العراق الكويت: الجذور الغزو التحرير - مؤتمر صفوان (3 مارس 1991)

من معرفة المصادر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مقدمة

لقد هدأت "عاصفة الصحراء"، بعد مائة ساعة من الحرب البرية. وخيم الهدوء على كل الجبهات، للمرة الأولى، منذ 17 يناير 1991، الذي شنت فيه أولى الغارات الجوية.

لقد أصبحت الكويت محررة. واحتلت قوات التحالف مساحة كبيرة من الجنوب العراقي. وانسحبت القوات العراقية الغازية انسحاباً مرتبكاً، من دون تخطيط.

انتهت الحرب، ولكن نهايتها، لم تكن واضحة وضوح بدايتها. فبقدر ما كانت العمليات العسكرية حاسمة، وبارعة، كانت ترتيبات السلام غامضة، وملتبسة. ولعل هذه الترتيبات هي المسؤولة، إلى حدٍّ ما، عن بقاء صدام حسين في سدّة الحكم، بعد انتهاء الصراع. فبعد أربعة أعوام من غزو الكويت ـ وقت كتابة هذه السطور ـ لا يزال الرئيس العراقي، يُذِيق شعبه سوء العذاب. وما برح يقف حجر عثرة، أمام "بناء صرح أمني متماسك" لمنطقة الخليج، بل عقبة دون إعادة العلاقات إلى طبيعتها، بين الدول العربية.

كانت خاتمة حرب الخليج غير مُرْضِية، لغياب الاتفاق بين أعضاء التحالف، أو المناقشة الصريحة، حول كيفية إنهائها. ويكمن جزء من هذه المشكلة، في تقديري، في مباحثات صفوان، أي في ذلك الاجتماع، الذي عُقد على عَجَل، وجاءت نتائجه غير حاسمة.

كان اختيار الاجتماع في صفوان، بالتحديد، لعدة أسباب. فهو قريب من الكويت، ويقع في شمالها مباشرةً. وفيه مهبط للطائرات. ويمكن جميع قادة التحالف الوصول إليه، بسهولة كاملة، وأمان تام. والأهم من ذلك، أنه أرض عراقية، مما يؤكد للعالم أجمع، وللشعب العراقي، هزيمة صدام، وانتصار القوات المتحالفة.

كان من الواضح، أن الهدف من اجتماع صفوان، هو الدعاية لا أكثر ولا أقل. أراد الأمريكيون له أن يكون حدثاً إعلامياً، من دون مردود، سياسي أو عسكري.

ولم يكن تقدُّم القوات المتحالفة إلى بغداد، أمراً وارداً، بل لم يُطرح للنقاش البتة؛ إذ كان ذلك مرفوضاً من كل الدول العربية المشاركة في التحالف. وكان، بالتأكيد، أمراً غير قابل للنقاش، ويلقى كل المعارضة من كافة دول الخليج ولا سيما المملكة العربية السعودية.

وأثار اجتماع صفوان العديد من التساؤلات، خاصة بعد ما أُعلن عدم وجود وثيقة رسمية للاستسلام، كان من الممكن، أن تساعد على إطاحة صدام.


أولاً: وقف العمليات العسكرية في الخليج

توقفت العمليات العسكرية، في الساعة الخامسة صباحاً، بتوقيت جرينتش، (الثامنة صباحاً، بتوقيت المملكة)، في 28 فبراير 1991، حين أعلن الرئيس جورج بوش وقف العمليات الهجومية للقوات المتحالفة. ودعا الحكومة العراقية إلى الاجتماع، خلال 48 ساعة، في مكان ما، في مسرح العمليات، لوضع الترتيبات العسكرية لوقف إطلاق النار.

وأكد الرئيس بوش، أن الجنرال نورمان شوارتزكوف، بالاشتراك مع القادة العسكريين في التحالف، سيجتمعون مع ممثلي العراق، "في مسرح العمليات"، في 2 مارس[1]، من أجل تأمين النصر، الذي حققته قوات التحالف. وحدد الرئيس الأمريكي شروط التحالف، السياسية والعسكرية، لإعلان وقف رسمي لإطلاق النار. وأكد أنه سيُبحث موضوع تبادل أسرى الحرب، وموضوعات أخرى، متعلقة بوقف إطلاق النار، في منطقة الخليج.

وبعد ثلاث ساعات من إعلان الرئيس بوش وقف العمليات العسكرية، أمر صدام حسين قواته بوقف إطلاق النار. وشرعت إذاعة بغداد تبث أناشيد وطنية، تدعو إلى مقاومة المحنة.

وقد حرصت الأوساط الدبلوماسية، في الولايات المتحدة الأمريكية، على التمييز بين وقف إطلاق النار، المعمول به حالياً، والذي رأت أنه يمثل هدنة فقط، وبين الوقف الرسمي، المفَتَرض صدوره عن مجلس الأمن، والذي يضع حدّاً نهائياً للأعمال العسكرية، في إطار شروط معينة، تشمل إرسال قوات دولية إلى المنطقة، على أن يسبق ذلك اجتماع عسكريين من الطرفين.

لقد هدأت "عاصفة الصحراء"، بعد مائة ساعة من الحرب، وكانت نتائجها مؤلمة بالنسبة إلى العراق. فبينما ذكرت مصادر وزارة الدفاع الأمريكية، أن الخسائر العراقية، تراوح بين 85 و100 ألف جندي، بين قتيل وجريح، و80 ألف أسير[2]، لم تتعدَّ خسائر التحالف، من العسكريين، 223 قتيلاً، بينهم 146 أمريكياً، و697 جريحاً، بينهم 338 أمريكياً.

وسرعان ما انتهت الحرب، محققة أهداف النهج السياسي، الذي حددته الإدارة الأمريكية. ولكن، سرعان ما اتضح، كذلك، بعد توقف القتال، أن وحدات من الحرس الجمهوري، قد نجت من الحرب، بخلاف ما كان معتقداً أو متوقعاً؛ إذ حالت السرعة، غير المتوقعة، لتقدُّم القوات المشتركة، ومشاة البحرية الأمريكية، في الكويت، دون دفع احتياطيات الحرس الجمهوري إلى القتال جنوباً، فلم تقع في الفخ، الذي نصبته لها قوات التحالف (الفيلقان 7 و18)، غربي الكويت وشماليها الغربي.

وبينما سعت الولايات المتحدة الأمريكية، إلى تقليص قدرة الرئيس العراقي على تهديد المنطقة إلى حدِّها الأدنى، والمعاونة على إضعاف قبضته على السلطة، بتدمير عدد أكبر من فِرق الحرس الجمهوري؛ فإن صدام حسين، لم يكن في حاجة إلى تلك الوحدات الناجية من التدمير، ليحتفظ بسيطرته على الشؤون الداخلية؛ إذ كان لديه، في أجزاء متفرقة من العراق، أكثر من عشرين فِرقة، لم تشترك في القتال. واستمرار القتال، يوماً آخر، للقضاء عليها لم يكن ليغير شيئاً من الموقف الإستراتيجي، إلا أنه كان سيحدِث اختلافاً جوهرياً، من وجهة النظر الإنسانية. فبالتأكيد، كانت الولايات المتحدة الأمريكية، ستتعرض لنقد عنيف، لارتكابها مذبحة لهؤلاء الأفراد الفارّين، بعد أن نجحت القوات المتحالفة في تنفيذ مهمتها.

[1] لم يحدد بوش مكان الاجتماع لأسباب أمنية. [2] ذكر نورمان شوارتزكوف في مذكراته، أنه خلال مؤتمر صفوان أبلغ العراق أن لديه ما مجموعه 41 أسير منهم 17 أمريكياً، 12 من بريطانيا، 2 من إيطاليا، واحد من الكويت، 9 سعوديين.


ثانياً: أسباب إنهاء الحرب=

كان هناك عدة أسباب لإنهاء الحرب. يُعدِّ جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكي، بعضاً منها، في كتابه "سياسة الدبلوماسية": 1. تجنّب ما يمكن تسميته بلَبْنَنَة العراق[1]؛ لأن ذلك، لو حدث، سيثير كابوساً جيوبوليتيكياً. 2. موافقة العسكريين، وشركاء التحالف، والكونجرس، والرأي العام الأمريكي، وبحماسة، على قرار الرئيس وقف إطلاق النار، بعد 100 ساعة من القتال؛ إذ إنه كان واضحاً، خلال الساعات الأولى، من بدء الحرب البرية، أن النصر، سيكون حاسماً، وشاملاً. فقد أبلغ باول وتشيني، أن العراقيين هزموا هزيمة نكراء. وأبلغت الاستخبارات الأمريكية، أن الحرس الجمهوري، أُمَّ القوات العراقية، قد قُضي على معظمه؛ وأن الآلاف، من الدبابات وقطع المدفعية، قد دُمرت، أو استُولِيَ عليها. كذلك، أمكن القوات المتحالفة، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، أن تحقق أهدافها، العسكرية والسياسية؛ فالكويت تحررت، والآلة العسكرية العراقية أُضعفت لتتلاشى قدرة صدام حسين على تهديد جيرانه، في المستقبل. كان نصراً ناجحاً، مشهوداً، سريعاً، وبخسائر لا تكاد تُذكر. لـذا، لا داعي للاستمرار. 3. اعتقاد القادة العسكريين، أن قواتهم قد أنجزت مهمتها، على خير ما يرام، وينبغي إعادتها إلى الوطن، من الفور. وأنه لولا الخسائر، غير المقصودة، بنيران القوات الصديقة، التي تسببت بمصرع أمريكيين وبريطانيين ـ لكانت الخسائر عدداً لا يصدق. ولو طالت الحرب ـ ولو يوماً واحداً أو يومَين اثنَين، لتسببت بخسائر بشرية، لا مبرر لها. 4. دعوة الرأي العام، على المستويَين، الخارجي والداخلي، في الولايات المتحدة الأمريكية، إلى إنهاء القتال، والحؤول دون تحوُّل الصراع إلى حرب، ليس لواشنطن مصلحة فيها؛ ومن ثَم، وجوب الإسراع في وقفها. ومما حدا على ذلك، أحاديث طياري المقاتلات الأمريكية، عن فرار العراقيين اليائسين إلى الشمال، عبْر طريق، اسمه "طريق الموت". وكانت تعليقاتهم تؤيد بالصورة الرهيبة، التي تمثل هذه المجزرة البشرية. 5. غضب السوفيت إزاء فشل محاولاتهم إيقاف الحرب البرية؛ وجهدهم في كسر التحالف، بدعوة مجلس الأمن لإيقاف المذبحة. 6. اقتصار أهداف الولايات المتحدة الأمريكية، على إجبار العراق على الإذعان لقرارات الأمم المتحدة، وطرده من الكويت. وإعلان واشنطن، أنها لا تنوي الوجود العسكري المستمر في المنطقة. وعزمها الانسحاب، سريعاً، من العراق؛ إذ ليس لديها سبب واحد لاستمرار القتال، من وجهة النظر، السياسية أو العسكرية.

[1] المقصود بلبننة العراق، هو إمكان حدوث مقاومة عراقية شعبية تجاه القوات الأمريكية بما يؤدي إلى إحداث خسائر كبيرة بالقوات الأمريكية، مثل ما حدث للقوات الأمريكية في بيروت في 23 أكتوبر 1983.


ثالثاً: تساؤلات عن أسباب عدم إقصاء صدام حسين

للتخلص من الرئيس العراقي، لا بدّ من توسيع الحرب البرية، والزحف لاحتلال العراق. وهو ما سيُعَدّ انتهاكاً للخط الأمريكي العام، الذي يرفض تغيير الأهداف في منتصف الطريق. فضلاً عن تكلفة، سياسية وإنسانية، غير محسوبة.

حتى لو زُحف إلى بغداد، فإن اعتقال صدام حسين، مهمة شائكة. بل إن الرئيس بوش، قال: "إن القبض على صدام حسين، يُعدّ أمراً شبه مستحيل؛ إذ إننا لم نستطع القبض على نورييجا، في بنما، وهي التي كنّا نعرفها خير معرفة!".

ويقول الرئيس الأمريكي، في كتابه " التحول العالمي" (A World Transformed): "وفي هذه الحالة (أي محاولة القبض على صدام)، قد نضطر إلى احتلال بغداد، ومن ثَمّ حُكْم العراق كله، والسيطرة عليه. ويخشى، آنئذٍ، أن ينهار التحالف، من الفور، بانسحاب العرب منه، غاضبين، إيذاناً بانسحاب حلفاء آخرين.

وفي مثل هذه الظروف، لن يكون هناك "إستراتيجية خروج"، قابلة للتطبيق. فنكون قد انتهكنا قيماً أخرى، طالما حرصنا على إرسائها. إضافة إلى ذلك، سنكون كمنْ يحاول إرساء قاعدة لكيفية التعامل مع العدوان، في عالم ما بعد الحرب الباردة. إن التوغل في العراق واحتلاله، متجاوزين، من طرف واحد، التفويض الصادر عن الأمم المتحدة، قد يدمر سابقة الاستجابة الدولية، للوقوف في وجه العدوان، والتي كنّا نأمل إرساء قواعدها. وإذا ما مضينا في الغزو، فسيُنظر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، على أنها لا تزال قوة احتلال، في أرض معادية لنا مملوءة بكراهيتنا. ومن المؤكد، أن النهاية ستكون مأسوية".

ويضيف الرئيس بوش، في كتابه، قائلاً: "لقد ناقشنا، بإسهاب، فكرة إجبار صدام نفسه، على قبول الشروط المترتبة على هزيمة العراق، في صفوان، إلى الشمال مباشرة من الحدود الكويتية ـ العراقية. ولفتنا عن ذلك مسؤولية هذا الإجراء، وتبعاته السياسية؛ ولا سيما منها تلك الناجمة عن الإذلال، نتيجة الهزيمة النكراء. وأخيراً، سألنا أنفسنا: ماذا سنفعل، إذا رفض؟ وخلصنا إلى أن هناك خيارَين: الاستمرار في الصراع، حتى يذعن؛ أو التراجع عن مطالبنا. والخيار الثاني، سيساء فهْمه؛ لأنه يُعد إشارة إلى إمكان تخلينا عمّا نطلب، مما ينذر بعاقبة وخيمة. والخيار الأول، سيؤدي، حتماً، إلى تخلِّي شركائنا العرب عن التحالف؛ لأننا، في الواقع، أجبرنا على تغيير أهدافنا. وبدراسة هذَين الخيارَين البغيضَين، سمحنا لصدام أن يتجنب الاستسلام الشخصي. وسمحنا له بإرسال واحد من قادته العسكريين. ربما كان هناك خيار ثالث أمامنا، بإنزال عقوبة منتقاة، مثل ضربات جوية ضد وحدات عسكرية مختلفة. ولكن، لقد أنجزنا مهمتنا المحددة خير إنجاز؛ وصفوان كانت تنتظر".

وطبقاً للقواعد التي أرسيناها، فإننا أوقفنا القتال، بعد تحقيق أهدافنا الإستراتيجية (طرْد القوات العراقية من الكويت، وتقليص قدرة صدام حسين على تهديد المنطقة). ولكن المعايير الضرورية، التي رهنا بها أهدافنا، وغموض ضباب الحرب، وعدم الاستسلام بطريقة "السفينة ميسوري" ـ تركت مشاكل كثيرة من دون حل، بل أدت إلى ظهور أخرى جديدة.

وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس بوش، في الأول من مارس 1991، بعد خطاب ألقاه أمام الكونجرس الأمريكي، وفي ردهّ على سؤال حول إقصاء صدام حسين وملاحقته وتقديمه إلى المحاكمة كمجرم حرب ـ قال: "لا، لا أنوي قول ذلك. لا ملاحقة له. ولكن، لا يمكن تبرئة أحدٍ من تبعاته، وفقاً للقانون الدولي، في ما يتعلق بجرائم الحرب الواردة في ذلك".

كما سئل الرئيس بوش عمّن يكون مسؤولاً، غير صدام حسين، عن الفظاعات، التي ارتُكبت ضد الكويتيين، فقال: "إن الأشخاص، الذين ارتكبوا، فعلاً، التعذيب والجرائم الغادرة ـ هم أنفسهم الذين يتحملون المسؤولية". واستطرد قائلاً: "إن عملية، تستهدف محاكمتهم والعثور عليهم، ستكون معقدة".

وثمة بعض التساؤلات، التي يمكن طرحها، في شأن عدم إقصاء صدام حسين، حتى بعد مرور عدة سنوات على الحرب: · ألمْ يكن في مقدور الولايات المتحدة الأمريكية، أن تنشط، وقوّتها العسكرية، لمّا تزل داخل الأراضي العراقية، إلى إقصاء صدام حسين، وخروجه من العراق؟ · ألمْ يكن في وُسْعها، من خلال الأمم المتحدة، توجيه العديد من التهم إلى صدام حسين، والتي تجعل من السهل الضغط عليه، للتنازل عن السلطة؟ · ألمْ يكن في الإمكان إشراك قوات التحالف في اجتماع مشترك، من أجْل مناقشة مصير العراق ونظامه، بعد الحرب؟ وهل من سبب يحُول دون هذا الاجتماع؛ إذ إن من سيشارك في الحرب، يمكنه المشاركة في قرار ما بعد الحرب. · ألمْ يكن في وُسْع الولايات المتحدة الأمريكية، أن تؤجل عقد مؤتمر صفوان، ريثما تُعِدّ مع دول التحالف، وثيقة استسلام، يوقّعها مسؤول عراقي كبير، وتكون إيذاناً بنهاية حكم صدام حسين؟

أما جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكية، فيذكر، في كتابه "سياسة الدبلوماسية" (The Politics Diplomacy)، الأسباب التي حالت دون قرار زحف القوات الأمريكية إلى بغداد قائلاً:

"إلى يومنا هذا، لا يزال الجدل دائراً، في أسباب عدم مواصلة هجوم قوات التحالف نحو بغداد، لإطاحة نظام صدام حسين. أعتقد أن هذه الفكرة مملوءة بالهراء، كما كانت من قبل. ولم تكن بسبب التفسير القانوني الضيق، أن قرارات الأمم المتحدة، لن تفوّض إلى القوات المتحالفة ما يتجاوز تحرير الكويت. ولكن الحقيقة الكاملة، كانت تجسد أبعاداً أخرى، إستراتيجية، وواقعية ـ سياسية، ودبلوماسية، ونفسية، منعت الرئيس الأمريكي، بوش، من اتخاذ قرار الزحف إلى بغداد". 1. البُعد الإستراتيجي

كان الهدف الحقيقي لقوات التحالف، هو إخراج العراق من الكويت، بطريقة تكفل تدمير القدرات العسكرية الهجومية لصدام حسين، وتجعل سقوطه من السلطة أكثر احتمالاً. وعند إعلان وقف إطلاق النار، في 28 فبراير 1991، كان الجزء الأكبر من الآلة العسكرية العراقية، قد دُمّر، بما في ذلك معظم برامج أسلحتها النووية والكيماوية والبيولوجية. وبإنجاز الأهداف، السياسية والعسكرية، لم يكن هناك سبب لتُدفع القوات نحو الشمال. 2. البُعد العملي ـ السياسي

إن الزحف إلى بغداد، سيحوّل صدام حسين إلى بطل قومي. وإذا بحرب تحرير الكويت من غزو، ندد به العالم، تتحول إلى غزو أمريكي للعراق. كذلك، فإن احتمالات العثور على صدام حسين، كانت مستبعدة؛ إذ في بنما، البلد المعروف جيداً للولايات المتحدة الأمريكية، والذي تمركزت فيه قواتها، لسنوات عدة، استغرق العثور على الجنرال مانويل نورييجا، عام 1989، خمسة عشر يوماً. فضلاً عن أنه كان لبنما حكومة ديموقراطية، ومنتخبة، يمكنها السيطرة على الأمور؛ في حين ليس للمعارضة المنظمة ضد صدام أي وجود. إضافة إلى ذلك، فقد كان من المتوقع أن يقاوم الجنود، والمدنيون، العراقيون قوات العدو، الذي يريد احتلال أراضٍ من بلدهم، مقاومة، تختلف عن مقاومتهم في معركة الكويت. حتى لو قُبض على صدام، وانهار نظامه، فإن على القوات الأمريكية مواجهة الأمر الواقع، كقوة احتلال، عليها أن تستمر حتى تستقيم الأمور، وتجد حكومة، يمكنها إدارة دفة الحكم. ناهيك أن حرب المدن، ستسفر عن خسائر جسيمة، في القوات الأمريكية، تفوق خسائرها في الحرب نفسها، مما يفتح عاصفة نيرانية سياسية ضدنا، داخل الولايات المتحدة؛ فضلاً عن نقد حلفائنا الحاد، وتفكك التحالف الدولي. 3. البُعد الدبلوماسي

الإلحاح في الزحف إلى بغداد، لن يقتصر على هدم التحالف فحسب، بل سيحدث زلزالاً. فضلاً أنه لن يسمح للولايات المتحدة الأمريكية ببدء عملية سلام ذات معنى، بعد أن يفقد التحالف كل أعضائه العرب. ناهيك أن إضعاف العراق، واختفاء صدام، قد يتيحان لإيران فرصة جيدة، لنشر الأصولية الإسلامية، بمساعدة شيعة العراق. وسرعان ما يتحولون إلى قوة هيمنة إقليمية، طالما هجست في إدارة الرئيس بوش، ودول التحالف. 4. البُعد النفسي

رفع معنويات الأمريكيين انتصارهم في الحرب، فبددت "عاصفة الصحراء"، في ستة أسابيع، الميراث المرير لحرب فيتنام. واجتاحت الولايات المتحدة الأمريكية حمى النصر اجتياحاً، لم تشهده منذ الحرب العالمية الثانية. فلا عجب أن يطغى على الشارع الأمريكي، ضرورة إعادة الأبناء إلى الوطن.

ولم يكن هناك أي رغبة، على المستويات العليا للحكومة الأمريكية، في احتلال أي جزء من العراق. ناهيك أن الجيش، كان يرفض ذلك، بقوة. بل إن المملكة العربية السعودية، أبلغت وزير الخارجية الأمريكية، جيمس بيكر، في 27 فبراير 1991 (توقيت واشنطن)، من طريق سفيرها إلى واشنطن، صاحب السمو الملكي الأمير بندر بن سلطان ـ أن العالم العربي، يهمه أن يحدث الانسحاب، بسرعة، وبشكل ملحوظ. وفي نهاية الحرب، سيطرت قوات التحالف على مساحة كبيرة من جنوبي العراق، أي كل ما يقع جنوب السماوة وشرقها، أسفل نهر الفرات، حتى البصرة، حيث بُثّت الألغام، وكثرت الذخيرة الحية، غير المتفجرة؛ ما أثار قلق شوارتزكوف من حدوث خسائر بشرية، لا مبرر لها. وعبّر عن ذلك لوزير الخارجية، بيكر، عند زيارته الرياض، في مارس 1991، بالقول: "إن احتلال أي أرض، لا يحقق هدفاً عسكرياً. وأكد أن رجاله يعيشون في الحفر، من دون أي هدف؛ فليس هناك خصم، بعد انهزام العدو شر هزيمة. وأن المنطقة، التي يوجد فيها الجنود، شديدة الخطر؛ فهي مملوءة بالألغام والقنابل الانشطارية. وبالفعل، أبلغه بيكر أن الرئيس بوش يريد عودة القوات بأسرع ما يمكن".

وعن التقدم إلى بغداد، يقول الفريق الأول الركن، خالد بن سلطان: "كنت أعلم أن التقدم إلى بغداد، لم يكن أمراً وارداً على الإطلاق. ولم يطرح مثل هذا الموضوع للنقاش البتة. وغني عن البيان، أن هذا الأمر، كان مرفوضاً من كل الدول العربية في التحالف. وهو، بالتأكيد، أمر غير قابل للنقاش من جانب المملكة، ويلقى المعارضة كل المعارضة.

كنّا حريصين على تهيئة المناخ الملائم أمام الشعب العراقي، دون أن نتدخل بشكل مباشر، ليتخلص بنفسه من صدام، الذي ألحق به العار والهزيمة؛ فالعراق ، قبل كل شيء، جار عربي، قاتلناه مكرهين. وعلينا، الآن ومستقبلاً، أن نتعايش معه في وئام".

رابعاً: صدور قرار يحدد شروط وقف إطلاق النار

بناءً على قرار وقف العمليات في حرب الخليج، وإقرار العراق بالالتزام بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة، في شأن احتلال الكويت، أصدر مجلس الأمن القرار الرقم 686، في شأن شروط وقف إطلاق النار في الخليج. ونص القرار على تحديدها، ووضع نهاية مُحددة للعمليات العسكرية، بين التحالف والعراق[1].

وأكد القرار النقاط المهمة التالية (اُنظر وثيقة قرار مجلس الأمن الرقم 686): 1. تأكيد كافة القرارات الاثَني عشر، الصادرة عن مجلس الأمن[2]، وأنها لا تزال سارية المفعول. 2. مطالبة العراق بقبول كافة القرارات، الصادرة في شأن أزمة الكويت. 3. مطالبة العراق بالآتي: أ. وقف الأعمال العدوانية أو الاستفزازية، من جانب قواته، ضد كافة الدول الأعضاء، بما في ذلك الهجمات الصاروخية، وتحليق الطائرات المقاتلة. ب. تسمية قادة عسكريين، للاجتماع إلى نظرائهم من قوات التحالف، لاتخاذ الترتيبات العسكرية، لوقف الأعمال العدوانية، في أسرع وقت ممكن. ج. اتخاذ الترتيبات اللازمة، لوصول اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إلى جميع أسرى الحرب، من الفور، وإطلاقهم تحت رعايتها؛ إضافة إلى إعادة جثث القتلى. د. تقديم كل المعلومات والمساعدة على تعرف أماكن الألغام العراقية، والأشراك الخداعية، والمتفجرات الأخرى. وكذا أي أسلحة ومواد، كيماوية وبيولوجية، في الكويت، وفي المناطق العراقية، التي توجد فيها، بصفة مؤقتة، قوات التحالف.

وفي اليوم نفسه، أعلن العراق موافقته على مضمون القرار 686، الصادر عن مجلس الأمن، والذي ينص على الشروط المفروضة على بغداد، من أجل إقرار وقف إطلاق النار على نحو دائم. كما ألغى مجلس قيادة الثورة جميع القوانين والإجراءات، التي اتخذت منذ 2 أغسطس 1990، في شأن الكويت.


[1] صدر في 2 مارس 1991، بأغلبية أحد عشر صوتاً، مقابل صوت واحد هو كوبا، وامتناع ثلاثة أعضاء عن التصويت، هم الصين والهند واليمن. [2] القرارات الاثنى عشرة، السابقة على القرار الرقم 686، هي القرارات أرقام: 660، 661، 662، 664، 665، 666، 667، 669، 670، 674، 677، 678.'


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خامساً: الإعداد لمؤتمر صفوان

يقول الفريق الأول الركن، خالد بن سلطان، عن الترتيب لعقد مؤتمر صفوان:

"أصدر الرئيس بوش أوامره بوقف العمليات العسكرية كافة، صباح ذلك اليوم، وبالتحديد، في الثامنة من صباح يوم 28 فبراير، بتوقيت الرياض (منتصف ليل 27 فبراير، بتوقيت شرقي الولايات المتحدة). وكان ذلك إيذاناً بنهاية رسمية للعمليات العسكرية في حرب الخليج. وتوقعت أن الرئيس الأمريكي، كان يريد ترتيب لقاء، يعلن فيه العراقيون استسلامهم الرسمي لقوات التحالف. وتصورْت مشهداً مَهيباً، كالذي حدث في "خليج طوكيو"، في سبتمبر 1945، حينما قَبِلَ الجنرال ماك آرثر استسلام اليابانيين"[1].

ويؤيد ذلك الرئيس بوش، في كتابه "التحول العالمي"، بقوله: "ولكن القيود الضرورية، المفروضة على أهدافنا؛ والغموض الناتج من ضباب الحرب؛ وعدم تنفيذ الاستسلام مثل ما تم على السفينة ميسوري، عام 1945 ـ تركت العديد من المشاكل من دون حل، بل أسفرت عن مشاكل جديدة، لم تكن معلومة من قبْل".

وأكد الفريق الأول الركن، خالد بن سلطان، أهمية استسلام العراق، من خلال وثيقة رسمية، بقوله: "كان عدم وجود وثيقة رسمية للاستسلام، أمراً مخيباً للآمال. فقد كان من شأن تلك الوثيقة أن تساعد على الإطاحة بصدام.

وفي شأن تعاون سموّه مع شوارتزكوف، على عقد مؤتمر صفوان، يقول قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات، إنه عندما صدرت إليه التعليمات بالتعاون مع شوارتزكوف، في شأن الاجتماع المقترح مع العراقيين، في 2 مارس 1991، "اجتمعت وشوارتزكوف، في الحادية عشرة ليلاً، في غرفة العمليات الرئيسية. وبادرته قائلاً: "... لدي سؤالان مبدئيان: إلى من سنجتمع؟ وأين سيكون الاجتماع؟".

رد شوارتزكوف: "فلْنتحدث عن المكان، أولاً. ما رأيك في حاملة طائرات أمريكية؟ هل تقبل ذلك؟".

ردَدَت، بكل حزم: "لا. هذا أمر غير وارد على الإطلاق". كنت أرى أن عقد اجتماع إلى العراقيين، على متن حاملة طائرات أمريكية، سيجعله مشهداً أمريكياً صرفاً.

قال شوارتزكوف" :إن كان هذا رأيك، فلْنجتمع في الرياض، إن شئت، أو في أيّ مكان آخر".

أجبته: "لا مانع مطلقاً من أن نجتمع في الرياض، أو في جنيف، مثلاً".

فعاد يسأل: "ما رأيك في مكان داخل الكويت، أو العراق نفسها؟".

قلت له: "لا مانع من ذلك أيضاً".

عندئذٍ، طرح شوارتزكوف عليّ فكرة عقد المباحثات في صفوان، مشيراً إلى أن هذا المكان، يتمتع بميزات عدة؛ فهو قريب من الكويت، إذ يقع شمال الكويت مباشرة، وفيه مهبط للطائرات، ويمكن جميع قادة التحالف الوصول إليه بسهولة كاملة وأمان تام. والأهم من ذلك، أنها أرض عراقية، مما يؤكد للعالم أجمع، وللشعب العراقي، هزيمة صدام وانتصار قوات التحالف.

وعندما انتقلنا إلى الحديث عن أعضاء الوفد العراقي، قال شوارتزكوف، إنه لا يعرف أسماءهم، حتى ذلك الحين. فاعترضت قائلاً: "كيف نُعد لاجتماع، دون أن نعرف إلى من سنجتمع؟".

أجاب شوارتزكوف: "يبدو أنه حتى حكومتي، لا تعرف مَن الذين سيرسلهم صدام".

ولم يكن ذلك الوضع يرضيني أبداً. أبلغت شوارتزكوف ضرورة إصرارنا على أن يرسل العراقيون إلى المباحثات، أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة، ليكون رمزاً سياسياً، يؤكد حقيقة هزيمة صدام. لقد كسبنا الحرب، ومن حقنا الاجتماع إلى مسؤولين عراقيين أعلى منا مرتبة، لا أدنى، لكي نكسر شوكة صدام، ونرغم أنفه، ونساعد على إسقاطه".

وبعد اتصال "شوارتزكوف بالفريق الأول كولين باول، في البنتاجون... قال لي: كلنا متفق معك في الرأي". وعندما سألته من يقصد، قال: "باول وتشيني وأنا". "وقد أسعدني أن تكون وجهة نظري، قد لاقت تفهماً وقبولاً، وأنني نجحت في تأخير عقد المباحثات، مما يعطينا المزيد من الوقت لاتخاذ الترتيبات اللازمة".

وإمعاناً في الإعداد لمؤتمر صفوان، الذي تأجل إلى 3 مارس 1991، عُقد اجتماع، ظُهر 2 مارس، بين الجنرال شوارتزكوف والفريق الركن خالد بن سلطان، نوقِشَت فيه عدة مسائل، أبرزها:

موضوع الوفد العراقي. الموضوعات التي ستُناقَش خلال المؤتمر.

وعن المسألة الأولى، يقول قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات: "على الرغم من أن المباحثات، كانت ستبدأ صبيحة اليوم التالي، إلا أن شوارتزكوف لم يكن يعرف، حتى تلك اللحظة، أسماء أعضاء الوفد العراقي. ولم أحبِّذ الذهاب، في ظل هذا الوضع الغامض. واقترحت أنه من الأفضل، في ظل تلك الظروف، أن نرسل نائبَينا، لا سيما إذا تبين لنا أن أعضاء الوفد دوننا رتبة.

وفي تلك اللحظة، جاء ضابط استخبارات من القيادة المركزية الأمريكية، مسرعاً، ومعه اسمان من كبار الضباط العراقيين. أخذتنا الدهشة، ونحن نقرأ اسمَي الضابطَين العراقيَّين. كان الاسم الأول، هو الفريق سلطان هاشم أحمد. والاسم الثاني، هو الفريق صالح عبود محمود. ولكن الاسمَين لم يعنيا شيئاً بالنسبة إلينا...، فتبين لنا أن الفريق سلطان، يشغل منصب نائب رئيس الأركان؛ بينما الفريق صالح، هو قائد الفيلق الثالث... كانت وجهة نظري، ألاّ تكون مباحثاتنا مع ضابطَين عراقيَّين، ليسا في المستوى القيادي المطلوب. ولكني لم أشأ أن أستمر في الاعتراض، خشية أن يُحدِثَ ذلك صَدْعاً في صف التحالف، في أيامه الأخيرة.

قلت لشوارتزكوف: "إن حضور الاجتماع، أمر لا يروق لي أبداً. وأرى أن حضورنا، سيكون غلطة كبيرة. ولكن، لا بديل أمامي سوى الحضور".

لكن بات واضحاً، أن الولايات المتحدة الأمريكية، لا تريد أن تمارس المزيد من الضغط، في هذا الاتجاه. كان لديّ شعور قوي، أن الإدارة الأمريكية، مثلما حدَّدتْ توقيت إيقاف العمليات العسكرية، بما يمكِّنها من إطلاق العبارة الطنانة: "حرب المائة ساعة"، فإن هدفها من اجتماع صفوان، كان الدعاية، لا أكثر، ولا أقل. أراد الأمريكيون له أن يكون حدثاً إعلامياً، دون مردود، سياسي أو عسكري".

ويؤكد هذا الرأي أحد مراسلي البنتاجون، ميشيل جوردون، في كتابه "حرب الجنرالات":

المجهودات الأولي في ترتيب الاجتماع، تبخرت، عندما قال الأمير خالد، ممتعضاً، إن ممثلي العراق في الاجتماع، حديثو الرتبة، ولا يليق أن يتباحثوا مع كبار قادة قوات التحالف. لقد كان شوارتزكوف راغباً كل الرغبة في عقد هذا الاجتماع، وحريصاً على عقد اتفاقية، بعد نصر الحلفاء الساحق، تسمح له بسحب قواته. ولكن، كان عليه أن يُذعن لنظيره السعودي. وفي النهاية، اقترح العراقيون إرسال فريق على مستًوي عالٍ. فأرسلوا الفريق سلطان هاشم أحمد، نائب رئيس أركان القوات المسلحة العراقية، والفريق صالح عبود محمود، قائد الفيلق الثالث، الذي خطط معركة الخفجي.

أما المسألة الثانية، فيقول فيها قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات: "بدلاً من مناقشة إجراءات الاستسلام الرسمية، أو الاعتراف العلني بأن صداماً قد خسر الحرب، طُلب منّا أن، "نناقش"، مع الجانب العراقي، بعض القضايا الفنية، كإطلاق الأسرى، وجمْع جثث القتلى، وتحديد مواقع حقول الألغام، والفصل بين القوات. قضايا كان يمكن لضباط أركاننا مناقشتها، على نحو أكثر تفصيلاً.

   تولّد لديّ شعور بأن الولايات المتحدة الأمريكية، لم تكن تسعى إلى الحصول على استسلام عراقي رسمي، أو كانت ترى، أن ذلك أمر غير مناسب. لذا، لا يسعني سوى تخمين أسباب هذا التوجه. فلعل من هذه الأسباب، ترجيح الإدارة الأمريكية، أن صداماً لن يبقى في الحكم، بعد أن تعرض لكل تلك المهانة والعقاب، وأن شعبه سيطيح به، لا محالة. وربما دفع هذا الاعتقاد الرئيس بوش، ومستشاريه، إلى العمل على التئام جراح الحرب، بما يتفق والنظام العالمي الجديد، الذي كانت واشنطن تأمل أن يتمخَّض عنه ذلك الصراع. وربما ارتأت الإدارة الأمريكية، أيضاً، أن تُبقي على العراق، كقوة، يمكنها الدفاع عن نفسها، ويكون لها ثِقَل إقليمي موازن لإيران.
  

من جهة أخرى، قد يكون هناك تفسير أبسط لذلك المسلك الأمريكي، هو أن الحرب قد وضعت أوزارها، ولم يعد هناك حماسة لمواصلة القتال. إذ بعد هزيمة العراقيين وفرارهم، فإن مواصلة قتالهم، ستثير الرأي العالمي، الذي سيستنكر، دون شك، الاستمرار في إراقة الدماء، في معركة، أصبح من الواضح، أنها غير متكافئة. فضلاً عن أن خسائر التحالف لا تكاد تُذكر. وكأن لسان حال الأمريكيين والبريطانيين يقول: "يكفي ما حدث، ولا ضرورة لخسائر أكثر. فلْنجمع شتات الأمر، ونسرع بالرحيل".

ويستطرد قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات قائلاً: "ربما كانت تلك بعض الأسباب، التي دعت إلى وضع الترتيبات لمباحثات صفوان، على عَجَل، دون تقدير للآثار والعواقب، التي قد تنجُم عنها في المدى البعيد".

وعن جدول أعمال المؤتمر قال الفريق الأول الركن خالد بن سلطان:

"وبينما كنت أناقش مع شوارتزكوف، جدول الأعمال المقتضب لاجتماع صفوان، في وقت متأخر من يوم 2 مارس، حاولت أن أضع خطاً واضحاً، يُحدد مسؤولية كلٍّ منّا. فأبلغته أنني سأتناول الموضوعات، التي تقع في نطاق سلطاتي، مثل موضوع إعادة الأسرى المدنيين الكويتيين، الذين أُخذوا إلى العراق رغماً عنهم. وسأترك له الموضوعات، التي تقع في نطاق سلطاته، بما ذلك موضوع أسرى الحرب، والفصل بين القوات. لم أكن أريد التدخل في موضوع الفصل بين القوات، لأنه لا يعنيني؛ فالقوات الأمريكية، وليس قواتي، هي التي كانت تحتل جزءاً كبيراً من الأراضي العراقية، وهي التي لا تزال تواجه العراقيين وجهاً لوجه، بل تقاتلهم أيضاً. لم يكن بيننا وبين القوات العراقية اتصال مباشر، بعد أن تمركزت القوات الأمريكية بيننا وبينها".

[1] في 2 سبتمبر 1945، وقع ممثلو اليابان على وثيقة الاستسلام على ظهر سفينة القيادة الأمريكية ميسوري "Missouri" ، التي كانت ترابط في خليج طوكيو على مرمى البصر من جبل فوجي ياما، وكانت تحيط بالسفينة ميسوري مجموعة كبيرة من السفن الأمريكية والبريطانية. وكان وفد الاستسلام الياباني يتكون من تسعة أفراد ستة منهم بالزي العسكري وثلاثة بالملابس المدنية. كان يرأس الوفد وزير الخارجية شيجمتسو "Shigemitsu" ، وجلسوا على مائدة وضعت عليها نسختان من وثائق الاستسلام. وألقى الجنرال الأمريكي ماك آرثر كلمة قال فيها أن الخلاف في الأفكار والمثل قد حسم في ميادين القتال، وعبر عن أمله في قيام عالم أفضل، ثم دعا ممثلي اليابان لتوقيع وثيقة الاستسلام، فتقدم وزير الخارجية ووقع بقلمه على النسختين، ثم تبعه الجنرال أوميزو "Omezu" ، ممثل القيادة العليا اليابانية والإمبراطور. ثم تتابع ممثلو الحلفاء للتوقيع ( ويمثلون إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية ـ بريطانيا والاتحاد السوفيتي والصين وأستراليا)، ثم قال ماك آرثر: " فلنصل من أجل السلام، وندعو الله أن يحفظه على الدوام، لقد انتهت الإجراءات". وبعد الحفل، قامت 436 طائرة أمريكية من الطائرات الضخمة، بالتحليق فوق طوكيو في استعراض للقوة الجوية الأمريكية أمام الشعب الياباني، ثم تقدمت 42 سفينة نقل إلى خليج طوكيو، لإنزال ثلاثة عشر ألف من القوات لتنضم إلى العشرين ألف التي كانت هناك من قبل. وفي واشنطن وجه الرئيس ترومان حديثاً في الإذاعة إلى الشعب الأمريكي، وأعلن أن يوم الأحد 2 سبتمبر 1945، هو يوم النصر على اليابان (Victory Japan Day) . وفي 5 سبتمبر رفع علم الولايات المتحدة الأمريكية على طوكيو. وهكذا انتهت الحرب العالمية الثانية رسمياً، بعد ست سنوات ويوم واحد، منذ بدأت عقب هجوم هتلر على بولندا، وبعد أربعة أشهر من استسلام ألمانيا، ولو أن النهاية الحقيقية كانت في 14 أغسطس 1945 عندما أعلن الإمبراطور الاستسلام بالشروط التي وضعها الحلفاء.


سادساً: الاستيلاء على صفوان، بعد توقف القتال

وقع الاختيار الثاني على القاعدة الجوية، في جليبة، مكاناً للمباحثات، وهي قاعدة عسكرية عراقية، كبيرة الحجم، على بعد ثلاثين ميلاً، جنوب نهر الفرات، استولى عليها الفيلق 18، في اليوم الثالث من الحرب البرية. وكانت القاعدة مناسبة، لأنها داخل الأراضي العراقية، بمسافة خمسة وتسعين ميلاً، وهذا يُعدّ دليلاً واضحاً على الهزيمة العراقية. ومن السهل وصول الوفد العراقي إليها، لأنه يستطيع التحرك ثمانين ميلاً، إلى الغرب من البصرة. ولكن، أبلغ الجنرال جون يوساك (John Yeosack)[1]، من مقر قيادة شوارتزكوف، أن هناك خطراً، يحدق بعقد الاجتماع في جليبة، لوجود ذخائر كثيرة غير متفجرة. لذا، وقع الاختيار على صفوان، وهو مهبط عسكري، شمال الحدود الكويتية ـ العراقية، ولا يبعد سوى ميلَين عن مفترق الطرُق، الذي استولى عليه الفيلق السابع، صباح 2 مارس.

كان شوارتزكوف يظن، أن تلك المنطقة، تقع تحت سيطرة الفِرقة الأولى المشاة، من الفيلق السابع. ولكن، تبين له أن مهبط الطائرات، في صفوان، ما برح تحت سيطرة إحدى الوحدات العراقية. وهكذا أصبح موقفه حرِجاً، بعد أن أبلغ كولين باول، أن مفترق الطرُق، ومهبط صفوان، هما تحت السيطرة الأمريكية، والذي أبلغ ذلك، بدوره، إلى البيت الأبيض. كذلك، أبلغ شوارتزكوف الصحافة عن مكان الاجتماع في صفوان، وأمسى لا يستطيع التراجع. ومن ناحية أخرى، فإن الفشل في الاستيلاء على تقاطع الطرُق، كان رسالة واضحة، ومنظورة، أن قوات التحالف، فشلت في تحقيق أحد أهدافها.

ونظر شوارتزكوف إلى خريطة العمليات، فوجد أن المعلومات المدونة عليها، تشير إلى أن الفِرقة الأولى المشاة، تحتل مفترق الطرُق ومهبط صفوان. وهو ما يعني أن التقرير، الذي وصله من قائد الفيلق السابع، اللواء فْرِيدْ فرانكس (Fred Franks)، هو مغاير لحقيقة الوضع على الأرض.

ومع وقف إطلاق النار، وتوقف العمليات العسكرية، أصبح الاستيلاء على هذا الموقع، أمراً صعباً؛ فخلال الحرب، لم يكن الاستيلاء عليه مشكلة. أما الآن، فالموقف أصبح جدّ معقد.

لقد اعتقد فرانكس، أن الفِرقة الأولى، بقيادة توم رام (Tom Rhame)، استولت على هذا الهدف. وبعدما أوقفه شوارتزكوف على الحقيقة، اتصل، من الفور، بقائد الفِرقة الأولى المشاة، طالباً منه، بعد نقاش، توضيح أسباب عدم الاستيلاء على صفوان، على الرغم من أنه سبق أن أبلغه الاستيلاء عليه.

ويقول نورمان شوارتزكوف، في مذكراته عن هذا الموقف: "اتصل بي الجنرال جون يوساك، قبْل طلوع الفجر بقليل. وأكد لي أسوأ ما كنت أخشاه: "ليس لدينا أحد في صفوان، لا في المطار، ولا في التل القريب منه، ولا في مفترق الطرُق، الذي سبق أن أصدرت أمراً واضحاً، وصريحاً، بالاستيلاء عليه". وسألت، مستفسراً: لماذا بعثوا لنا تقارير، تقول إنهم احتلوا التقاطع، وإن المهمة نفذت؛ وهي لم تنفذ؟".

استطرد شوارتزكوف قائلاً: "آمرك (جون يوساك) أن تبعث الفيلق السابع، للاستيلاء على مفترق الطرق. وأريد أن أعرف، كتابةً، لماذا لم تُنفذ أوامري؟ ولماذا أفادني تقرير أن المهمة نفذت؛ وهي لم تنفذ؟ كنت أدرك احتمال وجود أسباب، حالت دون الاستيلاء على هذا القطاع. ولكن من غير المقبول، قطعاً، أن تُرْسَل تقارير إنجاز خاطئة، إلى مركز قيادتي. والأسوأ من ذلك، أنه قد مرّ يومان، من دون تصحيح هذا الوضع. لقد شعرت كمن خُدع بالكذب. وتجمع إحباطي، وغضبي المتراكم على الفيلق السابع، وانفجرا دفعة واحدة. وأصدرت الأوامر باحتلال تلّ صفوان ومطاره، وتمشيطهما بدقة. وقلت ليوساك، إن على الفيلق السابع الاستيلاء على مفترق الطرق والمطار، وإجبار أي وحدات عراقية على الانسحاب منهما. وضع الحرب، لم ينتهِ، بالنسبة إلى رام (Rhame). سأعتمد عليك في إنشاء موقع آمن للاجتماع. ولا تدخل في اشتباكات مع العدو". وهدد يوساك بإرسال فِرقة مشاة بحْرية، لتنفيذ المهمة، إذا لم يستطع الفيلق السابع تنفيذها.

من الواضح أن شوارتزكوف، كان يطالب بما هو أكثر من تفسير، أو تبرير مكتوب لهذه الحادثة. إذ كان مصمماً على إجراء المباحثات النهائية في صفوان، ولو أدى ذلك إلى استئناف القتال مرة أخرى.

وظُهر الأول من مارس، اتصل يوساك بالجنرال شوارتزكوف، وأبلغه أن قائد الفِرقة الأولى، وصل إلى مفترق الطرُق، حيث وجد أن وحدة عراقية، ومعها 15 دبابة من دبابات الحرس الجمهوري، تحتل هذا المفترق؛ وأن قائد الفرقة، أصدر إنذاراً نهائياً، بأن يغادر العراقيون المنطقة، اليوم، قبل الساعة 1600. وبادره شوارتزكوف بالقول: "يجب أن تستولي على مفترق الطرُق، ومطار صفوان. وإذا لم ينسحب العراقيون، أو فتحوا النيران، يهاجَمون، من الفور".

وفي الوقت نفسه، اتصل شوارتزكوف بالجنرال كولين باول، وأبلغه الموقف في صفوان؛ وأن هناك شكاً في عقد الاجتماع، في 2 مارس. فردّ عليه باول، بأن هناك احتمالات كبيرة، أن يؤجَّل المؤتمر، يوماً واحداً. ووافق على الإجراءات، التي يتخذها شوارتزكوف، من أجل الاستيلاء على صفوان.

وفي الساعة 0615، من يوم 2 مارس، تحركت سَرِيتا فرسان، من قوات رام، يتقدمهما فصيلان، وطائرات الاستطلاع العمودية، لتأمين مكان المباحثات في مطار صفوان. ولكن، للأسف، وجدت القوات الأمريكية، أن المطار، تدافع عنه خمس كتائب عراقية، مسلحة بدبابات، من نوعَي (T-55 و T-72) ومدافع مضادّة للطائرات، من نوع (ZSU-24)، وليس لديها نية الانسحاب.

وفي الساعة 0900، اتصل قائد الفصيل أ (Troop A)، النقيب كين بوب (Ken Pop)، بقائد القوة العراقية، وسلّمه إنذاراً أن على قواته أن تنسحب. ولكن القائد العراقي تعجّب من الطلب، وأوضح للنقيب الأمريكي، أن قواته موجودة على أرض عراقية. وافق النقيب على كلامه، ولكنه استطرد قائلاً، إن عليه تأمين مكان لإجراء مباحثات وقف إطلاق النار؛ وإنه لا يسمح بوجود أي قوات عراقية، قريباً من المطار.

رفض القائد العراقي الإنذار، وقال إنه كان يظن أن مكان المباحثات في مدينة الكويت. لذا، فإن العراقيين لن يغادروا المنطقة، من دون أوامر من قيادتهم العليا.

أعاد يوساك الاتصال، مرة ثانية، وأبلغ شوارتزكوف، أن القائد العراقي يرفض الانسحاب. ومن ثَم، أكد شوارتزكوف ضرورة تجميع قوة متفوقة، وحصار القوات العراقية، وتهديد قائدها، إما بالانسحاب أو الأسْر، أو التدمير، في حالة بدء القتال. كما أمره أن يتأكد من صحة فهْم فرانكس للمهمة؛ وأن على يوساك الاتصال مباشرة بقائد الفِرقة الأولى، وإبلاغه أن الفيلق برمّته تحت تصرفه، وأن عليه استخدام الطائرات العمودية المهاجمة.

بدأ اللواء فرانكس، قائد الفيلق السابع، ومساعدوه، بوضع الخطة التفصيلية؛ فالحرب لم تنتهِ بعد، بالنسبة إلى قائد الفِرقة الأولى، توم رام، الذي دُعم بفوج الفرسان المدرع، وعدد كبير من الطائرات العمودية الهجومية، من نوع أباتشي (Apache)، وعاونه عدد من الطائرات، من نوعَي (F-16) و (A-10).

وبدأت مرحلة التنفيذ، فحوصِرت القوة العراقية، عند مفترق الطرُق، بوساطة لواء مشاة من الفِرقة الأولى، ومعه 50 دبابة، وثلاث سرايا، في مركبات برادلي (Bradley). بينما طائرات أباتشي (Apache)، تحلق في السماء. وأصبحت القوة مستعدة للاشتباك، حالة رفض العراقيين الانسحاب. وبادر النقيب كين بوب إلى إبلاغ القائد العراقي العزم على مهاجمة الموقع، إذا لم يتركه العراقيون.

لقد أصبح الموقف واضحاً أمام القائد العراقي، وأن من الأفضل له الانسحاب، بمعداته وأفراده، من منطقة مفترق الطرُق، ومطار صفوان. وبعد ظُهر هذا اليوم، استسلم للأمر الواقع، وبدأ التحرك بقواته تجاه البصرة. وهكذا، دخلت عناصر الفِرقة الأولى إلى المدرج الجوي، وإلى التل المحيط بصفوان.

وبعد ذلك، كتب اللواء فرانكس، إلى شوارتزكوف، يبلغه أنه لم يكن في نيته عدم إطاعة أوامره أو خداعه؛ ولكنه يعترف، أن الفيلق السابع، سلّمه، من دون قصد، تقريراً خاطئاً، وأنه يتحمل مسؤولية ذلك.

وفور الاستيلاء على موقع صفوان، أصدر شوارتزكوف أوامره إلى اللواء باجونيس، رئيس الشؤون الإدارية في القيادة، بأن يهيئ المكان للاجتماع. كما اتصل بقائد الفِرقة الأولى المشاة، وهنّأه باحتلال صفوان، من دون إراقة قطرة من الدماء. ثم كلفه بتأمين مكان الاجتماع، واستقبال الوفد العراقي، عند مفترق الطرُق، واصطحابه إلى مهبط صفوان، حيث مكان الاجتماع؛ وأن ينشر على الطريق بين المكانَين أفضل معدات القتال (دبابات ـ مركبات مدرعة أمريكية جديدة، وسليمة)، في وضع قتالي.

تجدُّد الاشتباكات

دأبت الوحدات العراقية منذ وقف إطلاق النار، على محاولة الانسحاب تجاه الشمال. وبعد يومَين منه، أي يوم السبت، 2 مارس 1991، اشتبكت مع القوات الأمريكية، في وادي نهر الفرات، حيث حاولت كتيبتان من الحرس الجمهوري الانسحاب، غرباً، على الطريق الرقم 8، فواجهتهما وحدة استطلاع أمريكية صغيرة، مسلحة بمركبات برادلي، من الفِرقة 24 المشاة الآلية، ففتحتا عليها النيران. وعند الفجر، اصطدمت الكتيبتان بموقع دفاعي أمريكي متقدم، ففتحتا النار عليه من جديد.

ومن ثَم، قرر اللواء ماكفري (McCaffrey)، قائد الفِرقة 24 المشاة الآلية، شن هجوم مضادّ شامل، بالدبابات والطائرات العمودية المسلحة. فدمّر الكتيبتَين، وأَسَر ثلاثة آلاف عراقي؛ من دون حدوث إصابة واحدة في قواته.

كانت تعليمات وقف إطلاق النار، التي صدرت عن الرئيس الأمريكي، تسمح بحق الرد، إذا ما هوجمت القوات الأمريكية. وقد أبرز هذا الحادث ضرورة التعجيل في وضع شروط وقف إطلاق النار، التي من شأنها أن تفصل فصلاً واضحاً بين القوات.

[1] الجنرال جون يوساك، شغل منصب قائد القوات البرية في القيادة المركزية، أثناء حرب الخليج.



. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سابعاً: الترتيبات النهائية لاجتماع صفوان

قبْل اجتماع صفوان، كان الجنرال شوارتزكوف قد أعد الجدول النهائي للقضايا، التي ستناقَش فيه، قاصراً إياها، أساساً، على القضايا العسكرية، التي يجب أن يلتزم بها العراق، كي يترسخ وقف إطلاق النار رسوخاً دائماً. وأُرسلت نسخة من هذا الجدول إلى الجنرال كولين باول، ليرسلها، بدوره، إلى العراق.

تضمن الجدول أربع نقاط رئيسية: النقطة الأولى: تتعلق بأسرى الحرب، وتسريحهم الفوري؛ وتبادل المعلومات، في شأن الجنود المفقودين؛ وتسليم جثث القتلى. النقطة الثانية: تهتم بجعل منطقة القتال آمنة، ولا سيما أماكن حقول الألغام والأشراك الخداعية العراقية (البرية ـ البحرية)، في الكويت. النقطة الثالثة: تتناول رسم خط فاصل بين قوات الطرفين، لمنع حوادث تبادل إطلاق النيران، بعد توقف القتال. النقطة الرابعة: تتعلق بالمعتقلين المدنيين الكويتيين، وبتأكيد احترام العراق سيادة الحدود مع المملكة العربية السعودية.

وعلق باول على المسوّدة بالقول، إن هذا قريب جداً مما نريد.

  ومساء السبت، 2 مارس 1991، اتصل الجنرال كولين باول بالجنرال شوارتزكوف، ليؤكد له أن مذكرة الصلاحيات المرجعية، قد صُودق عليها، وأُرسلت إلى بغداد، من طريق موسكو. كما قبلت وزارة الخارجية الأمريكية نقاط المسوّدة، التي أرسلها شوارتزكوف، بعد تعديلها عبارة: "الحاضرون عن التحالف، سوف يتفاوضون"، لتصبح "الحاضرون عن التحالف، يبحثون"؛ على أساس أن وزارة الخارجية، هي، وحدها، الجهة المخولة التفاوض باسم الولايات المتحدة الأمريكية.
   

وفي الساعة السابعة، من صباح 3 مارس، أشار آخر التقارير، التي وصلت من واشنطن، إلى أن العراقيين، وافقوا على حضور الاجتماع. كما وافقت واشنطن على أن يرأس الوفد العراقي الفريق سلطان هاشم أحمد، الذي خوّلته بغداد كل الصلاحيات.


ثامناً: اجتماع صفوان (3 مارس 1991)

1. موقع صفوان، وترتيبات الاجتماع

يقع مهبط صفوان في صحن طبيعي، تحيط به التلال الرملية، من كل الجوانب. وتمركز فيها، لتوفير الأمن، ما لا يقلّ عن 40 مركبة مدرعة، من نوع برادلي. وعلى طول الطريق، من مفترق الطرُق حتى المهبط، انتشرت دبابات من نوع (M1A1)، ومركبات من نوع برادلي (Bradley). وعلى جانبَي المدرج، تراصَّ، على امتداد مائتي متر، عشرات الطائرات العمودية المسلحة، من نوع أباتشي (Apache). ذلكم هو المشهد، الذي سيراه الوفد العراقي، المقبِل في عربات، ترفع الأعلام، من البصرة إلى مفترق الطرُق حيث سيُستقبل، ثم ينتقل، في عربات، يقودها جنود أمريكيون، إلى مهبط صفوان.

قبْل يومَين، لم يكن مهبط صفوان، سوى لسان من الأسفلت. أما الآن، فهناك منطقة هبوط للطائرات العمودية، وخيام رائعة التنظيم؛ واحدة لتفتيش مراقبي التحالف والمترجمين، لدى وصولهم؛ وأخرى لإيوائهم، ريثما يلتئم الاجتماع؛ وثالثة تضم معدات الاتصالات، لتحل مكان مركز القيادة. إضافة إلى نقطة لتجمّع الصحفيين، ومنصة خارجية، يحفّها العلمان، الأمريكي والسعودي. وتتوسط الموقع خيمة ذات لون زيتوني غامق، ترتفع 12 قدماً، إنها خيمة الاجتماع. في داخلها طاولة خشبية مستطيلة الشكل، موضوعة في الوسط، مع ثلاثة كراسي مخصصة لكل من الفريق الركن خالد بن سلطان، والجنرال شوارتزكوف، والمترجم. يقابلها ثلاثة أُخرى، للفريق سلطان هاشم أحمد، والفريق صالح عبود محمود، ومترجمهما.

وفي صدد اللقاء في صفوان، واللحظات التي سبقت الاجتماع، يقول الفريق الركن خالد بن سلطان، أحد قطبَي الوفد الممثل لقوات التحالف:

"كان مقرراً أن أتوجه إلى صفوان، في طائرة عمودية، في صباح يوم 3 مارس 1991. ولما كان الاجتماع سيأخذ طابعاً إعلامياً، في المقام الأول، فقد أصدرت تعليماتي إلى اللواء يوسف مدني، مدير التخطيط في قيادة القوات المشتركة، بالذهاب، ومعه بعض من ضباط أركاني، إلى صفوان، في الرابعة صباحاً، أي قبل موعد وصولي بوقت كافٍ، للتأكد من سلامة الترتيبات، التي كان يجري إعدادها. وكان يعنيني أن يتأكد ـ بوجه خاص ـ أن وضعي وشوارتزكوف سيكون على قدم المساواة من جميع الوجوه، صغيرها قبْل كبيرها، وأن أيّاً منّا، لن يتصدر طاولة المباحثات. ومن المفارقات الطريفة، أن اللواء يوسف، عندما وصل إلى "مسرح" الاجتماع في صفوان، وجد رجال شوارتزكوف قد سبقوه إلى هناك، لتنفيذ المهمة نفسها.

وحدث صراع خفيّ، مردّه إلى اعتداد كلٍّ منّا بذاته اعتداداً مبالغاً فيه، عندما هبطت طائرتي في صفوان، قبل الحادية عشرة بقليل، إذ كان مقرَّراً أن تبدأ المباحثات في الحادية عشرة والنصف. ولاحظت عند وصولي، أن أرض الصحراء المغبرة بدأت تكسوها الأعشاب والحشائش المتناثرة. وفي الأفق الجنوبي، كانت ثمة سحابة كثيفة من الدخان المتصاعد من آبار النفط الكويتي المحترقة. وعندما فُتح باب الطائرة الملكية العمودية، أخبرني المقدم الطيار عايض الجعيد مدير قسم القوات الجوية في قيادة القوات المشتركة، أن مجموعة الخيام، التي سيُعقد فيها الاجتماع، تقع على مسافة بعيدة، في نهاية المدرج، وأن ضابطاً أمريكياً، برتبة مقدم، ينتظرني في سيارة جيب، ليرافقني إلى مكان الاجتماع.

سألت المقدم عايض: "أين هبطت طائرة شوارتزكوف؟".

فأجاب أنها تقف بالقرب من الخيام.

فقلت له: "إذاً، لا بدّ أن تتحرك طائرتي حتى هناك، وإلا سوف أعود إلى الرياض، من الفور".

وبعد فترة قصيرة، سُمح للطائرة بالتحرك، والوقوف بالقرب من موقع الخيام. وكان الفريق باجونيس في استقبالي. ورافقني إلى مكان الاجتماع. وكانت تلك آخر محاولة من محاولاتي للتعبير علناً عن معنى القيادة الموازية".

2. مجيء الوفد العراقي

كانت الساعة الحادية عشرة، عندما أبلغت أجهزة اللاسلكي وصول العراقيين إلى نقطة مفترق الطرُق، على بعد نحو ثلاثة كيلومترات خارج صفوان، حيث استُقبل الوفد العراقي، وجِيء به إلى مكان الاجتماع، في عربات عسكرية، من نوع (Humvees)، ترفع علم جمعية الهلال الأحمر، وتحت حراسة أمريكية مشددة؛ وتزأر إلى جانب عربات الوفد، عربتا قتال مدرعتان، من نوع برادلي (Bradley)، ودبابتان من نوع (M1A1)، بينما تحلّق فوقه طائرتان عموديتان، من نوع أباتشي (Apache). وكان العراقيون يرتدون بزات رسمية، خضراء اللون، ويعتمرون بيريهات سوداً.

3. التفتيش قبْل الاجتماع

كان هناك قلق في شأن الأسلحة، التي قد يحضرها الضباط العراقيون معهم. ولم يكن مستبعداً، أن يكونا فريق اغتيال، في مهمة انتحارية؛ لذا كان من الضروري إخضاعهم للتفتيش، من دون تعرّضهم للإهانة. فاتُّفق على أن يخضع الجميع، بمن فيهم الجنرال شوارتزكوف، والفريق الركن خالد بن سلطان، للتفتيش، على مرأى من العراقيين. وهكذا، وافق أعضاء الوفد العراقي على تفتيشهم، على مضض. كما كان عليهم أن يسيرا بين صفَّين من الكلاب، المدربة على كشف المتفجرات. 4. تنظيم الاجتماع

إلى أحد أجناب الطاولة الرئيسية، جلس الجنرال شوارتزكوف، متوسطاً الفريق الركن خالد بن سلطان، إلى يساره، والمترجم إلى يمينه. وقبالتهم، جلس الضابطان العراقيان، ومترجمهما، بالزي العسكري الشتوي، الأخضر الأدكن. وخلفهم، أُعد عدد من مقاعد معدنية قابلة للطيّ، ولكن الفريق سلطان هاشم أحمد، أوضح أن التدمير، الذي لحق بالطرُق والجسور، حال دون حضور أعضاء الوفد الآخرين.

