذا فان الموقف ليس سيئا، وقد قاتلت الفرق صباحا (الفرقة 21 المدرعة والفرقة 16 مشاة) ودمرت بعض دبابات العدو. وقد قاتلت الفرق صباحا (الفرقة 21 المدرعة والفرقة 16 مشاة) ودمرت بعض دبابات العدو. وورد في التقرير ان ضرب الطيران المصري كانت اثاره جيدة. وفيما يتعلق باللواء 24 المدرع (المتمركز بمنطقة الاسماعيلية شرق على الضفة الشرقية للقناة) فقد تقدم من أعلى إلى أسفل. وتعرض للضرب من الطيران الاسرائيلي. واورد التقرير أن اللواءين المشاة الباقيين في الفرقة 16 مشاة (بعد اخلاء اللواء 16 لمواقعه من قبل تحت ضغط العدو) متماسكان في مواقعهما داخل راس الكوبري، وطلب اللواء عبد المنعم في تقريره عودة اللواء تيسير العقاد الى مركز القيادة المتقدم للجيش الثاني بالاسماعيلية، وأن يتولى العميد أ. ح ابراهيم العرابي قيادة راس الكوبري الموحد. واوضح قائد الجيش الثاني في ايجاز خطته لليوم التالي (19 أكتوبر) ، فذكر أنه سيطلب من العميد أ. ح ابراهيم العرابي بعد توليه قايدة راس الكوبري الموحد تنظيم الموقف شرق القناة وتثبيت العدو والقضاء عليه في اول ضوء في اليوم التالي. وستقوم بمعاونته من غرب القناة وحدات من اللواء 182 مظلات بعد احتلالها للمصاطب. واوضح اللواء عبد المنعم في ختام تقريره ان مدفعية الجيش الثاني تواصل ضرب راس الكوبري الاسرائيلي بنيران مزعجة بصفة مستمرة، كما طلب من القائد العام امداده بقواذف صاروخية موجهة مضاد للدبابات (مالوتكا) لشدة الحاجة اليها في تكوين أطقم اقتناص دبابات.

أزمة قيادة رأس الكوبري الموحد

في الساعة الخامسة مساء يوم 18 أكتوبر، وصل الفريق سعد الشاذلي الى مركز القيادة المتقدم للجيش الثاني بالاسماعيلية بعد أن أمره الرئيس الراحل السادات بعد ظهر ذلك اليوم بالتحرك فورا من مركز القيادة العامة المركز 10 بالقاهرة الى الجيش الثاني، لكي يعمل على رفع الروح المعنوية وليبذل ما يستطيع لمنع تدهور الموقف. وفور وصول الفريق الشاذلي الى مقر القيادة اخطر اللواء عبد المنعم خليل بأن أي قرارات أو أوامر لابد أن تصدر منه شخصيا. وبدا الشاذلي في دراسة الموقف واستمع الى تقارير عاجلة من قائد الجيش وقادة ورؤساء افرع القيادة وسجل موقف الكفاءة القتالية للتشكيلات. وكانت أول أزمة صادفت الفريق الشاذلي بعد وصوله هي ازمة القيادة في راس الكوبري الموحد شرق القناة الذي كان يضم الفرقتين 16 مشاة و21 المدرعة، والتي ثارت فور صدور القرار بعودة اللواء تيسير العقاد الذي كان يتولى قيادة راس الكوبري الموحد الى قيادة الجيش الثاني غرب القناة.

وكان سبب الازمة يرجع الى موضوع الاقدمية، وهو موضوع شائك وشديد الحساسية بالنسبة للعسكريين، اذ لا يمكن لاحد منهم – على خلاف ما يجري في السلك المدني – ان يقبل ان يراسه شخص احدث منه في الرتبة أو الأقدمية في حالة تساوي الرتب.

وكان اللواء عبد المنعم خليل في رسالته اللاسلكية التي بعث بها الى القائد العام في الساعة الرابعة مساء يوم 18 أكتوبر قد طلب عودة اللواء تيسير العقاد الى مقر قيادة الجيش الثاني وان يتولى العميد أ. ح ابراهيم العرابي قيادة راس الكوبري الموحد. وكانت أوضاع القوات داخل راس الكوبري هي التي دفعت قائد الجيش الثاني الى اتخاذ هذا القرار، فقد تقلص راس كوبري الفرقة 16 مشاة – من جهة – بع اخلاء اللواء 16 مشاة (الجنب الايمن للفرقة 16 مشاة) لمواقعه اخلاء تاما وارتداده شمالا حيث انضم على اللواء 18 مشاة ميكانيكي ( من الفرقة 21 المدرعة) في مواقه الدفاعية شمال قرية الجلاء. ومن جهة أخرى أصبحت الفرقة 21 المدرعة – رغم ما حاق بها من خسائر جسيمة – هي المسئولة عن صد هجمات العدو من مواقعه في قرية الجلاء، ومنعه من توسيع ثغرة اختراقه شمالا، وعلاوة على ذلك كان عليها مسئولية وقاية الجنب الايمن للفرقة 16 مشاة بعد اخلاء اللواء 16 مشاة لمواقعه.

لكن قيادة العميد أ. ح ابراهيم العرابي لراس الكوبري الموحد أوجدت أزمة كان لابد من حلها ، فان العميد العرابي كان أحدث من جهة الاقديمة من العميد أنور حب الرمان رئيس أركان الفرقة 16 مشاة الذي تولى قيادتها بالنيابة بعد اصابة قائدها يوم 18 أكتوبر واخلاؤه الى القاهرة وكذا من العميد أ. ح بكير محمد بكير مساعد قائد الفرقة 16 مشاة. ولحل هذه الازمة اضطر الفريق سعد الشاذلي الى التدخل شخصيا لازالة الخلاف بين قائدي الفرقتين، فارسل اشارة لاسلكية الى المعيد انور حب الرمان ناشده فيها ان يترك عرابي يتولى القيادة وان يضع نفسه تحت قيادته لان الامر الان اصبح يتعلق بشرف مصر. كما ارسل الى العميد أ. ح ابراهيم العرابي اشارة لاسلكية قال له فيها: "يجب يا عرابي ان تتولى قيادة راس الكوبري بصرف النظر عن أقدمية حب الرمان أو بكير. وأنا قلت لحب الرمان إنك ستتولى القيادة".


الفصل السابع: العمليات الإسرائيلية الرئيسية غرب قناة السويس

كانت الخطة التي وضعتها القيادة العامة المصرية بالاشتراك مع قيادة الجيش الثاني لتصفية ثغرة الاختراق الاسرائيلية يوم 18 أكتوبر تقضي بصفة عامة بما يلي:

على الضفة الشرقية للقناة: تقوم وحدات من الفرقة 16 مشاة والفرقة 21 المدرعة بهجوم مضاد على قرية الجلاء (المزرعة الصينية) والنقطة القوية في الدفرسوار (الحصن الاسرائيلي السابق متسميد) لمحاولةاغلاق الطريق المؤدي الى ساحة العبور الاسرائيلية واستعادة الأوضاع الى ما كانت عليه في راس كوبري الفرقة 16 مشاة (الجناح الأيمن للجيش الثاني).


على الضفة الغربية للقناة: يقوم اللواء 23 المدرع (عدا كتيبة) من الفرقة 3 مشاة ميكانيكية (الاحتياط الاستراتيجي للقيادة العامة) بهجوم مضاد على العدو في منطقة الدفرسوار في أول ضوء يوم 18 أكتوبر بمهمة تدميره واحتلال المصاطب الى مسافة 5 كم شمال الدفرسوار. ويقوم اللواء 116 مشاة ميكانيكي بمهمة تأمين اللواء 23 المدرع عند دفعه للاشتباك ومنع العدو من التقدم غربا، وفي الوقت نفسه يقوم اللواء 182 مظلات بالاستيلاء على المصاطب غرب القناة، من الشمال الى الجنوب من جبل مريم شمالا حتى مصطبة الضخ جنوبا على ان تستخدم المصاطب بعد الاستيلاء عليها لتدمير القوات الاسرائيلية على الضفة الشرقية للقناة ومعاونة وحدات الفرقتين 16 مشاة و21 المدرعة في تحقيق المهام الموكلة اليها، وكذا منع العدو من العبور الى الضفة الغربية للقناة.


معركة اللواء 23 المدرع

كانت التعليمات الخاصة بالهجوم المضاد تقضي بتأمين دفع اللواء 23 المدرع بضربة طيران لمدة 10 دقائق تعقبها قصفة نيران من مدفعية الفرقة 23 مشاة ميكانيكية من الساعة السادسة والثلث الى الساعة السادسة والنصف عند وصول وحدات اللواء الى خط الدفع للاشتباك.

ونظرا لتكاثف الضباب في الوقت المحدد لبدء الهجوم، اضطر قائد الجيش الثاني الى اصدار أمره بتأخير ساعة س (ساعة بدء الهجوم) لتكون الساعة السابعة بدلا من الساعة السادسة والنصف صباحا، حتى يتمكن الطيران من التمهيد للهجوم حسب الخطة الموضوعة. واتصل اللواء محمد عبد الغني الجمسي رئيس هيئة العمليات في المركز 10 باللواء عبد المنعم خليل قائد الجيش الثاني قبل ساعة س وأبلغه أن الطيران جاهز لتوجيه ضربته، ولكن الضباب يمنع خروجه، ولذا ينبغي أن تبدأ المدفعية في قصف نيرانها قبل الهجوم على أن يخرج الطيران عند انقشاع الضباب. وفي الساعة السابعة صباحا وبعد تمهيد نيراني بالمدفعية لمدة 10 دقائق، عبرت وحدات اللواء 23 المدرع (عدا كتيبة) خط الدفع للاشتباك في نسق واحد كان يتكون من كتيبة دبابات في اليمين وكتيبة دبابات (عدا سرية) في المنتصف وكتيبة المشاة الميكانيكية في اليسار، وتشكل الاحتياطي من سرية دبابات من كتيبة الدبابات في المنتصف. ومما تجدر ملاحظته أن اللواء المدرع علاوة على سحب كتيبة دبابات منه يوم 17 أكتوبر قد سحبت منه أيضا كتيبة مدفعيته، وبذا تم هجومه بدون معاونتها.

وقد مر تشكيل قتال اللواء 23 المدرع قبل وصوله الى خط الدفع للاشتباك من خلال المواقع الدفاعية للواء 116 مشاة ميكانيكي الذي كان يحتل موقعا رئيسيا غرب منطقة تقاطع طريق المعاهدة مع وصلة أبو سلطان بكتيبة مشاة ميكانيكية مدعمة (عدا سرية) وفصيلة دبابات. وفي نفس هذه المنطقة كان يقع مركز القيادة المتقدم للواء 116 مشاة والى الغرب منه بقليل اختار العميد أ. ح أحمد عبود موقع القيادة المتقدم للواء 116 مشاة، والى الغرب منه بقليل اختار العميد أ. ح أحمد عبود الزمر موقع القيادة المتقدم للفرقة 23 مشاة ميكانيكية بعد نقله يوم 17 أكتوبر من مكانه الأصلي شمال ترعة الاسماعيلية الى الموقع الجديد، على اثر اسناد القيادة العامة اليه مهمة تصفية ثغرة الاختراق غرب القناة، وضع جميع القوات جنوب ترعة الاسماعيلية تحت قيادته. وعلى مسافة 7 كم شمال تقاطع طريقي المعاهدة – أبو سلطان كان يقع تقاطع طريق المعاهدة مع وصلة سرابيوم، وكان اللواء 116 مشاة ميكانيكي يحتل موقع دفاعيا بسرية مشاة ميكانيكية وفصيلة دبابات غرب التقاطع لحماية الجانب الأيسر للواء 23 المدرع في أثناء قيامه بهجومه المضاد على منطقة الدفرسوار.

وفي الوقت الذي كان فيه اللواء 23 المدرع قد أتم الفتح في تشكيل القتال استعدادا لبدء الهجوم المضاد، كان الجنرال ابراهام أدان (برن) بعد أن تم له عبور قناة السويس بفرقته المدرعة في الساعة الرابعة صباحا، قد تقدم في أول ضوء يوم 18 أكتوبر بلواءيه المدرعين بقيادة العقيدين نيتكا وجابي من منطقة الابرار بالدفرسوار في اتجاه الغرب حتى وصل الى شاطئ الترعة الحلوة الموازية لقناة السويس (ترعة السويس). وعندما حاولت بعض المفارز من الدبابات الاسرائيلية التقدم عبر الترعة الحلوة غربا للقيام بالاستطلاع تعرضت لقذائف صاروخية مضادة للدبابات من بعض الكمائن المصرية المختبئة في الأشجار والمزروعات، فأمر الجنرال أدان سحب المفارز الاسرائيلية المتقدمة، وأن تقوم المدفعية الاسرائيلية بقصفة نيران مركزة على المواقع المصرية التي على مواجهته استعدادا لشن هجومه باللواءين المدرعين الذين قاما بالفتح في تشكيل القتال: لواء نيتكا في اليمين ولواء جابي في اليسار.

وانهمرت نيران المدفعية الاسرائيلية التي اشتركت في قصفها بطاريات من عيار 155 مم و175 مم بعيدة المدى من مواقعها على الضفة الشرقية للقناة، على تشكيل قتال اللواء 23 المدرع ومواقع اللواء 116 مشاة ميكانيكي ومراكز القيادات المتقدمة ونقط ملاحظة المدفعية المصرية، مما سبب لها جميعا أضرارا جسيمة. وفي أثناء قصف المدفعية الاسرائيلية، قامت الطائرت الاسرائيلية بهجمات عنيفة على الوحدات الفرعية للواء 23 المدرع مما أربك تشكيل قتال اللواء، وجعل قائد الجيش الثاني يطلب من هيئة العمليات بالمركز 10 خروج طلعة طيران لتوفير الحماية الجوية للواء المصري المدرع.

وفي أثناء تقدم تشكيل قتال اللواء 23 المدرع شرق طريق المعاهدة، كانت عناصر من اللواء المدرع الاسرائيلية بقيادة العقيد جابي قد اتخذت من بعض النقط التي احتلتها غرب ترعة السويس مواقع حصينة ومخفاة بعناية للستائر المضادة للدبابات التي كانت تتكون من الصواريخ المضادة للدبابات الموجهة من طراز SS11.TOW ومن الدبابات التي استترت داخل المرابض للضرب من وضع Hull down position.

ونظرا لأن المنطقة شرق طريق المعاهدة كانت خالية تماما من أي سواتر أو أماكن تصلح للاختفاء، ونظرا للقصور الواضح في أعمال الاستطلاع على كل المستويات، مما جعل اللواء 23 المدرع يقوم بهجومه المضاد دون أن تكون لديه أي معلومات صحيحة عن العدو، فقد فوجئت وحدات اللواء 23 المدرع الفرعية فور دخولها أرض القتال بسيل منهمر من نيران مدافع الدبابات والمقذوفات الصاروخية الموجهة من الستائر الاسرائيلية المضادة للدبابات من المواجهة وعلى الأجناب. ولم يتمكن احتياطي اللواء من التدخل في المعركة بسبب تشكيله الضعيف. وقد حاولت وحدات مدفعية الجيش الثاني انقاذ الموقع بضرب ستارة من الدخان أمام تشكيل قتال اللواء، وبقصف غلالات من نيرانها على مواقع العدو ، ولكن ذلك كله لم يستطع تغيير مجرى المعركة.

وفي التقرير الذي بعث به قائد الجيش الثاني الى القيادة العامة المركز 10 ضمن اشارة لاسلكية في الساعة الرابعة والنصف مساء يوم 18 أكتوبر، سجل اللواء عبد المنعم خليل أن اللواء 23 المدرع بقيادة العقيد أ. ح حسن عبد الحميد قد قاتل بشجاعة ودمر للعدو عددا كبيرا من الدبابات، وأن قائد اللواء أصيب في المعركة. وذكر في نهاية تقريره أن اللواء المدرع لم يبق منه سوى حوالي 8 دبابات، وقد انضمت بعد انتهاء المعركة الى القوة التي تحت قيادة العميد أ. ح أحمد عبود الزمر عند تقاطع طريقي المعاهدة – أبو سلطان، وأن مجموعة خاصة من رئاسة الفرقة 23 مشاة ميكانيكية تقوم باعادة الدبابات التي شردت غربا من اللواء 23 المدرع لتجميعها في منطقة التقاطع التي يقع فيها مركز القيادة المتقدم للعميد الزمر.

وكان اللواء الاسرائيلي المدرع بقيادة العقيد نيتكا الذي يقع في اليمين من تشكيل قتال فرقة الجنرال أدان قد تقدم في اتجاه الغرب بعد تحضيرات المدفعية في الصباح على وصلة سرابيوم. وعند اكتشافه للموقع الدفاعي المصري الضعيف القوة والتحصين غرب تقاطع طريق المعاهدة مع وصلة سرابيوم (الموقع الثانوي للواء 116 مشاة ميكانيكي)، قامت الدبابات الاسرائيلية باقتحام الموقع وشتت شمل سرية المشاة الميكانيكية المدعمة التي كانت تحتله. (كان الاسرائيليون يطلقون على التل الموجود قرب التقاطع الاسم الكودي Arel). واتجاه العقيد نيتكا بعد ذلك بدباباته جنوبا على محور طرق المعاهدة، وعندما اقترب من منطقة تقاطع طريقي المعاهدة – أبو سلطان حيث يقع الموقع الدفاعي الرئيسي الذي كانت تحتله كتيبة مشاة ميكانيكية مدعمة (عدا سرية) من اللواء 116 مشاة ميكانيكي (كان الاسرائيليون يطلقون على نقطة المثلثات الموجودة شمال غرب التقاطع الاسم الكودي Tsach). وقعت دباباته تحت نيران قوية مركزة، فانحرفت في اتجاه الغرب متجنبة الهجوم على الموقع المصري. وأصبح اللواء 116 مشاة بعد ظهر يوم 18 أكتوبر مكونا من الناحية التنظيمية من كتيبة مشاة ميكانيكية واحدة (عدا سرية). وكانت تحتل الموقع الدفاعي غرب منطقة التقاطع وبجوارها مركز القيادة المتقدم للواء 116 مشاة ميكانيكي، وكذا مركز القيادة المتقدم للفرقة 23 مشاة ميكانيكية الذي كان يوجد بداخله العميد أ. ح أحمد عبود الزمر قائد الفرقة. وعلاوة على ذلك كان يوجد بمنطقة التقاطع ما أمكن تجميعه من بقايا دبابات اللواء 23 المدرع الذي فقد بعد انتهاء المعركة ظهر يوم 18 أكتوبر مقدرته القتالية، وفقد بذلك الاحتياطي الاستراتيجي للقيادة العامة (الفرقة 3 مشاة ميكانيكية) العنصر المدرع داخل تشكيل الفرقة.

عمليات اللواء 182 مظلات

عند منتصف ليلة 17/18 أكتوبر وصل العقيد عزمي قائد اللواء 182 مظلات على رأس الكتيبتين 81 و89 مظلات الى نفيشة. وفي الدقيقة 15 من صباح يوم 18 أكتوبر أرسل اللواء عبد المنعم خليل قائد الجيش الثاني رسالة لاسلكية مطولة اى العقيد اسماعيل عزمي شرح له فيها أوضاح العدو شرق القناة وغربها وأوضاع قواتنا، كما حدد له فيها المهام التي أسندت الى اللواء 182 مظلات، وكان أهم ما تضمنته هذه الرسالة بالنسبة للوضع في غرب القناة ما يلي:

العدو: تمكن العدو من الاختراق واحتل النقطة القوية بالدفرسوار وله عناصر في النقطة القوية بالضخ (النقط القوية كانت عبارة عن المصاطب المصرية الممتدة على الساتر الترابي المحاذي للقناة) – من المحتمل تقدم العدو شمالا على طريق القناة بغرض احتلال المصاطب السابقة لقواتنا للضرب على قواتنا في الشرق، وكذا التحرك شمالا على الطريق الموازي للترعة الحلوة في اتجاه سرابيوم وعين غصين. أو التحرك جنوبا في اتجاه معسكر قادش ومنطقة أبو سلطان.

قواتنا: في منطقة الدفرسوار غير معروف أماكن قواتنا بالضبط، لكن قد تكون شمال غرب مطار الدفرسوار الكتيبة 86 مظلات (عدا سرية). قواتنا في منطقة تقاطع طريقي المعاهدة – أبو سلطان: قيادة اللواء 116 مشاة ميكانيكي ومعها قيادة متقدمة من الفرقة 23 مشاة ميكانيكية بقيادة العميد الزمر. في تقاطع طريقي المعاهدة – سرابيوم كتيبة دبابات من اللواء 23 المدرع.

مهمة لواء المظلات

1- تأمين المصاطب على الضفة الغربية للقناة من الشمال الى الجنوب (جبل مريم – حنيدق – طوسون – سرابيوم – الضخ – الدفرسوار) ومنع العدو من احتلالها ومعاونة قواتنا في الضفة الشرقي للقناة. 2- منع العدو من توسيع اختراقه في منطقة الدفرسوار وتطهير هذه المنطقة من قوات العدو. 3- الاستعداد لتكوين مجموعات اقتناص دبابات لتدمير العدو في راس الكوبري. 4- السيطرة على المنطقة ما بين جنوب الاسماعيلية الى منطقة مطار الدفرسوار شرقا حتى الطريق الموازي للترعة الحلوة غربا والتركيز على التقاطعات والمدقات والهيئات الحاكمة والمخاضات.

توزيع المهام على القوات

الكتيبة 89 المظلات: في اليسار تتحرك من نفيشة على طريق القناة في مجموعات سرايا. الكتيبة (عدا سرية) تحتل مصاطب: جبل مريم- حنيدق – طوسون – سرابيوم – الضخ وتضرب من مصطبة الضخ على مصطبة الدفرسوار حتى يتم تطهيرها واحتلالها. السرية المتبقية من الكتيبة تحتل المصاطب في منطقة سرابيوم مع تأمين الكوبري البيلي بها، ويراعي دفع عناصر استطلاع قبل العملية لاستطلاع المنطقة.

الكتيبة 81 مظلات: في اليمين تتحرك من نفيشة جنوبا الى عين غصين على الترعة الحلوة وتبقى للعمل كاحتياط لمعاونة الكتيبة 89 مظلات للقضاء على العدو في حالة حدوث أي تعطيل. وعقب الانتهاء من تطهير المنطقة تحتل بسرية مشاة حنيدق، وبسرية ثانية جبل مريم، بينما تؤمن بالسرية الثالثة طريق عين غصين. وبعد اتمام تطهير الدفرسوار يتخذ لواء المظلات أوضاعه للدفاع عن المنطقة مع تخصيص قوة منه في الاحتياط.

وفي صباح يوم 18 أكتوبر، كان لواء المظلات قد تمكن من تنفيذ معظم المهام التي اوكلت اليه في الساعات الأولى للصباح. فقد احتلت الكتيبة 89 مظلات المصاطب على الشاطئ الغربي من جبل مريم شمالا حتى مصطبة الضخ جنوبا، وأصبح في امكان العناصر التي احتلت مصطبة الضخ رؤية جسر المعديات البونتون الاسرائيلي الذي اقامه العدو عبر القناة عند الدفرسوار في اليوم السابق، مما أدى الى تصحيح النيران التي تطلقها المدفعية على مكان الجسر. ومنذ ذلك الوقت اخذت مدفعية الجيش الثاني تصب على الجسر نيرانها في احكام ودون هوادة طوال الليل وكذا طوال نهار اليوم التالي. وعندما تنبه العدو الى دقة تصويب نيران المدفعية نتيجة لاحتلال المصريين مصطبة الضخ قام بهجوم مضاد بدباباته واحتل المصطبة. ونتيجة لتفتيت قوة الكتيبة 89 مظلات وتوزيع أفرادها على كل المصاطب من جبل مريم شمالا حتى مصطبة الضخ جنوب "5 مصاطب"، فقد فشل الهجوم المضاد الذي شنته القوات المتبقية على مصطبة الضخ بغرض استعادتها من العدو ثلاثة مرات متوالية نظرا لضعف تلك القوة القائمة بالهجوم، وكان الأفضل للكتيبة للاستيلاء على مصطبتي الضخ والدفرسوار بالنسبة لقربهما من منطقة الابرار وأهميتها القصوى بالنسبة للعدو وقواتنا.

أما الكتيبة 81 مظلات، فقد تحركت من نفيشة الى عين غصين وتقدمت جنوبا على الطريق الموازي للترعة الحلوة وتوقفت فور وصولها الى سرابيوم حيث قامت بعملية تأمين المعابر والكوبري البيلي التي أسندت إليها، وكان الافضل استمرارها في التقدم جنوبا حتى خط الضخ لحماية الجنب الايمن للكتيبة 89 مظلات ولمعاونتها بجزء من قوتها في استعادة مصطبة الضخ على الشاطئ الغربي للقناة.

عمليات المجموعة 129 صاعقة

كانت أوضاع الكتيبة 73 صاعقة بعد معاركها مع العدو في منطقتي مطار الدفرسوار ومعسكرات أبو سلطان يوم 17 أكتوبر كما يلي: • سرية صاعقة – متمركزة في سرابيوم بعد أن أصدر لها العقيد أ. ح علي هيكل قائد المجموعة أمره بالانسحاب من شمال مطار الدفرسوار الى سرابيوم حيث احتلت موقعا دفاعيا تم تدعيمه بفصيلة صاعقة مرة أخرى أرسلها قائد المجموعة.

وقد اشتبكت سرية الصاعقة والفصيلة الموجودتان في سرابيوم يوم 18 أكتوبر في قتال مرير مع كتيبة مظلات اسرائيلية من لواء مظلات العقيد داني مات كانت تتقدم شمالا على الطريق الموازي للترعة الحلوة في اتجاه سرابيوم. وقد أورد الجنرال حايم هيرزوج في الصحفتين 239 و240 من كتابه حرب التكفير طبعة لندن الانجليزية عام 1975 وصفا دقيقا لهذه المعركة نوجزه فيما يلي:

"لقد بدأ الهجوم على الضفة الغربية يتطور الان الى مرحلة جادة، فان المظليين التابعين لداني مات الذين أسسوا راس الكوبري ، ولم يواجهوا منذ البداية أي تحديات، قاموا الان، بصد عدة هجمات مضادة شنها رجال الصاعقة المصريون الذين دخلوا المعركة. وفي يوم 18 أكتوبر تحركت كتيبة مظلات بقيادة المقدم دان شمالا ما بين الترعة الحلوة وخط السكة الحديد في اتجاه سرابيوم على الطريق المؤدي الى الاسماعيلية. ومرت القوة بموقع مصري حصين، ولم تلبث أن وجدت نفسها في ظروف صعبة للغاية، فقد انعزل قائد الكتيبة مع 14 فردا من القوة الرئيسية التي كان يقودها قائد ثاني الكتيبة. وتحت ستار الحشائش الكثيفة في تلك المنطقة اقترب منه عشرات من المصريين من ثلات اتجاهات حتى مسافة من 5 إلى 10 أمتار. جمع أفراد القوة الاسرائيلية أنفسهم في بيت ذي طابق واحد، وعلى بعد خمسة أمتار تجمع المصريون في بيت من طابقين وأخذوا يطلقون عليهم من أعلى وابلا من النيران والقنابل اليدوية وقذائف البازوكا مهديين القوة بأكملها بالابادة.

ولأربع ساعات ظلت المعركة مستمرة، وكان النقيب كادموني (الذي أصبح بعد الحرب أحد أعضاء المعركة البارزين) يقف وحده في ركن في الجانب الشمالي من البيت، وقد تمكن من ايقاف المصريين المتقدمين نحوه بواسطة النيران والقنابل اليدوية. ووصلت شاحنتان مليئتان بالجنود الى المنطقة وتحركتا الى الركن الذي كان يقف فيه، ولكن قبل أن يتسنى انزال الجنود منها استطاع ان يدمرها بسلاحه المضاد للدبابات. وجلب المصريون بعد ذلك بعض المدافع والاسلحة المضادة للدبابات، وأطلقوا نيرانا مؤثرة على القوة الاسرائيلية من مسافة حوالي 100 متر. ولكن النجدة كانت في الطريق ودخلت المعركة قوتا انقاذ (واحدة تحت قيادة قائد ثاني اللواء، وكان أفرادها يتحركون على خط السكة الحديدية، والثانية كان أفرادها يتحركون من اتجاه قناة السويس تحت قيادة المقدم زفي). وبعد قتال مرير وسط الحشائش الكثيفة وحدائق المانجو استطاعت قوة الانقاذ الالتحام بالقوة المحاصرة التي كانت معزولة طوال اليوم، وبلغت الخسائر الاسرائيلية 11 قتيلا و27 جريحا. وعندما حل الظلام انسحبت الوحدة بأكملها". انتهى وصف هيرزوج.

• سرية صاعقة – كانت متشبثة بمواقعها بجوار معسكرات أبو سلطان. ورغم التعليمات الصادرة من العقيد أ. ح علي هيكل قائد المجموعة بالانسحاب الى معسكرات أبو سلطان فقد عجزت السرية عن التنفيذ نظرا لكثافة نيران العدو، مما دعا قائد المجموعة أن يطلب من مدفعية الجيش الثاني قصف المنطقة التي يحتلها العدو في أبو سلطان بالنيران بما فيها سرية الصاعقة المصرية.

وفي صباح 18 أكتوبر، نشب قتال متلاحم شديد الشراسة بين المظليين الاسرائيليين ورجال الصاعقة المصريين، استشهد خلاله رئيس استطلاع المجموعة وأصيب رئيس أركانها باصابات جسيمة، وتكبد العدو كذلك خسائر كبيرة.

وفي ليلة 18/19 أكتوبر وتحت ستر الظلام، انسحب ما تبقى من قوات الصاعقة في سرابيوم وأبو سلطان بأوامر قائد المجموعة الى منطقة تمركز المجموعة في أبو صوير لاعادة التجميع. وبلغت خسائر الصاعقة في هذه المعاركة 11 ضابطا و74 من الرتب الأخرى ما بين شهيد وجريح. والدرس الذي يمكن الاستفادة به من هذه المعركة هو أن الاسلوب الصحيح لاستخدام الصاعقة هو أسلوب الاغارة وعمل الكمائن دون التمسك بالارض لمدة طويلة حيث ان تسليح وحدات الصاعقة لا يتلاءم مع التماسك بالمواقع الدفاعية والاحتفاظ بالارض.

أوضاع القوات المصرية جنوب ترعة الاسماعيلية

نتيجة للمعاركة العنيفة التي دارت رحاها بين قوات الجيش الثاني الميداني وبين قوات الجنرال ابراهام أدان (برن) صباح يوم 18 أكتوبر غرب القناة في القطاع جنوب ترعة الاسماعيلية، بدأ الموقف على الجبهة المصرية يتدهور بصورة خطيرة وبسرعة مذهلة، فقد تلقت القوات التي قامت بالهجوم المضاد على قوات العدو في الدفرسوار ضربات شديدة تلقت القوات التي قامت بالهجوم المضاد على قوات العدو في الدفرسوار ضربات شديدة مما أفقد معظمها مقدرته القتالية، ووصل الامر الى حد أن الجيش الثاني لم يعد لديه بعد ظهر يوم 18 أكتوبر أي قوة مدرعة غرب القناة جنوب ترعة الاسماعيلية.

ولتدارك الموقف الخطير، أصدرت القيادة العامة تعليماتها الى اللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث بتكليف العميد أ. ح محمد عبد العزيز قابيل قائد الفرقة 4 المدرعة والذي كانت فرقته منذ بدء العمليات الحربية في يوم 6 أكتوبر 73 مسئولة عن تأمين النطاق التعبوي للجيش الثالث بالتوجه الى منطقة عثمان أحمد عثمان، اذ انه قد اصبح مسئولا أمام القيادة العامة عن تأمين النطاق التعبوي للجيشين الثاني والثالث معا (كانت المواجهة حوالي 70 كم). وعندما طلب قائد الفرقة الرابعة بعض الاستيضاحات عن مهمته من قائد الجيش الثالث، طلب منه الاتصال راسا بالقائد العام. ولا شك في أن تكليف قائد الفرقة 4 المدرعة بالتوجه الى تقاطع عثمان أحمد عثمان بدون ان تعطى له اي معلومات أو ايضاحات أو توجيهات محدة عن طبيعة المهمة الجديدة التي اسندت اليه، أو عن الوسيلة التي يمكنه بها تنفيذها على هذه المواجهة الواسعة، رغم انه لم يكن متيسرا في يده وقتئذ سوى لواء مدرع واحد فقط، هو دليل واضح على مدى الارتباك الذي كان موجودا داخل المركز 10 في هذه الفترة.

وكان موقف القوات التي اشتركت في الهجمات المضادة ضد العدو في منطقة الدفرسوار غرب القناة جنوب ترعة الاسماعيلية في الفترة من 16 إلى 18 أكتوبر كما يلي:

الفرقة 23 مشاة ميكانيكية: الاحتياطي التعبوي للجيش الثاني بقيادة العميد أ. ح أحمد عبود الزمر أصبحت قواتها جنوب ترعة الاسماعيلية عبارة عن كتيبة مشاة ميكانيكية واحدة (عدا سرية)، وهي من تشكيل اللواء 116 مشاة ميكانيكية بعد أن تمكن العدو من تدمير كتيبتي مشاة ميكانيكيتين من كتائبه. وكانت الكتيبة الباقية تحتل موقعا دفاعيا غرب منطقة تقاطع طريق المعاهدة مع وصلة أبو سلطان وبجوارها مركز القيادة المتقدم للواء 116 مشاة ميكانيكي وكذا مركز القيادة المتقدم للفرقة 23 مشاة ميكانيكية.

اللواء 23 المدرع: القوة المدرعة الوحيدة في تشكيل الفرقة 3 مشاة ميكانيكية (الاحتياطي الاستراتيجية للقيادة العامة). وبناء على تعليمات المركز 10 دفع اللواء المدرع من القاهرة حيث تمركز في تقاطع عثمان أحمد عثمان حوالي الساعة التاسعة مساء يوم 16 أكتوبر، وبالتعاون مع الكتيبة 85 المدرعة من اللواء بالانتقال الى تقاطع طريق المعاهدة مع وصلة سرابيوم مساء يوم 17 أكتوبر على قوات العدو في منطقة الدفرسوار. وقد وقعت الكتيبة المدرعة في أثناء تقدمها في كمين اسرائيلي، وانتهت المعركة بتدميرها. وفي صباح يوم 18 أكتوبر قام اللواء 23 المدرع (عدا كتيبة) بالهجوم المضاد الرئيسي على قوات العدو في منطقة الدفرسوار، ولكن الهجوم فشل بعد اصطدام وحدات اللواء بالستائر الاسرائيلية المضادة للدبابات، وخسر اللواء معظم دباباته. وقد صدر الامر باعادة تجميع اللواء 23 المدرع لاستعادة كفاءته القتالية في المنطقة غرب تقاطع طريق الاسماعيلية الصحراوي مع وصلة أبو صوير.

اللواء 182 مظلات: الكتيبة 85 مظلات – كانت مهمتها ان تقوم احدى سراياها يوم 17 أكتوبر بالاستيلاء على مرسى أبو سلطان وتأمينه، بينما تقوم باقي الكتيبة بالتعاون مع كتيبة مدرعة من اللواء 23 المدرع بالهجوم المضاد من تقاطع طريقي المعاهدة – سرابيوم على قوات العدو في مطار الدفرسوار لتدميرها والاستيلاء على المطار وتأمينه واستعادة النقط القوية التي استولى عليهاالعدو. ورغم نجاح سرية من الكتيبة في دخول مطار الدفرسوار، فان الكتيبة ازاء شدة ضغط العدو اضطرت الى الارتداد – بعد أن بلغت خسائرها 110 أفراد ما بين شهيد ومفقود – الى تقاطع طريق المعاهدة مع وصلة أبو سلطان فجر يوم 18 أكتوبر. وفي الساعة السادسة مساء يوم 18 أكتوبر تم انتقال الكتيبة الى معسكر أنشاص لاستعادة كفاءتها القتالية.

الكتيبة 89 مظلات: نجحت في تحقيق المهمة التي كلفت بها، وهي احتلال المصاطب المصرية غرب القناة لكنها فشلت في الاحتفاظ بمصطبة الفخ رغم قيامها بالهجوم المضاد لاستعادتها ثلاث مرات، كما لم تتمكن من الاقتراب من مصطبة الدفرسوار التي كان العدو يحتلها منذ قيامه بالعبور ليلة 15/16 أكتوبر، وكانت سرية من الكتيبة تقوم بتأمين الكوبري البيلي في سرابيوم.

الكتيبة 81 مظلات: متمركزة في سرابيوم جنوب محطة سكة الحديد بعد أن قامت بتأمين الطريق للترعة من عين غصن الى سرابيوم.

المجموعة 129 صاعقة: اشتبكت سريتان منها مع كتيبة مظلات اسرائيلية عند سرابيوم على طريق الاسماعيلية يوم 18 أكتوبر، واضطرت الكتيبة الاسرائيلية الى الانسحاب تحت ستر الظلام، بعد أن تكبدت خسائر فادحة. أما الكتيبة 73 صاعقة (عدا سرية) التي كانت متمسكة بمواقعها في المنطقة شرق معسكر أبو سلطان فقد اضطرت الى الانسحاب تحت ضغط العدو.

وصدرت التعليمات من قائد المجموعة بانسحاب وحداته الى أبو صوير لاستعاد كفاءتها القتالية.

كان هذا هو الموقف العام لقوات الجيش الثاني غرب القناة جنوب ترعة الاسماعيلية عندما وصل الفريق سعد الشاذلي رئيس الأركان الى مركز القيادة المتقدم للجيش الثاني بالاسماعيلية في الساعة الخامسة مساء يوم 18 أكتوبر. وقد ذكر الفريق الشاذلي في مذكراته أن الرئيس الراحل السادات وصل حوالي الساعة الثانية ظهرا يوم 18 أكتوبر الى المركز 10 بالقاهرة، واستمع الى تقرير عن الموقف من الفريق أول أحمد اسماعيل القائد العام. وبعد ذلك طلب من الفريق الشاذلي أن يتحرك الى الجيش الثاني لكي يعمل على رفع الروح المعنوية بين أفراده، وأن يبذل ما يستطيع لمنع تدهور الموقف. وبعد وصول الفريق الشاذلي بقليل اسمتع الى قرار اللواء عبد المنعم خليل وكان يتلخص فيما يلي:

1- يسحب اللواء 15 المدرع من الضفة الشرقية الى الضفة الغربية (كان تحت قدة الفرقة 18 مشاة في قطاع القنطرة شرق)، ويتمركز في المنطقة شمال ترعة الاسماعيلية ويعمل كاحتياطي للجيش الثاني. 2- يقوم اللواء 182 مظلات بالدفاع النشط على الضفة الغربية جنوب ترعة الاسماعيلية، ويقوم أيضا بتأمين مؤخرة الفرقتين 21 المدرعة و16 مشاة في مواقعها بالضفة الشرقية. 3- تقوم الفرقتان 21 المدرعة و16 المشاة بالضغط جنوبا في محاولة لاعادة اغلاق الطريق الاسرائيلي المؤدي الى الدفرسوار (طريق طرطور). 4- تتمسك الفرقتان 2 مشاة و18 مشاة بمواقعها شرق القناة. 5- تقوم مدفعية الجيش الثاني بتركيز نيرانها على منطقة الدفرسوار. 6- تقوم وحدات الصاعقة بأعمال الاغارة على قوات العدو المتمركزة في منطقة الدفرسوار.

وكان أشد ما أثار القلق في قيادة الجيش الثاني تلك البلاغات المتوالية التي اخذت تتلقاها منذ صباح 18 أكتوبر عن تسرب أعداد كبيرة من الدبابات الاسرائيلية في عمق الدفاعات المصرية غرب القناة، وقيامها بمهاجمة المواقع الخلفية والوحدات الادارية وقواعد الصواريخ أرض جو (سام).

وقد اتضحت خلال هذه المرحلة خطورة عدم نشر المعلومات الحقيقة عن العدو على الوحدات والوحدات الفرعية، فقد ثبت أن كثير من الوحدات غرب القناة لم يكن لديها علم عن اختراق العدو وعبور قواته الى الضفة الغربية للقناة. لقد كانت الوحدات الادارية ووحدات الدفاع الجوي ومراكز القيادات تفاجأ بظهور دبابات تطلق النار عليها دون أن تدري هويتها، وفي الوقت الذي تكتشف فيه حقيقتها تكون هذه الوحدات قد تم تدميرها أو أسرها. وقد تعرضت كذلك بعض الأرتال والمركبات الفردية التي تتحرك على الطرق وبعض الأفراد لحوادث أليمة عندما كانت تظهر أمامهم فجأة وبدون أي توقع قوات اسرائيلية تقوم باطلاق نيرانها عليهم، مماأدى الى مصرع وأسر المئات من الأفراد وتدمير عدد كبير من المركبات.

ومما زاد الموقف سوؤا الضعف الواضح في وسائل الدفاع المضاد للدبابات. فقد تم قبل بدء القتال سحب وحدات الصواريخ المضادة للدبابات (المالوتكا) من التشكيلات التي لن تقوم بالعبور لتدعيم التشكيلات المكلفة به ولذلك كانت هناك كتيبتا مالوتكا شرق القناة، واحدة منها تخص الفرقة 23 مشاة ميكانيكية والأخرى تخص اللواء 182 مظلات. وكان من المفترض بعد اتمام العبور واستكمال اقامة رؤوس كباري الفرقة شرق القناة ان تعود الكتيبتان الى وحدتيهما في غرب القناة، ولكن ذلك الامر لم يحدث وبقيت الكتيبتان شرق القناة. وقد ذكر الفريق الشاذلي في مذكراته أنه من أجل تقوية الدفاع المضاد للدبابات غرب القناة، اتفق سرا مع اللواء سعيد الماحي قائد الدفعية على سحب هاتين الكتيبتين دون علم الرئيس الراحل السادات والفريق أحمد اسماعيل حيث كانا يعارضان في سحب أي سلاح من الشرق. ورغم معارضة بعض قادة فرق المشاة التي دعمت بهذه الصواريخ، فقد أصر الفريق الشاذلي على سحبها، وتم بالفعل سحب الجزء الاكبر منها يوم 18 أكتوبر.

عبور ثلاث فرق مدرعة اسرائيلية الى غرب القناة

في خلال ليلة 17/18 أكتوبر عبر الجنرال ابراهام أدان (برن) قائد مجموعة العمليات رقم 162 قناة السويس على راس لواءين مدرعين بقيادة العقيدين نيتكا وجابي. وكان الجنرال جونين قائد القيادة الجنوبية الاسرائيلية قد أمر بسحب اللواء المدرع بقيادة العقيد آرييه من تشكيل مجموعة عمليات الجنرال أدان ليكون احتياطيا عاما للقيادة الجنوبية. وفي مساء يوم 18 أكتوبر وعقب العمليات الحربية التي قام بها الجنرال أدان على الضفة الغربية للقناة، وفي تقرير الموقف الذي بعث به الى الجنرال جونين لاسلكيا طالبه باعادة لواء آرييه تحت قيادته ليتسنى له القيام باختراق ناجح نحو الجنوب في اليوم التالي، ووافق جونين على هذا الطلب. وفي فجر يوم 19 أكتوبر أكمل لواء آرييه عبوره الى الغرب وأصبح تشكيل الجنرال أدان يضم ألويته المدرعة الثلاثة.

وفي يوم 18 أكتوبر كانت مجموعة عمليات الجنرال شارون رقم 143 غرب القناة تتكون من لواء مشاة مظلات بقيادة العقيد داني مات ولواء مدرع بقيادة العقيد حاييم، وفي يوم 19 أكتوبر صدر الأمر الى العقيد آمنون بالعبور الى الغرب بلوائه المدرع، وكان هذا اللواء يقوم بعمليات في الضفة الشرقية ضد وحدات الفرقتين 16 مشاة و21 المدرعة لتوسيع ثغرة الاختراق شمالا. وقد ترك العقيد آمنون كتيبة مدرعة من لوائه على الضفة الشرقية لمعاونة القوات التي كانت قائمة بمهاجمة الجنب الأيمن لراس كوبري الفرقة 16 مشاة .

وبعبور لواء آمنون الى الضفة الغربية استكمل الجنرال شارون يوم 19 أكتوبر مجموعة عملياته التي أصبحت تتكون من لواءين مدرعين ولواء مشاة مظلات. وفي ليلة 18/19 أكتوبر عبر الجنرال كلمان ماجن قائد مجموعة العمليات رقم 252 قناة السويس، وكانت المجموعة تتكون من لواءين مدرعين بقيادة العقيدين دان شمرون وباروم ولواء مشاة ميكانيكي بقيادة العقيد بنتشاس.

وباتمام عبور مجموعات العمليات الثلاث، أصبح لاسرائيل غرب القناة يوم 19 أكتوبر سبعة ألوية مدرعة ولواء مشاة مظلات ولواء مشاة ميكانيكي. وكانت مجموعة عمليات شارون تضغط في اتجاه مؤخرة الجيش الثاني جنوب ترعة الاسماعيلية، بينما تضغط مجموعتا عمليات أدان وماجن في اتجاه مؤخرة الجيش الثالث.

موقف الجيش الثاني غرب القناة

1- شمال ترعة الاسماعيلية – كان يوجد اللواء 10 مشاة ميكانيكي (من الفرقة 3 مشاة ميكانيكية الاحتياطي الاستراتيجي للقيادة العامة) في القطاع غرب القنطرة، كما كان يوجد اللواء 118 مشاة ميكانيكي (من الفرقة 23 مشاة ميكانيكي) الذي صدرت له الاوامر من قيادة الجيش الثاني باحتلال مواقع على طول ترعة الاسماعيلية لمنع قوات العدو من العبور شمالا الى الاسماعيلية. 2- جنوب ترعة الاسماعيلية – كان يوجد اللواء 182 مظلات المكون من ثلاث كتائب بعد انضمام الكتيبة 85 مظلات اليه اعتبارا من السبت الساعة التاسعة صباحا يوم 19 أكتوبر (بعد أن قدمت من معسكر انشاص عقب الانتهاء من عملية اعادة تجميعها)، وكانت توجد كذلك المجموعة 129 صاعقة التي تتكون من كتيبتين صاعقة. أما اللواء 23 المدرع (من الفرقة 3 مشاة ميكانيكية) واللواء 116 مشاة ميكانيكي (من الفرقة 23 مشاة ميكانيكية) فقد كانا في مرحلة اعادة التجميع بعد الخسائر الفادحة التي حاقت بهما خلال المعارك العنيفة مع قوات العدو في الفترة من 16 ألى 19 أكتوبر.

موقف الجيش الثالث غرب القناة

بعد صور أمر القيادة العامة بعودة اللواء الثالث المدرع من شرق القناة الى منطقة الجفرا شمال طريق القاهرة السويس الرئيسي مساء يوم 19 أكتوبر لاعادة تجميعه واستعادة كفاءته القتالية، أصبحت الفرقة الرابعة المدرعة مكونة من لواءين مدرعين ولواء مشاة ميكانيكي. وقد أسندت الى الفرقة الرابعة المدرعة اعتبارا من يوم 18 أكتوبر مسئولية الدفاع عن النطاق التعبوي للجيشين الثاني والثالث معا (من ترعة الاسمايعلية شمالا حتى جبل عتاقة جنوبا) وهي مواجهة لا تقل عن 70 كم ، واصبحت الفرقة الرابعة المدرعة تعمل بأوامر القيادة العامة.

مقارنة القوات المرعة (بعضها ببعض)

كان للعدو غرب القناة 7 ألوية مدرعة (3 في فرقة أدان و2 في فرقة شارون و2 في فرقة كلمان ماجن)، بينما لم يكن للقوات المصرية غرب القناة سوى لواءين مدرعين في الفرقة الرابعة المدرعة. وبمقارنة القوات بعضها ببعض يتضح أن العدو كان يتفوق على قواتنا غرب القناة بنسبة 7 إلى 2 أي أكثر من النصف.


أي الجيشين مهدد بالتطويق؟

لم تكن هناك خطورة كبيرة من امكان العدو تطويق الجيش الثاني نظرا لوجود ترعة الاسماعيلية، وهي مانع مائي كبير يمتد من الغرب الى الشرق ويحتاج عبورها الى تجهيزات خاصة ومعدات عبور عديدة، علاوة على أن الارض غرب القناة في قطاع الجيش الثاني زراعية ومليئة بالاشجار والمزروعات وقنوات الري المتشابكة مما لا تسمح بسرعة تقدم المدرعات. وبالاضافة الى طبيعة الارض التي في صالح القوات المدافعة، فان القوات المصرية في قطاع الجيش الثاني غرب القناة كانت كافية لصد هجوم فرقة الجنرال شارون التي كانت مهمتها التقدم شمالا من راس الكوبري في الدفرسوار اتجاه الاسماعيلية. ففي مواجهة اللواءين المدرعين ولواء مشاة المظلات التي تتكون منها فرقة شارون، كان لدى الجيش الثاني لواءان مشاة ميكانيكيان (اللواء 10 مشاة ميكانيكي واللواء 118 مشاة ميكانيكي) واللواء 182 مظلات) والمجموعة 129 صاعقة، وهي قوة تقرب في حجمها وقدراتها من فرقة كاملة مختلطة. ونظرا لان المهاجم ينبغي ألا تقل نسبة تفوقه على المدافع من 2 إلى 1 اذا ما أراد ضمان النجاح، لذلك لم تكن في مقدرة الجنرال شارون الوصول بفرقته الى الاسماعيلية. وعلى الرغم من احتلال اللواء 118 مشاة ميكانيكي مواقع دفاعية حصينة على طول ترعة الاسماعيلية، فقد كانت جميع الجسور المقامة عليها معدة للنصف بمجرد اقتراب قوات شارون منها، وذلك بواسطة المهندسين العسكريين التابعين للجيش الثاني وفقا للتعليمات التي تلقوها من اللواء عبد المنعم خليل قائد الجيش.

لكن الخطورة الحقيقية كانت كامنة في قطاع الجيش الثالث في الجنوب، اذ ان الارض غرب القناة في هذا القطاع تعتبر أرضا مثالية لاستخدام المدرعات. فمعظمها أرض صحراوية شاسعة مما يتيح الفرصة لوحدات المدرعات لاستغلال كل خصائصها المميزة من خفة حركة ومقدرة على المناورة، والقيام بحركات الالتفاف والتطويق وسهولة التسرب بين المواقع الدفاعية، كما كان في امكانها سرعة الاندفاع الى أهدافها بعد تفادي المواقع القوية التي قد تعرقل تقدمها.

ونظرا لوجود عدد من الهيئات المرتفعة المتحكمة في المنطق التي حولها، فقد بادر العدو باحتلال أهم هذه الهيئات قبل أن يسبقه المصريون في ذلك الوقت وفي مقدمتها جبل جنيفة. وعلاوة على ذلك استفاد العدو فائدة كبرى من وجود بعض أراضي الهبوط في هذا القطاع ومن وجود مطاري الدفرسوار وفايد. فعلى أثر استيلائه عليهما تم استخدامه لهما في نقل المؤن والمعدات والامدادات جوا (بطائرات الهليكوبتر) الى القوات الاسرائيلية بالضفة الغربية وكذا في اخلاء الجرحى والمصابين الى مستشفى الميدان شرق القناة.

ونتيجة للاغارات المستمرة التي قامت بها الدبابات الاسرائيلية منذ اليوم الأول لعبورها قناة السويس على مواقع الصواريخ المصرية أرض جو (سام) التي كانت منتشرة في العمق على مسافة من 15 إلى 20 كم غرب القناة، نجح العدو في تدمير واسكات عدد كبير منها، وأصبح في امكان القوات الجوية الاسرائيلية، ولأول مرة منذ بدء القتال، تقديم المعاونة الجوية المباشرة للقوات البرية في أثناء قيامها بعمليات هجومية ضد القوات المصرية.

هذا ولم تكن نتيجة مقارنة القوات المدرعة بعضها ببعض في قطاع الجيش الثالث في مصلحة القوات المصرية. فقد كان العدو يملك فرقتين مدرعتين (فرقة أدان وفرقة ماجن) يضم تشكيلهما 5 ألوية مدرعة (3 ألوية في فرقة أدان ولواءين في فرقةماجن) في مقابل فرقة مدرعة مصرية واحدة وهي الفرة 4 المدرعة بقيادة العميد أ. ح عبد العزيز قابيل. ونظرا لان هذه الفرقة قد أسندت اليها مسئولية تأمين النطاق التعبوي للجيشين الثاني والثالث معا على مواجهة لا تقل على 70 كم لذلك فان حساب قوتها في الدبابات ينبغي أن يوزع على أساس 50% من قوة الفرقة لقطاع كل من الجيشين الثاني والثالث. ولما كانت الفرقة تضم لواءين مدرعين لذا فان ما يخص قطاع الجيش الثالث منهما هو لواء مدرع واحد. وبهذا الحساب تكون نسبة تفوق الدبابات الاسرائيلية الى الدبابات المصرية في هذا القطاع هي نسبة 5 إلى 1. وهذه الحقائق التي أوضحناها عن موقف العدو المتفوق في قطاع الجيش الثالث غرب القناة تكشف لنا الستار عن سر ذلك الاندفاع السريع الذي قامت به القوات المدرعة الاسرائيلية في اتجاه الجنوب، وعن سر تطلعها الى حصار الجيش الثالث، وعن سر محاولتها الفاشلة لاحتلال مدينة السويس.

الفرصة الضائع لتصفية ثغرة الدفرسوار

بعد أن فشل الهجوم المضاد الذي شنه اللواء 23 المدرع (من الفرقة 3 مشاة ميكانيكية) على قوات العدو في منطقة الدفرسوار يوم 18 أكتوبر لتصفية ثغرة الاختراق، وبعد أن اقتحمت دبابات الجنرال ابراهام أدان الدفاعات المصرية غرب ترعة السويس، لم يبق أي موقع دفاعي مصري جنوب ترعة الاسماعيلية متماسكا سوى الموقع الدفاعي الرئيسي للواء 116 مشاة ميكانيكي غرب تقاطع طريق المعاهدة مع وصلة أبو سلطان الذي كانت تحتله كتيبة المشاة الميكانيكية الوحيدة التي بقيت من وحدات اللواء 116 مشاة ميكانيكي، ومعها بعض الدبابات من بقايا اللواء 23 المدرع.

وقد اضطر العقيد نيتكا قائد اللواء المدرع الأيمن في تشكيل قتال فرقة الجنرال أدان الى تفادي هذا الموقع عندما كان يتقدم بدباباته في اتجاه الغرب عند ظهر يوم 18 أكتوبر نظرا لقوة تحصينه. والى جوار الموقع الدفاعي، كان يوجد مركز القيادة المتقدم الذي كان بداخله قائد اللواء 116 مشاة ميكانيكي بالنيابة بعد استشهاد قائده في معارك يوم 16 أكتوبر، قامت مدرعات العدو بشغل هذا الموقع الدفاعي على طول الجبهة. وفي الساعة التاسعة صباحا قام العدو بمهاجمة منطقة مرابض لواء مدفعية الفرقة 23 مشاة ميكانيكية الذي كان يقع غرب الموقع الدفاعي ببضعة كيلو مترات بقوة حوالي كتيبة دبابات مدعمة بالمشاة الميكانيكية،واشتبكت وحدات المدفعية مع الدبابات الاسرائيلية وجها لوجه في معركة عنيفة استغرقت حوالي ثلاث ساعات استخدمت فيها مدفعية الميدان أسلوب الرمي المباشر ضد دبابات العدو. ورغم ما تكبده العدو من خسائر جسيمة، فقد انتهت المعركة بتدمير لواء مدفعية الفرقة بعد قتال شرس. وازاء قيام قوة كبيرة من دبابات العدو بالالتفاف على الجنب الأيسر للموقع الدفاعي الرئيسي ارتدت بعض قوات هذا الموقع الى منطقة تقاطع عثمان أحمد عثمان. وقد بعث قائد الفرقة بآخر رسالة لاسلكية الى الفريق سعد الشاذلي الذي كان موجود وقتئذ في مركز القيادة المتقدم للجيش الثاني بالاسماعيلية وذلك في الساعة الواحدة ظهرا، وكانت رسالة موجزة ذكر له فيها أن العدو يهاجم موقع السرية اليسار من الكتيبة وأنه متجه الى مركز قيادته. وعلى أثر ذلك مباشرة انقطعت جميع الاتصالات بين قيادة الفرقة وقيادة الجيش الثاني، واعتبر قائد منذ ذلك الحين في عداد المفقودين. وقد اتضح بعد ذلك ان العميد أ. ح أحمد عبود الزمر قائد الفرقة 23 مشاة ميكانيكية ظل صامدا في مركز قيادته المقدم في شجاعة وثبات حتى النهاية، ولم يفكر في مغادرة موقعه للنجاة بحياته رغم أن الموقف كان ميئوسا منه. وعندما اقتحمت الدبابات الاسرائيلية مركز قيادته خر شهيدا تحت جنازيرها ، فضرب بذلك أروع الأمثال في البطولة والايمان والفداء. وكانت الفرقة 4 المدرعة بقيادة العميد أ. ح محمد عبد العزيز قابيل مسئولة منذ بداية الحرب في 6 أكتوبر عن تأمين النطاق التعبوي للجيش الثالث الميداني. وفي يوم 17 أكتوبر كانت أوضاع الفرقة كما يلي:

- قيادة الفرقة واللواء الثاني المدرع في منطقة الجفرا جنوب جبل عوبيد. - اللواء الثالث المدرع (عدا كتيبة) شرق القناة في منطقة تقع بين رءوس كباري الفرقتين 19 مشاة و7 مشاة ويعمل كاحتياطي في يد قائد الجيش. - الكتيبة المدرعة الباقية من اللواء تحت قيادة الفرقة 7 مشاة بدلا من اللواء 25 المدرع المستقل الذي دفع شمالا في اتجاه الجيش الثاني في أول ضوء يوم 17 أكتوبر لتصفية ثغرة الاختراق شرق القناة، وتم تدميره جنوب الخط كثيب الحبشي-تل السلام. - اللواء 6 مشاة ميكانيكي يقوم بتأمين النطاق المتوسط للجيش الثالث في منطقة الكيلو متر 109 طريق القاهرة-السويس. - لواء مدفعية الفرقة يعمل في معاونة الفرقة 7 مشاة شرق القناة.

وكانت أول رسالة معلومات بشأن العبور الاسرائيلية الى غرب القناة قد وردت من الجيش الثاني الى قيادة الفرقة في الساعة الحادية عشرة صباحا يوم 17 أكتوبر، وكانت تفيد بأن العدو له دبابات غرب القناة تصل الى 30 دبابة مع عناصر من المظلات في منطقة الدفرسوار. وأصدرت قيادة الجيش الثالث تعليماتها بدفع كتيبة مشاة ميكانيكية مدعمة من اللواء 6 مشاة ميكانيكي الى جبل جنيفة ومنطقة كسفريت بمهمة حماية الجنب الأيسر للجيش الثالث، ومنع العدو من التدقم جنوبا على طريق المعاهدة. وقد تم تنفيذ ذلك في الساعة الثامنة من مساء يوم 17 أكتوبر. وفي الساعة الحادية عشرة مساء يوم 17 أكتوبر، وبناء على تعليمات القيادة العامة، صدرت الأوامر من قيادة الجيش الثالث بأن يكون اللواء الثاني المدرع على أهبة الاستعداد للقيام بهجوم مضاد في اتجاه الدفرسوار لتدمير قوات العدو بثغرة الاختراق غرب القناة. وأصدر قائد الفرقة 4 المدرعة الى قائد اللواء الثاني المدرع بالاستعداد للتحرك بدون أرتال ادارية في اتجاه الشمال الشرقي على المدقات الممتدة من جبل أم كثيب الى تقاطع طريق المعاهدة مع وصلة أبو سلطان، وأن خط الدفع للاشتباك سيكون على مسافة 5 كم جنوب غرب هذا التقاطع، وخصص له مهمة اللواء، وهي تدمير العدو في منطقة أبو سلطان- الدفرسوار، وتأمين المعابر في المنطقة ما بين شمال البحيرات المرة حتى الدفرسوار.

وأمر قائد الفرقة بدفع مفرزة قيادة من اللواء لتحقيق الاتصال مع قيادة اللواء 116 مشاة ميكانيكي لمعرفة آخر المعلومات عن العدو في المنطقة التي سيشن عليها الهجوم المضاد. وفي الساعة الثالثة صباح يوم 18 أكتوبر تم اتصال مفرزة القيادة برئيس أركان اللواء 23 المدرع الذي كان موجودا وقتئذ في مركز القيادة المتقدم للواء 116 مشاة ميكانيكي عند تقاطع طريقي المعاهدة-أبو سلطان، وقد ابلغ مفرزة القيادة أن اللواء 23 المدرع هو الذي كلف بتنفيذ هذه المهمة، وعندما علم قائد الفرقة الرابعة بذلك أجرى الاتصال بقيادة الجيش الثالث فأفادت بأن المركز 10 قام بالغاء المهمة بالنسبة للواء الثاني المدرع، وأن اللواء 23 المدرع هو الذي سيقوم بعملية الهجوم الماضد. ومما لا شك فيه أن الفرصة كانت متاحة أمام القيادة العامة المصرية حتى يوم 17 أكتوبر للقضاء قضاءا تاما على قوات العدو في منطقة الدفرسوار، فقد كان الواجب أن تسارع القيادة العامة – اذ أن الحرب علاوة على أنها صراع بين ارادتين فهي ايضا سباق زمني على اقتناص الفرق بين قيادتين، الى تجميع قوة مدرعة كافية من لواءين مدرعين يوم 17 أكتوبر لتوجيه ضربة قوية مركزة ضد قوات العدو في الدفرسوار مما يحقق قوة الصدمة، على أن تكون تحت الاشراف المباشر لقيادة واحدة لضمان حسن التنسيق واحكام السيطرة والقيادة. وكان هذا من المتيسر تحقيقه باتباع أحد الحلين الآتيين: إما عبور اللواء 25 المدرع المستقل الملحق على الفرقة 7 مشاة قناة السويس من الشرق الى الغرب خلال ساعات الظلام ليلة 16/17 أكتوبر، ثم دفعه في أول ضوء يوم 17 أكتوبر في اتجاه الشمال على الجانب الغربي للقناة للاشتراك مع اللواء 23 المدرع الذي سيتم دفعه من تقاطع عثمان أحمد عثمان من الغرب الى الشرق، في هجمة واحدة منسقة ضد قوات العدو في الدفرسوار. (تم دفع اللواء 25 المدرع المستقل صباح يوم 17 أكتوبر على الشاطئ الشرقي للقناة والبحيرة المرة لتصفية الثغرة من الشرق، وتم تدميره جنوب الخط كثيب الحبش-تل سلام).

واما اشتراك اللواء 2 المدرع المتمركز غرب القناة في منطقة الجفرا جنوب جبل عوبيد في هجمة واحدة متسقة مع اللواء 23 المدرع المتمركز في منطقة تقاطع عثمان ضد قوات العدو في الدفروسار. على أن يتم تأمين عملية دفع اللواءين المدرعين سواء في الحالة الأولى أو الثانية بجميع الامكانيات المتيسرة من مدفعية وطيران ودفاع جوي على مستوى القيادة العامة بالتعاون مع قيادة الجيش الثاني.

ولو تمت احدى هاتين العمليتين لكان النجاح محققا للأسباب الآتية:

1- تنفيذ الضربة بقوة في وقت مبكر – يوم 17 أكتوبر – قبل الانتهاء من اقامة الجسور الثابتة عبر قناة السويس، وقبل تدفق الألوية المدرعة الاسرائيلية الى الضفة الغربية. ولم يكن داخل راس الكوبري الاسرائيلي في منطقة الدفرسوار حتى يوم 17 أكتوبر سوى حوالي 25 دبابة (بعد الخسائر التي لحقت بقوة الدبابات التي عبرت ) ولواء مشاة من المظلات لا يتجاوز عدد أفراده 2000 من الضباط والجنود. 2- تنفيذ الضربة بقوة مدرعة كبيرة (حوالي 200 دبابة) خاصة أن مرتب اللواءين 2 المدرع و23 المدرع من الدبابات كان كاملا لعدم اشتراكهما حتى اليوم المحدد للعملية في أي معارك حربية، وبذا فان نسبة تفوق الدبابات المصرية على الدبابات الاسرائيلية كانت ستبلغ حوالي 10 إلى 1 مما كان كفيلا بتحقيق قوة الصدمة بل اقتلاع رأس الكوبري الاسرائيلي في منطقة الدفرسوار اقتلاعا تاما. 3- كان في الامكان حشد عدد ضخم من وحدات مدفعية الجيش الثاني (شرق وغرب القناة) لعمل التمهيد النيراني لهذه العملية الكبرى قبل بدء الهجوم، مما كان كفيلا بتدمير واسكات معظم مصادر النيران الاسرائيلية في منطقة الدفرسوار.

ومما يؤسف له أن القيادة العامة أهدرت هذه الفرصة الثمينة، ولم تتحق قوة الصدمة التي كانت ستنتج بحكم اشتراك لواءين مدرعين في عملية هجوم مضاد واحدة، فقد قام اللواء 25 المدرع بهجومه المضاد يوم 18 أكتوبر غرب القناة، وكانت النتيجة فشل اللواءين المدرعين وتكبدهما خسائر فادحة مما أفقدهما قدرتهما القتالية. ولو كان اللواءان قد اشتركا في هجمة واحدة منسقة على العدو غرب القناة لكانت نتيجة الهجوم قد تغيرت بالطبع، وربما كان قد تغير وجه التاريخ.

ولا شك في أن جانبا كبيرا من هذه الأخطاء التكتيكية التي وقعت فيها القيادة العامة يرجع الى القصور الشديد في أعمال الاستطلاع على جميع المستويات، اذ لم يعد في امكان القيادات العليا معرفة المعلومات الحقيقية عن قوات العدو التي عبرت الى الغرب وعن مناطق تمركزها، كما كانت القيادات الأعلى في جهل تام بكل تفاصيل عمليات اقامة الجسور الاسرائيلية عبر القناة وبحقيقة حجم ونوعية القوات التي تقوم بالعبور الى الضفة الغربية.

هذا ، ويعتبر الهجوم المضاد الذي قام به اللواء 23 المدرع صباح يوم 18 أكتوبر على قوات العدو في منطقة الدفرسوار والذي باء الفشل هو آخر هجوم مضاد يتم على مستوى اللواء، اذ لم تشن بعد ذلك اليوم أي هجمات مضادة على القوات المدرعة الاسرائيلية التي تدفقت على الضفة الغربية الا على مستوى كتائب مدرعة أو مشاة ميكانيكية أو على مستوى سرايا مدرعة أو مشاة ميكانيكية، وكانت هذه الهجمات تعتبر من الوجهة التكتيكية هجمات مضادة محلية ، ولم يكن الغرض منها الا مجرد صد القوات المدرعة الاسرائيلية ووقف تقدمها، ولم تكن تستهدف – كما كان الحال بالنسبة للهجمات المضادة الرئيسية – تدمير قوات العدو وتصفية راس الكوبري الاسرائيلي.

وقد كان من المفترض بعد أن فشلت الهجمات المضادة الرئيسية على مستوى الجيوش أن تقوم القيادة العامة بالضربة المضادة ضد العدو وفقا للمبادئ التكتيكية السليمة، ولكن القيادة العامة لم تكن لديها القوات التي تكفي لشن مثل هذه الضربة المضادة، فقد قامت بتوزيع جزء مهم من احتياطيها الاستراتيجي اعتقادا منها بأنها لم تضطر الى استخدام هذا الاحتياطي الاستراتيجي طوال مدة الحرب. ونتيجة لهذا الاعتقاد تسببت في تشتيت شمل التشكيل الرئيسي في الاحتياطي الاستراتيجي للقيادة العامة، وهو الفرقة 3 مشاة ميكانيكية التي كان يتولى قيادتها العميد أ. ح محمد نجاتي فرحات، فقامت بسحب اللواء 10 مشاة ميكانيكي منذ بداية الحرب ووضعته تحت قيادة الجيش الثاني الذي جعله في الاحتياطي غرب القناة في منطقة القنطرة. وفي يوم 16 أكتوبر وفي اثر وصول انباء العبور الاسرائيلية الى غرب القناة الى المركز 10، صدرت الأوامر بتحرك اللواء 23 المدرع الى وصلة عثمان أحمد عثمان ووضعه تحت قيادة الجيش الثاني. وفي صباح يوم 18 أكتوبر قام هذا اللواء بالهجوم المضاد على قوات العدو في الدفرسوار الذي ذكرنا تفاصيله من قبل، ونتيجة لفشل الهجوم المضاد وفداحة خسائر اللواء صدر الأمر باعادة تجميعه لاستعادة كفاءته القتالية.

وانتهى الأمر بأن أصبح الاحتياطي الاستراتيجي في يد القيادة العامة عبارة عن اللواء المشاة الميكانيكي المتبقى في الفرقة 3 مشاة ميكانيكية، بالاضافة الى اللواء المدرع بالحرس الجمهوري.

اجراءات الفرقة الرابعة المدرعة لتأمين النطاق التعبوي بأكمله

على أثر تلقي العميد أ. ح محمد عبد العزيز قابيل قائد الفرقة 4 المدرعة مهمته الجديدة ظهر يوم 18 أكتوبر التي أسندت اليه بموجبها مسئولية تأمين النطاق التعبوي للجيشين الثاني والثالث معا (على مواجهة حوالي 70 كم)، وبعد تقدير سريع للموقف أصدر قائد الفرقة التعليمات التالية:

1- تأمين النطاق التعبوي للجيش الثاني يتم دفع كتيبة مدرعة مدعمة من اللواء الثاني المدرع على أن يرافقها مركز القيادة المتقدم للواء للسيطرة عليها. 2- لتأمين النطاق التعبوي للجيش الثالث يتولى رئيس أركان الفرقة أعمال السيطرة على هذا النطاق، ويوضع تحت قيادته اللواء 2 المدرع (عدا كتيبة). 3- تقوم كتيبة استطلاع الفرقة بدفع عناصر استطلاع للحصول على معلومات عن العدو. 4- يتم فتح مركز قيادة اضافي للفرقة على مسافة 3 كم جنوب تقاطع عثمان أحمد عثمان ليمكن لقائد الفرقة السيطرة على القوات في هذا الاتجاه على أن يتم تشكيل ثلاث مجموعات عمل بمركز القيادة الاضافي كما يلي:

أ – مجموعة قيادة بقيادة قائد الفرقة لقيادة قوات الفرقة في النطاق العبوي للجيش الثاني.

ب- مجموعة سيطرة للسيطرة على الوحدات المرتدة من قواتنا وخاصة ليلا، ويتولى قيادتها قائد اللواء 2 المدرع.

ج – مجموعة سيطرة لاستقبال قوات وعناصر الدعم التي دفعت من القيادة العامة وكانت تتكون من 70 طاقما RPG و14 دبابة من المنشآت التعليمية وعدد وافر من الألغام من ادارة المهندسين العسكريين ويتولى قيادتها مساعد قائد الفرقة.

وفي الساعة الحادية عشرة والنصف صباح يوم 18 أكتوبر، تحرك قائد الفرقة على رأس مركز قيادته الى منطقة تقاطع عثمان على محور طريق الاسماعيلية. وتبعته بعد 20 دقيقة مجموعة قتال مكونة من كتيبة دبابات مدعمة تحت قيادة اللواء 2 المدرع حيث لحقت به في منطقة التقاطع. وفي الساعة الثانية والنصف بعد الظهر قام قائد الفرقة بعد الانتهاء من استطلاعه بتخصيص المهام لقادة المرءوسين على الارض وتم احتلال الكتيبة المدرعة للخط العام شمال شرقي جبل الجربة – وصلة القصاصين. ونظرا لوجود بعض تحركات للعدو في اتجاه الجنوب الغربي وفي اتجاه قواعد الصواريخ أرض جو سام، أمر قائد الفرقة بتحريك كتيبة مدعمة أخرى من اللواء 2 المدرع لتحتل منطقة غرب جبل أم كثيب، بمهمة تدمير أرتال العدو التي تحاول أن تتفادى مواقع الكتيبة الأولى والعمل على عرقلة تقدم مدرعات العدو ومنعها من تدمير قواعد الصواريخ. وفي الساعة الثالثة مساء يوم 18 أكتوبر وبناء على تعليمات القيادة العامة، عاد لواء مدفعية الفرقة (عدا كتيبة) من مواقعه شرق القناة الى منطقة الجفرا لاستعادة كفاءته القتالية.

وكانت المهمة التي خصصت للفرقة هي أن تقوم الفرقة 4 المدرعة المصرية المضادة من الخط أم كثيب- وادي العشرة في اتجاه الدفرسوار، بمهمة تدمير العدو الذي عبر الى غرب القناة واستعادة الاوضاع الى ما كانت عليه، على أن يتم استعداد الفرقة في الساعة السادسة مساء يوم 20 أكتوبر. وكانت فكرة قرار قائد الفرقة هي أن يتقدم بلواءين مدرعين كنسق أول مستغلا نيران المدفعية والطيران لتدمير العدو الذي نجح في الاختراق والاستيلاء على الخط شمال جبل الشهابي- تقاطع وصلة أبو سلطان-أبو صوير كمهمة مباشرة وبدفع النسق الثاني للفرقة في المنطقة المزروعة وبالتعاون مع نسق أول الفرقة يتم تدمير بقايا العدو والاستيلاء على الضفة الغربية والاتصال بالقوات لامصرية في الشرق كمهمة تالية.

تشكيل المعركة: في نسقين واحتياطي النسق الأول اللواء 2 المدرع في اليمين ولواء الحرس الجمهوري المدرع في اليسار، والنسق الثاني اللواء 6 مشاة ميكانيكي والاحتياطي اللواء 3 المدرع مع تركيز المجهود الرئيسي على الجانب الأيمن. وفي يوم 21 أكتوبر صدرت أوامر القيادة العامة بالغاء المهمة.

ولا شك في أن القيادة العامة كانت على صواب عندما أدركت الخطأ الفادح الذي كادت ترتكبه، فقامت بالغاء المهمة التي تم تخصيصها للفرقة الرابعة المدرعة يوم 20 أكتوبر، وهي القيام بضربة مضادة لتصفية راس الكوبري الاسرائيلي وتدمير العدو والاستيلاء على الضفة الغربية، اذ أن وقت هذه الضربة المضادة كان قد فات، كما أن تكليف الفرقة 4 المدرعة بهذه المهمة في مواجهة الفرق المدرعة الاسرائيلة الثلاث التي كانت تقوم بعملياتها وقتئذ غرب القناة معناه دفع هذه الفرقة الى مهمة انتحارية كانت ستنتهي حتما بتدميرها. ويكفي أن الفرقة 4 المدرعة كانت ستقوم بضربة مضادة بثلاثة ألوية مدرعة (بعد اضافة لواء الحرس الجمهوري) ضد سبعة ألوية مدرعة اسرائيلية، أي أن نسبة تفوق الدبابات الاسرائيلية كانت تبلغ أكثر من الضعف.

لماذا ألغى هجوم الفرقة 21 المدرعة على الضفة الشرقية؟

عقب ارتداد القوات المصرية الى الشمال بعد فشل الهجوم المضاد ، أصبح الخط الذي تحتله الفرقة 21 المدرعة يتحاذى مع سرابيوم على الضفة الغربية للقناة، ويمتد شرقا ليلتقي مع الحد الأمامي للواء 2 المشاة الميكانيكي، وهو لواء المنتصف في راس كوبري الفرقة 16 مشاة بعد اخلاء لواء اليمين (اللواء 16 مشاة) لمواقعه تحت ضغط العدو.

وازاء شدة ضغط العدو على راس الكوبري الموحد الذي كان يتكون من الفرقتين 16 مشاة و21 المدرعة، ونظرا لقلة عدد الدبابات بعد الخسائر الجسيمة التي تكبدتها الفرقة 21 المدرعة أصدر قائد الجيش الثاني أمره الى قائد اللواء 24 المدرع، من الفرقة 23 مشاة ميكانيكية، بالتحرك الى راس الكوبري الموحد. (كان موضوعا تحت قيادة الفرقة 2 مشاة منذ بداية الحرب ثم صدرت له التعليمات يوم 17 أكتوبر بالتمركز في منطقة الاسماعيلية شرق).

وفي حوالي الساعة الحادية عشرة صباح يوم 19 أكتوبر، أبلغ العميد أ. ح ابراهيم العرابي قائد الفرقة 21 المدرعة الفريق سعد الشاذلي رئيس الأركان الذي كان موجودا في مركز القيادة المتقدم للجيش الثاني بالاسماعيلية منذ مساء اليوم السابق بأن عناصر الاستطلاع تؤكد ان رتلين للعدو يتحركان من الشرق الى الغرب، ويتكون كل مهما من حوالي 100 دبابة مدعمة ببعض المشاة الميكانيكية، وتحلق فوقهما طائرات هيليكوبتر. وعلاوة على ذلك يوجد للعدو حوالي 30 دبابة في منطقة الدفرسوار بينما توجد له في قرية الجلاء حوالي كتيبة دبابات مدعمة بصواريخ موجهة SS11 وأن الطائرات الاسرائيلية تواصل هجماتها على راس الكوبري منذ الساعة الثامنة صباحا. وأصدر الفريق الشاذلي تعليماته الى العميد العرابي بضرورة رص الألغام بكثافة امام الحد الأمامي لدفاعات الفرقة 21 المدرعة لمنع العدو من توسيع ثغرة الاختراق شمالا، وأبلغه أن قوات من المظلات بقيادة العقيد اسماعيل عزمي تحتل المصاطب على الضفة الغربية (من سرابيوم الى جبل مريم شمالا) مما يجعل جنبه الايمن مؤمنا.

وفي الساعة الثانية عشرة ظهرا هاجمت الدبابات الاسرائيلية موقع احدى كتائب اللواء 18 مشاة ميكانيكي( من تشكيل الفرقة 21 المدرعة) ، وقامت الكتيبة بصب وابل من نيرانها على قوات العدو فدمرت له 4 دبابات و3 عربات نصف جنزير وخسرت الكتيبة 3 دبابات بالاضافة الى خسائرها من الافراد والمعدات. وعلى اثر ذلك توقفت هجمات العدو وبدات الطائرات الاسرائيلية في قصف المواقع الدفاعية داخل راس الكوبري الموحد قصفا مركزا.

ونظرا لتدهور الموقف على الضفة الغربية جنوب ترعة الاسماعيلية بعد فقد اللواء 23 المدرع (من الفرقة 3 مشاة ميكانيكية) واللواء 116 مشاة ميكانيكي (من الفرقة 23 مشاة ميكانيكية) مقدرتهما القتالية. لذا قرر الفريق سعد الشاذلي- الذي كان يتولى في هذه الفترة مسئولية القيادة في الجيش الثاني – استعادة التوازن على مستوى الجبهة عن طريق القيام بعملية هجومية على الضفة الشرقية للقناة بغرض تقليص ثغرة الاختراق الاسرائيلية بعد أن فشلت المحاولات السابقة في تصفيتها والقضاء عليها. ولتحقيق ذلك الهدف، بعث برسالة لاسلكية موجزة الى العميد العرابي كان نصها"يا عرابي.. اقتحم قرية الجلاء بأي خسائر". وتنفيذا لتعمليات رئيس الاركان وضع العميد العرابي خطته لمهاجمته القرية بكل ما يستطيع حشده من الدبابات دون الاخلال باتزان دفاعات الكوبري الموجد الذي كان يتولى قيادته. وكانت الخطة مبنية على أساس الهجوم بنسقين: النسق الأول – اللواء 24 المدرع (42 دبابة) ويقوم بالهجوم من اتجاه: الأول بقوة اللواء (عدا كتيبة) من مواقعه شمال المغذي الرئيسي في اتجاه الدفرسوار يمين الطريق العرضي رقم 1، والاتجاه الثاني بقوة الكتيبة الباقية من موقعها شمال غرب الطالية في اتجاه قرية الجلاء. وكانت مهمة اللواء 24 المدرع هي تدمير قوات العدو وتأمين منطقة قرية الجلاء. النسق الثاني: اللواء الأول المدرعة (14 دبابة) وكانت مهمته تأمين الجنب الأيمن للواء 24 المدرع في أثناء الهجوم بالتعاون مع عناصر المظلات التي ستقوم بمهمة التأمين من المصاطب التي تحتلها غرب القناة.

وتحددت الساعة الرابعة مساء موعدا لبدء الهجوم على أن تسبقها ضربة طيران وقصفة نيران مركزة من مدفعية الفرقة 21 المدرعة، على أن تستمر المدفعية في معاونة الهجوم باستخدام الغلالات المتقدمة والتجمعات تحت الطلب. وعندما أطلع الفريق الشاذلي على خطة الهجوم، قدر أن جملة الدبابات التي خصصت لهذه العملية وهي 56 دبابة لا تكفي لتحقيق النجاح، ولذا طلب من العميد العرابي سحب كل الدبابات المتبقية براس الكوبري وكان عددها حوالي 25 دبابة لاشراكها في عملية الهجوم حتى لو أدى الامر الى تقليص راس الكوبري الموحد. واعترض العميد العرابي على ذلك الراي، اذ ان سحب الدبابات وترك المشاة وحدها في المواقع الدفاعية لابد أن يؤدي الى اهتزاز الدفاعات وتعريض راس الكوبري لخطر اختراق العدو خاصة من ناحية الجنب الأيمن، فقد كان هدف الهدو منذ اليوم الاول لعبور قواته الى الغرب هو توسيع ثغرة الاختراق شمالا الى اقصى ما يستطيع لضمان تأمين ساحة العبور عند الدفرسوار. ورغم الحاح الفريق الشاذلي لتنفيذ فكرته، فان العميد العرابي ظل مصرا على موقفه، وارسل وجهة نظره الى الفريق الشاذلي ضمن رسالة لاسلكية كان نصها كما لي: "تقليص راس الكوبري معناه سقوطه كلية".

ولكن الهجوم المرتقب على الضفة الغربية الذي دار من اجله كل هذا الجدال لم يتم بالمرة، لاسباب تتعلق بالوضع على الضفة الغربية. فقد أصبح الوضع العسكري على كل ضفة – منذ عبور القوات الاسرائيلية ليلة 15/16 أكتوبر الى غرب القناة – يؤثر في الضفة الاخرى تاثيرا مباشرة. ولقد ساء الوضع على الضفة الغربية جنوب ترعة الاسماعيلية نتيجة لهجمات الدبابات الاسرائيلية على وحدات اللواء 182 مظلات، مما أدى الى سقوط موقع سرابيوم الحيوي في يد القوات الاسرائيلية. وتبعا لذلك أصدر الفريق الشاذلي تعليماته الى العقيد اسماعيل عزمي قائد اللواء 182 مظلات بالارتداد بوحداته شمالا الى طوسون على ان يتمسك بالخط طوسون-جامع سرابيوم.

وأثر هذا الموقع بالطبع في مخطط الهجوم على الضفة الشرقية، ولذا اتصل الفريق سعد الشاذلي بالعميد العرابي حوالي الساعة الثالثة والدقيقة الأربعين مساء – أي قبل الموعد الذي كان محددا لبدء الهجوم بعشرين دقيقة فقط – وأصدر له تعليماته بالغاء عملية الهجوم حيث لم تعد لها ضرورة. وفي نفس الوقت أمره بالتمسك بالخط الحالي للفرقة 21 المدرعة (خط سرابيوم)، وحثه على التركيز على تجهيز الدفاعات ورص الالغام. وبادر العميد العرابي الى الاتصال بقادة وحداته لابلاغهم بتعلميات الغاء الهجوم وبضرورة تحصين الدفاعات.

غير أن مفاجأة غير متوقعة كانت في انتظار العميد العرابي. فلم تمض سوى ساعة واحدة فقط من تلقيه الأمر بالغاء الهجوم، حتى اتصل به الفريق الشاذلي ثانية ليبلغه أن الرئيس الراحل السادات يطلب ضرورة القيام بعملية الهجوم التي سبق الغاؤها. وأجابه العميد العرابي بأن مفرزة المهندسين قد انتهت من رص الالغام أمام مواجهة دفاعات الفرقة وفقا للتعليمات الصادرة، كما أن الوقت الذي سيستغرقه التجهيز لعملية الهجوم سوف يحولها الى عملية ليلية بعد ان اقترب موعد الغروب. ونظرا لان العدو لديه التفوق في الليلي، لذا فان من المنتظر تدمير الدبابات المصرية في حالة اجراء الهجوم ليلا مما يعني بقاء راس الكوبري الموحد بدون دبابات وتعريضه بالتالي لخطر الاختراق. ويبدو أن الفريق الشاذلي قد اقتنع بوجهة نظر العميد العرابي الى الحد الذي جعله يبعث بعد حوالي عشر دقائق فقط من انتهاء حواره معه باشارة لاسلكية الى اللواء محمد عبد الغني الجمسي رئيس هيئة العمليات بالمركز 10 ورد فيها ما يلي: "عرابي جنبه مهدد، ولو قام بأي هجوم فسيضرب من جميع الجهات. الدنيا ليل والظروف لا تسمح بالهجوم حتى ولا باكر نقدر. عشان تعرف موقف عرابي فان عدد الدبابات في رأس كوبري الفرقة 16 مشاة والفرقة 21 المدرعة يبلغ 80 دبابة، يدوبك يستطيع التمسك براس الكوبري".

ولا شك في أن رسالة الشاذلي اللاسلكية الى الجمسي تكشف لنا عن أمرين على أقصى درجة من الأهمية.

أولهما، مقدار الكارثة التي كان من المنتظر ان تحل براس الكوبري الموحد في حالة تنفيذ عملية الهجوم سواء تمت العملية نهارا أو ليلا، فان الشاذلي قد اعترف بنفسه بأن الدبابات الموجودة براس الكوبري الموحد الذي يضم الفرقة 16 مشاة والفرقة 21 المدرعة وعددها 80 دبابة تكفي بالكاد للتمسك براس الكوبري، فكيف تتم المغامرة اذن باخلائه من قواته المدرعة للقيام بهجوم في وجه عدو لديه التفوق الساحق في الدبابات؟! (يمكن التاكد من ذلك من مراجعة معلومات عناصر الاستطلاع التي أبلغها العرابي للشاذلي في الصباح). وعلاوة على ذلك لديه التفوق الجوي على ارض المعركة خاصة بعد تدمير الدبابات الاسرائيلية غرب القناة لعدد كبير من قواعد الصواريخ أرض جو (سام)، مما أدى الى اهتزاز شبكة الدفاع الجوي المصري على الضفة الغربية. ان القيام بالهجوم – الذي تم الغاؤه لحسن الحظ – في مثل هذه الظروف كان سيؤدي الى تدمير الدبابات القائمة بالهجوم واتاحة الفرصة بالتالي للدبابات الاسرائيلية لتحقيق الامل الذي كان يراود احلام القيادة الاسرائيلية منذ بداية عملية العبور الى غرب القناة، وهو اختراق وتدمير راس الكوبري الموحد وتوسيع ثغرة الاختراق شمالا حتى الطريق الاوسط (طريق الاسماعيلية شرق-الطاسة) وتهديد الجنب الأيمن للفرقة 2 مشاة التي تحتل قطاع الفردان.

أما الأمر الثاني، فهو مدى الخطورة التي كادت تنجم نتيجة لتدخل القيادة السياسية- ممثلة في الرئيس الراحل السادات – في قرارات القيادة العسكرية . وقد سبق أن شرحنا ذلك الموضوع بالتفصيل.

وفي حوالي الساعة الخامسة مساء، اتصل الفريق الشاذلي بالعميد العرابي ودار بينهما الحوار التالي:

الشاذلي: اسماعيل عزمي (قوة المظلات) ارتد من سرابيوم الى طوسون. ارتد بجنبك الايمن الى طوسون عشان يبقى كتفك اليمين في كتف اسماعيل عزمي لأن عزمي عليه ضغط كبير ورجع طوسون.

العرابي: معنى ذلك الانسحاب بدون ضغط من العدو.

واضطر العميد العرابي الى اصدار تعليماته بارتداد وحدات الفرقة 21 المدرعة من خط سرابيوم الى طوسون، وتمكن العدو بالتالي من توسيع ثغرة اختراقه شمالا حتى طوسون دون اي قتال (حوالي 5 كم).

عمليات الجنرال أدان على الضفة الغربية

في صباح يوم 18 أكتوبر تمكن اللواء المدرع بقيادة العقيد جابي من تدمير معظم دبابات اللواء 23 المدرع (من الفرقة 3 مشاة ميكانيكية الاحتياطي الاستراتيجي للقيادة العامة) الذي كان متقدما من الغرب الى الشرق على محور وصلة أبو سلطان للقيام بهجوم مضاد على القوات الاسرائيلية في منطقة الدفرسوار. وفي يمين تشكيل فرقة أدان تقدم اللواء بقيادة العقيد نيتكا في اتجاه الغرب على وصلة سرابيوم، وتمكن من اجتياح الموقع المصري الضعيف القوة والتحصين غرب تقاطع طريق المعاهدة مع وصلة سرابيوم، ثم اتجه بدباباته جنوبا على محور طريق المعاهدة وتفادي في طريق الموقع الذي كانت تحتله الكتيبة المشاة الميكانيكية من تشكيل اللواء 116 مشاة ميكانيكي غرب تقاطع طريق المعاهدة مع وصلة أبو سلطان.

وعلى أثر وصول لواء نيتكا الى الارض المفتوحة، وعندما كان لواء جابي لا يزال مشتبكا مع القوات المصرية في منطقة المزروعات والأشجار ، تلقى الجنرال أدان قائد الفرقة المدرعة رسالة لاسلكية من الجرنال جونين قائد القيادة الجنوبية يأمره فيها بتوجيه بعض وحداته للقيام باغارات على مواقع الصواريخ المصرية أرض جو (سام) في العمق. وأصدر الجنرال أدان أمره على الفور الى العقيد نيتكا وجابي كي يوجه كل منهما كتيبة مدرعة من لوائه للقيام بهذه الاغارة التي كانت في نظر القيادة الاسرائيلية مهمة عاجلة وحيوية، بعد أن تكبد الطيران الاسرائيلي بسبب وجود شبكة الدفاع الجوي المصرية غرب القناة خسائر فادحة في المرحلة الأولى من الحرب.

وتقدمت الكتيبة المدرعة التي أرسلها نيتكا على شكل مروحة الى عمق حوالي 20 كم غرب القناة ودمرت قاعدتي صواريخ أرض جو، وعادت الى تشكيل اللواء بعد أن أوشك وقودها على النفاذ، بينما اندفعت الكتيبة التي أرسلها جابي في اتجاه الجنوب الى مسافة 10 كم، واشتبكت في طريقها مع بعض الدبابات المصرية وتمكنت من تدمير احدى قواعد الصواريخ المصرية. وقد نجحت اغارات الدبابات الاسرائيلية على قواعد الصواريخ المصرية أرض جو (سام) في تحقيق أهدافها، فمنذ صباح اليوم التالي تمكن الجنرال أدان من القيام بهجوم شامل في اتجاه الغرب والجنوب مدعما بالمعونة المباشرة من الطيران الاسرائيلي.

وخلال يوم 18 أكتوبر بذل الطيران المصري جهدا كبيرا لضرب راس الكوبري الاسرائيلي غرب القناة، وتركزت هجماته على جسر معديات البونتون شمال البحيرة المرة الكبرى. وقامت ثلاث موجات من طائرات الميج بهجمات متعاقبة على الجسر الاسرائيلي وعلى بعض الجسور فوق ترعة الاسماعيلية التي استولى عليها الاسرائيليون. وقد دارت خلال ذلك معارك جوية عنيفة اشتبكت فيها طائرات الميج 21 المقاتلة القاذفة المصرية مع طائرات الميراج وفانتوم F4 الاسرائيلية في الجو وسقطت أعداد كبيرة من طائرات الطرفين. وقد ذكرت المصادر الاسرائيلية ان 5 طائرات هليكوبتر مصرية على ارتفاع منخفض قامت بهجمة انتحارية على الجسر الاسرائيلي فوق القناة، وألقت عليه براميل معبأة بالنابلم. ورغم أن معظم هذه الطائرات قد أسقطت الا أنها كانت المرة الوحيدة خلال الحرب التي استخدمت فيها طائرات الهليكوبتر في اشتباك قتالي مباشر.

وفي مساء يوم 18 أكتوبر، أرسل الجنرال أدان تقرير موقف عن طريق اللاسلكي الى الجنرال جونين قائد القيادة الجنوبية كان يتضمن نتائج العمليات التي قامت بها وحداته على الضفة الغربية للقناة. ونظرا لانه كان يتطلع للقيام باختراق ناجح في اتجاه الجنوب اعتبارا من 19 أكتوبر، فقد طلب من رئيسه أن يرسل اليه اللواء المدرع بقيادة العقيد آرييه (من تشكيل فرقة أدان) والذي كان جونين محتفظا به على الضفة الشرقية للعمل كاحتياطي عام للقيادة الجنوبية. ووافق الجنرال جوني على مطلبه دون اعتراض. وفي الصباح الباكر يوم 19 أكتوبر كان لواء العقيد آرييه قد أتم عبوره الى غرب القناة، واستكمل الجنرال أدان بوصوله تشكيل فرقته وأصبح تحت قيادة ما يزيد على 250 دبابة صالحة للقتال.

واعتبارا من صباح يوم 19 أكتوبر، وباندفاع فرقة الجنرال أدان نحو الجنوب في اتجاه السويس، أصبحت قواته تواجه لأول مرة قوات من الجيش الثالث كانت مكونة بصفة أساسية من وحدات من الفرقة 4 المدرعة التي كان يتولى قيادتها العميد محمد عبد العزيز قابيل ومن الفرقة 6 مشاة ميكانيكية التي كان يتولى قيادتها العميد أبو الفتح محرم، وهما الفرقتان اللتان كانتا مخصصتين وفقا للخطة الموضوعة لتأمين النطاق التعبوي للجيش الثالث، ولكن القيادة العامة قامت بتوزيع وحدات الفرقتين توزيعا سيئا، مما أدى الى اضعافها وبالتالي الى اضعاف الاحتياطي التعبوي للجيش الثالث بصورة خطيرة، كما سنشرح بالتفصيل فيما بعد.

وفي صباح يوم 19 أكتوبر قام الجنرال أدان بالتقدم في اتجاه الغرب والجنوب بلواءين مدرعين في النسق الأول (لواء نيتكا ولواء جابي) ولواء آرييه المدرع في الاحتياطي، وقد سارت عمليات ألوية الجنرال أدان على الضفة الغربية كما يلي:

لواء نيتكا: اندفع في اتجاه الغرب شمال وصلة أبو سلطان (كان الاسرائيليون يطلقون عليها الاسم الكودي sacranut) للوصول الى الهيئات المرتفعة شمال شرق تقاطع وصلتي أبو سلطان – أبو صوير (للوصول الى الهيئات المرتفعة شمال شرق تقاطع وصلتي أبو سلطان أبو صوير (كان الاسرائيليون يطلقون عليها الاسم الكودي Marktsera) واشتبك في طريقه مع لواء مدفعية الميدان من تشكيل الفرقة 23 مشاة ميكانيكية الذي كانت مرابضة تقع غرب الموقع الدفاعي المصري عند تقاطع طريقي المعاهدة – أبو سلطان الذي كانت تحتله الكتيبة المتبقية من اللواء 116 مشاة ميكانيكي. وبعد معركة استمرت حوالي ثلاث ساعات، ورغم الخسائر التي تكبدتها الدبابات الاسرائيلية ، انتهت المعركة بتدمير لواء المدفعية وارتداد بقاياه الى تقاطع عثمان أحمد عثمان. وانحرف اللواء نيتكا بعد ذلك جنوبا على وصلة أبو صوير المتجهة الى طريق مصر-السويس، ولم يلبث أن اصطدم بمقاومة عنيفة عند تقاطع وصلة أبو صوير مع طريق فايد القادم من اتجاه البحيرة المرة الكبرى. وكانت كتيبة من اللواء الثاني المدرع (من الفرقة 4 المدرعة) تحتل موقعا دفاعيا قوية عند وادي العشرة ووادي أبو طلح في المرتفعات الحاكمة شمال غرب التقاطع (كان الاسرائيليون يطلقون عليها الاسم الكودي Mixnefet). وازاء قوة الموقع المصري طلب نيتكا النجدة من قائده الجنرال أدان فوجه اليه كتيبة مدرعة من لواء العقيد آرييه (لواء الاحتياطي)، وقامت هذه الكتيبة بتثبيت المقاومة المصرية بينما انحرف نيتكا بلوائه المدرع في اتجاه الشرق وتقدم على محور طريق فايد البحيرة المرة (كان الاسرائيليون يطلقون عليه الاسم الكودي Vitamin) . وخلال التقدم طوى نيتكا المقاومات المصرية المبعثرة التي اعترضت طريقه ، وتمكن من الاستيلاء على أرض الهبوط التي تقع شمال مطار فايد.

لواء جابي: تقدم في اتجاه الغرب جنوب وصلة أبو سلطان وتفادى في طريقه كتيبة المشاة الميكانيكية من اللواء 116 مشاة ميكانيكي التي كانت ما تزال تحتل الموقع الدفاعي غرب تقاطع طريقي المعاهدة أبو سلطان، ولم يلبث أن انحرف الى اتجاه الجنوب الشرقي. وعندما اقترب من احد مواقع صواريخ ارض جو (سام) المصرية أطلق عليه الموقع صاروخا على خط مرور مسطح (لأول مرة خلال الحرب)، وطار الصاروخ فوق القوة المتقدمة ووقع بعيدا في الخلف على بعد حوالي نصف كيلو متر فقط من مركز القيادة المتقدم للجنرال ابراهام أدان. وتقدمت الكتيبة المدرعة الامامية من لواء جابي من الشمال الى الجنوب بحذاء قناة السويس على محور طريق المعاهدة (كان الاسرائيليون يطلقون عليه الاسم الكودي Havit) في اتجاه فايد، ولكنها سرعان ما صدت أمام مقاومة مصرية قوية كانت تدافع عن مطار فايد ومدينة فايد.

لواء آرييه: بعد عبور قناة السويس صباح يوم 19 أكتوبر أمر الجنرال أدان بوضعه في الاحتياطي وأسند اليه مهمة تأمين الجنب الأيسر ومؤخرة وحدات الفرقة.

وأصدر الجنرال أدان بعد ظهر يوم 19 أكتوبر أمره الى لواءي نيتكا وآرييه بالقيام بحركة التفاف من ناحية اليمين والتقدم الى جبل جنيفة لاحتلاله وتنظيم الدفاع عنه قبل أن تسنح الفرصة للقوات المصرية للوصول اليه. وتقدم الواءان المدرعان في اتجاه جبل جنيفة على محورين منفصلين، ودمرا في طريقهما عدة مواقع صواريخ أرض جو (سام) كانت موجودة على امتداد السفوح الغربية لجبل جنيفة.

فرقة كلمان ماجن: كانت فرقة الجنرال كلمان ماجن تتشكل من لواءين مدرعين بقيادة العقيدين دان باروم واللواء مشاة ميكانيكي بقيادة العقيد ينتشاس، وقد تم عبورهما القناة ليلة 18/19 أكتوبر هي تطهير جيوب المقاومة المصرية التي خلفتها فرقة أدان وراءها في أثناء اندفاعها السريع في اتجاه الجنوب.


أهداف الفرقة المدرعة الاسرائيلية غرب القناة

في صباح يوم 19 أكتوبر أصبحت القوة الاسرائيلية غرب القناة تتكون من ثلاثة فرق مدرعة، هي فرقة الجنرال أريل شارون وفرقة الجنرال أدان وفرقة الجنرال كلمان ماجن، وقد واصلت هذه الفرقة عملياتها لتحقيق أهدافها وفقا للخطة الموضوعة على محورين رئيسيين:

المحور الشمالي: محور الاسماعيلية ، وكانت تعمل عليه فرقة الجنرال شارون وحدوده الجنوبية وصلة أبو سلطان، واتجاه تقدمه شمالا بمحاذاة قناة السويس على طريق المعاهدة وعلى مواجهة بحيرة التمساح شرقا الى نفيشة غربا. وكان هدف شارون هو عبور ترعة الاسماعيلية والاستيلاء على مدينة الاسماعيلية . وكانت القوات المصرية الوحيدة التي تواجه فرقة شارون على هذا المحور جنوب ترعة الاسماعيلية ، عبارة عن اللواء 182 مظلات بقيادة العقيد اسماعيل عزمي، وكتيبتين من الصاعقة. وسوف نقوم بشرح المعارك التي وقعت على المحور الشمالي بعد الانتهاء من دراسة المعارك والاحداث الخطيرة التي جرت على المحور الجنوبي.

المحور الجنوبي: محور السويس، وكانت عمل عليه فرقتا الجنرال أدان والجنرال ماجن، وحدوده الشمالية وصلة أبو سلطان ،وكانت فرقة الجنرال أدان التي تتكون من ثلاثة ألوية مدرعة، تعتبر المجهود الرئيسي على هذا المحور، وكان اتجاه تقدمها من الشمال الى الجنوب على طريق المعاهدة غرب الشاطئ الغربي للبحيرات المرة. وكان هدفها النهائي هو الاستيلاء على مدينة السويس التي كانت من المنتظر أن يحدث سقوطها دويا هائلا على المستوى العالمي، ويؤدي في نفس الوقت الى استكمال حلقة الحصار حول الجيش الثالث الميداني.

وكانت فرقة الجنرال ماجن تتحرك عبر الارض المفتوحة في اتجاه الغرب والجنوب لحماية الجنب الايمن ومؤخرة فرقة أدان. وكان هدفها النهائي هو قطع طريق القاهرة السويس الشمالي (طريق 12) ثم طريق القاهرة السويس الرئيسي، وبذا يتم عزل مدينة السويس والجيش الثالث عن طريق امداداتها مع القاهرة. وكان يواجه قوات هذا المحور وحدات من الفرقة 6 مشاة ميكانيكية بقيادة العميد أ. ح محمد أبو الفتح محرم، ومن الفرقة 4 المدرعة بقيادة العميد أ. ح محمد عبد العزيز قابيل.

كيف تشتت الاحتياطي التعبوي للجيش الثالث

كانت قوات الجيش الثالث غرب القناة التي يتشكل منها الاحتياطي التعبوي للجيش، تتكون من الفرقتين 6 مشاة ميكانيكية و4 المدرعة. وكان من المفترض وفقا للأساليب التكتيكية السليمة أن تكون وحدات هاتين الفرقتين مجمعة ومركزة استعدادا لشن أي هجوم مضاد رئيسي على مستوى الجيش لصد أي اختراق للعدو للدفاعات المصرية شرق القناة. ولكن القيادة العامة أغفلت المبادئ التكتيكية الأساسية في استخدام الاحتياطات التعبوية على مستوى الجيوش. وبدلا من الاحتفاظ بالوحدات الفرعية للفرق المدرعة والمشاة الميكانيكية غرب القناة مجمعة تحت سيطرة قادتها لاتاحة الفرصة لقائدي الجيشين الثاني والثالث للقيام بهجوم مضاد رئيسي على مستوى الجيش لتدمير أي قوة للعدو تنجح في اختراق الدفاعات المصرية شرق القناة والعبور الى الغرب، كما جرى ليلة 15/16 أكتوبر التي عبرت خلالها قوة اسرائيلية الى غرب القناة عند الدفرسوار، نجد أن القيادة العامة قد قامت بتوزيع وبعثرة وحدات الاحتياطي التعبوي شرق القناة وغربها. ووصل الأمر الى حد أن قائد الفرقة 6 مشاة ميكانيكية وجد نفسه منذ صباح يوم 9 أكتوبر في مركز قيادة الفرقة في منطقة الجفرا جنوب جبل عوبيد بمفرده فيما عدا بعض العناصر من القيادة الفرقة، دون أن يكون تحت قيادته أي وحدة من وحدات فرقته. وهذا التصرف من القيادة العامة بالاضافة الى توزيعها لمعظم وحدات الاحتياطي الاستراتيجي المتمركز تحت يدها في القاهرة، والمفترض أن يكون على استعداد للقيام بالضربة المضادة في حالة فشل الهجمات المضادة الرئيسية على مستوى الجيوش، هو دليل واضح على أن القيادة العامة لم تكن تتوقع اطلاقا قيام العدو بعملية اختراق للدفاعات المصرية شرق القناة، ثم القيام بعملية عبور الى الغرب لاقامة رأس كوبري على الضفة الغربية للقناة، وهو أمر يتنافى تماما بعد النظر المطلوب توافره في المسئولين بالقيادة.

ولبيان مدى تشتت قوات الاحتياطي التعبوي نكتفي بالنسبة للعمليات في هذه المرحلة بدارسة أوضاع الفرقتين 6 مشاة ميكانيكية و4 المدرعة اللتين كان يتشكل منهما الاحتياطي التعبوي للجيش الثالث:

الفرقة 6 مشاة ميكانيكية: كانت تتشكل أساسا من اللواء 23 المدرع واللواء الأول مشاة ميكانيكي واللواء 113 مشاة ميكانيكية ولواء مدفعية الفرقة. ونتيجة لتوزيع جميع وحدات الفرقة ووضعها تحت قيادات أخرى، أصبح قائد الفرقة قائدا بلا فرقة، وأصبحت الفرقة غير موجودة من الناحية الواقعية، وتحولت بالفعل الى ألوية مستقلة، وبذا ضاع الهدف الأساسي من تشكيلها بهذا التنظيم، وفقدت مميزاتها كفرقة مشاة ميكانيكية، وكانت وحدات الفرقة موزعة بالطريقة التالية:

- اللواء 22 المدرع: رغم أنه القوة الضاربة الرئيسية في الفرقة، فقد وضع منذ بداية الحرب تحت قيادة الفرقة 19 مشاة، وعبر معها الى شرق القناة حيث اتخذ مواقعه في رأس كوبري الفرقة. - اللواء الأول مشاة ميكانيكي: كلف بعملية الهجوم على رأس سدر على الشاطئ الشرقي لخليج السويس، وعبر القنالة ليلة 8/9 أكتوبر. وعلى أثر فشله في مهمته صدرت الأوامر تحت قيادة الفرقة 19 مشاة بمهمة تأمين منطقتي عيون موسى ورأس مسلة. - اللواء 113 مشاة ميكانيكي: كان يحتل بكتيبتين قطاعا دفاعيا في منطقة بير عديب غرب خليج السويس، ويعمل بأوامر من قيادة الجيش الثالث. وكانت الكتيبة المشاة الميكانيكية الباقية من اللواء متمركزة عند مدخل وادي حجول من الناحية الشمالية عند علامة الكيلو متر 85 على طريق القاهرة السويس. - لواء مدفعية الفرقة: كان يشكل مجموعة مدفعية اللواء الأول مشاة ميكانيكي وكان في مواقعه شرق القناة في رأس كوبري الفرقة 19 مشاة.

الفرقة 4 المدرعة: كانت تتشكل أساسا من اللواءين المدرعين الثاني والثالث واللواء 6مشاة ميكانيكي ولواء مدفعية الفرقة. ورغم أن الفرقة المدرعة هي القوة الضاربة في الاحتياطي التعبوي للجيش وهي وجهوده الرئيسي في أي هجوم مضاد على مستوى الجيش، فان قائد الفرقة في مركز قيادته بمنطقة الجفرا لم يكن تحت قيادته اعتبارا من 13 أكتوبر سوى اللواء الثاني المدرع، وكانت باقي وحدات الفرقة موزعة شرق القناة وغربها. وعندما أدركت القيادة العامة مدى تدهور الموقف غرب القناة في الوقت الذي لم يكن متوافرا في يدها أي احتياطي تعبوي أو استراتيجي على مستوى الجبهة، خططت لاستخدام الفرقة 4 المدرعة كاحتياطي استراتيجي بعد تدعيمها باللواء المدرع بالحرس الجمهوري (الاحتياطي الأخير لديها) وذلك للقيام بالضربة المضادة. وعندما اتضح لها أنه لا يوجد تحت يد قائد الفرقة سوى لواء مدرع واحد بدأت في تحريك وحدات الفرقة الموزعة ما بين شرق القناة والنطاق المتوسط للعودة على وجه السرعة الى منطقة تجميع بالجفرا بجوار قيادة الفرقة، وارسلت ظهر يوم 20 أكتوبر ضابط اتصال الى قائد الفرقة لتفهم موقفها من حيث أوضاعها وكفاءتها القتالية. ولم تكن في مقدرة العميد أ. ح محمد عبد العزيز قابيل قائد الفرقة 4 المدرعة أن يغامر باستخدام وحداته العائدة اليه في ضربة مضادة على مستوى القيادة العامة ، ويتوقف عليها مستقبل الحرب، دون أن يقوم أولا بعملية اعادة تجميعها لرفع كفاءتها القتالية، ولذا طلب من القيادة العامة اعطاءه مهلة 48 ساعة على الأقل. وكان عدم استعداد الفرقة للقيام بالضربة المضادة على الفور بسبب سوء توزيع وحداتها في المرحلة السابقة سببا في الغاء عملية الضربة المضادة يوم 21 أكتوبر علاوة على أن أوان هذه الضربة المضادة قد فات.

هذا وقد كانت أوضاع الفرقة 4 المدرعة يوم 19 أكتوبر كما يلي:

- قيادة الفرقة واللواء الثاني المدرع في منطقة الجفرا. - اللواء الثالث المدرع (عدا كتيبة): شرق القناة ويعمل كاحتياطي في يد قائد الجيش الثالث. والكتيبة المدرعة الباقية من اللواء تحت قيادة الفرقة 7 مشاة. - اللواء 6 مشاة ميكانيكي: يقوم بتأمين النطاق المتوسط للجيش في منطقة الكيلو متر 109 مشاة ميكانيكي. يقوم بتأمين النطاق المتوسط للجيش في منطقة الكيلو متر 109 طريق القاهرة السويس، ويعمل بأوامر من قيادة الجيش الثالث. - لواء مدفعية الفرقة .. يعمل في معاونة الفرقة 7 مشاة، ويحتل مواقعه شرق القناة داخل رأس كوبري الفرقة.

وعندما أدرت القيادة العامة استحالة قيام الجيش الثالث بأي هجوم مضاد رئيسي على مستوى الجيش لتدمير القوات المدرعة الاسرائيلية التي أخذت تندفع داخل نطاقة التعبوي، بسبب عدم وجود الاحتياطي الذي يمكن له دفعه في هذه العملية، أصدرت يوم 19 أكتوبر تعليماتها العاجلة الى قيادة الجيش الثالث بسحب معظم وحدات الفرقتين 6 مشاة ميكانيكية و4 المدرعة من مواقعها شرق القناة للعودة الى غرب القناة لتوضع تحت قيادة الفرقتين. ورغم سحب هذه الوحدات من الشرق الى الغرب، لم يكن في مقدرة قائدي الفرقتين القيام بأي هجمات مضادة رئيسية ضد العدو، فقد كان من المتعذر القيام بعملية اعادة التجميع كي تستعيد الوحدات كفاءتها القتالية بينما القوات المدرعة الاسرائيلية تشق طريقها بسرعة واندفاع داخل النطاق التعبوي. وكانت الفرقة 6 مشاة ميكانيكية تنقصها قوتها الضاربة، فقد ظل اللواء 22 المدرع باقيا في مواقعه شرق القناة، كما أن قائد الفرقة 4 المدرعة كان متمركزا في الشمال عند تقاطع عثمان أحمد عثمان بعيدا عن منطقة الجفرا، وتحت قيادته وحدات اللواء الثاني المدرع (عدا كتيبة) في مواقعها الدفاعية بعد أن عهدت اليه القيادة العامة ظهر يوم 18 أكتوبر بمسئولية تأمين النطاق التعبوي للجيشين الثاني والثالث معا، مما جعل الامر يقتصر على القيام بهجمات مضادة، محلية بوحدات لا تزيد على كتيبة مدرعة أو مشاة ميكانيكية مدعمة وأصبح الغرض مقتصرا على صد العدو وايقافه أو تعطيله، وليس بالطبع تدميره والقضاء عليه.

وعلاوة على ذلك، كان بعض ضباط العمليات من قيادة الجيش الثالث يصدرون التعليمات الى القوات العائدة من شرق القناة وهي على المعابر لتوجيهها مباشرة الى أماكنها الجديدة، ويخصصون لها في نفس الوقت المهام القتالية دون أن تعلم قيادات الفرق شيئا عن أوضاع ومهام وحداتها الفرعية العائدة من شرق القناة، مما أدى الى اضعاف القيادة والسيطرة بشكل واضح. وأدت السرعة والعجلة التي اتسمت بها عملية تجميع الوحدات للهجوم المضاد وتخصيص المهام لها، الى اختلاط الوحدات وعدم تجانسها، وكذا الى تداخل القيادات وتشابك القطاعات بحيث أصبح من الصعب تحديد المسئوليات.

وقد صدرت التعليمات بتجميع الوحدات للقيام بالهجوم المضاد كما يلي:

الفرقة 6 مشاة ميكانيكية: تحرك اللواء 113 مشاة ميكانيكي (عدا كتيبة) من قطاع بير عديب ليلة 19/20 أكتوبر للقيام بغيار اللواء 6 مشاة ميكانيكية من الفرقة 4 المدرعة ليعود اللواء السادس الميكانيكي الى منطقة الجفرا، وبذا أصبح اللواء 113 مشاة ميكانيكي مسئولا عن تأمين الموقع المتوسط عند علامة الكيلو متر 109 طريق القاهرة السويس. وفي الساعة السابعة مساء يوم 20 أكتوبر صدرت التعليمات بأن يقوم اللواء 113 مشاة ميكانيكي (عدا كتيبة) بعد تدعيمه بكتيبة مدرعة من الفرقة 4 المدرعة بالهجوم على مرتفعات جبل جنيفة ووادي سد الجاموس ليلا، على أن تعمل المشاة في مجموعات صغيرة مترجلة أمام الدبابات لكي تتشبث بالأرض ولتأمينها من الصواريخ المضادة للدبابات. وفي يوم 20 أكتوبر عبر اللواء الأول مشاة ميكانيكي الى غرب القناة، وقد كلفت كتيبة مشاة ميكانيكية من اللواء مدعمة بكتيبة دبابات اللواء بالاستيلاء على التبة الزلطية، وكلفت كتيبة مشاة ميكانيكية بتأمين تقاطع طريق جنيفة مع طريقة القاهرة السويس الشمالي بينما تحتل كتيبة المشاة الميكانيكية المتبقية خط صد ما بين طريقي القناة وطريق المعاهدة جنوب معسكر حبيب الله، وعندما تدهورت الاوضاع في قطاع الفرقة 6 مشاة ميكانيكية صدرت التعليمات الى قائد اللواء 22 المدرع (من الفرقة السادسة الميكانيكة) بأن يتحرك على راس كتيبة مدرعة من لوائه ويقوم بالعبور الى غرب القناة في أول ضوء يوم 22 أكتوبر للانضمام الى قطاع اللواء 113 مشاة ميكانيكي للقيام بعملية هجوم مضاد في اتجاه جبل غرة.

الفرقة 4 المدرعة: في مساء يوم 19 أكتوبر صدرت تعليمات القيادة العامة باعادة وحدات الفرقة 4 المدرعة التي على الضفة الشرقية وفي النطاق المتوسط الى منطقة الجفرا لاعادة تجميعها استعدادا لعملية الضربة المضادة. وبناء على هذه التعليمات بدأ اللواء 3 المدرع في التحرك في أول ضوء يوم 20 أكتوبر لعبور القناة الى الغرب. وفي أثناء عودته الى منطقة الجفرا صدرت التعليمات بسحب كتيبة مدرعة من اللواء لتدعيم اللواء 113 مشاة ميكانيكي (من الفرقة السادسة الميكانيكية) في عملية هجوم على جبل جنيفة. وكان اللواء 6 مشاة ميكانيكي (من الفرقة 4 المدرعة) قد أرسل يوم 17 أكتوبر بناء على تعليمات قيادة الجيش الثالث كتيبة مشاة ميكانيكية من اللواء الى منطقة كسفريت لحماية الجنب الأيسر للجيش ومنع العدو من التقدم على طريق المعاهدة.

وعندما عاد اللواء 6 مشاة ميكانيكي (عدا كتيبة) الى منطقة الجفرا بعد أن قام اللواء 113 مشاة ميكانيكي بغياره في الموقع المتوسط، وبعد الغاء عملية الضربة المضادة، صدرت التعليمات من قيادة الجيش الثالث الى اللواء 6 مشاة ميكانيكي بالتحرك مع كتيبة الدبابات المتبقية من اللواء الثاني المدرع بالجفرا بمهمة تدمير دبابات العدو التي تحاول التسلل بين ثغرات مواقعنا الدفاعية مستهدفة تدمير مواقع الصواريخ المصرية أرض جو سام وكذا الدبابات التي تحاول الاستيلاء على المرتفعات للسيطرة على قواتنا في منطقة جبل القط-الحافة البيضاء-جبل أم كثيب بالتعاون مع اللواء 113 (من الفرقة 6 مشاة ميكانيكية) المكلف بالهجوم المضاد الى الشرق من قطاع اللواء السادس الميكانيكي (من الفرقة 4 المدرعة).

المعارك الحربية غرب القناة قبل وقف اطلاق النار

أولا – فرقة الجنرال ابراهام أدان: تقدمت وحدات الفرقة في اتجاه الجنوب وفقا للطريقة التالية:

• لواء جابي: تقدم اللواء المدرع بقيادة العقيد جابي في تجاه الجنوب بحذاء الشاطئ الغربي للبحيرات المرة على طريق المعاهدة بقوته الاساسية، ونظرا للمقاومات المصرية العديدية التي اعترضت طريق تقدمه أمده الجنرال أدان بالامدادات التي تلقاها من القيادة الجنوبية، وكانت عبارة عن كتيبة من المشاة وأخرى من المهندسين العسكريين. وبهذا القوة الاضافية واصل اللواء المدرع تقدمه في اتجاه فايد التي كانت تعتبر من أهم الاهداف العسكرية على هذا المحور، اذ كان يوجد بها مطار فايد ومنطقة ضخمة من معسكرات الجيش المصري ومدينة فايد نفسها التي كان يقطنها عدد من المدنيين. وقد نجحت القوة المصرية التي تدافع عن فايد بقيادة العقيد حسين حسني الذي عهد اليه الفريق سعد الشاذلي بمسئولية القيادة، في وقف تقدم قوات جابي طوال النهار يوم 19 أكتوبر. ولكن في الساعة السابعة مساء نجح العقيد جابي في ازاحة المقاومة المصرية التي كانت تدافع عن مطار فايد والتي قامت بنسف منشآته قبل انسحابها الى الجنوب. وقد أبلغ الفريق الشاذلي الذي كان متواجدا في مركز القيادة المتقدم للجيش الثاني بالاسماعيلية القيادة العامة المركز 10 أن قوات فايد انسحبت تحت ضغط العدو في الساعة العاشرة صباح يوم 20 أكتوبر.

ويلاحظ أن المقاومات المصرية التي اعترضت تقدم لواء جابي غرب البحيرات المرة خلال هذه الفترة، كانت عبارة عن مجموعات ضعيفة من الوحدات الادارية أو مؤخرات الوحدات المصرية الموجودة على الضفة الشرقية، وكذا بعض المجموعات الخاصة التي شكلها مكتب المخابرات الحربية في فايد وزودت بأسلحة وصواريخ مضادة للدبابات مثل مجموعتي السباعي والمنيسي، علاوة على فلول القوات الفلسطينية والكويتية التي كانت مكلفة منذ بدء الحرب بحماية الشاطئ الغربي للبحيرات المرة وانسحبت الى الجنوب بعد العبور الاسرائيلي الى غرب القناة.

وبسقوط مطار فايد في يد لواء جابي، أتيحت الفرصة للاسرائيليين لانشاء راس كوبري جوي على الضفة الغربية للقناة، وأصبح في امكان القيادة الجنوبية الاسرائيلية تزويد قواتها على الضفة الغربية بالمؤن والامدادات العاجلة بطائرات الهيليكوبتر وكذا اخلاء الجرحى بسرعة الى الضفة الشرقية.

• لواء نيتكا ولواء آرييه: في الوقت الذي كان فيه لواء جابي متقدما في اتجاه الجنوب على محور طريق المعاهدة، قام اللواءان المدرعان بقيادة العقيدين نيتكا وآرييه وفقا لتعليمات الجنرال أدان بعد ظهر يوم 19 أكتوبر بحركة التفاف من ناحية الغرب الى الجنوب في اتجاه جبل جنيفة، واستولت قواتهما في طريقها اليه على جبل شبراويت والجوزة الحمراء. وقد تمكنت العناصر الأمامية من لواءي نيتكا وآرييه من الوصول الى مرتفعات جبل جنيفة صباح يوم 20 أكتوبر. وكان لهذا تأثير كبير في مجرى العمليات في القطاع الساحلي نظرا لأهمية هذا الجبل من الناحية التكتيكية بحكم اشرافه وتحكمه في جميع الطرق والهيئات الأرضية الموجودة في هذا القطاع وامتداده الى مسافات بعيدة من جهتي الشرق والجنوب. وكان واجب القيادة المصرية ان تسبق القوات الاسرائيلية في الاستيلاء على هذا الهدف الحيوي بدلا من التاخير الذي جرى والذي أدى الى تكليف اللواء 113 (من الفرقة 6 مشاة ميكانيكية) وكتيبة من اللواء 3 المدرع (من الفرقة 4 المدرعة) بالهجوم فجر يوم 21 أكتوبر للاستيلاء على جبل جنيفة. ورغم الخسائر التي تكبدتها القوات المصرية فانها لم تتمكن من تحقيق هدفها.

وقبل فجر يوم 22 أكتوبر تلقى الجنرال أدان رسالة لاسلكية من الجنرال جونين ذكر له فيها أنه سيكون هناك وقف لاطلاق النار بعد الساعة السادسة مساء من نفس اليوم. وقد حفز هذا النبأ الجنرال أدان كي يبذل أقصى جهوده ليتم اجتياز الشاطئ الغربي للبحيرات المرة بأسرع ما يمكن للوصول الى المجرى الأصلي للقناة جنوب البحيرات والذي يفصله عن مدينة السويس حوالي 23 كم، وهو الهدف الذي كان الجنرال أدان يتطلع للوصول اليه قبل وقف اطلاق النار.

وفي سبيل تحقيق هذا الهدف الكبير قام الجنرال أدان بتجميع ألويته الثلاثة، واندفع في اتجاه الجنوب مستخدما تكتيك الانقضاض السريع بالدبابات لحمل القوات المصرية التي تعترض طريق تقدمه على الهروب من مواقعها الدفاعية بسبب الرعب الذي يحدثه انقضاض الدبابات. ورغم ان هذه الطريقة نجحت نجاحا باهرا خلال حرب يونيو 67، فانها سببت كارثة مروعة للاسرائيليين خاصة عند استخدامها في المرحلة الاولى من حرب أكتوبر، وأدت الى خسائر فادحة في الدبابات الاسرائيلية نتيجة لصمود قوات المشاة المصرية امام الدبابات الاسرائيلية واستخدامها للصواريخ المالوتكا والقواذف RPG7 من مسافات قصيرة.

وطبقا لتعليمات الجنرال أدان تقدمت الألوية المدرعة الثلاثة جابي في اليمين ونيتكا في المنتصف وآرييه في اليسار، وقامت الفرقة بهجومها الشامل على مواجهة واسعة في اتجاه الجنوب. واستخدمت الدبابات الاسرائيلية تكتيك الانقضاض، واندفعت صوب المواقع المصرية بأقصى سرعة ممكنة متفادية مناطق المقاومة الكبيرة لضمان سرعة التقدم، ولكن تكتيك الانقضاض لم يصادف النجاح الذي أحرزه في حرب 67، فقد اصطدمت الدبابات الاسرائيلية بمقاومة مصرية شرسة مما أبطأ سرعة تقدمها نحو الجنوب بشكل واضح. ولم تستطيع الوحدات المصرية الضعيفة التسليح والتحصين خلال هذه المرحلة أن تقوم بأكثر من تعطيل عملية التقدم المدرع الاسرائيلي في اتجاه الجنوب، فقد كان العدو يتفوق عليها تفوقا هائلا في عدد الدبابات، علاوة على المعاونة الجوية المباشرة التي كان يستخدمها لتدمير أي مقاومات تعترض طريق تقدمه، مما أدى الى تدمير وحدات مصرية بأكملها.

ورغم كل ما في حوزة الجنرال أدان من امكانات التفوق، فانه لم يستطع الوصول الى مجرى قناة السويس جنوب البحيرات المرة عندما حل توقيت وقف اطلاق النار في الساعة السادسة والدقيقة الثانية والخمسين مساء يوم 22 أكتوبر.

ثانيا – فرقة الجنرال كلمان ماجن، اندفعت وحداتها صباح يوم 20 أكتوبر في اتجاه الغرب والجنوب بعد أن استولت في اليوم السابق على تقاطع طريق المعاهدة مع وصلة أبو سلطان (الاسم الكودي Tsach لدى الاسرائيليين) وتقاطع وصلتي أبو صوير – أبو سلطان (الاسم الكودي Maktesra لدى الاسرائيليين) ووصل اللواء المدرع بقيادة العقيد دان شمرون وهو لواء اليمين في الفرقة الى مسافة من 20 إلى 25 كم غرب البحيرات المرة. وتقدمت قوات الجنرال ماجن في اتجاه الجنوب الشرقي عن طريق المدقات وعبر الأرض المفتوحة، واستولت على جبل غرة وهو موقع حيوي يسطير سيطرة تامة على طريق القاهرة السويس الشمالي ويبعد عنه بأقل من كيلو مترين، ويعرف هذا الطريق باسم طريق 12 (الاسم الكودي لدى الاسرائيليين هو Asor). كما استولت على وادي سد الجاموس الذي له مدخلان من الجنوب يقودان الى جبل جنيفة شرقا وجبل غرة غربا، وتقدمت قوة مدرعة من فرقة ماجن واستولت على التبة الزلطية التي لا تبعد أكثر من 5 كم من تقاطع وصلة جنيفة مع طريق القاهرة السويس الرئيسي (الاسم الكودي للطريق لدى الاسرائيليين Saeag) وذلك عند علامة الكيلو متر 105.

قرار مجلس الأمن رقم 328 بوقف اطلاق النار

في حوالي الساعة السابعة صباحا يوم 22 أكتوبر بتوقيت القاهرة، أصدر مجلس الأمن القرار رقم 338 بوقف اطلاق النار، وكان القرار يتضمن الفقرات الثلاث التالية:

أولا: دعوة جميع الاطراف المشتركة في القتال الحالي الى وقف اطلاق النار، والى انهاء كل نشاط عسكري فورا، على أن يتم ذلك في وقت لا يتجاوز 12 ساعة من صدور هذا القرار وذلك في المواقع التي تحتلها هذه الاطراف الان.

