المجلس العسكرى وتطبيق القانون - محمد أبو الغار
المجلس العسكرى وتطبيق القانون، د. محمد أبو الغار.
هناك فارق كبير بين الحرية والفوضى. الحرية أن تفعل ما تشاء بما لا يضر ولا يؤثر ولا يؤذى الآخرين فى حدود قانون يتمشى مع مبادئ حقوق الإنسان. الفوضى هى أن تفعل ما تريد حينما تريد وكيفما تريد وتؤثر على مصالح الآخرين بالسلب وتكسر القانون.
ما حدث فى قنا من احتجاجات كبيرة على تعيين محافظ جديد لأنه قبطى شىء غير مفهوم، والخطير هو أن يتحول احتجاج سياسى إلى تخريب وذلك بقطع طريق الصعيد الرئيسى وخلع وكسر فى فلنكات السكة الحديد فتوقفت حركة قطارات أسوان بالكامل. هذا اعتداء صريح على هيبة الدولة وإهدار لنجاح الثورة الكبير ورسالة تخويف للشعب المصرى كله.
وقد اتصل بى الدكتور يحيى القزاز، وهو من أهل قنا، مبدياً دهشته من قيام بضعة آلاف بمظاهرات بسبب تعيين محافظ قبطى بينما لم تقم مظاهرات فى قنا لمساندة الثورة.
أعتقد أن المجلس العسكرى قد أخطأ فى عدم اتخاذ إجراءات حازمة فى إطار القانون عند حدوث تجاوزات طائفية. فعندما حدث الاعتداء على كنيسة قرية صول وتم هدم الكنيسة بالكامل لم يتم التحقيق فى الأمر مع الجناة الذين يقال إنهم معروفون بالاسم، وبالرغم من أن إعادة بناء الكنيسة فى مكانها بواسطة الجيش قد أدى إلى امتصاص غضب الأقباط ولكن أين حق الدولة حين تهدم بيوت الله؟ فلم يحدث تحقيق حتى هذه اللحظة بالرغم من أنهم كبدوا الدولة مبالغ طائلة وأثاروا مشاكل طائفية خطيرة.
نفس الأمر حدث فى واقعة قطع أذن المدرس المسيحى التى تم فيها الصلح فى وجود ممثل للمجلس العسكرى. لقد قرأت الخطاب الذى أرسله أحد أهالى قنا إلى الصديق المبدع بلال فضل بأن السبب فى الحادث هو أن المجنى عليه قد أجّر شقة إلى فتاتين تعيشان وحدهما وهو أمر غير متعارف عليه فى الصعيد، ذلك لا ينفى حدوث جريمة ضد مواطن وضد المجتمع كله، والقاضى والقانون يسمحان بتخفيض العقوبة إذا كانت هناك أسباب مخففة بسبب التقاليد والعادات ولكن فى النهاية لابد من الحفاظ على حق الدولة.
من حق أهل قنا التظاهر السلمى احتجاجا على تعيين محافظ غير ملائم أو له سمعة سيئة، ولكن كل هذه الثورة السلفية بسبب أنه قبطى شىء يفوق الخيال، ولم يقتنع أحد بأن هذه التظاهرات بسبب أن المحافظ الجديد كان ضد الثورة. لابد من معاقبة ومحاكمة من قاموا بالاعتداء على ممتلكات الشعب وإيقاف دورة الاقتصاد بإيقاف القطارات والسيارات، ولابد من تصرفات حاسمة كان يجب اتخاذها عند بدء المشكلة لمنع تفاقم مثل هذه الأمور.
وأعتقد أن السلبية وكذلك البطء الشديد للمجلس العسكرى فى التعامل مع هذه المشكلة مقارنة بالعنف المفرط والمحاكمات العسكرية السريعة لبعض شباب التحرير الذين لم يدمروا شيئاً- أمر مثير للدهشة.
