الكامل في اللغة - الجزء الرابع
لهو النعمان بن المنذر وحدثني العباس بن الفرج الرّياشيّ في إسنادٍ قد ذهب عني أكثره، قال: نزل النعمان بن المنذر ومعه عدّي بن زيد في ظلّ شجرةٍ مونقةٍ، ليلهو النّعمان هناك، فقال له عدّي بن زيد: أيها الملك، أبيت اللّعن! أتدري ما تقول هذه الشجرة? قال: وما لذي تقول? قال: تقول: من رآنـــــــــــــــــــــــــــــــا فـــــــــــــــــــــــــــــــلـــــــــــــــــــــــــــــــيحـــــــــــــــــــــــــــــــدث نـــــــــــــــــــــــــــــــفـــــــــــــــــــــــــــــــســــــــــــــــــــــــــــــــــه أنـــــــــــــــــــــــــــــــه مـــــــــــــــــــــــــــــــوفٍ عـــــــــــــــــــــــــــــــلـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــى قـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرن زوال وصـــــــــــــــــــــــــــــــرف الـــــــــــــــــــــــــــــــدهـــــــــــــــــــــــــــــــر لا يبـــــــــــــــــــــــــــــــقـــــــــــــــــــــــــــــــى لـــــــــــــــــــــــــــــــهــــــــــــــــــــــــــــــــا ولـــــــــــــــمـــــــــــــــا تـــــــــــــــأتـــــــــــــــــــي بـــــــــــــــــــــــــــــــه صـــــــــــــــــــــــــــــــم الـــــــــــــــــــــــــــــــجـــــــــــــــــــــــــــــــبـــــــــــــــــــــــــــــــال ربّ ركـــــــــــــــــــــــــــــــبٍ قـــــــــــــــــــــــــــــــد أنـــــــــــــــــــــــــــــــاحـــــــــــــــــــــــــــــــوا حـــــــــــــــــــــــــــــــولـــــــــــــــــــــــــــــــنــــــــــــــــــــــــــــــــا يمـــــــــــــــزحـــــــــــــــون الـــــــــــــــخــــــــــــــــمـــــــــــــــــــــــــــــــر بـــــــــــــــــــــــــــــــالـــــــــــــــــــــــــــــــمـــــــــــــــــــــــــــــــاء الـــــــــــــــــــــــــــــــزّلال والأبـــــــــــــــــــــــــــــــاريق عـــــــــــــــــــــــــــــــلـــــــــــــــــــــــــــــــــيهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا فـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدمٌ وجــــــــــــــــــــــــــــــياد الـــــــــــــــــــــــــــــــخـــــــــــــــــــــــــــــــيل تـــــــــــــــــــــــــــــــردي فـــــــــــــــــــــــــــــــي الـــــــــــــــــــــــــــــــجـــــــــــــــــــــــــــــــلال عمـــــــــــــــــــــــــــــــروا الـــــــــــــــــــــــــــــــدهـــــــــــــــــــــــــــــــر بـــــــــــــــــــــــــــــــعـــــــــــــــــــــــــــــــيشٍ حـــــــــــــــــــــــــــــــســــــــــــــــــــــــــــــــنٍ قطـــــــــــــــــــــــــــــــعـــــــــــــــــــــــــــــــوا دهـــــــــــــــــــــــــــــــرهـــــــــــــــــــــــــــــــم غـــــــــــــــــــــــــــــــير عـــــــــــــــــــــــــــــــجـــــــــــــــــــــــــــــــال ثم أضـــــــــــــــحــــــــــــــــوا عـــــــــــــــــــــــــــــــصـــــــــــــــــــــــــــــــف الـــــــــــــــــــــــــــــــدّهـــــــــــــــــــــــــــــــر بـــــــــــــــــــــــــــــــهـــــــــــــــــــــــــــــــم وكـــــــــــــــذلــــــــــــــــك الـــــــــــــــــــــــــــــــدّهـــــــــــــــــــــــــــــــر حـــــــــــــــــــــــــــــــالاً بـــــــــــــــــــــــــــــــعـــــــــــــــــــــــــــــــد حـــــــــــــــــــــــــــــــال قال: فتنغّص النعمان.وهذا في الأمثال كثيرٌ، وفي الأشعار السائرة. وأما قوله حكمك مسمّطاً فإعرابه أنه أراد: لك حكمك مسمّطاً، واستعمل هذا فكثر، حتى حذف استخفافاً، لعلم السامع بما يريد القاتل، كقولك: الهلال والله، أي: هذا الهلال، أغنى عن قوله: هذا، القصد والإشارة. وكان يقال لرؤبة: كيف أصبحت? فيقول: خير عافاك الله. فلم يضمر حرف الحفض، ولكنه حذف لكثرة الاستعمال. والمسمّط: المرسل غير المردود. والكوماء: العظيمة السّنام. باب أبو رافع مولى الرسول عليه السلام قال أبو العباس : قال الليثيّ: اعتق سعيد بن العاصي أبا رافع إلا سهماً واحداً فيه، من أسهم لم يسمّ عددها لنا، فاشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك السهم فاعتقه. وكان لأبي رافع بنون أشراف، منهم عبيد الله بن رافع، وحديثه أثبت الحديث عليّ بن أبي طالب، وكان كالكاتب له، وكان عبيد الله بن أبي رافع شريفاً، وكان عبيد الله ينسب إلى ولاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما ولي عمرو بن سعيد الأشدق المدينة لم يعمل شيئاً قبل إرساله إلى عبيد الله بن أبي رافع، فقال له: مولى من أنت? فقال: مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبرزه فضربه مائة سوطٍ، ثم قال له: مولى من أنت? فقال: مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضربه مائة أخرى. فلما رأى عبد الله غير راجع، وأن عمراً قد ألحّ عليه في ضربه، قام إلى عمروٍ فقال له: اذكر الملح، فأمسك عنه. والملح ههنا اللّبن، يريد الرّضاع، كما قال أبو الطّمحان القينيّ: وإنّي لأرجو ملحها في بطونكـم وما بسطت من جلد أشعث أغبرا كذا وقعت الرواية، والصواب أغير لأن قبله: ولو علمت صرف البيوع لسرّها بمكّة أن تبتاع حمضاً بـإذخـر قاله ش وكما قال الآخر: لا يبعد الله ربّ العباد والملح ما ولدت خالدة ويروى أن عبيد الله بن أبي رافع أتى الحسن بن عليّ بن أبي طالب فقال:أنا مولاك، فقال في ذلك مولى لتمّام بن عبد المطّلب، يعذله ويعيّره: جحدت بني العباس حـقّ أبـيهـم فما كنت في الدّعوى كريم العواقب متى كان أولاد البـنـات كـوارث يحوز ويدعى والداً في المناسـب! يريد انّ العباس أولى بولاء مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن العمّ مدعوٌّ والداّ في كتاب الله تعالى، وهو يحوز الميراث.وقال رجلٌ من الثّقفيّين: أنشدت مروان بن أبي حفصة هذين البيتيتن، فوقع عندي أنه من هذا أخذ قوله: أنّى يكون وليس ذاك بكـائن لبني البنات وراثة الأعمـام ألغى سهامهم الكتاب فما لهم ان يشرعوا فيه بغير سهام وقال طاهر بن عليّ بن سليمان بن عليّ بن عبد الله بن العباس للطالبيين: لو كان جدّكم هناك وجدّنـا فتنازعا فيها لوقت خصـام كان التّراث لجدّنا من دونه فحواه بالقربى وبالإسـلام حقّ البنات فريضةٌ معروفةٌ والعمّ أولى من بني الأعمام وذكر الزّبيريون عن ابن الماجشون قال: جاءني رجل من ولد أبي رافع، فقال: إنّي قد قاولت رجلاً من موالي بعض العرب، فقلت: أنا خيرٌ منك، فقال: بل أنا خير منك، فما الذي يجب لي عليه? فقلت: ليس في هذا شيء، فقال: أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويزعم أنه خير مني! قال: قلت:قد يتصرّف هذا على غير الحسب، قال: فلما رآني لا أٌقضي له بشيء قال لي: أنت دافع مغرماً لأن ولائي ولاء عنده ليس في موضعٍ مرضيّ? قال وصدق: في بني تيمٍ لتيمٍ من هو أشرف ولاء منّي. أسامة بن زيد يقاول عمرو بن عثمان وحدثت أن أسامة بن زيد قاول عمرو بن الخطاب في أمر ضيعة يدّعيها كلّ واحدٍ منهما، فلجّت يهما الخصومة، فقال عمرو: يا أسامة، أتأنف أن تكون مولاي! فقال أسامة: والله ما يسرّني بولائي من رسول الله صلى الله عليه وسلم نسبك! ثم ارتفعا إلى معاوية، فلجّا بين يديه في الخصومة، فتقدم سعيد بن العاصي إلى جانب عمرو، فجعل يلقّنه الحجة، فتقدم الحسن إلى جانب أسامة يلقّنه، فوثب عتبة بن أبي سفيان، فصار مع عمرو، ووثب الحسين فصار مع أسامة، فقام عبد الرحمن ابن أم الحكم، فجلس مع عمرو، فقام عبد الله بن العباس فجلس مع أسامة، فقام الوليد بن عقبة فجلس مع عمرو، فقام عبد الله بن جعفر فجلس مع أسامة، فقال معاوية: الجليّة عندي حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أقطع هذه الضّيعة أسامة. فانصرف الهاشميون، وقد قضي لهم، فقال الأمويون لمعاوية: هلاّ إذ كانت هذه القضية عندك بدأت بها قبل التحزّب، أو أخّرتها عن هذا المجلس! فتكلم بكلام يدفعه بعض الناس. الحجاج بن يوسف وسعيد بن جبير وكان الذي اعتدّ بعه ا لحجاج بن يوسف على سعيد بن خبير لمّا أتي بهخ إليه بعد القضاء أمر ابن الأشعث، وكان سعيدٌ عبداً لرجل من بني أسد بن خزيمة، فاشتراه سعيد بن العاصي في مائة عبدٍ فاعتقهم جميعاً، فقال له الحجّاج: يا شقي بن كسيرٍ، أما قدمت الكوفة، وليس يؤم بها إلا عربيّ فجعلتك إماماً! قال: بلى، قال: أفما ولّيتك القضاء فضجّ أهل الكوفة وقالوا: لا يصلح القضاء إلا لعربي، فاستقضيت أبا بردة بن أبي موسى الشعري وأمرته ألا يقطع أمراً دونك! قال: بلى، قال: أو ما جعلتك في سمّارى وكلهم من رؤوس العرب! قال:بلى، قال: أو ما أعطيتك مائة ألف درهم لتفرّقها في أهل الحاجة، ثم لم أسألك عن شيء منها! قال: بلى، قال: فما أخرجك عليّ ? قال:بيعةٌ كانت لابن الأشعث في عنقي، فغضب الحجّاج، ثم قال:أفما كانت بيعة أمير المؤمنين بعد الملك في عنقك قبل? والله لأقتلنّك، يا حرسيّ، اضرب عنقه. ونظر الحجّاج فإذا جلّ من خرج مع عبد الرحمن، من الفقهاء وغيرهم، من الموالي، فأحبّ ان يزيلهم عن موضع الفصاحة والآداب، ويخلطهم بأهل القرى والأنباط. فقال: إنما الموالي علوج، وإنما أتي بهم من القرى، فقراهم أولى بم، فأمر بتسييرهم من الأمصار وإقرار العرب بها، وأمر ان ينقش على يد كل إنسان منهم اسم قريته. وطالت ولايته. فتوالد القوم هناك، فخبثت لغات أولادهم، وفسدت طبائعهم. فلمّا قام سليمان بن عبد الملك اخرج من كان في سجن الحجّاج من ا لمظلومين، فيقال إنه أخرج في يوم واحدٍ ثمانين ألفاً، وردّ المنقوشين، فرجعوا في صورة الأنباط، ففي ذلك يقول الراجز: جاريةٌ لم تدر ما سوق الإبـل أخرجها الحجّاج من كنّ وظل لو كان بدرٌ حاضراً وابن حمل ما نقشت كفّاك في جلد جلـل وقال شاعرٌ لأهل الكوفة لمّا استقضي عليها نوح بن درّاج: يا أيّها الناس قد قامت قيامتكـم إذ صار قاضيكم نوح بن درّاج لو كان حيّا له الحجّاج ما سلمت كفّاه ناجيةً من نقش حـجّـاج ويروى عن حسّان، المعروف بالنبطيّ صاحب منارة حسّان في البطيحة قال: أريت الحجّاج فيما يرى النائم، فقلت: أصلح الله الأمير! ما صنع الله بك? فقال: يا نبطيّ، أهذا عليك! قال: فرأيتنا لانفلت من نقشه في الحياة، ومن شتمه بعد الوفاة! ويروى عن حسان أ،ه قصّ هذه الرؤيا على محمد ين سيرين، فقال له ابن سيرين: لقد رأيت الحجّاج بالصّحة. حديث الجحاف والأخطل قال أبو العباس: وحدّثت من ناحية الزّبيريين أن الجحّاف بن حكيم دخل على عبد الملك، والأخطل عنده، فلما بصر به الأخطل قال: ألا أبلغ الجحّاف هل هو ثـائر بقتلى أصيبت من سليم وعامر! فقـال الـجــحّـــاف: بلى سوف نبكيهم بكل مهنّد ونبكي عميراً بالرماح الخواطر ثم قال: يا ابن النّصرانيّة، ما ظننتك تجترىء عليّ بمثل هذا ولو كنت مأسوراً لك! فحمّ الأخطل خوفاً، فقال له عبد الملك: أنا جارك منه، فقال: يا أمير المؤمنين، هبك أجرتني منه في اليقظة، فمن يجبرني مكنه في النّوم! ومن هذا أو نحوه أخذ السّلميّ قوله: قال أبو الحسن: هو أشجع السّلميّ يقوله للرشيد: وعلى عدوّك يا ابن عمّ محمـدٍ رصدان ضوء الصّبح والإٌظلام فإذا تنبّـه رعـتـه وإذا هـدا سلّت عليه سيوفـك الأحـلام هرب العديل من الحجاج وكان العديل بن الفرخ العجليّ هارباً، فجعل لا يحلّ ببلدة إلاّ ريع لأثر يراه من آثار الحجّاج فيهرب، حتى أبعد، ففي ذلك يقول العديل: فلو كنت في سلمى أجا وشعابهـا لكان لحـجّـاجٍ عـلـيّ دلـيل بنى قبّة الإسلام حتّـى كـأنّـمـا أتى الناس من بعد الضّلال رسول أجأ وسلمى: جبلاً طيّىء، وأجأ مهموز، وغنما هو أجا مقصورٌ، فاعلم، قال زيد الخيل: جلبنا الخيل من أجإ وسلمى تخبّ نزائعاً خبب الذّئاب والشاعر إذا احتاج إلى قلب الهمزة قلبها، إن كانت الهمزة مكسورة جعلها على حركة ما قبلها، وإن كانت مفتوحة وقبلها فتحةٌ جعلها ألفاً، وإن كان مفتوحة وقبلها كسرةُ جعلها ياء، وإن كانت مفتوحة وقبلها ضمةُ جعلها واواً، قال الفرزدق:
راحت بمسلمة البغال عـشـيّةً فارعي فزارة لا هناك المرتع وقال حسّان بن ثابت: سالت هذيلٌ رسول الله فـاحـشةً ضلّت هذيلٌ بما سالت ولم تصب! وقال عبد الرحمن بن حسّان: وكنت أذلّ من وتدٍ بقـاعٍ يشجّج رأسه بالفهر واجي قول الفرزدق في عزل مسلمة بن عبد الملك هم العراق وأما الفرز دق، فإنه يقول لمّا عزل مسلمة بن عبد الملك عن العراق بعد قتله يزيد بن المهلّب لحاجة الخليفة إلى قربه وولي عمر بن هبيرة. راحت بمسلمة البـغـال عـشـيةً فارعي فزارة لا هناك المـرتـع ولقد علمـت إذا فـزارة أمّـرت أن سوف تطمع في الإمارة أشجع فأرى الأمور تنكرت أعـلامـهـا حتى أمية عـن فـزارة تـنـزع عزل ابن عمروٍ وابن بشرٍ قبـلـه وأخو هراة لمثـلـهـا يتـوقّـع ففي جواب هذا يقول الأسدي لمّا ولي خالد بن عبد الله القسريّ: بكت المنابر من فزارة شجوها فالآن من قسرٍ تضح وتخشع وملوك خندف أسلمونا للـعـدا لله درّ ملكونا ما تـصـنـع! كانوا كتاركةٍ بينهـا جـانـبـاً سفهاً وغيرهم تصون وترضع وأما حسان: سالت هذيل رسول الله فاحشة، فليس من لعنة سلت أسال، مثل: خفت أخاف، وهما يتساولان، هذا من لغة غيره، وكانت هذيل سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يحلّ لها الزّنا. مفاخرة بين أسدي وهذلي ويروى أن أسديّاً وهذليّاً تفاخرا، فرضيا برجل، فقال: إني ما أقضي بينكما إلا أن تجعلا لي عقداً وثيقاً ألا تضربا ولا تشتما، فإنّي لست في بلاد قومي، ففعلا. فقال: يأخا بني أسدٍ، كيف تفاخر العرب وأنت تعلم انه ليس حيّ أحبّ إلى الجيش ولا أبغض إلى الضيف، ولا أقل تحت الرايات منكم! وأما أنت يا أخا هذيل، فكيف تكلم الناس وفيكم خلال ثلاثٌ: كان منكم دليل الحبشة على الكعبة، ومنكم خولة ذات النّحيين، وسألتم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلّ لكم الزّنا! ولكن إذا أردتما بيتي مضر، فعليكما بهذين الحيّين من تميم وقيس، قوماً في غير حفظ الله! وأما بيت عبد الرحمن بن حسّان فإنه يقوله لعبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاصي وكان يهاجيه، فقال له في كلمته: وأما قولك الخـلـفـاء مـنّـا فهم منعـوا رويدك مـن داج ولولاهم لكنت كحوت بـحـر هوى في مظلم الغمرات داجي وكنت أذل مـن وتـدٍ بـقـاع يشجّج رأسه بالفهـر واجـي وكان أحد من هرب من الحجاج سوّار بن المضرّب ففي ذلك يقول: أقـــــــاتـــــــلـــــــي الـــــــحـــــــجّـــــــاج إن لــــــــــم أزر لـــــــــــــــه دراب وأتـــــــرك عـــــــنــــــــد هـــــــــــــــنـــــــــــــــد فـــــــــــــــؤاديا فإن كـــــــان لا يرضـــــــيك حـــــــتــــــــــــــى تـــــــــــــــردّنـــــــــــــــي إلـــــــى قـــــــطـــــــريّ مـــــــا إخـــــــــالـــــــــــــــك راضـــــــــــــــيا إذا جـــــــاوزت درب الـــــــمـــــــجـــــــيزين نـــــــاقـــــــــــــــتـــــــــــــــي فبـــــــاســـــــت أبـــــــي تـــــــمــــــــيمٌ والـــــــــــــــفـــــــــــــــلاة ورائيا وورائي هنا بمعنى: أمامي، قال الله عز وجل:" وإني خفت المولى من وراءي "مريم:5. وقال جل ثناؤه:" وكان وراءهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ غصبا "الكهف:79. محمد بن عبد الله النميري والحجاج وممن هرب من الحجاج محمد بن عبد الله بن نميرٍ الثّقفيّ، وكان يشبّب بزينب بنت يوسف، أخت الحجاج، وهو القائل فيها: تضوّع مسكاً بطن نعمان أن مشت به زينب في نسوةٍ عـطـرات يخبّئن أطراف البنان من التّـقـى ويخرجن شطرا الليل معتجرات في كلمة له، فلما أتي به الحجاج قال: هاك يدي ضاقت بي الأرض رحبها=وإن كنت قد طوفت كلّ مكان فلو كنت بالعنقاء أو بأسومها لخلتك إلا ان تصد ترانـي من رفع رحبها فعلى البدل، ومن نصب فعلى الظرف، قاله ش. وأسومها بفتح الهمزة وبالضم، والفتح أحسن،ش. ثم قال: والله أيها الأمير،إن قلت إلا خيراً، وإنما قلت: يخبّئن أطراف البنان من التّقـى ويخرجن شطر الليل معتجرات فعفا عنه، ثم قال له: أخبرني عن قولك: ولمّا رأت ركب النّمريّ أعرضت وكنّ من أن يلقـينـه حـذرات ما كنتم? قال: كنت على حمار هزيل، ومعي صاحبّ لي على أتانٍ مثله. مالك بن الريب والحجاج
وممّن هرب منه مالك بن الرّيب المازنيّ، أحد بني مازن بن مالك بن عمرو بن تميم، وفي ذلك يقول:
إن تنصفونا يال مروان نقـتـرب إليكـم وإلاّ فـأذنـوا بـبـعـاد
فإنّ لنا عنكم مزاحـاً ومـزحـلا بعيسٍ إلى ريح الـفـلاة صـواد
ففي الأرض عن دار المذلّة مذهب وكلّ بلادٍ أوطـنـت كـبـلادي
كذا وقعت الرواية بضم الهمزة وكسر الطاء، والأصحّ أوطنت بفتح الهمزة وفتح الطاء، قاله ش.