ثانيا: دعوة الاطراف المعنية الى البدء فورا بعد وقف اطلاق النار في تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242 بجميع أجزائه.

ثالثا: البدء في مفاوضات فورية بين الأطراف المعنية في ذلك الوقت الذي يتم فيه وقف اطلاق النار تحت اشراف مناسب، بغية تحقيق سلام دائم وعادل في الشرق الأوسط.

وكان القرار رقم 338 الذي أصدره مجلس الأمن هو ثمرة اتصالات سياسية مهمة، بدأت منذ الأسبوع الثاني من الحرب بين الرئيس السوفيتي ليونيد بريجنيف في موسكو والرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في واشنطن، وكان محور الاتصال بينهما أناتولي دوبرينين السفير السوفيتي في الولايات المتحدة ووزير الخارجية الامريكي المتعصب لاسرائيل هنري كيسنجر. وبناء على دعوة عاجلة من بريجنيف سافر هنري كيسنجر الى موسكو يوم 20 أكتوبر وبدأت المحادثات بينه وبين الرئيس السوفيتي بريجنيف صباح يوم 21 أكتوبر والتي انتهت بمشروع القرار السوفيتي الأمريكي المشترك الذي وافق عليه مجلس الأمن وصدر صباح يوم 22 أكتوبر باسم القرار رقم 338.

وفي تل أبيب دعت جولدا مائير رئيسة الحكومة مساء يوم 21 أكتوبر الى اجتماع لمجلس الوزراء حيث عرضت رسالة الرئيس الأمريكي نيكسون التي طلب فيها الموافقة على مشروع القرار السوفيتي الأمريكي الذي سيصدره مجلس الأمن والذي أرفقه برسالته. وخلال الاجتماع الذي انعقد عند منتصف الليل تمت الموافقة بالاجماع على مشروع القرار. وبمجرد ان أذيع القرار صباح يوم 22 أكتوبر أعلنت اسرائيل على الفور موافقتها عليه.

وفي القاهرة عقد الرئيس السادات عدة اجتماعات مع السفير السوفيتي بالقاهرة فلاديمير فينوجرادوف. وفي يوم 21 أكتوبر قدم السفير السوفيتي رسالة مطولة من الرئيس السوفيتي بريجنيف عرض فيها تفاصيل مباحثاته مع كيسنجر في موسكو وأرفق بالرسالة مشروع القرار السوفيتي الأمريكي الذي سيصدره مجلس الأمن، ودعا السادات الى الموافقة عليه. وفي نشرة أنباء الساعة الثانية والنصف ظهر يوم 22 أكتوبر أعلنت اذاعة القاهرة موافقة الرئيس السادات على وقف اطلاق النار وفقا للقرار 338 الصادر عن مجلس الأمن. وأرسل الفريقين أحمد اسماعيل وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة بيانا الى جميع تشكيلات القوات المسلحة أورد فيه الأمر الذي أصدره الرئيس السادات بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة بوقف اطلاق النار في الساعة السادسة والدقيقة الثانية والخمسين مساء يوم 22 أكتوبر اذا التزم العدو بوقف اطلاق النار في هذا الموعد.

وقبل وقف اطلاق النار ببضع دقائق وبناء على أمر من الرئيس الراحل السادات أطلقت القوات المصرية قذيفتين من الصواريخ بعدية المدى سوكد على العدو في منطقة الدفرسوار.

وعندما أصبح قرار وقف اطلاق النار نافذ المفعول مساء يوم 22 أكتوبر كانت فرقتنا الجنرالين أدان وماجن اللتان في القطاع الجنوبي للعمليات الاسرائيلية غرب القناة، قد احتلتا منطقة تمتد من وصلة أبو سلطان شمالا على امتداد حوالي 20 كم غرب البحيرات المرة غربا والخط من الجزء الجنوبي من شاطئ البحيرة المرة الصغرى الى تقاطع وصلة جنيفة مع طريق القاهرة السويس الشمالي (طريق 12) وامتداد الطريق بعد ذلك الى الغرب. وكانت هناك قوة مدرعة صغيرة تابعة لفرقة ماجن تهدد بنيرانها من المرتفعات شمال علامة الكيلو متر 105 المرور على طريق القاهرة السويس الرئيسي.

ولكن القوات الاسرائيلية لم تكن تسيطر سيطرة كاملة على المنطقة المستولى عليها، فقد كان ما يزال بداخلها وحدات مصرية تفادتها القوات المدرعة الاسرائيلية خلال اندفاعها السريع نحو الجنوب. وبسبب تداخل القوات المصرية والاسرائيلية في هذه المنطقة أصبح كل من الطرفين يهدد خطوط مواصلات الطرف الآخر.

وكان الاسرائيليون قد اصيبوا بخيبة أمل شديدة عقب حلول وقف اطلاق النار، فعلى الرغم من اندفاعهم المدرع نحو الجنوب والمعاونة الجوية المباشرة التي يقدمها السلاح الجوي الاسرائيلي لتدمير المقاومات المصرية التي تعترض طريق تقدمهم، وعلى الرغم من تفاديهم المقاومات المصرية الكبيرة في أثناء زحفهم، فانهم لم ينجحوا في الوصول الى بداية المجرى الرئيسي للقناة جنوب البحيرات المرة الصغرى والذي يقع على بعد حوالي 25 كم شمال مدينة السويس، أي أن خطتهم لعزل مدينة السويس وحصار الجيش الثالث التي كانوا يستهدفون من ورائها التفاوض مع مصر من مركز قوة عقب وقف اطلاق النار بقصد املاء شروطهم قد باءت كلها بالفشل. وتبدو هذه النوايا المبيتة بوضوح من مذكرات موشي ديان وزير الدفاع والتي قال فيها: "في الساعات الأولى من 22 أكتوبر ألححت على الجنرال بارليف وزير الدفاع بضرورة الاستيلاء على جبل عتاقة في المنطقة الواقعة غرب خليج السويس، فمن شأن ذلك منحنا سيطرة عسكرية كاملة على المنطقة الممتدة من الاسماعيلية الى خليج السويس، ومن شأنه أيضا احباط أي احتمال للالتفاف حول القوات الاسرائيلية غرب القناة".

الاندفاع الاسرائيلي نحو الجنوب في ظل وقف اطلاق النار

لم تكن هناك أدنة صعوبة أمام الاسرائيليين لتحقيق أهدافهم المبيتة، فقد كان من السهل عليهم ايجاد التبرير الذي يتيح لهم الفرصة لاستئناف عملياتهم الحربية وهو الادعاء بان قوات الجيش الثالث قد انتهكت قرار وقف اطلاق النار وانها تطلق على قواتهم النيران. وقد تلقى كل من الجنرالين أدان وماجن توجيها من القيادة الجنوبية مساء يوم 22 أكتوبر بمراعاة وقف اطلاق النار اذا التزم به المصريون، أما اذا لم يحترموه فان عليهما استكمال المهام المسندة اليها.

وكان واضحا من أسلوب التوجيه ان القيادة الجنوبية قد منحتهما التصديق المطلوب، وأضاءت أمامهما الضوء الاخضر للاندفاع بقواتهما جنوبا لاستكمال المهمة التي كانا يتلهفان على تحقيقها، وهي تطويق الجيش الثالث وعزل مدينة السويس، فان التوجيه لم يمنحهما حق الرد على النيران المصرية بالمثل في حالة اطلاقها على قواتهما وهو الأمر المعتاد في مثل هذه المواقف، وانما كان يدعوهما الى استكمال المهام المسندة اليهما، والفرق شاسع بالطبع بين الحالتين.

ونظرا لان الاسرائيليين لم يكن في نيتهم اطلاقا وقف القتال قبل تحقيق الاهداف التي رسموها، لذلك تم التنسيق بين الجنرالين أدان وماجن ليلة 22/23 أكتوبر على الخطة التي سيجرى تنفيذها اعتبارا من صباح يوم 23 أكتوبر. وتم اتفاقهما على ان تتقدم فرقة أدان جنوبا على طريقي القناة والمعاهدة بهدف عزل السويس وذلك عن طريق قطع الاتصال بين السويس والقاهرة غربا وبينها بين الطريق المؤدي الى خليج السويس جنوبا. ولاعطاء عمق كاف لعملية التطويق كان على الجنرال ماجن التقدم بفرقته على يمين فرقة أدان والمرور من خلال الجزء الغربي من قطاع هذه الفرقة بهدف الوصول الى ميناء الأدبية الذي يقع على بعد حوالي 16 جم جنوب مدينة السويس. وفي ليلة 23/22 أكتوبر وبعد أن ادعت اسرائيل أن القوات المصرية انتهكت قرار وقف اطلاق النار، بدأت عمليات فرقتي أدان وماجن في اتجاه الجنوب كما يلي:

فرقة الجنرال أدان: كان الجنرال أدان حريصا على تأمين خطوط مواصلاته في أثناء اندفاع قواته جنوبا في اتجاه السويس. ونظرا لتداخل بعض جيوب المقاومة المصرية مع قواته بطريقة تهدد زحفه الى الجنوب، فقد أصدر تعليماته بسرعة القيام بتطهير طريق المعاهدة والمنطقة المزروعة المحيطة به من القوات المصرية، وذلك في القطاع بين فايد والشلوفة (كان طوله يبلغ 35 كم). وخلال الليل تسلم الجنرال أدان امدادات من المشاة أرسلت اليه في الأغلب من الجهة السورية التي كان القتال الفعلي قد توقف فيها منذ أكثر من أسبوع، وقد تم نقلها بواسطة طائرات الهيليكوبتر وعربات الأتوبيس. وعن طريق دمج الامدادات الجديدة مع الكتيبتين السابق وصولهما اليه يوم 20 أكتوبر، أمكن للجنرال أدان تشكيل لواء مشاة يضم خمس كتائب كان يتحرك بوسائل نقل متعددة منها العربات المدرعة نصف جنزير وحاملات الجنود المدرعة، وعربات الأتوبيس. وأسند أدان قيادة هذا اللواء الى قائد ثاني الفرقة الجنرال دوفيك تماري، وبذا أصبحت فرقة أدان مشكلة من ثلاثة ألوية مدرعة ولواء مشاة خفيف الحركة. وخلال ليلة 22/23 تمكنت كتيبة المهندسين التابعة لفرقة أدان من تطهير طريق القناة (الاسم الكودي Test لدى الاسرائيليين) حتى موقع كبريت جنوبا. واعتزم أدان ضرورة استكمال تطهير باقي الشاطئ الغربي للبحيرات المرة حتى الشلوفة جنوبا حتى يسهل عليه الاندفاع بمعظم قواته في اتجاه السويس.

وفي فجر يوم 23 أكتوبر بدأت فرقة الجنرال أدان بأوليتها الأربعة في استكمال عملية تطهير الشاطئ الغربي للبحيرات المرة . ونظرا لصعوبة الارض وتماسك المقاومات المصرية، أصبح معدل التحرك بطيئا في جميع قطاعات الألوية. وخوفا من صدور قرار ثان من ملجس الأمن بتثبيت وقف اطلاق النار قبل أن تتمكن قواته من عزل مدينة السويسن فقد أسند الجنرال أدان مهمة استكمال عملية التطهير الى لوائي نيتكا ودوفيك تماري واندفع بلواءيه المدرعين الآخرين في اتجاه الجنوب وضاعا لواء جابي في اليمين غرب طريق المعاهدة (الاسم الكودي Havit لدى الاسرائيليين) ولواء آرييه في اليسار بموازاة قناة السويس.

وعن طريق تفادي المقاومات الكبيرة التي كانت تعترض طريق التقدم وباستخدام تكتيك الانقضاض السريع بالدبابات، نجح اللواءان المدرعان في شرق طريقهما للأمام بسرعة من خلال المواقع والمعسكرات المصرية التي كان معظمها يتكون من وحدات الشئون الادارية وومدات من الجيش الاقليمي ومؤخرات الوحدات التي على الضفة الشرقية للقناة ومعسكرات النقاهة، مما أتاح الفرصة للقوات الاسرئايلية للاستيلاء في هذه المرحلة على كميات كبيرة من الاسلحة والمعدات والمخازن وآلاف من الأسرى كان بينهم عدد كبير من المدنيين. وعند حلول الظلام، وبعد قتال عنيف على طول محور التقدم وصل اللواءان المدرعان الى ضواحي مدينة السويس من الغرب عند تقاطع طريق المعاهدة مع طريق القاهرة السويس الرئيسي. ووضع العقيد جابي قائد اللواء المدرع الذي في اليمين قوة صغيرة من دباباته غرب السويس مباشرة، وعلى مدخل الطريق الرئيسي المؤدي الى القاهرة لعزلها عن الغرب، بينما تقدمت كتيبة مدرعة من لوائه على طول خليج السويس، حيث استولت على معامل تكرير البترول بالزيتية على بعد حوالي 5 كم جنوب غرب السويس، وبذا تم عزل مدينة السويس عن الطريق الذي يؤدي الى الخليج.

فرقة الجنرال ماجن: تحركت فرقة ماجن من الشمال الى الجنوب في قطاع عملياته غرب فرقة الجنرال أدان وتمكنت قواته الأساسية من الوصول الى طريق القاهرة السويس والانضمام الى عناصره المتقدمة التي كانت تحتل بعض المواقع الحاكمة شمال الطريق. وبعد أن ترك ماجن وحدة صغيرة من الدبابات في النقطة التي ذاعت شهرتها بعد ذلك وهي علامة الكيلو متر 101 على طريق القاهرة السويس بهدف تأمين الجناح الأيمن لفرقته من أي هجمات مضادة من اتجاه القاهرة تحرك ماجن بقواته في اتجاه الشرق على محور طريق القاهرة السويس، وكان عدد دبابات لواءيه المدرعين قد هبط من 180 دبابة الى حوالي 50 دبابة فقط، نتيجة للخسائر التي تكبدها أمام المقاومات المصرية الشرسة التي واجهت تقدم قواته عقب عبور فرقته الى الضفة الغربية ليلة 18/19 أكتوبر وخلال تقدمها من منطقة الدفرسوار حتى وصلت الى طريق القاهرة السويس يوم 23 أكتوبر بعد قرار وقف اطلال النار.

وقبيل الغروب عبرت دبابات ماجن من خلال لواء جابي وهو اللواء الأيمن لفرقة أدان واتجهت عبر الأرض المفتوحة الى السفوح الشرقية لجبل عتاقة بعد أن اضاءت دباباته كشافاتها ، حيث تم الاتصال بين قوات ماجن وقوة اسرائيلية منقولة جوا تمكنت من احتلال السفوح الشرقية لجبل عتاقة الذي يشرف على كل المنطقة حتى مدينة السويس وخليج السويس. وقد تمكنت هذه القوة من الاستيلاء على محطة انذار إلكترونية كانت موجودة فوق الجبل. وواصلت عناصر فرقة ماجن الامامية تقدمها في اتجاه الجنوب الشرقي حتى وصلت الى مصنع الاسمدة الكيماوية القديم على خليج السويس وعلى بعد حوالي 3 كم الى الجنوب من منطقة الزيتية.

وكلف الجنرال ماجن العقيد دان شمرون قائد اللواء المدرع الذي كان في أقصى اليمين من وقاته والذي هبط عدد دباباته من حوالي 90 دبابة الى 17 دبابة فقط بسبب الخسارئ الفادحة التي لحقت به خلال المعارك العنيفة التي خاضها مع الوحدات المصرية . كلفه بالتقدم الى ميناء الأدبية الذي يقع على خليج السويس وعلى مسافة حوالي 15 كم جنوب مدينة السويس. وانطلق دان شمرون بدبابته التي اضاءت كل كشافاتها وكانها في طابور عرض ليلي، ولم يكن أحد من المصريين يتصور ان ذلك الرتل من الدبابات الذي يسير بشكل قطار فردي على طريق الأسفلت هو رتل دبابات اسرائيلية اذ ان الدبابات لم تكن تطلق النار على احد ولا احد يطلق عليها النار.

وفوجئت الحامية المصرية في ميناء الأدبية بدخول الدبابات الاسرائيلية عليها عند منتصف الليل، فنشبت معركة قصيرة غير متكافئة بين رجال البحرية ودبابات العدو، وتمكنت بعض اللنشات السريعة من الهرب من الميناء. وفي الصباح تم للاسرائيليين تطهير الميناء من مراكز المقاومة المصرية وتمكنوا من أسر عدد كبير من أفراد الحامية البحرية وبعض السفن الراسية في الميناء، كما دخلت الى الميناء بعض لنشات الصواريخ الاسرائيلية، وبذا تم قطع طريق الامداد البحري الذي كان يربط السويس بالخليج وأصبحت المدينة منذ منتصف ليلة 23/24 أكتوبر معزولة تماما عن الاراضي المصرية غرب القناة.

ونظرا لان الجنرال جونين كان في شدة القلق خشية أن تتعرض العناصر المدرعة الصغيرة الحجم التي تركها الجنرال ماجن لاغلاق الطريق الرئيسي بين السويس والقاهرة لهجوم مضاد مصري من اتجاه الغرب، أصدر قائد القيادة الجنوبية أوامره الى الجنرال ماجن بترك حامية صغيرة في الأدبية والعودة ثانية بقواته الاساسية الى طريق القاهرة السويس. وعندما وصلت دبابات ماجن الى النقطة الاسرائيلية عند علامة الكيلو 101 اتجهت غربا في اتجاه القاهرة لمحاولة كسب بضعة كيلو مترات أخرى من الطريق لتأمين الجنب الأيمن للفرقة، ولكنها اصطدمت بعد ثمانية كيلو مترات بموقع مصري حصين كانت تحتله عناصر مدرعة من اللواء الثالث التابع للفرقة 4 المدرعة ودارت معركة عنيفة طوال الليل انتهت بارتداد الدبابات الاسرائيلية وعدولها عن مواصلة التقدم في اتجاه الغرب.

التحركات المصرية بعد انتهاك اسرائيل لوقف اطلاق النار

عند حلول موعد وقف اطلاق النار في مساء يوم 22 أكتوبر كانت الفرقة الرابعة المدرعة التي أسندت القيادة العامة الى قائدها مهمة تأمين النطاق التعبوي للجيش الثاني والثالث قد احتلت وحداتها خطا على بعد 5 كم شرق الخط العام تقاطع عثمان أحمد عثمان – وادي أبو طلح – جبل أم كثيب – الحافة البيضاء – مشاش البحارة – جبل عوبيد (على مواجهة حوالي 70 كم) ، وفي الساعة الحادية عشرة صباح يوم 23 أكتوبر صدرت التعليمات من القيادة العامة عن طريق قيادة الجيش الثاني الى العميد أ. ح ابراهيم العرابي بان يتحرك بقيادة الفرقة 21 المدرعة فقط من موقعه شرق القناة الى تقاطع عثمان أحمد عثمان، ليتسلم مسئولية تأمين النطاق التعبوي للجيش الثاني من العميد أ. ح محمد عبد العزيز قابيل قائد الفرقة 4 المدرعة الذي تقرر عودته ليتولى مسئولية تأمين قطاعه الاصلي بالجيش الثالث كما كان الحال من قبل. ووضع تحت قيادة العميد العرابي اللواء 23 المدرع الجاري استكماله وكتيبة دبابات من اللواء 2 المدرع (من الفرقة 4 المدرعة) وكتيبة مظلات وكتيبة استطلاع وكتيبة مهندسين من الفرقة 23 مشاة ميكانيكية. وفي الساعة الثالثة ظهرا تولى العميد العرابي مسئولية قيادته الجديدة غرب القناة على مواجهة حوالي 35 كم، ولكن العدو لم يكن له أي نشاط يذكر على هذه المواجهة.

وفي قطاع الجيش الثالث غرب القناة وبعد انتهاك الاسرائيليين لقرار وقف اطلاق النار، حاول اللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث تأمين طريق القاهرة السويس الرئيسي الذي كانت المواقع الاسرائيلية شمال الطريق تهدد المرور عليه، فأصدر تعليماته في الساعة الثانية صباح يوم 23 أكتوبر الى قائد الفرقة 6 مشاة ميكانيكية بأن يقوم اللواء 113 مشاة ميكانيكي (عدا كتيبة) وتحت قيادته كتيبة الدبابات التابعة للواء 22 المدرع، في أول ضوء يوم 23 أكتوبر باسترداد مرتفعات جبل جنيفة والمدخل الشرقي لوادي سد الجاموس، وأن تقوم كتيبة مشاة ميكانيكية من اللواء الأول مشاة ميكانيكي مدعمة بكتيبة صاعقة باسترداد التبة الزلطية، وأن يشكل اللواء الأول الميكانيكي قوة مدرعة لتدمير دبابات العدو الموجودة شمال علامة الكيلو متر 105 على طريق القاهرة السويس، بينما تدفع العناصر المتبقية من اللواء الى السويس لتأمين مداخلها. ولكن هذه المهام لم يكن في الامكان تنفيذها لضآلة القوات التي تبقت بعد المعارك العنيفة التي خاضتها وحدات الفرقة 6 مشاة ميكانيكية في الأيام الثلاثة السابقة ضد قوات العدو المدرعة، التي كانت تتفوق عليها تفوقا ساحقا من حيث عدد الدبابات وقوة النيران، والتي كان الطيران الاسرائيلية يقوم بتدمير أي مقاومات تعترض طريق تقدمها. وقد بلغ تآكل الوحدات المصرية الى الحد الذي جعل قائد الفرقة 6 مشاة ميكانيكية يذهب بنفسه ومعه رئيس عمليات الفرقة لمرافقة القوة الصغيرة التي أمكن تدبيرها من اللواء الأول مشاة ميكانيكي، لفتح طريق القاهرة السويس عند علامة الكيلو متر 105 والتي كانت تتكون من 6 دبابات وعربتين مالوتكا ضد الدبابات من طراز نمر أي مجرد فصيلة مدرعة.

وكان أخطر الاحداث التي وقعت في قطاع الجيش الثالث غرب القناة يوم 23 أكتوبر هو اقتحام دبابات العدو لمركز القيادة المتقدم للجيش الثالث. وكان مركز القيادة الذي يقع شمال غرب السويس قد تعرض منذ صباح يوم 23 أكتوبر لغارات جوية عنيفة استمرت طوال اليوم، مما أدى الى تهدم بعض اجزائه علاوة على التهديد الذي كان معرضا له نتيجة للمعلومات التي وردت عن تقدم الدبابات الاسرائيلية من الشمال في اتجاه السويس.

وعندما أبلغ قائد الجيش الثالث القيادة العامة بالمركز 10 بالموقف المتحرج الذي اصبح يواجهه، أصدر الفريق أول أحمد اسماعيل أمره بانتقال مركز القيادة المتقدم للجيش الى مركز القيادة الرئيسي في الخلف جنوب جبل عوبيد والغاء مركز القيادة المتقدم، وان تشكل مجموعة قيادة للانتقال الى الضفة الشرقية للقناة لقيادة الفرقتين 7 و19 مشاة. وقد أمر اللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث ومعه بعض الضباط من شعبة عمليات الجيش للانتقال الى الضفة الشرقية كي يتولى قيادة الفرقتين تنفيذا لتعليمات القائد العام، ولكن مجموعة القيادة لم يتيسر لها الانتقال الى الضفة الشرقية كما كان المفترض. وعند غروب شمس يوم 23 أكتوبر وفي أثناء تقدم اللواء المدرع بقيادة العقيد جابي من فرقة أدان في اتجاه الجنوب، اقتحمت دباباته مركز القيادة المتقدم للجيش الثالث، وكان قائد الجيش وقتئذ داخل الملجأ المشيد تحت الأرض وبرفقته مساعده ورئيس شعبة العمليات وكذا قائد الفرقة 6 مشاة ميكانيكية الذي كان قد استدعى للحضور الى مركز القيادة بالاضافة الى بعض الضباط من شعبة العمليات ومن قيادة الفرقة. ورغم وقوع خسائر جسيمة بين أفراد مركز القيادة المتقدم للجيش الذين كانوا خارج الملجأ وتهدم معظم أجزائه بفعل نيران الدبابات الاسرائيلية المقتحمة، فقد نجا جميع الذين كانوا داخل الملجأ بأعجوبة اذ مرت الدبابات الاسرائيلية على أمتار قليلة منهم دون أن تكتشفهم بسبب الظلام. واضطر قائد الجيش الثالث الى اخلاء مركز قيادته الأمامي على الفور، وانتقل معه بعض ضباط قيادته الى مركز القيادة الرئيسي جنوب جبل عوبيد.

الفصل الثامن: المحاولات الإسرائيلية للاستيلاء على مدينة السويس

في فجر يوم 23 أكتوبر انتهكت اسرائيل قرار مجلس الأمن رقم 338 الصادر في 22 أكتوبر 73 بوقف اطلاق النار، فقد تقدمت الفرقتان المدرعتان بقيادة الجنرالين ابراهام أدان وكلمان بموافقة القيادة الجنوبية الاسرائيلية ، جنوبا في اتجاه السويس ، وأصبح من الواضح ان اسرائيل مصممة على تحقيق أهدافها التي لم تتمكن من تحقيقها قبل وقف اطلاق النار، بسبب المقاومة المصرية الباسلة ، وهي عزل مدينة السويس واحكام الحصار حول الجيش الثالث الميداني شرق القناة، لاستخدام ذلك كورقة رابحة في يدها للمساومة بها خلال المحادثات التي كان من المنتظر عقدها بينها وبين مصر وفقا لقرار مجلس الامن الدولي رقم 338.

وفي الساعة التاسعة والنصف صباحا يوم 23 أكتوبر بتوقيت شرق الولايات المتحدة، اتصل كورت فالدهايم السكرتير العام للأمم المتحدة من نيويورك بوزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر في واشنطن هاتفيا، واخطره أن مصر تقدمت بشكوى رسمية عن الخرق الاسرائيلي لوقف اطلاق النار، وانه يقترح ايفاد قوة طوارئ دولية لمراقبة وقف اطلاق النار.

قرار مجلس الأمن رقم 339 في 23 أكتوبر 1973

نظرا لان السفير السوفيتي أناتولي دوبرينين كان لا يزال في موسكو عقب حضوره محادثات الرئيس بريجينيف وكسنجر يوم 21 أكتوبر في العاصمة السوفيتية، فقد بادر كيسنجر عقب حديث فالدهايم معه الى الاتصال بالقائم بالأعمال السوفيتي في واشنطن، وقدم له اقتراحا لينقله الى موسكو، وهو أن يجتمع مجلس الأمن كي يكلف السكرتير العام فالدهايم باصدار نداء الى الاطراف المعنية بضرورة الالتزام بوقف اطلاق النار وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 338.

وكان هنري كيسنجر الشديد التعصب لاسرائيل بحكم ديانته اليهودية، قد استغل منصبه كوزير خارجية الولايات المتحدة لتقديم مساعدات ضخمة لاسرائيل منذ بداية الحرب في شتى المجالات. وأثناء محادثاته مع بريجينيف خلال رحلته الى موسكو من اجل وقف اطلاق النار، تعمد اضاعة الوقت وتأخير اجتماع مجلس الامن لكي يعطي مهلة اضافية لاسرائيل عسى أن تسجل قواتها مزيدا من التقدم في جبهة القتال.

وخلال وجوده في موسكو أبرقت اليه جولدا مائير رئيسة وزراء اسرائيل تطلب منه القدوم الى اسرائيل قبل عودته الى واشنطن، وعلى الفور غير كيسنجر من مسار رحلته كلها لكي يستجيب لطلب رئيسة وزراء اسرائيل، ووصل الى مطار بن جوريون في الساعة الواحدة ظهر يوم 22 أكتوبر أي بعد صدور قرار مجلس الامن رقم 338 بست ساعات.

وقبل أن يغادر كيسنجر اسرائيل، كان موعد سريان وقف اطلاق النار قد حل، وقد سجل كيسنجر في مذكراته ما يثبت تماما انه قد استغل منصبه لكي يعطي اسرائيل ضوءا اخضر لكي تخرق وقف اطلاق النار، فقد ذكر بالحرف: "في اسرائيل ولكي احظى بمساندتهم فانني أشرت لهم انني سوف اتفهم الامر اذا افلتت ساعات قليلة من سريان وقف اطلاق النار، وستفلت هذه الساعات بينما اكون عائدا بطائرتي الى واشنطن". وعلى ذلك لم يكن اقتراح كيسنجر للقائم بالاعمال السوفيتي بتكليف مجلس الامن لفادلهايم باصدار نداء الى الاطراف المعنية للالتزام بوقف اطلاق النار. . سوى حلقة جديدة من سلسلة اضاعة الوقت التي أحكم كيسنجر تدبيرها لمنح القوات الاسرائيلية الفرصة التي تتوق اليها لتحقيق أهدافها.

ولكن كيسنجر في غمرة مناوراته الملتوية نسى أن زعماء الكرملين في موسكو كانوا يدركون جيدا حقيقة اهدافه ومراميه في سبيل خدمة اسرائيل، ولذا أدركته الدهشة حينما نقل اليه القائم بالاعمال السوفيتي مذكرة عاجلة موجهة اليه من الرئيس السوفيتي بريجنيف، اذ ان ذلك الاجراء لم يسبق حدوثه من قبل، فان بريجنيف وفقا للاعراف الدبلوماسية لا يوجه رسائله الا الى الرئيس الأمريكي نيكسون. وفهم كيسنجر على الفور ان الرئيس السوفيتي يريد ان يلفت نظره بهذه الرسالة المباشرة المرسلة اليه.. الى أنه يدرك جيدا حقيقة الدور الذي يلعبه في الخفاء لكي يخدم اسرائيل. وسجل بريجنيف في رسالته ان القوات الاسرائيلية تتحرك جنوبا بمحاذاة الضفة الغربية لقناة السويس، وان هذه الاعمال الاسرائيلية غير مقبولة وتمثل خداعات وتحايلا فاضحا، ولذا فهو يقترح اجتماعا عاجلا لمجلس الامن ظهر لاعادة تاكيد وقف اطلاق النار، واصدار الامر للقوات الاسرائيلية بالعودة الى المواقع التي كانت عليها لحظة صدور القرار رقم 338 في اليوم السابق.

وفور تلقي كيسنجر رسالة بريجنيف ، سارع بالاتصال بالسفير الاسرائيلي في واشنطن سيمحا دينتز لابلاغه بهذا التطور. وخلال دقائق معدودات كانت جولدا مائير رئيسة وزراء اسرائيل على سماعة الهاتف تطلب كيسنجر من تل أبيب. واخبرها كيسنجر بان الولايات المتحدة لن تتمكن من الاعتراض على مشروع قرار يتقدم به الاتحاد السوفيتي الى مجلس الامن لعودة القوات المتحاربة الى خط 22 أكتوبر وفقا لقرار رقم 338 الذي اشتركت الولايات المتحدة نفسها في صياغته وتقديمه. وعندما لاحظ كيسنجر قلقها أخذ يهدئ من روعها فقال لها وفقا لما ورد في مذكراته بالحرف: "انني اقترح عليك ان تنسحب قوات اسرائيل في هذه الحالة مئات قليلة من الياردات من أي موقع تكون قد وصلت اليها الان، ثم تقف وتقول ان هذه هو خط 22 أكتوبر". وأضاف كيسنجر متهكما لرئيسة وزراء اسرائيل: "كيف يمكن لاي شخص أن يعرف على الاطلاق أين كان يوجد خط 22 أكتوبر في الصحراء؟".

وهكذا أعطى كيسنجر الضوء الاخضر الجديد لاسرائيل لكي تمضي قواتها في عملياتها الحربية منتهكة قرار وقف اطلاق النار دون خوف من عقاب، اذ ان الحل بسيط فيما لو تأزمت الأمور، هو أن تنسحب قوات اسرائيل بضع مئات من الياردات وتقول: هذا هو خط 22 أكتوبر.

لقد كان هنري كيسنجر هو وزير خارجية احدى القوتين العظميين، ويمكنها أن تعرف بسهولة بوسائلها المتطورة في الاستطلاع الجوي اين كان يوجد خط 22 أكتوبر على وجه التحديد، وكان كيسنجر بالذات قد تسلم قبل مغادرته اسرائيل تقريرا عسكريا اسرائيليا كان يحدد خط 22 أكتوبر، ومع ذلك فهو نفسه الذي يقول لرئيسة وزراء اسرائيل متهكما.. ان أحد لا يعرف مطلقا أين كان يوجد خط 22 أكتوبر. وقد سجل كيسنجر في مذكراته أنه في محاولة لكسب الوقت اتصل بالقائم بالأعمال السوفيتي في حوالي الساعة الحادية عشرة ونصف.. لكي يخبره أن الولايات المتحدة لا تمانع في دعوة مجلس الأمن للانعقاد ظهرا، ولكنها لن تكون على استعداد للتصويت الا فيما بعد، كما أنها لا توافق على انسحاب اسرائيل الى خط 22 أكتوبر.

وفي حوالي الساعة الثانية عشرة والنصف ظهرا – أي في خلال ساعة واحدة فقط من رسالة كيسنجر الى موسكو – وردت رسالة من بريجنيف في هذه المرة الى الرئيس الأمريكي نيكسون. وكانت رسالة الرئيس السوفيتي شديدة اللهجة. فقد أشار في رسالته الى أن الاتحاد السوفيتي، يرى أن خرق اطلاق النار هذه المرة هو خيانة في ظل ضمان كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، لذلك فهو يطلب اتخاذ أكثر الاجراءات فعالية بصفة مشتركة وبدون اي تاخير لفرض وقف اطلاق النار.

ونظرا لان نيكسون لم يكن مشتركا مع وزير خارجيته في مناوراته المشبوعة لمساندة اسرائيل في استمرار خرقها لوقف اطلاق النار – اذ ان ذلك لم يكن في صالح الولايات المتحدة – فقد بعث برده الى بريجنيف الذي أقر فيه بالمسئولية الكاملة للولايات المتحدة عن التزام اسرائيل بوقف اطلاق النار، وموافقته على ضرورة اعادة اسرائيل الى خط 22 أكتوبر. واضطر كيسنجر الى ابلاغ القائم بالاعمال السوفيتي برسالة نيكسون الى بريجنيف، التي كانت تتناقض مع ما سبق أن أبلغه لموسكو من عدم موافقة الولايات المتحدة على الانسحاب الى خط 22 أكتوبر.

وعندما علم القادة السوفيت ان القوات المدرعة الاسرائيلية غرب القناة تندفع الى الجنوب في سرعة خاطفة دون اكتراث بوقف اطلاق النار في محاولة لعزل السويس ومحاصرة الجيش المصري الثالث شرق القناة، اتحذ بريجنيف خطوة أشد عنفا مما سبق. فبعث برسالة جديدة الى الرئيس نيكسون، أصبحة هي الرسالة الثانية خلال أقل من ساعتين، يطلب فيها دعوة مجلس الامن للانعقاد في الحال لفرض وقف اطلاق النار واعادة القوات الاسرائيلية الى خط 22 أكتوبر دون أي تأخير. وبعد هذا الموقف المتشدد من السوفيت، اضطر كيسنجر الى تغيير موقفه كما يبدو بوضوح في مذكراته، فقد ذكر ان اعتبارات أخرى قد طرأت على الموقف، فلم تكن للولايات المتحدة مصلحة في رؤية السادات يتم تدميره عن طريق انهيار وقف اطلاق النار الذي كانت الولايات المتحدة نفسها شريكة في الاشراف عليه، وانه في حالة سقوط السادات فان المرجح ان يحل قائد راديكالي يميل الى السوفيت، وسوف تقوم الأسلحة السوفيتية في وقت قياسي باعادة تشكيل ما يعادل قوات الجيش الثالث، ولابد في هذه الحالة من نشوب حرب أخرى بين مصر واسرائيل ان عاجلا أو آجلا.

وازاء هذه التطورات، تم ابلاغ بريجنيف في الخامسة والربع مساء بأن واشنطن توافق على التقدم بمشروع أمريكي سوفيتي مشترك الى مجلس الأمن لتثبيت وقف اطلاق النار ومطالبة القوات المتحاربة بالعودة الى خط 22 أكتوبر. وبناء على ذلك اجتمع مجلس الأمن مساء يوم 23 أكتوبر، وعندما تقدم جون سكالي مندوب الولايات المتحدة بالمشروع الأمريكي أعلن المندوب السوفيتي جاكوب مالك تأييده للمشروع، وطالب بالاقتراع عليه في الحال فأحرز 14 صوتا لامتناع الصين عن التصويت، وصدر بذلك القرار الذي عرف باسم قرار مجلس الأمن رقم 339 ، وكان نصه كما يلي: "ان مجلس الأمن اذ يشير الى قراره رقم 338 الصادر بتاريخ 22 أكتوبر 73:

أولا – يؤكد قراره المتعلق بوقف جميع أنواع اطلاق النار وجميع الانشطة العسكرية فورا، ويحث على أن تعود قوات الجانبين الى المواقع التي كانت تحتلها عند نفاذ قرار وقف اطلاق النار.

ثانيا – يطلب من السكرتير العام اتخاذ الاجراءات اللازمة لارسال مراقبين من الأمم المتحدة فورا لمراقبة الالتزام بوقف اطلاق النار بين قوات اسرائيل وقوات جمهورية مصر العربية مستخدما لهذه الغاية أفراد الأمم المتحدة الموجودين حاليا في الشرق الأوسط، وفي المقام الأول الموجودين في القاهرة".


الاصرار الاسرائيلي على خرق وقف اطلاق النار

عند منتصف ليلة 23/24 أكتوبر كانت القوات الاسرائيلية التي اندفعت في اتجاه الجنوب منذ فجر 23 أكتوبر قد أكملت في ظل وقف اطلاق النار حلقة الحصار حول مدينة السويس، فقد تم لها قطع طريق السويس القاهرة من ناحية الغرب، والطريقين اللذين يؤديان الى الاسماعيلية من ناحية الشمال، وهما طريق القناة وطريق المعاهدة، كما تم لها قطع الطريق البري الذي يربط السويس بميناء الأدبية وخليج السويس من ناحية الجنوب، وبوصول بعض القطع البحرية الاسرائيلية صباح يوم 24 أكتوبر الى ميناء الأدبية تم قطع الطريق البحري الذي يربط السويس بالخليج والبحر الأحمر.

وفي نفس الوقت الذي تم فيه عزل السويس عن العالم الخارجي، نجح العدو في احكام حصاره للجيش الثالث الميداني شرق القناة، وكان هذا الجيش يتشكل من فرقتين 7 مشاة و19 مشاة وقوامها حوالي 40.000 ضابط وجندي ونحو 250 دبابة. وعلاوة على ذلك أصبحت هذه القوات كلها هي ومدينة السويس خارج نطاق شبكة الدفاع الجوي (سام) فقد كان الجيب الاسرائيلي الممتد من جنوب ترعة الاسماعيلية شمالا حتى ميناء الأدبية جنوبا يفصل بين كتائب الصواريخ المصرية أرض جو في الغرب ووحدات الجيش الثالث ومدينة السويس في الشرق مما أتاح الفرقة للطائرات الاسرائيلية للقيام بهجماتها العنيفة المركزة على السويس وعلى قوات الجيش الثالث دون اي فرصة لردع الطائرات الاسرائيلية المغيرة. هذا ولم تكن لدى القيادة المصرية وقتئذ أي قوات احتياطية غرب القناة سواء على المستوى التعبوي أو الاستراتيجي للقيام بهجوم مضاد رئيسي أو للقيام بضربة مضادة يمكن عن طريقها انهاء عزلة السويس وفك الحصار عن وحدات الجيش الثالث شرق القناة.

وبتعليمات من السكرتير العام للأمم المتحدة الجنرال الفنلندي إنزيو سيلاسفو قائد قوات الطوارئ الدولية في قبرص كلا من القاهرة وتل أبيب عقب صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 339 في 23 أكتوبر، وتم الاتفاق بينه وبين المسئولين في القيادتين المصرية والاسرائيلية على أن تلتزم قوات الطرفين بالموعد الثاني لوقف اطلاق النار وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 339 وهو الساعة السابعة صباحا يوم 24 أكتوبر.

ورغم اعلان اسرائيل قبولها لهذا الموعد الجديد لوقف اطلاق النار، فان عملياتها الحربية ضد الجيش الثالث وضد مدينة السويس استمرت طوال المدة من 24 إلى 27 أكتوبر. فقد كان الاسرائيليون يأملون أن تستسلم خلال هذه الفترة تحت ضغطهم الشديد قوات الجيش الثالث المحاصرة، وأن ينجحوا في اقتحام مدينة السويس قبل وصول قوات الامم المتحدة. ولو قدر لهم أن يحققوا ما كانوا يهدفون اليه لكانت مصر قد واجهت كارثة عسكرية من أسوأ الكوارث في تاريخها.

ولا شك في أن من أهم العوامل التي شجعت القيادة الاسرائيلية على الاستمرار في محاولاتها لحصار وتدمير الجيش الثالث والاستيلاء على مدينة السويس، تلك المساعدات الأمريكية الجبارة عبر الجسر الجوي الأمريكي لتزويدها بأحدث الأسلحة والمعدات المتطورة في محاولة لقلب ميزان الموقف العسكري بعد النجاح الساحق الذي أحرزته القوات المصرية في المرحلة الأولى من الحرب. وكان الالتزام الامريكي بضمان أمن وسلامة اسرائيل الذي يمثل خطا استراتيجيا رئيسيا في السياسة الامريكية بمنطقة الشرق الأوسط، هو العامل الاول الذي شجع اسرائيل على مواصلة عملياتها الحربية غرب القناة على الرغم من صدور قرارين من مجلس الامن بوقف اطلاق النار، وهما القراران رقما: 339 في 22 أكتوبر، و339 في 23 اكتوبر ، اللذان أعلنت اسرائيل نفسها موافقتها عليهما.

وقبل مهاجمة مدينة السويس، وبعد احكام الحصار حولها، كان هدف القيادة الاسرائيلية هو القضاء على بقايا وحدات الفرقة 6 مشاة ميكانيكية التي اشتركت في المعارك التعطيلية العنيفة ضد قوات الجنرال ابراهام أدان المتقدمة على المحور الساحلي الموازي للبحيرات المرة والقناة، مما أدى في النهاية الى تداخلها بين القوات الاسرائيلية.

وفي مساء يوم 23 أكتوبر كانت بقايا الوحدات الفرعية للفرقة السادسة الميكانيكية متمركزة في بعض المواقع الدفاعية التي احتلتها على عجل في المنطقة المحصورة ما بين طريق القاهرة-السويس الشمالي (طريق 12) وطريق القاهرة-السويس الرئيسي. وكانت وصلة جنيفة التي تتقاطع مع الطريق الشمالي على مسافة 6 كم جنوب معسكر حبيب الله وتتقاطع مع الطريق الرئيسي عند علامة الكيلو متر 109، تحد هذه المنطقة من الشرق. وكانت قوات الفرقة السادسة الميكانيكية في وضع تكتيكي خطير بسبب احاطة قوات العدو بها من الجوانب الاربعة: من الشرق في منطقة عجرود ومدخل السويس، ومن الغرب في منطقة الكيلو متر 101 طريق القاهرة السويس، ومن الشمال في مرتفعات جبل جنيفة وجبل غرة والتبة الزلطية، ومن الجنوب جبل عتاقة وكان القضاء عليها يعتبر مسالة وقت لاغير. ورغم ذلك فان القيادة الاسرائيلية كانت تهدف الى سرعة تطهير جميع الهيئات الحاكمة والمرتفعات شمال طريق القاهرة –السويس حتى علامة الكيلو متر 101 غربا من القوات المصرية، حتى يمكنها القيام بعملياتها ضد مدينة السويس دون احتمال اي تدخل من جانب القوات المصرية التي كانت لا تزال في الغرب.

وبناء على تعليمات قائد الجيش الثالث الذي انتقل منذ مساء يوم 23 أكتوبر الى مركز قيادته الرئيسي في جنوب جبل عوبيد بعد اقتحام الدبابات الاسرائيلية لمركز قيادته المتقدم شمال غرب السويس، كان العميد أ. ح أبو الفتح محرم قائد الفرقة 6 مشاة ميكانيكية موجودا عند علامة الكيلو متر 109 طريق القاهرة-السويس في الساعة السابعة صباحا يوم 24 أكتوبر بعد ان اصبح القرار الثاني لوقف اطلاق النار نافذ المفعول، انتظارا لوصول المراقبين الدوليين الذين وعد الجنرال سيلاسفو بارسالهم في هذا التوقيت لارشادهم الى مناطق التجمعات المصرية داخل المنطقة التي احتلها اسرائيل عقب القرار الاول لوقف اطلاق النار لامكان تنفيذ قرار مجلس الامن رقم 339 باعادة القوات الاسرائيلية الى خط 22 أكتوبر.

ولكن مفاجاة قاسية كانت في انتظار العميد أبو الفتح. فبدلا من قدوم المراقبين الدوليين، قدمت الى المنطقة الدفاعية التي تحتلها وحدات فرقته الطائرات الاسرائيلية لتقوم بهجماتها المدمرة، وتلاها قصف عنيف مركز من المدفعية الاسرائيلية ، واتضح ان اعلان اسرائيل قبولها لوقف اطلاق النار كان في المرتين ستارا خادعا لتقوم من ورائه بعملياتها.

وقبل الظهر تقدمت الدبابات الاسرائيلية الى الموقع الدفاعي شمال تقاطع الكيلو متر 109 الذي كانت تحتله بقايا وحدات من اللواء الأول مشاة ميكانيكي من اتجاهي الشرق والغرب على طول طريق القاهرة السويس الرئيسي، وتحت قصف عنيف من المدفعية وعن طريق المعاونة المباشرة للطيران، اخترقت الدبابات الاسرائيلية الموقع الدفاعي في حوالي الساعة الثالثة والنصف مساء. وتحولت الدبابات الاسرائيلية بعد ذلك شمالا، وتحت ستار هجمات جوية مركزة وقصف مدفعي كثيف قامت الدبابات الاسرائيلية باختراق الموقع الدفاعي لبقايات وحدات اللواء 113 مشاة ميكانيكي في الساعة الخامسة مساء، وبذا تم تدمير وحدات الفرقة 6 مشاة ميكانيكية غرب القناة بعد معارك شرسة ، وسقطت جميع المواقع المصرية شمال طريق القاهرة السويس حتى علامة الكيلو متر 101 غربا.

وكان الجنرال ابراهام أدان قائد الفرقة المدرعة الاسرائيلية التي تحاصر السويس قد تلقى رسالة لاسلكية من الجنرال جونين قائد القيادة الجنوبية في الساعة الثانية صباح يوم 24 أكتوبر يسأله فيها اذا كان في مقدرته احتلال السويس في خلال ساعتين ونصف الساعة، وهي الفترة بين طلوع الفجر في الساعة الرابعة والنصف، وموعد السريان الثاني لوقف اطلاق النار في الساعة الرابعة صباحا. وعندما رد الجنرال ادان بأن هذا يتوقف على عدد المصريين المقاتلين بالمدنية ومدى تصميمهم على القتال، وأنه يستطيع الاستيلاءعلى جزء من المدينة من أسوأ الفروض، فتردد جونين قليلا ثم قال: "حسنا اذا كانت بئر السبع فتقدم على الفور، واذا كانت ستالينجراد فلا تدخلها". وبكلمات أخرى كان جونين يعني انه اذا كان في الامكان الاستيلاء على السويس بنفس السهولة التي بها استيلاء الاسرائيلية على مدينة بئر السبع في 20 أكتوبر 1948 فانه يوافق على الهجوم، ولكن اذا كان أدان سيلقي مقاومة مثل تلك التي صادفها الجنرال الالماني فون باولوس عند محاولة اقتحام مدينة ستالينجراد السوفيتية عام 1945 فينبغي عليه العدول عن المحاولة. وعقب هذا الحوار مباشرة أصدر الجنرال أدان أمرا الى قواته بالهجوم على مدينة السويس في صباح يوم 24 أكتوبر وفقا للخطة التالية:

لواء جابي: يتم دخول السويس من اتجاهين: من اتجاه الغرب على محور طريق القاهرة السويس، ومن اتجاه الجنوب الغربي على محور طريق الزيتية السويس، وتندفع القوتان الى وسط المدينة.

لواء آريين- يدخل السويس من اتجاهين: اتجاه الشمال (طريق الجنانين) ومن اتجاه الشمال الغربي، على أن يكون مجهود الرئيسي على اليمين بموازاة طريق القاهرة السويس، وكانت تتبع لواء آرييه من المظليين بقيادة المقدم يوسي. وكان على قوات آرييه الالتقاء بقوات جابي عند وسط المدينة. ولتأمين المدينة عقب اقتحامها بالدبابات الاسرائيلية، تم تخصيص كتيبتي مشاة من لواء دوفيك تماري لكي تتبع الدبابات على طريق القاهرة-السويس للقيام بعملية التطهير. وكانت الخطة تقضي بأن يتم معاونة هجوم لواءي جابي وآرييه بقصف مدفعي كثيف، وأن تتبعه في الحال ضربة جوية مركزية ضد مراكز المقاومة داخل السويس. وكان على لواء نيتكا ولواء دوفيك تماري (عدا كتيبتين) أن يواصلا عملية تطهير الحزام الاخضر بين الشلوفة والسويس.

وكان الاسرائيليون على ثقة بان قواتهم المدرعة لن تلبث أن تقتحم السويس دون اي مقاومة، وان عملهم سوف يخفق عليا على مبنى المحافظة خلال بضع ساعات من بدء الهجوم، اذ ان السويس- حسب معلوماتهم – كانت خالية من القوات العسكرية الا من بعض الجنود الشاردين الذين التجأوا اليها عقب المعارك الاخيرة، وكانت روحهم المعنوية بالطبع ضعيفة. ولذا اعتقد الجنرال أدان انه سيتوج زحفه الناجح غرب القناة بدخول السويس التي سيكون لسقوطها دوي سياسي هائل على المستوى العالمي، مما سيحقق له شهرة واسعة ومجدا ذائع الصيت. وكان على يقين بان دخولها سيكون صورة مماثلة لدخول بئر السبع خلال حرب عام 1948. ولم يكن يخطر على بال الجنرال أدان أن مدينة الأشباح كما كانت عناصر استطلاعه تسميها قد تحولت بفضل تلاحم الجيش مع الشعب الى قلعة حصينة ، وأن قواته المدرعة ستواجه ستالينجراد أخرى.

وكانت السويس – من وجهة النظر العسكرية- بعيدة تماما عن خطر التعرض لاي غارة اسرائيلية بعد أن نجحت القوات المصرية ذلك النجاح الساحق يوم 6 أكتوبر،وتمكنت من عبور قناة السويس، واجتياح خط بارليف وانشاء منطقة حصينة من رؤوس الكباري شرق القناة تكسرت أمام صلابتها وقوتها جميع الهجمات الاسرائيلية المضادة. ونتيجة لهذا الوضع لم تتخذ بشأن الدفاع عن المدينة أي تدابير عسكرية شاملة ، فلم توضع خطة مرسومة لمواجهة أي غزوة محتمل، ولم تخصص قوات كافية للدفاع عن مرافق المدينة ومنشآتها الهامة، ولم يعين قائد عسكري للسويس الا بعد أن تعرضت فعلا للغزو. فقد صدر الأمر بتعيين المستشار العسكري للمحافظة قائدا عسكريا لها مساء 23 أكتوبر. ورغم كل الظروف الصعبة التي واجهتها السويس عندما وجدت جيش الغزاة يحيط بها من كل جانب، استطاع شعبها الباسل باسلحته البدائية وبفضل التحامه بقواته المسلحة أن يصد تلك الجحافل المدرعة الفتاكة التي انطلقت يوم 24 أكتوبر تخترق شوارع المدينة.

الموقف في السويس قبل الهجوم الاسرائيلي

كان معظم سكان مدينة السويس قد تم تهجيرهم الى خارج المحافظة منذ أن بدأت معارك حرب الاستنزاف عام 1968 ، ولذا لم يكن داخل المدينة عند نشوب حرب أكتوبر 1973 سوى عدد قليل لا يتجاوز خمسة آلاف فرد كان معظمها من الجهاز الحكومي ورجال الشرطة والدفاع المدني وموظفي وعمال شركات البترول والسماد بالزيتية.

ونتيجة للعبور الاسرائيلية الى غرب القناة ليلة 15/16 أكتوبر وتقدم الجنرال ابراهام أدان على راس فرقته المدرعة يوم 19 أكتوبر في اتجاه الجنوب على محور طريق المعاهدة بدات السويس تستقبل اعدادا غفيرة من مواطني القطاع الريفي في محافظة الاسماعيلية، ثم محافظة السويس في الفترة من 19 إلى 23 أكتوبر الذين قدموا مشيا على الاقدام هربا من زحف المدرعات وقصف الطيران الاسرائيلي. وتمكنت السلطات المسئولة في السويس وتدبير وسائل اعاشتهم. وخلال يومي 22 و23 أكتوبر، وفدت مجموعات كبيرة من افراد القوات المسلحة الى السويس بلغ مجموعهم حوالي 5000 ضابط وجندي كان معظمهم من بقايات الوحدات الادارية ومؤخرات الوحدات التي عبرت الى شرق القناة، وكذا بقايا بعض وحدات الجيش الثالث التي كانت تشكل جانبا من احتياطيه التعبوي غرب القناة والتي سبق لها خوض معارك تعطيلية عنيفة ضد القوات المدرعة الاسرائيلية. وعندما أصبح قرار وقف اطلاق النار نافذ المفعول في الساعة السادسة والدقيقة الثانية والخمسين مساء يوم 22 أكتوبر واستمرت القوات الاسرائيلية في زحفها نحو الجنوب غير مكترث بالقرار رقم 338 الصادر من مجلس الامن حتى تمكنت في ظل وقف اطلاق النار من اغلاق جميع الطريق المؤدية الى الشمال والغرب والجنوب، لذا اضطرت تلك المجموعات العسكرية المصرية الى اللجوء الى مدينة السويس تجنبا للوقوع في الاسر، وكان افرادها مسلحين بالاسلحة الخفيفة فقط من بنادق آلية ورشاشات. وقد سبب وصولهم الى السويس فجاة ارتباكا لدى المسئولين في المدينة ، ولكن الجهود الصادقة التي بذلك ذللت جميع المشكلات وامكن تدبير اماكن اقامتهم في المساكن الخالية خاصة في حي الاربعين، وكذا توفير وسائل اعاشتهم. وكان وصول هؤلاء العسكريين من حسن حظ السويس، فقد أدوا دورا مهما في الدفاع عن المدينة.

وجاء يوم 23 أكتوبر ليحمل في طياته الى السويس اسوأ النذر، فقد قامت الطائرات الاسرائيلية ظهر ذلك اليوم بغارات وحشية على شركة النصر للأسمدة، مما اشعل الحرائق في كثير من اقسامها واصاب القصف الجوي ايضا مبنى الثلاجة الرئيسية على طريق عتاقة، وأصيبت مناطق عديدة في الادبية باضرار جسيمة ، كما اصيبت نقطة مرور العوبيد ومحطة بنزين شركة مصر للبترول على مدخل السويس من ناحية طريق القاهرة السويس.

ولم تكتف القوات الاسرائيلية بالحصار البري الذي ضربته على السويس بقطع كل الطرق المؤدية اليها، ولا بالحصار البحري بقطع الطريق المائي المؤدي الى الخليج والبحر الاحمر، بل عمدت الى توجيه اقسى أساليب الحرب النفسية ضد سكانها وبغير شفقة أو رحمة بقصد ترويعهم والضغط على أعصابهم لحملهم على التسليم. ولهذا تم لها قطع ترعة السويس المتفرعة من ترعة الاسماعيلية والتي تغذي المدينة بالمياه الحلوة، كما دمرت شبكة الضغط العالي التي تحمل التيار الكهربائي من القاهرة الى السويس، وقطعت بعد ذلك أسلاك الهاتف التي تربط المدينة بالعالم الخارجي. وكانت القيادة الاسرئايلية على يقين بان اهل السويس سوف يقابلون دباباتها ومدرعاتها بالاعلام البيضاء حال ظهورها في الشوارع بعد أن أصبحوا في هذه الظروف المعيشية التي لا يمكن لبشر أن يتحملها، فلا مياه ولا طعام ولا كهرباء ولا معدات طبية أو أدوية للمرضى والمصابين، ولا اتصالات هاتفية مع الخارج.

وفضلا عن ذلك ركزت مدفعيته قصفها العنيف على أحيائها السكنية، وانطلقت طائراها تملأ سماء المدينة لتصب على مرافقها ومنشآتها الحيوية وابلا من صواريخها لتشعل في المدينة النار والدمار، وليخر تحت قصفها المدمر مئات من الشهداء وآلاف من الجرحى، حتى ضاق المستشفى العام بالجرحة والمصابين ، وأصبحوا لفرط الازدحام يوضعون على الارض في طرقات المستشفى ، وكان الهدف من هذه الحرب النفسية الشرسة هو اقناع الجميع في السويس بانه لا جدوى من المقاومة، وأن الحل الوحيد للخلاص من كل متاعبهم هو الاستسلام للغزاة.

كيف استعدت السويس للمعركة؟

كان أول نبأ رسمي يصل الى بدوي الخولي محافظ السويس وقتئذ عن التحركات الاسرائيلية حول المدينة هو التبليغ الهاتفي الذي تم تلقيه عن طريق العقيد فتحي عباس مدير مخابرات جنوب القناة في الساعة الخامسة والنصف مساء يوم 23 أكتوبر. فقد ابلغه ان الدبابات الاسرائيلية وصلت الى منطقة شركات البترول بالزيتية وأنها في طريقها الى منطقة الأدبية. وبناء على دعوة المحافظ انعقد مؤتمر عسكري بالمحافظة في الساعة السادسة مساء راسه المحافظ وحضره اللواء محيي خفاجي مدير أمن السويس والعميد عادل اسلام المستشار العسكري للمحافظة والعميد كمال السنهوري قائد محطة السويس العسكرية وقائد كتيبة الدفاع الاقليمي، لبحث اجراءات الدفاع عن المدينة وتأمين مداخلها والاستعانة في ذلك بالقوات العسكرية التي قدمت اخيرا الى المدينة وقات الدفاع الشعبي. ورغم الظروف العصيبة التي كانت تواجه السويس، كان الامل ما يزال قويا في قهر العدوان الذي أوشك أن يطبق على المدينة. فلقد كان من بين مواطنيها فتية آمنوا بربهم ووطنهم وصمموا على الدفاع عن مدينتهم الخالدة حتى أخر رمق في حياتهم. وكانت قوات الدفاع الشعبي تتكون من منظمتين، احداهما تدعى منظمة سيناء، وقد تكونت عقب حرب يونيو 67 وانضم اليها عدد من أبناء السويس وتلقوا تدريبا خاصا عن طريق مكتب المخابرات الحربية في السويس للقيام ببعض العمليات الحربية خلف خطوط العدو. أما المنظمة الثانية، فتدعى فرق حماية الشعب، وقد أنشئت تحت اشراف لجنة الدفاع الشعبي بالتنظيم السياسي بالسويس وقتئذ للقيام بأعمال الدفاع والحراسات في حالات الطوارئ.

وبناء على تعليمات المستشار العسكري للمحافظة، اجتمع ظهر يوم 21 أكتوبر في مدرسة أحمد عرابي نحو 150 فردا من فرق حماية الشعب، وتم لمندوب المستشار العسكري اختيار 50 فردا منهم، وتم تسليحهم بالبنادق، على أن يبقى الباقون كاحتياطي تحت الطلب، وقسم هؤلاء الى مجموعتين تتناوبان الحراسة في منطقة المثلث عند مدخل المدينة بهدف الحراسة والعمل كنقطة انذار للابلاغ عن تحركات العدو. وفي مساء يوم 23 أكتوبر وعقب حصار المدينة، كلف العقيد فتحي عباس مدير مخابرات جنوب القناة بعض شباب منظمة سيناء بواجبات دفاعية وزودهم ببعض البنادق والرشاشات ووزعهم في أماكن مختلفة داخل المدينة بعد أن أبقى بعضهم كاحتياطي في يده تحسبا للطوارئ.

وكانت هناك مجموعة من الابطال الذين ينتمون لمنظمة سيناء لم يهدأ لهم بال ولم يغمض لهم جفن طوال ليلة 23/24 أكتوبر. فقد خططوا لعمل عدة كمائن على مدخل السويس لملاقاة العدو. ولكن نظرا لضعف امكانتهم، فقد اتفقوا على الاكتفاء بعمل كمين عند ميدان الاربعين وآخر عند مزلقان الشهداء. وكانت المشكلة الرئيسية التي واجهتهم هي البحث عن السلاح المؤثر ضد الدبابات من المدى القصير والذي يصلح لقتال الشوارع وهو القاذف RPG 7. وهداهم التفكير الى التوجه الى مخزن السلاح بالطابق الارضي بالمستشفى العام الذي تحفظ فيه أسلحة الجنود الجرحى والشهداء عسى أن يجدوا داخله بغيتهم. وكان من ضمنهم البطلان الشهيدان ابراهيم سليمان واحمد أبو هاشم. وعندما اعترضهم المخزنجي خوفا على عهدته فتحوا المخزن عنوة، وكانت فرحتهم الكبرى حيثما عثروا على قاذف RPG 7 وثلاث قذائف. وكان هذا القاذف في يد الشهيد ابراهيم سليمان على موعد مع القدر كما سنرى فيما بعد.

وكان العميد أ. ح يوسف عفيفي يتولى قيادة الفرقة 19 مشاة التي كانت تحتل مساحة كبيرة من راس كوبري الجيش الثالث شرق القناة، وكان قطاع الفرقة يمتد مباشرة بجوار السويس. وعندما أدرك العميد أ. ح يوسف عفيفي الخطر الذي باتت تعرض له السويس قرر بمبادرة شخصية منه ضرورة الدفاع عن المدينة التي ارتبطت بها فرقته بأوثق الروابط منذ سنوات طويلة حتى لا تسقط في يد العدو. وفي يوم 23 أكتوبر، أرسل قائد الفرقة سرية مقذوفات موجهة ضد الدبابات بقيادة المقدم حسام عمارة لصد العدو على طريق المعاهدة. وقد قامت السرية بالاشتباك مع دبابات العدو عند الشلوفة ودمر أفرادها له أكثر من تسع دبابات، وعندما نفدت ذخيرتهم أمرهم قائد الفرقة بالتوجه الى السويس صباح 24 أكتوبر عبر كفر أحمد عبده، وان يشتركوا في الدفاع عنها باستخدام القواذف RPG التي بالسرية حتى يعاد امدادهم بالصواريخ اللازمة. وبالاضافة الى هذه السرية، ارسل قائد الفرقة الى السويس صباح يوم المعركة طاقم اقتناص دبابات بقيادة الملازم أول عبد الرحيم السيد من اللواء السابع مشاة بعد تزويده بقواذف (أر بي جي 7) وقنابل يدوية مضادة للدبابات.

وعلى الرغم من أن الدفاع عن السويس كان خارج مهمة الفرقة القتالية، فقد تم للفرقة 19 مشاة احتلال السواتر الترابية على ضفتي القناة، وتم توجيه بعض مواسير مدافع الميدان لتغطية بعض القطاعات الحيوية غرب القناة، كما دفع مركز ملاحظة للمدفعية على الساتر الترابي غرب القناة لادارة نيران المدفعية.

واستعدت الشرطة بأقسامها ووحداتها للمعركة، وأصبحت غرفة عمليات الدفاع المدني بميدان الاربعين مقرا لأعمال قيادة الدفاع الشعبي. وبذلت أجهزة الاطفاء والانقاذ جهودا جبارة خلال الغارات الجوية، كما فتحت الشرطة مخازن السلاح لامداد المتطوعين بالأسلحة والذخائر. وعندما نجح العدو يوم 23 أكتوبر في قطع الاتصالات السلكية مع القاهرة، أصبحت الشبكة اللاسلكية الخاصة بشرطة النجدة هي حلقة الاتصال الوحيدة بين السويس والقاهرة. وكان الرائد محمد رفعت شتا يتولى قيادة هذه الوحدة اللاسلكية، ويعاونه الملازم أول عبد الرحمن غنيفة ضابط الاتصال وتحت قيادته 27 ضابط صف وعسكريا. وكان قيام الوحدة اللاسلكية يعملها في هذه الظروف الصعبة فيه مخاطرة كبرى ويدل على شجاعة عظيمة، فقد كان مقرها في مكان منعزل غرب السويس ويقع على طريق ناصر الذي يصل بين مدخل السويس عند منطقة المثلث وبين الطريق الرئيسي المؤدي الى الزيتية. وقد مرت عبر هذا الطريق في المساء الدبابات الاسرائيلية وهي في جميع الاوقات، في الوقت الذي لا يوجد فيه لدى قوة الدورية أي تسليح سوى طبنجتين للدفاع الشخصي.

ملحمة السويس الخالدة يوم 24 أكتوبر 1973

لم تنم المدينة الباسلة وظل جميع أبنائه ساهرين طوال الليل في انتظار وصول الاعداء. وعندما نادى المؤذن لصلاة الفجر اكتظت المساجد بالناس. وفي مسجد الشهداء بجوار مبنى المحافظة، أم المصلين الشيخ حافظ سلامة رئيس جمعية الهداية الاسلامية وعقب الصلاة ألقى المحافظ بدوي الخولي كلمة قصيرة وأوضح فيها للناس أن العدو يستعد لدخول السويس، وطالبهم بالهدوء وضبط الأعصاب، وأن يسهم كل فرد بما يستطيعه، واختتم كلمته بالهتاف "ألله أكبر" وارتفع الدعاء من أعماق القلوب الى السماء.

وابتداء من الساعة السادسة صباحا بدأت الطائرات الاسرائيلية في قصف احياء السويس لمدة ثلاث ساعات متواصلة في موجات متلاحقة وبشدة لم يسبق لها مثيل. وكان الغرض هو تحطيم أي مراكز للمقاومة داخل المدينة والقضاء على أي تصميم على القتال لدى أهل السويس.

وتنبه افراد المقاومة الى ظاهرة مهمة، وهي أن الطائرات في اثناء هجماتها الشرسة تتجنب اصابة الشوارع الرئيسية في المدينة والتي تمثل امتداد المحاور الثلاثة التي اعتزم العدو التقدم عليها بمدرعاته وهي:

محور المثلث: وهو المدخل الغربي من ناحية الطريق الرئيسي القادم من القاهرة الى السويس، وامتداده هو شارع الجيش الى ميدان الاربعين.

محور الجناين: وهو المدخل الرئيسية من ناحية طريق القناة القادم من الاسماعيلية، ويمر وسط مساحات شاسعة من حدائق الفاكهة ويعبر على الكوبري الذي فوق الهويس ويتجه جنوبا الى شارع مصطفى كامل ومنه الى ميدان الاربعين.

محور الزيتية: وهو المدخل الجنوبي من ناحية طريق الأدبية وعتاقة، ويمتد بحذاء خليج السويس حتى الطريق المؤدي الى بورتوفيق.

وجاءت أول طلائع الغزاة عندما قامت كتيبة مدرعة من لواء العقيد آرييه بالتقدم على محور الجناين في الشمال في حوالي الساعة التاسعة والنصف صباح يوم 24 أكتوبر. وعندما حاولت سرية المقدمة عبور الكوبري الذي فوق الهويس للوصول الى شارع مصطفى كامل، تصدى لها كمين قوي من رجال القوات المسلحة وأطلق صواريخه المضادة للدبابات فأصيبت الدبابة الأولى وتعطلت فوق الكوبري الضيق مما أدى الى استدارة باقي الدبابات الى الخلف حيث تجمعت في منطقة جبلاية هاشم شمال غرب الهويس، ولم تقم هذه الكتيبة بأي محاولات أخرى للتقدم من هذا المحور.

وفي حوالي الساعة العاشرة صباحا، قامت كتيبة مدرعة من لواء العقيد جابي بالتحرك من منطقة الزيتية، واجتازت ببطء الطريق المحاذي للخليج حتى وصلت الى منطقة المحافظة دون أن يتعرض لها أحد، وانتشرت في عدة مجموعات ما بين قصر الثقافة وغرفة عمليات المحافظة وميدان الخضر وفندق بلير، وسيطرت الدبابات من امكنتها على شارع الكورنيش وشارع سعد زغلول ووقفت دبابة على ناصية فندق بلير انتظارا لرتل الدبابات الذي سيتقدم على محور المثلث ويخترق بعد ذلك طريق الجيش.

وفي حوالي الساعة العاشرة والدقيقة الخمسين صباحا، وبعد النجاح الذي حققته الكتيبة المدرعة التي سيطرت على منطقة المحافظة دون أي مقاومة بقيادة المقدم يوسي في عربات مدرعة نصف جنزير في ثلاث موجات كل موجة كانت تتكون من 8 دبابات وكل دبابة منها تتبعها عربة مدرعة، وكانت هذه القوة هي التي اختيرت لتكون المجهود الرئيسي للهجوم على السويس. وعبرت القوة المدرعة منطقة المثلث، وأخذت تجتاز طريق الجيش في ثبات وتؤدة، وقد بلغت ثقة الاسرائيليين بعدم تجرؤ أحد من أهل المدينة على مقاومتهم الى الحد الذي جعل قادة الدبابات يقفون جميعا ليطلوا من أبراج دباباتهم المفتوحة للفرجة على الشوارع التي يمرون من خلالها. ووصلت الموجة الأولى الى ميدان الاربعين دون أن تصطدم بأي مقاومة. وأطلق محمود عواد من طاقم الكمين الأول من منظمة سيناء قذيفتين من قاذفه الصاروخي آر بي جي على الدبابة الأولى فأصابتها القذيفة الأولى باصابة سطحية، بينما طاشت القذيفة الثانية. وأسرع الكمين الثاني الذي كان يتكون طاقمة من أفراد منظمة سيناء أيضا ليأخذ موقعه عند سينما رويال، وأمسك البطل ابراهيم سليمان بالقاذف آر بي جي 7، وجلس القرفصاء بجوار المخبأ الذي كان يقع بين سينما رويال وسينما مصر، وطلب من زميله محمد سرحان أن يعد له القذيفة. وعندما أصبحت الدبابة الأولى التي تتقدم الرتل على بعد حوالي 12 مترا من موقعه صوب ابراهيم سليمان القاذف بدقة نحوها وضغط على الزناد لتنطلق القذيفة وتستقر أسفل برج الدبابة التي اختل توزانها وتوقفت ومالت ماسورة مدفعها على الارض.

وانتقل ابراهيم سليمان الذي كاد يطير فرحا الى الجانب الآخر من المخبأ ليطلق القذيفة الثانية على العربة التي كانت تتبع الدبابة والتي كان يستقلها أفراد المظليين فاشتعلت فيها النار. وكانت هذه اللحظات القصيرة هي نقطة التحول في المعركة. ففي الوقت الذي توقفت فيه مدرعات الموجة الأولى أمام قسم شرطة الأربعين بتأثير المفاجأة، خرجت آلاف حاشدة من الجنود والمواطنين الى الميدان والشوارع المحيطة بقسم الشرطة، وهم يهتفون في حماسة "ألله أكبر .. الله أكبر". وأخذوا في اطلاق نيران بنادقهم ورشاشاتهم على أطقم الدبابات، بينما ألقى البعض بقنابله اليدوية داخل أبراج الدبابات التي أخذت تنفجر ويشتعل بعضها بالنار حتى تحولت المنطقة الى قطعة من الجحيم.

ولم يلبث الاسرائليون أن قفزوا من الدبابات والعربات المدرعة، وهم في حالة عارمة من الذعر والارتباك، وأسرعوا في مجموعات يحتمون ببعض المباني المجاورة لقسم الشرطة. وحاول بعضهم الدخول الى سينما رويال ولكنهم ضربوا عند مدخل السينما، ونجحت مجموعة اسرائيلية تتكون من 25 فردا في دخول قسم شرطة الأربعين، واستطاعوا بنيران رشاشاتهم السيطرة على القسم الذي كان يتكون من طابقين وتحيطه سواتر عالية مبنية بالطوب الأحمر، وكان في داخله عدد من ضباط الشرطة والجنود. وتمكن خمسة جنود اسرائيليين من الصعود الى أسطح بعض العمارات وأخذوا في اطلاق نيران رشاشاتهم على المواطنين.

وعندما أبصرت دبابات الموجتين الثانية والثالثة ما لحق بمدرعات الموجة الأولى من فتك وتدمير، حاولت الاستدارة الى الخلف في ارتباك شديد للعودة الى منطقة المثلث. ونظرا لضيق الشارع اصطدمت بعضها بالبعض وحطم بعضها سور السكة الحديدية الممتد بحذاء الشارع. وكانت أربع دبابات قد تسللت خلف مسجد سيدي الأربعين من ناحية المثلث، فتصدى لها كمين من الفرقة 19 مشاة بقيادة المقدم حسام عمارة كان مرابطا على شريط السكة الحديد وأطلق عليها صواريخه وأجبرها على العودة.

وأثناء عودة دبابات الموجتين الثانية والثالثة عبر طريق الجيش للخروج من المدينة، خرجت حشود ضخمة من الجنود والمواطنين من البيوت المهدمة على طول الشارع، وأخذوا يطلقون نيران بنادقهم ورشاشاتهم ويقذفون الدبابات بالقنابل اليدوية وزجاجات المولوتوف الحارقة وهي تفر أمامهم كالفئران المذعورة.

وقد اعترف الجنرال جيرزوج – رئيس دولة اسرائيل الاسبق – في كتابة حرب التكفير أن الكتيبة المدرعة التي دخلت السويس من ناحية المثلث وكان عدد دباباتها 24 دبابة قد قتل أو جرح عشرون قائد دبابة من قادتها الاربعة والعشرين.

وكان الامر الذي يدعو الى الدهشة ان الكتيبة المدرعة المتمركزة في منطقة المحافظة لم تحاول التدخل مطلقا في معركة قسم الاربعين وظلت في أماكنها. وقد حاولت خمس دبابات منها التقدم على طريق بورتوفيق، ولكن الدبابة الأولى اصطدمت بلغم مضاد للدبابات فقطع جنزيرها وتوقفت الدبابات الأربع الأخرى، وعادت الى موقعها بمنظمة المحافظة بعد أن سحبت الدبابة المعطلة. وأثناء المعركة كلف المحافظ الملازم الأول عبد الرحيم السيد من الفرقة 19 مشاة بالتوجه الى دبابات العدو التي تحاصر المحافظة. ولكن الكتيبة المدرعة في منطقة المحافظة لم تلبق ان انسحبت فور حلول الظلام، وعادت الى الزيتية متبعة نفس الطريق الذي تقدمت عليه في الصباح.

معركة قسم شرطة الأربعين

ضربت جموع حاشدة الحصار حول قسم شرطة الأربعين الذي احتلته مجموعة كبيرة من المظليين الاسرائيليين. وكانت كتيبة مدرعة من لواء العقيد جابي قد سبق لها دخول المدينة عن طريق محور الزيتية، وتقدمت بحذاء شاطئ خليج السويس حتى وصلت الى منطقة المحافظة دون أن تصادفها أي مقاومة. ومما يثير الدهشة أن هذه الكتيبة التي تمكنت دباباتها من السيطرة على المنطقة التي تضم قصر الثقافة وغرفة عمليات المحافظة وميدان الخضر وفندق بلير وكذا على شارعي الكورنيش وسعد زغلول لم تحاول التدخل مطلقا في المعركة التي دارت رحاها في ميدان الاربعين، ولم تبذل كذلك أدنى محاولة لانقاذ القوة الاسرائيلية المحاصرة في قسم الشرطة رغم أن المسافة التي كانت تفصل بين احدى دباباتها التي وقفت عند ناصية فندق بلير وقسم شرطة الاربعين، لم تتجاوز بضع مئات من الأمتار.

وقد بذلت محاولتان بطوليتان من جانب رجال الشرطة لاقتحام قسم الأربعين وانقاذ الضباط والجنود الموجودين داخله من قبضة الاسرائيليين. وقاد المحاولة الأولى الرائد نبيل شرف على راس قوة من جنود قسم شرطة السويس ومن جنود وحدة قوات الأمن. وقاد المحاولة الثانية النقيب عاصم حمود على راس قوة من جنود قسم شرطة السويس وبعض جنود قسم شرطة الأربعين. ولكن المحاولتان لم يصادفهما النجاح، واستشهد الضابطان ومعهما ستة من ضباط الصف والجنود.

وانتاب اليأس أفراد القوة الاسرائيلية بعد أن وجدوا أن جماهير الشعب تحيط بقسم الشرطة الذي تحصنوا داخله من كل جانب.

ولذا بعثوا بأحد جنود الشرطة المأسورين في الداخل ليعرض على قيادة المقاومة المصرية التي تحاصر القسم استعدادهم للتسليم بشرط المحافظة على حياتهم.

والتقى شرطي عند خروجه باحد ابناء منظمة سيناء وهو محمد سرحان، وعندما علم بما يطلبه الاسرائيليون اصطحبه الى مقر مدير مخابرات جنوب القناة العقيد فتحي عباس، وكان مدير المخابرات قد نقل مكتبه بأفراده وبكل ما يحوي من أوراق ووثائق ومستندات في حوالي الساعة الخامسة والنصف مساء يوم 23 أكتوبر، من مقره بشركة النصر لتصنيع البترول بالزيتية الى احدى الغرف بمستشفى السويس العام عندما أخذت الدبابات الاسرائيلية تمر على الطريق أمام مقر الشركة. وعندما التقى العقيد فتحي عباس بالشرطي الذي احضره اليه محمد سرحان قبل ظهر يوم 24 أكتوبر وعلم منه بالعرض الاسرائلي للتسليم رحب على الفور بذلك العرض لما كان يمكن ان يحققه من فائد كبرى لاهل السويس ولمكتب المخابرات. وطلب من محمد سرحان أن يرافق الشرطي الى داخل قسم الاربعين ليتباحث مع قائد القوة الاسرائيلية في شروط التسليم. ولكن هذا الموضوع لم يتيسر اتمامه، فقد كان القتال محتدما بشدة حول قسم الشرطة واطلاق الرصاص لا ينقطع، ولم يكن هناك قائد للمعركة بحيث يمكنه السيطرة على الجموع المحتشدة لكي تكف عن اطلاق النار ريثما تجرى محادثات التسليم. واهتزت أعصاب الشرطي العجوز ورفض في اصرار العودة ثانية الى قبضة الاسرائيليين. وهكذا باءت محاولة التسليم بالفشل.

وفي حوالي الساعة الرابعة مساء قررت مجموعة من ابطال المقاومة الشعبية وهم: ابراهيم سليمان واشرف عبد الدايم وفايز أمين وابراهيم يوسف اقتحام قسم شرطة الأربعين. والتف ابراهيم سليمان خلف القسم واخذ في تسلق السور الخلفي وهو يحمل رشاشه في يده لكي يفاجئ الاعداء بالداخل ، ولمحه قناص اسرائيلي كان مختفيا في الطابق الثاني من المبنى فاطلق عليه نيران رشاشه عندما وصل الى اعلى السور. وسقط اعظم أبطال معركة السويس شهيدا بعد أن أدى واجبه. وكانت قذيفته التي أطلقها في الصباح على الدبابة الاسرائيلية القائدة هي نقطة التحول التاريخية في معركة السويس. وظل جثمان الشهيد معلقا على سور القسم حتى فجر اليوم التالي، وفوجي الذين حملوه أن ابتسامة مشرقة كانت مرتسمة على وجهه. وفي الوقت الذي سقط فيه الشهيد ابراهيم سليمان على السور الخلفي للقسم، سقط الشهيدان اشرف عبد الدايم وفايز أمين على المدخل الامامي للقسم عندما كانا يحاولان اقتحامه من الأمام، فقد انهالت عليهما الطلقات من القناصة الاسرائيليين بالطابق الثاني.

ونظرا لان خمسة جنود اسرائيليين كانوا قد صعدوا الى سطح عمارة مجاورة لقسم الشرطة وأخذوا في استخدام نيرانهم في القنص، لذا صعد اليهم بعض الجنود ورجال المقاومة الشعبية وتمكنوا من الفتك بهم بعد معركة ضارية استخدمت فيها النيران والأسلحة البيضاء والأيدي.

ورغم أن أهل السويس كانوا صائمين في هذا اليوم من شهر رمضان المبارك. . فان احدا لم يحس بالجوع او العطش، ولم يهتم بتناول الشراب أو الطعام الا النذر اليسير، فقد كانت المعركة ضد الاعداء هي محور الاهتمام من جميع المواطنين، وعندما سرت في المدينة انباء النصر خرج أهل السويس جميعا الى الشوارع يهللون ويكبرون ويشهدون في فخر واعتزاز مدرعات العدو المحطمة التي تناثرت على طول شارع الأربعين، وكان عددها حوالي 15 دبابة وعربة مدرعة نصف جنزير. وخشية أن يفكر الاسرائيليون في سحبها، قام محمود عواد من أبطال المقاومة الشعبية بسكب كميات من البنزين عليها عند منتصف الليل وأشعل فيها النار.

أين كان قادة السويس في أثناء المعركة

في حوالي الساعة التاسعة والنصف صباحا يوم 24 أكتوبر، غادر بدوي الخولي محافظ السويس واللواء محيي خفاجي مدير الأمن غرفة عمليات المحافظة بعد أن وصلها تحذير من العقيد فتحي عباس مدير مخابرات جنوب القناة بوجوب ترك غرفة العمليات لان الدبابات الاسرائيلية على بعد سبعمائة متر فقط من هذه الغرفة مما يجعلهم في مرمى الاسلحة الصغيرة للعدو.

وعندما وصل الاثنان الى شارع أحمد عرابي، اتجها الى محل مصطفى محمد علي الذي يقع في حارة شميس التي كانت مكتظة وقتئذ بالجنوب المصريين. وبدأ المحافظ يتصل من مكانه الجديد هاتفا بغرفة الدفاع المدني ومدير التموين ووابور المياه ومحطة الكهرباء للاطمئنان على سلامة الموقف. واتضح له ان المياه والكهرباء مقطوعتان عن المدينة، وأن العدو قد سيطر على مخازن الدقيق الموجودة خارج السويس، أما مخزن الدقيق الرئيسي داخل المدينة في عمارة كلوماكس الذي كان يحوي 2500 جوال فقد اشتعلت فيه النار نتيجة للقصف الجوي العنيف. وطلب المحافظ من مدير التموين الاستعانة بعدد من المواطنين اللاجئين الى مسجد الشهداء للمعونة في اطفاء الحريق، كما طلب من مدير الامن الذي كان برفقته اصدار أمره الى رجال المطافي والدفاع المدني للاشتراك مع هؤلاء المواطنين في اطفاء الحريق وانقاذ الدقيق. واجرى المحافظ عدة اتصالات هاتفية أخرى مع الاسعاف وغرفة الدفاع المدني لمعرفة بيان الشهداء والجرحى الذين سقطوا نتيجة للغارات الجوية. وطلب المحافظ بعد ذلك نقل الهاتف من المحل الذي كان بداخله الى احد المنازل المجاورة الذي قرر الانتقال اليه وبرفقته مدير الامن. ونظرا لان بعض جنود القوات المسلحة عرفوا مكان المحافظ وطلبوا منه ذخيرة لسلاحهم، فقد أجرى المحافظ اتصالات هاتفقا بالعميد عادل اسلام المستشار العسكري للمحافظة الذي صدر قرار من القيادة العامة بالقاهرة في مساء اليوم السابق بتعيينه قائدا عسكريا لقوات السويس، وكان موجودا وقتئذ بغرفة عمليات المحافظة، واخطره المحافظ بمكانه واعطاه رقم الهاتف الذي يتحدث منه، وطلب منه ارسال الذخيرة الى الجنود الذين طلبوها. وقد أوضح العميد عادل بانه لا يوجد لديه سوى ذخيرة أسلحة صغيرة للبنادق والرشاشات، وهي موجودة في أحد المخازن بمديرية الأمن، ولكن لا يوجد لديه أية ذخيرة للأسلحة المضادة للدبابات، اذ ان هذه الاسلحة ليست ضمن تسليح الدفاع الشعبي.

وفي حوالي الساعة الثانية عشرة والنصف ظهرا غادر العميد عادل اسلام ومعه ضابطان من ضباط الدفاع الشعبي برتبة النقيب غرفة عمليات المحافظة للاشراف على سير المعركة بالمدينة، خاصة بعد ان علم ان الدفاع عن المدينة قد تحول الى مقاومة شعبية. ونظرا لان الدبابات والعربات المدرعة الاسرائيلية كانت تحيط بغرفة العمليات من كل جانب، وكانت رشاشاتهم تطلق نيرانها على المباني والشوارع، فقد استغرق وصول العميد عادل اسلام من غرفة العمليات الى مبنى المحافظة ومنه الى مسجد الشهداء حوالي ساعتين. ولم يتمكن العميد عادل من مغادرة المسجد نظرا لكثافة النيران التي كان الاسرائيليون يطلقونها في كل ارجاء المنطقة. ولذا اتخذ من الدور الثاني من المسجد مركزا مؤقتا لقيادته. وفي داخل المسجد التقى العميد عادل ونقيب الشرطة حسن اسامة الذي أخبره انه يقوم بمعاونة الحاج حافظ سلامة رئيس جمعية الهداية الاسلامية وامام مسجد الشهداء في توزيع السلاح على المتطوعين الذين يريدون مقاتلة العدو ممن لهم خبرة سابقة في استخدام السلاح. وقام النقيب حسن اسامة بتعريف العميد عادل اسلام بالحاج حافظ سلامة، وكان هذا التعارف يجري بينهما لاول مرة.

هذا وقد قام المحافظ بدوي الخولي بالاتصال ظهر يوم 24 أكتوبر بعد انتهاء المعركة في ميدان الارعبني بالرائد شرطة محمد رفعت شتا قائد الوحدة اللاسلكية، وطلب منه ابلاغ القاهرة بأنباء المعركة وبتحطيم 13 دبابة وعربة مجنزرة للعدو. وعلى اثر ارسال الوحدة اللاسلكية هذه الانباء الى القاهرة، صدر البيان العسكري رقم 59 في الساعة الرابعة مساء يوم 24 أكتوبر الذي يتضمن انباء معركة السويس. وقام المحافظ الذي كان يتمسى أثناء اتصالاته الهاتفية باسم عبد الهادي كوسيلة لتضليل العدو بالاتصال مرتين بعد ذلك بالرائد رفعت شتا لكي يبلغ المسئولين في القاهرة بحاجته الى تموين طبي ودماء محفوظة للمستشفى ، ثم حاجته الى اسلحة مضادة للدبابات آر بي جي 7 لتوزيعها على المواطنين.

كيف وصف الاسرائيليون معركة السويس؟

تعرضت الكتب والمراجع الاسرائيلية التي صدرت عن حرب عيد الغفران (حرب أكتوبر 73 ) لمعركة يوم 24 أكتوبر بالسويس، وأوردت عنها الكثير من المعلومات المهمة والوصف الدقيق. ورغم ما بها من اختلافات بالنسبة لبعض التفاصيل، فانها تتفق جميعها على امر واحد وهو أن معركة السويس 24 أكتوبر كانت آخر المعارك الكبرى في حرب أكتوبر 73، وأن محاولة اقتحام المدينة في ذلك اليوم كانت خطئية مميتة كلفت اسرائيل ثمنا غاليا. وفيما يلي الخط الأساسي لسير المعركة كما استخلصته من مختلف المراجع الاسرائيلية بعد استبعادي للأحداث التي وجدت حولها خلافا جوهريا بين المؤلفين، مما يجعل قيمتها التاريخية ضعيفة.

في صباح يوم 24 أكتوبر تحركت وحدة مدرعة من لواء جابي عن طريق مصافي البترول (طريقة الزيتية) الى جنوب السويس، بينما تقدم اللواء المدرع بقيادة العقيد آرييه على طريق القاهرة السويس الرئيسي مستوليا في طريقه على معسكرات الجيش في ضواحي المدينة (معسكر قيادة محطة السويس العسكرية). وكانت تتبعه كتيبة من المظليين بقيادة العقيد يوسي احضرت بطائرات الهليكوبتر. وبينما كانت الدبابات تخترق الشارع الرئيسي اطلقت عليها النيران من كل الابنية. وخلال دقائق قتل أو جرح عشرون قائد دبابة من قادتها الاربعة والعشرين بسبب وقوفهم مكشوفين في أبراج الدبابات المفتوحة. كما وقع المظليون في العربات المدرعة تحت النيران، وعندما أصيبت بعض عرباتهم قفزوا خارجها والتجئوا الى الأبنية المجاورة وأخذوا يدافعون عن أنفسهم من داخلها. وكان ضمن العربات المدرعة التي أصيبت عربة كانت تحمل جماعة مخابرات اللواء، وقد اندفع ركابها التسعة الى احد المباني المجاورة، وكانت هذه آخر مرة يشاهدون فيها على قيد الحياة. ولم تكن القوات الاسرائيلية مهيأة نفسيا لمثل هذا الوضع، ولم يكن في مقدرتهم معرفة المصادر التي تأتي منه نيران المصريين، كما كان من المتعذر طلب معاونة المدفعية أو الطيران لأن مواقع القوات الاسرائيلية كانت متدخلة مع المصريين في وسط المدينة.

والتجأت جماعة من المظليين على راسهم المقدمة يوسي الى مبنى قوي التحصين كان يتكون من طابقين اتضح انه قسم للشرطة (قسم شرطة الأربعين) واندفعوا الى داخل غرف المبنى لتطهيره ، وبعد اشتباك قصير أصيب جنديان من رجال الشرطة بجراح وتم أسر ثمانية أفراد من رجال الشرطة بينهم بعض الضباط، وأمكن تطهير الطابق الثاني في خلال عشر دقائق فقط.

وواصل المصريون في الخارج اطلاق النار على القوة الاسرائيلية التي في داخل القسم حتى تطايرت أجزاء من الجدران. وحاولت عدة مجموعات من الجنود المصريين والمواطنين القيام بهجوم مضاد لاسترداد مبنى قسم الشرطة، ولكن جميع هجماتهم باءت بالفشل بعد مصرع عدد منهم.

وكان بعض الجنود الذين لم يستطيعوا الاحتماء بالمباني بسبب اصابتهم بجراح قد تمددوا في الشارع وتصاعد أنينهم وتعالت صراخم وهم يصيحون: أماه أريد أن أعيش. ولكن صرخاتهم ضاعت وسط أزيز الرصاص وأصوات الانفجارات المدوية. وبحث المظليون عن منفذ في مبنى الشرطة للتخلص من الحصار دون جدوى، وحاولت دبابتان الحضور لمساعدتهم ولكن انهمار الرصاص بكثرة جعل رجال الدبابتين يمرون بمنى الشرطة بسرعة، وبعد أن وصلوا الى المفرق عادوا بسرعة كما جاءوا تحت النيران الشديدة. واصدر الجنرال أدان قائد الفرقة المدرعة التي تحاصر السويس أمرا الى قواته بالانسحاب في الحال من المدينة حتى لا يزداد حجم الكارثة. وتمكن العقيد جابي من سحب دباباته التي دخلت المدينة من ناحية الطريق الجنوبي الساحلي (طريق الزيتية) تحت ستر الظلام ووصلت دبابته الى منطقة المصافي (شركات البترول) في المساء.

وكانت مجموعة من قوة المظلات محتمية داخل احد المباني بجوار قسم الشرطة، وعند حلول الظلام تمكنت هذه المجموعة من التسلل من المبنى بعد ان حملت افرادها الجرحى في الوسط وارسلت قوة الى الامام واخرى الى الخلف لتأمينها من المفاجأة ، وبعد حوالي ساعتين من التقدم البطئ نجحت المجموعة في الخروج من المدينة. وكانت المشكلة العويصة لدى الجنرال ادان هي كيفية اخراج القوة الكبيرة التي في داخل قسم الشرطة والتي تحاصرها الجماهير من كل ناحية. ونظرا لان قائد المظلات المقدم يوسي الذي حوصر مع هذه القوة كان في حالة اغماء معظم الوقت لاصابته بجراح بليغة، فقد تولى قيادة القوة النقيب دافيد دودو. ودار حوار عن طريق اللاسلكي بين الجنرال أدان قائد الفرقة المدرعة والنقيب دودو الذي كان مترددا في اتباع نصيحة قائد بوجوب مغادرة مبنى قسم الشرطة تحت ستر الظلام، فقد كان دودو يرى ان مغادرة المبنى وبرفقته ذلك العدد الكبير من الجرحى من خلال ذلك الحصار الذي يحيط به من كل جانب لا يعني سوى تعرض قوته للفناء. وطلب دودو ضرورة ارسال قوة ضاربة من الدبابات والعربات المدرعة في الصباح التالي لتتولى انقاذهم واخراجهم من المدينة بالقوة مع التفكير ايضا في المعاونة الجوية.

وحدث أمر عجيب للغاية، فخلال الاتصالات اللاسلكية التي كانت تدور بين الجنرال ادان والنقيب دودو، فوجئ الاثنان بان الجنرال جونين قائد القيادة الجنوبية الذي كان معهما على نفس التردد بالشبكة اللاسلكية - يتدخل بنفسه في الحوار الدائر بينهما. وعلى الرغم من طبيعة الجنرال جونين الصارمة وطريقته الحادة في النقاش مما جعل جميع مرءوسيه يخشونه، فقد تحدث مع الضابط الصغير دودو بهدوء ولطف مما اثار دهشة مساعدين الذين كانوا بجواره وقتئذ في مركز قيادته المتقدم. وطلب الجنرال جونين من دودو أن يصف له المبنى الذي كان موجودا فيه وكذا المباني المجاورة. ورد الضابط بانه موجود في مبنى قسم للشرطة يقع بجوار مفترق للطرق واخذ يصف له المباني المجاورة التي تحيط بمبنى القسم. وأثناء وصف الضابط الصغير للمبنى وللمعالم الارضية التي حوله ركز الجنرال جونين اهتمامه في صورة جوية ذات مقياس كبير لمدينة السويس كانت معلقة على حائط مركز القيادة، وسال جونين الضابط" هل المبنى في تقاطع طرق وشكله مربع وبه فتحة في السقف؟ وعندما رد عليه الضابط بالايجاب قال جونين: "وجدت المبنى انتظر".

وأجرى الجنرال جونين بعد ذلك مشاوراته مع الجنرال أدان ومع رئيس فرع مخابرات القيادة الجنوبية ومع ضابط القيادة الجنوبية ومع ضابط اتصال السلاح الجوي، ورأوا جميعا بعد النقاش ان افضل طريقة لانقاذ القوة المحاصرة في قسم الشرطة هي أن تغادر المبنى ليلا في هدوء تام تحت ستر الظلام. واخذ الجنرال جونين يرشد الضابط لاسلكيا الى الطريق الذي سوف يسلكه في الخروج بناء على فحصه الدقيق للصورة الجوية التي أمامه وقال له: "سجل عندك: ستجتاز 200 متر الى الجنوب الى نهاية البلوك الثالث من مفترق الطرق. بعد ذلك 250 متر الى الغرب على طول الزقاق، وقبل نهاية الشارع هناك زقاق آخر اتجاه اليه وواصل السير 200 متر اخرى الى الشمال، ستصل الى شريط سكة حديد والى ترعة مياه وكوبري، ومن هناك مباشرة الى مفترق الطرق الذي في أيدينا". وأكد جونين للضابط انه سيظل محافظا على الاتصال به لاسلكيا أثناء تحركه حتى يتم خروجه من المدينة بسلام. واسترد النقيب دودو عن طريق هذا الاهتمام الشخصي من قائد مسرح العمليات ثقته بنفسه وبقيادته. وفي حوالي الساعة الثانية صباحا غادرت القوة الاسرائيلية مبنى قسم الشرطة في هدوء، وكان أفراد القوة يحملون زملاءهم الجرحى على ظهورهم. واتبع النقيب دودو ارشادات الجنرال جونين التي كانت تصله بانتظام عن طريق جهاز اللاسلكي. وفي الساعة الرابعة صباحا قبل بزوغ الفجر وصلت القوة الى مفترق الطرق الذي في يد الجيش الاسرائيلي حيث كانت تنتظرهم عربات الاسعاف لاخلاء الجرحى. . وأسدل الستار على الخطيئة المميتة وهي دخول السويس والتي كلفت اسرائيل 80 قتيلا تم تسلم كثير من جثثهم من المصريين بعد فض الاشتباك عن طريق الصليب الاحمر.

هل وافق المحافظ على تسليم السويس؟

على الرغم من انقضاء الكثير من السنوات على تقديم الاسرائيليين انذارهم الى بدوي الخولي محافظ السويس بتسليم المدينة في خلال نصف ساعة، والا تقوم الطائرات الاسرائيلية بتدميرها، فان موقف المحافظ من الانذار الاسرائيلي ما زال يثير الكثير من التساؤلات ، ويسبب عددا من أوجه الجدل والنقاش، خاصة بين مواطني السويس.

ونظرا لما يفرضه علينا واجب العدل والانصاف وما تقتضيه الامانة التاريخية من وجوب اظهار الحقائق والكشف عما يخفي من الاسرار، فقد قمنا باجراء دراسة دقيقة لهذا الموضوع، وكان اعتمادنا في المقام الأول على الوثائق والمستندات الرسمية التي سجلت هذه الفترة بدقة وامانة، ثم على شهادات بعض المسئولين السابقين الذين عايشوا احداث تلك الفترة في السويس، وكانوا بحكم وظائفهم المهمة مطلعين على معظم الخفايا والاسرار، مع حرصنا على اخضاع كل آرائنا وتقديراتنا لحكم العقل والمنطق، والبعد عن التحيز والهوى. ونأمل بعد هذا البحث الموضوعي الذي اجريناه ان نكون قد نجحنا في التوصل الى الحقائق التي يتوق القراء – دون شك – الى معرفتها، وان نكون قد أجبنا اجابات شافية عن التساؤلات المطروحة على بساط البحث، وأخيرا – وهو الامر المهم الذي نتوخاه دائما – ان نكون قد أرضينا ضميرنا.

في الساعة التاسعة من صباح يوم 25 أكتوبر اتصل سعد الهاكع ، المدير النوب بشركة السويس لتصنيع البترول بالزيتية، بالمقدم فتحي غنيم رئيس قسم الدفاع المدني والحريق في مقره بغرفة الدفاع المدني بميدان الاربعين، وأنبأه أن الدبابات الاسرائيلية قد وصلت الى مقر الشركة، وأنه مضطر للتسليم ومعه 300 عامل وموظف من الشركة ومن هيئة قناة السويس. وبعد مرور حوالي 25 دقيقة، وكان المحافظ ومدير الامن قد وصلا الى غرفة الدفاع المدني، أعاد سعد الهاكع الاتصال بالغرفة. وعندما رد عليه المقدم فتحي اخبره أن قائد القوة الاسرائيلية التي احلت مقر الشركة يريد التحدث مع المحافظ أو مدير الأمن، وتناول المحافظ السماعة وقال لسعد الهاكع: أن المحافظ غير موجود هو الآخر. وعندئذ اخذ السماعة من سعد الهاكع ضابط اسرائيلي وساله: أين المحافظ؟ وكان يتحثد باللغة العربية بلهجة شامية، فأجابه بدوي الخولي: المحافظ غير موجود ، فطلب منه ابلاغ المحافظ بأنه مطلوب منه تسليم المدينة في خلال نصف ساعة، وان على المحافظ الحضور هو ومدير الامان والقائد العسكري للسويس في سيارة عليها علم ابيض، وبصحبتهم جميع المدنيين في المدينة الى الاستاد الرياضي (يقع جنوب السويس، وعلى مدخل طريق الزيتية، بجوار شركة النصر للبترول)، ويتعهد الاسرائيليون بتأمينهم والمحافظة على حياتهم، واذا لم يتم ذلك في خلال نصف ساعة فسوف تضرب المدينة بالطيران، وسيتعرض كل سكانها للابادة. وعندما أبطأ المحافظ في الاجابة على حديث الضابط الاسرائيلي أخذ يصيح بصوت عالي في الهاتف: "رد يا زلمة ليش ما بترد يا زلمة" (كلمة زلمة في اللهجة الشامية تعني يا رجل). وأوضح الضابط الاسرائيلي في نهاية انذاره أنهم على اطلاع تام بأحوال المدينة، فليست بها مياه ولا كهرباء، ولا أحد لديه السيطرة على الجنود بداخلها، والدقيق قد اشتعلت فيه النار، ولذا فلا مفر من التسليم. رد عليه المحافظ قائلا: "المحافظ مش حيسلم البلد، وأنا لست مسئولا عن هذا الموضوع. وعلى كل حال الصليب الاحمر وصل". ورد الضابط الاسرائيلي قائلا: "ما فيه صليب أحمر، أنت بتغشني". واستطرد المحافظ قائلا: "وحتى هيئة الأمم المتحدة وصلت الآن". وبادر بوضع سماعة الهاتف.

واتصل المحافظ في الحال هاتفيا بالعميد عادل اسلام القائد العسكري للسويس الذي كان منذ ظهر اليوم السابق قد انتقل من غرفة عمليات المحافظة الى مسجد الشهداء، واتخذ من الطابق الثاني للمسجد - حيث مقر جمعية الهداية الاسلامية التي يرأسها الشيخ حافظ سلامة – مركزا مؤقتا لقيادته، وقال له المحافظ: "اليهود طلبوا مني تسليم المدينة وأنذروني بضرب السويس ان لم نسلم لهم خلال نصف ساعة، ما رأيك كقائد عسكري". ورد عليه اسلام قائلا : "اعطني فرصة للتفكير".

واتصل المحافظ بعد ذلك بالرائد شرطة محمد رفعت شتا قائد الوحدة اللاسلكية التي أصبحت بعد قطع الاسرائيليين الخطوط الهاتفية بين السويس والخارج يوم 23 أكتوبر، هي حلقة الاتصال الوحيدة بين السويس والقاهرة. وطلب المحافظ من الرائد شتا ابلاغ الرسالة التالية الى المسئولين بالقاهرة: "اليهود أنذروني بالتسليم في ظرف نصف ساعة، والا فستضرب بالطيران. ليس عندي مياه ولا ذخيرة ولا أسيطر على أي قوات ودقيقي يحترق. أوامركم".

وبعد مرور عشر دقائق اعاد المحافظ الاتصال بالعميد عادل اسلام، وساله عن رأيه، فقال:"أنا لم أقرر بعد". فرد عليه المحافظ قائلا في شئ من الحدة: "قرارك مش قرار نهائي، والقرار النهائي قراري أنا فأني المسئول عن هذا البلد. أنا عاوز أعرف قرارك وموقفك ، ورأيك في التسليم مجرد رأي استشاري". وأجاب عادل اسلام قائلا: "أنا حاخد رأي الموجودين معي والمستشارين بتوعي". فساله المحافظ: "ومين هم المستشارين بتوعك؟" ورد عادل اسلام: "الحاج حافظ سلامة". فانفعل المحافظ وقال في غضب: "ايه قيمة رأي الشيخ حافظ في هذا الموضوع؟ انت اتجننت يا عادل؟ أنا عاوز رايك العسكري". فرد عادل اسلام قائلا: "رأيي هو اللي تشوفه سيادتك". وأنهى المحافظ هذا الحوار الساخن بقوله: "عموما عندما اتخذ قراري النهائي حقابلك أو تقابلني واحنا في انتظار قرار القاهرة".

ولم يكد المحافظ ينتهي من محادثته مع القائد العسكري، حتى دق جرس الهاتف ووجد الضابط الاسرائيلي على السماعة مرة ثانية، وكان يستعجل رد المحافظ، وأجابه بدوي الخولي قائلا: "انتم كنتم هنا بالأمس، ويمكن أن تجربوا الحضور مرة أخرى، والمحافظ غير موجود".وبعد أن وضع السماعة قال: مفيش طريقة لقطع الخط التليفوني ده؟ واتصل اللواء محيي خفاجي مدير الامن برئيس السنترال على الفور، وطلب منه قطع الخط التليفوني المباشر بين شركة السويس لتصنيع البترول وغرفة الدفاع المدني. وبالفعل تم فصل الخط وانقطعت اتصالات الاسرائيليين المباشرة مع المحافظ.

وكان الرائد رفعت شتا بمجرد تلقيه رسالة المحافظ قد قام بابلاغها في الحال عن طريق اللاسلكي الى المعيد محمد النبوي اسماعيل مدير مكتب ممدوح سالم نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية وقتئذ. وبعد مرور حوالي 20 دقيقة تلقى الرائد شتا رد القاهرة على رسالة محافظ السويس، والتي تم عرضها دون شك على الرئيس الراحل السادات. ونظرا لاهمية رسالة القاهرة فقد قام العميد النبوي المهندس بابلاغها بنفسه الى الرائد رفعت شتا ،وطلب منه بعد ان تلقاها ان يعيد تلاوتها عليه للتاكد من انه قد استقبلها صحيحة. وكان نص الرد كما يلي: "لا تسليم بمعرفة المحافظ. يتم الدفاع عن السويس، وعلى المحافظ ومدير الامن الانضمام الى المقاومة الشعبية". وعندما أبلغ الرائد شتا نص رسالة القاهرة الى المحافظ في الساعة التاسعة والدقيقة الخامسة والخميسن قال له المحافظ: "حننضم للمقاومة الشعبية ونموت شهداء". وعندما علم اللواء محيي خفاجي مدير الامن بمضمون الرد قال: "قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا". وبمجرد وصول رد القاهرة بعدم التسليم طلب المحافظ عادل اسلام وقال له" القاهرة ردت يا عادل لا تسليم".وأجاب عادل: "أنا كنت حطلب سيادتك الآن لأقول لك نفس هذا الكلام".

ونظرا لان أنباء اتصالات الاسرائيليين بالمحافظ وتقديمهم اليه انذارا بالتسليم قد انتشرت بين كثير من المواطنين ،وأحدثت بين المواطنين بلبلة شديدة، لذا طلب المحافظ من المقدم فتحي غنيم ان يتجول بسيارة في شوارع المدينة وان يذيع على الناس بمكبر الصوت ان المحافظ قد رفض الانذار الاسرائيلي بتسليم السويس، وان المدينة ستقاوم، وعلى كل فرد ان يتخذ لنفسه ساتر خشية ان ينفذ الاسرائيليون تهديدهم بضرب المدينة بالطيران. وقبيل الظهر، وبعد أن تأكد المحافظ من ان الاسرائيليون لم ينفذوا تهديدهم خرج مع مدير الامن من غرفة الدفاع المدني، وعند مرورهما في ميدان الاربعين وجدا المقدم فتحي غنيم راكبا سيارة شرطة وبرفقته صبحي السيد عضو الاتحاد الاشتراكي، وهما يذيعان على الناس ما طلبه المحافظ. ونظرا لان المحافظ كان يريد اذاعة رفضه انذار التسليم على اوسع نطاق، ولم يكن هناك مكبر آخر للصوت سوى الموجود في مسجد الشهداء، لذلك اتصل المحافظ شخصيا بالشيخ حافظ سلامة وطلب منه ان يذيع على المصلين في المسجد بعد صلاة الظهر ان المحافظ رفض الانذار الاسرائيلي بتسليم السويس، وان ينصح الناس بعدم التجمع خوفا من الغارات الجوية. وقد ذكر المحافظ انه على من بعض المصلين ان الشيخ حافظ سلامة قد اذاع على المصلين ماطلبه منه.

هذا ولم يكن الانذار الاسرائيلي للمحافظ صباح يوم 25 أكتوبر بتدمير السويس بالطيران اذا لم يتم تسليمها في ظرف نصف ساعة انذارا حقيقيا، ولم يكن في الواقع سوى خدعة خبيثة من احد القادة الاسرائيليين المحليي، اراد على ما يبدو استغلال الموقف السيئ الذي اصبحت عليه المدينة لكي يقوم بمحاولة من جانبه لترويع المحافظ ومعاونيه، عسى أن يخيفهم التهديد بتدمير المدينة بالطيران فيخضعوا لانذاره ويأتوا الى الاستاد الرياضي وهم يحملون الاعلام البيضاء، مما سوف يكسبه مجدا شخصيا كبيرا. ولم يكن المحافظ ولا أحد من معاونيه داخل السويس يدري شيئا عما كان يدور في العالم وقتئذ من أحداث جسام، فقد تلبد الموقف الدولي بالغيوم منذ الليلة السابقة، ووصل التوتر بين الدولتين العظميين الى حد اكتمال المواجهة النووية بينهما بسبب الصراع المشتعل في الشرق الاوسط.

فعلى أثر استمرار اسرائيل في خرق وقف اطلاق النار وتحدي قراري مجلس الأمن رقمي 338 و339 الصادرين في 22 و23 أكتوبر، وبعد أن أتمت قواتها المدرعة احكام حلقة الحصار حول الجيش الثالث لحمله على الاستسلام، وبعد أن أطبقت هذه القوات حلقة الحصار حول الجيش الثالث لحمله على الاستسلام، وبعد أن أطبقت هذه القوات على مدينة السويس يوم 24 أكتوبر حتى تسقط المدينة في قبضتهم، أذاعت القاهرة بعد ظهر يوم 24 أكتوبر أن الحكومة المصرية تتقدم رسميا الى مجلس الامن بطلب ارسال قوات أمريكية وسوفيتية الى منطقة السويس.

وفي الساعة التاسعة والدقيقة الخامسة والثلاثين بتوقيت واشنطن وردت رسالة عاجلة من الرئيس السوفيتي بريجنيف الى الرئيس الأمريكي نيكسون تتضمن موافقة الاتحاد السوفيتي على طلب مصر بالرسال قوات عسكرية أمريكية وسوفيتية الى الشرق الأوسط لوقف العدوان الاسرائيلي. وهدد بريجنيف في نهاية مذكرته بانه في حالة احكام الولايات المتحدة عن ارسال قوتها، فان الاتحاد السوفيتي قد يضطر الى العمل منفردا. وبعد عرض الامر على الرئيس نيكسون بادر كيسنجر وزير الخارجية الامريكي الى شرح الموقف الخطير للسفير الاسرائيلي في واشنطن سيمحا دينتز ، ثم دعا الى اجتماع عاجل لمجلس الامن القومي في غرفة الخرائط بالبيت الابيض. وفي الساعة الحادية عشرة الا الثلث ليلا بتوقيت واشنطن، عقد الاجتماع الذي حضره الى جانب كيسنجر كل من شيلزنجر وزير الدفاع وكولبي مدير وكالة المخابرات المركزية والأدميرال مورر رئيس الهيئة المشتركة لرؤساء الأركان وألكسندر هيج كبير موظفي البيت الابيض، وعدد آخر من كبار المسئولين المدنيين والعسكريين. وتم الاتفاق على الرد على المذكرة السوفيتية بعمل أمريكي حاسم. وفي أثناء الاجتماع الطارئ في البيت الأبيض وردت معلومات جديدة بأن ثماني طائرات نقل سوفيتية عملاقة أنتينوف 22 أصبحت مستعدة للاقلاع من بودابست الى مصر خلال ساعات قليلة، وقدرت المخابرات الامريكية ان السوفييت أصبحوا قادرين الآن على نقل خمسة آلف جندي بالجو الى مصر يوميا.

وازاء خطورة مغزى هذه الاجراءات السوفيتية تم اصدار الامر الى الفرقة 82 الامريكية المحمولة جوا بالاستعداد للتحرك وتحريك عدد اضافي من حاملات الطائرات لتنضم الى الاسطول الامريكي السادس في البحر المتوسط، وأخيرا – وكان هذا هو أهم ما شغل العالم – اعلان حالة التاهب القصوى في جميع القواعد العسكرية الامريكية في العالم. وهكذا في فجر يوم الخميس 25 أكتوبر تم تصعيد الموقف بين الدولتين العظميين حتى وصل الى حافة المواجهة النووية، بسبب الاعمال العدوانية الاسرائيلية غرب القناة عقب قراري وقف اطلاق النار. ولم يكن في مقدرة اسرائيل بالطبع بعد أن بلغتها كل هذه التطورات الخطيرة، أن تغامر يوم 25 أكتوبر وسط تلك الأنباء بأي عمل عسكري على نطا قواسع ضد مدينة السويس. ولم تكن القيادة السياسية الاسرائيلية من الحماقة وقصر النظر بحيث تسمح للقيادة العسكرية بان تقوم بمحاولة جديدة لاقتحام السويس بمدرعاتها مرة أخرى أو بتدمير المدينة بطائراتها، فان مثل هذا العمل الاستفزازي قد يكون هو المبرر الذي يتذرع به الاتحاد السوفتي لارسال قواته المحمولة جوا الى ساحة القتال في الشرق الاوسط. ولا شك في أن أي تصرف اسرائيلي غير محسوب كان سيؤدي الى انفجار الموقف ، وبالتالي الى اثارة غضب الولايات المتحدة على كل اسرائيل.

ومن السهل بعد معرفة حقيقة الاوضاع الدولية فجر 25 أكتوبر أن ندرك أن ذلك الانذار الاسرائيلي لم يكن الا عملية قصد بها التهويش، اذ ان مدة الانذار التي حددت بنصف ساعة كان من المستحيل من الناحية المنطقة اتمام تسليم المدينة خلالها وفقا للطريقة المطلوبة، وهي تجميع كل المدنيين في الاستاد الرياضي خارج المدينة، وعلى راسهم المحافظ ومدير الامن والقائد العسكري. كما أن عدم تنفيذ التهديد الاسرائيلي الذي كان يتضمنه الانذار، وهو قصف المدينة بالطيران في حالة عدم التسليم، يدل بجلاء على ان هذا الانذار لم يكن انذارا جديا.

وفضلا عن ذلك، اتضح ان ضابطا اسرائيليا اخر من الذين احتلوا مبنى شركة السويس لتصنيع البترول امسك بدليل التليفون وراح يجرب الاتصال بارقام بعض كبار المسئولين في مديرية الامن عن طريق سعد الهاكع أيضا. وكان ضمن الذين تحدث معهم المقدم أمين الحسيني مفتش مباحث أمن الدولة الذي تهرب منه واعطاه رقم اللواء محمد حمزة عميرة نائب مدير الامن. وقد ثبت ان الضابط الاسرائيلي اتصل باللواء حمزة عميرة في الساعة الرابعة مساء، وتحدث معه باللغة الانجليزية وطلب منه ابلاغ المحافظ بانذار اسرائيلي جديد وهو تسليم المدينة في ظرف ربع ساعة والا فسوف يتم تدميرها بالطائرات. ولا يمكن من الناحية المنطقية ان تكون هذه السلسلة من الانذارات الوهمية تدبيرا منظما بمعرفة القيادة السياسية الاسرائيلية او العسكرية، ولذا فانها في غالب الامر لم تكن سوى اجتهادات وتصرفات شخصية قام بها بعض القادة المحليين من تلقاء أنفسهم، أو ربما تكون على احسن الفروض أسلوبا من أساليب الحرب النفسية بهدف الاستيلاء على السويس بغير قتال، نظرا لان الموقف الدولي لم يكن يسمح للقيادة الاسرائيلية بمعاودة الهجوم على السويس مرة أخرى.

لماذا نحي المحافظ من منصبه؟

بعد أن عرضنا على القراء بدقة وامانة تسلسل الأحداث التي جرت في السويس صباح يوم 25 أكتوبر 73، وأوردنا نقلا عن المصادر الرسمية نص الاتصالات التي أجراها بدوي الخولي محافظ السويس بعد تلقيه الانذار الاسرائيلي في الساعة التاسعة والنصف صباح ذلك اليوم، سواء كانت هذه الاتصالات داخل السويس أو مع القاهرة، فاننا نخرج بنتيجة واحدة مؤكدة لا مجال فيها للاجتهاد أو المكابرة وهي أن المحافظ لم يبدر منه أي تصرف يدل على قبوله تسليم السويس للاسرائيليين تنفيذا للانذار الذي تلقاه. والأمر الوحيد الذي تنبغي مناقشته بعد خروجنا بهذه النتيجة هو تقييم الأسلوب الذي اتبعه المحافظ للوصول الى القرار السليم الذي ينبغي اتخاذه في هذا الموقف.

ومن اطلاعنا على الوثائق الرسمية وعلى أقوال المسئولين الذين شهدوا هذا الموقف، نجد أن المحافظ قد أجرى بعد تلقيه الانذار الاسرائيلي اتصالين رئيسيين، أولهما مع القائد العسكري للسويس، والثاني مع المسئولين بالقاهرة.

ولا شك في ان اتصاله بالقائد العسكري للسويس هو تصرف طبيعي ومنطقي، لان الانذار الموجه الى المحافظ هو انذار عسكري في المقام الأول، وقد تم توجيهه اليه بواسطة قائد عسكري اسرائيلي، ولذا فان القرار برفضه او قبوله لابد أن يشترك فيه اشتراكا فعليا القائد العسكري المصري المسئول عن الدفاع عن السويس، والذي لديه المعلومات الصحيحة عن مدى مقدرة الدفاع الجوي المصري في مواجهة الطائرات الاسرائيلية في حالة تنفيذ الاسرائيليين تهديدهم وارسال طائراتهم لتدمير السويس في حالة رفض الانذار.

كذلك كان اتصال المحافظ بالمسئولين في القاهرة أمرا محتما، اذ لا يملك المحافظ ان يتخذ بمفرده قرارا مصيريا تاريخيا تتوقف عليه حياة أو موت ما يقرب من عشرين ألف مواطن، وبقاء أو دمار مدينة بأكملها تضم مساكن ومنشآت ومرافق بمئات الملايين من الجنيهات. وعلاوة على ذلك فان القيادة السياسية في القاهرة هي الجهة الوحيدة التي كان لديها المعلومات الصحيحة عن الموقف الدولي. ولا شك في أن القيادة السياسية عندما بعثت برسالتها الى المحافظ بعدم التسليم رغم تاكدها من عدم وجود اي وسائل في المدينة للاعاشة وعدم توافر اي امكانات جدية للدفاع عنها، انما استندت في اصدار هذا القرار الى الحقائق التي كانت تعرفها عن المواجهة الخطيرة التي كانت قائمة وقتئذ بين القوتين العظميين،والتي كانت تهدد باندلاع حرب عالمية نووية، مما جعلها على يقين من أني الموقف الدولي لا يسمح لاسرائيل بتنفيذ انذارها ومحاولة تدمير السويس بطائراتها.

ومن الطريق ان بعض الذين هاجموا محافظ السويس على موقفه من الانذار الاسرائيلي، عندما عجزوا عن تسجيل اي اخطاء ارتكبها من ناحية تصرفاته، لم يجدوا أمامهم وسيلة سوى الزعم بأن رأيه الشخصي كان هو قبول الانذار وتسليم السويس، ولاشك في أن هذا المعيار فيه اجحاف كبير، اذ ان الانسان وفقا للشرائع والقوانين لا يمكن أن يحاسب أو يساءل على ما يدور في رأسه من آراء وأفكار، اذ ان العبرة انما تكون بالأمال والتصرفات المادية الملموسة. وقد رد بدوي الخولي ردا مقنعا على الذين هاجموه بهذا المعيار خلال المؤتمر المشترك للمجلسين التنفيذي والشعبي الذي عقد بديوان عام الحافظة في يوم 5 مارس 74 فقال: "واذا افترضنا جدلا أن رأيي كان أن نسلم البلد، لكن القاهرة عندما لجأت اليها قالت لا تسلم البلد، ولم أسلم البلد بناء على هذه التعليمات. اذن فأنا لم أسلم البلد فعلا. ولكن هذا لم يحدث ، وأردت أن أشرك القاهرة معي في القرار حتى لا أتهم أنني قصرت في تسليم البلد اذا حدث أن القاهرة رأت اتخاذ هذا الموقف حماية للمواطنين".

وعلى الرغم من سلامة موقف بدوي الخولي وصحة تصرفاته كمحافظ السويس ازاء الانذار الاسرائيلي الذي تلقه صباح يوم 25 أكتوبر 73، وهو الأمر الذي وضح لنا بجلاء بعد هذه الدراسة الموضوعية التي أجريناها دون أي تحيز أو هوى، فمن المؤسف ان نقرر ان حملة التشهير والافتراء التي وجهت ضده من بعض المغرضين والحاقدين قد تكللت في النهاية بالنجاح، وتمت احالته على التقاعد في 16 أبريل 74، أي بعد أقل من ثلاثة شهور من انتهاء عزلة السويس، واعادة طرق الاتصال اليها يوم 28 يناير 74 بعد اتفاقية فض الاشتباك الاولى.

واذا ما اردنا اكتشاف سر تلك الحملة الظالمة التي تعرض لها بدوي الخولي بهذه القوة والشراسة، فمن الواجب أن نتذكر الظروف العصيبة التي كانت المدينة تعيش فيها والضغط العصبي الذي كان يعمل في ظله كل الرجال المسئولين عنها، وفي مقدمتهم المحافظ خلال فترة الحصار التي امتدت الى مائة يوم كاملة، لقد كان تسيير الأمور وادارة شئون الحكم في مدينة محاصرة تحيط بها القوات الاسرائيلية من كل جانب، عملية من أشق العمليات، خاصة اذا تذكرنا ان المدينة كان يقطنها حوالي عشرين ألف مواطن معظمهم من الوافدين والشاردين ومن مختلف الطوائف والفئات، ما بين مدنيين وعسكريين وما بين عمال وفلاحين وتجار وحرفيين وموظفين. ولم تكن ظروف الحياة داخل السويس عادية كغيرها من المدن، فمعظم السكان بلا عمل، والفراغ بالطبع أكبر مفسدة، ومواد التموين والسلع لا تباع ولا تشترى، بل ترسل من القاهرة عن طريق قوة الطوارئ الدولية لتوزع على المواطنين وفق مقادير مقررة، ولا مجال في المدينة لسمر أو تسلية أو ترويح عن النفس مما يشد الأعصاب. كل هذه الظروف الشائكة كانت تتطلب تشددا وحزما في التعامل مع الناس، اذ ان انفلات الزمام كان معاناه الفوضى الشاملة مما لابد أن يؤدي الى سلسلة من الجرائم وانتشار عمليات السلب والنهب، خاصة مع وجود هذا العدد الضخم من الاسلحة وهذه الكميات الكبيرة من الذخيرة، سواء مع الجنود أو المواطنين. ومن الطبيعي أن يتعرض المحافظ الذي أحكم سيطرته على المدينة طوال فترة الحصار، وحافظ بالتعاون مع جهاز الشرطة الذي كان يرأسه مدير الأمن اللواء محيي خفاجي على الأمن والنظام والانضباط داخلها بشدة وصرامة، الى حملات مريرة من الكراهية والحقد من كل من أساء اليهم من الأهالي بسبب تشدده وحزمه. ولم يكن أمام هؤلاء الحاقدين أو أولئك الذين حاولوا تسجيل بطولات زائفة عن أعمال وهمية قاموا بها في أثناء المعركة وخلال الحصار سوى أن يصوبوا سهام حقدهم صوب المحافظ.

ولكن الحقيقة مهما غابت فان الله لابد أن يظهرها، ولابد للتاريخ من أن يسجل الحقائق كلها مهما زيف المزيفون وزور المزورون وخادع المخادعون.

اعلان حالة التأهب في القوات الأمريكية

في الساعة الحادية عشرة والدقيقة الخامسة والثلاثين مساء يوم 24 أكتوبر، تم تسلم الأدميرال مورر رئيس الهيئة المشتركة لرؤساء الأركان أمر التأهب القتالي للقوات الأمريكية من شيلزنجر وزير الدفاع، وعلى الفور قام بابلاغه الى القيادات والوحدات الفرعية في جميع أنحاء العالم. وكان نص الأمر كما يلي: "الى جميع القيادات، ترفع درجة الاستعداد القتالي الى الدرجة رقم 3". وكان الاستثناء المهم الوحيد في أمر الاستعداد للقتال هو طائرات التموين بالوقود في الجو التابعة للقيادة الجوية الاستراتيجية فقد كلفت بالاستمرار في خدمة قاذفات القنابل الثقيلة من طراز ب52 لاعادة تزويدها بالوقود في نقطة لقاء محددة بوسط المحيط الأطلنطي، وكانت تلك الطائرات تقوم بهذه المهمة لخدمة طائرات الجسر الجوي من الولايات المتحدة الى اسرائيل.

وعند منتصف الليل، وصل الأمر الانذاري الذي أرسله الأدميرال مورر الى القاعدة الجوية في "بلفو" بولاية نبراسكا حيث المركز العصبي الرئيسي للقيادة الجوية الاستراتيجية في جميع أنحاء العالم. وفي الحال، تم ايقاظ مئات من أفراد القوات الجوية وأعضاء القيادة الجوية الاستراتيجية من ضباط أركان حرب العمليات، وتم استدعاؤهم الى مركز القيادة في مبنى من سبعة طوابق، أربعة منها تحت الارض. وتقاطر الضباط في الشرفات بينما اخذت اجهزة الكمبيوتر تصب سيلا من المعلومات عن حالة الطقس والاهداف المحتملة، وكذلك عن حالة الاستعداد التي وضع فيها افراد القيادة الجوية الاستراتيجية والبالغ عددهم 162.000 فرد في جميع أنحاء العالم.

أما قاذفات القنابل التابعة للقيادة الجوية الاستراتيجية والمنتشرة حول العالم، فقد وضعت على المدارج بينما كان الطيارون على اهبة الاستعداد للاقلاع ، بمجرد صدور الأمر بذلك. وقد أمرت ستون قاذفة قنابل من طراز ب 52 بالعودة من قاعدتها في "جوام" الى الولايات المتحدة.

وفي الساعة الواحدة والنصف صباح يوم 25 أكتوبر، عاد شيلزنجر وزير الدفاع الأمريكي الى البنتاجون حيث أعطى المزيد من الأوامر لدعم الموقف بشان حالة الاستعداد القتالين فتم ارسال حاملة الطائرات "جون كيندي" بحمولتها من قاذفات القنابل من طراز سكاي هوك من شرق المحيط الأطلنطي الى البحر المتوسط، كما أخطرت الفرقة 82 المحمولة جوا (15.000 رجلا) بمقرها في "فورت براج" بولاية نورث كارولينا، وهي الفرقة المعروفة باسم قوة التدخل السريع بان تكون جاهزة للتحرك قبل الساعة السادسة صباحا.

وفي الساعة الثانية صباحا، تم ابلاغ اعضاء حلف شمال الاطلنطي (ناتو) بأمر الاستعداد الامريكي للقتال. وفي الساعة الثانية والنصف صباحا انهى كيسنجر مسودة رد الرئيس نيكسون على مذكرة الرئيس السوفيتي بريجنيف. وكان مضمون الرد ان الولايات المتحدة لا يمكنها ان تتسامح ازاء قيام الاتحاد السوفيتي بعمل منفرد في الشرق الأوسط، وأن أي محاولة لادخال قوات الى منطقة النزاع سوف تؤدي الى الاضرار بقضية السلام العالمي، ولكن الولايات المتحدة مستعدة بل وراغبة في المشاركة في قوة مراقبة حقيقية تابعة للأمم المتحدة لضمان وقف اطلاق النار. ولم يتضمن الرد الأمريكي اي اشارة الى الأمر الانذاري الذي صدر بوضع القوات الامريكية على اهبة الاستعداد، وذلك لانه افترض أن السوفييت لابد أن يكونوا قد علموا بذلك فعلا عن طريق وسائل مخابراتهم الالكترونية واقمارهم الصناعية.

وفي الساعة الثالثة صباحا، استكمل شيلزنجر والادميرال مورر جميع التفاصيل الخاصة بالامر الانذاري، وعاد هنري كيسنجر وزير الخارجية الى البيت الابيض حيث ابلغ الرئيس نيكسون بالتدابير التي تم اتخاذها. وصدق نيكسون في الحال على هذه الاجراءات بوصفه القائد الاعلى للقوات المسلحة الامريكية.

قرار مجلس الأمن رقم 340

وفي صباح يوم 25 أكتوبر، اجتمع مجلس الأمن وسط تلك الأنباء الرهيبة عن توقع حدوث المواجهة بين القوتين العظميين بسبب الصراع المحتدم بينهما بشان ازمة الشرق الأوسط. وكان هذا ما دفع اعضاء مجلس الامن الى سرعة اتخاذ الاجراءات العاجلة املا في تهدئة الموقف القابل للانفجار، وللتوصل الى وقف حقيقي لاطلاق النار في الشرق الاوسط. وتقدمت ثماني دول وهي الهند واندونيسيا ويوغسلافيا وكينيا والسودان وبنما وبيرو بمشروع قرار ينص على انشاء قوة طواريئ دولية مع استبعاد قوات الدول الخمس دائمة العضوية في المجلس (الولايات المتحدة – الاتحاد السوفيتي – الصين – بريطانيا – فرنسا). ولم يلبث مجلس الامن ان وافق على مشروع القرار المقدم اليه، واصدر في نفس اليوم قراره رقم 340 بموافقة 14 دولة وامتناع الصين عن التصويت بانشاء قوة طوارئ دولية وتفويض السكرتير العام للأمم المتحدة سلطة ايفادها على الفور الى منطقة الشرق الاوسط، على ان يقدم تقريرا خلال 24 ساعة عن الاجراءات التي اتخذت لهذا الغرض.

وفي ليلة 25/26 أكتوبر ، أصدر مجلس الأمن أمرا رسميا بتشكيل قوة الطوارئ الدولية على ان تتكون من سبعة آلاف رجل، وأن تسند قيادتها الى الجنرال الفنلندي انزيو سيلاسفو الذي كان يتولى قيادة قوة الطوارئ الدولية في قبرص. وبصفة عاجلة تقرر سحب 900 ضابط وجندي من قوات الطوارئ الدولية العاملة في قبرص وتحريكها فورا الى جبهة السويس. وكانت هذه المجموعة تتكون من مفارز تابعة لقوات من النمسا وفنلندا وايرلندا والسويد. وقدرت تكاليف تشكيل هذه القوة يثلاثين مليون دولار للأشهر الستة الأولى، وقرر الاتحاد السوفيتي الذي كان يقاطع من قبل الاسهام في نفقات قوات الطوارئ الدولية المشاركة في هذه المرة بدفع حصته في تكاليف انشائها. كما تقرر ان تشترك قوات من غانا وبنما وبيرو ونيبال واندونيسيا في قوة الطوارئ ، فضلا عن الدول الاربع السابق ذكرها، والتي تشترك في القوة الدولية العاملة في قبرص. وكان راي مجلس الامن في البداية عدم اشراك دول اعضاء في حلفي وارسو والاطلنطي، ولكنه عاد وسمح لكل من بولندا عضو حلف وارسو وكندا عضو حلف الاطلنطي بالاشتراك في القوة.

الوضع العسكري في السويس

رغم فشل الاسرائيليين في اقتحام السويس يوم 24 أكتوبر، فانه كان من المحتمل ان يعاودوا هجومهم في اي وقت ، ولذا وضع العميد عادل اسلام القائد العسكري للسويس خطة تامين جديدة لاغلاق مداخل السويس التي كان ينتظر تقدمهم عن طريقها، وقسم المدينة الى اربعة قطاعات، وعين لكل قطاع قائدا مسئولا عن الدفاع عنه، وكذا ضابط اتصال من ضباط الدفاع الشعبي ليكون اداة الاتصال بين قيادة القطاع وقيادة السويس. وحرص العميد عادل على تغيير مركز قيادته بصفة مستمرة ، ليمنع تعرضه للهجوم من جانب اي متسللين أو عملاء، ولذا انتقل من مسجد الشهداء الى ورشة مياه هيئة القناة ثم الى مؤسسة الادوية، خاصة في الايام الحركة ما بين يوم 24 أكتوبر حتى وصول قوات الطوارئ الدولية يوم 28 أكتوبر. وكان العميد أ. ح يوسف عفيفي قائد الفرقة 19 مشاة قد ارسل يوم 25 أكتوبر حوالي 12 طاقم اقتناص دبابات تسلح كل منها بالقاذف ار بي جي 7، وكان من بينهم من هم اصلا من ابناء السويس الذين أبدوا رغبتهم في الدفاع عن مدينتهم، واختار لقيادتهم الرائد علي رضا والنقيب فوزي شاكر والملازم أول احمد مصطفى مراد.

وقد انتقلت هذه الاطقم باللنشات من شرق القناة الى السويس، وتم وضعها في مواقع حاكمة على مدخل المدينة لصد اي هجمات للعدو وتدمير دباباته، وفضلا عن هذه الاطقم كانت هناك سرية "شمل" مضادة للدبابات من الفرقة 19 مشاة بقيادة المقدم حسام عمارة، وهي التي اشتركت في القتال ضد دبابات العدو يوم 24 أكتوبر، وبقيت في المدينة منذ ذلك الوقت للدفاع عنها.

وبعد أن أتمت أطقم الفرقة 19 مشاة المضادة للدبابات احتلال موقعها وفقا للخطة الموضوع لتامين السويس، أرسل العميد أ. ح يوسف عفيفي خطابات الى المحافظ بدوي الخولي، أكد له فيه ان الفرقة 19 مشاة قامت بجميع اجراءات حماية وتامين مداخل المدينة والمراكز المهمة بها. هذا وقد قام العميد يوسف عفيفي بكل هذه الاجراءات الفعالة للدفاع عن السويس بمبادرة شخصية منه، اذ لم تكن هذه المهمة داخلة ضمن مهمة فرقته.

هذا ، ولم يحاول الاسرائيليون بعد فشل هجومهم يوم 24 أكتوبر على السويس شن اي هجوم على المدينة بصفة جدية، وكانت كل عملياتهم بمثابة مناوشات لقصد اكتساب مزيد من الاراضي، اذ ان الموقف الدولي المتأزم الذي سبق ان شرحنا أبعاده بالتفصيل لم يكن يسمح لهم بتكرار محاولتهم مرة أخرى، خاصة بعد صدور قرار مجلس الامن الدولي رقم 340 يوم 25 أكتوبر 73 بانشاء قوة طواري دولية للاشراف على تنفيذ قرارات مجلس الامن الثلاثة 338 و339 و340 بوقف اطلاق النار وانسحاب قوات الطرفين الى المواقع التي كانت تحتلها في الساعة السادسة والدقيقة الثانية والخمسين مساء يوم 22 أكتوبر بتوقيت البحر المتوسط.

وعند ظهر يوم 28 أكتوبر، وصلت طلائع قوة الطوارئ الدولية الى السويس، وتوجه قائد القوة الى مبنى المحافظة حيث تم عقد اجتماع بينه وبين بدوي الخولي محافظ السويس، وقد حضر هذا الاجتماع اللواء محيي خفاجي مدير الامن والعميد عادل اسلام القائد السعكري والعقيد فتحي عباس مدير مخابرات جنوب القناة.

وعقب الاجتماع، بدأ قائد قوة الطوارئ الدولية في توزيع دوريات من جنوده على قطاعات المدينة، وتحركت كل دورية في عربة جيب عليها علم الامم المتحدة وبرفقتها ضابط مصري لارشادها الى المواقع المصرية، ليتيسر لها تحديد الخط الذي يفصل بين المواقع المصرية والمواقع الاسرائيلية كي تتمركز فيه النقاط الثابتة للأمم المتحدة. وقد استغلت القوات الاسرائيلية هذه العملية للتقدم من أماكنها واكتساب أرض جديدة، فقامت بدفع دبابة الى نقطة الهويس واحتلت منطة كفر جودة وعمارتين من مباني منطقة المثلث، كما تمكنت من التقدم واحتلال استراحة الري على طريق الزيتيات. وقد تجاهل مراقبو الامم المتحدة هذه الانتهاكات الاسرائيلية الصارخة رغم أنها جرت على مشهد منهم ورغم احتجاج الضباط المصريين، وكان ردهم أنهم يحددون المواقع وفقا للقوات التي تحتلها بالفعل، والحوا على المصريين بعدم اطلاق النار وبضرورة ضبط الاعصاب.

وفي يوم 30 أكتوبر اتصل المحافظ بقائد الجيش الثالث وطلب منه ارسال احد القادة الذين يتميزون بقوة الشخصية والحزم الى السويس ليمكنه السيطرة على العدد الكبير من العسكريين الذين توافدوا على المدينة يومي 22 و23 أكتوبر من وحدات مختلفة دون وجود أي قيادة عسكرية تسيطر عليهم. وفي يوم 31 أكتوبر أرسل قائد الجيش الثالث العميد أ. ح محمد أمين الكنزي مساعد قائد الفرقة 7 مشاة الى السويس وبرفقته فصيلة من الشرطة العسكرية . وتم تسليم العميد أ. ح محمد الكنزي قيادة السويس العسكرية من العميد عادل اسلام في أول نوفمبر 73، وانضمت منذ هذا اليوم قيادة الدفاع الشعبي بأفرادها وأسلحتها ومعداتها الى قيادة السويس العسكرية.

وقد تمكن العميد الكنزي بفضل جهوده الصادقة وعمله الدائب واخلاصه من فرض النظام والانضباط على آلف الجنود الذين كانت المدينة تموج بهم. وبعد أن أعيد تنظيمهم وتسليحهم ضمن وحدات منظمة، تم استخدام بعض هذه اللوحات لتعزيز الدفاع عن السويس، واشتركت الوحدات جميعا في البرامج التدريبية التي اشرف علي تنفيذها العميد الكنزي هو ومعاونوه، والتي كان الغرض منها رفع كفاءة الجنود القتالية من جهة وحتى لا يقعوا فريسة للفراغ القاتل طوال مدة الحصار من جهة أخرى مما يؤدي الى انحرافهم. وفضلا عن ذلك، تم تشكيل وحدة من الشرطة العسكرية تولى قيادتها العقيد اسماعيل أمين، وخصص مبنى مدرسة الست آمنة الاعدادية للبنات ليكون مقرا لها، وقد اسهمت هذه الوحدة في فرض الامن والنظام داخل السويس.

هذا وقد ظلت وسائل الاتصال اللاسلكية بين السويس والقاهرة تعمل بدقة وكفاءة عن طريق وحدة الدورية اللاسلكية التي كان يتولى قيادتها الرائد شرطة محمد رفعت شتا منذ ان انقطعت جميع وسائل الاتصال الهاتفية بين السويس والخارج يوم 23 أكتوبر. ولكن هذه الوسيلة الوحيدة للاتصال لم تلبث ان انقطعت يوم 26 أكتوبر، فقد تمكن العدو من الاستيلاء على مبنى الوحدة الذي كان يقع في مكان منعزل خارج المدينة على طريق ناصر ما بين منطقة المثلث وطريق الزيتيات، وقام باسر الرائد رفعت شتا والملازم أول عبد الرحمن غنيمة و18 صف ضابط وجنديا وعاملا مدنيا بعد أن قاموا بأداء واجبهم بشجاعة واخلاص في أحرج الفترات في الوقت الذي كانت فيه دبابات العدو على بعد أمتار قليلة منهم.

ولكن الاتصال اللاسلكي مع القاهرة لم يلبث أن أعيد مرة أخرة يوم 30 أكتوبر. قد تم توجيه طاقم اتصال لاسلكي تابع للمخابرات المصرية بامر رئاسة الجهاز الى مدينة السويس، وكان واحدا من الاطقم التي تعمل في اعمال الاستطلاع خلف خطوط العدو في سيناء، وقد انضم فور وصوله على مكتب مخابرات جنوب القناة في السويس. وكان العقيد فتحي عباس عقب وصول قوة الطوارئ الدولية الى السويس قد عاد هو وافراد مكتبه الى المبنى الاصلي الذي كانت المخابرات تشغله من قبل، وهو مبنى مكون من خمسة طوابق ويقع في مواجهة مبنى المحافظة. وقد أمر العقيد فتحي بوضع طاقم الاتصال اللاسلكي الذي كان يتكون من ضابط وفردين في احدى غرف المبنى، وأصبح هذا الطاقم اللاسلكي هو حلقة الاتصال الرئيسية بين المحافظة المسئولين في القاهرة، علاوة على عمله العادي وهو تحقيق الاتصال بين مكتب المخابرات في السويس ورئاسة الجهاز في القاهرة.

وفي نفس الوقت، أرسل العميد أ. ح يوسف عفيفي محطة لاسلكية من الفرقة 91 مشاة تم تخصيص غرفة لها في الطابق الخامس من مبنى المخابرات، وقد تركز عمل هذه المحطة في اجراء الاتصالات بين أهالي السويس واسرهم الموجودة خارجها مما كان له اثر كبير في رفع الروح المعنوية بين المواطنين.

السويس تحت وطأة الحصار

أصبحت السويس منذ يوم 23 أكتوبر لاول مرة عبر تاريخها الطويل تحت وطأة الحصار. فقد أحاطت بها القوات الاسرائيلية من كل جانب، بل واحتلت ضاحيتها الصناعية الشهيرة التي تقع في جنوبها الغربي وهي منطقة الزيتيات، حيث مقر شركة الاسمدة ومجموعة من اهم شركات البترول. وكان احتمال فتح الطرق التي تربطها بالخارج أمرا في علم الغيب، بينما كان الامر الاكثر احتمالا هو ظهور الدبابات الاسرائيلية في شوارعها الرئيسية اذا ما فكرت القيادة الاسرائيلية في اعادة الكرة وارسال قواتها مرة أخرى.

وفور وصول قوات الطوارئ الدولية يوم 28 أكتوبر وسريان وقف حقيقي لاطلاق النار، بدأت السويس تمارس حياتها كدولة مستقلة لا تعتمد الا على مرافقها الخاصة ومواردها الذاتية. واصدر المحافظ امره بصفته الحاكم العسكري باعتبار السويس منطقة عسكرية، وتوالى منذ ذلك الوقت صدور الاوامر العسكرية التي اسهمت كثيرا في استقرار الحياة وانتظامها بالمدينة. كما أمر المحافظ بتشكيل محكمة عسكرية لمحاكمة مرتكبي الجرائم والمنحرفين والمتلاعبين بأقوات الشعب. وقد انقسمت فترة الحصار الى مرحلتين رئيسيتين: المرحلة الأولى من 23 أكتوبر حتى 14 نوفمبر 73، وهي فترة شديدة الحرج اذ كانت المدينة تعتمد في الاعاشة على مواردها الذاتية الضئيلة دون تلقي اي مساعدات من الخارج. أما المرحلة الثانية فتبدأ من 15 نوفمبر 73، وهو موعد بدء وصول الامدادات من القاهرة عن طريق قوة الطوارئ الدولية على اثر توقيع اتفاقية النقاط الست بين مصر واسرائيل في 11 نوفمبر 73، واستمرت هذه المرحلة حتى يوم 28 يناير 74 وهو موعد فتح الطرق ثانية بين السويس والخارج على اثر توقيع اتفاقية فض الاشتباك الأولي في 18 يناير 74 بين مصر واسرائيل في المحادثات التي عرفت باسم محادثات الكيلو متر 101.

وكانت اكبر مشكلة واجهتها السويس خلال فترة الحصار هي مشكلة المياه. فقد وضعت القوات الاسرائيلية يدها بعد استيلائها على منطقة الزيتيات على صهاريج تخزين المياه الاحتياطية الخاصة بالمدينة والموجودة داخل مباني شركة الاسمدة والصناعات الكيماوية وشركة النصر للبترول. وفي يوم 28 أكتوبر أقام العدو سدا ترابيا على الترعة الحلوة عند جبلاية السيد هاشم بالقرب من الهويس على بعد كيلو متر واحد من محطة هيئة قناة السويس التي تمد المدينة بالمياه، مما أدى الى انخفاض منسوب المياه في الجزء المتبقي من الترعة والموجود داخل المدينة. وعلى أثر الاجتاع الذي عقده المحافظ مع مدير الامن والمسئولين عن المياه في المدينة، تقرر سحب المياه المتبقية في الترعة فورا وتخزينها بخزانات واحواض محطة مياه هيئة قناة السويس لضمان عدم قيام العدو بحرمان المدينة منها. وبتعليمات من اللواء محيي خفاجي مدير الامن، اشرف المقدم فتحي غنيم رئيس قسم الدفاع المدني والحريق على تنفيذ العملية المطلوبة باستخدام 7 ماكينات اطفاء من وحدة الحريق. وبلغت كمية المياه التي تم تخزينها في محطة المياه 14.000 متر مكعب م المياه العكرة، وقد قام الفنوين في المحطة بتطهيرها وصدرت التعليمات بنقل 400 متر مكعب من هذه الكمية الى خزانات شركة جركو بحي الاربعين لتكون بمثابة احتياطي يتم استخدامه في حالة قيام العدو بضرب محطة المياه.

وكانت الخطة لمواجهة النقص الحاد في المياه هي وقف ضخ المياه نهائيا في شبكة المدينة، وتخصيص كمية المياة الموجودة كلها لتزويد الجيش الثالث شرق القناة بمعدل 50 متر مكعبا يوميا لكل من الفرقتين 7 و19 مشاة، وكذا تزويد المخابز يوميا بخمسة أمتار مكعبة والمستشفى بثلاثة أمتار مكعبة، على أن تتولى عربات القوات المسلحة نقل الكميات المخصصة لها وتقوم سيارات الاطفاء بنقل المياه المخصصة للمخابز والمستشفى. وألقيت على عاتق الاهالي مهمة البحث عن الآبار القديمة التي كان سكان السويس يستخدمونها منذ حوالي قرن قبل وصول مياه النيل عن طريق ترعة الاسماعيلية . وقد نجح الاهالي بفضل ارشادات بعض المواطنين المسنين في العثور على عدد من الآبار، كان أهمها بئر سيدي الغريب الذي اثبتت التحاليل أن مياهه صالحة للشرب، وبلغ معدل تصريفه 120 لترا في الساعة. واستخدمت مياه البحر المالحة في أعمال النظافة وطرد المخلفات في دورات المياه من الأماكن العامة ، وكان نقلها يتم باستخدام البغال توفيرا للوقود.

وكان المتبقي من رصيد الدقيق 1400 جوال لا تكفي الا لاستهلاك شهر واحد فقط بمعدل رغيفين للفرد يوميا. ومن أجل توفير الخبز لقوات الجيش الثالث شرق القناة أصدر المحافط أمرا سريا الى علاء الخولي مدير التموين – الذي أدى دورا بارزا اثناء الحصار – بتخفيض وزن الرغيف وبصرف رغيف واحد للفرد يومي السبت والثلاثاء من كل اسبوع بحجة عمل صيانة في المخابز ومحطة المياه. وتحمل المواطنون هذا القرار رغم علم معظمهم بالغرض الحقيقي من اصداره، فقد كانوا عل استعداد لاي تضحية في سبيل معونة قواتهم المسلحة التي تزود عن مدينتهم وتدافع عن شرف وطنهم. وكانت مشكلة الكهرباء من أهم المشاكل التي واجهتها المدينة، فقد قام العدو يوم 23 أكتوبر بتدمير شبكة الضغط العالي التي تحمل التيار الكهربي من القاهرة الى السويس. ولم يبقى الا عدد من محطات الطوارئ التي كان أغلبتها يحتاج الى اصلاح، فلم يكن يجري تشغيلها في الماضي الا في حالات نادرة عند انقطاع تيار الضغط العالي لفترة محدودة، ولكن تشغيلها بعد انقطاع تيار الضغط العالي القادم من القاهرة أصبح ضرورة حتمية لتشغيل غرفة العمليات واجهزة التعقيم وثلاجات حفظ الدم بالمستشفى. وكذا تشغيل المخابز والمعاجن الكهربائية والطلمبات في محطات الوقود وورش الاهالي. وقد تم وضع نظام لتشغيل محطات الطوارئ بعد اصلاحها لمدة 16 ساعة يوميا. وهكذا ظلت انوار السويس مضاءة تثير لدى العدو عوامل الحيرة والتعجب.

وواجه المستشفى العام بالسويس موقفا عصيبا في المرحلة الاولى من الحصار، فقد اصبح المستشفى الذي ان اقصى سعته لا تزيد عن 300 سرير يضم ما يزيد على 1400 فرد من الجرحى والمصابين نتيجة للعمليات الحربية والغارت الجوية، وكانوا يحتاجون الى اجراء عمليات جراحية لهم وكذا الى عمليات نقل دم وعلاج من الجروح والحروق والكسور وغير ذلك من صنوف العلاج.

ونتيجة لشدة الازدحام اصبح معظم المصابين يرقدون على الارض ويملأون طرقات المستشفى، وكان لجهود الاطباء وهيئة التمريض فضل كبير في عدم حدوث حالات تسمم أو عدوى وبائية بين المرضى والجرحى، خصوصا أن المستشفى اصبح مقر دائم لاعداد غفيرة من المواطنين الذين وجدوا في المستشفى ملاذا يعطيهم نوعا من الأمان خلال الغارت الجوية.

وصول قوة الطوارئ الدولية الى السويس

وفقا لقرار مجلس الامن رقم 340 الصادر في 25 اكتوبر 1973، بدأت قوات الطوارئ الدولية يتوالى وصولها الى السويس منذ يوم 28 أكتوبر. وكانت المفارز الأولى التي تم نقلها بصفة عاجلة من قوات الطوارئ الدولية العاملة في قبرص الى جبهة السويس تابعة لقوات النمسا وفنلندا وايرلنده والسويد.

وبدأت القوة الدولية بمجرد وصولها في انشاء نقاط ثابتة لها على الخط الفاصل بين المواقع المصرية والمواقع الاسرائيلية على مدخل المدينة.

وكانت أحرج المراحل التي مرت على السويس خلال الحصار هي المرحلة من 23 اكتوبر حتى 14 نوفمبر 1973 (23 يوما) ، فقد أمضت المدينة الأيام الخمسة الأولى تحت وطأة التهديد الاسرائيلي بغزوها، وتعرضت لقصف كثيف متواصل من طيران العدو ومدفعيته. وخلال هذه المرحلة الحرجة كانت السويس تعتمد في اعاشة سكانها من المدنيين والعسكريين الذين بلغ عددهم حوالي 20.000 مواطن على مواردها الذاتية الضئيلة ، مما جعل سكانها يعانون من ويلات الجوع والعطش.

وفي فجر يوم 25 أكتوبر ، وبعد التأكد من خلو المدينة من قوات العدو، بدأ رجال الدفاع المدني والانقاذ في نقل المصابين والشهداء من الامكنة التي سقطوا فيها بشوارع المدينة الى المستشفى العام. وفي يوم 30 أكتوبر قام متطوعون من الأهالي بنقل جثث الشهداء التي كانت محفوظة في المستشفى العام الى مقبرة الشهداء بالروض، حيث تم دفنهم في مشهد مهيب اشتركت فيه جميع فئات الشعب.

أما جثث الاسرائيليين التي عجز العدو – وفقا لعادته- عن سحبها معه اثناء ارتداد قواته عن السويس عقب معركة 24 أكتوبر، فقد أمر المحافظ بدفنها في جبانة السويس حرصا على الصحة العامة، وتم ذلك بمعرفة رجال الدفاع المدني تحت اشراف العميد أحمد العروسي مساعد مدير الأمن. وقد نقلت الجثث من الشوارع الى حيث دفنت في مقبرة جماعية بالجبانة. وخلال محادثات الكيلو متر 101 على طريق القاهرة السويس التي بدأت فجر يوم 28 أكتوبر، طالبت اسرائيل بان تستعيد 33 جثة، وهو عدد ضباطها وجنودها المفقودين داخل السويس، خلال معركة 24 أكتوبر. وتنفيذا لتعليمات القاهرة، نقلت جثث الاسرائيليين من الجبانة الى مستشفى الحميات للتسليم الى الصليب الاحمر. وخلال يومي 6 و7 نوفمبر تم تسليم 18 جثة الى مندوبي الصليب الأحمر في مستشفى الحميات، لتسليمها الى السلطات الاسرائيلية، وظل مصير الأفراد المفقودين الباقين مجهولا الى يومنا هذا.

وصول الامدادات الى السويس

كان لتوقيع اتفاقية النقاط الست بين مصر واسرائيل في محادثات الكيلو متر 101 يوم 11 نوفمبر 1973 اثر كبير في تحسن احوال اهالي السويس بشكل واضح. فقد كانت النقطة الثالثة من نقاطها الستة المعروفة تنص على ما يلي: "تتلقى مدينة السويس امدادات يومية من الاطعمة والمياه والادوية، ويتم اخلاء جميع المدنين الجرحى من مدينة السويس". وتبعا لذلك فقد تم اخلاء جميع الجرحة والمصابين من المستشفى، وجرى ترحيلهم الى القاهرة على دفعتين: الدفعة الاولى يوم 17 نوفمبر وكان عددهم 1400 فرد، والدفعة الثانية يوم 23 نوفمبر وكان عددهم 280 فرد. وأصبح المستشفى منذ ذلك الحين خاليا الا من بعض الحالات البسيطة. وتنفيذا لما ورد في الاتفاقية، أبلغت القاهرة محافظ السويس يوم 14 نوفمبر ان الامدادات من الاطعمة والمياه والادوية سوف تصل الى السويس اعتبارا من يوم 15 نوفمبر.

وقد وضع الاسرائيليون من اجل ايصال هذه الامدادات الى المدينة نظاما شاقا، سبب اجهادا كبيرا لمواطني السويس، وذلك من فرط خشيتهم من وصول مواد عسكري ضمن قوافل الامدادات الى اهل المدينة.

ووصل حرصهم الى الحد الذي جعلهم يمنعون دخول الوقود والزيوت وحجارة البطاريات وزجاجات الكولونيا، والى قيامهم بفتح بعض صفائح الجبن وتفتيش أقفصة البرتقال.

وكان نظام تسلم الامدادات، يقضي بان تتوقف السيارات القادمة من القاهرة وعددها 35 سيارة نقل حمولة 10 أطنان في المتوسط، على مسافة قريبة من السويس، وبعد أن يتركها سائقوها المصريون، يتولى قيادتها سائقون من قوات الطوارئ الدولية حتى نقطة المثلث على مدخل السويس. وفي الجهة المقابلة من النقطة تقف 35 سيارة نقل قادمة من السويس، ومع كل سيارة فردان بخلاف السائق للتفريغ والتحميل. ويترجل هؤلاء الافراد وعددهم 70 فردا من السيارات، ويجتازون الحاجز الذي في نقطة المثلث، ويدخلون الى المنطقة التي يحتلها العدو برفقة رجال من قوة الطوارئ، ويقوم الافراد بعد ذلك بتفريغ حمولة سيارات النقل على الارض بجوار هذه السيارات، التي لا تلبث أن تغادر نقطة المثلث عائدة في اتجاه القاهرة، ليتسلمها سائقوها المصريون في مكان نزولهم السابق على الطريق ليواصلوا رحلة العودة بها الى العاصمة. وعلى اثر ذلك تدخل سيارات النقل القادمة من السويس، وتجتاز الحاجز عند نقطة المثلث وتقف بنفس النظام الذي كانت تتبعه سيارات القاهرة ويقوم الافراد المصريون بتحميلها من الحمولات الموضوعة على الارض. وبعد انتهاء عملية التحميل تعود السيارات الى السويس، حيث يتم تفريغها الى المخازن التي حددتها المحافظة، تحت حراسة قوية من رجال الشرطة.

وقد وضع المقدم فتحي عفيفي رئيس قسم الدفاع المدني والحريق – بتعليمات من اللواء محي خفاجي مدير الامن – نظاما يكفل اشتركا جميع ابناء المدينة الاصحاء في عملية التفريغ والتحميل التي تجري يوميا عند نقطة المثلثة بصفة دورية، على أن يتولى جنود الاطفاء ومتطوعو الدفاع المدني – وحدهم – بعملية تفريغ المؤن من السيارات داخل السويس ونقلها الى المخازن التي حددتها المحافظة. واصدر المحافظ من اجل السيطرة على عملية التسليم والتخزين امرا عسكريا بتشكيل لجنة كانت تضم ممثلين عن القوات المسلحة والشرطة ومديرية التموين والاتحاد الاشتراكي. ونظرا لان المياه كانت متوافرة داخل المدينة بعد الاجراءات التي اتخذها المحافظ ومعاونوه، فقد طلب المحافظ من القاهرة عدم ارسال عربات فناطيس مياه، وكان ذلك عقب وصول عشر عربات فناطيس مياه، ضمن قافلة الامدادات التي وصلت السويس يوم 18 نوفمبر.

وعلى الرغم من وصول كميات ضخمة من المواد التموينية من القاهرة قدرت في نهاية مدة الحصار بما لا يقل عن 35 ألف طن، فان المحافظ بدوي الخولي ظل متمسكا بقراره، الذي تم فيه تحديد المقدار الذي يصرف لكل فرد في المدينة من المواد التموينية مجانا بدون مقابل على أساس ان هذا المقدار يكفي لاعاشة الفرد دون اسراف.

ونظرا لان هذا التحديد في الصرف نتج عنه امتلاء جميع المخازن التابعة للمحافظة وعددها 37 مخزنا بمواد التموين، فقد اقترح علاء الخولي مدير التموين على المحافظ يوم 4 يناير 74 الاتصال بالقاهرة لايقاف شحن المواد التموينية الى السويس، ولكن المحافظ رفض هذا الاقتراح، فقد كان يخشى تجدد القتال مرة أخرى وامتناع وصول اي امدادات الى المدينة، وكان هدفه ضرورة ابقاء احتياطي كبير دائم من المواد التموينية داخل المدينة تحسبا للطوارئ.

وقد أدت هذه السياسة التموينية بالحذر التي اتبعها المحافظ الى توجيه انتقادات شديدة اليه خاصة من الاتحاد الاشتراكي بالسويس، بدعوى انه كان يقتر على المواطنين في صرف مواد التموين، ويبيع لهم بعض الاصناف بالنقد، بينما كانت مخازن المحافظة ممتلئة على سعتها بالمواد التموينية المرسلة من القاهرة. وقد رد المحافظ بدوي الخولي فيما بعد على هذا الانتقاد الموجه اليه خلال المؤتمر المشترك لاعضاء المجلسين التنفيذي والشعبي الذي عقد بديوان عام المحافظة يوم 5 مارس 1974، فقال: "لي تعقيب بسيط على عملية صرف التعيينات. فعلا كان هناك مواطنون طلبوا مني صرف بعض المواد ولم اوافق على ذلك لان هناك اشارات وصلتني من القاهرة تطل اعتبار التعيينات الموجودة عندي احتياطيا ويبغي الحفاظ عليها. وهذه الاشارات موجودة ومحفوظة وهي سرية، ويستطيع أي فرد منكم الاطلاع عليها.

لقد وضعت رقابة على بعض الاصناف التي ترد الينا بكميات قليلة، وقيدت توزيعها في الشهرين الأخيرين. وعندما زادت، وافقت على توزيعها بالنقد لمن يريد ان يشتري. اما بالنسبة للكميات التي كانت تصرف للافراد وهل كانت وافية او غير وافية فانا كنت اعتبر انها كانت وافية، وبعض الناس خرجوا من المدينة (بعد انتهاء الحصار) ومعهم كثير من التعيينات. واللجنة التي كانت تقرر هذه الكميات مشكلة مني ومن قائد قوات المدينة ومدير الامن ومدير التموين، وكنا نقدر احتياجات المواطنين. وهذه وجهات نظر. ولم نكن نعلم ماذا يحدث مستقبلا فكان لابد من الحفاظ على هذه المواد. وكنت مسيطرا على صرف المياه لتكفي المواطنين وقوات المدينة، وقوات الجيش الثالث. ولقد سئلت من مواطنين كثيرين، هل سيادتك تعطي المياه للجيش؟ وكنت أقول: نعم، لانه كان يلزم في هذا الوقت أن أعطي للجيش المياه".

وكان من أطرف انباء الحصار انشاء مؤسسة عامة للنقل البطئ، تتبعها جميع وسائل النقل البطئ في المدينة من عربات الكارو والحنطور وعربات اليد ودراجات النقل (التريسكل)، وذلك للتغب على ازمة الوقود.

وقد أصدر المحافظ من اجل تنظيم هذه المؤسسة التي تكون لها جهاز خاص بالمحافظة خمسة أوامر عسكرية، كان من بينها الامر المتعلق بتحديد التسعيرة الخاصة بكل وسيلة نقل مها، وكذا تحديد كمية التبن المخصصة للخيول والحمير والبغال التي تجر العربات. وفي يوم 28 يناير ، انتهى حصار المدينة الباسلة عمليا، حينما تم انسحاب القوات الاسرائيلية من جميع مواقعها حول المدينة. وأعيد فتح جميع الطرق التي تربط السويس بالخارج، كما اعيدت الاتصالات الهاتفية التي كانت مقطوعة بينها وبين سائر مدن الجمهورية. وقد تم ذلك نتيجة لتوقيع اتفاقية فض الاشتباك الاولى في 18 يناير 1974 بين مصر واسرائيل. وفي يوم 29 يناير التقى موكب مواطني السويس القادمين من القاهرة مع أولئك الابطال الصامدين في السويس، وكان لقاء تاريخيا تميز بالعناق والقبلات، وامتزجت فيه دموع الفرح بلقاء الاحياء مع دموع الاسى على فراق الشهداء، ووقف الجميع خاشعين وهم يرددون قوله سبحانه وتعالي: "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون". (آل عمران – آية 169).

الفصل التاسع: محاولات شارون للاستيلاء على مدينة الإسماعيلية

كان العدو في صباح يوم 19 أكتوبر 73 قد أصبح له غرب قناة السويس- كما أسلفنا – ثلاث فرقة مدرعة تضم سبعة ألوية مدرعة ولواء مشاة مظلات، ولواء مشاة ميكانيكي، وهي فرقة الجنرال ابراهام أدان (3 ألوية مدرعة)، وفرقة الجنرال أريل شارون (2 لواء مدرع ولواء مظلات)، وفرقة الجنرال كلمان ماجن (2 لواء مدرع ولواء مشاة ميكانيكي). وقد واصلت هذه الفرقة عملياتها لتحقيق أهدافها وفقا للخطط الموضوعة على محورين رئيسيين:

الموقف العسكري على محور الاسماعيلية

المحور الجنوبي: محور السويس، وكانت تعمل عليه فرقتا الجنرال أدان والجنرال ماجن، وحدوده الشمالية وصلة ابو سلطان ، وقد سبق لنا شرح العمليات الحربية التي جرت على هذا المحور بالتفصيل.

المحور الشمالي: محور الاسماعيلية، وكانت تعمل عليه فرقة الجنرال شارون وحدوده الجنوبية وصلة أبو سلطان ، واتجاه تقدمه شمالات بمحاذاة قناة السويس على طريق المعاهدة، وعلى مواجهة من بحيرة التمساح شرقا الى نفيشة غربا، وكان هدف شارون هو عبور ترعة الاسماعيلية والاستيلاء على مدينة الاسماعيلية. وكانت القوات المصرية الوحيدة التي تواجه فرقة شارون على هذا المحور جنوب ترعة الاسماعيلية عبارة عن اللواء 182 مظلات بقيادة العقيد اسماعيل عزمي وكتيبتين من المجموعة 129 صاعقة بقيادة العقيد علي هيكل.

ونظرا لوجود حوالي 650 دبابة اسرائيلية غرب القناة، بخلاف المشاة الميكانيكية التي تستخدم العربات المدرعة ذات النصف جنزير في تحركاتها، فقد أخذت الدبابات الاسرائيلية في الانتشار في الاراضي المزروعة والصحراوية في مجموعات كبيرة مهددة الدفاعات المصرية التي في الامام وفي العمق بافدح الاخطار. وفي الساعة التاسعة والدقيقة الخامسة والعشرين صباح يوم 19 أكتوبر بعث الفريق سعد الشاذلي رئيس اركان حرب القوات المسلحة والذي كان قد وصل الى مركز القيادة المتقدم للجيش الثاني في الساعة الخامسة مساء في اليوم السابق (كما أسلفنا) ببرقية لاسلكية الى الفريق اول احمد اسماعيل القائد العام بالمركز 10 بالقاهرة وذكر له فيها ما يلي: "العدو ينتشر في مجموعات داخل المنطقة من 40 الى 50 دبابة في فايد وسرابيوم. قواته تعيث في الارض فسادا".

وكان ظهور هذا العدد الضخم من الدبابات غرب القناة على اثر عبور الفرق المدرعة الاسرائيلية الثلاث الى الغرب سببا في أن تخطر على ذهن الفريق سعد الشاذلي فكرة جريئة تكاد تكون أقرب الى الخيال، وهي انتهاز فرصة خلو الضفة الشرقية للقناة من معظم القوات المدرعة الاسرائيلية لتقوم احدى الفرق المصرية البعيدة عن الاشتباكات الدائرة، وهي الفرقة 18 مشاة في قطاع القنطرة شرق بالهجوم على المواقع الاسرائيلية التي في مواجهتها، كوسيلة لتخفيف الضغط الاسرائيلي الذي كان مركزا وقتئذ على الضفة الغربية للقناة. وتبدو هذه الفكرة بوضوح من خلال الاشارة اللاسلكية التي بعث بها الفريق الشاذلي الى العميد أ. ح عبد القوي محجوب رئيس أركان الفرقة 19 مشاة في الساعة الثانية عشرة ظهر يوم 19 أكتوبر، والتي كان نصها كما يلي: "العدو بقوة كبيرة في الغرب ويتقدم في اتجاهات مختلفة. قم بجس نبض العدو ، ويمكن أن تقوموا أنتم بهجوم على العدو. ادرس الموقف مع فؤاد (المقصود العميد أ. ح فؤاد عزيز غالي قائد الفرقة) وأعطي القرار في ظرف 10 دقائق". وتدل هذه الاشارة اللاسلكية بوضوح على مدى ما كان الفريق الشاذلي يعانيه في تلك الفترة من بلبلة واضطراب، بسبب الموقف العسكري الذي كان يزداد تحرجا على الضفة الغربية في القناة، فان جس نبض العدو ودراسة مثل هذا الاقتراح الخطير بواسطة قائد الفرقة، ورئيس أركانها، لا يمكن أن يتم في 10 دقائق كما جاء في الاشارة. كما أن عدم ورود رد مسجل لهذه الاشارة من الفرقة 18 مشاة في سجل اشارات الجيش الثاني انما يدل على ان قيادة الفرقة لم تأخذ هذا الاقتراح على محمل جدي.

هذا ولم تكن الدفاعات الاسرائيلية شرق القناة خالية من القوات بسبب عبور الفرق المدرعة الثلاث الى غرب القناة، فان القيادة الجنوبية الاسرائيلية كانت قد اعدت من قبل ما يعادل فرقتين من القوات الاحتياطية لاحتلال المواقع الاسرائيلية شرق القناة التي تواجه رؤوس الكباري المصرية، وكان التعديل الوحيد الذي اجرته لعلاج النقص الذي جرى في حجم القوات، هو تقسيم جبهة القتال الى منطقتين بدلا من ثلاث مناطق كما كان الوضع قبل العبور الاسرائيلي الى غرب القناة، وكانت المنطقة الشمالية تمتد مسئوليتها من البحر المتوسط شمالا الى الطريق الأوسط جنوبا (طريق الاسماعيلية شرقا-الطاسة) وكان العميد ساسون يتولى قيادتها، أما المنطقة الجنوبية فقد كانت مسئولة عن المنطقة من الطريق الأوسط شمالا الى الشط جنوبا، وكان العميد جرانيت يسرائيل يتولى قيادتها ولكنه لم يمكث طويلا، فقد منحته القيادة اجازة عقب مصرع ولده على جبهة الجولان للبقاء مع أسرته في فترة الحداد، وتسلم منه القايدة حتى نهاية الحرب العميد مناحم بيرون.

وفي صباح يوم 19 أكتوبر كان موقف وحدات اللواء 182 مظلات على الضفة الغربية للقناة كما يلي:

الكتيبة 89 مظلات: كانت تحتل المصاطب المصرية التي تمتد على الشاطئ الغربي للقناة ما بين ثغرة الاختراق الاسرائيلية وترعة الاسماعيلية، وهي: سرابيوم وطوسون والشيخ حنيدق وجبل مريم.

الكتيبة 81 مظلات: كانت تؤمن طريق عين غصين وسرابيوم الموازي لخط السكة الحديدية، وتحتل موقعا جنوب محطة سكة حديد سرابيوم.

الكتيبة 85 مظلات: كانت في طريقها من انشاص الى الاسماعيلية ليتلقى قائدها المهمة من قائد الجيش الثاني بعد اعادة تجميعها في معسكرات انشاص يوم 18 أكتوبر.

وكان العقيد داني مات قائد المظلات الاسرائيلي الذي كان متمركزا في منطقة الدفرسوار قد أرسل كتيبة من لوائه شمالا وفقا لتعليمات الجنرال شارون قائد الفرقة بهدف الاستيلاء على سرابيوم يوم 18 أكتوبر، ولكنها فشلت في الوصول الى سرابيوم نظرا للمقاومة العنيدة التي واجهتها من رجال الصاعقة المصريين. (من المجموعة 129 صاعقة كما أسلفنا). وعلى أثر عبور اللواء المدرع بقيادة العقيد آمنون (من فرقة شارون) الى غرب القناة يوم 19 أكتوبر بعد ترك كتيبة مدرعة من لوائه على الضفة الشرقية، تشجع شارون وأمر قائد لواء المظلات بتكرار المحاولة والتقدم بقواته عبر الارض المزروعة، للاستيلاء على سرابيوم. ولكن قوة المظلات الاسرائيلية اصطدمت بالموقع الحصين الذي كانت تحتله الكتيبة 81 مظلات مصرية جنوب سرابيوم، مما أدى الى فشل هجومها للمرة الثانية.

وعندما علم الجنرال شارون بفشل هجوم قوة مظلات داني مات، أرسل في الحال قوة مدرعة من لواء آمنون لتدعيمها (حوالي 30 دبابة مدعمة بالمشاة الميكانيكية). وعن طريق حركة التفاف حول موقع سرابيوم تمكنت الدبابات الاسرائيلية من اختراق الموقع المصري حوالي الساعة الثانية بعد الظهر، واستمر ضغط العدو على الكتيبة 81 مظلات، مما اضطرها لنسف الكوبري القائم على الترعة الحلوة والارتداد شمالا، وتمكنت الدبابات الاسرائيلية بالتعاون مع قوة المظلات من الاستيلاء على موقع سرابيوم الحيوي. وقد ذكر الاسرائيليون أن الموقع كان يضم محطة انصات لاسلكية كبيرة. وعلى اثر المعركة اصدر الفريق سعد الشاذلي امره الى العقيد اسماعيل عزمي قائد اللواء 182 مظلات بالارتاداد بوحداته تحت السيطرة شمالا الى موقع طوسون على ان يتمسك بالخط طوسون-جامعة سرابيوم. وخشية من عبور المدرعات الاسرائيلية ترعة الاسماعيلية، والوصول الى مدينة الاسماعيلية، صدرت الأوامر الى اللواء 118 مشاة ميكانيكي (القوة الباقية من الفرقة 23 مشاة ميكانيكية شمال ترعة الاسماعيلية) بان يحتل خطا دفاعيا بمحاذاة الشاطئ الشمالي لترعة الاسماعيلية على الطريق الزراعي وعلى المواجهة من نفيشة شرقا الى مطار أبو صوير غربا، مع تركيز الدفاع على جميع المعابر على الترعة خاصة الكوبري العلوي، على ان يتخذ قائد اللواء الاجراءات اللازمة مع المهندسين العسكريين لنسف جميع الكباري والمعابر على الترعة في حالة حدوث اي محاولة من العدو لعبورها.

وقد أدى عجز قواتنا عن حصر العدو في منطقة الدفرسوار غرب القناة الى تمكن قواته المدرعة من الانتشار شمالا وجنوبا، حتى استطاعت قوة مدرعة من لواء آمنون بالتعاون مع قوة من المظلات اجبار اللواء 182 مظلات على الارتداد شمالا من الخط سرابيوم الى الخط طوسون، كما سبق ان ذكرنا. ونظرا لتاثير الوضع العسكري في كل ضفة على الوضع في الضفة الاخرى، فقد أمر الفريق الشاذلي العميد ابراهيم العرابي قائد الفرقة 21 المدرعة بان يرتد بفرقته شمالا من الخط المحاذي لسرابيوم الى الخط المحاذي لطوسون على الضفة الشرقية، ليكون كتفه في كتف العقيد اسماعيل عزمي كما أوضح له. واضطر العميد العرابي تنفيذا للاوامر الى الارتداد شمالا حوالي 5 كليو مترات، بدون ان يقع عليه أي ضغط من العدو، وبهذا نجح العدو في تحقيق الهدف الذي سبق تحديده في خطة العبور الاسرائيلية الاصلية، وهو تأمين ساحة العبور في الدفرسوار والجسور الثلاثة المقامة عندها عبر القناة، من نيران المدفعية والهاونات ومدافع الدبابات، ومدافع الضرب المباشرة من كلتا ضفتي القناة، ليستمر تدفق القوات والامدادات الى الضفة الغربية في أمان وسلام.

وقد وقع خلال يوم 19 أكتوبر أيضا حادث مؤسف قوبل بالاسى والوجود من الجميع وعلى مختلف المستويات. فلقد أرسلت القيادة العامة مجموعة خاصة من المخابرات الحربية بقيادة العقيد ابراهيم الرفاعي صباح ذلك اليوم الى قيادة الجيش الثاني، وأصدر الفريق الشاذلي تعليماته الى العقيد الرفاعي بان يعمل بمجموعته على محور طريق المعاهدة في القطاع من نفيشة شمالا حتى تقاطع وصلة سرابيوم مع طريق المعاهدة جنوبا، بهدف القيام بأعمال الاغارات والكمائن ضد دبابات العدو. وتحددت الساعة التاسعة صباحا للتحرك من نفيشة. ووفقا للاشارات اللاسلكية المسجلة بقيادة الجيش الثاني، أبلغ العقيد الرفاعي الفريق الشاذلي في الساعة الواحدة الا ربع ظهرا بوجود دبابات العدو على محور تقدمه، وأنه سيحاول الاشتباك معها. وفي الساعة الواحدة والنصف ظهرا، استشهد العقيد ابراهيم الرفاعي بعد اصابته بطلقة من مدفع احدى الدبابات الاسرائيلية، وكان ذلك في منطقة الاشجار بالمنايف (جنوب ترعة المنايف)، بعد أن خاض مع مجموعته معركة مجيدة ضد دبابات العدو. وخسرت القوات المسلحة بفقده واحدا من اعظم أبطالها ومن أشجع مقاتليها.

عمليات المظلات والصاعقة المصرية جنوب ترعة الاسماعيلية

كانت تأمين ثغرة الاختراق الاسرائيلية شرق القناة أهم ما يثير اهتمام القيادة الجنوبية الاسرائيلية، اذ لو نجح المصريون في اغلاق هذه الثغرة لاصبحت القوات الاسرائيلية التي عبرت الى غرب القناة معزولة تماما عن طريق امداداتها وقواعدها شرق القناة، ولأصبح في مقدرة القوات المصرية غرب القناة حصارها والقضاء عليها. هذا ولم تحاول القيادة العامة المصرية بهذه المحاولة الا مرة واحدة. ففي يوم 17 أكتوبر كلفت الفرقة 21 المدرعة بالتقدم من موقعها في راس الكوبري الموحد (الجناح الأيمن للجيش الثاني) الى اتجاه الجنوب بمحاذاة القناة لتلتقي باللواء 25 المدرع المستقل الذي كلف في نفس الوقت بالتقدم من موقعه في راس كوبري الفرقة 7 مشاة (الجناح الأيسر للجيش الثالث) الى اتجاه الشمال بمحاذاة الشاطئ الشرقي للبحيرة المرة الكبرى. وكان التقاء القوتين المدرعتين في مكان اللقاء المحدد، وهو منطقة الدفرسوار، يعني اغلاق ثغرة الاختراق عند المنبع، وعزل القوات الاسرائيلية التي عبرت الى الضفة الغربية للقناة.

ولكن هذه المحاولة الجريئة لم يقيض لها النجاح لسوء الحظ بسبب أخطاء في التخطيط وفي تنظيم التعاون وفي وقاية القوات القائمة بالعملية، سواء في أثناء الحرك أو في أثناء المعركة، كانت كلها من مسئوليات القيادة العامة، فضلا عن الاخطاء التكتيكية الاخرى، والتي وقعت فيها بعض القيادات العامة القائمة بتنفيذ العملية. وكانت النتيجة هي فشل المحاولة فلم تتمكن وحدات الفرقة 21 المدرعة من الوصول الى الدفرسوار، كما تم تدمير اللواء 25 المدرع المستقل جنوب الخط (كثيب الحبشي-تل سلام) على مسافة حوالي 7 كيلو مترات من الدفرسوار.

ولم تكن ثغرة الاختراق في حاجة الى توسعة من ناحية الجنوب بغرض تأمين ساحة العبور في الدفرسوار، اذ كانت المنطقة من الدفرسوار حتى حد الجناح الأيسر للجيش الثالث وطولها حوالي 35 كيلو مترا تعد منطقة خالية من القوات المصرية على اعتبار ان المسطح المائي للبحيرات المرة يعد مانعا طبيعيا لا يمكن اجتيازه. وكان هذا التفكير الخاطئ هو أحد العوامل التي أدت الى حدوث ثغرة الاختراق عند الدفرسوار شرق القناة، كما سبق أن شرحنا بالتفصيل. ولكن الوضع بالنسبة للناحية الشماليةمن الدفرسوار كان مختلفا اذ كان الجناح الايمن للجيش الثاني (رأس الكوبري الموحد للفرقتين 16 مشاة و21 المدرعة) يهدد ساحة العبور بالدفروسوار تهديدا مباشرا في بداية عملية العبور الاسرائيلي الى غرب القناة ليلة (15/16 أكتوبر). ومع تطور العمليات الحربية في هذا القطاع على اثر الهجمات المدرعة العنيفة التي قامت بها وحدات من فرقة الجنرال شارون ضد اللواء 16 مشاة (الجنب الأيمن للفرقة 16 مشاة) وضد وحدات الفرقة 21 المدرعة في منطقة قرية الجلاء (المزرعة الصينية) والمغذي الرئيسي بمعاونة المدفعية البعيدة المدى من عيار 155 مم و175 مم ، وهجمات الطيران المركزة الى المواقع المصرية، اضطرت القوات المصرية الى الارتداد شمالا حتى خط سرابيوم.

وفي يوم 19 أكتوبر وعقب ارتداد اللواء 182 مظلات غرب القناة الى الخط طوسون، اصدر الفريق سعد الشاذلي امره الى العميد أ. ح ابراهيم العرابي، بالارتداد بالفرقة 21 المدرعة من الخط سرابيوم الى الخط طوسون (حوالي 5 كيلو مترات) ، وبذا اتسعت ثغرة الاختراق الاسرائيلية شرق القناة واصبحت حوالي 10 كيلو مترات شمال الدفرسوار. ولكن القيادة الجنوبية الاسرائيلية كانت مصممة على الوصول بالحد الشمالي للثغرة الى الشاطئ الجنوبي لبحيرة التمساح (حوالي 15 كم شمال الدفرسار) ، بغرض تأمين ثغرة الاختراق والجسور الثلاثة المقامة عبر القناة تأمينا تاما، وضمان استمرار تدفق الوقات والامدادات الى الضفة الغربية للقناة دون اي توقف او تدخل من الجانب المصري.

ولتحقيق هذا الهدف، أصدرت القيادة الجنوبية الاسرائيلية أوامرها الى الجنرال شارون بترك لواءين مدرعين من فرقته (لواء آمنون ولواء ترافيا) شرق القناة، وعدم عبورهما الى الضفة الغربية مع باقي وحداته، وذلك لمهاجمة راس الكوبري الموحد المصري الممتد في المنطقة ما بين سرابيوم جنوبا (قبل الارتداد الى طوسون)، حتى شاطئ بحيرة التمساح والطريق الأوسط (طريق الاسماعيلية شرق-الطاسة)، شمالا. وكان الاسرائيليون يطلقون على هذه المنطقة الدفاعية الحصينة اسم ميسوري. ولكن شارون لم يكن يريد ان يستنزف قواته، ولا ان يزج بها في قتال عنيف شرق القناة لا يرى له اهمية او ضرورة. وكان يتوق الى تحقيق الامل البراق الذي يحقق له شهرة مدوية ومجدا ذائع الصيت، وهو الاستيلاء على مدينة الاسماعيلية. ولذا بذل جهدا كبيرا لاقناع الجنرال بارليف الممثل الشخصي لرئيس الاركان في القيادة الجنوبية، بأن المقاومة المصرية داخل رأس الكوبري الموحد شرق القناة، أضحت من الضعف الى الحد الذي يجعل لواء توفيا المدرع قادرا وحده على تحقيق الهدف المطلوب. وفي يوم 19 أكتوبر صدق الجنرال بارليف على عبور لواء آمنون المدرع (عدا كتيبة) الى الضفة الغربية للقناة، للانضمام الى فرقة شارون. وبذا أصبحت قوات شارون شرق النقاة تتكون من اللواء المدرع بقيادة العقيد توفيا وكتيبة مدرعة من لواء آمنون.

وفي يوم 19 أكتوبر 1973 زار الجنرال دافيد أليعازر رئيس الاركان العامة الاسرائيلي مركز القيادة المتقدم للجنرال شارون بمنطقة الدفرسوار، بعد أن عبر القناة بطائرة هليكوبتر لتفقد أحوال قواته والاطلاع على خططه المستقبلية،وكانت هذه هي المرة الأولى التي يعبر فيها الجنرال أليعازر قناة السويس الى الغرب منذ أقيم رأس الكوبري الاسرائيلي غرب القناة. وكان حديث شارون له مركزا بصفة خاصة على الهدف الذي يسعى لتحقيقه على وجه السرعة، وهو الاستيلاء على مدينة الاسماعيلية، على اعتبار ان سقوطها سيكون له تأثير كبير في مجرى الحرب وكذا في تضييق الخناق على تشكيلات الجيش الثاني شرق القناة، اذ ان معظم الطرق الرئيسية التي تستخدم لنقل الامدادات الى هذه التشكيلات من القاهرة وشرق الدلتا سوف يتم قطعها عقب سقوط الاسماعيلية. وفي نهاية اللقاء قال شارون لرئيسه دادو (اسم التدليل للجنرال أليعازر): "هذه حرب رهيبة لم يكن لها شئ مشابه من قبل. ان حرب الأيام الستة لم تكن الا معركة واحدة فقط". وحلقت الطائرة الهليكوبتر عائدة برئيس الاركان الاسرائيلي الى الشرق. ولم ينتبه الطيار الى أنه انحرف عن مساره ودخل في مجال الجيش الثالث المصري في سيناء الا حينما اطلقت على طائراته نيران الرشاشات واصيب جهازها الهيدروليكي، ولكنه نجح في الهروب بطائرته والعودة الى الخطوط الاسرائيلية.

وقدم موشى ديان وزير الدفاع هو الاخر في نفس اليوم لزيارة شارون في مركز قيادته غرب القناة، وأمر ديان قائد الطائرة الهليكوبتر التي يستقلها بالهبوط بجوار ساحة العبور شرق القناة شمال البحيرة المرة الكبرى، خشية هبوط الطائرة داخل الخطوط المصرية، بعد ان لاحظ عجز الطيار عن تمييز المكان المحدد لهبوطه.

ولم يكد يعبر الى الغرب بعربة جيب ويتحرك شمالا على طريق القناة، حتى وقعت المنطقة تحت قصف عنيف من المدفعية المصرية، مما أرغم ديان على التوقف والاستتار مع مرافقيه داخل بعض الحفر على جانب الطريق، بعد أن رأى أمامه عشرات من العربات المحترقة على طول الطريق. وعندما أدركه اليأس من امكان اتمام الزيارة، قفل عائدا الى شرق القناة في احدى السيارات التي وجدها مصادفة، والتي مرقت به من انفجارات القنال المنهمرة، مما جعله يقرر في مذكراته أنه نجا بحياته في هذه المرة بأعجوبة.

موقف اللواء 182 مظلات

كان الأمر الصادر من قيادة الجيش الثاني الى العقيد اسماعيل عزمي قائد اللواء 182 مظلات بعد ظهر يوم 19 أكتوبر ينص على قيام اللواء بتأمين المنطقة التي تقع بين قناة السويس شرقا والترعة الحلوة (ترعة الاسماعيلية) غربا. وذلك في القطاع ما بين طوسون جنوبا الى عين غصين، ثم الى نفيشة شمالا، وعلى أن تقوم وحدات من اللواء باحتلال النقطتين القويتين عند الشيخ حنيدق وجبل مريم، على الشاطئ الغربي للقناة. وكانت نقطة حنيدق محتلة في ذلك الوقت، بفصيلة مشاة ميكانيكية وفصيلة دبابات، ونقطة جبل مريم، محتلة بسرية مشاة ميكانيكية (عدا فصيلة) وفصيلة دبابات، وكلها من وحدات اللواء 118 مشاة ميكانيكي. وكان موقف وحدات اللواء 182 مظلات كما يلي:

الكتيبة 89 مظلات: في فجر يوم 20 أكتوبر أفاد العقيد اسماعيل عزمي قيادة الجيش الثاني بان العدو يهاجم موقع الكتيبة 89 مظلات في طوسون بقوة مدرعة تتكون من دبابات ومشاة ميكانيكية، وطلب في الساعة السابعة صباحا التصديق له بنسف الجسر الشرقي لترعة الاسماعيلية لادخال المياه على المزروعات واغراق المنطقة بالمياه، لكي يمنع تقدم قوات العدو المدرعة. ولكن اللواء عبد المنعم خليل قائد الجيش الثاني أصدر له أمرا قاطعا بعدم نسف جسر الترعة، حتى لا يمنع مياه الشرب عن مدينة السويس في الجنوب، وعن كل القرى الواقعة بين طوسون والسويس، اذ ان الترعة هي مصدر الشرب الوحيد لسكان هذه المنطقة الواسعة. وبدلا من اغراق الارض بالمياه، أمره قائد الجيش الثاني برص الالغام بكثافة على طريق تقدم العدو.

ولكن العقيد اسماعي عزمي ازاء تحرج الموقف قام بنسف الجسر الشرقي للترعة واغرق المنطقة بالمياه، مما جعلها تتحول الى بركة ضخمة من الوحل وجعل الدبابات الاسرائيلية تغوص فيها الى ابراجها. وادى هذا الى استخدام مشاة المظلات التابعة للواء العقيد داني مات في التقدم، وكذا المشاة الميكانيكية بعد الترجل من عرباتهم المدرعة. وفي الساعة الحادية عشرة الا الربع أبلغ العقيد اسماعيل عزمي قائد الجيش، أن موقع الكتيبة 89 مظلات في طوسون على القناة محاصر بقوات العدو، وان الموقع يتعرض لقصف عنيف من المدفعية والطيران، وان الخسائر جسيمة ولم يبق من الكتيبة وفقا لتبليغ قائدها سوة 120 فردا فقط. ومع بداية يوم 21 أكتوبر افاد قائد اللواء مركز قيادة الجيش الثاني ان الاتصال مع الكتيبة 80 في طوسون مقطوع نظرا للقصف الجوي والمدفعي المركز عليها. وخلال هذا اليوم تمكنت القوة المتبقية من الكتيبة من الارتداد شمالا في اتجاه الاسماعيلية. وقد ترتب على مخالفة العقيد اسماعيل عزمي قائد اللواء 182 مظلات لامر قائد الجيش الثاني بعدم نسف الجسر الشرقي للترعة، تنحية العقيد عزمي عن قيادته بعد صور القرار بوقف اطلاق النار.. ففي يوم 25 أكتوبر تسلم العقيد عبد الرحمن بهجت قيادة اللواء 182 مظلات.

الكتيبة 81 مظلات: كانت الكتيبة تحتل موقعا دفاعيا في عين غصين يوم 20 أكتوبر، بعد اضطرارها الى الارتداد من موقعها الحصين جنوب محطة سكة حديد سرابيوم في اليوم السابق تحت ضغط الدبابات الاسرائيلية الى الموقع الجديد في عين غصين الذي يقع على مسافة حوالي 5 كيلو مترات شمالا سرابيم، على الطريق الترابي الموازي لترعة السويس. وفي يوم 20 أكتوبر واصلت دبابات العدو ومشاته الميكانيكية ضغطها شمالا، وتمكنت بعد ظهر ذلك اليوم من الاستيلاء على عين غصين، واضطرت بقايات الكتيبة 81 مظلات الى مواصلة ارتدادها شمالا في اتجاه نفيشة.

الكتيبة 85 مظلات: على اثر قيام قائد الكتيبة بعملية اعادة تجميعها في معسكرات أنشاص يوم 18 أكتوبر لاستعادة كفاءتها القتالية، أصدر العميد أ. ح محمود عبد الله قائد المظلات أمره الى قائد الكتيبة بالتحرك صباح اليوم التالي الى الاسماعيلية. وفي مساء اليوم نفسه تسلم قائد الكتيبة 85 مظلات المهمة من قائد الجيش الثاني ، وهي قيام الكتيبة باحتلال وتأمين الاهداف التالي:

- جبل مريم بقوة سرية مدعمة – تبة الشيخ حنيدق بقوة الكتيبة (عدا سريتين) – محطة طوسون بقوة سرية مدعمة. مع العمل على منع العدو من التقدم شمالا في اتجاه الاسماعيلية. وخلال الاستطلاع الذي قام به قائد الكتيبة ظهر يوم 20 أكتوبر، اتضح له ان موقع طوسون من المتعذر الوصول اليه لوقوعه تحت قصف عنيف من المدفعية والطيران. وقبل آخر ضوء يوم 20 أكتوبر ثبت أن العدو تمكن من احتلال محطة طوسون،ولذا قام قائد الكتيبة 85 مظلات بتعديل اوضاع كتيبته على اساس احتلال جبل مريم بقوة الكتيبة (عدا سرية) وتبة الشيخ حنيدق بسرية مدعمة وتم ذلك ليلة (20/21) أكتوبر. وتنفيذا للتعليمات الصادرة من قيادة الجيش الثاني في الساعة العاشرة الا الربع مساء، تم اعادة سرية المشاة الميكانيكية وفصيلتي الدبابات التابعة للواء 118 مشاة ميكانيكي والتي كانت تحتل موقعي جبل مريم وحنيدق من قبل الى وحدتهما الاصلية قبل اول ضوء يوم 21 اكتوبر، لصدور التعليمات باعادة تجميع اللواء 118 مشاة ميكانيكي.

وتعزيزا لقوة الكتيبة 85 مظلات، تم تدعيمها صباح يوم 21 أكتوبر بكتيبة الهاون 120 مم، التي من ضمن تنظيم اللواء 182 مظلات (18 مدفع هاون) مما ادى الى زيادة قوة نيران كتيبة المظلات بصورة مؤثرة. ولكن العدو الذي انطلقت دباباته ومشاته الميكانيكية بسرعة نحو الشمال لاجتياح الدفاعات المصرية بهدف الوصول الى ترعة الاسماعيلية قبل صدور القرار بوقف اطلاق النار، قام بمهاجمة تبة الشيخ حنديق عند أول ضوء يوم 21 أكتوبر في ظل معونة قوية من المدفعية والطيران، وتمكن بعد معركة عنيفة من اختراق موقع سرية المظلات، التي تدافع عن التبة وارتدت بقايا السرية نحو الشمال.

وأصبحت دفاعات اللواء 182 مظلات يوم 21 أكتوبر مقصورة على موقع جبل مريم الذي تحتله الكتيبة 85 مظلات (عدا سرية). وصدرت الاوامر الى قائد اللواء باعادة تجميع الكتيبتين (81 و89) مظلات على وجه السرعة في الاستاد الرياضي بالاسماعيلية لاستعادة كفاءتهما القتالية. على ان يتم التمسك بموقع جبل مريم الى اخر طلقة واخر رجل، فلقد اصبح هو الموقع الاخير على قناة السويس قبل الوصول الى الاسماعيلية.

موقف مجموعات الصاعقة

المجموعة 129 صاعقة: في صباح يوم 19 أكتوبر صدر الأمر الى العقيد أ. ح علي هيكل بالانسحاب بمجموعته من منطقة العمليات جنوب ترعة الاسماعيلية الى منطقة ابو صوير شمال ترعة الاسماعيلية للقيام بعملية اعادة التجميع واستعادة الكفاءة القتالية، وذلك عقب الخسائر الجسيمة التي حاقت بوحدات المجموعة خلال المعارك التعطيلية العنيفة التي خاضتها ضد القوات الاسرائيلية من (16-18) أكتوبر في مناطق أبو سلطان والدفرسوار وسرابيوم.

وفي مساء يوم 19 أكتوبر تلقى العقيد هيكل قائد المجموعة من قيادة الجيش الثاني مهمة جديدة لمجموعته، وهي الدفاع جنوب ترعة الاسماعيلية عن القطاع من الكوبري العلوي (خارج) الى قرية المحسمة. وفي يوم 20 أكتوبر، قرر العقيد هيكل انشاء ثلاث قواعد جنوب الترعة لتغطية القطاع المحدد من كتائب المجموعة الثلاث، لتنطلق منها المجموعات المقاتلة للقيام بالاغارات وعمل كمائن وفقا لتكتيكات الصاعقة. وكانت هذه القواعد كما يلي:

• القاعدة الأولى: جنوب غرب الكوبري العلوي، وتعمل في اتجاه واحة المنايف. • القاعدة الثانية: جنوب أبو صوير، وتعمل في اتجاه تقاطع وصلة أبو صوير مع طريق الاسماعيلية الصحراوي. • القاعدة الثالثة: جنوب المحسمة، وتعمل في اتجاه طريق الاسماعيلية القاهرة الصحرواي.

المجموعة 139 صاعقة: كانت تتكون من 4 كتائب صاعقة بقيادة العقيد أ. ح أسامة ابراهيم، وكانت تتمركز في منطقة تجميع غرب القاهرة من ضمن الاحتياطي الاستراتيجي للقيادة العامة، وفي يوم 6أكتوبر تم ابرار كتيبة منها خلف مضيق الجدي بواسطة طائرات الهليكوبتر بمهمة تعطيل احتياطات العدو. وفي يوم 10 أكتوبر أرسلت كتيبة اخرى منها الى بورسعيد للاشتراك في مهاجمة احد حصون خط بارليف (حصن بوادبست) الذي يقع جنوب شرق بورفؤاد. وفي يوم 18 أكتوبر تلقى العقيد اسامة قائد المجموعة مهمة حددتها له القيادة العام وقام بتلقينها له العميد أ. ح نبيل شكري قائد قوات الصاعقة. وكانت المهمة تقضي بتحركه بالكتيبتين اللتين تحت قيادته صباح يوم 19 أكتوبر على طريق القاهرة الاسماعيلية الزراعي، وقبل الاسماعيلية بحوالي 3 كيلو مترات تنحرف المجموعة جنوبا لتعبر ترعة الاسماعيلية على كوبري نفيشة وتتقدم بعد ذلك على الطريق الزراعي الموزي للترعة الحلوة (ترعة السويس) في اتجاه البحيرة المرة الكبرى، بهدف الهجوم على قوات العدو في منطقة الدفرسوار، وتدميره والاستيلاء على النقطة القوية في الدفرسوار، ثم تأمينها بالتعاون مع قوات الجيش الثاني. وقبل تحرك المجموعة، ألحق عليها جماعة من الضفادع البشرية، من قوات البحرية كانت تتكون من 3 ضباط و13 ضابط صف وجنديا مزودا بكمية من الالغام البحرية لاستخدامها في نسف الجسور الاسرائيلية القامة فوق القناة في منطقة الدفرسوار.

وفي اثناء تحرك المجموعة في طريقها الى هدفها، وصلت قيادة الجيش الثاني اشارة لاسلكية من فرع العمليات بقيادة الصاعقة ورد فيها مايلي: "يرجى اخطار قيادة الجيش الثاني بانه ستصل قيادة المجموعة 139 صاعقة وكتيبتان الى منطقة نفيشة ثم تتجه جنوبا في اتجاه البحيرة المرة الكبرى لتنفيذ مهام قتالية. يرجى اخطار وحدات الجيش الثاني بالمنطقة. وقد أثارت هذه الاشارة جوا من القلق في قيادة الجيش الثاني بسبب تكليف مجموعة صاعقة قادمة من القاهرة راسا بتنفيذ مهمة قتالية في اتجاه البحيرة المرة الكبرى التي يحتل العدو كل المواقع حول شاطئها الغربي، دون اشراك قيادة الجيش الثاني في التخطيط او التنفيذ مما ينطوي على اخطار جسيمة، ونظرا لذلك اصدر اللواء عبد المنعم خليل اوامره بان توقف الشرطة العسكرية رتل عربات المجموعة 139 صاعقة عند أبو صوير في منطقة انتظار وان يحضر قائد المجموعة الى قيادة الجيش الثاني بالاسماعيلية لمقابلته.

المهمة المستحيلة التي كلفت المجموعة 139 صاعقة بتنفيذها

في مساء يوم 19 اكتوبر حضر العقيد اسامة ابراهيم – وفقا للتعليمات – الى قيادة الجيش الثاني بالاسماعيلية حيث قابل اللواء عبد المنعم خليل، وحضر اللقاء الفريق سعد الشاذلي رئيس الاركان الذي كان لا يزال موجودا بقيادة الجيش منذ حضوره بعد ظهر يوم 18 أكتوبر. وعندما أوضح لهما العقيد اسامة حقيقة المهمة التي تم تكليفه بها، ظهرت عليهما بوضوح مظاهر الدهشة والاستغراب. وكان سر دهشتهما يرجع الى ان المجموعة 139 صاعقة قد كلفت هي وجماعة الضفادع البشرية بمهمة من المستحيل تنفيذها. اذ كيف يمكن لمجموعة الصاعقة التي تتحرك بواسطة عربات النقل الكبيرة ، والتي لا يدخل في تسليحها أي عنصر مدرع ويقتصر تسليحها على الاسلحة الخفيفة التي تتلاءم مع خفة الحركة المطلوبة في عملياتها، ان تشق طريقها داخل خطوط العدو لتصل الى الدفرسوار، رغم ان العدو قد سيطر على المنطقة من طوسون الى الدفرسوار سيطرة تامة (حوالي 12 كيلو مترا) وملأ المنطقة بدباباته ومشاته الميكانيكية وكتائب مظلاته؟

لقد أصبحت المنطقة من طوسون الى الدفرسوار خالية من القوات المصرية بعد انسحاب اللواء 182 مظلات من سرابيوم الى طوسون تحت ضغط العدو، وبعد انسحاب المجموعة 129 صاعقة من منطقة العمليات مع العدو الى منطقة ابو صوير شمال ترعة الاسماعيلية للقيام بعملية اعادة التجميع، فكيف يتسنى لمجموعة الصاعقة القادمة من القاهرة الوصول وحدها الى مواقع العدو في الدفرسوار في ظل هذه الظروف؟ وما الوسائل التي لديها لتدميره؟ وعلاوة على ذلك، كان الطريق الذي تحدد لتحرك المجموعة شرق ترعة السويس عبارة عن مدق ترابي ضيق ومحصور من الجانبين. فعلى يمين التقدم شرق ترعة السويس بينما على يسار التقدم المزارع وحدائق الفاكهة التي تنخفض عن الطريق بضعة أمتار، مما يجعل المناورة بالعربات متعذرة، ويعرض رتل عربات المجموعة بالتالي الى الوقوع في كمائن العدو وتحمل خسائر جسيمة في الارواح والمعدات. ومما يزيد من صعوبة العملية. أن قائد وضباط المجموعة لم يكن لديهم فكرة سابقة عن الارض التي سيعملون عليها رغم ان تحركهم سوف يكون في الظلام.

كذلك، لم تكن المعلومات التي اعطيت لقائد المجموعة عن العدو في أثناء تلقيه المهمة في القاهرة صحيحة. فلم تكن قوة العدو في المنطقة التي سيعمل خلالها عبارة عن سرية قد تصل الى كتيبة مدرعة كما قيل له، بل كانت عبارة عن فرقة مدرعة يتولى قيادتها الجنرال شارون، وتتكون من لواء مشاة مظلات ولواؤين مدرعين.

وكان موقف جماعة الضفادع البشرية أسوأ حالا من موقع مجموعة الصاعقة، فقد كانت تحرك العربات التي تحمل الالغام البحرية الثقيلة داخل خطوط العدو للوصول بها الى الدفرسوار، لتقوم الجماعة بعد ذلك بنسف الكباري الاسرائيلية ، هي اقرب الى الخيال، لذا ظل العقيد بحري خليفة في الاسماعيلية مع جماعته بعد أن أبلغ قيادته باستحالة تنفيذ العملية.

لقد كان الاوفق والاسلم بلا شك ان تامر القيادة العامة في القاهرة بوضع المجموعة 139 صاعقة فور وصولها الى الاسماعيلية تحت قيادة الجيش الثاني لتتولى هذه القيادة بمعرفتها استخدام المجموعة في العمليات التي تتلاءم مع قدراتها والتي تتفق في نفس الوقت مع الاوضاع العسكرية الواقعة لقواتنا وقوات العدو.

ونظرا لهذه الظروف، أصدر اللواء عبد المنعم خليل امره الى العقيد اسامة بعدم تنفيذ المهمة المكلف بها، والتوجه بمجموعته الى جزيرة الفرسان بالاسماعيلية استعدادا لتنفيذ المهمة الجديدة التس ستسند اليه وفقا لقدراته، وبما يتفق مع الهدف الذي كان مكلفا بتحقيقه. وحرصا على اطاعة الاوامر ، ابلغ العقيد اسامة قيادته بالقاهرة باشارة لاسلكية بالغاء مهمته بناء على تعليمات قائد الجيش الثاني. وسرعان ما جاء الرد بأسرع ما كان متوقع، فقد استدعى العقيد اسامة الى قيادة الجيش الثاني حوالي منتصف الليل ليطلع على رد القاهرة، الذي كان نصه: "أسامة يقوم بتنفيذ مهمته الليلة". ويتضح من مدلول تلك الاشارة المتبادلة مدى الصراع الذي كان دائرا بين القيادتين في القاهرة والاسماعيلية، حول تبعية المجموعة 139 صاعقة، وهل توضع تحت قيادة الجيش الثاني أم تستمر تابعة للقيادة العامة المركز 10 باعتبارها وحدات الاحتياطي الاستراتيجي للقيادة العامة. وقبل آخر ضوء يوم 20 أكتوبر، تحركت المجموعة 139 صاعقة، بعد أن تأكدت تبعيتها للقيادة العامة من جزيرة الفرسان على الطريق الترابي الضيق، شرق ترعة الاسماعيلية في مجموعتين، كل منهما تتكون من كتيبة صاعقة، بينما تحركت قيادة المجموعة في المنتصف. وللحصول على معلومات عن العدو دفع قائد المجموعة امام رتل عرباته 4 دوريات قتال مترجلة، كانت كل منها تتكون من ضابط و15 فردا في اتجهات مختلفة. وفي نفس الوقت دفعت كل من الكتيبتين كوسيلة لتأمين التحرك مقدمة تتكون من سرية مشاة، وتحركت السريتان على مسافة قصيرة أما رتل المجموعة. . احداهما على الطريق الذي على يمين الترعة، والثانية على الطريق الذي على يساره. وعند وصول القوة الاساسية لمجموعة الصاعقة الى قرية أبو عطوة (على مسافة 4 كيلو مترات جنوب شرق نفيشة) ظهرت أمامها على الطريق بعض الجماعات المرتدة من الجنوب الى الشمال ، واتضح انهم افراد من الكتيبتين (81 و89 من اللواء 182 مظلات) الذين كانوا يحتلون طوسون وعين غصين وارتدوا تحت ضغط العدو. ولم يعد من دوريات الصاعقة الاربع التي دفعت مترجلة في اتجاه العدو سوى ضابط واحد و8 أفراد فقط واعتبر الباقون مفقودون.

ولم تكد عربات المجموعة 139 صاعقة تقترب من عين غصين، حتى وقعت في كمين محكم أعده العدو شمال القرية، واشتبكت سريتا المقدمة مع الكمين اشتباكا عنيفا، بعد تدمير بعض عرباتها واصابة بعض افرادها. وتوقف رتل المجموعة على اثر ذلك. وقفز الجنود من العربات وهرولوا الى الحدائق والمزارع لاتخاذ سواتر تقيهم نيران العدو الكثيفة، واضطرت المجموعة الى الارتداد للخلف حتى وصلت على مقربة من قرية أبو عطوة. وكانت الصعوبة الكبرى التي واجهها العقيد اسامة، هي اعادة العربات الى الخلف بالنسبة لضيق الطريق وانحصاره بين الترعة من جهة والحدائق المنخفضة عن مستواه من الجهة الاخرى.

وازاء خطورة الموقف طلب العقيد اسامة معونة المدفعية، ولكن نظرا لتداخل العدو في شبكته اللاسلكية ومخاطبة بعض الاسرائيليين له باللغة العربية، انهمرت نيران المدفعية الاسرائيلية على مواقع مجموعة الصاعقة بسبب كثافة أشجار المانجو التي كانت تحد من انتشار الشظايا. وفي هذا الوقت، أجرى العقيد هيكل قائد المجموعة 129 صاعقة والذي كان على اتصال بالشبكة اللاسلكية للمجموعة، وكان موجودا بمركز قيادة الجيش الثاني للقيام باعمال الاتصال، اجرى اتصالا بالعقيد اسامة وطلب منه الحضور في الحال الى قيادة الجيش الثاني نظرا لتغير المهمة المكلف بها. وعندما وصل العقيد اسامة الى قيادة الجيش حوالي الساعة الثانية صباح يوم 21 أكتوبر، علم أن اللواء عبد المنعم خليل نجح في اقناع المسئولين بالقيادة العامة، بعد حديث طويل عن طريق الهاتف بوضع المجموعة 139 صاعقة تحت قيادة الجيش الثاني لاستخدامها في الدفاع عن الاسماعيلية، التي أضحت قوات شارون على أبوابها بعد استيلائها على طوسون وعين غصين، بدلا من تدمير المجموعة هباء، وهي تحاول تنفيذ مهمة مستحيلة. وكانت المهمة الجديدة التي تلقاها العقيد اسامة في قيادة الجيش هي الاشتراك في الدفاع عن الاسماعيلية، في القطاع ما بين نفيشة وأبو عطوة اللتين تقرر ان توضع كتيبة صاعقة في كل منها. وعاد قائد المجموعة 139 صاعقة الى مجموعته جنوب أبو عطوة، وقبل أول ضوء يوم 21 أكتوبر كانت المجموعة قد عدلت اوضاعها وفقا للمهمة الجديدة.

زحف شارون الى الاسماعيلية

لم يكد يوم 20 أكتوبر 73 يحل، حتى بدأ الجنرال شارون قائد مجموعة العمليات رقم 143 التي كانت تعمل على المحور الشمالي – بعد العبور الاسرائيلي الى غرب القناة – في ادارة معركته الاخيرة في اتجاه الاسماعيلية بعد ان ابلغته القيادة الجنوبية بان قرار وقف اطلاق النار على وشك الصدور. ومنذ الصباح الباكر بدات الطائرات الاسرائيلية تشن هجمات عنيفة على مدن الاسماعيلية وبورسعيد وبورفؤاد. وقد تركز القصف الجوي بصفة خاصة على مواقع الصواريخ أرض- جو سام والأسلحة المضادة للطائرات بهدف تدميرها أو اسكاتها، وكذا على أمكنة تجمع القوات ومنها معسكر الجلاء بالاسماعيلية ومنطقة جبل مريم (على طريق القناة وجنوب بحيرة التمساح مباشرة) والكباري المقامة على الترعة الحلوة (ترعة السويس). وقامت الطائرات بالقاء القنابل الزمنية وقنابل النابلم لاحداث الحرائق وبث الذعر في نفوس الافراد.

وقد أصابت بعض القنابل جسر الترعة الحلوة في منطقة راس العش (على بعد 15 كيلو مترا جنوب بورسعيد) مما أدى الى تدفق المياه الحلوة من الترعة الى قناة السويس. ولتدارك الموقف أصدر اللواء أ. ح عبد المنعم خليل قائد الجيش الثاني أمره الى رئيس مهندسي الجيش باغلاق مياه الترعة الحلوة عند نقطة التحكم في القنطرة، لانزال مستوى مياه الترعة ريثما يتم اصلاح الجسر المعطوب عند راس العش لكي يمكن اعادة فتح المياه ثانية الى مدينة بورسعيد.

وطلب قائد قطاع بورسعيد – وقتئذ – اللواء سعد الدين صبري من قيادة الجيش الثاني دعمه بوحدات دفاع جوي بدلا من كتائب الصواريخ التي دمرت، كما طلب معاونة جوية عاجلة لتخفيف الضغط عن قطاعه. وكانت حدود قطاع بورسعيد تمتد من الشمال بحذاء البحر المتوسط من بورفؤاد شرقا حتى دمياط وراس البر غربا، كما تمتد من الجنوب من التبنة شرقا (على بعد 25 كم من جنوب بورسعيد) حتى صان الحجر بمحافظة الشرقية غربا، وكان القطاع يضم ضمن حدوده بحيرة المنزلة. ونظرا لان قيادة الجيش الثاني لم تكن لديها أي قدرات او امكانات لامداد قطاع بورسعيد بالقوات أو معاونته بالنيران أو بمجهود جوي، فقط طلب قائد الجيش الثاني اخراج هذا القطاع من تحت قيادته وان يتبع القيادة العامة مباشرة حتى يمكنها تزويده بما يطلبه من امدادات ومعونات. ولكن القيادة لم يكن في مقدرتها وقتئذ – نظرا للظروف العصيبة التي كانت تواجهها – الاستجابة الى هذا المطلب.

وعندما عبر لواء آمنون الى الضفة الغربية للقناة يوم 19 أكتوبر أصبحت مجموعة عمليات شارون غرب القناة تتكون من لواءين مدرعين (لواء آمنون ولواء حاييم) ولواء مشاة مظلات بقيادة العقيد داني مات. وكان أقصى تقدم لقوات شارون على المحور الشمالي هو وصوله الى منطقة طوسون يوم 20 أكتوبر على بعد حوالي 12 كيلو مترا جنوب الاسماعيلية.

وفي صباح يوم 21 أكتوبر ، قامت مفرزة من دباباته ومشاته الميكانيكية، بمهاجمة تبة الشيخ حنيدق على بعد حوالي كيلو متر ونصف شمال طوسون، واستولت عليها قبل آخر ضوء من نفس اليوم، واضطرت سرية المظلات من الكتيبة (85) مظلات التي كانت تدافع عنها الى الارتداد في اتجاه الشمال.

وكان شارون منذ بلغته الانباء بقرب صدور القرار بوقف اطلاق النار، قد دفع بكل ما تحت قيادته من قوات في اتجاه الشمال، عاقدا عزمه على سرعة الوصول الى ترعة الاسماعيلية وعبورها، لكي يتمكن بعد ذلك من تحقيق الأمل الذي أخذ يراوده في أحلامه منذ عبور قواته الى الضفة الغربية للقناة، وهو الاستيلاء على مدينة الاسماعيلية وبالتالي قطع طرق الامدادات الرئيسية القادمة من القاهرة وشرق الدلتا الى قوات الجيش الثاني شرق القناة.

وكان شارون على يقين من ان سقوط الاسماعيلية سيحدث دويا سياسيا كبيرا على المستوى العالمي، مما سوف يكسبه شهرة واسعة ومجدا عسكريا مرموقا.

ولكن آمال شارون وأحلامه لم تلبث أن تبددت أمام عاملين حيويين: أولهما طبيعة ارض المنطقة التي أبدتها القوات المصرية على خط ترعة الاسماعيلية، فقد أجبرت قواته على التوقف جنوب الترعة، دون أن تتمكن من عبورها الى ضفتها الشمالية.

وتعتبر الارض في القطاع الشمالي جنوب ترعة الاسماعيلية بوجه عام أرضا زراعية، اذ تضم في معظم ارجائها خاصة على ضفتي كل من ترعة الاسماعيلية والترعة الحلوة (ترعة السويس) كثيرا من المصارف وقنوات الري والقرى الصغيرة والعزب، علاوة على بعض حقول المزروعات وعدد كبير من الحدائق المليئة بالاشجار المثمرة وبخاصة أشجار المانجو والبرتقال. مما كان يجعلها غير صالحة لاستخدام المدرعات والمركبات. ويوجد ضمن هذا القطاع مانعان مائيان رئيسيا هما ترعة الاسماعيلية التي تتفرع من نهر النيل عند القاهرة وتمتد في اتجاه الشمال الشرقي بموازاة فرع دمياط، وعند التل الكبير تتجه الترعة باستقامة من الغرب الى الشرق حتى تنتهي في بحيرة التمساح جنوب مدينة الاسماعيلية. والمانع المائي الثاني هو ترعة السويس التي تتفرع من ترعة الاسماعيلية على بعد بضعة كيلو مترات من جنوب غرب مدينة الاسماعيلية وتمتد الى الجنوب غرب القناة والبحيرات المرة الى مدينة السويس. ويحتاج عبور الترعتين بواسطة الدبابات والمركبات الى استخدام الكباري المقامة عليها أو اقامة جسور عسكرية في حال نسف الكباري أو تدميرها. والى جانب هذين المانعين الكبيرين توجد عشرات من الترع والمصارف وقنوات الري الصغيرة، ولكنها لا تشكل عوائق حقيقية للمركبات بأنواعها، اذ يمكن عبورها عند المخاضات أو ردم أجزاء منها بالأجار.

ونظرا لطبيعة هذا القطاع الزراعي الريفي، فان تقدم المدرعات والمركبات يصبح مقيدا بضرورة استخدام الطرق الأربعة التي تخترقه والتي نوضحها فيما يلي:

طريق القناة: وهو طريق اسفلتي يمتد بمحاذاة القناة مباشرة. ويصعب استخدام المدرعات والمركبات لهذا الطريق في المسافة ما بين تبة الشيخ حنيدق في الجنوب وجبل مريم في الشمال (حوالي 4 كيلو مترات) اذ يقع الطريق خلاللها بين مسطحين مائيين، هما قناة السويس في الشرق ومجموعة من البرك والمستنقعات في الغرب (بركة أبو جاموس والبركة الحلوة) مما لا يترك مجالا للمدرعات والمركبات للتحرك خارج الطريق بحرية أو الانتشار على اي جنب من الاجناب. وبعد وصول الطريق الى جبل مريم، يدور بمحاذاة الطرف الغربي لبحيرة التمساح، ثم يعبر ترعة الاسماعيلية على كوبري أبو جاموس (كوبري الجلاء) ، الذي يقع في مواجهته مباشرة مدخل معسكر الجلاء الخاص بالقوات المسلحة، والذي يقع في الجانب الغربي من مدينة الاسماعيلية.

طريق ترعة السويس: وهو طريق ترابي يمتد من شرق ترعة السويس مباشرة من الجنوب الى الشمال، وهو يصلح لسير المدرعات والمركبات. وعلى مسافة حوالي ثلاثة كيلو مترات جنوب ترعة الاسماعيلية يغير الطريق الترابي مساره بحذاء الترعة الحلوة ليتجه الى الشمال الشرقي، حيث يخترق قرية أبو عطوة ثم يلتقي بطريق القناة الأسفلتي غرب بحيرة التمساح ويتحد معه. وبعد حوالي كيلو متر ونصف شمالا يتم عبوره ترعة الاسماعيلية على كوبري أبو جاموس. والى الغرب من ترعة السويس مباشرة يمتد جسر السكة الحديدية الذي يسير فوقه الخط الحديدي القادم من السويس ويعبر ترعة الاسماعيلية فوق كوبري حديدي خاص بعبور القطارات فقط.

طريق المعاهدة: وهو طريق أسفلتي درجة أولى يمتد من السويس الى الاسماعيلية، ويسير بموازاة القناة والبحيرات المرة على بعد يتراوح بين (كيلو مترين و8 كيلو مترات). والارض على جانبيه بوجه عام صحراوية، وتصلح لاستخدام المدرعات فيما عدا الجزء الشمالي الذي يقع ما بين مصرف المحسمة جنوبا وترعة الاسماعيلية شمالا، اذ يضم هذا الجزء بعض المزروعات وأشجار الفواكه وعددا من العزب والقرى الصغيرة. ويخترق هذا الطريق قرية نفيشة (على بعد حوالي 3 كيلو مترات جنوب غرب الاسماعيلية) ويعبر ترعة الاسماعيلية على كوبري نفيشة ليستكمل سيره شرقا الى مدينة الاسماعيلية.

الطريق الصحراوي: وهو طريق درجة أول يبدأ من القاهرة حتى الاسماعيلية، ويمتد في اتجاه الشمال الشرقي الى الشرق من ترعة الاسماعيلية، ويلتقي هذا الطريق مع الوصلة القادمة من اتجاه الشرق من بلدة ابو سلطان عند تقاطع عثمان أحمد عثمان ثم بالوصلة القادمة من اتجاه الشمال من بلدة ابو صوير عند تقاطع ابو صوير، ويعبر بعد ذلك ترعة المنايف على كوبري حجري. وعلى بعد حوالي كيلو مترين جنوب ترعة الاسماعيلية يتغير اتجاه الطريق ويسير باستقامة من الجنوب الى الشمال. وقبل وصول الطريق الى ترعة الاسماعيلية بحوالي كيلو متر، تتفرع منه وصلة تمتد شرقا بموازاة الترعة حتى نفيشة، ويمكن العبور من هناك على كوبري نفيشة والوصول بعدئذ الى الاسماعيلية. أما الطريق الاصلي فيتم عبوره ترعة الاسماعيلية على الكوبري العلوي (على بعد حوالي 5 كيلو مترات غرب الاسماعيلية) وهو كوبري حديدي مرتفع ذو ميل لطيف بحيث يمكن للمدرعات والمركبات عبوره بسهولة، وبعد عبور الكوبري العلوي يدور الطريق الصحراوي حوالي ربع دائرة في اتجاه الشمال الشرقي بعيدا عن مدينة الاسماعيلية بحوالي ثلاثة كيلو مترات ونصف، حيث يلتقي بطريق المعاهدة القادم من الاسماعيلية، ويتحد الطريقان بعد ذلك في طريق واحد يتجه بموازاة القناة الى القنطرة غرب ومنها الى بورسعيد. ومعظم الاراضي على جانبي هذا الطريق صحراوية وصالحة لسير المدرعات.

ونتيجة لطبيعة الارض في القطاع الشمالي الذي كانت تتقدم خلاله قوات شارون، اضطرت هذه القوات الى ان تتحرك في زحفها على محورين رئيسيين هما: الطريق الترابي شرق الترعة الحلوة (ترعة السويس) وطريق المعاهدة، باعتبارها اصلح الطرق لتقدم مدرعاتها ومركباتها واقصرها من حيث المسافة الى مدينة الاسماعيلية. ولم يتم استخدام طريق القناة نظرا لتعذر تحرك المدرعات والمركبات عليه شمالا من بعد تبة الشيخ حنيدق كما سبق أن اوضحنا، وكذا لم يستخدم الطريق الصحراوي كمحور رئيسي للتقدم نظرا للتهديد الذي كان يسببه وجود قوات مصرية كبيرة كانت تقوم بعملية اعادة التجميع في منطقتي عثمان أحمد عثمان ووصلة الملاك على مؤخرة اي قوات اسرائيلية تتقدم على هذا الطريق في اتجاه ترعة الاسماعيلية. علاوة على ذلك، اكتشف العدو ان اقوى دفاع مضاد للدبابات على طول الترعة، كان مركزا عند الكوبري العلوي. وعلى الرغم من ان الهجوم الرئيسي كان على محورين، فان شارون قام بدفع مفارز قوية على جميع الطرق على طرق المواجهة ما بين قناة السويس شرقا والكوبري العلوي غربا (حوالي 10 كيلو مترات).

كيف دافع الجيش الثاني عن الاسماعيلية

نظم اللواء أ. ح عبد المنعم خليل قائد الجيش الثاني الدفاع عن مدينة الاسماعيلية رغم الظروف الحرجة التي كانت تواجه قواتنا غرب القناة تنظيما جيدا. وكان الهدف الأول الذي ركز عليه اهتمامه هو منع العدو من عبور ترعة الاسماعيلية حتى لا ينجح في تطويق المدينة تمهيدا لاقتحامها.

وقد قامت قوات الجيش الثاني التي اشتركت في تنفيذ خطة الدفاع عن الاسماعيلية بدور مشرف، وتمكنت من صد قوات العدو جنوب ترعة الاسماعيلية، ولم تستطع اي قوة اسرائيلية عبور الترعة الى الشمال في أي جزء من اجزائها.

وقد كان موقف قوات الجيش الثاني التي اشتركت في معركة الاسماعيلية كما يلي: • المدفعية: قامت مدفعية الجيش الثاني التي كان يتولى قيادتها العميد أ. ح محمد عبد الحليم أبو غزالة بدور رئيسي في صد العدو ومنعه من عبور ترعة الاسماعيلية والاستيلاء على المدينة. وكان قائد مدفعية الجيش قد أصدر أمره يوم 20 أكتوبر الى جميع كتائب مجموعة مدفعية الجيش رقم 1 التي كانت قد احتلت مرابض تبادلية جنوب ترعة الاسماعيلية فور حدوث العبور الاسرائيلي الى غرب القناة، بالانتقال الى الضفة الشرقية للترعة بعد أن أصبح من الخطر بقاؤها في أمكنتها بعد قيام شارون بالزحف بقواته في اتجاه الشمال. وقد نجحت قيادة مدفعية الجيش في اعادة تجميع هذه الكتائب شمال الترعة وفي سرعة احتلالها لمرابضها الجديدة وفي دفع نقاط الملاحظة الى الحد الامامي بكفاءة، رغم الغارات الجوية المتواصلة، ورغم القصف المدفعي الاسرائيلي العنيف، خاصة بعد أن تم انتقال وحدات مدفعية اسرائيلية بعيدة المدى من عيار 155 مم الى الضفة الغربية للقناة. وبانضمام كتائب مجموعتي مدفعية الجيش رقمي 1 و2 معا والتي بلغت نحو 10 كتائب مدفعية، أصبح لدى مدفعية الجيش الثاني شمال ترعة الاسماعيلية قوة نيران ضخمة.

وفضلا عن ذلك، أمكن لقائد مدفعية الجيش الثاني استخدام نيران مجموعتي مدفعية الفرقتين 16 مشاة و21 المدرعة من الضفة الشرقية للقناة والتي بلغت نحو 8 كتائب مدفعية، مما جعل في مقدرته استخدام نيران من 12 الى 16 كتيبة مدفعية في القصفة الواحدة (حوالي 280 مدفعا). وقد قام العميد أبو غزالة بوضع التخطيط الميداني للمعركة وحشد نيران المدفعية على أهداف وتجمعات العدو القائمة بالهجوم. ونظرا لنجاح قيادة مدفعية الجيش سواء في السيطرة على الوحدات والوحدات الفرعية، أو في تحقيق مركزية النيران على أعلى مستوى، فقد أمكنها القيام بتنفيذ مهام نيرانية عديدة (حشود نيران وتجمعات)، مستخدم وحدات المدفعية على كلا الشاطئين. كما قامت بتخطيط مهام نيرانية على طرق اقتراب العدو ومراكز رئاساته ومناطق حشد دباباته خاصة في منطقتي سرابيوم وعين غصين، مما كبد العدو خسائر فادحة في اثناء محاولته التقدم شمالا في اتجاه ترعة الاسماعيلية. وقد اعترف القادة الاسرائيليون بان الحشود الضخمة للمدفعية وقوة نيرانها كان لهما تأثير رئيسي في فشل هجوم قوات الجنرال شارون على الاسماعيلية.

وعلاوة على ذلك ، قام قائد مدفعية الجيش الثاني بتنظيم الدفاع المضاد للدبابات عن الكباري المهمة ومحاور التقدم على ترعة الاسماعيلية، فقام بتنسيق مواقع النيران لثمانية قواذف صاروخية ضد الدبابا (مالوتكا) للدفاع عن الكوبري العلوي، وكذا مواقع النيران لستة قواذف صاروخية (مالوتكا على عربات بردم) للدفاع عن كوبري ابو جاموس، لمنع العدو من العبور في هذا الاتجاه الذي يؤدي الى معسكر الجلاء والى مقر قيادة الجيش الثاني الميداني.

وقد وضعت خطة الدفاع ضد الدبابات على أساس ضرب دبابات العدو على مسافات بعيدة ومنعها من الاقتراب من ترعة الاسماعيلية، وفي نفس الوقت تعطيل تقدم احتياطيات العدو المدرعة من العمق.

• اللواء 118 مشاة ميكانيكي: من الفرقة 23 مشاة ميكانيكية وكانت كتائبه الثلاث موزعة كما يلي:

أ – كتيبة وضعت منذ بداية الحرب تحت قيادة الفرقة 2 مشاة في قطاع الفردان. ب- كتيبة خصصة لحماية المعابر على قناة السويس من شمال الاسماعيلية حتى البلاح. ج- كتيبة خصصت للدفاع عن مدينة الاسماعيلية ومعسكر الجلاء. د – قيادة اللواء في منطقة معسكر زكريا شمال شرق الاسماعيلية.

وقد تم تكليف قائد كتيبة دبابات اللواء باشراك بعض دباباته في عملية الدفاع عن الكباري على ترعة الاسماعيلية بالتنسيق مع مدفعية الجيش الثاني التي اسندت اليها هذه المهمة.

وقد خصصت سرية مشاة ميكانيكية (عدا فصيلة) وفصيلة دبابات للعمل كاحتياطي جنوب كوبري نفيشة في منطقة المزروعات للقيام بأعمال كمائن.

• اللواء 182 مظلات: أصدر قائد الجيش الثاني أمره باعادة تجميع الكتيبتين 81 و89 مظلات في الاستاد الرياضي بالاسماعيلية لاستعادة كفاءتهما القتالية بعد ارتدادهما من طوسون وعين غصين، كما أسند الى قائد الكتيبة 85 مظلات قبل آخر ضوء يوم 20 أكتوبر مهمة احتلال جبل مريم بقوة الكتيبة (عدا سرية) وتبة الشيخ حنيدق بسرية مظلات مدعمة. ولكن سرية حنيدق لم تلبث ان انسحبت من مواقعها قبل آخر ضوء يوم 21 أكتوبر تحت ضغط العدو. وتعزيزا لقوة الكتيبة 85 مظلات تم تدعيمها صباح يوم 21 أكتوبر بكتيبة هاون 120 مم (من تشكيل اللواء 182 مظلات)، مما أدى الى زيادة قوة نيران الكتيبة 85 بشكل مؤثر، وأصبح جبل مريم هو الموقع الوحيد الذي توجد فيه وحدة مظلات، وفي الساعة العاشرة والدقيقة الخامسة والأربعين صباح يوم 21 أكتوبر أرسل قائد الجيش الثاني الى قائد اللواء 182 مظلات، اشارة لاسلكية كان نصها كما يلي: "تمسك بجبل مريم لاخر طلقة وآخر رجل". وفي الواقع أن جبل مريم هو مفتاح مدينة الاسماعيلية لاشراف عليها وتحكمه الكامل في المنطقة المحيطة به. ولذا أصدر قائد الجيش الثاني تعليماته بتلغيم المدقات الموصلة اليه من اتجاهي الضباعية وعين غصين، ووضع الكمائن على طرق الاقتراب، وتكوين احتياطي من اللواء لاسترداد موقع جبل مريم في حالة سقوطه. • المجموعة 139 صاعقة: كانت تتكون من كتيبتي صاعقة بقيادة العقيد أ. ح أسامة ابراهيم، أرسلت من القاهرة الى الاسماعيلية مساء يوم 19 أكتوبر بمهمة القيام بأعمال الاغارة والكمائن على قوات العدو وطرده واحتلال مواقعنا بمنطقة الدفرسوار. ونتيجة لفشل المجموعة في أداء مهمتها ووقوعها في كمين بسبب التفوق الساحق للعدو عليها في منطقة عملها، صدرت التعليمات من المركز 10 بوضع المجموعة تحت قيادة الجيش الثاني، وتم تمركز كتيبة منها في منطقة أبو عطوة والكتيبة الأخرى (عدا سرية) في منطقة نفيشة والسرية الباقية في الاحتياطي. وكانت المهمة التي خصصت لوحدات المجموعة هي القيام بأعمال الكمائن على طول المواجهة المخصصة لها جنوب ترعة الاسماعيلية من شمال غرب جبل مريم، حتى منطقة المزروعات شرق واحة المنايف، وكانت أعقد مشكلة واجهتها المجموعة هي تدفق اعداد غفيرة من المزارعين الهاربين أمام الزحف الاسرائيلي على الطريق الترابي شرق الترعة بحيواناتهم وأثاث منازلهم وحوائجهم مما كاد يسد الطريق.

معركة الاسماعيلية

في ليلة 21/22 أكتوبر، أخذت وحدات مدفعية الجيش الثاني تقوم بقصفات ازعاج على مواقع العدو طوال الليل. وفي الصباح قامت الطائرات الاسرائيلية بهجمات جوية عنيفة على مواقع قواتنا، وركزت قصفها على معسكر الجلاء وجبل مريم وأبو عطوة ونفيشة، وتمكنت من تدمير كوبري أبو جاموس. وقد أرسل قائد الجيش الثاني في الساعة الثامنة والدقيقة الخامسة والخمسين صباح يوم 22 أكتوبر الى القائد العام بالمركز 10 اشارة لاسلكية أخطره فيها ان قائد الفرقة 8 دفاع جوي أبلغه بعدم وجود اي كتيبة صواريخ (أرض – جو) سام جاهزة للعمل في قطاع الجيش الثاني. وقد حاول العدو التقدم بمفارز مدرعة (دبابات ومشاة ميكانيكية) على طريق المعاهدة في اتجاه كوبري نفيشة وعلى الطريق الصحراوي في اتجاه الكوبري العلوي. ولكن المقذوفات الصاروخية المضادة للدبابات (مالوتكا) اشتبكت معها وأجبرتها على الانسحاب.

وفي حوالي الساعة العاشرة صباحا يوم 22 أكتوبر جدد العدو محاولته للتقدم في اتجاه ترعة الاسماعيلية، وكان تحركه على محورين هما طريق ترعة السويس الحلوة وطريق المعاهدة. ولكي يتمكن من ازاحة قوات الصاعقة التي اعترضت طريق تقدمه، قام بقصف مواقعها بالمدفعية والهاونات ومدافع الدبابات، كما قامت طائراته بضرب مواقعها ضربا مركزا. ونظرا لضيق الطريق فقد تحركت في المقدمة قوات العدو المترجلة من المظلات وعناصر الاستطلاع، بينما كان يتبعها ببطء طابور من الدبابات والعربات المدرعة نصف جنزير بسبب عجزه عن الفتح والانتشار.

وحوالي الظهر، اشتبكت مقدمة قوات العدو مع عناصر استطلاع الصاعقة في الأمام، وتم تدمير دبابتين وعربة مجنزرة اسرائيلية. وفي الساعة الواحدة ظهرا تقدمت قوة من المظلات تقدر بسرية مشاة في اتجاه (أبو عطوة) على محور ترعة السويس الحلوة، ونظرا لعدم قيامها جيدا باستطلاع الارض ومعرفة أوضاع قواتنا، فقد فوجئت بنيران الاسلحة الصغيرة تنهمر عليها من كل جانب مما الحق بها خسائر تزيد على 50 فردا. وعلى اثر ذلك توقف هجوم العدو، واستمر العدو في قصف منطقة أبو عطوة بالمدفعية والهاونات بتركيز شديد.

وفي نفس التوقيت وعلى محور نفيشة، تقدمت قوة تقدر بسرية دبابات وسرية مشاة ميكانيكية، تحت ستر غطاء جوي من الطائرات التي قامت بقصف منطقة نفيشة وتدمير كوبري نفيشة على ترعة الاسماعيلية. وتمكنت كتيبة الصاعقة في نفيشة رغم القصف الجوي من ايقاف تقدم العدو. وكان مجموع خسائر العدو على محور نفيشة 3 دبابات وعربتين مدرعتين نصف جنزير وعددا كبيرا من الافراد، بينما بلغت خسائر كتيبة الصاعقة المصرية في نفيشة 24 شهيدا (منهم 4 ضباط) و42 جريحا (منهم 3 ضباط).

وعندما خيم الظلام وحل موعد سريان وقف اطلاق النار في الساعة السادسة والدقيقة الثانية والخمسين مساء يوم 22 أكتوبر، ونظرا لوجود جرحى اسرائيليين كثيرين على أرض المعركة لم يتم سحبهم بعد، ولم يكن في الامكان القيام بمعركة اخرى خاسرة من اجل انقاذ الجرحى، لذا طلب شارون امداده بعدد من طائرات الهليكوبتر لمساعدة رجاله في عمليات الانقاذ. ولكن الجنرال بارليف لم يوافق على مطلبه، فقد كانت الليلة مظلمة وكان من الصعب على الطائرات الهبوط بالقرب من ميدان المعركة منعا لاصابتها. ولذا أمر شارون رجاله بضرورة الاعتماد على أنفسهم، واستمرت عمليات الانقاذ أكثر من أربع ساعات الى ان تم اخلاء معظم القتلى والجرحى من ارض المعركة. وعندما بزغ الفجر وجد رجال المظلات الاسرائيليين انفسهم على بعد حوالي 20 مترا فقط من مواقع رجال الصاعقة المصريين.

الفصل العاشر: لماذا وقع الخلاف بين الرئيس السادات والفريق سعد الشاذلي

ان تمسك جهاز القيادة العامة المصرية بالبقاء داخل المركز 10 بالقاهرة طوال مدة حرب أكتوبر 73 دون أن يغادره احد من أفراد الجهاز، الا في مهام خاصة، ولفترات محدودة هو موضوع بلا شك يستحق الدراسة والبحث. فلقد جرت العادة أن تنتقل اجهزة القيادة العليا التي تتولى ادارة الحروب، حال تقدم مجرى العمليات، الى مراكز قيادة متقدمة على مسافة قريبة من الجبهة ليمكنها الاشراف المباشر على سير المعارك وتحرك القوات في ميدان القتال. وقد رأينا كيف انتقلت القيادة الجنوبية الاسرائيلية التي كانت تتولى ادارة الحرب على الجبهة المصرية في سيناء، من مركز قيادتها الرئيسية في بئر السبع الى مركز قيادتها المتقدم في منطقة أم مرجم بجوار مطار المليز في سيناء، عند منتصف ليلة 6/7 أكتوبر، أي بعد بدء العبور المصري الى شرق القناة بما لا يزيد على عشر ساعات فقط.

تمسك المركز 10 بالبقاء داخل القاهرة

لقد كان من الضروري لضمان فعالية القيادة العامة وسرعة انتقال المعلومات وتقارير الموقف اليها، وتهيئة الفرصة امامها لاتخاذ القرارات الحاسمة واصدار الاوامر السريعة في الوقت المناسبة ورفع الروح المعنوية للقوات، ان تنتقل القيادة العامة من مركزها الرئيسي في المركز 10 في القاهرة، الى مركز قيادة متقدم قريب من جبهة القتال. وقد كان هناك بالفعل مركز قيادة متقدم خلف منطقة القناة، سبق انشاؤه قبل الحرب لهذا الغرض، وتم اعداده بكل التجهيزات الهندسية ووسائل الاتصال اللازمة، ولكن القيادة العامة المصرية لأسباب غير مفهومة ، صرفت النظر عن فكرة الانتقال اليه، رغم أن هذا الانتقال كان ضرورة حربية حيوية، خاصة بعد نجاح المرحلة الأولى من الخطة بدر التي انتهت باقامة منطقة رؤوس الكباري على الشاطئ الشرقي لقناة السويس، على عمق من 10 إلى 12 كيلو مترا.

وكان الاشراف على عملية تطوير الهجوم المصري الى الشرق التي جرت يوم 14 أكتوبر 1973 والتصدي لعملية عبور القوات الاسرائيلية الى غرب القناة التي بدأت ليلة 15/16 أكتوبر 1973 يستلزمان بلا جدال وجود جهاز القيادة العامة في مركز القيادة المتقدم القريب من جبهة القتال، للاشراف المباشر على المعارك التي دارت رحاها في هذه المرحلة العصيبة من مراحل الحرب.

ان العيب الخطير في ادارة المعركة، والذي ظهر بوضوح خلال المرحلة الأخيرة من الحرب يرجع الى ان الايقاع (الرتم) السريع الذي طرأ على المعركة نتيجة لتحويلها من عمليات دفاعية ثابتة أمام مناطق رءوس الكباري المصرية شرق القناة، الى عمليات تصادمية متحركة على اثر عبور القوات المدرعة الاسرائيلية الى غرب القناة، كان يستلزم من الجانب المصري درجة عالية من السرعة في ابلاغ المعلومات واتخاذ القرارات واصدار الاوامر وتحريك القوات. ولكن ذلك الامر لم يتم بالدرجة المطلوبة لعوامل كثيرة، وكان اهمها بلا شك هو انعزال القيادة العامة في القاهرة الى حد بعيد عن مجرى الاحداث في ميدان القتال، واعتمادها في قيادتها على القنوات الروتينية المعتادة التي تبدأ بتصعيد المعلومات من المستويات الادنى الى المستويات الاعلى والتي تستغرق في العادة وقتا طويلا. وعندما تصل هذه المعلومات الى المركز 10 بالقاهرة تبدأ مرحلة أخرى جديدة، وهي تسجيل هذه المعلومات على خرائط الموقف التي تعقبها مناقشة آخر أوضاع قواتنا وقوات العدو تمهيدا لاتخاذ القرار لمواجهة الموقف الجديد، لكي تتولى هيئة العمليات بعد ذلك اصدار اوامر القتال. وبنفس الطريقة التي تم بها تصعيد المعلومات الى أعلى، يجري نزول الاوامر بطريقة عكسية عبر القنوات الروتينية المعتادة من المستويات الاعلى الى المستويات الادنى. ونظرا لان المعركة – خاصة في الحرب المتحركة – لا تنتظر هذا النمط الروتيني البطيء في سير اجراءات المعركة، فقد كان الامر الذي يحدث في معظم الاحيان انه عندما تصل المهمة الى الوحدة التي ستكلف بالتنفيذ يكون الموقف قد تغير تماما، بحيث تصبح المهمة غير ذات جدوى أو من المتعذر تنفيذها أو أن أوانها قد فات.

ولعل من المفيد في هذا المجال ان نختار نموذجا واقعيا لواحد من اعظم القادة الذين ظهروا في الحرب العالمية الثانية، وهو القائد الالماني الشهير الفيلد مارشال إروين روميل، باعتبار ان ميدان القتال الذي دارت عليه معاركه في شمال أفريقيا يشبه الى حد كبير ميدان القتال الذي دارت عليه حرب اكتوبر ألا وهو الصحراء، لنرى الطريقة الفذة التي ادار بها معاركه واحرز عن طريقها انتصاراته، حتى أطلق عليه عن جدارة اسم "ثعلب الصحراء"، لكي نخرج من تلك المقارنة بالدروس المستخلصة والعبر المستفادة.

لقد كان روميل أول من شبه حرب الصحراء بالحرب البحرية، ولذا أدلى بحكمته المأثورة: "لا يوجد في التاريخ ادميرال احرز انتصارا في معركة بحرية، وهو قابع في قاعدته البحرية على الشاطئ". ولهذا لم يكن روميل يقود قواته من مركز قيادة رئيسية في الخلف، او حتى من مركز قيادة متقدم بالقرب من الجبهة، بل كان يتولى قيادة قواته المدرعة والميكانيكية من داخل مركبة قيادته التي تتحرك مع قواته. وكان يصدر أوامره التي كانت تتحيز بالايجاز والدقة والوضوح بنفسه، الى قادة وحداته في ميدان القتال عن طريق اللاسلكي شفويا وباللغة العادية، أي بدون استخدام الشفرة ضمانا لسرعة التنفيذ، وذلك عندما يرى أن العدو لن يتيسر له الوقت الكافي للانتفاع بها في حالة التقاطها نظرا لتحركات قواته المستمرة السريعة. ولكنه سرعان ما كان يؤكد أوامره الشفوية برسائل كتابية قصيرة حال أن يسمح له الوقت بذلك. لقد كان العامل الرئيسي في انتصارات روميل في حرب الصحراء، أنه لم يكن ينتظر معلومات لكي تصل اليه عبر قنوات القيادة المتعددة، بل كان يذهب بنفسه ليرى الموقف على الطبيعة، سواء بطائرته أو على متن دبابته او عربته المدرعة، وأحيانا كثيرة على قدميه. ولهذا تمكن روميل من تحويل عمليات استطلاعه الكبيرة في ابريل عام 1941 وفي يناير عام 1942 الى هجمات مضادة ناجحة ضد القوات البريطانية انتهت في كلتا المرتين بانسحاب الجيش الثامن البريطاني من برقة.

لقد انتقل المحلل الحربي البريطاني الشهير الكابتن ليدل هارت الفيلد مارشال روميل، لتهوره في ميدان القتال واندفاعه أكثر من اللازم الى الأمام، ولبعد الصلة أحيانا كثيرة بينه وبين مركز قيادته. ورغم ان هذا ينطوي على جانب من الحقيقة، فان ليدل هارت نفسه عاد بعد ذلك واعترف بان روميل كانت لديه حاسة عجيبة، تجعله يظهر فجأة في الأمكنة الحيوية وفي المواقف الخطيرة، لاعطاء قوة دافعة لقواته، واصدار القرارات السريعة في اللحظات الحاسمة والتي يتغير عن طريقها مجرى المعركة لمصلحة قواته.

تقييم زيارة الشاذلي للجبهة

قام الفريق سعد الشاذلي بزيارة ميدانية لمركز القيادة المتقدم للجيش الثاني بالاسماعيلية، بعد ظهر 18 أكتوبر بناء على طلب من الرئيس الراحل السادات على اثر وصوله الى المركز 10 واستماعه الى تقرير عن الموقف من الفريق أول أحمد اسماعيل، وكان الغرض من الزيارة – كما سجل الفريق الشاذلي في مذكراته- هو العمل على رفع الروح المعنوية، ومنع تدهور الموقف.

ولم تكن هذه هي الزيارة الأولى، فلقد سبق للفريق الشاذلي القيام قبلها بثلاث زيارات ميدانية لجبهة القتال في الأيام 8 و11 و14 أكتوبر، ولكنها كانت زيارات قصيرة لم يتجاوز كل منها بضع ساعات من النهار، وكان يعود بعدها في المساء الى المركز 10 بالقاهرة. ورغم أن هذه الزيارات كانت لها بعض الفائدة من الناحية المعنوية، فانه لم يكن لها أي تأثير على مجرى العمليات الحربية، فان الساعات المعدودة التي كانت يقضيها الفريق الشاذلي في الجبهة، لم تكن تتيح له الفرصة لدراسة الموقف العسكري على الطبيعة، أو لتفقد القوات في مواقعها. ولم يتمكن – على سبيل المثال – في الزيارة التي تمت يوم 14 أكتوبر لمركز قيادة الجيش الثاني في الساعة الرابعة مساء بعد فشل عملية تطوير الهجوم ان يفعل شيئا لرفع معنويات الجنود، والذي كان هو الغرض الاساسي من الزيارة، وفقا لما سجله هو نفسه في مذكراته، ولم تهيئ له الساعات القليلة التي أمضاها في مركز قيادة الجيش الثاني سوى أن يزور اللواء سعد مأمون قائد الجيش الثاني في غرفته بعد أن علم بمرضه، ثم أن يجتمع مع ضباط قيادة الجيش في مركز القيادة ليبحث معهم الموقف، واخيرا ان يقوم بالاتصال بجميع قادة الفرقة لابلاغهم بتحيات الرئيس وتشجيعه لهم.

وخلال الزيارة الاخيرة التي بدأت يوم 18 أكتوبر لمركز قيادة الجيش الثاني في الساعة الخامسة مساء والتي كانت اطول زيارة للجبهة، لم يبارح الفريق الشاذلي مكانه في مقر القيادة الى اي جبهة بالخارج منذ وصوله حتى قفل عائدا الى المركز 10 بالقاهرة. ورغم أن الهدف الاساسي الذي أرسله الرئيس من أجله الى الجبهة كما ورد في مذكراته، كان منع تدهور الموقف ، فانه لم يتمكن من تحقيق هذا الهدف على الاطلاق، بل ظل الوضع مستمرا في التدهور دون أن يكون في مقدرته التدخل من اجل انقاذ الموقف. وكان التغيير الوحيد الذي استجد على الموقف هو أن اللواء أ. ح عبد المنعم خليل قائد الجيش الثاني اضطر ازاء وجود رئيس أركان حرب القوات المسلحة في مقر قيادته، الى ان يتخلى له مؤقتا عن زمام القيادة، وان يجلس بجواره يتأمله في صمت وهو يمارس مسئوليات القيادة بدلا منه، مستعينا بنفس معاونيه واجهزة قيادته، مستخدما نفس وسائل اتصالاته السلكية واللاسلكية ، دون أن يستطيع اضافة أي اضافات جديدة مثمرة أو القيام باي عمل من شأنه احداث التغيير المطلوب في الموقف العسكري المتدهور. ولم يكن في وسع الفريق الشاذلي في واقع الامر اجراء اي تغييرات جوهرية في الموقف، اذ لم يكن لديه التفويض اللازم لاتخاذ اي قرارات استراتيجية تغير من طبيعة الاوضاع العسكري على مستوى الجبهة، ولم تكن سلطاته في الحقيقة خلال فترة وجوده في مركز قيادة الجيش الثاني تتجاوز كثيرا تلك السلطات التي كانت في يد اللواء أ. ح عبد المنعم خليل قائد هذا الجيش.

والأمر الذي يثير الدهشة ان يقع خلال بشأن الموعد الذي عاد فيه الفريق الشاذلي من قيادة الجيش الثاني الى المركز 10 بالقاهرة. فعلى الرغم من أن الفريق الشاذلي نفسه قد سجل في الصفحة 264 من مذكراته انه عاد الى المركز 10 مساء يوم 19 أكتوبر بعد أن امضى حوالي 24 ساعة من الجيش الثاني، وعلى الرغم من ان الرئيس الراحل السادات ايد صحة هذا الموعد عندما ذكر في الصفحة 273 من كتابه "البحث عن الذات"، أن الفريق الشاذلي عاد منهارا من الجبهة يوم 19 أكتوبر، فان الحقيقة والواقع يؤكدان ان سعد الشاذلي عاد من الجبهة يوم 20 أكتوبر وليس يوم 19 أكتوبر، أي ان زيارته الاخيرة للجبهة قد استغرقت 44 ساعة، وليست 24 ساعة كما ورد في مذكراته. وفضلا عن شهادة اللواء أ. ح عبد المنعم خليل قائد الجيش الثاني واللواء أ. ح تيسير العقاد رئيس أركانه، اللذين أكدا ان موعد عودة الشاذلي الى القاهرة كان يوم 20 أكتوبر، فانه ثابت من سجل اشارات الجيش الثاني ان الفريق الشاذلي ارسل عدة اشارات لاسلكية باسمه من مقر قيادة هذا الجيش الى بعض قادة التشكيلات والوحدات الخاصة (الصاعقة والمظلات) في صباح يوم 20 أكتوبر، كما أنه في الساعة الواحدة وخمس دقائق ظهر هذا اليوم أرسل اشارة لاسلكية باسمه الى الفريق أول احمد اسماعيل في المركز 10 بالقاهرة، بدأها بالعبارة التالية: "عن اذنك أحضر لأعرض على سيادتكم الموقف".

ونظرا لان الاشارة اللاسلكية ارسلت في حوالي الساعة الواحدة ظهرا، فانه يمكننا ان نقرر عن ثقة ان الفريق الشاذلي قد وصل بعد انتهاء زيارته الاخيرة للجبهة الى المركز 10 بالقاهرة في حوالي الساعة الرابعة مساء يوم 20 أتوبر.

التراشق بالتهم بين السادات والشاذلي

كان للأزمة العنيفة التي نشبت بين الرئيس السادات والفريق الشاذلي في المرحلة الاخيرة من حرب أكتوبر، والتي انتهت باقالة الفريق الشاذلي من منصبه رسميا كرئيس للأركان مساء يوم 12 ديسمبر 1973، بعد حوالي ستة أسابيع من انتهاء العمليات الحربية وسريان وقف اطلاق النار، وقع بالغ الأثر سواء داخل مصر أو الخارج. وقد زاد من حدة الموقف ان كلا من الرئيس الراحل السادات في كتابه "البحث عن الذات"، والفريق الشاذلي في مذكراته عن حرب أكتوبر، قد وجه للآخر سيلا من الانتقادات اللاذعة والاتهامات الخطيرة بصورة لم يسبق لها مثيل، وهو الأمر الذي أثار ضجة كبرى وبللة شديدة في نفوس الناس، وجعلهم في حيرة بسبب هذا التراشق الحاد بالتهم بين رجلين يعدان من أبرز الشخصيات التي أدت دورا حيويا في حرب أكتوبر 1973.

واستكمالا لدراستنا المطولة والموضوعية عن حرب أكتوبر، رأينا ان نتصدى لبحث هذا الموضوع- رغم ما قد يكون في ذلك من حساسية وحرج-ايمانا منا بان الحقائق ينبغي أن تتكشف أمام القراء بصراحة ووضوح، وان التاريخ يجب أن يسجل بصدق وأمانة، مهما كلفنا ذلك من عنت وعناء.

ماذا قال السادات؟

سجل الرئيس الراحل في كتابه "البحث عن الذات" في الصفحة (273) ما يلي بالحرف: "في يوم 16 أكتوبر أرسلت رئيس الأركان الجنرال سعد الشاذلي للتعامل مع الثغرة، وكان من السهل جدا التعامل معها في ذلك اليوم، فقد كان السباق فيها للزمن. ولو أنه نفذ ما طلبته منه أن والفريق احمد اسماعيل، وفي التوقيت الذي حددته له فأحاط شاطئ البحيرة المرة بسد يسجنهم داخلها ويوقفهم في مكانهم، لأصبح من السهل القضاء عليهم. وكان في امكانه ان ينتهي من العملية كلها بعد وصوله بساعات، ولكنه أضاع الليلة بأكملها في جمع المعلومات وانشاء قيادة له ينافس بها قيادة غريمه الجنرال اسماعيل. وكانت قوات الصاعقة قد تقدمت الى الدفرسوار ووصلت فعلا الى نقطة النزول، واعترف الاسرائيليون بشراسة قتال قوات الصاعقة والقوات الخاصة. ولكن الشاذلي اعطاهم الامر بالانسحاب الى ان يجمع المعلومات، وكانت النتيجة ان توسع اليهود في الثغرة.

وفي يوم 19 أكتوبر عاد الشاذلي منهارا، وقال لابد أن نسحب قواتنا في شرق القناة لان الغرب يهدد. وكان هذا – لو تم – هو ما يريده الاسرائيليون . فطلب مني احمد اسماعيل في منتصف ليلة 19/20 أكتوبر أن أذهب الى القيادة حتى اتخذ قرارا مهما بوصفي القائد الأعلى للقوات المسلحة. ذهبت الى القيادة واستعرضت الموقف، فوجدت أن لنا خمس فرق كاملة في شرق القناة، وعندنا 1200 دبابة في الشرق أيضا، أما في الغرب فعندنا فرقة مدرعة تواجه قوات اسرائيل وفي القاهرة فرقة يمكن سحبها، هذا غير الحرس الجمهوري الخاص بي والذي أدخلته الحرب وقاتل قتالا مجيدا وعاد كاملا بكل دباباته.

بعدما اتضح الموقف لي جمعت القادة كلهم، وكان معي الفريق احمد اسماعيل القائد العام للقوات المسلحة والفريق الجمسي مدير العمليات والفريق حسني مبارك والفريق محمد علي فهمي قائد سلاح الصواريخ، وكانوا جميعا من رأيي، وهو أنه لم يحدث شي يستدعي القلق فاعطيت الامر الذي اعتبره اهم من قرار 6 أكتوبر، بألا ينسحب جندي واحد ولا بندقية واحدة ولا أي شي على الاطلاق من شرق القناة، وأنه علينا أن نتعامل مع الغرب حسب الأوضاع الموجودة. ثم بدأت اتصل بنفسي مع الفرقة المدرعة في الغرب، وكان يقودها ضابط اسمه قابيل، وهو بطل من أبطال اكتوبر، وقلت له: ثبت الاسرائيليين ولا تجعلهم يتمكنون من التوسع، واياك أن تشتبك معهم الى ان تصلك الامدادات. في هذه الليلة اعطيت تعليماتي لأحمد اسماعيل بعزل الشاذلي من رئاسة الاركان، على ألا يعلن هذا القرار على القوات، حتى لا يحدث رد فعل عندنا أو عند الاسرائيليين. وفي نفس الليلة استدعيت الجمسي وعينته رئيسا للأركان".

ماذا قال سعد الشاذلي؟

سجل الفريق الشاذلي في الباب السابع من مذكراته موقفه من اتهامات السادات له ذكرها)، وذلك في الصفحات (من 264 إلى 269). ونظرا لانها تضم كثيرا من التفصيلات العسكرية الفنية التي لا تهم القراء، لذا سوف نستخلص منها الفقرات التي تتضمن رد الشاذلي على الاتهامات الموجهة اليه، وكذا تلك التي يشرح لها وجهة نظره، وهي كما يلي:

"عدت الى المركز 10 مساء يوم 19 أكتوبر بعد أن قضيت حوالي 24 ساعة مع الجيش الثاني. كان من الواضع ان توزيع قواتنا لا يتمشى مطلقا مع متطلبات المعركة. ان مسئولية كل قائد هو أن يحشد قواته وامكاناته في المعركة، لا أن يترك جزءا من قواته يقاتل تحت ظروف سيئة بينما تقف باقي القوات موقف المتفرج واللامبالة. لقد أصبحت خطة العدو واضحة وضوح الشمس. انه يهدف الى تطويق الجيش الثاني والجيش الثالث، انه يقوم بتوسيع الثغرة في منطقة الدفرسوار كل يوم، ويجب ألا ننتظر المعجزات من قواتنا التي تقاتل غرب القناة. ان لواء مظليات مصريا يخوض معركة مريرة (يقصد اللواء 182 مظلات) ضد فرقة مدرعة من لواءين مدرعين ولواء ملي اسرائيلي (يقصد فرقة شارون) قد يستطيع المقاومة لمدة "3-4" أيام أخرى، ولكن لا يمكن ان تستمر مقاومته الى الأبد. كان جدول مقارنة القوات بيننا وبين العدو يصرخ بالانتقاد. ان نظرة واحدة من رجل دني لا يفهم في الشئون العسكرية لكفيلة بانه تقنعه بان هذا التوزيع خاطئ، وانه اذا لم يتم اصلاحه فورا فقد تحدث الكارثة، ومع ذلك فاني لم استطع ان اقنع لا وزير الحربية ولا الرئيس السادات بتعديل هذه الأوضاع.