الخوف كل الخوف أن يبدأ البعض فى التفكير بأن أمن الدولة ببطشه ونظام مبارك الظالم المفترى الذى دمر مصر كان يجعل مصر أكثر أمنا وأماناً، وأن الثورة قد أدت إلى فوضى، ولذا يجب أن يعرف الجميع أن الممتلكات العامة والخاصة مصونة، والمجلس العسكرى مسؤول عن ذلك، والحزم فى مثل هذه الأحوال ضرورة قبل أن تتفاقم الأمور.
الشعب المصرى كله كان سعيداً وفرحاً بالثورة التى خلصته من طاغية ونظام حكم فاسد. وهذه الثورة كانت سلمية بمعنى الكلمة وكل الجرحى والقتلى والشهداء والمفقودين هم بسبب عنف الشرطة وليس عنف الشعب، فكيف تتحول هذه الثورة السلمية إلى فوضى واعتداءات غير مبررة فى بعض المناطق؟! وقد تجاوز ذلك الحد فى الاعتداء على الأقباط وممتلكاتهم. الدفاع عن الأقباط وأملاكهم وكنائسهم ليس فقط وظيفة الدولة وإنما واجب شعبى من جميع المسلمين.
ربما كان اختيار هذا المحافظ غير موفق بسبب تاريخه المهنى كما يقال، ولكن مبدأ اختيار محافظ قبطى ورئيس جامعة قبطى هو شىء يجب ألا يكون محل تفاوض أو نقاش لأن المصريين جميعاً متساوون فى الحقوق والواجبات، ويجب أن تحكم الأمر كفاءة المرشح وسمعته وليس دينه، واعتراض أى فئة على تولى القبطى أو المرأة منصباً عاماً هو انتهاك لمدنية الدولة والمساواة وحقوق الإنسان، ويعود بمصر قرناً إلى الوراء. وكل ما أخشاه أن الحاكم أو المسؤول سوف يفكر ألف مرة قبل أن يعين قبطياً فى منصب مرموق وهو أمر طالما نادينا به وتحقق بصعوبة.
فى ظل هذه الفوضى التى تسبب فيها السلفيون وغيرهم وعدم وجود شرطة حقيقية عندها اهتمام والتزام بالأمن والأمان للمواطنين فى الشارع المصرى، هل يعقل أو يكون من المتخيل سيناريو انتخابات برلمانية بعد 5 شهور؟ هل سوف تستطيع الدولة كبح جماح البلطجية الذين فقدوا عملهم فى خدمة الشرطة والحزب الوطنى وبعض رجال الأعمال وأعضاء مجلس الشعب؟ أستطيع أن أرى أن هذا ضرب من المستحيل. يجب أن يتوقف الجيش لحظة ويفكر فى كيفية تحسين الوضع الأمنى وإلا فالانتخابات ستكون مستحيلة وسوف تنتهى بإسالة دماء وفقد أرواح ثم تتلوها ثورة جديدة احتجاجا على الانتخابات.
يجب أن نكون جميعاً، مسلمين وأقباطاً، على قدر كاف من الوعى بأن أى تمييز طائفى سوف يأكل من مكاسب الثورة ويؤدى إلى التأثير السلبى على مستقبل الديمقراطية فى مصر الذى سوف يعيدنا إلى الوراء.
أدعو مصر كلها لأن تقف بحزم فى هذا الأمر، وأدعو المجلس العسكرى لأن يعتبر أن هذا خط أحمر، وأن هيبة الدولة يجب أن يحافظ عليها حتى نحقق نقلة ديمقراطية حقيقية، أنا أرى أمامى قوى فى الشارع المصرى تدفع بمصر نحو الهاوية، ومن يقرأ التاريخ جيداً يجب أن يأخذ عبرة مما حدث فى مصر عام 1954.
وعلى الشعب المصرى كله أن يقف يداً واحدة كما كان فى التحرير للدفاع عن مستقبل أولادنا.
قوم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .