المخبر (بدر شاكر السياب)
المخبر..... للشاعر العراقي / بدر شاكر السياب (عاش 1926 - 1964)
- أنا ما تشاء أنا الحقير
- صبّاغ أحذية الغزاة و بائع الدم و الضمير
- للظالمين أنا الغراب
- يقتات من جثث الفراخ أنا الدمار أنا الخراب
- شفة البغيّ أعفّ من قلبي و أجنحة الذباب
- أنقى و أدفأ من يدي كما تشاء أنا الحقير
- لكن لي من مقلتي إذا تتبعتا خطاك
- و تقرتا قسمات وجهك و ارتعاشك إبرتين
- ستنسجان لك الشراك
- و حواشي الكفن الملطخ بالدماء و جمرتين
- تروعان رؤاك إن لم تحرقاك
- و تحول دونهما ودونك بين كفيّ الجريدة
- فتندّ آهتك المديده
- و تقول أصبح لا يراني بيد أن دمي يراك
- إني أحسّك في الهواء و في عيون القارئين
- لم يقرأون لأن تونس تستفيق على النضال
- ولأن ثوار الجزائر ينسجون من الرمال
- و من العواصف و السيول و من لهاث الجائعين
- كفن الطغاة ؟ و ما تزال قذائف المتطوعين
- يصفرن في غسق القنال
- لم يقرأون و ينظرون إليّ حينا بعد حين
- كالشامتين ؟
- سيعلمون من الذي هو في ضلال
- ولأيّنا صدأ القيود لأينا صدأ القيود
- لأيّنا
- نهض الحقير
- وسأقتفيه فما يفرّ سأقتفيه إلى السعير
- أنا ما تشاء أنا اللئيم أنا الغبيّ أنا الحقود
- لكنّما أنا ما أريد أنا القويّ أنا القدير
- أنا حامل الأغلال في نفسي أقيد من أشاء
- بمثلهنّ من الحديد و أستبيح من الخدود
- ومن الجباه أعزهن أنا المصير أنا القضاء
- الحقد كالتنور في إذا تلهّب بالوقود
- الحبر و القرطاس أطفأ في وجوه الأمّهات
- تنورهنّ و أوقف الدم عن ثدي المرضعات
- في البدء كان يطيف بي شبح يقال له الضمير
- أنا منه مثل اللص يسمع وقع أقدام الخفير
- شبح تنفّس ثمّ مات
- واللص عاد هو الخفير
- في البدء لم أك في الصراع سوى أجير
- كالبائعات حليبهنّ كما تؤجّر للبكاء
- ولندب موتى غير موتاهنّ في الهند النساء
- قد أمعن الباكي على مضض فعاد هو البكاء
- الخوف و الدم و الصغّار فأي شيء أرتجيه
- فعلى يديّ دم و في أذنيّ وهوهة الدماء
- وبمقلتيّ دم و للدم في فمي طعم كريه
- أثقل ضميرك بالآثام فلا يحاسبك الضمير
- و انس الجريمة بالجريمة و الضحية بالضحايا
- لا تمسح الدم عن يديك فلا تراه و تستطير
- لفرط رعبك أو لفرط أساك و احتضن الخطايا
- بأشدّ ما وسع احتضان تنج من وخز الخطايا
- قوتي و قوت بني لحم آدمي أو عظام
- فليحقدن علي كالحمم المستعرّة الأنام
- كي لا يكونوا إخوة لي آنذاك و لا أكون
- وريث قابيل اللعين سيسألون
- عن القتيل فلا أقول
- أأنا الموكل و يلكم بأخي فإن المخبرين
- بالآخرين موكّلون
- سحقا لهذا الكون أجمع و ليحلّ به الدمار
- مالي و مالي و ما للناس لست ابا لكل الجائعين
- وأريد أو أروى و أشيع من طوى كالآخرين
- فليترلوا بي ما استطاعوا من سباب و احتقار
- لي حفنة القمح التي بيدي و دانية السنين
- خمس و أكثر و أو أقل هي الربيع من الحياه
- فليحلموا هم بالغد الموهوم يبعث في الفلاة
- روح النماء و بالبيادر و انتصار الكادحين
- فليحملوا إن كانت الأحلام تشبع من يجوع
- إني سأحيا رجاء و لا اشتياق و لا نزوع
- لا شيء غير الرعب و القلق الممض على المصير
- ساء المصير
- ربّاه إن الموت أهون من ترقّبه المرير
- ساء المصير
- لم كنت أحقر ما يكون عليه إنسان حقير