وكان يجلس خلف الجنرال شوارتزكوف والفريق الركن خالد بن سلطان، جميع قادة قوات التحالف، وكبار الضباط الأمريكيين. وهم: الفريق السير بيتر دى لا بليير (Sir Peter de La Billiere)، قائد القوات البريطانية؛ والفريق ميشال روكجوفر (Michel Roquejeoffre)، قائد القوات الفرنسية؛ واللواء صلاح محمد عطية حلبي، قائد القوات المصرية؛ واللواء علي حبيب، قائد القوات السورية؛ واللواء جابر خالد الصباح، قائد القوة الكويتية؛ وقادة آخرون، من إيطاليا وكندا ودول مجلس التعاون الخليجي وبلدان أخرى.

وبدا واضحاً، منذ بداية الاجتماع، أن الوفد العراقي، كان لديه تعليمات بأن يكون ليّن الجانب؛ إذ كان صدام حريصاً على التخلص من الضغط العسكري لقوات التحالف، في أسرع وقت ممكن. 5. بدء جلسة مباحثات صفوان

بدأت جلسة المباحثات، في الساعة الحادية عشرة والدقيقة الرابعة والثلاثين (بالتوقيت المحلي لمسرح العمليات)، بكلمة من الجنرال شوارتزكوف، أكد فيها أنه سيتقيد بالموضوعات، الموكولة إليه من حكومته، والتي وافقت عليها الحكومة العراقية، وأنه يمكن أن يناقش أي موضوعات أخرى، قد يثيرها الوفد العراق، بعد الانتهاء من مناقشة الموضوعات الرئيسية.

وأكد الجنرال شوارتزكوف، أن الغرض من هذا الاجتماع، هو مناقشة جميع الموضوعات العسكرية، الواردة في البلاغ الرسمي، الذي قدّمته الحكومة الأمريكية إلى الحكومة العراقية، في شأن إقرار الإجراءات، اللازمة لضمان الاستمرار في وقف إطلاق النار، وكافة العمليات العسكرية، من كلا الجانبَين؛ والطريقة التي يمكن العسكريين أن ينفذوا بها هذه الشروط، إلى جانب شروط قرار مجلس الأمن، الرقم 686، الصادر في 2 مارس 1991. ومن ثَمّ، يمكن للحكومات أن تتخذ الإجراءات الضرورية، في إطار الأمم المتحدة، لوضع اتفاقية وقف إطلاق النار موضع التنفيذ التام.

وحدد الجنرال شوارتزكوف الموضوعات الرئيسية، التي ستُناقش، كالآتي (اُنظر وثيقة مباحثات وقف إطلاق النار بين قوات التحالف والعراقيين في صفوان الأحد، 3 مارس 1991): · إفراج العراق عن أسرى الحرب العسكريين، من قوات التحالف؛ وترتيبات تسريحهم، وتوقيتاتها، والمكان المحدد لتسليمهم، من طريق الصليب الأحمر؛ والالتزام بالقانون الدولي في معاملتهم، طبقاً لاتفاقية جنيف؛ على أن ينفَّذ ذلك، فور الاتفاق على إنهاء العمليات العسكرية. · تبادل المعلومات، في شأن الجنود المفقودين وإعادة جثث القتلى. · إطلاق العراق أسرى الحرب الكويتيين، والإفراج عن الرهائن، والمعتقلين من الكويتيين المدنيين، الذين أُخذوا قسراً؛ وتحديد كيفية تسريحهم، على أن يعاملوا معاملة أسرى الحرب من العسكريين، في ترتيبات الإفراج عنهم. · تحديد مواقع حقول الألغام العراقية، البرية والبحرية، التي زرعت في أرض الكويت ومياهها الإقليمية، أو في المياه الدولية وتزويد قوات التحالف خرائط هذه المواقع؛ على أن تشمل، كذلك، مواقع الأشراك الخداعية، في حقول النفط الكويتية. · هـ. ترتيبات الأمن بين قوات الطرفَين، وتحديد خط مؤقت للفصل بينهما، للحيلولة دون حوادث إطلاق النيران، خطأ، بعد توقف القتال. · تأكيد احترام العراق لسيادة الحدود مع المملكة العربية السعودية. · منع تحليق الطائرات العسكرية العراقية فوق العراق، ريثما يسري وقف إطلاق النار، رسمياً. · السماح بتحليق الطائرات العمودية، تسهيلاً لتحركات القادة والمسؤولين العراقيين، التي عرقلها تدمير عدد من الجسور العراقية، بشرط وضع علامة مميزة على جوانبها، أو إعطاء إشارة ذبذبة ترددية لاسلكية، يُتَّفق عليها، تدل على أنها ليس لها نية عدوانية.

واتفق كلٌّ من الجنرال شوارتزكوف، والفريق الركن خالد بن سلطان، من جانب قوات التحالف، والفريق سلطان هاشم أحمد، من الجانب العراقي ـ على تبادل قوائم بالأَسْرى والمفقودين، وكذلك الخرائط، لدراستها، في استراحة قصيرة، لا تتجاوز 10 دقائق، يعودون، بعدها، لمتابعة مناقشتها، والاتفاق حول ما جاء فيها. وتسلّم الفريق سلطان هاشم أحمد، من الجنرال شوارتزكوف، عدة قوائم بأسماء المفقودين من قوات التحالف. إحداها بأسماء الأمريكيين المفقودين، وأخرى بأسماء البريطانيين المفقودين، وثالثة بأسماء السعوديين المفقودين، وقائمة تضم اسمَيْ أسيرَين إيطاليَّين، واسم طيار كويتي. كذلك، تسلّم خريطة المنطقة، مرسوماً عليها الخط الفاصل بين قوات الجانبَين. بينما تسلّم الجنرال شوارتزكوف خرائط حقول الألغام، البرية والبحرية، من الفريق سلطان هاشم أحمد، الذي تعهد بإرسال بقية الخرائط، الموجودة في بغداد، في أسرع وقت ممكن.

وانتهت مباحثات صفوان بالاتفاق على بعض الموضوعات؛ وتعليق بعضها، ريثما يشاور الوفد العراقي قيادته الأعلى؛ والتسويف في تنفيذ بعضها الآخر. أ. الموضوعات التي اتُّفِق في شأنها، ونفذت من الفور: (1) الإفراج عن أسرى الحرب من العسكريين، من طريق الصليب الأحمر، وفي نقاط محددة. (2) تبادل المعلومات، في شأن الجنود المفقودين، وإعادة جثث القتلى. (3) تسليم الخرائط التي تحدد مواقع حقول الألغام العراقية، البرية والبحرية، التي زرعت في أرض الكويت ومياهها الإقليمية، أو في المياه الدولية. (4) منع تحليق الطائرات العسكرية العراقية المقاتلة فوق العراق، ريثما يسري وقف إطلاق النار، رسمياً؛ مع السماح به للطائرات العمودية، تسهيلاً لتحركات القادة والمسؤولين العراقيين. ب. الموضوعات التي علقت للتشاور، وهي: (1) ترتيبات الأمن بين قوات الطرفين. (2) تحديد خط مؤقت، للفصل بين قوات الطرفَين، لمنع حوادث إطلاق النيران بينهما، خطأً، بعد توقف القتال (انسحبت قوات التحالف، بالفعل، عقب توقيع الاتفاق). (3) وهذه النقطة، دارت حولها مناقشات، استغرقت وقتاً، بين الوفدين، نظراً إلى تداخل قوات الجانبَين، عند الخط المقترح. ج. الموضوع المُسَوَّف

   الإفراج عن الرهائن والمعتقلين، من الكويتيين المدنيين، المحتجزين لدى العراق، والذين أُخذوا قسراً؛ ومماطلة الحكومة العراقية في شأنهم، وإنكار وجود أي مدنيين أو عسكريين كويتيين لديها.


تاسعاً: المؤتمر الصحفي، عقب مباحثات صفوان

عقب انتهاء مباحثات صفوان، عقد الجنرال شوارتزكوف والفريق الركن خالد بن سلطان، مؤتمراً صحفياً مشتركاً، خارج خيمة المؤتمر. حضره مندوبو وكالات الأنباء العالمية. وتحدثا فيه بالإنجليزية.

وقد صرح الجنرال شوارتزكوف، قائد القيادة المركزية الأمريكية، إلى وكالات الأنباء العالمية، ببعض النقاط عمّا دار في المباحثات، وحددها كما يلي (اُنظر وثيقة المؤتمر الصحفي عقب مباحثات صفوان): · أنجزنا مع الوفد العسكري العراقي، ما أظنه مباحثات صريحة، وواضحة، وبناءة جداً. · كان هدف الاجتماع، كما حدده الرئيس الأمريكي، إمكان الاتفاق على شروط معينة، ضرورية لاستمرار وقف القتال، ووقف العمليات الهجومية، من جانب قوات التحالف. · اتفقنا على إجراءات التأمين والسيطرة على القوات، لضمان عدم حدوث مواجهة بين الوحدات المسلحة لقوات التحالف وأي وحدات مسلحة من القوات العراقية، مما يتسبب بمزيد من القتلى. · تسلَّمنا معلومات عن مواقع حقول الألغام في الكويت، وفي المياه الدولية مما يمكننا من البدء، فوراً، بعمليات مباشرة، لجعل هذه المنطقة آمنة. · أوضحنا إيضاحاً تاماً أنه لدى توقيع وقف إطلاق النار، وليس قبْله، تنسحب كافة القوات المتحالفة من الأراضي العراقية، التي تحتلها في الوقت الحالي. · يُطلَق، من الفور، جميع أسرى الحرب. واتفقنا على أن تُعد اللجنة الدولية للصليب الأحمر، تفاصيل هذا الإطلاق؛ وأن يبذل الطرفان وسْعهما للتعاون معها. · اتفقنا على تحديد أماكن (تبادل الأسرى) وتوقيتاته، في أقصى سرعة ممكنة. · سلَّمنا العراقيين أسماء جميع الذين فُقدوا في العمليات، من قوات التحالف. وطلبنا تزويدنا أكثر ما يمكن من المعلومات عنهم. · طلبنا من العراقيين تزويدنا أسماء من يكون قد أدركته الوفاة، من قوات التحالف، أثناء وقوعه في الأَسْر لديهم. · طلبنا من العراقيين إعادة جثث القتلى من قوات التحالف.

