العراق الكويت: الجذور الغزو التحرير - معركة الخفجي (29 ـ 31 يناير 1991)

من معرفة المصادر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مقدمة

على مدى ليلتَي التاسع والعشرين والثلاثين من يناير 1991، تمكنت القوات العراقية بقوة مجموعة قتال مكونة من كتيبة مشاة آلية وكتيبة دبابات (من اللواء 15 المشاة الآلي للفِرقة الخامسة مشاة آلية) من اختراق الحدود الكويتية ـ السعودية، على المحور الساحلي وغرب منفذ الخفجي، شرق مركز لسلاح الحدود في الرافعية. وتقدمت لمسافة 10 كم، واحتلت مدينة الخفجي السعودية، الحدودية الساحلية. وعلى الرغم من تفوق القوات العراقية، إلاّ أن القوات السعودية، وبعض وحدات من الحرس الوطني السعودي، وعناصر من القوات القطَرية، تمكنت من مقاومتها وتكبيدها العديد من الخسائر. والحقيقة، أن القوات العراقية، لم تكُن تمتلك مقومات النجاح لخوض هذه المعركة، إذ لم يكن لها أي غطاء جوي في مسرح العمليات، علاوة على إمكانية عزلها ومنع أعمال الإمداد والتموين عنها.

وعلى الرغم من احتلال القوات العراقية للمدينة، إلاّ أن القوات السعودية وبعض وحدات من الحرس الوطني السعودي وعناصر من القوة القطَرية، وبالتعاون مع القوات الجوية، وخلال 30 ساعة من القتال، تمكنت من تدمير القوات العراقية وأَسْرها، بعد أن شنت هجوماً واسع النطاق، خلال يومي 30 ـ 31 يناير 1991، قطعت خلالهما، كل الطرق الموصلة إلى المدينة.

وتعَدّ هذه العملية نموذجاً تكتيكياً مصغراً لعملية تحرير الكويت، فيما بعد، إذ سارعت القوات السعودية إلى احتواء القوة العراقية وعزلها داخل مدينة الخفجي، من الشمال والشمال الغربي. كما أغلقت الطريق الساحلي، جنوب المدينة، بكتيبة مشاة من مشاة البحرية السعودية، احتلت منفذ الجسر المؤدي إلى مصافي النفط، جنوب الخفجي، لمنع القوات العراقية من التغلغل جنوباً، والوصول إليها. ثم أطبقت على المدينة، من الشمال والشمال الغربي، بضربة رئيسية، لتدمير وأسر العراقيين الموجودين في داخلها.

كانت معركة الخفجي ذات أهمية كبيرة، بالنسبة إلى قوى التحالف، فقد شهدت هذه المعركة الهجوم البري الوحيد، الذي شنته القوات العراقية، وهزمت فيه. كما أن القوات المشتركة، أنزلت، في معركة شرسة، هزيمة مريرة بالقوات العراقية، إذ شنت هجوماً مضادّاً على المدرعات العراقية. كذلك، كان الدمار، الذي لحِق بالقوات العراقية، تحت وطأة القوة الجوية للتحالف، نذيراً بما ينتظر أي قوة عراقية، تترك استحكاماتها الحصينة، لتباشر أي عملية عسكرية هجومية.

مدينة الخفجي

تقع مدينة الخفجي السعودية على مسافة 10 كم، تقريباً، جنوب الحدود الكويتية ـ السعودية، على الساحل المطل على الخليج العربي، في أقصى الشمال الشرقي للمملكة. ويقدر عدد سكانها بنحو 15 ألف نسمة. كما توجد، شمالها، محطة التحلية. والمسافة بين أقصى المنشآت السعودية (محطة التحلية) إلى المنفذ الحدودي، نحو 6 كم. والمسافة بين مركز رأس الخليج ومركز النويصيب الكويتي نحو 1.5 كم. والمسافة بين مركز رأس الخليج وأقرب المباني الكويتية في الخيران، لا تتجاوز الكيلومتر الواحد.

إلى الجنوب من مدينة الخفجي، تقع مصافي النفط، التي تحدها من الشمال منطقة سبخات عميقة، تصلها بمدينة الخفجي بواسطة جسر.

وإلى الغرب من مدينة الخفجي، يقع معسكر قديم للحرس الوطني السعودي.

ويخترق مدينة الخفجي طريق ساحلي، متجهاً شمالاً إلى منفذ الخفجي الحدودي. ويتجه، جنوباً، عبْر جسر الخفجي، ليصل إلى بوابة المدخل، فمركز الزرقاني، فساحل الخليج إلى رأس مشعاب، ثم إلى السفانية أو قرية السفانية. ويؤدي هذا الطريق إلى الدمام.

في الغرب من المنشآت النفطية الساحلية في السفانية، وعلى مسافة 25 كم داخل الصحراء، وعلى مسافة 40 كم جنوب الخفجي، تقع ريش المنجور (مركز القيادة المتقدِّم لقيادة القوات المشتركة، في المنطقة الشرقية).

وصف مسرح العمليات

يتميز هذا المحور بالأراضي الصحراوية، الممتدة من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق الساحلي إلى الغرب. ويخترق المحور الساحلي طريق، يصل موانئ الكويت بالموانئ الشرقية للمملكة العربية السعودية. ولهذا المحور أهمية خاصة، لأنه يخترق طريقاً إستراتيجياً برياً، يربط الكويت بالمملكة العربية السعودية والبحرين (عبْر الجسر من الدمام إلى جزيرة البحرين) وقطَر ودولة الإمارات العربية المتحدة ثم إلى عمان. ويعَدّ السهل الساحلي، والمياه الإقليمية المجاورة له، منطقة الثروة النفطية لدول الخليج العربية، حيث منابع النفط، ونهايات خطوط الأنابيب، وموانئ الشحن وأرصفتها، والمراسي الرئيسية، مثل الدمام والظهران ورأس تنورة.

ويعَدّ هذا المحور منفصلاً، وتعمل فيه القوات من دون تعاون مع المحاور الطولية الصحراوية الأخرى، في اتجاه النعيرية. ويمكِن أن يتم التعاون معها، بحراً، من داخل الخليج العربي، وكذلك، جواً، بالقوات الجوية.

ويراوح اتساع هذا المحور بين 16 ـ 50 كم، ويستوعب حتى فِرقتين. وتُعد معظم أراضيه صالحة للإبرار الجوي. وكذلك جميع المراسي والموانئ، المطلة عليه، صالحة للإبرار البحري. وأراضي السهل الساحلي، رملية ناعمة، نادراً ما تصلح لسير الآليات.


أولاً: الموقف العسكري في مسرح العمليات قبل معركة الخفجي

1. قوات التحالف

بدأت الهجمات الجوية لقوات التحالف على جميع أنحاء العراق، وداخل الكويت، منذ 17 يناير 1991، بعد أن تمكنت من تحقيق السيادة الجوية على مسرح العمليات. وتركزت الهجمات الجوية في تدمير الأهداف الإستراتيجية في العمق العراقي، وضد تشكيلات الحرس الجمهوري، والدفاعات الجوية العراقية. وأتت هذه الهجمات ثمارها، إذ ضعفت الروح المعنوية للقوات العراقية، التي منيت بخسائر كبيرة في أسلحتها ومعداتها، وشُلَّت فاعلية مراكز القيادة والسيطرة العراقية.

أما التشكيلات البرية لقوات التحالف، فبدأت، بعد أن استكملت دفاعاتها، تُعِدّ للعملية الهجومية الإستراتيجية، من إعداد للقوات، وإعداد لمسرح العمليات، وإعداد للخطط والتدريب عليها، وتكديس للتموينات الإدارية لمصلحة العملية التعرضية. وفي الوقت نفسه، بدأت تنسق التعاون فيما بينها وتستكمل عملية الحشد والفتح الإستراتيجي للقوات.

2. الوضع في المنطقة الشرقية

في أول جولة ميدانية لصاحب السموّ الملكي الفريق الركن خالد بن سلطان بن عبدالعزيز، قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات، في المنطقة الشرقية، يوم 16 أغسطس 1990، أي بعد أسبوع واحد من توليه قيادة القوات المشتركة ومسرح العمليات، وعقب تقدير دقيق للموقف، أصدر أوامره بسحب قوات المنطقة الشرقية، التي كانت متخذة أوضاعاً دفاعية على خط الحدود الدولية السعودية ـ الكويتية مباشرة، إلى الخلف، لمسافة 40 كم، حتى لا تكون فريسة سهلة للعراقيين، مستهدفاً أن تكون المنطقة الواقعة ما بين الحدود الدولية مع الكويت والخط الدفاعي الرئيسي الجديد (الحد الأمامي للدفاعات)، الذي أمر بإنشائه عند رأس مشعاب، هي منطقة أمن، وكذلك، منطقة قتْل يتم فيها تدمير أي قوات عراقية، تحاول اجتياز الحدود، صوب الجنوب.

ونُفِّذت أوامر سموّه، خلال 24 ساعة، وقامت القوات، بعد تحركها من الأمام للخلف، باحتلال مواقعها الجديدة.

ووفقاً لتقديره للموقف اعتبر سموّه أن مدينة الخفجي، التي تقع على مسافة 10 كم من الحدود، مدينة ميتة، لا يمكِن الدفاع عنها من الناحية العملية، للأسباب التالية:

أ. لجوء أعداد كبيرة من المواطنين الكويتيين وغيرهم، إلى مدينة الخفجي أدى إلى منع القيادة السعودية من إنشاء حزام دفاعي، شمال المدينة، مجهز هندسياً، يحوي على حقول ألغام، وخنادق مضادة للدروع، إضافة إلى الأسلحة المضادة للدروع.

ب. كانت مدينة الخفجي خارج نطاق الدفاعات الرئيسية للقوات المدافعة، إلى الجنوب منها؛ إذ لم تكن لتلك المدينة أهمية كبيرة، من وجهة النظر العسكرية، بل كانت تعَدّ مصيدة لمن يتواجد فيها من القوات، لأنها محوطة، من شمالها وجنوبها، بسبخات، يصعُب السير فيها.

