العلاقات السياسية والمواجهات العسكرية بين السلطان العثماني محمود الثاني و محمد علي ( 1808 – 1839)

من معرفة المصادر

العلاقات السياسية والمواجهات العسكرية بين السلطان العثماني محمود الثاني و محمد عليّ ( 1808 – 1839)، رضا العشي ، المعـهد العــالي للــعلوم الإنسانية بجنـدوبـــة الجمهورية التونسية

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مقدمة

بلغت الدولة العثمانية خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر حالة قصوى من الضعف والتفكك و الانحلال جعلتها عرضة لأطماع القوى الأجنبية رغم محاولات الإصلاح التي أنجزها سلاطين متنوّرون أمثال سليم الثالث ، محمود الثاني و عبد المجيد ، اتجهت إلى تحديث أجهزة الدولة والنهوض بالتعليم و تعصير الجيش لأجل إيقاف مسار التدهور ، إلاّ أنّ النتائج كانت هزيلة، بل و محدودة جدا. ولقد خاض محمد عليّّ خلال الفترة نفسها تقريبا ، وهو مرتزق ألباني من مدينة كفالا( Cavalle) و أحد الولاة التابعين للسلطان محمود الثاني، تجربة تحديثيّة على الطراز الأوروبي مكّنته من إرساء أسس دولة عصريّة و بناء جيش قويّ يُضاهي في قدراته القتالية جيوش الدول الأوروبية. و قد أثارت إصلاحات محمد عليّ بمصر ِانتباه السلطان العثماني و مخاوفه من تعاظم قوّة واليه و تابعِه الذي يحكم باشويّة مصر المعتبرة من أغنى الولايات العثمانيّة لما تزوّد به خزينة الحكومة المركزيّة من إتاوات سنوية مرتفعة . وسرعان ما تحوّل هذا الانبهار المشوب بالخوف و الإحتراز إلى ما يشبه الذهان (psychose ) إزاء هذا الوالي الذي استطاع أن يهزم الأنقليز في واقعه الحمّاد ( أفريل 1807) و أن يتخلّص من المماليك في مذبحة القلعة ( مارس 1811) مثلما أولى اهتمامه بتطور العلوم الأوروبية خصوصا في المجال العسكري ، فأرسل أوّل بعثة علميّة لدراسة الفنون العسكريّة و بناء السّفن إلى ايطاليا (1813) ، و شيّد أوّل مدرسة للهندسة بالقلعة (1816). و بما أنّ السلطان العثماني محمود الثاني لم يقدر بعد أكثر من عشر سنوات من تولـّيه الحكم على تحقيق الحدّ الأدنى من إصلاحات واليه وانجازاته ، فقد اِستبدت به الشكوك و الوساوس ووصل إلى حدّ الاعتقاد أنّ طموحات تابعه لابدّ أن تهدّد حكمه يوما ما، فتجنّب مواجهته منذ البداية و فضّل التعايش معه ( cohabitation ) ولما لا توظيفه لتحقيق أهدافه و مشاريعه السياسية في اِنتظار توفر الظروف الملائمة للتخلّص منه ، و لذلك دعاه السلطان إلى إخماد تمرّد الحركة الوهابية ( سنة 1813) مثلما ورّطّه في حرب اِستنزاف طويلة المدى قد تؤدي إلى إنهاك قدراته العسكرية وإضعاف ركائز حكمه في مصر. إلاّ انّ محمد عليّ اجتاز المحنة بنجاح وأعاد حكم السلطان في منطقة الحجاز و شتت شمل الوهابيين في أطراف الجزيرة العربية وصحاريها ، فكسب ثقة السلطان و تمكن من تثبيت أقدامه وتوطيد حكمه في مصر بعد أن كان مهددا بالنقل أو العزل .

و لم تكد عملية إخضاع الحركة الوهابية تنتهي ، حتى اندلعت حركة انفصالية جديدة و مجالها هذه المرة بلاد اليونان ، فاستجاب محمد عليّ لطلب السلطان و جهز أسطولا ضخما تحت قيادة ابنه إبراهيم باشا وتوجّه إلى جزيرة المورة (La Morée ) و قضى على حركة التمرد . وتحت ضغط الرأي العام الأوروبي ، تدخّلت القوى الكبرى في الصراع ووقفت إلى جانب استقلال اليونان ، فحدثت معركة نافارين (Navarin ) الشهيرة يوم 20 أكتوبر 1827 التي انهزمت فيها القوات المصرية و تعرّض فيها الأسطول المصري إلى التدمير الكلي .

أدّت هذه الواقعة إلى فتور العلاقة بين باشا مصر و السلطان العثماني و سرعان ما دخلت مرحلة التوتر و التأزّم عندما رفض الباب العالي تقديم تعويضات لمحمد عليّ عن الخسائر الجسيمة و الفادحة في معركة نافارين و منحه حكم باشويّة سوريّة . و بإيعاز من رجال البلاط وخاصة خِـسْرو باشا العدّو اللدود لمحمد عليّ ، بدأ السلطان محمود الثاني يثير القلاقل و المؤامرات لزعزعة استقرار حكم الباشا، ممّا حدى بهذا الأخير إلى تجهيز حملة على بلاد الشام و التوغل في الأناضول ، فاستنجد الباب العالي بقيصر روسيا وأمضى معه اتفاقية إنكيار– إسْكِلَسِّي أثارت هلع بريطانيا و تخوفها من سيطرة روسيا على مضايق البوسفور و الدردنيل (Bosphore et Dardanelles) و اقترابها من البحر الأبيض المتوسط . لكن الخارجية البريطانية جعلت من أولوياتها انذاك حلّ المسألة المصرية بعد أن أصبح محمد عليّ مسيطرا على أهم النافذ البحريّة والطرق التجارية المؤدية إلى الهند و تفاقم تهديده للمصالح البريطانية بعد انتصاره الساحق على الجيش العثماني في معركة نصيبين .

قّرّرت بريطانيا عندئذ طرح المسألة الشرقية و إعلان الحرب على باشا مصر و تصفية مشروعه التجديدي و تفكيك مرتكزاته العسكرية و السياسية و الاقتصادية بتشكيل تحالف دوليّ تمكنت بريطانيا عن طريقه من فرض شروطها في معاهدة لندن (15 جويلية 1840) أولا، ثم عبر صدور الفرمان السلطاني (13 فيفري 1841) لاحقا ، حيث جردت محمد عليّ من كلّ المكاسب التي حققها خلال اِنتصاراته على جيوش السلطان محمود الثاني و حصرته في مجال جغرافي ضيق( مصر) و أرجعته إلى وضع الوالي التابع للباب العالي.


مرحلة التعايش والتعاون بين السلطان محمود الثاني و محمد عليّ ( 1808 -1827)

تشابه التوجُّهات الإصلاحية لكلا الرجلين

تزامن حكم السلطان العثماني محمود الثاني ( 1808-1839) مع شخصية أخرى اضطلعت بدور بالغ الأهمية في مصر وفي بقية الولايات الشرقية التابعة للأمبراطورية العثمانية طوال النصف الأول من القرن التاسع عشر ألاَ وَهْوَ محمد عليّ الذي حكم مصر بقبضة من حديد لمدة تقرب من نصف قرن (1806-1849) حاول خلالها تحديث مصر عبر القيام بالعديد من الإصلاحات التي شملت المجالات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية ضمن ما سمّاه البعض بالاستبداد الشرقي . فقد واجه الرجلان العديد من الصعوبات في الوصول إلى السلطة و تعرّضا كذلك إلى العديد من العراقيل عند قيامهما بإصلاح المؤسسة العسكرية، وهو ما جعل حياتهما تتعرّض للخطر أكثر من مرة من قبل الجيش الانكشاري في الدولة العثمانية و المماليك في مصر . و لم يكن السلطان محمود الثاني يجهل ما آلت إليه محاولات خلفه السلطان سليم الثالث ( 1789-1807) الذي حاول إدخال إصلاحات جديدة لوقف تدهور الأمبراطورية العثمانية مسّت بالأساس الجيش الانكشاري ، لكن هذا الأخير سرعان ما ثار عليه وزحف عناصره على القسطنطينيّة و أقالوه ، ثم أعدموه خلال صائفة سنة 1808 بعد أن ألغوا " النظام الجديد". و رغم أن السلطان محمود الثاني لم يكن يتقن أيّة لغة أوروبيّة و ليست له دراية كافية لما يحدث أنذاك في الغرب ، فقد استفاد من إقامته الجبريّة مع سليم الثالث في السّراي حيث أطلعه هذا الأخير على خطط الإصلاح . و في هذا الجانب يتشابه السلطان العثماني مع باشا مصر ( محمد عليّ ) الذي لم يتعلـّم القراءة و الكتابة إلاّ في سنّ متأخرة جدا (47 سنة) ، و لم يكن يعرف من البلدان منذ توليه الحكم مباشرة سوى مصر و موطنه الأصلي كفالا( Cavalle) وهو أحد المرافئ الصغيرة في مقدونيا. و ممّا تجدر الإشارة إليه أنّ محمود الثاني كان علـَما من أعلام الإصلاح العثماني ، و كان من المتحمّسين إلى القيام بإصلاحات تمسّ بعمق هياكل الدولة العثمانية و مؤسساتها المتهرّئة ، إلاّ أن هذه الإصلاحات جاءت متأخرة نوعا ما و محتشمة في مجملها مقارنة بما تميّز به محمد عليّ في مصر من جرأة على تقويض البنى التقليدية المعرقلة للمشروع التحديثي(مؤسسة الأزهر+الملتزمون) و من سرعة فائقة في إنجاز الإصلاحات . إنّنا لا نجانب الصواب عندما نحكم بهذه السرعة و بهذه القساوة على السلطان محمود الثاني ، لأنّ محاولات الإصلاح و التجديد التي بادر بها سلفه سليم الثالث أدّت إلى إطلاق ديناميّات مقاومة شديدة لها كان من نتائجها في المراحل الأولى كبح و إجهاض ديناميّة الإصلاح ذاتها . لذلك نلحظ تعثـّر عمليّة نموّ و ترسّخ هذا الاتجاه على مستوى السلطة المركزيّة وصل حدّ إجبار سليم الثالث على التنحّي عن السلطة عام 1807 . لقد كانت القوى المحافظة قويّة بما فيه الكفاية درجةً مكنتها من تأسيس جبهة عريضة ضمّت في صفوفها الطريقة الصوفية البكتاشيّة وشيخ الإسلام و الانكشارية ، و شرعت في قتل ضباط " النظام الجديد" في شتى أنحاء الأمبراطورية و مرّت البلاد بعهد إرهاب سادته أعمال الانتقام من كل من ساعدوا السلطان سليم الثالث بأيّ شكل من الأشكال . لذلك كان على السلطان الجديد ( محمود الثاني ) أن ينتظر مدّة طويلة تتغيّر فيها موازين القوى الداخلية لصالح جماعات الإصلاح و التغيير و التنوير ، مع التعلـّم من أخطاء أسلافه و إخفاقاتهم لتحقيق سلسلة من الأهداف السياسية و العسكرية التي من شأنها أن تضع حدّا للتقهقر السّريع و المتواصل للأمبراطوريّة العثمانية بعد تطهير جهاز الدّولة من جميع العناصر المحافظة والمعارضة لعمليتي الإحياء والتحديث. و لقد وقعت على عاتق هذا السلطان مهام خارجية غاية في الخطورة و المتمثلة في تهديدات الرأسمالية العالميّة في مرحلتها التنافسية الساعية تدريجيا إلى تفكيك الأمبراطوريات التقليدية و فتح أسواقها لترويج منتوجاتها المصنّعة بالقضاء على الصناعات الحرفية و تأمين المواد الأوّلية بأسعار زهيدةٍ لصناعتها النامية و المزدهرة خلال الثورة الصناعية الأولى. إضافة إلى ذلك فإن حروب الاستنزاف و تهديدات القياصرة الروس للحدود الشمالية للأمبراطورية العثمانية ، دفعتا السلاطين العثمانيين إلى الانسياق وراء هذه الحروب المكلفة ماديّا وبشريا و التي انتهت كلها إلى هزائم متتالية للجيوش العثمانية منها ثلاثة حروب ضد روسيا (اِنتهت عام 1774 ، و عام 1792 ، و عام 1812 ) حرمت العثمانيين من الشواطئ الشمالية للبحر الأسود ، بما في ذلك القرم( Crimée) ، موطن حلفائهم السابقين التتار. و لترتيب البيت الداخلي ، قدّم السلطان محمود الثاني تنازلات لبعض القوى المتاخمة للأمبراطورية العثمانية ، فأمضى معاهدة بوخارست (ماي 1812) تنازل بمقتضاها عن منطقة بـِصّارابي Bessarabie) ( لصالح قيصر روسيا الاسكندر الأول و اعترف للصرب باستقلالهم ضمن السيادة العثمانية. و قد عاش محمد عليّ ظروفا مشابهة لتلك التي مرّ بها السلطان محمود الثاني ، وواجه تحديات داخلية و خارجية كبيرة كادت في بعض الفترات الحرجة أن تطيح برأسه و أن تزيحه من المسرح السياسي المصري . وفد هذا الألباني ، أصيل مدينة كفالا على مصر مع القوّة العسكرية التي أرسلتها السلطة المركزية لمحاربة الجيش الفرنسي، ولم يكن يخطر بباله أن يصبح باشا مصر يومًا مَا وينشئ دولة مترامية الأطراف هدّدت مرارا عاصمة العثمانّيين . إلا ّ أنّ محمد عليّ الذي عايش عن قرب الهزائم المتتالية للمماليك أمام جيوش الفرنسيين، بدأ يتشكل لديه وعي جديد نتيجة مواجهة الأوروبيين تمثل في اِمتلاك ما مكـّن الغرب من التفوق تقنيا و تنظيميا و إداريا . و أدرك أنّ الإصلاح هو اِستيعاب هذه المنجزات و إعادة توظيفها بما يخدم الأهداف السياسية المرجوّة. و قد برزت مواهب محمد عليّ العسكرية و القيادية بصفة جليّة في مناسبتين هامتين ستجعلان من باشا مصر شخصية بطولية لها مكانتها المتمّيزة لدى الأوساط الشعبية و خاصة في أذهان النخب الأزهرية  :

الأولى : انتصاره على الأنقليز في موقعة " رشيد" يوم 31 مارس 1807 ، عندما تخوفت بريطانيا من النفوذ الفرنسي في مصر ومن إمكانية حصول تحالف بين محمد عليّ و فرنسا ، فعملت بريطانيا جاهدة على إحباطه عبر التحالف مع المماليك ، لكن ذلك لم يأت أكله ، فلجأت إلى القوة و أرسلت في سنة 1807 حملة إلى مصر لمساعدة المماليك الذين زال نفوذهم ، ودخل جنودها الإسكندرية ، لكنّ محمد عليّ تمكّن بحزمه و حسن تدبيره من هزم الجيش الأنقليزي في رشيد و التمثيل بأسراه في شوارع القاهرة .

وقد علق المؤرخ عبد الرحمان الجبرتي على هذه الواقعة قائلا :" اجتمع الجمّ الكثير من أهالي بلاد البحيرة و غيرها و أهالي رشيد و من معهم من المتطوّعة و العساكر و أهل دمنهور، فكان بين الفريقين مقتلة كبيرة و أسروا من الأنقليز طائفة و قطعوا منهم عدة رؤوس ..."