فماذا ترى الحجّاج يبلغ جهـده إذا نحن جاوزنا حـفـير زياد
فلولا بنو مروان كان ابن يوسفٍ كما كان عبداً من عـبـيد إياد
زمان هو العبد المـقـرّ بـذلّةٍ يراوح صبيان القرى ويغـادي
وقال ذلك لأن الحجاج كان هو وأخوه معلّمين بالطائف، وكان لقبه كليباً، وفي ذلك يقول القائل:
أينسى كليبٌ زمان الهزال وتعليمه سورة الكوثـر
رغيفٌ له فلكه ما تـرى وآخر كالقمر الأزهـر
يقول: خبز المعلّمين يأتي مختلفاُ، لأنه من بيوت صبيان مختلفي الأحوال. وأنشد أبو عثمان عمرو بنى بحر الجاحظ:
رأيت بني بحر وقـد حـفـلـوا كأنّهم خبـز بـقّـال وكـتّـاب
هذا طويلٌ وهذا حنبـلٌ جـحـدٌ يمشون خلف عمير صاحب الباب
وفي لقبه يقول آخر من أهل الطائف:
كليبٌ تمكّن في أرضـكـم وقد كان فينا صغير الخطر
ولما دخل الحجاج مكة اعتذر إلى أهلها لقلة ما وصلهم به، فقال قائل منهم: إذن والله ونعذرك وأنت أمير العراقيين وابن عظيم القريتين!وذلك أنّ عروة بن مسعود ولده من قبل امّه. وتأويل قول الله عز وجلّ: " وقالوا لولا نزل هذا القرءان على رجل من القريتين عظيم " الزخرف:31.مجازه في العربية: على رجل مت رجلين من القريتين عظيم. القريتان: مكة والطائف، والرجلان: عروة بن مسعود، والآخر الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن ع مر بن مخزوم. ويروى إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه مرّ بقبره ومعه خالد، فقال: أصبح جمرى في النار، فأجابه خالد في ذلك بجواب غير مرضيّ.
مقتل عروة بن مسعود
وأما عروة بن مسعود فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى الطائف يدعوهم إلى الإسلام، فرقي سطحه، فرماه رجلٌ بسهم فقتله، فلما وجّه رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس ابن عبد المطلب رضي الله عنه إلى أهل مكة أبطأ عليه، فقال." ردوا عليّ أبي، أما لئن فعلت به قريشٌ ما فعلت ثقيفٌ بعروة بن مسعود لأضرمنّها عليهم ناراً ". يقال: رقيت السطح وما كان مثله أرقاه، مثل خشيته أخشاه، كما قال الله تبارك وتعالى:"أوترقى في السّماء" الإسراء:93، ويقال: رقيت اللّديغ أرقيه، مثل رميته أميه. ويقال: ما رقأت عينه من الدمع، مهموزٌ ترقأ يا فتى، مثل قرأت تقرأ يا فتى.
في موت ابن الحجاج وأخيه
وكان الحجاج رأى في منامه ان عينيه قلعتا، فطلّق الهندين: هنداً بنت المهلّب، و هنداً بنت أسماء بن خارجة، فلم يلبث ان جاءه نعيّ أخيه من اليمن في ا ليوم الذي مات فيه ابنه محمدٌ، فقال: هذا والله تأويل رؤياي، ثم قال: إنّا لله وإن إليه راجعون! محمّدٌ ومحمّدٌ في يوم واحدٍ!
حسبي بقاء الله من كـلّ مـيّت وحسبي رجاء الله من كلّ هالك
إذا كان ربّ العرش عنّي راضياً فإن شفاء النفس فيما هنـالـك
وقال: من يقول شعراً يسليني به? فقال الفرزدق: إنّ الرّزيّة لا رزيّة مثلهما=فقدان مثل محمدٍ ومحمد
ملكان قد خلت المنابر منهما أخذ الحمام عليهما بالمرصد
فقال: لو زدتني! فقال الفرزدق:
إنّي لباكٍ على ابني يوسف جزعاً ومثل فقدهما للدّين يبـكـينـي
ما سدّ حيٌّ ولا ميتٌ مسدّهـمـا إلا الخلائف من بعد النّـبـيّين
فقال له: ما صنعت شيئاً، إنما زدت في حزني، فقال الفرزدق:
لئن جزع الحجّاج ما مـن مـصـيبةٍ تكون لمـحـزونٍ أجـلّ وأوجـعـا
من المصطفى والمصطفى من خيارهم جناحـيه لـمّـا فـارقـاه فـودّعـا
أخ كان أغنى أيمـن الأرض كـلّـه وأغنى ابنه أهل العراقين أجـمـعـا
جناحا عقاب فارقاه كلاهـمـا ولو نزعا من غيره لتضعضعا
فقال: الآن.أما قوله إلا الخلائف من بعد النّبيين، فخفض هذه النون، وهي نون الجمع، وإنما فعل ذلك لنه جعل الإعراب فيها لا فيما قبلها، وجعل هذا الجمع كسائر الجمع، نحو أفلس، ومساجد. وكلاب، فإن إعراب هذا كإعراب الواحد، وإنما جاز ذلك لأن الجمع يكون على أبنية شتّى، وإنما يلحق منه بمنهاج التثنية ما لاختلاف معانيه، ما كان على حد التثنية لا يكسّر الواحد عن بنائه، وإلاّ فلا، فإنّ الجمع كالواحد،لاختلاف معانيه،كما تختلف معاني الواحد، والتثنية ليست كذلك، لأنه ضربٌ واحدٌ،ولا يكون اثنان اكثر مت اثنين عدداً، كما يكون الجمع أكثر من الجمع، فمما جاء على هذا المذهب قولهم: هذه سنينٌ، فاعلم ، وهذه عشرينٌ فاعلم، قال العدوانيّ:
إنّـي أبـيٌّ ذو مـحـافـظةٍ وابـن أبـي مـن أبــيّين
وأنتم معشرٌ زيدٌ علـى مـائةٍ فأجمعوا كيدهم طرّاً فكيدوني
وقال سحيم بن وثيل:
وماذا يدّري الشعراء منّي وقد جاوزت حدّ الأربعين
أخو خمسين مجتمعٌ أشدّي ونجّذني مداورة الشّؤون
وفي كتاب الله عز وجل:" ولا طعامٌ إلاّ من غسلينٍ " الحاقة 36.فإن قال قائل: غسلنا واحدٌ،فإنه كلّ ما كان على بناء الجمع من الواحد فإعرابه كإعراب الجمع، ألا ترى انّ عشرين ليس لها واحد من لفظها، وإعرابها كإعراب مسلمين واحدهم مسلمٌ! وكذلك جميع الإعراب. وتقول: هذه فلسطون يافتى، ورأيت فلسطين يافتى، هذا القول الأجود وكذلك يبرين وفي الرفع يبرون يافتى، وكلّ ما أشبه هذا فهو بمنزلته ، تقول: قنّسرون، ورأيت قنسرين، و الأجود في هذا البيت:
وشاهدنا الجلّ والياسمو ن والمسمعات بقضّابها
وفي القرآن ما يصدق ذلك قول الله عزّ وجل:" كلا إن كتاب الأبرار لفي عليّين وما أدراك ما عليّون" المطففين18- 19، فمن قال: هذه قنّسرون ويبرون.فنسب إلى واحد منهما رجلاً أو شيئاً قال: هذا رجل قنّسريّ ويبريّ، بحذف النون والواو، لمجيء حرفي النّسب، ولو أثبتهما لكان في الاسم رفعان ونصبان وجرّان، لأن الياء مرفوعةٌ،والواو علامة الرفع. ومن قال: قنّسرين كما ترى قال في النّسب: قنّسرينّي لأن الإعراب في حرف النّسب، وانكسرت النون كما ينكسر كلّ ما لحقه النّسب.وأما قوله: ونجّذني مداورة الشّؤون، فمعناه: فهّمني وعرّفني، كما يقال: حنّكته التّجارب، والناجذ:آخر الأضراس، ذلك قولهم: ضحك حتى بدت نواجذه. والشؤون: جمع شأن مهموز، وهو الأمر. وقال المفسرون من أهل الفقه وأهل اللغة في قول الله تبارك وتعالى:" ولا طعامٌ إلا من غسلينٍ " الحاقة:36، هو غسالة أهل النار . وقال النحويّون: هو فعلينٌ من الغسالة.
كلمة عمر بن عبد العزيز
في الولاة الظالمين
ويروى أنّ عمر بن عبد العزيز خرج يوماً فقال: الوليد بالشّام، والحجّاج بالعراق، وقرّة بن شريك بمصر، وعثمان بن حيّان بالحجاز، ومحمد بن يوسف باليمن! امتلأت الأرض والله جوراً!
كتاب الحجاج إلى الوليد بن عبد الملك
كتب الحجاج إلى الوليد بن عبد الملك بعد وفاة محمد بن يوسف:" أخبر أمير المؤمنين أكرمه الله انه أصيب لمحمد بم يوسف خمسون ومائة ألف دينار، فإن لكن أصابها من حلّها فرحمه الله، زإن تكن من خيانة فلا رحمة الله"! فكتب إليه الوليد:" أما بعد، فقد قرأ أمير المؤمنين كتابك فيما خلّف محمد بن يوسف، وإنما أصاب ذلك المال من تجارة له أحللناها، فترحّم عليه، رحمه الله"!
من كلام معاوية لابنه يزيد
ويروى أن يزيد بن معاوية قال لمعاوية في يوم بويع له على عهده، فجعل الناس يمدحونه ويقرظونه:" يا أمير المؤمنين، والله ما ندري، أنخدع الناس أم يخدعوننا! فقال له معاوية: كل من أردت خديعته فتخادع لك حتّى تبلغ منه حاجتك فقد خدعته!.
كتاب الحجاج إلى عبد الملك
ويروى أن الحجاج كتب إلى عبد الملك بن مروان:و بلغني أن أمير المؤمنين عطس غطسةً فسمّته قومٌ، فقال: يغفر الله لنا ولكم، فيا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيماً!
تفجع الوليد لموت الحجاج
وزعم الأصمعيّ قال: خرج الوليد يوماً على الناس وهو مشعانّ الرّأس، فقال: مات الحجاج بن يوسف، وقرّة بن شريك. وجعل يتفجّع عليهما. قوله:مشعانّ الرأس يعني منتفخ الشّعر متفرّقه.ومثل هذا يكون في شعر، لأن في هذا التقاء ساكنين، ولا يقع مثل هذا في وزن الشعر، إلا فيما تقدم ذكره في المتقارب ، وليس ذا على ذلك الوزن.