ج. وقوع المدينة ضمن المدى المؤثر للمدفعية العراقية. مما يجعل وجود قوات كبيرة فيها عرضة لخسائر لا داعي لها، وقد تؤثّر، سلباً، في معنويات هذه القوات والمواطنين السعوديين.

د. وجود قوات سعودية كبيرة في المدينة، قد يكون مغرياً للمعتدي العراقي باستخدام السلاح الكيماوي ضد المدينة، عند اليأس؛ وكان لدى العراق إمكانات استخدام ذلك السلاح.

لذا، ناقش سموّه مع صاحب السموّ الملكي الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز، أمير المنطقة الشرقية، خطة لإخلاء جميع سكان الخفجي، عند ظهور أي بادرة تدل على نوايا عراقية للتحرك جنوباً.

وقد تم البدء بإخلاء المدينة، قبل بداية الحملة الجوية لتأمين المدنيين. وكذا إخلاؤها من كافة الأنشطة الاقتصادية، لعدم إعطاء الفرصة للمعتدي بتدميرها أو إحداث أي خسائر بشرية. وكان الفريق الركن خالد بن سلطان بن عبدالعزيز، قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات، قد رفع خطاباً إلى صاحب السموّ الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام، يعرض على سموّه خطة إخلاء مدينة الخفجي، براً، وبحراً، وذلك في الأشهر الأولى من الأزمة (اُنظر وثيقة خطاب قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات الذي رفعه إلى صاحب السموّ الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع والطيران والمفتش العام يعرض فيه خطة إخلاء مدينة الخفجي).

بعد إخلاء مدينة الخفجي، صدر الأمر بتمركز سرية مشاة بحرية سعودية (قوات خاصة)، في جانبَي الطريق الساحلي، شمالي مدينة الخفجي. وكان الهدف حماية المنشآت الحيوية في المدينة من أعمال التخريب، من طريق البر أو البحر، أو الإنزال بالطائرات العمودية داخل الخفجي أو بالقرب منها، مع الأخذ في الحسبان عدم الاشتباك الحاسم مع القوات المعتدية، وعدم الوقوع في الأسْر. وفي حالة محاولة المعتدي احتلال المدينة بقوات كبيرة، فعلى السرية أن ترتدّ، وتنضم إلى القوات السعودية الموجودة إلى الجنوب من مدينة الخفجي، لتقوم هذه القوات بمهمة إخراج المعتدي منها وتدميره أو أسْره.

3. أوضاع القوات العراقية قبل عملية الخفجي

أ. حجم القوات العراقية

اعتباراً من منتصف يناير 1991، استكملت القوات العراقية دفاعاتها في مسرح عمليات الكويت، الذي يمتد على مواجهة 175 كم، من البحر مباشرة على طول الحدود الكويتية ـ السعودية، عبْر وادي الباطن. وشكّل العراق دفاعاته من ثلاثة نطاقات دفاعية، تم احتلالها بقوة 41 فِرقة، منها (28 فِرقة مشاة، وفِرقة قوات خاصة واحدة، و4 فِرق مشاة آلية، و8 فِرق مدرعة)، مستندة على خطوط دفاعية قوية، وشبكة من الموانع، التي تضم حقول الألغام، والأسلاك الشائكة، والخنادق المضادّة للدبابات، وخنادق اللهب.

ب. تنظيم الدفاعات العراقية

تم توزيع القوات العراقية داخل مسرح عمليات الكويت كالآتي (اُنظر خريطة أوضاع القوات العراقية في 16 يناير 1990):

(1) داخل الكويت

25 فِرقة (17 فِرقة مشاة، و3 فِرق مشاة آلية، و5 فِرق مدرعة).

(2) شمال الكويت

7 فِرق حرس جمهوري (3 فِرق مشاة، وفِرقة قوات خاصة واحدة، وفِرقة مشاة آلية، وفِرقتان مدرعتان).

(3) غرب الكويت

9 فِرق (8 فِرق مشاة، وفِرقة مشاة آلية واحدة، وفِرقة مدرعة واحدة).

(4) القوات في مواجهة المنطقة الشرقية على المحور الساحلي

· في النسق الأول

الفِرقة 18 المشاة، والفِرقة الثامنة المشاة، وفِرقة مشاة.

· الدفاع عن الساحل

الفِرقة 14 المشاة، والفِرقة 19 المشاة.

· في النسق الثاني

الفِرقة الخامسة المشاة الآلية.

· في الاحتياطي

الفِرقة الثالثة المدرعة.

4. الخطة الدفاعية للمنطقة الشرقية

نُفذت الخطة الدفاعية للمنطقة الشرقية على مرحلتين أساسيتين:

أ. المرحلة الأولى: ( من 18 أغسطس إلى 9 أكتوبر 1990)

(1) حجم قوات المنطقة الشرقية

تتكون قوات المنطقة الشرقية من ثلاث مجموعات قتال(قوة واجب Task Force)، إضافة إلى وحدات مشاة بحرية سعودية، كالآتي (اُنظر شكل القوات المشتركة في 18 أغسطس 1990):

· قوة واجب أبي بكر: وتتكون من اللواء الثاني المشاة الآلي من الحرس الوطني السعودي، وكتيبة مشاة آلية قطَرية.

· قوة واجب عمر: وتتكون من اللواء العاشر المشاة الآلي، من القوات البرية السعودية، وكتيبة مشاة عُمانية.

· قوة واجب عثمان: وتتكون من اللواء الثامن المشاة الآلي، من القوات البرية السعودية، وكتيبة مشاة إماراتية، والفوج السادس المشاة المغربي، والكتيبة الأولى المشاة عدا سرية من السنغال، وسرية مشاة بحرينية.

· قوات المشاة البحرية: تتكون من كتيبتين من مشاة البحرية السعودية.

(2) الأوضاع الدفاعية للقوات

تتخذ القوات أوضاعها الدفاعية في نسق واحد واحتياطي، علاوة على دفع قوات ساترة أمامية، للعمل كنقط إنذار حدودية ودفاعات ساحلية كالآتي (اُنظر شكل القوات المشتركة في 18 أغسطس 1990):

(أ) قوات النسق الأول (الأمامية)

· إلى اليمين، قوة واجب أبي بكر: تتخذ أوضاعها الدفاعية من رأس الخفجي (أمام الخفجي)، على الحدود المشتركة، وحتي منطقة الزبير، على امتداد 35 كم. مع دفع كتيبة مشاة آلية للعمل كقوة ساترة في الأمام، على مسافة 5 كم من الحدود الدولية. مع الاحتفاظ بالقوة الرئيسية على مسافة 15 ـ 20 كم.

· إلى اليسار، قوة واجب عمر: تتخذ أوضاعها الدفاعية، من الزبير حتى الحماطيات، على امتداد 45 ـ 50 كم. مع دفع كتيبة مشاة آلية، معها سرية دبابات، للعمل كقوة ساترة في الأمام، على مسافة 5 كم من الحدود الدولية. مع الاحتفاظ بالقوة الرئيسية على مسافة 15 ـ 20 كم.

(ب) قوات الاحتياطي

قوة واجب عثمان: (عدا الفوج السادس المشاة المغربي، والكتيبة الأولى المشاة عدا سرية من السنغال)، تتجمع في المنطقة الفاصلة بين (قوة واجب أبي بكر، وقوة واجب عمر)، وعلى عمق 15 ـ 20 كم من قوات النسق الأول (القوات الأمامية).

(ج) قوات الدفاع عن الساحل

· كتيبتا مشاة من مشاة البحرية السعودية، تدافعان عن القطاع الممتد من رأس مشعاب شمالاً وحتى رأس السفانية، جنوباً.

· الفوج السادس المشاة المغربي، والكتيبة الأولى المشاة عدا سرية من السنغال، (من قوة واجب عثمان)، لتأمين المنشآت النفطية في السفانية.

(د) اتجاه المجهود الرئيسي

يركز المجهود الرئيسي في عمق الدفاعات.

(3) القيادة والسيطرة

تتم السيطرة على القوات من مركز القيادة المتقدِّم لقيادة القوات المشتركة، في المنطقة الشرقية، في منطقة (ريش المنجور) على مسافة 25 كم إلى الغرب من قرية السفانية، و40 كم إلى الجنوب من مدينة الخفجي.

ب. المرحلة الثانية: (اعتباراً من يناير 1991، وحتى معركة الخفجي)

(1) حجم قوات المنطقة الشرقية

تعدل حجم قوات المنطقة الشرقية لتتكون من أربع مجموعات قتال (قوة واجب Task Force)، بدلاً من ثلاث مجموعات، إضافة إلى قوة احتياطي، كالآتي (اُنظر شكل القوات المشتركة في يناير 1990):

· قوة واجب أبي بكر: وتتكون من اللواء الثاني المشاة الآلي من الحرس الوطني السعودي، وكتيبة مشاة آلية قطَرية.

· قوة واجب عثمان: وتتكون من اللواء الثامن المشاة الآلي من القوات البرية السعودية، وسرية مشاة بحرينية، وسرية مشاة كويتية.

· قوة واجب عمر: وتتكون من اللواء العاشر المشاة الآلي من القوات البرية السعودية، وكتيبة مشاة عُمانية.

· قوة واجب طارق: وتتكون من كتيبتين من مشاة البحرية السعودية، والفوج السادس المشاة المغربي، والكتيبة الأولى المشاة عدا سرية من السنغال.

· في الاحتياطي: كتيبة مشاة آلية قطَرية، وكتيبة مشاة إماراتية.

(2) الأوضاع الدفاعية للقوات

عُدلت أوضاع القوات لتتخذ أوضاعها الدفاعية في نسق واحد واحتياطي، إضافة إلى قوات تأمين الساحل، كالآتي (اُنظر شكل القوات المشتركة في يناير 1990):

(أ) قوات النسق الأول (الأمامية)

· إلى اليمين، قوة واجب أبي بكر: تتخذ أوضاعها الدفاعية، مع دفع كتيبة مشاة آلية، وسرية استطلاع، للعمل كقوة ساترة في الأمام، على مسافة 5 كم من الحدود الدولية. مع الاحتفاظ بالقوة الرئيسية، على مسافة 30 ـ 40 كم من الحدود الدولية.

· في المنتصف، قوة واجب عثمان: تتخذ أوضاعها الدفاعية، مع دفع كتيبة مشاة آلية وسرية استطلاع، للعمل كقوة ساترة في الأمام، على مسافة 5 كم من الحدود الدولية. مع الاحتفاظ بالقوة الرئيسية، على مسافة 30 ـ 40 كم من الحدود الدولية.

· إلى اليسار، قوة واجب عمر: تتخذ أوضاعها الدفاعية مع دفع كتيبة مشاة آلية وسرية استطلاع، للعمل كقوة ساترة في الأمام، على مسافة 5 كم من الحدود الدولية. مع الاحتفاظ بالقوة الرئيسية، على مسافة 30 ـ 40 كم من الحدود الدولية.

(ب) قوات الاحتياطي

كتيبة مشاة آلية قطَرية، وكتيبة مشاة إماراتية.

(ج) قوات الدفاع عن الساحل

قوة واجب طارق، تتخذ أوضاعها كالآتي:

· كتيبتا مشاة من مشاة البحرية السعودية، تدافعان عن ساحل الخليج، من رأس مشعاب شمالاً، حتى رأ

ثانياً: سير العمليات القتالية في معركة الخفجي

1. الموقف القتالي، قبْل بدء العمليات القتالية

استمرار المناوشات والتراشق بالمدفعية وراجمات الصواريخ، بين القوات العراقية وقوات التحالف، إضافة إلى أعمال الاستطلاع الجوي، والمراقبة والملاحظة من نقاط المراقبة الأمامية على الحدود، من جانب قوات التحالف.

أما الجانب العراقي، فقد استمر في تعزيز قواته داخل الكويت، علاوة على التحركات على طول الحدود.

2. أعمال قتال اليوم الأول (ليلة 29 ــ 30 يناير 1991)

أ. أعمال قتال القوات العراقية

خلال ليلة 29 ـ 30 يناير 1991، أُبلغت تحركات عراقية في اتجاه الحدود الكويتية ـ السعودية، تتقدم في اتجاه الخفجي، على الطريق الرئيسي للكويت، غرب الساحل. واتضح أن هذه التحركات تقوم بها عناصر من الفِرقة الخامسة المشاة الآلية العراقية، والمكونة من اللواء 15 المشاة الآلي، واللواء 20 المشاة الآلي، واللواء 26 المدرع، معززة بلواء من الفِرقة الثالثة. وكانت ألوية هذه الفِرقة تتحرك حركة دائمة على الحدود السعودية ـ الكويتية من شمال مركز الحماطيات حتى الرافعية. ثم تحرك اللواء 26 المدرع في اتجاه رغوة والرافعية. وفي الساعة 2330، يوم 29 يناير، تحركت عناصر من اللواءين، 15 و20، في اتجاه منفذ الخفجي وغرب المنفذ (اُنظر شكل الهجوم العراقي على الخفجي).

بدأ الهجوم العراقي بتوجيه ضربة ذات 4 محاور. كان المحور الرئيسي منها في اتجاه مدينة الخفجي. أما المحاور الثلاثة الأخرى، فكانت ثانوية. وتظاهر اللواء 26 المدرع أمام المواقع الدفاعية لقوات مشاة البحرية الأمريكية (في اتجاه ما بين الوفرة والزبير، وبين الرغوة والرافعية). وقام الطيران بقصفه مما تسبب في انسحابه إلى الشمال. كما أن عناصر عراقية أخرى اشتبكت مع مشاة البحرية الأمريكية، أمام مركز الزبير، ونجم عن الاشتباك تدمير 15 آلية عراقية[1] (اُنظر الترجمة العربية لمقالة نشرتها وكالة أنباء الأسوشيتد برس أدلى بها جندي أمريكي من مشاة البحرية الأمريكية عن دور مشاة البحرية الأمريكية في تحرير مدينة الخفجي تحت عنوان "مشاة البحرية حصلوا على الاعتزاز والفخر في أول انتصار بري") وقتل 11 من مشاة البحرية الأمريكية. وانسحبت القوات العراقية، كذلك، إلى الشمال. وكان الهدف من هذه الهجمات الثانوية، هو التغطية على الهجوم الرئيسي، الذي كانت تعِدّ له القوات العراقية، تجاه مدينة الخفجي.

وفي أعقاب الهجوم الثانوي، وفي الساعة 2400، يوم 29 يناير، قامت عناصر من اللواء 15 المشاة الآلي ببدء الهجوم على مدينة الخفجي، كمفرزة متقدمة للواء، بقوة كتيبة دبابات، وكتيبة مشاة آلية. تمكنت 17 عربة مدرعة من هذه القوة عبور الحدود، ودخول المدينة، إلى أن أصبح عددها 57 (عربة مدرعة، ودبابات من نوع T-55)، في شمالي الخفجي، داخل حدود المدينة، وتمكنت، بعد ذلك، من السيطرة عليها، واتخاذ أوضاع دفاعية في غرب وشمال غرب الخفجي. بينما ظل اللواء 20 المشاة الآلي في مركز النويصيب (الكويتي)، خارج الحدود السعودية، في الاحتياطي، مستعداً للتدخل، لتعزيز قوات اللواء 15 المشاة الآلي في الوقت المناسب.

ب. أعمال قتال قوات المنطقة الشرقية

بوصول معلومات الاستطلاع الجوي والبري، عن بدء الهجوم العراقي على مدينة الخفجي، إلى قائد مركز القيادة المتقدِّم لقيادة القوات المشتركة، في المنطقة الشرقية، اللواء سلطان عادي المطيري، أصدر الأمر إلى قائد سرية المشاة البحرية السعودية، الموجودة في مدينة الخفجي، بالاشتباك مع القوات العراقية، ومحاولة منعها من الدخول إلى المدينة. وإزاء الضغط المستمر على السرية السعودية، صدر إليها الأمر بالانسحاب إلى جنوبي الخفجي.

وفي الوقت نفسه، اتصل قائد مركز القيادة المتقدِّم بضابط الاتصال الجوي الأمريكي (الملحق على مركز القيادة)، وطلب منه المساندة الجوية لإيقاف تقدم القوات العراقية وتدميرها، إذ كانت هذه المساندة من مسؤولية جناح طيران مشاة البحرية الأمريكية، الذي أبلغ قائد مركز القيادة المتقدِّم، أنه تم اتخاذ الترتيبات اللازمة للتعامل مع القوة العراقية، وأن الطائرات في طريقها لتنفيذ المهمة.

ومن ثَم طلبت قيادة مشاة البحرية الأمريكية، قبل تنفيذ جناح الطيران التابع لها، مهام المساندة الجوية، ضرورة إخلاء أي قوات ساترة، جنوب مركز الخفجي، إلى الخلف، تجنباً لقصفها من طريق الخطأ.

وفي حوالي الساعة 2400، أبلغت قيادة مشاة البحرية، عن طريق ضابط الاتصال الجوي، مركز القيادة المتقدِّم السعودي، أن القوات العراقية، قد تمكنت من دخول الخفجي، وتقدر قوتها بنحو كتيبتين (حتى 57 عربة مدرعة ودبابة)، وأنه مستمر في قصفها.

ومن الغريب، أن عناصر الاستطلاع المتقدِّمة، من سرية مشاة البحرية السعودية، أكدت أنه لم تنفذ أي مهام جوية، ولم تتعامل القوات الجوية لقوات التحالف مع القوات العراقية، أثناء تقدُّمها تجاه الخفجي.

ج. قرار قائد مركز القيادة المتقدِّم بتنفيذ عملية استطلاع ضد القوات العراقية

بوصول المعلومات عن تمكن القوات العراقية من دخول الخفجي، قرر قائد مركز القيادة المتقدِّم تنفيذ عملية استطلاع، بهدف تحديد حجم القوات العراقية وأوضاعها، داخل مدينة الخفجي، وقطْع الطريق المعبّد الأسفلتي الرئيسي، من شمال منفذ الخفجي، لمنع وصول تعزيز إضافي إلى القوات العراقية، داخل المدينة. واتخذ قراره بتشكيل حجم قوة الاستطلاع، وتحديد مهمتها، وخطة تنفيذ العملية، كالتالي (اُنظر شكل قطع الطريق إلى الخفجي):

(1) حجم قوة الاستطلاع

1. سرية دبابات من اللواء الثامن المشاة الآلي، من القوات البرية السعودية (قوة واجب عثمان)، مدعمة بفصيل صواريخ مضادة للدبابات (TWO).

2. سرية دبابات من كتيبة المشاة الآلية القطَرية، مدعمة بفصيل صواريخ مضادة للدبابات (HOT).

(2) مهمة قوة الاستطلاع

1. تتجمع سرية الدبابات القطَرية في منطقة مركز الزرقاني، حوالي الساعة 0200. وبتمام استعدادها للتحرك، تتخذ أوضاعها في المنطقة، غرب مدينة الخفجي، لتكون مستعدة للاشتباك مع القوات العراقية، في أول ضوء من يوم 30 يناير، وتقوم بتدمير القوات العراقية، غرب وشمال غرب المدينة، وتحديد أوضاع القوات العراقية وحجمها، داخل المدينة.

2. تتجمع سرية الدبابات السعودية في منطقة تمركز، غرب الخفجي بمسافة 6 كم، قبل الساعة 0200، وتكون مستعدة لاتخاذ أوضاع الاشتباك مع القوات العراقية، في غرب الخفجي، في أول ضوء من يوم 30 يناير.

3. تتحرك القوّتين من مناطق تمركزهما إلى مواقع الاشتباك، بأوامر من قائد مركز القيادة المتقدِّم.

4. يتحرك مركز ملاحظة قائد مركز القيادة المتقدِّم خلف القوة السعودية ـ القطَرية المشتركة، للسيطرة عليها.

(3) سير عملية الاستطلاع

1. في الساعة 0300، من يوم 30 يناير، وصل مركز ملاحظة قائد مركز القيادة المتقدِّم لقيادة القوات المشتركة في المنطقة الشرقية، إلى مركز الزرقاني. وفي أول ضوء، قام قائد المركز بعملية استطلاع بوساطة عربتَي جيب، من اتجاه الشمال الغربي للخفجي. واتضح له أن القوات العراقية، تحتل مواقع دفاعية غرب وشمال غرب المدينة.