الثانية : قدرته على إدارة الصراع للوصول إلى السلطة و مناوراته المتعددة لتعميق العداء و التنافر بين المتنافسين على الحكم مثلما فعل مع عثمان بك البرديسي و محمد بك الألفي في مرحلة أولى ، ثمّ مع خورشيد باشا في مرحلة لاحقة ، حيث حرّض عليه محمد عليّ العامّة والمماليك و الجنود الألبان .و سرعان ما اِستبدّ سخطهم بالجنود الألبان و اشتدّ هياجهم و قرّروا الإطاحة بخورشيد باشا الذي لم يجد من مخرج سوى التحصّن بالقلعة في انتظار وصول الفرمان*(firman ) السلطاني الذي يمنحه الشرعيّة و يثبّته في خطّته.

إلاّ أن محمد عليّ استطاع بفضل ما يملكه من نبوغ سياسيّ و قدرة فائقة على المناورة ، أن يخترق بسرعة الحسّ العام (Le sens commun) للمجتمع الأهلي و يكسب النخبة الأزهريّة و خاصة السيد عمر مكرّم الشديد التعلق بالمبادئ السامية و ذا التأثير الكبير في العامة الشيء الذي جعل محمد عليّ يتحول إلى زعيم شعبي و رمزٍٍ التفت حوله كلّ الشرائح و الطبقات الاجتماعية لإنقاذها من تسلط المماليك و استبدادهم و توفير الأمن و الاستقرار للبلاد و إرجاع الهدوء و السكينة إلى النفوس .

إضافة إلى ذلك فقد ابتسم الحظّ لمحمد عليّ في اللحظات الصعبة و الحرجة التي كان يواجه فيها أشدّ منافسين سياسيين وهما عثمان بك البرديسي و محمد بك الألفي ، إذ مات الأول بالحمّى ( أكتوبر 1806) ، و الثاني في شهر جانفي من سنة 1807 ، وبموتهما تفرّق أتباعهما وفرّ معظمهم إلى الوجه القبلي ، و بذلك خلت الساحة السياسية لمحمد عليّ ما عدا بعض العناصر ذات الشأن الثانوي . و فيما يتعلق بالسلطان العثماني محمود الثاني ، فقد صاغ برنامجا إصلاحيا لم تتضح معالمه إلاّ في فترة متأخرة تحديدا بعد القضاء على الانكشارية سنة 1826. فقد أكّد في برنامجه الإصلاحي الّدّاعي إلى المركزية و التغريب على ضرورة توخّي العناية في التخطيط للإصلاح و إيجاد الضمانات اللازمة لنجاحها، أن تكون شاملة لكلّ النظم العثمانية و على ضرورة تدمير النظم القديمة المعارضة للإصلاح.

و لتجسيم هذه الإصلاحات على أرض الواقع ، هيّأ محمود الثاني الظروف الملائمة و المتمثلة في التنازل لروسيا القيصرية على منطقة بصَّارابي ( Bessarabie) وفق اتفاقية بوخاريست ( Bucarest) الممضاة في شهر ماي من سنة 1812. وستـُمكـّن هذه السّلم السلطان محمود الثاني من مواصلة الإصلاحات التي بدأها سليم الثالث وذلك عبر إعادة تنظيم الجيش العثماني بإصداره مرسوما وافق عليه كبار أعيان الدولة ( 27 و28 ماي 1826 ) يعيد بمقتضاه تشكيل قوات " النظام الجديد " إلى جانب الإنكشارية على أن يقوم بتدريب القوات الجديدة مسلمون لا مسيحيّون أو أجانب . و لم يتأخر الإنكشارية في إعلان ردود أفعالهم ( 12 جوان 1826) ، فاجتمعوا في ساحة سباق الخيل و قاموا بنهْب قصر الوزير الأكبر ، و طالبوا في الوقت ذاته بقطع رؤوس المصلحين . وكان ردّ فعل السلطان سريعا إذ قام بمحاصرة ثكنات الإنكشارية بالمدفعية و نسفها عن آخرها في شهر جوان من سنة 1826 . ويسمى الأتراك هذه الحادثة " بالواقعة الخيريّة"، لأنهم تفاءلوا بها خيرا. و لم يقف السلطان محمود الثاني عند هذا الحدّ ، بل ذهب بعيدا في تطهير المجتمع العثماني من القوى المحافظة و كذلك أجهزة الدولة من العناصر المرتبطة بالانكشارية ، فقام بحلّ الطريقة الصوفية البكتاشية ، ودمّر زواياهم و شنق علنا ثلاثة من زعمائهم و نفى الباقين وتوّج عمله بإلغاء آخر وحدات السباهية الإقطاعيين و ما تبقـّى من الاقطاعات العسكرية ، وبذلك أصبح خيّالة الجيش يرتبطون مباشرة بالدولة و يتقاضون أجورا . كما أعطى السلطان تعليماته لضباط الجيش الكبار بالتخلـّي عن الملابس التقليدية واِرتداء الملابس الأوروبية و تعويض العمامة بالطربوش.

و من الجدير بالملاحظة أن باشا مصر ( محمد عليّ ) ، كان نموذجا ناجحا في العالم العربي الإسلامي في مجال التعليم العام وإنشاء المدارس الفنّية العليا و إرسال البعثات الدراسية إلى الخارج ، فلم ير السلطان محمود الثاني مانعا من الإقتداء بواليه و الاستفادة من تجربته في هذا المجال . وفي هذا الإطار أنشأ السلطان مدرسة للطب و أكاديمية للعلوم العسكريّة و عددا كبيرا من المدارس الثانوية، وجعل التعليم الابتدائي إلزاميّا كما أرسل مائة و خمسين ( 150) طالبا في بعثات دراسيّة إلى أوروبا . و إذا كان السلطان محمود الثاني قد بدأ في تطبيق إصلاحاته في أواخر عشرينات القرن التاسع عشر أي مباشرة بعد القضاء نهائيا على الجيش الإنكشاري، فانّ محمد عليّ قام قبل كلّ شيء بتشييد دولة ممركزة حول جيش قويّ و ناجع ، و مرتكزة على اقتصاد عصري و مكتف ذاتيا .

وعن طريق جهاز الدولة القوي و المرتبط به شخصيا ، بدأ محمد عليّ في تنفيذ مشاريعه الإصلاحية في فترة مبكّرة جدا مباشرة بعد التصفية الدمويّة للمماليك في قلعة القاهرة يوم 01 مارس 1811 ، و هو ما جعله طليق اليدين في تنفيذ المشاريع والمخططات التي يراها مفيدة لدولته. فبين سنتي ( 1808 – 1812)، اِستولى على أغلب الأراضي الزراعية في مصر بعد أن ألغى نظام الالتزام ، ثم ضمّ إليه أراضي المماليك الذين وقعت ابادتهم في المجزرة الشهيرة ، و بذلك جعل محمد عليّ من مصر مزرعته الخاصّة ، باعتبار أنّه المالك الوحيد في البلاد. و في سنة 1816 فرض محمد عليّ نظام الاحتكار و عمّمه على جميع الأنشطة الاقتصادية ، تلى ذلك الدخول في عملية تصنيعية ضمن إطار النموذج الموجّـَه و حيث وقع إنشاء مركّب صناعي – عسكري تميّز بهيمنة المنشئات العسكرية على الصناعات المدنية مثل مصانع الأسلحة و المدافع بالقلعة ، مصانع المدافع بالترسانة ، مصنع البنادق في الحوض المرصود ، و معامل البارود في المقياس بطرف جزيرة الروضة . أمّا فيما يتعلـّق بالصناعات " المدنيّة" فقد بلغ عددها ثلاثين مصنعا و تميّزت بالتنوع و التكامل و نجد فيها مصانع الغزل والنسيج و القطن و الكتان و القِنـَّب و مصانع لإنتاج السكر و التقطير و النيلة و الزجاج و الدباغة و الورق والمنتوجات الكيمياوية. كما اِهتم محمد عليّ بالتعليم ، فأنشأ العديد من المعاهد العليا و المؤسسات العلميّة و أغلب هذه المؤسسات كانت ذات صبغة عسكرية مثل مدرسة أسوان ، مدرسة قصر العيني ، مدرسة المشاة بالخانكة ثم بدمياط ثمّ بأبي زعبل ، مدرسة المدفعيّة بطره، مدرسة الموسيقى العسكرية بالخانكة و المدرسة البحريّة بالإسكندريّة.

وفي إطار النهوض بالتعليم و تحديثه ، أنفق محمد عليّ أموالا طائلة على البعثات العلمية و الدراسية ، وأرسل أولى البعثات إلى ايطاليا ثمّ إلى فرنسا سنة 1818 ، وضمّت أربعين طالبا من مصريين، أتراك ، شوام ، و أرمن . وتوزعت اختصاصات الطلاب بين مدنية وعسكرية على حدّ سواء و أبرزها دراسة القانون والطب والزراعة والكيمياء والهندسة العسكرية والمدفعية و الميكانيك وبناء السفن . من خلال المشروعين الإصلاحيين للسلطان العثماني محمود الثاني ومحمد عليّ نستشفّ أنّ إصلاحات هذا الأخير كانت أكثر جرأة وشمولية ونجاعة اِنعكست بصفة ايجابية على الجيش المصري الذي اِكتسب قدرات حربية عالية جعلته يوسع في المجال الترابي والسياسي لباشا مصر ويسيطر لمدة طويلة على أهم المواقع البحرية الإستراتيجية ( البحر الأحمر ، باب المندب ، خليج عدن ، منطقة الأحساء المشرفة على الخليج العربي) . إضافة إلى ذلك فقد شهدت الصناعة المصرية ازدهارا ملحوظا و أصبحت تتوفر على قدرة تنافسية عالية أثارت قلق بريطانيا العظمى وتخوفها. وفي المقابل لم تمنع إصلاحات محمود الثاني الدولة العثمانية من مواصلة تقهقرها إلى درجة أن القوى الأوروبية بدأت تتنافس في ما بينها لأجل السيطرة على مناطق نفوذها و ممتلكاتها ، كما أن العديد من الشعوب و الحركات السياسية اِنتفضت ضدّ العثمانيين وأعلنت استقلالها عن الباب العالي كما هو الحال بالنسبة إلى الحركة الوهابية في الجزيرة العربية و تمرّد شعوب بلاد اليونان ، فلم يجد السلطان بدا من الالتجاء إلى محمد عليّ و الاستنجاد به لمواجهة حركات التمرد و الانفصال عن الباب العالي.

الاستنجاد بمحمد عليّ في مواجهة حركات التمرد و الانفصال عن الباب العالي

أ- محاربة الوهابيّين

اِستغلت الحركة الوهابية الصراعات الناشبة بين السلاطين العثمانيين و الانكشارية و ما أدت إليه من ضعف كبير للسلطة المركزية ، لتعلن رفضها حكم الباب العالي و اِستقلالها بالجزيرة العربية . و لم يجد السلطان محمود الثاني من هو أقدر على إخضاع الوهابيّين من محمد عليّ الذي قبل العرض السلطاني لتحقيق ما كان يجول في ذهنه من مشاريع مثل التخلص من الجنود الألبان الذين مثلوا خطرا على حياته و عبأ ً على موارد الدولة و البحث عن مجال توسع في اِتجاه سورية عن طريق الضفة الشرقية للبحر الأحمر ، وأخيرا طموح محمد عليّ في تنمية هيبته في العالم الإسلامي . و بالنسبة إلى الحركة الوهابية فقد برزت على المسرح السياسي في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، و بدأت تتوسع تدريجيا باتجاه بلاد الحجاز بعد أن ضمّت نجد تحت سلطتها، ثمّ أدمجت مكّة سنة 1803 ضمن مجال نفوذها و توّجت حروبها بمهاجمة مدينة دمشق سنة 1810. و مؤسس الحركة الوهابيّة هو عبد الوهاب من بني تميم بنجد ، تعرض إلى الاضطهاد عند نشر مذهبه وفرّ إلى الدّرعيّة (شرق المدينة) ، فحماه " محمد بن سعود" حاكمها و مال إلى مذهبه فاعتنقه و عمل على نشره . و كان المذهب الوهابي أشبه بمذهب "الطهرانيين " * (les puritains) ، يطلبون تطهير الدين من الفساد و البدع و العودة إلى التقشف والزهد و اِتباع الكتاب و السنة . و أضافت الحركة الوهابية إلى ما ورد في الشريعة الإسلامية من محرّمات في مجال العبادات والمعاملات ممنوعات جديدة مثل منع الرجال من التدخين والزينة و لباس الحرير لأنه من أدوات النساء و هدم المزارات و القباب على أضرحة الأولياء لأنه يعتبر من الوثنية و يشغل الناس عن التوجه لوجه الله تعالى. و نظرا لصعوبة التضاريس و قساوة المناخ في الجزيرة العربية و شساعة مجالها الجغرافي ، فقد اِنقسمت الحرب التي خاضها محمد عليّ ضد الوهابيين إلى مرحلتين رئيسيتين:


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حملة طوسون باشا

نزلت القوات المصرية بقيادة طوسون باشا في ميناء " ينبع" سنة 1811 و استولت عليه دون أن تلقى مقاومة تذكر لأن شريف مكة (يسمى غالب) قام بتراجع تكتيكي لاستدراج طوسون باشا في درب ضيّق جدا عُرف بالجُديدة التي تعرض فيها المصريون إلى هزيمة نكراء فقدوا فيها أكثر من نصف قواتهم ( من بين 8000 جندي لم يبق سوى 3000) ، فاضطرهم هذا الوضع المحرج جدا إلى العودة إلى ميناء " ينبع" بعد أن أنهكهم التعب. و في سنة 1812 ، أرسل محمد عليّ بتعزيزات هامة من الجنود و العتاد الحربي مكنت طوسون باشا من اختراق تحصينات الوهابيين وهزمهم و الدخول إلى المدينة المنورة خلال نفس السنة ثمّ واصل تقدّمه متبعا طريق جدة إلى أن سيطر على مكة . إلاّ أن الوهابيين سرعان ما استرجعوا أنفاسهم و نظموا صفوفهم من جديد و تمكنوا من هزم طوسون باشا شرّ هزيمة في موقع يسمى "طربة" (شرق مكة) و زحفوا من جديد على المدينة ممّا جعل وضع القوات المصريّة يكون صعبا للغاية ، فأسرع محمد عليّ و جهز جيشا ضخما لفكّ الحصار عن ابنه طوسون المحاصر من قبل الوهابيين. و فعلا فقد وقعت المعركة الحاسمة بين المقاتلين الوهابيين يقودهم فيصل بن سعود و جيش محمد عليّ ، انتهت بانتصار ساحق على الوهابيين، فتساقطت المدن تباعا و استطاع ابنه طوسون التوغل في نجد نفسها حتى وصل إلى منطقة القصيم ، كما أن جيوشه الأخرى أوغلت في جنوب الحجاز حتى اقتربت من اليمن . ودفعت هذه الانتصارات الباهرة التي حققها محمد عليّ على الوهابيين العقيد ميسات * (Missett ) إلى القول يوم 7 جويلية 1813 إنّ : " الباب العالي مازال يعتبر محمد عليّ ثائرا على سلطته ، و لقب الباشا مازال بالكاد معترفا به ، و أنّ ضعف الدولة العثمانية هو الذي حال دون قلب نظامه في مصر . و كان محمد عليّ قد تعايش مع السلطان محمود الثاني و مدركا هذه الحقيقة ممّا شجعه على تحدي هذا الأخير كلّما كان المجال فسيحا " . إلاّ أنّ ذلك لم يمنع من تحسن مكانة الباشا لدى الباب العالي، اِِثر استرجاع محمد عليّ المدينتين المقدستين ( مكة و المدينة ) من الوهابيين . و لن يلغي ذلك حالة الخوف و الاحتراز المهيمنة على مشاريع السلطان محمود الثاني إزاء واليه " الطموح"، " المشاغب" و " المتمرد" . و هو ما نتبينه إثر استغلال السلطان فرصة الفراغ الموجود في السلطة في مصر وانشغال محمد عليّ بحملته على الوهابيين ، فأرسل فرمانا سريا عيّن بمقتضاه أحد المماليك وهو " لطيف باشا" حاكما على مصر ، إلاّ أنّ وزير الداخلية محمد لاظ أوغلي باشا" كشف هذه المؤامرة و قتل لطيفا و من معه بعد أن حاول الهرب و الاختفاء.

حملة إبراهيم باشا

تحمّس محمد عليّ كثيرا لإرسال حملة جديدة عقد لواءها لابنه الأكبر إبراهيم باشا سنة 1816 ، و قد أعدّ لها إعدادا هائلا من حيث العدة والعتاد و المؤن الطبيّة و الأموال الطائلة ، لكسب بعض شيوخ القبائل و إنْ لزم الأمر تحييدهم في الصراع مع الوهّابيين . اتبع إبراهيم باشا طريق النيل إلى قنا و منها إلى الصحراء فالأقصر ثمّ إلى ينبع فالمدينة . و بعد استراحة طويلة توجه إلى "الدّرعية" معقل الوهابيين ، فتوخى مع محاربيها طريقة حرب الاستنزاف ، و حاصرها من عدة جهات و حاول عزلها عن بقيّة المدن والمناطق ورغم ذلك ، فقد تميّزت مقاومة الوهابيين للجيش المصري بشراستها و بسالتها .

و بعد حرب ضروس استمرت قرابة عامين سبعة أشهر منها دارت في "الدرعية " وحدها ، و بعد نفاذ كلّ وسيلة للمقاومة استسلم عبد الله بن سعود مقدما نفسه فداء للمدينة و سكانها ومن ثمّ نقل إلى القاهرة ثم إلى القسطنطينية حيث قطع السلطان محمود الثاني رأسه . و قد ترتب عن حملة الجزيرة العربية القضاء على قوّة الوهابيين و إعادة نفوذ السلطان، لكن الأهم في ذلك أنها تمخضت عن تكوين قوة لمحمد عليّ تعمل على الساحل الشرقي للبحر الأحمر . كما حققت له هذه الحملة العديد من المكاسب و الأهداف، من بينها التخلص نهائيا من الألبانيين المثيرين للفتن و القلاقل الرافضين لإصلاح المؤسسة العسكرية، و العمل على تحديث الجيش على منوال الدول الأوروبية. كما استفاد من الوضعية الجديدة باستنزاف المجتمع الأهلي و اِبتزاز الفائض الذي وظّفه في إنشاء أسطول بحري ضخم وبناء العديد من مصانع الأسلحة و الذخيرة التي مكنته من توسيع مجاله الترابي و تدعيم نفوذه السياسي عبر السيطرة على منطقة الحجاز و بعض مناطق الخليج و أهم موانئ البحر الأحمر، و بذلك كسب ثقة السلطان العثماني و تقديره خلال هذه الفترة على الأقل بعد أن استرجع مكة و المدينة لحضيرة الباب العالي وأمّن لرعايا السلطان مسالك الحجّ.

ب-مواجهة "الثورة التحررية "في اليونان

في بداية سنة 1821، اندلعت في بلاد اليونان انتفاضة قومية تحررية تميّزت بطابعها المعادي للتواجد العثماني في شبه الجزيرة اليونانية. اتخذت هذه الانتفاضة التي كانت خلفها البورجوازية التجارية المحلية سمة حرب زراعية و كفاح خاضه الفلاحون دون هوادة ضد أسيادهم من الملاّكين المسلمين الكبار . وسرعان ما تطورت الانتفاضة واتسع نطاقها و انتشر لهيبها ليمس كل أنحاء البلاد ، فاستولى الثوار على أهم مدن المورة * (La Morée) ، و اِحتلوا عاصمتها " تريبُولتزا" و نكـّلوا بالأتراك المقيمين بها تنكيلا فظيعا ، و في جانفي 1822 ، أعلنت الجمعية الوطنية المكونة من ممثلي المقاطعات الثائرة اِستقلال الأمة اليونانية .

فلم يجد السلطان محمود الثاني بدّا من الاستنجاد بمحمد عليّ ، فبعث له بفرمان يمتدحه فيه و يصفه بـ"مبيد الكفّار" L’exterminateur des infidèles) ) و يدعوه إلى الإسراع في إخضاع المورة ، خاصة و أنّ الجيش العثماني قد فشل فشلا ذريعا في استعادة مواقعه و سلطته في بلاد اليونان رغم الحملات العسكرية البريّة و البحرية المتعددة.

قبلَ محمد عليّ دعوة السلطان و أبدى استعداده لمحاربة المتمردين اليونانيين ، أملا منه أن يتحصل من الباب العالي على فرمان يخول لعائلته توارث الحكم في مصر ، كما عمل على توظيف العمل العسكري في المورة لخدمة أغراضه السياسية عبر تكوين رأسمال رمزي (capital symbolique ) في العالم العربي الإسلامي وزيادة مكانته المتصاعدة في الأمبراطورية العثمانية .

و في جانفي من سنة 1824، تنازل محمود الثاني بإيعاز من المستشار النمساوي مترنيخ (Metternich ) العدو اللدود للثورات القومية لمحمد عليّ عن ولاية المورة (La Morée ) و عهد له بقمع الانتفاضة اليونانية في ظرفية كان يعيش فيها السلطان تحت رحمة الجيش الانكشاري المتميّز بالضعف و التفكك و المعادي لكل إصلاحات من شأنها أن تغيّر الوضع القائم ( Statu quo) و تمس من اِمتيازاته . و خلال السنة نفسها جهّز محمد عليّ جيشا يتكون من 17.000 مقاتل بقيادة إبراهيم باشا فأقلع الجيش من ميناء الإسكندرية (جويلية 1824) ، و بعد قرابة ثمانية أشهر أرسى في المورة و سيطر على أغلب مدنها خاصة " تريبولتزا" عاصمة المورة التي اِحتلها بعد مقاومة شرسة من سكانها . و بمعية القوات العثمانية واصل إبراهيم باشا زحفه على حصن " ميسولونغي" المعقل الرئيسي للمقاومة اليونانية ، فاقتحمه ودمره كليّا، متوّجا فتوحاته بالاستيلاء على مدينة أثينا في شهر جوان من سنة 1827 . و رغم ذلك فقد واصلت جيوب المقاومة اليونانية التصدي للجيوش المصرية و العثمانية في أماكن متفرقة من بلاد اليونان ، خلـّفت خسائر فادحة و معتبرة في صفوف قوات إبراهيم باشا، ممّا دفع بهذا الأخير إلى المبالغة في استعمال العنف إزاء سكان الجزيرة ، عبر قيامه بعملية تصفية ممنهجة للشيوخ والشباب الذين يرسلون إلى مصر ثمّ يجبرون على التخلي عن عقيدتهم المسيحية ، ليتحوّلوا فيما بعد إلى مسلمين .

وقد أثارت المعاملة القاسية للأسرى اليونانيين ، وبيع ما يقارب 5000 أسير بيع الرقيق ، اِستياء الرأي العام في كل من بريطانيا و فرنسا و روسيا ، فاضطرت القوى المتنفذة إلى عقد مؤتمر لندن ( 6 جويلية 1826)اِلتزمت بمقتضاه إرسال قطعا حربية مشتركة ووضع حد للتدخل المصري – العثماني في الجزيرة و منح اليونان استقلالا ضمن السيادة العثمانية مع تأمين حرية التجارة والحرية الدينية . كما أكدّت هذه القوى على ضرورة وقف حركات القتال في الجزيرة تمهيدا للوساطة بينهما ، و قدمت هذه المقترحات للسلطان العثماني و أعطته مهلة شهر للموافقة عليها ، و إلا ّ لجأت إلى القوة في تنفيذها . و قد رفض السلطان محمود الثاني بحزم جميع المطالب الانقليزية و الروسية وبعث برسالة إلى محمد عليّ ( 20 أوت 1827) يُعلمه فيها بعدم اِستعداده للاستجابة لمطالب هذه القوى و يوصيه بمواصلة الهدف المتفق عليه ، رغما عن تشدّقات الحلفاء.

و لم تدم الهدنة الحربية التي تمخضّت عن معاهدة لندن سوى بضعة أشهر ، و سرعان ما أصبح الوضع مهّددا بالانفجار ، بعد أن عادت المقاومة اليونانية للنشاط من جديد محاولة اِسترجاع مدينة بتراسْ و مهاجمة الحاميات المصرية ممّا دفع إبراهيم باشا إلى الإبحار ببعض القطع الحربية لتعقب الثوّار اليونانيين في بتراس ، أَمْرٌ أثار اِستياء " كدرنجتون "(Codrington) القائد العام لأساطيل قوات الحلفاء الذي أعطى أوامره بالدخول إلى خليج نافارين ، في الوقت ذاته أرسل قادة أساطيل الحلفاء إنذارا لابراهيم باشا يُبْلغونه فيه أنـّه قد نقض الهدنة . و ستتعدد المناوشات و الاستفزازات بدخول السفن الحربية الأوروبية لخليج نافارين و الرسوّ فيه الشيء الذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى حصول معركة نافارين ( Navarin) البحرية يوم 20 أكتوبر 1827 التي تدمّر على إثرها الأسطول المصري.

كانت هزيمة نافارين قاسية على محمد عليّ و ابنه إبراهيم باشا ، و مكلفة جدا من حيث الخسائر البشرية و المادية ، اذ خسرت مصر ثلاثين ألف من جنودها ، و بلغت نفقات الحملة 775000 جنيه ، وفقدت أسطولها الحربي الذي تطلّب بناءه تضحيات جسام من لدن المجتمع الأهلي . لقد أثبتت هزيمة نافارين بالكاشف قناعات محمد عليّ السابقة بوجود فجوة نوعية في ميزان القوى بين الدولة العثمانية والدول الأوروبية ، و أنّه لا سبيل إلى التصدّي إلى العدوانية الأوروبية الاّ باللّحاق بركب هذه البلدان و ردم الفجوة الحضارية التي تفصل بين الطرفين . و نظرا لفداحة الخسائر البشرية و المادية و جسامتها ، فقد طالب محمد عليّ من السلطان محمود الثاني بتعويضات ماليّة ومنحه باشويّة سورية ، لكنّ السلطان رفض تلبية أيّا من هذه المطالب ، فكان ردّ فعل محمد عليّ أن رفض تقديم يد المساعدة للباب العالي في حربه ضدّ روسيا القيصرية ، معللا موقفه بعدم توفر الأسطول البحري و بُعْد المسافة ، إلاّ أن السبب الحقيقي يكمن في طموحه إلى الانفصال عن الحكومة المركزية و تحقيق اِستقلال مص


مرحلـة التوتر و المواجهة (1830-1839)

التصدي إلى نزعة محمد عليّ الاستقلالية و إلى طموحاته التوسّعية

كان هاجس محمد عليّ الرئيسي منذ توليه السلطة سنة 1805 كسب اِعتراف الباب العالي باستقلاليته في حكم باشوية مصر وتأمين الحكم لأبنائه من بعده . و في سبيل تحقيق هذا الهدف بذل محمد عليّ مجهودات جمّة و قدّم تنازلات كبيرة معتبرة للسلطان العثماني أثقلت كاهل دولته بالمصاريف و استنزفت جلّ موارده الاقتصادية في حروب لا ناقة له فيها و لا جمل ، مثل حروب الاستنزاف التي خاضها في الجزيرة العربية ضد الوهابيين (1811- 1819) و حرب اليونان التي انتهت بكارثة نافارين ( 20 أكتوبر 1827) وتحطيم الأسطول المصري . فلا غرابة حينئذ أن يتعلم الدرس من محنة نافارين و يحجم عن الاستمرار في مجابهة الدول الغربية ، مع تزايد نقمة السلطان عليه ، لتقاعسه عن نجدة السلطنة و الدفاع عن ولاياتها الأوروبية و حدودها الشمالية المهددة بأطماع روسيا القيصرية. و منذ تلك اللحظة ستصاب العلاقات الدبلوماسية بين الرجلين بالبرودة و سيطغى عليها الاحتراز و التوتر و العداء المتبادل و سيعمل كلّ طرف على الاستفادة من نقاط ضعف الطرف الآخر و تقليص هامش مناورته و اكتساح مواقعه.

وقد ذهب السلطان محمود الثاني بعيدا في الكيد لواليه عندما منح منصب الصدارة العظمى لعدوّ محمد عليّ اللـّدود خِسْرو باشا ثمّ ما لبث أن ولا ّه خطة جديدة و هي سِرْ عَسْكر* القوات العثمانية لمدّة تصل إلى قرابة عشر سنوات ( 1827-1836) . و قد أصبح باشا مصر ضمن أولويّات السلطان الذي ركّز كلّ جهوده ليحول دون استقلال محمد عليّ بولاية مصر ، و عمل كلّ ما في وسعه لقلب حكومة الباشا بإصداره فرمانا عيّن بمقتضاه لطيف باشا حاكما على مصر ، فاكتشفت المؤامرة ، و انتهت هذه المحاولة بالفشل الذريع . كما استبدّت بمحمد عليّ مشاعر الحذر و الخوف من جراء مناورات السلطان و مؤامراته المتعددة ، فأصبح يتوقع نشوب الحرب في أي وقت ، فأسرع إلى تعبئة موارد مصر و اِحتكار الصناعة و التجارة و إنشاء مصانع الأسلحة دفاعا عن سيادته وتحقيقا لأمنيته في الاستقلال عن السلطة المركزية .

و إذا كانت فكرة الاستقلال عالقة بذهن محمد عليّ حتى آخر رمق من حياته ، فإنها كانت أكثر رسوخا لدى ابنه إبراهيم باشا الذي ما اِنفك يستعملها بكثافة في خطاباته و مراسلاته خلال فتوحاته لبلاد سورية و كذلك منطقة الأناضول . و قد ورد في رسالة بعثها لأبيه من مدينة كوتاهية ما يلي: " إنّ أهم ما يلزم البحث فيه معهما ( أي خليل باشا مندوب الباب العالي و الجنرال الروسي مرافيف) هو طلب الاستقلال و طلب إلحاق جزيرة قبرص و ألوية أنطاكية و علائيّة و جزر إيجة إلى مصر ." و أضاف قائلا: "إننا إذا تهاونا في طلب الاستقلال يذهب كل عملنا الذي عملناه هباء و سدى ..."

و اِعتمادا على جيوشه المجهزة تجهيزا عصريا و المتمرسة على كل أشكال الحروب ، سيغيّر محمد عليّ اِستراتيجياته إزاء الباب العالي، و ذلك بالتحول من وال تابع و منفذ وفيّ لكل تعليمات الحكومة المركزية العثمانية ، إلى حاكم مستقل يطمح إلى توسيع مجال دولته عبر إنشاء حزام من مناطق النفوذ التابعة له بمثابة صمام الأمان ( soupape de sureté) لنظام حكمه من الأخطار والتهديدات الخارجية . و قد أقدم محمد عليّ على هذا المشروع و هو متأكد و متيقن من أنّ الدولة العثمانية قد دخلت في مسار تقهقري لا رجعة فيه، و أنّ السلطان لا حول و لا قوة له و أنّه يستطيع أن يفرض عليه أيّ شروط إذا ما لجأ إلى القوة .

و مع نهاية سنة 1828، اِستحكم العداء بين باشا مصر و السلطان، نظرا لعدم إيفاء هذا الأخير بتعهداته و المتمثلة في مكافأة محمد عليّ بمنحه سورية جراء مشاركته في حرب اليونان. و تمسّك محمد عليّ بسورية قد يفسر في بعض جوانبه بموقعها الجغرافي المتميّز المشرف على الضفة الشرقية للبحر الأبيض المتوسط حيث مثلت عبر التاريخ عمقا اِستراتيجيا لمصر . و كانت جبالها الشاهقة وأوديتها العميقة تعتبر بمثابة الحاجز الطبيعي الذي يحول دون تقدم جيوش السلطان محمود الثاني جنوبا ، إذ لم تكن فيها طرق صالحة لسير الجيش ، و هي مقبرة لجيوش الفرنج في العصور الوسيطة . فقد كانت سورية إضافة إلى ذلك واحدة من أغنى أقاليم الأمبراطورية العثمانية تنتج خامات الحرير و القمح والصوف و زيت الزيتون و الفواكه الثمينة و بمقدورها أيضا أن تصبح سوقا ملائمة للصناعة المصرية النامية . و لا يجب أن يغيب عن بالنا أيضا أنّ ضمّ سورية يدخل في إطار الاستجابة لنموّ قوّة مصر الذاتية اِقتصاديا و سياسيا ومن ثمّ عسكريا و تطلعها نتيجة لذلك وبأسبابه نحو التوسع و التفتح ، و أخيرا فهو تجسيم لطموح محمد عليّ ورغبته الجامحة في إنشاء أمبراطورية مترامية الأطراف .

من هنا نجد أنّ محمد عليّ بعد أن هيّأ كلّ الظروف المواتية ، بقي يتحيّن الفرص و يبحث عن الذرائع التي يبرّر بها غزو بلاد الشام، وقد أتاح له والي عكّا (عبد الله باشا) الفرصة التي كان ينشدها لضمّ سوريّة دون أن يأبه لغضب السلطان . و بإيعاز من السلطان محمود الثاني، شجع والي عكّا المصريين على نقل المحصولات الزراعية للوجه القبلي بطريق صحراء سورية بدلا من تصديرها عن طريق الإسكندرية ممّا أضرّ كثيرا بمصالح باشا مصر . و في الأثناء طالب محمد عليّ من هذا الوالي إرجاع كلّ من هاجر إلى مصر ثانية لكنه رفض هذا الطلب معللا ذلك بكون هؤلاء المزارعين هم رعايا الدولة العثمانية و من حقهم أن يستقروا حيث ما شاؤوا.

وقد حزّ في نفس محمد عليّ هذا التصرف الأرعن من هذا الوالي الضعيف الذي تجرّأ عليه و جرح كبريائه ، فأدرك باشا مصر أن الحل الأنجع هو اللجوء إلى القوة لتحقيق مبتغاه بعد أن ضعفت سلطة السلطان العثماني كثيرا و تدنت صورته إلى أدنى مستواها لدى رعايا الأمبراطورية العثمانية كما علـّق على ذلك كارل ماركس (Karl Marx) : " لقد فقد الباب العالي هيبته في عيون رعيته نتيجة لحرب ( 1828 – 1829) الفاشلة . و عندما تضعف السلطة العليا – كما هو مألوف عادة في الأمبراطوريات الشرقية - ، تستعر انتفاضات الباشوات الموفقة . و منذ تشرين الأول (أكتوبر)1831 ، نشب خلاف بين السلطان و محمد عليّ باشا مصر، الذي كان قد آزر الباب العالي أثناء الانتفاضة اليونانية . " و في شهر نوفمبر من سنة 1831 ، انطلقت الحملة على سورية من ميناء الإسكندرية يقودها إبراهيم باشا بمعيـّة مستشاره العسكري سليمان باشا * ( Le colonel sève) و دعمتها قوات بريّة من القاهرة و قوامها 20.000 جندي . و بسرعة فائقة ، استطاع الجيش البريّ أن يسيطر على غزة و يافا ، لكنه تعرّض إلى مقاومة باسلة عند محاولته اقتحام عكّا ، فحاصرها إبراهيم باشا لمدة ستة أشهر ، وبالتوازي مع ذلك كثف من قصفها بالمدافع إلى أن دمّر حصونها و أبراجها ، فاستسلم قائدها عبد الله باشا في 27 ماي من سنة 1832. و قبل سقوط عكّا بقرابة شهر أعلن السلطان محمود الثاني أن واليه و تابعه متمرد على الحكومة المركزية وخائن للدين و لسيّده و ذلك في مجلس ضمّ العلماء و ترأسه المفتي يوم 23 أفريل ، ثمّ تلاه إعلان الحرب على محمد عليّ وعزله عن ولاية مصر و تنصيب حسين باشا مكانه . و لم يول محمد عليّ اهتماما لفتاوي السلطان و تهديداته ، و واصلت قوات إبراهيم باشا زحفها لتحتل دمشق و حلب و أنطاكية بين جوان و أوت من سنة 1832 ، ثمّ واصلت مسيرتها نحو الشمال لتستقر في سفح جبال طوروس، وفي المقابل اضطرّت القوات التركية التي يقودها حسين باشا أن تتخذ موقعا لها في مدخل بيلان (Beilan) .وسيكون هذا المكان مسرحا لمعركة دامية انتهت بانتصار إبراهيم باشا و خسارة الجيش التركي لقرابة 25.000 قتيل و تراجع قائد القوات العثمانية (حسين باشا ) في اتجاه أدَنـَة.

و استفاد إبراهيم باشا من ضعف القوات العثمانية و تقهقرها و واصل الضغط عليها و ملاحقتها إلى أن عبرت قواته منطقة الأناضول بتركيا لتتوقف في مدينة قونية (Konya) التي ستشهد معركة حاسمة ( 21 ديسمبر1832) ، عبّأ لها السلطان كلّ ما توفر لديه من إمكانيات بشرية و مادية و عسكرية وقادها وزيره الأكبر رشيد باشا و انتهت بسحق كلّي للجيش العثماني و أسر قائده ونحو خمسة آلاف من بينهم عدد كبير من الضباط والقواد، و قتل من جنوده نحو ثلاثة آلاف ، و غنم المصريون منه نحو 46 مدفعا.

و حتى هذه اللحظة لم تحرك القوى الأوروبية ساكنا ، وبقيت تراقب تطور مسار الأحداث عن بعد ، و لم تبد بريطانيا رغبة في مقاومة الفتوحات المصرية السريعة في بلاد الشام ، بل كانت تزوّد جيش الباشا بالذخيرة ، كما ارتاحت فرنسا لاحتلال محمد عليّ لسورية وكانت تحثه على إعلان انفصاله رسميا عن السلطنة . اعتبر باشا مصر أن الصمت الأوروبي على فتوحاته بمثابة الموافقة الضمنية على سياسته العدوانية إزاء الباب العالي ، و هو ما جعله يذهب بعيدا في مراميه و أهدافه إلى حدّ التفكير في التغلغل في قلب الأمبراطورية و إحداث ثورة في القسطنطينيّة تطيح بالسلطان محمود الثاني و تضع مكانه ابنه عبد المجيد و بذلك يتحقق مشروع إحياء الدولة العثمانية.

و نشير إلى أن الباب العالي قد بذل محاولات متعددة لإقناع بريطانيا بإيقاف جيوش محمد عليّ منذ بدء الحملة عام 1831 ، ثم أعاد الكرة مرات عديدة خلال السنة الموالية ، لكن نداءاته لم تجد أذنا صاغية من بريطانيا ، و في غضون ذلك تقدّم إبراهيم باشا بجيشه فاحتل كوتاهية (Kutahia) و صار على مسافة خمسين فرسخا * من الأستانة ، ثم أنفذ كتيبة من الجنود احتلت مغْنيسيا بالقرب من إزمير.

و لمّا وصلت أخبار سيطرة إبراهيم باشا على كوتاهيّة ، أصيب السلطان بالهلع و الذعر و خاف من ضياع ملكه، لأن بلاد آسيا الصغرى تعتبر قلب الدولة و حصنها المكين ، فأسرع إلى إيفاد الأميرال رفاعة خليل إلى باشا مصر للتفاوض بعد أن يئس من تقديم بريطانيا يد المساعدة له . و اِنتهت المفاوضات بين السلطان محمود الثاني و محمد عليّ إلى إبرام صلح يعرف باتفاق كوتاهيّة ( 6 ماي 1833) الذي تضمّن تنازل الباب العالي لباشا مصر على سورية و إقليم أدنة **(أضنة = Adana) ، مع تثبيته على مصر و جزيرة كريت والحجاز، بمقابل انسحاب الجيش المصري عن باقي بلاد الأناضول . أمضى السلطان على اتفاق كوتاهية على مضض ، لأنه لم يكن مستعدا للتفويت في أدنة و بقي ينتظر الفرصة المناسبة للتنصل من هذا الصلح المشين و المذل لهيبة الباب العالي . لم يكن هذا الاتفاق سوى هدنة لمدة سنين قلائل إذ استعدّ الطرفان خلالها لاستئناف القتال. و كانت حكومة الباب العالي لا تنفك تحيك الدسائس بواسطة أعوانها بشتى الوسائل و خاصة عن طريق سِرْ عسكر القوات العثمانية خِسْرو باشا العدو اللدود لمحمد عليّ الرافض لإمضاء اتفاقية سلم مع باشا مصر و المتمسك بخيار الحرب. و يبدو جليا أن الهدف الرئيسي من هذا الصلح هو إبطال مفعول اتفاقية أدَرْنَة ***(Andrinople) و إعادة المضايق إلى وضعها السابق لتلك الاتفاقية و الحد من النفوذ الروسي في البلاط العثماني وإبعاد الخطر المصري عن منطقة الأناضول و الحفاظ على الوحدة الترابية للأمبراطورية العثمانية .

و قد شعر السلطان بالمرارة لأنه ذاق طعم الهزيمة على يدي أحد تابعيه (باشا مصر)كما تعرض للمهانة و الإذلال من جانب القوى العظمى ( فرنسا ، بريطانيا و النمسا ) لتدخلها المستمر في شؤونه و لتخليّها عنه في اللحظات الحرجة والعصيبة و تركته يواجه مصيره لوحده ، فلم يجد السلطان في هذه الحالة من خيار سوى التماس المعونة من روسيا . وفعلا فقد استجاب قيصر روسيا لنداء السلطان وبعث بجيش قوامه 5000 رجلا بقيادة الجنرال مورارْييف (Mourariev) الذي ركز مخيمه قرب إنكيار- إسكلسّي (Unkiar Skelessi ) * ، ثم أعقب ذلك إرسال روسيا سفيرا فوق العادة و هو الكونت أرلوف (Orloff) أوكلت له مهمة عقد معاهدة دفاعية مع الدولة العثمانية. و هذه المعاهدة السرية المعروفة باسم " إنكيار إسكلسّي " ( 7 جويلية 1833) تضمنت تعهد روسيا بحماية الدولة العثمانية من أيّ خطر أو عدوان خارجي و سيطرة الروس على المضايق ، حيث ألزمت السلطان بإغلاقها أمام السفن الحربية الأجنبية في حالة الحرب ، بينما أعطت الروس حرية العبور . لقد وجد السلطان في هذا التحالف مع روسيا تعويضا لعجزه في التصدي لأطماع محمد عليّ و طموحاته ووسيلة آنية لإضعاف تابعه وَواليه، إلاّ أنه فقد سيادته من جهة أخرى بعد أن مكّن القيصر من بسط وصايته و فرض حمايته على الباب العالي . و أحدثت هذه المعاهدة استياء لدى القوى الأوروبية، لأنها حسب رأيهم قد هدّدت الوحدة الترابية للدولة العثمانية و أخلـّـت بموازين القوى في المنطقة و مكنت روسيا القيصرية من النفوذ إلى المياه الدافئة . و نظرت كلّ من فرنسا و بريطانيا إلى هذه الاتفاقية نظرة مشؤومة لوصاية روسيا التي تسعى لممارستها على تركيا و أصيبا بذعر لمنعهما من دخول المضايق ، لهذا صمّم بالمرستون (Palmerston) منذ سماعه بأنباء هذه الاتفاقية على العمل على تمزيقها و مسح آثارها.

بدا محمد عليّ في أعين مخططي السياسة البريطانية أكثر خطرا و تهديدا للمصالح الحيوية البريطانية من قيصر روسيا لعدم السماح لسفنهم بحرية الملاحة في نهر الفرات و احتكاره لتجارة الحرير في بلاد الشام التي أحدثت أضرارا كبيرة بالمصالح التجارية البريطانية. إضافة إلى ذلك زعزعة محمد عليّ لاِستقرار الدولة العثمانية و محاولته تغيير الوضع القائم(Statu quo) عبر نسف مخططات القوى الأوروبية و مناوراتها في الحفاظ على وحدة " السلطنة ومنع اِنهيارها " في انتظار الظروف الملائمة للإستيلاء على ممتلكاتها.

ومن هذا المنطلق اِعتبرت بريطانيا محمد عليّ منافسا خطيرا من الناحية السياسية و التجارية لأنه وقف حجر عثرة أمام مخططاتها وأهدافها الإستراتيجية و المتمثلة في تأمين الطرق الرئيسية (مصر، سوريا ، العراق ، الخليج العربي) المؤدية لمستعمرتها الرئيسية (الهند) و إحاطة روسيا القيصرية بحزام من الدول الصديقة و الحليفة على رأسها الدولة العثمانية للحيلولة دون وصولها إلى المناطق ذات الأهمية البالغة بالنسبة لبريطانيا مثل الهند، الخليج العربي والبحر المتوسط . و من مظاهر هذا التوجه الجديد في السياسة البريطانية ، تنكّرها للمطالب المصرية الواردة في اتفاقية كوتاهيّة و تعديل سياستها في اِتجاه دعم السلطة المركزية الضعيفة ، و هو ما جعل المجال فسيحا أمام السلطان العثماني حتى يفكّ الطوق الذي وضعته روسيا حول عنقه، عن طريق فتح أبواب إستنبول أمام بريطانيا و في الوقت ذاته الأخذ بالثأر من تابعه المتمرد عليه و الطامح دوما إلى الاستقلال عن الحكومة المركزية.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التحالف مع القوى الأجنبية للإطاحة بمحمد عليّ

ساد التوتر و الصراع علاقات السلطان العثماني محمود الثاني بواليه محمد عليّ مدة ثلاثين سنة و إن تخلـّلتها بعض فترات التعاون والتحالف لمواجهة حركات التمرد والانفصال عن الحكومة المركزية، إلاّ أنّها كانت بدورها مشوبة بالخوف والحذر من كلا الطرفين.

و قد بدأ الخلاف ينشب بين الرجلين منذ أن نجح محمد عليّ في فترة وجيزة ومبكرة في القضاء على المماليك و القيام بإصلاحات عسكرية و اِقتصادية مكنته من إنشاء جيش حديث و بناء دولة قوية و مهابة أثارت مخاوف السلطان الذي بدا عاجزا على تحقيق الإصلاحات نفسها و غير قادر على التصدي لحركات الانفصال في الولايات العثمانية دون الاستنجاد و الاستعانة بواليه وتابعه محمد عليّ . و سيستفحل الخلاف و يشتدّ مباشرة بعد تحطيم الأسطول المصري في معركة نافارين (Navarin) عندما طالب محمد عليّ بتعويضات مالية عن فقدان أسطوله و بمنحه سورية ، فكان ردّ السلطان الرفض الكلّي لهذه المطالب. و مع الحملة السورية ، سيتخذ الصراع شكل مواجهة عسكرية بين جيش إبراهيم باشا و ممثلي الحكومة المركزية في بلاد الشام، واِستطاعت مدينة عكّا أن تصمد في وجه الغزو المصري مدّة ستة أشهر ، إلاّ أنّ ذلك لم يمنع القوات المصرية من اقتحام دمشق ّ، حمص ،حماه ،و حلب بعد أن ألحقت الهزيمة بالقوات التركية في شهر جوان من سنة 1832 . ورغم إصدار السلطان فرمان(Firman) يقيل بمقتضاه محمد عليّ و يعتبره متمرّدا ، فإنّ إبراهيم باشا واصل زحفه في اتجاه مضيق بِيلانْ الجبلي الواقع بين أنطاكية و الإسكندرُونة الذي كان المفتاح المؤدي إلى قلب الأمبراطورية العثمانية أي آسيا الصغرى .

وأمام التقهقر السريع والمتواصل للقوات العثمانية ، واستغاثة السلطان بالدول الأوروبية ، تدخلت هذه القوات (فرنسا، بريطانيا والنمسا) عبر الوفود التي أرسلتها إلى الإسكندرية بين شهري مارس و أفريل من سنة 1833 داعية محمد عليّ إلى البحث عن تسوية مع الباب العالي ومنع قواته من الاستيلاء على مدينة أدنة. واِستفاد إبراهيم باشا من خلاف القوى الأوروبية حول المسألة الشرقية * ومن تعاطف فرنسا مع محمد عليّ وزحف بقوّاته على منطقة الأناضول واستولي على أدنة ثمّ واصل توغله في الأناضول وحقق انتصارا باهرا على الجيش العثماني في معركة قونية في شهر ديسمبر من سنة 1832.

وفي ظلّ هذه الظروف الحرجة ، اِستبدّ الخوف بالسلطان محمود الثاني فقررّ أن يرمي بنفسه في أحضان عدوه التقليدي قيصر روسيا نيكولا الأول، وأمضى معه إتفاق إنكيار – إسكلسي ( 7 جويلية 1833) الذي أصبحت بمقتضاه تركيا تحت الحماية الروسية.

ونشير إلى أن النزاع بين السلطان وتابعه قد ابتعد عن مقاصده وأهدافه الحقيقية وأصبح خلافا شخصيا ،فبعد أن كان محمد عليّ يطالب باستقلال مصر وجعل الحكم وراثيا ضمن أبنائه وعائلته واعتبار سورية ضمن مناطق نفوذه ، أصبح يركز بمعية ابنه إبراهيم باشا على ضعف شخصية السلطان وكثرة عيوبه ومساوئه . فلم يعد هذا السلطان في نظر باشا مصر، خليفة للمسلمين ورمزا لوحدة العالم الإسلامي بفعل عدم قدرته على تحديث هياكل الدولة العثمانية ومؤسساتها وإيقاف تقهقرها المتواصل وتحالفه مع قوى مسيحية مثلث على الدوام خطرا على وحدة الدولة العثمانية كما هو الحال بالنسبة إلى روسيا القيصرية التي أمضى معها اتفاق إنكيار – إسكلسّي .

وفي إطار الحرب الكلامية بين الرجلين ظهرت في مراسلات إبراهيم باشا مرادفات تتضمـّن عنفا لفظيّا وتقدم صورة مشوهة للسلطان محمود الثاني الذي تطلق عليه عبارات تحقيرية تهدف إلى الحط من قيمته الأخلاقية وأدائه السياسي مثل : "المخلوق اللعين"، " هذا الشيطان "، " هذا الرجل المشؤوم " . كما تتضمّن هذه المراسلات اقتراح ابن السلطان (عبد المجيد) لتيسير شؤون الدولة وإيقاف تدهورها المتواصل وانحطاطها المتسارع . وبالنسبة إلى السلطان محمود الثاني فقد اعتبر انفصال باشا مصر عن الحكومة المركزية ومطالبته بالإستقلال عن الباب العالي والدخول في مواجهات مع الجيش العثماني ، بمثابة التطاول على شخصه والمس من هيبته وتهديد خطير لعرشه ولمؤسسة السلطنة ، لذلك لن يجد هذا السلطان حرجا حتي في التحالف مع الشيطان للتخلص من هذا الوالي العنيد والمشاكس.

فليس غريبا إذاً أن يصبح هذا السلطان مهووسا بالانتقام لنفسه من هذا الباشا وأن لايطمئنّ له بال بعد أن هزمت جيوشه في كل المعارك التي خاضتها ضد محمد عليّ وتعرّضت شخصيته إلى الإهانة مرات عديدة مست كبريائه باعتباره خليفة للمسلمين وسلطانا للأمبراطورية العثمانية. وإن تنازل السلطان لمحمد عليّ في اتفاقية كوتاهية ( 6 ماي 1833) عن سورية وإقليم أدنة، فإنّ ذلك يدخل في إطار المناورة السياسية في انتظار تغير موازين القوى لصالح الباب العالي واتفاق الدول الأوروبية على حل المسألة الشرقية بصفة جذرية ونهائية .

وفي السياق نفسه بدأت بريطانيا تغير سياستها إزاء تغلغل جيوش إبراهيم باشا في منطقة الأناضول بعد سيطرة قواته على بلاد الشام ومنافذ العراق وموانئ البحر الأبيض المتوسط ، فازدادت لديها المخاوف من أن تقف مصر شوكة في طريقها إلى الهند .

وعملت كل ما في وسعها على إفشال المفاوضات الجارية بين محمد عليّ والسلطان على مدينة أدنة وحرّضت هذا الأخير عن طريق سفيرها في الإستانة اللورد بونسُنبي (Ponsonby ) على أن يضع كل ثقته في أوروبا ويعلن الحرب على باشا مصر . ومنذ سنة 1834، جهز الباب العالي جيشا تحت قيادة رشيد باشا الذي أخذ يستعد للزحف آملا في أن يظفر بالجيش المصري فيمْحو ما لحقه من العار والهزيمة في واقعة قونية.

وبصفة متوازنة مع ذلك، أدخلت بريطانيا محمد عليّ في حرب استنزاف طويلة المدى، بفتح الجبهة السورية في وجه قواته المنتشرة على كل أرجاء بلاد الشام مستفيدة من غضب السكان واستيائهم على سياسة إبراهيم باشا الذي فرض عليهم إمدادات إلزامية وساقهم للجندية واِنتزع سلاحهم. وممّا ساعد على اندلاع الانتفاضة وانتشارها السريع في بلاد الشام القناصل الأوروبيون الذين كانوا يتدخلون بشكل سافر في شؤون الولايات و يهربون السلاح ويحرّضُون السكان على التمرد و الثورة ضد الحكم المصري في الشام . و هؤلاء القناصل، (خاصة بيروت، حلب و دمشق) كما عبّر عن ذلك إبراهيم باشا بألم و مرارة: " هم مصدر عذاب لي، إذ يعرقلون في كل لحظة سير شؤون إدارتي، فليس السلطان العثماني بقادر على عمل أيّ شيء ضدي . أمّا القناصل فهم مصدر شقائي، و لا أستطيع عمل أيّ شيء حيالهم. إنهم لكارثة حقيقية للبلاد ."

لذا ستكون بلاد الشام بين سنتي ( 1834-1839) مسرحا لاندلاع العديد من الانتفاضات ضد حكم إبراهيم باشا و أوّلها تلك التي قامت في فلسطين ( 1834) ضد التجنيد ، و لم يقع القضاء عليها إلاّ بعد مجيء امدادات من مصر بقيادة محمد عليّ الذي أخمد بنفسه الانتفاضة ونكّل بالمساهمين فيها. ورغم ذلك فان عدوى الانتفاضات قد انتقلت إلى بقية المدن الشامية و شملت نابلس ، الخليل ، الكرك، دمشق، اللاذقية و جبل حوران . فاستبد بالناس الخوف و الذعر و انتشرت الفوضى وتعطلت التجارة وأصبح عناصر الجيش عرضة لهجمات الثوار و المتمردين . و لوضع حد لحركات التمرد والعصيان، لم يتردد إبراهيم باشا في ممارسة أبشع أنواع الاضطهاد و التقتيل والتشريد.

ففي مراسلة بعث بها إلى اسماعيل عاصم بك حاكمه في حلب بتاريخ 24 أفريل 1839 خاطبه قائلا :" عليكم أن تسلـّموا جماعة رئيسيين 800 بندقية من بنادق الجهادية و أن توفدوهم لإخماد حركة جسر الشغور ... ولا تعبأوا بلفظة الأمان. بل اسحقوا هؤلاء الأشقياء، و اسمحوا بنهب أموالهم و أمتعتهم و اعملوا على القضاء عليهم في أقرب وقت…"

ولم تثن هذه القسوة الثوار من مواصلة تحديهم لقرارات إبراهيم باشا و أوامره العقابية ، إذ اندلعت انتفاضة جبل حوران (نوفمبر1837) بسبب تراجع إبراهيم باشا في إعفاء سكانها من التجنيد ونزع سلاحهم.

وتواصلت انتفاضة دروز جبل حوران قرابة تسع أشهر، وتطلـَّب إرسال ثلاثة حملات عسكرية لمقاومة هذه الانتفاضة وإخمادها بعد أن تكبد فيها الجيش المصري خسائر فادحة. وبعد جهود كبيرة ومضنية ، استطاع إبراهيم باشا أن يرجع الأمن إلى بلاد الشام ويرسي دعائم السلم و يؤسس لمرحلة جديدة من التسامح و التعايش بين مختلف الطوائف بعد أن ألغى كل الامتيازات التي كان يتمتع بها رجال الدين. ومن جهة أخرى لم تتوقف الدول الأوروبية وعلى رأسها بريطانيا عن المشاركة في خلق المصاعب و العوائق أمام الإدارة المصرية وإشعال نار الثورة للحصول على أهدافها وتحقيق أغراضها المتمثلة أساسا في الإطاحة بالحكم المصري في الشام . وأمام فشل بريطانيا و حليفاتها في زعزعة استقرار بلاد الشام، التجأت إلى ضرب القاعدة المادية لأهم ركيزة اقتصادية تتأتى منها موارد الدولة المصرية و هو نظام الاحتكار، وذلك بإجبار السلطان محمود الثاني على إصدار فرمان (24 ديسمبر 1835) يدعو فيه محمد عليّ إلى إلغاء احتكار تجارة الحرير في كل من مصر و سوريا وبالتوقف عن التدخل في العمليات التجارية للرعايا الأنقليز و الكف عن إلحاق الأضرار بالتجارة الأنقليزية.

وتوجت بريطانيا سياستها المعادية لباشا مصر في انتزاعها اتفاقية تجارية (بلطا ليمان) في أوت 1838 التي ألغت نظام الاحتكارات التجارية على امتداد أراضي السلطنة، ومن ضمنها بلاد الشام ومصر. وكانت هذه الاتفاقية تهدف إلى تدمير الأسس المادية والاقتصادية لقوة محمد عليّ، و العمل على إرباكه ماليا تمهيدا لتقويضه و إزالته نهائيا. ونشير إلى أن هذه المعاهدة قد تم توقيعها تحت وطأة الرغبة في الحصول على الدعم البريطاني في الصراع ضد محمد عليّ، وأدت إلى القضاء على اِحتكار الدولة للتجارة و أزاحت كثيرا من الحواجز من طريق التجار الأوربيين.

وهذه الاتفاقية التي استهدفت بالدرجة الأولى النظام الاحتكاري لمحمد عليّ، ليست اقتصادية تجارية فحسب بل ربما تكون مضامينها السياسية أبعد أثرا و أشدّ خطورة من ذلك، لأنها تنذر بدخول بريطانيا المعركة إلى جانب الباب العالي و بداية تطويقه في انتظار اللحظة المواتية للإجهاض عليه.

و الجدير بالملاحظة أن الحديث عن المسألة الشرقية و تقويض نظام محمد عليّ بدأ حتى قبل هذه الاتفاقية، وقد برز ذلك بصفة جلية في التصريحات المعادية لباشا مصر من قبل الشخصيات المتنفذة في الحكومة البريطانية والداعية إلى التصدي بقوة وبحزم لباشا مصر الذي أصبحت طموحاته و تهديداته على مقربة من بغداد، الخليج الفارسي و مضيق باب المندب تمثل خطرا على مصالحها الحيوية والإستراتيجية في الهند.

وفي السياق نفسه بعث وزير الخارجية البريطاني بالمرستون (Palmerston) برسالة إلى القنصل العام بمصر باتريك كامبل (Patrick Campbell) بتاريخ 8 ديسمبر 1837 تضمـّنت تقارير عن نية الباشا توسيع نفوذه في اتجاه الخليج الفارسي وباشوية بغداد فصرّحت الحكومة البريطانية أنها لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء تنفيذ مثل هذه المشاريع ، وهو ما جعل محمد عليّ يتراجع عن توسعاته وطموحاته باتجاه الشرق خوفا من القوة البريطانية التي كان يتجنب مواجهتها خلال حروبه مع الدولة العثمانية.

وقد أدى الهجوم الدبلوماسي و التجاري الذي قادته بريطانيا بمعية القوى الأوروبية الأخرى إلى تقلص هامش المناورة لدى باشا مصر الذي وجد نفسه في وضعية صعبة و حرجة لمواجهة التحديات الجديدة و ما تتطلبه من تعبئة لكل موارد الدولة لتوفير كافة أسباب القوة العسكرية والاقتصادية التي تمكنه من الصمود أمام القوى الكبرى خاصة بعد أن تخلت عنه فرنسا الحليف القديم والتحقت بمعسكر الأعداء . وبعد أن وقفت هذه الدولة الأوروبية (فرنسا) إلى جانب محمد عليّ منذ البدايات الأولى لوصوله إلى الحكم، ووفرت له الضباط الكبار المشرفين على تمرين الجنود، وارتكز عليها في تحديث جيشه و بناء أسطوله البحري،سرعان ما رضخت للضغوطات البريطانية وتركته يواجه مصيره بمفرده .

ولم تلتزم فرنسا الحياد في الصراع بين محمد عليّ و السلطان العثماني محمود الثاني و طغى على مواقفها من المسألة الشرقية التردد والتناقض، فهي تارة تقف إلى جانب الحكومة المركزية التركية ضد باشا مصر، و طورا تعترف بمطالب هذا الأخير في الاستقلال والاحتفاظ ببلاد الشام ، لكنها سرعان ما حسمت أمرها خلال الحرب السورية الثانية وانضمت إلى القوى المحرّضة على العصيان والثورة ضد الحكم المصري في الشام .

وبالعودة إلى العلاقات السياسية بين الباب العالي ومحمد عليّ في أواخر ثلاثينات القرن التاسع عشر ، نتبيّن أنّها قد ازدادت توترا وتأزما، وبدت كل المؤشرات تؤكد بما لا يدعو مجالا إلى الشك أن المواجهة أصبحت حتمية بين الطرفين وذلك بإيعاز من السياسة البريطانية المحرضة للسلطان على خوض غمار هذه الحرب لاسترجاع الولايات التي افتكها منه واليه المتمرد عليه والمنافس له. وفعلا فقد أعلن الباب العالي حربه على محمد عليّ انطلاقا من الحلقة الضعيفة وهي بلاد الشام باحتواء الزعامات الإقطاعية وخاصة مشائخ جبل الدروز و مشائخ جبل الشوق ودعاهم إلى الخضوع للسلطان أمير المؤمنين وصاحب الولاية الإسلامية. وبصفة موازية قامت بريطانيا بنشر قطع من أسطولها البحري على طول سواحل بلاد الشام لتحول دون وصول الإمدادات العسكرية لإبراهيم باشا الذي ازداد وضعه صعوبة بعد أن عادت الفتن والاضطرابات والانتفاضات تؤرّقه من جديد وتؤثر سلبا على معنويات قواته في معسكره سورية.

وفي 21 أفريل 1839 عبرت القوات العثمانية نهر الفرات بقيادة حافظ باشا الذي حشد جيوشه على الضفة اليمنى لهذا النهر ثمّ واصل توغله إلى قرية نصيبين التي احتشدت فيها طلائع الجيش التركي، واحتلّ منطقة العداوة الموجودة بين نهر الفرات وأحد روافده المسمي ساجور وتقدمت القوات التركية وسيطرت على قرية تل باشر واقترفت فيها الفضائع . وبتجاوز قوات حافظ باشا لنهر الساجور ( الحد الفاصل بين سورية وتركيا ) ، فإنها تكون قد تعدّت على اتفاق كوتاهية ، وهو ما يعطي إبراهيم باشا الحق والشرعية في ملاحقة الجيش التركي وإعلان الحرب على السلطان محمود الثاني .

وفعلا أقام إبراهيم باشا معسكرا في مكان مرتفع قرب مزار ( جنوب نصيبين ) وذلك يوم 20 جوان 1839 ليكون منطلقا للهجوم على الجيش التركي ، إلا أن هذا الأخير فضّل الانسحاب إلى نصيبين تاركا خيامه وعتاده التي غنمها الجيش المصري. وعشيّة ذلك اليوم عبرت القوات التركية نهر الفرات فتصّدت لها طلائع جيش إبراهيم باشا في نصيبين على الحدود التركية السورية شمال مدينة حلب ، ونشبت معركة دموّية وفاصلة هزم فيها إبراهيم باشا الأتراك هزيمة ساحقة، ثمّ واصل تقدمه واحتلّ قرى بيرة جك، عينتاب، ومرعش ليتوقف في مدينة أورفة.

وبعد مرور أسبوع على اِنتصار إبراهيم باشا في هذه المعركة الشهيرة ، توفيّ السلطان محمود الثاني دون أنْ يعلم بالهزيمة الفادحة التي حلتّ بجيشه ، فخلفه ابنه عبد المجيد على العرش ولم تتجاوز سنه السابعة عشرة ، ولم تمض مدّة وجيزة على ذلك حتّى اِنضمّ الأسطول العثماني برّمته بقيادة الأمير أحمد فوزي باشا إلى جانب محمد عليّ ، وهو ما أثار اِستياء القوى الأوروبية ، لأن مصر صارت بهذه القوة البحرية المزدوجة أقوى دولة بحرية في البحر الأبيض المتوسط . و لكنّ محمد عليّ لم يستطع استغلال انتصاره العسكري في نصيبين الذي فتح له الطريق لاحتلال الأستانة وبقي مهووسا بالخوف من ردود أفعال القوى الكبرى التي وقعت في الحيرة والارتباك بعد أن لاحظت تغيّر ميزان القوى لصالح باشا مصر ، فكان المجال فسيحا لهذه الدول لطرح المسألتين المصرية والشرقية فيما بينها لاحتواء طموحات محمد عليّ ومطالبه الاستقلالية.

وعلى عكس أبيه ، كان إبراهيم باشا رجلا عمليا وميدانيا مدركا لحالة الضعف والوهن التي تمر بها الدولة العثمانية وكذلك للتناقضات التي تشقّ القوى الكبرى ، فحاول كما يذكر في رسالة إلى والده الزحف على القسطنطينية وفرض الأمر الواقع على السلطان والدول الغربية : " لو نحن أسرعنا في فرض الحصار على الأستانة دون إضاعة للوقت ، فأجبرنا السلطان على عقد صلح مشرّف معنا ، لن نفسح في المجال أمام أيّ تدخل ّ أجنبي. ومهما كانت شروط الصّلح الذي يجب أن يبرم بسرعة، فليس مستبعدا أن ينال لاحقا موافقة الدول الأوروبية.

اعتبر محمد عليّ في ردّه على ابنه إبراهيم باشا ( 14 أوت 1839) أنّ احتلال عاصمة العثمانيين يعدّ عملا محفوفا بالمخاطر، بل مغامرة وعواقبه وخيمة على استقلال مصر واِستقرارها، لأنّ استراتيجيات القوى الكبرى متجهة هذه المرة إلى حلّ المسألة المصرية بتحجيم قوة الباشا وتضييق الخناق عليه وحصر مجال نفوذه ضمن حدود مصر فقط، والهدف من كل ذلك الحفاظ على وحدة السلطنة ومنع انهيارها: "إذا لم تتفق الدول الكبرى على اقتسام البلاد الإسلامية حفاظا على مصالحها، فإنّها على استعداد دائم للإتفاق على التضحية بمصر لكي تبقى السلطنة في طور الرجل المريض ."

يمكن القول إنّ باشا مصر كان على صواب حين أمر إبراهيم باشا بالتوقف عن التوغل في منطقة الأناضول والزحف على القسطنطينية لأنه كان على دراية تامة بخفايا القوى الكبرى وبمخططاتها الرامية إلى السيطرة على المنطقة والتصدّي لمشروعه التجديدي الذي من بين أهدافه إحياء الدولة العثمانية وتجديد هياكلها حتى تصبح قادرة على الوقوف أمام الأخطار الخارجية. وممّا يؤكد صحّة هذا القول أنّ وزير خارجية بريطانيا بالمرستون* (Palmerston) قرّر تحجيم القوّة العسكرية لمحمد عليّ عبر اِقتطاع أجزاء من أمبراطوريته وفصلها عن مركز الحكم بمصر وتحويل هذه الولايات والمقاطعات إلى مستعمرات بريطانية مرتبطة بالهند . وفي هذا الإطار قامت القوات البحرية البريطانية باحتلال عدن ( 1839) والاقتراب من باب المندب في اِنتظار السيطرة الكلية على البحر الأحمر، وبصفة متوازية نشطت حكومة الهند لخلق مقاومة عربية في الخليج يكون هدفها الرئيسي طرد محمد عليّ وتعويضه بقوات بريطانية . وعلى الواجهة الدبلوماسيّة استطاع بالمرستون العدوّ اللدود لباشا مصر أن يعزل هذا الأخير عن الساحة الدولية ويكوّن تحالفا عريضا من القوى الأوروبية وروسيا، تمكن عن طريقه من إفشال الاتفاق الذي كان على وشك الحصول بين السلطان عبد المجيد ومحمد عليّ. وأمام تنامي الضغوطات الأوربية لم يتمكن باشا مصر من استثمار الانتصار الحاسم الذي حقّقه على الجيش العثماني في معركة نصيبين أو حتى تثبيت مكتسباته العسكرية بسب عزلته السياسية . فكان المجال فسيحا أمام القوى الأوروبية لزيادة ابتزازه، فطالبته بسحب قواته فورا من منطقة الأناضول و هددته بحصار الإسكندرية.

وإمعانا في تطويقه وشل حركته ومنعه من الوصول إلى اِتفاق مع السلطان، اِستصدرت الدول الخمس (بريطانيا، روسيا، فرنسا، النمسا وبروسيا) مذكرة (27 جوان 1839) قدمها سفراءها في الأستانة إلى الباب العالي وطالبوا هذا الأخير بأن لا يبرم أمرا في شأن المسألة المصرية إلا بإطلاعهم واِتفاقهم.

ولإنهاك قدراته العسكرية واِستنزافها، أشعلت بريطانيا من جديد فتيل الثورة في بلاد الشام مستفيدة من السياسة الإدارية السيئة لمحمد عليّ، وكان "ريتشارد وود" (Richard Wood) أحد رجال السفارة الأنقليزية يجمع رؤساء القبائل و يحرضهم على إثارة الاضطرابات ضد حكم إبراهيم باشا بالتآمر مع قناصل الدول الأوروبية والبطريق الإغريقي ورجال الدين في دمشق. و لتجنب حصول حرب جديدة بين مصر و القوى الأوروبية، تقدمت فرنسا بمشروع لحل المسألة المصرية بطرق سلمية و ذلك بالتنازل لمحمد عليّ عن حكم وراثي في مصر وعموم سوريا، إلا أنَّ بالمرستون (Palmerston) عارض بشدة ضم الشام لممتلكات الباشا خوفا من ازدياد نفوذ فرنسا خاصة بعد احتلال هذه الأخيرة للجزائر وتوطد علاقتها مع مصر. وقد واصلت فرنسا الوقوف إلى جانب محمد عليّ وساندته في مطالبه حتى في ظل الحكومة الجديدة التي ترأسها "تيير"(Thiers) منذ شهر مارس 1840، حيث دعا هذا الأخير إلى إلحاق باشوية سورية ضمن الحكم الوراثي لباشا مصر.

وقد أثار هذا الموقف غضب وزير الخارجية البريطاني بالمرستون ( Palmerston ) الذي عمل كلّ ما في وسعه على إفشال الخطة الفرنسية الهادفة إلى تسوية المسألة المصرية بالاشتراك مع بريطانيا أو بقية الدول الأوروبية وروسيا القيصرية وتعويضها بخطة جديدة تؤكد على رفض التفاوض مع محمد عليّ وإرجاع باشوية سورية إلى الباب العالي وإخضاع الباشا بالقوة إذا رفض الانصياع.

وبفضل مهارته السياسية اِستطاع بالمرستون أن يكسب روسيا إلى جانبه بعد أن أبدت استعدادها للتخليّ عن معاهدة إنكيار – إسكلسي وعدم التدخل في المسألة التركية، ممّا جعل المجال يكون فسيحا أمامه حتى يكوّن تحالفا عريضا ضمّ القوى الكبرى واستثنى فرنسا التي وجدت نفسها معزولة على الساحة الدولية.

وفي ظل هذه الظروف دعت بريطانيا إلى عقد مؤتمر لندن ( 15 جويلية 1840) الذي شاركت فيه الدول الكبرى ( روسيا ، النمسا وبروسيا ) والدولة العثمانية ، وتعهدّت هذه القوى بمقتضى هذه المعاهدة بمساعدة السلطان بكل الوسائل المتاحة في إخضاع محمد عليّ والتصدّي لطموحاته وإنذاره بترك كل المناطق التي احتلها والتابعة للدولة العثمانية، مع الاعتراف بولايته هوّ وذريته على مصر بضمانة الدول الأوروبية، وأن يمنح ولاية عكاّ مدى حياته، على أن تظل مصر مرتبطة بالدولة العثمانية بقيود معيّنة مثل دفع الجزية وعدم تمثيل مصر في الخارج وتحديد الجيش والأسطول. ضيّقت معاهدة لندن الخناق على محمد عليّ وقلّصت إلى حد كبير من هامش مناورته وأعطته مهلة عشرين يوما للإستجابة لشروط الحلفاء ومطالبهم أو تعرّض للعزل بالقوة بجهود الحلفاء مشتركة.

إزاء كلّ هذه التهديدات ، لم يهن عزم باشا مصر ولم يستسلم للقوى الكبرى، بل أبدا اِستعداده للمقاومة حتى آخر لحظة من حياته وتأهّب للحرب وأعلن حالة الاستنفار القصوى لجيوشه في بلاد الشام تحسباّ لأيّ طارئ أو عدوان خارجي ، وفي الوقت ذاته لم يفقد الأمل في وصول مساعدة فرنسية تشّد من أزره وتدعّم مركزه العسكري في مصر والشام . عندئذ أعطيت الأوامر إلى قائد الأسطول البريطاني شارل سميث ( Charles Smith) بضرب جيش محمد عليّ وحصاره في سورية بداية من شهر سبتمبر 1840 ، وعلى إثر ذلك قامت بعض قطع البحرية البريطانية بمعيّة جيش عثماني مؤلف من 4000 جندي بإطلاق قنابلها على بيروت. كما عادت الفتن لتندلع من جديد في لبنان وسورية، فأصبح وضع جيش إبراهيم باشا أكثر صعوبة، إذ كانت قواته مبعثرة في جميع أنحاء سورية، وكانت تقاسي من الأمراض وسوء التغذية واستفحل أمرها بعد أن قطع الأميرال نابيي (Napier) بأسطوله خط الاتصال بين إبراهيم باشا في الجبل وبين مصر. أدّت العمليات المشتركة للثوار والقوات البريطانية العثمانية إلى تقهقر قوات إبراهيم باشا وسقوط العديد من المدن الساحلية في أيدي أعداء الباشا بين شهري أكتوبر ونوفمبر من سنة 1840 ، مماّ اضطر القوات المصريّة إلى إخلاء المناطق الجبليّة والانسحاب من المواقع الساحلية . وعلى إثر سقوط عكاّ ،تدهور موقف إبراهيم باشا وأصبح مركزه حرجا جدّا ، فبدأت قواته في الجلاء من أدنة ، الأسكندرُونة ، حلب ويافا ثمّ عبر الصحراء السورية إلى العقبة ومنها وصل إلى غزّة حيث استقلّ ومن معه من الجند السفن التي أرسلها محمد عليّ . وخلال عمليّة الانسحاب، عانى الجيش المصري كثيرا من الشدائد والآفات وهلك الكثير من عناصره بسبب مناوشات الثوار ومن جراء الجوع والعطش والبرد و الأمراض، فكانت الحصيلة ثقيلة من حيث الخسائر البشرية التي وصلت إلى حدود 000 .30 جندى .

وفي أواخر شهر أكتوبر من سنة 1840 ، اِستقالت وزارة " تيير" ( Thiers) وعوضتها حكومة " سولت" (Soult ) التي اِرتأت توخّي سياسة التوافق مع بريطانيا حفاظا على مصالح فرنسا، ممّا جعل محمد عليّ يفقد كل أمل في الحصول على سند من قبل فرنسا، فازدادت عزلته في المجتمع الدولي. وبالتوازي مع ذلك كثف الحلفاء من ضغوطاتهم على باشا مصر بإرسال أسطولهم إلى الإسكندرية، فهدّد الأميرال الإنقليزي "نابْيي " (Napier ) بقصف الإسكندرية وتخريب رأس التين نفسه إذا لم يستسلم محمد عليّ ويذعن لمطالب الحلفاء . وفي ظل الإحساس المرير بالهزيمة، والتمزق الداخلي والشعور بالعزلة، وتخليّ فرنسا عنه حينما أخضعته بريطانيا لابتزاز حقيقي حيث لم يجد من خيار أمامه سوى قبول الفرمان السلطاني المؤرخ في 13 فيفري 1841 الذي جاء بإيعاز من اللورد بونسنبي (Lord Ponsonby) سفير بريطانيا بإستنبول.

وقد اِستغلّ السلطان العثماني عبد المجيد الظرفية الصعبة التي يمر بها محمد عليّ المتميزة بعزلته وتألّب الدوّل الأوروبية عليه ليفرض عليه شروطا قاسية و مجحفة ويكبّله بالقيود الثقيلة الوطأة حتى يقوّض المشروع التحديثي لواليه وتابعه وينهي مرّة واحدة وإلى الأبد الخطر الذي ماانفكت تمثله مصر على وحدة الدولة العثمانية واستقرارها .

تضّمن الأمر السلطاني إعطاء محمد عليّ وأسرته حكومة مصر وراثيا على أن يختار الباب العالي نفسه من يتقلـّد منصب الولاية من أبناء محمد عليّ الذكور خلفا له، ثمّ من يخلف هذا من بعده . إضافة إلى ذلك، فقد أجبر باشا مصر على تقليص جيشه في حدود 18.000 جندي، ومُنع من حق تعيين الجنرالات في جيشه ومن حق بناء السفن الحربية، وتعهدّ بدفع ربع إيرادات الحكومة المصرية المتأتية من دخل الجمارك والخراج والضرائب إلى خزينة الباب العالي.

أدّت القيود المشطّة التي فرضها السلطان في فرمانه على محمد عليّ إلى عودة مصر إلى حضيرة الباب العالي وفقدان سيادتها واستقلالها في التعامل المباشر مع الدول الأوروبية ، وغدت مصر من جديد تابعة للسلطة المركزية لكنّ ذلك حصل في ظروف سياسية مختلفة وضمن سياق تاريخي جديد أصبحت بموجبه الدولة العثمانية محميّة أوروبية. ونتج عن التدخل الأوروبي إجهاض المشروع التحديثي لمحمد عليّ والقضاء على كلّ إنجازاته الصناعية والعسكرية في الحدود الضيّقة التي رسمتها له معاهدة لندن.