بحثت الموقف مع احمد اسماعيل وقلت له: اذا لم نعد توزيع قواتنا لمقابلة التهديد القائم ، فقد تحدث كارثة في خلال ثلاثة أيام أو أربعة. ان العدو يستطيع ان يدفع بفرقة مدرعة جديدة هذه الليلة الى الغرب دون ان يكون هناك اي خطورة على موقعه في الشرق. ليس هناك خطورة كبيرة من امكان تطويق الجيش الثاني نظرا لوجود ترعة الاسماعيلية، واللواء 15 المدرع شمال الترعة، ووجود لواء المظلات الذي يمكنه ان يقاتل لمدة "3-4 " أيام أخرى، ولكن الخطورة الكبرى تقع في الجنوب بالنسبة للجيش الثالث. ان الارض مناسبة لعمل المدرعات، وقد أصبح في امكان العدو ان يستخدم قواته الجوية ضد قواتنا البرية اليوم، ولاول مرة منذ بدء القتال. اذا قام العدو بنقل فرقة مدرعة أخرى الى الغرب، فسوف يصبح له في القطاع الجنوبي غرب القناة فرقتنان مدرعتنان تدعمهما القوات الجوية مقابل فرقة مدرعة واحدة من جانبنا. ولهذا الموقف يجب أن نسحب 4 ألوية مدرعة من الشرق لمقابلة التهديد في الغرب، في خلال الأربع والعشرين ساعة التالية، ولن يؤثر ذلك في سلامة خطوطنا ومواقعنا في الشرق، وسوف يزيد من قدرتنا على مقابلة تهديد العدو لنا في الغرب.

وبعد أن فشلت في اقناع الوزير بوجهة نظري، افضيت لبعض مساعدي بانه اذا لم نسحب جزءا من قواتنا من الشرق الى الغرب، فسوف تقع كارثة لا يعلم ابعادها الا الله.

وهنا اقترح علي اللواء سعد الماحي قائد المدفعية، ان أدعو الرئيس واشرح الموقف. لم أتحمس أول الأمر لهذا الاقتراح، لأني أعرف وجهة نظر الرئيس السادات منذ الخلاف الذي وقع بيني وبينه في غرفة العمليات يوم 16 أكتوبر، ولاعتقادي بأن أحمد اسماعيل وهو رجل عسكري قبل أن يكون سياسيا، ما ان ليقبل مثل هذا الموقف، لولا أنه تحت ضغط سياسي.

وبعد أن فكرت قليلا، قررت أن استدعاء السادات وشرح الموقف أمامه، سوف يضعه أمام مسئوليته التاريخية. وذهبت الى أحمد اسماعيل في غرفته وقلت له: ان الموقف خطير ويجب أن يحضر الرئيس للاستمتاع الى وجهة نظر القادة. لم أخرج من عند الوزير الا بعد أن وعدني بأنه سيتصل به فورا. اتفقت مع الوزير على أن يحضر هذا اللقاء مع الرئيس كل من: أحمد اسماعيل، سعد الشاذلي، محمد علي فهمي، حسني مبارك، عبد الغني الجمسي، سعيد الماحي، فؤاد نصار. وصل رئيس الجمهورية ومعه المهندس عبد الفتاح عبد الله وزير شئون رئاسة الجمهورية الى المركز 10 حوالي الساعة العاشرة والنصف مساء يوم 19 ، وتوجه فورا الى غرفة احمد اسماعيل، حيث بقي معه ما يقرب من ساعة، بينما كنت أنا مجتمعا مع باقي الاعضاء في غرفة المؤتمرات الملاصقة لغرفة العمليات ، نتبادل وجهات النظر حول الموقف. وفي النهاية دخل علينا الرئيس ومعه احمد اسماعيل وعبد الفتاح عبد الله. طلب الرئيس الكلمة من المجتمعين واحدا بعد الآخر، وقد قام كل منهم بشرح موقف القوات بأمانة تامة. وبعد أن استمع اليهم جميعا لم يطلب مني الكلمة، وعلق قائلا: "لن نقوم بسحب اي جندي من الشرق". لم أتكلم ولم أعلق. غمزني المهندس عبد الفتاح عبد الله وهمس في أذني: "قل شيئا"، ولكني تجاهلت نصيحته. ماذا أتكلم وقد اتخذ الرئيس القرار ولا يريد ان يسمعني، انني أريد أن أسحب 4 ألوية مدرعة من الشرق، وهو يعارض سحب جندي واحد. انه لم يتخذ هذا القرار عن جهل بل عن معرفة تامة بالموقف. انه لا يستطيع ان يدعي بعد ذلك بانه كان يعتقد ان العدو لديه 7 دبابات في الغرب. انه يعرف الحقائق كلها، وهذا هو قراره.

يدعي السادات في مذكراته بأنني عدت من الجبهة منهارا يوم 19 أكتوبر، وأنني طالبت "بسحب قواتنا في شرق القناة، لأن الغرب مهدد". ويؤسفني بأن أقول ان هذا كذب رخيص. لقد كنا تسعة أشخاص مات واحد ومازال الثمانية الآخرون أحياء، واني اتحدى اذا كان احد من هؤلاء الاحياء يستطيع ان يشهد بصدق ما يدعيه السادات. لقد طالبت حقا بسحب جزء من قواتنا من الشرق إلى الغرب، وكانت مطالبتي بهذه العملية يوم 19 أكتوبر هي خامس محاولة لانقاذ الموقف. ان شرف القوات المسلحة المصرية وتاريخها الرائع الذي كتبته بدمائها في أكتوبر 1973 يتطلبان منا أن نحدد من هو المسئول الحقيقي عن حدوث الثغرة، ولماذا لم تدمر في حينها؟ ومن هو المسئول الحقيقي عن حدوث الثغرة، ولماذا لم تدمر في حينها؟ ومن هو المسئول الحقيقي عن حصار الجيش الثالث؟ ان حصار الجيش الثالث جريمة لا تغتفر، واني اتهم السادات بانه هو المسئول الأول عنها. لقد رفض السادات وقف اطلاق النار عندما كنا في موقف قوة، وطلب وقف اطلاق النار عندما أصبحنا في موقف ضعف. لقد كان اقتراحي الخاص بسحب 4 ألوية مدرعة من الشرق ليلة 19/20 أكتوبر هو الفرصة الأخيرة لانقاذ الشرف العسكري المصري. لقد فقدنا المبادرة نهائيا بعد ذلك وحتى نهاية الحرب".

وهكذا يتضح لنا من أقوال الرئيس الراحل السادات والفريق الشاذلي، ان كلا منهما يتهم الآخر بصراحة تامة بأن تصرفاته خلال الحرب تجعله هو المسئول الأول عن الثغرة، وما تمخضت عنه بعد ذلك من أحداث خطيرة أثرت تأثيرا بالغا في سير القتال ومجرى الحرب. وفي الصفحات التالية – بمشيئة الله – ستقوم بتحليل ودراسة تلك الأقوال التي ذكرت ومناقشتها بطريقة علمية وموضوعية لكي نصل في النهاية للحقيقة الكاملة التي يتطلع الجميع لمعرفتها.

أقوال السادات في الميزان

قبل أن نمضي في بحث وتحليل العوامل التي تسببت في الأزمة العنيفة التي نشبت بين الرئيس الراحل السادات والفريق سعد الشاذلي في المرحلة الأخيرة من حرب أكتوبر، والتي كان من أبرز آثارها تلك الانتقادات اللاذعة والاتهامات الخطيرة التي وجهها كل منهما للآخر في مذكراته، والتي سبق أن أوردنا بعضا منها، يهمنا أن نسجل أن أحد العوامل الرئيسية في نشوب هذه الأزمة وتصعيدها يرجع الى العلاقة الشخصية السيئة بين الفريق أول أحمد اسماعيل وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة خلال حرب أكتوبر والفريق سعد الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة وقتئذ، وقد سبق لنا شرح أسبابها في الفصل السادس من هذا الكتاب. ان هذه العلاقة السيئة وتلك الكراهية العميقة المتبادلة بين الطرفين، والتي تمتد جذورها الى عام 1960، حينما تصادف وجودهما معا في ليوبولد فيل عاصمة الكونغو، قد اثرت بلا جدال في جول العمل في المركز 10، ولم تكن قط في مصلحة القوات المسلحة. اذ كيف يمكن ان تسير الأمور سيرا طبيعيا في مقر القيادة العامة، في الوقت الذي يوجد فيه هذا الانشقاق الخطير بين القائدين اللذين يتوليان أخطر منصبين في الحرب، وهما القائد العام ورئيس الأركان؟

ومن تتبع سلسلة المصادمات التي وقعت بين أحمد اسماعيل والفريق الشاذلي في المركز 10 – خاصة في المرحلة الأخيرة من الحرب- نجد أنها قد انعكست بدرجة مؤثرة على العلاقات بين الرئيس الراحل السادات والفريق سعد الشاذلي. فكلما وقع خلاف حاد في الرأي بين القائد العام ورئيس الأركان بشأن ادارة الحرب، كان السادات لا يلبث عند استدعائه للحضور في المركز 10 أن ينحاز في الحال الى رأي القائد العام، وأن يهاجم في حدة وعنف رأي رئيس الأركان، حتى اعتقد الشاذلي في النهاية – كما أوضح لنا في مذكراته – أن آراء احمد اسماعيل التي كان يتمسك بها، والتي كانت تتسبب في اثارة أوجه الخلاف بينهما، لم تكن في واقع الأمر سوى آراء السادات نفسه.

وليس هناك من شك في أن أحمد اسماعيل كان شديد الولاء والاخلاص للسدات، ولا يمكن ان يفكر في معارضته أو الوقوف في وجه آرائه. فقد كان السادات هو صاحب الفضل الأول عليه بعد أن أطاح به عبد الناصر وأحاله على التقاعد في 10 سبتمبر عام 1969 على اثر الاغارة البرمائية الاسرائيلية على الزعفرانة على خليج السويس. ومن الواضح أن أحمد اسماعيل كانت ينتهج خلال الحرب الاسلوب الذي يتمشى مع سياسة السادات، وان الرجلين كانا على اتفاق تام بشان الطريقة التي تدار بها الحرب، وكانا شريكين في جميع القرارات الحيوية التي تم اتخاذها في أثناء المراحل المختلفة للحرب، ولهذا لاسبب كان احمد اسماعيل لا يتزحزح عن موقفه حتى عندما يواجه بمعارضة شديدة من القادة لأي قرار من قرارته، مهما كانت درجة وجاهة رأيهم أو قوة حجتهم، كما جرى مثلا عندما تم اتخاذ القرار بشأن تطوير الهجوم في اتجاه المضايق يوم 14 أكتوبر 1972. فعندما أبدى الفريق الشاذلي واللواء سعد مأمون قائد الجيش الثاني واللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث معارضتهم الشديدة لهذا القرار، وأوضحوا عواقبه الضارة الخطيرة، لم يستطع احمد اسماعيل اقناعهم بضرورة تنفيذه، إلا بعد أن صرح لهم بأن هذا القرار هو قرار سياسي يهدف الى تخفيف الضغط عن سوريا، ولذا ينبغي الالتزام به دون نقاش أو جدال.

وفي ابريل عام 1974 وقبل شهر واحد من سفر الفريق الشاذلي الى لندن لتسلم مهام منصبه الجديد كسفير لمصر في بريطانيا، بعد أن تمت تنحيته عن منصبه كرئيس للأركان منذ أربعة أشهر سابقة، أدلى الرئيس الراحل السادات بحديث صحفي إلى الأستاذ سليم اللوزي رئيس تحرير مجلة الحوادث اللبانية وقتئذ، ورد في سياقه أنه أمر الشاذلي يوم 16 أكتوبر بالتوجه إلى الاسماعيلة للتعامل مع الثغرة، وأنه قال له قبل تحركه: "عليك أن تكون بعد ساعة ونصف في الاسماعيلية وتضرب طوقا حول الدفرسوار، بحيث تترك اليهود يدخلون على هذه المنطقة ولكن لا يخرجون منها. بعدها تصبح القوة الاسرائيلية كلها في يدي". وفي ابريل عام 1978، وكان الشاذلي يعمل وقتئذ سفيرا لمصر في البرتغال بعد نقله من لندن، أصدر السادات كتابه الشهير: "البحث عن الذات" الذي كان من ضمن ما ورد فيه بشأن موضوع الثغرة ما يلي:

"في يوم 16 أكتوبر أرسلت الجنرال سعد الشاذلي للتعامل مع الثغرة وكان من السهل جدا التعامل معها في ذلك اليوم، فقد كان السباق فيها للزمن. ولو أنه نفذ ما طلبته منه أنا والفريق أول أحمد اسماعيل، وفي التوقيت الذي حددته له فأحاط شاطئ البحيرة المرة بسد يسجنهم داخلها، ويوقفهم في مكانهم، لأصبح من السهل القضاء عليهم. وكان في امكانه ان ينتهي من العملية كلها بعد وصوله بساعات، ولكنه أضاع اليلة بأكملها في جمع المعلومات وانشاء قيادة له لينافس بها قيادة غريمه الجنرال اسماعيل. وكانت قوات الصاعقة قد تقدمت الى الدفرسوار، ووصلت فعلا الى نطقة النزول، واعترف الاسرائيليون بشراسة قتال قوات الصاعقة والقوات الخاصة. ولكن الشاذلي اعطاهم الأمر بالانسحاب الى أن يجمع المعلومات، وكانت النتيجة ان توسع اليهود في الثغرة". انتهت أقوال السادات.

ولكي يكون تحليلنا للانتقادات والتهم التي وجهها السادات للشاذلي مجديا – سواء تلك التي وجهها في كتابه "البحث عن الذات" أو في أحاديثه الصحفية – رأينا تقسيم هذا البحث إلى أربعة أقسام كما يلي:

1- متى توجه الشاذلي الى الاسماعيلية؟ 2- ماذا كانت تعليمات السادات للتعامل مع الثغرة؟ 3- هل أنشأ الشاذلي قيادة في الاسماعيلية؟ 4- هل أمر الشاذلي قوات الصاعقة بالانسحاب؟

1- متى توجه الشاذلي إلى الاسماعيلية؟

من الواضع أن الرئيس الراحل السادات كان حريصا على أن يسجل في كل أحاديثه الصحفية التي نشرت، وفي مذكراته التي صدرت، أنه قد أرسل الشاذلي الى الاسماعيلية يوم 16 أكتوبر. ولهذا التاريخ أهمية كبرى، فهو أول يوم تتمركز فيه القوة الاسرائيلية في منطقة الدفرسوار غرب القناة، بعد أن تم لها العبور من الشرق الى الغرب ليلة 15/16 أكتوبر. وبصرف النظر عن شهادات القادة وسجلات الحرب التي تثبت كلها أن الشاذلي لم يغادر القاهرة الى الاسماعيلية يوم 16 أكتوبر، فان الأمر الذي نستطيع أن نؤكده ،هو أن السادات نفسه كان يعلم علم اليقين ان الشاذلي كان موجودا في هذا اليوم، بمقر القيادة العامة بالقاهرة، ليس فقط لأن الرئيس قد زار المركز 10 في مساء يوم 16 أكتوبر، والتقى بالطبع مع الفريق الشاذلي رئيس الأركان، بل أيضا لأن صداما عنيفا قد وقع بينهما في تلك الليلة في غرفة العمليات المركز 10 شهده عدد من القادة وضباط العمليات، وعلا فيه صوت الرئيس الى الحد الذي جعل الضباط الذين هم خارج غرفة العمليات في دهشة مما يسمعونه. ولذا فان اصرار السادات على أنه أرسل الشاذلي للتعامل مع الثغرة يوم 16 أكتوبر- رغم علمه بالحقيقة –ليس له سوى معنى واحد، هو أنه أراد تحميل الشاذلي مسئولية توسيع الاسرائيليين للثغرة، وكذا مسئولية الفشل في تصفيتها رغم سهولة هذه العملية في ذلك التوقيت.

هذا، ولم يكن الخلاف الذي أدى الى الصدام الذي جرى في المركز 10 قد نشب في الاصل بين السادات والشاذلي، بل انه في البداية كان خلافا في وجهات النظر بين أحمد اسماعيل والشاذلي. وكان موضوع الخلاف هو اتجاه الضربة التي ستوجه ضد ثغرة الاختراق بالدفرسوار صباح اليوم التالي 17 أكتوبر. ففي حين كان رأي الشاذلي ان يوجه الهجوم الرئيسي ضد الثغرة من غرب القناة لاغلاقها عند المصب، وذلك بلواءين مدرعين يسحبان من قطاع الجيش الثالث شرق القناة، ويتجهان صوبها من الجنوب الى الشمال، كان رأي احمد اسماعيل أن يوجه الهجوم الرئيسي ضدها من شرق القناة لاغلاقها عند المنبع، وذلك بواسطة اللواء 25 المدرع المستقل الذي يتقدم من الجنوب إلى الشمال، كي يلتقي عند الدفرسوار مع الفرقة 21 المدرعة التي تتقدم من الشمال إلى الجنوب. ورغم محاولات الشاذلي لاقناع احمد اسماعيل بفكرته، فقد رفضها رفضا باتا اذ كان مصرا على عدم سحب اي قوات من الشرق الى الغرب.

وفي مساء يوم 16 أكتوبر وصل السادات الى المركز 10، وفكر الشاذلي – كما سجل في مذكراته – في الاستعانة به لكي ينقض قرار احمد اسماعيل، ويوافق على فكرته هو. ولم يكد يعرض عليه مقترحاته حتى ثار في وجهه ثورة عارمة، وفقد أعصابه وأخذ يصرخ بعصبية: "أنا لا أريد أن أسمع منك مرة ثانية هذه الاقتراحات الخاصة بسحب القوات من الشرق. اذا أثرت هذا الموضوع مرة أخرى فإني سوف أحاكمك". وهكذا صدرت التعليمات الخاصة بالعملية الهجومية يوم 17 أكتوبر وفقا للقرار الذي اتخذه القائد العام والرئيس السادات لاغلاق ثغرة الاختراق من الشرق. ولكن هذه العملية لم يقيض لها النجاح، فلم تتمكن وحدات الفرقة 21 المدرعة من الوصول الى الدفرسوار، كما تم تدمير اللواء 25 المدرع المستقل جنوب الخط (كثيب الحبشي-تل سلام) على مسافة حوالي 7 كيلو مترات من الدفرسوار، أي أن عملية تصفية الثغرة يوم 17 أكتوبر باءت بالفشل.

2- ماذا كانت تعليمات السادات للتعامل مع الثغرة؟

في حين أصر السادات على أن الشاذلي وصل الى الاسماعيلية يوم 16 أكتوبر، فان الحقيقة الثابتة التي أيدها القادة الذين حضروا الشاذلي اثناء وجوده بمقر قيادة الجيش الثاني، والتي تدعهما الوثائق والمستندات الرسمية، هي أنه وصل الى مركز القيادة المتقدم للجيش الثاني بالاسماعيلية في الساعة الخامسة مساء يوم 18 أكتوبر. وعندما التقى مع اللواء أ. ح عبد المنعم خليل قائد الجيش الثاني عقب وصوله قال له: "الرئيس السادات طلب مني الحضور الى الجيش الثاني وتولي المسئولية". ولم يجد اللواء بعد المنعم مناصا من أن يتخلى له مؤقتا عن زمام القيادة، وأن يجلس بجواره في ملجأ القيادة لمعاونته في مهمته. وعندما التقى الشاذلي بالرؤساء وقادة أفرع قيادة الجيش الثاني، أخطرهم أنه تولى مسئولية القيادة، وأن جميع القرارات والأوامر والتعليمات لا تصدر الا منه، وأن جميع الاتصالات سواء مع القيادة العامة المركز 10 أو مع قادة التشكيلات لا تتم الا بواسطته شخصيا.

وعندما نقوم بدراسة المهمة التي ذكر السادات انه قام بتخصيصها للشاذلي للتعامل مع الثغرة، والتي كانت تارة تقضي بان يحيط شاطئ البحيرة المرة بسد يسجن الاسرائيليين داخله، كما دون في كتابه البحث عن الذات ، وتارة أخرى تنص على ان يضرب طوقا حول الدفرسوار، بحيث يدخل فيه اليهود ولا يخرجون منه، كما ورد في حديثه لمجلة "الحوادث"، نجد أن السادات قد زج بنفسه بهذه الأقوال في قضايات تكتيكية وفنية ليست من اختصاص القيادة السياسية، واعطى الفرصة للشاذلي لكي يعلق على كلامه هذا تعليقا قاسيا ومليئا بالسخرية والتهكم. فقد ذكر في الصفحة 297 من مذكراته ما يلي: "ليس لدي تعليق على هذا الكلام، سوى أن أقول انه كلام مصاطب قد تحكيه جدة عجوز لطفل ريفي لتساعده على النعاس، كما كانت جدة الرئيس تحكي له وهو طفل قصة زهران. ليس هكذا تدار الحرب، وليس هكذا تخصص المهام العسكرية، اني اخجل ويخجل معي كل مثقف أن ينسب الى رئيس جمهورية مصر هذا الكلام".

ولقد سبق ان اوضحنا في الفصل السادس من هذا الكتاب ان مسئولية رئيس الدولة تقتصر على رسم الاستراتيجية العليا للدولة، ولذا فليس من اختصاصه التدخل في وضع الخطط الحربية، اذ ان ذلك من مسئولية واختصاص القيادة العسكرية. وحذرنا من خطورة ان يتورط رئيس الدولة- خاصة اذا كان الرئيس رجلا عسكريا- الى الحد الذي يجعله يصدر بنفسه قرارات تكتيكية تتعلق بالمعارك الدائرة، اذ ان ذلك معناه تدخل القيادة السياسية في اعمال القيادة العسكرية، وهو امر – وفقا لدروس التاريخ وعبره – ذو عواقب خطيرة على مجرى الحروب ونتائجها.

ولا نستطيع في هذا المجال ان نحمل السادات وحده مسئولية التدخل في القرارات العسكرية في المركز 10، أو أن نوجه اليه بمفرده، بل ان اللوم ينبغي ان يوجه أولا الى الفريق أول احمد اسماعيل القائد العام والى الفريق سعد الشاذلي رئيس الأركان، فهما المسئولان الحقيقيان عن الزج بالرئيس في القرارات والخط العسكرية، بعد ان جعلا منه – وهو القائد العسكري الذي كان يفتقر الى بعض ما لديهما من خبرة فنية وثقافة عسكرية متميزة – حكما يفصل بينهما في أدق التفاصيل المتعلقة بالعمليات الحربية، وفي اهم القضايا التكتيكية. وكان ذلك كله بسبب الخلافات الشخصية التي طحنتهما تحت وطأتها في المرحلة الاخيرة من الحرب، والتي أفسدت جو العمل في المركز 10 بلا جدال. وليس أدل على ذلك من اعتراف الشاذلي نفسه في مذكراته حين روى أنه عقب اختلافه مع احمد اسماعيل يوم 16 أكتوبر بشأن اتجاه ضربة الهجوم ضد ثغرة الاختراق، ولم يكد يعرف ان الرئيس وصل الى المركز 10، حتى بادر الى عرض مقترحاته عليه،مؤملا ان يتبنى الرئيس فكرته وينقض قرار أحمد اسماعيل، وكانت النتيجة هي أن الرئيس ثار في وجهه ثورة عنيفة وبذا لا يلومن الا نفسه.

والآن، وبعد أن ثبت لنا الدليل القاطع أن الفريق الشاذلي قد وصل الى مقر قيادة الجيش الثاني بالاسماعيلية في الساعة الخامسة مساء يوم 18 أكتوبر وليس يوم 16، يصبح ما زعمه السادات من أنه كان في امكانه ان ينتهي من العملية كلها بعد وصوله بساعات ضربا من الخيال. اذ ان الوضع العسكري في قطاع الجيش الثاني جنوب ترعة الاسماعيلية في التوقيت الذي وصل فيه الشاذلي الى قيادة هذا الجيش بالاسماعيلية لم يكن يتيح الفرصة لاي قائد عسكري مهما بلغت درجة براعته وعبقريته، أن ينتهي من عملية تصفية الثغرة بعد وصوله بساعات، بل ولا بعد ذلك بعدة أيام، فقد أصبح وضع القوات الاسرائيلية غرب القناة مساء يوم 18 أكتوبر على درجة عالية من القوة، فقد تمت في اليوم السابق اقامة جسر معديات البونتون بين شاطئي القناة وأوشك المهندسون العسكريون الاسرائيليون على الانتهاء من اقامة الجسر السابق التركيب على بعد حوالي 200 متر شمال جسر المعديات. وعلى الضفة الغربية للقناة جنوب ترعة الاسماعيلية أصبحت تتمركز فرقتان مدرعتان اسرائيليتان، هما فرقة الجنرال أريل شارون وفرقة الجنرال ابراهام أدان، وتمكنت عناصر مدرعة منهما من التوغل في عمق الدفاعات المصرية وتدمير واسكات عدد من كتائب الصواريخ أرض-جو سام المصرية، مما أدى الى فتح ممر للطائرات الاسرائيلية للنفاذ الى الضفة الغربية لتقديم المعاونة المباشرة للقوات البرية. وقد جرى ذلك في الوقت الذي لم يعد فيه للجيش الثاني اي قوة مدرعة في قطاعه غرب القناة جنوب ترعة الاسماعيلية، اذ ان القوة المدرعة الوحيدة التي كانت في هذا القطاع، وهي اللواء 23 المدرع (من الفرقة 3 مشاة ميكانيكية الاحتياطي الاستراتيجي للقيادة العامة) الذي تم ارساله من منطقة تمركزه بالقاهرة الى تقاطع عثمان أحمد عثمان في الساعة التاسعة مساء يوم 16 أكتوبر، لم يصدر له الامر بالهجوم لتدمير العدو في منطقة الدفرسوار الا صباح يوم 18 أكتوبر، أي بعد ان انتهى الاسرائيليون من اقامة جسر معديات البونتون، وبعد أن تم عبوره بقيادة الجنرال ابراهام أدان الى الغرب. وكانت النتيجة هي تدمير اللواء 23 المدرع ظهر يوم 18 أكتوبر، وصدور الأمر باعادة تجميعه لاستعادة كفاءته القتالية في المنطقة غرب تقاطع طريق الاسماعيلية الصحراوي مع وصلة أبو صوير.

3- هل أنشأ الشاذلي قيادة في الاسماعيلية؟

ورد ضمن أقوال السادات ان الشاذلي أضاع ليلة وصوله بأكملها في جمع المعلومات، وانشاء قيادة له ينافس بها قيادة غريمه الجنرال اسماعيل. ولاشك في أننا نستبعد ان الشاذلي أو أي قائد آخر لديه الكفاءة لقيادة جيش ميداني يضيع ليلة بأكملها في جمع معلومات، اذ ان هذه العملية لا يمكن ان تستغرق أكثر من ساعتين على أكثر تقدير، ولها أسلوب أكاديمي مدروس يعرفه القادة على مختلف المستويات. ولم يكن الشاذلي بحكم منصبه كرئيس للأركان يحتاج لزمن يذكر، لكي يعرف حقيقة الموقف وأوضاع قوات العدو وقواتنا في قطاع الجيش الثاني، فقد كان على دراية كبيرة بحقيقة الموقف والأوضاع العسكرية على مستوى الجبهة بأكملها، بحكم كونه رئيس الأركان والرجل الثاني في المركز 10، أي أن من المؤكد أن تصب عنده جميع المعلومات وتقارير الموقف الواردة من مختلف المصادر والقيادات. أما القول بأن أنشأ بعد وصوله الى الاسماعيلية قيادة له، فهذا بلا شك أمر يدعو الى العجب الشديد، اذ انه من الثابت ان الشاذلي قد حضر الى الاسماعيلية بعربة جيب عسكرية، ولم يكن برفقته سوى سكرتيره العسكري المقدم مظهر عيسى، وسائق سيارته وجندي حراسة من الشرطة العسكرية، ولم يمكث بالاسماعيلية الا 44 ساعة على وجه التحديد، فكيف ومتى استطاع انشاء مركز القيادة الجديد؟ وكيف يتيسر له ان يقيم مركزا للقيادة ينافس المركز 10 بالقاهرة الذي سخرت لانشائه أفضل امكانات القوات المسلحة في وقت السلم من تجهيزات هندسية وملاجئ متسعة تحت الأرض، زودت بكل ما يحتاج اليه جهاز القيادة من وسائل الاتصال وحاجة العمل وسبل الراحة؟ وهل من المعقول التفكير في انشاء مركز جديد للقيادة بينما المعارك محتدمة والغارات الجوية على أشدها ومدينة الاسماعيلية ذاتها مهددة بالغزو، بعد أن اصبحت قوات العدو على أبوابها؟

ان هذا الزعم بالطبع ليس له أساس من الصحة. ومن الثابت ان الشاذلي بعد وصوله اتخذ مكانه في ملجأ القيادة تحت الأرض، بجوار اللواء أ. ح عبد المنعم خليل قائد الجيش الثاني، وأخذ يمارس مسئوليات القيادة بدلا منه مستعينا بنفس معاونيه وأجهزة قيادته، مستخدما نفس وسائل اتصالاته السلكية واللاسلكية. ولم يبارح مركز القيادة المتقدم للجيش الثاني الا عندما توجه الى القاهرة. وقبل مغادرته مركز القيادة اتصل هاتفيا بالفريق أول أحمد اسماعيل بالمركز 10 بالقاهرة في الساعة الواحدة وخمس دقائق طالبا منه الاذن بنزوله لعرض الموقف عليه. وفي الساعة الواحدة والربع ظهرا، طلب من اللواء عبد المنعم خليل الحضور اليه في الاستراحة المجاورة للملجأ، وفوجئ اللواء عبد المنعم خليل الحضور عليه في الاستراحة المجاورة للملجأ، وفوجئ اللواء عبد المنعم خليل بتأهب الشاذلي للعودة الى القاهرة، فلم يسبق ذلك أي مقدمات ووجده باسطا خريطة الموقف أمامه. وعندما رآه قال له: "ما رأيك؟ الموقف خطير جدا وأنا نازل أقابل الرئيس لأطلعه على الموقف عشان يشوف حل لوقف اطلاق النار". وفي الساحة الواحدة والدقيقة العشرين ظهرا غادر الشاذلي مقر القيادة بالاسماعيلية متوجها الى المركز 10 بالقاهرة.

بقيت نقطة مهمة أخيرة في هذه الفقرة، وهي اعتراف السادات ضمن حديثه بأن الشاذلي كان يريد منافسة غريمه أحمد اسماعيل، وهو اعتراف خطير للغاية، اذ كيف يسمح القائد الأعلى للقوات المسلحة لغريمين – أحدهما يشغل منصب القائد العام والثاني يشغل منصب رئيس الأركان – بالعمل معا في مقر قيادة واحد لادارة حرب كانت بالنسبة لمصر معركة حياة أو موت؟ ان جهاز القيادة العامة الذي يدير الحرب ينبغي أن يكون جهازا متجانسا تسوده المحبة والألفة ويغمره الوفق والرغبة الحقيقية في التعان، لا أن يكون ميدانا للخلافات والصراعات وتصفية الحسابات القديمة.

=4 – هل أمر الشاذلي قوات الصاعقة بالانسحاب؟

ورد ضمن اقوال السادات ان قوات الصاعقة قد تقدمت الى الدفرسوار ووصلت فعلا الى نقطة النزول، واعترف الاسرائيليون بشراسة قتال قوات الصاعقة والقوات الخاصة ولكن الشاذلي امرهم بالانسحاب الى ان يجمع المعلومات، وكانت النتيجة ان توسع اليهود في الثغرة. ويتضح من هذه الاقوال ان السادات لم يهدف منها الا تحميل الشاذلي مسئولية توسيع الاسرائيليين لثغرة الاختراق في الدفرسوار، فهو حسب روايته الذي أعطى أمرا بانسحاب قوات الصاعقة التي تمكنت من الوصول الى نقطة النزول الاسرائيلية على القناة، وقاتلت العدو بشراسة دون اي سبب يدعوه لذلك الا حجة عجيبة وهي جمع المعلومات. ولا يمكن ان نتخيل ان قائدا – مهما بلغت درجة جهله وغبائه – يأمر قواته بالانسحاب بعد أن وصلت الى هدفها الحيوي في قلب العدو بدعوى انه يريد جمع معلومات عن هذ العدو، اذ ان الاتصال القتالي مع العدو – وفقا للمبادئ التكتيكية الأولية – هو في حد ذاته من أهم الوسائل للحصول على المعلومات عن العدو.

أما حقيقة ما جرى من احداث بالنسبة لمعركة الصاعقة، فهي ان العقيد أ. ح علي هيكل قائد المجموعة 129 صاعقة (من ضمن احتياطي الجيش الثاني) وكانت تتمركز في مطار أبو صوير، بناء على المهمة التي تلقاها صباح يوم 16 أكتوبر من قيادة الجيش الثاني، أرسل الكتيبة 73 صاعقة (عدا سرية) الى منطقة تجمع في عين غصين (على الترعة الحلوة وعلى بعد حوالي 12 كيلو مترا جنوب نفيشة)، وكانت المهمة التي حددها لقائد الكتيبة هي التقدم جنوبا في اتجاه الدفرسوار وأبو سلطان لتدمير 7 دبابات اسرائيلية نجحت في التسلل الى الضفة الغربية للقناة.

ووفقا للمهمة، تقدمت سرية صاعقة من عين غصين على المدق الترابي شرق الترعة الحلوة في اتجاه الدفرسوار، وعندما اقتربت من الناحية الشمالية لمطار الدفرسوار فوجئت بمقاومة قوية من المظليين الاسرائيليون الذين كانوا مختفين في المطار، واستمر الاشتباك طول الليل. ونظرا لعجز السرية عن التقدم ولشدة حاجتها الى الذخيرة، صدر لها الامر من قيادة المجموعة صباح يوم 17 أكتوبر بالانسحاب الى سرابيوم حيث احلت موقعا دفاعيا تم تدعيمه بفصيلة صاعقة أخرى ارسلها قائد المجموعة. وقد تقدمت في نفس اليوم كتيبة مظلات اسرائيلية من لواء العقيد داني مات من الدفرسوار في اتجاه الشمال، بين الترعة الحلوة وخط السكة الحديدية، وعندما اقتربت من سرابيوم دارت معركة عنيفة بينها وبين رجال الصاعقة المصريين استمرت طوال أربع ساعات وبلغت الخسائر الاسرائيلية 10 دبابات وعربات مجنزرة فضلا عن 11 قتيلا و27 جريحا. وفي ليلة 17/18 أكتوبر، صدر الأمر من قيادة المجموعة الى السرية بالانسحاب الى أبو صوير لاعادة تجميعها.

وكانت السرية الاخرى من الكتيبة 73 صاعقة قد تقدمت من عين غصين الى المدقات غرب الترعة الحلوة، في اتجاه معسكرات أبو سلطان ومحطة السكة الحديدية للوصول الى شاطئ البحيرة المرة الشمالي جنوب الدفرسوار. وقد تمكنت فصيلة منها من التسلل الى شاطئ البحيرة المرة، ولكن العدو تمكن من اكتشاف السرية صباح يوم 17 أكتوبر وهاجمتها الدبابات الاسرائيلية هجوما عنيفا من مواقعها جنوب غرب مطار الدفرسوار. ورغم الخسائر الكبيرة التي تكبدتها السرية، خاصة في الضباط، فقد تمكنت من تدمير 5 دبابات وعربات مجنزرة اسرائيلية. ورغم تلقي السرية أمرا من قيادة المجموعة بالانسحاب الى معسكرات ابو سلطان، فقد عجزت السرية عن التنفيذ نظرا لكثافة نيران العدو، واضطرت الى التشبث بمواقعها، مما دعا قائد المجموعة الى ان يطلب من مدفعية الجيش الثاني قصف المنطقة التي يحتلها العدو في أبو سلطان بأكملها بالنيران مما فيها سرية الصاعقة المصرية.

وفي صباح يوم 18 أكتوبر، نشب قتال متلاحم شديد الشراسة بين المظليين الاسرائيليين ورجال الصاعقة المصريين استشهد خلاله رئيس استطلاع المجموعة، وأصيب رئيس اركانها باصابات جسيمة وتكبد العدو كذلك خسائر كبيرة. وفي ليلة 18/19 أكتوبر وتحت ستر الظلام انسحب ما تبقى من السرية باوامر قيادة المجموعة من أبو سلطان الى أبو صوير لاعادة التجميع. وبلغت خسائر الصاعقة في هذه المعارك 11 ضابطا و74 من رتب أخرى.

وهكذا يتضح لنا ان اقوال السادات بشان معركة الصاعقة في الدفرسوار، ليست سوى ادعاءات لا سند لها من الواقع، ولا يقصد منها كما سبق ان أوضحنا سوى تحميل سعد الشاذلي وحده مسئولية ما جرى من أخطاء في التعامل مع الثغرة ، اذ ان معركة قوات الصاعقة مع العدو كانت قد انتهت قبل أن يصل الشاذلي الى الاسماعيلية.

متى تم عزل الشاذلي من منصب رئيس الأركان

يمكن القول بأن الأحداث التي جرت بالمركز 10 ليلة 20/21 أكتوبر، كانت هي الحد الفاصل في العلاقات الطبيعية، التي كانت سائدة من قبل بين الرئيس الراحل السادات والفريق سعد الشاذلي بوصفه رئيسا للأركان. ففي هذه الليلة بلغت الأزمة بينهما ذروتها، وغدت بعدها الصلات – سواء الرسمية أو الشخصية –بين الطرفين شبه مقطوعة. وقد عبر السادات عن مدى ما أصاب مشاعره من تحول، وما أحس به وقتئذ من سخط على رئيسه أركانه، فذكر في الصفحة 273 من كتابه "البحث عن الذات" ما يلي بالحرف: "في هذه الليلة اعطيت تعليماتي لاحمد اسماعيل بعزل الشاذلي من رئاسة الأركان، على ألا يعلن هذا القرار على القوات حتى لا يحدث رد فعل عندنا أو عند الاسرائيليين، وفي نفس الليلة استدعيت الجمسي وعينته رئيسا للأركان".

وفي الواقع أن هذا القول يفتقر الى الدقة والصدق، اذ ان الشاذلي لم يعزل من منصبه يوم 21 أكتوبر، بل استمر يمارس مسئوليات منصبه كرئيس للأركان حتى يوم 12 ديسمبر عام 1973. والدليل على ذلك حضوره اجتماعين للمجلس الأعلى للقوات المسلحة يومي 25 أكتوبر و21 نوفمبر 1973، واستمراره في العمل في مكتبه بالمركز 10. والتغيير الوحيد الذي جد على الموقف انه انطوى على نفسه داخل مكتبه، وأصبح لا يتدخل في شئون العمل بالقيادة الا اذا طلب منه ذلك. وقد نفى الشاذلي ما ذكره السادات عن عزله من منصبه يوم 21 أكتوبر، فسجل في الصفحة 295 من مذكراته ما يلي بالحرف:

"لو أن السادات قال بدلا من ذلك انني نويت ان أعزله لكان أقرب الى الصدق منه الى الكذب، لأن العزل معناه ألا يمارس الشخص أي عمل بعد عزله، ولكن الحقيقة كانت غير ذلك. فقد مكثت أمارس عملي حتى يوم 12 ديسمبر". ومن الثابت ان السادات عقب الأزمة التي وقعت في المركز 10 عقب عودة الشاذلي مساء يوم 20 أكتوبر من قيادة الجيش بالاسماعيلية وطلب سحب بعض القوات من شرق القناة الى غربها لمواجهة التهديد الاسرائيلي، لم يكف عن مهاجمة الشاذلي وانتقاد تصرفاته خلال الحرب سواء في مجالسه الخاصة أو في بعض أحاديثه الصحفية، حتى عندما كان الشاذلي لا يزال من الناحية الرسمية رئيسا للأركان.

وكانت احاديثه وتلميحاته فيما بعد الحرب، تدل بما لا يقبل الشك أنه يريد تحميله شخصيا مسئولية التعامل الخاطئ مع ثغرة الاختراق الاسرائيلية في الدفرسوار. وليس أدل على ذلك من حرصه الدائم على أن يسجل في كل أحاديثه الصحفية التي نشرت، وفي خطبه الرسمية التي أذيعت، وفي مذكراته التي صدرت، أنه قد أرسل الشاذلي الى الاسماعيلية يوم 16 أكتوبر للتعامل مع الثغرة، رغم أنه كان يعلم علم اليقين أن الشاذلي كان في هذا اليوم في القاهرة، وأنه لم يتوجه الى الاسماعيلية سوى يوم 18 أكتوبر، ولكن غرضه الخفي من ذلك كان أن يثبت ان الشاذلي بسبب تصرفاته الخاطئة قد مكن الاسرائيليين من توسيع الثغرة، وأن يحمله وحده مسئولية الفشل في تصفيتها يوم 16 أكتوبر رغم سهولة هذه العملية في ذلك التوقيت.

ونود في هذه المناسبة ان نوضح للقراء أن القوة الاسرائيلية التي عبرت من شرق القناة الى الضفة الغربية ليلة 15/16 أكتوبر ، كانت قوة ضعيفة تتكون من لواء مشاة من المظلات بقيادة العقيد داني مات و30 دبابة وبعض العربات المدرعة ذات نصف جنزير من اللواء المدرع بقيادة العقيد حاييم، وكلها تابعة للفرقة المدرعة بقيادة الجنرال أريل شارون. وكان القضاء عليها وتصفيتها عملية سهلة في بادئ الأمر، فقد ظلت القوة الاسرائيلية غرب القناة معزولة عن قواعدها شرق القناة، ما يقرب من 40 ساعة، وبدون أي تعزيزات اضافية لقوتها بناء على تعليمات الجنرال حاييم بارليف، انتظارا لاقامة الجسور الثابته عبر القناة. ونظرا لسوء الموقف التكتيكي لهذه القوة، فكر بعض القادة الاسرائيليين المسئولين عدة مرات في سحبها واعادته ثانية الى الضفة الشرقية للقناة، خوفا عليها من الابادة.

ولا يعني نفينا لوجود الفريق الشاذلي في مقر قيادة الجيش الثاني بالاسماعيلية يوم 16أكتوبر – تصحيحا للتاريخ – اننا نقصد اثبات انه لم يكن من ضمن المسئولين عن التعامل الخاطئ مع ثغرة الاختراق الاسرائيلية، التي اتسعت بسبب اخطاء القيادات المصرية، واستفحلت الى الدرجة التي لم تكن تخطر على بال أحد من القادة الاسرائيليين، حتى في أكثر أحلامهم تفاؤلا وأشدها جنونا. ان الشاذلي وغيره من القادة سواء في مقر قيادة الجيش الثاني بالاسماعيلية أو في بعض التشكيلات وغيره من القادة سواء في مقر قيادة الجيش الثاني بالاسماعيلية أو في بعض التشكيلات والوحدات التابعة لقيادته، أو في مقر القيادة العامة بالمركز 10 بالقاهرة، مسئولون بحكم مراكزهم القيادية عن نجاح هذه المغامرة الاسرائيلية المتهورة هذا النجاح المذهل، بينما لو كان تم التعامل معها بطريقة سليمة ووفقا للمبادئ التكتيكية الصحيحة لكان من المؤكد فشلها.

ماذا بيت السادات للشاذلي؟

لم تمض سوى أربعة أيام فقط على الصدام الذي وقع في المركز 10 ليلة 20/21 أكتوبر، حتى وقع صدام آخر عنيف بين الشاذلي والفريق أول أحمد اسماعيل. فقد اجتمع المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة أحمد اسماعيل يوم 25 أكتوبر لأول مرة منذ نشوب الحرب، وكان الموضوع الرئيسي الذي جرت مناقشته في الاجتماع، هو بحث امكانية فتح محور طريق السويس، ليكون طريق لامداد فرقتي النسق الأول للجيش الثالث المحاصرتين شرق القناة (الفرقة 19 مشاة بقيادة العميد أ. ح يوسف عفيفي، والفرقة 7 مشاة بقيادة العميد أ. ح أحمد بدوي) علاوة على السكان المقيمين بمدينة السويس. ونظرا لعدم امكان الوصول الى حل عملي، فقد انفض الاجتماع على أساس اجراء الدراسات اللازمة بطريقة عاجلة، اذ ان حصار الجيش الثالث ومدينة السويس، كانا أخطر أزمة تواجهها القيادتان السياسية والعسكرية عقب ايقاف القتال.

وفي الساعة الحادية عشرة صباح يوم 26 أكتوبر، حضر العميد أ. ح عبد العزيز قابيل قائد الفرقة 4 المدرعة الى المركز 10 يعرض نتيجة دراسته. وكانت النتيجة التي انتهى اليها العميد قابيل في تقريره، هي استحالة فتح الطريق لعدم توافر الوحدات الكافية، والتي تستلزم هذه العملية، نظرا لانها تحتاج الى تأمين منطقة مقدراها 5 كيلو مترات جنوب وشمال هذا الطريق، اذ كلما استولت قوات الفرقة على هيئة أرضية تسيطر على منطقة لابد من تسليمها الى قوات أخرى لكي تحتلها وتسيطر عليها، وهو الأمر الذي يحتاج الى تخصيص فرقة مشاة كاملة الى جانب الفرقة 4 المدرعة لكي تقوم بالسيطرة على هذه الهيئات الأرضية حتى قناة السويس. وعندما شعر العميد قابيل أن الفريق أحمد اسماعيل لا يبدو عليه الاقتناع بما ورد في الدراسة التي تضمنها تقريره، قال له في انفعال : "انني وضباط وجنود الفرقة جميعا مستعدون للقيام بهذه العملية الانتحارية، ولكني لا أعتقد أننا سننجح في فتح الطريق الى القوات المحاصرة بعد ذلك كله. واذا دمرت هذه الفرقة فسيكون الطريق مفتوحا أمام العدو الى القاهرة".

وعندما ادرك احمد اسماعيل حقيقة الوضع، خطرت له فكرة اشد في غرابتها وأصعب في تنفيذها من الفكرة الأولى وهي أن تتولى الفرقة 4 المدرعة حماية أرتال ادارية تتحرك من القاهرة الى الجيش الثالث عبر المسالك والدروب الثانوية غير المطروقة. وكانت الفكرة الجديدة لا يمكن تنفيذها من الناحية الواقعية، اذ ان امدادات القوات المحاصرة لمدة يوم واحد – وفقا للكميات التي قدرت – تحتاج الى 100 عربة مجنزرة على الاقل ليمكنها التحرك عبر الاراضي المفتوحة الوعرة ومجاري السيول، التي لابد ان تمر في النهاية خلال المناطق التي يسيطر عليها العدو غرب القناة. ونظرا للتفوق الجوي الاسرائيلي، فقد كان من المنتظر اكتشاف هذه التحركات، وتدمير الارتال الادارية والدبابات التي تتولى حمايتها.

ورغم اعتراض الشاذلي على هذه الفكرة التي اقترحها القائد العام، والتي اعتبرها من وجهة نظره مغامرة من المؤكد فشلها، ولن تؤدي الا الى تدمير الفرقة 4 المدرعة، فان أحمد اسماعيل لم يكتف بالاصرار على تنفيذ فكرته، بل طلب من الشاذلي ان يصدر أمرا كتابيا الى قائد الفرقة بتنفيذ هذه المهمة. وعندما رفض الشاذلي اصدار مثل هذا الأمر، رد عليه أحمد اسماعيل بغضب: "أنا لا أفهم ماتريد بالضبط؟ هل تريد لهؤلاء الرجال المحاصرين أن يستسلموا؟". وأجابه الشاذلي على الفور: "أنا لا أريد ذلك بالطبع، ولكن في الوقت نفسه لا أريد أن نفقد الفرقة الرابعة المدرعة دون أن يحدث أي تغيير في الموقف". فرد أحمد اسماعيل في تحد:"اذا لم توقع على الأمر للفرقة الرابعة لتنفيذ هذه المهمة، فسوف أقوم باخطار الرئيس بذلك"، وأجابه الشاذلي في هدوء: "يمكنك أن تفعل ذلك بكل تأكيد". ولم يجد أحمد اسماعيل مناصا من ان يوقع الأمر بنفسه ومن أن يسلمه الى العميد قابيل.

ومن حسن الحظ ان هذه المهمة الانتحارية قد تم الغاؤها بسبب الاقتناع اخيرا باستحالة تنفيذها من جهة، ولأن الدولتين العظميين من جهة أخرى تدخلتا في هذا الموضوع تدخلا مباشرا، وقامتا بالضغط على اسرائيل حتى اضطرت اخيرا الى الاذعان. وفي 11 نوفمبر 73 وعقب توقيع اتفاقية النقاط الست بين مصر واسرائيل في محادثات الكيلو متر 101، تقرر السماح لقوافل الامدادات التي لا تحمل مواد عسكرية بالوصول الى الجيش الثالث شرق القناة، والى مدينة السويس.

وفضل عن هذا الصدام الذي جرى بين الشاذلي واحمد اسماعيل، بدأ السادات قبل أن يمر شهر واحد على وقف اطلاق النار في الكشف عن نواياه المبيتة تجاه الشاذلي، وهي محاولة تحميله وحده مسئولية التعامل الخاطئ مع ثغرة الاختراق، مما أدى الى حصار الجيش الثالث ومدينة السويس. وقد سجل الشاذلي وفي الصفحة 293 من مذكراته ما يثبت هذا الرأي فقال:

"في يوم 21 نوفمبر 73 وأثناء اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة السادات، وخلال الاجتماع وبطريقة عفوية، قال الرئيس وهو يستعرض أحداث الحرب "انها ليلة واحدة هي السبب في المشكلات كلها التي حدثت. تلك هي ليلة 18/19 أكتوبر. لو أننا عملنا بحسم وقوة خلال تلك الليلة لقضينا على الثغرة. انها تلك الليلة التي كنت فيها يا سعد في الجيش الثاني". لقد فهمت بسرعة ماذا يقصد الرئيس من وراء هذا،وتعجبت لماذا يختار هذه الليلة بالذات. تدخلت بسرعة قائلا: "سيادة الرئيس لقد بذل رجال الجيش الثاني أقصى ما يمكن عمله خلال تلك الليلة". فرد قائلا: "بعد أن تنتهي الحرب سوف نقوم بتحقيق لتحديد المسئولية عن عملية اختراق الدفرسوار". فقلت به بصوت لم أستطع أن أخفي ما فيه من ثقة وتحد: "فعلا يجب أن نحدد من هو المسئول!!". وبعد أن انتهى الاجتماع رافقته أنا والوزير الى عربته كما هي العادة.

وبعد أن غادر الرئيس مبنى القيادة، وفي أثناء عودتنا الى الداخل، قال لي الوزير: "كيف تخاطب الرئيس بهذا الشكل؟ ولماذا تأخذ كلام الرئيس على أنه اتهام لك؟ هل أنت قائد الجيش الثاني؟ اذا كانت هناك مسئولية فهي مسئولية الجيش الثاني". قلت له: "ان مجرد وجودي في الجيش الثاني يجعلني مسئولا عن كل ما يقوم به الجيش من أعمال. لقد وافقت وشاركت في كل قرار اتخذ في الجيش، خلال الأربع والعشرين ساعة التي عشتها معه".

وبعد أن انفض الاجتماع، استدعيت اللواء عبد المنعم خليل قائد الجيش الثاني، وقلت له: يا عبد المنعم، اني اشم رائحة الخيانة والغدر. يبدو أنهم يبحثون عن شخص يلقون عليه أوزار اخطائهم كلها. كن حذرا وحافظ على وثائق الجيش حتى لا يقوم أحد بسرقتها أو تزويرها". انتهت أقوال الشاذلي.

لماذا الاصرار على تزوير التاريخ؟

ان السر الغامض الذي ما زال ينتظر من يكشف عنه الستار حتى اليوم، هو اتفاق السادات في كتابه "البحث عن الذات" والشاذلي في مذكراته على أن الشاذلي عاد من الاسماعيلية مساء يوم 19 أكتوبر 73 على الرغم من أن كليهما على يقين من أن عودته كانت مساء يوم 20 أكتوبر. ولا يمكن بالطبع ان تكون المصادفة وحدها قد لعبت دورها في هذا الخطأ المتعمد من الطرفين. ولذا فان الأمر المنطقي ان كلا منهما كان يرمي من وراء ذلك التغيير المقصود الى هدف خفي يحقق له مزية معينة يعلمها وحده على سبيل اليقين. ورغم أن الخطأ في تغيير التاريخ كان واحدا بالنسبة للطرفين، الا أنه من المؤكد أن الهدفين بالنسبة لهما مختلفان. ان الفريق الشاذلي الذي اشتهر بالدقة والنظام، لا يمكن أن نصدق أن الأمر قد اختلط عليه، فلم يعد يعرف ان كان قد أمضى في الاسماعيلية ليلة أو ليلتين، ولم يعد يدري ان كان قد تولى قيادة الجيش الثاني لمدة 24 ساعة، أو لمدة 44 ساعة خاصة في ظل الوقائع الخطيرة والأحداث المريرة، التي وقعت خلال توليه المسئوية قيادة هذا الجيش، والتي بالتأكيد سوف تظل محفورة في ذاكرته الى آخر يوم في حياته.

وما دام قد سجل في مذكراته التاريخ الصحيح لذهابه الى الاسماعيلية، وهو يوم 18 أكتوبر، فلماذا يخطئ يا ترى في تسجيل التاريخ الصحيح لعودته؟ ومن المعروف أن الشاذلي كان من عادته – خاصة أيام الحرب – أن يحمل معه مفكرة صغيرة يسجل فيها أهم ما يصادفه من أحداث، وما يجريه من اتصالات ولقاءات، وما يقوم به من خواطر وأفكار، لكي يستعين بها بعد ذلك في تدوين مذكراته الخاصة. وقد ثبت بالفعل أنه دون هذه المذكرات، لأنه أصدرها بعد حرب أكتوبر بحوالي سبع سنوات في كتاب عن طريق احدى دور النشر العربية، وذلك في باريس عام 1980.

وقد اعترف الشاذلي في الصفحة 286 من مذكراته بأنه في يوم 12 ديسمبر 73، ونظرا للشكوك التي كانت تساوره عما يدور حوله، أخذ معه قبل أن يغادر المركز 10 كل أوراقه المهمة ومذكراته الخاصة، ونقلها الى منزله. وقد اتضح له بعد ذلك أن شكوكه كانت في محلها. فقد استدعاه احمد اسماعيل في تلك الليلة الى مكتبه بالوزارة، وأبلغه قرار رئيس الجمهورية بتنحيته عن منصب رئيس الأركان، وتعيينه سفيرا بوزارة الخارجية. وعبر الشاذلي عن ابتهاجه عندما ذهب الى مكتبه بالمركز 10 بعد بضعة أيام، ليجمع ما تبقى من أوراقه التي لم يكن لها في نظره أي أهمية ، فاكتشف انه قد تم الاستيلاء عليها. وبهذا الاعتراف لا يستطيع الشاذلي الادعاء بأنه أخطأ في تحديد موعد عودته من الاسماعيلية، لأن مذكراته الشخصية أو أوراقه قد اختفت.

ان سجلات الحرب ووثائقها، وشهادات القادة الذين حضروا مع الشاذلي في أثناء وجوده بمقر قيادة الجيش الثاني بالاسماعيلية، تجمع على أنه غادر الاسماعيلية حوالي الساعة الواحدة والنصف بعد ظهر يوم 20 أكتوبر، فلماذا اذن هذا الاصرار من الشاذلي على أنه غادرها يوم 19 أكتوبر؟ هل يكون السر في ذلك أنه أراد أن يقلل ما استطاع من الفترة الزمنية التي تولى خلالها مسئولية قيادة الجيش الثاني ، ويقلل تبعا لذلك من حجم المسئولية التاريخية التي يتحملها عن الاحداث التي جرت في أثناء وجوده، لتصبح 24 ساعة فقط بدلا من 44 ساعة؟ ان الشاذلي كما راينا عندما قال له أحمد اسماعيل، عقب انتهاء الاجتماع الذي عقده المجلس الأعلى للقوات المسلحة يوم 21 نوفمبر: "لماذا تأخذ كلام الرئيس على أنه اتهام لك؟ هل أنت قائد الجيش الثاني؟ اذا كانت هناك مسئولية فهي مسئولية الجيش الثاني". قد رد عليه قائلا: "ان مجرد وجودي في الجيش الثاني يجعلني مسئولا عن كل ما يقوم به الجيش من أعمال، لقد وافقت وشاركت في كل قرار اتخذ في الجيش خلال الأربع والعشرين ساعة التي عشتها بينهم".

ان الحقيقة التي تثبتها سجلات الحرب بالجيش الثاني، هي أن الفريق الشاذلي حالما وصل الى مركز القيادة المتقدم للجيش الثاني بالاسماعيلية في الساعة الخامسة مساء يوم 18 أكتوبر، قال لقائد الجيش اللواء أ. ح عبد المنعم خليل: "الرئيس السادات طلب مني الحضور الى الجيش الثاني وتولى المسئولية". وفي الحال تخلى اللواء عبد المنعم عن زمام القيادة وجلس بجواره في ملجأ القيادة لمعاونته في مهمته. ومن مراجعة سجل اشارات ومكالمات الجيش الثاني ، في المدة من 18 إلى 20 أكتوبر، يتضح لنا ان الشاذلي كان هو القائد الفعلي للجيش خلال هذه المدة،وبذا لا يكون – كما ذكر لأحمد اسماعيل – قد وافق وشارك فقط في القرارات التي اتخذت في اثناء وجوده، بل الصواب انه هو وحده الذي أصدر الأوامر والتعليمات واتخذ القرارت ليس فقط خلال الأربع والعشرين ساعة التي عاشها بالجيش الثاني، بل خلال الأربع والأربعين ساعة التي عاشها هناك.

ومن العجيب أن الاحداث المثيرة التي جرت في المركز 10 عقب عودة الشاذلي من الاسماعيلية مساء يوم 20 أكتوبر، قد اصر الرئيس الراحل السادات هو الآخر على تغيير موعدها، فسجل في كتابه "البحث عن الذات" أنها وقعت مساء يوم 19 أكتوبر. ولسنا في حاجة الى ان نعيد سرد هذه الاحداث مرة أخرى، فقد سبق لنا نشر تفاصيلها نقلا عن اقوال السادات والشاذلي. ان فقرة واحدة هي التي تهمنا ان نعيد نشرها من أقوال السادات، اذ ربما تكشف لنا السر الذي نريد التوصل اليه بشان هذه الظاهرة العجيبة التي شهدناها.. ظاهرة تغيير التواريخ وتبديل المواعيد. يقول السادات في هذه الفقرة ما يلي: "بعد ما اتضح لي الموقف جمعت القادة كلهم، وكان معي الفريق احمد اسماعيل القائد العام والفريق الجمسي قائد العمليات والفريق حسني مبارك والفريق محمد علي فهمي قائد سلاح الصواريخ، وكانوا جميعا من رأيي، وهو أنه لم يحدث شيء يستدعي القلق، فأعطيت الأمر الذي اعتبره اهم من قرار 6 أكتوبر بألا ينسحب جندي واحد ولا بندقية واحدة ولا أي شي على الاطلاق من شرق القناة، وأنه علينا ان نتعامل مع الغرب حسب الاوضاع الموجودة". ان السر في التغيير الذي أجراه السادات في موعد عودة الشاذلي من الاسماعيلية ، ليست له اي علاقة بشخص الشاذلي نفسه، وانما يتعلق بالاحداث التي جرت في المركز 10 بعد وصول الشاذلي من الاسماعيلية، والتي يهم السادات لغرض في نفسه، أن يسجل أنها جرت في ساعة متأخرة من يوم 19 أكتوبر.

ان عبارة واحدة فقط في هذه الفقرة هي التي تكشف لنا الستار عن ذلك اللغز الغامض، الذي نتلهف جميعا للوصول الى مكنون سره. هذه العبارة هي أن الامر الذي اعطاه السادات بعد اجتماعه والقادة في المركز 10 بالا ينسحب جندي واحد ولا بندقية واحدة من شرق القناة، وان نتعامل مع الغرب حسب الاوضاع الموجودة، كان من وجهة نظره أهم من قرار حرب 6 أكتوبر. ولا شك في أن من يعلم مدى الفخار الذي يشعر به السادات بسبب اصداره قرار الحرب في 6 أكتوبر، والذي يعتبر بلا شك أشجع قرار كان يمكن لاي رئيس مصري ان يتخذه، يمكن أن يدرك على الفور مقدار الفخر والاعتزاز الذي كان السادات يشعر به نحو قراره، بعدم سحب جندي واحد ولا بندقية واحدة من شرق القناة.

وبسبب هذا القرار الشجاع في 6 أكتوبر، اهتم السادات بالطبع أشد الاهتمام بالا يشوب هذا القرار شائبة تقلل من عظمته، أو تضعف من أهميته، أو تنقص من مقداره. ان صدوره يوم 19 أكتوبر يحقق له بلا شك كل هذه المعاني السامية، ويسجل للسادات في التاريخ مجدا ثانيا بعد المجد الأول، الذي ناله عن جدارة بقرار الحرب في 6 أكتوبر. أما اذا ذكرت الحقيقة وعرف الناس أن هذا القرار صدر ليلة 20/21 أكتوبر، فالأمر عندئذ مختلف، فلسوف يخبو المجد وسوف تتضائل العظمة، اذ ان ذلك يعني أن السادات قد اتخذ هذا القرار، وهو يعلم أن الدكتور هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي موجود في هذا الوقت في موسكو. لقد سافر كيسنجر صباح يوم 20 أكتوبر بالطائرة من واشنطن الى العاصمة السوفيتية، بناء على طلب وجهه الرئيس السوفيتي بريجنيف الى الرئيس الأمريكي ريتشاد نيكسون في يوم 19 أكتوبر، لكي يرسل وزير خارجيته الى موسكو. وقد وافق نيكسون على هذا الطلب، وارسل كيسنجر في اليوم التالي لكي يلتقي بالرئيس السوفيتي. وأبلغ السفير السوفيتي بالقاهرة الرئيس السادات يوم 20 أكتوبر بأمر المحادثات التي يجريها بريجنيف وكيسنجر في موسكو، للاتفاق على مشروع امريكي سوفيتي مشترك بوقف اطلاق النار لتقديمه بصورة عاجلة الى مجلس الامن لاصداره. وقد اجتمع مجلس الأمن بالفعل مساء يوم 21 أكتوبر، واصدر القرار رقم 338 في الساعة السابعة من صباح يوم 22 أكتوبر بتوقيت شرق البحر المتوسط بوقف اطلاق النار في الساعة السادسة والدقيقة الثانية والخمسين من مساء نفس اليوم.

وقد سجل السادات في الصفحتين 274 و275 من كتابه "البحث عن الذات" الخطوات المهمة التي اتخذها بعد اجتماعه مع القادة، وعقب عودته من المركز 10 الى قصر الطاهرة، فقال ما يلي: "في هذه الليلة اتخذت القرار بوقف اطلاق النار، فقد كان لي عشرة أيام أحارب فيها أمريكا وحدي. في يوم 19 أكتوبر بعد اجتماعي بالقادة، عدت الى قصر الطاهرة، وبدأت في الحال تنفيذ قراري. طلبت منهم أن يستدعوا لي السفير السوفيتي، والى أن حضر كتبت برقية الى الرئيس الأسد قلت فيها انني قبلت وقلبي ينزف دما وقف اطلاق النار، لأني مستعد أن أحارب اسرائيل مهما طال الوقت، لكنني غير مستعد على الاطلاق لمحاربة أمريكا، كما أني لا أسمح بأن تدمر قواتي المسلحة مرة أخرى، أو أن يدمر شعبنا ومنشآته. وفي آخر البندقية قلت له: أنني مسئول عن هذا القرار يحاسبني عليه الشعب في مصر وتحاسبني عليه أمتنا العربية.

وجاء السفير السوفيتي فقلت له: "لقد قبلت وقف اطلاق النار على الخطوط الحالية". واستأنف حديثي مع السفير وقلت له: "الدولتان العظيمتان يجب أن تضمنا وقف اطلاق النار، والتنفيذ الفوري للقرار 242".

ان العبارات التي تضمنتها الفقرة السابقة لا تدع مجالا للشك في استحالة وقوعها يوم 19 أكتوبر كما سجل السادات، اذ ان قرار وقف اطلاق النار ليس قرارا داخلية محليا لا يحتاج اتخاذه الا لأمر يصدره السادات، كما يفهم من قوله أنه اتخذ القرار وبدأ في تنفيذه في الحال، اذ ان مثل هذا القرار يرتبط بالموقف الدولي وبموقف القوتين العظميين، وبمدى استعداد اسرائيل للخضوع للقرار. ولم يكن أمرا منطقيا أن يتعجل السادات ويرسل برقية الى شريكه في الحرب الرئيس السوري حافظ الأسد – قبل وصول السفير السوفيتي – ليخطر الرئيس الأسد بقبوله وقف اطلاق النار إلا وهو على ثقة كاملة بان مجلس الامن يوشك أن يصدر قراره بوقف اطلاق النار ، وأن اسرائيل سوف تتقبل هذا القرار، والا ماذا كان سيصبح موقفه أمام الرئيس السوري لو ارسل البرقية ثم فشلت مساعيه من أجل وقف اطلاق النار؟

ان العبارة التي قالها السادات للسفير السوفيتي تفسر الموقف بوضوح. فقد قال له حال وصوله انه قبل وقف اطلاق النار على الخطوط الحالية وعلى القوتين العظميين ضمان ذلك. ولا تعني هذه العبارة سوى أن السادات يوافق على عرض سبق تقديمه اليه على مشروع مشترك اتفقت عليه الدولتان العظميان لوقف اطلاق النار. ان هذه الاحداث كلها لا يمكن وقوعها الا بعد وصول كيسنجر الى موسكو، وما دام كيسنجر لم يصل بطائرته الى موسكو الا مساء يوم 20 أكتوبر، فتكون كل الأحداث التي جرت في المركز 10 ثم في قصر الطاهرة قد جرت ليلة 20/21 أكتوبر على وجه اليقين.

ما القوات التي طالب الشاذلي بسحبها؟

كانت نقطة الخلاف الأساسية التي تسببت في الأزمة الحادة التي تفجرت بين الرئيس الراحل السادات، والفريق سعد الشاذلي، رئيس الأركان ليلة 20/21 أكتوبر، هي الاقتراح الذي تقدم به الشاذلي الى القائد العام الفريق أول أحمد اسماعيل عقب عودته من الاسماعيلية مساء يوم 20 أكتوبر عندما اجتمعنا معا في المركز 10 لبحث الموقف المتدهور غرب القناة، وكان مضمونه هو سحب بعض القوات من شرق القناة الى الغرب لمواجهة التهديد الاسرائيلي غرب القناة.

ان هذا الخلاف الحاد الذي جرى في المركز 10 لم يكن في واقع الأمر سوى صراع بين وجهتي نظر مختلفتين: احداهما وجهة نظر عسكرية كان يمثلها الفريق الشاذلي، وكان هدفها التعامل مع الموقف من منظور عسكري بحت، وهو سرعة تكوين احتياطي غرب القناة للقيام بهجوم مضاد عاجل على قوات العدو المدرعة غرب القناة لتدميرها، وبهذا تتم تصفية ثغرة الاختراق الاسرائيلية او على أسوأ الفروض حصرها وتضييق نطاقها.

وكانت الثانية وجهة نظر سياسية كان يمثلها الرئيس الراحل السادات، وكان هدفها التعامل مع الموقف من منظور سياسي بحت، وهو ضرورة بقاء كل جندي وكل سلاح تم عبوره الى شرق القناة في مكانه – مهما حدث غرب القناة – لتكون القوات المصرية شرق القناة بمثابة ورقة رابحة في يد المفاوض المصري خلال المفاوضات السياسية الوشيكة الوقوع، لحل مشكلة الشرق الأوسط، وفقا للوعود الأمريكية التي تلقاها الرئيس .. وكانت هذه النظرية تتماشى تماما مع المقولة المأثورة عن الرئيس، والتي كان يرددها دائما أمام القادة المصريين خلال اجتماعاته معهم قبل الحرب، وهي أنه لو أمكنهم عبور القناة والسيطرة ولو على متر واحد فقط شرقها، لأمكنه تحريك الموقف الذي تجمد وحل القضية سياسيا.

ومما يؤسف له ان هذا الاختلاف بين وجهتي النظر تحول من محض خلاف عادي بين رأيين، كان كل منهما يعتقد أنه على صواب الى عداء شخصي عنيف، انقلب في آخر الأمر الى تراشق حاد بالتهم بشكل لم يسبق له مثيل. وتبعا لذلك، حاولت السادات في جميع خطبه التي أذيعت وأحاديثه التي نشرت عن حرب أكتوبر، اتهام الشاذلي بأنه كان يريد سحب جميع القوات المصرية التي في شرق القناة الى الغرب. ويبدو هذا بوضوح في الصفحة 273 من كتابه "البحث عن الذات"، فقد ذكر فيها ما يلي بالحرف:

"في يوم 19 أكتوبر (التاريخ الصحيح هو 20 أكتوبر، كما أثبتنا ذلك بالدليل القاطع في الصفحات السابقة) عاد الشاذلي منهارا، وقال لابد أن نسحب قواتنا في شرق القناة لان الغرب مهدد، وكان هذا لو تم ما يريده الاسرائيليون". وقد نفى الشاذلي هذا الاتهام نفيا باتا، فذكر في الصفحة 268 من مذكراته ما يلي بالحرف: "يدعي السادات في مذكراته أنني عدت من الجبهة منهارا في يوم 19 أكتوبر، وأنني طالب بسحب قواتنا في شرق القناة لأن الغرب مهدد، ويؤسفني أن أقول ان هذا ادعاء رخيص. لقد كنا تسعة أشخاص (يقصد السادات، وأحمد اسماعيل، وعبد الفتاح عبد الله، وسعد الشاذلي، ومحمد علي فهمي، وحسني مبارك، وعبد الغني الجمسي، وسعيد الماحي، وفؤاد نصار) مات واحد (كان يقصد المرحوم أحمد اسماعيل، ولكن ما أيضا عقب نشر مذكرات الشاذلي عام 1980 الرئيس الراحل السادات والمرحوم عبد الفتاح عبد الله وزير شئون رئاسة الجمهورية وقتئذ والذي حضر الاجتماع برفقة السادات) ، وأني اتحدى اذا كان أحد من هؤلاء الأحياء يستطيع أن يشهد بصدق ما يدعيه السادات. لقد طالبت حقا بسحب جزء من قواتنا في الشرق الى الغرب".

ولقد حدد الشاذلي بدقة ووضوح القوات التي كان يطالب بسحبها من شرق القناة الى الغرب في فقرتين من مذكراته، فقال في الصفحة 226 ما يلي: "كان من رأيي أن سحب هذه الألوية المدرعة من الشرق في خلال الأربع والعشرين ساعة التالية، لن يؤثر في سلامة خطوطنا ومواقعنا في الشرق، وسوف يزيد من قدرتنا على مقابلة تهديد العدو لنا في الغرب". وعاد في الصفحة 297 من مذكراته فحدد بأسلوب أكثر دقة الألوية الأربعة التي يقصدها فقال: "لو أن السادات وافق على اقتراحي بسحب هذه الألوية الأربعة – ثلاثة من الجيش الثاني بالشرق وواحد من الجيش الثالث في الشرق – في ليلة 19/20 أكتوبر ، لظهر أثر ذلك في القتال صباح يوم 21 أكتوبر، ولكان في امكاننا ضرب الثغرة يوم 21 و22 أكتوبر، وفي أسوأ الظروف يمكن تضييقها. ولو حدث وتوقف القتال وتلك الألوية الأربعة حول الثغرة، لما استطاع العدو أن ينتهك وقف اطلاق النار يوم 23 أكتوبر، ولو انتهكه لكنا قادرين على صده وتدميره. ان مسئولية حصار الجيش الثالث يوم 23 أكتوبر تقع أولا وأخيرا على الرئيس السادات، وهو يحاول أن يهرب منها، ولكن هيهات هيهات".

واذا ما ناقشنا الأقوال التي سردناها آنفا والتي أوردها السادات والشاذلي في مذكراتهما، فسوف نكتشف على الفور مدى ما ألحقته العداوة والخصومة الشخصية المتبادلة بينهما من أضرار بالغة بالطرفين. فلقد تبارى كل منهما في أن يكيل للآخر سيلا من التهم والانتقادات المريرة عن تصرفاته في أثناء حرب أكتوبر، خاصة في المرحلة الأخيرة منها عقب حدوث ثغرة الاختراق في الدفرسوار وبعد العبور الاسرائيلي الى الضفة الغربية للقناة. ولا شك في أن بعض هذه التهم باطلة من أساسها ولا سند لها من الواقع، وليست الا محض افتراءات ظالمة. فليس من المعقول أن يطالب الشاذلي رغم ما يتمتع به من خبرة فنية وثقافة عسكرية متميزة بسحب جميع القوات المصرية للقناة كي تصبح صيدا سهلا لا تلبث ان تفتك به القوات المدرعة الاسرائيلية، وكي تغدو فريسة سائغة للطيران الاسرائيلي الذي كان يملأ سماء المنطقة وقتئذ فيتم له تدميرها وتشتيت شملها. ان أي فرد – سواء كان مدنيا أو عسكريا – لديه أي قدر من التفكير المنطقي، لابد أن يدرك أن سحب القوات المصرية بأكملها (من أفراد ودبابات وعربات وذخائر وأسلحة ومعدات) من شرق القناة، في ظل الظروف العسكرية المتحرجة وقتئذ، وفي ظل السيطرة الجوية الاسرائيلية ، كان لا يعني الا تعريض هذه القوات لخطر الانهيار التام، وتحويل عملية سحبها من الشرق الى الغرب الى حالة عارمة من الذعر والفوضى، مما لابد أ ينتهي بهزيمة شائنة أثقل وطأة وأشد هولا من هزيمة يونيو 1967.

وفي نفس الوقت، فاننا نرى أنه من الظلم والاجحاف أيضا أن يلقي الشاذلي بمسئولية حصار الجيش الثالث على عاتق السادات وحده، وأن يعتبر المسئول الأول والأخير عنها كما ورد في أقواله. ولا شك في أن السادات باعتباره ممثلا للقيادة السياسية، يتحمل جانبا من هذه المسئولية، ولكن لا يمكن بالطبع اعفاء القيادة العسكرية من مسئوليتها الجسيمة، اذ انها هي التي كانت تخطط وتدير العمليات الحربية، وتتخذ القرارات وتصدر الأوامر والتعليمات للقيادات والتشكيلات.

بقى أن نناقش الاقتراح الذي تقدم به الشاذلي عقب عودته من الاسماعيلية يوم 20 أكتوبر، والذي كان سببا في اثارة تلك الأزمة الحادة التي نشبت في المركز 10 ، والتي انتهت بتنحيته عن رئاسة الأركان. ان الشاذلي وفقا لما ورد في مذكراته اقترح سحب أربعة ألوية مدرعة من شرق القناة الى الغرب، لمواجهة القوات المدرعة الاسرائيلية، التي اندفعت من ثغرة الاختراق بالدفرسوار واتجهت شمالا على محور الاسماعيلية جنوبا على محور السويس. ان فكرة سحب بعض الألوية من شرق القناة الى الغرب من الوجهة التكتيكية هي فكرة سليمة بلا شك من حيث المبدأ – بصرف النظر عن امكان تحقيقها من الناحية الواقعية أو تعذر تنفيذ ذلك – اذ انها أسلوب من أساليب استخدام القوات المدرعة ومحاولة لاستغلال خصائصها الأساسية، وهي خفة الحركة والقدرة على المناورة. ولا يمكن أن نعتبر أن سحبها الى الغرب يعد انسحابا، ما دام ذلك سوف يتم تحت السيطرة الكاملة ودون تدخل العدو.

لقد كان أحد العوامل الرئيسية في الاعتراض على اقتراح الشاذلي هو الخشية من أن يتحول السحب الى انسحاب مذعور، بسبب ما سوف تحدثه عملية السحب من خفض في الروح المعنوية لدى القوات الأخرى، واحتمال اساءة فهم الغرض منها، مما قد يدفع باقي القوات الى محاكاتها، ومحاولة العبور بالتالي الى الغرب، وهو الأمر الذي لابد أن يؤدي في النهاية الى الفوضى والانهيار. لكن هذا الاعتراض مردود عليه، فلقد تم بالفعل سحب بعض الوحدات من قطاع الجيش الثالث من الشرق الى الغرب لتقاتل ضد العدو غرب القناة مع تشكيلاتها الأصلية، ورغم ذلك لم يحدث اي انهيار او فوضى بالنسبة لباقي القوات، لأن عملية السحب تمت بنظام وتحت السيطرة. لقد عبر اللواء الأول مشاة ميكانيكي الذي كان متمركزا في قطاع الفرقة 19 مشاة الى غرب القناة صباح يوم 20 أكتوبر للانضمام الى تشكيله الأصلي (الفرقة 6 مشاة ميكانيكية) ، وفي يومي 19 و20 أكتوبر عبر ايضا اللواء الثالث المدرع الذي كان يعمل كاحتياطي في يد قائد الجيش الثالث شرق القناة الى الغرب للانضمام الى تشكيله الاصلي (الفرقة 4 المدرعة) ، كما عبرت يوم 22 أكتوبر كتيبة مدرعة من اللواء 22 المدرعة الذي كان تحت قيادة الفرقة 19 مشاة الى الغرب للانضمام الى تشكيلها الاصلي (الفرقة 6 مشاة ميكانيكية) ، فهل بعد ذلك يحتاج الامر الى دليل أو الى شرح أو بيان؟

ولقد اتضح ان القيادة الجنوبية الاسرائيلية قد لجأت هي الأخرى الى نفس الأسلوب، الذي كان يقترحة الشاذلي، وهو سحب بعض القوات من ضفة القناة الى الضفة الاخرى. ومن العجيب ان ذلك الامر قد جرى في نفس التوقيت تقريبا، أي بعد حدوث ثغرة الاختراق والعبور الاسرائيلي الى غرب القناة، وان كان الاختلاف الوحيد بالطبع هو اتجاه سحب القوات، فقد كان بالنسبة للقيادة الاسرائيلية من غرب القناة الى الشرق، ففي يوم 20 أكتوبر أصدر الجنرال جونين قائد القيادة الجنوبية الاسرائيلية امره الى الجنرال اريل شارون قائد الفرقة المدرعة، التي كانت تعمل غرب القناة على محور الاسماعيلية بان يسحب أحد الويته المدرعة (لواء آمنون) من غرب القناة وأن يعبر هذا اللواء المدرع الى الشرق، للاشتراك في الهجوم الذي سيوجهه ضد راس كوبري الفرقة 16 مشاة المصرية، بهدف توسيع الثغرة شمالا حتى الطريق الأوسط (طريق الاسماعيلية شرق الطاسة).

موقف الألوية المدرعة في رأس الكوبري الموحد

عندما قامت الفرقة 16 مشاة (الجناح الايمن للجيش الثاني) بقيادة العميد أ. ح عبد رب النبي حافظ بعبور قناة السويس يوم 6 أكتوبر، كان من ضمن الوحدات الموضوعة تحت قيادتها اللواء 14 المدرع (أحد اللواءين المدرعين بالفرقة 21 المدرعة واللواء الآخر هو اللواء الأول المدرع) . وكانت الفرقة 21 المدرعة بقيادة العميد أ. ح ابراهيم العرابي متمركزة غرب القناة جنوب ترعة الاسماعيلية وتعمل كنسق ثاني للجيش الثاني الميداني. وفي ليلة 6/7 أكتوبر ، عبر اللواء 14 المدرع قناة السويس، واحتل موقعه شرق القناة شمال سرابيوم داخل راس كوبري الفرقة 16 مشاة الذي يمتد من الدفرسوار جنوبا حتى الطريق الأوسط (طريق الاسماعيلية شرق-الطاسة) شمالا.

وفي ليلة 12/13 أكتوبر عبر اللواء الأول المدرع القناة الى راس كوبري الفرقة 16 مشاة، بعد أن صدرت أوامر القيادة العامة بدفع الفرقة 21 المدرعة صباح يوم 14 أكتوبر بتطوير الهجوم شرقا على محور الطريق الأوسط للوصول الى الطاسة، وتم اشتراك اللواءين الأول و14 المدرعين في عملية تطوير الهجوم كنسق أول للفرقة 21 المدرعة.

وعلى أثر فشل عملية التطوير بعد أن فقد اللواءان المدرعان حوالي 50% من دباباتهما، أصدرت قيادة الجيش الثاني أوامرها مساء يوم 14 أكتوبر بعودة وحدات الفرقة 21 المدرعة الى راس كوبري الفرقة 16 مشاة، لتدعيم الدفاع عن راس الكوبري والقيام بعملية اعادة التجميع كي يمكن للفرقة استعادة كفاءتها القتالية. وأصدر العميد أ. ح ابراهيم العرابي أمره بتمركز اللواء الأول المدرع (اصبح عدد دباباته 66 دبابة) في منطقة محطة 3 الاسماعيلية شرق، بواجب صد الاختراق وتمركز اللواء 14 المدرع (أصبح عدد دباباته 39 دبابة) في منطقة غرب أبو وقفة بواجب تدعيم لواء اليسار من الفرقة 16 مشاة.

ونظرا لان العدو كان قد خطط للقيام بعملية عبور القناة ليلة 15/16 أكتوبر من منطقة الدفرسوار الى الضفة الغربية، فقد تعرضت قوات الفرقتين 16 مشاة و21 المدرعة داخل راس الكوبري الذي أصبح يطلق عليه اسم راس الكوبري الموحد لقصف عنيف من مدفعية الميدان والمدفعية بعيدة المدى من عيار 155 مم و175 مم) ولغارات جوية مركزة طوال يوم 15 أكتوبر منذ الساعة الخامسة صباحا حتى آخر ضوء. وزاد من حجم الخسائر في الأفراد والأسلحة والمعدات، تكدس الفرقتين (المشاة والمدرعة) في راس كوبري واحد ضيق. وكانت ساحة العبور الاسرائيلية شرق القناة عند الدفرسوار تقع على مسافة قريبة من الجنب الايمن لراس الكوبري الموحد حيث توجد المواقع الدفاعية للواء 16 مشاة، ولذا كان ضمن الخطة الاسرائيلية تركيز الهجمات على مواقع اللواء 16 مشاة، لتدميره او ارغامه على الانسحاب واخلاء مواقعه بهدف تأمين ساحة العبور وتوسيع ثغرة الاختراق حتى شمال قرية الجلاء والمغذي الرئيسي.

وبعد معارك عنيفة نجح العدو في تنفيذ خطته، فقد تمكنت الدبابات الاسرائيلية من اختراق موقع اللواء 16 مشاة واحتلال قرية الجلاء (المزرعة الصينية) وفشلت الهجمات المضادة التي اشتركت فيها وحدات من الفرقتين 16 مشاة و21 المدرعة في استرداد قرية الجلاء. ونتيجة لاشتداد الهجمات والقصف الجوي والمدفعي على اللواء 16 مشاة، اضطر هذا اللواء الى اخلاء مواقعه ليلة 17/18 أكتوبر، والانضمام الى الخط الدفاعي عند المغذي الرئيسي الذي احتلته وحدات الفرقة 21 المدرعة شمال قرية الجلاء، مما أدى الى تقلص راس الكوبري الموحد واضطرار قائده العميد أ. ح عبد رب النبي حافظ الى تعديل الاوضاع الدفاعية داخله.

وفي فجر يوم 17 أكتوبر وبناء على تعليمات القيادة العامة، أصدرت قيادة الجيش الثاني أمرها بدفع اللواء الأول المدرع من الشمال الى الجنوب بموازاة القناة للالتقاء في منطقة الدفرسوار باللواء 25 المدرع المستقل الذي صدرت الأوامر بدفعه من قطاع الجيش الثالث من الجنوب الى الشمال شرق البحيرة المرة الكبرى، بهدف اغلاق ثغرة الاختراق عند الدفرسوار وتدمير قوة العدو الموجودة داخلها. ولكن هذه الخطة لم يقيض لها النجاح، فقد فشل اللواء الأول المدرع في الوصول الى منطقة الدفرسوار، واضطر الى الارتداد تحت ضغط العدو الى موقعه الاصلي شمال المغذي الرئيسي، اما اللواء 25 المدرع القادم من قطاع الجيش الثالث فقد تم تدميره جنوب الخط (كثيب الحبشي-تل سلام).

وفي يوم 18 أكتوبر، وضعت القيادة العامة المركز 10 بالاشتراك مع قيادة الجيش الثاني، خطة لتصفية ثغرة الاختراق على كلتا الضفتين الشرقية والغربية للقناة في وقت واحد. وكانت الخطة شرق القناة تقضي بقيام وحدات من الفرقة 16 مشاة والفرقة 21 المدرعة بهجوم مضاد على قرية الجلاء (المزرعة الصينية) والنقطة القوية في الدفرسوار، لمحاولة اغلاق الطريق المؤدي الى ساحة العبور الاسرائيلية واستعادة الاوضاع الى ما كانت عليه في راس كوبري الفرقة 16 مشاة (الجناح الأيمن للجيش الثاني).

ولكن الهجوم المضاد الذي كان الامل معقودا عليه باء بالفشل، نظرا لعنف الهجمات الجوية الاسرائيلية وكثافة نيران مدفعية الميدان والمدفعية بعيدة المدى، ووجود حشد كبير من دبابات العدو في قرية الجلاء. وعلاوة على ذلك، أدى فشل الهجوم المضاد غرب القناة الى قيام بعض الدبابات الاسرائيلية باحتلال عدد من المصاطب المصرية السابقة غربي القناة، واخذت في اطلاق نيران مدافعها عبر القناة على القوات المصرية القائمة بالهجوم المضاد شرق القناة. وازاء فشل الهجوم المضاد، اضطرت قوات الفرقتين 16 مشاة و21 المدرعة الى الارتداد شمالا، وأصبح الخط الذي تحتله الفرقة 21 المدرعة يتحاذى مع سرابيوم على الضفة الغربية للقناة ويمتد شرقا ليلتقى مع الحد الأمامي للواء 3 مشاة ميكانيكي (لواء المنتصف بالفرقة 16 مشاة)، بعد اخلاء لواء اليمين (اللواء 16 مشاة) لمواقعه كما سبق أن ذكرنا. ونتيجة للمعارك العنيفة المتواصلة التي خاضها اللواءان الأول و14 المدرعان لمدة خمسة أيام متتالية (منذ بدء عملية تطوير الهجوم في 14 أكتوبر حتى شن الهجوم المضاد في 18 أكتوبر) أصيب اللواءان بخسائر فادحة بلغت أكثر من 85% من دباباتهما مما جعلهما يفقدان كفاءتهما القتالية.

وقد سجل العميد العرابي قائد الفرقة 21 المدرعة في التقرير الذي بعث به عن موقف فرقته الى الفريق سعد الشاذلي رئيس الأركان عقب وصوله في الساعة الخامسة مساء يوم 18 أكتوبر الى مركز القيادة المتقدم للجيش الثاني بالاسماعيلية أن عدد دبابات اللواء الأول المدرع 16 دبابة، وعدد دبابات اللواء 14 المدرع 14 دبابة. وقد أثار وضع رأس الكوبري الموحد الذي تولى قيادته العميد أ. ح ابراهيم العرابي قائد الفرقة 21 المدرعة بعد اصابة العميد أ. ح عبد رب النبي حافظ قائد الفرقة 16 مشاة يوم 18 أكتوبر واخلائه الى القاهرة، بواعث القلق في قيادة الجيش الثاني، بعد فقد لواءي الفرقة 21 المدرعة مقدرتهما القتالية بسبب خسائرهما الجسيمة في الدبابات. ولذا أصدر اللواء أ. ح عبد المنعم خليل قائد الجيش الثاني أمره الى اللواء 24 المدرع (من الفرقة 23 مشاة ميكانيكية) والذي كان متمركزا في ذلك الوقت في منطقة الاسماعيلية شرق كاحتياطي في يد قائد الجيش الثاني شرق القناة، بالتحرك في الحال الى راس الكوبري الموحد، لضمان بقاء راس الكوبري قويا ومتماسكا وعلى استعداد لصد أي هجمات مضادة للعدو. وبهذه التعليمات الجديدة، أصبحت ثلاثة ألوية مدرعة (1 و14 و24) متمركزة داخل راس الكوبري الموحد بينما خلال راس كوبري الفرقة 2 مشاة بقطاع الفردان من أي لواء مدرع، ولم يبق من الألوية المدرعة التابعة للجيش الثاني خارج نطاق راس الكوبري الموحد سوى اللواء 15 المدرع المستقل الذي كان متمركزا داخل راس كوبري الفرقة 18 مشاة التي كان يتولى قيادتها العميد أ. ح فؤاد عزيز غالي في قطاع القنطرة شرق (الجناح الايسر للجيش الثاني).

هل كان يمكن سحب أي لواء من رأس الكوبري الموحد؟

كان الفرقة 23 مشاة ميكانيكية بقيادة العميد أ. ح أحمد عبود الزمر متمركزة غرب القناة شمال ترعة الاسماعيلية، وتعمل كاحتياطي للجيش الثاني الميداني. وكان اللواء 24 المدرع الذي من ضمن تشكيلها قد وضع تحت قيادة الفرقة 2 مشاة بقيادة العميد أ. ح حسن أبو سعدة في قطاع الفردان.

وقام اللواء 24 المدرع بعبور القناة ليلة 6/7 أكتوبر واتخذ أوضاعه داخل راس كوبري الفرقة 2 مشاة كنسق ثان لها.

وعقب العبور الاسرائيلي الى غرب القناة من منطقة الدفرسوار، واشتداد الهجمات الاسرائيلية على راس الكوبري الموحد لتوسيع ثغرة الاختراق في اتجاه الشمال أمر اللواء أ. ح عبد المنعم خليل بتحرك اللواء 24 المدرع جنوبا من موقعه براس كوبري الفرقة 2 مشاة الى منطقة الاسماعيلية شرق للعمل كاحتياطي في يد قائد الجيش شرق القناة لدفعه في اتجاه راس الكوبري الموحد جنوبا أو في اتجاه قطاع الفرقة 2 مشاة شمالا للقيام بصد أي اختراق في حالة وقوعه أو للقيام بالهجمات المضادة في اي من الاتجاهين. وفي يوم 17 أكتوبر صدر أمر قيادة الجيش الثاني بتحرك كتيبة مدرعة من اللواء 24 المدرع الى راس الكوبري الموحد، على أن توضع تحت قيادة الفرقة 21 المدرعة. ونظرا لاشتداد ضغط العدو على الجنب الأيمن لراس الكوبري الموحد بعد فشل عملية تطوير الهجوم المضاد يوم 18 أكتوبر أصدر قائد الجيش الثاني أمره الى قائد اللواء 24 المدرع الذي كان متمركزا في منطقة الاسماعيلية شرق بأن يقوم بالتحرك بباقي اللواء الى منطقة شمال غرب الطالية (داخل راس الكوبري الموحد) ليكون على استعداد للهجوم المضاد لتدمير العدو الذي ينجح في اختراق راس الكوبري واستعادة الاوضاع الدفاعية الى ما كانت عليه.

ورغم وجود ثلاثة ألوية مدرعة داخل راس الكوبري الموحد، فان اللواء المدرع الوحيد، الذي يمكن مناقشة امكان سحبه (وقت هذه المعارك) من شرق القناة الى الغرب او ضرورة بقائه في مكانه هو اللواء 24 المدرع (من الفرقة 23 مشاة ميكانيكية) اذ ان اللواءين الأول و14 المدرعين (من الفرقة 21 المدرع) قد اتضح لنا نتيجة الدراسة الدقيقة لموقفهما انه ينبغي اخراجهما من دائرة البحث والمناقشة التي نجريها حول سحب ألوية مدرعة من الشرق الى الغرب، بعد أن فقدا كفاءتهما القتالية بسبب الخسائر الفادحة التي حاقت بهما بحيث أصبح عدد دبابات اللواءين معا لا يتجاوز 30 دبابة. وقد بدأت قيادة الجيش الثاني بالتدريج في ارسال افراد اللواءين المدرعين (بدون دبابات) الى غرب القناة للانضمام الى قيادة الفرقة 21 المدرعة التي صدرت الاوامر يوم 21 اكتوبر بتمركزهما عند تقاطع عثمان أحمد عثمان للقيام بعملية اعادة التجميع واعادة تسليح الفرقة بالدبابات والاسلحة والمعدات الجديدة لاستعادة كفاءتهما القتالية.

ويتضح لنا بعد استبعاد اللواءين الاول و14 المدرعين من حساباتنا ان الاحتياطي المدرع الوحيد الذي ظل باقيا داخل راس كوبري الفرقة 16 مشاة هو اللواء 24 المدرع. وكان الموقف التكتيكي للفرقة 16 مشاة قد غدا على درجة بالغة من الخطورة، بعد أن أصبحت الفرقة مكونة من لواءين فقط عقب اضطرار اللواء 16 مشاة (الجنب الأيمن للفرقة) الى اخلاء مواقعه ليلة 17/18 أكتوبر تحت ضغط العدو. وفي الواقع أنه لولا وجود اللواء 24 المدرع بدبابته (67 دبابة) داخل راس كوبري الفرقة 16 مشاة، لسقط راس الكوبري في يد العدو، وهو الهدف الذي كان يتطلع الجنرال جونين قائد القيادة الجنوبية الاسرائيلية الى تحقيقه في تلهف وتصميم شديدين الى الحد الذي جعله يصدر أمره يوم 20 أكتوبر الى الجنرال شارون غرب القناة يتحريك أحد ألويته المدرعة (لواء آمنون) ليعبر القناة من الغرب الى الشرق – كما سبق أن ذكرنا – للاشتراك في الهجمات المركزة التي تشنها القوات الاسرائيلية بمعاونة المدفعية والطيران على راس كوبري الفرقة 16 مشاة (كان الاسرائيليون يطلقون عليه الاسم الكودي ميسوري). وقد أصبحت الحوادث أهمية وجود اللواء 24 المدرع، فقد قام العدو في الساعة الخامسة مساء يوم 21 أكتوبر بهجوم مضاد بقوة كتيبتين من الدبابات وتمكن من اختراق الموقع الدفاعي والوصول الى الطالية (احدى النقاط الحيوية بالموقع، وكان مركز قيادة الفرقة 16 مشاة يقع بجوارها) ، ولكن الفرقتين 16 مشاة و21 المدرعة ودبابات اللواء 24 المدرع أمكنها القيام بهجوم مضاد قوي، واستردت الطالية وأجبرت العدو على الانسحاب بعد أن دمرت له 30 دبابة وعربة نصف جنزير، وتم أسر 12 ضابط صف وجنديا من اللواء 600 المدرع الاسرائيلي.

وفضلا عن الاهمية الحيوية لوجود اللواء 24 المدرع في قطاع راس كوبري الفرقة 16 مشاة كما أوضحنا، فقد كان من المتعذر من الناحية الواقعية امكان سحب هذا اللواء وعبوره قناة السويس من الشرق الى الغرب، اذ ان قيادة الجيش الثاني فور بدء العبور الاسرائيلي الى غرب القناة أصدرت أمرها بفك جميع الكباري والمعابر الخاصة بالفرقة 16 مشاة ، وكانت كلها من المواقع التي أصبح يحتلها على كلا الشاطئين، وخشية من أن ترواده فكرة استخدامها لكي تعبر عليها قواته الى الضفة الغربية.

وهكذا يتضح لنا نتيجة لهذه الدراسة الموضوعية التي أجريناها لموقف الألوية المدرعة الثلاثة التي كانت متمركزة شرق القناة داخل راس الكوبري الموحد التابع للجيش الثاني، أنه لم يكن في الامكان سحب أي لواء مدرع منها الى غرب القناة، في حين أن الشاذلي كما ورد ف مذكراته، كان يطالب بسحب ثلاثة ألوية مدرعة من الجيش الثاني. وهذه النتيجة هي التي كان من المفترض ان يتوصل اليها احمد اسماعيل وسعد الشاذلي، فيما لو كانا قد نحيا جانبا عوامل الخلاف والفرقة بينهما، واتبع أسلوب البحث العلمي والدراسة الموضوعية عند النظر في الاقتراح الذي تقدم به الشاذلي عقب عودته من الامساعيلية مساء يوم 20 أكتوبر.

سؤال الى الشاذلي؟ أين الألوية المدرعة التي كان يمكن سحبها إلى الغرب؟

أوضحنا فيما سبق موقف الألوية المدرعة الثلاثة، التي كانت متمركزة شرق القناة داخل راس الكوبري الموحد التابع للجيش الثاني، والذي كان يقع شمال ثغرة الاختراق الاسرائيلية بالدفرسوار مباشرة. وهذه الألوية هي اللواء الأول واللواء 14 المدرعان (من الفرقة 21 المدرعة) واللواء 24 المدرع (من الفرقة 23 مشاة ميكانيكية). وقد توصلنا نتيجة للدراسة الدقيقة التي أجريناها انه لم يكن في المكان سحب أي لواء مدرع منها الى غرب القناة.

وسوف نستكمل هنا دراستنا لموقف اللواء المدرع الباقي بالجيش الثاني شرق القناة، وهو اللواء 15 المدرع المستقل الذي كان متمركزا في قطاع الفرقة 18 مشاة بالقنطرة شرق، وكذا موقف الألوية المدرعة الثلاثة بالجيش الثالث شرق القناة، وبهذا تكون قد أتممنا دراسة الألوية المدرعة السبعة التي كانت متمركزة شرق القناة في سيناء على طول خط المواجهة مع القوات الاسرائيلية.

ان غرضنا الاساسي من اجراء هذه الدراسة، هو الاجابة بطريقة علمية وبأسلوب موضوعي عن السؤال المهم الذي ظل بلا اجابة لمدة تزيد على 15 عاما، وهو: هل كان ممكنا من الناحية الواقعية تنفيذ الاقتراح الذي تقدم به الفريق سعد الشاذلي رئيس الاركان الى الفريق أول احمد اسماعيل القائد العام في مساء يوم 20 أكتوبر بمقر القيادة العامة المركز 10 عقب عودته من الاسماعيلية، وهو سحب ثلاثة ألوية مدرعة من الجيش الثالث، ولواء مدرع من الجيش الثالث من شرق القناة الى الغرب ضرب الثغرة؟ وسوف نقوم فيما يلي بدراسة موقف هذه الالوية المدرعة:

أولا – موقف اللواء 15 المدرع المستقل

كان اللواء 15 المدرع الذي يتولى قيادته العقيد أ. ح تحسين شنن موضوعات تحت قيادة الفرقة 18 مشاة ، التي عبرت القناة يوم 6 أكتوبر 73، ونجحت في اقامة راس كوبري على الضفة الشرقية للقناة في قطاع القنطرة شرق. وقام اللواء 15 المدرع بعبور القناة خلال يوم 7 أكتوبر وليلة 7/8 أكتوبر على معابر الفرقة، وتم تمركزه في منطقة القنطرة شرق بمهمة تدعيم راس كوبري الفرقة وتدمير الهجمات المضادة للاحتياطي التعبوي للعدو بالتعاون مع وحدات الفرقة.

وفي الساعة السادسة والنصف صباح يوم 14 أكتوبر، اشترك اللواء 15 المدرع في عملية تطوير الهجوم شرقا التي قامت بالتخطيط لها القيادة العامة المركز 10 على طول المواجهة. وكانت الأوامر تقضي بدفع اللواء 15 المدرع ووحدات دعمه كمفرزة أمامية للفرقة 18 مشاة على المحور الشمالي بمهمة الوصول الى منطقة بالوظة. وعلى أثر فشل الهجوم أمر قائد الفرقة 18 مشاة في الساعة السادسة يوم 14 أكتوبر بعودة اللواء 15 المدرع الى منطقة تمركزه داخل راس كوبري الفرقة، للقيام بعملية اعادة التجميع لاستعادة كفاءته القتالية، وكانت خسائره قد بلغت منذ بدء القتال حتى ذلك الحين حوالي 30 دبابة من طراز ت 62.

وعندما وصل اللواء أ. ح عبد المنعم خليل الى مركز القيادة المتقدم للجيش الثاني بالاسماعيلية في الساعة الرابعة مساء يوم 16 أكتوبر لتولي قيادته، اتضح له عقب دراسة الموقف ان قائد الجيش الثاني لا يملك أي احتياطي مدرع في يده غرب القناة لاستخدامه في صد الاختراق والقيام بالهجمات المضادة، بسبب دفع الفرقة 21 المدرعة التي كانت مخصصة لهذا الغرض الى شرق القناة للقيام بعملية تطوير الهجوم شرقا يوم 14 أكتوبر في اتجاه الطاسة، واستبقائها بعد فشل الهجوم في راس كوبري الفرقة 16 مشاة شرق القناة دون اعادتها الى موقعها الاصلي غرب القناة. وبعد أن قام اللواء عبد المنعم بتقدير الموقف على ضوء الحقائق والمعلومات التي كانت لديه، اتخذ قرارا بسحب اللواء 15 المدرع المستقل من راس كوبري الفرقة 18 مشاة بالقنطرة شرق الى غرب القناة، على أن يتمركز في المنطقة شمال مطار أبو صوير للعمل كاحتياطي للجيش الثاني شمال ترعة الاسماعيلية. وفي يوم 17 أكتوبر، اتصل اللواء عبد المنعم خليل بالعميد أ. ح فؤاد عزيز غالي قائد الفرقة 18 مشاة حيث أبلغه بقراره، وطلب منه اصدار أمر انذاري الى اللواء 15 المدرع للاستعداد للتحرك الى موقعه الجديد فور صدور الأمر اليه بذلك.

ولكن الأمر الانذاري لم يصل قط الى العقيد تحسين شنن قائد اللواء 15 المدرع، فان قائد الفرقة لم يكن راضيا عن سحب هذا اللواء من قطاع فرقته، ولعبت الاتصالات المباشرة التي كانت تدور بين قادة التشكيلات والمسئولين في المركز 10 من وراء الستار دورها. وقبل أن يتسنى للواء عبد المنعم الاتصال بالمركز 10 للحصول على التصديق على قراره، كان الفريق أول احمد اسماعيل هو الذي يطلبه هاتفيا من المركز 10 ليبلغه انه الغى قراره بسحب اللواء 15 المدرع من قطاع الفرقة 18 مشاة، وليصدر له تعليماته القاطعة بعد سحب أي قوات من الشرق الى الغرب، وفي نفس الوقت ليسمعه تحذيراته بعد أن أكد له ان هذه هي أوامر الرئيس.

وازاء الموقف الخطير الذي كان يواجهه الجيش الثاني غرب القناة، والذي أوضحه اللواء عبد المنعم بسبب عدم وجود اي احتياطي مدرع في يد قائد الجيش، وعده القائد العام بارسال كتيبة مدرعة من اللواء المدرع بالحرس الجمهوري الذي كان يتولى قيادته العقيد مصطفى صادق للعمل كاحتياطي للجيش الثاني.

وفي يوم 18 أكتوبر، وصلت كتيبة الحرس المدرعة بالفعل الى منطقة المحسمة، ولكن قبل ان تمر 24 ساعة على وصولها تم سحبها من قطاع الجيش الثاني. واتضح ان القيادة العامة قد قامت بتحريكها الى قطاع الجيش الثالث في الجنوب حيث كانت الخطة قد رسمت وقتئذ لاعداد الفرقة الرابعة المدرعة بعد تدعيمها بلواء الحرس الجمهوري المدرع، للقيام بالضربة المضادة لتصفية الثغرة والقضاء على قوات العدو التي عبرت الى غرب القناة.ولكن هذه الخطة لم تلبق أن ألغيت يوم 21 أكتوبر.

ونتيجة للدراسة التي أجريناها عن الألوية المدرعة الأربعة بالجيش الثاني شرق القناة يتضح لنا ان اللواء 15 المدرع المستقبل كان هو اللواء الوحيد من هذه الألوية المدرعة الأربعة، الذي كان في الامكان مناقشة اقتراح سحبه الى غرب القناة للأسباب الآتية: 1- كان رأس كوبري الفرقة 18 مشاة قويا متماسكا وأبعد القاطعات عن المعارك الحربية التي كانت دائرة وقتئذ بعد حدوث الثغرة، ولم يكن سحب اللواء 15 المدرع الى الغرب سيؤثر على توازن دفاعات هذه الفرقة، اذ ان كتائب الدبابات الثلاث التابعة لألوية المشاة مضافا اليها كتيبة دبابات الفرقة كانت تضم 82 دبابة (وفقا لتقرير قائد الفرقة 18 مشاة الى الفريقين الشاذلي يوم 18 أكتوبر). وهذا العدد من الدبابات بالاضافة الى العدد الضخم من الاسلحة المضادة للدبابات الموزعة في وحدات الفرقة كانت يكفي تماما لصد أي هجمات مضادة للعدو. وليس أدل على ذلك من أن الفرقة 2 مشاة (الجار الأيمن للفرقة 18 مشاة) والتي كانت في نفس ظروفها تقريبا ظل موقفها قويا وسليما رغم سحب اللواء 24 مدرع من قطاعها ونزوله جنوبا الى راس الكوبري الموحد الذي كان يواجه تهديدا خطيرا من العدو. 2- كان اللواء 15 المدرع من أقوى الألوية المدرعة تسليحا (دباباته من طرازات 62 ذات المدفع عيار 115 مم)، ومن أفضلها تدريبا. وقد سبق له التمركز عدة سنوات قبل الحرب كاحتياطي للجيش الثاني مما جعل أفراده على دراية كثيرة بالارض والمهام التي يكلف بها الاحتياطي، وقد سبق اشتراكهم في كثير من المناورات والمشروعات التدريبية. 3- لم يكن هناك اتصال قتالي وقتئذ بين وحدات الفرقة 18 مشاة والعدو، مما كان يجعل من السهل سحب اللواء 15 مدرع من شرق القناة، ولم تكن هناك مشكلات من ناحية عبور القناة لان معابر الفرقة 18 مشاة على القناة كانت سليمة.

ولا شك ان القرار الذي سبق أن اتخذه اللواء عبد المنعم خليل قائد الجيش الثاني يوم 17 أكتوبر بسحب اللواء 15 المدرع من الشرق الى الغرب، والتمركز في المنطقة شمال مطار أبو صوير للعمل كاحتياطي عام للجيش الثاني غرب القناة، كان قرارا تكتيكيا سليما وكان من الواجب تنفيذه.

ويبدو أن الفريق الشاذلي لم يكن يعلم أن القائد العام الفريق أول أحمد اسماعيل قد ألغى ذلك القرار الذي اتخذه اللواء عبد المنعم، وكان يعتقد أن اللواء 15 المدرع موجود غرب القناة. فقد ورد في الصفحة 256

من مذكراته في أثناء عرضه لموقف الجيش الثاني مساء يوم 19 أكتوبر ما يلي: "في الغرب وشمال ترعة الاسماعيلية يوجد لواء مدرع!!". ولم يكن بالامكان تنفيذ اقتراح الشاذلي بدفع هذا اللواء في اتجاه الثغرة، اذ ان ذلك كان يعني عبوره ترعة الاسماعيلية عقب عبور قناة السويس، والتقدم جنوبا في اتجاه الدفرسوار ليواجه وحده فرقة الجنرال شارون التي كانت تتفوق عليه بنسبة 3 إلى 1 ، وكذا تعرض اللواء لصواريخ الستائر المضادة للدبابات الفتاكة (من طراز TOW التي جلبها الجسر الجوي الأمريكي، ومن طراز SS ll، خاصة ان الارض مليئة بالاشجار والمزروعات مما يساعد على عمل الكمائن، فضلا عن التفوق الجوي الذي كان يحرزه العدو فوق أرض المعركة مما كان كفيلا بتعريض اللواء 15 المدرع لنفس المصير التعس الذي لقيه اللواء 23 المدرع يوم 18 أكتوبر حينما انتهى هجومه على منطقة الدفرسوار غرب القناة بتدميره.

ثانيا – موقف الألوية المدرعة بالجيش الثالث

كان رأس كوبري الجيش الثالث شرق القناة يضم ثلاثة ألوية مدرعة هي اللواء 22 المدرع واللواء 25 المدرع المستقل واللواء الثالث المدرع. ونظرا لان الفريق سعد الشاذلي اقترح ليلة 20/21 أكتوبر لامكان ضرب الثغرة سحب لواء مدرع منها – وفقا لما ورد في الصفحة 297 في مذكراته – لذلك فسوف نعرض فيما يلي بايجاز موقف هذه الالوية الثلاثة حتى يمكن لنا بعد ذلك اصدار الحكم الصحيح على مدى امكان تنفيذ هذا الاقتراح وقتئذ من الناحية الواقعية:

اللواء 22 المدرع: من ضمن تشكيل الفرقة 6 مشاة ميكانيكية، وكان يتولى قيادته العقيد أ. ح مصطفى حسن وضع منذ بداية الحرب تحت قيادة الفرقة 19 مشاة، وتم عبوره قناة السويس ليلة 7/8 أكتوبر على معابر الفرقة.

واتخذ موقعه داخل رأس كوبري الفرقة 19 بمهمة الاشتراك معها في صد أي هجمات مضادة للعدو من اتجاهي راس سدر وممر متلا. وفي نفس الوقت كان اللواء 22 المدرع مكلفا من قيادة الجيش الثالث بالعمل خلال هذه المرحلة كاحتياطي في يد قائد الجيش شرق القناة.

وعقب حدوث ثغرة الاختراق الاسرائيلية في الدفرسوار والعبور الاسرئيلي الى غرب القناة، تقدمت الفرقة المدرعة بقيادة الجنرال ابراهام أدان (برن) اعتبارا من يوم 19 أكتوبر في اتجاه الجنوب، على محور طريق المعاهدة غرب الشاطئ الغربي للبحيرات المرة بهدف الوصول الى مدينة السويس. وكانت الفرقة المدرعة التي يقودها ادان تضم ثلاثة ألوية مدرعة وتعتبر المجهود الرئيسي على المحور الجنوبي، والى الغرب منها كانت تتقدم فرقة مدرعة أخرى بقيادة الجنرال كلمان ماجن عبر الارض المفتوحة في اتجاه الغرب والجنوب، لحماية الجنب الأيمن ومؤخرة أدان، وكان هدفها النهائي هو قطع طريق القاهرة السويس ليتم عزل مدينة السويس والجيش الثالث.

وكانت تواجه قوات الجنرال أدان، الفرقة 6 مشاة ميكانيكية بقيادة العميد أ. ح أبو الفتح محرم (من الاحتياطي التعبوي للجيش الثالث). ونظرا لتدهور الاوضاع في قطاع الفرقة السادسة الميكانيكية لعدم وجود قوتها الضاربة ضم تشكيلها، وهي اللواء 22 المدرع الذي كان متمركزا منذ بداية الحرب في قطاع الفرقة 19 مشاة شرق القناة، لذلك أصدر اللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث امره بسحب كتيبة دبابات من اللواء 22 المدرع وعبورها القناة الى الغرب في أول ضوء يوم 22 أكتوبر. وقد وقع حادث مؤسف خلال عبور الكتيبة الى الغرب، فقد استشهد قائد اللواء 22 المدرع العقيد أ. ح مصطفى حسن وهو رئيس عمليات اللواء في أثناء اشرافهما على عملية عبور دبابات الكتيبة الى الغرب. ونظرا لعدم العثور على جثتيهما منذ ذلك الحين فقد اعتبرا في عداد المفقودين ، وربما يكون السبب في فقدهما هو اصابة مركبتهما بقنبلة مبشارة زنة 1000 رطل أو بصاروخ من احدى الطائرات فدمرت المركبة تدميرا تاما بحيث اختفت معالمها، وربما يكون السبب هو سقوط مركبتهما في القناة واختفاؤها في القاع. أما كتيبة الدبابات فقد خاضت حال عبورها معارك عنيفة وتعرضت دباباتها لهجمات جوية مركزة، ونتيجة لذلك خسرت معظم دباباتها وفقدت بالتالي كفاءتها القتالية، وان كانت قد نجحت مع باقي وحدات الفرة 6 مشاة ميكانيكية في تعطيل تقدم قوات العدو المدرعة لمدة تقرب من 48 ساعة.

اللواء 25 المدرع المستقل: كان يتولى قيادته العميد أ. ح احمد حلمي بدوي، ومن ضمن وحدات احتياطي القيادة العامة بالمنطقة المركزية. تحرك اللواء يوم 30 سبتمبر في شكل مشروع تدريبي، وتم تمركزه يوم 2 أكتوبر في منطقة الموقع المتوسط، شمال علامة الكيلو متر 109 في منطقة وصلة جنيفة على طريق القاهرة السويس. وقد وضع تحت قيادة الفرقة 7 مشاة، وتم عبوره القناة يومي 7 و8 أكتوبر على معابر الفرقة، واتخذ اوضاعه الدفاعية داخل راس الكوبري بمهمة الاشتراك مع وحدات الفرقة 7 مشاة في صد الهجمات المضادة التي كان ينتظر ان يقوم بها الاحتياطي التعبوي للعدو.

وقد اشتركت سرية مدرعة من اللواء 25 المدرع في تأمين الجنب الايسر للفرقة بالاستيلاء على منطقة تقاطع الطريق العرضي رقم 1 مع طريق الجدي يوم 8 أكتوبر. وفي الساعة الواحدة والربع ظهرا يوم 9 أكتوبر، تمكنت الكتيبة 603 مشاة ميكانيكية (من اللواء 130 برمائي) مدعمة بسرية دبابات من اللواء 25 المدرع من الاستيلاء على النقطة القوية للعدو "كبريت شرق" التي تقع على البحيرة المرة الصغرى (حصن بوتزر الاسرائيلي من حصون بارليف).

وفي الساعة السادسة والنصف صباح يوم 17 أكتوبر، وبناء على تعليمات القيادة العامة تم دفع اللواء 25 المدرع من الجنب الأيسر لقطاع الفرقة 7 مشاة ليتقدم من الجنوب الى الشمال شرق البحيرة المرة الكبرى كي يلتقي في منطقة الدفرسوار بوحدات الفرقة 21 المدرعة التي صدرت أوامر الجيش الثاني بدفعها من الشمال الى الجنوب على طول القناة بهدف اغلاق ثغرة الاختراق عند الدفرسوار وتدمير قوة العدو الموجودة داخلها. ولكن هذه الخطة لم يقيض لها النجاح، فقد فشل اللواء الأول المدرع (من الفرقة 21 المدرعة) في الوصول الى منطقة الدفرسوار، واضطر الى الارتداد شمالا تحت ضغط العدو الى موقعه الاصلي شمال قرية الجلاء.

وأعد الجنرال ابراهام أدان مصدية محكمة للواء 25 المدرع، فقد أحاطت به ألويته المدرعة الثلاثة من ثلاث جهات (من الأمام والخلف والجنب الأيمن) في الوقت الذي كنت فيه البحيرة المرة الكبرى على يساره لتكمل حوله حلقة الحصار. ودارت معركة غير متكافئة جنوب الخط (كثيب الحبشي-تل سلام) خسر فيها اللواء 25 المدرع حوالي 64 دبابة طراز (ت62) ، ولم تتمكن سوى عشر دبابات فقط من النجاة واللجوء الى الموقع المصري في "كبريت شرق" حيث احتمت داخله.

وبعد ظهر 19 أكتوبر وصل اللواء أ. ح مصطفى شاهين رئيس أركان الجيش الثالث الى موقع كبريت شرق، وطلب من العقيد محمود شعيب قائد اللواء 130 مشاة ميكانيكي برمائي الذي كان يتولى قيادة الموقع اعادة سرية الدبابات (التابعة للواء 25 المدرع) والتي سبق تدعيم الكتيبة 603 مشاة ميكانيكة (التابعة للواء البرمائي) بها يوم 9 أكتوبر، على أن تبقى في الموقع الدبابات العشر التي التجأت اليه ، لاستخدامها كمدافع مضادة للدبابت نظرا لسوء حالتها وعجز بعض جنازيرها عن الحركة.

وبهذا أصبحت القوة المدرعة الاحتياطية الوحيدة براس كوبري الفرقة السابعة هي سرية الدبابات من طراز (ت 62) التي عادت من موقع كبريت شرق.

اللواء 3 المدرع: من ضمن تشكيل الفرقة 4 المدرعة، وكان يتولى قيادته العقيد أ. ح نور الدين عبد العزيز، وكانت مهمة الفرقة هي تأمين النطاق التعبوي للجيش الثالث غرب القناة. وفي عملية تطوير الهجوم شرقا يوم 14 أكتوبر، أسندت الى اللواء 3 المدرع مهمة تدمير العدو غرب ممر متلا والاستيلاء على المدخل الغربي للممر وتأمينه. وتنفيذا للمهمة عبر اللواء قناة السويس صباح يوم 13 أكتوبر الى منطقة انتظار امامية شرق القناة. وفي الساعة السادسة والنصف صباح يوم 14 أكتوبر، بدأ اللواء 3 المدرع عملية تطوير الهجوم شرقا في اتجاه ممر متلا. ورغم ان اللواء المدرع تمكن من الوصول الى خط يبعد حوالي 6 كيلو مترات من المدخل الغرب للمر، فانه تكبد خلال عملية الهجوم خسائر فادحة بلغت حوالي 60 دبابة (من طراز 55) و9 مركبات مدرعة (ب ك) وجميع المدافع الموجودة في كتيبة مدفعية الميدان، كما استشهد في المعركة العقيد أ. ح نور الدين عبد العزيز قائد اللواء. وأصدر قائد الجيش الثالث أمره الى رئيس عمليات اللواء الذي تولى قيادة اللواء بالنيابة بالارتداد الى داخل رأس كوبري الفرقة 19 مشاة.

وعلى أثر دفع اللواء 25 المدرع المستقل (احتياطي الفرقة السابعة) يوم 17 أكتوبر في اتجاه الدفرسوار كما سبق أن ذكرنا، صدرت الأوامر بتحرك كتيبة مدرعة من اللواء 3 المدرع الى رأس كوبري الفرقة 7 مشاة لتحل محل اللواء 25 المدرع. وفي يوم 19 أكتوبر، وعندما قررت القيادة العامة اعداد الفرقة 4 المدرعة بعد تدعيمها باللواء المدرع من الحرس الجمهوري للقيام بالضربة المضادة، صدرت الأوامر الى قائد الجيش الثالث بتجميع كل وحدات الفرقة الرابعة في منطقة الجفرا استعدادا لهذه العملية. وتنفيذا لتعليمات القيادة، أصدر قائد الجيش الثالث امره بسحب اللواء 3 المدرع من شرق القناة وعبوره الى منطقة الجفرا. وخلال يومي 19 و20 أكتوبر تم سحب اللواء الثالث (عدا كتيبة) من رأس كوبري الفرقة 19 مشاة ثم سحبت كتيبة الدبابات التابعة للواء من رأس كوبري الفرقة 7 مشاة (كان ذلك هو السبب في طلب تحريك سرية دبابات من كبريت شرق يوم 19 أكتوبر الى قطاع الفرقة 7 مشاة لتحل محل كتيبة الدبابات من اللواء 3 المدرع التي سحبت).

هل كان يمكن سحب لواء مدرع من الجيش الثالث؟

قبل الاجابة عن هذا التساؤل المهم، ينبغي ان نضع في اعتبارنا حقيقتين: أولاهما، أن الفريق الشاذلي قد تقدم باقتراحه بسحب ثلاثة ألوية مدرعة من الجيش الثاني ولواء مدرع من الجيش الثالث ليلة 20/21 أكتوبر، أي أن بدء التنفيذ لم يكن متيسرا قبل صباح 21 أكتوبر. والحقيقة الثانية هي أن الوحدات المدرعة المصرية لم تسنح لها الفرصة لتعويض الدبابات التي خسرتها في المعارك حتى عود مرة أخرى الى حجمها التنظيمي الكامل، كما كان الحال يجري في القوات المدرعة الاسرائيلية خاصة بعد تدفق شحنات الجسر الجوي الأمريكي عليها، اذ ان مخازن القوات المسلحة المصرية لم تكن تحوي دبابات احتياطية، كما أن السوفييت لم يمدوا مصر خلال الحرب عن طريق الجسر البحري السوفيتي بأي دبابات لتعويض خسائرها الثقيلة في الدبابات، وكان هذا الموقف سببا في مهاجمة الرئيس الراحل السادات للاتحاد السوفيتي عقب انتهاءالحرب.

ومن واقع الدراسة الدقيقة التي اجريناها لموقف الألوية المدرعة الثلاثة التي كانت متمركزة في قطاع الجيش الثالث يمكن أن نخرج بالنتائج التالية:

1- نظرا لأن اللواء 3 المدرع قد تم سحبه بالفعل بأوامر القيادة العامة من شرق القناة الى الغرب يومي 19 و20 أكتوبر وانضم الى تشكيله الأصلي (الفرقة 4 المدرعة) في منطقة الجفرا، وقد تم ذلك قبل تقدم الشاذلي باقتراحه، لذلك ينبغي استبعاد هذا اللواء من حساباتنا. 2- لا يمكن من الناحية الواقعية اعتبار اللواء 25 المدرع المستقل وحدة مدرعة مقاتلة قائمة بذاتها عقب معركة يوم 17 أكتوبر جنوب الخط كثيب الحبشي-تل سلام، فقد خسر معظم دباباته وفقد بالتالي كفاءته القتالية ولم يعد موجودا منه داخل رأس كوبري الجيش الثالث سوى سرية دبابات فقط. 3- اللواء المدرع الوحيد الذي ينبغي مناقشة موقفه هو اللواء 22 المدرع (من الفرقة 6 مشاة ميكانيكية) وكان متمركزا منذ بداية الحرب في رأس كوبري الفرقة 19 مشاة وكان هو أقل الألوية المدرعة من جهة عدد الخسائر في دبابته ، ولذا ظلت كفاءته القتالية عالية. ولم يكن أمرا منطقيا سحب هذا اللواء من الشرق الى الغرب للأسباب الآتية:

أ – كان هذا اللواء الاحتياطي في يد قائد الجيش الثالث شرق القناة لصد الاختراق والقيام بالهجمات المضادة.

ب – بعد تدمير اللواء 25 المدرع يوم 17 أكتوبر، وبعد سحب اللواء 3 المدرع من الشرق الى الغرب يومي 19 و20 أكتوبر، أصبح اللواء 22 المدرع هو القوة المدرعة الوحيدة المتبقية في رأس كوبري الجيش الثالث شرق القناة الذي كان يضم الفرقتين 19 و7 مشاة ووحدات دعمهما. ولا شك ان سحبه كان سيؤدي الى فقد رأس كوبري الجيش لتوازنه الدفاعي.

ج – في حالة عبور اللواء 22 المدرع قناة السويس الى الغرب يوم 21 أكتوبر، فان القوة الاسرائيلية التي كانت ينتظر أن يواجهها هي الفرقة المدرعة بقيادة الجنرال أدان التي كانت تتقدم على محور طريق المعاهدة في اتجاه السويس والتي كانت تتكون وقتئذ من ثلاثة ألوية مدرعة (تشكيلها الأصلي) وكتيبتين من المشاة تم امداد الجنرال أدان بهما يوم 20 أكتوبر أي ان نسبة التفوق كانت اكثر من (3 إلى 1) لصالح الاسرائيليين. وفضلا عن ذلك، كان الطيران الاسرائيلي يقدم المعاونة المباشرة للقوات البرية بازالة وتدمير كل المقاومات التي تعترض طريق تقدمها. وقد تم ذلك عقب اسكات وتدمير معظم كتائب الصواريخ المصرية ارض جو سام غرب القناة جنوب ترعة الاسماعيلية.

د – رغم شدة حرج موقف الفرقة 6 مشاة ميكانيكية بسبب عدم انضمام اللواء 22 المدرع التابع لها، والذي يعتبر قوتها الضارية، فان قائد الجيش الثالث لم يوافق على سحب أي عنصر من اللواء 22 المدرع، الا في آخر وقت – يوم 22 أكتوبر – واقتصر السحب على كتيبة مدرعة واحدة فقط. ونظرا للتفوق الاسرائيلي الكبير على الضفة الغربية، فقد تم تدمير هذه الكتيبة في ظرف 48 ساعة، وهو مؤشر خطير يوضح لنا ماذا كان ينتظر أن يحدث للواء 22 المدرع في حالة عبوره كاملا الى الغرب.

4 - الخلاصة التي نخرج بها نتيجة لهذه الدراسة الدقيقة الموضوعية لموقف الألوية المدرعة في قطاع الجيش الثالث شرق القناة، انه لم يكن هناك مجال لسحب اي لواء مدرع في هذا القطاع من الشرق الى الغرب.

وتبعا لذلك، يمكننا ان نقرر عن ثقة وايمان – على ضوء الحقائق التي عرفناها عن الموقف – ان اقتراح الفريق الشاذلي وان كان سليما من الناحية التكتيكية فانه لم يكن من المتيسر تنفيذه من الناحية الواقعية. ولو كان النقاش قد جرى بينه وبين الفريق أول أحمد اسماعيل بهذه الطريقة الموضوعية، وبهذا التسلسل المنطقي، لما كان قد وقع بينهما أي خلاف بالمرة، لان الحقائق العلمية لا مجال فيها للخلاف أو النزاع. أما الخلافات الشخصية فهي التي تطيح بكل بحث أو دراسة وتطغى على كل علم أو منطق.

التمهيد لاعادة تجميع الفرقة 21 المدرعة

في يوم 20 أكتوبر قامت الطائرات الاسرائيلية بغارات جوية مركزة على منطقة رءوس الكباري شرق قناة السويس، وبدأ العدو في استخدام قنابل النابلم لاحداث الحرائق وبث الذعر في نفوس الأفراد. وقد تمكنت الصواريخ والأسلحة المضادة للطائرات من اسقاط طائرتين للعدو في قطاع الفرقة 18 مشاة بالقنطرة شرق، مما أدى الى ارتفاع الروح المعنوية بين القوات، خاصة في الظروف العصبية التي كانت سائدة وقتئذ.

وفي حوالي الساعة التاسعة والنصف مساء يوم 20 أكتوبر، أبلغ اللواء أ. ح عبد المنعم خليل القيادة العامة (المركز 10) القرار الذي اتخذه داخل رأس الكوبري الموحد شرق القناة الذي كان يضم وقتئذ الفرقتين 16 و21 المدرعة واللواء 24 المدرع، وذلك تنفيذا لتعليمات القيادة العامة.