2. وفي الساعة 0800، تحركت سرية الدبابات القطَرية، وفي صحبتها مركز الملاحظة، من اتجاه الشمال الغربي للخفجي (الاتجاه نفسه، الذي سلكه مركز الملاحظة عند قيامه بالاستطلاع في أول ضوء)، والاقتراب، ما أمكَن، من القوات العراقية.

3. وفي الوقت نفسه، صدر الأمر إلى سرية الدبابات من اللواء الثامن المشاة الآلي، بالفتح واتخاذ وضع الاشتباك، إلى يسار مركز الملاحظة، من اتجاه الشمال الغربي، كذلك.

4. وبمجرد فتح سريتي الدبابات (القطَرية والسعودية)، واتخاذهما لأوضاع الاشتباك، فتحت سرية الدبابات القطَرية('كانت سرية الدبابات القطَرية، هي الأقرب منهما إلى السرية المدرعة العراقية.') نيرانها على سرية مدرعة عراقية، تتمركز في شمال غربي الخفجي، على الطريق الساحلي، المؤدي إلى المدينة. وبعد اشتباك لمدة 6 دقائق، تمكنت سرية الدبابات القطَرية من تدمير 5 دبابات و6 مركبات مدرعة عراقية. ومن الفور، استسلمت السرية العراقية، المكوَّنة من 20 فرداً، بقيادة ملازم أول.

5. وباستجواب الأسرى العراقيين، ذكروا أن القوة العراقية المهاجمة لمدينة الخفجي، تقدر بحوالي كتيبتين من اللواء 15 المشاة الآلي من الفِرقة الخامسة المشاة الآلية، أي نحو 1500 جندي.

6. وبنجاح قوة الاستطلاع في تحقيق مهمتها، صدر الأمر إلى سرية دبابات اللواء الثامن المشاة الآلي، باتخاذ مواقع دفاعية، جنوب الطريق المعبّد (الأسفلتي) الرئيسي، المؤدي إلى شمال مدينة الخفجي، ومنع دخول أو خروج أي قوات عراقية إلى المدينة ومنها، وعزل المدينة كلية، تمهيداً لتصفية القوة العراقية في داخلها، وقطع طريق إمدادها.

7. بعد اتخاذ سرية دبابات اللواء الثامن، لأوضاعها الدفاعية، عاد مركز ملاحظة قائد مركز القيادة المتقدم إلى مركز القيادة، في ريش المنجور، وفي صحبته سرية الدبابات القطَرية إلى منطقة تمركزها، مرة أخرى، في جنوب مركز الزرقاني، ووصلا إلى مكانيهما في حوالي الساعة 1300، من اليوم نفسه، يوم30 يناير.

د. الأسباب التي أدت إلى سرعة استيلاء القوات العراقية على مدينة الخفجي

(1) تأخر المساندة الجوية القريبة، وعدم الاستجابة لمطالب قائد مركز القيادة المتقدِّم، في الوقت المناسب، إذ لم تشترك القوات الجوية الأمريكية، وهي المسؤولة عن هذه المهمة، إلاّ في اليوم التالي للقتال، وبشكل محدود. ويقول صاحب السموّ الملكي الفريق الركن خالد بن سلطان، في مقال نشر له في العدد 39 بمجلة "الوسط" الصادرة في 26 أكتوبر 1992: "لا يخفى على أحد من العسكريين الذين كان لهم شرف الاشتراك في هذه المعركة، وكذلك، على القيادة المركزية الأمريكية، أن أحد الأسباب التي ساعدت على تقدم أرتال القوات العراقية، واقتحامها للمدينة، هو تأخر المساندة الجوية القريبة، وعدم الاستجابة للطلب في الوقت المناسب، لقد كانت السيطرة العملياتية الجوية من مسؤولية القوات الجوية الأمريكية".

(2) خلوّ المدينة من القوات، إلاّ من سرية مشاة البحرية السعودية، التي كانت مهمتها حراسة المدينة، وتأمين مداخلها، وإبلاغ أي معلومات عن نشاط القوات العراقية. ولم تكن مهمتها القتال، من أجل إيقاف هجوم بحجم كبير للقوات المعتدية.

(3) إن الدفاعات الرئيسية للقوات السعودية، اُّتخذت في العمق، إلى الجنوب بمسافة 30 ـ 40 كم، من الحدود السعودية ـ الكويتية، طبقاً لطبيعة الأرض، حتى تكون القوات، أثناء الإعداد والتحضير للعملية الهجومية، خارج مرمى نيران المدفعية العراقية، التي كانت تطال مدينة الخفجي، وعدَّت هذه المنطقة منطقة أمن، بل منطقة قتل لأرتال القوات العراقية، إذا ما حاولت عبور الحدود. واكتفي بأن ترابط عناصر من قوة خفيفة الحركة في هذه المنطقة، مهمتها الإنذار عند اقتراب الأرتال المعادية.

3. أعمال قتال يوم 30 يناير 1991

أ. صاحب السموّ الملكي الفريق الركن خالد بن سلطان يتولى قيادة المعركة

في صباح يوم 30 يناير، كان من المقرر في برنامج الفريق الركن خالد بن سلطان، قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات، زيارة القوات البحرية السعودية، لتقليد الأوسمة التي منحها خادم الحرمين الشريفين، القائد الأعلى للقوات المسلحة، الملك فهد بن عبدالعزيز، للرائد البحري، سامي صالح شاهين، وعدد من البحارة السعوديين، الذين سبق لهم تدمير أكبر قطعة بحرية عراقية. ثم بعد ذلك زيارة القوات الجوية السعودية، لتقليد وسام للطيار السعودي، النقيب عايض الشمراني، الذي أسقط طائرتين عراقيتين، من نوع ميراج (F-1).

وقبل قيام الفريق الركن خالد بن سلطان بزيارته، كان قد أُبلغ أن هناك مناوشات وتراشقاً بالنيران، قرب مدينة الخفجي، ثم دخول بعض القوات العراقية إليها. ولكنه أصرّ على تنفيذ برنامجه المخطط، ثقةً منه بأن القوات العراقية سيتم تدميرها بوساطة القوت الجوية. وبالفعل توجه سموّه من الرياض لزيارة القوات البحرية، كما هو مخطط. وبينما كان لا يزال مع القوات البحرية، أُبلغ أن التعزيزات العراقية، لا تزال تتدفق إلى الخفجي، وهناك المزيد من هذه التعزيزات، سيصل في تلك الليلة.

وبعد انتهاء زيارته إلى القاعدة البحرية، توجَّه الفريق الركن خالد بن سلطان، من الفور، إلى مركز القيادة المتقدِّم لقيادة القوات المشتركة، في المنطقة الشرقية، بعد أن قرر إلغاء زيارته إلى القوات الجوية، ليكون قريباً من أرض المعركة، ومن القادة الميدانيين على جبهة القتال، وحاضراً للتدخل بإمكانات أكبر، ولقيادة المعركة.

وكان من أسباب سرعة توجَّه سموّه، على وجه السرعة، إلى هناك، أن:

(1) يختبر من كثب قدرة القوات السعودية على خوض أولى معاركها، وإعطائها الثقة بنفسها.

(2) يتأكد من أن القوات الجوية للتحالف، قامت بمساندة قوات المنطقة الشرقية، لسرعة تدمير القوات العراقية في الخفجي.

وفي مركز القيادة المتقدِّم، عرض اللواء سلطان عادي المطيري، قائد مركز القيادة المتقدِّم، على الفريق الركن خالد بن سلطان، قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات، الموقف بصفة عامة، وبلغه أنه طلب، رسمياً، المساندة الجوية من طيران مشاة البحرية الأمريكية، منذ 6 ساعات، ولكن الأمريكيين لم يعاونوه، مما أتاح للعراقيين فرصة إرسال التعزيزات إلى داخل مدينة الخفجي.

سارع الفريق الركن خالد بن سلطان بطلب مركز عمليات القوات الجوية في الرياض، وطلب، في وقت واحد، من قائد القوات الجوية الملكية السعودية، الفريق أحمد بحيري، ومن قائد القوات الجوية الأمريكية في الخليج، الجنرال "تشارلز هورنر Charles Horner"، المساندة الجوية، في أقرب وقت، وأن تشترك في هذه المهمة طائرات (B-52 S)، لمواجَهة التجمعات العراقية في الخفجي، حتى لو استدعى الأمر تحويل المجهود الجوي للحملة الجوية لقوات التحالف، من الهجمات على الأهداف الإستراتيجية داخل العراق، أو تقليل الغارات على الأهداف الإستراتيجية العراقية إلى حدّها الأدنى، وتكثيف الغارات الجوية على منطقة الخفجي إلى حدّها الأقصى.

وحرصاً على ضمان سرعة وصول المساندة الجوية، طلب الفريق الركن خالد بن سلطان، العميد أحمد السديري، رئيس هيئة العمليات الجوية السعودية، وأبلغه أنه في حالة وجود أي تردد لدى القيادة الجوية الأمريكية، في تقديم المساندة الجوية، فعليه سحب كل الطائرات السعودية، من المجهود الحربي للتحالف، وتحويلها جميعاً لتقديم المساندة الجوية المطلوبة للقوات السعودية، في منطقة الخفجي.

وسرعان ما أتى هذا الإنذار ثماره، فلم تمضِ دقائق حتى قامت القوة الجوية للتحالف، بتحويل جزء كبير من طائراتها من أماكن مختلفة إلى طرق الاقتراب من مدينة الخفجي، وبدأ سيل من طائرات التحالف يقصف القوات العراقية المتقدِّمة، حتى أنه تم تدمير 80 آلية عراقية في غارة واحدة لثلاث طائرات من نوع (B-52).

كانت لتلك الهجمات الجوية على الأنساق الثانية والاحتياطيات العراقية، فعالية لا شك فيها، لكنها ما كانت لتؤدِّي إلى طرد العراقيين الذين دخلوا إلى الخفجي. إذ أن دخول العربات والدبابات العراقية بين مباني المدينة جعل اكتشافها أمراً صعباً. كما أن تحرير الخفجي كانت تقع على عاتق القيادة المشتركة، وحدها. فالمهمة العاجلة هي وضع خطة الهجوم المضادّ، وتخصيص القوات التي سيُوكل إليها تنفيذ مهمة استرداد الخفجي، وكان ذلك تحدياً بالغ الصعوبة.

وعندما علم الفريق الركن خالد بن سلطان، من ضابط الاتصال الأمريكي، أن هناك طاقمين من مشاة البحرية الأمريكية، من أطقم الإسناد النيراني، التي تُعرف باسم "أنجليكو" (ANGLICO)[2]، قوامهما (11) فرداً، محاصرون فوق سطح إحدى البنايات، في الأطراف الجنوبية الغربية لمدينة الخفجي ـ كانوا في مهمة استطلاع ومراقبة وإدارة نيران القوات الجوية والبحرية ـ قرر أن تكون الأسبقية الأولى، هي إنقاذ هؤلاء الأفراد. ودعاه إلى اتخاذ هذا القرار سببان:

(1) أن يثبت للجميع، أن المسألة ليست مسألة إنقاذ سعوديين أو أمريكيين، لأن الجميع يخوضون معركة واحدة. وأن الأسبقية الرئيسية، لأي قائد، هي الحفاظ على حياة قواته؛ وما دام الأمريكيون المحاصرون موجودين في الخفجي، فهذا يعني أنهم جزء من قواته، ومن المحتوم إنقاذهم.

(2) كان يخشى أن يُقْدِم شوارتزكوف على استخدام القوات الأمريكية، سواء أكانت من قوات مشاة البحرية، لتنفيذ هجوم برمائي، أم وحدة من الجيش الأمريكي المحمولة جواً، لتحرير مدينة الخفجي، تحت ضغط إنقاذ الأمريكيين المحاصرين، مما يعني أن المدينة، التي هي في قطاعه، حررها الأمريكيون؛ وفي ذلك عار كبير.

كانت القوة الأمريكية مطوَّقة من قِبل القوات العراقية، وقد بثت ألغاماً حول البناية، المحتجزة فوقها، والتي تبعد مسافة 400 متر عن المدخل الجنوبي للخفجي.

ولإنقاذ الأمريكيين المحاصرين، أصدر الفريق الركن خالد بن سلطان أمره إلى قائد مركز القيادة المتقدِّم، بتخطيط عملية للإغارة على جنوب غربي الخفجي، لتحريرهم. كما أصدر أمراً إليه، بتشكيل قوة مختلطة من القوات السعودية، والحرس الوطني السعودي، والقوات القطَرية، للقيام بالهجوم المضادّ، لتحرير مدينة الخفجي.

عرض اللواء سلطان، قائد مركز القيادة المتقدِّم، على الفريق الركن خالد بن سلطان، خطته التفصيلية لعملية الإغارة، والخطة التفصيلية للعملية الهجومية لتحرير مدينة الخفجي.

ونظراً إلى قِصر النهار، فقد نُفّذت عملية الإغارة في الساعة 1300 يوم 30 يناير، ولم تُنفّذ عملية الهجوم المضادّ لتحرير مدينة الخفجي، لصعوبة القتال في المدينة، خلال الليل، على أن يتم تنفيذها في صباح اليوم التالي، 31 يناير.

وعندما تم الحصول على المساندة الجوية من طائرات (B-52 S) وغيرها، خارج حدود الخفجي، وبعد أن تمت محاصرة المدينة حصاراً كاملاً، وتمت السيطرة على كافة الطرق من المدينة وإليها، وتم احتلال الهيئات الحاكمة حولها، وتم تخصيص المهام للوحدات، التي كلِّفت بالهجوم المضادّ، أيقن قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات، أن الأمر قد انتهى، وأن القوات العراقية، الموجودة في الخفجي سيتم تدميرها حتماً.

وكان للأوامر السريعة الحاسمة، التي أصدرها الفريق الركن خالد بن سلطان، قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات، أثر كبير في إنجاح خطة تحرير المدينة، ورفْع معنويات القوات المكلَّفة بهذه المهمة.

ب. الإغارة على جنوب غربي الخفجي (اُنظر شكل الإغارة على مدينة الخفجي)

(1) قوة الإغارة

· سرية مشاة محملة، من إحدى كتائب اللواء الثاني المشاة الآلي من الحرس الوطني.

· سرية مشاة آلية، من إحدى كتائب اللواء الثامن المشاة الآلي السعودي.

(2) تشكيل قتال العملية

· في النسق الأول: سرية مشاة محملة، من اللواء الثاني المشاة الآلي من الحرس الوطني.

· في الاحتياط: سرية مشاة آلية، من اللواء الثامن المشاة الآلي السعودي (تدفع إلى التدخل تبعاً للموقف)

(3) هدف العملية

· إنقاذ طاقمَي استطلاع أمريكيين، قوامهما 11 فرداً، محاصرين في إحدى البنايات جنوب غربي الخفجي، ومحاولة إخراجهم من المدينة، بالهجوم على المدخل الجنوبي الغربي للخفجي.

· الضغط على القوة العراقية، المتمركزة في جنوبي المدينة.

(4) أسلوب تنفيذ العملية

· تحت ستر قاعدة نيران قوية، في جنوب غربي مدينة الخفجي، تقتحم سرية مشاة من الحرس الوطني المدخل الجنوبي الغربي للمدينة، وتعزل منطقة البناية، وتدمير القوة العراقية المحاصرة لها، ثم تأمين انسحاب القوة الأمريكية.

· تستعد سرية مشاة آلية من اللواء الثامن المشاة الآلي السعودي، بالتدخل لتعزيز قوة الحرس الوطني، إذا تطلب الموقف ذلك.

(5) سير عملية الإغارة

· في تمام الساعة 1630، يوم 30 يناير، اقتحمت سرية مشاة الحرس الوطني السعودي مدخل المدينة. ولكنها تعرضت لنيران الأسلحة العراقية المضادّة للدبابات، من الأبنية المحيطة، فتكبدت السرية خسائر في حوالي 10 عربات ذات عجل[3].

· ومن الفور، دُفعت سرية المشاة الآلية من اللواء الثامن، فتمكنت من الضغط على القوات العراقية، والاشتباك معها، وتأمين منطقة المبنى، مما أتاح لطاقمَي الاستطلاع الأمريكيين الخروج سالمين، عدا واحد منهم، أُصيب بجروح طفيفة.

· كما صدرت الأوامر بتأمين منطقة جنوب غربي الخفجي، استعداداً للعملية الهجومية، وتحرير المدينة، التي تقرر تنفيذها في الصباح الباكر من اليوم التالي، 31 يناير، نظراً إلى عدم تمرس القوات، السعودية والقطَرية بالقتال الليلي، خاصة في المدن، وإلى صعوبة قتال عناصر متحصنة بالمنازل والشوارع.

ج. عملية إعادة تجميع القوات استعداداً للعملية الهجومية

(1) قوات الهجوم الرئيسي

استعداداً للقيام بعملية الهجوم المضادّ، لتحرير مدينة الخفجي، أُعيد تجميع القوات المشتركة في الهجوم، في منطقة تجمّع أمامية، في منطقة جنوب مركز الزرقاني (جنوب الخفجي)، كالتالي:

· الكتيبتان السابعة والثامنة المشاة الآلية، من اللواء الثاني المشاة الآلي من الحرس الوطني السعودي (سحبتا من قوة واجب أبي بكر).

· قوة قطَرية مكونة من سرية دبابات من نوع (AMX)، وسرية مشاة آلية، وفصيل صواريخ HOT المضادّة للدبابات (سُحبت هي الأخرى من قوة واجب أبي بكر).

· كتيبة مشاة آلية من اللواء الثامن المشاة الآلي من القوات البرية السعودية، لتعمل كقوة احتياطية (سُحبت من قوة واجب عثمان).

(2) قوات إغلاق الطريق الساحلي المؤدي إلى الخزانات

دُفعت كتيبة من مشاة البحرية السعودية، شمالاً، إلى الطريق الساحلي، في اتجاه الخفجي، بمهمة حماية الجسر الإستراتيجي، وإغلاق الطريق الساحلي، منعاً لأي تحرك عراقي، جنوباً، في اتجاه مصافي النفط.

(3) قوات قطع الطريق الرئيسي الموصل من الكويت إلى السعودية

تم زيادة حجم سرية الدبابات من اللواء الثامن المشاة الآلي، المتمركزة جهة الشمال الغربي على مقربة من الطريق المتجه جنوباً إلى مدينة الخفجي[4]، لتصل إلى قوة كتيبة دبابات كاملة، ومعها فصيل صواريخ موجهة مضادّة للدبابات (TWO)، بمهمة قطع الطريق الرئيسي، شمال الخفجي، المتجه جنوباً، من الكويت إلى المملكة، أمام التعزيزات العراقية.

4. أعمال قتال يوم 31 يناير 1991


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ثالثاً: أحداث ما بعد معركة الخفجي

1. مؤتمر صحفي للفريق الركن خالد بن سلطان، لإعلان استعادة الخفجي

بعد ساعات من انتهاء المعركة، وفي الساعة 1900، يوم 31 يناير، حيث كانت القنابل العراقية المضيئة لا تزال تحيل ظلام الليل نهاراً، وأصوات انفجار قذائف المدفعية تُسمع مدوية، عقد الفريق الركن خالد بن سلطان، مؤتمر صحفي بمدينة الخفجي، حضره مراسلو الصحافة والتليفزيون ووكالات الأنباء العالمية (نحو 40 صحفياً). وضع، خلاله، الفريق الركن خالد بن سلطان خريطة على مقدمة إحدى العربات العراقية المعطوبة، وشرح عليها خطة المعركة، وكيفية استعادة المدينة، وتدمير القوات العراقية المعتدية.

2. خطورة الموقف أثناء المؤتمر الصحفي

أثناء عقد المؤتمر الصحفي، كان هناك عناصر عراقية مختبئة في أحد المباني. ولكنها لم تحاول فتح النيران على التجمع الصحفي، على الرغم من أنها تبعد 300 متر من مكان المؤتمر. كذلك قامت المدفعية العراقية وراجمات الصواريخ من مواقعها داخل الكويت بقصف مدينة الخفجي بقذائف المدفعية، والقنابل المضيئة، وكان من الممكن سقوط إحدى هذه القذائف على تجمع المؤتمر الصحفي.

