الكامل في اللغة - الجزء الخامس

من معرفة المصادر

الكامل في اللغة والأدب المبرد كتاب يظهر موضوعه من عنوانه، فهو يبحث في علوم اللغة وآدابها. وهذا الكتاب هو أحد أصول علم الأدب واركانه، وهو بمثابة ديوان تخير فيه مصنفه نصوصا من أقوال العرب القدامى شعرا ونثرا، وشرح هذه النصوص واستخرج ما فيها من فوائد ونكت تخص اللغة والأدب العربي

باب لسليك ابن السّلكة قال أبو العباس: قال السليك ابن السّكة وهي أمه، وكانت سوداء حبشيّةً وكان من غربان العرب، وهو السّليك بن عميرٍ السّعديّ: ألا عتبت عليّ فصار متـنـي وأعجبها ذوو اللّمم الطّـوال فإنّي يا ابنة الـقـوام أربـي على فعل الوضيّ من الرّجال فلا تصلي بصعلـوك نـؤوم إذا أمسى يعدّ مـن الـعـيال ولكن كلّ صعلوكٍ ضـروب بنصل السّيف هامات الرّجال أشاب الرأس أنّـي كـلّ يوم أرى لي خالةً وسط الرّحـال يشقّ عليّ أن يلقين ضـيمـاً ويعجز عن تخلّصهن مالـي قوله: وأعجبها ذوو اللّمم الطّوال، يعني : الجمم، وإن شئت قلت: الجمام، يقال جمّةٌ وجممٌ، كقولك ظلمةٌ وظلمٌ، ويقال جمامٌ كقولك: جفرةٌ وجفارٌ وبرمةٌ وبرامٌ. قال الشاعر: إما تري لمّتي أودي الزمان بها وشيّب الدهر أصداغي وأفوادي وقوله: على فعل الوضيّ من الرجال، يريد: الجميل، وهو فعيلٌ من وضؤ يوضؤ يافتى، تقديره كرم يكرم، وهو كريم، ومصدره الوضاءة وكذلك قبح يقبح قباحةً، وسمج يسمج سماجةً، ويقال: ما كنت وضيئا، ولقد وضؤت بعدنا. وقوله: فلا تصلي بصعلوكٍ، يقول: لاتتّصلي به، كما قال ابن أحمر: ولا تصلي بمطـروقٍ إذا مـا سرى في القوم أصبح مستكيناً وإذا شرب المرضّة قال أوكي على ما في سقائك قد روينـا فالصعلوك: الذي لا مال له، قال الشاعر: كأن الفتى لم يعر يوماً إذا اكتسى ولم يك صعلوكاً إذا ما تمـوّلا وقوله:نؤوم يصفه بالبلادة والكسل، وكانت العرب تمدح بخفّة الرؤوس عن النوم، وتذمّ النّومة، كما قال عبد الملك لمؤدب ولده: علّمهم العوم، وخذهم بقلّة النوم. وإنما توجّع لخالاته لأنهن كنّ إماء. ???النجباء من أولاد السراري ويروى عن رجل من قريش لم يسمّ لنا قال: كنت أجالس سعيد بن المسيّب، فقال لي يوماً: من أخوالك? فقلت: أمي فتاةٌ، فكأنّي نقصت في عينه، فأمهلت حتى دخل عليه سالم بن عبد الله بن عمر الخطّاب رضي الله عنه، فلما خرج من عنده قلت: ياعمّ! من هذا? فقال:يا سبحان الله!أتجهل مثل هذا من قومك! هذا سالم بن عبد الله بن عمر، قلت: فمن أمّه? قال: فتاةٌ، قال : ثم أتاه لقاسم بن محمد بن أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنده، فجلس عنده ثم نهض، فقلت: ياعمّ من هذا? فقال: أتجهل من أهلك مثله! ما أعجب هذا! هذا القاسم بن محمد بن أبي بكر الصّديق، قلت: فمن أمه? قال: فتاةٌ، فأمهلت شيئاً حتى جاءه عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فسلّم عليه ثم نهض، فقلت: ياعمّ، من هذا? قال: هذا الذي لا يسع مسلماً أن يجهله! هذا عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، قلت: فمن أمه? قال: فتاةٌ، قال، قلت يا عم! رأيتني نقصت في عينك لمّا علمت أني لأم ولد، أفما لي في هؤلاء إسوةٌ! قال: فجللت في عينه جداً. وكانت أمّ عليّ بن الحسين سلافة من ولد يزدجرد، معروفة النّسب، وكانت من خيرات النّساء.ويروى أنه قيل لعليّ بن الحسين رضي الله عنه:إنّك من أبرّ الناس، ولست تأكل مع أمك في صفحة? فقال: أكره أن تسبق يدي إلى ما قد سبقت عينها فأكون قد عققتها. وكان يقال له: ابن الخيرتين لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لله من عباده خيرتان، فخيرته من العرب قريشٌ، ومن العجم فارس ". وكانت سلافة عمّة أمّ يزيد النّاقص أو أختها. وقال رجلٌ من ولد الحكم بن أبي العاصي ، يقال له عبيد الله بن الحر وكان شاعرا متقدّماً، وكان لأمّ ولدٍ، وهو من ولد مروان بن الحكم: فإن تك أمّي من نساءٍ أفاءهـا جياد القنا والمرهفات الصّفائح فتباً لفضل الحرً إن لم أنل بـه كرائم أولاد النّساء الصّـرائح وإنما أخذ هذا من قول عنترة: وأنا امرؤ منم خير مـنـصـبـاُ شطري وأحمي سائري بالمنصل وأنشد لبلال بن جرير وبلغه ان موسى بن جرير كان إذا ذكره نسبة إلى أمه، لأنه ابن أمّولد، فيقول: ابن أمّ حكيمٍ فقال بلال: يا ربّ خالٍ لي أغرّ أبلجـا من آل كسرى يغتدي متوّجاً ليس خالٍ لك يدعى عشنجاً والعشنج: المتقبّض الوجه السيئ المنظر. وكان سبب أم بلال عند جرير أن جريراً في أول دخوله العراق دخل على الحكم بن أيوب بن أبي عقيل الثقفي، وهو عمّ الحجاج، وعامله على البصرة، وفي ذلك يقول جرير: أقبلن مـن ثـهـلان أو وادي خـيم على قلاصٍ مثل خيطان السّـلـم إذا قطعـن عـلـمـاً بـدا عـلـم حتّى أنخناها إلى بـاب الـحـكـم خليفة الحجّاج غـير الـمـتّـهـم في ضئضىء المجد و بحبوح الكرم فكتب الحكم بعد أن فاطنه إلى الحجاج، وذلك في أول سببه: إنه قدم عليّ أعرابيٌّ باقعةٌ لم أر مثله. فكتب إليه الحجاج أن يحمله معه، فما دخل عليه قال له: بلغني انك ذو بديهة، فقل في هذه الجارية لجارية قائمةٍ على رأسه فقال جريرٌ: مالي أن أقول فيها حتّى أتأملها، ومالي أن أتامل جارية الأمير! فقال: بلى، فتأمّلها واسألها. فقال لها: ما اسمك يا جارية? فأمسكت، فقال لها الحجاج: خبّرية يا لخناء، فقالت: أمامة، فقال جريرٌ: ودّع أمـامة حـــان مـــنـــك رحـــيل إنّ الـوداع لـمـن تــحـــبّ قـــلـــيل مثل الكثيب تمايلت أعطافه فالرّيح تجبر متنه وتهيل هذي القلوب صوادياً تيّمتها وأرى الـشّـفـاء ومـا إلـــيه ســـبـــيل فقال له الحجاج: قد جعل الله لك السبيل إليها، خذها هي لك. فضرب بيده إلى يدها، فتمّنعت عليه، فقال: إن كان طلبّكم الدّلال فإنه حسنٌ دلالك يا أمام جميل ش: ينصب الطّبّ ورفع الدّلال، وبالعكس، برفع الطب ونصب الدلال. والطّبّ هنا: المذهب، والّدلال: الدّالّة. فاستضحك الحجاج، وأمر بتجهيزها معه إلى اليمامة.وخيّرت أنها كانت من أهل الرّيّ، وكان إخوتها أحراراً، فاتّبعوه، فأعطوه بها حتى بلغوا عشرين ألفاً، فلم يفعل، ففي ذلك يقول: إذا عرضوا عشرين ألفاً تعرضت لامً حكيم حاجةٌ هـي مـاهـيا ردت أهل الرّي عنـدي مـودّة وحبّبت أضعافاً إليّ المـوالـيا فأولدها حكيماً وبلالاً وحزرة، بني جرير، هؤلاء من أذكر من ولدها.ويقال: إنّ الحمّانيّ قاول بلالاُ ذات يوم فيما كان بينهما من الشرّ، فقال: يا ابن أمّ حكيم، فقال له بلالٌ: ما تذكر من لأبنة دهقان، وأخيذة رماح، وعطيّة ملكٍ? ليست كأمّك التي بالمرّوت ، تغدو على أثر ضأنها، كأنما عقباها حافرا حمار. فقال له الحمّانيّ: أنا أعلم بأمّك، إنما عتب عليها الحجّاج في أمر، الله أعلم به، فحلف أن يدفعها إلى ألأم العرب، فلما رأى أباك لم يشكك فيه.وقال: أنشدت لرجل من رجّاز بني سعدٍ: أنا ابن سعدٍ وتوسّطت العجم فأنا فيما شئت من خالٍ وعم وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:" ليس قومٌ أكيس من أولاد السّراريّ، لأنهم يجمعون عزّ العرب ودهاء العجم. كتاب محمد بن عبد الله بن حسن إلى المنصور وردّه عليه وكتب أمير المؤمنين المنصور إلى محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم لمّا كتب إليه محمدٌ: وعلم أني لست من أولاد الطّلقاء،ولا أولاد اللّعناء، ولا أعرقت فيّ الإماء، ولا حضنتني أمّهات الأولاد. ولقد علمت أن هاشماً ولد عليّا مرّتين، وان عبد المطّلب ولد الحسن مرّتين،وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولدني مرّتين، من قبل جدّي الحسن والحسين. يعني أن أمّ عليّ فاطمة بنت أسد بن هاشم، وأمّ الحسن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عبد الله بن عبد المطّلب بن هاشم، وأن أمّه فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم. فكتب إليه المنصور: "أما ما ذكرت من ولادة هاشم عليّاً مرتين، وولادة عبد المطّلب الحسن مرتين، فخير الأوّلين والآخرين رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يلده هاشم إلاّ مرة واحدةً، ولا عبد المطلب إلاّ مرةً واحدةً، وله السبق إلى كلّ خير. ولقد علمت أنه بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمومته أربعةٌ، فآمن به اثنان، أحدهما أبي، وكفر به اثنان أحدهما أبوك، وأمّا ما ذكرت أنه لم تعرق فيك الإماء، فقد فخرت على بني هاشم طرّاً، أولهم إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عليّ بن الحسين، الذي لم يولد فيكم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم مولودٌ مثله". وهذه رسالة للمنصور طريفةٌ مستحسنةٌ جداً، سنمليها في موضها من هذا الكتاب، إن شاء الله.وأنشدني الرّياشيّ: إنّ أولاد السّراري كثروا يا ربّ فينا ربّ أدخلني بـلاداً لا أرى فيها هجينا والهجين عند العرب: الذي أبوه شريفٌ وأمّه وضيعة?، والأصل في ذلك أن تكون أمّةً، وإنما قيل: هجين من أجل البياض، وكأنهم قصدوا قصد الرّوم والصّقالبة ومن أشبههم، والدليل على أن الهجين الأبيض أن العرب تقول : ما يخفى ذلك على الأسود والحمر، أي العربي والعجميّ، ويسمّون الموالي وسائر العجم الحمراء، وقد ذكرنا ذلك، ولذلك قال زيد الخيل: أيقن أننا صهب السّبال، أي كهؤلاء من العجم. وقال أبن الرّقيات: إن تريني تغـيّر الـلّـون مـنّـي وعلا الشّيب مفرقـي وقـذالـي فظلال السيّوف شـيّبـن رأسـي وطعاني في الحرب صهب السّبال فقيل: هجين من هاهنا.وإذا كانت الأمّ كريمةً والأب خسيساً قيل له: المذرّع، قال الفرزدق: إذا باهليٌّ تحته حنظلـيّةٌ له ولدٌ منها فذاك المذرّع وقال الآخر: إنّ المذّرع لا تغني خؤولته كالغل عن شوط المحاضير وإنما سمّي مذرّعا، للرّقمتين في ذراع البغل، وإنما صارتا فيه من ناحية الحمار، قال هدبة: ورثت رقاش اللّؤم عن آبائهـا كتوارث الحميرات رقم الأذرع وقال عبد الله بن العباس في كلام يجيب به ابن الزبير: والله إنه لمصلوب قريش، ومتى كان عوّام بن عوامٍ يطمع في صفيّة بنت عبد المطلبّ! من أبوك يا بغل? فقال: خالي الفرس! باب لأعرابي فيمن أطال لحيته قال أبو العباس: قال أعرابيّ: كلّ امـرئ ذي لـجـيةٍ عـثـولـيّةٍ يقوم عليها ظـنّ أن لـه فـضـلا وما الفضل في طول السّبال وعرضها إذا الله لم يجعل لصاحبهـا عـقـلا ويروى:لحاملها. عثوليّة، يقول: كثيرةٌ، والمستعمل رجلٌ عثوالٌّ إذا كان كثير الشّعر، وأصل ذلك في الرأس واللّحية، وبناه الأعرابيّ بناء جدول كأنه عثول ثم نسب إليه. السّبلة: مقدّم اللّحية، يقال لما أسيل من الشاربين: سبلتان، وتقول العرب: اخذ فلانٌ شفرة فلتم بها سبلة بعيره، أي نحره، واللّتم: الشّقّ، فهذا ما أسبل من جرانه. لبعض المحدثين في ذم ذوي العي وقال بعض المحدثين: وما حسن الرّجال لهم بحسنٍ إذا ما أخطأ الحسن البـيان كفى بالمرء عيباً أن تـراه له وجهٌ وليس له لـسـان وقال آخر: إنّي على ما تزدري من دمامتي إذا قيس ذراعي بالرجال طويل لرجل يصف لحيته ونظر يزيد بن مزيد الشّيباني إلى رجل ذي لحيةٍعظيمة، وقد تلفّفت على صدره، فإذا هو خاضبٌ، فقال: إنك مكن لحيتك في مئونة! فقال: أجل، ولذلك أقول: لها درهمٌ للدّهن في كلّ جمعةٍ وآخر للحـنّـاء يبـتـدران ولولا نوالٌ من يزيد بن مـزيد لصوّت في حافاتها الجلمـان لإسحاق بن خلفٍ يصف رجلاً وقال إسحاق بن خلف يصف رجلاً بالقصر وطول اللّحية: ماسرّني أنّـنـي فـي طـول داود وأنّني علمٌ في الـبـأس والـجـود ماشيت داود فاستضحكت من عجب كأنني والـدٌ يمـشـي بـمـولـود ما طول داود إلاّ طـول لـحـيتـه يظل داود فيهـا غـير مـوجـود تكنّة خصلةٌ منـهـا إذا نـفـخـت ريح الشّتاء وجفّ الماء في العـود كالأنبجاني مصقولاً عـوارضـهـا سوداء في لـين الـغـادة الـرّود أجرى وأغنى من الخزّ الصّفيق ومن بيض القطائف يوم القرّ والـسّـود إن هبّت الـرّيح أدّتـه إلـى عـدنٍ إن كان مالفّ منها غير معـقـود وفي الحديث: "من سعادة المرء خفّة عارضيه" وليس هذا بناقض لما جاء في إعفاء اللّحي وإحفاء الشّوارب، فقد روى أنهم قالوا: لا بأس بأخذ العارضين والتّبطين، وأما الإعفاء فهو التّكثير، وهو من الأضداد، قال الله عز وجل:" حتّى عفوا " الأعراف"95، أي حتى كثروا، ويقال: عفا وبر الناقة إذا كثر، قال الشاعر: ولكنّا نعضّ السّيف منهـا بأسؤق عافيات اللّحم كوم والكوم: العظام الأسنمة، واحتها كوماء، ويقال: عفا الرّيع، إذا درس، ومن ذلك:على آثار من ذهب العفاء،أي الدّروس.وقال مسلمة بن عبد الملك:إني لأعجب من ثلاثة: من رجل قصّر شعره ثم عاد فأطاله، أو شمّر ثوبه ثم عاد فأسبله، أو تمنع بالسّراريّ ثم عاد إلى المهيرات. واحدة المهيرات مهيرة، وهي الحرّة الممهورة، ومفعول يخرج إلى فعيل كمقتولٍ وقتيل، ومجروح وجريح، قال الأعشى: ومنكوحةٍ غير ممهورةٍ وأخرى يقال لها فادها فهذا المعروف في كلام العرب، مهرت المرأة فهي ممهورةٌ، ويقال وليس بالكثيرأمهرتها فهي ممهرةٌ، أنشدني المازنيّ: أخذن اغتصاباً خطبةً عجرفـيّة وأمهرن أرماحاً من الخط ذبّلا من ألفاظ الكنايات وأهل الحجاز يرزن النكاح العقد دون الفعل، ولا ينكرونه في الفعل ويحتجّون بقول الله عزّ وجل:" يا أيها الّذين أمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسّوهن فما لكم عليهن من عدّةٍ تعتدّونها "الأحزاب:49، فهذا الأشيع في كلام العرب، قال الأعشى: وأمتنعت نفسي من الغانيا ت إمّا نكاحاً وإمـا أزن ومن كل بيضاء رعبـوبةٍ لها بشرٌ ناصعٌ كاللّـبـن ويكون النّكاح الجماع، وهو في الأصل كناية، قال الراجز: إذا زنيت فأجد نكاحـاً وأعمل الغدوّ والرّواحا والكناية تقع عن هذا الباب كثيراً، والأصل ما ذكرنا لك، وفال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أنا من نكاح لا من سفاح ". ومن خطب المسلمين:" إن الله عز وجل أحلّ النّكاح وحرم السّفاح".والكناية تقع على جماع، قال الله عزّ وجل:" أجل لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم" البقرة 187، فهذه كناية عن الجماع، قال أكثر الفقهاء في قوله تبارك وتعالى:" أو لامستم النّساء" النساء 43، قالوا: كناية عن الجماع، وليس المر عندنا كذلك، وما أصف مذهب اهل المدينة ، قد فرغ من النكاح تصريحاً، وإنما الملامسة ان يلمسها الرجل بيد أو بإدناء جسدٍ، فذلك ينقض الوضوء في قول أهل المدينة، لأنه قال تبارك وتعالى بعد ذكر الجنب:" أو لامستم النّساء " النساء:43. وقوله عزّ وجل:" كانا يأكلان الطّعام " المائدة:75، كنايةٌ بإجماع عن قضاء الحاجة، لأن كلّ من يأكل الطعام في الدنيا أنجى، يقال: نجا وأنجى، إذا قام لحاجة الإنسان.وكذلك:" وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا " فصلت21. كناية عن الفروج، ومثله:" أو جاء أحدٌ منكم من الغائط " النساء:43، فإنما الغائط كالوادي، وقال عمرو بن معدي كرب: وكم من غائط من دون سلمى قليل الإنس ليس به كـتـيع ويقال: وهم الرجل يوهم، إذا شكّ، وهو الجود، ويجوز: ييهم، وييهم، وياهم، لعلل، وكذلك ما كان مثله، نحو: وجل يوجل ووحل يوحل،ووجع يوجع، ويجوز في وهم أن تقول: يهم فإن المعتلّ من هذا يجيء على مثال حسب يحسب، مثل: ولي الأمير يلي، وورم الجرح يرم، فهذا جميع ما في هذا الباب. لرجل من تميم وقال رجلٌ احسبه من بني تميم: لاتسألنّ الخيل ي اسعد مالـهـا وكن أخريات الخيل علّك تجرح لعلّك تحمي عن صحاب بطعنةٍ لها عائد ينفي الحصا حين ينفخ وأكرم كريماً إن أتاك لـحـاجةٍ لعاقبةٍ إنّ الـعـضـاه تـروّح بذا فامدحيني واندبيني فإنّـنـي فتى تعتريه هزّةٌ حـين يمـدح لاتسألنّ الخيل يا سعد مالها، يقول: لاتتخلّف عن القتال وتسأل عن أخبار القوم، ولكن كن فيهم.كما قال مهلهل: ليس مثلي يخبّر القوم عن آ بائهم قتّلوا وينسى القتالا لم أرم حومة الكتيبة حتّـى حذي الورد من دماء نعالا يقول: كنت في حومة القتال، صليت الحرب أكثر ممّا صليها غيري. طلاق ابنة عبد الله بن السائب ثم زواجها من المصعب ويروى عن رجل من بني أسد بن عبد العزّى، يقال له: فلان، ش: هو عبد الله بن السّائب أنه زوّج ابنته عمرو بن عثمان بن عفّان، فلمّا نصّت عليه طلّقها على المنصّة، فجاء أبوها إلى عبد الله بن الزّبير، فقال: إنّ عمرو ابن عثمان طلق ابنتي على المنصّة، وقد ظنّ النّاس أنّ ذلك لعاهةٍ، وأنت عمّها، فقم فأدخل إليها، فقال عبد الله: أو خيراً من ذلك! جيئوني بالصعب، فخطب عبد الله فزوّجها من المصعب، وأقسم عليه ليدخلنّ بها في ليلته، فلا تعرف امرأة نصّت على رجلين في ليلتين ولاء غيرها فأولدها المصعب عيسى وعكّاشة، فلما كان اليوم مسكن، وهرب أكثر الناس عن المصعب، دخل إلى سكينة ابنة الحسين بن عليّ بن أبي طالب، وكانت له شديدة المحبّة، وكانت تخفي ذلك، فلبس غلالةً وتوشّح عليها، وانتضى السّيف، فلمّا رأت ذلك علمت أنه عزم ألا يرجع، فصاحت من ورائه: واحرباه! فالتقت إليها، فقال: أو هذا لي في قلبك! فقالت: إي والله وأكثر من هذا! فقال: أما لو علمت لكان لي ولك وشأن. ثم خرج، فقال لابنه عيسى: يا بنيّ، انج إلى نجاتك، فإنّ القوم لا حاجة بهم إلى غيري، وستفلت بحيلةٍ أو بقيا، فقال: يا أبتاه! لا أحدّث والله عنك أبداً، فقال:أما والله لئن قلت ذلك لما زلت أتعرّف الكرم في أسرارك، وأنت تقلب في مهدك.ش : الأسرار: جمع سرّ وهي الطّرائق في الجبهة. فقتل بين يدي أبيه، ففي ذلك يقول شاعر أهل الشّأم من اليمانية: نحن قتلنا مصعباً وعيسـى وابن الزّبير البطل الرّئيسا عمداً أذقنا مضر التّبئيسا، وقال رجل يعاتب رجلاً: فلو كان شهم الـنّـفـس أو ذا حـفـيظةٍ رأى ما رأى في الموت عيسى بن مصعب لبلال بن جرير يمدح عبد الله بن الزبير وقال بلال بن جرير يمدح عبد الله بن الزبير: مدّ الزّبير عليك إذ يبني العلا كنفيه حتّى نالتا الـعـيّوقـا ولو أنّ عبد الله فاخر من ترى فات البريّة عزّةً وسمـوقـا قرمٌ إذا ما كان يوم نـفـورةٍ جمع الزّبير عليك والصّدّيقا لو شئت ما فاتوك إذ جاريتهم ولكنت بالسّبق المبرّ حقيقـا لكن أتيت مصلياً بـراً بـهـم ولقد ترى ونرى لديك طريقاً عاد الحديث إلى تفسير الأبيات المتقدمة:قوله لعلك تحمي عن صحابِ بطعنةٍ، يقال: حميت الناحية أحميها حمياً وحمايةً، كما قال الفرزدق: إذا النّفوس جشأن طأمن جأشها ثقةً لها بـحـمـاية الأدبـار

 ومعنى ذلك: منعت ودفعت، ويقال: أحميت الأرض أي جعلتها حمى لا تقرب،وأحميت الحديد أحميه إحماءً، وحميت أنفي محميةً يا فتى،إذا أنت أبيت الضّيم. وصحابٌ: جمع صاحب، وقد يقال: هو جمع صحب، كما تقول: تاجرٌ وتجرٌ، وراكبٌ وركبٌ، ونحو ذلك، ثم تجمع صحباً على أصحاب، كقولك: كلبٌ وفرخٌ وفراخٌ، فهذا مذهب حسنٌ، ومن قال: هو جمع صاحب، فنظيره قائم وقيامٌ، وتاجرٌ وتجارٌ. وقوله: لها عاندٌ ينفي الحصا، يعني الدّم، يقال: عند العرق، إذا خرج الدّم منه بحدّة. ينفي الحصا، يعني الدّم بشدة جريه، كما قال: 

مسحسحةٍ تنفي الحصا عن طريقها يقطع أحشاء الرّعيب انتشارهـا يعني: طعنة. وقال آخر في صفة طعنة: ومستنّةٍ كاستنان الـخـرو ف قد قطع الحبل بالمرود والخروف هاهنا إنما هو الفلوّ الصّغير.وقوله: وأكرم كريماً إن أتاك لحاجة لعاقبةٍ إنّ العضاه تـروّح يقول: الشجر يصيبه النّدى في آخر الصّيف فينشأ له ورق، فيقول: لعلّك تحتاج إلى هذا الكريم وقد قدر.ومثله: ولاتهين الكريم عـلّـك ان تركع يوماً والدّهر قد رفعه أراد ولا تهين بالنون الخفيفة، فحذفها لالتقاء الساكنين، وهذا الحكم فيها. ومثله في المعنى قول عبّاد بن عبّاد بن حبيب بن المهلب: إذا خلةٌ نابت صديقك فاغتـنـم مرمّتها فالدهر بالناس قـلّـب وبادر بمعروفٍ إذا كنت قـادراً زوال اقتدار أو غنى عنك يعقب زوال، مفعولٌ ل بادر. قاله ش ومثل هذا كثير.وقال جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين رضي الله عنهم إنّي لأسارع إلى حاجة عدّوي خوفاً من أن أردّه فيستغني عنّي. وقال رجلٌ من العرب: ما رددت رجلاً عن حاجة فولّى عنّي إلا رأيت الغنى في قفاه. وقال عبد الله بن العباس بن عبد المطلب: ما رأيت أحداً رددته عن حاجة إلاّ أظلم ما بيني وبينه. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:" من يئس من شيْ استغنى عنه.وقال عبد الله بن همّام السّلوليّ: فأحلف وأتلف إنما المال عـارةٌ فكله مع الدّهر الذي هو آكلـه فأهون مفقود وأيسـر هـالـك على الحيّ من لا يبلغ الحيّ نائله عارةٌ، أي معارٌ، ووزنه فعلةٌ.وقال أحد المحدثين، وليس من هذا الباب ولكنّا ذكرناه في الإعارة: أعارك ماله لتـقـوم فـيه بطاعته وتعرف فضل حقّه فلم تشكره نعمته ولـكـن قريت على معاصيه برزقه تجاهره بها عـوداٌ وبـدءاٌ وتستخفي بها من شرّ خلقه وقال جريرٌ: وإنّي لأستحيي أخي أن أرى له عليّ من الحقّ الذي لا يرى ليا هذا بيتٌ يحمله قومٌ على خلاف معناه، وإنما تأويله: إني لأستحيي أخي ان يكون له عليّ فضل ولا يكون لي عليه فضل زمني إليه مكافأةٌ، فأستحيي أن أرى له عليّ حقاً لما فعل إليّ، ولا أفعل إليه ما يكون لي به عليه حقٌّ. وهذا من مذاهب الكرام، وممّا تأخذ له أنفسها. أبيات عائد الكلب الزبيري لعبد الله بن حسنٍ فأمّا قول عائد الكلب الزّبيريّ لعبد الله بن حسن بن حسنٍ: له حقٌ وليس عـلـيه حـقٌ ومهما قال فالحسن الجمـيل وقد كان الرسول يرى حقوقاً عليه لغيره وهو الـرّسـول فإنه ذكره بقلّة الإنصاف، فقال: يرى له حقاً على النّاس، ولا يرى لهم عليه حقاً من أجل نسبة الإنصاف، فقال: يرى له حقاً على النّاس، ولا يرى لهم عليه حقاً من أجل نسبة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيّن ذلك يقوله: وقد كان رسول يرى حقوقاً عليه لغيره وهو الرسول فالذي يفتخر به عبد الله يرى للناس عليه حقاً، فالمفتخر به أجدر وقد قيل لعليّ بن الحسين وكان بين الفضل رضي الله عنه: ما بالك إذا سافرت كتمت نسبك أهل الرفقة? فقال: أكره أن آخذ برسول الله صلى الله عليه وسلم وما لا أعطي مثله. وإنما يعتري هذا الباب من الظلم وقلّة الإنصاف والبعد من الرّقّة عليهم الجهلة من أهل هذا النسب، والله جلّ ذكره يقول لنبيّه صلى الله عليه وسلم:" بالمؤمنين رؤوفٌ رحيمٌ " التوبة:128، وقال تعالى:" إنّي أخاف إنّ عصيت ربّي عذاب يومٍ عظيمٍ" الأنعام:15، فإذا كان هو صلى الله عليه وسلم يخاف من المعصية فكيف يأمنها غيره به! لجرير يمدح هشام بن عبد الملك وأما قول جريرٍ لهشام بن عبد الملك فهو المدح الصحيح على خلاف هذا المعنى، قال: وأنت إذا نظرت إلى هشام عرفت نجار منتخب كريم وليّ الحقّ حين يؤم حجّـا صفوفاً بين زمزم والحطيم يرى للمسلمين عليه حـقـاً كفعل الوالد الرّؤف الرّحيم إذا بعض السّنين تعرّقتـنـا كفى الأيتام فقد أبي اليتـيم وفي هذا الشعر: أمير المؤمنين على صـراطٍ إذا أعوجّ الموارد مستـقـيم أمير المؤمنين جمعـت دينـاً وحلماً فاضلا لذوي الحلـوم لك المتـخـيّران أبـا وخـالاً فأكرم بالخؤولة والـعـمـوم فيا ابن المطعمين إذا شتـونـا ويا ابن الذّائدين عن الحـريم سما بك خالدٌ وبنـو هـشـامٍ إلى العلياء في الحسب الجسيم وتنزل من أميّة حيث تلـقـى شؤون الرأس مجتمع الصّميم تواصلت من تكرّمها قـريشٌ بردّ الخيل دامية الـكـلـوم فما الأمّ التي ولدت قـريشـاً بمقرفة النّجـار ولا عـقـيم وما فحلٌ بأنجب من أبـيكـم ولا خالٌ بأكرم مـن تـمـيم سما أولاد بـرّة بـنـت مـرّ إلى العلياء في الحسب العظيم لك الغرّ السّوابق من قـريش فقد عرف الأغرّ من البهـيم قوله: حين يؤم حجّاً فيمون الحجّ جمع حاجّ، كما يقال: تاجرٌ وتجرٌ، وراكبٌ وركبٌ، قال العجّاج: بواسـطٍ أكــرم دارٍ دارا والله سمّى نصرك الأنصارا فأخرجه على ناصر ونصر، قال: ويجوز أن يكون حجّ أصحاب حجّ، كما قال الله عزّ وجل:" وسئل القرية " يوسف:82، يريد أهلها. وقوله: كفعل الوالد الرّوف الرّحيم، يقال:رؤف على فعلٍ مثل يقظ وحذر، رؤوف على وزن ضروب. وقال الأنصاري: نطيع نبيّنا ونـطـيع ربـاً هو الرّحمن كان بنا رؤوفا وقد قرىء:" والله رؤوف بالعباد " البقرة:207، و رؤوف أكثر، وإنما هو من الرّأفة، وهي أشدّ الرّحمة، يقال: رآفةٌ وقرىء:" ولا تأخذكم بهما رآفة في دين الله " النور:2، على وزن الصّرامة والسّفاهة.وقوله: إذا بعض السّنين تعرّ قتنا، يفسر على وجهين: أحداهما: ان يكون ذهب إلى بعض السنين سنون، كما قال الأعشى: وتشرق بالقول الذي قد أذعتـه كما شرقت صدر القناة من الدّم لأن صدر القناة قناةٌ، ومن كلام العرب: ذهبت بعض أصابعه، لأن بعض الأصابع إصبع، فهذا قول. و الأجود أن يكون الخبر في المعنى عن المضاف إليه، فأقتحم المضاف إليه توكيداً، لأنه غير خارج من المعنى ، وفي كتاب الله عزّ وجل: " فظلّت أعناقهم لها خاضعين " الشعراء:4، إنما المعنى: فظلّوا لها خاضعين، والخضوع بيّن في الأعناق ، فأخبر عنهم ، فأقحم العناق توكيداٌ. وكان أبو زيد الأنصاريّ يقول: أعناقهم جماعاتهم، تقول: أتاني عنقٌ من النّاس، والأول قول عامّة النحويين. وقال جرير: لما أتَى خبرُ الزبيرِ تواضعتْ سورُ المدينةِ والجبالُ الخشعُ وقال أيضاَ: رأت مرَّ السنينَ أخذن مِنِّي كما أخذ السرارُ من الهلالِ وقال ذو الرمة: مشينَ كما اهتزت رِماح تسفهت=أعاليها مرُّ الرياح النواسم ومثل هذا كثير، وعلى مثل هذا القول الثاني تقول: "يا تيم تيم عدي" لأنك أردت: "يا تيم عدي"، وأقحمت الأول توكيدً، وكذلك: لا أبا لك، لأن الألف لا تثبت في الأب في النصب إلا في الإضافة، أولا بدلاً من التنوين، فإنما أراد لا أباك ثم اقحم اللام توكيداً للإضافة، وأنشد المازني: وقد مات شماخ ومات مزرد وأي كريم لا أباك يخـلـدُ! وقال آخر: أبا لموت الذي لا بد أني ملاقٍ لا أباك تخوفيني! وقوله: "على صراط" فالصراط: المنهاج الواضح، وكذلك قالت العلماء في قول الله عزّ وجل: )اهدِنا الصِراطَ المستقيمَ( الفاتحة 6 وقوله: "سما بكَ خالدٌ" يريد خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مُرة بن كعب، لأن أم هشام بنتُ هشام بن إسماعيل ابن هشام بن المغيرة، بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وكان هشام بن المغيرة أجل قرشي حالماً وجوداً، وكانت قريش تؤرخ بموته، كما كانت تؤرخ بعام الفيل، وبملكِ فلانٍ، قال الشاعر: زمان تناعى الناس موت هشام ومن أجل يقول القائل: فأصبح بطن مكة مقشعـراً كأنَّ الأرض ليس بها هشامُ يقول: هو وإن كان مات فهو مدفون في الأرض، فقد كان يحب من أجله ألا ينالها جدب، وقال الآخر: ذريني أصطبح يا سلم إنـي رأيت الموت نقب عن هشام وقوله: "نقب" أي طوف حتى أصاب هشاماً، قال الله عزّ وجل: )فنقبوا في البلد( ق36، أي طوفوا، ومثله قول امرئ القيس" وقد نقبت في الآفاق حتـى رضيت من الغنيمة بالإياب عمر أول من أرخ في الإسلام فأما التاريخ الذي يؤرخ به اليوم فأول من فعله في الإسلام عمر بن الخطاب رحمه الله. حيث دون الدواوين، فقيل له: لو أرخت يا أمير المؤمنين لكنت تعرف الأمور في أوقاتها? فقال: وما التأريخ? فأعلم ما كانت العجم تفعله، فقال: أرخوا؛ فقالوا: مذ أي سنة? فاجتمعوا على سنة الهجرة، لأنه الوقت الذي حكم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم على غير تقيةٍ ثم قالوا: في أي شهرٍ? فقالوا: نستقبل بالناس أمورهم في شهر المحرم إذا انقضى حجهم، وكانت هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر بيع الآخر فقدم التأريخ على الهجرة هذه الأشهر. وجاء في تصحيح هذا الوقت - أعني المحرم - ما روي لنا عن ابن عباسٍ رحمه الله، فنه قال في قول الله عزّ وجل: )والفجر، وليالٍ عشرِ( الفجر: 1،2، فأقسم بفجر السنة، وهو المحرم. وقوله: فما الأم التي ولدت قريشاً يعني برة بنت مرٍّ، كانت أمَّ النضر بن كنانة، وهو أبو قريش، ومن لم يكن من ولده فليس بقرشي، وتميم بن مرٍّ خاله. وكان يقال: من عرف حق أخيه دام له إخاؤه، ومن تكبر على الناس ورجا أن يكون له صديق فقد غر نفسه. وقيل: ليس للجوج تدبير، ولا لسييء الخلق عيش، ولا لمتكبر صديق. وقيل: من بسط بالخير لسانه انبسطت في القلوب محبته، والمنة تفسدُ الصنيعة. في مدح أبي البختري ويروى أن شاعراً أتى أبا البختري وهب بن وهبٍ،وكان من أجود الناس، وكان إذا سمع مدح المادح ضحك وسرى السرور في جوانحه، وأعطى وزاد، فأتاه هذا الشاعر فأنشده: لكل أخي فضل نصيب من العـلا ورأس العلا طرا عقيد الندى وهبُ وما ضر وهباً قول من غمط العلا كما لا يضر البدر ينبحه الكـلـب فثنى ل الوسادة، وهش إليه ورفده، وحمله وأضافه، فلما أن أراد الرجل الرحلة لم يخدمه أحد من غلمان أبي البختري، ولا عقد له ولا حل معه. فأنكر ذلك من جميل ما فعل به، وأنه قد تجاوز به أمله، فعاتب بعضهم، فقال له الغلام: إنا إنما نعين النازل على الإقامة، ولا نعين الراحل على الفراق. فبلغ هذا الكلام جليلاً من القرشيين، فقال: والله لفعل هؤلاء العبيد على هذا القصد أحسن من رفد سيدهم. باب سؤال عبد الملك لحسان أي المناديل أفضل? قال عبد الملك بن مروان لجلسائه - وكان يجتنب غير الأدباء -: أي المناديل أفضل? فقال قائل منهم: مناديل مصر كأنها غرقىء البيض. وقال آخر: مناديل اليمن كأنها أنوار الربيع. فقال عبد الملك: ما صنعتما شيئاً، أفضل المناديل ما قال أخو تميم - يعني عبدة بن الطبيب. لما نزلنا نصبنا ظل أخـبـية وفار للقوم باللحم المراجـيل ورد وأشقر ما يؤنيه طابخـه ما غير الغلي منه فهو مأكول ثمت قمنا إلى جرد مـسـومة أعرافهن لأيدينـا مـنـاديل قوله: "غرقىء البيض" يعني القشرة الرقيقة التي تركب البيضة دون قشرها الأعلى، وقشرها الأعلى يقال له: القيض. وقوله: "المراجيل" إنما حده "المراجل"؛ ولكن لما كانت الكسرة لازمة أشبعها للضرورة؛ كما قال: نفي الدرام تنقاد الصياريف وقد مر تفسير هذا. وقوله: ورد وأشقر ما يؤنيه طباخه يقول: ما تغير من اللحم قبل نضجه. وقوله: "ما يؤنيه طباخه" يقول: ما يؤخره، لأنه لو آناه لأنضجه، لأن معنى "آناه" بلغ به إناه، أي إدراكه، قال الله عز وجل: "طعامٍ غير نظرين إنهُ" الأحزاب 53، وتقول: أنى يأني إنيّ، إذا أدرك، وآن يئين مثله. وقوله عز وجل: "يطوفون بينها وبين حميم إن" الرحمن: 44 أي قد بلغ إناه. وقوله: ما غير الغلي منه فهو مأكول يقول: نحن أصحاب صيد، وهذا من فعلهم. وقوله: "مسومة" تكون على ضربين: أحدهما أن تكون معلمة، والثني أن تكون قد أسميت في المرعى، وهي ههنا معلمة، وقد مضى هذا التفسير. وإنما أخذ ما في هذه الأبيات من بيت أمرىء القيس، فإنه جمع ما في هذه الأبيات في بيت واحدٍ، مع فضل التقدم. نمش بأعراف الجياد أكـفـنـا إذا نحن قمنا عن شواء مضهب وهو الذي لم يدرك، ونمش: نمسح، ويقال للمنديل المشوش. وكانت العرب تألف الطيب، وتطرح ذلك في حالتين: في الحرب والصيد. قال النابغة: سهكين من صدإ الحديد كأنهم تحت السنور جنة البـقـار وقال آخر: وأسيافكم مسك محل أكفكـم على أنها ريح الدماء تضوع معنى "تضوع" تفوح. وفاء ابنة هانيء بن قبيصة وروي عن ابنة هانيء بن قبيصة ذكر يعقوب أنها ابنة قيس بن خالد الشيباني. ش. أنه لما قتل عنها لقيط بن زرارة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك حنظلة، فتزوجها رجل من أهلها، فكان لا يزال يراها تذكر لقيطاً، فقال لها ذات مرة: ما استحسنت من لقيط? فقالت: كل أموره كانت حسنة، ولكني أحدثك أنه خرج مرة إلى الصيد وقد انتشىء، فرجع وبقميصه نضح ضمه، وشمني شم، فليتني كنت مت ثمه، قال: ففعل زوجها مثل ذلك، ثم ضمها إليه، وقال: أين أنا من لقيط? فقالت: ماء ولا كصدآء - مثل حمراء، ووزنها "فعلاء"، وموضع اللام همزة، وهي بئر مقدمة، واسمها ما ذكرنا عن الأصمعي وأبي عبيدة، وكذلك سمعنا العرب تقوله، ومن ثقل فقد أخطأ ومثل ذلك: رجل ولا كمالكٍ - يعنون مالك بن نويرة، ومرعى ولا كالسعدان. حديث بنات ذي الإصبع العدواني وحدثني علي بن عبد الله عن ابن عائشة قال: كان ذو الإصبع العدواني رجلاً غيوراً، وكانت له بنات أربع، وكان لا يزوجهن غيرة، فاستمع عليهن يوماً،وقد خلون يتحدثن، فقالت قائلة منهن: لتقل كل واحدةٍ منكن ما في نفسها، ولنصدق جميعاً. قال: فقالت كبراهن: ألا ليت زوجي من أناسٍ ذوي غنىً حديث الشباب طيب النشر والذكر لصوق بأكباد الـنـسـاء كـأنـه خليفة جان لا يقيم على هـجـر قال: وقالت الثانية: ألا ليته يغطي الجـمـال بـديئة له جفنة يشقى بها النيب والجزر له حكمات الدهر من غير كبرةٍ تشين فلا فانٍ ولا ضرع غمـرُ "أخذ التجارب، وهو مأخوذ من حكمة اللجام ش" فقلن لها: أنتِ تريدين سيداً. فقالت: الثالثة: ألا هل تراها مرة وحليلـهـا اشم كنصل السيف عين المهند عليماً بأدواء النساءِ ورهطهُ=إذا ما انتمى من أهل بيتي ومحتدي فقلن لها: أنت تريدين ابن عم لك، فقد عرفته. وقلن للصغرى: ما تقولين? فقالت: لا أقول شيئاً، فقلن: لا ندعك وذاك؛ إنك اطلعت على أسرارنا وتكتمين سرك، فقالت: زوج من عود، خيرً من قعود. قال: فخطبن، فزوجهن جمع، ثم أمهلهن حولاً، ثم زار الكبرى، فقال لها: كيف رأيت زوجك? قالت: خير زوج، يكرم أهله، وينسى فضل، قال لها: فما مالكم? قالت: الإبل، قال: وما هي? قالت: نأكل لحمانها مزعاً، ونشرب ألبانها جرعاً، وتحملنا وضعفتنا معاً. فقال لها: زوج كريم، ومال عميم. ثم زار الثانية فقال لها: كيف رأيت زوجك? قالت: يكرم الحليلة، ويقرب الوسيلة. قال: فما مالكم? قالت: البقر، قال: وما هي? قالت: تألف الفناء، وتملأ الإناء، وتودك السقاء، ونساءُ مع نساءٍ. قال لها: رضيت وحظيت. ثم زار الثالثة، فقال لها: كيف رأيت زوجك? فقالت: لا سمح بذر، ولا بخيل حكرٌ، قال: مالكم? قالت: المعزى، قال: وما هي? قالت: لو كنا نولدها فطماً، ونسلخا أدماً، لم نبغ بها نعماً، فقال لها: جذو مغنية. ثم زار الرابعة، فقال لها: كي رأيت زوجك? فقالت: شر زوج، يكرمُ نفسه، ويهين عرسه، قال لها: فما مالكم? قالت: شر مال؛ الضأن، قال لها: وما هن? قالت: جوف لا يشبعن، وهيم لا ينقعن، وصم لا يسمعن، وأمر مغويتهن يتبعن، فقال: "أشبه امرؤ بعض بزه" فأرسلها مثلاً. قال علي بن عبد الله: قلت لابن عائشة: ما قولها: "وأمر مغويتهن يتبعن"? فقال: أما تراهن يمررن فتسقط الواحدة منهن في ماء أو وحل وما أشبه ذلك فيتبعنها إليه. قول الثانية: له جفنة تشقى بها النيب والجزر فالنيب: جمع ناب، وهي المسنة، وإنما قيل لها: ناب، لطول نابها؛ قال أوس بن حجر: تشبه نابا وهي في السن بكرةٌ وتقدير "نيب" من الفعل "فعلٌ"،ولكن ما كان من ذوات الياء كسر له موضع الفاء من الفعل لتصح الياء، لأن الياء إذا سكنت وانضم ما قبلها كانت واواً، نحو: موقن وموسر، وإن فارقتها الضمة عادت إلى أصلها، نحو قولك: مياسير، ومثل ذلك أبيض وبيض، وإنما "بيض" "فعل" ك"أحمر وحمر" و"أصفر وصفر"، ولكن كسرت النون لتصح الياء، ولو كانت واواً في الأصل لم تغير. نحو: "أسود وسودٍ". وقوله: "ناب"، تقديرها فَعَلٌ متحركة العين، ولا تنقلب الياء ولا الواو ألفاً إلا وهماً في موضع حركة وما قبلهما مفتوح، نحو: باع وقال ورمى وغزا؛ لأن التقدير فعلَ، ولو كان على فَعْلٍ لصحت الياء والواو، كما تقول: بيع وقول، وفَعَلٌ قد يجمعونه على فُعْلٍ كقولهم: أسدٌ وأسدٌ، ووثنٌ ووثنٌ. وقولها: "تشقى بها النيب والجزر" فإنما عطفت أحدهما على الآخر لأن من الإبل ما يكون جزوراً للنحر لا غير. وأما قولها: "ولا ضرعٌ غمرُ" فالضرع: الضعيف، والغمر: الذي لم يجرب الأمور. الحجاج والمهلب بن أبي صفرة ويروى أن الحجاج لما ورد عليه ظفر المهلب بن أبي صفرة وقتله عبد ربه الصغير، وهرب قطري عنه تمثل فقال: لله در المهلب! والله لكأنه ماوصف لقيط الإيادي حيث يقول: وقـلـدوا أمـركـم لـلـه دركـم رجب الذراع بأمر الحرب مضطلعاً لا مترفاً إن رخاء العيش سـاعـده ولا إذا عض مكروه به خـشـعـاً ما زال يحلب هذا الدهر أشـطـره يكون متبعاً طـوراً ومـتـبـعـاً حتى استمرت على شزر مريرتـه مر العزيمة لا رثـاً ولا ضـرعـاً فقام إليه رجل فقال: أيها الأمير، والله لكأني أسمع هذه التمثيل من قطري في المهلب. فسر الحجاج بذلك سروراً تبين في وجهه: وقولها: كنصل السيف عين المهند فالمهند، المنسوب إلى الهند. وقولها: "من أهل بيتي ومحتدي" فالمحتد: ا"لأصل، قال الشاعر: وفي السر من قحطان أولاد حرةٍ عظامُ اللها بيض كرام المحاتـد وقوله: "مال عميم" يقول: جامع، أخذه من عمَّ يعمُّ. وقوله: جذو مغنية فالجذو: جمع جذوه، وهي القطعة، وأصل ذلك في الخشب ما كان منه فيه نارٌ، وقال الله عز وجل: "أو جذوةٍ من النارِ" القصص: 29 وتجمع أيضاً جذاً، قال ابن مقبل: باتت حواطب سلمى يلتمسن لها جزل الجذا غير خوارٍ ولا دعر الحوار: الضعيف، والدعر:الكثير الثقب، يقال: عود دعر. وقولها: "جوف لا يشبعن" تقول: عزاك الأجواف. و"هيم لا ينقعن"، الهيم: العطاش، يكون الواحد من هيم أهيم، ويقال في هذا المعنى: هيمان. وقال بعض المفسرين في قول الله عز وجل: "فشربون شرب اليهم" الواقعة: 55 قال: هي الإبل العطاش، وقال ذو الرمة: فراحت الحقب لم تقصع صرائها وقد نشحن فـلا ري ولا هـيم ويقال: "قصع صارته" إذا روي، والصارة: شدة العطش، والنشوح:أن تشرب دون الري، يقال: نشح ينشح، ومثله: تغمر، إذا لم يرو. ويقال للقدح الصغير الغمر من هذا. وقال بعض المفسرين: الهيمُ: رمال بعينها، واحدتها هيماء، يا فتى. وقولها: "لا ينقعن" أي لا يروين، يقال: ما نقعت ماشية بني فلان بري، إذا لم تبلغ من الماء حقها، ويقال للماء: النقع، ويقال: النقع، في غير هذا الموضع، للغبار، ويقال: أثاروا النقع بينهم. والنقع أيضاً: اسم موضع بعينه. قال الشاعر: لقد حببت نعم إلينا بوجههـا ماسكن ما بين الوتائر والنقع والنقع: الصراخ، قال لبيد: فمتى ينقع صراخ صادق يحلبوه ذات جرسٍ وزجلٍ وقولها: "وصم لا يسمعن"، طريف من كلام العرب، وذلك أنه يقال لكل صحيح البصر ولا يعمل بصره: أعمى، وإنما يراد به أنه قد حل محل من لا يبصر البتة، إذا لم يعمل بصره، وكذلك يقال للسميع الذي لا يقبل: أصم، قال الله جلَّ ذكرهِ: "صم بكم عمىٌ" البقرة: 18 كما قال جل ثناؤه: "أم على قلوبٍ أقفالها" محمد: 24 وكذلك: "إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء" النمل: 80 وقوله عز وجل: "كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء" البقرة: 171. وتقول العرب: "أبلدُ ما يُرعى الضأن"، ويقال: أحمق من راعي ضأن ثمانين. وتحدث عمرو بن بحر، قال: كان يقال: لا ينبغي لعاقل أن يشاور واحداً من خمسة: القطان، والغزال، والمعلم، ورعي ضأن، ولا الرجل الكثير المحادثة للنساء. وقيل في مثل هذا: لا تدع أم صبيك تضربه فإنه أعقل منها وإن كان طفلاً. وقال الأحنف بن قيس: إني لأجالس الأحمق الساعة فأتبين ذلك في عقلي. وقال جل ثناؤه في صفة النساء: "أومن ينشؤا في الحلية وهو في الخصام غير مبين" الزخرف: 18. نقد كثير للشعراء وحدثت أنعمر بن عبد الله بن أبي ربيعة أتى المدينة فأقام بها، ففي ذلك يقول: يا خليلي قد مللت ثـوائي بالمصلى وقد شنئت البقيعا فلما أراد الشخوص شخص معه الأحوص بن محمدٍ؛فلما نزلا ودان صار إليهما نصيب، فمضى الأحوص لبعض حاجته، فرجع إلى صاحبيه، فقال: إني رأيت كثيراً بموضع كذا، فقال عمر: فابعثوا إليه ليصير إلينا، فقال الأحوص: أهو يصير إليكم? هو والله أعظم كبراً من ذلك؛ قال: فذا نصير إليه، فصاروا إليه، وهو جالس على جلد كبش، فوالله ما رفع منهم أحداً ولا القرشي. ثم أقبل على القرشي، فقال: يا أخا قريش، والله لقد قلت فأحسنت في كثيرٍ من شعرك، ولكن خبرني عن قولك: قالت لها أختها تعاتـبـهـا لا تفسدن الطواف في عمر قومي تصدي له ليبصرنـا ثم اغمزيه يا أخت في خفر قالت لها: قد غمزته فأبـى ثم اسبطرت تشتد في أثري والله لو قد قلت هذا في هرة أهلك ما عدا، أردت أن تنسب بها فنسبت بنفسك، أهكذا يقال للمرأة! إنما توصف بالخفر، وأنها مطلوبة ممتنعة، هلا قلت كما قال هذا? وضرب بيده على كتف الأحوص: أدور ولولا أن رى أم جعفـرٍ بابياتكم ما درت حـيث أدور وما كنت زواراً ولكن ذا الهوى إذا لم يزر لا بعد أن سـيزور لقد منعت معروفها أم جعفـر وإني إلى معروفها لفـقـير قال: فامتلأ الأحوص سروراً، ثم أقبل عليه فقال: يا أحوص، خبرني عن قولك: فأن تصلي أصلك وإن تعودي لهر بعد وصلك لا أبـالـي أما والله لو كنت من فحول الشعراء لباليت؛ هلا قلت مثل ما قال هذا? وضرب بيده على جنب نصيب: بزينب ألمم قبل أن يظعن الركبُ وقل إن تملينا فما ملك القلـبُ قال: فانتفخ نصيب، ثم أقبل عليه فقال له: ولكن أخبرني عن قولك يا أسود: أهيمُ بدعدٍ ما حييتُ وإن أمـتْ فواحزاني من ذا يهيم بها بعدي كأنك اغتممت ألا يفعل بها بعدك؛ ولا يكني، فقال بعضهم لبض: قوموا فقد استوت القرفة. وهي لعبة على خطوطٍ، فاستواؤها انقضاؤها. قال أبو الحسن: الطبن هي السدر، فإذا زيد في خطوطه سمته العرب: القرفة، وتسميه العامة السدر. كثير والأخطل عند عبد الملك بن مروان