رسول عمر بن عبد العزيز إلى إليون ملك الروم
وحدثت أنّ عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وجّه عبد الله بن عبد الأعلى ومعه رجلٌ من عنس إلى إليون، فقال العنسيّ: فخلا بي عمر دونه، وقال لي: لحفظ كلّ ما يكون منه، فلما صرنا إليه صرنا إلى رجل عربيّ اللسان، وغنما نشأ بمرعش، فذهب عبد الله ليتكلّم، فقلت: على رسلك، فحمدت الله وصليت على نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم قلت: إنّي وجّهت بالذي وجّه بع هذا،إنّ أمير المؤمنين يدعوك إلى الإسلام، فإن تقبله تصب رشدك، وإني لأحسب أنّ الكتاب قد سبق عليك بالشّقاء،إلاّ أن يشاء الله غير ذلك، فإن قبلت وإلاّ فاكتب جواب كتابنا. قال: ثم تكلّم عبد الله، فحمد الله وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم، وذهب في القول وكان مفوّهاً فقال له إليون: يا عبد الله! ما تقول في المسيح? فقال: روح الله وكلمته، فقال: أيكون ولدٌ من غير فحلٍ! فقال عبد الله: في هذا نظرٌ! فقال: أي نظرٍ في هذا?إما نعم وإما لا! فقال عبد الله: آدم خلقه الله من تراب، إنّ هذا اخرج من رحم، قال: في هذا نظر! قال إليون بالروميّة: إنّي أعلم انك لست على ديني ولا على دين الذي أرسلك قال:وأنا أفهم بالرّومية ثم قال: أتعطون يوماً غير يوم الجمعة? فقال: نعم، فقال: وما ذلك اليوم، أمن أعيادكم هو? فقال:لا،قال: فلم تعظمونه? قال: عيدٌ لقوم كانوا صالحين قبل أن يصير إليكم، قال: فقال له إليون بالرومية: قد علمت أنّك لست على ديني ولا على دين الذي أرسلك، فقال له عبد الله: أتدري ما يقول أهل السّفه? قال: وما يقولون? قال: إبليس: أمرت ألا أسجد إلا لله، ثم قيل لي: اسجد لآدم،قال: فقال له بالرومية: الأمر فيك أبين من ذلك، قال: ثن كتب جواب كتبنا، قال: فرجعنا إلى عمر بها، قال: فخبّرناه بما أردنا ثم نهضنا، فردّني إليه من باب الدار فخلا بي، فأخبرته، فقال: لعنه الله! لقد كانت نفسي تأباه،ولم أحسبه يجترئ على مثل هذا، قال: فلما خرجت قال لي عبد الله: ما الذي قال لك? قال: قلت، قال لي: أتطمع فيه? قلت: لا.
الشعبي عند صاحب الروم
ولما وجّه عبد الملك الشّعبيّ إلى صاحب الروم فكلّمه، قال له صاحب الروم بعد انقضاء ما بينهما: أمن أهل بيت المملكة أنت?قال: قلت لا، ولكني رجلٌ من العرب، قال: فكتب معي رقعةً، وقال لي: إذا أديت جواب ما جئت له فأدّ هذه الرقعة إلى صاحبك، قال: فلمّا رجعت إلى عبد الملك فأعطيته جواب كتابه وخبّرته بما دار بيننا نهضت، ثم ذكرت الرقعة، فرجعت فدفعتها إليه، فلمّا ولّيت دعاني، فقال لي: أتدري ما في هذه الرقعة? فلت:لا، قال: فيها: العجب لقوم فيهم مثل هذا كيف ولّوا أمورهم غيره.قال: فلمّا ولّيت دعاني، فقال لي: أفتدري ما أراد بهذا، قلت: لا، قال: حسدني عليك، فأراد أن أقتلك، قال: فقلت: إنما كثرت عنده يا أمير المؤمنين لأنه لم يترك، قال: فرجع عن كلام إلى ملك الروم، فقال: لله أبوه! ما عدا ما في نفسي!
معاوية وأحد بطارقة الروم
وحثت أن معاوية، كان إذا أتاه عن بطريق من بطارقة الروم كيدٌ للإسلام احتال له، فأهدى إليه وكاتبه، حتى يعزي به ملك الروم، فكانت رسله تأتيه فتخيره بأن هناك بطريقاً يؤذي الرّسل، ويطعن عليهم، ويسيء عشرتهم، فقال معاوية: أيّ ما في عمل الإسلام أحب إليه? فقيل له: الخفاف الحمر، ودهن البان. فألطفه بهما، حتى عرفت رسله باعتياده، ثم كتب كتاباً إليه، كأنه جواب كتابه منه، يعلمه فيه أنه وثق بما وعده به من نصره وخذلان ملك الروم. وأمر الرّسول بأن يتعرّض لأن يظهر على الكتاب، فمّا ذهبت رسله في أوقاتها ثم رجعت إليه، قال: ما حدث هناك? قالوا: فلانٌ البطريق رأيناه مقتولاً مصلوباً، فقال:وأنا أبو عبد الرحمن!
رسول ملك الروم عند معاوية
وحدّثت أن ملك الرّوم في ذلك الأوان وجّه إلى معاوية: إن الملوك قبلك كانت ترسل الملوك منّا، ويجتهد بعضهم في أن يغرب على بعض، أفتأذن في ذلك? فأذن له، فوجّه إليه برجلين: أحدهما طويلٌ جسيمٌ، والآخر أيدٌ، فقال معاوية لعمرو: أما الطويل فقد أصبنا كفأه وهو قيس بن سعد بن عبادة وأما الآخر الأبد فقد احتجنا إلى فيه، فقال: هاهنا رجلان، كلاهما إليك بغيضٌ: محمد بن الحنفيّة، عبد الله بن الزّبير، فقال معاوية: من هو أقرب إلينا على حالٍ. فما دخل الرجلان وجّه إلى قيس بن سعد بن عبادة يعلمه، فدخل قيسٌ، فلما مثل بين يدي معاوية نزع سراويله فرمى بها إلى العلج، فلبسها فنالت ثندوته، فأطرق مغلوباً، فحدثت أن قيساً ليم في ذلك، فقيل له: لم تبذّلت هذا التّبذّل بحضرة معاوية، هلاّ وجّهت إلى غيرها! فقال:
أردت لكيما يعلم الناس أنـهـا سراويل قيس والوفود شهـود
وألا يقولوا: غاب قيسٌ وهـذه سراويل عاديّ نمتـه ثـمـود
بذّ جميع الخلق أصلي ومنصبي وحسمٌ به أعلو الرّجال مـديد
وكان قيسٌ سناظاً، فكانت الأنصار تقول لوددنا أنا اشترينا لحيةً بأنصاف أموالنا وسنذكر خبرة بعد القضاء إن شاء الله. ثم وجّه إلى محمد بن الحنفيّة، فدخل، فخبّر بما دعي له، فقال فقولوا له إن شاء فليجلس وليعطني يده حتى أقيمه أو يقعدني، وإن شاء فليكن القائم وأنات القاعد. فاختار الروميّ الجلوس، فأقامه محمدٌ، وعجز الروميّ عن إقامته، فانصرفا مغلوبين.
معاوية يهدي ملك الروم
قارورة مملوءةً ماء
وحدثني أحد الهاشميّين: أن ملك الرّوم وجّه إلى معاوية بقارورة، فقال: ابعث إليّ فيها من كل شيء، فبعث إلى أبن عباس،قال: لتملأ له ماءً، فما ورد بها علة ملك الروم قال: لله أبوه ما أدهاه! فقيل لابن عباس: كيف اخترت ذلك? فقال: لقول الله عزّ وجل:" وجعلنا من الماء كلّ شيءٍ حيٍّ " الأنبياء 30.
طعم الماء
وقيل لرجل من بني هاشم وهو جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسنين، وكان يقدّم في معرفته: ما طعم الماء? فقال: طعم الحياة.
عبد الله بن الزبير وعلاج لحيته
وأما عبد الله بن الزبير فيذكر أهله أنه قال: عالجت لحيتي لتتّصل لي إلى أن بلغت ستّين سنةً، فلما أكملتها يئست منها.
من أخبار قيس بن سعد
وكان قيس بن سعدٍ شجاعاً جواداً سيّداً، وجاءته عجوز قد كانت تألفه، فقال لها. كيف حالك? فقالت: ما في بيتي جرذٌ، فقال: ما أحسن ما سألت! أما والله لأكثرنّ جرذان بيتك. وكان سعد بن عبادة حيث توجّه إلى حوران قسم ماله بين والده، وكان له حملٌ لم يشعر به، فما ولد له، قال له عمر بن الخطّاب يعني قيساً لأنقضنّ ما فعل سعدٌ، فجاءه قيسٌ، فقال: يا أمير المؤمنين، نصيبي لهذا المولود، ولا تنقض ما فعل سعدٌ. قال أبو العباس: حدّثت بهذا الحديث من حيث أثق به: أنّ أبا بكر وعمر رضي الله عنهما مشيا إلى قيس بن سعد يسألانه في أمر هذا المولود، فقال: نصيبي له، لا أغيّر ما فعل سعد. وكان معاوية كتب إلى قيس بن سعد وهو والي مصر لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه " أما بعد، فإنّك يهوديّ ابن يهوديّ، إن غلب أحبّ الفريقين إليك عزلك واستبدل بك، وإن غلب أبغضهما إليك قتلك، ومثّل بك، وقد كان أبوك فوق سهمه، ورمى غرضه، فأكثر الحزّ، واخطأ المفصل، حتى خذله قومه، وأدركه يومه، فمات غريباً بحوران، والسلام". فكتب إليه قيسٌ: "أما بعد، فإنك وثن ابن وثنٍ، لم يقدم إيمانك، ولم يحدث نفاقك، دخلت في الدين كرهاً، وخرجت منه طوعاً، وقد كان أبي فوّق سهمه، ورمى غرضه، فسعيت عليه أنت و أبوك ونظراؤك، فلم تشقّوا غباره، ولم تدركوا شأوه، ونحن أنصار الدّين الذي خرجت منه، وأعداء الدين الذي خرجت إليه، والسلام ". وكان قيسٌ موصوفاُ مع جماعةٍ قد بذّوا الناس طولاً وجمالاً، منهم: العباس ابن عبد المطلب رضي الله عنه، وولده، وجرير بن عبد الله البجليّ، والأشعث بن قيس الكنديّ، وعديّ بن حاتم الطائيّ، وابن جذل الطعّان الكنانّي، وأبو زبيدٍ الطائيّ، وزيد الخيل بن مهلهل الطائيّ، وكان أحد هؤلاء يقبّل المرأة على الهودج، وكان يقال للرجل منهم مقبّل الظعن، وكان طلحة بن عبيد الله موصوفاً بالتمام.