3. استسلام أفراد عراقيين في اليوم التالي لتحرير الخفجي

في اليوم التالي لمعركة الخفجي (الجمعة أول فبراير 1991) استسلم حوالي 20 عراقياً، كانوا مختبئين في أحد المنازل القريبة من المؤتمر الصحفي. وأثناء استجوابهم، قالوا إنه كان في استطاعتهم إطلاق النيران على القيادة السعودية والصحفيين الموجودين، خلال المؤتمر. ولكنهم لم يفعلوا ذلك، وطلبوا حق اللجوء السياسي، بدلاً من معاملتهم كأَسرى، تقديراً لموقفهم هذا.

4. وكالة أنباء الأسوشيتد برس، ومقال عن دور مشاة البحرية في تحرير الخفجي

نشرت وكالة أنباء الأسوشيتد برس، مقال بعنوان "مشاة البحرية حصلوا على الاعتزاز والفخر في أول انتصار بري"، بناء على ما جاء على لسان أحد الجنود من مدفعية مشاة البحرية الأمريكية، يحاول فيه أن يظهر دور المدفعية في معركة الخفجي، وأنها دمرت رتل دبابات عراقية كان متجهاً إلى مدينة الخفجي. كما يحاول كذلك، أن يُظهر دور مشاة البحرية في معاونة القوات السعودية في تحرير المدينة (اُنظر وثيقة الترجمة العربية، لمقالة وكالة أنباء الأسوشيتد برس أدلى بها جندي أمريكي من مشاة البحرية الأمريكية عن دور مشاة البحرية الأمريكية في تحرير مدينة الخفجي تحت عنوان "مشاة البحرية حصلوا على الاعتزاز والفخر في أول انتصار بري").

وبمجرد أن أطلع صاحب السموّ الملكي الفريق الركن خالد بن سلطان، قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات، على هذا المقال، وعلى ما جاء فيه من معلومات تخالف الحقيقة، أمر مدير مركز العمليات القوات المشتركة، العميد الركن عبدالرحمن المرشد، بتحليل المقال ورفع تقرير لسموّه، عن ما ورد به.

وتنفيذاً لأمر سموّه، رفع مدير مركز عمليات القوات المشتركة، تقريراً يفند فيه ما جاء في مقال وكالة أنباء الأسوشيتد برس. وأوضح في تقريره أن المعلومات التي وردت في المقالة لم تكن دقيقة على الإطلاق، وأن هناك خلط ما بين المعركة التي نشبت بالقرب من منطقة الزبير بين مشاة البحرية الأمريكية والقوات العراقية، والتي دُمر فيها 17 آلية عراقية، وبين معركة الخفجي التي تبعد عن مسرح هذه الأحداث ما يقرب من 35 كم. كما أوضح في تقريره أن مشاة البحرية الأمريكية لم تشترك مطلقاً في عملية تحرير الخفجي، بل على العكس من ذلك، أن القوات السعودية بمشاركة القوات القطرية هي التي أنقذت طاقمي الاستطلاع من مشاة البحرية المحاصرين في داخل الخفجي (اُنظر تقرير من مدير مركز عمليات القوات المشتركة إلى قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات عن المقالة التي نشرتها وكالة أنباء الأسوشيتد برس التي أدلى بها جندي أمريكي عن دور مشاة البحرية الأمريكية في تحرير مدينة الخفجي).

إضافة إلى ذلك، أرفق مدير مركز عمليات القوات المشتركة، في تقريره، الذي رفعه إلى قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات، تقرير صادر عن مركز قيادة القوات المركزية الأمريكية، يحلل فيه معركة الخفجي، وعن دور القوات المشتركة في إنقاذ طاقمي الاستطلاع الأمريكيين،وتحرير مدينة الخفجي، مما يخالف ما جاء في مقال وكالة الأنباء (اُنظر النص الإنجليزي للتقرير الصادر عن مركز قيادة القوات المركزية الأمريكية عن معركة الخفجي المرفق بتقرير مدير مركز عمليات القوات المشتركة إلى قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات).

رابعاً: دور القوات الجوية في معركة الخفجي

لم يبرز دور القوات الجوية، إلاّ بدءاً من اليوم الثاني (30 يناير)، وبشكل محدود، إذ قامت بتنفيذ المهام التالية:

1. في يوم 30 يناير، قصفت القوات الجوية للتحالف، القوات العراقية المتقدِّمة إلى طرق الاقتراب إلى مدينة الخفجي، بطائرات من نوع (B-52)، ودمرت 80 آلية عراقية. كما استمرت طائرات التحالف، ليلة 30/31 يناير، مستفيدة من قدرتها على القتال الليلي، في قصف الأنساق الثانية والاحتياطيات العراقية، ونجحت في دحر فرقتين عراقيتين من الفيلق الثالث اكتُشِفَتا وهما تتجمعان داخل الكويت، وتستعدان للهجوم على الخفجي.

2. هاجمت طائرات، من نوع هارير (Harrier)، وطائرات عمودية، من نوع كوبرا (Cobra H-1 )، بعض الوحدات البرية العراقية، المنفذة لإحدى عمليات الهجوم البري في اتجاه المملكة، وتم إيقاف الهجوم العراقي، ودمِّر له 12 دبابة.

3. دمَّرت طائرات أمريكية، من نوع (A-10)، ومعها طائرات عمودية من طراز كوبرا (Cobra H-1 )ـ 12 دبابة منسحبة، هاربة على الطريق الساحلي، الساعة 1330، من يوم 31 يناير بعد السيطرة على وسط مدينة الخفجي، من قِبل القوات السعودية.

4. قامت طائرات عمودية، تابعة لمشاة البحرية الأمريكية، ومعها طائرات، من نوع (A-10)، بتنفيذ مهام المساندة الجوية القريبة، شمال مدينة الخفجي، وعلى الحدود بين الكويت والمملكة العربية السعودية.

5. هاجمت طائرات سعودية من نوع (F-5) وتورنادو (Tornado)، قوات برية عراقية، أثناء محاولتها تعزيز القوات داخل مدينة الخفجي. ونجحت في تدمير مجموعة من الآليات والدبابات، وتراجع باقي القوات.

خامساً: تقييم عملية الخفجي

الحقيقة أن أحداً لا يدري ما الهدف العراقي، السياسي أو الإستراتيجي، من هذه العملية، فإن كانت القيادة العراقية قصدت، من ورائها، استدراج قوات التحالف إلى بدء الصراع البري، فهي لم تنجح. وإذا كانت قد قصدت بها تحويل مجرى الصراع المسلح، فلذلك شروطه وأهدافه، وهذا أيضاً لم يتحقق.

وفي العلم العسكري وفن الحرب، قد يحاول أحد الأطراف، أن يحوّل مجرى الصراع المسلح للتأثير في القرار لسياسي والقرار الإستراتيجي العسكري للعملية الإستراتيجية. وفي هذه الحالة، يجب عليه "تغيير إستراتيجي" حادّ في مجرى العمل العسكري، يؤدي إلى تغيير الموقف الإستراتيجي، لإجبار خصمه على إعادة تقديره للموقف السياسي والموقف الإستراتيجي، في مسرح العمليات. وإذا طبقنا هذه الحقيقة على معركة الخفجي فسنجد:

1. على المستوى الإستراتيجي: لم تؤثر عملية الخفجي في قوات التحالف الدولي، كي تعيد النظر في قرارها السياسي أو قرارها العسكري.

2. على المستوى العملياتي: أي على مستوى مسرح العمليات، القريب من منطقة الحدود الكويتية ـ السعودية، لم يتحقق ذلك أيضاً. فلم يحدث تغيير عملياتي، يجبر قوات التحالف الدولي على تغيير التخطيط العملياتي، أو تغيير موعد بدء المعركة البرية.

ونتيجة لذلك كله، لم تنجح عملية الخفجي في استدراج القوات البرية للتحالف، إلى بدء الهجوم على القوات العراقية المدافعة في الكويت. كما لم تغير الجدول الزمني لسَير العمليات. وتجاوزاً، يمكِن القول أنها كانت عملية تكتيكية، غير كاملة التخطيط، ومن ثَم، لم تحقق أي هدف سياسي أو عسكري.


سادساً: تحليل عملية الخفجي من الناحية العسكرية

1. بتحليل هذه العملية، سنجد أن هدف النظام العراقي كان هدفاً دعائياً، المقصود منه رفْع الروح المعنوية لجنود العراق وشعبه، الواقع تحت القصف الجوي المستمر. كما استهدف كذلك، عملاً خارجياً، يقصد منه إظهار أن العراق لا يزال قادراً على الصمود ومواجهة قوات التحالف. وفضلاً عن ذلك، محاولة إجبار قوات التحالف على الدخول في معركة برية مبكرة.

2. فشلت القيادة العراقية في تحقيق أي من أهدافها، بعد أن استطاعت القوات السعودية ـ القطرية المشتركة، بالتعاون مع القوات الجوية، هزيمة القوات العراقية، وإلحاق خسائر فادحة بها، بعد 30 ساعة من القتال المستمر، واستعادة المدينة.

3. هذه العملية خالفت كل قواعد خدمة الميدان العسكري، للأسباب التالية:

أ. عمل القوات العراقية من دون غطاء جوي، وفي ظل سيادة جوية كاملة لقوات التحالف.

ب. لم يتم تأمين هذه العملية، من ناحية ساحل الخفجي؛ وهي مدينة ساحلية.

ج. للاحتفاظ بأي مدينة، لا بد من وجود عناصر مشاة قوية، ومدربة على أعمال القتال في المدن (قوات خاصة).

   د. انفصال المفرزة المتقدِّمة العراقية، التي دُفعت وتمكنت من احتلال الخفجي، عن القوة الرئيسية العراقية، التي حُشدت داخل الحدود الكويتية، وبالقرب من الحدود السعودية، مكن من سرعة عزْل هذه المفرزة، ومن ثَم تدميرها.

هـ. ضعف الروح المعنوية والقتالية للقوات العراقية، إذ أنها كانت تستسلم، فور إطلاق النيران عليها، أو إنزال بعض الخسائر بها.

4. ومن وجهة نظر القرار السعودي نجد نقاط القوة التالية:

أ. وجود قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات، الفريق الركن خالد بن سلطان، منذ بداية العملية حتى نهايتها، وسط جنوده وضباطه، وقيادة العملية، أدّى إلى رفع الروح المعنوية للقوات، ودفعها إلى سرعة تحرير المدينة.

ب. إصرار الفريق الركن خالد بن سلطان، على قيام القوات السعودية ـ القطرية، بتحرير المدينة، من دون تدخل أي قوات أجنبية، حرصاً على معنويات جنوده وكفاءتهم القتالية، علاوة على وقوع المدينة في نطاق مسؤولية القيادة السعودية، حتى لا يسند فضل تحرير المدينة إلى قوات أجنبية.

ج. صدور قرارات حاسمة من القيادة السعودية، في شأن سرعة تحرير المدينة، علاوة على تميّز الخطة بنواحي قوة كثيرة، منها:

(1) القيام بأعمال استطلاع وإغارة، لتحديد أوضاع القوات العراقية وحجمها، لكي يمكِن تقدير الموقف تقديراً سليماً، وبناءً على معلومات دقيقة.

(2) سرعة قطْع الطريق الرئيسي، شمال الخفجي، لمنع وصول الإمدادات والتعزيزات العراقية إلى المدينة.

(3) الهجوم على أكثر من محور، أدّى إلى سرعة اختراق المدينة، وإرباك القوات العراقية.

(4) التعاون الجيد بين القوات المهاجمة والقوات الجوية، أربك القوات العراقية الرئيسية، ومنعها من التدخل، أو تقديم أي معاونة للقوات العراقية، داخل المدينة.

(5) الحرص على إنقاذ طاقمي الاستطلاع الأمريكيين، الذين كانا داخل المدينة على الرغم من أن ذلك القرار، أدّى إلى تأجيل الهجوم مدة 24 ساعة.

(6) تشكيل مجموعة مهندسين عسكريين، تمكّنوا من سرعة إزالة الألغام العراقية، التي بُثَّت داخل المدينة.

سابعاً: الأهداف السياسية والعسكرية والإعلامية للقيادة العراقية من عملية الخفجي

1. الأهداف السياسية

أ. محاولة إظهار قدرة العراق على تهديد أراضي المملكة العربية السعودية، على الرغم من وجود القوات المشتركة والصديقة.

ب. محاولة العراق الاستيلاء على أراضٍ، تمكنه من تهديد بعض المناطق النفطية في المملكة واستخدامها كورقة ضغط، لإيقاف العمليات العسكرية ضد القوات المسلحة العراقية.

ج. محاولة الاستيلاء على هدف حيوي في المملكة العربية السعودية، لتحويل قضية تحرير الكويت إلى قضية الجلاء عن أراضٍ سعودية.

2. الأهداف العسكرية

أ. محاولة الحصول على معلومات عن أوضاع القوات المشتركة والصديقة، وتجميعها ودرجة استعدادها.

ب. محاولة الاستيلاء على هدف حيوي يمكّنها من:

(1) تهديد المناطق النفطية الساحلية للمملكة.

(2) إجبار القوات المشتركة والصديقة على تغيير خططها العملياتية، والتركيز على استعادة منطقة الخفجي والمناطق الأخرى، التي سيتمكن العراقيون من احتلالها.

(3) تهديد الجانب الأيمن لأي قوات مهاجِمة في اتجاه الكويت، من المنطقة الشرقية.

ج. محاولة دفْع القوات المشتركة والصديقة إلى معركة برية، يحدد فيها العراق الوقت والمكان المناسبين له.

د. محاولة إظهار أن هناك خللاً، في نظام القيادة والسيطرة والتنسيق لأعمال قتال القوات المشتركة والصديقة.

هـ. محاولة رفْع الروح المعنوية المنهارة للقوات المسلحة العراقية.

و. محاولة التأثير في معنويات القوات المسلحة السعودية.

3. الأهداف الإعلامية

أ. محاولة إظهار عدم تأثر القدرة العسكرية العراقية بالقصف الجوي، وأن هذه القدرة لا تزال قوية.

ب. محاولة التأكيد لأنصار العراق قدرة القوات المسلحة العراقية على الاستمرار في المعركة، والقيام بعمليات هجومية أيضاً.

ج. محاولة إثبات قدرة العراق على نقل المعركة إلى أراضي المملكة العربية السعودية.

د. محاولة تأييد الإدعاءات، بأن العراق لن يهزم في "أمّ المعارك"، خاصة أمام الجماهير، التي صدقته وأيدته في بعض البلاد، العربية والإسلامية.

ثامناً: أهمية معركة الخفجي للقوات المسلحة السعودية

1. تعَدّ معركة الخفجي أكبر معركة برية، تشترك فيها القوات المسلحة السعودية، منذ نشأتها، ويكون قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات، هو المسؤول الوحيد عن إدارتها، لحدوثها في قطاع مسؤولية القوات المشتركة، بصفة عامة، وقطاع مسؤولية القوات المسلحة السعودية، بصفة خاصة.

2. تعَدّ أول معركة، تختبر فيها الكفاءة القتالية للقوات المسلحة السعودية، ووحدات من الحرس الوطني، ووحدات من دولة قطَر. وأول معركة، تخوضها القوات المسلحة السعودية، من دون خبرة قتالية حقيقية سابقة.

3. تعَدّ معركة الخفجي أول معركة، يختبر فيها نظام القيادة والسيطرة والاتصالات، على مستوى القيادة المشتركة، وعلى مستوى الدولة، إذ كانت الاتصالات مستمرة مع القيادات المرؤوسة، ومع قيادة القوات الأمريكية، ومع صاحب السموّ الملكي، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، ومع خادم الحرمين الشريفين القائد الأعلى للقوات المسلحة.

4. أول معركة، تجري في المناطق المبنية، وتشمل أيضاً مناطق سبخية وصحراوية.

5. لم يسبق أن اُحتلت المملكة العربية السعودية، من قبْل، بقوات رئيسية. لذلك، قاتلت القوات السعودية بضراوة، دفاعاً عن شرف هذه الدولة وترابها الوطني، وحتى لا تكون سابقة في تاريخها. لقد كانت القيادة العليا على استعداد لنسف المدينة وتسويتها بالأرض، لإنهاء هذه المعركة بالطريقة، التي تشرّف الجانب السعودي.

6. أول معركة برية حقيقية، تخوضها القوات المتحالفة ـ ممثلة في القوات السعودية والحرس الوطني ووحدات من قطَر ـ موضحة التعاون والتنسيق بين القوات البرية والقوات الجوية، في مهام المساندة الجوية القريبة، ومهام تدمير احتياطيات القوات المعتدية.

7. لقد كان النجاح في معركة الخفجي، يعني الثقة بالنفس، والروح المعنوية العالية للقوات السعودية، خاصة وللقوات المشتركة والقوات الصديقة عامة، والثقة التامة بين قوات التحالف.

8. لقد كانت هذه المعركة، تعني الكثير لقائد القوات المشتركة ومسرح العمليات، الذي وجَّه العمليات وأشرف على إدارتها، وهو في قلب ميدان المعركة ـ في مركز القيادة المتقدِّم للقوات المشتركة ومسرح العمليات، في المنطقة الشرقية.

9. لقد كانت هدية من الله ـ عز وجل ـ للمملكة العربية السعودية، حتى تظل هذه المعركة علامة بارزة خلال الحرب، ودليلاً على شجاعة الجندي السعودي وكفاءته، وعلى حسن تخطيط القيادة السعودية متمثلة في القيادة المشتركة، وحتى تميز دور القوات المسلحة السعودية في حرب تحرير الكويت.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تاسعاً: لماذا لم توضع قوات كافية للدفاع عن مدينة الخفجي؟

عندما توجَّه صاحب السموّ الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، لتفقد قيادة القوات المشتركة ومسرح العمليات (مركز العمليات)، مساء يوم الثلاثاء 14 رجب 1411، الموافق 29 يناير 1991، وبعد استماع سموّه إلى إيجاز عن الأحداث، التي تمت في مدينة الخفجي، في هذه الليلة، وجَّه سموّه سؤالاً خاصاً عن عدم وضْع دفاعات قوية عن الخفجي[1].

وعندها أوضح اللواء الركن عبدالعزيز محمد آل الشيخ، نائب قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات، لسموّه أن عدم وضْع دفاعات قوية في مدينة الخفجي، كان نتيجة لدراسة علمية، بناءً عليها، اتخذ الفريق الركن خالد بن سلطان، قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات، قراراً بأن يكون الحدّ الأمامي للدفاعات خلف الحدود الكويتية ـ السعودية، على عمق يراوح بين 30 و40 كم، وأن تُخْلَى المدينة على مراحل، كما سبق توضيحه في خطاب سموّه المرفوع، في بداية الأزمة (اُنظر خطاب قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات الذي رفعه إلى صاحب السموّ الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع والطيران والمفتش العام يعرض فيه خطة إخلاء مدينة الخفجي). كما أن الخطة الموضوعة نُوقِشَت مع قائد القوات المركزية الأمريكية.

كما تم أثناء الاجتماع مناقشة إمكانية تدمير المدينة على من فيها من القوات العراقية. ولكن الفريق الركن خالد بن سلطان، قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات، عندما بُلِّغ ذلك، رفض هذه الفكرة وطلب إعطاءه الفرصة للقيام بما يفرضه العلم والفن العسكريان، وأن يتم محاصرة القوات العراقية، وتنفيذ الهجوم المضادّ لاستعادة المدينة.

أبلغ اللواء الركن عبدالعزيز محمد آل الشيخ، نائب قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات، الجنرال نورمان شوارتزكوف، قائد القوات المركزية الأمريكية، ما دار في الإيجاز، وطلب معرفة مرئياته، للرد على صاحب السموّ الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع والطيران والمفتش العام.

رفع قائد القوات المركزية الأمريكية خطاباً إلى سموّ النائب الثاني، من طريق قيادة القوات ومسرح العمليات، رداً على سؤالين:

1. لماذا لم يتم وضع قوات كافية للدفاع عن المدينة؟

2. ولماذا لا يفضّل تدمير المدينة، كإجراء للردّ على احتلالها من قِبَل القوات العراقية؟

ولدى وصول رد قائد القوات المركزية الأمريكية على السؤالين، رفع نائب قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات، خطاباً، أرفق به رد قائد القوات المركزية الأمريكية، إلى صاحب السموّ الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، يوضح فيه لسموّه مرئيات قائد القوات المركزية الأمريكية، ويخبر سموّه بأن القوات السعودية والشقيقة، في طريقها إلى السيطرة على الموقف، واستعادة المدينة (اُنظر خطاب قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات الذي رفعه إلى صاحب السموّ الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع والطيران والمفتش العام يعرض فيه خطة إخلاء مدينة الخفجي)، المرفق به خطاب قائد القوات المركزية الأمريكية إلى صاحب السموّ الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز، رداً على استفسارات سموّه، في شأن الدفاع عن الخفجي، وعدم تأييد اقتراح تدميرها. (اُنظر النص الإنجليزي لخطاب قائد القوات المركزية الأمريكية إلى صاحب السموّ الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز في شأن الدفاع عن الخفجي، وعدم تأييد اقتراح تدميرها الصادر مع خطاب نائب قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات) و(وثيقة الترجمة العربية لخطاب قائد القوات المركزية الأمريكية إلى صاحب السموّ الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز في شأن الدفاع عن الخفجي، وعدم تأييد اقتراح تدميرها الصادر مع خطاب نائب قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات).

[1] في هذه الليلة، كان الفريق الركن خالد بن سلطان، قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات، في المنطقة الشرقية، في الظهران.


عاشراً: الدروس المستفادة من معركة الخفجي

1. في مجال القوات البرية

أ. القوات المسلحة السعودية والعربية

(1) ثبت، بشكل قاطع، لدول مجلس التعاون الخليجي، أهمية وجود قوات خليجية قوية، ومتطورة، قادرة على الردع، وعلى تأمين حدودها.

(2) أثبتت العمليات، أن القيادة الجيدة، والتدريب الجيد، والتنسيق القتالي، هي الأساس لأي نصر.

(3) ثبتت أهمية تأمين الدفاع عن حدود المملكة العربية السعودية، بإنشاء نقاط دفاعية قوية، تحتل بعناصر من المشاة، ومفارز الاستطلاع، تساندهم نيران المدفعية، ووضع خطة التجهيزات الهندسية (الموانع)، خاصة مع اتّساع مسرح العمليات، وطول السواحل البحرية، مع توافر احتياطيات قوية (مدرعة/آلية) داخل عمق مسرح العمليات، لها قدرة عالية على المناورة على خفة الحركة، وتحقيق مهامها في أقصر وقت ممكن. وهذا لن يتأتى إلاّ من خلال:

(أ) الإعداد الجيد لمسرح العمليات.

(ب) التدريب على مهام العمليات وفي ظروف مشابهة لظروف الحرب.

(4) أثبت التعاون العسكري الجيد، بين القوات السعودية والقطَرية، خلال معركة الخفجي، أثره الكبير في زيادة الترابط والتعاون والتلاحم، للقضاء على قوى المعتدي، من ناحية، وتعزيز التضامن العسكري بين مجلس التعاون الخليجي، من ناحية أخرى.

(5) تأكدت أهمية تحقيق مبدأ السيطرة على القوات داخل مسرح العمليات. فكان لدور القيادة المتقدِّمة للقوات المشتركة، في المنطقة الشرقية، في قدراتها وسيطرتها على قوات المنطقة، وسرعة تحريكها في اتجاهات التهديد، أثره الفعال في سرعة تنفيذ الهجوم المضادّ ونجاحه.

(6) أثبتت الأحداث، أن التحرك السريع، ليس هو الهدف الأساسي. ولكن من الأهمية تجميع المعلومات بشكل جيد، بوساطة عناصر استطلاع جيدة ومدربة، يتبعها تخطيط دقيق بوساطة هيئة القيادة، بما يؤدي إلى تنفيذ العملية، بشكل مُحكَم، وبصورة ناجحة.

(7) تأكدت أهمية تقوية عناصر الإنذار والاستطلاع، بشقيها البشري والتكنولوجي، لدى القوات البرية. وذلك باستخدام وسائل حديثة، وتدريب بشري جيد، مما يسهّل كثيراً الحصول على المعلومات المبكرة، والتي تؤدي إلى:

(أ) الحصول على معلومات دقيقة، وإنذار مستمر، وفي توقيت مناسب.

(ب) تخطيط عملياتي جيد.

(ج) تنفيذ المهام بشكل ناجح، على أن تكون القوات مدربة، وبشكل مسبق، على أسلوب تنفيذ هذه المهام، ولديها الإمكانات النيرانية لذلك.

(8) يتّسم القتال داخل المدن بسمات خاصة، يجب التدريب المبكر عليها. وهو يُبنَى على أساس:

(أ) مساندة نيرانية جيدة، ودقيقة، من نيران المدفعية والدبابات.

(ب) انتقاء عناصر من المشاة المترجلة، المدربين جيداً، والمسلحين بالأسلحة الآلية، والقنابل اليدوية، والقواذف الخفيفة المضادّة للدبابات، وقاذفات اللهب.

(ج) دخول المدينة بعربات ذات عجل، محملة بالجنود، يؤدي إلى حدوث خسائر كبيرة في الأفراد والمعدات. وهو ما حدث للقوات السعودية (سرية الحرس الوطني) في محاولتها الأولى تنفيذ عملية الإغارة، لإنقاذ أفراد طاقمَي الاستطلاع الأمريكيين، يوم 30 يناير، إذ تكبدت السرية خسائر في حوالي 10 عربات ذات عجل، مما أدّى إلى دُفع سرية المشاة الآلية من اللواء الثامن، من الفور.

(9) تأكدت أهمية تطبيق مبدأ الحشد، لتحقيق تفوّق على القوات المدافعة، حتى يمكِن توفير الظروف التكتيكية، الملائمة لنجاح العمل الهجومي. وهو ما حدث بالفعل، حين حشدت القيادة السعودية عدداً كبيراً من قواتها، بالتعاون مع القوات القطَرية، من أجل تحرير مدينة الخفجي، بعد فشل محاولتها الأولى (عملية الإغارة) التي استخدمت فيها حجماً محدوداً من القوات والأسلحة.

(10) أثبت تنفيذ عمليات القطع، وتفتيت قوى المهاجم، أنهما من أهم أعمال القتال، من أجل إرباك القوات المهاجِمة، وحصْرها ومنْع تدفّقها. وهو ما تمكّنت من تنفيذه القوات السعودية، بدفْع عناصر من قواتها، خلال اليوم الأول للقتال، لاتخاذ مواقع وخطوط دفاعية، في الشمال الغربي لمدينة الخفجي، وعلى الطريق الرئيسي، المؤدي من الحدود الكويتية إلى داخل المدينة، حيث تمكنت هذه القوة من عزل قوة المفرزة المتقدِّمة (المدرعة/الآلية) العراقية، عن القوة الرئيسية، المحتشدة داخل الحدود الكويتية، وبالقرب من الحدود السعودية.

عموماً يمكِننا القول أن عملية الخفجي، قد حققت أهدافها تماماً. ونجحت، ليس على المستوى العسكري فقط، ولكن على المستوى السياسي كذلك.

ب. القوات العراقية

(1) عدم استغلال النجاح المحدود، في سرعة تطوير الهجوم. مما أدى إلى عزل القوة العراقية داخل مدينة الخفجي، عن قوة الهجوم الرئيسية العراقية، مما أفقد القوة الموجودة داخل الخفجي القدرة على الاستمرار في القتال.

(2) عدم استغلال القوة العراقية المحدودة خبراتها السابقة في القتال، داخل المدينة، والذي يكبد المهاجم، عادة، خسائر ضخمة، عند القتال من شارع إلى آخر ومن بناية إلى أخرى. ولكنها قاتلت من مركبات مدرعة ودبابات، فضلاً عن أنه كان لا بد من تدعيم القوة (المدرعة/الآلية) بعناصر من المشاة والمهندسين العسكريين، الذين يستطيعون القتال، بشكل جيد، داخل المدن، شريطة أن يكونوا مدربين مسبقاً على هذه المهمة.

(3) أكدت هذه العملية ما تعانيه القوات العراقية، من نواحي القصور، وانخفاض الروح المعنوية، وانكشافها أمام تكتيكات القوات، السعودية والعربية.

2. في مجال القوات الجوية

أ. أكدت عملية الخفجي أهمية السيادة الجوية، لتحقيق حرية العمل للقوات البرية الصديقة، في الوقت الذي حُرم فيه العدو من هذه الحرية. فقد أثبتت عملية الخفجي أهمية ودور القوات الجوية، التي تمكّنت من تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية، هي:

(1) تحقيق السيطرة الجوية في مسرح العمليات، لحرمان العدو من القيام بأي نشاط جوي معادٍ.

(2) إنه من دون أي غطاء جوي للقوات، فستكون معرضة للتدمير، قبْل تحقيق أهدافها، حتى لو كانت متفوّقة في القوات البرية. وهو ما حدث للقوات العراقية عند قتالها في الخفجي من دون غطاء جوي.

(3) إنه من الضروري تقديم المساندة الجوية، المؤثرة، إلى قوة الهجوم المضادّ، حتى تتمكن من تحقيق مهامها وأهدافها، في أقصر وقت ممكن. فالقوات الجوية لم تشارك إلاّ في اليوم الثاني، وخارج الحدود، ضد الأنساق الثانية والاحتياطيات العراقية، مما أدى إلى تأخير الهجوم المضادّ.

ب. برزت أهمية التنسيق والتكامل بين القوات الجوية لقوات التحالف والقوات البرية، حتى يمكِن أن تعمل في منظومة واحدة ـ وفي ظل نظام موحد للقيادة والسيطرة ـ وبما يؤدي إلى تحقيق المهام بنجاح، وفي الوقت المحدد.

ج. أكدت العمليات البرية فاعلية الطائرات العمودية المسلحة، لتأمين أعمال قتال القوات، البرية والبحرية، ضد مصادر النيران المعادية.