وكان القرار يقضي بأن يتولى العيد أنور حب الرمان قائد الفرقة 16 مشاة قيادة رأس الكوبري مع دعم قيادته ببعض العناصر من وحدات القيادة والسيطرة من الفرقة 21 المدرعة وأن ينتقل العميد أ. ح ابراهيم العرابي قائد الفرقة 21 المدرعة مع مركز قيادته على ليلتين الى منطقة وصلة الملاك التي تقع في النطاق الدفاعي الثاني جنوب ترعة الاسماعيلية وغرب تقاطع عثمان أحمد عثمان (منطقة تمركز الفرقة 21 المدرعة قبل بدء العمليات الحربية في 6 أكتوبر) ، وأن ينتقل معه أفراد اللواء الأول المدرع بعد تسليم ما تبقى من دباباتهم الى اللواء 18 مشاة ميكانيكي واللواء 24 المدرع. وكان هدف القيادة العامة من هذه العملية جمع شمل الوحدات وتوحيد القيادة في رأس الكوبري الموحد شرق القناة من جهة، والتمهيد لاعادة تجميع الفرقة 21 المدرعة في منطقة تمركزها الأصلية، حتى يمكن بعد ذلك تزويد وحداتها بالدبابات والأسلحة والمعدات الجديدة، لتستعيد كفاءتها القتالية من جهة أخرى. في نفس الوقت أسندت الى العميد العرابي مهمة قيادة الوحدات، التي يعاد تجميعها في المنطقة وهي اللواء 23 المدرع (من الفرقة 3 مشاة ميكانيكية) وبعض الوحدات الفرعية الأخرى، بهدف حصر العدو جنوب ترعة الاسماعيلية ومنع انتشار قواته في اتجاهي الغرب والشمال. وكان قرار اعادة التنظيم يشمل أيضا وضع باقي وحدات الفرقة 21 المدرعة في رأس الكوبري الموحد تحت قيادة الفرقة 16 مشاة.

استرداد الطالية وارتداد الهجوم الاسرائيلي

في مساء يوم 19 أكتوبر، اصدر الفريق الشاذلي رئيس الأركان أمرا الى العميد أ. ح ابراهيم العرابي – كما سبق أن ذكرنا – بالارتداد بقواته من خط سرابيوم الى خط طوسون (حوالي 5 كيلو مترات شمالا) ، حتى تتحاذى مواقعه شرق القناة مع الخط الذي ارتدت اليه غرب القناة وحدات اللواء 182 مظلات بقيادة العقيد اسماعيل عزمين وقد برر الفريق الشاذلي تلك العملية بقوله للعميد العرابي: "عشان يبقى كتفك اليمين في كتف اسماعيل عزمي". وفي يوم 20 أكتوبر قام العميد العرابي قائد الفرقة 21 المدرعة بسحب قواته من سرابيوم الى طوسون دون ان يقع عليه اي ضغط من جانب العدو تنفيذالأمر رئيس الأركان. ونظرا لأن العميد أنور حب الرمان قائد الفرقة 16 مشاة لم يخطره أحد بهذا الانسحاب، فقد اصبح الجنب الأيمن للفرقة 16 مشاة يشكل بروزا في الخط الدفاعي، ونقطة ضعف رأس الكوبري سرعان ما استغلها العدو في مهاجمة الجنب الأيمن للفرقة 16 مشاة بسرية من دبابته، ولكن الفرقة 16مشاة لم تلبث ان قامت بهجوم مضاد تمكنت فيه من طرد وتدمير دبابات العدو التي حاولت التسلل الى داخل دفاعاتها، وتم علاج الموقع بقيام الفرقة 16 مشاة بتعديل أوضاعها الدفاعية لتتمىش مع الاوضاع الجديدة للفرقة 21 المدرعة.

وفي محادثة هاتفية جرت في الساعة الواحدة والدقيقة الخامسة والاربعين من صباح يوم 21 أكتوبر، بين قائد الجيش الثاني بالاسماعيلية والقائد العام المركز 10 بالقاهرة، ابلغ اللواء عبد المنعم خليل الفريق أول احمد اسماعيل بالواقعة التي جرت في رأس الكوبري الموحد في اليوم السابق، وأبدى القائد العام استغرابه وسال اللواء عبد المنعم: "هو عرابي وحب الرمان زعلانين من بعض؟". وأجابه اللواء عبد المنعم" "لا يافندم هم مش زعلانين من بعض ولا حاجة". ويبدو أن الفريق أول أحمد اسماعيل ظن أن ما جرى من عدم اخطار قائد الفرقة 16 مشاة بانسحاب بعض وحدات الفرقة 21 المدرعة من سرابيوم الى الخط طوسون، كان يرجع الى الحساسية التي نشأت بين قيادتي الفرقتين نتيجة لتولي العميد أ. ح ابراهيم العرابي قيادة رأس الكوبري الموحد رغم انه كان احدث من جهة الأقدمية من العميد أنور حب الرمان الذي تولى قيادة الفرقة 16 مشاة بعد اصابة قائدتها واخلائه الى القاهرة.

وبناء على أوامر قائد الجيش الثاني الجديدة، أصدرت قيادة راس الكوبري الموحد التعليمات التالية:

1- الفرقة 16 مشاة: تقوم بتأمين نقط الاتصال بينها وبين الفرقة 2 مشاة (الجار الأيسر) وتنظيم التعاون معها، ويعاد تجميع اللواء 16 مشاة في منطقة التل الكبير لاستعادة كفاءته القتالية. 2- اللواء 18 مشاة ميكانيكي (من الفرقة 21 المدرعة): يقوم باتمام تجهيز قطاعه الدفاعي واعداد خط النيران لصد وتدمير هجمات العدو من اتجاه جبل حبيطة وقرية الجلاء، وعليه السيطرة على الساتر الترابي شرق القناة في منطقة طوسون. 3- اللواء 24 المدرع (الاحتياطي): يمتركز في منطقة شمال الطالية، ويكون على استعداد لصد الاختراق والقيام بالهجمات الماضدة لتدمير أي قوات للعدو تنجح في اختراق رأس الكوبري، واستعادة الاوضاع الدفاعية الى ما كانت عليه.

وفي حوالي الساعة الرابعة مساء يوم 21 أكتوبر، قام العدو بالهجوم على الجنب الأيمن للفرقتين 16 مشاة بكتيبتين من الدبابات ونجح في اختراق الموقع الدفاعي والوصول الى الطالية، ولكن الفرقة 16 مشاة ووحدات من الفرقة 21 المدرعة ودبابات اللواء 24 المدرع قامت بهجوم مضاد قوي أسفر عن استرداد الطالية انسحاب العدو بعد أن دمرت له 14 دبابة و16 عربة مدرعة نصف جنزير، كما تم أسر 12 فردا من أطقم الدبابات كان من بينهم ضابط. وفي الساعة السادسة مساء عاود العدو هجومه على الجنب الأيسر للفرقة بقوة 30 دبابة، ولكنه أجبر على الانسحاب بعد أن دمرت له 4 دبابات، وحوالي الساعة الثامنة والنصف مساء يوم 21 أكتوبر وصلت برقية تهنئة من الفريق أول احمد اسماعيل الى العميد حب الرمان والى العميد العرابي كان نصها كما يلي: "ان البسالة والشجاعة التي تتسم بها أعمال الفرقة 16 مشاة والفرقة 21 تعتبر المثل الذي تحتذى به القوات المسلحة في معركتنا المصيرية. تهنئتي القلبية للقادة والضباط والجنود على هذا الصمود الرائع والروح القتالية العالية والنصر لكم باذن الله".

أزمة جونين وشارون في القيادة الجنوبية

من المصادفات التي تدعو الى التعجب أنه في الوقت الذي تفجر فيه الخلاف بين الفريق اول احمد اسماعيل القائد العام للقوات المسلحة المصرية والفريق سعد الشاذلي رئيس الاركان في مقر القيادة العامة (المركز 10) ليلة 20/21 أكتوبر بشأن الاقتراح الذي تقدم به الشاذلي لسحب بعض الألوية من شرق القناة الى الغرب، نشبت في القيادة الجنوبية الإسرائيلية أزمة حادة بين الجنرال شموئيل جونين قائد القيادة الجنوبية والجنرال أريل شارون (أريك) قائد مجموعة العمليات رقم 143. وكان التوقيت الذي وقعت فيه الأزمة وأسباب الخلاف بين القائدين الإسرائيليين تكاد تتشابه كثيرا مع ظروف الأزمة التي وقعت في القيادة العامة المصرية. فقد نشب الخلاف بينهما يوم 21 أكتوبر، وكان سببه يرجع الى الأمر الذي أصدره الجنرال جونين الى شارون بسحب قوة مدرعة من قواته غرب القناة للعبور الى شرق القناة لتدعيم القوات التي تقوم بمهاجمة رأس كوبري الفرقة 16 مشاة بهدف توسيع ثغرة الاختراق بالدفرسوار شرق القناة.

والأمر الذي يبعث على الدهشة أن تطورات أزمة الخلاف بين جونين وشارون تشابهت الى حد كبير مع أزمة الخلاف بين أحمد اسماعيل والشاذلي. فقد استعان الجنرال شارون بوزير الدفاع موشي ديان لكي يؤيده في موقفه وينقض الأمر الذي أصدره جونين، بسحب القوة المدرعة من الغرب الى الشرق، مثلما استعان الفريق أول أحمد سماعيل بالرئيس الراحل السادات، لكي يدعم موقه ويؤيد وجهة نظره في عدم سحب أي قوات مدرعة من شرق النقاة إلى الغرب. وكما انتهت الأزمة في القيادة العامة المصرية بعزل الفريق الشاذلي من منصبه بعد فترة قصيرة من صدامه مع القائد العام، وتولي اللواء عبد الغني الجمسي رئيس هيئة العمليات منصب رئيس الأركان، انتهت الأزمة في القيادة الجنوبية الاسرائيلية أيضا بعزل الجنرال جونين عن منصبه بعد فترة قصيرة من صدامه مع شارون، وتولى الجنرال يسرائيل تال نائب رئيس الأركان العامة منصب قائد القيادة الجنوبية. وسوف نسرد فيما يلي اهم الاحداث التي جرت يوم 21 أكتوبر على الجانب الاسرائيلي، والتي انتهت بوقوع ازمة الخلاف بين جونين وشارون التي أشرنا اليها.

في فجر يوم 21 أكتوبر ، وهو اليوم السادس عشر للقتال، اتصل الجنرال دافيد أليعازر رئيس الأركان العامة من تل أبيب هاتفيا بالجنرال جونين وأبلغه ان اسرائيل سوف تقبل قرار مجلس الامن بوقف اطلاق النار الذي ينتظر ان يصدر في اليوم التالي، بعد أن اتفق كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي مع القادة السوفيت في موسكو على مشروع أمريكي سوفيتي مشترك لوقف اطلاق النار. ونظرا لان القيادة العامة الاسرائيلية كان يهمها تنفيذ المخطط الذي وضعته بشان اوضاع قواتها غرب القناة قبل ان يصبح قرار وقف اطلاق النار ساري المفعول. وفي غرفة العمليات بمقر القيادة المتقدم في أم مرجم، حضر الاجتماع موشى ديان وزير الدفاع والجنرال دافيد أليعازر رئيس الأركان العامة والجنرال حاييم بارليف الممثل الشخصي لرئيس الأركان في القيادة الجنوبية والجنرال جونين قائد القيادة الجنوبية وتولى الجنرال بارليف ادارة الجلسة.

واتضح من مجرى النقاش ان هناك وجهتي نظر مختلفتين، فيما يتعلق بتركيز المجهود الرئيسي للقوات الاسرائيلية خلال الفترة القصيرة المقبلة. فان أليعازر رئيس الأركان ومعه بارليف وجونين كانوا يرون وجوب تركيز المجهود الرئيسي في اتجاه الجنوب للوصول الى السويس وحصار الجيش الثالث ، حيث ان احتمالات النجاح في الجنوب ارجح كثيرا منها في الشمال، ولذا أبدوا معارضتهم لمحاولة الاستيلاء على الاسماعيلية وحصار الجيش الثاني، اذ ان الارض الزراعية في الشمال يصعب فيها استخدام الدبابات مما يعرقل تحقيق الاهداف المطلوبة في الزمن الباقي على عكس الارض الصحراوية في الجنوب، والتي تعتبر ارضا مثالية لاستخدام الدبابات، وبالتالي يمكن تحقيق الامل الكبير الذي تتطلع اليه اسرائيل، وهو الاستيلاء على السويس وفرض الحصار على الجيش الثالث لحمله على الاستسلام. وكان موشى ديان وزير الدفاع، هو الوحيد الذي شجع الاتجاه الى الشمال صوب الاسماعيلية لما للمدينة من اهمية سياسية كبرى، فضالا عن التاثير المعنوي الخطير الذي سيحدثه حصار الجيش الثاني الذي يعتبر اكبر تشكيل ميداني في القوات المصرية.

وانتهى مؤتمر القادة الذي حضره عدد من قادة افرع القيادة الجنوبية وكبار ضباط العمليات بتبني وجهة النظر الاولى، وهي تركيز المجهود الرئيسي في اتجاه الجنوب صوب مدينة السويس.

ونتيجة للقرار الذي اتخذه مؤتمر القادة بان يكون محور الهجوم الاسرائيلي على الاسماعيلية في الشمال محورا ثانويا، تركزت أنظار القيادة الجنوبية الاسرائيلية على الفور نحو شرق القناة حيث كان يقع راس كوبري الفرقة 16 مشاة شمالا ثغرة الاختراق مباشرة. وكان حده الشمالي يصل الى جنوب الطريق الاوسط الذي كان يعتبر الحد الفاصل بينه وبين راس كوبري الفرقة 2 مشاة المتمركزة في قطاع الفردان. وكان احتلال راس كوبري الفرقة 16 مشاة (الاسم الكودي ميسوري لدى الاسرائيليين) احد عناصر الخطة الاسرائيلية الاساسية لعبور القوات الاسرائيلية الى غرب القناة، وكانوا يستهدفون من وراء ذلك تامين ساحة العبور بالدفرسوار. وقد تمكن اللواء 16 مشاة (الجنب الايمن لراس الكوبري) من قطع طريقي التقدم من الشرق الى ساحة العبور (طريقي أكافيش وطرطور) بنيران المدفعية والرشاشات والأسلحة المضادة للدبابات، مما أدى الى تأخير اقامة الكباري وفقا للخطة الموضوعة أكثر من 36 ساعة.

ولم تتمكن القوات الاسرائلية من اقامة الكباري الا عقب الاستيلاء على قرية الجلاء (المزرعة الصينية)، بعد أن خاضت معارك عنيفة مع اللواء 16 مشاة ووحدات من الفرقة 21 المدرعة، وبعد أن نجحت في زحزحة رأس الكوبري شرق القناة الى مسافة حوالي 5 كيلو مترات في اتجاه الشمال. وكان الجنرال اليعازر رئيس الأركان لفرط اهتمامه بهذا الأمر، يضغط على بارليف وجونين ضغطا مستمرا، وكان السؤال الذي اعتاد أن يوجهه اليهما هو "لماذا لا تحتلون ميسوري؟" . ونتيجة لتصميم القيادة الاسرائيلية على ضرورة سقوط هذا الموقع تركزت عليه الهجمات الجوية بعد العبور الاسرائيلي الى غرب القناة بشكل لم يسبق له مثيل، والقى على موقع ميسوري من القنابل والصواريخ أكثر مما ألقي على أي تشكيل مصري آخر على طول الجبهة، وأصبحت الأرض داخل رأس الكوبري مليئة بالحفر نتيجة لسقوط القنابل والصواريخ، ولكن الوحدات المصرية الباسلة داخل رأس الكوبري ظلت متمسكة بمواقعها ومصممة على البقاء فيها حتى النهاية.

هذا ولم يكن شارون يبدي اهتماما كبيرا برأس الكوبري المصري شرق القناة (ميسوري)، فقد كان على يقين من أن الضرب الجوي والقصف المدفعي المركزين عليه، سوف يرغمان الوحدات المصرية التي في داخله على اخلائه في وقت قريب، كما أن اللواء المدرع بقيادة العقيد توفيا (التابع لفرقة شارون) والذي تركه خلفه شرق القناة، كان قادرا من وجهة نظره على اقتحام هذا الموقع بمعاونة المدفعية والطيران. وكان اهتمام شارون كله مركزا غرب القناة في اتجاه الشمال صوب الاسماعيلية التي كان يقود الزحف عليها بعزم وتصميم شديدين بجميع الوحدات التابعة لمجموعة عملياته غرب القناة، وهي اللواء المدرع بقيادة العقيد حاييم واللواء المدرع بقيادة العقيد آمنون ولواء مشاة مظلات بقيادة العقيد داني مات.

وكان شارون في لهفة منقطعة النظير من اجل تحقيق الامل الذي اخذ يراوده منذ عبوره الى غرب القناة، وهو اقتحام مدينة الاسماعيلية ليختتم عملياته الحربية في حرب أكتوبر بنصر فريد يحقق له شهرة مدوية ومجدا ذائع الصيت، ولا يترك الفرصة لقرينه الجنرال أدان للتفوق عليه اذا ما نجحت عملياته في اتجاه السويس. ولكن مفاجأة قاسية كانت في انتظاره. فقد تلقى في حوالي الساعة العاشرة صباح يوم 21 أكتوبر أمرا صريحا من الجنرال جونين قائد القيادة الجنوبية، بوقف التقدم في الغرب ونقل قوة مدرعة من لواء آمنون أو من لواء حاييم الى الشرق لمهاجمة ميسوري التي ينبغي احتلالها باقرب فرصة ممكنة، وأبلغه أن السلاح الجوي سيقوم بالتمهيد للهجوم بقصف الموقف المصري قصفا مركزا.

ولكن شارون لم يكن يرى في الهجوم على راس الكوبري المصري شرق القناة وايقاف التقدم غرب القناة اي منطق عسكري سليم، ولذا فبدلا من قيامه بالهجوم على ميسوري وفقا لتعليمات جونين، طلبه هاتفيا حيث دار بينهما الحوار التالي:

شارون: بدلا من بذل الجهد في ميسوري يجب التقدم الى الشمال مباشرة لقطع طريق الامدادات عن القوات الصمرية شرق القناة. اني أفضل الاتجاه الى الشمال بدلا من الشرق. جونين: اسمع نحن نريد ميسوري، انها في الاهمية الاولى بالنسبة لنا، لقد تلقت هجمات جوية أكثر مما جرى في الحرب كلها. شارون: ربما ولكني اعتقد ان الهجوم على ميسوري خطأ، من الافضل الاتجاه شمالا وعزل الاسماعيلية وقطع الطريق المؤدية اليها وليس الاتجاه شرقا. جونين: ان الاوامر هي الاتجاه الى ميسوري وعدم الاتجاه شمالا. شارون: اننا نقوم بتنفيذ الأوامر – حقا ان الامر ليس منطقيا ولكننا سوف نفذه. جونين: اذا كنت تريد ان تعترض، فان حاييم بارليف سيكون عندك خلال نصف ساعة.

وفي أثناء هذا النقاش كان وزير الدفاع موشى ديان موجودا في غرفة العمليات بالقيادة الجنوبية وكلنه لم يتدخل في الموضوع. وانتقال الجنرال بارليف بعد قليل الى مقر القيادة الخاص بشارون على الضفة الغربية، وحاول شارون اقناع بارليف بان الهجوم على ميسوري شبه ضرب الراس في الحائط، بينما الاسماعيلية هي هدف مهم وسوف يؤدي حصارها الى صدمة نفسية هائلة بالنسبة للقوات المصرية. ورغم ان بارليف وافق شارون على مدى اهمية حصار الاسماعيلية، فانه اوضح له ان وقف اطلاق النار اوشك ان يحل، ومن الخطر بقاء ساحة العبور شرق القناة مهددة بهذه الصورة من التشكيل المصري الذي يجاورها، علاوة على التهديد الذي اوجدته وحدات هذا التشكيل على القوات الاسرائيلية غرب القناة، باطلاقهم عليها سيلا من نيرانهم المؤثرة عبر القناة من وراء الساتر الترابي الموجود على الشاطئ الشرقي.

لماذا طلب جونين عزل شارون؟

في حوالي الساعة الرابعة مساء يوم 21 أكتوبر- كما أسلفنا – قام لواء مدرع من تشكيل فرقة شارون الذي أبقاه شرق القناة (بقيادة العقيد توفيا) بالهجوم على قطاع الفرقة 16 مشاة (ميسوري) بكتيبتي دبابات في النسق الأول على الجنب الأيمن للفرقة. وتمكنت الدبابات الاسرائيلية من اختراق الموقع المصري والوصول الى الطالية (بجوار مركز قيادة الفرقة 16 مشاة)، ولكن القوات المصرية داخل راس الكوبري قامت بهجوم مضاد قوي واستردت الطالية، وأجبرت الدبابات الاسرائيلية على الانسحاب بعد أن دمرت عددا كبيرا منها، وبقيت 14 دبابة اسرائيلية مصابة في ارض المعركة وكان بداخل بعضها أفراد طاقهما دون أن يتمكن أحد من تتخليصهم، ولذا وقع في الأسر 12 فردا كان بينهم أحد الضباط.

وتلقت القيادة الجنوبية نبأ الفشل بخيبة أمل شديدة، وصمم الجنرال جونين على معاودة الهجوم، بعد أن يقوم شارون بنقل قسم من قواته من غرب القناة الى الشرق لتعزيز القوة المهاجمة. وحاول جونين الاتصال هاتفقيا بشارون لاصدار تعليماته اليه ولكن شارون كان يتهرب منه منتحلا شتى الحجج والاعذار. وعندما تم الاتصال بينهما عند منتصف الليل دار حوار طويل بينهما نوجزه فيما يلي:

جونين: عليك بتعزيز لواء توفيا استعدادا للهجوم. شارون: ليس عندي ما أعزز به. جونين: عززه بكتيبة من لواء آمنون أو حاييم. شارون: لا ، بأي حال من الأحوال. جونين: هل تعلم أن هذا معناه عدم تنفيذ أوامر؟ شارون: وحياتك سيبك من الحاجات دي. جونين: أنا آمرك. عزز. شارون: ليس عندي ما أعزز به.

وأنهى جونين المكالمة غاضبا، وتوجه الى بارليف قائلا: "أنت ممثل رئيس الأركان. ان شارون يرفض تنفيذ الأوامر واذا هاجمت القوة ميسوري مرة أخرى بدون تعزيز فسوف تفشل ثانية". وعندما قام الجنرال بارليف بالاتصال شارون، أبلغه أنه قد أرسل 5 دبابات لعبور القناة الى الشرق لتعزيز قوة الهجوم. ونظرا للعلاقة الوثيقة التي كانت تربط شارون بوزير الدفاع موشى ديان، لذا بادر شارون بالاتصال هاتفيا بالوزير في تل أبيب وشرح له موقفه والأمر الذي صدر اليه بنقل قوات من فرقته الى الشرق مما يعطل تقدمه نحو الاسماعيلية، وشكا له من معاملة رؤسائه السيئة له في القيادة الجنوبية. واجرى موشى ديان على الفور اتصالا بالجنرال أليعازر رئيس الأركان وأوضح له وجهة نظر شارون التي كان يؤيدها بدوره، وهي أن الهجوم على ميسوري ليس الا مغامرة انتحارية وأنه تصرف خاطئ لا يخضع لقواعد المنطق ولا للمبادئ التكتيكية السليمة، اذ انه لا جدوى من ورائه من ناحية تقدم العمليات الحربية في الوقت الذي يعطل فيه زحف شارون الناجح في اتجاه الاسماعيلية. ولم يلبث رئيس الأركان ان اقتنع برأي وزير الدفاع، ووافق على اقتراحه بالغاء الامر الذي صدر بالهجم على ميسوري. وفي فجر يوم 22 أكتوبر اتصل الجنرال يسرائيل تال نائب رئيس الأركان هاتفقيا بالجنرال جونين وأبلغه بأمر وزير الدفاع بالغاء الهجوم على ميسوري.

ولم يكن جونين قد عرف بعد ان الغاء امر الهجوم قد صدر بموافقة رئيس الأركان العامة، ولذا بادر بالاتصال بالجنرال أليعازر طالبا عزل شارون من منصبه بسبب رفضه تنفيذ الأوامر، وأبلغه أن الجنرال بارليف يؤيده في هذا الطلب. وكانت هذه هي المرة الثانية التي طالب فيها جونين بعزل شارون، فقد سبق أن تقدم بهذا الطلب في 9 أكتوبر عندما تحدى شارون أوامره وواصل اضاعة الدبابات سدى في هجمات فاشلة لانقاذ بعض حصون خط بارليف مما تسبب في تدمير أكثر من 20 دبابة. والواقع ان الجنرال شارون كان يعد احدى المشكلات الرئيسية في القيادة الجنوبية، فقد كانت الثقة مفقودة بينه وبين رؤسائه أليعازر وبارليف وجونين. وبينما كان شارون يتهمهم بالتعصب ضده وعدم اعطائه الفرصة لتنفيذ آرائه وخططه الجريئة منعا لظهوره وذيوع شهرته.. كانوا هم من جانبهم يؤكدون انه يتمرد دائما على أوامرهم، وأنه يستلهم في أعماله دوافع شخصية وهي تسليط الأضواء على شخصه، وأنه يخرج في معظم تصرفاته على المبادئ الأساسية للنظام العسكري بالادلاء بالأحاديث والتصريحات لرجال الصحافة، والاتصال هاتفيا بأصدقائه وبالشخصيات السياسية في تل أبيب لاقحامهم في الشئون العسكرية.

وفي صباح يوم 22 أكتوبر، زار موشى ديان وزير الدفاع مقر القيادة الجنوبية ولم يكن الجنرال بارليف حاضرا بسبب وجوده في تل أبيب لمقابلة جولدا مائير رئيسة الوزراء. ووجه الوزير عبارات جافة وتلميحات قاسية الى الجنرال جونين دلت بوضوح على مدى تبنيه لوجهة نظر شارون وتأييده لموقفه، فقد أكد ان الهجوم على ميسوري يعد انتحارا، وأنه يوجد في القيادة الجنوبية من يقاومون كل مقترحات شارون رغم وجاهتها. وشرح للحاضرين وجهة نظره التي كان كان مصرا على التمسك بها، وهي أن حصار الاسماعيلية والجيش الثاني أهم من حصار السويس والجيش الثالث.

وبادر جونين بالرد عليه، فاوضح له ان احتلال الاسماعيلية، وعزل الجيش الثاني يعتبران حربا جديدة، بينما حصار الجيش الثالث قد أوشك على الانتهاء. وعدد جونين المصاعب التي تواجه التقدم نحو الاسماعيلية وهي عبور مانعين مائيين (ترعة الاسماعيلية وترعة السويس) واجتياز أراض مليئة بالمستنقعات والكثبان الرملية والمزروعات والاشجار مما يعرقل تقدم الدبابات، في الوقت الذي توجد فيه في قطاع الجيش الثاني شمال ترعة الاسماعيلية بطاريات صواريخ أرض جو سام بأعداد كبيرة، وكذا وحدات قوية من المدفعية. وعلاوة على ذلك ذكر جونين أن العزل التام للجيش الثاني أمر من المستحيل تحقيقه، اذ ان في امكانه ان يتلقى الامدادات والمؤن من الشمال من اتجاه بورسعيد. ولم يظهر على ديان الاقتناع بوجهة نظر جونين التي كانت تتعارض مع رأيه تماما، ولذا انصرف غاضبا من مقر القيادة. وكانت هذه هي المرة الأخيرة التي زار فيها ديان مقر القيادة الجنوبية في وجود الجنرال جونين، فقد تم عزله بعد فترة قصيرة وحل محله الجنرال يسرائيل تال نائب رئيس الأركان العامة.

الفصل الحادي عشر: العمليات الحربية في قطاع بورسعيد

كان قطاع بورسعيد خلال حرب اكتوبر يعتبر من حيث الواقع قطاعا منفصلا عن باقي قطاعات الجبهة. ورغم تبعيته من الناحية الرسمية لقيادة الجيش الثاني فانها تبعية كادت تكون اسمية بحكم موقعه وطبيعة تكوينه. اذ ان القطاع يشكل جزيرة دفاعية يحيط بها الماء من جميع الجهات، فمن الشمال يحد القطاع البحر المتوسط، ومن الشرق والجنوب منطقة الملاحات ، ومن الغرب والجنوب بحيرة المنزلة.

ويمتد القطاع شرقا لمسافة 11 كيلو مترا شرق بورفؤاد، وغربا بامتداد الطريق الساحلي (طريق دمياط) حتى عزبة البرج. وتخترق القطاع قناة السويس من مدخلها الشمالي وتمتد جنوبا حتى منطقة التينة، ويطلق على المنطقة ما بين بورسعيد وبور فؤاد شمالا حتى التينة جنوبا اسم "رقبة الإوزة".

وتقع بحيرة المنزلة في الحد الغربي من القطاع، ومساحتها 750 فدانا، ولا يفصلها عن البحر المتوسط سوى شريط ضيق من الأرض توجد به فتحة واحدة تصل مابين البحر المتوسط والبحيرة في منطقة الجميل غرب بورسعيد مباشرة، وقد أقيم كوبري على هذه الفتحة وأنشئ طريق يربط بين بورسعيد ودمياط يبلغ طوله 75 كيلو مترا. وتكاد الحافة الشرقية لبحيرة المنزلة تلامس قناة السويس في المنطقة ما بين بورسعيد ورأس العش، ثم يبدأ ساحل البحيرة في التباعد عن قناة السويس في اتجاه الجنوب الغربي. وتكثر ببحيرة المنزلة الجزر التي يعيش بها بعض الصيادين وكانت تستغل لتمركز نقاط الانذار ونقاط المراقبة بالبصر التابعة لحرس السواحل (أصبح يسمى حرس الحدود حاليا). ومياهها على وجه العموم ضحلة وتخترقها قناتان ملاحيتان: الأولى بين بورسعيد والمطرية (قرية تابعة لمحافظة الدقهلية)، والثانية بين المطرية ودمياط . والسواحل الجنوبية والشرقية لبحيرة المنزلة تكاد تكون غير محددة المعالم نظرا لانتشار المناطق السبخية المنخفضة التي تغمرها المياه وقت هبوب الرياح أو أثناء المد العالي.

وتعتبر المنطقة التي تضم بورسعيد وبورفؤاد هي المركز الرئيسي للقطاع من جهتي الموقع والأهمية. ولا تتصل هذه المنطقة بما يحيط بها من أراض الا عن طريق الكباري بحكم احاطة المياه بها من كل ناحية، فتتصل ببورفؤاد بلسان رمانة شرقها عن طريق كوبري القطع، وتتصل المنطقة بجنوبها عن طريق كوبري قناة الملح، وتتصل بورسعيد بالجنوب عن طريق كوبريين عند الرسوة وبالغرب عن طريق كوبريين عند أشتوم الجميل (أحدهما كوبري بيلي). ويتضح من ذلك مدى سهولة عزل منطقتي بورسعيد وبورفؤاد في حالة ضرب هذه الكباري. وكان هذا يحتم ضرورة وجود كبار تبادلية عائمة ومخاضات لاستخدامها في حال تدمير الكباري. ولكن بفضل هذا الوضع، اكتسبت منطقتا بورسعيد وبورفؤاد موقعا حربيا حصينا نظرا لاحاطتهما بالموانع الطبيعية المائية من كل جانب، وهي: البحر المتوسط من الشمال وقناة السويس التي تمتد بين بورفؤاد شرقا وبورسعيد غربا ويبلغ اتساعها (200 متر) عند مبنى الحجر الصحي (على بعد 7 كم جنوب بورفؤاد) ، ثم تتسع كلما اتجهنا شمالا حتى تصل الى أكثر من 400 متر عند مدخلها الشمالي من جهة البحر. وتعتبر المسطحات المائية وهي الملاحات شرقا وبحيرة المنزلة غربا موانع طبيعية حول القطاع.

ونظرا لوجود قناة السويس والقنوات المائية العديدة داخل القطاع، فقد استلزم الأمر توفير تجهيزات ووسائل للعبور لتحقيق سرعة المناورة والقدرة على عمليات الامداد والاخلاء بين وحدات القطاع.

وقد ظهرت صعوبة في عملية الدفاع عن القطاع بسبب خلوه من الهيئات الأرضية الحاكمة من جهة، وبسبب ارتفاع منسوب المياه الجوفية مما يتعذر معه القيام بأعمال الحفر من جهة أخرى. ولذا استلزم الامر اقامة النقاط القوية للدفاع عن المواقع الحيوية فوق الارض بواسطة تجهيزات هندسية مجلوبة من خارج القطاع. وقد اقتضت طبيعة المواجهات الواسعة والمسافات الكبيرة بالقطاع ان يعتمد الدفاع بصفة أساسية على عدد من النقاط القوية الموزعة على طول المواجهة بقوة سرايا او فصائل مع تأمين الفواصل بين هذه النقاط باعمال الدوريات والكمائن ونقاط الملاحظة، وكذا بالنيران والمواقع، مع الاحتفاظ باحتياطيات قوية خفيفة الحركة ومدعمة بعناصر مجنزرة للقيام بالهجمات المضادة بسرعة وبقوة صدمة عالية في اتجاه المواقع المهددة. كما وزعت نيران المدفعية والدفاع الجوي لتغطية مواقع التجميع الرئيسي للقطاع (منطقتي بورسعيد وبورفؤاد).

ونتيجة لاحتمال عزل الاطراف الخارجية بالقطاعات الفرعية، تم توفير احتياطيات محلية لكل قطاع وكذا تزويده بالاحتياجات الادارية اللازمة لتحقيق الاكتفاء الذاتي الاداري بكل موقع.

كما ان احتمال عزل المدينة بضرب الكباري حولها في اي وقت جعل من الضروري وجود تكديسات من كل الاحتياجات العسكرية والادارية بداخلها بكميات كافية، وكذا ضرورة زيادة مستوى الخدمات الطبية والفنية سواء بدفع اقسام متقدمة من ورش الجيش او بتبعئة المستشفيات المدنية أو بتزويد بحيرة المنزلة وميناء بورسعيد ببعض اللنشات للقيام عند الضرورة باعمال الامداد والاخلاء. وقد استلزم ذلك الوضع أيضا ضرورة أن تكون مصادر الامداد والاخلاء قريبة ما أمكن من بورسعيد، ولذا كانت مدينة دمياط وقرية المطرية مناسبتين تماما لهذا الغرض.

الأعمال التحضيرية السابقة على الهجوم

على أثر انتهاء حرب يونيو 1967، استطاع العدو احتلال شبه جزيرة سيناء باكملها عدا جزء صغير من الارض شرق وجنوب مدينة بورفؤاد تمركزت فيه وحدات صغيرة من الصاعقة. وفي أول يوليو 1967، حاول العدو التقدم من القنطرة شرق الى بورفؤاد شمالا بسرية دبابات مدعمة بقوة من المشاة والمهندسين وبمعاونة سرب طائرات مقاتلة قاذفة، فاشتبكت معه قوة الصاعقة المتمركزة في منطقة الكيلو متر 14 شرق القناة وكانت هذه هي أولى مواجهة بين القوات الاسرائيلية والمصرية عقب معارك يونيو 67. وقد توقف العدو ست ساعات امام الموقع ولم يتمكن من اقتحامه، ودمرت له ثلاث دبابات وقتل بعض أفراده. وبناء على اوامر القيادة، ارتدت قوة الصاعقة الى موقع دفاعي افضل عند منطقة الكيلو متر 10 راس العش، وتم ايقاف العدو أمام هذه المنطقة نهائيا. ولم يجرؤ العدو بعد ذلك على محاولة ازالة هذا الموقع، بل اصبح هذا الموقع بفضل صمود مقاتليه هو القدم الوحيدة لمصر في سيناء. ونتيجة لمعركة راس العش، وحفاظا على مدينتي بورسعيد وبورفؤاد تم دفع اللواء 14 المدرع لتدعيم الدفاع عن المدينتين، وصدرت الأوامر بالدفاع عنهما الى آخر طلقة وآخر رجل، وقد تم سحل اللواء 14 المدرع من قطاع بورسعيد فيما بعد.

ومنذ أول سبتمبر 1967، تم تدعيم القطاع بعناصر متكاملة من الأسلحة المشتركة. وعلى ضوء التجميع الجديد بدأ تنفيذ خطة التجهيز الهندسي والاعداد للمعركة المنتظرة، وامتدت مسئولية القطاع لتشمل مدينة دمياط وبحيرة المنزلة بأكملها. واعتبارا من سبتمبر 1969 تولى قيادة القطاع اللواء عمر خالد حسن كامل الذي بذ جهدا دائبا من أجل انجاز الاعمار المطلوبة لاعداد القطاع للحرب والتي كان من اهمها تدريب القوات على اعمال العبور ومهاجمة النقاط القوية في ميادين تدريب تشبه مناطق العمليات المنتظرة، وكذا

القيام باستكمال الانشاءات والتجهزات الهندسية اللازمة في القطاع خاصة في منطقة قطاع بورفؤاد ومنطقة الكيلو متر 10 شرق (راس العش) ومنطقة جنوب بورسعيد وعلاوة على ذلك، تمت أعمال التجهيز الهندسي لكل عناصر الدفاع الجوي سواء لكتائب المواسير أو لكتائب الصواريخ (أرض-جو) سام. وكان من أهم الأعمال الهندسية التي أجريت أيضا، تأمين شاطئ مدينتي بورسعيد وبورفؤاد ضد الابرار البحري وتجهيز مركز قيادة رئيسي للقطاع وآخر تبادلي، وكذا تجهيز مركز قيادة مشترك محصن للدفاع الجوي علاوة على مركزين تبادليين.

وكان قطاع بورسعيد مقسما الى اربعة قطاعات فرعية، هي: قطاع بورفؤاد، ويتمركز فيه اللواء 135 مشاة مستقل وأسلحة دعمه بقيادة العميد أ. ح محمد صلاح الدين عبد الحليم. وقطاع بورسعيد، ويتمركز فيه اللواء 30 مشاة وأسلحة دعمه بقيادة العقيد أ. ح مصطفى جودت العباسي. وقطاع طريق بورسعيد دمياط، وتتمركز فيه الكتيبة 14 حرس السواحل. وقطاع المنزلة، وتتمركز فيه الكتيبة 15 حرس السواحل. وبناء على تعليمات عمليات الجيش الثاني الصادرة في مارس 73، والتي نظمت عملية اعادة التجميع لتشكيلات ووحدات الجيش الثاني، والتي كانت تتضمن اعادة تجميع وحدات قطاع بورسعيد على ثلاث ليال، تمت عملية اعادة التجميع الداخلية في كل من قطاع بورفؤاد وبورسعيد الفرعيين لاحتلال المنطقة الابتدائية للهجوم، وفقا لقراري قائدي اللواءين 30 مشاة مستقل و135 مشاة مستقل اللذين سبق التصديق عليهما. كما تم احتلال مراكز القيادة المقدمة الخاصة بالقطاع وبالقاطعات الفرعية. وبنهاية هذه المرحلة، اصبحت وحدات القطاع بأكملها مستعدة لتنفيذ المهمة المخصصة لها من أوضاعها في المنطقة الابتدائية وفقا لقرار قائد القطاع المصدق عليه من قائد الجيش الثاني. وكانت المهمة المخصصة للقطاع تشتمل على شقين هما:

أ‌- تدمير قوات العدو على الضفة الشرقية للقناة في مواجهة القطاع، مع مهاجمة وتدمير وتصفية نقاط العدو القوية الثلاث في الكيلو متر 19 والكيلو متر 10 وشرق بورفؤاد والتمسك بالمناطق المستولى عليها وتنظيم الدفاع، مع الاستعداد لصد وتدمير احتياطيات العدو التي تحاول نجدة النقاط القوية. ب‌- تنظيم الدفاع وتأمين الساحل حتى قطاع بوفؤاد ضد الابرار البحري والجوي المعادي وضد مدفعية العدو، مع تأمين الضفة الشرقية للقناة في منطقة (رقبة الإوزة) بالقوات والوسائل الاخرى.

دور هيئة قناة السويس في خدمة المجهود الحربي

يقتضينا واجب الانصاف والامانة التاريخية أن نسجل الدور الوطني المشرف الذي اسهمت به هيئة قناة السويس في خدمة المجهود الحربي على مستوى الجبهة، مما كان له أثره الكبير في احراز النصر.

لقد حرص المهندس مشهور أحمد مشهور رئيس هيئة قناة السويس أن يضع كل امكانات الهيئة: من ورش ومعدات ومنشآت وخبرات فنية في خدمة القوات المسلحة، سواء خلال حرب الاستنزاف، أو في خلال المرحلة التحضيرية لحرب أكتوبر 73 – فاشتركت الهيئة في اقامة الدفاعات والتحصينات والمصاطب على طول الضفة الغربية للقناة من بورسعيد شمالا حتى السويس جنوبا. ومن أجل تهيئة الفرصة امام وحدات الجيشين الثاني والثالث غرب القناة للقيام باعمال الاستطلاع بكفاءة ومقدرة، أعدت الهيئة محطات الاشارة الموزعة على طول القناة (عددها 12 محطة) وكانت تستخدم قبل اغلاق القناة في اغراض عبور السفن لكي توجد بها عناصر الاستطلاع التابعة لهذه الوحدات، للحصول على المعلومات المطلوبة عن قوات العدو على الضفة الشرقية للقناة، والاستفادة بشبكة الاتصالات الممتازة بين المحطات وبينها وبين رئاستها في مقر رئاسة الهيئة بالاسماعيلية، للربط بين عناصر الاستطلاع وبينها وبين قيادتها. كما تم كذلك وضع عناصر استطلاع اخرى داخل السفن المحجوزة في مجرى القناة وفي البحيرات، للعمل كنقاط ملاحظ متقدمة، لمراقبة أعمال وتحركات العدو عن كثب.

ومن أجل الاعداد لعمليات العبور، قامت ورش الهيئة بتصنيع عدد من البراطيم (وفقا للتصميم السوفيتي) وامداد سلاح المهندسين بها لسد النقص الموجود في عدد البراطيم اللازمة لكباري الاقتحام التي استخدمت في عبور المركبات والمعدات الثقيلة الى الشاطئ الشرقي للقناة، عند نشوب القتال. وفضلا عن ذلك، قامت ورش الهيئة بتصنيع عدد من البراطيم العائمة للتغلب على الميول الحادة لأجناب القناة بتوفير ميول مناسبة على شاطئ القناة، كي تسمح للمركبات البرمائية بالنزول الى مياه القناة والخروج منها بسهولة الى الشاطئ الآخر. وقد ظلت محطات المياه التابعة للهيئة في بورسعيد، والاسماعيلية والسويس من بعد حرب يونيو 67 مستمرة في العمل بكل طاقتها وامكاناتها لامداد القوات المسلحة ومواطني مدن القناة بالمياه العذبة، رغم تعرض العاملين بها للغارات الجوية المدمرة، وقصف المدفعية العنيف ، مما أدى الى استشهاد بعضهم.

وفي قطاع بورسعيد، بذلت هيئة القناة جهودا جبارة لخدمة المجهود الحربي. ونظرا للاهمية الكبرى للكباري بالنسبة لمدينتي بورسعيد وبورفؤاد، حيث انها الوسيلة الوحيدة للاتصال البري بينهما وبين الطرق الممتدة اليها من الخارج، فقد قامت ورش الهيئة بتشغيل نطاقات معدنية، تم وضعها حول الحوامل والاعمدة التي تحمل هذه الكباري من جميع النواحي عند قواعدها في المياه، لحمايتها من الالغام والمفرقعات العائمة التي قد يحاول العدو تعويمها في اتجاه الكباري بقصد نسفها وتدميرها. وقد تولى مهندسو وعمال الهيئة تشغيل المعديات لنقل الافراد والمعدات عبر القناة بين مدينتي بورسعيد وبورفؤاد دون توقف، رغم غارات الطيران وقصف المدفعية، وقد استشهد عدد منهم في اثناء قيامهم باداء واجبهم.

وعندما عجزت هذه المعديات عن نقل المعدات الحربية الثقيلة من بورسعيد الى بورفؤاد، نظرا لانها كانت تزيد على حمولتها، تولت الاوناش الضخمة التابعة لهيئة القناة هذه المهمة الحيوية، فقامت بنقل الدبابات والمدفعية المتوسطة ومدفعية الميدان الى منطقة بورفؤاد قبل التوقيت المحدد لبدء الهجوم.

وقد أسهمت الترسانة البحرية في بورسعيد في معاونة القوات المسلحة بالقطاع بكل ما لديها من امكانات ومعدات وخبرات فنية. فقامت بعملية اصلاح وصيانة الاسلحة والمعدات وتصنيع قطع الغيار الخاصة باجهزة الاتصال، سواء الهاتفية أو اللاسلكية. كما قامت باعمال الصيانة والاصلاح للقطع البحرية الراسية في ميناء بورسعيد، وبعض القطع البحرية التي كانت تحضر خصيصا من الاسكندرية، ليتم اصلاحها في الترسانة البحرية في بورسعيد. وعلاوة على ذلك، قام مهندسو وعمال الترسانة البحرية بتصنيع الاسلحة والمعدات الهيكلية، وتجهيزها بالطريقة السليمة في مواقع الوحدات، في مختلف أرجاء القطاع كوسيلة من وسائل خداع طيران العدو وعناصر استطلاعه. وعندما تعرض كوبري الرسوة الذي يربط بورسعيد بالطريق البري في الجنوب لقصف جوي مركز عام 1970 مما أدى الى الحاق تلفيات جسيمة به وتعطيله عن العمل، قام طاقم من الترسانة البحرية في بورسعيد باصلاحه واعادته للعمل في زمن قياسي، ضمانا لاستمرار التحركات العسكرية بين بورسعيد والمنطقة الواقعة في جنوبها.

وقبل نشوب الحرب مباشرة، أمر المهندس مشهور أحمد مشهور رئيس هيئة قناة السويس بتعبئة كل امكانات الهيئة من أفراد ومعدات وورش ومعديات واوناش واحواض سفن ومستشفيات، استعدادا للمعركة الفاصلة المقبلة، ووضع كل ما تملكه الهيئة من طاقات وموارد سواء بشرية أو فنية تحت صرف القيادة العسكرية . وبهذا ضربت هيئة قناة السويس برئيسيها ومهندسيها وعمالها اروع الأمثلة في تدعيم المجهود الحربي، ومساندة القوات المسلحة، مما يجعلهم يستحقون جميعا تقدير الوطن.

التخطيط للعملية الهجومية

أوضاع العدو على مواجهة قطاع بورسعيد: كان العدو أمام قطاع بورسعيد يدافع بنظام النقط القوية على الحد الأمامي للدفاعات، مع احتفاظه باحتياطيات تكتيكية قريبة على مستوى الكتيبة واللواء . وكانت النقط القوية التي تواجه القطاع عبارة عن ثلاث نقاط قوية كما يلي:

1- النقطة القوية عند الكيلو متر 10 شرق القناة (الاسم الكودي لدى الاسرائيليين أوركال من حصون خط بارليف)، وكانت محتلة بقوة سرية مشاة وفصيلة دبابات وبعض أسلحة الدعم، وكانت تضم 9 ملاجئ، ويحيط بها حقل ألغام وأسلاك مختلط بعمق حوالي 150 مترا. 2- النقطة القوية عند الكيلو متر 19 شرق القناة (الاسم الكودي لدى الاسرائيليين لاهتزانيت من حصون خط بارليف)، وكانت محتلة بقوة فصيلة مشاة وفصيلة دبابات وبعض اسلحة الدعم، وكانت تضم 7 ملاجئ، ويحيط بها حقل ألغام وأسلاك مختلط بعمق 600 متر. 3- النقطة القوية عند قطع رمانة شرق بوفؤاد (الاسم الكودي لدى الاسرائيليين بوادبست من حصون خط بارليف) ، وكانت محتلة بقوة سرية مشاة وفصيلتين من الدبابات، وكانت تضم 9 ملاجئ، ويحيط بها حقل ألغام وأسلاك مختلط بعمق 600 متر.

وكانت احتياطيات العدو التكتيكية متمركزة في الخلف في مناطق تل الحير ورمانة ورابعة وقاطية، وكانت عبارة عن كتيبة مشاة وسرية دبابات.

طرق الاقتراب المفتوحة لقواتنا في اتجاه العدو: كانت طرق الاقتراب المفتوحة أمام قواتنا في مواجهة القطاع شرق القناة محصورة في طريقين هما:

1- طريق لسان رمانة – وهو طريق أسفلتي عرضه حوالي خمسة أمترا، ويمتد من بورفؤاد شرقا بحذاء البحر مخترقا سهل الطينة الى مسافة 40 كيلو مترا، حيث ينحرف في اتجاه الجنوب الشرقي الى رمانة (على بعد حوالي 5 كيلو مترات جنوب الشاطئ). ورغم أن المياه تغطي الطريق في بعض الامكنة، فانه صالح لسير المدرعات والمركبات. 2- مدق الكيلو متر 19 ، ويبدأ الكيلو متر 19 شرق القناة ويمتد باستقامة تقريبا من الغرب الى الشرق مخترقا سهل الطينة الى مسافة حوالي 25 كم، حيث يلتقى بوصلة بالوظة التي تمتد من بالوظة جنوبا الى طريق لسان رمانة شمالا. والمدق ضيق، ولا يسمح بتحرك المركبات خارجه بسبب وجود المياه والمستنقعات.

خطة الهجوم على النقطة القوية عند الكيلو متر 19: كانت المهمة المخصصة للواء 30 مشاة مستقل واسلحة دعمه، هي مهاجمة النقطة القوية في الكيلو متر 19، وتدمير قوة العدو البشرية، وأسلحته ومعداته والاستيلاء عليها كمهمة مباشرة، ثم تأمين تقاطع المدقات الشرقي كمهمة تالية، مع الدفاع عن قطاع بورسعيد الفرعي لمنع العدو من الاستيلاء على مدينة بورسعيد.

وقد تم لقائد اللواء 30 مشاة مستقل العقيد أ. ح مصطفى العباسي تخصيص المهام لوحداته الفرعية كما يلي:

1 – كتيبة مشاة، ومعها أسلحة الدعم تقتحم بجزء من قوتها قناة السويس في المنطقة من الكيلو متر 20.500 الى الكيلومتر 17.500 في ثلاث معابر، وتعزل النقطة القوية للعدو في الكيلو متر 19 من الجنوب والشرق والشمال، على أثر ذلك تقتحم باقي القوة النقطة القوية من المواجهة والأجناب، وتدمر قوة العدو البشرية وأسلحته ومعداته وتستولي على النقطة.

2 – كتيبة مشاة ومعها أسلحة الدعم تدافع عن منطقة جنوب بورسعيد حتى بحيرة المنزلة، لمنع العدو من عبور قناة السويس وتطوير هجومه شمالا في اتجاه بورسعيد، وفي الوقت نفسه تعاون هجوم عناصر اللواء 135 مشاة مستقل من الضفة الغربية للقناة بنيران أسلحة الضرب المباشر.

3 – كتيبة مشاة (عدا سرية)، ومعها سرية دبابات تدافع عن المنطقة الدفاعية بين حاجز الأمواج الغربي ومزرعة المجاري لمنع العدو من الابرار البحري والاختراق الى داخل بورسعيد. والسرية الباقية تعمل كاحتياطي للواء للقيام بالهجمات المضادة وصد الاختراق. 4 – سرية صاعقة (عدا فصيلة) من الكتيبة 203 صاعقة تقتحم قناة السويس عند الكيلو 20.500 وتندفع بسرعة على المدق الشرقي للاستيلاء على منطقة تقاطع المدقات (على بعد حوالي 8 كيلو مترات شرق القناة)، وتدمير أي عناصر معادية بمنطقة التقاطع، ومنع أي احتياطيات للعدو من التقدم من العمق في اتجه القناة.

معركة الكيلو متر 19 (حصن لاهتزانيت)

في الساعة الثانية الا خمس دقائق ظهر يوم 6 أكتوبر، تم عبور مجموعة استطلاع خلف الخطوط بقيادة مساعد رئيس استطلاع اللواء 30 مشاة سباحة جنوب النقطة القوية من معبر الكيلومتر 21، وقامت بفرد حبلي عبور لتسهيل عبور باقي القوات على نفس المعبر. وفي الساعة الثانية وخمس دقائق، بدأ التمهيد النيراني على نقطة العدو القوية في الكيلو متر 19 بنيران سرية اللواء المضادة للدبابات (عيار 85 مم) فقط، نظرا لان الممر الجوي للضربة الجوية كان يمر فوق هذه المنطقة، ولذا منع ضرب أي مدفعية ذات خط مرور عال. وفي الساعة الثانية والربع بدأت المجموعات المعينة لعزل النقطة من الجنوب والشرق والشمال ومفرزة الصاعقة (سرية عدا فصيلة) من الكتيبة 203 صاعقة في عبور القناة بالقوارب على المعبرين عند الكيلو متر 21 والكيلو متر 17.500 ، وتمكنت من الوصول الى الساتر الترابي على الشاطئ الشرقي للقناة بعد عشر دقائق. وبدأت في جذب نيران العدو في اتجاه الجنوب والشمال محققة الهدف في اخفاء اتجاه الهجوم الرئيسي على النقطة. وفي الساعة الثانية والدقيقة الخامسة والاربعين، وصلت المجموعة المعينة لعزل النقطة من الشرق الى المصطبة المعدة من قبل بواسطة العدو، ورفعت العلم المصري عليها، مما كان له تأثير بالغ في خفض الروح المعنوية للعدو بالنقطة القوية. وعقب ذلك مباشرة، وصلت مفرزة الصاعقة الى المصطبة أيضا.

وحاول العدو خلال ذلك نجدة قواته في النقطة القوية بدفع احتياطي دبابات كان مكونا من 8 دبابات باتون ، فاصطدمت بقوة العزل الشرقية عند المصطبة وتم تدمير احداها على مسافة 300 متر – ونجحت دبابة في اختراق الموقع واتجهت على المدق شمالا في اتجاه النقطة القوية عند الكيلو متر 10 (حسن أوركال) ولكنها أصيبت بقذيفة من مجموعة العزل الشمالية أوقفتها في محلها عند الكيلو متر 14، وارتدت باقي دبابات العدو شرقا في اتجاه بالوظة. وفي الساعة الثانية والدقيقة الخمسين نجحت مدافع ب10 وأسلحة الضرب المباشر في فتح ثغرة في موانع اسلاك العدو في مواجهة النقطة وفي تدمير بعض الاهداف المهمة، ومنها التلسكوب الرئيسي بمركز ملاحظة النقطة القوى التحصين.

وفي هذه اللحظة، بدأت مجموعات الاقتحام بالمواجهة في عبر القناة في الوقت الذي قامت فيه عناصر من المهندسين بفتح الثغرات في مواقع الحصن بطوربيد، البنجالور تحت وابل من نيران العدو وقنابله اليدوية مما أدى الى اصابة بعض الافراد. وعلى أثر فتح الثغرات، تدفقت مجموعات الاقتحام التي عبرت القناة الى داخل الخنادق.

وفي الساعة الثالثة والدقيقة الخامسة بعد ظهر 6 أكتوبر تم الاستيلاء على القسم الجنوبي من النقطة ورفع العلم المصري على برج الملاحظة، ولكن قوة من العدو كانت لا تزال تقاوم في القسم الشمالي من النقطة.

وفي الساعة الثالثة والدقيقة العاشرة، اندفعت مجموعات الاقتحام الى الشمال واتمت الاستيلاء على القسم الشمالي من النقطة. وفي خلال خمس عشرة دقيقة، تمت السيطرة الكاملة على النقطة من جميع الجهات، وانضمت مجموعات العزل القريبة الى داخل النقطة، وتم قطع الخطوط الهاتفية والأسلاك الكهربائية الموصلة الى النقطة، كما تم تدمير المولد الكهربائي وتأمين مداخل النقطة ومخارجها. وفي الساعة الثالثة والنصف، تم ابلاغ قيادة القطاع بالاستيلاء الكامل على النقطة والقبض على الاسرى.

وفي الساعة الثالثة والدقيقة العاشرة، اندفعت مجموعات الاقتحام الى الشمال وأتمت الاستيلاء على القسم الشمالي من النقطة. وفي خلال خمس عشرة دقيقة، تمت السيطرة الكاملة على النقطة من جميع الجهات، وانضمت مجموعات العزل القريبة الى داخل النقطة، وتم قطع الخطوط الهاتفية والأسلاك الكهربائية الموصلة الى النقطة، كما تم تدمير المولد الكهربائي وتأمين مداخل النقطة ومخارجها. وفي الساعة الثالثة والنصف تم ابلاغ قيادة القطاع بالاستيلاء الكامل على النقطة والقبض على الأسرى.

وفي الساعة الثالثة والدقيقة العاشرة، اندفعت مجموعات الاقتحام الى الشمال واتمت الاستيلاء على القسم الشمالي من النقطة. وفي خلال خمس عشرة دقيقة، تمت السيطرة الكاملة على النقطة من جميع الجهات، وانضمت مجموعات العزل القريبة الى داخل النقطة، وتم قطع الخطوط الهاتفية والاسلاك الكهربائية الموصلة الى النقطة، كما تم تدمير المولد الكهربائي وتأمين مداخل النقطة ومخارجها. وفي الساعة الثالثة والنصف ، تم ابلاغ قيادة القطاع بالاستيلاء الكامل على النقطة والقبض على الاسرى.

وقد ثبت من سجلات الحرب، ان النقطة القوية عند الكيلو متر 19 (حصن لاهتزانيت الاسرائيلية) كانت أول حصون خط بارليف التي سقطت في أيدي القوات المصرية على طول الجبهة بأكملها.

وقد ورد في المصادر الاسرائيلية عن معركة هذا الحصن ما يلي: "مع بدء العبور، وصل تقرير من هذا الحصن (جنوب رأس العش) في القطاع الشمالي بأن الجنود المصريين يهاجمونه. وتصاعدت أصوات القتال من جهاز الاتصال، وتصاعد صوت جندي الاشارة عدة مرات، وفي حوالي الساعة الرابعة مساء سكت صوت الجندي نهائيا ولم يعرف أحد ماذا حدث هناك".

وعلى أثر الاستيلاء على الحصن بدأت عملية تطهير الملاجئ باستخدام قاذفات اللهب ووقع فرد جريح في الاسر، وأمكن الاستفادة منه في اخراج باقي أفراد العدو المذعورين داخل الملجأ الثاني.

وقد حاول العدو استعادة الموقف عن طريق دفع احتياطيه المحلي من الدبابات على محور بالوظة في اتجاه النقطة القوية، ولكن مجموعة الصاعقة من الكتيبة 203 صاعقة نجحت في تدمير دبابتين شرق المصطبة فارتدت باقي الدبابات شرقا.

كما حاولت جماعة دبابات وعربة مدرعة نصف جنزير مهاجمة مجموعة العزل الجنوبية، ولكنها ارتدت على أعقابها جنوبا في اتجاه التينة بعد أن دمرت لها احدى دبابتها.

وفي الساعة الرابعة مساء، انضمت مجموعتان لاقتناص الدبابات بقيادة مساعد رئيس استطلاع اللواء الى مجموعة الصاعقة، وأصدر اليهم العقيد أ. ح مصطفى العباسي قائد اللواء أمره بتطوير الهجوم شرقا في اتجاه تقاطع الطرق على مسافة حوالي 8 كيلو مترات شرق القناة.

وفي الساعة الخامسة مساء، قام طيران العدو بمهاجمة النقطة القوية بعد أن تأكد من سقوطها، كما ركز ضربه على مركز ملاحظة اللواء عند الكيلو متر 17.500 والنقطة القوية لقواتنا غرب القناة عند الكيلو متر 14، وقد نجحت فصيلة صواريخ سام 7 عند الكيلو متر 17 في اسقاط طائرة ميراج للعدو. وخلال الفترة من الساعة السادسة حتى الساعة السابعة مساء تم استكمال تطهير الدشم وتفتيش الملاجئ بواسطة مجموعات الاقتحام المدعمة بعناصر من المهنددسين العسكريين وأطقم قاذفات لهب خفيفة. وبعد التأكد من خلو النقطة من قوات العدو، تم ترحيل الاسرى وكان عددهم 26 أسيرا الى مكتب مخابرات بورسعيد.

وفي الساعة الثامنة مساء، انتقل مركز ملاحظة اللواء 30 مشاة مستقل الى شرق القناة في منطقة الكيلو متر 17 شمال النقطة القوية، وقامت مدفعية العدو بقصف النقطة قصفا مركزا، وكانت جملة خسائر اللواء 30 مشاة، منذ بداية العملية حتى الساعة الثامنة مساء 23 شهيدا (منهم ضابط واحد) و7 جرحى (منهم ضابطان)، كما كانت جملة خسائر العدو في هذه المعركة 60 قتيلا و26 أسيرا.

وفي الساعة التاسعة والنصف مساء، أبلغ قائد مجموعة اقتناص الدبابات والصاعقة عن تقدم رتل مدرع للعدو من اتجاه بالوظة، فتم الضرب عليه بواسطة نيران دباباتين من طراز GS من مصطبة عند الكيلو متر 19 غرب القناة، فاضطرت الدبابات الاسرائيلية الى الارتداد شرقا.

واستمرت مجموعات اقتناص الدبابات والصاعقة في التقدم شرقا حتى تم لها الوصول الى منطقة تقاطع الطرق على بعد 8 كيلو مترات شرق القناة، دون أي مقاومة، وقامت بتنظيم الدفاع عنها، وأمر قائد اللواء بدفع دوريات لتأمين طرق الاقتراب جنوبا وشمالا وشرقا، وتنظيم الدفاع عن الارض المكتسبة.

سر النجاح الباهر لمعركة الكيلو متر 19

كان سقوط النقطة القوية الاسرائيلية عند الكيلو متر 19 (الحصن الاسرائيلي لاهتزانيت) في الساعة الثالثة والنصف مساء يوم 6 أكتوبر في أيدي قوات اللواء 30 مشاة مستقل، أي بعد حوالي ساعة واحدة فقط من بدء مرحلة العمليات لاقتحام هذا الحصن، يعد زمنا قياسيا على مستوى الجبهة بأكملها، ومثالا ناجحا للتخطيط الجيد والتنفيذ السليم للخطة الموضوعة. واستكمالا لدراستنا لهذه المعركة، سوف نوضح أهم العوامل التي أدت الى نجاحها بهذه الصورة الفريدة في نوعها، وذلك في النقاط التالية:

1 – عزل الحصن الاسرائيلي من جميع الجهات قبل بدء الهجوم الرئيسي ضده. وقد تم ذلك بوصول مجموعات القطع الى مواقعها المحددة في الشمال والجنوب والشرق بنجاح، مما أتاح الفرصة لكتيبة المشاة المخصصة كقوة اقتحام رئيسية بتنفيذ مهتمها وفقا للخطة الموضوعة دون تدخل من اي قوة اسرائيلية من احتياطي العدو في العمق، علاوة على انهيار معنويات حامية الحصن عقب اكتشافها ان الحصن محاصر من جميع الجهات.

2 – السرعة التي أمكن بها لمجموعة القطع الشرقية الوصول الى المصطبة التي اعدها العدو من قبل كخط صد ورفع العلم المصري عليها – قبل بدء الهجوم الرئيسي على الحصن – رغم وقوعها في منطقة سبخية محدودة المحاور، وذلك بسبب توافر اللياقة وقوة التحمل لدى أفراد المجموعة.

3 – الإصرار على تنفيذ المهمة مهما كانت التضحيات. وقد أدى اندفاع القادة الصغار من الضباط أمام أفراد وحداتهم الفرعية الى تقوية عزيمتهم ومضاعفة جهدهم، وفي نفس الوقت الى احكام سيطرة القادة على جنودهم.

4 – استخدام قاذفات اللهب الفردية بجرأة، واطلاق قذفات اللهب على مداخل الدشم والملاجئ أدى الى بعث الرعب في نفوس الاسرائيليين في الداخل ودفعهم الى سرعة التسليم.

5 – قطع جميع وسائل الاتصال بين الحصن وقيادته في العمق عن طريق قطع الأسلاك الكهربائية والخطوط السلكية للأجهزة الهاتفقية وهوائيات الأجهزة اللاسلكية، مما أدى الى احساس أفراد الحصن بالعزلة، وبث في نفوسهم اليأس من امكان وصول أي نجدات اليهم، وبالتالي انهيار الروح المعنوية.

6 – كان لتدمير جهاز التلسكوب الرئيسي في الحصن الذي يكشف جميع تحركات القوات المصرية على الضفة الغربية، بواسطة أسلحة الضرب المباشر في اللحظات الأولى من المعركة، أثره الواضح في تمكن قوة الاقتحام من عبور القناة على مواجهة الحصن من غرب القناة الى الشرق دون أي تدخل من العدو.

7 – أثبتت الأسلحة الخفيفة المضادة للدبابات وبخاصة القاذف (أر بي جي -7) أنها من أقوى الأسلحة وأشدها فعالية وفتكا ضد دبابات العدو على المسافات القريبة، خاصة اذا كانت تستخدم بواسطة أفراد يتصفون بالجرأة وقوة الايمان.

هذا، وفي الوقت الذي كانت فيه معركة الكيلو متر 19 دائرة على أشدها بين كتيبة مشاة من اللواء 30 مشاة مستقل وحامية الحصن الاسرائيلي، كان اللواء 135 مشاة مستقل وأسلحة دعمه بقيادة العميد أ. ح محمد صلاح الدين عبد الحليم والمتمركز في القطاع الفرعي بورفؤاد، يقوم بتنفيذ المهمة التي تم اسنادها اليه، وهي الهجوم على النقطة القوية الاسرائيلية عند الكيلو متر 10 شرق القناة (الاسم الكودي لدى الاسرائيليين أوركال من حصون خط بارليف)، وفي نفس الوقت الهجوم على النقطة القوية الاسرائيلية شرق بورفؤاد على طريق لسان رمانة (الاسم الكودي لدى الاسرائيليين بودابست من حصون خط بارليف)، وذلك بالتعاون مع القوات البحرية والقوات الجوية وقوات الدفاع الجوي مع تأمين قطاع بورفؤاد الفرعي ضد أي عمليات ابرار سواء من ناحية البحر أو الجو.

وكانت الخطة التي وضعت تقضي باستغلال ضربة الطيران التي كان من ضمن أهدافها قصف حصن بوادبست شرق بورفؤاد، وكذا التمهيد النيراني للمدفعية الذي كان محددا له 53 دقيقة، لمهاجمة النقطتين القويتين الاسرائيليتين عند الكيلو متر 10 وعلى طريق لسان رمانة شرق مدينة بورفؤاد في توقيت واحد وفقا للطريقة التالية:

1 – تقوم كتيبة مدعمة من اللواء 135 مشاة مستقل بمهاجمة النقطة القوية شرق بورفؤاد (حصن بودابست) من اتجاه الغرب، بالاشتراك مع ابرار بحري بقوة سرية صاعقة (من المجموعة 128 صاعقة) يتم ابرارها بحرا في المنطقة التي تبعد كيلو مترا واحدا شرق موقع العدو، وتقوم بالهجوم على الحصن الاسرائيلي من اتجاه الشرق، في عملية منسقة بين القوتين تحت ستر نيران المدفعية بهدف تدمير قوة العدو البشرية وأسلحته ومعداته والاستيلاء على الحصن الاسرائيلي ، مع الاستعداد لصد وتدمير احتياطيات العدو التي تحاول نجدة الحصن او استرداده.

2 - في نفس التوقيت، تقوم كتيبة مدعمة أخرى من اللواء 135 مشاة، بمهاجمة نقطة العدو القوية عند الكيلو متر 10 (حصن أوركال) من اتجاهي الشمال والغرب بهدف تدمير قوة العدو البشرية وأسلحته ومعداته والاستيلاء على الحصن الاسرائيلي، مع الاستعداد لصد وتدمير احتياطيات العدو التي تحاول نجدة الحصن أو استرداده.

يتم الاستيلاء على النقطتين القويتين قبل أول ضوء يوم 7 أكتوبر، ويكون اللواء 135 مشاة مستقل مسئولا عن تأمين المنطقة من كوبري البيلي شرق قطع مدينة بورفؤاد حتى الكيلو متر 14 شرق القناة، ويكون اللواء 135 مشاة مستعدا بعد ذلك لتطوير الهجوم على الشريط الساحلي في اتجاه رمانة بقوة كتيبة مشاة مدعمة باوامر من قائد الجيش الثاني بعد وفقة تعبوية أو بدون وقفة تعبوية. وتم تخصيص فوج مدفعية متوسطة من عيار 130 مم لمعاونة اللواء 135 مشاة في العمليات التي أسند اليه تنفيذها.

معركة الكيلو متر 10 حصن أوراكال

كان الحصن الاسرائيلي وفقا لما ورد في المصادر الاسرائيلية عبارة عن منطقة دفاعية كبيرة تتكون من ثلاثة حصون، هي أوراكال (أ، ب، ج). وعندما نشب القتال يوم 6 أكتوبر 73، كانت ترابط في أوراكال قوة قوامها 20 جنديا تحت قيادة النقيب جاد سوميخ الذي كان يتولى قيادة قوات الحصن بقطاعاته الثلاثة. وكان معه في أوراكال أ الملازم عيزرا. وفي أوراكال ب كان يرابط 6 من الجنود تحت قيادة الملازم دافيد أبودرهام، وكان يرابط في أوراكال ج 18 جنديا تحت قيادة الملازم ديسبرج. وفي الساعة الثانية مساء يوم كيبور 6 اكتوبر قصفت الطائرات المصرية الموقع وركزت المدفعية المصرية غلالاتها عليه، فهرع الجنود الاسرائيليون يستترون داخل الملاجئ. وعلى الجانب المصري وفي أثناء التمهيد النيراني للمدفعية ووفقا للخطة الموضوعة، تم عبور مفرزة من جنود الصاعقة للقناة الى الشاطئ الشرقي حيث قامت بعزل الحصن الاسرائيلي عند الكيلو متر 11 (من اتجاه الجنوب).

ومن قطاع بورفؤاد في الشمال، قامت قوات المجهود الرئيسي (كتيبة مشاة عدا سرية من اللواء 135 مشاة) بالهجوم بالطريق البري في اتجاه الجنوب وفقا للخطة الموضوعة، وكانت تتقدمها بضع دبابات (مجهزة بدقاقات لتفجير الألغام). ولكن الهجوم لم يلبث أن توقف عقب تدمير دباباتين دقاقتين على أثر غرز الدبابات في الارض السبخية قبل الوصول الى حقل الالغام الممتد شمال الحصن الاسرائيلي والذي كان عمقه حوالي 150 مترا. وفي الوقت نفسه، قامت السرية الباقية من الكتيبة (عدا فصيلة)، والتي كانت قد اخذت موقعها على الشاطئ الغربي للقناة في مواجهة الحصن لمهاجمته من الناحية الغربية بعبور القناة، ولكنها ازاء كثافة نيران العدو لم تتمكن من الوصول الا الى الساتر الترابي على حافة المياه حيث توقفت. ولم تستطع الفصيلة الباقية من السرية (الاحتياطي) العبور خلف الفصيلتين الأماميتين، بسبب شدة قصف مدفعية العدو على المعابر، مما أدى الى أن يجرف التيار قوارب الاقتحام المعدة لعبور الفصيلة في اتجاه الجنوب. وبذلك أصبحت الفصيلتان اللتان عبرتا من الغرب شبه معزولتين على الساتر الترابي بالضفة الشرقية.. ورغم توقف كتيبة اللواء 135 مشاة شمال الحصن أمام حقل الألغام، وتوقف فصيلتي المشاة التابعتين لها على الساتر الترابي غرب الحصن بعد عبورها القناة، فان القوة المصرية – رغم تثبيتها في مكانها – اشتبكت بالنيران من اتجاهي الشمال والغرب مع القوة الاسرائيلية التي كانت تواجهها، في (أوراكال أ و أوراكال ب) اشتباكا عنيفا مما ألحق الاسرائيليين خسائر كبيرة. وحرصا على تحريك الموقف وتعزيز القوة الدافعة للهجوم، أصدر قائد قطاع بورسعيد اللواء عمر خالد تعليماته الى العقيد أ. ح مصطفى العباسي قائد اللواء 30 مشاة مستقل، بأن يدفع سرية من الكتيبة التابعة له، والتي كانت متمركزة في الاحتياطي جنوب بورسعيد عند الكيلو متر 11 غرب القناة، بالعبور الى الشاطئ الشرقي لمهاجمة القطاع الغربي من الحصن الاسرائيلي. وفي الساعة الرابعة مساء يوم 6 أكتوبر قامت السرية المشاة (من اللواء 30 مشاة مستقل) بعبور القناة في قوارب اقتحام من جنوب القطاع الجنوبي من الحصن (أوراكال ج)، وخلال اختراقها للخنادق المحيطة بالموقع دار بين الجنود المصريين المهاجمين والجنود الاسرائيليين المدافعين قتال عنيف متلاحم انتهى بدخول المصريين الى الحصن الجنوب (أوراكال ج) في حوالي الساعة السادسة مساء، وتمكن أفراد السرية المصرية من تطهير ملجأين للعدو ومن العثور على تعليمات شفرة العدو ومفاتيح الشفرة المستخدمة في الحصن الاسرائيلي، وتم تسليمها الى مكتب المخابرات الحربية في بورسعيد في الساعة التاسعة مساء من نفس اليوم. وفي الساعة التاسعة والنصف مساء، قامت فصيلة المشاة التي تخلفت عن العبور مع سريتها بعد ظهر يوم 6 أكتوبر (من كتيبة اللواء 135 مشاة) بسبب جرف التيار لقوارب الاقتحام، بالعبور الى الشاطئ الشرقي للقناة حيث انضمت الى باقي السرية في موقعها على الساتر الترابي بالضفة الشرقية غرب الحصن الاسرائيلي.

وقد سجلت المراجع الاسرائيلية قصة سقوط موقع أوراكال ج في أيدي المصريين. ونذكر فيما يلي خلاصة لما ورد بشأ،ها: "هبط الظلام وأبلغ أوراكل أ (الموقع الشمالي من الحصن) أن موقفه أصبح حرجا. وبعد أن سلم الملازم أبودرهام قيادة موقع أوراكال ب الى الرقيبة آرييه (أحد المظليين السابقين) اتخذ أبو درهام طريقه إلى أوراكال أ على ضوء بطارية يد. وعندما دخل الحصن، عثر على قائد الحصن النقيب جاد سوميخ قتيلا في أحد المواقع والملازم عيزرا قتيلا في موقع آخر. بادر أبو درهام الى السيطرة على زمام الموقف، وأدرك ان الجنود في حالة يأس بسبب مصرع ضباطهم. وبعد اعادة تنظيم قوة الموقع أ وتسلم زمام القيادة، أجرى أبو درهام اتصاله بقائد موقع أوراكال ج الملازم ديسبرج، وأبلغه هذا الضابط أن المصريين قد اخترقوا منطقة الحصن بالفعل، وأن قتالا متلاحما يدور في الخنادق. وفي صبا الأحد شاهد أبو درهام من بعيد جنودا اسرائيليين يحملون علما أيبض، فأدرك أن حصن أوراكال ج قد سقط نهائيا في أيدي المصريين".

وعند منتصف ليلة 6/7 أكتوبر، قرر قائد قطاع بورسعيد اللواء عمر خالد دفع جزء من احتياطيه (سرية من الكتيبة 203 صاعقة) التي كانت ترابط غرب بورسعيد على طريق دمياط، للمعاونة في الاستيلاء على القطاعين الباقيين في الحصن الاسرائيلي، نظرا لتوقف كتيبة اللواء 135 مشاة (عدا سرية) أمام حقل الألغام شمال الحصن واليأس من امكان اشتراكها في المعركة. وقد توجه المقدم أ. ح فاروق محمد الحفني رئيس عمليات القطاع بناء على تعليمات قائد القطاع الى موقع كتيبة الصاعقة على طريق دمياط ، حيث تم له احضار سرية الصاعقة التي تقرر دفعها للاشتراك في مهاجمة الحصن. وبعد أن تلقى قائد سرية الصاعقة مهمته، وأجرى استطلاعه، قامت السرية بعبور القناة في الساعة الرابعة صباح يوم 7 أكتوبر من جنوب القطاع ج حيث انضمت الى قوة سرية المشاة (من اللواء 30 مشاة مستقل) التي كانت تقوم وقتئذ بعملية تطهير القطاع ج من الحصن من بقايا قوات العدو. وفي الساعة السابعة والنصف من صباح يوم 7 أكتوبر، أكملت السريتان تطهير باقي الملاجئ، وتم خلال ذلك قتل ستة أفراد من العدو وأسر فردين أحدهما طبيب، وقد قام قائد السرية من اللواء 30 مشاة بتسليمهما الى قائد اللواء 135 مشاة غرب القناة.

فشل الاسرائيليين في محاولة الهروب

في حوالي الساعة الثامنة من صباح يوم 7 أكتوبر، بدأت السرية المشاة من اللواء 20 مشاة بالاشتراك مع سرية صاعقة في مهاجمة القطاع ب من اتجاه الجنوب، ونجحت السريتان في الاستيلاء على احد الملاجئ في هذا القطاع حيث وقع جندي اسرائيلي في الأسر. وبعد قتال عنيف متلاحم، تمكنت السريتان في الساعة العاشرة صباحا من اقتحام ملجأ آخر في القطاع ب ومن قتل ثلاثة أفراد وأسر فردين آخرين للعدو. وكان اللواء عمر خالد قائد القطاع قد أصدر أمره في حوالي الساعة الثامنة والنصف صباحا الى كل من العميد أ. ح صلاح عبد الحليم قائد اللواء 135 مشاة مستقل واللواء أ. ح مصطفى العباسي قائد اللواء 30 مشاة، للانتقال على الفور الى الكيلو متر 10 للاشراف بشخصيهما على قواتهما بهدف سرعة الاستيلاء على القطاعين (ب وأ) بعد ذلك التأخير الذي جرى عن الموعد المحدد في الخطة.

وفي الساعة الحادية عشرة صباح يوم 7 أكتوبر، وعند موقع الكيلو متر 10 غرب القناة، تم لقاء بين قائد اللواء 30 مشاة وقائد اللواء 135 مشاة وقائد الكتيبة 203 صاعقة وقائد كتيبة مدفعية الميدان (التابعة للواء 30 مشاة) . وبعد أن عرض قائد اللواء 135 مشاة آخر تطورات الموقف وعن فقده الاتصال مع قواته شرق القناة، وبعد أن انتقل القادة الى نقطة الملاحظة للتعرف على أوضاع القوات على الارض، تم صدور القرارات التالية:

1- دفع سرية المشاة (من اللواء 135 مشاة) التي كانت لا تزال راقدة على الساتر الترابي شرق القناة خارج الحصن منذ عبورها في اليوم السابق، للتحرك من مكانها والانضمام الى قوة سريتي المشاة والصاعقة جنوب القطاع ب للاشتراك معهما في مهاجمته وتطهيره. ونظرا لعدم وجود أي اتصال بين قائد اللواء 135 مشاة وهذه السرية، فقد قام نقيب من سرية المشاة (من اللواء 30 مشاة) بناء على تعليمات قائده بالانتقال بقارب من الضفة الشرقية جنوب الحصن الى موقع سرية المشاة (من اللواء 135 ) الراقدة على الساتر الترابي على الضفة الشرقية غرب الحصن، لابلاغ قائد هذه السرية بالقرار الجديد للانضمام بسريته الى قوات الاقتحام جنوب الحصن ب.

2 – دفع عناصر من قاذفات اللهب (من اللواء 30 مشاة) في قاربين للتحرك بجوار الشاطئ الشرقي للقناة من الكيلو متر 19 شرق القناة (نظرا لسقوط حصن لاهتزانيت في أيدي قوات اللواء 30 مشاة في اليوم السابق) الى الكيلو متر 10 شرق القناة لتدعيم قوة الاقتحام التي تهاجم القطاع ب.

3- تركيز نيران كتيبة مدفعية الميدان التابعة للواء 30 مشاة على القطاع أ بالحصن لاسكات قوت العدو بداخله منعا لتدخلها في عملية اقتحام القطاع ب.

وفي الساعة الواحدة ظهرا يوم 7 أكتوبر دارت معركة عنيفة داخل القطاع ب، وتم أسر ثلاثة افراد من العدو. وفي الساعة الثالثة بعد الظهر أبلغ قائد اللواء 30 مشاة قائد قطاع بورسعيد، باتمام الاستيلاء على القطاع ب وانضمام باقي أفراد العدو بهذا القطاع الى القطاع أ في الشمال لمحاولة الهروب الى خارج الحصن. وبعد الاطمئنان الى سلامة الموقف والتأكد من أن العدو يعد عدته لمحاولة الفرار في اتجاه الجنوب، أمر قائد القطاع قائد اللواء 30 مشاة بالعودة الى مركز ملاحظة اللواء في الكيلو متر 17 شرق القناة.

وفي الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر، عبر قائد اللواء 135 مشاة ومعه قائد الكتيبة 203 صاعقة القناة للسيطرة على قوات الاقتحام في الشرق. ونظرا لان بقايا أفراد العدو المتجمعين في القطاع أ كانوا يجهلون أن الحصن الاسرائيلي (لاهتزانيت) عند الكيلو متر 19 قد سقط في ايدي المصريين في اليوم السابق، فقد بذلوا محاولة فاشلة للهروب في اتجاه هذا الحصن في الجنوب، وتكدسوا جميعا فوق دبابتين وعربة نصف جنزير، واندفعوا وهم يطلقون نيران رشاشاتهم الى الطريق المؤدي الى الحصن الاسرائيلي في الجنوب عند الكيلو متر 19. ولكنهم لم يسيروا طويلا، حتى اصطدموا في الساعة الرابعة والدقيقة العاشرة مساء بمجموعة القطع الشمالية التابعة للواء 30 مشاة شمال حصن لاهتزانيت، فتم تدمير دبابة وعربة نصف جنزير. ورغم أن الدبابة الأخرى تمكنت من الافلات والاندفاع في يأس الى جنوب الحصن فان مجموعة القطع الجنوبية التي كانت ترابط جنوب حصن لاهتزانيت تمكنت من تدميرها. وبلغ عدد القتلى من الجنود الاسرائيليين الهاربين 18 فردا، وتم أسر 4 أفراد من طاقم احدى الدبابتين. وفي الساعة الرابعة والدقيقة الخامسة والأربعين يوم 7 أكتوبر تم رفع العلم المصري فوق حصن "أوراكال"، وتم الاستيلاء على قطاعاته الثلاثة (أ وب وج).

لماذا لم يسقط الحصن الاسرائيلي "بودابست" شرق بورفؤاد

كانت المهمة التي أسندت الى اللواء 135 مشاة مستقل وأسلحة دعمه بقيادة العميد أ. ح صلاح الدين عبد الحليم والمتمركز في القطاع الفرعي بورفؤاد، تقضي باستغلال ضربة الطيران والتمهيد النيراني للمدفعية، لمهاجمة النقطتين الاسرائيليتين القويتين عند الكيلو متر 10 (حصن أوراكال) وعلى طريق لسان رمانة شرق بورفؤاد (حصن بوادبست) في توقيت واحد. وكانت الخطة التي وضعت للهجوم على النقطة القوية شرق بورفؤاد (حصن بوادبست) تقضي بقيام كتيبة مدعمة من اللواء 135 مشاة بمهاجمة الحصن الاسرائيلي من اتجاه الغرب، بالاشتراك مع ابرار بحري بقوة سرية صاعقة من المجموعة 129 صاعقة يتم ابرارها بحرا في منطقة تبعد بضعة كيلو مترات شرق موقع العدو، وتقوم بالهجوم على الحصن الاسرائيلي من اتجاه الشرق في عملية منسقة بين القوتين، تحت ستر نيران المدفعية بهدف تدمير قوة العدو البشرية وأسلحته ومعداته، والاستيلاء على الحصن الاسرائيلي مع الاستعداد لصد وتدمير احتياطيات العدو التي تحاول نجدة الحصن واسترداده.

وقد كانت القيادة الاسرائيلية تعطي اهتماما بالغا بحصن بودابست باعتباره مفتاح الطريق الساحلي بورفؤاد-العريش، ولذا أولت الحصن عناية غير عادية، سواء من ناحية التجهيز الهندسي، أو من ناحية الموانع القوية التي أحاطته بها من كل جانب، أو من ناحية الأسلحة والمعدات التي زودته بها. هذا بالاضافة الى اجراءات التأمين والنجدة عن طريق القوات البرية والجوية في حالة تعرض الحصن لاي هجمات ضده. وقد ساعدت طبيعة الأرض على زيادة مناعة الحصن. ففي شماله مباشرة يقع البحر المتوسط ، والى الجنوب منه تقع الملاحات الشاسعة، أما الشريق الساحلي الذي يقع عليه الحصن، فهو عبارة عن شريط ضيق من الارض يصل في أعرض أجزائه الى 170 مترا، ومن المستحيل القيام بأي مناورة خارجه بالمركبات أو الدبابات. ولذا فان طرق الاقتراب المتاحة للوصول اليه عن غير طريق الشريط الساحلي، اما أن تكون بواسطة عناصر مترجلة تخوض في الملاحات للوصول اليه من الجنوب، ولكن يعيب هذا الطريق أن القوة المتقدمة عليه يتسم عمليها بالبطء الشديد، والتعرض الكامل لأنواع النيران المختلفة من البر والجو، واما عن طريق استخدام القوارب للقيام بعملية ابرار بحري للوصول الى الحصن من الشمال او الى منطقة قريبة منه، ولكن يعيب هذه الوسيلة الاضطرار الى الخضوع لحالة البحر، والحاجة الى عدد كاف من القوارب ذات مواصفات خاصة من حيث نوعها وحمولتها، علاوة على تعرضها لقطع العدو البحرية خاصة لنشات الصواريخ، أو لطيرانه مما قد يؤدي الى اغراقها.

ولمعاونة عملية الهجوم على حصن بودابست، أصدر اللواء أ. ح سعد مأمون قائد الجيش الثاني أمره بتدعيم القوة المخصصة للهجوم على الحصن بالوحدات والمعدات التالية:

أ – عدد 6 دقاقات لتفجير الألغام لتركيبها على الدبابات ت 34 الموجودة باللواء 135 مشاة ، بعد تجهيزها بالأذرع الخاصة بذلك بورشة مدرعات القطاع لاستخدامها في فتح الثغرات في حقل الالغام غرب الحصن الاسرائيلي، والذي يبلغ عمقه 600 متر.

ب – 8 عربات مدرعة برمائية.

ج – سرية هاون 240 مم.

د – سرية صاعقة (من المجموعة 128 صاعقة) ليتم ابرارها بحرا في مجموعتين شرق الحصن الاسرائيلي (احداهما مجموعة قطع تبر على امسافة 4 كيلو مترات شرق النقطة لعزلها من جهة الشرق، والثانية مجموعة هجوم تبر من شرق النقطة بمسافة كيلو متر ونصف لمهاجمتها من ناحية الشرق لمعاونة الهجوم الرئيسي من غرب النقطة). وكان المفترض ان تدعم قيادة الجيش الثاني القطاع بعدد 24 قاربا مطاطيا من طراز زودياك لنقل سرية الصاعقة الى امكنتها المحددة، ولكن ذلك العدد لم يلبث ان خفض ليصبح 10 قوارب فقط. وقبل بدء العمليات يوم 6 أكتوبر بثلاثة أيام أفادت قيادة الجيش الثاني قائد القطاع بعدم توافر أي قوارب لديها، وأن عليه تدبير هذا الامر بمعرفته، واضطر قائد القطاع اللواء عمر خالد الى استئجار قاربي صيد كبيرين (بلنص صيد) لنقل مجموعة الابرار من ميناء بورسعيد الى منطقة عملها التي تبعد 4 كيلو مترات شرق حصن بوداسبت. وتعدلت الخطة تبعا لذلك، اذ اقتصر عمل قوة الابرار البحري على مجرد عزل النقطة من الشرق، وتم الغاء الجزء الخاص بابرار مجموعة الهجوم على مسافة كيلو متر ونصف لمهاجمة الحصن من الشرق لمعاونة الهجوم الرئيسي من الغرب.

المحاولة الأولى لاقتحام حصن بودابست

في الساعة الثانية من بعد ظهر يوم 6 أكتوبر 73، قام أكثر من 200 طائرة مصرية من المقاتلات والمقاتلات القاذفة بعبور قناة السويس في اتجاه الشرق على ارتفاع منخفض لتنفيذ الضربة الجوية المركزة في عمق سيناء، واشتركت في هذه الضربة الجوية بعض القاذفات التكتيكية (إل 28) وركزت قصفها على حصن بودابست الاسرائيلي شرق مدينة بورفؤاد. وقد اتضح ان بعض القنابل قد سقطت داخل الحصن، بينما سقط البعض الاخر خارجه. وفي الساعة الثانية وخمص دقائق، بدأ التمهيد النيراني للمدفعية في قطاع بورسعيد وفقا للخطة الموضوعة في أربع قصفات، استغرقت 53 دقيقة عن طريق الرمي المباشر وغير المباشر على نقط العدو الحصينة واحتياطاته القريبة ومرابض مدفعياته ومراكز قياداته.

وفي أثناء فترة التمهيد النيراني للمدفعية وتنفيذا للخطة الموضوعة بدأت سرية الصاعقة في الابحار من ميناء بورسعيد في قاربي صيد (بلنص) للوصول الى المكان المحدد لها والذي يقع على مسافة 4 كيلو مترات شرق حصن بودابست للقيام بمهمة عزل الحصن من الشرق، ومنع قوات العدو المدرعة من الوصول اليه لنجدته.

وفي التوقيت المحدد وعلى الشريط الساحلي، بدأ تحرك مجموعة الكتيبة المشاة من اللواء 135 مشاة مستقل وعناصر دعمها من مواقعها شرق بورفؤاد في اتجاه الحصن الاسرئيلي في الشرق. وكان ترتيب السير كمايلي: في المقدمة سارت ثلاثة من الدبابات الدقاقة المخصصة لفتح الثغرات في حقل الالغام تتبعها عناصر فتح الثغرات من أفراد المهندسين العسكريين ، ثم عناصر قاعدة النيران المتقدمة، وأخيرا سرية مشاة من النسق الاول للكتيبة في عربات مدرعة برمائية مدعمة ببعض الدبابات من طراز ت 34. وفور وصول الدبابات الدقاقة الى حقل الالغام غرب الحصن، بدأت حامية الحصن في تركيز النيران عليها، مما أدى الى تدميرها وتعطيلها بأكملها وتبعا لذلك توقفت جميع العناصر خلفها.

وبناء على قرار العميد أ. ح صلاح عبد الله قائد اللواء بدأت محاولة فتح الثغرة بالطريقة التبادلية، أي عن طريق عناصر المهندسين العسكريين، ولكن هذه المحاولة لم تستمر طويلا، فقد ظهرت في نفس الوقت طائرات العدو التي كانت تطير على ارتفاع منخفض والتي ركزت قذائفها على الدبابات والعربات المدرعة البرمائية، واخذت في اطلاق نيران رشاشاتها على جميع القوات المتقدمة على الشريط الساحلي بين بداية حقل الغام العدو والموقع الاول لقواتنا شرق بورفؤاد، والذي كان عرضه حوالي 170 متر وطوله حوالي كيلو مترين. واستمر القصف الجوي في موجات متتالية لفترة تزيد على ساعتين ونصف الساعة دون ان تقابل الطائرات الاسرائيلية باي مقاومة مما ادى الى تدمير جميع الدبابات المشتركة في العملية، وكذا خمس عربات مدرعة برمائية، فضلا عن الخسائر الكبيرة في الافراد. وقد اشتركت حامية الحصن الاسرائيلي مع الطائرات في اطلاق نيرانها من مواقعها الحصينة على القوة المصرية المتقدمة، مما شل فعالتيها وافقدها قدرتها على المحاورة والمناورة، وتبعا لذلك توقف الهجوم تماما من هذا الاتجاه وبدات العناصر التي قامت بالهجوم في الارتداد غربا الى مواقعنا شرق بورفؤاد تحت ضغط العدو.

وكانت قوة الصاعقة المنقولة في قاربي صيد (بلنص) قد نجحت في الوصول الى المكان المحدد لها على مسافة 4 كيلو مترات شرق الحصن الاسرائيلي دون أن تتلقى أي هجمات من طيران العدو أثناء ابحارها في اتجاه الشرق نظرا لانها كانت تستخدم قاربي صيد مدنيين. وقد استمرت مجموعة الابرار البحري (سرية الصاعقة) في محلها لمدة أربعة أيام وأمكنها أسر 6 من أفراد العدو والحاق الخسائر بدباباته وآلياته المرسلة لنجدة الحصن، وبذا حققت مهمتها في عزل الحصن من جهة الشرق بنجاح.

واصدر قائد اللواء 135 مشاة مستقل أوامره الى قائد مجموعة الكتيبة المشاة التي كانت قائمة بالهجوم بالتمسك بموقعه الدفاعي شرق بورفؤاد بعد ارتداده والعمل على استعادة توازنه الدفاعي على الفور، وصد اي هجمات مضادة للعدو. ونظرا لفشل المحاولة الأولى في الاستيلاء على الحصن ، فقد تم تحديد يوم 8 أكتوبر لتنفيذ محاولة ثانية للهجوم عليه، وأخذ المقدم أ. ح على المزاحي قائد الكتيبة المشاة التي قامت بالمحاولة الاولى في اعادة تجميع كتيبته وعناصر دعمها وفقا لتعليمات العميد أ. ح صلاح عبد الحليم قائد اللواء 135 مشاة استعدادا لتكرار المحاولة، وتم للقطاع استئجار قاربي صيد لنقل عناصر من مجموعة الكتيبة المشاة الى شرق الحصن، ولكن العدو قام بتركيز القصف الجوي ليلة 7/8 أكتوبر على مدينتي بورسعيد وبورفؤاد، خاصة الترسانة البحرية في بورفؤاد، التي كانت ترسو فيها قوارب الصيد. ونتيجة للخسائر التي حدثت، طلب قائد القطاع اللواء عمر خالد تأجيل المحاولة الثانية الى موعد يحدد فيما بعد، وصدق اللواء أ. ح سعد مأمون قائد الجيش الثاني على هذا المطلب، انتظارا لامداد قطاع بورسعيد بوسائل ابرار بحرية عن طريق القوات المسلحة . ونظرا لان مجموعة القطع (سرية الصاعقة) التي تم ابرارها على بعد 4 كيلو مترات شرق حصن بودابست تعرضت خلال الايام الاربعة التي قضتها في موقعها لقصف عنيف من الطائرات ومدافع الدبابات مما كبدها خسائر جسيمة في الافراد والمعدات، فقد أصدر قائد القطاع أوامره بعودتها الى الموقع الدفاعي شرق بورفؤاد.

التخطيط للقيام بالمحاولة الثانية ضد الحصن

سنحت الفرصة لقيادة قطاع بورسعيد للقيام بمحاولة ثانية لاقتحام الحصن الاسرائيلي على أثر تدعيم القطاع بالكتيبة 103 صاعقة (من المجموعة 139 صاعقة) التي وصلت من القاهرة يوم 11 أكتوبر، وكذا بعد وصول عشرة قوارب فيبر جلاس جديدة وصلت من الاسكندرية يوم 14 أكتوبر، ولكن كان عيبها الرئيسي هو ارسالها الى قطاع بورسعيد دون اجراء الصيانة اللازمة لها ودون تليين محركاتها.

وكانت الخطة التي وضعها العميد أ. ح صلاح عبد الحليم قائد اللواء 135 مشاة تتلخص في مهاجمة الحصن الاسرائيلي على النحو التالي:

1- عزل الحصن عن طريق امداداته ونجداته من الشرق باحتلال سرية صاعقة من الكتيبة 103 صاعقة مدعمة بفصيلة مقذوفات صاروخية مضادة للدبابات (مالوتكا) موقعا على بعد حوالي 4 كيلو مترات شرق الحصن الاسرائيلي. 2- هجوم رئيسي تقوم به سرية من الكتيبة 103 صاعقة، وسرية من الكتيبة المشاة من اللواء 135 مشاة من اتجاه الشرق كنسق أول مع وجود سرية صاعقة في الاحتياطي خلفهما. 3- هجوم ثانوي تقوم به عناصر من كتيبة المشاة من اللواء 135 مشاة من اتجاه الغرب، مع بقاء سرية مشاة من نفس الكتيبة في الموقع الدفاعي شرق بورفؤاد في الاحتياطي. 4- ابرار بحري تقوم به قيادة الكتيبة المشاة من اللواء 135 مشاة على راس سرية مشاة مدعمة (عدا فصيلة) بهدف النزول من البحر على الحصن الاسرائيلي مباشرة.

الأسس التي بنيت عليها خطة الهجوم

كانت الأسس التي بنيت عليها خطة الهجوم كالتالي:

1- ضرورة توافر حماية جوية بالنسبة لقوة الهجوم لمنع طيران العدو من التدخل اثناء مهاجمة الحصن خاصة بالنسبة لقوة الهجوم الرئيسي شرق الحصن لبعدها عن وسائل الدفاع الجوي الخاصة بالقطاع حتى لا يتكرر ما حدث يوم 6 أكتوبر أثناء المحاولة الأولى. 2- تعديل خطة الهجوم على الحصن لتكون من أكثر من اتجاه (من الغرب والشرق ومن الشمال عن طريق البحر) لكي يمكن استغلال نجاح أي اتجاه بدفع الاحتياطيات نحوه. 3- قيام عناصر الهجوم بسير اقتراب ليلي الى المواقع الابتدائية للهجوم حتى يمكن تحقيق المفاجأة وتلافي تأثير طيران العدو. 4- عزل الحصن من الشرق على مسافة 4 كيلو مترات لمنع دبابات العدو ومشاته من نجدته. 5- تخصيص احتياطي (سرية على الأقل) في كلا اتجاهي الهجوم (شرق وغرب الحصن) لتعزيز الهجوم واستغلال النجاح. 6- استخدام نفس قوة الهجوم التي قامت بالمحاولة الأول لسابق خبرتها بهذه المهمة (ما عدا الدبابات والعربات المدرعة الخمس التي سبق تحطيمها اثناء هذه المحاولة). 7- القيام بتمهيد نيراني لمدة 30 دقيقة بالمدفعية قبل اقتحام النقطة. 8- تحددت ساعة س (أي ساعة الهجوم على الحصن من الاتجاهات الثلاثة) لتكون الرابعة صباحا يوم 15 أكتوبر.

هذا، وقد قام العميد أ. ح صلاح عبد الحليم قائد اللواء 135 مشاة بعرض قرار الهجوم على اللواء عمر خالد قائد القطاع صبح يوم 13 أكتوبر، وبعد مناقشته تم التصديق عليه وأرسلت صورة منه الى قيادة الجيش الثاني. وتم استغلال الفترة من ليلة 12/13 أكتوبر في قيام عناصر الهجوم – خاصة الكتيبة 103 صاعقة التي قدمت من القاهرة يوم 11 أكتوبر – باستطلاع المنطقة وطرق الاقتراب اليها خلال الملاحات، وذلك عن طريق ارسال دوريات استطلاع وعمل كمائن واجراء المراقبة بالنظر بالاضافة الى دراسة الصور الجوية المتيسرة عن الحصن الاسرائيلي والموانع المحيطة به.

وقام قائد اللواء 135 مشاة وقادة وحداته الفرعية خلال يومي 13/14 أكتوبر باستكمال جميع اجراءات تنظيم المعركة واعداد القوات للعملية الهجومية. وبحلول آخر ضوء يوم 14 أكتوبر كانت جميع العناصر جاهزة لتنفيذ المهمة، واستعدت الوحدات الفرعية لاتخاذ محلاتها في المواقع الابتدائية للهجوم.

وفي الساعة السابعة يوم 14 أكتوبر، بدأت تحركات عناصر تشكيل القتال من بورفؤاد لاتخاذ اوضاعها للهجوم خلال فترة الظلام على النحو التالي:

1- قوة الهجوم الثانوي: تحركت الى الموقع الأول لقواتنا شرق بورفؤاد، واتخذت اوضاعها تماما. 2- قوة الهجوم الرئيسي: تحركت من مواقعنا شرق بورفؤاد تحت قيادة قائد الكتيبة 103 صاعقة في أربع مجموعات على مراحل من خلال ملاحات بورفؤاد، ووصلت الى محلاتها المحددة شرق النقطة، بعد سير اقتراب شاق نتيجة لطبيعة التربة الرخوة في الملاحات ودرجة تركيز الملح في مياهها، فقد كان من المحتم ان يسير أفراد القوة حفاة الأقدام حتى يمكنهم الخوض في هذه الملاحات. 3- قوة الابرار البحري، بدأ ابحارها من ميناء بورسعيد في الساعة الثالثة صباحا يوم 15 أكتوبر تحت قيادة قائد الكتيبة المشاة القائمة بالهجوم، ووصلت في الساعة الرابعة والنصف صباحا متأخرة حوالي نصف الساعة عن موعدها بسبب سوء حالة البحر (بحر 4)، ونتيجة لذلك تم ابرارها غرب الحصن بحوالي كيلو متر واحد بدلا من ابرارها على الحصن الاسرائيلي مباشرة وفقا للخطة. 4- اعتبارا من آخر يوم 14 أكتوبر بدأ قصف الحصن طوال الليل وفقا لبرنامج ازعاج اشتركت فيه مدفعية القطاع بكل الأعيرة والصواريخ كاتيوشا من أحد اللنشان التابع للقاعدة البحرية ببورسعيد.

معركة حصن بودابست

في الساعة الثالثة والنصف صباح يوم 15 أكتوبر بدأت التمهيد النيراني للمدفعية لمدة نصف ساعة، وقد اشتركت فيه مدفعية اللواء 135 مشاة وكتيبة مدفعية متوسطة. وفي الساعة الرابعة صباحا بدأت عملية اقتحام الحصن الاسرئيلي (بودابست) وفقا للخطة الموضوعة. فمن الغرب بدات قوة الهجوم الثانوي في فتح نيرانها على الحصن لجذب انتباه حاميته وتحويل نيرانها الى اتجاه الغرب. ومن الشرق بدأت قوة الهجوم الرئيسي في التقدم على الساحل في اتجاه الغرب، وفي مقدمتها سرية الصاعقة. وبعد اقتراب مفاجئ من الحصن، تمكنت عناصر من سرية الصاعقة من الدخول الى ساحته وعلى رأسها قائد السرية، واشتبكت في الحال مع حاميته. ونظرا لنزول قوة الابرار البحري غرب الحصن بسبب سوء حالة البحر، فقد انضمت الى قوة الهجوم الثانوي، وبدأت القوة المشتركة تتقدم على الساحل للوصول الى شمال النقطة من جهة البحر، ولكنها لم تلبث ان تعرضت لنيران كثيفة من اتجاه الحصن مما ألحق بها خسائر كبيرة وسقط قائد الكتيبة المشاة المقدم أ. ح علي المزاحي شهيدا بعد أن أبدى شجاعة عظيمة وبطولة نادرة. وعلى الرغم من غزارة النيران المنهمرة من الحصن في جميع الاتجاهات، فقد نجحت عناصر من قوة الهجوم الرئيسي القادمة من الشرق في الولوج الى الداخل في وجه سيل من نيران العدو فأصيب قائد سرية الصاعقة الذي كان أول من اقتحم الحصن بعدة طلقات، الا انه ظل مسيطرا على السرية اثناء اقتحامها. كما نجحت بعض العناصر من قوة الهجوم الثانوي في الوصول الى الساتر الترابي من ناحية الشمال. ودار قتال عنيف بين العناصر المتقدمة المصرية وحامية الحصن. وأبلغ قائد الحصن الاسرائيلي قائد القطاع الشمالي للعدو عن طريق اشارة لاسلكية تم التقطاعها بتحرج موقفه نظرا لنجاح بعض عناصر الهجوم المصرية في اقتحام الحصن، وطلب منه سرعة امداده بالنجدات خاصة السلاح الجوي. ورغم النجاح المبدئي الذي حققته بعض العناصر المصرية من قوات الهجوم الرئيسي والثانوي، والذي كان من المفترض ان يتلوه تدفق باقي القوات خلفها الى داخل الحصن، فان الموقف لم يلبث أن تغير الى النقيض بعد قليل. فقد بدأ ضوء الفجر في الظهور، وبدأ تدفق طيران العدو لنجدة حامية الحصن، وقامت طلعة مكونة من طائرتين من طراز فانتوم بالقاء قنابلها على قوات الهجوم الثانوي غرب الحصن، ولم تلبث ان انقضت عليها وهي تطلق سيلا من نيران رشاشاتها.

أما قوات الهجوم الرئيسي شرق الحصن، فقد تعرضت لهجمات عنيفة من الجو استخدم فيها العدو عددا من طائرات الهيليكوبتر مما أوقف تقدمها. واشتبكت قوة القطع المكونة من سرية من الصاعقة مدعمة بفصيلة مقذوفات صاروخية (مالوتكا) من موقعها على بعد أربعة كيلومترات شرق الحصن مع سريتين من الدبابات الاسرائيلية التي تقدمت من الشرق لنجدة الحصن اشتباكا حاميا ادى الى وقوع خسائر فادحة في الطرفين، فقد استشهد قائد سرية الصاعقة وقادة الفصائل، كما أصيب عدد كبير من الافراد نتيجة لعدم وجود أي سواتر في هذا المنطقة، ولكن تم لسرية الصاعقة تدمير حوالي 20 دبابة وعربة مدرعة نصف جنزير اسرائيلية ، كما أصيب عدد كبير من أفراد العدو.

واستمرت المعركة محتدمة بين عناصر الهجوم المصرية التي كانت تحاول التقدم نحو الحصن من الشرق والشمال والغرب، والتي كان بعضها قد نجح بالفعل في الوصول الى ساحته الداخلية، وحامية الحصن التي كانت تطلق على المصريين من داخل مرابضها ودشمها الحصينة سيلا من النيران المؤثرة، مما ادى الى توقف محاولات الهجوم على الحصن، وبالتالي الى توقف تدفق عناصرنا الى داخله.

ونتيجة لتركيز هجمات العدو الجوية ونيران دباباته، تمكنت قوة العدو المدرعة القادمة من الشرق من ازاحة قوة القطع (سرية الصاعقة) شرق الحصن من مواقعها والتقدم نحو الحصن ضاغطة في طريقها على قوة الهجوم الرئيسي أيضا، مما أجبر جميع القوات المصرية شرق الحصن على الارتداد جنوبا في اتجاه الملاحات للوصول الى مواقعنا الدفاعية شرق مدينة بورفؤاد. ولعرقلة ارتداد قواتنا عبر الملاحات، قامت 4 طائرات اسرائيلية من طراز سكاي هوك بالقاء كبسولات ضباب في الملاحات مما أدى الى عدم وضوح الرؤية واصابة عدد كبير من الأفراد نتيجة لتعثرهم اثناء السير.

ونظرا لتدهور الموقف وفشل الهجوم، أجرت قيادة القطاع اتصالات هاتفيا مع الفريق سعد الشاذلي بالمركز 10 بالقاهرة تم خلاله ايضاح الموقف له والتمسك بضرورة قيام المظلة الجوية المصدق عليها من قبل حماية قواتنا، والتي لم تصل الى ارض المعركة في الموعد المحدد لها أثناء الهجوم، مما أدى الى فشل العملية. وفي حوالي الساعة الثامنة صباح يوم 15 أكتوبر، قامت طلعة جوية مصرية مكونة من طائرتين من طراز سوخوي بالتوجه الى ميدان القتال، وعندما وصلت فوق الحصن الاسرائيلي اسقط الدفاع الجوي للعدو احدهما، وعادت الأخرى الى قاعدتها دون أن يؤدي قدومها الى اي تغيير في الموقف. وعقب الفشل النهائي للهجوم تعرضت مواقعنا الدفاعية شرق بورفؤاد للقصف الجوي. وطلب قائد القطاع من قائد اللواء 135 مشاة التمسك بهذه المواقع حتى النهاية وتدمير أي قوات مدرعة للعدو تحاول الاقتراب منها. وطوال 15 أكتوبر استمرت عودة الأفراد عن طريق الخوض في الملاحات في الجنوب للانضمام الى مواقعنا الدفاعية شرق بورفؤاد حيث بدأت عملية اعادة التجميع وحصر الخسائر. وقد قامت مجموعة المدفعية خلال سير المعركة بتقديم المعاونة المستمرة لقواتنا ثم في ستر ارتدادها في اتجاه بورفؤاد، وكذا تدمير اي محاولة لدبابات العدو للتقدم نحو مواقعنا الدفاعية شرق بورفؤاد.

هذا، ولم تحاول قيادة قطاع بورسعيد اعادة الكرة والهجوم مرة أخرى على حصن بودابست بعد معركة يوم 15 أكتوبر، ولذا ظل هذا الحصن هو الحصن الوحيد من حصون خط بارليف الذي لم يسقط في أيدي القوات المصرية حتى نهاية الحرب.

الفصل الثاني عشر: العمليات الحربية في منطقة البحر الأحمر

أطلق اسم محافظة البحر الأحمر على تلك الرقعة الشاسعة من الصحراء الشرقية التي تمتد من أبو الدرج شمالا عند الكيلو متر 110 جنوب السويس حتى الحدود المصرية السودانية جنوبا عند خط عرض 22 درجة شمالات، ومن ساحل البحر الأحمر شرقا حتى وادي النيل غربا. ويبلغ طول المحافظة من الشمال الى الجنوب حوالي 1080 كم، ويتراوح عرضها بين 180 كم و300 كم. وقد بقى هذا الجزء من الوطن منطقة شبه مغلقة تخضع لنظام تصاريح الدخول تحت اشراف سلاح الحدود، حتى صدر القانون رقم 88 لسنة 1961 باعتبارها منطقة مفتوحة تحت اسم محافظة البحر الأحمر ، وتطبيق نظام الادارة المحلية بها. وفي سبتمبر عام 1968 تم انشاء منطقة عسكرية بها لاول مرة، وأصبحت الغردقة عاصمة المحافظة مقرا لقيادة المنطقة العسكرية. وقد تولى قيادة المنطقة منذ انشائها حتى حرب أكتوبر 1973 خمسة من القادة هم اللواءات: صالح أمين وبهي الدين نوفل وسعد الشاذلي ومحيي ابراهيم وابراهيم كامل محمد.

وكانت منطقة البحر الأحمر بحكم حجمها وموقعها قبل حرب أكتوبر 1973 تعد أكبر المناطق العسكرية في مصر من حيث المساحة واتساع المواجهة، وان كانت تعد في نفس الوقت أضعفها من حيث حجم القوات المتمركزة بها. وكانت مواجهتها تمتد من بير عديب شمالا على خليج السويس حتى بير أبو الغصون جنوبا على البحر الأحمر (حوالي 800 كم)، بينما يمتد عمقها غربا في اتجاه وادي النيل بمتوسط حوالي 100 كم. وبالنسبة لاتساع المنطقة، تم تقسيمها الى خمسة قطاعات فرعية هي: القطاع الشمالي – قطاع رأس غارب – القطاع الأوسط – قطاع سفاجا –قطاع وادي قناة. وفضلا عن هذه القطاعات، كانت جزيرة شدوان التي تقع على المدخل الجنوبي لخليج السويس وعلى مسافة حوالي 35 كم من الساحل تعتبر نقطة دفاعية قوية. والمنطقة تعتبر شبه جرداء ، اذ ان معظم أراضيها صحراوية جبلية، وتمتد سلاسل الجبال بمحاذاة ساحل البحر الأحمر مبتعدة عنه في بعض المناطق ومقتربة منه في مناطق أخرى. وتوجد قرب الساحل مناطق منبسطة تصلح لعمليات الابرار البحري المعادي ولعمليات الابرار الجوي او لاسقاط قوات من المظلات. وتكثر المناطق الصخرية في المنطقة مما جعل من الصعب اعداد تجهيزات هندسية او انشاء تحصينات دفاعية بالقرب من الشاطئ الا باستخدام المواد الناسفة.

وتتميز المنطقة بقلة مصادر المياه وندرة الانتاج الزراعي واعتمادها في سد احتياجاتها على ما يجلب اليها من وادي النيل. وكانت هناك صعوبة في ذلك الأمر، نظرا لقلة الطرق العرضية التي تربط محافظة البحر الأحمر بوادي النيل، وعدم وجود خط سكة حديدية بينهما. هذا، وتحتل المحافظة مركزا متميزا بين محافظات الجمهورية في انتاج البترول، وتوجد أهم الآبار في رأس غارب ورأس بكر وعامر وكريم وشقير والغردقة. وقد القى ذلك عبئا على القيادة العسكرية لمنطقة البحر الأحمر للمحافظة على هذه الثروة القومية وتأمين مناطق آبار البترول ضمانا لاستمرار الانتاج الذي يمثل أهمية اقتصادية كبرى للبلاد.

ويوجد في خليج السويس داخل المنطقة كثير من الجزر التي تختلف بعضها عن بعض من جهة مساحتها ومن حيث بعدها عن الشاطئ ، وأهما شدوان والجفتون (شمال شرق الغردقة) ولكنها جميعا تتميز بطبيعتها الصخرية المتكلسة، مما يجعل من الصعب تجهيزها هندسيا والدفاع عنها بكفاءة، ولذا ينبغي تكديس احتياجاتها في داخلا لتحقيق اكتفائها الذاتي من مياه وتعيينات وذخيرة. ويوجد بالمنطقة عدة موانئ تجارية أهمها رأس غارب والغردقة وسفاجا والقصير ومرسى علم وبرنيس.

المهام التي أسندت لمنطقة البحر الأحمر

نظرا للاتساع الكبير لمواجهة المنطقة مع صعوبة توافر القوات لكي تتمركز في جميع المناطق الحيوية المهددة، فقد تطلب الأمر أن يكون أسلوب الدفاع عن المنطقة مرتكزا على الأسس التالية:

1- تركيز الدفاع على الأهداف الحيوية، مع قبول ترك ثغرات كبيرة خالية بين الجزر الدفاعية. 2- الاحتفاظ باحتياطيات خفيفة الحركة لدفعها في اتجاه اي قوات للعدو تنجح في الاختراق او في التسلل بين الجزر الدفاعية بهدف القضاء عليها. 3- تهيئة الظروف لسرعة دفع الاحتياطيات باختيار انسب الطرق وتوفير وسائل النقل المناسبة، سواء كانت برية أو جوية، لضمان وصول القوات في الوقت المناسب الى الاماكن المهددة. 4- ضرورة توافر وسائل اتصال مستمرة لتحقيق السيطرة على القوات. 5- رفع مستوى الاكتفاء الذاتي من تعيينات ومياه وذخيرة وأدوات مهندسين عسكريين واحتياطيات طبية. 6- ايجاد نظام دفاع جوي متكامل في المنطقة، عن طريق توافر وسائل الانذار المختلفة من نقاط مراقبة ومحطات رادار على ابعاد مناسبة، ضمانا لعدم وجود ثغرات غير مغطاة بالكشف الراداري. وكذا تمركز قوات دفاع جوي ذات قدرات عالية (مدافع مضادة للطائرات وصواريخ أرض جو سام) لسرعة التعامل مع الظائرات المغيرة.

وعندما وضعت هيئة العمليات بالقيادة العامة المصرية الخطة جرانيت 2 المعادلة (الخطة بدر فيما بعد) الت يكانت تقضي باقتحام خمس فرق مشاة قناة السويس على مواجهة حوالي 160 كم من بورسعيد شمالا الى السويس جنوبا واجتياح خط بارليف وانشاء منطقة من رؤوس الكباري على عمق (10-12) كم شرق القناة، تركز الاهتمام أيضا على منطقة سيناء الجنوبية، اذ ان الشاطئ الشرقي لخليج السويس الذي يمتد حوالي 300 كم من منطقة الشط شمالا حتى ميناء الطور جنوبا يعتبر امتدادا لجبهة الهجوم المصرية على قناة السويس. وكان من الضروري التخطيط للقيام بعمليات حربية على هذا الجزء المهم من مسرح العمليات ، لحماية الجناح الأيمن للقوات المصرية شرق القناة، ولتخفيف الضغط على رءوس الكباري المصرية في الشرق، بجذب احتياطيات العدو جنوبا في اتجاه لم يكن مخططا له من قبل.

ومن أجل تحقيق تلك الأهداف حددت تعليمات العمليات الصادرة في مارس 1973 لمنطقة البحر الأحمر العسكرية المهام التالية:

1- مع بدء اقتحام قناة السويس، تكون قوات منطقة البحر الأحمر العسكرية بالتعاون مع القاعدة البحرية في سفاجا وقوات الدفاع الجوي والقوات الجوية مستعدة لتنفيذ المهام الدفاعية في خليج السويس وساحل البحر الأحمر، وتأمين الاهداف الحيوية بالمنطقة ضد أعمال الابرار البحري والجوي المعادية. 2- تقوم المنطقة اعتبارا من الليلة الأولى للهجوم المصري بالتعاون مع القوات البحرية والقوات الجوية بعمليات ابرار بحري وجوي بقوة كتيبتي صاعقة على الشاطئ الشرقي للخليج في مناطق شيراتيب-أبورديس-أبوزنيمة، بمهمة تدمير أهداف العدو الحيوية، وقطع خطوط مواصلاته في هذه المناطق وعرقلة تقدم احتياطياته وتأمين المضايق في جنوب سيناء، بهدف تحقيق السيطرة على الساحل الشرقي لخليج السويس مابين أبورديس ورأس سدر. 3- يدفع اللواء الأول مشاة ميكانيكي من الفرقة 6 مشاة ميكانيكية من تجميع الجيش الثالث الميداني، من منطقة الشط في اتجاه منطقة رأس مسلة للاستيلاء عليها، ثم يطور الهجوم في اتجاه أبورديس لتحقيق السيطرة على الساحل الشرقي لخليج السويس، بالتعاون مع وحدات الصاعقة التي تم ابرارها من قبل في جنوب سيناء، ويقوم بالاستيلاء على أبورديس كمهمة مباشرة (على أن يوضع تحت قيادة منطقة البحر الأحمر العسكرية بمجرد دفعه من رأس مسلة).

ويخصص للمجهود القتالي للابرار البحري والجوي لوحدات الصاعقة: 30 قاربا (زودياك) و12 طلعة طائرة هيليكوبتر (مي8) على مرتين.

4- بعد وقفة تعبوية، تطور قوات منطقة البحر الأحمر العسكرية (اللواء الأول مشاة ميكانيكي بالتعاون مع قوات الصاعقة والقوات البحرية) هجومها جنوبا من أبو رديس على امتداد ساحل خليج السويس في اتجاه الطور وتستولي على منطقة الطور كمهمة نهائية، وتتحول القوات بعد ذلك للدفاع عنها، مع استمرار تأمين الساحل الشرقي لخليج السويس. 5- تسيطر قيادة منطقة البحر الأحمر العسكرية على تنفيذ العملية جرانيت 2 المعدلة بانشاء مركز قيادة مشترك يدفع في مكان متقدم وفقا لقرار قائد المنطقة، ويشكل بقيادة رئيس أركان المنطقة ويضم مجموعة عمليات بحرية ومجموعة عمليات من الصاعقة وضابط اتصال جوي، بمهمة السيطرة على الاعمال الدفاعية في المنطقة وتنفيذ عمليات الابرار الجوي والبحري على الشاطئ الشرقي لخليج السويس، ثم العبور خلف اللواء الأول مشاة ميكانيكي على الضفة الشرقية للقناة لقيادة عملياته من توقيت دفعه للاشتباك.


الأعمال التحضيرية للعملية الهجومية

• وصف سيناء الجنوبية: كانت المنطقة المحددة لعمليات قوات منطقة البحر الأحمر العسكرية هي سيناء الجنوبية، وهي منطقة على شكل مثلث رأسه في الجنوب عند رأس محمد الذي يلتقي عنده الشاطئ الغربي لخليج العقبة مع الشاطئ الشرقي لخليج السويس. وتقع قاعدة المثلث في الشمال عند الحد الجنوبي لسيناء الوسطى، وضلع المثلث الغربي هو خليج السويس بينما ضلعه الشرقي هو خليج العقبة.

وتنقسم سيناء الجنوبية الى ثلاثة أقسام:

1- منطقة ساحل خليج السويس: ويحدها من الغرب الساحل الشرقي لخليج السويس، ومن الشرق الحد الغربي لجبال جنوب سيناء ويمتد فيها بحذاء البحر طريق أسفلتي يصل ما بين الشط في الشمال وشرم الشيخ في الجنوب ويبلغ طوله حوالي 325 كيلو مترا، ويمر على مواقع عديدة منها عيون موسى ورأس سدر وأبورديس والطور. ويمتد الطريق من الطور الى شرم الشيخ خلال جبال سيناء في أقصى الجنوب عبر وادي خشبي، وهو ممر ضيق طوله حوالي 10 كيلو مترات محصور بين الجبال من ناحيتي الشمال والجنوب، ولذا يعتبر من الممرات التي تتحدد داخلها التحركات. وتختلف هذه المنطقة طبوغرافيا في أجزائها المختلفة. فهي تارة عريضة ومستوية وتارة أخرى تزدحم بالهيئات الجبلية المتناثرة، مما يجعل سير الحملات الميكانيكية محدودا بالطريق الأسفلتي. وتقع أهم حقول البترول في سيناء الجنوبية في هذه المنطقة، وهي البلاعيم بري والبلاعيم بحري وأبورديس وسدر وعسل ومطارمة وفيران. 2- منطقة ساحل خليج العقبة: ويبدأ هذا الساحل من رأس محمد في الجنوب، ويمتد شمالا حتى بئر طابا، وتختلف طبيعة هذا الساحل من الناحية الطبوغرافية عن ساحل خليج السويس، اذ ان الارض المنبسطة على خليج العقبة محدودة، وتوجد الخلجان والمراسي بصورة واضحة في هذا الساحل، ومن أشهرها مرسى بريكة وشرم الشيخ وشرم المية ومرسى العاط ومرسى الدحيلة عند رأس نصراني، وتصب في هذا المراسي والخلجان بعض الوديان القادمة من جبال سيناء. وأهم المدن والمواقع: شرم الشيخ ورأس نصراني ودهب وواسط ونوبيع وطابا. 3- المنطقة الجبلية: تنتشر في هذه المنطقة أعلى قمم الجبال في سيناء بأسرها، ويطلق عليها اسم طور سيناء، وهي من أكثر أماكن سيناء والعالم وعورة، وتتألف من عدة قمم جبلية يبلغ عددها حوالي 15 قمة، من أشهرها جبل موسى، ويبلغ ارتفاعه 2285 مترا فوق سطح البحر، وجبل المناجاة ويبلغ ارتفاعه حوالي 1854 مترا فوق سطح البحر، وجبل سانت كاترين ويبلغ ارتفاع قمته 2637 مترا فوق سطح البحر، وهي بذلك تعتبر أعلى قمة في سيناء.

التحول للعمليات الهجومية

• اجراءات تنظيم المعركة: طبقا لتعليمات العمليات الصادرة في 26 سبتمبر 1973، تم رفع درجة الاستعداد لقوات المنطقة الى الحالة الزائدة في الساعة الثامنة صباح يوم 28 سبتمبر، والى الحالة الكاملة يوم أول أكتوبر. وتم اجراء عملية تنظيم المعركة لمستوى الكتيبة حتى يوم 30 سبتمبر، ولمستوى السرية والفصيلة يومي 1 و2 أكتوبر. وبدأ العمل باشارات السيطرة والتعاون والتعارف والانذار اعتبارا من الدقيقة الأولى يوم 5 أكتوبر. وتم تمركز الوحدات المخصصة لتأمين نقط الابحار والاقلاع اعتبارا من الساعة الخامسة صباحا يوم 6 أكتوبر.

وفي يوم 3 أكتوبر وصل من الاسكندرية عدد 22 قاربا مطاطيا من طراز زودياك، و4 قوارب من طراز برترام الى القطاع الشمالي، وتم دفع 11 قاربا زودياك وقاربين برترام من سفاجا الى قطاع رأس غارب في نفس اليوم استعدادا لعمليات الابرار البحري.

وخلال يومي 4 و5 أكتوبر تم انتقال مجموعة عمليات البحر الى مركز القيادة المشترك في رأس ثلمت في مجموعات، وتقع رأس ثلمت على بعد حوالي 7 كم جنوب الزعفرانة. أما مركز القيادة المشترك، فكان يقع في المنطقة الجبلية التي تبعد عن مرسى ثلمت البحري حوالي 3 كيلومترات غربا. وقد تم تجهيز مركز القيادة في سرية تامة مما جعل العدو عاجزا عن اكتشاف موقعه حتى نهاية الحرب.

ولتحقيق التأمين الاداري، تم تكديس جميع أصناف الاحتياجات من وقود وتعيينات ومياه في المواعيد المحددة قبل بدء العمليات الحربية. وقد دفعت جميع كميات الذخيرة ومواد المهندسين العسكريين المطلوبة لفترة العمليات بالكامل، وتم ذلك أيام 4 و5 و6 أكتوبر، وتم تشوينها وتوزيعها في مناطق مختلفة لتوفير الاخفاء والوقاية، مع الاستفادة ببعض التجهيزات الهندسية التي كانت موجودة من قبل.

وفور وصول مجموعة العمليات الى مركز القيادة المشترك في رأس ثلمت، قام العميد أ. ح ابراهيم رشيد قائد المجموعة بعمل التلقين لخطة الابرار البحري والجوي لقادة مجموعات الأسلحة ، وتم اجراء عملية تنظيم التعاون لجميع مراحل المعركة بما في ذلك امداد القوات بعد ابرارها على الشاطئ الشرقي لخليج السويس في مختلف الظروف. وفي الساعة الرابعة مساء يوم 5 أكتوبر أرسل اللواء ابراهيم كامل قائد المنطقة الى قائد مجموعة العمليات في رأس ثملت، ضابط اتصال ومعه مظروف سري للغاية سجل بداخله ساعة س التي تحددت للقوات المسلحة لبدء العمليات الهجومية يوم 6 أكتوبر 1973. وأصدر قائد مجموعة العمليات، بعد أن تم تحديد ساعة س، أوامره النهائية لقادة المجموعات المشتركة محددا التوقيتات النهائية للابرار البحري والجوي ومناطق الاقلاع للطائرات الهيليكوبتر ومناطق الابحار للقوارب.

• عمليات الابرار البحري والجوي: كانت الخطة الموضوعة لابرار كتيبتي الصاعقة (من المجموعة 136 صاعقة) على الشاطئ الشرقي لخليج السويس، تقضي بنقل سريتين عن طريق الابرار الجوي و4 سرايا عن طريق الابرار البحري ، وفقا للنظام التالي:

1- الابرار الجوي: يتم نقل سرية صاعقة مدعمة بفصيلة مضادة للدبابات وجماعة سام 7 بواسطة سبع طائرات هيليكوبتر (مي 8) من مطار التليمات ليلة 6/7 أكتوبر، بحيث تكون في الساعة الخامسة والربع مساء فوق منتصف الخليج، على أن تكون منطقة الابرار شمال أبورديس، ويتم نقل سرية الصاعقة الأخرى والمدعمة بفصيلة مضادة للدبابات بواسطة 5 طائرات هيليكوبتر من نفس المطار وفي نفس الليلة، على أن يحدد توقيت الاقلاع بمعرفة مجموعة العمليات، على أن تكون منطقة الابرار شرق وادي فيران. 2- الابرار البحري: يتم نقل 4 سرايا صاعقة كما يلي:

أ – تم تنفيذ الابرار الجوي لسرية صاعقة في الساعة الخامسة والربع مساء من مطار التليمات الى منطقة شمال أبورديس بقوة 5 طائرات هيليكوبتر (مي 8)، كما تم ابرار فصيلة هيليكوبتر. وأفاد قائد الوحدة الجوية أن الابرار الجوي في منطقة أبورديس تم تحت ضغط العدو مما يصعب معه القيام بالرحلة الثانية الى نفس المنطقة. وفي الساعة السابعة والدقيقة الخامسة والأربعين مساء تم تنفيذ الابرار الجوي للسرية الأخرى الى منطقة رأس شراتيب بقوة 6 طائرات هيليكوبتر.

ب – في آخر ضوء يوم 6 أكتوبر لم يتيسر تنفيذ عملية الابرار البحري لسرايا الصاعقة الأربع التي كان من المقرر القيام بها لعدم صلاحية معظم القوارب المطاطية زودياك رغم المحاولات المتكررة للتغلب على اعطالها الفنية، مما استدعى ان يقترح قائد مجموعة العمليات استبدال وسيلة الابرار لتكون جوية بالهيليكوبتر، وقد صدق قائد المنطقة وهيئة العمليات على هذا الاقتراح. وقد تطلب ذلك تعديل أماكن الابرار الاصلية لتتناسب مع الابرار الجوي، كما تم تعديل جداول التحميل وأماكن تمركز وحدات الصاعقة (بالتنسيق مع العقيد أ. ح كمال عطية قائد المجموعة 136 صاعقة).

وفي الساعة الثامنة والدقيقة الأربعين مساء يوم 8 أكتوبر، قامت 8 طائرات هيليكوبتر بابرار سرية صاعقة في المنطقة جنوب أبو زنيمة. وفي الساعة الثامنة والنصف مساء نفس اليوم قامت طائرتا هيليكوبتر برحلة امداد جوي لوحدات الصاعقة برأس شرتيب وابورديس وقبل منتصف الليل بخمس دقائق تم ابرار سرية صاعقة في منطقة شمال لجية بعدد 6 طائرات هيليكوبتر، وبذلك تم ابرار أربع سرايا صاعقة وبعض فصائل المعاونة جوا بنجاح بعد أن اقتصر الابرار على النقل بطائرات الهيليكوبتر فقط. وكانت خسائرنا في جميع عمليات الابرار طائرتي هيليكوبتر، احداهما سقطت يوم 6 أكتوبر والثانية يوم 8 أكتوبر،وكان ذلك بع تمام تنفيذها لعملية الابرار.

تطور العمليات على محور عيون موسى أبورديس

كانت التخطيط الذي وضعته القيادة العامة بشأن العمليات الحربية التي ستجري تحت قيادة منطقة البحر الأحمر العسكرية في منطقة سيناء يتلخص فيما يلي:

1- ابرار كتيبتي صاعقة من المجموعة 136 صاعقة ليلة 6/7 أكتوبر على الشاطئ الشرقي لخليج السويس في مناطق شراتيب-أبورديس-أبوزنيمة، بمهمة تدمير أهداف العدو الحيوية وقطع خطوط مواصلاته في هذه المناطق وعرقلة تقدم احتياطياته وتأمين المضايق في جنوب سيناء، بهدف تحقيق السيطرة على الساحل الشرقي لخليج السويس ما بين رأس سدر وأبورديس. 2- بعد عبور اللواء الأول مشاة ميكانيكي من الفرقة 6 مشاة ميكانيكية قناة السويس ليلة 6/7 أكتوبر، يوضع تحت قيادة الجيش الثالث ويكون جاهزا للدفع للاشتباك اعتبارا من الساعة الخامسة صباح يوم 7 أكتوبر بهدف الاستيلاء على رأس مسلة (على بعد 17 كم جنوب الشط). واعتبارا من أول ضوء يوم 8 أكتوبر، يدفع اللواء للاشتباك من منطقة رأس مسلة (على أن يخرج اعتبارا من هذا التوقيت من تحت قيادة الجيش الثالث ويوضع تحت قيادة منطقة البحر الأحمر العسكرية).

وتكون مهمته تطوير الهجوم في اتجاه أبو رديس لتحقيق السيطرة على الساحل الشرقي لخليج السويس، بالتعاون مع وحدات الصاعقة التي تم ابرارها من قبل في جنوب سيناء، ويقوم بالاستيلاء على ابو رديس كمهمة مباشرة. وبعد وقفة تعبوية يتم تطوير الهجوم بالتعاون مع قوات الصاعقة والبحرية للاستيلاء على منطقة الطور كمهمة نهائية.

3 – تسيطر قيادة منطقة البحر الأحمر العسكرية على تنفيذ العملية جرانيت 2 المعدلة بانشاء مركز قيادة مشترك تديره مجموعة عمليات، وقد تشكلت مجموعة العمليات بقيادة العميد أ. ح رشيد رئيس أركان المنطقة، وانضمت اليها مجموعة عمليات بحرية بقيادة العميد أ. ح علي غانم ومجموعة عمليات من الصاعقة بقيادة العقيد أ. ح كمال عطية وضابط اتصال جوي، بمهمة تنفيذ عمليات الابرار الجوي والبحري على الشاطئ الشرقي لخليج السويس. وفور اتمام ذلك تعبر مجموعة العمليات قناة السويس الى الضفة الشرقية لقيادة عمليات اللواء الأول مشاة ميكانيكي من توقيت دفعه للاشتباك من رأس مسلة.

هذا، ولم يتم تنفيذ عمليات الابرار البحري والجوي على الشاطئ الشرقي لخليج السويس وفقا للخطة الموضوعة، التي كانت تقضي بنقل سريتين من الصاعقة عن طريق الابرار الجوي و4 سرايا صاعقة عن طريق الابرار البحري، نظرا لالغاء عملية الابرار البحري كلية بسبب عدم صلاحية معظم القوارب المطاطية (زودياك)، مما أدى الى استبدال وسيلة الابرار لتكون جوية بالهيليكوبتر. وتبعا لذلك لم يتيسر الابرار الجوي الا لعدد 4 سرايا صاعقة فقط. ففي ليلة 6/7 أكتوبر تم ابرار سريتين وفصيلة استطلاع في منطقة رأس شراتيب، وفي ليلة 8/9 أكتوبر تم ابرار سريتين احداهما في المنطقة جنوب أبو زنيمة، والثانية في منطقة شمال لجية. وفي الساعة الثامنة والنصف مساء يوم 8 أكتوبر قامت طائرات هيليكوبتر برحلة امداد جوي لوحدات الصاعقة برأس شراتيب وأبو رديس.

انتقال مجموعة العمليات الى قطاع الجيش الثالث

كان من المقرر وفقا للخطة الموضوعة أن يعبر اللواء الأول مشاة ميكانيكي قناة السويس ليلة 6/7 أكتوبر، ولكن نظرا للتأخير الذي حدث في اقامة كباري الفرقة 19 مشاة – التي كان من المقرر عبور اللواء الأول عليها – بسبب صعوبة فتح الممرات في الساتر الترابي شرق القناة في هذا القطاع، فقد أدى ذلك الى أن يتأخر عبور اللواء الأول حوالي 48 ساعة، ولذا لم يتمكن من العبور الا ليلة 8/9 أكتوبر. وفي الساعة العاشرة صباحا يوم 9 أكتوبر تم دفع اللواء الاول مشاة ميكانيكي من خط الدفع المحدد له داخل رأس كوبري الفرقة 19 مشاة ، ولم تمض أكثر من 75 دقيقة على بدء التحرك حتى تمكنت المفرزة الأمامية (كانت تتكون من كتيبة مشاة ميكانيكية مزودة بمركبات مدرعة وكتيبة دبابات اللواء) من الاستيلاء على الموقع الاسرائيلي الحصين في عيون موسى (على بعد حوالي 10 كيلو مترات جنوب الشط) بدون قتال. فقد لاذت الحامية الاسرائيلية بالفرار عندما شعرت باقتراب اللواء المصرية بسبب انهيار الروح المعنوية لأفرادها عقب عملهم بسقوط خط بارليف وأن موقعهم أصبح منعزلا. وكان الموقع الاسرائيلي في عيون موسى يضم 6 مدافع بعيدة المدى من طراز هاوتزر 155 مم مثبتة على قواعد خرسانية، وكانت مصدر تهديد دائم لمدينة السويس خلال حرب الاستنزاف. وواصلت المفرزة الأمامية تقدمها جنوبا في اتجاه رأس سدر تتبعها الكتيبتان الخلفيتان. وفي الساعة الرابعة والنصف مساء اصطدمت المفرزة الأمامية بقوة اسرائيلية تقدر بحوالي سرية دبابات مدعمة بمقذوفات صاروخية من عيار 106 مم وبطارية مدفعية كانت تحتل جبل المرازا (عبد بعدحوالي 7 كم جنوب عيون موسى). وأرغمت المفرزة الأمامية على التوقف نظرا لتحكم القوة الاسرائيلية في محور التقدم، وتوقف بالتالي تشكيل اللواء الأول عن التقدم، واحتلت قيادة اللواء والكتيبتان الخلفيتان مواقع على مقربة من منطقة عيون موسى.

ورغم أنه كان من المفترض وفقا للخطة الموضوع ألا يوضع اللواء الأول تحت قيادة منطقة البحر الأحمر العسكرية الا بعد دفعه للاشتباك من خط الدفع المحدد جنوب رأس مسلة، فان سوء أوضاع اللواء من الناحيتين التكتيكية والمعنوية بسبب تعرضه للقصف الجوي دفع القيادة العامة الى اصدار تعليماتها الى قيادة منطقة البحر الأحمر الى سرعة ارسال مجموعة العمليات التي كان من ضمن مهامها وفقا للخطة الموضوعة، العبور خلف اللواء الأول مشاة ميكانيكية الى الضفة الشرقية للقناة لقيادة عملياته في اتجاه أبو رديس (تفاصيل المرحلة الأولى مذكورة بالفصل الثالث). وفي حوالي الساعة الثانية من بعد ظهر يوم 9 أكتوبر، أصدر اللواء ابراهيم كامل قائد منطقة البحر الأحمر أمره الى العميد أ. ح ابراهيم رشيد قائد مجموعة العمليات بالاستعداد للتحرك الى قطاع الجيش الثالث.

وفي الساعة الثالثة والنصف مساء بدأ تحرك المجموعة بعد أن انفصلت عنها مجموعتا البحرية والصاعقة، ووصلت المجموعة الى مكان تمركزها في منطقة الكيلو متر 98 طريق القاهرة السويس في الساعة الثامنة يوم 9 أكتوبر، وكانت تتشكل من قائد المجموعة ومساعده المقدم أ. ح محمد يوسف ضابط العمليات وضابط اشارة وضابط استطلاع وضابط امداد وتموين، وكانت تستخدم أثناء تحركها 5 عربات ركوب و5 عربات لاسلكي. وفي الساعة الرابعة صباحا يوم 10 أكتوبر، تم اتصال الفريق الشاذلي رئيس الأركان بقائد مجموعة العمليات هاتفيا في قيادة الجيش الثالث، وأبلغه أن مندوبا من هيئة العمليات في الطريق اليه ومعه تعليمات خاصة بمهمة اللواء الأول مشاة ميكانيكي، كما سيقوم بتلقينه بعض النصائح الشفوية المهمة لوضعها في الاعتبار عند تنفيذ مهمة اللواء. وفي الساعة السابعة والدقيقة الخمسين صباح يوم 10 أكتوبر، وصل مندوب هيئة العمليات العقيد أ. ح حسن الزيات الى مركز القيادة الرئيسي للجيش الثالث، وابلغ قائد مجموعة العمليات أن أوامر القائد العام الفريق أول أحمد اسماعيل تنص على ما يلي:

1- تتم مهمة اللواء الأول مشاة ميكانيكي بمجموعات قتال بعد آخر ضوء يوم 10 أكتوبر من الخط جنوب رأس مسلة في اتجاه رأس سدر والمدخل الغربي لمضيق سدر، ويجري الاتصال مع قوة الصاعقة التي تم ابرارها في المضيق. 2- يتم الاستيلاء على هذه المناطق قبل أول ضوء يوم 11 أكتوبر. 3- يؤمن الجيش الثالث دفع اللواء الأول مشاة ميكانيكي وفقا لما هو مسجل في الخطة. 4- يوضع اللواء الأول مشاة ميكانيكي تحت قيادة مجموعة عمليات البحر الأحمر التي توضع بدورها تحت قيادة الجيش الثالث، حتى اعادة دفع اللواء من خط جنوب رأس سدر.

وأضاف العقيد أ. ح حسن الزيات أن الفريق الشاذلي ينصح بأن تتم الأعمال القتالية للواء أثناء الليل وبالمجموعات. وقد أراد قائد مجموعة عمليات البحر الأحمر أن يستوضح من مندوب هيئة العمليات عن المهمة التي يمكن أن تؤديها مجموعته في أثناء المرحلة التي تسبق دفع اللواء من رأس سدر، اذ لا توجد قوات أخرى خلال اللواء الأول تحت قيادة المجموعة، في الوقت الذي توجد فيه قيادة كاملة للواء بجميع أفرعها، ولكن العقيد الزيات لم يستطع توضيح سر هذه التركيبة العجيبة.. (أي وضع قيادة مجموعة ليس لديها سوى امكانات محدودة فوق قيادة لواء لديها كل امكانات القيادة والسيطرة) وكان كل ما أمكن تبريره هو أنها ناحية معنوية نظرا لتولد شعور لدى القيادة العامة بضعف الروح المعنوية في هذا اللواء وعدم وجود الاصرار لديه لتحقيق المهمة.

وفي الساعة التاسعة والدقيقة الخامسة والأربعين، قابل قائد مجموعة العمليات اللواء عبد المنعم واصل في مركز قيادته المتقدم، وحضر معه المقابلة العقيد أ. ح حسن الزيات الذي أبلغ اللواء واصل أوامر القائد العام، وكانت تعليمات قائد الجيش الثالث لقائد مجموعة العمليات ما يلي:

1- يتم عبور مجموعة العمليات الى شرق القناة يوم 10 أكتوبر. 2- تعطى أسبقية لعبور المجموعة على أحد معابر الجيش الثالث بعد عبور ذخيرة وحدات النسق الأول. 3- يقوم رئيس اشارة الجيش بتسليم المجموعة – قبل التحرك – جميع البيانات الخاصة بالاتصال اللاسلكي.

وعند الظهر تحرك قائد المجموعة ومعه المقدم أ. ح محمد يوسف ضابط عمليات المجموعة وتم عبورها القناة في عربة لاسلكي وحدهما نظرا لازدحام المعابر، وذلك لضمان سرعة الوصول الى اللواء الأول مشاة ميكانيكي، وقد تعرضت العربة للقصف الشديد من المدفعية الاسرائيلية في منطقة المعابر، ثم بعد ذلك في منطقة اللواء السابع مشاة من الفرقة 19 مشاة.

وفي الساعة الثانية مساءا، وصل العميد أ. ح ابراهيم رشيد قائد المجموعة الى المنطقة الخلفية للواء الأول، والتقى هناك بالعقيد ماجد دنيا رئيس أركان اللواء، الذي كان متجها للخف، وقال انه في طريقه لمقابلة قائد الجيش الثالث لتوضيح موقف اللواء الأول من حيث حجم الخسائر والحالة المعنوية السيئة التي غدا عليها نتيجة للقصف الجوي المعادي. ولم يوافق قائد المجموعة على هذا الاجراء من رئيس أركان اللواء، وأمره بالعودة معه الى قيادة اللواء. وفي الساعة الثالثة مساء، وصل قائد المجموعة ومعه رئيس الأركان الى قيادة اللواء ، وقام فور وصوله بابلاغ العميد أ. ح صلاح زكي قائد اللواء بالمهمة المسندة الى لوائه وفقا لتعليمات القيادة العامة التي نقلها اليه مندوب هيئة العمليات.

وبعد أن قام قائد اللواء باستيضاح مهمته، عرض موقف اللواء على قائد مجموعة العمليات وكان يتلخص فيما يلي:

1- كفاءة اللواء القتالية لا تسمح بتنفيذ المهمة المحددة له أو أي جانب منها، بسبب انخفاض الروح المعنوية ونقص عناصر رئيسية في اللواء نتيجة للقصف الجوي يومي 9 و10 أكتوبر. 2- أصبحت سيطرته على الواء محدودة نتيجة فقدان الاتصال ببعض الوحدات، وبسبب وجود نسبة من الشاردين في الوحدات الفرعية المختلفة وعدم امكان قادة وحداته السيطرة على هؤلاء. 3- عدم انضمام بعض العناصر الادارية اليه مما يؤثر على كفاءة اللواء القتالية خاصة موقف الذخيرة. 4- عدم توافر معلومات دقيقة وتفصيلية عن العدو على محور تقدمه.

وبعد انتهاء قائد اللواء من عرض موقفه، أصدر العميد أ. ح ابراهيم رشيد لقائد اللواء التعليمات التالية:

1- يتم حصار الخسائر بدقة فورا بواسطة قادة الوحدات الفرعية. 2- يقوم اللواء ليلة 10/11 أكتوبر بعملية هجوم بمجموعة قتال على منطقة رأس مسلة، بهدف رفع الروح المعنوية لوحدات اللواء وبث روح الثقة في قدرتها على القتال وتقليل تعرض قوات اللواء للغارات الجوية، اذ ان حدوث اتصال قريب مع قوات العدو سوف يمنع الطيران الاسرائيلي من شن هجماته على اللواء. على أن يتم تطوير الهجوم في الليلة التالية لتحقيق المهمة المحددة للواء. 3- تخصص العناصر اللازمة من جميع وحدات اللواء لجميع الشاردين خلال ليلة 10/11 أكتوبر. 4- اعادة تمركز الوحدات الفرعية للواء، وتعديل أوضاعه على الفور بصورة يمكن معها مقابلة أي تهديد من جانب العدو. 5- تدبير وسائل اتصال سلكية عن طريق الهاتف مع الوحدات الفرعية لتحقيق السيطرة. 6- دفع مجموعة استطلاع ليلة 10/11 أكتوبر الى منطقة رأس سدر للحصول على معلومات عن العدو.

وفي الساعة الخامسة والدقيقة العاشرة مساء يوم 10 أكتوبر، بعث العميد أ. ح ابراهيم رشيد باشارة الى اللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث حملها المقدم عبد القادر الحماحمي ضابط الاتصال بقيادة الجيش الثالث لتجنب ارسالها لاسلكيا خشية التقاطها بواسطة العدو. وكان نص الاشارة كما يلي وفقا للسجلات الرسمية:

موقف اللواء كالآتي:

تعرض اللواء لقصف جوي شديد اليوم وأمس، وأوضح قائد اللواء أن نسبة خسائره، دبابات 50% عربات توباز 20% مدفعة مضادة للطائرات سرية ونصف – أفراد 25% - معدات مهندسين ومعدات كيميائية وسرية مقذوفات موجهة سرية مضادة للدبابات ذاتية الحركة 90% - الروح المعنوية منخفضة. يطلب قائد اللواء دعمه بالدبابات وتعويض سرية المقذوفات الموجهة ودفع مطالبه الادارية سريعا، وكذا دعم باقي العناصر. اقترح تأجيل عملية اللواء لحين استعادة معنوياته والتي تتطلب الآتي:

1- محاولة الحد من النشاط الجوي للعدو فوق منطقة اللواء بأي صورة. 2- تدعيم اللواء ببعض العناصر التي حدثت بها خسائر كبيرة. 3- توضيح أي مهام لأي قوات أخرى مجاورة أو خلف هذا اللواء للقضاء على الشعور بالعمل على محور منفصل. 4- يكون اتصال قيادة الجيش بقيادة المجموعة عن طريق مواصلات اللواء، نظرا لعدم انضمام باقي رتل المجموعة في العبور لازدحام المعابر".

وفي الساعة الثالثة صباح يوم 11 أكتوبر حضر الى منطقة تمركز اللواء الأول ضابط اتصال من قيادة الجيش الثالث الميداني، ومعه اشارة الى مجموعة عمليات البحر الأحمر كانت تتضمن ما يلي:

1- يتمركز اللواء الأول بمنطقة عيون موسى، ويبقى بهذه المنطقة حتى تتم اعادة تجميعه وتنظيمه. 2- يتم استكمال اللواء وتعويض الخسائر بالتنسيق مع الأفرع المختلفة بقيادة الجيش الثالث. 3- ينظم الدفاع عن منطقة التمركز مع الاهتمام بأعمال الحفر والاخفاء والتمويه. 4- يتم الاهتمام برفع معنويات الجنود. 5- يتم تحقيق الاتصال مع قيادة الجيش الثالث مع الافادة بتقرير تفصيلي.

سر الاشارة التي أثارت الانزعاج في المركز 10

اتضح من مجرى الأحداث وما تم الكشف عنه بعد الحرب، ان الاشارة التي بعث بها قائد مجموعة عمليات البحر الأحمر الى اللواء عبد المنعم واصل والتي حملها المقدم عبد القادر الحماحمي ضابط الاتصال بقيادة الجيش الثالث في حوالي الساعة الخامسة مساء يوم 10 أكتوبر، والتي دون فيها خسائر اللواء الأول مشاة ميكانيكي واختتمها باقتراحه تأجيل عملية اللواء لحين استعادة معنوياته – اتضح ان هذه الاشارة أثارت جوا من القلق والانزعاج في القيادة العامة المركز 10 لم تكن متوقعة على الاطلاق. ويبدو حقيقة ما جرى داخل المركز 10 نتيجة هذه الاشارة بوضوع مما أورده الفريق سعد الشاذلي في الصفحة 243 من مذكراته حيث قال: "في خلال يوم 10 أكتوبر قامت عناصر من لواء المشاة الأول بالتقدم جنوبا واحتلت مواقع عيون موسى. وفي خلال ليلة 10/11 أكتوبر تلقينا اشارة خطيرة أثارت القلق والانزعاج. كانت الاشارة تقول: "لقد فقد لواء المشاة الأول 90% من رجاله وأسلحته ومعداته". كانت المعلومات التي تصل الينا من الجيش الثالث ومن الفرقة 19 مشاة تدل على فقدان الاتصال تماما بين اللواء الأول والقيادات جميعها، وبالتالي فلا أحد يعرف على وجه التحديد ماذا حدث لهذا اللواء. أرسلت ضابط اتصال برتبة كبيرة الى الجبهة بمهمة جمع الحقائق عن هذا اللواء".

ومن تحليل ما أورده الشاذلي عن هذا الموضوع، تتضح الحقائق التالية:

1- الاشارة التي وصلت الى المركز 10 ليلة 10/11 أكتوبر، والتي وصفت بأنها خطيرة، والتي جاء فيها ان اللواء المشاة الأول فقد 90% من رجاله واسلحته ومعداته، تضمنت بلا شك معلومات غير صحيحة، ويمكن التأكد من ذلك من مراجعة نص الاشارة المرسلة من قائد مجموعة العمليات الى قائد الجيش الثالث والتي سبق لنا تسجيلها. 2- من العجيب أن يذكر الشاذلي أن المعلومات التي كانت تصلهم في المركز 10 من الجيش الثالث ومن الفرقة 19 مشاة تدل على فقدان الاتصال تماما بين اللواء الأول والقيادات جميعها، اذ ان الثابت ان الاتصال بين قيادة اللواء الأول وقيادة الجيش الثالث كان قويا ومستمرا، سواء قبل وصول مجموعة عمليات البحر الأحمر أم بعد وصولها. وقد أرسل قائد اللواء عدة اشارات لاسلكية الى قيادة الجيش الثالث، حتى ان احداهما وصلت في الساعة الثامنة والنصف صباح يوم 10 أكتوبر، في أثناء وجود قائد مجموعة العمليات ومندوب هيئة العمليات (العقيد أ. ح حسن الزيات) في مركز القيادة الرئيسي للجيش الثالث، وكانت تفيد أن اللواء يتعرض لقصف جوي شديد. 3- استمر الاتصال بنفس الكفاءة بين مجموعة عمليات البحر الأحمر وقيادة الجيش الثالث بعد وصول قائد المجموعة الى منطقة تمركز اللواءان وان كانت وسيلة الاتصال قد اقتصرت في تبادل الاشارات على وسيلة تعد أضمن الوسائل من جهة الحفاظ على السرية، وهي استخدام ضباط الاتصال لتسليم الاشارات باليد. ومن واقع سجلات الحرب، يتضح أن قائد مجموعة البحر الأحمر العميد أ. ح ابراهيم رشيد قد تبادل هو واللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث 4 اشارات خلال يومي 10/11 أكتوبر عن طريق ضباط اتصال. فقد أرسل قائد مجموعة العمليات في الساعة الخامسة والدقيقة العاشرة مساء يوم 10 أكتوبر الى قائد الجيش الثالث اشارة حملها المقدم عبد القادر الحماحمي ضابط الاتصال بالجيش الثالث ، كما أرسل اليه اشارة أخرى في الساعة العاشرة صباح يوم 11 أكتوبر حملها ضابط اتصال من مجموعة العمليات. وفي المقابل، أرسل اللواء عبد المنعم واصل الى العميد أ. ح ابراهيم رشيد اشارتين يوم 11 أكتوبر كانت الأول في الساعة الثالثة صباحا، وكانت تتضمن قراره بشأن مهمة اللواء الأول وقد أحضرها الى قيادة اللواء ضابط اتصال من الجيش الثالث، أما الثانية فقد كانت في الساعة الثانية بعد الظهر، وكانت تتضمن تعليمات قائد الجيش الثالث الى قائد مجموعة العمليات، وقد أحضرها الى قيادة اللواء المقدم عبد القادر الحماحمي ضابط الاتصال بالجيش الثالث. فكيف يقال بعد ذلك ان الاتصال كان مفقودا تماما بين اللواء الأول والقيادات جميعها؟! 4- من تحليل الاشارتين المتبادلتين بين مجموعة العمليات وقيادة الجيش الثالث ليلة 10/11 أكتوبر بالذات، وهي الليلة التي ذكر الشاذلي أنهم تلقوا خلالها في المركز 10 الاشارة الخطيرة التي أثارت القلق والانزعاج، يتضح لنا أمران على أبلغ جانب من الاهمية: أولهما، أنه على أثر ارسال قيادة مجموعة العمليات الاشارة التي سجلت فيها خسائر اللواء الأول الى قيادة الجيش الثالث، ردت قيادة الجيش باشارة كانت تتضمن القرار الذي اتخذه قائد الجيش الثالث. ومن مراجعة هذا القرار الذي سبق لنا ذكره يتضح ان هذا القرار لا ينم عن اي قلق أو انزعاج، ولا يدل على أن أي بلبلة قد حدثت في قيادة الجيش الثالث نتيجة للاشارة التي تضمنت خسائر اللواء ، بل كان القرار في الواقع منطقية ويواجه الموقف السيئ الذي غدا عليه اللواء بالاجراءات التكتيكية السليمة. أما الأمر الثاني، فهو السرعة التي يتم بها الرد على اشارة قائد مجموعة العمليات، اذ ان الفرق الزمني بين الموعد المسجل لاشارة قائدة المجموعة وهو الساعة الخامسة مساء يوم 10 أكتوبر والموعد المسجل لرد قائد الجيش الثالث وهو الساعة الثالثة صباحا يوم 11 أكتوبر وهو عشر ساعات يعتبر وقتا قصيرا بالنسبة لظروف العمليات، خاصة اذا انقصنا منها كما هو الواجب زمن الرحلة التي سيستغرقها ضابطا الاتصال للوصول من عيون موسى الى مركز قيادة الجيش وبالعكس، وهو الأمر الذي يدل على مدى اهتمام قيادة الجيش الثالث بالرد على الاشارة. 5- المسافة بين الحد الأيمن للفرق 19 مشاة ومنطقة عيون موسى لا تزيد على 8 كم يمكن قطعها بالطبع في وقت يحسب بالدقائق، فهل يمكن ان يقال ان الاتصال قد فقد تماما بين اللواء الأول والقيادات جمعها في الوقت الذي كان يمكن فيه ارسال اي مسئول من قيادة الفرقة 19 مشاة الى منطقة تمركز اللواء ليعود بعد ساعة على أكثر تقدير بجميع المعلومات المطلوبة، هذا على فرض ان جميع وسائل الاتصال قد انقطعت حقيقة. 6- اذا سلمنا بأن اشارة خطيرة قد وصلت الى المركز 10 ليلة 10/11 أكتوبر تحمل هذه الانباء المزعجة عن اللواء الأول، فهل كان من الافضل ارسال ضابط برتبة كبيرة من المركز 10 مثل اللواء العدوي ناصف ليقطع المسافة من القاهرة الى عيون موسى في حوالي 12 ساعة كما جرى بالفعل، أو أن السرعة الواجبة من أجل الوصول الى الحقيقة كانت تقتضي ان يسند الى احد كبار المسئولين بالجيش الثالث مهمة الذهاب فورا الى موقع اللواء وتحري حقيقة الأمر في بضع ساعات على الأكثر، (كان يمكن على سبيل المثال اسناد هذه المهمة الى اللواء أ. ح عبد الغفار حجازي مساعد قائد الجيش الثالث، اذا كان لابد من ارسال ضابط كبير بمثل هذه الرتبة)، وكان هو أقدر بالطبع بحكم موقعه على تفهم الموقف وسرعة جلب المعلومات المطلوبة.

والأمر الذي يسترعي الالتفات ان الفريق الشاذلي لم يذكر في مذكراته المصدر الذي تلقى منه المركز 10 هذه الاشارة الخطيرة، ولا شك في أنه من المستبعد ان تكون قيادة الجيش الثالث التي كانت مسئولة عن عملية اللواء الأول هي مصدر هذه الاشارة، اذ ان جميع تصرفاتها واتصالاتها وقراراتها بشأن اللواء الأول تتناقض تماما مع المعلومات التي أوردها الشاذلي في مذكراته. وفي الساعة العاشرة صباحا يوم 11 أكتوبر، أرسل قائد مجموعة العمليات الى قيادة الجيش الثالث تقريرا تضمن الخسائر الحقيقية التي حاقت باللواء الأول الميكانيكي نتيجة للقصف الجوي، وقد اتضح منه أن التأثير المعنوي لهذا القصف فاق التأثير المادي بمراحل، وهو الأمر الذي يرتبط بالمستوى التدريبي للواء ومدى نجاح عملية تطعيمه للمعركة.

وفي الساعة الواحدة ظهرا يوم 11 أكتوبر، وصل اللواء العدوي ناصف الى منطقة تمركز اللواء مندوبا عن المركز 10 وبرفقته العميد أ. ح أبو الفتوح محرم قائد الفرقة 6 مشاة ميكانيكية، الذي يتبعه اللواء الأول. وقد استفسر اللواء العدوي من قائد اللواء عن سر توقفه عن التقدم في الليلتين السابقتين وعدم استغلاله لساعات الظلام لمواصلة التحرك وتحقيق المهمة المحددة للواء، وأكد له قائد اللواء ان سبب توقفه يعود الى شدة القصف الجوي للعدو وعدم وجود دفاع جوي فعال ضمن وحداته وعدم تخصيص مجهود جوي لمعاونته.

وفي الساعة الثانية بعد الظهر وخلال وجود مندوب القيادة العامة وقائد الفرقة 6 مشاة ميكانيكية، وصل المقدم عبد القادر الحماحمي ضابط الاتصال بالجيش الثالث يحمل تعليمات قتال جديدة صادرة من القيادة العامة بالقاهرة كانت تنص على الغاء مهمة اللواء الأول في الاستيلاء على رأس سدر ، ووضعه تحت قيادة العميد أ. ح يوسف عفيفي قائد الفرقة 19 مشاة، ووضع مجموعة عمليات البحر الأحمر تحت قيادة الجيش الثالث ، وأن يتم نسف المدافع الهاوتزر (6 مدافع) الموجودة بالنقطة القوية بعيون موسى نظرا لوصول معلومات تفيد بأن منطقة تمركز اللواء مهددة بهجوم لواء مدرع اسرائيلي ينتظر وصوله خلال من ساعتين الى ثلاث ساعات. وقد ثبت فيما بعد ان هذه المعلومات لا سند لها من الواقع.

وفي الساعة الرابعة مساء يوم 11 أكتوبر، غادر مندوب القيادة العامة وقائد الفرقة 16 مشاة ميكانيكية ومجموعة عمليات البحر الأحمر منطقة عيون موسى، وانضمت مجموعة العمليات الى المركز الرئيسي لقيادة الجيش الثالث في الساعة الثامنة مساء. وفي الساعة العاشرة صباحا يوم 12 أكتوبر، تم ابلاغ قائد المجموعة بأن التعليمات قد صدرت من الفريق سعد الشاذلي رئيس الاركان بانضمام مجموعة عمليات البحر الأحمر الى قيادتها الأصلية. وفي الساعة الحادية عشرة صباحا يوم 13 أكتوبر عادت مجموعة العمليات مرة أخرى الى مركز القيادة المشتركة في رأس ثلمت.

لماذا فشلت عملية السيطرة على خليج السويس؟

على الرغم من التحضيرات الجيدة التي أجرتها قيادة منطقة البحر الأحمر بالغردقة وقيادة العمليات في رأس ثلمت ، لتنفيذ المهام التي أسندت اليها في الخطة جرانيت 2 المعدلة، وفقا للتعلميات الصادرة من هيئة العمليات الحربية في مارس 73، فان النتائج التي تم ادراكها كانت مخيبة للآمال. لقد كانت المهمة الأساسية التي تضمنتها الخطة الموضوعة تقضي بالقيام بعملية حربية منسقة في سيناء الجنوبية يشترك فيها اللواء الأول مشاة ميكانيكي (من الفرقة 6 مشاة ميكانيكية) وكتيبتان من المجموعة 136 صاعقة، وهدفها المباشر الاستيلاء على أبو رديس (على مسافة 140 كيلو مترا جنوب الشط) وهدفها النهائي السيطرة على الساحل الشرقي لخليج السويس الذي يبلغ طوله حوالي 300 كيلو متر.

وكان تنفيذ هذه المهمة يحقق غرضين رئيسيين: أولهما عسكري، وهو حماية الجناح الأيمن للقوات المصرية شرق القناة وتخفيف الضغط عن رءوس الكباري التي أقامتها عقب عبورها القناة، عن طريق جذب احتياطيات العدو جنوبا في اتجاه لم يكن ضمن تخطيطه من قبل. وثانيهما اقتصادي وهو الاستيلاء على مناطق آبار البترول الغنية الواقعة على الساحل الشرقي لخليج السويس، وهي البلاعيم والبلاعيم بحري وأبو رديس، وسدر وعسل ومطارمة وفيران، وبذا تستعيد مصر هذه الثروة التي فقدتها عقب حرب يونيو 67، ويحرم العدو منها، مما يؤدي الى خسارته اقتصاديا والتأثير على قدراته العسكرية.

وكان التخطيط لهذه العملية يقوم على أنه في الوقت الذي يدفع فيه اللواء الأول مشاة ميكانيكي للاشتباك من خط الدفع المحدد له في قطاع الفرقة 19 مشاة (الجناح الأيمن للجيش الثالث) اعتبارا من الساعة الخامسة صباح يوم 7 أكتوبر للتقدم جنوبا على الطريق الساحلي في اتجاه أبورديس، تكون كتيبتان من المجموعة 136 صاعقة التي كانت يتولى قيادتها العقيد أ. ح كما عطية قد تم ابرارهما بحرا وجوا ليلة 6/7 أكتوبر على الشاطئ الشرقي لخليج السويس في مناطق شراتيب-أبورديس-أبو زنيمة (على مواجهة حوالي 50 كم) لتدمير الأهداف الحيوية للعدو في هذه المناطق، وقطع خطوط مواصلاته وعرقلة احتياطياته وتأمين المضايق. وكان الهدف الأساسي من عمليات الصاعقة هو تمهيد الطريق لتقدم اللواء الاول مشاة ميكانيكي الذي كان يتولى قيادته العميد أ. ح صلاح زكي، كي يتمكن من تحقيق مهمته المباشرة وهي الاستيلاء على أبو رديس بنجاح. ولكن هذه العملية المشتركة ذات الأهداف بعيدة المدى فشلت منذ بدايتها لأخطاء يتعلق بعضها بالتخطيط، ويتعلق البعض الآخر بالتنفيذ، وكانت النتيجة ان اللواء الاول مشاة ميكانيكي لم ينجح في التقدم لأبعد من منطقة عيون موسى (على مسافة حوالي 10 كم جنوب الشط) كما أن كتيبتي الصاعقة لم يتم ابرار سوى 4 سرايا منهما فقط على الساحل الشرقي لخليج السويس بسبب الغاء الابرار البحري كلية لاستحالة تنفيذه، واقتصار العملية على الابرار الجوي بطائرات الهيليكوبتر (مي 8) وكانت المهمة المسندة لقوات الصاعقة في جنوب سيناء مبنية على أساس قدرتها الذاتية على البقاء في المواقع التي أسندت اليها مهمة احتلالها لمدة تتراوح بين (48 و72 ساعة) فقط. وهي الفترة التي يسمح لها تسليحها وما يتزود به أفرادها من مؤن على الصمود في أماكنها الى أن يلحق بها – وفقا للخطة الموضوعة – اللواء الأول المشاة الميكانيكي، والا تعرضت القوة لخطر الابادة أو الوقوع في الأسر. ونظرا لتوقف اللواءالأول في منطقة عيون موسى، فقد واجهت قوة الصاعقة في الجنوب موقفا من أشد المواقف صعوبة، نظرا لعدم اعداد هيئة العمليات خطة تبادلية مرسومة من قبل لالتقاط هذه القوة في حالة عجز اللواء الأول المشاة الميكانيكي عن الوصول اليهم، كي يمكن اعادتهم ثانية الى قواعدهم على الجانب الغربي للخليج، ونتيجة لذلك الموقف، تعرضت قوة الصاعقة في سيناء الجنوبية لاخطار فادحة، فقد تم للعدو ابادة وأسر قسم منهم، ونجح قسم آخر في الوصول الى رأس كوبري الجيش الثالث بعد ان اضطر افراده الى السير على الاقدام في اتجاه الشمال لمسافة تزيد على 120 كيلو مترا، وسط ارض شديدة الوعورة وجبال شاهقة، مع حرصهم على الاختفاء نهارا والتحرك خلال الليل فقط خشية انكشافهم للعدو عن طريق استطلاعه الجوي. واضطرت مجموعة ثالثة على راسها النقيب عبد الحميد خليفة والملازم أول مجدي شحاته الى الاندماج مع الأهالي من بدو سيناء الجنوبية، وظلوا يعيشون معهم حوالي ستة أشهر الى ان تمكنوا من اللحاق مرة أخرى بقواتنا.

الدروس المستفادة من عملية الابرار البحري

تم الغاء عملية الابرار عن طريق البحر التي كانت تقضي بابرار سرية ساعقة من منطقة راس روحمي و3 سرايا صاعقة من مرسى رأس ثلمت ليلة 6/7 أكتوبر، بعد ان اتضح ان عدد القوارب الصالحة للاستخدام لا يزيد على خمسة قوارب من بين 33 قاربا (من طراز زودياك د. ل. ك.) التي كانت مخصصة لعملية الابرار البحري. وعلى أثر اجراء تقدير سريع للموقف اقترحت مجموعة عمليات البحر الأحمر استبدال وسيلة الابرار البحري لتكون جوية بالهيليكوبتر، وقد صدق قائد المنطقة وهيئة العمليات على هذا الاقتراح. وقد تطلب ذلك تعديل أماكن الابرار الأصلية لتتناسب مع الابرار الجوي، كما تم تعديل جداول التحميل وأماكن تمركز وحدات الصاعقة.

ولقد ثبت نتيجة لمعاينة اللجنة الفنية التي شكلتها قيادة القاعدة البحرية بمنطقة البحر الاحمر عقب وقف اطلاق النار ان تلك القوارب مصممة للعمل في بحر لا يزيد على بحر 2 ، وان جميع الأعطال التي وقعت كانت نتيجة لاختلاط ماء البحر بالبنزين مما أدى الى توقف المحركات، وهذا يحدث غالبا عندما تزيد قوة البحر على البحر 2 حيث يغطي الماء في هذه الحالة الجزء الخلفي من القارب بأكمله. ولا شك أنه كان خطأ جسيما منذ البداية أن تخطط هيئة العمليات لاستخدام مثل هذه القوارب المطاطية في عمليات الابرار البحري عبر خليج السويس لمسافات تتراوح بين 25 و40 كيلو مترا، اذ انها لا تصلح، نظرا لمعدل استهلاكها العالي للوقود .. الا لمسافات قصيرة ، وفي مستوى بحر لا يزيد على بحر 2. وكان من الواجب اجراء هذه المعاينات الفنية لمعرفة حقيقة خواصها وقدراتها قبل اشتراكها في العمليات الفعلية، حتى لا تتعطل عملية الابرار البحري عند البدء في تنفيذها كما جرى، وهو الأمر الذي ترتب عليه الغاء عملية الابرار البحري التي كان سيقوم بها 4 سرايا صاعقة في آخر الأمر لكي يتم ابرارهم جوا. وبذا أضيفت اعباء جديدة لم تكن موجودة من قبل على طائرات الهيليكوبتر التي كانت طلعاتها مخصصة لابرار سريتين من الصاعقة جوا فقط. وأدى ذلك الى اقتصار عملية ابرار قوات الصاعقة على مقدرة المسئولين عن الابرار الجوي تنفيذه في الظروف الصعبة التي كانوا يواجهونها وقتئذ، بسبب الخسائر في الطائرات من جهة، وبعد انكشاف العملية للعدو واتخاذه الاجراءات المضادة لاحباطها من جهة أخرى.

وقد اتضح ان العدو كان يستخدم أيضا قوارب مطاطية من طراز زودياك للقيام ببعض عملياته الهجومية على الساحل المصري (الساحل الغربي للخليج)، ولكنه كان يستخدم أسلوبا يكفل له النجاح، وهو تحميل هذه القوارب على سفن انزال صغيرة أو زوارق متوسطة الى أقرب مسافة ممكنة من الهدف وخارج مدى كشف قواتنا، بحيث يتم انزال السفن والزوارق التي أنزلتها. وكان هذا الأسلوب يحقق المحافظة على الكفاءة القتالية للافراد وعلى استمرار نشاطهم بعدم ابحارهم لمسافة طويلة (تبلغ أحيانا 40 كم) في قوارب مطاطية صغيرة، معرضين لتقلبات البحر الشديدة، وفي نفس الوقت يؤدي الى تقليل مسافة الابحار بالنسبة للقوارب منعا لحدوث الأعطال.

ومن الأمور المهمة التي ينبغي مراعاتها في عمليات الابرار البحري، ضرورة توافر الحماية الذاتية والقوارب التي تستخدم في هذه العمليات ضد أي تدخل للعدو، سواء من ناحية البحر أو الجو، وذلك في أثناء ابحارها وابتعادها عن شواطئنا على أن يكون ذلك بصورة فعالة وبأسلحة يمكنها التصدي لهجمات العدو، اذ انه بدون توافر هذه الحماية، فان القضاء على قوة الابرار البحري، وهي ما زالت في الطريق يصبح أمرا مؤكدا، وبالتالي تنهار الخطة الموضوعة للعمليات على الشاطئ الأخر. وقد ثبت أنه بمجرد اكتشاف العدو لاستعداد منطقة البحر الأحمر لعمليات الابرار البحري ازاد نشاطه البحري بصورة ملحوظة عن طريق استخدامه للزوارق الحربية المسلحة من طراز الدبور.

كما أن من الواجب الحصول على معلومات دقيقة قبل تنفيذ عملية الابرار عن أوضاع العدو وحجمه ونشاطه في منطقة الابرار، حيث ان قصور المعلومات عن العدو قد يؤدي الى تدخل العدو لافشال عملية الابرار قبل أو أثناء القيام بها، أو كشف المنطقة التي يتم فيها الابرار بعد وقت قصير من تنفيذها، وبذا تتاح له الفرصة للقضاء عليها. وقد حدث أمثلة واقعية توضح أهمية ذلك الأمر في كل من أبورديس وأبوزنيمة، اذ سارع العدو بحشد قواته على الساحل الشرقي للخليج في هذه المناطق فور ان اكتشف استعدادتنا للابرار البحري. ولولا ان هذا الابرار قد تم الغاؤه في آخر لحظة نظرا لتعطل القوارب، لما كان قد صادف النجاح، ولكانت قوات الصاعقة قد اصطدمت بمقاومة عنيفة من العدو الذي كان مستعدا لملاقاتهم على الشاطئ مباشرة. وهكذا لعب الحظ دوره، وأدى تعطل القوارب الى نجاة قوة الابرار البحري من مصير مجهول وعدو متربص كان ينتظر أفراده على الشاطئ للقضاء عليهم.

الدروس المستفادة من عملية الابرار الجوي

ثبت نجاح وسائل الابرار الجوي التي تمكنت من ابرار 4 سريا صاعقة في المناطق التي حددت لها على الساحل الشرقي لخليج السويس ليلة 6/7 أكتوبر ومساء يوم 8 أكتوبر، وهي مناطق أبورديس وشراتيب وأبوزنيمة وجبل لجية. ويرجع سر نجاح الابرار الجوي الى العوامل الآتية:

1- اتساع المواجهة (حوالي 50 كم) مما ساعد على اختيار الأماكن المناسبة لاتمام عمليات الابرار وانتخاب طرق الاقتراب الآمنة. 2- عدم تعرض أفراد الصاعقة أثناء نقلهم بطائرات الهيليكوبتر للضغطين النفسي والجسماني اللذين يتعرض لهما أولئك الذين يجرى ابرارهم عن طريق البحر باستخدام القوارب المطاطية الصغيرة، والذين يقطعون مسافات بين 25 و40 كيلو مترا عبر الخليج وسط تقلبات البحر الشديدة وأمواجه الهائجة. 3- تنفيذ المهام بنجاح في الوقت المحدد نظرا لضعف فرصة العدو في التدخل ضد طائرات الهيليكوبتر التي كانت تطير في ساعات الظلام وعلى ارتفاعات قريبة من سطح البحر. 4- تركيز العدو معظم قواته البرية على الشاطئ الشرقي للخليج توقعا لعمليات الابرار البحري ، مما أتاح الفرصة لطائرات الهيليكوبتر لانزال حمولتها في الأماكن المنتخبة في العمق بسلام. 5- شجاعة طياري الهيليكوبتر وارتفاع مستوى تدريبهم، فقد تمكنوا رغم المخاطر التي تعرضوا لها في طلعاتهم الأولى بسبب محاولات العدو لاعتراضهم وبحكم طبيعة سيناء المليئة بالقمم الشاهقة، من تكرار طلعاتهم الجوية عدة مرات باصرار وعزيمة، ولم يمنعهم سقوط طائراتين من طائراتهم من الاستمرار في تأدية مهتهم.

وعلى الرغم من الحجم المحدود الذي تم ابراره من قوات المجموعة 136 صاعقة في سيناء الجنوبية والذي لم يكن يزيد عدده على 500 ضابط وجندي، فقد كان لوجود هذه القوة في تلك المنطقة أثر كبير في ازعاج العدو وخفض الروح المعنوية لجنوده. لقد كانت قيادة سيناء الجنوبية مسندة الى الجنرال أشعيا هو جافيش الذي استدعى من الاحتياطي عند بدء الحرب في 6 أكتوبر، وهو أحد القادة الاسرائيليين البارزين، فقد كان يتولى القيادة الجنوية خلال حرب يونيو 67، وهو الذي قامت قواته باحتلال شبه جزيرة سيناء بأكملها.

وعندما تولى قيادته الجديدة في جنوب سيناء في حرب أكتوبر 73، لم يكن موضوعا تحت قيادته سوى لواء مظلات بقيادة العقيد عوزي مائيري وكتيبة مدرعة وبعض وحدات المدفعية والمقذوفات الصاروخية المضادة للدبابات. وكان اعتمد الاسرائيليين على صد العمليات المصرية في سيناء الجنوبية مركزا على السلاح الجوي الاسرائيلي، لعدم امكنهم سحب أي قوات كبيرة من الميدان الرئيسي للقتال في شمال سيناء.

ورغم حجم قوات الصاعقة المصرية الصغير وتسليحها المحدود، فقد قامت بفضل شجاعة افرادها وارتفاع مستوى تدريبهم، بتنفيذ معظم العمليات التي أسند اليها تنفيذها، وهي تدمير بعض الاهداف الحيوية للعدو ونصب الكمائن لقواته وبث الالغام على طرق التقدم. ونتيجة لنشاط عمليات الصاعقة وانتشار أفرادها على مواجهة واسعة بين الوديان والجبال، أصبح من الصعب على العدو العثور على معظمهم. هذا، وقد قامت القيادة الاسرائيلية في سيناء الجنوبية خشية تنفيذ عمليات ابرار مصرية على نطاق واسع باتخاذ الاجراءات الوقائية الآتية:

1- نقل عدد كبير من الطائرات المقاتلة القاذفة الى مطار راس نصراني، واستخدام مطاري ابورديس والطور لهبوط طائرات النقل الفرنسية الصنع من طراز "نور أطلس". وقد قامت هذه الطائرات بنقل بعض القوات الاحتياطية من شمال سيناء الى جنوبها لتدعيم القوات الاسرائيلية بها. 2- القيام بعملية ابرار طائرات الهيليكوبتر لقوة اسرائيلية على مدخل وادي فيران شرق أبو رديس. 3- تأمين الساحل الشرقي لخليج السويس ضد الابرار البحري المصري عن طريق خروج عدة دوريات بحرية بزوارق الدبور وبزوارق برترام للقيام بأعمال الاستطلاع البحري. 4- محاولة القضاء على قوات الصاعقة التي تم ابرارها جوا عن طريق تحرك مجموعات من الدبابات تحلق فوقها طائرات الهيليكوبتر لارشادها الى أماكنها، وفي نفس الوقت ارسال الدوريات الاسرائيلية لتفتيش الأماكن التي يشتبه في وجود قوات مصرية بها ونصب الكمائن عن طريق الاقتراب المحتمل تحركهم عليها. 5- قيام الطائرات الاسرائيلية بأعمال الاستطلاع بصفة مستمرة لاكتشاف اي عمليات ابرار جديدة عن طريق البحر أو الجو ولتحديد الأماكن التي سبق ابرار قوات مصرية بها.

ورغم كل هذه الاجراءات الشاملة التي اتخذها العدو لمقاومة أي عمليات يقوم بها رجال الصاعقة، فقد استطاع هؤلاء – بجلدهم وقدرتهم الخارقة على تحمل المشاق – تنفيذ عدة عمليات ناجحة ضد العدو، كان من أهمها تدمير وحدة مدرعة اسرائيلية في اثناء تحركها على طريق الطور – رأس سدر، كما تمكنوا من تدمير سيارة أتوبيس كانت تحمل عددا من العسكريين كان من ضمنهم مجموعة من الطيارين والفنيين في طريقهم الى احدى القواعد الجوية. وقد أجبرت عمليات الصاعقة القيادة الإسرائيلية على اضاءة منطقة الساحل الشرقي للخليج معظم ساعات الليل بالمشاعل التي تسقطها الطائرات، كما لجأت هذه القيادة الى امداد وحداتها المتمركزة على الساحل الشرقي للخليج بواسطة السفن والزوارق البحرية تجنبا لتحرك الأرتال الادارية على الطرق البرية خشية وقوعها في الكمائن أو التعرض لخطر الألغام.

سر فشل عملية اللواء الأول مشاة ميكانيكي

رغم ما صرح به موشى ديان في المؤتمر الصحفى الذي عقده في مساء يوم 9 أكتوبر في تل ابيب من أن الطريق مفتوح أمام المصريين الى جنوب سيناء، فان اللواء الأول مشاة ميكانيكي الذي أوكلت اليه مهمة التقدم إلى أبو رديس كمهمة مباشرة تمهيدا للسيطرة على الشاطئ الشرقي لخليج السويس بأكمله، لم يتمكن من التقدم لأبعد من منطقة عيون موسى (على بعد 10 كم من الشط) . وكان الفشل في هذه العملية يرجع الى أخطاء بعضها يتعلق بالتخطيط الذي تسأل عنه هيئة العمليات، والبعض الآخر يتعلق بادارة المعركة الذي تسأل عنه قيادة اللواء الأول. وسوف نوجز فيما يلي أهم العوامل التي أدت الى فشل العملية:

أولا: تسبب وضع اللواء الأول تحت ثلاث قيادات متتالية في عملية واحدة خلال فترة قصيرة – وفقا للخطة التي كان من المفترض تنفيذها – وهي قيادة الفرقة 6 مشاة ميكانيكية (تشكيله الاصلي) أثناء المرحلة التحضيرية للعملية، ثم قيادة الجيش الثالث – فو رعبوره قناة السويس حتى الاستيلاء على رأس مسلة – جبل جردي ، وأخيرا قيادة منطقة البحر الأحمر العسكرية من الخط (10 كيلو مترات جنوب رأس مسلة) في اتجاه رأس سدر حتى تحقيق مهمته المباشرة بالاستيلاء على أبو رديس – تسبب ذلك في شيوع المسئولية وعدم شعور أي قيادة منها بمسئوليتها الحقيقية تجاه هذا اللواء. كما أدى تكليف اللواء بالتعاون مع عدة جهات الى أن يجري قائد اللواء عملية تنظيم التعاون مع سبع جهات مختلفة قبل تنفيذ العملية، وهو أمر يدعو الى تشتيت الجهد، ولا يجوز اتباعه بالنسبة لتشكيل على هذا المستوى.

ثانيا: كان من الواجب عندما حدث التأخير في جدول التوقيتات المحددة للواء الأول لمدة 48 ساعة، بسبب تأخير اقامة كباري الفرقة 19 مشاة التي كان مقررا عبوره عليها، أن تبادر هيئة العمليات بالقيادة العامة الى اجراء تعديلات جوهرية في الخطة بما يتناسب مع الموقف الجديد، سواء فيما يتعلق بموعد وطريقة دفع اللواء الأول للاشتباك ، أو بمواعيد ابرار وحدات الصاعقة من المجموعة 136 صاعقة على الشاطئ الشرقي لخليج السويس، اذ ان المواعيد كلها كانت محددة بالخطة على اعتبار أنها عملية مشتركة ومنسقة بين اللواء الأول ووحدات الصاعقة. وقد سبق اجراء عملية تنظيم التعاون بينهما على هذا الاساس، فكيف يسمح بابرار وحدات الصاعقة في موعدها، بينما لم يكن في الامكان دفع اللواء الأول للاشتباك الا بعد حوالي 48 ساعة من موعده الاصلي؟ لقد كلف ذلك الخطأ وحدات الصاعقة ثمنا غاليا كما سبق أن أوضحنا.

ثالثا: عندما تكلف قوة عمل مستقلة بمهمة قتالية على محور منفصل، فمن الواجب تزويد هذه القوة بكل الامكانات القتالية التي تكفل لها النجاح، ولذا فقد كان خطأ جسيما في التخطيط الذي وضعته هيئة العمليات تكليف مجموعة لواء مشاة ميكانيكي بالتحرك لمسافة تزيد على 140 كم (من الشط الى أبو رديس) في أرض مفتوحة وهي معرضة لاقتناصها في العراء بواسطة طائرات العدو الحديثة والمزودة بأفضل المعدات والأجهزة الفنية المتطورة، دون تزويد هذا اللواء بالعناصر التي تكفل له الوقاية من الجو أثناء التحرك، عن طريق نظام دفاع جوي فعال تشترك فيه وحدات كافية من صواريخ أرض جو سام 6 مع طلعات طيران تخصصها القيادة العامة في توقيتات تتلاءم مع تحركات مجموعات هذا اللواء بعد حساب عامل الوقت والمسافة. أما الاعتماد في الدفاع الجوي في مثل موقف هذا اللواء على المدافع التقليدية التي كان اللواء مزودا بها، من عيار 37 مم و57 مم ثنائي المواسير (ذاتي الحركة)، فان ذلك يعتبر أمرا غير مجد على الاطلاق، وقد أدى بالفعل الى توقف اللواء الأول تماما وعجزه عن التحرك فور خروجه من نطاق شبكة الصواريخ المصرية المضادة للطائرات غرب القناة.

رابعا: من الصعب ان يدرك أحد حتى الآن سر ذلك التخطيط العجيب الذي رسمته هيئة العمليات، والتي كان يقضي بوضع اللواء الأول تحت قيادة منطقة البحر الأحمر فور دفعه للاشتباك من جنوب رأس ملة. ولا شك أن هذا القرار قد جانبه التوفيق للأسباب الآتية:

1- الفاصل المائي بين خط دفع اللواء الأول للاشتباك ومركز قيادة منطقة البحر الأحمر في الغردقة يزيد على 300 كم، وهو عبارة عن طول خليج السويس بأكمله، فكيف يمكن أن يقتنع أحد بجدوى وضع اللواء تحت هذه القيادة؟ 2- لم تكن لمنطقة البحر الأحمر أي علاقة سابقة باللواء الأول. فلا هي قد أشرفت على تدريبه لتنفيذ مهمته، ولا هي أسمهت في اعداده وتجهيزه للمعركة في المرحلة التحضيرية، فكيف يمكنها أن تتولى قيادته بكفاءة وهي تجهل كل شيء عنه؟ 3- ان العبرة في وضع وحدة أو تشكيل تحت قيادة أعلى في عملية هجومية هي أن تكون القيادة الأعلى لديها الامكانات للقيادة والسيطرة من جهة، ومن جهة أخرى وهي الأهم أن يكون تحت يدها الاحتياطي الذي يمكنها دفعه الى المعركة اذا توقف الهجوم، لامكان تحريك الموقف وتطوير العملية الهجومية بنجاح. فاذا طبقنا هذا على قيادة منطقة البحر الأحمر نجد أنها بالنسبة لوضع اللواء في رأس مسلة كانت تفتقد الأمرين معا. 4- ان الوسيلة التي اتبعت للتغلب على حالة الانفصال الكامل بين قيادة منطقة البحر الأحمر واللواء الأول عندما يوضع تحت قيادتها، كانت وسيلة لا تمت الى المنطق أو الى الأساليب التكتيكية بصلة، وهي ارسال مجموعة صغيرة من الضباط بقيادة العميد أ. ح ابراهيم رشيد مزودة ببعض الأجهزة اللاسلكية تحت اسم مجموعة عمليات منطقة البحر الأحمر كي تتولى ادارة عمليات اللواء. وقد وصل العمليد رشيد الى قيادة اللواء الأول بعد ظهر يوم 10 أكتوبر في عربة جيب وحده وبرفقته احد ضباط المجموعة – بسبب ازدحام فوق قيادة اللواء الأول التي كانت قيادة كاملة بجميع أفرعها وأجهزتها، مما جعل قيادته بالطبع عبارة عن قيادة شكلية نوعا من البيروقراطية وحلقة اتصال اضافية لا معنى لها بين قيادة اللواء الأول وقيادة الجيش الثالث..... 5- ليس أدل على مدى مجافاة التخطيط الاصلي الذي وضع لادارة المعركة للصواب – وهو وضع اللواء الأول تحت قيادة منطقة البحر الأحمر – من أن المركز 10 قد تنبه في آخر لحظة لهذا الخطأ، فبادر الفريق الشاذلي بالاتصال هاتفيا بالعميد رشيد في الساعة الرابعة صباحا يوم 10 أكتوبر في قيادة الجيش الثالث ليبلغه أن العقيد أ. ح حسن الزيات (مندوب هيئة العمليات) في الطريق اليه ومعه تعلميات خاصة بمهمة اللواء الأول.

وعندما وصل العقيد الزيات، أبلغ قائد مجموعة عمليات منطقة البحر الأحمر أن مجموعته قد وضعت تحت قيادة الجيش الثالث. وكان هذا التعديل خطوة بلا شك في سبيل اصلاح التخطيط السابق الخاطئ. ولكن يبقى السؤال الذي لا نعرف له جوابا، وهو: ما الداعلي لوضع اللواء الأول تحت قيادة مجموعة عمليات البحر الأحمر، التي توضع بدورها تحت قيادة الجيش الثالث؟ لماذا لم يوضع هذا اللواء تحت قيادة الجيش الثالث مباشرة أو تحت قيادة طاقم عمليات من هذا الجيش الى حين تحقيق اللواء الأول لمهمته المباشرة على الاقل، وهي الاستيلاء على أبو رديس التي كان من المفترض أن تجري عندها وقفة تعبوية؟

خامسا: وقع قائد اللواء في عدة أخطاء تكتيكية، فقد كاد يفقد زمام القيادة والسيطرة على بعض وحداته الفرعية الصغرة ليلة 9/10 أكتوبر، نظرا للاضطراب الذي جرى وأدى الى شرود بعضها بسبب عودة بعض المركبات المدرعة من المفرزة الأمامية للواء وعربات الشئون الادارية الى الخلف، كما أنه لم يحاول استغلال ساعات الظلام لتعديل أوضاع الوحدات الفرعية للواء بصورة يمكن معها مواجهة أي تهديد من جانب العدو. ولا شك في أنه قد جانبه التوفيق في قراره بتأجيل التقدم 48 ساعة بحجمة رفع كفاءة القوات عقب القصف الجوي، اذ ان بقاء قواته في مواقعها لتتعرض نهارين متتالين للقصف الجوي من طائرات العدو ادى الى عكس المقصود من قراره، فقد ازدادت بالطبع نسبة خسائرها علاوة على زيادة انخفاض الروح المعنوية بين أفرادها.

لقد كان اقتراب قواته الى اقصى ما يمكن من قوات العدو كفيلا بتقليل حدة القصف الجوي ضد قواته، لأن طائرات العدو في هذه الحالة كانت ستخشى أن يصيب الضرب قواتها أيضا، كما ان هذا الاقتراب من قوات العدو كان أدق وأسرع ويلة للحصول على معلومات عن العدو. وما دام قائد اللواء كان يشكو من عدم حصوله على أي معلومات عن العدو على محور هجوم اللواء قبل دفعه للاشتباك من أي قيادة، فقد كان واجبه تغطية هذا النقص الذي اثر بشدة على مجرى المعركة بارسال دوريات استطلاع من وحدات اللواء، كي تزوده بالمعلومات الصحيحة عن العدو الذي يواجهه. وفضلا عن ذلك، ثبت من كشف خسائر اللواء بعد حصرها بدقة أن التأثير المعنوي الذي أحدثه قصف الطيران الاسرائيلي على وحدات اللواء كان يفوق التأثير المادي بمراحل.

الفصل الثالث عشر: من وقائع الصاعقة المصرية المجيدة خلال حرب أكتوبر

ان وحدات الصاعقة في جميع جيوش العالم هي وحدات ذات طبيعة خاصة، اذ ان المهام التي تسند اليها تتطلب كفاءات ومهارات عالية. ونظرا لخفة تسليحها وامكاناتها النيرانية المحدودة ، فان نجاح عملياتها يعتمد أساسا على كفاءة العنصر البشري وقوة تحمله للمشاق وسرعة استعداده للقتال. ولا تستخدم قوات الصاعقة غالبا – بالنسبة لخصائصها – الا في العمليات ذات الطابع الهجومي، اذ انه ليس لديها المقدرة على احتلال مواقع دفاعية لمدة طويلة، كما أنها أكفأ الوحدات من حيث قدرتها على العمل على جميع أنواع الاراضي وفي أشق وأصعب الظروف. وكذا يمكن ابرارها بسهولة عن طريق البحر أو الجو.

وقد تكونت قوات الصاعقة الأولى في منطقة أبو عجيلة بالقرب من الحدود المصرية الشرقية لسيناء. وكان أول اختبار لقدراتها اثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، فقد كان رجال الصاعقة يشقون طريقهم في بحيرة المنزلة بقوارب الصيد الصغيرة ليصلوا الى قلب بورسعيد الباسلة لتأدية دورهم الى جانب شعبهم في دحر العدوان. وعلى أثر انتهاء حرب يونيو 1967 تمكن العدو من احتلال شبه جزيرة سيناء بأكملها ما عدا منطقة صغيرة من الأرض شرق وجنوب مدينة بورفؤاد تمركزت فيها سرية من الصاعقة (عدا فصيلة) من الكتيبة 43 صاعقة التي كانت يتولى قيادتها وقتئذ الرائد السيد الشرقاوي. وفي أول يوليو 1967، حاول العدو التقدم من القنطرة شرق الى بورفؤاد شمالا على الطريق الموازي للقناة بسرية دبابات مدعمة بقوة من المشاة والمهندسين، وبمعاونة سرب طائرات مقاتلة قاذفة، فاشتبكت معه قوة الصاعقة المتمركزة عند رأس العش في منطقة الكيلو متر 14 شرق القناة. وكانت هذه أول مواجهة بين القوات الاسرائيلية والمصرية منذ معارك يونيو 1967.

وقد أرغم العدو على التوقف ست ساعات أمام الموقع ولم يتمكن من اقتحامه، ودمرت له ثلاث دبابات وثلاث عربات نصف جنزير خلال خسائره في الرجال. ولم يجرؤ العدو بعد ذلك على محاولة ازالة هذا الموقع الذي اصبح بفضل صمود مقاتليه هو القدم الوحيدة لمصر في سيناء، وارتفعت نتيجة لمعركة رأس العش الروح المعنوية في القوات المسلحة بأسرها.

وقد قامت قوات الصاعقة التي كانت يتولى قيادتها العميد أ. ح نبيل شكري بعمليات ناجحة عديدة في حرب أكتوبر 1973، وسجل رجالها بطولات فذة سبق لنا ذكر بعضها في فصول سابقة، ولذا سنكتفي في هذا الفصل بابراز ثلاث عمليات كبيرة قامت بها الصاعقة خلال هذه الحرب: الاولى في قطاع الجيش الثاني، والثانية في قطاع الجيش الثالث، والثالثة في منطقة سيناء الجنوبية.

كمائن الصاعقة تحاصر القنطرة شرق

تقع مدينة القنطرة شرق على منطقة مسطحة من الرمال الثابتة، وتحدها من الشمال منطقة سهل الطينة وهي أرض منخفضة سبخية ممتلئة بالمياه، ويحدها من الجنوب منطقة رملية مسطحة تمتد جنوبا لمسافة تصل الى 10 كم، وهي صالحة لسير جميع أنواع المركبات، ويحدها من الغرب قناة السويس ومن الشرق منطقة صحراوية مفتوحة بها هضاب رملية صغيرة. وتتحكم هذه المنطقة في ملتقى طرق أهمها الطريق الشمالي الساحلي من القنطرة شرق الى العريش، والطريق الموازي لقناة السويس من القنطرة شرق الى بورفؤاد. وكانت هذه المنطقة شديدة الأهمية بالنسبة لاسرائيل، نظرا لسيطرتها على مدخل الاتجاه التعبوي الشمالي وباعتبارها احدى المدن الرئيسية في منطقة سيناء. ولذا قامت بانشاء 4 نقاط قوية على قناة السويس الى الغرب منها لحمايتها (حصون دوريا وكيتوبا وميلانو ومفريكيت من حصون خط بارليف) ، وكان العدو يحتفظ باحتياطيات تكتيتية مدرعة قوية خارج المدينة بعيدا عن النقاط القوية بمسافة تترواح بين 5 و8 كيلو مترات، لشن الهجمات المضادة لتعزيز هذه النقاط في حالة تهديدها مع تدعيمها ببعض بطاريات من المدفعية لقصف أي قوات مهاجمة بالنيران.

ووفقا للخطة الموضوعة، أسندت الى الكتيبة 356 صاعقة (عدا سرية) من المجموعة 129 صاعقة التي كان يتولى قيادتها العقيد أ. ح علي هيكل والموضوعة تحت قيادة الجيش الثاني مهمة اقتحام قناة السويس من قطاعين شمال وجنوب "القنطرة شرق" ساعة س يوم 6 أكتوبر، بهدف حصار المدينة ومنع احتياطيات العدو من التدخل في معركة اللواء 90 مشاة من الفرقة 18 مشاة عند هجومه على النقاط القوية والاستيلاء على مدينة القنطرة شرق. على أن تقوم كتيبة الصاعقة بمنع قوات العدو المتمركزة في المدينة من الانسحاب، والاشتراك في تطهير المدينة بعد الانتهاء من تنفيذ مهمة الكمائن.

وكان القرار الذي وضعه قائد كتيبة الصاعقة يقضي بعبور سرية من الكتيبة قناة السويس على الجانب الايسر للواء 90 مشاة، وتتقدم سيرا على الأقادم بأقصى معدل حيث تقوم بتنظيم كمين قطع عند تقاطع الطريق الشمالي مع عزبة الصفيح، وأن تقوم السرية الثانية، ومعها قيادة الكتيبة بعبور القناة على الجانب الأيمن للواء 90 مشاة، وتتقدم سيرا على الأقدام بأقصى معدل حيث تقوم بتنظيم كمائن قطع على التقاطع الجنوبي، وعلى المدق الموازي له خارج المدينة. وفي الساعة الثانية وخمس دقائق بعد ظهر يوم 6 أكتوبر وفور بدء التمهيد النيراني للمدفعية، قامت السريتان بعبور القناة شمال وجنوب مدينة القنطرة شرق. وفي الساعة الثانية والنصف أصبحت كمائن رجال الصاعقة جاهزة للاشتباك وفقا للتخطيط الموضوع. وبعد خمس دقائق، لاحظت السرية التي في شمال المدينة تقدم قوة مدرعة اسرائيلية من الاحتياطيات التكتيكية المتمركزة خارج المدينة، بهدف دعم النقاط القومية التي كانت تهاجمها وقتئذ مفارز من اللواء 90 مشاة. وفي الساعة الثانية والدقيقة الخمسين اشتبك كمين الصاعقة مع احتياطي العدو بمجرد وصوله الى منطقة عمله، وتمكنت قوة الكمين في خلال دقائق من تدمير 4 دبابات ومركبة مدرعة نصف جنزير، مما أدى الى وقف تقدم العدو وارتداده. وعند آخر ضوء يوم 6 أكتوبر، حاول العدو تحت ستر قصف عنيف من مدفعيته دفع احتياطياته التكتيكية لنجدة نقاطه القوية على شاطئ القناة، ولكن سرية الصاعقة في الشمال وأطقم اقتناص دبابات اللواء 90 مشاة تمسكت بمواقعها. ونتيجة للقصف المضاد لمدفعيتنا، تم ايقاف هجوم العدو المضاد وأمضت سرية الصاعقة ليلة 6/7 أكتوبر، حاولت احدى دبابات العدو الهاربة من احدى مواقعها. وعند أول ضوء يوم 7 أكتوبر، حاولت احدى دبابات العدو الهاربة من احدى النقاط القوية المرور على الطريق الشمالي بجوار كمين الصاعقة، ولكن الكمين لم يلبث أن دمرها. ونتيجة لنجاح كتائب اللواء 90 مشاة في اقتحام النقطتين القويتين الشماليتين واجبار العدو على الفرار، كلفت سرية الصاعقة يوم 7 أكتوبر بالتقدم في مجموعات قتال لتطهير عزبة الصفيح من العدو. وعندما حاول بعض جنود العدو الالتجاء الى المباني، قام جنود الصاعقة بمطاردتهم وتطهير المنطقة منهم تماما.

وفي أول ضوء يوم 7 أكتوبر، قامت سرية الصاعقة بالاغارة على منطقة المباني وتمكنت من تدمير قوة العدو بها وأسر 8 أفراد. وفي أول ضوء يوم 8 أكتوبر تمكنت قوات الفرقة 18 مشاة المدعمة برجال الكتيبة 256 صاعقة من السيطرة التامة على مدينة القنطرة شرق، واتمام الاستيلاء على النقاط الأربع القوية للعدو. ولاشك في ان استخدام وحدات الصاعقة في تنظيم اعمال الكمائن على الطرق الرئيسية لمنع وصول احتياطيات العدو الى النقاط القوية والمواقع الحصينة للعدو يعد استخداما صحيحا لقوات الصاعقة ، ولذا نجحت الكتيبة 256 صاعقة نجاحا كبيرا في تحقيق المهمة المسندة اليها.


اقتحام حصن لسان بورتوفيق

يعتبر لسان بورتوفيق الممتد من الشاطئ الشرقي للقناة بمثابة برزخ داخل خليج السويس، اذ تحيطه المياه من ثلاث جهات، ويصل طوله الى كيلو مترين ويتراوح عرضه ما بين 50 و300 متر. وطبيعة اللسان صخرية مما يصعب معه رسو القوارب المطاطية عليه. ويمتد على اللسان من جهة الغرب المدخل الجنوبي لقناة السويس الذي يبلغ عرضه حوالي من 300 الى 400 متر وهو أقصى عرض للقناة، كما يشرف اللسان في الجنوب على خليج السويس.

وقد أقام الاسرائيليون حصنا منيعا من حصون خط بارليف عند منتصف اللسان في مواجهة بورفؤاد وأطلقوا عليه اسم حصن كواي، وكانوا يستغلونه بحكم موقعه المشرف لادارة نيران مدفعية النيران والمدفعية بعيدة المدى لقصف المناطق المصرية الحيوية على الضفة الغربية للقناة، وهي مناطق بورفؤاد والسويس ومعامل البترول بالزيتية والقاعدة البحرية بميناء الأدبية، وللاشراف بالملاحظة على منطقة بعيدة ممتدة تشمل خليج السويس حتى منطقة السادات خاصة باستخدام الوسائل البصرية.

وكان العود قد خصص للدفاع عن موقع لسان بورتوفيق حوالي سرية مظلات، ودعمها بفصيلة دبابات كانت تتمركز خارج النقطة القوية علاوة على فصيلتي دبابات كانتا تتمركزان خارج اللسان كاحتياطي تكتيكي للموقع. وكانت تكديسات الذخائر والطعام والمياه داخل النقطة القوية تكفي حاجة الموقع للقتال أكثر من 15 يوما تحت ظرف الحصار.

ووفقا للخطة الموضوعة أسندت الى الكتيبة 43 صاعقة من المجموعة 127 صاعقة الموضوعة تحت قيادة الجيش الثالث والتي كانت يتولى قيادتها العقيد أ. ح فؤاد بسيوني، مهمة الاغارة على موقع لسان بورتوفيق واحتلال اللسان، بهدف معاونة أعمال قتال الفرقة 19 مشاة التي كانت تعمل على الجنب الأيمن للجيش الثالث الميداني. وفي الساعة الثانية وخمس دقائق بعد ظهر يوم 6 أكتوبر 1973، بدأ التمهيد النيراني للمدفعية، ولم يتم قصف موقع اللسان كما كان مخططا، ولكن أسلحة الضرب المباشر بدأت في اطلاق نيرانها وتم فتح ثغرتين في موقع العدو. وعند بدء القصف قام العدو بدفع 5 دبابات من احتياطيه التكتيكي خارج الموقع الى داخل اللسان، ولم تتمكن أسلحة الضرب المباشر على الضفة الغربية من اصابتها نظرا لتحركها خلف الساتر الترابي، وفي نفس الوقت قامت مدفعية العدو بقصف بورتوفيق قصفا مركزا. وفي حوالي الساعة السادسة والنصف مساء يوم 6 أكتوبر وتحت ستر نيران المدفعية وأسلحة الضرب المباشر، بدأت مجموعات الكمائن من الكتيبة 43 صاعقة في عبور القناة بعدد 9 قوارب مطاطية، ورغم نيران العدو الكثيفة تمكنت هذه المجموعات من الوصول الى الساتر الترابي واصابة دبابتين للعدو، وقامت بعمل كمائن القطع خارج وداخل اللسان، وكذا رص حقلين مضادين للدبابات لمنع الدخول والخروج من اللسان.

وفي الساعة السادسة والدقيقة الأربعين مساء يوم 6 أكتوبر، دفع قائد الكتيبة 43 سرية الصاعقة المخصصة لمهاجمة النقطة القوية الرئيسية، ورغم النيران المركزة التي انهمرت عليها أثناء عبور القناة مما أدى الى استشهاد قائد السرية وبعض أفرادها، فقد تمكنت السرية من الوصول الى الساتر الترابي ونجحت احدى فصائلها في مهاجمة واحتلال الجزء الجنوبي للنقطة القوية وتدمير العدو بها. وقام العدو بشن هجوم مضاد على هذه الفصيلة مرتين .. احداهما في أول ضوء والثانية في آخر ضوء يوم 7 أكتوبر، ولكن المحاولتين باءتا بالفشل وظلت الفصيلة متمسكة بموقعها. وحاول قائد كتيبة الصاعقة استغلال نجاح هذه الفصيلة فقام بدفع فصيلتين لتعزيزها. وتحت ستر قصف نيراني مركز في الساعة السابعة مساء يوم 7 أكتوبر قامت الفصائل الثلاث بمهاجمة النقطة القوية الرئيسية من اتجاه الجنوب، ولكنها عجزت عن اقتحامها فقرر قائد الكتيبة سحبها الى الضفة الغربية لاعادة تجميعها.

وعند منتصف ليلة 7/8 أكتوبر قرر قائد الكتيبة 43 صاعقة تنفيذ عملية الهجوم مرة أخرى بقوة سرية جديدة كاملة بوحدات دعمها. وقامت سرية الصاعقة بعبور القناة بقواربها في سكون مستغلة ساعات الظلام وبدون أي ستر من نيران المدفعية، وفور وصولها الى الشاطئ الشرقي اندفعت لمهاجمة النقطة القوية ولكن نظرا لقوة تحصينها لم تتمكن من اقتحامها . وأصدر قائد الكتيبة أمره بضرب الحصار حول الموقع وعزله تماما عن العالم الخارجي ، وقرر عدم اعادة شن الهجمات ضده حفاظا على أسلحته وأرواح جنوده، اذ ان حامية الموقع عقب هذا الحصار المحكم لا مفر أمامها سوى التسليم. وحاولت طائرات العدو كسر هذا الحصار، فقامت بعض الطائرات من طراز فانتوم في الساعة العاشرة مساء وعند منتصف الليل يوم 9 أكتوبر بشن هجمات جوية عنيفة على كمائن القطع عند مدخل اللسان، لاجبارها على التخلي عن مواقعها حتى يمكن ارسال تعزيزات الى الموقع، ولكن مجموعات القطع ظلت متمسكة بمواقعها رغم ما حاق بها من خسائر.

وكان قائد الحصن الاسرائيلي الملازم أول شلومو أردينست قد أدرك منذ الليلة الأولى ان الحصن محاصر من جميع الجهات، ولكنه لم يكن لديه أي شك في أن قوات الجيش الاسرائيلي ستأتي سريعا لنجدته وترفع الحصار المصري عنه. ولكن بعد مرور بضعة أيام تحرج الوضع داخل الحصن ، فقد أخذت الذخيرة في التناقص ونفد المورفين والأمصال والضمادات، وراح الجرحى يتلوون من آلامهم. وفي اليوم الخامس وصلت الى الحصن رسالة لاسلكية من القيادة الجنوبية الاسرائيلية كان نصها: "اذا لم نستطع خلال 24 ساعة ارسال التعزيزات اليكم يمكنكم الاستسلام". وكان داخل الحصن 42 جنديا منهم 5 قتلى و20 جريحا مصاب بجروح خطيرة. وفي الساعة الحادية عشرة والنصف صباحا يوم 13 أكتوبر، تم استسلام الموقع عن طريق الصليب الأحمر الدولي ورفع العلم المصري عليه، ووقع في الأسر 37 فردا منهم 5 ضباط.

وقد كانت عملية الاغارة على الحصن الاسرائيلي "كواي" على لسان بورتوفيق والاستيلاء عليه، من أروع العمليات التي قامت بها وحدات الصاعقة خلال حرب أكتوبر 1973 رغم الخسائر الجسيمة التي منيت بها الكتيبة 43 صاعقة. ولا شك في أن من أهم الدروس التي يمكن الخروج بها من هذه العملية.. أنه يجب عند التخطيط لاستخدام وحدات الصاعقة، أن تراعي اماكناتها وقدراتها النيرانية المحدودة، فلا تكلف بمهمة الاغارة على النقاط القوية للعدو ومواقعه الحصينة مثل المهمة التي كلفت بها الكتيبة 43 صاعقة، بل ينبغي أن يقتصر عملها على معاونة قوات المشاة في الاستيلاء عليها بتنظيم أعمال الكمائن على مداخل ومخارج هذه النقاط لمنع احتياطيات العدو من التقدم اليها لنجدتها، ولمنع أفراد هذه النقاط بعد سقوطها من التسلل والانسحاب منها، وبذا تتهيأ الفرص أمام قوات المشاة لتنفيذ المهام المسندة اليها في الاستيلاء على هذه النقاط الحصينة.

كمائن الصاعقة لعرقلة تقدم احتياطيات العدو

في الساعة الرابعة والدقيقة الأربعين مساء يوم 6 أكتوبر، قامت الكتيبة 183 صاعقة (عدا سرية) من المجموعة 139 صاعقة التي كانت يتولى قيادتها العقيد أ. ح أسامة ابراهيم محملة في 12 طائرة هليكوبتر (مي 8) بالاقلاع من مطار أبو صوير بمهمة عرقلة تقدم احتياطيات العدو المتمركزة في منطقة المليز، الى اتجاه قناة السويس. وكانت الخطة الموضوعة تقضي بتقدم الطائرات خلال الممر الجدي المحدد لها. في تشكيل طيران واحد حتى منتصف البحيرة المرة الكبرى، ثم التفرق بعد ذلك في مجموعتين، كل مجموعة تتكون من سرية صاعقة مدعمة بعناصر من المقذوفات الصاروخية المضاة للدبابات (مالوتكا)، وصواريخ الكتف المضادة للطائرات (سام 7)، وعند النقطة المحددة للتفرق، انقسم التشكيل الى مجموعتين كل مجموعة من 6 طائرات هيليكوبتر. ولم تمر سوى خمس دقائق حتى هوجمت طائرات الهيليكوبتر، بواسطة مقاتلات العدو الاعتراضية ، ونتيجة لهذا الهجوم هبطت 6 طائرات من المجموعتين هبوطا اضطراريا على مسافة حوالي 12 كم شرق البحيرات المرة وعادت طائرتان الى قواتنا مرة أخرى. ولم تتمكن من الهبوط بسلام في المنطقة المحددة للهبوط سوى 4 طائرات فقط، وقد أصيب عدد كبير من أفراد الصاعقة الذين كانوا في الطائرات التي هبطت اضطراريا بحروق جسيمة، وعاد الناجون فرادي الى منطقة البحيرات المرة حيث انضموا لقواتنا.

هذا وقد تمكن الافراد الذين كانوا في الطائرات الأربع التي هبطت سالمة من أداء مهمتهم بنجاح، فقد ظلوا يقاومون تقدم قوات العدو الاحتياطية لمدة ثماني ساعات، ولم تتمكن الطائرات الأربع التي حملتهم من العودة الى قاعدتها. وكان اجمالي خسائر السرتين حوالي 150 شهيدا منهم 15 ضابطا، علاوة على 10 طائرات هيليكوبتر. وكان سبب الخسائر الجسيمة التي لحقت بهذه الكتيبة يرجع الى ان عملية الابرار الجوي تمت خلال النار دون تخصيص حماية جوية لطائرات الهيليكوبتر سواء أثناء الاقتراب من الهدف أو عند الابرار. وقد اتضح من معدل خسائر طائرات الهيليكوبتر في عمليات الابرار الجوي ان نسبة الخسائر في الطائرات في حالة الابرار نهارا تبلغ حوالي ثلاثة أمثال نسبة الخسائر في حالة الابرار الليلي.

أما السرية المدعمة المتبقية من الكتيبة 183 صاعقة بقيادة النقيب حمدي شلبي والتي أسندت اليها مهمة تعطيل تقدم الاحتياطي الاسرائيلي على المحور الشمالي لمدة من 3 الى 4 ساعات حتى يتم انشاء معابر الجيش الثاني الميداني، فقد قامت 6 طائرات هيليكوبتر (مي 8) بتحميل هذه السرية والاقلاع بها من مطار أبوصوير في الساعة السادسة مساء حيث تمكنت من ابرارها بسلام في منطقة تل الفرما على المحور الشمالي، وقامت السرية بالتقدم بعد نزولها الى منطقة العمل المحددة لعمل الكمائن في منطقة مضيق رمانة، على خط واحد وعلى جانب واحد من الطريق بمواجهة حوالي 3 كيلومترات. وعند منتصف اليل، أمر قائد السرية بوضع الألغام المضادة للدبابات على المدقات المؤدية الى المحور الشمالي وتوزيع المجموعات، وقام بعمل قاعدة للدوريات في الخلف للارتداد اليها بعد اداء المهمة وكانت روح الأفراد غاية في القوة. وفي الساعة السادسة صباحا بدأت دبابات العدو في التقدم على الطريق الشمالي في اتجاه قناة السويس. وعندما دخل رتل العدو الرئيسي في منطقة الكمائن وكان يتكون من دبابات وعربات مدرعة نصف جنزير وعربات ناقلات جنود، أصدر قائد السرية أمره بالاشتباك. وخلال هذا الوقت قدمت عربة أوتوبيس كبيرة من الاتجاه العكسي من القناة الى العريش فتم ضرب الأوتوبيس واصابة جميع ركابه. ونتيجة للاشتباك مع رتل العدو المتجه صوب القناة دمرت سرية الصاعقة 18 دبابة إسرائيلية و2 عربة مدرعة نصف جنزير، و4 عربات نقل وونش وعربة جيب.

وأدى القتال المحتدم مع العدو الى اغلاق المحور الشمالي تماما لمدة خمس ساعات. ولكن القيادة الاسرائيلية لم تلبث أن اتخذت الاجراءات لابادة سرية الصاعقة المصرية، فقامبت بابرار جوي لسرية مشاة في 5 طائرات هيليكوبتر خلف موقع السرية، كما أرسل العقيد نيتكا الذي أوقفت سرية الصاعقة تقدمه لوائه المدرع 20 دبابة بقيادة احد قادة كتائبه (عساف يجوري) حيث قام بتطويق قوة الصاعقة المصرية من جميع الجهات، واندفعت بعض الدبابات الاسرائيلية لتسير بجنازيرها فوق أفراد الصاعقة. وقام أفراد الصاعقة في بطولة نادرة بالاشتباك مع الدبابات الاسرائيلية وقفز بعضهم فوق أبراجها حيث ألقوا بقنابلهم المضادة للدبابات مما أدى الى انفجار بعضها، كما انفجر بعضها الآخر بسبب مرمره على الألغام التي سبق لأفراد الصاعقة بثها. وبعد أن استشهد من أفراد الصاعقة نحو 75 فردا ركز العدو اهتمامه في اخلال الطريق منعا لتعطل قواته الاحتياطية، التي كانت متقدمة على المحور الشمالي، فأحضر بعض أوناش لرفع الدبابات والعربات المدمرة وهبطت بعض الطائرات الهيليكوبتر حيث قامت بنقل الجرحى بعد أن تأكد الاسرائيليون أن سرية الصاعقة قد تمت ابادتها. وقام قائد الصاعقة بقيادة الأفراد القليلين الذي بقوا على قيد الحياة في اتجاه القناة، مستغلال ساعات الظلام وحريصا على السير بمجموعته في مستنقعات سهل الطينة، حتى وصلوا في الصباح الى منطق رأس العش، حيث انضموا الى قواتنا. وقد اعترف الاسرائيليون بأن أفراد الصاعقة المصريين الذين هاجموهم على المحور الشمالي، قد قاتلوا معركة بطولية فذة، وأن هجماتهم كانت هجمات انتحارية.


كمائن الصاعقة في مضيق وادي سدر

يعتبر مضيق وادي سدر أحد المضايق الرئيسية لعبور الحائط الغربي لسيناء وهو يقع جنوب مضيق متلا. وترجع أهميته الى أن مدخله الشرقي في عين سدر تلتقي عنده ثلاثة طرق قادمة من نخل والتمد من وسط سيناء، ومن بئر التمادا من شمال سيناء، ومنها يتم الوصول عبر المضيق الى جنوب سيناء، عن طريق محور الطور الساحلي. ووفقا للخطة الموضوعة، أسندت الى الكتيبة 143 من المجموعة 145 صاعقة (من احتياطي القيادة العامة) التي كان يتولى قيادتها العقيد أ. ح السيد الشرقاوي، مهمة تنظيم أعمال الكمائن في مضيق وادي سدر اعتبارا من آخر ضوء يوم 6 أكتوبر 1973، وكان تنفيذ الكتيبة لمهمتها يؤدي الى تحقيق الأهداف التالية:

1- حرمان العدو من دفع أي قوات تحاول نجدة الأهداف الحيوية على ساحل خليج السويس. 2- معاونة اللواء الأول مشاة ميكانيكي في أثناء تحقيقه المهمة المباشرة المسندة اليه بالتقدم على الطريق الساحلي حتى أبورديس عن طريق تأمين جنبه الأيسر. 3- حماية الجنب الأيمن للجيش الثالث وتخفيف الضغط عن رءوس الكباري المصرية شرق القناة بجذب احتياطيات العدو جنوبا في اتجاه لم يكن مخططا له من قبل، وبذا يتم تشتيت جهودها في منطقة جبلية وعرة تعتبر من أصلح المناطق للعمليات القتالية لوحدات الصاعقة.

وفي يوم 5 أكتوبر تحركت الكتيبة 143 صاعقة بالعربات من مكان تمركزها بالمنطقة العسكرية المركزية الى منطقة جنوب غرب جبل عتاقة، ودعمت الكتيبة بفصيلة مقذوفات صاروخية موجهة مضادة للدبابات (مالوتكا). وفي الساعة الخامسة مساء يوم 6 أكتوبر، تم تحميل الكتيبة في 18 طائرة هيليكوبتر مي 8 وأقلعت الطائرات من منطقة الاقلاع في تشكيل كان يتكون من مجوعتين وفقا لقرار قائد الكتيبة الذي كان يتضمن ما يلي:

أ – كتيبة عدا سرية (المجموعة الرئيسية) يتم ابرارها على المدخل الغربي لمضيق وادي سدر.

ب- سرية من الكتيبة (مجموعة السرية) يتم ابرارها في منطقة قلعة الجندي على المدخل الشرقي للمضيق، وتقوم الكتيبة بتنظيم كمائن تعطيلية متعددة على طول المضيق، بهدف منع قوات العدو المدرعة من عبور المضيق. ولم تكد الطائرات الهيليكوبتر تعبر خليج السويس حتى هجمها تشكيل جوي اسرائيلي كان مكونا من طائرات فانتوم وميراج. وقد ركز العدو هجومه على طائرات المجموعة الرئيسية، أما طائرات مجموعة السرية وعددها 6 طائرات فلم تعترضها أي طائرات اسرائيلية وتابعت سيرها حتى تمكنت من ابرار سرية الصاعقة بسلام في منطقة الابرار المخططة من قبل (قلعة الجندي). وقد حاولت طائرات المجموعة الرئيسية التي كانت تتكون من 12 طائرة هيليكوبتر أن تتفادى هجوم العدو الجوي عليها، ولكن التشكيل الجوي الاسرائيلي تمكن من اسقاط 4 طائرات متفرقة. ونتيجة لاصابة قائد الكتيبة ورئيس عملياتها، فقد تولى أحد قادة السرايا قيادة الكتيبة، وتمكن من تجميع القوة والسيطرة عليها والتوجه بها الى المنطقة المحددة التي سيتم فيها تنظيم أعمال الكمائن استعدادا لتنفيذ المهام التي أسندت اليها. ونظرا لاصابة 9 أفراد من الطيارين والملاحين من أطقم الطائرات المصابة فقد تم اصطابهم مع قوة الصاعقة الى هذه المنطقة، وقد استغرقت عملية اعادة التجميع والسيطرة على القوة طوال الليل.

ولم تتمكن القوة من التحرك يوم 7 أكتوبر في أثناء النهار لزيادة نشاط استطلاع العدو الجوي، ولكن بعد آخر ضوء يوم 7 أكتوبر تحركت القوة ليلا لاتخاذ أوضاعها في الكمائن. وقبل ذلك تمكنت السرية المكلفة بتنظيم الكمائن شرق مضيق سدر بعد ابرارها في منطقة قلعة الجندي من اتخاذ وضع الكمين، وأصبحت جاهزة لتنفيذ المهمة المكلفة بها عند آخر ضوء يوم 6 أكتوبر. ونظرا لعدم قيام العدو بأي تحركات في اتجاه المضيق في المدة من 7 إلى 10 أكتوبر، فقد استغلت السرية هذه الفترة في تحسين أوضاعها وتحصين موقعها، وعقب آخر ضوء يوم 10 أكتوبر صدرت التعليمات الى هذه السرية التي كانت على بعد حوالي 12 كم شرق المجموعة الرئيسية للكتيبة بالانضمام الى باقي القوة وأصبح الفاصل بين المجموعتين حوالي 3 كم فقط.

وفي أول ضوء يوم 11 أكتوبر بدأت وحدات مدرعة إسرائيلية في التحرك خلال المضيق مع تأمين تحركها بطائرة هيليكوبتر تطير فوقها على نفس خط سيرها، ولكن الطائرة لم تتمكن من اكتشاف عناصر الصاعقة التي كانت منتشرة قرب المدخل الغربي للمضيق نتيجة لحسن استغلالهم للأرض. وفي الساعة السابعة صباحا يوم 11 أكتوبر ووصلت العناصر المدرعة المتقدمة للعدو، وعندما أصبحت في مواجهة منطقة الكمائن انهال عليها وابل من النيران الكثيقة ، مما أدى الى تدمير 8 دبابات و7 عربات مدرعة نصف جنزير وعربة جيب. وازاء ذلك اضطرت القوة التي كانت تتبعها الى التوقف وبدأت الدبابات والعربات المدرعة الاسرائيلية في الارتداد في اتجاه الشرق .. وبعد انتهاء المعركة تمت عملية اعادة التجميع وعلاج الجرحى واعادة توزيع الذخائر. ومنذ الساعة الثامنة صباحا حتى الساعة الرابعة والنصف مساء يوم 11 أكتوبر شنت طائرات العدو غارات انتقامية على منطقة الكمائن، ولكنها لم تحدث أي خسائر لعناصر الصاعقة نظرا لحسن استغلالهم للأرض مما هيأ أماكن جيدة للاستتار من القصف الجوي.

وكان موقف الطعام والمياه والذخائر يبعث على القلق لعدم وجود أي وسيلة لتعويض ما يستهلك منها، ولذا اضطر قائد الكتيبة بالنيابة الى تخفيض معدلات خروج كمائن الصاعقة، وكذا الى تخفيض أنصبة الأفراد من الطعام والمياه والى الاقتصاد في استهلاك الذخيرة.

ورغم هذه الظروف القاسية، ورغم تعقد موقف الطعام والمياه وازدياد نسبة الخسائر في الأفراد والأسلحة ، فان رجال الكتيبة 143 صاعقة أصروا في شجاعة وبطولة على التمسك بالمضيق وحرمان العدو من عبوره مهما كلفهم ذلك من تضحيات، واعتمدوا في بقائهم على قيد الحية على تناول الاعشاب والزواحف كأطعمة رئيسية، حتى بدأت بعض الامدادات الخفيفة تصل اليهم في يوم 17 أكتوبر على ظهور الجمال أي بعد 11 يوما كاملة. وفي يوم 20 أكتوبر صدرت الأوامر الى قائد الكتيبة 143 صاعقة بالتخلص من المنطقة والعودة سيرا على الأقدام نتيجة لعدم توافر طائرات هيليكوبتر بالاضافة الى نشاط العدو الجوي المتزايد.

وبدأت الكتيبة رحلة العودة سيرا على الأقدام عبر المناطق الجبلية العورة: ورغم ما تكبدته القوة من خسائر، ورغم نفاد الطعام والمياه، تمكنت الكتيبة 143 صاعقة من قطع مسافة حوالي 60 كم خلال يومين من السير الشاق، ومن الانضمام الى قواتنا.

هذا، وتعتبر مهمة تنظيم الكمائن لعرقلة العدو في المناطق الجبلية من أنجح المهام التي أسندت الى وحدات الصاعقة على الظهور فجأت للتأثير على العدو، ثم الاختفاء والتخلص من المعركة.

الفصل الرابع عشر: الخطة الشاملة لتصفية الثغرة غرب قناة السويس

كان للنجاح الباهر الذي أحرزته القوات المصرية يوم 6 أكتوبر 1973، في اقتحام قناة السويس واجتياح حصون خط بارليف، ثم تمكنها بعد ذلك من اقامة خمسة رءوس كبار على الضفة الشرقية للقناة بعمق 10-12 كيلو مترا، وتدمير ثلاثة ألوية مدرعة اسرائيلية تدميرا يكاد يكون كاملا، أثر هائل في تقويض سمعة الجيش الاسرائيلي الذي ذاعت شهرته في الآفاق بأنه الجيش الذي لا يقهر، وأصيب الشعب الاسرائيلي بصدمة عنيفة وصفها بعض القادة والمحللين العسكريين بالعبارة الشهيرة "زلزال في إسرائيل".

وكان المسئولون الأمريكيون في واشنطن على يقين عند بدء الهجوم المصري – وفقا للتأكيدات الاسرائيلية، ولتجارب الحروب السابقة – بأنه في خلال 48 ساعة الذي سيصفي رؤوس الكباري المصرية شرق القناة ويرد المصريون على أعقابهم عبر القناة الى الشاطئ الغربي مدحورين مهزومين، وبذا يتم تلقين القيادة المصرية درسا لن تنساه، وهو ألا تغامر باستخدام قوتها العسكرية ضد اسرائيل مرة أخرى.

ولكن أحلال القيادة الاسرائيلية لم تلبث أن تبددت. فقد انتهى الهجوم المضاد الرئيسي الذي شنته قواتها المدرعة يومي 8 و9 أكتوبر بهدف اختراق المواقع المصرية وعبور القناة الى الغرب على بعض الكباري المصرية بفشل تام، بعد أن عجزت القوات الاسرائيلية عن اختراق المواقع المصرية خاصة في القطاع الشمالي من الجبهة، حيث كانت تتمركز قوات الجيش الثاني. وعلى العكس نجحت تشكيلات هذا الجيش في سحق قوات الهجوم الاسرائيلي وفي الحاق أفدح الخسائر بها.

واضطر المسئولون العسكريون الاسرائيليون الى مصارحة الشعب بالحقائق المرة التي حجبوها عنه في بداية الأمر. فقد اعترف موشى ديان وزير الدفاع في المؤتمر الذي عقده لرؤساء تحرير الصحف بعد ظهر يوم 9 أكتوبر بأن خط بارليف ذا المواقع الحصينة قد تم اخلاؤه وتم التخلي عنه، وأن القوات الاسرائيلية في سيناء اضطرت الى اتخاذ خط دفاعي لاحتواء الهجوم المصري، كما اعترف لأول مرة بان الاسرائيليون ليسوا أقوى من المصريين.

وفي مساء اليوم نفسه ظهر على شاشة التلفزيون الجنرال أهارون بارليف الذي استدعى من التقاعد لكي يتولى مسئولية الاعلام العسكري، وعرض على المشاهدين الوضع على جبهتي القتال في سيناء والجولان، وقال: "الوضع ليس سهلا أو بسيطا والحرب من شأنها ان تطول. ان الجيش الاسرائيلي في وضع صعب وقد اضطر الى الانسحاب من خطوط وقف القتال في الجولان وسيناء". وكانت هذه هي المرة الأولى التي يسمع الشعب فياه بيانا صريحا يدرك منه أن هذه الحرب ليست استمرارا لحرب الأيام الستة عام 1967 وليست حربا خاطفة. وتذكرت الجماهير كيف خدعتهم تصريحات موشى ديان مساء 6 أكتوبر عندما قال للصحفيين: "سنحول المنطقة الى مقبرة كبرى لهم"، وكذا تصريحات الجنرال دافيد أليعازر رئيس الأركان العامة عندما صرح في حماسة في المؤتمر الصحفي يوم 8 أكتوبر وسط تصفيق الحاضرين بأن الجيش الاسرائيلي سيواصل ضرب العدو وتحطيم عظامه. وأدرك أفراد الشعب الاسرائيلي ان اسرائيل تواجه لأول مرة منذ قيامها معركة حياة أو موت.


لماذا فكر الاسرائيليون في العبور الى غرب القناة

بعد المفاجأة الاستراتيجية التي لحقت بالجيش الاسرائيلي على جبهتي سيناء والجولان مما أدى الى عجز القيادة الاسرائيلية عن تنفيذ ضربة الاجهاض التي كانت تعتمد عليها لسحق اي هجوم عربي قبل وقوعه، وبعد فشل الهجوم المضاد الرئيسي الذي كان أمل اسرائيل معلقا عليه لرد الهجوم المصري على أعقابه واعادة الموقف الى ما كان عليه قبل ظهر يوم 6 أكتوبر 73، كان تصميم القيادة الاسرائيلية بتركز على ضرورة تغيير الوضع الاستراتيجي على الجبهة المصرية تغييرا جذريا، قبل ان يصدر القرار المنتظر مجلس الأمن بوقف اطلاق النار في ظل هزيمة منكرة للقوات الاسرائيلية وفي ذروة انتصار مصري ساحق واضخ للعيان، وهو الأمر الذي لا يمكن ان تقبله اسرائيل ولا يمكن أن يرضى به احد من أصدقائها المخلصين في البيت الأبيض في واشنطن وعلى رأسهم وزير الخارجية الأمريكي اليهودي الديان هنري كسينجر. وكان النجاح الذي أحرزته القيادة الاسرائيلية على الجبهة السورية في مرتفعات الجولان بعد أيام قلائل من بداية الحرب، بارغامها القوات السورية على تمام الانسحاب من الجولان يوم 10 أكتوبر والعودة الى خط وقف اطلاق النار عام 1967 الذي بدأت منه الهجوم يوم 6 أكتوبر ثم الهجوم العام الاسرائيلي على عمق سوريا اعتبارا من 11 أكتوبر لتهديد العاصمة السورية دمشق.. كان ذلك ما حفز القيادة الاسرائيلية على ضرورة استعادة الموقف أيضا على الجبهة المصرية في سيناء. ولذا اتجه تفكير المسئولين بها على وجوب القيام بعملية سريعة غير متوقعة يمكن عن طريقها استعادة ميزة المبادأة التي فقدوها منذ بداية الحرب، واعادة ثقة القوات الاسرائيلية بقيادتها وثقة الشعب الاسرائيلي بجيشه الذي لا يقهر.

وكانت الطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك هي عبور القوات الاسرائيلية قناة السويس من الشرق الى الغرب والعمل على مؤخرة الجيشين الثاني والثالث، على أن يتم ذلك بعملية سريعة ومفاجئة قبل تدخل القوة العظمى كما هو منتظر، وفرض وقف اطلاق النار على جبهتي القتال.

وكانت الأهداف الاستراتيجية التي تتوخاها القيادة الاسرائيلية من عبور قواتها الى غرب القناة تتلخص فيما يلي:

1- الاخلال بالتوازن الاستراتيجي للقوات المصرية شرق وغرب القناة. 2- حصر وتدمير التجميع الرئيسي للقوات المصرية داخل رؤوس الكباري شرق القناة لاستعادة الأوضاع الى ما كانت عليه قبل ظهر يوم 6 أكتوبر. 3- احراز مكاسب سياسية واعلامية على المستوى الدولي عندما يذاع على العالم بأن القوات الاسرائيلية تقاتل غرب قناة السويس. 4- فرض الحصار على الجيشين الثاني والثالث أو أحدهما عن طريق قطع خطوط مواصلاتهما مع غرب القناة. 5- احراز نصر عسكري وسياسي ضخم بالاستيلاء على مدينة الاسماعيلية أو السويس أو كلتيهما.

ورغم خشية اسرائيل من التورط في مغامرة عسكرية غرب القناة وما يحف بها من مخاطر الامتداد البعيد بأكثر من طاقة الجيش الاسرائيلي ومن الدخول في الكثافة السكانية المصرية، فقد كانت مواجهة الهزيمة وما سيترتب عليها من انهيار الجيش والنظام الاسرائيلي كله تجبر اسرائيل على ضرورة تحمل هذه المغامرة بأي ثمن، خاصة وأن قرار وقف اطلاق النار على وشك الصدور مما يحقق الأمان لقواتها التي ستعبر الى غرب القناة.

وكان الدعم الأمريكي الواسع النطاق لاسرائيل من العوامل المهمة التي شجعت قيادتها العسكرية على الاقدام على هذه المغامرة. فلقد حصلت اسرائيل من الناحية الواقعية على جسر جوي أمريكي متنكر تحت ستر طائرات الجامبو الاسرائيلية التابعة لشركة العال اعتبارا من يوم 7 أكتوبر، كما أصدر الرئيس الأمريكي نيكسون قرارا بتعويض اسرائيل عن كل خسائرها في الحرب. وفي يوم 13 أكتوبر بدأ بصفة رسمية الجسر الجوي الأمريكي الذي نقل الى اسرائيل – حتى نهاية الحرب – حوالي 28000 طن من كل الأسلحة والمعدات المتطورة الحديثة، كما قامت طلعات طائرات التجسس الأمريكية فوق جبهة القتال بتوفير وتوصيل أدق المعلومات التفصيلية عن القوات المصرية الى المخابرات الاسرائيلية.

ورغم أن فكرة عبور القوات الاسرائيلية الى غرب القناة لم تكن فكرة فجائية طرأت على أذهان المسئولين في القيادة الاسرائيلية في أثناء الحرب، بل كانت عنصرا أساسيا في التخطيط العسكري الاسرائيلي الذي تم وضعه منذ عام 1968 للدفاع عن سيناء في مواجهة أي هجوم مصري واسع النطاق عبر قناة السويس. ورغم الضرورة الاستراتيجية الملحة التي كانت تحتم على اسرائيل – كما أسلفنا – وجوب عبور قواتها الى غرب القناة، فان الجنرال حاييم بارليف الذي كان يتولى القيادة فوجئ بأن الخطة التي عرضها لعبور قواته الى الغرب قد قوبلت بمعارضة شديدة من بعض الوزراء والقادة العسكريين في أثناء اجتماع مجلس الحرب الذي رأسته جولدا مائير رئيسة الوزراء مساء يوم الجمعة 12 أكتوبر في تل أبيب. وكان السبب الأساسي في معارضة خطة العبور الاسرائيلي الى الغرب ترجع الى وجود حشد ضخم من المدرعات المصرية يزيد على 400 دبابة على الضفة الغربية لقناة السويس،وهي عبارة عن فرقتين مدرعتين وفرقتي مشاة ميكانيكي (الاحتياطي التعبوي للجيشين) مما كان يجعل عملية العبور الاسرائيلي الى غرب القناة عملية محفوفة بالمحاطر ولا تؤمن عواقبها. وكاد قرار القيادة الاسرائيلية يصدر بتأجيل تنفيذ الخطة الى توقيت أكثر ملاءمة في المستقبل، وكاد قرار القيادة الاسرائيلية يصدر بتأجيل تنفيذ الخطة الى توقيت أكثر ملاءمة في المستقبل، وكان الجنرال بارليف يجمع أوراقه لينصرف من المجلس بعد أن أصابه الاحباط، لولا ذلك النبأ الذي نقله الى مجلس الحرب احد ضباط العمليات والذي قلب كل التقديرات رأسا على عقب، وهو بدء عبور القوات المدرعة المصرية الى شرق القناة. وعلى ذلك تم الانفاق على تأجيل تنفيذ عملية العبور الاسرائيلي الى الغرب الى ان تقوم القيادة الجنوبية بصد الهجوم المصري المنتظر.

وكان الأمر الذي جد على الموقف على الجبهة المصرية هو ذلك القرار الخطير الذي أصدره الرئيس الراحل السادات الى القيادة العسكرية بتطوير الهجوم شرقا صباح يوم 13 أكتوبر لتخفيف الضغط على سوريا. وقد تحم تأجيل الموعد 24 ساعة لكي يجري الهجوم صباح يوم 14 أكتوبر. ورغم معارضة سعد الشاذلي رئيس الأركان المصري وكذا اللواء سعد مأمون قائد الجيش الثاني واللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث لهذا القرار الذي كان توقيته السليم قد فات، فقد أصر القائد العام الفريق أول أحمد اسماعيل على ضرورة تنفيذه استجابة لقرار القيادة السياسية.

وقد استغلت القيادة الاسرائيلية الموقف الاستراتيجي السيئ الذي غدت عليه القوات المصرية بعد عبور القوات المدرعة الى الشرق، والتي كانت تمثل الاحتياطي التعبوي للجيشين الثاني والثالث احسن استغلال لكي تقوم بتنفيذ عملية العبور الاسرائيلي الى غرب القناة بنجاح تام، وساعدتها الظروف على ذلك بعد فشل عملية تطوير الهجوم المصري يوم 14 أكتوبر فشلا ذريعا، وبعد أن منيت القوات المدرعة المصرية بخسارة فادحة بلغت حوالي 250 دبابة في بضع ساعات دون أن تحقق أي هدف، وعجز قائدا الجيشين الثاني والثالث عن شن أي هجوم مضاد رئيسي على القوات الاسرائيلية التي عبرت الى غرب القناة نتيجة لعبور احتياطيهما التعبوي الى شرق القناة للقيام بعملية تطوير الهجوم الفاشلة.


الهدف من وضع الخطة شامل

لن نقوم في هذا المجال باعادة أو تكرار ما سبق أن أوردناه في الفصول (من الخامس الى التاسع) من هذا الكتاب فيما يتعلق بشرح وايضاح التفاصيل الكاملة للعمليات التي جرت غرب القناة. ولكن نظرا لانه من الضروري الربط بين الأحداث اعتبارا من 15 أكتوبر 73 (اليوم التالي لفشل عملية تطوير القوات المصرية لهجومها شرقا) وحتى وقف اطلاق النيران من الناحية الفعلية اعتبارا من الساعة الحادية عشرة صباح يوم 28 أكتوبر 1973، لذا فاننا نرى أنه يمكن تقسيم هذه الفترة بالنسبة لما تم خلالها من عمليات حربية الى ثلاث مراحل رئيسية كما يلي:

المرحلة الأولى : من (15 إلى 17 أكتوبر) وقد تم فيها ما يأتي:

1- اتمام حشد القوات الاسرائيلية المكلفة بالعبور غربا في منطقة الدفرسوار. 2- عبور وحدات محدودة من هذه القوات قناة السويس الى الغرب من منطقة العبور بالدفرسوار شمال البحيرة المرة الكبرى ليلة 15/16 أكتوبر. 3- اعلان جولدا مائير رئيسة وزراء اسرائيل امام الكنيست في الساعة الرابعة مساء يوم 16 أكتوبر أن القوات الاسرائيلية تقاتل الآن شرق وغرب القناة.

المرحلة الثانية: من (18 إلى 22 أكتوبر) وقد تم فيها ما يأتي:

1- عبور القوات الاسرائيلية الرئيسية المخصصة للعملية قناة السويس عبر الكباري التي تم انشاؤها والقيام بصد هجمات القوات المصرية المضادة وانشاء رأس كوبري اسرائيلي غرب القناة في مساحة محدودة في بادئ الأمر. 2- فشل قوات الجنرال آريل شارون في الوصول الى مدينة الاسماعيلية. 3- صدور قرار مجلس الأمن رقم 338 بوقف اطلاق النيران اعتبارا من الساعة السادسة والدقيقة الثانية والخمسين يوم 22 أكتوبر 73.

المرحلة الثالثة: من (23 إلى 28 أكتوبر) ، وقد تم فيها ما يأتي:

1- قيام القوات الاسرائيلية غرب القناة بتطوير هجومها تحت ستر وقف اطلاق النيران والاندفاع جنوبا وغربا. 2- معركة السويس وفشل القوات الاسرائيلية في احتلال المدينة. 3- اتمام حصار مدينة السويس وكذا حصار الفرقتين 7 و19 مشاة من الجيش الثالث الميداني شرق القناة. 4- وقف اطلاق النيران الفعلي قبل ظهر يوم 28 أكتوبر 1973.

وعلى ضوء الموقف العسكري الجديد الذي لم يكن في مصلحة قواتنا، وبعد هذا التحول الخطير في ميزان القوى العسكري لقواتنا وقوات العدو شرق وغرب القناة قامت القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية بتنفيذ الاجراءات التالية على مرحلتين:

المرحلة الأولى:

من 29 أكتوبر حتى وضع الخطة الهجومية "شامل" لتحقيق الأهداف التالية:

1- التأكد من مقدرة قواتنا المسلحة في مناطق رءوس الكباري شرق القناة على صد أي هجمات رئيسية توجه ضدها. 2- حشد كل ما أمكن حشده من القوات المسلحة المصرية وما أمكن تدعيمها به من قوة بشرية وأسلحة ومعدات من بعض الدول العربية والدول الصديقة لاحتواء وتثبيت القوات الاسرائيلية في المواقع التي وصلت اليها غرب القناة، ثم وضع خطة دفاعية لمنع أي احتمال لاستغلال اسرائيل وجود قواتها غرب القناة لمحاولة التقدم في اتجاه الدلتا أو القاهرة.

المرحلة الثانية:

وضع الخطة الهجومية "شامل"، والتصديق عليها والاستعداد لتنفيذها، وهي خطة تصفية الجيب الاسرائيلي غرب القناة.

وخلال فترة حشد القوات المصرية غرب القناة لاحتواء العدو تثبيته وفي أثناء وضع الخطة الهجومية لتصفية الجيب الاسرائيلي، وعلى الرغم من سريان قرار مجلس الأمن بوقف اطلاق النار، قررت القيادة العامة المصرية ألا تسمح للقوات الاسرائيلية غرب القناة بأي فترة هدوء أو راحة وحرمانها من تثبيت دفاعاتها أو تحصينها هندسيا وفي تشديد الخناق عليها في تعاون وثيق بين جميع القوات المحيطة بها. وقد تطورت الأعمال الدفاعية النشطة لقواتنا الى الحد الذي جعل البعض يطلقون على هذه المرحلة اسم "حرب الاستنزاف الثانية".

وكانت أهداف القيادة المصرية في هذه المرحلة ما يلي:

1- احداث أكبر قدر من الخسائر في قوات العدو وأسلحته ومعداته. 2- القيام بعمليات ازعاج للعدو على أوسع نطاق ممكن حتى يصبح بقاؤه غرب القناة جحيما لا يحتمل. 3- ارغام اسرائيل على الاستمرار في تعبئة قواتها الاحتياطية، مما يرهق اقتصادها القومي ويهدد الحياة العامة بها بالشلل الكامل. 4- منع العدو من تحسين وتحصين مواقعه شرق وغرب القناة.

وقد تم خلال هذه الفترة حوالي 1500 اشتباك بالنيران اشتمل على حوالي 439 عملية تم الاعلان عنها. وقد أسفرت هذه الاشتباكات عن الحاق الخسائر الآتية بالقوات الاسرائيلية وفقا للبلاغات الرسمية:

أ – تدمير 11 طائرة و41 دبابة وعربة مدرعة و10 رشاشات ثقيلة.

ب – تدمير 36 بلدوزر ومعدة هندسية وعربة ركوب.

ج – اصابة ناقلة البترول الاسرائيلية سيرينا بعطب جسيم.

د – اغراق قارب انزال بحري.

هـ - قتل 187 فردا اسرائيليا واصابة مئات من الجرحى.

وعقب زوال الخطورة التي كانت تهدد الوضع العسكري المصري غرب القناة، بدأت الاجراءات لوضع الخطة شامل. وكان التفكير المبدئي للقيادة المصرية عند بداية وضع الخطة هو تخصيص قوات مناسبة يكون هدفها هو فتح الطريق عنوة من خلال الجيب الاسرائيلي للاتصال بقوات الفرقتين 19 و7 من الجيش الثالث شرق القناة، وانهاء الحصار الذي ضربته حولهما القوات الاسرائيلية. ولكن بعد امعان القيادة المصرية في الأمر مليا واجراء تقدير سليم للموقف، وجد أن الأصوب هو تجميع كل ما أمكن تخصيصه من قوات مصرية غرب القناة وأن توضع هذه القوات تحت قيادة احد القادة المشهود لهم بالكفاءة، على أن يتبع وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة مباشرة، وان يكون مسئولا عن تحقيق الهدف الذي تم وضعه وقتئذ، وهو تدمير جميع القوات الاسرائيلية الموجودة على الأراضي المصرية غرب القناة واعادة الموقف الى ما كان عليه قبل الجيب الاسرائيلي غرب القناة. وقد أطلق على هذه الخطة المصرية الهجومية الاسم الكودي "شامل". وكان القائد المصري الذي وقع عليه اختيار القيادة السياسية المصرية لتصفية الجيب الاسرائيلي وتدميره تدميرا تاما هو اللواء أ. ح سعد مأمون.


لماذا وقع الاختيار على سعد مأمون

كان اللواء سعد مأمون عند بدء حرب أكتوبر يتولى قيادة أكبر جيش ميداني في مصر، وهو الجيش الثاني الذي كان يضم ثلاث فرق مشاة (2 و6 و18) وفرقة مدرعة (الفرقة 21 ولواء مدرع مستقل اللواء 15) وفرقة مشاة ميكانيكية (الفرقة 23) واللواء العاشر مشاة ميكانيكي الذي ألحق به من احتياطي القيادة العامة علاوة على اللواء 30 مشاة مستقل و135 مشاة مستقل بقطاع بورسعيد. وقد تمكنت قوات الجيش الثاني من تنفيذ خطة اقتحام قناة السويس واقامة الكباري التي عبرت عليها الدبابات والاسلحة والمعدات الثقيلة الى الشاطئ الشرقي للقناة تنفيذا مثاليا، كما قامت باجتياح خط بارليف وانشاء ثلاثة رءوس كبار، على الضفة الشرقية للقناة، وصد جميع الهجمات الضادة المحلية التي قامت بها الوحدات المدرعة التابعة للجنرال ألبرت ماندلر. وخلال يومي (8 و9) أكتوبر دمرت قوات الجيش الثاني على طول المواجهة من القنطرة الى الفردان الى الاسماعيلية شرق، القوات المدرعة الاسرائيلية التي قامت بالهجوم المضاد التعبوي الذي شنته القيادة الجنوبية، والذي كانت تهدف منه الى تدمير رءوس الكباري المصرية شرق القناة والعبور على الكباري المصرية في منطقة الفردان الى الضفة الغربية للقناة.

وعندما صدر القرار يوم 12 أكتوبر بتطوير الهجوم المصري شرقا، اشترك سعد مأمون مع رئيس الأركان وقائد الجيش الثالث في معارضة هذا القرار بشدة. وفي المؤتمر الذي عقد مساء نفس اليوم بالمركز 10 برئاسة الفريق أول أحمد اسماعيل، عرض سعد مأمون تقديم استقالته اذا تم الهجوم بهذا الاسلوب وفي هذا التوقيت، حيث انه من المنتظر أن تلحق بالقوات المدرعة القائمة بالهجوم خسائر فادحة، كما أن سحب هذه القوات – التي تمثل الاحتياطي التعبوي للجيشين الثاني والثالث – من الغرب الى شرق القناة سوف يتيح الفرصة للقيادة الاسرائيلية لتحقيق هدفها والعبور بقواتها الى غرب القناة. ولم تقبل القيادة العسكرية استقالة سعد مأمون، واضطر هو الى تنفيذ قرار تطوير الهجوم صباح يوم 14 أكتوبر رغم اقتناعه بأنه قرار خاطئ لأنه كان مجبرا كقائد عسكري على تنفيذ تعلميات قيادته العليا. وفي الساعة الثامنة والنصف صباح يوم 14 أكتوبر، وقبل أن تتضح نتائج المعركة، اصيب اللواء سعد مأمون بنوبة قلبية وتم نقله الى مستشفى القصاصين ومنه الى مستشفى المعادي. وبعد خروجه من المستشفى تم تعيينه مساعدا لوزير الحربية.

وعقب تعيين اللواء سعد مأمون اعتبارا من 13 ديسمبر 73 قائدا لقوات تصفية الثغرة غرب القناة، تلقى التوجيهات الخاصة بتنفيذ الخطة من الرئيس الراحل السادات ثم من الفريق أول أحمد اسماعيل القائد العام، نظرا لأن انظار مصر والدول العربية كانت تتابع هذه العملية باهتمام وتركيز شديدين بسبب استغلال اجهزة الاعلام الاسرائيلية وجود الجيب الاسرائيلي غرب القناة للقيام بدعاية سياسية واسعة النطاق.

وقام اللواء سعد مأمون حال توليه القيادة بالمرور على القوات التي خصصت لعملية تصفية الثغرة ومراجعة الخطة مراجعة دقيقة، واداخل ما رأى ادخاله عليها من تعديلات. وفي يوم 18 ديسمبر قام بعرضها على القائد العام الفريق أول احمد اسماعيل للتصديق عليها. وفي يوم 24 ديسمبر عرض القائد العام الخطة "شامل" في صورتها النهائية على الرئيس الراحل السادات باستراحة القناطر الخيرية بحضور رئيس الأركان وقادة الأفرع الرئيسية بالقوات المسلحة واللواء سعد مأمون. وأقر الرئيس الخطة، وأصدر توجيهاته بأن تكون جاهزة للتنفيذ في أي وقت اعتبارا من نفس اليوم (24 ديسمبر).

الموقف العام لقوات الجانبين يوم 23 ديسمبر 1973

كان الموقف العام لقوات الجنبين المتضادين في هذا اليوم كما يلي:

أولا بالنسبة للقوات المصرية: 1- زال التهديد العسكري الاسرائيلي غرب القناة في اتجاه القاهرة والدلتا تماما، بعد أن تم حشد التشكيلات المصرية غرب المصرية، وأعيد التوازن الاستراتيجي للقوات المصرية شرق القناة وغربها. 2- بينما كان لاسرائيل غرب القناة ثلاث فرق مدرعة (فرقة أريل شارون وفرقة ابراهام أدان وفرقة كلمان ماجن) وكانت هذه الفرق تضم 7 ألوية مدرعة (3 ألوية في فرقة أدان ولواءين في كل من فرقتي شارون وماجن) علاوة على لواء مشاة مظلات بفرقة شارون ولواء مشاة مظلات بفرقة شارون ولواء مشاة ميكانيكي بفرقة ماجن، كانت القوات المصرية التي خصصت لعملية تصفية الثغرة تتكون من فرقتين مدرعتين (الفرقة 4 والفرقة 21) وثلاث فرق مشاة ميكانيكي (الفرق 3 و6 و23) ووحدات من الصاعقة والمظلات علاوة على قوات مخصصة من احتياطي القيادة العامة جاهزة للدفع للاشتباك والانضمام الى قوات تصفية الثغرة بقرار من القائد العام.

ويتضح من مقارنة القوات بعضها ببعض أن الموقف كان في مصلحة القوات المصرية، وأن نسبة التفوق بصفة عامة كانت تبلغ 2 إلى 1.

3- قامت القوات المصرية غرب القناة بشن حرب استنزاف ضد القوات الاسرائيلية الموجودة بالثغرة بعد يومين فقط من وقف اطلاق النيران. وبلغ مجموعة العمليات التي وجهت ضد القوات الاسرائيلية 439 عملية عسكرية، مما كان له تأثير سيئ في الروح المعنوية لأفرادها. وقد ترتب على الموقف العسكري السيئ للقوات الاسرائيلية قيام هذه القوات بوقاية مواقعها عن طريق حفر خنادق مضادة للدبابات على معظم المواجهة بعرض من 6 إلى 7 أمتار وبعمق 5 أمتار، كما تم لها وضع حوالي 750 ألف لغم للدبابات والأفراد. 4- في الوقت الذي انخفضت فيه الروح المعنوية للقوات الاسرائيلية ، كانت الروح المعنوية للقوات المصرية مرتفعة، وكان الشعار الذي يردده القادة أمام جنودهم انه اذا كانت القوات المصرية قد اقتحمت قناة السويس في 6 أكتوبر رغم أنها من أصعب الموانع المائية في العالم وعرضها يزيد عن 180 مترا، فان مانع الدبابات الموجود أمام القوات المصرية في الجيب الاسرائيلي يعتبر مانعا بسيطا يمكن التغلب عليه بسهولة. وكان اللواء سعد مأمون يردد أمام قواته دائما أنه قبل 6 أكتوبر كان لدينا العلم فقط، والآن بعد معارك الحرب أصبح لدينا العلم والخبرة. 5- كانت القوات المصرية مؤمنة تماما من خطر الهجوم الجوي الاسرائيلي، فقد كانت داخلة في نطاق شبكة الدفاع الجوي المصري بعد أن استعادت هذه الشبطة قدراتها وكفاءتها على الوجه الأكمل. 6- بقيت رءوس الكباري المصرية التي أقامها الجيش الثالث شرق القناة صامدة قوية، ولم تفكر مطلقا في الانسحاب الى غرب القناة او التسليم رغم الحصار الاسرائيلي المضروب حولهاز ويرجع ذلك الى ارتفاع الروح المعنوية لأفرادها ولعدم واجهتها اي مشكلات ادارية – رغم انقطاع خطوط مواصلاتها مع غرب القناة – نظرا لكفاية حجم المخزون والمكدس فيها من الاحتياطيات الادارية.

ثانيا – بالنسبة للقوات الاسرائيلية: 1- لم تتمكن القوات الاسرائيلية التي عبرت الى غرب القناة القضاء على الاحتياطيات التعبوية للجيشين الثاني والثالث، ولا على الاحتياطي الاستراتيجي للقيادة العامة، بل تمكنت هذه القوات من حصار القوات الاسرائيلية واحتوائها ومنع انتشارها الى الغرب. 2- اضطرت القوات الاسرائيلية غرب القناة الى اتخاذ الأوضاع الدفاعية، ولم تحاول استخدام ميزة المبادأة مطلقا. فعلاوة على الخندق الصناعي المضاد للدبابات الذي أقامته امام مواقعها وآلاف الألغام التي وضعتها حولها في كل مكان ، كانت مواسير المدافع الاسرائيلية تتجه دائما إلى أعلى دليلا على عدم استعداد أفرادها للبدء في اطلاق النار، كما كان من النادر ان يرد هؤلاء الافراد على النيران المصرية (كان المعتاد أن يرطوا بطلقة واحدة على كل عشر طلقات مصرية). 3- فشلت القوات الاسرائيلية في أثناء العمليات الحربية غرب القناة في الاستيلاء على أي من المدن الرئيسية في القناة، فقد تم صد هجوم الجنرال شارون على الاسماعيلية، كما فشلت قوات الجنرال أدان في اقتحام السويس رغم تكرار الهجوم عدة مرات. 4- أصبح الوجود الاسرائيلي غرب القناة مأزقا عسكريا ووضعها خطيرا للقوات الاسرائيلية التي اختل توازن قواتها الاستراتيجي شرق القناة وغربها. فان الجيب الاسرائيلي غرب القناة أصبح منفصلا عن القواعد الرئيسية في سيناء لا يربطه بها سوى ممر ضيق عرضه حوالي 10 كيلو مترات يمكن قطعه بسهولة بواسطة القوات المصرية التي كانت تحيط به من كل جانب، وأصبحت القوات الاسرائيلية داخل الجيب غرب القناة رهيبة لدى القوات المصرية التي تحاصرها. 5- نتيجة لاحتياج اسرائيل للتدعيم المستمر لقواتها بعد أن امتدت عمليات قواتها شرق القناة وغربها بهذه الصورة، فقد اضطرت للاحتفاظ بدرجة تعبئة عالية لقواتها الاحتياطية ولمدة طويلة، مما كان يخالف سياستها المعهودة في نظام تعبئة الاحتياطي وأصبح ذلك يهدد اقتصادها القومي بالشلل. 6- كانت القيادة الاسرائيلية مجبرة على نقل كل الاحتياجات الادارية الى قواتها الموجودة غرب القناة، مما زاد من أعبائها الادارية وعرض خطوط مواصلاتها الطويلة التي تزيد على 300 كيلو متر لخطر مهاجمتها برا وجوا. 7- ثبت أن عملية العبور الاسرائيلي الى غرب القناة لم تكن عملية استراتيجية كبرى يمكن أن تغير مجرى الحرب، ولم تكن في واقع الأمر سوى عملية تكتيكية استغلتها اسرائيل سياسية واعلاميا على أوسع نطاق ضعف قيمتها من الناحية العسكرية.

التخطيط العام للخطة شامل

بنيت الخطة "شامل" على أسس تكتيكية سليمة، وكانت تستهدف ضمان الاستغلال الأمثل للقوات المخصصة لتصفية الثغرة والتركيز على أهمية التعاون بين هذه القوات والقوات الجوية وقا الدفاع الجوي، ومراعاة الاستخدام السليم للقوات المدرعة باستغلال خصائصها احسن استغلال مع الأخذ في الاعتبار عناصر القوة وعناصر الضعف لقوات العدو الموجودة داخل الجيب الاسرائيلي.

وقد قامت القوات المخصصة لتنفيذ الخطة "شامل" بمشروعات تدريب تتفق تماما مع المهام المخصصة لها في الخطة الحقيقية وعلى أرض مشابهة، كما تمت عملية تنظيم التعاون بين هذه القوات والقوات الجوية وقوات الدفاع الجوي تحت الاشراف المباشر للواء سعد مأمون.

وكانت خطة تدمير العدو داخل الجيب الاسرائيلي تقضي بمهاجمة هذا الجيب من 5 اتجاهات رئيسية:

الاتجاه الأول: ضربة من اتجاه رأس كوبري الفرقة 16 مشاة شرق القناة لاغلاق ثغرة الاختراق من المنبع عند الدفرسوار (شرق القناة).

الاتجاه الثاني: ضربة على محور طريق أبو سلطان في اتجاه الدفرسوار (غرب القناة ومنطقة البحيرات المرة الكبرى).

الاتجاه الثالث: ضربة على محور طريق جنيفة في اتجاه البحيرات المرة الصغرة.

الاتجاه الرابع: ضربة على محور طريق السويس في اتجاه مدينة السويس للوصول بأسرع ما يمكن الى المدينة والى قوات بدر المحاصرة (الفرقتين 7 و19 مشاة من الجيش الثالث شرق القناة).

الاتجاه الخامس: ضربة موازية لخليج السويس من الجنوب الى الشمال في اتجاه ميناء الأدبية.

وكان هدف الهجوم في هذه الاتجاهات 0 فضلا عن اغلاق الممر الذي يربط بين الجيب الاسرائيلي وقواعده الرئيسية في سيناء – هو الوصول بأسرع ما يمكن الى مدينة السويس وميناء الأدبية والشواطئ الشرقية للبحيرات المرة الصغرى والكبرى ومنطقة الدفرسوار شرق القناة وتقطيع أوصال الجيب الاسرائيلي وتحويله الى أجزاء منعزلة يتم تدميرها جزءا فجزءا.

هذا ولم يقيض للخطة شامل التنفيذ العملي ، ففي الساعة التاسعة من مساء يوم 17 يناير 74 بتوقيت القاهرة، أذيع اتفاق فصل القوات بين مصر واسرائيل تحت اشراف الأمم المتحدة، ووضعت هذه الاتفاقية موقع التنفيذ اعتبارا من الساعة الثانية عشرة يوم 25 يناير، وبدأت اسرائيل في سحب قواتها من المناطق المتفق عليها، وسارت أعمال فصل القوات وفقا للاتفاق. وبانتهاء الصراع السياسي في هذه المرحلة، صدرت أوامر القيادة السياسية بتجميد الخطة شامل.

محتويات الملاحق

ملحق 1

  • رسالة من الفريق سعد مأمون إلى جمال حماد

الأخ المؤرخ/ جمال حماد

تقديرا لجهدك في اعداد تاريخ حرب أكتوبر على هذا الوجه الدقيق المشرف، واحتراما لآرائك وتحليلك لكثير من المواقف السياسية والاستراتيجية والتعبوية التي لازمت هذه الحرب.

ورغم أنني توليت مناصب بالغة الأهمية والحساسية، سواء للاعداد لحرب أكتوبر أو تنفيذها اعتبارا من عام 1969 وما تلا ذلك من مناصب ومسئوليات عسكرية أخرى، فإنني كنت ومازلت احد القادة القلائل الذين لم ينشروا مذكراتهم رغم استكمالي لعناصر مادتها كاملة لأني أرى من وجهة نظري – ولعلي أكون مخطئا فيها – أن توقيت نشرها لم يحن بعد. ويحتمل أن يكون ذلك بعد لقائي ربي باذنه تعالى .. فالغرض منها ليس تمجيدا أو إقلالا من شأن آخرين، انما لتكون مرجعا تاريخيا عسكريا في المقام الأول.

ولكنني أخرج عن وجهة نظري هذه في موضوعين ذكرتهما سيادتكم في مقالاتك عن هذه الحرب:

1- مدى حق القيادة العسكرية في معارضة القرار السياسي. 2- اختلاف الأقوال حول السبب الحقيقي لمرض اللواء سعد مأمون يوم 14 أكتوبر.

فبالنسبة للموضوع الأول:

لا اعتقد أن هناك قائدا مصريا لديه الشجاعة التي تجعله يستقيل في أوج انتصاره يوم 12 أتوبر ليؤكد لقيادته العسكرية العليا وليس للقيادة السياسية – فأنا مسئول أمام القيادة العسكرية وليس السياسية – أن قرار تطوير الهجوم يوم 13 أكتوبر والذي عدل ليكون يوم 14 أكتوبر هو قرار خاطئ تماما وغير سليم بالمرة، ولن أسرد ذلك فلقد تكفلتهم سيادتكم كمؤرخ عسكري ودارس ومدقق بشرح ذلك من وجهة نظركم شرحا وافيا، وواضح أننا نتفق في الرأي في هذا الموضوع في معظم عناصره.

ولقد عرضت نفسي بهذه الاستقالة في ذلك الحين وما بعده الى مخاطر لا يمكن أن يقدرها أحد. ورغم معرفتي التامة بهذه المخاطر، فلم أتردد مطلقا في الاستقالة محاولا بها تجنيب الوطن النتائج الوخيمة لهذا القرار، والذي شرحت أبعاده ونتائجه المتوقعة في مؤتمر القيادة العامة للقوات المسلحة بالقاهرة مساء يوم 12 أكتوبر، مؤكدا ومصرا على أنه اذا تم تطوير الهجوم بهذا الاسلوب وفي هذا التوقيت على على مواجهة الجيشين فيسنتهي ذلك الى تدمير نسبة عالية جدا من هذه القوات، وسينتهي القتال بعبور القوات الاسرائيلية للقناة، لأنني كنت متأكد كقائد ميداني من سلامة تقديري للموقف خصوصا على ضوء خبرتي بالقتال ونتائجه – بالنسبة للطرفين المصري والاسرائيلي – والذي جرى اعتبارا من بدء الحرب في 6 أكتوبر وحتى غروب يوم 12 أكتوبر.

كل ذلك بطبيعة الحال أمر لا يمكن انكاره، فهو مسجل في سجلات الحرب، ولا أريد – فلكل رأيه – أن أفاخر بهذه الآراء وسلامتها، فلقد كفيتني سيادتكم ذلك ببعض آرائك وتحليلك لهذا القرار، علاوة على ما أثبتته الأحداث بعد ذلك.

كما أريد في هذا المجال أن أنوه لشدة اقتناعي بوجهة نظري وقلقي على مسار الحرب، أن الأمر قد وصل بي الى أن أقرر أمام الحاضرين في مؤتمر يوم 12 أكتوبر أنه اذا لم يحدث بعد تطوير الهجوم ما أقدره وأتصوره من تدمير للقوات المصرية ثم عبور القوات الاسرائيلية لقناة السويس على ضوء خبرتي الميدانية بالقتال الذي تم حتى ذلك اليوم، فانني مستعد للمحاكمة العسكرية. ولكنني في المقابل سألت الحاضرين والمخالفين لرأيي – جادا لا ساخرا – اذا حدث ما أتصوره من تدمير للقوات ومن عبور الاسرائيليين القناة، فماذا يمكن ان يكون موقف الذين وراء هذا القرار عسكريا؟ فكانت الاجابة ان ما اتصوره وأقدره لن يحدث أبدا، ولكنه للأسف حدث كما قدرت بنسبة 100% ، وذلك يوم 16 أكتوبر بعد 48 ساعة من دخولي المستشفى وتركي قيادة الجيش الثاني، وكأنني كنت أقرأ كتابا مفتوحا.

وبالنسبة للموضوع الثاني:

وهو اختلاف الاقوال حول السبب الحقيقي لمرضي الساعة 8.30 صباح يوم 14 أكتوبر فأرجو أن نعود الى الحقائق الآتية من واقع التقارير الرسمية والطبية وهي الفيصل الوحيد في هذا الأمر:

- عندما أصبت بنوبة قلبية في الساعة 8.30 صباح يوم 14 أكتوبر لم يكن قد اتضح الموقف تماما على مواجهة الجيشين، ولا يمكن أن يقرر أحد حتى تلك الساعة ان الهجوم قد فشل، فلم يكن قد مضى سوى ساعتين فقط على بدء القتال، وهناك وحدات قد توقفت. وهناك وحدات تقدمت عدة كيلو مترات. وفي جميع الأحوال لم يكن قد تم تبليغ قيادة الجيش الثاني عن حجم الخسائر، وطبيعي أنها لم تكن كبيرة حتى تلك الساعة.

وأرجون أن تعود سيادتكم الى شرحكم لعملية تطوير الهجوم في قطاع الجيش الثاني وكذا الى سجلات الحرب .. ولهذا لا يمكن الأخذ بوجهة نظر الفريق الشاذلي من أن حجم الخسائر كانت سببا لهذه النوبة القلبية.

- يمكن للجميع الرجوع إلى التقارير الطبية، سواء تقارير الطبيب المعالج بالجيش الثاني، ثم الطبيب الذي أوفده قسم القلب بمستشفى المعادي للجبهة للكشف على في نفس اليوم، ثم الى الأطباء المختصين بمستشفى القصاصين، ثم الى رئيس قسم القلب بمستشفى المعادي الذي نقلت اليه، ثم الى مدير الخدمات الطبية للقوات المسلحة في ذلك الحين، وهو من أشهر وأكفأ اطباء القلب وهو الفريقي طبيب رفاعي كامل الذي كلفه المشير أحمد اسماعيل بالكشف علي في مستشفى المعادي، حيث قدم كل هؤلاء الأطباء المذكورين تقاريرهم الطبية خلال الفترة من 14 أكتوبر حتى نهايته في هذا الشأن. واعتقد أنك توافقني الرأي في أنه لو كان هناك شك بنسبة واحد في المليون في أسباب النوبة القلبية التي أصبت بها لكان الرئيس الراحل انور السادات والمشير أحمد اسماعيل لهم موقف آخر تجاهي أقل ما يمكن تصوره – أن تكون محاكمتي العسكرية والتشهير بي وبكفاءتي – بعد اعتراضي الشديد على هذا القرار العسكري الخاطئ الى الحد الذي اوصلني الى تقديم استقالتي في أوج نجاح القوات المصرية. وأثبتت الايام القليلة بعدها صدق حسي فيها أمام القيادة العسكرية آنذاك، حيث قامت القوات الاسرائيلية بعبور القناة يوم 16 أكتوبر أي بعد 48 ساعة من دخولي المستشفى وتركي لقيادة الجيش الثاني يوم 14 أكتوبر.

بل على النقيض من ذلك، اذا كان هناك أي شك أو قلق من موقفي في ذلك الحين وبعد صدور تقارير الأطباء، فهل يعقل منطقيا أن أرقى في نهاية أكتوبر 73 لمنصب مساعد وزير الحربية، ثم يختارني كل من الرئيس السادات والمشير أحمد اسماعيل من بين جميع القادة – الأقدم مني والأحدث – قائدا لقوات الثغرة. وهو أخطر منصب في ذلك الحين، وكانت مصر كلها تنظر بقلق بالغ الى الجيب الاسرائيلي غرب القناة وتأمل بطبيعة الحال في تدميره؟

ويعلم الله ماذا قالا لي عند هذا الاختيار، سواء الرئيس السادات أو المشير أحمد اسماعيل. ولان الرجلين قد رحلا عن الدنيا، فسأكتفي فقط بذكر عبارتين تؤكدهما الاحداث لا الأقوال وهما:

- "ليتنا سمعنا كلامك وأخذنا بوجهة نظرك بالنسبة لتطوير الهجوم". - "لقد عيناك في هذا المنصب لتأكدنا من سلامة تقديرك ... الخ، وثقتنا المطلقة في قدراتك الذهنية والعسكرية، ويكفي ما حقق الجيش الثاني الميداني تحت قيادتك سواء في عمليات العبور أو تدمير القوات الاسرائيلية خلال الهجوم أو تدمير جميع هجماته المضادة حتى مرضك".

وسيأتي يوم أطلعك فيه على وثائق ومعلومات كثيرة مفصلة تؤكد كثيرا مفصلة عن تحليلك القدير والممتاز لحرب أكتوبر وتضيف له أبعادا كثيرة.

ورجائي مدا دمت مدققا عسكريا على هذه الدرجة من الأمانة .. وعرضت وجهة نظرك .. أن تضع الحقائق التي اوضحتها لك في هذا الرد موضعها المناسب .. والفيصل في ذلك تقارير وسجلات الحرب وليس الآراء الشخصية.

وأكون شاكرا لو تم نشر هذا الرد في كتابك عن حرب أكتوبر، اذ ان اهتمامي الأول هو افادتك وافادة القراء بهذه الحقائق قبل كل شي للتاريخ.

فريق سعد مأمون

ملحق 2

  • القصة الحقيقية لحصار موقع كبريت

في شهر يناير من 1972، وفي أثناء بحث الخطط المقترحة لعبور قناة السويس، صدر قرار القيادة العامة بانشاء اللواء 130 الذي أطلق عليه اسم مشاة الأسطول في بادئ الأمر، وقبل حرب اكتوبر بفترة قصيرة تقرر تغيير اسمه ليصبح اللواء 130 المشاة الميكانيكي البرمائي . وكان الغرض من انشائه هو ايجاد قوة مشاة ميكانيكية لديها القدرة على التحرك بمركباتها البرمائية سواء عبر الأراضي أو عبر المسطحات المائية المحدودة، مثل البحيرات التي تقع على مجر قناة السويس (بحيرة التمساح والبحيرات المرة الكبرى والصغرة) أو مثل خليج السويس، بغرض مفاجأة العدو في عمق دفاعاته لشل مراكز قيادته وتعطيل تقدم احتياطياته التعبوية.

وقد تم في الاشهر الاولى من عام 1972 تشكيل اللواء 130 البرمائي في منطقة العامرية بالاسكندرية بعد ان اختير لقيادته العقيد أ. ح محمود شعيب، وكان يتكون من كتيبتي مشاة ميكانيكيتين اختير أفرادها من قوات الصاعقة، وأطلق عليهما اسم الكتيبة 602، وتولى قيادتها المقدم أ. ح محمود سالم، والكتيبة 603 وتولى قيادتها المقدم ابراهيم عبد التواب، علاوة على باقي وحدات الدعم الخاصة باللواء والتي كان من اهمها كتيبة دبابات برمائية من طرازات 76 وكتيبة مقذوفات صاروخية موجهة مضادة للدبابات مالتوكا وكتيبة مضادة للطائرات وكتيبة هاون 120 مم. وقد زودت كل كتيبة مشاة ميكانيكية بعدد 40 مركبة مدرعة برمائية من طراز توباز لنقل أفراد الكتيبة.

وفي أواخر سبتمبر عام 1973، تم نقل اللواء 130 من العامرية الى منطقة القناة حيث تمركز في معسكر حبيب الله شمال غرب مدينة السويس. وأسندت الى الكتيبتين 602 و603 بعد تدعيم كل منهما بعدد 10 دبابات برمائية ت 76 من كتيبة دبابات اللواء، مهمة عبور البحيرة المرة الصغرة يوم 6 أكتوبر 1973 فور بدء التمهيد النيراني للمدفعية من نقطة عبور كانت تقع جنوب كبريت بحوالي 2 كم، على أن تدفع الكتيبة 602 على الطريق المؤدي إلى مضيق الجدي، وأن تدفع الكتيبة 603 على الطريق المؤدي الى مضيق متلا، بغرض الاستيلاء الى المدخلين الغربيين للمضيقين، وبذا يتم تأخير وصول الاحتياطي التعبوي للعدو حتى صباح يوم 7 أكتوبر، أي بعد ضمان اتمام اقامة المهندسين العسكريين المصريين الكباري والمعاديات على القناة وعبور الألوية المدرعة للانضمام الى الفرق المشاة الملحقة بها، وبذا تكون الفرق المشاة الخمس جاهزة لصد أي هجوم مضاد تعبوي للعدو.

وفي التوقيت المحدد عبرت الكتيبة 602 البحيرة المرة، وتبعتها في العبور الكتيبة 603 ، ولكن الكتيبتين فقدتا خلال العبور جانبا من قوتهما، اذ ان بعض الدبابات ت 76 والعربات المدرعة توباز وبعض العربات من طراز بردم غرزت في قاع البحيرة. فقد اتضح أثناء العبور أنها ضحلة وموحلة، وذات تربة هلامية، مما أدى الى أن تسير العربات المدرعة والدبابات على جنازيرها عبر البحيرة عدا الممر الملاحي الأصلي لقناة السويس في وسط البحيرة. وقامت جماعة من مهندسي اللواء 130 بفتح ثغرة في حقل الألغام الذي اكتشف على الشاطئ الشرقي للبحيرة. وعقب اشتباك قصير بالنيران مع العدو من اتجاه حصن كبريت شرق (حصن بوتزر الاسرائيلي من حصون خط بارليف) تقدمت الكتيبة 602 الى الطريق المؤدي الى مضيق الجدي وفقا للخطة الموضوعة، ولم تكد تقطع 15 كم من الطريق – وكان آخر ضوء قد حل – حتى اصطدمت بكتيبة مدرعة اسرائيلية قادمة من مضيق الجدي من لواء العقيد دان شمرون الذي كان مسئولا عن القطاع الجنوبي. ودارت معركة عنيفة غير متكافئة في الظلام استخدمت فيها الدبابات الاسرائيلية من طراز M48 أشعة النور الباهر Zennon ونيران مدافعها من عيار 105 مم، وعجزت الكتيبة 602 بمدافع دباباتها من عيار 67 مم وصواريخ المالوتكا التي يصعب توجيهها في الظلام وعرباتها المدرعة الخفيفة التدريع عن مجابهة هذه القوة المدرعة المتفوقة عليها تفوقا ساحقا. وانتهت المعركة التي وضعت لها هيئة العمليات بالمركز 10 أسوأ تخطيط ممكن – كما هو متوقع – بتدمير جميع الدبابات والمركبات المدرعة بالكتيبة 602 رغم المقاومة الباسلة التي أظهرها أفرادها. وعاد أفراد الكتيبة الذين نجوا من المعركة مترجلين وعلى دفعات طوال ثلاث أيام، الى حيث انضموا على رأس كوبري الفرقة 7 مشاة، فصدرت التعليمات باعادة تجميع الكتيبة في معسكر حبيب الله.

احتلال الكتيبة 603 موقع كبريت

لم تسنح الفرصة للكتيبة 603 التي كان يتولى قيادتها المقدم ابراهيم عبد التواب للتقدم على طريق الشط – متلا وفقا للمهمة المسندة اليها، اذ لم يكد تعبر البحيرة المرة خلف الكتيبة 602 وتصل الى الشاطئ الشرقي في حوالي الساعة الرابعة والنصف مساء وتتجمع خارج حقل الألغام، حتى دارت معركة عنيفة بينها وبين سرية دبابات اسرائيلية كانت متقدمة من اتجاه كبريت شرق، وقامت بمعاونة الكتيبة سرية مقذوفات صاروخية مالوتكا من الفرقة 7 مشاة كانت قد فتحت على الشاطئ الشرقي للبحيرة، مما أدى الى تدمير دبابتين للعدو وثلاث مركبات صاروخية مضادة للدبابات، وانسحبت السرية المدرعة الاسرائيلية في اتجاه الشرق. وصدرت التعليمات للكتيبة 603 بالبقاء في موقعها والدفاع عن راس الشاطئ الذي تحتله نظرا لالغاء المهمة التي كانت مسندة اليها وهي الاستيلاء على المدخل الغربي لمضيق متلا، بعد أن أدرك المسئولون في هيئة العمليات بالمركز 10 حقيقة المأساة التي حاقت بالكتيبة 602 نتيجة لخطأ قرارهم وسوء تقديرهم مما جعلهم يسندون الى كتيبة مشاة ميكانيكية هذه المهمة التي كان من المستحيل عليها تنفيذها ولم ينتج عنها سوى دمار الكتيبة.

وفي حوالي الساعة التاسعة صباحا يوم 9 أكتوبر، بدأ تحرك الكتيبة 603 شمالا بحذاء شاطئ البحيرة الصغرة لتنفيذ المهمة الجديدة التي اسندت اليها بعد تدعيمها بسرية دبابات من اللواء 25 المدرع، وهي الاستيلاء على الحصن الاسرائيلي بوتزر (كبريت شرق). وكان هذا الحصن قد تم لحاميته الاسرائيلية اخلاؤه مساء يوم 8 أكتوبر، بعد أن تلقى العقيد دان شمرون قائد اللواء المدرع بالقطاع الجنوبي تصديق رئيسه الجنرال ابراهام ماندلر (ألبرت) على اخلاء بعض حصون خط بارليف في قطاع، من ضمنها حصن بوتزر. وفي الساعة الواحدة الا الربع ظهرا قامت الكتيبة 603 باحتلال حصن بوتزر دون قتال، ولكن بعد ان انفجرت دبابة وعربة مدرعة لتورطهما في حقل الالغام الذي كان يحيط بالموقع، وتم رفع العلم المصري على الحصن.وقبض على فردين على مقربة من الحصن اتضح أنهما تابعان لهيئة الرقابة الدولية فأخلي سبيلهما. وعثرت الكتيبة داخل الموقع على كميات كبيرة من الذخائر والمعلبات المحفوظة لم يتسع الوقت للحامية الاسرائيلية لسحبها معها أو تدميرها. وقد بادر المقدم ابراهيم عبد التواب بطلب كميات كبيرة من التعيينات والمياه والذخائر من منطقة الشئون الادارية للواء بمعكسر حبيب الله، الذي كان يقع على الضفة الغربية للبحيرة على بعد حوالي 8 كم من الشاطئ وفي مواجهة موقع كبريت تماما. وكانت وسيلة الاتصال المنتظمة بين منطقة الشئون الادارية في الغرب وموقع كبريت في الشرق هي استخدام العربات حتى الشاطئ الغربي للبحيرة ثم عبورها باستخدام القوارب المطاطية زودياك. وطلب المقدم ابراهيم عبد التواب ايضا بكميات كبيرة من الالغام وأمر بعمل نطاق خارجي غير محدود من الالغام حول نطاق الالغام الاسرائيلي الذي كان يحيط بالموقع. وكان لهذا الحقل من الالغام الذي بلغ عمقه حوالي 300 متر فائدة كبرى كما اتضح فيما بعد.

وفي الساعة الواحدة بعد ظهر يوم 13 أكتوبر، أصدر اللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث أوامره الى قيادة اللواء 130 الميكانيكي البرمائي، التي كانت موجودة في مقر قيادة الجيش الثالث منذ بدء العمليات في 6 أكتوبر، لأن تنضم الى موقع الكتيبة 603 في موقع كبريت وأن يخرج اللواء 130 المشاة الميكانيكي البرمائي من تحت قيادة الجيش الثالث ليوضع تحت قيادة العميد أ. ح أحمد بدوي قائد الفرقة 7 مشاة، وأن يسحب من موقع كبريت 10 عربات مدرعة توباز بسائقيها لتنضم الى الفرقة 7 مشاة، وأن تنقل بقايا الكتيبة 602 تحت قيادة المقدم أ. ح محمود سالم من معكسر حبيب الله الى مطار كبريت (غرب البحيرة)، وأن يسند الى هذه الكتيبة مهمة الدفاع عن مطار كبريت. وفي يوم 14 أكتوبر تم انتقال العقيد أ. ح محمود شعيب قائد اللواء وضباط قيادته الى موقع كبريت، وأرسل رئيس اشارة الفرقة 7 مشاة عربة لاسلكي الى الموقع لادخال قيادة اللواء 130 على الشبكة الاسلكية للفرقة. وفي نفس اليوم قدمت من معكسر اللواء بالعامرية بالاسكندرية كتيبة الهاون 120 مم وسرية المهندسين، وانضمتا الى موقع كبريت. وامر قائد اللواء باحتلال كتيبة الهاون موقعا غرب البحيرة لمعاونة دفاعات كبريت بالنيران بعد ان احتفظ بسرية منها ضمن الدفاعات الأمامية لموقع كبريت.

وأثناء وجود العقيد أ. ح محمود شعيب في قيادة الفرقة 7 مشاة بعد الظهر يوم 16 أكتوبر، استمع الى محادثة هاتفية أبلغ خلالها اللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث العميد أحمد بدوي بعبور القوات الاسرائيلية الى الضفة الغربية للقناة، وطلب منه الاهتمام بتأمين الجنب الأيسر للفرقة الذي هو نفس الوقت الجناح الأيسر للجيش الثالث. وفي يوم 17 أكتوبر مر تشكيل اللواء 25 المدرع المستقل من أمام موقع كبريت تتقدمه زوبعة هائلة من الغبار، بعد ان تم دفعه في الصباح من رأس كوبري الفرقة 7 ليتحرك شمالا بحذاء البحيرة المرة الكبرى، بمهمة تصفية ثغرة الاختراق الاسرائيلية من ناحية الشرق، وهي المهمة المؤسفة التي تم تخطيطها بأسلوب خاطئ في المركز 10 والتي أدت الى تدمير هذا اللواء بعد بضع ساعات على أثر وقوعه في كمين اسرائيلي محكم.

وقد لجأ الى موقع كبريت عقب تدمير اللواء 10 دبابات (ت 62) و7 عربات مدرعة (ب ك) و180 ضابطا وجنديا من الكتيبة المشاة الميكانيكية التابعة لهذا اللواء المنكود الطالع، وقد أثر وصول هذه الشراذم المشتتة الى الموقع تأثيرا سيئا على الروح المعنوية لأفراد موقع كبريت. وفي حوالي الساعة الواحدة بعد ظهر يوم 19 أكتوبر ووصل الى الموقع اللواء مصطفى شاهين رئيس أركان الجيش الثالث، الذي أمر باعادة جميع أفراد ومعدات اللواء 25 المدرع الذين التجأوا الى الموقع الى وحداتهم الاصلية برأس كوبري الفرقة 7 مشاة، ولكنه سحب سرية الدبابات التي سبق تدعيم الكتيبة 603 بها يوم 9 أكتوبر وترك بدلا منها الدبابات العشر التي التجأت الى الموقع بعد المعركة نظرا لسوء حالتها وعجز بعض جنازيرها عن الحركة. ولذا استخدمت هذه الدبابات في الموقع على انها مدافع مضادة للدبابات، خاصة وقد كانت مدافعها من عيار 115 مم للاستفادة من قوة نيرانها وبعد مرماها. وعلاوة على ذلك أمر اللواء شاهين بسحب 3 دبابات برمائية (ت 76) و10 عربات مدرعة توباز لتنضم على قوة الكتيبة 602 في مطار كبريت لتدعيمها بعد ان تم تدمير معداتها في معركة طريق الجدي كما سبق ان ذكرنا.

ضرب الحصار حول قوة كبريت

بدأ الحصار الفعلي لموقع كبريت منذ صباح يوم 22 أكتوبر 1972. ومما يستحق الالتفات اليه أن الحصار الاسرائيلي للموقع بدأ في نفس التوقيت الذي أصدر فيه مجلس الامن القرار رقم 338، وهو أول قرار للمجلس بوقف اطلاق النار، أي ان هذا الحصار قد جرى في ظل ثلاثة قرارات متتالية أصدرها مجلس الأمن بوقف اطلاق النار وتأكيده، وهي القرارات رقم 338 في 22 أكتوبر ورقم 339 في 23 أكتوبر ورقم 340 في 25 أكتوبر. ورغم ان اتفاقية النقاط الست التي وقعت في 11 نوفمبر 1973 بين الجانبين المصري والاسرائيلي في محادثات الكيلو متر 101 كانت الفقرة الرابعة منها تنص على "عدم اعاقة الامدادات غير العسكرية الى الضفة الشرقية للقناة"، فقد استمر الحصار الاسرائيلي مضروبات حول موقع كبريت بشدة واحكام بالغين، وظلت امدادات الطعام والمياه التي تعد بالطبع امدادات غير عسكرية تصل الى الموقع بمغامرات تكاد تكون أشبه بالخيار. ويبدو أن القيادة الاسرائيلية الجنوبية كانت تطمع في أن تدفع ويلات الجوع والعطش حامية كبريت الى الاستسلام، أو أن تستخدم حصار قواتها لهذا الموقع الذي تم عزله عن العالم الخارجي، كأداة مساومة وسيلة ضغط على الوفد المصري أثناء محادثات الكيلو متر 101 بين الجانبين المصري والاسرائيلي. وعندما انتهت المرحلة الثانية من محادثات الكيلو متر 101 بتوقيع اتفاقية فض الاشتباك في 18 يناير 1973، ظل موقع كبريت تحت وطأة الحصار. ولم تغادر حامية كبريت موقعها الا بعد أن قامت اسرائيل بتنفيذ المرحلة الثالثة من انسحاب قواتها وفقا لاتفاقية فض الاشتباك، والتي كانت تنص على انسحاب القوات الاسرائيلية من منطقة جنوب البحيرات الى منطقة الجدي شرق القناة خلال ثمانية أيام كانت تنتهي في 12 فبراير 74. وباتمام هذه المرحلة، اعتبر ان الحصار قد رفع نهائيا عن موقع كبريت. وعلى ذلك تكون مدة الحصار على وجه التحديد قد بدأت في 22 أكتوبر 1973 وانتهت في 12 فبراير 1973 أي استمرت 114 يوما كاملة، ولذا ينبغي حفاظا على الأمانة التاريخية تصحيح المدة التي سجلت خطأ في جميع الصحف والكتب والمراجع على أنها 134 يوما.

وكان موقع كبريت باعتباره حصنا اسرائيليا سابقا من حصون خط بارليف يضم نقطة قوية حصينة كانت تقع في الجنوب الغربي من الموقع على مقربة من البحيرة، وكانت هذه النقطة القوية تتكون من عدة طوابق تغوص في باطن الارض وتعلو حتى تصل الى قمة الساتر، وكانت تضم دشم قوية وملاجئ للمبيت، وكل دشمة مجهزة بعدة فتحات في اتجاه الغرب لاستخدام أسلحة الضرب ضد أي هجوم مصري، (كان الهجوم متوقعا في هذه الناحية) وجميع الدشم تصل بعضها ببعض عن طريق خنادق مواصلات عميقة مبطنة بألواح الصلب وشكاير الرمل، ومصممة لكي تتحمل القصف الجوي او البري الثقيل حتى قنال زنة 1000 رطل. وكان قائد اللواء العقيد أ. ح محمود شعيب قد خصص الدشمة الرئيسية في هذه النقطة القوية لاقامة قيادة اللواء، وخصص بعض الدشم الفرعية كمخازن لتعيينات الطعام والمياه الاحتياطية، كما أمر بتحويل أحد الملاجئ داخل النقطة القوية الى نقطة طبية ليقيم فيها المرضى والجرحى الذي كان طبيب الكتيبة يشرف على علاجهم. وفي شرق الموقع كانت توجد عدة دشم صغيرة أعدها الاسرائيليون عند بناء الحصن لاستخدامها في صد أي هجوم مصري من ناحية الشرق عن طريق أي متسللين من هذا الاتجاه. وقد استفادت الكتيبة 603 من هذه الدشم، وتم احتلالها بسراياها الثلاث لصد أي هجوم اسرائيلي متوقع من اتجاه الشرق. وفي شمال الموقع، كانت توجد خنادق مواصلات عميقة متصلة، تم للدبابات العشر الملحقة من اللواء 25 المدرع استخدامها في اخفاء هياكلها وابراز أبراج المدافع منها ليمكنها الضرب المؤثر من هذا الوضع الحصين.

وخلال يومي 22 أكتوبر (أول أيام الحصار) و23 أكتوبر، شنت الطائرات الاسرائيلية من طراز فانتوم وسكاي هوك هجمات جوية مركزة استمرت معظم ساعات النار حتى غروب الشمس. وأسقطت الطائرات قنابل زنة 1000 رطل على دشم النقطة القوية بكثافة شديدة توحي بمدى تصميمها على هدمها وتقويض أركانها.

وقد جرت خلال هذين اليومين أشد الاحداث خطورة في تاريخ الحصار، وكان أهمها ما يلي:

• حاولت سرية من دبابات العدو اختراق الدفاعات الأمامية لموقع كبريت من اتجاه الشرق، فتصدت لها الاسلحة المضادة للدبابات، وتمكنت سرية المقذوفات الصاروخية الموجهة مالوتكا من تدمير بعضها على مسافة بعيدة عن الموقع. وعندما استعدت الدبابات الاسرائيلية لاقتحام الموقع، تورطت داخل حقل الالغام الخارجي الذي أقامته الكتيبة 603، والذي كان الاسرائيليون يجهلون وجوده، وانفجرت ثلاث دبابات داخل الحقل بالقرب من الدفاعات المصرية، وبادرت الدبابات الباقية بالانسحاب في اتجاه الشرق. • فوجئت السرية اليمين في الدفاعات الامامية التي كان النقيب شوقي الجوهري يتولى قيادتها، بعربة جيب اسرائيلية تجتاز المواجهة من اليمين الى اليسار قرب الدفاعات المصرية، فأمر قائد السرية باطلاق النار عليها، وعندما توقفت العربة وتقدم الجنود صوبها وجدوا أحد ركابها الاربعة قتيلا، وتم لهم أسر الثلاثة الآخرين الذي اتضح ان احدهم برتبة ضابط. وعندما استجوبهم الرائد سليمان رئيس استطلاع اللواء أفادوا أنهم يعملون في ادارة التوجيه المعنوي وانهم قد ضلوا طريقهم. وأمر العقيد شعيب قائد اللواء ان يقتادهم رئيس الاستطلاع تحت الحراسة الى قايدة الفرقة السابعة لتسليمهم الى رئس استطلاع الفرقة. ووفقا للطريقة المتبعة للتحرك بين موقع كبريت في الشمال وراس كوبري الفرقة السابعة في الجنوب، اعتزم رئيس استطلاع اللواء أن يعبر بالأسرى البحيرة الى شاطئها الغربي بواسطة احد القوارب المطاطية زودياك ليستقلوا بعد ذلك احدى عربات اللواء المنتظرة وفقا للتعليمات عند نقطة العبور كي تتحرك بهم جنوبا الى معابر الفرقة السابعة، ليعبر بالأسرى قناة السويس من الغرب الى الشرق ليصل الى راس كوبري الفرقة 7 مشاة. وكانت هذه الطريقة المطولة تستخدم في الانتقال نظرا لعدم صلاحية الطريق البري المحاذي لشرق البحيرة لتحرك المركبات بسبب رماله الناعمة المتهايلة. غير انه لم يكن من الحكمة ارسال الاسرى بهذه الطريقة، وكان الأصوب ولدواعي الحذر ارسالهم تحت الحراسة عبر الطريق البري سيرا على الأقدام، اذ ان قائد اللواء كان يعلم منذ يوم 16 أكتوبر بنبأ العبور الاسرائيلي الى غرب القناة. وحدث ما كان متوقعا، فقد اطلقت النيران على العربة، وعندما توقفت قفز الأسرى الثلاثة منها ليعودوا مرة أخرى الى قواتهم، في الوقت الذي تسلل فيه رئيس الاستطلاع عائدا الى مقر وحدته الاصلي بالاسكندرية ، بعد أن رأى الاسرائيليين أمامه على الضفة الغربية. • تسبب الضرب الجوي الاسرائيلي المروع في ووقع عدة حوادث أليمة كان لها أسوأ وقع في نفوس رجال كبريت البواسل كما يلي:

1 – بينما كان الملازم الشاب قائد فصيلة الهاون 120 مم يصلي العدو الذي يواجهه بنيرانه الحامية في شجاعة وبطولة دون اكتراث بالهجمات الجوية التي تزلزل الموقع، اذا بقنبلة مباشرة زنة 1000 رطل تسقط على موقع الفصيلة فتدمره تماما، واستشهد القائد ورجاله الابطال جميعا تحت الانقاض.

2 – في الوقت الذي كان فيه طبيب الوحدة في النطقة الطبية التي خصصت له بالملجأ الحصين تحت الارض منهمكا في اسعاف الجرحى والتخفيف عن آلامهم، اذا بقنبلة مباشرة زنة 1000 رطل تخترق سقف الملجأ وتحيل الطبيب والجرحى الى كومة من الأشلاء والدماء.

3 – عندما شعر العقيد شعيب قائد اللواء ان الدشمة الرئيسية التي كان يقيم بها ضباط وجنود قيادة اللواء أخذت تهتز وتتصدع أركانها تحت وطأة القصف الجوي، أمر الجميع بسرعة اخلائها والانتقال الى الحفر البرميلية المنتشرة حول النقطة القوية. وعندما اكتشف قائد اللواء ان الرائد نور الدين عبد النبي رئيس الاشارة قد ترك أجهزته اللاسلكية وبعض جنوده، داخل الدشمة الرئيسية أمره بالعودة بسرعة لجلب الأجهزة واخراج الجنود، وأصر المقدم أ. ح محمد أمين مقلد رئيس عمليات اللواء على مرافقته الى داخل الدشمة للتأكد من اخلاء الجميع لها.. ولم تمض دقائق قليلة على عودة الضابطين الى الدشمة حتى سقطت فوقها قنبلة مباشرة زنة 1000 رطل فدكتها دكا، واستشهد البطلات وهما يؤديان واجبهما حتى الدقيقة الأخيرة، واستشهد معهما كل الجنود الذين بالداخل، ودمرت جميع الاجهزة اللاسلكية.

4 – اتضح ان الدشمتين اللتين تم تخزين كل تعيينات الطعام والمياه الاحتياطية داخلهما قد حولتهما قنابل الطائرات الى حفر عميقة، وتهايلت فوقهما أكوام من الرمال ودفنت التعيينات والمياه تحت الارض.

5 – تم تدمير عربة اللاسلكي التي سبق أن أرسلها رئيس اشارة الفرقة السابعة لاجراء الاتصالات اللاسلكية بين قيادة الموقع وقيادة 7 مشاة، وبهذا أصبح موقع كبريت منعزلا تماما عن العالم الخارجي.

6 – أصيب العقيد شعيب قائد اللواء بشظية في يده من القنابل العنقودية التي كانت تقذفها الطائرات، وانتزع الشظية من يده بأسنانه النقيب نصر قائد سرية استطلاع اللواء. ونظرا لتلف القوارب المطاطية الموجودة في الشرق بسبب شظايا البلي تطوع النقيب نصر كي يعبر البحيرة سباحة الى الشاطئ الغربي لاحضار قارب من هناك لاخلاء قائد اللواء الى النطقة الطبية بالفرقة. ووقعد قائد اللواء في نفس الخطأ للمرة الثانية، ولم يتعظم بالدرس السابق، وهكذا لم يكد النقيب نصر يرى الاسرائيليين على الضفة الغربية حتى كرر نفس الأسلوب الذي اتبعه زميله الرائد سليمان، وتسلل هو الآخر عائدا الى الاسكندرية. وهكذا فقد اللواء 130 عنصر استطلاع بأكمله دون أي داع أو مبرر.

كيف تغلب أبطال كبريت على محنة الحصار؟

كان لابد أن توضع قيود على صرف الطعام والمياه واستهلاك الذخيرة حتى يمكن للموقع الصمود لأقصى مدة ممكنة. وأصبح تعيين الطعام للفرد الواحد يصرف له كل أربعة أيام. وكانت أعقد المشكلات هي مشكلة المياه لعدم وجود أي مصادر لها، ولكن جندي مؤهلات من خريجي كلية العلوم أرشد زملاءه الى وسيلة عملية لتحويل مياه البحيرة المالحة الى مياه عذبة عن طريق تبخير المياه المالحة ثم تكثيف البخار المتصاعد ليتحول داخل الأواني الى مياه عذبة. واستخدموا خشب أعمدة التليفونات وفلنكات السكة الحديدية لاجراء عملية التبخير، كما جلبوا مواسير نحاسية من بعض الدبابات والعربات المدرعة المدمرة لتوصيل بخار الماء من أوعية التبخير الى أوعية التكثيف. وبرع الجنود بعد قليل في هذه العملية حتى قضوا على مشكلة نقص المياه تماما. ورأى العقيد شعيب ضرورة اعادة الاتصال مع قيادة الفرقة السابعة حتى يطلب منها دفع الامدادات التي أضحت حيوية من أجل اعاشة حامية الموقع، فأرسل يوم 25 أكتوبر دورية صغيرة من ضابطين عبر الطريق البري المحاذي للبحيرة سيرا على الاقدام ، ولما تأخرت عودتهما بعث بعد يومين بدورية قتال من ثلاثة ضباط وأحد عضر جنديا، ورافق الدورية عدد من الجرحى القادرين على السير والذين كانت جراحهم تسبب لهم أشد الآلام.

وكان يوم 28 أكتوبر يوما لا ينسى بالنسبة لرجال كبريت، فقد عادت الدوريتان وبرفقتهما طبيب كان يحمل معه معداته الطبية وأدويته لعلاج المصابين كما حمل أفراد الدوريتين معهم أقصى ما استطاعوا حمله من مياه وطعام وسجائر مما رفع من روح الجميع المعنوية.

وفي يوم 30 أكتوبر، سلم العقيد أ. ح محمود شعيب قيادة الموقع الى المقدم ابراهيم عبد التواب وسار العقيد شعيب برفقة احدى الدوريات المتجهة الى الفرقة 7 مشاة عبر الطريق البري الذي غدا طريق الاتصال الدائم بين الموقع ورأس كوبري الفرقة. وبعد أن تلقى العقيد شعيب العلاج اللازم في النطقة الطبية بالفرقة، مكث بعد ذلك حوالي عشرة أيام على الحد الايسر للفرقة السابعة للاشراف على عملية نقل الامدادات. وفي يوم 11 نوفمبر تم نقله مع جرحى السويس الى القاهرة وفقا لاتفاقية النقاط الست، وهناك دخل مستشفى المعادي.

وفي سبيل تنظيم عملية تزويد موقع كبريت بالامدادات المطلوبة، أسند العميد أحمد بدوي قائد الفرقة السابعة هذه العملية الى العميد فؤاد صالح زكي قائد اللواء الثامن والعقيد أ. ح حسن الأخرس رئيس أركان اللواء الثامن الذي كان يعد الحد الايسر للفرقة. وقد قاما بهذه العملية على الوجه الأكمل. وكانت تحركات الدوريات التي تحمل الامدادات على الطريق البري قد أصبحت مغامرة خطيرة، بعد أن تضخم عددها حتى وصل أحيانا الى 40 فردا. وبعد أن بدأ التفات العدو يتجه نحوها. وواصل ثلاثة ضباط شبان من أبطال كبريت البواسل القياد بهذه المهمة الخطيرة بالتناوب، ودون تردد أو خوف، وهم الملازمون أسامة عبد الله وابراهيم الهجمي وعبد الله عاشور حتى تمكن العدو أخيرا من اغلاق الطريق البري، ووصلت عناصره المدرعة الى قرب الشاطئ.

وعقب اغلاق الطريق البري، تم للمسئولين عن الامداد اللجوء الى حل آخر لانقاذ الموقف، وهو استخدام الطريق البحري عبر البحيرة. وتم استخدام لنش سريع بمحرك كان يقطر وراءه في كل رحلة عشرة قوارب خشبية مربوطة بعضها ببعض باحكام لتملأ بالمياه والطعام، وكان التوقيت الملائم هو منتصف الليل في الليالي المظلمة التي يغيب فيها القمر. وفور وصول القافلة الى نقطة التفريغ بالبحيرة عند كبريت، يقطع الحبل الذي يربط القوارب باللنس كي يعود اللنش في الحالة الى نقطة التحميل في القناة بقطاع اللواء الثامن، بينما يبدأ رجال كبريت في تفريغ الامدادات الوافرة التي تحملها القوارب العشرة. واشترك في قيادة القوافل البحرية – رغم المخاطر التي جدت بعد تدخل العدو بقواربه المسلحة – ثلاثة ضباط شبان من رجال اللواء 130 البرمائي ، أثبتوا بطولة وشجاعة خارقتين، وهم النقيب عصام عبد الحي والملازمان صابر كاسح وسيد حرب.

وكان المقدم ابراهيم عبد التواب قائد الكتيبة 603 الذي تولى قيادة موقع كبريت – كما وصفه ضباطه وجنوده – قائدا مؤمنا شجاعا، وكان قدوة لرجاله في كل تصرفاته. فقد كان أقلهم طعاما وشرابا وأقلهم نوما وأكثرهم صلاة وعبادة وترتيلا للقرآن. وكان يؤم رجاله في الصلوات ويخطب فيهم خطبة الجمعة. كان زاهدا متقشفا ورعا ومن النوع الذي يختاره الله للشهادة.

وعندما ظهر يوم 17 يناير وأثناء وجوده في نقطة الملاحظة الأمامية ، أطلق العدو بعض طلقات المدافع والهاونات على الموقع، واكتشف القائد نقطة الملاحظة الاسرائيلية التي كانت تقوم بتوجيه الضرب. وأثناء قيامه بتوجيه نيران سرية الهاون 120 مم وبجواره قائدها، سقطت على نقطة الملاحظة قنبلة هاون اسرائيلية مباشرة من عيار 120 مم فدمرت النقطة، واستشهد المقدم ابراهيم عبد التواب وبيمناه المصحف وبيسراه نظارة الميدان، واستشهدم معه قائد سرية الهاون. وقام الرجال بدفنهما معا في مقبرة الشهداء خلف موقع السرية السادسة. وساد موقع كبريت سكون مطبق وصمت رهيب كانا أبلغ من كل كلمات الرثاء.

وفي صباح اليوم التالي مباشرة، وهو 18 يناير وقع الجانبان المصري والاسرائيلي عند الكيلو متر 101 اتفاقية فض الاشتباك، وتولى قيادة موقع كبريت الرائد سعد دسوقي رئيس عمليات الكتيبة 603. وعلى أثر اتمام انسحاب القوات الاسرائيلية من جنوب البحيرات الى منطقة الجدي يوم 12 فبراير تنفيذا للمرحلة الثالثة من اتفاقية فض الاشتباك ، تم رف الحصار عن موقع كبريت. وفي يوم 13 فبراير سلم أبطال كبريت الموقع الى قوة من الفرقة 7 مشاة وانتقلوا الى معسكر الربيكي على طريق السويس القاهرة حيث مكثوا ثلاثة أيام. وفي يوم 17 فبراير سافروا بقطار خاص من الربيكي الى محطة مصر بالاسكندرية، حيث كان المسئولون قد أعدوا لهم استقبالا رسميا وشعبيا، وقام محافظ الاسكندرية بتسليم علم المدينة الى قائدهم تعبيرا عن تقدير الشعب المصري لبطولاتهم وكفاحكم.

لقد ضرب رجال حامية كبريت حقا أروع الأمثلة في البطولة والايمان والفداء وحق عليهم قوله سبحانه وتعالى: "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا" (الأحزاب : الأية 23) صدق الله العظيم.

ملحق 3

  • الرسالة الأولى من الفريق سعد الشاذلي إلى جمال حماد

بعث الينا الفريق الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة ابان حرب أكتوبر 73 برسالة مستفيضة تضمنت رده على السؤال الذي سبق أن وجهناه اليه تحت عنوان "سؤال الى الشاذلي: أين الألوية المدرعة التي يمكن سحبها الى الغرب؟". ولا شك أن الرسالة التي بعث بها الشاذلي – علاوة على أهميتها بالنسبة للقراء بحكم المنصب القيادي الكبير الذي كان يتولاه خلال حرب أكتوبر – لها أهميتها الخاصة بالنسبة لي، اذ ان سعد الشاذلي بالاضافة الى زمالتنا في السلاح كان أيضا زميلا لي في دراسة عسكرية راقية المستوى بالاضافة الى زمالتنا في السلاح كان أيضا زميلا لي في دراسة عسكرية راقية المستوى استمرت أكثر من عام عندما كنا معا في بعثة دراسية بكلية الحرب بالاتحاد السوفيتي، وقد زاملنا في هذه البعثة من قادة حرب أكتوبر البارزين الفريق سعد مأمون قائد الجيش الثاني والفريق أول كمال حسن علي مدير سلاح المدرعات.

وبهذا الرد من الفريق الشاذلي، تتاح الفرصة للقراء سواء في مصر أو في الخارج للاطلاع على وجهتين مختلفتين للنظر في موضوع من أهم الموضوعات التي أثيرت في المرحلة الأخيرة من حرب أكتوبر، عقب حدوث ثغرة الاختراق في الدفرسوار والعبور الاسرائيلي الى غرب القناة ليلة 15/16 أكتوبر 73، وهو موضوعة سحب الألوية المدرعة من شرق القناة الى الغرب لمواجهة التهديد الاسرائيلي، وهو الرأي الذي كان يتبناه الفريق الشاذلي والذي أثار خلافا حادا في المركز 10 مساء يوم 20 أكتوبر. وقد سبق لنا شرح تفاصيل هذا الخلاف في الفصل العاشر من الكتاب، والذي أوضحنا فيه أسباب الخلاف بين الشاذلي والرئيس الراحل أنور السادات وقد تركز رد الفريق الشاذلي – كما سيرى القراء – على قضيتين رئيسيتين:

أولا – متى كانت عودة الشاذلي من الجيش الثاني؟ ومتى عقد المؤتمر برئاسة الرئيس الراحل السادات في المركز 10.

ثانيا – موقف الألوية المدرعة شرقي القناة مساء يوم 20 أكتوبر، ولماذا كان الشاذلي يرى ضرورة سحبها بأكملها الى غرب القناة؟

ولقد حسم الأخ سعد الشاذلي في رده – كما سيرى القراء – القضية الأولى. فلقد اعترف بشجاعة أدبية يشكر عليها بأن التاريخ الصحيح لموعد عودته من الاسماعيلية ولموعد عقد مؤتمر القادة برئاسة السادات في المركز 10 هو التاريخ الذي سبقه أن سجلناه، أي مساء يوم 20 أكتوبر وليس يوم 19 أكتوبر كما ذكر السادات في كتابه "البحث عن الذات"، وكما دونه الشاذلي نفسه في مذكراته. وقد قدم لنا أربعة أسباب لتبرير ذلك الخطأ الذي وقع فيه كي يثبت أنه خطأ غير متعمد، ذاكرا الحكمة المأثورة التي تقول: "جل من لا يخطئ".

وبهذا الاعتراف، نكون قد حققنا مكسبا تاريخيا كبيرا، اذ استطعنا بعد مرور أكثر من 15 عاما على حرب أكتوبر، أن نصحح تاريخ أحد الأحداث المهمة التي وقعت خلال هذه الحرب، والذي سجل تسجيلا خطائا حتى في سجلات ومراجع رسمية.

أما القضية الثانية، فهي تتعلق بالرأي الذي أبداه الشاذلي مساء يوم 20 أكتوبر بضرورة سحب الألوية المدرعة من شرق القناة الى الغرب. وقد سجل لنا في رده الاسباب التي دفعته لتبني ذلك الرأي وانتقاده لوجهة النظر التي أبديناها في الفصل العاشر من هذا الكتاب، والتي تتعارض مع وجهة نظره. وفيما يلي رسالة الفريق الشاذلي كاملة دون أي نقص ، وسوف نقوم بمناقشتها بعد ذلك.

رسالة الفريق الشاذلي

قرأت باهتمام كبير ما كتبه الأخ جمال حماد عن حرب أكتوبر المجيدة ونشره تحت عنوان المعارك الحربية على الجبهة المصرية. وكان في نيتي أن أعقب على ما ورد في هذه المقالات بعد الانتهاء من نشر آخر حلقاتها. ولكن جمال حماد وجه الي سؤالا مباشرا كان عنوانه: "سؤال الى الشاذلي: أين الألوية المدرعة التي يمكن سحبها؟". وبالرغم من هذا التساؤل فقد كنت أفضل تأجيل التعقيب على كل ما كتبه جمال حماد الى أن ينتهي من نشر كل ما عنده. ولكن بعذ الأصدقاء والقراء طالبوني بالرد على هذا السؤال وهو ما زال ساخنا. واستجابة لرغباتهم، فاني أقدم للقراء اليوم اجابتي عن هذا التساؤل.

مؤتمر الرئيس بالمركز 10

ولكن قبل الاجابة عن هذا التساؤل، يجب علينا أولا أن نتفق حول التاريخ الذي على أساسه يتم تقدير الموقف العام على الجبهة المصرية وتقييم موقف الألوية المدرعة المصرية والاسرائيلية في هذا التاريخ. هل كان ذلك يوم 20 أكتوبر أم كان ذلك يوم 19 أكتوبر؟ وبالتالي متى كانت عودة الشاذلي من الجيش الثاني؟ ومتى عقد المؤتمر برئاسة السادات في المركز 10؟

الذي أستطيع أن أجزم به هو أن تاريخ عودتي من الجيش الثاني هو نفس تاريخ انعقاد المؤتمر في المركز 10. فقد كنت أنا الذي طالبت بانعقاد هذا المؤتمر بعد عودتي من الجبهة، فاذا كان هذا المؤتمر قد عقد مساؤ يوم 20 فإني أكون قد غادرت الجيش الثاني ظهر يوم 20، وان كان عقد مساء يوم 19، فاني اكون قد غادرت الجيش الثاني ظهر يوم 19 ، وإني أميل اليوم الى الاعتقاد بأن التاريخ هو يوم 20 أكتوبر، ولكن كيف وقع هذا الخطأ؟ وهل هو خطأ مقصود، أم أنه خطأ غير مقرون بسوء النية؟

ان من يلجأ الى تغيير التاريخ عن عمد لابد أن يكون له هدف معين يرجو تحقيقه من وراء هذا الخطأ المتعمد. فاما أن يكون ذلك بقصد تحقيق مكسب، وإما أن يكون لدرء مسئولية. وحيث ان تسجيل عودتي من الجيش الثاني على أنها يوم 19 وليست يوم 20 لا تحقق لي أي مكسب، ولا تدرأ عني أي خطأ ، فان التعمد ينتفي في هذه الحالة، ويصبح خطأ عاديا.

ويتساءل جمال حماد: كيف يخطئ الشاذلي في هذا التاريخ، وهو معروف بدقته وتسجيله للأحداث أولا بأول؟ واليه أقول: "جل من لا يخطئ". ومع ذلك فهناك أربعة أسباب لوقوع هذا الخطأ: الأول هو أنني لم أكن آخذ معي النوتة التي أسجل فيها مذكراتي عندما أغادر المركز 10، وبالتالي فلم تكن معي هذه النوتة عندما كنت في الجيش الثاني. السبب الثاني هو أنني لم أكن اسجل في هذه النوتة الأحداث فور حدوثها، بل كنت أسجلها في فترات الهدوء. وحيث ان فترة وجودي في الجيش الثاني وما بعدها وحتى وقف اطلاق النار كانت من الفترات العصيبة، فإني لم أسجل أحداث هذه الفترة الا في يوم 25 أكتوبر. السبب الثالث هو أن الفرق بين فترة البقاء في مكان ما 24 ساعة وفترة البقاء فيه 44 ساعة، هو أنه في الحالة الأولى ينام الفرد ليلة واحدة، وفي الحالة الثانية فانه ينام ليلتين. أما اذا كانت الفترة ممتدة لا فرق فيها بين ليل أو نهار ولا ينام الفرد خلالها الا وهو جالس لمدة ساعة أو ساعتين، اذن فهذا هو التعب والارهاق، فانه في هذه الحالة يفقد الشعور بالوقت. أما السبب الرابع فهو أن التاريخ الرسمي المعلن للمؤتمر الذي عقد في المركز 10 هو يوم 19 أكتوبر 73. لقد ذكر السادات هذا التاريخ منذ 13 سنة ولم يجادله أحد ممن حضروا هذا المؤتمر في صحة هذاالتاريخ. وقد أعلن السادات بعد ذلك أنه عزلني من منصبي يوم 19 أكتوبر بعد عودتي منهارا من الجبهة. وفي المتحف الذي أقامته القوات المسلحة عن حرب أكتوبر ذكرت سجلات واعلانات المتحف أن الفريق الشاذلي قد تمت تنحيته من منصبه يوم 19 أكتوبر. وهذا يعني أن القيادة العامة للقوات المسلحة تعترف بأن المؤتمر الذي عقد في المركز 10 برئاسة السادات قد عقد يوم 19 أكتوبر، وبالتالي لابد أن تكون العادة من الجيش الثاني قد تمت يوم 19. لقد تضافرت كل هذه الأسباب لكي أقع في هذا الخطأ بحسن نية. فهل كان هذا هو أيضا موقف من سكتوا عن هذا الخطأ طوال السنوات الماضية؟

كان لابد لي من حسم هذا الموضوع قبل أن أبحث الموقف على الجبهة المصرية لمعرفة ما اذا كان الممكن سحب أربعة ألوية مدرعة من شرق القناة لمواجهة التهديد الاسرائيلي المدرع ضد قواتنا التي تتمركز غرب القناة. وسوف أجري هذا البحث على أساس الموقف مساء يوم 20 أكتوبر 73.

الألوية المدرعة شرق القناة

كان أول شئ أعمله بعد عودتي من قيادة الجيش الثاني يوم 20 أكتوبر، هو الالمام بالأحداث المهمة التي وقعت خلال فترة غيابي عن المركز 10، وقد قام اللواء عبد الغني الجمسي رئيس هيئة العمليات بشرح الموقف في قطاع الجيش الثالث، وكذلك موقف القوات الجوية والبحرية والدفاع الجوي. وما يهمنا في هذا المجال هو موقف قواتنا المدرعة. لقد أخطرني الجمسي بأنه تم سحب اللواء الثالث المدرع من الشرق في قطاع الجيش الثالث لكي ينضم الى فرقته الأم وهي الفرقة الرابعة المدرعة، وبذلك تكون الفرقة الرابعة المدرعة قد اكتملت جميع عناصرها وأصبحت تتمركز غرب القناة جنوب ترعة الاسماعيلية. وحيث اني كنت على علم بأن اللواء 15 مدرع مستقل كان قد تم سحبه من الشرق في قطاع الجيش الثاني.. فان ذلك يعني أنه بحلول مساء يوم 20 أكتوبر كان لدينا ثلاثة ألوية مدرعة غرب القناة.. اثنان منهما في الفرقة الرابعة المدرعة التي كانت تتمركز جنوب ترعة الاسماعيلية. أما الثالث وهو اللواء 15 مدرعة مستقل فكان يتمركز شمال ترعة الاسماعيلية.

وكان مازال لدينا شرق القناة خمسة ألوية أخرى. ثلاثة منها في قطاع الجيش الثاني هي: اللواءان المدرعان 1 و14 التابعان للفرقة 21 مدرعة واللواء 24 مدرع التابع للفرقة 23 مشاة ميكانيكي. وفي قطاع الجيش الثالث، كان يتمركز لواءان مدرعان هما: اللواء 25 مدرع مستقل واللواء 22 مدرع التابع للفرقة السادسة مشاة ميكانيكي. وحيث ان اللواء 25 مدرع مستقل كان قد تم تدميره تدميرا شبه كامل يوم 17 أكتوبر نتيجة المهمة المجنونة التي كلف بها، والتي وقع بسببها أول تصادم علني عنيف بين السادات الذي كان يؤيد هذه المهمة والشاذلي الذي كان يعارضها، فانه يجب علينا أن نسقط اللواء 25 مدرعة من حسابنا. ونتيجة لذلك، فان الألوية المدرعة التي كانت باقية لنا شرق القناة من الناحية الواقعية مساء يوم 20 أكتوبر هي الألوية رقم 1، 14 ، 24 ، 22 ، وهذه هي الألوية الأربعة التي كنت أريد سحبها يا أخ جمال. وأود أن أوضح بأني عندما ذكرت في كتابي عن حرب أكتوبر بأنني طالبت بسحب أربعة الوية مدرعة، فإني كنت أعني أن أسحب من الشرق جميع التشكيلات والوحدات المدرعة التي لا تدخل ضمن تنظيم الفرق المشاة.

ان القول بأن قوة اللواء الأول واللواء 14 مدرع قد انخفض عدد الدبابات فيهما الى 30 دبابة هو مبالغة في تصوير موقف هذين اللواءين. وعموما، فان تقارير الموقف بالنسبة للوحدات المدرعة تتغير كل يوم وأحيانا تتغير كل ساعة.

ويتوقف ذلك على نشاط العمليات الحربية ونشاط عمليات الاصلاح. فقد يصل تقرير الموقف عن لواء مدرع بعد معركة من المعارك بان عدد دباباته قد انخفض الى أن أصبح 20 دبابة. ولكن بعد بضع ساعات أو بعد 24 ساعة يأتي تقرير موقف آخر يذكر أن الدبابات الصالحة للعمليات قد ارتفع عددها الى 45 أو 50 دبابة، وذلك نتيجة اجراء الاصلاحات في الدبابات التي أصيبت بأعطال بسيطة. أضف إلى ذلك أن الدبابات وان كانت هي السلاح الرئيسي في الوحدات المدرعة، إلا أن اللواء المدرع يدخل ضمن تنظيمه وحدات مقاتلة أخرى كثيرة. فلعلك تعلم يا جمال أن ضمن تنظيم اللواء المدرع سرية استطلاع، وسرية مهندسين، وكتيبة مشاة ميكانيكية، وكتيبة مدفعية ميدان، وكتيبة مدفعية مضادة للطائرات. ومع هذه الوحدات 12 عربة حاملة للصواريخ الموجهة المضادة للدبابات، و12 مدفع ميدان، و24 مدفعا مضادا للطائرات، وأكثر من 60 قاذفا مضادا للدبابات قصير المدى. وتستخدم هذه الوحدات حوالي 250 عربة أكثر من نصفها عربات مدرعة. ولا شك في أن هذه الوحدات قد تحملت هي الأخرى بعض الخسائر، ولكن من المؤكد أن خسائرها كانت أقل من خسائر الدبابات. وبالتالي فمن الخطأ اسقاطها من حسابنا. وبالاضافة إلى ذلك، فإن الألوية المدرعة الاسرائيلية كانت هي الأخرى قد تحملت خسائر جسيمة. وقد اعترف جمال حماد نفسه بأن عدد الدبابات في اللواءين المدرعين اللذين تتكون منهما فرقة ماجن انخفض الى 50 دبابة قبل أن يندفع بهما الى الجنوب يوم 23 أكتوبر ويحتل ميناء الأدبية ويكمل حصار الجيش الثالث ومدينة السويس.

وفيما يتعلق باللواء 24 مدرع، يقدم جمال حماد سببين لتبرير عدم امكانية سحبه من قطاع الفرقة 16 مشاة: السبب الأول هو ضعف امكانية رأس كوبري الفرقة 16 مشاة اذا ما سحب اللواء 24 مدرع. والسبب الثاني هو عدم وجود كباري منصوبة جنوب بحيرة التمساح. أما بخصوص السبب الأول، فهذه نقطة خلافية يكون الحسم فيها على أساس اجراء مقارنة بين الأسلحة التي كانت في حوزة الفرقة 16 مشاة مساء يوم 20 أكتوبر، والأسلحة التي كانت العدو يملكها في مواجهتها في نفس الوقت. ولكن جمال حماد اكتفى بذكر ضعف القوات في رأس الكوبري دون أن يذكر أيضا ضعف القوات المعادية في الشرق بعد أن نقل العدو معظم قواته المدرعة الى غرب القناة. لقد نسى جمال حماد قوله تعالى في سورة النساء الآية "104": (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما). وببساطة شديدة وبايجاز شديد، فإني أتساءل: "اذا كان لواء المظلات المصري رقم 182 بقيادة العقيد اسماعيل عزمي قد استطاع أن يتصدى لفرقة شارون التي كانت تتكون من لواءين مدرعين ولواء مظلي اسرائيلي.. وأن يقاتل هذا العدو غرب القناة لمدة أربعة أيام قبل وقف اطلاق النار .. فكيف لا تستطيع ذلك الفرقة 16 مشاة، التي رغم ما تحملته من خسائر فقد كان لديها ثلاثة أضعاف ما يملكه لواء المظلات من سلاح، وكان العدو الذي في مواجهتها أو الذي ينتظر أن يهاجمها يقل كثيرا في حجمه وتسليحه عن قوة شارون التي كانت تهاجم لواء المظلات رقم 182 في غرب القناة؟ وإني أتعشم أن تقوم لجنة تقصي الحقائق التي نطالب بتشكيلها بحسم هذه النقطة الخلافية.

أما ما يدعيه جمال حماد من أن عدم وجود كبار منصوبة جنوب بحيرة التمساح كسبب آخر لعدم امكانية سحب اللواء 24 مدرع، فالرد عليه هو أن سحب الألوية المدرعة الثلاثة من الشرق في قطاع الجيش الثاني كان من المقرر سحبها عبر الكباري التي كانت قائمة شمال بحيرة التمساح في قطاع الفرقة الثانية المشاة والفرقة 18 حتى تكون بعيدة عن تدخل العدو. فحتى لو افترضنا أن كباري الفرقة 16 كانت ما زالت منصوبة جنوب بحيرة التمساح، فليس من المعقول تكتيكيا أن نقوم بسحب ألويتنا المدرعة عبر هذه الكباري التي كان العدو يعمل بالقرب منها.

ولكل ذلك، فاننا نعتقد أن جمال حماد لم يكن منصفا عندما بالغ في ضعف وامكانات اللواءين المدرعين رقمي 1 و14 وفي ضعف المشاة الفرقة 16 مشاة. وكان يجب عليه – مراعاة لأمانة البحث العلمي – أن يقارن بين حجم ونوعية السلاح الذي كان في أيدي تلك التشكيلات، وبين حجم ونوعية السلاح الذي كان في أيدي العدو الذي يواجهها، في الوقت والمكان الذي كان من المنتظر أن تجرى فيه المعركة. كما أن تبريره بعدم امكنية سحب اللواء 24 مدرع على أساس عدم وجود كبار جنوب بحيرة التمساح، هو تبرير غير مقنع.

موقف اللواء 22 المدرع

أما بخصوص اللواء 22 الذي كان متمركزا في قطاع الجيش الثالث، فقد كان أقل الألوية المدرعة تحملا للخسائر، وبذلك لم يجادل جمال حماد في قدراته القتالية، ولكنه جاء بسبب غير مقبول لتبرير عدم امكانية سحبه من الشرق. لقد قال انه كان يعمل كاحتياطي في يد قائد الجيش الثالث. ونحن نقول له: احتياطي ضد من؟ ما قوة العدو التي كانت في مواجهة الجيش الثالث في شرق القناة؟ بل ما كل قوات العدو التي كانت في مواجهة الفرق المشاة المصرية الخمس مساء يوم 20 أكتوبر؟ وهل كانت هذه القوات المعادية تشكل أي خطورة على مواقع قواتنا في الشرق؟ وما قوات العدو المدرعة غرب القناة؟ وهل كان في استطاعة قواتنا التي في غرب القناة ان تصمد أمام هجمات العدو المدرعة غرب القناة اذا لم نسحب هذه الألوية المدرعة الأربعة من الغرب؟ ان الاجابة عن هذه الأسئلة هي التي تحدد صحة القرار القاضي بسحب هذه الألوية المدرعة من الشرق إلى الغرب أو عدم صحته. فلماذا يا أخ جمال لم تجر مقارنة بين قواتنا وقوات العدو شرق وغرب القناة؟ لكي نقنع القارئ بعد صلاحية القرار الذي يقضي بعدم سحب هذه الألوية المدرعة الاربعة؟



مقارنة القوات

ان كل فرقة مشاةمن الفرق المشاة المصرية الخمس التي عبرت القناة يوم 6 أكتوبر – بدون احتساب الألوية المدرعة والوحدات الأخرى التي دعمت بها – سواء في أثناء العبور أو بعده، كان يدخل ضمن تنظيمها الأسلحة الرئيسية التالية:

124 دبابة.

40 مركبة مدرعة قانصة للدبابات طراز ب م ب BMB.

36 قاذفا صاروخيا موجها مضادا للدبابات طراز مالوتكا.

36 مدفعا 85 مم مضادا للدبابات.

54 مدفعا ب11 مضادا للدبابات.

36 مدفعا ب10 مضادا للدبابات.

356 قاذفا صاروخيا مضادا للدبابات ر ب ج 7.

72 مدفع ميدان.

36 هاون 120 مم

58 هاون 82 مم.

ومهما تحملت الفرقة المشاة من خسائر، فان نصف هذا الحجم من السلاح يكفيها لصد أي هجوم مدرع يقوم به العدو بقوة لواءين مدرعين كاملي التسليح. فما حجم الألوية المدرعة الاسرائيلية التي كانت أمام كل فرقة؟ بل ما حجم الألوية المدرعة الاسرائيلية التي كانت أمام الجيش الثاني والثالث شرق القناة؟ لقد كان أقصى ما يمكن للعدو حشده أمام الجبهة المصرية هو 9 ألوية مدرعة. وكانت المعلومات المتيسرة لدينا مساء يوم 20 أكتوبر هي أن للعدو خمسة ألوية مدرعة غرب القناة، وان ما بقى لكي يحشده في اتجاه الجبهة المصرية بعد تخفيف قواته في الجبهة السورية هو اربعة ألوية مدرعة فقط. وتحت هذه الظروف كان أمام العدو خياران: الخيار الأول هو أن يعبر ليلة 20/21 أو ليلة 21/22 بلواءين مدرعين اضافيين، فيصبح له في الغرب 7 ألوية مدرعة ويحتفظ بلواءين مدرعين فقط في الشرق. أما الخيار الثاني، فهو ابقاء الوضع كما هو عليه بالنسبة لتوزيع قواته المدرعة، أي 5 ألوية مدرعة في الغرب و4 ألوية مدرعة في الشرق.

وسواء اتخذ العدو الخيار الأول أو اتخذ الخيار الثاني، فليس هناك أي خطورة على مواقعنا الدفاعية شرق القناة. أما بالنسبة للغرب، فما لم نسارع بسحب ألويتنا المدرعة من الشرق فان العدو سيكون له التفوق سواء اتخذ الخيار الأول او اتخذ الخيار الثاني، وان كان الخيار الأول يحقق له التفوق الساحق في الغرب.

كان علينا ان نحتفظ باللواء 15 مدرع في احتياطي الجيش الثاني شمال ترعة الاسماعيلية لافشال أي محاولة لتطويق الجيش الثاني. وهكذا لم يكن لدينا مساء يوم 20 أكوبر سوى الفرقة الرابعة المدرعة كاحتياطي استراتيجي لصد أي هجوم مدرع في اتجاه القاهرة ولمنع تطويق الجيش الثالث. وكان عليها أن تفعل ذلك في مواجهة 5 ألوية مدرعة اذا اتبع العدو الخيار الثاني، وفي مواجهة 7 ألوية مدرعة اسرائيلية اذا اتبع العدو الخيار الأول . .. وهكذا، ففي ظل أوضاعنا ليلة 20/21 أكتوبر – اذا لم نعمل بسرعة على تعديل هذه الأوضاع – أصبحت المعارك المنتظر وقوعها غرب القناة في الأيام التالية محسومة لمصلحة العدو.

ولكي ينتهي من هذا الموضوع، فإني أقرر أن الحل الأمثل للتعامل مع الثغرة هو اقتراحي الذي تقدمت به يوم 16 أكتوبر والذي كان السبب في وقوع أول تصادم عنيف مع السادات. لقد كان اقتراحي في هذا اليوم هو تجميع الفرقة الرابعة المدرعة واللواء 25 مدرع المستقل وتوجيه ضربة ساحقة ضد العدو في منطقة الدفرسوار فجر يوم 17 أكتوبر.

أما اقتراحي بسحب الألوية الأربعة يوم 20 أكتوبر، فقد كان هو الخيار الوحيد الصحيح أمامنا. وعلى كل من ينتقد هذا الخيار ان يقدم البديل الأفضل لمناقشته. اني لا أدعي أن هذه الألوية المدرعة الأربعة كانت كافية لتدمير الثغرة، لاسيما بعد أن عبر العدو ليلة 20/21 بلواءين مدرعين آخرين الى الغرب وأصبح له ثلاث فرق مدرعة تضم 7 ألوية مدرعة.

ولكن لا شك في أنه بسحب هذه الألوية الأربعة ومعها قيادة الفرقة 21 مدرعة وباقي وحداتها (التي لابد أن ترافق لواءيها المدرعين رقم 1 و14 عند سحبها من الشرق)، فإنه سيصبح لدينا غرب القناة جنوب ترعة الاسماعيلية فرقتنا مدرعتان (الفرقة 21 مدرعة، والفرقة الرابعة المدرعة)، وفرقة مشاة ميكانيكي هي الفرقة السادسة، واللواء 24 مدرع التابع للفرقة 23 مشاة ميكانيكي. وتضم هذه التشكيلات جميعها 6 ألوية مدعرة كان عليها أن تواجه ثلاث فرق مدرعة تضم 7 ألوية مدرعة اذا اتبع العدو الخيار الأول، أو 5 ألوية مدرعة اذا اتبع العدو الخيار الثاني. واني أعترف بأن هذا الحجم من القوات – ونتيجة لما تحملته من خسائر – لم يكن كافيا للقضاء على الثغرة. ولكن من المؤكد أن هذه القوات كان في مقدورها أن تمنع انتشار العدو غرب القناة، وأن تحرمه من أي أمل في امكانية تطويق وحصار أي من الجيشين الثاني أو الثالث. ولم تم الأخذ بهذا الاقتراح ، لما جرؤ العدو على خرق وقف اطلاق النار يوم 23 أكتوبر، ولما استطاع بأي حال من الأحوال أن يطوق مدينة السويس والجيش الثالث ويصل الى ميناء الأدبية!!!

كلمة أخيرة. هذا هو رأيي. والقول الفصل يكون للجنة تقصي الحقائق. فهل تقبل الأطراف التي تنتقد هذا الرأي ما تحكم به لجنة تقصي الحقائق؟

ملحق 4

  • رد جمال حماد على الرسالة الأولى للفريق سعد الشاذلي

عرضنا في الملحق 3 الرسالة التي بعث بها الينا الفريق سعد الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة خلال حرب أكتوبر 1973، والتي تضمنت رده على السؤال الذي سبق أن وجهناه اليه في الفصل العاشر تحت عنوان "سؤال إلى الشاذلي.. أين الألوية المدرعة التي كان يمكن سحبها إلى الغرب"؟، ولا شك في أنه من المفيد للقراء أن يدور بيني وبين الفريق الشاذلي حوار حلمي ونقاش موضوعي، بعيدا عن الاسفاف والمهاترات حول واحدة من اهم القضايا التي برزت خلال المرحلة الأخيرة من حرب أكتوبر، والتي أثارت جدلا شديدا بين العسكريين سواء في مصر أو في الخارج حول اقتراح الشاذلي بسحب جميع الألوية المدرعة من شرق القناة إلى الغرب لمواجهة التهديد الاسرائيلي غرب القناة، وهو الاقتراح الذي رفضته كل من القيادتين السياسية والعسكرية وقتئذ. وستكون حصيلة هذا الحوار بلا شك ، اضافة جديدة الى الدراسة التاريخية الشاملة التي نجريها عن حرب أكتوبر 1973، والتي نأمل أن يخرج منها القراء – سواء كانوا عسكريين أو مدنينن – بالنتائج المثمرة – والدروس المستفادة المطلوبة.

سر صمت الشاذلي في مؤتمر القادة يوم 20 أكتوبر

كما لاحظ القراء في الرد الذي طالعوه، لقد دافع الشاذلي بكل ما في جعبته من حجج وأسانيد عن الرأي الذي ينادي بصواب فكرة سحب الألوية المدرعة من الشرق، اذ ان ذلك هو رأيه الشخصي، الذي سبق أن أبداه للفريق أول أحمد اسماعيل القائد العام في المركز 10 مساء يوم 20 أكتوبر عقب عودته من الاسماعيلية، والذي قابله أحمد اسماعيل وقتئذ بالرفض.

ولا يمكن أن يلوم أحد الشاذلي على دفاعه عن وجهة نظره بهذه القوة والحرارة، فمن حق كل انسان أن يدافع عما يعتقد أنه الحق والصواب، وأن يستعين في ذلك بكل ما في حوزته من أدلة وبراهين لاقناع الآخرين، ولكننا نلوم الشاذلي – ما دامت قضية سحب القوات الى الغرب قد طرحت على نطاق البحث – بل ونعيب عليه أنه وهو الرجل الثاني في القيادة العامة المركز 10 ورئيس أركان حرب القوات المسلحة قد تقاعس عن ابداء رأيه والدفاع عن وجهة نظره التي كان يؤمن بأنها الحق أمام الرئيس الراحل السادات خلال الاجتماع التاريخي الذي عقد بالمركز 10 مساء يوم 20 أكتوبر. وسوف نروي موقف الشاذلي في هذا الاجتماع وفقا لما سجله الشاذلي نفسه في مذكراته، حتى لا يتطرق لأحد الشك في صدق ما نرويه تاركين بعد ذلك الحكم للقراء.

وتتلخص رواية الشاذلي التي وردت في الصفحة 267 من مذكراته في أنه بعد أن فشل في اقناع احمد اسماعيل بوجهة نظره، وخوفا من وقوع كارثة في حالة عدم سحب جزء من قواتنا من الشرق الى الغرب، قرر ضرورة استدعاء السادات الى المركز 10 لشرح الموقف أمامه، وحتى يوضع أمام مسئوليته التاريخية. وعلى ذلك ذهب الى أحمد اسماعيل في غرفته وقال له: "الموقف خطير، ويجب أن يحضر الرئس للاستماع الى وجهة نظر القادة". وعندما حاول أحمد اسماعيل أن يثنيه عن رأيه بحجة أن الوقت متأخر، وأنه لا داعي لازعاج الرئيس، أصر الشاذلي على ضرورة حضور الرئيس الى المركز 10 فورا.

وفي حوالي الساعة العاشرة والنصف مساء يوم 20 أكتوبر، وصل الى المركز 10 الرئيس الراحل السادات وبرفقته المهندس عبد الفتاح عبد الله وزير شئون رئاسة الجمهورية، وتوجه فورا الى غرفة أحمد اسماعيل، حيث بقي معه ما يقرب من ساعة، في الوقت الذي كان فيه الشاذلي مجتمعا مع خمسة من كبار القادة الذين اتفق مع أحمد اسماعيل على حضور الاجتماع، وذلك في غرفة المؤتمرات الملاصقة لغرفة العمليات، وأخذوا يتبادلون وجهات النظر حول الموقف انتظار لحضوار الرئيس. وكان هؤلاء القادة هم اللواءات: محمد علي فهمي قائد الدفاع الجوي، وحسني مبارك قائد القوات الجوية، وعبد الغني الجمسي رئيس هيئة العمليات، وسعيد الماحي مدير سلاح المدفعية، وفؤاد نصار مدير المخابرات الحربية.

وفي الناية، دخل عليهم الرئيس وبرفقته أحمد اسماعيل والمهندس عبد الفتاح عبد الله ، وطلب الرئيس الكلمة من المجتمعين واحدا بعد الآخر، وقام كل منهم بشرح موقف القوات بأمانة تامة. وبعد ان استمع اليهم جميعا لم يطلب الكلمة من الشاذلي، وعلق قائلا: "لن نقوم بسحب أي جندي من الشرق".

ومن هذا السياق الذي سجله الشاذلي في مذكراته يتبين لنا أن هناك حلقة مفقودة أغفل الشاذلي توضيحها عن عمد، رغم ما لها من أهمية قصوى بالنسبة للقضية التي يرويها، وهي: ماذا كانت وجهات نظر القادة الخمسة التي عرضوها على السادات بشأن اقتراح الشاذلي بسحب جميع الألوية المدرعة من شرق القناة الى الغرب؟ على اعتبار أن هذا الموضوع كان هو الغرض الاساسي من استدعاء السادات الى المركز 10 في هذا الوقت المتأخر من الليل.

ان الاستنتاج السليم الذي يمكن أن نتوصل اليه من مجرى الأحداث هو أن آراء القادة الخمسة كانت ضد اقتراح الشاذلي، وكانت في جانب الرأي الذي أبداه القائد العام أحمد اسماعيل من قبل للرئيس. وهو وجوب عدم سحب أي قوات من شرق القناة الى الغرب في هذه المرحلة. ومن الواضع ان هذا كان السبب في عدم طلب الرئيس الكلمة من الشاذلي مثل باقي القادة، لانه كان يعلم جيدا حقيقة رأيه، وقد تمت له معرفة ذلك خلال اجتماعه مع أحمد اسماعيل في غرفته بالمركز 10 قبل لقائه مع القادة، وهو الاجتماع الذي استغرق ما يقرب من ساعة ، كما روى الشاذلي.

ومما يؤيد هذا الاستنتاج ان السادات باعتباره ممثلا للقيادة السياسية، لم يكن في مقدرته تجاهل رأي قادة الحرب جميعا فيما لو أيدوا الشاذلي في ضرورة سحب بعض القوات من الشرق الى الغرب ، ولم يكن باستطاعته ان يتحمل وحده مسئولية القرار العسكري الذي أصدره بعدم سحب اي جندي من الشرق.

وحتى نوضح للقراء الصورة الحقيقية لموقف الشاذلي بعد أن أدلى السادات بقراره، فاننا سننقل للقراء نص ما سجله في الصفحة 267 من مذكراته حول هذا الموضوع، فقد قال: "لم أتكلم ولم أعلق. غمزني المهندس عبد الفتاح عبد الله وهمس في أذني – قل شيئا – ولكني تجاهلت نصيحته. ماذا أتكلم وقد اتخذ الرئيس القرار ولا يريد أن يسمعني؟ انني أريد أن أسحب 4 الوية مدرعة من الشرق، وهو يعارض سحب جندي واحد. انه لم يتخذ هذا القرار عن جهل بل عن معرفة تامة بالموقف، انه لا يستطيع أن يدعي بعد ذلك بأنه كان يعتقد أن العدو لديه 7 دبابات في الغرب. انه يعرف الحقائق كلها عن الموقف وهذا هو قراره".

ولا يمكن تعليل سكوت الشاذلي وامتناعه عن التعليق في هذا الموقف الا بأحد احتمالين لا ثالث لهما: اما – وهو الاحتمال الأول – أن آراء القادة الخمسة التي عرضوها خلال الاجتماع والأدلة التي قدموها قد أفحمته فعدل عن رأيه واقتنع بوجهة نظرهم، ومن ثم لا يصبح القرار الذي أصدره السادات في نهاية الاجتماع هو قراره وحده، بل هو قرار القيادة العسكرية ممثلة في قادة الحرب الذين حضروا الاجتماع ومن ضمنهم الشاذلي نفسه. وفي هذه الحالة فإننا نعيب عليه أن يأتي بعد سبع سنوات على انتهاء الحرب ليهاجم في مذكراته التي صدرت في عام 1980 القرار الذي صدر مساء يوم 20 أكتوبر 1973 في المركز 10 ويحمل السادات وحده مسئولية اصداره، دون أن يذكر ان هذا القرار كان هو رأي القادة العسكريين جميعا الذين حضروا الاجتماع، ودون أن يضع في اعتباره أن يكوته عن التعليق وقتئذ – مهما كان الدافع اليه – كان يعني موافقته على هذا القرار.

وإما – وهو الاحتمال الثاني – أنه آثر الصمت ايثارا للسلامة رغم عدم عدم اقتناعه بآراء زملائه من قادة الحرب، ورغم تأكده بأن اقتراحه كان هو الخيار الوحيد الصحيح أمام القيادة المصرية – كما ذكر في الرد الذي أرسله الينا – وفي هذه الحالة ، فاننا نعيب عليه هذا الموقف السلبي الذي وقفه والذي يتنافى مع الشجاعة الأدبية المنتظرة من قائد يشغل مثل هذا المنصب القيادي الكبير، على رأس القوات المسلحة. لقد كان واجبك يا أخ سعد – اذا كنت متمسك برأيك – أن تقف أمام الرئيس وأمام زملائك الحاضرين لتجاهر بالرأي الذي كنت تؤمن به وقتئذ أنه الحق والصواب مهما كانت العواقب، لترضي ضميرك وتبرئ ذمتك أمام وطنك، وأمام حكم التاريخ. انك أنت شخصيا الذي رتبت لهذا الاجتماع، وأنت الذي أصررت على دعوة الرئيس لحضوره رغم تأخر الوقت ايمانا منك بخطورة الموقف، وخوفا من وقوع كارثة لا يعلم مداها إلا الله – وهذا هو نص كلماتك – فكيف تمتنع بعد ذلك عن شرح الموقف الخطير غرب القناة، واقتراحك لانقاذه بحكمة أن الرئيس لا يريد أن يسمعك؟ ان القضية يا أخ سع لم تكن تخص السادات أو أحمد اسماعيل أو سعد الشاذلي أو القادة الآخرين الذي حضروا معكم الاجتماع، وانما كانت قضية مصر وشرفها وسمعة الجيش المصري وكرامته وقضية مستقبل الوطن، ومصير الأجيال القادمة، بل ان الأمر كان أكبر من ذلك وأخطر فقد كانت قضية الأمة العربية بأجمعها.

موقف اللواء 15 المدرع المستقل

ذكر سعد الشاذلي في رده ما يلي: "وحيث إني كنت على علم بأن اللواء 15 مدرع مستقل كان قد تم سحبه من الشرق في قطاع الجيش، فان ذلك يعني أنه بحلول مساء يوم 20 أكتوبر كان لدينا ثلاثة ألوية مدرعة غرب القناة، اثنان منهما في الفرقة الرابعة المدرعة التي كانت تتمركز جنوب ترعة الاسماعيلية، أما الثالث وهو اللواء 15 مدرع مستقل فكان يتمركز شمال ترعة الاسماعيلية". والمؤكد ان الشاذلي تولى قيادة الجيش الثاني في الفترة ما بين 18 و20 أكتور، ومن المفترض أن يكون على دراية تامة بأوضاع تشكيلات هذا الجيش ووحداته، حتى انه عند عودته من قيادة الجيش الثاني يوم 20 أكتوبر، وعندما أراد الالمام بالأحداث المهمة التي وقعت على الجبهة خلال فترة غيابه عن المركز 10 قام اللواء عبد الغني الجمسي رئيس هيئة العمليات بشرح الموقف له في قطاع الجيش الثالث، وكذلك موقف القوات الجوية والبحرية والدفاع الجوي، ولم يتطرق في شرحه اطلاقا الى أي مواقف أو أحداث تتعلق بالجيش الثاني، اذ ان آخر معلومات لدى هيئة العمليات عن موقف هذا الجيش وأوضاعه كانت قد استقتها من الفريق الشاذلي شخصيا عندما كان موجودا خلال اليومين الآخيرين في مركز قيادة الجيش الثاني بالاسماعيلية.

ولذا فان الأمر الذي يدعو الى العجب أن يسجل الشاذلي في رده أن اللواء 15 المدرع تم سحبه من الشرق، وأنه في مساء يوم 20 أكتوبر كان يتمركز شمال ترعة الاسماعيلية. لقد سبق أن ذكرت في شرحي أن القرار الذي أصدره اللواء أ. ح عبد المنعم خليل قائد الجيش الثاني يوم 17 أكتوبر بسحب اللواء 15 المدرع من رأس كوبري الفرقة 18 مشاة بالقنطرة شرق الى غرب القناة، والتمركز شمال مطار أبي صوير للعمل كاحتياطي في يد قائد الجيش الثاني شمال ترعة الاسماعيلية لم يتم تنفيذه – رغم أنه كان قرارا تكتيكيا صحيحا – فلقد اتصل الفريق أول أحمد اسماعيل القائد العام هاتفيا باللواء عبد المنعم وابلغه بالغائه لهذا القرار، وأصدر له تعليماته القاطعة بعدم سحب أي قوات من الشرق الى الغرب وفقا لأوامر الرئيس.

وقد أردت في هذا الشرح أن أصحح للشاذلي هذه المعلومة الخاطئة التي نشرها في مذكراته بطريقة لا تمس شعوره، فقلت أنه يبدو أن الفريق الشاذلي لم يكن يعلم بالغاء قرار سحب اللواء 15 المدرع وكان يعتقد أنه موجود غرب القناة. فقد ورد في الصفحة 265 من مذكراته أثناء عرضه لموقف الجيش الثاني مساء يوم 19 أكتوبر ما يلي: "في الغرب وشمال ترعة الاسماعيلية كان يوجد لواء مدرع"، وكنت على ثقة من أن الأخ سعد وهو الرجل الذكي اللماح سوف تكفيه هذه الاشارة الواضحة لكي يصحح ما ورد في مذكراته بشأن هذا اللواء المدرع. ولكني فوجئت بأنه ما يزال مصرا على ترديد نفس الخطأ الذي وقع فيه من قبل، فقد سجل في رده كما قرأنا، أن اللواء 15 المدرع تم سحبه من الشرق، وأصبح يتمركز في شمال ترعة الاسماعيلية. ولا يسعني سوى أن أؤكد له للمرة الثانية أن اللواء 15 المدرع الذي كان يتولى قيادته العقيد أ. ح تحسين شنن كان متمركزا منذ عبر قناة السويس في 7 أكتوبر وحتى وقف اطلاق النار في رأس كوبري الفرقة 18 مشاة، في قطاع القنطرة شرق (أي شرق القناة) ، ولم يسحب مطلقا الى الغرب. واذا كان لديه أدنى شك في كلامي، فإنني أنصحه بالاتصال بالأخ للواء أ. ح تحسين شنن محافظ السويس حاليا لكي يتأكد بنفسه من صدق ودقة المعلومات التي ذكرتها له، وليبادر بتصحيح ما ورد في مذكراته من أخطاء تتعلق بوضع هذا اللواء.

موقف اللواءين 1 و14 المدرعين

كانت الأولوية المدرعة في قطاع الجيش الثاني شرق القناة – كما سبق أن أوضحنا – عبارة عن أربعة ألوية مدرعة، هي اللواء 15 المدرع المستقل ، واللواءان 1 و14 المدرعان ( من تشكيل الفرقة 21 المدرعة)، واللواء 24 المدرع (من تشكيل الفرقة 23 مشاة ميكانيكية). وبعد انتهائنا من مناقشة ما جاء في رد الشاذلي عن اللواء 15 المدرع المستقل، فسوف نقوم بمناقشة ما ورد في رده بشأن موقف اللواءين 1 و14 المدرعين، كي ننتقل بعد ذلك الى مناقشة موقف اللواء 24 مدرع.

وقد ذكر الشاذلي في رده عن موقف اللواءين 1 و14 المدرعين ما يلي:

"ان القول بأن اللواء الأول واللواء 14 المدرع قد انخفض عدد الدبابات فيهما الى 30 دبابة هو مبالغة في تصوير موقف هذين اللواءين. وعموما فان تقارير الموقف بالنسبة للوحدات المدرعة تتغير كل يوم وأحيانا تتغير كل ساعة. ويتوقف ذلك على نشاط العمليات الحربية وناشط عمليات الاصلاح، فقد يصل تقرير الموقف عن لواء مدرع بعد العمليات الحربية ونشاط عملية الاصلاح، فقد يصل تقرير الموقف عن لواء مدرع بعد معركة من المعارك بأن عدد دبابة قد انخفض الى أن أصبح 20 دبابة، ولكن بعد بضع ساعات أو بعد 24 ساعة يأتي تقرير موقف آخر يذكر أن الدبابات الصالحة للعمليات قد ارتفع عددها الى 40 أو 50 دبابة، وذلك نتيجة اجراء الاصلاحات في الدبابات التي أصيبت بأعطال بسيطة". ويهمني أن أوضح للشاذلي أنني لم أبالغ في تصوير موقف هذين اللواءين، لأن عدد الدبابات الذي ذكرته لم يكن اجتهادا شخصيا من جانبي، بل كان من واقع سجلات رسمية، فان الفريق الشاذلي بمجرد وصوله الى قيادة الجيش الثاني بالاسماعيلية بعد ظهر يوم 18 أكتوبر حيث تولى زمام القيادة طلب من جميع قيادة التشكيلات والأسلحة المعاونة تقارير عن موقف الوحدات التابعة لهم. ومن واقع السجلات فان التقرير الذي قدمه العميد أ. ح ابراهيم العرابي قائد الفرقة 21 المدرعة الى الفريق الشاذلي شخصيا مساء يوم 18 أكتوبر كان مسجلا فيه أن عدد دبابات الفرقة 21 المدرعة هو 34 دبابة وفقا للتفصيل التالي: اللواء الاول المدرع 16 دبابة – اللواء 14 المدرع 14 دبابة – الكتيبة المدرعة في اللواء 18 مشاة ميكانيكي 4 دبابات. ويرجع السبب في انخفاض عدد دبابات الفرقة 21 المدرعة الى هذا الحد الى عوامل عديدة سبق ايضاحها بالتفصيل من قبل، ولا يسمح المجال الآن بسردها مرة أخرى، حتى لا نخرج عن خطنا الأساسي في الرد على الشاذلي الى دروب فرعية.

أما قول الشاذلي بأن موقف الألوية المدرعة يتغير كل يوم، وأحيانا كل ساعة نتيجة لاجراء الاصلاحات في الدبابات، فرغم صحة هذه العبارة من الناحية النظرية، فانها لم تكن تطبق من الناحية الواقعية، على ما كان يجري في الألوية المدرعة المصرية، اذ ان عملية اصلاح الدبابات المصابة بأعطال لم تكن تتم على هذا المستوى المرتفع الذي ذكره الشاذلي في رده، لأسباب تتعلق بمدى توافر قطع الغيار، ومدى كفاءة وحدات الاصلاح والنجدة من الوجهة الفنية، علاوة على عامل مهم شديد التأثير، خاصة بالنسبة لدبابات وحدات الفرقة 21 المدرعة بالذات، وهو صعوبة اجراء عملية اصلاح الدبابات في أثناء فترات الاشتباك مع العدو، وتحت وطأة قصف مدفعيته (سواء الميدانية أو بعيدة المدى) ونيران دباباته وستائره المضادة للدبابات، وخاصة بعد وصول الصواريخ TOW الأمريكية الفتاكة عن طريق الجسر الجوي ال الأمريكي، هذا بالاضافة الى غارات العدو الجوية المدمرة ليل نهار.

ومن سجلات الحرب ، يتضح لنا أن رأس الكوبري الموحد الضيق شرق القناة، والذي كانت تتمركز فيه الفرقتان 16 مشاة و21 المدرعة، لم يكف العدو عن تركيز هجماته الضارية عليه برا وجوا منذ فجر يوم 15 أكتوبر، أي منذ اليوم التالي مباشرة لفشل عملية تطوير الهجوم على مستوى الجبهة مستهدفا من ذلك تنفيذ مخططه المرسوم، وهو عبور قواته الى غرب القناة ليلة 15/16 أكتوبر من منطقة الدفرسوار، ثم محاولة توسيع ثغرة الاختراق شرق القناة في اتجاه الشمال الى أقصى ما يمكنه لتأمين عملية العبور الى الغرب. وهكذا لم تتمكن الفرقة 21 المدرعة تحت وطأة هذه الاشتباكات العنيفة والمستمرة ليل نهار مع العدو، من القيام بعملية اعادة التجميع المفترض القيام بها عقب الخسائر التي تكبدتها خلال عملية تطوير الهجوم شرقا، الى الطاسة يوم 14 أكتوبر، والتي كان محددا لها يوم 15 أكتوبر وفقا لتعليمات قيادة الجيش الثاني، وبدأ منذ ذلك اليوم الخط البياني لعدد دبابات الفرقة في الهبوط بالتدريج، فبينما كان عدد دبابات اللواءين 1 و14 المدرعين صباح يوم 15 أكتوبر 120 دبابة وفقا للمراجع الرسمية، نجد أن هذا العدد قد هبط مساء يوم 18 أكتوبر الى 30 دبابة، أي هبط الى الربع في أقل من اربعة أيام. وبينما كان عدد دبابات الكتيبة المدرعة باللواء 18 مشاة ميكانيكي 31 دبابة. هبط هذا العدد في نفس المدة الى 4 دبابات أي هبط الى الثمن. ولا يعني هذا سوى أن الفرقة 21 المدرعة عند تحليل موقفها مساء يوم 20 أكتوبر كان من الواجب اعتبار أنها قد فقدت كفاءتها القتالية بسبب ما لحق بها من خسائر فادحة في الدبابات. فكيف كان في الامكان دفعها الى غرب القناة لتواجه فرقة شارون المدرعة التي كانت متمركزة غرب القناة جنوب الاسماعلية ، والتي كانت تتشكل من لواءين مدرعين ولواء مشاة مظلات، ولم تكن دباباتها قد اشتبكت في أي معارك دبابات على نطاق واسع جنوب ترعة الاسماعيلية، لعدم وجود وحدات مدرعة تابعة للجيش الثاني جنوب الترعة بعد نجاح فرقة الجنرال ابراهام أدان في تدمير اللواء 23 المدرع (من الفرقة 3 مشاة ميكانيكية ومن الاحتياطي الاستراتيجي للقيادة العامة) صباح يوم 18 أكتوبر، مما كان يجعل عدد دبابات فرقة شارون يبلغ عدة أضعاف عدد دبابات الفرقة 21 المدرعة، علاوة على التفوق الجوي الساحق للعدو جنوب ترعة الاسماعيلية نظرا لنجاح العدو في تدمير معظم كتائب الصواريخ أرض جو سام المصرية في هذه المنطقة.

واذا كان الشاذلي يريد مثالا آخر أكثر وضوحا، فعليه أن يتذكر ما حاق باللواء 25 المدرع المستقل الذي دفع صباح 17 أكتوبر شرق القناة من راس كوبري الفرقة 7 مشاة بقطاع الجيش الثالث في الجنوب بمهمة تصفية ثغرة الاختراق بالدفرسوار في الشمال، وهي المهمة التي أطلق عليها الشاذلي في رده اسم "المهمة المجنونة"، والتي بسببها لم يتبق من دبابات هذا اللواء بعد المعركة جنوب الخط كثيب الحبشي-تل سلام سوى 21 دبابة، وظل هذا اللواء بعد المعركة ثابتا لا يتغير حتى نهاية الحرب – أي لأكثر من أسبوع – دون أن يزيد دبابة واحدة – واذا كان ذلك هو حال هذه الألوية المدرعة الثلاثة التي تعرضنا لها، فأين اذن الاصلاحات التي ترفع عدد دبابات اللواء المدرع من 20 دبابة الى 40 أو 50 دبابة بعد 24 ساعة من المعركة؟ ونأمل أن يعطينا الشاذلي مثالا واحدا فقط لأي لواء مدرع شرق القناة على مستوى الجبهة بأكملها اشتبك في احدى المعارك وتكبد خسائر كبيرة، ثم أمكن بفضل اجراء الاصلاحات رفع عدد دباباته من 20 إلى 50 أو الى ما يعادل هذه النسبة التي تزيد على الضعف ، كما ورد في المثال الذي ضربه لنا.

كيف تقاس قوة اللواء المدرع؟

اتبع الشاذلي عند تقديره لقوة اللواء المدرع معيارا خاصا لا يتفق مع المعمول بها في القوات المدرعة، فقد ذكر في رده بشأن هذا الموضوع ما يلي: "أضف إلى ذلك أن الدبابات وان كانت هي السلاح الرئيسي في الوحدات المدرعة، إلا أن اللواء المدرع تدخل ضمن تنظيمه وحدات مقاتلة أخرى كثيرة. فلعلك تعلم يا جمال أن ضمن تنظيم اللواء المدرع سرية الاستطلاع، وسرية مهندسين، وكتيبة مشاة ميكانيكية، وكتيبة مدفعية ميدان، وكتيبة مدفعية مضادة للطائرات، ومع هذه الوحدات 12 عربة حاملة للصواريخ الموجهة المضادة للدبابات و12 مدفع ميدان و24 مدفعا مضادا للطائرات وأكثر من 60 قاذفا مضادا للدبابات قصير المدى ، وتستخدم هذه الوحدات حوالي 250 عربة أكثر من نصفها عربات مدرعة. ولا شك في أن هذه الوحدات قد تحملت هي الأخرى بعض الخسائر، ولكن من المؤكد أن خسائرها كانت أقل من خسائر الدبابات، وبالتالي فمن الخطأ اسقاطها من حسابنا". وقد أدهشني أن يصدر هذا القول من الفريق سعد الشاذلي نظرا لثقتي في غزارة معلوماته العسكرية ووفرة تجاربه العملية، فإن أولى المبادئ التكتيكية التي تنبغي مراعاتها عند حساب قوة الألوية المدرعة في أثناء عقد عملية مقارنة القوات بيننا وبين العدو ألا ندخل في حسابنا – في حالة العمليات الهجومية – إلا الدبابات فقط، أي أن نضع الدبابة في مقابل الدبابة باعتبارها العنصر الرئيسي في الهجوم. أما في حالة العمليات الدفاعية، فينبغي أن نضيف الى عدد الدبابات عددا من الأسلحة المضادة للدبابات – باعتبارها قدرة صد – ويتم ذلك وفقا لجدول حسابي معين يسجل فيه عدد القطع من كل سلاح مضاد للدبابات الذي يتم حسابه كدبابة، ويكون المعيار في ذلك هو أعيرة هذه الأسلحة ومرماها المؤثر. ولا يجوز أن ندخل في حسابنا ، سواء في العمليات الهجومية أو الدفاعية، الوحدات الفرعية التي تدخل في تنظيم اللواء المدرع، مثل سرية المهندسين أو الاستطلاع أو كتيبة المدفعية أو الكتيبة المضادة للطائرات وخلافه، كما ذكر الشاذلي. ويبدو أن الأخ سعد قد خانته ذاكرته فيما يتعلق بأعداد بعض الأسلحة والعربات في وحدات اللواء المدرع. فإن اللواء المدرع (سواء المستقل أو التابع للفرقة المدرعة) لا يوجد به سوى 6 عربات حاملة للصواريخ فقط، ولا توجد 12 عربة سوى في الألوية المدرعة التابعة للفرق المشاة الميكانيكية، كما أن كتيبة المدفعية المضادة للطائرات لا تضم سوى 8 مدافع مضادة للطائرات (محملة على شاسيهات دبابات) وجماعة صواريخ سام 7 (ستريلا) وبالتالي لا يوجد بها 24 مدفعا مضادا للطائرات كما ذكر الشاذلي، اذ لا يمكن حساب الرشاشات المحملة على عربات لواري من عيار 12.7 مم و14.5 مم على أنها مدافع مضادة للطائرات، فقد كانت تستخدم لمجرد الوقاية المحلية ضد الطائرات المنقضة. لكنها كانت بالطبع عديمة الجدوى في مواجهة الطائرات النفاثة المتطورة من طراز فانتوم وميراج وسكاي هوك.

كذلك لا يدخل ضمن تسليح اللواء المدرع أكثر من 60 قاذفا مضادا للدبابات قصير المدى، كما ذكر الشاذلي ، فان هذه الأسلحة المضادة للدبابات القصيرة المدى لا تسلح بها الا كتيبة المشاة الميكانيكية باللواء المدرع والتي يوجد بها 27 قاذفا آر بي جي (بمعدل قاذف واحد في كل جماعة) وكذا 10 مدافع ب 10 وب11، مما يجعل العدد الاجمالي 37 قاذفا فقط، وليس أكثر من 60 قاذفا كما قرأنا في الرد. وقد بالغ الشاذلي كذلك في عدد عربات اللواء المدرع عندما ذكر أنها 250 عربة، وبلغت المبالغة ذروتها عندما قال ان اكثر من نصفها عربات مدرعة، أي أنه يوجد باللواء المدرع أكثر من 125 عربة مدرعة. والحقيقة أن كل العربات المدرعة الموجودة في اللواء المدرع لا يزيد عددها على 45 عربة مدرعة (يشمل هذا العدد العربات المدرعة ذات الجنزير بالكتيبة المشاة الميكانيكية والعربات المدرعة ذات العجل ببعض الوحدات الفرعية، وكذا عربات مراكز القيادة) . كذلك لا نستطيع أن نؤيد تأكيدات الشاذلي بأن خسائر الوحدات الفرعية في الألوية المدرعة كانت أقل من خسائر الدبابات، اذ ما دام اللواء المدرع مشتبكا في معركة، فان نسبة الخسائر.

وأحيانا تتحمل بعض الوحدات الفرعية نسبة أثقل من الخسائر نظرا لخفة تدريعها ولنقص قدراتها على الحركة والمناورة بالقياس الى الدبابات من جهة، ومن جهة أخرى، لان طيران العدو يركز عادة هجماته الجوية على بعض هذه الوحدات مثل الكتيبة المضادة للطائرات وكتيبة مدفعية الميدان، لحرمان اللواء المدرع من معونتهما في أثناء المعركة الرئيسية، كما جرى في أثناء تقدم اللواء الثالث المدرع في اتجاه ممر متلا في عملية تطوير الهجوم شرقا يوم 14 أكتوبر، وكما حدث في أثناء تقدم اللواء 25 المدرع المستقل شمالا في اتجاه الدفرسوار يوم 17 أكتوبر. ولعل الأخ الشاذلي يذكر أن تقارير الموقف التي قدمها اليه قادة التشكيلات بالجيش الثاني مساء يوم 18 أكتوبر بناء على طلبه عندما تولى قيادة هذا الجيش، لم يسجلوا فيهاب النسبة للوحدات المدرعة التي تحت قيادتهم سوى عدد دبابات هذه الوحدات فقط، ولم يرد ذكر لأي وحدات فرعية أخرى ضمن هذه التقارير، ولم نسمع أنه أبدي أي اعتراض على ذلك.

كيف استعاضت اسرائيل خسائرها في الدبابات؟

أثار الشاذلي في القسم الأول من رسالته موضوعا مهما يستحق ان نشرح تفاصيله للقراء، وهو الوسيلة التي كانت تتبع لاستعاضة الألوية المدرعة الاسرائيلية خسائرها في الدبابات في المرحلة الأخيرة من الحرب، أي عقب العبور الاسرائيلي ليلة 15/16 أكتوبر الى الضفة الغربية للقناة. فلقد ورد في رده بأنني ذكرت بأن عدد دبابات اللواءين المدرعين اللذين تتكون منهما فرقة الجنرال كلمان ماجن قد انخفض الى 50 دبابة قبل أن يندفع بهما الى الجنوب يوم 23 أكتوبر ويحتل ميناء الأدبية ويكمل حصار الجيش الثالث. والأمر الذي ينبغي ايضاحه أنه رغم الخسائر الكبيرة التي كانت الألوية المدرعة الاسرائيلية تتكبدها (سواء من تشكيل فرقة أدان أو فرقة ماجن) خلال اندفاعها السريع جنوبا على الضفة الغربية للقناة بهدف احكام الحصار حول مدينة السويس والجيش الثالث، فانها لم تكن تلبث أن تعود بعد وقت قصير الى ما يقرب من حجمها التنظيمي الكامل، لا بفضل وحدات الاصلاح والنجدة الاسرائيلية التي كانت تقوم باصلاح الدبابات المصابة بأعطال – رغم المستوى الفني المرتفع الذي أظهرته في المرحلة الأولى من الحرب – وانما بفضل تدفق الدبابات الأمريكية عبر الجسر الجوي الذي بدأت طائراته في الوصول الى مطار اللد باسرائيل منذ يوم 14 أكتوبر 73.

وكانت الدبابات الأمريكية الصنع من طراز M60 تنقل من القواعد الأمريكية على طائرات النقل العملاقة من طراز جالاكسي 5، وبعد انزالها في مطار اللد يتم نقلها بواسطة طائرات نقل من طراز هيروكيليز الى مطار العريش رأسا، وبعد أن توضع عليها في مطار العريش علامات الجيش الاسرائيلي تنطلق الدبابات الجديدة، على جنازيرها الى ميدان القتال مباشرة. ولاتمام عملية نقل الدبابات من مطار اللد الى مطار العريش تمت اعارة 12 طائرة هيروكيليز أمريكية الى الجيش الاسرائيلي. ونتيجة هذا السيل الذي لا ينضب من الدبابات الأمريكية الجديدة أصبحة الألوية المدرعة الإسرائيلية لا يقتصر الأمر على استعاضتها لخسائرها فحسب، بل وأيضا كانت تزود بطراز من الدبابات أحدث من حيث الانتاج وأفضل من ناحية المزايا والمعدات المتطورة من دباباتها القديمة التي دمرت أو أصيبت بأعطال، ولذا استمرت في مواصلة عملياتها الهجومية في سرعة وكفاءة عاليتين. وقد ثبت من معاينة بعض الدبابات الاسرائيلية التي وقعت في أيدي القوات المصرية غرب القناة ان العداد الخاص بقياس المسافات في معظمها لم يسجل أكثر من 200 كيلو متر، أي ما يوازي المسافة تقريبا بين العريش والضفة الغربية لقناة السويس. وكان ذلك يجري في الوقت الذي لم تكن تسنح فيه الفرصة للوحدات المدرعة المصرية لاستعاضة خسائرها في الدبابات بعد المعارك العنيفة التي خاضتها لكي تعود مرة أخرى الى ما يقارب حجمها التنظيمي حتى يمكنها استعادة كفاءتها القتالية، اذ ان مخازن القوات المسلحة لم تكن تحوي دبابات احتياطية، كما ان الاتحاد السوفيتي لم يمد مصر خلال الحرب عن طريق الجسر البحري السوفيتي بأي دبابة لاستعاضة خسائرها. بل ان جميع الدبابات التي أرسلت من ميناء أوديسا على البحر الاحمر كانت تتجه بها سفن النقل السوفيتية الى ميناء اللاذقية السوري، نظرا للخسائر الثقيلة التي تكبدتها القوات السورية في معارك الجولان. وكان هذا الموقف سببا في مهجمة الرئيس الراحل السادات للاتحاد السوفيتي عقب انتهاء الحرب.


هل كان في الامكان سحب اللواء 24 المدرع؟

لم تواجه أي فرقة من الفرق المشاة المصرية الخمس التي عبرت القناة يوم 6 أكتوبر موقفا أقصى من ذلك الموقف الذي واجهته الفرقة 16 مشاة منذ بدأ العبور الاسرائيلي ليلة 15/16 أكتوبر 73 الى غرب القناة، فان وقوع ثغرة الاختراق الاسرائيلية في الدفرسوار على جنبها الأيمن مباشرة جعلها هدفا للهجمات الاسرائيلية الشرسة سواء الأرضية أو الجوية، اذ ان الخطة الاسرائيلية لتأمين عملية العبور الاسرائيلي الى الغرب كانت تقضى بتوسيع ثغرة الاختراق شمالا الى حوالي 5 كيلو مترات في بادئ الأمر، ضمانا لعدم تعرض المعابر في الدفرسوار لنيران الأسلحة الصغيرة والهاونات.

وقبل أن يبدأ العبور الاسرائيلي الى الغرب، كان رأس كوبري الفرقة 16 مشاة يضم داخله – بالاضافة الى وحدات هذه الفرقة – وحدات الفرقة 21 المدرعة أيضا. فعلى أثر فشل عملية تطوير الهجوم شرقا يوم 14 أكتوبر، صدرت أوامر القيادة العامة ببقاء الفرقة 21 المدرعة في رأس كوبري الفرقة 16 مشاة ، وأصبح يطلق عليه اسم رأس الكوبري الموحد.

ونتيجة للضغط الاسرائيلي المركز على الجنب الأيمن للفرقة 16 مشاة لتوسيع ثغرة الاختراق شمالا، اضطر لواء اليمين اللواء 16 مشاة الى اخلاء مواقعه ليلة 17/18 أكتوبر، واضطرت وحدات الفرقة 21 المدرعة التي كانت تشترك في صد هجمات العدو المدرعة على الجانب الأيمن لرأس الكوبري، الى الارتداد شمالا ليحتل مواقع دفاعية شمال المغذي الرئيسي بعد نجاح العدو في الاستيلاء على قرية الجلاء (المزرعة الصينية)، وأسندت الى الفرقة 21 المدرعة نتيجة للأوضاع الجديدة مهمة حماية الجنب الأيمن للفرقة 16 مشاة ، وكذا مهمة منع العدو من توسيع ثغرة اختراقه شمالا.

ورغم المحاولات المتكررة التي بذلت من القيادة العامة المركز 10 ومن قيادة الجيش الثاني لتصفية ثغرة الاختراق في الدفرسوار شرق القناة واسترداد قرية الجلاء، عن طريق قيام وحدات من الفرقة 21 المدرعة بهجمات مضادة على مواقع العدو، فان كل هذه المحاولات قد باءت بالفشل نظرا للتفوق الساحق الذي كان العدو يحرزه في قواته المدرعة وفي سلاحه الجوي، مما أدى الى الحاق خسائر جسيمة بالفرقة 21 المدرعة. وانتهى الأمر باحتلال وحدات الفرقة موقعا دفاعيا قويا على الخط سرابيوم (حوالي 5 كيلو مترات شمال الدفرسوار) – ولكن ثغرة الاختراق الاسرائيلية شرق القناة لم تلبث أن اتسعت لسبب لم يكن متوقعا. فعلى اثر انسحاب اللواء 182 مظلات غرب القناة تحت ضغط العدو من مواقعه في سرابيوم الى طوسون شمالا يوم 19 أكتوبر، أصدر الفريق الشاذلي – الذي كان يتولى قيادة الجيش الثاني وقتئذ – أمره الى العميد العرابي قائد الفرقة 21 المدرعة الذي كان يتولى قيادة الجيش الثاني وقتئد – أمره الى العميد العرابي قائد الفرقة 21 المدرعة والذي عهدت اليه من قبل مسئولية قيادة رأس الكوبري الموحد، بالارتداد شمالا من الخط سرابيوم الى الخط طوسون لتحاذي مواقه شرق القناة من مواقع لواء المظلات على الضفة الغربية للقناة. واتسعت ثغرة الاختراق شرق القناة نتيجة لذلك لتصبح 10 كيلو مترات، وتقلص رأس الكوبري الموحد تقلصا خطيرا، وأصبحت الفرقتان 16 مشاة و21 المدرعة محشورتين في راس كوبري ضيق ومعرض لنيران العدو من جميع الجهات ولغاراته الجوية المدمرة، وازدادت تبعا لذلك نسبة خسائر الفرقتين في الأفراد والأسلحة والمعدات. ومن تقارير الموقف التي تلقاها الفريق الشاذلي من قادة التشكيلات حوالي الساعة الخامسة مساء يوم 18 أكتوبر عقب وصوله الى قيادة الجيش الثاني، اتضح له أن عدد دبابات الفرقة 21 المدرعة قد هبط الى 34 دبابة، وأن الفرقة 16 مشاة قد هبط عدد الدبابات التي ضمن تشكيلها العضوي الى 37 دبابة.

وكان اللواء أ. ح عبد المنعم خليل قائد الجيش الثاني – نتيجة لتدهور الموقف في رأس الكوبري الموحد وارتفاع معدل الخسائر في الدبابات – قد أصدر أمره يوم 17 أكتوبر بتحرك كتيبة مدرعة من اللواء 24 المدرع الذي كان متمركزا في قطاع الفرقة 2 مشاة بالفردان منذ بداية الحرب الى رأس الكوبري الموحد لتدعيمه. وفي يوم 18 أكتوبر أمر اللواء عبد المنعم بتحرك باقي اللواء 24 المدرع الى منطقة شمال غرب الطالية داخل رأس الكوبري. وكانت المهمة التي تلقاها العقيد أ. ح نيازي الشيمي قائد اللواء 24 المدرع (67 دبابة) هي الاستعداد للقيام بهجوم مضاد لتدمير العدو في حالة نجاحه في اختراق مدرعة داخل رأس الكوبري الموحد (1 ، 14، 24) فان الاعتماد الحقيقي في عملية صد الاختراق في هذه المرحلة كان مركزا على اللواء 24 مدرع، فقد بدأت قيادة الجيش الثاني – نتيجة لفقد اللواءين 1 و14 المدرعين لكفائتها القتالية- في ارسال أفرادهما بالتدريج بدون دبابات الى غرب القناة للانضمام الى قيادة الفرقة 21 المدرعة التي صدرت الأوامر يوم 21 أكتوبر بتمركزها غرب القناة في منطقة تقاطع عثمان أحمد عثمان ، للقيام بعملية اعادة تجميع وتسليح الفرقة بالدبابات والمعدات الجديدة لاستعادة كفاءتها القتالية. وعلى الرغم من نقل العدو معظم قواته المدرعة الى غرب القناة، فان القيادة الجنوبية الاسرائيلية كان لديها التصميم والاصرار على ضرورة الاستيلاء على مواقع الفرقة 16 مشاة (كانت تطلق عليها الاسم الكودي ميسوري) بهدف توسيع ثغرة الاختراق شمالا كي تصل الى الطريق الاوسط (طريق الاسماعيلية شرق – الطاسة) على الحد الأيمن للفرقة 2 مشاة. ولهذا الغرض أمرت القيادة الاسرائيلية باستبقاء لواءين مدرعين من فرقة شارون على مواجهة الفرقة 16 مشاة (لواء العقيد آمنون ولواء العقيد توفيا)، ولكن شارون الذي كان يتوق الى الاستيلاء على الاسماعيلية ألح على قيادته لامداده بلواء آمنون على اعتبار أن موقع ميسوري من الضعف بحيث يكفي لواء مدرع واحد لاختراقه، فأمر الجنرال بارليف بعبور لواء آمنون الى الغرب على أن يترك كتيبة مدرعة من لوائه في الشرق لتنضم الى لواء توفيا عند هجومه على الموقع المصري.

والأمر الذي يبعث على الدهشة، هو أن الفريق سعد الشاذلي رغم علمه بالطبع بكل هذه الحقائق التي ذكرها بحكم منصبه كرئيس للأركان، فانه ما يزال مصرا على أن اقتراحه مساء يوم 20 أكتوبر بسحب الألوية المدرعة الثلاثة 1، 14، 24 من رأس كوبري الفرقة 16 مشاة كان اقتراحا سليما. وحتى ننهي النقاش في هذه المسألة فانني سأفترض ان القيادة العامة قد أخذت باقتراح الشاذلي وأصدرت أمرها بسحب الالوية المدرعة الثلاثة من رأس كوبري الفرقة 16 مشاة كان اقتراحا سليما. وحتى ننهي النقاش في هذه المسألة فانني سأفترض أن القيادة العامة قد أخذت باقتراح الشاذلي وأصدرت أمرها بسحب الألوية فإنني سأفترض أن القيادة العامة قد أخذت باقتراح الشاذلي وأصدرت أمرها بسحب الألوية المدرعة الثلاثة من رأس كوبري الفرقة 16 مشاة. وفي ظل هذا الوضع الجديد فانني أوجه الى الأخ سعد الأسئلة الثلاثة التالية:

1 – هل كان في مقدرة الفرقة 16 مشاة التي كانت تتكون من لواءين فقط (أحدهما مشاة والثاني مشاة ميكانكي) وليس لها تدعيم من الدبابات سوى 37 دبابة انخفض عددها بالطبع منذ مساء يوم 18 أكتوبر الى 30 دبابة على أحسن الفروض أن تصد هجوما مدرعا تقوم به القوة الاسرائيلية التي تواجهها، والتي كانت تتكون من لواء مدرع وكتيبة مدرعة عدد دباباتها لا تقل عن 120 دبابة، أي أن نسبة التفوق تبلغ 4 إلى 1 لصالح العدو؟

2 – ألم يحدث خلال وجودك في قيادة الجيش الثاني بالاسماعيلية في المدة من (18 إلى 20) أكتوبر أنك أجريت محادثة هاتفية مع اللواء الجمسي رئيس هيئة العمليات الذي كان بالمركز 10 بالقاهرة في الساعة السابعة مساء يوم 18 أكتوبر قلت له خلالها بالنص: "نحن نريد منع موقف عبد ربه – تقصد الفرقة 16 مشاة – من الانهيار؟. ثم ألم تقل له في محادثة هاتفية أخرى جرت بينكما في حوالي الساعة الخامسة مساء يوم 19 أكتوبر بالنص: "عشان تعرف موقف عرابي فان عدد الدبابات في رأس كوبري الفرقتين 16 مشاة و21 مدرعة يبلغ 80 دبابة يدوبك يستطيع التمسك برأس الكوبري"؟.

أي أنك تعرف في المحادثة الهاتفية الأولى بسوء الموقف التكتيكي للفرقة 16 مشاة الى الحد الذي أصبحت تخشى معه انهيارها. كما تعترف في المحادثة الهاتفية الثانية بأن عدد 80 دبابة هو الحد الأدنى لامكان التمسك برأس الكوبري، وذلك يعني أنه في حالة نقص العدد عن ذلك فان رأس الكوبري يصبح معرضا للسقوط.

3 – ألم يقم العدو بعد ظهر يوم 21 أكتوبر بهجوم على رأس كوبري الفرقة 16 مشاة بكتيبتين من الدبابات، ورغم وجود الألوية المدرعة الثلاثة ودبابات الفرقة 16 مشاة والتي لم يكن يقل عددها جميعا عن 130 دبابة، فان دبابات العدو تمكنت من اختراق رأس الكوبري والاستيلاء على قلب الموقع الدفاعي عند الطالية التي كان يقع بجوارها مركز قيادة الفرقة 16 مشاة، وبفضل وجود هذه القوة المدرعة المصرية الكبيرة داخل رأس الكوبري أمكن القيام بهجوم مضاد قوي، مماأدى ألى استرداد الطالية وطرد العدو؟ والسؤال الآن لو كان هذا قد جرى على الفرقة 16 مشاة وحدها بدون وجود دبابات الألوية المدرعة الثلاثة 1 ، 14، 24 ، هل كان لديك أدنى شك يا أخى سعد في أن رأس كوبري الفرقة 16 مشاة كن سيسقط كالثمرة الناضجة في يد العدو؟


موقف اللواء 22 المدرع

تناول الفريق سعد الشاذلي في رده موضوع سحب اللواء 22 المدرع من قطاع الجيش الثالث، فقال بالحرف: "لقد جاء جمال حماد بسبب غير مقبول لتبرير عدم امكان سحبه من الشرق. لقد قال انه كان يعمل كاحتياطي في يد قائد الجيش الثالث، ونحن نقوله له: احتياطي ضد من؟ ما قوة العدو التي كانت في مواجهة الجيش الثالث في شرق القناة؟ بل ما كل قوات العدو التي كانت في مواجهة الفرق المشاة المصرية الخمس مساء يوم 20 أكتوبر؟ وهل كانت هذه القوات المعادية تشكل أي خطورة على مواقع قواتنا في الشرق"؟

وعلى الرغم من أن الأخ الشاذلي قد صاغ هذه العبارات ببراعة بحيث تبدو للقارئ غير المتخصص أنها حقائق لا تقبل الجدل أو النقاش، فانها في واقع الأمر تمثل خرقا واضحا للمبادئ التكتيكية الأساسية. فان القاعدة العامة التي لابد أن يلم بها كل قائد هو أنه لا يجوز له القيام بأي عملية حربية سواء كانت دفاعية أو هجومية دون أن يخصص لها احتياطي، يكون لديه القدرة على التدخل في الزمان والمكان المناسبين من أجل استعادة الموقف في حالة الدفاع ولاستغلال النجاح في حالة الهجوم. ان اول الدروس التي يتلقاها الدارسون في كلية القيادة والأركان عندما يدرسون الأسلوب الصحيح لعمل أي تقدير للموقف، هو ألا يعتمدوا على ان العدو سوف يتبع أحد الحلول الثلاثة التي استنبطوها والتي جرت العادة على وضعها في خانة طرق الحل المفتوحة أمام العدو، اذ ان تجارب الحروب قد أثبتت أن العدو غالبا ما يتبع الحل الرابع. وبمعنى أوضح: ان العدو لن يتبع واحدا من الحلول المنطقية الثلاثة التي تعبوا في استنباطها، انما سيتبع حلال آخر لم يخطر لهم على بال: ربما لفرط غرابته ومجافاته للمنطق، وربما لقصور تفكيرهم عن الاهتداء اليه. ويدل ذلك على أن أي قائد مهما بلغت درجة براعته يتعذر عليه ان يعرف مقدما الخطة التي سيتبعها العدو الذي في مواجهته، ولذا فان الوسيلة الوحيدة لمجابهة الاحتمالات غير المحسوبة والتصدي للمواقف غير المتوقعة هي تكوين احتياطي كاف في يد القائد في جميع مراحل المعركة.

لقد صدمتني العبارة التي ذكرها الشاذلي في رده وهي: "احتياطي ضد من؟" فلقد كنت أعتقد أن الشاذلي هو آخر من يقول هذه العبارة بعد أن عاش بنفسه التجربة المريرة، بل المفجعة التي تعرضت لها قواتنا في المرحلة الأخيرة من حرب أكتوبر، على أثر العبور الاسرائيلي الى غرب القناة ليلة 15/16 أكتوبر، والذي كان العامل الرئيسي في نجاحه بهذه الصورة الصورة المذهلة التي فاقت كل أحلام اسرائيل يرجع الى خلو الضفة الغربية في قطاع الجيش الثاني جنوب ترعة الاسماعيلية من أي احتياطي، بعد أن تم دفع الفرقة 21 المدرعة – الاحتياطي التعبوي للجيش الثاني – الى شرق القناة للقيام بالعملية التي جلبت أفدح النكبات على قواتنا، وهي عملية تطوير الهجوم شرقا يوم 14 أكتوبر.

ان الخطأ القاتل الذي وقعت فيه القيادة العامة وهيئة عملياتها أنها لم تبادر الى تكوين احتياطي قوي جديد على الضفة الغربية ليحل محل الفرقة 21 المدرعة، وليعهد اليه بنفس المهام التي كانت مكلفة بها بمجرد دفع هذه الفرقة الى الشرق.

وكان السبب في ذلك هو تصور خاطئ من المسئولين بالقيادة، وهو أن العدو بعد نجاح عبور قواتنا وتحطيم خط بارليف وانسحابه في اتجاه الشرق لا يمكن أن يخطط لعبور القناة الى الغرب. ان انتقال اللواء 116 مشاة ميكانيكي (من الفرقة 23 مشاة ميكانيكية) من شمال ترعة الاسماعيلية الى منطقة تقاطع عثمان أحمد عثمان جنوب الترعة لا يمكن اعتباره سدا حقيقيا للفراغ الذي تركته الفرقة 21 المدرعة غرب القناة، ولا يمكن أن يعد تكوينا صحيحا لاحتياطي تعبوي جديد، اذ ان اللواء 116 مشاة ميكانيكي لم تكن لديه لا القوة ولا الامكانات ولا الدراية بالارض التي سيعمل عليها أو بالمهام التي أسندت اليه. ولذا كانت النتيجة المحتومة أنه عجز عن التصدي للعبور الاسرائيلي الى غرب القناة – حتى في مرحلته الأولى عندما كانت القوات الاسرائيلية التي عبرت في أضعف حالاتها – وعلى العكس من ذلك وقع اللواء الميكانيكي في عدة كمائن وأصيب بخسائر فادحة، مما أفقده كفاءته القتالية.

ان التساؤل الذي طرحه الأخ الشاذلي في رده عن قوة العدو التي كانت في مواجهة الجيش الثالث، والذي بدت في ثناياه من التهكم حينما قال: "بل ما كل قوات العدو التي كانت في مواجهة الفرق المشاة المصرية الخمس مساء يوم 20 أكتوبر؟" يدل دلالة واضحة على أنه درس العبور الاسرائيلي الى غرب القناة – رغم قسوته – لم يأت ثماره، اذ كيف تجوز الاستهانة بقوة العدو شرق القناة بهذا الشكل لمجرد أنه دفع بثلاث فرق مدرعة الى غرب القناة؟ ان قوة العدو شرق القناة لم تكن على هذا المستوى من الضعف كما كان الشاذلي متصورا. وسوف نوضح ذلك فيما بعد عندما نقوم بعقد مقارنة بين قواتنا وقوات العدو شرق القناة وغربها.

وبهذه المناسبة أود أن أوجه نظر الشاذلي الى أمر مهم ربما يكون قد غاب عن ذهنه، وهو أن الفكرة التي كان يقترح تنفيذها مساء يوم 20 أكتوبر بسحب الألوية المدرعة من الشرق الى الغرب كان يمكن للعدو أيضا التفكير في تنفيذها ولكن في عكس الاتجاه بالطبع، أي قد يفكر في سحب بعض وحداته المدرعة من غرب القناة الى الشرق، مما قد يؤدي الى مضاعفة حجم قواته شرق القناة في فترة قصيرة وكانت الفرصة امامه مواتية، والظروف ميسرة ، فقواته الجوية تسيطر على سماء المعركة وجسوره الثلاث الممتدة عبر القناة عند الدفرسوار قائمة ليل نهار ولا حاجة لفكها نهارا واخفاؤها كما كنا نفعل بفضل تفوقه الجوي.

ولقد اثبتت الوقائه أن الجنرال جونين قائد القيادة الجنوبية أراد تنفيذ هذه الفكرة بالفعل وأصدر أمرا الى الجنرال شارون صباح يوم 21 أكتوبر بوقف تقدمه في الغرب في اتجاه الاسماعيلية ونقل قوة مدرعة من فرقته الى شرق القناة لمعاونة القوات التي تهاجم رأس كوبري الفرقة 16 مشاة. وقد سبق شرح هذا الموضوع بالتفصيل في نهاية الفصل العاشر.

كيف كان يمكن اذن استبعاد هذا الاحتمال، خاصة اذا ما عرف العدو – نتيجة لاستطلاعه – ان الضفة الشرقية قد خلت من الألوية المدرعة المصرية؟ ان من الخطورة بمكان – كما أثبتت تجارب الحروب – الاستهانة بقوة العدو في أي مكان بالجبهة أو أن نعتبر أن الاوضاع الظاهرة أمامنا للعدو هي الأوضاع النهائية التي لن يحدث بعدها تغيير. ولقد دفعت قواتنا ثمنا غاليا يا أخ سعد نتيجة للتصور الخاطئ في القيادة العامة بأن مواقع العدو شرق رءوس الكباري المصرية هي أوضاعه النهائية التي لا تغيير بعدها. وكانت المأساة الكبرى حينما اكتشفتم فجأة وبدون سابق انذار أن قوات العدو التي كنتم تظنونها بعيدة في الشرق قد عبرت القناة الى الغرب، بل وأصبحت موجودة ومنتشرة وسط مواقع قواتنا.

مقارنة القوات

ان العبارات التي وصف بها الأخ الشاذلي موقف قوات العدو شرق القناة توحي لمن يقرؤها ان الفرق المشاة المصرية الخمس لم يكن في مواجهتها مساء يوم 20 أكتوبر عدو له أي قيمة أو لديه أي مقدرة قتالية، ولذا فان السؤا الذي قد يوجه الى الشاذلي باعتباره كان رئيسا للأركان في ذلك الوقت: لماذا لم يستغل الفرصة ليأمر الفرق المشاة الخمس، وكانت ما تزال مدعمة بألويتها المدرعة، بتطوير الهجوم شرقا للوصول الى الطريق العرضي 3 على بعد حوالي 30 كم شرق القناة، وبذا تغلق على الفرق المدرعة الاسرائيلية الثلاث غرب القناة طرق امداداتها البرية ويقطع خطوط مواصلاتها ويعزلها تماما عن قواعدها في الشرق؟ لقد كان الوصول الى الطريق العرضي 3 هو هدف عملية تطوير الهجوم شرقا يوم 14 أكتوبر، وكان من أهم أسباب فشل العملية هي قوة دفاعات العدو التي كانت تواجه وقتئذ قوات الهجوم المصرية، ولكن ما دام الموقف قد تغير وأصبح الطريق خاليا والخطورة على مواقعنا قد زالت – كنص عبارة الشاذلي الاستفهامية التي يقصد منها تقرير الواقع، فلماذا لم يفكر في اعادة المحاولة من جديد؟!

نعود بعد ذلك لمناقشة اقتراح الشاذلي بسحب جميع الألوية المدرعة من الشرق الى الغرب من جهة حساب عامل الوقت والمسافة. وسوف تتضح لنا مدى صعوبة هذه العملية اذا ما تصورنا ما يتطلبه تنفيذها من تحركات واجراءات وتحضيرات ، اذ انها في الواقع تشمل ثلاث مراحل معقدة ومتداخلة فيما بينها: الأولى مرحلة التحركات شرق وغرب القناة، والثانية مرحلة اعادة التجميع غرب القناة لاعادة تنظيم الوحدات وتزويدها بالأسلحة والمعدات لاستعادة كفاءتها القتالية. أما المرحلة الثالثة، فهي مرحلة اجراءات تنظيم المعارك قبل الاشتباك بالعدو. ولا أجد المجال مناسبا للدخول في تفاصيل هذه المراحل الثلاثة، اث انها تحتاج الى ذكر تفاصيل فنية كثيرة لا حاجة بالقراء اليها، ولكن من الضروري أن نذكر أن هذه المراحل بجميع خطواتها المتتابعة المتشابكة سوف تجري كلها في ظل تفوق جوي معاد، وتحت وطأة التهديد الذي يشكله وجود ثلاث فرق مدرعة اسرائيلية على الضفة الغربية للقناة. ولم يكن في الامكان تنفيذ مثل هذه العملية الضخمة الا بعد انشاء قيادة خاصة للتولى قيادة جميع القوات المصرية على الضفة الغربية، التي ستشترك في تصفية الثغرة على غرار القيادة التي تم انشاؤها بعد ذلك عقب وقف اطلاق النار، وهي تلك التي تولى قيادتها اللواء أ. ح سعد مأمون يوم 13 ديسمبر 73. وقد سميت الخطة التي وضعت لتصفية الثغرة وقتئذ باسم الخطة شامل، وقد احتاج اللواء سعد مأمون الى خمسة أيام كاملة لمجرد مراجعة الخطة وتدقيقها وادخال التعديلات اللازمة عليها. ولذا لم يتم تصديق القائد العام الفريق أول أحمد اسماعيل على الخطة شاملا الا يوم 18 ديسمبر 73.

ومن هذا العرض الموجز، يتضح لنا ان الاخذ باقتراح الأخ الشاذلي بسحب جميع الالوية المدرعة من شرق القناة الى الغرب، كان يحتاج الى جهود شاقة واجراءات مضنية وحسابات دقيقة وفترة زمنية طويلة لا تقل عن خمسة أيام على أحسن الفروض، ما كان يجعل هذا الاقتراح – علاوة على عيوبه الاخرى التي ذكرناها – مخاطرة كبرى دون أن تكون له نتيجة سريعة وحاسمة من الناحية العملية، لانه لم يكن في الامكان التكهن بالاجراءات المضادة التي سيقوم العدو باتخاذها لافشال عملية سحب الالوية المدرعة من جهة، ولاستغلال فرصة خلو الضفة الشرقية من هذه الالوية المدرعة من جهة أخرى.

ان المعلومات الصحيحة المستقاة من المراجع الموثوق بصحتها والتي برهنت الوقائع والاحداث على صدقها ان العدو استطاع ان يحشد امام الجبهة المصرية 10 ألوية مدرعة. ففي شرق القناة كانت له فرقتان مختلطتان بكل منهما لواء مدرع، كانتا تشغلان المواجهة من البحر المتوسط شمالا حتى الشط جنوب امام رءوس الكباري المصرية.

ونظرا لأن فرقة شارون كانت تتكون من 3 ألوية مدرعة وألحق بها قبل عبوره الى الغرب لواء مظلات بقيادة العقيد داني مات، فقد ترك شارون قبل اتمام عبوره الى الغرب لواء مدرع بقيادة العقيد توفيا امام مواجهة الفرقة 16 مشاة وفقا لتعليمات القيادة الجنوبية، وبذا يكون لاسرائيل على الضفة الشرقية للقناة 3 ألوية مدرعة بخلاف ألوية أخرى مختلطة من المشاة والمشاة الميكانيكية. وفي نفس الوقت كان لاسرائيل غرب القناة 7 ألوية مدرعة (3 في فرقة أدان ولوءان في كل من فرقتي شارون وماجن) علاوة على لواء مشاة مظلات بفرقة شارون ولواء مشاة ميكانيكي بفرقة ماجن.

كيف جرى التعامل الخاطئ مع ثغرة الدفرسوار؟

ذكر الفريق سعد الشاذلي في رده ان المعلومات التي كانت متيسرة لدى القيادة العام مساء يوم 20 أكتوبر هي أن للعدو 5 ألوية مدرعة غرب القناة، وأن ما بقى له لكي يحشده في اتجاه الجبهة المصرية بعد تخفيف قواته على الجبهة السورية هو 4 ألوية مدرعة فقط، على اعتبار أن أقصى ما يمكن للعدو حشده أمام الجبهة المصرية هو 9 ألوية مدرعة. واستطرد قائلا انه كان امام العدو خياران: الخيار الأول هو أن يعبر ليلة 20/21 أو ليلة 21/22 أكتوبر بلواءين مدرعين، فيصبح له في الغرب 7 ألوية مدرعة ويحتفظ بلواءين مدرعين في الشرق. أما الخيار الثاني فهو ابقاء الوضع كما هو هليه بالنسبة لتوزيع قواته المدرعة أي 5 ألوية مدرعة في الغرب و4 ألوية مدرعة في الشرق.

وفي الواقع ان المعلومات التي ذكرها الشاذلي عن حجم العدو وأوضاعه شرق وغرب القناة مساء يوم 20 أكتوبر تفتقر الى الدقة، وربما لا يكون الخطأ في ذلك يرجع الى الشاذلي بقدر ما هو راجع الى المصادر التي نقلت اليه هذه المعلومات حينما كان في المركز 10 في ذلك التوقيت بعد أن عاد الى القاهرة من الاسماعيلية.

ان الأمر الثابت وفقا للمراجع الموثوق بصحتها والذي برهن على صدقه مجرى الاحداث نفسها، ان اسرائيل استطاعت ان تحشد أمام الجبهة المصرية 10 ألوية مدرعة، وليس 9 ألوية كما قال. وكان لها على الضفة الشرقية للقناة 3 ألوية مدرعة، لواءان منها ضمن الفرقتين المختلطين اللتين كانتا تشغلان المواجهة من البحر المتوسط شمالا حتى الشط جنوبا أمام رءوس الكباري المصرية. أما اللواء الثالث فقد كان اللواء المدرع بقيادة العقيد توفيا (من تشكيل فرقة شارون) الذي أمرت القيادة الجنوبية ببقائه شرق القناة أمام مواجهة الفرقة 16 مشاة.

وفي غرب القناة كان للعدو 7 ألوية مدرعة مساء يوم 20 أكتوبر، وليس 5 ألوية كما ذكر الشاذلي، وبالتالي لم يكن أمامه الخياران اللذان تحدث عنهما. ففي هذا التوقيت كان الأمر قد تم حسمه، والألوية المدرعة السبعة قد أتمت عبورها واستقرت على الضفة الغربية للقناة. لقد بدأت عملية العبور من الدفرسوار الى غرب القناة ليلة 15/16 أكتوبر بعبور لواء المظلات التابع لفرقة شارون قناة السويس الى الشاطئ الغربي بواسطة القوارب المطاطية. وقد نجح المهندسون العسكريون في اقامة اول جسر اسرائيلي من معديات البونتون عبر القناة في الساعة الرابعة مساء يوم 17 أكتوبر، وتلا ذلك اقامة الجسر السابق التركيب عند منتصف الليل يوم 18 أكتوبر في موقع يقع على بعد 200 متر فقط شمالا جسر معديات البونتون. وفي يوم 19 أكتوبر تمت اقامة جسر ثالث من من معديات البونتون شمال الجسر الثاني، وكانت الجسور الثلاث مقامة في مساحة طولية تبلغ نحو 500 متر من القناة. وقد توالى عبور الألوية المدرعة الاسرائيلية على الجسور المقامة عبر القناة اعتبارا من ليلة 17/18 أكتوبر. وفي يوم 19 أكتوبر أصبح لاسرائيل غرب القناة ثلاث فرق مدرعة (3 ألوية في فرقة أدان ولواءين في كل من فرقتي شارون وماجن) علاوة على لواء مشاة مظلات بفرقة شارون ولواء مشاة ميكانيكي بفرقة ماجن.

هل كان يمكن للفرق المشاة الاستغناء عن الألوية المدرعة الملحقة بها؟

سجل لنا الفريق الشاذلي ضمن رده بيانا تفصيليا بعدد الأسلحة الرئيسية التي كانت تدخل ضمن تنظيم كل فرقة من الفرق المشاة المصرية الخمس التي عبرت القناة يوم 6 أكتوبر، وعلق على هذا البيان بقوله: "ومهما تحملت الفرقة المشاة من خسائر فان نصف هذا الحجم من السلاح يكفيها لصد أي هجوم مدرع يقوم به العدو بقوة لواءين كاملي التسليح". وليس هناك من شك في أن الأخ الشاذلي يرمي من وراء هذه العبارة الى ان يدلل على ان اقتراحه بسحب جميع الالوية المدرعة من شرق القناة الى الغرب كان اقتراحا صائبا، اذ ان الخطورة الحقيقة من سحب هذه الالوية من رءوس الكباري كانت هي احتمال سقوطها في يد العدو، ولذا فما دام الأخ سعد يؤكد لنا ان نصف حجم السلام الذي يدخل في تنظيم الفرقة المشاة – بدون احتساب اي دعم خارجي – يكفيها لصد اي هجوم مدرع يوجه ضدها بقوة لواءين مدرعين اسرائيليين كاملي التسليح، فما الداعي اذن لانتقاد هذا القرار؟ ولماذا اعترضت عليه القيادتان السياسية والعسكرية مساء يوم 20 أكتوبر؟ وقد كان اهتمام الشاذلي بالنص على أن نصف حجم السلاح الذي في حوزة الفرقة يكفيها لصد اللواءين المدرعين الاسرائيليين، يستهدف من ورائه غاية مقصودة، فقد أراد بذلك أن يجيب مقدما على أولئك الذين سيردون عليه بأن الفرقة المشاة شرق القناة لم يكن في حوزتها مساء يوم 20 أكتوبر – عندما قدم اقتراحه – أكثر من 50% من تسليحها بسبب الخسائر التي حاقت بها خلال المعارك العنيفة التي خاضت غمارها طوال 15 يوم متتالية. ولكن هذه العبارة التي سجلها الشاذلي كحقيقة واقعة وقضية مسلم بها – دون أي سند علمي أو دليل منطقي – أثارت عندنا طائفة من التساؤلات المهمة رأينا أن نوجهها اليه ايمانا منا بضرورة الاهتداء الى الحقيقة التي لا شك في أنه يهدف الى الوصول اليها مثلنا:

أولا – اذا كنت يا أخ سعد على ثقة بان نصف حجم السلاح الذي يدخل ضمن تنظيم الفرقة المشاة – وبدون أي دعم خارجي – يكفي لصد لواءين مدرعين اسرائيليين كاملي التسليح كما ذكرت ، وبما أنك كنت رئيسا للأركان ومشتركا مع هيئة العمليات التي تتبعتك في وضع الخطة الهجومية، فلماذا وافقت على تدعيم كل فرقة من الفرق المشاة الخمس بلواء مدرع يوضع تحت قيادتها؟ وعلى فرض ان هذه الالوية المدرعة وضعت مع الفرق المشاة في المرحلة الأولى من الحرب لاغراض العبور، وحتى تتمكن الفرق المشاة من انشاء رءوس الكباري دون تدخل مؤثر من احتياطيات العدو التكتيكية، فلماذا لم تأمر بسحبها بعد انتهاء هذه المرحلة يوم 9 أكتوبر كي تعود الى تشكيلاتها الأصلية التي فقدت جانبا كبيرا من قواتها الضاربة بسبب سحب هذه الألوية المدرعة منها مما أثر على نتائج معاركها مع العدو عندما كلفت بالتصدي للزحف الاسرائيلي غرب القناة؟

ثانيا – ما دامت هذه الفرق المشاة الخمس لديها هذه القدرة الذاتية الضخمة على الصد، فلماذا وافقت يا أخ سعد على سحب كتيبتي المقذوفات الصاروخية الموجهة المضادة للدبابات مالتوكا من فرقتين من فرق الغرب، وأمرت بتوزيع سراياها لتدعيم فرق المشاة شرق القناة؟ ولقد اتضح لك فيما بعد مدى خطأ هذا التصرف عندما احتاجت الفرقتان اللتان سحبت منهما صواريخ المالوتكا الى هذا العنصر القوي المضاد للدبابات لمواجهة المدرعات الاسرائيلية غرب القناة عقب العبور الاسرائيلي الى الغرب بعد ان انخفضت قدراتهما على الصد. ونتيجة لاحساسك بالمسئولية وابراء ذمتك، اضطررت الى العمل على سحب سرايا صواريخ المالوتكا سرا دون اخطار الرئيس الراحل السادات ودون علم القائد العام احمد اسماعيل لمعارضتهما في سحب اي سلاح من الشرق. ورغم انك نجحت في سحب بعض هذه السرايا الصاروخية، فان فصائل منها استمرت في مواقعها مع بعض الفرق في الشرق لاصرار قادتها على ضرورة بقائها في أمكنتها.

ثالثا – ان الاوضاع الدفاعية للفرقة المشاة المصرية الخمس شرق القناة – كما تعلم – لم تكن تعد أوضاعا ملائمة بالنسبة لأي فرقة مشاة في الدفاع بحيث يمكن الارتكان الى قدرتها الذاتية على الصد. فقد كانت كل فرقة شرق القناة تحتل رأس كوبري على شكل نصف دائرة ترتكز قاعدتها على الشاطئ الشرقي للقناة مما أدى الى مضاعفة مواجهة الفرقة. فبدلا من المواجهة المعتادة التي تبلغ حوالي 12 كم على أساس وضع لواءي مشاة في النسق الأول ولواء مشاة ميكانيكي في السنق الثاني، أصبحت المواجهة 23 كم، وأدى اتساع المواجهة بهذا الشكل الى اضطرار قائد كل فرقة الى احتلال مواقعه الدفاعية داخل راس الكوبري بثلاثة ألوية مشاة في النسق الاول، والى وضع اللواء المدرع الذي دعمت به الفرقة في الاحتياطي. وتبعا لذلك أسندت الى اللواء المدرع مهمة الاشتراك مع وحدات واحتياطيات الفرقة المضادة للدبابات في عملية صد الاختراق وتم تكليفه بواجب القيام بالهجوم المضاد لتدمير قوة العدو في حالة نجاحه في اختراق رأس الكوبري واستعادة الأوضاع الى ما كانت عليه. ونتيجة لهذا النظام الدفاعي، أصبح اللواء المدرع يشكل ركيزة أساسية في تحقيق التوازن لرأس الكوبري، واصبح سحبه يؤدي الى تقليصه بل اهتزازه وخلخلته.

رابعا – انت تعلم جيدا يا أخ سعد بحكم دراستك وتجاربك أنه لا يوجد خط دفاعي غير قابل للاختراق، وقد أصبتت تجارب الحروب ذلك. وهذا يعني أن مرحلة الصد التي ستقوم بها أسلحة الفرقة المشاة هي مرحلة مؤقتة، ولابد أن تعقبها مع تركيز العدو لهجومه على مواجهة ضيقة بقوة مدرعة متفوقة مرحلة الاختراق ونفاذ مدرعات العدو في اتجاه العمق، لذا فإني أسالك: أي هي – في غياب اللواء المدرع – قوة الهجوم المضاد في الفرقة المشاة التي ستقوم بتدمير قوة العدو المدرع التي نجحت في الاختراق؟ ان دبابات التعاون الوثيق التي من ضمن تنظيم الفرقة – والتي لم يكن عددها يزيد على 50% من حجمها التنظيمي وقتئذ – سيكون معظمها موزعا على كتائب وسرايا النسق الأول للاشتراك مع باقي الأسلحة المضادة للدبابات في خطة الصد حتى يمكن تغطية مواجهة رأس الكوبري الواسعة وقدرها 24 كم، ولن يبقى بالاحتياط في الخلف سوى عدد ضئيل من الدبابات ليس في مقدرته مع الاحتياطيات المضادة للدبابات التصدي لدبابات العدو خاصة اذا ما نجح في الاختراق كما هو منتظر في أكثر من اتجاه بحكم هجومه بقوة لواءين مدرعين ، ما الحل الذي تقترحه يا أخ سعد لمواجهة هذا الموقف؟ وكيف يمكن تدمير دبابات العدو التي نفذت الى عمق الدفاعات؟

خامسا – هل يمكن تصور التأثير المعنوي الخطير الذي سيحدث في نفوس أفراد الفرق المشاة شرق القناة عند القيام بعملية سحب جميع الألوية المدرعة من رءوس الكباري وعبورها الى الغرب؟ انني لا أزعم أن سحب الألوية المدرعة الى الغرب سوف ينقلب الى انسحاب مذعور لوحدات الفرق المشاة، وأنها سوف تتبع الدبابات الى غرب القناة، ولو أن هذا الاحتمال في الظروف التي كانت قائمة وقتئذ لا يمكن استبعاده من تقديراتنا. لقد سبق أن ذكرت من قبل أن سحب اللواء 3 المدرع (من الفرقة 4 المدرعة) الى الغرب قد تم دون أن يحدث أي تأثير معنوي سيئ على قوات الجيش الثالث، ولكن هناك فرقا كبيرا بين انسحاب لواء واحد فقط وانسحاب جميع الألوية المدرعة جملة واحدة، خصوصا أن اللواء الثالث المدرع لم يكن معينا منذ بدء العبور مثل باقي الألوية المدرعة لتدعيم احدى فرق المشاة، فقد تم تحركه الى الضفة الشرقية للقيام بعملية خاصة وهي عملية تطوير الهجوم شرقا يوم 14 أكتوبر، وعندما فشلت العملية صدر له الامر بالبقاء في راس كوبري الفرقة 19 مشاة، وكان من الطبيعي الا يؤدي سحبه الى الغرب الى اي انخفاض في الروح المعنوية اذ ان اللواء 22 المدرع الذي دعمت به الفرقة 19 مشاة منذ بدء العبور كان ما يزال متمركزا داخل رأس كوبري هذه الفرقة. هل لديك شك ياأخ سعد في أن عملية سحب جميع الالوية المدرعة من شرق القناة – ان كانت لن تؤدي الى انسحاب مذعور – فهل سوف تؤدي قطعا الى تصدع خطير في الروح المعنوية بين جميع القوات الموجودة على الضفة الشرقية؟

===التعامل الخاطئ مع ثغرة الدفرسوار===

لقد ناقشت خلال ردي على رسالة الشاذلي الحجج والبراهين التي ساقها كي يدلل على صواب الاقتراح الذي قدمه مساء يوم 20 أكتوبر بسحب جميع الألوية المدرعة من شرق القناة الى الغرب، وأوضحت بالأدلة القاطعة المخاطر الجسيمة التي كان من المنتظر وقوعها فيما لو كانت القيادة العامة قد أخذت بهذا الرأي. ولقد كان ردي في الواقع بمثابة مناقشة موضوعية لوجهة نظر الشاذلي التزمت فيها بالناحية العلمية والأسلوب المنطقي دون التأثر بأي عوامل شخصية من جهة الذين أيدوا رأي الشاذلي أو عارضوه. وعلى ضوء هذه الدارسة التي أجريناها فإنني أقرر في اقتناع تام ومن أجل الحقيقة والتاريخ أن هذا الاقتراح رغم عدم تعارضه مع أي مبادئ تكتيكية، فانه كان من الخطر تنفيذه من الناحية الواقعية بسبب الأوضاع التكتيتكية السيئة التي كانت قائمة وقتئذ على طول جبهة القتال. ولا شك في أنني أخالف الشاذلي في الرأي الذي أبداه في رده بأن اقتراحه كان الخيار الوحيد الصحيح أمام القايدة، فإنني مع تسليمي بتدهور الوضع العسكري غرب القناة نتيجة لعبور ثلاث فرق مدرعة اسرائيلية الى الضفة الغربية، فان الأخذ باقتراح الشاذلي – نظرا للمشكلات الجسيمة التي تعترض تنفيذه – لم يكن سيؤدي كما سبق أن أوضحت إلى تغيير مؤثر وسريع في الوضع على الضفة الغربية، بينما نستطيع ان نجزم بأن سحب الألوية المدرعة من الشرق سيعقبه تدهور شاملا بلا شك في أوضاع رءوس الكباري المصرية شرق القناة. بحيث لم يكن هناك مفر من سقوط بعضها في يد العدو، وبذا فإن المحصلة النهائية في حالة تنفيذ اقتراح الشاذلي هي أن القوات المصرية كانت ستصاب بكارثة محققة سواء على الضفة الشرقية أو على الشفة الغربية في توقيت واحد.

وإنني يا أخ سعد لا أستطيع أن أدعي أن في امكاني تقديم البديل الأفضل للحل الذي اقترحته أنت مساء يوم 20 أكتوبر، فلقد وصل الوضع التكتيكي لقواتنا – بفضل أخطاء بعض المسئولين بالمركز 10 – إلى مأزق يصعب معه على أي إنسان – مهما بلغت براعته وعبقريته – أن يهتدي الى حل عسكري سليم، اذ ان أي حل مقترح سيكون مليئا بالعيوب والثغرات، ولذا فإن أفضل حل في نظري – رغم اعترافي بما يكتنفه من عيوب جسيمة – كان هو ابقاء الأوضاع على الضفة الشرقية للقناة على ما كانت عليه حتى تظل رءوس الكباري قوية وصامدة، ومحاولة احتواء القوات المدرعة الاسرائيلية غرب القناة بكل ما يمكن حشده من قوات نظامية أو حتى غير نظامية لمنع العدو من توسيع الثغرة غربا.

وما دمنا يا أخ سعد قد تعرضنا لموضوع الثغرة، فسوف أحاول أن أوضح للقراء بايجاز شديد بعض الأخطاء التي وقعت في التعامل معها، كي يخرج منها اخواننا وأبناؤنا في القوات المسلحة بالدروس المستفادة:

1 – لقد حدث تقصير كبير لا يغتفر تسأل عنه قيادة الجيش الثاني وقيادة الفرقة 16 مشاة فقد سمحت القيادتان بترك حصنين من أكبر حصون خط بارليف (على الجنب الأيمن للفرقة 16 مشاة) خاليين دون احتلالهما بعناصر من قواتنا رغم استيلاء قوات الفرقة 16 مشاة عليهما بعد عبور القناة، وهما حصن متسميد (الدفرسوار) وحصن لاكيكان (تل سلام). وكانت النتيجة ان العدو تمكن من الاستيلاء عليهما سرا ليلة 15/16 أكتوبر دون قتال، وقام بالعبور الى الضفة الغربية في هذه الليلة من الدفرسوار دون أن يحس به أحد، واستخدم حصن الدفرسوار بعد ذلك كساحة لعبور قواته، كما استخدم حصن تل سلام لتأمين جنبه الأيسر خلال عمليات العبور.

2 – أخطأ قيادة الجيش الثاني صباح يوم 16 أكتوبر لتأخرها في إبلاغ المعلومات الصحيحة عن عبور القوات الاسرائيلية الى القيادة العامة المركز 10 بالقاهرة، وقامت بسبب عدم تحريها الدقة عن حقيقة الموقف بتضليل القيادة العامة بابلاغها ان القوات الاسرائيلية التي عبرت هي 7 دبابات فقط ، وأن القيادة المحلية سوف تتولى تدميرها في الحال. وأخطأ الشاذلي بدوره خطأ بالغا بحجبه هذه المعلومات التي وصلته قبل ظهر يوم 16 أكتوبر – لفرط استهانته بها – عن القائد العام أحمد اسماعيل وعن رئيس الجمهورية مما جعل السادات يلقي خطابه أمام مجلس الشعب عند الظهر وهو يجهل تماما حقيقة الأمر. ولذا كانت مفاجأة مذهلة للسادات حين عاد الى قصر الطاهرة وعلم عن طريق الاذاعات الخارجية، أن جولدا مائير رئيس الوزراء الاسرائيلية أعلنت في الخطاب الذي ألقته في الكنيسيت الاسرائيلي في الساعة الرابعة مساء يوم 16 أكتوبر، أن القوات الاسرائيلية تقاتل شرق وغرب القناة. وعندما استفسر السادات من أحمد اسماعيل عن صحة النبأ أجابه نفس الاجابة التي كانت أبعد أن تكون عن الحقيقة، وهي أن كل ما عبر الى الغرب عبارة عن 7 دبابات وجار تدميرها.

2 – كان الوضع العسكري في قطاع الجيش الثاني غرب القناة وجنوب ترعة الاسماعيلية يهيئ للعدو فرصة مثالية للعبور الى الغرب، فعلى أثر دفع الفرقة 21 المدرعة – الاحتيطاي التعبوي للجيش الثاني – الى شرق القناة للقيام بعملية تطوير الهجوم شرقا يوم 14 أكتوبر أخطأ القيادة العامة وهيئة عملياتها بعدم تكوين احتياطي تعبوي جديد لديه القدرة على ان يحل محل الفرقة 21 المدرعة. وعلى الرغم من أن منطقة الدفرسوار التي تلتقي عندها قناة السويس بالبحيرة المرة الكبرى كان من المسلم به لدى جميع القيادات انها أخطر منطقة في الجبهة، وأنه في حالة حدوث عبور اسرائيلي الى الغرب ستكون أولى المناطق التي يحتمل عبور العدو من خلالها، وكانت جميع المشروعات التي أجريت قبل الحرب لتدريب مراكز الرئاسات تفترض ضمن مواقفها عبورا اسرائيليا من الدفرسوار، لذا فان الأمر الذي يدعو الى الدهشة ان تسند مهمة حراسة هذه المنطقة وحراسة شاطئ البحيرات المرة الذي يقع جنوبها، الى أضعف قوات في الجبهة (الكتيبة الكويتية في الشمال واللواء الفلسطيني في الجنوب)، وهي قوات ضعيفة التدريب وغير مسلحة إلا بالأسلحة الشخصية وبعض الأسلحة الخفيفة. وكانت عناصرها موزعة على مواجهة واسعة مما لم يسمح بتنظيم أي دفاع حقيقي. وقد ثبت أن لواء المظلات الاسرائيلي الذي كان أفراده أول من عبورا ليلة 15/16 أكتوبر في قوارب مطاطية قد تم ابرارها على الشاطئ الغربي للقناة عند الدفرسوار دون أن يشعر بهم أجد أو تطلق عليه رصاصة واحدة.

4 – لم تبذل القيادة العامة وهيئة عملياتها الاهتمام الذي كان ينبغي بذله لسرعة تدمير القوة الاسرائيلية التي عبرت الى غرب القناة والتي كان من السهل في بادئ الأمر ابادتها أو أسرها ، وذلك بسبب التهوين المستمر في قوتها وحجمها ، وساعد على رسوخ هذا الاعتقاد البعيد عن الواقع المعلومات الخاطئة التي كانت تصل الى قيادة الجيش الثاني والى المركز 10 بالقاهرة، والتي كانت تبعث على الاطمئنات والاستهانة بشأن القوة الاسرائيلية التي عبرت الى غرب القناة، مما كان يكشف بوضوح عن مدى القصور في وسائل جمع المعلومات وأعمال الاستطلاع على جميع المستويات سواء في المخابرات الحربية أو في أفرع الاستطلاع بالجيش الثاني أو في تشكيلاته الميدانية.

5 – رغم صغر حجم وضعف حجم قوات العدو التي عبرت الى غرب القناة في منطقة الدفرسوار ، والتي كانت تتكون من لواء مشاة من المظلات لا يتجاوز عدده 2000 فرد وعدد 30 دبابة وبعض العربات المدرعة ذات نصف جنزير ، وكلها من تشكيل فرقة شارون، وكان القضاء عليها وتصفيتها عملية سهلة في بادئ الأمر ، فقد ظلت القوة الاسرائيلية غرب القناة معزولة عن قواعدها شرق القناة حوالي 40 ساعة وبدون أي تعزيزات اضافية لقوتها بناء على تعليمات الجنرال حاييم بارليف انتظارا لاقامة الجسور الثابتة عبر القناة. ونظرا لسوء الموقف التكتيكي لهذه القوة، فقد فكر بعض القادة الاسرائيليين المسئولين عدة مرات في سحبها واعادتها ثانية الى الضفة الشرقية خوفا عليها من الابادة أو الوقوع في الأسر. ورغم أن القيادة العامة خصصت لعملية الهجوم المضاد على رأس الكوبري الاسرائيلي قوات مصرية كانت تتفوق بشكل واضح على قوات العدو من حيث الحجم والتسليح، فان عملية تصفية الثغرة باءت بالفشل لمخالفة الأسلوب الذي اتبع لتصفيتها للمبادئ التكتيكية السليمة، اذ تم دفع الوحدات المصرية المهاجمة بطريقة الهجوم الموزع ولم تتم أي محاولة لتجميع قوة ضخمة تقوم بالهجوم في وقت واحد لسحق العدو.

6 – رغم أنه بذلت محاولتان كبيرتان لتصفية الثغرة عن طريق مهاجمتها في كل مرة بلواء مدرع كامل، فانه للأسف لم يتم تجميع اللواءين المدرعين للاشتراك في هجوم واحد من الناحية التي كانت يمكن أن يرجى منها النجاح، وهي غرب القناة فقد تم دفع اللواء 25 مدرع مستقل صباح يوم 17 أكتوبر من قطاع الجيش الثالث في الجنوب، ليتقدم شرق البحيرات المرة كي يقوم بتصفية الثغرة عند الدفرسوار شرق القناة، وهي المهمة التي أطلق عليها الشاذلي في رده اسم المهمة المجنونة. وفي يوم 18 أكتوبر تم دفع اللواء 23 مدرع من منطقة تقاطع عثمان أحمد عثمان شرقا ليقوم بتصفية الثغرة عند الدفرسوار غرب القناة. ومما يدعو الى العجب أن تتولى فرقة اسرائيلية واحدة وهي فرقة الجنرال ابراهام أدان مهمة تدمير اللواءين المدرعين في يومين متتالين، مستغلة تفوقها الكبير في عدد الدبابات بالنسبة لكل لواء منهما على حدة. ففي يوم 17 أكتوبر دمرت فرقة أدان اللواء 25 مدرع مستقل شرق القناة جنوب الدفرسوار، وفي ليلة 17/18 أكتوبر عبرت فرقة أدان الفرقة الى الغرب على أول جسر اسرائيلي يقام فوقها وانتهى عبورها قبل الفجر. وفي صباح 18 أكتوبر قامت فرقة أدان بتدمير اللواء 23 مدرع غرب الدفرسوار. وكان رفض السادات لاقتراح الشاذلي يوم 16 أكتوبر بدفع اللواء 25 مستقل من غرب القناة بدلا من شرقها سببا في وقوع أول خلاف حاد بين الرجلين.

7 – قامت القيادة العامة وهيئة عملياتها قبل العبور الاسرائيلي بتوزيع وبعثرة وحدات الاحتياطي التعبوي شرق القناة وغربها. وهذا التصرف من القيادة العامة بالاضافة الى توزيعها لمعظم وحدات الاحتياطي الاستراتيجي المتمركز تحت يدها في القاهرة، والمفترض ان يكون على استعداد للقيام بالضربة المضادة في حالة فشل الهجوم المضاد الرئيسي على مستوى الجيوش، لهو دليل واضح على ان هيئة العمليات بالقيادة العامة لم تكن تتوقع اطلاقها قيام العدو بعملية اختراق للدفاعات المصرية شرق القناة ثم القيام بعملية عبور الى الغرب لاقامة رأس كوبري على الضفة الغربية. وكان تشتت الاحتياطي التعبوي للجيشين الثاني والثالث سببا في عجز قائديهما عن شن أي هجوم مضاد رئيسي ضد العدو، كما كان تشتت الاحتياطي الاستراتيجي سببا في عجز القيادة العامة عن القيام بالضربة المضادة المنتظرة، مما أدى الى ان تتسع ثغرة الاختراق الاسرائيلية وتستفحل غرب القناة الى الدرجة التي لم تكن تخطر على بال أحد من القادة الاسرائيليين حتى في أكثر أحلامهم تفاؤلا.

وهكذا نجحت هذه المؤامرة الاسرائيلية المتهورة هذا النجاح المذهل بسبب الطريقة الخاطئة التي تم التعامل بها مع الثغرة. ولا شك في أن المسئولية عن حدوث ثغرة الاختراق في الدفرسوار وعن التعامل الخاطئ معها يشترك في تحملها عدد كبير من القادة بالمركز 10، وكذا قيادة الجيش الثاني الميداني، وقيادة الفرقة 16 مشاة . هذا بالاضافة الى القيادة السياسية التي كان يمثلها الرئيس الراحل السادات بسبب تدخله المستمر في أخطر القرارات العسكرية رغم ان هذا لم يكن من اختصاصه، كما لم تكن لديه المؤهلات التي تسمح له باصدار مثل هذه القرارات.

ونختتم بذلك الحوار البناء الذي دار بيننا وبين الفريق الشاذلي حول واحدة من أهم القضايا التي أثيرت خلال المرحلة الأخيرة من حرب أكتوبر، والتي أثارت جدلا شديدا بين العسكريين سواء في مصر أو في الخارج، وهي اقتراح الشاذلي بسحب جميع الألوية المدرعة من شرق القناة الى الغرب لمواجهة التهديد الاسرائيلي. ولقد اتيحت لنا الفرصة لكي يعرض كل منها وجهة نظره الكاملة، وليسوق كل منا ما لديه من حجج وأسانيد كي يبرهن على صحة رأيه. ونأمل أن يكون القراء قد استفادوا الفائدة المرجوة من هذا النقاش الجاد الذي جرى بأسلوب علمي وبطريقة موضوعية وبعيدا عن أي اسفاف أو مهاترات. وأنتهز هذه الفرصة لأشكر الأخ سعد الشاذلي على رسالته التي هيأت لنا المجال لهذا الحوار المفيد.

ملحق 5

  • الرسالة الثانية من الفريق سعد الشاذلي الى جمال حماد، ورد جمال حماد على الرسالة الثانية

ان الموضوع الذي يدور الحوار بيني وبين جمال حماد يمكن تقديمه على شكل سؤالين: السؤال الأول هو: "أيهما كان أفضل من وجهة النظر التعبوية المصرية مساء يوم 20 أكتوبر 1973: أن نسحب الألوية المصرية أرقام 1 و14 و24 و22 من شرق القناة للزج بها في الأيام التالية في المعركة التي كانت تسير في غير صالحنا غرب القناة في منطقة الدفرسوار، أم أن تبقى هذه الألوية في مكانها حتى نهاية الحرب؟ ". والسؤال الثاني هو: "من الذي اقترح سحب هذه الألوية المدرعة الأربعة؟ ومن الذي عارض سحبها؟".

وللرد على هذا السؤال الأول فانه يتحتم علينا ان نقوم باجراء مقارنة بين القوات المصرية والقوات الاسرائيلية مساء يوم 20 أكتوبر في كل من شرق القناة وغربها. وان نجري مقارنة اخرى بين قواتنا وقوات العدو على أساس الاحتمالات التي قد يتخذها العدو خلال الأيام الثلاثة أو الأربعة التالية. وللرد على هذا السؤال الثاني، فانه يمكن الرجوع الى سجلات الحرب والى شهادة الذين حضروا المؤتمر العسكري الذي عقد بالمركز 10 مساء يوم 20 أكتوبر.

كما سوف نرى، فقد قام جمال حماد باجراء مقارنة عامة تؤكد تفوق العدو علينا غرب القناة. ولكنه لم يجر مقارنة دقيقة تبين قدرة قواتنا شرق القناة على صد أي هجوم مدرع يقوم به العدو. ولذلك فانه توصل الى استنتاجات خاطئة. كما أنه لم يتوخ الدقة التي عرفناها عنه للكشف عما دار في مؤتمر القيادة يوم 20 أكتوبر. ولكن قبل أن أتعرض لتلك التحليلات والاستنتاجات، فاني سأقوم بالتعقيب على المواقف الايجابية والسلبية التي وردت على لسان جمال حماد.


أهمية تشكيل احتياطي

ان ما أبداه جمال حماد عن أهمية الاحتفاظ باحتياطي تعبوي واحتياطي استراتيجي تحت يدة القيادة العامة للقوات المسلحة.. وانه عند الزج بأي جزء من هذا الاحتياطي في المعركة، فانه يتحتم تشكيل احتياطي آخر يحل محله.. هو من البديهيات التي يعرفها القادة على جميع المستويات. ولكني أود أن أوضح للقارئ أننا كدولة من دول العالم الثالث لا تصنع السلاح المتطور بل تستورده من دول أخرى، فاننا نبدأ الحرب وبعد تعبئة قواتنا الاحتياطية، فانه لا يتبقى لدينا احتياطي من السلاح المتطور الذي يمكن استخدامه في سد الخسائر أو في تشكيل وحدات جديدة.

وحتى لو افترضنا توافر هذا السلاح في المخازن، فان تشكيل وحدات جديدة – لكي تحل مكان الاحتياطيات التعبوية والاستراتيجية التي تستهلك في المعارك – يحتاج الى وقت طويل لا تسمح به طبيعة الحروب القصيرة التي تندلع بيننا وبين إسرائيل. ومن هنا، فان القيادة العامة للقوات المسلحة يجب أن تكون حريصة جدا في استخدام احتياطياتها التعبوية والاستراتيجية، وأن تلجأ إلى أسلوب المناورة بالقوات عندما ترغب في خلق احتياطيات جديدة بدلا من الاحتياطيات التي تضطر الى الزج بها في المعرك’. وأقصد بالمناورة هنا أن تقوم بسحب بعض وحداتنا من الاتجاهات غير المعرضة لكي تشكل بها احتياطيات جديدة بدلا من تلك التي تم توزيعها او تم استخدامها في اتجاهات أخرى. تماما كما يفعل لاعبو الشطرنج. فاذا ركز أحدهم هجومه في اتجاه معين. فان خصمه يتحتم عليه أن يسحب عددا من قطعه من الاتجاهات غير المهددة وأن يحشدها في الاتجاهات المهددة.

واذا كنا نريد حقا أن نستفيد من أخطائنا في حرب أكتوبر، وألا تذهب هدرا الدماء الزكية التي استشهدت في تلك الحرب المجيدة، فيجب علينا أن نعترف بأن القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية قد ارتكبت اخطاء جسيمة فيما يتعلق بتوزيع استخدام احتياطياتها التعبوية والاستراتيجية، وأناه لم تحاول قط استخدام اسلوب المناورة لخلف احتياطيات جديدة بدلا من تلك التي قامت ببعثرتها او التي تسببت في تدميرها نتيجة سوء استخدامها.

لقد بدأنا حرب أكتوبر وكانت لدينا 9 ألوية مدرعة كان من المفتروض أن تبقى جميعها في الاحتياطيات التعبوية والاستراتيجية، طبقا لخطة المآذن العالية قبل أن تتطور الى الخطة بدر. فقد كنت على اقتناع بأن الفرق المشاة بما لديها من دبابات (ضمن تنظيم الفرقة المشاة 4 كتائب دبابات) ووسائل مضادة للدبابات، كانت قادرة على تنفيذ المهام المكلفة بها ضمن الخطة دون الحاجة الى تدعيمها بلواء مدرع. ولكن السادات طلب من أحد اسماعيل أن يتم الاستيلاء على القنطرة في أسرع وقت ممكن حتى يمكنه ان يستغل ذلك دعائيا، فما كان من أحمد اسماعيل الا أن أمر بتدعيم الفرقة المكلة بالاستيلاء على القنطرة بلواء مدرع. ثم عاد السادات يكرر نفس الطلب بالنسبة للاسماعيلية والسويس. فهو يريد أن تصبح المدينتان خارج مرمى مدفعية العدو في أسرع وقت ممكن، فما كان من احمد اسماعيل الا أن أمر بتدعيم الفرقتين اللتين تدخل المدينتان في قطاعينهما كل بلواء مدرع. وهنا أبدى قائدا الفرقتين الباقيتين شكواهما، وطالبا بالمساواة مع الفرقة الثلاثة الأخرى، فأمر أحمد اسماعيل بتدعيم كل منهما بلواء مدرع. وكان هذا يعني أننا بعثرنا 5 ألوية مدرعة من اجمالي 9 ألوية، هي كل ما نملك منذ اللحظة الأولى للمعركة. وكان هذا هو الخطأ الأول. ولم أعارض بشدة هذا التصرف، نظرا لعلمي بالظروف النفسية التي دفعت السادات وأحمد اسماعيل الى هذا النهج، وذلك على أمل أن يتم سحب هذه الألوية المدرعة الخمسة الى الاحتياطيات التعبوية والاستراتيجية حال أن تنتهي الفرق المشاة من تعزيز مواقعها شرق القناة.

ولو أننا قمنا باعادة هذه الألوية المدرعة الخمسة إلى الاحتياطيات التعبوية والاستراتيجية كما كان مفترضا، لانتفى الخطأ، وأصبح الوصف الصحيح لقرار تدعيم كل فرقة مشاة بلواء مدرع هو مبالغة في الحرص. فالخطأ اذن هو تقاعس القيادة العامة في سحب هذه الألوية اعتبارا من يوم 11 و12 أكتوبر، وبالاضافة الى هذا الخطأ البين، فإن القيادة العامة بدأت تفكر في دفع ألوية مدرعة أخرى الى الشرق اعتبارا من يوم 11 أكتوبر. وقد تم فعلا لواءين مدرعين الى الشرق يومي 12 و13 أكتوبر، وكان ذلك على حساب الاحتياطيات التعبوية والاستراتيجية التي تقلصت الى لواءين مدرعين فقط اعتبارا من فجر يوم 14 أكتوبر.

ومع أن القيادة العامة كان يجب عليها أن تتوقع أن خلو منطقة غرب القناة من القوات سوف يشجع العدو على أن يعبر بقواته الى الغرب بعد فشل هجومنا يوم 14 أكتوبر، وبالتالي كان يجب عليها أن تسبق ذلك بسحب عدد من الألوية المدرعة من الشرق ، فانها لم تفعل ذلك. حتى بعد حدوث ثغرة الدفرسوار، فان القيادة العامة كانت تعارض سحب أي لواء مدرع من الشرق تحت شعار زائف وهو عدم سحب أي بندقية أو جندي ناهيك عن دبابة واحدة من الشرق الى الغرب، فقد بقيت القيادة العامة جامدة في تفكيرها، فلم تقم بسحب أي قوات مدرعة من شرق القناة كي تتصدى بها الحشود المدرعة التي أخذت تتزايد يوما بعد يوم غرب القناة، الى أن وصلت الى 7 ألوية مدرعة في مواجهة لواءين مدرعين مصريين. وكان هذه التصرفات الشاذة من القيادة العامة للقوات المصرية مثار خلاف شديد بين الفريق الشاذلي من جانب وبين السادات وأحمد اسماعيل من الجانب الآخر، مما تسبب عنه مواجهات شديدة كان أكثرها صخبا تلك المواجهة التي قامت بين الشاذلي والسادات يوم 16 أكتوبر، فقد كان الشاذلي يريد سحب اللواء 25 مدرع مستقل وباقي وحدات الفرقة الرابعة المدرعة من شرق القناة والزج بها في معركة ضد قوات العدو في منطقة الدفرسوار، بينما كان السادات يرفض سحب أي جندي من شرق القناة. وفي مساء يوم 20 أكتوبر تقدم الشاذلي باقتراح آخر يقضي بسحب أربعة ألوية مدرعة من الشرق، وقال ان هذه هي الفرصة الأخيرة، وانه اذا لم نبادر باتخاذ هذه القرار الآن فسوف تقع كارثة لا يعلم أبعادها إلا الله. ولكن هذا الاقتراح تم اجهاضه كغيره من الاقتراحات السابقة. وتمت الكارثة كما توقع الشاذلي، وبعد ثلاثة أيام كان قد تم حصار الجيش الثالث ومدينة السويس، وتم استيلاء العدو على ميناء الأدبية على خليج السويس !!


عندما أقرأ ما يكتبه حماد أشعر أحيانا كأني أمام باحث مدقق ورجل عسكري مثقف واسع الاطلاع. وأحيانا أخرى كأني أقرأ مرافعة محام وهب نفسه للدفاع عن السادات في قضية تشير جميع الأدلة إلى أنها خاسرة. وما يحزني حقا هو أن مرافعات جمال حماد المحامي، كثيرا ما تفسد الجانب المضئ في جمال حماد الباحث والمحلل العسكري.

لقد أقر جما حماد الباحث بأن الشاذلي وسعد مأمون وعبد المنعم واصل عارضوا قرار تطوير الهجوم نحو المضايق. واعترف أن تطوير الهجوم بتاريخ يوم 14 أكتوبر كان قرارا خاطئا. وورد ضمن تحليله لهذه العملية ما يلي:

"كان قرار تطوير الهجوم نحو المضايق يوم 14 أكتوبر قرارا عاطفيا خاطئا. ونتيجة لهذا القرار الخاطئ، فشل الهجوم المصري وتكبدت القوات المسلحة خسائر فادحة، واهتزت الروح المعنوية لقواتنا بينما ارتفعت الروح المعنوية لقوات العدو. ولم يحقق هذا الهجوم أهدافه. فلم تسحب إسرائيل أي جزء من قواتها من الجبهة السورية الى الجبهة المصرية. وعلى أثر ذلك، تمكنت القوات الاسرائيلية من انتزاع ميزة المبادأة من يد القوات المصرية التي ظلت في حوزتها منذ بداية الحرب". ولكن جمال حماد المحامي أضاف بعد ذلك قائلا: "كان الضغط السوري الملح على القيادة المصرية لكي تتقدم الى المضايق لتخفيف الضغط عن سوريا سببا في اصدار السادات لهذا القرار الذي كان موعده المناسب قد فات نتيجة للوقفة التعبوية التي لم يكن لها ما يبررها لمدة خمسة أيام من 9 إلى 13 أكتوبر". وفي غمرة الدفاع عن قرار السادات الخاطئ لم يتعرض جمال حماد الباحث الى الأسباب التي أدت الى هذه الوقفة التعبوية. تلك الأسباب التي ذكرتها بالتفصيل في مذكرتي عن حرب أكتوبر التي لا شك في أن جمال حماد اطلع عليها، ومع ذلك فانه لم يتعرض قط لمناقشتها.

خطة القضاء على الثغرة يوم 17

انتقد جمال حماد الباحث خطة القيادة العامة للقوات المسلحة للقضاء على ثغرة الدفرسوار يوم 17 أكتوبر. فقال عند تحليله لهذه الخطة الموضوعة ما يلي:

"لقيت هذه الخطة معارضة شديدة، وأحدثت انقساما حادا بين القادة داخل المركز 10 الى الحد الذي أدى الى دعوة الرئيس السادات للحضور بنفسه الى المركز 10 لابداء رأيه في هذا الخلاف، وعند حضوره بعد ساعات قليلة لم يلبث أن أيد القائد العام وثار ثورة عنيفة في وجه القادة الذين طلبوا عبور اللواء 25 مدرع الى الغرب لدفعه من هذا الاتجاه. وأمر بعدم سحب أي قوات من الشرق الى الغرب او مجرد مناقشة هذه الفكرة على الاطلاق". ولكن جمال حماد المحامي حرص على آلا يثير من قريب أو بعيد الى خطة الشاذلي للقضاء على الثغرة. تلك الخطة التي كانت تتضمن سحب اللواء 25 مدرع وباقي وحدات الفرقة الرابعة المدعمة الملحقة على فرق المشاة شرق القناة خلال ليلة 16/17 ، وتوجيه ضربة مدرعة ضد الثغرة فجر يوم 17 أكتوبر.

تلك الخطة التي ثار بسببها السادات ثورة عارمة في وجه الشاذلي ظهر يوم 17 أكتوبر. أقر جمال حماد الباحث أن الشاذلي ذهب الى الجيش الثاني مساء يوم 18 أكتوبر، وأنه عادة الى المركز 10 بعد ظهر يوم 20 أكتوبر بعد فترة غياب حوالي 44 ساعة، وكان السادات قد ذكر في أكثر من مناسبة أن "الشاذلي ذهب الى الجيش الثاني يوم 16 أكتوبر. وانه كان في استطاعته أن يقضي على الثغرة فور وصوله، ولكنه أضاع 24 ساعة لانشاء قيادة ينافس فيها قيادة أحمد اسماعيل، وأنه منع قوات الصاعقة التي بعثها السادات للقضاء على الثغرة من الاشتباك مع العدو في منطقة الدفرسوار، وأنه عاد من الجبهة منهارا يوم 19 لكي يوصي بضرورة سحب كل قواتنا من الشرق".

وقد كذب جمال حمال الباحث كل هذه الادعاءات، وأقر بأن الشاذلي عندما عاد الى المركز 10 يوم 20 أكتوبر أوصى بضرورة سحب جزء من القوات (القوات المدرعة) من الشرق لكي يتعامل بها ضد العدو في الغرب. وفي هذا الموضوع بالذات تغلبت شخثية جمال حماد الباحث على شخصية جمال حماد المحامي. وقال في شجاعة ان السادات قد ادعى كل ذلك على الشاذلي لكي يحمله وحده مسئولية ثغرة الدفروسار. واني اسجل له هذا الموقف الشجاع الذي لم يصدر بشكل علني من أي كاتب أو صحفي أو سياسي مصري طوال الثلاث عشرة سنة الماضية، رغم عشرات الكتب ومئات المقالات التي نشرت في مصر والتي سجلت فيها ادعاءات السادات.


أين كان اللواء 15 يتمركز؟

ذكرت في مقالي السابق أن اللواء 15 مدرع ليس ضمن الألوية المدرعة التي كنت أريد سحبها ليلة 20/21 أكتوبر لاشتراكها في المعركة ضد الثغرة، حيث ان هذا اللواء كان يتحتم الاحتفاظ به في احتياطي الجيش الثاني غرب القناة وشمال ترعة الاسماعيلية. وكنت قد ذكرت في كتابي عن حرب أكتوبر أن اللواء عبد المنعم خليل قائد الجيش الثاني قد أبلغني مساء يوم 18 أكتوبر عندما وصلت الى مركز قيادته، أنه قرر سحب اللواء 15 مدرع من شرق القناة لكي يصبح في احتياطي الجيش شمال ترعة الاسماعيلية.

فلقت له: حسنا فعلت لأن هذا هو الاستخدام الصحيح للقوات المدرعة. ولم أهتم بعد ذلك بهذا الموضوع لان كل اهتمامي كان موجها الى ما يدور في منطقة الدفرسوار. وحيث اني كنت أعلم أن السادات وأحمد اسماعيل يعارضان سحب أي وحدة من الشرق، فإنني لم أثر هذا الموضوع أمام أحمد اسماعيل عند عودتي الى المركز 10 مساء يوم 20، وافترضت أن اللواء 15 مدرع ما زال غرب القناة شمال ترعة الاسماعيلية كما أبلغني اللواء عبد المنعم خليل. ولكن جمال حماد خلق مشكلة عن مكان تمركز اللواء 15 مدرع يوم 20 أكتوبر. وأخذ يصر على أن هذا اللواء لم يتم سحبه من شرق القناة الا بعد وقف اطلاق النار. وجاء على لسانه ما يلي: "اذا كان لدى الشاذلي أي شك في كلامي، فانني أنصحه بالاتصال بالأخ اللواء تحسين شنن محافظ السويس حاليا لكي يتأكد بنفسه من صدق ودقة المعلومات التي ذكرتها". ومع جزئية هذا الموضوع وعدم تأثيره من قريب أو بعيد على موضوع الحوار، فانه ما دام يحظى بهذا الاهتمام من جمال حماد ، فاني أنصحه بأن يعيد قراءة ما كتبه هو نفسه في دراسته حين كان يتحدثعن مقارنة القوات المدرعة المصرية والاسرائيلية يوم 20 أكتوبر. فقد قال بالحرف الواحد: "كان للعدو غرب القناة 7 ألوية مدرعة (3 في فرقة أدان، 2 في فرقة شارون، 2 في فرقة ماجن) بينما لم يكن للقوات المصرية سوى 3 ألوية مدرعة (2 في الفرقة الرابعة المدرعة، علاوة على اللواء 15 المدرع المستقل بقطاع الجيش الثاني شمال ترعة الاسماعيلية). وبمقارنة القوات بعضها ببعض يتضح أن العدو كان يتفوق على قواتنا غرب القناة بنسبة 7 إلى 3 أي أكثر من الضعف". فأيهما نصدق يا أخ جمال؟ وقد سبق أن كتب جمال حماد الباحث ما يلي: "إن غرضنا الأساسي من اجراء هذه الدراسة هو الاجابة بطريقة علمية وبأسلوب موضوعي عن السؤال المهم الذي ظلا بلا أجابة حتى الان، وهو: "هل كان ممكنا من الناحية الواقعية تنفيذ الاقتراح الذي تقدم به الفريق سعد الشاذلي رئس الأركان الى الفريق أول أحمد اسماعيل القائد العام في مساء يوم 20 أكتوبر بمقر القيادة العامة بالمركز 10 عقب عودته الى الاسماعيلية، وهو سحب ثلاثة ألوية مدرعة من الجيش الثاني ولواء مدرع من الجيش الثالث من شرق القناة الى الغرب لضرب الثغرة؟".

والموضوع ببساطة شديدة يتطلب من أي باحث ان يجيب عن السؤال التالي: "أيهما كان أفضل للقوات المسلحة المصرية مساء يوم 20 أكتوبر؟ أن تسحب تلك الألوية المدرعة من الشرق للتعامل بها ضد الثغرة في الغرب، أم تبقى في أماكن تمركزها شرق القناة حتى نهاية الحرب؟". ولكن جمال حماد المحامي اعتمد في دفاعه عن السادات على نقطتين رئيسيتين:

النقطة الأولى هي عدم امكانية سحب الألوية الأربعة. النقطة الثانية هي أن جميع القادة العسكريين الذين حضروا مؤتمر القيادة مساء يوم 20 أكتوبر عارضوا سحب هذه الألوية الأربعة من الشرق. وتصور أنه بذلك يمكنه أن يجد للسادات مخرجا ويشرك جميع القادة العسكريين في مسئولية القرار الذي يقضي بعدم سحب الألوية المدرعة من الشرق.

أما عن النقطة الأولى، فلكي يكون الدفاع مقنعا، فانه يجب أن تجرى مقارنة بين قواتنا وقوات العدو شرق وغرب القناة مساء يوم 20 أكتوبر، ويوضح عدد الدبابات لدى كل طرف، ولكن جمال حماد المحامي اخذ يترافع عن موقف ألويتنا المدرعة مساء يوم 18 أكتوبر، أي قبل يومين من التوقيت الذي ينعقد فيه مؤتمر القيادة في المركز 10 . أنا شخصيا لا أستطيع أن أقدم اليوم يومية قتال تبين عدد الدبابات التي كانت في كل لواء مدرع مساء يوم 20 أكتوبر، ولكني أرفض في نفس الوقت رفضا باتا الأرقام التي قدمها جمال حماد عن موقف قواتنا المدرعة يوم 18 أكتوبر. فلو صحت هذه الأرقام، فان ذلك يعني أن مصر قد خسرت 85 بالمائة من قواتنا المدرعة حتى يوم 18 أكتوبر فقط. في حين أن يوميات القتال تبين عدد الدبابات في الألوية الاربعة المدرعة يوم 25 أكتوبر، أي بعد وقف اطلاق النار، وبعد أسبوع آخر من القتال، تبين أن خسائرنا في الدبابات كانت أقل من ذلك بكثير جدا. وأنا لن أحدد اجمالي خسائرنا في الدبابات في تلك الحرب حتى أتهم بأني أذيع أسرار حربية. ولكني أشير إلى ما أعلنه السادات نفسه في خطاب له نشر بصحيفة الأهرام بتاريخ 1/10/1976، يقول فيه ان اجمالي خسائرنا في الدبابات كانت 500 دبابة. وهي نسبة تقل عن 30% من عدد الدبابات التي دخلنا بها الحرب. طبعا ستقول ان نسبة الخسائر في لواء مدرع قد تختلف عن نسبة الخسائر في لواء آخر أو في كتيبة دبابات من تلك التي تدخل في تنظيم المشاة. وهذا صحيح. وقد تطعن في مصداقية السادات ، وان كان ذلك سيضعف موقف السادات الذي تدافع عنه. ولذلك ومن أجل كل لواء مدرع وكتيبة دبابات مساء يوم 20 أكتوبر، كما تقوم اللجنة بتقدير دبابات العدو شرق وغرب القناة في نفس التوقيت. حيث انه بدون الاتفاق على ذلك، فاننا سندخل في مناقشات بيزنطية لن توصلنا الى شئ. فهل يقبل جمال حماد الباحث بقرار هذه اللجنة؟

يقول جمال حماد ضمن دراسته: "إن الأمر الثابت وفقا للمراجع الموثوق بصحتها، والذي رهن على صدقه مجرى الأحداث نفسه، أن أسرائيل استطاعت ان تحشد أمام الجبهة المصرية 10 ألوية مدرعة وليس 9 ألوية مدرعة". ويلاحظ أن جمال حماد يتحدث على أساس المعلومات المتيسرة بعد 13 سنة من انتهاء الحرب. أما أنا فإني أتحدث على أساس المعلومات التي كانت متيسرة لدينا مساء يوم 20 أكتوبر، والمرجع لنا في ذلك الوقت هو ادارة المخابرات الحربية فرع الاستطلاع. ومع ذلك فحتى لو افترضنا صحة البيانات التي قدمها جمال حماد وأن العدو مساء يوم 2 أكتوبر 73، كان له 7 ألوية مدرعة غرب القناة و3 ألوية مدرعة شرق القناة، فإن ذلك لن يغير اطلاقا من سلامة اقتراح الشاذلي بسحب الألوية المدرعة الأربعة ليلة 20/21 أكتوبر. بل العكس هو الصحيح، إذ انه يجعل الاقتراح بسحب الألوية المدرعة الأربعة أكثر الحاحا.

هذا هو من ناحية المقارنة في الغرب، أما بالنسبة لاجراء مقارنة تبين قدرة تشكيلاتنا في الشرق على صد أي هجوم مدرع يقوم به العدو بواسطة الألوية المدرعة الثلاثة التي يملكها في الشرق، فقد مر جمال حماد عليها مرورا سريعا بتوجيه سؤال الى الشاذلي يقول فيه: "هل كان في مقدور الفرقة 16 مشاة أن تصد هجوما مدرعا يقوم به لواء مدرع قوامه 120 دبابة؟". وأقول له بدون تردد: نعم، وبكل تأكيد .. والحكم في ذلك هو حساب عدد الدبابات والقطع المضادة للدبابات التي كانت بحوزة الفرقة 16 مشاة مساء يوم 20 أكتوبر.

وبالاضافة الى هذا السؤال أثار جمال حماد نقطة مهمة جدا وهي احتمال أن يقوم العدو بسحب عدد من ألويته المدرعة من غرب القناة الى شرقها، وذلك عندما قال: "وبهذه المناسبة أود أن أوجه نظر الشاذلي الى أمر مهم ربما يكون قد غاب عن ذهنه، وهو أن الفكرة التي كان يقترح تنفيذها مساء يوم 20 أكتوبر بسحب الألوية المدرعة من الشرق الى الغرب كان يمكن للعدو أيضا التفكير في تنفيذها ولكن في عكس الاتجاه بالطبع. أي قد يفكر في سحب بعض وحداته المدرعة من غرب القناة الى الشرق، مما يؤدي الى مضاعفة حجم قواته شرق القناة في فترة قصيرة". واليه أقول: لم يغب عني ذلك، فقد كنت أتمنى حدوثه. ولو فعل العدو ذلك فانه يعني أننا قد انتزعنا منه المبادأة. ان اجراء تحركات بواسطة وحداتنا وتشكيلاتنا يترتب عليها ارغام العدو على التصرف طبقا لارادتنا ، هو قمة النجاح على المستوى التعبوي والاستراتيجي. . فلو سحب العدو ألويته المدرعة السبعة الى شرق القناة، فاننا نكون قد حققنا مكاسب متعددة أجملها فيما يلي: واحد: تصفية الثغرة في منطقة الدفرسوار. اثنين: العودة الى خططنا الاصلية التي تقوم على أساس استنزاف القوة البشرية للعدو واطالة فترة الحروب، وهمان نقطتا الضعف الرئيسيتان لدى العدو. وبالاضافة الى ذلك، فليس هناك أي خوف على مواقعنا شرق القناة. فليس من المعقول ان تتغلب 10 ألوية مدرعة اسرائيلية على 5 فرق مشاة. قد يستطيع العدو أن يركز هجومه المدرع على احدى الفرق المشاة. وقد ينجح في تدمير الفرقة 16، ولكنه كان سيدفع ثمنا غاليا جدا لا يستطيع من بعده أن يواصل القتال، وتطول الحرب ويستمر استنزاف قوة العدو البشرية التي هي أساس الخطة التي دخلنا بها حرب أكتوبر..

موقف القادة من اقتراح الشاذلي

النقطة الثانية التي تقدم بها جمال حماد لتبرير قرار السادات الذي كان يقضي برفض اقتراح الشاذلي بسحب الألوية المدرعة من الشرق يوم 20 أكتوبر، هي اعتقاده بأن السادات ما كان ليرفض الاقتراح لو أن القادة العسكريين أيدوه.. وهو لذلك يستنتج – مجرد استنتاج لا يعتمد على دليل – أن القادة العسكريين عارضوا اقتراح الشاذلي وأيدوا قرار السادات.. وهدف جمال حماد من ذلك واضح .. فهو يريد أن يقول ان القرار الذي اتخذه السادات في هذا الموضوع هو قرار جماعي .. وحتى لو ثبت أنه كان قرارا خاطئا فان مسئولية الخطأ لا تقع على السادات وحده وانما تمتد لتشمل كل من أيد هذا القرار.

في مذكراتي التي نشرتها عن حرب أكتوبر، ذكرت أسماء القادة الذين حضروا مؤتمر القيادة مساء يوم 20 أكتوبر، ولكني لم أذكر تفاصيل ما دار في هذا المؤتمر احتراما لحقوق الزمالة، وحتى أتيح لكل منهم توضيح موقفه نفسه. لقد حضر هذا المؤتمر ثمانية رجال غيري، مات منهم حتى الآن ثلاثة هم: السادات وأحمد اسماعيل، وعبد الفتاح عبد الله. وما زال على قيد الحياة خمسة هم اللواءات طبقا لرتبهم في ذلك الوقت: محمد علي فهمي قائد الدفاع الجوي، حسني مبارك قائد القوات الجوية، عبد الغني الجمسي رئيس هيئة العمليات، سعيد الماحي مدير المدفعية، فؤاد نصار مدير المخابرات. وبدلا من أن يذهب جمال حماد الباحث الى هؤلاء القادة ليسألهم عما دار في المؤتمر، فان جمال حماد المحامي أعلن في دفاعه أن الاستنتاج الوحيد لعدم قيام الشاذلي بذكر تفاصيل ما دار في هذا المؤتمر هو أن هؤلاء القادة لابد أنهم عارضوا اقتراحه بسحب هذه الألوية المدرعة، وبالتالي يكون رفض السادات لاقتراح الشاذلي قد تم بتأييد من جميع القادة العسكريين! ولا أعرف كيف يقبل جمال حماد الباحث بهذا الاستنتاد دون بحث وتمحيص؟ أليس هناك احتمالات أخرى غير ذلك؟ أما كان الأجدر بجمال حماد الذي يحاورني وأنا على مسافة 3000 كيلو متر بعيدا عنه، أن يسعى الى لقاء مع هؤلاء القادة الذين يعيشون جميعا في القاهرة على بعد خطوات منه لكي يستمع الى شهادتهم قبل أن يدلي بهذا الاستنتاج المتسرع؟ ... لن أزيد اليوم في الحديث عن هذا الموضوع أكثر من ذلك، ولكني في انتظار ما ينشره جمال حماد بعد لقائه مع هؤلاء القادة الخمسة.

سبق أن قلت ان الاقتراح بسحب الألوية المدرعة مساء يوم 20 أكتوبر كان هو أفضل الحلول المتاحة أمامنا مساء يوم 20 أكتوبر .. وطالبت من يعارض هذا الاقتراح أن يقدم البديل.. وسبق أن قلت أن أفضل خطة للقضاء على الثغرة هي التي اقترحتها يوم 16 أكتوبر ولكنها لم تنفذ. ولكن جمال حماد انتهى من تحليله الى القول: "إنني يا أخ سعد لا أستطيع أن أدعي أن في إمكاني تقديم البديل الأفضل للحل الذي اقترحته أنت مساء يوم 20 أكتوبر، فقد وصل الموقف التكتيكي لقواتنا – بفضل أخطاء المسئولين في المركز 10 الى مأزق يصعب معه على أي انسان – مهما بلغت براعته وعبقريته – أن يهتدي الى حل سليم، اذ ان أي حل مقترح سيكون مليئا بالعيوب. ولذا فان افضل حل في نظري – رغم اعترافي بما يكتنفه من عيوب جسيمة – كان هو ابقاء الأوضاع على على الضفة الشرقية للقناة على ما كانت عليه، حتى تظل رءوس الكباري قوية صامدة، ومحاولة احتواء القوات المدرعة الاسرائيلية غرب القناة بكل ما يمكن حشده من قوات نظامية أو حتى غير نظامية لمنع العدو من توسيع الثغرة غربا".

وأنت حر يا أخ جمال حماد في أن تدلي برأيك الذي تقتنع به. ولكني أختلف معاك اختلافا جذريا حول هذا الاستنتاج. ويكفي أن نعلم أن هذا القرار الذي اتخده السادات، والذي تؤيده أنت اليوم، قد أدى الى حصار الجيش الثالث ومدينة السويس.. فهل تعتقد أن الأخذ باقتراحي كان سيؤدي الى ما هو أسوأ من ذلك؟ ان هذا الموضوع أكثر من أن ينتهي بهذا الحوار الضيق. بل يجب أن يكون موضوع دراسات ومناظرات يشترك فيها أكبر عدد من العسكريين والسياسيين. ومهما اختلفنا في الرأي ، فسيكون لك دائما الفضل في أنك أول من فتح هذا الملف المهم. وقبل أن أنهي هذا الحوار أود أن أعتذذر مقدما عن أي كلمة أو تعبير جاف يكون قد صدر مني. . فأنت يا أخ حماد تمارس الكتابة كباحث وكمدافع عن تصرفات السادات مؤسس الحزب الوطني الديمقراطي الذي من المفترض أن تكون أحد أعضائه. أما أنا فأني أمارس الدفاع عن نفسي ضد اتهامات وافتراءات ظالمة. وقد قال تعالى في الآية رقم 148 من سورة النساء: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما). فأرجو أن تقبل نقدي بسعة صدر.


من جمال حماد الى الفريق سعد الشاذلي: نعم.. القادة العسكريون عارضوا اقتراحك

أود قبل مناقشة ما ورد في رسالة الأخر سعد من تعليقات أن أنوه أن ضيق المجال لن يتيح لي الفرصة كي أتناول بالتعليق كل ما ورد في رسالته من ملاحظات، ولذا سأكتفي لفائدة القراء بالتركيز على النقاط الجوهرية التي أرى أنها ستكون موضع اهتمامهم. وقد لاحظت في المقابل أن الفريق الشاذلي قد أغفل ايضا الرد على كثير من الملاحظات والتساؤلات التي وجهتها اليه في ردودي السابقة على رسالته الأولى، ويبدو أن السر في ذلك يرجع أيضا الى نفس السبب الذي ذكرته، أي الى ضيق المجال.

تدعيم الفريق المشاة بالألوية المدرعة

ذكر الشاذلي في رسالته تعليقا على ما أبدته من أهمية الاحتفاظ باحتياطي تعبوي واحتياطي استراتيجي تحت يد القيادة العامة للقوات المسلحة ، ما يلي: "اذا كنا نريد حقا ان نستفيد من أخطائنا في حرب أكتوبر، وألا نذهب هدرا الدماء الذكية التي استشهدت في تلك الحرب المجيدة، فيجب علينا أن نعترف بأن القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية قد ارتكبت أخطاء جسيمة فيما يتعلق بتوزيع واستخدام احتياطياتها التعبوية والاستراتيجية، وأنها لم تحاول استخدام أسلوب المناورة لخلق احتياطيات جديدة، بدلا من تلك التي قامت ببعثرتها أو التي تسببت في تدميرها نتيجة سوء استخدامها".

ولقد سبق لي أن سجلت في مواضع عديدة من دراستي الأخطاء الجسيمة التي ارتكتبتها القيادة العامة المركز 10 من جهة بعثرة وتشتيت الاحتياطي التعبوي للجيشين الثاني والثالث، مما أدى الى عجز قائديها عن شن أي هجوم مضاد رئيسي ضد العدو عقب عبوره الى الضفة الغربية، وكذا تشتيت القيادة العامة لاحتياطيها الاستراتيجي مما جعلها عاجزة عن القيام بالضرب المضادة التي كان من واجبها القيام بها بعد أن اتسعت ثغرة الاختراق الاسرائيلية في الدفرسوار واستفحلت الى الدرجة التي وصلت اليها في المرحلة الأخيرة من الحرب.

ولم أكن أطمع في ظهور تأييد للرأي الذي أبديته أكثير من ذلك الاعتراف الكامل الذي صدر من رئيس أركان حرب القوات المسلحة في حرب أكتوبر 73.

ولكن السؤال الذي يحق لنا أن نوجهه إلى الأخ الشاذلي بعد إدلائه بهذا الاعتراف الخطير .. ترى هل يعتبر نفسه وقد كان رئيسا للأركان في ذلك الوقت خارج نطاق المسئولية بالنسبة لهذه الأخطاء الجسيمة التي اركبتها القيادة العامة؟ ألم يكن بحكم وظيفته هو الرجل الثاني في القيادة العامة وكانت هيئة العمليات تتبعه مباشرة وبالتالي يصبح الاتهام الذي يوجهه الى القيادة العامة بمثابة اتهام يوجهه ضد نفسه شخصيا؟ ترى هل نعتبر هذا الاعتراف منه بأخطائه بشجاعة أدبية ينبغي أن يحظي منا من أجلها بالتقدير، أو أنه محاولة منه للتنصل من تبعة الأخطاء التي وقعت فيها القيادة العامة على اعتبار أن آراءه ووجهات نظره لم يكن يؤخذ بها نظرا لأوجه الخلاف التي كانت قائمة بينه وبين القائد العام وقتئذ الفريق أحمد اسماعيل؟ ولكن هل يعتقد الشاذلي أن ذلك على فرض صحته يعفيه من المسئولية التاريخية؟

ذكل الشاذلي في رده تعليقا على النقاش الذي دار بيننا حول تدعيم الفرق المشاة الخمس التي عبرت الى شرق القناة بألوية مدرعة ما يلي: "قد كنت على اقتناع بأن الفرق المشاة بما لديها من دبابات ووسائل مضادة للدبابات، كانت قادرة على تنفيذ المهام المكلفة بها ضمن الخطة دون الحاجة الى تدعيمها بلواء مدرع. ولكن السادات طلب من أحمد اسماعيل أن يتم الاستيلاء على القنطرة في أسرع وقت ممكن حتى يمكنه أن يستغل ذلك دعئيا، فما كان من أحمد اسماعيل الا أن أمر بتدعيم الفرقة المكلفة بالاستيلاء على القنطرة بلواء مدرع. ثم عاد السادات يكرر نفس الطلب بالنسبة للاسماعيلية والسويس، فهو يريد أن تصبح المدينتان خارج مرمى مدفعية العدو في أسرع وقت ممكن، فما كان من أحمد اسماعيل الا أن امر بتدعيم الفرقتين اللتين تدخل المدينتان في قطاعيهما كل بلواء مدرع. وهنا أبدى قائدا الفرقتين الباقيتين شكواهما، وطالبا بالمساواة مع الفرق الثلاث الأخرى فأمر أحمد اسماعيل بتدعيم كل منهما بلواء مدرع ، وهذا كان يعني أننا بعثرنا خمسة ألوية من اجمالي 9 ألوية هي كل ما نملك منذ اللحظة الأولى للمعركة، وكان هذا هو الخطأ الأول. ولم أعارض بشدة هذا التصرف، نظرا لعلمي بالظروف النفسية التي دفعت السادات وأحمد اسماعيل الى هذا النهج".

والذي لا شأن به بالعمليات، كان يتحكم بآرائه وتوجيهاته في أدق الشئون الخاصة بالخطط والعمليات الحربية، وأن المسئولين في المركز 10 كانوا حريصين على تلبية مطالبه والاستجابة لرغباته سواء كانت صحيحة من الوجهة التكتيكية أو غير صحيحة، والا فما معنى أن تخصص ثلاثة ألوية مدرعة لتدعيم ثلاث فرق مشاة لمجرد مراعاة ظروفه النفسية؟

2 – هل كان من المعقول أن الخطة الهجومية التي تم اعدادها لحرب السادس من أكتوبر والتي كانت أنجح ما تم تخطيطه وتنفيذه في القوات المسلحة في عصرنا الحالي، قد جرى التخطيط لها بهذا الأسلوب الذي يتنافى مع جميع الأصول والمبادئ السليمة؟ هل نصدق أن تدعم ثلا

فرق مشاة بثلاثة الوية مدرعة – بلا داع – بناء على رغبة رئيس الجمهورية، ثم تدعم الفرقتان المشاة الباقيتان بلواءين مدرعين لمجرد أن قائدي الفرقتين تقدما بالشكوى وطالبا بالمساواة مع الفرق الثلاث الأخرى؟ وكيف يحدث ذلك رغم أن رئيس الأركان، وهو المسئول الأول عن اعداد الخطة الهجومية بالاشتراك مع هيئة العمليات، كان على اقتناع تام بخطأ هذا التصرف، واعترف بأنه بعثرة للألوية المدرعة الخمسة، وسجل في رده أن ذلك كان هو الخطأ الأول الذي ارتكبته القيادة العامة؟

وقد حرص الشاذلي على أن يوضح في رده أنه لم يعارض بشدة هذا التصرف حتى يتجنب الاحراج الذي يتوقع أن يواجهه حينما نوجه اليه سؤالنا عن السر في عدم تسجيل معارضته لهذا التصرف الخاطئ من وجهة نظره في مذكراته التي نشرت، رغم حرصه الشديد على تسجيل كل مواقف الاعتراض التي وقفها خلال الحرب سواء في مواجهة أحمد اسماعيل أو في مواجهة السادات.


الباحث ومحامي الدفاع

ذكر الشاذلي في رسالته ما يلي: "عندما أقرأ ما يكتبه جمال حماد أشعر أحيانا كأني أمام باحث مدقق ورجل عسكري مثقف واسع الاطلاع . وأحيانا أخرى أشعر كأني أقرأ مرافعة محام وهب نفسه للدفاع عن السادات في قضية تشير جميع الأدلة إلى أنها قضية خاسرة. وما يحزنني حقا هو أن مرافعات جمال حماد المحامي كثيرا ما تفسد الجانب المضئ في جمال حماد الباحث والمحلل العسكري". ولست أشك في أن الدهشة التي أصابتني من جراء هذا الاتهام الظالم قد أصابت الكثيرين من القراء ممن قرءوا مثلك يا أخ سعد ما سبق لي أن دونته في هذه الدراسة والتي تعرضت فيها بالدراسة الموضوعية والتحليل الدقيق لقصة الخلاف الذي نشب بينك وبين الرئيس الراحل السادات خلال المرحلة الأخيرة من الحرب، والتي انتهت بتنحيتك عن منصبك وتعيين الجمسي مكانك، وهي الدراسة التي أوضحت فيها على الملأ وبالدليل القاطع مدى الافتراءات الظالمة التي ألحقها بك السادات ومدى سلامة موقفك الى الحد الذي جعل البعض يتهمني بالتحيز إلى جانبك. ويعلم الله أنني لم أكن متحيزا الا الى جانب الحق. ولذا كانت مفاجأة مذهلة أن توجه لي أنت شخصيا أحط تهمة يمكن أن توجه إلى مؤرخ، وهي أنني وهبت نفسي لا للدفاع عن الحق كما يشهد لي بذلك كل قرائي، ولكن للدفاع عن السادات. هل يوجد أي تبرير معقول يمكن أن يقنع الناس بهذا الافتراء الباطل الذي وجهته لي؟ ما الفوائد التي سأجنيها يا أخ سعد حينما أهب نفسي للدفاع عن السادات، وهو ما يعني بصريح العبارة أنني سأنافقه على حساب الحق وتصبح مقالاتي كما ذكرت مجرد مرافعة محام للدفاع عنه في قضية خاسرة؟ انني لم أحاول أن أنافق السادات حينما كان على قيد الحياة وكانت في يده مقاليد القوة والنفوذ والسلطان، وكان في الامكان عن طريق هذه الوسيلة اجتنام المغانم والثمار والحصول على المكاسب والمناصبة – مثلما فعل الكثيرون – ولكن ما الدافع الذي يغرين اليوم على أن أنافقه وقد انتقل الرجل الى رحمة الله وأصبح لا يملك لي نفعا ولا ضرا؟

ومن العجيب أن تختتم رسالتك بقولك انني أدافع عن تصرفات السادات لأنه هو مؤسس الحزب الوطني الذي من المفترض أن أكون أحد أعضائه. ويهمني أن أوضح لك يا أخ سعد أنني مع احترامي وتقديري للحزب الوطني – وهو الحزب الحاكم في البلاد – فإنني لم أكن في يوم من الأيام من أعضائه لأنني منذ أصبحت رجلا عسكريا ظللت محافظا منذ ذلك الحين على تقاليد الجيش ولوائحه التي تحرم على ضباطه الانتماء للهيئات والأحزاب والاشتغال بالسياسة. وما زلت رغم تركي الخدمة العسكرية منذ زمن بعيد متمسكا بهذه التقاليد بدقة وأمانة، ولم أنضم في حياتي الى هيئة أو حزب الا انضمامي بالطبع الى تنظيم الضباط الأحرار الذي كنت استهدف من ورائه الاشتراك مع اخواني وزملائي الأحرار في انقاد مصر من محنتها، حينما قمنا بالثورة ليلة 23 يوليو 1952. ولم تكد حركة الجيش تنتهي بالنجاح حتى عدت ثانية الى صفوف الجيش – ضابطا عاملا منضبطا – دون أن أنغمس في السياسة مثل غيري من ضباط الثورة، أو أحاول اجتناء أي مغنم أو مكسب لقاء الدور الذي قمت به ليلة الثورة.

ان الكثيرين من القراء يا أخ سعد مبهورون بالحوار الدائر بيننا لفرط ما اتسم به من موضوعية وجدية، ولما تميز به من التركيز على النواحي العلمية والتكتيكية وأصول الفن العكري وابتعاده تماما عن أي مهاترات أو صاغئر، فلماذا بربك تفسد هذا الحوار الذي شهدت أنت نفسك في رسالتك الأخيرة بأنه حوار ممتع؟ ولماذا ترضى أن يهبط الأسلوب الراقي الذي نتحاور به الى مثل هذا الدرك الوخيم؟ ان القضية التي نتحاور بشأنها قضية عسكرية فنية تتعلق بالاقتراح الذي تقدمت به أنت مساء يوم 20 أكتوبر 73 إلى القائد العام لسحب أربعة ألوية مدرعة من شرق القناة الى الغرب لمواجهة التهديد الاسرائيلي غرب القناة. لقد أبدى كل منها وجهة نظره في هذه القضية العسكرية الفنية، واجتهد كل منا في أن يسوق كل ما لديه من حجج وأسانيد منطقة ليدلل على صواب رأيه. وكانت المناقشة شائقة والحوار ممتعا والأعصاب هادئة والقراء يتابعون تلك المحاورة العلمية بشغف واهتمام واذا بك تفاجئ الجميع بالخروج عن النظام وتوجيه ضربة الى تحت الحزام.

ولعل أكثر ما أصاب الجميع بالدهشة والتعجب هو ذلك التناقش العجيب الذي وضح في رسالتك الأخيرة. ففي حين تتهمني في مواضيع منها بأنني محام وهب نفسه للدفاع عن السادات، اذا بك في موضع آخر منها تكيل لي المديح لشجاعتي في تكذيب ادعاءات السادات ضدك. ولعلك تذكر أنك قلت بالحرف: "لقد كذب جمال حماد الباحث كل ادعاءات السادات ضد الشاذلي واقر بأن الشاذلي عندما عاد الى المركز 10 يوم 20 أكتوبر أوصى بضرورة سحب جزء من القوات من الشرق لكي يتعامل بها ضد العدو في الغرب. وقال في شجاعة ان السادات قد ادعى كل ذلك على الشاذلي لكي يحمله وحده مسئولية ثغرة الدفرسوار ، واني اسجل له هذا الموقف الشجاع الذي لم يصدر بشكل علني من أي كاتب أو صحفي أو سياسي مصري طوال الثلاث عشرة سنة الماضية رغم عشرات الكتب ومئات المقالات التي نشرت في مصر والتي سجلت فيها ادعاءات السادات". ولا أدري يا أخ سعد بعد قراءتي لهذا الكلام كيف تتيسر لي المقدرة للقيام بدور محامي السادات وممثل الادعاء ضده في وقت واحد. ليس هناك أي تفسير لهذا التناقش والتخبط في تقييمك لكتاباتي التي يشهد الجميع بصدقها وحيدتها. سوى تعليل واحد وهو يتعلق بحالتك النفسية ومزاجك الشخصي حينما تقرأ ما أكتبه. فاذا صادف ما أقوله ارتياحا لديك ورضاء منك لأن الكلام في صفك فأنا في نظرك وقتئذ جمال جمال الباحث والمدقق والرجل العسكري المثقف الواسع الاطلاع والكاتب الشجاع الذي لم يستطع أن يجاريه في شجاعته احد من الكتاب او الصحفيين أو السياسيين منذ انتهاء حرب أكتوبر 73 حتى اليوم. اما اذا صادف ما أقوله صدا ونفورا أو سخطا منك لأن وجهة النظر التي كتبتها تتعارض مع وجهة نظرك أو ليست في صفك فسرعان ما تسلبني كل ما أسبغته على من قبل من صفات حميدة، وأصبح في نظرك مجرد محام وهب نفسه للدفاع عن السادات، وتتحول كتاباتي الممتعة الى مجرد مرافعات يائسة في قضية خاسرة. انني يا أخ سعد لا أستطيع أن أسخر قلمي للكتابة في صفك بالحق والباطل لأحظى برضائك، فان قلمي لم اسخره طول حياتي لحساب مخلوق مهما كان شأنه، ولكنني أكتب ما أقتنع بأنه الحق، مهما كلفني من متاعب.

لقد أيدت موقفك حينما وجدت أن السادات قد تجنى عليك بالباطل، وعارضت اقتراحك بسحب الألوية المدرعة الى الغرب لا دفاعا عن السادات ولا تجنيا عليك، فان الدوافع الشخصية لا تتدخل مطلقا في كتاباتي، وانما لأنني مقتنع بان اقتراحك لم يكن في الامكان تنفيذه من الناحية الواقعية. رغم سلامته من الناحية التكتيكية. وقد أوضحت وجهة نظري بالتفصيل بشأن هذا الموضوع من قبل، وقد أستندت فيها الى أدلة علمية وأسانيد تكتيكية، ولم أحاول الالتجاء الى أسلوب العاجزين وهو أن أترك موضوع النقاش الاصلي جانبا وأتخلى عن الأسلوب المتحضر في النقاش لكي أرمي من أقوم بمحاورته بالتهم الكاذبة والادعاءات الباطلة في سبيل الحصول على نصر رخيص، وهو الأسلوب الذي انتشر في الآونة الأخيرة للأسف وهبط بلغة الحوار بين بعض الكتاب الى الحضيض. ولولا يا أخ سعد أنني أعرف جيدا توقيعك لاتجه ظني على الفور الى أن أحد الحاقدين عليك قد دس علينا رسالتك للاساءة اليك وتشويه صورتك أمام القراء.

موقف القادة العسكريين من اقتراح الشاذلي

ذكر الشاذلي ضمن رسالته مايلي: "في مذكراتي التي نشرتها عن حرب أكتوبر ذكرت أسماء القادة الذين حضروا مؤتمر القيادة يوم 20 أكتوبر ولكني لم أذكر تفاصيل ما دار في هذا المؤتمر احتراما لحقوق الزمالة وحتى أتيح لكل منهم شرف توضيح موقفه بنفسه.

وبدلا من أن يذهب جمال حماد الباحث الى هؤلاء القادة ليسألهم عما دار في المؤتمر، فان جمال حماد المحامي أعلن في دفاعه ان الاستنتاج الوحيد لعدم قيام الشاذلي بذكر تفاصيل ما دار في هذا المؤتمر هو أن هؤلاء القادة لابد أنهم عارضوا اقتراحه بسحب هذه الألوية المدرعة. ولا أعرف كيف يقبل جمال حماد الباحث هذا الاستنتاج دون بحث وتمحيص؟ أما كان الأجدر بجمال حماد الذي يحاورني وأن على مسافة 3000 كيلو متر بعيدا عنه أن يسعى الى لقاء مع هؤلاء القادة الذين يعيشون جميعا في القاهرة على بعد خطوات منه لكي يستمع الى شهادتهم قبل أن يدلي بهذا الاستنتاج المتسرع؟ انني في انتظار ما ينشره بعد لقائه مع هؤلاء القادة الخمسة؟

وردي على هذه الأقوال التي سجلها الشاذلي في رسالته يتلخص في النقاط التالية:

لا أعتقد أن أحدا من المؤرخين أو الباحثين يمكن أن يوافق على ما قاله الشاذلي من أنه لم يذكر تفاصيل ما دار في مؤتمر القيادة مساء يوم 20 أكتوبر بحجة هذين السببين اللذين لا يمكن قبولها عقلا ولا منطقا، اذ كيف يمكن تسجيل التاريخ اذ أغفل المؤرخون والباحثون تدوين الأحداث الخطيرة التي تقع بحجة احترام الزمالة من جهة، ولكي يتاح للرجال الذين أسهموا في صنع الأحداث من جهة أخرى شرف أن يوضح كل منهم موقفه بنفسه؟ ان حرب أكتوبر قد مضى عليها الآن حوالي 14 عاما يا أخ سعد ولم يحاول أحد من هؤلاء الذين ذكرتهم أن يتولى شرف توضيح موقفه بنفسه كما رأيت، وأنت لا تريد ذكر تفاصيل ما دار في المؤتمر احترما لحقوق الزمالة، ترى هل هذه هي الطريقة السليمة لتدوير التاريخ الصحيح، أو هي في واقع الأمر الوسيلة المبتكرة للتهرب من تسجيل الوقائع الصحيحة؟ ان السببين اللذين تذرعت بهما يا أخ سعد للتخلص من الحرج الذي تواجهه لا يمكن لأحد أن يصدقهما حتى ولو كان طفلا غريرا.

وفي الوقت الذي حرصت فيه يا أخ سعد على شرح تفاصيل اقتراحك بسحب الألوية المدرعة من شرق القناة الى الغرب في مذكراتك وعلى ايضاح موقف كل من السادات وأحمد اسماعيل في المركز 10 سواء قبل انعقاد مؤتمر القادة مساء يوم 20 أكتوبر أو بعده، وفي الوقت الذي لم تغفل فيه في الصفحة 276 من مذكراتك عن تسجيل الغمزة التي غمزك بها المرحوم المهندس عبد الفتاح عبد الله وزير شئون رئاسة الجمهورية والهمسة التي همس بها في أذنك حين قال لك: "قل شيئا" عقب اصدار الرئيس الراحل السادات قراره في نهاية المؤتمر بعدم سحب أي جندي من الشرق، حرصت هذا الحرص المريب الذي ليس له أي سبب منطقي على اغفال الآراء التي أبداها القادة الخمسة خلال المؤتمر، في حين أن مذكراتك مليئة بلقاءات وأحاديث ومؤتمرات سجلت فيها نص الأقوال وأدق التفاصيل، منذ تعيينك في منصب رئيس الأركان حتى تمت تنحيتك عنه. ليس هناك من سبب حقيقي يدعو الى ذلك المسلك في اعتباري الا رغبتك في عدم نشر حقيقة الآراء التي أدلى بها هؤلاء القادة في المؤتمر لأنها لم تكن في صالح اقتراحك.

واذا كان ما سجلته في البندين السابقين من باب الاستنتاج – رغم أنه يستند الى حقائق دامغة لا تحتمل الشك – فإنني سأذكر فيما يلي وقائع فعلية تخرج عن دائرة الاستنتاج وتنتقل بنا الى دائرة الأدلة والبراهين القاطعة:

اولا – لقد تم لقائي بالفعل مع اثنين من هؤلاء القادة الخمسة الذين حضروا المؤتمر ممن أثق تماما بصدقهما وقوة ذاكرتهما، عقب نشر ردي الأول على الشاذلي. وقد أكدا لي خلال اللقاء أن الاستنتاج الذي توصلت اليه ونشرته صحيحا تماما، وأن القادة الخمسة كانوا جميعا ضد اقتراح الشاذلي بسحب الألوية المدرعة من شرق القناة الى الغرب، وأن ذلك كان هو السبب الحقيقي في تقاعس الشاذلي عن ابداء رأيه في المؤتمر رغم أن المؤتمر لم ينعقد ولم يحضره السادات الا بناء على طلبه. وليس أدل على صدق كلامي من أن القادة الخمسة لم يكذب أحد منهم ما سبق لي نشره عن موقفهم خلال المؤتمر ومن أنهم جميعا عارضوا اقتراح الشاذلي.

ثانيا – تم انعقاد أول جلسة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد حرب أكتوبر في يوم 4 مارس 75 برئاسة الرئيس الراحل السادات وبحضور 19 قائدا يمثلون قيادة القوات المسلحة وقتئذ، وكان من بين الحاضرين ثلاثة من القادة الخمسة الذين سبق لهم حضور مؤتمر يوم 20 أكتوبر، وهم الفريق أول عبد الغني الجمسي (بعد تعيينه وزيرا للحربية وقائدا عاما للقوات المسلحة عقب وفاة المشير أحمد اسماعيل) ، والفريق محمد علي فهمي (بعد تعيين رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة)، واللواء فؤاد نصار مدير المخابرات الحربية. كان الغرض من الاجتماع هو مناقشة الدروس المستفادة من حرب أكتوبر 73 والموقف الحالي للقوات المسلحة واحتمالات المستقبل. وبعد الوقوف دقيقة تحية لذكرى المشير احمد اسماعيل، وبعد أن القى الفريق أول الجمسي كلمة عن الهدف الاستراتيجي للقوات المسلحة، تحدث الرئيس السادات حديث مطولا عن بعض الأحداث المهمة التي جرت خلال الحرب وعن الأحوال السياسية والعسكرية وقتئذ.

ومن واقع الوثائق الخاصة بهذا الاجتماع، يمكن تلخيص المعلومات التي أدلى بها السادات والتي تتعلق بما جرى مساء 20 أكتوبر بالمركز 10 فيما يلي (مع ملاحظة أن السادات أخطأ نفس الخطأ الذي وقع فيه في كتاب "البحث عن الذات" والذي سبق لي اكتشافه وتصحيحه، وهو أن بعض الأحداث التي يرويها وقعت يوم 20 أكتوبر وليس يوم 19 أكتوبر):

1 – تحدث السادات عن استدعائه عند منتصف الليل للحضور الى المركز 10 بواسطة المشير أحمد اسماعيل.

2 – شرح السادات كيف عاد الشاذلي منهارا من الجبهة وأنه قال وهو يرتعد: "لابد من حل سياسي، ولابد من سحب القوات إلى الغرب".

3 – جدد السادات أسماء أربعة من القادة بالذات قال انهم لم يهتزوا بسبب عملية الثغرة، وكان رأيهم مثل رأيه، وهو تثبيت القوات في الشرق والتعامل مع العدو في الغرب، وهؤلاء القادة هم: أحمد اسماعيل، حسني مبارك، عبد الغني الجمسي، محمد علي فهمي.

4 – ذكر السادات أن اللواءين حسني مبارك قائد الطيران ومحمد علي فهمي قائد الدفاع الجوي حضرا اليه فجر اليوم التالي للمؤتمر في مقر اقامته وقتئذ بقصر الطاهرة، وشجعاه على ثباته وعلى فراره بعدم سحب القوات من شرق القناة الى الغرب وطلبا منه عدم الانزعاج.

5 – أكد السادات أن عملية الثغرة ليست هي السبب الذي حمله على قبول قرار وقف اطلاق النار، ان الهزة العنيفة التي حدثت في القيادة كانت هي السبب الأول بالاضافة الى أمريكا التي وقفت ضدنا لمدة 12 يوما ودخلت بثقلها.
6 – أوضح السادات انه عقب المؤتمر عزل الشاذلي وعين الجمسي رئيسا للأركان دون الاعلان عن ذلك.

ولست هنا في معرض مناقشة أقوال السادات، ولكن ما يهمني هو أن أوضح أنه في اجتماع المجلس الأعلى ، شرح السادات موقف القادة الذين حضروا المؤتمر بالمركز 10 يوم 20 أكتوبر، وقد كان حاضرا منهم اجتماع المجلس الأعلى ثلاثة هم الجمسي، ومحمد علي فهمي وفؤاد نصار.

ملحق 6

  • كيف التحمت الشرطة مع الجيش والشعب في حرب أكتوبر

على مر تاريخنا الحديث أثبت رجال الشرطة في جميع المواقف القومية أنهم أبناء أوفياء لمصر ووقفوا أثناء معارك الكفاح الشعبي ضد الاستعمار البريطاني الى جانب الشعب، ولم يترددوا في فداء وطنهم بالأرواح والدماء. وحينما اشتعلت ثورة 1919 وهب الشعب وراء زعيمه الخالد سعد زغلول ورفاقه الأبطال يطالبون – وهم الشعب الأعزل من السلاح – أقوى امبراطورية على ظهر الأرض في ذلك الوقت بريطانيا العظمى بانتهاء حمايتها وجلاء جيوشها كي تسترد مصر حريتها واستقلالها، أسهم أبناء الشرطة في حركة الكفاح الوطني ضمن طوائف الشعب. وكان من أروع ما قدمه بعض أبطال الشرطة، فتح مخازن أسلحتهم للمناضلين والثوار، وقدمت الشرطة شهداء أبرار كان في مقدمتهم الشهيد المقدم محمد كامل محمد مأمور أسيوط الذي أدانته محكمة عسكرية بريطانية بتهمة تمكين الأهالي من الحصول على السلاح من مخزن الشرطة بأسيوط، وصدر عليه الحكم بالاعدام، وتم تنفيذ الحكم في 10 يونيو 1919.


معركة محافظة الإسماعيلية في 25 يناير 1952

في يوم الاثنين من أكتوبر عام 1951 ألقى مصطفى النحاس – زعيم الوفد ورئيس الحكومة وقتئذ – بيانه التاريخي امام البرلمان (مجلسي النواب والشيوخ) الذي أعلن فيه الغاء معاهدة 1936 والتفاقيتي 19 يناير و10 يوليو 1899 بشأن ادارة السودان. وبدأت منذ ذلك اليوم مرحلة رائعة من مراحل الكفاح الشعبي المسلح ضد العدو الغاصب والمحتل الدخيل، وشكلت من طلاب الجامعات وعمال مصر ومناضليها من الوطنيين عدة كتائب من الفدائيين أخذت في مهاجمة الثكنات والمنشآت داخل القاعدة البريطانية الضخمة التي كانت تمتد على طول قناة السويس من بورسعيد شمالا حتى السويس جنوبا. ودارت معارك حامية بين قوات الفدائيين وقوات الاحتلال خسر فيها البريطانيون خسائر مادية جسيمة وسقط فيها من المصريين عدد كبير من الشهداء والمصابين.

ولقد أثار انضمام قوات الشرطة الى القوى الشعبية في كفاحها الوطني وقيامها بالرد – رغم أسلحتها الضعيفة – على اعتداءات القوات البريطانية على الأهالي، ثائرة القيادة البريطانية ، فاعتزمت الثأر من رجال الشرطة والتخلص من وجودهم في مدن القناة، وأعدت لذلك عدوانا غاشما سيظل – مدى الدهر – وصمة عار في جبين بريطانيا . ففي فجر يوم الجمعة 25 يناير 52 تحركت قوات بريطانيا ضخمة – تقدر بسبعة آلاف مقاتل - من معسكراتها الى شوارع الاسماعيلية ، وكانت تضم عشرات من الدبابات والعربات المدرعة ومدافع الميدان وعربات اللاسلكي. واتجهت هذه التجريدة العسكرية الكبيرة الى دار محافظة الاسماعيلية وثكنة بلوكات النظام التي تجاورها ، واللتين لم يكن داخلهما أكثر من 850 فردا حيث ضربت حولهما حصارا محكما. وقدم القائد البريطاني الجنرال اكسهام في منتصف الساعة السادسة صباحا انذارا الى ضابط الاتصال المصري المقدم شريف العبد طلب فيه ان تسلم جميع قوات الشرطة وبلوكات النظام بالاسماعيلية أسلحتها، وأن ترحل عن منطقة القناة في نفس اليوم بكامل قوتها، وهدد باستخدام القوة في حالة عدم الاستجابة لما جاء في انذاره. وقام اللواء أحمد رائف قائد بلوكات النظام وعلي حلمي وكيل المحافظة بالاتصال على الفور بوزير الداخلية وقتئذ فؤاد سراج الدين في منزله بالقاهرة، فأمرهما برفض الانذار البريطاني ودفع القوة بالقوة والمقاومة حتى آخر طلقة وآخر رجل.

وفي الساعة السابعة صباحا، بدأت المجزرة الوحشية، وانطلقت مدافع الميدان ومدافع الدبابات تدك بقنابلها مبنى المحافظة وثكنة بلوكات النظام بلا شفقة أو رحمة. وبعد أن تقوضت الجدران وسالت الدماء أنهارا أوقف الجنرال إكسهام الضرب لمهلة محدودة لكي يعلن على رجال الشرطة المحاصرين في الداخل انذاره الأخير، وهو التسليم والخروج رافعي الأيدي وبدون أسلحتهم، وإلا فإن قواته سوف تستنأنف الضرب بأقصى شدة. وتملكت الدهشة القائد البريطاني المتعجرف حينما جاءه الرد من ضابط شاب صغير الرتبة لكنه متأجج الحماسة والوطنية وهو النقيب مصطفى رفعت، فقد صرخ في وجهه في شجاعة وثبات :لن تستلموا منا إلا جثة هامدة".

واستنأف البريطانيون المذبحة الشائنة، فانطلقت المدافع وزمجرت الدبابات وأخذت القنابل تنهمر على المباني حتى حولتها الى أنقاض، بينما تبعثرت في أركانها الأشلاء وتخضبت أرضها بالدماء. ورغم ذلك الجحيم المستعر ظل أبطال الشرطة صامدين في مواقعهم يقاومون ببنادقهم العتيقة لمدة ساعتين كاملتين مدافع الميدان من عيار 25 رطلا والدبابات السنتوريان ذات المدفع عيار 100 مم ونيران أقوى الفرق البريطانية من مشاة الكاميرون والهايلاندرز حتى نفذت ذخيرتهم. وقد سقط في ميدان الشرف في هذه المعركة من جنود الشرطة 50 شهيدا وأصيب منهم نحو 80 جريحا وسقط من البريطانيين 13 قتيلا و12 جريحا. وأسر البريطانيون من بقى على قيد الحياة من الضباط والجنود، وعلى رأسهم الجنرال إكسهام أن يخفى اعجابهم بشجاعتهم، فقال للمقدم شريف عبده ضابط الاتصال: "لقد قاتل رجال الشرطة المصريون بشرف، واستسلموا بشرف، ولذا فان من واجبنا احترامهم جميعا ضباطا وجنودا".

رجال الشرطة في معركة السويس في 24 أكتوبر 1973

نتيجة للعبور الاسرائيلي الى غرب القناة ليلة 15/16 أكتوبر وتقدم الفرقة المدرعة بقيادة الجنرال ابراهام أدان يوم 19 أكتوبر في اتجاه السويس على محور طريق المعاهدة، وجدت المدينة نفسها فجأة على خط المواجهة الأمامي مع العدو دون سابق اعداد أو انذار، وواجه جهاز الشرطة الذي كان يرأسه اللواء محيي خفاجي مدير الأمن موقفا لم يسبق أن واجهه أي جهاز للشرطة في مصر من قبل. ويكفي أن المدينة التي كان تعدادها منذ بداية حرب الاستنزاف عام 68 لا يتجاوز خمسة آلاف فرد، كان معظمهم من الجهاز الحكومي ورجال الشرطة والدفاع المدني وموظفي وعمال شركات البترول والسماد بالزيتية، زاد عدد سكانها في خلال ثلاثة أيام فقط بعد الزحف الاسرائيلي في اتجاه الجنوب حتى بلغ أكثر من عشرين ألف فردز وحدثت هذه الزيادة المفاجئة بسبب لجوء آلاف حاشدة الى المدينة كان معظمهم من العسكريين من المؤخرات الادارية وكذا من المدنيين من مواطني القطاع الريفي، في محافظتي الاسماعيلية والسويس. وقد اضطر هؤلاء الى دخول السويس بعد أن أغلقت القوات الاسرائيلي – رغم سريان قرار وقف اطلاق النار – جميع الطرق المؤدية إلى الشمال والغرب والجنوب. وقد سبب وصول هذه المجموعات الضخمةمن المواطنين الى داخل السويس فجأة ارتباكا للمسئولين بالمدينة، وخصوصا رجال الشرطة ، فقد وجدوا أنفسهم مطالبين بايجاد أماكن ايواء خالية لهؤلاء الوافدين مع حرصهم الشديد في نفس الوقت على ألا تقتحم أي جماعة منهم بدافع الضرورة مساكن أو متاجر سكان السويس الغائبين الذين تم تهجيرهم الى الخارج عام 1968. ورغم هذه المهمة الشاقة تمكن جهاز المحافظة بالتعاون مع رجال الشرطة من تدبير اقامة هؤلاء الوافدين في المساكن الخالية، ومن توفير وسائل اعاشتهم رغم ندرة الموارد والمؤن وقتئذ. وعندما علم المسئولون بالسويس مساء يوم 23 أكتوبر أن الدبابات الاسرائيلية وصلت الى منطقة شركات البترول بالزيتية بعد أن مرت على السويس من الخارج وأنها في طريقها الى ميناء الأدبية، أخذوا يستعدون لتلقي الهجوم الاسرائيلي الذي قدروا أنه سوف يبدأ حتما في اليوم التالي.

وأصدر مدير الأمن تعليماته بالتأهب والاستعداد الى جميع أقسام الشرطة ووحداتها، وأصبحت غرفة عمليات الدفاع المدني بميدان الأربعين التي كان يتولى ادارتها المقدم فتحي غنيم مقرا لقيادة الدفاع الشعبي، وتأهبت أجهزة الاطفاء والانقاذ لأداء واجباتها خلال الغارات الجوية. وعندما اكتشف مدير الأمن ان المتطوعين للدفاع عن المدينة في حاجة الى السلاح، أمر بفتح جميع مخازن الشرطة وأن تسلم الأسلحة والذهائر للقادرين على حملها واستخدامها.

وعلى أثر نجاح العدو يوم 23 أكتوبر في قطع الاتصالات السلكية في القاهرة، أصبحت الشبكة اللاسلكية الخاصة بشرطة النجدة هي حلقة الاتصال الوحيدة بين السويس والقاهرة. وكان الرائد رفعت شتا يتولى هذه الوحدة اللاسلكية ويعاون الملازم أول عبد الرحمن غنيمة وتحت قيادته 18 ضابط صف وجنديا.

وفي صباح يوم 24 أكتوبر، اقتحمت الدبابات الاسرائيلية مدينة السويس على ثلاثة محاور، وعندما أطلق بعض أبطال منظمة سيناء قذائف آر بي جي-7 على الدبابات التي تتقدم الرتل المدرع الذي اخترق شارع الجيش ووصل الى ميدان الأربعين، توقفت الدبابات الأمامية أمام قسم شرطة الأربعين بعد أن اشتعلت فيها النيران، وقفز الجنود الاسرائيليون من أفراد أطقم الدبابات منها وأسرعوا الى المباني المجاورة يحاولون الاحتماء بداخلها. ونجحت مجموعة اسرائيلية تتكون من حوالي 25 فردا في اقتحام قسم الشرطة واستطاعون بنيران رشاشاتهم السيطرة على القسم الذي كان في داخله عدد من ضباط الشرطة والجنود. وقد بذلت محاولتان بطوليتان من جانب رجال الشرطة لاسترداد القسم من الاسرائيليين، وانقاذ الضباط والجنود الموجودين داخله من قبضة الاسرائيليين. وقاد المحاولة الأولى الرائد نبيل شرف، وقاد المحاولة الثانية النقيب عاصم حمودة على رأس قوة من رجال قسم شرطة السويس وقسم شرطة الأربعين ومن جنود وحدة قوات الأمن، ولكن المحاولتين لم يصادفهما النجاح واستشهد الضابطان ومعهما ستة من ضباط الصف والجنود.

وطوال يوم المعركة قام اللواء محيي خفاجي مدير الأمن بمرافقة بدوي الخولي محافظ السويس في جميع تحركاته ولم يفارقه لحظة واحدة. وقد غادر المحافظ ومدير الأمن غرفة عمليات المحافظة في حوالي الساعة التاسعة والنصف صباحا، بعد أن علما أن الدبابات الاسرائيلية على بعد 700 متر فقط من هذه الغرفة، وانتقلا الى بعض الأماكن الخاصة بالأهالي في حي الأربعين، حيث قام المحافظ بالاتصال هاتفيا ببعض المسئولين عن المرافق وبالمستشفى للاطمئنان على أحوال المدينة.

وعندما علم المحافظ ومدير الأمن ، أن الدبابات الاسرائيلية وصلت الى ميدان الأربعين اندفعا في شجاعة وثبات الى الميدان، والتحما بالجماهير المحتشدة التي كانت تملأ كل أركانه. وعندما أصيبت الدبابات امام قسم الشرطة واشتعلت بالنيران، غمرت الفرحة المحافظ ومدير الأمن، واشتركا مع الجماهير التي احتشدت حماستها في ترديد الهتاف الذي انبعث من أعماق قلوبهم جميعا، وهو "الله أكبر، الله أكبر". وعلى أثر انتهاء المعركة وانسحاب باقي الدبابات مدحورة الى خارج السويس، قام المحافظ بالاتصال بالمسئولين في القاهرة عن طريق وحدة الشرطة اللاسلكية ليزف اليهم نبأ انتصار السويس الباسلة على الغزاة المعتدين، بعد أن التحم الشعب مع الجيش والشرطة في أوثق عروة، واتحدوا جميعا في ساحة الجهاد والشرف.

وكان يوم 25 أكتوبر مليئا بالأحداث، فعندما وصل المحافظ في الصباح وبرفقته مدير الأمن الى غرفة الدفاع المدني، تلقى انذارا من ضابط اسرائيلي تحدث اليه عن طريق الهاتف من شركة قناة السويس لتصنيع البترول. وكان الانذار يطالب المحافظ بتسليم المدينة في خلال نصف ساعة، وأن عليه الحضور هو ومدير الأمن والقائد العسكري للسويس في سيارة عليها علم ابيض وبصحبتهم جميع المدنيين في المدينة الى الاستاد الرياضي، واذا لم يتم ذلك في خلال نصف ساعة، فسوف تضرب المدينة بالطيران ويتعرض كل سكانها للابادة. واتصل المحافظ هاتفيا بالرائد شرطة رفعت شتا قائد الوحدات اللاسلكية، وطلب منه ابلاغ المسئولين في القاهرة بالانذار الاسرائيلي الذي تلقاه لتسليم المدينة.

وقام الرائد شتا في الحال بابلاغ الرسالة الى العميد محمد النبوي اسماعيل مدير مكتب ممدوح سالم ريس الوزراء ووزير الداخلية وقتئذ. وبعد مرور حوالي 20 دقيقة تلقى الرائد شتا رد القاهرة، وكن نصه كما يلي: "لا تسليم .. بمعرفة المحافظ يتم الدفاع عن السويس، وعلى المحافظ ومدير الأمن الانضمام الى المقاومة الشعبية". وعندما أبلغ الرائد شتا نص رسالة القاهرة الى المحافظ أجابه قائلا: "خلاص حاننضم للمقاومة الشعبية ونموت شهداء". وعندما علم مدير الأمن بمضمون الرد قال: "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا" ونظرا لأن انباء اتصالات الاسرائيليين بالمحافظ وتقديمهم اليه انذارا بالتسليم قد انتشرت بين كثير من المواطنين وأحدثت بلبلة شديدة، فقد طلب المحافظ من المقدم شرطة فتحي غنيم رئيس قسم الدفاع المدني والحريق أن يتجول في سيارة في شوارع المدينة، وأن يذيع على الناس بمكبر الصوت أن المحافظ قد رفض الانذار الاسرائيلي بتسليم السويس وأن المدينة ستقاوم.

وقد ظلت وسائل الاتصال اللاسلكية بين السويس والقاهرة تعمل بدقة وكفاءة عن طريق الوحدة اللاسلكية للشرطة منذ أن انقطعت جميع وسائل الاتصال الهاتفية بين السويس والخارج يوم 23 أكتوبر. ولكن هذه الوسيلة الوحيدة لم تلبث أن انقطعت يوم 26 أكتوبر، فقد تمكن العدو من الاستيلاء على مبنى الوحدة الذي كان يقع في مكان منعزل خارج المدينة’، وقام بأسرالرائد فعت شتا والملازم أول عبد الرحمن غنيمة والطاقم الذي كان يعمل معهم من ضباط الصف والجنود بعد أن أدوا واجبهم بشجاعة وشرف.

هذا، وقد قامت هيئة الشرطة بالسويس منذ بداية حرب أكتوبر ، وخلال الحصار الذي فرضه العدو على المدينة لمدة مائة عام، بكل ما طلب منها أداؤه من أعمال ومهام رغم أن كثيرا منها كان يفوق طاقتها وامكاناتها، وبعضها لم يكن أصلا من اختصاصها، وذلك ادراكا من رجالها لواجبهم الوطني واستجابة لشعورهم الانساني والأخوي نحو بني وطنهم، وقد أدى ذلك في النهاية الى ايجاد روابط وثيقة بين أفراد الشرطة والمواطنين ورجال القوات المسلحة.


دور الأمن المركزي في حرب أكتوبر

في خلال أكتوبر المجيدة عام 73، أسندت الى جهاز الأمن المركزي مسئولية كبرى، وهي حماية مؤخرة القوات المسلحة وتأمين خطوطها الخلفية ضد أي عمليات للتسلل أو التخريب من جانب العدو. وقد قامت قوات الأمن المركزي باداء المهام الجسيمة التي أوكلت اليها بكفاءة بالغة ووطنية صادقة. وقد تم تكليف الأمن المركزي بأداء هذه المهام التي كان من المفترض تخصيص قوات عسكرية لأدائها نظرا للمظهر العسكري المتميز لقوات الأمن المركزي وللمستوى المرتفع الذي بلغته وحداتها سواء في الانضباط أو التدريب أو التسليح، مما جعل هذه القوات أقرب ماتكون من جهة مظهرها وتشكيلاتها الى الجيوش النظامية.

وقد أسندت الى قوات الأمن المركزي خلال الحرب عدة مهامة حيوية، كان أهمها وأخطرها ما يلي:

أولا – تأمين منطقتي الاسماعيلية وبورسعيد:

تم تشكيل مجموعة كبيرة من الأمن المركزي بقيادة العقيد لطفي عبد الفتاح عطية بهدف تأمين منطقتي الاسماعيلية وبورسعيد، وكان اجمالي القوة 34 ضابطا و1196 من ضباط الصف والجنود. وقد ارسلت فور قيام القوات الاسرائيلية بالعبور من ثغرة الاختراق بالدفرسوار الى الضفة الغربية للقناة ليلة 15/16 أكتوبر. وتم تخصيص المهام المسندة اليها بالتنسيق بين قائدها واللواء أ. ح عبد المنعم خليل قائد الجيش الثاني. ونظرا لخطورة المناطق التي تقرر أن تتمركز فيها هذه القوات بالنسبة لقربها الشديد من ساحات المعارك غرب القناة ، فقد روعي تقوية تسليحها لاحتمال تعاملها مع قوات العدو ودباباته. وهكذا تم تزويد أفرادها علاوة على البنادق الآلية (التسليح الشخصي) بعدد من الهاونات 60 مم والرشاشات الخفيفة والبنادق ذات الوصلات (الإنرجا) المضادة للدبابات، والقنابل اليدوية وزجاجات المولوتوف والقنابل المضادة للدبابات (من طراز حسام).

وكانت المهام التي أسندت الى هذه القوات تتلخص فيمايلي:

1 – حراسة وتأمين طريق الاسماعيلية-القاهرة الزراعي الممتد شمال ترعة الاسماعيلية، وذلك في القطاع من مدينة الاسماعيلية شرقا حتى التل الكبير غربا، مع التركيز علىب عض النقاط المهمة على الطريق وهي (البعالوة – القصاصين – المحسمة – أبو صوير – الكوبري العلوي) والعمل على منع أي عمليات نسف أو تدمير من جانب العدو، وذلك عن طريق الكمائن ونقاط الحراسة الثابتة.

2 – حراسة المنشآت والأهداف الحيوية في مدينتي الاسماعيلية والقنطرة غرب ومنطقة أبو خليفة.

3 – تأمين الطرق الفرعية المؤدية الى طريق القاهرة – الاسماعيلية الزراعي وكذا القرى الواقعة في الاراضي الزراعية.

4 – حراسة وتأمين المعديات المقامة على ترعة الاسماعيلية والاشتراك مع القوات المسلحة في تأمين الكباري على امتداد الترعة.

ثانيا – تأمين منطقة القاهرة:

تم تشكيل مجموعة من الأمن المركزي بقيادة العقيد عبد الرحيم النحاس، بهدف تأمين منطقة القاهرة. وكان اجمالي القوة 50 ضابطا و500 ضابط صف وجندي. وقد تم تخصيص المهام المسندة إليها بالتنسيق بين قائدها وقائد المنطقة العسكرية المركزية بالقاهرة. وكان أساس عملها هو استخدام الكمائن ونقاط الحراسة الثابتة لتنفيذ المهام التالية: 1 – حراسة وتأمين وصلات الطرق الفرعية مع طريقي القاهرة – الاسماعيلية الصحراوي والزراعي.

2 – حراسة وتأمين تفرعات طريق القاهرة – السويس.

3 – حراسة وتأمين طريق القطامية الخلفي.

4 – حراسة وتأمين مدخل حلوان من ناحية الطريق الجنوبي القادم من اتجاه خليج السويس.

5 – حراسة وتأمين وصلات الطرق الفرعية من اتجاه منطقة القناة مع طريق القاهرة الاسكندرية الزراعي.

ثالثا - نجدة الأهداف الحيوية:

تم تشكيل مجموعة من الأمن المركزي بقيادة العقيد صلاح بهجت، كانت تتكون من 30 ضابطا و6 سرايا قتالية، وكانت مهمتها الأساسية هي نجدة المنشآت والأهداف الحيوية بدائرة المنطقة المركزية وتدمير أي قوات ينجح العدو في إبرارها من الجو. وكانت هذه المهمة مسندة من قبل الى وحدات من القوات المسلحة، ولكن تقرر اسنادها الى الأمن المركزي بعد أن أثبت جدارته في تأدية المهام العسكرية التي أوكلت اليه، وذلك حتى تتفرغ الوحدات العسكرية لمهامها القتالية في الجبهة.

طريقة الأداء: حرصا على حسن أداء قوات الأمن المركزي الموكولة اليها، تمت اقامة ملاجئ وقاية للأفراد ومواقع للنيران تشرف على طرق الاقتراب الهمة، كذا تم احتلال الهيئات المرتفعة التي تتحكم في المناطق المحيطة بها لتسهيل تعامل القناصة مع أي متسللين أو مخربين، كما تم تعزيز هذه المواقع بالأسلحة المضادة للدبابات. هذا وقد ظلت قوات الأمن المركزي باقية في مواقعها رغم صدور قرار وقف اطلاق النار يوم 22 أكتوبر وبعد صدور قرار بانشاء قوة الطوارئ الدولية، ولم تغادرها الا في أواخر يناير بعد سريان اتفاقية فض الاشتباك الاولى بين مصر واسرائيل يوم 25 يناير 74 في المحادثات الكيلو متر 101.

تقدير جهاز الأمن المركزي: عقب انتهاء قوات الامن المركزي من اداء المهام والمسئوليات التي ألقيت على عاتقها خلال الحرب وعادت الى ثكناتها بعد أن أدت واجبها الوطني بجدارة واخلاص، استحقت من القيادات العسكرية والسياسية الشكر والتقدير. وقد ارسلت القيادة العامة للقوات المسلحة وقيادة المنطقة المركزية وقيادة الجيش الثاني رسائل الى وزارة الداخلية وقيادة الأمن المركزي أعربت فيها عن تقديرها البالغ للدور الكبير الذي أسهم به رجال الأمن المركزي في المجهود الحربي. كما منح علم الأمن المركزي، وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى. وقد أشاد الرئيس الراحل السادات بدور الأمن المركزي ، فقد ذكر في الصفحة 277 من كتابه البحث عن الذات ما يلي: "عندما حاول الاسرائيليون الاستيلاء على مدينة الاسماعيلية لم يستطيعو الوصول حتى الى مشارفها. وكنت قد كلفت ممدوح سالم وكان في ذلك الوقت مسئولا عن المجلس الأعلى للدفاع الشعبي، فأرسل 1000 فردا من قوات الأمن المركزي وهم مدربون على مستوى عال بأسلحتهم وعتادهم، وكانوا على أم استعداد ومعهم الجيش والأهالي لاستقبال الاسرائيليين".

رابعا – تأمين وحراسة حدود مصر الشرقية

تنفيذا لنصوص معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية التي أبرمت في 26 مارس 79 وعلى أثر انتهاء المرحلة الأخيرة من الانسحاب الاسرائيلي عن أراضي سيناء الحبيبة يوم 25 أبريل 1982 تم دفع قوات من الأمن المركزي مسلحين بالبنادق الآلية والرشاشات الخفيفة في الساعة الثانية عشرة ظهرا من نفس اليوم الى المنطقة ج والتي تحددت لمركزها. وتحد هذه المنطقة غربا المنطقة ب التي تتمركز بها وحدات مصرية من حرس الحدود، ويحدها شرقا الحدود الدولية التي تمتد من رفح على ساحل البحر المتوسط شمالا حتى طابا على خليج العقبة ، ثم بامتداد الخليج حتى شرم الشيخ جنوبا، وتبلغ مساحة المنطقة ج حوالي 13000 كيلو متر مربع.

وقد اسندت الى قوات الأمن المركزي في هذه المنطقة المهام المستديمة التالية:

1- احتلال نقاط مشرفة على طول خط الحدود الدولية.

2 – القيام بالواجبات العادية الموكولة الى الشرطة، وهي المحافظة على الأمن والنظام داخل المنطقة.

3 – منع أي محاولات لاختراق الحدود وكذا التسلل بأنواعه كافة، بما في ذلك مكافحة التهريب.

4 – حماية اراضي وممتلكات الدولة وتنفيذ القوانين واللوائح المصرية على الجميع. ولاداء هذه المهام بكفاءة ، تم اعداد ستة مواقع على طول خط الحدود لتمركز القوة الرئيسية التي تدفع منها النقاط الأمامية، وهي المواقع هي: رفح – القسيمة – الكنتلة – رأس النقب – نويبع – دهب – شرم الشيخ.

ملحق 7

  • قصيدة من وحي العبور
  • نظام القيادة المصرية في حرب أكتوبر 1973
  • نظام القيادة الإسرائيلية في حرب أكتوبر 1973
  • ثبت المراجع لموسوعة حرب أكتوبر 1973
  • محتويات الخرائط