وأضاف شوارتزكوف: "كذلك، طلبنا، كدليل على حسن النية من الطرفَين، الإفراج عن عدد محدود، رمزي من أَسْرى الحرب، فوراً. وأنا واثق، اعتماداً على ما دار في مباحثاتنا، أن هذا الإفراج الرمزي، سوف يُنفذ، من الفور".

وعقب كلمة شوارتزكوف، أجاب عن بعض الأسئلة، المتعلقة بأسرى من قوات التحالف وعدد قتلاها، ووضع المحتجزين الكويتيين لدى العراق، وموعد مغادرة القوات الأمريكية المنطقة. ولكنه لم يُعلق على بعض الأسئلة الأخرى.

   أما الفريق الركن خالد بن سلطان، قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات، فقد أعلن، كذلك، بعض النقاط عما دار في المباحثات (اُنظر وثيقة المؤتمر الصحفي عقب مباحثات صفوان):

· نَعُدّ هذا اليوم يوماً تاريخياً. · نتمنّى أن يدوم السلام في الشرق الأوسط، والعالم أجمع. · أتفق مع الفريق الأول شوارتزكوف، على أن الاجتماع، كان ممتازاً. · كان الوفد العراقي مستعداً، لاستجابة كل ما طلب منه. · ناقشنا عدم انتهاك الأفراد العراقيين للحدود السعودية، خارج مسرح العمليات، وهي الآن مؤمنة. · أكد أن لدى العراق عدد كبير من المدنيين الكويتيين، وتمنى أن يعودوا في أسرع ما يمكن.

   وبعد ذلك، أجاب الفريق الركن خالد بن سلطان عن أسئلة الصحفيين، التي تناولت عدد الأَسْرى، والمحتجزين من الكويتيين، في العراق؛ والعلاقات السعودية ـ العراقية، بعد الحرب؛ والمنطقة العازلة (الآمنة) بين قوات التحالف والقوات العراقية؛ ووضع الألغام، البرية والبحرية، وكيفية تطهير الأراضي والمياه منها؛ ورفع العقوبات الاقتصادية عن العراق.
   

وعقب المؤتمر، ومغادرة شوارتزكوف، عقد الفريق الركن خالد بن سلطان، مؤتمراً صحفياً آخر، في المكان نفسه، باللغة العربية، لوكالات الأنباء العربية، أعلن فيه (اُنظر وثيقة القسم الثاني: المؤتمر الصحفي للفريق الركن خالد بن سلطان بن عبدالعزيز (باللغة العربية)): · أَعُدّ هذا اليوم بداية للسلام في المنطقة؛ وستخلع الخوذة، وتلبس الطاقية. · استُرجعت دولة الكويت؛ وهي دولة شقيقة، وعزيزة على الجميع. · أتمنّى أن يرجع شعب العراق إلى ما كان عليه، في السابق؛ والأمل قوى، أن يتحقق ذلك.


عاشراً: وجهة نظر الرئيس جورج بوش بعد ستة أعوام من المباحثات

كان رأي الفريق الركن خالد بن سلطان، في مؤتمر صفوان، الذي أوضحه في كتابه "مقاتل من الصحراء"، رأياً سديداً، وبعيد النظر، إذ قال:

انتهت الحرب، ولكن النهاية، لم تكن "تتناسب مع الأسلوب الذي شُنت به. فبقدر ما كانت العمليات العسكرية حاسمة، وبارعة، كانت ترتيبات السلام غامضة، وملتبسة. ولعل هذه الترتيبات، هي المسؤولة، إلى حدٍّ ما، عن بقاء صدام في سدّة الحكم، بعد انتهاء الصراع. فبعد أربعة أعوام من غزو الكويت ـ وقت كتابة هذه السطور ـ لا يزال الرئيس العراقي يُذِيق شعبه سوء العذاب. كما يقف حجر عثرة، بوجوده على رأس السلطة في بغداد، أمام "بناء صرح أمني متماسك" لمنطقة الخليج. ليس هذا فحسب، بل عقبة في إعادة العلاقات إلى طبيعتها بين الدول العربية"

كانت خاتمة حرب الخليج غير مُرْضِية، لغياب الاتفاق بين أعضاء التحالف، أو حتى المناقشة الصريحة، حول كيفية إنهائها. ويكمن جزء من هذه المشكلة، في تقديري، في مباحثات صفوان، أي في ذلك الاجتماع، الذي عُقد على عَجَل، وجاءت نتائجه غير حاسمة".

وبعد ستة أعوام، وفي حديث للرئيس الأمريكي الأسبق، جورج بوش، بثته شبكة (BBS)، في 16 يناير 1996، في مقابلة أجراها معه الصحفي البريطاني المعروف، السير ديفيد فروست، ودارت في هيوستن، في 12 ديسمبر 1995 ـ أكد الرئيس الأمريكي، ما ذكره الفريق الركن خالد بن سلطان، إذ أعلن أن مباحثات صفوان، التي وضعت شروط وقف إطلاق النار، كان يمكن أن تكون بشكل مختلف؛ معترفاً بصواب رأي قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات. الذي كان قد رأى ضرورة أن يمثَّل الجانب العراقي في المحادثات، بمستوى أرفع، كي يكون استسلام صدام حسين واضحاً أمام العالم. وعلى الرغم من اقتناعه بأن قرار عدم مواصلة الحرب، بعد تحرير الكويت، وعدم ملاحقة صدام داخل العراق، كان صائباً ـ فإن الرئيس، بوش أقر بأن بعض بنود وقف النار، كالموقف من تحليق الطائرات العمودية العراقية، على أثر توقف الحرب، كان يمكن أن تصاغ صياغة مختلفة، أكثر تشدداً (اُنظر وثيقة وجهة نظر الرئيس جورج بوش بعد ستة أعوام من المباحثات الإقرار بصواب وجهة نظر صاحب السمو الملكي الفريق الأول الركن، خالد بن سلطان، قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات) .

وقال الرئيس بوش: "أتفق مع الرأي القائل، إنه كان يمكن أكثر مما كان، في مؤتمر صفوان. لكنه سأل عمّا إذا كان صدام سيستجيب، لو طلب منه المثول "في تلك الخيمة (صفوان)، ليسلّم سيفه، مثلاً، أو ليحضر حفلة لإذلاله، شخصاً؟"، وكيف سيكون الموقف، إذا رفض الحضور؟

ولكنه استدرك قائلاً: "إن محادثات وقف النار مع الجانب العراقي، في صفوان، كان يمكن أن تكون بشكل مختلف. ربما لم يقتضِ الأمر أن يحضر صدام حسين. لكن القائد السعودي، الذي كان مسؤولاً عن القوات العربية (يقصد الفريق خالد)، اعتقد أننا نحتاج إلى تمثيل أرفع مستوى، ربما مرتبة واحدة أدنى من صدام، لنبيّن للعالم، بوضوح أكبر، أنهم كانوا يستسلمون (العراقيون). كان في وُسْعنا التعامل مع مسألة تحليق الطائرات العمودية، بطريقة مختلفة. هكذا، أعتقد أن هناك مجالاً لبعض الانتقادات، ذات المفعول الرجعي. لكن لا أعتقد أن المطالبة بأن يحضر صدام، كانت ستكون خطوة صائبة".

وأقر الرئيس الأمريكي الأسبق، بأن "الجميع كان يعتقد، أن صدام حسين، لن يتمكن من البقاء في السلطة، على الأقل طوال هذه الفترة، التي ما انفكّ مسيطراً فيها. وحساباتي كانت خاطئة. اعتقدت أنه سيرحل. لكن لم أكن، وحدي، خاطئاً. اعتقدوا في العالم العربي، بالإجماع، أنه لن يبقى في السلطة". وعبّر عن أسفه الشديد، لأن صدام ما برح يقمع شعبه، حتى اليوم. لكنه قال إنه سيطاح، في النهاية.

وفي نهاية الحديث، كرر الرئيس الأمريكي الأسبق موقفه، أن العقوبات الدولية، المفروضة على العراق، يجب ألا تُرفع عنه، إلى أن تنفَّذ كل قرارات الأمم المتحدة، خصوصاً ما يتعلق بأَسْرى الحرب والمفقودين الكويتيين. وقال إنه سيكون من الصعب، حتى في حال تنفيذ تلك القرارات، أن "يعامل صدام حسين بأي احترام، أخذاً في الحسبان ما فعله، والألم الذي ألحقه بأبناء شعبه".

حادي عشر: قضية الأسرى والمفقودين

وبعد مرور تسعة أعوام على اتفاق وقف إطلاق النار في الخليج، المتفق عليه في مؤتمر صفوان، وفي ذكرى السنوية التاسعة، لغزو العراق الكويت، طغت قضية الأَسْرى والمفقودين على المناسبة. وبدا أن ملامح الغزو، السياسية والعسكرية، بدأت تتلاشى؛ غير أن قضية الأَسْرى، ما فتئت تفرض نفسها على المجتمع الكويتي، الذي تأمل المئات من أُسَرِه أن يعود مفقودوها (أكثر من 600) إلى وطنهم، على الرغم من إصرار العراق على نفي وجودهم لديه.

وأصدر مجلس الأمة الكويتي (البرلمان) بياناً، في 2 أغسطس 1999، في ذكرى الغزو، دعا فيه المجتمع الدولي، وكل من تهمهم كرامة الإنسان، أن يتضامنوا من أجل الإفراج عن الأَسْرى الكويتيين في سجون العراق. وأعرب مجلس الأمة عن ثقة الكويت بقدرة مجلس الأمن الدولي على اتخاذ مواقف حازمة، حيال القرارات، التي ما زال النظام العراقي يماطل بها، رافضاً تنفيذها، وفي مقدمتها الإفراج السريع عن الأَسْرى الكويتيين.

وبذلك، يكون مؤتمر صفوان، أخفق في تحقيق بعض المطالب، التي كان يرنو إليها الفريق الركن خالد بن سلطان عبدالعزيز، قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات. وهي: 1. عدم إجبار صدام على توقيع وثيقة استسلام، تكشفه على حقيقته أمام الشعب العراقي. 2. إجبار العراق على الإفراج الفوري عن جميع الأَسْرى الكويتيين، المحتجزين في العراق. 3. عدم السماح للطائرات العمودية العراقية المسلحة، بالتحليق في سماء العراق، للحيلولة دون استخدمها في تحقيق مآرب النظام، مثل قمع الانتفاضة الشعبية، في جنوبي العراق وشماليه، ضد الشيعة والأكراد، والتي كادت تطيح صداماً.