وفي خاتمة هذه الدراسة يمكن القول إنّ المستفيد الأكبر من النزاعات والحروب التي حدثت بين السلطان العثماني محمود الثاني وباشا مصر هي بريطانيا التي اِستطاعت خلال بروز المسألة الشرقية (1831- 1839) أن تتحكم في مجرى الأحداث وتوجّهها وفق المسار الذي يخدم مصالحها بالدرجة الأولي وقد برز ذلك بصفة جلية في إبعاد طموحات محمد عليّ وأطماع فرنسا عن جنوب الدولة العثمانية ، وروسيا القيصريّة عن شمالها ،اِستطاعت في الوقت ذاته أن تنقذ وتؤمن الطريق القاري للهند الذي يمرّ عبر بلاد الرافدين .

وفي مرحلة لاحقة، ومباشرة بعد تقويض إمبراطورية محمد عليّ وتفكيكها وجعل الباب العالي تحت حمايتها، وظفت بريطانيا تفوقها البحري والعسكري والتجاري لاختراق المجال الاقتصادي العثماني مستفيدة من ثورتها الصناعية الأولي لتجعل من مصر وبقية ولايات الدولة العثمانية أسواقا لترويج المنتوجات المصنعّة وتصدير رؤوس الأموال تمهيدا للسيطرة عليها وإلحاقها بالتاج البريطاني.

المراجـع

1 - ماك غوان ( بروس) ، عصر الأعيان (1699 - 1812).دراسة وردت في كتاب جماعي بعنوان :" التاريخ الاقتصادي و الاجتماعي للدولة العثمانية " تحت إشراف خليل إينالجك. ترجمة قاسم عبده قاسم، دار المدار الإسلامي، الطبعة الأولى، بيروت 2007، الجزء الثاني ص 399.

2 - المرجع ذاته ص 388.

3- الرّافعي ( عبد الرحمان )، عصر محمد عليّ .دار المعارف ، الطبعة الرابعة ، القاهرة 1982 ص 72.

4- Abdelmalek ( Anouar) , Mohamed Ali . in : «  les Africains » tome V, Editions Jeune Afrique, Paris 1977 P 236.

5 - Tomiche (Nada), les origines politiques de l’Egypte moderne .C.N.R.S : l’Egypte d’aujourd’hui. Permanence et changements (1805-1976), Paris 1977 P 88.

6 - Charles –Roux (F), L’Egypte de 1801 à 1882 . Mohamed Ali et sa dynastie jusqu'à l’occupation Anglaise .librairie Plon, Paris 1936.tome VI p 99.

7- البطريق (عبد الحميد) ، عصر محمد عليّ .الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة 1999 ص 90.

8- Sabry ( M) , L’empire Egyptien sous Mohamed Ali et la question d’orient .Librairie orientale Paul Geuthner , Paris 1930 P 149. 9) - Elias (Norbert), La société de cour . Traduit de l’allemand par Pierre Kamnitzer .Calmann-Lévy, Paris 1974 P 156.

10 - الغنّام ( سليمان بن محمّد )، قراءة جديدة لسياسة محمد عليّ باشا التوسعية (1811-1840) في الجزيرة العربية و السودان و اليونان وسوريا. جدّة، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى 1980 ص 94-95.

11- Gaultier-Kurhan (Caroline), Méhémet Ali et la France (1805-1849) .Histoire singulière du Napoléon de l’orient .Maisonneuve et larose, Paris 2005 P 186.

12- الضيقة (حسن) ، دولة محمد عليّ و الغرب, الاستحواذ و الاستقلال. المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، المغرب 2002 ص171. 13 -Wittfogel(Karl), Le despositisme oriental. Editions de Minuit, Paris, 1964.

14- يمكن الرجوع أيضا إلى:

15- Anderson (Perry), L’état absolutiste. Ses origines et ses voies. François Maspero, Paris ,1978. 16) - Charles –Roux (F), L’Egypte de 1801 à 1882........ op.cit.,p - p 43-46.

17) - Encyclopedia Universalis. Corpus 17, Paris, 1996 P193.

18) - مصطفى (أحمد عبد الرحيم)، في أصول التاريخ العثماني. دار الشروق، الطبعة الأولى، القاهرة 1982 ص 187.

19) - فارجيت (جي) ، محمد عليّ مؤسّس مصر الحديثة . ترجمة محمد رفعت عوّاد ، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب ، القاهرة (بدون ذكر لتاريخ النشر) ص 31.

20) - أنيس ( محمّد ) الدولة العثمانية و الشرق العربي ( 1514-1914). مكتبة الأنجلو المصرية ، القاهرة ( بدون ذكر لتاريخ النشر) ص 215. 21) - الضيقة (حسن) ، دولة محمد عليّ ...... المرجع السابق.ص141.

22) - مصطفى ( أحمد عبد الرحيم )، في أصول التاريخ العثماني...... المرجع السابق ص 186.

23) - كواترت( دونالد) ، عصر الإصلاحات (1812- 1914) . دراسة وردت في كتاب جماعي بعنوان : " التاريخ الاقتصادي للدولة العثمانية" تحرير خليل إينالجك بالتعاون مع دونالد كواترت . ترجمة قاسم عبده قاسم، دار المدار الإسلامي ، الطبعة الأولى ، بيروت 2007 ص 496.

24) - Rioux(Jean-Pierre), La révolution industrielle (1780-1880). Editions du seuil, Paris ,1989 P-P 51-52.


25) - ماك غوان ( بروس) ، عصر الأعيان ( 1699-1812) . دراسة وردت في كتاب جماعي بعنوان " التاريخ الاقتصادي و الاجتماعي للدولة العثمانية "..... المرجع السابق ص 338. 26) - Encyclopedia Universalis. Op.cit P194.

27-الضيقة (حسن) ، دولة محمد عليّ ...... المرجع السابق.ص141. 28) - الجبرتي (عبد الرحمان )، عجائب الآثار في التراجم و الأخبار .دار الجيل ، بيروت ، الجزء الثالث ص 188. ( بدون ذكر لتاريخ النشر )

29) - Abdelmalek ( Anouar) , Mohamed Ali . Op.cit., P 236.

30) - صبري ( محمد)، تاريخ مصر من محمد عليّ إلى العصر الحديث.مكتبة مدبولي ، الطبعة الأولى القاهرة 1991 ص 34.

31) - الجبرتي (عبد الرحمان )، عجائب الآثار ...... المصدر السابق، الجزء الثالث ص 192.

32) - اتفق محمد عليّ مع عثمان البرديسي على التخلص من محمد الألفي و على اثر فرار هذا الأخير إلى سوريا ، اِنقلب محمد عليّ على عثمان البرديسي و ألـّب عليه الأهالي ثمّ حاصره في قصره ( 12 مارس سنة 1804) و أجبره على الهروب إلى سورية . انظر في هذا المجال :

33) Charles –Roux (F), L’Egypte de 1801 à 1882........ Op.cit., p22.

34) فِرمان : مرسوم سلطانيّ.

35) - مؤنس ( حسن)، الشرق الإسلامي في العصر الحديث. مطبعة حجازي، القاهرة ص 137. ( بدون ذكر لتاريخ النشر ).

36) - يُخصص المفكر الايطالي نيكولا ماكيافيل الفصل قبل الأخير من كتابه "الأمير " لمناقشة الحظ و دوره في المجال السياسي.

37) انظر في هذا المجال : 38) Machiavel (Nicolas), le prince .Traduit de l’italien par Jean Vincent périès. Bookking international, Paris, 1996p-p 173 – 177.

39) - الاسكندري ( عمر)، حسن (سليم )، تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قبيل الوقت الحاضر .مكتبة مدبولي ، القاهرة 1996 ص 123.

40) - كواترت( دونالد) ، عصر الإصلاحات ( 1812- 1914)... المرجع السابق ص 496.

41) - مصطفى ( أحمد عبد الرحيم )، الدولة العثمانية.... المرجع السابق ص 186.

42) - Mantran (Robert), Histoire de la Turquie .Presses Universitaires de France, Paris, 1952 p 87.

43) - مصطفى ( أحمد عبد الرحيم )، الدولة العثمانية.... المرجع السابق ص 189.

44) - Mantran (Robert), Histoire de la Turquie. OP.cit., p 87.

45) - أنيس ( محمد )، الدولة العثمانية..... المرجع السابق ص 215.

46) - مصطفى ( أحمد عبد الرحيم )، الدولة العثمانية.... المرجع السابق ص 215.

47) - Mantran (Robert), Histoire de la Turquie. OP.cit., p 88.

48) - أنيس ( محمد )، الدولة العثمانية..... المرجع السابق ص 215.

49) - Abdelmalek (Anouar), Mohamed Ali. Op. cit . P 242.

50) - Gaultier-Kurhan (Caroline), Méhémet Ali….. Op.cit., p40.

51) - Charles –Roux (F), L’Egypte de 1801 à 1882........ Op.cit., p60

52) - Abdelmalek (Anouar), Mohamed Ali. . Op. cit. p 242

53) - Batou (Jean), L’Egypte de Muhamed Ali : pouvoir politique et développement économique .Annales .Economies .Sociétés. Civilisations .Mars – Avril 1991 ; N°, P 441.

54) - الرافعي ( عبد الرحمان ) ، عصر محمد عليّ . دار المعارف، الطبعة الرابعة، القاهرة 1982 ص 342.

55) - Abdelmalek (Anouar), Mohamed Ali. . Op. cit. p 243.

56) - الرافعي ( عبد الرحمان ) ، عصر محمد عليّ ..... المرجع السابق ص 332 – 336.

57) - Gaultier-Kurhan (Caroline), Méhémet Ali Op.cit. P 217.

58) - ضاهر( مسعود)، النهضة العربية و النهضة اليابانية . تشابه المقدمات و اختلاف النتائج . المجلس الوطني للثقافة و الفنون و الآداب ( الكويت). سلسلة "عالم المعرفة "عدد 252، ديسمبر 1999.ص 97.

59) - سينويه (جلبير)، الفرعون الأخير . محمد عليّ بين ( 1770-1849) . ترجمة حافظ الجمالي، منشورات وزارة الثقافة، دمشق 2005.ص 166.

60) - ضاهر( مسعود)، النهضة العربية ........ المرجع السابق ص 95.

61) - Tomiche (Nada), les origines politiques, Op .cit. p 88.

62) - Charles –Roux (F), L’Egypte de 1801 à 1882........ Op.cit., p 96.

63) - الضيقة (حسن) ، دولة محمد عليّ ...... المرجع السابق.ص152-153.

64) الطهرانيون : ( les puritains)طائفة مسيحية دعت إلى تنقية الديانة المسيحية من الشوائب التي علقت بها و إلى تعزيز الفضيلة عبر بناء المدينة الفاضلة التي تضمّ الأطهار لأجل إصلاح المجتمع بإبرام ميثاق يتعهد بمقتضاه الجميع على خدمة الربّ و لا يكون ذلك ممكنا إلا ّ في ظل حكومة مدنية تعمل على تكريس فكرة الحق الإلهي في الحكم . أنظر في هذا المجال :

65) ناش ( جاري)، الحمر و البيض و السود. تاريخ الصراع العنصري في أمريكا . ترجمة مصطفى أبو الخير عبد الرزاق، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1995 ص 87-89.

66) - الاسكندري ( عمر )، حسن (سليم)، تاريخ مصر ......... المرجع السابق ص 36.

67) - صبري (محمد)، تاريخ مصر..... المرجع السابق ص 36.

68) - الغنّام ( سليمان بن محمد )، قراءة جديدة لسياسة محمد عليّ...... المرجع السابق.ص 32.

69) - Sabry (M), L’empire Egyptien, op.cit., p 44.

70) - المرجع ذاته ص 130.

71) - الغنّام ( سليمان بن محمد)، قراءة جديدة لسياسة محمد عليّ..... ص 32.

72) Colonel Missett  : القنصل العام لبريطانيا بمصر .

73) - Sabry (M), L’empire Egyptien, op.cit., p 44

74) - Gaultier-Kurhan(Caroline), Méhmét Ali, op.cit. P174.

75) - الاسكندري(عمر)،حسن(سليم)،تاريخ مصر ... المرجع السابق ص 131.

76) - - الرافعي (عبد الرحمان )، عصر محمد عليّ .دار المعارف ،الطبعة الرابعة ، القاهرة 1982 ص 142.

77) - الغنّام ( سليمان بن محمد )، قراءة جديدة لسياسة محمد عليّ..... المرجع السابق ص 33.

78) - يانج ( جورج) ، تاريخ مصر .... المرجع السابق ص 112.

79) - الغنّام ( سليمان بن محمد )، قراءة جديدة لسياسة محمد عليّ..... المرجع السابق ص 33.

80) - Sabry (M), L’empire Egyptien, op.cit. p 55.

81) - عبد العزيز (عمر)، تاريخ المشرق العربي ( 1516-1922). دار النهضة العربية للطباعة و النشر، بيروت ص 309.( بدون ذكر لتاريخ النشر).

82) - البطريق ( عبد الحميد)، عصر محمد عليّ و نهضة مصر في القرن التاسع عشر (1805-1883). الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1999 ص 89.

83) - Sabry (M), L’empire Egyptien , op. Cit. p 84.

84) - البطريق ( عبد الحميد) ، عصر محمد عليّ ....... المرجع السابق ص 191.

85) - لوتسكي ، تاريخ الأقطار العربية الحديث . ترجمة عفيفة البستاني، دار التقدم، موسكو(بدون تاريخ). ص 117 .

86) المورة ( La Morée )هو الاسم الذي يطلق على منطقة البيلوبونيز(Péloponnèse ) في بلاد اليونان بعد تفكك الأمبراطرية البيزنطية . و هي شبه جزيرة في جنوب اليونان و مقسمة إلى عدة جزر و تتصل ببلاد اليونان عن طريف مضيق كورنت ( Corinthe) و تتكون من Argolide , Laconie, Messénie , Elide , Achaïe ,Arcadie .

87) - الرافعي (عبد الرحمان )، عصر محمد عليّ .... المرجع السابق ص 191.

88) - Gaultier-Kurhan (Caroline), Méhémet Ali, op.cit., P137.

89) - Sabry (M), L’empire Egyptien, op.cit. 92.

90) -Tomiche (Nada), Les origines politiques .op.cit . , p88.

91) - بوردي (بيير) ، الرمز و السلطة . ترجمة عبد السلام بنعبد العالي ، دار توبقال للنشر ، الطبعة الثانية ، الدار البيضاء ، المغرب 1990 ص 78.

92) - Charles-Roux ( F) , L’Egypte de 1801 à 1882 op. cit. , p 107

93) - - لوتسكي ، تاريخ الأقطار العربية ... المرجع السابق ص 119.

94) - الاسكندري(عمر)،حسن(سليم)،تاريخ مصر ... المرجع السابق ص 168. 95) - لوتسكي ، تاريخ الأقطار العربية ... المرجع السابق ص 120. 96) - Sabry (M), L’empire Egyptien, op.cit. p92. 97) - الاسكندري(عمر)،حسن(سليم)،تاريخ مصر ... المرجع السابق ص 168. 98) - لوتسكي ، تاريخ الأقطار العربية ... المرجع السابق ص 121. 99) - الرافعي (عبد الرحمان )، عصر محمد عليّ .... المرجع السابق ص 204. 100) - لوتسكي ، تاريخ الأقطار العربية ... المرجع السابق ص 121. 101) - Sabry (M), L’empire Egyptien, op.cit. P101. 102) - الاسكندري(عمر)،حسن(سليم)،تاريخ مصر ... المرجع السابق ص 169. 103) - الجمعية الملكيّة للدراسات التاريخية، إبراهيم باشا ( 1848-1948)، مجموعة أبحاث و دراسات تاريخه تنشرها الجمعية بمناسبة اِنقضاء مائة عام على وفاته. مكتبة مدبولي ، القاهرة 1988 ص 272. 104) - Gaultier-Kurhan (Caroline), Méhémet Ali, op.cit., P142. 105) - الرافعي (عبد الرحمان )، عصر محمد عليّ .... المرجع السابق ص 215. 106) - الضيقة (حسن) ، دولة محمد عليّ ...... المرجع السابق.ص159. 107) -Tomiche(Nada), Les origines politiques .op.cit . , p88. 108) - الرافعي (عبد الرحمان )، عصر محمد عليّ .... المرجع السابق ص 215. 109) - في الفترات الصعبة و الحرجة أي عندما كان محمد عليّ يتصدّى للوهابيين في الجزيرة العربية ( 1812) و كذلك خلال حرب المورة دفاعا عن وحدة الدولة العثمانية و سيادتها ، كان السلطان محمود الثاني يطالب باشا مصر بالرّفع في قيمة الإتاوة السنوية و جعلها مرتبطة بارتفاع المداخيل.انظر في هذا المجال : 110) Sabry (M), L’empire Egyptien, op.cit. P275. 111) - ضاهر( مسعود) ، النهضة العربية ....... المرجع السابق ص 101. 112) - Gaultier-Kurhan (Caroline), Méhémet Ali, op.cit.,P 142. 113) - عبد العزيز (عمر)، تاريخ المشرق العربي ......... المرجع السابق ص 315. 114) سرْ عسكر : القائد العام للقوات العثمانية.

115) - Sabry (M), L’empire Egyptien, op.cit. P46.

116) - الجمعية الملكيّة للدراسات التاريخية ، إبراهيم باشا ... المرجع السابق ص 295.

117) - Abdelmalek (Anouar), Mohamed Ali. . Op.cit. p 243.

118) - الجمعية الملكيّة للدراسات التاريخية ، إبراهيم باشا ... المرجع السابق ص 297.

119) - المحجوبي (علي) ، النهضة الحديثة في القرن التاسع عشر . لماذا فشلت بمصر و تونس و نجحت باليابان ؟ مركز النشر الجامعي و دار سراس للنشر ، تونس 1999 ص 26.

120) - لوتسكي ، تاريخ الأقطار العربية ... المرجع السابق ص 124.

121) - Charles-Roux ( F) , L’Egypte de 1801 à 1882 op. cit. , p 130.

122) - الجمعية الملكيّة للدراسات التاريخية ، إبراهيم باشا ... المرجع السابق ص 297.

123) - لوتسكي ، تاريخ الأقطار العربية ... المرجع السابق ص 124.

124) - الغنّام ( سليمان بن محمد )، قراءة جديدة لسياسة محمد عليّ ... المرجع السابق ص 87.

125) - البطريق ( عبد الحميد) ، عصر محمد عليّ ....... المرجع السابق ص 191.

126) - الاسكندري (عمر) ، حسن( سليم) ، عصر محمد عليّ ... المرجع السابق ص 97.

127) - Sabry (M), L’empire Egyptien, op.cit. P 188.

128) فارجيت (جي) ، محمد عليّ ... المرجع السابق ص 140.

129) - لوتسكي ، تاريخ الأقطار العربية .... المرجع السابق ص 124.

130) ** (1860-1787) Colonel Sève : و هو أصيل مدينة ليون الفرنسية ، انخرط في سلك الجيش البري و شارك في حروب نابليون و اِرتقى في المراتب العسكرية حتى بلغ رتبة عقيد ( أميرالاي). و على اثر هزيمة نابليون أمام قوات الحلفاء و اعتقاله و نفيه ، انسحب من الجندية و اتجه نحو التجارة و الزراعة . و فد على مصر سنة 1819، فأعجب محمد عليّ بمهاراته و قدراته العسكرية، فعهد إليه تنظيم الجيش المصري على الأساليب الحديثة. و سرعان ما اعتنق الإسلام وأصبح يسمى سليمان باشا, أنظر في هذا المجال:

131) الرافعي ( عبد الرحمان) ، عصر محمد عليّ .... المرجع السابق ص 326.

132) Penzac(Daniel), Raymond (André), La France et l’Egypte à l’époque des vice-rois (1805-1882) .Institut Français d’Archéologie oriental, le Caire, 2002 p p 172-173.

133) - فارجيت ( جي ) ، محمد عليّ ... المرجع السابق ص 140.

134) - سينويه(جلبير) ، الفرعون الأخير ... المرجع السابق ص 369. 135) - Sabry (M), L’empire Egyptien, op.cit.P 199.

136) - Mantran (Robert), Histoire de la Turquie, op.cit., p96.

137) - سينويه(جلبير) ، الفرعون الأخير ... المرجع السابق ص 378.

138) - - فارجيت ( جي ) ، محمد عليّ ... المرجع السابق ص 142.

139) - Charles-Roux (F), L’Egypte de 1801 à 1882, op. cit. , p 135.

140) - ضاهر ( مسعود) ، النهضة العربية ... المرجع السابق ص 108.

141) - الرافعي (عبد الرحمان )، عصر محمد عليّ .... المرجع السابق ص246.

142) - Sabry (M), L’empire Egyptien, op.cit.P 204.

143) - الغنّام ( سليمان بن محمد )، قراءة جديدة لسياسة محمد عليّ.... المرجع السابق ص 91.

144) الفرسخ: هو وحدة قياس للطول، ويعادل 15.840 قدما أو 4.828 كلم.

145) - الرافعي (عبد الرحمان )، عصر محمد عليّ .... المرجع السابق ص255.

146) - الاسكندر ( عمر) ، حسن ( سليم) ، تاريخ مصر .... المرجع السابق ص 173.

147) - Sabry (M), L’empire Egyptien, op.cit.P 222.

148) **هناك مؤرخون يستعملون أدنة و آخرون يكتبونها أضنة

149) - الرافعي (عبد الرحمان )، عصر محمد عليّ .... المرجع السابق ص255.

150) - Gaultier-kurhan(Caroline), Méhémet Ali, po.cit. , P 176.

151) - Sabry (M), L’empire Egyptien, op.cit.P 237.

152) *** مكنت اتفاقية أدرنة (14 سبتمبر1829) روسيا من حريّة الملاحة في الدانوب و حرية عبور المضايق لجميع الدول التي في حالة سلم مع السلطان و حرية التجارة الروسية في جميع الأراضي و الموانئ العثمانية .

153) - الغنّام ( سليمان بن محمد )، قراءة جديدة لسياسة محمد عليّ.... المرجع السابق ص 93.

154) - Sabry (M), L’empire Egyptien, op.cit.P 248.

155) - فارجيت ( جي ) ، محمد عليّ ... المرجع السابق ص 146.

156) - لوتسكي ، تاريخ الأقطار العربية .... المرجع السابق ص 128.

157) - Gaultier-Kurhan(Caroline), Méhémet Ali, po.cit. , P 176.

158) هنكار و كذلك إنكيار إسكلسّي : و هو المكان الذي أمضيت فيه هذه المعاهدة و يقع في منطقة " بيكوز" (Beykoz ) و على الضفة الشرقية لمضيق البوسفور (Bosphore ).

159) - مؤنس (حسين)، الشرق الإسلامي...... المرجع السابق ص 229.

160) - الغنّام ،( سليمان بن محمد ) ، قراءة جديدة لسياسة محمد عليّ ... المرجع السابق ص 95.

161) - Sabry (M), L’empire Egyptien, op.cit.P 254.

162) - Gaultier-Kurhan(Caroline), Méhémet Ali, po.cit. , P 184.

163) فارجيت ( جي ) ، محمد عليّ ... المرجع السابق ص 146.

164) - الغنّام ،( سليمان بن محمد ) ، قراءة جديدة لسياسة محمد عليّ ... المرجع السابق ص 93.

165) - Sabry (M), L’empire Egyptien, op.cit.P 297.

166) - محمد سالم (لطيفة)،الحكم المصري في الشام ( 1831-184) . مكتبة مدبولي ، الطبعة الثالثة ، القاهرة ، 1999 ص 175.

167) - ضاهر( مسعود) ، النهضة العربية .... المرجع السابق ص 112.

168) - Sabry (M), L’empire Egyptien, op.cit.P 296.

169) الغنّام (سليمان بن محمد)، قراءة جديدة لسياسة محمد عليّ.... المرجع السابق ص 100.

170) الضيقة (حسن) ، دولة محمد عليّ ... المرجع السابق ص 171.

171) - Sabry (M), L’empire Egyptien, op.cit.P 277

172) - Panzac (Daniel), Raymond (André), La France et l’Egypte à l’époque des vice-rois (1805-1882). Institut Français d’Archéologie Orientale, Le Caire, 2002 p 190.

173) البطريق (عبد الحميد) ، عصر محمد عليّ ... المرجع السابق ص 87.

174) - Mantran (Robert), Histoire de la Turquie, op.cit., p94.

175) - Tomiche (Nada), les origines politiques .op.cit. p88.

176) - الاسكندري (عمر) ، حسن (سليم) ، تاريخ مصر ... المرجع السابق ص174.

177) البطريق (عبد الحميد) ، عصر محمد عليّ ... المرجع السابق ص 99.

178) - لوتسكي ، تاريخ الأقطار الأقطار العربية .......المرجع السابق ص 127 .

179) – Sabry (M), L’empire Egyptien, op.cit.P254.

180) *المسألة الشرقية : مفهوم يطلق على احتداد النزاعات بين القوى الكبرى للاستيلاء على ممتلكات الدولة العثمانية ( 1830-1840) و خاصة إثر انتصار جيش محمد عليّ على قوات السلطان محمود الثاني في معركة نصيبين ( 1839) ، فوقفت الدول الأوروبية مواقف مختلفة تبعا لاختلاف أطماعها و مصالحها .فضغطت بريطانيا على محمد عليّ و طالبته بالانسحاب من منطقة الأناضول حتى لا يجد قيصر روسيا ذريعة للتدخل في الصراع ، و بذلك يقع الحفاظ على كيان الدولة العثمانية و على التوازن الدولي في أوروبا .

181) انظر في هذا المجال : - الرافعي ( عبد الرحمان )، عصر محمد عليّ ........ المرجع السابق ص 252.

182) عبد العزيز (عمر)، تاريخ المشرق العربي .... المرجع السابق ص 319.

183) - سينويه ( جلبير)، الفرعون الأخير ..... المرجع السابق ص 390.

184) - لوتسكي ، تاريخ الأقطار العربية . المرجع السابق ص 128.

185) - سينويه ( جلبير)، الفرعون الأخير ..... المرجع السابق ص 378.

186) -Sabry (M), L’empire Egyptien, op.cit.P254.

187) - Gaultier-Kurhan(Caroline), Méhémet Ali, op.cit. , P 176.

188) - Gaultier-Kurhan(Caroline), Méhémet Ali, op.cit. , P 183.

189) - رسالة من إبراهيم باشا إلى والده حرّرها اثر انتهاء معركة قونيّة وقبيل احتلال كوتاهية ، وقد وردت في كتاب إبراهيم باشا الصادر عن الجمعية الملكية للدراسات التاريخية.....مرجع سابق ص 296.

190) - سينويه ( جلبير ) ، الفرعون الأخير .....المرجع السابق ص 390.

191) المرجع ذاته ص 394. 192) - اعتبر السلطان محمود الثاني أنّ الإتفاق الذي أمضاه مع قيصر روسيا ( إنكيار – إسكلسّي ) : ( 7 جويلية 1833 ) ، قد أنقذ عرشه من السقوط وبرّر ذلك قائلا: " إن الرجل الذي يغرق يتعلق بثعبان لإنقاذ حياته "Un homme qui se noie s’accroche à un serpent

193) انظر في هذا المجال : Sabry (M) l’empire Egyptien, op .cit .P254

194) الرافعي ( عبد الرحمان ) ، عصر محمد عليّ ....المرجع السابق ص 255. -

195) الجمعية الملكية للدارسات التاريخية، إبراهيم باشا....المرجع السابق ص 359.

196) - مؤنس (حسن)، الشرق الإسلامي.... المرجع السابق ص 270.

197) - الرافعي (عبد الرحمان)، عصر محمد عليّ ... المرجع السابق ص 270.

198) - أبو فخر ( فندي)، انتفاضات الشام على محمد عليّ باشا ( 1831-1840) ، دار النهضة الجديدة ، دمشق ، الطبعة الثانية ، 2006 ، ص13.

199) - محمد سالم (لطيفة )، الحكم المصري في الشام ( 1831-1841) ، مكتبة مدبولي ، الطبعة الثانية ، القاهرة 1999ض283.

200) - ضاهر (مسعود)، النهضة العربية .... المرجع السابق ص 114.

201) - المرجع ذاته ص 114.

202) - لوتسكي ، تاريخ الأقطار العربية ..... المرجع السابق ص 135.

203) - أبو فخر ( فندي)، انتفاضات الشام..... المرجع السابق ص 63.

204) - أبو فخر (فندي)، انتفاضات الشام......المرجع السابق ص 55.

205) - لوتسكي، تاريخ الأقطار العربية.......المرجع السابق ص 136.

206) - أبو فخر (فندي)، انتفاضات الشام......المرجع السابق ص 64.

207) - الرافعي (عبد الرحمان)، عصر محمد عليّ ......المرجع السابق 269.

208) -Charles-Roux(F),l’Egypte de 1801à 1882 ,op.cit. ,170.

209) - Sabry(M), L’empire Egyptien, op.cit.P346.

210) - محمد سالم (لطيفة)، الحكم المصري في الشام.....المرجع السابق ص 307

211) الضيقة(حسن)، دولة محمد عليّ...المرجع السابق ص 171

212) - Tomiche (Nada), les orgines politiques, op.cit. p90.

213) - Sabry(M), L’empire Egyptien, op.cit.p 389.

214) - الضيقة(حسن)، دولة محمد عليّ...المرجع السابق ص 171. 215) - Batou(jean),l’Egypte de Muhamed Ali, op.cit.P416.


216) - ضاهر (مسعود)، النهضة العربية ... المرجع السابق ص 120.

217) - كواترت (دونالد)، عصر الإصلاحات .... المرجع السابق ص 495.

218) - الغنّام (سليمان بن محمد)، قراءة جديدة لسياسة محمد عليّ ... المرجع السابق ص 108.

219) - فارجيت (جي)، محمد عليّ .... المرجع السابق ص 175.

220) -Charles-Roux(F),l’Egypte de 1801à 1882 ,op.cit. ,159.

221) -المحجوبي (علي)، النهضة الحديثة ..... المرجع السابق ص 28.

222) - Sabry(M), L’empire Egyptien, op.cit.P306.

223) - مراد (محمد عدنان) ، بريطانيا و العرب .... المرجع السابق ص 124.

224) - Batou(jean),l’Egypte de Muhamed Ali, op.cit.P416.

225) - الضيقة(حسن)، دولة محمد عليّ...المرجع السابق ص 173.

226) - Gaultier-kurhan(Caroline), Méhémet Ali, op.cit. , P 154. 227) - Saul (Samir) ,Thobie(Jaques),les militaires Français en Egypte des années 1820 aux années 1860 .in «  La France et l’Egypte à l’époque des vice-rois 1805-1882 » . Institut Français d’Archéologie Orientale ? le Caire ,2002 p 180.

228) - Sabry(M), L’empire Egyptien, op.cit.P447.