قال: وحدثت أن كثيراً دخل على عبد الملك بن مروان وعنده الأخطل، فأنشده التفت عبد الملك إلى الأخطل، فقال: كيف ترى? فقال: حجازي مجوع مقرور، دعني أضغمه يا أمير المؤمنين، فقال كثير: من هذا يا أمير المؤمنين? فقال له: هذا الأخطل، فقال له كثير: مهلاً، فهلا ضغمت الذي يقول: 

لا تطلبن خؤولة في تغلب فالزنج أكرمُ منهم أخوالاً والتغلبي إذا تنحنح للقرى حك استه وتمثل الأمثالا فسكت الأخطل فما أجابه بحرفٍ. قال أبو العباس: سمعتُ من ينشدُ هذ الشعر: والتغلبي إذا تنبح للقرى وهو أبلغُ. أبيات نصيب في امرأة نزل عندها فأكرمته قال: وخُبرت أن نصيباً نزل بامرأة تكنى أم حبيب، من أهل مللٍ، وكانت تضيف بذلك الموضع وتقري، ولا يزال الشريف قد نزل بها فأفضل عليها الفضل الكثير، ولا يزال الشريف ممن لم يحلل بها يتناولها بالبر، ليعينها على مروءتها، فنزل بها نصيب ومعه رجلان من قريش، فلما أرادوا الحرلة عنها وصلها القرشيان، وكان نصيب لا مال معه في ذلك الوقت، فقال لها: إن شئت فلك أن أوجه إليك بمثل ما أعطاك أحدهما، وإن شئت قلت فيك شعراً، فغزلت أم حبيبٍ فقالت: بل الشعر، فقال: ألا حي قبل البين أم حبيب وإن لم تكن مِنا غداً بقريب وإن لم يكن أني أحبك صادقاً=فما أحدٌ عندي إذاً بحبيب تهام أصابت قلـبـه مـلـلـية غريب الهوى، واهاً لكل غريب! نصيب عند عبد الملك بن مروان وحدثت أن نصيباً أتى عبد الملك فأنشده، فاستحسن عبد الملك شعره وسر به، فوصله، ثم دعا بالغداء فطعم معه، فقال له بعد الملك: يا نصيب، هل لك فيما يتنادم عليه? فقال: يا مير المؤمنين، تأملني، قال: قد أراك، فقال: يا أمير المؤمنين، جلدي أسود، وخلقي مشوه، ووجهي قبيح، ولست في منصب، وإنما بلغ بي مجالستك ومؤاكلتك عقلي وأنا أكره يا أمير المؤمنين أن أدخل عليه ما ينقص. فأعجبه كلامه فأعفاه. الوليد بن عبد الملك والحجاج وقال الوليد بن عبد الملك للحجاج في وفدةٍ وفدها عليه - وقد أكلا -: هل لك في الشراب? فقال: يا أمير المؤمنين، ليس بحرام ما أحللته، ولكني أمنع أهل عملي منه، وأكر أن أخالف قول العبد الصالح: "وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهكم عنه" هود: 88، فأعفاه. مسلمة بن عبد الملك ونصيب وقال مسلمة بن عبد الملك يوماً لنصيب: أمتدحت فلاناً! لرجل من أهله، فقال: قد فعلت، قال: أو حرمك? قال: قد فعل، قال: فهلا هجوته? قال: لم أفعل، قال: ولم? قال: لأني كنت أحق بالهجاء منه! إذ رأيته موضعاً لمدحي! فأعجب به مسلمة، فقال: اسألني، فقال: لا افعل، قال: ولِمَ? فقال: لأن كفك بالعطية أجود من لساني بالمسألة، فوهب له ألف دينارٍ. في نقد الشعر وحدثت أن الكميت بن زيدٍ أنشد نصيباً فاستمع له، فكان فيما أنشده: وقد رأينا بها حوراً منـعـمة بيضاً تكامل فيها الدالُّ والشنبُ فثنى نصيب خنصره، فقال له الكميت: ما تصنع? فقال: أحصي خطأك، تباعدت في قولك: "تكمل فيها الدل والشنب". هلا قلت كما قال ذو الرمة: لمياء في شفتيها حوة لعـسٌ وفي اللثاث وفي أنيابها شنبُ ثم أنشده في أخرى: كأن الغطامط من جريها أراجيز أسلم تهجو غفارا فقال له: نصيب: ما هجت أسلم غفاراً قط، فاستحيا الكميت فسكت. قال أبو العباس: والذي عابه نصيب من قوله: "تكامل فيها الدل والشنب". قبيح جداً، وذلك أن الكلام لم يجر على نظم، ولا وقع إلى جانب الكلمة ما يشاكلها، وأول ما يحتاج إليه القول أن ينظم على نسق، وأن يوضع على رسم المشكلة. وخبرت أن عمر بن لجإٍ قال لابن عم له: أنا أشعر منك، قال له، وكيف? قال: لأني أقول البيت وأخاه، وانت تقول البيت وابن عمه. وأنشد عمرو بن بحر: وشعر كبعر الكبش فرق بينه لسانُ دعيِّ في القريض دخيل وبعر الكبش يقع متفرقاً، فمن ذلك قول ابنة الحطيئة له، لما نزل في بني كليب بن يربوع: تركت الثروة والدد، ونزلت في بني كليب - بعر الكبش. يقال: بعرٌ وبعرٌ، وشعرٌ وشعرٌ، وشمعٌ وشمعٌ، ويقال للصدر: قص وقصص، وكذلك نهرٌ ونهرٌ. وزعم الأصمعي أنه سأل أعرابياً، وهو بالموضع الذي ذكره زهيرٌ: ثم استمروا وقالوا إن مشربكـم ماء بشرقي سلمى فيدُ أو رككُ قال الأصمعي: فقلت لأعرابي: أتعرف رككاً? فقال: لا، ولكن قد كان ههنا ماء يسمى ركاً. فهذا ليست فيه لغتان، ولكن الشاعر إذا احتاج إلى الحركة اتبع الحرف المتحرك الذي يليه الساكنُ ما يشاكله، فحرك الساكن بتلك الحركة. فالعبد مناف بن ربع الهذلي: إذا تجاوب نوح قامتا مـعـه ضرباً أليماً بسبتٍ يلعج الجلدا يريد الجلد، فهذا مطردٌ. ومن مذابهم المطرة في الشعر أن يلقوا على الساكن الذي يسكن ما بعده للتقييد حركةَ الإعراب، كما قال الراجز: أنا ابن ماوية إذ جد النقرْ يريد النقر يا فتى، وهو: النقرُ بالخيل، فلما أسكن الراء ألقى حركتها على الساكن الذي قبلها. وشبيه بهذا قوله: عجبت والدهر كثيرٌ عجبه من عنزي سبني لم أضربه أراد: "لم أضربه"، يا فتى، فلما أسكن الهاء ألقى حركتها على الباء، وكان ذلك في الباء أحسن، لخفاء الهاء. وقال أبو النجم: أقولُ قرب ذا وهذا أزحلهُ يريد أزحلهُ يا فتى. وقال طرفة: حابسي ربعٌ وقفتُ به=لو أطيعُ النفسَ لم أرمهُ ولم يلزمه رد الياء لما تحركت الميم، لأن تحركها ليس لها على الحقيقة، وإنما هي حركة الهاء. وأما قول الشاعر: حديث بني بدر إذا ما لقـيتـهـم كنزو الدبى في العرفج المتقاربِ فليس كقوله:: "وشعر كبعرِ الكبش" ولكنه وصفهم بضؤولة الأصوات وسرعةِ الكلام وإدخال بعضه في بعض. والذي يحمد الجهارة والفخامة. لرجل يمدح الرشيد وأنشدت لرجل قال يمدح الرشيد: جهير الكلام جهير العطـاسِ جهير الرواء جهيرُ النـغـمْ ويخطو على الأين خطو الظليمِ ويعلو الرجالَ بخلقٍ عـمـمْ ويروى أن الرشيد كان يأتزر في الطواف فيذنب إزاره ويباعد بين خطاه، فإذا رجع بيده كاد يفتن من يراهُ، فعند ذلك مدح بهذا الشعر. لعائشة وقد نظرت إلى رجل متماوت ويروى أن أم الؤمنين عائشة رضي الله عنهانظرت إلى رجل متماوتٍ، فقالت: ما هذا? فقالوا: أد القراء، فقالت: قد كان عمر بن الخطاب قارئاً، فكان إذا قال أسمعَ، وإذا مشى أسرع، وإذا ضرب أوجع. لعمر وقد نظر إلى رجل يظهر النسك ويروى أن عمر بن الخطاب رحمه الله نظر إلى رجل مظهر للنسك متماوت، فخفقه بالدرة، وقال: لا تمتُ علينا ديننا، أماتك الله. وفود الروم عند عبد الملك بن صالح العباسي ويروى أن عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس أتته وفود من الروم، وقام السماطان، فأتي برج منهم، وعطس أحد من في السماطين فأخفى عطسته، فقال له عبد الملك لما انقضى أمر الوفد: هلا إذا كنت لئيم العطاس أتبعت عطستك صيحة حتى تخلع بها قلبَ العلج. جهارة صوت العباس وكان العباس بن عبد المطلب رحمه الله، أجهر الناس صوتاً، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انهزم الناس يوم حنين: "يا عباس، اصرخ بالناس". ويروى أن غارة أتتهم يوماً، فصاح العباس: يا صباحاه! فاستسقطت الحوامل لشدة صوته. وقد طعن في قول النابغة الجعدي: وأزجر الكاشح العدو إذا اغ تابك عندي زجراً على أضم زجر أبي عروة السبـاع إذا أسفق أن يختلطن بالغـنـم وذلك أن الرواة احتملت هذا البيت على أنه كان يزجر الذئاب ونحوها مما يغير على الغنم، فيفتق مرارة السبع في جوفه. فقال من يطعن في هذا: السبع أشد أيداً من الغنم، فإذا فعل ذلك بالسبع هلكت الغنم قبله. فقال من يحتج له: إن الغنم كانت قد أنست بهذا منه، والصوت الرائع أنسٌ لمن أنس به، كالرعد القاصف الذي لولا خشية صاعقته لم يفزع كبير فزع، ولو جاء أقل منه من جوف الأرض لذعر، ولم يبعد أن يقتل إذا أتى من حيث لم يعتد. وجملة هذا البيت أنه وصف شدة صوت المذكور. وتأويله أنه من تكاذيب الأعراب. للحسن وقد رأى رجلاً يجود بنفسه وحدثت أن الحسن نظر إلى رجل يجود بنفسه فقال: إن أمراً هذا آخر لجدير بأن يزهد في أوله، وإن أمراً هذا أوله لجدير أن يخاف آخره. وقيل لرجل من اشراف العجم في علته التي مات فيها: ما بك? قال: فكر عجبت، وحسرة طويلة، فقيل: مِمَّ ذاك? فقال: ما ظنكم بمن يقطع سفراً قفراً بلا زادٍ، ويسكن قبراً موحشاً بلا مؤنس، ويقدم على حكمٍ عادلٍ بلا حجةٍ! وقال بعض المحدثين، وهو محمود الوراق: بأي اعـتـذار أم بــأية حـــجةٍ يقول الذي يدري من الأمر: لا أدري! إذا كان وجه الـعـذر لـيس بـبـين فإن اطراح العذر خير من الـعـذرِ واعتذر رجل إلى سلم بن قتيبة من أمرٍ بلغه عنه، فعذره، ثم قال له: يا هذا، لايحملنك الخروج من أمرٍ تخلصت منه على الدخول في أمرٍ لعلك لا تخلص منه. وقيل لخالد بن صفوان: أي إخوانك أحب إليك? فقال: الذي يسد خللي، ويغفر زللي، ويقبل عللي. من أخبار عبد الله بن جعفر وافتقد عبد الله بن جعفر بن أبي طالب صديقاً له من مجلسه، ثم جاءه، فقال: أين كانت غيبتك? فقال: خرجت إلى عرض من أعراض المدينة مع صديق لي، فقال ل: ن لم تجد من صحبة الرجال بُداً فعليك بصحبة من إن صحبته زانك، ون خففت له صانك، وإن احتجت إلهي مانك، وإن رأى منك خلة سدها، أو حسنة عدها، وإن وعدك لم يجرضك، وإن كثرت عليه لم يرفضك، وإن سألته أعطاكَ، وإن أمسكت عنه ابتداكَ. وامتدح نصيب عبد الله بن جعفر، فأمر له بخيل وإبل وأثاثٍ ودننير ودراهم، فقال له رجل: أمثل هذا الأسود يعطى مثل هذا المال? فقال له عب الله بن جعفر: ن كان أسود فإن شعره لأبيض، ون ثناءه لعربيٌّ، ولقد استحق بما قال أكثر مما نال، وهل أعطيناه إلا ثياباً تبلى، ومالا يفنى، ومطايا تنضى، وأعطانا مدحاً يروى، وثناءً يبقى!. وقيل لعبد الله بن جعفر إنك لتبذل الكثير إذا سُئلت، وتضيق في القليل إذا توجرت. فقال: إني أبذل مالي، وأضنُّ بعقلي. نبذ من أقوال الحكماء وقيل ليزيد بن معاوية: ما الجود? فقال: إعطاء المال من لا تعرف، فإنه لا يصير إليه حتى يتخطى من تعرف. وخبرت عن رجل من الأنصار قال لابن عبد الرحمن بن عوف: ما ترك لك أبوك? قال: ترك لي مالاً كثيراً، فقال: ألا أعلمك شيئاً هو خير لك مما ترك لك أبوك?: نه لا مال لعاجز، ولا ضياع على جازم، والرقيقُ جمال وليس بمالٍ، فعليك من المال بما يعولك ولا تعوله. وقال معاوية: الخفض والدعة سعةُ المنزلِ وكثرةُ الخدمِ. وقيل لخريم المري - وهو المنبز بخريم الناعم: ما النعمة? فقال: الأمن، فإنه ليس لخائف عيشٌ؛ والغنى، فإنه ليس لفقير عيشٌ؛ والصحة، فإنه ليس لسقيم عيشٌ. قيل: ثم ماذا? قال: لا مزيد بعد هذا. وقال سلم بن قتيبة: الشباب الصحة، والسلطان الغنى، والمروءة الصبرُ على الرجال. وقال المهلب بن أبي صفرة: العجب لمن يشتري المماليك بماله ولا يشتري الأحرار بمعروفه. وكان يقول لبنيه: إذا غدا عليكم الرجلُ وراح مسلماً، فكفى بذلك تقاضياً. وقال خالدُ بن عبد الله القسري: محض الجودِ ما لم تسبقه مسألة، وما لم تبعه من، ولم يزر به قصرٌ، ووافق موضع الحاجة. وقال بعض المحدثين - وهو حبيب الطائي: أسائل نصر لا تسـلـه فـإنـه أحنُّ إلى الإرفاد منك إلى الرفد وقال آخر - وهو أبو العتاهية: لا تسألن الـمـرء ذات يديه فليحفرنك من رغبت إلـيه المرء ما لم ترزه لك مكـرم فإذ رزأت المرء هُنت عليهِ وكما يكون لديك من عاشرته فكذاك فارض بِأَن تكون لديه النخار العذري ومعاوية ودخل النخارُ العذري على معاوية في عباءةٍ؛ فاحتقره معاويةُ، فرأى ذلك النخار في وجهه، فقال له: يا أمير المؤمنين، ليست العباءة تكلمك، إنما يكلمك من فيها. ثم تكلم فملأ سمعه، ثم نهض ولم يسأله، فقال معاوية: ما رأيت رجلاً أحقرَ أولاً ولا أجل آخراً منه. محمد بن كعف القرظي وسليمان بن عبد الملك ودخل محمد بن كعب القرظي على سليمان بن عبد الملك في ثياب رثةٍ، فقال له سليمان: ما يحملك على لبس مثل هذه الثياب? فقال: أكره أن أقول: الزهدُ، فأطري نفسي، أو أقول: الفقر، فأشكو ربي. سالم بن عبد الله بن عمر وهشام بن عبد الملك وحدثني التوزي قال: دخل سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب على هشام بن عبد الملك في ثياب وعليه عمامة تخالفها، فقال له هشام: كأن العمامة ليست من الثياب! قال: إنها مستعارة، فقال له: كم سنك? قال: ستون سنة، قال: ما رأيت ابن ستين أبقى كدنة منك، ما طعامك? قال الخبز والزيت، قال: أما تأجمهما? قال: إذا أجمتهما تركتهما حتى أشتهيهما، ثم خرج من عنده وقد صدع، فقال: أترون الأحول لقعني بعينه، فمات من تلك العلة. ونظر أعرابي إلى رجل جيد الكدنة فقال: يا هذا، إني لأرى عليك قطيفة محكمة من نسج أضراسك. من أخبار أبي الأسود الدؤلي ودخل أبو الأسود الدؤلي علي عبيد الله بن زياد في ثياب رثةِ، فكساه ثياباً حساناً، فخرج وهو يقول: كساك وما استكسيته فشـكـرتـه أخٌ لك يعطيك الجزيل ونـاصـرُ وإن أحق الناس إن كنت مـادحـاً بمدحك من أعطاك والعرض وافرُ وحدثني الرياشي قال: دخل أبو الأسود الدؤلي على عبيد الله بن زياد وقد أسن، فقال له عبيد الله يهزأ به: يا أبا الأسودِ؛ إنك لجميل، فلو تعلقت تميمة ترد عنك العيون، فقال أبو الأسود: أفنى الشباب الذي أفنيت جدتـهُ كر الجديدين من آتٍ ومنطلقِ لم يتركا لي في طول اختلافهما شيئاً أخافُ عليه لذعة الحـدقِ قوله: "فلو تعلقت تميمةً" هي: المعاذة يعلقها الرجلُ. قال ابن قيس الرقيات: صدروا ليلة انقضى الحج فيهم طفلة زانهـا أغـر وسـيم يتقي أهلها العيون عـلـيهـا فعلى جيدها الرقى والتمـيمُ وقال أبو ذؤيب: وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمةٍ لا تنفـعُ وقوله: "لذعة الحدق" فهو من قولك: لذعته النار، إذا لفحته، ويقال: لذع فلانُ فلاناً بأدبٍ، إذا أدبه أدباً يسيراً، كأنه كالمقدار الذي وصفناه من النار. وقول ابن قيس الرقيات: "زانها أغر وسيم"، فالأغر: الأبيض- يعني الوجه، والوسيم: الجميل، والمصدر الوسامةُ والوسامُ. لبعض المحدثين في الخضاب وقال بعض المحدثين: ذكرناه بقول أبي الأسود: قد كنت أرتاع للبيضاء فـي حـلـكٍ فصرت أرتاعُ للسـوداء فـي يقـقٍ من لم يشب ليس مملاقاً حلـيلـتـهُ وصاحب الشيب للنسوان ذو مـلـقِ قد كن يفرقن منه فـي شـبـيبـتـه فصار يفرق ممـن كـان ذا فـرقِ إن الخضاب لـتـدلـيس يغـش بـه كالثوب في السوق مطوياً على حرقِ ويروى: "يطوى لتدليس على حرقِ" وشبيهُ بهذا المعنى قول أبي تمام: طال إنكاري البياض وإن عمر تُ شيئاً انكرتُ لونَ السـوادِ وحدثني الزيادي قال: قيل لأعرابي: ألا تخضب بالوسمة، فقال: لِمَ ذاك? فقال: لتصبو ليك النساء، فقال: أما نساؤنا فما يردن بنا بديلاً، وأما غيرهن فما نلتمس صبوتهن. للعتبي وقال العتبي: وقائلة تبيض والـغـوانـي نوافرُ عن معالجة القـتـيرِ عليك الخطر علك أن تدنـى إلى بيض ترائبهـن حـور فقلتُ لها المشيب نذير عمري ولست مسوداً وجه الـنـذير ليزيد بن المهلبي وقال آخر - وهو أبو خالد يزيد بن محمدٍ المهلبي: صبغت الرأس ختلاً للغوانـي كما غطى على الريب المريبُ أعلـل مـرةً وأسـاءُ أخـرى ولا تحصى من الكبر العيوبُ أسوف توبتي خمسين عـامـاً وظني أن مثـلـي لا يتـوبُ يقولم بالثقاف الـعـودُ لـدنـاً ولا يتقوم العودُ الـصـلـيبُ وقال مالك بن دينار: جاهدوا أهواءكم، كما تجاهدون أعداءكم. وكان يقول: ما أشد فطام الكبير. وقال آخر: دعي لومي ومعتبتي أمـامـا فنـي لـم أعـود أن ألامـا وكيف ملامتي إذ شاب رأسي على خلقٍ نشأتُ به غلامـا وقيل لأعرابي: ألا تغير شيبك بالخضاب? فقال: بلى، ففعل ذاك مرة، ثم لم يعاود، فقيل له: لِمَ لا تعاود الخضاب? فقال: يا هناه، لقد شد لحيايَ فجلت أخالني ميتاً. لمحمود الوراق في الشيب وقال بعض المحدثين، وهو محمودٌ الوراق: يا خاضب الشيب الذي في كل ثالثةٍ يعـودُ إن النصـول إذا بـدا فكأنه شـيبُ جـديدُ ولـه بـداهة لـوعةٍ مكروهها أبداً عتـيدُ فدع المشيب لمـا ارا د فلن يعود كما تريدُ وقال محمودٌ أيضاً: أليس عجيباً بأن الفتى=يصاب ببعض الذي في يديه فمن بين باكٍ له مـوجـعٍ وبين معز مـغـذ إلـيه ويسلبه الشيب شرخ الشبابِ فليست يعزيه خلق علـيه وقال أيضاً: اغتنم غفلة المنية واعلـم أنما الشيب للمنية جسـرُ كم كبير يوم القيامة يقضى وصغيرٍ له هنالك قـدرُ قال أبو الحسن: يقال "جسرُ وجَسرُ"، وهو مأخوذ من الناقة الكبيرة، يقال لها: "الجَسْرُ". لأبي النجم العجلي وقال أعرابي: قالت سليمى أنت شيخٌ أنزع فقلت ما ذاك وإني أصلـعُ ثم حسرتُ عن صفاةٍ تلمـعُ فاقبلت قائلةً تسـتـرجـعُ ما رأس ذا إلا جبين أجمعُ وقال آخر، وهو رؤبة: قد ترك الدهر صفاتي صفصفا فصار رأسي جبهة إلى القفا كأنه قد كان ربعـاً فـعـفـا يمسي ويضحي للمنايا هدفـا لنصر بن حجاج وقد حلق عمر رأسه وكان نصر بن حجاج بن علاطٍ السلمي ثم البهزي جميلاً، فعثر عليه عمر بن الخطاب رحمه الله في أمر - الله أعلم به - فحلق رأسه، وكان أصلع، ولميبق من شعره إلا حفافُ، كذلك قال الأصمعي فقال نصر بن حجاج: لضن ابن خطاب علي بجـمةٍ إذا رجلت تهتز مر السلاسلٍ فضلع رأساً لم يصلعـه ربـهُ يرف رفيفاً بعد أسود جاثـلٍ لقد حسد الفرعان أصلعُ لم يكن إذا ما مشى بالفرع بالمتخايلِ قوله: "بالفرع بالمتخايل" ليس أنه جعل بالفرع. من صلة المتخايل فيكون ذلك معناه: بالذي يختال بالفرع، يكون قد قدم الصلة على الموصول، ولكنه جعل قوله: بالفرع تبييناً، فصار بمنزلة "بِك" التي تقع بعد مرحباً للتبيين، وقد مر تفسير هذا مستقصى في الكتاب المقتضب. وقال آخر: تغطى نمير بالعمائم لـؤمـهـا وكيف يغطي اللؤم طي العمائم فإن تضربونا بالسياط فـإنـنـا ضربناكم بالمرهفات الصوارمِ وإن تحلقوا منا الرؤوس فإننـا حلقنا رؤوساً باللها والغلاصـمِ وإن تمنعوا منا السلاح فعندنـا سلاحٌ لنا لا يشترى بالدراهـمِ جلاميد أملاء الأكف كأنـهـا رؤوس رجالٍ حلقت بالمواسم من شعر يزيد بن الطثرية وأخباره وكان يزيد بن الطثرية غزلا، وكان أخوه ثورٌ ذا مالٍ، فكان يزيد يأتي العطار فيقول: ادهني دهنة بناقةٍ من إبل ثورٍ، فيفعل ذلك. وكان ذا جمةٍ حسنةٍ، فإذا كثر عليه الدين هرب فتبدى، فإذا ذكر حوشيتة - وهي امرأة كان يشبب بها - قدم فاقتطع من إبل أخيه ما يقضي به دينه، وفي ذلك يقول: قضى غرمائي حب أسماء بعدما تخوفني ظلمُ لهـم وفـجـورُ فذلك دابي ما حييت وما مشـى لثورٍ على ظهر الفلاة بـعـيرُ فاستعدى عليه ثورٌ السلطان، فأمر بحلق رأسه، فقال: أقول لثورٍ وهو يحلق لـمـتـي بعقفاءَ مردودٍ عليها نصابـهـا ترفق بها يا ثور ليس ثـوابـهـا بهذا ولكن عند ربي ثـوابـهـا الا ربما يا ثور فـرق بـينـهـا أنامل رخصات حديث خضابهـا فتهلك مدرى العاج في مدلهـمةٍ إذا لم تفرج مات غما صؤابهـا فجاء بها ثورٌ تـرف كـأنـهـا سلاسلُ برقٍ لينها وانسكابـهـا ورحت برأسٍ كالصخيرةِ أشرفت عليها عقاب ثم طارت عقابهـا خدارية كالشرية الفرد جـادهـا من الصيف أنواء مطير سحابها باب لقيس بن عاصم المنقري قال رجل من المتقدمين، وهو قيس بن عاصم المنقري: أيا ابنة عبد اللـه وابـنة مـالـكٍ ويا ابنة ذي البردين والفرس الورد إذا ما أصبتِ الزاد فالتمسـي لـه أكيلاً فإني غير آكـلـه وحـدي قصيا كريماً أو قريبـاً فـإنـنـي أخاف مذمات الأحاديث من بعدي وإني لعبد الضيف مـا دام ثـاوياً وما من خلالي غيرها شيمة العبدِ غيرها استثناءٌ مقدم. وقد مضى تفسيره. وقوله: "قصيا كريماً" من طريف المعاني، وذلك أنه لم يحتج إلى أن يشترط في نسبته الكرم، لأنه قد ضمن ذلك، واشترط في القصي أن يكون كريماً، لأنه كره أن يكون مواكله غير كريمٍ. لجرير يهجو بني هزان وهذا ليس من الباب الذي ذكره جريرٌ، حيث يقول في هجائه بني هزان: ضيفكم جائعٌ إذ لم يبـت غـزلا وجاركم يا بني هزان مسـروقُ رأيت هزانَ في أحراجِ نسوتهـا رحبُ وهزانُ في أخلاقها ضيقُ يحيى بن نوفل يهجو وقال آخر من المحدثين،وهو يحيى بن نوفل، أنشده دعبل: كنت ضيفاً ببرمنـايا لـعـب د الله، والضيف حقهُ معلـومُ فانبرى يمدح الصيام إلـى أن صمت يوماً ما كنت فيه أصومُ ثم أنشا يستام برذونـي الـور د ملحاً كمـا يلـحُ الـغـريمُ قال الأخفش: يروي برذوني الزرد وهو الأصفر. ولعمري إن ابن قيلة إذ يس-تام برذون ضيفه للئيمُ لأبي دلام بن الجوني وقال رجل، أنشدنيه السجستاني، يقول لان دعلج، وكان ابن دعلج يتولى بني تميم: إذا جئت الأمير فقـل سـلامُ عليك ورحمة الله الـرحـيم وأما بعد ذاك فـلـي غـريم من الأعراب قبح من غـريم! لزوم ما علمتُ بـبـاب داري لزوم الكهف أصحابُ الرقـيم لهمائة علي ونصـف أخـرى ونصف النصف في صك قديم دراهم ما انفعت بها ولـكـن حبوت بها شيوخ بني تـمـيم روى أبو الحسن: أتوني في العشيرة يسألوني ولم أكُ في العشيرةِ بالمليمِ قال أبو الحسن: لم يعرف أبو العباس هذا البيت الأخير، وهو صحيح. وجاور قيس بن عاصم بن سنان بن خالدٍ بن منقر بن عبيد تاجراً خماراً، فشرب شرابهُ، وأخذ متاعه، ثم أوثقه، فقال: افدِ نفسكَ. وقال في ذلك: وتاجرٍ فاجرٍ جاء الإله به كأن عثنونه أذناب أجمالي قال ذلك؛ لأن ذنب البعير يضرب إلى الصهبةِ، وفيه استواء، وهو يشبه اللحية. للنمر بن تولب وقال النمرُ بن تولبٍ: إذا كنت في سعدٍ وأمكَ منـهـم غريباً فلا يغررك خالك من سعدِ فإن ابن أخت القوم مصفى إناؤه إذا لم يزاحم خاله بـابٍ جـلـدِ قيس بن عاصم وبنو منقر واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم قيس بن عاصم على صدقات بني سعدٍ، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقسمها قيس بعد في بني منقرٍ، وقال: من مبلغٌ عني قـريشـاً رسـالةً إذا ما أتتها محكمـاتُ الـودائعِ حبوت بما صدقت في العام منقراً وأيأست منها كل أطلس طامـعِ من أخبار أبي خراش الهذلي وشعره وجاور عروة بن مرة أخو أبي خراشٍ الهذلي ثمالة من الأزد، فجلس يوماً بفناء بيته آمناً يخاف شيئاً، فاستدبره رجلٌ منهم من بني بلالٍ بسهم، فقصم صلبه، ففي ذلك يقول أبو خراشٍ: لعن الإله وجوه قومٍ رضعٍ غدروا بعروة من بني بلالٍ وأسر خراش بن أبي خراشٍ؛ أسرته ثمالة، فكان فيهم مقيماً، فدعا آسره يوماً رجلاً منهم للمنادمة، فرى ابن أبي خراشٍ موثقاً في القد، فأمهل حتى قام الآسر لحاجة، فقال المدعو لابن أبي خراشٍ: من أنت? قال: أنا أبن أبي خراشٍ، فقال: كيف دليلاكَ? قال: قطاةٌ، قال: فقم فاجلس ورائي، وألقى عليه رداءه، ورجع صاحبهُ، فلما رأى ذلك أصلت بالسيف، وقال أسيري. فنثل المجير كنانته، وقال: والله لأرمينك إن رمته، فني قد أجرته. فخلى عنه، فجاء إلى أبيه، فقال له: من أجارك? فقال: والله ما أعرفه، فقال أبو خراشٍ، وقال الرواة: لا نعرفُ أحداً مدح من لا يعرف غير أبي خراش: حمدتُ إلهي بعـد عـروة إذ نـجـا خراشٌ وبعض الشر أهون من بعضِ فواللـه لا نـسـى قـتـيلاً رزيتـه بجانب قوسي ما مشيت على الأرضِ بلى إنها تعفـو الـكـلـوم وإنـمـا يوكل بالأدنى وإن جل ما يمـضـي

ولمأدر من ألـقـى عـلـيه رداءه على أنه قد سل عن ماجد محـضِ ولم يك مثلوج الـفـؤاد مـهـيجـاً أضاع الشباب في الربيلة والخفض ولكنه قد لـوحـتـه مـخـامـص على أنه ذو مرةٍ صادق النـهـضِ كأنهم يسـعـون فـي إثـر طـائر خفيف المشاش عظم غير ذي نحضِ يبادر جنح الليل فـهـو مـهـابـذ يحث الجناح بالتبسط والـقـبـض وقوله: قبح الإله وجوه قوم رضع فهو جماعة راضع. وقوم يقولون: هو توكيد للئيم، كما يقولون: جائع نائع، وحسن بسن، وعطشان نطشان، وأجمع أكنع. وقوم يقولون الراضع هو الذي يرتضع من الضرع لئلا يسمع الضيف أو الجار صوت الحلب فيطلب منه. وتديق ذلك ما أنشدناه أبو عثمان عمرو بن بحرٍ لرجلٍ من الأعراب ينسب ابن عم له إلى اللؤم والتوحش: أحب شـيءٍ إلـيه أن يكـون لـه حلقوم وادٍ له في جـوفـهِ غـارُ لا تعرف الريح ممساه ومصحبـه ولا يشب إذا أمـسـى لـه نـارُ لا يحلب الضرع لؤماً في الإناء ولا يرى له في نواحي الصحن آثـار وقوله: كيف دليلاك فهي كثرة الدلالة، والفعيلي إنما تستعمل في الكثرة، ويقال: القتيتي لكثرة النميمة، ويقال: الهجيري لكثرة الكلمة المترددة على لسان الرجل، يقال: ذكرك هجيراي، أي هو الذي يجري على لساني، وفي الحديث: "كان هجيري أبي بكر الصديق رحمه الله بلا إله إلا الله" ويقال: كان بينهم رميا، لكثرة الرمي، وكذلك كل ما أشبه هذا. وقوله: "بجانب قوسي" فهو بلد تحله ثمالة بالسراة. وقوله: "بلى إنها تعفو الكلوم" فهي الجراح والآثار التي تشبهها، قال جرير: تلقى السليطي والأبطال قد كلموا وسط الرجال سليماً غير مكلومِ وينشد: وسط الرحال. وتعفو تدرسُ. وقوله: "عظمه غير ذي نحض"، النحض: اللحم، يقال: يأكل ويروي الرجال محضاً. وقوله: فهو مهابذ يقول: مجتهد. وهذيل فيها سعي شدي، وفي جماعة من القبائل التي تحل بأكناف الحجاز. من أخبار الحطيئة والمختارمن شعره ولقي الزبرقان بن بدر - وهو قاصد بصدقات قومه إلى أبي بكر الصديق رحمه الله - الحطيئة في طريقه، فقال له الزبرقان: من أنت? فقال: أنا أبو مليكة، أنا حسب موضوع، فقال له الزبرقان: إني أريد هذا الوجه، ومالك منزلٌ، فامض إلى منزلي بهذا السهم، فسل عن القمر بن القمر، وكن هناك حتى أود إليك، ففعل فأنزلوه وأكرموه، فأقام فيهم فحسدهم عليه بنو عمهم من بني قريع، وذلك أن الزبرقان من بني بهدلة بن عوف بن كعب بن سعدٍ بن زيد مناة بن تميم، وحاسدوه بنو قريع بن عوف بن كعب بن سعدِ، ولم يكن لعوف إلا قريقع وعطارد وبهدلة. وكان الذين حسدوه منهم بنو لأي بن شماس بن أنف الناقة بن قريع فدسوا إلى الحطيئة: أن تحول إلينا نعطط مائة ناقةٍ، ونشد كل طنب من أطناب بيتك بجلة بحونةٍ، قال: فأنى لي بذلك! قالوا:إنهم يريدون النجعة فإذا احتملوا فتخلف عنهم، ثم دسوا إلى امرأة الزبرقان من خبر بأن الزبرقان إنما قدم هذا الشيخ ليتزوج ابنته، فقدح ذلك في قلبها، فلما تحمل القوم تخلف الحطيئة، فاحتمله القريعيون، فبنوا له ووقوا له، فلما جاء الزبرقان صار إليهم، فقال: ردوا علي جاري، فقالوا: ليس لك بجارٍ وقد طرحته؛ فذلك حيث يقول الحطيئة: وإن التي نكبتهـا عـن مـعـاشـرٍ علي غضاب أن صددت كما صـدوا أتت آل شـمـاسٍ بـن لأيٍ وإنـمـا أتاهم بها الأحلام والحسـبُ الـعـد فإن الشقي من تعـادي صـدروهـم وذا الجد من لانـوا إلـيه مـن ودوا يسوسون أحلاماً بـعـيداً أنـاتـهـا وإن غضبوا جاء الحفيظة والـجـد أقلـوا عـلـيهـم لا أبـاً لأبـيكـمُ من اللوم أو سدوا المكان الذي سـدوا ولئك قوم إن بنوا أحسنـوا الـبـنـا وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شـدوا ون كانت النعماء فيهم جـزوا بـهـا وإن أنعموا لا كـدروهـا ولا كـدوا وإن قال مولاهم علـى جـل حـادثٍ من الدهر ردوا فضل أحلامكم، ردوا

وتعذلني أفناء سعدٍ عـلـيهـم وما قلت إلا بالذي علمتُ سعدُ قوله: جلة بحونة: أي خمة، يقال ذلك للناقة والنخلة إذا استفحلت وطالت. وقوله: نكبتها يقول: عدلت بها. وقوله: والحسب العدُّ معناه: الجليل الكثير، وأصل ذلك في الماء: يقال بئر عد، إذا كانت ذات مادة من العيون لا تنقطع وكل ماء ثابت فهو عد. وقوله: يسوسون أحلاماً بعيداً أناتها يقول: ثقال لا يبلغ آخرها، وأصل الأناة من التأني والانتظار، يقول: لا يبلغ آخرها فتسفه. وقوله: أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا وإن شئت قلت البنا فهما مقصوران، يقال: بنى بنية وبُنية فجمع بنيةٍ بنى وجمع بنيةٍ بنى فبنيةٌ وبنى ككسرةٍ وكسرٍ، وبنيةٌ وبنى كظلمة وظلم، فأما المصدر من بنيت فممدود، يقال بنيته بناء حسناً،وما أحسن بناءك. وقوله: "وإن عاهدوا أوفوا" أوفى، أحسن اللغتين، يقال وفى وأوفى. قال الشاعر - فجمع بين - اللغتين: أماابن بيض فقد أوفى بذمتـه كماوفى بقلاص النجم حاديها وفي القرآن: "بلى من أوفى بعهده"، وقال عز وجل: "والموفون بعهدهم إذا عهدوا". فهذا كله على أوفى. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روي من أنه قتل مسلماً بمعاهد، وقال: "أنا أولى من أوفى بذمته". وقال السموأل في اللغة الأخرى: وفيت بأدرع الكندي إني إذا عاهدت أقواماً وفيت وقال المكعبر الضبي: قال أبو الحسن: حفظي المكعبر: وفيت وفاء لهم ير الناس مثله بتعشار إذ تحبو إلي الأكابر وقوله: وإن كانت النغماء فيهم جزوا بها وإن أنعموا لا كدروها ولا كدوا يقول ما قال جرير مثله: وإني لأستحيي أخي أن أرى له علي من الحق الذي لا يرى ليا يقول: أستحيي أن أرى نعمته علي ولا يرى على نفسه لي مثلها. وقوله: "على جل حادث" فهو الجليل من الأمر، ويقال: فلان يدعى للجلى، قال طرفة: وإن أدع للجلى أكن من حماتها وفيهم يقول الحطيئة: لقد مريتكـم لـو أن درتـكـم يوما يجيء بها مسحي وإبساسي لما بدا لي منكم غيب أنفسكم=ولم يكن لجراحي فيكم آسي أزمعت يأساً مبيناً من نوالكم=ولا ترى طارداً للحر كالياس ما كان ذنب بغيض لا أبالـكـم في بائس جاء يحدوا آخر الناسِ جارٍ لقوم أ"الوا هون منـزلـهِ وغادروه مقيماً بـين أرمـاسِ ملوا قراه وهرتـه كـلابـهـم وجرحوه بأنـيابٍ وأضـراسِ دع المكارم لا ترحل لبغيتـهـا واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناسِ قوله: لقد مريتكم أصل، المري المسح، يقال مريت الناقة، إذا مسحت ضرعها لتدر، ويقال: مرى الفرس والناقة إذا قام أحدهما على ثلاثٍ ومسح الأرض بيده الأخرى، قال الشاعر: إذا حط عنها الرحل ألقت برأسهـا إلى شذب العيدان أو صنفت تمري وهذا من أحسن أوصافها. وقال بعض المحدثين يصف برذوناً بحسن الأدب. وإذا احتبى قربوسه بعـنـانـه علك اللجام إلى انصراف الزائر ويقال: مراه مائة سوطٍ ومائة درهم؛ إذا أوصل ذلك إليه، ولمراهُ موضع آخر، ومعناه مراه حقه؛ إذا دفعه عنه ومنعه منه، وقد قرىء )أفتمرونه على ما يرى(، أي تدفعونه، وعلى في موضع عن قال العامري: إذا رضيت علي بنو قشير لعمر الله أعجبني رضاها وبنو كعب بن ربيعة بن عامر يقولون: رضي الله عليك. وأما الإبساس فأن تدعو الناقة باسمها، أوتلين لها الطريق إلى الحلب، بقول أو مسح أو ما أشبه ذلك، فذا كانت الناقة تدر على الدعاء والملق قيل: ناقة بسوسُ، وذلك من صفاتها في حسن الخلق. وقوله: ولم يكن لجراحي فيكم آسي يقول: مداوٍ، الآسي: الطبيب، قال الفرزدق يصف شجة: إذا نظر الآسون فيها تقـلـبـت حماليقهم من هول أنيابها العصل والإساء الدواء، ممدودٌ، وقال الحطيئة: هم الآسون أم الرأس لما تواكلها الأطبة والإساءُ

فأما الأسي فمقصور، وهو: الحزن، ومن ذلك قول الله جل ثناؤه: "فلا تأس على القوم الكافرين" وقال العجاج: يا صاح هل تعرف رسماً مكرسا قال نعم أعـرفـهُ، وأبـلـسـا وأنحلبت عيناه من فرط الأسى فإذا قلت: الأسى قصرت أيضاً، وهو جمع أسوة، يقال فلان أسوتي وقدوتي. قال الله جل وعزَّ: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنةٌ". والرَّمس: التراب، يقال: رمسَ فلانٌ في قبره. وأشعار الحطيئة في هذا الكتاب كثيرة، ولولا أنها معروفة مشهورة لأتينا على آخرها، ولكنا نذكر منها شيئاً مختاراً. فمن ذلك قوله: جزى الله خيراً والجزاء بـكـفـه على خير ما يجزي الرجال بغيضا فلو شاء إذا جـئنـاه فـلـم يلـم وصادف منا في البلاد عـريضـا يقول: كثرت محاسنه حتى كذب ذامه، فاستغنى عن أن يكثر مادحه، ثقة بأن هاجيه غير مصدقٍ، فاعتبر هذا الكلام، فإنك تجده رأساً في بابه. ومن ذلك قوله: وني قد علقتُ بحبل قـوم أعانهم على الحسب الثراء إذا نزل الشتاء بجار قـوم تجنب جار بيتهم الشتـاءُ همُ الآسون أم الرأس لمـا تواكلها الأطبة والإسـاءُ ثم قال يخاطب الزبرقان ورهطه: ألم أك نائياً فدعـوتـمـونـي فجاء بي المواعد والـدعـاءُ فلما كنـت جـاركـم أبـيتـم وشر مواطن الحسـب الإبـاءُ ولما كنت جارهم حـبـونـي وفيكم كان لو شئتـم حـبـاءُ فلما أن مدحت القوم قـلـتـم هجوت، وهل يحل لي الهجاءُ! ولم أشتم لكم حسـبـاً ولـكـن حدوث بحيث يستمع الـحـداءُ ويروى أن الحطيئة - واسمه جرول بن أوس ويكنى: أبا مليكة - مر بحسان بن ثابتٍ وهو ينشدُ: بنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى وأسيافنا يقطرن من نجدة دمـا أدخله سيبويه رحمه الله على أن الجفنات من الجمع الكثير، فالتفت إليه، فقال: كيف ترى? فقال: ما أرى بأساً، قال حسان: انظروا إلى هذا الأعرابي يقول: ما أرى بأساً، أبو من? قال: أبو مليكة، قال حسان: ما كنت علي أهون منك حيث اكتنيت بامرأة! ما أسمك? قال: الحطيئة، قال: امضِ بسلامٍ. وكان الحطيئة في حبس عمر بن الخطاب رحمه الله، باستدعاء الزبرقان عليه في هذه القصة، ولعمر يقول: ماذا تقول لأفراخ بـذي مـرح حمر الحواصل لا ماء ولا شجر ألقيت كاسبهم في قعر مظلـمة فاغفر عليك سلام الله يا عمـر أنت الإمام الذي من بعد صاحبه ألقت إليك مقاليد النُّهى البشـر ما آثروك بها إذ قدّمـوك لـهـا لكن بك استأثروا إذ كانت الأثر ويرى عن أبي زيد الأنصاريّ أنه قال: ويرى الأثر والواحدة أثرة وإثرة؛ ومعناه الاستئثار. فرقّ له عمر فأخرجه،فيروى أنّ عمر رحمه الله دعا بكرسيّ فجلس عليه، ودعا بالحطيئة فأجلسه بين يديه، ودعا بإشفى وشفرة، يوهمه أنه على قطع لسانه، حتى ضجّ من ذاك، فكان فيما قال له الحطيئة: يا أمير المؤمنين؛ إني والله قد هجوت أبي وأمي، وهجوت امرأتي، وهجوت نفسي. فتبسم عمر رحمه الله، ثم قال: فما الذي قلت? قال: قلت لأبي وأمي-والمخاطبة للأمّ: ولقد رأيتك في النساء فسؤتني وأبا بنيك فساءني في المجلس وقلت لها: تنحّي فاجلسي منّي بعيداً أراح الله منك العالمينـا أغربالاً إذا استودعت سرّاً وكانوناً على المتحدّثينـا وقلت لامرأتي: أطوّف ما أطوّف ثم آوي إلى بيت قعيدته لكـاع فقال له عمر رحمه الله: فكيف هجوت نفسك? فقال: اطّلعت في بئر فرأيت وجهي فاستقبحته، فقلت: أبت شفتاي اليوم ألاّ تكلّـمـا بسوء فما أدري لمن أنا قائله أرى لي وجهاً قبّح الله خلقه فقبّح من وجه وقبّح حاملـه المثنى بن معروف مع أبي جبر الفزاري ونزل أعرابي من طيىء، يقال له المثنّى بن معروف بأبي جبر الفزاري، فسمعه يوماً يقول: والله لوددت أني أبيت الليلة خالياً بابنة عبد الملك بن مروان، فقال له المثنّى: أحلالاً أم حراماً? فقال: ما أبالي، فوثب عليه فضرب رأسه برحالة، ثم انتقل وهو يقول: أبلغ أمير المـؤمـنـين رسـالة على النأي أنّي قد وترت أبا جبر كسرت على اليافوخ منه رحالة لنصر أمير المؤمنين وما يدري على غير شيء غير أنّي سمعته بنى بنساء المسلمين بلا مـهـر من أخبار الحجاج ويروى: أنّ الحجاج بن يوسف جلس لقتل أصحاب عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، فقالم رجل منهم فقال: أصلح الله الأمير! إنّ لي عليك حقّا، قال: وما حقّك? قال: سبّك عبد الرحمن يوماً فرددت عليه، قال: من يعلم ذاك? قال: أنشد الله رجلاً سمع ذاك إلاّ شهد به، فقام رجل من الأسراء فقال: قد كان ذاك أيها الأمير، قال: خلّوا عنه، ثم قال للشاهد: فما منعك أن تنكر كما أنكر? قال: لقديم بغضي إيّاك؛ قال: ويخلّى عنه لصدقه. وقال عمر بن الخطاب لرجل -وهو أبو مريم السّلوليّ-: والله لا أحبّك حتى تحبّ الأرض الدّم،. قال: أفتمنعني حقّا? قال: لا، قال: فلا بأس، إنّما يأسف على الحبّ النساء. وقال الحجاج لرجل من الخوارج، فجعلت لا تنظر إليه؛ وكان يزيد بن أبيمسلم يرى رأي الخوارج ويكتم ذاك، فأقبل على المرأة فقال: انظري إلى الأمير، فقالت: لا أنظر إلى من لا ينظر الله إليه. فكلّمها الحجاج وهي كالسّاهية، فقال لها يزيد: اسمهي ويلك من الأمير! فقالت: الويل لك أيها الكافر الرّدّيّ!. قال أبو العباس: والرّدّيّ عند الخوارج الذي له عقدهم ويظهر خلافه رغبة في الدنيا. وكان صالح بن عبد الرحمن كاتب الحجاج وصاحب دواوين العراق والذي قلب الدواوين إلى العربية، ثم كان على خراج العراق أيام ولي يزيد بن المهلّب العراق فأشجى يزيد، وقد كان يرى رأي الخوارج فكايده يزيد بن أبي مسلم مولى الحجاج، فأشار على الحجاج أن يأمره بقتل جوّاب الضّبّيّ، وهو رأس من رؤوس الخوارج، وقال يزيد: إن فعل برئت منه الخوارج وقتلته، وإن أمسك قتله الحجاج، فقتله. وخبّرت أنه قال: والله ما قتلته رغبة في الحياة، ولكنّي خفت يسبي الحجاج بناتي، وكان يقول بعد: إنّي حين أقتل جوّاباً لحريص على الدنيا، فلما عذّبه عمر بن هبيرة في خلافة يزيد بن عاتكة رمي به على قمامة، وهو لمآبه. فسمع يحكّم عليها، وحكّم مالك بن المنذر بن الجارود، وهو بآخر رمق في سجن هشام بن عبد الملك. ودخل يزيد بن أبي مسلم على سليمان بن عبد الملك، وكان دميماً، فلما رآه سليمان قال: قبح الله رجلاً أجرّك رسنه، وأشركك في أمانته! فقال له يزيد: يا أمير المؤمنين، رأيتني والأمر لك وهو عنّي مدبر، ولو رأيتني والأمر عليّ مقبل لاستكبرت منّي ما استصغرت، واستعظمت منّي ما استحقرت، فقال: أترى الحجاج استقرّ في قعر الجحيم بعد! فقال: يا أمير المؤمنين، لا تقل ذلك في الحجاج، فإنّ الحجاج وطّأ لكم المنابر، وأذل لكمالجبابر، وهو يجيء يوم القيامة عن يمين أبيك، وعن يسار أخيك فحيث كانا كان. باب من تكاذيب الأعراب قال أبو العباس: وهذا باب من تكاذيب الأعراب. حدّثني أبو عمر الجرميّ قال: سألت أبا عبيدة عن قول الرّاجز: أهدّموا بيتك لا أبا لـكـا وأنا أمشي الدّألى حوالكا! فقلت: لمن هذا الشعر? فقال تقول العرب: هذا يقوله الضب للحسل، أيام كانت الأشياء تتكلم. الدألي: مشي كمشي الذئب، يقال:هو يدأل في مشيته، إذا مشى كمشية الذئب، من قول امرىء القيس: أقب حثث الركض والدالان ومن قال في بيت ابن عتمة الضبي: حقيبة رحلها بدن وسرج تعارضه مربـبة دؤول فنما أراد هذا، ومن قال ذؤول فإنماأراد السرعة، يقال: مر يذأل، إذا مر يسرع. وقوله حوالكا يقال: هو يطوف واله وحوله وحواليه. ومن قال: حواليه بالكسر: فقد أخطأ، وفي القرآن "نودي أن بورك من في النار ومن حولها" وحواليه: تثنية حوال، كما تقول: حنانية، الواحد حنان، قال الشاعر: فقالت حنان ما تيى بك ههـنـا أذو نسب أم أنت بالحي عارف?

والحنان: الرحمة، قال الله عز وجل: "وحنانا من لدنا". وقال الشاعر: وهو الحطيئة لعمر بن الخطاب رحمه الله: تحنن علي هداك المليك فإن لكل مقام مقـالا وقال طرفة: أبا منذر أفنيت فاستبق بـعـضـنـا حنانيك بعض الشر أهون من بعض قال أبو العباس: وحدثني غير واحدٍ من أصحابنا، قال: قيل لرؤية: ما قولك: لو أنني عمرت سن الحسـل أو عمر نوح زمن الفطحل والصخر مبتل كمثل الوحل ما زمن الفطحلي? قال: أيام كانت السلام رطاباً. قوله: سن الحسل مثل؛ تضربه العرب في طول العمرِ. وأنشدني رجل من بني العنبر، أعرابي فصيح، لعبيد بن أيوب العنبري: كأني وليلى لم يكن حل أهلنا بواد خصيب والسلام رطابُ وحدثني سليمان بن عبد الله عن أبي العميثل مولى العباس بن محمد: تكاذب أعرابيان فقال أحدهما: خرجت مرة على فرس لي، فإذا أنا بظلمة شديدة، فيممتها حتى وصلت إليها، فإذا قطعة من الليل لم تنتبه، فما زلت أحمل بفرسي عليها حتى أنبهتها، فانجابت؛ فقال الآخر: لقد رميت ظبياً مرة بسهم فعدل الظبي يمنة، فعدل السهم خلفه، فتياسر الظبي، فتياسر السهم خلفه، ثم علا الظبي فعلا السهم خلفه، فانحدر فانحدر عليه حتى أخذه. وتزعم الرواة أن عروة بن عتبة بن جعفر بن كلاب قال لبني الجون الكنديين يوم جبلة: إن لي عليكما حقا لرحلتي ووفادتي، فدعوني أنذر قوميمن موضعي هذا، فقالوا: شأنك، فصرخ بقومه بعد أن قالا له: شأنك، فأسمعهم على مسيرة ليلةٍ. ويروى عن حماد الرواية قال: قالت ليلى بنت عروة بن زيد الخيل لأبيها: أرأيت قول أبيك: بني عامر هل تعرفـون إذا غـدا أبو مكنف قد شد عقد الـدوابـرِ بجيش تضل البلق في حجـراتـه ترى الأكم منه سجداً للحـوافـرِ وجمع كمثل الليل مرتجس الوغى كثير توالـيه سـريع الـبـوادر أبت عادة للورد أن يكره الوغـى وحاجة رمحي في نمير بن عامرِ فقلت لأبي: أحضرت هذه الوقعة? فقال: نعم. فقلت: فكم كانت خيلكم? قال: ثلاث افراس، أحدها فرسه، قال: فذكرت هذا لابن أبي بكر الهذلي، فحدثني عن أبيه قال: حضرت يوم جبلة، قال: وكان قدبلغ مائة سنة؛ وكان قد أدرك أيام الحجاج، قال: فكانت الخيل في الفريقين، مع ما كان مع ابني الجوني-، ثلاثين فرساً، قال: فحدثتُ بهذا الحديث الخثعمي - وكان رواية أهل الكوفة - فحدثني: أن حثعم قتلت رجلاً من بني سليم بن منصور، فقالت أخته ترثيه: لعمري وما عمري علي بهين لنعم الفتى غادرتم آل حثعما وكان إذا ما أورد الخيل بيشةً إلى جنب أشراج أناخ فألجما فأرسلها رواً رعالاً كأنـهـا جراد زهته ريح نجد فأتهما فقيل لها: كم كانت خيل أخيك? فقالت: اللهم إني لا اعرف غلا فرسه. قوله: "قد شد عقد الدوابر" يريد عقد دوابر الدرع، فإن الفارس إذا حمى فعل ذلك. وقوله: "تضل البلق في حجراته" يقول: لكثرته لا يرى فيه الأبلق، والأبلغ مشهرو المنظر؛ لاختلاف لونيه، من ذلك قوله: فلئن وقفت لتخطفنك رماحنا ولئن هربت ليعرفن الأبلق وحجراته: نواحيه. وقوله: ترى الأكم منه سجداً للحوافر يقول: لكثرة الجيش تطحن الأكم حتى تلصقها بالأرض. وقوله: كمثل الليل يقول: كثرة، فيكاد يسد سواده الأفق، ولذلك يقال: كتيبة خضراءُ، أي سوداء، وكانت كتيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هو فيها والمهاجرون والأنصار يقال لها: الخضراء. والمرتجس: الذي يسمع صوته ولا يبين كلامه، يقال: ارتجس الرعد، من هذا. والوغى: الأصوات. والتوالي: اللواحق، يقال: تلا يتلوه، إذا اتبعهُ، وتلوتُ القرآن أي أتبعت بعضه بعضاً، والمتلية: التي معها أولادها. وقوله: فارسلها رهواً، يقول: ساكنت، قال الله جل وعزَّ: "وأترك البحر رهواً"؛ ويقال: عيش راهٍ يا فتى، أي ساكن. ورعال: جمع رعيل، وهو ما تقدم من الخيل، يقال: جاء في الرعيل الأول قال عنترةُ: إذ لا أبادر في المضيق فوارسي ولا أوكل بـالـرعـيل الأولِ قوله: زهته ريح نجد فاتهما يقول: رفعته واستخفته، قال ابن أبي ربيعة: فلما تواقفنا وسلمت أشرقـت وجوه زهاها الحسن أن تتقنعا ومعنى أتهم أتى تهامة. وزعم أبو عبيدة عمر بن المثنى عمن حدثه أن بكر بن وائل أرادت الغارة على قبائل بني تميم، فقالوا: إن علم بنا السليك أنذرهم، فبعثوا فارسين على جوادين يريغان السليك، فبصرا به فقصداه، وخرج يمحص كأنه ظبي، فطارداه سحابة يومهما، فقالا: هذا النهار، ولو جن عليه الليل لقد فتر، فجدا في طلبه، فذا بأثره قد بال فرغا في الأرض وخدها، فقالا: قاتله الله! ما أشد متنيه! ولعل هذا كان من أول الليل فلما امتد به الليل فتر، فاتبعاه، فإذا به قد عثر باصل شجرةٍ فندر منها كمكان تلك، وانكسرت قوسه؛ فارتزت قصدة منها في الأرض فنشبت، فقالا: قاتله الله! واللهِ لا نتبعه بعد هذا، فرجعا عنه، وأتم إلى قومه. ش: يروى أتم بألفٍ، وتم بغير الألف ونم بالنون، ومعنى تم إلى قومه أي نفذ. فأنذرهم، فلم يصدقوه لبعد الغاية، ففي ذلك يقول: يكذبني العمران عمرو بن جندب وعمرو بن كعب والمكذب أكذب ثكلتكما إن لم أكن قدر أيتها=كراديس يهديها إلى الحي موكبُ كراديس فيها الحوفزان وحوله فوارس همام متى يدع يركبوا فصدقه قوم فنجوا، وكذبه قوم فورد عليهم الجيش فاكتسحهم. وحدثني التوزي قال: سألت أبا عبيدة عن مثل هذه الأخبار من أخبار العرب? فقال لي: إن العجم تكذب فتقول: كان رجلٌ ثلثه من نحاسٍ، وثلثه من رصاصٍ، وثلثه من ثلج، فتعارضها العرب بهذا وما أشبه. من ذلك قول مهلهل بن ربيعة: فلو نشر المقابر عن كلـيبٍ فتخبر بالذنـائب أي زيرِ! بيوم الشعثمين لقـر عـينـا وكيف لقاء من تحت القبورِ كأنا غدوة وبـنـي أبـينـا بجنب عنيزة رحـيا مـديرِ كأن رماحهم أشطـان بـئرٍ بعيدٍ بين جاليهـا جـرورِ فلولا الريح أسمع من بحجرٍ صليل البيض تقرع بالذكورِ قال أبو الحسن: يقال فلان: زير نساءٍ، وطلب نساء، وتبع نساءٍ، وخلوا نساءٍ؛ إذا كان صاحب نساء، وذلك أن مهلهلاً كان صاحب نساء، فكان كليب يقول: إن مهلهلاً زير نساءٍ ولا يدرك بثأر، فلما أدرك مهلهلٌ بثأر كليبٍ، قال أي زير! فرفع أياً بالابتداء، والخبر محذوف، فكأنه قال: أي زير أنا في هذا اليوم!. قال أبو العباس: وحدّثني عمرو بن بحر قال: أتيت أبا الربيع الغبوي وكان من أفصح الناس وأبلغهم، ومعي رجل من بني هاشم، فقلت: أبو الرّبيع ههنا? فخرج إليّ وهو يقول: خرج إليك رجل كريم. فلمّا رأى الهاشميّ استحيا من فخره بحضرته، فقال: أكرم الناس رديفاً وأشرفهم حليفاً. فتحدثنا ملياً، فنهض الهاشمي، فقلت لأبي الربيع: يا أبا الربيع من خير الخلق? فقال: الناس والله، فقلت: من خير الناس? قال: العرب والله، فقلت: فمن خير العرب? قال: مضر والله، قلت: فمن خير مضر? قال: قيس والله، قلت: فمن خير قيس? قال: يعصر والله، قلت: فمن خير يعصر? قال: غنيّ والله، قلت: فمن خير غنيّ? قال: المخاطب لك والله، قلت: أفأنت خير الناس? قال: نعم إي والله، قلت: أيسرّك أن تحتك بنت يزيد بن المهلب? قال: لا والله، قلت: ولك ألف دينار? قال: لا والله? قلت: فألفا دينار? قال: لا والله، قلت: ولك الجنّة! فأطرق مليّاً ثم قال: على ألاّ تلد منّي، وأنشد: تأبى لأعصر أعراق مهـذبة من أن تناسب قوماً غير أكفاء فإن يكن ذاك حتماً لا مردّ لـه فاذكر حذيف فإني غير أبّـاء وقوله: "أكرم الناس رديفاً" فإن أبا مرثد الغنوي كان رديف رسو الله صلى الله عيه وسلم. وقوله: "وأشرفهم حليفاً" ، كان أبو مرثد حليف حمزة بن عبد المطلب. وقوله: "فاذكر حذيف" ، أراد حذيفة بن بدر الفزاري، وإنما ذكره من بين الأشراف لأنه أقربهم إليه نسباً، وذاك أن يعصر ابن سعد بن قيس، وهؤلاء بنو ريث بن غطفان بن سعد بن قيس. وقد قال عيينة بن حصن يهجو ولد يعصر، وهم غنيّ وباهلة والطّفاوة: أباهل ما أدري أمن لؤم منصبـي أحبّكم أم بـي جـنـون وأولـق أسيّد أخوالي ويعصـر إخـوتـي فمن ذا الذي منّي مع اللؤم أحمق! فقال الباهلي يجيبه: وكيف تحبّ الدهر قوماً هم الأولى نواصيكم في سالف الدهر حلّقوا ألست فزاريّا عليك غضاضة=وإن كنت كنديا فإنك ملصق وتحدّث الرواة بأن الحجاج رأى محمد بن عبد الله بن نمير الثقفي، وكان ينسب بزينب بنت يوسف، فارتاع من نظر الحجاج إليه فدعا به، فلما عرفه قال مبتدئاً: هاك يدي ضاقت بي الأرض رحبها وإن كنت قد طوّفت كلّ مـكـان ولو كنت بالعنقاء أو بيسـومـهـا لخلتـك إلا أن تـصـد تـرانـي ثم قال: والله إن قلت إلاّ خيراً، إنما قلت: ولمّا رأت ركب النميري أعرضت وكن من ان يلقـينـه حـذرات في كم كنت? قال: والله إن كنت إلاّ على حمار هزيل، ومعي رفيقي على أتان مثله. ومن ذلك ما يحكون في خبر لقمان بن عاد، فإنهم يصفون أن جارية له سئلت عما بقي من بصره، لدخوله في السّنّ? فقالت: والله لقد ضعف بصره، ولقد بقيت منه بقيّة؛ إنه ليفصل بين أثر الأنثى والذكر من الذرّ إذا دبّ على الصّفا؛ في أشياء تشاكل هذا من الكذب. وحدّثت أنّ امرأة عمران بن حطّان السّدوسي قالت له: أما حلفت أنّك لا تكذب في شعر? فقال لها: أو كان ذاك? قالت: نعم، قلت: فكذاك مجزأة بـن ثـو رٍ كان أشجع من أسامة أيكون رجل أشجع من أسد! فقال لها: ما رأيت أسداً فتح مدينة قط، ومجزأة بن ثور قد فتح مدينة. ومرّ عمران بن حطّان بالفرزدق وهو ينشد، فوقف عليه فقال: أيها المادح العباد ليعطـى أن لله ما بأيدي العـبـاد فاسأل الله ما طلبت إليهـم وارج فضل المقسّم العواد لا تقل للجواد ما ليس فـيه وتسمّ البخيل باسم الجـواد وأنشدني الحسن بن رجاء لرجل من المحدثين لم يسمّه: أبا دلف يا أكذب الناس كلهـم سواي فإني في مديحك أكذب وأنشدني آخر لرجل من المحدثين: إنّي امتدحتك كاذباً فأثبتنـي لمّا امتدحتك ما يثاب الكاذب قال الأصمعي: قلت لأعرابي كنت أعرفه بالكذب: أصدقت قط? قال: لو لا أنّي أخاف أن أصدق في هذا لقلت لك: لا. وتحدثوا من غير وجه أن عمرو بن معدي كرب كان معروفا بالكذب. وقيل لخلف الأحمر - وكان شديد التعصب لليمن -: أكان عمرو بن معد كرب يكذب? فقال: كان يكذب في المقال، ويصدق في الفعال. وذكروا من غير وجه أن أهل الكوفة من الأشراف يظهرون بالكناسة فيتحدثون على دوابهم، إلى أن يطردهم حر الشمس، فوقف عمرو بنمعدي كرب وخالد بن الصقعب النهدي، فأقبل عمرو يحدثه، فقال: أغرنا مرة على بني نهدٍ، فخرجوا مسترعفين بخالد بن الصقعب، فحملت عليه فطعنته فأذريته، ثم ملت عليه بالصمصامة، فأخذت رأسه، فقال له خالد: حلا أبا ثورٍ، إن قتيلك هو المحدث. فقال: يا هذا، إذا حدثت فاستمع، فإنما نتحدث بمثل ما تسمع لترهب به هذه المعدية. قوله: مسترعفين يقو: مقدمين له، يقال: جاء فلان يرعف الجيش ويؤمن الجيش، إذا جاء متقدماً لهم، ويقال في الرعاف: رعف يرعف، لا يقال غير رعب، ويجوز يرعف من أجل العين، ليس من الوجه. وسنذكر هذا الباب بعد انقضاء هذه الأخبار؛ إن شاء الله. وقوله: حلا أبا ثور يقول: استثن، يقال:حلف ولم يتحلل، أي لم يستثن. وخبرت أن قاصا كان يكثر الحديث عن هرم بن حيان، فاتفق هرم مرة معه في مسجد وهو يقول: حدثنا هرم بن حيان، مرة بعد مرة، بأشياء لا يعرفها هرم، فقال له: يا هذا، أترعفني? أنا هرم بن حيان، والله ما حدثتك من هذا بشيء قط، فقال له القاص: وهذا أيضاً من عجائبك، إنه ليصلي معنا في مسجدنا خمسة عشر رجلاً، اسم كل رجل منهم هرم بن حيان، كيف توهمت أنه ليس في الدنيا هرم بن حيان غيرك! وكان بالرقة قاص يكنى أبا عقيل، يكثر التحدث عن بني إسرائيل فيظن به الكذب، فقال له يوماً الحجاج بن حنتمة: ما كان اسم بقرة بني إسرائيل? قال: حنتمة، فقال له رجل من ولد أبي موسى الأشعري: في أي الكتب وجدت هذا? قال: في كتاب عمرو بن العاص. وقال القيني: أنا أصدق في صغير ما يضرني، ليجوز كذبي في كبير ما ينفعني. وأنشد المازني للأعشى - وليس مما روت الرواة متصلاً بقصيدة: فصدقتهم وكذبتهـم والمرء ينفعه كذابه

ويورى أن رجلاً وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله عن بعض شيء، فكذبه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أأسألك فتكذبني? لولا سخاء فيك ومقك الله عليه لشردت بك من وافدِ قومٍ. معنى ومقك أحبك، يقال ومقته أمقه، وهو على فعلت أفعلُ ونظيره من هذا المعتل ورم يرم، وولي يلي. وكذلك وسع يسع، كانت السين مكسورةً، وإنما فتحت للعين، ولو كان أصلها الفتح لظهرت الواو، نحو وجل يوجل، ووحل يوحلُ. والمصدر مقةٌ كقولك: وعد يعد عدةً، ووجد يجد جدةً. ويروى: أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمِ، ثم قال: يا رسول الله، إني إنما أوخذ من الذنوب بما ظهر، وأنا أستسر بخلالٍ أربع: الزنا والرق وشرب الخمر والكذب، فأيهن أحببت تركت لك سرا، فقال رسول الله: دع الكذب. فلما تولى من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم هم بالزنا، فقال: يسألني رسول الله، فإن جحدت نقضت ما جعلت له، وإن أقررت حددت. فلم يزن، ثم هم بالسرق، ثم هم بشرب الخمر، ففكر في مثل ذلك، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، قد تركتهن جمع. وشهد أعرابي عند معاية بشهادة، فقال له معاوية: كذبت، فقال له الأعرابي: الكاذب متزمل في ثيابك، فقال معاوية: هذا جزاء من عجل. وقال معاوية يوماً للأحنف - وحدثه حديثاً: أتكذبُ? فقال: والله ما كذبتُ مذ علمت أن الكذب يشين أهلهُ. ودخل عبد الله بن الزبير يوما على معاوية، فقال: اسمع أبياتاً قلتهن - وكان واجداً عليه - فقال معاوية: هات، فأنشده: إذا أنت لم تنصف أخاك وجـدتـه على طرف الهجران ن كان يعقل ويركب حد السيف من أن تضيمـه إذا لم يكن من شفرة السيف مزحلُ فقال له معاوية: لقد شعرت بعدنا يا أبا بكر، ثم لم ينشب معاوية أن دخل عليه معن بن أوس المزني، فقال له: أقلت بعدنا شيئاً? قال: نعم، فأنشده: لعمرك ما أدري وإني لأوجل على أينا تعدو المـنـيةُ أولُ حتى صار إلى الأبيات التي أنشدها ابن الزبير، فقال له معاوية: يا أبا بكر، أما ذكرت آنفاً أن هذا الشعر لك? قال: أنا أصلحت معانيه، وهو ألف الشعر، وهو بعد ظئري، فما قال من شيء فهو لي. وكان عبد الله بن الزبير مسترضعاً في مزينة. وحدثت أن عمرَ بن عبد العزيز بن مروان كتب في إشخاص إياس بن معاوية المزني وعدي بن أرطاة الفزاري أمير البصرة وقاضيها يومئذ، فصار إليه عدي، فقرب أن يمزنه عند الخليفة، فقال: يا أبا وائلة، إن لنا حقاً ورحماً، فقال إياسُ: أعلى الكذب تريدني? والله ما يسرني أني كذبت كذبة يغفرها الله ولا يطلع عليها إلا هذا - وأومأ إلى أبيه - ولي ما طلعت عليه الشمس. قال أبو الحسن: التمزين المدح؛ ولم أسمع هذه اللفظة إلا من أبي العباس، وهي عندي مشتقة من المازن وهو بيض النمل، وبهذا سميت مازن كأنه أراد منه أن يكبره. ويروى: يكثره. قال القتبي: المازن: بيض النمل. قال الشيخ: قوله: أن يمزنه عند الخليفة أي كأنه يجعله سيد مزينة، لأنه كان مزنياً، والصواب: يمزره قال الموصلي. وإني مع ذا الشيب حلو مزيرُ ولم يكن في القضاة؛ وإنما كان أميراً على البصرة.. إن مات عمر.. وكتب عمر إلى عدي: اجمع ناساً ممن قبلك وشاورهم في إياس بن معاوية والقاسم بن ربيعة، واستقضِ أحدهما؛ فولى عدي إياساً. ويروى أن أخا إياس صار إلى ابن هبيرة فقال: طرقني اللصوص فحاربتهم فهزمتهم، وظفرت منهم بهذا المغول؛ فجعله ابن هبيرة تحت مصلاهُ، ثم بعث إلى الصياقلة فأحضرهم، فقال: أيعرف منكم الرجل عمله? قالوا: نعم، فأخرج المغول فقال: من عملِ أيكم هذا? فقال قائل منهم: أنا عملت هذا، واشتراه مني هذا أمس. باب ما يجوزُ فيه يَفْعَلُ فيما ماضيهِ فَعَلَ مفتوح العين أعلم أن كان فعل على فعلَ فهو عير متعد إلى مفعولٍ، لأنه فعلُ الفاعل في نفسه، وتأويل الانتقال، وذلك قولك: كرمَ عبد الله، وظرف عبد الله. وتأويل قولي: الانتقالُ، إنماهو انتقال من حالٍ إلى حال، تقولُ: ما كان كريماً ولقد كرم، وما كان شريفاً ولقد شرف، فهذا تأويله، فأما قولهم: كدت أكاد، فإنما كدت معترضة على أكادُ. وما كان من فعل من الصحيح فإنه يفعل نحو: شرب يشرب، وعلم؛ وفرق، ويكون متعدياً وغير متعد، تقول: حذرت زيداً، وعلمت عبد الله، ويكون فيه مثل سمنتُ، وبخلتُ، غير متعد، وكله على يفعلُ نحو يسمن، ويبخلُ، ويعلمُ، ويطربُ. فأما قولهم في الأربعة من الأفعال؛ يحسب وييئس، وينعمُ، وييبسُ؛ فهي معترضة على يفعلُ تقولُ في جميعها: يحسبُ. وينعمُ، وييئسُ، وييبسُ. وما كان على فعل فباب يفعل ويفعِل نحو قتل يقتل. وضرب يضربُ، وقعد يقعد، وجلس يجلس، فقد أنبأتك أنه يكون متعدياً وغير متعد. فأما يأبى، ويقلى؛ فلهما علةٌ تبين عندما أذكره لك ن شاء اللهُ. ولا يكون فعل يفعلُ إلا أن يكون يعرضُ له حرفٌ من حروف الحلقِ الستة في موضع العين أو موضع اللام، فإن كان ذلك الحرفُ عيناً فتح نفسه، وإن كان لاماً فتح العين. وحروف الحلق: الهمزة، والهاءُ، والعينُ، والجاءُ، والغين؛ والخاءُ. وذلك قولهم: قرأ يقرأُ قرأً، يا فتى، قراءةً، وسأل يسألُ، وجبه يجبهُ، وذهبَ يذهبُ، وتقول: صنعَ يصنعُ، وظعنَ يظعنُ، وضبحَ يضبحُ، وكذلك فرغ يفرغُ، وسلخً يسلخُ. وقد يجوزُ أن يجيء الحرف على أصله وفيه أحدُ الستةِ، ويجوز: زأر يزئرُ، وفرغ يفرغُ، وصبغَ يصبغُ، إلا أن الفتح لا يكون فيما ماضيه فعل إلا واحدُ هذه الحروف فيه. وأما يأبى فله علةٌ، وأما يقلى فليس يثبتُ. وسيبويه يذهبُ في يأبى إلى أنه إنما انفتح من أجل أن الهمزة في موضع فائه، والقول عندي على ما شرحت لك، من أنه إذا فتح حدث فيه حرفٌ من حروف الحلق، فإنما انفتح لأنه يصير إلى الألف، وهي من حروف الحلق، ولكن لم نذكرها لأنها لا تكون اصلاً، إنما تكون زائدةً أو بدلاً، ولا تكون مترحكةً، فإنما هي حرفٌ ساكنُ، ولا يعتمد اللسان بهِ على موضع، فهذا الذي ذكرت لك من أن يسع، ويطأ، حدهما فعلَ يفعِل في المعتل، كحسب يحسبُ، من الصحيح، ولكن فتحتهما العين والهمزة، كما تقول: ولغَ الكلب، يلغَ، والأصل يلغُ فحرف الحلق فتحه. باب أخبار عبد الله بن العباس وابنه يروة عن علي بن أبي طالب رحمةُ الله عليه أنه افتقد عبد الله بن العباس رحمه الله في وقت صلاة الظهرن فقال لأصحابه: ما بال أبي العباس لم يحضر? فقالوا: ولدَ له مولود، فلما صلى علي رحمه الله قال: امضوا بنا إليه، فأتاه فهنأه، فقال: شكرت الواهب، وبورك لك في الموهوب، ما سميته? قال: أو يجوز لي أن أسميه حتى تسميه! فأمر به فأخرج إليه، فأخذه وحنكه ودعا له، ثم رده إليه، وقال: خذه إليك أبا الأملاك، قد سميته علياً، وكنيته أبا الحسن، فلما قام معاوية قال لابن عباسٍ: ليس لكم اسمه وكنيته، قد كنيته أبا محمدٍ، فجرت عليه. وكان علي سيداً شريفاً بليغاً، وكان له خمسمائة أصل زيتون، يصلي في كل يوم إلى كل أصلٍ ركعتين فكان يدعى ذا الثفنات. وضرب بالسوط مرتين كلتاهما ضربه الوليد، إحداهما: في تزوجهِ لبابة بنت عبد الله بن جعفر، وكانت عند عبد الملك، فعض تفاحة ثم رمى بها إليها - وكان أبخر - فدعت بسكين، فقال: ما تصنعين به? قالت: أميطُ عنها الأذى، فطلقها، فتزوجها علي بن عبد الله، فضربه الوليد، وقال: إنما تتزوج بأمهات الخلفاء لتضع منها، لن مروان بن الحكم تزوج أم خالد بن يزيد بن معاوية ليضع منها، فقال علي بن عبد الله: إنما أرادت الخروج من هذه البلدة، وأنا ابن عمها فتزوجتها لأكون لها مخرجاً. وأما ضربه إياه في المرة الثانية فإنا الثانية فإنا نرويه من غير وجهٍ، ومن أتم ذلك ما حدثني أبو عبد الله محمدُ بن شجاعٍ البلخي في إسناد له متصلٍ، لست أحفظه، يقولُ في آخر ذلك الإسناد: رايت علياً مضروباً بالسوط يدار ب على بعير ووجهه مما يلي ذنب البعير، وصائح يصيح عليه: هذا علي بن عبد الله الكذاب! قال: فأتيته فقلت: ما هذا الذي نسبوك فيه إلى الكذب? قال: بلغهم قولي: إن هذا الأمر سيكون في ولدي. والله ليكونن فيهم حتى يملكهم عبيدهم الصغارُ العيونِ، العراضُ الوجوه، الذين كأن وجوههم المجان المطرقة. ومع هذا الحديث آخر شبيه بإسناده، أن علي بن عبد الله دخل على سليما بن عبد الملك، ومعه ابنا ابنه، الخليفتان: أبو العباس، وأبو جعفر - قال أبو العباس: وهذا غلط، لما أذكره لك، إنما ينبغي أن يكون دخل على هشام - فأوسع له على سريره، وسأله عن حاجته، فقال: ثلاثن ألف درهم علي دينً، فأمر بقضائها، قال له: وتستوصي بابني هذين خيراً، ففعل فشكره، وقال وصلتك رحمُ، فلما ولى علي قال الخليفة لأصحابه: إن هذا الشيخ قد اختل وأسن وخلط فصار يقول: إن هذا الأمر سينتقل إلى ولده، فسمع ذلك علي فالتفت إليه فقال: والله ليكونن ذاك؛ وليملكن هذان. قال ابو العباس: أما قولي: "إن الخليفة في ذلك الوقت لم يكن سليمان"، فلأن محمد بن علي بن عبد الله كان يمنع من تزوج الحارثية، للحديث المروي، فلما قام عمر بن عبد العزيز جاءه محمدٌ، فقال له: إن أردت أن أتزوج بنت خالي من بني الحارث بن كعبٍ، أفتأذن لي يا أمير المؤمنين. فقال عمر: تزوج - رحمك الله - من أحببت، فتزوجها، فأولدها أبا العباس أمير المؤمنين، وعمر بعد سليمان، فلا ينبغي أن يكون تهيأ له أن يدخل على خليفة حتى يترعرع. ش: كذا وقع في الأم والرواية، والصحيح لهما أن يدخلا على خليفة حتى يترعرعا. فلا يتم مثل هذا إلا في أيام هشام. وكان عبد الملك يكرم علياً ويقدمهُ، فحدثني التوزي؛ قال: قال علي بن عبد الله: سايرت يوماً عبد الملك، فما جاوزنا إلا يسيراً حتى لقيه الحجاج قادماً عليه، فلما رآه ترجل ومشى بين يديه، فخب عبد الملك، فأسرع الحجاج، فزاد عبد الملك، فهرول الحجاج، فقلت لعبد الملك، أبك موجدة على هذا? فقال: لا، ولكنه رفع من نفسه، فأحببت أن أغض منه. وحدثني جعفر بن عيسى بن جعفر الهاشمي، قال: حضر علي عبد الملك وقد أهدي له من خراسان جارية وفص وسيف، فقال: يا أبا محمدٍ، إن حاضر الهدية شريك فيها، فاختر من الثلاثة واحداً، فاختار الجارية، وكانت تسمى سعدى، وهي من سبي الصغدِ من رهط عجيف بن عنبسة، فأولدها سليمان وصالحاً ابني عليٍ. وذكر جعفر بن عيسى أنه لما أولدها سليمان اجتنبت فراشه، فمرض سليمان من جدري خرج عليه، فانصرف علي من مصلاهُ، فإذا بها على فراشه؛ فقال: مرحباً بك يا أم سليمان، فوقع بها، فأولدها صالحاً، فاجتنبت بعدُ، فسألها عن ذلك? فقالت: خفت أن يموت سليمان فينقطع النسب بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالآن إذا ولدتُ صالحاً فبالحري إن ذهب أحدهما أن يبقى الآخر، وليس مثلي اليوم من وطئه الرجالُ. وزعم جعفر أنه كانت فيها رتةُ. فالرتةُ: تعذرُ الكلام إذا أراده الرجل، فهي الآن معروفةٌ في ولد سليمان وولد صالحٍ. وكان علي يقول: أكره أو أوصي إلى محمد -وكان سيد ولده - خوفا من أن أشينه بالوصية، فأوصى إلى سليمان، فلما دفن علي جاء محمد إلى سعدى ليلاً فقال لها: أخرجي إلي وصية أبي، فقالت: إن أباك أجل من أن تخرج وصيته ليلاً، ولكنها تأتيك غداً، فلما أصبح غدا بها عليه سليمان، فقال: يا أبي ويا أخي، هذه وصية أبيك، فقال محمدٌ: جزاك الله من ابن وأخٍ خيراً، ما كنتُ لأثرب على أبي بعد موته، كما لم أثرب عليه في حياته. قال أبو العباس: التمتمة: التردد في التاء. والفأفأة: التردد في الفاء. والعقلة: التواء اللسان عند إرادة الكلام. والحبسة: تعذر الكلام عند إرادته. واللفف: إدخال حرف في حرفٍ.. والرتةُ: كالرتج تمنع أول الكلام، فإذا جاء منه شيء اتصل. والغمغمة: أن تسمع الصوت ولا يتبين لك تقطيع الحروف. والطمطمة: أن يكون الكلام مشبهاً لكلامِ العجم. واللكنة: أن تعترض على الكلام اللغة الأعجمية. وسنفسر هذا بحججه حرفاً حرفاً، وما قيل فيه، إن شاء الله. واللثغة: أن يعدل بحرفٍ إلى حرف. والعنة: أن يشرب الحرف صوت الخيشوم. والخنة: أشد منها. والترخيم: حذف الكلام، يقال: رجل فافاء يا فتى! تقديره فاعالٌ ونظيره من الكلام: ساباطٌ وخاتام. قال الراجز: يا مي ذات الجورب المنشق أخذت خاتامي بغير حـق لربيعة الرقي يمدح يزيد بن حاتم وقال ربيعة الرقي في مدحه يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب - وربيعة احتج به الأصمعي - وذمه يزيد بن اسيدٍ السلمي: لشتان ما بين الزيدين في الندى يزيد سليم والأغر بن حـاتـم

فهم الفتى الأزدي إتلاف مالـه وهم الفتى القيسي جمع الدراهم فلا يحسب التمتام أني هجوتـه ولكنني فضلت أهل المـكـارم وقال آخر أيضاً: ليس بفأفاءٍ ولا تمتـامِ ولا محت سقطِ الكلامِ وقال الشاعر: وقد تعتريه عقلة في لـسـانـه إذا هز نصل السيف غير قريب وزعم عمرو بن بحر الجاحظ عن محمد بن الجهم قال: أقبلت على الفكر في أيام محاربة الزّطّ، فاعترتني حبسة في لساني. وهذا يكون لأن اللسان يحاتج إلى التمرين على القول، حتى يخفّ له، كما تحتاج اليد إلى التمرين على العمل، والرّجل إلى التمرين على المشي، وكما يعانيه موتر القوس ورافع الحجر ليصلب ويشتدّ، قال الراجز: كأن فيه لفـفـاً إذا نـطـق من طول تحبيس وهمّ وأرق وقال ابن المقفع: إذا كثر تقليب اللسان رقّت جوانبه ولانت عذبته. وقال العتّابي: إذا حبس اللسان عن الاستعمال اشتدت عليه مخارج الحروف. وأما الرّتة فإنها تكون غريزة، قال الراجز: يا أيها المخلّط الأرت ويقال: إنها تكثر في الأشراف، ولم توجد تختص واحداً دون واحد. وأما الغمغمة فقد تكون من الكلام وغيره، لأنه صوت لا يفهم تقطيع حروفه. أفصح الناس وحدّثني من لا أحصي من أصحابنا عن الأصمعي عن شعبة عن قتادة، قال: قال معاوية يوماً: من أفصح الناس? فقام رجل من السماط فقال: قوم تباعدوا عن فراتية العراق، وتيامنوا عن كشكشة تميم، وتياسروا عن كسكسة بكر، ليس فيهم غمغمة قضاعة، ولا طمطمانية حمير. فقال له معاوية: من أولئك? فقال: قومي يا أمير المؤمنين، فقال له معاوية: من أنت? قال: أنا رجل من جرم. قال الأصمعي: وجرم من فصحاء الناس. قوله: "تيامنوا عن كشكشة تميم"، فإن بني عمرو بن تميم إذا ذكرت كاف المؤنث فوقفت عليها أبدلت منها شيئاً، لقرب الشين من الكاف في المخرج، وأنها مهموسة مثلها، فأرادوا البيان في الموقف، لأن في الشين تفشياً، فيقولون للمرأة: جعل الله لك البركة في دارش، ويحك مالش، والتي يدرجونها يدعونها كافاً، والتي يقفون عليها يبدلونها شيناً. وأما بكر فتخلف في الكسكسة، فقوم منهم يبدلون حركة كاف المؤنث في الوقف بالسين، فيزيدونها بعدها، فيقولون: أعطيتكس. أما الغمغمة فما ذكرت لك. وقال الهارب لامرأته يوم الخندقة، وذاك أنها نظرت إليه يحد حربة في يوم فتح مكة، فقالت: ما تصنع بهذه? قال: أعددتها لمحمد وأصحابه؛ فقالت: والله إن أراه يقوم لمحمد وأصحابه شيء، فقال لها: إني لأرجو أن أخدمك بعضهم؛ وأنشأ يقول: إن تقبلوا فمـا بـي عـلة هذا سلاح كامـل وألـه وذو غرارين سريع السلة الألة: الحربة، والغرار ههنا: الحد، يعني "بذي غرارين" السيف. فلما لقيهم خالد يوم الخندقة انهزم الرجل، فلامته امرأته، فقال: إنك لو شهدت يوم الخـنـدقة إذ فر صفوان وفر عكرمـه ولحقتنا بالسيوف المسـلـمـه يفلقن كل ساعد وجمجـمـه ضرباً ولا تسمع إلا غمغـمـه لهم نهيت حولنا وجمجـمـه لم تنطقي في اللوم أدنى كلمه وأما الطمطمانية، ففيها يقول عنترة: تبري له حول النعام كأنها حزق يمانية لأعجم طمطم وكان صهيب أبو يحيى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتضخ لكنة رومية، ويذكرون أن نسبه في النمر بن قاسط صحيح. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صهيب سابق الروم، وسلمان سابق الفرس، وبلال سابق الحبشة" . وقال عمر لصهيب في قوله: إنه من النمر بن قاسط: قد سمعت ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن انتمى إلى غير نسبه، فقال صهيب: أنا من القوم، ولكن وقع علي سباء. وكان عبد بني الحسحاس يرتضخ لكنة حبشية، فلما أنشد عمر بن الخطاب: عميرة ودع إن تجهـزت غـاديا كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا فقال عمر: لو كنت قدمت الإسلام على الشيب لأجزتك، فقال: ما سعرت، يريد: ما شعرت. وكان عبيد الله بن زياد يرتضخ لكنة فارسية، وإنما أتته من قبل زوج أمه شيرويه الإسواري.

ويقال: إن علياً عليه السلام عاد زياداً في منزل شيرويه، فقال عبيد الله يوماً لرجل كلمه فظن به رأي الخوارج: أهروري منذ اليومِ? يريد: أحروري، وهذه الهاء تشترك في قلبها من الحاء أصنافٌ من العجم. وكان زيادٌ الأعجم - وهو رجلٌ من عبد القيس - يرتضخ لكنةً أعجمية، يذهب فيها إلى مذهب قوم بأعيانهم من العجم. وأنشد المهلب بن أبي صفرة في مدحه إياه: فتى زاده السلتان في المدح رغبةً إذا غير السلتـان كـل خـلـيلِ يريد السلطان، وذلك أن بين التاء والطاء نسباً، فلذلك قلبها تاءً، لأن التاء من مخرج الطاء فقال: السلتان. أما الغنة، فتستحسن من الجارية الحديثة السن، لأنها ما لم تفرط تميل إلى ضربٍ من النغمة، قال ابن الرقاع العاملي يصف الظبية وولدها: تزجي أغن كأن إبرةَ روقهِ قلمٌ أصاب من الدواةِ مدادها باب لمحمد بن عبد الله الثقفي قال محمد بن عبد الله بن نميرٍ الثقفي: لم تر عيني مثـل سـربٍ رأيتـه خرجن من التنعيم معتـجـرات مررن بفخ ثـم رحـن عـشـيةً يلبين للرحـمـن مـؤتـجـراتِ تضوع مسكاً بطن نعمانَ أن مشتْ به زينب في نسـوةٍ عـطـراتِ وقامت تراءى يوم جمعٍ فأفتنـت برؤيتها من راح من عـرفـاتِ ولما رأت ركبَ النميري أعرضت وكن من أن يلقـينـه حـذراتِ دعت نسوةً شمَّ العرانـين بـدنـاً نواعمَ لاشعـثـاً ولا غـبـراتِ فأدنين لما قمنَ يحجبـن دونـهـا حجاباً من القسي والـحـبـراتِ أحل الذي فوق السمواتِ عرشـهُ أوانس بالبطحاء مـعـتـمـراتِ يخبئن أطراف البنانِ من التـقـى ويخرجن جنح الليل مختـمـراتِ قوله: مثل سربٍ رأيتهُ، هو القطعة من النساء، أو من الظباءِ، أو من البقرِ، أو من الطير، كما قال: لم تر عيني مثل سـربٍ رأيتـه خرجن علينا من زقاق ابن واقف فهذا يعني نساءً. ويقالُ: مرت بنا سربةٌ من الطير، في هذا المعنى، قال ذو الرمةِ: سوى ما أصاب الذئب منه وسربةٌ أطافت به من أمهاتِ الجـوازلِ ويقال: فلانٌ واسعٌ السربِ، يعني بذلك الصدرَ، ويقال: خل لفلانٍ سربهُ، أي طريقه الذي يسربُ فيه، ويقال للإبل كذلك بالفتح: لأذعرن سربكَ. ويقال: حذراتُ، حذراتُ، ويقظٌ، ويقُظٌ؛ قال ابن أحمر: هل ينسئن يومي إلى غيره أني حوالي وأني حـذرُ وقوله: وكنّ من أن يلقينه حذراتِ الأصل من أن يلقينه ولكن الهمزة إذا خففت وقبلها ساكنٌ ليس من حروف اللين الزوائد، فتخفيفها - متصلة كانت أو منفصلة - أن تلقي حركتها على ما قبلها وتحذفها، تقول: من أبوك?، فتفتح النون وتحذف الهمزة، ومن أخوانك?، ومن أم زيدٍ?؛ فتضم النون وتكسرها وتفتحها، على ما ذكرت لك، وتقول: "الذي يخرج الخبْ في السموات" النمل: 25 وفلانٌ له هيةٌ، وهذه مرةٌ، إذا خففت الهمزة في الخبء والهيئة والمرأةِ، وعلى هذا قوله تعالى: "سل بني إسرائيل" البقرة: 211 لأنها كانت اسأل فلما حركت السين بحركةِ الهمزة سقطت ألف الوصلِ، لتحرك ما بعدها، وإنما كان التخفيف في هذا الموضع بحذف الهمزةِ، لأن الهمزةَ إذا خففت قربت من الساكن، والدليل على ذلك أنها لا تبتدً إلا محققة، كما لا يبتدأ إلا بمتحركٍ، فلما التقى الساكن وحروف تجري مجرى الساكن حذفت المعتل منها، كما تحذف لالتقاء الساكنين. وقوله: "دعت نسوةٌ شم العرانين"، الشماء السابقة الأنف، والمصدر الشمم. وقال أحد الشعراء يمدح قثم بن العباس: نجوت من حلٍّ ومن رحلةٍ يا ناق إن قربتني من قثـمْ إنكِ إن قربـتـنـيه غـداً عاش لنا اليسر وماتَ العدمْ في باعهِ طولٌ وفي وجههِ نورٌ وفي العرنين منه شممْ لم يدرِ ما لا وبلى قد درى فعافها واعتاض منها نعـمْ قال أبو الحسن: أنشدنيه أبي لسليمان بن قتة، وزادني: أصم عن ذكر الخنا سمعـهُ وما عن الخير به من صممْ والعرنين والمرسن والأنف واحدٌ، لما يحيط بالجميع.

والبدن: واحدها بادنٌ كقولك: شاهدٌ وشهدٌ، وضامرٌ وضمرٌ،ن وهو العظيم البدنِ، يقالُ: بدن فلانٌ، إذا كثر لحمه، وبدنَ، إذا أسنَّ. وفي الحديثِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني قد بدنت، فلا تسبقوني بالركوع والسجود". والأشعث والشعثاء: الخاليان من الدهن، وكان عمر بن عبد العزيز يتمثل: من كان حين تمس الشمس جبهته أو الغبارُ يخاف الشين والشعثـا ويألف الظل كي تبقى بشاشتـه فسوف يسكن يوماً راغماً جدثـا قال أبو الحسن، وزادني أبي: في بطنِ مظلمةٍ غبراءَ مقفـرةٍ كيما يطيل بها في بطنها اللبثـا تجهزي بجهازٍ تبـلـغـين بـه يا نفس واقتصدي لم تخلقي عبثا لعمر بن أبي ربيعة في أم عمر بنت مروان وقال عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة: ونظر إلى أم عمر بنت مروان بن الحكم، وكانت صارت إليه متنكرة، فرته وقضت من محادثته وطراً، ثم انصرفت، فلما رجعت من منى عرفها، فعلمت ذلك، فبعثت إليه: لا ترفع بي صوتاً، وأهدت له ألف دينار، فاشترى بها عطراً وبزاً وأهداه لها، فأبتْ أن تقبله، فقال: إذاً والله أنهبه فيكون أذيعَ له فقبلته، وفي ذلك يقول: وكـم مـن قـتـيلٍ لايبـاءُ بـه دمٌ ومن غلقٍ رهناً إذا ضمه مـنـى وكم مالىءٍ عينيه من شـيء غـيرهِ إذا راح نحو الجمرة البيضُ كالدمى يجررن أذيال المـروط بـأسـؤقٍ خدالٍ إذا ولين أعـجـازهـا روى أوانس يسلـبـن الـحـلـيم فـؤاده فيا طولَ ما حزنٍ ويا حسنَ مجتلى! فلم أر كالتجمير منـظـرَ نـاطـرٍ ولا كليالي الحج أفـتـن ذا هـوى وفيها أيضاً يقول: أيها الرائج المجد ابتـكـار قد قضى من تهمة الأوطارا ليت ذا الحج كان حتماً علينا كل شهرين حجةً واعتمارا قوله: وكم من قتيل لا يباء به دمٌ يقول: لا يقاد به قاتله، وأصل هذا أنه يقال: أبأت فلاناً بفلانٍ، فباء به، إذا قتلته به، ولا يكاد يتسعمل هذا إلا والثاني كفءٌ للأول، فمن ذلك قولُ مهلهلِ بن ربيعة، حيث قتل بجير بن الحارث بن عبادٍ، فقيل للحارث - ولم يكن دخل في حربم: إن ابنك قتلَ، فقال: إن ابني لأعظم قتيلٍ بركةً، إذ أصلح الله به بين ابني وائلٍ، فقيل له: إنه لما قتلَ قال مهلهلٌ: بؤ بشسعِ نعلِ كليبٍ؛ فعند ذلك أدخل الحارث يه في الحرب، وقال: قربا مربط النعـامةِ مـنـي لقحت حرب وائل عن حيال لا بجير أغنى قتـيلاً ولا ره ط كليب تزاجروا عن ضلالِ لم أكن من جناتها علمَ الـلـهُ وإني بحرها اليوم صـالـي وقالت ليلى الأخيليةُ: فإن تكنِ القتلى بواءً فـإنـكـم فتى ما قتلتم آل عوف بن عامرِ وقال التغلبي: ألا تنتهي عنا ملوكٌ وتتقي محارمنا لا يبوء الدم بالدمِ ويقال: باء فلانٌ بذنبهِ، أي. بخع به وأقر، قال الفرزدق لمعاوية: فلو كان هذا الحكُ في غير ملككم لبؤت به أو غص بالماء شاربـهْ ويقال: باء فلانٌ بالشيء، من قولٍ أو فعلٍ، أي احتمله فصارَ عليه. وقال المفسرون في قول الله جل وعزَّ: "إني أريد أن تبوأ بإثمي وثمكَ" المائدة: 29، أي جتمعا عليك فتحملهما. وأما قوله: "ومن غلقٍ رهنٍ" فمن جر فهو من قولهم: رهن غلقٌ، فلما قدم النعت اضراراً أبدل منه المنعوتَ، ولو قال: "ومن غلقٍ رهناٌ" فنصب على الحال من المعرفة بقي الاسم المضمر فيغلق. وقوله: إذا ضمهُ منى فإنما سميت منى لما يمنى فيها من الدم، يقالُ في المني - وهي النطفة - منى الرجلُ وأنى، والقراءةُ: "أفرءيتم ما تمنونَ" الواقعة: 58 ويقال: مذى الرجلُ وأمذى، وودى وأودى، فقولهم: وذى، يعني البلةَ التي تكونُ في عقبِ البولِ كالمذي، وأما المذي فيعتري من الشهوةِ والحركةِ. وقال علي بن أبي طالب رحمه الله: كل فحلٍ مذاءٌ.

ومن كلام العرب: كل فحلٍ يمذي وكل أنثى تقذي؛ وهو أن يكون منها مثل المذي ولمَنَى موضعٌ آخر، يقال: منى الله لك خيراً، أي قدر لك خيراً، ويقال: منى اللهُ أن ألقى فلاناً، أي قدرَ، والمنيةٌ من ذا، يقال: لقيض فلانٌ منيته، أي ما قدرَ له من الموت، فأما المنيئة بالهمزة فهي المدبغةُ، وهي المكان الذي يدبغ فيه. وقوله: إذا راح نحو الجمرة البيضُ كالدمى الجمرة إنما سميت لاجتماع الحصى فيها، ومن ثم قيل: لا تجمروا المسلمين فتفتنوهم وتفتنوا نساءهم، أي لا تجمعوهم في المغازي، والتجمير التجميع. وكذلك قيل في جمراتِ العرب، وهم: بنو نمير بن عامرِ بن صعصعةَ، وبنو الحارث بن كعب بن علةَ بن جلدٍ، وبنو ضبةَ بن أدِّ بن طابخةَ، وبنو عبس بن بغيض بن ريثٍ. لأنهم تجمعوا في أنفسهم ولم يدخلوا معهم غيرهم. وأبو عبيدةَ لميعدد فيهم عبساً في كتاب الديباج ولكنهقال: فطفئت جمرتانِ، وهما بنو ضبةَ - لأنها صارت إلى الرباِ فحالفت - وبنو الحارثِ، لأنها صارت إلىمذحجٍ؛ وبقيت بنو نميرٍ إلى الساعة، لأنهالم تحالف، وقال النميري يجيب جريراً: نميرٌ جمرةُ العربِ التي لـم تزل في الحرب تلتهب التهابا وإني إذا أسبُ بها كـلـيبـاً فتحت عليهم للخسف بـابـا وقال في هذا الشعرِ: ولولا أن يقال هجا نمـيراً ولم تسمع لشاعرها جوابا رغبنا عن هجاء بني كليبٍ وكيف يشتام الناس الكلابا! لعمر بن أبي ربيعة في الثريا بنت علي وقال عمرُ بن عبد الله بن أبي ربيعة: ليت شعري هل أقولن لركبٍ بفلاة هم لديهـا هـجـوع طالما عرستم فاستـقـلـوا حان من نجم الثريا طلـوعُ إن همي قد نفى النوم عنـي وحديث النفس شيءٌ ولـوعُ قال لي فيها عتيق مـقـالاً فجرت مما يقولُ الدمـوعُ قال لي: ودع سليمى، ودعها فأجاب القلبُ: لا أستطـيعُ لا تلمني في أشتياقي إليهـا وأبكِ لي مما تجنُّ الضلوعُ قوله: حان من نجم الثريا طلوعُ كنايةٌ، وإنما يريدٌ الثريا بنت علي بن عبد الله بن الحارث بن أميةَ الأصغر، وهم العبلات. وكانت الثريا وأختها عائشة أعتقتا الغريض المغني، واسمه عبدُ الملك، ويكنى أبا يزيد، ويقول إسحاق بن إبراهيم الموصلي: إنما سمي الغريض بالطلع، لأن الطلع يقالُ له الإغريض، وليس هو عندي ما قال، وإنما سمي الغريض لطرائته، يقال: لحمُ غريضٌ. وكانت الثريا موصوفة بالجمال، وتزوجها سهيل بن عبد الرحمن بن عوفٍ الزهري، فنقلها إلىمصر، فقال عمرُ، يضربُ لهما المثل بالكوكبين: أيها المنكحُ الثريا سهـيلاً عمركَ الله، كيف يلتقيانِ! هي شاميةٌ إذا ما استقلت وسهيلٌ إذا استقل يمانـي وقوله: قال لي فيها عتيق مقالاً يزعمُ الرواة أن كل شيء ذكر فيه عتيقاً أو بكراً فإنما يعني ابن أبي عتيقٍ. طرف من أخبار ابن عتيق وكان ابن أبي عتيق من نساكِ قريشٍ وظرفائهم، بل كان قد بذهم ظرفاً، وله أخبارٌ كثيرةٌ، سمير بعضها في الكتابِ، إن شاء الله. فمن طريف أخباره أنه سمعَ وهو بالمدينة قول ابن أبي ربيعة: فما نلت منها محرماً غير أننـا كلانا من الثوب المطرفِ لابسُ فقال: أبنا يعلبُ ابن أبي ربيعة! فأي محرم بقي! فركب بغلته متوجهاً إلى مكة، فلما دخل أنصاب الحرم، قيل له: أحرم، قال: إن ذا الحاجةِ لا يحرم، فلقي ابن أبي ربيعة فقال: أما زعمت أنك لم تركب حراماً قط! بلى، قال: فما قولك: كلانا من الثوب المطرفِ لابسُ فقال له: إذاً أخبركَ! خرجت بعلةِ المسجد، فصرنا إلى بعض الشعابِ، فأخذتنا السماءُ، فأمرتُ بمطرفي فسترنا الغلمانُ به، لئلا يروا بها بلةً فيقولوا: هلا استترت بسقائف المسجد! فقال لهابن أبي عتيقٍ: يا عاهر! هذا البيت يحتاج إلى حاضنةٍ. وهو الذي سمع قول عمر بن أبي ربيعة: من رسولي إلى الثريا بـأنـي ضقت ذرعاً بهجرها والكتابِ!


فلبس ثيابه وركب بغلته وأتى باب الثريا، فاستأذن عليها، فقالت: والله ما كنت لنا زواراً، فقال: أجل، ولكني جئت برسالةٍ، يقول لك ابن عمك عمرُ بن أبي ربيعةَ: ضقت ذرعاً بهجرك والكتابِ فلامه عمرُ، فقال له ابن أبي عتيق: إنما رأيتك متلدداً تلتمس رسولاَ، فخففت في حاجتك، فإنما كان ثوابي أن أشكرَ. ومن طريف أخباره أن عائشة بنت طلحة عتبت على مصعب بن الزبير فهجرته، فقال مصعبُ: هذه عشرة آلاف درهم لمن احتال لي أن تكلمني، فقال له ابن أبي عتيق: عدلِ المال، ثم صار إلى عائشة، فجعل يستعتبها لمصعب، فقالت والله ما عزمي أن أكلمه أبداً. فلما رأى جدها قال لها. يا بنتَ عم، إنه قد ضمن لي إن كلمته عشرةَ آلاف درهمٍ، فكلميه حتى آخذها، ثم عودي إلى ما عودكِ اللهُ. ومن أخباره أن مرون بن الحكم قال يوماً: إني لمشغوف ببغلة الحسن بن علي رحمهما الله، فقال له ابن أبي عتيق: إن دفعتها إليك، أتقضي لي ثلاثين حاجةً? قال: نعم، قال: إذا اجتمع الناس عندك العشية فإني آخذ في مآثر قريش، ثم أمسك عن الحسن، فلمني على ذلك، فلما أخذالناس مجالسهم أخذ في مآثر قريشن فقال له مروان: ألا تذكر أوليةَ أبي محمد، وله في هذه ما ليس لأحدٍ? فقال: إنما كنا في ذكر الأشراف، ولو كنا في ذكر الأنبياء لقدمنا ما لأبي محمد! فلما خرج الحسن ليركب تبعه ابن أبي عتيق، فقال له الحسن - وتبسمَ -: ألك حاجةٌ? فقال: ذكرتُ البغلة، فنزل الحسنُ ودفعها إليه. ومن طريف أخباره أن عثمان بن حيان المري لما دخل المدينة والياً عليها اجتمع الأشراف عليه من قريش والأنصار، فقالوا له: إنك لا تعمل عملاً أجدى ولا أولى من تحريم الغناء والرثاءِ، ففعل، وأجلهم ثلاثاً، فقدم ابن أبي عتيق في الليلة الثالثة، فحط رحله بباب سلامة الزرقاء، وقال لها: بدأت بكِ قبل أن أصير إلى منزلي، فقالت: أو ما تدري ما حدث? وأخبرته الخبر، فقال: أقيمي إلى السحر حتى ألقاه، فقالت: إنا نخاف ألا تغني شيئاً ونكظ، فقال: إنه لا بأس عليك، ثم مضى إلى عثمان فاستأذن عليه، فأخبره أن أحب ما أقدمه عليه حب التسليم عليه، وقال له: إن من أفضل ما عملت به تحريم الغناء والرثاء. قال: إن أهلك أشاروا علي بذلك. قال: فإنك قد وفقت، ولكني رسول امرأةٍ إليك تقول: قد كانت هذه صناعتي فتبت إلى الله منها، وأنا أسألك أيها الأمير ألا تحول بينها وبين مجاورة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عثمان: إذن أدعها لك، قال: إذن لا يدعها الناس، ولكن تدعو بها فتنظرُ إليها، فإن كانت ممن يترك تركتها، قال: فادعُ بها، قال: فأمرها ابن أبي عتيق فتقشفت، وأخذت سبحةً في يدها، وصارت إليه، وحدثته عن مآثر آبائه، ففكهَ لها? فقال لها ابن أبي عتيق: اقرئي للأمير، ففعلت، فأعجب بذاك. فقال لها: فاحدي للأمير، فحركه حداؤها، ثم قال لها: غيري للأمير، فجعل يعجب بذلك عثمانُ، فقال له ابن أبي عتيق: فكيف لو سمعتها في صناعتها! فقال:قل لها فلتقل، فأمرها فتغنت: سددن خصاص الخيم لما دخلنه بكل لبانٍ واضـحٍ وجـبـين فنزل عثمانبنحيان عن سريره حتى جلس بين يديها، ثم قال: لا والله، ما مثلك يخرجُ عن المدينة! فقال له ابن ابي عتيق: إذن يقول الناس أذنَ لسلامةَ في المقام ومنع غيرها! فقال له عثمان: قد أذنتُ لهم جيمعاً. لابن نمير الثقفي وقال ابن نمير الثقفي: أشاقتك الظعائن يوم بـانـوا بذي الزي الجميل من الأثاثِ ظعائن أسلكت نقب المنقـى تحث إذا ونت أي احتثـاثِ كأن على الظعائن يوم بانـوا نعاجاً ترتعي بقل الـبـراثِ يهيجني الحمامُ إذا تـغـنـى كما سجع النوائح بالمراثـي قوله: الظعائن واحداتها ظعينةٌ، وإنما قيل لها: ظعينةٌ، وهم يريدوه مظعوناً بها، كقولك: قتيلٌ، في معنى مقتول، ثم استعمل هذا وكثر حتى قيل للمرأة المقيمة: ظعينةٌ. وقوله: بذي الزي الجيمل من الأثايِ هي الرواية الصحيحة، وقد قيل بذي الري الجميل واستهواهم إليه قول الله جل ثناؤه: "هم أحسن أثثا ورءيا" مريم: 74 فالأثاث متاع البيت، ولاري ما ظهر من الزينة، وإنما أخذ من قولك: رأيتُ، فالري غير الأثاث والزي من الأثاثِ، فمن ههنا غلطوا.

وقوله: أسلكت نقب المنقى، فالمنقى موضع بعينه، والنقب: الطريق في الجبل، والخل: الطريق في الرمل، فإن اتسع الطريق في الجبل وعلا فهو ثنيةٌ، قال ابن الأيهم التغلبي: وتراهن شزباً كالسعالي يتطلعن من ثنايا النقابِ وقوله: نعاجاً ترتعي بقل البراثِ فالنعجة عند العرب البقرة الوحشية، وحكم البقرة عندهم حكم الضائنة، وحكم الطبية عندهم حكمُ الماعزة، والعرب تكني بالنعجة عن المرأة وبالشاةِ، قال الله تبارك وتعالى: "إن هذا أخى له تسعٌ وتسعون نعجةٌ" ص: 23 وقال الأعشى: فرميت غفلة عينه عن شاتِه فأصبت حبة قلبها وطحالها يريد المرأة. وأما البراث، فهي الأماكن السهلة من الرمل، واحدها برثٌ، مفتوح موضع الفاء من الفعل، وتقديرها: كلب وكلابٌ، والسجع من الكلام: أن تأتلف أواخره على نسقٍ، كما تأتلف القوافي، وهو في البهائم: موالاة الصوتِ، قال ابن الدمينة: أأن سجعتْ ورقاءُ في رونقِ الضحى على فننٍ غض النباتِ من الـرنـد لعمر بن أبي ربيعة وقال عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة: قال لي صاحبي ليعلم ما بـي أتحب القتول أختَ الربـابِ? قلت: وجدي بها كوجدك بالمـا ء ما منعت بـرد الـشـاربِ من رسولي إلى الثريا بـأنـي ضقت ذرعاً بهجرها والكتابِ سلبتني مجاجة المسك عقلـي فسلوها بما تحل اغتصابـي? أزهتقت أم نوفلٍ إذ دعتـهـا مهجتي، ما لقاتلي من متـابِ حين قالت لها أجيبي فقـالـت من دعاني? قالت أبو الخطابِ فاستجابت عند الدعاء كما لبى رجالٌ يرجون حسن الثـوابِ أبرزوها مثل المهاةِ تـهـادى بين خمس كواعـبٍ أتـرابِ وهي مكنونةٌ تحير مـنـهـا في أديم الخدين ماءُ الشبـابِ ثم قالوا: تحبها? قلت: بـهـراً عدد النجم والحصى والترابِ دميةٌ عند راهبٍ ذي اجتـهـادٍ صوروها في جانب المحرابِ قوله: قلت وجدي بها كوجدكَ بالماء معنى صحيح، وقد اعتوره الشعراءُ، وكلهم أجادَ فيه. وقوله: إذا ما منعت برد الشرابِ يريد: عند الحاجة، وبذلك صح المعنى. ويورى عن علي بن أبي طالب رحمه الله أن سائلاً سأله، فقال: كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم? فقال: كان واللهِ أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ. وقال آخر - وأحسبه قيس بن ذريحٍ: حلفت لها بالمعـشـرين وزمـزمِ وذو العرش فوق المقسمين رقيبُ قال أبو الحسن: ويروى: والله فوق المقسمين، وهو أحب إليَّ. لئن كان بردُ الماء حرانَ صادياً إلي حبيباً إنـهـا لـحـبـيبُ وقال القطامي: يقتلنا بـحـديث لـيس يعـلـمـه من يتقين ولا مكـنـونـه بـادي فن ينبذن من قـولٍ يصـبـن بـه مواقع الماء من ذي الغلةِ الصادي والقول فيه كثير. وقوله: ضقت ذرعاً بهجرها والكتابِ قوله: والكتابِ قسمٌ. وقوله: أزهقت أم نوفلٍ إذ دعتها مهجتي وقوله: تأويله: أبطلت وأذهبت، قال الله جل وعزَّ: "فيدمغه فإذا هو زاهقٌ" الأنبياء؛ 18؛ وللزاهق موضع آخرُ، وهو السمين المفرطُ، قال زهيرٌ: القائدُ الخيل منكوبـاً دوابـرهـا منها الشنونُ ومنها الزاهقُ الزهِمُ وقوله: "ما لقاتلي من متاب" يقول: من توبةٍ، والمصدر إذا كان بزيادة الميم من فعلَ يفعلُ فهو على مفعلٍ قال الله جل وعزّ: "فإنه يتوبُ إلى الله متاباً" الفرقان: 71 وأما قوله جل ذكره: "غافر الذنب وقابل التوبِ" غافر: 3 فيكون على ضربين، يكون مصدراً، ويكون جماعاً. فالمصدر قولك: تاب يتوب توباً، كقولك: قال يقولو قولاً، والجمع توبةٌ وتوبٌ، مثل تمرةٍ وتمر، وجمرةٍ وجمرْ. وقوله: أبرزوها مثلَ المهاةِ تهادى

المهاةُ، البقرةُ في هذا الموضعِ، وتشبه المرأة بالبقرة من الوحش لحسن عينيها ولمشيتها، والبقرةُ يقال لها: العيناءُ، والجماعُ العينُ، وكذلك يقالُ للمرأةِ. وتكون المهاةُ البلورة في غير هذا الموضعِ. وقوله: تهادى يريدُ: يهدي بعضها بعضاً في مشيتها، ومشية البقرةِ تستحسنُ، قال ابن أبي ربيعةَ: أبصرتها ليلة ونـسـوتـهـا يمشين بين المقامِ والحـجـرِ يمشين في الريط والمروط كما تمشي الهويني سواكنُ البقـرِ وقوله: كواعب الواحدةُ كاعبٌ، وهي التي قد كعب ثدياها للنهود. أترابٌ: أقرانٌ، ويقال: تربُ فلانٍ. والممكورة: المكتنزة. وقوله: ثم قالوا تحبها قلتُ بهراً قال قوم: أراد بقوله: تحبها الستفهام، كما قال امرؤ القيس: أحارِترى برقاً أريكَ وميضهُ فحذف ألف الاستفهام، وهو يريد أترى، وقولوا: أراد أتحبها، وهذا خطأ فاحشٌ، إنما يجوز حذف الألفِ إذا كان في الكلامِ دليلٌ عليها، وسنفسرُ هذا ونذكرُ الصوابَ منه، إن شاء الله. قوله: تحبها إيجاب عليه، غير استفهامٍ؛ إنما قالوا: أنت تحبها، أي قد علمنا ذاك، فهذا معنى صحيحٌ لا ضرورة فيهِ. وأما قولُ امرىء القيس فإنما جاز لأنه جعل الألف التي تكونُ للاستفهام تنبيهاً للنداءِ، واستغنى بها، ودلت على أن بعدها ألفاً منويةً، فحذفت ضرورةً، لدلالة هذه العليها. ونظير قول امرىء القي: "أحار ترى برقاً" فاكتفى بالألفِ عنِ أن يعيدها في ترى قول ابن هرمة: ولا أراها تزالُ ظالـمةً تظهر لي قرحة وتنكؤها استغنى بلا الأولى عن إعادتها؛ كما قال التميمي. وهو اللعين المنقري: لعمرك ما أدري وإن كنـتُ دارياً شعيث بن سهم أم شعيث بن منقرِ مثل ذلك: وبيت الأخطل فيه قولان، وهو: كذبتك عينك أم رأيت بواسـطٍ علس الظلامَ من الربابِ خيالاَ قال: أراد: "أكذبتك عينكَ" كما قلنا فيما قبله، وليس هذا بالأجود، ولكنه ابتدأ متيقنا ثم شك، فأدخل أم كقولك: إنها لإبل ثم تشك فتقول: أم شاء يا قوم. وقوله: قلت بهراً يكون على وجهين؛ أحدهما: حباً يبهرني بهراً. أي يملأني، ويقال للقمر ليلة البدرِ: باهرٌ، أييبره النجوم، يملأها، كما قال ذو الرمة: كما يبهر البدرُ النجومَ السواريا وقال الأعشى: حكمتموه فقضى بينكمُ أبلج مثل القمرِ الباهرِ ولوجهُ الآخر: أن يكون أراد بهراً لكم أي: تباً لكم حيث تلومونني على هذا، كما قال ابن ميادة: تفاقد قومي إذ يبيعون مهجتي بجاريةٍ بهراً لهم بعدها بهرا وقوله: عدد النجم والحصى والترابِ فيه قولان: أحدهما أنه أراد بالنجم النجوم، ووضع الواحد في موضع الجمع، لأنه للجنس؛ كما تقول: أهلك الناس الدرهم والدينارُ، وقد كثرتِ الشاةَ والبعيرُ، وكما قال الله جل وعزَّ: "إن الإنسان لفي خسرٍ إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحاتِ" العصر: 2-3. وقال الشاعر: فبات يعدُّ النجمَ في مستجيرةٍ سريعٍ بأيدي الآكلين جمودها يريد النجمَ، ويعني بالمستجيرة إهالة. والوجهُ الآخرُ أن يكون النجمُ ما نجمَ من النبتِ، وهو ما لم يقم على ساقٍ، والشجرُ ما يقوم على ساقٍ. واليقطين: ما انتشر على وجه الأرض. قال الله عز وجل: "والنجم والشجرُ يسجدانِ" الرحمن: 6، وقال الحارث بن ظالمٍ، للأسودِ بن المنذر بنماء السماء: أخصيي حمارٍ بات يكدم نجمةً أيؤكل جيراني وجارُكَ سالمُ! ومن طريف شعره قوله: فلما فقدتُ الصوتَ منهم وأطفـئت مصابيحُ شبت بالعـشـاءِ وأنـؤرُ وغاب قمير كنت أرجو غـيوبـه وروح رعـيانٌ ونـومَ سـمـرُ ونفضت عني العين أقبلت مشية ال حباب وركبي خيفة القـوم أزورُ فحييتُ إذ فاجأتهـا فـتـولـهـت وكادت بمكنون التحيةِ تـجـهـرُ وقالت وعضت بالبنانِ: فضحتنـي وأنت امرؤ ميسور أمرك أعسـرُ أريتك إذ هنا عليك ألـم تـخـف رقيباً وحولي من عدوكَ حضـرُ واللهِ ما أدري أتعـجـيلُ حـاجةٍ سرت بك أم قد نامَ من كنت تحذرُ

فقلت لها: بل قادني الشوق والهوى إليك وما عينٌ من الناس تنـظـرُ فيا لك من ليلٍ تقاصـرَ طـولـهُ وما كان ليلي قبلَ ذلك يقـصـرُ ويا لك من ملهى هناك ومجلـسٍ لنا لم يكدره عـلـينـا مـكـدرُ يمج ذكيَّ المسكِ منهـا مـفـلـجٌ رقيقُ الحواشي ذو غروبٍ مؤشرُ يرفُّ إذا يفـتـرُّ عـنـه كـأنـهُ حسى بردٍ أو أقحـوانٌ مـغـورُ وترنو بعينيها إلـي كـمـا رنـا إلى ربابٍ وسط الخميلةِ جـؤذرُ فلما تقضـي الـلـيلُ إلا أقـلـهُ وكادت توالي نجمـه تـتـغـورُ أشارت بأن الحيَّ قد حان منـهـمُ هبوبٌ ولكن موعدٌ لـك عـزورُ فما راعني إلا مـنـادٍ بـرحـلةٍ وقد لاح مفتوقٌ من الصبح أشقرُ فلما رأت من قدر تثورَ مـنـهـمُ وأيقاظهم قالت أشرْ كيف تأمـرُ فقلت: أباديهم فـإمـا أفـوتـهـم وإما ينالُ السيفُ ثـأراً فـيثـأرُ فقالت: أتحقيقاً لِما قـال كـاشـحٌ علينا، وتصديقاً لما كـان يؤثـر! فإن كان ما لا بد منـه فـغـيره من الأمر أدنى للخفاءِ واسـتـرُ لعلهما أن تبغيا لـك مـخـرجـاً وأن ترحبا سرباً بما كنتُ أحصرُ فقامت كئيباً ليس في وجهـهـا دمٌ من الحزنِ تذري عبرةٌ تتـحـدرُ فقالت لأختيها: أعينا على فـتـى أتى زائراً والأمر للأمـر يقـدرُ فأقبلتا فارتاعـتـا ثـم قـالـتـا: أقلي عليكِ الهمَّ فالخطـبُ أيسـرُ يقوم فيمشي بيننـا مـتـنـكـراً فلا سرنا يفشو ولا هو يظـهـرُ فكان مجني دون من كنتُ أتـقـي ثلاثُ شخوصٍ كاعبانٍ ومعصـرُ فلما أجزنا ساحةَ الحي قلن لـي: ألم تتقِ الأعداءَ والليلُ مقـمـرُ! وقلن: أهذا دأبك الدهـرَ سـادراً أما تستحي أو ترعوي أو تفكـرُ! قوله: شبت يقول: أوقدت، يقالُ: شببتُ النارَ والحربَ، أي أوقدتهما. وقوله: وأنؤر إن شئت همزتَ، وإن شئت لم تهمز، وإنما الهمز لانضمام الواو، وقد مضى تفسير هذا. وقوله: قميرٌ، إنما صغره لأنه ناقصٌ عن التمام، وهذا في أول الشهر، وكذلك يصغرُ في آخر الشهر، لأن النقصان فيهما واحدٌ، قال عمرُ: وقميرُ بدا ابن خمسٍ وعشري ن له قالتِ الفتاتان قـومـا وقوله: رعيانٌ يريد جمع الراعي، ومثله: راكبٌ وركبانٌ، وفارسٌ وفرسانٌ. والسمرُ: جمع السامرِ، وهم الجماعة يتحدثون ليلاً. والحباب: حيةٌ بعينها. وقوله: ونفضت عني العين يقول: احترستُ منها وأمنتها، والنفضة: أمامَ العسكر: القوم يتقدمون فينفضون الطريق. وقوله: أزورُ، يعني متجافياً، يقال: تزاور فلانٌ؛ إذا ذهب في شقٍّ. وقوله: ذو غروبٍ؛ غربُ كل شيءٍ: حده، وإنما يعني الأسنانَ. وقوله: مؤشرُ يعني له أشرٌ، وهو تشريرُ الأسنان في قول الناس جميعاً، يقال: لأسنانه أشرٌ، فهذا الشائعُ الذائع، وأما الشنبُ، فهو عندهم جيمعاً بردٌ في الأسنان. وحدثني الرياشي عن ابن عائشة قال: أخذ أبي حبةَ رمانٍ بين إصبعيه فإذا هي ترفُ، فقال: هذا الشنبُ. وقوله: وكادت توالي نجمه تتغورُ التوالي: التوابعُ، وتتغورُ: تغورُ فتذهب، وهو مأخوذ من الغور. وقوله: "أشارت بأن الحي قد حان منهم هبوبٌ" يقول: انبتاهٌ، يقال: هبَّ من نومه يهبُّ، قال عمرو بن كلثومٍ: ألا هبي بصحنكِ فاصبحينا ولا تبقي خمورَ الأندرينا وقال الاخر: هبت تلومُ وليست ساعةَ اللاحي هلا انتظرت بهذا اللومِ إصباحي وعزور: موضع بعينه. وقوله: ويقاظهم جمع يقظ. وقوله: فقالت أتحقيقاً أي أتفعل هذا تحقيقاً، ومن كلام العرب: أكلُّ هذا بخلاً? وذاك أنه رآه يفعل شيئاً أنكره فقال: أتفعل كل هذا بخلاً! وقوله: أباديهم أظهر لهم، غير مهموزٍ يقال. بدا يبدو، غير مهموزٍ، إذا ظهر، وبدأت بهذا، مهموزٌ، إذا أردت به معنى الأول. وقوله: بدء حديثنا يريد أول حديثنا.


وقوله: أن ترحبا يريد: أن تتسع، أي تتسع صدروهما، من قولهم: فلانُ رحيب الصدرِ. وقوله: أحصرُ أضيق به ذرعاً، قد مضى تفسيره. وقوله: مجني يريد تُرسي. وقوله: ثلاث شخوص والوجهُ ثلاثةً أشخُصٍ ولكنها لما قصد إلى النساء أنثَ على المعنى، وأبان لما أرادَ بقوله: كاعبانِ ومعصرُ. ومثله قولُ الشاعر: فإن كلابا هذا عشرُ أبـطـنٍ وأنت بريء من قبائلها العشرِ فقال: عشرُ أبطنٍ، لن البطنَ قبليةٌ، وأبانَ ذلك في قوله: من قبائلها العشرِ، وقال الله جل وعز: "من جاء بالحسنةِ فله عشرُ أمثالها" الأنعام: 160 لأن المعنى حسناتٌ. ويروى أن يزيد بن معاوية لما أراد توجيه مسلم بن عقبةَ المري إلى المدينة اعترض الناس، فمر به رجل من أهل الشام معه ترسٌ قبيح، فقال له: يا أخا أهل الشأم، مجن ابن أبي ربيعة أحسن من مجنك! يريد قول ابن أبي ربيعة: فكان مجني دون من كنت أتقي ثلاثَ شخوصٍ كاعبان ومعصرِ وقوله: أما تستحي، يريد: تستحيي وله تفسير يبعد في العربية قليلاً، وسنذكره بعد هذا، إن شاء الله. باب عمر الوادي والعبد الأسود قال أبو العباس: وحدثتُ أن عمر الوادي قال: أقبلتُ من مكة أريدُ المدينةَ، فجلعتُ أسيرُ في صمدٍ من الأرض، فسمعت غناءً من القرار لم أسمع مثله، فقلت: والله لأتوصلن إليه ولو بذهاب نفسي، فانحدرتُ إليه، فإذا عبدٌ أسود، فقلت له: أعد علي ما سمعت، فقال لي: والله لو كان عندي قرى أقريك ما فعلتُ، ولكني أجعله قراكَ، فإني والله ربما غنيت هذا الصوت وأنا جائع فأشبع، وربما غنيته وأنا كسلان فأنشط، وربما غنيته وأنا عطشان فأروى، ثم انبرى يغنيني: وكنت إذا ما زرت سعدى بأرضهـا رى الأرض تطوى لي ويدنو بعيدها من الخفراتِ البيضِ ود جلـيسـهـا إذا ما انقضت أحدوثة لو تعـيدهـا وبعده: وتحلل أحقادي إذا ما لقـيتـهـا وتبقى بلا ذنبٍ علي حقـودهـا وكيف يحب القلب من لايحـبـه بلى قد تريد النفس من لا يريدها قال عمر: فحفظته عنه، ثم تغنيت به على الحالات التي وصف، فإذا هو كما ذكر. خالد صامة والوليد بن يزيد وتحدث الزبيريون عن خالد صامة أنه كان من أحسن الناس ضرباً بعودٍ، قال: فقدمت على الوليد بن يزيد، وهو في مجلس ناهيك به مجلساً! فألفيته على سريره، وبين يديه معبدٌ، ومالكُ بن أبي السمح، وابن عائشة، وأبو كمال غزيل الدمشقي، فجعلوا يغنون، حتى بلغت النوبة لي فنيته: سرى همي وهم المرء يسـري وغار النجـم إلا قـيد فـتـرِ أراقب في المجرةِ كل نـجـمِ تعرض أو على المجراة يجري لهـم مـا أزال لـه قـرينــاً كأن القلب أبطن حر جـمـرِ على بكرٍ أخي فارقت بـكـراً وأي العيش يصلح بعد بـكـرِ! فقال لي: أعد يا صام؛ ففعلت، فقال لي: من يقول هذا الشعر? فقلت: هذا يقوله عروة بن أذينة يرثي أخاه بكراً، فقال لي الوليد: وأي العيس يصلح بعد بكرِ هذا العيش الذي نحن فيه، والله قد تحجر واسعاً على رغم أنفهِ. وحدثت أن سكينة بن الحسين أنشدت هذا الشعر، فقالت: ومن بكرٌ? فوصف لها، فقالت: أذاك الأسيد الذي يمر بنا? والله لقد طاب كل شيءٍ بعد ذاك، حتى الخبز والزيتُ. من أخبار يزيد بن عبد الملك وروى أصحابنا أن يزيد بن عبد الملك -وأمه عاتكة بنت يزيد بن معاوية وإليها كان ينسب - قال يوماً: يقال: إن الدنيا لم تصف لأحد قط يوماً، فذا خلوت يومي هذا فاطووا عني الأخبار، ودعوني ولذتي وما خلوتُ له، ثم دعا بحبابة، فقال: اسقيني وغنيني، فخلوا في أطيب عيش، فتناولت حبابةُ حبة رمان، فوضعتها في فيها، فغصت بها فماتت، فجزع يزيد جزعاً أذهله ومنه من دفنها، حتى قال له مشايخ بني أمية؛ إن هذا عيب لا يستقال، وإنما هذه جيفة، فأذنَ في دفنها، وتبع جنازتها، فلما واراها قال: أمسيت والله فيك كما قال كثيرٌ: فإن تسلُ عنك النفس أو تدعِ الهوى فباليأس تسلو عنك لا بالتـجـلـدِ وكل خليلٍ راءني فـهـو قـائلٌ من اجلك: هذا هامة اليوم أو غدِ فعد بينهما خمسة عشر يوماً.

وقوله: راءَني يريد رآني، ولكنه قلب؛ فأخر الهمزة. ونظير هذا من الكلام قسيٌّ وإنما الأصل قؤوسٌ ولما أخرَ الواوين أبدل منهما، ياءين، كما يجب في الجمع، وتقول: دلو ودلويٌّ، وعاتٍ وعتيٌّ، وإن شئت قلت: عتي ودليُّ، من أجدل الياء، فإن كان فعولٌ لواحدٍ قلت: عتو. ويجوز القلبُ، والوجه في الواحد إثبات الواوِ، كما تقولُ: مغزوٌّ ومدعوٌّ ويجوز مغزيٌّ وفي القرآن "وعتو عتواً كبيراً" الفرقان: 21 وقال: "أيهم أشد على الرحمن عتياً" مريم: 69 وقال: "أرجعي إلى ربك راضيةً مرضيةً" الفجر: 28 والأصل مرضوةٌ لأنه من الواو، من الرضوان. ومن القلب قولهم طأمن ثم قالوا: اطمأن، فأخروا الهمزة وقدموا الميم، ومثل هذا كثيرٌ جداً. وقوله: "هذا هامةُ اليوم أو غدِ"، يقول: ميت في يومه أو في غدِهِ، يقال: إنما فلانٌ هامةٌ أي يصير في قبره، وأصل ذلك شيءٌ كانت العربُ تقوله، قد مضى تفسيره. إسحاق الموصلي والرشيد وحدثني عبد الصمد بن المعذل قال: سمعتُ إسحاق بن إبراهيم الموصلي يتحدث قال: حججت من أمير المؤمنين الرشيد، فلما قفلنا فنزلنا المدينة آخيت بها رجلاً كان له سنٌّ ومعرفةٌ وأدبٌ، فكان يمتعني، فني ذات ليلةٍ في منزلي إذا أنا بصوته يستأذن عليَّ، فظننت أمراً قد فدحه ففزع فيه إلي، فأسرعت نحو الباب، فقلتُ: ما جاء بك? فقال: إذن أخبركَ: دعاني صديقٌ لي إلى طعام عتيدٍ، وشرابٍ قد التقى طرفاهُ، وشواءٍ رشراشٍ، وحديثٍ ممتعٍ، وغناءٍ مطربٍ؛ فأجبته، وأقمتُ معه إلى هذا الوقت، فأخذت مني حمياً الكأسِ مأخذها، ثم غنيتُ بقول نصيبٍ: بزينب ألمم قبل أن يرحل الركبُ وقل إن تملينا فما ملكِ القلـبُ فكدت أطير طرباً، ثم وجدتُ في الطرب نقصاً إذ لم يكن معي من يفهم ذا كما فهمته، ففزعت إليك لأصف لك هذه الحال، ثم أرجع إلى صاحبي، وضرب نعليه مولياً عني! فقلت: قف أكلمك، فقال: ما بي إلى الوقوف إليك من حاجةٍ. من أخبار حسان بن ثابت وحدثن غير واحدٍ من أصحابنا عن أبي زيدٍ سعيد بن أوسٍ الأنصاري، يسندهُ، قال: كانت وليمةٌ في أخوالنا، وهم حي يقال لهم بنو نبيطٍ، من الأنصار، قال: فحضر الناس وجاء حسانُ بن ثابتٍ وقد ذهب بصرهُ، ومعه ابنه عبد الرحمن يقودهُ، فلما وضع الطعام وجيء بالثريدِ قال حسان لابنه: يا بني، أطعامُ يدٍ أم طعامُ يدين? فقال: با طعامُ يدٍ، فأكل ثم جيْ بالشواءِ، فقال: أطعام يدٍ أم طعامُ يدين? فقال: طعام يديد، فأمسك، وفي المجلس فينتان تغنيان بشعر حسان: انظر خليلي ببابِ جلقَ هل تؤنس دون البلقاءِ من أحدِ? قال: وحسان يبكي، يذكر ما كان فيه من صحة البصر والشباب، وعبد الرحمن يومىء إليهما: أن زيدا. قال أبو زيد: فلأعجبني ما أعجبه من أن تبكيا أباهُ. يقول: عجبت ما الذي اشتهى من أن تبكيا أباهُ. فقوله: أعجبني أي تركني أعجبُ. ومثله قول ابن قيس الرقياتِ: ألا هزئت بنا قرشـيةٌ يهتز مـوكـبـهـا رأت بي شيبةً في الرأ سِ عني ما أغيبهـا فقالت: أبن قـيسٍ ذا? وبعض الشيبِ يعجبها أي تعجب منه. خليلانُ الأموي يني أمير البصرة وحدثني عبد الصمد بن المعذل، قال: كان خليلان الأموي يتغنى، ويرى ذاك زائداً في الفتوة. وكان خليلانُ شريفاً وذا نعمةٍ واسعةٍ، فحضر يوماً منزل عقبة بن سلم الهنائي وهو أمر البصرة، وكان عاتياً جباراً، فلما طعما وخلوا نظر خليلانُ إلى عودٍ موضوعس في جانب البيت، فعلم أنه عرض له به، فأخذه فتغنى: بابنة الأزدي قلبي كئيب مستهامٌ عندها ما يؤوب ولقد لاموا فقلت: دعوني إن من تلحون فيه حبيبُ فجعل وجه عقبة يتغير، وخليلانُ في سهو عما فيه عقبةُ، يرى أنه محسن، ثم فطن لتغير وجه عقبة، فعلم أنه كارهٌ لما تغنى به، فقطع الصوت، وجعل مكانه: ألا هزئت بنا قرشية يهتزُّ موكـبـهـا فسري عن عقبة، فلما انقضى الصوت وضع خليلانُ العودَ، ووكد على نفسه الحلف ألا يني عند من يجوز أمره عليه أبداً. غضب الرشيد لشعر مدح به أخوه وحدثت أن رجلاً تغنى بحضرة الرشيد بشعر مدح به علي بن ريطة، وهو علي ابن أمير المؤمنين المهدي، وتغناه على جهل، وهو:

قل لعلي: أيا فتى العـربِ وخير نام وخير منتـسـبِ أعلاك جداك يا عـلـي إذا قصر جدٌّ في ذروة الحسبِ ففتش عن المغني فوجده لم يدر فيمن الشعرُ. فبحث عن أول من تغنى فيه، فذا هو عبدُ الرحيم الرقاص، فأمر فضرب أربعمائة سوط. معاوية وابنه يزيد وحدثت أن معاوية استمع على يزيد ذات ليلةٍ، فسمع من عنده غناءً أعجبه، فلما أصبح قال ليزيد: من كان ملهيك البارحة? فقال له يزيد: ذاك سائب خاثرٍ، قال: إذاً فأخثر له من العطاء. ?وحدثت أن معاوية قال لعمرو: امضِ بنا إلى هذا الذي قد تشاغل باللهو وسعى في هدم مروءته، حتى ننعى عليه، أي نعيب عليه فعله - يريد عبد الله بن جعفر بن أبي طالبٍ - فدخلا إليه، وعنده سائبُ خاثر، وهو يلقي على جوارٍ لعبدِ الله، فأمر عبد الله بتنحية الجواري لدخول معاوية، وثبت سائبُ مكانه، وتنحى عبد الله عن سريره لمعاوية، فرفع معاويةُ عمراً فأجلسه إلى جانبه، ثم قال لعبد الله: أعد ما كنت فيه، فأمر بالكراسي فالقيت، وأخرج الجواري، فتغنى سائبٌ بقول قيس بن الخطيم: ديارُ التي كادت ونحن على منى تحل بنا لولا نجاء الـركـائبِ ومثلك قد اصبتُ ليست بـكـنةٍ ولا جارةٍ ولا حليلة صاحبـش وردده الجواري عليه، فحرك معاويةُ يديه وتحرك في مجلسه، ثم مد رجليه، فجعل يضرب بهما وجه السرير. فقال له عمروٌ: اتئد يا أمير المؤمنين، فإن الذي جئت لتلحاه أحسن منك حالاً وأقل حركة. فقال معاوية: اسكت لا أبا لك! فإن كل كريمٍ طروبٌ. سفيان بن عيينة وجاره السهمي وحدثت من غير وجه أن سفيان بن عيينة قال لجلسائه يوماً: إني أرى جارنا هذا السهمي قد أثرى وانفسحت له نعمةٌ، وصار ذا جاهٍ عند الأمراء، ووافداً إلى الخلفاء، فمم ذاك? يعني يحيى بن جامعٍ، فقال له جلساؤه: إنه يصير إلى الخليفة فيتغنى له، فقال سفيانُ: فيقول ماذا? فقال أحدُ جلسائه: يقول: أطوف نهاري مع الطائفني وأرفع من مئزري المسبلِ فقال سفيان: ما أحسن ما قال! فقال الرجلُ: واسهر ليلي مع العاكفين وأتلوا من المحكم المنزلِ قال:حسن والله جميل، قال: إن بعد هذا شيئاً، قال سفيان: وما هو? قال: عسى فارج الكرب عن يوسفٍ يسخرُ لي ربةَ المـحـمـلِ فزوى سفيانُ وجههُ، وأومأ بيده أن كفَّ، وقال: حلالاً حلالاً! ابن أبجر يغني لعطاء بن رباح ولقي ابن أبجر عطاء بن أبي رباح وهو يطوف، فقال: اسمع صوتاً للغريض، فقال له عطاءُ: يا خبيث، أفي هذا الموضع! فقال ابن أبجر:ورب هذه البنية لتسمعنه خفيةً، أو لأشيدنَّ به، فوقف له، فتغنَّى: عوجي علينـا ربةَ الـهـودج إنكِ إلا تفعلي تـحـرجـي أنـى أُتـيحـت لـي يمـانةٌ إحدى بني الحارثِ من مذحجِ تلبث حـولاً كـامـلاً كـلـهُ لا نلتقي إلا على مـنـهـجِ في الحج إن حجت، وماذا منًى وأهله إن حي لم تحـجـجِ! فقال له عطاء: الكثير الطيب يا خبيث! سليمان بن عبد الملك في عسكره وسمع سليمان بن عبد الملك متغنياً في عسكره، فقال: اطلبوه، فجاؤوا به، فقال: أعد ما تغنيت، فتغنى واحتفل، وكان سليمانُ مفرطَ الغيرةَِ، فقال لأصحابه: والله لكأنها جرجرةُ الفحلِ في الشوالِ، وما أحسب أنثى تسمعُ هذا إلا صبت. ثم أمر به فخصي. الفرزدق يسمع الأحوص يغني بشعر جرير وحدثت أن الفرزدق قدم المدينة فنزل على الأحوص بن محمد بن عبد الله بن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، فقال له الأحوص: ألا أسمعك غناءً من غناءِ القرى? فأتاه بمغنٍّ فجعل يغنيه، فكان ما غناه: أتنسى إذ تودعنا سلـيمـى بفرغ بشامةٍ، سقي البشامُ! ولو وجد الحمامُ كما وجدنا بسلمانين لاكتأب الحمـامُ فقال الفرزدق: لمن هذا الشعر? فقالوا: لجريرٍ، ثم غناه: اسرى لخالدةَ الخـيالُ ولا أرى شيئاً ألذ من الخيالِ الطـارقِ إن البليةَ من تـمـلُّ حـديثَـه فانقع فؤادكَ من حديثِ الوامِقِ فقال: لمن هذا? فقيل: لجرير، ثم غناه: إن الذين غدوا بلبكَ غادروا وشلا بعينك ما يزالُ معينا

غيضن من عبراتهن وقلن لي ماذا لقيت من الهوى ولقينا? فقال: لمن هذا? فقالوا: لجريرٍ، فقال الرزدق: ما أحوجه مع عفافه إلى خشونة شعري، وأحوجني مع فسوقي إلى رقةِ شعره! الأحوص ومعبد عند عقيلة المغنية وقال الأحوص يوماً لمعبدٍ: امض بنا إلى عقيلةَ حتى نتحدثَ إليها، ونسمع من غنائها وغناء جواريها. فمضيا، فألفيا على بابها معاذاً الأنصاري، ثم الرزرقي، وابن صائدٍ النجاري، فاستأذنوا عليها جميعاً؛ فأذنت لهم إلا الأحوص، فإنها قالت: نحن غضابٌ على الأحوص، فانصرف الأحوص وهو يلومُ أصحابه على استبدادهم، فقال: ضنت عقيلةُ لما جـئتُ بـالـزادِ وآثرت حاجةَ الثاوي على الغادي فقلت: والله لولا أن تقول له=قد باح بالسرِّ أعدائي وحسادي قلنا لمنزلها: حييتَ من طلـلٍ وللعقيق: ألا حييت َمن وادي! إني جعلتُ نصيبي من مودتها لمعبدٍ ومعـاذٍ وابـن صـيادِ لابن اللعين الذي يخبا الدخانُ له وللمغني رسولِ الزور قوادي أما معاذٌ فإني لسـت ذاكـرهُ كذا أجدادهُ كانـوا الأجـدادي قال الزبيري: وكان معاذٌ جلداً، فخاف الأحوص أن يضربه، فحلف معبدٌ ألا يكلم الأحوص ولا يتغنى في شعره، فشق ذلك على الأحوص، فلما طالت هجرته إياه رحل نجيباً له وجعل طلاء في مذرعٍ في حقيبة رحلهِ، وأعد دنانير، ومضى نحو معبد فاناخ ببابه - ومعبد جالسٌ بفنائه - فنزل إليه الأحوص فكلمه، فلم يكلمه معبدٌ، فقال: يا أبا عبادٍ، أتهجرني! فخرجت إليه امرأته أم كردم، فقالت: أتهجر أبا محمدٍ! واللهِ لتكلمنه، قال: فاحتمله الأحوص فأخله البيت، وقال: والله لا رمت هذا البيت حتى آكل الشواء وأشربَ الطلاءَ وأسمع الغناء، فقال له معبدٌ: قد أخزى الله الأبعد، هذا الشواءَ أكلتهُ، والغناءَ سمعته، فأنى لك بالطلاء! قال: قم إلى ذلك المذرع ففيه طلاءٌ ومعه دنانيرُ، فأصلح بها ما نريدُ من أمرنا، ففعل كل ما قال: فقالت أم كردم لمعبدٍ: أتهجرُ من ن زرنا أغدرَ فينا فضلاً ونيلاً، وإن فارقنا خلف فينا عقلاً ونبلاً! فانصرف الأحوص مع العصر، فمر بين الدارين وهو يميل بين شعبتي رحلهِ. هجاء الأحوص لسعد بن مصعب وحدثت أن سعد بن مصعب بن الزبير تهم بامرأة في ليلة مناحةٍ أو عرسٍ، وكانت تحته ابنةُ حمزة بن عبد الله بن الزبير، فقال الأحوص - وكان بالمدينة رجلٌ يقال له: سعد النار -: ليس بسعد النار من تذكـرونـه ولكن سعد النار سعد بن مصعبِ ألم تر أن القوم ليلةَ جمـعـهـم بغوهُ فألفوه لدى شرِّ مـركـبِ فما يبتغي بـالـشـرِّ لادرَّ درهُ وفي بيتهِ مثل الغزال المربـبِ! فأمر سعدُ بن مصعب بطعام فصنعَ، ثم حملَ إلى قبابِ العربِ، وقال للأحوص - وكان له صديقاً -: تعال نمضي فنصيب منه، فلما خلا به أمر به فأوثق، وأراد ضربه، فقال له الأحوصُ: دعني، فلا والله لا أهجو زبيريا أبداً، فحله، ثم قال: إني والله ما لمتك على مزحك، ولكني أنكرتُ قولكَ: وفي بيته مثل الغزال المرببِ وحدثت أن ابن عتيق ذكرَ له أن المخنثين بالمدينةِ خصوا، وأنه خُصِيَ الدلال فيهم، فقال: إنا لله! أما والله لئن فعلَ ذلك به لقد كان يحسنُ: لمن ربعٌ بذات الجي ش أمسى دارساً خلقا ثم أستقبل ابن أبي عتيق القبلة يصلي، فلما كبر سلمَ، ثم التفت إلى أصحابه، فقال: اللهم إنه كان يحسنُ خفيفه، فأما ثقيله فلا - الله أكبر! شفاعة وحدثت أ، مدنياً كان يصلي منذ طلعتِ الشمسُ إلى أن قارب النهار أن ينتصف، ومن ورائه رجلٌ يتغنى، وهما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا رجلٌ من الشرط قد قبض على المغني، فقال: أترفعُ عقيرتك بالغناء في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم? فأخذه، فانفتل المدني من صلاتهِ، فلم يزل يطلبُ إليه فيه حتى استنقذه، ثم أقبل عليه فقال: أتدري لم شفعت فيك? فقال: لا والله، ولكن إخالك رحمتني؛ قال: إذاً فلا رحمني الله! قال: فأحسبك عرفتَ قرابةٌ بيننا? قال: إذاً فقطعها الله! قال: فليدٍ تقدمت مني إليك? قال: لا والله، ولا عرفتك قبلها، قال: فخبرني، قال: لأني سمعتك غنيت آنفاً، فأقمت واوات معبدٍ، أما والله لو أسأت التأدية لكنتُ أحدَ الأعوان عليك! والصوت الذي ينسب إلى واوات معبدٍ شعرُ الأعشى الذي يعاتب فيه يزيد بن مسهرٍ الشيباني، وهو قوله: هريرةَ ودعها وإن لام لائمُ غداة غدٍ أم أنت للبينِ واجمُ لقد كان في حولٍ ثواءٍ ثويتهُ تقضى لباناتٌ ويسأم سـائمُ قوله: "هريرةَ ودعها وإن لامَ لائمُ" منصوب بفعل مضمر، تفسيره ودعها كانه قال: ودع هريرة، فلما اختزل الفعل أظهر ما يدل عليه، وكان ذلك أجود من ألا يضمرَ، لأن الأمر لا يكون إلا بفعل، فأضمر الفعل إذ كان الأمر أحق به،وكذلك زيداً اضربه وزيداً فأكرمه وإن لمتضمر ورفعت جاز، وليس في حسن الأولِ، ترفعه على الابتداءِ وتصيرُ الأمر في موضع خبره. فأما قول الله جل وعزَّ: "والسارقُ والسارقةُ فاقطعوا أيديهما" المائدة: 38 وكذلك: "الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدةٍ" النور: 2 فليس على هذا، والرفعُ الوجه، لأنمعناهُ الجزاءُ، كقوله: الزانيةُ أي التي تزني، فإما وجب القطع للسرق والجلد للزنا، فهذا مجازاة، ومن ثم جاز: الذي يأتيني فله درهمٌ، فدخلت الفاءُ لأنه استحق الدرهم بالإتيان، فإن لم ترد هذا المنى قلت الذي يأتيني له درهمٌ، ولا يجوزُ: زيدٌ فله درهمٌ، أو هذا زيدٌ، فحسن جميلٌ، جازَ، على أن زيداً خبرٌ. وليس بابتداءٍ، للإشارة دخلت الفاءُ، وفي القرآن: "الذين ينفقون أموالهم باليل والنهار سراً وعلانيةً فلهم أجرهم عند ربهم" البقرة: 274، ودخلتِ الفاءُ لأن الثواب دخل للإنفاق. وقد قرأت القراءُ: "الزانية والزاني فاجلدوا" النور: 2 "السارق والسارقة فاقطعوا" المائدة: 38 بالنصبِ، على وجه الأمر، والوجه الرفعُ، والنصبُ حسنٌ في هاتين الآيتين، وما لم يكن فيه معنى جزاءِ فالنصبُ الوجهُ. ?فخر معبد بخمسة أصوات من غنائه ويروى أن معبداً بلغه أن قتيبة بن مسلم فتح خمس مدائن، فقال: لقد غنيت خمسةَ أصواتٍ، هن أشد من فتح المدائن التي فتحها قتيبة. والأصواتُ: ودع هريرةَ إن الركبَ مرتحِلُ وهل تطيق وداعاً أيها الرجلُ وقوله: هريرةَ ودعها وإن لام لائمُ غداة غدٍ أم أنت للبين واجمُ وقوله: رأيتُ عرابةً الأوسي يسمـو إلى الخيرات منقطع القرينِ وقوله: ودع لبابةَ قبل أن تترحلا واسأل فإن قليله أن تسألا وقوله: لعمري لئن شطت بعثمة دارها لقد كنت من خوف الفراق أليحُ أما قوله: ودع هريرة إن الركب مرتحلُ فللأعشى، يعاتب فيهما يزيد بن مسهر الشيباني، يقول: أبـلـغ يزيد بـنـي مـألـكةً أنا ثبيب أما ينفـك تـأتـكـلُ ألست منتهياً عن نحت أثلـتـنـا ولست ضائرها من أطت الإبلُ كناطح صخرةً يوماً ليفلـقـهـا فلم يضرها وأوهى قرنه الوعلُ ويقولُ في الأخرى يعاتبه أيضاً: يزيد يغض الطرف دوني كأنمـا زوى بين عينيهِ علي المحـاجـمُ فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى ولا تلقنـي إلا وأنـفـكَ راغـمُ فأقسم إن جد التقاطـع بـينـنـا لتصطفقن يوماً عليكَ الـخـوادمُ وتلقى حصانٌ تنصف ابنة عمهـا كما كان يلقى الناصعاتُ الخوادمُ إذا اتصلت قالت: أبكرَ بـن وائلٍ? وبكرٌ سبتهـا والأنـوف رواغـمُ فأما الشعر الثالث فللشماخ بن ضرار بن مرة بن عطفان، يقوله لعرابة بن أوس بن قيظي الأنصاري:

رأيت عرابةَ الأوسي يسمـو إلى الخيرات منقطعَ القرينِ إذا ما رايةٌ رفعت لمـجـدٍ تلقها عـرابةُ بـالـيمـين إذا بلغتني وحملتِ رحـلـي عرابةَ فاشرقي بدمِ الوتـينِ والرابع لعمر بن عبد الله بن أبي ربيعة، يقوله في بعض الروايات: ودع لبابة قبل أن تتـرحـلا واسأل فإن قليله أن تـسـألا أمكث لعمرك ساعةً فتأنـهـا فعسى الذي بخلت به أن يبذلا لسنا نبالي حين ندرك حـاجةً إن بات و ظل المطي معقلا والشعر الخامس لا أعرفه. ولم يتغن معبد في مدح قط إلا في ثلاثة أشعارٍ، منها ما ذكرنا في عرابةَ، ومنها قول عبد الله بن قيس الرقياتِ في عبد الل بن جعفر بن أبي طالب: تقدت بي الشهباءُ نحو ابن جعفرٍ سواءٌ عليها ليلها ونـهـارهـا والثالث قول موسى شهواتٍ في حمزةَ بن عبد الله بن الزبيرِ: حمزة المبتاع بالمال الثـنـا ويرى في بيعه أن قد غبن وهو إن أعطى عطاءً كاملاً ذا إخاء لم يكـدره بـمـن ونحن ذاكرو قصص هذه الأشعار التي جرت فيها عتب ما وصفنا إن شاء الله. قال أبو العباس: كان عبد الله بن قيس الرقياتِ منقطعاً إلى مصعب بن الزبير، وكان كثير المدح له، وكان يقاتلُ معه، وفيه يقول: إنما مصعبٌ شهابٌ من اللـه تجلت عن وجهه الطلمـاءُ ملكهُ ملكُ قـوةٍ لـيس فـيهِ جبروتٌ منه ولا كـبـرياءُ يتقي الله في الأمور وقد أفلحَ منكـان هـمـهُ الإتـقـاءُ قال أبو العباس: وله فيه أشعار كثيرةٌ، فلما قتل مصعب بن الزبير كان عبد الملك على قتل عبد الله بن قيس، فهرب فلحق بعبد الله بن جعفر، فشفع فيه إلى عبد الملك، فشفعه في أن ترك دمه، فقال: ويدخل إليك يا أمير المؤمنين فنسمع منه? فأبى، فلم يزل به حتى أجابه، ففي ذلك يقول لعبد الله بن جعفرٍ: أتيناك نثني بـالـذي أنـت أهـلـهُ عليك كما أثنى على الأرض جارها تقدت بين الشهباءُ نحو ابن جعـفـرٍ سواءٌ عليها ليلـهـا ونـهـارهـا تزور فتى قد يعلـم الـنـاسُ أنـه تجود له كفٌّ قـلـيلٌ غـرارهـا فوالله لولا أن تزور ابن جـعـفـرٍ لكان قليلا في دمشـق قـرارهـا والشعر الذي مدح به عبد الملك: عاد له من كثيرةَ الطربُ فعينه بالدموع تنسكـبُ وفيها يقول: ما نقموا من بني أمـية إلا أنم يحلمون إن غضـبـوا وأنهم سادةُ الملـوك فـلا تصلح إلا عليهم العـربُ إن الفنيق الذي أبوه أبو العا صي عليه الوقارُ والحجبُ خليفة الله فـي رعـيتـهِ جفت بذاك الأقلامُ والكتبُ يعتدلُ التاجُ فوق مفرقـهِ على جبين كأنه الـذهـبُ فقال له عبد الملك: أتقول لمصعبٍ: إنما مصعبٌ شهابٌ مـن ال له تجلتْ عن وجههِ الظلماءُ وتقول لي: يعتدل التاجُ فوق مفرقهِ على جبين كأنه الذهبُ! وأما شعر الشماخ في عرابةَ فقد ذكر في موضعه بحديثهِ. وأما الشعر في حمزة بن عبد الله بن الزبير فإنه لموسى شهواتٍ، وكان موسى قال لمعبدٍ: أقول شعراً في حمزةَ وتتغنى أنتَ به، فما أعطاك من شيء فهو بيننا! فقال هذا الشعرَ: حمزةُ المبتاعُ بالمال الثـنـا ويرى في بيعه أن قد غبنْ وو إن أعطى عطاءً كامـلاً ذا إخاءٍ لم يكـدره بـمـنْ وإذ ما سـنةٌ مـجـحـفةٌ برت المالَ كبري بالسفـنْ حسرت عنه نقـيا لـونـهُ طاهرَ الأخلاق ما فيه درنْ فأعطاه مالاً، فقاسمه موسى. باب لعتبة بن شماس في عمر بن عبد العزيز قال أبو العباسِ: قال عتبة بن شماسِ: ن أولى بالحق في كل حق ثم أخرى بأن يكونَ حقيقا من أبوه عبد العزيز بن مروا-ن ومن كان جده الفاروقا رد أموالنا علينـا وكـانـت في ذرا شاهقٍ يفوتُ الأنوقا

يقولُ هذا الشعر في عمر بن عبد العزيز: وأم عمرَ أم عاصمٍ بنتُ عاصمِ بن عمر بن الخطاب، رحمه الله. والأنوق: الرخمةُ، ولا يقالُ: الأنوقُ للرخمةِ الأنثى. ومن أمثال العرب: "هو أعزُّ من بيضِ الأنوقِ"، وتقول العرب لمن يطلب الأمر العسير: "سألتني بيض الأنوقِ" وذاك أنها تبيضُ في رؤوس الجبالِ، فلا يكادُ يوجدُ بيضها، لبعدِ مطلبه وعسرِه. فإن سأله محالاً قال: "سألتني الأبلق العقوقَ"، وإنما هو الذكرُ من الخيل، ويقال: فرسٌ عقوقٌ، إذا حملت فامتلأ بطنها، فالأبلقُ العقوق محال. ويروى أن رجلاً سأل معاويةَ أمراً لا يوجد، فأعلمه ذلك، فسأل أمراً عسراً بعده، فقال معاويةُ: طلب الأبلقَ العقوقَ فلما لم ينلهُ أرادَ بيضَ الأنوقِ وإنما الأبلقُ الذكر من الخيل، يقال: فرس عقوقٌ إذا حملت فامتلأ بطنها، فالأبلق العقوقُ محالٌ. لجرير في عمر بن عبد العزيز وقال جرير يمدحُ عمرَ بن عبد العزيز: ما عدَّ قـومٌ كـأجـدادٍ تـعـدهـمُ مروان ذو النور والفاروق، والحكمُ أشبهت من عمرَ الفاروقِ سيرتـهُ قاد البريةَ وائتـمـت بـه الأمـمُ تدعو قريشٌ وأنصارُ النـبـي لـه أن يمتعوا بأبي حفصٍ وما ظلمـوا وفيه يقول جريرٌ أيضاً: يعودُ الحلمُ منك على قـريشٍ وتفرج الـكـربَ الـشـدادا وقد آمنت وحشهـم بـرفـقٍ ويعيي الناسَ وحشكَ أن يصادا وتبني المجدَ يا عمرَ ابن ليلـى وتكفي الممحلَ السنةَ الجمادا وتدعو الله مجتهداً لـيرضـى وتذكر في رعيتكَ المـعـادا فما كعبُ بن مامةَ وابنُ سعدى بأجود منك يا عمر الـجـوادا وقال أيضا - وكان ابن سعد الأزدي قد تولى صدقات الأعرابِ وأعطياتم، فقال جريرٌ يشكوه إلى عمرَ -: إن عيالي لا فواكهِ عـنـدهـم وعند ابن سعدٍ سكـر وزبـيبُ وقد كان ظني بابنِ سعدٍ سعـادة وما الظن إلا مخطىءُ ومصيبُ فإن ترجعوا رزقي إلي فـإنـه متـاعُ لـيالٍ والأداءُ قــريبُ تحنى العظامُ الزاحفاتُ من البلى وليس لداءِ الركبتين طـبـيبُ وقال يرثيه أيضاً: نعى النعاةُ أميرَ المؤمنين لـنـا يا خير من حج بيت الله واعتمرا حملت أمراً جسيماً فاصطبرت له وقمت فيه بحق اللهِ يا عـمـرا فالشمسُ طالعةٌ ليست بكـاسـفةٍ تبكي عليك نجوم الليل والقمـرا قوله: يا عمرا ندبةٌ، أراد: يا عمراه! وإنما الألف للندبة وحدها، والهاء تزاد في الوقف لخفاء الأف، فإذا وصلت لم تزدها، تقول: يا عمرا ذا الفضلِ، فإن وقفت قلت: يا عمراه: فحذف الهاء في القافية لاستغنائه عنها. فأما قوله: "نجوم الليل والقمرا"، ففيه أقاويل كلها جيدٌ، فمنها أ، تنصب "نجوم، والقمرَ" بقوله: بكاسفةٍ، يقول: الشمسُ طالعةٌ ليس بكاسفةٍ نجومً الليل والقمرَ، يقول: إنما تكسفُ النجومَ والقمرَ بإفراطِ ضيائها، فإذ كانت من الحزن عليه قد ذب ضياؤها ظهرت الكواكبُ. ويقال: إن الغبار يوم حليمة سد عين الشمس فظهرت الكواكب المتباعدةُ عن مطلع الشمسِ. ويوم حليمة هو اليوم الذي سافر فيه المنذرُ بن المنذرِ بعربِ العراق إلى الحارث الأعرج الغساني، وهو الأكبر، والحارث في عربَ الشأم وهو أشهر أيام العرب؛ ومن أمثالهم في الأمر الفاشي: "ما يوم حليمة بسرٍّ"، وفيه يقولُ النابغة: تخيرن من أزمان يومِ حـلـيمةٍ إلى اليوم قد حرثن كل التجاربِ وأظن قول القائل من العرب: "لأرينك الكواكبَ ظهراً"؛ إنما أخذ من يوم حليمةَ، قال طرفةُ: إن تنولهُ فقد تـنـمـعـه وتريه النجمَ يجري بالظهرْ وقال الفرزدق لخالدِ بن عبد الله القسري: لعمري لقد سار ابن شبية سيرةٌ أرتكَ نجومَ الليل مُظهرةً تجري

ويجوز أن يكون: "نجوم الليل والقمرا" أراد بهما الظرف، يقول: تبكي الشمسُ عليك مدة نجوم الليل والقمرِ، كقولك: تبكي عليك الدهرَ والشهرَ، وتبكي عليك الليل والنهارَ،يا فتى، ويكونُ: تُبكي عليك الشمس النجومَ، كقولك: أبكيت زيداً على فلانٍ لما رأيتُ به. وقد قال في هذا المعنى أحدُ المحدثين شيئاً مليحاً، وهو أحمد أخو أشجع السلمي، بقوله لنصر بن شبث العقيلي، وكان أوقع بقومٍ من بني تغلبَ بموضعٍ يعرفُ بالسواجيرِ، وهو أشبه بالشعرِ، قال: للهِ سيفٌ في يدي نـصـرِ في حده ماءُ الردى يجري أوقعنصر بالسواجـير مـا لم يوقع الجحاف بالبشـرِ أبكي بني بكرٍ على تغلـبٍ وتغلباً أبكي على بـكـرِ ويكون: "تبكي عليك نجوم الليل والقمر"، على أن تكون الواو في معنى مع، وإذا كانت كذلك فكان قبل الاسم الذي يليه أو بعده فعلٌ انتصب لأنه في المعنى مفعول وصل الفعل إليه فنصبه. ونظيرُ ذلك: استوى الماء والخشبة لأنك لم ترد استوى الماء واستوت الخشبة؛ ولو أردت ذلك يم يكن إلا الرفع، ولكن التقدير: ساوى الماءُ الخشبة، وكذلك "ما زلت أسير والنيلَ" يا فتى؛ لأنك لست تخبر عن النيل بسير، وإنما تريدُ أن سيرك بحذائه ومعه، فوصل الفعلُ. وهذا بابٌ يطولُ شرحه. فإن قلتَ: "عبد الله وزيدٌ أخواك" وأنت تريد بالواو معنى مع، لم يكن إلا الرفعُ، لن قبلها اسماً مبتدأ، فهي على موضعِهِ. وأجود التفسير عندنا في قوله الله جلَّ وعزَّ: "فأجمعوا أمركم وشركاءكم" يونس: 71 أن تكون الواو في معنى مع، لأنك تقولُ: أجمعت رأيي وأمري، وجمعتُ القومَ، فهذا هو الوجهُ. وقومٌ ينصبونه على دخوله بالشركة مع اللام في معنى الأول، والمعنى الاستعدادُ بهما، فيجعلونه كقولِ القائلِ: يا ليت زوجكِ قد غدا متقلداً سيفاً ورمحـا والرمح لا يتقلد، ولكن أدخل مع ما يتقلد، فتقديره: "متقلداً سيفاً وحاملاً رمحاً"، ويكون تقدير الآية: فأجمعوا أمركم وأعدوا شركاءكم. والمعنى يؤول إلى أمر واحدٍ. ومن ذلك قوله: شراب ألباٍ وتمرٍ وأقطْ فأما ما جاء من القرآن على هذا خاصة؛ فقوله جل وعزَّ: "والله خلق كل دآبةٍ من ماءٍ فمنهم من يمشي على بطنه، ومنهم من يمشي على رجلين ومنهمُ من يمشي على أربعٍ" النور: 45 فأدخل من ههنا، لأن الناس مع هذه الأشياء، فجرت على لفظٍ واحدٍ، ولا تكون من إلا لمن يعقل إذا أفردتها. لرجل يشكو إلى عمر بن عبد العزيز وقال رجلٌ لعمر بن عبد العزيز يشكو إليه عمالهُ: إن الذين أمرتهم أن يعـدلـوا نبذوا كتابكَ واستحل المحـرمُ واردت أن يلي الأمانة منهـمُ بر وهيهات الأبرُّ المسـلـمُ طلسُ الثياب على منابرِ أرضنا كل بنقصِ نصيبنا يتـكـلـمُ أنشدنيه الرياشي على الأصمعي: إذا نصبوا للقول قالوا فأحسنوا ولكن حسن القول خالفه الفعلُ ودموا لنا الدنيا وهم يرضعونها أفاويق حتى ما يدر لها ثعـلُ وقد مر تفسير هذا الشعر. والأطلسُ: الأغبرُ، وربما اشتدت غبرته حتى يخفى في الغبار، وإنما أراد بقوله: طلسُ الثياب أنهم يظهرون تقشفا، ويكون أن يكون جعلهم بمنزلة الذئاب، وهو أحسن. عمر بن الخطاب مع أحد ولاته ويروى أن عمر بن الخطاب رحمه الله ولى رجلاً بلداً، فوفد عليه، فجاءه مدهناً حسن الحالِ في جسمه، عليه بردانِ، فقال له عمرُ: أهكذا وليناك! ثم عزلهُ، ودفع إليه غنيمات يرعاها، ثم دعا به بعد مدةٍ، فرآه بالياً أشعث في ثوبين أطلسين، وذكر عند عمر بخير، فرده إلى عمله، وقال: كلوا واشربوا وادهنوا، فإنكم تعلمون الذي تنهون عنه. ويروى عن الحسن أنه قال: اقربوا من هذه الأعوادِ، فإنهم إذا رقوها لقنوا الحكمةَ، لتكون عليهم حجةً يوم القيامةِ. لرجل يرثي عمر بن عبد العزيز وقال رجل لعمر بن عبد العزيز يرثيه، أنشدنيه الرياشي: قد غيب الدافنون اللحد إذ دفنوا بدير سمعان قسطاس الموازينِ من لم يكن همه عيناً يفجرهـا ولا النخيل ولا ركض البراذينِ أقولُ لما أتاني ثم مهـلـكـه: لا يبعدن قوامُ الملـكِ والـدينِ

يقال: هذا قوام الأمر وملاكه لا غيرُ، وتقول: فلانٌن حسنُ القوامِ؛ مفتوحٌ، تريد بذلك الشطاط، لا يكون إلا ذاك، وقوام إذا كان اسماً لم تنقلب واوه ياءً من أجل الكسرة، لأنها متحركة، إلا أن يكون جمعاً قد كانت الواو في واحده ساكنةً، فتنقلب في الجمع، لأن حركتها لعلةٍ، تقول: سوطٌ وسياطٌ وثوبُ وثيابٌ وحوضٌ وحياضٌ؛ فإن كانت الواو في الواحد متحركةً ثبتت في الجمع، نحو طويل وطوال، وكذلك فعالٌ إذا كان مصدراً صح إذا صح فعله، واعتل إذا اعتل فعله، فما كان مصدراً لفاعلتَ فهو فعالٌ صحيحٌ، تقول: قاولتهُ قوالاً، ولاوذته لواذاً، كقوله تعالى: "قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً" النور: 63، أي ملاوذة، وإذا كان مصدر فَعَلْتُ اعتل لاعتلال الفعل فقلت: قمت قياماً، ونمتُ نياماً، ولذتُ لياذاً، وعذتُ عياذاً. لعويف القوافي يرثي سليمان بن عبد الملك وقال عويف القوافي شعراً، يرثي سليمان بن عبد الملك، ويذكر عمرَ بن عبد العزيز، هذا ما اخترنا منه: لاح سحابٌ فرأينـا بـرقـهُ ثم تدانى فسمعنا صـعـقـهُ وراحت الريحتزجي بلـقـهُ ودهمه ثم تـزجـي ورقـهُ ذاك سقى ودقاً فروى ودقـهُ قبرَ امرىءٍ أعظم ربي حقهُ قبر سليمان الذي من عـقـهُ وجحد الخير الذي قد بـقـهُ في العالمـين جـلـهُ ودقـهُ لما ابتلى اللهُ بخيرٍ خلـقـهُ وكادتِ النفسُ تساوي خلقـهُ ألقى إلى خير قريشٍ وسقـهُ يا مرَ الخير الملقى وفـقـهُ سميت بالفاروقِ فافرقْ فرقهُ وأرزق عيال المسلمين رزقهُ واقصد إلى الخير ولا توقـهُ بحرك عذابُ الماء من أعقـهُ ربكَ، والمحرومُ من لم يسقهُ يقال: لاح البرق، إذا بدا، وألاح إذا تلألأ، وهذا البيت ينشدُ: من هاجه الليلة برقٌ ألاحْ ويقال: شرقتِ الشمسُ، إذا بدتْ، وأشرقت إذا أضاءت وصفت. ويقال: ساعقةٌ وصاقعةٌ؛ وبنو تميم تقول: صاقعةٌ؛ والصعقُ شدةُ الرعد، ويعنى في أكثر ذلك ما يعتري من يسمعُ صوت الصاعقةِ. وقوله: تزجي يقول: تسوقه وتستحثهُ. والأبلق من الساحب: ما فيه سوادُ وبياضٌ، وفي الخيل: كل لونٍ يخالطهُ بياضٌ فهو بلقٌ. والأورقُ: الذي بين الخضرةِ والسوادِ، وهو ألأم ألوان الإبل، ويقال: إن لحم البعير الأورق أطيبُ لحمانِ الإبلِ. والودقُ: المطرُ، يقال: ودقتِ السماءُ يا فتى، تدقُ ودقاً، قال الله جل وعزّ: "فترى الودقَ يخرجُ من خللهِ" النور: 43، وقال عامرُ بن جوين الطائي: فلا مزنةٌ ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالها وأصل العق القطعُ في هذا الموضع، وللعق مواضعُ كثيرة، يقال: عقَّ والديه يعقهما إذا قطعهما، وعققت عن الصبي من هذا، وقالوا: بل هو من العقيقة وهي الشعر الذي يولد الصبي به، يقال: فلان بعقيقته إذا كان بشعر الصبا لم يحلقهُ، ويقال: سيف كأنه عقيقة؛ أي كأنه لمعةُ برقٍ، يقال: رأيتُ عقيقة البرق يا فتى، أي اللمعة منه في السحاب، ويقال: فلانٌ عقتْ تميمته ببلد كذا، أي قطعت عنه في ذلك الموضع، قال الشاعر: ألم تعلمي يا دار بلجاء أنـنـي إذا أخصبت أو كان جدباً جنابها أحب بلاد الله ما بين مشرفٍ=إلي وسلمى أن يصوب سحابها بلاد بها عق الشبابُ تميمتـي وأول أرضٍ مس جلدي ترابها وقوله: وجحد الخير الذي قد بقهُ يقال: بق فلانٌ في الناس خيراً كثيراً، وبق ولداً كثيراً، وابقَّ كلاماً كثيراً. وقوله: ألقى إلى خيرقريشٍ وسقهُ فهذا مثل، يريد: قلدهُ أمره، والوسق الحمل. وقوله: الملقى وفقه، يقال: لقي فلانٌ خيراً، أي جعل يلقاهُ، والوسق من الكيل: مقدارُ خمسة أقفزة بقفيز، وهو قفيزان ونصفٌ بقفيز مدينة السلامِ. وقوله: "ليس في أقل من خمسة أوسقٍ صدقةٍ" إنما مبلغ ذلك خمسة وعشرون قفيزاً بالبصري. والوفقُ: التوفيقُ. وقوله: "سميت بالفاروقِ" فتأويل الفاروق هو الذي يفرق بين الحقِّ والباطلِ، وكذلك قال المفسرون في الفرقان، وقد أبان ذلك بقوله: فافرق فرقهُ. وقوله: وارزق عيالَ المسلمين رزقهُ يقال: رزقه يرزقه رزقاً، والاسم الرزقُ. وقوله: بحرك عذبُ الماءِ ما أعقهُ مقلوبٌ، إنما هو ما أقعه ربك. يقال: ماء قعاعُ، وماءُ حراقٌ. فالقعاع: الشديد الملوحة، يقول: ما أملحه ربك، والحراقُ: الذي يحرقُ كل شيءٍ بملوحته، والماء العذب يقال له: النفاخُ، وما دون ذلك شيئاً يقال له: المسوسُ. أنشد أبو عبيدة: لو كنت ماءً كـنـتَ لا عذبَ المذاقِ ولا مسوسا يقال: ماء عذبٌ،وماءُ فراتٌ، وهو أعذب العذبِ، ويقال: ماءُ ملح، ولا يقال: مالحٌ، وسمكٌ مملوحُ ومليحٌ، ولا يقالُ: مالحٌ، وأشدُ الماء ملوحةً الأجاج، قال الفرزدق: ولو اسقيتهم عسلاً مصفى بماء النيل أو ماء الفراتِ لقالوا إنه مـلـحٌ أجـاجٌ أراد به لنا إحدى الهناتِ وقوله: ذاك سقى ودقاً فروى ودقهُ يقال فيه قولان: أحدهما: فروى الغيم ودقه هذا القبرَ، يريدُ:من ودقه، فلما حذف حرف الجر عملَ الفعل والآخر كقولك: "رويت زيداً ماءً"، وروى أكثرُ من أروى، لأن روى لا يكون إلا مرةً بعد مرةٍ، يقول: فروى الله ودقه أي جعله رواءٌ، فأضمر لعلم المخاطبِ، لأن قوله: لاح سحابٌ، إنما معناه: ألاحه الله، فالفاعل كالمذكور، لأن المعنى عليه، ونظيره قوله جل وعزَّ: "إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت دآبةٍ" فاطر: 45 ولم يذكر الأرض. وقال قومٌ: ودقه، يريد ودقةً واحدةً، وهذا رديء في المعنى، ليس بمبالغٍ. لإسحاق بن إبراهيم الموصلي قال ابن الموصلي: لعمري لئن حلئت عن منهلِ الصبا لقد كنتُ وراداً لمنهلـه الـعـذبِ ليالي أمشـي بـين بـرديَّ لاهـيا أميس كغصنِ البانةِ الناعمِ الرطبِ سلامٌ على سير القلاص مع الركب ووصل الغواني والمدامةِ والشربِ سلام امرىءٍ لم تبق منـه بـقـيةٌ سوى نظرِ العينين أو شهوة القلبِ قوله: والشرب؛ يريد جمع شاربٍ، يقال: شاربُ وشربٌ، وراكبٌ وركبٌ، وتاجرٌ وتجرٌ، وزائرٌ وزورٌ، قال الطرماحُ: حب بالزور الذي لا يرى منه إلا صفحةٌ عن لِمامِ وهذا بابٌ متصل كثيرٌ، قال العجاجُ: بواسـطٍ أكــرمُ دارٍ دارا واللهُ سمى نصرك الأنصارا يريد أنصارك، فأخرجه على ناصرٍ ونصرٍ. وقوله: سلام امرىءعلى البدلِ من قوله: "سلامٌ على سيرِ القلاص" وإن شئت نصبت بفعلٍ مضمرٍ، كأنك قلت: اسلمُ سلامَ امرىءٍ، لأنك ذكرت سلاماً أولاً، ومثل ذلك: له صوتٌ صوت حمارٍ، لأنك لما قلتَ: له صوتٌ دللت على أنه يصوتُ، كأنك قلت: يصوتُ صوتَ حمارٍ،وكذلك: "له حنينٌ حنينَ ثكلى" و: له صريفٌ صريفَ القعوِ بالمسدِ أي: يصرف صريفاً، فما كان من هذا نكرةً فنصبه على وجهين: على المصدر،وتقديره: يصرف صريفاً مثل صريف جملٍ، وإن شئتَ جعلتهُ حالاً، وتقديره؛ يخرجه في هذه الحال. وما كان معرفةً لم يكن حالاً ولكن على المصدر، فإن كان الأول في غير معنى الفعلِ لم يكن النصبُ البتة ولم يصلح إلا الرفع على البدل، تقول: له رأسٌ رأسُ ثورٍ، وله كفُّ كفُّ أسدٍ، فالمرتفعُ الثاني إذا كان نكرةً كان بدلاً أو نعتاً، وإذا كان معرفةً كان بدلاً ولم يكن نعتاً، لأن النكرة لا تنعت بالمعرفة، وكذلك إذا كان الأول ابتداء لم يجز إلا الرفعُ، لأن الكلام غير مستغن؛ وإنما يجوز الإضمار بعد الاستغناء، تقول: صوته صوتُ الحمار، وغناؤه غناء المجيدي، وكذلك إن خبرت بأمرٍ مستقر فيه اختيرَ الرفع، تقول: له علمٌ علمُ الفقهاء، وله رأيٌ رأيُ القضاة؛ لأنك إنما تمدحه بأن هذا قد استقر له، وليس الأبلغ في مدحه أن تخبر بأنك رأيته في حال تعلم. ويجوز النصب على أنك رأيته في حال تعلم فاستدللت بذلك على علمه، فهذا يصلحُ. والأجود الرفع. فإذا قتل: "له صوتٌ صوتَ حمارٍ"؛ فإنما خبرت أنه يصوتٌ، فهذا سوى ذلك المعنى. ومما يختار فيه الرفعُ قولك: عليه نوحٌ نوحُ الحمامِ، وإنما أختير الرفع لأن الهاء في عليه اسم المفعولِ له، والهاءَ في له اسمُ الفاعلِ. ويجوز النصبُ على أنك إذا قلتَ: عليه نوحٌ دل النوحُ على أن معه نائحاً، فكأنك قلت: ينوحون نوح الحمامِ؛ فهذا تفسيرُ جميع هذه الأبواب. لابن الخياط المديني وقال ان الخياط المديني، يعني مالكَ بنَ أنسٍ: يأبى الجواب فما يراجعُ هيبةً والسائلون نواكـسُ الأذقـانِ هدي التقي وعز سلطانِ النهى فهو العزيزُ وليس ذا سلطانِ أراد: له هديُ التقيِّ، أو معه هيُ التقيِّ. باب قال أبو العباس: نذكر في هذا الباب من كل شيءٍ، ليكون فيه استراحةٌ للقارىء، وانتقالٌ ينفي الملل، لحسن موقع الاستطراف، ونخلط ما فيه من الجدّ بشيء يسيرٍ من الهزل، ليستريح إليه القلب، وتسكن إليه النفس. نبذ من الأقوال الحكيمة قال أبو الدّرداء رحمه الله: إني لأستجمُّ نفسي بشيء من الباطل ليكون أقوى لها على الحقِّ. وقال عليُّ بن أبي طالب رحمه الله: القلب إذا أكره عمي. وقال ابن مسعود رحمه الله: القلوب تملُّ كما تملُّ الأبدان فابتغوا لها ططرائف الحكمة. وقال ابن عباس رضي الله عنه: العلم أكثر من أن يؤتى على آخره، فخذوا من كل شيءٍ أحسنه. وليس هذا الحديث من الباب الذي ذكرنا، ولكن نذكر الشيء بالشيء، إمَّا لاجتماعهما في لفظٍ، وإمَّ لاشتراكهما في معنى. وقال الحسن -وليس من هذا الباب- : حادثوا هذه القلوب، فإنها سريعة الدُّثور، واقدعوا هذه الأنفس، فإنها طلعةٌ، وإنكم إلاّ تنزعوها تنزع بكم إلى شرّ غاية. وقد مضى تفسير هذا الكلام. وقال أردشير بن بابك: إن للآذان مجَّةً، وللقلوب مللاً، ففرّقوا بين الحكمتين يسكن ذلك استجماماً. وكان أنوشروان يقول: القلوب تحتاج إلى أقواتها من الحكمة كاحتياج الأبدان إلى أقواتها من الغذاء. ويروى أنه أصيب في حكمة آل داود: لا ينبغي للعاقل أن يخلي نفسه من واحدة من أربع: من عدّةٍ لمعادٍ، أو إصلاح لمعاش، أو فكرٍ يقف به على ما يصلحه مما يفسده، أو لذّةٍ في غير محرّمٍ يستعين بها على الحالات الثلاث. وقال عبد الله بن عمر بن عبد العزيز لأبيه يوماً: يا أبة، إنك تنام نوم القائلة، وذو الحاجة على بابك غير نائمٍ? فقال له: يا بنيَّ، إنّ نفسي مطيّتي، فإن حملت عليها في التعب حسرتها. تأويل قوله: "حسرتها" : بلغت بها أقصى غاية الإعياء، قال الله جلَّ وعزَّ:"ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسيرٌ" الملك: 4 . وأنشد أبو عبيدة: أنّ العسير بها داءٌ مخامرهـا فشطرها نظر العينين محسور قوله: "فشطرها" يريد قصدها ونحوها، قال الله جلَّ وعزَّ: "فولّ وجهك شطر المسجد الحرام" البقرة: 144 و قال الشاعر: لهنَّ الوجالم كنَّ عوناً على النَّوى ولا زال منها ظالعٌ وحـسـير يعني الإبل، يقول: هي المفرِّقة، كما قال الآخر: ما فرَّق الألاّف بـع د الـلـه إلاّ الإبـل ولا صـاح غــرا بٌ في الديار احتملوا وما غراب الـبـين إلاّ ناقة أو جـمـل قال أبو الحسن: وزادني فيه غير أبي العباس: والناس يلحون غرا ب البين لمَّا جهلوا والبائس المسكين ما يطوى عليه الرِّحل ويقال: إنه لأبي الشّيص . فمن قال: "آلفٌ" للواحد قال للجميع "ألاّفٌ" كعمل وعمّالٍ، وشاربٍ وشرَّابٍ، وجاهلٍ وجهَّالٍ. ومن قال للواحد: إلفٌ، قال للجميع: آلافٌ، وتقديره: عدلٌ وأعدالٌ، وحملٌ وأحمالٌ. وثقلٌ وأثقالٌ. في وصف الإبل قد أنصف الإبل الذي يقول: ألا فرعى الله الرَّواحـل إنـمـا مطايا قلوب العاشقين الرَّواحـل على أنهنَّ الواصلات عرى النَّوى إذا ما نأى بالآبقين التَّـواصـل وقال الآخر: أقول والهوجاء تمشي والفضل قطعت الأحداج أعناق الإبل الهوجاء: التي تجدُّ في السَّير وتركب رأسها، كأنَّ بها هوجاً، كما قال: لله درّ اليعملات الهوج وكما قال الأعشى: وفيها إذا ما هجَّرت عجرفيَّةٌ إذا خلت حرباء الوديقة أصيدا

والفضل: مشية فيها اختيالٌ، كأنّ مشيتها تخرج عن خطامها فتفضل عليه، والأصل في ذلك أن يمشي الرجل وقد أفضل من إزاره، وتمشي المرأة وقد أفضلت من ذيلها، وإنما يفعل ذلك من الخيلاء، ولذلك جاء في الحديث: "فضل الإزار في النار"، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي تميمة الهجيميِّ: "وإيَّاك والمخيلة" ، فقال: يا رسول الله، نحن قومٌ عبر، فما الخيلة? فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبل الإزار" .

وقال الشاعر: ولا ينسيني الحدثان عرضـي ولا أرخي من المرح الإزارا وقال أبو قيس بن الأسلت الأنصاريُّ: تمشي الهوينى إذا مشت قطفاً كأنَّها عود بـانةٍ قـصـف قال أبو الحسن: هذا وهم من أبي العباس، وما تروى إلاّلقيس بن الخطيم الأنصاري . وقال الوليد بن يزيد: أنا الوليد الإمام مـفـتـخـراً أنعم بالي وأتـبـع الـغـزلا أنقل رجلي إلى مجالـسـهـا ولا أبالي مقـال مـن عـذلا غرَّاء فرعاء يستضـاء بـهـا تمشي الهوينى إذا مشت فضلا ثم نعود إلى الباب، قال الراجز يصف إبلاً أو نوقاً: إنَّ لها لسائقاً خدلَّـجـا لم يدلج الليلة فيمن أدلجا الخدلَّج: المدمج السَّاقين، وإنما عنى المرأة التي ساقه حبُّه إليها. ضروب الكلام والكلام يجري على ضروب؛ فمنه ما يكون في الأصل لنفسه، ومنه ما يكنى عنه بغيره، ومنه ما يقع مثلاً، فيكون أبلغ في الوصف. والكناية تقع على ثلاثة أضربٍ: أحدها: التَّعمية والتَّغطية، كقول النابغة الجعديّ: أكنِّي بغير اسمها وقد علم الله خفيات كلِّ مكتتم وقال ذو الرُّمَّة، استراحةً إلى التصريح من الكناية: أحبُّ المكان من أجل أنَّنـي به أتغنّى باسمها غير معجم وقال أحد القرشيين: وقد أرسلت في السرِّ أن قد فضحتنـي وقد بحت باسمي في النَّسيب وما تكني ويروى أن عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة قال شعراً، وكتب به إلى امرأةٍ محرمةٍ بحضرة ابن أبي عتيق، وهو: ألما بذاتِ الخالِ فاستطلعا لـنـا على العهد باقٍ ودها أم تصرما وقولاَ لها إن النوى أجـنـبـيةٌ بنا وبكر قد خفت أن تتيمـمـا قال: فقال له ابن أبي عتيقٍ: ماذا تريد إلى امرأةٍ مسلمةٍ محرمة تكتبُ إليها بمثل هذا الشعر! قال: فلما كان بعد مديدةٍ قال له ابن أبي ربيعة: أعلمتَ أن الجوابَ جاء من عندِ ذاك الإنسان? فقال له: ما هو? فقال: كتبت: أضحى قريضكَ بالهوى نماما فاقصد هديتَ وكن له كتاما واعلم بأن الخال حين ذكرته قعد العدو به عليك وقـامـا

ويكن من الكناية - وذاك أحسنها=الرغبةُ عن اللفظ الخسيس المفحش إلىما يدل على معناه من غيره، قال الله - وله المثل الأعلى: "أحل لكم ليلة الصيام الرفثُ إلى نسائِكمُ" البقرة: 187 وقال: "أو لمستمُ النساءَ" النسا: 43 والملامسة في قول أهل المدينة - مالكٍ وأصحابه - غير كنايةٍ، إنما هو اللمسُ بعينه، يقولون في الرجلِ تقع يده على امرأته أو على جاريتهِ بشهوةٍ: إن وضوءه قد انتقض. وكذلك قولهم في قضاء الحاجةِ: جاء فلان من الغائطِ، وإنما الغائط الوادي، وكذلك المرأةُ، قال عمروُ بن معدي كرِب الزبيديُّ: فكم من غائطٍ من دون سلمى قليل الأنس ليس به كـتـيعُ وقال الله جل وعزَّ في المسيح ابن مريمَ وأمهِ صلى الله عليهما: "كانا يأكلان الطعامَ" المائدة: 75، وإنما هو كنايةٌ عن قضاء الحاجة. وقال: "وقولوا لجلودهم لم شهدتم علينا" فصلت: 21؛ وإنما هي كنايةق عن الفروج. ومثل هذا كثيرٌ. والضرب الثالث من الكناية: التفخيم والتعظيمُ، ومنه اشتقت الكنيةُ وهو أن يعظمض الرجل أن يدعى باسمه، ووقعت في الكلام على ضربين: وقعت في الصبيِّ على جهة التفاؤل؛ بأن يكون له ولدٌ ويدعى ولده كنايةً عن أسمه، وفي الكبير أن ينادى باسم ولده صيانةً لاسمهِ؛ وإنما يقال: كنيَ عن كذا بكذا، أي تركَ كذا إىل كذا، لبعض ما ذكرنا.

وكان خالدُ بن عبد الله القسري لعنه الله يلعن عليا رضي الله عنه على المنبر فيقول: فعل الله على علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد منافٍ ابن عمّش رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته فاطمة وأبي الحسن والحسين. ثم يُقبلُ على الناسِ ويقول: أكنيتُ! فهذا تأويل هذا. لأعرابي ونرجع إلى الباب الذي قصدنا له: وقال أعرابي: وحقهِ مسكٍ من نساءٍ لبستـهـا شبابي وكأسٍ باكرتني سمولهـا جيدةِ سربال الشباب كـأنـهـا أباءةُ برديٍّ سقتها غـيولـهـا محملةٍ باللحم من جون خصرها تطولو القصارَ والطوال تطولها قوله؛ "باكرتني شمولها"، زعم الأصمعي أن الخمر إنما سميت شمولاً لأن لها عصفة كعصفة الريح الشمال. وقوله: "أباءةُ بردي" الأباءة: القصبةُ، وجمعها الأباءُ، يا فتى. قال كعبُ بن مالكٍ الأنصاريُّ: من سرهُ ضربٌ يرعبلُ بعضهُ بعضاً كمعمعة الأباءِ المحرقِ المعمعة: صوت إحراقه، يقال: سمعتُ معمعة القصب والقوصرة في النار، أي صوت احتراقها. وإنما شبهَ المرأة بالبردية والقصبة لبقاء اللون المستتر منها وما والاهُ ورقته. قال حميدُ بن ثور الهلاليُّ: لم ألق عمرة بعد إذ هي ناشىء خرجت معطفة عليها مـئزرُ برزت عقيلة أربع هادينـهـا بيض الوجوه كأنهن العنـقـرُ العطاف: الوشاح للناس، والعنقرُ: أصولُ القصبِ، يقال: عنقرٌ وعنقرٌ، وفي هذا الشعر: ذهبت بعقلك ريطةٌ مطـويةٌ وهي التي تهدى بها لو تنشرُ قال أبو الحسنِ: أنشدنيه ثعلبٌ في قوله: لو تنشرُ: تشعر. فهممت أن أغشى إليها محجراً ولمثلها يغشى إليه المحجـرُ وقوله: "سقتها غيولها" الغيل: ههنا: الأجمة، ومن هذا قوله: أسدُ غيل، قال طرفةُ: أسدُ غيلٍ فإذا ما شربوا وهبوا كل أمونٍ وطمرْ وقد أملينا جميع ما في الغيل والغيلِ. وقوله: تطول القصارَ والطوال تطولها طال:يكون على ضربين: أحدهما تقديره: فعل، وهو ما يقع في نفسه انتقالاً لا يتعدى إلى مفعول، نحو ما كان كريماً فكرمَ، وما كان وضيعاً ولقد وضع، وما كان شريفاً ولقد شرفَ، وكان الشيءُ صغيراً فكبرَ، وكذلك قصيراً فطال، وأصله طولَ. وقد أخبرنا بقصةِ الياء والواو إذا انفتح ما قبلهما وهما متحركتان، وعلى ذلك يقال في الفاعل: فعيلٌ نحو شريفٍ، وكريم، وطويل. فإذا قلتَ: طاولني فطلتهُ، أي فعلوته طولاً، فتقديره فعل نحو خاصمني فخصمتهُ، وضاربني فضربتهُ، وفاعلُهُ طائلٌ، كقولك ضاربٌ، وخاصمٌ. وفي الحديث: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقَ الربعةِ، وإذا مشى مع الطوالِ طالهمُ". ?بين رياح بن سنيح وجرير وقال رياحُ بن سنيحٍ الزنجي مولى بن تاجية - وكان فصيحاً - يجيب جريراً، لما قال جرير: لا تطلبن خؤولة في تغلـبٍ فالزنجُ أكرمث منهمُ أخوالاَ فتحرك رياحُ فذكر أكثر من ولدته الزندُ من أشراف العربِ في قصدةٍ مشهورةٍ معروفةٍ، يقول فيها: والزنجُ لو لاقيتهم في صفهم لاقيت ثم جحاجحاً أبطـالاَ ما بالُ كلبِ بني كليبٍ سبهم إن لم يوازن حاجباً وعقالاَ إن الفرزدق صخرةٌ عاديةٌ طالت فليس تنالها الأجبالاَ يريد: طالتِ الأجبال وعلت فليس تنالها. لمروان بن أبي حفصة ثم نعود إلى ذكر الباب. وقال مروان بن أبي حفصة، وهو مروان بن سليمان بن يحيى بن يحيى بن أبي حفصة، واسم أبي حفصة يزيدُ: إن الغواني طالما قتـلـنـنـا بعيونـهـن ولا يدين قـتـيلا من كل آنسةٍ كأن حجـالـهـا ضمن أحور في الكناسِ كحيلاَ أردين عروة والمرقش قبـلـه كل أصيب وما أطاق ذهـولا ولقد تركن أبا ذؤيبٍ هـائمـاً ولقد تبلنَ كثـيراً وجـمـيلا وتركن لابن أبي ربيعة منطقـاً فيهن أصبح سائراً محـمـولا إلا أكن ممن قتلـن فـإنـنـي ممن تركن فؤاده مـخـبـولا


قوله: "ولا يدين قتيلا" يقال: ودي يدي، وكل ما كان من فَعَلَ مما فاؤه واوٌ ومضارعُه يَفْعِل فالواوُ ساقطةٌ منه، لوقوعها بني ياءٍ وكسرةٍ، وكذلك ما كان منه على فَعِلَن يَفْعِلُ، لأن العلةَ في سقو الواو كسرةٌ العين بعدَها.وقد مضى تفسيرُ هذا. ولكن في يدينَ علة أخرى، وهي أن الياء التي هي لام الفعلِ بعد كسرةٍ، فهي تعتلُّ اعتلال آخر يرمي، وأوله يعتل اعتلال واو يعد، واحتمل علتين لأن بينهما حاجزاً، ومثل ذلك وعى يعي، ووقى يقي، ووفى يفي، ووشى يشي، وونى في أمر يني، وما أشبه ذلك. ويقعُ في فَعِلَ، نحو وَلَى الأميرُ الآن يلي. فإذا أمرتَ كان الفعل على حرفٍ واحدٍ في الوصلِ، لاتصاله بما بعده، تقول: يا زيد ع كلاماً، وشِ ثوباً، وتقولُ: لِ عمراً يا زيدُ، من وليتُ، فإذا وقفت قلت: لهْ، وشِهْ، وقِهْ، لايكون إلا ذلك، لأن الواوَ تسقطُ فتبتدىء بمتحركٍ، فلا تحتاجُ إلى ألفِ وصل، فإذا وقفت احتجت إلى ساكنٍ تقفُ عليها فأدخلت الهاء لبيان الحركةِ في الأول، ولم يجز إلا ذلك. ومن قال لك: الفظ لي بحرفٍ واحدٍ غير موصولٍ فقد سألك محالا، لأنك لاتبتدىء إلا بمحركٍ. ولا تقفُ إلى على ساكنٍ، فقد قال لك الفظ لي بساكنٍ متحرك في حالٍ. وقوله؛ ضمن يقالُ: ضمن القبرُ زيداً، وضمنَ القبرَ زيدٌ؛ كلٌّ صحيحٌ. فمن قال: ضمن القبرُ زيداً، فإنما أراد جعل القبر ضمين زيدٍ، ومنقال: ضمنَ زيدٌ القبرَ، فإنما أراد: جعلَ زيدٌ في ضمنِ القبر، وينشد هذا البيت على وجهين: وما غائبٌ من غابَ يُرجى إيابهُ ولكنهُ من ضمنَ اللحدَ غـائبُ ومن روى "من ضمن اللحدُ غائبُ" يريدُ من ضمنه اللحدُ، وحذفَ الهاءَ من صلةِ من،وهذا من الواضح الذي لا يحتج إلى تفسير. وقوله: أحور يعني ظبياً، وأهل الغريب يذهبون إلى أن الحوار في العين شدةً سوادِ سوادها وشدةُ بياض بياضها، والذي عليه العرب إنما هو نقاءٌ البياضِ، فعند ذلك يتضح السوادُّ. وقد فسرنا الحورَ والحواري. والكناسُ: حيث تكنسُ البقرة والظبيةُ، وهو أن تتخذ في الشجرةِ العادية كالبيت تأوي إليه وتبعر فيه، فيقال إن رائحته أطيبُ رائحة، لطيب ما ترتعي، قال ذو الرمةِ: إذا استهلت عليه غـيبةٌ أرجـت مرابضُ العين حتى يأرجَ الخشبُ كأنه بيتُ عـطـارٍ يضـمـنـهُ لطائم المسكِ يحويها وتنتـهـب قوله: غيبة هي الدفعة من المطرِ، وعند ذلك تتحرك الرائحةُ. والأرجُ: توهجُ الريحِ، وإنما يستعمل ذلك في الريح الطيبةِ. والعين: جمعُ عيناءَ، يعني البقرةَ الوحشيةَ، وبها شبهت المرأة، فقيل: حورٌ عينٌ. واللطيمة: الإبلُ التي تحملُ العطرَ والبزَّ، لا تكون لغير ذلك. فيقولُ: ضمنَّ ظبياً أحور العين أحكلَ، وجعلَ الحجالَ كالكناسِ.وقال ابن عباس في قول الله جلَّ وعزَّ: "فلا أقسم بالخنسِ" "الجوارِ الكنسِ" التكوير: 15 - 16 قال: أقسم ببقر الوحش لأنها خنسُ الأنوف: والكنسُ: التي تلزمُ الكناسَ. وقال غيره: أقسم بالنجوم التي تجري بالليل وتخنس بالنهار، وهو الأكثر. وقوله: أردين، يقول: أهلكنَ، والردى: الهلاكُ والموت من ذا. والذهولُ الانصراف، يقال: ذهلَ عن كذا وكذا: إذا انصرف عنه إلى غيره. قال الله عز وجل: "يوم ترونها تذهل كل مرضعةٍ عما أرضعتْ" الحج: 2 أي تسلى وتنسى عنه إلى غيره. قال كثيرة: صحا قلبهُ يا عزّ أو كاد يذهلُ وأضحى يريدُ الصرمَ أو يتدللُ وقوله: ولقد تبلن كثيراً وجميلاً أصل التبل الترةُ، يقال: تبلي عند فلانٍ؛ قال حسانُ بن ثابتٍ: تبلت فؤادك في المنامِ خريدةٌ تشفي الضجيع بباردٍ بسـامِ والخريدةٌ: الحييةٌ. وقوله: ممن تركن فؤاده مخبولا يريد: الخبل، وهو الجنون، ولو قال: محبولا لكان حسناً يريدُ مصيداً واقعاً في الحبالةِ، كما قال الأعشى: فلكنا هائم في إثر صاحبهِ دانٍ وناءٍ ومحبولٌ ومحتبلُ من طرائف العشاق وخبرت أن رجلاً جافياً عشق قينة حضرية، فلكما يوماً على ظهر الطريق فلم تكلمه، فظن أن ذاك حياءٌ منه، فقال: يا خريدة! قد كنتُ أحسبك عروباً، فما بالنا نمقك وتشنئينا! فقالت: يا ابن الخبيثةِ! أتجمشني بالهمزِ!

الخريدةٌ: الحيية. والعروبُ: الحسنةُ التبعل، وفسرَ في القرآن على ذلك في قوله: "عربا أتراباً" الواقعة: 37. فقيل: هن المحباتُ لأزواجهن. وقال أوسُ بن حجر: تصبي الحليم عروبٍ غير مكلاحِ وذكر الليثي أن رجلاً كان يحب جاريةً لوم يكن يحسن مما يتوصل به إلى النساء شيئاً، إلا أنه كان يحفظ القرآن، فكان يتوصل إليها بالآية بعد الآية، فكان إن وعدته فأخلفته تحين وقت مرورها، فقال: "يأيها الذين أمنوا لم تقولونَ ما لا تفعلونَ" الصف: 2 وإن خرجت خرجةً ولم يعلم بها فينتظر تحينها في أخرى، فتلا: "ولو كنتُ أعلمُ الغيب لأستكثرت من الخير" الأعراف: 188. وإن وشى به إليها واشٍ كتبَ إليها: "يا أيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسقٌ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهلةٍ" الحجرات: 6. وذكروا أن أبا القمقام بن بحر السقاء عشق جارية مدينية، فبعث إليها: إن أخواناً لي زاروني، فابعثي إلي برؤوسٍ حتى نتغدى ونصطبح اليوم على ذكرك، ففعلت، فلما كان في اليوم الثاني بعثَ إليها: إن القوم مقيمون لم نفترق، فابعثي إلي بقليةٍ جزوريةٍ وبقريةٍ قديةٍ حتى نتغداها ونصطبح على ذكركِ، فلما كان في اليوم الثالث بعثَ إليها: إنا لم نفترق، فابعثي إلي بسنبوسكٍ حتى نصطبح اليوم على ذكرك، فقالت لرسوله: إني رأيت الحب يحل في القلبِ، ويفيض إلى الكبدِ والأحشاء، وإن حب صاحبنا هذا ليس يجاوزُ المعدة. وخبرت أن أبا العتاهية كان قد استأذن في أن يطلق له أن يهدي إلى أمير المؤمنين المهدي في النيروز والمهرجان، فأهدى في أحدهما برنيةً ضخمةً، فيها ثوب ناعمُ مطيب، قد كتب في حواشيه: نفسي بشيءٍ من الدنيا معلقةٌ الله والقائمُ المهدي يكفيهـا إني لأيأس منهاثم يطمعنـي فيها احتقارك للدنيا بما فيها فهم بدفع عتبة إليه، فجزعت، وقالت: يا أمير المؤمنين، أبعد حرمتي وخدمتي تدفعني إلى رجلٍ قبيح المنظر بائع جرار ومكتسبٍ بالعشق! فأعفاها، وقال: املأوا له هذه البرنية مالاً، فقال للكاتب: أمر لي بدنانير فقالوا: ما ندفع ذلك، ولكن إن شئت أعطيناك دراهم إلى أن يفصح بما أراد، فاختلف في ذلك حولاً، فقالت عتبةُ: لو كان عاشقاً كما يزعم لم يكن يختلف منذ حولٍ في التمييز بين الدراهم والدنانير، وقد أعرض عن ذكري صفحاً. ودعت أبا الحارث جمين، واحدةٌ كان يحبها، فجعلت تحادثه ولا تذكر الطعام، فلما طال ذلك به قال: جعلني الله فداكِ! لا أسمع للغداء، ذكراً. قالت: أما تستحيي! أم في وجهي ما يشغلك عن ذا? فقال لها: جعلني الله فداكِ! لو أن جميلاً وبثينة قعدا ساعةً لا يأكلان شيئاً لبزقَ كل واحدٍ منهما في وجهِ صاحبهِ وافترقا. وأنشدت لأعرابيٍّ: وقد رابني من زهدمٍ أن زهدمـاً يشد على خبزي ويبكي على جملِ فلو كنت عذري العلاقةِ لم تكـن سميناً وأنساك الهوى كثرةَ الأكلِ وقال أعرابي: ذكرتك ذكرةً فاصطدت ضبا وكنت إذا ذكرتكِ لا أخيبُ لذي الرمة في ميّ ألم تعلمي يا ميَّ أنَّـا وبـينـنـا مهاوًً لطرف العين فيهنَّ مطرح ذكرتك إن مرّت بنـا أمُّ شـادنٍ أمام المطايا تشرئبُّ وتـسـنـح من المؤلفات الرمل أدماء حـرَّةٌ شعاع الضُّحى في لونها يتوضَّح هي الشِّبه أعطافاً وجيداً ومقـلةً وميَّة أبهى بعد منهـا وأمـلـح كأنَّ البرى والعاج عيجت متونه على عشرٍ نهيٍ به السَّيل أبطح بئن كانت الدُّنيا عليَّ كـمـا أرى تباريح من ذكراك للموت أروح قوله: "مهاوٍ" ، واحدتها مهواةٌ، وهو الهواء بين الشيئين. ويقال: لفلان في داره مطرحٌ إذا وصفها بالسَّعة، يقال: فلان يطرح بصره كذا مرَّرةً وكذا مرةً، وأنشد سيبويه: نظّارة حين تعلو الشمس راكبها طرحاً بعيني لياحٍ فيه تحـديد اللياح من البياض، واللَّوح: العطش، واللُّوح: الهواء. والشَّادن: الذي قد شدن، أي تحرَّك. وقوله: "تشرئب" ، يقال: إذا وقف ينظر كالمتحيَّر: قد اشرأبَّ نحوي، ويقال: هو يسرح في المرعى.

وقوله: "من المؤلفات" ، يقال: "آلفت المكان أولفه إيلافاً" ، ويقال: ألفته إلفاً، وفي القآن الكريم: "لإيلف قريشٍإلفهم" قريش: 1-2 وقرأوا: "إلافهم" على القصر. وقوله: "الرمل" النصب فيه أجود بالفعل، ويجوز الخفض على شيءٍ نذكره بعد الفراغ من هذا الباب، إن شاء الله. وأصل الهجان الأبيض. والعطف: ما انثنى من العنق، قال: تعالى: "ثاني عطفه" الحج: 9. ويقال للأردية: العطف؛ لأنها تقع على ذلك الموضع. وفي الحديث: أنَّ قوما ًيزعمون أنهم من قريشٍ أتوا عمر بن الخطاب رحمه الله، وكان قائفاً، ليثبِّتهم في قريشٍ، فقال: اخرجوا بنا إلى البقيع. فنظر إلى أكفِّهم، ثم قال: اطرحوا العطف-واحدها عطاف- ثم أمرهم فأقبلوا وأدبروا، ثم أقبل عليهم فقال: ليست بأكفِّ قريشٍ ولا شمائلها، فأعطاهم فيمن هم منه. والجيد: العنق. والبرى: الخلاخيل، واحدتها برة، وهي من الناقة التي تقع في مارن الأنف، والذي يقع في العظم يقال له الخشخاش. والعاج كان يتَّخذ مكان الأسورة، قال جرير: ترى العبس الحوليَّ جوناً بكوعها لها مسكـاً مـن غـير عـاج ٍ ولا ذبل العبس: ما تعلّق من الأبعار والبول بأذناب الإبل، والوذح: الذي تعلَّق بأطراف إلاء الشَّء، ويكون العبس في أذناب الإبل من البول إذا خثر. والجون ههنا: الأسود وهو الأغلب فيه، والكوع: رأس الزَّند الذي يلي الإبهام، والكرسوع: رأسه الذي يلي الخنصر. والمسكة: السِّوار، والذَّبل: شيئٌ يتَّخذ من القرون كالأسورة، ويقال: سوارٌ وسوارٌ، وإسوارٌ: قالت الخنساء: كأن تحت طيِّ البرد إسوار والعشر: شجرٌ بعينه. والأبطح: ما انبطح من الوادي، يقال: أبطح، وبطحاء يا فتى، وأبرق وبرقاء، وأمعز ومعزاء، وهذا كثيرٌ. والتَّباريح: الشدائد، يقال: برَّح به، وفي الحديث: "فأين أصحاب النَّهر" ? قال: لقوا برحاً، والعرب لا تعرفه إلاَّ ساكن الراء، قال جرير: ما كنت أوَّل مشغوفٍ أضرَّ به برح الهوى وعذابٌ غير تفتير قال أبو الحسن: وقد سمعنا من غير أبي العباس، يقال: لقيت منك برحاً، بالفتح. ويقال: لقي منه البرحين، أي الدَّواهي الشِّداد التي تبرّح . ما قيل في السر وكتمانه قال أبو العباس في المثل السائر: قيل لرجل: ما خفي? قال: ما لم يكن . وفي تفسير هذه الآية: "يعلم السّرّ وأخفى" طه: 7 . قال: ما حدَّثت به نفسك. كما قال: "أو أكننتم في أنفسكم"البقرة:235 ، تقديره في العربية: وأخفى منه. والعرب تحذف مثل هذا، فيقول القائل: مررت بالفيل أو أعظم، وإنه كالبقَّة أو أصغر، ولو قال: رأيت زيداً أو شبيهاً لجاز، لأنّ في الكلام دليلاً، ولو قال: رأيت الجمل، أو راكباً، وهو يريد: "عليه" : لم يجز لأنه لا دليل فيه، والأول إنما قرّب شيئاً من شيءٍ، وههنا إنما ذكر شيئاً ليس من شكل ما قبله. فأما قوله جل ثناؤه: "وهو أهون عليه" الروم: 27 وفيه قولان: أحدهما - وهو المرضي عندنا -: إنما هو: وهو عليه هينٌ، لأن الله جلَّ وعزَّ لا يكون عليه شيء أهون من شيءٍ آخرَ. وقد قال معن بن أوسٍ: لعمركَ من أدري وإني لأؤجل على أينا تغدو المـنـيةُ أولُ أرد: وني لوجلٌ، وكذلك يتأول من في الأذن? "الله أكبر الله أكبر"، أي الله كبيرٌ، لأنه إنما يفاضل بين الشيئين إذا كانا من جنس واحد، يقال:هذا أكبرُ من هذا، إذا شاكله في باب. فأما "الله أجود من فلان" و"الله أعلم بذلك منك"، فوجه بين، لأنه من طريقِ العلم والمعرفةِ والبذلِ والإعطاءِ. وقوم يقولون: "الله أكبر من كل شيءٍ"، وليس يقع هذا على محض الروية، لأنه تبارك وتعالى ليس كمثلهِ شيءٌ، وكذلك قول الفرزدق: إن الذي سمك السماءَ بنى لنا بيتاً دعائمه اعـز وأطـولٌ جائزٌ أن يكون قال للذي يخاطبه: من بيتكَ،فاستغنى عن ذكر ذلك بما جرى من المخاطبة والمفاخرة، وجائز أن تكون دعائمه عزيزةٌ طويلةٌ، كما قال الآخر: فبحتم يا آل زيدٍ نفرا ألأم أصغراً وأكبرا يريد: صغاراً وكباراً. فأما قول مالك بن نويرة في ذؤاب بن ربيعة حيث قتل عتيبة بن الحارث بن شهابٍ، وفخر بن أسدٍ بذلك، مع كثرة من قتلت بنو يربوع منهم: فخرت بنو أسدٍ بمقتل واحـدٍ صدقت بنو أسدٍ عتيبةُ أفضلُ

فإنما معناه أفضل ممن قتلوا، على ذلك يدل الكلامُ. وقد أبان ما قلنا في بيته الثاني بقوله: 

فخروا بمقتلهِ ولا يوفي به مثنى سراتهم الذين نقتل والقول الثاني في الآية: وهو أهون عليه عندكم، لأن إعادة الشيء عند الناس أهون من ابتدائه حتى يجعل شيئاً من لا شيء. ثم نعود إلى الباب. قال زهيرٌ: ومهما تكن عند امرىءٍ من خليقةٍ ولو خالها تخفى على الناس تعلمِ فهذا مثل المثل الذي ذكرناه. وقال عمرو بن العاص: إذا أنا افشيت سري إلى صديقي فأذاعه فهو في حل: فقيل له: وكيف ذاك? قال:أنا كنت أحق بصيانته. وقال امرؤ القيس: إذا المرء لم يخزن عليه لسانهُ فليس علي شيءٍ سواه بخزانِ وأحسن ما سمع في هذا ما يعزى إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقائل يقول: هو له، ويقول آخرون: قاله متمثلا، ولم يختلف في أنه كان يكثرُ إنشاده: فلا تفش سـرك إلا إلـيك فإن لكل نصيح نصـيحـا وإني رأيت غواة الـرجـا ل لا يتركون أديماً صحيحا وذكر العتبي أن معاوية بن أبي سفيان أسر إلى عثمان بن عنبسة بن أبي سفيان حديثاً، قال عثمانُ: فجئت إلى أبي، فقلت: إن أمير المؤمنين أسر إلي حديثاً، أفأحدثك به? قال: لا، إنه من كتم حديثه كان الخيارُ إليه، ومن أظهره كان الخيار عليه، فلا تجعل نفسك مملوكاً بعد أن كنت مالكاً، فقلت له: أو يدخل هذا بين الرجل وابيه? فقال: لا، ولكني أكره أن تذلل لسانك بإفشاء السر، قال: فرجعت إلى معاوية، فذكرتُ ذلك له، فقال معاوية: أعتقك أخي من رقِّ الخطإ. وقال معاوية: أعنت على علي رحمه الله بأربع: كنت رجلاً أكتمُ سري، وكان رجلاً ظهره، وكنت في أطوع جند وأصلحه، وكان في أخبث جندٍ وأعصاه، وتركته واصحاب الجمل وقلتُ: إن ظفروا به كانوا أهون علي منه، وإن ظفر بهم اعتددت بها عليه في دينه.ن وكنتُ أحب إلى قريشٍ منه، فيا لك من جامعٍ إلي ومفرق عليه! وعونٍ لي وعونٍ عليه! وقال أردشير: الداء في كل مكتومٍ. وقال الأخطل: إن العداوة تلقاها وإن قدمت كالعر يكمن حيناً ثم ينتشرُ وقال جميلٌ: ولا يسمعن سري وسرك ثالثٌ ألا كل سرٍّ جاوز اثنين شائعُ وقال آخر، وهو مسكينُ الدرامي: وفتيان صدقٍ لستُ أطلعُ بعضـهـم على سر بعض غير أني جماعهـا يظلون في الأرض الفضاء وسرهم إلى صخرة أعيا الرجال انصداعها لكل امرىء شعبٌ من القلب فـارغٌ وموضوعُ نجوى لا يرام اضطلاعها وقال آخر: سأكتمه سري وأحفظ سـره ولا غرني أني عليه كـريمُ حليم فينسى أو جهول يضيعه وما الناس إلا جاهل وحليمٌ وكان يقال: أصبر الناس من صبر على كتمان سره ولم يبدهِ لصديقه فيوشك أني صير عدواً فيذيعهُز وقال العتبي: ولي صاحبٌ سري المكتومُ عـنـده مخاريق نيرانٍ بـلـيلٍ تـحـرقُ عطفت على أسراره فكسـوتـهـا ثياباً من الكتمـانٍ لا تـتـخـرق فمن تكنِ الأسرار تطفو بـصـدره فأسرارُ صدري بالأحاديث تغـرقُ فلا تودعن الدهر سرك أحـمـقـاً فإنك إن أودعته مـنـه أحـمـقُ وحسبكَ في سترِ الأحاديث واعظـاً من القول ما قال الأريبُ الموفقُ: إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه فصدرُ الذي يستودعُ السر أضـيقُ وقال كعب بن سعدٍ الغنوي: ولست بمبدٍ للرجال سريرتي ولا أنا عن أسرارهم بسؤولِ ولا أنا يوماً للحديث سمعتـهُ إلى ههنا من ههنا بنقـولِ وقد ذكرنا قول العباس بن عبد المطلب رحمه الله لابنه عبد الله: ن ذا الرجل قد اختصك دون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاحفظ عني ثلاثاً: لا يجربن الرجل عليك كذباً، ولا تفشين له سراً، ولا تغتب عنده أحداً. فقيل لابن عباس: كل واحدةٍ منهن خيرٌ من ألفِ دينارٍ، فقال: كل واحدةٍ منهن خيرٌ من عشرةِ آلافٍ. وقال بعض المحدثين: لي حيلةٌ فـيمـن ينـم وليس في الكذاب حيلهْ من كان يكذبُ ما يري د فحيلتي فيه قلـيلـهْ

وقال آخر قال أبو الحسن: هو أبو العباس المبرد: إن النموم أغطي دونه خـبـري وليس لي حيلةٌ في مفتري الكذبِ وقال بعض المحدثين: كتمت الهوى حتى إذا نطقـت بـه بوادر من دمعِ يسيل علـى خـدي وشاع الذي أضمرت من غير منطقٍ كأن ضمير القلب يرشح من جلدي وقال جميل بن عبد الله بن معمرِ العذري: إذا جاوز الإثنين سرٌ فإنه بنث وإفشاءِ الحديث قمينُ وتأويل قمين، وحقيقٍ، وجدير، وخليق، واحدٌ، أي قريب من ذاك، هذا حقيقتُه، يقال: قمينٌ،وقمنٌ، في معنى. قال الحادرث بن خالدٍ المخزومي: من كان يسال عنا أين منزلنا فالأقحوانة منا منزلٌ قمـنُ وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من باع داراً أو عقاراً فلم يردد ثمنه في مثله فذلك مالٌ قمنٌ ألا يبارك فيه". وقال الرقاشي: إذا نحن خفنا الكاشحين فلم نـطـق كلاماً تكلمنا بـأعـينـنـا سـرا فنقضي ولم يعلم بنـا كـل حـاجةٍ ولم نكشف النجوى ولم نهتك السترا وقال معاوية لعباس بن صحار العبدي: ما أقرب الاختصار? فقال لمحة دالةٌ. وقيل: خيرُ الكلام ما أغنى اختصاره عن إكثاره. وقيل: النمام سهم قاتلُ وقال أحد المحدثين: لا أكتم الأسرار لكـن أذيعـهـا ولا أدع الأسرار تغلي على قلبي وإن قليل العقلِ من بـاتَ لـيلةً تقلبه الأسرارُ جنباً على جنـبِ وقال آخر: ومنع جارتي من كل خـيرٍ وأمشي بالنميمةِ بين صحبي ويقال للنمام: القتات. وفي حديثٍ: "لا يراح القتاتُ رائحةَ الجنةِ". وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. "لعن الله المثلث" فقيل: يا رسول الله، ومن المثلث? فقال: "الذي يسعى بصاحبه إلى سلطانه، فيهلك نفسه وصاحبه وسلطانه". وقال معاوية للأحنف في شيءٍ بلغه عنه، فأنكر ذلك الأحنف، فقال له معاوية: بلغني عنك الثقة، فقال له الأحنف: يا أمير المؤمنين، إن الثقة لا يبلغُ. وقال أحد الماضين: إن يسمعوا الخير يخفوه وإن سمعوا شرا أُذيعَ، وإن لم يسمعوا كذبـوا وقال المهلب بن أبي صفرة: أدنى أخلاق الشريف كتمانُ السرِّ وأعلى أخلاق نسينث ما أسر إليه. ويقال للنكاح: السرُّ؛ على غير وجه وهذا ليس من الباب الذي كنا فيه، ولكني ذكر الشيء بالشيء، وهذا حرف يغلط فيه، لأن قوماً يجعلون السرَّ الزنا، وقومٌ يجعلونه الغشيانَ، وكلا القولين خطأَ، إنما هو الغشيانُ من غير وجهه. قال الله جلَّ وعزّ: "لا تواعدوهن سراً إلا أن تقولا قولاً معروفاً" البقرة: 235، فليس هذا موضع الزنا. وقال الحطيئة: ويحرم سرُّ جارتهم عليهـم ويأكل جارهم أنف القصاعِ وقال الأعشى لسلامة ذي فائشٍ الحميري: وقومك إن يضمنوا جارةً وكانوا بموضِعِ أنضادها فلن يطلبوا سرها للغنى ولن يسلموها لإزهادها في هذا قولان: أحدهما أنهم لا يطلبون اجترارها إليهم على رغم أوليائها منأجل ماله، غضباً للجوار، ولا يسلمونها إذا انقطع رجاؤهم من الثواب والمكافأة. والآخر أنهم لا يرغبون في ذوات الأموال؛ إنما يرغبون في ذواتِ الأحساب؛ اختيارً للأولاد، وصيانةً للأصهار، أن يطمع فيهم من لا حسب له. وقوله الحطيئة: ويأكل جارهم أنفَ القصاعِ إنما يريد المستأنف الذي لم يؤكل قبل منه شيء؛ يقال: روضةٌ أنف؛ إذا لم ترعَ، وكأسٌ أنف، إذا لم يشرب منها شيء قبل، قال لقيط بن زرارة: إن الشواءَ والنشيلَ والرغـفْ والقينة الحسناءَ والكاس الأنفْ للطاعنين الخيل والخيل خنفْ ^ الجزء الثالث باب قال أبو العباس: وهذا باب اشترطنا أن نخرج فيه من حزن إلى سهل ومن جد إلى هزل، ليستريح القارئ، ويدفع عن مستمعه الملال. ونحن ذاكرون ذلك إن شاء الله. بكر بن النظاح يمدح مالك بن علي الخزاعي قال بكر بن النطاح في كلمة يمدح فيها مالك بن علي الخزاعي: عرضت عليها ما أرادت من المنى لترضى، فقالت قم فجئنا بكوكـب فقلت لها هذا التـعـنـت كـلـه كمن يتشهى لحم عنقاء مـغـرب فلو أنني أصبحت في جود مالك وعزته ما نال ذلك مطلـبـي فتى شقيت أمواله بسـمـاحـه كما شقيت قيس بأسياف تغلب للخليع يمدح عاصماً الغساني وقال الخليع في كلمة له يمدح بها عاصماً الغساني: أقول ونفسي بين شوقـي وحـسـرة وقد شخصت عيني ودمعي على خدي أريحي بقتـل مـن تـركـت فـؤاده بلحظته بين التـأسـف والـجـهـد فقالت: عذاب الهـوى قـبـل مـيتة وموت إذا أقرحت قلبك من بـعـدي لقد فطنت للجور فـطـنة عـاصـم لصنع الأيادي الغر في طلب الحمـد سأشكوك في الأشعار غير مقـصـر إلى عاصم ذي المكرمات وذي المجد لعل فتى غسـان يجـمـع بـينـنـا فتأمن نفسي منكـم لـوعة الـصـد لأبي العتاهية في العتاب وقال إسماعيل بن القاسم : إن السلام وإن البشر من رجـل في مثل ما أنت فيه ليس يكفيني هذا زمان ألح الناس فيه علـى زهو الملوك وأخلاق المساكين أما علمت جزاك الله صـالـحة عني وزادك خيراً يا ابن يقطين أني أريدك للدنيا وعـاجـلـهـا ولا أريدك يوم الـدين لـلـدين ليزيد بن محمد يمدح إسحاق بن إبراهيم وقال يزيد بن محمد بن المهلب المهلبي في كلمة يمدح بها إسحاق بن إبراهيم: إن أكـن مـهـدياً لـك الــشـــعـــر إنـــي لابـن بـيت تــهـــدى لـــه الأشـــعـــار غير أني أراك من أهل بيتما على الحر أن يسودوه عار وقال في كلمة أخرى له : وإذا جددت فكل شيء نافـع وإذا حددت فكل شيء ضائر وإذا أتاك مهلبي في الوغـى والسيف في يده فنعم الناصر في مقتل مصعب بن الزبير وقال عبد الله بن الزبير لما أتاه قتل مصعب بن الزبير: اشهده المهلب بن أبي صفرة? قالوا: لا. كان المهلب في وجوه الخوارج. قال: أفشهده عباد بن الحصين الحبطي? قالوا: لا. قال: أفشهده عبد الله بن خازم السلمي? قالوا: لا. فمثل عبد الله بن الزبير. فقلت لها عيثي جعار وجـرري بلخم امرئ لم يشهد اليوم ناصره جعار: اسم من أسماء الضبع. وهي صفة غالبة، لأنه يقال لها: جاعرة، فهذا في بابه كفساق، ولكاع، وحلاق، للمنية. وقد فسرنا هذا الباب مستقصى على وجوهه الأربعة. ابنة جارية همام بن مرة ويروى أن ابنة جارية لهمام بن مرة بن ذهب بن شيبان قالت له يوماً: أهمام بن مرة حن قلـبـي إلى اللائي يكن مع الرجال فقال: يا فساق! أردت صفيحة ماضية. فقالت: أهمام بن مرة حن قلبـي إلى صلعاء مشرقة القذال فقال: يا فجار! أردت بيضة حصينة ، فقالت: أهمام بن مرة حن قلبي إلى أير أسد به مبالي قال: فقتلها. من أخبار سعيد بن سلم الباهلي وما قيل فيه من الشعر قال أبو العباس: قال أبو الشمقمق - وهو مروان بن محمد، وزعم التوزي عن أبي عبيدة قال: أبو الشمقمق ومنصور بن زياد ويحيى بن سليم الكاتب، من أهل خراسان، من بخارية عبيد الله بن زياد، وكان أبو الشمقمق ربما لحن، ويهزل كثيراً ويجد، فيكثر صوابه - قال يمدح مالك بن علي الخزاعي ويذم سعيد بن سلم الباهلي: قد مررنا بمالك فـوجـدنـا ه جواداً إلى المكارم ينمـي ما يبالي أتاه ضيف مخـف أم أتاه يأجوج من خلف دذم فارتحلنا إلى سعيد بن سلـم فإذا ضيفه من الجوع يرمي وإذا خبزه عليه سـيكـفـي كهم الله ما بدا ضوء نجـم وإذا خاتم النبـي سـلـيمـا ن داود قد علاه بـخـتـم فارتحلنا من عند هذا بحمـد وارتحلنا من عند هذا بـذم وقال عبد الصمد بن المعذل يرثي سعيد بن سلم: كم يتيم جبرتـه بـعـد يتـم وفقير بعثته بـعـد عـدم كلما عضت الحوادث نـادى رضي الله عن سعيد بن سلم وقال سعيد بن سلم: عرض لي أعرابي فمدحني فبلغ . فقال: ألا قل لساري الليل لا تخش ضلة سعيد بن سلم ضوء كـل بـلاد


لنا سيد أرثى على كل سـيد جواد حثا في وجه كل جواد قال: فتأخرت عن بره قليلاً. فهجاني فبلغ . فقال: لكل أخي مدح ثـواب يعـده وليس لمدح الباهلي ثـواب مدحت ابن سلم والمديح مهزة فكان كصفوان عليه تـراب وقال أبو الشمقمق: قال لي الناس زر سعيد بن سلم قلت للناس لا أزور سـعـيدا وأميري فتى خزاعة بالبـص رة قد عمها سماحـاً وجـودا ولنعم الفتى سـعـيد ولـكـن مالك أكرم الـبـرية عـودا فقال سعيد: لوددت أنه لم يكن ذكرني مع مالك، وأنه أخذ مني أمنيته. وقال أبو الشمقمق أيضاً: هيهات تضرب في حديد بارد إن كنت تطمع في نوال سعيد والله لو ملك البحار بأسرهـا وأتاه سلم في زمـان مـدود يبغيه منها شربة لـطـهـور لأبى وقال: تيممن بصـعـيد ومثله قول لآخر: لو أن قصرك يا ابن يوسف كله إبر يضيف بها فضاء المنـزل وأتاك يوسف يستعـيرك إبـرة ليخيط قد قميصه لم تفـعـل وقال مسلم بن الوليد: ديونك لا يقضى الزمان خريمها وبخلك بخل الباهلي سـعـيد سعيد بن سلم ألأم الناس كلهـم وما قومه من لؤمه بـبـعـيد يزيد له فضل ولـكـن مـزيداً تدارك منـا مـجـده بـيزيد خزيمة لا بأس به غـير أنـه لمطبخه قفـل وبـاب حـديد وقال عبد الصمد بن المعذل، يرثي عمرو بن سعيد، وكان عمرو هلك بعيد سعيد بيسير: رزينا أبا عمرو فقلنا: لنا عمـرو سيكفيك ضوء البدر غيبوبة البدر وكان أبو عمرو معاراً حـياتـه بعمرو فلما مات أبو عـمـرو وقال أمير المؤمنين الرشيد يوماً لسعيد بن سلم: يا سعيد، من بيت قيس في الجاهلية? قال: يا أمير المؤمنين، بنو فزارة، قال: فمن بيتهم في الإسلام? قال: يا أمير المؤمنين، الشريف من شرفتموه، قال: صدقت أنت وقومك. وحدثني علي بن القاسم بن علي بن سليمان الهاشمي، قال: حدثني رجل من أهل مكة، قال: رأيت في منامي سعيد بن سلم في ، حياته وفي نعمته، وكثرة عدد ولده، وحسن مذهبه، وكمال مروءته، فقلت في نفسي: ما أجل ما أعطيه سعيد بن سلم! فقال لي قائل: وما ذخره الله له في الآخر أكثر. وكان سعيد إذا استقبل إذا استقبل السنة التي يستقبل فيها عدد سنيه أعتق نسمة وتصدق بعشرة آلاف درهم، فقيل لمديني: إن سعيد بن سلم اشترى نفسه من ربه بعشرة آلاف درهم. فقال: إذاً لا يبيعه. مما قالته العرب في ذم باهلة وقال أحمد بن يوسف الكاتب لولد سعيد: أبني سعيد إنكم من مـعـشـر لا يعرفون كرامة الأضـياف قوم لباهلة بن يعصر إن هـم نسبوا حسبتهم لعبـد مـنـاف قرنوا الغداء إلى العشاء وقربوا زاداً لعمر أبيك ليس بـكـاف وكأنني لما حططـت إلـيهـم رحلي نزلت بأبرق العـزاف ينا كذاك أتاهـم كـبـراؤهـم يلحون في التبذير والإسـراف وأنشدني المازني: سل الله ذا المن من فضله ولا تسألـن أبـا وائلـه فما سأل الله عـبـد لـه فخاب ولو كان من باهله قال أبو الحسن: وزادني بعض أصحابنا: ترى الباهلي على خبزه إذا رامه آكل آكـلـه وأنشدني رجل من عبد القيس: أباهلي ينبحـنـي كـلـبـكـم وأسدكم كـكـلاب الـعـرب ولو قيل للكلـب يا بـاهـلـي عوى الكلب من لؤم هذا النسب


وحدثني علي بن القاسم قال: حدثني أبو قلابة الجزمي قال: حججنا مرة مع أبي جزء بن عمرو بن سعيد، قال: وكنا في ذراه ، وهو إذ ذاك بهي وضي، فجلسنا في المسجد الحرام إلى أقوام من بني الحارث بن كعب، لم نر أفصح منهم، فرأوا هيئة أبي جزء وإعظامنا إياه مع جماله، فقال قائل منهم له: أمن أهل بيت الخليفة أنت? قال: لا، ولكن رجل من العرب، قال: ممن الرجل? قال. رجل من مضر، قال: أعرض ثوب الملبس! من أيها عافاك الله? قال: رجل من قيس، قال أين يراد بك، صر إلى فصيلتك التي تؤويك! قال: رجل م بني سعد بن قيس، قال. اللهم غفراً! من أيها عافاك الله? قال: رجل من بني يعصر، قال: من أيها? قال: رجل من باهلة، قال: قم عنا! قال أبو قلابة: فأقبلت على الحارثي فقلت: أتعرف هذا? قال: هذا، ذكر أنه باهلي، قال : فقلت: هذا أمير ابن أمير ابن أمير ... قال: حتى عددت خمسة. هذا أبو جزء أمير، بن عمرو - وكان أميراً - بن سعيد - وكان أميراً - بن سليم - وكان أميراً - بن قتيبة - وكان أميراً. فقال الحارثي: الأمير أعظم أم الخليفة? فقلت: بل الخليفة. قال: أفالخليفة أعظم أم النبي? قلت: بل النبي. قال: والله لو عددت له في النبوة أضعاف ما عددت في الإمرة ثم كان باهلياً ما عبأ الله به شيئاً. قال: فكادت نفس أبي جزء تفيض ، فقلت له : انهض بنا، فإن هؤلاء أسوأ الناس أدباً . قال أبو الحسن: يقال للرجل إذا سئل عن شيء فأجاب عن غيره أعرض ثوب الملبس أي أبدي غير ما يراد منه. وحدثت أن أعرابياً لقي رجلاً من الحجاج. فقال له: ممن الرجل? قال: باهلي. قال: أعيذك بالله من ذلك. قال: أي والله، وأنا مع ذلك مولى لهم. فأقبل الأعرابي يقبل يديه ويتمسح به، قال له الرجل: ولم تفعل ذاك? قال: لأني أثق بأن الله عز وجل لم يبتلك بهذا في الدنيا إلا وأنت من أهل الجنة. في مجلس قتيبة بن مسلم الباهلي ويزعم الرواة : أن قتيبة بن مسلم لما فتح سمرقند أفضى إلى أثاث لم ير مله، وغلى آلات لم ير مثلها ، فأراد أن يري الناس عظيم ما فتح الله عليه، ويعرفهم أقدار القوم الذين ظهر عليهم، فأمر بدار ففرشت، وفي صحنها قدور ترتقي بالسلالم، فإذا بالحضين بن المنذر بن الحارث بن وعلة الرقاشي قد أقبل. والناس جلوس على مراتبهم، والحضين شيخ كبير. فلما رآه عبد الله بن مسلم قال لقتيبة: ائذن لي في معاتبته. قال: لا ترده فإنه خبيث الجواب، فأبى عبد الله إلا أن يأذن له - وكان عبد الله يضعف، وكان قد تسور حائطاً إلى امرأة قبل ذاك - فأقبل على الحضين بن المنذر فقال: أمن الباب دخلت يا أبا ساسان? قال: أجل، أسن عمك عن تسور الحيطان، قال: أرأيت هذه القدور? قال: هي أعظم من ألا ترى. قال: ما أحسب بكر بن وائل رأى مثلها! قال: أجل، ولا عيلان، لو كان رآها سمي شعبان، ولم يسم عيلان، قال له عبد الله: يا أبا ساسان، أتعرف الذي يقول: عزلنا وأمرنا وبكر بـن وائل تجر خصاها تبتغي من تحالف قال: أعرفه، وأعرف الذي يقول: خيبة من يخيب على غنـي وباهلة بن يعصر والركاب يريد يا خيبة من يخيب. قال. أفتعرف الذي يقول: كأن فقاح الأزد حول ابن مسمع إذا عرقت أفواه بكر بـن وائل قال: نعم . وأعرف الذي يقول: قوم قتيبة أمـهـم وأبـوهـم لولا قتيبة أصبحوا في مجهل قال: أما الشعر فأراك ترويه. فهل تقرأ من القرآن شيئاً? قال أقرأ منه الكثر الأطيب: " هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا " " الإنسان: 1 " قال : فأغضبه. فقال: والله لقد بلغني أن امرأة الحضين حملت إليه وهي حبلى من غيره. قال: فما تحرك الشيخ عن هيئته الأولى. ثم قال على رسله: وما يكون! تلد غلاماً على فراشي فيقال: فلان بن الحضين، كما يقال: عبد الله بن مسلم. فأقبل قتيبة على عبد الله فقال: لا يبعد الله غيرك. قال أبو العباس : الحضين بن المنذر بن الحارث بن وعلة. وكان الحضين بيده لواء علي بن أبي طالب رحمه الله على ربيعة، وله يقول القائل: لمن راية سوداء يخفق ظلها إذا قيل قدمها حضين تقدما للأعشى يمدح هودة بن علي وللحارث بن وعلة يقول الأعشى - وكان قصده فلم يحمده، فعرج عنه إلى هوذة بن علي ذي التاج. وهوذة من بني حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، والحارث بن وعلة من بني رقاش، وهي امرأة، وأبوهم مالك بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، فقال الأعشى يذكر الحارث بن وعلة وهوذة بن علي: أتيت حريثاً زائراً عـن جـنـابة فكان حريث عن عطائي جامـدا إذا ما رأى ذا حاجة فكـأنـمـا يرى أسداً في بـيتـه وأسـاودا لعمرك ما أشبهت وعلة في الندى شمائلـه ولا أبـاه مـجـالـدا وإن امرأ قد زرته قـبـل هـذه بجو لخير منك نفـسـاً ووالـدا تضيفته يوماً فقرب مجـلـسـي وأصفدني على الزمـانة قـائدا وأمتعني على العـشـا بـولـيدة فأبت بخير منك يا هوذ حامـدا يرى جمع ما دون الثلاثين قصرة ويعدو على جمع الثلاثين واحدا وهي كلمة. قوله: " أتيت حريثاً " يريد الحارث، تصغيره على لفظه : حويرث. وهذا التصغير الآخر يقال له تصغير الترخيم، وهو أن تحذف الزوائد من الاسم ثم تصغر حروفه الأصلية، فتقول في تصغير أحمد: حميد لأنه من الحمد، وفي الحارث: حريث، لأنه من الحرث، وفي غضبان: غضيب، لأنه من الغضب، لأن الألف والنون زائدتان. وكذلك ذوات الأربعة، تقول في تصغير قنديل على لفظه قنيديل، فإن صغرته مرخماً حذفت الياء فقلت: قنيدل، فعلى هذا مجرى الباب. وقوله: عن جنابة، يقول: عن غربة وبعد. يقال: هم نغم الحي لجارهم جار الجنابة، أي الغربة. يقال: رجل جنب، ورجل جانب، أي غريب، قال الله جل وعز: " والجار ذي القربى الجار الجنب والصاحب بالجنب " " النساء: 36 ". وقال الحطيئة: والله ما مغشر لاموا امرأ جنباً في آل لأي بن شماس بأكياس وقال علقمة بن عبدة: فلا تحرمني نائلاً عن جـنـابة فإني امرؤ وسط القباب غريب فمن قال للواحد: جنب قال للجميع: أجناب، كقولك: عنق وأعناق، وطنب وأطناب، ومن قال للواحد: جانب، قال للجميع: جناب، كقوله: راكب وركاب، وضارب وضراب. قالت الخنساء: إبكي أخالـك لأيتـام وأرمـلة وابكي أخاك إذا جاورت أجنابا وإن كان من الجنابة التي تصيب الرجل قلت: رجل جنب، ورجلان جنب وكذلك المرأة والجميع، وقد يجوز، وليس بالوجه، رجلان جنبان، وامرأة جنبة، وقوم أجناب. وقوله: يرى أسداً في بيته وأساودا يريد جمع أسود سالخ، وأسود ههنا نعت، ولكنه غالب، فلذلك جرى ههنا مجرى الأسماء، لأنه يدل على الحية، وأفعل، إذا كان نعتاً بنفسه فجمعه: فغل، نحو: أحمر وحمر، وأسود وسود، وإذا كان نعتاً فأجري مجرى الأسماء فجمعه: أفاعل نحو أساود، وأجادل، وأداهم، إذا أردت القيد، لأنه نعت غالب يجري مجرى الأسماء، وإن أردت أدهم - الذي هو نعت محض - قلت: دهم، قال الأشهب بن رميلة: أسود شرى لاقت أسود خفـية تساقوا على حرد دماء الأساود فأجراه مجرى الأسماء، نحو: الأصاغر، والأكابر، والأحامد. وقوله: لعمرك ما أشبتهت وعلة في الندى شمـائلـه ..................... فإنه جعل: شمائله، بدلاً من وعلة، والتقدير: ما أشبهت شمائل وعلة. والبدل على أربعة أضرب: فواحد منها أن يبدل أحد الاسمين من الآخر إذا رجعا إلى واحد، ولا تبالي أمعرفتين كانا أم معرفة ونكرة، وتقول: مررت بأخيك زيد، لأن زيداً رأسه. لما قلت: ضربت زيداً، أردت أن تبين موضع الضرب منه. فمثل الأول قول الله تبارك وتعالى: " اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم " " الفاتحة: 6 - 7 "، وقوله: وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله " " الشورى: 52 - 53"، " ولنسفعاً بالناصية ناصية كاذبة خاطئة " " العلق: 15 - 16 ". ومثل البدل الثاني قوله: " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " " آل عمران: 97". من، في موضع خفض، لأنها بدل من الناس، ومثله، إلا أنه أعيد حرف الخفض: " قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن ءامن منهم " " الأعراف: 75 ".

والبدل الثالث مثل ما ذكرنا في البيت، أبدل: " شمائله " منه، وهي غيره، لاشتمال المعنى عليها، ونظير ذلك: أسألك عن زيد أمره. لأن السؤال عن الأمر وتقول على هذا: سلب زيد ثوبه، فالثوب غيره، ولكن به وقع السلب، كما وقعت المسألة عن خبر زيد، ونظير ذلك من القرآن: " يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه " " البقرة: 217 "؛ لأن المسألة إنما كانت عن القتال: هل يكون في الشهر الحرام? وقال الشاعر وهو الأخطل : إن السيوف غدوهـا ورواحـهـا تركت هوازن مثل قرن الأعضب وبدل رابع، لا يكون مثله في القرآن ولا في الشعر، وهو أن يغلط المتكلم فيستدرك غلطه، أو ينسى فيذكر فيرجع إلى حقيقة ما يقصد له، وذلك قوله: مررت بالمسجد دار زيد، أراد أن يقول: مررت بدار زيد، فإما نسي، وإم غلط، فاستدرك فوضع الذي قصد له في موضع الذي غلط فيه. وقوله: بجو فهي قصبة اليمامة. وقوله: تضيفته يوماً: إنما هو تفعلته، من الضيافة، يقال: ضفت الرجل، أي نزلت به، وأضافي، أي أنزلني. وقوله: وأصفدني: يقول: أعطاني، وهو الإصفاد، والصفد الاسم، والإصفاد المصدر، قال النابغة: فلم أعرض أبيت اللعن بالصفد ويقال: صفدت الرجل فو مصفود، من القيد، ولا يقال في القيد: أصفدت، ولكن صفدته صفداً، واسم القيد الصفد، قال الله جل وعز: " مقرنين في الأصفاد " " ص: 38 "، كقولك: جمل وأجمال، وصنم وأصنام. وقوله: فتى لو يباري الشمس، يقول: يعارض، يقال: انبرى لي فلان، أي اعترض لي في المعنى، وفلان يباري الريح، من هذا أي يعارض الريح بجوده، فهذا غير مهموز. فأما: بارأت الكري فهو مهموز، لأنه من أبرأني وأبرأته. ويقال: برأ فلان من مرضه، برئ يا فتى؛ والمصدر منهما البرء فاعلم، وبريت القلم غير مهموز، الله البارئ المصور. ويقال: ما برأ الله مثل فلان، مهموز، وقولك: البرية، أصله من الهمز، ويختار فيه تخفيف الهمز، ولفظ التخفيف والبدل واحد، وكذلك يختار في النبي التخفيف، ومن جعل التخفيف لازماً قال في جمعه: أنبياء، كما يفعل بذوات الياء والواو، وتقول: وصي وأوصياء، وتقي وأتقياء، وشقي وأشقياء، ومن همز الواحد قال في الجميع: نباء، لأنه غير معتل، كما تقول: حكيم وحكماء، وعليم وعلماء وأنبياء لغة القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم، وقال العباس بن مرداس السلمي: يا خاتم النباء إنـك مـرسـل بالحق كل هدى السبيل هداكاً وقوله: أو القمر الساري لألقى المقالدا إنما سكن الياء ضرورة، وإنما جاز ذلك لأن هذه الياء تسكن في الرفع والخفض، فإذا احتاج الشاعر إلى إسكانها في النصب قاس هذه الحركة على الحركتين: الضمة والكسرة الساقطتين، فشبهها بهما، فجعلها كالألف التي في: مثنى التي هي على هيئة واحدة في جميع الإعراب، قال النابغة: ردت عله أقـاصـيه ولـبـده ضرب الوليدة يا مسحاة في الثأد فأسكن الياء في: أقاصيه. وقال رؤبة: كأن أيديهن بالقاع القـرق أيدي جوار يتعاطين الورق وقال: سوى مساحيهن تقطيط الحقق ويروى: تقطيط، بالنصب، وهو أجود، لأن بعده: تقليل ما قارعن من سمر الطرق والطرق: جممع طرقة . وقال آخر: كفى بالنأي من أسماء كاف وليس لحبها ما عشت شاف وأما قوله: وأمتعني على العشا بـولـيدة فأبت بخير منك يا هوذ حامدا فإنه كان يتحدث عنه، ثم أقبل عليه يخاطبه، وترك تلك المخاطبة. والعرب تترك مخاطبة الغائب إلى مخاطبة الشاهد، ومخاطبة الشاهد إلى مخاطبة الغائب. قال الله جل وعز: " حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة " "يونس: 22 "، كانت المخاطبة للأمة، ثم صرفت إلى النبي صلى الله عليه وسلم إخباراً عنهم. وقال عنترة: شطت مزار العاشقين فأصبحت عسراً علي طلابك ابنة محرم فكان يحدث عنها ثم خاطبها. ومثل ذلك قول جرير: وترى العواذل يبتدرن ملامتي فإذا أردن سوى هواك عصينا وقال الآخر: فدى لك والدي وسراة قومي ومالي إنه منـه أتـانـي وهذا كثير جداً. وقوله: يرى جمع ما دون الثلاثين قصرة أي قليلاً، من الاقتصار. ويروى: ويغدو، ويغدو جميعاً. من أخبار هوذة بن علي وكان هوذة بن علي ذا قدر علي، وكان له خرزات فتجعل على رأسه، تشبهاً بالملوك. وحدثني التوزي عن أبي عبيدة، قال: ما تتوج معدي قط، إنما كانت التيجان لليمن، قال: فسألته عن قول الأعشى لهوذة : من ير هوذة يسجد غير متب إذا تعمم فوق التاج أو وضعا قال: إنما كانت خرزات تنظم له . وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى هوذة، كما كتب إلى الملوك، وكانت بنو حنيفة بن لجيم أصحاب اليمامة، ويقول بعض النسابين: إن عبيد بن حنيفة كان أتى اليمامة وهي صحراء، فاختطها، فجعل يركض حواليها برمحه في الأرض على ما أصاب من النخل، وأنهم أكلوا ما أصابوا تحته من التمر، فلما طلع لهم التمر لم يهتدوا لصعود النخل، فأقبلوا يجدونه، حتى فكروا فأعدوا له السلالم، فلما عمرت اليمامة جعلت العرب تنجعهم لموضع التمر فيجاورون العزيز منهم، وكان يقال لمن دخلها من هؤلاء: السواقط؛ ممن كانوا. ويقال إن اليمامة والبحرين والقريتين ومواضع هناك كانت لطسم وجديس، والخبر في ذلك مشهور بزرقاء اليمامة، وقد ذكر ذلك الأعشى في قوله: ما نظرت ذات أشفار كنظـرتـهـا حقاً كما نطق الذئبي إذ سـجـعـا قالت أرى رجلاً في كفـه كـتـف أو يخصف النعل لهفي أية صنعـا وكذبوها بما قالت فـصـبـحـهـم ذو آل غسان يزجي الموت والشرعا وحدثني التوزي عن أبي عبيدة والأصمعي عن أبي عمرو قال: قال لي رجل من أهل القريتين: أصبت ههنا دراهم، وزن الدرهم ستة دراهم وأربعة دوانيق، من بقايا طسم وجديس، فخفت السلطان فأخفيتها. وقد ذكر ذلك زهير في قوله: عهدي بهم يوم باب القريتين وقـد زال الهماليج بالفرسان واللجـم فاستبدلت بعـدنـا داراً يمـانـية ترعى الخريف فأدنى دارها ظلم لجرير يهجو بني حنيفة وقال جرير يهجو بن حنيفة: هجاني الناس م الأحياء كلـهـم حتى حنيفة تفسو في مناحيهـا أصحاب بخل وحيطان ومزرعة سيوفهم خشب فيها مساحيهـا دلت وأعطت يداً للسلم صاغرة من بعد ما كاد سيف الله يفنيها صارت حنيفة أثلاثاً فثلـثـهـم أضحوا عبيداً وثلث من مواليها قوله: مناحيها، المنحاة: مقام السانية على الحوض، والحائط : البستان. وقوله: من بعدما كاد سيف الله يفنيها يعني خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم في وقعته بسلمة الكذاب. وللنسابين بعد هذا قول منكر. وقال جرير: ابني حنيفة نهنهوا سفهاءكم إني أخاف عليكم أن أغضبا أبني حنيفة إنني إن أهجكـم أدع اليمامة لا تواري أرنبا لعمارة بن عقيل يهجو بني حنيفة وقال عمارة بن عقيل: بل أيها الراكب الماضـي لـطـيتـه بلغ حنيفة وانشر فيهـم الـخـبـرا أكان مسلمة الـكـذاب قـال لـكـم لن تدركوا المجد حتى تغضبوا مضرا مهلاً حنيفة إن الحرب إن طـرحـت عليكم بركها أسرعتـم الـضـجـرا البرك: الصدر، إذا فتحت الباء ذكرت، وإن أردت التأنيث كسرت الباء، قلت: بركة، قال الجعدي: ولوحا ذراعين في بركة إلى جؤجؤ رهل المنكب وزعم الأصمعي أن زياداً كان يقال له: أشعر بركا لأنه كان أشعر الصدر. وغير الأصمعي زعم أن هذا كان يقال للوليد بن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية. من أخبار الوليد بن عقبة وشعره وذكروا أن عدي بن حاتم بن عبد الله الطائي قال يوماً: ألا تعجبون لهذا، أشعر بركاً! يولي مثل هذا المصر! والله ما يحسن أن يقضي في تمرتين. فبلغ ذلك الوليد فقال على المنبر: أنشد الله رجلاً سماني أشعر بركاً إلا قام! فقام عدي بن حاتم فقال: أيها الأمير، إن لذي يقوم فيقول: أنا سميتك أشعر بركاً لجريء، فقال: إجلس يا أبا طريف? فقد برأك الله منها. فجلس وهو يقول: والله ما برأني الله منها.

وكانت أم الوليد بن عقبة أم عثمان بن عفان رحمهما الله، وهي أروى بنت كريز بن حبيب بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف. وأمها البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم، ومن ثم قال الوليد لعلي بن أبي طالب رحمه الله: أنا ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمي من حيث تلقاه بأبيك. وكان يقال للبيضاء بنت عبد المطلب: قبة الديباج. واسمها أم حكيم وذلك قيل لعثمان وللوليد : يا ابن أروى، ويا ابن أم حكيم. وقال الوليد لبني هاشم لهذا النسب حين قتل عثمان رحمه الله: بني هاشم ردوا سلاح ابن أختكم ولا تنهبوه لا تحل مـنـاهـبـه بني هاشم كيف الهوادة بـينـنـا وعند علي درعـه ونـجـائبـه هم قتلوه كي يكونوا مـكـانـه كما غدرت يوماً بكسرى مرازبه وهذا القول باطل. وكان عروة بن الزبير إذا ذكر مقتل عثمان يقول: كان علي أتقى لله من أن يقتل عثمان وكان عثمان أتقى لله من أن يقتله علي . وقال الوليد عقبة: ألا إن خير النـاس بـعـد ثـلاثة قتيل التجيبي الذي جاء من مصـر ومالي لا أبكي وتبكـي أقـاربـي وقد حجبت عنا فصول أبي عمرو! لليلى الأخيلية ترثي عثمان بن عفان وقال ليلى الأخيلية، أنشدنيه الرياشي عن الأصمعي: أبعد عثمان ترجو الخير أمتـه وكان آمن من يمشي على ساق خليفة الله أعطاهم وخـولـهـم ما كان من ذهب جـم وأوراق فلا تكذب بوعد الله وارض بـه ولا توكل على شيء بإشفـاق ولا تقولن لشيء: سوف أفعلـه قد قدر الله ما كل امـرئ لاق لآخر يرثيه أيضاً وقال آخر: ألا قل لقوم شاربي كأس علقـم بقتل إمام بالمـدينة مـحـرم قتلتم أمين الله فـي غـير ردة ولا حد إحصان ولا قتل مسلـم تعالوا ففاتونا فإن كن قـتـلـه لواحدة منها يحل لكـم دمـي وإلا فأعظم الشامتين قد أتـيتـم ومن يأت ما لم يرضه الله بظلم فلا يهنين الشامتين مـصـابـه فحظهم من قتله حرب جرهم وأنشدني الرياشي عن الأصمعي: قال أبو الحسن: هذا الشعر لابن الغريرة الضبي: لعمر أبيك فـلا تـذهـلـن لقد ذهب الخير إلا قـلـيلا وقد فتن الناس في دينـهـم وخلى ابن عفان سرا طويلا ومثله قول الراعي: قتلوا ابن عفان الخليفة محرماً ودعا فلم أر مثله مـخـذولا فتفرقت من بعد ذاك عصاهم شققاً وأصبح سيفهم مسلـولا قوله: محرماً يريد في الشهر الحرام، وكان قتل في أيام التشريق. رحمه الله. لأيمن بن خريم يرثيه أيضاً وقال أيمن بن خريم بن فاتك الأسدي. وكانت له صحبة: تفاقد الذابحـو عـثـمـان ضـاحـية أي قتـيل حـرام ذبـحـوا ذبـحـوا ضحوا بعثمان في الشهر الحرام ولـم يخشوا على مطمح الكف الذي طمحوا ماذا أرادوا أضـل الـلـه سـعـيهـم من سفح ذاك الدم الزاكي الذي سفحوا فاستوردتهم سيوف المسلمـين عـلـى تمام ظمء كما يستـورد الـنـضـح إن الذين تولـوا قـتـلـه سـفـهـاً لقوا أثاماً وخسراناً فـمـا ربـحـوا الظمء: ما بين الشربتين وقوله: ضحوا بعثمان: إنما أصله فعل في الضحى، قال زهير: ضحوا قليلاً على كثبان أسنمة ومنهم بالقسوميات معتـرك أي نزلوه ضحى. ويقال: بيتوا ذاك. أي فعلوه ليلاً. قال الله جل وعز: " إذ يبيتون ما لا يرضى من القول " " النساء: 108 ". وأنشد أبو عبيدة: أتوني فلم أرض ما بيتـوا وكانوا أتوني بأمر نكـر لأنكح أيمـهـم مـنـذراً وهل ينكح العبد حر لحر! وقوله: من سفح ذاك الدم الزاكي الذي سفحوا أي من صب ذاك الدم، يقال: سفحت دمه وسفكت دمه. قال الله تعالى: " إلا أن يكون ميتة أو دماً مفوحاً " " الأنعام: 145 ".

وقوله: على تمام ظمء فهذا مثل، وأصل الظمء: أن تشرب الإبل يوماً ثم تغب يوماً لا ترد الماء، فما بين الشربتين ظمء، فيكون الظمء يومين، فيقال له: الربع، كما يقال في الحمى، لأنهم يعتدون بيومي شربها. والخمس: أن تظمأ ثلاثة أيام، والنضح: الحوض. والأثام: الهلاك، قال الله عز ذكره: " ومن يفعل ذلك يلق أثاماً " " الفرقان: 68 "، ثم فسر فقال: " يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا " " الفرقان: 69 ". فجزم " يضاعف " لأنه بدل من قوله: " يلق أثاما " إذا كان إياه في المعنى، وأنشدني أبو عبيدة: جزى الله آبن عروة إذ لحقنا عقوقاً والعقوق من الأثـام وقوله: على مطمح الكف يقول: على رفعها وإبعادها، يقال: طمح بصره، إذا ارتفع فأبعد النظر، قال امروء القيس: لقد طمح الطماح من بعد أرضه ليلبسني من دائه ما تلـبـسـا باب في التشبيه قال أبو العباس: وهذا باب طريف نصل به هذا الباب الجامع الذي ذكرناه أي بيت واحد، من تشبيه شيء في حالتين مختلفتين بشيئين مختلفين، وهو قوله: كأن قلوب الطير رطبـاً ويابـسـاً لدى وكرها العناب والحشف البالي فهذا مفهوم المعنى، فإن اعترض معترض فقال: فهلا فصل فقال: كأنه رطباً العناب وكأنه يابساً الحشف! قيل له: العربي الفصيح الفطن اللقن يرمي بالقول مفهوماً، ويرى ما بعد ذلك من التكرير عيا، قال الله جل وعز، وله المثل الأعلى: " ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله " " القصص: 73 "، علماً بأن المخاطبين يعلمون وقت السكون ووقت الاكتساب. ومن تمثيل امرئ القيس العجيب قوله: كأن عيون الوحش حول خبائنا وأرحلنا الجزع الذي لم يثقب ومن ذلك قوله: إذا ما الثريا في السماء تعرضت تعرض أثناء الوشاح المفصـل وقد أكثروا في الثريا فلم يأتوا بمن يقارب هذا المعنى. ولا بما يقارب سهولة هذه الألفاظ. ومن أعجب التشبيه قول النابغة: فإنك كالليل الذي هو مـدركـي وإن خلت أن المنتأى عنك واسع وقوله: خطاطيف جحن في حبال متينة تمد بـهـا أيد إلـيك نـوازع وقوله: فإنك شمس والملوك كواكـب إذا طلعت لم يبد منهن كوكب ومن عجيب التشبيه قول ذي الرمة: وردت اعتسافاً والثريا كأنـهـا على قمة الرأس ابن ماء محلق وقوله: فجاءت بنسج العنكبوت كأنـه على عصويها سابري مشبرق وتأويله أنه يصف ماء قديماً لا عهد له بالوراد ، فقد اصفر واسود فقال: وماء قديم العهد بالنـاس آجـن كأن الدبا ماء الغضا فيه تبصق وقد أجاد علقمة بن عبدة الفحل في وصف الماء الآجن. حيث يقول: إذا وردت ماء كأن جمامـه من الأجن حناء معاً وصبيب فقال ذو الرمة في وصف هذا الماء، فقرن بتغيره بعد مطلبه، فقال: فأدلى غلامي دلوه يبتغي بهـا شفاء الصدى والليل أدهم أبلق يريد الفجر قد يجم فيه. فجاءت - يعني الدلو - بنسج العنكبوت، كأنه على عصويها سابري مشبرق. والسابري: الرقيق من الثياب والدروع والمشبرق: الممزق. وأنشد أبو زيد: لهونا بسربال الشباب مـلاوة فأصبح سربال الشباب شبارقا ومن التشبيه العجيب قول ذي الرمة في صفة الظليم: شخت الجزارة مثل البيت سائره من المسوح خدب شوقب خشب الشخت: الضئيل اليابس الضعيف. والجزارة القوام. وقوله: مثل البيت سائره من المسح: يعني إذا مد جناحيه. وإنما أخذه من قول علقمة بن عبدة: صعل كأن جناحيه وجؤجـؤه بيت أطافت به خرقاء مهجوم الصعل: الصغير الرأس. الخرقاء: التي لا تحسن شيئاً، فهي تفسد ما عرضت له. قال الحطيئة: هم صنعوا لجارهم وليست يد الخرقاء مثل يد الصناع والمهجوم: المهدوم. وفي الخبر أنه لما قتل بسطام بن قيس لم يبق بيت في بكر بن وائل إلا هجم، أي هدم. والخدب: الضخم. والشوقب الطويل. والخشب: الذي ليس بلين على من نزل به. ومن التشبيه المصيب قوله في صفة روضة: قرحاء حواء أشراطية وكفت فيها الذهاب وحفتها البراعيم


قرحاء. يريد الأنوار. وقوله: حواء يقول: تضرب إلى السواد لشدة ريها وخضرتها، وكذلك قال المفسرون في قوله الله جل وعز: " مدهامتان " " الرحمن: 64 " تضربان إلى الدهمة، لشدة خضرتهما وريهما. وقوله: أشراطية ليس مما قصدنا له. ولكنه مما يجري فنفسره، ومعناه أنها مطرت بنوء الشرطين . وحدثني الزيادي: قال: سمعت الأصمعي - وسئل بحضرتي، أو سألته عن قوله: أشراطية - فقال: باستة واست عرسه! وذاك أن الأصمعي كان لا ينشد ولا يفسر ما كان فيه ذكر الأنواء، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا ذكرت النجوم فأمسكوا ". لأن الخبر في هذا بعينه. مطرنا بنوء كذا وكذا، وكان لا يفسر ولا ينشد شعراً فيه هجاء، وكان لا يفسر شعراً يوافق تفسيره شيئاً من القرآن، هكذا يقول أصحابه، وسئل عن قول الشماخ: طوى ظمأها في بيضة القيظ بعدما جرى في عنان الشعر بين الأماعز فأبى أن يفسر في عنان الشعربين. وقوله : الذهاب فهي الأمطار اللينة الدائمة، ويقال: إنها أنجع المطر في النبت، وكذلك العهاد، وأنشد الأصمعي: أمير عم بالنعماء حـتـى كأن الأرض جللها العهاد والبراعين، واحدها ، برعومة، وهي أكمة الروض قبل أن تتفتق، يقال لواحدها: كم ، وكمام، فمن قال: كمام، فمن قال: كمام، فجمعه أكمة، مثل صمام وأصمة، وزمام وأزمة، ومن قال: كم، فالجماع أكمام، قال الله عز وجل " والنخل ذات الأكمام " " الرحمن: 11 ". ومن ذلك قول الآخر، أحسبه توبة بن الحمير. قال أبو الحسن: يقال إنه لمجنون بني عامر، وهو الصواب: كأن القلب ليلة قيل يغدى بليلى العامـرية أو يراح قطاة غرها شرك فباتـت تجاذبه وقد علق الجنـاح لها فرخان قد غلقا بكـر فغثهما تصفقـه الـرياح فلا بالليل نالت ما ترجـي ولا بالصبح كان لها براح وقد قال الشعراء قبله فلم يبلغوا هذا المقدار. وقال الشيباني للحجاج: هلا برزت إلى غزالة في الوغى بل كان قلبك في جناحي طـائر فهذا يجوز أن يكون في الخفقان وفي الذهاب البتة. ومن التشبيه المحمود قول الشاعر: طليق الله لم يمنن عـلـيه أبو داود وابن أبي كـثـير ولا الحجاج عيني بنت ماء تقلب طرفها حذر الصقور وهذا غاية في صفة الجبان. ونصب عيني بنت ماء على الذم، وتأويله: إنه إذا قال: جاءني عبد الله الفاسق الخبيث فليس يقوله إلا وقد عرفه بالفسق والخبث فنصبه أعني وما أشبهه من الأفعال، نحو أذكر، وهذا أبلغ في الذم، أن يقيم الصفة مقام الإسم، وكذلك المدح. وقول الله تبارك وتعالى: " والمقيمين الصلاة " " النساء: 162 " بعد قوله: " لكن الراسخون في العلم منهم " " النساء: 162 " إنما هو على هذا. ومن زعم أنه أراد: " ومن المقيمين الصلاة " فمخطئ في قول البصريين، لأنهم لا يعطفون الظاهر على المضمر المخفوض، ومن أجازه من غيرهم فعلى قبح، كالضرورة. والقرآن إنما يحمل على أشرف المذاهب. وقرأ حمزة: " الذي تساءلون به والأرحام " " النساء: 1 "، وهذا مما لا يجوز عندنا إلا أن يضطر إليه شاعر، كما قال: فاليوم قربت تهجونا وتشتمـنـا فاذهب فما بك والأيام من عجب وقرأ عيسى بن عمر: " وامرأته حمالة الحطب " " المسد: 4 " أراد: وامرأته في جيدها حبل من مسد، فنصب حمالة على الذم. ومن قال إن امرأته مرتفعة بقوله: " سيصلى ناراً ذات لهب" " المسد: 3 ": فهو يجوز. وليس بالوجه أن يعطف المظهر المرفوع على المضمر حتى يؤكد، نحو: " فاذهب أنت وربك فقاتلا " " المائدة: 24 " و: " اسكن أنت وزوجك الجنة " " البقرة: 35"، فأما قوله: " لو شاء الله ما أشركنا ولا ءاباؤنا " " الأنعام: 148 " فإنه لما طال الكلام وزيدت فيه لا احتمل الحذف وهذا على قبحه جائز في الكلام ، أعني: ذهبت وزيد، وأذهب وعمرو، قال جرير: ورجا الأخيطل من سفاهة رأيه ما لم يكن وأب لـه لـينـالا وقال ابن أبي ربيعة: قلت إذ أقبلت وزهر تهادى كنعاج الملا تعسفن رملا ومما ينصب على الذم قول النابغة الذبياني : لعمري وما عمري علي بهين لقد نطقت بطلا علي الأقارع


أقارع عوف لا أحاول غيرها وجوه قرود تبتغي من تجادع وقال عروة بن الورد العبسي: سقوني الخمر ثم تكنفوني عداة الله من كذب وزور والعرب تنشد قول حاتم الطائي رفعاً ونصباً: إن كنت كارهة معيشتنـا هاتا فحلي في بني بـدر الضربين، لدى أعنتـهـم والطاعنين وخيلهم تجري وإنما خفضوهما على النعت، وربما رفعوهما على القطع والابتداء. وكذلك قول الخرنق بنت هفان القيسي، من بني قيس بن ثعلب: لا يبعدن قومي الذين هم سم العداة وآفة الجزر النازلين بكل معـتـرك والطيبين معاقد الأزر وكل ما كان من هذا فعلى هذا الوجه . وإن لم يرد مدحاً ولا ذماً قد استقر له فوجهه النعت. وقرأ بعض القراء: " فتبارك الله أحسن الخالقين " " المؤمنون: 14 ". وأكثر ما تنشد العرب بيت ذي الرمة نصباً، لأنه لما ذكر ما يحن إليه ويصبو إلى قربه أشاد بذكر ما قد كان يبغي، فقال: ديار مية إذ مي تساعـفـنـا ولا يرى مثلها عجم ولا عرب وفي هذه القصيدة من التشبيه المصيب قوله: بيضاء في دعج، صفراء في نعج كأنها فضة قد مسـهـا ذهـب وفيها من التشبيه المصيب قوله : تشكو الخشاش ومجرى النسعتين كما أن المريض إلى عاده الـوصـب والخشاش : ما كان في عظم الأنف، وما كان في المارن فهو برة، يقال: أبريت الناقة، فهي مبراة، قال الشماخ - وهذا من التشبيه العجيب: فقربت مبراة تخال ضلوعهـا من الماسخيات القسي المؤطرا وماسخة، من نصر بن الأزد، وإليهم تنسب القسي الماسخية. وأحسن ما قيل في صفة الضلوع واشتباكها قول الراعي: وكأنما انتطحت على أثباجها فدر بشابة قد يممن وعولا الفادر: المسن من الوعل. وذو الرمة أخذ ذلك من المثقب العبدي، قال المثقب : إذا ما قمت أرحلها بليل تأوه آهة الرجل الحزين ومن التشبيه المستحسن قول علقمة بن عبدة: كأن إبريقهم ظبي على شرف مفدم بسبا الكتان مـلـثـوم فهذا حسن جداً. وقال أبو الهندي، وهو عبد المؤمن بن عبد القدوس بن شبث بن ربعي الرياحي، من بني رياح بن يربوع. وكان شبث سيد بني يربوع بالكوفة: مفدمة قـزا كـأن رقـابـهـا رقاب بنات الماء أفزعها الرعد من أخبار أبي الهندي وكان أبو الهندي قد غلب عليه الشراب، على كرم منصبه، وشرف أسرته حتى كاد يبطله. وكان عجيب الجواب، فجلس إليه رجل مرة يعرف ببرزين المناقير، وكان أبوه صلب في خرابة، والخرابة عندهم: سوق الإبل خاصة. فأقبل يعرض لأبي الهندي بالشراب، فلما أكثر عليه قال أبو الهندي: أحدهم يرى الذاة في عين أخيه ولا يرى الجذع في أست أبيه. وفي الخرابة يقول الراجز: والخارب اللص يحب الخاربا وتلك قربى مثل أن تناسبـا أن تشبه الضارئب الضرائبا وقال الآخر: إيت الطريق واجتنب أرماما إن بها أكتـل أو رزامـا خويربين ينقفان الهـامـا زاد أبو الحسن: لم يتركا لمسلم طعاما نصب خويربين على أعني لا يكون غير ذلك، لأنه إنما أثبت أحدهما بقوله: أو. ومر نصر بن سيار الليثي بأبي الهندي وهو يميل سكراً، فقال له: أفسدت شرفك! فقال أبو الهندي: لو لم أفسد شرفي لم تكن أنت والي خراسان. وحج به نصر بن سيار مرة، فلما ورد الحرم قال له نصر: إنك بفناء بيت الله ومحل حرمه ، فدع لي الشراب حتى ينفر الناس، واحتكم علي، ففعل. فلما كان يوم النفر أخذ الشراب فوضعه بين يديه، وأقبل يشرب ويبكي، ويقول: رضي مدام فارق الراح روحه فظل عليها مستهل المدامـع أديرا علي الكأس إني فقدتهـا كما فقد المفطوم در المراضع وكان يشرب مع قيس بن أبي الوليد الكناني، وكان أبو الوليد ناسكاً فاستعدى عليه وعلى ابنه، فهربا منه، فهربا منه، وقال أبو الهندي: قل للسري أبي قيس: أتوعـدنـا ودارنا أصبحت من داركم صددا أبا الوليد أما والله لو عـمـلـت فيك الشمول لما حرمتهـا أبـدا


ولا نسيت حمياها ولذتـهـا ولا عدلت بها مالاً ولا ولدا ثم نرجع إلى التشبيه، وربما عرض الشيء المقصود غيره، فيذكر للفائدة تقع فيه، ثم يعاد إلى أصل الباب. قال أبو العباس: وقال عروة بن حزام العذري: كأن قطاة علقت بجناحـهـا على كبدي من شدة الخفقان ويقال: إن المرأة إذا كانت مبغضة لزوجها، فآية ذلك أن تكون عند قربه منها مرتدة النظر عنه كأنما تنظر إلى إنسان وراء ، وإذا كانت محبة له لا تقلع عن النظر إليه، وإذا نهض نظرت من ورائه إلى شخصه حتى يزول عنها، فقال رجل: أردت أن أعلم كيف حالي عند امرأتي، فالتفت وقد نهضت من بين يديها فإذا هي تكلح في قفاي. وقال الفرزدق في هذا المعنى، والنوار تخاصمه عند عبد الله بن الزبير بن العوام: فدونكها يا ابن الزبير فإنـهـا مولعة يوهي الحجارة قيلهـا إذا جلست عند الإمام كأنـمـا ترى رفقة من خلفها تستحيلها قوله: مولعة. يقول: كأنها مولعة بالنظر مرة ههنا ومرة ههنا. وقوله: ترى رفقة يقال: رفقة ورفقة. ومعنى تستحيلها: تتبين حالاتها. قال حميد بن ثور: إذا خرجت تستحيل الشخوص من الخوف تسمع ما لا ترى ومن عجيب التشبيه قول جرير فيما يكنى ذكره: ترى الصبيان عاكفة عليها كعنفقة الفرزدق حين شابا ويقال: إن الفرزدق حين أنشد النصف الأول ضرب بيده إلى عنفقته توقعا لعجز البيت. ومن التشبيه الحسن قول جرير في صفة الخيل: يشتفن للنظر البعيد كأنما إرنانها ببوائن الأشطان قوله: يشتفن ويتشوفن في معنى واحد. وقوله: كأنما إرنانها ببوائن الأشطان، أراد شدة صهيلها. يقول: كأنما يصهلن في آبار واسعة تبين أشطانها عن نواحيها. ونظر ذلك قول النابغة الجعدي: ويصهل في مثل جوف الطوي صهيلاً يبين لـلـمـغـرب المغرب: العالم بالخيل العراب. ومن حشن التشبيه قول عنترة: غادرن نضلة في معرك يجر الأسنة كالمحتطب يقول: طعن وغودرت الرماح فيه، فظل يجرها، كأنه حامل حطب. ومن التشبيه المتجاوز المفرط، قول الخنساء: وإن صخراً لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار فجعلت المهتدي يأتم به، وجعلته كنار في رأس علم، والعلم: الجبل، قال جرير: إذا قطعن علماً بدا علم وقال الله جل ثناؤه: " وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام " " الرحمن: 24 " ومن هذا الضرب من التشبيه قول العجاج: تقضي البازي إذا البازي كسر والتقضي: الإنقاض، وإنما أراد سرعتها، والعرب تبدل كثيراً الياء من أحد التضعيفين، فيقولون: تظنيت والأصل: تظننت، لأنه تفعلت من الظن، وكذلك: تقضيت؛ من الإنقضاض، أي تقضضت، وكذلك تسريت، ومثل هذا كثير.